الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح
بلوغ المرام
من أدلة الأحكام
للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ).
بطريقة سؤال وجواب
بقلم
سليمان بن محمد اللهيميد
السعودية - رفحاء
بسم الله الرحمن الرحيم
م/ الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديماً وحديثاً والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيراً حثيثاً وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثاً وموروثاً أما بعد
فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريراً بالغاً ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي.
وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة.
فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة من عدا أحمد، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم. وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما، وما عدا ذلك فهو مبين.
وسميته: بُلُوغُ اَلْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ اَلْأَحْكَامِ.
والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالاً، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى.
===
1 -
ما مراد المؤلف رحمه الله بقوله عقب تخريج الحديث: أخرجه السبعة؟
مراده بالسبعة: البخاري (ت 256 هـ) ومسلم (ت 261 هـ) وأبو داود (ت 275 هـ) والترمذي (ت 279 هـ) والنسائي (ت 303 هـ) وابن ماجه (ت 275 هـ) وأحمد (ت 241 هـ).
2 -
ما مراد المؤلف رحمه الله بقوله: أخرجه الستة؟
مراده: البخاري (ت 256 هـ) ومسلم (ت 261 هـ) وأبو داود (ت 275 هـ) والترمذي (ت 279 هـ) والنسائي (ت 303 هـ) وابن ماجه (ت 275 هـ) ما عدا أحمد.
3 -
ما مراد المؤلف رحمه الله بقوله: أخرجه الأربعة؟
مراده: أبو داود (ت 275 هـ) والترمذي (ت 279 هـ) والنسائي (ت 303 هـ) وابن ماجه (ت 275 هـ)
4 -
ما مراد المؤلف رحمه الله بقوله: أخرجه الثلاثة؟
مراده: أبو داود (ت 275 هـ) والترمذي (ت 279 هـ) والنسائي (ت 303 هـ) ما عدا ابن ماجه.
5 -
ما مراد المؤلف رحمه الله بقوله: متفق عليه؟
مراده: البخاري (ت 256 هـ) ومسلم (ت 261 هـ).
كتَابُ اَلطَّهَارَةِ
بَابُ اَلْمِيَاهِ
•
عرف الطهارة لغة وشرعاً؟
الطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية، فالأقذار الحسية: كالبول ونحوه، والمعنوية: كالشرك وكل خُلق رذيل.
وشرعاً: ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث.
الحدث: هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة، ويدخل في هذا الوصف البول والريح وأكل لحم الإبل ونحو ذلك.
- قولنا (ما في معناه) أي: في معنى ارتفاع الحدث، كتجديد الوضوء، فهو طهارة، وكذا الأغسال المسنونة.
- وقولنا (زوال الخبث) أي: النجاسة، فإذا وقعت على ثوبه نجاسه فطهرها، هذه تسمى طهارة.
•
لماذا يبدأ العلماء مصنفاتهم بكتاب الطهارة؟
يبدأون بذلك لأمور:
أولاً: لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة لقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
…
)، ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه.
ثانياً: أن الطهارة تخلية وتنظيف، والتخلية قبل التحلية.
ثالثاً: لأجل أن يتذكر المتعلم بتطهير بدنه تطهير نيته وقلبه لله عز وجل.
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اَلْبَحْرِ: (هُوَ اَلطُّهُورُ مَاؤُهُ، اَلْحِلُّ مَيْتَتُهُ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَاَلتِّرْمِذِي.
===
•
اذكر سبب الحديث؟
عن أَبَي هُرَيْرَةَ. قال (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على طهورية ماء البحر، وأنه يرفع الحدث الأصغر والأكبر، وأنه يزيل النجاسة.
قال ابن عبد البر: وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه وأن الوضوء جائز به إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك ولا عرج عليه ولا التفت إليه لحديث هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. (التمهيد).
وقال ابن قدامة: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ.
هُوَ نَارٌ.
وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى:
أ-لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ.
ب- وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ج-وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ (مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ).
د-وَلِأَنَّهُ مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ.
وَقَوْلُهُمْ (هُوَ نَارٌ) إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً .... (المغني).
•
ما صحة حديث:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلاَّ حَاجٌّ، أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْراً) رواه أبو داود؟
ذهب بعض العلماء إلى المنع من استعمال البحر استدلالاً بهذا الحديث.
ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح.
روى البيهقي في السنن الكبرى (4/ 334) عن البخاري قال: لم يصح حديثه يعني حديث بشير بن مسلم هذا.
وبوب له ابن خزيمة بقوله في صحيحه: باب الرخصة في الغسل والوضوء من ماء البحر إذ ماؤه طهور ميتته حل ضد قول من كره الوضوء والغسل من ماء البحر وزعم أن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً حتى عد سبعة أبحر سبعة نيران وكره الوضوء والغسل من مائة لهذه العلة زعم، ثم روى الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو قال فيه البخاري لا يصح.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: حديث ضعيف مظلم الإسناد لا يصححه أهل العلم بالحديث، لأن رواته مجهولون لا يعرفون.
وقال الخطابي: ضعفوا إسناده.
وقال ابن الملقن: ضعيف باتفاق الأئمة.
•
لماذا لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله الرجل (بنعم) وإنما قال: (هو الطهور ماؤه)؟
لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم بنعم لأمرين:
الأول: لأنه لو قال (نعم) لفهم من ذلك أن جواز الوضوء بماء البحر خاص بحالة الضرورة التي سأل عنها السائل، فلا يكون عاماً بحالة الضرورة وغيرها، فلما قال (هو الطهور ماؤه .. ) دل على أن جواز الوضوء بماء البحر عام في حالة الضرورة وفي غيرها.
والثاني: أنه أراد أن يبين أن استعمال ماء البحر عام في الوضوء وفي غيره من الطهارات، لأن السؤال (أفنتوضأ) فلو قال: نعم، لربما ظن البعض أن هذا خاصاً بالوضوء دون الغسل، فلما قال (هو الطهور ماؤه) دل على أن ماء البحر يمكن استعماله في الوضوء وفي غيره من الطهارات.
•
لماذا زاد النبي صلى الله عليه وسلم في الإجابة (الحل ميتته)؟
زاد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الحل ميتته) لأمرين:
الأول: لأن هذا الرجل كان مظنة أن يخفى عليه حكمها، وذلك لأنه سأل عن ماء البحر مع أن المعلوم أن الأصل في المياه كلها الطهارة، فما دام خفي عليه حكم ماء البحر فمن باب الأولى أن يخفى عليه حكم ميتة البحر مع أن الأصل في الميتات التحريم.
الثاني: هو يركب البحر وحاجته ماسة إلى معرفة ميتته فزاده النبي صلى الله عليه وسلم بذكر هذه الفائدة.
•
ما المراد بميتة البحر؟
المراد: كل ما لا يعيش إلا في البحر.
[الميتة تعريفها: كل ما لم يذكى ذكاة شرعية].
•
ما حكم ميتة البحر؟
حلال.
فجميع ميتات البحر التي لا تعيش إلا فيه حلال.
أ-لقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
ب- ولحديث الباب (الحل ميتته).
ج- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ) رواه ابن ماجه (وسيأتي الحديث إن شاء الله).
د- وعن جَابِر قال (غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى البَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ العَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ) فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ) متفق عليه. (قال في "لسان العرب" (2/ 26): الحُوتُ السمك، وقيل هو ما عظُمَ منه).
•
وسئل علماء اللجنة: هل سمك القرش حرام أم حلال؟
فأجابوا: السمك كله حلال، سمك القرش وغيره؛ لعموم قوله تعالى:(أحل لكم صيد البحر وطعامه)، وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).
•
ما حكم ما يعيش بالبحر وخارجه (البرمائيات)؟
اختلف العلماء في مثل هذا النوع من الحيوانات:
أولاً: التمساح:
اختلف الفقهاء في أكل التمساح.
فذهب الجمهور إلى تحريم أكله.
وذهب المالكية إلى الجواز، وهو رواية عن أحمد رحمه الله.
وحجة من حرمه أن له نابا يفترس به.
وحجة من أباحه دخوله في عموم قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أيحل أكل التمساح؟
فأجابوا:
…
أما التمساح فقيل: يؤكل كالسمك؛ لعموم ما تقدم من الآية والحديث، وقيل: لا يؤكل؛ لكونه من ذوات الأنياب من السباع، والراجح الأول.
ثانياً: الضفدع.
لا يجوز أكله.
لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها.
كما في حديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ (أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضِفْدَعٍ، يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا) رواه أبو داود.
والقاعدة أن كل ما نهي عن قتله فلا يجوز أكله، إذ لو جاز أكله جاز قتله.
وذهب بعض العلماء إلى جواز أكله.
لعموم قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (
…
الحل ميتته).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- نقل الماوردي في الحاوي (1/ 33) عن الحميْدي، قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ الْعِلْمِ الطَّهَارَةُ، وَلَعَمْرِي إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَهَارَةِ مَا يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ الوضوء به، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ الوضوء به، وَالْمَاءُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ نَابِعًا مِنَ الْأَرْضِ.
- قال النووي: استحب العلماء أن يزيد (أي المفتي) على ما في الرقعة ما له تعلق بها مما يحتاج إليه السائل لحديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته. (مقدمة المجموع).
- قال ابن القيم: فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها بحيث يشفيه ويكفيه، وقد سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المتوضاء بماء البحر فقال (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فأجابهم عن سؤالهم وجاد عليهم بما لعلهم في بعض الأحيان إليه أحوج مما سألوه عنه .... (مدارج السالكين).
2 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) أَخْرَجَهُ اَلثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ.
3 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ
4 -
وَلِلْبَيْهَقِيِّ: (اَلْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ; بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ)
5 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَثَ) وَفِي لَفْظٍ: (لَمْ يَنْجُسْ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ
===
(إذا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ) بضم القلة، تثنية قلة، وهي الجرة الكبيرة من الفخار، سميت بذلك لأنها تُقَل، أي: تحمل، وهي قلال هجر، معروفة عند الصحابة، مقدر القلتين 500 رطل بالبغدادي، وهي خمس قرب، قال الشافعي:"الاحتياط أن تكون القلتان قربتين ونصفاً " وتقدران بحوالي (307) لترات، أو (102) كيلو.
(لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَث) هو بفتحتين النجس كما وقع تفسير ذلك بالنجس في الروايات المتقدمة، والتقدير: لم يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه، ولو كان المعنى أنه يضعف عن حملها لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي سعيد (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) حديث صحيح.
صححه الإمام أحمد، ويحيي بن معين، وابن حزم، نقله عنهم الحافظ في التلخيص، وابن الملقن في البدر المنير.
وأما حديث أبي أمامة (إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ) حديث ضعيف كما نقله الحافظ ابن حجر عن أبي حاتم.
وأما حديث ابن عمر (إذا بلغ الماء قلتين
…
) صححه جمع غفير من الحفاظ، وقال ابن حجر: صححه جماعة من أهل العلم.
فقد صححه: الشافعي، وأحمد، والطحاوي، والدارقطني، وابن دقيق العيد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وحسن إسناده النووي.
وضعفه ابن عبد البر في التمهيد (1/ 335) وابن القيم في تهذيب السنن (1/ 62).
•
ما الأصل في الماء؟
الأصل فيه الطهارة.
مثال: إنسان عنده ماء طاهر، وشك هل تنجس أم لا؛ فالأصل أنه طاهر.
لحديث الباب.
•
إلى كم قسم ينقسم الماء؟
الصحيح أنه ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس.
لحديث أبي سعيد (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) فهذا الحديث يحكم للماء بالطهورية، وأن الماء طهور، وهذا العموم خص منه بالإجماع: إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه فإنه نجس بالإجماع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت النجاسة الماء طعماً أو لوناً أو ريحاً أنه نجس ما دام كذلك.
فالنجس: ما وقعت فيه نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه.
•
ما حكم الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة وغيرت لونه أو طعمه أو ريحه؟
الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت أحد أوصافه الثلاثة فهو نجس بالإجماع.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس.
•
ما حكم الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة وغيرت لونه أو طعمه أو ريحه؟
يعتبر نجس إجماعاً، كما حكاه ابن المنذر.
•
ما حكم الماء القليل الراكد إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيره؟ هل هو نجس أم لا؟
اختلف العلماء في الماء القليل لراكد إذا لاقى النجاسة فلم تغيره، هل ينجس بذلك أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أ-واستدلوا بحديث الباب - ابن عمر - (إِذَا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَثَ .... ).
وجه الدلالة: الأخذ بمفهوم هذا الحديث، إذ يدل بمنطوقه على أن ما بلغ قلتين فهو كثير لا يحمل الخبث، ويدل بمفهومه على أن مادون القلتين قليل فينجس بمجرد الملاقاة حتى ولو لم يتغير.
قال ابن قدامة: وَتَحْدِيدُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُمَا يَنْجُسُ، إذْ لَوْ اسْتَوَى حُكْمُ الْقُلَّتَيْنِ وَمَا دُونَهُمَا لَمْ يَكُنْ التَّحْدِيدُ مُفِيدًا.
ب- ولحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات) وفي رواية (فليرقه).
قال ابن قدامة: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَإِرَاقَةِ سُؤْرِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا تَغَيَّرَ وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ.
قال النووي: فالأمر بالإراقة والغسل دليل النجاسة.
القول الثاني: أنه طهور، وأنه لا ينجس إلا إذا تغير بنجاسة.
وهو مذهب مالك، وهو مذهب الأوزاعي، والثوري، وداود، واختار هذا القول ابن المنذر، والغزالي من الشافعية، وهو اختيار ابن تيمية.
واستدلوا بحديث الباب - أبي سعيد - (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ
…
).
وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينجسه شيء) دليل على أن الأصل في الماء الطهارة، وأنه لا يتأثر بالنجاسة، وخص من ذلك المتغير بالنجاسة بالإجماع.
قال ابن القيم: فهذا نص صحيح صريح على أن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة مع كونه واقفاً، فإن بئر بضاعة كانت واقفة ولم يكن على عهده بالمدينة ماء جار أصلاً. (تهذيب السنن).
ما الجواب عن حديث القلتين:
أولاً: أن هناك من العلماء من ضعفه، كابن عبد البر، وابن القيم.
ثانياً: أن المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن كل ما لم يبلغ القلتين ينجس، وإنما القليل قد يحمل الخبث لمظنة القلة، ثم إن هذا المفهوم يعارض منطوق حديث (الماء طهور لا ينجسه شيء) والمنطوق مقدم على المفهوم.
6 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَلِلْبُخَارِيِّ: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ اَلَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ).
وَلِمُسْلِمٍ: (مِنْهُ).
وَلِأَبِي دَاوُدَ: (وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ اَلْجَنَابَةِ).
===
(فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ) أي: الراكد المستقر كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى (الذي لا يجري) كمياه البرك التي في البساتين.
(وَهُوَ جُنُبٌ) أي: ذو جنابة، وهو من وجب عليه الغسل من جماع أو إنزال مني.
(لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ .. ) جاءت زيادة (قالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً) أي: يغترف من هذا الماء ويفيض على جسده.
•
لماذا سمي الجنب جنباً؟
قيل: لأنه نهيَ أن يقرب الصلاة.
وقيل: لمجانبته الناس حتى يتطهر.
وقيل: لأن الماء جانب محلَّه. [كشاف القناع].
قال النووي: وَأَصْل الْجَنَابَة فِي اللُّغَة الْبُعْد، وَتُطْلَق عَلَى الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِجِمَاعٍ أَوْ خُرُوج مَنِيّ لِأَنَّهُ يَجْتَنِب الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة وَالْمَسْجِد وَيَتَبَاعَد عَنْهَا. [شرح مسلم].
•
في الحديث النهي أن يغتسل (أي ينغمس) الجنب في الماء الراكد، فهل النهي للتحريم أو للكراهة؟
اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول: أنه حرام.
وذهب إليه الحنفية والظاهرية.
لظاهر الحديث.
فالحديث فيه نهي، والنهي يقتضي التحريم ولا صارف للتحريم.
القول الثاني: أنه مكروه.
وهو مذهب الجمهور.
قالوا: لأن الاغتسال في الماء الراكد لا ينجسه، لأن بدن الجنب كما هو معلوم طاهر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (كنت جنباً
…
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس).
والصحيح القول الأول لظاهر الحديث.
•
ما الحكمة من النهي عن اغتسال الجنب في الراكد؟
- إما لحفظ الماء من الاستخباث والاستقذار.
- وإما العلة التعبد، وأنها غير معقولة المعنى.
قال شيخ الإسلام: ونهيه عن الاغتسال في الماء الدائم يتعلق بمسألة الماء المستعمل، وهذا لما فيه من تقذير الماء على غيره، لا لأجل نجاسته، ولا لصيرورته مستعملاً، فإنه قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الماء لا يجنب.
•
ماذا يفعل من أراد أن يغتسل من الجنابة في الماء الراكد؟
يتناول منه بإناء أو بيده،
كما في رواية مسلم (لَا يَغْتَسِل أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم وَهُوَ جُنُب. فَقَالَ: كَيْف يَفْعَل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: يَتَنَاوَلهُ تَنَاوُلًا) أي: يغترف من هذا الماء ويفيض على جسده.
•
لو انغمس الجنب في الماء الراكد فهل يرتفع حدثه؟
نعم، يرتفع حدثه.
لأن هذا الماء طهور لم ينجسه شيء ولم يخرج عن مسمى الماء.
وقيل: لا يرتفع حدثه.
وهذا قول من يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام، ويعتبرون هذا الماء طاهراً غير مطهر لأنه مستعمل.
والصحيح الأول، وأن الماء بعدما انغمس فيه طهور يرفع الحدث. وأما النهي في الحديث فليس له علاقة بنجاسة الماء، وقد سبقت الحكمة من النهي.
•
ما حكم الاغتسال من الجنابة في الماء الجاري؟
جائز.
أ-لمفهوم الحديث.
ب-ولأن المعنى المذكور في الماء الدائم غير موجود في الماء الجاري.
•
ما حكم البول في الماء الراكد؟
حرام، لظاهر حديث الباب (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ اَلَّذِي لَا يَجْرِي
…
).
ولحديث جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد) رواه مسلم.
•
ما الحكمة من تحريم البول فيه؟
لأن ذلك يقتضي تلوثه بالنجاسة والأمراض التي قد يحملها البول.
•
ما حكم البول في الماء الجاري؟
مفهوم الحديث (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ
…
) يدل على جواز البول في الماء الجاري، لأن البول يجري مع الماء ولا يستقر.
•
هل هناك فرق بين الماء الكثير والقليل؟
ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الماء الدائم قليلاً أو كثيراً لأمرين:
أولاً: لأن هذا هو ظاهر الحديث، فالحديث يقتضي التحريم ولو كان الماء كثيراً.
ثانياً: سداً للذريعة، حتى لا يتساهل الناس بهذا الأمر.
- فائدة: لكن العلماء استثنوا الماء المستبحر (ماء البحر) ونقل ابن دقيق العيد الاتفاق على أن ماء البحر لا يدخل في النهي.
•
هل يلحق بالبول ما في معناه كالتغوط؟
نعم.
قال النووي: والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول، فكله مذموم قبيح منهي عنه.
وقال ابن القيم: وَبِهَذَا الطَّرِيق يُعْلَم أَنَّهُ إِذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الدَّائِم، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَاج إِلَيْهِ، فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي إِنَاء ثُمَّ يَصُبّهُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَلَا يَسْتَرِيب فِي هَذَا مَنْ عَلِمَ حِكْمَة الشَّرِيعَة، وَمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِح الْعِبَاد وَنَصَائِحهمْ. وَدَعْ الظَّاهِرِيَّة الْبَحْتَة، فَإِنَّهَا تُقْسِي الْقُلُوب، وَتَحْجُبهَا عَنْ رَوِيَّة مَحَاسِن الشَّرِيعَة وَبَهْجَتهَا، وَمَا أُودِعَتْهُ مِنْ الْحِكَم وَالْمَصَالِح وَالْعَدْل وَالرَّحْمَة .... (تهذيب السنن).
7 -
وَعَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ، أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ، وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
8 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاس. (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
9 -
وَلِأَصْحَابِ "اَلسُّنَنِ": (اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ) وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَة.
===
(نَهَى رَسُولُ اَللَّه صلى الله عليه وسلم النهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء.
(بفضل ميمونة) وهي بنت الحارث الهلالية، تزوجها سنة سبع لما اعتمر عمرة القضية، وبنى بها في سَرِف.
(فِي جَفْنَةٍ) بفتح الجيم وسكون الفاء هي القصعة الكبير.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث: عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم .... ، قال النووي: رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
وقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة، لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى بن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو بن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة، فإنه بن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره (الفتح).
وحديث اِبْنِ عَبَّاس. (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ) رواه مسلم في صحيحه.
وحديث ابن عباس (اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ
…
) رواه أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي، قال الحافظ في الفتح: وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه الا صحيح حديثهم.
•
ما حكم اغتسال الرجل بفضل المرأة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة قولين:
القول الأول: لا يجوز.
وهذا مذهب الحنابلة.
وصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة [قاله في الفتح].
أ-لحديث الباب (نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ، أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ).
ب-ولحديث الحكم عن عمرو الغفاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود.
وهذا الحديث ضعفه الإمام البخاري، وابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 209) فقال: مضطرب لا تقوم به حجة. وقال النووي في "الخلاصة"(1/ 200): ضعيف. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن"(1/ 149): ليس بصحيح.
القول الثاني: يجوز ذلك.
وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكي والشافعية.
قال النووي: وَأَمَّا تَطْهِير الرَّجُل لِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِز عِنْدنَا وَعِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، سَوَاء خَلَتْ بِهِ أَوْ لَمْ تَخْلُ. قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: وَلَا كَرَاهَة فِي ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْوَارِدَة بِهِ.
قال ابن قدامة: اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم.
أ-واستدلوا بحديث الباب - حديث ابن عباس - (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ).
وجه الدلالة: أنه صريح في جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة.
ب-وبحديثه الثاني ( .. اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِب).
وهذا القول هو الراجح.
وجه الدلالة: أن ظاهره يدل على أنها خلت به لطهارة كاملة عن حدث، وأجابها النبي صلى الله عليه وسلم جواباً عاماً، بأن الماء لا يصير بهذا الفعل إلى حالة يجتنب فيها فلا يستعمل.
ج- أنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به، فجاز للرجل من فضل المرأة.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الجواب عن أحاديث النهي؟
الجواب من وجهين:
الأول: أن أحاديث النهي محمولة على الكراهة جمعاً بين الأدلة، ورجحه الحافظ ابن حجر والشوكاني.
الثاني: تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملاً، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي.
قال الحافظ: وهو ممكن [الجمع بين الأحاديث] بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعاً بين الأدلة.
وقال النووي عن أحاديث المنع:
وأما حديث الحكم بن عمرو: فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة:
أحدها: جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف، قال البيهقي، قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح، قال البخاري: وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ، وكذا قال الدارقطني: وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه، قال البيهقي في كتاب المعرفة: الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى.
الجواب الثاني: جواب الخطابي وأصحابنا: أن النهي عن فضل أعضائها، وهو ما سال عنها، ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن المراد ما سقط من أعضائها، ويؤيده أنا لا نعلم أحداً من العلماء منعها فضل الرجل، فينبغي تأويله على ما ذكرته
…
يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره، ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه.
الجواب الثالث: ذكره الخطابي وأصحابنا: أن النهي للتنزيه جمعاً بين الأحاديث. (المجموع).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه ..... ، فالصواب: أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .... (الشرح الممتع).
•
اذكر الأدلة على جواز اغتسال الزوجين جميعاً؟
قال الشوكاني: فأما غسل الرجل والمرأة ووضوءهما جميعاً فلا اختلاف فيه .... وقد دل عليه أحاديث
عن أم سلمة قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة) متفق عليه.
وعن عائشة. قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري (من إناء واحد نغترف منه جميعاً).
ولمسلم (من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي).
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) رواه البخاري.
زاد ابن ماجه: (من إناء واحد)، وزاد أبو داود:(ندلي فيه أيدينا).
قوله (جميعاً) الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحاً بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر به.
وهذا إما:
- أن يقال أن هذا قبل نزول الحجاب.
- أو أن المقصود (الرجال والنساء) يعني الأزواج مع أزواجهم، أو المحارم مع محارمهم.
•
ما حكم الماء الذي فضل من وضوء المرأة؟
طهور.
أ-لحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل في جفنة
…
إن الماء لا يجنب).
ب-والنبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة.
ج-والأصل في الماء الطهورية.
10 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذْ وَلَغَ فِيهِ اَلْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: (فَلْيُرِقْهُ).
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: (أُخْرَاهُنَّ، أَوْ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ).
===
(طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ) بضم الطاء، أي: مُطَهِّر إناء أحدكم.
(إِذْ وَلَغَ) الولوغ: هو أن يدخل الكلب لسانه في الماء ويحركه فيه، سواء شرب أم لم يشرب من الماء.
(اَلْكَلْبُ) أي: جميع الكلاب، سواء كلاب صيد أو ماشية أو حرث أو ليس كلباً معلماً.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: وجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات.
ويؤخذ هذا الحكم من الحديث من وجهين:
الأول: قوله (طُهور إناء حدكم
…
) ولفظ الطهور لا يكون إلا من حدث أو نجاسة.
الثاني: لأنه أمر صلى الله عليه وسلم بإراقته كما في الرواية (فَلْيُرِقْهُ).
وهذا قول أكثر أهل العلم.
قال النووي: وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب، فمذهبنا أنه ينجس ما ولغ فيه، ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب، وبهذا قال أكثر العلماء. حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول. (المجموع).
وقال ابن قدامة: لا يختلف المذهب أن نجاسة الكلب يجب غسلها سبعاً، إحداهن بالتراب، وهو قول الشافعي. (المغني).
وبالوجوب قال جمهور العلماء لقوله (فليغسله سبعاً) وهذا أمر، والأمر للوجوب.
•
ويرى أبو حنيفة أنَّ الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتج له أصحابه
بما يلي:
أ- روي عن أبي هريرة موقوفاً (أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات) رواه الدارقطني.
قالوا: وأبو هريرة هو الراوي للغسل من الولوغ سبعاً، فالعبرة بما رأى لا بما روى تحسيناً للظن عن
مخالفة النص.
والأثر رواه الدارقطني وقال: هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، والله أعلم.
وقال الحافظ في الجواب عن ذلك:
فالموافقة- أي: موافقة رأي أبي هريرة لما رواه من السبع - وَرَدَتْ من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة: فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير (الفتح).
وأما قولهم (العبرة بما رأى لا بما روي) فالعبرة - كما هو مذهب الجمهور - بما روى لا بما رأى.
قال ابن القيم: والذي نَدينُ الله به، ولا يَسَعُنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: بأنَّ الحديثَ إذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصحَّ عنه حديثٌ آخر ينسخه، أنَّ الفرض علينا وعلى الأمَّة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحدٍ من الناس كائناً من كان لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أنْ ينسى الراوي الحديث، أو لايحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحاً، أو يقوم في ظنِّه ما يعارضه ولا يكون معارضاً في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنَّه أعلم منه، أو أنَّه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله -ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه- لم يكن الراوي معصوماً، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاتُه حسناتِه، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له حجة. (إعلام الموقعين).
وقال الشوكاني: وترجيح رأي الصحابي على روايته عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورواية غيره، من الغرائب التي لا يُدرَى ما الحامل عليها. (نيل الأوطار).
ب- واحتجوا لأبي حنيفة أيضاً بأنه جاء في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً (في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) رواه الدارقطني.
وهي روايةٌ ضعيفةٌ جدّاً، لأنَّ فيها عبد الوهاب ابن الضحاك وهو متروك -كما قال الدارقطني نفسه بعد تلك الرواية- وفيها إسماعيل ابن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفةٌ وهي هنا عن واحدٍ منهم وهو هشام بن عروة.
هـ- واستدل بعضهم: بأنَّ العذرة أشد في النجاسة مِنْ سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ
كذلك مِنْ باب الأولى.
قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم مِنْ كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنَّه قياسٌ في مقابلة النَّص وهو فاسد الاعتبار. (الفتح).
•
ما حكم لو ولغ الكلب في ثوب؟
لم يفرق العلماء بين الآنية وغيرها، فيجب غسل الإناء أو الثوب سبع مرات.
وقال العراقي: ذكر الإناء خرج مخرج الأغلب.
•
هل يجب استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب؟
نعم يجب استعمال التراب.
لحديث الباب (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ).
وهذا قول جماهير العلماء.
ومَن لم يقُلْ به -كبعض المالكية- فليس له حجةٌ إلا عدم ذكر التراب في الرواية الأولى (سَبْعَ مِرَارٍ) و (سَبْعاً) ويرد عليه بثبوت (أُولاهُنَّ بِالتُّرَابب)(وعفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) وكلاهما في (مسلم) وعن أبي هريرة.
•
جاء عدة روايات في موضع الغسلة بالتراب، فما الراجح منها؟
جاء في مسلم (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وعند الترمذي (أُخْرَاهُنَّ، أَوْ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وعند الدارقطني (إحداهن).
وأرجح هذه الروايات رواية (أولاهن)، لأمور:
أولاً: أنها أصح إسناداً وأكثر رواة.
ثانياً: أن الغسل بالتراب لو كانت هي الأخيرة لكان ينبغي أن تتبعه غسلة بعدها لإزالة التراب.
ثالثاً: تخريج أحد الشيخين لها، وهما من وجوه الترجيح عند التعارض.
قال النووي: الأفضل أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما ينظفه، والأفضل أن يكون في الأولى.
قال الشوكاني: وقد نص الشافعي على أن الأولى أولى.
وقال الصنعاني: رواية أولاهن أرجح لكثرة رواتها بإخراج الشيخين لها، وذلك من وجوه الترجيح عن التعارض.
وقال الشيخ محمد رحمه الله: لأن الأولى إذا كانت بالتراب صارت الغسلات الثانية والتي بعدها تزيده طهرة ونظافة.
•
هل يقوم غير التراب مقامه أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يشترط التراب ولا يقوم غيره مقامه.
لأن النص ورد في التراب، ولأنه أحد الطهورين.
قال النووي: ولا يقوم الصابون والاشنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح. [شرح مسلم].
وقيل: يقوم غيره مقامه.
واختاره بعض العلماء.
قالوا: وإنما نص على التراب لتوفره وسهولة الحصول عليه، والراجح الأول، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
قال الشيخ ابن عثيمين عن القول بأنه يجزئ عن التراب غيره قال: وهذا فيه نظر لما يلي:
أولاً: أن الشارع نص على التراب، فالواجب اتباع النص.
ثانياً: أن السدر والأشنان كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشر إليهما.
ثالثاً: لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب.
رابعاً: أن التراب أحد الطهورين، لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عدم. وقال صلى الله عليه وسلم (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
فالصحيح: أنه لا يجزئ عن استعمال التراب، لكن لو فرض عدم وجود التراب وهذا احتمال بعيد، فإن استعمال الأشنان، أو الصابون خير من عدمه. (الشرح الممتع).
•
هل يقاس الخنزير على الكلب، فتغسل نجاسته سبعاً؟
وذهب بعض العلماء إلى أن نجاسة الخنزير تغسل سبعاً كالكلب.
قالوا: لأن النص وقع في الكلب، والخنزير شر منه وأغلظ، لأن الله تعالى نص على تحريمه وأجمع المسلمون على ذلك وحرم اقتناؤه. [المغني].
ولكن الصحيح أنه لا يقاس على الكلب وذلك لأمور:
أولاً: لأن النص ورد في الكلب.
ثانياً: ولأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد إلحاقه.
قال النووي: واعلم أن الراجح من حيث الدليل أنه يكفي غسلة واحدة بلا تراب وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير وهذا هو المختار لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد. [المجموع].
وقال رحمه الله: وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعاً وهو قول الشافعي. [شرح مسلم].
•
هل الغسل سبعاً خاصاً بولوغ الكلب، أم يشمل حتى بوله ورجيعه؟
أكثر العلماء على أن بوله ورجيعه يجب غسله سبعاً كولوغه.
قالوا: وإنما نص النبي صلى الله عليه وسلم على الولوغ لأنه هو الغالب، وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
وعلى هذا القول: لو بال كلب في إناء فإنه يغسل سبع مرات إحداها بالتراب.
وذهب بعض العلماء إلى أن الغسل سبعاً خاص بنجاسة الولوغ، أما بوله أو روثه أو دمه فكسائر النجاسات.
وهذا قول الظاهرية.
لقوله (إذا ولغ .... ).
الكلاب كانت تبول في أمكنة الناس ومجالسهم ولم ينبّه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
قال النووي: وهذا الوجه متجه وقوي من حيث الدليل لأن الأمر بالغسل سبعا من الولوغ إنما كان لينفرهم عن مواكلة الكلب وهذا مفقود في غير الولوغ. [المجموع].
قال الشوكاني: وهذا حكم مختص بولوغه فقط وليس فيه ما يدل على نجاسة ذاته كلها لحماً وعظماً ودماً وشعراً وعرقاً وإلحاق هذه بالقياس على الولوغ بعيد جداً. [السيل الجرار].
•
ما الحكم لو أدخل الكلب يده أو رجله في الإناء فهل يغسل سبعاً كالولوغ أم لا؟
لا يسبع، وإنما يغسل كسائر النجاسات.
لأن النص جاء في الولوغ وهذا لا يسمى ولوغاً.
أن الشارع إنما أمر بالغسل للنجاسة كما جاء عن ابن عباس، لكن هذه النجاسة نجاسة خاصة لا تتعدى فم الكلب، لأنه المنصوص عليه ويؤيد هذا: الاكتشافات الحديثة التي تبين أن في لعاب الكلب من الأذى ما لا يوجد في يده ورجله مما ينتقل مع السوائل.
•
ما الحكم لو ولغ الكلب في غير الإناء كالثوب فهل يجب غسله سبعاً أم لا؟
قيل: إن ولوغ الكلب في غير الإناء لا يضر.
لأنه خص الولوغ في الإناء.
وقيل: يجب التسبيع فيه.
قالوا: إن ذِكر الإناء خرج مخرج الغالب؛ لأن الكلب غالباً ما يلغ في الإناء، وإذا كان خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ولا يخصص الحكم.
بناءً عليه إذا أصاب لعاب الكلب الثوب أو اليد أو الأرض وجب فيه التسبيع بناءً على هذا القول الثاني، وهذا القول هو الراجح.
•
اذكر صحة لفظة (فَلْيُرِقْهُ)؟
هذه الرواية رواها مسلم وانفرد بها (علي بن مسهر عن الأعمش).
وقد تكلم بعض العلماء في هذه الزيادة وحكموا عليها بالشذوذ.
كالنسائي، وحمزة الكناني، وابن عبد البر، وابن مندة.
قال الحافظ ابن حجر: لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى زِيَادَةِ فَلْيُرِقْهُ وَقَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ إِنَّهَا غَيْرُ محفوظه وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَش كَأبي مُعَاوِيَة وَشعْبَة وَقَالَ بن مَنْدَهْ لَا تُعْرَفُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوِهِ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد .... (فتح الباري).
والإمام البخاري لم يخرج هذه اللفظة في صحيحه.
وقد صحح هذه الزيادة بعض الأئمة منهم:
الإمام الدارقطني، فإنه قال بعد أن ساق الحديث بسنده إلى أبي هريرة، قال قال رسول الله (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه، وليغسله سبع مرات) صحيح: إسناده صحيح، رواته كلهم ثقات.
وقد أورده ان خزيمة في صحيحه وكذلك ابن حبان.
وقال العراقي رحمه الله بعد أن نقل أقوال بعض الأئمة في تعليل زيادة (فليرقه) قلت وهذا غير قادح فيه فإن زيادة الثقة مقبولة عند العلماء والفقهاء والأصوليين والمحدثين، وعلي بن مسهر قد وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والعجلي، وغيرهم، وهو أحد الحفاظ الذين احتج بهم الشيخان، وما علمت أحداً تكلم فيه، فلا يضره تفرده به.
وقد صحح هذه الزيادة أيضاً الإمام الشوكاني في النيل.
وابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام.
ونلاحظ أن هؤلاء الأئمة اعتمدوا في تصحيح هذه الزيادة على ظاهر الإسناد فالراوي المتفرد بها ثقة فتقبل زيادته.
على زيادة (فليُرِقْه) عند مسلم، وحكموا عليها بالشذوذ، ولا داعي لهذا فالمعنى فيها صحيح، إذ الحكم بنجاسة الإناء يستلزم الإراقة، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: (طُهُورُ إِنَاءِ
…
) وراوي هذه الزيادة هو: (علي بن مُسهِر) عن الأعمش وهو ثقةٌ احتج به البخاري ومسلم، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيرهم فلا يضر تفرُّده.
11 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ -فِي اَلْهِرَّةِ-: (إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ اَلطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(الهرة) هي الأنثى من القطط.
(إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ) بفتح الجيم، أي: ليست نجسة الذات، وأما النجِس بكسر الجيم فهو الشيء المتنجس.
(إنها من الطوافين) جملة تعليلية لعدم نجاسة الهرة، قال الشوكاني: تشبيه للهرة بخدم البيت الذين يطوفون للخدمة.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: طهارة سؤر الهرة.
وهذا قول جماهير العلماء.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه. (خشاش الأرض: حشرات الأرض وهوامها كالفأرة).
فهذا الحديث لم ينكر على المرأة أنها اتخذت هرة ولكنه بين أن إثم المرأة كونها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض.
•
ما العلة في طهارة سؤر الهرة؟
العلة: أنها من الطوافين، وهم الخدم الذين يقومون بخدمة المخدوم، فهي مع الناس في منازلهم وعند أوانيهم وأمتعتهم، فلا يمكن التحرز منها، والقاعدة (المشقة تجلب التيسير).
•
في الحديث حكمة الشرع في قرن الحكم بعلته، اذكر فوائد ذلك؟
فائدة قرن الحكم بالعلة ثلاثة:
أولاً: بيان أن الشريعة سامية عالية، فما تحكم بشيء إلا وله حكمه.
ثانياً: اقتناع النفوس بالحكم، لأن النفس إذا علمت علة الحكم اطمأنت، وإن كان المؤمن سيطمئن على كل حال لكن هذه زيادة طمأنينة.
ثالثاً: شمول الحكم بشمول هذه العلة، بمعنى أن ما ثبت فيه هذه العلة ثبت له هذا الحكم المعلل. [قاله الشيخ ابن عثيمين].
•
ما حكم بول الهرة وروثها ودمها؟
نجس.
قال الشيخ ابن عثيمين: لأن هذه الأشياء كلها من محرّم الأكل نجسة.
• هل الهرة إذا ماتت نجسة أم طاهرة؟
نجسة.
لأن العلة التي من أجلها خُففت زالت الآن، فلا تكون طوّافة.
•
ما حكم سؤر الحمار والبغل؟
الصحيح من أقوال العلماء طهارة سؤرهما.
وهذا قول مالك والشافعي، واختاره ابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم، والسعدي، وابن باز.
لأنه يكثر طوافه على الناس، فيشق الاحتراز.
ولحاجة الناس إليهما في الركوب والحمل.
قال ابن قدامة: والصحيح عندي طهارة سؤر البغل والحمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبها وتركب في زمنه، وفي عصر الصحابة، فلو كان نجساً لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأنهما مما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما، فأشبها السنور.
وقال السعدي: والصحيح الذي لا ريب فيه أن البغل والحمار طاهران في الحياة كالهر، فيكون ريقهما وعرقهُمَا طاهران، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما كثيراً، ويركيان في زمنه، ولا يمكن المستعمل لهما التحرز من ذلك ........ ثم قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم في الهرة (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم) فعلل بكثرة طوافانها ومشقة التحرز منها، ومن المعلوم أن المشقة في الحمار والبغل أشد من ذلك.
•
اذكر بعض الأحكام الشرعية التي جاءت معللة؟
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأهلية وقال (إنها رجس) متفق عليه.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناجى اثنان دون الثالث وقال (من أجل أن ذلك يحزنه) متفق عليه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- طهارة سؤر الهرة.
- جواز اتخاذ الهرة في المنازل لأنه طهارة وغير مؤذية.
12 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ اَلْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ اَلنَّاسُ، فَنَهَاهُمْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ; فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ.) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(أعرابي) هو الذي يسكن البادية، قال في الفتح: والأعرابي المذكور قيل: هو ذو الخُوَيْصِرة اليماني، ذكره أبو موسى المديني، وقيل: هو الأقرع بن حابس التميمي، حكاه التاريخي عن عبد الله بن نافع المدني، وقيل: هو عيينة بن حصن، قاله أبو الحسين بن فارس.
(فزجره الناس) في رواية للبخاري: (فقام إليه الناس ليقعوا به)، وفي رواية عند البخاري:(فزجره الناس)، وفي أخرى:(فثار إليه الناس)، وفي أخرى له أيضاً:(فتناوله الناس)، وله أيضاً من حديث أنس:(فقال الصحابة: مه مه) وللبيهقي (فصاح به الناس).
(فأمر بذنوب من ماء) الذنوب: بفتح الذال وضم النون، هي الدلو المملوءة بالماء [قاله النووي].
•
كيف يتم تطهير الأرض إذا وقعت عليها النجاسة؟
إذا وقعت نجاسة على الأرض فتطهر بصب الماء على المكان النجس بدون تكرار، سواء كانت الأرض صلبة أم رخوة.
وهذا مذهب جماهير العلماء كما حكاه النووي عنهم.
لحديث الباب وفيه (
…
فَأُهْرِيقَ عَلَيْه
…
) ولم يحفر المكان أو ينقل ترابه بل اكتفى بصب الماء.
فإن كان للنجاسة جرم كعذرة أو دم جفّ، فلا بد من إزالة ذلك قبل تطهيرها بالماء.
•
اذكر القول الثاني في المسألة مع ذكر دليلهم؟
ذهب الحنفية إلى أن الأرض الصلبة تحفر.
واستدلوا بروايات جاءت في هذا الحديث لكنها ضعيفة لا تصح.
فقد جاء عند الدار قطني من حديث أنس بلفظ (احفروا مكانه ثم صبوا عليه).
وعند سعيد بن منصور (خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماءً).
•
ما حكم صيانة المساجد عن الأقذار؟
واجب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قررهم على الإنكار، وإنما أمرهم بالرفق.
ولما جاء عند مسلم في هذا الحديث: (
…
لا تُزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله دعاه ثم قال: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن).
•
يؤخذ من الحديث قاعدة فقهية وهي (دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما) وضح ذلك؟
لقوله صلى الله عليه وسلم (دعوه، فتركوه حتى بال
…
) أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يتركوه مع أنها مفسدة، في مقابل مفاسد أعظم.
من المفاسد التي يمكن أن تقع لو قاموا على الأعرابي وزجروه ومنعوه:
أولاً: أنه لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
ثانياً: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد.
ثالثاً: تنفير الأعرابي عن الدين، حتى أنه جاء في بعض الروايات (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً).
•
هل تزول النجاسة بغير الماء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لابد من الماء.
وهذا مذهب مالك والشافعي والحنابلة واختاره ابن المنذر.
أ-لحديث الباب (فأمر بذنوب من ماء).
وجه الدلالة: لو كان الجفاف مطهراً لاكتفى به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بالماء.
القول الثاني: أنه لا يشترط الماء.
وهذا قول الحنفية، واختاره ابن تيمية.
قال ابن تيمية رحمه الله:
…
فإن العلماء اختلفوا في النجاسة إذا أصابت الأرض وذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة، هل تطهر الأرض على قولين: أحدهما: تطهر، وهو مذهب أبي حنيفة .. وهو الصحيح في الدليل.
أ-لحديث ابن عمر (أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك) رواه البخاري دون ذكر (البول).
ب- وقالوا: إن النجاسة عين خبيثة، فإذا زالت زال حكمها.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما الجواب عن حديث الباب (أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاء
…
)؟
الجواب: أن المقصود بذلك تعجيل تطهير المسجد، إذ لو تركه حتى تطهره الشمس لتأخر تطهيره، فليس في الحديث حصر التطهير بالماء. [ابن تيمية].
•
ما حكم بول الآدمي؟
نجس.
قال النووي: وهو مجمع عليه، ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يعتد به، ولكن بول الصغير يكفي فيه النضح.
لحديث الباب.
ولحديث (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله
…
). متفق عليه
وسيأتي حديث (استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه) رواه الدارقطني.
•
هل من شروط الصلاة إزالة النجاسة؟
نعم، فيشترط إزالة النجاسة من البقعة والثوب والبدن.
في البقعة: لحديث الباب.
وفي الثوب: لقوله تعالى (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) على أحد التفسيرين.
وفي البدن: لحديث ابن عباس (مر النبي بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير
…
أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله
…
) متفق عليه.
• ا
ذكر بعض الفوائد العامة من الحديث:
- وجوب إنكار المنكر، وقد اختلف العلماء في حكمه، والصحيح أنه فرض كفاية، وهذا مذهب جماهير العلماء.
لقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
قال ابن قدامة: في هذه الآية بيان أنه فرض على الكفاية لا فرض عين، لأنه قال (ولتكن منكم) ولم يقل كونوا آمرين بالمعروف.
- وجوب المبادرة بتطهير المساجد من النجاسة لقوله (فلما قضى بوله .... )، ولأن النجاسة قد يخفى مكانها، وقد يصلَى عليها.
- فيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً، ولذلك جاء في رواية البخاري (فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أرسل أحداً يقول (يسروا ولا تعسروا).
13 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانُ: فَالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
===
(الجراد) معروف، وسمي بذلك من الجرْد، لأنه لا ينزل على مكان إلا جردَه.
(وَالْحُوتُ) هو السمك، وقل: ما عظم منه.
(الْكَبِدُ) عضو في الجانب الأيمن من البطن تحت الحجاب الحاجز.
(الطِّحَالُ) بزنة كتاب، وهو عضو يقع بين المعدة والحجاب الحاجز في يسار البطن.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، لأنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر.
قال أحمد: منكر الحديث
لكن صح موقوفاً عن ابن عمر، صححه موقوفاً كلاً من: الدار قطني، والحاكم، والبيهقي، وابن القيم، لكن له حكم الرفع.
قال الصنعاني: إذا أثبت أنه موقوفاً فله حكم الرفع، لأن قول الصحابي أحل لنا كذا، أو حرم علينا كذا، مثل قوله أمرنا ونهينا، فيتم الاحتجاج به.
•
عرف الميتة؟
الميتة: هي كل ما لم يذكى ذكاة شرعية.
•
ما حكم أكل الميتة؟
حرام.
قال تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
وقال تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
…
).
وقال تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ
…
).
وقد أجمع العلماء على تحريم الميتة في حال الاختيار.
•
ماذا يستثنى من تحريم الميتة؟
الجراد والسمك (ميتتة البحر) فكل منهما حلال.
أما السمك: لقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) قال ابن عباس (صيده: ما صيد فيه، وطعامه: ما قذف) أخرجه ابن جرير.
ولحديث أبي هريرة - وقد تقدم - (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).
ولحديث جابر بن عبد الله قال: (بعثنا رسول صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال: فقلت كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يوماً إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاث مائة حتى سمنا، قال: ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور أو قدر الثور، فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمه وشقائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله).
فميتة البحر حلال سواء ماتت في البحر ثم طفت فيه، أو ماتت بمفارقة البحر.
وأما الجراد:
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث ابن أبي أوفى قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد). متفق عليه
فالجراد حلال مطلقاً، سواء مات باصطياد أم بذكاة أم مات حتف أنفه، لعموم الحديث.
قال النووي رحمه الله: أجمعت الأمة على تحريم الميتة غير السمك والجراد، وأجمعوا على إباحة السمك والجراد، وأجمعوا أنه لا يحل من الحيوان غير السمك والجراد إلا بذكاة أو ما في معنى الذكاة. (المجموع).
•
ما حكم الدم؟
حرام.
لقوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ).
وقال تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
• ماذا يستثنى من تحريم الدم؟
الطحال والكبد، لحديث الباب.
•
ما حكم الماء إذا سقط فيه سمك و جراد؟
لا ينجس، لأنه لم يتغير بنجاسة.
14 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا وَقَعَ اَلذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي اَلْآخَرِ شِفَاءً) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ.
وَأَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ:(وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ اَلَّذِي فِيهِ اَلدَّاءُ).
===
(فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ) وفي لفظ للبخاري آخر (في إناء أحدكم) والتعبير بالإناء أشمل.
(فَلْيَغْمِسْهُ) أي: في الطعام أو الشراب، والأمر بغمسه ليخرج الشفاء كما خرج الداء.
•
ما حكم الماء إذا وقع فيه الذباب؟
لا ينجس.
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه ولم يأمر بإراقة ما وقع فيه.
قال ابن القيم: هو دليلٌ ظاهر الدلالةِ جدًا على أنَّ الذُّباب إذا مات في ماء أو مائع، فإنه لا يُنجِّسه، وهذا قول جمهور العلماء، ولا يُعرف في السَّلَف مخالفٌ في ذلك.
ووَجهُ الاستدلال به: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بمَقْلِهِ، وهو غمسُه في الطعام، ومعلومٌ أنه يموت من ذلك، ولا سِيَّما إذا كان الطعامُ حاراً، فلو كان يُنجسه لكان أمراً بإفساد الطعام، وهو صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإصلاحه، ثم عُدِّىَ هذا الحكمُ إلى كل ما لا نفس له سائلة، كالنحلة والزُّنْبُور، والعنكبوت، وأشباهِ ذلك، إذ الحكمُ يَعُمُّ بعُموم عِلَّتِه، وينتفي لانتفاء سببه. [زاد المعاد].
•
هل يقاس على الذباب كل مالا نفس له سائلة؟
نعم، فقد قاس العلماء على طهارة الذباب ما ليس له نفس سائلة من الحشرات فحكموا لطهارتها وأنها لا تنجس ما سقطت: كالنملة، والبعوضة، والعنكبوت، والخنفساء، والنحل، والبق ونحو ذلك، فإذا وقع في طعام أو شراب لم يُحرِّمْه ولم ينجسه، لهذا الحديث.
لأن الحكم يعم بعموم علته وينتفي لانتفاء سببه، ولما كان سبب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته.
فلو وقع الجعل في الماء ومات فالماء طاهر.
وكذا لو وقعت العقرب في ماء فهو طاهر، لأنها لا تنجس بالموت.
•
ما معنى (مالا نفس له سائلة)؟
النفس: هي الدم، يعني: ما ليس له دم يسيل.
•
ماذا يشرع إذا وقع الذباب في الشراب؟
يشرع غمسه في الشراب ثم نزعه بعد ذلك ولا يدعه في الإناء، وقد جاء في رواية (فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء).
•
ما الحكمة من غمسه في الشراب؟
لأن في أحد جناحي الذباب داء، وفي الجناح الآخر شفاء، فإذا وقع في الشراب رفع الجناح الذي فيه الشفاء، وغمس في الشراب الجناح الذي فيه الداء، فكان من حكمة الله أن أمر بغمس جناحه الذي فيه الشفاء حتى يُقابل داؤه بدوائه، فيكون مضاداً له وتزول مضرته.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (فليغمسه) هل هذا الأمر للوجوب أم للإرشاد؟
هذا الأمر للإرشاد، لأن بعض الناس قد يكره ما وقع فيه الذباب.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- بيان قدرة الله تعالى.
- بيان العلة في غمس الذباب لتطمئن النفس، وقد سبق بيان قرن الحكم بالعلة.
15 -
وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اَللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَا قُطِعَ مِنْ اَلْبَهِيمَةِ -وَهِيَ حَيَّةٌ- فَهُوَ مَيِّتٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ.
===
(مِنْ اَلْبَهِيمَةِ) هي ذوات الأربع من الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك لأنه في الحقيقة لا يعبر عما في ضميره على وجهٍ يفهم، فأمره مبهم.
(فَهُوَ مَيِّتٌ) أي: حرام كالميتة لا يجوز أكله.
•
اذكر سبب الحديث؟
عن أبي واقد. قال (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يَجِبُّون أسنمة الإبل، ويقطعون إليات الغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث).
•
ما حكم ما قطع من البهيمة وهي حية؟
ما أبين وقطع من بهيمة في حال حياتها فهو كميتتها طهارة أو نجاسة حلاً أو حرمة.
مثال: ما قطع من الشاة - وهي حية - فهو نجس وحرام، لأنه بمنزلة ميتة الشاة، وميتة الشاة نجسة.
مثال: ما قطع من سمكة - وهي حية - فهو طاهر وحلال، لأن ميتة السمكة طاهرة وحلال.
قال ابن تيمية: هذا متفق عليه بين العلماء.
ولذلك أخذ العلماء من ذلك قاعدة وهي: ما أبِينَ من حي فهو كميتته.
قال في عون المعبود: قَالَ اِبْن الْمَلَك: أَيْ كُلّ عُضْو قُطِعَ فَذَلِكَ الْعُضْو حَرَام، لِأَنَّهُ مَيِّت بِزَوَالِ الْحَيَاة عَنْهُ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَال الْحَيَاة فَنُهُوا عَنْه.
قال النووي: وَأَمَّا هَذَا السَّنَام الْمَقْطُوع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرهمَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّ مَا أُبِينَ (أي: قُطع) مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّت.
وجاء في "الموسوعة الفقهية"(28/ 130): إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لا يجوز أكل ما قطع من الحيوان المأكول، وهي حية كالخصى والإلية ونحوهما؛ لأن ذلك في حكم الميتة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(ما قطع من البهيمة، وهي حية فهو ميتة).
بَابُ الْآنِيَةِ
•
الآنية جمع إناء، والمراد بها هنا الأواني التي يكون فيها ماء الوضوء، وما هو أعم من ذلك من الطعام والشراب.
•
والأصل في الأواني الحل.
كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
كما قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ).
•
مناسبة ذكره هنا:
أنه لما كان الماء جوهراً سيالاً لا بد له من وعاء، ناسب ذكرها بعد أحكام المياه، ليعلم المسلم حكم آنيته التي يستعملها. (منحة العلام).
• و
باب الآنية له مناسبة أخرى
وهي: كتاب الأطعمة، لأن الطعام يؤكل بالآنية، لكن جرت العادة أن الشيء إذا كان له مناسبتان يذكر في الأولى منهما ثم يحال عليه في المناسبة التالية وذلك لأمور:
أولاً: أن هذا من باب المبادرة والمسابقة بالخيرات.
ثانياً: أن المؤلف إذا لم يذكره في المناسبة الأولى فقد يَعْرضه نسيان.
ثالثاً: أنه قد يكون مستحضراً للمسألة، فلو تركها لربما ينسى بعض الوجوه. (شرح البلوغ للصقير).
16 -
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَان قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
17 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم (الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(صِحَافِهَا) جمع صحفة، وهي إناء من آنية الطعام يقول أهل اللغة: إنها تشبع الخمسة من الرجال.
(إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ) الجرجرة صب الماء في الحلق والمعنى كأنها تجرع نار جهنم.
•
ما حكم الأكل والشرب في آنية ذهب أو فضة؟
حرام، بل من كبائر الذنوب.
لأحاديث الباب، وقد نقل الإجماع على تحريم ذلك ابن المنذر والنووي.
•
ما حكم الاتخاذ والاستعمال لآنية الذهب والفضة؟ (كأن يجعل عنده آنية ذهب أو فضة للزينة، مثل الإبريق أو غيرها).
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه حرام.
وهذا قول جمهور العلماء.
أ-أن النهي عن الأكل والشرب خرج مخرج الغالب، أو أنه تنبيه بالأعلى على الأدنى؛ فالأكل والشرب يحتاج إليهما أكثر من غيرهما، ومع ذلك حرمهما فيها، فكان غيرهما محرماً من باب أولى، ونظير ذلك قوله تعالى (لا تأكلوا الربا) فلا يجوز الانتفاع به في غير الأكل.
ب-أن العلة من تحريم الأكل والشرب فيهما، موجودة في الاستعمال أيضاً.
ج-آخِر الحديث (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) مُشعِرٌ بالمنع منها مطلقاً.
القول الثاني: أنه جائز.
واختار هذا القول الشوكاني والصنعاني.
قالوا: التحريم خاص بالأكل والشرب فقط.
والأصل الحل، والأحاديث نص في تحريم الأكل والشرب، والأصل فيما عداهما الحل، فلا يحرم شيء حتى يأتي دليل صحيح صريح بتحريم الاستعمال، فتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز.
قال الشوكاني: والحاصل أن الأصل الحل، فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلّمه الخصم، ولا دليل في المقام بهذه الصفة.
•
ما الأصل في الآنية؟
الأصل في استعمال الأواني الحل.
قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
وقال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ).
وجه الاستدلال من الآية: أنه إذا كان ما في الأرض مسخراً لنا، جاز استمتاعنا به، وهذا معنى الإباحة.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه توضأ من جفنة). رواه أبو داود
(وتوضأ من تور من صفر). رواه البخاري التور: القدح، قال الحافظ:" هو شبيه الطست، وقيل: هو الطست ".
الصفر: صنف من جيد النحاس.
(وتوضأ من قربة) رواه البخاري ومسلم
(وتوضأ من إداوة) رواه البخاري ومسلم. الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء.
فيباح كل إناء طاهر ولو ثميناً إلا إناء ذهب وفضة.
•
وهل يلحق بالذهب والفضة نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر؟
فيه خلاف، والأظهر عدم إلحاقه وجوازه على أصل الإباحة لعدم الدليل الناقل عنها. [قاله الصنعاني].
وهذا مذهب أكثر العلماء.
أ-لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وقد قال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً).
ب-وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الذهب والفضة بالمنع يقتضي إباحة ما عداهما.
ج-ولأن العلة في الذهب والفضة هي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وهي غير موجودة هنا، إذ الجوهر ونحوه لا يعرفه إلا خواص الناس.
وذهب بعض العلماء إلى التحريم وبعضهم إلى الكراهة. والراجح الأول.
•
ما العلة من تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة؟
قيل: الخيلاء أو كسر قلوب الفقراء.
قال الشوكاني: ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة، وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذ.
• لكن قال ابن قدامة: فإن قيل: إن كانت علة التحريم كسر قلوب الفقراء، لحرمت آنية الياقوت ونحوه مما هو أرفع من الأثمان.
الجواب:
قال ابن قدامة: قلنا تلك لا يعرفها الفقراء، فلا تنكسر قلوبهم باتخاذ الأغنياء لها، لعدم معرفتهم بها.
وقيل: التشبه بأهل الجنة.
حيث يطاف عليهم بآنية من فضة وصحاف من ذهب، وذاك مناط معتبر للشارع كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً متختماً بخاتم من ذهب، فقال (مالي أرى عليك حلية أهل الجنة) أخرجه الثلاثة من حديث بريدة. [قاله الشوكاني].
وقيل: التشبه بالمشركين.
لقوله صلى الله عليه وسلم (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).
وقيل: أن هذا ينافي العبودية.
قال ابن القيم: الصواب أن العلة ـ والله أعلم ـ ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ولهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج. (زاد المعاد).
•
هل تصح الطهارة من آنية الذهب والفضة؟
ذهب جماهير العلماء إلى صحة الوضوء بهما مع الإثم، بل حكى بعضهم الإجماع.
•
الحديث يدل على أن الجزاء من جنس العمل، وضح ذلك؟
لأن عذابه مثل عمله، فهو يجرجر نار جهنم كما يجرجر هذا الماء الذي شربه من إناء الفضة.
ولهذه القاعدة أمثلة كثيرة:
قال تعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ).
وقال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
وقال صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الله). رواه أبو داود
وقال صلى الله عليه وسلم من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم (من وصل صفاً وصله الله) رواه أبو داود.
18 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَ الْأَرْبَعَةِ: (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ).
19 -
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم (دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهاَ) صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
20 -
وَعَنْ مَيْمُونَة قَالَتْ: (مَرَّ رَسُولُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ: "لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا؟ " فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: "يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ") أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
===
(إِذَا دُبِغَ) الدباغة معناها: إزالة النتن والرطوبة من الجلد بمواد خاصة.
(الْإِهَابُ) وهو الجلد قبل أن يدبغ.
(يُطَهِّرُهَا) أي: الميتة.
(وَالْقَرَظُ) نوع من الشجر يستعمل في معالجة الجلود ودباغها، وفي الوقت الحاضر يكون دباغ الجلود في المصانع الكبيرة وبواسطة المستحضرات الكيماوية.
•
هل يطهر جلد الميتة إذا دبغ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال؟
القول الأول: يطهر بالدباغ جلد كل ميتة مطلقاً حتى الكلب والخنزير.
وهذا قول داود الظاهري، وهو اختيار ابن عبد البر، ورجحه الشوكاني.
أ-لعموم الأدلة، فالأحاديث الواردة لم يُفرّق فيها بين الكلب والخنزير وما عداهما.
كحديث الباب - حديث ابن عباس - (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ) فهو نص صريح في طهارة جلد الميتة بالدباغ.
فقوله (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ
…
) وإهاب هذه نكرة في سياق الشرط فتعم كل إهاب.
وكحديث (دباغ جلود الميتة طهورها).
القول الثاني: أنه لا يطهر جلد الميتة بالدباغ مطلقاً.
وهذا مذهب الحنابلة.
قال ابن قدامة: وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم.
قال النووي: وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعائشة، وهو أشهر الروايتين عن أحمد
أ- لقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة).
وجه الدلالة: أن الله عز وجل حرم الميتة في كتابه تحريماً عاماً، ويقع التحريم على اللحم والجلد، لأنه لم يخص منها شيئاً دون شيء، وهذا عام قبل الدباغ وبعده، والجلد جزء من الميتة فيكون محرماً.
ب- لحديث عبد الله بن عُكَيم قال: (كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر، أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) رواه الترمذي وأحمد.
وجه الدلالة: أنه نص في تحريم الميتة، وأنه لا ينتفع بإهابها مطلقاً، دبغ أو لم يدبغ، وهو آخر الأمرين، لأنه قبل وفاته (بشهر) فيكون ناسخاً لأحاديث طهارة جلد الميتة بالدباغ إن صحت.
ج- القياس على اللحم بجامع أن الجلد جزء من الميتة فلم يطهر بالدبغ كاللحم.
القول الثالث: أنه يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره.
قال النووي: وهو مذهب الأوزاعي، وابن المبارك، وأبي ثور، وإسحاق بن راهوية.
هذا اختيار ابن تيمية حيث قال رحمه الله: وأرجح القولين أن الدباغ كالذكاة فيطهر ما طهر بالذكاة، وهو مأكول اللحم فقط دون غيره.
أ- لحديث عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ قَالُوا إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) متفق عليه.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف هذه الشاة بأنها ميتة، وبيّن أنه حُرّم بموتها أمر واحد وهو أكلها، فتبين بهذا أن ما لا يؤكل أصلاً له حكم آخر، فلحمه حرام أصلاً سوا مات أو ذكي، فبناء على ذلك يقولون إن الحكم خاص بالميتة التي حرم أكلها لعارض وهو كونها ميتة ولو ذكيت لما حرم أكلها.
ب- لحديث الباب - حديث سلمة بن المحبق - (دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهاَ).
وجه الدلالة: حيث شبّه الدبغ بالذكاة، والذكاة لا تطهر إلا ما يؤكل لحمه، فكذا الدبغ.
ج- وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة (دباغها ذكاتها) وفي لفظ (ذكاتها دباغها) رواه النسائي.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الدباغ لجلد الميتة مقام الذكاة، والذكاة تفيد في مأكول اللحم، ولا تفيد فيما لا يؤكل لحمه.
د- ما رواه أبو المليح عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع أن تفترش) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع - وهي مما لا يؤكل لحمه - ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم دباغ ولا غيره، فدل على أنه حتى لو دبغت فلا تطهر، لأنها ليست مما يؤكل لحمها، فدل على أن الدباغ مطهر لجلد ما مات مما يؤكل لحمه فقط.
وهذا القول هو الصحيح والله أعلم.
•
ما الجواب عن حديث عبد الله بن عكيْم؟
الجواب عليه:
أولاً: أنه ضعيف لا يصح، وقد أعل بعدة علل:
منها: أنه مرسل.
فإن عبد الله بن عكيْم ليس بصحابي، ولو ثبتت صحبته لكان يحدث عن كتاب، وحامل الكتاب مجهول فدل على ضعفه.
ومنها: الانقطاع.
فإن عبدالرحمن بن أبي ليلى الذي روى الحديث عن عبد الله بن عكيْم لم يلقه، فالحديث على هذا منقطع. (التلخيص الحبير).
ومنها: أنه مضطرب.
فروي الحديث (قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهر) وفي لفظ (قبل موته بشهرين) وفي لفظ ثالث (قبل موته بأربعين يوماً).
ومنها: الاضطراب في سنده.
قال الترمذي: وسمعت أحمد بن الحسن يقول كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ لهم من جهينة.
•
ما الجواب عليه على فرض صحته؟
على فرض صحة الحديث - وقد صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حزم - فإنه يجاب عليه بجوابين:
أولاً: أنه لا يدل على تأخره، فإن أحاديث الدباغ مطلقة، فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام، فتكون متأخرة عن حديث ابن عكيم فتنسخه، فتكون الرخصة بعد النهي عن ذلك.
ثانياً: أنه على فرض صحته، فيمكن أن يجمع بينه وبين أحاديث الطهارة بالدباغ، وذلك بحمل الإهاب على جلد الميتة قبل الدبغ، فيكون النهي في حديث ابن عكيْم عن الانتفاع بجلد الميتة قبل دبغه، أما بعد الدبغ فلا يسمى إهاباً، وإنما يقال له: جلداً أو قربة أو شناً أو أديماً أو نحو ذلك.
فالإهاب هو الجلد قبل دبغه، ولا يسمى إهاباً بعده، كما قال ذلك الخليل بن أحمد، والنضر بن شميل، وأبي داود السجستاني، والجوهري، وغيرهم.
وحمله على ذلك ابن عبد البر، والبيهقي.
فائدة: ما حكم صوف الميتة وشعرها؟
قال ابن تيمية: عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وشعرها وريشها طاهرات، وهو مذهب أبي حنيفة وقول في مذهب مالك وأحمد، وهو الصواب، لأن الأصل فيها الطهارة وليس فيها دم مسفوح، فهذه الأعيان لاتدخل فيما حرم الله في قوله:(حرمت عليكم الميتة) وهو قول جمهور السلف. (نيل المآرب البسام).
•
جمهور العلماء على طهارة شعر الميتة.
لكن اشترط الفقهاء لطهارته شرطاً، وهو أن يجز الصون ونحوه جزاً لا أن يقلع قلعاً، لأنه إذا قلع فإن أصوله تحتقن شيئاً من الميتة.
وهل هذا الحكم خاص بميتة دون ميتة أم هو عام لجميع الميتات؟
الجواب: نقول هذا خاص بالميتة الطاهرة حال الحياة، أي: التي تؤكل. (وبل الغمامة).
واختلف العلماء في حكم عظم الميتة وعصبها؟
فقيل: طاهرة.
وبه قال أبو حنيفة، ورجحه ابن تيمية.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم في الميتة (إنما حرم أكلها).
وجه الدلالة: فيه دليل على أن ما عدا المأكول من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به.
ب- أن علة النجاسة إنما هي احتقان الدم واحتباسه فيها، ومعلوم أن ما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل، فإذا مات لم ينجس فيه الدم فلا ينجس، فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا.
وقيل: نجسة.
وبه قال مالك والشافعي وأحمد، واختاره ابن المنذر.
أ-لقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة).
وجه الدلالة: أن العظم جزء من الميتة فيكون محرماً.
وهذا القول هو الصحيح.
21 -
وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الْلَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ [فَ] قَالَ: "لَا تَأْكُلُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
22 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ اِمْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
===
(أهل كتاب) أي: اليهود والنصارى، وسموا أهل كتاب: لأن الله أنزل عليهم التوراة والإنجيل، وسموا أتباع الرسولين بأهل الكتاب، فرقاً بينهم وبين الوثنيين، وقد جاء في رواية للحديث عند أبي داود وأحمد (إن أرضنا أرض أهل كتاب، وإنهم ليأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟).
(وَكُلُوا فِيهَا) هذا أمر إباحة، لأنه جاء بعد الاستفهام.
•
ما حكم استعمال آنية الكفار؟
يجوز استعمالها، وهذا قول أكثر العلماء.
أ-لحديث الباب - حديث عمران - (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضأوا من مزادة امرأة مشركة).
ب-ولحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أهدتها له يهودية من خيبر). متفق عليه
ج-ولحديث أنس (أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه). رواه أحمد
(الإهالة) الودك. (السنخة) المتغيرة.
د-وأيضاً: أن الله أباح لنا طعام أهل الكتاب، ومن المعلوم أنهم يأتون به إلينا أحياناً مطبوخاً بأوانيهم.
هـ-وأيضاً: أن الله أباح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن.
•
ما الجواب عن حديث الباب؟
أما حث الباب فمحمول على قوم عرفوا بمباشرتهم النجاسات كأكل الخنزير ونحوه ويدل لهذا رواية أبي داود وأحمد التي سبقت.
(أن المقصود من الحديث الأواني التي يستعملونها لا التي يصنعونها لنا).
•
هل الكافر نجاستة عينية أم معنوية؟
الصحيح أن الكافر ليس نجس العين، وإنما نجاستة معنوية.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- فقد ثبت (أن النبي ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري المسجد) متفق عليه.
ب-وحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أهدتها له يهودية من خيبر) متفق عليه.
ج-والله تعالى أباح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن.
•
ما الجواب عن قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)؟
المقصود بالنجاسة بالآية نجاسة الاعتقاد.
23 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اِنْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ.) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
===
(قَدَحَ) إناء يشرب به الماء، وجمعه أقداح.
(اِنْكَسَرَ) وفي رواية للبخاري (فانصدع) أي: انشق.
(فَاتَّخَذَ) اختلف من الذي اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، فقيل: هو الرسول صلى الله عليه وسلم، للرواية التي بين أيدينا، فإنها تدل أن المتخذ هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو أنس. لرواية عند البخاري عن عاصم الأحول: (رأيت قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان انصدع فتسلسله بفضة)، قال الحافظ: وفيه نظر، لأن في الخبر عند البخاري عن عاصم قال: قال ابن سيرين إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغير شيئاً صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أنه لم يغير شيئاً.
(مَكَانَ الشَّعْبِ) الشعب بفتح الشين وسكون العين أي: الصدع والشق.
(سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ) السلسلة بفتح السين، والمراد بها إيصال الشيء بالشيء، أي: سلكاً من فضة.
•
ما حكم إصلاح الإناء المنكسر بسلسلة من فضة؟
يجوز، لحديث الباب، وهذا مستثنى من تحريم استعمال الذهب والفضة، لكن لابد من شروط:
أولاً: أن يكون ذلك من فضة.
لورود النص فيه.
وأما الذهب فلا يجوز، لأنه أغلى ثمناً وأشد تحريماً، ولأنه لو كان جائزاً لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في الإناء، لأنه أبعد عن الصدأ بخلاف الفضة.
ثانياً: أن يكون لحاجة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذها إلا عند الحاجة، وهو الكسر. (الحاجة هنا ليس معناها أنه لا يجد غيرها من الحديد والنحاس والصفر أو نحوها، وإنما معناها أن يتعلق بإصلاحه غرض من غير أغراض الزينة وتجميل الإناء).
ثالثاً: أن يكون يسيراً.
لأن هذا هو الغالب في القدح، يعني كونه صغيراً، والغالب أنه إذا انكسر فإنه لا يحتاج إلى شيء كثير، والأصل التحريم، فنقتصر على ما هو الغالب. [الشرح الممتع].
•
ما رأيك بمن يقول: يكره مباشرة الفضة التي ربط بها الإناء عند الشرب؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يكره.
فلو أن إنساناً عنده إناء به ضبة وأراد أن يشرب من هذا الإناء، فإنه لا يباشر هذه الضبة حال شربه بشفتيه
وقيل: لا يكره، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
أ- لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل على كراهة مباشرة الضبة حال الاستعمال مادمنا قد قلنا بإباحتها.
ب- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حال استعماله لقدحه المضبب بالفضة لم يثبت عنه أنه كان يتوقى هذه الجهة المضببة. [شرح العمدة للطيار].
ج- أن الشيء إذا أُذِنَ فيه كان مباحاً، فما دام الشرع قد أذن به فإنه يكون مباحاً. [شرح البلوغ لابن عثيمين].
•
متى يجوز استعمال الذهب؟
لا يجوز استعماله إلا عند الضرورة، كأن يستعمله في الأسنان، أو في الأنامل، أو الأنف، أو غير ذلك.
لحديث عن عرفجة بن أسعد (أنه أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب). رواه الترمذي وأبو داود وحسنه النووي
قال النووي: ويوم الكلاب هو بضم الكاف، وهو يوم معروف من أيام الجاهلية كانت لهم فيه وقعة مشهورة، والكلاب اسم لماء من مياه العرب كانت عنده الوقعة، فسمي ذلك اليوم يوم الكُلاب، وأما عرفجة الراوي فهو بفتح العين وهو عرفجة بن أسعد بن كَرِب بن صفوان التميمي الفطاري رضي الله عنه.
قال النووي رحمه الله في (المجموع)(1/ 312) قول المصنف: " إن اضطر إلى الذهب جاز استعماله " فمتفق عليه، وقال أصحابنا: فيباح له الأنف والسن من الذهب ومن الفضة، وكذا شد السن العليلة بذهب وفضة جائز " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: لا يباح اليسير من الذهب، ولا يباح منه إلا ما دعت الضرورة إليه، كأنف الذهب، وما ربط به أسنانه.
وقال الحجاوي في متن (زاد المستقنع) ويباح للذكر من الفضة الخاتم
…
ومن الذهب .. ، ما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه .. "
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قوله: " ونحوه " أي: مثل السن والأذن.
مثاله: رجل انكسر سنه، واحتاج إلى رباط من الذهب، أو سن من الذهب، فإنه لا بأس به.
ولكن إذا كان يمكن أن يجعل له سناً من غير الذهب، كالأسنان المعروفة الآن، فالظاهر أنه لا يجوز من الذهب؛ لأنه ليس بضرورة، ثم إن غير الذهب وهي المادة المصنوعة أقرب إلى السن الطبيعي من سن الذهب، وكذلك إذا اسودّ السن ولم ينكسر، فإنه لا يجوز تلبيسه بالذهب؛ لأنه لا يعتبر ضرورة ما لم يخش تكسره أو تآكله، فإنه يجوز. (الشرح الممتع).
•
اذكر بعض الأحاديث التي تدل على التيسير بالفضة أكثر من الذهب؟
أ-حديث الباب.
ب-ويجوز اتخاذ خاتم من فضة، لحديث ابن عمر قال (اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورِق، وكان في يدهِ، ثم كان بعدُ في يد أبي بكر، ثم كان بعدُ في يد عمر، ثم كان بعد في يد عثمان) متفق عليه.
ج- وقال صلى الله عليه وسلم (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعباً) رواه أبو داود.
بَابُ إِزَالَةِ اَلنَّجَاسَةِ وَبَيَانِهَا
24 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (سُئِلَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اَلْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ قَالَ: لَا) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
===
(سُئِلَ رَسُولُ اَللَّهِ) لم يبين به هنا السائل، لكن جاء في رواية عند أبي داود وأحمد:(أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلاً؟ قال: لا).
(عَنْ اَلْخَمْرِ) الخمر: ما أسكر العقل من عصير كل شيء ونقيعه، سواء كان من العنب أو التمر أو غيرهما.
(تُتَّخَذُ خَلًّا) المراد باتخاذها خلاً هو علاجها حتى تصير خلاً بعدما تشتد وتقذف الزبد، وذلك بوضع شيء فيها، كبصل أو خبز أو خميرة ونحو ذلك، أو ينقلها من الظل إلى الشمس أو بالعكس.
•
هل الخمر نجسة أم طاهرة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنها نجسة.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ورجحه ابن تيمية والشنقيطي وابن باز رحم الله الجميع.
أ- لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس).
فقد سمى الله الخمر رجساً، والرجس النجس، قالوا: ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام معها، وذلك أن ثلاثتها قد خرجت بالإجماع.
قال الشنقيطي: يُفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمرَ نجسة العين، لأن الله تعالى قال (إنها رجس) والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس.
ب- ولقوله تعالى (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً).
قال الشنقيطي: لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور، يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح الله بها خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا كقوله (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ) وكقوله (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ) بخلاف خمر الدنيا ففيها غوْل يغتال العقول وأهلها، يُصدعون، أي: يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس.
ج- حديث أبي ثعلبة الخشني السابق، حيث في رواية أبي داود (إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر
…
).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أبا ثعلبة الخشني وقومه بغسل أواني أهل الكتاب التي يطبخون فيها الخنزير، ويشربون فيها الخمر، وأن لا يستعملوها إلا إذا لم يجدوا غيرها بعد أن يغسلوها، والأمر بغسلها دليل نجاستها.
واستدلوا من العقل من ثلاثة أوجه:
أولها: أن الخمر شيء حرم تناوله من غير ضرر، فكان نجساً كالدم.
والثاني: القياس على الكلب تغليظاً وزجراً.
والثالث: أن من تمام تحريمها، وكمال الردع عنها الحكم بنجاستها حتى يتقذرها العبد، فيكف عنها قربناً، بالنجاسة وشرباً بالتحريم، فالحكم بتحريمها يوجب نجاستها. (المجموع شرح المهذب).
القول الثاني: أنها طاهرة ليست بنجسة.
وهذا قال به ربيعة الرأي، والليث بن سعد، والمزني صاحب الشافعي، ورجحه الألباني، والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
أ-لحديث أنس بن مالك قال: (كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة
…
فإذا مناد ينادي، فقال: اخرج فانظر، فخرجت فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فجرت في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فأهرقتها). متفق عليه
قال الشيخ ابن عثيمين: وطرقات المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً لإراقة النجاسة، ولهذا يحرم على الإنسان أن يبول في الطريق، أو يصيب فيه النجاسة.
ب-وعن ابن عباس قال: (إن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله قد حرمها؟ قال: لا، فسارَّ إنساناً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها). رواه مسلم
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له: اغسلها، وهذا بعد التحريم بلا ريب.
ج-ولأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة.
قالوا: وأما الجواب عن الآية: بأن يقال بأن المراد بالنجاسة النجاسة المعنوية لا الحسية، بدليل أنها قرنت بالأنصاب والأزلام والميسر، ونجاسة هذه معنوية.
والراجح قول الجمهور والله أعلم.
•
ما الجواب عن إراقة الصحابة لها بالشوارع؟
قال القرطبي:
…
والجواب أن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم، ..... ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور.
وأيضاً فإنه يمكن التحرز منها، فإن طرق المدينة واسعة ولم يكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهراً يعم الطرق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها، هذا مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها، وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك. (الجامع لأحكام القرآن).
•
ما الحكم إذا تخللت الخمر بنفسها؟
إن تخللت بنفسها بدون فعل آدمي: فإنها تطهر.
قال النووي: وأجمعوا على أنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت، وقد حكي عن سحنون أنها لا تطهر، فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله.
•
ما الحكم إذا تخللت بفعل آدمي؟ كما لو تخللت بأن أضاف إليها إنسان شيئاً، أو نقلها من الشمس إلى الظل أو العكس؟
الصحيح من أقوال العلماء أنه لا يجوز ولا تطهر.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
لحديث الباب.
ووجه الدلالة: أنه لو كان هناك طريق للانتفاع لتطهير الخمر لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حفظاً للأموال، وأيضاً كما في الرواية الأخرى:(كانت لأيتام) والأيتام أولى بحفظ أموالهم، فلو كان تخليلها جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قوله (أهرقها) دليل على أنه لا يجوز تخليلها، لأنه يجب إراقتها ولا يجوز اقتناؤها.
•
ما حكم شرب الخل؟
حلال.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ، وَيَقُولُ: نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ)
(الأُدُم) جمع إدام وهو ما يؤكل بالخبز.
قال النووي رحمه الله في "شرح حديث مسلم": في الحديث فضيلة الخل وأنه يسمى أُدُماً، وأنه فاضل جيد.
وجاء في "الموسوعة الفقهية"(19/ 262): لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِ وَشُرْبِ الْخَلِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْعِنَبِ أَمْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْلِ خَلِّ الْخَمْرِ الَّتِي تَخَلَّلَتْ (أي تحولت إلى خل) بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ عِلَاجٍ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ).
25 -
وَعَنْهُ قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ، فَنَادَى: إِنَّ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ اَلْحُمُرِ [اَلْأَهْلِيَّةِ]، فَإِنَّهَا رِجْسٌ") مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(يَوْمُ خَيْبَرَ) اسم حصون وقلاع ومزارع لليهود تبعد عن المدينة [160] كيلو متر، وكان يوم خيبر في السنة (7) من الهجرة.
(لُحُومِ اَلْحُمُرِ اَلْأَهْلِيَّةِ) الحُمُر بضمتين جمع حمار، والأهلية نسبة إلى الأهل، أي: الحيوان الأليف، احترازاً من الحمر الوحشية فهي حلال، قال الإمام المناوي في فيض القدير:(الحمر الأهلية هي التي تألف البيوت، ولها أصحاب ترجع إليهم، وهي الإنسية ضد الوحشية) أما الوحشية فهي التي تعيش في البراري والصحاري، وليست مملوكة لأحد، وليس لها أهل ترجع إليهم.
(فَإِنَّهَا) أي: لحمها.
(رِجْس) الرجس: كل شيء مستقذر.
•
في هذا الحديث أن المنادي هو أبو طلحة، وجاء عند مسلم أن المنادي أيضاً بلالاً، وجاء عند النسائي أن المنادي بذلك هو عبد الرحمن بن عوف، فكيف الجمع؟
أ- لعل عبد الرحمن بن عوف نادى أولاً بالنهي مطلقاً، ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله:(فإنها رجس).
ب- وقد يحمل أن المعسكر كان واسعاً، فنادى هؤلاء كلهم بهذا الأمر. [نيل الأوطار].
•
ما حكم لحوم الحمر الأهلية؟
حرام.
قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم. [قاله النووي].
قال ابن قدامة رحمه الله: أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية. قال أحمد: خمسة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها. قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها. (المغني).
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث ابن عمر رضي الله عنه قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية). متفق عليه
ج-ولحديث علي رضي الله عنه قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية) متفق عليه.
د-ولحديث ابن أبي أوفى قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر). رواه البخاري.
هـ- عن أبي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّة) متفق عليه.
فهذه الأحاديث فيها النهي الصريح عن لحوم الحمر الأهلية.
قال ابن القيم: أحاديث النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم علي، وجابر، والبراء، وابن أبي أوفى، و
…
، والعرباض، وأبو ثعلبة، وابن عمر، وأبو سعيد، وسلمة، ....
• قال بعض العلماء بإباحتها استلالاً بقوله تعالى (قُلْ لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)، حيث: إن الله تعالى
لم يذكر الحمر الإنسية مع هذه المحرمات، فما الجواب عن الآية؟
الجواب عن الآية:
أ- أن آية الأنعام مكية، وخبر التحريم متأخر جداً، فهو متقدم.
ب- وأيضاً فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند نزولها، فإنه حينئذٍ لم يكن ينزل في تحريم المأكول إلا ما ذكر فيها وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك غير ما فيها.
•
ما العلة في تحريم لحوم الحمر الأهلية؟
قيل: لحاجتهم إليها.
فقد جاء في حديث ابن عمر: (
…
وكان الناس قد احتاجوا إليها).
لكن يرد هذا القول حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل) فلو كان النهي من أجل أنها حمولة الناس لكان النهي عن لحوم الخيل أولى.
وقيل: لأنها كانت تأكل العذرة.
وقيل: أنه إنما حرمت لأنها رجس في نفسها.
قال ابن القيم: وهذا أصح العلل، فإنها هي التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه في الصحيحين.
•
ما حكم شرب لبن الحمر للتداوي؟
إذا حرم لحمها حرم لبنها.
قال ابن قدامة: وألبان الحمر محرمة، في قول أكثرهم. ورخص فيها عطاء، وطاوس والزهري. والأول أصح; لأن حكم الألبان حكم اللحمان .... (المغني).
وقال أيضا (9/ 338): وَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ، وَلا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ، مِثْلِ أَلْبَانِ الأُتُنِ (جمع أتان وهي أُنثى الحمار)، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلا شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا) ; وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ:(إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: "المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها، وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا، عقوبةً لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله:(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم)، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حميةً لهم، وصيانةً عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
وأيضا: فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع. (زاد المعاد).
وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) لا يجوز التداوي بشرب ألبان الحمر الأهلية.
•
ما حكم أكل لحوم الحمر الوحشية؟
حلال.
وقد جاء في حديث جابر قال (أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي) رواه مسلم.
وفي حديث أبي قتادة قال (قلت: يا رسول الله، أصبت حمار وحش وعندي منه فاضلة، فقال للقوم: كلوا، وهم محرمون). متفق عليه.
فقد أمر صلى الله عليه وسلم الصحابة بالأكل من حمار الوحش وهم محرمون، وهذا دليل على حله.
- سبق أن سؤر الحمار الأهلي طاهر وسبقت الأدلة على ذلك في حديث الهرة.
•
ما الجمع بين حديث الباب حيث جمع بين اسم الله واسم الرسول في ضمير واحد،
وبين حديث عدي بن حاتم: أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى؟
الجمع من وجوه:
أ- أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فيجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه، وذلك ممتنع على غيره.
ب- أن الإنكار على هذا الخطيب، لأن الخطبة شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات، وثنّى الضمير في حديث الباب، لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما تعليم حكم.
قال النووي: والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم.
26 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رضي الله عنه قَالَ: (خَطَبَنَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفَيَّ.) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
===
(بِمِنًى) أحد المشاعر المقدسة، سميت بذلك لكثرة ما يمنى بها من الدماء.
(وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) جملة حالية، والراحلة: المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى.
(وَلُعَابُهَا) اللعاب: بضم اللام ما سال من الفم.
•
ما حكم لعاب البعير؟
طاهر وليس بنجس، وهذا بإجماع المسلمين.
أ-لحديث الباب، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى اللعاب يسيل على عمرو بن خارجة ولم يأمر بغسله، وإقراره على الشيء من سنته.
ب- ولأن الأصل هو الطهارة.
• فإن قال قائل: ربما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم؟
فالجواب: أن الله تعالى يعلم، ولو كان نجساً لم يقره الله تعالى عليه، فإقراره عليه دليل على طهارته.
•
هل مثل البعير بقية بهيمة الأنعام؟
نعم، فكل حيوان مباح الأكل، فلعابه وبوله وروثه وسائر فضلاته كلها طاهرة.
ومما يدل على ذلك: حديث جابر بن سمرة (قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) رواه مسلم، فأذِنَ له صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مرابض الغنم، ومرابضها لا تخلو من بولها وروثها.
وأما النهي عن مبارك الإبل فليس من أجل النجاسة، لكن ورد عند أبي داود من حديث البراء قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين). رواه أبو داود.
•
اذكر بعض الأدلة على استحباب أن يكون الخطيب على موضع مرتفع؟
أ- ما روي أَنَّ نَفَراً جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ وَمَنْ عَمِلَهُ وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ - قَالَ - فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ فَحَدِّثْنَا. قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ قَالَ أَبُو حَازِمٍ إِنَّهُ لَيُسَمِّيهَا يَوْمَئِذٍ: انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَاداً أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا، فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهْيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ «يَا أُيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) متفق عليه.
قال الحافظ: وفيه استحباب اتخاذ المنبر، لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه.
ب-عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْه) رواه البخاري.
ج-عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت (وَمَا أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إِلاَّ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاس) متفق عليه.
د- عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال (جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ «أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ». قَالَ لَا. فَقَالَ «ارْكَع) متفق عليه.
و- لأن الخطبة على المنبر أبلغ في إعلام الحاضرين الذي يتحقق به مقصود الخطبة.
ز_ أن الإمام إذا كان على منبر شاهده الناس، وإذا شاهدوه كان أبلغ في وعظهم.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز الخطبة والموعظة على الراحلة.
- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم.
- استحباب الخطب والمواعظ على الأمكنة العالية، لأنه أبلغ في الإعلام.
27 -
وَعَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ اَلْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اَلصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ اَلثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ اَلْغُسْلِ فِيهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
28 -
وَلِمُسْلِمٍ: (لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبٍ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا، فَيُصَلِّي فِيهِ).
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: (لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفُرِي مِنْ ثَوْبِهِ).
===
(كُنْتُ أَفْرُكُهُ) الفرك أن تحكه بيدك حتى يتفتت ويتقشر ما علق به.
•
عرف المني، وما هي صفاته التي يعرف بها؟
المني: هو الماء الدافق الذي يخرج من الإنسان بشهوة ويعقبه فتور وارتخاء.
قال النووي:
…
خواصه التي عليها الاعتماد في معرفته، وهي ثلاث:
إحداها: الخروج بشهوة مع الفتور عقيبه.
والثانية: الرائحة التي تشبه الطلع أو العجين.
والثالثة: الخروج بتزريق ودفع في دفعات.
فكل واحدة من هذه الثلاثة كافية في كونه منياً، ولا يشترط اجتماعها، فإن لم يوجد منها شيء، لم يحكم بكونها منياً. [المجموع]
•
ما حكم المني، هل هو طاهر أم نجس؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه طاهر.
وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود الظاهري.
ونسبه النووي إلى الكثيرين وأهل الحديث، قال: وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة، قال: وغلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته.
أ- رواية الفرك، وأن عائشة كانت تفركه، فلو كان نجساً ما اكتفت بفركه.
ب- حديث ابن عباس قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب، فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بأذخرة). رواه الدار قطني والبيهقي. قال ابن القيم: إسناده صحيح، وقال البيهقي:" الصحيح الموقوف ".
وجه الدلالة: أن الرسول قرنه بالمخاط والبصاق، وهذه الأشياء طاهرة بالإجماع.
ج- أن الأصل الطهارة، فلا ننتقل عنها إلا بدليل.
القول الثاني: أنه نجس.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية.
قال ابن حزم: وروينا غسله عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وأنس، وسعيد بن المسيب.
أ- لرواية غسله في قول عائشة (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة .... ) والغسل لا يكون إلا للشيء النجس.
ب- حديث عمار مرفوعاً: (إنما يغسل الثوب من الغائط والبول والمذي والمني والدم والقيء). أخرجه البزار وأبو يعلى وابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي، وهو حديث لا يصح، قال البيهقي: هذا حديث باطل.
ج- مجموعة من الآثار عن بعض الصحابة أنهم كانوا يغسلون المني.
والصحيح الأول وأنه طاهر، وعليه فلو صلى الشخص وعلى ثوبه مني فصلاته صحيحة.
•
ما الجواب عن رواية (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ اَلْمَنِيَّ ....
)؟
لا معارضة بين حديث الغسل والفرك، لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني، بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث. [الفتح].
•
هناك أربعة أشياء تخرج من قُبُل الإنسان، اذكرها وما حكمها؟
أ- المذي: وهو ماء رقيق لزج يخرج عند الشهوة والانتشار كما يحصل عند الملاعبة وتذكر الجماع، وهو نجس إجماعاً. [وستأتي مباحثه إن شاء الله].
ب- البول: وهو نجس إجماعاً.
ج- الودي: وهو ماء أبيض كدِر ثخين، يخرج عقب البول، وهو نجس إجماعاً.
د- المني، وسبق تعريفه، وهو طاهر على القول الراجح.
•
الخارج من الإنسان ثلاثة أشياء اذكرها وحكمها؟
أ- طاهر بلا نزاع، وهو الدمع والريق والمخاط والبصاق والعرق.
ب- نجس بلا نزاع، وهو البول والغائط والمذي والودي.
ج- مختلف فيه، وهو المني.
29 -
وَعَنْ أَبِي اَلسَّمْحِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ اَلْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ اَلْغُلَامِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
===
(اَلْجَارِيَةِ) هي الفتية من النساء، والمراد هنا: الصغيرة التي في زمن الرضاع.
(وَيُرَشُّ) أي: يصب عليه الماء بحيث يعم مكان البول.
(اَلْغُلَامِ) هو الابن الصغير، والمراد هنا: زمن الرضاع.
•
اذكر بعض الشواهد لحديث الباب؟
منها: حديث أم قيس بنت محصن (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله). متفق عليه
وحديث عائشة قالت (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه، فبال عليه فأتبعه الماء) متفق عليه
ولمسلم (فبال عليه فدعا بماء، فأتبعه بوله ولم يغسله).
وحديث أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت (بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبس ثوباً غيره حتى أغسله، فقال: إنما ينضح من بول الذكر، ويغسل من بول الأنثى). واه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وابن خزيمة وابن حبان
•
ما كيفية تطهير بول الغلام والجارية؟
اختلف العلماء في كيفية تطهير بول الغلام والجارية على قولين:
القول الأول: أن بول الغلام يكفي فيه النضح، وبول الجارية يغسل.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
قال الشوكاني: وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وإسحاق.
واستدلوا هؤلاء بالأحاديث الماضية التي فيها التفريق بين بول الغلام وبول الجارية، فالأحاديث السابقة بعضها يفعل النبي صلى الله عليه وسلم بالنضح في بول الغلام، وبعضها فرق بصريح القول بين بول الغلام وبول الجارية.
فثبت بهذه الأحاديث أن حكمهما مختلف، فحكم بول الغلام النضح، وحكم بول الجارية الغسل.
القول الثاني: هما سواء في وجوب الغسل.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية.
استدلوا بالعمومات التي جاءت في غسل البول.
أ-كحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من
بوله
…
).
ب-وحديث الأعرابي الذي بال في المسجد وقد سبق.
والراجح القول الأول وهو التفريق لصحة الأحاديث بذلك.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني؟
الجواب:
أن هذه الأدلة عامة، وأحاديث الباب خاصة، والخاص يقضي على العام.
قال الشوكاني: وأما الحنفية والمالكية فاستدلوا لما ذهبوا إليه بالقياس، فقالوا المراد بقوله (ولم يغسله) أي غسلاً مبالغاً فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد من الأحاديث في التفرقة بين بول الغلام والجارية.
•
ما المراد بالغلام الذي لم يأكل الطعام؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: ما عدا اللبن فقط.
وقيل: لم يأكل شيئاً.
وقيل: المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة، ورجحه الحافظ ابن حجر. (الفتح).
قال ابن القيم رحمه الله: إنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذياً به. (تحفة المودود).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه، بل إذا كان يريد الطعام ويتناوله ويشرئب إليه (أي: يتطلع إليه ويطلبه)، أو يصيح أو يشير إليه، فهذا هو الذي يطلق عليه أنه يأكل الطعام).
•
ما الحكمة من التفريق بين بول الغلام وبول الجارية؟
قيل: أن بول الأنثى أنتن وأثقل من بول الغلام.
وقيل: أن بول الغلام يجتمع فيكتفى برشه، وأما بول الجارية فينتشر فلا بد من غسله.
وقيل: كثرة حمل الرجال والنساء للذكور، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليه غسله.
ورجحه الحافظ ابن حجر وقال: وأقوى ما قيل في ذلك: أن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة.
•
هل البول نجس أم طاهر؟
البول نجس، لا فرق بين بول الكبير والصغير.
قال النووي: واعلم أن هذا الخلاف في كيفية الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري، قال الخطابي وغيره: وليس تجويز من جوز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته فهذا هو الصواب.
•
ما الفرق بين النضح والغسل؟
النضح: هو أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره، ورجحه النووي.
وقال الشيخ ابن عثيمين: والنَّضح: أن تُتْبِعَهُ الماء دون فَرْكٍ، أو عَصْرٍ حتى يشمله كلَّه.
وأما الغَسْل: فهو أن يغسله ويغمره بالماء.
•
ما حكم بول الصبي إذا أكل؟
إذا أكل الصبي الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف. [قاله النووي].
• قوله (بول الغلام) يخرج الغائط، فلا بد من غسله.
30 -
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ - فِي دَمِ اَلْحَيْضِ يُصِيبُ اَلثَّوْبَ- ("تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ") مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(تَحُتُّهُ) أي تحكه وتقْشُرُه، وقد أخرجه ابن خزيمة بلفظ (فحكيه) والمراد بذلك إزالة عينه ليهون غسله بالماء.
(ثُمَّ تَقْرُصُهُ) أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما يشربه الثوب منه.
(ثُمَّ تَنْضَحُهُ) قيل: المراد به الرش، ورجحه القرطبي. وقيل: المراد الغسل، ورجحه الخطابي وابن حجر، لأنه جاء في روايات أخرى أنه قال:(تغسله).
•
ما حكم دم الحيض؟
نجس إجماعاً، قاله النووي.
لحديث الباب.
•
ما كيفية تطهير الثوب من الحيض؟
دل الحديث على أن المرأة إذا رأت دم الحيض فعليها:
أولاً: أن تحته، أي: تحكه، والمراد بذلك إزالة عينه.
ثانياً: بعد الحت عليها أن تقرصه بالماء بأطراف أصابعها، ليتحلل بذلك ويخرج ما يشربه الثوب منه.
ثالثاً: ثم بعد القرص تنضحه، أي: تغسله.
•
هل يشترط الماء لإزالة النجاسة؟
استدل بعضهم بحديث الباب باشتراط الماء لإزالة النجاسة، والصحيح أنه لا يشترط وأن النجاسة عين خبيثة متى زالت زال حكمها، وقد سبقت المسألة.
ولذلك قال النووي: وفيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد بل يكفي فيها الإنقاء.
•
ما حكم الدم الخارج من غير السبيلين كدم الرعاف والسن والجروح ونحوها؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه نجس.
وهذا قول جماهير العلماء، بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك.
قال الإمام النووي رحمه الله: الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين، إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال: هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات " انتهى "المجموع" (2/ 576).
وقد نقل إجماع العلماء على نجاسة الدم كله جماعة كبيرة من أهل العلم:
منهم ابن حزم في "مراتب الإجماع"(ص/ 19)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 230)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(2/ 210)، وابن رشد في "بداية المجتهد"(1/ 79)، وابن حجر في "فتح الباري"(1/ 352) وغيرهم.
القول الثاني: أنه طاهر عدا دم الحيض.
وهذا قول الشوكاني والألباني والشيخ ابن عثيمين. قالوا:
أ- أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة.
ب- ولقصة الصحابي الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم وهو قائم يصلي في الليل، فمضى في صلاته والدماء تسيل منه، وذلك في غزوة الرقاع.
ج- وقال الحسن (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم)، (وصلى عمر وجرحه يثعب دماً).
والله أعلم.
•
اذكر أحكام الدم؟
أولاً: الدم الخارج من الإنسان؛ إن كان من السبيلين - القبل والدبر - كدم الحيض، فلا خلاف في نجاسته.
لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب: (تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه).
ثانياً: أما الخارج من غير السبيلين؛ كدم الرعاف والسن والجروح وغيرها؛ ففيه قولان كما سبق.
ثالثاً: الدم الخارج من حيوان نجس، كدم الكلب والخنزير؛ فهذا نجس قليله وكثيره لنجاسة عينه.
رابعاً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة بعد الموت، كالإبل، والبقر، والغنم، فهذا إن كان مسفوحاً - وهو الذي يسيل - فهو نجس، وإن كان مما يبقى في المذبح أو يكون على اللحم؛ فهو طاهر، لأن الله إنما حرم المسفوح، فما ليس بمسفوح فهو حلال.
31 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ خَوْلَةُ: (يَا رَسُولَ اَللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ اَلدَّمُ؟ قَالَ: "يَكْفِيكِ اَلْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ") أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَسَنَدُهُ ضَعِيف.
===
(وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه) أي أثر الدم، أما إذا بقي شيء من جرمه فإنه لا يكفي.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً، وما صحته؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن خولة قالت: (يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، قال (فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله، إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره). رواه أبو داود.
وهو حديث ضعيف، لأن في إسناده ابن لهِيعَة، وهو ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود ولم يخرجه الترمذي كما ذكره المصنف رحمه الله.
•
هل يؤثر إذا غسل الدم وذهب لكن بقي أثره؟
الحديث يدل على أنه يعفى عما بقي من أثر لون دم الحيض بعد الاجتهاد في الغسل.
لقوله (ولا يضركِ أثرُه).
ولعموم قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
ولأنه من المعلوم أن الغَسْل قد لا يُذهب اللون.
وأيضاً: إن مجرد اللون ليس خبثاً، وإنما الخبث عين النجاسة، وقد زالت فيبقى اللون لا أثر له.
باب الوضوء
مقدمة:
الوضوء بضم الواو: الفعل، وبفتحها: الماء المتوضأ به.
وهو لغة: النظافة والإنارة.
وشرعاً: التعبد لله تعالى بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
وهذا من باب التغليب لأن الرأس يمسح.
- وسمي الوضوء بذلك، لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه. [النووي].
- والوضوء من أعظم شروط الصلاة.
لحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه.
ولحديث ابن عمر. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا تُقبلُ صلاةٌ بغير طُهور، ولا صدقةٌ من غُلول) رواه مسلم.
قال النووي: وهذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة.
32 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(لَوْلَا) حرف امتناع لوجود، أي: إنها تدل على امتناع شيء لوجود شيء آخر.
(أَنْ أَشُقَّ) أي: أثقل.
(عَلَى أُمَّتِي) المراد بهم أمة الإجابة، وهم من آمن به واتبعه.
(لَأَمَرْتُهُمْ) أي: لألزمتهم.
(بِالسِّوَاكِ) اسم للعود الذي يستاك به من الأراك وغيره، والمراد هنا الفعل.
•
ما حكم السواك؟
مستحب.
قال الخطابي: فيه من الفقه أن السواك غير واجب، وذلك أن (لولا) كلمة تمنع الشيء لوقوع غيره، فصار الوجوب بها ممنوعاً.
قال النووي: هو سنة ليس بواجب في حال من الأحوال لا في الصلاة ولا في غيرها بإجماع من يعتد به في الإجماع.
•
اذكر متى يتأكد السواك؟
يتأكد في مواضع:
أ- عند دخول المنزل.
عن عائشة. قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك). رواه مسلم
(في تسوكه صلى الله عليه وسلم عند دخول المنزل أدب يتمثل في حسن معاشرته الأهل فيبدأ بالسواك أول ما يدخل بيته).
ب- عند الصلاة.
لحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) متفق عليه.
وهذا شامل لكل صلاة فرض أو نفل.
ج- عند قيام الليل.
لحديث حذيفة. قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) متفق عليه
(إذا قام من الليل) يعني لصلاة التهجد، وتدل عليه رواية لمسلم (إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك).
د- عند تغير رائحة الفم.
عن عائشة. قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب). رواه النسائي
وتغيره يكون بأشياء منها: ترك الأكل والشرب، ومنها: أكل ماله رائحة كريهة، ومنها: طول السكوت، ومنها: كثرة الكلام.
هـ- عند الوضوء.
كما في حديث الباب.
•
متى يكون السواك في الوضوء؟
اختلف العلماء في تحديد مكان السواك عند الوضوء؟
القول الأول: قبل الوضوء.
لرواية (عند كل وضوء).
القول الثاني: في أثناء الوضوء، وذلك عند المضمضة.
لرواية (مع كل وضوء)، فإن (مع) تفيد المصاحبة.
والراجح الأول لأمرين:
أولاً: لأنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تسوك أثناء الوضوء.
ثانياً: جاء في حديث ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة ووصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الليل وفيه (فاستيقظ وتسوك وتوضأ
…
).
•
ما حكم السواك للصائم بعد الزوال؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين؟
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور وإسحاق.
أ-لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). متفق عليه
وجه الدلالة: أن السواك يزيل هذه الرائحة التي نشأت عن عبادة الله، والخلوف لا يكون إلا بعد الزوال غالباً.
ب-ولحديث علي. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي). رواه البيهقي والدارقطني، وضعفه الدارقطني والبيهقي، وقال الحافظ: إسناده ضعيف.
القول الثاني: أنه غير مكروه وأنه سنة في كل وقت.
وبه قال أبو حنيفة ومالك واختار هذا القول ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (مع كل وضوء) وأيضاً في حديث (مع كل صلاة) فهذه الأحاديث لم تقيّد ذلك بوقت معين لا للصائم ولا لغيره.
ب-ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).
قال الشوكاني: وقد أطلق السواك ولم يخصه بوقت معين، ولا بحالة مخصوصة، فأشعر بمطلق شرعيته.
ج-وعن ربيعة بن عامر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أحصي يتسوك وهو صائم). رواه أبو داود والترمذي.
وهذا القول هو الراجح وقد رجحه من الشافعية ابن عبد السلام، والنووي والمزني.
•
ما الجواب عن أدلة القول الأول (أنه مكروه)؟
الجواب:
أما حديث (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة) فحديث ضعيف.
وأما حديث (لخلوف فم الصائم
…
) فلا يسلم الاستدلال به:
أولاً: لأن خلوف فم الصائم ليس سببه الأسنان بل خلو المعدة من الطعام.
ثانياً: أننا لسنا بمتعبدين بهذه الرائحة، فلا يترك السواك لأجل إبقاء رائحة الفم.
•
هل يحصل على السنة من يتسوك بغير السواك؟
فيه خلاف:
قيل: لا يصيب السنة من استاك بأصبعه أو بخرقة.
لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل به الإنقاء.
وقيل: يصيب السنة.
وقيل: يصيب السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها. [قاله في المغني].
وهذا القول هو الراجح.
•
هل يستاك باليد اليسرى أم باليد اليمنى؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: باليمنى.
واختيار ابن قدامة وغيره من الحنابلة، وبعض الشافعية كابن الملقن.
لأنَّه سنَّة، والسَّنَّة طاعة لله عز وجل فلا تكون باليسرى.
ففي حديث عائشة (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كلِّه) متفق عليه.
وزاد أبو داود (وسواكه).
القول الثاني: أنه يستاك باليسرى.
وهذا مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة، وقال به شيخ الإسلام والعلامة ابن باز، لكن يرون أن يبدأ بالجهة اليمنى من الفم.
لأنه من باب إزالة الأذى.
وقد سُئِلَ شيخ الاسلام رحمه الله عن السواك: هل هو باليد اليسرى أولي من اليد اليمني أو بالعكس؟ وهل يسوغ الإنكار على من يستاك باليسرى؟ وأيما أفضل؟
الحمد لله رب العالمين، الأفضل أن يستاك باليسرى، نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور الكَوْسَج، ذكره عنه في مسائله وما علمنا أحدًا من الأئمة خالف في ذلك؛ وذلك لأن الاستياك من باب إماطة الأذى، فهو كالاستنثار والامتخاط؛ ونحو ذلك مما فيه إزالة الأذى، وذلك باليسرى، كما أن إزالة النجاسات كالاستجمار ونحوه باليسرى، وإزالة الأذي واجبها ومستحبها باليسرى.
القول الثالث: إن تسوك لتطهير الفم فيكون باليسار، وإن تسوك لتحصيل السنة تسوك باليمنى.
وهذا قول بعض المالكية.
والله أعلم.
•
ما رأيك بمن يجعل السواك بيده أثناء الصلاة؟
جعل السواك في يده أثناء الصلاة هذا خطأ ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعله بين أصابعه أثناء الصلاة.
•
في الحديث شدة شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه عليهم، اذكر بعض صور شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بأمته؟
- حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة.
قال عليه السلام: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض ـ ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء ـ فقال:
فيأتونني فأقول: أنا لها، فاستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي
…
الحديث). رواه البخاري ومسلم
ودعوى الأنبياء يومئذ: اللهم سلم سلم.
- حرصه على هداية أمته.
قال صلى الله عليه وسلم لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (ربِّ إنهنَّ أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني) وقول عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فسله: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنّا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك). رواه مسلم
- شفقته بنساء أمته.
قال عليه السلام: (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه). رواه البخاري
- وقال في الحج:
(أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه). رواه مسلم
- وقال في الصيام:
ولما صلى في رمضان، وصلى ناس بصلاته، ترك القيام في الليلة الثالثة أو الرابعة، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال:(أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها). متفق عليه
هذه أمثلة لا يراد بها الحصر، ولا شك أنها تدل على شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه عليهم.
•
اذكر بعض الفوائد العامة في الحديث؟
…
أ- أن الأصل في الأمر الوجوب ما لم يرد دليل يصرفه.
ب-المشقة تجلب التيسير.
33 -
وَعَنْ حُمْرَانَ; (أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه دَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اَلْيُمْنَى إِلَى اَلْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اَلْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اَلْيُمْنَى إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اَلْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(عَنْ حُمْرَانَ) هو ابن أبَان بن خالد، ثقة من التابعين.
(دَعَا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به، أي: طلب ماء يتوضأ به.
(فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كفيه: مثنى كف، وهي الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن.
(ثُمَّ مَضْمَضَ) أي: أدار الماء في فمه.
(وَاسْتَنْشَقَ) الاستنشاق: جذب الماء بالنفس إلى باطن الأنف.
(وَاسْتَنْثَرَ) الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف.
(ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ) الوجه مأخوذ من المواجهة، سمي بذلك لأنه يواجه به، وحده من منابت الشعر المعتاد إلى ما نزل من اللحية، ومن الأذن إلى الأُذن عرضاً.
(إِلَى اَلْمِرْفَقِ) المرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وهو مفصل العضد من الذراع، سمي بذلك لأنه يُرتفق به في الإتكاء ونحوه، أي: يستعان به.
(ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) أي: أمرَّ يده عليه مبلولة بالماء، والباء للإلصاق، لأن الماسح يلصق يده بالممسوح.
(إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ) مثنى كعب، والكعبان: عظمان ناتئان في أسفل الساق.
(تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا) أي: شبه وضوئي، وهو بضم الواو، لأن المراد به فعل الوضوء، وقد ورد عند أبي داود (توضأ مثل وضوئي هذا).
•
ما حكم غسل الكفين في بداية الوضوء؟
سنة، قال النووي: وهو كذلك باتفاق العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين: لأنها آلة الماء.
•
لماذا لا يقال بوجوب ذلك؟
لأن الله ذكر الوضوء في القرآن - كما في آية المائدة - وبدأ بغسل الوجه، ولم يذكر غسل الكفين.
قال ابن قدامة: وليس غسلهما بواجب عند غير القيام من النوم، بغير خلاف نعلمه.
•
ما حكم تقديم المضمضة على الاستنشاق؟
مستحب لقوله (ثُمَّ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ) وهذا مذهب جمهور العلماء، فلو خالف فلا بأس.
•
اذكر فروض الوضوء؟
فروض الوضوء، هي:
أولاً: غسل الوجه.
ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين.
ثالثاً: مسح الرأس.
رابعاً: غسل الرجلين إلى الكعبين.
وهذه الأربعة تدل عليها الآية، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
خامساً: الترتيب. (وسيأتي دليل ذلك إن شاء الله).
سادساً: الموالاة. (وسيأتي دليل ذلك إن شاء الله).
•
ما الواجب في عدد غسل أعضاء الوضوء؟
مرة واحدة.
قال النووي: هذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاث سنة.
عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة) رواه البخاري.
وعنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) رواه البخاري.
•
ما السنة في عدد غسل أعضاء الوضوء؟
ثلاث مرات ما عدا الرأس، فيستحب التثليث في غسل الوجه واليدين والرجلين.
لحديث الباب (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
…
ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اَلْيُمْنَى إِلَى اَلْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).
•
ما حكم أن يغسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً؟
جائز.
ففي حديث عبد الله بن زيد - في صفة الوضوء - (
…
ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى
المرفقين
…
) رواه البخاري.
قال النووي: فيه دلالة على جواز مخالفة الأعضاء، وغسل بعضها ثلاثاً وبعضها مرتين وبعضها مرة.
قال الشيخ ابن عثيمين: وقد كرِه بعض العلماء أن يخالف بين الأعضاء في العدد، فإذا غسلت الوجه مرة، فلا تغسل اليدين مرتين وهكذا، والصواب أنه لا يكره، فإنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم خالف فغسل الوجه ثلاثاً، واليدين مرتين، والأفضل أن يأتي بهذا مرة، وبهذا مرة.
•
ما حكم معاونة المتوضئ؟
جائزة من غير كراهة.
أ-لحديث المغيرة بن شعبة. قال (كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة خذ الإدَاوة فأخذتها، فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته، ثم جاء
…
فصببتُ عليه فتوضأ) متفق عليه.
ب-وعن أسامة بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة: فجعلت أصب عليه ويتوضأ) متفق عليه.
قال النووي عن حديث المغيرة: وفي هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة في الوضوء، وقد ثبت أيضاً في حديث أسامة بن زيد (أنه صب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه حين انصرف من عرفة).
ج-قال الحافظ في الفتح: روى الحاكم في المستدرك من حديث الربيّع بنت مُعوّذ أنها قالت (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال: اسكبي، فسكبت عليه).
قال الحافظ: وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر، ولكونه بصيغة الطلب
وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الاستعانة بأحد، لكنه قول ضعيف.
•
فإن قال قائل: لماذا لا يكون هذا مشروعاً، لأنه من باب التعاون على البر والتقوى؟
الجواب: لأن هذه عبادة ينبغي للإنسان أن يباشرها بنفسه، ولم يردْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما أراد أن يتوضأ طلب من يُعينه. [الشرح الممتع].
•
هل وردت أحاديث تنهى عن الاستعانة؟
جاء في هذا أحاديث ليست بثابتة النهي عن الاستعانة. [قاله النووي].
منها: حديث ابن عباس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد) رواه ابن ماجه وهو ضعيف.
ومنها: حديث العباس بن عبد الرحمن المدني قال (خصلتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلهما إلى أحد من أهله، كان يناول المسكين بيده، ويضع الطهور من الليل ويخمره) رواه ابن أبي شيبة وهو حديث ضعيف.
•
ما حكم من لم يستطع التطهر إلا بالاستعانة؟
إذا لم يمكنه التطهر إلا بالاستعانة فهنا تجب الاستعانة.
قال النووي: إذا لم يقدر على الوضوء لزمه تحصيل من يوضئه إما متبرعاً وإما بأجرة المثل إذا وجدها، وهذا لا خلاف فيه.
•
ما حكم الزيادة في الوضوء على ثلاث مرات؟
حرام، فإن لم تكن حراماً فهي مكروهة جداً.
أ-لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم كله لم يزد على ثلاث.
ب-ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعاء بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه
…
ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم) رواه أبو داود.
قال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى.
وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم.
•
ما حكم صلاة ركعتين بعد الوضوء؟
سنة، وفيها فضل عظيم، وهو مغفرة الذنوب.
فإن في الحديث زيادة (
…
ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وهذا الثواب الموعود به مرتب على الأمرين:
الأول: وضوؤه على الكيفية المذكورة.
الثاني: صلاة ركعتين عقب الوضوء بالوصف المذكور (لا يحدث فيهما نفسه) أي: لا يسترسل مع النفس مع إمكان دفعه وقطعه، أما ما يهجم على النفس ويتعذر دفعه فهو معفو عنه.
فائدة: حديث النفس ينقسم إلى قسمين:
أ- حديث نفس يهم على الإنسان فيدفعه فهذا لا يضره.
ب- حديث نفس يستمر ويسترسل معه فهذا يحرمه من فضل الوضوء وفضل هاتين الركعتين بعده وما يترتب على ذلك من المغفرة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- الحديث دليل على فضل الصلاة عقب الوضوء.
- الحث دليل على الاعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه والعمل بذلك.
- التعليم بالفعل، لكونه أبلغ، وأضبط في إيصال العلم للمتعلم.
- فضل نشر العلم وتبليغه.
34 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي صِفَةِ وُضُوءِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً.) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
===
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ (أَتَانَا عَلِيٌّ رضي الله عنه وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى مَا يُرِيدُ، إِلاَّ لِيُعَلِّمَنَا، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ فَأَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ هَذَا).
•
ما الفرق بين المسح والغسل؟
المسح لا يحتاج إلى جريان الماء، بل يكفي أن يغمس يده في الإناء ثم يمسح بها رأسه.
وأما الغسل فلا بد من جريان الماء.
•
ما المشروع في الرأس المسح أم الغسل؟
المشروع فيه المسح، وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم دائماً.
أ-ففي حديث الباب (ومسح برأسه
…
).
ب-وفي حديث عثمان السابق (ومسح برأسه .. ).
ج-وفي حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين (
…
ثم أدخل يده فمسح رأسه).
•
ما الحكم لو غسل رأسه بدلاً من مسحه؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أنه يجزئ.
لأن الله أسقط الغَسل تخفيفاً، فإذا غسله فقد اختار لنفسه ما هو أغلظ.
القول الثاني: يجزئ مع الكراهة.
وهذا المذهب.
القول الثالث: أنه لا يجزئ.
لأنه خلاف أمر الله ورسوله.
والصحيح أنه مكروه جداً.
•
كم مرة يمسح الرأس؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يستحب التثليث.
وهذا مذهب الشافعي.
أ - لحديث عثمان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً). رواه مسلم
ب - ولحديث عثمان عند أبي داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه ثلاثاً).
القول الثاني: لا يستحب التثليث.
وهذا مذهب الجمهور.
أ-لحديث الباب (ومسح برأسه واحدة).
ب-ولحديث عبد الله بن زيد وفيه (
…
ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة).
ج-وكذلك حديث عثمان السابق وغيره من الأحاديث الصحيحة، فإنه لم يُذكر بها التثليث في مسح الرأس كما ذكر في غيره من الأعضاء.
د-ولحديث عبد الله بن عمرو (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه ثلاثاً، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد فقد تعدى وظلم). رواه أبو داود، وقد جاء عند سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة.
فالرسول توضأ أمام الأعرابي بهذه الكيفية، فدل أن الرأس خارج عن بقية الأعضاء بالعدد.
هـ- ولأن الرأس مبني على التخفيف، فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ.
قال الشوكاني: الإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها، لما فيها من الزيادة، فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد، وغيرهما هو المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة.
قال الحافظ ابن حجر: ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا إنها مسحات مستقلة لجميع الرأس، جمعاً بين الأدلة.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الجواب عن أدلة القول الأول (يمسح ثلاثاً).
أما رواية مسلم فهي مجملة، والروايات الأخرى بينت أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب، أو أن التثليث يختص بالمغسول.
وأما حديث أبي داود عن عثمان (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه ثلاثاً) فهو ضعيف.
قال أبو داود: وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أنه مسح الرأس مرة.
قال ابن القيم: الصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، ولم يصح عنه خلافه البتة.
•
ما الحكمة في أن الرأس يمسح ولا يغسل؟
قال الشيخ ابن عثيمين: وإنما أوجب الله في الرأس المسح دون الغسل، لأن الغسل يشق على الإنسان، ولا سيما إذا كثر الشعر وكان في أيام الشتاء.
35 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه فِي صِفَةِ اَلْوُضُوءِ- قَالَ: (وَمَسَحَ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَفِي لَفْظٍ: (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى اَلْمَكَانِ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ)
===
•
اذكر لفظ حديث عبد الله بن زيد كاملاً؟
عن عبد الله بن يزيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال (
…
فأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
وفي رواية (ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ).
•
ما المشروع في كيفية مسح الرأس في الوضوء؟
المشروع: أن يبدأ بمقدم رأسه، فيذهب بيديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
وقد ذكر النووي رحمه الله في (شرح مسلم) اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية.
وهذه الصفة جاءت:
أ- كما في حديث الباب (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ).
ب- وعن مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه (أنه تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِه) رواه أبو داود.
ج- عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) رواه أبو داود.
•
هذه الكيفية ليست واجبة:
قال ابن قدامة: كيفية الغسل أو المسح في الوضوء ليست واجبة، فالواجب هو حصول الغسل بالنسبة للأعضاء المغسولة، وحصول المسح للأعضاء الممسوحة، بأي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل. (المغني).
•
ما الجواب عن رواية (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) فإن ظاهر هذه الرواية أنه بدأ بمؤخر رأسه؟
الجواب عن هذه الرواية من وجوه:
أولاً: أن (الواو) لا تقتضي الترتيب، ويكون التقدير (أدبر وأقبل).
ويؤيد ذلك ما ورد عند البخاري من طريق سليمان بن بلال بلفظ (فمسح رأسه، فأدبر به وأقبل).
ثانياً: يحمل قوله (أقبل) على البداءة بالفعل، وقوله (أدبر) البداءة بالدبر، فيكون من تسميته الفعل بابتدائه. [نيل الأوطار]
ثالثاً: أو يحمل على بيان الجواز.
•
ما الحكمة من مسح الرأس على هذه الجهة؟
الحكمة من ذلك: استيعاب جهتي الرأس بالمسح.
•
هل المرأة كالرجل في صفة مسح الرأس؟
نعم، المرأة كالرجل في صفة مسح الرأس.
لأن الأصل في الأحكام الشرعية: أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وكذا العكس إلا بدليل يخصص.
•
هل يجب تعميم الرأس بالمسح أم يكفي بعضه؟
اختلف العلماء هل يجب تعميم جميع الرأس أم لا بعد اتفاقهم على مشروعية مسح جميع الرأس على أقوال:
القول الأول: يجزئ مسح بعض الرأس.
وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.
أ- لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) قالوا: الباء للتبعيض.
ب-ولحديث المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة). رواه مسلم
وجه الدلالة: فكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته، هذا دليل على أنه لا يجب تعميم الرأس، إذ لو وجب مسح جميع الرأس لما اكتفى بالعمامة عن الباقي.
ج- ولحديث أنس قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: أنه نص صريح في اقتصاره على مقدم رأسه مما يدل على جواز الاقتصار على بعض الرأس في المسح.
القول الثاني: يجب استيعاب جميع الرأس.
وهذا مذهب مالك أحمد.
أ- لحديث الباب (
…
بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى اَلْمَكَانِ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْه).
وجه الدلالة: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه فيه بيان لما أنزل إلينا في كتاب ربنا من قوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) فهو دليل على وجوب مسح جميع الرأس.
ب- أن هذا هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه أنه اقتصر على بعض الرأس.
قال ابن تيمية: لم ينقل عن أحد أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على مسح بعض الرأس.
قال ابن القيم: لم يصح عنه حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض الرأس البتة.
ج- ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر مسح الرأس، ومسمى الرأس حقيقة هو جميع الرأس، فيقتضي وجوب مسح جميع الرأس.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني (يكفي مسح بعضه)؟
أما الآية: فليست الباء للتبعيض وإنما هي للإلصاق.
وأما الحديث: فنقول أنه ورد مع العمامة، فلا يتم الاستدلال به، لأن المسح على بعض الرأس مع العمامة أو على العمامة هو مذهب أهل الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد)(1/ 193): لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنْ كَانَ إذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَكْمَلَ عَلَى الْعِمَامَةِ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع"(1/ 187): ولو مسح بناصيته فقط دون بقيَّة الرَّأس فإنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) المائدة/ 6 ولم يقل (ببعض رؤوسكم).
36 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -فِي صِفَةِ اَلْوُضُوءِ- قَالَ: (ثُمَّ مَسَحَ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ اَلسَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ) تثنية إصبع، والإصبع أحد أطراف الكف أو القدم، والمراد هنا: الأنملة وهي رأس الإصبع.
(اَلسَّبَّاحَتَيْن) تثنية سباحة، وهي الإصبع التي بين الإبهام والوسطى، قيل لها ذلك: لأنه يسبح بها، أو لأنه يشار بها عند السب.
(بِإِبْهَامَيْهِ) تثنية الإبهام، والإبهام هي الإصبع الغليظة الخامسة من أصابع اليد.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ - أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ) .... [الحديث إسناده حسن لكن لفظ (أو نقص) شاذة لا تصح].
•
ما حكم مسح الأذنين في الوضوء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب الحنابلة.
أ- لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم). وقد جاء في الحديث أن الأذنان من الرأس.
ب- عن ابن عمر. قال: قال صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس). رواه أبو داود، وهذا الحديث مختلف في صحته، لكن جاء عن ابن عمر أنه قال:(الأذنان من الرأس). رواه عبد الرزاق بسند صحيح
وإذا كانت الأذنان من الرأس فيكون الأمر بمسح الرأس أمراً بمسحهما.
ج-ومن الأدلة أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم، فمضمض خرجت خطاياه من فيه
…
، فإذا مسح برأسه خرجت خطاياه من رأسه حتى تخرج من أذنيه) رواه مالك.
فقوله (
…
حتى تخرج من أذنيه) دليل على أن الأذنين من الرأس، فيكون حكم مسحهما مسح الرأس.
القول الثاني: أن مسحهما مستحب لا واجب.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يذكر المسح على الأذنين، والسياق في بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا
…
، وهذا الوضوء ليس فيه مسح الأذنين.
ب-وكذلك حديث عبد الله بن زيد - في صفة الوضوء - لم يذكر المسح على الأذنين.
ج-ولم يرد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسح الأذنين، وما نقل عنه مجرد فعل.
والراجح القول الأول.
•
اذكر صفة المسح على الأذنين؟
هو أن يدخل إصبعيه السباحتين في صماخي أذنيه لمسح باطنهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما.
ففي حديث الباب (وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإباهميه ظاهر إذنيه).
وفي حديث المقدام بن معدي كرب (ثم مسح رأسه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) رواه أبو داود.
وفي حديث الرّبُيّع (وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما) رواه أبو داود.
قال النووي رحمه الله: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، فَظَاهِرُهُمَا مَا يَلِي الرَّأْسَ وَبَاطِنُهُمَا مَا يَلِي الْوَجْهَ. كَذَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ: يُدْخِلُ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيُدِيرُهُمَا عَلَى الْمَعَاطِفِ وَيُمِرُّ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظُهُورِ الْأُذُنَيْن. (المجموع).
وجاء في (الموسوعة الفقهية) وَالْمَسْنُونُ فِي مَسْحِهِمَا أَنْ يُدْخِل سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِمَا، وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا
…
وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنَ الأْذُنَيْنِ بِالْغَضَارِيفِ؛ لأِنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الأْصْل لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ، فَالأْذُنُ أَوْلَى.
قال ابن القيم: وكان يمسح أذنيه مع رأسه، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: مسح الأذنين: كيفيته: أن يدخل الإنسان سبابتيه يعني إصبعيه ما بين الوسطى والإبهام في صماخ الأذنين، دون أن يرصها حتى تتألم، يدخلها في الصماخ، والإبهام يمسح به ظاهر الأذنين، وهو الصفحة التي تلي الرأس.
فائدة: أن الأذنين تمسحان جميعاً، ولا يقدم اليمنى على اليسرى.
•
هل يشرع مسح العنق؟
لا يشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عنقه في الوضوء، بل ولا روي عنه ذلك في حديث صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح على عنقه; ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم، ومن استحبه فاعتمد فيه على أثر يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أو حديث يضعف نقله: أنه مسح رأسه حتى بلغ القَذَال. ومثل ذلك لا يصلح عمدة، ولا يعارض ما دلت عليه الأحاديث، ومن ترك مسح العنق فوضوءه صحيح باتفاق العلماء. مجموع الفتاوى" (21/ 127).
وأما الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه حتى بلغ الْقَذَالَ، وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا) رواه أبو داود، فهو حديث ضعيف.
قال النووي: فهو حديث ضعيف بالاتفاق.
وقال ابن القيم: ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في مسح العنق حديث البتة. (زاد المعاد).
وقال الشيخ ابن باز: لا يستحب ولا يشرع مسح العنق، وإنما المسح يكون للرأس والأذنين فقط، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
37 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(فَلْيَسْتَنْثِرْ) الاستنثار إخراج الماء من الأنف، وهذا أمر أيضاً بالاستنشاق، لأنه لا يكون استنثار إلا بعد استنشاق.
(يبيت عَلَى خَيْشُومِهِ) قيل: أعلى الأنف، وقيل: الأنف كله، وقيل: عظام رقيقة لينة في أقصى الأنف.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) هل هو على حقيقته أم لا؟
قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون ذلك على حقيقته، فإن الأنف منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها، وقد جاء في الحديث (إن الشيطان لا يفتح غلقاً) وجاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذٍ في الفم.
ويحتمل أن يكون على الاستعارة، فإن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان.
والأول أظهر وأرجح.
•
على ماذا يدل هذا الحديث؟
الحديث دليل على مشروعية الاستنثار ثلاثاً للمستيقظ من نوم الليل.
•
هل هذا الاستنثار المراد به عند الوضوء أو يشرع لو لم يصادف وضوءاً؟
جاء في رواية عند البخاري قيدت هذا الاستنثار عند الوضوء ولفظه (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً
…
).
وفي رواية مسلم مطلقة غير مقيدة بالوضوء.
فإما يحمل المطلق على المقيد ويكون الأمر عند الوضوء.
أو يعمل بالحديثين، فيشرع الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم وإن لم يصادف وضوءاً، واختار هذا الشيخ ابن باز رحمه الله.
•
ما العلة في هذا الاستنثار ثلاثاً؟
جاء في الحديث تعليل هذا الأمر (فَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) والواجب على المسلم التصديق والتسليم.
38 -
وَعَنْهُ: (إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي اَلْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
===
•
في هذا الحديث أمْر النبي صلى الله عليه وسلم للمستيقظ من النوم أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء، فهل هذا الأمر للوجوب أم للاستحباب؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن ذلك واجب.
وهذا مذهب أحمد وداود.
لأن الحديث فيه أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
القول الثاني: الأمر للاستحباب.
وهذا مذهب الجمهور .... [الفتح].
أ-واستدلوا بعدم الوجوب، بالتعليل المذكور بالحديث (فإن أحدكم لا يدري
…
) لأن التعليل بأمر يقتضي الشك، فهذه قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب.
ب-وبقوله (فليغسلها ثلاثاً
…
) قالوا النجاسة المقيد إزالتها لا يجب العد في غسلها، فذكر العدد في الحديث يدل على أن الأمر للاستحباب.
ج-ولحديث أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من الشن المعلق بعد قيامه من النوم، ولم يرو أنه غسل يده في حديث ابن عباس. [نيل الأوطار].
والراجح الأول، لظاهر الأمر.
•
ما المراد بالنوم في قوله (إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ)؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: المراد كل نوم، فلا فرق بين نوم الليل ونوم النهار، ورجحه الشيخ ابن باز.
أ- لقوله: (من نومه).
قال ابن حجر: أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم.
ب- وللتعليل (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) فإن ذلك يقتضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة.
القول الثاني: المراد نوم الليل خاصة.
وهذا مذهب أحمد وداود.
أ- لما جاء في رواية أبي داود (إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل
…
).
ب- ولقوله (أين باتت يده
…
) والبيتوتة لا تكون إلا بالليل.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما الحكمة من غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم قبل إدخالها في الإناء؟
قيل: أن الحكمة معقولة ومدركة وليست معنوية.
وهي جولان اليد في بدن النائم بدون إحساس، فقد تلامس أمكنة من بدنه لم يتم تطهيرها بالماء، فتعلق بها النجاسة.
وقيل: أن هذا تعبد لا يعقل معناه.
واستدلوا على ذلك بأن الأحكام لا تبنى على الشك، وذلك أن اليقين في اليد أنها طاهرة، ونجاستها أثناء النوم مشكوك فيها، فلا يؤمر بغسلها لنجاستها، لأن اليقين لا يُزال بالشك، فيكون الأمر في ذلك تعبدياً. [فالشارع لا يأمر بالتطهر من تنجس مشكوك].
وقيل: - وهو اختيار ابن تيمية - أن ما ورد في هذا الحديث يشبه - ما تقدم - من تعليل الاستنثار بأن الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان، فيمكن أن المراد بهذا الحديث ما خشي من عبث الشيطان بيد الإنسان وملامستها، مما قد يؤثر على الإنسان، وقد تكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار.
•
ما حكم الماء إذا غمس يده في الإناء قبل غسلها؟
لا ينجس، وهو باق على طهوريته، وهذا قول جمهور العلماء.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمس اليد، ولم يتعرض للماء.
وحكي عن الحسن البصري أنه ينجس إن قام من نوم الليل، وحكي أيضاً عن إسحاق بن راهوية ومحمد بن جرير الطبري.
قال النووي: وهو ضعيف جداً، فإن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا ينجس بالشك وقواعد الشريعة متظافرة على ذلك.
39 -
وَعَنْ لَقِيطِ بْنُ صَبْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَسْبِغْ اَلْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ اَلْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي اَلِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ (إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ).
===
•
ما معنى إسباغ الوضوء؟
أي: إكماله وإعطاء كل عضو حقه، ومنه قولهم: درع سابغة، إذا كانت طويلة تغطي البدن.
•
ما حكم إسباغ الوضوء؟
إسباغ الوضوء على نوعين:
الأول: إسباغ واجب.
وهو ما لا يتم الوضوء إلا به، ويراد به غسل المحل واستيعابه.
الثاني: إسباغ مستحب.
وهو ما يتم الوضوء بدونه، ويراد به ما زاد على الواجب من الغسلة الثانية والثالثة.
•
ما المراد بإسباغ الوضوء في الحديث؟
بعض العلماء قال إن المراد بالحديث المعنى الثاني، وهو ما زاد على الغسلة الواجبة.
لحديث أبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى؟ قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد،
…
) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على من أسبغ الوضوء، وبيّن فضله، وهذا لا يكون إلا بالزيادة على قدر الإجزاء.
•
اذكر بعض الأحاديث الواردة في إسباغ الوضوء؟
قال صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات؟ قالوا: بلى؟ قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) رواه مسلم.
وجاء في حديث اختصام الملأ الأعلى وفيه (
…
الدرجات والكفارات، والكفارات: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء على الكريهات) رواه أحمد.
قوله (إسباغ الوضوء على الكريهات)
قيل: أن يكون على حالة تكره النفس فيه الوضوء كحال نزول المصائب، فإن النفس حينئذ تطلب الجزع، فالاشتغال عنها بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامات الإيمان.
وقيل: المراد بالكريهات البرد الشديد.
ويشهد له أن بعض الروايات (إسباغ الوضوء على السَّبُرات) والسبُرة شدة البرد، ولا ريب أن إسباغ الوضوء في البرد يشق على النفس وتتألم به. (شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب).
وهذا القول هو الصحيح.
•
في الحديث مشروعية تخليل الأصابع، فهل هذا الأمر للوجوب أم للاستحباب؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
واختاره الصنعاني والشوكاني.
لقوله صلى الله عليه وسلم (وخلل بين الأصابع) وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
القول الثاني: أنه مستحب إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم)، قالوا: فأمر الله بالغَسل وهو يصدق على مجرد وصول الماء إلى البشرة بدون تخليل، والتخليل أمر زائد، فهو داخل في الكمال.
ب- ولأن جميع الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التخليل، فالجمع بين حديث لقيط وهذه الأحاديث هو حمله على الاستحباب.
وهذا هو الراجح.
قال ابن القيم: وكذلك تخليل الأصابع لم يكن يحافظ عليه، وفي السنن عن المستورد بن شداد قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره) وهذا إن ثبت فإنما كان يفعله أحياناً، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والرّبَيّع وغيرهم، على أن في إسناده عبد الله بن لهيعة.
•
ما المراد بالأصابع، وما كيفية تخليلها؟
المراد أصابع اليدين والرجلين.
فقد جاء في حديث ابن عباس. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك) رواه الترمذي.
وقد ورد في تفسير التخليل في حديث المستورد بن شداد. قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره) رواه أبو داود والترمذي.
- والظاهر أن المراد خنصر اليد اليسرى، لأن التخليل تطهير وإزالة قذر، فيشرع باليسرى.
- وخص الخنصر لأنه أقدر على إيصال الماء.
وأما أصابع اليدين: فالأكمل في تخليلها أن يضع بطن الكف اليمنى على اليسرى، ويدخل الأصابع بعضها في بعض.
•
ما حكم المبالغة في الاستنشاق؟
مستحبة لغير الصائم لقوله (وبالغ في الاستنشاق).
وتسن المبالغة أيضاً في المضمضة. قال النووي: المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة بلا خلاف.
•
ما معنى المبالغة في المضمضة والاستنشاق؟
المبالغة في المضمضة: أن يصل الماء أقصى الحلق.
والمبالغة في الاستنشاق: جذب الماء إلى أقصى الأنف.
•
لماذا لا يقال: إن المبالغة لغير الصائم واجبة مع أن الرسول قال: (وبالغ
…
)؟
الجواب: أنه لو كان واجباً لما منعه الصيام، ولوجب التحرز عن نزول الماء في الجوف مع المبالغة وهذا أمر ممكن.
•
اذكر الخلاف في حكم المضمضة والاستنشاق؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: المضمضة والاستنشاق فرضان في الوضوء.
وهذا مذهب الحنابلة، قال النووي: وهو مذهب ابن أبي ليلى وحماد وإسحاق.
أ- لحديث الباب (وإذا توضأت فمضمض) وهذا أمر بالمضمضة فدل على وجوبها.
ب-ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر) متفق عليه، وهذا أمر، والأمر للوجوب.
ج- مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فكل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه فعلهما ولم يتركهما.
قال ابن القيم: ولم يتوضأ إلا تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة.
د- أن الفم والأنف من الوجه، بدليل دخولهما في حده.
القول الثاني: المضمضة والاستنشاق سنتان من سنن الوضوء.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، واختار هذا القول ابن المنذر.
أ- لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ).
وجه الدلالة: أن الله عدّ فروض الوضوء التي يجب فعلها، ولم يذكر منها المضمضة ولا الاستنشاق، فدل على عدم فرضيتهما، وإنما على سنيتهما لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما في وضوئه.
ب-أن الله أمر بغسل الوجه في الوضوء، وهو ما تحصل به المواجهة دون باطن الفم والأنف، فلا تحصل بهما المواجهة، وهذا يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين، إذ أنهما غير داخلين في مسمى الوجه.
ب- ولحديث عائشة قالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عشر من الفطرة:
…
وذكر منها المضمضة والاستنشاق) رواه مسلم، قالوا: والفطرة هي السنة، ويؤيد ذلك أنه جاء في رواية (عشر من السنة).
ج- ما ورد عن ابن عباس. قال: قال صلى الله عليه وسلم (المضمضة والاستنشاق سنة) رواه الدارقطني وهو ضعيف.
القول الثالث: يجب الاستنشاق وحده في الوضوء دون المضمضة.
وهذا قول جماعة من أهل الظاهر، منهم ابن حزم، وهو قول أبي ثور.
واستدلوا: أن الاستنشاق نُقِل من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله.
كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر) وهذا أمر، والأمر للوجوب.
ومن فعله كما في الأحاديث الكثيرة التي نقلت صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما المضمضة فقد نقلتْ من فعله فقط، ولم تنقل من أمره [لعلهم يضعفون رواية: وإذا توضأت فمضمض].
والراجح هو القول الأول وهو وجوب المضمضة والاستنشاق.
40 -
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي اَلْوُضُوءِ) أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
اختلف العلماء في صحة حديث الباب.
فذهب بعض العلماء إلى عدم صحة شيء من الأحاديث في تخليل اللحية.
قال الإمام أحمد وأبو زرعة: لا يثبت في تخليل اللحية حديث.
وقال ابن المنذر: الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته قد تُكُلِّم في أسانيدها.
وذهب بعض العلماء إلى تصحيحها، كابن خزيمة، والحاكم، والنووي.
• وسبب التضعيف: أن حديث عثمان في صفة الوضوء في الصحيحين وفي غيرهما وليس فيه ذكر التخليل، وقد رواه عن عثمان جماعة ولم يذكروا التخليل.
•
ما حكم تخليل اللحية إذا كانت خفيفة؟
اللحية الخفيفة يجب غسلها وما تحتها من البشرة.
لأنها في حكم الظاهر فيدخل في قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) والوجه ما تحصل به المواجهة، وما تحت اللحية إذا كان بادياً تحصل به المواجهة، فيدخل في حكم الوجه.
•
ما حكم تخليل اللحية الكثيفة؟
اختلف العلماء في حكم تخليلها على قولين:
القول الأول: أنه سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب وشواهده، فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته.
ب- ومن أدلة الجمهور على أن تخليل اللحية الكثيفة غير واجب، وأن باطن اللحية الكثيفة لا يجب غسله:
ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ
…
ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، فغرفة واحدة لا تكفي لغسل الوجه، وغسل ما تحت اللحية، فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بغسل ظاهرها فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله: اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها، وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها، ويستحب تخليلها.
القول الثاني: يكره تخليلها.
قالوا: لأنه لم يثبت في تخليل اللحية حديث.
والأحاديث الصحيحة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم تذكر تخليل اللحية، كحديث عثمان في الصحيحين، وحديث عبد الله بن زيد فيهما، وحديث ابن عباس في البخاري، وحديث علي عند أبي داود وغيرها من الأحاديث الصحيحة.
ولعل مما يرجح الاستحباب ورود ذلك عن ابن عمر، فعن نافع عن ابن عمر (أنه كان يخلل لحيته).
قال ابن قدامة: وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، وَلَا يَجِبُ التَّخْلِيلُ؛ وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي تَرْكِ التَّخْلِيلِ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّخْلِيلَ.
وَأَكْثَرُ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْكِهِ.
وَلَوْ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ بِهِ فِي وُضُوءٍ، وَلَوْ فَعَلَهُ فِي كُلِّ وُضُوءٍ لَنَقَلَهُ كُلُّ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ فَلَا يَبْلُغُ الْمَاءُ مَا تَحْتَ شَعْرِهَا بِدُونِ التَّخْلِيلِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَفِعْلُهُ لِلتَّخْلِيلِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (المغني).
وقال النووي رحمه الله: اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف، ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته، هذا هو المذهب الصحيح المشهور، الذي نص عليه الشافعي رحمه الله، وقطع به جمهور الأصحاب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم، وحكى الرافعي قولاً ووجهاً أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب المزني وأبي ثور. (المجموع).
•
ما ضابط اللحية الكثيفة واللحية الخفيفة؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: المرجع في ذلك العرف، فما عده الناس كثيفاً فهو كثيف، وما عدوه خفيفاً فهو خفيف.
وقيل: ما وصل الماء إلى تحته بمشقة فهو كثيف، وما كان وصول الماء إلى تحته بغير مشقة فهو خفيف.
وقيل: ما ستر البشرة عن الناظر فهو كثيف، وما لا فهو خفيف، وهذا أحسنها. [النووي].
•
ما كيفية تخليل اللحية، وهل ورد في ذلك أحاديث؟
قال الشيخ ابن عثيمين: والتخليل له صفتان:
الأولى: أن يأخذ كفاً من ماء ويجعله تحتها، ويعركها حتى تتخلل به.
الثانية: أن يأخذ كفاً من ماء، ويخللها بأصابعه كالمشط. [الشرح الممتع].
وقد وردت أحاديث في كيفية تخليل اللحية لكن لا يصح منها شيء:
منها: حديث أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل بها لحيته). رواه أبو داود
ومنها: حديث ابن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك بعض العراك، ثم شبك بأصابعه من تحتها) رواه الدارقطني.
•
ما حكم غسل المسترسل من اللحية؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
واختار هذا الشيخ ابن عثيمين. لأن ما استرسل من اللحية تحصل به المواجهة.
القول الثاني: لا يجب.
أ-قالوا: لأن الله أمر بغسل الوجه، فمحل الفرض الوجه وما في حدوده.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كفاً من ماء وغسل وجهه، وهذا القدر لا يكفي لغسل ما استرسل من اللحية.
وهذا القول هو الصحيح.
41 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِثُلُثَيْ مُدٍّ، فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
(بِثُلُثَيْ مُدٍّ) المد بضم الميم، وحدةُ كيل شرعية، وهي ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما، والمد ربع الصاع باتفاق الفقهاء.
•
ما هو الدلك وما هو الغَسْل؟
الدلك: إمرار اليد الغاسلة على العضو المغسول مع الماء. (فهو خاص بالأعضاء المغسولة في الوضوء).
والغَسْل: جريان الماء وإسالته على الأعضاء.
وعلى هذا: فالدلك غسل وزيادة، لأن الغسل لا يشترط فيه إمرار اليد على العضو.
•
اذكر مقدار ما كان يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
ورد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بمدّ:
كما في حديث أنس رضي الله عنه قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) متفق عليه.
وورد ثلثي مد:
كما في حديث الباب.
وهذا أقل ما ورد أنه توضأ به.
قال الصنعاني: فثلثا المد هو أقل ما ورد أنه توضأ به صلى الله عليه وسلم.
وورد أنه توضأ بثلث مد.
قال الصنعاني: وأما حديث: أنه توضأ بثلث المد فلا أصل له.
وورد في نصف مد.
لكنه حديث لا يصح. قال الشوكاني: أما حديث أنه توضأ بنصف مد فأخرجه الطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة، وفي إسناده الصلت بن دينار، وهو متروك.
وهذه الروايات تدل على أن المسألة تقريبية، وأنه ليس هناك شيء محدد، لكن المهم هو عدم الإسراف.
قال النووي: وأجمعوا على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء.
•
ما حكم الإسراف في الماء والوضوء؟
حرام.
أ-لقوله تعالى (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
ب-وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر صفة الوضوء (فمن زاد فقد تعدى وأساء وظلم). رواه أبو داود
ج-وقال صلى الله عليه وسلم (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء). رواه أبو داود
•
ما حكم دلك أعضاء الوضوء؟
مستحب.
أ-لحديث الباب.
ب-ولأن ذلك من الإسباغ المستحب.
والقول باستحبابه هو قول جمهور العلماء.
•
هل قال أحد بوجوب الدلك؟
نعم، ذهب بعض العلماء إلى وجوب الدلك، وهو قول المالكية.
أ-استدلالاً بحديث الباب.
ب-وقياساً على التيمم، لأن التيمم يشترط فيه إمرار اليد فكذلك هنا.
•
اذكر بعض الأدلة التي تدل على عدم وجوب الدلك؟
أ- حديث عمران بن حصين (
…
الحديث وفيه: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجلٍ معتزل لم يصل مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم قال له بعد أن حضر الماء: اذهب فأفرغْه عليك
…
) رواه البخاري.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب منه إلا إفراغ الماء على جسده، ولو كان الدلك لازماً لأخبره النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- وحديث عائشة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم (
…
ثم غسل سائر جسده).
ج- وحديث أم سلمة (قالت: قلت يا رسول الله! إني امرأة أشد ظفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: إنما يكفيكِ أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) رواه مسلم.
فهذا دليل على أن الدلك ليس بواجب، وإلا لما طهرت بمجرد إفاضة الماء.
د- ولأن الله أمر بغسل أعضاء الوضوء، ولم يتعرض للدلك، وكذا الأحاديث التي بينت فروض الوضوء، لم تتعرض للدلك، فدل على عدم اشتراطه وصحة الوضوء بدونه.
هـ-أن الله أمر بتطهير هذه الأعضاء بالغَسْل، والغَسل اسم لإمرار الماء على الموضع من غير دلك.
قال النووي رحمه الله: مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب، أو تحت المطر ناويا، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوءه وغسله، وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه (فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) ولم يأمره بزيادة، وهو حديث صحيح وله نظائر كثيرة من الحديث. (المجموع).
وقال رحمه الله: واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الأعضاء، ولا يشترط الدلك، وانفرد مالك والمزني باشتراطه. (شرح مسلم).
وقال ابن قدامة رحمه الله: ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده. وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وأصحاب الرأي، وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال يده واجب. (المغني).
وقال ابن تيمية: وأما دلك البدن في الغسل، ودلك أعضاء الوضوء فيه: فيجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه، مثل باطن الشعور الكثيفة، وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب. (شرح العمدة).
•
ما رأيك بقول من قال بوجوب الدلك قياساً على التيمم؟
قال ابن قدامة: وأما قياسه على التيمم فبعيد، لأن التيمم أمرنا فيه بالمسح، والمسح لا يكون إلا باليد، ويتعذر في الغالب إمرار التراب إلا باليد.
•
متى يكون الدلك واجباً؟
إذا كان إتمام الوضوء يتوقف على الدلك، كأن يكون الماء قليلاً، فهنا يجب إمرار اليد على العضو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
42 -
وَعَنْهُ، (أَنَّهُ رَأَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ اَلْمَاءِ اَلَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ) أَخْرَجَهُ اَلْبَيْهَقِيُّ.
وَهُوَ عِنْدَ "مُسْلِمٍ" مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ بِلَفْظٍ (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرَ فَضْلِ يَدَيْهِ) وَهُوَ اَلْمَحْفُوظُ.
===
(يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ اَلْمَاءِ اَلَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ) هذه الرواية شاذة، والرواية الثانية التي عند مسلم هي المحفوظة، وحكم الشاذ الرد.
•
هل يشرع أخذ ماء جديد للأذنين؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يشرع ذلك.
وهذا مذهب الشافعي ومالك ورواية عن أحمد.
أ-لرواية البيهقي (أَنَّهُ رَأَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ اَلْمَاءِ اَلَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ).
ب-ولما رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر (أنه كان يأخذ الماء بإصبعيه لأذنيه) وصححه البيهقي.
القول الثاني: أنه لا يشرع، وإنما يمسحان بالبلل المتبقي بعد مسح رأسه.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ونسب إلى جمهور العلماء واختاره ابن المنذر وابن تيمية والشيخ ابن باز.
أ- أنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ماء جديداً لأذنيه.
ب-والذين نقلوا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كلهم لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء جديداً.
قال ابن القيم: ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء جديداً، وإنما صح ذلك عن ابن عمر.
ب- قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) رواه أبو داود، وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً لكنه ثابت عن ابن عمر موقوفاً.
ج- تقدم حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه أبو داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه) ولم يذكر أنه أخذ ماءً جديداً لأذنيه.
وهذا القول هو الصحيح، وأما الرد على أصحاب القول الأول:
أما رواية البيهقي فالجواب عنها من وجهين:
أولاً: أنها شاذة، وأن المحفوظ رواية مسلم (أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه بماءٍ غير فضل يديه) يعني بعد ما غسل يده اليمنى ثم اليسرى أخذ لرأسه ماءً جديداً لرأسه وليس للأذنين.
ثانياً: وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لم يبق في يديه بلل من رأسه.
قال ابن المنذر: وغير موجود في الأخبار الثابتة التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أخذه لأذنيه ماء جديداً.
•
على ماذا يدل حديث عبد الله بن زيد - رواية مسلم - (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرَ فَضْلِ يَدَيْهِ)؟
يدل على أن مسح الرأس يكون بماء جديد غير فضل يديه، وهذا قول جماهير العلماء.
أ-لأن اليد عضو مستقل، والرأس عضو مستقل.
ب-وفي حديث عبد الله بن زيد عند البخاري - في صفة الوضوء - (
…
ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه
…
).
•
اذكر الكيفية المشروعة في كيفية أخذ الماء الذي يمسح به الرأس؟
الصفة الأولى: أن يأخذ بيده اليمنى قبضة من الماء ثم ينفضها ويمسح بما فَضَل رأسه.
جاء في حديث ابن عباس قال (ألا تحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضاً؟
…
الحديث وفيه: ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده ثم مسح بها رأسه وأذنيه
…
) رواه أبو داود.
الصفة الثانية: أن يغرف غرفة بيده اليمنى ثم يتلقاها بشماله حتى يضعها على رأسه من غير نفض يديه.
جاء في حديث معاوية (أنه توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ،، فلما بلغ رأسَه غَرَف غُرفةً من ماءٍ فتلقاها بشمالهِ حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء
…
) رواه أبو داود.
43 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنْ أَثَرِ اَلْوُضُوءِ، فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
===
(إِنَّ أُمَّتِي) أمة الإجابة، وهم المسلمون، وقد تطلق أمة ويراد بها أمة الدعوة، وليست مرادة هنا.
(غُرًّا) جمع أغر، أي ذو غرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة.
(مُحَجَّلِينَ) من التحجيل، وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، والمراد هنا: النور.
(مِنْ أَثَرِ اَلْوُضُوءِ)(من) للتعليل، وأثر الشيء: ما يعقبه ناشئاً عنه.
•
اذكر بعض الأدلة على فضل الوضوء؟
أ-حديث الباب (إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِين) أي: أنهم يدعون يوم القيامة من بين الأمم، ووجوههم وأيديهم تتلألأ نوراً وبياضاً من آثار الوضوء.
ب-وقال صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) رواه مسلم.
ج-وقال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) رواه مسلم.
د-وقال صلى الله عليه وسلم (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رواه مسلم.
•
هل الوضوء من خصائص هذه الأمة أم كان موجوداً في الأمم السابقة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن الوضوء من خصائص هذه الأمة.
لحديث الباب.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم خص الغرة والتحجيل بهذه الأمة، ولو كان الوضوء لغيرهم لثبت لهم ما ثبت لهذه الأمة.
وأيضاً جاء في رواية (
…
سيما ليست لأحدكم .... ) رواه مسلم.
القول الثاني: أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما المخصوص بها الغرة والتحجيل.
ورجح هذا القول الحافظ ابن حجر.
أ- لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هاجر إبراهيم بسارة، ودخل بها قرية، فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة، فأرسل إليه أن أرسل إليّ بها، فأرسل بها، فقام إليها، فقامت تتوضأ وتصلي
…
) رواه البخاري.
ب- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان رجل في بني إسرائيل يقال له جُرَيْج يصلي، فجاءته أمه فدعته فأبى أن يجيبها .... الحديث وفيه: فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك؟ قال: الراعي) رواه البخاري.
ج ولقوله صلى الله عليه وسلم (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي) رواه ابن ماجه وهو ضعيف.
وهذا القول هو الراجح، وإنما خصت به هذه الأمة الغرة والتحجيل.
•
ما حكم إطالة الغرة والتحجيل [مجاوزة المحل المفروض] في الوضوء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن ذلك مستحب.
وهذا مذهب الشافعي والحنفية والرواية المشهورة عن أحمد.
أ- لحديث الباب (فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل).
ب- ولفعل أبي هريرة كما ثبت عنه ذلك.
ج - ولفعل ابن عمر فقدكان يغسل العضدين والساقين. رواه أبو عبيد بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن حجر.
القول الثاني: أن ذلك لا يشرع.
وهذا مذهب مالك وأحمد في رواية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والسعدي.
أ-أن مجاوزة محل الفرض بدعوى أنها عبادة دعوى تحتاج إلى دليل، وحديث الباب لا يدل عليها، وإنما يدل على نور أعضاء الوضوء يوم القيامة.
ب-أن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين، وما كان ليترك الفاضل في كل مرّة من وضوئه.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: الصحيح أنه لا يستحب مجاوزة محل الفرض في طهارة الماء، لأن الله تعالى ذكر حدّ الوضوء إلى المرفقين والكعبين، وكل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أحد منهم أنه فعل ذلك ولا رغب فيه.
ج-أن الزيادة تؤدي إلى كون غير المأمور به مأموراً به، كالعضد فإنه ليس من أعضاء الوضوء.
د- أن الغرة لا يمكن إطالتها، فإنها مختصة بالوجه، فإذا دخلت في الرأس لا تسمى غرة.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما الجواب عن أدلة القول الأول (مشروعية الغرة والتحجيل)؟
أما قوله (فمن استطاع
…
) فهي مدرجة من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما رجح ذلك ابن حجر وابن القيم.
وأما فعل أبي هريرة، فقد قال ابن القيم: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تجاوز المرفقين والكعبين، ولكن أبا هريرة كان يفعل ذلك ويتأول حديث إطالة الغرة.
وأما حديث أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل يديه حتى أشرع في العضدين، ورجليه حتى أشرع في الساقين، فهو إنما يدل على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء، ولا يدل على مسألة الإطالة.
•
لماذا سمي يوم القيامة بذلك؟
أ-لأن الناس يقومون من قبورهم.
قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
ب-لقيام الأشهاد.
قال تعالى (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
ج-لقيام الملائكة.
قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً .... ).
•
أطلقت الأمة في القرآن على عدة معان اذكرها؟
أ-بمعنى الطائفة.
كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً
…
).
وكما في هذا الحديث.
ب-بمعنى الإمام.
كما قال تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً).
ج-بمعنى الملة.
كقوله تعالى عن المشركين (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
…
).
د-بمعنى الزمن.
كما قال تعالى (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ
…
).
44 -
وَعَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ اَلتَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
45 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فابدأوا بِمَيَامِنِكُمْ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(يُعْجِبُهُ) أي: يسره ويرضيه، وفي لفظ (يحب التيمن).
(اَلتَّيَمُّنُ) أي: الابتداء باليمين قبل الشمال.
(تَنَعُّلِهِ) أي: في لبس نعله.
(وَتَرَجُّلِهِ) أي: تسريح شعره ودهنه وتجميله.
(وَطُهُورِهِ) بضم الطاء، أي: فعل الطهارة في الوضوء والغسل.
(وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) هذا تعميم بعد تخصيص، لكن هذا العموم مخصوص بمثل دخول الخلاء والاستنجاء وغير ذلك مما يستقبح.
•
ما حكم البداءة باليمين في الوضوء؟
مستحب.
قال النووي: أجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة، من خالفها فإنه فاته الفضل وتم وضوؤه.
وقال في المغني: لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه في استحباب البداءة باليمين وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه.
لأحاديث الباب: فحديث عائشة: من فعله صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم.
•
التيامن بأي أعضاء الوضوء خاص؟
التيامن بالوضوء خاص بالأعضاء الأربعة فقط، وهما: اليدان والرجلان.
قال الشيخ محمد رحمه الله: أما الوجه فالنصوص تدل على أنه لا تيامن فيه
…
والأذنان يمسحان مرة واحدة، لأنهما عضوان من عضو واحد.
•
كيف علمت عائشة بحبه للتيمن؟
علمت بإخباره لها، أو بالقرائن.
•
ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ باليمين في كل شيء، فهل هذا الظاهر مراد؟
لا، وإنما المراد البداءة باليمين فيما كان من باب التكريم، كالأخذ والإعطاء، ولبس الثوب، ودخول المسجد، ولبس النعال ونحوها، وما كان بخلاف ذلك فإنه يبدأ باليسار كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والاستنجاء، وخلع الثوب ونحوها.
والقاعدة في ذلك:
قال النووي: هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف، كلبس الثوب وتقليم الأظافر وقص الشارب وترجيل الشعر
…
وغير ذلك مما هو في فعله يستحب التيامن فيه، وأما ما كان بضده، كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب
…
فيستحب التياسر فيه.
أمثلة: الخروج من الخلاء، ولبس النعال، ولبس الثوب ونحو ذلك باليمين.
ودخول الخلاء، والاستنجاء، وخلع الثوب، هذه بالشمال.
•
اذكر بعض الأحاديث التي وردت في البداءة باليمين؟
قال صلى الله عليه وسلم (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فيبدأ بالشمال) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب (إذا توضأتم وإذا لبستم فابدؤوا باليمين) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه) متفق عليه.
وعن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البُدن فنحرَها، والحجام جالس، وقال بيده عن رأسه، فحلق شقه الأيمن فقَسَمه فيمن يليه) رواه مسلم.
وفي رواية (
…
قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر
…
).
•
ماذا نستفيد من قولها ( ...... ما استطاع)؟
نستفيد المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع.
46 -
وَعَنْ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى اَلْعِمَامَةِ وَالْخُفَّيْنِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
(فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ) الناصية: الشعر الذي يكون في مقدم الرأس.
•
ما حكم المسح على العمامة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجوز المسح عليها.
وهذا مذهب الحنابلة.
قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعمر، وأنس.
أ-لحديث الباب.
ب -ولحديث عمر بن أمية قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه). رواه البخاري
ج-ولحديث بلال رضي الله عنه قال (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة). رواه مسلم
د- ولحديث ثوبان قال (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) رواه أبو داود. (العصائب: العمائم، والتساخين: الخفاف).
القول الثاني: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة.
وهذا مذهب الجمهور، فهو قول الحنفية والمالكية والشافعية.
قال ابن رشد: اختلف العلماء في المسح على العمامة، فأجاز ذلك أحمد بن حنبل
…
، ومنع من ذلك جماعة منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة. (بداية المجتهد).
وقال النووي: وأما إذا اقتصر على مسح العمامة ولم يمسح شيئاً من رأسه، فلا يجزيه بلا خلاف عندنا، وهو مذهب أكثر العلماء. (المجموع).
أ-لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) قالوا: إن الله فرض المسح على الرأس، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس.
ب-ولحديث أنس قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عِمامةٌ قِطْرِية، فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة) رواه أبو داود.
والراجح القول الأول.
قال ابن القيم: ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمّل على العمامة
…
وأما اقتصاره على الناصية مجردة فلم يحفظ عنه.
وقال أيضاً: كان يمسح على رأسه تارة، وعلى العمامة تارة، وعلى الناصية والعمامة تارة.
قال الشوكاني: الحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط، وعلى العمامة فقط، وعلى الرأس والعمامة، والكل صحيح، فقصر الأجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني (لا يجوز المسح على العمامة)؟
أما الآية، فإن النص ورد في المسح على الرأس، وهذا لا ينافي إثبات المسح على العمامة بدليل آخر.
وأما حديث أنس (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عِمامةٌ قِطْرِية):
أولاً: الحديث ضعيف.
ثانياً: وعلى فرض صحته، فقد قال ابن القيم: ومقصود أنس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله، ولم ينفِ التكميل على العمامة، وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره، فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه.
•
هل يشترط لبس العمامة أن يكون على طهارة؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقال بعضهم: يشترط أن يلبسها على طهارة.
وهذا مذهب الحنابلة.
قالوا: قياساً على الخف، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الخفين (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين).
وقال بعضهم: لا يشترط لبسها على طهارة.
وهذا مذهب الشافعي واختاره ابن تيمية.
لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في المسح على العمامة شيء من ذلك، وهو موضع حاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
•
هل يشترط للعمامة توقيت كالخف؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقال بعضهم: أنه يشترط لها ذلك.
قياساً على الخف.
وقال بعضهم: لا يشترط ذلك.
وهذا قول ابن حزم ورجحه الشوكاني ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
•
هل يجب مسح مقدم الرأس إذا كان لابساً للعمامة؟
الصحيح أنه لا يجب مسح مقدم الرأس وجوانبه، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
•
ما مقدار ما يمسح من العمامة؟
يمسح أكثر العمامة، فلو مسح جزءاً منها لم يصح، ويستحب إذا كانت الناصية بادية أن يمسحها مع العمامة.
47 -
وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ فِي صِفَةِ حَجِّ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم (اِبْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اَللَّهُ بِهِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، هَكَذَا بِلَفْظِ اَلْأَمْرِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ اَلْخَبَرِ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث في صحيح مسلم بلفظ الخبر - في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر ولفظه ( .... فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله .. ) أبْدأُ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا
…
) الحديث.
وهو عند النسائي كما قال المصنف رحمه الله بلفظ الأمر (اِبْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اَللَّهُ بِهِ) وقد حكم بعض العلماء على هذه الرواية الشذوذ كابن دقيق العيد والألباني.
•
ما معنى الترتيب في الوضوء؟
هو أن يأتي بفروض الوضوء مرتبة: يبدأ بالوجه، ثم غسل اليدين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين.
•
ما حكم الترتيب في الوضوء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا قول الشافعي وأحمد.
أ- لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وجه الدلالة منها:
أولاً: أن الله رتبها، فيجب أن ترتب كما في الآية.
ثانياً: في الآية قرينة تدل على أنه أريد بها الترتيب، فإنه أدخل ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير من نظيره إلا لفائدة، والفائدة ها هنا الترتيب. [قاله ابن قدامة].
فإن قيل: فائدته استحباب الترتيب، قلنا: الآية ما سيقت إلا لبيان الواجب، ولهذا لم يذكر فيها شيء من السنن، ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأموراً به، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن كل من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه مرتباً، وهو مفسر لما في كتاب الله.
ب- فعله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يواظب على الترتيب في الوضوء، ولم ينقل عنه نقلاً صحيحاً في صفة وضوئه أنه توضأ غير مرتب مع كثرة من رووا صفة وضوئه.
ج- أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ في وضوئه بما بدأ الله به، فغسل وجهه ثم يديه ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه، فكان هذا بياناً للوضوء المأمور به في القرآن، كما قال في حجته (نبدأ بما بدأ الله به).
وعلى هذا القول فلو قدم عضواً على آخر لم يصح وضوءه.
القول الثاني: أن الترتيب غير واجب.
وهذا مذهب مالك وأصحاب الرأي.
أ-قالوا: لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء، وعطف بعضها على بعض بواو الجمع، وهي لا تقتضي الترتيب، فكيف ما غسل كان ممتثلاً.
ب-ولحديث الرُّبَيِّع بنت مُعوذ قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فحدثتنا أنه قال: اسكبي لي وضوءاً، فذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: فغسل كفيه ثلاثاً، ووضأ وجهه ثلاثاً، ومضمض واستنشق مرة، ووضأ يديه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه .... ).
والصحيح الأول.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني (الترتيب غير واجب).
أ-قولهم: إن الله أمر بغسل الأعضاء وعطف بعضها على بعض بالواو فهذا صحيح، لكن بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أن الواو في الآية للترتيب، لا لمطلق الجمع.
ب- وأما حديث الربيع، فحديث معلول، وعلى فرض صحته فتقديم المضمضة والاستنشاق تقديم مسنون على واجب، والجمهور على جوازه.
48 -
وَعَنْهُ قَالَ: (كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ اَلْمَاءَ عَلَى مُرْفَقَيْهِ.) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ.
===
(إذا توضأ) شرع في الوضوء.
(أدار الماء) أجرى الماء وغمسه على جميع المرفقين.
المرفق: بكسر الميم، هو العظم الناتئ في آخر الذراع، وسمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه. [قاله الحافظ]
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف لا يصح.
•
هل يجب غسل المرفق مع اليد في الوضوء؟
نعم يجب غسله، وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
أ-لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) أي مع المرافق.
ب- وعن نُعَيْم المجمر قال (رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، .... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) رواه مسلم.
ج-جاءت عدة أحاديث تدل على دخول المرفق مع اليد وإن كان في إسنادها ضعف.
جاء عند الدار قطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء (فغسل كفيه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين).
وكما في حديث الباب (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقه) لكن في إسناده ضعف.
وجاء عند البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء (وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق).
وجاء عند الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعاً (ثم غسل يديه حتى يسيل الماء على مرفقيه).
فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً [قاله الحافظ].
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن إدخال المرفقين في غسل اليدين في الوضوء لا يجب.
قال بذلك زفر من الحنفية، وداود الظاهري، وهو قول الطبري.
ج- ومما يدل على دخولهما أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخل به ولو مرة واحدة فترك غسل المرفقين.
49 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اِسْمَ اَللَّهِ عَلَيْهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
50 -
وَلِلترْمِذِيِّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.
51 -
وَأَبِي سَعِيدٍ نَحْوُه.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
اختلف العلماء في هذا الحديث هل هو صحيح أم ضعيف؟
والحديث قد ورد من عدة طرق:
فقد جاء من حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود وفي إسناده ضعف لجهالة يعقوب بن سلمة ولجهالة والده.
وجاء من حديث أبي سعيد عند أحمد في مسنده وفي سنده مقال.
وجاء من حديث سعيد بن زيد عند أحمد والترمذي وفي سنده اضطراب وجهالة.
وجاء من حديث سهل بن سعد عند ابن ماجه وسنده ضعيف جداً.
فذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يصح شيء منها، منهم: الإمام أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والعقيلي، والبزار، وابن المنذر.
وذهب جماعة إلى تحسينها بمجموع طرقها، منهم: ابن سيد الناس، وابن حجر، والسيوطي، وابن القيم، والشوكاني، والألباني.
والراجح أنه لا يصح منها شيء.
لأنها مخالفة لما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة الوضوء، فلم ينقل واحد من الذين وصفوا الوضوء بأنه كان يسمي.
•
ما حكم التسمية على الوضوء؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنها واجبة.
وهذا قول الظاهرية ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه، ورجحه الألباني.
لحديث الباب (لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اِسْمَ اَللَّهِ عَلَيْهِ) قالوا: والمراد بالنفي نفي الصحة، أي: لا وضوء صحيح لمن لم يذكر اسم الله عليه.
القول الثاني: أنها سنة غير واجبة.
وهذا قول جماهير العلماء، ورجحه ابن قدامة، وابن المنذر، وابن حزم وابن كثير، واختاره ابن حزم، والشيخ ابن باز.
أ- لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
…
) حيث أن الله لم يأمر بالتسمية.
ب- ولحديث عبد الله بن عمرو (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، كيف الطهور؟ فدعا بماء فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً .... ) رواه أبو داود، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء ولم يذكر التسمية.
ج- قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي (
…
توضأ كما أمرك الله
…
) الحديث، وليس فيه التسمية، فدل على عدم وجوبها، ولو كانت واجبة لعلمها هذا الأعرابي إذْ هو جاهل.
د- أن الصحابة الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً كاملاً، لم يذكر أحد منهم أنه سمى في أول وضوئه، ولو كانت التسمية واجبة لم يتركها صلى الله عليه وسلم.
قالوا ويكون حديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) أي: لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه.
القول الثالث: أنها غير مشروعة.
ورجحه الشيخ دبيان الدبيان [أحكام الطهارة].
لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل صحيح على المشروعية، ولم يثبت في الباب حديث صحيح.
ولم يرد ذكر التسمية في الأحاديث الصحيحة التي سيقت في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
كحديث عثمان، وعبد الله بن زيد، وعلي، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم.
والله أعلم.
•
ما الحكم إذا توضأ داخل الحمام، هل يتلفظ بالتسمية؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يسمي بقلبه من غير أن يتلفظ بها بلسانه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كان في الحمام، فقد قال الإمام أحمد: إذا عطس الرجل حمد الله بقلبه، فيُخَرَّج من هذه الرواية أنه يسمي بقلبه.
وذهب آخرون إلى تغليب مشروعية التسمية فقالوا: يتلفظ بها بلسانه ولا كراهة حينئذٍ.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا بأس أن يتوضأ داخل الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويسمي عند أول الوضوء، يقول:(بسم الله) لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة لأن الكراهة تزول عند الحاجة إلى التسمية، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوؤه.
52 -
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:(رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ اَلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ.
53 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي صِفَةِ اَلْوُضُوءِ - (ثُمَّ تَمَضْمَضَ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، يُمَضْمِضُ وَيَنْثِرُ مِنْ اَلْكَفِّ اَلَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ اَلْمَاءَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
54 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه فِي صِفَةِ اَلْوُضُوءِ- (ثُمَّ أَدْخَلَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(يَفْصِلُ بَيْنَ اَلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاق) أي: يفرق، فيأخذ ماءً للمضمضة، ثم يأخذ ماءً جديداً للاستنشاق.
•
ما صحة حديث طلحة بن مصرف، وحديث علي؟
- حديث طلحة بن مُصَرِّف حديث ضعيف وفيه عدة علل.
منها: أن في إسناده ليث بن أبي سليم، قال الحافظ: ضعيف.
وفيه مصرف والد طلحة مجهول.
- وحديث علي حديث صحيح وتقدم، وقد روي عن علي من طرق كثيرة.
•
اذكر الخلاف في كيفية المضمضة والاستنشاق؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن السنة الفصل.
وهذا مذهب الحنفية.
واستدلوا بحديث الباب - حديث طلحة - (رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ اَلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ).
فهو يدل على استحباب الفصل بين المضمضة والاستنشاق، وذلك بأن يأخذ لكل واحد ماءً جديداً، ليكون أبلغ في الإسباغ والإنقاء.
القول الثاني: أنه يجمع بينهما.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ورجحه النووي.
لحديث الباب - عبد الله بن زيد - (ثُمَّ أَدْخَلَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا).
قال النووي: في الحديث دلالة واضحة على المذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها.
وقال الحافظ ابن حجر: استدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة.
قال ابن القيم: ولم يجيء الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة.
وعلى هذه الصفة يحمل حديث علي.
•
ما صفة الجمع؟
وصفة الجمع كما اختاره النووي: أن يأخذ غرفة ويتمضمض منها ثم يستنشق، ثم يأخذ غرفة ثانية يفعل بها كذلك، ثم ثالثة كذلك.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين وتارة بثلاث، وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه.
55 -
وَعَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث فيه مقدار ما يكفي في الوضوء.
وجاء في الصحيحين عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: (أنه كان هو وأبوه عند جابر وعنده قوم، فسألوه عن الغسل فقال: يكفيك صاع، فقال الرجل: ما يكفي، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخيراً منك، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
•
كم مقدار ما يكفي من الوضوء؟
ورد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بمد.
كما في حديث الباب.
وورد ثلثي مد عند أحمد.
وسبق ذلك.
والمسألة تقريبية المقصود عدم الإسراف.
قال النووي: أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء.
قال الإمام أحمد: من قلة فقه الرجل لعبه بالماء.
وقال الميموني - تلميذ أحمد -: كنت أتوضأ بماء كثير، فقال لي أحمد: يا أبا الحسن، أترضى أن تكون كذا؛ فتركته يعني موسوساً.
•
كم مقدار ما اغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
ورد صاع، كما في حديث الباب.
وورد عن عائشة كما في صحيح مسلم (أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء هو الفَرَق). (والفرق = 3 أصواع).
فعلى حسب الروايات: أقل ما ورد في الغسل ثلاثة أمداد.
وأكثر ما اغتسل به صاع إلى صاع ومد.
وقد سبقت مباحث الحديث.
56 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا، وَفِي قَدَمِهِ مِثْلُ اَلظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ اَلْمَاءُ. فَقَالَ: اِرْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
===
(مِثْلُ اَلظُّفْرِ) بضم الظاء.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (اِرْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك)؟
يحتمل: أي ائت به على أتم الوجوه وأكملها، فيكون أمرَه بغسل ما ترك.
ويحتمل أن معناه: استأنف وضوءك من أولهِ، قال الخطابي: إن هذا هو ظاهر معناه.
ويؤيده حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة) رواه أبو داود.
•
ما تعريف؟
الموالاة يعني التتابع، والمراد: متابعة غسل الأعضاء بعضها إثر بعض بحيث يُغسل العضو قبل أن يجف الذي قبله في زمن معتدل.
•
ما حكم الموالاة في الوضوء؟
أولاً: لا خلاف بين الفقهاء أن التأخير اليسير لا يؤثر في صحة الوضوء مطلقاً.
كما لو غسل إحدى رجليه في مكان وانتقل إلى مكان قريب فغسل الأخرى، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ وعليه جبة شامية ضيقة الكُم، فترك وضوءه وأخرج يديه من كميه من تحت ذيلها وغسل يديه.
ولأنه يشق الاحتراز منه.
ثانياً: لا خلاف بينهم - أيضاً - أن الإتيان بالوضوء على الموالاة مشروع وسنة يستحب فعلها.
ثالثاً: اختلف العلماء هل الموالاة واجبة أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنها واجبة، فمن تركها لزمه إعادة وضوئه.
وهذا مذهب الحنابلة.
أ-لحديث الباب، في قوله صلى الله عليه وسلم (اِرْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ).
ب-ولحديث عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً توضأ وعلى ظهر قدمه مثل الظفر لم يصبها الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع فتوضأ ثم صلى). رواه مسلم
قال القاضي عياض: في هذا الحديث دليل على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم[أحسن وضوءك] ولم يقل: اغسل ذلك الموضع الذي تركته.
ج-وعن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء) رواه أبو داود وهو حديث مختلف في صحته
وجه الدلالة ظاهر، إذ لو لم تكن الموالاة واجبة لأمره بغسل اللمعة فقط دون إعادة الوضوء.
د- فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ إلا مرتباً متوالياً.
هـ- ولأن الوضوء عبادة واحدة، فلا يُبنى بعضها على بعض مع تفرق أجزائها، بل يجب أن يكون بعضها متصلاً ببعض.
القول الثاني: أنها سنة غير واجبة.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية.
لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
…
) فالله أمر بتطهير هذه الأعضاء من غير اشتراط الموالاة في الغَسْل بينها، فكيفما حصل الغسل أجزأ.
القول الثالث: أنها واجبة وتسقط مع العذر.
وهذا مذهب المالكية، واختاره ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/ 135):
قلت: هذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة، وذلك أن أدلة الوجوب لا تتناول إلا المفرط، لا تتناول العاجز عن الموالاة، والحديث الذي هو عمدة المسألة الذي رواه أبو داود وغيره المأمور بالإعادة مفرط، لأنه كان قادراً على غسل تلك اللمعة، كما هو قادر على غسل غيرها.
وهذا القول الثالث هو القول الصحيح.
57 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُسْبِغُ اَلْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ اَلْجَنَّةِ") أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَاَلتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ:(اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ اَلتَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ اَلْمُتَطَهِّرِينَ).
===
(فَيُسْبِغُ اَلْوُضُوءَ) الإسباغ: الإتمام والإكمال.
(لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ) أي لا معبود بحق إلا الله.
(عَبْدُهُ) رد على من رفعه فوق منزلته وجعل له من حقوق الربوبية شيء.
(ورسوله) رد على من كذبه.
(اَلْجَنَّة) هي: الدار التي أعدها الله للمتقين في الآخرة.
•
ماذا يستحب أن يقول الإنسان بعد وضوئه؟
يستحب أن يقول هذا الدعاء (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ).
وأما زيادة الترمذي (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ اَلتَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ اَلْمُتَطَهِّرِينَ) فزيادة ضعيفة، ضعفها الترمذي وغيره.
•
ما فضل هذا الدعاء؟
فضله عظيم، حيث أنه مع الإسباغ سبب لدخول الجنة.
•
هل هناك دعاء آخر يستحب أن يقال بعد الوضوء؟
نعم، وهو: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
لما جاء عن أبي سعيد مرفوعاً (من توضأ ففرغ من وضوئه، فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، طبع الله عليها بطابع، ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة) رواه الحاكم والطبراني، واختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير وقفه، فهذا مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع. [الطابع: هو الخاتم، ومعنى طبع: ختم].
•
هل يستحب رفع البصر عند هذا الدعاء؟
جاء عند أبي داود زيادة (فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء) لكنها ضعيفة.
•
ما الحكمة من هذا الدعاء بعد الوضوء؟
قال ابن القيم: فهما طاهرتان: طهارة البدن، وطهارة القلب، ولهذا شرع للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
…
، فطهارة القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء، فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته.
•
ما صحة ما ورد من الأدعية أثناء الوضوء؟
جميع الأدعية أثناء الوضوء لا يصح منها شيء.
قال النووي: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجيء منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم: وأحاديث الذكر على أعضاء الوضوء كلها باطلة، ليس منها شيء يصح.
وقال في زاد المعاد: كل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه ولا علمه لأمته.
بَابُ اَلْمَسْحِ عَلَى اَلْخُفَّيْنِ
مقدمة:
تعريف الخف:
الخف لغة: ما يلبس في الرجل من جلد رقيق، جمعه خفاف.
وشرعاً: هو الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه.
والمقصود بالجوارب: ما يلبس على الرجل من قطن ونحوه، وهو ما يعرف بالشراب. (الشيخ ابن عثيمين)
58 -
عَنْ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ (كُنْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" فَمَسَحَ عَلَيْهِما) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
-
(كُنْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ) أي: أخذ في الوضوء، لا أنه استكمله.
(فَأَهْوَيْتُ) أي: انحنيت ماداً يدي.
(لِأَنْزِعَ) أي: لأخلع.
(دَعْهُمَا) أي: اتركهما، والضمير يعود على الخفين.
(أدخلتهما) أي: القدمين، بدليل رواية أبي داود (دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان).
•
الحديث له قصة اذكرها؟
عن المغيرة بن شعبة قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة، فأخذتها ثم خرجت معه، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عني فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يُخرج يده من كمها فضاققت عليه، فأخرج يده من أسفلها، فصببتُ عليه فتوضأ وضوءه للصلاة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما، ثم ركب وركبت، فانتهينا إلى القوم وقد أقاموا في الصلاة، يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر، فأومأ إليه، فصلى بهم، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت، فركعنا الركعة التي سبقتنا).
جاء عند مسلم أن ذلك في صلاة الفجر، وجاء عند البخاري أن ذلك في غزوة تبوك.
•
ما حكم المسح على الخفين؟
مشروع.
قال ابن قدامة: المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم.
ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك، قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف.
وقال ابن عبد البر: لا أعلم من روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره، إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة مصرحة عنه بإثباته.
وقال الحسن البصري: حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه.
•
اذكر بعض الأدلة على جوازه؟
الأدلة على جوازه كثيرة منها:
أ-حديث الباب.
ب-وروى همام بن الحارث قال (رأيت جرير بن عبد الله بال، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا) قال إبراهيم النخعي: فكان يعجبهم هذا، لأن جريراً كان من آخر من أسلم. متفق عليه
قال النووي: معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخراً علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية.
ج-وعن حذيفة. قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت، فقال: ادنه، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ فمسح على خفيه) متفق عليه.
والأحاديث التي سيذكرها المصنف رحمه الله بهذا الباب.
•
ما حكم المسح على الخف في الحضر؟
اتفق الفقهاء على أن المسح على الخفين في السفر جائز.
واختلفوا في المسح في الحضر على قولين، والصحيح أنه يجوز المسح على الخفين في الحضر كما يجوز في السفر.
وبهذا قال جماهير العلماء، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وهي الرواية الراجحة عند مالك، وهو اختيار ابن عبد البر.
أ- لحديث حذيفة. قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت، فقال: ادنه، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ فمسح على خفيه) متفق عليه.
فقد جاء في رواية (في المدينة) عند البيهقي، والحديث أخرجه مسلم بدون هذه الزيادة.
ب-ولحديث أُسَامَةَ بْن زَيْد قَالَ (دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِلَالٌ الأَسْوَاقَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ قَالَ أُسَامَةُ: فَسَأَلْتُ بِلَالاً مَا صَنَعَ؟ فَقَالَ بِلَالٌ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ صَلَّى) رواه النسائي والحاكم.
وهذا الحديث يدل صراحة على أنه صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه في الحضر، إذ أن (الأسواف) مكان بالمدينة والمسح إنما كان فيه.
•
الحديث يدل على شرط من شروط المسح على الخفين، فما هو؟
الشرط الذي يدل عليه الحديث هو: أن يلبسهما على طهارة.
وهذا شرط متفق عليه.
قال في المغني: لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح على الخفين.
وقال الشنقيطي: أجمع العلماء على اشتراط الطهارة المائية للمسح على الخف.
•
هل يشترط كمال الطهارة، كمن غسل رجله اليمنى فأدخلها في الخف قبل أن يغسل رجله اليسرى، ثم غسل رجله اليسرى فأدخلها أيضاً في الخف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجزئ، بل لا بد من لبس الخفين على كمال الطهارة.
وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في رواية .... [كما ذكر ذلك النووي وابن قدامة].
ورجحه النووي وابن حجر والشيخ ابن باز. الأدلة:
أ-لحديث المغيرة (أدخلتهما طاهرتين) وفي رواية أبي داود (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان).
قال ابن قدامة: فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعاً وقت إدخالهما.
ب-ولحديث أنس عند الدار قطني: (إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصلّ فيهما إن شاء ولا يخلعهما إلا من جنابة) .... [وسيأتي الحديث إن شاء الله].
فقوله (إذا توضأ أحدكم) يشعر بشرطية الوضوء.
فالجمهور حملوا الطهارة في قوله (أدخلتهما طاهرتين) على كمالها، لأنه إذا غسل رجله اليمنى ثم ألبسها الخف، فقد لبس الخف وهو محدث.
القول الثاني: لا يشترط كمال الطهارة.
وهذا مذهب أبي حنيفة والمزني وسفيان الثوري وابن المنذر .... [ذكر ذلك النووي].
قالوا: لأن الطهارة كملت بعد لبس الخف.
والقول الأول أصح وأحوط.
•
ما الحكم إذا تيمم لفقد الماء، ثم لبس الخف، فهل إذا وجد الماء يمسح على الخف؟
الصحيح أنه لا يمسح عليه إذا وجد الماء.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) رواه عبد الرزاق.
فقوله (فليمسه بشرته) هذا أمر بوجوب مس الماء للبشرة، وكلمة (بشرته) مفرد مضاف يعم جميع البشرة إن كان غسلاً عن جنابة، ويعم جميع الأعضاء الأربعة إن كانت الطهارة طهارة صغرى.
ب-وأيضاً بوجود الماء رجع المتيمم حدثه السابق، بما ذلك القدمان، وتكون تلك الطهارة بطلت من أصلها، فكأنه لبس الخفين على غير طهارة. (أحكام المسح على الحائل للدبيان).
ج- لأن الأحاديث قيدت ذلك بطهارة الماء.
فقوله صلى الله عليه وسلم (أدخلتهما طاهرتين) المراد خصوص طهارة الماء ولا يدخل في ذلك طهارة التيمم، فلا يجوز أن يمسح على الجوربين إذا لبسهما على طهارة تيمم.
مثال: إنسان في البر ولم يكن عنده ماء وتيمم، ولبس الخف، ثم وجد الماء بعد ذلك، - طبعا لابد أن يستعمل الماء - فالراجح أنه لا يجوز أن يمسح على الخف اذا لبسه على طهارة تيمم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تطهَّر الإنسان بالتيمم ولبس الخفين، فهل يجوز له أن يمسح عليهما إذا وجد الماء؟
فأجاب: لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم:" فإني أدخلتهما طاهرتين ". وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل، إنما هي في الوجه والكفين فقط، وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء، فإنه يلبس الخفين، ولو كان على غير طهارة، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادِماً له، أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم.
•
هل يجوز المسح على الخف المخرق؟
ظاهر الحديث أن الإنسان يمسح على الخف ولو كان مخرقاً مادام يطلق عليه اسم الخف ويمكن المشي فيه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: لا يجوز المسح على الخف إذا كان فيه خرق ولو يسيراً.
وهذا مذهب الحنابلة.
أ-قالوا: لأنه غير ساتر للقدم.
ب-وقالوا: إن المنكشف من الرجِل حكمه الغَسل، والمستور حكمه المسح، والجمع بين المسح والغسْل لا يجوز.
القول الثاني: إن كان الخرق قدر ثلاث أصابع لم يجز وإن كان أقل يجوز.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
القول الثالث: يجوز المسح على جميع الخفاف وإن تخرقت مادام يمكن متابعة المشي فيها.
نقله ابن المنذر: عن سفيان الثوري وإسحاق وأبي ثور.
قال سفيان الثوري: (امسح عليهما ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة) رواه عبد الرزاق، واستدلوا:
أ- أن نصوص المسح على الخفين مطلقة غير مقيدة بمثل هذه القيود، وما أطلقه الله ورسوله فليس لأحد تقييده.
ب- أن الحكمة من مشروعية المسح التيسير على الناس ورفع الحرج، وذكر مثل هذه الشروط قد يضيق عليهم، ولا سيما المسافر إذا انخرق خفه، ولا يمكنه إصلاحه في السفر، فلو لم يجز المسح عليه لم يحصل مقصود الرخصة.
ج- أن أكثر الصحابة فقراء، وغالب الفقراء لا تخلوا خفافهم من شق وفتق، ولا سيما في الأسفار، فإذا كان هذا غالباً في الصحابة ولم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دل على أنه ليس بشرط.
قال سفيان الثوري: امسح عليهما ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة. رواه عبد الرزاق
وهذا القول اختيار ابن تيمية. وهذا القول هو الصحيح.
وقال ابن تيمية عن قول من قال: إنه لا يجتمع مسح وغسل في عضو واحد، قال: هذا منتقض بالجبيرة إذا كانت في نصف الذراع، فإنك تغسل الذراع، وتمسح الموضع الذي فيه الجبيرة، فاجتمع مسح وغسل في عضو واحد.
•
أيهما أفضل المسح أو الغَسل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول. أن الغَسل أفضل
وهذا مذهب الشافعي، وذهب إليه جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري. [ذكر ذلك النووي].
أ-لأنه المفروض في كتاب الله.
ب-ولأنه الغالب من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .... [ذكر ذلك ابن قدامة].
القول الثاني: أن المسح أفضل.
وهذا مذهب أحمد.
قال النووي: وذهب إليه الحكم وحماد.
واختاره ابن المنذر، وقال: والذي أختاره أن المسح أفضل، لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال: وإحياء ما طعن به المخالفون من السنن أفضل من تركه.
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه) رواه أحمد.
ب- أن في المسح على الخفين مخالفة لأهل البدع الذين ينكرونه، كالخوارج والروافض.
ج- أنه أيسر، لحديث (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ). متفق عليه.
•
ما الراجح من القولين؟
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفضل في حق كل واحد ما كان موافقاً للحال التي عليها قدمه، فإن كان لابساً للخف فالأفضل المسح، وإن كانت قدماه مكشوفتين فالأفضل الغسل، ولا يلبس الخف من أجل أن يمسح عليه.
ويدل لهذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفصل الخطاب: أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه. فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان: غسلهما ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه، كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف (الإنصاف).
واختاره ابن القيم في زاد المعاد، وقال: ولم يكن يتكلف ضدّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانت في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل.
•
ما حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطاً للطهارة؟
هذا خلاف السنة وفيه تشبه بالروافض الذين لا يجيزون المسح على الخفين، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال للمغيرة حينما أراد نزع خفيه قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين. ومسح عليهما. (ابن عثيمين).
•
ما حكم معاونة المتوضئ؟
جائزة.
أ-لحديث الباب وفيه (فصببتُ عليه فتوضأ وضوءه).
ب-ولحديث أسامة بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة: فجعلت أصب عليه ويتوضأ، فقلت: يا رسول الله! أتصلي؟ فقال: المصلى أمامك) متفق عليه
قال النووي بعد حديث الباب: وفي هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة في الوضوء.
ج- قال الحافظ: روى الحاكم في المستدرك من حديث الربيّع بنت معوذ قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال: اسكبي، فسكبت عليه).
قال الحافظ: وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر، ولكونه بصيغة الطلب.
•
هل جاءت أحاديث في النهي عن ذلك؟
جاء أحاديث ليست بثابتة النهي عن الاستعانة. (قال النووي).
من هذه الأحاديث:
أ-عن ابن عباس. قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي تصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه) رواه ابن ماجه. (حديث ضعيف).
ب-وعن عمر. قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي ماء لوضوئه، فبادرته استقي له فقال: مه يا عمر، فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد) رواه أبو يعلى. (حديث ضعيف).
ج- وعن العباس بن عبد الرحمن المدني. قال (خصلتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلهما إلى أحد من أهله، كان يناول المسكين بيده، ويضع الطهور من الليل ويخمره) رواه ابن أبي شيبة. (حديث ضعيف).
•
ما حكم تنشيف الأعضاء بعد الوضوء.
قيل: يكره.
وقيل: مباح ورجحه ابن المنذر.
وهذا هو الصحيح.
قال ابن قدامه رحمه الله في المغني: لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة.
وقال ابن القيم: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا يصح عنه في ذلك حديث البتة، بل صح عنه خلافه.
يشير إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس وخالته ميمونة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا، يعني ينفضه).
وقال ابن المنذر: هذا الخبر لا يوجب قصر ذلك، ولا المنع منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدع الشيء المباح لئلا يشق على أمته.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء.
فأجاب: تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع.
فإن قال قائل: كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده؟
فالجواب: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء، وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به. "مجموع فتاوى ابن عثيمين"(11/ 93).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز استخدام الأحرار ليحصل لهم التمرن على التواضع.
- جواز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء.
- جواز اقتداء الفاضل بالمفضول.
- جواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف بعض أمته.
59 -
وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى اَلْخُفِّ وَأَسْفَلَه) وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْف.
60 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ (لَوْ كَانَ اَلدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ اَلْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْه) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَن.
===
- (لَوْ كَانَ اَلدِّينُ بِالرَّأْيِ) المراد بالدين: أحكام الإسلام، والمراد بالرأي: ما يراه الإنسان صالحاً من غير نظر إلى الشرع.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث (مسح أعلى الخف وأسفله) ضعيف لا يصح. فقد رواه أبو داود من الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة
…
فذكر الحديث، وهذا السند أعل بعدة علل.
ولذلك ضعف هذا الحديث جهابذة الحديث ونقاده: مثل البخاري وأبو حاتم وأحمد وأبو زرعة وأبو داود والترمذي وغيرهم.
وأما حديث علي (لو كان الدين .. ) إسناده حسن.
•
ما الذي يمسح أعلى الخف أم أسفله؟
السنة مسح أعلى الخف.
لقول علي، أما أسفل الخف فلا يشرع.
قال ابن القيم: لم يصح عنه أنه مسح أسفلهما، وإنما جاء في حديث منقطع، والأحاديث الصحيحة على خلافه.
وقد ذهب بعض العلماء إلى استحباب مسح أسفل الخف، والصحيح الأول.
•
ما كيفية المسح على الخف؟
لم يرد حديث تقوم به الحجة في كيفية المسح على الخف، فلذلك يكفي المسلم والمسلمة إمرار اليد على القدم اليمنى واليسرى بحيث يصدق عليه أنه مسح، كما هو قول الشافعي وأبي ثور وغيرهما.
قال الصنعاني: لم يرد في الكيفية ولا الكمية حديث يُعتمد عليه إلا حديث علي في بيان المسح، والظاهر أنه إذا فعل المكلف ما يسمى مسحاً على الخف لغة أجزأه.
وصفة المسح: أن يُمِرّ اليد اليمنى مبلولة بالماء مفرجة الأصابع على الرجِل اليمنى، واليسرى كذلك، ويكون المسح مرة واحدة، ولا يشرع تكراره.
وجاءت بعض الأحاديث في بيان المجزئ من المسح، ولكن لا يصح منها شيء، منها:
حديث علي: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر الخف خطوطاً بالأصابع).
وحديث جابر قال: (مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ، فغسل خفيه، فنخسه برجله وقال: ليس هكذا السنة أمرنا بالمسح هكذا، وأمرَّ بيديه على خفيه).
•
اختلف العلماء في مسح الخفين هل يمسحان كالأذنين جميعاً، أم تقدم اليمين؟ اذكر الخلاف؟
اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: تقدم اليمين.
لأن المسح بدل من الغسل، والبدل له حكم المبدل، فكما أنه يشرع تقديم غسل اليمنى في الرجلين واليدين، فكذلك يشرع تقديم مسح اليمنى على اليسرى.
القول الثاني: يمسحان جميعاً.
اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة.
أ-لأن في حديث المغيرة قال: (فمسح عليهما) ولم يقل: بدأ باليمين، ولو كان مشروعاً لنقلت هذه الصفة وحفظت، لأنه من شرع الله سبحانه وتعالى.
ب- القياس على الأذنين، فطهارة المسح لا تيمن فيها، فكما أن الأذنين عضوان مستقلان، ومع ذلك لم يشرع التيمن فيهما، فكذلك الرجلان في حالة المسح.
وهذا أرجح والله أعلم.
فائدة: قال الشيخ ابن عثيمين: وكثير من الناس يمسح بكلا يديه على اليمين، وكلا يديه على اليسرى، وهذا لا أصل له فيما أعلم.
•
ما الحكم إذا لبس جورب على جورب:
إذا كان لبس ذلك على طهارة، فالحكم في هذه الحالة للفوقاني وإن مسح على التحتاني صح ذلك على الصحيح.
وإن لبس الفوقاني على حدث، فلا يجوز له أن يمسح على الفوقاني عند جمهور أهل العلم، لأنه لبس ذلك على غير طهارة
وحكى ابن قدامة عدم الخلاف في هذه المسألة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الدين مبناه على النقل عن الله أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الرأي هو المحكم فيه.
- الذي يتبادر إلى الذهن هو أن الأولى بالمسح هو أسفل الخف لا أعلاه، لأن الأسفل هو الذي يباشر الأرض وربما أصابته النجاسة، فكان أولى بالإزالة، لكن عند التأمل تجد أعلاه أولى، لأن المسح لا يحصل به الغسل والإنقاء، فلا يزيد مسح الخف من أسفله إلا تلوثاً بخلاف الأعلى.
- الدين لا يخالف العقل، لكن الدين أحياناً يأتي بما لم يدركه العقل، والسبب أن العقول قاصرة، وقد يخفى على الإنسان حكمة هذا الشيء.
61 -
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْم) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ.
62 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَال (جَعَلَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. يَعْنِي: فِي اَلْمَسْحِ عَلَى اَلْخُفَّيْن) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
63 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ اَلنَّبِي صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ: أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
(كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا) أي: يبيح لنا.
(إِذَا كُنَّا سَفْراً) بفتح السين وإسكان الفاء، أي: مسافرين.
(إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) أي: فننزعها ولو قبل مرور ثلاثة أيام، والجنابة: إنزال المني.
(وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْم) أي: ولكن لا ننزعها من غائط وبول ونوم إلا إذا مرت المدة المقررة.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث صفوان حسن، لأن في إسناده عاصم بن أبي النَّجُود، وهو صدوق له أوهام، والحديث له شواهد، وقد صححه البخاري والنووي وابن حجر.
وحديث أبي بكرة في إسناده المهاجر أبو مخلَد تكلم فيه العلماء، قال أبو حاتم: لين الحديث، وقد نقل الحافظ في التلخيص أن الشافعي والخطابي صححا الحديث، ونقل الترمذي في العلل الكبير عن البخاري ما نصه: حديث أبي بكرة حديث حسن.
•
ماذا نستفيد من قوله (أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ
…
)؟
أن المسح على الخفين خاص بالوضوء دون الغسل، وهذا هو الشرط الثاني من شروط المسح على الخفين.
قال ابن قدامة: ولا يجزئ المسح في جنابة ولا غسل واجب ولا مستحب لا نعلم في هذا خلافاً.
وقال الحافظ ابن حجر: المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع.
•
اذكر الشرط الثالث من شروط المسح على الخفين المذكورة في الأحاديث؟
أن يكون في المدة المحددة: ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم.
لحديث الباب (حديث علي)(جَعَلَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ).
ولحديث الباب (صفوان).
ولحديث الباب (أبي بكرة).
والقول بأن المسح على الخفين مؤقت للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن؛ هو مذهب الجمهور.
فهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء .... [قاله النووي].
وممن قال به من الصحابة: علي، وابن مسعود، وابن عباس، وحذيفة.
وممن قال به من التابعين: شريح القاضي، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز.
قال ابن عبد البر: وأكثر التابعين والفقهاء على ذلك، وهو الأحوط عندي.
قال الخطابي: التوقيت قول عامة الفقهاء. [قاله النووي].
القول الثاني: لا توقيت في المسح على الخفين، فمن لبس خفيه وهو طاهر مسح عليهما ما بدا له.
وإليه ذهب الإمام مالك والليث بن سعد .... [ذكر ذلك ابن قدامة].
قال الشوكاني: ولعل متمسك أهل هذا القول ما أخرجه أبو داود من حديث أبيّ بن عمارة أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم (أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟ قال: نعم، ويومين، وثلاثة أيام؟ قال: نعم، وما شئت).
وهذا الحديث لا يصح. قال الدار قطني: هذا إسناد لا يثبت.
وقال ابن عبد البر: لا يثبت وليس له إسناد قائم.
والراجح قول الجمهور.
•
هل يستثنى من ذلك شيء؟
يستثنى من ذلك التوقيت المسافر الذي يخشى فوات رفقة، أو يتضرر بالنزع، ونحو ذلك من الأعذار، فله أن يمسح إلى زوال عذره كما قال بذلك بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية.
لما روى الدار قطني والبيهقي في السنن الكبرى عن عقبة بن عامر (أنه وفد على عمر بن الخطاب عاماً، قال عقبة: وعليّ خفاف من تلك الخفاف الغلاظ، فقال لي عمر: متى عهدك بلبسهما؟ فقال: لبستهما يوم الجمعة، واليوم جمعة، فقال له عمر: أصبت).
•
متى تبدأ مدة المسح على الخف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: من أول حدث يقع بعد اللبس.
وهذا مذهب الجمهور .... [ذكر ذلك الشنقيطي].
أ-واستدل هؤلاء بزيادة في حديث صفوان (من الحدث إلى الحدث)، قال النووي: وهي زيادة غريبة ليست ثابتة.
ب- وقالوا: إن الحدث سبب للمسح على الخفين، فعلق الحكم به.
القول الثاني: من حين لبس الخف.
وهذا محكي عن الحسن البصري.
القول الثالث: من أول مسح بعد الحدث.
وممن قال بهذا الأوزاعي وأبي ثور، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وداود، ورجح هذا القول النووي واختاره ابن المنذر.
واحتج هؤلاء بأحاديث التوقيت في المسح، ووجه احتجاجهم بها:
أن قوله صلى الله عليه وسلم (يمسح المسافر ثلاثة أيام) صريح في أن الثلاثة كلها ظرف للمسح، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان ابتداء المدة من المسح، وهذا القول هو الراجح.
مثال يوضح ذلك:
رجل توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، وبقي على طهارته إلى الساعة (9) ضحىً، ثم أحدث ولم يتوضأ، وتوضأ في الساعة (12).
المذهب تبتدئ المدة من الساعة (9)، وعلى القول الراجح تبتدئ من الساعة (12). [الشرح الممتع]
•
على القول الراجح كما سبق، إذا مسح بدأت المدة، لكن اختلف العلماء لو كان مسحه لتجديد الوضوء، هل تبدأ به المدة أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فقيل: تبتدئ به المدة من المسح ولو لتجديد وضوء.
وقيل: لا بد أن يكون المسح لوضوء واجب. والله أعلم.
•
ما الحكم فيمن مسح وهو مقيم ثم سافر؟
من مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر.
هذا مذهب الأحناف.
فلو مسح يوماً ثم سافر، فإنه يمسح يومين زيادة على اليوم، فيكون قد مسح ثلاثة أيام.
لأن رخص السفر قد حلت له.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يمسح مسح مقيم.
أ- قالوا: لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر، فغلب جانب الحضر.
ب- قياساً على الصلاة، فلو أنه أحرم بالصلاة في سفينة في البلد، فسارت وفارقت البلد وهو في الصلاة، فإنه يتمها صلاة حضر.
والأول أصح.
•
ما الحكم فيمن مسح وهو مسافر ثم أقام؟
من مسح وهو مسافر ثم أقام، فإنه يمسح مسح مقيم.
لأن رخص السفر قد انتهت بالوصول إلى بلده.
وهذا قول جمهور العلماء.
فلو مسح المسافر يوماً وليلة فما فوق ثم قدم بلده الذي يسكن فيه، فلا يجوز له في هذه الحالة المسح على الخفين بل ينزعهما.
•
هل خلع الخف ينقض الوضوء؟
اختلف العلماء هل خلع الخف ينقض الوضوء؟
القول الأول: أن خلع الخف ينقض الوضوء.
وهذا مذهب الإمام أحمد وإسحاق، ورجحه الشيخ ابن باز.
لأن القدم حكمه في الأصل الغسل، وإنما انتقل إلى المسح بدلاً من الغسل لتغطية القدم، فإذا خلع الخف فقد عاد حكمه إلى وجوب الغسل.
القول الثاني: أنه لا ينقض الوضوء.
وهو قول قتادة، والحسن، وابن أبي ليلى وجماعة، ونصره ابن حزم في (المحلى) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن المنذر، وقال النووي في (المجموع) وهو المختار الأقوى.
أ-ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي ظبيان قال (رأيت علياً بال قائماً، ثم توضأ، ومسح على نعليه، ثم أقام المؤذن فخلعهما) زاد البيهقي: (ثم تقدم فأم الناس).
وهذا الفعل من خليفة رائد، وهو ممن أمرنا باتباع سنته.
ب- أن الطهارة لا تبطل إلا من حدث، وخلع الخف ليس بحدث.
ب-لعدم الدليل على النقض.
ج-قاس بعضهم بمن حلق رأسه بعد مسحه، فإنه لا يجب عليه إعادة مسح الرأس. (وهذا القياس كما قال الحافظ ابن حجر فيه نظر)
والراجح القول الأول.
•
هل انتهاء المدة تعتبر من مبطلات المسح؟
اختلف العلماء هل إذا انتهت مدة المسح يستأنف الوضوء أم لا؟
القول الأول: يستأنف الوضوء.
وهذا مذهب الحنابلة.
قالوا: لأن المسح أقيم مقام الغَسل في المدة، فإذا انقضت المدة بطلت الطهارة في الممسوح، وإذا بطلت الطهارة في الممسوح، بطلت في سائر الأعضاء، لأن الحدث لا يتبعض.
القول الثاني: لا تبطل طهارته.
وهو اختيار ابن حزم ورجحه ابن تيمية.
أ-قالوا: إن أحاديث التوقيت للمقيم والمسافر تضمنت ابتداء وانتهاء مدة المسح لا الطهارة، فهي تنهى أن يمسح أحدنا أكثر من يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر.
ب- أن هذا الرجل قد تطهر بمقتضى الكتاب والسنة، فلا تنتقض طهارته إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع ولا دليل هنا.
والله أعلم.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز المسح على الخفين في السفر كما يجوز في الحضر.
- أن البول والغائط من نواقض الوضوء.
- استدل بحديث الباب من قال أن النوم ينقض الوضوء. [وستأتي المسألة بإذن الله]
- في الحديث دليل على حكمة الشرع، وتنزيل الأمور منازلها، واعتبار الأحوال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هنا فرق بين المسافر والمقيم، فجعل للمسافر مدة أطول من مدة المقيم مراعاة بحال المسافر ومشقته.
64 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَال (بَعَثَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى اَلْعَصَائِبِ - يَعْنِي: اَلْعَمَائِمَ -وَالتَّسَاخِينِ- يَعْنِي: اَلْخِفَاف) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِم.
===
(سَرِيَّةً) السرية القطعة من الجيش من خمسمائة إلى ثلاثمائة وقيل إلى أربعمائة، سميت بذلك لأن الغالب عليها أن تسير بالليل وتختفي بالنهار، وقيل: لأنها تكون من خلاصة الجيش وخيارهم.
(اَلْعَصَائِبِ) جمع عصابة، وهي العمامة، سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها.
(وَالتَّسَاخِينِ) هي الخفاف.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه أبو داود من طريق راشد بن سعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضعفه بعضهم بأن راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان، كما قال الإمام أحمد، وقد أثبت بعضهم سماعه منه، وقد صحح الحديث الحاكم والنووي.
•
ما حكم المسح على العمامة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز الاقتصار على العمامة.
وهذا مذهب الجمهور .... [ذكر ذلك الحافظ ابن حجر].
فهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية.
قال الترمذي: وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة.
فعند أصحاب هذا القول أنه لا يجزئ المسح على العمامة وحدها، فلو مسح الإنسان على العمامة وحدها لم يجزئه، بل لا بد أن يمسح على جزءٍ من الرأس، ومن المعلوم أن مسح جزء من الرأس يجزئ عند أكثر هؤلاء الأئمة، واحتجوا:
أ- بقوله تعالى (وامسحوا برءوسكم). فأمر الله بمسح الرأس في الوضوء، وهذا يقتضي إمساسه بالماء ومباشرته به، والعمامة ليست برأس، فماسحها غير ما سح برأسه حقيقة.
ب-وبأن الله فرض المسح على الرأس، والحديث في العمامة محتمل التأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل.
القول الثاني: جواز المسح على العمامة.
وهذا مذهب الحنابلة.
وهو قول الأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وداود بن علي.
قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعمر، وأنس، واحتجوا بالأحاديث الواردة التي فيها المسح على العمامة.
قال ابن المنذر: وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر وأنس وأبو أمامة.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث عمرو بن أمية قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه) رواه البخاري.
ج-ولحديث بلال قال (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والخمار) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة، ولم يُذكر في الحديث أنه مسح على الناصية، أو على شيء مع العمامة، فدل على جواز الاقتصار على العمامة في المسح.
د-وعن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين). رواه مسلم
وهذا القول هو الصحيح.
•
اشترط بعض الفقهاء للمسح على العمامة شروطاً، اذكرها مع بيان الصحيح منها وغير الصحيح؟
اشترط بعض الفقهاء للمسح على العمامة شروطاً:
منها: أن يلبسها على طهارة.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
قياساً على الخف.
واختار ابن تيمية أنه لا يشترط، واختاره ابن حزم.
لعدم الدليل، إذ ليس في الأحاديث إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة مطلقاً، والتخصيص يحتاج إلى دليل.
ومنها: أنه يشترط لها توقيت.
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
قياساً على الخف.
والصحيح أنه لا يشترط، لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها.
ومنها: أن تكون محنكة (هي التي دار منها تحت الحنك) ذات ذوابة [هي التي يكون أحد أطرافها متدلياً من الخلف].
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
أ-قالوا: لأن هذا هو الذي جرت العادة بلبسه عند العرب.
ب-ولأن المحنكة هي التي يشق نزعها.
ج- ولأنها إذا لم تكن محنكة أشبهت الكوفية (الطاقية) والكوفية لا يمسح عليها، فكذلك غير المحنكة. (المغني).
واختار شيخ الإسلام أنه لا يشترط ذلك.
لأن النص جاء وورد بالمسح على العمامة، ولم يذكر قيداً آخر، فمتى ثبتت العمامة جاز المسح عليها.
وأما تحنيكها زمن الصحابة فقد كان للحاجة إلى الجهاد، قال ابن تيمية: والسلف كانوا يحنكون عمائمهم، لأنهم كانوا يركبون الخيل، ويجاهدون في سبيل الله، فإن لم يربطوا العمائم بالتحنيك وإلا سقطت.
•
ما مقدار ما يمسح من العمامة؟
لا بد أن يكون المسح شاملاً لأكثر العمامة، فلو مسح جزءاً منها لا يصح.
•
هل يجوز للمرأة أن تلبس العمامة؟
لا يجوز ذلك لها، لأن هذا تشبه بالرجل.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
•
ما حكم المسح على اللفافة؟ (وهي التي يلفها الإنسان على قدمه)؟
اختلف العلماء في حكم المسح على اللفافة على قولين:
القول الأول: لا يجوز مطلقاً.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- وذلك لأن اللفائف لا تثبت بنفسها. (قاله ابن قدامة).
ب-أن المسح إنما ورد على الخف، وما هو في معناه، وأما اللفائف والخِرَق التي تلف على الأرجل فلا تسمى خفاً، ولا هي في معناه، فلا يمسح عليها إلا بدليل.
قال النووي: لو لفّ على رجلهِ قطعة من أَدَم واستوثق شده بالرباط
…
لم يجز المسح عليه، لأنه لا يسمى خفاً، ولا هو في معناه.
ج- حكي الإجماع على عدم الجواز.
القول الثاني: يجوز المسح عليها.
واختار هذا القول ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
أ-لحديث الباب، حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على التساخين، وهي كل ما يلف على القَدَم، ويشد عليها خفاً كان أو غيره.
ب-ولأن الغرض الموجود في المسح على الخفاف موجود في لبس اللفافة.
ج- أن اللفائف أولى بالجواز من الخفاف والجوارب، لأن نزعها أشق.
وهذا القول هو الصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصواب أنه يمسح على اللفائف، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة، وفي نزعها ضرر، إما إصابة البرد، وإما التأذي بالحفاء، وإما التأذي بالجرح، فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى.
•
ما حكم المسح على الجوربين (وهما ما يلبس على رجل على هيئة الخف من غير الجلد، كتاناً كانتا أم قطناً أم صوفاً، وهو المعروف الآن بالشراب)؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين.
القول الأول: جواز ذلك إذا كانا صفيقين يمكن متابعة المشي بهما.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
أ- واستدلوا: بحديث الباب. حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على التساخين، وهي كل ما يلف على القدم.
ب- وبحديث المغيرة بن شعبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أبو داود.
ووجه الدلالة منه ظاهر: حيث مسح صلى الله عليه وسلم على الجوربين.
لكن هذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه كبار الحفاظ، وصححه بعض المتأخرين كالألباني وأحمد شاكر وغيرهم.
القول الثاني: يجوز المسح عليهما إذا كانا منعلين أو مجلدين.
وهو مذهب أبي حنيفة.
قالوا: إن المسح على الخفين على خلاف القياس، فلا يصح أن يلحق به غيره إلا إذا كان في معناه من كل وجه، والجورب ليس كذلك، إلا إذا كان منعّلاً أو مجلداً.
القول الثالث: الجواز مطلقاً.
وهو قول بعض الصحابة منهم عمر، وعلي، وبعض التابعين منهم سعيد بن المسيب، والحسن البصري.
واستدلوا بأدلة القول الأول، حيث وردت مطلقة من غير تقييد بأن يكونا منعلين أو مجلدين أو صفيقين، وتقييد ما أطلقه الشارع لا يجوز إلا بدليل، ولا دليل هنا.
وهذا القول هو الراجح:
قال ابن المنذر: رويَ إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي، وعمار، وأبي مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء بن عازب، وبلال، وأبي أمامة، وسهل بن سعد.
65 -
وَعَنْ عُمَرَ -مَوْقُوفًا- و] عَنْ] أَنَسٍ -مَرْفُوعًا- (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَه.
===
• حديث عمر الموقوف أخرجه الدارقطني وإسناده قوي.
• وأما حديث أنس المرفوع، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: رواته عن آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة.
وقال الذهبي: الحديث على شرط مسلم، تفرد به عبد الغفار وهو ثقة، والحديث شاذ.
وسبب الشذوذ: أن عبد الغفار بن داود تفر د بهذا الحديث عن حماد بن سلمة، فلم يروه أحدٌ غيره من أهل البصرة.
ومن شذوذه أيضاً: مخالفته للأحاديث الصحيحة الدالة على التوقيت في المسح على الخفين.
•
استدل بهذا الحديث من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين لقوله (وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) فما الجواب عنه؟
الجواب عليه من وجوه:
أولاً: أنه محمول على ما ورد في النصوص الأخرى التي فيها التوقيت.
ثانياً: ويمكن أن يجاب أن حديث أنس المرفوع شاذ.
ثالثاً: أن يكون قوله (إن شاء) إشارة إلى أن المسح ليس بواجب دفعاً لما يفيده ظاهره من الوجوب، وظاهر النهي من التحريم.
•
ما الجواب عما ورد عن عمر من عدم التوقيت؟
الجواب عليه من وجوه:
أولاً: أنه ورد عن عمر ما يدل على التوقيت.
فقد أخرج عبد الرزاق عن أبي عثمان النهْدي قال (حضرت سعداً وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثلِ ساعتهِ من يومه وليلته) فهذا دليل بيّن على أن عمر يقول بالتوقيت.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن ابن عمر (أن عمر بن الخطاب قال في المسح على الخفين: للمسافر ثلاث، وللمقيم يوم إلى الليل) وإسناده صحيح.
وقد أجاب البيهقي عن هذا التعارض بقوله: وقد روينا عن عمر بن الخطاب التوقيت، فإما أن يكون رجع إليه حين جاءه الثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التوقيت، وإما أن يكون قوله الذي يوافق السنة المشهورة أولى.
وقد نقل النووي هذا القول وارتضاه.
ثانياً: يمكن أن يحمل ما ورد عن عمر بعدم التوقيت على الضرورة أو على المشقة الكبيرة، وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن هذا الحديث استدل به من قال باشتراط الطهارة في المسح على الخفين، وأنه لا يجوز المسح عليهما إلا إذا لُبسا جميعاً بعد كمال الطهارة. [وسبقت المسألة]
- أن المسح على الخفين خاص بالوضوء دون الغسل [وسبقت المسألة ودليلها حديث صفوان بن عسال]
- جواز الصلاة في النعال، لقوله صلى الله عليه وسلم:(وليصل فيهما) والجمهور على استحباب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم). رواه أبو داود. [وتأتي المسألة إن شاء الله].
- أن الأفضل للإنسان أن يصلي بخفيه إذا كانا عليه عند الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم:(وليصلّ فيهما).
66 -
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى اَلْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
===
•
ما صحة الحديث؟
الحديث ضعيف ولا يصح.
جاء في تلخيص الحبير: قال أبو داود ليس بالقوي، وضعفه البخاري، فقال: لا يصح، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال أبو الفتح الأزدي: هو حديث ليس بالقائم، وقال ابن عبد البر: لا يثبت وليس له إسناد قائم، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه.
• وهو من أدلة من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين، لكنه حديث ضعيف لا يصح.
• وسبق أن قول جماهير العلماء أن المسح على الخفين مؤقت.
بَابُ نَوَاقِضِ اَلْوُضُوءِ
النواقض جمع ناقض، والمراد بها مبطلات الوضوء.
وهي نوعان:
الأول: نوع مجمع عليه.
والثاني: مختلف فيه.
67 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَهْدِهِ- يَنْتَظِرُونَ اَلْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اَلدَّارَقُطْنِي.
وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِم.
===
(عَلَى عَهْدِهِ) أي: في زمانه، فالحديث له حكم الرفع، لاطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له.
(يَنْتَظِرُونَ اَلْعِشَاءَ) أي: صلاة العشاء.
(حَتَّى تَخْفِقَ) بكسر الفاء.
•
حديث الباب أصله في مسلم، اذكره؟ ولماذا المصنف أورد لفظ أبي داود؟
عن أنس قال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون).
وإنما أورد المؤلف رحمه الله لفظ أبي داود لأنه أوضح من لفظ مسلم، فإن فيه (حتى تخفقَ) وهذا يبين نوع النوم الذي ورد في لفظ مسلم وهو أنه نعاس وخفْقٌ، وليس نوماً مستغرقاً ثقيلاً يزول معه الشعور بما قد يخرُج.
وفي رواية للبيهقي (لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون).
•
هل النوم ناقض للوضوء أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال: (أوصلها النووي في شرحه على مسلم إلى ثمانية أقوال).
القول الأول: أنه لا ينقض الوضوء بأي حال.
ونسبه النووي لأبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، وشعبة.
أ-لحديث عن أنس - عند مسلم قال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون) وبقية رواياته.
ب- عن أنس. قال (أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلاً في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ: وقع عند إسحاق بن راهوية في مسنده، عن ابن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث (حتى نعس بعض القوم) وكذا هو عند ابن حبان من وجه آخر عن أنس، وهو يدل على أن النوم لم يكن مستغرقاً.
ج-عن عائشة قالت (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء والصبيان، فخرج فقال: ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم
…
) متفق عليه.
القول الثاني: أنه ناقض مطلقاً.
ونسبه النووي للحسن البصري، والمزني، وأبي عبيد والقاسم بن سلام، وإسحاق بن راهوية.
قال ابن المنذر: وبه أقول.
لحديث صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا
…
ولكن من بول وغائط وريح) رواه الترمذي.
وجه الدلالة: قرن النوم بالبول والغائط في إيجاب الوضوء منه.
القول الثالث: أنه إذا نام ممكناً مقعدته على الأرض لم ينقض، سواءً قل أو كثر.
قال النووي: وهذا مذهب الشافعي.
قال الشوكاني: وهذا أقرب المذاهب عندي، وبه يجمع بين الأدلة.
القول الرابع: أن كثير النوم ينقض الوضوء، وقليله لا ينقض بحال.
ونسبه النووي للزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهذا القول هو الراجح جمعاً بين الأدلة.
فحديث صفوان يدل على أن النوم ناقض مطلقاً.
وحديث أنس (حديث الباب) يحمل على أن النوم اليسير لا ينقض الوضوء.
ويؤيد هذا الجمع: أن النوم ليس حدثاً في نفسه وإنما هو دليل على خروج الريح، ولذلك إذا نام طويل ربما يخرج منه ريح، ويؤيد هذا حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد
السه: اسم لحلقة الدبر. وكاء: الوكاء الخيط الذي يربط به، والمعنى: اليقظة وكاء الدبر، أي حافظة ما فيه من الخروج، لأنه ما دام مستيقظاً أحس بما يخرج منه.
•
ما الحكم إذا زال العقل بجنون أو إغماء أو سكر؟
ينتقض الوضوء.
قال ابن قدامة: فأما غير النوم، وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل، فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً.
وقال النووي: أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون والإغماء.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها، فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء ويقول (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي).
- حرص الصحابة على البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة.
68 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنِّي اِمْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ اَلصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا. إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي اَلصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ اَلدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَلِلْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ).
وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْداً.
===
(الاستحاضة) هي سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة.
(فَلَا أَطْهُرُ) أي: فلا أنظف.
(قَالَ: لَا) أي: لا تدعي الصلاة.
(إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ) بكسر الكاف خطاب للمرأة السائلة.
(فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ) أي: جاء وقت عادتك فدعي الصلاة.
•
ما مراد الحافظ بقوله (وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً)؟
يقصد أن مسلم حذف جملة [ثم توضئي لكل صلاة] فلم يروها في صحيحه، وقد قال مسلم لما روى هذا الحديث من طريق حماد بن زيد عن هشام
…
قال (في حديث حماد حرف تركنا ذكره)، لأن مسلماً يرى أن حماد بن زيد انفرد بهذه الزيادة عن بقية الرواة عن هشام.
وقد قال النسائي في سننه: لفظ [ثم توضئي لكل صلاة] ما رواه أحد عن هشام إلا حماد بن زيد.
وقد حكم بشذوذها: مسلم والنسائي والبيهقي وابن رجب.
لكن الحافظ ابن حجر وأحمد شاكر قالا: ما فعله مسلم ليس بجيد، فإن حماد لم يتفرد بها، بل تابعه أربعة من الرواة كلهم رووا الحديث عن هشام وقالوا: وتوضئي لكل صلاة، منهم: أبو معاوية، حماد بن سلَمة رواه عن هشام عند الدارمي، ومنهم أبو عَوَانة رواه عن هشام بهذا اللفظ عند ابن حبان، ومنهم أبو حمزة وهو محمد بن ميْمون رواه عن هشام كما عند ابن حبان أيضاً.
•
هل الاستحاضة توجب الوضوء أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجب أن تتوضأ لكل صلاة.
وهذا قول جمهور العلماء.
قال ابن رجب: وقد روي الأمر للمستحاضة بالوضوء لكل صلاة عن جماعة من الصحابة، منهم علي، ومعاذ، وابن عباس، وعائشة.
لقوله في هذا الحديث (ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاة).
القول الثاني: لا يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة.
وهذا قول المالكية واختاره ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين أخيراً.
قال ابن عبد البر: إن صاحب الحدث الدائم كالاستحاضة وسلس البول لا يرتفع حدثه بالوضوء، فيكون في حقه مستحباً لا واجباً.
وأفتى الشيخ ابن عثيمين أنه لا يلزمها الوضوء لكل صلاة، ما لم ينتقض وضوءها، وأما حديث (ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاة) فهي غير محفوظة، ومثلها من عنده استطلاق ريح وقال: ليس عليه دليل ولا يفيدهما شيئاً.
•
على قول من قال: يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، ما معنى (تتوضأ لكل صلاة)؟
معنى (لكل صلاة) أي: لوقت كل صلاة.
لأنه جاء إطلاق الصلاة على الوقت، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر (فأينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) أي: أدركه وقت الصلاة.
فإن كانت الصلاة مؤقتة [كالصلوات الخمس] فإنها لا تتوضأ إلا إذا دخل وقت الصلاة ثم تصلي.
أما إذا كانت الصلاة غير مؤقتة [كصلاة الضحى مثلاً] فإنها تتوضأ عند إرادة فعلها.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه يجب على المستحاضة أن تتحفظ من الدم.
- أن المستحاضة حكمها حكم الطاهرات، ولذلك تصلي مع جريان الدم.
- بين لها النبي صلى الله عليه وسلم كيف تعرف حيضها التي تترك منه الصلاة، فردها إلى عادتها، فلا تصلي أيام عادتها [وسيأتي بحث هذه المسألة في بحث الحيض إن شاء الله].
- أن الدم الخارج من السبيلين ناقض للوضوء، لقوله صلى الله عليه وسلم:(فاغسلي عنك الدم).
- أن الحائض يحرم عليها الصلاة.
- وجوب الغسل على المرأة إذا طهرت من الحيض.
69 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ (كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ اَلْمِقْدَادَ بْنَ اَلْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: "فِيهِ اَلْوُضُوءُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيّ.
===
(كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً) أي: كثير المذي، وفي رواية لأبي داود والنسائي بإسناد صحيح بعد (مذاء): فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذُكر له - فقال: لا تفعل، إذا رأيت المذي، فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة)، والمذي: ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الشهوة وبلا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه.
(فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ) والمقداد هو ابن الأسود صحابي مشهور، من السابقين إلى الإسلام، مات سنة: 33 هـ.
(أَنْ يَسْأَلَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جاء في مسلم سبب ذلك (قال علي: وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد) وفي رواية (من أجل فاطمة) وفي رواية النسائي (وكانت فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي، فاستحييت أن أسأله).
•
في هذا الحديث أن علياً أمر المقداد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه هو الذي سأل، وفي رواية أنه أمر عماراً أن يسأل، فكيف الجمع؟
جمع ابن حبان بأن علياً أمر عماراً أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه.
وجمع الحافظ ابن حجر أنه أمر المقداد أن يسأل، وكذلك أمر عماراً أن يسأل، وأما علي فأسند السؤال إلى نفسه لأنه هو صاحبه فهو الذي أمرهم بالسؤال، وهذا الجمع رجحه أيضاً النووي.
•
ما حكم المذي؟
الحديث يدل على أن المذي نجس وهو إجماع.
قال النووي رحمه الله: أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي. (المجموع).
لأنه أمره بغسل ذكره، وأمره بالوضوء، فدل هذا على أن حكم المذي كحكم البول في النجاسة.
•
ما الذي يجب من خروج المذي؟
خروج المذي يوجب الوضوء.
وقد نقل ابن قدامة رحمه الله في " المغني "(1/ 168) إجماع العلماء على أن خروج المذي ناقض للوضوء.
لقوله كما في الرواية الأخرى (اغسل ذكرك وتوضأ).
وفي الرواية التي ذكرها المصنف (فقال: فيه الوضوء).
•
هل المذي يوجب الغسل؟
لا يوجب الغسل إجماعاً كما حكاه ابن عبد البر، ونقله ابن قدامة عن ابن المنذر.
•
هل يجب غسل الذكر كله أم لا؟
اختلف العلماء هل يجب غسل الذكر كله أم لا؟
القول الأول: أنه يكتفَى بغسل رأس الذكر أو الموضع الذي أصابته النجاسة منه.
وهذا مذهب الجمهور.
إلحاقاً له بسائر النجاسات، فهو حدث من الأحداث فلا يغسل منه إلا المخرج.
القول الثاني: أنه يجب.
وهذا مذهب الحنابلة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (يغسل ذكره ويتوضأ).
القول الثالث: يغسل جميع الذكر والأنثيين.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
فقد جاء عند أبي عوانة (يغسل ذكره وأنثييه)، قال الحافظ: إسناده لا مطعن فيه.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الحكمة من الأمر بغسل الذكر والأنثيين؟
قيل: إن المذي فيه لزوجة، فربما انتشر على الذكر والأنثيين ولم يشعر به الإنسان، قاله الخطابي.
وقيل: إن ذلك يخفف المذي أو يقطعه، ولا سيما إذا كان غسله بالماء البارد، فإنه من أسباب قطعه وعدم استمرار خروجه.
•
ما كيفية تطهير الثوب الذي أصابه المذي؟
اختلف العلماء في كيفية تطهير الثوب الذي أصابه المذي على قولين:
القول الأول: أنه لا يجزاء فيه إلا الغَسل.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لحديث الباب، وفيه الأمر بغسله.
القول الثاني: يكفي فيه النضح.
وهذا هو الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ- لحديث سهل بن حنيف قال (كنت ألقى من المذي شدة
…
فقلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه). رواه أبو داود
قال المبارك فوري رحمه الله (1/ 373): وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ يَكْفِي نَضْحُهُ وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُه.
ب-ولأن الغسل ورد في الفرج لا في الثوب، ورواية نضح الثوب لا معارض لها.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: المذي يكفي فيه النضح، وهو أن يعم المحل الذي أصابه الماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما.
•
هل البول والغائط من نواقض الوضوء؟
نعم.
أ-لقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).
ب-ولحديث صفوان بن عسال - وقد سبق - قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفْراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من بول وغائط ونوم) رواه الترمذي.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقُبُل المرأة، وخروج المذي، وخروج الريح: أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه لا يكفي في إزالة المذي الاستجمار بالحجارة كالبول، بل لا بد من الماء.
- هذا الحديث من أدلة القاعدة (المشقة تجلب التيسير).
- جواز الاستنابة في الفتوى.
- سؤال أهل العلم عما استشكل.
فائدة: أنواع الحياء:
فأما حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربا في الجنة قال الله تعالى: أفرارا مني يا آدم قال: لا يا رب بل حياء منك.
وحياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
وحياء الإجلال: هو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.
وحياء الكرم: كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا.
وحياء الحشمة: كحياء علي بن طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه.
وحياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربه عز و جل حين يسأله حوائجه احتقار الشأن نفسه واستصغارا لها.
70 -
وَعَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى اَلصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ اَلْبُخَارِي.
===
•
ما صحة هذا الحديث؟
هذا الحديث جاء من طرق كثيرة، وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيها:
فذهب بعضهم إلى تضعيفها كالبيهقي وغيره، وذهب بعضهم إلى تصحيحها لشواهدها الكثيرة.
فضَعَّفَهُ اَلْبُخَارِيِّ وأعله أبو حاتم وأبو داود ويحيي بن سعيد القطان والدار قطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم.
وقال ابن تيمية: إسناده جيد، ومال ابن عبد البر إلى تصحيحه واحتج به الإمام أحمد.
وقال ابن تيمية: غاية ما في الإسناد نوع إرسال، وإذا أرسل الحديث من وجهين اعتضد أحدهما بالآخر، ولا سيما وقد رواه البزار بإسناد جيد عن عطاء عن عائشة مثله.
وصححه الشيخ أحمد شاكر والألباني.
•
هل مس المرأة ينقض الوضوء أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه ينقض الوضوء.
وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري، وهو مذهب الشافعي.
أ-لقوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ).
قالوا: الآية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد، ويؤيد بقاؤه على معناه الحقيقي قراءة (أولمستم) فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع.
والأصل في معنى اللمس أنه اللمس باليد، وقد جاء في الأحاديث استعمال اللمس بمعنى لمس اليد، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز رضي الله عنه:(لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) رواه أحمد.
وقوله صلى الله عليه وسلم (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) رواه أحمد.
القول الثاني: أنه لا ينقض الوضوء.
وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء وطاووس، وهو مذهب أبي حنيفة.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث عائشة قالت (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجْلايَ في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت وصلى .. ) متفق عليه.
وعند النسائي عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة، فإذا أراد أن يوتر مسها برجله) متفق عليه.
ج-وعنها أيضاً قالت (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فخرجت تلتمسه وكانت شديدة الحب له
…
فذهبت تلتمسه فوجدته في المسجد يصلي وهو ساجد، وقدماه منصوبتان، قالت: فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك
…
). رواه مسلم.
وفي رواية للبيهقي بإسناد صحيح (فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ .. ) وهي عند النسائي أيضاً.
وجه الدلالة: لمس عائشة لقدمي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ولو كان المس ينقض الوضوء، لخرج النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته لانتقاض وضوئه بمجرد مس عائشة لقدميه، فاستمراره صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بعد مس عائشة له دليل على عدم نقض الوضوء بمجرد مس المرأة.
القول الثالث: أنه ينقض إذا كان لشهوة.
وهذا مذهب مالك وأحمد.
وهؤلاء حاولوا الجمع بين النصوص، الآية (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء) وهي دالة على نقض الوضوء بمس المرأة عندهم، والأحاديث التي استدل بها من رأى عدم النقض.
وهذا المسلك صحيح لو كانت الآية دالة على نقض الوضوء بمطلق المس - كما ذهبوا إليه - ولكن الصحيح في معنى الآية: أن المراد بها الجماع، كذا فسرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واختاره ابن جرير، وتفسيره رضي الله عنه مقدم على تفسيره غيره، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم فقّهه في الدين وعلمّه التأويل) رواه أحمد وأصله في البخاري، وصححه الألباني في تحقيق الطحاوية .... (الإسلام سؤال وجواب).
والراجح أنه لا ينقض مطلقاً.
•
ما الجواب عن الآية (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)؟
وأما الآية فالمراد بها الجماع، فقد ذهب إلى ذلك كثير من السلف.
فقد صح عن ابن عباس أنه فسرها بالجماع.
قال ابن كثير: وقد صح من غير وجه عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك.
وذهب إليه أيضاً علي بن أبي طالب كما رواه عبد الرزاق في المصنف وابن جرير في التفسير.
وقد رجح ذلك أيضاً ابن جرير فقال في تفسيره: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) الجماع دون غيره.
وقال ابن تيمية: قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) المراد به الجماع كما قاله ابن عباس وغيره من العرب، وهو يروى عن علي وغيره وهو الصحيح في معنى الآية، وليس في نقض الوضوء من مس النساء، لا كتاب ولا سنة.
•
ما رأيك بقول بعض العلماء في قول عائشة (
…
فإذا سجد غمزني) يحتمل أنه بحائل أو خاص به صلى الله عليه وسلم
-؟
غير صحيح وحمْل متكلف.
قال الزيلعي: والخصوم يحملون هذا الحديث على أن المس وقع بحائل، وهذا التأويل مع شدة بُعْده يدفعه بعض ألفاظه،
…
ثم ساق بعضاً من ألفاظ الحديث.
وقال الشوكاني: والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه صلى الله عليه وسلم بما ذكره ابن حجر في (الفتح) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل أو على أن ذلك خاص به تكلف، ومخالفة للظاهر.
•
ماذا قال ابن تيمية عن قول من قال: إن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً؟
قال رحمه الله في الفتاوى (21/ 236): وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة فهو أضعف الأقوال، ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة، ولا روى أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين أن يتوضئوا من ذلك؛ مع أن هذا الأمر غالب لا يكاد يسلم فيه أحد في عموم الأحوال؛ فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئاً وتأخذه بيدها، وأمثال ذلك مما يكثر ابتلاء الناس به، فلو كان الوضوء من ذلك واجباً لكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك مرة ويشيع ذلك، ولو فعل لنقل ذلك عنه ولو بأخبار الآحاد، فلما لم ينقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحداً من المسلمين بشيء من ذلك ـ مع عموم البلوى به ـ علم أن ذلك غير واجب.
71 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَمْ لَا؟ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ اَلْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
(إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا) أي: إذا حسّ بتردد الريح في بطنه.
(فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ) أي: التبس عليه الأمر أوُجِد ناقض أم لا.
(فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ اَلْمَسْجِدِ) أي: لأجل أن يتوضأ.
(حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا) قال النووي: معناه وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين. و (أو) للتنويع.
وقد جاء في الصحيحين من حديث عباد بن تميم عن عمه قال (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على أن خروج الريح ناقض من نواقض الوضوء، فمن الأدلة:
أ- حديث الباب.
ب- وعنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ) رواه البخاري ومسلم.
•
هذا الحديث يقرر قاعدة عظيمة يذكرها العلماء، فما هي؟
قال النووي: هذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتعين خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ كلياً ....
فهذا الحديث يقرر قاعدة يذكرها أهل الأصول: (اليقين لا يزول بالشك).
من أمثلة ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث، وهي أن من يتيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة
ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة، ومن ذلك:
لو أن إنساناً تيقن الحدث وشك في الطهارة فالأصل الحدث، فيلزمه الوضوء بإجماع المسلمين. [قاله النووي]
وكذلك الثياب لو كان عنده ثوب طاهر وشك هل تنجس أم لا، فالأصل الطهارة.
•
هل خروج الريح توجب استنجاء؟
لا، لا توجب الاستنجاء، وهذا بالإجماع.
قال النووي: أجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر.
وقال ابن قدامة: ليس على من نام، أو خرجت منه ريح استنجاء، ولا نعلم في هذا خلافاً.
لأنها لا تُحدث أثراً فهي هواء فقط، وإذا لم تُحدث أثراً في المحل فلا يجب أن يُغسل. [الشرح الممتع]
•
هل سماع الصوت أو وجدان الريح شرطاً في النقض؟
لا، ليس السمع أو وجدان الريح شرطاً في ذلك، بل المراد حصول اليقين.
قال العيني: ثم اعلم أن حقيقة المعنى في قوله (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) حتى يعلم وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بالإجماع، فإن الأصم لا يسمع صوتاً، والأخشم - الذي راحت حاسة شمه - لا يشم أصلاً.
•
هل هذا الحكم خاص بالصلاة أو حتى لمن كان خارجها؟
الحديث عام لمن كان في الصلاة أو خارجها، وهو قول الجماهير.
وللمالكية تفاصيل وفروق بين من كان داخل الصلاة أو خارجها لا ينتهض عليها دليل.
•
ما حكم خروج الريح باستمرار من الشخص؟
الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى:(يريد الله بكم اليسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(اللجنة الدائمة للبحوث).
• اذكر فائدة لهذا الحكم المذكور في الحديث؟
هذا الحكم فيه سد لباب الوسوسة التي تأتي كثيراً من الناس.
72 -
وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي أَوْ قَالَ اَلرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي اَلصَّلَاةِ، أَعَلَيْهِ وُضُوءٍ؟ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان.
وَقَالَ اِبْنُ اَلْمَدِينِيِّ: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
73 -
وَعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رضي الله عنها; (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ") أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّان.
وَقَالَ اَلْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا اَلْبَابِ.
===
(إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ) أي: قطعة منك كاليد والرجل ونحوهما، وقد علم أنه لا وضوء من مس البضعة منه.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث طلق حديث صحيح صححه ابن المديني كما ذكر المؤلف: والطحاوي، وابن حبان، والطبراني، وابن حزم، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والبيهقي.
حديث بسرة حديث صحيح، كما ذكر المصنف، صححه الترمذي وابن حبان والبخاري.
•
هل مس الذكر ينقض الوضوء أم لا؟
اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله على أن مس الذكر من وراء حائل لا ينقض الوضوء
واختلف العلماء في مسه مباشرة هل يوجب الوضوء أم لا على أقوال:
القول الأول: أنه لا ينقض الوضوء.
وهو قول الحنفية واختاره ابن المنذر.
لحديث طلق بن علي وفيه (قَالَ اَلرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي اَلصَّلَاةِ، أَعَلَيْهِ وُضُوء؟ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ).
القول الثاني: أنه ينقض الوضوء.
وإلى هذا ذهب عمر وابنه عبد الله وابن عباس وعائشة وسعيد وعطاء والشافعي وأحمد وداود وابن حزم.
لحديث بسرة.
القول الثالث: أنه ينقض الوضوء إذا كان لشهوة.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه، واختاره الألباني.
والراجح أن مس الذكر ينقض الوضوء مطلقاً.
•
ما الجواب عن حديث طلق الذي يفيد أنه لا ينقض الوضوء؟
الجواب عليه من أوجه:
أولاً: أنه ضعيف.
فقد ضعفه الشافعي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدار قطني، والبيهقي، وابن الجوزي، وادعى النووي أن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه، وردّه ابن عبد الهادي فقال: أخطأ من حكى الاتفاق على ضعفه.
ثانياً: من العلماء من قال إنه منسوخ بحديث بسرة.
وممن قال بالنسخ: ابن حبان، والطبراني، وابن العربي، والحازمي، والبيهقي، وابن حزم.
لأن حديث طلق متقدم، وحديث بسرة متأخر، ودليل تقدمه أنه قدم المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد في أول الهجرة.
ثالثاً: أن حديث بسرة أكثر رواة وأصح إسناداً وأقرب إلى الاحتياط، فإن له شواهد كثيرة، وقد ذكر هذه الشواهد الزيلعي في (نصب الراية) وابن حجر في (تلخيص الحبير).
قال ابن حجر: وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وعلي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس.
رابعاً: أن حديث النقض بالمس ناقل عن الأصل، وحديث عدم النقض مبق على الأصل، والناقل عن الأصل أولى بالترجيح، فإن معه زيادة علم.
•
هل هذا الحكم عام للرجال والنساء؟
الصحيح أنه عام للرجال والنساء، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
أ-لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ) رواه أحمد والبيهقي، وقد نقل الترمذي في (العلل الكبير) عن الإمام البخاري تصحيحه.
ب- لعموم (من مس فرجه فليتوضأ) قال الشوكاني: ولفظ (من) يشمل الذكر والأنثى، ولفظ الفرج يشمل القبُل والدبر، من الرجل والمرأة، وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجال وهو مالك.
ج- ما جاء عن عائشة قالت (إذا مست المرأة فرجها توضأت) رواه البيهقي وسنده صحيح.
•
ما المراد بالمس في قوله (من مس ذكره
…
)؟
المراد مسه من غير حائل.
أ-لحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إذا أفضى أحدكم إلى فرجه ليس دونها حجاب ولا ستر فقد وجب عليه الوضوء) رواه ابن حبان وصححه الحاكم وابن عبد البر.
ب-ولأن مع الحائل لا يسمى مساً. (قاله ابن عثيمين).
•
هل المس يكون بباطن الكف فقط، أم بباطنه وظاهره؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا فرق بين باطن الكف وظهره.
وبه قال عطاء والأوزاعي وأحمد.
قال ابن قدامة: واحتج أحمد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه - ليس بينهما - سترة فليتوضأ) وفي لفظ (إذا أفضى أحدكم إلى ذَكره، فقد وجب عليه الوضوء) رواه الشافعي في مسنده، وظاهر كفه من يده.
القول الثاني: لا ينقض مسه إلا بباطن كفه.
وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق.
قالوا: لأن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس، فأشبه ما لو مسه بفخذه.
وقالوا - كما قال الشافعي - إن الإفضاء المذكور في الحديث: إنما هو ببطنها كما يقال: أفضى بيده مبايعاً، وأفضى بيده إلى الأرض ساجداً، وإلى ركبتيه راكعاً.
والراجح الأول.
قال الصنعاني: وزعمت الشافعية أن الإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف، وأنه لا نقض إذا مس الذكر بظاهر كفه، ورد عليهم المحققون بأن الإفضاء لغة: الوصول، أعم من أن يكون بباطن الكف أو ظهرها.
•
هل ينقض إذا مسه بذراعه؟
قيل: لا ينقض.
وقيل: أنه ينقض.
وهو قول عطاء والأوزاعي، لأنه من يده.
والراجح الأول.
قال ابن قدامة: والصحيح الأول، لأن الحكم المعلّق على مطلق اليد في الشرع لا يتجاوز الكوع، بدليل قطع السارق، وغسل اليد من نوم الليل، والمسح في التيمم.
•
هل ينقض الوضوء إذا مس ذَكَرَ غيره؟
قيل: لا ينقض.
وهو قول أبي حنيفة وداود.
لأنه لا نص فيه، والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه فيقتصر عليه.
وقيل: ينقض.
وهو قول الشافعية والحنابلة.
قال المرداوي: شمل قوله (مس الذكر) ذَكَر نفسه وذَكَر غيره، وهو الصحيح.
وقال ابن قدامة: ولنا أن مس ذكَر غيره معصية وأدعى إلى الشهوة وخروج الخارج، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فبمس ذكر غيره أولى، وهذا تنبيه يقدم على الدليل، وفي بعض ألفاظ خبر بسرة (من مس الذكر فليتوضأ).
وحديث بسرة بهذا اللفظ جاء عند النسائي وأحمد (يُتوضأ من مس الذكر) وسنده صحيح.
•
هل هناك فرق بين مس ذَكَر الصغير والكبير؟
الصحيح أنه لا فرق.
قال ابن قدامة: وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور.
وقال النووي: فإذا مس الرجل أو المرأة قُبُل نفسه أو غيره من صغير وكبير حي أو ميت، ذكر أو أنثى، انتقض وضوء الماس
وذهب الأوزاعي والزهري: إلى أنه لا وضوء على من مس ذكر الصغير.
لأنه يجوز مسه والنظر إليه.
واستدل البعض بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قبّل زبيبة الحسن ولم يتوضأ).
والراجح الأول وأنه ينقض.
قال ابن قدامة: ولنا: عموم قوله (من مس الذكر فليتوضأ)، ولأنه ذكر آدمي متصل به أشبه الكبير، والخبر ليس بثابت.
•
هل ينقض الوضوء بمس حلْقة الدبر؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه ينقض الوضوء.
وإليه ذهب عطاء والزهري والشافعي ورواية عن الإمام أحمد.
لعموم قوله (من مس فرجه فليتوضأ).
ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر. (قاله في المغني).
قال الشيخ ابن عثيمين: والدبر فرج، لأنه منفرج عن الجوف، ويخرج منه ما يخرج، وعلى هذا فإنه ينتقض الوضوء بمس حلقة الدبر.
القول الثاني: لا ينقض الوضوء.
وهو مذهب مالك.
لأن في الحديث (من مس ذكره .. ) وهو المبيّن لرواية (من مس فرجه .. )
•
هل مس ما سوى ذلك كالأليتين والخصيتين ينقض الوضوء؟
مس الأليتين لا ينقض الوضوء، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي.
فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر.
وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء، كمس الخصيتين والصفحتين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم"(1/ 34): فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء. انتهى.
وقال النووي رحمه الله: قال أصحابنا: والمراد بالدبر ملتقى المنفذ، أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف
وقال ابن قدامة رحمه الله: ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن، كالرُّفغ والأنثيين والإبط، في قول عامة أهل العلم; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه.
والرُّفْغ: ما حول الفرج، أو أصول الفخذين من باطن. "مختار الصحاح".
74 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَه وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
===
-
(مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ) القي: هو خروج ما في المعدة عن طريق الفم.
(أَوْ رُعَافٌ) نزيف من الخيشوم.
(أَوْ قَلَسٌ) هو ما يخرج عند الجشاء ملء الفم أو دونه.
(فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ) أي: وليحسب ما كان قد صلى قبل الوضوء من ركعة أو أكثر، ويصلي ما كان باقياً.
(وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ) أي: في حال انصرافه ووضوئه.
•
ما صحة الحديث؟
الحديث ضعيف.
قال ابن عبد الهادي: ضعفه الشافعي، وأحمد، والدارقطني، وابن معين، وابن عدي وغيرهم.
وهذا الحديث من أفراد ابن ماجه، وقد أشار ابن القيم إلى أن غالب ما انفرد به ابن ماجه ضعيف.
مما يدل على ضعف الحديث قوله (ثم ينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته) وهذا ضعيف لا ينطبق على النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه كما سبق قال فيمن أشكل عليه شيء في الصلاة قال (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، وأيضاً الطهارة من شروط الصلاة، فإذا فقدت بطلت الصلاة.
•
هل خروج الدم والقي الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء أم لا؟
تحرير محل النزاع:
أولاً: وجوب الوضوء من الخارج من السبيلين إذا كان معتاداً - كالغائط والبول والريح والمذي -.
ثانياً: عدم انتقاض الوضوء بالخارج الطاهر من غير السبيلين، كالدمع والريق والنخامة والعرق والمخاط.
واختلفوا في انتقاض الوضوء بخروج النجاسات الكثيرة - سوى البول والغائط - من غير السبيلين كالدم والقيء، على قولين:
القول الأول: أنه ينقض إذا كان فاحشاً.
وهذا هو المذهب.
وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة.
أ-لحديث أبي الدرداء قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ) رواه الترمذي
ب-حديث الباب (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأ) وهو حديث ضعيف.
ج-قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة (إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ).
قالوا: فَعَلَّلَ وجوبَ الوضوءِ بأنه دم عرق، وكلُّ الدماء كذلك.
القول الثاني: أنه لا ينقض الوضوء.
وهذا مذهب الشافعي.
أ-ما جاء في صحيح البخاري تعليقاً عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع، فرمي رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته) رواه أحمد وأبو داود.
ب- (وصلى عمر وجرحه يثعب دماً) رواه مالك.
ج-وقال الحسن (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم).
د-لعدم الدليل.
ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ السعدي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، لكن الاستحباب متوجه ظاهر.
وقال الشيخ السعدي: الصحيح أن الدم والقيء ونحوهما لا ينقض الوضوء قليلها وكثيرها لأنه لم يرد دليل على نقض الوضوء بها والأصل بقاء الطهارة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الدم الكثير الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، سواء خرج من الأنف أو من جرح أو من الرأس، أو من أي مكان من البدن، إلا ما خرج من السبيلين، وذلك لأنه لا دليل على أن خروج الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء.
• ما الجواب عن حديث (قاء فتوضأ)؟
ما الجواب عن حديث (قاء فتوضأ)
من وجهين:
أ-أنه ضعيف.
قال النووي في (المجموع): وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث أبي الدرداء فمن أوجه: أحسنها أنه ضعيف مضطرب، قاله البيهقي وغيره من الحفاظ.
ب-أنه -مع تقدير ثبوته وصحته- لا يدل على نقض الوضوء بخروج القيء، لأنه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم فيدل على استحباب الوضوء من القيء، لا على وجوبه.
مع أن الاستدلال بهذا الحديث مبني على أن القيء نجس، لكن الراجح طهارته، لأنه لا دليل على القول بنجاسته.
•
بماذا أجابوا عن حديث المستحاضة؟
أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك نفي كونه دم حيض، أي ليس هذا الدم دم حيض وإنما هو دم عرق، وإذا كان كذلك فإنك لا تتركين الصلاة، بل تصلين، غير أنك تتوضأين لكل صلاة.
قال النووي في (المجموع): لو صح - يعني حديث المستحاضة- لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضاً، بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث، ولم يُرِدْ أن خروج الدم - من حيث كان - يوجب الوضوء.
فائدة: هل القيء طاهر أم نجس؟
ذهب أكثر العلماء إلى نجاسة القيء.
أ- لحديث عمار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط، والبول، والقيء، والدم، والمني).
ب- واستدلوا على نجاسته أيضا: بقياسه على الغائط، لأنه قد ظهر فيه النتن والفساد.
وذهب بعض العلماء كابن حزم والشوكاني إلى طهارته.
لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وليس هناك دليل صحيح على نجاسته.
وقد أجابوا عن حديث عمار بأنه ضعيف.
قال النووي في (المجموع): حديث عمار هذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده والدار قطني والبيهقي، قال البيهقي: هو حديث باطل لا أصل له وبين ضعفه الدار قطني والبيهقي " انتهى.
وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص.
وقال الشيخ الألباني في "تمام المنة"(ص 53) معلقاً على قول صاحب "فقه السنة" إن من النجاسات القيء:
" قلت: لم يذكر المؤلف الدليل على ذلك اللهم إلا قوله: [إنه متفق على نجاسته] وهذه دعوى منقوضة فقد خالف في ذلك ابن حزم حيث صرح بطهارة قيء المسلم، وهو مذهب الإمام الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق خان في شرحها، حيث لم يذكرا في النجاسات قيء الآدمي مطلقاً، وهو الحق، ثم ذكرا أن في نجاسته خلافاً ورجحا الطهارة بقولهما:(والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه) وذكر نحوه الشوكاني أيضاً في السيل الجرار.
وقد سئل الشيخ سليمان العلوان عن نجاسة القيء فقال: الصحيح أنه طاهر مطلقاً (يعني سواء كان متغيراً أم لا)، والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة.
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة، والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر .... (الإسلام سؤال وجواب).
75 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْغَنَمِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْإِبِل؟ قَالَ: نَعَمْ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
===
•
هل الأكل من لحم الإبل ينقض الوضوء؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه ينقض الوضوء.
وهذا مذهب الإمام أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة، واختاره البيهقي وحكاه عن أصحاب الحديث مطلقاً.
قال الخطابي: ذهب إلى هذا عامة أهل الحديث.
أ-لحديث الباب (
…
قال: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ).
ب-ولحديث البراء قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين) رواه أبو داود وأحمد وابن خزيمة
قال النووي في المجموع: قال إمام الأئمة ابن خزيمة: لم نر خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح، وانتصر البيهقي لهذا المذهب.
وقال في شرحه على مسلم: قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان، حديث جابر وحديث البراء، وهذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه.
القول الثاني: أنه لا ينقض الوضوء.
قال النووي: وهو قول جمهور العلماء.
فهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي.
أ-لحديث جابر قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) رواه أبو داود.
قالوا: أن هذا الحديث نسخ أحاديث الأمر بالوضوء من لحم الإبل.
ب-وبما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوضوء مما يخرج لا مما يدخل). رواه الدار قطني والبيهقي
والراجح القول الأول.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني؟
وأما حديث جابر (كان آخر الأمرين
…
).
قال النووي: هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام.
وقال ابن قدامة: أن خبرهم عام، وخبرنا خاص، والعام لا يُنسخ به الخاص، لأن من شرط النسخ تعذر الجمع، والجمع بين الخاص والعام ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص.
وأما حديث ابن عباس (الوضوء مما يخرج
…
) فضعيف لا يصح.
رواه البيهقي (1/ 116) وضعفه، والدار قطني (ص 55)، وهو حديث ضعيف فيه ثلاث علل، انظر تحقيقها في " السلسلة الضعيفة "(959).
وإن صح - تنزلاً - فهو عام، وحديث إيجاب الوضوء خاص.
•
ما رأيك بقول من قال إن المراد من قوله (توضئوا منها .. ) غسل اليدين والفم؟
هذا بعيد، لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي، وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب.
•
هل نقض الوضوء خاص باللحم، أو شامل لجميع أجزاء الإبل كالكرش والكبد وغيرها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم النقض.
وهذا مذهب أحمد، وجمهور العلماء، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم.
أ-قالوا: لأن النص لم يتناوله.
ب-ولأن العلة تعبدية فلا يقاس عليها.
القول الثاني: أنه ينقض.
وهذا اختيار الشيخ السعدي والشيخ بن عثيمين.
أ-أن اللحم في اللغة يشمل جميع الأجزاء، بدليل قوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) فلحم الخنزير يشمل كل ما في جلده.
ب-أن في الإبل أجزاء كثيرة قد تقارب الهبر، ولو كانت غير داخلة؛ لبيَّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، لِعِلمهِ أن الناس يأكلون الهبر وغيره.
ج-أنه ليس في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حيوان تتبعض أجزاؤه حلاً وحرمة، وطهارة ونجاسة، وسلباً وإيجاباً، وإذا كان كذلك فلتكن أجزاء الإبل كلها واحدة. (الشرح الممتع).
قال الشيخ السعدي مرجحاً هذا القول: والصحيح أن جميع أجزاء الإبل كالكرش والقلب والمصران ونحوها ناقض، لأنه داخل في حكمها ولفظها ومعناها، والتفريق بين أجزائها ليس له دليل ولا تعليل.
•
هل لبن الإبل ينقض الوضوء؟
الصحيح أنه لا ينقض الوضوء، وهذا مذهب أكثر العلماء.
أ-لأن الحديث إنما ورد في اللحم.
ب-ولأن الأصل عدم النقض حتى يثبت أنه ناقض.
وأما حديث (توضئوا من ألبان الإبل) فهو حديث ضعيف رواه ابن ماجه وغيره.
•
ما الحكمة من الوضوء من لحوم الإبل؟
قيل: الحكمة تعبدية.
قال المرداوي رحمه الله: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب
…
وَقِيلَ: هُوَ مُعَلَّل.
وقيل: معلل، وهو ما جاء في حديث البراء وقد سبق (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين
…
).
وفي لفظ ابن ماجه (فإنها خلقت من الشياطين).
وقد جاء في حديث: (على ذروة سنام كل بعير شيطان). رواه ابن خزيمة وأحمد.
قال ابن تيمية: أشار صلى الله عليه وسلم في الإبل إلى أنها من الشياطين، يريد والله أعلم أنها من جنس الشياطين ونوعهم، فإنَّ كلَّ عاتٍ متمرِّدٍ شيطانٌ من أي الدواب كان، كالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام، كما للإنس شياطين
…
فلعلَّ الإنسان إذا أكل لحم الإبل أورثته نفاراً وشماساً وحالاً شبيها بحال الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفئ النَّارُ بالماء، فأُمر بالوضوء من لحومها كسراً لتلك السَّورة، وقمعاً لتلك الحال، وهذا لأنَّ قلبَ الإنسان وخُلقه يتغير بالمطاعم التي يطعمها. (شرح عمدة الفقه: 1/ 185).
وقال أيضا: " فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في ذلك من إطفاء القوة الشيطانية ما يزيل المفسدة، بخلاف من لم يتوضأ منها، فإن الفساد حاصل معه، ولهذا يقال: إن الأعراب بأكلهم لحوم الإبل مع عدم الوضوء منها صار فيهم من الحقد ما صار (مجموع الفتاوى: 20/ 523).
• ما رأيك بالقصة المشهورة في سبب نقض الوضوء بلحم الإبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح، فاستحيا أن يقوم بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً عليه!: من أكل لحم جزور فليتوضأ! فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا؟
قال الشيخ الألباني رحمه الله: لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت. " السلسة الضعيفة "(3/ 268).
•
هل يجب الوضوء فيما عدا لحم الإبل؟
ذهب بعض العلماء إلى وجوب الوضوء بأكل ما مسته النار.
لحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (توضؤوا مما مست النار) متفق عليه.
وذهب جماهير العلماء إلى أن الوضوء لا ينتقض بأكل ما مسته النار.
وهذا قول أكثر العلماء، روي عن الخلفاء الراشدين، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وعامة الفقهاء.
قال الموفق: ولا نعلم اليوم فيه خلافاً.
أ-لحديث البراء قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا منها).
ب-ولحديث جابر قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار).
ج-ولحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ). متفق عليه
د-ولحديث عمرو بن أمية قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ). رواه البخاري ومسلم
هـ- ولحديث ميمونة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفاً ثم صلى ولم يتوضأ) رواه مسلم.
•
ماذا أجاب جمهور العلماء عن حديث (توضئوا مما مست النار)؟
قال النووي: وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين:
أحدهما: أنه منسوخ.
الجواب الثاني: أن المراد بالوضوء: غسل الفم والكفين. ا 0 هـ كلام النووي.
وقد أنكر ابن عبد البر والشوكاني الجواب الثاني.
جواب ثالث لابن تيمية: أجاب ابن تيمية بأن الأمر محمول على الاستحباب فقال: ولهذا أمر بالوضوء مما مست النار، وهو حديث صحيح، وقد ثبت في أحاديث صحيحة أنه أكل مما مست النار ولم يتوضأ، فقيل: إن الأول منسوخ، وقيل: بل الأمر بالتوضؤ مما مست النار استحباب كالأمر بالتوضؤ من الغضب، وهذا أظهر القولين
لكن هذا الحديث يحمل على الاستحباب.
76 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا اَلْبَابِ شَيْءٌ.
===
•
ما صحة الحديث؟
هذا الحديث مختلف في صحته.
وقد صحح بعض العلماء أنه موقوف، كالبيهقي، والبخاري، وابن أبي حاتم.
قال أبو حاتم: إنما هو موقوف عن أبي هريرة، لا يرفعه الثقات.
وقال البخاري بعد أن ساق الاختلاف على أبي هريرة في رفعه ووقفه، فقال: وهذا أشبه، يعني الموقوف.
وقال البيهقي: بعد أن رواه مرفوعاً وموقوفاً قال: هذا هو الصحيح موقوفاً على أبي هريرة.
وقال الإمام أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء.
وكذا قال علي بن المديني: لا يثبت فيه حديث.
وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت.
وقد حسنه بعض العلماء، كابن حبان، وابن القطان، وابن حزم، والألباني.
•
ما حكم الغُسل من غسل الميت؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
لحديث الباب (من غسّل ميتاً فليغتسل).
القول الثاني: أنه لا يجب.
وهذا قول جماهير العلماء.
والصارف عن الوجوب:
أ-حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس ينجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم). قال ابن حجر: إسناده حسن
ب - وحديث ابن عمر قال (كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل). رواه الدار قطني. قال الحافظ: إسناده صحيح
قال الفقهاء: الغاسل هو من يقلبه ويباشره ولو مرّة، لا من يصب الماء ونحوه.
•
هل تغسيل الميت ينقض الوضوء أم لا؟
القول الأول: أنه ناقض من نواقض الوضوء.
أ-واستدلوا بآثار وردت عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة أنهم أمروا بالوضوء من تغسيل الميت.
ب- ولأن العادة أن الغاسل لا تسلم يده أن تقع على فرج الميت.
القول الثاني: أنه لا ينقض الوضوء.
وهو قول جمهور العلماء، واختاره ابن تيمية.
قال الموفق: وهو الصحيح إن شاء الله.
لأن الوجوب من الشرع، ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه، فبقي على الأصل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالراجح أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، وهو اختيار الموفق، وشيخ الإسلام، وجماعة من أهل العلم.
وأمّا ما ورد عن هؤلاء الصحابة فإنه يحمل على الاستحباب.
•
هل يجب الوضوء من حمْل الميت؟
لا، لا يجب.
قال الصنعاني: فلا أعلم قائلاً يقول أنه يجب الوضوء من حمل الميت ولا يندب، ولكن مع نهوض الحديث لا عذر عن العمل به، ويفسر الوضوء بغسل اليدين.
لكن كلام الصنعاني فيه نظر، لأن تفسير الوضوء في كلام الشارع بغسل اليدين لا يستقيم، لأن الواجب حمْل ألفاظ الشرع على الحقيقة الشرعية، لا على الحقيقة اللغوية.
فالصحيح أنه لا يستحب الوضوء من حمل الميت، لأن ذلك يحتاج إلى دليل.
77 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله; (أَنَّ فِي اَلْكِتَابِ اَلَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لَا يَمَسَّ اَلْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلاً، وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
===
(عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، تابعي، ثقة عابد، مات سنة 135 هـ، وقد وهِم المغربي صاحب (البدر التمام) فترجم لعبد الله بن أبي بكر الصديق، وتبعه على هذا الصنعاني، وهذا وهْم فاحش، فإن عبد الله بن أبي بكر الصديق ليس من رواة هذا الحديث، لأنه صحابي مات في خلافة أبيه.
(لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) هو عمرو بن حزم بن زيد الخزرجي الأنصاري، شهد الخندق وما بعدها، واستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على أهل نجران، ليفقههم في الدين، وكتب له كتاباً في السنن والصدقات والفرائض والديات، وهو كتاب طويل.
(أَنْ لَا يَمَسَّ اَلْقُرْآنَ) المراد به نفس الحروف المكتوبة دون البياض الذي في الجوانب، ويراد به المصحف، فيشمل الحروف والحواشي.
(إِلَّا طَاهِرٌ) لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، ومن الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن.
مثال: إطلاقه على المؤمن قوله تعالى (إنما المشركون نجس) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس).
ومن إطلاقه على الحدث الأكبر قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا).
ومن إطلاقه على الحدث الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) وسيأتي أن الأظهر إطلاقه على المتوضاء.
•
ما صحة الحديث؟
الحديث جاء من طرق كثيرة مسندة ومرسلة، لكن العلماء تلقوا هذا الحديث بالقبول وحكموا له بالصحة وعملوا به:
قال الشافعي: لم يقبلوه حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد بن حنبل: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح.
وصححه إسحاق بن راهوية كما نقله عنه ابن المنذر.
وقال العفيْلي: هذا حديث ثابت محفوظ، إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع ممن فوق الزهري.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل.
وقال في الاستذكار: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه بالتواتر في مجيئه، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.
وقال ابن تيمية في شرح العمدة: وهذا الكتاب ذكر هذا فيه مشهور مستفيض عند أهل العلم، وهو عند كثير منهم أبلغ من خبر الواحد العدل المتصل، وهو صحيح بإجماعهم.
وقال الشنقيطي: والتحقيق صحة الاحتجاج به، لأنه ثبت أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتبه ليبين به أحكام الديات والزكوات وغيرها، ونسخته معروفة في كتب الفقه والحديث.
•
ما حكم مس المحدث للمصحف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز للمحدث مس المصحف.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
أ-قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون).
ب-ولحديث الباب (لا يمس القرآن إلا طاهر) وقد تقدم تلقي العلماء لهذا الحديث.
قالوا: والطاهر في الحديث هو المتطهر من الحدث الأصغر أو الغسل، لأن المؤمن طهارته معنوية، ولا يمس القرآن غالباً إلا المؤمنون، ولا يعرف بالشرع تسمية المؤمن بالطاهر، وإنما ورد وصفه بذلك، وفرق بين الوصف والتسمية.
فالأظهر أن قوله (إلا طاهر) أي: إلا متوضئ لما يلي:
أولاً: لأنه كثر في لسان الشرع إطلاق هذا اللفظ على المتوضئ.
ثانياً: ولأن الصحابة فهموا ذلك وأفتوا بأنه لا يمس القرآن إلا على طهارة.
ثالثاً: ولأنه لم يعهد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر.
رابعاً: أنه ورد في بعض الروايات (لا يمس القرآن إلا على طهر) وفي حديث حكيم بن حزام (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) وفي إسناده ضعف، لكن يفيد ترجيح المعنى المذكور. (منحة العلام).
ج- أنه ثابت عن الصحابة.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال (كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص، فاحتككت، فقال: لعلك مسست ذكرك، قال، فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ) رواه مالك والبيهقي.
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال (كنا مع سلمان فخرج فقضى حاجته، ثم جاء، فقلت: يا أبا عبد الله، لو توضأت لعلنا أن نسألك عن آيات، قال: إني لست أمسه، إنما لا يمسه إلا المطهرون، فقرأ علينا ما شئنا) رواه الدار قطني والبيهقي وابن أبي شيبة.
وروى نافع (أن ابن عمر كان لا يمس المصحف إلا وهو طاهر) رواه ابن أبي شيبة.
قال النووي: وهو قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف.
وقال ابن رجب: وهذا قول جماهير العلماء، وروي ذلك عن علي وسعد وابن عمر وسلمان، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة.
القول الثاني: يجوز للمحدث مسّ المصحف.
وبهذا قال ابن حزم.
أ-لما جاء في حديث هرقل الطويل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث هذا الكتاب إلى النصارى وفيه آية من القرآن، وقد أيقن أنهم سيمسونه مع أنهم على غير طهارة، فهذا يدل على جواز مس المحدث للقرآن.
ب- أنه يجوز للصبيان حمل الألواح التي كُتبَ عليها القرآن بلا إنكار، فكذلك يجوز لغيرهم ذلك.
•
بماذا أجاب هؤلاء عن أدلة الجمهور:
أما الآية: بأن الضمير في قوله (يمسه) يعود إلى اللوح المحفوظ، والمراد بـ (المطهرون) الملائكة، فلا يكون في الآية دليل على منع المحدث من قراءة القرآن.
وقد رجح ابن القيم أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وذلك من عشرة أوجه:
منها: أن الله قال (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ولم يقل: إلا المتطهرون، ولو أراد به منع المحدث من مسه لقال: إلا المتطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ثم ذكر بقية الأوجه.
وأما الحديث: فقالوا ضعيف.
والراجح القول الأول للحديث وعمل الصحابة.
•
ما الجواب عن قصة هرقل التي احتج بها من قال بالجواز؟
قال النووي: والجواب عن قصة هرقل: أن ذلك الكتاب كان فيه آية، ولم يمس مصحفاً.
وقال ابن قدامة: فأما الآية التي كتب بها النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما قصد بها المراسلة، والآية في الرسالة أو كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه، ولا يصير الكتاب بها مصحفاً، ولا تثبت له حرمته.
•
هل يجوز للصغير مس المصحف من غير وضوء؟
اختلف في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يجوز.
وبهذا قال الحنفية والمالكية.
قالوا: إذا لم نقل بجواز مس الصبيان للمصحف واللوح ونحوهما، فإما أن يمنعوا من مسه وفي هذا تضييع لحفظ كتاب الله، وإما أن يكلف الصبيان بالتطهر لمسه، وفي هذا حرج ومشقة عليهم، فيرخص لهم في هذه الحالة مسه على غير طهارة دفعاً للضرر عنهم.
القول الثاني: أنه لا يجوز.
وهو مذهب الحنابلة.
لعموم الأدلة الدالة على عدم جواز مس المحدث للمصحف.
والراجح الأول.
•
هل يجوز مس كتب التفسير؟
يجوز مسها لأنها تعتبر تفسيراً، والآيات التي بها أقل من التفسير الذي فيها، ويستدل بهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر.
وأما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلّب جانب الحظر فيُعطَى الحكم للقرآن. (الشرح الممتع).
•
ما حكم مس المصحف بالحايل المتصل؟
جماهير العلماء على أنه حرام.
فغلاف المصحف المتصل به [أي: المثبت في المصحف بمادة لاصقة أو بالخياطة
…
أو غير ذلك] يأخذ حكم المصحف فلا يجوز مسه بغير وضوء، وكذا أطراف الأوراق.
جاء في (الموسوعة الفقهية) ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يمتنع على غير المتطهر مس جلد المصحف المتصل، والحواشي التي لا كتابة فيها من أوراق المصحف، والبياض بين السطور، وكذا ما فيه من صحائف خالية من الكتابة بالكلية، وذلك لأنها تابعة للمكتوب وحريم له، وحريم الشيء تبع له ويأخذ حكمه.
وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى جواز ذلك.
واختلفوا في الحايل المنفصل، والأرجح الجواز، كأن يمسه بخرقة.
فالغلاف المنفصل عن المصحف، الذي هو عبارة عن كيس يدخل فيه المصحف ويخرج منه، لا حرج في لمسه بدون طهارة، ولو كان المصحف بداخله، فيجوز مس المصحف بحائل منفصل عنه، كالكيس الذي يوضع فيه، والقفاز ونحو ذلك.
قال في "كشاف القناع"(1/ 135): "وللمحدث حمل المصحف بعلاقته وفي غلافه أي: كيسه من غير مس له; لأن النهي ورد عن المس والحمل ليس بمس وله تصفحه بكمه أو بعود ونحوه كخرقة وخشبة; لأنه غير ماس له. وله مسه أي: المصحف من وراء حائل لما تقدم.
78 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذْكُرُ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَلَّقَهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(كَانَ رَسُولُ اَللَّه صلى الله عليه وسلم يُذْكُرُ اَللَّهَ) صيغة المضارع بعد لفظة (كان) تدل على كثرة التكرار والمداومة على ذلك الفعل، ما لم يوجد قرينة.
(يُذْكُرُ اَللَّهَ) المراد بذكر الله: كل ما يُذكّر بالله تعالى، من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وتلاوة القرآن.
(عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ)(على) للظرفية بمعنى (في)، أي: في كل أوقاته، والمراد معظم أحيانه.
•
ما حكم ذكر الله وقراءة القرآن من غير وضوء؟
جائز، والأفضل والأكمل أن يكون على وضوء. (إلا قراءة القرآن لمن كان جنباً كما سيأتي إن شاء الله).
قال النووي: أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر، والأفضل أن يقرأ لها.
أ- لحديث ابن عباس (أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته - قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه، ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ معلقة فتوضأ منها
…
) متفق عليه.
قال ابن عبد البر: وفيه قراءة القرآن على غير وضوء، لأنه ينام النوم الكثير الذي لا يختلف في مثله.
وقد بوّب الإمام البخاري على الحديث: باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
قال ابن حجر: أي الأصغر.
وقال النووي: وفيه جواز القراءة للمحدث، وهذا إجماع المسلمين، وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض.
ب- ولحديث الباب (كَان رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ).
قال النووي في شرح مسلم: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وإنما اختلف العلماء في جواز قراءة القرآن للجنب والحائض.
وقال الصنعاني: والحديث مقرر للأصل، وهو ذكر الله على كل حال من الأحوال، وهو ظاهر في عموم الذكر، فتدخل تلاوة القرآن - ولو كان جنباً - إلا أنه خصصه حديث علي (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) وأحاديث أُخر في معناه، وكذلك هو مخصص بحالة الغائط والبول والجماع.
•
قول عائشة (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) هل يستثنى من ذلك شيء؟
نعم، يستثنى حالات:
أ- حال قضاء الحاجة.
عن ابن عمر: (أن رجلاً مرَّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام. رواه مسلم
وعَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ (أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عز وجل إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود
ب-حال الجماع.
ج- إذا كان جنباً.، وهذه اختلف العلماء فيها (وستأتي المسألة إن شاء الله في باب الغسل).
•
اذكر بعض فضائل ذكر الله؟
منها: أنه يورث العبد ذكر الله له.
كما قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
قال ابن القيم: ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً.
وقال صلى الله عليه وسلم (قال تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خير منهم) متفق عليه.
ومنها: أنه سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمن.
كما في حديث أبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
ومنها: أنه غرس الجنة.
كما في قوله صلى الله عليه وسلم (لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الترمذي.
ومنها: أن دوام ذكر الرب يوجب الأمان من نسيانه وهو سبب شقاء العبد.
فإن نسيان الرب سبحانه يوجب نسيان نفسه ومصالحها، قال تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
ومنها: أن الذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال.
كما قال صلى الله عليه وسلم (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي
…
) متفق عليه.
ومنها: أن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله.
كما في الحديث (
…
وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك رجل خرج العدو في أثرهِ سراعاً، حتى أتى إلى حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله
…
) رواه الترمذي.
قال ابن القيم: فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى.
وكما في الحديث السابق (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده
…
، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك)
ومنها: أن سيد المرسلين كان كثير الذكر.
كما في حديث الباب (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) رواه مسلم.
ومنها: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله فيه.
كما سبق في حديث (لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
وكما في حديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إن لله ملائكة فُضُلاً سيارة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادّوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا
…
) رواه مسلم.
ومنها: أن الله يباهي بالذاكرين ملائكته.
كما في حديث معاوية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تُهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني: أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة) رواه مسلم.
ومنها: أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
كما في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ابنته فاطمة وعلياً أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، لما سألته الخادم، فعلمها صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: إنه خير لك من خادم) متفق عليه.
قال ابن القيم: قيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في بدنه مغنية عن خادم.
ومنها: أن كثرة ذكر الله أمان من النفاق.
قال تعالى في المنافقين (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً).
وقال كعب: من أكثر ذكر الله براء من النفاق.
ومنها: أن العبادات إنما شرعت لذكر الله.
ومنها: أنه من أحب الأعمال إلى الله.
كما أوصى صلى الله عليه وسلم رجلاً بقوله (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) رواه الترمذي.
ومنها: أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل.
فإن العبد لابد أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى، وذكر أوامره، تكلم بهذه المحرمات أو بعضها.
قال تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم).
وقال تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً).
•
اذكر أحوال ذكر الله؟
ذكر الله يكون بثلاث أشياء:
بالقلب: أن يتفكر في آيات الله وأسمائه وصفاته.
باللسان: كأن يقرأ القرآن أو يسبح أو يهلل.
بالجوارح: كالراكع والساجد.
79 -
وَعَنْ أَنَس (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اِحْتَجَمَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَيَّنَهُ.
===
•
ما صحة الحديث؟
الحديث ضعيف ولا يصح، ضعفه الدار قطني، والبيهقي، والنووي، والذهبي، والحافظ ابن حجر.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء، كالرعاف ودم السن والجرح، وما أشبه ذلك سواء كان قليلاً أم كثيراً.
وقد سبقت المسألة:
فمذهب مالك والشافعي: لا ينقض الوضوء.
ومذهب أبي حنيفة وأحمد ينقض، لكن أحمد يقول: ينقض إذا كان كثيراً.
80 -
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ اَلْعَيْنَانِ اِسْتَطْلَقَ اَلْوِكَاءُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ (وَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ).
وَهَذِهِ اَلزِّيَادَةُ فِي هَذَا اَلْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ دُونَ قَوْلِهِ: (اِسْتَطْلَقَ اَلْوِكَاءُ) وَفِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ.
81 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا (إِنَّمَا اَلْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضاً.
===
(الْعَيْنُ وِكَاءُ) الوِكاء: بكسر الواو: الخيط الذي يشد به الصرة أو الكيس أو القربة.
(السَّهِ) يفتح السين، حلقة الدبر.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث معاوية (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ
…
) سنده ضعيف.
وأما حديث علي فأخرجه أبو داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) وسنده ضعيف.
وأما حديث ابن عباس (إِنَّمَا اَلْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) فهو ضعيف.
قال النووي في المجموع: هو ضعيف باتفاق أهل الحديث.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ اَلْعَيْنَانِ اِسْتَطْلَقَ اَلْوِكَاءُ)؟
معناه: أن اليقظة تحفظ الدبر وتمنع من خروج الخارج منه وهو الريح، كما يحفظ الوكاءُ الماءً في السقاء ويمنع خروجه.
فالْيَقَظَة وِكَاء الدُّبُر، أَيْ حَافِظَة مَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوج، لأَنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا أَحَسَّ بِمَا يَخْرُج مِنْهُ، فَإِذَا نَامَ اِنْحَلَّ الوكاء.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا تَيَقَّظَ أَمْسَكَ مَا فِي بَطْنه، فَإِذَا نَامَ زَالَ اِخْتِيَاره وَاسْتَرْخَتْ مَفَاصِله. اِنْتَهَى من "عون المعبود".
فإذا كان الإنسانُ لم يُحكِمْ وكاءَه بحيث لو أحدث لم يحسَّ بنفسه فإن نومه ناقضٌ، وإلا فلا.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديثان يدلان على أن النوم ليس ناقضاً بنفسه، وإنما هو مظنة للنقض، وذلك إذا كان الإنسان في حالة لا يملك نفسه فلا يشعر بما يخرج منه، فإذا كان كذلك فليتوضأ لأنه نام، وأما إذا كان الإنسان يقظاً فإنه يتحفظ ويعرف ما يخرج منه.
وقد سبقت المسألة وأن الراجح أن النوم القليل الذي يشعر به الإنسان لا ينقض الوضوء.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً قد أزال الشعور; لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) أخرجه النسائي، والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة.
ولما روى معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد، والطبراني، وفي سنده ضعف، لكن له شواهد تعضده، كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثا حسنا. (مجموع الفتاوى).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: النعاس لا ينقض النوم، وكذلك النوم الخفيف، أما النوم العميق فإنه ناقض للوضوء، والفرق بينهما: أنه إذا كان نائماً يحس بنفسه إذا أحدث فنومه خفيف سواء كان جالساً أو متكئاً أو مضطجعاً، وأما إذا كان لا يحس بنفسه لو أحدث فنومه عميق ينقض الوضوء. (فتاوى مجلة الدعوة).
•
مَنْ الذي استدل بحديث ابن عباس (إِنَّمَا اَلْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) على أن النوم الذي ينقض الوضوء هو ما كان في حالة الاضطجاع؟
الذي استدل به الحنفية وداود الظاهري: أن الوضوء لا ينتقض بالنوم إلا في حال الاضطجاع.
وجه الدلالة (إِنَّمَا اَلْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) فهو نص صريح في عدم النقض بالنوم إلا إذا كان مضطجعاً، فإنه إذا نام مضطجعاً استرخت مفاصله فيخرج الحدث، بخلاف القعود والقيام والركوع والسجود، فإن الأعضاء متماسكة فلم يكن هناك سبب يقتضي خروج الخارج.
لكن كما تقدم أن الحديث ضعيف فلا تقوم به حجة.
82 -
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلَاتِهِ، فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ، وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) أَخْرَجَهُ اَلْبَزَّارُ.
83 -
وَأَصْلُهُ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْد.
84 -
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ.
85 -
وَلِلْحَاكِمِ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا (إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْدَثْتَ، فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ.
وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: (فَلْيَقُلْ فِي نَفْسِهِ).
===
(الشَّيْطَانُ) أي: جنس الشيطان.
(فِي صَلَاتِهِ) أي: حال كونه فيها.
(فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ) أي: يخرج منه الريح.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث ابن عباس سنده حسن.
والحديث كما قال المصنف رحمه الله أصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد، ولمسلم عن أبي هريرة.
أما حديث عبد الله بن زيد فلفظه: عن عبد الله بن زيد (أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ الَّذِى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِى الصَّلَاةِ. فَقَالَ (لَا يَنْفَتِلْ - أَوْ لَا يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً) متفق عليه.
وأما حديث أبي هريرة فلفظه: عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً). أخرجه مسلم
وأما حديث أبي سعيد عند الحاكم وفي سنده ضعف.
والغرض من إيراد لفظ ابن حبان لبيان أنه يقول (كذبت) في نفسه ولا يتكلم.
•
ما الذي تفيده هذه الأحاديث؟
هذه الأحاديث تفيد أن المتطهر إذا شك في وضوئه هل انتقض أو لا؟ فإن وضوءه باق، ولا يجب عليه أن يتوضأ حتى يتيقن أنه أحدث. (وسبقت المسألة).
• هذه الأحاديث فيها زيادة على حديث أبي هريرة الذي تقدم بأشياء؛ ما هي؟
أ- التصريح بأن هذه الشكوك في الطهارة من الشيطان.
ب-أنه بيّن محل هذه الشكوك وأنه مقعدة الإنسان.
ج- أنه بيّن طريقة الخروج من هذه الأوهام وهو تكذيب الشيطان.
•
هناك حالات لا يلتفت فيها للشك، اذكرها؟
أ-إذا كان بعد العبادة.
ب-إذا كان الإنسان كثير الشكوك.
ج-إذا كان وهماً. (الشيخ ابن عثيمين).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- شدة عداوة الشيطان للإنسان.
- لا ينبغي للإنسان أن يستسلم لوساوس الشيطان.
باب قضاء الحاجة
86 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ اَلْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُول.
===
(إِذَا دَخَلَ اَلْخَلَاءَ) أي: أراد دخول الخلاء، والخلاء بالمد المكان الخالي.
(وَضَعَ خَاتَمَهُ) أي: ألقاه، وكان صلى الله عليه وسلم يضع خاتمه وقتئذٍ صيانة لاسم الله تعالى عن محل القاذورات، وقد ورد عن أنس قال: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث معلول ولا يصح، قال النووي في الخلاصة: ضعفه أبو داود والنسائي والبيهقي والجمهور.
•
ما حكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب الشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة.
أ- لحديث الباب.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نزعه لأجل نقشه (محمد رسول الله) مما يدل على أن الخاتم لا يُدخل به الخلاء إذا كان عليه ذكر منعاً لامتهانه.
وقد تقدم أن الحديث ضعيف.
ب- عن عكرمة مولى ابن عباس قال (كان ابن عباس إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه) رواه ابن أبي شيبة، وسنده ضعيف.
القول الثاني: عدم الكراهة.
وهو قول كثير من السلف، وهو مذهب الحنفية.
أ- لأنه لم يرد دليل صحيح يدل على الكراهة.
ب- أن في نزع الخاتم عند دخول الخلاء من المفاسد ما لا يخفى.
القول الثالث: أن إزالة ذلك أفضل.
قال به بعض الحنابلة.
وهذا هو الصحيح.
•
ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله إذا كانت مستورة؟
يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة، بل هي مخفية ومستورة. (الشيخ ابن عثيمين).
•
ما الحكم لو خاف على ما معه أن يسرق أو يضيع؟
في هذه الحالة يجوز أن يدخل به الخلاء (هذا على القول بالكراهة).
•
ما حكم الدخول بالمصحف للخلاء؟
قيل: يحرم، وهو مذهب الحنابلة.
وقيل: يكره، وهو مذهب الحنفية.
والصحيح الأول.
قال الشيخ ابن عثيمين: الدخول بالمصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صرح العلماء بأنه حرام، لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يسرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج أن يدخل به لضرورة حفظه.
أما الأشرطة فليست كالمصاحف، لأن الأشرطة ليس فيها كتابة، غاية ما هنالك أن ذبذبات معينة موجودة في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فلذلك يدخل بها ولا إشكال في ذلك. (لقاءات الباب المفتوح).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما دخول الحمام بالمصحف فلا يجوز إلا عند الضرورة، إذا كنت تخشى عليه أن يسرق فلا بأس .... (مجموع فتاوى ابن باز).
•
ما حكم ذكر الله بالحمام؟
يكره ذكر الله بلسانه، تعظيماً لله تعالى.
قال ابن المنذر في الأوسط: وقال عكرمة لا يذكر الله وهو على الخلاء بلسانه ولكن بقلبه.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: الذِّكر بالقلب مشروع في كل زمان ومكان، في الحمَّام وغيره، وإنما المكروه في الحمَّام ونحوه: ذكر الله باللسان تعظيماً لله سبحانه إلا التسمية عند الوضوء فإنه يأتي بها إذا لم يتيسر الوضوء خارج الحمَّام؛ لأنها واجبة عند بعض أهل العلم، وسنة مؤكدة عند الجمهور.
•
ما حكم التسمية داخل الحمام لمن نسي أن يسمي قبل الدخول؟
قيل: يسمي بقلبه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/ 130): إذا كان في الحمام، فقد قال الإمام أحمد: إذا عطس الرجل حمد الله بقلبه، فيُخَرَّج من هذه الرواية أنه يسمي بقلبه. أ. هـ
وقيل: يسمي بلسانه ولا كراهة حينئذ.
قال الشيخ ابن باز: لا بأس أن يتوضأ داخل الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويسمي عند أول الوضوء، يقول:(بسم الله) لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة لأن الكراهة تزول عند الحاجة إلى التسمية، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوؤه. (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز).
87 -
وَعَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ اَلْخَلَاءَ قَالَ: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ). أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَة
===
(كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ اَلْخَلَاءَ) أي: عند إرادة الدخول لا بعده، وقد صرح بهذا البخاري في الأدب المفرد عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل
…
).
(الخبْث) قيل: بضم الباء ومعناه: ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: بسكون الباء ومعناه: الشر.
(الخلاء) المكان المعد لقضاء الحاجة، وسمي خلاءً لأنه يتخلى به.
•
ما معنى الخبث والخبائث؟
الخبُث بضم الباء جمع خبيث، وهم ذكران الشياطين، والخبائث جمع خبيثة، وهن إناث الشياطين، فكأنه استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم.
وقيل: الخبْث: بإسكان الباء، الشر، والخبائث: الذوات الشريرة، فكأنه استعاذ من الشر وأهله.
قال الخطابي: الخبُث بضم الباء، وعامة المحدثين يقولون: الخبْث بإسكان الباء، وهو غلط والصواب الضم
قال النووي: وهذا الذي غلّطهم فيه ليس بغلط، وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة، منهم أبو عبيْد إمام هذا الفن، والعمدة فيه.
•
ما حكم قول هذا الدعاء (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) عند دخول الخلاء؟
مستحب.
قال النووي: وهذا الأدب متفق على استحبابه، ويستوي فيه الصحراء والبنيان.
•
متى يقال هذا الدعاء؟
هذا الدعاء يقال عند إرادة الدخول في الأماكن المعدة لذلك.
•
ومتى يقال إذا كان في غير الأماكن المعدة لذلك كالصحراء؟
يقوله في أول الشروع عند تشمير الثياب، وهذا مذهب الجمهور. (قاله في الفتح).
لقوله (كان إذا دخل الخلاء
…
) والخلاء هو الموضع الذي يخلو الإنسان بنفسه لقضاء الحاجة، ولا يشترط أن يكون معداً لقضاء الحاجة.
•
ما الحكمة من الاستعاذة من الشياطين قبل دخول الخلاء؟
الحكمة أن هذه الأماكن تحضرها الشياطين.
كما في حديث زيد بن أرقم. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إن هذه الحشوش محتضَرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث) رواه أبو داود.
الحشوش: أماكن قضاء الحاجة. محتضرة: تحضرها الشياطين.
جاء في الموسوعة الفقهية (4/ 10): قال الحطّاب: وخصّ هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين:
الأوّل: بأنّه خلاءٌ، وللشّياطين بقدرة اللّه تعالى تسلّطٌ بالخلاء ما ليس لهم في الملأ.
الثّاني: أنّ موضع الخلاء قذرٌ ينزّه ذكر اللّه تعالى فيه عن جريانه على اللّسان، فيغتنم الشّيطان عدم ذكره، لأنّ ذكر اللّه تعالى يطرده، فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمةً بينه وبين الشّيطان حتّى يخرج.
وقال الشيخ ابن عثيمين: فائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة. (الشرح الممتع).
•
هل يقال هذا الدعاء حتى لو دخل الخلاء لغير قضاء الحاجة؟
نعم.
فإن العلة تقتضي من المسلم أن يحافظ على الاستعاذة عند كل دخول للخلاء، سواء كان بقصد قضاء الحاجة، أو كان لغير ذلك من الأمور التي يستعمل الناس اليوم لها دورات المياه من أمور النظافة المتنوعة، وبذلك يحفظ المسلم نفسه من أذى الشياطين.
جاء في "المغني"(1/ 190) قال أحمد: يقول إذا دخل الخلاء: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وما دخلت قط المُتَوَضَّأ [يعني: مكان الوضوء] ولم أقلها إلا أصابني ما أكره.
•
ما الحكم إذا نسي أن يقول هذا الذكر؟
قيل: يرجع ويقوله.
وقيل: إنه سنة فات محلها، وهذا أرجح.
•
هل لابد من هذا الذكر النطق باللسان؟
نعم، لابد من هذا الذكر النطق باللسان، فلا يكفي إمراره بنفسه.
•
هل وردت أدعية أخرى تقال قبل دخول الخلاء؟
أ-وردت التسمية (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث
…
) وهي شاذة لا تصح، فقد روى الحديث جماعة عن عبد العزيز بن صهيب دون ذكر التسمية، منهم شعبة، وحماد بن زيد، وهشيْم بن بَشير، وإسماعيل بن عُبيّة، وحماد بن سلمة، وعبد الوارث، وحماد بن واقد.
ب-ووردت في حديث علي. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله) رواه الترمذي، وهو ضعيف.
ج-ما جاء عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يعجز أحكم إذا دخل مرفقَه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم). لكنه حديث ضعيف
•
هل هناك أدب آخر يفعل قبل دخول الخلاء؟
نعم، أن يقدم رجله اليسرى دخولاً واليمنى خروجاً.
فيسن لمن دخل الخلاء أن يقدم رجله اليسرى دخولاً، لأن القاعدة أن اليمين تقدم في كل ما هو من باب التكريم، واليسار ضد ذلك.
ويدل لهذه القاعدة:
أ-حديث عائشة قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله). متفق عليه
ب- وحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا خلع فليبدأ بالشمال) متفق عليه.
ج- وحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا توضأتم وإذا لبستم فابدؤا بميامنكم) رواه أبوداود.
قال النووي: يستحب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم؛ كالوضوء والغسل والخروج من الخلاء، ويستحب تقديم اليسار ضد ذلك؛ كالاستنجاء ودخول الخلاء .....
فعند الخروج يقدم اليمني، لأن الخروج أكمل وأفضل.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهاراً للعبودية، ويجهر بها للتعليم.
- أن أماكن قضاء الحاجة هي أماكن الشياطين.
- أن الذكر من أعظم الأسباب التي تنجي من الشيطان.
- إثبات وجود الجن.
88 -
وَعَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ اَلْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(وَغُلَامٌ نَحْوِي) مقارب لي في السن.
(إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ) إناء صغير من جلد.
(وَعَنَزَةً) عصا أقصر من الرمح، وقيل: الحربة الصغيرة.
(فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) أي: يتطهر بالماء ما أصاب السبيلين من أثر البول أو الغائط.
•
ما المراد بالخلاء في الحديث في قول أنس (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ اَلْخَلَاءَ)؟
المراد به هنا الفضاء، ويدل لذلك:
أ-قوله في الرواية الأخرى (كان إذا خرج لحاجته).
ب-وقرينة حمل العنزة مع الماء.
ج-وأيضاً في الأخلية في البيوت كان خدمته فيها متعلقة بأهله.
•
ما المراد بالغلام في قول أنس (وَغُلَامٌ نَحْوِي)؟
اختلف ما المراد بالغلام:
فقيل: ابن مسعود، ورجحه البخاري حيث ذكر عند هذا الحديث قول أبي الدرداء (أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوساد)، والمراد بصاحب النعلين: ابن مسعود، لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويشكل على هذا رواية: (من الأنصار).
وقيل: أبو هريرة.
فقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى).
وأيضاً جاء في قصة ذكر الجن من حديث أبي هريرة: (أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته).
وقيل: جابر.
لأنه جاء عند مسلم في حديث جابر الطويل الذي في آخر الكتاب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فأتبعه جابر بإداوة).
•
هل يجوز الاقتصار على الماء بالاستنجاء؟
نعم، فحديث الباب يدل على ذلك.
وقد كان هناك خلاف لبعض السلف بكراهته.
ومما يدل على جواز الاستنجاء بالماء:
أ-حديث الباب.
ب-حديث عائشة أنها قالت لنسوة (مرن أزواجكنّ أن يستنجوا بالماء فإني أستحييهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). رواه أبو داود
•
اذكر حالات قاضي الحاجة من حيث استعمال الماء والحجارة؟
لقاضي الحاجة ثلاث حالات:
الأولى: أن يقتصر على الماء.
وهذا جائز وسبقت أدلته.
الثانية: أن يقتصر على الحجارة فقط.
وهذا جائز.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله: إجماع المسلمين على جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف.
ومن أدلة الجواز:
أ-حديث سلمان (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) رواه مسلم.
ب-وحديث ابن مسعود قال (أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ) رواه البخاري.
ج- وحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم،
…
وكان يأمر بثلاثة أحجار). رواه أحمد.
قال ابن قدامة رحمه الله: وإن أراد الاقتصار على أحدهما، فالماء أفضل; لما روينا من الحديث; ولأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف، وإن اقتصر على الحجر أجزأه، بغير خلاف بين أهل العلم; لما ذكرنا من الأخبار; ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم. (المغني).
الثالثة: أن يجمع بين الحجارة والماء.
وهذا أفضل عند أكثر العلماء.
قال النووي: فالذي عليه الجماهير من السلف والخلف وأجمع عليه أهل الفتوى وأئمة الأمصار، أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيستعمل الحجر أولاً لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده، ثم يستعمل الماء.
وقال العيني: مذهب جمهور السلف والخلف الذي أجمع عليه أهل الفتوى من أهل الأمصار، أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر.
وقد ورد في ذلك حديث لكنه لا يصح.
•
ما الحكمة من استصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للعنزَة؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: ليستتر بها عند الحاجة.
وقيل: يركزها لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه.
وقيل: كان يحملها لأنه كان إذا استنجى توضأ، وإذا توضأ صلى.
وهذا هو الصحيح. ورجحه النووي ....
•
اذكر حالات الاستعانة بالغير في الوضوء؟
الحالة الأولى: استعانة في إحضار الماء، وهذا جائز ما لم يكن هناك منّة.
الحالة الثانية: استعانة في صب الماء، وهذا جائز كما تقدم في حديث (فأهويت لأنزع خفيه).
الحالة الثالثة: استعانة في الوضوء في فعله، كأن يوضئه، فيقول اغسل رجلي، فهذا مكروه إلا لحاجة، كرجل مريض.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته.
- في الحديث أن خدمة العالم شرفاً للمتعلم، وقد مدح أبو الدرداء ابن مسعود فقال:(أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوساد).
لأن ابن مسعود كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم.
89 -
وَعَنْ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي اَلنَّبِي صلى الله عليه وسلم (خُذِ اَلْإِدَاوَةَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(حَتَّى تَوَارَى عَنِّي) أي: استتر عني واستخفى.
•
ما حكم ابتعاد قاضي الحاجة؟
سنة.
أ- لحديث الباب.
ب-ولحديث المغيرة الآخر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب الغائط أبعد). رواه أبو داود.
ج- ولحديث جابر. قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد) رواه أبو داود.
قال ابن القيم: وكان إذا ذهب في سفره للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه، وكان يبعد نحو الميلين.
•
ما الحكمة من الابتعاد؟
أ- لئلا ترى عورته.
ب- أو يُسمع صوته.
ج-أو تشم رائحته.
قال الشوكاني: الظاهر أن العلة إخفاء المستهجن من الخارج.
•
ما الأفضل لمن أراد أن يبول في الأرض؟
الأفضل أن يختار ويطلب أرضاً رخوة سهلة لئلا يرجع إليه رشاش البول.
قال ابن القيم: وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث، وهو اللين من الأرض.
ويدل على استحباب ذلك:
أ-حديث أبي موسى. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعاً). رواه أبو داود، وهو ضعيف، (ليرتد) أي يطلب.
ب-حتى يسلم من الرشاش.
ج-لأن عدم التنزه من البول من الكبائر، ومن أسباب عذاب القبر، كما في حديث ابن عباس قال (مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول
…
) متفق عليه.
أما ستر العورة عن الناس فهذا واجب وسيأتي.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز الاستعانة في الوضوء.
- جواز الاقتصار بالاستنجاء على الماء دون الحجارة.
90 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اِتَّقُوا اَللَّاعِنِينَ: اَلَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ اَلنَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِم.
91 -
زَادَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُعَاذٍ:(وَالْمَوَارِدَ).
92 -
وَلِأَحْمَدَ; عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَوْ نَقْعِ مَاءٍ) وَفِيهِمَا ضَعْف.
93 -
وَأَخْرَجَ اَلطَّبَرَانِيُّ اَلنَّهْيَ (عَنْ تَحْتِ اَلْأَشْجَارِ اَلْمُثْمِرَةِ، وَضَفَّةِ اَلنَّهْرِ الْجَارِي). مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيف.
===
(أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) المراد مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه ويقعدون فيه.
(طريق الناس) المراد الطريق المسلوك لا المهجور.
(وَالْمَوَارِدَ) جمع مَوْرد، وهو الموضع الذي يرِدُه الناس من عين ماء أو غدير أو نحوهما.
(أَوْ نَقْعِ مَاءٍ) أي: مجتمع الماء.
(وَضَفَّةِ اَلنَّهْرِ الْجَارِي) أي: جانب النهر.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث معاذ رواه أبو داود كما قال المصنف، وهو ضعيف لأمرين:
الانقطاع بين أبو سعيد الحميري ومعاذ، وجهالة أبي سعيد، فقد قال الذهبي: لا يعرف.
وأما حديث ابن عباس فقد أخرجه أحمد بلفظ (اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: وما الملاعن الثلاث يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يُستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء) وهذا سنده ضعيف لأنه فيه رجل مبهم.
وأما حديث ابن عمر فقد أخرجه الطبراني بلفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة، ونهى أن يُتخلى عن ضَفة نهرٍ جار) وسنده ضعيف.
•
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (اِتَّقُوا اَللَّاعِنِين)؟
قال الخطابي: المراد باللعانين الأمرين الجالبين للعن الحاملين عليه الداعين إليه، وذلك أن من فعلهما شتم ولعن، يعني عادة الناس لعنه.
وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون، وعلى هذا التقدير: اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما.
•
ما حكم قضاء الحاجة في طريق الناس أو في ظلهم؟
حرام.
أ- لأحاديث الباب.
ب- لما في ذلك من إيذاء المسلمين، وإيذاء المسلمين حرام، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً).
•
ما المراد بالظل الذي لا يجوز التخلي فيه؟
الظل النافع، للحديث السابق.
فالمحرم هو التبول أو التغوط تحت الظل النافع الذي يستظل به الناس، لقوله (أو ظلهم).
وإضافة الظل في الحديث إليهم دليل على إرادة الظل المنتفع به، الذي هو محل جلوسهم، فلو بال أو تغوط في ظل لا يُجلس فيه فلا يقال بالتحريم.
وقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم عند حائش نخل وله ظل بلا شك، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ (كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) رواه مسلم.
قال النووي (أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) يعني حائط نخل أما الهدف فبفتح الهاء والدال وهو ما ارتفع من الأرض.
•
هل يدخل في التحريم كل مكان يجتمع فيه الناس؟
نعم.
قال العلماء: يدخل في ذلك كل ما يحتاج إليه الناس من الأفنية والحدائق والميادين العامة، وأماكن الاستراحة التي قد توجد على بعض الطريق.
لأن في ذلك إيذاء للمسلمين، وإيذاء المسلمين حرام.
•
ماذا نستفيد من قوله في الحديث (تَحْتِ اَلْأَشْجَارِ اَلْمُثْمِرَةِ)؟
نستفيد تحريم قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة، لئلا تسقط الثمرة على ما خرج منه فتتنجس به، أو يتنجس من أراد أخذ ما فيها.
ونستفيد بالمفهوم: أنه يجوز قضاء الحاجة تحت الأشجار غير المثمرة، أو أشجار لا يؤخذ ثمرها، ما لم تكن مقصودة للجلوس.
ونستفيد من قولها (تحت) أنه لا بد أن يكون قريباً منها، وليس بعيداً.
•
اذكر بعض الأماكن الأخرى التي يحرم قضاء الحاجة فيها؟
أ-المساجد.
لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ اَلْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ اَلنَّاسُ، فَنَهَاهُمْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ; فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ.) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
ب-الجُحر.
لحديث عبد الله بن سرجس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر). رواه أبو داود
ج-على جواد الطريق.
قال ابن حجر: وفي ابن ماجه عن جابر بإسناد حسن مرفوعاً (إياكم والتعريس على جواد الطريق فإنها منازل الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن).
والقاعدة: كل مجتمعات الناس لأمر ديني أو دنيوي لا يجوز للإنسان أن يتبول فيها أو يتغوط.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- كمال الشريعة الإسلامية وسموها من حيث النظافة والنزاهة.
- تحريم كل ما يؤذي المسلمين.
94 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا تَغَوَّطَ اَلرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يَتَحَدَّثَا. فَإِنَّ اَللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ. وَصَحَّحَهُ اِبْنُ اَلسَّكَنِ، وَابْنُ اَلْقَطَّانِ، وَهُوَ مَعْلُول.
===
(إِذَا تَغَوَّطَ اَلرَّجُلَانِ) مشتق من الغائط، وهو الخارج المستقذر من الإنسان، وأصله المكان المطمئن من الأرض، وإطلاقه على الخارج من باب كراهية تسمية الشيء باسمه الخاص.
(اَلرَّجُلَان) تخصيص الرجل بالذكر لا مفهوم له، لكن باعتبار الغالب، وإلا فالمرأتان مثل ذلك.
(فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ) أي: ليستتر كل واحد عن صاحبه.
(فَإِنَّ اَللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِك) المقت أشد البغض.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَمْقُتُ عَلَى ذَلِك).
وهذا الحديث ضعيف لأمرين:
أنه من رواية عكرمة بن أبي عمار عن يحي بن أبي كثير وقد طعن في رواية عكرمة عن يحي.
ولأن فيه هلال بن عياض مجهوك، وفيه اضطراب.
•
ما حكم التواري عند قضاء الحاجة؟
التواري ينقسم إلى قسمين:
أ-أن يتوارى به عن ظهور العورة، فهذا واجب.
ب-أن يتوارى به عن ظهور بدنه، فهذا مستحب.
•
ما حكم الكلام أثناء قضاء الحاجة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب الجمهور.
لحديث الباب، وهو ضعيف كما سبق.
قال الشوكاني: الحديث يدل على وجوب ستر العورة، وترك الكلام، فإن التعليل يمقت الله تعالى يدل على حرمة الفعل المعلل ووجوب اجتنابه، لأن المقت هو البغض.
والحديث لو صح لكان دالاً على التحريم وليس على الكراهة، لكن قالوا: إن التحريم خاص بمن جمع كل أوصاف الحديث، رجلان يمشيان إلى الغائط كاشفين عن عورتيهما، يتكلمان.
القول الثاني: لا يكره.
لعدم الدليل الذي يدل على الكراهة.
وهذا هو الراجح.
95 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ اَلْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي اَلْإِنَاءِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
===
(وَهُوَ يَبُولُ) أي حال البول.
(وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ اَلْخَلَاءِ) لا يستنجِ بحجر ولا ماء.
(وَلَا يَتَنَفَّسْ) لا يخرج النفس من جوفه في الوعاء الذي يشرب فيه.
•
ما حكم مس الذكر بيمينه حال البول؟
يكره للبائل أن يمسك ذكره بيمينه حال البول.
والقول بالكراهة هو قول جمهور العلماء.
قالوا: لأنه من باب الآداب والتوجيه والإرشاد.
ولأنه من باب تنزيه اليمين، وذلك لا يصل النهي فيه إلى التحريم.
فائدة: ومحل النهي إذا لم تكن ضرورة، فإن كان ثَمّ ضرورة جاز من غير كراهة.
•
هل يكره مس الذكر باليمين مطلقاً أم حال البول فقط؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يكره حال البول فقط.
أ- لحديث الباب (لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ يَبُولُ) أي: حال كونه يبول، فلا يتعدى النهي إلى غيرها.
ب- ولأنه ربما تتلوث يده اليمنى إذا مس ذكره بها، فإن كان لا يبول جاز لحديث (هل هو إلا بضعة منك).
القول الثاني: يكره مطلقاً حال البول وغيره.
قالوا: إذا نهي عن مس الذكر حال البول مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، فيكون النهي في غيرها مع الحاجة من باب أولى.
والراجح القول الأول، وأن النهي حال البول فقط.
•
ما حكم الاستنجاء باليمين؟
مكروه.
وهذا قول جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب (وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ اَلْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ).
ب-وحديث سلمان قال (نهانا النبي أن نستنجي باليمين). رواه مسلم.
ج- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم،
…
ولا يستنجي بيمينه) رواه أبو داود
قال النووي: وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين.
وقال: الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم.
وذهب بعض العلماء إلى أنه نهي تحريم.
لحديث الباب، ولحديث سلمان، والنهي يقتضي التحريم.
•
في الحديث كراهة أن يتنفس في الإناء، فما الحكمة من ذلك؟
قال النووي: النهي عن التنفس في الإناء هو من طريق الأدب مخافة من تقذيره ونتنه وسقوط شيء من الفم والأنف فيه ونحو ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق، أو مخاط، أو بخار رديء، فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه.
وقال الصنعاني: والنهي عن التنفس في الإناء لئلا يقذره على غيره أو يسقط من فمه أو أنفه ما يفسده على الغير.
إذاً: محاذير التنفس في الإناء:
أ- أنه يقذر الشراب على من بعده.
ب- أن النفس ربما حمل أمراضاً يتلوث بها الإناء.
ج-أنه يخشى عليه من الشّرَق.
•
ما السنة للشارب إذا شرب من الإناء؟
السنة ألا يشرب في نَفَس واحد، بل يشرب في نفَسين أو ثلاثة مع فصل القدح عن فيه.
عن أنس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثاً) رواه مسلم.
96 -
وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: (لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) الاستنجاء: إزالة النجو وهو العذرة، وأكثر ما يستعمل في الاستنجاء بالماء، وقيل: يستعمل في الإزالة بالحجارة، وهو المراد هنا.
(أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ) الرجيع: الروث والعذرة.
•
ما حكم الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يشترط ثلاثة أحجار، فلا يجزئ أقل من ذلك.
فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة، وجب مسحة ثالثة.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
أ-لحديث الباب (لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ).
وجه الدلالة: قوله (نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) والأصل في النهي التحريم ولا صارف له.
ب- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الخلاء فلا تستقبلوها ولا تستدبروها، ولا يستنجي بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: (وكان يأمر بثلاثة أحجار) والأصل في الأمر الوجوب، ولا صارف له عنه.
ب-ولحديث ابن مسعود قال (أَتَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِى أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ) رواه البخاري.
القول الثاني: الواجب الإنقاء، فإن أنقى بحجر أجزأ.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية.
واستدلوا بحديث ابن مسعود السابق وفيه (فوجدت حجرين ولم أجد ثالثاً فأتيته بروثة، فأخذهما وألقى الروثة
…
).
قال الطحاوي: هو دليل على أن عدد الأحجار ليس شرط، لقوله (ناولني) فلما ألقى الروثة دلّ على أن الاستنجاء بالحجرين يجزئ، إذ لو لم يكن ذلك لقال: أبغي ثالثاً.
والراجح القول الأول، وأنه لا بد من ثلاثة أحجار.
وأما الرد على دليل القول الثاني:
أنه جاء في رواية عند الإمام أحمد (ائتني بغيرها).
•
هل يجزئ حجر واحد له ثلاث شعب أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجزئ، وأنه لا بد من ثلاثة أحجار.
لظاهر النص.
القول الثاني: أنه يجزئ حجر له شعب ثلاث.
قالوا: لأنه يحصل بالشعب الثلاث ما يحصل بالأحجار الثلاثة من كل وجه فلا فرق.
ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: وهذا هو الراجح في ذلك، لأن العلة معلومة، فإذا كان الحجر ذا شعب، واستجمر بكل جهة منه صح.
•
متى يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار؟
قال بعض العلماء: يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار إذا أراد أن يتبعه بالماء.
قالوا: لأن الماء وحده كافٍ كما سبق في حديث أنس.
لكن الصحيح أنه لا يجوز، والأخذ بظاهر الحديث أقوى؛ وهو أنه لا ينقص عن ثلاثة أحجار حتى لو أراد أن يتبع ذلك بالماء.
•
هل يقوم غير الحجر مقامه كالخشب والمناديل والخرق؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يقوم غير الحجر مقامه.
أ-لحديث سلمان (وأن لا نستنجي بعظم أو روث).
وجه الدلالة: تخصيص هذين النوعين بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها.
قال النووي: ويدل على عدم تعيين الحجر: نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظم والبعر والرجيع، ولو كان متعيناً لنهى عما سواه مطلقاً.
ب-ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى، والمعنى هاهنا إزالة عين النجاسة، وهذا يحصل بغير الأحجار كحصوله بها.
القول الثاني: لا يجزئ إلا الأحجار.
ونسبه النووي لبعض الظاهرية.
قالوا: إن الحجر متعين لنصه صلى الله عليه وسلم عليها، فلا يجزئ غيرها.
والصحيح مذهب الجمهور.
•
ما الأشياء التي لا يجوز الاستجمار بها؟
العظم، والروث.
أ-لحديث الباب (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي برجيع أو عظم). رواه مسلم
ب-وعن جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتمسح بعظم أو بعر). رواه مسلم
ج-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (انبعث النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته، فقال: أتبعني أحجاراً استنفض بها - أو نحوه - ولا تأتني بعظم ولا روث). رواه البخاري
د-وعن رويفع بن ثابت قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي،
…
فأخبر الناس أن من استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمداً منه بريء). رواه أبو داود
•
ما الحكمة من النهي عنها؟
أما العظم فإنه طعام الجن.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنها طعام إخوانكم من الجن).
وأما الروث:
فإن كانت روث غير مأكول اللحم فلنجاسته.
وإن كانت روث مأكول اللحم فلأنه طعام دبأواب الجن.
ففي صحيح مسلم لما ذكر مجيء الجن له، وأنهم سألوه الزاد، فقال لهم:(كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم).
97 -
وَلِلسَّبْعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ (لَا تَسْتَقْبِلُوا اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا).
===
(لَا تَسْتَقْبِلُوا اَلْقِبْلَةَ) أي: الكعبة.
(وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) قال النووي: قال العلماء: هذا خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم، بحيث إذا شرق أو غرب لا يستقبل الكعبة ولا يستدبرها.
•
ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يحرم في الصحراء وفي البنيان الاستقبال والاستدبار.
وهذا قول أبي أيوب الأنصاري ومجاهد والنخعي والثوري وابن حزم ورجحه ابن تيمية وابن القيم والشوكاني.
أ-لحديث الباب (لَا تَسْتَقْبِلُوا اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا).
ب-ولحديث سلمان السابق (لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ).
ج- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) رواه أبو داود.
فهذه الأحاديث صريحة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، والأصل في النهي التحريم، وهو عام في الفضاء والبنيان.
القول الثاني: جواز الاستقبال والاستدبار مطلقاً في البنيان دون الفضاء.
وهذا مذهب الجمهور، كما نسب ذلك ابن حجر إليهم، وقال: هو مذهب مالك والشافعي وإسحاق.
ورجحه النووي وابن حجر.
أ-لحديث ابن عمر قال: (ارتقيت على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة).
ب-ولحديث جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها). رواه الترمذي
ج-ما رواه مروان الأصفر قال (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: أنه تفسير من الصحابي (ابن عمر) لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم العام، وفيه جمع بين الأحاديث فيتعين المصير إليه.
القول الثالث: الجواز.
قال النووي: وهذا مذهب عروة بن الزبير، وربيعة شيخ مالك، وداود الظاهري.
واستدلوا بنفس أدلة القول الثاني:
حديث ابن عمر السابق قال (ارتقيت على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة).
حديث جابر السابق قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) رواه الترمذي
وجه الدلالة من الحديثين: أنهما ناسخان لأحاديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة.
والراجح القول الأول، وهو التحريم مطلقاً.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا بغائط، فإنه نهى عن ذلك في حديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة، وعامة هذه الأحاديث صحيحة وسائرها حسن، والمعارض لها إما معلول السند، وإما ضعيف الدلالة.
•
ما الجواب عن حديث ابن عمر (ارتقيت يوماً بيت حفصة
…
)؟
أ-أنه فعل، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم قول، والقول أقوى من الفعل.
ب-أن الفعل يحتمل الخصوصية أو غيرها.
ج-أن هذا الفعل لو كان شرعاً لما تستر به.
•
ما حكم استقبال النيرين (الشمس والقمر) حال قضاء الحاجة؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يكره استقبال النيرين.
أ-لما فيها من نور الله.
ب-ولحديث ورد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل وفرجه بادٍ إلى الشمس أو القمر).
والصحيح أنه لا يكره.
أ-التعليل الذي ذكروه منقوض بسائر الكواكب.
ب-وأما الحديث فباطل، قال ابن حجر: هذا حديث باطل لا أصل له، وقال النووي: هذا حديث باطل.
قال ابن القيم رحمه الله: وأما استدلاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عند قضاء الحاجة عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما، واحتج بالحديث، فهذا من أبطل الباطل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع. والذين ذكروها من الفقهاء: منهم من قال: العلة أن اسم الله مكتوب عليهما، ومنهم من قال: لأن نورهما من نور الله، ومنهم من قال: إن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين.
وقال السعدي: والصحيح أنه لا يكره استقبال النيرين وقت قضاء الحاجة، والتعليل الذي ذكروه، وهو لما فيهما من نور الله تعالى، منقوض بسائر الكواكب، وعلة غير معتبرة.
98 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها; أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ أَتَى اَلْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
===
•
ما صحة حديث؟
الحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة من حديث: (ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستديره).
وهو حديث ضعيف.
لأن في بعض رواته جهالة، ففيه رجل يسمى الحصيْن الحُبراني وهو مجهول، وكذلك شيخه أبو سعيد الحبراني.
•
ما حكم الاستتار عند قضاء الحاجة؟
الحديث يدل على التستر عند قضاء الحاجة. وهذا ثبت في حديث عبد الله بن جعفر قال: (كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل). رواه مسلم.
هدف: الهدف كل مرتفع من بناء أو كثيب، حائش نخل: أي جماعته.
قال العلماء: والاستتار نوعان:
الأول: استتار واجب.
وهو ستر العورة.
والثاني: استتار مستحب وهو من الآداب الكريمة.
وهو أن يستر بدنه كاملاً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
في الحديث أن الساتر حال قضاء الحاجة يكون خلف الظهر.
99 -
وَعَنْهَا; (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ اَلْغَائِطِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَالْحَاكِم.
===
•
ما صحة الحديث؟
الحديث صحيح، فقد صححه: الحاكم وابن حبان والنووي والألباني.
•
ما الدعاء المشروع الذي يقال بعد الخروج من الخلاء؟
قول: غفرانك، وهذا القول مستحب، لأنه فعل.
لحديث الباب.
•
متى يقوله إذا كان في الصحراء؟
يقوله إذا فارق البنيان.
•
ما الحكمة من قول (غفرانك) بعد الخروج من الخلاء؟
اختلف العلماء في الحكمة على أقوال:
القول الأول: يستغفر الله لأنه ترك ذكر الله في تلك الحالة.
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه إلا في حال قضاء الحاجة، فجعل ترك الذكر في هذه الحالة تقصيراً وذنباً يستغفر منه، (وهذا فيه نظر).
القول الثاني: استغفر لتقصيره في شكر نعمة الله عليه بإقداره على إخراج ذلك الخارج.
قال الشوكاني: وفي حمده إشعار بأن هذه نعمة جليلة ومنّة جزيلة، فإن انحباس ذلك الخارج من أسباب الهلاك، فخروجه من النعم التي لا تتم الصحة بدونها، وحقٌ على من أكل ما يشتهيه من طيبات الأطعمة فسدّ به جوعته، وحفظ به صحته وقوته، ثم لما قضى منه وطره، ولم يبق فيه نفع، واستمال إلى تلك الصفة الخبيثة المنتنة، خرج بسهولة من مخرج معد لذلك أن يستكثر من محامد الله جل جلاله.
القول الثالث: أنه لما تخفف من أذية الجسم دعا الله أن يخفف عنه أذية الإثم.
قال ابن القيم: إن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته، وسأل الله أن يخلصه من المؤذي الآخر، ويريح قلبه منه، ويخففه.
والصحيح ما قاله الشوكاني.
•
لماذا قول من قال: لأنه ترك ذكر الله في المكان، قول ضعيف؟
لأنه انحبس عن ذكر الله في هذا الموطن بأمر الله، وإذا كان كذلك فإنه لا يقال عنه: إنه غافل عن الذكر، بل هو ممتثل متعبد لله تعالى، كالحائض لا تصلي ولا تصوم، ولا يسن لها إذا طهرت أن تستغفر الله من تركها ذلك.
•
هل وردت أدعية تقال بعد الخروج من الخلاء غير هذا الدعاء؟
نعم، وردت بعض الأدعية التي تقال بعد الخروج من الخلاء، لكنها لا تصح:
حديث أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني). رواه ابن ماجه، وفيه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف جداً.
وعن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم. وإذا خرج قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ قوته، وأذهب عنّي أذاه). رواه ابن السني وهو ضعيف.
100 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ (أَتَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اَلْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًا. فَأَتَيْتُهُ بِرَوْثَةٍ. فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى اَلرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "هَذَا رِكْسٌ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيِّ.
زَادَ أَحْمَدُ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ:(ائْتِنِي بِغَيْرِهَا).
===
(أَتَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اَلْغَائِطَ) أي: ذهب إلى الأرض المطمئنة لقضاء الحاجة.
(فَأَتَيْتُهُ بِرَوْثَةٍ) وهي فضلة ذات الحافر، وعند ابن خزيمة (فوجدت له حجرين وروثة حمار).
(هَذَا رِكْسٌ) وعند ابن ماجه وابن خزيمة (هي رجس) والركس النجس.
•
ما حكم الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار؟
سبقت المسألة وأنه لا يجوز بأقل من ثلاثة أحجار.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
•
لماذا جاء الحافظ ابن حجر رحمه الله برواية أحمد والدارقطني (ائْتِنِي بِغَيْرِهَا)؟
الظاهر - والله أعلم - أنه أتى بها ليرد بها على من استدل بالحديث على جواز الاقتصار على حجرين وهم الحنفية، حيث قالوا بجواز ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بحجرين لما ألقى الروثة، ولم يطلب من عبد الله أن يأتيه بثالث بدلها.
•
هل يشترط بالحجر أن يكون طاهراً؟
نعم، يشترط في الحجر أن يكون طاهراً.
أ-لحديث ابن مسعود: (ألقى الروثة وقال: هذا ركس). والركس: النجس.
ب-ولأن النجاسة لا تزال بمثلها.
ج-ولأن النجس خبيث، فكيف يكون مطهراً.
•
وهل هناك شرط آخر ينبغي أن يكون بالحجر؟
نعم، يشترط أن يكون الحجر منقياً. لأن هذا هو المقصود من الاستجمار.
فإن كان غير منقياً لم يجزئ، كالحجر الأملس، أو الرطب ونحو ذلك.
أ-لأنه لا يحصل فيه المقصود.
ب-عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قدم وفد الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد: إنْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك). رواه أبو داود
الحممة: قال الخطابي: الفحم وما أحرق من الخشب والعظام ونحوهما.
قال البغوي: قيل: المراد بالحممة: الفحم الرخو الذي يتناثر إذا غمز فلا يقلع النجاسة.
•
هل يجوز الاستجمار إذا تعدى الخارج موضع العادة (كأن يتجاوز الغائط مخرجه إلى الأليتين)؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجزئ الاستجمار ولو تعدى الخارج موضع العادة.
وبهذا قال الشافعية - على تفصيل عندهم - واختاره ابن تيمية.
لحديث عائشة قالت. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنهن تجزئ عنه) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: أنه نص في إجزاء الاستجمار بالحجارة ولم يقيّد ذلك بشيء، فلم يقل إلا إذا تعدى الخارج موضع العادة، ولو كان ذلك واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: لا يجزئ الاستجمار إذا تجاوز الخارج من السبيلين موضع الحاجة، فلابد حينئذ من الاستنجاء بالماء.
وبه قال أبو جنيفة ومالك وأحمد واختاره ابن المنذر.
لأن الأصل وجوب إزالة النجاسة بالماء، وهذه النجاسة كما لو كانت هذه النجاسة على فخذه وساقه.
وهذا القول هو الراجح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز الاقتصار على الحجارة بالاستنجاء.
- جواز خدمة العالم.
- تحريم الاستنجاء بالأعيان النجسة.
101 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى "أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ، أَوْ رَوْثٍ" وَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَه.
===
•
في الحديث النهي عن الاستنجاء برجيع أو عظم، لكن لو فعل هل يجزئ أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجزئ.
وهذا المذهب، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق.
أ-لحديث (فإنهما لا يطهران).
ب-حديث سلمان (نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم).
القول الثاني: يجزئ مع الإثم.
وهذا مذهب أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
لأنهما يخفيان النجاسة، وينقيان المحل، فهما كالحجر.
والراجح القول الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- سبقت الحكمة من النهي عن الاستنجاء بعظم أو روث.
- في الحديث دلالة على أن الاستنجاء بالأحجار يطهر، ولا يلزم بعدها الماء، لأنه علل بأن العظم والروث لا يطهران فدل على أن الحجارة تطهر.
102 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ.
103 -
وَلِلْحَاكِمِ: (أَكْثَرُ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْ اَلْبَوْلِ) وَهُوَ صَحِيحُ اَلْإِسْنَاد.
===
•
ما حكم التنزه من البول؟
واجب في الثوب والبدن، وأن عدم التنزه من أسباب عذاب القبر.
أ- لحديث الباب.
ب- ولحديث ابن عباس قال (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة. فقالوا: يا رسول الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). متفق عليه
وذهب جمهور العلماء إلى وجوب التنزه من البول لهذه الأدلة وغيرها، فإن فيها الأمر والأمر يقتضي الوجوب.
وذهب أبو حنيفة والمزني إلى أنه لا يجب الاستنجاء إذا كانت النجاسة قدر الدرهم فأقل، واستدلوا:
بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم) رواه الدار قطني والبيهقي.
•
اذكر أنواع الأبوال وحكم كل نوع؟
أ-بول الكبير نجس إجماعاً كما قال النووي.
ب-بول الصغير نجس لكنه خفف في طهارته، وذهب داود الظاهري إلى أنه طاهر لكنه قولٌ ضعيف.
ج-بول ما لا يؤكل لحمه نجس.
د-بول ما يؤكل لحمه، فهذا اختلف فيه العلماء:
القول الأول: أنه نجس.
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.
أ-لعموم الأدلة التي فيها أن البول نجس.
ب-ولقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث).
ج-ولحديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: إنهما ليعذبان
…
أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله).
وجه الدلالة: قوله (بوله) هذا عام، فيدخل فيه كل الأبوال.
د-ولحديث الباب: (استنزهوا من البول
…
).
وجه الدلالة: أنه عام، فيدخل فيه كل بول.
هـ-حديث الأعرابي: (أنه بال في طائفة المسجد فدعا بذنوب من ماء).
القول الثاني: أن بول ما يؤكل لحمه طاهر.
وهذا مذهب الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا:
أ-لحديث أنس (أن أناساً من عكل وعرينة قدموا المدينة فاجتووها فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
). متفق عليه
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل، ولم يأمرهم بغسل أفواههم منها، وهم حديثوا عهدٍ بالإسلام، وبحاجة البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ب-لحديث جابر بن سمرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا فيها فإنها خلقت من الشياطين). رواه أبو داود
وجه الدلالة: أنها لو كانت نجسة كأرواث الادميين لكانت الصلاة فيها إما محرمة كالحشوش والكنف، وإما مكروهة كراهة شديدة لأنها مظنة الأخباث والأنجاس، فأما أن يستحب الصلاة فيها ويسميها بركة، ويكون شأنها شأن الحشوش أو قريباً من ذلك فهو جمع بين المتناقضين المتضادين، وحاشا الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك.
ج-ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته في المسجد الحرام وبركها حتى طاف أسبوعاً.
د-وكذلك أذنه لأم سلمة أن تطوف راكبة.
وجه الدلالة: معلوم أن الدابة لا تعقل بحيث تمتنع عن البول في المسجد الحرام، فلو كان بولها نجساً لما أدخلها عليه السلام وأذن في إدخالها المسجد الحرام، إذ في ذلك تلويث له وتنجيس.
وهذا القول هو الراجح.
وأما أدلة القول الأول فهي عامة، وأدلة بول ما يؤكل لحمه خاصة والخاص يقضي على العام.
- اذكر بعض المسائل من حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين
…
).
أولاً: فيه دليل على أن عدم التنزه من البول من أسباب عذاب القبر.
ولذلك استحب الفقهاء لمن أراد أن يبول أن يطلب مكاناً رخواً لأنه أسلم من الرشاش.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يرتاد لبوله الموضع الدمث - وهو اللين الرخو من الأرض.
ثانياً: قوله (وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير) اختلف العلماء في المراد بقوله (وما يعذبان في كبير):
فقيل: ليس بكبير في زعمهما.
وقيل: ليس بكبير في مشقة الاحتراز منه، أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك.
ورجحه البغوي وابن دقيق العيد وجماعة، وهذا هو الراجح.
وقيل: ليس بكبير بمجرده، وإنما صار كبيراً بالمواظبة عليه، ويرشد إلى ذلك السياق، فإنه وصف كلاً منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه.
ثالثاً: قال النووي: سبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة والسعي بالفساد من أقبح القبائح.
رابعاً: لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما.
قال الحافظ: وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره إلا مقروناً ببيانه، ومما يدل على بطلانه الحكاية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ، كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: من دفنتم اليوم ههنا؟ فدل على أنه لم يحضرهما. [قاله الحافظ]
خامساً: اختلف في المقبورين:
فقيل: كانا كافرين.
وقيل: كانا مسلمين وهذا هو الصحيح، ويدل لذلك:
أنه جاء عند أحمد (أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال: من دفنتم هنا؟) فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين.
سادساً: عظم أمر النميمة وأنها من كبائر الذنوب.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه.
سابعاً: اختلف العلماء يسن وضع جريدة رطبة على القبر؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يسن ذلك وقد أوصى بذلك بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
والصحيح أنه لا يجوز ذلك.
ورجح ذلك الخطابي والقاضي عياض وقال: لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله (ليعذبان).
وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة، لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ، وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِس.
ومما يدل على أنه لا يجوز ذلك أمور:
أ-حديث جابر الطويل في صحيح وفيه (إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يبرد عليهما مادام الغصنان رطبين)
ب-أنه لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم.
ج-أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا الظن بالميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله ينعم
د-أن هذا لم يفعله السلف الصالح.
ثامناً: إثبات عذاب القبر.
وهو ثابت بالكتاب والسنة واتفاق أهل السنة.
قال تعالى (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
ومن السنة أدلة كثيرة ومتواترة:
أ-حديث الباب
ب-وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع
…
وذكر منها عذاب القبر) رواه مسلم
ج-وحديث أنس رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقولان له
…
وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين) متفق عليه
هـ وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع) رواه مسلم
و_ وعن ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله ز كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلم السورة من القرآن قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ونعوذ بك من عذاب القبر
…
). متفق عليه
ز- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار
…
). متفق عليه
تاسعاً: بعض أسباب عذاب القبر:
أولاً: النميمة وعدم التنزه من البول.
لحديث ابن عباس رضي الله عنه (مر النبي صلى الله عليه وسلم بفبرين
…
الحديث).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثر عذاب القبر من البول). رواه ابن ماجه
ثانياً: الغيبة.
فقد جاء في رواية عند ابن ماجه (وأما الآخر فيعذب بالغيبة).
ثالثاً: الغلول من الغنيمة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله ز إلى خيبر، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والشراب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله عبد له
…
فلما نزلنا قام عبدُ رسول الله ز يحل رحله، فرُمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال: كلا، والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً، أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، ففزع الناس
…
) متفق عليه.
104 -
وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (عَلَّمْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اَلْخَلَاءِ: " أَنَّ نَقْعُدَ عَلَى اَلْيُسْرَى، وَنَنْصِبَ اَلْيُمْنَى) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيف.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، قال النووي: الحديث ضعيف لا يحتج به.
وضعفه ابن حجر والبيهقي.
•
على ما يدل الحديث؟
الحديث يدل على أنه يستحب لقاضي الحاجة أن يعتمد على رجله اليسرى
ب- وأنه أسهل لخروج الخارج.
ج-وتكريماً لليمين.
لكن الحديث ضعيف كما تقدم، والحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية.
105 -
وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ ضَعِيف.
===
(فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ) النتر: هو جذبه بقوة ليقذف بقية البول بشدة.
•
ما صحة الحديث؟
الحديث ضعيف، قال النووي: اتفقوا على أنه ضعيف.
عيسى بن يزداد مجهول الحال، وأبوه متكلم في صحته.
•
ما حكم نتر الذكر بعد البول؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يجب الاستبراء قبل الاستجمار بالنفض والسلت الخفيف، فينتر ذكره.
وبه قال الحنفية والمالكية.
واستدلوا:
أ- بحديث (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه).
ب-حديث ابن عباس قال (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) متفق عليه.
وجه الدلالة: أنهما صريحان في وجوب التنزه من البول، وذلك يقتضي التأكد من عدم خروجه أو بقاء شيء منه قبل الاستنجاء، ولا يكون ذلك إلا بالسلت والنتر.
ج- واستدلوا بحديث الباب (إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ) وهو حديث ضعيف كما تقدم.
القول الثاني: يستحب ذلك.
وبه قال الإمامان: الشافعي وأحمد.
واستدلوا:
أما روي عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا بال نتر ذكره ثلاث نترات) وفي رواية (أمر بذلك) رواه ابن عدي والبيهقي وهو ضعيف.
ب- أنه قال به بعض السلف كالحسن البصري وأبي الشعثاء وجابر بن زيد.
ج- أنه بالسلت والنتر يستخرج ما يخشى عودته بعد الاستنجاء.
القول الثالث: يكره ذلك.
وبه قال بعض الحنابلة واختاره ابن تيمية وقال: نتر الذكر بدعة على الصحيح.
أن ذلك لو كان سنة لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يفعلوه، ولم يصح عنهم شيء في ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم كل شيء حتى الخراءة، دل ذلك على أنه غير مشروع، والحديث المروي في ذلك ضعيف فلا حجة فيه.
ب- أن البول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قرّ، وإن حلبته در، والبول الواقف كلما أخرجه جاء غيره، فإنه يرشح دائماً.
ج- أن ذلك من الوسواس أو يؤدي إليه، فإن من اعتاد ذلك ابتلي بما عوفي منه من لهَى عنه.
وهذا القول هو الصحيح.
قال ابن القيم في زاد المعاد: ولم يكن صلى الله عليه وسلم يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نتر الذكر، والنحنحة والقفز، ومسك الحبل، وطلوع الدرج، وحشو القطن في الإحليل، وصب الماء فيه، وتفقده الفينة بعد الفينة، ونحو ذلك من بدع أهل الوسواس.
بل الذي ثبت خلاف هذه الوساوس.
قال إبراهيم النخعي: ما تفقد إنسان إلا رأى ما يكره أو يسوءه ـ يعني بلة طرف الإحليل. أخرجه ابن أبي شيبة
وهذا رجل قد شكا لابن عباس فقال: (إني أكون في الصلاة فيخيل إليّ أن بذكري بللاً، فقال: قاتل الله الشيطان، إنه يمس ذكر الإنسان في صلاته ليريه أنه قد أحدث، فإذا توضأت فانضح فرجك بالماء، فإن وجدت قلت: هو من الماء، ففعل الرجل ذلك، فذهب). أخرجه عبد الرزاق
وهكذا كان السلف يفعلون، وهكذا كانوا يحتاطون لأنفسهم من هذه البدع.
فعن نافع مولى ابن عمر قال: (كان ابن عمر إذا توضأ نضح فرجه). أخرجه ابن أبي شيبة
106 -
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما; (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءٍ، فَقَالُوا: إِنَّا نُتْبِعُ اَلْحِجَارَةَ اَلْمَاءَ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيف.
107 -
وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِدُونِ ذِكْرِ اَلْحِجَارَة.
===
(أَهْلَ قُبَاءٍ) اسم لمكان قرب المدينة النبوية.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف بذكر الحجارة، والمعروف من طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء.
وقد ضعف الحديث: أبو حاتم، والنووي، وابن القيم، وابن حجر.
وأما الاقتصار على الماء فقط فهو صحيح رواه أبو داود عن أبي هريرة.
ولفظه: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروقال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية).
•
ماذا يستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على جواز الجمع بين الماء والحجارة في الاستنجاء.
وقد تقدمت هذه المسألة عند حديث رقم (88).
وأن الجمع بين الحجارة والماء أفضل، كما هو مذهب جماهير العلماء، لأنه أنقى وأنظف.
لكن لم يثبت حديث فيه الجمع بين الحجارة والماء.
فقاضي الحاجة له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يجمع بين الاستجمار والاستنجاء، فيستجمر أولاً ثم يستنجي.
قال النووي: الذي عليه الجماهير من السلف والخلف أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيستعمل الحجر أولاً لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده، ثم يستعمل الماء.
وقال العيني: " مذهب جمهور السلف والخلف، والذي أجمع عليه أهل الفتوى من أهل الأمصار؛ أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيقدِّم الحجر أولاً ثم يستعمل الماء، فتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده، ويكون أبلغ في النظافة.
الخلاصة: أن الجمع بين الحجر ثم الماء أفضل:
أولاً: لأنه أبلغ في النظافة.
ثانياً: ولأنه إذا استعمل الحجر أولاً خفف النجاسة وقلَّت مباشرتها باليد.
• لكن لم يثبت بهذه حديث، وحديث الباب (حديث ابن عباس) حديث ضعيف.
الحالة الثانية: أن يقتصر على الماء، فهذا جائز.
لحديث أنس قال: (كان رسول صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء) متفق عليه
الحالة الثالثة: أن يقتصر على الحجارة فقط، وهذا جائز.
لحديث سلمان قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار). رواه مسلم
ولحديث ابن مسعود قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثاً، فأتيته بروثة، فأخذهما وألقى الروثة، وقال: هذا ركس). رواه البخاري
•
أيهما أفضل الاستنجاء بالماء أم الاستجمار بالأحجار؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: الاستنجاء بالماء أفضل.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
أ- قالوا: إن الماء قالع للنجاسة، والحجر مخفف لها، وما كان قالعاً للنجاسة فهو أفضل.
ب- ولحديث الباب - حديث أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروقال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية)
القول الثاني: الاستجمار بالحجر أفضل.
وهو قول بعض السلف.
قال في المغني: وحكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء.
أ-قالوا: إن الماء مطعوم فيجب تكريمه، والاستنجاء به إهانة له.
ب-أن في الاستنجاء بالماء تلفاً للماء.
ج-أنه يبقى في اليد نتن بعد الاستنجاء.
والراجح القول الأول.
بَابُ اَلْغُسْلِ وَحُكْمِ اَلْجُنُبِ
الغُسل بضم العين، وهو تعميم البدن بالغَسل بالماء.
والجنب: من حصلت منه الجنابة، وهي إنزال المني.
وسمي جنباً لأنه يتجنب الصلاة والعبادة.
أو لأن المني بَعُدَ عن محله وانتقل.
108 -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلْمَاءُ مِنْ اَلْمَاءِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَأَصْلُهُ فِي اَلْبُخَارِيّ.
===
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (اَلْمَاءُ مِنْ اَلْمَاءِ)؟
(الماء) أي ماء الغسل. (من الماء) أي من المني.
•
اذكر الأدلة على أن إنزال المني بشهوة من موجبات الغُسل؟
أ-قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا).
ب-ولحديث الباب.
ج- ولحديث أم سلمة (أن أم سُليم قالت: يا رسول الله؛ إن الله لا يستحي من الحق؛ فهل على المرأة من غسل إن هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء). متفق عليه.
(احتلمت) الاحتلام اسم لما يراه النائم من الجماع، فيحدث معه إنزال المني غالباً.
قال النووي: وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني.
•
هل مفهوم حديث الباب مراد؟
مفهوم الحديث يفيد أنه لا يجب الغسل بدون إنزال لقوله (الماء من الماء)، فلو جامعها في فرجها ولم ينزل فليس عليه غسل، لكن هذا المفهوم غير مراد بل يجب الغسل بمجرد الإيلاج كما سيأتي.
•
إذاً ما الجواب عن حديث الباب؟
أ- إما أن يكون منسوخ.
وهذا المشهور عند أكثر العلماء، وناسخه حديث (إذا جلس بين شعبها الأربع
…
).
ب-وإما أن يحمل على حالة الاحتلام.
وهو قول ابن عباس.
وقد بوّب على ذلك النسائي، ومال إليه الحافظ ابن حجر، ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
•
هل مجرد خروج المني يوجب الغسل أم أن هناك قيوداً أخرى؟
لابد أن يكون خروج المني بلذة ودفق، فلو خرج بلا لذة ولا تدفق؛ فلا غسل عليه. (وهذا في اليقظان).
وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة.
فلو خرج منه لبرد أو مرض ونحوهما فلا غسل عليه، بل يكون نجساً يغسل كغيره وليس منياً.
ويدل لذلك حديث علي قال (كنت رجلاً مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا خذفت الماء فاغتسل من الجنابة، وإن لم تكن خاذفاً فلا تغتسل) وفي لفظ (إذا فضخت الماء فاغتسل) والخذف والفضخ: خروجه بالغلبة وهو الدفق.
• وأما النائم فعليه الغسل مطلقاً، لأنه قد لا يحس به، وهذا يقع بكثرة، فإذا استيقظ الإنسان فوجد الأثر ولم يشعر باحتلام؛ فعليه الغسل، بدليل حديث أم سلمة حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ قال:(نعم، إذا هي رأت الماء) فأوجب الغسل برؤية الماء ولم يشترط أكثر من ذلك، فدل على وجوب الغسل إذا استيقظ ووجد الماء.
•
ما الحكمة من الغسل بعد خروج المني؟
قال ابن القيم: إيجاب الشارع الغسل من المني دون البول فهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة، فإن المني يخرج من جميع البدن، ولهذا أسماه الله سبحانه وتعالى (سلالة) لأنه يسيل من جميع البدن، وأما البول فإنما هو فضلة الطعام والشراب المستحيلة في المعدة والمثانة، فتأثر البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول.
109 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا اَلْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ اَلْغُسْلُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
زَادَ مُسْلِمٌ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ".
===
(إِذَا جَلَسَ) أي: الرجل، وهو مفهوم من السياق.
(بَيْنَ شُعَبِهَا اَلْأَرْبَعِ) أي: شعب المرأة الأربع، والمراد هنا: يداها ورجلاها، وهو كناية عن مكان الرجل من المرأة حال الجماع.
(ثُمَّ جَهَدَهَا) أي: بلغ المشقة، والمعنى: بلغ جهده فيها، وذلك بإيلاج ذكره في فرجها.
(فَقَدْ وَجَبَ اَلْغُسْلُ) أي: عليهما جميعاً.
•
هل الإيلاج (الجماع) ولو لم ينزل يوجب الغسل؟
نعم؛ الإيلاج ولو لم ينزل يوجب الغسل، فإذا حصل إيلاج وجب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل.
وهذا الحكم ذهب إليه الجمهور، بل حكاه بعضهم إجماعاً للصحابة، حكى ذلك النووي وابن العربي: أن الصحابة أجمعوا على وجوب الغسل من الإيلاج ولو لم ينزل لهذا الحديث الصحيح الصريح.
وقد كان فيه خلافاً لبعض الصحابة كأبي سعيد وزيد بن خالد ورافع بن خديج وداود الظاهري؛ أنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال.
قال النووي: وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ إِيجَاب الْغُسْل لا يَتَوَقَّف عَلَى نُزُول الْمَنِيّ، بَلْ مَتَى غَابَتْ الْحَشَفَة فِي الْفَرْج وَجَبَ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَة، وَهَذَا لا خِلاف فِيهِ الْيَوْم، وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَاف لِبَعْضِ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ، ثُمَّ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهذا صريح في وجوب الغسل، وإن لم ينزل وهذا يخفى على كثير من الناس، فتجد الزوجين يحصل منهما هذا الشيء، ولا يغتسلان، لا سيما إذا كانا صغيرين ولم يتعلما، وهذا بناء عندهم على عدم وجوب الغسل إلا بالإنزال، وهذا خطأ .... (الشرح الممتع).
•
ما الحكم إذا جامع من وراء حايل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجب الغسل.
لعموم الحديث.
القول الثاني: لا يجب الغسل.
لحديث (إذا التقى الختانان .. ) وفي لفظ (إذا مس الختان الختان .. ) ومع الحايل لا يحصل مس.
والأول أرجح.
110 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ; أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ -وَهِيَ اِمْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ- قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنَّ اَللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ اَلْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْغُسْلُ إِذَا اِحْتَلَمَتْ؟ قَالَ: "نَعَمْ. إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ") اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
111 -
وَعَنْ أَنَسِ [بْنِ مَالِكٍ]رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اَلْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى اَلرَّجُلُ قَالَ: (تَغْتَسِلُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
زَادَ مُسْلِمٌ: فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْم (وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ اَلشَّبَهُ؟).
===
(أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) هي بنت مِلحان والدة أنس بن مالك.
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ) وإنما قدمت هذا القول تمهيداً بعذرها في ذكر ما يستحيى منه.
(فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ) أي: رأت في منامها أنها تُجامع، وفي رواية أحمد من حديث أم سليم، أنها قالت: يا رسول الله! إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟
(قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مجيباً لها.
(نعم إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) أي: نعم عليها الغسل إذا أبصرت الماء وهو المني، والمراد من ذلك تحقق وقوعه.
•
هل على المرأة غسل إذا احتلمت ورأت الماء؟
نعم كالرجل.
قال النووي: اعلم أن المرأة إذا خرج منها المني وجب عليها الغسل، كما يجب على الرجل بخروجه، وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني.
- ما الحكم إذا تحرك المني ولم يخرج هل يجب الغسل أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجب الغسل بانتقاله ولو لم يخرج.
وهذا المذهب.
أ- لأن الجنابة تُباعِد الماء عن محله، وقد وجِد.
ب- ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة، وقد حصلت بانتقاله، فأشبه ما لو ظهر. (المغني).
القول الثاني: أنه لا غسل عليه.
وهو قول أكثر الفقهاء واختاره ابن قدامة وابن تيمية.
أ-لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية بقوله (إذا رأت الماء) فلا يثبت الحكم بدونه.
ب- ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى بيانه.
وهذا القول هو الصحيح.
قال ابن قدامة رحمه الله: إن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره، فلم يخرج فلا غسل عليه .. (وهذا) قول أكثر الفقهاء.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية وفضخ الماء، بقوله: إذا رأت الماء و إذا فضخت الماء فاغتسل فلا يثبت الحكم بدونه. (المغني).
وقال النووي رحمه الله: لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيء، ولا علم خروجه بعد ذلك، فلا غسل عليه عندنا، وبه قال العلماء كافة إلا أحمد، فإنه قال - في أشهر الروايتين عنه - يجب الغسل، قال: ولا يتصور رجوع المني. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) ولأن العلماء مجمعون على أن من أحس بالحدث كالقرقرة والريح، ولم يخرج منه شيء لا وضوء عليه، فكذا هنا. (المجموع).
•
ما حكم من احتلم ولم يجد ماء؟
لا غسل عليه لقوله (إذا رأت الماء).
•
اذكر حالات المحتلم بعد استيقاظه؟
له ثلاث حالات:
الأولى: أن يذكر الاحتلام ويرى المني.
فهذا يجب عليه الغسل، كما يدل عليه حديث الباب، وحتى لو لم يذكر احتلاماً، فإنه يجب الغسل إذا رأى الماء.
الثانية: أن يرى الفعل ولم ير الماء (يعني أنه يجامع ولا يرى الماء).
فهذا لا غسل عليه لمفهوم قوله (نعم إذا رأت الماء).
الثالثة: أن يرى الماء ويجهل هل هو مني أم لا؟
فهذا إن سبق نومه تفكير في الجماع جعله منياً.
وإن لم يسبق نومه تفكير:
فقيل: يغتسل احتياطاً.
وقيل: لا غسل عليه.
وهذا اختيار ابن تيمية لقوله (إذا رأت الماء) يعني بذلك المني، وهنا لم يتيقن المنتبه أن البلل منيّ، فلا يجب الغسل مع الشك، لأن الأصل براءة الذمة.
•
اذكر بعض الأقوال التي تدل على أن الحياء لا ينبغي أن يكون مانعاً من العلم؟
أ-حديث الباب (
…
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ
…
).
قال النووي: وإنما قالت هذا اعتذاراً بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه، مما تستحي النساء في العادة من السؤال عنه، وذكرهِ بحضرة الرجال، ففيه أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها، ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها، فإن ذلك ليس بحياء حقيقي، لأن الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير، بل هو شر، فكيف يكون حياء؟
ب-قالت عائشة (نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). رواه مسلم
قال مجاهد: لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما شيء إلا وقد علمت منه، إلا أشياء كنت أستحي أن أسأل عنها، فكبرتُ وفيّ جهالتها.
وقال علي: قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان.
وقال وكيع: لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه.
وقال الخليل بن أحمد: الجهل منزلة بين الحياء والأنفة.
وكان يقال: من رق وجهه عند السؤال، رق علمه عند اجتماع الرجال.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فيه دليل على أن الإنسان إذا أراد سؤالاً يستحي منه يقدم بين سؤاله تمهيداً لسؤاله كما فعلت أم سليم.
- إثبات صفة الحياء لله عز وجل إثباتاً يليق بجلاله.
112 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ اَلْجَنَابَةِ، وَيَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَمِنْ اَلْحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ اَلْمَيِّتِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف وهذا ما عليه أكثر الأئمة.
وأيضاً لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل ميتاً قط، فهذا مما يدل على ضعفه.
في هذا الحديث أربعة أغسال كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغتسل، منها:
الأول: الغسل من الجنابة.
وهذا تقدم واجب بالاتفاق [وإن كنتم جنباً فاطهروا).
الثاني: غسل يوم الجمعة.
(وسيأتي بحثه).
الثالث: الغسل من الحجامة.
وممن روى عنه الغسل من الحجامة: على بن أبى طالب، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وابن سيرين، ومجاهد.
والصحيح أنه غير مستحب.
لعدم الدليل.
113 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، عِنْدَمَا أَسْلَم- وَأَمَرَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ) رَوَاهُ عَبْدُ اَلرَّزَّاق.
وَأَصْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
•
هل يجب على الكافر الغسل إذا أسلم أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يجب عليه الغسل.
وهذا المذهب، وهو مذهب مالك وأبي ثور وابن المنذر، ورجحه الشوكاني. الأدلة:
أ-حديث الباب.
ب-ولحديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر). رواه أبو داود وحسنه النووي
قال الشوكاني: والظاهر الوجوب، لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكاً لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك، وهو ليس علماً بالعدم.
جاء في الموسوعة الفقهية (31/ 205 - 206) ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ إسلام الكافر موجب للغسل، فإذا أسلم الكافر وجب عليه أن يغتسل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أنّ ثمامة بن أثال رضي الله عنه أسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل) وعن (قيس بن عاصم أنّه أسلم: فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)؛ ولأنّه لا يسلم غالباً من جنابة، فأقيمت المظنّة مقام الحقيقة كالنّوم والتقاء الختانين.
القول الثاني: أنه مستحب غير واجب.
وهذا مذهب الشافعي.
قال الخطابي: وبهذا قال أبو حنيفة وأكثر العلماء.
أ-بأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا، فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلاً متواتراً أو ظاهراً، ولو كان واجباً لما خص بالأمر بعضاً دون بعض، فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب.
ب-أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يدعوهم إلى (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم
أطاعوا
…
) ولو كان الغسل واجباً لأمرهم به، لأنه أول واجبات الإسلام.
ج-أن أمره صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أن يغتسل بماء وسدر، وهذا دليل على عدم الوجوب لأنه بالاتفاق أن السدر غير واجب.
وهذا القول هو الراجح.
114 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (غُسْلُ اَلْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَة.
115 -
وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اِغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ اَلتِّرْمِذِيِّ.
===
(عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي: بلغ سن الحُلُم - بضم الحاء واللام - والمراد به البالغ.
(فَبِهَا وَنِعْمَتْ) أي: من توضأ فبالرخصة أخذ ونعمت الرخصة، لأن فيها تيسيراً على الناس، والسنة الغسل.
•
ما صحة حديث سمرة؟
هذا الحديث ضعيف فيه ثلاث علل.
العلة الأولى: لم يسمعه الحسن من سمرة (وقد اختلف العلماء في سماع الحسن من سمرة فقيل: سمع منه مطلقاً وهو قول ابن المديني والترمذي، وقيل: لم يسمع منه شيئاً واختاره ابن حبان، وقيل: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط واختار هذا النسائي والدارقطني.
العلة الثانية: الاختلاف في إسناده، فقيل: عن الحسن عن سمرة، وقيل: عن الحسن عن أنس، وقيل: عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
العلة الثالثة: مخالفته لما هو أصح منه وأقوى.
•
لماذا سميت الجمعة بهذا الاسم؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه.
وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه.
وورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث، وله شاهد عن أبي هريرة رواه أحمد بإسناد ضعيف. قال الحافظ ابن حجر: وهذا أصح الأقوال.
وقيل: لاجتماع الناس للصلاة فيه، ورجحه ابن حزم.
واتفقوا أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة.
•
ما حكم الغسل لصلاة الجمعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهو قول طائفة من السلف، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار.
وبه قال الحسن البصري، وهو مذهب الظاهرية، واختاره الألباني والشيخ ابن عثيمين.
أ-لحديث الباب (غُسْلُ اَلْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ).
ب-ولحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل). متفق عليه
القول الثاني: أنه مستحب غير واجب.
وهو مروي عن ابن مسعود وعثمان وابن عباس.
وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، واختاره ابن المنذر والشيخ ابن باز رحمه الله.
وهذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، واستدلوا بعدم الوجوب:
أ-بحديث الباب (سمرة).
وجه الدلالة: فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل.
ب-ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له
…
) رواه مسلم، وهذا أقوى ما استدلوا به.
ج- (وبحديث الرجل الذي دخل (وهو عثمان) وعمر يخطب، وقد ترك الغسل فأنكر عليه عمر). رواه مسلم
قال النووي: إن الرجل فعله وأقره عمر ومن حضر ذلك الجمع وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجباً لما تركه ولألزموه به.
قال ابن عبد البر: ومن الدليل على أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة ليس بفرض واجب، أن عمر في هذا الحديث لم يأمر عثمان بالانصراف للغسل، ولا انصرف عثمان حين ذكره عمر بذلك، ولو كان الغسل واجباً فرضاً للجمعة ما أجزأت الجمعة إلا به.
د-وبحديث عائشة قالت: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي، فيأتون في العباءة، فيصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا) متفق عليه.
القول الثالث: التفصيل في ذلك: فيجب على من به رائحة أو عرق أو ريح يتأذى به الناس ويحتاج إلى إزالته، ويسن لمن لم يكن كذلك.
وهذا اختيار ابن تيمية.
قال في الإنصاف: وأوجبه الشيخ تقي الدين من عرق أو ريح يتأذى به الناس.
لحديث عائشة - السابق - قالت (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي، فيأتون في العباءة، فيصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا) متفق عليه.
وجه الدلالة: أن الأمر الدال على وجوب الاغتسال للجمعة على كل محتلم إنما هو لمن كان به عرق ونحوه بدليل هذا الحديث.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الأول القائلين بالوجوب عن أدلة القول الثاني؟
أحابوا:
أولاً: أما حديث سمرة فضعيف، وقد سبق أن ضعفه ابن حزم والحافظ ابن حجر.
قال الشيخ محمد بن عثيمين: وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا الحديث لا يقاوم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرناه آنفاً:(غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف، لأن كثيراً من علماء الحديث يقولون: إنه لم يصح سماع الحسن عن سمرة إلا في حديث العقيقة، وإن كنا رجحنا في المصطلح: أنه متى ثبت سماع الراوي من شيخه، وكان ثقة ليس معروفاً بالتدليس، فإنه يحمل على السماع، على أن الحسن رحمه الله رماه بعض العلماء بالتدليس، ثم إن هذا الحديث من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكاً ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة:(من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت)(بها) أين مرجع الضمير؟ ففيه شيء من الركاكة أي: الضعف في البلاغة (ومن اغتسل فالغسل أفضل) فيظهر عليه أنه من كلام غير النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: وأما حديث أبي هريرة (من توضأ ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر
…
).
فقد ورد بلفظ آخر في الصحيح بلفظ (من اغتسل
…
) فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب إلى إعادة الوضوء، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.
ثالثاً: وأما حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب فأنكر عليه.
فهذا نوقش بأنه يدل على الوجوب، لأنه قطع الخطبة منكراً على عثمان ترك الغسل.
قال الشوكاني: فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له، لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل وتقرير جميع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوماً عند الصحابة.
وأيضاً: إنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت، إذ لو فعل لفاتته الجمعة.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الثاني القائلين بالاستحباب على أدلة أصحاب القول الأول؟
أولاً: أما حديث (غسل يوم الجمعة واجب على
…
).
فقد جاء في بعض ألفاظ الحديث زيادة وهي (والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه) والسواك والطيب غير واجبين بالإجماع، فاقتران الغسل بهما يدل على عدم الوجوب، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد.
وقالوا: إن معنى (واجب) أي: وجوب اختيار لا وجوب إلزام، إذ هو محمول على تأكيد السنية كما يقال: حقك أو إكرامك عليّ واجب.
ثانياً: وأما حديث (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).
فهذا مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب بالأدلة الأخرى التي سبقت في أدلة القول الثاني.
والراجح: الوجوب، والله أعلم.
فائدة: قال ابن القيم: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكدٌ جداً، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوء من مس النساء، ووجوب الوضوء من مس الذكر، ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة، ووجوب الوضوء من الرُّعاف، والحجامة والقيء، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ووجوب القراءة على المأموم.
•
ما وقت الاغتسال للجمعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يشترط الاتصال بين الغسل والرواح.
وإليه ذهب مالك.
القول الثاني: عدم الاشتراط.
لكن لا يجزئ فعله بعد الصلاة، ويستحب تأخيره على الذهاب.
وهذا مذهب الجمهور.
قالوا: لأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة، والمقصود عدم تأذي الآخرين.
ويدل على أن الاغتسال للصلاة:
أ- قوله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).
ب- عن ابن عمر (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ. قَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضاً وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ) متفق عليه.
وجه الدلالة: حيث أنكر عمر على عثمان إتيانه الجمعة مقتصراً على الوضوء وتاركاً للغسل، ولو كان وقت الغسل لم يذهب بعد، لم يكن الإنكار في محله، فكان يمكن لعثمان أن يغتسل بعد الجمعة، فدل هذا على أن الغسل لحضور الصلاة وليس لذات اليوم.
ج- ولحديث أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة) متفق عليه.
وجه الدلالة: قوله (من اغتسل ثم راح) فالتعبير بـ (ثم) دليل على الترتيب، فكان الغسل قبل الرواح.
قال النووي رحمه الله: لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم تجزئه على الصحيح من مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء. وقال الأوزاعي: يجزئه، ولو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
وقال مالك: لا يجزئه إلا عند الذهاب إلى الجمعة.
وكلهم يقولون: لا يجزئه قبل الفجر إلا الأوزاعي فقال: يجزئه الاغتسال قبل طلوع الفجر للجنابة والجمعة. (المجموع).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر، لكن الأفضل أن لا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، لأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فوقت صلاة الفجر لم ينقطع بعد، فالأفضل أن لا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أن لا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة فيكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرة .... (مجموع فتاوى ابن عثيمين)(16/ 142).
القول الثالث: أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة، بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه.
وإليه ذهب داود ونصره ابن حزم.
والراجح القول الثاني (مذهب الجمهور).
وادعى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة.
•
الغسل للجمعة مشروع في حق من؟
الراجح من أقوال أهل العلم أن الغسل خاص بمن أراد حضور الجمعة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم الجمعة .... )
ولقوله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح
…
) فقوله (ثم راح .. ) دليل أن الغسل قبل الرواح.
فلا يشرع للمرأة وغيرها ممن لا يريد حضور الجمعة.
•
لكن إن حضرت المرأة الجمعة شرع لها الاغتسال لأجلها والتأدب بآدابها.
وقد بوب ابن حبان في صحيحه بقوله: (ذكر الاستحباب للنساء أن يغتسلن للجمعة إذا أردن شهودها) ثم ساق حديث عثمان بن واقد العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل).
والحديث متفق عليه دون زيادة (من الرجال والنساء) وهذه الزيادة رواها ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في السنن، وقد اختلف في صحتها:
فصححها النووي رحمه الله في المجموع (4/ 405)، وابن الملقن في البدر المنير. (4/ 649).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 358): فَفِي رِوَايَة عُثْمَان بْن وَاقِد عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان فِي صِحَاحهمْ بِلَفْظِ (مَنْ أَتَى الْجُمُعَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْل) وَرِجَاله ثِقَات، لَكِنْ قَالَ الْبَزَّار: أَخْشَى أَنْ يَكُون عُثْمَان بْن وَاقِد وَهِمَ فِيهِ ".
وما خشيه البزار من وهم عثمان فيه، جزم به أبو داود، صاحب السنن، رحمه الله.
قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ضعيف. قلت لأبي داود: إن عباس بن محمد يحكي عن يحيى بن معين أنه ثقة؟ فقال: هو ضعيف؛ حدث هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل)، ولا نعلم أن أحداً قال هذا غيره. (تهذيب الكمال)(19/ 505).
وجزم الألباني رحمه الله بشذوذ هذه الزيادة وضعفها، كما في (السلسلة الضعيفة)(8/ 430).
ومما يؤيد القول باغتسال النساء للجمعة:
ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبيدة ابنة نائل قالت: سمعت ابن عمر وابنة سعد بن أبي وقاص يقولان: من جاء منكن الجمعة فلتغتسل. وروى عن طاوس بمثله، وعن شقيق أنه كان يأمر أهله الرجال والنساء بالغسل يوم الجمعة. انظر المصنف (2/ 9).
والاغتسال للجمعة معقول المعنى، وهو النظافة وقطع الروائح الكريهة المؤذية للحاضرين، ولهذا تدعى المرأة إليه إن أرادت الحضور.
قال النووي رحمه الله في (المجموع/ 405): وغسل الجمعة سنة، وليس بواجب وجوبا يعصى بتركه بلا خلاف عندنا، وفيمن يسن له أربعة أوجه: الصحيح المنصوص، وبه قطع المصنف والجمهور: يسن لكل من أراد حضور الجمعة، سواء الرجل والمرأة والصبي والمسافر والعبد وغيرهم؛ لظاهر حديث ابن عمر، ولأن المراد النظافة، وهم في هذا سواء. ولا يسن لمن لم يرد الحضور، وإن كان من أهل الجمعة، لمفهوم الحديث، ولانتفاء المقصود، ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء) رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح.
•
هل غسل الجمعة يجزئ عن الوضوء؟
إن توضأ الإنسان قبله بنية رفع الحدث، فقد حصل رفع الحدث بالوضوء، وإن لم يتوضأ فإنه لا يجزئ؛ لأن هذا ليس عن حدث. (الشيخ ابن عثيمين).
• ما حكم إذا نوى بغسل الجنابة عن غسل الجمعة؟
إذا نوى بغسل الجنابة كفى عن غسل الجمعة، كما تكفي الفريضة عن تحية المسجد.
وإذا نوى غسل الجمعة لم يجزئ عن الجنابة؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وغسل الجنابة عن حدث، ولهذا لو تعمد ترك غسل الجمعة وصلى الجمعة صحت صلاته، لكن لو تعمد ترك غسل الجنابة أو لم يتعمد وصلى الجمعة وهو عليه الجنابة فإن صلاته لا تصح. (الشيخ ابن عثيمين).
• ما الحكم إذا عم الشخص بدنه بالماء غسلاً للجمعة أو لنظافة، هل يجزئه عن الوضوء؟
لا، إذا اغتسل للجمعة فلا يجزئه عن الوضوء، والنظافة لا تجزئ عن الوضوء، وذلك لأن غسل الجمعة والنظافة ليسا عن حدث، والوضوء إنما يكون عن الحدث.
أما الحدث الأكبر يجزِئ، يعني: لو اغتسل الإنسان وعليه جنابة أجزأ عن الوضوء؛ لكن لابد من المضمضة والاستنشاق. (الشيخ ابن عثيمين)
•
هل الغسل للجمعة يجزئ عن الوضوء؟
لا؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث، أما غسل الجنابة فيجزي عن الوضوء، والدليل على أنه يجزئ عن الوضوء قول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الوضوء. (الشيخ ابن عثيمين).
116 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنَا اَلْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَهَذَا لَفْظُ اَلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث مختلف فيه اختلافاً كثيراً.
فصححه: الترمذي، والحاكم، والشوكاني، وأحمد، وضعفه جمع من أهل العلم ....
•
ما حكم قراءة القرآن للجنب؟
اختلف العلماء في حكم قراءة القرآن للجنب؟ على أقوال:
القول الأول: الجواز.
وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل العلم منهم: ابن عباس، فقد ذكره عنه البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً بصحته فقال: ولم يرَ ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً.
وروى ابن المنذر في الأوسط عن عكرمة عن ابن عباس (أنه كان يقرأ ورده وهو جنب).
وجاء هذا القول أيضاً عن جماعة من التابعين، منهم: سعيد ابن المسيب، فقد روى عبد الرزاق بسند صحيح عن محمد بن طارق قال:(سألت ابن المسيب: أيقرأ الجنب شيئاً من القرآن؟ فقال: نعم).
ورجح هذا القول جماعة من المحققين، منهم: داود الطبري، وابن حزم، وابن المنذر.
أ-لحديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه). رواه مسلم
وهذا الذكر عام يشمل قراءة القرآن والتسبيح والاستعاذة وغير ذلك.
ب-البراءة الأصلية.
ج-لم يثبت حديث صحيح تقوم به الحجة في منع الجنب.
القول الثاني: المنع.
وبهذا قال أكثر العلماء [كما قال الخطابي والنووي] ....
أ-لحديث الباب (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنَا اَلْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا).
•
بماذا أجاب أصحاب القول الأول القائلين بالجواز على أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالمنع؟
أما حديث علي فالجواب عنه من وجهين:
أ-أنه ضعيف.
قال ابن المنذر: وحديث علي لا يثبت إسناده.
ب- على تقدير ثبوته فإنه لا حجة فيه، لأنه ليس فيه نهي للجنب عن قراءة القرآن، وإنما هو فعل منه صلى الله عليه وسلم لا يلزم.
قال ابن المنذر: لو ثبت خبر علي لم يجب الامتناع من القراءة من أجله، لأنه لم ينهه عن القراءة فيكون الجنب ممنوعاً منه.
وأما حديث ابن عمر (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) فضعيف لا يصح.
قال ابن تيمية: هو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الثاني القائلين بالمنع على أدلة أصحاب القول الأول القائلين بالجواز؟
أما حديث عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) فالجواب من وجهين:
الأول: أن المراد بالذكر في الحديث غير القرآن، لأنه المفهوم عند الإطلاق.
قال النووي: وأجاب أصحابنا عن حديث عائشة (كان يذكر الله .. ) بأن المراد بالذكر غير القرآن فإنه المفهوم عند الإطلاق.
وقال ابن رجب: ليس فيه دليل على جواز قراءة القرآن للجنب، لأن ذكر الله إذا أطلق لا يراد به القرآن.
والثاني: أنه عام وقد خصصته الأحاديث السابقة الدالة على تحريم قراءة القرآن حال الجنابة، ومنها ما رواه علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً. (ذكر ذلك الصنعاني في سبل السلام).
والراجح: الأحوط المنع.
•
ما حكم قراءة القرآن للحائض؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز لها ذلك.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أ-لحديث ابن عمر. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) رواه الترمذي (وسبق أنه ضعيف).
ب-قياس الحائض على الجنب، فإذا منع الجنب من قراءة القرآن فالحائض أولى.
القول الثاني: يجوز لها ذلك.
وهذا مذهب مالك، واختاره ابن تيمية والشيخ ابن باز.
أ- لعدم الدليل الذي يمنع من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة، وقال: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء.
ب- إن الحيض قد يمتد ويطول فيخاف نسيانها.
ج- قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت وهي محرمة (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) متفق عليه.
ومعلوم أن المحرم يقرأ القرآن ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم منه.
وهذا القول هو الصحيح.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فقد سبق أن تكلمت في هذا الموضوع غير مرة وبينت أنه لا بأس ولا حرج أن تقرأ المرأة وهي حائض أو نفساء ما تيسر من القرآن عن ظهر قلب؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على ذلك وقد اختلف العلماء رحمة الله عليهم في هذا:
فمن أهل العلم من قال: إنها لا تقرأ كالجنب واحتجوا بحديث ضعيف رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة.
وبعض أهل العلم قاسها على الجنب قال: كما أن الجنب لا يقرأ فهي كذلك. لأن عليها حدثاً أكبر يوجب الغسل، فهي مثل الجنب.
والجواب عن هذا أن هذا قياس غير صحيح، لأن حالة الحائض والنفساء غير حالة الجنب، الحائض والنفساء مدتهما تطول وربما شق عليهما ذلك وربما نسيتا الكثير من حفظهما للقرآن الكريم، أما الجنب فمدته يسيرة متى فرغ من حاجته اغتسل وقرأ، فلا يجوز قياس الحائض والنفساء عليه، والصواب من قولي العلماء أنه لا حرج على الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحفظان من القرآن، ولا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء آية الكرسي عند النوم، ولا حرج أن تقرأ ما تيسر من القرآن في جميع الأوقات عن ظهر قلب، هذا هو الصواب، وهذا هو الأصل، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت في حجة الوداع قال لها (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) ولم ينهها عن قراءة القرآن.
ومعلوم أن المحرم يقرأ القرآن. فيدل ذلك على أنه لا حرج عليها في قراءته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما منعها من الطواف؛ لأن الطواف كالصلاة وهي لا تصلي وسكت عن القراءة، فدل ذلك على أنها غير ممنوعة من القراءة ولو كانت القراءة ممنوعة لبينها لعائشة ولغيرها من النساء في حجة الوداع وفي غير حجة الوداع.
ومعلوم أن كل بيت في الغالب لا يخلو من الحائض والنفساء، فلو كانت لا تقرأ القرآن لبينه صلى الله عليه وسلم للناس بياناً عاماً واضحاً حتى لا يخفى على أحد، أما الجنب فإنه لا يقرأ القرآن بالنص ومدته يسيرة متى فرغ تطهر وقرأ.
117 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) رَوَاهُ مُسْلِم.
زَادَ اَلْحَاكِمُ: (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ).
===
•
ما حكم الوضوء لمن أراد أن يعود للجماع؟
مستحب.
لقوله (فليتوضأ بينهما وضوءاً).
•
ما الصارف عن الوجوب؟
الصارف عن الوجوب: قوله (فإنه أنشط للعود).
فهذا التعليل مشعر بأن القضية تتعلق بأمر يخص نشاط الرجل في الجماع، وليس معلق بأمر شرعي.
•
ما الحكمة من هذا الوضوء؟
الحكمة في هذا أشارت إليه رواية الحاكم (فإنه أنشط للعود) لأن المجامع يحصل له كسل وانحلال، والماء يعيد إليه نشاطه وقوته وحيويته.
•
هل يستحب أن يغتسل بين الجماعين؟
ذهب بعض العلماء إلى استحباب ذلك:
لحديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه وكان يغتسل عند كل واحدة منهنّ، وقال: هو أزكى وأطيب وأطهر). رواه أبو داودلكن هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً.
أما السند ففيه عبد الرحمن بن أبي رافع، قال ابن معين (صالح) وهذا يفيد اعتبار حديثه وسبره، وها هو ذا قد تفرد بما يُنكر عليه، فليس هو بحجة، وكذلك فعمته سلمى مجهولة، قال ابن القطان: لا تعرف.
وأما نكارة المتن: فهو مخالف لما رواه مسلم عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد).
ولذا قال أبو داود - عقب إخراج حديث أبي رافع - حديث أنس أصح من هذا.
ويعارضه أيضاً حديث أم المؤمنين عائشة قالت (كنت أطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً) متفق عليه.
وبوّب له النسائي: الطواف على النساء في غسل واحد.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- عموم الحديث يفيد أنه سواء أكانت التي يريد العود إليها هي الموطوءة أو الزوجة الأخرى ممن عنده أكثر من واحدة.
- طوافه صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة: يحتمل أنه كان يرضاهن أو يرضا صاحبة النوبة. (على القول بوجوب القسم).
أما على القول بأن القسم ليس واجباً عليه فلا إشكال.
118 -
وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً) وَهُوَ مَعْلُول.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف ولا يصح وهو معلول كما قال المصنف رحمه الله.
•
ما حكم نوم الجنب من غير أن يتوضأ؟
جائز، والأفضل والمستحب أن يتوضأ، وهو ثابت بالسنة القولية والفعلية.
القولية: لحديث أن عمر بن الخطاب قال: (يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ فليرقد). متفق عليه
والفعلية: كما في حديث عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام). رواه مسلم
•
ما الصارف عن الوجوب؟
أ-حديث الباب (وقد تقدم أنه ضعيف).
ب-أنه جاء في رواية لحديث الباب (يتوضأ إن شاء). رواه ابن حبان
•
ما الجواب عن حديث الباب؟
الجواب:
أ-أنه حديث ضعيف لا يصح.
ب-قال بعضهم يمكن حمل قولها (من غير أن يمس ماء) على ماء الغسل، أما الوضوء فثابت.
ج-أن تركه صلى الله عليه وسلم للوضوء لبيان الجواز.
•
ما الحكمة من الوضوء للجنب قبل النوم؟
قيل: أنه يخفف الحدث.
وقيل: أنه إحدى الطهارتين.
وقيل: أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل.
119 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اِغْتَسَلَ مِنْ اَلْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْخُذُ اَلْمَاءَ، فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ اَلشَّعْرِ، ثُمَّ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
120 -
وَلَهُمَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ، فَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهَا اَلْأَرْضَ).
وَفِي رِوَايَةٍ: (فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ).
وَفِي آخِرِهِ: (ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ - فَرَدَّهُ، وَفِيهِ: - وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ).
===
(إِذَا اِغْتَسَلَ) أي: أراد الاغتسال.
قال أحمد: غسل الجنابة على حديث عائشة.
وقال ابن عبد البر: هو أحسن حديث يروى في الباب.
(مِنْ اَلْجَنَابَةِ) من: للسببية، أي: بسبب حدوث الجنابة له، والجنابة: إنزال المني.
(فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ) أي: كفيه، والمراد قبل إدخالهم في الإناء.
(بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ) أي: يصب بيده اليمنى على يده اليسرى.
(ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) لفظ مسلم (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة).
(ثُمَّ يَأْخُذُ اَلْمَاءَ، فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ اَلشَّعْرِ) أي: يدخل أصابعه مفرقة في أصول شعره، وهي أسافله مما يلي بشرة الرأس، وإنما فعل ذلك ليُليّن الشعر ويرطبه، فيسهل مرور الماء عليه وفي رواية للترمذي (ثم يُشرِّب شعره الماء).
(ثُمَّ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ) أي: أخذ الماء بيديه جميعاً، والحفْنة: ملء الكفين.
(ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) أي: على بقية جسده ..
(ثُمَّ ضَرَبَ بِهَا اَلْأَرْضَ) أي: مسح بيده الأرض ودلكها ليزيل ما عَلِقَ بعد غسل الفرج.
(ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ - فَرَدَّهُ) أي: لم يأخذه، وفي رواية (فناولته خرقة فلم يُرِدْها) أي: لم يأخذها.
•
إلى كم قسم ينقسم الغسل من الجنابة؟
الغسل من الجنابة ينقسم إلى قسمين:
الغسل الكامل المسنون، والغسل المجزئ.
•
اذكر صفة الغسل المجزئ؟
صفة الغسل المجزئ: أن ينوي، ثم يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق.
والدليل على أن هذا مجزئ:
قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا) ولم يذكر شيئاً سوى ذلك، ومن عمم بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه تطهر. (الشيخ ابن عثيمين).
•
ما حكم النية في الغسل؟
شرط لصحة الطهارة، فلا تصح الطهارة بدونها.
وهذا قول جماهير العلماء.
أ-لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
ففي هذه الآية معنى النية، لقوله (إذا قمتم) أي: أردتم القيام للصلاة، ففيه استحضار لمعنى القيام لأجل الصلاة، وهذا هو معنى النية.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) فهذا الحديث نص في وجوب النية في العبادات، فقد أثبت أن العمل لا يكون شرعياً يتعلق به ثواب أو عقاب إلا بالنية.
ج-أن الطهارة بالماء عن الحدث عبادة من العبادات الفعلية، فقد اشتُرط فيها من التحديد في الغسلات والمغسولات والماء ما يثبت كونها عبادة.
والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
•
ما حكم التسمية قبل الغسل؟
حكمها كحكم التسمية قبل الوضوء، وقد سبق أن القول باستحبابها فيه نظر، والأحاديث الواردة في ذلك لا تصح.
وأيضاً أحاديث الاغتسال من الجنابة ليس فيها ذكر التسمية - كحديث عائشة وميمونة - ولو كانت مشروعة لما أغفل الصحابة ذكرها.
•
ما السنة في ابتداء الغسل وقبل الاستنجاء؟
أن يغسل كفيه ثلاثاً.
لحديث عائشة (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اِغْتَسَلَ مِنْ اَلْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ).
وعن ميمونة. قالت (سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه) رواه البخاري.
ويبدأ بالكفين لأنهما أداة غرف الماء، فينبغي طهارتهما.
•
ما السنة أن يفعل بعد غسل الكفين؟
يغسل فرجه.
لحديث عائشة - حديث الباب - (
…
ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ).
ولحديث ميمونة قالت (سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه
…
) رواه البخاري.
•
ما الحكمة من غسل الفرج قبل الغسل؟
أ- لإزالة الذي عليه.
ب- لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مس فرجه في أثناء الغسل.
•
هل غسل الفرج مستحب مطلقاً أم إذا كان فيه أذى؟ قيل: إن لم يكن هناك أذى فلا حاجة إلى غسل فرجه.
وهذا مذهب الشافعية.
لحديث ميمونة (
…
، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه من أذى).
وقيل: مستحب مطلقاً.
وهذا مذهب الحنفية.
•
ماذا يستحب بعد غسل الفرج؟
يستحب غسل اليد بمنظف عقب الاستنجاء بها، كأن يدلكها بالأرض، أو التراب، أو الصابون.
لحديث ميمونة: (
…
ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بها الأرض).
•
ما حكم الوضوء قبل الاغتسال؟
سنة، وهو مذهب جماهير العلماء واختيار ابن حزم.
لحديث عائشة قالت: (
…
ثم يتوضأ
…
).
•
ما الحكمة من تقديم الوضوء (غسل أعضاء الوضوء) قبل الاغتسال؟
إنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفاً لها، ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى.
•
في هذا الوضوء الذي قبل الغسل، هل يشرع أن يكون وضوءاً كاملاً مع غسل القدمين، أم يتوضأ ولا يغسل قدميه بل يؤخرهما إلى الأخير؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يتوضأ وضوءه كاملاً مع رجليه.
وهذا المذهب.
لأن هذا هو المتبادر عند إطلاق لفظ الوضوء.
القول الثاني: أنه يستحب تأخير غسل الرجلين في الغسل.
وهذا مذهب الجمهور.
لحديث ميمونة (
…
ثم أفاض على رأسه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه
…
).
والصحيح أنه يتوضأ وضوءاً كاملاً مع الرجلين.
لأن هذا الغالب من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن عائشة ذكرت غسل النبي صلى الله عليه وسلم للجنابة على سبيل الدوام.
وأما حديث ميمونة فيحمل أن ذلك كان لحاجة، كما لو كانت الأرض رطبة، لأنه لو غسلهما لتلوثت رجلاه بالطين.
وهذا مذهب مالك.
•
ماذا يفعل بعد الوضوء؟
يستحب أن يخلل شعر رأسه.
لحديث عائشة: (
…
ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر
…
).
•
ما صفة التخليل؟
صفته: أن يدخل الأصابع فيما بين أجزاء الشعر.
•
ما فائدة التخليل:
قال ابن الملقن: للتخليل ثلاث فوائد:
الأولى: تسهيل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة.
ثانياً: مباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه.
ثالثها: تأنيس البشرة، خشية أن يُصيب بصبه دفعة آفة في رأسه.
•
ماذا يفعل بعد التخليل؟
يحثي على رأسه ثلاث حثيات.
لحديث عائشة: (
…
ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات
…
).
•
هل يستحب التثليث في بقية البدن كالرأس؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يستحب غسل البدن ثلاثاً.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أ- قياساً على الوضوء، فإذا استحب التكرار في الوضوء فالغسل أولى.
ب- وقياساً على غسل الرأس، فكما ثبت تثليث غسل الرأس في الغسل فكذلك البدن ولا فرق.
القول الثاني: لا يستحب ذلك، بل الاقتصار على مرة واحدة.
وبه قال مالك، واختاره ابن تيمية.
لقوله عائشة وفيه (
…
ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ).
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أفاض الماء على جسده كله ولم يكرره عليه، فدل على أن التكرار في غسل البدن غير مشروع، وهذا هو الصحيح.
•
ماذا يفعل بعد ذلك؟
يستحب له بعد ذلك أن يبدأ بشقه الأيمن.
لحديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من الحلاب، فأخذ بكفيه ثم بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر). متفق عليه الحلاب: إناء يسع قدر حلب ناقة.
ثم يعمم جسده بالماء.
لحديث عائشة: (
…
ثم أفاض على سائر جسده
…
).
وفي رواية: (ثم غسل سائر جسده).
هذه صفة الغسل الكامل المسنون.
•
ما حكم تنشيف الأعضاء بعد الوضوء أو الغسل؟
قيل: مكروه.
لحديث الباب - ميمونة - (
…
ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ - فَرَدَّهُ، وَفِيهِ: - وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ).
وفي رواية (
…
قالت: فأتيتُهُ بِخرْقَةٍ فلم يُرِدْها، فجعل ينقض الماء بيده) رواه البخاري.
وقيل: مستحب.
أ-لحديث عائشة قالت (كان لرسول صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء) رواه الترمذي وهو ضعيف.
ب- ولحديث سلمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه، فمسح بها وجهه) رواه ابن ماجه، وهو ضعيف.
ج- ولحديث أبي بكر الصديق (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء) رواه البيهقي.
وكل هذه الأحاديث لا يثبت منها شيء، وقد قال الترمذي: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.
والراجح أنه جائز (يعني مباح).
وقد صح عن أنس (أنه كان يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء). رواه ابن المنذر
قال ابن قدامه رحمه الله في (المغني) لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة.
• وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء. فأجاب: تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع.
فإن قال قائل: كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده؟
فالجواب: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء، وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به .... (مجموع فتاوى ابن عثيمين).
•
ماذا نستفيد من قولها (وجعل ينفض الماء بيديه)؟
نستفيد جواز نفض اليدين من ماء الغسل.
وأما حديث (لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان). ضعيف
قال ابن دقيق العيد في شرح (عمدة الأحكام) وهذا الحديث دليل على جواز نفض الماء عن الأعضاء في الغسل، والوضوء مثله، وما استدل به على كراهة النفض - وهو ما ورد (لاتنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان) حديث ضعيف لا يقاوم هذا الصحيح. (إحكام الأحكام).
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان) فهو حديث ضعيف، ومن أهل العلم من صرح بوضعه، وفي إسناده البختري بن عبيد وهو متهم بوضع الحديث، وقد حكم جماعة من أهل العلم بنكارة هذا الحديث، منهم: أبو حاتم الرازي، وابن عدي، والذهبي.
لذا قال الحافظ بن حجر في (فتح الباري) ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح -يعني حديث ميمونة- لم يكن صالحاً لأن يحتج به.
121 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي اِمْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ اَلْجَنَابَةِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَيْضَةِ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(أَشُدُّ) أي: أُحْكِمُ.
(شَعْرَ رَأْسِي) لفظ مسلم (ضَفْر رأسي) وكأن المصنف رواه بالمعنى، ومعناه: أُحْكِم فتل شعري، قال النووي: هو بفتح الضاد وإسكان الفاء، هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث، والمستفيض عند المحدثين والفقهاء.
(أَفَأَنْقُضُهُ) نقض الحبل أو الشعر: حل عقده.
(لِغُسْلِ اَلْجَنَابَةِ؟) أي: لأجل الاغتسال من الجنابة، وهي إنما سألت عن الوجوب، أي: هل يجب عليّ نقضه أم لا؟
(قال: لَا) أي: لا يجب عليك ذلك.
(إِنَّمَا يَكْفِيكِ) أي: يَجزيكِ، والكاف مكسورة، لأن الخطاب للمؤنث.
(أَنْ تَحْثِي) الحثيُ: الرمي، والمراد به هنا الصب.
•
هل يجب على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة؟
لا يجب.
وهذا قول جماهير العلماء ولم يخالف إلا القليل.
أ-لحديث الباب.
وورد عن عدد من النساء أنهنّ سألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل (مع كثرة استعمالهن للظفر) فلم يأمر إحداهن بأن تحل قرون رأسها.
وقد أنكرت عائشة على ابن عمرو قوله فيما رواه مسلم من طريق عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ (بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ أَفَلَا يَأْمرهنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَات).
قال ابن القيم في (تهذيب السنن): حَدِيث أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَة أَنَّ تَنْقُض شَعْرهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَة، وَهَذَا اِتِّفَاق مِنْ أَهْل الْعِلْم، إِلا مَا يُحْكَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا تَنْقُضهُ، وَلا يُعْلَم لَهُمَا مُوَافِق.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض النساء لدينا يمشطن شعورهن - أي: يضفرنها - وعندما يغتسلن من الجنابة لا تفك المرأة ضفائرها، فهل يصح غسلها؟ مع العلم أن الماء لم يصل إلى كل منابت شعرها. أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب: إذا أفاضت المرأة على رأسها كفى؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
فإذا حثت المرأة على رأسها الماء ثلاث حثيات كفاها ذلك ولا حاجة إلى نقضه؛ لهذا الحديث الصحيح. (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز)
•
هل يجب على المرأة أن تنقض شعرها للغسل من الحيض؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يجب عليها أن تنقضه للغسل من الحيض.
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول الظاهرية واختيار ابن القيم.
أ- ما رواه مسلم من طريق إبراهيم بْنِ الْمُهَاجِرِ قَالَ: سَمِعْتُ صَفِيَّةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ، وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ أو تُبْلِغُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ) الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا دليل أنه لا يكتفى فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل الجنابة
…
ففرق بين غسل الحيض والجنابة في هذا الحديث، وجعل غسل الحيض أكثر، ولهذا أمر فيه بالسدر المتضمن لنقضه.
ب-ما رواه مسلم من طريق عروة عن عائشة. قالت (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بعمرة ولم أكن سقت الهدي
…
الحديث وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت: انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن العمرة)، فأمرها بنقض رأسها وهي تغتسل من الحيض.
ج- أن الأصل نقض الشعر لتيقن وصول الماء إلى ما تحته، إلا أنه عفي عنه في غسل الجنابة لتكرره ووقوع المشقة الشديدة في نقضه، بخلاف غسل الحيض فإنه في الشهر مرة.
القول الثاني: أنه لا يجب نقضه في غسل الحيض.
وهذا قول جمهور العلماء، اختار هذا القول ابن قدامة وصاحب الشرح الكبير ابن أبي عمر، واختاره الشوكاني والسعدي ومحمد بن إبراهيم.
أ- لحديث الباب (أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ اَلْجَنَابَةِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَيْضَةِ؟ فَقَالَ: لا
…
)، ولو كان النقض واجباً لذكره لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ب-ولما ورد في إنكار عائشة على ابن عمرو في غسلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها لا تزيد على أن تفرغ على رأسها ثلاث فراغات.
ج- ولأنه موضع من البدن فاستوى فيه الحيض والجنابة كسائر البدن.
وهذا القول هو الراجح.
قال الشيخ ابن باز: والصحيح أنه لا يجب عليها نقضه في غسل الحيض، لما رود في بعض روايات أم سلمة عند مسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:(إني امرأة أشد ظفر رأسي، أفأنقضه للحيض والجنابة؟ قال: لا)، ومذهب الجمهور أنه إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض، لم يجب النقض.
•
ما الحكمة من التفريق بين الجنابة والحيض عند من يقول به؟
الحكمة: أن الأصل وجوب نقض الشعر، ليتحقق وصول الماء إلى ما يجب غسله، فعفي عنه في غسل الجنابة، لأنه يكثر فيشق ذلك فيه، بخلاف الحيض فالغالب أنه في الشهر مرة فلا مشقة في نقضه، فيبقى على مقتضى الأصل، وهو الوجوب.
•
وهل للرجل نفس الحكم إذا ضفّر شعره؟
قال ابن قدامة: والرجل والمرأة في هذا سواء، وإنما خصت المرأة بالذكر لأن العادة اختصاصها بكثرة الشعر وتوفيره وتطويله.
122 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنِّي لَا أُحِلُّ اَلْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة الحديث؟
الحديث مختلف فيه.
صححه ابن خزيمة وابن القطان والزيلعي والشوكاني والشيخ ابن باز.
وضعفه آخرون: البيهقي، وقال ابن حزم: إنه باطل.
فيه جسرة، قال البخاري: عندها عجائب.
•
ما حكم مكث الحائض في المسجد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: المنع من ذلك.
وهذا مذهب الجمهور، مالك والشافعي وأبي حنيفة.
أ-لحديث الباب.
ب-وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (ناوليني الخمرة في المسجد، فقالت: إني حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك). رواه مسلم
وجه الدلالة من وجهين:
أولاً: قولها (إني حائض) هذا دليل على أنه كان معروفاً أن الحائض لا تمكث في المسجد، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على كلامها.
ثانياً: في قوله صلى الله عليه وسلم لها (إن حيضتك ليست في يدك) يعني إن يدك فقط التي ستدخل المسجد وليس كلك، ويدك ليس فيها حيض بخلاف كلك.
ج- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالخروج لصلاة العيد، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى. (هذا على القول بأن مصلى العيد مسجد وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين).
د-ولقوله تعالى (ولا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
قيل في معنى الآية: لا تقربوا الصلاة وأنتم مجنبون، يعني: لا تصلي وأنت جنب حتى تغتسل إلا أن تكون عابر سبيل.
وقيل: لا تقربوا مواضع الصلاة نفسها مجنبون، والمعنى: لا تقربوا المساجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، وهذا الثاني رجحه ابن جرير والشوكاني.
القول الثاني: يجوز للحائض المكث في المسجد.
وهذا مذهب الظاهرية، والمزني من الشافعية.
أ-لعدم الدليل.
ب-ولحديث المرأة السوداء التي كان لها خباء في المسجد.
عن عائشة (أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فاعتقوها فكانت معهم، قالت: فخرجت صبيّة لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته أو وقع منها فمرت به حديّاة وهو ملقىً فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، قالت: فكانت لها خباء في المسجد أو حفش
…
). رواه البخاري
والراجح القول الأول.
•
ماذا أجاب أصحاب القول الثاني القائلين بالجواز عن أدلة أصحاب القول الأول القائلين بالتحريم؟
أجابوا:
أما حديث عائشة (إني لا أحل المسجد لحائض .... ) فلا يثبت وهو ضعيف، وقد قال ابن حزم: إنه باطل، وقال ابن رشد: هو حديث غير ثابت عند أهل الحديث.
وأما حديث عائشة الثاني (ناوليني الخُمرة
…
) قالوا: هذا دليل للجواز على دخول الحائض المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم (إن حيضتكِ ليست في يدك).
وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيّض أن يعتزلن المصلى، فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن المراد بالمصلى هو المكان الذي يصلى فيه وليس هو المسجد، فتكون الحائض نائية عن المصلى الذي يصلى فيه، لئلا تضايق المصليات وتشوش عليهن، ونحو ذلك.
والثاني: أن المراد اعتزال الصلاة كما في رواية لمسلم (فليعتزلن الصلاة).
•
هل يجوز للحائض عبور المسجد؟
نعم يجوز إذا أمنت تلويث المسجد.
لحديث عائشة السابق (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها ناوليني الخمرة في المسجد، فقالت: إني حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك)
ما حكم مُصلَّى المدرسة المعد لصلاة الظهر فقط، هل يجوز للحائض دخوله؟
المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني.
وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً.
وعلى هذا؛ فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه. (لقاء الباب المفتوح).
123 -
وَعَنْهَا قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ اَلْجَنَابَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
زَادَ اِبْنُ حِبَّانَ: وَتَلْتَقِي.
===
(تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فيه) الاختلاف ضد الاتفاق، والمراد بذلك أن يدخل كل واحد منهما يده ويغرف من الإناء بعد يد الآخر، فيكون كل واحد منهما اغتسل بفضلة الآخر.
(مِنَ اَلْجَنَابَةِ) أي: بسبب الجنابة، وهذه اللفظة (من الجنابة) عند مسلم دون البخاري.
•
ما حكم اغتسال الزوجين جميعاً؟
جائز.
قال الشوكاني: فأما غسل الرجل والمرأة ووضوءهما جميعاً فلا اختلاف فيه.
ومن الأدلة على جواز ذلك:
أ-حديث الباب، وفي لفظ للبخاري:(من إناء واحد نغترف منه جميعاً).
ب-وعن أم سلمة قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة). متفق عليه
ج- وعن عائشة قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي). رواه مسلم
د-وعن ابن عمر رضي الله عنه قال (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً).
زاد ابن ماجه (من إناء واحد)، وزاد أبو داود (ندلي فيه أيدينا).
(جميعاً) الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحاً بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر به.
•
ما معنى قوله (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً)؟
أ-أن يقال هذا قبل نزول الحجاب.
ب-أن المقصود (الرجال والنساء) يعني الأزواج مع أزواجهم، أو المحارم مع محارمهم.
•
هل يجوز للزوج أن ينظر إلى عورة امرأته؟
نعم، يجوز لكل من الزوجين أن ينظر إلى عورة الآخر.
أ- لحديث الباب.
ب- ولحديث حكيم بن حزام. قال: قال صلى الله عليه وسلم (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) رواه أبو داود.
وأما حديث عائشة (ما رأيت عورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قط) فهو ضعيف لا يصح؟
124 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فَاغْسِلُوا اَلشَّعْرَ، وَأَنْقُوا اَلْبَشَرَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاه.
125 -
وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ، وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُول.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف كما قال المصنف، لأن فيه الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف.
وقد ضعف الحديث: أبو داود والترمذي والشافعي والبخاري.
وأما حديث عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة! أما علمتِ أن على كل شعرة جنابة) فهو أيضاً ضعيف.
•
على ماذا يدل الحديث؟
أ-يدل على وجوب الغسل من الجنابة والتأكيد فيه.
ب-ويدل أيضاً على وجوب تعميم الجسم بالماء.
قال الصنعاني: والحديث يدل على أنه يجب غسل جميع البدن في الجنابة ولا يعفى عن شيء منه، قيل وهو إجماع.
ج-ويدل أيضاً على وجوب تروية أصول الشعر وإيصال الماء إلى ما تحتها من البشرة.
•
ما معنى قوله (إن تحت كل شعرة جنابة)
يحتمل أن يحمل على ظاهره، فيكون معناه: إن كل شعرة تحتها جزء لطيف من البدن لحقته الجنابة.
ويحتمل أن يحمل على المبالغة.
باب التيمم
التيمم لغة: القصد، يقال: تيمم الشيء ويمّمه، أي: قصده.
وشرعاً: التعبد لله بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين.
وهو من خصائص هذه الأمة كما سيأتي في الحديث إن شاء الله.
وهو مشروع عند فقد الماء أو العجز عن استعماله كما سيأتي إن شاء الله.
126 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رضي الله عنهما; أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ اَلصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَذَكَرَ اَلْحَدِيث).
===
(أُعْطِيتُ خَمْسًا) أي: أعطاني الله خمس خصال، وهذا ليس على سبيل الحصر.
(لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي) وفي رواية للبخاري ومسلم (أحد من الأنبياء).
(نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ) الرعب: الخوف والذعر، والمراد هنا: حصول الخوف والوجل في قلوب الأعداء.
(مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أي: مسافة شهر، والمعنى: أن عدوه مرعوب منه ولو كان بينه وبينه مسافة شهر.
(وَجُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا) أي: صيّر الله لي جميع الأرض مكاناً للسجود، أي: للصلاة، بخلاف الأمم السابقة فإنهم لا يصلون إلا في أماكن معينة كالكنائس.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً).
(وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ) أي: جعلها الله لي حلالاً، والمراد بها: ما يؤخذ من أموال الكفار في الجهاد، وكانت في الأمم السابقة تجمع في مكان، ثم تنزل عليهم نار من السماء فتحرقها (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) المراد بها: الشفاعة العظمى، وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في أهل الموقف أن يُقضَى بينهم.
•
هل التيمم من خصائص هذه الأمة؟
نعم.
لحديث الباب (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ).
•
اذكر أدلة ثبوت التيمم؟
التيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).
ومن السنة: أحاديث كثيرة: حديث الباب والأحاديث الآتية.
وأجمعت الأمة على جواز التيمم من حيث الجملة. [نقل الإجماع النووي وابن قدامة].
•
ما سبب مشروعيته؟
ضياع عقد عائشة.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ) متفق عليه.
(فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ) أي: لأجل طلب ذلك العقد الضائع، (وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ) أي: ليسوا نازلين على محل يوجد فيه ماء، (وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) أي: وليسوا أيضاً حاملين معهم ماء من محل آخر، (فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا) وهي آية المائدة على الراجح، فقد جاء في رواية للحديث عند المصنف (فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
…
إلى قوله: تشكرون) وهي صريحة في أن الآية نزلت كاملة في قوت واحد في تلك السفرة.
•
هل التيمم مبيح أو رافع؟
اختلف العلماء: هل التيمم مبيح أو رافع؟ على قولين:
القول الأول: أنه مبيح لا رافع.
وبه قال مالك والشافعي وأحمد، ونسبه النووي للجمهور.
لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليمسه بشرته) رواه الترمذي.
وجه الدلالة: في قوله (فإذا وجده فليمسه بشرته) فأمره إذا وجد الماء أن يمسه بشرته، وهذا يدل على أن التيمم لم يرفع حدثه، وإنما أباح له فعل ما شُرعتْ الطهارة له، ولو رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده.
القول الثاني: أنه رافع ويقوم مقام الماء.
وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ-لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وجه الدلالة: أن الله سبحانه أخبر أنه يريد أن يطهرنا بالتراب كما يطهرنا بالماء.
ب-ولحديث الباب (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
وجه الدلالة من وجهين:
الأول: أن الله جعل الأرض طهوراً كما جعل الماء طهوراً.
الثاني: قوله ( .. وطَهوراً) والطَّهور بالفتح: ما يُتطهر به.
ج - ولقوله صلى الله عليه وسلم (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، فدل على أنه إذا عدم الماء طهور بمنزلة الماء.
د-ولأنه بدل عن طهارة الماء، والقاعدة الشرعية (أن البدل له حكم المبدل).
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما فائدة الخلاف؟
فائدة الخلاف: إذا قلنا أنه مبيح (القول المرجوح):
- فإنه إذا تيمم لنافلة لم يصلّ به فريضة، لأن الفريضة أعلى.
- إذا تيمم لمس المصحف لم يصلّ به نافلة، لأن الوضوء للنافلة أعلى.
- وإذا خرج الوقت بطل التيمم، لأن المبيح يقتصر على قدر الضرورة.
وأما على القول أنه رافع (وهو الصحيح):
- فإنه من تيمم لنافلة فإنه يصلي به فريضة وغيرها من الصلوات، ولا يبطل بخروج الوقت، لأنه يقوم مقام الماء، (وسبق أن هذا هو الصحيح).
•
هل قوله صلى الله عليه وسلم (أعطيت خمساً) معناه لم يعطى غيرهن؟
الجواب: لا، لأنه مفهوم العدد غير مقيد، وأن العدد لا مفهوم له، فما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر بعض الخصائص للنبي صلى الله عليه وسلم غير موجودة في هذا الحديث:
عند مسلم (وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون).
وعنده أيضاً من حديث حذيفة (جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة).
وعند النسائي (وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش).
وعند البزار عن أبي هريرة (وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة).
وعند البزار عن ابن عباس (وكان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه فأسلم).
•
قوله صلى الله عليه وسلم (نصرت بالرعب مسيرة شهر) لماذا جعل غاية الرعب شهراً؟
إنما جعل الغاية شهر لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه.
وهذه الخاصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر.
•
هل هذا الرعب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لأمته؟
الذي يظهر أنه عام للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته.
أ- أن معظم الخصائص التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم معظمها عام، كإحلال الغنائم.
ب- أن هذا أليَق برحمة الله تعالى بهذه الأمة.
وقيل: ليس عام للأمة، وقيل: إذا كانت الأمة تسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم فلها ذلك.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) وما وجه الخصوصية؟
قوله (مسجداً) أي موضع سجود، ولا يختص السجود فيها بموضع دون غيره.
ووجه الخصوصية: قال الخطابي: أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ (وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم).
وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية.
ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه (ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه).
•
على ماذا يدل قوله (وجعلت لي الأرض مسجداً)؟
يدل على أن الأصل جواز الصلاة في جميع الأماكن، لكن يستثنى من ذلك مواضع سيأتي ذكرها إن شاء الله في باب شروط الصلاة منها:
أ-المقبرة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). رواه الترمذي
ب-الحمام (مكان المغتسل).
للحديث السابق.
ولأن الحمام مكان يكشف فيه العورات.
ج-الحش (مكان قضاء الحاجة).
لأنه أولى من الحمام.
ولأنه نجس خبيث ومأوى للشياطين.
د-أعطان الإبل (المكان الذي تبيت فيه وتأوي إليه).
لحديث البراء بن عازب قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين). رواه أحمد
•
قوله صلى الله عليه وسلم (وأحلت لي الغنائم) فماذا كان حال الأمم الماضية إذا غنموا؟
قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين:
منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم غنائم.
ومنهم من أذن له فيه، لكن كانوا إذا غنموا شيئاً لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته.
•
اذكر بعض الأدلة على أن دعوة ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الناس؟
أ-حديث الباب (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة).
وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).
وقال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا).
وقال سبحانه (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).
وقال صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: (وأرسلت إلى الخلق كافة) رواه مسلم، وفي رواية (وبعثت إلى كل أحمر وأسود).
قيل: المراد بالأحمر العجم، والأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس، والأسود الجن.
127 -
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ اَلْمَاءَ) ....
128 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ (وَجُعِلَ اَلتُّرَابُ لِي طَهُورًا).
===
•
اذكر لفظ حديث حذيفة؟
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِداً، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ).
• اذكر لفظ حديث علي؟
عن عَلِي بْن أَبِي طَالِب قَالَ. قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ: أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَم) رواه أحمد.
•
متى يشرع التيمم؟
يشرع عند فقد الماء لقوله (إِذَا لَمْ نَجِدِ اَلْمَاءَ).
فإذا كان غير واجد للماء لا في بيته، ولا في رحله إن كان مسافراً، ولا ما قرب منه؛ فإنه يشرع له التيمم.
أ-لقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).
ب-ولحديث الباب (
…
إِذَا لَمْ نَجِدِ اَلْمَاءَ).
ج-ولحديث (الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليمسه بشرته).
•
هل يجب أن يطلب الماء؟
نعم يجب عليه قبل التيمم أن يبحث ويطلب الماء، في رحله وبقربه وبدلالة.
لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) ولا يقال: لم يجد الماء إلا بعد الطلب.
•
ما الحكم إذا وجد الماء لكن بثمن زائد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
فقيل: يعدل إلى التيمم ولو معه قيمته.
وعللوا ذلك بأن هذه الزيادة تجعله في حكم المعدوم.
وقيل: إن كان قادراً على شرائه لوجود ثمنه عنده؛ فإنه يشتريه إذا لم يكن عليه ضرر.
لأن الله يقول: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) والماء هنا موجود.
وهذا القول هو الصحيح.
لكن إن كان غير واجد الثمن، أو ليس معه إلا بعضه؛ فهو عادم للماء، ولا يلزمه الاقتراض، لما في ذلك من المنة.
•
ما الحكم لو وجد ماء يكفي بعض طهره؟
مثال: إنسان عنده ماء يكفي لغسل الوجه واليدين فقط.
فقيل: يجب أن يستعمل الماء أولاً ثم يتيمم.
أ-لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). متفق عليه
ج-وليصدق عليه أنه عادم للماء إذا استعمله قبل التيمم.
وقيل: يتيمم ولا يلزم استعماله.
والأول أرجح.
•
هل يشترط للتيمم أن يكون بتراب أم يجوز بالتراب وغيره؟
اختلف العلماء: هل لا بد من التراب للتيمم أم يجوز بغيره؟ على قولين:
القول الأول: أنه لا بد من التراب.
وهذا مذهب أحمد والشافعي وداود وأكثر الفقهاء. [قاله النووي]
أ- لحديثي الباب (وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا)، (وَجُعِلَ اَلتُّرَابُ لِي طَهُورًا).
فخص ترابها بحكم الطهارة، وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه، ولو كان غير التراب طهوراً لذكره فيما منّ الله تعالى به عليه.
ب- ولقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).
وجه الدلالة: أن الله سبحانه أمر بالتيمم بالصعيد - وهو التراب - كما فسره ابن عباس، وقال تعالى (منه) أي: ببعضه، ولا يحصل المسح بشيء منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد والوجه.
القول الثاني: يجوز بكل ما تصاعد على الأرض من ترابها ورملها وحجرها ومدرها.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، واختاره ابن تيمية وابن القيم.
أ-لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).
وجه الدلالة من وجهين:
أحدهما: أن الصعيد هو الصاعد على وجه الأرض، وهذا يعم كل صاعد، فيتناول الحجر والمدر وسائر أجزاء الأرض.
الثاني: أن معنى (منه) في الآية المذكورة لابتداء الغاية، فيكون ابتداء الفعل بالأرض، وانتهاء المسح بالوجه، فيمسح من وقت الضرب لا قبله.
ب- ولقوله صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فدل على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض.
ج-ولحديث أبي جهم قال: (أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم ردّ عليه السلام.
د- ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك وقطعوا تلك الرمال في طريقهم، لم يرد أنهم حملوا التراب معهم ولا أمرهم به، بل كانوا يتيممون بما تيسر لهم من الأرض.
وهذا القول هو الصحيح.
قال السعدي: والصحيح أنه يصح التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب له غبار أو رمل أو حجر أو غير ذلك
وقال ابن القيم: ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة، ولم يرد أنه حمل معه التراب ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون تراب له غبار، بل إذا تيمم على الأرض أجزأه سواء كان فيها غبار أم لا.
وهذا القول هو الراجح.
وأما دليلهم: (وجعلت تربتها
…
) فهذا من ذكر بعض أفراد العام ما يوافق حكم العام، وذكر بعض أفراد العام بما يوافق العام لا يفيد التخصيص.
•
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟
فأجاب: الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنياً من الصعيد سواء كان حجراً أو كان مدراً- لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسواً بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب - غبار - فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتيمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد.
129 -
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: (بَعَثَنِي اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ اَلْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي اَلصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ اَلدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا" ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ اَلْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ اَلشِّمَالَ عَلَى اَلْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ اَلْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْه).
===
(فتمرغت) أي تقلبت، وكأن عمار استعمل القياس في هذه المسألة، لأنه رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء، رأى أن التيمم عند الغسل يقع على هيئة الغسل.
(وَظَاهِرَ كَفَّيْه) أي: مسح ظاهر كل منهما براحة اليد الأخرى كما ورد مفسراً عند أبي داود.
(وَوَجْهَهُ) أي: ومسح وجهه.
•
ما حكم من أجنب ولم يجد الماء؟
حكمه: أنه يتيمم، فالتيمم يكون عن الحدث الأكبر وعن الحدث الأصغر.
وهذا مذهب أكثر العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث عمران بن حصين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلّ في القوم، فقال: يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم؟ قال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك). متفق عليه
قال النووي: ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا أحد من السلف إلا ما جاء عن عمر وعبد الله بن مسعود، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي التابعي، وقيل إن عمر وعبد الله رجعا عنه.
•
هل صفة التيمم عن الحدث الأكبر تختلف عن التيمم للحدث الأصغر؟
لا تختلف، فالتيمم صفته واحدة في الحدث الأصغر والأكبر.
•
ما صفة التيمم؟
قوله (إنما يكفيك
…
) دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث.
وصفته: هو أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة بلا تفريج للأصابع وتمسح وجهك بكفيك، ثم تمسح الكفين بعضهما ببعض.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض.
•
هل التيمم يكون إلى الكوع أو إلى المرفقين؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أن المسح إلى الكوع.
وهذا مذهب مكحول وعطاء والأوزاعي وأحمد، قال ابن المنذر: وبه أقول.
وحكاه الخطابي عن عامة أصحاب الحديث.
لحديث الباب (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا" ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ اَلْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ اَلشِّمَالَ عَلَى اَلْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَه).
القول الثاني: أنه إلى المرفقين.
وهذا مذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة.
قياساً على الوضوء، حيث أن الله أمر بغسل اليد إلى المرفق في الوضوء.
قال ابن حجر في الفتح: وأما ما استدل به من اشترط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشروط في الوضوء، فجوابه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار.
والراجح الأول.
فائدة: قال النووي في المجموع: وحكى الماوردي وغيره عن الزهري أنه يجب مسحهما إلى الإبطين، وما أظن هذا يصح عنه.
•
ما حكم الترتيب في التيمم في الحدث الأصغر؟
الراجح أنه واجب، وهو أن يبدأ بالوجه ثم باليدين.
أ-لقوله تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فبدأ بالوجه قبل اليدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أبدأ بما بدأ الله به).
ب- ولحديث الباب، حيث فعل التيمم مرتباً.
ج-ولأن التيمم مبني على الطهارة بالماء، والترتيب فرض فيها (وقد تقدم أن الترتيب واجب في الوضوء).
وذهب بعض العلماء إلى أن الترتيب في الحدث الأصغر سنة ليس بواجب.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية.
والراجح الأول.
•
ما حكم الترتيب في التيمم عن الحدث الأكبر؟
جمهور العلماء أنه سنة ليس واجب.
قياساً على الأصل وهو الغسل بالماء، فإن بدن الجنب في الغسل بمنزلة عضو واحد، ولا ترتيب في العضو الواحد، فإذا لم يفترض الترتيب في الأصل وهو الاغتسال بالماء، فلأن لا يفترض في بدله وهو التيمم من باب أولى.
وقيل: الترتيب فرض في التيمم عن الحدث الأكبر، وهو مذهب الشافعية.
•
ما هي فروض التيمم؟
أولاً: النية.
قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً في أن التيمم لا يصح إلا بنية.
ثانياً: مسح الوجه واليدين.
لقوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).
ولحديث الباب (وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ اَلْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْه).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- البيان بالفعل وأنه أبلغ في الفهم من القول.
- مراجعة العلماء في العلم والاجتهاد، فإن عماراً راجع فيما اجتهد فيه.
- أنه إذا تطهر الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال: لا يلزمه، وهو مذهب متروك بإجماع من قبله ومن بعده، والأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء. [قاله النووي: 4/ 57]
- أن من أرسل في أمر عظيم ينبغي أن يتحفظ ويثبت ولا يشهر ما أرسل فيه إذا رأى ذلك مصلحة، ويفعل كما فعل عمار حيث لم يصرح بالحاجة ما هي.
- أن المتأول المجتهد لا إعادة عليه، لأنه عليه السلام لم يأمر بالإعادة وإن كان قد أخطأ في اجتهاده.
- وجوب استيعاب مسح الوجه بالتيمم.
- أنه لا قياس مع النص، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل قياس عمار.
- مشروعية نفخ اليدين بعد الضرب، لكن قيده بعض العلماء بما إذا علق في اليدين تراب كثير.
130 -
وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَ اَلْأَئِمَّةُ وَقْفَه.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
لا يصح.
قال ابن القيم: لم يصح شيء في الضربتين.
وقال الحافظ في الفتح: الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح فيها سوى حديث أبي جهيم وحديث عمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه والراجح عدم رفعه.
وقال الدارقطني في سننه: وقفه عمر بن القطان وهشيْم وغيرهما وهو الصواب.
وقال الألباني: في الضربتين أحاديث واهية معلومة.
•
كم ضربة للتيمم؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه ضربة واحدة للوجه والكفين.
وإلى هذا ذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
قال في الفتح: ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء، وهو قول عامة أهل الحديث.
واستدلوا بحديث عمار السابق وفيه (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة).
القول الثاني: أن التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين.
وهذا مذهب الشافعي، وروي ذلك عن ابن عمر، وابنه سالم، والحسن، والثوري، وأصحاب الرأي.
أ- لحديث الباب (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ
…
).
ب-ما رواه أبي جهم بن الحارث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه). رواه البخاري
والراجح القول الأول.
والرد على أدلة القول الثاني:
قال الشوكاني: أحاديث الضربتين لا يخلو جميع طرقها من مقال، ولو صحت لكان الأخذ بها متعيناً لما فيها من الزيادة، فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك المقدار.
وحديث أبي الجهم (وذراعيه) فقد قال الحافظ ابن حجر: والثابت في حديث أبي جهم بلفظ (يديه) لا ذراعيه، فإنها رواية شاذة.
131 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلصَّعِيدُ وُضُوءُ اَلْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ اَلْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اَللَّهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ اَلْقَطَّانِ، [و] لَكِنْ صَوَّبَ اَلدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَه.
132 -
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ، وَصَحَّحَه.
133 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ اَلصَّلَاةَ -وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ- فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا اَلْمَاءَ فِي اَلْوَقْتِ. فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا اَلصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدِ اَلْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: "أَصَبْتَ اَلسُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ" وَقَالَ لِلْآخَرِ: "لَكَ اَلْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيّ
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي هريرة رواه البزار، ويشهد له حديث أبي ذر الذي يليه - عند الترمذي - ولفظه (إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصحَّح حديث أبي ذر: الترمذي، وابن حبان، والنَّووي، وغيرهم.
قال الشيخ العصيمي: حديث (الصعيد وضوء المسلم)، وهذا الحديث إسناده صحيح إلا أن هذه اللفظة (وضوء المسلم) غلط وهِم فيها بعض الرواة، والمحفوظ بلفظ (الصعيد طهور المسلم) والطهور أعم من لفظ الوضوء.
وأما حديث أبي سعيد، فأعل بالإرسال.
قال أبو داود: وذِكْرُ أبي سعيد في هذا الحديث وَهْمٌ وليس بمحفوظ، وهو مرسل.
(الصعيد) وجه الأرض.
(عشر سنين) المقصود المبالغة دون التحديد.
(فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا) أي: قصدا الصعيد الطاهر على الوجه المخصوص.
(فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا اَلصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ) إما ظناً منه أن الأولى بطلت بوجود الماء في الوقت، وإما احتياطاً.
(فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: "أَصَبْتَ اَلسُّنَّةَ) أي: وافقت الحكم المشروع بالكتاب والسنة.
(وَقَالَ لِلْآخَرِ: لَكَ اَلْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ) مرة لصلاته الأولى بالتيمم، ومرة لصلاته الثانية بالوضوء.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد:
أ-أن التيمم رافع لا مبيح، وقد تقدمت المسألة.
ب-وأن وجود الماء مبطل للتيمم.
ج-وأن التيمم يشرع عند فقد الماء.
•
اذكر مبطلات التيمم؟
أ- وجود الماء.
ب- بمبطلات الوضوء.
•
اذكر حالات وجود الماء للمتيمم؟
الحالة الأولى: أن يجد الماء قبل الصلاة، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يتوضأ ويبطل تيممه.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن من تيمم كما أمر، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة، أن طهارته تنتقض وعليه أن يعيد الطهارة ويصلي.
الحالة الثانية: أن يجد الماء بعد خروج وقت الصلاة، فلا إعادة عليه بالإجماع.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن من تيمم وصلى، ثم وجد الماء بعد خروج الوقت، أن لا إعادة عليه.
الحالة الثالثة: أن يجد الماء بعد الصلاة وقبل خروج الوقت، فلا إعادة عليه عند جماهير العلماء.
لحديث أبي سعيد: (حديث الباب).
وقال عطاء والقاسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري: يعيد الصلاة.
الحالة الرابعة: أن يجد الماء أثناء الصلاة، فهذه موضع خلاف بين العلماء:
القول الأول: أنه يبطل تيممه، ويجب أن يتوضأ ويعيد الصلاة.
وبهذا قال أبو حنيفة والإمام أحمد وبه قال الثوري واختاره ابن عبد البر.
أ-لقوله تعالى (فلم تجدوا ماءً فتيمموا
…
) وهذا وجد الماء.
ب-ولحديث الماء (
…
فَإِذَا وَجَدَ اَلْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اَللَّهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) وهذا وجد الماء.
ج - ولأن من وجد الماء في أثنائها قد قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة.
القول الثاني: أنه يكمل صلاته ولا يقطعها.
وبهذا قال مالك والشافعي وداود الظاهري ورجحه ابن المنذر.
لقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم).
والراجح القول الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديثين؟
- الحديث الثاني فيه إشكال، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل:(لك الأجر مرتين) وقد أخبر أن الرجل إذا حكم فأخطأ فله أجر واحد، وهذا الرجل لا شك أنه اجتهد فأخطأ، فكيف نجمع بين قوله:(لك الأجر مرتين) وبين الحديث الذي أشرنا إليه؟
الجواب: أن هذا الحديث فيه فعلان الأول فعل، وأما الحديث الذي أشرنا إليه فليس منه إلا فعل واحد وهو أن الحاكم اجتهد فأخطأ في قضية واحدة، أما هذا فله فعلان: الأول بحسب الماء، والثاني بحسب الاجتهاد، فالحقيقة أن الإعادة ليس فيها إلا أجر واحد، والأجر الأول حاصل بدون اجتهاد، فهذا هو الجمع بين الحديثين الذي ظاهرها التعارض. (ابن عثيمين).
- أنه متى تعذر استعمال الماء ولو طال الزمن فإن التيمم جائز.
- بطلان طهارة التيمم بوجود الماء.
- جواز استعمال المبالغة.
- أن إصابة السنة خير من كثرة العمل.
134 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ عز وجل (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) قَالَ: إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ اَلْجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَالْقُرُوحُ، فَيُجْنِبُ، فَيَخَافُ أَنْ يَمُوتَ إِنْ اِغْتَسَلَ: تَيَمَّم) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا، وَرَفَعَهُ اَلْبَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِم.
===
(الجراحة) الجرح هو الشق في البدن.
(القروح) جمع قرح، هي الجروح والشقوق من أثر السلاح.
(يخاف أن يموت) وهذا ليس بشرط، بل لو خاف أن يزيد المرض، أو يتأخر الشفاء، أو يطول عليه المرض، فإنه يجوز له التيمم.
•
ماذا نستفيد من هذا الأثر؟
نستفيد: أنه إذا كان الإنسان مريضاً، ويخشى باستعمال الماء الضرر، فإنه يتيمم.
وتفسير ابن عباس للآية بأن من به قروح، مثال للضرر المبيح للتيمم وإلا فكل مريض يضره استعمال الماء فله التيمم.
تفسير ابن عباس للآية ليس على سبيل الحصر بل هو على سبيل التمثيل، ويدل لذلك:
قوله (في سبيل الله) والجراحة التي تبيح التيمم سواء في سبيل الله أو في غير سبيل الله.
فمن أسباب التيمم: الخوف من استعمال الماء بمرض في بدنه من جرح أو قرح.
وهذا قول أكثر العلماء، بل حكاه بعضهم إجماعاً.
ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم).
قال النووي رحمه الله: المرض ثلاثة أضرب:
أحدها: مرض يسير لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع ضرس وحمى وشبهها، فهذا لا يجوز له التيمم بلا خلاف عندنا، وبه قال العلماء كافة إلا ما حكاه أصحابنا عن أهل الظاهر وبعض أصحاب مالك: أنهم جوزوه للآية ..
الضرب الثاني: مرض يخاف معه من استعمال الماء تلف النفس أو عضو، أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو، فهذا يجوز له التيمم مع وجود الماء ..
الضرب الثالث: أن يخاف إبطاء البرء، أو زيادة المرض، وهي كثرة الألم، وإن لم تطل مدته أو شدة الضنى، وهو الداء الذي يخامر صاحبه، وكلما ظن أنه برئ نكس .. فالصحيح جواز التيمم ولا إعادة عليه، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وأكثر العلماء لظاهر الآية وعموم البلوى. (شرح المهذب).
وجاء في فتاوى (اللجنة الدائمة) من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره منه استعمال الماء فأجنب جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي.
•
اذكر الأدلة على جواز التيمم إذا خاف الإنسان من شدة البرد إذا استعمل الماء؟
يدل على ذلك:
أ-قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
ب-وقوله سبحانه (ولا تقتلوا أنفسكم).
ج-وحديث عمرو بن العاص قال (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو، أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً). رواه أبو داود
وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، لأنه لا يقر على الخطأ، ولأنه خائف على نفسه، فأبيح له التيمم كالجريح والمريض.
•
في قصة عمرو بن العاص فوائد:
أولاً: جواز إمامة المتيمم بالمتوضئين. وهذا مذهب الجمهور.
قال ابن حزم: وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ، والمتوضئُ المتيممينَ، والماسحُ الغاسِلينَ، والغاسلُ الماسحينَ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم، ولم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان.
ثانياً: جواز التيمم إذا خشي الإنسان البرد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين.
ثالثاً: أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم دليل يعمل به.
رابعاً: أنه لا يلزمه الإعادة فيما بعد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، لأنه أتى بما أمر به.
قال شمس الحق آبادي رحمه الله في شرح حديث عمرو بن العاص -: فيه دليل على جواز التيمم عند شدة البرد من وجهين:
الأول: التبسم والاستبشار.
والثاني: عدم الإنكار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز.
وقال الخطابي: فيه من الفقه أنه عليه السلام جعل عدم إمكان استعمال الماء، كعدم عين الماء، وجعله بمنزلة من يخاف العطش ومعه ماء فأبقاه ليشربه وليتيمم به خوف التلف.
قال ابن رسلان في (شرح السنن): لا يتيمم لشدة البرد مَنْ أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على درجة يأمن الضرر، مثل أن يغسل عضواً ويستره، وكلما غسل عضواً ستره ودفَّاه مِنْ البرد: لزمه ذلك، وإن لم يقدر: تيمم وصلَّى في قول أكثر العلماء.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يأمره بالإعادة؛ لأن مَنْ خاف الضرر كمن فيه الضرر، لكن بشرط أن يكون الخوف غالباً أو قاطعاً، أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء. (مجموع فتاوى الشيخ العثيمين).
135 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (اِنْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى اَلْجَبَائِرِ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ وَاهٍ جِداً.
136 -
وَعَنْ جَابِر رضي الله عنهما فِي اَلرَّجُلِ اَلَّذِي شُجَّ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَفِيهِ اِخْتِلَافٌ عَلَى رُوَاتِه.
===
(زندي) الزندان هما الساعد والذراع.
(شج) الشجة هي الجرح في الرأس والوجه خاصة.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث علي ضعيف ولا يصح كما قال المصنف.
حديث جابر الثاني مختلف فيه، لكن فيه ضعف كما قال المصنف.
•
ما تعريف الجبيرة؟
الجبيرة: هي أخشاب أو نحوها تربط على الكسر ونحوه.
•
ما حكم المسح على الجبيرة؟
اختلف العلماء هل يمسح على الجبيرة أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه لا يمسح على الجبيرة.
وهذا اختيار ابن حزم، ورجحه الشيخ الألباني.
لأنه لم يثبت حديث تقوم به حجة.
قال البيهقي: لا يثبت في هذا الباب شيء.
القول الثاني: أنه يمسح على الجبائر.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-حديث علي. [وهو ضعيف]
ب-حديث جابر وقد حسنه بعض العلماء. وله قصة، قال جابر (خرجنا في سفر فأصاب رجل منّا شجة في وجهه، ثم احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ثم يغسل سائر جسده). رواه أبو داود.
قالوا: إن الأحاديث وإن كان فيها ضعف لكن يقوي بعضها بعض، وهذا ما ذهب إليه الصنعاني والشوكاني.
ج-أنه ثبت عن ابن عمر أنه كان يمسح على الجبائر.
فقد روى البيهقي من طريق نافع عن ابن عمر (أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح على العصائب وغسل سوى ذلك). قال البيهقي: هو عن ابن عمر صحيح.
•
هل يشترط وضع الجبيرة على طهارة؟
قيل: يشترط أن توضع على طهارة.
وقيل: لا يشترط، وهذا الصحيح وهو اختيار ابن تيمية.
وقياسها على الخفين في هذه المسألة قياس فاسد، فإن الجرح يقع فجأة، أي في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه، فلو اشترطت الطهارة والحالة هذه لأفضى إلى الحرج والمشقة، وهما منتفيان شرعاً.
ولأنها تأتي فجأة.
قال ابن تيمية: ومن قال: لا يمسح عليها إلا إذا لبسها على طهارة ليس معه إلا قياسها على الخفين، وهو قياس فاسد.
•
اذكر بعض الفروق بين المسح على الخف والمسح على الجبيرة؟
أولاً: لا يشترط أن توضع على كمال طهارة بخلاف الخف.
ثانياً: يمسح عليها في الطهارة الصغرى والكبرى، لأن في نزعها ضرر، بخلاف المسح على الخف فلا يمسح عليه في الطهارة الكبرى.
ثالثاً: المسح يكون عليها كلها وليس على بعضها، لأن الأصل أن البدل له حكم المبدل ما لم ترد السنة بخلافه، وهذا المسح بدل عن الغسل، فكما أن الغسل يجب أن يعم العضو كله، فكذلك المسح يجب أن يعم جميع الجبيرة.
رابعاً: المسح عليها غير مؤقت، بل يمسح عليها حتى يحصل البرء، لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدرها، بخلاف الخفين فيمسح عليها للمقيم يوماً وليلة.
خامساً: لا يجوز المسح عليها إلا عند الحاجة، بخلاف المسح على الخفين، فيجوز من غير حاجة.
•
ما الحكم إذا كان على العضو جرح لكنه مكشوف؟
يتيمم عنه.
فإذا كان على العضو جبيرة فإنه يمسح عليها عند الوضوء ولا يحتاج إلى التيمم، وإنما يحتاج إلى التيمم إذا كان العضو مكشوفاً، لا جبيرة عليه، ولم يستطع غسله ولا مسحه بالماء، فإنه يتيمم عنه.
•
فإذا كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء، فهذا الجرح إما أن يكون مكشوفاً وإما أن يكون عليه لصوق أو رباط.
فإن كان عليه لصوق أو رباط فإنه يغسل الجزء الصحيح ثم يبل يده بالماء ويمسح على اللصوق، ولا يحتاج مع هذا المسح إلى التيمم.
أما إن كان الجرح مكشوفاً فالواجب غسله بالماء إن أمكن، فإن كان الغسل يضره، وأمكن مسحه، فالواجب مسحه، فإن تعذر، فإنه يُبقي هذا الجرح بلا غسل ولا مسح، ثم إذا انتهى من الوضوء تيمم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع"(1/ 169): قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً.
فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء، فإن تعذر غسله بالماء فالمسح للجرح، فإن تعذر المسح فالتيمم، وهذا على الترتيب.
وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به، فليس فيه إلا المسح فقط، فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم، كما لو كان مكشوفاً، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: إن كان عليه جبيرة مسح عليها، وإن كان مكشوفاً تيمم عنه.
137 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مِنْ اَلسُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ اَلرَّجُلُ بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ اَلْأُخْرَى) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدَّاً.
===
•
ما صحة هذا الأثر؟
الأثر ضعيف جداً كما قال المصنف.
والصحيح كما سبق أن التيمم رافع، وأنه يقوم مقام الماء، فمن تيمم لصلاة فإنه يبقى على تيممه ويصلي به ما يشاء من الصلوات ما لم يجد الماء أو ينتقض وضوؤه.
وهذا القول هو الراجح، وهو مذهب أبي حنيفة وسعيد بن المسيب والحسن والزهري.
أ-لقوله تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
ج-ولأنه بدل عن طهارة الماء، والقاعدة الشرعية:[أن البدل له حكم المبدل].
وعلى هذا القول الصحيح: فإن خروج الوقت لا يبطل التيمم، ومن تيمم لنافلة فإنه يصلي بها فريضة.
وذهب بعض العلماء إلى أن خروج الوقت مبطل للتيمم، وهذا هو المذهب.
وروي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس والشعبي والنخعي وقتادة ومالك والشافعي، واستدلوا:
أ-بقول علي (التيمم لكل صلاة). رواه ابن أبي شيبة، وهو ضعيف.
ب-وبقول ابن عمر قال (يتيمم لكل صلاة).
ج-ولأنها طهارة ضرورة، فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة.
والصحيح الأول.
بَابُ اَلْحَيْضِ
تعريف الحيض:
لغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال.
وشرعاً: دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة؛ لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته؛ ولذلك لا تحيض الحامل، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به الطفل؛ ولذلك قلما تحيض المرضع.
138 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ دَمَ اَلْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي مِنَ اَلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ اَلْآخَرُ فَتَوَضَّئِي، وَصَلِّي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم.
===
(كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) الاستحاضة: استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبداً، أو ينقطع عنها مدة يسيرة.
قال الحافظ: هو جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه.
وهو دم طبيعي كما في الحديث: (إن ذلك عرق) فهو يختلف عن دم الحيض في طبيعته وفي أحكامه.
(يُعْرَفُ) بضم الياء وفتح الراء، أي: تعرفه النساء بلونه وثخانته، ويجوز ضم الياء وكسر الراء مأخوذ من الإعراف، أي: له عَرْف، والعَرْف: الرائحة.
(فَإِذَا كَانَ ذَلِكِ) بكسر الكاف، والمشار إليه الدم الأسود.
(فَأَمْسِكِي مِنَ اَلصَّلَاةِ) أي: اتركي الصلاة.
فَإِذَا كَانَ اَلْآخَرُ) أي: غير الأسود، بأن كان أصفر أو أشقر أو أكدر.
(فإنما هو عرق) أي: دم عرق، والمعنى: أن غير الأسود ليس بحيض فاغتسلي وتوضئي، لأنه دم عرق انفجر، لا دم حيض.
•
اذكر الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة؟
ذكر العلماء بعض صفات دم الحيض:
أولاً: أنه دم أسود يعرف، بينما دم الاستحاضة دم أحمر.
ثانياً: أنه دم منتن، أي له رائحة كريهة، وأما دم الاستحاضة فهو دم عادي ليس له رائحة.
ثالثاً: أن دم الحيض ثخين غليظ، ودم الاستحاضة رقيق ليس ثخيناً.
•
اذكر أحوال المستحاضة؟
القسم الأول: المستحاضة المبتدأة:
أولاً: أن المستحاضة المبتدأة (يعني من أول ما بدأت الحيض والدم عليها) فهذه ترجع إلى التمييز بكل حال، لأنه ليس لها عادة ترجع إليها.
ثانياً: فإذا كانت ليس لها تمييز، ودمها على وتيرة واحدة، فهنا تجلس غالب عادة النساء ستة أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي.
القسم الثاني: المستحاضة المعتادة [لها ثلاثة أحوال]:
أولاً: أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة، فهذه ترجع إلى حيضها المعلوم السابق، فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض وما عداها استحاضة.
أ- لحديث عائشة (أن أم حبيبة بنت جحش شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، فقال: امكثي قدر ما كنت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل لكل صلاة). رواه مسلم
ب- وفي رواية قال لفاطمة بنت أبي حبيش (
…
ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنتِ تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه.
مثال: امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم طرأت عليها الاستحاضة، فصار الدم يأتيها باستمرار، فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر وما عداها استحاضة.
ثانياً: أن لا يكون حيض معلوم قبل الاستحاضة، فهذه تعمل بالتمييز.
لحديث الباب (
…
فإنه دم أسود يعرف
…
).
ثالثاً: أن لا يكون حيض معلوم ولا تمييز صالح، فهذه تعمل بعادة غالب النساء.
ففي حديث حمنة بنت جحش الآتي (
…
فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى
…
).
•
ما الحكم لو افترض أنه وجد عند المرأة صفتان (عادة وتمييز)؟
أولاً: إما أن تكون عادتها موافقة لتمييزها، فهذا لا إشكال فيه.
ثانياً: أن يكون عندها تمييز لكنه مختلف عن عادتها (عادتها ستة أيام من أول الشهر، والتمييز مختلف) فهنا اختلف العلماء أيهما تقدم على قولين:
القول الأول: تعمل بالتمييز.
قال في المعني: وهو ظاهر مذهب الشافعي.
أ-لحديث الباب (
…
فإنه دم أسود يعرف
…
).
ب- ولأن صفة الدم أمارة قائمة به.
القول الثاني: أنها تعمل بالعادة.
وهذا المذهب.
أ-لحديث أم حبيبة: (
…
امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك
…
).
وجه الدلالة: فردها إلى العادة بدون استفصال، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
ب- ولأنه أسهل على المرأة، وأبعد عن الاضطراب، لأن الدم الأسود ربما يضطرب ويتغير وينتقل أخر الشهر أو أوله أو يتقطع فيكون يوماً أسود ويوم أحمر، فجلوسها أيام عادتها أسهل عليها وأضبط لها، لأن العادة لا تبطل دلالتها أبداً.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما حكم المستحاضة؟
المستحاضة حكمها حكم الطاهرات بالاتفاق.
•
ما حكم وطء المستحاضة؟
اختلف العلماء في حكم وطء المستحاضة على قولين:
القول الأول: يكره وطؤها إلا أن يخاف العنت.
وهذا مذهب الحنابلة.
أ-لقول عائشة (المستحاضة لا يغشاها زوجها).
ب-ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض.
القول الثاني: يجوز وطؤها مطلقاً.
وهذا قول أكثر الفقهاء.
أ-لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش: (أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها).
قال النووي: إسناده حسن.
ب-وقال عكرمة: كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها.
ج- أن هذا الدم ليس دم حيض قطعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة) وعلى ذلك فلا يأخذ شيئاً من أحكام الحيض.
د- أن العبادات أعظم حرمة من الجماع، فالمستحاضة في لزوم العبادة كالطاهرة فكذلك في مسألة الجماع.
هـ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عبد الرحمن بن عوف وغيره من وطء زوجاتهم المستحاضات، ولأن الاستحاضة دم عرق فلا يمنع الوطء، ولأن حكمها حكم الطاهرات في كل شيء فكذلك في حل الوطء. (قاله السعدي).
وهذا القول هو الراجح.
قال النووي: مرجحاً مذهب الجمهور:
…
وقال أحمد لا يجوز الموطئ إلا أن يخاف زوجها العنت، واحتج للمانعين بأن دمها يجرى فأشبهت الحائض.
واحتج أصحابنا بما احتج به الشافعي في الأم، وهو قول الله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) وهذه قد تطهرت من الحيض.
واحتجوا أيضا بما رواه عكرمة عن حمنة بنت جحش رضى الله عنها (أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها) رواه أبو داود وغيره بهذا اللفظ بإسناد حسن.
وفى صحيح البخاري قال: قال ابن عباس (المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاة أعظم).
ولأن المستحاضة كالطاهر في الصلاة والصوم والاعتكاف والقراءة وغيرها، فكذا في الموطأ.
ولأنه دم عرق فلم يمنع الوطء كالناسور.
ولأن التحريم، بالشرع ولم يرد بالتحريم، بل ورد بإباحة الصلاة التي هي أعظم كما قال ابن عباس.
والجواب عن قياسهم على الحائض، أنه قياس يخالف ما سبق من دلالة الكتاب والسنة فلم يقبل.
ولأن المستحاضة لها حكم الطاهرات في غير محل النزاع، فوجب إلحاقه بنظائره لا بالحيض الذي لا يشاركه في شيء (المجموع).
•
ما كيفية طهارة المستحاضة؟
أولاً: يجب الوضوء عليها لكل صلاة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (
…
ثم توضئي لكل صلاة).
لكن تقدم أن هذه الرواية ضعيفة لا تصح، وأنه لا يجب لها أن تتوضأ لكل صلاة. (تقدم في باب نواقض الوضوء).
ثانياً: أنها إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم وتعصب على الفرج خرقة ليستمسك الدم.
•
هل يجب على المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة؟
أولاً: لابد من العلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب الغسل على المستحاضة عند انقضاء زمن الحيض، وإن كان الدم جارياً، وهذا أمر مجمع عليه لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم (
…
دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه.
قال النووي: فيه دليل على وجوب الغسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض، وإن كان الدم جارياً، وهذا مجمع عليه.
ثانياً: غسلها لكل صلاة.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
والصحيح أنه لا يجب عليها الغسل لكل صلاة، (فقط تغتسل غسلاً واحداً عند انقضاء حيضها) وهذا مذهب جمهور العلماء.
قال النووي: وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف.
أ-البراءة الأصلية.
ب-أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضات بذلك.
ج-أن هذا هو المتناسب مع يسر الشريعة الإسلامية وتخفيفها على العباد.
وذهب بعض العلماء إلى أنها يجب عليها الغسل لكل صلاة.
لحديث عائشة قالت: (استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة) رواه أبو داود.
وهو حديث ضعيف، ضعفه النووي والشوكاني.
قال النووي: ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي (وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل) وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها.
قال الشافعي: إنما أمرها أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولا شك أن غسلها كان تطوعاً غير ما أمرت به وذلك واسع لها.
وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما.
139 -
وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ اَلْمَاءِ، فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلاً، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ).
===
(لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ) بكسر الميم وسكون الراء، وعاء تُغسل فيه الثياب ..
(فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ اَلْمَاءِ
…
) أي: أنها تجلس في مركن فيه ماء لتعرف حال دمها، فإذا علا الماء صفرة كان دم استحاضة، وإن علاه غيرها فهو حيض.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث استدل به من قال إن المستحاضة تؤخر الظهر وتغتسل لها وللعصر غسلاً واحداً، وتؤخر المغرب و تغتسل لها وللعشاء غسلاً واحداً، وتجمع الصلاتين في الوقتين، و تغتسل غسلاً مستقلاً لصلاة الصبح.
و هذا مذهب ابن عباس و عطاء والنخعي، روى ذلك عنهم ابن سيد الناس في (شرح الترمذي).
وأجاب عن هذا الحديث، وقال: إنه مخالف لرواية البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة، وهناك من أهل العلم من سلك سبيل الجمع، فجعل الأمر فيه للاستحباب بدليل الأحاديث الأخرى التي لم يأت فيها الأمر بالغسل لكل صلاة، أو جاء فيها التخيير كما في حديث حمنة.
وهذا الأخير هو الذي يجمع بين النصوص.
140 -
وَعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: (كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ اَلشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اِغْتَسِلِي، فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكَ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ اَلنِّسَاءُ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي اَلظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي اَلْعَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِي حِينَ تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ اَلظُّهْرَ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ اَلْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ اَلْعِشَاءِ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ اَلصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي. وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ اَلصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ. قَالَ: وَهُوَ أَعْجَبُ اَلْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ اَلْبُخَارِيِّ.
===
(حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً) لفظ أبي داود والترمذي (كثيرة شديدة)، ومعنى (كثيرة أو كبيرة) أي: أيامها كثيرة أو كثير في كميتها، ومعنى (شديدة) أي: في كيفيتها، بمعنى أن دمها شديد.
(إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ اَلشَّيْطَانِ) قيل: هو حقيقة وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقها، وقيل: إن الشيطان وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها ووقت طهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث مختلف في صحته.
قال في المحرر: رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَكَذَلِكَ صَححهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَحسنه البُخَارِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ ابْن عقيل وَلَيْسَ بِقَوي، ووهنه أَبُو حَاتِم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج.
•
على ماذا يدل الحديث؟
حمل بعض العلماء هذا الحديث - على فرض صحته - بالمستحاضة التي لا تعرف عادة حيضها، وليس لدمها تمييز، فهنا تعمل بعادة غالب النساء، فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر.
قال الشيخ ابن عثيمين مبيناً أحوال المستحاضة:
الحالة الثالثة: ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً، فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر، يبتدئ من أول المدة التي رأت فيها الدم، وما عداه استحاضة.
مثال ذلك: أن ترى الدم أول ما تراه في الخامس من الشهر ويستمر عليها من غير أن يكون فيه تمييز صالح للحيض لا بلون ولا غيره فيكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة تبتدئ من اليوم الخامس من كل شهر.
لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال (
…
إنما هذا ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي). الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ونقل عن أحمد أنه صححه، وعن البخاري أنه حسنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم (ستة أيام أو سبعة) ليس للتخيير وإنما هو للاجتهاد فتنظر فيما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خلقة ويقاربها سناً ورحماً، وفيما هو أقرب إلى الحيض من دمها، ونحو ذلك من الاعتبارات، فإن كان الأقرب أن يكون ستة جعلته ستة، وإن كان الأقرب أن يكون سبعة جعلته سبعة .... (رسالة في الدماء الطبيعية للنساء).
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةً)؟
قال الخطابي: يشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التحديد بين الستة والسبعة، لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل إقليمها أو أهل بيتها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستاً قعدت ستاً وإن سبعاً فسبعاً.
وقال الشيخ ابن عثيمين: قوله (ستة أيام أو سبعة) ليس للتخيير، وإنما هو للاجتهاد، فتنظر بما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خِلْقَةً ويقاربها سناً ورحماً، وبما هو أقرب إلى الحيض من دمها.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الاستحاضة حالة تعتري بعض النساء فيخرج منها الدم باستمرار، وهذا يخرج من عرق كما وضحه النبي صلى الله عليه وسلم، والطب الحديث يسميه نزيفاً نتيجة وجود التهابات بالرحم.
- أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة ولا الصيام ولا غيرها من العبادات الواجب لها الطهارة.
- أن دم الحيض يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة، وهذه الصلاة لا تُقْضى تخفيفاً من الله عز وجل، قال عليه السلام في توضيح هذا الأمر: فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام، في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلية، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك (ومعناه أنها في خلال الستة الأيام أو السبعة لا تصوم ولا تصلي).
- ذكر بعض أهل العلم أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، أو كل وقتين بغسل واحد، لكن ذكر الجمهور أن هذا الغسل مستحب، فما عليها إلا أن تغتسل عند طهرها من الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وإن اغتسلت كل وقتين فهو أفضل.
- أن بعض ما يجري لابن آدم من أمراض إنما هو من تأثير الشيطان ليلبس عليه عبادته، ويلهيه عن ربه، فالرسول يقول لحمنة في هذا الحديث (إنما هي ركضة من ركضات الشيطان) ولذا أمرنا بالمحافظة على الأذكار صباحاً ومساء.
- اهتمام الصحابيات الجليلات بشؤون دينهن والاستفسار عن ذلك، فينبغي للمسلم والمسلمة إذا واجه مشكلة أو مسألة أن يسأل أهل العلم، قال الله تعالى (فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون).
- عادة النساء قد تكون ستة أيام أو سبعة.
- أن الشيطان قد يسلط على بني آدم تسليطاً حسياً.
- ينبغي للجاهل أن يسأل العالم، ويدل لذلك قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر
…
).
- أن صوت المرأة ليس بعورة.
- أن الغالب في النساء أن يحضن في كل شهر مرة واحدة.
141 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها; (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلدَّمَ، فَقَالَ: "اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اِغْتَسِلِي" فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ صَلَاةٍ) رَوَاهُ مُسْلِم.
142 -
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَهِيَ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
===
•
اذكر بعض فوائد الحديث؟
- الحديث دليل وجوب الغسل على المستحاضة إذا مضى قدر الأيام التي هي عادتها الأصلية.
- والحديث دليل على أنه لا يجب على المستحاضة غُسل إلا مرة واحدة إذا أدبرت حيضتها.
وهذا مذهب جماهير العلماء كما تقدم.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالاغتسال إلا عند إدبار حيضتها فقط.
وأما ما جاء في صحيح مسلم في قصة أم حبيبة بنت جحش (فكانت تغتسل لكل صلاة) فهذا لا حجة فيه، لأنه أمر فعلته من جهة أنفسها، ولم يأمرها النبي بذلك.
- رواية (وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) تقدم الكلام عليها وأن الصحيح أنها غير محفوظة، كما قال مسلم وابن رجب وغيرهما.
143 -
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كُنَّا لَا نَعُدُّ اَلْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ اَلطُّهْرِ شَيْئًا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَه.
===
(كُنَّا لَا نَعُدُّ) أي: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه، وبهذا يعطى الحديث حكم الرفع.
(الْكُدْرَةَ) بضم الكاف وسكون الدال، هي اللون الأحمر الذي يضرب إلى السواد، والمراد أن الدم يكون متكدراً بين الصفرة والسواد.
(وَالصُّفْرَةَ) بضم الصاد وسكون الفاء، هي اللون الأحمر الذي يميل إلى البياض، والمراد: أن ترى الدم أصفر كماء الجروح.
(شَيْئاً) أي: من الحيض، أي: بعد انقطاع الدم ورؤية الطهر.
الحديث دليل على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر من الحيض ليست بحيض فلا يلتفت إليها، وأما إذا كان ذلك في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض، تثبت له أحكام الحيض.
لأن قولها (بعد الطهر) يدل على أن ما قبل الطهر حيض.
وهذا القول: هو مذهب جمهور العلماء.
قال في المغني: من رأت الدم في أيام عادتها صفرة أو كدرة، فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به، نص عليه أحمد، وهو مذهب الثوري ومالك والشافعي.
لحديث الباب.
قال الشيخ ابن باز: لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضاً، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضاً، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها:(كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) أخرجه البخاري في صحيحه.
القول الثاني: لا تعد دماً ولا حيضاً.
وهو اختيار ابن حزم.
والصحيح الأول.
•
كيف تعرف المرأة الطهر من الحيض؟
تعرف المرأة الطهر بإحدى علامتين:
الأولى: نزول القصة البيضاء.
والثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة، ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة.
وقال الباجي في (المنتقى): وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ: الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ، وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: الْجُفُوفُ، وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ.
وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. رواه البخاري معلقاً (كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره).
والدُّرْجة: هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها.
والكرسف: القطن.
والقَصَّة: ماء أبيض يخرج عند انتهاء الحيض.
ومعنى الصفرة: أي ماء أصفر.
فعائشة اعتبرت الصفرة في زمن العادة حيضاً وقالت (لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء) أي: علامة الطهر.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته؛ لأنه ليس بحيض.
قالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري، وزاد أبو داود:(بعد الطهر) وسنده صحيح، وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر؛ لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف - يعني: القطن - فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. (60 سؤالاً عن أحكام الحيض).
144 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ اَلْمَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اِصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا اَلنِّكَاحَ) رَوَاهُ مُسْلِم.
145 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(اَلنِّكَاحَ) الجماع.
(فَأَتَّزِرُ) قال القرطبي: الائتزار: شد الإزار على الوسط إلى الركبة.
(فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ) المراد بالمباشرة هنا أن يمس الجلد الجلد، أي: يمس بشرته بشرتها، وليس المراد به الجماع، لأن جماع الحائض حرام، قال القرطبي: يعني بذلك الاستمتاع بما فوق الإزار والمضاجعة.
•
اذكر حالات مباشرة الرجل لزوجته الحائض؟
مباشرة الرجل لزوجته الحائض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: أن يجامعها بالفرج.
فهذا حرام بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة، [قاله النووي].
أ-قال تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
ب- حديث الباب. (إلا النكاح) أي: الجماع.
ج-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي.
قال الشوكاني: ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من ضرورة الدين.
ثانياً: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة.
فهذا جائز.
قال النووي: وهو حلال باتفاق المسلمين.
ثالثاً: المباشرة فيما بين السرة والركبة ما عدا القبل والدبر.
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: الجواز.
وهو المذهب، وقال به عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وابن المنذر.
قال النووي: هو الأقوى دليلاً وَهُوَ الْمُخْتَار.
أ- لقوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
قال ابن قدامة في (المغني) فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه.
ب-لقوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، فهذا يدل على إباحة جميع جسد الحائض إلا موضع الأذى.
فالحديث فيه دليل على أنه لا يجتنب من الحائض إلا الموضع الذي فيه الحيضة وحده وهو الفرج.
ب- قالوا: إن تحريم وطء الحائض منع للأذى، فاختص بمحله كالدبر.
القول الثاني: أنه حرام.
وهذا مذهب مالك وأبو حنيفة، وهو قول أكثر العلماء منهم: سعيد بن المسيب، وشريح وطاووس. [قاله النووي]
أ- لحديث الباب - حديث عائشة - (
…
فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ).
ب- وعن ميمونة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيّض) رواه مسلم.
وجه الدلالة: يفهم من الحديثين تحريم الاستمتاع بما بين السرة والركبة بوطء وغيره.
واستدلوا على ذلك بأدلة، ولكنها لا تخلو من اعتراضات عليها.
فمن ذلك:
ما رواه أبو داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ).
وهذا الحديث ضعيف، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ا. هـ. وضعفه العراقي كما في "عون المعبود". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
وروى أحمد عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: مَا يَصْلُحُ للرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا فَوْقَ الإِزَار).
قال أحمد شاكر في تحقيق المسند إسناده ضعيف لانقطاعه.
وروى أبو داود أيضاً عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ (أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ).
وهذا الحديث اختلف العلماء فيه، فنقل ابن القيم في "تهذيب السنن" تضعيفه عن بعض الحفاظ وأقره على ذلك، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ثم لو صح الحديث لم يكن دليلاً على تحريم الاستمتاع بالحائض فيما بين السرة والركبة، لأنه يمكن الجمع بينه وبين الأدلة الدالة على جواز ذلك بأحد أوجه الجمع الآتية:
1 -
أنه على سبيل الاستحباب والتنزه والابتعاد عن مكان الحيض، وليس على سبيل الوجوب.
2 -
أنه محمول على من لا يملك نفسه، لأنه لو مُكِّنَ من الاستمتاع بين الفخذين مثلاً ربما لا يملك نفسه فيجامع في الفرج، فيقع في الحرام، إما لقلة دينه، أو قوة شهوته، فتكون الأحاديث الدالة على الجواز فيمن يملك نفسه، والأحاديث الدالة على المنع فيمن يخشى على نفسه الوقوع في المحرم. ا. هـ (الشرح الممتع).
ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه جاز وإلا فلا، قال النووي: وهذا الوجه حسن.
- والأولى للرجل إذا أراد أن يستمتع بامرأته وهي حائض أن يأمرها أن تلبس ثوباً تستر به ما بين السرة والركبة، ثم يباشرها فيما سوى ذلك.
لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ
يُبَاشِرُها).
ولحديث عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ).
(فِي فَوْر حَيْضَتهَا) أي: أَوَّله وَمُعْظَمه. قَالَه الْخَطَّابِيُّ.
قال ابن القيم في (تهذيب السنن) عند شرح حديث رقم (2167) من عون المعبود:
وَحَدِيث (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة، وَهُوَ النِّكَاح، وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه، وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى، وَهُوَ أَوْلَى.
فائدة: ما سبق من الأحكام تستوي فيها الحائض والنفساء.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لامرأته وهي حائض، قال: والنفساء كالحائض في هذا.
•
هل يجوز جماع الحائض بعد طهرها وقبل أن تغتسل؟
لا يجوز حتى تغتسل.
لقوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ).
قال ابن كثير رحمه الله: وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم، إن تعذر ذلك عليها بشرطه، إلا يحيى بن بكير من المالكية وهو أحد شيوخ البخاري، فإنه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضاً، وقد حكاه القرطبي عن مجاهد وعكرمة وعن طاوس كما تقدم، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: إنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل ولا يصح لأقل من ذلك.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يَعْنِي بِالْمَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِك وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَأَنَّ الطُّهْر الَّذِي يَحِلّ بِهِ جِمَاع الْحَائِض الَّذِي يَذْهَب عَنْهَا الدَّم هُوَ تَطَهُّرهَا بِالْمَاءِ كَطُهْرِ الْجُنُب، وَلَا يُجْزِئ مِنْ ذَلِكَ تَيَمُّم وَلَا غَيْره، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالطَّبَرِيّ وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَأَهْل الْمَدِينَة وَغَيْرهم.
وقال ابن قدامة في المغني: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ قَبْلَ الْغُسْلِ حَرَامٌ، وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
إلى أن قال:
…
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ) يَعْنِي إذَا اغْتَسَلْنَ، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُمْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ، وَفِعْلُهُمْ هُوَ الِاغْتِسَالُ دُونَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَشَرَطَ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالِاغْتِسَالَ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهِمَا.
وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِحَدَثِ الْحَيْضِ، فَلَمْ يُبَحْ وَطْؤُهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن اليهود يرون أن الحائض رجساً نجساً فيعتزلونها، فبدنها نجس وثيابها نجسة، أما النصارى فلديهم التساهل والتفريط، فإنهم يستحلون جماعها في الفرج، وأما الإسلام فهو الوسط بين الغلو والجفاء، فالحائض محصورة نجاستها في فرجها فقط، فهذا هو المحرم.
- طهارة بدن الحائض وعرَقها.
- أمر الرجل زوجته الحائض أن تتزر وهذا أفضل.
- جواز النوم مع الحائض في ثيابها، والاضطجاع معها.
146 -
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اَلَّذِي يَأْتِي اِمْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِض قَالَ:(يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ وَابْنُ اَلْقَطَّانِ، وَرَجَّحَ غَيْرَهُمَا وَقْفَه.
===
•
ما حكم من أتى زوجته وهي حائض من حيث الكفارة وعدمها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين؟
القول الأول: أنه عليه الكفارة.
وهذا مذهب الإمام أحمد، وهو قول ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي.
لحديث الباب (يتصدق بدينار أو نصف دينار).
القول الثاني: أنه ليس عليه كفارة وإنما التوبة فقط.
قال النووي: وهو قول الشافعي الجديد، وقول مالك وجماهير السلف، وممن ذهب إليه من السلف: عطاء والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وربيعة وحماد بن أبي سلمة والثوري والليث بن سعد، قالوا:
أن عليه فقط أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره. وقالوا:
أ- إن الأحاديث الواردة في ذلك لا تصح.
قال النووي: هو ضعيف باتفاق الحفاظ.
وقال الشافعي: لو كان الحديث ثابتاً لأخذنا به.
وقد أعل البيهقي هذا الحديث بأشياء منها:
أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه.
وأن هذا الحديث روي معضلاً.
وأن في متنه اضطراباً، لأنه روي بدينار أو نصف دينار على الشك، وروي يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار، وروي أنه إذا كان دماً أحمر دينار، وإذا كان أصفر فنصف دينار.
ب-وقالوا: الأصل براءة الذمة.
والصحيح القول الأول وأنه عليه الكفارة.
•
أصحاب القول الأول اختلفوا في الكفارة على أقوال، اذكرها:
القول الأول: عليه أن يتصدق بدينار أو نصفه على التخيير.
القول الثاني: الدينار في إقبال الدم والنصف في إدباره.
القول الثالث: أن عليه عتق رقبة.
147 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيث.
===
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم الصلاة والصوم على الحائض.
قال النووي: أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصلاة والصوم في الحال، وأنه يجب قضاء الصوم دون الصلاة.
أ-لحديث الباب.
ب- وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِى الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فُنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) متفق عليه.
ج-وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة) متفق عليه.
•
ما الحكمة أن الحائض تقضي الصوم دون الصلاة؟
الحكمة: الامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قالت عائشة (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فُنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) متفق عليه.
قال بعض العلماء: إن الصلاة كثيرة متفرقة فيشق قضاؤها بخلاف الصوم، فإنه يجب في السنة مرة واحدة. [قاله النووي]
•
هل تؤجر الحائض بترك الصلاة أم لا؟
اختلف العلماء هل تثاب الحائض على تركها الصلاة أثناء الحيض، كما يثاب المريض على ترك النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟
قيل: لا تثاب على الترك.
لأن وصفه لها صلى الله عليه وسلم بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض يقتضي ذلك.
وقيل: تثاب، إذا قصدت امتثال قول الشارع في تركه.
وهذا القول أقرب.
148 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حِضْتُ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اِفْعَلِي مَا يَفْعَلُ اَلْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيث.
===
(لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ) بفتح السين وكسر الراء، موضع قريب من مكة.
(حِضْتُ) أي: جاءني الحيض.
(اِفْعَلِي مَا يَفْعَلُ اَلْحَاجُّ) أي: افعلي ما يفعل من أحرم بالحج.
(غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) أي: لا تطوفي ما دمتي حائضاً.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم الطواف على الحائض.
ويدل لذلك أيضاً حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ. فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ. فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: اُخْرُجُوا).
فقوله صلى الله عليه وسلم (أحابستنا؟) فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصد بذلك، أن صفية إذا كانت حائض ولم تطف يوم النحر طواف الإفاضة فإنه يلزمها البقاء حتى تطوف بعد الطهر، فتحبس النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا حبس النبي صلى الله عليه وسلم حبس أصحابه معه، ففي هذا دليل على أن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تطوف.
ولذلك يسقط طواف الوداع عن الحائض:
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أُمِرَ اَلنَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الْحَائِضِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
•
ما العلة في منع الحائض من الطواف؟
اختلف في ذلك:
فقيل: لأن من شروط الطواف الطهارة.
وقيل: لكونها ممنوعة من دخول المسجد.
•
ما حكم المرأة إذا حاضت قبل طوافها، ولا تستطيع البقاء بمكة ويتعذر عليها الرجوع؟
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: قدمت امرأة محرمة بعمرة، وبعد وصولها إلى مكة حاضت. ومحرمها مضطر إلى السفر فوراً وليس لها أحد بمكة، فما الحكم؟
فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر من حيض المرأة قبل الطواف وهي محرمة، ومحرمها مضطر للسفر فوراً وليس لها محرم ولا زوج بمكة، سقط عنها شرط الطهارة من الحيض لدخول المسجد وللطواف للضرورة، فتستثفر وتطوف وتسعى لعمرتها، إلا إنْ تيسر لها أن تسافر وتعود مع زوج أو محرم، لقرب المسافة ويسر المؤونة فتسافر وتعود فور انقطاع حيضها لتطوف طواف عمرتها وهي متطهرة.
فإن الله تعالى يقول (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
وقال تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
وقال (وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ).
وقال (فاتقوا الله ما استطعتم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) الحديث، إلى غير ذلك من نصوص التيسير ورفع الحرج، وقد أفتى بما ذكرنا جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها المملكة ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فما الحكم؟
فأجاب: إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تستعمل واحداً من أمرين: فإما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف، وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاف ذلك واحد من أمرين: إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها بحيث لا تحل لزوجها ولا أن يعقد عليها إن كانت غير متزوجة، وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة، وقد قال الله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج وفي هذه المدة لا تحل للأزواج لأنها لم تحل التحلل الثاني.
•
اذكر خلاف العلماء في حكم الطهارة للطواف؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف، فمن طاف محدثاً، لم يصح طوافه، ولا يعتد به.
وإلى هذا القول ذهب: مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، وجمهور العلماء.
أ- لحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت) متفق عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لتأخذوا عني مناسككم).
وجه الاستدلال منه من وجهين:
أولاً: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف بيان لمجمل القرآن، لأن الله عز وجل أمر بالطواف في كتابه العزيز ولم يبين كيفيته، فجاء البيان بفعله صلى الله عليه وسلم إذ توضأ قبل طوافه، والفعل إن جاء بياناً لأمر واجب دل على وجوبه، فدل ذلك على وجوب الطهارة من الحدث قبل الطواف.
ثانياً: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم بأخذ مناسكه، والاقتداء به في ذلك دليل على وجوب جميع ما صدر منه في بيان أفعال المناسك- إلا ما دل الدليل على استثنائه- ومن ذلك الطهارة من الحدث قبل الطواف.
ب-حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه المنطق فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير). (الصحيح أنه موقوف على ابن عباس).
وجه الاستدلال منه من وجهين:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الطواف بالصلاة وليس المراد التشبيه في الأفعال والهيئة لتباينهما، وإنما المراد التشبيه بها في الحكم، فدل ذلك على أن للطواف جميع الأحكام المتعلقة بالصلاة- إلا ما استثناه الدليل- ومن ذلك اشتراط الطهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور).
ثانياً: من قوله (إلا أن الله أباح فيه المنطق) فاستثناؤه صلى الله عليه وسلم إباحة المنطق في الطواف، دليل على اشتراط ما عداه كما يشترط في الصلاة، ومن ذلك اشتراط الطهارة من الحدث.
ج-حديث الباب في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت وهي محرمة (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) متفق عليه. وفي رواية لمسلم (حتى تغتسلي).
وجه الاستدلال منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعائشة أن تفعل وهي حائض جميع ما يفعله الحاج، ولم يمنعها إلا من الطواف، وجعل ذلك مقيداً باغتسالها وتطهرها، فدل ذلك على ترتب منع الطواف على انتفاء الطهارة، وعلى أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وعلى عدم صحته بدونها، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد.
د-قوله صلى الله عليه وسلم لما أخبر بأن صفية حاضت (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال: فلا إذاً) متفق عليه.
وجه الاستدلال: إخباره صلى الله عليه وسلم بانحباسه- وانحباس من كان معه لانحباسه- لحيض صفية، لو لم تكن قد أفاضت، مع ما في ذلك من المشقة العامة، دليل ظاهر- إن لم يكن نصاً صريحاً- على اشتراط الطهارة لصحة الطواف.
القول الثاني: أن الطهارة من الحدث في الطواف واجبة، وليست شرطاً لصحته، فمتى طاف للزيارة غير متطهر من الحدث، أعاد ما دام في مكة، فإن تعذرت عليه الإعادة لبعده عنها جبره بدم.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، وأحمد في رواية.
أ- لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
وجه الاستدلال منها: أن الله أمر بالطواف مطلقاً عن شرط الطهارة، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب، بخبر الواحد.
ب- وبالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول.
وجه استدلالهم منها: أن مقتضاها وجوب الطهارة من الحدث في الطواف، وذلك لا يستلزم اشتراطها، لأن الدليل عليها أخبار آحاد، وهي توجب العمل، فيثبت بها الوجوب دون الفرضية، وأما القول باشتراطها فإنه يفضي إلى نسخ مطلق الكتاب بأخبار الآحاد، وهو ممنوع.
القول الثالث: أن الطواف بالبيت على غير طهارة، جائز مطلقاً حتى للنفساء، ولا يحرم إلا على الحائض فقط.
وإلى هذا ذهب ابن حزم الظاهري.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري).
وجه الاستدلال منه: قال ابن حزم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ حاضت- من الطواف بالبيت، (وولدت أسماء بنت عميس بذي الحليفة فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن تغتسل وتهل)، ولم ينهها عن الطواف، فلو كانت الطهارة من الشروط لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين أمر الحائض (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
ب-وقالوا: إن الأصل براءة الذمة، وعدم الاشتراط إلا بدليل، وقد اتفق العلماء على عدم اشتراط الطهارة لأداء المناسك من وقوف ومبيت ورمي، فالتفريق بينها وبين الطواف واشتراط الطهارة له لا يثبت إلا بالدليل. فدل ذلك على عدم اشتراط الطهارة للطواف، وجواز الطواف مطلقاً إلا للحائض.
القول الرابع: أن الطهارة من الحدث سنة، وأن الحائض والنفساء إذا احتاجتا للطواف لتعذر الإقامة، طافتا، ولا شيء عليهما، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر عام تسع لما أمره على الحج ينادي (ألا يطوف بالبيت عريان).
وجه الاستدلال منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طواف العراة بالبيت، ولم يثبت أنه أمر بالطهارة للطواف، فدل ذلك على أن الطهارة ليست واجبة إذ لو كانت واجبة لأمر بها.
ب-وقالوا: إن الأصل براءة الذمة، وعدم وجوب الطهارة إلا بدليل ولا دليل صريح صحيح على وجوبها.
ج- ولحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت) وهذا فعل والفعل يدل على الاستحباب
…
(بحث في مجلة البحوث الإسلامية 56).
وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة من قال باشتراط الطهارة للطواف:
أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ ا. هـ.
وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه، فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر. (مجموع الفتاوى 21).
•
هل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة؟
نعم يجوز، فالسعي لا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت - (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت). (المغني).
قال الشيخ ابن عثيمين: فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.
•
ما أكثر الحيض وما أقله؟
اختلف العلماء في أكثر الحيض وفي أقله؟
في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (
…
حتى تطهري) دليل لقول من قال أن الحيض لا حدّ لمقداره.
وهذه مسألة خلافية بين العلماء:
فقال بعض العلماء: أكثره [15] يوماً، وأقله يوم وليلة.
وقيل: أكثره [17] يوم، وقيل: أكثره [13] يوم، وقيل: أكثره [10] أيام.
والراجح أنه ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدّ بالأيام.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله: ومن ذلك اسم الحيض علّق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدّر في ذلك حداً، فقد خالف الكتاب والسنة.
ويدل لهذا القول:
أ-قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن).
فجعل الله غاية المنع هي الطهر، ولم يجعل الغاية مضي يوم وليلة ولا ثلاثة أيام ولا خمسة عشر يوماً، فدلّ هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه.
ب-حديث الباب (
…
حتى تطهري) فجعل غاية المنع الطهر، ولم يجعل الغاية زمناً معيناً، فدل هذا على أن الحكم يتعلق بالحيض وجوداً وعدماً.
•
هل للحيض سن معينة؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه لا حيص قبل تسع ولا بعد خمسين.
واستدلوا: أن العادة أن لا تحيض قبل تسع ولا بعد خمسين سنة.
وذهب بعض العلماء وهو اختيار ابن المنذر وابن تيمية وجماعة من أهل العلم أنه لا حد لأقل سن الحيض ولا لأكثره، بل متى رأت المرأة الدم المعروف فهو حيض تثبت له أحكامه، وإن كانت دون تسع سنين أو فوق الخمسين أو الستين.
لقوله تعالى (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ). فعلق أحكام الحيض على وجوده، ولم يحدد لذلك سناً معيناً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الحائض يصح منها جميع أعمال الحج كالسعي والوقوف بعرفة وغيرها ما عدا الطواف.
149 -
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه (أَنَّهُ سَأَلَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ اِمْرَأَتِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: "مَا فَوْقَ اَلْإِزَارِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَضَعَّفَه.
===
الحديث ضعيف ولا يصح، وقد تقدمت المسألة، وأنه من أدلة من قال إنه يحرم الاستمتاع بالزوجة إذا كانت حائضاً فيما بين السرة والركبة ما عدا الفرج، وهو قول الجمهور.
والصحيح الجواز كما تقدم.
150 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَتِ اَلنُّفَسَاءُ تَقْعُدُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: (وَلم يَأْمُرْهَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَضَاءِ صَلَاةِ اَلنِّفَاسِ) وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِم.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم. وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره.
• ما هو النفاس؟
هو دم يخرج من المرأة عند الولادة أو معها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق.
وأحكامه هي أحكام الحيض فيما يجب ويحرم.
•
ما أقل النفاس؟
اختلف العلماء في أقل النفاس:
القول الأول: ليس لأقله حد.
وهذا المذهب وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وجمهور العلماء.
لأنه لم يرد في الشرع تحديده، فيرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلاً وكثيراً. وهذا القول هو الصحيح.
فمتى طهرت المرأة من نفاسها وجب عليها الاغتسال والصلاة، ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً.
قال الترمذي رحمه الله: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي.
•
ما أكثر مدة النفاس؟
اختلف العلماء في أكثر النفاس:
القول الأول: أكثره أربعون يوماً.
وهذا المذهب، وبه قال أكثر أهل العلم.
قال أبو عيسى الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك.
قال الشوكاني: والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوماً متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار، فالمصير إليها متعين.
أ- لحديث الباب.
ب-وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً. رواه ابن الجارود في المنتقى.
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار: ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين، فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم، لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل.
وقال ابن قدامة: ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً.
وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور:
الأول: أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم.
الثاني: أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم.
الثالث: أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم.
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي. (الإسلام سؤال وجواب).
وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً.
وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة.
وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح.
•
متى يثبت النفاس؟
لا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما يتبين فيه خلق إنسان.
فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان، فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم المستحاضات، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء مدة الحمل.
قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان الجنين قد تخلق، بأن ظهرت فيه أعضاؤه من يد أو رجل أو رأس حرم عليه جماعها مادام الدم نازلاً إلى أربعين يوماً، ويجوز أن يجامعها في فترات انقطاعه أثناء الأربعين بعد أن تغتسل، أما إذا كان لم تظهر أعضاؤه في خلقه فيجوز له أن يجامعها ولو حين نزوله، لأنه لا يعتبر دم نفاس، إنما هو دم فاسد تصلي معه وتصوم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء لها أحكام النفاس فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوماً، ومتى طهرت لأقل من أربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان وحل لزوجها جماعها.
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دماً: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس ولا حكم الحائض، وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها
…
لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم.
وقال الشيخ ابن عثيمين: قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً. انتهى.
والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح).
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ).
فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة.
ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك.
•
ما حكم النفساء إذا طهرت قبل الأربعين؟
إذا طهرت قبل الأربعين وذلك بانقطاع الدم، اغتسلت وصلت وجوباً.
ويجوز لزوجها أن يطأها ولا يكره، وهذا مذهب جماهير العلماء.
لأن الكراهية تحتاج إلى دليل، ولا دليل على الكراهة.
ولأن حكمها حكم الطاهرات في كل شيء، فكذا في الوطء.
•
ما الحكم لو طهرت قبل الأربعين ثم عاد إليها الدم وهي في الأربعين؟
إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً، ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم. (قال الشيخ ابن باز رحمه الله.
وقال رحمه الله: فإن عاد عليها الدم في الأربعين فالصحيح أنها تعتبره نفاساً في مدة الأربعين ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع حال الطهارة.
•
ما حكم الدم النازل من النفساء بعد الأربعين؟
إن كان نزوله في وقت العادة، فهو دم حيض لا تصلي فيه المرأة ولا تصوم ولا يقربها زوجها، إلى أن تنقضي عادتها الشهرية، كما هو معلوم. وأما إن كان نزوله في غير العادة، فهو دم استحاضة؛ والمستحاضة: تصوم وتصلي، ويجامعها زوجها. ويلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها، وتصلي بالوضوء ما شاءت من النوافل.
قال ابن قدامة: فإن زاد دم النفساء على أربعين يوماً فصادف عادة الحيض فهو حيض، وإن لم يصادف عادة فهو استحاضة.
•
ما الحكم لو أن المرأة ولدت ولم تر الدم؟
قال ابن قدامة المقدسي: وإن ولدت ولم تر دماً، فهي طاهر لا نفاس لها؛ لأنَّ النفاس هو الدم، ولم يُوجد.
لكن اختلف العلماء في وجوب الغسل عليها.
فقيل: لا يلزمها الغسل.
لأن الشرع إنما أوجبه على النفساء، وليست هذه نفساء، ولا في معناها. وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: وإذا نفست المرأة فقد لا ترى الدم، وهذا نادر جداً، وعلى هذا لا تجلس مدة النفاس، فإذا ولدت عند طلوع الشمس ودخل وقت الظهر ولم تر دما فإنها لا تغتسل، بل تتوضأ وتصلي.
وقيل: يلزمها الغسل.
لأن الولادة مظنة للنفاس الموجب للغسل، فقامت مقامه في الإيجاب.
وهو مذهب الشافعية، واختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقالوا:
إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم وجب عليها الغسل والصلاة والصوم، ولزوجها أن يجامعها بعد الغسل؛ لأن الغالب في الولادة خروج دم ولو قليل مع المولود أو عقبه.
والأحوط: أن تغتسل خروجاً من خلاف العلماء. (الإسلام سؤال وجواب).
باب المواقيت
•
عرف الصلاة لغة مع الدليل؟
الصلاة لغة: الدعاء بالخير.
قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي: ادع لهم.
وقال صلى الله عليه وسلم (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ) رواه مسلم.
[فليصل] أي: فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة.
•
عرف الصلاة شرعاً؟
الصلاة شرعاً: هي عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
•
متى فرضت الصلاة؟
فرضت قبل الهجرة بثلاث سنين (ليلة الإسراء والمعراج)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها ركعتين ركعتين إلا المغرب فثلاث ركعات، فلما هاجر إلى المدينة بقيت الركعتان للسفر، وزيدت صلاة المقيم إلى أربع ركعات، إلا الفجر فبقيت ركعتين. روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حديث الإسراء المشهور، وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ
…
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تبارك وتعالى وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً).
وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئاً. (تفسير ابن كثير).
ثم نزل جبريل عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة:
فروى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:(بِهَذَا أُمِرْت) فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ؟ أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
وروى النسائي عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ (جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ سَوَاءً، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ. فَقَامَ فَصَلَّاهَا
…
الحديث، وفيه: فَقَالَ - يعني جبريل - (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ).
وروى عبد الرزاق في (مصنفه) وابن إسحاق في سيرته، كما في فتح الباري (2/ 285) أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة.
قال القرطبي رحمه الله: ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء. (شرح العمدة (4/ 148)
•
عرف مواقيت الصلاة؟
المواقيت جمع ميقات، والمراد به هنا: الزمن المحدد لأداء الصلاة فيه.
•
لماذا بدأ المصنف بالمواقيت؟
لأنها سبب للوجوب، وشرط للأداء، فهي أهم شروط الصلاة.
•
ما حكم تارك الصلاة جاحداً لوجوبها؟
من جحد وجوبها فهو كافر إجماعاً.
لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين.
قال تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) ....
ومكذب للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله (بني الإسلام على خمس: وذكر منها: وإقامة الصلاة) متفق عليه.
•
ما حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه كافر.
وهذا مذهب الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحم الله الجميع.
أ-لحديث جابر قال: قال صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). رواه مسلم
ب-ولحديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي.
ج-وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال (لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة). رواه الترمذي
القول الثاني: أنه لا يكفر.
وبه قال الحنفية والمالكية ونسبه النووي للأكثر من السلف والخلف.
أ-لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) رواه البخاري.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه مسلم.
فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال لا إله إلا الله فقد استحق دخول الجنة.
ج-ولقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
والراجح القول الأول أنه كافر.
•
فإذا قال قائل: ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها؟
قلنا: لا يجوز ذلك لأن فيه محذورين:
الأول: إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به، فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود، ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة دون الإقرار بوجوبها، فلم يقل الله تعالى: فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة. أو العهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة، فمن جحد وجوبها فقد كفر.
ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن الكريم، قال الله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ). وقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم).
الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم:
فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك.
فلو صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط، وأركان، وواجبات، ومستحبات، لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافراً مع أنه لم يتركها. (الشيخ ابن عثيمين).
•
فإن قال قائل: ما هو الجواب عن الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة؟
قلنا: الجواب: أن هذه الأدلة لم يأت فيها أن تارك الصلاة لا يكفر، أو أنه مؤمن، أو أنه لا يدخل النار، أو أنه في الجنة. ونحو ذلك.
ومن تأملها وجدها لا تعارض أدلة القائلين بأنه كافر.
القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة.
مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء).
فإن معنى قوله تعالى (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما هو أقل من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أن من كذب بما أخبر الله به ورسوله، فهو كافر كفراً لا يغفر وليس ذنبه من الشرك، .... ولو سلمنا أن معنى (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما سوى ذلك، لكان هذا من باب العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سوى الشرك، والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركاً.
القسم الثاني: عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة
مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار).
•
ماذا يترتب على قولنا بأنه كافر؟
قال الشيخ محمد بن عثيمين: وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر كفر ردة فإنه يترتب على كفره أحكام المرتدين ومنها:
أولاً: أنه لا يصح أن يزوج، فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل.
ثانياً: أنه إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته.
ثالثاً: لا يرث ولا يورث.
رابعاً: إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين.
خامساً: أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.
•
اختلف العلماء القائلون بتكفير تارك الصلاة هل يكفر بترك صلاة واحدة؟ أو بترك صلاتين؟ أو ثلاث؟ أو بالترك الكلي، فلا يسجد لله سجدة؟ اذكر الخلاف؟
القول الأول: يكفر بترك صلاة واحدة، واختاره الشيخ ابن باز.
قال ابن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد. (المحلى:(2/ 15)
القول الثاني: أنه لا يكفر حتى يترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة.
القول الثالث: أنه تارك الصلاة، لا يكفر إلا بالترك الكلي، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، فمن كان يصلي أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة.
•
على من تجب الصلاة؟
تجب على:
أ- المسلم. (وهو من جاء بالشهادة).
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ إلى اليمن (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة .... ) متفق عليه.
وأما الكافر فلا تجب عليه حال كفره لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ
…
).
ب-البالغ.
ج-العاقل.
البالغ: فلا تجب على الصغير، العاقل: فلا تجب على المجنون.
أ-لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق). رواه الترمذي
ب-ولأنهما ليسا أهلاً للتكليف.
•
هل يلزم الكافر إذا أسلم أن يقضي الصلاة؟
لا يلزم الكافر إذا أسلم أن يقضيها، وذلك لأمور:
أولاً: لقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ).
ثانياً: لقوله صلى الله عليه وسلم (الإسلامُ يهدم ما قبلَه) رواه مسلم.
ثالثاً: لأن في إلزامه بقضائها بعد إسلامه مشقة وتنفير عن الإسلام. (الشرح الممتع).
•
ما الحكم إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت؟
هذه المسألة تنقسم إلى حالتين:
الحالة الأولى: أن يبلغ الصبي ولم يكن قد صلى، فهنا يجب عليه أن يصلي، وهذا لا نزاع فيه.
الحالة الثانية: أن يبلغ في أثناء الصلاة أو بعد الصلاة، فهنا اختلف العلماء هل يقضيها أم لا؟ على قولين:
القول الأول: يجب عليه أن يعيدها.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وداود.
أ-أن الصلاة التي صلاها قبل البلوغ نافلة في حقه فلا تجزئ عن الفريضة.
ب-وقالوا: القياس على النافلة، فإن المصلي - بالغاً أو غير بالغ - إذا نوى صلاة نافلة لم تجزئه عن الفريضة، فكذا الصبي إذا صلى قبل البلوغ فصلاته نافلة فلا تنقلب فرضاً.
القول الثاني: لا يلزمه إعادتها.
وهو قول الشافعي، اختاره ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع
…
) قالوا: إن الصبي قد صلى كما أمر، فلا يؤمر بإعادة الصلاة مرة ثانية.
ب-وقالوا: قياساً على الصيام إذا بلغ في أثنائه، فكما لا يعيده كذلك لا يعيد الصلاة إذا بلغ في أثنائها.
وهذا القول هو الصحيح والله أعلم.
151 -
عنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ. أَنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ، وَوَقْتُ اَلْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ اَلشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ اَلشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اَللَّيْلِ اَلْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ اَلشَّمْسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
152 -
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي اَلْعَصْرِ (وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ).
153 -
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة).
===
(وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ) أي: ويمتد وقت الظهر حتى يصير ظل الرجل مثلَه.
(مَا لَمْ تَصْفَرَّ اَلشَّمْس) الصفرة لون دون الحمرة، والشمس تكون صفراء عند قربها من الغروب.
•
اذكر لفظ حديث بريدة كاملاً؟
عن بُرَيْدَة. عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ» . يَعْنِى الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ» . فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ
«وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُم» ) رواه مسلم.
•
اذكر لفظ حديث أبي موسى كاملاً؟
عن أَبِى مُوسَى. عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا - قَالَ - فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) رواه مسلم.
•
متى يبدأ وقت الظهر؟ ومتى ينتهي؟
يبدأ وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء طوله.
أ-لحديث الباب (وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ).
ب-ولحديث أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس). متفق عليه
ج-ولحديث بريدة (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام الصلاة). رواه مسلم.
قال ابن قدامة: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ. (المغني).
•
متى ينتهي وقتها؟
ينتهي وقتها إذا صار ظل كل شيء طوله، وهذا قول جماهير العلماء.
أ- لحديث الباب (وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ).
ب- ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (هَذَا جِبْرِيلُ عليه السلام جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ شَفَقُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْغَدَ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَ قَلِيلاً، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَهُ،
…
) رواه النسائي
ج- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ يَعْنِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، .... ) رواه أبو داود.
•
متى يبدأ وقت صلاة العصر؟
يدخل وقتها إذا صار ظل الشيء مثله يكون دخل وقت صلاة العصر، وخرج وقت صلاة الظهر.
وهذا قول جمهور العلماء.
نقله عنهم النووي في شرح مسلم، وكذلك الشوكاني حيث قال: وأما أول وقت العصر فذهب الجمهور إنه مصير ظل الشيء مثله. (نيل الأوطار).
لحديث الباب (ووقت الظهر إذا زال الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر)
يدل هذا على أنه إذا حضر وقت العصر خرج وقت الظهر.
قال النووي: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا بَعْدهَا دَلِيل لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ وَقْت الْعَصْر يَدْخُل إِذَا صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَدْخُل حَتَّى يَصِير ظِلّ الشَّيْء مِثْلَيْهِ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيث حُجَّة لِلْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ مَعَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رضي الله عنه فِي بَيَان الْمَوَاقِيت، وَحَدِيث جَابِر، وَغَيْر ذَلِكَ. (شرح مسلم).
•
متى ينتهي وقت العصر؟
ينتهي إذا اصفرت الشمس.
لحديث الباب (وَوَقْتُ اَلْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ اَلشَّمْسُ).
وذهب بعض العلماء إلى أن وقت العصر ينتهي ويمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه.
واستدلوا بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ
…
، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، .. الحديث
…
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ) رواه أبو داود.
والراجح القول الأول، وأن وقتها ينتهي باصفرار الشمس.
•
ما وجه هذا الترجيح؟
أ- أن حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم وهو متأخر، لأن إمامة جبريل كانت بمكة في أول الفرض.
ب- أنه اشتمل على زيادة لم ترد في حديث ابن عباس، والأخذ بالزيادة لا ينافي ذلك.
ج- أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس فعل، والقول أقوى من الفعل.
د- لأن جعْل وقتها إلى اصفرار الشمس أخذ بالزائد، والأخذ بالزائد أخذ بالزائد والناقص، والأخذ بالناقص إلغاء للزائد.
• على ماذا يدل قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْر)؟
يدل على أن وقت العصر له وقت ضرورة، وهو من اصفرار الشمس إلى الغروب.
فحديث عبد الله بن عمرو يحمل على وقت الاختيار، وحديث أبي هريرة (من أدرك ركعة) على وقت الضرورة.
•
ما معنى وقت ضرورة؟
هو أن يؤخر الصلاة لهذا الوقت للضرورة، كالحائض تطهر في هذا الوقت، أو كافر يسلم، أو نائم يستيقظ، أو مغمى عليه يستيقظ، أو جريح اشتغل بتضميد جرحه، فهؤلاء يصلون ولو بعد اصفرار الشمس، وتكون صلاتهم أداء.
قال ابن قدامة:
…
إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، كَحَائِضٍ تَطْهُرُ، أَوْ كَافِرٍ يُسْلِمُ، أَوْ صَبِيٍّ يَبْلُغُ، أَوْ مَجْنُونٍ يُفِيقُ، أَوْ نَائِمٍ يَسْتَيْقِظُ، أَوْ مَرِيضٍ يَبْرَأُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (مَعَ الضَّرُورَةِ). (المغني).
• هل يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر إلى وقت الضرورة؟
لا يجوز.
قال ابن قدامة: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمَا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ، فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، أَوْ عَلَى قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، قَامَ، فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا) وَلَوْ أُبِيحَ تَأْخِيرُهَا لَمَا ذَمَّهُ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ عَلَامَةَ النِّفَاقِ. (المغني).
وقال النووي: وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت.
•
ماذا نستفيد من قوله (وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ)؟
قال النووي: وَفِيهِ: دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا اِشْتَرَاك بَيْن وَقْت الظُّهْر وَوَقْت الْعَصْر، بَلْ مَتَى خَرَجَ وَقْت الظُّهْر بِمَصِيرِ ظِلّ الشَّيْء مِثْله غَيْر الظِّلّ الَّذِي يَكُون عِنْد الزَّوَال، دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْر، وَإِذَا دَخَلَ وَقْت الْعَصْر لَمْ يَبْقَ شَيْء مِنْ وَقْت الظُّهْر. وَقَالَ مَالِك رضي الله عنه وَطَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء: إِذَا صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله دَخَلَ وَقْت الْعَصْر وَلَمْ يَخْرُج وَقْت الظُّهْر، بَلْ يَبْقَى بَعْد ذَلِكَ قَدْر أَرْبَع رَكَعَات صَالِح لِلظُّهْرِ وَالْعَصْر أَدَاء، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث جِبْرِيل عليه السلام:(صَلَّى بِي الظُّهْر فِي الْيَوْم الثَّانِي حِين صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله، وَصَلَّى بِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الْأَوَّل حِين صَارَ كُلّ شَيْء مِثْله). فَظَاهِره اِشْتِرَاكهمَا فِي قَدْر أَرْبَع رَكَعَات. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث جِبْرِيل عليه السلام بِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَرَغَ مِنْ الظُّهْر حِين صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله، وَشَرَعَ فِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الْأَوَّل حِين صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله، فَلَا اِشْتِرَاكَ بَيْنهمَا. فَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيِّن لِلْجَمْعِ بَيْن الْأَحَادِيث، وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاك يَكُون آخِر وَقْت الظُّهْر مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا اِبْتَدَأَ بِهَا حِين صَارَ ظِلّ كُلّ شَيْء مِثْله لَمْ يَعْلَم مَتَى فَرَغَ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُون آخِر وَقْت الظُّهْر مَجْهُولًا، وَلَا يَحْصُل بَيَان حُدُود الْأَوْقَات. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ حَصَلَ مَعْرِفَة آخِر الْوَقْت وَانْتَظَمَتْ الْأَحَادِيث عَلَى اِتِّفَاق. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق. (شرح مسلم)
•
متى يبدأ وقت صلاة المغرب؟
يبدأ وقتها إذا غربت الشمس.
وهذا بإجماع العلماء.
قال ابن قدامة: أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس، فإجماع أهل العلم، لا نعلم بينهم خلافاً فيه.
وقال النووي: فأول وقت المغرب إذا غربت الشمس وتكامل غروبها، وهذا لا خلاف فيه، نقل ابن المنذر وخلائق لا يحصون الإجماع فيه.
أ-لحديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت) رواه مسلم.
ب-ولحديث أبي موسى (أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب حين وقعت الشمس) رواه مسلم.
ج- ولحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَال (كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ،
…
) متفق عليه.
•
متى ينتهي وقتها؟
ينتهي وقتها إلى مغيب الشفق. (الشفق هو الحمرة كما هو مذهب الجمهور).
أ-لحديث الباب (
…
ووقت المغرب ما لم يغب الشفق).
ب-ولحديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق).
•
متى يبدأ وقت صلاة العشاء؟
يبدأ وقتها من مغيب الشفق.
وهذا بإجماع المسلمين.
قال ابن قدامة: لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق.
لحديث أبي موسى (أنه صلى الله عليه وسلم أمر فأقام العشاء حين غاب الشفق) رواه مسلم.
•
متى ينتهي وقتها؟
اختلف العلماء في نهايته على قولين:
القول الأول: ينتهي إلى منتصف الليل.
وهذا مذهب أبي حنيفة ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
لحديث الباب (ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل) فهو نص صريح.
القول الثاني: أنه ينتهي بطلوع الفجر.
هذا مذهب الشافعية والحنابلة.
لحديث أبي قتادة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى
…
) رواه مسلم.
والراجح القول الأول.
•
ما الجواب عن حديث أبي قتادة؟
الجواب: أنه ليس فيه بيان أوقات الصلاة، ولا سيق من أجل ذلك، وإنما فيه بيان إثم من يؤخر الصلاة حتى يخرجها عن وقتها مطلقاً سواء كان يعقبها صلاة أخرى، مثل العصر مع المغرب، أو لا، مثل الصبح مع الظهر.
- فائدة الخلاف: لو طهرت حائض قبل الفجر، فعلى القول الراجح لا تصلي العشاء، وعلى القول الأول تصلي العشاء.
•
كيف معرفة منتصف الليل؟
من أجل معرفة نصف الليل: نحسب من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت صلاة العشاء.
•
ما وقت صلاة الصبح؟
يبدأ بطلوع الفجر الثاني.
وهذا بإجماع العلماء.
قال ابن قدامة: وجملته أن وقت الصبح بطلوع الفجر الثاني إجماعاً.
وقال النووي: وأجمعت الأمة على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وهو الفجر الثاني.
أ-لحديث الباب، حيث جاء في رواية (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَان).
ب- وفي حديث أبي موسى (أنه صلى الله عليه وسلم أقام الفجر حين انشق القمر) رواه مسلم.
ج- وفي حديث بريدة (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ، يَعْنِى الْيَوْمَيْنِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ،
…
الحديث وفيه: ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) رواه مسلم.
•
متى ينتهي وقتها؟
ينتهي وقتها بطلوع الشمس.
لحديث الباب (ووقت صلاة الصبح ما لم تطلع الشمس) رواه مسلم.
•
ما الحكمة من توقيت الصلوات ولم يجعلها الله في وقت واحد؟
الحكمة من وجوه:
- أنها إذا تفرقت في الزمن صار الإنسان دائماً مع الله لا يغفل.
- ومن الحكمة أيضاً ألا يتعب الإنسان.
- ومن الحكمة أيضاً قوة الصلة بالله عز وجل، لأن كثرة التردد توجب قوة الصلة. [الشيخ ابن عثيمين].
•
ما حكم من صلى قبل الوقت؟
من صلى قبل الوقت فصلاته باطلة بالإجماع.
قال تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً).
(كِتَاباً مَّوْقُوتاً) أي مفروضاً في وقته، فدل ذلك على فرضيتها وأن لها وقتاً لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:(صلوا كما رأيتموني أصلي). (تفسير السعدي)
•
ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟
حرام.
قال ابن قدامة: أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محددة.
قال في الموسوعة الفقهية اتفق الفقهاء على تحريم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر شرعي.
أ-قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً).
ب-وقَالَ تَعَالَى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا.
ج-وقَالَ تَعَالَى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: إضَاعَتُهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا كُفَّارًا.
قال الشيخ ابن عثيمين: وإذا كانت مفروضةً في وقت معيَّن فتأخيرُها عن وقتها حرامٌ. وكذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقَّتَ أوقاتَ الصَّلاة، وهذا يقتضي وجوبَ فعلها في وقتها.
وتأخيرها يشمَلُ تأخيرها بالكلِّيَّة؛ أو تأخيرَ بعضها، بحيث يؤخِّر الصَّلاة حتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ مقدارُ ركعةٍ صلَّى، فإنَّه حرامٌ عليه؛ لأنَّ الواجبَ أن تقع جميعُها في الوقت.
قال ابن تيمية: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلَ، وَلَا يُؤَخِّرَ صَلَاةَ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ لِشُغْلِ مِنْ الْأَشْغَالِ، لَا لِحَصْدِ وَلَا لِحَرْثِ وَلَا لِصَنَاعَةٍ وَلَا لِجَنَابَةِ. وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا صَيْدٍ وَلَا لَهْوٍ وَلَا لَعِبٍ وَلَا لِخِدْمَةِ أُسْتَاذٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ بَلْ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يَتْرُكَ ذَلِكَ لِصَنَاعَةٍ مِنْ الصِّنَاعَاتِ، وَلَا لِلَّهْوِ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْغَالِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَمْنَعَ مَمْلُوكَهُ، وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ الْأَجِيرَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا.
وقال رحمه الله: فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِجَنَابَةِ وَلَا حَدَثٍ وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَقَدْ عَدِمَ الْمَاءَ أَوْ خَافَ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إذَا عَدِمَ الْمَاءَ أَوْ خَافَ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضِ أَوْ لِبَرْدِ. وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ عُرْيَانَا، وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي ثِيَابِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُزِيلَهَا فَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ حَالِهِ. وَهَكَذَا الْمَرِيضُ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي الْوَقْتِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ:(صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) فَالْمَرِيضُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ قَاعِدًا أَوْ عَلَى جَنْبٍ، إذَا كَانَ الْقِيَامُ يَزِيدُ فِي مَرَضِهِ، وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَائِمًا. وَهَذَا كُلُّهُ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَرْضٌ، وَالْوَقْتُ أَوْكَدُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ. (مجموع الفتاوى: 22/ 30).
•
هل يستثنى من ذلك شيء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً.
مثاله: إنسان انشقَّ ثوبه فصار يخيطُه فحانَ خروجُ الوقت، فإن صَلَّى قبل أن يخيطَه صلَّى عُرْياناً، وإن انتظر حتَّى يخيطَه صلَّى مستتراً بعد الوقت، فهذا تحصيلُه قريب، فهنا يجوز أن يؤخِّرها عن وقتها، أمَّا إذا كان بعيداً فلا.
ومثله لو وصل إلى الماء عند غروب الشَّمس، فإن اشتغل باستخراجه غربتِ الشَّمسُ، فله أن يؤخِّرها عن وقتها، لأنَّه اشتغل بشرطٍ يُحصِّلُه قريباً، وهو استخراج الماء من البئر، وإن كان يحتاج إلى حفر البئر فلا يؤخِّرها، لأن هذا الشَّرطَ يُحصِّله بعيداً.
وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في المشهور، واختاره ابن قدامة.
أ- لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).
ب- أن الصلاة لا تصح إلا بشروطها ما دام قادراً عليها أو على بعضها، فمتى كان شرطاً مقدوراً عليه وجب الاشتغال بتحصيله.
القول الثاني: ب تقديم الوقت على الشرط، فيصلي الصلاة في وقتها ولو بالتيمم عارياً إذا لم يمكنه تحصيل الماء لطهارته، والثوب لستر عورته إلا بعد خروج الوقت.
وبهذا قال زفر، وبعض الحنفية، واختاره ابن تيمية.
أ- لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً).
ب- قوله صلى الله عليه وسلم (الصلاة ما بين هذين الوقتين).
وجه الدلالة: أن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت آكد فرائض الصلاة، فيجب على العبد أن يصلي في الوقت كما أمر بحسب الإمكان، فما قدر عليه من شروط الصلاة فعله، وما عجز عنه سقط عنه.
قال ابن تيمية:
…
إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد قَالُوا يَشْتَغِلُ بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي اشْتِغَالِهِ بِخِيَاطَةِ اللِّبَاسِ وَتَعَلُّمِ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ، بَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ.
•
لو استيقظ الإنسان من نومه قبل طلوع الشمس وهو جنب، فإن اغتسل طلعت الشمس، وإن تيمم صلى بالوقت، فما الحكم؟
قال ابن تيمية: وَإِذَا اسْتَيْقَظَ آخِرَ وَقْتِ الْفَجْرِ فَإِذَا اغْتَسَلَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هُنَا يَقُولُونَ: يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: بَلْ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا هُنَا وَيُصَلِّي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ خَيْرٌ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ بِالْغُسْلِ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
لِأَنَّ الْوَقْتَ فِي حَقِّ النَّائِمِ هُوَ مِنْ حِينِ يَسْتَيْقِظُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا)، فَالْوَقْتُ فِي حَقِّ النَّائِمِ هُوَ مِنْ حِينِ يَسْتَيْقِظُ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِسَالُ وَالصَّلَاةُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِهَا فَقَدْ صَلَّى الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُفَوِّتْهَا؛ بِخِلَافِ مَنْ اسْتَيْقَظَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْوَقْتَ فِي حَقِّهِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّتَ الصَّلَاةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَذَكَرَهَا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَهَذَا هُوَ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ. (مجموع الفتاوى: 22/ 36).
•
ما حكم من صلى بعد الوقت متعمداً؟
اختلف العلماء هل يقضي أم لا مع اتفاقهم على أنه آثم على قولين؟
القول الأول: أنه يقضيها.
وبه قال أكثر العلماء، منهم الأئمة الأربعة، وحكي إجماعاً ورده ابن رجب وابن القيم.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها).
قال النووي: فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة، سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر، وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب، لأنه إذا وجب القضاء على المعذور، فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
ب- قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) وقوله تعالى (وأقيموا الصلاة) وقوله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات افترضهن الله
…
).
وجه الدلالة: أن هذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على وجوب الصلاة، فلا يجوز إسقاطها إلا ببرهان نص أو إجماع.
ج- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أفطر بالجماع في رمضان عمداً أن يقضي يوماً مكانه (كما عند أبي داود) ويقاس عليه الصلاة، بجامع أن كلاً منهما أخّر عبادة عظيمة من أركان الإسلام عن وقتها المحدد عمداً، فإذا جاز القضاء لأحدهما جاز للآخر ولا فرق.
د- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، مما يدل على أن صلاتهم صحيحة مجزئة - مع إيقاعهم للصلاة في غير وقتها - وإن كانوا آثمين بالتأخير، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتالهم ما أقاموا الصلاة، فسمى صلاتهم صلاة.
القول الثاني: أنه لا يقضي.
وبه قال بعض السلف، وهو مذهب أهل الظاهر، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره الشيخ ابن عثيمين، ومال إليه ابن رجب وابن القيم.
أ- لقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).
ب- ولقوله تَعَالَى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
وجه الدلالة: أن تأخيرها عن وقتها من السهو عنها، وهو أيضاً من إضاعتها، فتوعد الله سبحانه من فوّت الصلاة عن وقتها بوعيد تاركها، ولو كان العامد لترك الصلاة مدركاً لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقي الغيّ، كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركاً لها.
ج- قوله صلى الله عليه وسلم (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري.
د- قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن تأخير الصلاة عن وقتها إحداث عمل ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مردوداً، وإذا ثبت أن هذه الصلاة مردودة فليست بصحيحة ولا مقبولة.
هـ- القياس على من صلاها قبل الوقت، إذ لا فرق بين من صلاها قبل الوقت وبين من صلاها بعده، فكلاهما صلى في غير الوقت، فكما لا تصح قبله لا تصح بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم (الصلاة ما بين هذين الوقتين)
154 -
وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيَ اَلْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ اَلْعِشَاءِ، وَكَانَ يَكْرَهُ اَلنَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ اَلْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ اَلرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى اَلْمِائَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
155 -
وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: (وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا: إِذَا رَآهُمْ اِجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ: كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَس).
156 -
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى (فَأَقَامَ اَلْفَجْرَ حِينَ اِنْشَقَّ اَلْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا).
157 -
وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي اَلْمَغْرِبَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
===
(إِلَى رَحْلِهِ) أي: مسكنه ومنزله.
(وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ): أي: بيضاء نقية حارة.
(وَكَانَ يَنْفَتِلُ) أي: ينصرف.
(مِنْ صَلَاةِ اَلْغَدَاةِ) أي: صلاة الفجر.
(فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا) أي: يسلم من صلاته.
(وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) أي: المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها. (قاله في الفتح).
•
ما حكم تعجيل صلاة العصر في أول وقتها؟
يستحب ذلك.
لحديث الباب (يُصَلِّيَ اَلْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ).
وأيضاً ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) متفق عليه. [قال الزهري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه].
•
ما الأفضل في صلاة العشاء التقديم أو التأخير؟
الأفضل التأخير، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة، ونسبه الترمذي لأكثر أهل العلم.
لحديث الباب (وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ اَلْعِشَاء).
ولحديث ابن عباس (أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل).
ولحديث زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل). رواه الترمذي.
لكن هذا مقيد بما لم يشق على الناس، ومقيد بحديث جابر (وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا: إِذَا رَآهُمْ اِجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ)، ولذلك الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء أنه يراعي اجتماع الناس فإذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا تأخر كما في حديث جابر وقد سبق.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ: إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي) رواه مسلم.
قوله [إنه لوقتها] أي: الفاضل، وقوله [حتى ذهب عامة الليل] أي: كثير الليل لا أكثره.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ (مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا نَدْرِى أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى) رواه مسلم.
وفي حديث ابن عباس (أن عمر قال: يا رسول الله رقد النساء والصبيان
…
).
•
ما السبب في أن تأخير العشاء أفضل؟
أولاً: أن فيه انتظاراً للصلاة، وفي الحديث (ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة).
ثانياً: أن تأخيرها يوافق سكون الناس وهذا أدعى إلى الخشوع.
•
ما الأفضل في صلاة المغرب التبكير أو التأخير؟
الأفضل فيها التبكير.
أ-لحديث سلَمة بن الأكوع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب) متفق عليه .... (قال النووي: اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى، وَأَحَدهمَا تَفْسِير لِلْآخَرِ).
ب-ولحديث الباب (كُنَّا نُصَلِّي اَلْمَغْرِبَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ).
قال النووي: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُبَكِّر بِهَا فِي أَوَّل وَقْتهَا بِمُجَرَّدِ غُرُوب الشَّمْس، حَتَّى نَنْصَرِف وَيَرْمِي أَحَدنَا النَّبْل عَنْ قَوْسه وَيُبْصِر موقعه لِبَقَاءِ الضَّوْء، وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمَغْرِب تُعَجَّل عَقِب غُرُوب الشَّمْس وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الشِّيعَة فِيهِ شَيْء لَا اِلْتِفَات إِلَيْهِ وَلَا أَصْل لَهُ. وَأَمَّا الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي تَأْخِير الْمَغْرِب إِلَى قَرِيب سُقُوط الشَّفَق فَكَانَتْ لِبَيَانِ جَوَاز التَّأْخِير، كَمَا سَبَقَ إِيضَاحه؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ جَوَاب سَائِل عَنْ الْوَقْت، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ إِخْبَار عَنْ عَادَة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْمُتَكَرِّرَة الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ فَالِاعْتِمَاد عَلَيْهَا. (شرح مسلم).
وقال في العمدة: معنى الحديث، أنه يبكّر بالمغرب في أول وقتها بمجرد غروب الشمس، حتى ينصرف أحدنا، ويرمى النبل عن قوسه، ويبصر موقعه لبقاء الضوء.
ج- وروى أحمد من طريق علي بن بلال، عن ناس من الأنصار، قالوا (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم نرجع فنترامى، حتى نأتي ديارنا، فما يخفى علينا مواقع سهامنا).
قال الحافظ ابن حجر: ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها، بحيث إن الفراغ منها يقع والضوء باق.
وقال ابن رجب بعد ذكره لعدة أحاديث في ذلك: وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي (لصلاة المغرب، ولهذا كانت تسمى صلاة البصر، كما خرجه الإمام أحمد من رواية أبي طريف الهذلي، قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء خبر أهل الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر، حتى لو أن رجلاً رمي لرأى موقع نبله) قال الإمام أحمد: صلاة البصر: هي صلاة المغرب.
•
ما حكم النوم قبل صلاة العشاء؟
يكره.
لحديث الباب (وَكَانَ يَكْرَهُ اَلنَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا).
قال النووي: قال العلماء: وسبب كراهية النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة.
•
ما حكم السهر والحديث بعد صلاة العشاء؟
يكره.
لحديث الباب (وَكَانَ يَكْرَهُ اَلنَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا).
قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها (نووي).
والسبب: أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف فيه غلبة النوم عن صلاة الفجر، أو قيام الليل، ولأن السهر بالليل سبب للكسل في النهار عما يتوجب من حقوق الوالدين من الطاعات ومصالح الدين.
•
هل يستثنى من ذلك شيء؟
يستثنى: ما فيه مصلحة وخير، فلا كراهة فيه، كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف، والعروس للتأنيس. [قاله النووي].
ولذلك بوب البخاري [باب السهر في الفقه والخير بعد العشاء].
ثم ذكر حديث ابن عمر قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتكم ليلتكم
…
).
وبوب أيضاً [باب السهر مع الضيف والأهل].
وذكر حديث أبي بكر مع أضيافه.
وقد روى الترمذي من حديث عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما).
•
ما المراد في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم (وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا)؟
المراد الحديث المباح، لأن المحرّم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء، بل هو حرام في الأوقات كلها.
•
ما السنة في صلاة الفجر التبكير أو الإسفار؟
السنة هو التبكير.
أ-لحديث الباب - حديث جابر - (كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَس).
ب-ولحديث الباب - حديث أبي موسى - (فَأَقَامَ اَلْفَجْرَ حِينَ اِنْشَقَّ اَلْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا).
ج-ولحديث عَائِشَة. قالت (لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَس) متفق عليه.
والغلس: قال النووي: هو بقايا ظلام الليل، قَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال.
وقال في سبل السلام: الغَلَس: ظلمة آخر الليل، كما في القاموس، وهو أول الفجر.
وقال الشيخ الفوزان: هو اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل مع غلبة الظلمة.
قال ابن قدامة: وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِك.
•
ما السنة في صلاة المغرب التبكير أو التأخير؟
السنة التبكير.
لحديث الباب - حديث رافع بن خديج - (كُنَّا نُصَلِّي اَلْمَغْرِبَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
•
ما المراد بقوله (وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى اَلْمِائَةِ)؟ هل في الركعتين أم في الركعة الواحدة؟
أي: في الركعتين.
قال ابن رجب والظاهر - والله أعلم -: أنه كانَ يقرأ بالستين إلى المائة في الركعتين كلتيهما؛ فإنه كانَ ينصرف حين يعرف الرجل جليسه، ولو كانَ يقرأ في كل ركعة بمائة آية لم ينصرف حتى يقارب طلوع الشمس. [فتح الباري].
158 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا اِشْتَدَّ اَلْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ اَلْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ): أي: أخروها حتى يبرد الجو، قال الخطابي: الإبراد: انكسار شدة حر الظهيرة، قال النووي: أَيْ أَخِّرُوهَا إِلَى الْبَرْد وَاطْلُبُوا الْبَرْد لَهَا.
(مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) جملة تعليلية لمشروعية التأخير المذكور، وفيح جهنم: أي من وهج حرها وسعة انتشارها.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
لحديث الباب (إِذَا اِشْتَدَّ اَلْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ اَلْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم).
•
ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستحب الإبراد، فما دليلهم، وما الجواب عنه؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستحب الإبراد، استدلالاً بالأدلة العامة التي تحث على التبكير.
وقالوا: عن حديث الباب: أن معناها: صلوها في أول وقتها، أخْذاً من برْد النهار، وهو أوله.
والجواب عن ذلك؟
أن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة، وحديث الإبراد خاص أو مقيد.
وقالوا.
وأما تأويلهم لحديث الباب على برْد النهار، فتأويل بعيد، قال الخطابي: ومن تأول الحديث على برد النهار، فقد خرج من جملة قول الأئمة.
وقال الحافظ ابن حجر: وهو تأويل بعيد، ويرده قوله (فإن شدة الحر من فيح جهنم) إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير، وحديث أبي ذر الآتي صريح في ذلك حيث قال: انتظر انتظر.
•
إلى متى يكون الإبراد؟
قال الشيخ ابن عثيمين: الإبراد لا يتحقق إلا إذا أُخّرتْ صلاة الظهر إلى قريب من صلاة العصر، لأنه حينئذ يحصل الإبراد، أما ما يفعله الناس من كونهم يبردون بها فيؤخّرونها بعد الأذان بنصف ساعة أو إلى ساعة أحياناً، فهذا ليس بإبراد.
•
ما المراد بالصلاة في قوله في الحديث (فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ)؟
المراد صلاة الظهر.
أ- لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالباً في أول وقتها.
ب-وقد ورد صريحاً في حديث أبي سعيد (أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري.
•
هل يشرع الإبراد في صلاة العصر؟
قال النووي: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاد إِنَّمَا يُشْرَع فِي الظُّهْر، وَلَا يُشْرَع فِي الْعَصْر عِنْد أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء إِلَّا أَشْهَب الْمَالِكِيّ، وَلَا يُشْرَع فِي صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد الْجُمْهُور. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يُشْرَع فِيهَا.
وقال الحافظ ابن حجر: ولم يقل أحد به في المغرب، ولا في الصبح، لضيق وقتهما.
•
ما معنى: شدة الحرّ من فيح جهنم؟
فقيل: أن في الكلام تشبيهاً، والمعنى أن شدة الحر تشبه نار جهنم، وهذا ضعيف.
وقيل أن الشمس هي شعلة من النار أخرجها الله منها شرارة ثم استقرت في المكان الذي هي فيه لمصلحة العباد.
وقيل: إن لشدة الحر سببين: سبب شرعي: فهو من حر جهنم، وسبب طبيعي: من الشمس.
وهذا هو الصحيح وأنه على ظاهره.
ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) متفق عليه.
والمراد بالزمهرير: شدة البرد، واستشكل وجوده في النار، ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار: محلها، وفيها طبقة زمهريرية. (فتح الباري).
فائدة:
قوله في الحديث السابق (اِشْتَكَتْ النَّار إِلَى رَبّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَس فِي الشِّتَاء وَنَفَس فِي الصَّيْف) هل كان كلام النار، وشكوتها، بلسان المقال أم بلسان الحال؟
أكثر العلماء - وهو الصواب بلا ريب - على أنه كان بلسان المقال.
قال النووي: هو الصواب، لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: وأما قوله في هذا الحديث (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضاً .... الحديث) فإن قوماً حملوه على الحقيقة، وأنها أنطقها الذي أنطق كل شيء.
واحتجوا بقول الله عز وجل (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم)، وبقوله:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)، وبقوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ)، أي: سبِّحي معه، وقال (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ)، وبقوله (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)، وما كان من مثل هذا، وهو في القرآن كثير، حملوا ذلك كله على الحقيقة، لا على المجاز، وكذلك قالوا في قوله عز وجل (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)، و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)، وما كان مثل هذا كله.
وقال آخرون في قوله عز وجل: (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ): هذا تعظيم لشأنها، ومثل ذلك قوله عز وجل:(جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، فأضاف إليه الإرادة مجازاً، وجعلوا ذلك من باب المجاز، والتمثيل في كل ما تقدم ذكره، على معنى أن هذه الأشياء لو كانت مما تنطق، أو تعقل: لكان هذا نطقها وفعلها.
فمَن حمل قول النار وشكواها على هذا: احتج بما وصفنا، ومن حمل ذلك على الحقيقة: قال: جائز أن يُنطقها الله، كما تنطق الأيدي، والجلود، والأرجل يوم القيامة، وهو الظاهر من قول الله عز وجل:(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)، ومن قوله:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)، و (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، وقال: قوله عز وجل: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ): أي: تتقطع عليهم غيظاً، كما تقول: فلان يتقد عليك غيظاً، وقال عز وجل:(إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)، فأضاف إليها الرؤية، والتغيظ، إضافة حقيقية، وكذلك كل ما في القرآن من مثل ذلك.
ومن هذا الباب عندهم قوله: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ)، و (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً)، و (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، قالوا: وجائز أن تكون للجلود إرادة لا تشبه إرادتنا، كما للجمادات تسبيح وليس كتسبيحنا، وللجبال، والشجر سجود وليس كسجودنا.
والاحتجاج لكلا القولين يطول، وليس هذا موضع ذِكره، وحمْل كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة: أولى بذوي الدِّين، والحق؛ لأنه يقص الحق، وقوله الحق، تبارك وتعالى علوّاً كبيراً. (التمهيد).
وقال الزرقاني رحمه الله (أن النار اشتكت إلى ربها) حقيقة، بلسان المقال، كما رجحه من فحول الرجال: ابن عبد البر، وعياض، والقرطبي، والنووي، وابن المنير، والتوربشتي، ولا مانع منه سوى ما يخطر للواهم من الخيال.
•
ما الحكمة من الإبراد في شدة الحر؟
قال ابن رجب في شرح البخاري: اختلف في السبب الذي من أجله أمر بالإبراد:
فمنهم من قال: هو حصول الخشوع فيها، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة.
ومنهم من قال: هو خشية المشقة على من بَعُدَ من المسجد بمشيه في الحرّ.
ومنهم من قال: هو وقت تنفس جهنم، فلا فرق بين من يصلي وحده أو جماعة.
ورجح الحافظ ابن حجر: أن الحكمة دفع المشقة، لكونها قد تسلب الخشوع.
•
ما الجمع بين حديث الإبراد حديث جابر (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة)؟
أجيب عنه بأجوبة لعل من أظهرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها أولاً بالهاجرة ثم أمر بالإبراد بعد ذلك، وهذا جواب الإمام أحمد، فإنه قال (هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة قال (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم).
•
ما الجواب عن حديث خباب قال (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا، أي لم يعذرنا ولم يزل شكوانا). رواه مسلم
الجواب عليه:
قيل: إنه منسوخ، وهذا ذهب إليه الأثرم والطحاوي.
واستدل له الطحاوي بحديث المغيرة بن شعبة قال (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة، ثم قال لنا أبردوا بالصلاة الحديث) وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان. ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الفتح).
ومما يدل على النسخ حديث المغيرة: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد.
وقيل: إن قوله (فلم يشكنا) أي فلم يحوجنا إلى شكوى بل أذن لنا في الإبراد.
وقيل: إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيراً زائداً على وقت الإبراد.
وقيل: إن الإبراد أفضل، وحديث خباب يدل على الجواز.
159 -
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّان.
===
(أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ) هذا لفظ أبي داود، وعند الترمذي (أسفروا بالفجر). والمراد بالصبح: الصلاة، والإصباح: الدخول في الصبح.
(فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ) تعليل لما قبله، وهو أن التيقن من الإسفار أعظم للأجر، لأن الصلاة إذا أديتْ بيقين كان أعظم للأجر من أن تصلى على غير يقين من طلوع الفجر (وهذا أحد معاني الحديث كما سيأتي).
•
تقدم بعض الأدلة أن الأفضل في صلاة الصبح التغليس، اذكر بعض هذه الأدلة؟
أ-لحديث جابر (كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَس) متفق عليه.
ب-ولحديث أبي موسى (فَأَقَامَ اَلْفَجْرَ حِينَ اِنْشَقَّ اَلْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا).
ج-ولحديث عَائِشَة. قالت (لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَس) متفق عليه.
والغلس: قال النووي: هو بقايا ظلام الليل، قَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال.
وقال في سبل السلام: الغَلَس: ظلمة آخر الليل، كما في القاموس، وهو أول الفجر.
وقال الشيخ الفوزان: هو اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل مع غلبة الظلمة.
قال ابن قدامة: وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِك.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُغَلِّسُونَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ، وَيَأْتُوا الدُّونَ، وَهُمْ النِّهَايَةُ فِي إتْيَانِ الْفَضَائِلِ. (المغني).
وقال النووي: وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد.
•
ما الجواب عن حديث الباب، الذي ظاهره يدل على استحباب الإسفار؟
ذهب بعض العلماء إلى القول بظاهر حديث الباب، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي.
وأجيب عنه بأجوبة:
الجواب الأول: أنه محمول على أن المراد بذلك تحقق طلوع الفجر، وهذا حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق، واختاره الشيخ ابن باز.
قال الترمذي في جامعه: وقال الشافعي أحمد وإسحاق: معنى الإسفار: أن يضح الفجر فلا يُشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة.
وقال ابن قدامة: فَأَمَّا الْإِسْفَارُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِهِمْ، فَالْمُرَادُ بِهِ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَيَنْكَشِفَ يَقِينًا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَسْفَرَتْ الْمَرْأَةُ، إذَا كَشَفَتْ وَجْهَهَا.
وقال الشيخ ابن باز: وإنما معناه عند جمهور أهل العلم: تأخير صلاة الفجر إلى أن يتضح الفجر، ثم تؤدى قبل زوال الغلس، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤديها.
الجواب الثاني: أن المراد تطويل القراءة حتى يخرج من الصلاة مسفراً.
وهذا قول الطحاوي.
وهذا رده الشوكاني، فقال: وهذا خلاف قول عائشة، لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهُنَّ لا يعرفن من الغلس ولو قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جداً.
الجواب الثالث: أنه شاذ، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المستفيضة المشهورة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس.
قال ابن تيمية (أسفروا بالصبح) وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لَمْ يُقَاوِمْهَا، لِأَنَّ تِلْكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَالْخَبَرُ الْوَاحِدُ إذَا خَالَفَ الْمَشْهُورَ الْمُسْتَفِيضَ كَانَ شَاذًّا.
الجواب الرابع: أنه منسوخ.
ويؤيده حديث أبي مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم غلّس بالصبح، ثم أسفر، ثم لم يَعُد إلى الإسفار حتى مات). رواه أبو داود.
قال ابن تيمية: وَقَدْ يَكُونُ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ التَّغْلِيسَ هُوَ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ. (مجموع الفتاوى: 22)
160 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ اَلصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلِ أَنْ تَطْلُعَ اَلشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ اَلصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ اَلْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ اَلشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ اَلْعَصْرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
161 -
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَقَالَ:"سَجْدَةً" بَدَلَ "رَكْعَةً". ثُمَّ قَالَ: وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِيَ اَلرَّكْعَة.
===
(مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ اَلْعَصْرِ سجدة) أي: ركعة، كما جاء مفسراً، فالسجدة تطلق ويراد بها الركعة بركوعها وسجودها، وقد ورد في نصوص الشرع هذا الإطلاق، ففي حديث ابن عمر قال (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر
…
) أي: ركعتين.
•
بما يدرك الوقت؟
يدرك الوقت بإدراك ركعة قبل خروج الوقت.
أ-لحديث الباب (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ اَلصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلِ أَنْ تَطْلُعَ اَلشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ اَلصُّبْحَ
…
) وتكون الصلاة أداء.
ب-ومما يدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه.
ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة ثم طلعت عليه الشمس أو غربت أنه لا يكون مدركاً للوقت.
وهذا قول الشافعي واختار ذلك ابن تيمية.
- وحديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) نص في جميع الإدراكات، سواء إدراك وقت، أو إدراك جماعة.
•
اذكر القول الثاني في المسألة؟
هو أن إدراك الوقت يحصل بإدراك تكبيرة الإحرام (هذا المشهور من مذهب الحنابلة).
قالوا: لأن من أدرك تكبيرة الإحرام أدرك جزءاً من الوقت، وإدراك الجزء كإدراك الكل، لأن الصلاة لا تتبعض.
والصحيح القول الأول.
قال ابن تيمية: إن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئاً من الأحكام لا في الوقت ولا في الجمعة ولا الجماعة ولا غيرها، فهو وصف ملغي في نظر الشارع فلا يجوز اعتباره، وإنما علق الشارع الأحكام بإدراك ركعة.
•
هل حديث الباب (من أدرك من العصر
…
) خاص بصلاتي العصر والفجر؟
لا، ليس خاصاً بصلاتي الفجر والعصر، بل ذكر للمثال، فإدراك ركعة من الصلاة (أي صلاة) يعتبر مدركاً للصلاة، لما ثبت عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة). وهو أعم من حديث الباب.
•
ما حكم من زال عقله بإغماء؟ هل يقضي أم لا؟ [مثال: أغمي عليه أسبوعاً كاملاً].
اختلف العلماء في ذلك:
القول الأول: يجب عليه قضاء الصلاة.
وهذا المذهب، واستدلوا:
أ-عن عمار بن ياسر (أنه أغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق في بعض الليل فقضاهن). رواه عبد الرزاق
ب-قياساً على النوم.
القول الثاني: لا يجب عليه القضاء.
وهذا مذهب مالك والشافعي.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا المغمى عليه جميع الوقت لم يدرك ركعة من الصلاة.
وهذا القول هو الصحيح، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
وقياس المغمى على النائم قياس غير صحيح، لأن النائم ينام باختياره، ويمكن أن يوقظ، لكن المغمى عليه لا يمكن أن يوقظ لأنه لا يشعر، فهو شبيه بالمجنون، وهناك من تطول مدة إغمائه وخاصة في هذا العصر.
القول الثالث: إن أغمي خمس صلوات قضاها، وإن زادت سقط فرض القضاء في الكل.
وهذا قول أبي حنيفة.
• فائدة: اعلم أن الخلاف في المغمى عليه فقط، أما غيره:
- فالمجنون لو عقل بعد خروج الوقت لا يلزمه القضاء بلا خلاف.
- الصبي إذا بلغ بعد خروج الوقت لا يلزمه القضاء إجماعاً.
- الكافر إذا خرج وقت الصلاة ولم يصلِّ، ثم أسلم بعد خروج وقت الصلاة، فإنه لا يلزمه القضاء بلا خلاف.
•
ما الحكم إذا زال العذر في آخر الوقت؟ [مثال: كامرأة تطهر من الحيض في آخر الوقت].
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن من أدرك قدر تكبيرة الإحرام قضى الصلاة.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
وعلى هذا القول لو طهرت الحائض قبل غروب الشمس بدقيقة فإنها تقضي.
واستدلوا بحديث الباب - عائشة - (من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها) رواه مسلم.
قالوا: الحديث صريح على أن من أدرك من الصلاة جزءاً يسيراً - كسجدة ونحوها - فقد أدركها، فكذلك من أدرك منها تكبيرة الإحرام، فإنه تلزمه لأنه أدرك وقتها.
القول الثاني: إن أدركت من الصلاة قدر ركعة قبل خروج الوقت فإنه يلزمها.
وهذا مذهب المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
لحديث الباب (من أدرك من العصر
…
).
ولحديث (من أدرك ركعة من الصلاة
…
).
وجه الدلالة: أن مفهوم الحديثين يدل على أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة، وهذا عام يشمل إدراك الوقت والجماعة والجمعة، فمن طرأ عليه التكليف قبل خروج الوقت بركعة فقد أدرك الصلاة فتلزمه وإلا فلا.
وهذا الصحيح.
وأما دليل القول الأول، فالجواب عنه: أن المراد بالسجدة هنا الركعة، فقد جاء في آخر حديث عائشة (والسجدة إنما هي الركعة).
•
ما الحكم لو طرأ العذر على المكلف بعد دخول الوقت فهل عليه قضاء الصلاة التي أدرك جزءاً من وقتها بعد زوال المانع؟
[امرأة طاهرة، بعد دخول الوقت حاضت][إنسان عاقل بعد أن دخل عليه وقت الصلاة جُنّ، واستمر إلى أن خرج الوقت].
اختلف العلماء في المسألة على أقوال؟
القول الأول: إن أدرك ولو قدر تكبيرة الإحرام قبل أن يطرأ العذر وجبت الصلاة في ذمته.
وهذا المذهب. تعليلهم:
- أنه أدرك جزءاً من الصلاة، والصلاة لا تتجزأ، فيكون كما لو كان أدركها كاملة.
- وقالوا: إن الصلاة وجبت بدخول وقتها، والأصل عدم سقوطها فيجب عليه القضاء.
القول الثاني: إن أدرك من الصلاة ركعة قضى.
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه.
القول الثالث: لا يلزمه القضاء إلا إذا بقي من وقت الصلاة بمقدار فعل الصلاة، حينئذٍ يلزم القضاء.
وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قالوا: إن الإنسان له أن يؤخر هذه الصلاة، فإذا طرأ المانع فقد طرأ عليه في وقت يجوز له تأخيرها إليه، وهو غير مفرط ولا معتدي، بل فاعل ما يجب عليه، ولأن هذا يقع كثيراً في حيض النساء، ولم ينقل أن المرأة إذا حاضت في أثناء الوقت ألزمت بقضاء الصلاة التي حاضت في أثناء وقتها، والأصل براءة الذمة.
والقول الثاني أصح، وهو أحوط واختاره الشيخ ابن عثيمين.
162 -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ اَلشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ اَلشَّمْسُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ اَلْفَجْرِ).
163 -
ولَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ اَلشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ اَلظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ اَلشَّمْسُ، وَحِينَ تَتَضَيَّفُ اَلشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ).
164 -
وَالْحُكْمُ اَلثَّانِي عِنْدَ "اَلشَّافِعِيِّ" مِنْ: حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَزَادَ: (إِلَّا يَوْمَ اَلْجُمْعَةِ).
165 -
وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ نَحْوُه.
===
(لَا صَلَاةَ) هذا نفي، وهذا النفي نفي للصحة. أي: لا صلاة صحيحة.
(بَعْدَ اَلصُّبْحِ) بينت رواية مسلم التي ذكرها الحافظ أن المراد (بعد صلاة الصبح).
(وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ اَلظَّهِيرَةِ) المراد به: قيام الشمس وقت الزوال، والشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول، فيخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهي سائرة.
(وَحِينَ تَتَضَيَّفُ اَلشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ) أي: تميل للغروب.
(وَالْحُكْمُ اَلثَّانِي عِنْدَ اَلشَّافِعِي) أي: وهو النهي عن الصلاة وقت الزوال، عند الشافعي في مسنده وسيأتي نصه بالشرح إن شاء الله.
•
اذكر الدليل على أن الأصل أن صلاة التطوع مشروعة دائماً؟
الأصل أن صلاة التطوع مشروعة في كل وقت.
أ-لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ب-وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سل. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم.
•
اذكر أوقات النهي عن الصلاة؟
أوقات النهي ثلاثة بالاختصار وخمسة بالبسط وهي:
أولاً: من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها إلى ارتفاعها.
الثاني: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، ومن غروبها إلى أن يتم.
الثالث: إذا قامت الشمس في وسط السماء.
وقد دلت الأحاديث التي ذكرها المصنف على هذه الأوقات.
وحديث عقبة دل على الأوقات القصيرة (ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها. ومن غروب الشمس إلى أن يتم. وإذا قامت الشمس في وسط السماء).
•
اذكر الأدلة على النهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
أ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ اَلشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ اَلشَّمْسُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَفْظُ مُسْلِم (لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمس).
ب- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ أَحَبَّهُمْ إِلَيَّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْس). متفق عليه
ج-وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْس). متفق عليه
د- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَىْ شَيْطَان). متفق عليه
هـ- وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ اَلشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ اَلظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ اَلشَّمْسُ، وَحِينَ تَتَضَيَّفُ اَلشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ). رواه مسلم
ففي هذه الأحاديث عن صلاة التطوع في هذه الأوقات، وهذا قول جماهير العلماء.
وقال بعض العلماء بالجواز، قال الحافظ: وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم. قالوا: أن أحاديث النهي منسوخة، والراجح قول الجمهور.
•
متى يبدأ النهي، هل يبدأ بعد دخول الوقت أو بعد الصلاة؟
أما العصر فيبدأ بعد الصلاة بلا خلاف.
لحديث أبي سعيد (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس).
قال ابن قدامة: والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره، ومن صلى العصر فليس له التنفل، وإن لم يصل أحد سواه، لا نعلم في هذا خلافاً عند من يمنع الصلاة بعد العصر.
وأما الفجر فقد اختلف العلماء:
القول الأول: أن النهي يبدأ بطلوع الفجر.
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
لحديث الباب (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين
…
).
القول الثاني: أن النهي يبدأ بعد صلاة الفجر.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لما في صحيح مسلم - كما ذكره المصنف - تعليق الحكم بنفس الصلاة (لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس).
ب-وعن عمر بن عبَسَةَ السلمي أنه قال: (قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر فصلّ ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح).
فهذا نص في أنه يصلي في آخر الليل إلى أن يصلي الفجر.
وهذا القول هو الصحيح لكن بين الأذان والإقامة لا يشرع سوى ركعتي الفجر.
•
ما الحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
قال ابن القيم:
…
وكان من حكمة ذلك أنها وقت سجود المشركين للشمس، وكان النهي عن الصلاة لله في ذلك الوقت سداً للذريعة المشاركة الظاهرة ".
عن عمرو بن عبسة قال: (قلت: يا نبي الله أخبرني عن الصلاة؟ قال: صلّ صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار
…
). رواه مسلم
قوله (فإنها تطلع بين قرني شيطان) قال النووي: قيل المراد بقرني الشيطان: حزبه وأتباعه، وقيل: غلبة أتباعه وانتشار فساده، وقيل: القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره، وقال: وهذا الأقوى، ومعناه: أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذٍ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر.
•
هل هناك صلوات مستثناة تفعل في هذه الأوقات؟
نعم، هناك صلوات مستثناة.
أولاً: الفرائض.
كأن ينسى الإنسان الصلاة الفريضة ويتذكرها وقت النهي، فإنه يجب أن يصليها.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). متفق عليه
ب-ولأن الفرائض من أوجب الواجبات، وهي دين فوجب أداؤه على الفور من حين أن يعلم به.
قال ابن عبد البر: وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر - صلاها أبداً متى ذكرها.
ثانياً: إعادة الجماعة.
بحيث إذا أتى مسجد جماعة ووجدهم يصلون وقد صلى، يستحب له أن يصلي معهم ولو كان وقت نهي.
لحديث يَزِيدَ بْن الأَسْوَد (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِئَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَة) رواه أبو داود.
ثالثاً: صلاة الجنازة،
تفعل في أوقات النهي الطويلة (يعني إذا لم يكن عند الطلوع وعند الغروب).
قال ابن قدامة: أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَمِيلَ لِلْغُرُوبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَلَا يَجُوزُ. (المغني).
رابعاً: ركعتا الطواف.
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) رواه الترمذي.
قال ابن قدامة: (وَيَرْكَعُ لِلطَّوَافِ) يَعْنِي فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَمِمَّنْ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَفَعَلَهُ عُرْوَةُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ.
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَابِعَةٌ لَهُ، فَإِذَا أُبِيحَ الْمَتْبُوعُ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ التَّبَعُ، وَحَدِيثُهُمْ مَخْصُوصٌ بِالْفَوَائِتِ، وَحَدِيثُنَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، فَيَكُونُ أَوْلَى. (المغني).
•
ما حكم فعل الصلوات ذات في أوقات النهي؟
اختلف العلماء في الصلوات ذات السبب (كتحية المسجد، وصلاة الاستخارة، والكسوف) هل تفعل في وقت النهي أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز التطوع مطلقاً في أوقات النهي.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
أ-لعموم الأدلة (لا صلاة بعد الصبح
…
).
ب-وحديث عقبة بن عامر (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ اَلشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ
…
).
ففي هذه الحديث النهي عام عن جميع الصلوات، فتدخل ذوات الأسباب في هذا العموم.
القول الثاني: يجوز في أوقات النهي فعل ماله سبب، كتحية المسجد.
وهذا مذهب الشافعي، ورجحه كثير من المحققين كابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن عثيمين وابن باز.
أ- لحديث أنس. قال: قال صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه.
وجه الدلالة: أن الحديث دليل على جواز قضاء الصلاة المنسية أو الفائتة في أي وقت من الأوقات، ومنه يعلم أن المراد بالصلاة المنهي عن أدائها في أوقات النهي إنما هي التطوع المطلق دون ماله سبب كما في الصلاة المقضية.
ب-حديث أبي قتادة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق عليه
وجه الدلالة: أن الأمر بصلاة تحية المسجد عام فيشمل جميع الأوقات بما فيها أوقات النهي، ومنه يستفاد أن ذوات الأسباب غير داخلة في عموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي.
ج-لحديث بلال. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك أمامي في الجنة؟ فقال بلال: ما عملت في الإسلام عملاً أرجى عندي من أني أتطهر طهوراً من ليل أو نهار إلا صليت بهذا الطهور ما شاء الله). متفق عليه
فدل على أنه يصلي ركعتي الوضوء في أي وقت، ولم ينكر عليه.
د- عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها). رواه مسلم
وجه الاستدلال: أن النهي جاء عن تحري الصلاة، والتحري هو التعمد وقصد الصلاة في هذا الوقت، وهذا لا يكون إلا في التطوع المطلق، وأما ماله سبب فلم يتحره المصلي بل فعله لأجل سببه، وهذا اللفظ المقيد في هذا الحديث يفسر سائر الألفاظ، ولو كان النهي عن النوعين لم يكن لتخصيص التحري فائدة، وكان الحكم قد علق بوصف عديم التأثير. (مجموع الفتاوى: 23/ 211)
هـ-أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات السبب خاصة، والخاص مقدم على العام.
و-أن الصلوات ذات السبب مقرونة بسبب فيبعد أن يقع فيها الاشتباه في مشابهة المشركين، لأن النهي عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لئلا يتشبه المصلي المسلم بالمشركين، فإذا كانت الصلاة لها سبب معلوم، كانت المشابهة بعيدة.
ك-استدلوا بالإجماع على جواز الصلاة على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا لم يكن عند الطلوع وعند الغروب (وقد نقل الإجماع: الشافعي، وابن المنذر، والنووي، وابن قدامة).
وهذا القول هو الصحيح.
•
هل هناك وقت نهي قبل الزوال يوم الجمعة أم لا؟
اختلف العلماء: على قولين:
القول الأول: أن وقت الزوال وقت نهي إلا يوم الجمعة فتجوز الصلاة فيه.
وهذا مذهب الشافعي، ورجحه ابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن باز.
أ-لحديث أبي قتادة - الذي ذكره المصنف -عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة) رواه أبو داود، وهو حديث ضعيف، فيه ليث بن أبي سليم، وفيه انقطاع.
ب-ولحديث أبي هريرة - الذي ذكره المصنف (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة) رواه الشافعي، وهو حديث ضعيف لا يصح.
ج-ولحديث سَلْمَان الْفَارِسِي قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى).
وجه الدلالة: فقوله (ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ
…
) يدل على استمرار الصلاة إلى الزوال.
قال ابن القيم: فَنَدَبَهُ إلَى الصّلَاةِ مَا كُتِبَ لَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ عَنْهَا إلّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رضي الله عنه وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: خُرُوجُ الْإِمَامِ يَمْنَعُ الصّلَاةَ وَخُطْبَتُهُ تَمْنَعُ الْكَلَامَ، فَجَعَلُوا الْمَانِعَ مِنْ الصّلَاةِ خُرُوجَ الْإِمَامِ لَا انْتِصَافَ النّهَارِ. (زاد المعاد).
د- وَأَيْضًا: فَإِنّ النّاسَ يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ السّقُوفِ وَلَا يَشْعُرُونَ بِوَقْتِ الزّوَالِ وَالرّجُلُ يَكُونُ مُتَشَاغِلًا بِالصّلَاةِ لَا يَدْرِي بِوَقْتِ الزّوَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَيَنْظُرَ إلَى الشّمْسِ وَيَرْجِعُ وَلَا يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ.
هـ- بعض العلماء استدل بأن الأحاديث الواردة في الباب والتي فيها استثناء يوم الجمعة وإن كان فيها مقال، لكن باجتماعها يقوي بعضها بعضاً كما قال البيهقي ومن بعده الحافظ ابن حجر والشيخ ابن باز.
قال الحافظ ابن حجر في حديث أبي قتادة السابق: وفي إسناده انقطاع، وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة، إذا ضمت قوي الخبر.
القول الثاني: أن وقت الزوال وقت نهي مطلقاً يوم الجمعة كغيره.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، وعزاه ابن حجر للجمهور.
أ-لحديث عُقْبَة بْن عَامِر قال (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ اَلشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ اَلظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ اَلشَّمْسُ
…
).
ب- وَلحديث عمرو بن عَبَسة قال (قلت يا رسول الله! أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ
ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّىَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) رواه مسلم.
وجه الدلالة من الحديثين: أن وقت الزوال معدود في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، ولم يفرق بين يوم وآخر.
وهذا القول هو الصحيح.
•
هل تصلى صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
اختلف العلماء في صلاة الاستخارة هل تعتبر من ذوات الأسباب أم لا؟
والصواب في هذا: أن الاستخارة إذا كانت لأمر يفوت بحيث لا يمكن من تأجيل الصلاة فإنها تصلى في وقت النهي، كما لو عرض له السفر بعد صلاة العصر، وأما إن كانت لأمر لا يفوت بحيث يمكن تأجيل الصلاة إلى ما بعد انتهاء وقت النهي فإنها لا تصلى في وقت النهي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى"(5/ 345):
وتقضى السنن الراتبة، ويفعل ما له سبب في أوقات النهي، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار جماعة من أصحابنا وغيرهم، ويصلي صلاة الاستخارة وقت النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة
ويستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء ولو كان وقت النهي، وقاله الشافعية " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يصلي الإنسان صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
فأجاب: صلاة الاستخارة إن كانت لأمر مستعجل لا يتأخر حتى يزول النهي فإنها تفعل، وإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر فإنه يجب أن تؤخر .... (فتاوى ابن عثيمين: 14/ 275).
فائدة: عن سعيد بن المسيب (أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة، قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة) رواه الدارقطني.
فائدة: 1:
قال ابن قدامة: فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّطَوُّعِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُمْنَعُ فِيهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، إلَّا بِمَكَّةَ يَقُولُ: قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلَنَا عُمُومُ النَّهْيِ، وَأَنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، فَاسْتَوَتْ فِيهِ مَكَّةُ وَغَيْرُهَا، كَالْحَيْضِ، وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَيَخْتَصُّ بِهِمَا، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ ضَعِيفٌ، يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.
فائدة: 2:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: نعم، يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي؛ لأنه من ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي.
166 -
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا اَلْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أوْ نَهَارٍ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّان.
===
(يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ) هو عبد مناف بن قُصي، الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا رؤساء مكة وفيهم السدانة والحجابة، ولهذا خصهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخطاب.
•
ما المراد بالصلاة في قوله ( .. وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ ليل
…
)؟
المراد بها سنة الطواف، وهذا قول الأكثر.
يؤيد ذلك: رواية أبي داود (لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت ويصلي أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار).
•
اذكر القول الثاني في المسألة؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه تجوز الصلاة في مكة في جميع أوقات النهي، وأن مكة مستثناة.
وهذا المشهور من مذهب الشافعية لقوله (وصلى) لفظ مطلق، فيحمل على عموم الصلاة.
لكن هذا القول ضعيف، لعموم أحاديث النهي فهي تشمل مكة وغيرها، وإنما يستثنى فقط سنة الطواف.
قال ابن قدامة: فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّطَوُّعِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُمْنَعُ فِيهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، إلَّا بِمَكَّةَ يَقُولُ: قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلَنَا عُمُومُ النَّهْيِ، وَأَنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، فَاسْتَوَتْ فِيهِ مَكَّةُ وَغَيْرُهَا، كَالْحَيْضِ، وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَيَخْتَصُّ بِهِمَا، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ ضَعِيفٌ، يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.
•
هل سنة الطواف تفعل في أوقات النهي؟
نعم، فهي مستثناة لحديث الباب، فهي من ذوات السبب.
وعليه: فلو أن شخصاً طاف بعد الفجر أو بعد العصر، فلا حرج عليه أن يصلي سنة الطواف بعد طوافه.
وهذا المسألة فيها أقوال:
القول الأول: أنه يجوز أداؤهما في جميع الأوقات بلا كراهة، ولو كان وقت طلوع الشمس أو غروبها.
وإلى هذا ذهب: الشافعي، وأحمد في المشهور.
أ- لحديث الباب.
وجه الاستدلال منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من ولي الحرم ألا يمنع أحدا من الطواف والصلاة به أية ساعة من ليل أو نهار، فدل ذلك على جواز الطواف والصلاة في جميع الأوقات، ولو كانت أوقات نهي.
ب- آثار عن الصحابة أنهم كانوا يطوفون بعد الصبح والعصر، وكانوا يصلون بعد فراغهم من الطواف، فدل ذلك عل عدم كراهتها.
ج-وقالوا: إن ركعتي الطواف تابعة للطواف، وإذا أبيح المتبوع، فينبغي أن يباح التبع.
القول الثاني: يندب له أن يؤخر الصلاة إلى أن ينقضي وقت الكراهة.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومالك والثوري.
أ-استدلوا بعموم أحاديث النهي عن الصلوات في الأوقات الخمسة، وقالوا: إن النهي شامل لصلاة ركعتي الطواف.
ب- وبما رواه مالك وغيره (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف بعد الصبح، فلما قضى طوافه، نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى، فصلى ركعتين).
ج-بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يؤخرون الصلاة إلى انقضاء وقت الكراهة.
وجه الاستدلال منها: أن امتناع الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة بعد الطواف، دليل على كراهة الصلاة في أوقات النهي، واستحباب تأخيرها إلى زوال وقت الكراهة.
القول الثالث: أنه يكره أداؤهما بعد الصبح والعصر، ولا يجوز فعلهما في غيرهما من الأوقات الخمسة وهي (وقت الطلوع، والغروب، وعند قيام قائم الظهيرة)، فإن صلاها لم تنعقد صلاته.
وإلى هذا ذهب: أحمد في رواية، والأحناف في قول.
أ- لحديث عقية - وقد تقدم - (ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). رواه مسلم
وجه الاستدلال منه: أن هذه الأوقات الثلاثة النهي عن الصلاة فيها أشد وآكد، ولذا فإنه ينهى عن الصلاة على الجنائز فيها، بخلاف الوقتين الآخرين، وهما: بعد الصبح وبعد العصر، فدل ذلك على عدم جواز صلاة ركعتي الطواف فيهما.
ب- واستدلوا بأحاديث النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس
ووجه استدلالهم منها:
قالوا: إن النهي عن الصلاة في تلك الأوقات، دليل على كراهية الصلاة فيها، إلا أنه قد دلت الأدلة على جواز أداء غير النوافل المطلقة فيها، كصلاة الجنازة، وقضاء الراتبة، بخلاف الأوقات الثلاثة الأخرى، فدل ذلك على كراهة صلاة ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة، وجوازها في الوقتين الآخرين.
ج-قالوا: يمكن بهذا القول الجمع بين كثير من الآثار المتعارضة عن الصحابة في ذلك، وذلك بأن تحمل الآثار الدالة على الجواز بأن الطواف والصلاة كانا بعد الفجر أو بعد العصر، وتحمل الآثار الدالة على الطواف دون الصلاة أو على الامتناع عنهما، أن ذلك كان وقت الطلوع أو الغروب.
والراجح القول الأول.
167 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ (عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اَلشَّفَقُ اَلْحُمْرَةُ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقْفَه.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
لا يصح مرفوعاً، بل هو موقوف على ابن عمر، قال البيهقي: الصحيح الموقوف.
•
سبق أن وقت المغرب ينتهي بمغيب الشفق، فما المراد بالشفق؟
المراد بالشفق الحمرة. (وهو نهاية وقت المغرب).
وهذا قول الجمهور.
قال ابن قدامة: لَا خِلَافَ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ مَا هُوَ؟ فَمَذْهَبُ إمَامِنَا، رحمه الله، أَنَّ الشَّفَقَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَيَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ، هُوَ الْحُمْرَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ. (المغني).
قال النووي: وَالْمُرَاد بِالشَّفَقِ: الْأَحْمَر، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ رحمه الله وَجُمْهُور الْفُقَهَاء وَأَهْل اللُّغَة.
وذلك لأمور:
أولاً: أن هذا التفسير صح موقوفاً على ابن عمر.
ثانياً: أن هذا قول أهل اللغة، كالخليل، والفراء، والزجاج وغيرهم.
وذهب بعض العلماء - وهو قول أبي حنيفة والمزني من الشافعية - إلى أن الشفق هو البياض الذي بعد الحمرة.
قال النووي: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْمُزَنِيّ رضي الله عنهما وَطَائِفَة مِنْ الْفُقَهَاء وَأَهْل اللُّغَة: الْمُرَاد الْأَبْيَض.
168 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ {قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ وَتَحِلُّ فِيهِ اَلصَّلَاةُ، وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ اَلصَّلَاةُ - أَيْ: صَلَاةُ اَلصُّبْحِ - وَيَحِلَّ فِيهِ اَلطَّعَامُ) رَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَاه.
169 -
وَلِلْحَاكِمِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه نَحْوُهُ، وَزَادَ فِي اَلَّذِي يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ:(إِنَّهُ يَذْهَبُ مُسْتَطِيلاً فِي اَلْأُفُقِ) وَفِي اَلْآخَرِ: (إِنَّهُ كَذَنَبِ اَلسِّرْحَان).
===
(فَجْرٌ يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ) أي على الصائم
(وَتَحِلُّ فِيهِ اَلصَّلَاةُ) أي صلاة الصبح.
(وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ اَلصَّلَاةُ) أي: صلاة الصبح، فإذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي، لأن الفجر الأول يكون بالليل.
(وَيَحِلَّ فِيهِ اَلطَّعَامُ) أي لمن يريد أن يصوم يحل له الأكل.
(إِنَّهُ كَذَنَبِ اَلسِّرْحَان) هذه صفة الفجر الأول، والسِرحان هو الذئب، والمعنى أن الفجر الأول يرتفع في السماء كالعمود، فهو كذنب السرحان، لأن ذنبه يمتد مرتفعاً.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث ابن عباس لا يصح مرفوعاً، قال البيهقي: والموقوف أصح.
وحديث جابر لا يصح مرفوعاً، وهو مرسل، قال البيهقي: روي موصولاً، وروي مرسلاً، وهو أصح.
•
اذكر الفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب من الناحية الشرعية؟
أن الفجر الصادق يترتب عليه شيئان:
حل الصلاة: لأنه يكون دخل وقت صلاة الفجر.
وتحريم الأكل: أي للصائم لقوله تعالى (وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).
وأما الفجر الكاذب:
فيحل فيه الطعام: أي للصائم.
وتحرم الصلاة: أي لمن أراد صلاة الفجر.
•
اذكر الفروق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب من حيث الصفة؟
أولاً: أن الفجر الصادق يكون مستطيراً من الشمال إلى الجنوب، وأما الفجر الكاذب فبالعكس يكون من الشرق إلى الغرب.
ثانياً: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده، وأما الفجر الكاذب فيظلم بعد هذا ويزول.
ثالثاً: أن الفجر الصادق نوره متصل بالأفق، وأما الفجر الكاذب فنوره ير متصل. [قاله الشيخ ابن عثيمين].
وقال الشيخ ابن عثيمين: الفرق بينهما نحو نصف ساعة، يعني أن الكاذب يخرج قبل الصادق بنحو نصف ساعة.
•
ما الحكمة من ظهور الفجر الكاذب؟
من أجل أن يستعد الإنسان للإمساك في الصيام ولصلاة الفجر. [قاله الشيخ ابن عثيمين].
170 -
وَعَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ. وَصَحَّحَاه.
وَأَصْلُهُ فِي "اَلصَّحِيحَيْنِ".
171 -
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَوَّلُ اَلْوَقْتِ اَللَّهُ، وَأَوْسَطُهُ رَحْمَةُ اَللَّهِ; وَآخِرُهُ عَفْوُ اَللَّهِ) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِداً.
172 -
وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، دُونَ اَلْأَوْسَطِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث ابن مسعود ولفظة (الصلاة في أول وقتها) صححها بعضهم وحكم بعض العلماء بشذوذها.
والحديث كما قال المصنف أصله في الصحيحين:
عن عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي).
وإنما أتى المصنف بلفظ (الصلاة في أول وقتها) لأنه أدل على المراد من لفظ الصحيحين.
وحديث أبي محذورة ضعيف جداً.
وحديث ابن عمر الذي رواه الترمذي حديث لا يصح بل هو موضوع كما قال أبو حاتم.
•
ماذا نستفيد من أحاديث الباب؟
نستفيد: استحباب فعل الصلاة في أول وقتها، ومما يدل على استحباب ذلك، أدلة عامة:
قوله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
…
).
وقوله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
…
).
ولحديث الباب (الصلاة في أول وقتها) عند من صححها.
ومما يدل تفضيل ذلك، ما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعلل.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبادر بالصلاة بعد الأذان، بعد وقت يتوضأ فيه المتوضئ ويتهيأ فيه.
وبعضهم استدل بحديث ابن مسعود في الصحيحين الذي سبق (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا).
وقد اختلف العلماء في معنى: الصلاة على وقتها، على قولين:
فقيل: المعنى أداء الصلاة في الوقت سواء كان في أول الوقت أو وسطه أو آخره، بحيث لا يخرجها عن وقتها.
وقيل: أي في أول وقتها.
والصحيح الأول. [لوقتها] أي أدائها في الوقت، ونأخذ أفضلية أول الوقت من أدلة أخرى، وقد سبقت.
وأما
الأدلة الخاصة على استحباب الصلاة في أول الوقت:
صلاة الفجر:
فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بغلس.
كما في حديث جابر قال (كَانَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَس) متفق عليه.
وكما في حديث عَائِشَة. قالت (لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَس) متفق عليه.
صلاة الظهر.
عن جابر بن سمرة. قال (كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْر إِذَا دَحَضَتْ الشَّمْس) رواه مسلم.
(دَحَضَتْ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَالْحَاء أَيْ إِذَا زَالَتْ.
قال النووي: وَفِيهِ: دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب تَقْدِيمهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ.
صلاة العصر.
تقدم حديث أبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيَ اَلْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) متفق عليه.
وعن بُرَيْدَة. عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ». يَعْنِى الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) رواه مسلم.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة) رواه مسلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كُنَّا نُصَلِّى الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ) رواه مسلم.
قال النووي: وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا بَعْدهَا الْمُبَادَرَة لِصَلَاةِ الْعَصْر أَوَّل وَقْتهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن أَنْ يَذْهَب بَعْد صَلَاة الْعَصْر مِيلَيْنِ وَثَلَاثَة وَالشَّمْس بَعْدُ لَمْ تَتَغَيَّر بِصُفْرَةٍ وَنَحْوهَا إِلَّا إِذَا صَلَّى الْعَصْر حِين صَارَ ظِلّ الشَّيْء مِثْله، وَلَا يَكَاد يَحْصُل هَذَا إِلَّا فِي الْأَيَّام الطَّوِيلَة. وَقَوْله: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْر، ثُمَّ يَخْرُج الْإِنْسَان إِلَى بَنِي عَمْرو بْن عَوْف فَيَجِدهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْر.
قَالَ الْعُلَمَاء: مَنَازِل بَنِي عَمْرو بْن عَوْف عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْمَدِينَة، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الْمُبَالَغَة فِي تَعْجِيل صَلَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ صَلَاة بَنِي عَمْرو فِي وَسَط الْوَقْت، وَلَوْلَا هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّة، وَلَعَلَّ تَأْخِير بَنِي عَمْرو لِكَوْنِهِمْ كَانُوا أَهْل أَعْمَال فِي حُرُوثِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَحَوَاطِيهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالهمْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرهَا ثُمَّ اِجْتَمَعُوا لَهَا، فَتَتَأَخَّر صَلَاتهمْ إِلَى وَسَط الْوَقْت لِهَذَا الْمَعْنَى. (شرح مسلم).
صلاة المغرب.
تقدم حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ (كُنَّا نُصَلِّي اَلْمَغْرِبَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قال النووي: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُبَكِّر بِهَا فِي أَوَّل وَقْتهَا بِمُجَرَّدِ غُرُوب الشَّمْس، حَتَّى نَنْصَرِف وَيَرْمِي أَحَدنَا النَّبْل عَنْ قَوْسه وَيُبْصِر لِبَقَاءِ الضَّوْء. وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمَغْرِب تُعَجَّل عَقِب غُرُوب الشَّمْس وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ.
173 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلْفَجْرِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، إِلَّا النَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اَلرَّزَّاقِ (لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ).
174 -
وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْنِ عَمْرِوِ بْنِ اَلْعَاصِ.
===
(لَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلْفَجْرِ) أي: بعد طلوع الفجر كما في رواية عبد الرزاق (لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ
…
).
(إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) أي: إلا ركعتي الفجر، فالمراد بالسجدتين هنا الركعتان.
•
سبق أن وقت النهي يبدأ بعد صلاة الفجر لا بعد طلوع الفجر، فما الجواب عن حديث الباب؟
ذهب بعض العلماء إلى القول بموجبه، وقالوا بالنهي عن التنفل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.
وذهب بعض العلماء إلى جواز التنفل بأكثر من ركعتي الفجر.
واستدلوا بحديث عمرو بن عَبَسَة قال: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال (جوف الليل الأخير، فصلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مقبولة، حتى تصلي الصبح).
والراجح: أن التطوع بعد الفجر لا يشرع إلا بركعتي الفجر ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
أ-لأحاديث الباب [عند من صححها] يكون المعنى (لا صلاة) أي: لا صلاة مشروعة.
ب-ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّى إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) رواه مسلم.
ج-وأيضاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر كما قالت عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى رَكْعَتَي الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) متفق عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين: فإذا كان صلى الله عليه وسلم يخفف شيئاً مشروعاً فكيف نأتي بشيء غير مشروع.
• عن القاسم بن محمد (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل المسجد يوما فرأى الناس يركعون بعد الفجر، فقال: إنما هما ركعتان خفيفتان من بعد الفجر قبل الصلاة، ولو كنت تقدمت في ذلك لكان مني غير) ذكره المقريزي في مختصر قيام الليل (ص 316).
• وعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ (رَآنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْضَ مَا فَاتَنِي مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الصَّلَاةَ تُكْرَهُ هَذِهِ السَّاعَةَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) أخرجه ابن أبي شيبة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: ولكن القول الصحيح: أن النهي يتعلَّقُ بصلاةِ الفجرِ نفسِهَا، وأما ما بين الأذان والإقامة، فليس وقت، لكن لا يُشرع فيه سوى ركعتي الفجر
…
فإذا كان هذا هو القول الصَّحيح؛ فما الجواب عن الحديث الذي استدلَّ به المؤلف؟
الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّ الحديث ضعيف.
الثاني: على تقدير أنَّ الحديث صحيحٌ؛ يُحمل قولُه: " لا صلاةَ بعدَ طُلوع الفجرِ " على نفي المشروعية، أي: لا يُشرع للإنسانِ أنْ يتطوَّعَ بنافلةٍ بعد طُلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، وهذا حقٌّ؛ فإنه لا ينبغي للإنسان بعد طُلوعِ الفجر أنْ يتطوَّع بغير ركعتي الفجر، فلو دخلت المسجدَ وصلَّيتَ ركعتي الفجر، ولم يَحِنْ وقتُ الصَّلاة وقلتَ: سأتطوَّعُ؟ قلنا لك: لا تفعل؛ لأنَّ هذا غيرُ مشروع، لكن لو فعلتَ لم تأثم، وإنما قلنا: غيرُ مشروع؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يُصلِّي ركعتين خفيفتين بعد طُلوعِ الفجرِ. وهي سُنَّةُ الفجرِ فقط، يعني: بل حتى تطويل الرَّكعتين ليس بمشروع. (الشرح الممتع).
• وممن ذهب إلى جواز التنفل بين الأذان والإقامة من صلاة الفجر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (23/ 205) ولكن لا يتخذ سنة، فقال:
فَهَذَا فِيهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ أَذَانَيْ الْمَغْرِبِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَاهُمْ وَيُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِك، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بَيْنَ أَذَانَيْ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ بَيْنَ أَذَانَيْ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ، لَكِنْ بَيْنَ أَذَانَيْ الْفَجْرِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةٌ بِلَا رَيْبٍ، وَمَا سِوَاهَا يُفْعَلُ، وَلَا يُتَّخَذُ سُنَّةً؛ فَلَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ حَالُ السُّنَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ تَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، وَيُدَاوِمُ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مَسْنُونٌ لَهُمْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا.
وممن رجح عدم كراهة التنفل الإمام النووي رحمه الله فقال عند حديث حفصة (كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْر لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْن).
قَدْ يَسْتَدِلّ بِهِ مَنْ يَقُول: تُكْرَه الصَّلَاة مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَّا سُنَّة الصُّبْح، وَمَا لَهُ سَبَبٌ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَوْجُه:
أَحَدهَا: هَذَا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ مَالِك وَالْجُمْهُور.
وَالثَّانِي: لَا تَدْخُل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي سُنَّة الصُّبْح.
وَالثَّالِث: لَا تَدْخُل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي فَرِيضَة الصُّبْح.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل ظَاهِر عَلَى الْكَرَاهَة إِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَار بِأَنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي غَيْر رَكْعَتَيْ السُّنَّة وَلَمْ يَنْهَ عَنْ غَيْرهَا. (شرح مسلم).
•
ما الجواب عن حديث عمرو بن عَبَسة الذي استدل به من قال بجواز التنفل بأكثر من ركعتي الفجر؟
الجواب: أنه ليس بصريح في عدم الكراهة، إذ يمكن أن يحمل قوله (فصلِّ ما شئت) أي: في جوف الليل، لأن السائل سأله عن أيّ الليل أسمع؟
ثم إن الحديث أخرجه مسلم وليس فيه هذه الجملة (فصلِّ ما شئت حتى تصلي الصبح) فتقدّم رواية مسلم على رواية أبي داود.
وجاء الحديث عند أحمد بلفظ (الصلاة مشهودة حتى ينفجر الفجر، فإذا انفجر الفجر فأمسك عن الصلاة إلا ركعتين حتى تصلي الفجر) فتحمل الروايات المختلفة على رواية مسلم أولى.
فائدة:
قال الشيخ الألباني رحمه الله: روى البيهقي بسند صحيح عن سعيد بن المسيب (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال: يا أبا محمد! أيعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة).
وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى، وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرا من البدع باسم أنها ذكر وصلاة، ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك. (إرواء الغليل).
175 -
وَعَنْ أَمْ سَلَمَةَ. قَالَتْ: (صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "شُغِلْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا اَلْآنَ"، قُلْتُ: أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ: لا) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
176 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ.
===
(شُغِلْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلظُّهْرِ) أي عن راتبة الظهر، وقد جاء في الصحيحين بيان الشاغل له وأنه (أتاه ناس من عبد القيس).
(وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاه) ولفظه (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال).
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث أم سلمة بهذه الزيادة (أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال: لا) لا تصح، وقد ضعفها: ابن حزم، وابن حجر، والبيهقي.
وأصل الحديث في الصحيحين دون هذه الزيادة وفيه قصة (قَالَ صلى الله عليه وسلم: يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ).
وأما حديث عائشة فلفظه (كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال) وفي سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، فالإسناد ضعيف.
وقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت (مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَط).
وعنها قَالَتْ (رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ).
•
اذكر أقوال العلماء في قضاء راتبة الظهر بعد العصر؟
القول الأول: أنه يشرع للإنسان أن يصلي بعد العصر في بيته.
لظاهر حديث أم سلمة وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر.
ولأنه فعل بعض الصحابة.
القول الثاني: لا يشرع صلاتها مطلقاً.
وهذا قول الأكثر.
لأحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر.
وأجابوا عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر:
بعض العلماء قال: إنها منسوخة.
وبعضهم قال: هي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم احتج بحديث أم سلمة حديث الباب (أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال: لا).
القول الثالث: من فاتته راتبة الظهر لنسيان أو انشغل عنها فله أن يصليها بعد العصر، لكن لا يداوم عليها، فالمداومة عليها هي من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة (كان إذا عمل عملاً أثبته).
وهذا رجحه البيهقي وقال: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء. ورجح هذا القول ابن حجر وابن القيم والألباني.
جاء صحيح مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، قال يحيى بن أيوب - أحد رواته -: قال إسماعيل: تعني داوم عليها.
فمداومته عليها خصوصية كما هو ظاهر.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث: فيه فوائد منها:
…
، ومنها: أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها، وهو الصحيح عندنا.
ومنها: أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي، وإنما يكره ما لا سبب لها، وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة، وليس لنا أصح دلالة منه، ودلالته ظاهرة.
فإن قيل: فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولا يقولون بهذا.
قلنا: لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره، أحدهما: القول به، فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي، كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت.
والثاني: وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك، وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحصل الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول.
فإن قيل: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا: الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص، وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر، ولم يقل هذا الفعل مختص بي، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء. (شرح مسلم)
وقال البيهقي: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك، لا أصل القضاء. (الفتح 2/ 64)
•
هل تقضى السنن الرواتب في وقت النهي أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال.
القول الأوَّل: أنَّ السُّنن الرواتب تقضى في الأوقات المنهي عنها.
وهو مذهب الشَّافعي، ورواية عند الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله الجميع.
استدلَّ أصحاب هذا القول بالمنقول والمعقول، ومن أدلَّتهم ما يأتي:
أ-عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ نسِي صلاةً فليصلِّها إذا ذكَرَها، لا كفَّارة لها إلاَّ ذلك) وفي رواية (مَنْ نسِي صلاة، أو نام عنْها فكفَّارتُها أن يصلِّيها إذا ذكَرَها) متفق عليه.
وجه الدّلالة: أنَّ هذا أمر بقضاء الفائتة إذا ذكرت، وهو عامّ يشمل وقت النَّهي، وغيره، ويؤيِّد هذا العموم قضاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لسنَّة العصْر، وإقراره لِمَنْ صلَّى بعد الصبح.
ب- أنَّ أمَّ سلمة رضي الله عنها لمَّا رأت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي بعد العصر أرسلت إليه الجارية، وقالتْ: قومي بجنبه قولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليهما! فإن أشار بيده فاستأخري عنْه، ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال (يابنت أبي أميَّة، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللَّتين بعد الظهر فهي هاتان).
وجه الدلالة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى سنَّة الظهر بعد العصر، وهو وقت نَهي، وهو نصٌّ صريح في محلِّ النِّزاع، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "
…
وهو قضاء النَّافلة في وقْت النَّهي، مع إمكان قضائها في غير ذلك الوقت.
ج-حديث قيس بن عمرو رضي الله عنه قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي، فقال: مهلاً يا قيس، أصلاتان معًا؟ فقلت: يا رسول الله، إن لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال: فلا إذًا).
وجه الدلالة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ قيسًا على قضائه راتبةَ الصبح في وقت النَّهي، فدلَّ على أنَّ الرَّواتب تقضى في وقت النَّهي.
د-أنَّ ذوات الأسْباب إنَّما دعا إليْها داع، ولم تفعل لأجل الوقت، بخلاف التطوُّع المطلق الذي لا سبب له، وحينئذٍ فمفسدة النَّهي إنَّما تنشأ ممَّا لا سبب له دون ما له السَّبب، ولهذا قال في حديث ابن عمر (لا تتحرَّوا بصلاتِكم طلوع الشَّمس ولا غروبها).
هـ-أنَّ النَّهي كان لسدِّ ذريعة الشِّرْك، وذوات الأسباب فيها مصلحة راجحة، والفاعل يفعلها لأجل السَّبب، لا يفعلها مطلقًا فتمتنع المشابهة.
القول الثاني: أنَّ السنن الرَّواتب لا تقضى في الأوقات المنهيِّ عنها.
وهو قول الحنفية، والمالكية، مذهب الحنابلة.
واستدلوا بالأحاديث العامة التي سبقت في النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح.
القول الثالث: التَّفريق بين وقْت النَّهي الَّذي بعد العصر، وبين غيره من أوقات النهي، فتقضى الفائتة بعد العصر، ولا تقضى في غيره من أوقات النَّهي.
وهو اختيار الموفق ابن قدامة من الحنابلة حيث يقول رحمه الله بعد كلامه عن قضاء سنَّة الفجر، والخلاف فيها: إذا كان الأمر هكذا كان تأخيرُها إلى وقْت الضحى أحسنَ لنخرج من الخلاف، ولا نخالف عموم الحديث، وإن فعلها فهو جائز؛ لأنَّ الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز
…
وأمَّا قضاء السنن بعد العصر فالصَّحيح جوازه.
أ-أنَّ قضاء النافلة بعد العصر قد ثبت في الأحاديث كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها حيث قضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر.
ب-أنَّ النَّهي عن الصَّلاة بعد العصر أخفُّ من غيره من الأوقات الأخرى؛ لما روي في خلافه من الرخصة، ولاختلاف الصَّحابة رضي الله عنهم فيه فلا يلحق بغيره.
والراجح القول الأول.
باب الأذان
•
عرف الأذان لغة وشرعاً؟
الأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
) أي: إعلام من الله ورسوله.
وشرعاً: إعلام بحلول فعل الصلاة.
وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ).
والسنة أحاديث كثيرة ستأتي إن شاء الله.
وأجمعت الأمة على أن الأذان مشروع للصلوات الخمس. [قاله ابن قدامة].
•
لماذا هذا التعريف أولى من التعريف بقولنا: الإعلام بدخول وقت الصلاة؟
لأنه إذا كانت الصلاة مما يستحب تأخيرها فإنه يؤّخر الأذان، دليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقام بلال ليؤذن، فقال (أبرد) ثم قام ليؤذن فقال (أبرد) ثم قام ليؤذن فقال (أبرد) حتى رأوا فيء التلول، ثم أذِنَ له فأذن. [قاله الشيخ ابن عثيمين].
•
متى شرع الأذان؟
الصحيح أنه شرع في المدينة في السنة الأولى ولم يكن قد شُرع بمكة.
ويدل لذلك: حديث ابْن عُمَر (أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ يُنَادِى بِهَا أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِى ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمُ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِى بِالصَّلَاةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاة) متفق عليه.
وهذا يدلُّ على: أنَّ الأذان لم يكن قد شرع في مكَّة قبل الهجرة، لأنَّه لو كان مشروعًا، ما فعل الصحابة ذلك.
•
ما حكم الأذان والإقامة؟
اختلف العلماء في حكم الأذان والإقامة على قولين:
القول الأول: أنه سنة.
وهو مذهب الحنفية والشافعية. واستدلوا:
أ-بحديث المسيء في صلاته، قالوا: فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي باستكمال شروط وأركان الصلاة وواجباتها، ولم يذكر معها الأذان والإقامة.
ب-وأن الأذان ثبت عن مشورة حتى تقرر برؤيا عبد الله بن زيد، وليس هذا من صفات الواجبات، وإنما هو من صفات المندوبات.
القول الثاني: أنها فرض كفاية.
وهذا مذهب بعض الشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
…
) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
ب-ولحديث أبي الدرداء. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من ثلاثة في قرية لا يؤَذَّنُ ولا تُقام فيهِم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان) رواه أبو داود. فترك الأذان استحواذ من الشيطان فيجب تجنبه.
ج-وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَاناً أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْفِطْرَةِ». ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ». فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِى مِعْزًى) رواه مسلم.
فدل الحديث على أن الأذان هو العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر.
وهذا القول هو الصحيح، وهو أنه فرض كفاية، (فإذا كانوا في بلد وأذن بعض الناس الذين تقوم بهم الكفاية، فإن هذا يكفي).
وأما حديث مالك: فإنهم كانوا جماعة واحدة، وإذا لم يكن في البلد أو الصحراء إلا جماعة واحدة فإن الكفاية لا تتحقق إلا أن يؤذن أحدهم.
•
اذكر بعض الأحاديث فضل الأذان؟
أ-عن مُعَاوِيَةُ. قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ الْقِيَامَة) رواه مسلم.
ب-وعَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ) متفق عليه.
ج-وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) متفق عليه.
د-وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ. قال: قال صلى الله عليه وسلم (
…
فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة) رواه البخاري.
•
ما معنى قوله (أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ الْقِيَامَة)؟
قيل: أكثر الناس تشوقاً إلى رحمة الله.
وقيل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق.
وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق. [شرح النووي].
• لماذا يهرب الشيطان عند سماع الأذان؟
قيل: لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة.
وقيل: إنما يُدبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه.
وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد. [شرح النووي].
•
ما حكم الأذان للمنفرد؟
الأذان للمنفرد سنة، ويشرع فعله للصلاة المقضية، ويؤتى به على صفته كاملاً.
أ- لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ب- ولحديث عُقْبَة بْن عَامِر. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّة) رواه أبو داود.
قال الشيخ ابن عثيمين: الأذان والإقامة للمنفرد سنة، وليسا بواجب؛ لأنه ليس لديه من يناديه بالأذان، ولكن نظراً لأن الأذان ذكر لله عز وجل، وتعظيم، ودعوة لنفسه إلى الصلاة وإلى الفلاح.
•
ما الحكمة من الأذان؟
ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام، وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة. [شرح النووي].
•
أيهما أفضل الإمامة أو الأذان؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين؟
القول الأول: أن الأذان أفضل.
وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين.
أ- واستدلوا بالأحاديث التي سبقت والتي تدل على فضل الأذان.
ب-ولأن الأذان أشق.
القول الثاني: أن الإمامة أفضل.
وهو مذهب الحنفية والمالكية.
أ-لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
ب-أن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه، وكذلك خلفاؤه، ولم يتولوا الأذان، ولا يختارون إلا الأفضل.
ج-ولأن الإمامة يُختار لها من هو أكمل حالاً وأفضل.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الأول عن أدلة القول الثاني؟
قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه، لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم، فلم يتفرغوا للأذان، ومراعاة أوقاته.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذَّنتُ. (الموسوعة الفقهية).
وقال الشيخ ابن عثيمين: وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين.
•
هل أذن النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
قيل: أذن مرة في السفر.
لحديث يعلى بن بسرة: (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فانتهوا إلى مضيق فحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام
…
). رواه الترمذي
وقيل: لم يباشر الأذان.
وهذا القول هو الصحيح.
وأما الحديث السابق فهي رواية مختصرة، وقد جاءت رواية أخرى بلفظ (فأمر المؤذن فأذن وأقام).
فعرف أن معنى قوله (فأذن) أمر به.
177 -
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رضي الله عنه قَالَ: (طَافَ بِي -وَأَنَا نَائِمٌ- رَجُلٌ فَقَالَ: تَقُولُ: "اَللَّهُ أَكْبَرَ اَللَّهِ أَكْبَرُ، فَذَكَرَ اَلْآذَانَ - بِتَرْبِيع اَلتَّكْبِيرِ بِغَيْرِ تَرْجِيعٍ، وَالْإِقَامَةَ فُرَادَى، إِلَّا قَدْ قَامَتِ اَلصَّلَاةُ - قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ
…
) اَلْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَزَادَ أَحْمَدُ فِي آخِرِهِ قِصَّةَ قَوْلِ بِلَالٍ فِي آذَانِ اَلْفَجْرِ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ اَلنَّوْمِ).
178 -
وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (مِنْ اَلسُّنَّةِ إِذَا قَالَ اَلْمُؤَذِّنُ فِي اَلْفَجْرِ: حَيٌّ عَلَى اَلْفَلَاحِ، قَالَ: اَلصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ اَلنَّوْمِ).
===
(طاف بي) ألمّ بي وقرب حولي.
(الترجيع) هو: أن يقول الشهادتين بصوت منخفض يُسمع من كان بقربه، ثم يقولهما بصوت مرتفع كسائر جمل الأذان.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث سنده حسن، في سنده محمد بن إسحاق صدوق حسن، وقد صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه.
وأما زيادة أحمد (فِي آخِرِهِ قِصَّةَ قَوْلِ بِلَالٍ فِي آذَانِ اَلْفَجْرِ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ اَلنَّوْمِ).
فهي زيادة ضعيفة، انفرد بها ابن إسحاق في هذه الرواية وابن إسحاق مدلس ولم يسمع هذا الحديث من الزهري.
•
اذكر حديث عبد الله بن زيد كاملاً؟
لفظ حديث عبد الله بن زيد كاملاً: عن عَبْدِ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ (لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِلَّهِ الْحَمْد).
•
اذكر لفظ حديث أبي محذورة كاملاً كما جاء في مسلم، وكما جاء عند أبي داود.
لفظه عند مسلم بتثنية التكبير في أوله مع الترجيع:
عَنْ أَبِى مَحْذُورَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ هَذَا الأَذَانَ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ - ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ - مَرَّتَيْنِ - حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ - مَرَّتَيْنِ». زَادَ إِسْحَاقُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).
لفظه عند أبي داود بتربيع التكبير في أوله مع الترجيع:
عن أبي مَحْذُورَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: الأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَالإِقَامَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).
•
ما جاء عند أبي داود بالتكبير أربعاً في أوله أرجح من التكبير مرتين كما عند مسلم، اذكر السبب في ذلك؟
أولاً: لأنها زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة.
قال الشوكاني: والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة، وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها.
ثانياً: أن هذا هو الموافق لحديث عبد الله بن زيد.
•
اذكر خلاف العلماء في الأذان والإقامة؟
وقد اختلف العلماء:
القول الأول: أن ألفاظ الأذان: 15 جملة.
وهذا مذهب أحمد.
لحديث عبد الله بن زيد فإنه فيه الأذان: 15 جملة يسمى أذان بلال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلال أن يلقيه.
القول الثاني: أنه 19 جملة بالتكبير في أوله أربعاً مع الترجيع.
لحديث أبي محذورة كما عند أبي داود (بتربيع التكبير).
القول الثالث: أنه 17 جملة.
وهذا مذهب مالك.
التكبير مرتين في أوله مع الترجيع.
أ-لحديث أبي محذورة (أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله
…
) رواه مسلم.
ب-ولأن التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن.
والراجح أن كل هذا وردت به السنة فينبغي أن يؤذن بهذا مرة وبهذا مرة إن لم يحصل تشويش.
فالقاعدة: أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة أن تنوع، ففيها:
حفظاً للسنة، وحضوراً للقلب، وحفظاً للشريعة.
•
ما حكم الترجيع في الأذان؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أنه سنة.
وهذا مذهب مالك الشافعي.
لحديث أبي محذورة، فإن فيه الترجيع.
القول الثاني: أنه غير مشروع.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث عبد الله بن زيد، فهو أصل في مشروعية الأذان، وليس فيه ذكر الترجيع، فالأخذ به أولى، لأن بلالاً كان يؤذن به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً وحضراً.
القول الثالث: فعله سنة وتركه سنة.
وهذا مذهب أحمد وإسحاق ورجحه ابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن عثيمين.
عملاً بجميع الأحاديث.
قال ابن تيمية: فكل واحد من أذان بلال وأبي محذورة سنة، فسواء رجّع المؤذن أو لم يرجّع
…
فقد أحسن واتبع السنة.
وهذا القول هو الراجح، لأن هذا من التنوع في العبادات.
•
ما رأيك بمن يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان تلقيناً للإسلام وليثبت الإيمان في قلبه لا أنه من الأذان، لأنه كان حديث عهد بكفر؟
أن هذا القول بعيد جداً، لأنه كان يلقنه الأذان حرفاً حرفاً، وقال: اذهب فأذن به، فأذن به في مكة، والصحابة متوافرون، واستمر عليه هو وأولاده من دون تغيير، وصار عمل مكة عليه، ولو لم يكن الترجيع من الأذان لأنكر عليه مع طول العهد، وتكرّر الأذان في اليوم والليلة خمس مرات.
•
ما حكم قول (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر؟ وماذا يسمى؟
اتفق الفقهاء على أن التثويب سنة في الأذان لصلاة الفجر، وقد حكى الإجماع ابن هبيرة. ومن أدلتهم:
أ-حديث الباب في حديث بلال (الصلاة خير من النوم).
ب-قوله صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة (فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم) رواه أبو داود.
ج-ولحديث الباب: حديث أنس (من السنة إذا قال المؤذن في الفجر
…
).
د-لأن صلاة الفجر في وقت ينام فيه عامة الناس، ويقومون إلى الصلاة من نوم، فاختصت صلاة الفجر بذلك دون غيرها من الصلوات.
ويسمى التثويب.
•
متى يكون التثويب؟
الجمهور يكون بعد الحيعلتين.
فهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
أ-لحديث أبي محذورة، فالنبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان والصلاة خير من النوم بعد حي على الفلاح.
ب- ولحديث ابن عمر قال: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم) رواه الدار قطني، وحسنه الحافظ ابن حجر.
•
متى يكون التثويب؟ هل في أذان الفجر الأول أم الثاني؟
اختلف العلماء: على قولين:
القول الأول: أن التثويب يكون في الأذان الأول [الذي قبل طلوع الفجر].
ونسب هذا القول لأبي حنيفة، ورجحه الصنعاني، ومن المعاصرين الشيخ الألباني.
أ-لحديث ابن عمر أنه قال (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) أخرجه الدار قطني وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص.
ب-ولحديث أبي محذورة (كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) رواه أبو داود والنسائي.
القول الثاني: أن التثويب يكون في الأذان الثاني [الذي بعد طلوع الفجر].
وهو مذهب الحنابلة اختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين.
أ- أن روايات الأحاديث التي جاءت بمشروعية التثويب قيدته بالأذان لصلاة الفجر أوالصبح، وهذا ينصرف إلى الأذان الثاني الذي يعتبر هو الأصل المتفق عليه، وهو الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة.
ب- ما رواه البيهقي في سننه بسند صحيح عن نُعيْم بن النحام قال (كنت في لحاف امرأتي في غداة باردة، قال: فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر، قال: فقلت: لو قال: ومن قعد فلا حرج، قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومن قعد فلا حرج، ومن قعد فلا حرج) صححه الحافظ ابن حجر.
وهو يدل على أن (الصلاة خير من النوم) في الأذان الثاني من وجوه:
أولاً: قوله (في غداة) لأن الغداة تطلق على ما بعد طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
ثانياً: قوله (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن ذلك النداء كان نداءً للصلاة، وهذا إنما يصدق على الأذان الثاني الذي عند دخول الوقت لا على الأول.
ثالثاً: قوله (ومن قعد فلا حرج) فإن المناسب لهذه الكلمة هو الأذان الثاني، لأنه هو الذي يخرج الناس بعده إلى المسجد.
ج-أن المقصود بالحديث بقوله (كان في الأذان الأول
…
) الأذان الحقيقي (الذي يكون بعد طلوع الفجر) لأن الأذان الأول ليس نداء للصلاة، وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم حكمته بقوله (ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم) فهذا نص صريح في أن الأذان الأول ليس لصلاة الفجر.
د-أن الأذان الثاني هو المناسب لهذه الجملة، وذلك ببيان أن الصلاة التي فرض الله تعالى على عباده خير لهم من نومهم في هذا الوقت.
وهذا القول هو الصحيح.
والجواب عن قوله (الأذان الأول):
أن لفظة (الأول) تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) متفق عليه.
وجاء في صحيح مسلم تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين).
والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة، قاله النووي.
•
ما حكم التثويب لغير أذان صلاة الفجر:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يكره التثويب في غير أذان صلاة الفجر.
لأن الأحاديث الواردة في مشروعية التثويب في الأذان إنما خصت الأذان لصلاة الصبح دون غيرها.
عن مجاهد قال (دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال: اخرج من عند هذا المبتدع) رواه الترمذي وأبو داود.
179 -
وَعَنْ أَنَسِ [بْنِ مَالِكٍ]رضي الله عنه قَالَ: (أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ اَلْآذَانَ، وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ، إِلَّا اَلْإِقَامَةَ، يَعْنِي قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ اَلصَّلَاةُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ اَلِاسْتِثْنَاءَ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: (أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالاً).
===
(أُمِرَ بِلَالٌ) هو ابن رباح الحبشي، أسلم بمكة قديماً، شهد بدراً وما بعدها، وتولى الأذان في المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتناوب مع ابن أم مكتوم، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ترك الأذان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ومات بالشام عام 20 هـ.
(أن يَشْفَعَ اَلْآذَانَ) أي أن يأتي به مثنى. قال الحافظ: لكن لم يختلف أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله: مثنى، على ما سواها، فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة واحدة كحديث عبد الله بن زيد.
(وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ) أي يأتي بها وتراً. وقد استشكل: عدم استثناء التكبير في الإقامة فإنه يثنى كما في حديث عبد الله بن زيد، وأجيب: بأنه وتر بالنسبة إلى تكبير الأذان، فإن التكبير في أول الأذان أربع.
(إِلَّا اَلْإِقَامَةَ): يعني إلا لفظ: قد قامت الصلاة، فإنه لا يوترها بل يثنيها.
•
قول أنس (أمِرَ بلال .. ) من الذي أمره؟
الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك:
أ-رواية النسائي (أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالاً
…
).
ب-أن هذه الصيغة (أمر، أمرنا، نهينا) لها حكم الرفع.
قال النووي: هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين، وشذ بعضهم فقال: هذا اللفظ وشبهه موقوف لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ، والصواب أنه مرفوع، لأن إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا اللفظ قول الصحابي: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا.
•
كم عدد ألفاظ الإقامة؟
اختلف العلماء على أقوال:
القول الأول: أن عدد ألفاظ الإقامة (إحدى عشرة جملة)[ما عدا التكبير في أولها وآخرها وقول: قد قامت الصلاة، فهي مثنى].
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
أ-لحديث عبد الله بن زيد في رؤيا الأذان وفيه (
…
ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ .. ).
ب- لحديث الباب (أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ اَلْآذَانَ، وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ
…
).
فقوله (وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ) معناه: يأتي بها وتراً ولا يثني بخلاف الأذان.
القول الثاني: أن عدد ألفاظها (سبع عشرة جملة)[التكبير في أولها أربعاً، وبقية ألفاظها مثنى ما عدا: لا إله إلا الله].
وهذا قول الحنفية.
عن أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه) رواه أبو داود.
القول الثالث: أن عدد ألفاظها (10). [كلها مفردة ما عدا التكبير في أولها وآخرها].
هذا مذهب مالك.
لحديث الباب (
…
وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَة
…
).
فالحديث صرح بأن الإقامة وتر، فدل على أن قول (قد قامت الصلاة) يكون مفرداً.
والجواب عن هذا: بأن للحديث روايات أخرى صحيحة اشتملت على زيادة وهي قوله (إلا الإقامة) وهذا يدل على أنها مستثناة من الإيتار لكونها تثنى.
والراجح - والله أعلم - أن يقال بأن القول الأول والثاني كلاهما صحيح، وأن الاختلاف فيهما محمول على الإباحة والتخيير، كالاختلاف في الترجيع ورجح هذا القول ابن تيمية، وابن القيم، والصنعاني، والشوكاني.
•
ما الحكمة من إفراد الإقامة وتثنية الأذان.
لأن الأذان لإعلام الغائبين، فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم، والإقامة للحاضرين، فلا حاجة إلى تكرارها، ولهذا قال العلماء: يكون رفع الصوت في الإقامة دونه في الأذان. [قاله النووي].
قال الحافظ ابن حجر: ومن ثَمَّ استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلاً والإقامة مسرعة.
•
ما الحكمة من تكرار لفظ الإقامة (قد قامت الصلاة)؟
إنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة. [قاله النووي].
•
هل السنة أن يقرن في الأذان بين التكبير بنفَس واحد، أم يقول كل جملة لوحدها؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: السنة أن يقرن بين التكبيرتين، فيصل كل تكبيرتين بصوت واحد وبنفس واحد.
وهذا قول الحنفية الشافعية ورجحه الألباني.
لحديث الباب (أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ اَلْآذَانَ
…
).
ولحديث عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّة). رواه مسلم
فهذا ظاهره أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين، وأن السامع يجيبه كذلك.
القول الثاني: السنة أن يقف المؤذن على كل تكبيرة ويؤديها بنَفَس واحد.
هذا مذهب الحنابلة.
أ-لحديث جابر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال (إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) رواه الترمذي وهو ضعيف.
وجه الدلالة: قالوا: إن الترسل هو التأني والتمهل، وهذا لا يكون إلا بالوقف بعد نهاية كل جملة.
ب-ولحديث أبي محذورة قال (ألقىَ عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال قل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
…
) رواه أبو دباود.
والراجح: الله أعلم.
180 -
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَيْتُ بِلَالاً يُؤَذِّنُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ: وَجَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: (لَوَى عُنُقَهُ، لَمَّا بَلَغَ "حَيَّ عَلَى اَلصَّلَاةِ " يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ يَسْتَدِرْ).
وَأَصْلِهِ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ.
===
(رَأَيْتُ بِلَالاً يُؤَذِّنُ) كان ذلك في حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم نازل في الأبطح بمكة كما في الروايات الأخرى.
(وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَاهُنَا وَهَاهُنَا) أي: أتابع ببصري فمه يميناً وشمالاً.
•
أصل الحديث في الصحيحين كما ذكر المصنف رحمه الله اذكر نصه؟
عن أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ - فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ - قَالَ - فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ - قَالَ - فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ - قَالَ - فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا - يَقُولُ يَمِيناً وَشِمَالاً - يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ - قَالَ - ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنْ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يُمْنَع ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ) وليس فيهما ذكر الدوران ولا وضع الإصبع في الأذنين.
(وَهُوَ بِالأَبْطَحِ) قال النووي: هو الموضع المعروف على باب مكة. (فَمِنْ نَائِلٍ) أي: آخذ من ذلك الوضوء (وَنَاضِحٍ) أي: متمسح بما أصابه من يد صاحبه.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث كما تقدم في الصحيحين دون ذكر وضع الأصبعين في الأذنين، وإنما هذه الزيادة عند الترمذي وابن ماجه.
قال الشيخ الطريفي: أما جعل الإصبعين في الأذان حال الأذان، فلا أعلم فيه شيئاً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وأكثر العلماء على أنه مستحب للمؤذن أن يضع أصبعيه في أذنيه حال الأذان، كما حكاه ابن رجب في الفتح. (انتهى).
وممن ضعف ذلك من الأئمة ابن خزيمة فقال: باب إدخال الإصبعين في الأذنين عند الأذان إن صحّ الخبر فإن هذه اللفظة لست أحفظها إلا عن حجاج بن أرطاة.
فالرواة الذين رووا الحديث عن سفيان الثوري عن عون عن أبي جحيفة بذكر هيئة أذان بلال ولكن دون ذكر وضع الأصبعين في الأذنين: وكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن يوسف بن واقد، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وقيس بن الربيع، والحسين بن حفص.
وخالفهم عبد الرزاق الصنعاني ومؤمل بن إسماعيل فروياه عن سفيان بذكر وضع الأصبعين في الأذنين، ومؤمل: صدوق سيء الحفظ.
•
لماذا أتى المؤلف رحمه الله برواية أبي داود (لَوَى عُنُقَهُ، لَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى اَلصَّلَاةِ، يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ يَسْتَدِرْ)؟
ذكرها المصنف رحمه الله لعدة أمور:
أولاً: لأنها بيّنت المراد من قوله (ها هنا ها هنا) وهو اليمين والشمال.
ثانياً: ولأنها بيّنت موضع الالتفات وهي (حي على الصلاة، حي على الفلاح).
ثالثاً: وكذلك بيّنت أن الالتفات يكون بالرأس فقط لقوله (لوى عنقه).
•
ما حكم الالتفات في الحيعلتين يميناً وشمالاً؟
سنة، وهو مقيد في الحيعلتين.
لحديث الباب - أبي جحيفة - وهذا قول جماهير العلماء.
وقد بوب له ابن خزيمة فقال: باب انحراف المؤذن عند قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله.
•
اتفق جمهور الفقهاء والقائلون بسنية الالتفات في الحيعلتين على أن المؤذن إذا التفت في الحيعلتين يجعل وجهه يميناً وشمالاً، واختلفوا في كيفية ذلك على صيغتين اذكرهما؟
الأولى: أنه يقول (حي على الصلاة) مرتين عن يمينه، ثم يقول عن يساره مرتين (حي على الفلاح).
وهذا مذهب الحنابلة.
قال النووي: إنه قول الجمهور، وهو الأصح عند الشافعية. [شرح مسلم].
وقال ابن دقيق العيد: إنه الأقرب عندي. [شرح العمدة].
وهذه الصيغة أقرب إلى لفظ الحديث لقوله (يَقُولُ يَمِيناً وَشِمَالاً يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ).
الثانية: يقول عن يمينه (حي على الصلاة) مرة، ثم مرة عن يساره، ثم يقول (حي على الفلاح) مرة عن يمينه، ثم مرة عن يساره.
قالوا: ليكون لكل جهة نصيب منهما.
والأمر في ذلك واسع، والمعمول به الآن هو الأول.
•
هل يلتفت الآن مع وجود مكبرات الصوت؟
قيل: لا يلتفت، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
لأن الحكمة من الالتفات إبلاغ المدعوين، ومع المكرفون ربما لو التفت انخفض الصوت.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالذي أرى في مسألة مكبر الصوت الآن أنه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، لا في حي على الصلاة، ولا في حي على الفلاح، ويكون الالتفات الآن بالنسبة للسماعات، فينبغي أنه يجعل مثلاً في المنارة سماعة على اليمين وسماعة على الشمال. (لقاء الباب المفتوح).
وقيل: يلتفت.
وهذا قول من يقول: إن الالتفات سنة في الأذان مطلقاً.
ولأنه ربما يكون هناك مقاصد أخرى غير التبليغ.
•
ما حكم وضع الإصبعين في الأذن في الأذان؟
يسن ذلك، وهذا مذهب جماهير العلماء.
قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يُدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان.
وقال ابن قدامة: المشهور عن أحمد أنه يجعل إصبعه في أذنيه، وعليه العمل عند أهل العلم، يستحبون أن يجعل المؤذن إصبعيه في أذنيه.
وقال النووي رحمه الله: السنة أن يجعل أصبعيه في صماخي أذنيه، وهذا متفق عليه، ونقله المحاملي في المجموع عن عامة أهل العلم.
قال أصحابنا: وفيه فائدة أخرى، وهي أنه ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما، فيستدل بأصبعيه على أذانه.
فإن كان في إحدى يديه علة تمنعه من ذلك، جعل الأصبع الأخرى في صماخه.
ولا يستحب وضع الأصبع في الأذن في الإقامة، صرح به الروياني في الحلية وغيره. (المجموع).
لحديث الباب (وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ، هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ .. ) وهذا عند الترمذي وابن ماجه.
•
ما الحكمة من جعل الإصبعين في الأذنين؟
قال العلماء: في ذلك فائدتان:
أحدهما: أنه قد يكون أرفع لصوته.
ثانيهما: أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بُعْد أو كان به صمم أنه يؤذن.
•
ما المراد بالإصبع؟
قال ابن حجر: لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها، وقد جزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الأصابع مجاز عن الأنملة.
•
اختلف العلماء هل للمؤذن أن يدور حال الأذان أم لا؟ على قولين اذكرهما؟
[المقصود بالاستدارة: هو أن يلتفت بسائر بدنه فيزيل قدميه ويتحرك].
القول الأول: أنه لا يدور إلا أن يكون على منارة.
وهو قول الحنفية والمالكية.
أ-جاء في رواية في حديث أبي جحيفة عند أحمد وابن ماجه (
…
فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه
…
) وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف.
ب-ولأن الاستدارة أبلغ في الإعلام، وقد لا يحصل الإعلام بدونها إذا كانت المنارة غير متسعة.
القول الثاني: أنه لا يدور مطلقاً.
وهو مذهب الشافعي.
لرواية أبي داود (
…
لَوَى عُنُقَهُ، لَمَّا بَلَغَ "حَيَّ عَلَى اَلصَّلَاةِ " يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ يَسْتَدِرْ).
وهذا القول هو الصحيح وأنه لا يدور مطلقاً، ويحمل ما ورد من الاستدارة (فاستدار) على استدارة الرأس، أي: الالتفات، ومن نفاها عَنِيَ استدارة الجسد.
181 -
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْجَبَهُ صَوْتُهُ، فَعَلَّمَهُ اَلْآذَانَ) رَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
•
ما حكم أن يكون المؤذن حسن الصوت؟
يسن أن يكون حسن الصوت.
أ-لحديث الباب، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة للأذان لكونه حسن الصوت.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد - (فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ
…
).
قيل معناه: أرفع وأعلى، وقيل: أحسن وأعذب.
ج-ولأن حسن الصوت يكون أرق لسامعه فيميلون إلى الإجابة.
•
اذكر بعض الصفات الأخرى التي تستحب أن تكون في المؤذن؟
منها: أن يكون أميناً.
وهذا واجب.
لأنه أمين على الوقت، وأمين على عورات الناس (وخاصة في الزمن السابق).
ومنها: أن يكون بصيراً.
وهذا مستحب، وهو أولى من الأعمى، لأنه أعلم بدخول الوقت.
لكن هذا غير واجب، بل هو مستحب، وأنه يجوز أذان الأعمى إذا كان عنده من يخبره بالوقت.
أ-لأن عبد الله بن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أعمى.
ب-ولأن الإعلام يحصل بصوت الأعمى.
ج-ولأنه بالإمكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره ممن يثق به.
182 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة. قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اَلْعِيدَيْنِ، غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
183 -
وَنَحْوُهُ فِي اَلْمُتَّفَقِ: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ.
===
- (غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ) التحديد بالمرة والمرتين غير مراد، وإنما المراد أن ذلك كثير.
•
ما حكم الأذان لصلاة العيد؟
لا يشرع لها لا أذان ولا إقامة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في أنه لا أذان ولا إقامة في العيدين ولا في شيء من الصلوات المسنونات.
وقال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة بغير أذان ولا إقامة.
•
ما الدليل على أنه لا يشرع لها أذان ولا إقامة؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله مع أنه صلى العيد عدة مرات.
أ- كما في حديث الباب.
ب- ولحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئاً عَلَى بِلَالٍ
…
) متفق عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين: والنبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك الشيء مع وجود سببه كان ذلك دليلاً على عدم مشروعيته.
والقاعدة الأصولية (كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَشْرَع فيه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فإحداث شيء له يعتبر بدعة).
ج-ولأن الغرض من الأذان الإعلام بدخول الوقت، ووقت العيد محدد معلوم.
•
هل يشرع أن ينادى للعيد بـ (الصلاة جامعة) كالكسوف؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يستحب أن ينادى لها بذلك.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
ودليلهم: قياس صلاة العيد على صلاة الكسوف.
القول الثاني: أنه لا يستحب.
وهذا مذهب المالكية، وهذا القول هو الراجح.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل، ولو كان سنة لفعله، فترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع إمكان فعله يدل على أنه غير مستحب. [القاعدة السابقة]
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى في صلاة العيد صلى من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة، فالسنة أن لا يفعل شيء من ذلك.
وقياس العيد على الكسوف لا يصح، لوجهين:
الوجه الأول: أن الكسوف يقع بغتة، خصوصاً في الزمن الأول.
الوجه الثاني: أن العيد لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينادي لها.
•
اذكر بعض الأمثلة على القاعدة السابقة؟
مثال: يسن عند الذهاب لصلاة العيد الذهاب من طريق والرجوع من طريق آخر، فذهب بعض العلماء وقالوا: يستحب كذلك في الذهاب للجمعة، لكن هذا ضعيف.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى الجمعة ولم يخالف الطريق، وكان يأتي للصلوات الخمس ولا يخالف الطريق، فدل ذلك على عدم مشروعية لك، (فترك النبي صلى الله عليه وسلم الشيء مع وجود سببه يكون تركه سنة، والتعبد به غير مشروع).
184 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةٌ فِي اَلْحَدِيثِ اَلطَّوِيلِ، فِي نَوْمهمْ عَنْ اَلصَّلَاةِ (ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، فَصَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
•
الحديث له قصة طويلة اذكر وجه الشاهد منه؟
عن أبي قتادة (
…
الحديث وفيه:
…
ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ - قَالَ - وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْنَا مَعَهُ - قَالَ - فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا ثُمَّ قَالَ «أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ» . ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى
…
).
•
ما حكم الأذان للصلوات المقضية؟
اختلف العلماء في ذلك، والصحيح أنه يستحب لها الأذان، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
أ-لحديث الباب، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ..... ) وهذا يشمل حضورها في الوقت، وحضورها بعد الوقت.
ج-ولأن الأذان من سنن الصلاة المفروضة، فاستوى حاله في الوقت وغيره كالإقامة.
تنبيه: وهذا إذا كان من فاتتهم الصلاة حتى خرج وقتها في مكان لم يؤذن فيه كالصحراء، أما إذا كانوا في البلد فيكتفَى بأذان البلد، لأنه حصلت به الكفاية.
•
ما حكم قضاء الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان؟
يجب قضاء الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان.
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).
ب- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى صلاة الفجر لما نام عنها في السفر. (ففيها دليل قولي وفعلي).
•
هل يشرع قضاء النوافل إذا فاتت نسياناً؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يشرع قضاء جميع النوافل.
وهذا مذهب الحنابلة، واختيار ابن تيمية.
القول الثاني: أن راتبة الفجر، وركعتي الظهر هي التي تقضى فقط.
وهو قول عند الحنابلة.
القول الثالث: أن راتبة الفجر تقضى فقط.
وهذا قول الحنفية والمالكية.
القول الرابع: أنها لا تقضى.
أدلة القول الأول:
أ-لعموم الحديث السابق (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).
وجه الدلالة: أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة) نكرة فهي تقيد العموم، فيشمل هذا اللفظ السنَن الرَّواتب فهي داخلة في عموم هذا الحديث الآمِر بالقضاء، فإنَّ السنَن الرَّواتب لها وقت محدَّد، فلا تسقُط بفوات هذا الوقت إلى غير بدَل كالفرائض.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الراتبة ثم صلى الفريضة، ففي حديث أبي هريرة (
…
قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين. ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة).
وهذا القول هو الراجح، لكن يشترط أن تكون النافلة فاتت لعذر.
قال الشيخ ابن عثيمين: مَنْ فاته شيء من هذه الرواتب، فإنه يُسنُّ له قضاؤه، بشرط: أن يكون الفوات لعذر.
- هل يستحب التحول من المكان الذي فاتتهم فيه الصلاة.
نعم يستحب.
لحديث أبي هريرة الطويل وفيه (
…
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين. ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة).
•
لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتحال من المكان؟
قيل: لأنه وقت كراهة، وهذا ضعيف.
والصحيح أن السبب ما بينته الروايات الأخرى: ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أمر بالارتحال وقال: فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان).
ولأبي داود من حديث ابن مسعود (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة).
وأيضاً في الحديث أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس:
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (حتى ضربتهم الشمس) وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة.
قال بعض العلماء: يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان استحب له التحول عنه، ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر.
•
هل القضاء يحكي الأداء؟
نعم، القضاء يحكي الأداء. (فالفائتة تقضى على صفتها).
ففي حديث الباب قال (فصلى الغداة فصنع كما يصنع كل يوم). رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فقوله (فليصلها) يشمل فعل الصلاة وكيفيتها.
فإذا قضى صلاة الليل في النهار جهر بها بالقراءة، وإذا قضى صلاة نهار في ليل أسر فيها بالقراءة.
قال النووي: قَوْله: (كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم) فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا.
•
ما الجمع بين حديث (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ونومه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح؟
قيل: أن ما حصل في حديث الباب، إنما هو بأمر الله ليشرع لأمته.
وهذا اختيار ابن عبد البر.
قال رحمه الله:
…
وإنما هو من باب قوله صلى الله عليه وسلم (إني أنسى كما تنسون) وفي حديث آخر (إني لأنسى لأُسن" -شك المحدث- وكان نومه في سفره ذلك ليقع بيانه في أن الناسي لا يسقط عنه من الصلاة ما فرض عليه، وإن النائم وإن كان القلم عنه مرفوعاً، فإن فرض الصلاة غير ساقطة عنه، وليس منه ذلك عملاً وقولا، كما سكت عن السائل عن وقت الصلاة فأراه العمل أول وقتها وآخره كما قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال في حجته (خذوا عني مناسككم) ليقع البيان منه عملاً كما يقع منه قولاً، قال الله عز وجل مخاطبا له صلوات الله وسلامه عليه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين ما نزل إليهم).
وقال النووي: فان قيل كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، مع قوله صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي، فجوابه من وجهين:
أصحهما وأشهرهما: أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة وإن كان القلب يقظان
والثاني: أنه كان له حالان، أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع، والثاني لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول. (شرح مسلم).
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية الجماعة في الصلاة في الفائتة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ويُستفاد من حديث أبي قتادة أيضاً: أنه تُشرع فيها - أي: في المقضيَّة - الجماعةُ إذا كانوا جَمْعاً، لأن القضاء يحكي الأداء، فكما أنهم لو صلَّوها في الوقت صلَّوها جماعة، فإذا قَضَوها فإنهم يصلُّونها جماعة، وهذا أيضاً جاءت به السُّنَّة في حديث أبي هريرة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذَّن ثم صلَّى ركعتي الفجر، ثم صَلَّى بهم الفجرَ جماعة.
- تسمية صلاة الصبح بالغداة.
185 -
وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى اَلْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا اَلْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ).
186 -
وَلَهُ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ: (جَمَعَ بَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ).
زَادَ أَبُو دَاوُدَ: (لِكُلِّ صَلَاةٍ).
وَفِي رِوَايَةِ لَهُ: (وَلَمْ يُنَادِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا).
===
•
اذكر الخلاف في الأذان والإقامة للصلاة المجموعة؟
اختلف العلماء في مسألة الإقامة والأذان للصلاة المجموعة: على أقوال:
القول الأول: أنه يؤذن أذان واحد ويقيم إقامتين.
وهذا مذهب الشافعي في القديم، وهو مذهب ابن حزم، واختاره ابن الماجشون من فقهاء المالكية، واختاره الطحاوي الحنفي، وهو مذهب أبي ثور.
أ-لحديث الباب - حديث جابر - قال (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى اَلْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا اَلْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ). رواه مسلم
ب-فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فإن الرواية لم تختلف أن النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة أذّن أذان واحد للظهر والعصر، وأقام لكل صلاة منهما إقامة.
قال ابن القيم: والصحيح أنه صلاهما بأذان واحد وإقامتين كما فعل بعرفة.
القول الثاني: أنه يؤذن مرة واحدة ويقيم مرة واحدة.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث الباب - حديث ابن عمر - قال (جَمَعَ بَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) رواه مسلم.
فحديث ابن عمر لم يذكر إلا إقامة واحدة، وأما الأذان فيفهم من نصوص أخرى كحديث جابر وغيره.
القول الثالث: أنه يؤذن أذانين ويقيم إقامتين.
وهذا قول الإمام مالك، وهو اختيار الإمام البخاري.
عن ابن مسعود (أنه لما أتى مزدلفة أمر فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم صلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر فأذن وأقام وصلى العشاء ركعتين، ثم صلى الفجر
…
ثم قال آخر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) رواه البخاري.
والراجح من هذه الأقوال القول الأول، أنه يؤذن أذان واحد وإقامتين.
•
ما الجواب عن دليل أصحاب القول الثاني (جَمَعَ بَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ)؟
يجاب عنه:
أولاً: أن قوله (بإقامة واحدة) فيه اختصار من بعض الرواة ترتب عليه تغيير المعنى، ولذلك جاء في رواية أبي داود بعد قوله بإقامة واحدة قال:(لكل صلاة)، وهذه الزيادة (لكل صلاة) تقلب المعنى قلباً تاماً، بدلاً من أن تكون الإقامة واحدة للصلاتين أصبحت إقامة لكل صلاة، فيكون حديث ابن عمر هذا موافق لحديثه الذي في البخاري، وموافق لحديث أسامة، وحديث جابر.
ثانياً: أن يقال بالترجيح، فنرجح رواية ابن عمر الأخرى، وهي قوله (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمْع لكل واحدة منهما إقامة).
•
ما الجواب عن دليل أصحاب القول الثالث (وهو فعل ابن مسعود)؟
يجاب عنه:
أولاً: أن هذا موقوف عليه، وهذا هو الصحيح أنه من فعل ابن مسعود واجتهاده، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قوله في آخر الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) فليس مقصوده خصوص فعل الأذانين وإنما مقصوده جمع الصلاتين المغرب والعشاء.
ثانياً: أن يقال أن ابن مسعود إنما أذن لأنه تعشى بين المغرب والعشاء حيث تنفل، ثم دعا بالعشاء، ثم أمر رجلاً فأذن لأن الناس تفرقوا إلى منازلهم ليتعشوا أيضاً، فيقال حينئذٍ: إن ابن مسعود لم يجمع بين الصلاتين بالصورة المعروفة من تعاقبها، بل فصل بينهما بفاصل، فيكون أذن من أجل الناس تفرقوا، وليس لأن هذا الأمر سنة في خصوصه.
187 -
188 - وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَا يُنَادِي، حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْتَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي آخِرِهِ إِدْرَاجٌ.
189 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ (إِنَّ بِلَالاً أَذَّنَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: "أَلَا إِنَّ اَلْعَبْدَ نَامَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَضَعَّفَهُ.
===
(إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْل) أي: قبل طلوع الفجر قريباً من طلوعه كما جاء في رواية عند البخاري (لم يكن بينهما إلا أن يرقى هذا وينزل هذا).
(فَكُلُوا وَاشْرَبُوا) الأمر للإباحة والخطاب للصائمين.
(اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) هو عمرو بن قيس القرشي العامري، منسوب إلى أمه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة في عامة غزواته يصلي بالناس، شهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد فيها سنة 14 هـ.
•
ما صحة حديث ابن عمر (إِنَّ بِلَالاً أَذَّنَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: أَلَا إِنَّ اَلْعَبْدَ نَامَ)؟
حديث ضعيف لا يصح، وقد اتفق على هذا أئمة الحديث: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والذهبي، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، والأثرم، والدار قطني، واتفقوا على أن حماداً بن سلمة قد انفرد برفعه وقد أخطأ.
• ما حكم اتخاذا مؤذنيْن للمسجد الواحد؟
جائز.
•
ما حكم الأذان الأول للفجر (الذي يكون قبل الوقت)؟
مشروع، وهذا مذهب جماهير العلماء. [فتح الباري].
لحديث الباب - عَنْ اِبْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ - (إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
…
). فقوله (إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ
…
) أي: قبل طلوع الفجر.
وقال بعض العلماء: إنه لا يشرع.
وهذا مذهب الحنفية.
أ-لحديث الباب - ابن عمر - (إِنَّ بِلَالاً أَذَّنَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: أَلَا إِنَّ اَلْعَبْدَ نَامَ).
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على بلال الأذان بالليل قبل الوقت وعاتبه على ذلك، ولو كان مشروعاً لما أنكر عليه ولا عاتبه، وفيه دلالة على أن عادتهم أنهم لا يعرفون أذاناً قبل الفجر.
ب- وقياساً على بقية الصلوات، فكما أن سائر الصلوات لا يحل الأذان لها قبل دخول الوقت، فكذلك الفجر.
وقال بعض العلماء: إنه مشروع في رمضان خاصة.
لحديث الباب - عَنْ اِبْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ - (إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ اِبْنُ أُمِّ مَكْتُوم).
قالوا: ظاهر الحديث يدل على أن الأذان للصبح قبل الوقت مشروع في رمضان فقط، لأنه ذكر الأكل والشرب والسحور، والأصل أنه في رمضان.
والراجح القول الأول.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني؟
يجاب: أولاً: حديث ابن عمر ( .... فَيُنَادِيَ: أَلَا إِنَّ اَلْعَبْدَ نَامَ) حديث ضعيف كما تقدم.
ثانياً: وأما قياسهم على بقية الصلوات، فهذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص.
•
ما الجواب عن دليل القول الثالث (في رمضان خاصة)؟
يجاب:
أولاً: ليس في الحديث تصريح بأن ذلك في رمضان دون غيره، فإن عدم منع الأكل والشرب والسحور واقع في جميع العام لمن أراد الصوم.
ثانياً: أن الحاجة داعية إلى مشروعية هذا الأذان قبل الفجر في رمضان وغيره، إذ أن الصبح تأتي غالباً عقب النوم، فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول الوقت ليتأهبوا للصلاة.
•
ما الحكمة من الأذان الأول الذي قبل الفجر؟
الحكمة بينته الرواية الأخرى للحديث: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ - أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلَالٍ - مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ يُنَادِى - بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُم) متفق عليه.
قوله (لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُوقِظَ نَائِمَكُم) قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ لِيُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْفَجْر لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَيَرُدّ الْقَائِم الْمُتَهَجِّد إِلَى رَاحَتْهُ لِيَنَامَ غَفْوَةً لِيُصْبِحَ نَشِيطًا، أَوْ يُوتِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ يَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ إِنْ اِحْتَاجَ إِلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحه الْمُتَرَتِّبَة عَلَى عِلْمه بِقُرْبِ الصُّبْح، وَقَوْله صلى الله عليه وسلم (وَيُوقِظ نَائِمَكُمْ) أَيْ لِيَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ أَيْضًا بِفِعْلِ مَا أَرَادَ مِنْ تَهَجُّدٍ قَلِيلٍ، أَوْ إِيتَارٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ سَحُور إِنْ أَرَادَ الصَّوْم، أَوْ اِغْتِسَال أَوْ وُضُوء أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ قَبْل الْفَجْر.
•
هل يجزئ هذا الأذان (الذي قبل الفجر) عن الأذان عند طلوع الفجر؟
الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يجزئ، وأنه يجب الأذان عند طلوع الفجر، وذلك لأمور:
أولاً: أن الأصل وجوب الأذان عند دخول الوقت، لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) وهذا عام لا يستثنى منه شيء.
ثانياً: أن الأذان الأول ليس للصلاة، بل لحكمة أخرى جاء التصريح بها كما في الحديث السابق (
…
ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم).
(يرجع قائمكم) القائم المتهجد، أي يرد المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطاً أو يتسحر إن كان له حاجة إلى الصيام، (يوقظ نائمكم) ليتأهب للصلاة بالغسل والوضوء.
وقال الشيخ ابن عثيمين: الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النُّوَّمِ؛ من أجل أن يتأهَّبوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، ولإرجاع القائمين الذين يريدون الصِّيام.
•
هل يصح الأذان قبل الوقت؟
اتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة الأذان والإقامة دخول وقت الصلاة المفروضة، فلا يصح الأذان ولا الإقامة قبل دخول الوقت، كما اتفقوا على أنه إذا أذّن قبل وقت الصلاة أعاد الأذان بعد دخول الوقت.
أ-لحديث مالك بن الحويرث. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (
…
فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
فعلق النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالأذان على حضور الصلاة، وحضورها يكون بدخول وقتها.
ب-ولحديث الباب - حديث ابن عمر - (إِنَّ بِلَالاً أَذَّنَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: أَلَا إِنَّ اَلْعَبْدَ نَامَ) وهو ضعيف كما تقدم.
ج-ولأن الأذان شرع للإعلام بوقت الصلاة، فلا يشرع قبل الوقت، لئلا يذهب مقصوده.
190 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا سَمِعْتُمْ اَلنِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
191 -
وَلِلْبُخَارِيِّ: عَنْ مُعَاوِيَةَ.
192 -
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ عُمَرَ فِي فَضْلِ اَلْقَوْلِ كَمَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ كَلِمَةً كَلِمَةً، سِوَى اَلْحَيْعَلَتَيْنِ، فَيَقُولُ:(لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ).
===
(إِذَا سَمِعْتُمْ اَلنِّدَاءَ) أي: صوت المؤذن بالأذان.
(مِثْلَ مَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ) أي: مثل كل جملة يقولها، والمراد: تلفظوا بمثل ما يتلفظ به المؤذن من أذكار الأذان.
(سِوَى اَلْحَيْعَلَتَيْنِ) مثنى حيعلة، أي: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
(لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ) الحول: الحركة، أي: لا حركة ولا استطاعة ولا قوة، أي: على طاعة الله إلا بالله.
•
اذكر لفظ حديث معاوية الذي عند البخاري؟
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا. فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا. فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّى مِنْ مَقَالَتِي) رواه البخاري.
•
اذكر لفظ حديث عمر الذي عزاه المصنف رحمه الله لمسلم؟
عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. مِنْ قَلْبِه). رواه مسلم
•
ما حكم إجابة المؤذن؟
اختلف العلماء في حكم إجابته على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب الظاهرية.
أ-لحديث الباب ( .. فقولوا
…
).
ب- ولحديث عبد الله بن عمرو. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ثُمَّ سَلُوا لي الوسيلة
…
) رواه مسلم.
فقوله (
…
فقولوا
…
) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
القول الثاني: أنه سنة غير واجب.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
والصارف عن الوجوب:
أ- لحديث أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزى) رواه مسلم.
قالوا: إن ظاهر الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتابع المؤذن.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم).
وجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، والحاجة تدعوا إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وفد قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة المؤذن، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه، دلَّ على أن الإجابة ليست واجبة. [الشرح الممتع]
وهذا القول هو الراجح.
•
ماذا أجاب أصحاب القول الأول عن حديث صاحب المعزى؟
قالوا: يجاب عنه من وجهين:
الأول: ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فقد يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد.
الثاني: يحتمل أن يكون الأمر بالإجابة بعد هذه القضية، أو أن يكون قاله لكن بصوت منخفض لم يسمع.
•
هل السامع يجيب المؤذن في كل جمل الأذان؟
ظاهر الحديث أن السامع يجيب المؤذن بمثل ما يقول في كل جمل الأذان، لقوله (مثل ما يقول المؤذن).
لكن ذهب جمهور العلماء إلى أن المجيب يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
لحديث عمر السابق (
…
ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه
…
).
وهذا الحديث صريح في القول مثل ما يقول المؤذن إلى آخر الأذان، إلا عند الحيعلة فلا يقولها، وإنما يحوقل.
ولأن المعنى مناسب لإجابة الحيعلة بالحوقلة، فإن السامع يجيب المؤذن بمثل ما يقول من ألفاظ الذكر والثناء على الله، وأما في النداء إلى حضور الصلاة بـ (حي على الصلاة حي على الفلاح) فهذا دعاء ونداء، فالمناسب أن يظهر العبد أنه عاجز عن حضور الجماعة والقيام بها إلا إذا قوّاه الله تعالى وأعانه، فهو يقول: أنا أجيب هذا النداء وأحضر الجماعة ولكن بحول الله وقوته وإعانته وتوفيقه.
•
ما الحكمة من إبدال الحيعلة بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله)؟
لأن (حي على الصلاة) نداء ودعاء من المؤذن للناس، يعني: هلموا وتعالوا، فناسب أن يقول المستمع: لا حول ولا قوة إلا بالله، يستعين بالله تعالى على إجابة هذا الدعاء.
•
هل يدخل في الحديث (فقولوا مثل ما يقول
…
) من كان في ذكر أو دعاء أو طواف؟
نعم، فمن كان في ذكر أو دعاء أو طواف فإنه يجيب المؤذن.
لأن إجابة المؤذن عبادة مؤقتة يفوت وقتها، بخلاف القراءة والذكر والدعاء، فإن وقتها لا يفوت.
•
هل المصلي إذا سمع المؤذن يجيبه أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجيبه سواء كانت الصلاة فرضاً أم نفلاً.
وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
لحديث ابن مسعود. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن في الصلاة شغلاً) متفق عليه.
القول الثاني: أنه يجيبه إن كان في نافلة، ولا يجيبه إن كان في فرض.
وهو قول المالكية. قالوا:
أ-قالوا: إن النافلة الأمر فيها أخف من الفريضة
ب-ولأن النافلة يجوز فيها ما لا يجوز في الفريضة، كالصلاة على الراحلة إلى غير القبلة ونحوه.
القول الثالث: أنه يجيبه في الفرض والنفل.
وهو رأي لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
لحديث الباب (فقولوا مثل ما يقول) فالحديث عام، فيُجاب المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين المصلي وغيره.
والراجح القول الأول وأن المصلي لا يجيب المؤذن.
•
هل المؤذن يجيب نفسه أم لا؟
قولان للعلماء أصحهما أنه لا يجيب نفسه.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم النداء
…
) فإنه يدل بظاهره على التفريق بين المؤذن والسامع، فلا يدخل المؤذن في ذلك.
ب-ولأن المؤذن أتى بألفاظ الأذان، فلا معنى لكونه يجيب نفسه، ورجحه ابن رجب.
•
ماذا نستفيد من قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن
…
)؟
نستفيد أن متابعة المؤذن مشروطة بسماع الأذان، فمن شاهد المؤذن ولم يسمعه فإنه لا يقول شيئاً، ومن سمعه ولم يره - كما في هذا الزمان - فإنه يتابعه لقوله (إذا سمعتم) فعلق الأمر بالسماع.
قال النووي: مَنْ رأى المؤذن، وعلِم أنه يؤذن، ولم يسمعه، لبُعد، أو صمم: الظاهر أنه لا تُشرع له المتابعة؛ لأن المتابعة معلقة بالسماع، والحديث مصرح باشتراطه، وقياساً على تشميت العاطس، فإنه لا يشرع لمن يسمع تحميده. (المجموع)
•
هل يجيب المقيم؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يستحب لسامع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلة.
وهذا مذهب كثير من الفقهاء من الحنابلة والشافعية، وقال به من المعاصرين علماء اللجنة الدائمة والشيخ ابن باز والشيخ الألباني.
جاء في "الموسوعة الفقهية"(18/ 250): وكذلك بالنّسبة للمقيم فقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن يستحبّ أن يقول في الإقامة: مثل ما يقول في الأذان" انتهى.
قال الشيرازي الشافعي رحمه الله: ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول" انتهى.
وشرحه النووي رحمه الله بقوله: واتفق أصحابنا علي استحباب متابعته في الإقامة كما قال المصنف، إلا الوجه الشاذ الذي قدمناه عن " البسيط. (المجموع).
وقال ابن قدامة: ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: السنَّة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان.
أ-لأنه نداء، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم أذاناً في قوله (بين كل أذانين صلاة) فسماها أذاناً.
ب- ولحديث أبي أمامة (أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها، وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان) رواه أبو داود وهو حديث ضعيف لا يصح.
القول الثاني: أنه لا يستحب لسامع الإقامة أن يقول مثل ما يقول.
وهو ظاهر مذهب المالكية، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين.
أ-لأنه لا يوجد دليل صحيح يدل على ذلك، والاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
ب- وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) فسمى الإقامة أذاناً، فهذا من باب التغليب، ورجحه الشيخ محمد بن إبراهيم، وهذا هو الصحيح.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن المتابعة في الإقامة.
فأجاب: المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح: أنه لا يُتابع.
•
متى تكون متابعة المؤذن؟
تكون متابعته في كل كلمة عقب فراغ المؤذن منها، ولا يقارنه، ولا يؤخر عن فراغه من الكلمة
أ-لقوله (إذا سمعتم المؤذن فقولوا
…
) والفاء تقتضي التعقيب.
ب-ولحديث عمر السابق (إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
…
).
فدل هذا الحديث على أنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها، ولا ينتظر فراغه من كل الأذان.
•
ما الحكم إذا سمع الأذان في منتصفه؟
قيل: يستحب له أن يجيبه في جميع الأذان - ما سمع منه وما لم يسمعه -.
وقيل: يستحب له أن يجيبه فيما سمع فقط.
لقوله (إذا سمعتم
…
).
ولأن ما فات قد مضى محله.
والراجح الأول.
•
هل يجيب من يسمع الأذان في المذياع أو التلفاز؟
الأذان لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون على الهواء أي أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن، فهذا يجاب لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن)، إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب.
الحال الثانية: إذا كان الأذان مسجلاً، وليس أذاناً على الوقت، فإنه لا يجيبه؛ لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً، أي أن الرجل لم يرفعه حين أمر برفعه، وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق، وإن كان لنا تحفظ على كلمة: يرفع الأذان، ولذا نرى أن يقال أذن فلان، لا رفعَ الأذان. (فتاوى ابن عثيمين).
•
ماذا يقول المستمع إذا قال المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم)؟
ظاهر الحديث (فقولوا مثل ما يقول .. ) أنه يجيبه بمثل ما يقول، فيقول المجيب (الصلاة خير من النوم).
فلم يرد في السنة استثناء من هذا العموم إلا في الحيعلتين.
وأما ما ذكره بعض علماء الحنابلة والشافعية وغيرهم من أنه يقول (صدقت وبررت) فليس عليه دليل، ولا يصح.
•
ما الحكم إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن؟
هذا فيه تفصيل، إذا دخلت والمؤذن يؤذن لصلاة الجمعة، الأذان الذي بين يدي الخطيب، فهاهنا نقول: بادر بتحية المسجد، ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن؛ حيث إن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن غير واجبة.
وأما إذا كان الأذان لغير ذلك (يعني: لغير صلاة الجمعة) فالأفضل أن تبقى قائماً حتى تجيب المؤذن، وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان:" اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد "، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد. (فتاوى ابن عثيمين).
•
ما الحكم إذا كان الإنسان يقرأ القرآن وسمع المؤذن يؤذن؟
إذا كان الإنسان يقرأ القرآن، فأذن المؤذن، فالأفضل في حقه أن يترك القراءة، ويشتغل بمتابعة المؤذن؛
أ-وذلك امتثالاً لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ).
ب- ولأن الأذان يفوت وقته.
قال الإمام النووي رحمه الله: ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته وهذا متفق عليه عند أصحابنا. (التبيان).
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إذا أذن المؤذن والإنسان يقرأ القرآن، فهل الأفضل له أن يرجع معه فيقول مثل ما يقول، أم إن اشتغاله بالقرآن يعتبر أفضل باعتبار تقديم الفاضل على المفضول؟
فأجاب: " السنة إذا كان يقرأ وسمع الأذان: أن يجيب المؤذن؛ امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي
…
) ولأن إجابة المؤذن سنة تفوت إذا استمر في القراءة، والقراءة لا تفوت، وقتها واسع، وفق الله الجميع. (مجموع فتاوى ابن باز).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، مثاله: قراءة القرآن من أفضل الذكر، والقرآن أفضل الذكر، فلو كان رجل يقرأ وسمع المؤذن يؤذن، فهل الأفضل أن يستمر في قراءته أو أن يجيب المؤذن؟ هنا نقول: إن الأفضل أن يجيب المؤذن، وإن كان القرآن أفضل من الذكر، لكن الذكر في مكانه أفضل من قراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن غير مقيدة بوقت متى شئت فاقرأ، لكن إجابة المؤذن مربوطة بسماع المؤذن. (لقاء الباب المفتوح).
•
هل يكفي تشغيل الأذان عبر المسجل في مكبر الصوت عند دخول الوقت؟
الأذان الذي يذاع من المسجل: لا يكفي عن الأذان الشرعي المشروع للإعلام بدخول الوقت؛ لأنه ليس أذاناً حقيقيّاً، وإنما هو صوت مخزون، والأذان عبادة لا بد فيها من عمل ونية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
وعليه: فلا بد من الأذان عند دخول الوقت في المكان الذي يصلى فيه، وإذا احتيج إلى مكبر الصوت لأجل إبلاغ الناس للحضور للصلاة: فحسن.
(فتاوى اللجنة).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: نقل الأذان بواسطة التسجيل: لا يجزئ عن الأذان الشرعي؛ وذلك لأن الأذان الشرعي ذِكر وثناء على الله، ولا بد فيه من عمل، والتسجيل ليس بعمل؛ فإنك إذا سمعت المسجل لا يعني ذلك أن المسجل يعمل عبادة يتقرب بها إلى الله، وإنما هو سماع صوت شخص، ربما يكون قد مات أيضاً، فلا يجزئ عن الأذان الشرعي، فلا بد من أذان شرعي يقوم به المكلف يكبر الله، ويشهد له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ويدعو إلى الصلاة، وإلى الفلاح، لا بد من هذا، وإذا قلنا إن ما سجل ليس بأذان مشروع: فإنه لا تشرع إجابته، أي: لا يشرع للإنسان أن يتابعه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ونحن في الحقيقة لم نسمع المؤذن، وإنما سمعنا صوتاً مسجَّلاً سابقاً.
وأما قول السائل: ما الفرق بين ما نقل على الهواء وما نقل بواسطة التسجيل: فالفرق ظاهر؛ لأن ما نقل على الهواء: فهو صوت المؤذن الذي يؤذن الأذان الشرعي، فهذا يجاب، ويتابع، ويدعو بعد المتابعة بما وردت به السنَّة، وأما الأذان المسجل: فليس أذاناً في الواقع، كما أشرنا إليه. (فتاوى نور على الدرب).
•
هل تعاد الإقامة إذا أقام المؤذن وحصل عذر وتأخر الإمام لفترة؟
السنة: أن يحرم الإمام بالصلاة بعد فراغ المؤذن ولا يتأخر عن ذلك إلا بمقدار ما يأمر الناس بتسوية الصفوف ويتأكد من ذلك.
فإن أقام المؤذن الصلاة ثم حصل عذر أدى إلى تأخير دخول الإمام في الصلاة فلا حرج في ذلك، ولا يحتاج إلى إعادة إقامة الصلاة.
وقد دل على ذلك حديثان:
الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ) رواه البخاري.
زاد الدار قطني في سننه من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال (إني كنت جنباً فنسيت أن أغتسل).
قال الحافظ ابن حجر: في الحديث جواز الفصل بين الإقامة والصلاة؛ لأن قوله (فصلى) ظاهر في أن الإقامة لم تُعد
…
(الفتح) وقال بدر الدين العيني: فإن قلت: هل اقتصر على الإقامة الأولى أو أنشأ إقامة ثانية؟ قلت: لم يصح فيه نقل، ولو فعله لنقل. (عمدة القاري).
وقال رحمه الله أيضاً: ويستفاد من الحديث: أن الإمام إذا أقام الصلاة، ثم ظهر أنه محدث ومضى ليزيل حدثه، أي حدث كان، وأتى لا يحتاج إلى تجديد إقامة ثانية؛ لأن ظاهر الحديث لم يدل على هذا.
الحديث الثاني: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ صَلَّوْا) متفق عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين: في هذا الحديث: دليل على جواز مناجاة الإمام بعد الإقامة، وأن طول المناجاة أيضاً لا يضر، وأنه لا تشترط المولاة بين الإقامة والصلاة، لأن الصحابة رضي الله عنهم ناموا، ثم قام فصلى، فدل ذلك على أن طول الفصل بين الإقامة والصلاة لا بأس به، لكن بشرط أن يكون قد أقام عند إرادة الصلاة، يعني: أنه لا يقيم ويعلم أنه لن يصلي إلا بعد مدة، ولكن يقيم ثم إذا حصل ما يمنع أو ما يفصل بين الإقامة والصلاة ـ فهذا لا بأس به ـ ولو طال الفصل.
•
ما الحكم لو سمع المؤذن، ثم سمع آخر؟
يجيب الأول، ويجيب الثاني، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن).
ولكن لو صلى ثم سمع مؤذناً بعد الصلاة فظاهر الحديث أنه يجيب لعمومه.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجيب لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه، ولا يمكن أن يؤذن آخر بعد أن تؤدى الصلاة، فيحمل الحديث على المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا تكرار في الأذان، ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث وقال: إنه ذِكْرٌ وما دام الحديث عاماً فلا مانع من أن أذكر الله عز وجل فهو على خير. (فتاوى ابن عثيمين)
193 -
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه (أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ اِجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي. قَالَ: "أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
===
(أَنْتَ إِمَامُهُمْ) أي: جعلتك إماماً لهم.
(وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ) أي: راع حال الضعيف منهم في تخفيف الصلاة مع الإتمام حتى لا يمل القوم.
(عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا) أي أجرة دنيوية على أذانه، لأن الذي لا يأخذ على الأذان أجرة أقرب إلى الإخلاص.
•
ما حكم أخذ الأجرة على الأذان إذا كان ذلك من بيت المال؟
اتفق الفقهاء في هذه الحالة على أنه يجوز، إلا أن الشافعية والحنابلة قيدوا ذلك بعدم وجود متبرع.
وإنما كان جائزاً إذا كان من بيت المال لأمور:
أولاً: أن ما يأخذه من بيت المال ليس عوضاً وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة.
ثانياً: أن بالمسلمين حاجة إلى الأذان والإقامة وقد لا يوجد متطوع بهما، وإذا لم يدفع الرزق فيهما تعطّلتا.
ثالثاً: أن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين، فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجاً إليه كان من المصالح.
•
ما حكم أخذ الأجرة على الأذان من غير بيت المال؟
اختلف العلماء في هذه المسألة: على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز.
وبه قال أبو حنيفة.
أ-لقوله تعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
ب-ولحديث الباب (
…
واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً).
ج-ولأن الأذان قربة لفاعله، لا يصح إلا من مسلم، فلا يجوز أخذ الأجرة على كالصوم والصلاة.
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن أخذ الأجرة على القُرَب يفوّت الأجر بالاتفاق.
القول الثاني: أنه يجوز.
وهذا مذهب المالكية والشافعية.
أ-لحديث أبي محذورة وما جاء في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الأذان، وفيه: (
…
ثم دعا لي حين قضيت التأذين فأعطاني صُرةً فيها شيء من فضة) رواه أحمد والنسائي.
وقالوا: إن حديث الباب (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) محمول على الندب والورع.
لكن أجاب أصحاب القول الأول عن حديث أبي محذورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه صرة من فضة تأليفاً لقلبه وليس أجرةً على أذانه.
القول الثالث: أنه لا يجوز إلا في حالة الحاجة من غير شرط. (كأن يكون الآخذ فقيراً).
واختار هذا ابن تيمية.
وعللوا المنع بحديث عثمان بن أبي العاص.
وعللوا الجواز في حالة الحاجة: بقلة من يقوم بالأذان حسبة لله تعالى، فبمراعاته للأوقات والاشتغال به يقلّ اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله، فيأخذ الأجرة لئلا يمنعه الاكتساب عن إقامة هذه الوظيفة الشريفة.
قال ابن تيمية بعد أن ذكر الأقوال الماضية: وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْتَاجِ وَغَيْرِهِ - وَهُوَ أَقْرَبُ - قَالَ: الْمُحْتَاجُ إذَا اكْتَسَبَ بِهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَمَلَهَا لِلَّهِ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّ الْكَسْبَ عَلَى الْعِيَالِ وَاجِبٌ أَيْضًا فَيُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ بِهَذَا؛ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَسْبِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوهُ أَنْ يَعْمَلَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ؛ بَلْ إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَغْنَاهُ وَهَذَا فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ: كَانَ هُوَ مُخَاطَبًا بِهِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا بِهِ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَيْنًا.
•
هل يجوز للمسلمين أن يعيّنوا شخصاً يؤذن فيهم ويُجمع له راتب؟
نعم، لا بأس بشرط ألا يشارطهم ويقول: لا أؤذن إلا بكذا وكذا.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز طلب الإمامة في الخير، وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك الأوصاف أنهم يقولون (واجعلنا للمتقين إماماً) وليس من طلب الرياسة المكروهة، فإن ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يعان من طلبها ولا يستحق أن يعطاها.
- أنه يجب على إمام الصلاة أن يلاحظ حال المصلين خلفه، فيجعل أضعفهم كأنه المقتدي به، فيخفف لأجله.
- أن نصب الأئمة إلى ولي الأمر.
- أن الأفضل والأكمل للمؤذن أن لا يأخذ أجراً على أذانه، بل يجعل الأذان خالصاً لله تعالى.
194 -
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (وَإِذَا حَضَرَتِ اَلصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ
…
) اَلْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَةُ.
===
•
اذكر لفظ حديث الباب كاملاً؟
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ (أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيماً رَقِيقاً فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) رواه البخاري ومسلم، وعند البخاري (وصلوا كما رأيتموني أصلي).
•
ما حكم الأذان للمسافر؟
الصحيح أنه واجب، واختاره الشيخ السعدي.
قال الشيح محمد بن عثيمين مرجحاً هذا القول: الصحيح أن الأذان للمسافر واجب
…
ثم ذكر حديث الباب
…
حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الأذان حضراً ولا سفراً.
•
في الحديث قال (ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) مع أنه قال صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فما الجمع بينمها؟
الجمع أن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعاً وأسلموا جميعاً وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه ولم يبق ما تقدم به إلا السن وقد جاء عند أبي داود (وكنا يومئذٍ متقاربين في العلم).
•
ما ذا نستفيد من قوله (ليؤمكم أكبركم)؟
استدل به من قال: إن الإمامة أفضل، لأنه صلى الله عليه وسلم قال:(يؤذن أحدكم) وخص الإمامة بالأكبر.
•
ماذا نستفيد من قوله (إذا حضرت الصلاة)؟
- نستفيد أنه يشترط لصحة الأذان والإقامة دخول وقت الصلاة المفروضة، فلا يصح الأذان ولا الإقامة قبل دخول الوقت، وهذا نص عام لا يستثنى منه شيء، وقد تقدمت المسألة.
- ونستفيد أيضاً: أن فعل الأذان يكون عند إرادة الصلاة لا عند دخول الوقت لقوله (إذا حضرت الصلاة
…
) كما لو كان جماعة في صحراء مثلاً وأرادوا تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها، فالأفضل في حقهم تأخير الأذان إلى إرادة فعل الصلاة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم.
- ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والرحمة.
195 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ: (إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتُ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ اَلْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ) اَلْحَدِيثَ، رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ.
===
(ترسل) أي: تمهل.
(احدر) الحدر: الإسراع في الإقامة.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف ولا يصح، وضعفه الترمذي والبيهقي وغيرهما.
قال الصنعاني: له شواهد كلها واهية إلا أنه يقويها المعنى الذي شرع له الأذان فإنه نداء لغير الحاضرين ليحضروا للصلاة فلا بد من تقدير وقت يتسع للذاهب للصلاة وحضورها.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث يدل على استحباب الترسل في الأذان والحدر في الإقامة، ويدل لذلك:
أ-حديث الباب، وهو ضعيف.
ب-ما روي عن عمر بن الخطاب قال لمؤذن بيت المقدس (إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر) رواه الدارقطني.
ج-أن الأذان إعلام للغائبين، فكان الترسل فيه أبلغ في الإعلام، والإقامة إعلام للحاضرين فكان الحدر فيه أنسب.
د-أن الإقامة لا تحتاج لرفع الصوت للاجتماع عندها، بخلاف الأذان.
•
ما حكم الفصل بين الأذان والإقامة؟
يستحب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس.
أ-لحديث الباب، وهو ضعيف.
ب-ولحديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة ـ ثلاثاً ـ لمن شاء) رواه البخاري.
ج-ولحديث عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح) متفق عليه.
د-ولحديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، يفرغ الآكل من طعامه في مَهَل، ويقضي المتوضئ حاجته في مَهَل). رواه عبد الله ابن الإمام أحمد، وهو ضعيف
هـ-ولأن الأذان شرع للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة ويتهيؤوا لها.
لكن في صلاة المغرب فإنه يستحب أن يكون الفاصل يسيراً، لأنه من السنة تقديم صلاة المغرب وتعجيلها عقيب غروب الشمس.
كما جاء في حديث جابر قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا وجبت).
وحديث رافع بن خديج قال (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله). متفق عليه
ومقدار هذا الفصل مختلف فيه: والأرجح أنه بمقدار ركعتين خفيفتين.
أ-لحديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا قبل المغرب - قال في التالية: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة) رواه البخاري.
ب-ولحديث أنس قال (كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فيركعون ركعتين ركعتين حتى إن الرجل القريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها) رواه البخاري ومسلم.
196 -
وَلَهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ) وَضَعَّفَهُ أَيْضًا.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، ضعفه الترمذي وغيره.
قال الترمذي: الزهري لم يسمع من أبي هريرة.
وقد أخرج الترمذي الحديث موقوفاً على أبي هريرة، لكنه منقطع فلا يصح.
قال النووي: ضعيف.
وقال الصنعاني: فيه الزهري لم يسمع من أبي هريرة، والراوي عن الزهري ضعيف.
وقال المباركفوري: لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى الصَّدَفِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، كَمَا عَرَفْت فِيهِ اِنْقِطَاعٌ بَيْنَ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ.
وقال الشيخ ابن باز: سنده ضعيف.
•
ما حكم الطهارة من الحدث الأصغر للأذان؟
اتفق الفقهاء على أن الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر مطلوبة للأذان والإقامة، وتتأكد في الإقامة أكثر لاتصالها بالصلاة.
أ-لحديث الباب [وهو ضعيف].
ب-ولحديث المهاجر بن قنفذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة) رواه أبو داود.
ج-ولأن الأذان ذكر مشروع معظم، فأداه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم.
•
لكن لو أذن وهو محدث حدثاً أصغر هل يكره أم لا؟
اتفق الفقهاء على صحة الأذان والإقامة من المحدث حدثاً أصغر، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن هبيرة.
واختلف في كراهة أذان المحدث حدثاً أصغر:
فقيل: لا يكره.
وقيل: يكره.
لحديث (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة).
وهذا هو الراجح.
•
ما حكم أذان وإقامة الجنب؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يصح مع الكراهة.
وهذا مذهب جمهور العلماء، واعتبروا كراهته أشد من كراهة أذان وإقامة المحدث حدثاً أصغر. واستدلوا:
أ- أن الأذان ذكر، والجنب لا يمنع من الأذكار اتفاقاً غير القرآن، فكذا لا يمنع من الأذان.
ب- أن المقصود من الأذان الإعلام، وهو حاصل مع الجنابة.
القول الثاني: لا يصح أذان ولا إقامة الجنب.
القول الثالث: يحرم الأذان والإقامة للجنب، ويعاد الأذان دون الإقامة.
•
ما الحكمة من مشروعية الطهارة للأذان؟
لأمرين:
أولاً: اتصاله بالصلاة.
ثانياً: أن الأذان عبادة ينبغي الإتيان بها على طهارة، لا سيما العبادة المتعلقة بالصلاة.
197 -
وَلَهُ: عَنْ زِيَادِ بْنِ اَلْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) وَضَعَّفَهُ أَيْضًا.
198 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: فِي حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ (أَنَا رَأَيْتُهُ - يَعْنِي: اَلْأَذَانُ - وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ. قَالَ: "فَأَقِمْ أَنْتَ) وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
الحديث الأول ضعيف، لأن فيه عبد الرحمن بن أنعم الأفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث.
والحديث الثاني فيه ضعف أيضاً.
•
ما حكم أن يتولى الأذان والإقامة شخص واحد؟
مستحب وأفضل، فالأفضل أن من تولى الأذان هو الذي يتولى الإقامة. ويدل لذلك:
أ-حديث الباب (من أذن فهو يقيم) وهو ضعيف.
ب- ولحديث سهل بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم، قال: نعم) متفق عليه.
ففي هذا الحديث أن الإقامة من وظيفة المؤذن فهو الذي يقيم الصلاة، فدل على أن هذا هو السنة.
ج-وهذا هو فعل بلال وأبي محذورة.
د-ولأن من تولى الإعلام أولاً هو الذي يتولى الإعلام ثانياً.
وقد قال الترمذي: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم.
لأن بلالاً هو الذي يتولى الإقامة، وهو الذي يتولى الأذان.
• لكن لو أذن شخص وأقام غيره فإنه جائز من غير كراهة لحديث عبد الله بن زيد - حديث الباب - فإن ظاهره جواز أن يؤذن شخص ويقيم آخر، وقد سبق أن الحديث ضعيف.
199 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ) رَوَاهُ اِبْنُ عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ.
200 -
وَلِلْبَيْهَقِيِّ نَحْوُهُ: عَنْ عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِ.
===
(اَلْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ) أي: إن أمره موكول إليه، فكأنه مالك له، لأنه أمين على الوقت.
(وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ) أي: إن أمرها موكول إليه، فكأنه مالك لها، لأن الصلاة لا تقام إلا بأمره.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث فيه ضعف، وقد أخرجه الترمذي بلفظ (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين).
وأما أثر علي فأخرجه البيهقي وسنده قوي.
•
من الذي أملك بالأذان؟
المؤذن، فهو موكول إليه دخول الوقت، فهو الأمين عليه، فمراقبته ودخوله منوطة به وراجع أمره إليه.
•
من الذي أملك بالإقامة؟
الإمام، فأمرها راجع إلى الإمام، فلا يقيم المؤذن إلا بعد إشارته.
وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الذي كان يأمر بالإقامة ويأذن فيها، وبلال وغيره هو المسؤول عن الأذان.
وقد روى جابر بن سمُرَة قال (كان بلال يؤذن إذا دحضت - يعني الشمس - فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه) رواه مسلم.
•
متى يقوم المصلي للصلاة؟
اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الوقت الذي يقوم فيه المأموم للصلاة على أقوال ذكرها النووي رحمه الله في المجموع (3/ 233) وهي كما يلي:
القول الأول: يقوم إذا شرع المؤذن في الإقامة، وبه قال عطاء والزهري.
القول الثاني: يقوم إذا قال: حي على الصلاة، وبه قال أبو حنيفة.
القول الثالث: يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة، وبه قال الشافعي.
القول الرابع: ليس للقيام وقت محدد، بل يجوز للمصلي القيام في أول الإقامة، أو أثناءها، أو آخرها. وبه قال المالكية.
القول الخامس: يسن القيام عند قول المؤذن (قد قامت الصلاة) إن رأى المأموم الإمام، فإن لم يره، فإنه يقوم عند رؤيته لإمامه، وبه قال الإمام أحمد.
وليس هناك دليل واضح من السنة على أحد هذه الأقوال، وإنما هي اجتهادات من الأئمة، حسب ما ظهر لكل منهم، والراجح أن الأمر واسع.
•
ما الجمع بين حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) وحديث (إن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
-؟
قال الصنعاني: يجمع بينهما بأن بلالاً كان يراقب وقت خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رآه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا.
فظاهر الأدلة - والله أعلم - أن الإمام إذا كان موجوداً في المسجد، فإن العبد لا يقوم إلا إذا ابتدأ المؤذن بإقامة الصلاة، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال:(إن الصلاة كانت تقام لرسول صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه)، فهذا دال على أنهم يشرعون بالقيام إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة، فيأخذ الناس مصافهم مع الإقامة، وأما إذا كان الإمام خارج المسجد فإن المصلي لا يقوم حتى يرى الإمام كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أقيمت الصلاة ولم تروني فلا تقوموا حتى تروني).
201 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يُرَدُّ اَلدُّعَاءُ بَيْنَ اَلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
•
اذكر بعض المواضع التي يستحب فيها الدعاء؟
أ-بين الأذان والإقامة.
لحديث الباب.
ب-في السحر.
لقوله صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) متفق عليه.
ج-بعد العصر يوم الجمعة.
لقوله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة (وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها) متفق عليه.
وعند أبي داود (
…
آخر ساعة من العصر).
د-في السجود.
لقوله صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) رواه مسلم.
هـ-عند صياح الديكة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً) متفق عليه.
•
حديث الباب مقيد بماذا؟
مقيد إن لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ؟ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاء) رواه مسلم.
قال ابن القيم: الدعاء من أقوى الأسباب، فليس شيء أنفع منه، فمتى أُلهِمَ العبد الدعاء حصلت الإجابة.
•
هل يستحب التقدم للمسجد مبكراً ليحصل هذا الوقت؟
نعم يستحب التقدم مبكراً ليحصل هذا الوقت.
وقد جاء في فضل التبكير قوله صلى الله عليه وسلم (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) متفق عليه.
والنبي صلى الله عليه وسلم أراد من هذا الخبر الحث على اغتنام هذا الوقت بالدعاء، فإنه حري بالإجابة.
•
هل الإنسان إذا دعا عليه شخص يخاف أم لا؟
الراد للدعاء والقابل له هو الله، وعليه، فالإنسان إذا دعا عليه آخر لا يخاف إلا إذا كان ظالماً، لأن الإنسان إذا دعا على غير ظالم، فإن الذي يجيبه هو الله عز وجل، ولو أجابه على دعائه لكان الله يعين الظالمين، وحاشاه من ذلك، بل الله يقول (إنه لا يفلح الظالمون)، وعلى هذا: فلا تخف من دعاء من يدعو عليك بغير حق. [قاله ابن عثيمين].
•
ما الحكم فيمن يستعجل بركعتي تحية المسجد التي بين الأذان والإقامة حتى يتمكن من الدعاء؟
هذا خطأ، لأن الدعاء في الصلاة أفضل من الدعاء خارج الصلاة. [قاله ابن عثيمين].
•
يقول بعض الناس: أدعو الله ولا يستجاب لي؟
قد يكون لوجود مانع.
ففي حديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (
…
في الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، فأنَّى يستجاب له) رواه مسلم.
202 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ: اَللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ اَلدَّعْوَةِ اَلتَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ اَلْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا اَلْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا اَلَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ.
===
(اَللَّهُمَّ) أي: يالله.
(رَبَّ هَذِهِ اَلدَّعْوَةِ اَلتَّامَّةِ) المراد بالدعوة ألفاظ الأذان، ووصفت بالتامة، لأنها ذكرٌ لله تعالى وتعظيم له وشهادة بالوحدانية.
(وَالصَّلَاةِ اَلْقَائِمَةِ): قيل: بيان للدعوة التامة. وقيل: المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ، قال ابن حجر: وهو أظهر.
(آتِ مُحَمَّدًا اَلْوَسِيلَة) هي ما يتقرب بها إلى الكبير، والمراد بها المنزلة العلية، ووقع عند مسلم تفسيرها:(فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي لأحد إلا لعبد من عباد الله).
(وَالْفَضِيلَةَ) أي: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسير للوسيلة.
(وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا) أي يحمد القائم فيه، والمراد بها كل ما يحمده الخلائق عليها ومن أعظمها الشفاعة العظمى.
(اَلَّذِي وَعَدْتَهُ) قال الطيبي: المراد بذلك قوله تعالى (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً)، وأطلق عليه الوعد، لأن عسى من الله واقع.
(حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي) أي: وجبت له وحصلت واستحق الشفاعة.
(يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ) سمي بذلك أولاً: لقيام الناس من قبورهم، كما قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، ولقيام الأشهاد، كما قال تعالى (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، ولقيام الروح والملائكة، كما قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً).
(أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ) وأخرجه البخاري أيضاً في صحيحه.
•
ما حكم قول هذا الدعاء بعد الأذان؟
مستحب، لحديث الباب، وهو يدل على أنه من أسباب استحقاق شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
• قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ: اَللَّهُمَّ رَبّ هذه
…
) ظاهره أنه يقوله حال سماع النداء، فهل هذا الظاهر مراد؟
لا، ليس هذا الظاهر مراداً، بل يقول هذا الدعاء بعد إتمام النداء.
ويؤيد هذا حديث عبد الله عمرو في قوله صلى الله عليه وسلم (
…
فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، ثم سلوا لي الوسيلة
…
) رواه مسلم.
•
ماذا نستفيد من قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ: اَللَّهُمَّ رَبّ هذه
…
)؟
نستفيد: أن من لم يسمع النداء، فإنه لا يقول هذا الدعاء، يعني لو فرض أن إنساناً استيقظ من النوم بعد إكمال المؤذنين أذانهم، ودعا بهذا الدعاء، فإننا نقول: هذا ليس بمشروع، لأنه لم يسمع النداء، والنبي صلى الله عليه وسلم رتب هذا على من سمع النداء. [قاله ابن عثيمين].
•
اذكر أدعية الأذان؟
أولاً: متابعة المؤذن في كل جملة يقولها:
لحديث أبي سعيد وقد سبق (إِذَا سَمِعْتُمْ اَلنِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ) متفق عليه.
ولحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة) رواه مسلم
إلا في الحيعلتين فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث عمر وقد سبق.
ثانياً: الدعاء بعد الشهادتين بالدعاء الوارد.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه). رواه مسلم
وفي رواية: (وأنا أشهد
…
).
ثالثاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان.
لحديث عبد الله بن عمرو - السابق - (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً
…
).
رابعاً: قول: اللهم ربِّ هذه الدعوة
…
ألخ
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم ربِّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته
…
) رواه البخاري.
•
ما صحة زيادة (إنك لا تخلف الميعاد)؟
الصحيح أنها شاذة، لتفرد محمد بن عوف عن بقية الرواة.
فالحديث رواه البخاري عن علي بن عياش عن شعبة بن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر به.
فرواه عن علي بن عياش جماعة كثيرة من الحفاظ ولم يذكروا هذه الزيادة، وانفرد بذكرها محمد بن عوف
ومن هؤلاء الحفاظ:
البخاري في صحيحه.
أحمد في مسنده.
محمد بن سعد البغدادي كما عند الترمذي.
إبراهيم بن يعقوب كما عند الترمذي.
محمد بن يحيى الذهلي كما عند ابن ماجه.
وأبو زرعة الدمشقي كما في شرح معاني الآثار.
وموسى بن سهل كما عند ابن خزيمة.
ومحمد بن جعفر كما عند ابن ماجه.
والعباس بن الوليد كما عند ابن ماجه.
وعمرو بن منصور كما عند النسائي.
•
جاء في رواية عند ابن خزيمة والنسائي: (
…
وابعثه المقام المحمود) والذي في البخاري (وابعثه مقاماً محموداً) فأيهما أصح؟
ما في البخاري أصح، لوجوه:
أحدها: اتفاق أكثر الرواة عليه.
الثاني: موافقته للفظ القرآن.
الثالث: أن لفظ التنكير فيه مقصود به التعظيم.
الرابع: أن دخول اللام يعينه ويخصه بمقام معين، وحذفها يقتضي إطلاقاً وتعدداً، ومقاماته المحمودة في الموقف متعددة كما دلت عليه الأحاديث، فكان في التنكير من الإطلاق والاتساعة ما ليس في التعريف .... [قاله ابن القيم].
•
ما صحة زيادة (والدرجة الرفيعة)؟
قال ابن حجر: وليس في شيء من طرقه ذكر الدرجة الرفيعة.
•
اختلف العلماء في حكم زيادة الثقة هل تقبل مطلقاً أم لا، اذكر الخلاف؟
القول الأول: قبولها مطلقاً.
وقال بهذا القول الخطيب البغدادي، وابن حبان، والنووي، والغزالي، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
قالوا: إن الراوي إذا كان ثقة، وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولاً، فكذلك انفراده بالزيادة.
والرد عليهم:
قال الحافظ ابن حجر: هناك فرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله، وبين تفرده بالزيادة، لأن تفرده بالحديث من أصله لا يلزم تطرق السهو والغفلة إلى غيره من الثقات، إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة.
القول الثاني: أن زيادة الثقة لا تقبل مطلقاً ولا ترد مطلقاً، بل ينظر في كل زيادة بحسبها على حسب ما يقوم عندهم من القرائن المتحتمة بالقبول أو الرد.
قال الزيلعي: من الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ومنهم من لا يقبلها مطلقاً، والصحيح التفصيل: وهي أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي ثقة حافظاً ثبتاً، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها.
وهذا القول هو الراجح، وهو مذهب جمهور المحدثين.
•
اذكر بعض الأسباب التي تحقق شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
-؟
أولاً: قول الدعاء الوارد بعد الأذان.
لحديث الباب.
ثانياً: الموت بالمدينة.
قال صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن يموت بالمدينة) رواه الترمذي.
ثالثاً: من قال: لا إله إلا الله مخلصاً.
قال صلى الله عليه وسلم (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) رواه البخاري.
باب شروط الصلاة
تعريف الشرط:
لغة: العلامة، قال تعالى (فقد جاء أشراطها).
واصطلاحاً: ما يَلزَمُ من عَدَمِه العَدَم، ولا يَلْزَم من وجوده الوُجود.
مثاله: الوُضُوء شرط لصحَّة الصَّلاة، يلزم مِنْ عَدَمِه عَدَمُ الصِّحة، ولا يلزم من وجوده وجود الصَّلاة؛ لأنه قد يتوضَّأ ولا يُصلِّي.
•
والفرق بين الأركان والشروط:
أولاً: أنَّ الشُّروط قبل الصلاة والأركانَ فيها.
وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن: القيام، فالرُّكوع، فالرَّفع من الرُّكوع، فالسُّجود، فالقيام من السُّجود، ونحو ذلك.
ثالثاً: الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة .... (الشرح الممتع).
203 -
عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي اَلصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ اَلصَّلَاةَ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
204 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ، أَوْ رُعَافٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ.
===
(فسا): الفساء خروج الريح من الدبر بلا صوت.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، لأن في إسناده مسلم بن سلاّم وهو مجهول.
وأما حديث عائشة فقد تقدم (74) أنه ضعيف لا يصح.
•
ما حكم الطهارة لصحة الصلاة؟
شرط، فلا تصح الصلاة بلا وضوء.
لحديث الباب وهو ضعيف، ويغني عنه:
أ-حديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري (قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساء أو ضراط).
وتفسير أبي هريرة للحدث بالفساء أو الضراط تفسير للحدث منه، لأن الحدث أعم من ذلك، وكأن أبا هريرة فسره بالأخص:
أولاً: تنبيهاً بالأخف على الأغلظ، وثانياً: ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما.
ب-وحديث ابن عمر. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا تُقبلُ صلاةٌ بغير طُهور، ولا صدقةٌ من غُلول) رواه مسلم.
قال النووي: وهذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة.
ج- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتكى أحدكم في صلاته فلم يدرِ أخرج منه شيء أم لا، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً). رواه مسلم
ففي هذا الحديث: أن خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء وتبطل به الصلاة، وقد أجمع العلماء على ذلك.
•
ما حكم من أحدث أثناء الصلاة؟
يجب أن يخرج ويتوضأ ويعيدها، وهذا قول جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب (وقد سبق أنه ضعيف).
ب-وقد يستدل بحديث أبي هريرة (لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فإنه يفيد أن صلاة المحدث لا تقبل، وهذا يعم ما قبل الصلاة من الحدث اختياراً وما حصل في أثنائها اضطراراً، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين حدث وحدث.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا أحدث في صلاته فإنه ينصرف ويتوضأ ويبني على ما مضى، وهذا مذهب الحنفية.
لحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أصابه قيء أو قلس أو رعاف أو مذي فلينصرف وليتوضأ وليبني على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم)، لكن هذا الحديث ضعيف.
•
ما حكم من صلى بغير وضوء متعمداً؟
من صلى وهو محدث متعمداً بلا عذر فهو آثم، ولكن هل يكفر؟
قيل: لا يكفر، ونسبه النووي للجمهور.
وقيل: يكفر ونسبه النووي لأبي حنيفة، لتلاعبه.
•
ما حكم من انتقض وضوءه وهو إمام؟
من انتقض وضوءه وهو إمام فإنه يجب أن يخرج من صلاته، ولا يجوز أن يكمل صلاته، ويقدم أحد المأمومين ليكمل بالمصلين.
•
ما حكم صلاة المأموم إذا تبين له حدث إمامه بعد الفراغ من الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يعيد المأموم صلاته.
وهذا مذهب الحنفية.
القول الثاني: إن كان الإمام يعلم حدثه لزمت المأموم الإعادة، وإن كان لا يعلم حدثه صحت صلاة المأموم.
القول الثالث: تصح صلاة المأموم فلا يعيدها، وهذا القول هو الصحيح.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة خلف أئمة الجور (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) رواه البخاري.
ب-ولأن الحدث مما يخفى، ولا سبيل للمأموم إلى معرفة حدث الإمام فكان معذوراً في الاقتداء به، لأنه لم يكلف علم ما غاب عنه من أمره، وإذا صح اقتداؤه صحت صلاته فلا يعيدها.
وكذلك على القول الراجح لو أحدث الإمام في أثناء الصلاة، فصلاة المأمومين صحيحة، ويخرج الإمام ويقدم من يكمل بهم.
205 -
وَعَنْهَا. عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ) المراد بالنفي هنا نفي الصحة، فمن صلت بغير خمار لم تقبل صلاتها.
(صَلَاةَ حَائِضٍ) أي بالغ، قال ابن الأثير: أي التي بلغت سن المحيض، وجرى عليها القلم، ولم يرد في أيام حيضها، لأن الحائض لا تصلي.
(إلَّا بِخِمَارٍ) الخمار: ما تخمّر به المرأة رأسها، أي: تغطيه به.
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث مختلف في صحته: فصححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم، والذهبي، والألباني.
وأعله بعض الحفاظ بالإرسال، قال أبو داود: رواه سعيد - يعني بن أبي عروبة - عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأعله الدارقطني بالانقطاع.
•
ما حكم ستر المرأة شعرها وجسدها في الصلاة؟
يجب على المرأة ستر رأسها بالخمار.
أ- لحديث الباب.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى قبول صلاة المرأة إذا صلت مكشوفة الرأس، بلا خمار، وهذا يدل على وجوب ستر رأس المرأة في الصلاة، بل على اشتراطه، وإذا تقرر هذا الحكم في الرأس ففي البطن وغيره من سائر البدن من باب أولى.
ب-ولحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه الترمذي.
وجه الدلالة: أن قوله صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة) يقتضي وجوب ستر جميع بدنها، وهو عام في الصلاة وفي غيرها، إلا أنه يستثنى الوجه في الصلاة فلا يجب ستره بالإجماع، وكذلك الكفان والقدمان لا يجب سترهما عند طائفة.
قال ابن قدامة: وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة.
•
هل تكشف المرأة وجهها في الصلاة؟
نعم.
أجمع العلماء على جواز كشفه، حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر، وابن تيمية.
وقال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم.
•
ما حكم ستر المرأة لكفيها ويديها في الصلاة؟
اختلف العلماء في حكم سترهما في الصلاة: على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجب سترهما.
وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين.
أ-قالوا: وَالنِّسَاءُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ لَهُنَّ قُمَّصٌ وَكُنَّ يَصْنَعْنَ الصَّنَائِعَ والقمص عَلَيْهِنَّ فَتُبْدِي الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا إذَا عَجَنَتْ وَطَحَنَتْ وَخَبَزَتْ، وَلَوْ كَانَ سَتْرُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، كَذَلِكَ الْقَدَمَانِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْخِمَارِ فَقَطْ مَعَ الْقَمِيصِ فَكُنَّ يُصَلِّينَ بقمصهن وَخُمُرِهِنَّ. (مجموع الفتاوى).
ب-ولحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه
…
).
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفين والقدمين يسجدان مع المصلي كما يسجد الوجه، ومن المعلوم أن المرأة لا يجب عليها أن تستر وجهها في الصلاة فكذلك كفاها وقدماها.
ج-ولأن القول بوجوب تغطية المرأة كفيها وقدميها في الصلاة فيه حرج كبير.
القول الثاني: لا يجوز للمرأة الحرة أن تكشف كفيها وقدميها.
وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث ابن مسعود. قال: قال صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة) رواه الترمذي.
وجه الدلالة: أنه يدل بعمومه على أن المرأة عورة كلها، لكن خرج منه الوجه بالإجماع.
القول الثالث: يجوز لها في الصلاة أن تكشف كفيها دون قدميها.
وهذا مذهب المالكية والشافعية، واختاره ابن جرير، وابن المنذر، والموفق، والمرداوي، وابن باز.
لقوله صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة).
قالوا: إن قوله (عورة) يقتضي بعمومه ستر جميع بدنها، ويستثنى من ذلك ما دعت الحاجة إلى كشفه كالوجه والكفين، وأما ما عداه [ومن ذلك القدمان] فيبقى على العموم.
والراجح القول الأول.
وأما الحديث الأول (المرأة عورة) فالاستدلال به لا يصح، لأن الحديث فيه زيادة عند ابن خزيمة وهي (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) وهذا يدل على أن المرأة عورة خارج الصلاة عند الأجانب.
•
هل يجب على المرأة التي لم تبلغ تغطية رأسها؟
لا يجب، فلو صلت وقد انكشف رأسها فصلاتها صحيحة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَقْبَلُ اَللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ) فمفهومه أن غير البالغ تصلي بغير خمار.
•
هذا الحكم في هذا الحديث خاص بمن؟
خاص بالحرة، أما الأمَة فالجمهور على أن عورتها ما بين السرة والركبة.
•
اذكر علامات البلوغ؟
أولاً: إنزال المني بجماع أو احتلام.
قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام.
قال تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة:
…
وعن الصبي حتى يحتلم). رواه أبو داود
ثانياً: الحيض.
قال ابن قدامة: وأما الحيض فهو علم على البلوغ، لا نعلم فيه خلافاً.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء.
لحديث الباب.
ثالثاً: بالبلوغ بالسن.
اختلف العلماء في السن الذي يكون به البلوغ: على أقوال:
القول الأول: البلوغ بالأربع عشرة سنة.
وهو قول الثوري.
القول الثاني: بالخمس عشرة سنة.
قال ابن حجر: وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور: حده فيها استكمال خمس عشرة سنة.
وقال النووي: وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وابن وهب وأحمد وغيرهم، قالوا: باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفاً وإن لم يحتلم.
لحديث ابن عمر قال: (عُرِضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). متفق عليه
قال نافع: (فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذٍ خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال). متفق عليه
القول الثاني: البلوغ بالسبع عشرة سنة.
قال الشوكاني: وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما لا يحكم لمن لم يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة.
وقال ابن حجر: وقال أكثر المالكية: حده فيها سبع عشرة أو ثمان عشرة.
القول الرابع: البلوغ بالثمانية عشرة سنة.
وهذا القول عزي لأبي حنيفة إلى أن حد البلوغ في استكمال ثمان عشرة سنة إلا أن يحتلم قبل ذلك.
رابعاً: البلوغ بالإنبات
وقال به جمع من أهل العلم.
قال ابن حجر: فاعتبر مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور الإنبات.
وقال ابن حزم: والإنبات بلوغ صحيح.
لحديث عطية القرظي قال: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي) رواه أحمد.
206 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: (إِنْ كَانَ اَلثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ) - يَعْنِي: فِي اَلصَّلَاةِ) وَلِمُسْلِمٍ: (فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ - وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
207 -
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي اَلثَّوْبِ اَلْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ).
===
(إِنْ كَانَ اَلثَّوْبُ) المراد بالثوب ما يلبس من إزار أو رداء أو غيرهما، فهو قطعة قماش لم تفصّل على قدر البدن، وليس المراد به القميص، لأن القميص ثوب ذو أكمام.
(وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ) الالتحاف: أن يتزر ويرتدي بثوب واحد، يخالف بين طرفيه، ولذا ساق الحافظ رواية مسلم (فخالف بين طرفيه).
(وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ به) أي: وإن كان الثوب ضيقاً لا يكفي للارتداء والاتزار، فاتزر به فقط، والاتزار: ستر أسفل البدن ما بين السرة والركبة، لأن القصد الأصلي ستر العورة، وهو يحصل بالاتزار.
(لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شيء) العاتق: ما بين المنكب والعنق.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على أنه إذا كان الثوب واسعاً فعلى المصلي أن يلتحف به، فيغطي به من المنكبين إلى ما تحت الركبتين، لأنه وجد سترة كاملة، وأما إذا كان الثوب ضيقاً لا يكفي ستر كل البدن، فليستر به العورة الواجب سترها، وهي بين السرة والركبة.
•
ما حكم ستر العاتق في الصلاة؟
تحرير محل الخلاف:
أولاً: لا خلاف بينهم في مشروعية ستر العاتقين في الصلاة، وأن ذلك هو الأكمل والأفضل في حق المصلي.
ثانياً: وإنما الخلاف بينهم في حكم ستر العاتقين داخل الصلاة.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه يجب أن يضع المصلي على عاتقه شيئاً من اللباس فرضاً كانت الصلاة أم نفلاً.
وهذا ذهب إليه المالكية والحنابلة في رواية، ورجح هذا القول جمع من العلماء: ابن المنذر، والبخاري، وابن بطال، وابن حجر، وابن رجب، وابن قدامة.
لحديث الباب (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في الثوب الواحد إذا لم يكن على العاتق منه شيء نهياً مؤكداً، والأصل في النهي التحريم، فدل على وجوب ستر العاتق في الصلاة.
قالوا: والحديث عام، فيشمل الفرض والنفل، لأنه ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل.
القول الثاني: أنه يجب في الفرض.
وهذا المذهب، وذكر بعض الحنابلة أنها من المفردات.
أ-لحديث الباب. (لا يصلي أحدكم في الثوب
…
).
قالوا: هذا محمول على صلاة الفريضة، لأن الفرض هو المكلف به.
ب- ولحديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد بعضه علي). رواه أبو داود.
قالوا: ظاهر هذا الحديث أنه كان في صلاة نفل.
ج- وقالوا: إن صلاة النفل مبناها على التخفيف.
القول الثالث: أنه مستحب لا واجب.
وإليه ذهب جمهور العلماء: الحنفية، وأكثر المالكية، والشافعية.
واستدلوا على الاستحباب بحديث الباب (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد
…
).
واستدلوا على عدم الوجوب: بحديث جابر: (
…
وإذا كان ضيقاً فاتزر به) فدل ذلك على أن الصلاة بإزار واحد مع إعراء المنكبين صحيحة.
واستدلوا بالقياس: وهو أن العاتقين ليسا بعورة، فأشبها بقية البدن.
واستدلوا: بالإجماع المحكي على جواز الصلاة مع ترك ستر العاتقين [وهذا الإجماع فيه نظر].
والراجح: القول بوجوب ستر أحد العاتقين في الصلاة إن تيسر قول قوي، ويكون حديث جابر تجتمع به الأدلة.
•
ما هي عورة الرجل في الصلاة؟
أولاً: لا خلاف بين العلماء في أن ما فوق سرة الرجل وما تحت ركبتيه ليس بعورة.
ثانياً: لا خلاف بينهم في أن القبل والدبر عورة.
ثالثاً: وإنما الخلاف فيما عدا الفرجين مما تحت السرة وفوق الركبة.
اختلف العلماء على أقوال:
القول الأول: أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة.
وهذا مذهب أكثر العلماء: من المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة. الأدلة:
- عن جرهد الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(غط فخذك فإنها من العورة). رواه أبو داود والترمذي
- وعن محمد بن جحش قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه - على معْمر وفخذاه مكشوفتان، فقال:(يا معمر، غط فخذيك فإن الفخذين عورة). رواه أحمد والبخاري تعليقاً
وهذه الأحاديث صححها جمع من العلماء: كابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن حجر، والألباني.
- وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت). رواه أبو داود
القول الثاني: أن عورة الرجل الفرجان فقط.
وهذا مذهب الظاهرية.
لحديث أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصليا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم
…
فأجرى نبي الله في زقاق مكة، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله
…
). متفق عليه
وجه الدلالة: أن الفخذ ليس بعورة، إذ لو كانت عورة ما كشفها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجواب عنه:
أن الحديث محمول على أن الإزار انكشف وانحسر بنفسه، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد كشفه، بل انكشف لضرورة الإغارة والجري والزحام، وعلى هذا تدل رواية مسلم:(فانحسر الإزار).
والرد على هذا:
قال ابن حجر: لا فرق بين الروايتين: (حسر، وانحسر) في الدلالة على الحكم، فعلى التسليم يكون قد انحسر بنفسه فإن بقاءه مكشوفاً يدل على أن الفخذ ليس بعورة، إذ لو كان كذلك لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أقرَّ عليه، ولنبه عليه كما كان يفعل، فاستوى الحال في كون الإزار انحسر بنفسه أو بفعله.
وهناك جمع آخر لابن القيم، قال: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث، ما ذكر غير واحد من أصحاب أحمد وغيره، أن العورة عورتان: مخففة، ومغلظة، فالمغلظة السوأتان، والمخففة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين، لكونها عورة، وبين كشفها، لكونها عورة مخففة.
واستدلوا أيضاً: بحديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس وسوى ثيابه فدخل
…
). رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر بالدخول عليه وفخذه مكشوفة، يدل على أن الفخذ ليست بعورة.
والجواب عن هذا الحديث:
أن هذا الحديث لا حجة فيه، مشكوك في المكشوف هل هما الساقان أو الفخذان، حيث جاء في رواية مسلم التردد في كون النبي صلى الله عليه وسلم كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، والساق ليس بعورة إجماعاً.
•
هل السرة والركبة من العورة؟
اختلف العلماء في السرة والركبة:
فقيل: هما من العورة.
وقيل: أنهما ليسا من العورة، وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.
وقيل: الركبة من العورة دون السرة.
وهو مذهب الحنفية.
وقيل: السرة من العورة دون الركبة.
استدل الجمهور على أن الركبة ليست من العورة:
- بما رواه أبو موسى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في مكان فيه، قد انكشف عن ركبته، فلما دخل عثمان غطاها). رواه البخاري
- وبما رواه علي في قصة حمزة: (لما شرب الخمر قبل أن ينزل التحريم الأبدي واعتدى على ناقة رجل من الأنصار، وهو سكران لا يشعر بما يفعل، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعه علي وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه خمره، فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة
…
فإذا حمزة ثمل محمر عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صعّد النظر، فنظر إلى ركبتيه، ثم صعّد النظر إلى سرته، ثم صعّد النظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد أبي). رواه البخاري
- وما رواه أبو الدرداء قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر). رواه البخاري
- وقال صلى الله عليه وسلم: (ما بين السرة والركبة عورة). صححه الألباني
أدلة من قال بأنها من العورة:
استدلوا بأدلة لا تصح.
كقوله صلى الله عليه وسلم: (الركبة من العورة). رواه البيهقي وهو لا يصح
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (السرة من العورة). وهو ضعيف
والراجح أنهما ليسا من العورة.
•
هل الأفضل تغطية الرأس في الصلاة أم لا؟
قيل: حسب عرف البلد، واختاره الشيخ ابن عثيمين، قال رحمه الله: قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فإن كان من قوم لا يتم أخذ زينتهم إلا بغطاء الرأس، قلنا: غطاء الرأس مستحب، وإذا كان من قوم لا يهتمون بهذا ولا يجعلون غطاء الرأس من الزينة، قلنا: لا يستحب، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. [الشيخ ابن عثيمين].
وقيل: يكره الصلاة حاسر الرأس، وهذا اختيار الألباني رحمه الله، قال رحمه الله: والذي أراه في هذه المسألة أن الصلاة حاسر الرأس مكروهة ذلك أنه من المسلم به استحباب دخول المسلم في الصلاة في أكمل هيئة إسلامية للحديث المتقدم في الكتاب: فإن الله أحق أن يتزين له، وليس من الهيئة الحسنة في عرف السلف اعتياد حسر الرأس والسير كذلك في الطرقات والدخول كذلك في أماكن العبادات بل هذه عادة أجنبية تسربت إلى كثير من البلاد الإسلامية حينما دخلها الكفار وجلبوا إليها عاداتهم الفاسدة.
•
اذكر شروط الثوب الساتر؟
أولاً: أن يكون الثوب الساتر مباحاً، فلا يجوز أن يكون محرماً.
والمحرم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
محرم لعينه: كما لو صلى بثوب حرير [ومن المعلوم أن الحرير حرام للرجال] فلا تصح صلاته.
محرم لكسبه: كمن صلى بثوب مغصوب أو مسروق، فلا تصح صلاته.
محرم لوصفه: كمن صلى في ثوب مسبل.
وقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه). رواه أحمد وهو ضعيف
وذهب بعض العلماء إلى صحة الصلاة بالثوب المحرم مع الإثم، وهذا القول هو الصحيح، لأن جهة الأمر والنهي مختلفة.
ثانياً: أن لَا يَصِفُ اَلْبَشْرَةَ.
هذا الشرط الثاني للثوب الساتر، أن لا يصف البشرة، يعني لا يكون رقيقاً يصف البشرة، فإن كان رقيقاً يصف البشرة من احمرار أو اسوداد ونحو ذلك؛ فإنه لا يصح الستر به، لأنه لا يسمى ساتراً.
ولأن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما
…
نساء كاسيات عاريات) قال العلماء: يدخل في الكاسية العارية التي تلبس ثوباً تكتسي به لكنه عاري في نفس الوقت لخفته لكونه خفيفاً.
ثالثاً: أن يكون طاهراً، فإن كان نجساً فإنه لا تصح الصلاة به، لا لعدم الستر، ولكن لأنه لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة.
وهذا أدلته أدلة اجتناب النجاسة، ومنها حديث أبي سعيد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ذات يوم بأصحابه، فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم، قالوا: رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً). رواه أبو داود
208 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. (أَنَّهَا سَأَلَتْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَتُصَلِّي اَلْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، بِغَيْرِ إِزَارٍ؟ قَالَ: "إِذَا كَانَ اَلدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَ اَلْأَئِمَّةُ وَقْفَهُ.
===
أَتُصَلِّي اَلْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ) الدرع بكسر الدال وهو هنا قميص المرأة.
(بِغَيْرِ إِزَارٍ) أي: ليس تحت قميصها إزار ولا سراويل.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف ولا يصح، وكما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله صحح الأئمة وقفه.
ومع ذلك اختلف في هذا الموقوف هل هو صحيح أم ضعيف.
بعض العلماء ضعف هذا الموقوف، لأن في الإسناد امرأة مجهولة لا تعرف.
وبعضهم صححه لأمرين:
الأول: أن هذه المرأة وإن كانت مجهولة؛ لكنها من التابعيات وقد سمعت من أم سلمة، وتقدم مراراً أن المجهول لا يُتكلف في أمره إذا كان من التابعين لغلبة الثقات عليهم.
ثانياً: أن هذه المرأة الفاضلة توبِعت من امرأةٍ أخرى وهي أم الحسن البصري، روت عن أم سلمة نفس هذه الفتوى، فتابعت هذه المرأة. [الشيخ أحمد الخليل].
•
ما الواجب في لباس المرأة في الصلاة؟
أن المرأة تصلي في الدرع والخمار، فالدرع وهو القميص يغطي بدنها وقدميها، والخمار يغطي رأسها.
•
ما الأكمل والأفضل لها؟
الأكمل والأفضل أن تصلي المرأة في درع وخمار وملحفة.
لما ورد عن ابن عمر قال: إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها: الدرع والخمار والملحفة. أخرجه ابن أبي شيبة.
•
اذكر بعض الفوائد من الحديث؟
أولاً: عدم وجوب تغطية المرأة وجهها في الصلاة، وهذا إذا لم يكن عندها رجال أجانب.
ثانياً: استدل به من قال: إنه يجب على المرأة أن تغطي قدميها في الصلاة (وسبقت المسألة).
209 -
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مَظْلَمَةٍ، فَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا اَلْقِبْلَةُ، فَصَلَّيْنَا. فَلَمَّا طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ اَلْقِبْلَةِ، فَنَزَلَتْ: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ) أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ.
===
(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا) أي: فإلى أيّ مكان تتجهوا.
(فَثَمَّ) بفتح الثاء والميم المشددة، أي: فهناك.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه الترمذي وابن ماجه والعقيلي في الضعفاء من طريق أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أسيد.
وهذا إسناد ضعيف، وقد ضعفه الترمذي حيث قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وفيه ضعف، وأشعث، قال الحافظ: متروك.
وعاصم بن عبيد الله، قال الحافظ: ضعيف.
•
ما حكم استقبال القبلة في الصلاة؟
شرط من شروط الصلاة.
أ-لقوله تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
ب-وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر). متفق عليه
وأجمع المسلمون على أن استقبال القبلة من شروط الصلاة، وممن نقل الإجماع ابن عبد البر، والقرطبي.
•
لماذا سميت القبلة قبلة؟
والقبلة هي الجهة التي يستقبلها المصلي، وسميت قبلة لإقبال الناس عليها، أو لأن المصلي يقابلها وهي تقابله.
•
أين كانت القبلة أولاً، ومتى كان التحويل؟
كانت القبلة أولاً إلى بيت المقدس، ثم نسخت إلى الكعبة.
وكان تحويل القبلة في شعبان في السنة (2) هـ.
•
ما حكم المسافر إذا أشكلت عليه القبلة ثم صلى، وبعد الصلاة تبين أنه أخطأ؟
الحديث يدل على أن المسافر إذا أشكلت عليه القبلة، ثم صلى، ثم تبين له خطأه، فصلاته صحيحة.
وقد اختلف العلماء، فيمن صلى باجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد أو بتقليد إن لم يكن من أهل الاجتهاد، ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه على أقوال:
القول الأول: أنه لا يعيد.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
فهو قول مالك وأحمد وأبي حنيفة، وهو قول للشافعي، وهو قول الظاهرية.
وقال الترمذي بعد إخراجه حديث الباب وإعلاله له، قال:
…
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا صلى في الغيم إلى غير القبلة، ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة، فإن صلاته جائزة، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
أ- لحديث الباب، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإعادة.
ب-ولأنه أتى بما أمر، فخرج عن العهد، كالمصيب.
ج- ولأنه قام بالواجب عليه على وجهه، مع عدم تفريطه فسقط عنه.
د- ولأن خفاء القبلة في الأسفار يقع كثيراً لوجود الغيوم وغيرها من الموانع، فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج، وهو منتف شرعاً.
القول الثاني: يلزمه الإعادة.
وهو قول للشافعي.
لأنه بان له الخطأ في شرط من شروط الصلاة، فلزمته الإعادة، كما لو بان له أنه صلى قبل الوقت، أو بغير طهارة، أو ستارة.
والراجح القول الأول.
•
ما الحكم لو علم المصلي بالقبلة أثناء الصلاة؟
لو علم بالقبلة أثناء الصلاة، فإنه يجب أن يتجه إليها وهو في الصلاة.
لحديث البراء قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً،
…
فأنزل الله (قد نرى تقلب وجهك في السماء) فتوجه نحو الكعبة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرك القوم حتى توجهوا نحو القبلة) متفق عليه.
•
ما الواجب على من خفيت عليه القبلة؟
يجب على الذي خفيت عليه القبلة أن يجتهد إن كان من أهل الاجتهاد، أو يقلد إن لم يكن من أهل الاجتهاد، فإن صلى فإن صلاته صحيحة أصاب القبلة أو لم يصبها.
•
ما الحكم إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد؟
إن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد، فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يخطى القبلة، فهنا يعيد لأنه مفرط.
الحال الثانية: إن أصاب القبلة:
فقيل: يعيد، لأنه مفرط.
وقيل: لا يعيد، وهذا هو الصحيح.
•
هل هذه الآية من آيات الصفات أم لا؟
اختلف العلماء هل هذه الآية من آيات الصفات أم لا على قولين:
القول الأول: ذهبت طائفة إلى أن ذلك من الصفات، وأن المراد بالآية وجه الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه.
وممن قال بذلك: ابن خزيمة، والبيهقي، وابن القيم، وعبد الرحمن السعدي، وابن عثيمين
قال ابن القيم: الصحيح في قوله تعالى (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافاً إلى الرب تعالى، على طريقة واحدة، ومعنى واحد، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة، وهو قوله (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى.
قال الشيخ ابن عثيمين: لكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي، لأن ذلك هو الأصل، وليس هناك ما يمنعه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قِبَلَ وجه المصلي. ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة. وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع.
القول الثاني: ذهبت طائفة إلى أن ذلك ليس من باب الصفات في شيء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليست هذه الآية من آيات الصفات ومن عدها في الصفات فقد غلط
وقد اختلف هؤلاء في معناها على أقوال:
فقيل: أن معناها فثم قبلة الله، قالوا: والوجه يأتي في اللغة بمعنى الجهة، يقال: وِجْهَة ووجه وَجِهَة. وممن روي عنه هذا القول: ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والشافعي، واختاره: الواحدي، والزمخشري، وابن عطية، والرازي، وابن تيمية.
قال ابن تيمية (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه) أي: قبلة الله، ووجهة الله، هكذا قال جمهور السلف.
وقيل: (فثم وجه الله) أي: فثم رضا الله وثوابه.
والراجح - والله أعلم - القول الأول.
•
اذكر خلاف العلماء في سبب نزول هذه الآية؟
اختلف العلماء في المعنى الذي نزلت فيه (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه) على أقوال:
قيل: ما جاء عن ابن عباس قال (كان أول ما نسخ من القرآن: القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله (قد نرى تقلب وجهك في السماء
…
إلى قوله فولوا وجوهكم شطره) فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا:(ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فأنزل الله (قل لله المشرق والمغرب) وقال (فأينما تولوا فثم وجه الله) رواه ابن جرير، وهذه الرواية ثابتة عن ابن عباس، وأيضاً من قبيل الصريح في سبب النزول.
وقيل: نزلت فيمن صلى إلى غير القبلة في ليلة مظلمة. أخرجه الترمذي
كما في حديث الباب.
وقيل: نزلت في المسافر يتنفل حيثما توجهت به راحلته.
فعن ابن عمر. قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيثما كان وجهه، قال: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) رواه مسلم.
وقيل: إن الآية منسوخة بقوله: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي تلقاءه.
روي عن مجاهد والضحاك: أنها محكمة المعنى: أينما كنتم من شرق وغرب فثم وجه الله الذي أمرنا باستقباله وهو الكعبة.
وقيل: لما نزلت (ادعوني أستجب لكم) قالوا: إلى أين؟ فنزلت (فأينما تولوا فثم وجه الله) لكنه ضعيف.
210 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَقَوَّاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث صححه بعض العلماء.
وبعض العلماء ضعفه.
•
ما رأيك بقول الحافظ ابن حجر في هذا الحديث (وقواه البخاري)؟
هذا ليس بصحيح؛ لأن الإمام الكبير البخاري إنما قوى طريق من طرق هذا الحديث على طريق أخرى، يعني رجح طريق على الطرق الأخرى، وهذا لا يقتضي التصحيح. [قاله الشيخ أحمد الخليل].
•
لمن الخطاب في هذا الحديث؟
الخطاب هنا لأهل المدينة ولمن كانت قبلتهم الجنوب أو الشمال.
•
ما هو فرض المصلي؟
فرض المصلي ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يمكنه مشاهدة الكعبة، ففرضه أن يتجه إلى عين الكعبة.
وهذا بالاتفاق.
قال ابن قدامة: لا نعلم في هذا خلافاً.
القسم الثاني: من لا يمكنه مشاهدة الكعبة كالبعيد، فالواجب عليه أن يتجه إلى جهة الكعبة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لحديث الباب.
ب-أن الصف الطويل صلاتهم صحيحة بالإجماع، مع أنه يجزم بأنه ليس كلهم مستقبلي القبلة.
ج-أن إلزام الناس استقبال عين الكعبة في الأماكن البعيدة متعذر ومتعسر.
•
ما حكم الانحراف اليسير عن القبلة؟
الانحراف اليسير عن القبلة لا يضر ما دام في الجهة.
211 -
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ اَلْبُخَارِيُّ: (يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ فِي اَلْمَكْتُوبَةِ).
212 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: (كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اِسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ اَلْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهَ رِكَابِهِ) وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
===
(يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ) المراد بالصلاة: النافلة في السفر كما في رواية البخاري، والراحلة المركب من الإبل.
وقد دلت رواية مسلم على أنها صلاة الليل فقد جاء في مسلم (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة بالليل في السفر، على ظهر راحلته).
(حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) أي: إلى أيّ جهة توجهت الدابة صلى، سواء أكان إلى القبلة أم إلى غيرها.
(يُومِئُ بِرَأْسِهِ) أي: يشير به للركوع والسجود، وسيأتي التفريق بينهما.
(وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ فِي اَلْمَكْتُوبَة) أي: لم يكن يصلي على راحلته الصلاة المكتوبة، بل ينزل إلى الأرض.
•
متى يسقط استقبال القبلة؟
يسقط استقبال القبلة في حق المسافر المتنفل إذا كان على راحلته.
أ-لأحاديث الباب.
ب-ولحديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة) رواه البخاري
ج-ولحديث ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه) متفق عليه.
د- ولحديث ابن عمر قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر على راحلته) متفق عليه.
(يسبح) قال الحافظ: أي يصلي النافلة، والتسبيح حقيقة في قول: سبحان الله، فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل.
قال الشوكاني: الحديث يدل على جواز التطوع على الراحلة للمسافر قِبَلَ جهة مقصودة، وهو إجماع كما قاله النووي والعراقي والحافظ.
وقال النووي: جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت به جائز بإجماع المسلمين.
أ-لحديث الباب.
•
ما الحكمة من هذا التخفيف؟
قال المباركفوري: كأن السر فيما ذكر من جواز التطوع على الدابة في السفر تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيماً لأجورهم رحمة من الله بهم.
فالحكمة إذاً: حتى لا ينقطع المسافر عن العبادة، ولا المتعبد عن السفر.
وسبب سقوط استقبال القبلة في هذه الحالة: مشقة الاستقبال، ولعلة السفر.
•
ما كيفية صلاة المسافر النافلة على راحلته؟
يومئ برأسه يجعل السجود أخفض من الركوع.
ففي حديث الباب (يومئ برأسه)، وعند الترمذي (يجعل السجود أخفض من الركوع).
قال الشوكاني: الحديث يدل على أن سجود من صلى على الراحلة يكون أخفض من ركوعه، ولا يلزمه وضع الجبهة على السرج، ولا بذل غاية الوسع في الانحناء، بل يخفض سجوده بمقدار يفترق به السجود عن الركوع.
وليكون البدل على وفق الأصل.
•
هل يجب أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجب ذلك.
وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث -الباب - أنس (كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اِسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ اَلْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهَ رِكَابِهِ).
القول الثاني: أنه لا يجب.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
قالوا: حديث أنس فعل، والفعل يدل على الاستحباب.
فيحمل حديث أنس على الاستحباب كما قال ابن قدامة في المغني.
قال ابن القيم بعد ذكره لحديث أنس: وفي الحديث نظر، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم على راحلته أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام، ولا غيرها كعامر بن ربيعة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وحديثهم أصح من حديث أنس هذا.
فحديث أنس (كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اِسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ اَلْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ
…
) مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيحين، فإن هذه الأحاديث ليس فيه استثناء تكبيرة الإحرام وأنها إلى القبلة، كما قال ابن القيم.
•
هل يجوز الصلاة في السيارة السائرة جالساً لغير اتجاه القبلة في الحضر، كما هو الحال في السفر، أم إن تلك الحال للمصلي لا تصلح إلا في السفر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم الجواز، وهو قول الجمهور.
القول الثاني: الجواز، وذهب إلى هذا القول أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، وأبو سعيد الاصطخري من الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول الطبري والأوزاعي وابن حزم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الصلاة على الراحلة: فقد ثبت فى الصحيح بل استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلِّي على راحلته في السفر قبَل أي وجه توجهت به، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلِّي عليها المكتوبة، وهل يسوغ ذلك في الحضر؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره
وقال الشوكاني: والحديث يدل على جواز التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده وهو إجماع كما قال النووي والعراقي والحافظ وغيرهم، وإنما الخلاف في جواز ذلك في الحضر فجوزه أبو يوسف وأبو سعيد الاصطخري من أصحاب الشافعي وأهل الظاهر.
فعند هؤلاء العلماء يجوز لمن يركب السيارة السائرة في الشارع أن يصلي فيها الضحى - وغيرها من الرواتب والنوافل - جالساً - ولا يفضَّل ذلك للسائق - ويومئ المصلي في ركوعه وسجوده، ويكون إيماؤه في سجوده أخفض من إيمائه في ركوعه.
والأظهر في ذلك قول الجمهور، وهو أن صلاة النافلة جالساً، ولغير القبلة، إنما هي لمن كان راكباً على الراحلة السائرة، وفي السفر دون الحضر، وهو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يرجحه من المعاصرين الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله، وغيرهما كثير. (الإسلام سؤال وجواب).
•
هل يجوز صلاة الفريضة على الراحلة؟
لا يجوز أن تصلى الفريضة على الراحلة، بل لابد أن ينزل على الأرض ويصليها، وذلك:
لقلتها بالنسبة إلى النافلة. ولأنها آكد.
•
هل يشرع للإنسان أن يتنفل في السفر؟
اختلف العلماء: فيما يصلي من النوافل، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقاً.
القول الثاني: الجواز مطلقاً.
القول الثالث: التفريق بين الرواتب وغيرها.
وهذا هو الصحيح أن المسافر يصلي جميع الرواتب إلا راتبة الظهر والمغرب والعشاء.
وهذا مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
ومن الأدلة على مشروعية الرواتب في السفر:
- ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر على بعيره في السفر.
- وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح سبحة الضحى.
- وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع سنة الفجر لا حضراً ولا سفراً.
•
هل هناك حالات أخرى يسقط فيها استقبال القبلة؟
نعم، حالة العاجز.
كأن يكون مريضاً لا يستطيع الحركة، وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة، فهنا يتجه حيث كان وجهه، ومثله المأسور والمصلوب إلى غير القبلة.
لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم).
ولقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).
وحالة الخائف.
فإذا قاتل العدو، أو هرب منه، أو من سيل، ووجهته إلى غير القبلة، صلى حسب ما توجه.
لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- المشقة تجلب التيسير.
- يسر الشريعة الإسلامية.
- جواز التنفل للراكب المسافر إلى غير القبلة ولو كان في محمل.
213 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (اَلْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا اَلْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَلَهُ عِلَّةٌ.
214 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ قال (نَهَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: اَلْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ اَلطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ اَلْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اَللَّهِ). رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ
215 -
وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ اَلْغَنَوِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لَا تُصَلُّوا إِلَى اَلْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
===
(وَالْحَمَّامَ) موضع الاغتسال بالماء الحار.
(اَلْمَزْبَلَةِ) الموضع الذي يجمع فيه الزِّبل، وهي القمامة وما في معناها.
(وَالْمَجْزَرَةِ) بفتح الميم، وهي المكان الذي تجزر فيه المواشي، أي: تذبح أو تنحر.
(وَقَارِعَةِ اَلطَّرِيقِ) وهي ما تقرعه الأقدام بالمرور عليه.
(وَمَعَاطِنِ اَلْإِبِلِ) مفردها: عَطَن، وهي مبارك الإبل وما تأوي إليه وتقيم فيه.
(وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اَللَّهِ): المراد به: الكعبة.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
(حديث الأرض كلها مسجد إلا المقبرة
…
) هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، وقد رجح الترمذي الإرسال، وقال الدار قطني: المرسل هو المحفوظ، وقال البيهقي: وقد روي موصولاً وليس مثبت.
وذهب بعض العلماء إلى ترجيح الموصول كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وله وشواهد.
قال ابن تيمية: إسناده جيد. (الإقتضاء).
- وأما حديث ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصلى في سبع مواطن .. ) فهو حديث ضعيف لا يصح.
قَالَ الترمذي عقبه: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِي.
وكذا ضعفه أبو حاتم الرازي - كما في العلل لابنه، وابن الجوزي في العلل المتناهية، والبوصيري في "مصباح الزجاجة، والحافظ في التلخيص، والألباني في الإرواء.
في سند الحديث زيد بن جَبِيرَة، قال البخاري: منكر الحديث.
•
ما الأصل في الصلاة في الأرض؟
جواز الصلاة في كل الأرض، وهذا هو الأصل أنه تصح الصلاة في كل جميع الأرض.
ويدل لهذا العموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً
…
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
ولحديث الباب (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة
…
).
•
ما حكم الصلاة في المقبرة؟
حرام ولا تصح، وهذا قول الحنابلة، واختاره ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم.
أ-لحديث الباب (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة
…
).
ب-ولحديث أبي مرثد (
…
لَا تُصَلُّوا إِلَى اَلْقُبُورِ
…
).
ج-ولحديث عائشة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
د-وعن ابن عمر. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) متفق عليه.
قوله (من صلاتكم) المراد النوافل بدليل ما رواه مسلم مرفوعاً (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته).
(ولا تتخذوها قبوراً) أي: كالمقابر لا يُصلى فيها، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة. [فتح الباري].
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز الصلاة في المقبرة.
•
ما الحكمة من تحريم الصلاة في المقبرة؟
سداً للذريعة، ولئلا تتخذ القبور مساجد.
•
ما رأيك بقول بعض العلماء: إن العلة هي خشية نجاسة المقبرة لما يختلط بالتراب من صديد الموتى، أو ربما تنبش القبور ويخرج منها صديد الأموات فينجس التراب؟
هذا تعليل ضعيف، لأمور:
أولاً: أن الأصل عدم نبش القبور.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور، وهذا يدل على أن العلة تتعلق بخشية تعظيم المقبورين.
ثالثاً: أن صلاة الجنازة تجوز في المقبرة، كما صلى عليه الصلاة والسلام على المرأة التي كانت تقم المسجد، وهذا يدل على أن العلة ليست نجاسة الأرض.
رابعاً: أن قبور الأنبياء لا تجوز الصلاة فيها ولا إليها، مع أن الأنبياء أطهار طاهرون أحياء وأمواتاً.
قال ابن تيمية: وقد ظن طائفة من أهل العلم أن الصلاة في المقبرة نهي عنها من أجل النجاسة؛ لاختلاط تربتها بصديد الموتى، ولحومهم، وهؤلاء قد يفرقون بين المقبرة الجديدة والقديمة، وبين أن يكون هناك حائل أو لا يكون. والتعليل بهذا ليس مذكورًا في الحديث، ولم يدل عليه الحديث لا نَصاً ولا ظاهرًا، وإنما هي علة ظنّوها، والعلة الصحيحة عند غيرهم ما ذكره غير واحد من العلماء من السلف والخلف في زمن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم: إنما هو ما في ذلك من التشبه بالمشركين، وأن تصير ذريعة إلى الشرك، ومعلوم أن النهي لو لم يكن إلا لأجل النجاسة، فمقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يَبْلُون، وتراب قبورهم طاهر، والنجاسة أمام المصلي لا تبطل صلاته ....
•
هل القبر الواحد يمنع الصلاة أم لابد من ثلاثة فأكثر؟
قيل: إن القبر الواحد والاثنين لا يمنع صحة الصلاة.
وقيل: بل يمنع.
والصحيح أنه يمنع حتى القبر الواحد، لأن المكان قُبرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل. (الشرح الممتع).
•
ما الحكم لو عُيّنت الأرض مقبرة ولم يدفن فيها أحد، هل تصح الصلاة فيها؟
نعم، لأنه لم يدفن فيها أحد.
•
هل يستثنى من النهي عن الصلاة في المقبرة شيء؟
يستثنى من النهي: الصلاة على القبر، فإنه يجوز.
لحديث أَبِى هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَجُلاً أَسْوَدَ - أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ - كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ. قَالَ «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ». - أَوْ قَالَ قَبْرِهَا - فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْه) متفق عليه.
وقاس على ذلك بعض العلماء فقالوا: يجوز الصلاة على الميت في المقبرة.
•
ما حكم الصلاة في الحمام؟
حرام، ولا تصح.
لحديث الباب.
•
ما العلة من تحريم الصلاة في الحمام؟
قيل: النجاسة.
لأنه ربما يقع فيه شيء من النجاسات.
وقيل: لأنها مأوى الشياطين.
لأن الشيطان يرغب بأماكن كشف العورات. وهذا هو الصحيح.
•
هل مثل ذلك الحش (وهو مكان قضاء الحاجة)؟
نعم وهو أولى، لأنه نجس خبيث، ولأنه مأوى الشياطين.
وإذا نُهي عن الصلاة في الحمام فالنهي عن الصلاة في الحُش (وهو موضع قضاء الحاجة) من باب أولى، وإنما لم يرد النهي عن الصلاة في الحش لأن كل عاقل سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن الصلاة في الحمام علم أن الصلاة في الحش أولى بهذا النهي.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولم يرد في الحشوش نص خاص (يعني بالنهي عن الصلاة فيها) لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين أن يحتاج إلى دليل. (مجموع الفتاوى (25/ 240)).
•
ما حكم الصلاة في المَزبَلة؟
(وهي الموضع الذي تجمع فيه القمامة ومخلفات البيت).
حرام ولا تصح.
ولم يرد حديث على تحريم ذلك، لكن لأنها محل النجاسة وإلقاء القاذورات.
•
ما حكم الصلاة في المجزرة؟
حرام ولا تصح الصلاة فيها.
لأنها محل الأقذار، والدم المسفوح والأنتان، فإن لم يكن فيها دماء ولا أقذار فتصح الصلاة فيها لعموم (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
•
ما حكم الصلاة في قارعة الطريق؟
الأفضل عدم الصلاة في قارعة الطريق، لأنه:
أ-يؤذي بأخذ حق المارة من الطريق.
ب-ويُؤْذَى بما يشغل خاطره من مرور الناس عليه.
ج-ولأن فيه مظنة الرياء.
وجمهور العلماء على صحة الصلاة في قارعة الطريق، ورجحه ابن قدامة.
لعموم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
•
ما حكم الصلاة في معاطن الإبل؟
حرام ولا تصح الصلاة فيها، وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث جابر بن سمرة: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) رواه مسلم.
ولحديث البراء قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضؤوا منها، وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضؤوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة) رواه أبو داود.
•
ما العلة من تحريم ذلك؟
قيل: لنجاستها.
لكن هذا ليس بصحيح لأمرين:
الأول: لأن الراجح أن أبوال وأرواث الإبل طاهرة.
والثاني: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا في مرابض الغنم) ولا فرق بين أعطان الإبل ومبارك الغنم وكلاهما في الطهارة والنجاسة سواء.
وقيل: لأن كثيراً من الناس يتقون بالإبل إذا بركت فيتبولون، والغالب أن معاطنها يبول الناس فيه.
وهذا ضعيف، لأنه غير مطرد.
وقيل: لأنها مأوى للشياطين، وهذا هو الصحيح.
لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين).
•
ما حكم الصلاة فوق الكعبة؟
قيل: لا يجوز.
لأن الله أمر باستقبال الكعبة (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) والمصلي فوق الكعبة غير مستقبل جهتها ولا مصلياً إليها.
وقيل: يصح لعدم ثبوت النهي.
•
ما حكم الصلاة في جوف الكعبة؟
أما النافلة فتصح في الكعبة.
قال ابن قدامة: وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها لا نعلم فيه خلافاً.
واختلف في جواز صلاة الفرض في الكعبة: على قولين:
القول الأول: لا تصح.
وهذا المذهب.
لقوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). قالوا: إن المصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها.
القول الثاني: تصح الفريضة في الكعبة.
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.
لحديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فصلى فيه ركعتين). متفق عليه قالوا: وما ثبت في حق النفل ثبت في الفرض إلا بدليل تخصيص أحدهما دون الآخر.
وهذا القول هو الصحيح.
• فائدة:
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت في الحج، ولا هو من سنن الحج، وجعْل الدخول بالبيت من سنن الحج غلط.
الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل البيت يوم فتح مكة، وقد قال ابن عباس:(يا أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شيء). رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح
وجاء عند البخاري معلقاً: (وكان ابن عمر يحج كثيراً ولا يدخل).
•
ما حكم الصلاة إلى هذه الأشياء؟ (يعني إذا كانت في قبلتك)؟
تصح الصلاة إلى هذه الأشياء.
لعموم (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
وإن كان الأولى والأفضل عدم الصلاة إلى الحش والحمام، لأن المصلي قد يتأذى من الرائحة الكريهة.
- أما الصلاة إلى المقبرة فالصحيح أنها حرام ولا تجوز.
أ-لحديث أبي مرثد - حديث الباب - (لَا تُصَلُّوا إِلَى اَلْقُبُور).
ب- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر.
•
ما حكم الجلوس والقعود على القبر؟
حرام.
أ- لحديث الباب (ولا تجلسوا عليها).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر) متفق عليه
ج- ولأن في ذلك إهانة لأصحابها.
216 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ اَلْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
217 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ اَلْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا اَلتُّرَابُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي سعيد حديث صحيح.
وحديث أبي هريرة في إسناده ضعف، لكنه يتقوى بشواهده ومنها:
حديث أبي سعيد السابق، وحديث عائشة عند أبي داود، ولذلك صححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم.
•
اذكر لفظ حديث أبي سعيد كاملاً؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ (بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى -وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا).
•
ما حكم إزالة النجاسة في الصلاة؟
إزالة النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة، وعلى هذا فمن صلى وعليه نجاسة عالماً فصلاته غير صحيحة
وقد نسب ابن قدامة هذا القول لأكثر أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
أ- لقوله تعالى (وثيابك فطهر) على أحد التفسيرين للآية.
ب- ولحديث الباب، فهو يفيد اشتراط طهارة الثياب للصلاة، وإلا لم يخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة.
ج- ولحديث أسماء بنت أبي بكر قالت (سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه). متفق عليه
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دم الحيض الذي يصيب ثوبها قبل الصلاة فيه لكونه نجساً.
د-ولحديث ابن عباس قال (مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير
…
أما الآخر فكان لا يستتر من بوله). متفق عليه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أحد صاحبي القبرين يعذب لكونه لا يستتر من بوله، والإنسان لا يعذب إلا على ترك واجب، وهذا يدل على وجوب الاستنزاه من البول ونحوه من النجاسات.
•
ما حكم من رأى نجاسة على ثيابه أثناء الصلاة؟
من رأى نجاسة على ثيابه أثناء الصلاة أو طرأت عليه وهو يصلي فإنه لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يمكنه طرح النجاسة من غير زمن طويل، ولا عمل كثير.
فهنا يجب طرحها وإزالتها في الحال، وذلك بتنحيتها إن كانت يابسة، أو بخلع ما طرأت عليه إن كانت رطبة ويبني على ما مضى من صلاته.
لحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبريل بأن فيهما قذراً ألقاهما وأكمل صلاته.
الحال الثانية: أن يحتاج طرح النجاسة وإزالتها إلى زمن طويل أو عمل كثير.
فهنا يجب عليه أن يقطع صلاته ويزيل النجاسة ويستأنف من جديد، لأن حاله لا يخلو من حالين:
أ- إما أن يصلي مستصحباً للنجاسة زمناً طويلاً وهو عالم بها.
ب- وإما أن يقوم بعمل كثير في صلاته يؤثر فيها من أجل إزالتها.
وكل واحد من الأمرين يبطل الصلاة.
•
ما حكم من صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً ولم يعلم إلا بعد الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
وهذا قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين، فقد حكي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاووس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري والأوزاعي.
وهو قول المالكية والقديم للشافعي، واختار هذا القول من الحنابلة ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
لحديث الباب.
وجه الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد أول صلاته التي صلاها مع وجود النجاسة في النعل، لأنه كان جاهلاً وجودها فدل على أن من صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً فصلاته صحيحة.
ولحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن حبان
قال الخطابي: فيه من الفقه: أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها، فإن صلاته مجزئة ولا إعادة عليه.
القول الثاني: صلاته باطلة وعليه الإعادة.
وهذا مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الحنابلة.
استدلوا بعموم الأدلة الدالة على أن طهارة اللباس شرط لصحة الصلاة، فهذه الأدلة جاءت عامة، ولم تفرق بين العامد والجاهل والناسي.
والراجح القول الأول.
•
ما حكم الصلاة في النعال؟
اختلف العلماء في حكم الصلاة بالنعال:
القول الأول: أنه سنة.
وهذا ورد عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر، وعثمان، وابن مسعود، وأنس، وسلمة.
وورد عن جماعة من التابعين منهم: شريح القاضي، والأسود بن يزيد، والنخعي، والقاسم بن محمد.
وهو قول أكثر العلماء.
أ-لحديث أنس: (أنه سئل: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم) متفق عليه.
ب- ولحديث أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم). رواه أبو داود
ج-ولحديث الباب، فإنه يدل على أن الصلاة بالنعال أمر مشهور معروف.
القول الثاني: أنه مباح.
وذهب إليه بعض العلماء، ورجحه ابن دقيق العيد.
واستدلوا بالأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحياناً حافياً.
كحديث عبد الله بن السائب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره). رواه النسائي.
والصحيح القول الأول.
•
ما الجواب عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً حافياً؟
والجواب: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحيان حافياً مع حثه على الصلاة بالنعال وأمره به، لا يدل على عدم استحباب ذلك العمل، بل ليبين عدم وجوبه.
•
ما الذي يجب مراعاته عند الصلاة بالنعال؟
أ- تعاهد نعليه أو خفيه عند إرادة الصلاة بهما، حتى لا يصلي بهما وعليهما نجاسة، لحديث الباب.
ب- أن لا يصلي بهما في المساجد المفروشة.
ج- أن لا يؤدي صلاته في نعليه أو خفيه إلى مفسدة وفتنة.
•
ماذا نستفيد من قوله لما ألقى نعاله (إنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا)؟
نستفيد: أنه يشترط في النعال عند الصلاة فيهما طهارتهما، فإن لم تكن طاهرة فلا تصح فيها.
•
ما كيفية تطهير النعال من النجاسة عند إرادة الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
فقيل: يجزئ دلكهما بالأرض مطلقاً.
واختار هذا القول: ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم.
لحديث أبي هريرة - حديث الباب - (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور).
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن التراب مطهر للنعل مما يصيبهما من الأذى.
وقيل: يجب غسلهما.
واستدلوا بحديث أبي سعيد - حديث الباب - بأن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في صلاته بعد إخباره بأن فيهما قذراً، فهذا يدل على أنه لا يجزئ دلكهما إذ لو كان مجزئاً لما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في صلاته.
والجواب عن هذا:
أن النبي لم يدلكهما لأنه لم يعلم بالقذر فيهما حتى أخبره جبريل، ومما يدل على ذلك تتمة الحديث:(إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً).
والراجح الأول.
•
في حديث أبي سعيد شدة متابعة الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم حيث بمجرد أن ألقى نعاله ألقوا هم مباشرة، اذكر بعض الأمثلة على متابعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ماذا يدل ذلك؟
من الأمثلة:
لما أمر صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية) فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم.
ولما أمر صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي (ألا إن الخمر قد حرّمت) فجرت في سكك المدينة.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: قد نرى تقلب وجهك
…
الحديث وفيه: وصلى معه رجل العصر، ثم خرج فمرّ على قوم من الأنصار فأخبرهم، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر.
وهذا يدل على شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.
218 -
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ اَلْحَكَمِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ هَذِهِ اَلصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ اَلنَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ اَلتَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ اَلْقُرْآنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
219 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: (إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي اَلصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: (حَافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ اَلْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ اَلْكَلَامِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
===
(إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي اَلصَّلَاةِ) أي: خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
(يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ) تفسير لقوله (نتكلم) والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء، وإنما يقتصرون على الحاجة، من ردّ السلام ونحوه.
(فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ) أي: عن الكلام المتقدم ذكره لا مطلقاً، فإن الصلاة ليس في حال سكوت حقيقة.
(قَانِتِينَ) القنوت له معان كثيرة: منها الطاعة، ومنها القيام، ومنها الصمت والاطمئنان كما هو هنا.
•
اذكر لفظ حديث معاوية بن الحكم كاملاً؟
عن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ (بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيماً مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
…
) رواه مسلم.
(واثكل أمياه) الثكل بضم الثاء وإسكان الكاف، وهو فقدان المرأة ولدها، (ما كرهني) أي ما انتهرني.
•
ما حكم الكلام أثناء الصلاة؟
والكلام في الصلاة ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يتكلم عامداً عالماً لغير مصلحة الصلاة، فهنا تبطل صلاته.
قال النووي: أجمع العلماء على أن الكلام فيها عامداً عالماً بتحريمه بغير مصلحتها، وبغير انقاذها، وشبهه، مبطل للصلاة.
قال الحافظ ابن حجر: أجمعوا على أن الكلام في الصلاة، من عالم بالتحريم عامد لغير مصلحتها أو إنقاذ مسلم مبطل للصلاة.
لأحاديث الباب.
القسم الثاني: أن يتكلم وهو جاهل أن الكلام يبطل الصلاة.
اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: أن صلاته صحيحة.
وهذا مذهب الشافعي ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
لحديث الباب، حيث تكلم معاوية في الصلاة جاهلاً ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإعادة.
ولقوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).
قال شيخ الإسلام: الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم بها، فلا يقضي ما لم يعلم وجوبه.
القول الثاني: أن صلاته باطلة.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن في الصلاة شغلاً).
والراجح القول الأول.
القسم الثالث: أن يتكلم في الصلاة ناسياً.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها تبطل.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
القول الثاني: لا تبطل.
وهذا مذهب الشافعي، ومالك، والجمهور.
أ-لقوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). رواه ابن ماجه.
القسم الرابع: أن يتكلم لمصلحة الصلاة، مثل أن يرتبك الإمام، فهنا:
أولاً: ينبهه بالقرآن، بأن ينوي لفظ القرآن، فيقول (واركعوا .. ) فإن لم يمكن فحينئذ يتكلم، لكن هل تبطل صلاته؟
فقيل: لا تبطل صلاته.
وقيل: تبطل، وهذا الصحيح وهو الأحوط.
القسم الخامس: أن يتكلم وهو نائم.
من تكلم وهو نائم لا تبطل صلاته في أرجح قولي العلماء، لقوله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: وذكر منهم: النائم حتى
يستيقظ
…
).
قال ابن قدامة: أن ينام فيتكلم، فتوقف أحمد عن الجواب فيه، وينبغي أن لا تبطل صلاته، لأن القلم مرفوع عنه، ولا حكم لكلامه، فإنه لو طلَّق، أو أقر، أو أعتق، لم يلزمه حكم ذلك.
•
ما حكم تشميت العاطس في الصلاة؟
حرام، لأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة.
•
ما حكم حمد الله للعاطس إذا عطس في الصلاة؟
يستحب للعاطس في الصلاة أن يحمد الله.
لكن اختلفوا هل يجهر بذلك أم يسر؟
قيل: يجهر به.
وهو قول ابن عمر والنخعي وأحمد. [قاله النووي]
وقيل: يسر به.
وهو مذهب الشافعي ومالك ورجحه النووي.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديثين؟
- جواز الفعل القليل في الصلاة وأنه لا تبطل به الصلاة وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة.
- بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق.
- الرفق بالجاهل وحسن تعليمه من اللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه.
- أن الكلام في أول الإسلام كان مباحاً.
- جواز التسبيح في الأحكام الشرعية.
- أن القرآن منزل من عند الله، لقوله (حتى نزلت).
220 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلتَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ مُسْلِمٌ (فِي اَلصَّلَاةِ).
===
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: استحباب التسبيح في حق الرجال إذا نابهم شيء في صلاتهم، وأن المرأة إذا نابها شيء وهي تصلي فإنها تصفق.
مثال: كسهو الإمام، أو يريد أن يأذن لأحد بالدخول، أو يريد أن ينبه أنه يصلي.
أ-لحديث الباب.
ب- ولحديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ أَتُصَلِّى بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ - فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاء) رواه مسلم.
ج- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح، وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق) رواه البيهقي.
وإلى هذا الحكم ذهب جماهير العلماء. قالوا: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
وقال مالك: يسبحان جميعاً (يسبح الرجال، وتسبح المرأة).
وتأول حديث الباب: (التصفيق للنساء) أي من شأن النساء خارج الصلاة، فهو مذموم فلا ينبغي للرجل ولا للمرأة أن تفعله لا في الصلاة ولا في خارجها، وهذا تأويل بعيد وضعيف.
•
ما الحكمة من هذا التفريق؟
قيل: لأن صوت المرأة عورة.
وقيل: خشية الافتتان، ورجح هذا ابن عبد البر.
قال ابن عبد البر: قال بعض أهل العلم: إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها.
وقال ابن حجر: وكان منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقاً لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء.
•
هل هذا الحكم (التصفيق للنساء) عام حتى لو مع مجموعة نساء، أو مع رجال من محارمها؟
قال بعض العلماء بهذا، وقالوا: إن المرأة تصفق مطلقاً حتى لو كانت مع محرمها.
وقال بعضهم: إنها تسبح، لأن قوله صلى الله عليه وسلم (فليسبح الرجال ولتصفق النساء) قد يفهم منه أن المراد مع اجتماع الرجال والنساء.
قال الزركشي: وقد أطلقوا التصفيق للمرأة، ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب، فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم فإنها تسبح كالجهر بالقراءة بحضرتهم. (مغني المحتاج (1/ 418).
•
ما حكم الفتح على الإمام؟
الفتح على الإمام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: فتح واجب.
وهو ما يترتب عليه بطلان الصلاة، كأن يخطئ الإمام بالفاتحة، أو نقصان ركوع.
القسم الثاني: فتح مستحب.
وهو ما لا يترتب عليه بطلان الصلاة، كأن يخطئ في السورة التي بعد الفاتحة.
221 -
وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:(رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ اَلْمِرْجَلِ مِنْ اَلْبُكَاءِ) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، إِلَّا اِبْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
===
(وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ) أي: صوت وغليان بالبكاء.
(كَأَزِيزِ اَلْمِرْجَلِ) بكسر الميم، وهو القدر، فإنه عند غليان الماء فيه بالنار يخرج منه صوت.
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث صحيح، صححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم.
قال النووي في الخلاصة: رَوَاهُ الثَّلَاثَة بأسانيد صَحِيحَة.
وقال في رياض الصالحين: حديث صحيح رواه أَبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
وقال ابن رجب: وهذا الإسناد على شرط مسلم.
وقال الحافظ في الفتح: إسناده قوي.
وصححه الشوكاني والشيخ ابن باز والألباني.
•
اذكر بعض ما ورد في فضل البكاء من خشية الله؟
قال تعالى (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً).
وقال تعالى (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ).
وقال صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين). متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله
…
) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
…
ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه.
•
هل البكاء من خشية الله في الصلاة يبطلها؟
البكاء ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يبكي من خشية الله، وقد غلب عليه ولا يقدر على دفعه.
فهذا لا يبطل الصلاة.
أ-لأن عمر كان يبكي حتى يسمع نشيجه من وراء الصفوف. رواه البخاري
ب- ولأنه لا يستطيع دفعه.
القسم الثاني: أن يبكي من خشية الله، لكن يستطيع أن يدفعه.
فقيل: تبطل.
وقيل: لا تبطل، وهذا هو الصحيح.
•
ما حكم البكاء في الصلاة لغير خشية الله، كأن يأتيه خبر وهو يصلي بأن فلاناً قد مات فيبكي؟
قيل: تبطل الصلاة إن ظهر منه حرفان.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول مالك وأبي حنيفة.
وقيل: إن غلبه البكاء ولم يستطع دفعه فصلاته لا تبطل.
وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: البكاء في الصلاة إذا كان من خشية الله عز وجل والخوف منه وتذكر الإنسان أمور الآخرة وما يمر به في القرآن الكريم من آيات الوعد والوعيد فإنه لا يبطل الصلاة. وأما إذا كان البكاء لتذكر مصيبة نزلت به أو ما أشبه ذلك فإنه يبطل الصلاة؛ لأنه حدث لأمر خارج عن الصلاة، وعليه أن يحاول علاج نفسه من هذا البكاء حتى لا يتعرض لبطلان صلاته، ويشرع له أن لا يكون في صلاته مهتماً بغير ما يتعلق بها فلا يفكر في الأمور الأخرى؛ لأن التفكير في غير ما يتعلق بالصلاة في حال الصلاة ينقصها كثيراً.
222 -
وَعَنْ عَلَيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ لِي مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَدْخَلَانِ، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ لِي) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
===
(مَدْخَلَانِ) أي زمان دخول.
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث ضعيف، وضعفه النووي والألباني.
•
اذكر أحكام التنحنح في الصلاة؟
التنحنح في الصلاة ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يكون مغلوباً عليه اضطر إلى ذلك.
فهذا لا تبطل به الصلاة، ولا إشكال فيه.
القسم الثاني: أن يكون لحاجة.
فهذا أيضاً لا تبطل به الصلاة.
القسم الثالث: أن يكون لغير حاجة، فقد اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: تبطل إن بان حرفان.
وهذا مذهب بعض العلماء.
وقيل: لا تبطل الصلاة بذلك.
وهذا اختيار ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وقال:
" والقول الراجح أن الصلاة لا تبطل بذلك، ولو بان حرفان، لأن ذلك ليس بكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم الكلام، إلا أن يقع ذلك على سبيل اللعب، فإن الصلاة تبطل به لمنافاته الصلاة فيكون كالقهقهة ".
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه لا يجوز الدخول إلى بيت أحد إلا بإذنه، ولو كان أقرب الناس إليه، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون).
- الإذن بالدخول يكون لفظياً وعرفاً، فهو راجع إلى العادة وإلى ما تعارف عليه.
- استحباب صلاة النافلة في البيت، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:(صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). متفق عليه
- تحريم الكلام في الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عنه إلى التنحنح.
223 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ قال (قُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرُدَّ عَلَيْهِمْ حِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَه.
===
•
الحديث له قصة، اذكرها؟
عن ابن عمر قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه، قال: فجاء به الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق).
وعند الترمذي: (كان يشير بيده).
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه الأربعة، وقد صححه الترمذي، وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح.
•
ما حكم السلام على المصلي؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وهو قول إسحاق وجماعة.
أ-لأن فيه إشغالاً له عن صلاته.
ب- وقد يكون جاهلاً بصفته فيرد بالكلام فيبطل صلاته.
القول الثاني: أنه سنة.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لحديث الباب، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.
ب- وعن صهيب رضي الله عنه أنه قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد إلي إشارة) وقال: لا أعلم إلا أنه قال (إشارة بأصبعه) رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
وقال الترمذي: كلا الحديثين عندي صحيح.
ج- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " كنا نسلم في الصلاة، ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ السلام، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله سبحانه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد علي السلام) واه أبو داود وغيره، وحسنه النووي.
د- وعن جابر رضي الله عنه قال (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأدركته وهو يصلي فسلمت عليه، فأشار إليَّ، فلما فرغ دعاني، فقال إنك سلمت عليَّ آنفاً وأنا أصلي) رواه مسلم.
هـ- ولعموم الأدلة في مشروعية السلام، وهذا هو الصحيح.
قال النووي: مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره السلام على المصلي، وهو الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة. (المجموع)
وقال الشيخ محمد بن عثيمين: السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليه، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام، فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك.
فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر. (لقاء الباب المفتوح)
•
ما كيفية رد المصلي السلام؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: يرد بالكلام.
وهذا قول باطل مردود.
قال في المغني: إذا سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام، فان فعل بطلت صلاته.
روي نحو ذلك عن أبي ذر وعطاء والنخعي وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور.
وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأساً، وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك، وقال إسحاق: إن فعله متأولاً جازت صلاته.
ولنا: حديث جابر وحديث ابن مسعود، ولأنه كلام آدمي فأشبه تشميت العاطس.
وقيل: يرد بعد السلام.
وهو قول أبي ذر، والثوري، وداود.
لحديث ابن مسعود قال: (كنا نسلم في الصلاة فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يردّ عليّ السلام
…
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ردّ عليّ). رواه أبو داود
وقيل: يرد بالإشارة.
وهذا مذهب جماهير العلماء، وهذا القول هو الراجح.
وقد ورد الإشارة باليد كما عند الترمذي.
وورد الإشارة برأسه كما عند البيهقي.
وورد بالإصبع كما عند أحمد.
قال الشوكاني: ويجمع بين الروايات أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة، فيكون جميع ذلك جائزاً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الإشارة المفهمة في الصلاة لا بأس بها، ويدل لذلك أحاديث منها:
حديث عائشة: (حيث صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشتكي، فقاموا فأشار إليهم أن اجلسوا
…
).
وأما حديث: (من أشار في الصلاة إشارة تفهم منه فليعد صلاته) رواه الدار قطني وأبو داود، فهو باطل.
- وجوب رد السلام.
224 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلِمُسْلِمٍ: (وَهُوَ يَؤُمُّ اَلنَّاسَ فِي اَلْمَسْجِدِ).
===
(كَانَ يُصَلِّي) أي: صلاة الفريضة كما في رواية مسلم، وقد جاء عند أبي داود (صلاة الظهر أو العصر).
(وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ) وهي بنت أبي العاص بن الربيع، وقد جاء عند أبي داود (بينما نحن في المسجد جلوساً خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة
…
وهي صبية).
(بِنْتِ زَيْنَبَ) نسبها إلى أمها لشرف نسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لأن أباها كان مشركاً آنذاك، وزينب هي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرى بناته.
(فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا
…
) جاء عند أبي داود (حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام، أخذها فردها في مكانها
…
).
•
ما حكم حمل الصبي في الصلاة؟
يجوز حمل الصبي والصبية في الصلاة، وهذا الفعل لا يبطل الصلاة، لأنه قليل ولحاجة.
كما في حديث الباب.
•
أنكر المالكية حمل الصبي في الفريضة، فماذا أجابوا عن حديث الباب؟
وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة:
الجواب الأول: قالوا: إن هذا في النفل.
قال النووي: وهذا التأويل فاسد، لأن قوله: يؤم الناس، صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة.
الجواب الثاني: قالوا: إنه منسوخ.
وهذا قول ضعيف، لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
الجواب الثالث: قالوا: هي التي تعلقت به.
وهذا غير صحيح، ففي الحديث (إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) وعند أبي داود (ثم أخذها فردها في مكانها).
قال النووي: وادعى بعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل هذه الدعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة.
- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع الصبيان وسائر الضعفة وملاطفتهم.
- جواز إدخال الصبيان في المساجد، وأما حديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم) رواه ابن ماجه وهو ضعيف
225 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اُقْتُلُوا اَلْأَسْوَدَيْنِ فِي اَلصَّلَاةِ: اَلْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ
===
(الأسودين) أي الحية والعقرب، وسميتا الأسودين من باب التغليب.
•
ما حكم قتل الحية والعقرب والصلاة؟
مشروع ولو في الصلاة، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء.
•
هل يقاس عليهما كل مؤذ؟
نعم، يشرع قتل كل مؤذٍ من الهوام وغيرها في الصلاة أو خارجها.
•
هل الأمر بقتل الحية أو العقرب مقيد بعدد من الضربات؟
أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو بضربتين، وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفاك للحية ضربة أخطأتها أم أصبتها) وهذا يوهم التقييد بالضربة.
قال البيهقي: وهذا إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بما في الإتيان بالمأمور، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة.
ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية).
•
اذكر أنواع الحركة في الصلاة؟
قسم بعض العلماء الحركة في الصلاة إلى أقسام:
أولاً: الحركة الواجبة.
هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا هو الضابط لها والصور كثيرة:
منها: لو أن رجلاً ابتدأ الصلاة إلى غير القبلة بعد أن اجتهد، ثم جاءه شخص وقال له القبلة على يمينك، فهنا الحركة واجبة، فيجب أن يتحرك إلى جهة اليمين.
ولو ذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي وجب عليه خلعها، لإزالة النجاسة.
ثانياً: الحركة المستحبة.
هي التي يتوقف عليها كمال الصلاة، ولها صور عديدة:
منها: لو تبين له أنه متقدم على جيرانه في الصف، فتأخره سنة.
ومنها: ولو تقلص الصف حتى صار بينه وبين جاره فرجة، فالحركة هنا سنة.
ثالثاً: الحركة المباحة.
هي الحركة اليسيرة للحاجة، أو الكثيرة للضرورة.
مثال: رجل يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم، أو تأخر، أو تيامن، أو تياسر من أجل الشمس، فهذه مباحة.
رابعاً: الحركة المكروهة.
هي اليسيرة لغير حاجة، ولا يتوقف عليها كمال الصلاة، كما يوجد في كثير من الناس الآن كالنظر إلى الساعة، وأخذ القلم.
خامساً: الحركة المحرمة.
هي الكثيرة المتوالية لغير ضرورة.
الأحد/ 12/ 3/ 1432 هـ
باب سُتْرَةِ المُصلي
تعريف السترة: هي ما يجعله المصلي بين يديه لمنع المار.
226 -
عَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ اَلْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَوْ يَعْلَمُ اَلْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ اَلْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَوَقَعَ فِي "اَلْبَزَّارِ" مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: - أَرْبَعِينَ خَرِيفًا -
===
(لَوْ يَعْلَمُ اَلْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي) قال في عون المعبود: أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر.
(ماذا عليه) أي من الإثم والعقوبة.
(مِنْ اَلْإِثْمِ) قال الحافظ ابن حجر: ليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في اتهامه أنها في الصحيحين
(لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ) يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم المرور بين يدي المصلي.
قال النووي: وَمَعْنَى الْحَدِيث النَّهْي الْأَكِيد وَالْوَعِيد الشَّدِيد فِي ذَلِكَ.
وقال الشوكاني: الحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار، وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة.
•
متى يحرم ذلك؟
إذا مرّ بين يدي المصلي، فالتحريم مقيد فيما إذا مر بين يديه (يعني في المنطقة التي بين سجوده ووقوفه)، وهنا لا فرق بين أن يكون له سترة أو لا يكون له سترة.
•
ما الحكم إن مرّ في المنطقة التي من بعد موضع سجوده؟
إن مرّ في المنطقة التي من بعد موضع سجوده، فهذه لها حالان:
الأولى: أن يكون المصلي يتخذ سترة، فهنا يجوز المرور من خلف السترة.
أ- لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه) رواه أحمد وسيأتي.
ب- وعن طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك) رواه مسلم.
الثانية: أن لا يتخذ سترة، فهنا ليس له إلا موضع سجوده، وهذا الأقرب من أقوال أهل العلم، ويجوز لمن أراد أن يجتاز أن يمر فيما يلي موضع سجوده، وذلك لأن النهي الوارد في الحديث إنما هو في المرور بين يدي المصلي، وما يلي موضع سجوده ليس بين يدي المصلي.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي
…
)؟
اختلف العلماء في ذلك؟
فقيل: المراد من قدميه إلى منتهى موضع سجوده.
وقيل: إلى ثلاثة أذرع.
وقيل: إذا بعد عرفاً، بحيث لا يمكن دفعه إلا بالتقدم.
والأقرب الأول، لأن هذا هو الذي يحتاجه المصلي.
وهذا إذا لم يتخذ المصلي سترة، فإن اتخذ سترة فإنه يمر وراءها ولا حرج.
•
ما المراد بالمصلي في قوله (لَوْ يَعْلَمُ اَلْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُصَلِّي
…
)؟
ظاهر الحديث يشمل بين يدي الإمام والمنفرد والمأموم، لكن دلت السنة على أن المأموم مستثنى.
أ-لحديث ابْنِ عَبَّاس. قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد) متفق عليه.
ب-لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
•
ماذا نستفيد من قوله (لو يعلم المار
…
)؟
نستفيد: أن غير المار (الجالس أو الواقف) لا يضر.
ويدل لذلك حديث عائشة قالت (كنت أنام بين يدي
•
هل يجوز أن يجعل إنساناً سترة له؟
نعم يجوز.
لحديث عائشة السابق.
قال ابن قدامة: فَإِنْ اسْتَتَرَ بِإِنْسَانٍ فَلَا بَأْسَ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ مِنْ السُّتْرَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا يُصَلِّي، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، وَقَالَ بِثَوْبِهِ هَكَذَا، وَبَسَطَ يَدَيْهِ هَكَذَا.
وَقَالَ: صَلِّ، وَلَا تُعَجِّلْ.
وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَلِّنِي ظَهْرَكَ.
رَوَاهُمَا النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ.
•
هل يحرم المرور بين يدي المصلي في الحرم أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه حرام حتى في المسجد الحرام.
وهذا مذهب الشافعية.
أ- لعموم حديث الباب، وليس هناك دليل يخص مكة أو المسجد الحرام.
وقد ثبت في حديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتي الطواف جعل المقام بينه وبين البيت).
ومن تراجم البخاري في صحيحه: باب السترة بمكة وغيرها، ثم أورد تحتها حديث أبي جحيفة قال (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ).
قال ابن حجر:
…
فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة وقد قدمنا وجه الدلالة منه وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة.
القول الثاني: أن الحرم مستثنى.
أ-لحديث المطلب بن أبي وداعة بلفظ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم - أي الناس - سترة) رواه أبو داود وهو ضعيف، ضعفه ابن حجر ونقل تضعيفه عن البخاري.
ب- وللمشقة الشديدة من الزحام.
قال ابن قدامة: ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة، وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد.
قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة، ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها، كأنّ مكة مخصوصة ..
وقال ابن أبي عمار: رأيت ابن الزبير جاء يصلي، والطُّوَّاف بينه وبين القبلة، تمر المرأة بين يديه، فينتظرها حتى تمر، ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب "المناسك".
وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان، وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم، ويزدحمون فيها، فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
والأول أصح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
استنبط ابن بطال من قوله (لو يعلم) أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه، قال الحافظ: وأخْذه من ذلك فيه بُعد، لكن هو معروف من أدلة أخرى.
227 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (سُئِلَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ اَلْمُصَلِّي. فَقَالَ: مِثْلُ مُؤْخِرَةِ اَلرَّحْلِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
(غَزْوَةِ تَبُوكَ) وكانت سنة 9 هـ.
(مِثْلُ مُؤْخِرَةِ اَلرَّحْلِ) هي عمود الخشب الذي يكون خلف الراكب يستند إليه.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: أن الأفضل أن يكون مقدار السترة طولاً مِثْلُ مُؤْخِرَةِ اَلرَّحْلِ.
قال النووي رحمه الله: وَفِي الْحَدِيث النَّدْب إِلَى السُّتْرَة بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَبَيَان أَنَّ أَقَلّ السُّتْرَة مُؤْخِرَة الرَّحْل، وَهِيَ قَدْر عَظْم الذِّرَاع، هُوَ نَحْو ثُلُثَيْ ذِرَاع، وَيَحْصُل بِأَيِّ شَيْء أَقَامَهُ بَيْن يَدَيْهِ هَكَذَا. (شرح مسلم).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: الأفضل أن تكون السترة كمؤخرة الرحل، يعني أن تكون شيئاً قائماً بنحو ثلثي ذراع؛ أي نصف متر. (نور على الدرب).
•
هل قوله صلى الله عليه وسلم (مثل مؤخرة الرحل) على سبيل التحديد أو على سبيل التحديد أو على سبيل التقريب والأفضلية؟
هذا على سبيل التقريب والأفضلية، فيجوز أطول منها وأقصر.
(فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستتر بالجدار). رواه مسلم
(وثبت أنه صلى الله عليه وسلم استتر بالمقام).
وعن ابن أبي أوفى (أنه طاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين). رواه مسلم
(وثبت أنه صلى الله عليه وسلم استتر بالعنزة). رواه البخاري.
وكل هذه الأشياء أطول بكثير من مؤخرة الرحل.
•
هل قوله صلى الله عليه وسلم (مثل مؤخرة الرحل) تحديد لعرض السترة وغلظها فلا يجوز أقل من ذلك، أم تمثيل وتقريب؟
قال ابن قدامة: فأما قدرها في الغلظ - الدقة - فلا حد له نعلمه، فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم والحربة وغليظة كالحائط، ويدل لذلك:
أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى حربة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّى إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ) متفق عليه.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى عَنَزَة.
عن أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَىِ الْعَنَزَة) متفق عليه.
أمر بالصلاة إلى السهم.
كما في حديث سبرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ).
وكل ذلك أدق بكثير من مؤخرة الرحل، ولم يرد في الشرع ما يمنع أدق من هذه المذكورات.
- لكن السترة العريضة أولى، وأبعد عن التشويش، وأجمع لقلب المصلي، إذا تيسرت له.
قال الإمام أحمد رحمه الله: وما كان أعرض فهو أعجب إلي.
قال ابن قدامة: وذلك لأن قوله (ولو بسهم) يدل على أن غيره أولى منه.
228 -
وَعَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ اَلْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ) أَخْرَجَهُ اَلْحَاكِمُ.
===
(وَلَوْ بِسَهْمٍ) لو: تفيد التقليل.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث سنده حسن، وما ذكره المصنف رحمه الله هذا لفظ ابن أبي شيبة، وأما لفظ الحاكم (استتروا بصلاتكم ولو بسهم).
•
اذكر بعض الأدلة على مشروعية السترة؟
لازم النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ السترة حضراً وسفراً، في العمران والفضاء.
أولاً: أمره صلى الله عليه وسلم الاستتار بالسهم.
كما في حديث الباب (لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ).
ثانياً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالحربة.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّى إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ) متفق عليه.
ثالثاً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالعَنَزَة.
عن أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْعَنَزَة) متفق عليه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّى إِلَيْهَا) رواه البخاري.
وعن أنس قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها بالمصلى يعني العنَزَة) رواه ابن خزيمة.
رابعاً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالراحلة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّى إِلَيْهَا) متفق عليه.
خامساً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالمقام.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِى أَوْفَى قَالَ (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ) رواه البخاري.
حديث جابر (وصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت) رواه مسلم.
سادساً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالشجرة.
عن علي قال (لقد رأيتنا وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة يدعو حتى أصبح) رواه النسائي.
سابعاً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالسرير.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّى، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَي السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي) متفق عليه.
ثامناً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالجدار.
عَنْ سَهْلٍ قَالَ (كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاة) متفق عليه.
تاسعاً: استتاره صلى الله عليه وسلم بالاسطوانة.
عن يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ (كُنْتُ آتِى مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّى عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ. فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا) متفق عليه.
قال ابن قدامة: السنة للمصلي أن يصلي إلى سترة
…
ولا نعلم في استحباب ذلك خلافاً.
وقال النووي: السنة للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها.
•
ما حكم اتخاذ السترة في الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها واجبة.
وهذا مذهب ابن خزيمة، ورجحه ابن حزم، والشوكاني.
أ-لحديث الباب (لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ).
ب- ولحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليصلّ إلى سترة وليدن منها) رواه أبو داود
قال الشوكاني: فيه أن اتخاذ السترة واجب.
ورجحه الألباني، وقال: القول بالاستحباب ينافي الأمر بالسترة في عدة أحاديث.
ج- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليستتر) رواه ابن خزيمة.
القول الثاني: أنها غير واجبة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لحديث ابْنِ عَبَّاس. قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى إلى غَيرِ جِدار، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد) متفق عليه.
وجه الدلالة: قوله (إلى غير جدار) قال الحافظ ابن حجر: أي إلى غير سترة، قاله الشافعي، وسياق الكلام يدل على ذلك، لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار بلفظ (والنبي يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره).
ب- ولحديث أبي سعيد وسيأتي (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أن يجتاز بين يديه
…
).
فقوله: (إذا صلى أحدكم
…
) يدل على أن المصلي قد يصلي إلى شيء يستره وقد لا يصلي.
وهذا القول هو الراجح.
•
هل السترة مشروعة حتى في الفضاء؟
نعم، فالسترة مستحبة سواء صلى في العمران أو في الفضاء، خشي ماراً أو لم يخشى.
قال الشوكاني: اعلم أن ظاهر أحاديث الباب عدم الفرق بين الصحاري والعمران، وهو الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من اتخاذه السترة سواء في الفضاء أو في غيره.
وقال السفاريني: اعلم أنه يستحب صلاة المصلي إلى سترة اتفاقاً ولو لم يخشى ماراً خلافاً لمالك.
•
ما الحكم إذا انتهى الإمام من صلاته وقام المأموم يقضي فهل تستمر سترة الإمام سترة للمأمومين، أو يكون الإمام سترة للمأموم بعد انفراده؟
الجواب: المأموم لما سلم الإمام صار منفرداً فلا تكون سترة الإمام سترة له حتى الإمام الآن ليس بإمام؛ لأنه انصرف وذهب عن مكانه.
لكن هل يشرع للمأموم بعد ذلك إذا قام يقضي ما فاته أن يتخذ سترة؟
الذي يظهر لي: أنه لا يشرع، وأن الصحابة رضي الله عنهم إذا فاتهم شيء قضوا بدون أن يتخذوا سترة.
ثم لو قلنا: بأنه يستحب أن يتخذ سترة، أو يجب على قول من يرى وجوب السترة، فإن الغالب أنه يحتاج إلى مشي وإلى حركة لا نستبيحها إلا بدليل بيِّن، فالظاهر أن المأموم يقال له: سترة الإمام انتهت معك وأنت لا تتخذ سترة؛ لأنه لم يرد اتخاذ السترة في أثناء الصلاة، وإنما تتخذ السترة قبل البدء في الصلاة. (لقاء الباب المفتوح).
•
ما حكم الدنو من السترة؟
يسن الدنو من السترة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى سترة، فليدن منها فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها). رواه ابن حبان
قال البغوي: والعمل على هذا عند أهل العلم استحبوا الدنو من السترة.
وقد ورد الحكمة من ذلك: في قوله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته) رواه أبو داود.
قال الحافظ: وقد ورد الأمر بالدنو منها وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعاً (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته).
وقال السفاريني: والحكمة من الأمر بالدنو من السترة هو بيان أن لا يقطع الشيطان على المصلي صلاته.
وقال الشوكاني: والحكمة في الأمر بالدنو أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته.
•
ما الحكمة من السترة:
قال النووي: قال العلماء: الحكمة من السترة كف البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه.
وقال الصنعاني: وفائدة اتخاذها أنه مع اتخاذها لا يقطع الصلاة شيء، ومع عدم اتخاذها يقطعها ما يأتي
…
).
وقال بعض العلماء: الحكمة من السترة قطع نظر المصلي عما أمامه، فيجعل بصره محصوراً في موضع سجوده، فلا يذهب بصره يمنة ويسرة.
229 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَقْطَعُ صَلَاةَ اَلْمَرْءِ اَلْمُسْلِمِ - إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ اَلرَّحْلِ - اَلْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ اَلْأَسْوَدُ
…
) اَلْحَدِيثَ. - وَفِيهِ - اَلْكَلْبُ اَلْأَسْوَدِ شَيْطَانٌ -. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
230 -
وَلَهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه نَحْوُهُ دُونَ: "اَلْكَلْبِ".
231 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما نَحْوُهُ، دُونَ آخِرِهِ. وَقَيَّدَ اَلْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ.
===
•
اذكر ألفاظ هذه الأحاديث التي ذكرها المصنف رحمه الله؟
حديث أبي ذر لفظه:
عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ». قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ «الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) رواه مسلم.
وحديث أبي هريرة لفظه:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ) رواه مسلم.
وحديث ابن عباس لفظه:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ) رواه أبو داود.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم.
وأما حديث ابن عباس فالصحيح أنه موقوف، قال أبو داود: وقفه سعيد وهشام وهمام عن قتادة عن جابر بن زيد على ابن عباس.
•
اذكر الخلاف هل يقطع الصلاة شيء أم لا؟
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، هل يقطع الصلاة شيء أم لا؟
القول الأول: يقطع الصلاة هذه الأشياء الثلاثة: المرأة البالغ، والحمار، والكلب الأسود.
واختار هذا القول ابن تيمية وابن القيم، وابن المنذر، والشوكاني، والألباني.
لحديث أبي ذر، وحديث أبي هريرة.
قال ابن المنذر: وأما حجة من قال يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، فظاهر خبر عبد الله بن الصامت عن أبي ذر
…
وهو خبر صحيح لا علة له، فالقول بظاهره يجب، وليس مما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التسليم له وحدّك أن يحمل على قياس أو نظر.
وقال الشوكاني: المراد بقطع الصلاة إبطالها، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة، وأنس، وابن عباس، في رواية عنه
…
وممن قال به من التابعين يقطع الثلاثة المذكورة: الحسن البصري، وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود، ومن الأئمة: أحمد بن حنبل فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري.
القول الثاني: أنه لا يقطع الصلاة شيء.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
قال النووي: وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف، لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم.
أ-لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقطع الصلاة شيء) رواه أبو داود وهو ضعيف.
ب- لحديث الفضيل بن عباس قال (زار النبي صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا، ولنا كلبة وحمار يرعى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، وهما بين يديه، فلم يؤخرا ولم يزجرا) رواه أبو داود، وهو ضعيف.
ج- ولحديث عائشة قالت (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني) رواه مسلم.
د- ولحديث ابْنِ عَبَّاس. قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى إلى غَيرِ جِدار، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد) متفق عليه.
القول الثالث: أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود خاصة.
وهذا قول أحمد وإسحاق.
وحجة هذا القول: أن الكلب لم يجيء في الترخيص فيه شيء يعارض الأحاديث المذكورة وهي حديث أبي ذر وأبي هريرة.
وأما المرأة فقد ورد عن عائشة أنها قالت (شبهتمونا بالكلاب والحمير).
وقالت (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني).
وأما الحمار فقد ورد فيه حديث ابن عباس قَالَ (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ. مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ. وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) متفق عليه.
والراجح القول الأول، وأنه يقطع الصلاة هذه الأشياء الثلاثة المذكورة بالحديث.
قال ابن القيم:
…
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ فَإِنّهُ صَحّ عَنْهُ أَنّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ " الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ ". وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ. وَمُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قِسْمَانِ صَحِيحٌ غَيْرُ صَرِيحٍ وَصَرِيحٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهَا لِمُعَارِضٍ هَذَا شَأْنُهُ.
•
ماذا أجاب الجمهور عن أحاديث الباب التي فيها يقطع الصلاة؟
وأجاب من يقول بعدم القطع (وهم الجمهور) عن أحاديث القطع بأجوبة:
أ- قالوا إن المراد بالقطع نقص الصلاة.
قال النووي: وتأول هؤلاء حديث القطع على أن المراد به ينقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها. (شرح مسلم).
ب- أنه منسوخ.
قال النووي: وأما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها فمن وجهين:
أصحهما وأحسنهما ما أجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين: أن المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر للشغل بها والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة، فهذا الجواب هو الذي نعتمده، وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول، إذ لا دليل عليه، ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهى في آخر الأمر أن يكون ناسخاً، إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده، وقد علم وتقرر في الأصول، أن مثل هذا لا يكون ناسخاً مع أنه لو احتمل النسخ لكان الجمع بين الأحاديث مقدماً عليه، إذ ليس فيه رد شيء منها، وهذه أيضاً قاعدة معروفة. (المجموع).
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني (وهم الجمهور)؟
أما حديث أبي سعيد (لا يقطع الصلاة شيء) فحديث ضعيف فلا حجة فيه.
ضعفه ابن حزم في المحلي، وقال النووي: هو ضعيف، وضعفه ابن قدامة في المغني، وابن حجر.
ولو صح فهو عام مخصوص بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قطع المرأة والحمار والكلب الأسود، فتخص هذه الثلاثة من عموم هذا الحديث.
وأما حديث الفضيل ابن عباس (زار النبي صلى الله عليه وسلم عباساً
…
) فحديث ضعيف، فقد ضعفه ابن حزم في المحلى، ثم لم يبين لون هذه الكليبة، فقد يكون لونها ليس أسود، ولا يقطع الصلاة من الكلاب إلا الأسود.
وأما حديث عائشة، فهذا ليس بمرور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا مرّ، وفرق بين المرور والاضطجاع.
قال ابن القيم: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعائشة نائمة في قبلته، وكأن ذلك ليس كالمار، فإن الرجل محرّم عليه المرور بين يدي المصلي ولا يكره له أن يكون لابثاً بين يديه، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها.
وأما حديث ابن عباس (قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ
…
) فهو غير صريح في المسألة، فلا حجة فيه، إذ ليس فيه إلا أن الحمار مرّ بين يدي بعض الصف، وهذا لا يؤثر، إذ سترة الإمام سترة لمن خلفه.
•
هل مرور المرأة من أمام المرأة يقطع الصلاة كالرجل؟
نعم، يدخل في المرور، مرور المرأة بين يدي المرأة، فإنه يقطع الصلاة، لأنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام إلا ما دلّ الدليل على تخصيصه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المرأة تقطع صلاة المرأة كما تقطع صلاة الرجل. (لقاء الباب المفتوح).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: الصلاة تنقطع ولو كانت المصلية امرأة والمارة امرأة؛ لأن الخطاب لجميع الأمة. (نقلاً من موقع الإسلام سؤال وجواب).
فائدة:
قال ابن قدامة: وَلَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَلِأَنَّ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ يَتَسَاوَى فِيهَا الْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ فِي غَيْرِ هَذَا، فَكَذَلِكَ هَذَا.
•
ما المراد بالمرأة التي تقطع الصلاة؟
المراد بها المرأة البالغة لأمرين:
الأول: لحديث ابن عباس فيه التقييد ( .. المرأة الحائض
…
).
والثاني: ولأن غير البالغة لا يصدق عليها أنها امرأة.
•
ما المراد بالحمار الذي يقطع الصلاة؟
قيل: يشمل جميع الحمير الأهلي والوحشي.
لظاهر الحديث (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ .. ) فيشمل جميع الحمير؟
وقيل: المراد الحمار الأهلي.
قالوا: لأن اسم الحمار إذا أطلق ينصرف إلى المعهود المألوف في الاستعمال وهو الأهلي.
والأول أرجح.
•
ما المراد بالكلب الذي يقطع الصلاة؟
جاء في حديث أبي ذر تقييده بالأسود، وجاء في حديث أبي هريرة مطلق غير مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، فلا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود، بدليل حديث أبي ذر السابق (
…
قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ «الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) رواه مسلم.
•
ما الحكم لو مر أحد هذه الثلاثة أمام المأموم؟
لا تقطع صلاته، لأن سترة الإمام تعتبر سترة لمن خلفه، ويدل لذلك:
حديث ابن عباس - وقد تقدم - (أقبلت على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك علي أحد) متفق عليه.
وقد بوب البخاري: باب سترة الإمام سترة من خلفه.
ثم ذكر ثلاثة أحاديث:
حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ).
وحديث ابن عُمَر (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ).
وحديث أَبِي جُحَيْفَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ - وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ).
قال ابن قدامة: فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، نص عليه أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، فلا يسن للمأموم أن يتخذ سترة، لأن الصحابة كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ أحد منهم شيء.
•
ما الحكم لو مرّ أحد هذه الثلاثة أمام الإمام وسترته؟
لو مر أحد هذه الثلاثة بين الإمام وسترته، قطعت صلاته وصلاة المأمومين، وهذه هي المسألة الوحيدة التي تبطل فيها صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام.
•
ما حكم الصلاة إلى النائم؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وذهب إليه مجاهد وطاووس ومالك، كما ذكر ذلك الشوكاني، خشية ما يبدو منه مما يلهي المصلي عن صلاته.
ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا خلف النائم المتحدث). رواه أبو داود وقال: طرقه كلها ضعيفة.
القول الثاني: أنه لا يكره.
وهو ظاهر تبويب البخاري، حيث، قال: باب الصلاة خلف النائم. ثم ذكر حديث عائشة.
وهذا القول هو الصحيح.
232 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ اَلنَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
233 -
وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّ مَعَهُ اَلْقَرِينَ).
===
(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ) أي: جعل شيئاً أمامه في صلاته يحول بينه وبين الناس.
(أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ) أي: قريباً منه بينه وبين سترته.
(فَلْيَدْفَعْهُ) وعند مسلم (فليدفع في نحره).
(فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) أي: فعله شيطان، لأنه عات ومتمرد، فكل شيطان من كل جنس فهو متمرده وعاتيه وفي رواية (القرين) أي الحامل له على المرور هو القرين، هو الذي يحثه ويؤزه.
•
ما المراد بالمقاتلة في قوله (
…
فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ)؟
نقل القاضي عياض، والقرطبي، وابن عبد البر الإجماع على أن المقاتلة في قوله (فليقاتله) لا تكون بالسيف ولا بالسلاح ولا بالخطاب، ولا يبلغ به المصلي مبلغاً يفسد به صلاته لمخالفة ذلك لقاعدة الصلاة والاشتغال بها.
قال الْقَاضِي عِيَاض: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ مُقَاتَلَته بِالسِّلَاحِ، وَلَا مَا يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكه، فَإِنْ دَفَعَهُ بِمَا يَحُوز فَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا قَوَد عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء. (شرح مسلم).
وقال العيني: اختلفوا في معنى (فليقاتله) والجمهور على أن معناه الدفع بالقهر لا جواز القتل، والمقصود المبالغة في كراهة المرور.
وقال البغوي: المراد من المقاتلة الدفع بالعنف لا القتل، فإنه يروى في حديث أبي سعيد (وليدرءه ما استطاع).
وقال الباجي: ويعدل عن ظاهر المقاتلة بالإجماع على أنه لا يجوز المقاتلة التي تفسد صلاته.
•
ما حكم دفع المار بين يدي المصلي وبين سترته؟
اختلف العلماء في حكم دفع المار على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه مستحب لا واجب.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
قال النووي: الأمر بالدفع أمر ندب متأكد، ولا أعلم أحداً من العلماء أوجبه، بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب.
القول الثاني: أنه واجب.
وهو قول أهل الظاهر ورجحه الشوكاني.
قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل كلام النووي السابق: وقد صرح بوجوبه أهل الظاهر.
قال ابن حزم: ودفع المار بين يدي المصلي وسترته ومقاتلته - إن أبى - حق واجب على المصلي لظاهر الحديث، فإنه أمر والأمر يقتضي الوجوب.
وقال الشوكاني: وظاهر الحديث مع من أوجب الدفع.
القول الثالث: التفريق بين ما يقطع الصلاة وبين ما لا يقطعها.
ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
والراجح القول بالوجوب.
•
ما لحكمة من دفع المار؟
قال الصنعاني: وقد اختلف في الحكمة المقتضية للأمر بالدفع، فقيل: لدفع الإثم عن المار، وقيل: لدفع الخلل الواقع بالمرور في الصلاة، لأن عناية المصلي بصيانة صلاته أهم من دفعه الإثم عن غيره.
قال الحافظ ابن حجر: وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود (أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته) وروى أبو نعيم عن عمر (لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس). فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، ولا يختص بالمار، وهما وإن كانا موقوفين لفظاً فحكمهما حكم الرفع، لأن مثلهما لا يقال بالرأي.
•
ما كيفية دفع المار؟
يشرع دفع المار بالأسهل فالأسهل، بالإشارة ولطيف المنع، أو بوضع اليد في نحر المار كما في رواية مسلم (فليدفعه في نحره).
•
ما الحكم إذا مرّ ولم يدفعه فهل يرده؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا مرّ ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده، لأن فيه إعادة للمرور.
•
هل الدفع (فليدفعه) مقيد بوضع السترة؟
ذهب بعض العلماء إلى أن الدفع مقيد بوضع السترة، فإن فرط ولم يضع سترة فليس له دفع المار.
منهم الإمام الخطابي، والبغوي، والنووي، وابن القيم، والصنعاني، والشوكاني، بل حكى النووي الاتفاق على ذلك، فقال: واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته، بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه.
واستدلوا بمفهوم (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره).
وذهب بعض العلماء إلى أنه يشرع رد المار مطلقاً.
لعموم حديث ابن عمر (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر
…
). فهذا الحديث مطلق ولم يقيد بوضع السترة، واختاره الشيخ ابن باز.
234 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَخُطَّ خَطًّا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ، بَلْ هُوَ حَسَنٌ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبخاري في التاريخ، وابن خزيمة، وابن حبان وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والحميدي، والبييهقي: كلهم عن طريق: إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن أبي هريرة.
وهذا الحديث وقع خلاف في صحته وضعفه على قولين:
فبعض العلماء ضعفه ومنهم:
سفيان بن عيينة فقد، قال: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث.
وابن الصلاح، والنووي، وابن عبد الهادي، والعراقي، وابن حزم، والبغوي، والدار قطني، والطحاوي، وأحمد شاكر، والألباني.
وسبب ضعفه أمور:
أن إسماعيل قد اضطرب في اسم شيخه أبي عمرو بن محمد بن حريث وفي كنيته.
جهالة حال أبي عمرو بن محمد وجهالة جده حريث.
وذهب بعض العلماء إلى تصحيحه منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، ونص ابن عبد البر على أن الإمام أحمد وعلي بن المديني صححاه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي، والسخاوي، والحافظ ابن حجر كما هنا.
والأقرب أنه لا يصح.
•
هل يخط المصلي خطاً إذا لم يجد سترة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يخط خطاً.
لأن الحديث ضعيف.
القول الثاني: أنه يخط.
ورجحه النووي، وقال: المختار استحباب الخط، لأنه وإن لم يثبت الحديث ففيه تحصيل حريم المصلي.
•
ما صفة الخط؟
فقيل: يجعل مثل الهلال.
وقيل: يمد طولاً إلى جهة القبلة.
وقيل: يمده يميناً وشمالاً.
والأمر في هذا واسع.
فائدة: قال الشيخ ابن عثيمين: أن الخط يكفي عن العصا، وهذا إذا كانت الأرض يؤثر فيها الخط كالرملية والحصائية.
•
ماذا نستفيد من قوله (فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًاً)؟
أن المصلي إذا صلى إلى سترة فإنها تكون أمامه تلقاء وجهه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يستحب أن ينحرف عن السترة، ويجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر.
ورجح هذا القول ابن العربي المالكي، والبغوي، والنووي، والموفق، وابن قدامة.
قال ابن قدامة: وَإِذَا صَلَّى إلَى عُودٍ أَوْ عَمُودٍ أَوْ شَيْءٍ فِي مَعْنَاهُمَا، اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهُ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمَدًا.
لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ (مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إلَى عُودٍ أَوْ إلَى عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ، إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمَدًا) أَيْ لَا يَسْتَقْبِلُهُ فَيَجْعَلُهُ وَسَطًا، وَمَعْنَى الصَّمَدِ: الْقَصْدُ. (المغني).
ورجح هذا القول ابن القيم، وقال: وأحب - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن صلى إلى عود أو عمود أو شجرة أو نحو ذلك أن يجعله على أحد حاجبيه ولا يصمد له صمداً قطعاً لذريعة التشبه بالسجود إلى غير الله.
القول الثاني: أنه يجعل السترة بين يديه ولا يجعلها عن يمينه ولا عن يساره.
لأن الأحاديث تدل على أنه يجعلها قبال وجهه، كحديث أبي هريرة: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً
…
) رواه أبو داود
وأما حديث ضباعة فهو حديث ضعيف، قال ابن مفلح: إسناده لين، وقال عبد الحق: وليس إسناده بقوي.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الأفضل لمن أراد أن يستتر بعضا؟
الأفضل أن يجعله قائماً، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يضع سترة يركز العنَزَة على الأرض حتى تكون قائمة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
استحباب السترة للمصلي وتأكدها.
أن السترة تكون أمام المصلي.
دليل من قال الصلاة لا يقطعها شيء
235 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَقْطَعُ اَلصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَأْ مَا اِسْتَطَعْتَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف ولا يصح، لأنه من رواية مجالد سعيد وهو ضعيف، وهو أيضاً قد اضطرب في هذا الحديث.
•
حديث الباب دليل لمن؟
دليل لجمهور العلماء أن الصلاة لا يقطعها شيء، وقد أجاب القائلون بالقطع، بأن هذا الحديث ضعيف ولا يصح.
بابُ اَلْحَثِّ عَلَى اَلْخُشُوعِ فِي اَلصَّلَاةِ
•
عرف الخشوع؟
الخشوع لغة: السكون والانخفاض، قال تعالى (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ).
والخشوع في الصلاة: حضور القلب بين يدي الله وسكون الجوارح واستحضار ما يقوله المصلي أو يفعله.
•
ما حكم الخشوع في الصلاة؟
اختلف العلماء في حكم الخشوع في الصلاة على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
ورجحه الغزالي، والقرطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
أ- لقوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى.
ب- ولحديث ابن عباس. قال صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ينصرف من صلاته وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها) رواه أبو داود.
ج- ولقوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين.
د- ولقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
…
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون) قال ابن تيمية: فأخبر سبحانه أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم.
القول الثاني: أنه سنة وليس بواجب.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (
…
فَإِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يَخْطُرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِى كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ) متفق عليه.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها، حتى لم يدر كم صلى: بأن يسجد سجدتي السهو، ولم يأمرها بإعادتها.
وهذا الراجح.
236 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ اَلرَّجُلُ مُخْتَصِرًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ.
237 -
وَفِي اَلْبُخَارِيِّ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ اَلْيَهُودِ.
===
•
عرف الاختصار؟
هو أن يضع الإنسان يده على خاصرته، وبذلك جزم أبو داود ونقله الترمذي عن بعض أهل العلم، وهذا هو المشهور في تفسيره، وهو تفسير عائشة كما ذكره المصنف رحمه الله.
وقيل: المراد بالاختصار قراءة آية أو آيتين من آخر السورة.
وقيل: أن يحذف الطمأنينة.
•
ما الحكمة من النهي:
قيل: لأن إبليس أهبط مختصراً.
وقيل: لأن اليهود تكثر من فعله، فنهى عنه كراهة التشبه بهم، وأخرجه البخاري عن عائشة من فعله.
وقيل: لأنه راحة أهل النار.
وقيل: لأنه صفة الزاجر حين ينشد.
وقيل: لأنه فعل المتكبرين.
وقيل: لأنه فعل أهل المصائب.
قال ابن حجر: وقول عائشة أعلى ما ورد، ولا منافاة بين الجميع.
•
ما حكم الاختصار؟
اختلف العلماء في حكمه على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب الجماهير.
أ-لحديث الباب.
ب- ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاختصار راحة أهل النار) رواه ابن خزيمة.
ج- ولأن في الاختصار تشبهاً باليهود.
القول الثاني: أنه حرام.
وذهب إليه ابن حزم.
لحديث الباب، فهو صريح في النهي، ولا صارف له عن التحريم.
وهذا القول له قوة.
•
ما حكم تغميض العينين في الصلاة؟
مكروه.
قال ابن القيم: ولم يكن من هديه تغميض عينيه في الصلاة.
قيل: لأنه من فعل اليهود.
ولأنه مظنة النوم.
لكن إن كان هناك شيء في قبلته يشغله ويشوش عليه فهو أفضل.
قال ابن القيم: وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعاً، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة.
فائدة:
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: يذكر كثير من الناس أنه إذا أغمض عينيه كان أخشع له، وهذا من الشيطان يخشِّعُه إذا أغمض عينيه من أجل أن يفعل هذا المكروه.
238 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا قُدِّمَ اَلْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا اَلْمَغْرِبَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
ما حكم الصلاة عند حضور العشاء والطعام؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن الأمر بالحديث للاستحباب.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
القول الثاني: أنه للوجوب.
قال الشوكاني: وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الأحاديث ابن حزم الظاهري، فقالوا: يجب تقديم الطعام، وجزم ببطلان الصلاة إذا قدمت.
لظاهر الحديث.
ومذهب الجمهور هو الصحيح.
•
هل الحديث خاص بصلاة المغرب؟
لا، ليس الحديث خاصاً بصلاة المغرب، بل عام لكل الصلوات.
أ- لحديث عائشة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) رواه مسلم.
ب-وعنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) رواه البخاري.
ج-وللعلة في ذلك وهي اشتغال القلب بالطعام، وذهاب كمال الخشوع في الصلاة عند حضوره، والصلوات متساوية في هذا.
•
هل يقدم الطعام على الصلاة مطلقاً أم هناك شروطاً لذلك؟
ظاهر الحديث أنه يقدم الطعام مطلقاً، لكن جمهور العلماء اشترطوا شروطاً لذلك:
أ- أن يكون الطعام حاضراً.
ب - وأن تكون نفسه تتوق إليه.
ج-وأن يكون قادراً على تناوله حساً وشرعاً.
الشرعي: كالصائم إذا حضر طعام الفطور عند صلاة العصر والرجل جائع جداً، فنقول هنا: يصلي ولا يؤخر الصلاة.
الحسّي: كما لو قدّم له طعام حار ولا يستطيع أن يتناوله، فهنا نقول يصلي ولا تكره صلاته لأن انتظاره لا فائدة فيه.
•
هل يأكل حتى يشبع أو يأكل ما يسد رمقه؟
قال بعض العلماء أنه يأكل مقدار ما يسد رمقه، والصحيح أن له أن يشبع ويدل لذلك:
رواية (
…
ولا تعجلوا عن عشائكم).
وفي رواية (
…
ولا يعجل حتى يفرغ منه).
قال النووي: في هذا دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله هذا هو الصواب، وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقماً يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح وهذا الحديث صريح في إبطاله.
وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وأنه ليسمع قراءة الإمام.
•
هل هذا الأمر من باب تقديم حق المخلوق على الخالق؟
قال ابن الجوزي: ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق، ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة.
•
ما الحكمة من ذلك؟
أن المطلوب في الصلاة هو حضور القلب، والحاجة إلى الطعام تشغل القلب وتحول دون الخشوع في الصلاة.
وعليه: ينبغي إبعاد كل ما يشغل المصلي عن الخشوع.
وفي هذا دليل على أهمية الخشوع.
قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).
وقال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
…
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).
239 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي اَلصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحِ اَلْحَصَى، فَإِنَّ اَلرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَزَادَ أَحْمَدُ: (وَاحِدَةً أَوْ دَعْ).
240 -
وَفِي "اَلصَّحِيحِ" عَنْ مُعَيْقِيبٍ نَحْوُهُ بِغَيْرِ تَعْلِيلٍ.
===
(إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي اَلصَّلَاةِ) لفظ أبي داود والترمذي (إلى الصلاة) والمعنى: إذا شرع في الصلاة.
(فَلَا يَمْسَحِ اَلْحَصَى) أي: يسويه للسجود، والحصى الحجارة الصغيرة.
(فَإِنَّ اَلرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) هذا تعليل للنهي، والمعنى: أن الرحمة تقابله وتنزل عليه.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي ذر ضعيف، لأن فيه أبو الأحوص وهو مجهول.
ورواية أحمد صحيحة لشواهدها.
وأما حديث معيقيب فقد رواها البخاري ومسلم عن أبي سلمة قال: حدثني معيقيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال (إن كنت فاعلاً فواحدة).
•
ما حكم مسح الحصى في الصلاة؟
قال النووي: واتفق العلماء على كراهة المسح.
قال ابن حجر: وفيه نظر فقد حكى الخطابي عن مالك أنه لم ير به بأساً وكان يفعله، فكأنه لم يبلغه الخبر.
وقال الصنعاني: إن النهي ظاهر في التحريم.
•
لماذا خص النبي صلى الله عليه وسلم الحصى؟
خص النبي صلى الله عليه وسلم الحصى، لأنه الغالب على فرش مساجدهم، وإلا فلا فرق بينه وبين التراب والرمل كما في حديث معيقيب.
•
ما العلة من النهي عن مسح الحصى في الصلاة؟
فقيل: لأن الرحمة تواجهه، كما في حديث أبي ذر وفي سنده ضعف.
وقيل: لأنه محل يجب أن يسجد عليها.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن علة كراهيته المحافظة على الخشوع.
وقال النووي: لأنه ينافي التواضع، ولأنه يشغل المصلي.
241 -
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ (سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اَلِالْتِفَاتِ فِي اَلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اِخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ اَلشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ اَلْعَبْدِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: عَنْ أَنَسٍ - وَصَحَّحَهُ - (إِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي اَلصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ فَلَا بُدَّ فَفِي اَلتَّطَوُّع).
===
(هُوَ اِخْتِلَاسٌ) أي اختطاف بسرعة.
(فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ) أي: هلاك، لأنه طاعة للشيطان، وهو سبب الهلاك.
(فَإِنْ كَانَ فَلَا بُدَّ فَفِي اَلتَّطَوُّعِ) أي: إن كان لا مفر ولا محيد عن الالتفات فليكن في التطوع.
•
ما المراد بالالتفات المذكور في الحديث؟
المراد بالالتفات: المراد بالرأس أو العنق [تحويل الوجه عن القبلة]، وأما الالتفات بالصدر حرام.
•
اذكر بعض الأحاديث في النهي عن الالتفات؟
جاءت أحاديث في ذلك:
منها: قوله صلى الله عليه وسلم (
…
فإذا صليتم فلا تلتفتوا
…
) رواه الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف).
• ما حكم الالتفات في الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب الجمهور كما قال الحافظ ابن حجر.
القول الثاني: أنه حرام.
وهذا مذهب أهل الظاهر.
والراجح مذهب الجمهور.
•
متى يجوز الالتفات؟
يجوز إذا كان لحاجة، ويدل لذلك:
أ- حديث سهل بن الحنضلية قال: (ثوب في الصلاة - يعني صلاة الفجر - فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب).
قال أبو داود: وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل فارساً إلى الشعب يحرس، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت إليه ويترقب قدومه.
ب- وحديث أنس في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج والمسلمون في صلاة الفجر وكشف السترة
…
فنظر إلى المسلمين وهم صفوف فتبسم صلى الله عليه وسلم فطفق أبو بكر يريد أن يتأخر
…
ونظر المسلمون إلى رسولهم حتى كادوا أن يفتتنوا.
ج- وفي حديث جابر أنه قال (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصليت وراءه وهو قاعد فالتفت فرآنا قياماً
…
).
•
ما الحكمة من النهي عن الالتفات:
قيل: لأنه ينافي الخشوع.
وقيل: لأن فيه انصراف عن الله. ولا مانع من القولين.
• اذكر أنواع الالتفات في الصلاة؟
الالتفات ينقسم إلى قسمين:
الأول: الالتفات بالقلب عن الله إلى غير الله.
والثاني: الالتفات بالبصر.
وكلاهما منهي عنه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الالتفات من كيد الشيطان.
- التحذير من الشيطان، وأنه عدو للإنسان.
قال القرطبي: سمي الالتفات اختلاساً تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة.
242 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي اَلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ).
===
(يُنَاجِي رَبَّهُ) المناجاة لغة المسارة، ناجيته ساررته، والمراد هنا يناجي ربه بذكره ودعائه.
(فَلَا يَبْزُقَنَّ) البزق إخراج ما في الفم.
(بَيْنَ يَدَيْهِ) أي: أمامه.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على النهي أن يبزق المصلي أمامه أو عن يمينه.
•
ما الحكمة من النهي عن ذلك؟
أما أمام المصلي:
جاء في رواية عند البخاري (فإن ربه بينه وبين القبلة)
وفي رواية (فإن الله قِبل وجه المصلي).
وأما عن يمينه:
جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة (ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً).
•
ما حكم أن يبزق المصلي أمامه أو عن يمينه؟
ظاهر الحديث التحريم.
لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب لما رأى البصاق في جهة القبلة.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن عن شماله) فإذا قيل: كيف يبصق عن شماله وفيه ملكاً أيضاً؟
الجواب:
أولاً: أن المصلي لا يبصق في الصلاة إلا في حال الحاجة، والحاجة تبيح المكروهات.
ثانياً: جهة اليمين أشرف من جهة الشمال.
ثالثاً: الملك المقيم في جهة اليمين أشرف من الملك المقيم في جهة الشمال.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن عن يساره
…
) متى يكون هذا؟
هذا يكون إذا كان المصلي يصلي في صحراء أو في بيته أو أرض رملية.
وأما في المسجد فإنه يبصق في ثوبه أو منديله.
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم (عن يساره) محمول على ما إذا كانت جهة يساره خالية من المصلين، لما ورد في حديث طارق بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، أو إذا صلى أحدكم فلا يبزقن أمامه، ولا عن يمينه، ولكن تلقاء يساره إن كان فارغاً أو تحت قدمه).
إذاً قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن عن يساره) هذا مشروط بشرطين:
الأول: ألا يكون عن شماله مصلٍ آخر في صلاة الجماعة، سواء كان في المسجد أو خارج المسجد.
الثاني: ألا يكون في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن البصاق في المسجد خطيئة.
•
ما حكم البصاق تجاه القبلة؟
اختلف العلماء في حكم البصاق اتجاه القبلة أو عن يمينه: على قولين:
القول الأول: التحريم مطلقاً سواء في المسجد أو خارج المسجد، أو كان يصلي أو لا يصلي.
ورجح هذا القول النووي والصنعاني والألباني.
أن أغلب الأحاديث التي وردت في النهي عن البصاق في القبلة أو عن يمينه مطلقة ليس بها تقييد ذلك البصاق بالصلاة.
وذكر الشيخ الألباني واحتج بحديث (من تفل اتجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه) رواه ابن خزيمة.
القول الثاني: أن ذلك محرم في الصلاة فقط.
وهذا قول الأكثر لورود التقييد.
(إذا كان أحدكم يصلي
…
).
وظاهر صنيع البخاري أنه يرجح هذا المذهب، ولذلك بوب في صحيحه:(باب: لا يبصق عن يمينه في الصلاة).
ومما يؤيد أن ذلك خاص بالصلاة قوله: (
…
ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكاً) يعني أثناء الصلاة.
وهذا القول هو الراجح.
243 -
وَعَنْهُ قَالَ (كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
244 -
وَاتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ أَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، وَفِيهِ (فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي).
===
(كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ) القِرام: ستر رقيق من صوف ذو ألوان.
(أَمِيطِي) أي: أزيلي.
(تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي) أي: تلوح وتظهر.
•
اذكر لفظ حديث عائشة الثاني؟
عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي).
(خميصة) كساء مربع له أعلام (الإنبجانية: كساء غليظ لا علم له (إلى أبي جهم) خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم (ألهتني) أي شغلتني.
•
ماذا نستفيد من أحاديث الباب؟
- ينبغي للمصلي أن يزيل كل ما يشغله عن صلاته.
- مشروعية الخشوع في الصلاة، وفعل الأسباب الجالبة له، والابتعاد عن كل ما يشغل المصلي في صلاته.
- الأفضل للمصلي أن يقصد الأماكن التي لا يكون بها ما يلهيه أو يشغله عن صلاته.
•
هل على الإنسان أن يبادر إلى نفي ما يشغله عن صلاته؟
نعم، فالحديث فيه مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصالح الصلاة، ونفي ما لعله يخدش فيها. [قاله ابن دقيق]
•
لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا بالخميصة لأبي جهم؟
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا بالخميصة لأبي جهم لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك في الموطأ عن عائشة قالت: (أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام، فشهد فيها الصلاة
…
).
وطلب صلى الله عليه وسلم أن يأتوه بالأنبجانية، قال ابن بطال: إنما طلب منه ثوباً غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافاً به.
•
إذا قال قائل: لماذا بعث صلى الله عليه وسلم بالخميصة لأبي جهم ألا يمكن أن تشغله وتلهيه؟
فالجواب:
أولاً: أنه لا يلزم أن يستعملها في الصلاة.
ثانياً: ويحتمل أن يكون ذلك من باب قوله: (كل فإني أناجي من لا تناجي).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- رعاية الإنسان لحال أصحابه وخواطرهم.
- وجوب صيانة المساجد عما يشوش على المصلين من الزخرفة أو كتابة شيء من الآيات أو تعليق الساعات ونحو ذلك مما يكون في قبلة المصلي.
245 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى اَلسَّمَاءِ فِي اَلصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعَ إِلَيْهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(فِي اَلصَّلَاةِ) جاء عند مسلم (في الدعاء).
(أَوْ لَا تَرْجِعَ إِلَيْهِمْ) أي أبصارهم، و (أو) للتخيير المقصود به التهديد، والمعنى: ليكونن منهم الانتهاء عن رفع الأبصار أو خطف الأبصار عند الرفع فلا تعود إليهم.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على نهي المصلي أن يرفع بصره إلى السماء في الصلاة.
وجاء أيضاً في مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِى الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ).
•
هل النهي للتحريم أو للكراهة؟
والصحيح أنه للتحريم، لأن الحديث فيه النهي، والنهي يقتضي التحريم، وأيضاً فيه التهديد على من فعل ذلك، وهذا قول ابن حزم.
وجمهور العلماء على عدم بطلان الصلاة بذلك، وذهب ابن حزم إلى بطلان صلاة من رفع بصره إلى السماء، بناء على أن النهي يقتضي الفساد.
•
هل النهي خاص وقت الدعاء في الصلاة؟
لا، النهي عام سواء حال الدعاء أو غيره، لأن معظم الروايات جاءت مطلقة.
ولأن المعنى الذي نهي المصلي من أجله أن يرفع بصره إلى السماء موجود حال الدعاء وغيره.
•
ما الحكمة من النهي عن ذلك؟
لأنه ينافي الخشوع والإقبال على الله.
ولأن فيه إعراضاً عن القبلة.
وخروجاً عن هيئة الصلاة.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ)؟
فقيل: هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام.
وقيل: أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين.
والمعنى الأول أقوى. [فتح الباري].
•
ما حكم رفع البصر حال الدعاء خارج الصلاة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه جائز.
قال ابن حجر: واختاره الأكثرون، لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة.
القول الثاني: أنه مكروه.
ورجحه الشيخ ابن باز، وقال: الصواب أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، لوجوه:
أولها: أن هذا القول لا دليل عليه من الكتاب والسنة ولا يعرف عن سلف الأمة.
الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبل القبلة في دعائه، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة.
الثالث: أن قبلة الشيء هي ما يقابله لا ما يرفع إليه بصره.
•
إلى أين ينظر المصلي في صلاته؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ينظر إلى موضع سجوده.
وهذا قول جماهير العلماء.
لحديث الباب.
ولحديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فما جاوز بصره موضع سجوده). رواه الحاكم.
ولأن الله أثنى على المؤمنين ومدحهم بالخشوع في الصلاة، ومن صفات الخاشع أن ينظر إلى موضع سجوده
قال ابن تيمية: إن خفض البصر من تمام الخشوع.
القول الثاني: ينظر أمامه.
وهذا مذهب المالكية.
استدلالاً بقوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام).
قالوا: إن المصلي مأمور بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام، وإذا نظر إلى موضع سجوده احتاج إلى نوع من الانحناء، والمنحني إلى موضع سجوده لم يولِ وجهه شطر المسجد الحرام.
والصحيح القول الأول (يستثنى حال التشهد فإنه ينظر إلى سباحته.
246 -
وَلَهُ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ).
===
(وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَان) أي: البول والغائط، وقد ورد التصريح بهما عند ابن حبان من حديث عائشة ولفظه (لا يقوم أحدكم إلى الصلاة وهو بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان الغائط والبول)، ومعنى يدافعه: أن يدفعهما عن الخروج، وهما يدفعانه عن الشغل بغيرهما ليخرجا.
•
ما المراد بالنفي في قوله (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ)؟
جمهور العلماء على أن هذا النفي نفي للكمال، وأنه يكره أن يصلي في هذه الحال، ولو صلى فصلاته صحيحة، وقد تقدمت المسألة عند حديث (إذا قدّم العشاء
…
).
•
قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) هل هذا قيد معتبر؟
ذهب بعض العلماء إلى حضور الطعام قيد معتبر، فإن كان غير حاضر فلا تؤخر.
وذهب بعضهم: إلى أنه إذا كان الطعام غير حاضر ونفسه تتوق إليه فالحكم فيه كما لو حضره، لوجود المعنى، وهو ترك الخشوع.
والأول أظهر.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
النهي عن الصلاة حال مدافعة البول والغائط.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء وأقيمت الصلاة فليبدأ بالخلاء).
ولو صلى الإنسان وهو يدافع الأخبثان فصلاته مكروهة عند أكثر العلماء.
وقال بعض العلماء ببطلانها.
•
ما الحكمة من النهي عن ذلك؟
لأن مدافعة الإنسان للحدث تمنع حضور قلبه في الصلاة وإقباله عليها.
وأيضاً تمنع خشوعه فيها، وتجعله مهتماً بإنهائها بأسرع وقت حتى يذهب لقضاء حاجته. فلا يكون مقبلاً على صلاته لأنه مشغول.
•
إذا كان الرجل على وضوء وهو يدافع البول والريح، فإذا قضى حاجته لم يكن عنده ماء يتوضأ به، فهل تقول: أقضي حاجتك وتيمم للصلاة، أو تقول صل وأنت مدافع الأخبثين؟
الجواب نقول: أقضي حاجتك وتيمم ولا تصل وأنت تدافع الأخبثين، لأن الصلاة بالتيمم لا تكره بالإجماع، أما الصلاة مع مدافعة الأخبثين مكروهة ومن العلماء من حرمها.
•
ما الحكم إذا كان الإنسان حاقن ويخشى إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يصلي حاقناً ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟
الجواب: يقضي حاجته ويتوضأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عذر.
•
ما الحكم إذا ترتب على قضاء حاجته خروج الوقت؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يصلي ولو مع مدافعة الأخبثين.
وهذا قول الجمهور.
حفاظاً على الوقت.
القول الثاني: أنه يقضي حاجته ويصلي ولو خرج الوقت.
وهذا قول ابن حزم.
والله أعلم.
•
هل يلحق بمدافعة الأخبثين كل ما يشغل بال المصلي؟
نعم، ألحق العلماء بمدافعة الأخبثين كل ما يشغل بال المصلي من ريح في جوفه، أو حر أو برد شديدين، أو جوع أو عطش كذلك.
لأن المعنى المراد موجود في الجميع، وهو حضور القلب.
247 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (اَلتَّثَاؤُبُ مِنْ اَلشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاَلتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ (فِي اَلصَّلَاةِ).
===
•
ما حكم التثاؤب في الصلاة؟
مكروه في الصلاة وخارج الصلاة، لكنه في الصلاة أشد.
•
لماذا نسب التثاؤب إلى الشيطان؟
نسبته إلى الشيطان، لأن التثاؤب دليل الكسل والفتور وثقل البدن وامتلائه واسترخائه، والشيطان يدعو إلى مثل هذه الأمور.
•
اذكر علاج التثاؤب؟
أولاً: الكظم.
لحديث الباب (فليكظم ما استطاع).
ثانياً: فإن لم يستطع فليضع يده على فيه.
لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل). رواه مسلم
•
هل الأفضل أن يضع على فمه اليد اليسرى أم اليمنى؟
استحب غير واحد من أهل العلم أن يكون باليد اليسرى؛ لأنه من باب دفع الأذى، وقاعدة الشريعة: تقديم اليمين في كل ما كان من باب الكرامة، وتقديم الشمال في كل ما كان من باب المهانة.
وذكروا أن ذلك يكون بوضع ظهر كفه اليسرى على فمه؛ لأنه من باب دفع الشيطان، فيكون دفعه بباطنها، فإن كظمه باليمنى حصل أصل السنة، وحينئذ يكون بوضع باطنها على الفم.
قال المناوي رحمه الله (فليضع يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع، ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين. قيل: لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى.
وقال السفاريني رحمه الله: وَقَالَ لِي شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ لَهُ فِي قَبْرِهِ: إنْ غَطَّيْت فَمَك فِي التَّثَاؤُبِ بِيَدِك الْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَ بِيَدِك الْيُمْنَى فَبِبَاطِنِهَا.
قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: لأَنَّ الْيُسْرَى لِمَا خَبُثَ وَلا أَخْبَثَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِذَا وَضَعَ الْيُمْنَى فَبَطْنَهَا; لأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْغِطَاءِ، وَالْيُسْرَى مُعَدَّةٌ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ، وَإِذَا غَطَّى بِظَهْرِ الْيُسْرَى فَبَطْنُهَا مُعَدٌّ لِلدَّفْع. (غذاء الألباب).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: وإِذا غلبه فإِنه ينبغي تغطية فمه بيده اليسرى؛ لأَنه من باب دفع الخبث؛ فإِن الشيطان خبيث. ويكون الذي يلي فمه ظهر كفه؛ لأَنه من باب الدفع والمنع، يدفع الشيطان ويمنعه لا يدخل.
والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع، ولم تأت السنة بتعيين اليسرى أو اليمنى في كظم التثاؤب، فضلاً عن التفصيل المذكور، وهو كونه بباطن اليد أو ظهرها، فمتى حصل ذلك باليد اليمنى أو اليسرى، حصلت السنة.
•
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يتثاءب يضع يده اليمنى أم يده اليسرى أم يضعهما معاً على فمه الطاهر؟
فأجاب: لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده على فمه إذا تثاءب، وإنما ورد ذلك من قوله حيث أمر صلى الله عليه وسلم الرجل عند التثاؤب - يعني: أو المرأة - أن يكظم - يعني: يمنع فتح فمه ما استطاع - فإن لم يستطع فليضع يده على فمه، ويضع اليد اليمنى أو اليسرى، المهم أن لا يبقي فمه مفتوحاً عند التثاؤب. (نور على الدرب).
•
لماذا أمر المتثاوب أن يكظم؟
أمر المتثاوب أن يكظم التثاؤب لأمور:
أولاً: إن لم يفعل دخل الشيطان.
قال صلى الله عليه وسلم (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل).
ثانياً: إن لم يفعل فإنه يضحك الشيطان منه.
قال صلى الله عليه وسلم (التثاؤب من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان) رواه البخاري.
ثالثاً: أن فتح الفم وإخراج صوت منه أمر مستقبح ومستقذر.
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر: ومن الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم قال (ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط) وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: (ما تثاءب نبي قط) ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق، ويؤيد ذلك ما ثبت: أن التثاؤب من الشيطان.
•
هل يشرع قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب؟
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فليس له ذكر، خلافاً للعامة، فالعامة إذا تجشئوا يقولون: الحمد لله! والحمد لله على كل حال؛ لكن لم يرد أن التجشؤ سبب للحمد، كذلك إذا تثاءبوا قالوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا لا أصل له، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفعل ذلك.
لكن قد يقول قائل: أليس التجشؤ نعمة، والنعمة يستحق الله عز وجل عليها الحمد؟ قلنا: بلى.
هو نعمة؛ لكن لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحمد الله إذا تجشأ، وإذا لم يرد فإنه ليس مشروعاً بناء على قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن كلَّ شيء وُجِد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يفعله ففعلُه ليس بسنة؛ لأن فعل الرسول سنة وتركه سنة، فالتجشؤ موجود، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحمد الله عليه، إذاً: ترك الحمد هو السنة.
كذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند التثاؤب قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان)، وقد قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)! قلنا: إن المراد بقوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) أنك إذا هممتَ بمعصية أو بترك واجب فاستعذ بالله؛ لأن الأمر بالفحشاء من الشيطان، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) فإذا حصل هذا النزغ فاستعذ بالله.
أما التثاؤب فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدُكم فليَكْظِم ما استطاع، فإن عجز فليضع يده على فيه) ولم يقل: إذا تثاءب أحدكم فليستعذ بالله، مع أنه قال:(التثاؤب من الشيطان)، فدل هذا على أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ليست بسُنَّة.
بَابُ اَلْمَسَاجِدِ
248 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (أمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ اَلْمَسَاجِدِ فِي اَلدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ، وَتُطَيَّبَ.) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَ إِرْسَالَهُ.
===
(اَلْمَسَاجِدِ) جمع مسجد، وهو اسم لمكان السجود، وهو بهذا المعنى لا يختص بموضع معين.
وأما عند الفقهاء: الأرض الذي تحررت من الملك الشخصي وخصصت للصلاة والعبادة.
(فِي اَلدُّورِ) قال سفيان بن عيينة: القبائل، قال البغوي: يريد المحال التي فيها الدور.
(وَأَنْ تُنَظَّفَ) من الأذى والقذارة.
(وَتُطَيَّب) يجعل فيها الطيب.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: مشروعية بناء المساجد في الأحياء السكنية ليجتمع الناس للصلاة.
وحكمه التكليفي: فرض كفاية، لأن الأصل في الأمر الوجوب، والمقصود من بناء المساجد هو تحصيل المسجد، وهذا يكفي من الواحد والاثنين.
•
اذكر بعض الأحاديث في فضل بناء المساجد؟
عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة). متفق عليه
(مسجداً) التكبير فيه للشيوع، فيدخل التكبير والتصغير، ورفع في رواية أنس عند الترمذي:(صغيراً أو كبيراً).
وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان: (ولو كمفحص قطاة) وهذه الزيادة عند ابن حبان من حديث أبي ذر، وعند الطبراني من حديث أنس وابن عمر، وعند أبي نعيم من حديث أبي بكر.
وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة، لأن المكان الذي كمفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه، لا يكفي مقدار للصلاة فيه.
(لله) المراد الإخلاص. قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص.
(مثله) قال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا.
جاء عند أحمد: (بنى الله له في الجنة أفضل منه) وللطبراني: (أوسع منه).
وقال صلى الله عليه وسلم (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته
…
أو مسجداً بناه
…
).
•
ما حكم تنظيف المساجد؟
واجب.
أ-قال الله تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ).
ب- حديث الباب.
ج- عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا) رواه أحمد.
د- وعن أبي هريرة (أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، فقيل له: إنها ماتت، فقال: فهلا آذنتموني، فأتى قبرها فصلى عليها) متفق عليه.
وعند ابن خزيمة (أن امرأة كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد).
قال ابن حجر: وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ، وَالسُّؤَالِ عَنْ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَاب.
وقد ورد في فضل تنظيف المسجد حديث ضعيف وهو: كنس المساجد مهور الحور العين.
•
ما حكم تطييب المساجد؟
الحديث دليل على استحباب تطييب المساجد.
وكان ابن عمر يجمر المساجد كل جمعة.
وكذلك كان نعيم المجمر، ويسمى المجمر لأنه كان يأتي بالبخور إلى المسجد.
249 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَاتَلَ اَللَّهُ اَلْيَهُودَ: اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَزَادَ مُسْلِمُ - وَالنَّصَارَى -
250 -
وَلَهُمَا: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها (كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمْ اَلرَّجُلُ اَلصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا - وَفِيهِ: - أُولَئِكَ شِرَارُ اَلْخَلْقِ).
===
(قَاتَلَ اَللَّهُ) قيل: معناها قتلهم، وقيل: لعنهم، وقيل: عاداهم. والأرجح لعنهم، لأنه جاء في روايات أخرى (لعن الله اليهود
…
)، وقوله:(لعن الله) يحتمل أن يكون هذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لعنهم، ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم بأن يطردهم من رحمته.
(اَلْيَهُودَ) هم من آلي موسى، سموا بذلك: قيل: نسبة إلى جدهم (يهوذا). وقيل: لقولهم (إنا هدنا إليك) أي: تبنا ورجعنا من عبادة العجل.
(النصارى) هم من ينتسبون إلى عيسى، سموا بذلك: قيل: نسبة إلى قرية في فلسطين تسمى (الناصرة)، وقيل: لأنهم قالوا: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ).
(اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) أي بنوا المساجد عليها، أو اتخذوا القبور أمكنة للصلاة، ولو لم تبنى عليها المساجد.
(أُولَئِكَ شِرَارُ اَلْخَلْقِ) أي أعظم الخلق شراً عند الله.
(أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان.
(أم سلمة) هند بنت أبي أمية.
(كنيسة) جاء في رواية أن اسمها (مارية).
(صوروا فيه تلك التصاوير) إنما يفعل ذلك أوائلهم ليتأسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها ويعبدونها.
•
ما حكم بناء المساجد على القبور؟
حرام ومن كبائر الذنوب، وقد جاءت أحاديث كثيرة في تحريم ذلك وأنه كبيرة:
أ- أحاديث الباب، وقد قالت عائشة:(ولولا ذلك أبرز قبره).
فهذا يدل على أن السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ألا وهو سد الطريق على من عسى أن ينتهي عليه مسجده.
ب-وعن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم.
قال الحافظ: وفائدة التنصيص على زمن النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.
ج-وقال صلى الله عليه وسلم (إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد) رواه ابن خزيمة.
•
ما معنى اتخاذ القبور مساجد؟
- أن يبني عليها مساجد ليقصد الصلاة بها.
- أن يتخذ مكاناً للصلاة عندها وإن لم يبني مسجد.
- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.
• اذكر بعض الشبه التي يستدل بها بعض من يفعل ذلك وما الجواب عنها؟
الشبهة الأولى: أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو موجود اليوم.
الجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة، فإنه لما مات صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب المسجد، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، لكن في عام:(88 هـ) أمر الوليد بن عبد الملك بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية، فصار القبر بذلك في المسجد.
الشبهة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الخيف، وقد دفن فيه سبعين نبياً.
الجواب:
أولاً: الحديث أنه دفن فيه سبعين نبياً لا يصح، رواه الطبراني.
ثانياً: أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبني أحكامها على الظاهر.
الشبهة الثالثة: أن قبر إسماعيل في الحجر من المسجد الحرام.
والجواب: أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل أو غيره من الأنبياء دفنوا في المسجد الحرام، ولم يرد شيء من ذلك.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- لا يجوز الصلاة في المقابر.
قال صلى الله عليه وسلم (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا إلى القبور ولا عليها) رواه مسلم.
- اختلف في الحكمة:
فقيل: النجاسة. وهذه علة عليلة ضعيفة لأمور:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد في المقبرة ولو كانت العلة النجاسة لما صلى عليها.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور).
والصواب أن العلة سد ذريعة الشرك.
- النهي الأكيد والتحريم الشديد من اتخاذ القبور مساجد، وأن ذلك من أسباب اللعن.
- أن هذا من فعل اليهود والنصارى فمن فعله فقد اقتفى أثرهم.
- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حماية جانب التوحيد.
- أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ القبور مساجد ثلاث مرات:
أولاً: في سائر حياته.
ثانياً: قبل موته بخمس.
ثالثاً: وهو في سياق الموت.
- ورد في الحديث قبل قليل (أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء
…
)، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة):
الجمع بين الحديثين:
نقول المراد بقوله (حتى تقوم الساعة) أي قرب قيام الساعة، أو أن المراد بالساعة موتهم.
- جواز اللعن بالوصف، واللعن من حيث حكمه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: لعن المسلم المصون.
وهذا حرام بالإجماع.
للأحاديث الكثيرة في النهي عن اللعن.
القسم الثاني: اللعن بالوصف العام أو الخاص.
كقول: لعنة الله على الظالمين - لعنة الله على الفاسقين - لعن الله آكل الربا.
وهذا جائز بلا خلاف.
قال تعالى (فلعنة الله على الكافرين) وقال (لعنة الله على الكاذبين).
القسم الثالث: لعن الكافر المعين الذي مات على الكفر. مثل فرعون وأبي جهل.
فهذا جائز ولا خلاف فيه.
قال تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
القسم الرابع: لعن الكافر المعين الحي، فها اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: المنع.
قالوا: ربما يسلم هذا الكافر فيموت مقرباً عند الله.
القول الثاني: جواز لعنه.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله.
والذي يظهر لي جواز لعنه خاصة إذا كان يؤذي المسلمين.
القسم الخامس: لعن المسلم، المعين، الفاسق.
هذا لا يجوز لعنه، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن ذلك الرجل الذي كان يؤتى به من السكر وقال: إنه يحب الله ورسوله.
251 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (بَعَثَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي اَلْمَسْجِدِ) اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(خَيْلاً) أي فرساناً، والأصل أنهم كانوا رجالاً على خيل.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عن أبي هُرَيْرَةَ قال (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ» . فَقَالَ عِنْدِى يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ» . قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ» . فَقَالَ عِنْدِى مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مَنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» . فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَىَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَىَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَىَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ فَقَالَ لَا وَلَكِنِّى أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
(يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ) بن أثال بن الغمام بن مسلمة الحنفي، وهو من فضلاء الصحابة.
(وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ) قيل: إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب دم لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى أن عليه دم، وهو مطلوب فلا لوم عليك في قتله.
•
ما حكم دخول الكافر المسجد؟
اختلف العلماء في حكم دخول الكافر المسجد على أقوال:
القول الأول: لا يجوز دخول الكافر للمسجد مطلقاً.
وهذا روي عن مالك وأحمد.
أ-لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ)
ب- ولقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وجه الدلالة: (مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ) ففي هذه الآية أن المشرك لا يدخل المسجد إلا وهو خائف من المسلم أن يطرده، ولأنه لا ينبغي أن يدخلها على حين غفلة من المؤمنين لأنه يسعى في خراب المساجد.
ج-قال في المغني: أو لأن حدث الجنابة والحيض والنفاس يمنع المقام في المسجد، فحدث المشرك أولى.
القول الثاني: أنه يجوز للمشرك دخول جميع المساجد ما عدا المسجد الحرام.
وهذا مذهب الشافعي ورجحه ابن حزم.
أ-لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) والمراد الحرم كله. واستدلوا:
ب- ولحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري المسجد.
ج-ولحديث الأعرابي - وهو ضمام بن ثعلبة - الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، وقد ربط بعيره ثم قال: أيكم محمد
…
وسأل عن الإسلام، وكان هذا الأعرابي وقت دخوله المسجد مشركاً.
(مذهب أبي حنيفة نفس هذا المذهب لكنه لا يستثني المسجد الحرام، فعنده يجوز للمشرك دخول جميع المساجد بلا استثناء).
والراجح: أنه يجوز للمصلحة والحاجة جمعاً بين الأدلة.
فائدة:
- أما جلب الخادمات الكافرات وغيرهن من الكفار إلى الحرم: فلا يجوز سواء للعمرة أو للحج أو لغيرهما لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذا).
والمسجد الحرام هنا هو: الحرم كله.
قال النووي رحمه الله: والمراد بالمسجد الحرام ها هنا: الحرم كله، فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول، بل يُخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات: نبش وأخرج من الحرم .... (شرح مسلم " (9/ 116).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟.
فأجاب: أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)؟
لا، هذا حرام عليه، وإذا قدِّر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت: فهذا المطلوب، وإن لم تسلم: إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة: فهذا لا يجوز.
أولاً: معصية لله عز وجل.
ثانياً: امتهان للحرم.
السائل: هو يا شيخ من غير هذه البلاد، وجاء بها، وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟.
الشيخ: نعم، يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها. (لقاء الباب المفتوح).
252 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه (أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مُرَّ بِحَسَّانَ يَنْشُدُ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَنْشُدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(مُرَّ بِحَسَّانَ) هو ابن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(يَنْشُدُ فِي اَلْمَسْجِدِ) يعني يسمع الناس في المسجد شيئاً من الشعر.
(فَلَحَظَ إِلَيْهِ) أي: نظر إليه، واللحظ النظر بمؤخر العين، أي: نظر إليه نظر عتب وإنكار.
•
ما حكم إنشاد الشعر في المسجد؟
حديث الباب دليل على جواز الشعر في المسجد إذا كان مباحاً، وخاصة إذا كان في مناظرة للحق وللدفاع عن الإسلام.
وأيضاً يذل لذلك:
أ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ (مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ) رواه البخاري.
قال النووي: فِيهِ جَوَاز إِنْشَاد الشِّعْر فِي الْمَسْجِد إِذَا كَانَ مُبَاحًا، وَاسْتِحْبَابه إِذَا كَانَ فِي مَمَادِح الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.
بب- وعن عَائِشَة قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِى الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي.
ج-وعن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ (شَهِدْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُم) رواه الترمذي.
• فإن قيل: ما الجواب عن حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنْ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ فِيهِ) رواه الترمذي.
الجواب الأول: أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الجواز.
وقد قال بهذا القول واحد من الفقهاء ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح) فقال: وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيث النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ اِبْنُ التِّينِ عَنْه.
الجواب الثاني: أحاديث الإذن تدل على الجواز، وأحاديث النهي تدل على الكراهة، فيكون إنشاد الشعر في المسجد جائز مع الكراهة.
الجواب الثالث: أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك، وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالباً على المسجد حتى يتشاغل به من فيه (الفتح)
•
ما حكم قول الشعر، (والمقصود بالشعر من حيث أنه شعر).
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه مباح.
وهذا منقول عن كافة أهل العلم.
قال ابن قدامة: ليس في إباحة الشعر خلاف، وأدلتهم كثيرة:
أ-حديث الباب.
ب-حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان
…
).
ج-وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة) متفق عليه.
د-وقد استنشد النبي صلى الله عليه وسلم الشريد بن سويد مائة قافية من شعر أمية بن أبي الصلت.
هـ-وسمع قصيدة كعب.
و-وتمثل الصديق بالشعر، وتمثلت به الصديقة ابنته.
قال ابن عبد البر: ليس أحد من كبار الصحابة إلا وقد قال الشعر أو تمثل به أو سمعه فرضيه.
القول الثاني: الكراهة.
نقل هذا عن بعض السلف، كإبراهيم النخعي، والحسن البصري، ومسروق.
أ-لحديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) متفق عليه.
ب-ولحديث أبي أمامة مرفوعاً (إن إبليس لما أهبط إلى الأرض قال: رب، اجعل لي مزماراً. قال: قرآنك الشعر) رواه الطبراني ....
والصحيح الأول.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني؟
الجواب: أما حديث: (لأن يمتلئ جوف أحدكم
…
):
أ- أن يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والعلم.
وبوب البخاري على الحديث: ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده.
وقال ابن عبد البر رحمه الله وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً).
فأحسن ما قيل في تأويله والله أعلم، أنه الذي قد غلب الشعر عليه، فامتلأ صدره منه دون علم سواه، ولا شيء من الذكر غيره، ممن يخوض به في الباطل، ويسلك به مسالك لا تحمد له كالمكثر من الهذر واللغط، والغيبة وقبيح القول، ولا يذكر الله كثيراً، وهذا كله مما اجتمع العلماء على معنى ما قلت منه، ولهذا قلنا فيما روي عن ابن سيرين والشعبي ومن قال بقولهما من العلماء:"الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبيحة قبيح"، أنه قول صحيح وبالله التوفيق.
ب-أن المراد به التنفير عن خاصة الشعر، وهو ما كان متضمناً هجاءً وفحشاً.
- وأما حديث أبي أمامة فهو حديث ضعيف.
•
هل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟
نعم، فما أقره النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة، فحسان استدل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياه على إنشاد الشعر في المسجد.
وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم (السنة التقريرية): وهو أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول قيل، أو فعل فعل بين يديه، أو في عصره وعلم به، وسكوته هذا يفيد جواز هذا الأمر.
ومما يدل على أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة:
أ- حديث الباب.
ب- عن أنس بن مالك لما سئل وهو غاد إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه) رواه البخاري.
ج- وعن ابن عباس. قال (أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد) متفق عليه
د-وها هو البخاري يبين هذا الأمر في ترجمة باب من أبواب كتاب الاعتصام بالسنة، فيقول فيها: باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول، وروى بسنده عن محمد بن المنكدر أنه قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر موضحا هذه الترجمة بقوله: وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال، ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز، لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار فلا يقر على باطل.
فائدة: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الأولى: الخصوصية لا تثبت إلا بدليل.
الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تشريع لجميع الأمة، وليست خاصة به، حتى يقوم الدليل الدال على أنها خاصة.
قال ابن القيم: الأصل مشاركة أمته له في الأحكام إلا ما خصه الدليل.
وقال ابن حزم في الإحكام (1/ 469): لا يحل لأحد أن يقول في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له إلا بنص. انتهى.
القاعدة الثانية: لا يشرع المداومة على ما لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات.
الأصل في العبادات المنع، فما لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات لا يشرع المداومة عليه.
كعدم مداومته على فعل النوافل جماعة، وإنما فعل ذلك أحيانا كما في حديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال:((قوموا فلأصل لكم) رواه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مختصر الفتاوى المصرية (81): والإجماع على أن صلاة النفل أحياناً مما تستحب فيه الجماعة إذا لم يتخذ راتبة وكذا إذا كان لمصلحة مثل أن لا يحسن أن يصلي وحده، فالجماعة أفضل إذا لم تتخذ راتبة، وفعلها في البيت أفضل إلا لمصلحة راجحة. انتهى
القاعدة الثالثة: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة، فما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره يعتبر حجة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقته.
قال البخاري: باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول، وروى بسنده عن محمد بن المنكدر أنه قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث يدل على أن الصحابة كانوا يفهمون بأن إقرار النبي لشيء صنع أمامه يعتبر حجة.
القاعدة الرابعة: ما وقع في زمن النبي يعتبر حجة وإن لم يكن اطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
عن جابر بن عبد الله قال: كنا نعزل والقرآن ينزل. أخرجه البخاري.
قال الحافظ في الفتح (9/ 216): أراد بنزول القرآن أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يُوحى إلى، فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع ولو كان حراماً لم نقر عليه،
- قال الشيخ ابن عثيمين:
…
لكن؛ قد يعترضُ مُعترضٌ فيقول: هل عَلِمَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أوَ لم يعلمْ؟
الجواب: إما أنْ نقولَ: إنَّه عَلِمَ. وإما أنْ نقولَ: إنَّه لم يعلمْ. وإما أنْ نقولَ: لا ندري. فإن كان قد عَلِمَ فالاستدلالُ بهذه السُّنَّةِ واضحٌ، وإن عَلِمنا أنَّه لم يعلم فإننا نقول: إنَّ الله قد عَلِمَ، وإقرارُ اللهِ للشيء في زَمَنِ نزولِ الوحي دليلٌ على جَوازِه، وأنه ليس بمنكرٍ؛ لأنه لو كان منكراً لأنكرَه اللهُ، وإن كان الرسولُ لم يعلمْ به، ودليل ذلك:
أولاً: قول الله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) فأنكرَ اللهُ عليهم تبييتَهم للقولِ مع أنَّ الناسَ لا يعلمون به؛ لأنهم إنما بَيَّتوا أمراً منكراً، فدلَّ هذا على أن الأمرَ المنكرَ لا يمكن أن يَدَعَهُ الله، وإنْ كان الناسُ لا يعلمون به.
ثانياً: أن الصحابةَ استدلُّوا على جوازِ العَزْلِ بأنهم كانوا يَعزلون والقرآنُ ينزل. وهذا استدلالٌ منهم بإقرارِ الله تعالى.
253 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي اَلْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اَللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ اَلْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(يَنْشُدُ) أي يسأل عنها ويرفع صوته يبحث عنها.
(ضَالَّةً) هي الضائع من المواشي.
(لَا رَدَّهَا اَللَّهُ عَلَيْكَ) دعاء بنقيض قصده.
•
ما حكم إنشاد الضالة في المسجد؟
حرام.
أ- لحديث الباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والنهل اهي للتحريم.
ب-ولحديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَا وَجَدْتَ؛ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَه) رواه مسلم.
ج- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) رواه الترمذي.
قال النووي رحمه الله: قَوْله صلى الله عليه وسلم (لَا وَجَدْت) وَأَمَرَ أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا، فَهُوَ عُقُوبَة لَهُ عَلَى مُخَالَفَته وَعِصْيَانه وَيَنْبَغِي لِسَامِعِهِ أَنْ يَقُول: لَا وَجَدْت فَإِنَّ الْمَسَاجِد لَمْ تُبْنَ لِهَذَا. أَوْ يَقُول: لَا وَجَدْت إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِد لِمَا بُنِيَتْ لَهُ. كَمَا قَالَهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال ابن عبد البر رحمه الله: وقد ذكر الله تعالى المساجد بأنها بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وأن يسبح له فيها بالغدو والآصال، فلهذا بنيت، فينبغي أن تنزه عن كل ما لم تبن له.
د-لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندعو عليه بأن لا يجد ضالته عقوبة له على صنيعه المحرم هذا.
•
ما حكم إنشاد اللقطة في المسجد؟
يحرم إنشاد اللقطة أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل (أن المساجد لم تبنَ لهذا).
•
ما حكم تعليق أوراق إعلانات فيها نشد الضوال؟
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: المساجد لم تُبن لنشد الضوال أو البيع والشراء، وإنما بنيت لعبادة الله وطاعته بالصلاة والذكر وحلقات العلم ونحو ذلك، وكتابة ورقة وتعلق في المسجد فهذا إذا كان في الجدار الخارجي فلا بأس أو على الباب الخارجي فلا بأس، أما من الداخل فلا ينبغي لأن هذا يشبه الكلام، ولأنه قد يشغل الناس بمراجعة الورقة وقراءتها.
فالذي يظهر لنا: أنه لا يجوز، لأن تعليق أوراق في المسجد معناه نشد الضوال، ولكن إذا كتب على الجدار الخارجي من ظهر المسجد أو على الباب وتكون خارج المسجد فلا بأس بهذا. (فتاوى نور على الدرب).
•
ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟
قال الشيخ ابن عثيمين: أما ما كان إعلاناً عن طاعة فلا بأس به؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى، وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج. فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل.
وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد؛ لأنها خير.
•
ما حكم أن ينشد الضالة عند باب المسجد؟
ظاهر الحديث أنه لو خرج عند باب المسجد فنشدها فإنه لا يحرم، لأنه ليس من المسجد.
•
هل هذا الدعاء (لا ردها عليك) يقوله جهراً أو سراً؟
ظاهر الحديث أنه يقول هذا الدعاء جهراً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- بيان وظيفة المسجد، وأنها للذكر وقراءة القرآن والصلاة.
- هذا الحكم عاماً سواء كان حيواناً أو متاعاً أو نقداً.
254 -
وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اَللَّهُ تِجَارَتَكَ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
===
•
ما حكم البيع والشراء في المسجد؟
اختلف العلماء في حكم البيع والشراء في المسجد: على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد) رواه الترمذي.
وجه الدلالة: أن هذا الدعاء عليه يدل على كراهة البيع، ولو كان محرماً لبين النبي صلى الله عليه وسلم بطلانه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
القول الثاني: أنه حرام.
وهو قول لبعض الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
لقوله: (لا أربح الله تجارتك).
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على البائع والمشتري في المسجد بعدم الربح، وهذا عقوبة لهم.
القول الثالث: الجواز.
لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ).
والراجح القول الأول.
•
ماذا يقال لمن باع واشترى بالمسجد؟
أنه يدعى على من يبيع أو يشتري في المسجد بقول: لا أربح الله تجارتك، ويقولها جهراً.
•
ما الحكمة من قول: لا أربح الله تجارتك؟
معاملة له بنقيض قصده، لأنه إنما باع واشترى في المسجد لقصد الربح.
•
شخص في المسجد اتصل به شخص آخر عن طريق الهاتف يطلب شراء سلعة، فهل يجوز له أن يبيع له؟
لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يبيع أو يبتاع.
• ما حكم عقد الإجارة في المسجد؟
لا يجوز، لأن الإجارة بيع.
•
ما حكم فعل الأشياء غير البيع كالهبة والنكاح والإبراء من الدين والقرض؟
جائزة في المسجد.
لعدم دخولها في البيع والشراء. [قاله الشيخ ابن عثمين].
255 -
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تُقَامُ اَلْحُدُودُ فِي اَلْمَسَاجِدِ، وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ ضَعِيف.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث كما قال المصنف فيه ضعف، لأن فيه انقطاعاً، وفيه راوياً متكلم فيه.
لكن الحافظ ابن حجر في التلخيص قال: إسناده لا بأس به. ولعله لشواهده فإن له شواهد.
•
ما معنى (الحدود)(والقود)؟
الحدود: عقوبة مقدرة شرعاً في معصية للتكفير عن صاحبها ومنع غيره منها، كالزنا، والسرقة، والقذف، وحد قطاع الطريق.
والقَوَد: هو القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل.
•
ما حكم إقامة الحدود في المساجد؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال؟
القول الأول: المنع.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لحديث الباب.
ب-ولشواهده، كحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقام الحدود في المساجد ولا يقتل والد بولده) رواه الترمذي
ج-ولحديث أبي هريرة قال: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فنادى فقال: يا رسول الله، إني زنيت
…
اذهبوا به فارجموه) متفق عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج من وجب عليه الحد من المسجد لأجل إقامة الحد.
د-ويمكن أن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المساجد لم تبنَ لهذا).
هـ-ولأن إقامة الحدود في المسجد لا يؤمن تلويث المسجد.
القول الثاني: يجوز التأديب في المسجد بخمسة أسواط أو نحوها.
وهذا مذهب مالك وأبي ثور.
ويمكن أن يستدل بأن هذا الضرب الخفيف يؤمن معه تضرر المسجد.
والقول الأول هو الصحيح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب إقامة الحدود، ولا فرق على الشريف أو الضعيف.
- ثبوت القود، وهو واجب لكن له شروط، ويسقط إذا عفا صاحب الحق.
256 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي اَلْمَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ. رَمَاهُ فِى الأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِى الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ - وَفِى الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِى غِفَارٍ - إِلاَّ وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِى يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَماً فَمَاتَ مِنْهَا) متفق عليه.
(سعد) هو ابن معاذ صحابي جليل. (أكحله) عرق في اليد أو الذراع.
•
ما حكم وضع خيمة في المسجد؟
يجوز.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث عائشة الآتي (أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم،
…
قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد).
• هل يشترط لذلك شروطاً؟
نعم، يشترط عدة شروط:
أولاً: أن يكون الذي تضرب له الخيمة أهلاً لذلك، لكونه سيداً أو شريفاً في قومه.
ثانياً: ألا يتأذى المسجد أو أهله بها.
ثالثاً: أن يكون لغرض صحيح.
•
اذكر بعض فضائل سعد بن معاذ؟
أ-قال صلى الله عليه وسلم للأنصار (قوموا إلى سيدكم) متفق عليه.
ب-وقال صلى الله عليه وسلم لما أهدي له ثوب حرير فجعل الصحابة يعجبون من لينه فقال (أتعجبون من هذا، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا).
ج-وقال صلى الله عليه وسلم (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) متفق عليه.
د-وعن أنس قال (لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الملائكة كانت تحمله) رواه الترمذي.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (اهتز عرش الرحمن لموت سعد)؟
قيل: المراد اهتزاز حملة العرش.
ويؤيده حديث: (إن جبريل قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء إذ استبشر به أهلها). رواه الحاكم
وقيل: هي علامة نصبها الله لموت من يموت من أوليائه ليشعر ملائكته بفضله.
وقيل: المراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز تمريض المريض في المسجد.
- فيه تقدير أهل الفضل والسابقة في الإسلام وتنزيلهم منازلهم من الشفقة والعناية والتكرمة.
- استحباب تكرار عيادة المريض.
- جواز النوم في المسجد.
257 -
وَعَنْهَا قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى اَلْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي اَلْمَسْجِدِ
…
) اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(الْحَبَشَةِ) جيل من الناس من السود في إفريقيا (أثيوبيا).
(يَلْعَبُونَ) أي بحرابهم، كما جاء في رواية، وكان ذلك يوم عيد.
•
ما حكم اللعب بالحراب ونحوها في المسجد؟
يجوز، لأن فيه مصلحة للمسلمين.
ويدل للجواز:
أ- حديث الباب (يلعبون في المسجد).
ب-ولحديث أبي هريرة قال (بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم إذ دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر) متفق عليه.
ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك منسوخ، لكن هذا ضعيف.
•
ما رأيك بقول بعض العلماء: إنهم كانوا يلعبون خارج المسجد؟
قال بعض العلماء أنهم كانوا يلعبون خارج المسجد، وهذا خلاف الحديث، فإن الحديث نص في أنهم في المسجد، وأيضاً عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد.
•
ما حكم نظر المرأة إلى الرجل؟
وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إذا كان بشهوة فهو حرام بالاتفاق. [قاله النووي].
القسم الثاني: إذا كان بغير شهوة، فاختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة.
وهو مذهب الشافعية في الصحيح عندهم، والحنابلة في رواية ثالثة، ورأى عند المالكية.
وهذا القول هو الذى عليه أكثر الصحابة وجمهور العلماء.
قال النووي: الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبى كما يحرم عليه النظر إليها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً.
وقال ابن كثير: ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً.
أ- قال تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).
وظاهر الآية أن المنع يشمل النظر بشهوة أو بغير شهوة، والأصل فى النصوص العامة أن تبقى على عمومها، فلا تخصَّصُ إلا بدليل شرعى، إما نصٌّ، أو إجماعٌ، أو قياس صحيح، ولم يوجد واحد من هذه الثلاثة بالنسبة لعموم الآية.
ب- وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال (لَا تُتْبِعْ النَّظَرَ النَّظَرَ فَإِنَّ الأُولَى لَكَ وَلَيْسَتْ لَكَ الأَخِيرَة) رواه أحمد، وصححه الألبانى.
والنساء والرجال فى أحكام الشرع سواء ما لم يأتِ التخصيص.
والآية والحديث صريحان فى المنع من النظر إلا لضرورة أو نظرة الفجأة، وهذا ليس خاص بالرجال.
ج- عن نبهان مولى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ (كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةَ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالْحِجَابِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: احْتَجِبَا مِنْهُ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؛ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِه؟) رواه أحمد وأبو داود والترمذى والنسائى وابن حبان.
قالْ النووي: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَكْثَر الصَّحَابَة أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ
…
) (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ) وَلِأَنَّ الْفِتْنَة مُشْتَرَكَة وَكَمَا يَخَاف الِافْتِتَان بِهَا تَخَاف الِافْتِتَان بِهِ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّة حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: اِحْتَجِبَا مِنْهُ، فَقَالَتَا: إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟) وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة. (نووي).
وقال ابن حجر فى الفتح فى موضع: هو حديث مختلف فى صحته.
وقال فى موضع آخر: وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهرى عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوى؛ وأكثر ما عُلل به انفراد الزهرى بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة، فإن من يعرفه الزهرى ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته.
وقال فى تلخيص الحبير: وليس في إسناده سوى نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري، وقد وُثق.
مع العلم بأن الإمام ابن حجر يرجح جواز النظر.
وقال العينى: وهو حديث صحَّحه الأئمة بإسناد قوى.
ومِمَّن صحَّحه: التركمانى في الجوهر النقى، والشوكانى في نيل الأوطار.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد: إسناده صالح.
وقد ثبت عن عائشة (أنها احتجبت من أعمى فقيل لها إنه لا ينظر إليكِ قالت: لكنى أنظر إليه) رواه ابن سعد فى الطبقات، وصحَّحه ابن عبد البر، وقد أخرجه الإمام مالك في إحدى موطآته كما عزاه الحافظ إليه فى التلخيص الحبير.
د-أن النساء أحد نوعى الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياساً على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا فى المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل.
القول الثاني: أنه يجوز النظر بغير شهوة فيما عدا ما بين سرته وركبته وأما بشهوة فحرام.
وبه قال جمهور الحنفية ورواية عن الشافعى وأحمد، ولكنهم جعلوا جواز النظر إلى الرجال مشروط بما لم يكن بشهوة مع أمن الفتنة.
أ- واستدلوا بحديث الباب.
والجواب عن هذا الحديث:
ثبت فى بعض طرق الحديث أن الذين كانوا يلعبون بالحراب إنما هم صبيان وليسوا رجالاً.
فعن عائشة (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِساً فَسَمِعْنَا لَغَطاً وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ تعالى فَانْظُرِى
…
) الحديث، رواه الترمذى وغيره وصححه الألبانى فى غير ما موضع. فليُتدبَّر.
والصَّبِيُّ: الصغير دون الغلام، وقيل الصَّبِيَّ: من حين يولد إلى أن يشب، انظر المعجم الوسيط.
قال النووى: وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبى فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا: أصحهما تحريمه.
وقال رحمه الله: ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم، ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال.
ب-حديث فاطمة بنت قيس (أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد فى بيت ابن أم مكتوم وقال: إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) متفق عليه
قال الإمام النووي: وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الصَّحَابَة رضي الله عنهم كَانُوا يَزُورُونَ أُمّ شَرِيك وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى فَاطِمَة مِنْ الِاعْتِدَاد عِنْدهَا حَرَجًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهَا التَّحَفُّز مِنْ نَظَرهمْ إِلَيْهَا وَنَظَرهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَاف شَيْء مِنْهَا، وَفِي التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَة دُخُولهمْ وَتَرَدُّدهمْ مَشَقَّة ظَاهِرَة، فَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك.
ثم قال رحمه الله: وَأَمَّا حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس مَعَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم، فَلَيْسَ فِيهِ إِذْن لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَن عِنْده مِنْ نَظَر غَيْرهَا وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا فَيُمْكِنهَا الِاحْتِرَاز عَنْ النَّظَر بِلَا مَشَقَّة بِخِلَافِ مُكْثهَا فِي بَيْت أُمّ شَرِيك.
وقال الشوكاني: إنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الإجتماع فى البيت والنظر.
فتوى:
- قال العلامة الألبانى إجابة على سؤال وُجه إليه يقول صاحبه: ما الرد على من يدعى إباحة نظر الرجل إلى المرأة فى التلفاز أو المجلة مستدلاً بأن عائشة كانت تنظر إلى رجال الحبشة وهم يلعبون؟
فقال رحمه الله: نظر السيدة عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة فأمرٌ مسموح به لها ولغيرها، لأنها منصرفة إلى النظر إلى اللعب، وليس إلى الأشخاص، كأن تنظر المرأة إلى معركة قتال لا يخطر فى بال المرأة عندئذٍ ما قد يوسوس الشيطان إليها أن تحلق ببصرها إلى الرجل. فهنا سمح بالنظر لأن الفتنة مأمونة.
وحينئذٍ لا يصطدم هذا الحديث مع النص القرآني فى قوله تعالى: "قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ"، وقوله تعالى:" وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ".
فالنظر هنا إلى القصد، فإذا كان النظر بقصد شيء فهو المقصود فى الآية، أما إن كان النظر بقصد حسن فلا يدخل فى النهي فى الآيتين السابقتين، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب رضي الله عنه:"يا على لا تتبع النظرة النظرة، فإن النظرة الأولي لك، والثانية عليك" أي إن من أعاد النظر لشخص المرأة لذاتها فذلك من الشيطان.
وجاء فى حديث الخثعمية فى صحيح البخاري لما وقفت تسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أبيها، وقد أدركته فريضة الحج، وهو شيخ كبير لا يثبت على الرَحْل، قالت: أفأحج عنه؟ قال لها: "حجي عنه"، وكان رديف النبى صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس، فكان ينظر إليها وتنظر إليه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصرف بصر الفضل إلى الجانب الآخر، كي لا يدخل الشيطان بينهما.
لذلك لا يجوز للمرأة أن تكرر النظر إلى الرجل، كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرر النظر إلى المرأة؛ إلا فى حالة واحدة وهي حالة الخطبة. نقلاً من كتاب "فتاوى المرأة المسلمة ص 516، 515".
• وقد
سُئل فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني: ما حكم نظر المرأة للرجال بدون شهوة؟
فأجاب: أما نظر المرأة للرجال فمحرم بالنص فإذا كان لا بد أن تستفيد المرأة فلتعطى ظهرها للصورة ولتستفيد، أما النظر العام الذي لا يختص لرجل معين فهذا جائز لحديث عائشة فى الصحيحين أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون فى المسجد، وأما غير ذلك فلا يجوز بثبوت النص بذلك كما فى سورة النور
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز النظر إلى اللهو المباح.
- حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم معاشرته.
- فضل عائشة وعظيم محلها عنده.
258 -
وَعَنْهَا: (أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَكَانَتْ تَأْتِينِي، فَتَحَدَّثُ عِنْدِي
…
) اَلْحَدِيثَ. مُتَّفِقٌ عَلَيْه.
===
•
الحديث له قصة اذكرها؟
عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَىٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْماً فَخَطَفَتْهُ قَالَتْ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ قَالَتْ فَاتَّهَمُونِى بِهِ قَالَتْ فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّى لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ قَالَتْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ هَذَا الَّذِى اتَّهَمْتُمُونِى بِهِ - زَعَمْتُمْ - وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِى الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِى فَتَحَدَّثُ عِنْدِى قَالَتْ فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِى مَجْلِساً إِلاَّ قَالَتْ وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِى قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِى مَقْعَداً إِلاَّ قُلْتِ هَذَا قَالَتْ فَحَدَّثَتْنِى بِهَذَا الْحَدِيث) رواه البخاري.
(وليدة) أي أمة. (خباء) الخيمة.
•
ما حكم النوم في المسجد؟
اختلف العلماء في حكم هذه المسألة:
القول الأول: جواز النوم في المسجد.
وهذا مذهب الجمهور. واستدلوا:
أ-بحديث الباب.
ب-ولحديث أنس رضي الله عنه قال: (قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة) وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: كان أصحاب الصفة الفقراء. رواه البخاري
ج-وعن ابن عمر: (أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري
د-ولحديث سهل بن سعد قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ .... الحديث وفيه: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع في المسجد قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب
…
). رواه البخاري
القول الثاني: يكره.
وهو مروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وإسحاق.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المساجد لم تبنَ لهذا).
والراجح القول الأول.
لكن ينهى أن يتخذ المسجد مسكناً، لأن المساجد لم تبنَ لهذا.
- وقد ذكر شيخ الإسلام رضي الله عنه في الفتاوى المصرية، إنما يرخص في النوم في المساجد لذوي الحاجة مثل ما كان أهل الصفة، كان الرجل يأتي مهاجرا إلى المدينة ليس له مكان يأوي إليه فيقيم بالصفة إلى أن يتيسر له أهل أو مكان يأوي إليه ثم ينتقل، ومثل المسكينة التي كانت تأوي إلى المسجد وكانت تقمه، ومثل ما كان ابن عمر رضي الله عنه يبيت في المسجد وهو عزب; لأنه لم يكن له بيت يأوي إليه حتى تزوج، ومن هذا الباب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما تقاول هو وسيدتنا فاطمة رضي الله عنها ذهب إلى المسجد فنام فيه.
قال: فيجب الفرق بين الأمر اليسير وذوي الحاجات، وبين ما يصير عادة ويكثر وما يكون لغير ذوي الحاجات ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يتخذ المسجد مبيتا ومقيلا.
وقال في موضع آخر وقد سئل عن المبيت في المسجد: إن كان المبيت لحاجة كالغريب الذي لا أهل له والقريب الفقير الذي لا بيت له ونحو ذلك إذا كان يبيت فيه بمقدار الحاجة ثم ينتقل فلا بأس، وأما من اتخذه مبيتاً ومقيلاً فينهى عن ذلك. (نقلاً من غذاب الألباب).
وقال الحافظ ابن حجر في حديث الوليدة: وفيه إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة.
•
اذكر بعض الأحاديث في النوم في المسجد؟
- الاستلقاء في المسجد، فهذا جائز.
لحديث عبادة بن تميم عن عمه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى). متفق عليه
- النوم إذا كان معتكفاً، فهذا جائز.
لأنه ليس له إلا النوم في المسجد، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حيث كانوا عاكفين في المسجد، ولو لم يرقد المعتكف في المسجد لبطل اعتكافه.
•
استدل بهذا الحديث بعض العلماء على جواز لبث الحائض في المسجد؟ اذكر الخلاف؟
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تحريم مكثها في المسجد.
وهذا قول جماهير العلماء.
لحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). رواه أبو داود
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالخروج لصلاة العيد، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى.
ولحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (ناوليني الخمْرة من المسجد، فقلت: إني حائض. فقال صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك). رواه مسلم
فقولها (إني حائض) هذا دليل على أنه كان معروفاً أن الحائض لا تمكث في المسجد.
القول الثاني: يجوز لها ذلك.
لحديث الباب.
فهذه المرأة ساكنة في المسجد، ومن المعلوم أن المرأة لا تخلو من الحيض كل شهر، فلم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهها.
والراجح الأول، وأما قصة هذه المرأة فهي قضية عين لا عموم لها، ويحتمل أن هذه السوداء كانت عجوزاً قد يئست من الحيض. (وقد تقدمت المسألة في كتاب الحيض).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز الخروج من البلد الذي حصل له فيه محنة.
- فضل الهجرة من دار الكفر.
- إجابة دعوة المظلوم ولو كان كافراً، لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها من المدينة.
- في الحديث (اتق دعوة المظلوم ولو كان كافراً) رواه أحمد.
259 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلْبُزَاقُ فِي اَلْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
ما حكم البصاق في المسجد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: التحريم مطلقاً.
ورجحه النووي.
لقوله صلى الله عليه وسلم (البصاق في المسجد خطيئة).
القول الثاني: يجوز إذا أراد دفنها.
وهو قول القاضي، والقرطبي، وجماعة.
ويستدل لهم بما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً (من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه).
وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضاً بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعاً (من تنخم في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة). فلم يجعله سيئة إلا بقصد عدم الدفن.
وعند مسلم (وجدت في مساوئ أعمال أمتي النخامة تكون في المسجد لا تدفن).
قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد، بل به وبتركها غير مدفونة فيه.
وعلة النهي ترشد إلى ذلك، وهي تأذي المؤمن بها.
قال ابن حجر: ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف
القول الثالث: التوسط بين القولين، فيحمل الجواز على إذا ما كان له عذر، كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا كان ليس له عذر.
قال ابن حجر: وهو تفصيل حسن.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (وكفارتها دفنها) متى هذا؟
هذا إذا كان المسجد قد فرش بالحصباء أو الرمل، أما ما كان مفروشاً بالفرش القطنية أو الصوفية - كما في وقتنا الحاضر - فكفارتها فركها حتى تزول.
•
هل يدل الحديث على أن البزاق طاهر؟
نعم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كفارتها دفنها) ولم يقل: يصب الماء عليها، كما قال في بول الأعرابي (أريقوا عليه سجلاً من ماء).
260 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى اَلنَّاسُ فِي اَلْمَسَاجِدِ - أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا اَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
261 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ اَلْمَسَاجِدِ - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
===
(الساعة) أي ساعة البعث، وسميت بذلك لسرعة مجيئها، أو لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة.
(يتباهى) يتفاخرون.
(بِتَشْيِيدِ اَلْمَسَاجِدِ) المراد بذلك رفع البناء وتطويله
•
على ماذا تدل أحاديث الباب؟
تدل هذه الأحاديث على النهي عن زخرفة المساجد والتباهي بذلك.
قال البخاري: وأمر عمر ببناء المساجد، وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس
وقال أنس (يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً).
وقال ابن عباس (لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى).
•
ما حكم زخرفة المساجد؟
زخرفة المساجد بدعة لأمور:
أولاً: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
كما في أحاديث الباب.
ثانياً: أنه بدعة.
فلم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا على عهد الصحابة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة).
ثالثاً: أنه إسراف وتبذير للمال، وهذا أمر محرم.
قال تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
(وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال). متفق عليه
رابعاً: أن ذلك تشبه باليهود.
ونحن منهيون عن التشبه بالكفار.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديثين؟
- أن زخرفة المساجد من علامات الساعة.
- علم من أعلام النبوة، فقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
- إثبات البعث والساعة.
- أن نظافة المسجد وحسن بنيانه لا يعد من الزخرفة.
262 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى اَلْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا اَلرَّجُلُ مِنْ اَلْمَسْجِدِ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ ..
===
(القذاة) بزنة حصاة، وهي مستعملة في كل شيء يقع في العبث وغيره إذا كان يسيراً.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف ولا يصح، لأنه من رواية المطلب بن عبد الله، وهو لم يسمع من أنس، وفيه ابن جريج وهو مدلس.
-الحديث فيه زيادة (وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أرى ذنباً أعظم من آية من كتاب الله أو سورة حفظها ثم نسيها).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على فضل إخراج القذى من المسجد وأنه مأجور عليه وإن قلّ أو حقر.
لكن الحديث ضعيف، ولم يرد حديث في فضل تنظيف المسجد خاصة.
لكن تنظيف المسجد وكنسه أجره كبير.
•
اذكر بعض الأحاديث التي تدل على أن الإنسان لا ينبغي أن يستحقر العمل القليل؟
حديث الباب، وهو ضعيف كما سبق.
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (رأيت رجلاً يتقلبُ في الجنة في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (بينما كلبُ يُطيف بركيّة قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقتْ له به فسقته فغُفِر لها به) رواه البخاري.
[الموق] الخف [يُطيف] يدور [رَكيّة] البئر.
لأن الإنسان لايدري أي أعماله أخلص، فالعبرة بالإخلاص وما يقع في القلب من صحة القصد وسلامة النية.
•
هل ورد حديث في ذم من حفظ القرآن ثم نسيه؟
نعم، ورد حديثان:
حديث الباب، وهو لا يصح.
وحديث (
…
فهو أجذم
…
) عند أبي داود ولا يصح.
ولا يصح في ذنب من نسي شيئاً من القرآن حديث.
263 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ اَلْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) مُتَّفَقٌ عليه.
===
•
الحديث له قصة في أولها، اذكرها؟
القصة ذكرها مسلم عن أبي قتادة قال: (دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس قال: فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس، قال: فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالساً والناس جلوس
…
فذكره
…
).
•
ما حكم تحية المسجد؟
تحية المسجد مشروعة، لكن اختلف العلماء هل هي واجبة أم لا على قولين:
القول الأول: أنها واجبة.
ونسب لداود الظاهري، ورجحه الشوكاني والألباني.
أ-لحديث الباب، وجاء في رواية:(فليركع) وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
ب-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِىُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ «يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا - ثُمَّ قَالَ - إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) رواه مسلم.
القول الثاني: أنها سنة غير واجبة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
بل قال النووي: وعليه إجماع المسلمين، والصارف عن الوجوب.
قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر؛ لحديث أبي قتادة المصرح بالنهي
…
" انتهى من "المجموع" (3/ 544).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَاتَّفَقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ لِلنَّدْبِ، وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ عَنْ أَهْل الظَّاهِر الْوُجُوب، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ اِبْن حَزْم عَدَمه.
أ-حديث الأعرابي لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن عليه خمس صلوات، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع).
ب-حديث عبد الله بن بسر: أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يعظ الناس فقال: (اجلس فقد آذيت وآنيت) رواه أبو داود.
ج-حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، وهو في الصحيحين.
د-وبقصة الثلاثة الذين جاؤوا والنبي صلى الله عليه وسلم في حلقة جالس مع أصحابه، فإن أحدهم جلس في الحلقة، وأما الثاني فجلس خلفهم
…
) متفق عليه.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ماذا نستفيد من قوله (فلا يجلس)؟
الحديث نص على الجلوس، فهو يشمل من دخل المسجد بنية الجلوس فيه، ومن باب أولى من دخل المسجد للنوم.
وأيضاً: ظاهره لا يتناول من لم يرد الجلوس، كمن دخل ماراً بالمسجد، أو دخل ليعمل عملاً وهو واقف
•
ما المراد بالمسجد في قوله (إذا دخل أحدكم ..
)؟
عام يشمل جميع المساجد حتى المسجد الحرام.
لكن يستثنى المسجد الحرام في حالة واحدة: فإن تحيته الطواف لمن أراد أن يطوف، أما إذا دخل المسجد الحرام للصلاة أو لغرض آخر غير الطواف، فإن له تحية المسجد كغيره من المساجد.
(أما حديث: تحية البيت الطواف، فإنه لا يصح).
قال الألباني: تحية المسجد الحرام هي ركعتان كغيره من المساجد لعموم الأدلة الآمرة بالتحية دون تخصيص مسجد عن آخر، فمن دخل المسجد الحرام وأراد القعود لانتظار الصلاة أو لحضور درس أو لقراءة القران فإنه يصلي ركعتي المسجد، أما من دخل المسجد الحرام يريد الطواف فإنه يطوف ويجزئ الطواف عن التحية لتضمنه الركعتين، وأما القول بأن تحية المسجد الحرام الطواف لكل داخل ففيه نظر:
أولاً: لضعف الحديث الوارد وهو (من أتى البيت فليحييه بالطواف (ضعفه ابن حجر.
ثانيا: لما فيه من حرج عظيم على المسلمين لاسيما إذا تكرر دخول المسجد وخصوصًا أيام المواسم كرمضان والحج.
وقال الشيخ ابن عثيمين: اشتهر عند كثير من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحية الطواف لمن أراد أن يطوف، فإذا دخلت المسجد الحرام تريد الطواف فإن طوافك يغني عن تحية المسجد، لكن إذا دخلت المسجد الحرام بنية انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبه ذلك فإن تحيته أن تصلي ركعتين كغيره من المساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وهذا يشمل المسجد الحرام، وأما إذا دخلت للطواف فإن الطواف يغني عن التحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام للطواف فلم يصل التحية.
•
لو دخل الإنسان المسجد في وقت النهي، هل يصلي هذه التحية أم لا؟
ظاهر الحديث أنك تصلي ركعتين حتى ولو في وقت نهي، وهذه مسألة خلافية، وقد سبق أن الصلوات ذات السبب تفعل في وقت النهي.
•
ما حكم تحية المسجد إذا تكرر دخوله؟
قيل: تستحب لكل مرة إذا تكرر دخوله.
قال النووي: وهو الأقوى والأقرب لظاهر الحديث.
وقيل: لا تكرر إذا عاد للمسجد من قرب.
قال الشيخ ابن عثيمين:
…
أما الذي يخرج من المسجد ويعود عن قرب فلا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين، وأيضاً فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد لقطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر ولو بعد نصف دقيقة فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع.
•
ما الحكم إذا جلس ولم يصل تحية المسجد وطال جلوسه؟
قال الشيخ ابن عثيمين:
…
وكذلك تحية المسجد إذا جلس الإنسان وطال الجلوس فإنه لا يقضيها لأنها فاتت عن وقتها.
•
ما الحكم لو دخل المسجد ووجدهم يصلون صلاة الجنازة، فصلى معهم فهل تجزاؤ عن تحية المسجد؟
قال الشيخ ابن عثيمين: لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن صلاة الجنازة ليست من جنس صلاة الركعتين، فلا تجزئه عن تحية المسجد .... مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/ 156).
•
ما حكم من دخل المسجد بعد العشاء وصلى الوتر ركعة، فهل تجزاء عن تحية المسجد أم لا؟
الذي عليه جمهور الفقهاء أن التحية لا تسقط بفعل ركعة واحدة.
لأن الحديث نص على ركعتين (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فمفموهه عدم إجزاء الواحدة.
باب صفة الصلاة
264 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا قُمْتُ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ اَلْوُضُوءَ، ثُمَّ اِسْتَقْبِلِ اَلْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ اَلْقُرْآنِ، ثُمَّ اِرْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اِفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَةُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ: - حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا -
265 -
وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ.
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: - فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ اَلْعِظَامُ -
وَلِلنَّسَائِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: - إِنَّهَا لَنْ تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ اَلْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اَللَّهَ، وَيَحْمَدَهُ، وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ -
وَفِيهَا - فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدِ اَللَّهَ، وَكَبِّرْهُ، وهلِّلْهُ -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: - ثُمَّ اِقْرَأْ بِأُمِّ اَلْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اَللَّهُ -
وَلِابْنِ حِبَّانَ: - ثُمَّ بِمَا شِئْت -؟
===
(فَأَسْبِغِ اَلْوُضُوءَ) المراد إكماله وإتمامه.
(ثُمَّ اِرْفَعْ) أي: رأسك من الركوع.
(حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا) وفي رواية عند ابن ماجه (حتى تطمئن قائماً) أخرجه ابن أبي شيبة، قال الحافظ: فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ أحمد (فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها).
•
الحديث في أوله قصة، اذكرها؟
عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردّ، وقال: ارجع فصلّ، فإنك لم تصلّ، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ، ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر،
…
).
(دخل رجل) هو خلاد بن رافع كما عند ابن أبي شيبة. (فصلى) زاد النسائي: ركعتين، وفيه إشعار بأنه صلى نفلاً، قال الحافظ: والأقرب أنها تحية المسجد، (فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردّ عليه) وفي رواية للبخاري ومسلم فقال: وعليك السلام (ارجع فصلّ) وفي رواية: أعد صلاتك (فإنك لم تصل) أي: لأنك لم تصل، أي: لم تصح صلاتك (فرجع يصلي كما صلى) أي: مثل صلاته الأولى بلا طمأنينة ولا اعتدال.
•
لماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه أولاً؟
قال النووي: وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه، وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة.
وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر، وتعظيمه عليه، ورأى الوقت لم يفته.
•
ما حكم الوضوء للصلاة؟
شرط لصحة الصلاة.
لقوله في هذا الحديث (إِذَا قُمْتُ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ اَلْوُضُوءَ) وأن المكلف مأمور بإسباغه.
ومما يدل على شرطية الوضوء.
أ-حديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ) متفق عليه.
ب-وعن ابن عمر. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم.
ج-وعن علي. قال: قال صلى الله عليه وسلم (مفتاح الصلاة الطهور) رواه أبو داود.
•
ما حكم تكبيرة الإحرام؟
ركن من أركان الصلاة.
أ- لقوله (
…
فَكَبِّرْ
…
).
ب- ولقوله صلى الله عليه وسلم (وتحريمها التكبير) رواه أبو داود.
قال النووي رحمه الله: فتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها. هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجمهور السلف والخلف، وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال ابن المنذر: ولم يقل به غير الزهري.
ثم قال: قد ذكرنا أن تكبيرة الإحرام لا تصح الصلاة إلا بها، فلو تركها الإمام أو المأموم سهوا أو عمدا لم تنعقد صلاته، ولا تجزئ عنها تكبيرة الركوع ولا غيرها، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود والجمهور. (المجموع).
•
هل يجزئ للمصلي أن يكبر بغير لفظ: الله أكبر؟
اختلف العلماء هل يجزئ أن يكبر بغير لفظ الله أكبر على قولين:
القول الأول: لا بد من لفظ الله أكبر.
وهذا مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة: ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحريمها التكبير.
وقال للمسيء في صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر.
وفي حديث رفاعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بقوله: الله أكبر.
ولم ينقل عنه عدول عن ذلك حتى فارق الدنيا، وهذا يدل على أنه لا يجوز العدول عنه.
القول الثاني: أنها تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه التعظيم.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لأنه ذكر لله تعالى على وجه التعظيم أشبه قوله الله أكبر.
وقول الجمهور أصح.
•
هل ورد فل فيمن أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام؟
قد ورد في فضل ذلك جملة من النصوص والآثار.
ومن ذلك: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ) رواه الترمذي.
وهذا الحديث يروى موقوفا على أنس بن مالك رضي الله عنه، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجح الترمذي والدارقطني وقفه، واختار الشيخ الألباني تحسينه مرفوعاً.
وسواء صح مرفوعاً أو موقوفاً فله حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الحكم لا يقوله أنس رضي الله عنه اجتهاداً من عند نفسه، فالظاهر أنه علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في فضل إدراك تكبيرة الإحرام أحاديث أخرى مرفوعة ولكنها لا تخلو من ضعف.
ينظر: "مجمع الزوائد"(2/ 123)، "التلخيص الحبير"(2/ 27).
وأما الآثار عن السلف في الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فكثيرة جداً، ومنها:
عن مجاهد قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا أعلمه إلا ممن شهد بدراً- قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟ قال: نعم، قال: أدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا. قال: لَمَا فاتك منها خير من مئة ناقة كلها سود العين. (مصنف عبد الرزاق)
وقال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. (حلية الأولياء).
وقال وكيع: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريباً من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة. (مسند ابن الجعد).
وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه [يعني: لا خير فيه]. (حلية الأولياء).
وقال يحيى بن معين: سمعت وكيعاً، يقول:(من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره). (شعب الإيمان).
قال ابن حجر: وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى آثَارٌ كَثِيرَةٌ ". (التلخيص الحبير).
فينبغي الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام .... (الإسلام سؤال وجواب).
•
بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟
للعلماء في ذلك عدة أقوال:
الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه، وتكبيره بعده دون تأخير.
الثاني: أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة.
الثالث: يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى، فقال: ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب. (طبقات المحدثين" للأصبهاني)(3/ 219).
الرابع: أنها تُدرك بإدراك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام.
الخامس: أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام، وهو مذهب الحنفية.
ينظر: "رد المحتار"(4/ 131)، " الفتاوى الهندية "(3/ 11)، " المجموع "(4/ 206).
والقول الأول هو الأقرب، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
قال النووي: يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخر لم يدركها.
وقال ابن رجب: " ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى.
وقال أيضاً: " وقد قال وكيع: من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضيلة تكبيرة الإحرام.
وأنكر الإمام أحمد ذلك، وقال: لا تُدرك فضيلة تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام ".
وقال ابن مفلح رحمه الله: قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ. "الفروع" لابن مفلح (1/ 521).
وقال الحجاوي: " وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه". " الإقناع "(1/ 151).
وقال الشيخ ابن عثيمين: " السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام. (لقاء الباب المفتوح)
وفي "الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان: ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام. (الإسلام سؤال وجواب).
•
ما حكم الطمأنينة في الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة: على قولين:
القول الأول: أنها ركن.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الصحابي سرعته وقال (إنك لم تصلّ) وأمره بالإعادة وأخبره بأنه لم يصلِ مع أنه كان جاهلاً.
ب-ولحديث أبي مسعود قال صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق في صلاته لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها). رواه أحمد
ج-وعن حذيفة (أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت، لو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً) رواه البخاري.
زاد أحمد بعد قوله: (فقال له حذيفة منذ كم صليت؟ قال: منذ أربعين سنة).
القول الثاني: أنها سنة.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فهذا أمر بمطلق الركوع والسجود.
والصحيح الأول، وأما الآية فهي مطلقة بينت السنة المراد بها.
•
اذكر حد الاطمئنان المطلوب؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: هي استقرارٌ بقدر الإتيان بالواجب.
مثال: في الركوع يطمئن بقدر سبحان ربي العظيم.
القول الثاني: أنها السكون وإن قلَ.
والصحيح الأول.
•
اذكر أركان الصلاة؟
القيام: لقوله (إِذَا قُمْتُ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ اَلْوُضُوءَ).
والمراد القيام في الفرض مع القدرة، أما القيام في النفل فسنة.
تكبيرة الإحرام: لقوله (فَكَبِّرْ).
قراءة الفاتحة: لقوله (ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ اَلْقُرْآنِ) وفي رواية أبي داود (ثم اقرأ بأم القرآن). ولحديث عبادة وسيأتي - إن شاء الله - (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب).
الركوع: لقوله (ثُمَّ اِرْكَعْ).
الطمأنينة: لقوله (حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا).
الرفع من الركوع: لقوله (ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا).
السجود: لقوله (ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا).
الجلسة بين السجدتين: لقوله (ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا).
الترتيب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها مرتبة وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي).
•
ما حكم استقبال القبلة في الصلاة؟
شرط من شروط الصلاة.
لقوله (
…
إِذَا قُمْتُ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ اَلْوُضُوءَ، ثُمَّ اِسْتَقْبِلِ اَلْقِبْلَةَ) وقد سبقت المسألة.
•
استدل بقوله: (ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن) الحنفية على عدم وجوب قراءة الفاتحة، فما الرد عليهم؟
الرد عليهم: أن المراد بقوله ((ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن) هو قراءة الفاتحة.
لرواية أبي داود: (ثم اقرأ بأم الكتاب).
ولابن حبان (ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت).
فهذه الروايات تبين أن معنى: ما تيسر: أي الفاتحة.
•
هل المصلي بعد رفعه من الركوع يضم يديه أم يرسلهما؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يضمهما كما كان قبل الركوع.
وهذا اختيار الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين.
أ-لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه البخاري.
وجه الدلالة: قوله (في الصلاة) و لا فرق بين القيام قبل الركوع وبعد الركوع، لأن قوله (في الصلاة) يشمل جميع أنواع القيام في الصلاة، ولا ثمة دليل على التفريق بين القيامين.
ب-ولحديث وائل قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله) رواه النسائي بسند صحيح.
وهذا الوصف يصدق على القيام قبل الركوع وبعده، لأن القيام بعد الركوع يسمى قياما شرعا كما في حديث المسيء صلاته وجاء فيه كما عند البخاري (ثم أرفع حتى تعتدل قائما) ولا ثمة فرق بين القيامين ومن فرق فعليه الدليل.
ج-أن هذه الصفة هي أدعى للخشوع وأكمل في التذلل بين يدي الله تعالى كما ذكر ذلك شراح السنن.
القول الثاني: أنه -أي المصلي - يرسل يديه ولا يضعهما على الصدر.
أ-لحديث المسيء صلاته وفيه قوله صلى الله عليه وسلم (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، [فيأخذ كل عظم مأخذه]).
و في رواية (وإذا رفعت فأقم صلبك، و ارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها).
وجه الدلالة: أن الحديث ظاهر الدلالة على وجوب الطمأنينة والمراد بالعظام هي عظام الظهر، وليس فيه دلالة على أن المراد هو الرجوع إلى ما قبل الركوع.
ب- التفريق بين القيام قبل الركوع والقيام بعده.
ج- قالوا إنه لم ينقل عن أحد من السلف وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع.
د- أيضا استدلوا بما ورد عن الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن وضع اليدين بعد الرفع من الركوع قال: إن شاء أرسل يديه بعد الرفع من الركوع، و إن شاء وضعهما، قالوا فلو كانت مشروعة لما جعل الأمر فيها للتخيير.
•
ماذا نستفيد من قوله (ثم اقرأ
…
)؟
نستفيد أنه لابد من قراءة، يعني لابد من النطق، وعلى هذا فلو قرأ بقلبه لم يصح، لأنه لم يقرأ.
• لكن يشترط في القراءة أن يسمع نفسه أم يكفي أن يبين الحروف؟
قيل: لابد أن يسمِع نفسَه.
وقيل: لا يشترط بذلك، بل يكفي أن ينطق بالحروف، وهذا هو الصواب.
•
اذكر بعض الأدلة أن الأحكام لا تثبت إلا بعد العلم؟
قال ابن تيمية: لَا يَثْبُتُ الْخِطَابُ إلَّا بَعْدَ الْبَلَاغِ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ).
وَلقوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
وَلِقَوْلِهِ تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل).
وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ مُتَعَدِّدٌ، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا حَتَّى يُبَلِّغَهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.
وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ (أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ ظَنُّوا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) هُوَ الْحَبْلُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْحَبْلِ الْأَسْوَدِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرْبِطُ فِي رِجْلِهِ حَبْلًا، ثُمَّ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَذَا مِنْ هَذَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَسَوَادُ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ.
وَكَذَلِكَ (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَمَّارٌ أَجْنَبَا، فَلَمْ يُصَلِّ عُمَرُ حَتَّى أَدْرَكَ الْمَاءَ؛ وَظَنَّ عَمَّارٌ أَنَّ التُّرَابَ يَصِلُ إلَى حَيْثُ يَصِلُ الْمَاءُ فَتَمَرَّغَ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ وَلَمْ يَأْمُرْ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ).
وَكَذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ بَقِيَ مُدَّةً جُنُبًا لَمْ يُصَلِّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ، بَلْ أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَكَذَلِكَ (الْمُسْتَحَاضَةُ قَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً تَمْنَعُنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، فَأَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ زَمَنَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ) وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْقَضَاءِ.
وَلَمَّا حَرُمَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ {تَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ} وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.
وَلَمَّا زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ حِينَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ مِثْلُ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَبِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.
وَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْخَبَرُ إلَى مِنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى فَاتَ ذَلِكَ الشَّهْرُ، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصِّيَامِ.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ (قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي فِي الصَّلَاةِ فَعَلَّمَهُ الصَّلَاةَ الْمُجْزِيَةَ) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةٍ مَا صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ.
مَعَ قَوْلِهِ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَاقٍ، فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا، وَاَلَّتِي صَلَّاهَا لَمْ تَبْرَأْ بِهَا الذِّمَّةُ، وَوَقْتُ الصَّلَاةِ بَاقٍ.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تأخير البيان عن وقته إذا كان لحاجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخر البيان لهذا الرجل ثلاث مرات، وأرجعه ثلاث مرات حتى يعرف الرجل خطاه بنفسه.
- مشروعية السلام وتكراره، ولو لم يطل الفصل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا الرجل على السلام.
- أن من ترك شيئاً من الواجبات جاهلاً فلا إعادة عليه إلا إذا كان وقت يطالب به.
266 -
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ اَلسَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ (رَأَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اِسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ اَلْقِبْلَةَ، وَإِذَا جَلَسَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اَلْيُسْرَى وَنَصَبَ اَلْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي اَلرَّكْعَةِ اَلْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اَلْيُسْرَى وَنَصَبَ اَلْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ) أي: قال الله أكبر، وهي تكبيرة الإحرام. (وجعل) بمعنى: رفع يديه.
(حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) أي: مقابلهما، والمنكب: رأس الكتف.
(وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ) يفسر ذلك رواية أبي داود (ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما).
(ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرِهِ) أي: ثناه في استواء من غير تقويس، وجاء عند أبي داود (لم يصبّ رأسه ولم يقنعه).
(حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ) الفَقَار واحدتها فقارة، وهي مفاصل عظام الصلب والعنق.
(فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا) الافتراش عائد على الذراعين، وقد ورد عند ابن حبان (غير مفترش ذراعيه) وهو بسطهما على الأرض في السجود (وَلَا قَابِضِهِمَا) أي: ولا يضمهما إليه.
•
ما حكم رفع اليدين إلى حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام.
سنة، وسيأتي حديث ابن عمر -إن شاء الله - وفيه مباحث رفع اليدين ومواضعها.
•
اذكر بعض صفات الركوع المطلوب؟
في الحديث (وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْه) ففيه مشروعية تمكين اليد من الركبة، وتمكين اليد من الركبة يكون بأمرين:
الأول: القبض.
وقد جاء في حديث آخر بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض على ركبته).
والثاني: تفريج الأصابع.
وقد جاء أيضاً في حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه) رواه الحاكم وسيأتي.
ومن الصفات المطلوبة في الركوع:
أولاً: أن يهصر ظهره ويمده، فلا يقوسه.
ثانياً: أن يجعل رأسه حيال ظهره، فلا يرفعه عن مستوى ظهره ولا يخفضه كما في حديث عائشة الآتي (وكان إذا ركع لم يْشخِص رأسَه ولم يُصوّبْه) رواه مسلم.
•
ما حكم الافتراش في السجود؟
مكروه.
لحديث أنس. قال: قال صلى الله عليه وسلم (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).
•
ما الحكمة من النهي عن الافتراش حال السجود؟
قال النووي: والحكمة في هذا أنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد من هيئة الكسالى، فإن المتبسط كشبه الكلب يُشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها.
•
ما السنة في أصابع الرجلين في الصلاة؟
السنة للساجد أن يستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وعلى هذا فيصهر رجله حتى تستقبل أصابع القبلة
•
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في التشهد الأول مفترشاً، وجلس في التشهد الثاني متوركاً؟ فما صفة الجلوس في التشهد في الصلاة؟
اختلف العلماء في صفة الجلوس في التشهد في الصلاة على أقوال:
القول الأول: التورك في التشهدين.
وهذا مذهب مالك.
واستدلوا بحديث عبد الله بن الزبير في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة جعل رجله اليسرى بين فخذه وساقه وفرش اليمنى). قوله: (للتشهد) أي التشهد الثاني.
القول الثاني: الافتراش في التشهدين.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث عائشة لما ذكرت صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت (وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى) رواه مسلم.
القول الثالث: التفصيل: يجلس المصلي في التشهد الأول مفترشاً وفي التشهد الثاني متوركاً.
وهذا مذهب أحمد والشافعي وأهل الحديث.
لحديث الباب (أبي حميد) فهو حديث صريح في التفريق بين التشهدين.
•
ما الحكمة من التفريق بين التشهدين:
قيل: إزالة الشك واللبس الذي قد يحدث للمصلي.
وقيل: أن التشهد الأول قصير، بخلاف التشهد الثاني فهو طويل.
وجاء في حديث فيه نظر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في التشهد الأول فكأنه على الرضف) وهي الحجارة المحمية.
وقيل: أن التشهد الأول يعقبه حركة.
•
ما كيفية الجلوس في التشهد إذا كانت الصلاة ذات تشهد واحد كالجمعة والعيد والنوافل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يتورك.
وهذا مذهب الشافعي.
أ-لعموم حديث الباب (وَإِذَا جَلَسَ فِي اَلرَّكْعَةِ اَلْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ
…
).
قال ابن حجر رحمه الله: وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره؛ لِعُمُومِ قَوْلُهُ (فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرة).
وقال النووي رحمه الله: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًاً. (المجموع).
ب-ولأنه يسن تطويله.
القول الثاني: لا يشرع التورك بل يجلس مفترشاً.
وهذا مذهب الحنابلة.
لأن حديث عائشة يدل على أن الأصل في الجلوس في التشهد في الصلاة هو الافتراش، وأخرجنا التشهد الأخير لحديث الباب (حديث أبي حميد).
وهذا هو الصحيح.
قال ابن قدامة رحمه الله: جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى). وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ، فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ، إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرق. (المغني).
•
عرف الافتراش؟
الافتراش: أن يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها ويجعل اليمنى منصوبة.
•
اذكر صفة التورك في الصلاة؟
ورد له عدة صفات:
الأولى: ما ورد في حديث الباب (إِذَا جَلَسَ فِي اَلرَّكْعَةِ اَلْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اَلْيُسْرَى وَنَصَبَ اَلْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ).
الثانية: أن يفرش القدمين جميعاً، ويخرجهما من الجانب الأيمن. رواه أبو داود.
الثالثة: أن يفرش اليمنى، ويدخل اليسرى من بين فخذ وساق الرجل اليمنى. رواه مسلم، لكن الصواب رواية أبي داود (تحت فخذه وساقه).
267 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى اَلصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَّرَ اَلسَّمَوَاتِ "
…
إِلَى قَوْلِهِ: "مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ، اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ
…
- إِلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اَللَّيْلِ.
268 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةً، قَبْلِ أَنْ يَقْرَأَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "أَقُولُ: اَللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اَللَّهُمَّ نقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى اَلثَّوْبُ اَلْأَبْيَضُ مِنْ اَلدَّنَسِ، اَللَّهُمَّ اِغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
269 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اِسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهُ غَيْرُكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ مَوْصُولاً وَهُوَ مَوْقُوفٌ.
وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ اَلْخَمْسَةِ وَفِيهِ: وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ اَلتَّكْبِيرِ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ اَلسَّمِيعِ اَلْعَلِيمِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ).
===
(إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ) أي: تكبيرة الإحرام.
(سَكَتَ) المقصود عدم رفع الصوت بدليل قوله كما جاء في رواية عن أبي هريرة قال: (ما تقول).
(هُنَيَّةً) أي قليلاً.
(اَللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ) أي: أبعدها عني وأبعدني عنها، والخطايا جمع خطية، وهي ما فعله الإنسان عن عمد.
وإنما اختار المشرق والمغرب لأنهما لا يلتقيان أبداً.
(اَلدَّنَسِ) الوسخ.
•
اذكر لفظ حديث علي كاملاً؟
عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». وَإِذَا رَكَعَ قَالَ «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِى وَعَصَبِي». وَإِذَا رَفَعَ قَالَ «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ». وَإِذَا سَجَدَ قَالَ «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ». ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْت) رواه مسلم.
(ظلمت نفسي) اعتراف بالتقصير. (اهدني لأحسن الأخلاق) أي أرشدني لصوابها. (واصرف عني سيئها) أي قبيحها. (وجهت وجهي) أي قصت بعبادتي لله تعالى، فالوجه يقصد به العمل. (فاطر السموات والأرض) أي أنشأهما وخلقهما وأبدعهن على غير مثال سابق. (حنيفاً) مائل عن الشرك. (صلاتي) أي الصلاة المعروفة، وقيل: الدعاء. (ونسكي) قيل: المراد الذبيحة، وقيل: العبادة، وهذا أعم. (ومحياي ومماتي) إما أن يكون المعنى أن المتصرف بحياتي وموتي هو الله، وإما أن يكون بأن المسلم معترف ا، حياته ومماته لله حيث صرفها له.
•
ما رأيك بقول المصنف رحمه الله بعد حديث علي، (وفي رواية أن ذلك في صلاة الليل)؟
قال الشيخ ابن باز: هذا وهْم من الشارح، وليس في مسلم تقييد الرواية بصلاة الليل.
بل جاء في رواية عند البيهقي (كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة).
•
ما صحة حديث (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك
…
)؟
جاء مرفوعاً عند الخمسة كما ذكره المصنف رحمه الله فبعض العلماء ضعفه كأحمد وابن خزيمة.
وصححه بعضهم كالعقيلي، وابن حجر، وأحمد شاكر.
أن الحافظ ابن حجر ذكر حديث عمر موقوفا مع أن هذا الحديث رُوي مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث وطرق كثيرة، فكأن الحافظ بهذا يميل أن هذا الذكر لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب: أن هذا اللفظ، الصحيح فيه: أنه من قول عمر رضي الله عنه وأرضاه.
•
ما صحة أثر عمر (
…
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ
…
)؟
الحديث رواه مسلم في كتاب الصلاة عن عبدة عن عمر، وعبدة ابن أبي لبابة لم يدرك عمر.
لكن الطحاوي في شرح معاني الآثار روى الحديث من طريق عمرو بن ميمون الأودي أنه صلى مع عمر بذي الحليفة صلاة الظهر فدعا بهذا الدعاء وجهر به. ورجاله ثقات، وجاء عنه أيضاً عند أبي شيبة والدار قطني والحاكم والبيهقي وإسناده صحيح، وللحديث شواهد تقويه:
أ-جهر عمر.
ب-جاء عند الخمسة - كما قال المصنف - وفيه ضعف.
قال ابن المنذر في الأوسط: وممن روينا عنه أنه كان يقول هذا القول إذا استفتح الصلاة، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود.
وقال ابن رجب: صح هذا (يعني: الاستفتاح بـ سبحانك اللهم وبحمدك) عن عمر وابن مسعود، وروي عن أبي بكر وعثمان.
•
ما حكم دعاء الاستفتاح؟
سنة.
قال في المغني: وهو من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم.
لهذه الأحاديث.
•
هل دعاء الاستفتاح يقال سراً أم جهراً؟
يقال سراً.
قال في المغني: وعليه عامة أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به.
•
في أي ركعة يكون دعاء الاستفتاح؟
يكون في الركعة الأولى فقط.
فائدة: تختلف الركعة الأولى عن الثانية بأمور:
أولاً: الاستفتاح في الركعة الأولى.
ثانياً: تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى.
ثالثاً: التعوذ في الركعة الأولى على القول الراجح.
رابعاً: القراءة في الركعة الأولى أطول من الركعة الثانية.
•
هل دعاء الاستفتاح يكون في الفرض فقط أم في الفرض والنفل؟
يكون في صلاة الفرض والنفل.
•
اذكر بعض أدعية الاستفتاح التي وردت؟
قد وردت عدة أدعية للاستفتاح:
أولاً: حديث علي: الدعاء الذي سبق (وجهت وجهي
…
) رواه مسلم.
ثانياً: حديث أبي هريرة (اللهم باعد بيني وبين خطاياي
…
) متفق عليه.
ثالثاً: حديث عمر (سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اِسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهُ غَيْرُكَ) رواه مسلم.
رابعاً: (الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً) استفتح به رجل من الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(عجبت لها فتحت لها أبواب السماء) رواه مسلم.
خامساً: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) استفتح به رجل آخر فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) رواه مسلم.
سادساً: (اللهم ربّ جبرائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك
…
). وهذا في صلاة الليل.
•
ما الأفضل في هذه الأدعية؟
اختار بعض العلماء دعاء: (سبحانك اللهم
…
).
قال أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح لكان حسناً.
قال ابن القيم: وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه:
منها: جهر عمر به يعلمه الصحابة.
ومنها: اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن، وأفضل الكلام بعد القرآن: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ومنها: أنه استفتاح أخلص للثناء على الله، وغيره يتضمن للدعاء، والثناء أفضل من الدعاء.
واختار بعض العلماء: دعاء: اللهم باعد بيني وبين خطاياي.
قال الشوكاني: ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار، وأصح ما روي في الاستفتاح حديث أبي هريرة ثم حديث علي.
واختار شيخ الإسلام أن العبادة إذا وردت على وجوه متنوعة تفعل هذه مرة وهذه مرة، وفي ذلك فوائد:
أ- حفظ السنة فلا تهجر.
ب- أحضر للقلب.
ج- تمام التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
•
متى يكون دعاء الاستفتاح؟
يكون بين التكبير والقراءة.
لقوله (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةً، قَبْلِ أَنْ يَقْرَأَ).
•
من الذي خالف من الأئمة وقال: إن دعاء الاستفتاح غير مشروع؟
الذي خالف مالك فقال: لا يشرع.
لحديث عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين).
والأحاديث ترد عليه.
وأما قول: (يستفتح القراءة
…
) أي القراءة الجهرية.
•
ما حكم الجهر بدعاء الاستفتاح؟
لا يشرع.
لقوله (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةً، قَبْلِ أَنْ يَقْرَأَ).
•
هل يجمع بين أكثر من دعاء استفتاح في صلاة واحدة؟
لا يشرع أن يجمع بين أكثر من دعاء من أدعية الاستفتاح في صلاة واحدة.
•
هل يشرع دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن دعاء الاستفتاح لا يسن في صلاة الجنازة.
وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
أ-أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استفتح في صلاة الجنازة.
ب-قالوا: إن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف، فناسب ترك الاستفتاح فيها.
قال النووي: وَأَمَّا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، واتفق الأصحاب على أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما الاستفتاح فلا بأس بفعله ولا بأس بتركه، وتركه أفضل أخذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أسرعوا بالجنازة).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يشرع دعاء الاستفتاح في الصلاة على الجنازة؟
فأجاب: " ذكر العلماء أنه لا يستحب، وعللوا ذلك بأن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف، وإذا كان مبناها على التخفيف، فإنه لا استفتاح.
القول الثاني: أن دعاء الاستفتاح يسن في صلاة الجنازة.
وهو قول الأحناف.
عللوا: بأنها صلاة، فيستفتح لها، كما يستفتح لسائر الصلوات.
واختار بعض الأحناف - كالطحاوي رحمه الله أنه لا استفتاح لها.
والأقرب: عدم مشروعية الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها مبناها على التخفيف، ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود، ولا يقرأ فيها سوى الفاتحة.
•
ماذا يسن للإمام أن يفعله بعد تكبيرة الإحرام؟
يشرع له أن يسكت سكتة خفيفة بعد تكبيرة الإحرام حتى يتمكن المأموم من دعاء الاستفتاح.
قال بعض العلماء: السكتات المشروعة ثلاثة:
1 -
بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة.
2 -
بعد الفاتحة ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة.
3 -
بعد القراءة وقيل الركوع، سكتة يسيرة يرد إليه نفسه.
وذهب بعض العلماء: إلى أن السكتات المشروعة سكتتان:
1 -
بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة.
2 -
بعد القراءة، وقيل الركوع.
وأما السكتة من أجل أن يقرأ المأموم الفاتحة فليست مشروعة.
•
هل يشرع للإنسان أن يدعو ربه أن يباعد بينه وبين الخطايا؟
نعم.
لقوله (اَللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ).
وقال تعالى عن إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
قال ابن تيمية: فيه عبرتان:
إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي.
والثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب وإلا صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين.
•
ما حكم الاستعاذة قبل القراءة؟
اختلف العلماء في حكمها على قولين:
القول الأول: أنها واجبة.
وهذا قول بعض الفقهاء.
أ-قالوا: لأن الله أمرنا بها، قال تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله).
ب-ولأن الاستعاذة بها طرد للشيطان الذي يحول بين الإنسان وقراءته.
ج- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، وهذا القول قوي.
القول الثاني: أنها سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
قال ابن كثير: وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة، يأثم تاركها.
وقال النووي: ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها.
ويدل على عدم الوجوب:
أ-حديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أنزلت علي سورة آنفاً: بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر) رواه مسلم. ولم يذكر الاستعاذة.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة.
•
هل يستعيذ المصلي كل ركعة أم يكفي في الركعة الأولى؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يستعيذ في كل ركعة.
وهذا مذهب الشافعي، واختاره ابن حزم، وابن تيمية، ومال إليه المرداوي.
أ-لعموم قوله تعالى: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قالوا: إن التعوذ للقراءة فهو تبع لها، فيقتضي تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة، فيكون مشروعاً لكل من يريد القراءة، سواء كان داخل الصلاة أو خارجها، وسواء في الركعة الأولى أو في الركعات التي بعدها ب-أنها مشروعة للقراءة فتكرر بتكررها، لحصول الفصل بين القراءتين - الأولى والثانية -.
ب- أنها مشروعة للقراءة فتكرر بتكررها، لحصول الفصل بين القراءتين.
القول الثاني: أنه يكفي في أول ركعة.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ورجحه ابن القيم، والشوكاني.
أ- لحديث أبي هريرة قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح للقراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت) رواه مسلم.
قال ابن قدامة: وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ.
ب- قالوا: لأن قراءة الصلاة كلها قراءة واحدة.
ج- القياس على استحباب الترتيب بين سور القرآن في الركعتين، بجامع أن الصلاة جملة واحدة، فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة.
قال ابن القيم رحمه الله: والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر.
وقال الشوكاني: الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى، فالأحوط: الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط. (نيل الأوطار).
وهذا القول هو الراجح.
•
اذكر صيغ الاستعاذة؟
الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟
قال القرطبي: هذه الصيغة أكثر العلماء، لأنها الصيغة التي جاءت بالقرآن.
وهو الذي ورد في السنة كما في حديث سليمان بن صُرد قال (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عند ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
…
) متفق عليه.
قال ابن عطية: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس، هو لفظ كتاب الله تعالى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
الصيغة الثاني: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى (فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
كما في حديث أبي سعيد الذي عند أبي داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك ـ ثم يقول ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
قال ابن كثير: وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق، والنفخ الكبر، والنفث الشعر [الشعر المذموم].
•
ما معنى قوله ( .. مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ)؟
همزه: هو الصرع والجنون الذي يصيب الإنسان.
ونفخه: هو الكبر، لأن الشيطان ينفخ الإنسان حتى يتكبر.
ونفثه: هو الشعر، وقيل هو السحر.
•
لماذا يستعيذ الإنسان قبل القراءة؟
ذكر ابن القيم عدة أمور:
منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذْهِب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أثره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء يخلو منه القلب ليصادف الدواء محلاً خالياً، فيتمكن منه، ويؤثر فيه.
فيجيء هذا الدواء الشافي إلى قلب قد خلا من مزاحم ومضاد له فيجتمع فيه.
ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، كما في حديث أسيد بن حضير لما كان يقرأ ورأى مثل الظلة فيها مثل المصابيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(تلك الملائكة)، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى يُحَصِّلَ خاصته وملائكته، فهذه وليمة لا يجتمع فيها الملائكة والشياطين.
ومنها: أن الشيطان يُجْلِب على القارئ بخيله ورَجْله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله عز وجل منه.
ومنها: أن القارئ مناجٍ لله تعالى بكلامه، والله تعالى أشد أذَناً للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَة إلى قينته، والشيطان إنما قراءته الشعر والغناء، فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاته تعالى واستماع الرب قراءته.
ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عند ما يهُمُّ بالخير أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذٍ فيه، فهو يشتد عليه حينئذٍ ليقطعه عنه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إن شيطاناً تفلت علي البارحة، فأراد أن يقطع علي صلاتي)، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى، كان اعتراض الشيطان له أكثر.
270 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ اَلصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ: بِـ (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ) وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مِنْ اَلرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا. وَإِذَا رَفَعَ مِنْ اَلسُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا. وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ اَلتَّحِيَّةَ. وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ اَلْيُسْرَى وَيَنْصِبُ اَلْيُمْنَى. وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ اَلشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ اَلرَّجُلُ زِرَاعَيْهِ اِفْتِرَاشَ اَلسَّبُعِ. وَكَانَ يُخْتَمُ اَلصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَهُ عِلَّةٌ.
===
(بالتكبير) هو: الله أكبر.
(إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ) أي: لم يرفعْه.
(وَلَمْ يُصَوِّبْهُ) أي: لم يخفضه ولم يُنكّسْه.
(في كل ركعتين التحية) أي التشهد الأول.
قوله (له علة) لأن الإمام مسلم رواه من طريق أبي الجوزاء عن عائشة، وهو لم يسمع من عائشة كما قال ابن عدي وابن عبد البر.
•
بماذا تبدأ الصلاة؟
تبدأ بالتكبير.
لقولها (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ اَلصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ).
•
ما حكم من لم يعرف الأذكار إلا بلغته، هل يأتي بها بلغته أم ماذا؟
اختلف العلماء رحمهم الله في من لا يعرف الأذكار إلا بلغته، هل يأتي بها بلغته، أو يُكلَّف أن يتعلمها بالعربية؟ والصواب جواز أن يأتي بها بلغته، والله عز وجل يعلم لغة كل قوم. (ابن عثيمين).
•
ما معنى قول عائشة (
…
، وَالْقِرَاءَةَ: بِـ (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ)؟
أي: الجهر بذلك، وليس معنى ذلك أنه لا يقول الاستفتاح ولا البسملة.
•
استدل بعض العلماء بقول عائشة (
…
، وَالْقِرَاءَةَ: بِـ (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ) على مسألة فما هي؟
استدل به من قال: لا يشرع الجهر بالبسملة. (وستأتي المسألة إن شاء الله).
•
ما معنى قولها (وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِك)؟
أي (إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ) أي: لم يرفعْه، (وَلَمْ يُصَوِّبْهُ) أي: لم يخفضه ولم يُنكّسْه (وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِك) أي: بين التصويب والإشخاص، بحيث يستوي ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة.
•
ماذا نستفيد من قولها (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ اَلصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ: بِـ (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ)؟
نستفيد أنه لا يسن الجهر بالتعوذ ولا بالاستفتاح.
•
ما معنى قولها (وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ اَلتَّحِيَّة)؟
المعنى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتشهد في كل ركعتين بقوله (التحيات لله
…
).
وسمي هذا الذكر تحية، لاشتماله على التحية، وهو الثناء الحسن، وتشهداً: لاشتماله على الشهادتين.
مشروعية التشهد في كل ركعتين.
•
ما حكم التشهد الأول؟
واختلف العلماء في حكم التشهد الأول:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا المذهب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود سهو لما تركه ولم يأت به، فعلم أنه واجب وليس بركن.
القول الثاني: أنه سنة.
وهذا مذهب الأكثر.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته.
والقول الأول هو الراجح.
•
ما السنة في الجلوس في الصلاة؟
أن السنة في الجلوس في الصلاة هو الافتراش: أن يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وهذا يشمل التشهد الأول، والجلوس بين السجدتين.
•
عرف عقبة الشيطان (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ اَلشَّيْطَانِ)؟
- اختلف العلماء في تفسيرها:
قيل: أنه يفرش قدميه، فيجعل ظهورهما نحو الأرض ويجلس على عقبيه.
وقيل: أن عقبة الشيطان هي الإقعاء، وهي أن يجلس الإنسان على إليتيه بالأرض وينصب فخذيه وساقيه، ويضع يديه على الأرض، وهذا من معاني الإقعاء، وهذا تفسير أهل اللغة.
وهذا التفسير ذكره النووي في شرحه على مسلم.
وتفسير أهل اللغة متفق على كراهته.
قال ابن قدامة بعد أن ذكر تفسير أهل اللغة: ولا أعلم أحداً قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة.
وقيل في تفسير الإقعاء: أن يجعل إليتيه على عقبيه ويضع ركبتيه على الأرض.
وهذا موضع خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول: أنه مكروه.
وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في رواية، وأحمد بن حنبل.
أ-عن أنس. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب) رواه ابن ماجه. (وهو ضعيف).
ب-وعنه. (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة) رواه البيهقي. (وفيه ضعف).
ج- وعن علي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يا علي لا تقع إقعاء الكلب) رواه ابن ماجه. (وهو ضعيف).
د- ولحديث الباب (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ اَلشَّيْطَانِ).
القول الثاني: أنه سنة.
وقال به: ابن عباس، وابن الزبير، وهو قول للشافعي في الجلوس بين السجدتين، اختاره النووي، وابن الصلاح.
عن طَاوُس قال (قُلْنَا لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِى الإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِىَ السُّنَّةُ. فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَلْ هِىَ سُنَّةُ نَبِيِّك صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
وأجيب عنه:
بأنه منسوخ بالأحاديث الثابتة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى.
قال ابن عثيمين: لعل ابن عباس لم يعلم أنه منسوخ من كون النبي صلى الله عليه وسلم يفترش أو يتورك، وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين.
•
ما حكم افتراش الذراعين أثناء السجود؟
اختلف العلماء في حكمه:
القول الأول: أنه مكروه.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لحديث الباب.
ولحديث أنس. قال: قال صلى الله عليه وسلم (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعية انبساط الكلب) متفق عليه.
القول الثاني: أنه محرم.
وإليه ذهب ابن حزم.
لظاهر النص (ولا يبسط
…
)، والراجح الأول.
•
ما الحكمة من النهي من افتراش الذراعين:
قال النووي: والحكمة في هذا أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى فإن المنبسط كشبه الكلاب، ويشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها
- اذكر بعض الأدلة أنه لم يأت التشبه بالحيوانات إلا في مقام الذم؟
قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً).
وقال تعالى (ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ).
وقال تعالى (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا يبرك أحدكم كبروك البعير) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم (مثل الذي يتكلم الإمام يخطب كالحمار يحمل أسفاراً) رواه أحمد.
(ونهى صلى الله عليه وسلم عن التفات كالتفات الثعلب).
•
ماذا نستفيد من قولها (وكان يختم بالتسليم)؟
نستفيد أن التسليمتين ركن لا تصح الصلاة بدونهما.
قال الشيخ ابن عثيمين: والصحيح: أنه لا يجوز الاقتصار عليها لا في الفرض ولا في النفل، وأن الواجب أن يسلم مرتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم من الصلاة مرتين، ويقول:(صلوا كما رأيتموني أصلي) فكون النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على التسليمتين يدل على أنه لا بد منهما، وهذا هو المشهور عند علماء الحنابلة رحمهم الله.
وذهب جمهور العلماء إلى أن التسليمة الأولى ركن والثانية مستحبة.
271 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ اَلصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ اَلرُّكُوعِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
272 -
وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ).
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه نَحْوُ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ قَالَ (حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ)
===
(حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْه) أي: عوالي أذنيه.
•
اذكر المواضع التي تستحب فيها رفع اليدين في الصلاة؟
يستحب رفع اليدين في الصلاة في مواضع:
الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
وهذا مستحب عند الجميع.
قال النووي: أجمعت الأمة على ذلك عند تكبيرة الإحرام.
(لكن قال بعض العلماء بالوجوب، كداود وابن حزم وجماعة).
الموضع الثاني والثالث: عند الركوع وعند الرفع منه.
لحديث الباب، فهو واضح الدلالة على ذلك.
وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يشرع رفع اليدين فيهما في غير تكبيرة الإحرام.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
أ-لحديث البراء بن عازب قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب أذنيه ثم لم يعد) رواه أبو داود.
وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد اتفق الحفاظ أن قوله (لم يعد) مدرجاً في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد.
والحديث ضعفه: سفيان بن عيينة، والشافعي، والحميدي شيخ البخاري، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والدارمي، والبخاري وغيرهم.
ب- ولحديث ابن مسعود قال (لأصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة) رواه أبو داود.
وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم.
والحديث ضعفه: عبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والبيهقي، والدارقطني وغيرهم. (المجموع).
ولذلك قال الشوكاني: لكن عارض هذا التحسين والتصحيح قول ابن المبارك: لم يثبت عندي، وقول ابن أبي حاتم: هذا حديث خطأ، وتضعيف أحمد، وتصريح أبي داود بأنه ليس بصحيح، وقول الدار قطني: أنه لم يثبت.
والقول الأول هو الصحيح.
•
هل هناك موضع رابع يشرع فيه رفع اليدين؟
نعم: عند القيام من التشهد الأول.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يشرع ذلك.
واختار هذا القول ابن المنذر، والنووي، والبيهقي، ورجحه ابن تيمية، وهو مذهب أمير المؤمنين في الحديث البخاري.
أ-عَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّه صلى الله عليه وسلم رواه البخاري.
ب-جاء عند أبي داود من حديث أبي حميد قال (إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
ج - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّر) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
قال النووي: وهذا القول هو الصواب، فقد صح في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، رواه البخاري، وصح أيضاً من حديث أبي حميد الساعدي، رواه أبو داود، والترمذي بأسانيد صحيحة.
قال ابن دقيق العيد: ثبت الرفع عند القيام من الركعتين.
القول الثاني: أنه لا يشرع.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
لحديث ابن عمر - حديث الباب - (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ اَلصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ اَلرُّكُوعِ).
وجه الدلالة: أنه صريح في رفع اليدين في ثلاثة مواضع فقط وهي: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه.
والراجح القول الأول.
•
ما حكم رفع اليدين في هذه المواضع؟
سنة من سنن الصلاة.
•
هل ترفع الأيدي حال السجود؟
اختلف العلماء هل ترفع الأيدي حال السجود أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنها ترفع.
وهذا القول قول ابن حزم، ورجحه ابن المنذر وجماعة، واختاره الألباني.
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْه) رواه النسائي.
القول الثاني: لا يستحب.
وهذا مذهب الجماهير.
لحديث ابن عمر (ولا يفعل ذلك في السجود).
وهذا القول هو الصحيح.
وقد قال الحافظ ابن حجر: وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة ولا يخلو شيء منها من مقال.
•
إلى أين ترفع الأيدي؟
في حديث ابن عمر (إلى حذو منكبيه).
وبهذا قال جمهور العلماء.
وفي حديث مالك: (إلى فروع أذنيه).
وهذا مذهب أبي حنيفة.
وكلا الصفتين من العبادات التي تفعل هذه مرة وهذه مرة.
•
ما الحكمة من رفع اليدين:
قيل: إعظام لله، واتباع لرسوله.
وقيل: استكانة وانقياد.
وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه.
وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بكليته على صلاته ومناجاته ربه.
قال النووي: وفي أكثرها نظر.
وقال القرطبي: قيل: فيه أقوال أنسبها مطابقة قوله (الله أكبر) لفعله.
وقال ابن عبد البر: معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره خضوع واستكانة وابتهال وتعظيم لله واتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
•
هل هذه السنة خاصة بالرجال دون النساء أم عامة؟
هذه السنة تشترك فيها الرجال والنساء ولم يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها، والأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا ما دل الدليل عليه.
•
متى يكون الرفع، هل يكون قبل التكبير أم معه أم بعده؟
ورد الرفع مع التكبير، وورد قبله، وورد بعده.
ورد قبله، كحديث ابن عمر (رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه، ثم كبر).
وورد بعد الرفع، كما في حديث مالك بن الحويرث عند مسلم بلفظ:(كبر ثم رفع يديه).
وورد ما يدل على المقارنة، كحديث ابن عمر:(كان إذا دخل في الصلاة كبر ثم رفع يديه).
•
ما حكم نظر المأموم إلى الإمام؟
يجوز إذا كان الإمام معروفاً بعلمه ودينه وتطبيقه للسنة، فإنه ينظر إليه ليقتدي به، لكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى الالتفات، كأن يكون الإمام بعيداً، لأن الأصل في الالتفات في الصلاة مكروه.
ومما يدل على الجواز:
عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ قَالَ (قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ. قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ) رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صلاة الكسوف - (لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفاً مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ - وَقَالَ الْمُرَادِيُّ أَتَقَدَّمُ - وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ) رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما صلى على المنبر أول ما صُنع قال (يَا أُيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) رواه مسلم، وهذا يدل على أنهم ينظرون إليه. (ابن عثيمين).
273 -
وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ اَلْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ اَلْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث أخرجه ابن خزيمة من طريق مؤمل بن إسماعيل، نا سفيان، عن عاصم بن كليب الجرمي، حدثني أبي، عن وائل بن حُجر فذكره.
فالحديث مختلف فيه، ففي إسناده مؤمّل بن إسحاق، وهو صدوق سيء الحفظ.
وأصل الحديث في صحيح مسلم من حديث وائل بن حجر بدون لفظ (على صدره).
وهذه الزيادة تفرد بها مؤمل بن إسماعيل.
تفرد مؤمل به عن الثوري، ومؤمل ليس بالقوي، وقد وصفه الحافظ بأنه صدوق سيئ الحفظ
أيضاً: أن مؤملاً قد خالف جمعاً من الحفاظ عن الثوري، كعبد الرازق، والفريابي، والمخزومي، وغيرهم. تنظر رواياتهم في (المسند الجامع 15/ 676)، لم يذكر أحد منهم وضعها على الصدر، وإنما هو مطلق الأخذ باليمين على الشمال.
ج/ أنه قد تابع الثوري جماعة من الحفاظ عن عاصم بن كليب يقاربون العشرة، لم يذكر أحد منهم وضعها على الصدر.
فيتبين من تلك الأوجه أن هذه الرواية شاذة، لا يعوّل عليها.
وأصل الحديث في مسلم دون (على صدره) بلفظ (ثم وضع يده اليمنى على اليسرى).
•
هل السنة في القيام الوضع أم إرسال اليدين؟
اختلف العلماء: هل السنة في اليدين الوضع أم الإرسال؟
القول الأول: أن السنة في اليدين حال القيام هو الوضع.
وهذا مذهب جماهير العلماء، واختاره ابن عبد البر (أن يضع اليد اليمنى على اليسرى ولا يرسلها).
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى
…
) رواه مسلم.
ج-ولحديث هلب الطائي قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه) رواه الترمذي.
د-ولحديث سهل بن سعد قال (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه البخاري.
القول الثاني: أن السنة الإرسال.
قال الشوكاني: وروى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلها ولا يضع اليمنى على اليسرى.
لحديث المسيء في صلاته، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته.
والصحيح القول الأول.
والجواب عن حديث المسيء في صلاته أن يقال: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم المسيء في صلاته إلا الأركان والواجبات.
•
اذكر خلاف العلماء في أين يضع المصلي يديه هل على صدره أم في مكان آخر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: على صدره.
وهو قول إسحاق وجماعة، ورجحه ابن عثيمين رحمه الله.
لحديث الباب.
قال الشوكاني: ولا شيء في الباب أصح من حديث وائل المذكور.
القول الثاني: تحت السرة.
وهو مذهب أبي حنيفة، وسفيان الثوري.
لقول علي (إن من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة) رواه أبو داود.
وهذا ضعيف بالاتفاق كما قال النووي.
قال البيهقي: لا يثبت إسناده.
القول الثالث: أنه مخير.
وبه قال الأوزاعي، وابن المنذر.
قال ابن المنذر: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، فهو مخير.
وهذا القول هو الراجح، لأنه ثبت أن السنة وضع اليمنى على اليسرى أثناء القيام، ولم يثبت دليل في مكان الوضع، فيكون المصلي مخيراً.
قال الترمذي في (سننه) والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم: يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم.
•
اذكر كيفية وضع اليدين؟
لها صفتان:
الأولى: وضع اليد اليمنى على الكف اليسرى ورسغها وساعدها.
لحديث وائل بن حجر: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة وكبر
…
ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد). رواه أبو داود
قال السندي في حاشية النسائي (ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِد).
(الرُّسْغ) هُوَ مَفْصِل بَيْن الْكَفّ وَالسَّاعِد، وَالْمُرَاد أَنَّهُ وَضَعَ بِحَيْثُ صَارَ وَسَط كَفّه الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغ، وَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون بَعْضهَا عَلَى الْكَفّ الْيُسْرَى، وَالْبَعْض عَلَى السَّاعِد.
الثانية: أن يقبض باليمنى على كوع اليسرى.
لحديث وائل قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة فيقبض بيمينه على شماله) رواه النسائي.
الكوع: هو طرف الزند الذي يلي الإبهام.
•
ما الحكمة من هذه الصفة حال القيام؟
قال النووي: قال العلماء: والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخشوع ومنعهما من العبث، والله أعلم.
وقال الحافظ: قال العلماء الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع للعبث، وأقرب للخشوع.
274 -
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ اَلصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ اَلْقُرْآنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ، لِابْنِ حِبَّانَ وَاَلدَّارَقُطْنِيِّ (لَا تَجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ).
وَفِي أُخْرَى، لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ " قُلْنَا: نِعْمَ. قَالَ: "لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةِ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا).
===
(بِأُمِّ اَلْقُرْآن) اسم من أسماء الفاتحة، سميت بذلك لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله.
(بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ) اسم من أسماء الفاتحة، سميت بذلك لأن القرآن افتتح بها، ولأن القراءة في الصلاة تفتتح بها.
•
ما صحة حديث عبادة (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ " قُلْنَا: نِعْمَ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ ..
)؟
فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، لكن صرح بالتحديث فانتفت شبهة التدليس، وتابعه أيضاً غيره ولذلك حسنه بعض العلماء، وقد حسنه الترمذي، وصححه البيهقي، والخطابي وغيرهم.
وضعفه جماعة من أهل العلم كالإمام أحمد، وابن المديني، وابن عبد البر، وابن حبان، وابن تيمية، وابن رجب.
ورجح كثير من العلماء أنه موقوف على عبادة.
•
ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً كثيراً على ثلاثة أقوال؟
القول الأول: لا تجب مطلقاً لا في السرية ولا الجهرية.
وهذا مذهب الحنفية. واستدلوا:
أ-بقوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن) متفق عليه.
القول الثاني: أنه واجب في السرية والجهرية.
وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه، واختاره البخاري والشوكاني. واستدلوا:
أ-بحديث عبادة المتفق عليه.
ب-وحديث عبادة الثاني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة جهرية، ثم لما انتهى قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة .. ).
ج-ولرواية ابن حبان والدار قطني: لا يجزئ صلاة
…
".
د-ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) رواه مسلم أي ناقصة، والخداج في اللغة النقصان، يقال: أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها غير تام.
القول الثالث: واجبة في السرية دون الجهرية.
وهذا قول الإمام مالك، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ-لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
قالوا: هذا أمر بالاستماع والإنصات لمن يقرأ القرآن، وقد ذكر الإمام أحمد الإجماع على أنها نزلت في الصلاة.
ب-وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) رواه ابن ماجه وأحمد.
قال البخاري: هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم.
وقال ابن حجر: كل طرقه معلولة.
ج - قالوا: كيف يلزم المأموم بقراءة الفاتحة في الجهرية وقد سمعها من الإمام وأمّن عليها، والسامع المؤمن كالفاعل، بدليل قوله تعالى في قصة موسى وهارون (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا
…
قد أجيبت دعوتكما) ومعلوم أن الداعي موسى بنص القرآن، وهارون كان يؤمّن، فجعل الله دعوة موسى دعوة لهارون.
•
ما الجواب عن أدلة الحنفية:
الجواب: أما قوله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن .. ) فهذا عام، وجاء الحديث الذي يأمر بقراءة الفاتحة فخصص.
وأما قولهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته، نقول: جاء في رواية عند أبي داود (ثم اقرأ بأم القرآن
…
).
•
وأما الجواب عن أدلة القول الثالث (أنها واجبة في السرية دون الجهرية)؟
الجواب: أما الآية فهي عامة، وحديث عبادة الأمر بالفاتحة خاص، والخاص يقضي على العام.
وأما حديث (من كان له إمام فقراءة الإمام
…
) فهذا حديث لا يصح.
وأما قولهم إن ذلك عبث، نقول: ما دام أنه جاء النص بقراءة الفاتحة فيلزم أن يقرأها ثم ينصت.
•
بماذا أجاب أصحاب الثالث عن أدلة القائلين بالوجوب مطلقاً؟
أجابوا: أما حديث عبادة (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهذا محمول على الصلاة السرية.
وأما حديث عبادة الثاني (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم
…
) فقالوا هو ضعيف، وقد تقدم أنه ضعفه الإمام أحمد، وابن المديني، وابن تيمية.
ومنهم من قال: إنه منسوخ، وناسخه حديث أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة - وفي رواية أنها الصبح - فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم، أنا يا رسول الله، فقال: إني أقول مالي أنازع القرآن. قال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله) رواه أبو داود.
•
متى تسقط الفاتحة؟
تسقط الفاتحة في حق المسبوق إذا أدرك إمامه راكعاً.
لحديث أبي بكرة (أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد) رواه البخاري، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة.
ومن النظر: أن هذا الرجل لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، فسقط عنه الذكر لسقوط محله، كما يسقط غسل اليد في الوضوء إذا قطعت يده من المرفق لفوات المحل. (ابن عثيمين).
•
هل لابد من الفاتحة في كل ركعة؟
نعم، لا بد من الفاتحة في كل ركعة. قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).
فائدة: قوله (لا تعد (اختلف العلماء: قيل: لا تعد إلى الإسراع، وقيل: إلى الركوع دون الصف، والراجح الأول.
(وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله).
- أن
للفاتحة أسماء:
- فاتحة الكتاب.
لأنه يفتتح بها القرآن كتابة وقراءة.
- أم القرآن.
لأنه جمع فيها جميع القرآن.
- الصلاة.
قال تعالى في الحديث القدسي: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي
…
".
- السبع المثاني.
لحديث: " أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ".
- الرقية.
لأن أبا سعيد رقا بها.
قال العلماء: كثرة الأسماء يدل على شرف المسمى.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- استحباب الرفق في تعليم الجاهل.
- جواز الجلوس والاجتماع في المسجد.
- مشروعية تكرار السلام إذا حصلت صورة المفارقة ولو كانوا في مكان واحد؛ فهذا.
275 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ اَلصَّلَاةِ بِـ (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ) - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ مُسْلِمٌ: - لَا يَذْكُرُونَ: (بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ) فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا -.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ: - لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيم -.
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ خُزَيْمَةَ: - كَانُوا يُسِرُّونَ -
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اَلنَّفْيُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، خِلَافًا لِمَنْ أَعَلَّهَا.
276 -
وَعَنْ نُعَيْمٍ اَلْمُجَمِّرِ رضي الله عنه قَالَ (صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ: (بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ). ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ اَلْقُرْآنِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ:(وَلَا اَلضَّالِّينَ)، قَالَ:"آمِينَ" وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ، وَإِذَا قَامَ مِنْ اَلْجُلُوسِ: اَللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(فَقَرَأَ: بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ) الظاهر أنه قرأها جهراً.
(الرحمن) من أسماء الله، ومعناه: ذو الرحمة الواسعة.
(الرحيم) من أسماء الله، ومعناه: الموصل رحمته من يشاء من عباده.
(لا يذكرون) النفي محمول على أنهم لا يجهرون بها لا عدم قراءتها.
من أعلها يثبت أنها جاءت من طريق الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه حدثه فقال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ..
ورد الحافظ على من أعلها، بأن الأوزاعي لم يتفرد بالرواية عن قتادة، بل شاركهم جماعة آخرون ذكرهم الحافظ في الفتح.
•
اذكر خلاف العلماء في البسملة في الصلاة هل يجهر بها أم يسر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: السنة الإسرار.
وهذا المذهب.
قال في المغني: ولا يختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون.
قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم.
وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار وأصحاب الرأي.
أ-لحديث الباب - حديث أنس -
ب-ولحديث عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله ربّ العالمين). رواه مسلم
ج-ولحديث عبد الله بن مغفل (أنه صلى مع ابنه فجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ من صلاته قال له أبوه، وهو عبد الله بن مغفل: يا بني، إياك والحدث في الدين، فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يجهرون بـ: بسم الله الرحمن الرحيم). رواه الترمذي
د-أن البسملة تقاس على التعوذ، لم يثبت أنه كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ جهراً، بل قال ابن قدامة: يُسَرُّ التعوذ، لا أعلم فيه خلافاً.
القول الثاني: أن المستحب الجهر بها.
وهذا مذهب الشافعي.
أ-لحديث الباب - حديث نعيم المجمر - قال ابن حجر: هو أصح حديث ورد في الباب.
ونقل النووي في المجموع تصحيحه وثبوته عن الدار قطني، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي.
ب-ولحديث ابن عباس قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) رواه الحاكم وهوضعيف.
ج-وعن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته يقول: بسم الله الرحمن الرحيم - ثم يسكت - الحمد لله رب العالمين) رواه الحاكم.
والصحيح القول الأول، لكن لا بأس أن يجهر بها أحياناً.
قال ابن القيم: كان يجهر بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، تارة ويخفيها تارة أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات حضراً وسفراً، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه أهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال.
قال ابن تيمية: المداومة على الجهر بها بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث المصرحة في الجهر كلها موضوعة.
•
ما الجواب عن حديث نعيْم المجمر عن أبي هريرة؟
وأما حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة (أنه قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم) يحتمل أموراً:
أ-قيل: أن لفظة (بسم الله الرحمن الرحيم) شاذة.
ب-وقيل: إن الحديث ليس صريحاً بالجهر، لأنه قال (قرأ
…
) فقد يكون جهر أحياناً، فإن الإمام لا بأس أن يجهر بالقراءة أحياناً.
ج-وقيل: أنه لو فرض أنه جهر، فإن هذه ليست عادته الدائمة، وإنما جهر ليعلم الناس شرعيتها بالصلاة، ولهذا أقسم في آخر الحديث أنه أشبه الناس صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومع هذا: فالصواب: أن ما لا يُجهر به، قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة، فيشرع للإمام - أحيانا - لمثل تعليم المأمومين، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا، ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة، خوفاً من التنفير عما يصلح، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم، وقال ابن مسعود، لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال:" الخلاف شر "؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة، وفي وصل الوتر، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول؛ مراعاة ائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنَّة وأمثال ذلك.
وقال رحمه الله أيضاً - فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمَّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم: كان قد أحسن. (مجموع الفتاوى).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم الجهر بالبسملة؟.
فأجاب: " الراجح: أن الجهر بالبسملة لا ينبغي، وأن السنَّة الإسرار بها؛ لأنها ليست من الفاتحة، ولكن لو جهر بها أحياناً: فلا حرج؛ بل قد قال بعض أهل العلم: " إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه: أنه كان يجهر بها، ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يجهر بها وهذا هو الأولى: أن لا يجهر بها، ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر: فأرجو أن لا يكون به بأس.
•
اذكر أنواع التكبيرات في الصلاة؟
التكبيرات في الصلاة ثلاثة أنواع:
الأول: تكبيرة لا تنعقد الصلاة بدونها، وهي تكبيرة الإحرام.
والثاني: تكبيرة مستحبة، وهي تكبيرة المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً، فإنه يكبر للإحرام أولاً قائماً ثم يكبر للركوع استحباباً لا وجوباً.
والثالث: بقية التكبيرات، وتسمى: تكبيرات الانتقال، يكبر في كل خفض ورفع، وحكمها: واجبة، يعني من تعمد تركها فلا صلاة له، ومن نسيها جبر ذلك بسجود السهو.
والدليل على وجوبها:
أ-أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، ولم يحفظ عنه أنه ترك التكبير أبداً، مع قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ب-وقال صلى الله عليه وسلم (وإذا كبر فكبروا).
ج-وقال صلى الله عليه وسلم في الصلاة (إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فدل على أن الصلاة لا تخلو من التكبير كما لا تخلو من قراءة القرآن، وكذلك التسبيح.
وذهب بعض العلماء إلى أن تكبيرات الانتقال ليست بواجبة بل مستحب.
وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية.
قال ابن المنذر: وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمر وابن مسعود وابن عمر وابن جابر وقيس بن عباد وشعيب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعوام أهل العلم.
واحتج أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته إلا بتكبيرة الإحرام.
قال النووي: وأما فعله صلى الله عليه وسلم فمحمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة.
277 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَرَأْتُمْ اَلْفَاتِحَةِ فَاقْرَءُوا: بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، فَإِنَّهَا إِحْدَى آيَاتِهَا) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَوَّبَ وَقْفَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الصحيح أنه موقوف كما قال الدارقطني.
•
هل البسملة آية من الفاتحة أم ليست منها؟
اختلف العلماء في البسملة في أول السور هل هي من السورة أم لا؟
القول الأول: هي آية من سورة الفاتحة، ومن كل سورة
وهذا مذهب الشافعي.
أ-لحديث أَنَسٍ قَالَ (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَهً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّماً فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آنِفاً سُورَةٌ». فَقَرَأَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ». ثُمَّ قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ». فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبي .. ) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بنزول سورة عليه، ثم ابتدأ بالبسملة، ثم قرأ سورة الكوثر، وهذا يدل على أن البسملة من السورة.
ب-حديث الباب (إِذَا قَرَأْتُمْ اَلْفَاتِحَةِ فَاقْرَءُوا: بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، فَإِنَّهَا إِحْدَى آيَاتِهَا).
ج- حديث أم سلمة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ يقطع قراءته آية آية (بسم الله الرحمن الرحيم (1) الرحمن الرحيم (2)) رواه الدارقطني.
القول الثاني: ليست من الفاتحة ولا من أول سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور.
وهذا مذهب الحنفية، واختيار ابن تيمية.
أ- لحديث أبي هريرة. قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِي
…
) رواه مسلم.
وجه الدلالة: فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بقوله: الحمد لله رب العالمين، دون بسم الله الرحمن الرحيم، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبدأ بها لا بالحمد.
ب- ولحديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن سورة من القرآن من ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: تبارك الذي بيده الملك) رواه الترمذي.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن مقدار سورة الملك ثلاثون آية، وقد اتفق القراء وغيرهم على أنها ثلاثون آية سوى البسملة، ولو كانت منها لكانت إحدى وثلاثين، وهو خلاف قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
ج- ولحديث أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ (كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّى. فَقَالَ «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) ثُمَّ قَالَ لِي لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ» . قَالَ «(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُه) رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الفاتحة من قول تعالى (الحمد لله رب العالمين) دون البسملة، ولو كانت البسملة منها لابتدأ بها.
د- ولحديث ابن عباس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: أن ابن عباس أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف الفصل بين السور إلا بنزول البسملة، وهذا يدل على أنها أنْزلت للفصل.
وهذا القول هو الصحيح.
فائدة الخلاف: أن من قال أنها آية من أول كل سورة قال بوجوب قراءتها قبل الفاتحة في الصلاة، لأنها إحدى آياتها، ومن لم يقل بأنها آية من أول كل سورة لم يقل بذلك.
•
ما الجواب عن أدلة القول الأول:
أما حديث أنس (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
…
).
بأنه غبر ظاهر الدلالة، فيمكن حمل بسملة النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأنه أراد قراءة السورة من أولها، والتسمية مشروعة عند ابتداء السورة بالإجماع.
وأما حديث الباب.
فهو حديث ضعيف لا يصح.
وأما حديث أم سلمة.
فقد ناقشه ابن قدامة من وجهين:
الوجه الأول: أنه من رأي أم سلمة ولا ينكر الاختلاف في ذلك.
الوجه الثاني: أنها نسلم بأنها آية، ولكنها آية مفردة للفصل بين السور.
فائدة:
اتفق العلماء على أن (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة النمل، وهي قوله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم).
قال الجصاص: لا خلاف بين المسلمين في أن بسم اللّه الرحمن الرحيم من القرآن في قوله تعالى (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
وقال النووي: وأما البسملة في أثناء سورة النمل (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) فقرآن بالإجماع فمن جحد منها حرفاً كفر بالإجماع.
وقال ابن تيمية: اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
278 -
وَعَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ اَلْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: آمِينَ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
279 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوُهُ ..
===
(آمِين) أي: اللهم استجب.
•
ما صحة حديث الباب؟
أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الدارقطني، وسنده ضعيف، لكن يشهد له ما بعده.
وأما حديث وائل بن حُجر فلفظه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: أمين، ومد بها صوته) هذا لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود (ورفع بها صوته).
قال الترمذي: حديث حسن، وقال الحافظ: سنده صحيح.
•
ما حكم التأمين بعد الفاتحة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه واجب.
ونسب لأهل الظاهر.
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال (إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه) متفق عليه.
القول الثاني: أنه سنة لكل مصلّ إماماً أو مأموماً.
وهذا مذهب الجمهور، وهو قول داود الظاهر، واختيار ابن عبد البر.
أ- لحديث الباب.
ب- لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمن الإمام فأمنوا).
وجه الدلالة: ففي هذين الحديثين دلالة صريحة على قول الإمام (آمين) ويجهر بها.
القول الثالث: لا يشرع للإمام أن يؤمن.
وهذا مذهب مالك.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام ولا الضالين، فقولوا: آمين
…
)، فقوله: (إذا قال الإمام ولا الضالين
…
) دليل على أن التأمين للمأموم فقط.
لكن هذا القول ضعيف، ويدفعه رواية (إذا أمن الإمام فأمنوا).
قال ابن قدامة في المغني: وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم وهو عقب قول الإمام ولا الضالين، لأنه موضع تأمين الإمام؛ ليكون تأمين الإمام والمأمومين في وقت واحد موافقا لتأمين الملائكة.
•
هل يرفع الإمام صوته بالتأمين أم لا؟
اختلف العلماء في الجهر بالتأمين:
القول الأول: يستحب الجهر في الصلاة الجهرية للإمام والمأموم.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
أ-لحديث الباب.
فهو دليل على مشروعية تأمين الإمام بعد قراءة الفاتحة، ورفعه صوته بها.
ب- ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) فتعليقه تأمين المأموم على تأمين الإمام دليل على أنهم يسمعونه وإلا لم يكن لتعليقهم عليه معنى.
القول الثاني: السنة إخفاء التأمين.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
قالوا: لأن آمين دعاء، والسنة إخفاء الدعاء.
والصحيح الأول.
•
لماذا القول الثاني ضعيف؟
هذا القول ضعيف لأمور:
أولاً: لأنه ثبت جهر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
ثانياً: وقياسهم في مقابلة النص فهو باطل.
ثالثاً: وأما رواية (وخفض بها صوته) فهي شاذة.
•
الحديث دليل استحباب التأمين للإمام بعد قراءة الفاتحة، وأن يجهر بها صوته، لكن متى يقول آمين؟
أما الإمام فيقول آمين: بعد قوله: (ولا الضالين)، وكذلك المنفرد.
وأما المأموم فاختلفوا.
قال بعض العلماء: يقول آمين إذا فرغ الإمام من قول آمين.
واستدلوا بظاهر قوله (إذا أمّن الإمام فأمنوا
…
).
لكن هذا القول ضعيف والصحيح: أنه يقول آمين بعد قول الإمام: ولا الضالين.
لأنه جاء في الحديث عن أبي هريرة. قال. قال صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين) متفق عليه.
ويكون معنى (إذا أمّن) أي بلغ ما يؤمن عليه وهو ولا الضالين.
قال النووي: وأما رواية (إذا أمن الإمام فأمنوا) فمعناها: إذا أراد التأمين.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (فإن من وافق قوله قول الملائكة).
قال النووي: معناه من وافقهم في وقت التأمين فأمن مع تأمينهم، ويدل عليه قوله قبله (فإن الملائكة تؤمن) وهذا هو الصحيح.
وقيل: وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص، وإليه مال ابن حبان.
والأول هو الذي رجحه الأكثرون، كالقرطبي وابن دقيق العيد والحافظ في الفتح.
قال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظاً.
•
اختلفوا في هؤلاء الملائكة:
فقيل: هم الحفظة، وقيل: غيرهم. لقوله في رواية (فوافق قوله قول أهل السماء).
•
هل تجهر المرأة بالتأمين؟
قال ابن قدامة: وتجهر -يعني المرأة- في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ رجال لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس اهـ.
قال النووي: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَتْ تُصَلِّي خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ مَحَارِمَ جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ، سَوَاءٌ أَصَلَّتْ بِنِسْوَةٍ أَمْ مُنْفَرِدَةً، وَإِنْ صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرّتْ. (المجموع).
فائدة: فضل التأمين:
من فضائله أنه يوجب إجابة الدعاء، ومحبة الله لقائله.
روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين، يجبكم الله) ومعنى يجبكم: يجيب دعاءكم.
وروى أبو داود والنسائي وأحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فقولوا: آمين يجبكم الله).
ومن فضائله أيضاً: "قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، قال ابن شهاب: وكان صلى الله عليه وسلم يقول: آمين) رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ (إذا قال أحدكم آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم.
ومما يدل على مزيته أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين) رواه ابن ماجه، وصححه العراقي وغيره.
قال الإمام المناوي: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين) أي: قولكم في الصلاة وعقب الدعاء آمين.
كما يستحب أن يختم الدعاء بالتأمين، وأن يكثر منه فإنه من أسباب الإجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود (إن ختم بآمين فقد أوجب).
280 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ اَلْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِيٌ] مِنْهُ]. قَالَ: "سُبْحَانَ اَللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلٌ وَلَا قُوَّةً إِلَّا بِاَللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ
…
) اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِم.
===
(جَاءَ رَجُلٌ) لم يُعرف اسمه.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث حسن، وفي إسناده إبراهيم السكسكي متكلم فيه، لكن أخرج له البخاري، وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكر المتن، وأيضاً هو متابع، تابعه طلحة بن مصرف كما عند ابن حبان لكن في سنده ضعف.
•
ما حكم من عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة؟
الحديث دليل على أن من عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة لعذر، فإنه يأتي ببدلها بهذه الأذكار الواردة في هذا الحديث.
•
ما حكم تعلم الفاتحة؟
يجب على الإنسان أن يتعلم الفاتحة إذا كان قادراً، وإذا كان يحتاج إلى أجرة وجب عليه أن يستأجر ويتعلم، لأن قراءة الفاتحة واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
•
ما الحكم إذا عجز عن الفاتحة وقدر على غيرها من الآيات؟
إذا عجز عن الفاتحة وقدر على غيرها من الآيات فإنه يلزمه غيرها دون أن يذكر أن هذا الذكر.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء (فإن كان معك شيء من القرآن فاقرأه، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله).
•
ما معنى قوله (فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ اَلْقُرْآنِ شَيْئًا)؟
قيل: أي لا أقدر على حفظ شيء منه، وهو يحتمل أن لا يمكنه الحفظ حالاً ومآلاً لعلمه العجز عن نفسه.
ويحتمل: أن لا يمكنه في الحال لصيق وقت الصلاة، أو لسوء حفظه، وهذا الصحيح.
لأن من قدِرَ على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة، فيكون المعنى: لا أستطيع أن أتعلم شيئاً من القرآن في هذه الساعة، وقد دخل عليّ الوقت الصلاة، فإذا من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: فإن لم يحسن شيئا من القرآن، ولا أمكنه التعليم قبل خروج الوقت: لزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لما روى أبو داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني منه فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: هذا لله فما لي قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني.
ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة. انتهى
فإن استطاع قراءة بعض الفاتحة دون البعض الآخر لزمه الإتيان بما استطاع منها
ويلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها (أي ليكون مجموع ما يقرؤه سبع آيات بعدد آيات الفاتحة)
وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلِّلْه وكبِّره. رواه أبو داود.
فائدة: جاء في رواية أبي داود زيادة (قال يا رسول الله! هذا لله، فما لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني، فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير).
281 -
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا، فَيَقْرَأُ فِي اَلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ - فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ - بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا اَلْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ اَلرَّكْعَةَ اَلْأُولَى، وَيَقْرَأُ فِي اَلْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
282 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نَحْزُرُ قِيَامَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اَلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ مِنْ اَلظُّهْرِ قَدْرَ: (الم تَنْزِيلُ) اَلسَّجْدَةِ. وَفِي اَلْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ اَلنِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي اَلْأُولَيَيْنِ مِنْ اَلْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ اَلْأُخْرَيَيْنِ مِنْ اَلظُّهْرِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ اَلظُّهْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ) المراد الركعة الأولى والثانية.
(بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ) أي: في الركعتين، في كل ركعة سورة، وقد جاء في البخاري (بفاتحة الكتاب وسورة سورة)، وسميت االسورة سورة، لانفصالها عن أختها، وقيل: لشرفها وارتفاعها، كما يقال لما ارتفع من الأرض سورة، وقيل: لأنها قطعة من القرآن
(وَيُسْمِعُنَا اَلْآيَةَ أَحْيَاناً) أي: يجهر بها حتى يُسمعها من خلفه
(كُنَّا نَحْزُرُ) بفتح النون وسكون الحاء وضم الزاي معناه: نخرص ونقدر ونقيس.
(قَدْرَ: (الم تَنْزِيلُ) اَلسَّجْدَة) قدرها (30) آية، في كل ركعة من الأوليين في الظهر.
(وَفِي اَلْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ اَلنِّصْفِ مِنْ ذَلِك) أي: (15) آية في كل ركعة من الأخريين في الظهر.
•
ما حكم القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعشر؟
مشروع، لقوله ( .. فَيَقْرَأُ فِي اَلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ - فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ - بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ).
قال في المغني: لا نعلم خلافاً أنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة.
•
ما حكم تطويل الركعة الأولى أطول من الثانية؟
مستحب، لقوله (وَيُطَوِّلُ اَلرَّكْعَةَ اَلْأُولَى).
قال ابن قدامة رحمه الله: ويستحب أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة; ليلحقه القاصد للصلاة .. ، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه
…
قال أحمد، رحمه الله، في الإمام يطول في الثانية، يعني أكثر من الأولى: يقال له في هذا: تَعَلَّم. وقال أيضاً، في الإمام يقصر في الأولى ويطول في الآخرة: لا ينبغي هذا، يقال له، ويؤمر.
•
ما الحكمة في مشروعية تطويل الركعة الأولى عن الثانية؟
قيل: إن المصلي يكون في أول الصلاة نشيطاً مقبلاً على صلاته.
وقيل: حتى يدرك الناس الركعة الثانية.
• هل الأفضل قراءة سورة كاملة في الركعة أو ما يعادلها من سورة أخرى طويلة؟
الأفضل قراءة سورة كاملة لقوله (بفاتحة الكتاب وسورة سورة)، ففيه أن قراءة سورة كاملة في الركعة أفضل من قراءة ما يعادلها من سورة أخرى طويلة.
• ما الحكم لو خالف وقرأ مقدار ما يعادلها من سورة طويلة؟
قيل: يكره ذلك ..
لكن الصواب أنها غير مكروهة.
أ-لعموم قوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
ب-وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن).
ج-ولما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في راتبة الفجر في الركعة الأولى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
…
البقرة) وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
…
آل عمران) وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
•
على ماذا يدل قوله (وَيُسْمِعُنَا اَلْآيَةَ أَحْيَانًا)؟
يدل على أنه ينبغي للإمام أن يسمع الآية أحياناً في قراءة الظهر والعصر، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
• قوله (وَيَقْرَأُ فِي اَلْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَاب) على ماذا يدل؟
يدل على أنه يقتصر على الفاتحة في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر وثالثة المغرب.
•
هل جاء ما يوهم خلاف ذلك؟
نعم، حديث الباب - حديث أبي سعيد - في قوله (وَفِي اَلْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ اَلنِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) ومعلوم أن السجدة [30] آية، إذاً ظاهره أنه يقرأ في الركعتين الأخريين مقدار:[15] آية، إذاً بقدر سورة الفاتحة ومعها سورة قدر ثمان آيات.
•
ما الجمع بين الحديثين؟
الجمع الأول:
بعض العلماء رجح حديث أبي قتادة على حديث أبي سعيد، لأنه في الصحيحين، وحديث أبي سعيد في صحيح مسلم، ولأن حديث أبي قتادة جاء بصيغة الجزم، وحديث أبي سعيد قال (حزرنا قيامه) وفرق بين الجزم بالشيء وبين حزره وتقديره.
الجمع الثاني:
وبعض العلماء ذهب إلى أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين سنة، وهذا مذهب الشافعي.
الجمع الثالث:
ومن العلماء من جمع بين الحديثين؛ وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا أحياناً ويفعل هذا أحياناً، وهذا الصحيح لأمرين:
أولاً: أن القاعدة في الأصول أنه متى أمكن الجمع بين الدليلين فهو أولى من الترجيح، لأن الجمع عمل بكلا الدليلين.
ثانياً: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، وقد تنوعت كثير من أقوالها وأفعالها، فيكون تنوع مقدار القراءة من هذا الباب.
• ما حكم الإسرار في الصلاة السرية، والجهر في الصلاة الجهرية؟
قال ابن قدامة: الجهر في مواضع الجهر، والإسرار في مواضع الإسرار، مجمع على استحبابه، ولم يختلف المسلمون في موضعه.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديثين؟
- أن ما ذكر في حديث أبي قتادة هو عادة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
- استحباب تطويل صلاة الظهر وقراءتها، على صلاة العصر وقراءتها.
283 -
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ فُلَانٍ يُطِيلُ اَلْأُولَيَيْنِ مِنْ اَلظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ اَلْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي اَلْمَغْرِبِ بِقِصَارِ اَلْمُفَصَّلِ وَفِي اَلْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي اَلصُّبْحِ بِطُولِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءِ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةِ بِرَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
284 -
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: (سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي اَلْمَغْرِبِ بِالطُّورِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(كَانَ فُلَانٍ) يريد به أميراً كان على المدينة، كما في رواية أحمد.
•
ما المراد بالمفصل؟
المفصل هو من [ق] إلى الناس على القول الصحيح.
• ما طِوال المفصل وما قِصاره وما أواسطه؟
طواله: من ق - عم.
وأواسطه: من عم - الضحى.
وقصاره: من الضحى - الناس.
•
لماذا سمي بالمفصل؟
قال النووي: سمي بذلك لقصر سوره، وقرب انفصال بعضه من بعض.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أول المفصل من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح.
•
هل لهذا الاسم (المفصل) أصل في السنة؟
نعم، فقد كان هذا الاسم معلوما شائعا بين الصحابة، وردت به أحاديث كثيرة منوعة عن عدد من الصحابة.
أ-جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟! لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ؛ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَة. رواه البخاري ومسلم.
ب- وعن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ) ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو ـ راوي الحديث ـ: لَا أَحْفَظُهُمَا) رواه البخاري ومسلم.
•
اذكر ما يسن قراءته في الصلوات الخمس؟
أولاً: صلاة المغرب:
يقرأ بقصار المفصل.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لحديث الباب.
ولحديث رافع بن خديج: (
…
ثم ننصرف وإن أحدنا ليبصر مواقع نبله).
لكن يسن أحياناً أن يقرأ فيها من أواسط المفصل وطواله.
- فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالطور، كما في حديث الباب، وهي من طوال المفصل.
- وثبت عنه أنه قرأ بالمرسلات، وهي من طوال المفصل.
- وثبت عنه مرة واحدة أنه قرأ بالأعراف.
قال ابن حجر: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في صلاة المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين.
قال ابن القيم: أما المداومة على قصار المفصل دائماً فهو من فعل مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت وقال: ما لك تقرأ بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين الأعراف.
ثانياً: صلاة الظهر.
يقرأ بأواسط المفصل.
وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر (والسماء والطارق) و (والسماء ذات البروج) ونحوهما من السور) رواه أبو داود.
وقيل: بل يقرأ بطوال المفصل.
وهذا قول الجمهور.
لحديث أبي سعيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية) رواه مسلم.
وعنه قال (لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها) رواه مسلم.
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى من صلاة الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ويدركها معه، وهذا يدل على أنه كان يطيل القراءة فيها، فيقرأ بطوال المفصل.
ثالثاً: صلاة العصر.
يقرأ فيها بأواسط المفصل.
وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة.
لحديث جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر (والسماء والطارق) و (والسماء ذات البروج) ونحوهما من السور) رواه أبو داود.
رابعا: صلاة العشاء:
يقرأ فيها بأواسط المفصل.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث معاذ: (
…
إذا أممت الناس فاقرأ بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الشمس وضحاها) و (الليل إذا يغشى) متفق عليه.
خامسا: صلاة الفجر:
يقرأ فيه بطوال المفصل.
أ-لحديث الباب (وَفِي اَلصُّبْحِ بِطُولِهِ).
ب-ولحديث أبي برزة: (
…
وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة).
• هل يجوز جمع سورتين فأكثر في الركعة الواحدة.
نعم يجوز.
لحديث حذيفة (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة البقرة والنساء وآل عمران) رواه مسلم.
وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة سورتين بعد الفاتحة في كثير من الصلوات، وسميت هذه السور بـ (النظائر) وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ذِكرها وبيانها.
عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأتُ المفصَّل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصَّل سورتين في كل ركعة. متفق عليه.
وبوَّب عليه البخاري بقوله: باب الجمع بين السورتين في الركعة.
والهذّ: سرعة القراءة.
وعن علقمة والأسود قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذّاً كهذ الشعر ونثراً كنثر الدقل؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة: النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة. رواه أبو داود.
والدقل: رديء التمر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ويجوز للإنسان أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين، أو ثلاثاً، وله أن يقتصر على سورة واحدة، أو يقسم السورة إلى نصفين، وكل ذلك جائز لعموم قوله تعالى (فاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن).
•
هل يجوز تفريق السورة الواحدة بين الركعتين.
فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف قسمها بين الركعتين.
•
هل يجوز قراءة السورة الواحدة في الركعتين.
لحديث معاذ بن عبد الله: (أن رجلاً من جهينة أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح: إذا زلزلت
…
في الركعتين كليهما). رواه أبو داود
285 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ يَوْمَ اَلْجُمْعَةِ: (الم تَنْزِيلُ) اَلسَّجْدَةَ، و (هَلْ أَتَى عَلَى اَلْإِنْسَانِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
286 -
وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ: - يُدِيمُ ذَلِكَ -.
===
•
ما صحة رواية الطبراني (يديم ذلك)؟
لا تصح، وقد أعله البخاري، وأبو حاتم، والدارقطني بالإرسال.
•
ما الذي يسن قراءته في صلاة فجر يوم الجمعة؟
يشرع قراءة سورتي السجدة في الركعة الأولى، والإنسان في الركعة الثانية.
لحديث الباب.
قال العراقي: وممن كان يقوله من الصحابة: ابن عباس، ومن التابعين: إبراهيم بن عبد الله بن عوف، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث.
وكرهه مالك وآخرون.
قال النووي: وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق.
•
ما علة قراءة هاتين السورتين؟
اختلف القائلون بالاستحباب، ما علة قراءة هذه السورة؟
فقيل: لوجود سجدة فيها.
روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي، قال: كان يستحب أن يقرأ يوم الجمعة بسورة فيها سجدة
وقال ابن سيرسين: لا أعلم به بأساً.
لكن أكثر العلماء على أنه لا يستحب أن يتعمد أن يقرأ سورة فيها سجدة إلا سورة السجدة.
وقيل: العلة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها فإنها اشتملت على خلق آدم وذكر المعاد والحشر للعباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما يكون فيه ويكون، ليعتبروا بما كان ويكون، فيستعدوا. (قاله ابن تيمية)
•
هل السجدة في سورة السجدة مقصودة أو جاءت تبعاً؟
السجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة، فلا يسن أن يقرأ في فجر الجمعة بسورة فيها سجدة أخرى، لأن استحباب قراءة (ألم) السجدة، و (هل أتى) ليس لأجل السجدة، بل لأجل ما جاء في هاتين السورتين كما تقدم.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (آلم تنزيل) و (هل أتى على الإنسان) ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة.
•
ما رأيك بما يفعله بعض الأئمة في أنهم يقسمون سورة السجدة بين الركعتين، أو يقرأ جزءاً من السجدة في الأولى، وجزءاً من الإنسان في الثانية؟
هذا خلاف السنة.
فالمستحب قراءة هاتين السورتين جميعاً: السجدة في الركعة الأولى، والإنسان في الركعة الثانية.
قال الشيخ ابن عثيمين: من أخطاء بعض الأئمة: أن بعضهم يقرأ نصف سورة السجدة ونصف سورة الإنسان، وكل هذا من الجهل.
•
ما الحكم في أن بعض الأئمة في صلاة الجمعة يقرأ آيات مناسبة لخطبته؟
هذا بدعة وينهى عنه، إذ كيف يعدل عن السنة لما يوافق موضوع الخطبة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس ولا يتحرى ذلك. (ابن عثيمين).
287 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ.
===
•
هذا الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله أصله في مسلم، اذكره؟
روى مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً، قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه).
•
ما حكم الجماعة في صلاة النافلة؟
تجوز الجماعة في صلاة النافلة أحياناً، والدليل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وأما دائماً فهو بدعة.
وممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وعثمان.
(أن ابن عباس صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل) متفق عليه.
(وصلى حذيفة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب).
(وصلى ابن مسعود أيضاً مع النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
(وقول أنس: صَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَف) متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: صلاة التطوع في جماعة نوعان:
أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان، فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة.
الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وتحية المسجد ونحو ذلك. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده; لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه، وليلة أخرى صلى معه حذيفة، وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود، وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه، وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم. وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفرداً. (مجموع الفتاوى).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟
فأجاب: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي، فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه،
…
والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع.
•
ما حكم الدعاء بالرحمة عند آية الرحمة والتعوذ عند آية تعوذ للمصلي؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز ذلك في الفرض والنفل.
وهذا مذهب الجمهور.
أ- لحديث الباب، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
ورواه الترمذي والنسائي بلفظ (إذا مر بآية عذاب وقف وتعوّذ).
ب-وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ (قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَة) رواه أبو داود.
القول الثاني: سنة في النفل دون الفرض.
ورجح هذا القول الشيخ الألباني.
قال الألباني: هذا إنما ورد في قيام الليل كما في حديث حذيفة، فمقتضى الإتباع الصحيح الوقوف عند الوارد وعدم التوسع فيه بالقياس والرأي، فإنه لو كان ذلك مشروعاً في الفرائض أيضاً لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل، بل لكان نقله أولى من نقل ذلك في النوافل كما لا يخفى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أما في النفل، ولا سيما في صلاة الليل، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أحضر للقلب، وأبلغ في التدبر،
وصلاة الليل يسن فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسجود، وما أشبه ذلك.
وأما في صلاة الفرض، فليس بسنة، وإن كان جائزا
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض .. ؟
فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد، وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله، ولو فعله لنقل؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة.
وهذا القول هو الراجح.
•
ماذا نستفيد من قوله (يقرأ مترسلاً)؟
نستفيد استحباب ترتيل القرآن والتدبر وجمع القلب.
قال ابن القيم: إذا أردت الانتفاع بالقرآن فأجمع عند تلاوته وسماعه قلبك، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبك به ممن تكلم به سبحانه وتعالى، فإنه خطاب منه إليك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
•
ما حكم التنكيس في سور القرآن (كأن يقرأ في الركعة الأولى: الإخلاص، وفي الثانية: الناس)؟
اختلف العلماء في هه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز بلا كراهة.
وبه قال الشافعي، واختار هذا القول الموفق، وابن تيمية، وابن باز.
لحديث الباب كما في رواية مسلم حيث قرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة ثم النساء ثم آل عمران.
القول الثاني: يكره.
وبه قال مالك، وأحمد، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
لأن ذلك خلاف ترتيب المصحف الذي وضعوه الصحابة.
ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال عن حديث حذيفة: لعله قبل العرضة الأخيرة.
القول الثالث: يكره التنكيس في صلاة الفرض ولا يكره في صلاة النفل.
والراجح - والله أعلم - القول الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- عبودية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.
- استحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكر والإكثار من سؤاله.
- مشروعية التعوذ بالله من كل الشرور.
- أن النبي صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى ربه، كما أن غيره مفتقر إليه.
- مشروعية أن تكون صلاة الإنسان متناسبة، فإذا أطال القراءة أطال الركوع، وهكذا.
- استحباب قيام الليل، وهو أفضل الصلاة بعد الفريضة.
- استحباب إطالة القراءة في صلاة الليل.
288 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ اَلْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا اَلرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ اَلرَّبَّ، وَأَمَّا اَلسُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي اَلدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(أَلَا وَإِنِّي نُهِيت) أي: نهاني الله تعالى، ونهيه صلى الله عليه وسلم نهي لأمته، إذ ليس مختصاً به، بدليل قوله (فأما الركوع فعظموا فيه الرب
…
) إذ معناه لا تقرءوا القرآن فيه، بل عظموا الله بالتسبيح.
(فَقَمِنٌ) بفتح القاف وكسر الميم أي: حقيق وجدير أن يستجب دعاؤكم ..
•
ما حكم قراءة القرآن حال الركوع والسجود؟
منهي عنه.
أ-لحديث الباب.
ب- ولحديث علي قال (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً).
•
هل هذا النهي للكراهة أم للتحريم؟
اختلف العلماء في هذا على قولين:
القول الأول: أنه للكراهة.
وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: أنه للتحريم.
وهو قول بعض أهل الظاهر.
وهذا الظاهر.
•
ما الحكمة من النهي عن القراءة حال الركوع والسجود؟
قيل:: لأَنَّ أَفْضَل أَرْكَان الصَّلاة الْقِيَام وَأَفْضَل الأَذْكَار الْقُرْآن، فَجَعَلَ الأَفْضَل لِلأَفْضَلِ وَنَهَى عَنْ جَعْله فِي غَيْره لِئَلا يُوهِم اِسْتِوَائِهِ مَعَ بَقِيَّة الأَذْكَار. (عون المعبود).
ويؤيد هذا القول حديث جابر. قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت.
وقيل: لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهى صلى الله عليه وسلم عن القراءة فيهما، كأنه كرِهَ أن يُجمع بين كلام الله تعالى وبين كلام الخلق في موضع واحد، فيكونا على السواء. قاله الطيبي.
وقيل: لأن القرآن أشرف الكلام، إذ هو كلام الله، وحالة الركوع والسجود ذل وانخفاض من العبد، فمن الأدب أن لا يقرأ كلام الله في هاتين الحالتين. "مجموع الفتاوى" (5/ 338
قال الشيخ ابن عثيمين: لأن حال الركوع والسجود فيها نوع من التطامن والتواضع من الإنسان، فلا يليق أن يكون التالي له على هذه الحال.
•
ما الحكم لو دعا الإنسان في سجوده بآية من كتاب الله كقوله (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)؟
هذا جائز، لأنه لم يقصد قراءة القرآن، بل قصد الدعاء بالقرآن، بخلاف ما لو قال (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) فهذا يُنهَى عنه. (ابن عثيمين).
•
ما هو الذكر الواجب في الركوع؟
الذكر الواجب في الركوع هو تعظيم الرب، ويكون بالصيغة الواردة (سبحان ربي العظيم) كما في حديث حذيفة.
فقد روى مسلم في صحيحه عن حُذَيْفَةَ قَالَ (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّى بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ». فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيباً مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ «سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى». فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيباً مِنْ قِيَامِهِ).
•
ما حكم قول (سبحان ربي العظيم) في الركوع؟
اختلف العلماء في حكم هذا الذكر على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
قال النووي: وأوجبه أحمد وطائفة من أهل الحديث.
أ-لقوله (فَأَمَّا اَلرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ اَلرَّب
…
) وهذا أمر والأمر للوجوب.
ب-ولحديث حذيفة السابق (
…
ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ
…
) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ج- ولحديث عقبة بن عامر قال (لما نزلت [فسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى] قال: اجعلوها في سجودكم) رواه أبو داود.
القول الثاني: أن ذلك سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء كما قال النووي.
لحديث المسيء في صلاته، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلمه التسبيح، ولو كان واجباً لأمره به.
والقول الأول هو الصحيح، والله أعلم.
•
ما حكم الدعاء في السجود؟
مستحب وهو من مواطن الدعاء.
أ-لحديث الباب (وَأَمَّا اَلسُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي اَلدُّعَاءِ
…
).
ب-ولحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) رواه مسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين: وإنما كان أقرب لأن السجود أعلى أنواع الذل والخضوع، ولهذا لما ذللت لربك ونزّلت أعاليك تعظيماً له وذلاً رفعك الله وكنت أقرب ما يكون منه في حال السجود.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (وَأَمَّا اَلسُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي اَلدُّعَاءِ
…
) هل يشمل الدعاء في أمر دنيوي أم فقط أخروي؟
يشمل الدعاء بأمر دنيوي وأمر أخروي.
مثال أمر دنيوي: اللهم ارزقني بيتاً واسعاً.
وأما قول بعض العلماء: إنه لا يجوز الدعاء بشيء من أمور الدنيا فقول ضعيف.
289 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ [رَبَّنَا] وَبِحَمْدِكَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(سُبْحَانَكَ) تنزيهاً لله.
(اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي) أي: يا الله اغفر لي، والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) يَتَأَوَّلُ الْقُرْآن. متفق عليه.
وعنها - رضى الله عنها - قَالَتْ (مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا (سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي) متفق عليه.
وعنها (قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقُولُهَا قَالَ: جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. رواه مسلم.
ورواية مسلم (
…
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ
…
) دليل على أنه يستحب الإكثار من هذا الدعاء.
•
ما هو الذكر الواجب في السجود؟
الذكر الواجب هو: سبحان ربي الأعلى (وسبق دليل وجوبه).
•
اذكر بعض الأدعية المستحبة التي تقال في السجود؟
أ-ما جاء في حديث الباب (سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ] رَبَّنَا] وَبِحَمْدِكَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي).
ب-ما جاء في حديث عائشة. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) رواه مسلم
ج- ما جاء في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ) رواه مسلم.
د-ما جاء في حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ،
…
يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) رواه أبو داود.
هـ- ما جاء في حديث علي قال (
…
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين) رواه مسلم.
•
ما الذكر الواجب في الركوع؟
الذكر الواجب هو: سبحان ربي العظيم (وسبق دليل وجوبه).
•
اذكر بعض الأدعية المستحبة التي تقال في الركوع؟
الأذكار التي تقال في الركوع كالأذكار التي تقال في السجود وقد سبقت قبل قليل.
أ-سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ [رَبَّنَا] وَبِحَمْدِكَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي.
ب- سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
ج- ما جاء في حديث علي قال (
…
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبي) رواه مسلم.
د-ما جاء في حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ،
…
يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) رواه أبو داود.
•
كيف طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه المغفرة مع أن الله أنزل على نبيه (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)؟
قيل: إن هذا من باب تأكيد المغفرة.
وقيل: إن هذا الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم محض عبادة.
وقيل: إن هذا من تواضعه.
وقيل: أن هذا من باب كمال التذلل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
•
ما رأيك بمن يقول: إن هذا من باب تعليم الأمة؟
هذا جواب ضعيف، إذ كيف يشرع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في صلاته من أجل التعليم مع أنه يمكن أن يعلم الناس بالقول. (ابن عثيمين)
• ماذا نستفيد من قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لي)؟
نستفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع منه ما يحتاج إلى المغفرة، لكن هناك ذنوباً لا يمكن أن تقع من النبي صلى الله عليه وسلم وهي: كل ما ينافي كمال المروءة [كالزنا، واللواط، والسرقة وما أشبه ذلك] أو كمال الرسالة [كالكذب، والخيانة].
•
ما رأيك بمن يقول: إن الآيات أو الأحاديث التي فيها استغفار النبي صلى الله عليه وسلم المراد بها ذنوب أمته؟
هذا قول ضعيف.
قال الشيخ ابن عثيمين: إن هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- العناية بالعمل بالقرآن وتطبيقه.
- عبودية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.
- فضل تسبيح الله.
- استحباب طلب المغفرة.
قال تعالى عن نوح (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَي).
وقال تعالى عن الأبوين (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وقال تعالى عن موسى (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وذكر عن نبيه داود أنه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ).
وذكر تعالى عن نبيه سليمان أنه قال (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب).
290 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى اَلصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اَللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ اَلرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ اَلْحَمْدُ" ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اَلصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ اِثْنَتَيْنِ بَعْدَ اَلْجُلُوسِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(يُكَبِّرُ حِينَ يَقُوم) أي يقول: الله أكبر، حين قيامه للصلاة.
(سمع الله لمن حمده) أي: استجاب الله لمن حمده.
(وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ اِثْنَتَيْنِ بَعْدَ اَلْجُلُوس) أي: لقراءة التشهد الأول.
•
بماذا تبدأ الصلاة؟
تبدأ بتكبيرة الإحرام لقوله (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى اَلصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ).
وقد سبق أنها ركن من أركان الصلاة.
•
ما حكم القيام في الصلاة؟
ركن في الصلاة الفريضة للقادر.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً
…
) رواه البخاري.
•
على ماذا يدل حديث؟
يدل على مشروعية تكبيرات الانتقال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها وواظب عليها.
وقد اختلف العلماء في حكمها: على قولين:
القول الأول: أنها واجبة. (يعني من تعمد تركها فلا صلاة له، ومن نسيها جبر ذلك بسجود السهود).
وهذا مذهب أحمد وفقهاء الحديث.
والدليل على وجوبها:
أ-أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، ولم يحفظ عنه أنه ترك التكبير أبداً، مع قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ب-وقال صلى الله عليه وسلم (وإذا كبر فكبروا).
ج-وقال صلى الله عليه وسلم في الصلاة (إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فدل على أن الصلاة لا تخلو من التكبير كما لا تخلو من قراءة القرآن، وكذلك التسبيح.
د-ولأنها شعار الانتقال من ركن إلى ركن.
القول الثاني: أنها ليست بواجبة بل مستحبة.
وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية.
قال ابن المنذر: وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمر وابن مسعود وابن عمر وابن جابر وقيس بن عباد وشعيب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعوام أهل العلم.
واحتج أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته إلا بتكبيرة الإحرام.
قال النووي: وأما فعله صلى الله عليه وسلم فمحمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة.
والراجح الأول.
•
ماذا يستثنى من التكبيرات؟
يستثنى:
أ- تكبيرة الإحرام، فهي ركن إجماعاً.
ب- التكبيرات الزوائد في صلاة العيد والاستسقاء سنة.
ج- تكبيرات الجنازة، فهي أركان.
د- تكبيرات الركوع لمن دخل والإمام راكعاً، فإنها سنة.
•
ما الحكمة من التكبير في كل خفض ورفع؟
قيل: إن المكلف أمِر بالنية في أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمِر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية.
وقيل: الحكمة في شرعية تكرار التكبير، تنبيه المصلي على أن الله الذي قام بين يديه يناجيه أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، فلا ينبغي شغل القلب عن مناجاته بشيء من الأشياء.
•
متى تكون تكبيرات الانتقال؟
تكبيرات الانتقال تكون ما بين الركنين، لا يبدأ بها قبل ولا يؤخرها إلى ما بعد.
•
هل يشترط استيعاب ما بين الركنين؟
لا يشترط استيعاب ما بين الركنين، لأن ذلك مشقة، فالمشترط أن يكون هذا الذكر بين الركنين.
•
من الذي يجمع بين التسميع (سمع الله لمن حمده) والتحميد (ربنا ولك الحمد)؟
الإمام لحديث الباب وكذلك المنفرد.
•
اذكر الخلاف في المأموم هل يجمع بينهما أم لا؟
اختلف العلماء في المأموم هل يجمع بينهما أم يقتصر على: ربنا ولك الحمد على قولين:
القول الأول: أنه يجمع بينهما.
وهذا مذهب الشافعي.
أ-لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب (ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اَللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ اَلرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ اَلْحَمْد).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) فيقتضي هذا مع ما قبله أن كل مصل يجمع بينهما.
ب-ولأنه ذكْرٌ شُرع للإمام فيُشرع للمأمور كسائر الأذكار.
القول الثاني: أنه يقتصر على ربنا ولك الحمد.
وهذا مذهب أحمد.
لقوله صلى الله عليه وسلم (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).
وهذا القول هو الراجح.
•
ما الجواب عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
الجواب عنه: أنه يكون عام مخصوص منه المأموم.
•
هل يجب على الإمام أن يسمع من خلفه؟
نعم، يجب على الإمام أن يسمع من خلفه بالتكبير.
أ-لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ب-ولأنه لا يتم اقتداء المأمومين بالإمام إلا بسماع التكبير، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
•
ما الذكر الوارد بعد الرفع من الركوع، واذكر صيغه؟
الذكر الوارد بعد الرفع من الركوع: ربنا ولك الحمد.
وحكمه: هذا واجب.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).
وقد وردت على عدة صيغ:
- ربنا ولك الحمد. في الصحيحين كما هنا.
- ربنا لك الحمد. عند البخاري عن أبي هريرة، وعند مسلم عن أبي سعيد.
- اللهم ربنا ولك الحمد. عند البخاري.
- اللهم ربنا لك الحمد. في الصحيحين
•
ماذا نستفيد من قوله (ثُمَّ يَقُولُ: "سَمِعَ اَللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ اَلرُّكُوع)؟
نستفيد أن التسميع ذكر القيام من الركوع.
•
ماذا نستفيد من قوله ( .. ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ اَلْحَمْد)؟
نستفيد أن التحميد ذكر الاعتدال.
•
ماذا نستفيد من قوله (
…
وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ اِثْنَتَيْنِ بَعْدَ اَلْجُلُوسِ).
أنه يَشرَع في التكبير حين يَشرع في القيام من التشهد الأول، وهو مذهب العلماء كافة، إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك: أنه لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائماً، ودليل الجمهور ظاهر هذا الحديث. (قاله النووي).
291 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ اَلرُّكُوعِ قَالَ: " اَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ اَلْحَمْدُ مِلْءَ اَلسَّمَوَاتِ وَمِلْءَ اَلْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ اَلثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ اَلْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ - اَللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا اَلْجَدِّ مِنْكَ اَلْجَدُّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) هذا إشارة إلى أن حمد الله تعالى لا منتهى له ولا يحصيه عاد، ولا يجمعه كتاب.
(أَهْلَ اَلثَّنَاءِ) الثناء: هو المدح بالأوصاف الكاملة.
(والْمَجْدِ) المجد: هو العظمة.
(اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) أي: أردت إعطاءه.
•
ما معنى قوله (مِلْءَ اَلسَّمَوَاتِ وَمِلْءَ اَلْأَرْضِ)؟
قال الخطابي: هو تمثيل وتقريب، فالكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية، والمراد تكثير القول لو قدر ذلك أجساماً ملأ ذلك كله.
وقال النووي: قال العلماء: معناه: حمداً لو كان أجساماً لملأ السموات والأرض.
قال الشيخ ابن عثيمين: الصحيح أن المعنى: أن الله محمود على كل مخلوق يخلقه، وعلى كل فعل يفعله.
•
ما معنى قوله (وَلَا يَنْفَعُ ذَا اَلْجَدِّ مِنْكَ اَلْجَدُّ)؟
الجَد: الحظ والغنى والبخت. منك: من: أي عند.
والمعنى: أي لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه، ولا حظه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك.
•
ما الذكر الواجب الواجب الذي يقوله المصلي في حال اعتداله من الركوع؟
الذكر الواجب هو قول: ربنا ولك الحمد.
وقد سبق دليل وجوبه وهو قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).
•
اذكر بعض الأذكار المستحبة في هذا الركن؟
أولاً: (اَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ اَلْحَمْدُ مِلْءَ اَلسَّمَوَاتِ وَمِلْءَ اَلْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ اَلثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحق ما قال
…
) كما في حديث الباب.
ثانياً: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه).
لحديث رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ (كُنَّا يَوْماً نُصَلِّى وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ». قَالَ أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلاً).
•
ما رأيك بما يفعله بعض الناس من تقصير هذا الركن أكثر من غيره؟
تقصير هذا الركن أكثر من غيره خطأ، والمشروع إطالة هذا الركن، وأنه بقدر الركوع، بخلاف كثير من الناس.
قال ابن القيم: قال شيخنا: إن تقصير هذين الركنين مما تصرف فيه أمراء بني أمية في الصلاة، وأحدثوا فيه كما أحدثوا غير ذلك مما يخالف هديه صلى الله عليه وسلم، وربي في ذلك من ربي حتى ظن أنه من السنة.
فقد ثبت عند النسائي عن أنس قال: (إني لا آلو أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع من الركوع انتصب قائماً يقول القائل قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود مكث حتى يقول القائل قد نسي).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية تعظيم الله.
- فيه كمال التفويض إلى الله، والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وقهره وسلطانه وانفراده بالوحدانية وتدبير مخلوقاته. قاله النووي
- اعتراف الجميع أننا عبيد لله، كما قال تعالى:(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)
- أن الله إذا قضى قضاءً لا يرد.
- أنه ينبغي للمسلم أن يعلق قلبه بالله.
- أن أهل الحظ والمال والسلطان لا تنفعهم هذه من الله.
- أن الذي ينفع هو العمل الصالح.
- أن أمر الله لا يمنعه مانع، ولا يرده راد.
292 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى اَلْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ اَلْقَدَمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(أُمِرْتُ) هذا أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لأمته، وقد جاء في رواية (أمرنا).
(سَبْعَةِ أَعْظُمٍ) جمع عظم، وفي رواية للبخاري (أعضاء)، وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً، ثم فصلها ليكون أبلغ في حفظها وأشوق إلى تلقيها.
•
لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (عَلَى اَلْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ) ولم يقل: والأنف؟
قال ذلك إشارة إلى أنه ليس عضواً مستقلاً، بل تابع للجبهة وأنهما عضو واحد، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية، وقد ورد في حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم (الجبهة والأنف).
•
ما المراد باليدين في الحديث؟
المراد باليدين: أي الكفين، لثلاثة أمور:
الأول: أنه جاء في رواية عند مسلم (إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه، .. ).
والثاني: أن اليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف، والدليل قوله تعالى (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما
…
)
والثالث: أنه نهى عن افتراش الذراع حال السجود.
•
ما حكم السجود على هذه الأعضاء السبعة؟
الصحيح من أقوال أهل العلم أن السجود على هذه الأعضاء السبعة واجب، وأنه لا بد من السجود عليها جميعاً فلا يجزئ السجود على بعضها.
وهذا مذهب الحنابلة.
لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، والأمر يقتضي الوجوب، والأمة تبع له في هذا، ويؤيده رواية (أُمرْنا)
قال النووي: لَوْ أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحّ صَلاته.
وقال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) فإن رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل ولا يعتد به، وإذا بطل سجوده فإن صلاته تبطل. (لقاء الباب المفتوح).
وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز السجود على الجبهة دون الأنف.
وهذا مذهب الشافعي وجماعة.
أ-أن هذا هو السجود اللغوي (السجود في اللغة: هو وضع الجبهة على الأرض).
ب-وجاء في حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على أعلى الجبهة) وهو ضعيف.
ج- قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء السجود (سجد لك وجهي
…
) رواه مسلم.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجزئ السجود على الأنف فقط.
قال ابن المنذر رداً عليه: وهو قول يخالف الحديث الصحيح.
وعلى هذا، فمن رفع أحد أعضاء السجود عن الأرض جميع السجود، ولم يسجد عليه، لم تصح صلاته.
وأما من رفعه وقتاً يسيراً فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟
فأجاب: الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود - أي: ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء - فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس. (لقاء الباب المفتوح).
•
هل يجب أن يستوعب العضو للأرض أم يجزئ السجود على بعض العضو المأمور به؟
الكمال أن يستوعب في سجوده العضو كله، فيسجد عليه بكامله.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد اسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ. رواه البخاري.
ولما رواه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسيء صلاته (وإذا سجدت فمكن لسجودك) واستيعاب العضو في السجود من تمكين السجود.
ويجزئ السجود على بعض العضو المأمور السجود عليه على الصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة.
قال النووي: السجود علي الجبهة واجب بلا خلاف عندنا، والأولى أن يسجد عليها كلها، فإن اقتصر علي ما يقع عليه الاسم منها أجزأه مع أنه مكروه كراهة تنزيه، هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي في الأم وقطع به جمهور الأصحاب. (المجموع)
وقال المرداوي: يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ
السُّجُودُ بِبَعْضِ الْكَفِّ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، وَبَعْضِ الْجَبْهَةِ. (الإنصاف)
وعليه؛ فمن سجد على رجليه، فمسّ ببعض أطراف أصابعه الأرض فصلاته صحيحة، والسنة: أن يمكن لأعضاء السجود على قدر استطاعته.
•
ما الحكمة من السجود على هذه الأعضاء؟
الحكمة: لأجل أن يشمل السجود أعالي الجسد وأسافله، وأعضاء كسبه وسعيه، فيكمل ذل العبد وعبادته لله تعالى، لأن السجود عليها إذلال لله رب العالمين.
•
ما الحكم لو عجز عن السجود ببعض الأعضاء كإحدى يديه أو أنفه أو نحو ذلك؟
إذا عجز عن السجود عن بعض الأعضاء فإنه يسجد على بقيتها.
لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه.
•
ما الحكم لو سجد المصلي على حايل، هل يصح سجوده؟
السجود على حائل ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يسجد على حايل منفصل منه، فهذا جائز.
كأن يسجد على فرشة أو سجادة.
لحديث ميمونة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الخمرة).
الخمرة: هي السجادة، وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه أي تغطيه.
الثاني: أن يسجد على حائل متصل به، فهذا يكره إلا لحاجة.
كأن يسجد على شماغه أو ثوبه.
لحديث أنس قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) متفق عليه.
فقوله: (فإذا لم يستطع أحدنا) دليل على أنهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة.
•
هل يجب كشف شيء من هذه الأعضاء إذا كان مستوراً (كأن يكون مستوراً بشراب اليدين)؟
لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء لو كان مستوراً، بل يسجد على العضو ولو مع الساتر، كشراب اليدين والرجلين،
لأمرين:
الأول: أن مسمى السجود يحصل بوضع الأعضاء على الأرض دون كشفها.
الثاني: ما ذكره البخاري في صحيحه عن الحسن قال: (كان القوم يسجدون على العمامة - القلنسوة - ويداه في كمه) يعني: لا يباشر الأرض في كمه.
•
ما حكم السجود لمن عليه نظارة؟
قال الشيخ ابن عثيمين: إن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود.
293 -
وَعَنْ اِبْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
294 -
وَعَنْ اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(كَانَ إِذَا صَلَّى) أي: إذا سجد.
(فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ) أي: باعد بين يديه، أي: عضديه.
(حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ) أي: حتى يظهر.
(وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ) عن الأرض.
•
اذكر بعض صفات السجود الموافقة للسنة؟
الصفة الأولى: إبعاد العضدين عن الجنبين، والمبالغة في ذلك.
وقد جاء عن ميمونة قالت (لو أن بهمة شاءت أن تمر لمرت).
•
ما الحكمة من هذه الصفة؟
أ- لأجل أن تنال اليدان حظهما من الاعتماد والاعتدال في السجود.
ب- أن يبتعد الساجد عن مظاهر الكسل والفتور.
ج- أن السجود على هذه الهيئة دليل على النشاط والقوة.
الصفة الثانية: وضع الكفين على الأرض.
لحديث البراء، وهذه واجبة كما سبق.
في حديث ابن عباس: (أمرت
…
).
الصفة الثالثة: رفع الذراعين عن الأرض.
أ-لحديث البراء (وارفع مرفقيك).
ب-وفي حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).
لأن هذه الصفة صفة الكسلان، وتشبه بالحيوان.
•
ماذا يستثنى من مسألة إبعاد العضدين؟
يستثنى مسألتين:
الأولى: إذا طال السجود ولم يستطع الإنسان أن يستمر على المجافاة، فهنا يعتمد على ركبتيه.
روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال (شكى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: استعينوا بالركب).
تفرجوا: يعني باعدوا العضدين عن الجنبين.
قال ابن عجلان أحد رواة الحديث: (أنه يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود).
ولعموم (فاتقوا الله ما استطعتم).
الثانية: إذا كان في صلاة جماعة وخشي أن يؤذي غيره، فهنا لا يستحب فعلها، لما يحصل فيها من الإيذاء لمن بجانبه.
295 -
وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ) رَوَاهُ اَلْحَاكِمُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث أخرجه الحاكم مفرقاً في موضعين من المستدرك:
الأول: (كان صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج بين أصابعه).
وهذا الحديث حسن وله شواهد من حديث أبي حميْد وقد تقدم، ومن حديث أبي مسعود البدري عند النسائي وفيه ( .. ووضع يديه على ركبتيه، وفرّج بين أصابعه).
الثاني: (كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد ضم أصابعه) وفيه ضعف.
•
ما السنة في وضع اليدين حال الركوع؟
السنة - كما في حديث الباب - أن يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه.
وأمر بذلك المسيء في صلاته فقال له (إذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك، ثم فرج بين أصابعك، ثم امكث حتى يأخذ كل عضو مأخذه) رواه ابن خزيمة.
•
ما الحكمة من تفريج الأصابع حال الركوع؟
لأن ذلك أمكن للركوع، وأثبت لحصول تسوية ظهره برأسه.
•
ما السنة في وضع اليدين حال السجود؟
السنة في السجود ضم أصابع اليدين مع بسطها.
•
ما الحكمة من هذه الصفة في السجود؟
ليحصل بذلك تمام الاستقبال للقبلة، ولأن ذلك أعون على تحملها في أثناء السجود.
• ماذا تقصد بقولها (يصلي متربعاً)؟
296 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(متربعاً) التربع هو أن يجلس قابضاً ساقيه مخالفاً بين قدميه، جاعلاً ساقيه إحداهما فوق الأخرى، يكون القدم اليمنى في مقبض فخذه اليسرى، والقدم اليسرى في مقبض فخذه اليمنى.
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث مما اختلف فيه العلماء: فضعفه النسائي، وابن المنذر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والحافظ ابن حجر.
•
ما كيفية جلوس المصلي إذا صلى جالساً؟
اختلف العلماء في كيفية صلاة الجالس على أقوال:
القول الأول: التربع أفضل.
وهذا مروي عن ابن عمر، وأنس، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد.
واستدلوا بحديث الباب.
ولأن التربع أكثر راحة وخشوعاً.
القول الثاني: أن الافتراش أفضل.
وهذا مذهب الشافعي.
لأن عائشة وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ولم تذكر كيفية قعوده.
القول الثالث: أنه مخير.
وهذا مروي عن عروة، وابن المسيب، ورجحه ابن المنذر.
قالوا: أنه لم يثبت شيء في ذلك، فالإنسان إذاً مخير.
ولأن عائشة وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ولم تذكر كيفية قعوده.
قال الإمام ابن المنذر في الأوسط: ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع و إذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه، إن شاء صلى متربعاً، وإن شاء محتبياً، و إن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين.
وهذا القول الصحيح.
تريد بهذا الجلوس الذي هو مكان القيام وكذلك في حال الركوع على القول الصحيح.
أما الجلوس بين السجدتين على الجلسة المعروفة بالصلاة، وهي الافتراش.
297 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ اَلسَّجْدَتَيْنِ: اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي) رَوَاهُ اَلْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
===
(اغفر لي) أي استر ذنبي وتجاوز عني.
(وَارْحَمْنِي) فيه طلب رحمة الله التي يتم بها حصول المطلوب بعد أن سأل المغفرة التي يتم بها زوال المرهوب.
(وَاهْدِنِي) أي: دلني وألزمني.
(وَعَافِنِي) دعاء يراد به طلب العافية من أمراض القلوب والأجساد.
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث الباب أعله جمع من الحفاظ: كالدار قطني، والترمذي، وابن عدي، وابن حبان، لتفرد كامل أبو العلاء وقد قال الحافظ فيه: صدوق يخطئ.
لكن صح منه (رب اغفر لي).
•
ما الدعاء المشروع الذي يقال بين السجدتين
الدعاء: رب اغفر لي وارحمني
…
الخ.
•
ما حكم هذا الدعاء؟
اختلف العلماء في حكمه على قولين:
أولاً: أنه واجب.
وهذا مذهب الحنابلة.
وعندهم الواجب قولهم [رب اغفر لي] مرة واحدة.
القول الثاني: أنه مستحب.
عند جمهور العلماء.
والله أعلم.
فائدة: الذي ورد من الأدعية:
اغفر لي، ارحمني، اهدني، عافني، ارزقني.
ليس عند أبي داود (واجبرني وارزقني).
وليس عند ابن ماجه (اهدني وعافني).
ومعنى اجبرني: دعاء بالجبر حقيقته إصلاح العبد ودفع جميع المكاره عنه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن النبي صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى ربه.
- الجمع بين سؤال المغفرة والرحمة، فالمغفرة لفعل المعاصي، والرحمة لترك الطاعات.
- سؤال الهداية، ولذلك أمرنا الله أن ندعوه بالهداية في أعظم سورة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
- فضيلة الدعاء بهذه الجملة.
- مشروعية طلب الرزق من الله.
- فيه تربية الإنسان على التوكل على الله.
- مشروعية طلب العافية.
298 -
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه (أَنَّهُ رَأَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(وتر من صلاته) هي عند النهوض إلى القيام إلى الثانية، وعند النهوض من الثالثة إلى الرابعة، وتسمى هذه الجلسة جلسة الاستراحة.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: استحباب جلسة الاستراحة.
• جلسة الاستراحة: هي جلسة خفيفة يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى بعد الركعة الأولى قبل أن ينهض للثانية، وبعد الركعة الثالثة قبل أن ينهض للرابعة.
اذكر الخلاف في حكمها؟
القول الأول: أنها مستحبة.
وهذا مذهب الشافعي.
قال النووي: مذهبنا الصحيح المشهور أنها مستحبة، وبه قال مالك بن الحويرث، وأبو حميد، وأبو قتادة وجماعة من الصحابة، وأبو قلابة، وغيره من التابعين.
ورجحه الشيخ ابن باز، والألباني.
لحديث الباب، حيث أن مالك بن الحويرث وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكرها، وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
القول الثاني: أنها غير مشروعة.
وهذا مذهب الجمهور.
قال النووي: وقال كثيرون أو الأكثرون لا يستحب، بل إذا رفع رأسه من السجود نهض، حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وأبي الزناد ومالك والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق.
قال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا.
أ-لأنها لم تذكر في أكثر الأحاديث.
ب-أنه ليس لها ذكر خاص.
ج-أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها عندما كبر وحطمه الناس.
ويؤيد القول باستحبابها أمران:
أحدهما: أن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها تشريعاً ليُقتدي به.
والأمر الثاني: في ثبوت هذه الجلسة في حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، وفيه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة من الصحابة رضي الله عنهم فصدقوه في ذلك.
القول الثالث: سنة عند الحاجة وإلا فلا.
وهذا اختيار ابن قدامة، والشيخ السعدي رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين.
قال السعدي: أصح الأقوال الثلاثة في جلسة الاستراحة استحبابها للحاجة إليها، واستحباب تركها عند عدم الحاجة إليها.
قال في المغني: وبهذا القول تجتمع الأدلة.
•
ما الحكم إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فهل للمأموم أن يفعلها؟
اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو: هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟
القول الأول: أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر.
قال النووي: وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ، قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية): لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ.
القول الثاني: أنه لا يجلسها.
واختار هذا الشيخ ابن عثيمين.
وقال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع) مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟
الجواب: أن متابعة الإمام أفضل، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام، فقد قال النبي عليه السلام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً (فيترك ركن القيام وركن الركوع، فيجلس في موضع القيام، ويومئ في موضع الركوع، كل هذا من أجل متابعة الإمام.
فإن قال قائل: هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام.
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق، ولا يسابق، ولا يتأخر، وهذا هو حقيقة الائتمام. ا. هـ
فائدة: سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى"(1/ 135) عن رجل يصلي مأموماً ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟
فأجاب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة؟ فمن قال بالثاني استحبها، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموماً، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهي عنه عند من يقول باستحبابها. وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم. ا. هـ
•
اذكر المباحث المتعلقة بهذه الجلسة؟
أ-حكى بعض العلماء الإجماع على أنها ليست بواجبة.
ب-جاء ذكر جلسة الاستراحة في حديث المسيء في صلاته في بعض روايات البخاري، لكنها شاذة.
ج-هذه الجلسة ليس لها ذكر خاص وليس لها تكبير.
299 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ اَلرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ اَلْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
300 -
وَلِأَحْمَدَ وَاَلدَّارَقُطْنِيِّ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادَ:(فَأَمَّا فِي اَلصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ اَلدُّنْيَا).
301 -
وَعَنْهُ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ) صَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
302 -
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقِ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ! إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلَيَّ، أَفَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي اَلْفَجْرِ
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، إِلَّا أَبَا دَاوُدَ.
===
(على أحياء من العرب) ورد تعيين هذه القبائل في البخاري وغيره: رِعل، وذكوان، وعطية، وبنو لحيان.
(قنت) القنوت يطلق على عدة معان: طول القيام - دوام الطاعة - السكون - الدعاء، وهو أشهرها، وهو المراد هنا.
(يَا أَبَتِ) وهو طارق بن أشْيَم.
(أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ) أي: إن القنوت في الفجر بدعة، والمراد الدوام عليه من غير سبب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا الخلفاء الراشدون.
•
ما صحة حديث (فَأَمَّا فِي اَلصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ اَلدُّنْيَا)
هذا الحديث رواه أحمد، والدارقطني، وهو حديث ضعيف، لضعف أبو جعفر الرازي.
والربيع بن أنس صدوق له أوهام.
قال ابن حبان: الناس يتقون ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في حديثه عنه اضطراباً كبيراً.
•
على ماذا تدل هذه الأحاديث؟
هذه الأحاديث تدل على مشروعية الدعاء والقنوت في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يشرع دائماً وخاصة في الفجر.
هذا مذهب الشافعي.
لحديث (أما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا).
القول الثاني: لا يشرع إلا للنازلة.
وهذا مذهب أحمد وجماعة.
وأدلتهم أحاديث الباب، فهي واضحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لنازلة ثم تركه.
وهذا القول هو الصحيح.
•
اختلف العلماء القائلون بمشروعية القنوت في النوازل فيمن يشرع له القنوت عند النوازل، اذكر الخلاف والراجح؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن القنوت للنازلة إنما يشرع للإمام الأعظم دون غيره من آحاد الناس.
وهذا قول الحنفية والمشهور عند الحنابلة.
وهو المذهب.
أ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت لم يقنت أحد سواه من مساجد المدينة.
ب- والنبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه عند حدوث النازلة ولم يأمرهم بالقنوت في حال الانفراد.
القول الثاني: أن القنوت للنازلة مشروع لكل مصل.
وهذا مذهب الشافعية وهو اختيار ابن تيمية.
أ- لحديث مالك بن الحويرث في قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن القنوت قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة للنازلة، فيشرع لآحاد الناس اقتداء به في ذلك.
ب- أن ذلك إنما استحب لحادث يخاف ضرره، فلم يختص به الإمام، كما لم يختص بصلاة الاستسقاء والزلازل.
وهذا القول هو الراجح.
•
في أي الصلوات يكون القنوت؟
يقنت في جميع الصلوات، لأن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
القنوت في جميع الصلوات:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة) رواه أبو داود.
القنوت في الظهر والعشاء والفجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار) متفق عليه.
القنوت في صلاة المغرب والفجر:
عن البراء رضي الله عنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان القنوت في المغرب والفجر) رواه البخاري.
القنوت في الفجر:
عن أنس رضي الله عنه قال: (
…
فذكر حديث القراء الذين قتلوا، ثم قال: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهراً في صلاة الغداة) رواه البخاري
وعن ابن عمر (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر) رواه البخاري.
هذا وقد اضطربت أقوال العلماء في تعيين الصلاة التي يقنت فيها:
فمنهم من قال: إنه منسوخ.
ومنهم من قال: إلا في المغرب والفجر.
وذهب آخرون: إلى أنه منسوخ إلا الفجر فقط.
والصواب أنه مشروع في الصلوات كلها، وفي بعضها دون بعض.
•
متى يكون القنوت؟
يشرع في آخر ركعة من الصلاة بعد الركوع وقبله.
وأكثر الأحاديث وأقواها على أنه بعده.
أحاديث قنوته بعد الركوع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده).
وعن محمد بن سيرين قال: (سئل أنس: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم. فقيل: أقنت قبل الركوع أو بعد الركوع؟ قال: بعد الركوع بيسير) رواه البخاري.
قوله: (بعد الركوع بيسير):
قيل: أي قنت أياماً يسيره بعد الركوع، وهي شهر كما في الروايات.
وقيل: أي قنت بعد الركوع يسيراً، وقبل الركوع كثيراً.
أحاديث قنوته قبل الركوع:
عن أنس رضي الله عنه وقد سئل عن القنوت بعد الركوع أو عند فراغه من القراءة؟ قال: (بل عند الفراغ من القراءة). رواه البخاري
•
اذكر بعض الأحكام الخاصة بالقنوت؟
- يشرع القنوت مدة النازلة إن كانت ذات وقت.
- لا يستحب التطويل في دعاء قنوت النازلة.
- يجهر الإمام سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، ويؤمن المأموم، وترفع الأيدي فيه، ولا يمسح بها الوجه
فالجهر، فظاهر من الأدلة السابقة، إذ لو لم يكن يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء لما عرف بما ذا كان يدعو، ثم إن الغاية من الجهر إسماع المؤمنين وتأمينهم على دعائه صلى الله عليه وسلم ولا يتحصل ذلك إلا بالجهر.
لذلك قال الحافظ ابن حجر: وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة
…
أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أن يجهر به.
•
يسن أن يدعو بالنازلة بما يناسب الحال، ولا ينبغي أن يطيل.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر).
303 -
وَعَنْ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما; قَالَ (عَلَّمَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ اَلْوِتْرِ: " اَللَّهُمَّ اِهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَزِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ.
وَزَادَ اَلطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: - وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ -
زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِهِ: (وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى اَلنَّبِيِّ).
304 -
وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ فِي اَلْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ) وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.
===
(قنوت الوتر) أي: صلاة الوتر التي يصليها الإنسان لوحده.
(اللهم اهدني) أي: دلني على الحق ووفقني لسلوكه.
(فيمن هديت) هذا من باب التوسل بنعم الله على من هداه أن ينعم علي أنا أيضاً بالهداية.
(وعافني فيمن عافيت) أي: من الأمراض القلبية والجسدية.
(وتولني) أي: كن ولياً لنا، والمراد أريد الولاية الخاصة التي مقتضاها التأييد والنصر.
(وبارك لي) البركة هي الخير الكثير.
(فيما أعطيت) أي: من المال والولد والعلم وكل شيء
(وقني شر ما قضيت) الله يقضي بالخير والشر، ففي الشر اللهم قني شر الذي قضيته، والله يقضي بالشر لحكمة بالغة حميدة.
(إنك تقضي) أي: إن الله يقضي على كل أحد، لأن له الحكم التام الشامل.
(ولا يقضى عليك) فلا يقضي عليه أحد.
(إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) هذا كالتعليل لما سبق من قولنا} وتولنا فيمن توليت {فإذا تولى الله سبحانه الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز.
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث الباب حديث صحيح، لكن لفظة (قُنُوتِ اَلْوِتْرِ) شاذة لا تصح.
•
ما حكم دعاء القنوت في الوتر (المقصود الدعاء عقب الركوع أو قبله في صلاة الوتر).
اختلف العلماء في حكمه على أقوال:
القول الأول: أن القنوت في الوتر مسنون في جميع السنة.
وهذا قول الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة
أ- لحديث أبيّ بن كعب (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع) رواه النسائي.
ب- ولحديث علي (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، واعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) رواه أبو داود.
وجه الاستدلال: أن استعمال لفظ (كان) يدل على مداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ج- ولحديث الباب (عَلَّمَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ اَلْوِتْرِ).
وجه الدلالة: أن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن هذا الدعاء ليقوله في الوتر، دليل على استحبابه في جميع العام
د-قال ابن قدامة: لأنه وتر، فيشرع فيه القنوت.
القول الثاني: أنه لا يشرع مطلقاً.
وهذا المشهور عن المالكية، وهو رواية عن ابن عمر.
قالوا: لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر، وإذا لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام فهذا دليل على أنه لا يستحب مطلقاً.
القول الثالث: أنه يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان خاصة
القول الرابع: أنه سنة يفعل أحياناً ويترك أحياناً.
قال الشيخ الألباني: وإنما قلنا} أحياناً {لأن الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكروا القنوت فيه، فلو كان يفعله دائماً نقلوه جميعاً.
قال الشيخ العلوان عن قول من قال بالاستحباب مطلقاً طول السنة قال: وفي هذا نظر من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في هذا الباب قاله أحمد وغيره، واستحباب المواظبة على أمر لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر. وقد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر، ولاسيما أن هذه الأحاديث من رواية الملازمين له كعائشة رضي الله عنها. فلو كان يقنت كل السنة أو معظمها أو علم أحداً هذا لنقل ذلك إلينا.
الوجه الثاني: أن عمدة القائلين باستحباب القنوت في السنة كلها هو حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) رواه أحمد وأهل السنن من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به.
ورواه أحمد من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء بمثله. و إسناده جيد، إلاّ أن زيادة (قنوت الوتر) شاذة. فقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ (كان يعلمنا هذا الدعاء، اللهم اهدني فيمن هديت
…
) وهذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره ومَن قَبل تفرّد الثقة عن أقرانه الذين هم أوثق منه بدون قيود ولا ضوابط فقد غلط، ومن أدّعى قبول زيادة الثقة إذا لم تخالف روايته ما رواه الآخرون فقد أخطأ. فأئمة الحديث العالمون بعلله وغوامضه لا يقبلون الزيادة مطلقاً كقول الأصوليين وأكثر الفقهاء ولا يردونها بدون قيد ولا ضابط بل يحكمون على كل زيادة بما يقتضيه المقام وهذا الصواب في هذه المسألة، وبيان وجهه له مكان آخر، فالمقصود هنا ترجيح رواية شعبة على روايتي أبي إسحاق ويونس.
وبعد تحرير هذا وقفت على كلام لابن خزيمة رحمه الله يؤيد ما ذهبت إليه، قال:
(وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر. قال: وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه. اللهم إلاّ أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه. ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولست أعلمه ثابتاً.
وقد تقدم قول الإمام أحمد (لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء).
ولكن ثبت القنوت عن الصحابة رضي الله عنهم على خلاف بينهم، هل يقنت في السنة كلها أم لا، والحق فيه أنه مستحب في بعض الأحيان، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل، وما يفعله بعض الأئمة من المثابرة عليه فغلط مخالف للسنة. (قاله الشيخ العلوان)
فائدة:
1 -
اعلم أنه لم يصح في دعاء قنوت الوتر سوى حديث الباب.
2 -
لا بأس بالزيادة على الدعاء بالوارد.
3 -
الدعاء يكون قبل الركوع وبعده.
305 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ اَلْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ) أَخْرَجَهُ اَلثَّلَاثَةُ.
وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ:
306 -
(رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ.
فَإِنْ لِلْأَوَّلِ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ:
307 -
اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنه صَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَوْقُوفًا.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: فذكر الحديث.
وقد اختلف العلماء في هذا الحديث:
فصححه قوم: كالسيوطي، وعبد الحق الأشبيلي، وأحمد شاكر، والألباني.
وضعفه قوم: كالبخاري، والترمذي، والدار قطني، والبيهقي.
وسبب ضعفه: فقد قال أهل العلم أنه تفرد به الدراوردي، تفرد بهذا الحديث عن شيخه محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية.
وقد نص على التفرد جماعة من الحفاظ، منهم: الدار قطني، والبيهقي.
والدراوردي مختلف فيه بين أهل الحديث، لكن ما عليه الحفاظ أنه ثقة إذا حدث من كتبه، وأما إذا حدث من حفظه أو كتب لغيره فإنه يهم، وقد يغلط.
وعليه فإذا تفرد بحديث فإنه يكون ضعيفاً أو يتوقف فيه.
وأما شيخه محمد بن عبد الله (النفس الزكية) وثقه النسائي، وذكره بن حبان بالثقات.
لكن البخاري قال في التاريخ: لا يتابع عليه ولا أدري سمع من ابن الزناد أم لا.
وقال ابن عدي: لا يتابع عليه لم يسمع.
وقد ذكر ابن سعد أنه كان قليل الحديث وكان يلزم البادية.
فمن هذا شأنه يتوقف في حديثه فلا يقبل عند التفرد.
وهذا التفرد منكر لعدة أمور:
أولاً: أن هذا الإسناد - أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة- من أصح الأسانيد التي اعتنى بها أهل العلم، فكيف لا يروي هذا الحديث المهم في صفة الصلاة إلا محمد بن الحسن؟.
ثانيًا: محمد بن عبد الله بن الحسن قليل الحديث، والعلماء قد يقبلون تفرد المكثر، لأنه مكثر، أما أن يتفرد مقل فهذا مما يزيد في ضعفه.
ثالثاً: أن محمد بن عبد الله بن الحسن كان ممن يلزم البادية، يعني لم يكن معتنياً بكثرة السماع ومجالس أهل العلم، وإنما كان ينزوي للعبادة والخلوة بربه، أو لغرض آخر، فهذا أيضاً مما يزيد في ضعف الحديث.
• وقد تابع الدراوردي في الحديث عبد الله بن نافع عند أبي داود والترمذي، ولفظه:(يعمد أحدكم إلى صلاته فيبرك كما يبرك البعير).
لكن هذا المتابع ليس فيه ذكر تقديم اليدين قبل الركبتين، ومن شروط المتابع أنه يشمل على لفظ الحديث المتابع أو معناه.
والشاهد الذي ذكر الحافظ من حديث ابن عمر أخرجه ابن خزيمة والدار قطني والبيهقي (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه) وأخرجه البخاري تعليقاً موقوفاً.
وهذا الشاهد جاء من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيْد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
…
وهذا الحديث صححه الحاكم.
لكن هذا لا يصلح أن يكون شاهداً:
أولاً: لأنه جاء من طريق الدراوردي نفسه، وهذا لا ينطبق عليه تعريف الشاهد عند أهل الحديث.
ثانياً: أن رواية الدراوردي عن شيخه عبيد الله بن عمر ضعيفة، بل منكرة كما نص على هذا جمع من الحفاظ، كالنسائي، وابن رجب، وغيرهما.
ثالثاً: أن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضعفه بعض العلماء، ومنهم: البيهقي، فإنه قال: ولا أراه إلا وهماً.
وقال ابن القيم: وأما المرفوع منه فضعيف.
ولهذا البخاري لما علق هذا الحديث في صحيحه لم يذكر القدر المرفوع منه، وإنما اقتصر على الموقوف.
ثم إن هذا المروي عن ابن عمر، معارض بأنه روي عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه، أخرجه ابن أبي شيبة.
• وأما حديث وائل بن حجر: فأخرجه أبو داود والترمذي من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل ابن حجر قال (وإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه).
وهذا الحديث اختلف فيه العلماء:
فضعفه جماعة: كالبيهقي، والدارقطني، والمباركفوري، والألباني.
وصححه جماعة: كالنووي، وابن القيم، والخطابي.
وسبب ضعفه لوجود شريك بن عبد الله القاضي، فهو سييء الحفظ.
والأقرب أن هذا الحديث فيه ضعف، لكنه أقل من ضعف حديث أبي هريرة.
لكن ما جاء في حديث وائل هو الثابت عن الصحابة كعمر وابن مسعود.
فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عمر (أنه يخر في صلاته بعد الركوع على ركبتيه كما يخر البعير ويضع ركبتيه قبل يديه).
•
اذكر الخلاف بين العلماء: هل يبدأ المصلي عند الهوي للسجود بركبتيه أم يتقدم يديه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن السنة للمصلي أن يبدأ إذا سجد بركبتيه أولاً، ثم يديه.
وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم، فهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، والمشهور عند أحمد، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، واختاره ابن المنذر، والخطابي، وابن القيم، وابن باز، وابن عثيمين.
أ-لحديث وائل بن حجر (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) وهذا الحديث فيه ضعف كما سبق.
ب- (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بروك كبروك البعير)، قالوا: والإبل في بروكها تبدأ باليد، فينبغي أن يبدأ المصلي بالرجِل.
ج-ويشهد لهذا فعل بعض الصحابة وكبار التابعين، فهو المنقول عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، وأبي قلابة، والحسن، وابن سيرين.
القول الثاني: أن السنة البدء باليدين ثم الركبتين.
وهو المشهور عن مالك.
أ- لحديث أبي هريرة الذي ذكره المصنف وسبق ضعفه.
ب-وبشاهده حديث ابن عمر.
والراجح - والله أعلم - القول الأول لما يلي:
أولاً: أن الحديث وائل بن حجر له متابع وشواهد، وحديث أبي هريرة فيه ضعف.
ثانياً: أن حديث وائل يوافق حديث أبي هريرة الذي فيه نهي المصلي عن بروك كبروك الجمل.
ثالثاً: أن تقديم الركبتين أرفق بالمصلي.
رابعاً: أن هذا هو الموافق للمنقول عن الصحابة.
فائدة: قال ابن تيمية: أما الصلاة بكليهما فجائزة باتفاق العلماء، إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الأفضل.
•
جاءت الشريعة بالنهي عن التشبه بكل ناقص، اذكر مثال ذلك؟
فمما جاءت في النهي عن الشبه بهم: الكفار، والأعاجم، وأهل الجاهلية، والشيطان، والنساء، والأعراب، والحيوانات.
•
لم يأت تشبيه الإنسان بالحيوان في الشريعة الإسلامية إلا في مقام الذم، اذكر أدلة على ذلك؟
قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً).
وقال تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ).
وقال صلى الله عليه وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم في الرجل يتكلم والخطيب يخطب (كالحمار يحمل أسفارا).
وقال صلى الله عليه وسلم (اعتدلوا ولا يبسط أحدكم ذراعيه كانبساط الكلب) متفق عليه.
308 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ اَلْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اَلْيُسْرَى، وَالْيُمْنَى عَلَى اَلْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ اَلسَّبَّابَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: (وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِاَلَّتِي تَلِي اَلْإِبْهَامَ).
===
(لِلتَّشَهُّدِ) سمي بذلك لاشتماله على كلمتي الشهادة.
(وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ) صورته أن يقبض الخنصر والبنصر ثم يحلق بالإبهام مع الوسطى، فالتحليق: إشارة إلى الثلاثة، وقبض الخنصر والبنصر إشارة إلى الخمسين، وهذه طريقة حسابية معرفة عند العرب، فالثلاثة لها حلقة بين الإبهام والوسطى، والخمسين يقبض لها الخنصر والبنصر.
(السبابة) الإصبع التي تقع بين الوسطى والإبهام، سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند المخاصمة والسب.
(وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا) أي اليد اليمنى.
•
اذكر صفة وضع اليدين حال التشهد وكذلك صفة الأصابع؟
يضع اليد اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى.
وأما الأصابع: فأصابع اليد اليمنى لها صفتان:
الصفة الأولى: أن يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الوسطى مع الإبهام، ويشير بالسبابة.
وهذه الصفة الأكثر وروداً:
فقد دل عليها حديث الباب (وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ اَلسَّبَّابَةِ).
وحديث ابن الزبير وفيه (وأشار بإصبعهِ السبابة، ووضع إبهامَه على إصبعه الوسطى، ويُلقِم كفَّه اليسرى ركبتَه) رواه مسلم.
الصفة الثانية: أن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى، ويضم إليها الإبهام، وتبقى السبابة مرفوعة يشير بها ودليل هذه الصفة رواية (وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِاَلَّتِي تَلِي اَلْإِبْهَامَ).
•
اذكر صفة أصابع اليد اليسرى؟
أصابع اليد اليسرى تكون مبسوطة مضمومة غير مفرجة، وأطرافها إلى القبلة، ولها صفتان:
الصفة الأولى: أن تكون مبسوطة على الركبة اليسرى.
لحديث ابن عمر (
…
ويده اليسرى على ركبته باسِطَهَا عليها) رواه مسلم.
الصفة الثانية: أن يعطف أصابعها على الركبة.
لحديث ابن الزبير (
…
وأشار بإصبعه السبابة
…
ويلقم كفه اليسرى على ركبته) رواه مسلم.
(والإلقام: العطف، يعطف أصابع اليد اليسرى على ركبته).
•
ما الحكمة من وضع اليدين على الفخذين في التشهد؟
قال العلماء: الحكمة من وضع اليدين على الفخذين في التشهد أن يمنعهما من العبث.
•
قوله (وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ اَلسَّبَّابَةِ) ما الحكمة من ذلك؟
الحكمة: لأجل أن يجتمع للمصلي في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد.
•
لكن: هل يحرك إصبعه أم لا؟
اختلف العلماء: وقد ورد في ذلك حديثان.
ورد ما يثبت ذلك:
فقد ثبت التحريك في حديث وائل بن حجر عند أبي داود وأحمد والنسائي: (
…
ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها).
من طريق زائد بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: (أخبرني وائل
…
).
فانفرد زائدة بهذه اللفظة.
صححها بعضهم وضعفها بعضهم.
قال ابن خزيمة لما ساقه: إن الأخبار ليس فيها يحركها إلا في هذا الخبر، زائدة ذكره، فمن صححها البيهقي، لأنه تأولها، والتأويل فرع عن التصحيح.
وصححها الألباني وانتصر لها، لأن زائدة ثقة ثبت.
وسبب من ضعفها أنه خالف جمع: [السفيانان، وشعبة] فهي شاذة.
وأما زيادة: (لا يحركها) جاءت في حديث ابن الزبير: (
…
وكان يشير بإصبعه إذا دعا لا يحركها) رواه أبو داود.
صححها ابن الملقن والنووي، لكن ضعفها: ابن القيم وقال: في صحتها نظر.
لأن الإمام مسلم أخرج الحديث في صحيحه وليس فيه (لا يحركها).
وتفرد بها ابن جريج عن بقية الرواة، وقد حكم الألباني في شذوذها.
ولهذه الأحاديث اختلف العلماء:
القول الأول: يحركها، وهو قول بعض الشافعية والمالكية واختاره الألباني وابن باز.
القول الثاني: لا يحركها، وهو قول الحنفية والشافعية وبعض المالكية واختاره ابن حزم.
القول الثالث: كل ذلك جائز، واختاره القرطبي، والصنعاني.
قال القرطبي: اختلفوا في تحريك إصبع السبابة، فمنهم من رأى تحريكها، ومنهم من لم يره، وكل ذلك مروي في لآثار الصحاح المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميعه مباح، واختاره الصنعاني.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لكن دلت السنة على أنه يشير بها عند الدعاء فقط، لأن لفظ الحديث (يحركها يدعو بها) وقد ورد الحديث نفي التحريك وإثبات التحريك، والجمع بينهما سهل، فنفي التحريك يراد به التحريك الدائم، وإثبات التحريك يراد به التحريك عند الدعاء.
•
متى يشير المصلي؟
قيل: عند لفظ الجلالة.
وقيل: عند قول لا إله إلا الله.
وقيل: عند الدعاء، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
فائدة: يكره الإشارة بمسبحته اليسرى، حتى لو كان أقطع اليمنى، لم يشر بمسبحته اليسرى لأن سنتها البسط دائماً.
•
قوله: (إذا قعد للتشهد قبض الخنصر والبنصر
…
) هذه الصفة خاصة بجلوس التشهد الأول والثاني، فهل يفعل ذلك في الجلوس بين السجدتين؟
اختلف العلماء هل يفعل ذلك بين السجدتين؟
القول الأول: يفعل ذلك.
وهو ظاهر كلام ابن القيم، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
واستدلوا برواية في وائل بن حجر: (ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى وحلق
…
ثم سجد) عند عبد الرزاق وأحمد، من طريق سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر.
القول الثاني: لا يفعل.
وهذا ما عليه الأكثر.
وهذا هو المعروف عند العلماء أنه إذا أطلق الجلوس فالمراد به التشهد.
نقل ابن حجر عن ابن رشيْد قوله: إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد.
وحكم على هذه الرواية التي فيها الإشارة بين السجدتين بالشذوذ، فقد تفرد بها عبد الرزاق.
فقد رواه عن عاصم جمع صرحوا بأنه في التشهد، منهم: ابن عيينة، وشعبة، وأبي الأحوص، وخالد، وزهير بن معاوية وغيرهم.
هؤلاء خالفوا عبد الرزاق في روايته عن الثوري، فعبد الرزاق انفرد: (
…
ثم أشار بسبابته ثم سجد).
وأيضاً خالف عبد الرزاق: عبد الله بن الوليد عند أحمد، ومحمد بن يوسف الفريابي (وكان ملازماً للثوري) ولم يذكر السجدة بعد الإشارة.
309 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (اِلْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: اَلتَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ وَرَحْمَةَ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، اَلسَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اَللَّهِ اَلصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ اَلدُّعَاءِ أَعْجَبُهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: (كُنَّا نَقُولُ قَبْلِ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا اَلتَّشَهُّدُ).
وَلِأَحْمَدَ: (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ اَلتَّشَهُّد، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ اَلنَّاسَ).
310 -
وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ يُعَلِّمُنَا اَلتَّشَهُّدَ: " اَلتَّحِيَّاتُ اَلْمُبَارَكَاتُ اَلصَّلَوَاتُ لِلَّهِ
…
) إِلَى آخِرِهِ.
===
(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ) أي: قعد للتشهد كما تبينه الروايات الأخرى.
(التحيات لله) جمع تحية. قال الحافظ: معناه السلام، وقيل: التحية، وقيل: العظمة، وقال الخطابي والبغوي: المراد بالتحيات أنواع التعظيمات.
(والطيبات) كل ما طاب من قول أو فعل فهو لله، وأما بالنسبة للعباد فإنه لا يقبل إلا الطيب كما في الحديث:(إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
(السلام عليك أيها النبي) الدعاء للنبي بالسلامة من كل آفة ومكروه، وهذا شامل من مخاوف الدنيا والآخرة.
(ورحمة الله) دعاء له بالرحمة، وهو يتضمن الدعاء بحصول كل أمر مرغوب فيه.
(وبركاته) جمع بركة، والبركة الخير الكثير المستمر، وبركات الله على نبيه تشمل حال حياته وحال مماته.
(السلام علينا) أي علينا معشر المصلين، وقيل: المصلون ومعهم الملائكة، وقيل: المراد جميع الأمة المحمدية وهذا أقرب.
(عباد الله الصالحين) هذا تعميم. قال ابن حجر: الأشهر في تعريف الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده.
(أعجبه إليه) أي: ليتخير من الدعاء ما يحب.
(عبده) رد على من رفع النبي صلى الله عليه وسلم فوق قدره.
(ورسوله) رد على من كذب بالرسول.
•
ماذا يسمى هذا التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود؟ وأين يكون موضعه؟
يسمى التشهد الأول، وموضعه يكون بعد الركعتين.
لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا جلس أحدكم في الصلاة).
وللنسائي (كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، وإن محمداً علم مفاتح الخير وخواتيمه، فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين
فقولوا
…
).
وفي رواية (فقولوا في كل جلسة).
ولابن خزيمة عن عبد الله (علمني رسول الله التشهد في وسط الصلاة).
•
اذكر بعض صيغ التشهد؟
للتشهد عدة صيغ:
الصيغة الأولى: ما جاء في حديث الباب (حديث ابن مسعود).
وقد اختار هذا التشهد أحمد، وأبي حنيفة، والثوري.
قال الترمذي: عليه العمل عند أكثر أهل العلم والصحابة والتابعين.
قال البزار: إنه متفق عليه.
الصفة الثانية: تشهد ابن عباس، كما عند مسلم قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: التحيات، المباركات الصلوات الطيبات لله
…
).
الصفة الثالثة: تشهد عمر، ولفظه: (التحيات لله
…
).
•
ما أفضل هذه التشهدات؟
القول الأول: تشهد ابن عباس.
وهذا مذهب الشافعي، وبعض أصحاب مالك.
لزيادة لفظ (المباركات) فيه.
القول الثاني: تشهد ابن مسعود.
وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور الفقهاء وأهل الحديث.
قال البزار: هو أصح حديث في التشهد، وقد روي من نيف وعشرين طريقاً.
وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود.
وهو متفق عليه دون غيره.
وأن رواته لم يختلفوا في حرف فيه، بل نقلوه مرفوعاً على صفة واحدة.
القول الثالث: تشهد عمر.
وهو قول مالك.
لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد.
• قال النووي: واتفق العلماء على جوازها كلها، يعني التشهدات الثابتة من وجه صحيح.
•
ما حكم التشهد في الصلاة؟
التشهد الأول واجب، والتشهد الثاني ركن، وهذا مذهب الحنابلة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ
…
).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد
…
).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ابن مسعود التشهد وأمره أن يعلمه الناس.
لكن استثني من ذلك التشهد الأول فليس بركن.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تركه جبره بسجود السهو، ومعلوم أن الركن لا بد أن يأتي به ولا يكفي أن يجبر بسجود سهو، فلذلك كان التشهد الأول واجباً.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن التشهد الأول سنة، وهذا مذهب مالك والشافعي.
قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم يرجع إليه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته.
والصحيح مذهب الحنابلة.
•
هل يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟
اختلف العلماء في هذه المسألة [وستأتي إن شاء الله].
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب تعظيم الله.
- فضل أن يوصف الإنسان بالعبودية، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أعلى المواقع:
عند الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً).
وعند التحدي: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
…
).
وعند الدعوة: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ).
- الرد على من كذب رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
- الرد على من رفع النبي صلى الله عليه وسلم فوق قدره.
- حسن تعلم النبي صلى الله عليه وسلم.
- وجوب تعلم العلم ونشره.
- أن الله لا يقبل من الأعمال إلا أطيبها.
كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تصدق أحدكم بعدل تمرة من كسب طيب، فإن الله يربيها له كما يربي أحدكم فلوه
…
).
- يجب إخلاص العبادة لله.
311 -
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: (سَمِعَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رجْلاً يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، لَمْ يَحْمَدِ اَللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَجِلَ هَذَا " ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ. رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.
===
(عَجِلَ هَذَا) يعني في الدعاء، لأنه لم يبدأ بتحميد الله.
(بِتَحْمِيدِ. رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) تحميد الله المراد اللفظ، وتفسر الثناء بما هو أعم [من باب عطف العام على الخاص].
•
متى كان دعاء هذا الرجل؟
ظاهر صنيع الحافظ ابن حجر في وضعه هذا الحديث في هذا الموضع، أن هذا الدعاء الذي سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل كان في جلوسه التشهد.
قال ابن القيم: لأنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله ثم الصلاة على رسوله، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة، فإن ذلك لا يشرع في القيام ولا في الركوع ولا السجود اتفاقاً، فعلم أنه إنما أراد به آخر الصلاة حال الجلوس في التشهد.
•
اذكر بعض آداب الدعاء المذكورة في الحديث؟
تقديم الحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (عَجِل هذا)؟
العجلة معناها السرعة التي لا تحمد، لأن السرعة إن كانت محمودة فهي مأمور بها، وإن كانت غير محمودة فإنها تسمى عجلة. (ابن عثيمين)
قال بعض العلماء: العجلة: المبادرة إلى الشيء قبل أوانه، والمسارعة: المبادرة إلى الشيء في أوانه.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ الله)؟
المراد بقوله (إذا صلى
…
) أي: إذا دعا لأمرين:
الأول: قرينة قوله (فليبدأ بتحميد الله).
والثاني: أن الصلاة الشرعية لا تبدأ بالحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية تعليم الجاهل.
- الفرق بين الحمد والثناء.
- أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف هذا الرجل.
- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التعليم ونشر السنة.
312 -
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ اَلْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَمَرَنَا اَللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: "قُولُوا: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسَّلَامُ كَمَا عَلَّمْتُكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَزَادَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ، إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا).
===
(أَمَرَنَا اَللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ) يعني في قوله تعالى (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
(فَسَكَتَ) وفي لفظ مسلم (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله) وفي رواية الطبراني (فسكت حتى جاء الوحي).
(اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) أي: أثن عليه بالذكر الجميل في الملأ الأعلى.
(آل محمد) هم أتباعه الذين على دينه، وهذا قول الثوري، ورواه البيهقي عن جابر بن عبد الله الصحابي. قال النووي في شرح مسلم: وهو أظهرها، وقيل: أهل بيته، وقيل: أزواجه وعشيرته ممن آمن.
(وبارك على محمد) دعاء لمحمد بإنزال البركة على الرسول وعلى آله.
(العالمين) جمع عالم، وهو كل من سوى الله، سموا بذلك لأنهم علم على خالقهم.
(حميد) قال الخطابي: " الحميد هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله.
(مجيد) المجد كمال العظمة والسلطان.
•
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها واجبة.
وهذا مذهب الشافعي وإسحاق.
قال الشوكاني: إلى ذلك ذهب عمر وابنه وابن مسعود وجابر بن زيد والشعبي.
واختاره ابن العربي والألباني والصنعاني.
أدلتهم:
أ-قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
وجه الدلالة: أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمره المطلق يقيد الوجوب.
ب-حديث الباب: (قولوا: اللهم صلّ على محمد
…
) وهذا أمر، والأمر للوجوب.
ج-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا: اللهم صلّ على محمد
…
).
د-ولحديث فضالة بن عبيد (حديث الباب).
وقال الشوكاني: إن في حديث فضالة حجة لمن لا يرى الصلاة عليه فرضاً حيث لم يأمر تاركها بالإعادة
وقد رد الشوكاني على كل أدلة من يقول بالوجوب، فقال رحمه الله: لا يتم الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد لهذه النصوص، لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهو يقتضي الوجوب في الجملة بإيقاع فروضها خارج الصلاة.
القول الثاني: أنها سنة وليست بواجبة.
قال الشوكاني: وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب.
ورجحه الشوكاني وابن المنذر.
لعدم الدليل الذي يدل على الوجوب.
ولحديث فضالة بن عبيد السابق، حيث لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة.
ولحديث ابن المتقدم في بيان التشهد، حيث علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه، ولو كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد واجبة لعلمهم إياها، ولم يتركهم حتى يسألوا عنها.
ولحديث المسيء في صلاته حيث لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها.
القول الثالث: أنها ركن.
وهذا مذهب الحنابلة
والراجح الأول والله أعلم.
•
فإن قال قائل: ليس في حديث الباب (قولوا: اللهم صل على محمد
…
) دليل على الوجوب، لأن هذا أمر بمطلق الصلاة عليه، وهو يقتضي الوجوب في الجملة، فيحصل الامتثال ولو خارج الصلاة؟
الجواب: بأن رواية ابن خزيمة المذكورة تعيّن فيها محل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
•
فإن قال قائل: إن رواية ابن خزيمة ليس فيها ما يفيد إيقاعها بعد التشهد؟
أجاب عن ذلك البيهقي فقال: قوله في الحديث: قد علمنا كيف نسلم عليك، إشارة إلى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، فقوله (كيف نصلي عليك، أيضاً يكون المراد به في القعود للتشهد.
وكذا قال ابن القيم.
•
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول.
وهذا مذهب الشافعي، واختاره الشيخ ابن باز رحمه الله.
أ-لعموم أحاديث الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ب-ولأنه قعود شرع به التشهد تشرع به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: لا تشرع.
وهذا مذهب أبي حنيفة، وحكي عن عطاء والشعبي والنخعي والثوري ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
لحديث ابن مسعود المتقدم في التشهد الأول، وليس فيه ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيدوا هذا بأمرين:
الأول: رواية جاءت في المسند: (
…
ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم). رواه أحمد وسنده صحيح
الثاني: أن التشهد الأول مبني على التخفيف، والثاني مبني على التطويل.
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التشهد يقوم دليل على أنه لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه كان لا يدعو. ويؤيد هذا:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف التشهد الأول حتى كأنه على الرضف، وهي الحجارة المحماة.
وهذا الحديث وإن كان فيه من ضعف، لكن جاء عن أبي بكر أنه كان يجلس كأنه على الرضف. رواه أحمد
والظاهر أنها مشروعة في التشهد الأول، لكن آكديتها في الثاني أكثر.
فائدة: المأموم إذا فرغ من التشهد الأول ولم يقم إمامه، فإنه ينبغي له أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يسكت كما يفعل بعض العامة، لأن الصلاة لا سكوت فيها.
•
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً؟
قيل: يجب عند ذكره.
واختاره الطحاوي.
لقوله صلى الله عليه وسلم (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ علي).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (رغم أنف ذكرتُ عنده فلم يصل علي).
وقيل: يجب في العمر مرة.
وهذا مذهب الجمهور.
لقوله صلى الله عليه وسلم (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ علي).
ولأن الامتثال يحصل بذلك.
وقيل: سنة.
•
هل تشرع التسمية في بداية التشهد؟
لا تشرع، لأنها لم تثبت.
•
هل يشرع زيادة سيدنا في التشهد؟
لا يشرع، لأنه لم يرد.
•
هل يشرع الدعاء بعد التشهد؟
نعم، لقوله (ويدع بما أحب).
•
هل يجوز الدعاء بغير ما ورد من أمور الدنيا، مثل:(اللهم ارزقنا بيتاً واسعاً)؟
قيل: لا يجوز.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لأنه كلام آدميين.
وقيل: يجوز الدعاء بحوائج الدنيا.
وقيل: يجوز الدعاء بحوائج الدنيا وملاذها.
واختاره الشيخ السعدي، وبه قال مالك والثوري وإسحاق.
لقوله (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه).
ولمسلم (ثم ليتخير بعدُ من المسألة ما شاء أو ما أحب).
•
ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
القول الأول: صلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
كما قال أبو العالية ونصره ابن القيم واختاره الحافظ ابن حجر.
قال الحافظ: أولى الأقوال ما يقدم عن أبي العالية، أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه.
القول الثاني: صلاة الله رحمته.
وهو قول الضحاك.
قال الحافظ بعد أن نقل قول الضحاك: وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ).
القول الثالث: أن صلاة الله مغفرته.
•
اذكر بعض المواطن التي يصلى بها على النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
بعد الأذان -عند دخول المسجد- في التشهد الآخر -عند الدعاء- عند ذكره صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة-في كل مجلس-يوم الجمعة.
313 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ اَلْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ اَلْمَسِيحِ اَلدَّجَّالِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ اَلتَّشَهُّدِ اَلْأَخِيرِ).
===
(إذا تشهد) أي قرأ التشهد.
(أعوذ) يطلب العوذ من أربع، وأصل العوذ التحصن والالتجاء.
(جهنم) اسم من أسماء النار، وسميت بذلك لبعد قعرها، وقيل: لغلظ أمرها.
(والقبر) مدفن الميت، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم ما بين الموت وقيام الساعة.
(المسيح الدجال) سمي المسيح: قيل: لأنه يمسح الأرض بسرعة، لأنه إذا خرج فإنه كالسحاب إذا استدبرته الريح. وقيل: لأنه ممسوح العين اليمنى، كما ثبت في الصحيحين.
الدجال: الكذاب.
•
ما حكم قول هذا الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام؟
اختلف العلماء في حكمه على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب الظاهرية.
لقوله صلى الله عليه وسلم (فليستعذ
…
) وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
القول الثاني: سنة غير واجب.
وهذا مذهب الجماهير.
لحديث أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (ما تقول في صلاتك؟ قال: أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن) رواه أبو داود.
(الدندنة: صوت لا يفهم معناه).
قال النووي رحمه الله: وإن طاوساً رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة، هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء، والتعوذ، والحث الشديد عليه، وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته، وجمهور العلماء على أنه مستحب، ليس بواجب. (شرح النووي)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل قد ذهب طائفة من السلف، والخلف، إلى أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله:(إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم، وغيره، وكان طاووس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة، وهو قول بعض أصحاب أحمد. (مجموع الفتاوى)
والأرجح هو قول الجمهور، ويُحمل فعل طاوس رحمه الله إن صح عنه - على توكيد هذا الاستحباب؛ حيث إن أمره بالإعادة كان لابنه في سياق تعليمه، لا لعامة المصلين، وهو احتمال ذكره أبو العباس القرطبي، وارتضاه جمع من الأئمة، حيث قال: ويحتمل: أن يكون ذلك إنما أمره بالإعادة تغليظًا عليه؛ لئلا يتهاون بتلك الدعوات، فيتركها، فيُحْرَم فائدتها، وثوابها. (المفهم).
•
متى يقال هذا الدعاء، هل في التشهد الأول أم الأخير؟
يقال في التشهد الأخير لرواية مسلم (
…
إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ اَلتَّشَهُّدِ اَلْأَخِيرِ
…
).
•
هل تشرع الاستعاذة من جهنم؟
نعم، وهي من صفات عباد الرحمن.
قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً).
وقال صلى الله عليه وسلم (اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (من استعاذ بالله من النار ثلاثاً، قالت النار: اللهم أعذه من النار) رواه الترمذي.
•
ماذا تشمل الاستعاذة من جهنم؟
الاستعاذة من جهنم تشمل أمرين: العذاب نفسه، والأسباب الموصلة إليها.
•
اذكر أدلة ثبوت عذاب القبر؟
عذاب القبر ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً).
وقال صلى الله عليه وسلم (استعيذوا بالله من عذاب القبر).
وقال صلى الله عليه وسلم (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدله الله به مقعداً من الجنة، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه من الثقلين). متفق عليه
وعن عائشة أنها سألت رسول صلى الله عليه وسلم عن القبر؟ قال: (نعم، عذاب القبر حق). متفق عليه
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول). متفق عليه
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: (اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ونعوذ بك من عذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات). متفق عليه
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر .. ) رواه مسلم.
وأجمع المسلمون على ثبوته.
•
هل تشرع التعوذ من الفتن؟
نعم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن).
•
ما المراد بقتنة المحيا والممات؟
(المحيا والممات) المحيا ما يحصل في حياة الإنسان من شهوات وشبهات.
(الممات) قيل: ما يكون عند الاحتضار. وقيل: ما يحصل بعد الموت من سؤال العبد في قبره.
•
اذكر أسباب النجاة من فتنة المسيح الدجال؟
أولاً: الاستعاذة.
كما في حديث الباب.
ثانياً: قراءة فواتح سورة الكهف.
لقوله صلى الله عليه وسلم (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم الدجال).
وقال صلى الله عليه وسلم ( .. فواتح سورة الكهف) رواه مسلم.
ثالثاً: الهروب منه.
قال صلى الله عليه وسلم (من سمع بالدجال فلينأ عنه).
رابعاً: سكنى مكة والمدينة.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الدجال لا يدخل مكة والمدينة).
•
اذكر ما يدل على شدة فتنة المسيح الدجال؟
قال صلى الله عليه وسلم (ما بعث الله نبياً إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور). متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال). رواه ابن ماجه
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- التحذير من فتن الشهوات والشبهات.
- وجوب الالتجاء إلى الله في النجاة من الفتن.
- خطورة فتنة المسيح الدجال.
- مشروعية الاستعاذة من هذه الفتنة.
- قدوم الفتن وتنوعها.
314 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ اَلصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ قُلْ: (اَللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(عَلِّمْنِي) أي أرشدني.
(ظَلَمْتُ نَفْسِي) قال ابن حجر: أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ.
(كَثِيرًا) وفي رواية: كبيراً. رواية كثيراً، يعني بالعدد، ورواية كبيراً، أي بالغلظة.
(مِنْ عِنْدِكَ) قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين: أحدهما: الإشارة إلى التوحيد المذكور، كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت، فافعله لي أنت. والثاني: - وهو أحسن - أنه إشارة إلى طلب المغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره، وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي، فقال: المعنى هب لي المغفرة تفضلاً، وإن لم أكن أهلاً بعملي.
•
على ماذا يدل هذا الحديث؟
الحديث يدل على أنه يستحب قول الدعاء في الصلاة.
•
أين موضع هذا الدعاء في الصلاة؟
اختلف العلماء في موضع هذا الدعاء، متى يقال في الصلاة، لأن أبا بكر قال (علمني دعاء أدعو به في صلاتي) لم يحدد المكان.
فقيل: عقب التشهد وقبل السلام.
وهذا ظاهر صنيع الحافظ ابن حجر هنا، حيث جعله في هذا المكان.
وإلى ذلك جنح البخاري في صحيحه فقال: باب الدعاء قبل السلام، ثم ذكر حديث أبي بكر هذا.
وقيل: يقال في السجود، لقوله صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).
والصحيح أنه يقال إما في السجود أو بعد التشهد.
•
هل هناك موضع آخر يستحب قول هذا الدعاء فيه؟
نعم، في البيت، فقد جاء في رواية لمسلم (في صلاتي وبيتي).
•
لماذا هذا الدعاء شأنه عظيم؟
لأنه حيث جمع أنواعاً من التضرع:
أولاً: الاعتراف بالذنب العظيم.
ثانياً: معرفة أنه لا يغفر الذنوب إلا الله.
ثالثاً: توسل إلى الله بأسمائه الحسنى.
•
اذكر بعض الأدعية الأخرى التي تقال قبل السلام؟
عن علي. قال (
…
وكان آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْت) رواه مسلم.
وعن عائشة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ». قَالَتْ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَف) متفق عليه.
وعن أبي هريرة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف تقول في صلاتك؟ قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنَتَك ولا دندنةَ معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولَها ندندن) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم (اللهم حاسبني حساباً يسيراً). رواه أحمد
عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (يا معاذ، إني أحبك في الله، فلا تدعن دبر كل صلاة مكتوبة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). رواه أبو داود
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- قوله: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) فيه إقرار بالوحدانية، واستجلاب للمغفرة.
- استحباب طلب التعليم من العالم.
- حرص الصديق رضي الله عنه.
- هذا الدعاء من أجمع الأدعية، لأنه من الاعتراف بالذنب، وإظهار الافتقار إلى الله، والثناء على الله.
- إثبات اسمين من أسماء الله: الغفور، والرحيم.
315 -
وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ (صَلَّيْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: اَلسَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَنْ شِمَالِهِ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث تفرد بإخراجه أبو داود عن بقية أصحاب الكتب الستة، وهو حديث صحيح صححه النووي وابن عبد الهادي.
وهذا الحديث فيه زيادة (وبركاته) في التسليمة الأولى. وقد اختلف فيها العلماء.
من العلماء من أثبتها، ومن العلماء من لم يثبتها.
ممن لم يثبتها: عبد الحق الإشبيلي في كتابه [الأحكام الوسطى] وابن عبد البر في [جامع الأصول].
والزيلعي ساق الحديث وليس فيه هذه اللفظة.
وأثبتها الحافظ كما هنا في البلوغ، وفي نسخة محمد حامد القفي، وابن عبد الهادي في المحرر.
والله أعلم.
•
اذكر صيغ التسليم الواردة؟
الصيغة الأولى: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده) رواه أحمد والترمذي.
وهذا أكثر ما نقل.
وقال ابن القيم: هذا كان فعله وقد رواه عنه خمسة عشر صحابياً.
الصيغة الثانية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله. زيادة (وبركاته) في الأولى.
وقد اختلف العلماء فيها:
فقيل: الأفضل عدم زيادتها.
وهذا مذهب الحنابلة.
لأن أكثر الرواة لم يذكروها.
وقيل: لا بأس بزيادتها أحياناً.
لحديث الباب.
والله أعلم؛؛؛
الصيغة الثالثة: السلام عليكم، والسلام عليكم.
وقد جاء في مسلم عن جابر بن سمرة قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا: السلام عليكم، السلام عليكم
…
).
الصيغة الثالثة: الاقتصار على تسليمة واحدة.
هذا جاء في أحاديث عن عائشة، وسهل بن سعد، لكن ضعفها جمع من المحققين: ابن القيم، وابن عبد البر، وغيرهم.
لكن ثبتت من فعل بعض الصحابة.
والأحوط ألا يفعل ذلك.
•
ما حكم التسليم في الصلاة؟
القول الأول: أن التسليم غير واجب.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث المسيء في صلاته، حيث لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
ولحديث ابن مسعود: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلمه التشهد في الصلاة، ثم قال: إذا قلت هذا، وفعلت هذا، فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فقعد). رواه أبو أحمد وداود
لكن قوله (إذا فعلت هذا فقد قضيت
…
) الصواب أنه موقوف على ابن مسعود.
حديث: (
…
من أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته) حديث باطل كما قال ابن القيم في زاد المعاد.
القول الثاني: الأولى واجبة دون الثانية.
وهذا مذهب الأكثر.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة صحيحة.
أ-لحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة) رواه أبو داود.
ب-وكذلك حديث أنس في الاقتصار على تسليمة واحدة، وغيرهما.
ج-ولقوله صلى الله عليه وسلم (تحليلها التسليم).
د-وحديث عائشة (كان صلى الله عليه وسلم يختم بالتسليم) فقالوا: هذا مطلق، ويحصل بالتسليمة الأولى.
هـ-ولأنه ورد عن بعض الصحابة الاقتصار على تسليمة واحدة.
القول الثالث: أنه لا بد من التسليمتين.
وهي رواية عن أحمد واختارها الشيخ ابن باز، ابن عثيمين. واستدلوا:
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) فقالوا المقصود بالتسليم التسليم المعهود من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسلم عن يمينه وعن شماله.
ب-ولحديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله) رواه مسلم.
قوله: (يكفي) دليل على أنه لا يكفي أقل من ذلك
ج-محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على التسليمتين حضراً وسفراً.
قال في "كشاف القناع"(1/ 388) في بيان أركان الصلاة: الثالث عشر: (التسليمتان) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم)، وقالت عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم صلاته بالتسليم)
…
، إلا في صلاة جنازة فيخرج منها بتسليمة واحدة، وإلا في نافلة فتجزيء تسليمة واحدة على ما اختاره جمع منهم المجد عبد السلام بن تيمية.
قال في المغني والشرح: لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة.
وعلى هذا القول فلا يجوز للمسبوق أن يقوم إلا بعد تسليم الإمام التسليمة الثانية.
قال في "منار السبيل"(1/ 119): وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية ولم يرجع انقلبت نفلاً، لتركه العود الواجب لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرج عن الإئتمام ويبطل فرضه.
وقال في "حاشية الروض المربع"(2/ 277): لتركه الواجب بلا عذر يبيح المفارقة، ففسد فرضه بذلك، ذاكرًا أو ناسيًا، عامدًا أو جاهلاً، وهذا على القول بوجوب التسليمة الثانية في الفرض.
والراجح مذهب الجمهور، والأحوط أن يسلم تسليمتين.
316 -
وَعَنْ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ اَلْمُلْكُ، وَلَهُ اَلْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اَللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا اَلْجَدِّ مِنْكَ اَلْجَدُّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ) جاء في رواية لمسلم (كان إذا فرغ من الصلاة وسلم
…
).
(له الملك) أي ملك جميع الأشياء.
(الحمد) الثناء باللسان على الجميل على قصد التبجيل، ولهذا فارق المدح.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على استحباب هذا الذكر بعد السلام من الصلاة المكتوبة.
•
ما المراد بالدبر في قوله في هذا الحديث (كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَة ..
)؟
الدُّبُر بضم الدال، الأصل أنه عقيب كل شيء ومؤخره، والأحاديث التي وردت بلفظ الدبر يحتمل أنه يكون قبل السلام، ويحتمل بعد السلام. [وسيأتي البحث إن شاء الله]
وأما في حديث الباب فالمراد ما بعد السلام، بدليل رواية مسلم (كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: لا إله إلا الله
…
).
•
كم مرة يشرع قول هذا الدعاء؟
ظاهر الحديث أنه لا يأتي به إلا مرة واحدة.
لكن جاء في رواية عند النسائي وأحمد (ثلاث مرات) لكن قال الحافظ ابن رجب: هذه زيادة غريبة.
•
ماذا نستفيد من قوله (كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَة)؟
نستفيد أن هذا الدعاء يقال عقب الصلاة المفروضة ولا يقال عقب الصلاة النافلة.
•
هل هناك ذكر آخر يقال مع هذا الذكر؟
نعم، فقد جاء عند مسلم أيضاً من حديث الزبير (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
…
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة).
•
اذكر بعض الزيادات التي جاءت في حديث الباب؟
زيادة (يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير) بعد قوله (وله الحمد .. )، وهي الطبراني، ولا تثبت هذه الزيادة.
زيادة (ولا راد لما قضيت) بعد قوله (لا مانع لما أعطيت)، عند الطبراني في الدعاء، قال الشيخ ابن باز: هذا سند جيد.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- إثبات الملك لله.
- أن جميع المحامد لله.
- إثبات قدرة الله على كل شيء، فلا يعجزه شيء سبحانه.
317 -
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ اَلصَّلَاةِ: " اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ اَلْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ اَلدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(اَلْبُخْلِ) منع الواجب.
(اَلْجُبْنِ) ضعف في القلب يمنع الإقدام في المواضع الشريفة، كالجهاد، والنطق بكلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث يدل على استحباب قول هذا الدعاء دبر الصلاة.
•
ما المراد بالدبر هنا، هل هو آخر التشهد، أو ما بعد السلام؟
يحتمل أن يكون بالدبر آخر الصلاة، ويحتمل ما بعد السلام. وقد ذكر بعض العلماء قاعدة: إذا كان المقام مقام دعاء كان الدبر قبل السلام.
لحديث (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه).
ولحديث فضالة بن عبد، فهو داخل الصلاة.
وما كان ذكر فهو ما بعد السلام.
لقوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً).
إلا إذا ورد ما يحدد المراد فإنه يعمل به.
ففي حديث الباب المراد ما قبل السلام لأمور:
أولاً: لأن الأصل في أن دبر الشيء آخره منه (ما اتصل به).
ثانياً: ولأن آخر التشهد موطن دعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه).
ثالثاً: ولأن المصلي في صلاته مقبل على ربه، يناجيه ويتضرع إليه.
وذهب بعض العلماء إلى أن كل حديث فيه (دبر الصلاة) فالمراد بعد السلام.
قالوا: لأن الشرع اصطلح على ذلك، ويدل لذلك عدة أحاديث.
منها: حديث المغيرة السابق (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .... ) والمراد بالدبر هنا بعد السلام لرواية مسلم.
ومنها: حديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَبَّحَ اَللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اَللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اَللَّهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ اَلْمِائَةِ
…
) والمراد بالدبر هنا ما بعد السلام بالاتفاق.
ومنها: حديث أَبِى الزُّبَيْرِ قَالَ (كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ،
…
وَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاة) رواه مسلم.
ومنها: حديث كعب بن عجرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (معقبات لا يخيب قائلهن: دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثٌ وَثَلاثونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاثٌ وثَلَاثونَ تَحْمِيدَةً، وَأرْبَعٌ وَثَلَاثونَ تَكْبِيرَةً
…
) رواه مسلم.
ومنها: حديث عقبة بن عامر. قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة).
فهذه خمس أحاديث أطلق الشارع على دبر الصلاة ما بعد السلام.
•
هل الحديث يدل على ذم البخل؟
نعم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منه.
مباحث البخل:
أولاً: استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه.
كما في حديث الباب.
ثانياً: سماه النبي صلى الله عليه وسلم داء.
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سيدكم يا بني سلمة؟ قلنا: جد بن قيس على أنا نبخله، قال: وأي داء أدوى من البخل، بل سيدكم عمرو بن الجموح) رواه البخاري في الأدب المفرد.
ثالثاً: بُعْد النبي صلى الله عليه وسلم عن البخل.
قال صلى الله عليه وسلم: (
…
ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً). رواه البخاري
ولمسلم: (
…
فلست ببخيل).
رابعاً: دعاء الملائكة على الممسك.
قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً). متفق عليه
قال ابن حجر: " وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال ".
خامساً: البخل من صفات أهل النار.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن أهل النار كل جعظري مستكبر جماع مناع). رواه أحمد
سادساً: البخل شر ما في الرجل.
قال صلى الله عليه وسلم: (شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع). رواه أحمد
سابعاً: التحذير من الشح.
قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم
…
واتقوا الشح
…
). متفق عليه
•
لماذا خص النبي صلى الله عليه وسلم التعوذ من هذه المذكورات؟
لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك باعتبار ما نسب عنها من المعاصي المتنوعة.
•
اذكر من السنة ما يدل على خطر فتنة الدنيا؟
قوله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الدنيا).
وقوله صلى الله عليه وسلم (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) متفق عليه.
318 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اِنْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلسَّلَامُ وَمِنْكَ اَلسَّلَامُ. تَبَارَكْتَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(إذا انصرف) أي: سلم منها، لحديث عائشة في صحيح مسلم:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: استغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
(السلام) اسم من أسماء الله، ومعناه: الذي سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة.
(ومنك السلام) المراد بالسلام هنا: السلامة من الشرور والآفات، أي السلامة ترجى منك.
(الجلال) عظيم القدر.
(الإكرام) هو المستحق أن يكرم وأن يُجل.
•
ما الدعاء المستحب أن يقوله بعد سلامه مباشرة؟
المستحب أن يقول أول ما يسلم (استغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ثم يتجه إلى المأمومين كما في حديث عائشة السابق.
•
ماذا يشرع بعد نهاية كل العبادة؟
يشرع الاستغفار.
وكثيراً ما يأتي الأمر بالاستغفار بعد الانتهاء من الأعمال:
قال تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ففي هذه الآية أمر الله وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من عرفات وهو أجل المواقف وأفضلها، فقال (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقال تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
وفي الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثاً
…
).
وأمره بالاستغفار بعد أداء الرسالة، واقتراب أجله، فقال في آخر سورة أنزلت عليه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً).
• والحكمة من ذلك: قال ابن القيم: لشهودهم تقصيرهم فيها، وترْك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه.
ولعل من الحِكم: دفع العجب ورؤية النفس.
• قال السعدي: ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومن بها على ربه، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر.
•
ما حكم الجهر بالذكر بعد السلام؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: مستحب.
وهذا قال به جماعة من الفقهاء، واختاره الطبري، وابن تيمية، وابن حزم.
لحديث ابن عباس قال (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) متفق عليه.
وفي رواية (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله).
وقال ابن حزم رحمه الله: " ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن.
ونقل البهوتي في "كشاف القناع"(1/ 366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر: (قال الشيخ [أي ابن تيمية]: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة.
القول الثاني: لا يستحب.
وهو قول الشافعي والجمهور.
عن أبي موسى قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا علوا رفعوا أصواتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً) متفق عليه.
وقالوا عن حديث ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه وإنما فعله للتعليم ثم ترك.
قال الشافعي رحمه الله: " وأختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يسر؛ فإن الله عز وجل يقول (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) يعنى - والله تعالى أعلم -: الدعاء، (ولا تجهر) ترفع، (ولا تخافت) حتى لا تُسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه - قال الشافعي: وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير، قد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر، وذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهراً، وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر.
•
اذكر ثمرات الاستغفار؟
أولاً: تكفير السيئات ورفع الدرجات.
قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً). (النساء: 110)
وفي الحديث القدسي (قال الله: من يستغفرني فأغفر له .. ) متفق عليه.
وتقدم قوله تعالى في الحديث القدسي (فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم.
ثانياً: سبب لسعة الرزق والإمداد بالمال والبنين.
قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً).
ثالثاً: سبب لحصول القوة في البدن.
قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
رابعاً: سبب لدفع المصائب ورفع البلايا.
قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
خامساً: سبب لبياض القلب.
قال صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه). رواه أحمد
1 -
إثبات اسم من أسماء الله وهو السلام.
319 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ سَبَّحَ اَللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اَللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اَللَّهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ اَلْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ اَلْمُلْكُ، وَلَهُ اَلْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ اَلْبَحْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
===
(دبر) أي بعد السلام من الصلاة.
•
متى يستحب أن يقال هذا الذكر؟
يستحب أن يقال بعد الصلاة.
•
بعد أيّ الصلوات يقال؟
وظاهره بعد كل صلاة، لكن المراد بعد الصلاة المفروضة، لرواية مسلم حيث بيّنت أنه بعد الفريضة، ففي حديث كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (معقبات لا يخيب قائلهن بعد كل فريضة
…
)
•
اذكر بعض صفات التسبيح والتحميد والتكبير الواردة التي تقال بعد الصلاة؟
الصفة الأولى: ما في حديث الباب.
سبحان الله [33] والحمد لله [33] والله أكبر [33] وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ....
الصفة الثانية: سبحان الله [33] والحمد لله [33] والله أكبر [34].
كما في حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً فِى دُبُرِ كُلِّ صَلَاة) رواه مسلم.
الصفة الثالثة: سبحان الله [33] والحمد لله [33] والله أكبر [33].
كما في حديث أبي هريرة (أن فقراء المهاجرين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الثور من الأموال بالدرجات العلى
…
ألا أخبركم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدركم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله؟ تسبحون الله وتكبرون خلف كل صلاة، ثلاثاً وثلاثين
…
) رواه البخاري
الصفة الرابعة: سبحان الله [25] والحمد لله [25] والله أكبر [25] ولا إله إلا الله [25].
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال (أُمرنا أن نسبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ونحمده ثلاثاً وثلاثين، قال: فرأى رجل في المنام فقال: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين، قال: نعم، قال: فاجعلوا خمساً وعشرين، واجعلوا التهليل معهن، فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه فقال، افعلوا) رواه الترمذي.
الصفة الخامسة: سبحان الله [10] والحمد لله [10] والله أكبر [10].
لحديث عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم: (خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، تسبح الله في دبر كل صلاة عشراً، وتكبره عشراً، وتحمده عشراً، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان) رواه الترمذي.
قوله (فتلك خمسون ومائة باللسان) وذلك لأن بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثلاثون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وبعد جميع خمس الصلوات مائة وخمسون، وقد صرح بهذا النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ:(ما يمنع أحدكم أن يسبح دبر كل صلاة عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومائة).
قوله (وألف وخمسمائة في الميزان) وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيحصل من تضعيف المائة والخمسين عشر مرات ألف وخمسمائة.
•
ما المراد بالخطايا في قوله ( .... غفرت خطاياه ..
)؟
المراد الصغائر.
وهذا مذهب جماهير، وأما الكبائر فلا بد من توبة.
لحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). رواه مسلم
320 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ: اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.
===
(أُوصِيكَ) الوصية العهد لشيء مع الاهتمام به.
(لَا تَدَعَنَّ) أي: لا تتركن.
(اَللَّهُمَّ أَعِنِّي) وفقني وسددني.
(عَلَى ذِكْرِكَ) المراد بالذكر بمعناه العام: كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحميد،
…
وغير ذلك.
(وَشُكْرِكَ) الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح. (باللسان) الثناء، (القلب) الاعتراف. (الجوارح) العمل بطاعة الله.
•
عرف إحسان العبادة؟
الإحسان: فهو إتقان الباطن والظاهر بعبادة الله على وجه المشاهدة أو المراقبة.
قال الشنقيطي: فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله لما سأله جبريل ما الإحسان؟ (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم.
وسؤال جبريل هذا ليعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإحسان، وأن إحسان العمل إنما يكون لمن راقب الله وعلم يقينياً أن الله مطلع عليه.
لأن الإحسان هو الغاية التي من أجلها خلق الخلق، وأنه سبحانه يختبر عباده في إحسانهم للعمل.
كما قال تعالى في أول سورة هود (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) ثم بيّن الحكمة فقال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). ولم يقل أيكم أكثر عملاً.
وقال تعالى في أول سورة الكهف (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا) ثم بيّن الحكمة بقوله (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
وقال تعالى في أول سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) ثم بيّن الحكمة فقال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
•
لماذا قدّم الذكر على الشكر؟
لأن العبد إذا لم يكن ذاكراً لم يكن شاكراً، قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ).
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
يدل على مشروعية قول هذا الدعاء دبر كل صلاة.
•
ما المراد بالدبر في الحديث، هل بعد التشهد وقبل السلام أم بعد السلام؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فقيل: المراد بالدبر بعد السلام.
وقيل: بعد التشهد وقبل السلام، ورجحه ابن تيمية. وهذا أظهر لأمور:
الأول: أن الأصل في دبر الشيء آخره وطرفه.
والثاني: أن قبل السلام موضع دعاء.
والثالث: أنه قد جاء عند النسائي (فلا تدعنّ أن تقول في كل صلاة
…
).
•
هذا الدعاء دعاء مهم فلماذا؟
هذا الدعاء مهم لأمور:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به معاذاً.
ثانياً: أنه قال له قبل: إني أحبك في الله، فمهد له بهذه الكلمة ليبين له عظمته.
ثالثاً: أنه دعاء جامع شامل.
•
اذكر بعض فضائل معاذ؟
أولاً: حيث خصه صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء. (ووصية النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من الصحابة وصية للأمة كلها) ....
ثانياً: قال صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في هذا الدعاء (والله ني لأحبك في الله).
ثالثاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله معلماً وقاضياً.
رابعاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (أعلم أمتي بالحلال والحرام).
خامساً: خص ببعض العلم، كما قال له:(أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله).
•
هل يشرع طلب العون من الله؟
نعم.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى).
وقال لرجل (قل: اللهم اغفر لي وسددني واهدني).
وقال تعالى في الحديث القدسي (فاستهدوني أهدكم).
•
اذكر بعض الأسباب التي تؤدي إلى شكر الله؟
أولاً: النظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم).
ثانياً: التضرع إلى الله بأن يوفقه لشكر نعمته.
قال تعالى عن سليمان (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيّ).
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً أن يقول (اللهم إني على ذكرك
…
).
ثالثاً: أن يعلم الإنسان أن الله سيسأله عن شكر نعمه هل قام بها أم كفر.
قال تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).
قال ابن كثير: أي ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة.
رابعاً: أن يعلم العبد أن النعم إذا شكرت قرت وزادت، وإذا كفرت فرت.
قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
321 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَرَأَ آيَةَ اَلْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ اَلْجَنَّةِ إِلَّا اَلْمَوْتُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
وَزَادَ فِيهِ اَلطَّبَرَانِيُّ: - وَقُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ -
===
(دُبُرَ) أي بعد السلام من الصلاة، لأن ما قبل السلام ليس محلاً للقراءة.
(لمْ يَمْنَعْهُ) يعني أن المانع هو الموت.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن حبان في كتاب الصلاة، والحديث صحيح له طرق وشواهد، ولذلك صححه جمع من أهل العلم: كالمزي وابن كثير وابن القيم وابن حجر وابن عبد الهادي.
وأما زيادة: (قل هو الله أحد) صححها بعضهم، والصحيح أنها زيادة منكرة.
•
مَنْ مِنْ العلماء حكم على الحديث بالوضع؟
ابن الجوزي، حيث أدخله في الموضوعات.
وقد انتقده العلماء كابن حجر، وابن عبد الهادي.
•
من المراد بأبي أمامة، راوي الحديث؟
هو أبو أمامة، إياس بنبة الحارثي الأنصاري الخزرجي.
فإذا أطلق أبو أمامة فالمراد به هذا، وإن أريد الباهلي قيّد به، كما صنع الحافظ هنا حيث أطلق، وفي ثالث أحاديث كتاب الطهارة حيث قيده.
•
ما حكم قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة؟
مستحب.
لقوله (من قرأ آية الكرسي دبر
…
).
• لماذا قلنا إن المراد بالدبر هنا ما بعد السلام؟
لأن ما قبل السلام ليس محلاً للقرآن، وإنما محله القيام، فهذه قرينة على أن المراد ما بعد السلام.
•
اذكر بعض المواطن التي تقرأ فيها آية الكرسي؟
تقرأ في ثلاثة مواطن:
أولاً: بعد الفريضة.
لحديث الباب.
ثانياً: عند النوم.
لقوله صلى الله عليه وسلم (
…
اقرأ آية الكرسي قبل النوم فإنه لا يزال عليك من الله حافظاً).
ثالثاً: في أذكار الصباح والمساء.
•
اذكر ما يقرأ أيضاً بعد الصلاة؟
يقرأ بالمعوذتين.
لحديث عقبة بن عامر (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة). رواه أبو داود وحسنه الألباني
•
ما المراد بالمعوذات في حديث عقبة؟
اختلف العلماء هل يدخل معها سورة الإخلاص أم لا على قولين:
قيل: المراد بالمعوذات: الإخلاص والفلق والناس.
وهذا قول الأكثر.
لأن المعوذات في الشرع إذا أطلقت فإنها تنصرف إلى المعوذات مع سورة الإخلاص كما في حديث عائشة الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه قبل أن ينام بالمعوذات، وفي الرواية الأخرى قالت: ينفث على نفسه بـ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس).
وقيل: لا يشرع قراءة سورة الإخلاص بعد الصلاة.
لأن حديث عقبة جاء في رواية (بالمعوذتين).
واختاره ابن حبان، وابن المنذر.
والصحيح الأول.
322 -
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
•
الحديث له قصة، اذكرها؟
عن مالك بن الحويرث قال: (أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيماً رفيقاً، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).
وأما قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فقد انفرد بإخراجها البخاري عن أصحاب الكتب الستة.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث يدل على مشروعية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أفعال وأقوال الصلاة.
فما دل الدليل على وجوبه فيجب، وما دل الدليل على استحبابه فيستحب.
•
هل السنة تشريع؟
نعم.
لأن أكثر أفعال وأقوال الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم لا من القرآن.
•
من أراد أن يعرف صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فماذا عليه أن يفعل؟
لابد عليه أن يطلب العلم، ويتعلم كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن معرفة ذلك إلا بالعلم والدراسة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة للحديث؟
- فضل الرحلة في طلب العلم.
- حرص الصحابة على التعلم.
- بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأمور الدين، كما قال تعالى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا نبي الرحمة).
- وجوب تعليم العلم ونشره.
- مشروعية الأذان، بل وجوبه لقوله صلى الله عليه وسلم:(فليؤذن).
- قوله (وليؤمكم أكبركم) إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنهم كانوا متساوين بالقراءة والفقه.
- فقد جاء عند أبي داود (وكنا يومئذ متقاربين في العلم).
323 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِيَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
•
اذكر كيفية صلاة المريض؟
في الحديث كيفية صلاة المريض صلاة الفريضة، وأن له أحوال:
الحالة الأولى: يجب أن يصلي قائماً إن كان مستطيعاً ولا يشق عليه، لأن القيام ركن في الفريضة.
لقوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
ولقوله في حديث الباب (صلّ قائماً).
قال ابن قدامة المقدسي:
حكم من قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود؟
لم يسقط عنه القيام.
قال ابن قدامة: ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود: لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود، وبهذا قال الشافعي
…
لقول الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (صل قائماً).
ولأن القيام ركن لمن قدر عليه، فلزمه الإتيان به كالقراءة، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة. (المغني).
الحالة الثانية: إذا لم يستطع أو عجز أو يشق عليه القيام، فإنه يصلي جالساً.
لحديث الباب (فإن لم تستطع فقاعداً
…
).
قال ابن قدامة المقدسي: أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً.
وقال النووي: أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام؛ لأنه معذور، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحاً.
وقال الشوكاني: وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْه.
وكيفية القعود:
• في حال التشهد والجلوس يجلس مفترشاً إذا كان لا يشق عليه.
• وفي حال القيام يجلس مفترشاً، وقيل: يجلس على ما يحب. [وسبقت المسألة].
• يكون السجود أخفض من الركوع، [لكن إذا كان يقدر على السجود فإنه يجب عليه أن يسجد].
• فالقاعدة في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه.
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود: فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
الحالة الثالثة: إذا لم يستطع الجلوس فإنه يصلي على جنبه (شقه).
لقوله في الحديث (
…
فعلى جنب).
• يختار الجنب الأسهل له.
• فإن تساويا فالجنب الأيمن أفضل.
• ويومئ برأسه إلى الصدر، يومئ قليلاً في الركوع، ويومئ أكثر في السجود.
•
ما الحكم إذا لم يستطع المريض أن يصلي على جنب؟
إذا لم يستطع أن يصلي على جنبه، فإنه يصلي مستلقياً يومئ برأسه (يكون وجه المصلي إلى السماء ورجلاه إلى القبلة).
ويستدل لذلك بأمور:
أ - لعموم قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم).
ب - ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه.
ج- رواية في هذا الحديث وفيها (
…
فإن لم تستطع فمستلقٍ) وعزاها كثير للنسائي لكن بعض العلماء نفى وجودها عند النسائي.
د- أن هذه الصفة وردت في حديث علي وفيه (فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة) رواه الدارقطني وهو ضعيف.
•
اختلف العلماء إذا عجز المريض عن الإيماء برأسه ماذا يفعل؟
اختلف العلماء في هذه المسالة على أقوال:
القول الأول: يومئ بعينيه.
وهذا قول المالكية، والشافعية، والحنابلة.
فيكبر ويقرأ فإذا أراد أن يركع غمّض عينه قليلاً، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فتح طرفه، فإذا سجد أغمض أكثر.
لحديث (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه.
القول الثاني: أنه إذا عجز عن الإيماء سقطت عنه الصلاة لعجزه عنها.
وهذا قول أبي حنيفة واختيار ابن تيمية وقال رحمه الله:
وهذا القول أصح في الدليل، لأن الإيماء بالعين ليس من أعمال الصلاة، ولا يتميز فيه الركوع من السجود ولا القيام من القعود، بل هو نوع من العبث الذي لم يشرعه الله تعالى، وأما الإيماء بالرأس فهو خفضه، وهذا بعض ما أمر الله به المصلي.
أ- لحديث (يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر) قال ابن حجر عن هذا الحديث: لم أجده.
ب- أن الإيماء بالطرف ليس بصلاة حقيقة.
ج- أن العاجز عن الإيماء برأسه هو في الحقيقة عاجز عن أفعال الصلاة بالكلية، فتسقط عنه حينئذ.
القول الثالث: أنه تسقط عنه الأفعال لعجزه عنها دون الأقوال لقدرته عليها.
وعلى هذا القول: ينوي بقلبه فيكبر، ويقرأ ويفعل الركوع، ثم ينوي بقلبه الركوع فيقول: سبحان ربي العظيم
…
وهكذا.
لأن الأقوال قادر عليها، وقد قال تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
•
ما رأيك بقول بعض العامة: الصلاة بالإصبع؟
قال الشيخ ابن عثيمين: وأما قول العامة: إنه يومئ بالإصبع فهذا لا أصل له في السنة، ولم يقل به أحد من أهل العلم فيما أعلم.
•
حديث الباب دليل لقاعدة شرعية فما هي؟
هي قاعدة (لا واجب مع العجز) ودليلها:
قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وقوله صلى الله عليه وسلم (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه.
•
اختلف العلماء في المريض، إن ذهب للمسجد صلى قاعداً، وإن صلى في بيته صلى قائماً، فأيهما أفضل؟
قيل: يخيّر بينهما، ومال إليه ابن قدامة.
قيل: يصلي في بيته قائماً.
لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهذا قادر عليه.
وقيل: بل يذهب للمسجد، وإن استطاع القيام صلى قائماً وإلا صلى جالساً.
أ-لأن الإنسان مأمور بحضور الجماعة، وصلاته جالساً لا بأس بها لأنه معذور.
ب-ولقول ابن مسعود (ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين).
وهذا القول هو الصحيح.
324 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَرِيضٍ - صَلَّى عَلَى وِسَادَةٍ، فَرَمَى بِهَا - وَقَالَ: " صَلِّ عَلَى اَلْأَرْضِ إِنْ اِسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِئْ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَكِنْ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه البيهقي من طريق أبي بكر الحنفي، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال.
قال البزار: لا نعلم رواه أحد عن الثور إلا الحنفي، وهذا الإسناد صحيح.
الحديث أعله أبو حاتم بالوقف من قول جابر.
لكن ذكر الحافظ أن هناك متابعاً من رواية عبد الوهاب بن عطاء عن الثوري، عند البيهقي.
والحديث له طريق أخرى عند أبي يعلى ضعيفة جداً.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند الطبراني في الكبير، قال الألباني: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
فالحديث صحيح.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث يدل على أن المريض العاجز عن السجود على الأرض أنه يسجد في الهواء، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، ولا حاجة أن يضع شيئاً يسجد عليه من وسادة أو غيرها كمركاة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين فيمن لا يستطيع الصلاة قائماً أن يصلي جالساً، قال: وليس في السنة وضع وسادة أو شيئاً للسجود عليه، بل هو للكراهة أقرب، لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(هلك المتنطعون).
فائدة: سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله هل يجوز أن يسجد المسلم على ظهر أخيه عند الزحام؟
فأجاب رحمه الله: قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا الرجل يفعل ما هو بديل عن السجود وهو الإيماء، وكذلك يومئ عند الركوع إن لم يستطع الركوع، وهذا هو القول الراجح.
وقال بعض العلماء: ينتظر حتى يقوم الناس فيركع ويسجد.
وقال بعض العلماء: يسجد على ظهر من أمامه.
فالقول الأخير أضعف الأقوال، والراجح عندي الأول، لما سبق من دليل.
بَابُ سُجُودِ اَلسَّهْوِ وَغَيْرِهِ
سجود السهو: سجدتان يأتي بهما المصلي لجبر الخلل في صلاته سهواً بزيادة أو نقصان أو شك.
ومشروعية سجود السهو من محاسن الشريعة الإسلامية، فإن النسيان لا يسلم منه أحد، ولابد من وقوعه في هذه العبادة العظيمة، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه جبر للنقصان الذي حصل في الصلاة.
325 -
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ اَلنَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى اَلصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ اَلنَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ. وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ) أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَةُ، وَهَذَا لَفْظُ اَلْبُخَارِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ (يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَجَدَ اَلنَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِىَ مِنَ الْجُلُوسِ).
===
(فَقَامَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ) جاء عند ابن خزيمة (فسبحوا به فمضى حتى قضى من صلاته).
(فَقَامَ اَلنَّاسُ مَعَهُ) أي: إلى الثالثة، اتباعاً لفعله صلى الله عليه وسلم.
(حَتَّى إِذَا قَضَى اَلصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ اَلنَّاسُ تَسْلِيمَهُ) لظنهم أنه لا يسجد للسهو، لعدم تقدم علمهم بذلك.
(كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ. وَسَجَدَ سَجْدَتَيْن) أي: للسهو بعد التشهد.
•
ما الحكم إذا ترك الإمام التشهد الأول ناسياً؟
الإمام إذا ترك التشهد الأول، فإنه لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يستتم قائماً فلا يرجع، ويجبره بسجود السهو قبل السلام سواء شرع بالقراءة أو لم يشرع.
لأنه إذا استتم قائماً فإنه يصدق عليه أنه انتقل من ركن إلى ركن، فلا يرجع.
الثانية: إن ذكر قبل أن يقوم [أي قبل أن تنفصل فخذيه عن ساقيه] فإنه يجلس ويتشهد وليس عليه سجود في هذه الحالة لأنه لم يحصل فيه قيام.
•
هل يقاس على ترك التشهد ترك بقية الواجبات؟
نعم، يقاس على التشهد الأول بقية الواجبات نسياناً، (كمن ترك سبحان ربي العظيم في الركوع نسياناً، أو سبحان ربي الأعلى في السجود نسياناً).
مثال: رجل صلى ونسي: سبحان ربي العظيم، فإنه يسقط، ويأتي بسجود سهو قبل السلام.
•
متى يكون سجود السهو لمن ترك التشهد الأول ناسياً؟
يكون قبل السلام، لحديث الباب.
وهكذا في جميع ترك واجبات الصلاة يكون السجود قبل السلام. (وستأتي المسألة متى يكون سجود السهو في الصلاة).
•
هل مثل هذا الحكم، لو قام الإمام إلى خامسة - مثلاً - في الظهر أو العصر أو العشاء نسياناً؟
لا، لأن هذه زيادة، فلا يجوز للمأمومين متابعته، ويجب على الإمام إذا علِم وهو في هذه الركعة الزائدة أنه يرجع مباشرة.
•
ما حكم سجود السهو؟
حكمه واجب عند وجود سببه.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (وإذا نسيت فذكروني).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى، ثلاثاً أم أربعاً؟ (فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم) رواه مسلم عن أبي سعيد.
ج-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبَسَ عليه، حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
•
ماذا نستفيد من رواية مسلم (
…
مكان ما نسي من الجلوس)؟
نستفيد أن سجود السهو يشرع للسهو لا للعمد.
•
هل يكبر لسجود السهو؟
نعم يكبر، وهذا بالإجماع. لحديث الباب.
ولأن حكمه حكم سجود الصلاة.
•
هل إذا قام الإمام عن التشهد الأول يتابعه على ذلك المأموم؟
نعم، يجب على المأموم متابعة إمامه إذا ترك التشهد الأول وإن لم يكن المأموم ناسياً.
•
ما الحكم فيمن سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الثالثة؟ ثم رجع؟
سبق أنه إذا سها وقام إلى الثالثة فإنه لا يرجع، فلو تعمد ورجع بعد تلبسه بالركن:
قيل: تبطل صلاته، وهذا مذهب الشافعي.
وقيل: لا تبطل صلاته، وهذا مذهب الجمهور.
•
هل يسلم بعد سجدتي السهو؟
نعم، يجب أن يسلم.
لحديث الباب (
…
فسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم).
•
استدل بها الحديث بعض العلماء على أن التشهد الأول من واجبات الصلاة، كيف ذلك؟
وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تركه جبره بسجود السهو، ولو كان ركناً لأتى به، ولو كان سنة لم يسجد له.
•
هل المأموم يسجد للسهو مع إمامه وإن لم يسهُ المأموم؟
نعم، يجب على المأموم أن يسجد مع الإمام إذا سها، وإن لم يسه هو، ونقل ابن حزم فيه الإجماع.
•
هل فيه تشهد بعد سجود السهو إذا كان قبل السلام؟
لا، لا تشهد بعد سجود السهو إذا كان قبل السلام. (وسيأتي مزيد كلام في المسألة إن شاء الله).
•
هل يشرع سجود السهو في صلاة النفل؟
نعم، يشرع في النفل كما يشرع في الفرض.
وهذا قول أكثر أهل العلم.
أ-لعمومات الأدلة كقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين) وهذا يشمل ما إذا سها في الفرض أو سها في النفل.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين) رواه مسلم، وهذا يشمل ما إذا كان في صلاة الفرض أو كان في صلاة النفل.
ج-ولقاعدة: ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل.
•
هل يستثنى من ذلك شيء؟
نعم، يستثنى من ذلك صلاة الجنازة، فصلاة الجنازة ليس فيها سجود للسهو فلو أنه نسي مثلاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة أو نسي تكبيرة من التكبيرات ونحو ذلك، فلا نقول بأنه يسجد للسهو، لأن صلاة الجنازة صلاة مبنية على التخفيف ليس فيها ركوع ولا سجود، هي شفاعة للميت فقط، فلا يشرع فيها سجود للسهو.
•
فإن قال: كيف توجبون شيئاً في صلاة نفل، وصلاة النفل أصلاً غير واجبة؟
نقول: إنه لما تلبس بها وجب عليه أن يأتي بها على وفق الشريعة. (الشرح الممتع).
•
ما الحكم إذا ترك المصلي ركناً من أركان الصلاة نسياناً وتذكر بعد السلام؟
إذا ترك ركناً من أركان الصلاة ناسياً وتذكره بعد السلام فهذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون المتروك في غير الركعة الأخيرة.
فهنا حكمه: كترك ركعة، فيأتي بركعة.
الأمر الثاني: أن يكون في الركعة الأخيرة.
فهنا لا نقول يأتي بركعة وإنما نقول يأتي به وبما بعده ما لم يطل الفصل.
مثال ذلك: إنسان نسي الركوع ثم سلّم ثم تذكر فنقول: ارجع وأتي بالركوع وما بعده، لكي يحصل الترتيب ولأن ما صار بعده هذا في غير موضعه ويسجد للسهو بعد السلام.
- هذا مقيد بما لم يطل الفصل في الأمرين لكن إذا طال الفصل يستأنف الصلاة من أولها.
مثال: شخص نسي السجدة الثانية من إحدى الركعات، ولم يعلم بذلك إلا بعد أن تفرق الناس، وخرجوا من المسجد، وتحدثوا خارج المسجد بعد مضي وقت طويل، وذكر بعضهم لبعض أنهم نسوا سجدة من الصلاة، فتأكد لهم ذلك وأخبروا الإمام، فهنا يعيد الصلاة كلها، ويخبر جماعة المسجد في وقت لاحق ليعيدوا صلاتهم.
•
ما الحكم إذا ترك المصلي ركناً من أركان الصلاة نسياناً أثناء الصلاة؟
إذا ترك ركناً من أركان الصلاة فله حالتان:
الأولى: إن تذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه يرجع.
الثانية: وإن تذكره بعد أن وصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه لا يرجع وتقوم التي تليها مقام التي قبلها.
مثال: رجل قام إلى الرابعة في الظهر، ثم ذكر أنه نسي السجدة الثانية من الركعة الثالثة بعد أن شرع في القراءة، فهنا يقال له: ارجع واجلس بين السجدتين واسجد ثم أكمل، وذلك لأن ما بعد الركن المتروك يقع في غير محله لاشتراط الترتيب بين الأركان.
فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية؛ فإنه لا يرجع، لأن رجوعه ليس له فائدة، لأنه إذا رجع فسيرجع على نفس المحل، فتكون الركعة الثانية هي الأولى، وتكون له ركعة ملفقة من الأولى ومن الثانية.
•
ما الحكمة من وقوع السهو منه صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟
قال ابن القيم: كان سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته، وإكمال دينهم، ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو.
• هل يشرع سجود السهو لحديث النفس؟
لا يشرع لحديث النفس.
أ - لعدم ورود السجود له.
ب - ولأنه مما لا يمكن التحرز منه.
ت - ولا تكاد تخلو منه صلاة.
326 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتِي اَلْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ اَلْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي اَلْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ اَلنَّاسِ، فَقَالُوا: أَقُصِرَتْ. الصَّلَاةُ، وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَا اَلْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتْ؟ فَقَالَ: " لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ " فَقَالَ: بَلَى، قَدْ نَسِيتُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ] ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ [ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (صَلَاةُ اَلْعَصْرِ).
وَلِأَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ (أَصَدَقَ ذُو اَلْيَدَيْنِ؟ " فَأَوْمَئُوا: أَيْ نَعَمْ).
وَهِيَ فِي " اَلصَّحِيحَيْنِ " لَكِنْ بِلَفْظِ (فَقَالُوا).
وَهِيَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ (وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَقَّنَهُ اَللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ).
===
(العشي) قال النووي: هو بفتح العين وكسر الشين، قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها.
(إلى خشبة في مقدم المسجد) جاء في رواية لمسلم: (في عتبة المسجد). وفي رواية: (ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد)
(فوضع يده عليها) جاء في رواية: (فاتكأ عليها كأنه غضبان) المراد من قول الراوي: كأنه غضبان: انقباضه وتشوش فكره، والظاهر أن السبب في ذلك أنه سلم قبل انقضاء الصلاة.
(السَّرَعان) بفتح السين والراء، ومنهم من يسكن الراء، والمراد بهم أول الناس خروجاً من المسجد، وهم أهل الحاجات غالباً.
(أقصرت الصلاة) اعتقدوا ذلك لأنهم في زمن الوحي، وفي رواية للبخاري (وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قُصِرتْ الصلاة).
(ذا اليدين) جاء في رواية: (وفي القوم رجل في يديه طول)، واسمه: الخرباق بن عمرو.
(فقال: أنسيت أم قصرت) هذا سؤال ذي اليدين.
أن ذا اليدين تكلم لحرصه على تعلم الصلاة والعناية بها، وأما أبو بكر وعمر فغلب عليهما مهابة النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه، مع اعتقادهما أن الأمر سيبين.
(لم أنس ولم تقصر) نفي النسيان بناء على ظنه، ولم تقصر بناء على يقينه أن الصلاة لم يحدث فيها تغيير، فلما انتفى القصر تعين النسيان، ولذلك قال ذو اليدين: بلى نسيت، وجاء في رواية:(أصدق ذو اليدين) فقالوا: نعم.
•
لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذي اليدين:
لأن قوله يعارض ما كان يظنه من تمام صلاته.
•
ما هي الصلاة التي وقعت فيها القصة المذكورة في الحديث؟
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر).
وجاء في رواية عند البخاري من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين).
وعند مسلم قال (صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر) من غير شك.
قال في الفتح: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة.
ثم قال وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين بل روى النسائي من طريق ابن عوف عن ابن سيرين: أن الشك فيه من أبي هريرة، والقصة: صلى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة: لكني نسيت.
•
ما حكم من سلم قبل إتمام صلاته ناسياً؟
يجب أن يأتي بما ترك ويسجد للسهو بعد السهو كما في حديث الباب.
• اذكر أحوال من سلم قبل إتمام صلاته ناسياً؟
من سلم قبل تمام الصلاة، فله أحوال:
أولاً: أن يسلم عامداً فصلاته باطلة.
ثانياً: أن يسلم ناسياً، فإن ذكر قريباً، فإنه يأتي بما تركه ثم يسجد للسهو بعد السلام.
ثالثاً: أن يسلم ناسياً، ويتذكر بعد فاصل طويل، فهنا يعيد الصلاة كاملة.
•
اذكر مثالاً للفصل القصير والطويل؟
هذا يرجع للعرف.
مثال الفصل القصير: أن يكون طول الفصل كطول الفصل في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قام واتكأ وتراجع مع الناس، وخرج سرعان الناس، فما كان مثل هذا كثلاث دقائق أو أربع دقائق، فهذا لا يمنع من بناء بعضها على بعض.
مثال طول الفصل: كساعة أو ساعتين، أو خرجوا من المسجد، فإن هذا يعتبر فاصلاً طويلاً، فهنا يجب عليهم إعادة الصلاة من أولها. (الشيخ ابن عثيمين).
•
متى يكون سجود السهو إذا سلم المصلي قبل إتمام صلاته؟
يكون بعد السلام.
لحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين، قام وجاء بالركعتين ثم سلم ثم سجد للسهو ثم سلم.
•
إذا سلم الإمام من صلاته قبل إتمامها ناسياً؟ فهل يتابعه المأموم؟
إذا تيقن المأموم أن الإمام قد سها وأن الصلاة لم تتم، فإنه يبقى في محل الجلوس، ولا يتكلم ولا ينصرف، كما لو زاد الإمام ونبهوه ولم يرجع، فإنهم لا يتابعونه في الزيادة.
ثم هم مخيّرون: بين أن يجلسوا وينتظرون حتى يسلم بهم، أو يسلمون قبله، والانتظار أحسن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
فإن قال قائل: لماذا الصحابة تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وسلموا معه؟
فالجواب: أن الصحابة التبس عليهم الأمر فخشوا أن يكون قد جاء تغيير في الحكم، فلذا سلموا معه وخرج من خرج، لأن الزمان زمان وحي ونسخ، وأما الآن فقد انتهى الأمر فلم يبق إلا السهو.
•
السهو الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب هل هو سهو عن نقص أو عن زيادة؟
سهو عن زيادة.
•
ما وجه الزيادة في حديث الباب؟
زيادة السلام.
قال بعض العلماء: ومن الحكمة أن يكون السجود للزيادة بعد السلام، حتى لا تجتمع زيادتان في الصلاة.
• إذا كان السجود بعد السلام، هل يشترط له تكبيرة الإحرام، أم يُكتفَى بتكبيرة السجود؟
الجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث. (قاله ابن حجر).
•
ما حكم من تكلم بعد سلامه من الصلاة ناسياً؟
إذا تكلم بعد سلامه ناسياً، فإن هذا الكلام لا يبطل الصلاة، لأنه لا يعتقد أنه في صلاة، فهو لم يتعمد الكلام.
وذهب بعض العلماء إلى تقسيم الكلام:
أولاً: أن يتكلم لغير مصلحة الصلاة، فهنا صلاته تبطل بكل حال. مثال:
أن يقول بعد أن يسلم ناسياً: يا فلان، أغلق المكيف.
ثانياً: أن يتكلم لمصلحة الصلاة بكلام يسير، كفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: أصدق ذو اليدين، فهذا لا تبطل صلاته، لأنه يسير لمصلحة الصلاة.
ثالثاً: أن يكون كثيراً لمصلحة الصلاة، فهنا تبطل.
لكن الصحيح أنها لا تبطل مطلقاً، وهذا اختيار الشيخ السعدي.
لأن هذا المتكلم لا يعتقد أنه في صلاة.
وقد قال تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
•
ما الحالة الوحيدة التي تبطل بها الصلاة في هذه الحالة؟
في حالة الحدث، لأن الحدث لا يمكن معه بناء بعض الصلاة على بعض.
•
اختلف العلماء في موقع سجود السهو، هل يكون قبل السلام أم بعده؟ اذكر الخلاف؟
اختلف العلماء متى يكون سجود السهو هل هو قبل السلام أم بعده على أقوال:
القول الأول: السجود للسهو محله قبل السلام.
وبهذا قال: مكحول، والزهري، وابن المسيب، وهذا مذهب الشافعي.
أ-لحديث عبد الله بن بحينة السابق، الذي فيه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول وسجد للسهو قبل السلام).
ب-ولحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى
…
فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم).
ج-وقالوا: إن سجود السهو إتمام للصلاة، وجبر للنقص الحاصل بها، فكان قبل السلام لا بعده.
القول الثاني: أن سجود السهو كله بعد السلام.
وبهذا قال: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والثوري، وهذا مذهب أبي حنيفة.
أ-واستدلوا بحديث الباب (حيث أنه صلى الله عليه وسلم سها فسلم قبل تمام الصلاة، فأتمها ثم سلم ثم سجد للسهو وسلم) فكل سهو مثله يكون سجوده بعد السلام من الصلاة.
ب-ولحديث ابن مسعود في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب
…
فليتم ثم يسلم ثم يسجد).
ج-ولحديث ثوبان. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) رواه أبو داود، وضعفه البيهقي والنووي وابن تيمية.
القول الثالث: أنه كله قبل السلام إلا إذا سلم قبل تمام الصلاة.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
لحديث الباب في قصة ذي اليدين، حيث سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قبل إتمامها، فأتمها وسجد للسهو بعد السلام.
قالوا: فيقتصر السجود بعد السلام على هذه الصورة وهي السلام قبل تمام الصلاة، ويبقى ما عداها من الصور على الأصل، وهو السجود قبل السلام.
القول الرابع: التفريق، فما كان عن نقص قبل السلام، وما كان عن زيادة فبعد السلام.
وهذا مذهب مالك.
قال ابن عبد البر: وبه يصح استعمال الخبرين جميعاً، وقال: واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادعاء النسخ.
أدلتهم على سجود السهو من زيادة يكون بعد السلام:
أ-حديث الباب في قصة ذي اليدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين، فلما ذكره ذو اليدين أتم صلاته ثم سلم ثم سجد للسهو ثم سلم.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم زاد في الصلاة حيث سلم قبل تمامها، والسلام قبل تمام الصلاة من الزيادة فيها.
ب- حديث ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أنه نص صريح في أن من زاد في صلاته سهواً، فإنه يسجد له بعد السلام.
وأدلتهم على أن سجود السهو من نقص يكون قبل السلام:
أ- حديث عبد الله بن بحيْنة (لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول نسياناً سجد للسهو قبل السلام).
وجه الدلالة: أنه نص صحيح صريح في أن من نقص في صلاته فإنه يسجد للسهو قبل السلام.
القول الخامس: أن محل السجود للسهو قبل السلام إلا في ثلاثة مواضع: إذا زاد في صلاته، أو سلم قبل تمامها، أو شك فبنى على غالب ظنه.
وبهذا قال ابن المنذر، واختاره ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين.
جمعاً بين الأحاديث.
وهذا القول هو الراجح.
•
هل يرجع إذا سبح به ثقة واحد أم لا بد من ثقتين؟
قيل: لا يرجع إلا لقول ثقتين وعلى هذا لو أنه سبح به ثقة من المأمومين فإنه لا يرجع.
وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
واستدلوا بحديث الباب، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل الصحابة
وقيل: إنه يرجع إلى قول ثقة واحد.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول ذي اليدين، وإنما شك النبي عليه الصلاة والسلام بانفراده به، كون الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم ينبه إلا ذي اليدين هذا حصل عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الشك فسأل الصحابة رضي الله تعالى عنهما، وهذا هو الصواب.
•
ما رأيك بقول من يقول: إنه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم السهو أصلاً؟
هذا باطل لوجوه:
أولاً: أنه صلى الله عليه وسلم صرح عن نفسه بالنسيان، فقال في حديث ابن مسعود (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون
…
).
ثانياً: أن الأفعال العمدية تبطل الصلاة.
ثالثاً: أن البيان كافٍ بالقول، فلا ضرورة إلى تعمد الفعل.
قالوا: ويدل على عدم نسيانه قوله صلى الله عليه وسلم (لم أنس)، وهذا على ظاهره وحقيقته وأنه كان تعمداً لذلك ليقع منه التشريع بالفعل لكونه أبلغ من القول.
ويكفي في رد هذا تقريره صلى الله عليه وسلم لذي اليدين على قوله (بلى قد نسيت) وأصرح منه قوله صلى الله عليه وسلم: (أنسى كما تنسون).
وبعضهم استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أنسى ولكن أنسّى لأسن)، فهذا يدل على عدم صدور النسيان منه
والرد على هذا بما قاله الحافظ ابن حجر: أن هذا الحديث لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد.
327 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث جاء من طريق أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمران بن حصين.
وأشعث تفرد بذكر: (التشهد) مخالفاً بقية الثقات الذين هم أوثق منه، أو أكثر عدداً.
فقد نص الحفاظ: البيهقي، وابن عبد البر، والحافظ ابن حجر، وابن المنذر، على أن ذكر التشهد يعتبر شاذاً تفرد به أشعث بن عبد الملك.
قال الحافظ: زيادة أشعث شاذة.
وقال ابن المنذر: لا أحسب يثبت.
فالحديث أخرجه مسلم من طريق آخر، وليس فيه ذكر التشهد.
من طريق خالد الحذاء عن قلابة عن أبي المهلب عن عمران (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقال له رجل يقال له الخرباق، وكان في يديه طول
…
ثم سلم، ثم سجد، ثم سلم) فهذا السياق عند مسلم، وليس فيه ذكر للتشهد.
•
هل يشرع التشهد بعد سجود السهو؟
اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: أنه لا يشرع.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لحديث عمران بن حصين كما في رواية مسلم (
…
فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم)
ففي هذا الحديث صلى النبي صلى الله عليه وسلم ما فاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم بعد السلام، وليس فيه تشهد.
ورجح هذا القول ابن عبد البر، والنووي، وابن المنذر.
قال ابن قدامة: وقال ابن سيرين، وابن المنذر (عن سجدتي السهو): فيهما تسليم بغير تشهد.
قال ابن المنذر: التسليم فيهما ثابت من غير وجهٍ، وفي ثبوت التشهد نظر. (المغني).
وقال النووي: ومن فوائد حديث ذي اليدين:
…
ومنها: إثبات سجود السهو، وأنه سجدتان، وأنه يكبر لكل واحدة منهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه، وأنه يسلم من سجود السهو، وأنه لا تشهد له، وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام.
القول الثاني: يتشهد بعد السلام.
وهو قول ابن مسعود، وقول النخعي، وقتادة، والثوري، وأصحاب الرأي.
لحديث الباب، زيادة (ثم تشهد ثم سلم).
والصحيح الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- الحديث دليل على أن السجود عن زيادة يكون بعد السلام.
- أن دخول الإمام بيته إذا كان قريباً لا يكون فاصلاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم، دخل بيته، ثم لما أخبر بذلك أنه صلى ثلاث ركعات، رجع وأكمل صلاته.
- وقوع السهو والنسيان من النبي صلى الله عليه وسلم.
- أن سجود السهو سجدتين
328 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً شَفَعْنَ] لَهُ [صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامً كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) أي: في عدد الركعات التي صلاها.
(فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ) وفي رواية النسائي (فليُلغِ الشك) من الإلغاء، والمراد أنه يطرح المشكوك فيه، وهو الزائد، فلا يأخذ به في البناء، يعني الركعة الرابعة.
(وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ) أي: يتم صلاته على المستيقَن، أي: المعلوم يقيناً، وهو الأقل.
(ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) فيه أن محل السجدتين إذا لم يترجح له أحد الطرفين يكون قبل السلام.
(ترغيماً) بفتح التاء، أي إلصاقاً لأنفه في الرغام، وهو التراب، والمراد إذلاله.
•
اذكر الحكم فيمن شك في صلاته، فلم يدر كم صلى؟
إذا شك المصلي فلا يدري كم صلى، ولم يترجح عنده شيء، فإنه يبني على اليقين [الأقل] ويكون سجوده قبل السلام.
قال النووي: من شك ولم يترجح له أحد الطرفين، بنى على الأقل بالإجماع.
•
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً شَفَعْنَ] لَهُ [صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامً كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ)؟
قال الطيبي: الضمير في قوله (شفعن) للركعات الخمس، وفي (له) للمصلي، يعني شفعت الركعات الخمس صلاة أحدكم بالسجدتين، يدل عليه قوله في الرواية الأخرى (شفعها بهاتين السجدتين) أي: شفع المصلي الركعات الخمس إلى السجدتين.
وقال ابن حجر الهيتميّ: (شفعن) أي: الركعة الخامسة والسجدتان، لرواية أبي داود (كانت الركعة نافلة والسجدتان) أي: وصارت صلاته شفعاً باقياً على حاله.
وفي رواية النسائي (شفعتا له صلاته) أي: صيّرت السجدتان صلاته شفعاً بعد أن كان وتراً بالخامسة، فكان كأنه صلى ست ركعات.
وقوله (وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامً كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) أي: وإن كان صلى تماماً ولم يحصل له نقص كانتا إرغاماً للشيطان، أي: إغاظة وإذلالاً له، لأنه لبّس على المصلي صلاته وأراد إفسادها، فجعل الله تعالى هاتين السجدتين طريقاً إلى جبر صلاته، ورداً للشيطان خاسئاً ذليلاً مبعداً عن مراده.
قال القرطبي: قوله (كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) معناه: غيظاً للشيطان، ومذلة له، لأنه لما فعل أربع ركعات أتى بما طُلبَ منه، ثم لما انفصل زاد سجوداً لله تعالى لأجل ما أوقع الشيطان في قلبه من التردد، فحصل للشيطان نقيض مقصوده، إذ كان إبطال الصلاة، فقد صحّت، وعادت وسوسته بزيادة خير وأجر.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب مراغمة الشيطان.
- هذا الحديث في حكم من شك في صلاته، هذا ما لم يكن الشك وسواساً يلازم الإنسان.
- أن الشيطان عدو للإنسان يحرص كل الحرص على إفساد صلاة العبد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الالتفات:(هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد).
329 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَحَدَثَ فِي اَلصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: " وَمَا ذَلِكَ؟ " قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا، قَالَ: فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ اَلْقِبْلَةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي اَلصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ اَلصَّوَابَ، فلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: - فَلْيُتِمَّ، ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ -.
وَلِمُسْلِمٍ: - أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ سَجْدَتَيْ اَلسَّهْوِ بَعْدَ اَلسَّلَامِ وَالْكَلَامِ -
330 -
وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ; مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ بْنِ جَعْفَرٍ مَرْفُوعاً (مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ) وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(أَحَدَثَ فِي اَلصَّلَاةِ شَيْءٌ؟) مرادهم السؤال عن حُدوث شيء من الوحي، يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهِدوه، وجاء في رواية (فلما سلم قيل له: أزيد في الصلاة؟) وفي رواية (فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله! هل زيد في الصلاة؟ قال: لا).
(وَمَا ذَلِكَ؟) أي: وما سبب هذا السؤال؟ وفيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة.
(قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذا) وفي رواية (قالوا: صليت خمساً).
(فَثَنَى رِجْلَيْه) أي: عطف صلى الله عليه وسلم رجليه، تأهباً للسجود.
(وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر) وفي رواية (مثلكم) أي: بشر في الأمور البشرية مثل سائر البشر، إلا أنه يوحى إليّ، كما قال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيّ).
(فَلْيَتَحَرَّ اَلصَّوَاب) أي: يعمل بغالب الظن، قال الحافظ: كون التحري بمعنى الأخذ بغلبة الظن هو ظاهر الروايات التي عند مسلم.
•
ما حكم المصلي إذا شك في صلاته، ولم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، وغلب على ظنه أحدهما؟
المصلي إذا شك في صلاته، ولم يدر كم صلى، ثلاثاً أم أربعاً وغلب على ظنه أحدهما، فإنه يعمل به ويسجد للسهو بعد السلام.
لحديث الباب (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين).
وللبخاري (فليتم، ثم يسلم، ثم يسجد).
وبهذا يجمع بين الحديث السابق، وبين هذا الحديث؟
قال النووي: وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك هل ثلاثاً أم أربعاً مثلاً، لزمه البناء على اليقين وهو الأقل، واحتجوا بحديث أبي سعيد (فليطرح الشك وليبن على ما استيقن
…
) وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين، وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين، قالوا: والتحري هو القصد.
فالخلاصة أن الشك في الصلاة ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يشك ولم يترجح عنده شيء.
فهذا يعمل باليقين وهو الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام.
لحديث أبي سعيد السابق (فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّم).
القسم الثاني: أن يشك ويترجح عنده أحد الأمرين، فيعمل به ويسجد للسهو بعد السلام.
لحديث الباب.
•
ما صحة حديث عَبْدِ بْنِ جَعْفَرٍ مَرْفُوعاً (مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ)؟
هذا الحديث ضعيف ولا يصح، وهو معارض لحديث أبي سعيد وابن مسعود.
فإن في هذا الحديث أن سجود السهو للشك يكون بعد السلام، وقد تقدم ما يعارض ذلك في حديثي أبي سعيد وابن مسعود وفيهما أن السجود للشك قبل السلام إن بنى على اليقين، وبعده إن بنى على غالب ظنه.
•
ما الحكم إذا شك في صلاته فعمل باليقين أو بما ترجح عنده حسب التفصيل المذكور ثم تبين له أن ما فعله مطابق للواقع وأنه لا زيادة في صلاته ولا نقص، هل يسقط للسهو أو يسقط؟
قيل: يسقط عنه سجود السهو.
لزوال موجب السجود وهو الشك.
وقيل: لا يسقط عنه.
أ- ليراغم به الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان).
ب- ولأنه أدى جزءً من صلاته شاكاً فيه حين أدائه
وهذا هو الراجح
مثال ذلك: شخص يصلي فشك في الركعة أهي الثانية أم الثالثة؟ ولم يترجح عنده أحد الأمرين فجعلها الثانية وأتم عليها صلاته ثم تبين له أنها هي الثانية في الواقع فلا سجود عليه على المشهور من المذهب، وعليه السجود قبل السلام على القول الثاني الذي رجحناه.
•
ما حكم المصلي إذا زاد في صلاته؟ ومتى يسجد؟
إذا زاد المصلي قياماً أو ركوعاً سهواً، فله حالتان:
الأولى: أن يذكر في أثناء قيامه.
فهنا يجب عليه أن يجلس في الحال ويسجد للسهو بعد السلام.
مثال: رجل قام إلى خامسة في العشاء، فتذكر ذلك وهو في القيام أو هو راكع؛ فإنه يرجع ويجلس فوراً، لأن هذه زيادة.
الحالة الثالثة: إن علم بالزيادة بعد سلامه؛ فإنه يسجد للسهو بعد السلام.
مثال: رجل لما سلم من الصلاة ذكر أنه صلى خمساً، فهنا يسجد للسهو، ويكون بعد السلام.
لحديث ابن مسعود قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فقلنا: يا رسول الله، أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، قال: إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون، ثم سجد سجدتين للسهو).
وفي رواية: (بعد السلام والكلام).
•
هل يجب على المأمومين أن ينبهوا الإمام إذا أخطأ؟
نعم، يجب عليهم أن ينبهوه إذا أخطأ، وهذا فيما إذا كان الخطأ مفسداً للصلاة.
وأما إذا كان الخطأ لا يفسد الصلاة فإنه لا يجب لكن يستحب.
مثال: لو قال (أهدنا الصراط المستقيم) فهنا يجب عليهم أن ينبهوه، لأن هذا الخطأ يفسد الصلاة، لأن (أهدنا) غير معنى (اهدنا)، لأن (أهدنا) أي: أعطنا هدية.
ولو قال (الحمدِ لله رب العالمين) فهنا لا يجب لكن الأفضل أن يردوا عليه. (الشيخ ابن عثيمين).
•
لكن هل يجب على غير المأمومين أن ينبهوا الإمام؟ كما لو شخص يصلي وبجانبه رجل جالس فرآه نسي سجدة؟
الأقرب أنه يجب، لأن هذا داخل في عموم قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). (الشيخ ابن عثيمين).
•
ماذا نستفيد من قوله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر)؟
أ- أنه صلى الله عليه وسلم يعتريه ما يعتري البشر من المرض والجوع والعطش والألم، لكنه يتميز بالرسالة.
ب- بطلان دعوى من يقول إنه يعلم الغيب.
ج- أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً، وأنه عبد كغيره من العبيد، وقد أمر الله أن يقول ذلك (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً).
•
هل يعتد المأموم بركعة الإمام الزائدة؟
مثال ذلك: إذا قام الإمام في الظهر مثلاً إلى خامسة ناسياً، وهناك مأموم لم يعلم بهذه الركعة الزائدة، وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر، أو جاء والإمام في هذه الركعة الزائدة ولم يعلم بها، فهل يعتد بهذه الركعة أم لا؟ قولان للعلماء:
قيل: لا يعتد بها.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
علل ذلك البهوتي: أنها زيادة لا يعتد بها الإمام ولا يجب على من علم الحال متابعته فيها، فلم يعتد بها المأموم.
وقيل: يعتد بها.
وبه قال الشافعي، وقال به من الحنابلة القاضي أبي يعلى، وابن قدامة، وابن سعدي.
علل ذلك السعدي: أن القول بأنه لا يعتد بها يقتضي جواز أن يزيد في الصلاة ركعة متعمداً وذلك مبطل للصلاة بإجماع العلماء، فيقتضي أن يصلي الفجر ثلاثاً والمغرب أربعاً والرباعية خمساً، والقول الذي يلزم منه خرق الإجماع ومخالفة الأدلة الشرعية غير صحيح، وهذا القول هو الراجح.
•
من خلال الأحاديث الماضية استخرج متى يكون سجود السهو قبل السلام ومتى يكون بعد السلام؟
من خلال الأحاديث السابقة يكون سجود السهو بعد السلام في حالات:
أولاً: إذا سلم الإمام ناسياً قبل تمام الصلاة.
ثانياً: إذا شك وغلب على ظنه أحد الأمرين.
ثالثاً: إذا زاد ركعة وتذكر بعد السلام.
ويكون قبل السلام:
أولاً: إذا ترك التشهد الأول نسياناً.
ثانياً: إذا شك لا يدري كم صلى، ولم يترجح عنده شيء.
•
ماذا نستفيد من قوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي اَلصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ)؟
فيه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على ما تقرّرت، وإن جُوّز النسخ.
•
هل يسجد للسهو من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام؟
نعم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أخْبِرَ بعد سلامه من الصلاة بالزيادة سجد للسهو.
•
إذا سها المصلي ونسي سجود السهو هل يسقط أم لا؟
إذا سها المصلي ونسي سجود السهو فقد اختلف الفقهاء في هذا الأمر:
ذهب الحنفية إلى أن يسجد ما دام في المسجد
وذهب المالكية إلي التفريق بين السجود القبلي والبعدي، فيسجد في القبلي إذا لم يخرج من المسجد، وفي البعدي عندما يذكره ولو بعد سنين
وعند الشافعية يسقط سجود السهو إذا طالت المدة بعد السلام ولا شيء عليه.
وعند الحنابلة يسقط سجود السهو بطول الفصل أو انتقاض الوضوء أو الخروج من المسجد.
والراجح أنه لو نسيه وخرج من المسجد فلا شيء عليه وصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى.
•
ماذا يقول المصلي في سجدتي السهو وبينهما؟
لم يرد - فيما نعلم - تخصيص سجدتي السهو بذكر معين، وعلى هذا يكون حكمهما حكم سجود الصلاة، فيقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، نحو (سبحان ربي الأعلى) والدعاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم.
ويقال بينهما ما يقال بين سجدتي الصلاة، نحو (رب اغفر لي).
وذكر بعض العلماء أنه يستحب أن يقال فيهما (سُبْحَانَ مَنْ لا يَنَامُ وَلا يَسْهُو).
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: لم أجد له أصلاً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فيه إقبال الإمام على الجماعة بعد الصلاة.
- مشروعية سجود السهو في الصلاة.
- وقوع السهو من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: فيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر القرآن والحديث، واتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه، بل يعلمه الله تعالى به.
331 -
وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ، فَقَامَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ، فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا، فَلْيَمْضِ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَتِمْ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه أبو داود وابن ماجه، وهو ضعيف.
لأن في إسناده جابر الجعفي، وهو رافضي متروك، كما قال الدارقطني.
قال البيهقي: لا يحتج به.
•
اذكر حالات ترك التشهد الأول؟
قال بعض العلماء: إن القيام عن التشهد الأول له أحوال:
أ- إن قرأ، يحرم الرجوع.
ب- إن استتم قائماً ولم يشرع بالقراءة، يكره رجوعه.
ج- إن لم يستتم قائماً، يرجع.
وسبق أن القول الصحيح له حالتين.
الأولى: إن استتم قائماً، فإنه لا يرجع.
لاشتغاله بفرض القيام، ويأتي بسجود السهو قبل السلام كما سبق في حديث ابن بحينة.
والثانية: إن ذكر قبل أن يستتم قائماً، فإنه لا يرجع.
•
لكن إن ذكر قبل أن ينتصب قائماً فهل عليه سجود سهو؟
في ذلك قولان:
قيل: لا سجود عليه.
أ-لحديث الباب (وَإِنْ لَمْ يَسْتَتِمْ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ).
ب- ولأنه استدرك الواجب فأتى به. (فهو لم يترك التشهد).
وقيل: عليه سجود.
ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
أ- لأنه ذلك ورد عن أنس.
ب-ولأنه أتى بزيادة وهي هذه الحركة.
والراجح الأول.
•
لو قام عن التشهد الأول ناسياً واستتم قائماً ثم رجع، هل تبطل صلاته أم لا؟
قيل: تبطل صلاته.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية.
أ-لأنه خالف الحديث.
ب- ولأنه ترك ركناً ليأتي بواجب أو سنة.
وقيل: إن شرع في القراءة ورجع بطلت صلاته، وإن لم يقرأ لم تبطل صلاته.
وهذا مذهب الحنابلة.
لأن القراءة هي الركن المقصود في القيام.
وقيل: لا تبطل مطلقاً.
قالوا: لأنه إنما رجع ليستدرك واجباً.
والراجح
332 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلَفَ اَلْإِمَامَ سَهْوٌ فَإِنْ سَهَا اَلْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، لأن في إسناده خارجة بن مصعب، وهو ضعيف.
قال أحمد: لا يكتب حديثه.
•
هل على المأموم سجود سهو إذا سها في صلاته؟
لا، فالإمام يتحمل عن المأموم السهو.
فلو نسي المأموم أو سها في صلاته، فليس عليه سجود سهو.
أ-لأن هذا ظاهر أحاديث سجود السهو.
ب- ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به
…
فلا تختلفوا
…
).
ج- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة أحكام سجود السهو، ولم يأمر المأمومين إذا سهوا أن يسجد الواحد منه، مع أن وقوع السهو منهم أمر لا يمكن لأحد إنكاره، ومع ذلك فلم ينقل أن أحداً منهم سجد بعد سلامه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعاً لفعلوه، ولو فعلوه لنقل.
وحكي إجماعاً.
•
هل يستثنى من ذلك شيء؟
استثنى العلماء من هذه المسألة إذا كان المأموم مسبوقاً بركعة فأكثر: فإنه يسجد لسهوه، سواء سها إمامه أو سها فيما انفرد به.
أ-لأجل أن يجبر صلاته، لأن له حكم الانفراد، بسبب أنه فاته ركعة أو أكثر.
ب-ولأنه إذا سجد بعد قضاء ما فاته، لا يكون مخالفاً لإمامه.
•
هل يجب على المأموم أن يتابع إمامه في سجود السهو؟
نعم، فالواجب على المأموم أن يتبع إمامه في الصلاة.
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
…
) رواه البخاري، سواء ابتدأها معه، أو كان مسبوقاً.
فإذا ابتدأ المأموم الصلاة مع الإمام وسها الإمام، وجب على المأموم متابعته في سجود السهو، للحديث المتقدم، وفيه (
…
وإذا سجد فاسجدوا
…
)، سواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده، لزيادة أو نقصان أو شك.
مثال ذلك: سهى الإمام فترك قول (سبحان ربي العظيم) في الركوع، ولا عِلْم للمأموم بما ترك الإمام، لكون التسبيح سراً، والمأموم لم يترك شيئاً من الأركان والواجبات، ولم يفته شيء من الصلاة، فلما أراد الإمام أن يسلم، سجد قبل السلام، لتركه واجب التسبيح، فعلى المأموم أن يتبع إمامه في هذا السجود وجوباً.
ثانياً: فإن فات المأموم شيء من الصلاة، بأن دخل الصلاة مسبوقاً:
فهنا يجب على المأموم متابعته في سجود السهو، إن كان قبل السلام.
مثال ذلك: قام الإمام عن التشهد الأول ناسياً، فإنه يلزمه السجود قبل السلام، والمأموم لحق بالإمام في الركعة الثانية، أو الثالثة، فيلزمه السجود تبعاً لإمامه، لأن الإمام لم تنقطع صلاته بعد، فإذا سلم الإمام، أتم المأموم ما فاته من الصلاة وسلم.
فإن سها الإمام بما يوجب السجود بعد السلام، فهل يلزم المسبوق متابعته في سجود السهو؟
الصحيح أنه إذا سجد الإمام بعد السلام، فلا يلزم المأموم متابعته:
أ-لتعذر ذلك؛ بسبب انقطاع المتابعة بسلام الإمام.
ب- لأن المأموم لو تابع الإمام في السلام عمداً بطلت صلاته.
فإذا أتم المأموم قضاء ما فاته، سجد للسهو بعد السلام إذا كان السهو فيما أدركه مع الإمام، وأما إذا كان السهو فيما مضى من صلاة الإمام قبل أن يدخل معه المأموم، لم يجب عليه السجود في هذه الحال.
•
ما الحكم إن سها المأموم مسبوقاً، والإمام لم يسهو، فهل عليه سجود؟ مثال ذلك: دخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية، وفي الجلسة بين السجدتين نسي أن يقول (رب اغفر لي) وسلم الإمام؟
حكمه: أنه يلزمه أن يتم صلاته ويسجد للسهو قبل السلام.
أ-لجبر النقص الحاصل في صلاته بترك واجب.
ب- ولأنه انفصل عن إمامه، فلا مخالفة في سجوده حينئذٍ.
333 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
===
•
ما صحة حديث الباب؟
أخرجه أبو داود وابن ماجه، والحديث سنده ضعيف.
وضعفه البيهقي، وعبد الحق الأشبيلي، والنووي، ومتنه مخالف للأحاديث الصحيحة، وفي إسناده زهير بن سالم، وهو ضعيف.
•
هل سجود السهو يتعدد بتعدد السهو في الصلاة؟
لا، لا يتكرر بتعدد السهو.
فالأحاديث التي سبقت تدل بظاهرها أن السهو ولو تعدد كفى فيه سجدتان.
أ-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) رواه مسلم.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين سها فسلم وتكلم بعد صلاته، وسجد لذلك سجوداً واحداً.
وقيل معناه صحيح، وهو أن معناه: ليس أن السجود يتكرر بتكرر السهو، وإنما معناه: أي سهو يكفي فيه سجدتان، وليس هذا مقصوراً على المواضع التي سها فيها الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذا تكرر السهو في الصلاة، فيكفي المصلي سجدتان، يجبران كل ما فات، وهذا ما عليه أكثر الفقهاء
قال في المغني: إذا سها سهوين أو أكثر من جنس كفاه سجدتان للجميع، لا نعلم أحداً خالف فيه، وإن كان السهو من جنسين، فكذلك، حكاه ابن المنذر قولاً لأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم النخعي والثوري، ومالك، والليث، والشافعي، وأصحاب الرأي.
مثال ذلك: شخص ترك في صلاة قول (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وترك التشهد الأول، وترك قول:(رب اغفر لي) في الجلسة بين السجدتين، في صلاة واحدة سهواً، فيكفيه سجدتان، لأن الواجب المتروك سهواً من جنس واحد، يجبره السجود قبل السلام، فدخل بعضها في بعض، كمن أحدث ببول وريح وغائط وأكل لحم جزور، فإنه يتطهر بوضوء واحد ولا يلزمه تعدد الوضوء بتعدد الأسباب.
334 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: - سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي: (إِذَا اَلسَّمَاءُ اِنْشَقَّتْ)، و:(اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) - رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
335 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ ((ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ اَلسُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
336 -
وَعَنْه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِالنَّجْمِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
337 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ (قَرَأْتُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اَلنَّجْمَ، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
338 -
وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ صلى الله عليه وسلم قَالَ (فُضِّلَتْ سُورَةُ اَلْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " اَلْمَرَاسِيلِ ".
339 -
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَزَادَ (فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا، فَلَا يَقْرَأْهَا) وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
===
•
ما صحة حديث خالد بن معدان؟
ضعيف لا يصح.
كذلك رواية أحمد عن عقبة بن عامر.
وضعفه: الترمذي، والمنذري، والنووي، وابن كثير، والقرطبي، والحافظ.
•
على ماذا تدل أحاديث الباب؟
تدل على مشروعية سجود التلاوة عند وجود سببه.
لأحاديث الباب.
ولحديث ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة ونحن عنده، فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه) متفق عليه.
قال النووي: فيه إثبات سجود التلاوة، وقد أجمع العلماء عليه.
وقد اختلف العلماء في وجوبه على قولين بعد اتفاقهم على مشروعيته (وستأتي المسالة إن شاء الله).
•
على ماذا يدل حديث أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالانشقاق، والعلق)؟
يدل على أن المفصل فيه سجود تلاوة.
وكذلك حديث زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم).
وهذا مذهب جماهير العلماء.
وذهب مالك على أنه لا سجود في المفصل.
لحديث ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة) رواه أبو داود.
•
ما الجواب عن حديث ابن عباس (
…
لم يسجد منذ تحول إلى المدينة).
الجواب من وجهين:
أولاً: أنه حديث ضعيف لمخالف للأحاديث الصحيحة.
ولذلك ضعفه البيهقي، وعبد الحق، والنووي، وابن حجر، وغيرهم.
ثانياً: على فرض ثبوته، فإن حديث أبي هريرة مقدم عليه، لأنه مثبت، وحديث ابن عباس نافٍ، والمثبت مقدم على النافي.
•
هل السجدة الثانية في الحج من مواضع السجود أم لا؟
أولاً: اتفق العلماء على أن السجدة الأولى في الحج من مواضع السجود، كما نقله النووي، وابن حجر.
ثانياً: الخلاف في السجدة الثانية.
ذهب الحنفية إلى أنها لا يسجد بها. قالوا: إن آخر الحج، السجود فيها سجود الصلاة، لاقترانه بالركوع، بخلاف الأولى، فإن السجود فيها مجرد عن ذكر الركوع.
والصحيح أنه يسجد فيها.
لورود الأحاديث في ذلك، لكنها لا تصح.
- كحديث عقبة بن عامر المذكور في الباب.
- وحديث عمرو بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن، منها: ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان) رواه أبو داود لكنه ضعيف
إلا أن عمل الصحابة على السجود فيها قد يستأنس به على مشروعيتها، ولا سيما لا يعرف لهم مخالف.
قال النووي: فممن أثبتها: عمر بن الخطاب، وعلي، وابن عمر، وأبو الدرداء، وأبو موسى، وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود.
قال ابن المنذر: قال أبو إسحاق _ يعني السبيعي التابعي الكبير _أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين.
•
هل سجدة (ص) من مواضع السجود؟
اختلف العلماء في ذلك:
ذهب الشافعية إلى أنه لا يسجد فيها.
لحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) وقال: سجد هنا داود توبة، ونحن نسجدها شكراً) رواه النسائي
والصحيح أنها موضع سجود.
لحديث أبي سعيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكن قد رأيتكم تشزنتم، فنزل وسجد وسجدوا) رواه أبو داود.
(التشزن): التأهب والتهيؤ.
فسجوده صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة.
ولحديث الباب حديث ابن عباس (ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها).
قوله (ليست من عزائم السجود) أي: ليست من السجدات المؤكدات التي ورد في السجود فيها أمر أو تحضيض أو حث كغيرها من سجدات القرآن، وإنما وردت بصيغة الإخبار عن داود عليه السلام أنه سجدها، وسجدها نبينا صلى الله عليه وسلم اقتداء به.
الخلاصة: عدد السجدات:
مذهب الحنابلة: 15 سجدة.
مذهب الشافعية: 14 سجدة، لم يحسبوا سجدة (ص).
مذهب مالك: 11 سجدة، أسقطوا سجدات المفصل.
مذهب أبو حنيفة: 14 سجدة، أسقطوا السجدة الثانية من الحج.
فائدة: اتفق العلماء على مشروعية السجود في عشرة مواضع، وهي متوالية، إلا ثانية الحج و (ص).
•
ثبت في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، فلم لم يسجد كما في حديث زيد بن ثابت؟
قيل: تركه لبيان الجواز.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا أرجح الاحتمالات، وبه جزم الشافعي.
وقيل: يحتمل أنه ترك السجود فيها لأن زيداً هو القاراء ولم يسجد، ولو سجد لسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر هذا الجواب أبو داود والترمذي، وذكره أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية.
•
ماذا يقال في سجود التلاوة؟
يقول ما يقوله في سجود الصلاة (سبحان ربي الأعلى).
وقد جاءت أدعية أخرى اختلف العلماء في صحتها:
منها: جاء في حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين) رواه أبو داود.
ومنها: ما جاء عن ابن عباس قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم، كأني أصلي إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللهم احطط بها عني وزراً، واكتب لي بها أجراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، قال ابن عباس: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة). رواه الترمذي
•
هل تشترط الطهارة لسجود التلاوة خارج الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يشترط.
وهذا مذهب الشافعية، وبه قال أكثر الحنابلة.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)، قالوا: فيدخل في عمومه السجود.
ب- القياس على سجود السهو بعد السلام، فكما اشترطت الطهارة له، فكذلك تشترط الطهارة لسجود التلاوة.
القول الثاني: لا يشترط له ما يشترط للصلاة.
وهذا اختيار بعض المحققين، كابن جرير، وابن حزم، وابن القيم، والشوكاني.
أ-لحديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس) متفق عليه
وجه الدلالة من وجهين:
الأول: سجود المشركين، وهم على ما هم عليه من الحدث، وأُقرُّوا على ذلك، وسمى الصحابة فعلهم هذا سجوداً.
والثاني: أنه يبعد أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء، لأنهم لم يتأهبوا لذلك، فيكون سجودهم مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك دليلاً على عدم اشتراط الطهارة لسجود التلاوة.
ب- ما جاء عن ابن عمر (أنه كان يسجد للتلاوة على غير وضوء) رواه ابن أبي شيبة والبخاري تعليقاً.
وهذا القول هو الصحيح.
•
هل إذا مر بآية سجدة وتجاوزها ونسي أن يسجد؟ هل يرجع ويسجد أم لا؟
إن ذكر مع قرب الفصل سجد، وإن تجاوزها وطال الفصل فإنه لا يسجد، لأن القاعدة عند أهل العلم: أن السنة إذا فات محلها فإنها تسقط، لأنها عُلّقت بسبب فزال. (الشيخ ابن عثيمين).
•
من الذي يسجد؟
الذي يسجد القارئ والمستمع دون السامع.
لقول ابن عمر (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد، ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته). متفق عليه
(السامع) الذي لم يقصد الاستماع.
قال ابن قدامة: ويسن السجود للتالي والمستمع، لا نعلم في هذا خلافاً، وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها. وقد روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن ابن عمر، قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة، فيسجد، ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته).
فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له.
وروي ذلك عن عثمان، وابن عباس، وعمران، وبه قال مالك.
وقال أصحاب الرأي: عليه السجود. وروي نحو ذلك عن ابن عمر، والنخعي، وسعيد بن جبير، ونافع، وإسحاق; لأنه سامع للسجدة، فكان عليه السجود كالمستمع. وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود، وإن سجد فحسن.
ولنا ما روي عن عثمان رضي الله عنه: أنه مر بقاص، فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه، فلم يسجد. وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال ابن مسعود، وعمران: ما جلسنا لها. وقال سلمان: ما عدونا لها. ونحوه عن ابن عباس، ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها. فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد، فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم; ولا يصح قياس السامع على المستمع، لافتراقهما في الأجر. (المغني).
•
هل يشرع سجود التلاوة في الصلاة الجهرية؟
نعم، يشرع لحديث أبي هريرة.
•
هل يسجد في وقت النهي؟
نعم، لأن السجود ليس بصلاة على القول الراجح، والأحاديث الواردة في النهي مختصة بالصلاة.
•
هل يشرع سجود التلاوة في الصلاة السرية؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يجوز.
وهذا مذهب الشافعية.
لحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأيت أنه قرأ: تنزيل السجدة) رواه أبو داود وهو ضعيف.
القول الثاني: أنه يكره.
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
لأن في ذلك إيهاماً للمأمومين.
•
ما الحكم إذا كان الإنسان يكرر الآية التي فيها سجدة من أجل الحفظ، فهل يكرر السجود؟
اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة، والصحيح أنه يكفيه أن يسجد سجدة واحدة، دفعاً للحرج والمشقة، فيسجد إذا قرأ آية السجدة أول مرة ثم لا يعيد السجود مرة أخرى.
وهذا هو مذهب الأحناف، وقال به بعض الشافعية والحنابلة، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على قارئ القرآن عندما يمر بآية فيها سجدة أن يسجد؟ وإذا كان الإنسان يكرر الآية للحفظ فهل يسجد في كل مرة؟
فأجاب: لا يجب عليه أن يسجد، سواء قرأ الآية التي فيها السجود مرة واحدة أم تكررت عليه الآيات التي فيها سجود، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في إحدى خطب الجمع آية فيها سجدة، وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال (إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء). فسجود التلاوة سنة وليس بواجب.
وإذا تكررت الآيات فإن كان الإنسان يكرر ليحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ مثلاً في سورة الحج، فسجد في السجدة الأولى، وأتى على السجدة الثانية فليسجد فيها أيضاً، وإن كان الفصل ليس طويلاً.
• إن كان الإنسان يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم بواسطة جهاز التسجيل، ومر القارئ بآية فيها سجدة تلاوة، فهل يسجد؟
لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه زيد بن ثابت رضي الله عنه سورة النجم ولم يسجد، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم وجوب سجود التلاوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على زيد تركه، كما دل الحديث أيضاً على أن المستمع لا يسجد إلا إذا سجد القارئ. (الشيخ ابن باز).
340 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ (يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. وَفِيهِ إِنَّ اَللَّهَ] تَعَالَى [لَمْ يَفْرِضْ اَلسُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ) وَهُوَ فِي " اَلْمُوَطَّأِ ..
===
•
الحديث له قصة اذكرها؟
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِىِّ (أن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رضي الله عنه.
وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلاَّ أَنْ نَشَاءَ.
•
هل سجود التلاوة واجب أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب الحنفية، وهو اختيار ابن تيمية.
أ-لقوله تعالى (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُون) فذمهم الله على ترك السجود.
ب-ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرّ ابن آدم بالسجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار) رواه مسلم.
فقوله (أمر ابن آدم) والأمر للوجوب.
القول الثاني: أنه سنة غير واجب.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لحديث زيد بن ثابت قال: (قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها) ولو كان واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم به.
ب- ولحديث الباب (فعل عمر)، ووجه الدلالة منه من وجهين:
الأول: قوله (ومن لم يسجد فلا إثم عليه).
والثاني: أن هذا كان بحضرة الجمع الكثير من الصحابة ولم ينكر ذلك عليه أحد.
قال الحافظ ابن حجر: قوله (ومن لم يسجد فلا إثم عليه) قال: ظاهرة في عدم الوجوب.
قوله (ولم يسجد عمر) قال الحافظ: فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة.
وقال النووي: وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذا الموطن والمجمع العظيم دليل ظاهر في إجماعهم على أنه ليس بواجب.
وقال الشوكاني: تصريحه - يعني عمر - بعدم الفرضية، وبعدم الإثم على التارك، في مثل هذا الجمع من دون صدور إنكار يدل على إجماع الصحابة على ذلك.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الجواب عن قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُون)؟
الجواب: أن المراد بالسجود هنا: سجود الذل والخضوع. (الشيخ ابن عثيمين).
•
ما حكم قراءة ما فيه سجدة حال الخطبة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: الجواز.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لفعل عمر كما في حديث الباب.
ب-ولحديث أبي سعيد قال (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، .. ) رواه أبو داود.
القول الثاني: يكره.
وهذا مذهب مالك.
أ-لأنه يخل بالخطبة لزوال نظامها.
ب-ولأنه إذا لم يسجد دخل في الوعيد، وإن سجد كان فيه التخليط على الناس إذ يتوهمون الفراغ من الخطبة والقيام إلى الناس.
وهذا فيه نظر، إذ لا وعيد على ترك سجود، وأما التخليط فغير متحقق مع جهره بالسجدة، وإعلامهم بأنه سيسجد للتلاوة.
والقول الأول هو الصحيح.
•
اذكر بعض الفوائد من الحديث:
- مشروعية السجود للمستمع.
- أن القارئ إذا لم يسجد فإن السامع لا يسجد.
341 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا اَلْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ، كَبَّرَ، وَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ لِيِنٌ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث ضعيف، فقد جاء من طريق عبد الله بن عمر (المكبر) عن نافع عن ابن عمر.
وعبد الله بن عمر ضعيف، وتفرد بهذه اللفظة.
ولذلك ضعف الحديث النووي، والحافظ ابن حجر.
•
ما حكم التكبير لسجود التلاوة خارج الصلاة والرفع منه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يسن التكبير في الهوي والرفع منه.
وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
أ-لحديث الباب (فإذا مر بالسجدة كبّر) فإن فيه التكبير للهوي.
ب-ولأنه سجود منفرد، فشرع التكبير في ابتدائه والرفع منه، كسجود السهو بعد السلام.
ج-وقياساً على سجدات الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في كل خفض ورفع.
القول الثاني: يكبر في الخفض دون الرفع.
وذهب إليه جماعة من العلماء ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
لحديث الباب.
القول الثالث: لا يشرع التكبير مطلقاً.
لعدم الدليل على إثبات التكبير لسجود التلاوة خارج الصلاة، والسنن لا تثبت إلا بدليل صحيح.
وهذا اختيار ابن تيمية.
وهذا هو الصحيح.
•
هل يكبر داخل الصلاة؟
نعم، السجدة إذا كانت في الصلاة فإنه يكبر لها إذا سجد، لأنه له حكم سجود الصلاة، وقد جاء في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر كلما خفض ورفع.
•
ما رأيك فيما يفعله بعض الناس داخل الصلاة من أنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا رفع؟
هذا وهْم منه، وليس الفعل مبنياً على أصل صحيح. (الشيخ ابن عثيمين).
342 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ سَاجِداً لِلَّهِ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
343 -
وَعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: (سَجَدَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ اَلسُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ آتَانِي، فَبَشَّرَنِي، فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْراً) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ
344 -
وَعَنْ اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى اَلْيَمَنِ - فَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ - قَالَ: فَكَتَبَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلْكِتَابَ خَرَّ سَاجِدًا) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ.
وَأَصْلُهُ فِي اَلْبُخَارِيِّ.
===
•
ما الذي تفيده أحاديث الباب؟
تفيد مشروعية سجود الشكر عند وجود سببه.
هذه الأحاديث الثلاثة كلها صحيحة، ولها ما يشهد لها.
ومن الأدلة على مشروعيته:
أ-حديث الباب - حديث أبي بكرة - (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره أو بشر به خرّ ساجداً لله تعالى).
ب-ولحديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إني لقيت جبريل عليه السلام، فبشرني وقال: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكراً) رواه الحاكم.
ج-وعن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في [ص] وقال: سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً) رواه النسائي.
د-ونقل فعله عن كثير من السلف:
فقد روي عن أبي بكر أنه سجد لما جاءه خبر فتح اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب. رواه عبد الرزاق
وروي أن أمير المؤمنين عمر، سجد لما جاءه خبر بعض الفتوحات في عهده.
وسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين وجد ذا الثدية مع قتلى الخوارج بعد وقعت النهروان بينه وبينهم، لأنه عرف أنه على الحق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الخوارج أنهم شرّ الناس، وأن سيماهم أن منهم رجلاً ليس له ذراع، وعلى رأس عضده مثل ملحة الثدي.
- وثبت أن كعب بن مالك سجد لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه.
•
هل قال بعض العلماء بكراهته؟
نعم، روي هذا القول عن إبراهيم النخعي، وهو المشهور من مذهب المالكية.
لما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي
…
فمطرنا
…
).
قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولاً، ولا لدفع نقمته آخراً.
والراجح القول الأول وهو قول الجمهور.
والجواب عن دليل من قال بالكراهة: أن ترك السجود في بعض المواضع، لا يدل على أن سجود الشكر غير مستحب.
•
متى يشرع سجود الشكر؟
يشرع سجود الشكر عند مفاجأة نعمة عامة ظاهرة، وعند اندفاع بلية عامة ظاهرة.
وكذلك يستحب للمسلم السجود عند حدوث نعمة خاصة به، أو اندفاع نقمة عنه.
فقد سجد كعب بن مالك شكراً لما بشر بتوبة الله عليه.
وقد ذكر كثير من العلماء: أنه لا يستحب السجود للنعم المستمرة، كنعمة الإسلام، ونعمة العافية، ونعمة الحياة، ونعمة الغنى عن الناس.
لأن نعم الله دائمة لا تنقطع، فلو سجد لذلك لاستغرق عمره في السجود.
قال النووي رحمه الله في "المجموع"(3/ 564): قال الشافعي والأصحاب: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة، سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين. قال أصحابنا: وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم; لأنها لا تنقطع " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين"(2/ 296): فإن النعم نوعان: مستمرة، ومتجددة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر; شكرا لله عليها، وخضوعا له وذلا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين.
•
هل يشترط لسجود الشكر طهارة؟
اختلف العلماء: هل يشترط له الطهارة؟ على قولين:
القول الأول: لا يشترط له الطهارة.
وهذا قول ابن جرير، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني.
أ-لعدم الدليل.
ب-أن ظاهر حديث أبي بكرة وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها سجود الشكر، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود.
قال ابن القيم: وكانوا يسجدون عقبه، ولم يؤمروا بوضوء، ولم يخبروا أنه لا يفعل إلا بوضوء، ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة، فلو تركها لفاتت مصلحتها.
ج-لو كانت الطهارة وغيرها من شروط الصلاة واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
د-أن سجود الشكر يأتي فجأة، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ، زوال لسرّ المعنى الذي شرع السجود لأجله.
القول الثاني: يشترط له الطهارة.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
قالوا: أن السجود المجرد صلاة، لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله، فشرط له الوضوء.
والراجح الأول.
•
هل لسجود الشكر تكبير في أوله أو في آخره؟
ليس لسجود الشكر تكبير لا في أوله ولا في آخره، لعد ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه.
•
ماذا يقال في سجود الشكر؟
ليس له ذكر معين، بل يستحب أن يأتي بذكر يناسب المقام.
قال الشوكاني: ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل، لأن السجود سجود شكر.
•
هل يسجد للشكر في الصلاة؟
لا يجوز السجود للشكر في الصلاة.
لأن سبب السجود في هذه الحالة ليس من الصلاة، وليس له تعلق بها، بخلاف سجود التلاوة.
•
هل هناك صلاة تسمى صلاة شكر؟
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر.
بَابُ صَلَاةِ اَلتَّطَوُّعِ
• صلاة التطوع: كل طاعة ليست بواجبة.
• والتطوع أقسام:
تطوع مطلق.
كأن يصلي في أي وقت ما عدا أوقات النهي.
وتطوع مقيد بوقت: كالوتر.
وتطوع مقيد بفرض: كالسنن الرواتب.
وتطوع مقيد بسبب: كتحية المسجد.
345 -
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ (قَالَ لِي اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي اَلْجَنَّةِ. فَقَالَ: أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ اَلسُّجُودِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
•
ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (بكثرة السجود)؟
المراد بالسجود هنا صلاة التطوع، لأن السجود بغير صلاة أو لغير سبب غير مرغّب فيه على انفراده، وعبر عن الصلاة هنا بالسجود، لأن السجود من أركانها، وقد يعبّر عن الشيء بما هو من أركانها كما قال تعالى (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي: صلوا مع المصلين.
قال النووي: فيه الحث على كثرة السجود والترغيب به، والمراد به السجود في الصلاة.
•
لماذا ذكر المصنف رحمه الله هذا الحديث في أول باب صلاة التطوع؟
ذكره في أول الباب لأنه يدل على فضل الإكثار من صلاة التطوع، وأنها من أعظم الطاعات، وأعظم الأسباب لعلو الدرجات في جنات النعيم.
•
اذكر بعض فوائد التطوع؟
أولاً: جبر ما يكون في المفروضة من نقص.
قال صلى الله عليه وسلم (إن أول ما يحاسب به الناس يوم القيامة الصلاة، قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته - وهو أعلم - انظروا في صلاة عبدي، أتمها أم نقصها، فإن كانت تامة، كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا، هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه) رواه أبو داود.
ثانياً: من أسباب محبة الله.
قال صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى:
…
لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.
ثالثاً: من أسباب دخول الجنة.
كما في حديث الباب.
وكما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة). رواه مسلم
رابعاً: الحصول على الأجر المترتب عليها.
خامساً: ترويض النفس على الطاعة، وتهيئتها للفرائض.
سادساً: شغل الوقت بأفضل الطاعات.
سابعاً: الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
• التطوع ينقسم إلى قسمين، اذكرهما:
أولاً: تطوع مطلق.
وهو الذي لم يأتِ به الشارع بحد.
مثال: صدقة التطوع، لك أن تتبرع في سبيل الله بما شئت، ولك أن تتطوع بالصلاة في الليل والنهار مثنى مثنى.
ثانياً: التطوع المقيد.
وهو ما حد له حد في الشرع.
مثال: سنة الفجر.
• على ماذا يدل قول ربيعة للنبي صلى الله عليه وسلم: أسألك مرافقتك في الجنة؟
يدل على علو همة ربيعة، وهكذا المسلم ينبغي أن يكون عالي الهمة.
وقد حث القرآن والسنة على علو الهمة:
قال تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
وقال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين).
وقال تعالى (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون).
وقال تعالى (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون).
وقال صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا).
وقال صلى الله عليه وسلم (لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه).
وقال صلى الله عليه وسلم (لأعطين الراية رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها، حتى قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ).
وعن عطاء بن أبي رباح قال: (قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: إني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها) متفق عليه.
ومما يدل على علو همتهم وتسابقهم في الخيرات: ففي سنن أبي داود: (أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط) رواه أبو داود.
•
ما أفضل التطوعات؟
اختلف العلماء في أفضل التطوعات على أقوال:
القول الأول: الجهاد في سبيل الله.
وهذا المذهب.
قال أحمد: لا أعلم شيئاً بعد الفرائض أفضل من الجهاد.
قال ابن تيمية: الجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة، ومن صلاة التطوع، والصوم التطوع، كما دل عليه الكتاب والسنة.
للأدلة الكثيرة في فضل الجهاد:
كقوله صلى الله عليه وسلم (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها).
وغيره من الأحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم:(مثل المجاهد في سبيل الله، كالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر).
القول الثاني: العلم وتعليمه.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
لنفعه المتعدي.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). رواه الترمذي
القول الثالث: أن أفضل ما تطوع به الصلاة.
وهذا مذهب الشافعي.
لحديث الباب.
قال ابن تيمية في رده على الرافضي بعد أن ذكر تفصيل أحمد للجهاد، والشافعي للصلاة، وأبي حنيفة ومالك للعلم: والتحقيق أنه لا بد لكل من الآخرين، وقد يكون كل واحد أفضل في حالٍ، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، بحسب المصلحة والحاجة.
وقال: وأفضل الجهاد والعمل الصالح ما كان أطوع للرب، وأنفع للعبد، فإذا كان يَضُرُّه ويمنعه مما هو أنفع منه لم يكن ذلك صالحاً.
وقال: ولكن خير الأعمال ما كان لله أطوع، ولصاحبه أنفع، وقد يكون ذلك أيسر العملين، وقد يكون أشدهما، فليس كل شديد فاضلاً، ولا كل يسير مفضولاً، بل الشرع إذا أمرنا بأمر شديد، فإنما يأمر به لما فيه من المنفعة لا لمجرد تعذيب النفس، كالجهاد الذي قال فيه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَر).
•
ما الأفضل كثرة السجود أم طول القيام؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أن طول القيام أفضل من كثرة العدد.
وهذا قول جمهور الحنفية، والمالكية - في قول - والشافعية.
لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال (إنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلِّي حتى ترم قدماه - أو ساقاه - فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً) متفق عليه.
القول الثاني: أن الأفضل كثرة الركوع والسجود.
وهذا مذهب المالكية في الأظهر، وهو وجه عند الحنابلة.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم.
القول الثالث: أنهما سواء.
وهذا اختيار ابن تيمية.
لحديث حذيفة قال (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه) رواه مسلم.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثالث، قال رحمه الله:
وقد تنازع الناس، هل الأفضل طول القيام؟ أم كثرة الركوع والسجود؟ أو كلاهما سواء؟ على ثلاثة أقوال: أصحها أن كليهما سواء، فإن القيام اختص بالقراءة، وهي أفضل من الذكر والدعاء، والسجود نفسه أفضل من القيام، فينبغي أنه إذا طوَّل القيام أن يطيل الركوع والسجود، وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت، فإن القنوت هو إدامة العبادة، سواء كان في حال القيام، أو الركوع أو السجود، كما قال تعالى:(أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً)، فسمَّاه قانتاً في حال سجوده، كما سمَّاه قانتاً في حال قيامه.
وقال: وقد تنازع العلماء: أيما أفضل: إطالة القيام؟ أم تكثير الركوع والسجود؟ أم هما سواء؟ على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن أحمد، وقد ثبت عنه في الصحيح " أي الصلاة أفضل؟ قال:(طول القنوت) "، وثبت عنه أنه قال:(إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة; وحط عنك بها خطيئة) رواه مسلم، وقال لربيعة بن كعب:(أعنِّي على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم، ومعلوم أن السجود في نفسه أفضل من القيام، ولكن ذكر القيام أفضل، وهو القراءة، وتحقيق الأمر: أن الأفضل في الصلاة أن تكون معتدلة، فإذا أطال القيام، يطيل الركوع والسجود، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، كما رواه حذيفة وغيره، وهكذا كانت صلاته الفريضة، وصلاة الكسوف، وغيرهما: كانت صلاته معتدلة، فإن فضَّل مفضِّل إطالة القيام والركوع والسجود مع تقليل الركعات، وتخفيف القيام والركوع والسجود مع تكثير الركعات: فهذان متقاربان، وقد يكون هذا أفضل في حال، كما أنه لما صلى الضحى يوم الفتح صلَّى ثماني ركعات يخففهن، ولم يقتصر على ركعتين طويلتين، وكما فعل الصحابة في قيام رمضان لما شق على المأمومين إطالة القيام.
وقال ابن القيم: وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي الْقِيَامِ وَالسّجُود أَيّهُمَا أَفْضَلُ؟
فَرَجّحَتْ طَائِفَةٌ الْقِيَامَ لِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنّ ذِكْرَهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ فَكَانَ رُكْنُهُ أَفْضَلَ الْأَرْكَانِ.
وَالثّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى (وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ).
الثّالِثُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الصّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ السّجُودُ أَفْضَلُ.
وَاحْتَجّتْ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ.
وَبِحَدِيثِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ حَدّثَنِي بِحَدِيثٍ عَسَى اللّهُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ؟ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالسّجُودِ، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلّهِ سَجْدَةً إلّا رَفَعَ اللّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً قَالَ مَعْدَانُ ثُمّ لَقِيتُ أَبَا الدّرْدَاءِ فَسَأَلْته فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِي وَقَدْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنّةِ (أَعِنّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السّجُودِ).
وَأَوّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةُ (اقْرَأْ) عَلَى الْأَصَحّ وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).
وَبِأَنّ السّجُودَ لِلّهِ يَقَعُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كُلّهَا عُلْوِيّهَا وَسُفْلِيّهَا.
وَبِأَنّ السّاجِدَ أَذَلّ مَا يَكُونُ لِرَبّهِ وَأَخْضَعُ لَهُ وَذَلِكَ أَشْرَفُ حَالَاتِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا كَانَ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَبِأَنّ السّجُودَ هُوَ سِرّ الْعُبُودِيّةِ فَإِنّ الْعُبُودِيّةَ هِيَ الذّلّ وَالْخُضُوعُ يُقَالُ طَرِيقٌ مُعَبّدٌ أَيْ ذَلّلَتْهُ الْأَقْدَامُ وَوَطّأَتْهُ وَأَذَلّ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ وَأَخْضَعُ إذَا كَانَ سَاجِدًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الصّوَابُ أَنّهُمَا سَوَاءٌ وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ بِذِكْرِهِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ وَالسّجُودُ أَفْضَلُ بِهَيْئَتِهِ فَهَيْئَةُ السّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ هَيْئَةِ الْقِيَامِ وَذِكْرُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ السّجُودِ وَهَكَذَا كَانَ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنّهُ كَانَ إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ كَمَا فَعَلَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي صَلَاةِ اللّيْلِ وَكَانَ إذَا خَفّفَ الْقِيَامَ خَفّفَ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ فِي الْفَرْضِ كَمَا قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ وَاعْتِدَالُهُ قَرِيبًا مِنْ السّوَاءِ وَاَللّه أَعْلَمُ .... (زاد المعاد).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد أن يدخله الجنة.
- حرص الصحابة على الفوز بمرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة.
- قوله (مرافقتك) المراد القرب منه صلى الله عليه وسلم، لا أن يساويه في المنزلة.
- اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في إصلاح أصحابه وترتيبهم.
- أن أفضل الطاعات تحقيق العبودية.
- أن نظر الصحابة إلى الآخرة.
- الصحابي ربيعة بن كعب أحد المتشرفين بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه بوضوئه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على عمله وخدمته.
- ففيه كرم النبي صلى الله عليه وسلم بمكافأة هذا الصحابي، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من صنع إليكم معروفاً فكافئوه).
- جواز استخدام الرجل الحر.
- الجنة إنما تنال بمجاهدة النفس في الطاعة.
346 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: - حَفِظْتُ مِنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ اَلظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ اَلصُّبْحِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (َرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْجُمْعَةِ فِي بَيْتِهِ).
347 -
وَلِمُسْلِمٍ (كَانَ إِذَا طَلَعَ اَلْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ).
348 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ اَلْغَدَاةِ). رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ
===
(كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ اَلظُّهْر) أي: قبل صلاة الظهر لا قبل دخول الوقت.
(وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ اَلْغَدَاة) أي: قبل صلاة الفجر.
•
كم عدد السنن الرواتب؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها عشر. (الخلاف في الركعتين قبل الظهر هل هي أربع أم اثنتين).
لحديث الباب - حديث ابن عمر - قال (حفظت .. وركعتين قبل الظهر
…
).
فعلى هذا القول يكون قبل الظهر ركعتين، وهذا هو المشهور عند الحنابلة.
القول الثاني: أن السنن الراتبة ثنتا عشرة ركعة. (بزيادة ركعتين قبل الظهر فتكون أربعاً).
وهذا قول الحنفية، واختاره ابن تيمية.
لحديث أُم حَبِيبَة قَالَتْ: سَمِعْتَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ صَلَّى اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي اَلْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ (تَطَوُّعًا).
ولحديث عائشة - حديث الباب - (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ اَلْغَدَاةِ).
وهذا هو الصحيح.
•
ما الأفضل أن تفعل السنن الرواتب وبقية النطوعات؟
الأفضل أن تفعل التطوعات في البيت.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) متفق عليه.
ج-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً) رواه مسلم.
د- حديث الباب.
لكن ظاهر الحديث أن راتبة الجمعة والمغرب والعشاء الأفضل أن تصلى في البيت، وسكت عن مكان راتبة الفجر وكذا الظهر:
لكن وقع في رواية للبخاري عن ابن عمر قال (وحدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها).
وأما راتبة الظهر: فقد ورد في حديث عائشة لما سئلت عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم قال (كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس
…
) رواه مسلم.
•
هل هذا الحكم حتى لو كان الإنسان في مكة أو المدينة؟
نعم، فالأفضل أن يصلي التطوع في بيته حتى لو كان في مكة أو بالمدينة.
•
ما الحكمة في أن صلاة النافلة في البيت أفضل؟
قال النووي مبيناً الحكمة:
أ- لكونه أخفى وأبعد من الرياء.
ب- وأصون من المحبطات.
ج- وليتبرك البيت بذلك.
د-وتنزل فيه الرحمة والملائكة.
هـ- وينفر منه الشيطان. (انتهى كلام النووي).
و-أن فعلها في المنزل يخرج البيت عن كونه مقبرة.
ز-امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
•
أيهما أفضل في الأجر: التبكير إلى المسجد وحضور الصف الأول، أم صلاة السنة الراتبة في البيت، وبذلك يفوت الصف الأول؟
الذي يظهر لي أن الأفضل أن تصلي في البيت؛ لأن مخاطبتك بالراتبة قبل مخاطبتك بالصف، ويُبدأ بالأول فالأول، فصلِّ الراتبة ثم اذهب إلى المسجد، وكن حيثما تجد المكان. (الشيخ ابن عثيمين).
•
ما وقت السنة الراتبة؟
قال ابن قدامة: كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها.
• ما الحكم إذا فاتته سنة الظهر القبلية، فهل بعد الفريضة يبدأ بالبعدية أولاً أو الفائتة؟
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا كان للصلاة سنتان قبلها وبعدها، وفاتته الأولى، فإنه يبدأ أولاً بالبعدية، ثم ما فاتته.
مثال: دخل والإمام يصلي الظهر - وهو لم يصلّ راتبة الظهر - فإذا انتهت الصلاة يصلي أولاً الركعتين اللتين بعد الصلاة ثم يقضي الأربع التي قبلها.
•
هل هذه السنن الرواتب تفعل في السفر أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين؟
القول الأول: أنها مستحبة في السفر.
وهذا قول الحنفية، والمالكية، والشافعية.
أ-لعموم الأحاديث التي تحث عليها.
كحديث ابن عمر قال (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات
…
).
وحديث أم حبيبة. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من صلى لله ثنتي عشرة ركعة
…
).
وجه الدلالة: أن الترغيب في هذه النوافل مطلق، فيشمل الحضر والسفر.
ب- القياس على النوافل المطلقة، فكما استحب للمسافر صلاتها، فإنه يستحب له صلاة الرواتب، بجامع الترغيب الوارد في كل منهما.
القول الثاني: أن راتبة الظهر والمغرب والعشاء لا تفعل، وتفعل جميع التطوعات والنوافل في السفر.
وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله.
أ-لحديث ابن عمر قال: (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر) وقال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
ب- قول ابن عمر (ولو كنت مسبحاً لأتممت).
قال ابن حجر: ومراد ابن عمر بقوله: (لو كنت مسبحاً لأتممت) يعني أنه لو كان مخيراً بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليهم .... (مسبحاً) المسبح هنا المتنفل.
أي: فإذا قصرت الفريضة تخفيفاً على المكلف، فترك التنفل بالرواتب من باب أولى.
وهذا القول هو الصحيح.
قال الشيخ ابن عثيمين: الذي تبين لنا من السنة أن الذي يسقط في السفر ثلاثة أشياء فقط والباقي باق على ما هو عليه، والثلاث هي: سنة الظهر الراتبة، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء، ثلاثة، والباقي افعله كما تشاء، حتى الظهر لو شئت أن تصلي تطوعاً بدون راتبة فلا بأس، إذاً: سنة الضحى مشروعة، التهجد في الليل مشروع، الوتر مشروع، سنة الفجر مشروعة، تحية المسجد مشروعة، كل النوافل باقية على أصلها إلا ثلاث، هي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء، هذا الذي دلت عليه السنة.
•
هل بقية التطوعات تفعل في السفر؟
قال النووي: اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الضحى في سفر وكان يصلي الوتر على بعيره.
عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيث توجهت به) متفق عليه.
وعن أم هانئ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها يوم الفتح ثمان ركعات) متفق عليه.
•
هل تقضى الرواتب إذا ذهب وقتُها؟
الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنومٍ فإنها تُقْضَى.
أ- لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).
ب-ولأن النبي صلى صلى الله عليه وسلم حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وقام وقام الصحابة معه فإنهم صَلَّوا الراتبة قبل الفريضة. (قاله الشيخ ابن عثيمين).
•
ما الفرق بين سنة ابلضحى فلا تقضى، والوتر والسنن الرواتب تقضى؟
سنة الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى، وكذلك الوتر لما ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه النوم أو المرض في الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، فالوتر يقضى
أيضاً. (قاله الشيخ ابن عثيمين).
349 -
وَعَنْهَا قَالَتْ (لَمْ يَكُنْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ اَلنَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
350 -
وَلِمُسْلِمٍ (رَكْعَتَا اَلْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ اَلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).
===
(عَلَى شَيْءٍ مِنْ اَلنَّوَافِلِ) أي: نوافل الصلاة، والمراد هنا: الرواتب التابعة للفرائض.
(أَشَدَّ تَعَاهُدًا) أي: أقوى وأكثر محافظة.
(مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ) أي: راتبة الفجر.
(وَمَا فِيهَا) من المال والأهل والبنين وغيرها من زينة الدنيا.
•
اذكر ما تختص به راتبة الفجر عن بقية الرواتب؟
تختص راتبة الفجر عن بقية الرواتب بخصائص:
أولاً: أنه أفضل الرواتب.
لأحاديث الباب.
ولمسلم (لهما أحب إليّ من الدنيا جميعاً).
ثانياً: يسن تخفيفها.
لحديث عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى أني أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن) متفق عليه.
وعن حفصة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) رواه مسلم.
ثالثاً: لها قراءة خاصة.
في الركعة الأولى: الكافرون وفي الثانية: الإخلاص.
عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) رواه مسلم
أو يقرأ في الأولى (قولوا آمنا بالله) و (قل يا أهل الكتاب تعالوا) رواه مسلم.
رابعاً: أنها آكد السنن، ولذلك تفعل حتى في السفر.
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعها لا حضراً ولا سفراً.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نام عن صلاة الفجر في السفر مع أصحابه قضى سنة الفجر.
بخلاف بقية الرواتب فإنها لا تفعل في السفر.
خامساً: يسن الاضطجاع بعدهما.
عن عائشة قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) رواه البخاري.
•
هل قال أحد من السلف بوجوب راتبة الفجر؟
قال الحافظ ابن حجر: وهو منقول عن الحسن البصري.
لقول عائشة رضي الله عنها (
…
ولم يكن يدعهما أبداً) رواه البخاري. أي سفراً وحضراً
وذهب الجمهور إلى أنهما غير واجبتين، لقول عائشة (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل
…
).
•
أيهما أفضل راتبة الفجر أم الوتر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: الوتر.
أ-لمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (الوتر حق).
القول الثاني: أن ركعتي الفجر أفضل.
أ-لقول عائشة (لم يدعهما أبداً).
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
قال ابن القيم رحمه الله: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- حقارة الدنيا وما فيها.
- عظيم فضل الله عز وجل.
- أن من أهمل سنة الفجر - وقد ورد فيها هذا الفضل - فهذا يدل على ضعف دينه.
351 -
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ صَلَّى اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي اَلْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ (تَطَوُّعاً).
352 -
وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ، وَزَادَ (أَرْبَعًا قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ اَلْفَجْرِ).
353 -
وَلِلْخَمْسَةِ عَنْهَا (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اَللَّهُ عَلَى اَلنَّارِ).
===
•
ما صحة حديث (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اَللَّهُ عَلَى اَلنَّارِ)؟
الحديث ضعيف على الأرجح من أقوال العلماء.
قال الشيخ عبد الله السعد حفظه الله: حديث (من صلى قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا حرم الله جسده على النار) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وتكلم فيه أبو داود الطيالسي، وساق النسائي روايات هذا الحديث، وبين الاختلاف! والأقرب أنه معلول وأصله حديث أم حبيبة (من حافظ على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة). رواه مسلم
•
اذكر لفظ حديث أم حبيبة كاملاً؟
رواه مسلم في صحيحة:
…
من طريق النُّعْمَان بْن سَالِم عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ حَدَّثَنِى عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ بِحَدِيثٍ يُتَسَارُّ إِلَيْهِ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ صَلَّى اثْنَتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِىَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ).
قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
•
ما فضل من حافظ على السنن الرواتب؟
بني له بيت في الجنة، وأن ذلك من أسباب دخول الجنة.
وهي: أربع قبل الظهر، واثتنان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، كما ورد تفصيل ذلك في رواية الترمذي.
•
هل هذا الأجر لمن فعلها بصفة دائمة، أم كل يوم له أجره؟
لفظ حديث أم حبيبة: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) أن من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة - ولو يوماً واحداً من عمره - بنى الله له بيتاً في الجنة، وأن من حافظ عليها لأيام كثيرة كان له من البيوت في الجنة بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها.
والأخذ بظاهر هذا اللفظ هو ما يبدو من قول عائشة رضي الله عنها (من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة) رواه ابن أبي شيبة في (المصنف).
وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال (ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بني له بيت في الجنة) رواه أحمد.
وهو أيضا ما يبدو من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (1/ 537) على هذا الحديث بقوله:
(باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له فيه من الفضل).
وبوب عليه ابن حبان في " صحيحه "(6/ 204) بقوله:
(ذكر بناء الله جل وعلا بيتا في الجنة لمن صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة).
فكل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق (في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة)، وهذا يدل على أن المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل من صلاها وداوم عليها في اليوم الذي يصلى فيه يبنى له هذا البيت في الجنة، أم أنه لو صلى مثلا ثلاثة أيام يبنى له ثلاثة بيوت، أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله:
" مَنْ صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة على الجميع، فإذا حافظ عليها، صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت في الجنة " انتهى باختصار.
وقال أيضاً رحمه الله: وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات، وأن الإنسان إذا صلاها يوماً واحداً: بنى الله له بيتاً في الجنة.
وجاء حديث أم حبية بلفظ آخر (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم.
وهذا اللفظ يدل على اشتراط المحافظة على هذه الرواتب الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم كي يثاب صاحبها عليها ببناء بيت واحد في الجنة.
بل وأصرح منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ).
رواه الترمذي (رقم/ 414) وقال: حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وصحح الحديث الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهو ظاهر ما يذهب إليه ابن أبي شيبة في (المصنف)(2/ 108) حيث بوب عليه بقوله:
(في ثواب من ثابر اثني عشرة ركعة من التطوع).
والنسائي في " السنن الكبرى "(1/ 458) حيث يقول:
(باب ثواب من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك).
والله أعلم.
•
اذكر بعض الأمثلة على حرص السلف على العمل بالعلم؟
أ-عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل).
قال سالم: (فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً) متفق عليه.
ب-ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة: (أن يسبحا ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين قبل النوم قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: ولا ليلة صفين: قال: ولا ليلة صفين) رواه مسلم.
ج-وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ثلاث ليال، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، إلا وعندي وصيتي) رواه مسلم.
د-وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسي عقيب كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت). رواه النسائي
قال ابن القيم: بلغني عن شيخ الإسلام أنه قال: ما تركتها عقب كل صلاة إلا نسياناً أو نحوه.
هـ-وقال البخاري: ما اغتبت أحداً منذ علمت أن الغيبة حرام.
د-وقال الإمام أحمد: ما كتبت حديثاً إلا قد عملت به، حتى مرّ بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبى طيبة ديناراً فاحتجمت وأعطيت الحجام ديناراً.
•
كم عدد السنة البعدية للظهر؟
تقدم في حديث ابن عمر أن بعد الظهر ركعتان، وأما حديث (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اَللَّهُ عَلَى اَلنَّارِ) فضعيف كما سبق.
وعند من صححه من العلماء: فتكون هاتين الركعتين غير مؤكدتين.
354 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ اَلْعَصْرِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ.
===
•
ما صحة الحديث؟
هذا الحديث مختلف في صحته، فصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، والألباني.
وضعفه آخرون:
قال ابن القيم: أعله أبو حاتم، قال ابنُ أبي حاتم: سمعت أبي يقول: سألت أبا الوليد الطيالسي عن حديث محمد بن مسلم بن المثنى عن أبيه عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: رَحِمَ اللهُ امرءاً صَلًى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبعاً، فقال: دع هذا. فقلت: إن أبا داود قد رواه، فقال: قال أبو الوليد: كان ابن عمر يقول: حفظتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرَ ركعاتٍ في اليوم والليلة"، فلو كان هذا لعدَّه. قال أبي: كان يقول: حَفِظَتُ ثنتي عشرةَ ركعةَ.
وجاء أيضاً حديث آخر عن علي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعاً) رواه أحمد، وهو مختلف في صحته أيضاً.
قال ابن القيم: وسمعتُ شيخ الإِسلام ابن تيمية يُنكر هذا الحديث ويدفعه جداً، ويقول: إنه موضوع. ويذكر عن أبي إسحاق الجُوزجاني إنكاره.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
يدل على استحباب صلاة أربع ركعات قبل العصر.
قال ابن قدامة: قوله: (رحم الله امرأً صلى
…
) ترغيب فيها، ولم يجعلها من السنن الرواتب، بدليل أن ابن عمر راويه ولم يحفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيمية: ليس للعصر سنة راتبة.
•
ما معنى قوله (رحمك الله
…
)؟
تحتمل دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وتحتمل أنه إخبار.
•
اذكر بعض الأعمال التي يُرحم أصحابها؟
بالأسباب التي تنال بها الرحمة:
أولاً: رحمة الناس.
قال صلى الله عليه وسلم (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم (إنما يرحم الله من عباده الرحماء).
وقال صلى الله عليه وسلم (والشاة إن رحمتها رحمك الله).
ثانياً: الإحسان.
قال تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
ثالثاً: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
-.
قال تعالى (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
رابعاً: السماحة في البيع والشراء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى). رواه البخاري.
خامساً: عيادة المريض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عاد مريضاً خاض في الرحمة).
سادساً: قيام الليل وإيقاظ الأهل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء) رواه أبو داود.
سابعاً: الحلق في النسك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً.
ثامناً: مجالس الذكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ..... رواه مسلم.
تاسعاً: الجلوس في المسجد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الملائكة تستغفر للمصلي مادام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه) متفق عليه
عاشراً: سماع حديث الرسول وتبليغه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله من سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع) رواه ابن حبان.
الحادي عشر: الإنصات للقرآن.
قال تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
355 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (صَلُّوا قَبْلَ اَلْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ اَلْمَغْرِبِ " ثُمَّ قَالَ فِي اَلثَّالِثَةِ: " لِمَنْ شَاءَ " كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا اَلنَّاسُ سُنَّةً) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
وفي رواية ابن حبان (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين).
356 -
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ. قال (كُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ اَلشَّمْسِ، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَرَانَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَانا).
===
•
على ماذا تدل هذه الأحاديث؟
هذه الأحاديث تدل على استحباب ركعتين قبل المغرب، وقد ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وإقراره.
أما قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا قبل المغرب).
وأما فعله صلى الله عليه وسلم: ففي رواية ابن حبان.
وأما إقراره فحديث أنس، حيث كان يرى صلى الله عليه وسلم الصحابة يفعلونها ولا ينكر عليهم.
•
ما معنى قوله (كراهية أن يتخذها الناس سنة)؟
أي: طريقة لازمة أو سنة راتبة يكره تركها.
قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها.
•
هل هذه السنة من السنن الرواتب؟
لا، ليست من السنن الرواتب.
أ-لقوله (كراهية أن يتخذها الناس سنة).
ب-ولأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها.
•
هل يسن أن يكون هناك فاصلاً بين الأذان والإقامة؟
نعم، فالسنة أن يفصل يسيراً بين الأذان والإقامة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا قبل المغرب) فهذا يدل على الفصل بين الأذان والإقامة في المغرب.
ولفعل الصحابة، حيث كانوا إذا أذن المغرب قاموا يصلون والنبي صلى الله عليه وسلم يراهم فلم ينههم، وهذا إقرار.
خلافاً لمن قال من العلماء أن السنة في صلاة المغرب أن تقرن بالأذان.
•
ما حجة من قال بعدم استحباب سنة المغرب؟ وما الرد عليهم؟
ذهب بعض العلماء إلى عدم استحبابها؟
قال النووي: ولم يستحبها أبو بكر وعمر وعثمان وآخرون من الصحابة، ومالك وأكثر الفقهاء.
وقال النخعي: هي بدعة.
وحجتهم:
أ-أن استحبابها يؤدي إلى تأخير صلاة المغرب عن أول وقتها قليلاً.
ب-وقالوا عن أحاديث الباب أنها منسوخة.
والرد عليهم:
قال النووي: والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وأما قولهم: يؤدي إلى تأخير المغرب، فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو مجازف، لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث.
357 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّفُ اَلرَّكْعَتَيْنِ اَللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ، حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ اَلْكِتَابِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(أَقَرَأَ بِأُمِّ اَلْكِتَابِ) أي سورة الفاتحة، سميت بذلك: قيل: لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، وبقراءتها في الصلاة قبل السورة، وقيل: أم الشيء أصله، وهي أصل القرآن لاشتمالها على أنواع أغراض القرآن ومقاصده، قال الرازي:" سميت أم القرآن وأم الكتاب، لأنها أصل القرآن، منها بدئ القرآن ".
•
ما السنة في راتبة الفجر التخفيف أم التطويل؟
المستحب تخفيفها.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث حفصة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) رواه مسلم.
ج-ولحديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففها) متفق عليه.
وذهب الحنفية إلى استحباب تطويلها.
واستدلوا بالأحاديث الواردة في الترغيب في تطويل الصلاة، كقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة طول القنوت).
والصحيح أن حديث (أفضل الصلاة طول القنوت) عام، وحديث الباب خاص.
•
ما الحكمة من تخفيفها:
قيل: ليبادر إلى صلاة الفجر في أول الوقت، وبه جزم القرطبي.
وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع في صلاة الليل، ليدخل في الفرض بنشاط واستعداد تام.
• ما معنى قولها (حتى إني أقول: هل أقرأ بأم القرآن)؟
قال النووي: هذا الحديث دليل على المبالغة في التخفيف، والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافله.
•
هل ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يزيد في راتبة عن الفجر على أم الكتاب؟
نعم، فقد استدل بحديث الباب من قال: إنه لا يزيد فيهما على أم القرآن، وهو قول مالك.
وقال الجمهور: باستحباب ذلك.
وقالوا: معنى قول عائشة (هل قرأ بأم القرآن) أي مقتصراً عليها، أو ضم إليها غيرها، وذلك لإسراعه بقراءتها، وكان من عادته أن يرتل السورة حتى يكون أطول فيها.
•
ما رأيك بقول من قال: إنه لا قراءة في راتبة الفجر أصلاً، استدلالاً بحديث الباب؟
قال النووي: وهو غلط بيّن، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بعد الفاتحة بـ (قل يا أيها الكافرون)
…
وثبت في الأحاديث الصحيحة أنه لا صلاة إلا بقراءة.
358 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ) و: (قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
•
ما السنة في القراءة في ركعتي الفجر:
أ- السنة أن يقرأ في الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ) و في الثانية (قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ).
ب-أو يقرأ في الأولى (قولوا آمنا بالله)[البقرة: 136] و (قل يا أهل الكتاب تعالوا)[آل عمران: 52] رواه مسلم.
•
ما الحكمة من قراءة هاتين السورتين (قُلْ يَا أَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ) و في الثانية (قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ)؟
لما تضمنتا نوعي التوحيد.
فسورة (قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ) تضمنت إثبات كل كمال لله تعالى، ونفي كل نقص عنه تعالى.
وسورة (قُلْ يَا أَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ) تضمنت إيجاب عبادته وحده لا شريك له، والتبرؤ من عبادة كل ما سواه.
359 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ اِضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ اَلْأَيْمَنِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
360 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ اَلرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ اَلْأَيْمَنِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
===
•
ما صحة حديث أبي هريرة؟
اختلف العلماء فيه:
فصححه: ابن حبان، وابن خزيمة، وقواه ابن حجر، والنووي.
وضعفه: البيهقي، وابن العربي، وابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم، فقد قال: هذا حديث باطل، ليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر بها، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه.
•
ما حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه مستحب.
قال العراقي: فممن كان يفعل ذلك أو يقول به من الصحابة: أبو موسى الأشعري، ورافع بن خديج، وأنس، وأبو هريرة، وممن أفتى به من التابعين: ابن سيرين، وعروة، وبقية الفقهاء السبعة، وممن قال باستحباب ذلك من الأئمة: الشافعي وأصحابه.
لأحاديث الباب، ورجحه النووي.
القول الثاني: أنه واجب مفترض لا بد منه.
وهو قول ابن حزم.
قال ابن القيم: وأما ابن حزم ومن تابعه، فإنهم يوجبون هذه الضجعة، ويبطل ابن حزم صلاة من لم يضطجعها.
لحديث أبي هريرة: (إذا صلى أحدكم
…
) وسبق أنه ضعيف.
القول الثالث: أن ذلك مكروه وبدعة.
قال النووي: قال القاضي عياض: وذهب مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة.
القول الرابع: أنه خلاف الأولى.
القول الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك، وبين غيره فلا يشرع له.
واختاره ابن العربي، ورجحه ابن تيمية.
والراجح أنها سنة مطلقاً.
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ما الدليل على أنها غير واجبة؟
الدليل على أنها غير واجبة: حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى سنة الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع) رواه البخاري.
قال ابن حجر: وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب.
•
ما الحكمة من هذا الاضطجاع؟
اختلف العلماء في الحكمة من هذا الاضطجاع:
فقيل: الراحة والنشاط لصلاة الفرض، وعلى هذا القول فلا يستحب إلا للمتهجد.
وقيل: أن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح.
وقيل: البعد عن الرياء.
•
هل الاضطجاع بعد سنة الفجر أم بعد الوتر؟
الاضطجاع بعد سنة الفجر كما في حديث عائشة.
وما جاء في أنه بعد الوتر فهو شاذ.
وأما رواية مالك عن ابن الزهري عن عروة عن عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها، اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين). فجعل الاضطجاع بعد الوتر، وهذه الرواية شاذة.
فعامة أصحاب الزهري جعلوا هذا الاضطجاع بعد سنة الفجر، وخالفهم مالك وجعله بعد الوتر.
ولذلك حكم بعض العلماء على رواية مالك بالوهم: كالبيهقي، والذهلي، ومسلم.
وقد قال الحافظ ابن القيم: وأما حديث عائشة فاختلف على ابن شهاب فيه فقال مالك عنه: فإذا فرغ يعني من قيام الليل، اضطجع على شقه الأيمن،
…
ثم قال: وخالف مالكاً عقيل ويونس وشعيب وابن أبي ذئب والأوزاعي وغيرهم، فرووا عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع الركعتين للفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن، حتى تأتيه المؤذن، فيخرج معه، فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر، ومن حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما، فحكم العلماء أن مالكاً أخطأ وأصحاب غيره.
ورد ذلك ابن عبد البر وقال بأن كلا الروايتين محفوظة.
•
هل الاضطجاع يفعل في المسجد أم في البيت؟
السنة أن يفعل في البيت دون المسجد.
وهذا محكي عن ابن عمر.
ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد.
وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة
•
ما الحكمة من الاضطجاع على الشق الأيمن؟
قال النووي: قال العلماء وحكمته أنه لا يستغرق في النوم لأن القلب في جنبه اليسار فيعلق حينئذ فلا يستغرق وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق.
وقال ابن حجر: قيل الحكمة فيه أن القلب في جهة اليسار، فلو اضطجع عليه لاستغرق نوماً لكونه أبلغ في الراحة، بخلاف اليمين فيكون القلب معلقاً فلا يستغرق ....
وقال ابن القيم: وفي اضطجاعه على شقه الأيمن سر، فإذا نام الرجل على الشق الأيسر استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة، فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم، لقلق القلب، وطلب مستقره، وميله إليه.
فائدة: قول عائشة: (
…
فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع
…
).
قال ابن حجر: استدل به على جواز الكلام بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، خلافاً لمن كره ذلك، وقد نقله ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ولا يثبت عنه، وأخرجه صحيحاً عن إبراهيم، وأبي الشعثاء وغيرهم.
361 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلَاةُ اَللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ اَلصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
362 -
وَلِلْخَمْسَةِ - وَصَحَّحَهُ اِبْنِ حِبَّانَ - (صَلَاةُ اَللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) وَقَالَ النَّسَائِيُّ: "هَذَا خَطَأٌ.
===
(صلاة الليل) أي كيف صلاة الليل، الحديث له سبب، فعن ابن عمر: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل
…
).
(مثنى مثنى) أي اثنتين اثنتين يسلم من كل ركعتين.
•
ما صحة زيادة (والنهار)؟
بعض العلماء صحهها: كالبخاري، وابن خزيمة، وابن حبان، والألباني.
وضعفها بعضهم: كالإمام أحمد، والدار قطني، والحاكم، وابن معين، والطحاوي، وابن تيمية، وهذا الراجح.
لأنه انفرد به: [علي البارقي عن ابن عمر]، وقد روى الحديث عن ابن عمر أكثر من عشرة، ومنهم الحفاظ، كنافع، وسالم، وعبد الله بن دينار، ولم يذكروها.
ولأنه لا تتناسب مع الحديث، لأن الحديث يقول (فإذا خشي أحدكم الصبح
…
).
•
ما الأفضل في صلاة الليل؟
الحديث دليل على أن الأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى مثنى، أي يسلم من كل ركعتين.
• هل يتعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل؟
استدل بحديث الباب من قال: يتعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل.
وأجاب الجمهور:
أ-أن ذلك لبيان الأفضل، لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه.
ب-أو أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها، لما فيه من الراحة غالباً وقضاء ما يعرض من أمر مهم.
•
هل صلاة النهار كصلاة الليل تكون ركعتين ركعتين؟
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول: الأفضل أن تكون أربعاً.
وهذا مذهب إسحاق، وأبي حنيفة.
لمفهوم الحديث.
ولفعل ابن عمر أنه كان يصلي أربعاً.
القول الثاني: أن صلاة النهار كالليل.
وهذا مذهب الحنابلة.
لزيادة (والنهار).
وهذا الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ما حكم التطوع بركعة في غير الوتر؟
استدل بحديث الباب على أنه لا يجوز الاقتصار على أقل من ركعتين في النافلة ما عدا الوتر.
فلا يجوز أن يتطوع بركعة واحدة في غير الوتر.
•
متى ينتهي وقت الوتر؟
ينتهي بطلوع الفجر.
قال الحافظ ابن حجر: وأصرح ما رواه أبو داود عن ابن عمر كان يقول: (من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر)
وقد اختلف السلف: هل يقضى؟ [وسيأتي بحثه].
فائدة: استدل بحديث الباب على أنه لا صلاة بعد الوتر.
وقد اختلف العلماء في موضعين:
أ- مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس.
ب- فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل .... [وسيأتي بحثها]
363 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَفْضَلُ اَلصَّلَاةِ بَعْدَ اَلْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اَللَّيْلِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
•
ماذا نستفيد من حديث الباب، وما معناه؟
نستفيد: فضل صلاة الليل، وأنها أفضل الصلاة بعد الفريضة، والمقصود بذلك التطوع المطلق.
فصلاة الليل أفضل من التطوع بالنهار.
•
ما الحكمة في أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار؟
قال ابن رجب: وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار، لأنها أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى الإخلاص، ولأن صلاة الليل أشق على النفوس، فإن الليل محل النوم والراحة من التعب بالنهار، فترك النوم مع ميل النفس إليه، مجاهدة عظيمة، ولأن القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر، فإنه تنقطع الشواغل بالليل، ويحضر القلب، ويتواطأ هو واللسان على الفهم.
•
اذكر بعض فضائل قيام الليل؟
أولاً: أن الله تبارك وتعالى مدح أهله.
قال تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
قال ابن كثير: تتجافي جنوبهم عن المضاجع: يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة.
يدعون ربهم خوفاً وطمعاً: أي خوفاً من وبال عقابهِ وطمعاً في جزيل ثوابهِ.
ومما رزقناهم ينفقون: فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية.
ثانياً: أنه من صفات المتقين.
قال تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون).
قال الحسن البصري في الآية: لا ينامون من الليل إلا أقله، كابدوا قيام الليل.
ثالثاً: من صفات عباد الرحمن.
قال تعالى (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ....... أولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا).
رابعاً: وفرّق تعالى بين من قام الليل ومن لم يقمه، ممتدحاً صاحب القيام.
قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
كيف يستوي من تحمل مشقة السهر، ومؤنة الوقوف، وآثر على المنام لذة القيام، طمعاً ورجاء بوعد الله
…
كيف يستوي هو ومن ضيع ليله نائماً هائماً، لم ينشطهُ وعد ولم يخوّفه وعيد.
خامساً: قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة.
لحديث الباب.
سادساً: من أسباب دخول الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم (أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام). رواه الترمذي
سابعاً: من أسباب رحمة الله.
قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء
…
). رواه أبو داود
ثامناً: أنه شرف.
عن سهل قال: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل). رواه الطبراني
تاسعاً: يوصف بالنعم.
قال صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل).
قال الحافظ: فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل، يوصف بكونه نعم الرجل.
عاشراً: قيام الليل سبب للنجاة من الفتن.
فالصلاة عموماً، وصلاة الليل خصوصاً سبب من أسباب النجاة من الفتن.
فقد جاء في صحيح البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال (سبحان الله، ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟! ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟! كي يصلين فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).
ففي هذا الحديث دليل وتنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن، لأنها من علامة الإخلاص، والإخلاص هو الذي ينجي العبد من الفتن.
الحادي عشر: بقيام الليل يدرك المصلي وقت النزول الإلهي.
عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له) متفق عليه
الثاني عشر: أنه من مظان الإجابة.
عن جابر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه وذلك كل ليلة) متفق عليه.
قالت عائشة (يا عبد الله! لا تدع قيام الليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى وهو قاعد) متفق عليه.
وجاء في موطأ الإمام عن ابن عمر قال (كان عمر يصلي في الليل حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله وقرأ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
وقال أبو عثمان النهْدي: تضيفت أبا هريرة سبعة أيام [أي نزلت عليه ضيفاً] فكان هو وزوجه وخادمه يقتسمون الليل أثلاثاً، الزوجة ثلثاً وخادمه ثلثاً وأبو هريرة ثلثاً.
كان سليمان التيمي عنده زوجتان وكانوا يقتسمون الليل أثلاثاً.
والحسن بن صالح كان يقتسم الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً، فماتت أمه، فاقتسم الليل هو وأخوه علي، فمات أخوه فقام الليل بنفسه.
هذا الحسن بن صالح كان عنده جارية، فباعها فأيقظتهم في الليل فقالوا: أسفرنا [يعني طلع الفجر] فقالت: لا، ألا تتهجدوا، قالوا: لا نقوم إلا إلى صلاة الفجر، فجاءت إلى الحسن تبكي وتقول: ردني! لقد بعتني لأناس لا يصلون إلا الفريضة، فردّها.
كان محمد بن واسع إذا جنّ عليه الليل يقوم ويتهجد، يقول أهله: كان حاله كحال من قتل أهل الدنيا جميعاً.
الإمام أبو سليمان الداراني كان يقول: والله لولا قيام الليل ما أحببت الدنيا، ووالله إن أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيه طرباً بذكر الله فأقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنهم لفي نعيم عظيم.
رأى بعضهم حوراء في نومه فقال لها: زوجيني نفسكِ قالت: اخطُبني إلى ربي وأمهِرني، قال: ما مهرُكِ؟ قالت: طول التهجد.
نام أبو سليمان الداراني فأيقظته حوراء وقالت: يا أبا سليمان، تنام وأنا أُربَى لك في الخدور من خمسمائة عام؟
كانت امرأة حبيب بن محمد الزاهد توقظه بالليل وتقول: ذهب الليل، وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قُدّامنا ونحن قد بقينا، وكانت تقول:
…
يا راقدَ الليلِ كم ترقدُ
…
قم يا حبيبي قد دنا الموعدُ
وخذ من الليلِ وأوقاتهِ
…
ورْداً إذا ما هجعَ الرُّقدُ
من نامَ حتى ينقضي ليلهُ
…
لم يبلغ المنزلَ أو يجهدُ
قل لأولي الألبابِ أهلِ التقى قَنطرةُ العَرْضِ لكم موعدُ
قال أبو الدرداء: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور.
وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزين فوقَه، والنار تضرم تحته، كيف ينام بينهما.
وكان شداد بن أوس إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح.
وحين سألت ابنة الربيع بن خثيم أباها: يا أبتاه الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال: يا بنية إن أباكِ يخاف السيئات.
ويروى أن طاووساً جاء في السحر يطلب رجلاً، فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحداً ينام في السحر.
•
اذكر بعض الأسباب التي تعين على قيام الليل؟
أولها: ترك الذنوب والمعاصي.
فإن الذنوب والمعاصي حاجب بين العبد وبين ربه.
قال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك.
وذكر عن الحسن أن قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.
وقال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل بذنب أحدثته منذ خمسة أشهر.
وحينما اشتكى شاب إلى الحسن عدم قدرته على القيام بالليل قال له الحسن: قيدتك خطاياك.
وقال بشر بن الحارث: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سداً.
وقيل لابن مسعود: ما نستطيع قيام الليل، فقال: أقعدتكم ذنوبكم.
وثانيها: من الأسباب التي تعين على قيام الليل قلة الأكل.
لأن الشّبَع مذموم، فهو يكسل عن العبادة، فعلى العبد أن لا يكثر الأكل والشرب حتى لا يغلبه النوم ويثقل عليه القيام.
ولذلك قيل: لا تأكل كثيراً، فتشرب كثيراً، فتنام كثيراً، فتتحسر كثيراً؟
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع في الآخرة).
قال عمر: إياكم والبطنة، فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات.
وقال لقمان لابنه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
وقال أبو سليمان الداراني: من شبع دخل عليه ست آفات: فقْد حلاوة المناجاة، وتعذر عليه حفظ الحكمة، وحرمان الشفقة على الخلْق، لأنه إذا شبع ظن الخلق كلهم شباعاً، وثقل العبادة، وزيادة الشهوات.
وقال محمد بن واسع: من قلّ طُعْمه فهِم وأفْهم وصفَى ورقّ.
وقال عمرو بن قيس: إياكم والبطنة، فإنها تقسي القلب.
وقال الحسن البصري: كانت بلية أبيكم آدم أكلة، وهي بليتكم إلى يوم القيامة.
وقد قيل: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل.
وقال إبراهيم بن أدهم: من ضبط بطنه ضبط دينه.
364 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (اَلْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ) رَوَاهُ اَلْأَرْبَعَةُ إِلَّا اَلتِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَقْفَهُ.
365 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ (لَيْسَ اَلْوِتْرُ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ اَلْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
366 -
وَعَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ اِنْتَظَرُوهُ مِنْ اَلْقَابِلَةِ فَلَمَّا يَخْرُجْ، وَقَالَ: " إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ اَلْوِتْرُ) رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
367 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَد لَيِّنٍ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
368 -
وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي أيوب أعل بالوقف، قال الحافظ: صحح أبو حاتم، والذهلي، والدار قطني في العلل، والبيهقي، وغير واحد وقفه، وهو الصواب.
وصححه بعض العلماء مرفوعاً.
قال الصنعاني: وله حكم الرفع إذ لا مسرح للاجتهاد فيه، أي في المقادير.
- وحديث علي حسنه الترمذي وصححه الألباني.
- وحديث جابر إسناده ضعيف بهذا اللفظ بذكر الوتر.
- حديث بريدة مختلف فيه، لأن فيه راوياً اسمه عبيد الله بن عبد الله العَتَكي وهو مختلف فيه، لكن حسن الحديث بعض العلماء لشواهده.
- وأما حديث أبي هريرة، فلفظة:(ومن لم يوتر فليس منّا) فهو ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر، لأن في إسناده خليل بن مُرّة وهو ضعيف.
•
ما حكم الوتر؟
اختلف العلماء في حكم الوتر على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
أ-لحديث الباب _ أبي أيوب - (الوتر حق على كل مسلم).
ب-ولحديث الباب - بريدة - (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منّا) رواه أبو داود، وهو ضعيف.
القول الثاني: أنه سنة غير وجب.
وهذا مذهب جماهير العلماء
أ-لحديث طلحة بن عبيد الله قال (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، .... فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليّ غيرُهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع
…
) متفق عليه.
ففي هذا الحديث نفى صلى الله عليه وسلم وجوب غير الصلوات الخمس، ثم أكد النفي بقوله (إلا أن تطوع) وهو دال على أن ما عدا الخمس معدود في التطوع ومنه الوتر.
وأيضاً: أخبره بأن الصلوات المفروضة خمس في اليوم والليلة، ولو كان الوتر فرضاً لأخبره به في موطن الحاجة.
ب-ولحديث بعث معاذ إلى اليمن، وفيه (
…
فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة
…
).
قال الشوكاني: وهذا من أحسن ما يستدل به، لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير.
ج- ولحديث علي: (ليس الوتر بحتم
…
).
د-ولحديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره).
وجه الدلالة: إذ لو كان واجباً لم يصله على الراحلة.
وهذا القول هو الصحيح.
• ماذا أجاب الجمهور عن أدلة الحنفية القائلين بوجوب الوتر؟
أجابوا بجوابين:
أ-قال النووي: وأما الأحاديث التي احتجوا بها فمحمولة على الاستحباب والندب المتأكد، ولا بد من هذا التأويل للجمع بينها وبين الأحاديث التي استدللنا بها.
ب- بأن أكثرها ضعيف، وبقيتها لا يثبت بها المطلوب.
•
اذكر رأي ابن تيمية رحمه الله في حكم الوتر؟
أن الوتر واجب على من يتهجد بالليل، وسنة في حق غير المتهجد.
لحديث ابن عمر. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).
وجه الدلالة: أن الأمر بالوتر لمن قام الليل دليل على كون الوتر جزءاً من صلاة الليل يجب الإتيان به كما يجب الإتيان بغيره من واجبات الصلاة.
•
هل يجوز الإيتار بركعة إذا لم يتقدمها صلاة؟
اختلف العلماء في حكم الإيتار بركعة إذا لم يتقدمها صلاة على قولين:
القول الأول: أنه جايز غير مكروه.
لحديث ابن عمر (أن رجلاً من أهل البادية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال (مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل) رواه النسائي.
وعنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوتر ركعة من آخر الليل) رواه مسلم.
وعنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة واحدة) رواه النسائي.
ولحديث الباب - حديث أبي أيوب - (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ).
وثبت عن بعض الصحابة أنهم أوتروا بركعة واحدة لم يتقدمها صلاة.
القول الثاني: لا يجوز الوتر بركعة واحدة لم يتقدمها صلاة.
وبهذا قال أبو حنيفة.
لحديث ابن مسعود. قال: قال صلى الله عليه وسلم (وتر الليل ثلاث كوتر النهار، صلاة المغرب) رواه الدارقطني لكن الصحيح أنه موقوف وليس بمرفوع.
ولحديث أبي سعيد. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها) رواه ابن عبد البر في التمهيد ولا يصح.
والراجح الأول.
قال النووي: قول عائشة (وَيُوتِر مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ) دَلِيل عَلَى أَنَّ أَقَلّ الْوِتْر رَكْعَة، وَأَنَّ الرَّكْعَة الْفَرْدَة صَلَاة صَحِيحَة، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَصِحّ الْإِيتَار بِوَاحِدَةٍ وَلَا تَكُون الرَّكْعَة الْوَاحِدَة صَلَاة قَطُّ، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَرُدّ عَلَيْهِ.
•
هل يجوز الإيتار بثلاث؟ وما كيفية الإيتار بها؟
نعم يجوز.
قال الشيخ الألباني: أما صلاة الثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم، فلم نجده ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل الجواز، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله (ولا تشبهوا بصلاة المغرب) رواه الدار قطني
فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً الخروج عن هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:
أ- التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.
ب- أن لا يقعد بين الشفع والوتر.
•
ماذا نستفيد من قوله (ومن أحب أن يوتر بخمس فليفعل)؟
نستفيد جواز الإيتار بخمس ركعات، بأن تكون متصلة لا يجلس إلا في آخرها.
369 -
وَعَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اَللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ اَلنَّعَمِ " قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ: " اَلْوِتْرُ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ اَلْفَجْرِ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
370 -
وَرَوَى أَحْمَدُ: عَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ.
===
(أمدكم) الإمداد يكون بمعنى الإعانة، ويحتمل أن يكون من الإعطاء، قال العراقي: والظاهر أن المراد الزيادة في الإعطاء.
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث خارجة معلول، ضعفه البخاري وقال ابن حبان إسناده منقطع، وصححه بعضهم لشواهده.
وضعف الألباني جملة (هي خير لكم من حمر النعم) لخلو الشواهد منها.
وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ففي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو مدلس وقد عنعن، لكن له شواهد.
أما سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فهذه السلسلة الصحيح أنه يحتج بها وإن كان وقع خلاف في مرجع الضمير في قوله (جده).
أما (عن أبيه) المراد شعيب بالاتفاق.
وعمرو بن شعيب: اسمه عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(عن جده) قيل: الضمير يعود على محمد جد عمرو، وقيل: الضمير يرجع إلى جد شعيب عبد الله بن عمرو.
•
ما وقت صلاة الوتر؟
وقت الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ما بين العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر.
أ-قال صلى الله عليه وسلم (أوتروا قبل أن تصبحوا) رواه مسلم.
ب-وقال صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة، فأوترت له ما قد صلى) رواه مسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين: فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر، ولأنه صلاة تختم به صلاة الليل فلا تكون بعد انتهائه" اهـ
ج- وقال صلى الله عليه وسلم (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْر) رواه مسلم.
د- وقال صلى الله عليه وسلم (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْل) رواه مسلم.
هـ-وقال صلى الله عليه وسلم (إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْر) رواه الترمذي. و-وعن عمرو بن العاص أنه خطب الناس يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر
…
) إسناده صحيح. وقال عنه ابن رجب: إسناده جيد
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن نهاية وقته يمتد إلى صلاة الصبح.
وهو قول المالكية.
واستدلوا بآثار عن السلف من الصحابة أنهم أوتروا بعد طلوع الفجر كابن عباس وابن عمر وعبادة.
لكن هذه الآثار لعلها محمولة على من نام عن وتره أو نسيه كما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) وسيأتي الحديث إن شاء الله.
•
ما الحكم لو جمعت العشاء مع المغرب، متى يصلي الوتر؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يصليه بعد العشاء ولو جمعت جمع تقديم.
وهذا مذهب الحنابلة والشافعية ورجحه ابن حزم.
وقيل: لا يدخل إلا بعد وقت العشاء.
والراجح الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
أن الوتر لا يعتد به قبل صلاة العشاء.
371 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
372 -
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْهَا (كَانَ يُصَلِّي مِنْ اَللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلَاثُ
عَشْرَةَ).
373 -
وَعَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اَللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا).
374 -
وَعَنْهَا قَالَتْ (مِنْ كُلِّ اَللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى اَلسَّحَرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
===
(عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ) قال النووي: معناه في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه من الوصف.
• في حديث عائشة تقول (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة) ف
ما الجواب عن قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها)؟
المراد: التطويل في الركعات دون الزيادة في العدد.
•
ما المراد بقولها (كان يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ
…
)؟
قيل: أنها كانت بسلام واحد.
وهذا قول بعض العلماء.
وقيل: أنه يجلس ويسلم في كل ركعتين.
واختاره ابن عبد البر.
ويقوي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى).
ويؤيده أيضاً ما جاء عند مسلم من حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر، يصلي إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة
…
).
•
فإن قيل: لماذا قالت في حديث الباب (أربعاً أربعاً)؟
الجواب:
أ- أنه كان ينام بعد الأربع الأولى، ثم يصلي الأربع الثانية، ثم يصلي الباقي.
وبهذا جزم ابن عبد البر.
ب- أنها جمعت الأربع الأول، لأنه إذا سلم بعد الركعتين لا يجلس، بل يقوم ويأتي بركعتين، ثم يجلس جلوساً طويلاً. (الجلوس الطويل بعد الأربع بسلامين).
•
في حديث عائشة (أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة) لكن ورد عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين) فظاهر هذا يخالف حديث الباب، فما الجواب؟
الجواب:
قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته.
أو ما كان يفتتح به صلاة الليل، فقد ثبت عند مسلم عن عائشة:(أنه كان صلى الله عليه وسلم يفتتحها بركعتين خفيفتين) وهذا أرجح في نظري، لأن رواية أبي سلمة التي دلت على الحصر في إحدى عشرة ركعة، تدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري، والزيادة من الحافظ مقبولة، وبهذا تجمع بين الروايات.
إذاً الخلاصة:
المراد بالثلاث عشرة: الركعتان الخفيفتان مع الإحدى عشرة.
فعائشة في حديث الباب لم تذكر الركعتين الخفيفتين، لأنها قالت (صلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) والركعتان الخفيفتان لا يمكن أن يكون [11] وهي تقول (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) - لكن جاء عند مسلم عن عائشة (كان يصلي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام ثم ركع ثم
…
).
في هذا الحديث ذكرت عائشة أل [11] ركعة، لكنها لم تذكر الركعتين الخفيفتين، وإنما ذكرت الركعتين اللتين كان يركعهما بعد الوتر.
•
ما الحكمة في عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة؟
قال الحافظ ابن حجر: وظهر لي أن الحكمة في عدم الزيادة على إحدى عشرة، أن التهجد والوتر مختص بصلاة الليل وفرائض النهار - الظهر وهي أربع، والعصر وهي أربع، والمغرب وهي ثلاث وتر النهار - فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلاً.
في قولها: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره
…
) دليل على أن قيام رمضان الأفضل أن يكون إحدى عشرة ركعة.
ففيه رد لقول من يقول: الأفضل أن يزيد على إحدى عشرة ركعة، وأن الأفضل أن يصلي ثلاث وعشرين، أو أربعين، فإن هذا القول ضعيف.
فالصواب: أنه لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن ليس على سبيل الوجوب.
- ضعف قول من يقول: تحرم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فإن هذا القول لا وجه له، لقوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة الليل مثنى مثنى) ولم يحدد.
- قول بعضهم: في قيام رمضان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، إذا كان يطيل القراءة والصلاة، أما إذا كان لا يريد الإطالة، فإنه يصلي ثلاث وعشرين ركعة، أو تسع وثلاثين ركعة.
لكن هذا القول ضعيف، لأنه إذا خفف الصلاة، وزاد في الركعات، فقد خالف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من وجهين:
الأول: من جهة العدد.
الثاني: من جهة التخفيف.
لكن لو صلى إحدى عشرة ركعة، وخفف من أجل المشقة على الناس، فقد خالف في مسألة واحدة، وهي التطويل، ولم يخالف في العدد ....
ولا شك أن المخالفة في شيء واحد أهون من شيئين.
فائدة: ذهب جمهور العلماء إلى أن قيام رمضان يكون بثلاث وعشرين ركعة.
•
اذكر صفات الوتر؟
أ-أن يوتر بواحدة، وهذا جائز.
ب-أن يوتر بثلاث، وهنا له الخيار، إن شاء سلم من الركعتين وأتى بالثالثة، وإن شاء سردها سرداً بتشهد واحد.
ج-أن يوتر بخمس، فيسردها سرداً لا يتشهد إلا في آخرها.
د-أن يوتر بسبع، فيسردها سرداً لا يتشهد إلا في آخرها.
هـ-أن يوتر بتسع، فيسردها سرداً، لكن يتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم.
و-أن يوتر بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة.
•
في قوله: (إن عيني تنام ولا ينام قلبي)، فإن قال قائل: ما الجواب عن نومه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع الصحابة في السفر؟
فالجواب من وجوه:
الأول: أنه لا منافاة بينهما، لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والأمل ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة والقلب يقظان.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم له حالان، أحدهما ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع، والثاني لا ينام، وهذا هو الغالب من أحواله.
الثالث: أنه حدث له لحكمة وهو التعليم وليسنّ لأمته بعض الأحكام، واختاره ابن عبد البر.
قال ابن عبد البر: ونومه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أمر خارج والله أعلم عن عادته وطباعه وطباع الأنبياء قبله وأظن الأنبياء مخصوصين بأن تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم على ما روى عنه صلى الله عليه وسلم وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة والله أعلم وليعلم المؤمنون كيف حكم من نام عن الصلاة أو نسيها حتى يخرج وقتها وهو من باب قوله عليه السلام إني لأنسى أو أنسى لأسن والذي كانت عليه جبلته وعادته صلى الله عليه وسلم أن لا يخامر النوم قلبه ولا يخالط نفسه وإنما كانت تنام عينه.
•
اذكر بعض خصائص الأنبياء؟
أولاً: تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
لحديث الباب.
ثانياً: يدفنون حيث يموتون.
قال صلى الله عليه وسلم (لم يدفن نبي إلا حيث قبض). رواه أحمد
ثالثاً: يخبرون عند موتهم.
قال صلى الله عليه وسلم (ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة). متفق عليه
رابعاً: أحياء في قبورهم.
وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت موسى يصلي في قبره).
خامساً: لا تأكل الأرض أجسادهم.
قال صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء). رواه أبو داود
سادساً: الوحي.
قال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيّ).
•
هل يجوز الوتر من أول الليل وآخره؟
نعم. قال النووي: أنه يجوز الوتر من أول الليل، ويجوز وسطه، ويجوز في آخره، فالليل كله وقت للوتر.
لكن الأفضل آخر الليل لمن طمع أن يقوم لأنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الحديث في ذلك إن شاء الله.
375 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا عَبْدَ اَللَّهِ! لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ مِنْ اَللَّيْلِ، فَتَرَكَ قِيَامَ اَلليل) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ) قال الحافظ: لم أقف على تسميته في شيء من الطرق، وكأن إيهام مثل هذا القصد السترة عليه، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد شخصاً معيناً، وإنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو.
(من الليل) أي بعض الليل.
(فَتَرَكَ قِيَامَ اَلليل) الظاهر أن تركه ذلك كان من غير عذر، لأنه لو كان لعذر لما ذُمّ بتركه.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: ذم قطع العبادة التي كان مستمراً عليها.
•
اذكر فضائل المداومة على العمل الصالح.
أولاً: أن ذلك من أحب الأعمال إلى الله.
قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه
ثانياً: أن ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته). رواه مسلم
ثالثاً: أنها سبب لمحبة الله.
كما جاء في الحديث: (
…
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،
…
).
رابعاً: سبب للنجاة من الشدائد.
قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك).
خامساً: أنها سبب لمحو الخطايا والذنوب.
قال صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) متفق عليه
سادساً: أن من داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر، فإنه يكتب له أجر ذلك العمل
كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها، وكانت نيته - لولا المانع - أن يدوم عليها.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيعته.
وقد وصى النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو ألا يكون مثل فلان ويحتمل هذا الإبهام أن يكون من النبي عليه الصلاة والسلام وأن النبي أحب ألا يذكر اسم الرجل، ويحتمل أنه من عبد الله بن عمرو أبهمه لئلا يطلع عليه الرواة، ويحتمل أنه من الراوى بعد عبد الله بن عمرو.
وآياً كان ففيه دليل على أن المهم من الأمور والقضايا القضية نفسها دون ذكر الأشخاص، ولهذا كان من هدي النبي أنه إذا أراد أن ينهي عن شيء فإنه لا يذكر الأشخاص، وإنما يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا وما أشبه ذلك
وترك ذكر اسم الشخص فيه فائدتان عظيمتان
الفائدة الأولى: الستر على هذا الشخص
الفائدة الثانية: أن هذا الشخص ربما تتغير حاله؛ فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر؛ لأن القلوب بيد الله، فمثلاً: هب أنني رأيت رجلاً على فسق، فإذا ذكرت اسمه، فقلت لشخص: لا تكن مثل فلان؛ يسرق أو يزني أو يشرب الخمر، أو ما أشبه ذلك، فربما تتغير حال هذا الرجل، ويستقيم، ويعبد الله، فلا يستحق الحكم الذي ذكرته من قبل، فهذا كان الإبهام في هذه الأمور أولى وأحسن، لما فيه من ستر، ولما فيه من الاحتياط إذا تغيرت حال الشخص.
- التواصي على الحق والصبر عليه.
- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه أصحابه.
- فضل قيام الليل.
- حرص عبد الله بن عمرو على الخير والطاعة.
376 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَوْتِرُوا يَا أَهْلُ اَلْقُرْآنَ، فَإِنَّ اَللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ اَلْوِتْرَ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
377 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما; عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (اِجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
ما السنة في صلاة الليل؟
السنة في صلاة الليل أن تختم بالوتر.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا
…
) هل هذا الأمر للاستحباب أم للوجوب؟
هذا الأمر للاستحباب لا للوجوب لأمرين:
الأول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد وتره كما سيأتي بعد قليل في حديث عائشة.
الثاني: أنه صح عن بعض الصحابة أنهم كانوا يوترون أول الليل، ثم إذا قاموا في آخر الليل صلوا ركعتين ركعتين ولم يوتروا مرة أخرى.
•
هل ورد ما يدل خلاف ظاهر حديث الباب؟
نعم.
فقد جاء عند مسلم عن عائشة قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس).
•
ما الجواب عن هذا الحديث (
…
ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس)؟
وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة:
فقيل: فعل ذلك بياناً لجواز الصلاة بعد الوتر.
ورجح هذا النووي، وقال: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالساً، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة،
…
ثم قال: وإنما تأولنا حديث الركعتين جالساً، لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة، مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين، مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كان وتراً
…
فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل.
وذهب بعض العلماء إلى العمل بالحديث، وجعلوا الأمر في قوله:(اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً) مختصاً بمن أوتر آخر الليل.
وأنكر مالك هاتين الركعتين.
وقال ابن القيم: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة، وتكميل الوتر، فإن الوتر عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب، فإنها وتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل.
- الحديث دليل على عدم مشروعية نقض الوتر، وستأتي المسألة إن شاء الله.
378 -
وَعَنْ طَلْقٍ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث حسن، حسنه الترمذي والحافظ ابن حجر.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: أن الوتر لا يتكرر، وأن من أوتر فإنه لا يعيد وتره مرة أخرى، ولا ينقض وتره.
وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء.
وقالوا: أن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ويصلي شفعاً شفعاً.
وذهب بعض العلماء إلى نقض الوتر.
وقالوا: يضيف إليها أخرى ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخره.
واستدلوا بما جاء عن ابن عمر (أنه كان إذا سئل عن الوتر، قال: أما أنا فلوا أوترت قبل أن أنام، ثم أردت أن أصلي الليل، شفعت بواحدة ما ينقض وتري، ثم صليت مثنى مثنى، فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نجعل آخر صلاة الليل الوتر) رواه أحمد.
والأول هو الصحيح، ويدل عليه:
حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد وتره ركعتين.
وبحديث أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر). رواه الترمذي
فائدة:
من أراد أن يصلي مع الإمام حتى تنتهي صلاته، تحصيلاً لفضيلة قوله صلى الله عليه وسلم:(من قام مع الإمام حتى ينصرف، فكأنما قام ليلة) وأراد أن يحصل على فضيلة الوتر آخر الليل، فإنه إذا سلم الإمام قام وأتى بركعة تشفع له صلاته مع الإمام.
379 -
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِـ "سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى"، و: "قُلْ يَا أَيُّهَا اَلْكَافِرُونَ"، و: "قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ: - وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ -.
380 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ (كُلَّ سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، وَفِي اَلْأَخِيرَةِ: "قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ"، وَالْمُعَوِّذَتَيْن).
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي بن كعب، سنده صحيح، وعند أبي داود زيادة:(إذا سلم قال: سبحان الملك القدوس) ثلاثاً.
وأما حديث عائشة ففيه ضعف، بذكر المعوذتين.
قال ابن الجوزي: أنكر أحمد، وابن معين زيادة المعوذتين.
•
ما السنة في القراءة في الشفع والوتر؟
السنة أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة [الأعلى] وفي الثانية [الكافرون] وفي الثالثة [قل هو الله أحد].
واستحب الإمام مالك والشافعي، قراءة المعوذتين بعد الإخلاص.
لحديث عائشة.
لكنه ضعيف، ففيه انقطاع، فإن جريج لم يسمع من عائشة. [قاله أحمد وجماعة]
والراوي خصيف بن عبد الرحمن سيء الحفظ.
ولذا قال العقيلي: أما المعوذتين فلا تصح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- زيادة رواية النسائي ظاهرها أنه كان يسردها دون تسليم، لكن هذه الرواية فيها ضعف، وإن ثبتت فيكون قد فعله أحياناً.
- الأفضل عدم المداومة على هذه السورة، لئلا يظن العوام وجوبها.
- جاء زيادة عند النسائي، في حديث أبي بن كعب: (
…
فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات).
وفي حديث عبد الرحمن بن أبزى وهو صحابي صغير (ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة) رواه أحمد والنسائي.
وزاد الدار قطني من حديث أبي بن كعب: (ربّ الملائكة والروح) وضعفها بعض العلماء.
381 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
382 -
وَلِابْنِ حِبَّانَ (مَنْ أَدْرَكَ اَلصُّبْحَ وَلَمْ يُوتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ).
===
•
ما صحة رواية ابن حبان؟
رواية ابن حبان إسنادها صحيح، وصححها أيضاً الحاكم.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الصبح، وهذا سبق.
ونستفيد أن من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له، لكن، هل يقضيه؟
سيأتي بالحديث التالي.
383 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَامَ عَنْ اَلْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث في إسناده عند الترمذي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
لكن تابعه محمد بن مسطر عند أبي داود، وهو ثقة، لكن رواية أبي داود ليس فيها:(إذا أصبح).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: أن من نام عن وتره أو نسيه فلم يذكره حتى طلع الفجر أنه يقضيه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأزل: يصليه بعد طلوع الفجر، وقبل صلاة الصبح.
لحديث الباب: (
…
فليصله إذا ذكره).
وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول الإمام مالك.
القول الثاني: يقضيه شفعاً نهاراً.
لحديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غليه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل إحدى عشرة ركعة.
القول الثالث: يقضيه نهاراً وتراً.
وبه قال طاووس، ومجاهد، والشعبي.
لحديث الباب.
ولأن القضاء يحكي الأداء.
القول الرابع: يقضيه إذا تركه نوماً أو نسياناً إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان، ليلاً أو نهاراً.
وهذا قول الشافعية، والحنابلة.
لظاهر حديث الباب.
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فهذا عام يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة، وهو في الفرض أمر فرض، وفي النفل أمر ندب.
وهذا مذهب ابن حزم. وهو الراجح.
•
ما حكم من ترك الوتر عمداً هل يقضيه؟
في حديث الباب تقييد القضاء فيمن نام عن وتره أو نسيه، فمفهومه أن المتعمد لا يقضيه، وهذا هو الحق، ورجحه ابن حزم.
وقد روى ابن خزيمة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له).
وأصل الحديث في صحيح مسلم بدون هذا الفظ، وهو محمول على التعمد دون النوم والنسيان في أصح أقوال العلماء.
384 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اَللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اَللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اَللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
•
ما الأفضل في فعل الوتر؟
حديث الباب فيه بيان أن الوتر يجوز أول الليل، ويجوز آخر الليل، وأما الأفضل فله حالتان:
الأولى: أن من يخشى أن لا يقوم من آخر الليل فالأفضل له أن يوتر أوله.
الثانية: من طمع أن يقوم آخر الليل، فالأفضل أن يجعله آخر الليل.
•
اذكر بعض الصحابة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يوتروا قبل النوم؟
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة كما في الصحيحين، وسيأتي الحديث إن شاء الله.
وأبي الدرداء كما عند مسلم، وسيأتي الحديث إن شاء الله.
وأبي ذر كما عند النسائي.
• لماذا الوتر في آخر الليل لمن طمع أن يقوم أفضل؟
الوتر لمن طمع أن يقوم آخر الليل أفضل لأمور:
أولاً: لأن صلاة آخر الليل مشهودة، تشهدها الملائكة.
ثانياً: أن الصلاة في آخر الليل هي وقت النزول الإلهي وإجابة الدعاء
ثالثاً: ولأن الوتر آخر الليل هو التهجد الذي ذكره الله تعالى في كتابه الكريم كما قال تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)، قال ابن كثير: التهجد: ما كان بعد نوم.
وقال تعالى (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) وناشئة الليل: قيام الليل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ناشئة الليل عند أكثر العلماء، هو إذا قام الرجل بعد نوم، وليس هو أول الليل، وهذا هو الصواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل.
385 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا طَلَعَ اَلْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اَللَّيْلِ وَالْوَتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث في صحته نظر وأوله موقوف على ابن عمر.
•
اذكر بعض فوائد الحديث؟
- أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.
- أن الوتر لا يقضى، وإنما يقضى شفعاً كما تقدم.
386 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي اَلضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اَللَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
387 -
وَلَهُ عَنْهَا: - أَنَّهَا سُئِلَتْ (هَلْ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي اَلضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.).
388 -
وَلَهُ عَنْهَا: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سُبْحَةَ اَلضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا).
===
(أَنَّهَا سُئِلَتْ) كما في الرواية (عن عبد الله بن شقيق قال، قلت لعائشة، هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟).
(لَا) أي: كان لا يصليها.
إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ) بفتح الميم وكسر المعجمة، أي: إلا أن يقدم من سفره.
(يُصَلِّي سُبْحَةَ اَلضُّحَى قَطُّ) المراد صلاة الضحى، وتسمية صلاة التطوع بالسبحة هو الغالب، وذلك من تسمية الشيء باسم بعضه.
(وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا) أي: أصليها.
•
اذكر فضل صلاة الضحى؟
أ-عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) رواه مسلم.
(سلامى) السلامى: المفاصل.
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم (وَيَجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعهُمَا مِنْ الضُّحَى) ضَبَطْنَاهُ (وَيَحْزِي) بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّه، فَالضَّمّ مِنْ الْإِجْزَاء وَالْفَتْح مِنْ جَزَيَ يَجْزِي، أَيْ: كَفَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: لَا تَجْزِي نَفْس، وَفِي الْحَدِيث (لَا يَجْزِي عَنْ أَحَد بَعْدك). وَفِيهِ دَلِيل عَلَى عِظَم فَضْل الضُّحَى وَكَبِير مَوْقِعهَا، وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته والله أعلم.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى وأكبر موقعها وتأكد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة، ويدلان أيضاً على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النخامة وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق، وسائر أنواع الطاعات ليسقط بفعل ذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم.
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: معنى الحديث على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة لأنه إذا أصبح العضو سليما فينبغي أن يشكر ويكون شكره بالصدقة فالتسبيح والتحميد وما ذكره يجري مجرى الصدقة عن الشاكر وقوله ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى لأن الضحى من الصباح وإنما قامت الركعتان مقام ذلك لأن جميع الأعضاء تتحرك فيها بالقيام والقعود فيكون ذلك شكرها.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته، وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه تقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أرواحه وبطالة تأخر، فالعبد لا يزال في التقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق البتة قال تعالى:(لِمَنْ شَاء مِنكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخّر).
ب- ولحديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ (أَوْصَانِى خَلِيلِى صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَىِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُد) متفق عليه.
ج- ولحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ (أَوْصَانِى حَبِيبِى صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ) رواه مسلم.
قال القرطبي رحمه الله: وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما: تدل على فضيلة الضحى، وكثرة ثوابه وتأكده، ولذلك حافظا [عليه]، ولم يتركاه " انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم".
د- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ و أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ (ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَكْفِكَ آخِرَهُ) رواه الترمذي.
قال المباركفوري رحمه الله: (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) قِيلَ الْمُرَادُ صَلَاةُ الضُّحَى، وَقِيلَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ، وَقِيلَ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفَرْضُهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ فَرْضِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ، قُلْت: حَمَلَ الْمُؤَلِّفُ وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَلِذَلِكَ أَدْخَلَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى (أَكْفِك) أَيْ مُهِمَّاتِك (آخِرَهُ) أَيْ النَّهَارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: أَكْفِك شُغْلَك وَحَوَائِجَك وَأَدْفَع عَنْك مَا تَكْرَهُهُ بَعْدَ صَلَاتِك إِلَى آخِرِ النَّهَارِ: وَالْمَعْنَى أَفْرِغْ بَالَك بِعِبَادَتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أُفْرِغْ بَالَك فِي آخِرِهِ بِقَضَاءِ حَوَائِجِك اِنْتَهَى.
هـ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين) رواه ابن خزيمة.
•
ما حكم صلاة الضحى؟
اختلف العلماء في حكمها على أقوال:
القول الأول: أنها سنة مؤكدة.
وهذا مذهب الجمهور.
قال النووي: جمهور العلماء على استحباب صلاة الضحى.
وممن كان يصليها من الصحابة: أبو سعيد الخدري، وعائشة، وأبو ذر، وأم سلمة، وغيرهم.
ورجح هذا القول النووي، والشوكاني، والصنعاني، لأدلة كثيرة:
للأحاديث السابقة.
ولحديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً
…
).
القول الثاني: لا تشرع إلا لسبب، كقدوم من سفر.
ورجح هذا القول ابن القيم.
أ- قالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا لسبب واتفق وقوعها وقت الضحى.
فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان لسبب الفتح، وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات، وكان الأمراء يسمونها صلاة الضحى.
قالوا: وقول أم هانئ (وذلك ضحى) تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى، لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة.
ب- واستدلوا بحديث عائشة (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه).
القول الثالث: تشرع لمن ليس له ورد بالليل.
وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله، حيث قال رحمه الله: ومن هذا الباب (صلاة الضحى) فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها باتفاق أهل العلم بسنته، بل ثبت في حديث صحيح لا معارض له، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وقت الضحى لسبب عارض، لا لأجل الوقت، مثل أن ينام من الليل
…
).
والراجح القول الأول، وهو الاستحباب مطلقاً.
•
ما الجواب عن أدلة القول الثاني والثالث؟
وأما الجواب عن أدلة القول الثاني:
فاستدلالهم بحديث أم هانئ، وأن تلك الصلاة صلاة الفتح، فقد قال النووي: إنه فاسد، والأحاديث الكثيرة التي وردت في استحبابها ترد هذا القول.
وقال رحمه الله: والصواب صحة الاستدلال به، فقد ثبت عن أم هانئ:(أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين) رواه أبو داود.
•
ما الجمع بين أحاديث عائشة المتعارضة؟
اختلف العلماء في الجمع بين أحاديث عائشة المتعارضة:
قالت (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى
…
).
وقالت (كان يصلي الضحى أربعاً).
بعض العلماء رجح أحاديث الإثبات، للقاعدة: المثبت مقدم على النافي.
ورجحه ابن عبد البر.
وبعضهم جمع: أن أحاديث النفي نافية للمداومة، وأما الإثبات فالمراد فعلها أحياناً.
ورجحه البيهقي، وإنما كان يتركها أحياناً خشية أن تفرض على الأمة.
وقال النووي: وأما قول عائشة (ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه) معناه ما رأيته، كما قالت في الرواية الثانية (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى إلا في نادر الأوقات) فإنه قد يكون في ذلك مسافراً، وقد يكون حاضراً ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها: ما رأيته يصليها، وقد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها.
•
لو صلى أكثر من ركعتين، فكيف يصليها؟
فقيل: يسلم من كل ركعتين.
وبه قال النووي، والحافظ ابن حجر، والشوكاني.
لحديث أم هانئ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين) رواه أبو داود
ويستدل أيضاً بحديث (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) على قول من صححها.
•
ما وقتها:
يبدأ وقتها من خروج وقت النهي، وذلك إذا ارتفعت الشمس قدر رمح.
وأما نهاية وقتها: إلى قبيل الزوال بقليل، لأن الصلاة قبل الزوال منهي عنها.
لكن الأفضل والمستحب أن تصلى حين تشتد حرارة الشمس.
لحديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال). رواه مسلم
الأوابين: جمع أواب، وهو الرجاع إلى الله.
ترمض: قال النووي: ترمض بفتح التاء والميم، ومعناه أن تحمي الرمضاء، وهي الرمل، فتبرك الفصال من شدة الحر.
الفصال: الصغار من أولاد الإبل.
•
هل تقضى إذا فاتت؟
قيل: يستحب قضاؤها مطلقاً، سواء فاتت لعذر أو لغير عذر.
لعموم حديث (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).
قال النووي:
…
وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة إذا فاتت.
وقيل: لا تقضى.
وقيل: مخير.
وقيل: التفرقة بين الترك لعذر نوم أو نسيان فيقضي، أو لغير عذر فلا يقضي، وهذا قول ابن حزم.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها
…
).
وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا فاتت سنة الضحى لا تقضى، لأنها مقيدة بوقت.
389 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (صَلَاةُ اَلْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ اَلْفِصَالُ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ.
===
•
ما وقت صلاة الضحى، وما أفضل وقت تصلَى فيه؟
وقت صلاة الضحى من طلوع الشمس وارتفاعها إلى قبيل وقت صلاة الظهر.
وقدّره الشيخ ابن عثيمين بأنه بعد شروق الشمس بربع ساعة إلى قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق.
وأفضله: حين ترمض الفصال.
لحديث الباب.
والفصال هي أولاد الإبل، ومعنى ترمض تشتد عليها الرمضاء وهي حرارة الشمس.
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) هو بفتح التاء والميم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، أي حين تحترق أخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل - جمع فصيل - من شدة حر الرمل (فترفع أخفافها وتضعها من حرارة الأرض)، والأواب: المطيع، وقيل: الراجع إلى الطاعة. وفي (الحديث): فضيلة الصلاة هذا الوقت .. (و) هو أفضل وقت صلاة الضحى، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال. (شرح مسلم).
•
هل يصح التشريك بين صلاة الضحى والسنة الراتبة بنية واحدة؟
لا يصح التشريك بين صلاة الضحى والسنة الراتبة بنية واحدة؛ لأن كلا منهما مقصود لذاته فلا يتداخلان.
وهذه هي القاعدة في التشريك أو التداخل بين العبادات، فالسنن المقصودة لذاتها لا تتداخل، بخلاف ما كان مقصودا منه مجرد الفعل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يمكن الجمع في النية بين صيام الثلاثة أيام من الشهر وصيام يوم عرفة، وهل يأخذ الأجرين؟
فأجاب: تداخل العبادات قسمان:
قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً؛ لأن سنة الفجر مستقلة وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى.
وكذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها فإنها لا تتداخل، فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزئ عنها.
والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عنه الركعتين، لماذا؟ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى أجزأت عن تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فأكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات.
ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كنت نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزئ عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل. (لقاء الباب المفتوح).
390 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى اَلضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اَللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي اَلْجَنَّةِ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ.
391 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (دَخَلَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَصَلَّى اَلضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ".
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
الحديث الأول ضعيف، في إسناده موسى بن فلان مجهول كما قال الحافظ.
وأما حديث عائشة فضعيف، لأن في سنده انقطاع.
•
ما أقل عدد ركعات صلاة الضحى؟
أقل عدد ركعاتها ركعتان.
وهذا لا خلاف به.
لحديث أبي هريرة (أوصاني خليلي
…
وركعتي الضحى
…
).
ولحديث أبي ذر (يصبح على كل سلامى
…
ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).
قال الشيخ ابن عثيمين: لأن الرَّكعتين أقلُّ ما يُشرع في الصَّلوات غير الوِتر، فلا يُسَنُّ للإنسان أن يتطوَّع برَكعة، ولا يُشرع له ذلك إلا في الوِتر، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للرَّجُل الذي دخل وهو يخطب يوم الجُمُعة (قُمْ فصَلِّ رَكعتين، وتَجَوَّزْ فيهما)، ولو كان يُشرع شيءٌ أقلُّ من ركعتين؛ لأمره به مِنْ أجل أنْ يستمع للخُطبة، ولهذا أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يتجوَّز في الرَّكعتين.
ودليلُ ذلك أيضاً: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ (صيامُ ثلاثة أيام مِنْ كُلِّ شهر، وركعتي الضُّحى، وأنْ أوتِرَ قبل أن أنام).
والصَّحيحُ: أنَّ التطوُّع بركعة لا يصحُّ، وإنْ كان بعضُ أهل العلم قال: إنه يصحُّ أنْ يتطوَّعَ بركعة، لكنه قولٌ ضعيف كما سبق.
•
ما أكثر عدد ركعات صلاة الضحى؟
اختلف العلماء في أكثرها على اقوال؟
القول الأول: أن أكثرها ثمان ركعات.
لحديث أم هانئ (أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات ضحى).
وقيل: [12] ركعة.
لحديث أنس - حديث الباب - (من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة، بنى الله له قصراً في الجنة).
وقيل: لا حد لأكثرها.
وبه قال ابن جرير الطبري.
لحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
…
إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين
…
) رواه البزار وحسنه الألباني
ولقول عائشة (كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء).
وهذا القول هو الراجح.
قال السيوطي: لم يرد حديث بانحصار صلاة الضحى في عدد مخصوص، فلا مستند لقول الفقهاء: أن أكثرها ثنتي عشرة ركعة.
قال الشيخ ابن عثيمين: والصَّحيح: أنه لا حَدَّ لأكثرها؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله» أخرجه مسلم.
ولم تُقَيِّد، ولو صَلَّى مِنْ ارتفاع الشَّمس قيدَ رُمْحٍ إلى قبيل الزوَّال أربعين ركعة مثلاً؛ لكان هذا كلّه داخلاً في صلاة الضُّحى.
ويُجاب عن حديث أُمِّ هاناء بجوابين:
الجواب الأول: أن كثيراً من أهل العلم قال: إن هذه الصَّلاة ليست صلاة ضُحى، وإنما هي صلاة فتح، واستحبَّ للقائد إذا فتح بلداً أن يُصَلِّي فيه ثمان ركعات شكراً لله عز وجل على فتح البلد؛ لأن من نعمة الله عليه أن فتح عليه البلد، وهذه النِّعمة تقتضي الخشوع والذُّل لله والقيام بطاعته، ولهذا لا نعلم أن أحداً فتح بلداً أعظم من مَكَّة، ولا نعلم فاتحاً أعظم من محمَّد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أنَّ الاقتصار على الثَّمان لا يستلزم أنْ لا يزيد عليها؛ لأنَّ هذه قضيةُ عَين، أرأيت لو لم يُصَلِّ إلا ركعتين، هل نقول: لا تزيد على ركعتين؟.
الجواب: لا؛ لأنَّ قضيةَ العين وما وقع مصادفة فإنه لا يُعَدُّ تشريعاً. وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، ولهذا لا يستحبُّ للإنسان إذا دفع مِنْ (عرفة) وأتى الشِّعبَ الذي حول مزدلفة؛ أنْ ينزلَ فيبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً، كما فَعَلَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما دَفَعَ مِنْ (عَرفة) في الحَجِّ؛ ووصل إلى الشِّعبِ نَزَلَ فَبَالَ وتوضَّأ وضوءاً خفيفاً لأن هذا وقع مصادفة، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم احتاج أن يبولَ فنزل فبال وتوضَّأ؛ لأجل أن يكون فعلُه للمناسك على طهارة.
•
لو صلى أكثر من ركعتين، فكيف يصليها؟
يسلم من كل ركعتين، وبهذا قال النووي والحافظ ابن حجر والشوكاني.
لحديث أم هانئ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين). رواه أبو داود
ويستدل أيضاً بحديث (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) على قول من صححها.
بَابُ صَلَاةِ اَلْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ
392 -
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (صَلَاةُ اَلْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ اَلْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
393 -
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا).
394 -
وَكَذَا لِلْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ:"دَرَجَةً "
===
(أفضل) أفضل التفضيل، وصيغ على هذا الوزن لدلالة على أن شيئين اشتركا في صيغة وزاد أحدهما على الآخر.
(صلاة الفذ) أي: صلاة المنفرد الذي لم يصل مع الجماعة.
(درجة) جزء، بمعنى واحد.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على فضل صلاة الجماعة، وأنها تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.
•
ما المراد بالجماعة في الحديث؟
اختلف في المراد بالجماعة:
فقيل: المراد مطلق الجماعة في أي مكان.
لأن الجماعة وصفٌ علّقَ عليه الحكم، فيؤخذ به.
وقيل: بل المراد جماعة المسجد لا جماعة البيوت.
أ-للحديث الآتي إن شاء الله (لقد هممت أن آمر
…
).
ب-ولحديث الأعمى وسيأتي.
ج-ولحديث (
…
وذلك أنه إذا توضأ ثم خرج إلى الصلاة لا يخرجه
…
).
وهذا القول هو الصحيح، وأنه لابد من فعلها في المسجد ورجحه ابن القيم، والسعدي.
•
ما الجمع بين روايتي (سبع وعشرين) ورواية (خمس وعشرين)؟
اختلف العلماء في الجمع بينهما:
قيل: رواية الخمس وعشرين تُقَدّم لكثرة رواتها.
وقيل: رواية السبع والعشرين تقدم، لأن فيها زيادة من عدلٍ حافظ.
وقيل: إن ذكر القليل لا ينافي ذكر الكثير.
وقيل: إنه أخبر بالخمس وعشرين، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل بالسبع وعشرين، وهذا أرجحها.
وقيل: السبع وعشرين مختصة بالجهرية، والخمس وعشرين مختصة بالسرية.
وقيل: السبع وعشرين مختصة بالفجر والعشاء والخمس وعشرين بغيرها.
وقيل: بإدراكها كلها أو بعضها.
وقيل: الفرق بحال المصلي، كأن يكون أعلم أو أخشع .... (فتح الباري).
•
مَنْ الذي استدل بحديث الباب على أن صلاة الجماعة سنة؟ وما وجه استدلالهم؟
استدل به أكثر المالكية.
ووجه الدلالة: قالوا: لأن الحديث فيه المفاضلة بين أجر صلاة الجماعة وصلاة المنفرد، فدل على أن صلاة المنفرد صحيحة ويثاب عليها .... [وسيأتي الخلاف والجواب عن هذا الحديث].
•
ما أقل الجماعة؟
الحديث دليل على أن أقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم.
قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً.
لحديث الباب.
وأمّ صلى الله عليه وسلم ابن عباس مرّة، وأمّ حذيفة مرّة، وابن مسعود مرّة.
•
ما حكم من صلى في بيته منفرداً لعذر، هل يكتب له الأجر كاملاً أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن أجره تام.
لأن المعذور يكتب له ثواب عمله كله.
لحديث أبي موسى. قال: قال صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين:
…
إذا كان حريصاً على الجماعة ومن عادته أن يصلي مع الجماعة، ولكن تخلف لعذر فيرجى أن يكتب له أجر الجماعة كاملة قياساً على المريض والمسافر، فقد قال النبي عليه السلام (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).
وهذا يدل على أن حديث الباب المراد به غير المعذور.
القول الثاني: أن المعذور له أجر، ولكن ليس كأجر من صلى في جماعة.
لعدم الدليل على ذلك.
والراجح: الله أعلم.
فائدة: وأما من لم تكن عادته الصلاة في الجماعة فمرض فصلى وحده فهذا لا يكتب له مثل صلاة الصحيح، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب.
395 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ اَلنَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ لَا يَشْهَدُونَ اَلصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ اَلْعِشَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
===
(وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أي: نفوس العباد بيد الله، أي بتقديره وتدبيره.
(لَقَدْ هَمَمْتُ) الهم العزم.
(ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ) أي: آتيهم من خلفهم.
(لَا يَشْهَدُونَ اَلصَّلَاةَ) هذه اللفظة عند مسلم فقط، والمعنى: لا يحضرون، وفيها بيان سبب ذلك، وهو أن العقوبة على ذنب ظاهر، وهو تخلفهم عن الصلاة في المسجد لا على أنها لنفاقهم كما قيل.
(عَرْقاً) بفتح العين وسكون الراء، العظم الذي أخذ أكثر ما عليه من اللحم.
(أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ) بكسر الميم من الرماة، قيل: ظلف الشاة، وقيل: ما بين ظلفي الشاة، وقيل: سهمان يرمى بهما، لكن هذا ضعفه الزمخشري، وقال: تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه، ويدفعه ذكر العرق معه.
•
اذكر الخلاف في حكم صلاة الجماعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه فرض عين.
روي هذا القول عن ابن مسعود وأبي موسى.
وهو مذهب الحنابلة، ورجحه ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان.
أ-لقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك).
وجه الدلالة: أن الله أمر بإقامة صلاة الجماعة وهم في حالة الحرب والخوف، ولو كانت الجماعة سنة كما يقول بعضهم لكان أولى الأعذار بسقوطها عند الخوف، وإذا وجبت في حال الخوف، ففي حال الأمن من باب أولى.
ب-ولحديث الباب (
…
فأحرق عليهم بيوتهم
…
).
قال ابن دقيق العيد: فمن قال بأنها واجبة على الأعيان، قد يحتج بهذا الحديث، فإنه إن قيل بأنها فرض كفاية فقد كان هذا الفرض قائماً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وإن قيل: إنها سنة، فلا يقتل تارك السنن، فيتعين أن تكون فرضاً على الأعيان.
ج-ولحديث الأعمى الآتي، فإنه قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، ومع ذلك لم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا لم يرخص للأعمى في تركها، فالبصير ومن لا عذر له من باب أولى في عدم تركها.
قال ابن قدامة: وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائداً، فغيره من باب أولى.
د-ولحديث ابن عباس الآتي (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر).
هـ-وعن ابن مسعود قال (من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم
…
ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). رواه مسلم
فهذا الصحابي يحكي إجماع الصحابة على أن من ترك صلاة الجماعة في المسجد من علامات النفاق.
القول الثاني: أنه سنة.
وهو مذهب المالكية.
لحديث ابن عمر السابق (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).
قال الصنعاني: فيه دليل على عدم وجوبها.
وجه الدلالة: لأن الحديث فيه المفاضلة بين أجر صلاة الجماعة وصلاة المنفرد، فدل على أن صلاة المنفرد صحيحة ويثاب عليها.
القول الثالث: فرض كفاية.
واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العيني، وصرفها من فرض العين إلى فرض الكفاية حديث ابن عمر (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع عشرين درجة). فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد، فيبقى الوجوب المستفاد منها وجوباً كفائياً.
والراجح القول الأول، أنها فرض عين، وأن من صلى في بيته من غير عذر فصلاته صحيحة مع الإثم.
•
ماذا أجاب القائلون بعدم الوجوب العيني عن حديث الباب (لقد هممت أن آمر
…
)؟
أجابوا بأجوبة:
قيل: أن الخبر ورد مورد التهديد والزجر، وحقيقته غير واردة.
وهذا ضعيف.
وقيل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم.
وتعقب ذلك ابن دقيق العيد بقوله: وهذا ضعيف، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه.
وقيل: المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأساً لا مجرد الجماعة.
وهو ضعيف، فقد جاء في رواية مسلم (لا يشهدون الصلاة) أي لا يحضرون.
وعند ابن ماجه: (لينتهين أقوام عن تركهم الجماعات أو لأحرقنّ بيوتهم).
وقيل: أن الحديث ورد في حق المنافقين.
وهذا ضعيف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعاقب المنافقين على نفاقهم، وكان صلى الله عليه وسلم معرضاً عنهم وعن عقوبتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).
لكن الحافظ ابن حجر رجح هذا القول، وقال: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين، لقوله في الحديث:(ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر) ولقوله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم أحدهم
…
) لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في رواية (لا يشهدون العشاء الجميع) أي الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة:(لا يشهدون الجماعة) وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود: (ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة) فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته وإنما يصلي في المسجد رياء وسمعة.
•
اختلف القائلون بوجوب الجماعة، هل تصلى جماعة في أي مكان أم لا بد من المسجد؟ على قولين اذكرهما:
القول الأول: يجوز فعلها في غير المسجد.
وهذا قول مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد.
قال ابن قدامة: ويجوز فعلها في البيت والصحراء.
لحديث جابر مرفوعاً (أعطيت خمساً لم يعطهن
…
ذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) متفق عليه.
القول الثاني: لا يجوز فعلها إلا في المسجد.
ورجح هذا القول ابن القيم.
قال رحمه الله: والذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر، والله أعلم بالصواب.
وقال الشيخ السعدي: والصواب وجوب فعلها في المسجد، لأن المسجد شعارها، ولأنه صلى الله عليه وسلم همّ بتحريق المتخلفين عنها ولم يستفصل، هل كانوا يصلون في بيوتهم جماعة أم لا، ولأنه لو جاز في غير المسجد لغير حاجة، لتمكن المتخلف عنها والتارك لها من الترك، وهذا محذور عظيم.
•
هل الجماعة واجبة للصلوات الخمس، حتى ولو كانت مقضية؟
نعم، واجبة للصلوات الخمس ولو كانت مقضية.
أ-لعموم الأدلة.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر هو وأصحابه في سفر كما في حديث أبي قتادة، أمر بلالاً فأذن ثم صلى سنة الفجر ثم صلى الفجر كما يصليها عادة جماعة، وجهر بالقراءة.
وعلى هذا فإذا نام قوم في السفر، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فإنهم يفعلون كما يفعلون في العادة تماماً.
•
هل صلاة الجماعة واجبة على النساء؟
لا.
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (إلى رجال) فهذا دليل على أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال دون النساء، وهذا بالإجماع.
لكن اختلفوا في حكمها للمرأة:
فقيل: سنة.
وبه قال الشافعية، والحنابلة.
لحديث أم ورقة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (انطلقوا إلى الشهيدة فزوروها، وأمر أن يؤذن لها وتقام وتؤم أهل دارها في الفرائض) رواه أبو داود.
وقيل: مكروهة.
وهو قول الحنفية.
قالوا: لأن المرأة ليست من أهل الاجتماع، ولأن هذا غير معهود في أمهات المؤمنين.
والصحيح أنها مباحة.
•
هل تشرع الجماعة للسنن؟
النوافل من حيث مسنونية الجماعة لها وعدم مسنونيتها قسمان:
القسم الأول: ما تسن له الجماعة.
وهي صلاة الكسوف، والاستسقاء، والعيد.
القسم الثاني: ما يفعل على الانفراد ولا تسن له الجماعة.
كالراتبة مع الفرائض، والنوافل المطلقة وهي ما يتطوع به في الليل والنهار.
لكن لا بأس أن يفعلها في جماعة أحياناً، لكن بشرط ألا يتخذ ذلك عادة.
لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مع ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وذلك في قيام الليل.
•
ما حكم التعزير بالمال؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز التعزير بالمال.
وهذا القول رجحه ابن القيم.
واستدل له بأدلة كثيرة ومتنوعة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه، فقال: وقد جاءت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع:
منها: أمره لعبد الله بن عمر بأن يحرق الثوبين المعصفرين.
ومنها: أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية.
ومنها: هدم مسجد الضرار.
ومنها: تحريق متاع الغال.
ومنها: أخذ شطر مانع الزكاة عزمة من عزمات الرب تعالى.
ومنها: أمره صلى الله عليه وسلم لأنس بطرحه خاتم الذهب، فطرحه فلم يعرض له أحد.
ومنها: قطع نخل اليهود، إغاظة لهم.
ومنها: تحريق عمر وعلي المكان الذي يباع فيه الخمر.
القول الثاني: عدم جواز التعزير بالمال.
وهذا مذهب الجمهور.
قالوا: بأن التعزيرات المالية منسوخة.
قال الشيخ ابن باز: الصواب عدم النسخ، لأدلة كثيرة، منها حديث الباب، وإنما المنسوخ التعذيب بالنار فقط.
وهذا القول هو الصحيح.
•
لماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق بيوت هؤلاء المتخلفين؟
قيل: لوجود النساء والذرية.
وقد جاء في مسند أحمد: (لولا ما فيها من النساء والذرية). وهي زيادة ضعيفة.
وقيل: لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
وهذا القول هو الصحيح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم الحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل من رفيع الدرجات ومنازل الكرامة.
- تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، لأن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفي به عن الأعلى من العقوبة.
- في قوله في رواية أبي داود (ليست بهم علة) دليل على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة.
- فيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها.
- إثبات صفة اليد لله إثباتاً يليق بجلاله.
فائدة:
حديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد). رواه الدار قطني، وهو حديث ضعيف.
396 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله صلى الله عليه وسلم (أثقَلُ اَلصَّلَاةِ عَلَى اَلْمُنَافِقِينَ: صَلَاةُ اَلْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ اَلْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(أثقل) أي أشدهما ثقلاً، والمراد بثقل الصلاة: شهودها مع الجماعة.
(ولو حبواً) جاء عند ابن أبي شيبة (ولو حبواً على المرافق والركب).
(ولو يعلمون ما فيهما) أي: علم يقين وإيمان ما في فضلهما مع الجماعة في المسجد من الثواب والفضل، وقد جاء في رواية (ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على أن كل الصلوات ثقيلة على المنافقين كما قال تعالى (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) وأثقلها صلاة الفجر والعشاء.
وقال ابن مسعود (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض).
والمراد بالثقل: من حيث عدم الحضور للمسجد لحديث أبي بن كعب قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قال: أحاضر فلان، قالوا: لا، أحاضر فلان؟ قالوا: لا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء
…
).
•
لماذا صلاة الفجر والعشاء أثقل من غيرهما من الصلوات على المنافقين؟
أ-وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهما من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم.
ب-ولأن المراءاة فيهما مفقودة غالباً حيث لا يراهم الناس في الظلام، فلا يُفقد المتخلف عنهما.
• على ماذا تدل المحافظة على الصلوات كلها؟
أن ذلك أمان من النفاق.
•
اذكر خصائص صلاة العشاء والفجر؟
أولاً: أن المحافظة عليهما أمان من النفاق.
كما في حديث الباب.
ولقول ابن مسعود (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق).
وقال ابن عمر (كنا إذا فقدنا الرجل صلاة العشاء أو صلاة الفجر أسأنا به الظن).
قال الحافظ ابن رجب: إسناده صحيح.
ثانياً: فيهما أجر كبير.
لحديث الباب (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).
ثالثاً: المحافظة عليهما تعدل قيام الليل.
عن عثمان. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله) رواه مسلم.
•
اذكر بعض صفات المنافقين؟
أولاً: قلة ذكر الله.
قال تعالى (ولا يذكرون الله إلا قليلا).
ثانياً: التخلف عن صلاتي الفجر والعشاء.
لحديث الباب.
ثالثاً: الكسل عن الصلاة.
قال تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى).
رابعاً: الرياء.
قال تعالى (يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً).
خامساً: الكذب، وإخلاف الوعد.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان).
سادساً: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
قال تعالى (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف).
سابعاً: التكذيب لوعد الله ورسوله.
قال تعالى (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله).
ثامناً: عدم الفقه في الدين.
قال تعالى (ولكن المنافقين لا يفقهون).
تاسعاً: التخذيل والاعتراض على القدر.
قال تعالى عنهم (لو أطاعونا ما قتلوا).
عاشراً: الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن.
قال تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن ترك العمل عند عدم رؤية الناس من علامات الرياء والنفاق.
- أن التكاسل عن الصلوات في المساجد من علامات النفاق وضعف الإيمان.
397 -
وَعَنْهُ قَالَ: (أَتَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى اَلْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَأَجِبْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(أَتَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى) جاء في رواية عند أبي داود (أن ابن أم مكتوم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: نعم، فلما وليت، دعاني فقال: أتسمع النداء؟ قلت: نعم، قال: لا أجد لك رخصة).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على وجوب صلاة الجماعة لمن سمع النداء.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (هل تسمع النداء) هل حتى ولو كان ذلك بمكبرات الصوت؟
لا، المعتبر في سماع النداء بدون مكبر الصوت، لأمرين:
الأول: أن مكبر الصوت لا ينضبط، فقد يكون قوياً فيرسل لمسافات بعيدة جداً.
ثانياً: أنه لو علق الأمر بمكبر الصوت، لحصل للناس مشقة، لأن مكبر الصوت ينادي من مسافة بعيدة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في سؤال عن جماعة خرجوا إلى ضواحي المدينة للنزهة، وسمعوا الأذان من أطراف المدينة، فهل تلزمهم الصلاة في المسجد، أو يصلون في مكانهم.
قال: الظاهر أن هؤلاء لا تلزمهم صلاة الجماعة في المسجد إذا كانوا إنما يسمعون صوت المؤذن بواسطة مكبر الصوت، وأنه لولا المكبر ما سمعوا، لأن هذا السماع غير معتاد ولا ضابط له.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن من سمع النداء فعليه الإجابة إذا كان منزله بعيداً.
- أنه إذا لم يسمع النداء فله رخصة أن يصلي في بيته.
- أن العمى ليس عذراً بالتخلف عن الجماعة إذا كان يسمع النداء.
- أهمية صلاة الجماعة، حيث لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى بالتخلف عنها مع قدرته.
- حرص الصحابة على التفقه في الدين.
- أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد.
- الحديث دليل على ضعف قول من يقول: إن صلاة الجماعة فرض كفاية.
398 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ سَمِعَ اَلنِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ وَقْفَه.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه ابن ماجه والحاكم والدار قطني، من طريق هشيْم بن بشر عن شعبة عن عدي عن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء في هذا الحديث في وقفه ورفعه:
فبعض أصحاب شعبة يرويه مرفوعاً، كهُشَيْم بن بشر، وأبو نوح وهو عبد الرحمن بن غزوان.
وبعضهم رواه موقوفاً، كغنْدر، ووكيع.
وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن شعبة هذا الحديث موقوفاً من كلام ابن عباس.
ووكيع وغندر من أوثق الناس في الرواية عن شعبة، ولذلك رجح البيهقي وقف الحديث.
•
على ماذا يدل الحديث؟
هذا الحديث استدل به من قال إن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى في بيته من غير عذر، فصلاته غير صحيحة.
وهو اختيار ابن حزم، ونسب لابن تيمية.
وسبق أن القول الراجح أن صلاة الجماعة واجبة وليست شرط.
•
ما الجواب عن هذا الحديث؟
الجواب من وجهين:
أولاً: أنه مختلف في رفعه ووقفه.
ثانياً: أنه يحمل على نفي الكمال، لأن حمله على الكمال يحصل به الجمع بين الأدلة.
•
اذكر بعض الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة؟
أولاً: المرض.
والمقصود بالمرض الذي يشق معه الحضور، بخلاف المرض الخفيف، كصداع الرأس يسيراً ونحوه، فليس بعذر.
قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج).
ولما مرض صلى الله عليه وسلم صلى في بيته، وقال:(مروا أبا بكر فليصلّ بالناس).
وقال ابن مسعود (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض). رواه مسلم
قال ابن حزم: لا خلاف في ذلك.
ثانياً: الضرر، بأن يخاف ضرراً في نفسه أو ماله أو عرضه.
قال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).
وقد جاء في حديث الباب: (قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض).
ثالثاً: مدافعة الأخبثين أو أحدهما [البول أو الغائط]:
لأن ذلك يمنعه من إكمال الخشوع، وإتمام الصلاة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان).
399 -
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ اَلْأَسْوَدِ رضي الله عنه (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اَلصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا، فَدَعَا بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: "مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ " قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمْ، ثُمَّ أَدْرَكْتُمْ اَلْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَةٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّان.
===
(تَرْعَدُ) أي ترتجف وترتعد.
(فَرَائِصُهُمَا) الفرائص جمع فريضة، وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف، تهتز عند الفزع والخوف.
(فِي رِحَالِنَا) الرحل هو المنزل الذي ينزله الإنسان.
(فَلَا تَفْعَلَا) أي: لا تفعلا في الجلوس خلف الصفوف، هذا التفسير هو ظاهر الحديث، وقيل: لا تفعلا: أي الصلاة في الرحال.
(ولم يصلّ) أي لم ينتهي من الصلاة.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
•
ما حكم من صلى في جماعة أو منفرداً ثم دخل مسجداً ووجدهم يصلون؟
الحديث دليل على أن من صلى في جماعة أو منفرداً، ثم دخل مسجد ووجدهم يصلون، فإنه يسن له أن يدخل معهم ويصلي، ويدل لذلك:
ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر حين أخبره عن الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، قال له (صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ ولا تقل إني صليت فلا أصلي) رواه مسلم.
والأمر في الحديث للاستحباب.
وذهب بعض العلماء إلى أن من صلى في بيته وحده ثم دخل المسجد فأقيمت تلك الصلاة يصليها معهم، ولا يخرج حتى يصلي، وأما من صلى جماعة فلا يعيد ورجح هذا القول ابن عبد البر وقال: وممن قال بهذا القول مالك بن أنس، وأبو حنيفة، والشافعي وأصحابهم.
قال ابن عبد البر: وقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر الذي صلى في أهله وحده أن يعيد في جماعة من أجل فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، ليتلافى ما فاته من فضل الجماعة، إذا كان قد صلى منفرداً، والمصلي في جماعة قد حصل له الفرض والفضل، فلم يكن لإعادته الصلاة وجه.
والراجح القول الأول، وأنه يعيد سواء صلى وحده أو مع الجماعة عملاً بظاهر النص.
لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فإنه صلى الله عليه وسلم ما استفصل.
•
فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) رواه أحمد؟
قال الشوكاني: قال في الاستذكار: اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه، ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضاً، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمره بذلك، فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين، لأن الأولى فريضة، والثانية نافلة، فلا إعادة حينئذٍ.
•
هل قوله صلى الله عليه وسلم قوله: (
…
فصليا معه
…
) هل يشمل جميع الصلوات؟
ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فصليا معه .. ) يشمل جميع الصلوات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء لعموم الحديث.
لكن استثنى بعض العلماء صلاة المغرب، وقالوا: لا تعاد.
وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
قالوا: لأن في إعادتها تصير شفعاً، وهي إنما شرعت لتوتر عدد ركعاتها اليوم والليلة.
لكن هذا القول ضعيف، والصحيح أن المغرب تعاد كغيرها من الصلوات.
وهذا المذهب عند الشافعية.
لعموم حديث الباب، فإنه لم يفرق بين صلاة وصلاة.
وذهب بعض العلماء إلى أن الفجر والعصر لا تعاد.
وهذا مذهب الحنفية.
قالوا: لأن المعادة نافلة، والتنفل لا يجوز بعد الصبح والعصر، إذ هو وقت نهي لا يتنفل فيه، لذا لا تعادان.
وهذا قول ضعيف، والصحيح الأخذ بعموم الحديث أن جميع الصلوات تعاد.
إذاً المسألة فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: تعاد جميع الصلوات.
القول الثاني: تعاد كل الصلوات إلا المغرب.
القول الثالث: تعاد جميع الصلوات ما عدا العصر والصبح.
•
ما الحكمة من الإعادة؟
الحكمة من الإعادة: لأجل يدرك فضيلة الجماعة، ولئلا يكون قعوده والناس يصلون ذريعة لإساءة الظن به.
•
هل يسن أن يقصد مسجداً للإعادة؟
لا يسن ذلك.
لأن ذلك ليس من عادة السلف، ولو كان هذا من أمور الخير لكان أولى الناس فعلاً له الصحابة.
قال في حاشية الروض: وأما قصد الإعادة فمنهي عنه، إذ لو كان مشروعاً لأمكن أن تصلى الصلاة الواحدة مرات.
•
ما حكم الجماعة في السفر؟
اختلف العلماء في حكم إقامة الجماعة في السفر على قولين:
القول الأول: أن الجماعة واجبة حضراً وسفراً.
وهذا مذهب أحمد.
لعموم الأدلة، فقد أمر الله بإقامة الجماعة في شدة الخوف، علماً بأن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف جاءت في السفر، ومع ذلك أمر الله بإقامة الجماعة.
القول الثاني: أن الجماعة في السفر ليست واجبة.
وهذا مذهب الشافعي، واحتج بحديث الباب.
والأول أقوى.
قوله: (فلا تفعلا
…
) النهي عن الجلوس خلف الصفوف والناس يصلون.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز فعل الصلوات ذات السبب في وقت النهي.
- أن الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة.
- عدم الإسراع في الإنكار قبل السؤال.
400 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا جُعِلَ اَلْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اَللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ اَلْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُه.
وَأَصْلُهُ فِي اَلصَّحِيحَيْن.
===
(ليؤتم به) أي يقتدى به، كما جاء عند البخاري:(فلا تختلفوا عليه) والمراد الاقتداء به بالأفعال الظاهرة لا النيات (وسيأتي شرح ذلك).
(كبر فكبروا) أي بعد تكبيره، كما قال:(ولا تكبروا حتى يكبر).
•
ما الحكمة من الإمام؟
الاقتداء به.
•
ما المراد من قوله صلى الله عليه وسلم (ليؤتم به)؟
اختلف في المراد:
فقيل: ليقتدى به في الأفعال والنيات.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
وقيل: ليقتدى به في الأفعال الظاهرة دون النية.
وهذا مذهب الشافعي.
وهذا هو الصحيح.
أولاً: لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا ركعوا فاركعوا
…
) فهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم للاقتداء.
ثانياً: أنه ثبت في وقائع عن النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف في النية بين الإمام والمأموم:
منها: حديث معاذ الآتي، حيث كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب ويصلي بقومه.
ومنها: في إحدى صيغ صلاة الخوف صلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين، ثم ذهبت، ثم جاءت الطائفة الأخرى التي لم تصلّ، فصلى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا اختلاف بالنية.
ومنها: حديث يزبد بن الأسود السابق (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اَلصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا، فَدَعَا بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: "مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ " قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمْ، ثُمَّ أَدْرَكْتُمْ اَلْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَة).
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجوْر الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها (صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ) متفق عليه.
•
ما حكم متابعة الإمام؟
واجبة.
•
اذكر حالات المأموم مع إمامه؟
المأموم مع الإمام له حالات:
الأولى: المسابقة.
وهي أن يركع قبل إمامه، أو يسجد قبل إمامه، فهذه حرام بالاتفاق.
قال صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار). متفق عليه
قوله: (رأس حمار): قيل: يقع على الحقيقة. وقيل: يحتمل أمر معنوي كالبلادة، ورجحه ابن دقيق العيد، وقال: ومما يرجح هذا المجاز بأن التحويل بالصورة لم يقع مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام.
وقال صلى الله عليه وسلم: (فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود).
- فإن سبق إمامه إلى ركن من الأركان، كأن ركع قبله، أو سجد قبله:
فالصحيح أن صلاته باطلة، وهذا اختيار ابن تيمية.
- فإن سبق ناسياً أو جاهلاً: فصلاته صحيحة، وعليه أن يرجع ليأتي به وبما بعده.
الثانية: الموافقة.
كأن يركع معه، أو يسجد معه، فإن وافقه بتكبيرة الإحرام لم تصح صلاته.
لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلا بعد تكبيرة الإحرام، فإن وافقته في التكبير، فإنك تكون دخلت مع إمام لم يكن إماماً حتى الآن، فتكون صلاته باطلة.
أما في غير تكبيرة الإحرام، كأن يركع معه، فهذه مكروهة عند الفقهاء.
ثالثاً: التخلف.
أن يتأخر عن إمامه.
كأن يركع الإمام وهو لا يزال واقف، حتى يرفع الإمام من الركوع، ثم يركع المأموم.
إن كان بعذر: كانقطاع مكبر الصوت، فإنه يأتي بما تخلف به ويتابع الإمام، إلا أن يصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا يأتي به، ويبقى مع الإمام، ويصبح له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه.
إن كان بغير عذر: فالراجح أنها تبطل صلاته.
رابعاً: المتابعة.
وهي أن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه.
•
قوله صلى الله عليه وسلم (ليؤتم به
…
) استدل به بعض العلماء على مسألة فقهية فما هي؟
استدل به بعض العلماء على أنه لا يجوز أن يقتدي المفترض بالمتنفل. [وسيأتي بحث المسألة قريباً إن شاء الله].
•
ما حكم تكبيرات الانتقال؟
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: أنها واجبة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (
…
وإذا كبر فكبروا
…
) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يكبر في كل خفض ورفع.
القول الثاني: أنها غير واجبة.
وهذا مذهب الجمهور.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها للمسيء في صلاته.
والراجح الأول. (وقد سبقت المسألة).
•
ما الحكم إذا صلى الإمام جالساً لعدم قدرته؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال، وستأتي المسألة إن شاء الله).
وقد استدل بقوله (وإذا صلى قاعداً فصلى قعوداً) على أن المأمومين يصلون قعوداً.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن المأموم يقتصر على قول: اللهم ربنا لك الحمد. [وسبقت المسألة].
- قوله صلى الله عليه وسلم: (
…
إنما جعل الإمام ليؤتم به
…
) دليل على أنه يجب على الإمام أن يرفع صوته بالتكبير، لأنه لا يتم ائتمام المأمومين بالإمام إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
401 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا. فَقَالَ: "تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُم) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى) رأى هنا بصرية.
(فِي أَصْحَابِهِ) المراد بعض أصحابه.
(تَأَخُّرًا) أي: عن الصف الأول، كما في الرواية الثانية (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً في مؤخَّر المسجد
…
).
(فَقَالَ) لهم النبي صلى الله عليه وسلم.
(تَقَدَّمُوا) أي: إلى الصف الأول.
(فَائْتَمُّوا بِي) أي: اقتدوا بأفعالي في الصلاة.
(وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ) أي: ليقتد بكم الصف الذي يليكم.
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على ذم التأخر عن الصف الأول.
•
هل يستحب القرب من الإمام؟
نعم يستحب، لما في ذلك من الفوائد والمصالح:
منها: أنه ينوب عن الإمام إذا عرض له عارض.
ومنها: أنه يقتدي بصلاة إمامه ويستفيد منه، لا سيما إذا كان الإمام فقيهاً.
ومنها: أنه ينبه الإمام إذا سها. [منحة العلام].
•
هل يجوز للمأموم أن يعتمد في متابعة إمامه الذي لا يراه ولا يسمعه على الصف الذي أمامه؟
نعم يجوز.
•
ما حكم اقتداء المأموم بالإمام إذا كان المأموم داخل المسجد؟
إذا اقتدى المأموم بالإمام وهو في المسجد صح الاقتداء به ولو كان بينهما حائل، كأن صلى الإمام في المصابيح وصلى المأموم في ساحة المسجد أو في سطح المسجد، لكن إذا كانت الصفوف متصلة فالصلاة صحيحة ولا كراهة في ذلك، وإذا كانت الصفوف غير متصلة فالصلاة صحيحة مع الكراهة لأنه خالف السنة، لأن السنة هو إتمام الصف الأول فالأول مع التراص.
كما روى جابر بن سمُرَة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها، قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف) رواه مسلم.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر). رواه أبو داود
•
ما حكم اقتداء المأموم بالإمام إذا كان المأموم خارج المسجد؟
هذه لها حالتان:
الأولى: إذا كانت الصفوف متصلة خارج المسجد مع داخله فلا خلاف بين أهل العلم في صحة صلاة من كان خارج المسجد.
قال ابن تيمية: وأما صلاة المأموم خلف الإمام خارج المسجد أو في المسجد وبينهما حائل، فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة.
الثانية: إذا كانت الصفوف غير متصلة، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه يشترط أن يرى الإمام أو بعض المأمومين ولو في بعض الصلاة وأمكن الاقتداء ولا يمنع الفاصل من طريق أو نهر.
القول الثاني: أنه يكفي سماع صوت الإمام أو من وراءه أو رؤية الإمام أو من وراءه ولا يمنع ذلك الفاصل من طريق أو نهر.
وبه قال مالك، واختار هذا القول ابن قدامة، والسعدي.
وعللوا ذلك بتعليلين:
التعليل الأول: أن المأموم إن أمكنه الاقتداء بالإمام فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى.
التعليل الثاني: أن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم يحصل بسماع التكبير فجرى مجرى الرؤية.
قال السعدي: الصحيح أن المأموم إذا أمكنه الاقتداء بإمامه بالرؤية أو سماع الصوت أنه يصح اقتداؤه به، سواء كان في المسجد أو خارج المسجد، وسواء حال بينهما نهر أو طريق أم لا، لأنه لا دليل على المنع ولا على التفريق، وإن قدّرنا أن الطريق لا تصح فيه الصلاة فلا يضر حيلولته بينه وبين إمامه إذا كان الموضع الذي يصلي الإمام لا مانع منه، والذي يصلي فيه المأموم كذلك.
القول الثالث: أنه يشترط أن يرى الإمام أو من وراءه في بعضها وأمكن الاقتداء ولا يكون هناك فاصل من نهر.
وهذا القول هو المشهور عند الحنابلة.
واستدلوا بحديث عائشة قالت (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ فِى حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ الثَّانِيَةِ، فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ «إِنِّى خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْل) متفق عليه.
وجه الاستدلال: أن بعض الصحابة كانوا في المسجد فاقتدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهم لا يرونه إلا في حال القيام، فدل على أنه لا يشترط أن يرى الإمام في جميع الصلاة بل يكفي في بعضها.
وعللوا: بأن الطريق والنهر ليسا محلاً للصلاة فأشبه ما يمنع الاتصال. (أحكام الإمامة والإئتمام).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع:
قوله - أي صاحب الزاد - (يصح اقتداء المأموم بالإِمام في المسجد
…
). «في المسجد» أي: في مسجدٍ واحدٍ، فيصِحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ، ولو كانت بينهما مسافاتٍ، وظاهرُ كلامهِ أنه لا يُشترط أن يليَ الإِمامَ، فلو أنَّ أحداً ائتمَّ بالإِمامِ وهو بمؤخِّرِ المسجدِ، والإِمامُ في مقدمه وبينهما مثلاً خمسون متراً فالصَّلاةُ صحيحةٌ، لأنَّ المكانَ واحدٌ، والاقتداءُ ممكن، وسواء رأى الإِمامَ أم لم يرَه.
وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الإِمَامَ أَوْ المَأْمُومِين.
وقوله: «وإن لم يره ولا من وراءه» أي: لم يرَ الإِمامَ، ولا مَنْ وراءَه مِنْ المأمومين.
قوله: «إذا سمع التكبير» أي: لا بُدَّ مِنْ سماعِ التكبير؛ لأنه لا يمكن الاقتداءُ به إلا بسماعِ التكبير إما منه أو ممن يبلِّغُ عنه، فصار شرطُ صِحَّةِ اقتداءِ المأمومِ بإمامِه إذا كان في المسجدِ شرطاً واحداً فقط، وهو: سماعُ التكبير. فإن كان خارجه فيقول المؤلِّفُ:
قوله: «وكذا خارجه إن رأى الإِمام أو المأمومين» أي: وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين.
وظاهرُ كلام المؤلِّفِ رحمه الله: أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصاً جاراً للمسجد، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِنْ شُبَّاكه، وصَلَّى في بيتِه، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ؛ لأنه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين.
وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا بُدَّ أن يرى الإِمامَ أو المأمومين في جميع الصَّلاةِ؛ لئلا يفوته الاقتداءُ، والمذهبُ يكفي أنْ يراهم ولو في بعضِ الصَّلاةِ.
إذاً، إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ لذلك شرطان:
الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ.
الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إما في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ.
وظاهرُ كلامِهِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ وهو المذهب.
والقول الثاني: وهو الذي مشى عليه صاحبُ «المقنع» : أنَّه لا بُدَّ مِنْ اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَنْ كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ ـ وهي متابعة المأمومِ للإِمام والمكان. وإلا لقلنا: يَصِحُّ أن يكون إمامٌ ومأمومٌ واحد في المسجد، ومأمومان في حجرة بينها وبين المسجد مسافة، ومأمومان آخران في حجرة بينه وبين المسجدِ مسافة، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجد مسافة في حجرة ثالثة، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولا سيَّما على قولِ مَنْ يقول: إنَّه يجب أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجد.
فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَنْ كان خارجَ المسجدِ مِنْ اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ.
مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عَماراتٌ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها؛ أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام.
وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ. وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِنْ أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ المذياع.
•
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ)؟
قيل: أي، عن رحمته، وعظيم فضله، ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك، قاله النووي.
وقيل: حتى يؤخرهم في النار، كما جاء في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار) رواه أبو داود، وفي رواية لأحمد (حتى يؤخرهم الله يوم القيامة).
وقيل: قال القرطبي: قيل هذا في المنافقين، ويحتمل أن يراد به أن الله يؤخرهم عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم، أو عن رتبة السابقين.
402 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ (اِحْتَجَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجْرَةً بِخَصَفَةٍ، فَصَلَّى فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ
…
- اَلْحَدِيثَ، وَفِيهِ: - أَفْضَلُ صَلَاةِ اَلْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا اَلْمَكْتُوبَةَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً) اتخذ وحوّط موضعاً من المسجد يستره ليصلي فيه
(بِخَصَفَةٍ) قال القرطبي: الخَصَفَة: حصير يُخصف، أي: يُحاط من السَّعف.
(فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ) قال النووي: هكذا ضبطناه، وكذا هو في النسخ، واصل التتبع الطلب، ومعناه هنا: طلبوا موضعه واجتمعوا إليه، وفي الرواية الأخرى (حتى اجتمع إليه ناس).
(وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِه، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً) أي: غير هذه الليلة.
(أَفْضَلُ صَلَاةِ اَلْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ) هذا عام في جميع النوافل والسنن، إلا النوافل التي هي من شعار الإسلام، كالعيد والكسوف والاستسقاء.
(إِلَّا اَلْمَكْتُوبَةَ) قال في الفتح: المراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ (احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى فِيهَا - قَالَ - فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ - قَالَ - ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ - قَالَ - فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِى بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ).
•
هل يشترط للإمام أن ينوي الإمامة قبل الدخول في الصلاة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يشترط لصحة الإمامة أن ينوي الإمام قبل الدخول في الصلاة أنه إمام.
وهذا مذهب الشافعي.
لحديث الباب.
ولحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الليل منفرداً، ثم دخل معه ابن عباس).
وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة في موضعها وهو أول الصلاة، لأنه افتتحها منفرداً، ومع ذلك فقد اقتدى به الصحابة وصلوا بصلاته، ولو كانت نية الإمامة شرطاً لصحة الجماعة، لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على الإئتمام به.
القول الثاني: لا يجوز.
وقال به بعض العلماء.
والصحيح الأول.
•
ما حكم صلاة النافلة جماعة؟
يجوز بشرط: ألا يتخذ ذلك عادة.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى مع ابن عباس، وحذيفة، وابن مسعود، وأما دائماً فبدعة.
والمراد بالنوافل هنا ما يفعل على وجه الانفراد، كالرواتب مع الفرائض، وصلاة الضحى، وغيرها.
وهناك نوافل يسن لها الجماعة: كصلاة الكسوف، والاستسقاء، والعيدين، والتراويح.
•
ما الأفضل أن تصلى النافلة؟
في البيت (وقد تقدمت المسألة).
يستثنى من النوافل: ما يشرع فيه التجمع، فهذه الأفضل في المسجد، كالاستسقاء، والكسوف، والعيدين.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز اتخاذ حجرة ونحوها في المسجد إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم، ولم يتخذ دائماً.
- مشروعية قيام الليل، ولا سيما في رمضان جماعة.
- ترك بعض المصالح لخوف المفسدة، وتقديم أهم المصلحتين.
403 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (صَلَّى مُعَاذٌ بِأَصْحَابِهِ اَلْعِشَاءَ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ يَا مُعَاذُ فَتَّانًا؟ إِذَا أَمَمْتَ اَلنَّاسَ فَاقْرَأْ: بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَ: سَبِّحْ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى، وَ: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
===
(أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ يَا مُعَاذُ فَتَّانًا؟) أي: صاداً عن دين الله بتطويلك، وجاء عند أحمد:(يا معاذ، لا تكن فتاناً) وفي حديث أنس: (لا تطول بهم).
قال الحافظ: ومعنى الفتنة هنا التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة، ولتكره الصلاة في الجماعة، وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر (لا تبغضوا إلى الله عباده، يكون أحدكم إماماً فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه).
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً كما في رواية مسلم؟
عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ (صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِيُّ لأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا فَصَلَّى فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّاناً يَا مُعَاذُ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى).
وفي رواية (
…
كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِى فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ
…
).
•
ما حكم اقتداء المفترض بالمتنفل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز.
وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاختلاف على الإمام، وكون المأموم مفترض، والإمام متنفل، اختلاف بينهما فلا يجوز.
القول الثاني: أنه يجوز.
وبه قال طاووس، وعطاء، والأوزاعي.
وهو مذهب الشافعي، واختاره ابن قدامة، وابن تيمية.
أ-لحديث الباب، (فإن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة).
وقد جاء في رواية عند الدار قطني: (هي له نافلة، ولهم فريضة).
ب-ولأنه ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بعض أنواع صلاة الخوف، أنه كان يصلي بطائفة صلاة تامة ويسلم بهم، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم) رواه النسائي.
وهنا تكون الصلاة الأولى للرسول صلى الله عليه وسلم فرضاً، والثانية نفلاً.
ج-ولحديث عمرو بن سلِمة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه (وليؤمكم أكثركم قرآناً، قال: فكنت أؤمهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين) رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن الحديث يدل على جواز إمامة الصبي بالبالغين، ومن المعلوم أن الصبي غير مكلف فتكون صلاته نفلاً، فدل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل.
وعليه: لو أن رجلاً يريد أن يصلي السنة ركعتين، فجاء آخر وقال: أصلي معك الفجر، فصلى الإمام السنة، وصلى المأموم الفجر، فإن هذا يصح.
قال السعدي: والصحيح أنه يجوز ائتمام المفترض خلف المتنفل لقصة معاذ، وذلك صريح في المسألة، وكذلك قصة عمرو بن سلِمَة الجَرمي أنه كان إماماً لقومه وهو صبي، دليل على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، ودليل أيضاً على صحة إمامة الصبي في الفرض والنفل.
•
بماذا أجاب اصحاب القول الثاني عن حديث (فلا تختلفوا عليه)؟
أجابوا: المقصود لا تختلفوا عليه في الأفعال الظاهرة لا النيات، كما سبق شرحه في حديث سبق.
قال السعدي: وأما تعليل المانعين بأن المأموم إذا نوى صلاته فرض والإمام نواها نفلاً، أن ذلك اختلاف يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا) فليس الأمر كما ذكروا لوجهين:
أحدهما: أن مراده صلى الله عليه وسلم بالاختلاف المكور مخالفةٌ بالأفعال، كمسابقة الإمام، أو التخلف عنه، وليس مراده بذلك مخالفته النية، وبقية الحديث يوضحه جداً، فإنه قال فيه بعد قوله (فلا تختلفوا علي): فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا
…
وهذا ظاهر.
الوجه الثاني: أنهم أجازوا النفل خلف الفرض، وهذا مخالفة في النية، فدل على أن هذا المعنى غير معتبر.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الأول عن حديث معاذ، اذكر أجوبتهم مع الرد عليها؟
أجابوا بأجوبة ضعيفة:
منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك.
والجواب على هذا من وجهين:
أولاً: إن كان قد علم فهو المطلوب.
ثانياً: وإن لم يعلم فإن الله تعالى قد علم فأقره، ولو كان هذا أمراً لا يرضاه الله لم يقره على فعله. (الشرح الممتع)
ومنها: أنه يحتمل أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فريضة ويحتمل أنه يصلي نافلة، وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر.
والجواب على هذا:
أولاً: أن هذا مخالف لصريح الرواية (هي له تطوع ولهم مكتوبة).
ثانياً: أنه لا يجوز أن يظنّ بمعاذ مع كمال فقهه وعلو مرتبته أن يترك فعل فريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده، والجمع الكثير المشتمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كبار المهاجرين والأنصار ويؤديها في موضع آخر، ويستبدل بها نافلة.
وهذه أجوبة ضعيفة غير ناهضة.
قال النووي: وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها، فلا يُترك ظاهر الحديث بها.
وقال ابن رجب: ولم يظهر عنه (يعني حديث معاذ) جواب قوي، فالأقوى جواز اقتداء المفترض بالمتنفل.
فائدة: وأما اقتداء متنفل بمفترض فهي جائزة عند عامة أهل العلم.
للحديث الذي سبق، حديث يزيد بن الأسود (
…
إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما مسجد جماعة
…
) ولحديث: (ألا رجل يتصدق على هذا).
•
ما حكم اقتداء مفترض بمفترض آخر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز.
وهذا قول الحنفية، والمالكية، والشافعية.
لحديث (
…
فلا تختلفوا عليه).
وجه الدلالة: أن صلاة المفترض خلف من يصلي فرضاً آخر هو اختلاف عليه، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: جواز اقتداء المفترض بمفترض يصلي فرضاً غير فرضه.
وهذا مذهب الشافعية، واختاره ابن تيمية.
واستدل هؤلاء بالأدلة التي استدل بها القائلون بجواز إمامة المتنفل بالمفترض، كما في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالطائفة الثانية في صلاة الخوف، وإمامة معاذ بقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وجه الدلالة: أنه إذا جازت إمامة من يصلي النفل بمن يصلي الفرض، فجواز إمامة من يصلي الفرض بمن يصلي فرضاً آخر من باب أولى.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما السنة في القراءة في صلاة العشاء؟
السنة أن تكون من أواسط المفصل (من عم إلى الضحى) وقد تقدمت المسألة.
•
متى يجوز للمأموم أن ينفرد عن إمامه؟
إذا كان لعذر فيجوز وإلا فلا.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: قوله (وَإِنْ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ بلا عُذْرٍ بَطَلتْ)، وهذا يُعَبَّر عنه بالانتقال من ائتمام إلى انفراد، وفي هذا تفصيل: إن كان هناك عُذْر جاز، وإن لم يكن عُذْر لم يَجُزْ.
مثال ذلك: دخل المأموم مع الإمام في الصَّلاة؛ ثم طرأ عليه أن ينفرد؛ فانفرد وأتمَّ صلاته منفرداً، فنقول: إذا كان لعُذر فصحيح، وإن كان لغير عُذْرٍ فغير صحيح.
مثال العُذْر: تطويل الإمام تطويلاً زائداً على السُّنَّة، فإنه يجوز للمأموم أن ينفرد.
ودليل ذلك: قصَّة الرَّجُل الذي صَلَّى مع معاذ رضي الله عنه وكان معاذ يُصلِّي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاة، فدخل ذات ليلة في الصَّلاة فابتدأ سُورةً طويلة «البقرة» فانفرد رَجُلٌ وصَلَّى وحده، فلما عَلِمَ به معاذ رضي الله عنه قال: إنه قد نافق، يعني: حيث خرج عن جماعة المسلمين، ولكن الرَّجُل شكا ذلك إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ (أتريدُ أنْ تكون فتَّاناً يا مُعَاذُ) ولم يوبِّخِ الرَّجُلَ، فَدلَّ هذا على جواز انفراد المأموم؛ لتطويل الإمام، لكن بشرط أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة؛ لا خارجاً عن العادة.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ «رياح في بطنه» يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه فينفرد ويخفِّف وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ عليه احتباسُ البول أو الغائط فيُحصر ببول أو غائط.
ومن الأعذار أيضاً: أن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام، مثل: أن يُصلِّي المغرب خلف من يصلِّي العشاء على القول بالجواز؛ فإنه في هذه الحال له أن ينفرد ويقرأ التشهد ويُسَلِّمَ وينصرف، أو يدخل مع الإمام إذا كان يريد أن يجمع مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ثم يُتمُّ بعد سلامه. وهذا القولُ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تحريم أن يطول الإمام تطويلاً زائداً عن السنة. [وسيأتي مزيد بحث]
- أن السنة في القراءة في صلاة العشاء أن تكون من أواسط المفصل.
وأواسطه: من عم إلى الضحى، كسورة الأعلى، واقرأ باسم، ....
- جواز انفراد المأموم عن إمامه لعذر، فإن هذا الرجل الذي انصرف لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين.
- أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، فقد جاء في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (ما حملك على الذي صنعت؟ قال: يا رسول الله، عملت على ناضح لي
…
).
- جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر.
- الإنكار بلطف.
404 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ صَلَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَهُوَ مَرِيضٌ - قَالَتْ: - (فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْتَدِي اَلنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
•
من الإمام في هذه القصة، هل هو الرسول صلى الله عليه وسلم أم أبي بكر؟
في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، ويدل على ذلك أمرين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عن يسار أبي بكر، وهذا موقف الإمام.
الثاني: قوله (يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر).
•
ما حكم إمامة العاجز عن القيام بالقادرين عليه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز إمامة العاجز عن القيام بالقادرين عليه.
وهذا قول جمهور العلماء، واستدلوا:
أ- قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً). متفق عليه
ب- عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال (سَقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِداً فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُوداً فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعُون) متفق عليه.
ج- ولعموم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) رواه مسلم.
د- وللقاعدة: من صحت صلاته صحت إمامته.
القول الثاني: أن الصلاة لا تصح خلفه.
وهذا مذهب مالك.
أ-عن الشعبي قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمنّ أحد بعدي جالساً). رواه البيهقي
ب- قالوا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعداً، لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهي الله عن ذلك، ولأن الأئمة شفعاء، ولا يكون أحداً شافعاً له.
والصحيح الأول.
والجواب عن أدلة أصحاب القول الثاني:
أما أثر الشعبي (لا يؤمنّ أحد بعدي جالساً) لا يصح، لأمرين:
أولاً: لأنه مرسل.
ثانياً: لأنه من رواية جابر الجعفي لا يحتج به.
وأما قولهم صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعداً، لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهي الله عن ذلك .. ).
فهذا متعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف، وهو ثابت بلا خلاف.
وصح أيضاً أنه صلى خلف أبي بكر.
وأن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة.
•
إذا صلى الإمام جالساً، فكيف يصلي من خلفه؟
اختلف العلماء في كيفية صلاة المأمومين خلفه على أقوال:
القول الأول: أنهم يصلون وراءه قياماً.
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي. سلومي
أ-لحديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً، وصلى أبو بكر والناس خلفه قياماً.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صلّ قائماً
…
) فالقيام ركن على القادر عليه، وهؤلاء قادرون على القيام، فيكون القيام في حقهم ركن.
ج-قالوا: إن حديث الباب ناسخ لحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به
…
وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً). متفق عليه، فإن حديث الباب في مرض موته صلى الله عليه وسلم فهو ناسخ.
القول الثاني: أنهم يصلون وراءه جلوساً ولو كانوا قادرين على القيام.
وهذا مذهب الظاهرية، والأوزاعي، وإسحاق.
لقوله صلى الله عليه وسلم (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
القول الثالث: أن الإمام إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً، ثم اعتل في أثنائها فجلس، أتموا خلفه قياماً.
عملاً بحديث الباب، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قاعداً صلوا قعوداً، لحديث (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).
وهذا القول هو الصحيح، لأن فيه جمعاً بين الأدلة.
فحديث أنس (سَقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِداً فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُوداً،
…
ثم قال وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعُون) متفق عليه.
ففي هذا الحديث صلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وصلى من خلفه قعوداً، وكان صلى الله عليه وسلم قد ابتدأ الصلاة قاعداً.
وحديث عائشة - حديث الباب - (
…
فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْتَدِي اَلنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْر).
فيه أن أبا بكر ابتدأ بهم الصلاة قائماً، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم من حيث انتهى أبو بكر، فصلى قاعداً والصحابة صلوا خلفه قياماً، فدل على أن الإمام إذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم عجز عن القيام بعد ذلك صلى من خلفه قياماً.
وهذا قول أحمد.
قال الحافظ: وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية، كابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان.
405 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ اَلنَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ اَلصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا اَلْحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(فَلْيُخَفِّفْ) أي القراءة والركوع والسجود وغير ذلك مما لا يصل إلى حد الإخلال بالصلاة.
(والضَّعِيفَ) وفي رواية مسلم (والمريض)، فيكون معنى الضعيف، أي: الضعيف في خلقتِه كالنحيف والسمين.
(وَذَا اَلْحَاجَةِ) وهذا من عطف العام على الخاص، لأن ذا الحاجة يعم الكبير والضعيف وغيرهما.
•
الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم قوله (فليخفف) هل هو للوجوب أم للاستحباب؟
اختلف العلماء هل هو للوجوب أم للاستحباب على قولين:
القول الأول: أنه للوجوب والتطويل حرام.
وهذا مذهب ابن حزم.
قال رحمه الله: يجب على الإمام التخفيف إذا أمّ جماعة لا يدري كيف طاقتهم.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (فليخفف) وهذا أمر وهو يقتضي الوجوب.
ب-ولحديث أبي مسعود (أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لأتأخر عن صلاة الغداة مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً منه يومئذٍ، ثم قال: إن منكم منفرين، فأيكم صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف
…
) متفق عليه.
القول الثاني: أنه مستحب.
وهذا مذهب الشافعي.
والراجح الأول.
•
ما ضابط التخفيف المأمور به؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
قيل: أن لا يزيد عن أدنى الكمال (وهو ثلاث تسبيحات).
وقيل: أن يراعي أضعفهم، ورجحه ابن حزم، وابن حجر.
لقوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: (
…
أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم) رواه أبو داود.
قال ابن حجر: وأولى ما أخِذَ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم).
وهذا هو الصحيح، لكن عليه أن يراعي أن لا يصل التخفيف إلى حد الإخلال بالصلاة، أو أن يسرع سرعة زائدة.
•
على ضوء ما سبق فماذا يلزم الإمام؟
يلزمه التخفيف مع الإتمام.
فقد قال أنس (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات) متفق عليه.
•
اذكر أنواع التخفيف؟.
التخفيف ينقسم إلى قسمين:
الأول: التخفيف اللازم الدائم.
وهو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
لحديث الباب.
الثاني: تخفيف عارض:
وهو أن يكون هناك سبب يقتضي الإيجاز عما جاءت به السنة، يعني يخفف أكثر مما جاءت به السنة.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجل أمه من بكائه) متفق عليه.
•
هل يجوز للإنسان إذا صلى لوحده أن يطول؟
نعم يجوز، لأنه لا يشق على أحد، لكن بشرط أن لا يخرج الوقت.
•
ما الحكم لو كان الجماعة محصورين وآثروا التطويل؟
لا بأس أن يطوّل لهم، لانتفاء العلة التي من أجلها أمر بالتخفيف.
قال العراقي: هذا الحكم، وهو الأمر بالتخفيف مذكور مع علته، وهو كون المأمومين فيهم السقيم والضعيف والكبير، فإن انتفت هذه العلة، فلم يكن في المأمومين أحد من هؤلاء، وكانوا محصورين، ورضُوا بالتطويل طوّل.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- قوله: (فليخفف .. ) دليل على أن التطويل حرام.
- في قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن بهم الضعيف
…
) أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
- وجوب مراعاة العاجزين وأصحاب الحاجات.
- ينبغي على الإنسان أن يسهل على الناس طريق الخير ويحببه إليهم.
406 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ أَبِي: (جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا. قَالَ: "فَإِذَا حَضَرَتْ اَلصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا"، قَالَ: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا اِبْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيّ.
===
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ) عمرو بن سلمة: مختلف في صحبته، وأما أبوه سلمة بكسر اللام، هو ابن قيس الجَرْمي، صحابي ماله في البخاري سوى هذا الحديث، وكذا ابنه.
•
ما حكم إمامة الصبي؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تصح إمامة الصبي.
وبهذا قال المالكية، والحنابلة، وهو مذهب ابن حزم.
أ-لحديث علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا صبيانكم) أخرجه الديلمي في الفردوس وهو حديث لا يصح.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) ومن المعلوم أن صلاة الصبي نفل، وصلاة المأمومين فرض، وهذا اختلاف عليه.
ج-ولقوله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ
…
).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، فلا تصح الصلاة خلف من رفع عنه القلم كالمجنون.
د - وعن ابن عباس قال (لا يَؤم غلام حتى يحتلم) رواه البيهقي، قال الحافظ: إسناده ضعيف.
هـ- أن الإمامة حال كمال، والصبي ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال.
القول الثاني: أنها تصح إمامته.
وهذا مذهب الشافعي.
لحديث الباب.
ولو كانت إمامته غير جائزة لنزل الوحي بذلك.
قال ابن حجر: في الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة، ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان منهياً عنه لنهى عنه في القرآن.
•
ما حكم إمامة الصبي في النفل؟
جماهير العلماء على جواز ذلك:
أولاً: لأن ما ثبت في الفرض يثبت في النفل والعكس إلا بدليل.
ثانياً: أن النفل يدخلها التخفيف.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الذي يقدم في الإمامة أكثرهم حفظاً للقرآن.
- فضل طلب العلم.
- فضل حفظ القرآن.
في الدنيا: قال صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
في القبر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزوة أحد (قدموا أكثرهم أخذاً للقرآن).
في الآخرة: قال صلى الله عليه وسلم (ارق وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داود.
- تعظيم الصحابة لحافظ القرآن.
407 -
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلسُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا -وَفِي رِوَايَةٍ: سِنًّا- وَلَا يَؤُمَّنَّ اَلرَّجُلُ اَلرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(على تكرمته) قال العلماء: التكرمة الفراش مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به.
•
من أولى الناس بالأمة في الصلاة؟
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ.
لقوله صلى الله عليه وسلم (يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ).
•
ما معنى قوله (أقرؤهم لكتاب الله)؟
اختلف في معنى (أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّه) على قولين:
القول الأول: أنه الأكثر حفظاً.
أ- لحديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآناً) رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن سالم تقدم على هؤلاء الصحابة بكونه أكثرهم قرآناً، فيكون هذا الحديث مبيناً لما أجمل في حديث أبي مسعود (يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَللَّهِ).
ب- لحديث عمرو بن سلمة - وقد سبق - (
…
فَإِذَا حَضَرَتْ اَلصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً
…
).
القول الثاني: الأحسن قراءة.
قالوا: لأن هذا هو الموافق للغة.
والصحيح الأول.
•
أيهم يقدم الأقرأ أم الأفقه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يقدم الأقرأ على الأفقه.
قال النووي: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، وبعض أصحابنا.
أ-لحديث الباب.
ب-وعن ابن عمر قال: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً). رواه البخاري وكان منهم عمر، وأبو سلمة.
القول الثاني: يقدم الأفقه على الأقرأ.
قال النووي: وقال مالك والشافعي الأفقه مقدم على الأقرأ.
لقوله صلى الله عليه وسلم (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس) متفق عليه.
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي وفيه من هو أقرأ منه، كأبي بن كعب بقوله صلى الله عليه وسلم:(أقرؤكم أبي) فدل على تقديم الأفقه.
وقالوا: لأن الذي يحتاج إليه من القراء مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه.
وأجابوا عن حديث: (يؤم القوم أقرؤهم
…
):
قالوا: بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لأن الصحابة كانوا لا يتعلمون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
والراجح الأول.
قال النووي: في قوله (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً.
•
من الذي يقدم بعد الأقرأ؟
الأعلم بالسنة.
لحديث الباب (
…
فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ).
•
ما معنى الأعلم بالسنة؟
يعني بأحكام الشريعة من صلاة و صيام وحج وغيرها.
•
من الذي يقدم بعد الأعلم بالسنة؟
الأقدم هجرة.
لقوله صلى الله عليه وسلم (
…
فَإِنْ كَانُوا فِي اَلسُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً).
•
ما معنى الأقدم هجرة؟
معناه: أن من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً يقدّم على من هاجر بعده.
•
ما الحكمة من تقديمه؟
قال بعض العلماء: لأنه أسبق إلى الخير، وأقرب إلى معرفة الشرع ممن تأخر في بلاد الكفر.
• هل الأشرف مقدم على الأقدم هجرة؟
ذهب إلى ذلك بعض العلماء وهو مذهب لشافعية، والحنابلة.
واستدلوا بالأحاديث التي جاءت بالأمر بتقديم القرشيين على غيرهم في الخلافة، كحديث أبي هريرة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الناس تبع لقريش) متفق عليه.
وحديث (قدموا قريشاً ولا تقدموها) رواه الخطيب.
وحديث (الأئمة من قريش) رواه أحمد.
قالوا: وإمامة الصلاة ولاية، فإذا قدم في الولاية الكبرى بالنسب فالولاية الصغرى أولى.
لكن الصحيح أن الأقدم هجرة مقدم على الأشرف لصحة لحديث الباب في ذلك.
وهذا قول الحنفية، والمالكية، واختيار ابن تيمية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم رتب الخصال التي يكون بحسبها المفاضلة ولم يذكر منها الشرف، فتقديمه اعتبار لما لم يعتبره الشارع، وإلغاء لما اعتبره من الهجرة.
وأما الأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول فيقال: بأن تقديمهم في الولاية الكبرى لا يلزم منه تقديمهم في الولاية الصغرى.
•
من الذي يقدم بعد الأقدم هجرة؟
يقدم الأقدم إسلاماً، ثم الأكبر سناً.
لقوله صلى الله عليه وسلم (
…
فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا -وَفِي رِوَايَةٍ: سِناً).
لقوله صلى الله عليه وسلم (وليؤمكم أكبركم).
•
ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) حيث قدم الأكبر سناً؟
الجواب: لأنهم كانوا متساوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعاً، وأسلموا جميعاً، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما تقدم به إلا السن، وقد جاء عند أبي داود (وكنا متقاربين).
•
ما حكم إذا تساووا في المراتب الماضية كلها؟
يختار أحدهما بالقرعة.
قال الشيخ ابن عثيمين في الممتع: (ثَم مَنْ قَرَعَ).
قوله (ثم من قرع) أي: إذا استوى في هذه المراتبِ كلِّها رَجُلان؛ فإنَّنا في هذه الحال نستعملُ القُرْعَةَ، فمَن غَلَبَ في القُرعةِ فهو أحقُّ، فإذا اجتمعَ جماعةٌ يريدون الصَّلاةَ، فقال أحدُهم: أنا أتقدَّمُ، وقال الثاني: أنا أتقدَّمُ، ونظرنا فإذا هما متساويان في كلِّ الأوصافِ فهنا نُقرِعُ بينهما ما لم يتنازل أحدِهما عن طَلَبِهِ، فَمَنْ قَرَعَ فهو الإِمامُ. والقُرْعَةُ ليس لها صورةٌ معينةٌ، بل هي بحسب ما يتَّفِقُ الناسُ عليه، فممكن أن نكتب بورقة (إمام) والأخرى (بيضاء)، ونخلُطَ بعضَهما ببعضٍ، ونعطيهما واحداً، ونقولُ: أعطِ كُلَّ واحدٍ مِنْ هذين الرَّجُلين ورقةً، فإذا وقعت بيد أحدِهما، (إمام) فهو الإِمام، أو ما أشبه ذلك، فكيفما اقترعوا جَازَ.
•
فإن قال قائلٌ: ما الدَّليلُ على استعمال القُرعةِ في العباداتِ؟
قلنا: قَولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا) فهذا نصٌّ واضحٌ في أنَّ القُرعةَ تدخُلُ في الأذانِ والصَّفِ الأولِ إذا تَشَاحُّوا فيهما.
•
وهل وردت القُرعَةُ في القرآن؟
الجواب: نعم، في موضعين مِنْ القرآن:
الأول: في سورة آل عمران: في قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
الثاني: في سورة الصافات: في قوله تعالى (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ). (الشرح الممتع)
•
من أحق بالإمامة صاحب البيت أو ضيفه إذا كان أفقه وأقرأ منه؟
صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ.
لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه).
عند أبي داود (أو في بيته).
فإمام المسجد الراتب أحق من غيره ولو كان غيره أقرأ.
لحديث: (ولا يؤمنّ الرجل
…
) وإمام المسجد سلطان في مسجده.
ولأننا لو قلنا أن الأقرأ أولى حتى ولو كان للمسجد إمام راتب، لحصل بذلك فوضى، وكان لهذا المسجد في كل صلاة إمام.
•
من يقدّم مالك البيت أو المستأجر؟
المستأجر أَولى، لأنَّ المستأجرَ مالكُ المنفعةِ، فهو أحقُّ بانتفاعِهِ في هذا البيت. (الشرح الممتع).
•
ما حكم الجلوس على فراش صاحب المنزل؟
لا يجوز القعود على فراش صاحب المنزل إلا بإذنه.
لقوله (
…
وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِه).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فضل حفظ القرآن الكريم، وأنه من أفضل العبادات، وسبب للتقديم.
408 -
وَلِابْنِ مَاجَهْ: مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ (وَلَا تَؤُمَّنَّ اِمْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا) وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ.
===
(الأعرابي) ساكن البادية،
(والمهاجر) من كان بالحاضرة.
-
ما صحة حديث الباب؟
لا يصح كما قال المصنف رحمه الله، فيه عبد الله بن محمد العدوي، متروك الحديث، وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف.
- ما حكم إمامة المرأة للرجال؟
أولاً: إمامة المرأة للرجال لا تجوز مطلقاً لا في الفرض ولا في النفل.
أ- لقوله صلى الله عليه وسلم (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) رواه مسلم.
دل الحديث على أن موقفهن في الصلاة التأخير عن الرجال والإمام لا يكون إلا متقدماً، فإمامتها للرجال إذن لا تجوز.
ب- لحديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري.
دل الحديث على نفي الفلاح لمن ولى أمره امرأة والإمامة نوع من الولاية العظمى.
ج- قوله صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهل للب الرجل
…
).
دل الحديث على وصف المرأة بنقصان الدين والعقل، والإمامة موضع رفعة، فلا تصح إمامة من كان بهذا الوصف .... [أحكام الإمامة والائتمام].
•
ما حكم إمامة الأعرابي؟
قال بعض العلماء بالكراهة.
لأن الغالب على أهل البادية الجفاء، وقلة المعرفة بحدود الله.
والصحيح أنه تصح إمامة الأعرابي للمهاجر إذا كان أقرأ منه.
أ-لعموم (يؤم القوم أقرؤوهم لكتاب الله).
ب-ولأنه مكلف من أهل الإمامة.
•
ما حكم إمامة الفاسق؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تصح إمامته.
وهذا مذهب أحمد.
لحديث الباب (
…
وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا).
وعللوا: بأن الإمامة تتضمن حمل القراءة ولا يؤمن تركه لها، ولا يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة وليس ثَم أمارة يستدل بها.
القول الثاني: أنه تصح.
وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، واختاره الشيخ ابن باز.
أ-لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة). متفق عليه
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم). رواه البخاري
فالرسول صلى الله عليه وسلم أذن بالصلاة خلف أمراء الجوْر، فدل على جواز الصلاة خلف الفاسق.
ج- أن الصحابة ومنهم ابن عمر كانوا يصلون خلف الحجاج، وابن عمر من أشد الناس تحرياً لاتباع السنة، والحجاج من الفساق.
والحسن والحسين وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان.
وهذا القول هو الصحيح.
409 -
وَعَنْ أَنَسٍ، عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
===
(رُصُّوا صُفُوفَكُمْ) من الرص، يقال رص العنان يرصيه رصاً إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص)، ومعناه تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم.
(وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أي بين الصفوف.
(وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) جمع عنق، والمراد به الرقبة.
(خلل) الخلل ما يكون بين الاثنين من اتساع عند التزاحم.
(الحَذَف) غنم سود صغار حجازية.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح.
وفيه زيادة: (فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف).
•
ما حكم تسوية الصفوف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها واجبة.
وهذا مذهب ابن حزم، واختاره ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين.
أ- لحديث الباب وفيه (رصوا
…
).
وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
ب- ولحديث النعمان بن بشير. قال: قال صلى الله عليه وسلم (لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم) متفق عليه.
قال الألباني: فإن هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب كما لا يخفى.
ج- ولحديث أبي مسعود البدري. قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) رواه مسلم.
القول الثاني: أنه سنة مؤكدة غير واجب.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (
…
فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة) وفي رواية: (من كمال الصلاة).
وجه الدلالة: حيث لم يذكر الحديث أن تسوية الصفوف من أركان الصلاة، ولا من واجباتها، وإنما من تمامها وحسنها، وهذا غايته الاستحباب ليس إلا.
والراجح القول الأول.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (أو ليخالفن الله بين وجوهكم)؟
قيل: معناه يمسخها ويحولها عن صورها.
وقيل: معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، وهذا هو الصحيح.
ويؤيده رواية أبي داود (أو ليخالفن الله بين قلوبكم).
•
بما تكون تسوية الصفوف؟
تسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ؟
قال الشيخ ابن عثيمين: المعتبر المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن، وإنما اعتُبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ، فإن الكعب في أسفل السَّاق، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن، فكان هذا هو المُعتبر. وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة، وبعضهم قصيرة، فلهذا كان المعتبر الكعب.
وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال؛ يعني: الاستواء بمعنى الكمال، كما قال الله تعالى:(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى)، أي: كَمُلَ، فإذا قلنا: استواءُ الصَّفِّ بمعنى كماله؛ لم يكن ذلك مقتصراً على تسوية المحاذاة، بل يشمَل عِدَّة أشياء:
أولاً: تسويةَ المحاذاة، وهذه على القول الرَّاجح واجبة، وقد سبقت.
ثانياً: التَّراصَّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِنْ كماله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب
…
ولا تذروا فُرُجَات للشيطان، أي: لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم.
ثالثاً: إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِنْ استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا، وقد نَدَبَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصفِّ الأول فقال:(لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا) يعني: يقترعون عليه؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول، فقال أحدهم: أنا أحقُّ به منك، وقال الآخر: أنا أحقُّ، قال: إذاً نقترعُ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي
ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم: أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني، ثم إذا أُقيمت الصلاة، وقيل لهم: أتمُّوا الصفَّ الأول، جعلوا يتلفَّتون مندهشين.
رابعاً: ومِن تسوية الصُّفوف: التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِنْ الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض، وقَرُبَت إلى الإِمام كان أفضل وأجمل، ونحن نرى في بعض المساجد أنَّ بين الإِمام وبين الصَّفِّ الأول ما يتَّسع لصفٍّ أو صفَّين، أي: أنَّ الإِمام يتقدَّم كثيراً، وهذا فيما أظنُّ صادر عن الجهل، فالسُّنَّةُ للإمام أن يكون قريباً مِنْ المأمومين، وللمأمومين أن يكونوا قريبين مِنْ الإِمام، وأن يكون كلُّ صفٍّ قريباً مِنْ الصَّفِّ الآخر، وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة
خامساً: ومِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِنْ الإِمامِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لِيَلِنِي منكم أولُو الأحْلامِ والنُّهَى، وكلَّما كان أقربَ كان أَولى، ولهذا جاء الحثُّ على الدُّنوِّ مِنْ الإِمام في صلاة الجُمعة، لأن الدُّنوَّ مِنْ الإِمام في صلاة الجُمعة يحصُل به الدُّنُو إليه في الصَّلاةِ، وفي الخطبة، فالدُّنُو مِنْ الإِمام أمرٌ مطلوب، وبعضُ الناس يتهاون بهذا؛ ولا يحرِصُ عليه
سادساً: ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِنْ أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق، كما في الصف الأول؛ لقال الرَّسولُ عليه الصلاة والسلام:(أتمُّوا الأيمن فالأيمن) كما قال: (أتمُّوا الصَّفَّ الأول، ثم الذي يليه). وإنما يكون يمين الصف أفضل من يساره إذا تساوى اليمينُ واليسار أو تقاربا، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة؛ وجاء الحادي عشر؛ نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضاً؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد. ويدلُّ لذلك: أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما، أي: بين الاثنين. وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين.
سابعاً: ومِن تسوية الصُّفوفِ: أن تُفرد النِّساءُ وحدَهن؛ بمعنى: أن يكون النِّساءُ خلف الرِّجال، لا يختلط النِّساء بالرِّجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خير صفوف النساء آخرها .... ).
•
اذكر فضل تسوية الصفوف؟
أولاً: أنها من تسوية الصلاة وكمالها.
قال صلى الله عليه وسلم (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة).
ثالثاً: يصله الله.
كما قال صلى الله عليه وسلم (من وصل صفاً وصله الله) رواه أبو داود.
فائدة: قوله: (فإني أراكم من ورائي ظهري).
جاء في رواية: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أتموا صفوفكم
…
).
دليل على أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة بدعة، لمخالفتها للسنة الصحيحة، لأن الحديث يدل على أن الإمام بعد إقامة الصلاة أمر الناس بتسوية الصف.
410 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (خَيْرُ صُفُوفِ اَلرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(خَيْرُ صُفُوفِ اَلرِّجَالِ أَوَّلُهَا) أي: أكثرها ثواباً وأجراً.
(وَشَرُّهَا آخِرُهَا) قال النووي: والمراد بشر الصفوف أقلها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع.
•
ما أفضل صفوف الرجال؟
أولها، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الصف الأول.
عن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنهما، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ (ألَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟) فَقُلنَا: يَا رَسُول اللهِ، وَكَيفَ تُصَفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ:((يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ)) رواه مُسلِم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا) متفقٌ عَلَيهِ.
وعنه قَالَ: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم (خيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا). رواه مُسلِم
وعن أبي سعيد الخدرِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى في أصْحَابِهِ تَأَخُّراً، فَقَالَ لَهُمْ (تَقَدَّمُوا فَأتَمُّوا بِي، وَلْيَأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ الله) رواه مُسلِم.
•
ما خير صفوف النساء؟
آخرها.
لقوله صلى الله عليه وسلم (وَخَيْرُ صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ آخِرُهَا).
•
هل صفوف النساء أفضلها آخرها مطلقاً سواء صلين مع الرجال أو لوحدهن، أو المراد إذا صلين مع الرجال؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنهم إذا صلين منفردات عن الرجال فخير صفوفهن أولها.
وهذا اختاره النووي، والصنعاني.
وقالوا: أن المراد بالحديث إذا صلين مع الرجال.
قال النووي: وأما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها.
القول الثاني: إن خير صفوف النساء آخرها مطلقاً، سواء صلين منفردات أو مع الرجال.
لعموم الحديث.
•
لماذا فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال؟
إنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم
•
ما المراد بالصف بالأول في قوله صلى الله عليه وسلم (أولها
…
)؟
المراد بالصف الأول الذي جاءت الأحاديث بفضله والحث عليه هو الصف الذي يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً.
وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولاً وإن صلى في صف متأخر.
ورجح النووي الأول.
•
ما حكم صلاة النساء في المسجد؟
الحديث دليل على جواز ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً الأولياء (لا تمنعوا إماء الله
…
).
وقال صلى الله عليه وسلم مخاطباً النساء (وليخرجن تفلات) أي غير متطيبات.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- الحديث دليل على ألآن النساء يقفن في الصلاة صفوفاً كالرجل إذا صلين جماعة.
- ذم التأخر عن الصف الأول.
411 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(فَأَخَذَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي) جاء عند مسلم (فأخذني من وراء ظهره).
•
ما موقف المأموم إذا كان واحداً؟
الحديث دليل على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام.
قال ابن قدامة: وإذا كان المأموم واحداً ذكراً، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام رجلاً كان أو غلاماً.
وقال النووي: وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة.
لحديث الباب.
ولحديث جابر قال (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأخذ بأيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه). رواه مسلم
•
ما الحكم لو وقف المأموم عن يسار الإمام، هل تصح صلاته أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا تصح صلاته.
وهذا المذهب.
لحديث الباب.
قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه، فدل على أن اليسار غير موقف للمأموم الواحد، فإذا وقف فيه بطلت صلاته.
القول الثاني: تصح صلاته.
وهذا مذهب جماهير العلماء، ورجحه الشيخ السعدي.
لحديث ابن عباس وجابر السابقين.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهما باستئناف الصلاة، ولو لم يكن موقفاً لأمرهما الرسول صلى الله عليه وسلم باستئناف الصلاة.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم ردّ جابر وجبار وابن عباس، لا يدل على عدم الصحة، بدليل ردّ جابر وجبار إلى ورائه، مع صحة صلاتهما عن جانبه.
وهذا القول هو الصحيح.
قال الشيخ السعدي: والصحيح أن وقوف المأموم عن يمين الإمام سنة مؤكدة، لا واجب تبطل الصلاة، فتصح الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه، لأن النهي إنما ورد عن الفذية، وأما يمينه فإنه يدل على الأفضلية لا على الوجوب، لأنه لم ينه عنه، والفعل يدل على السنية.
•
ما رأيك بمن يقول: إذا صلى مع الإمام واحد، فإنه يشرع له أن يتأخر المأموم قليلاً ليكون الإمام متقدم؟
هذا القول ضعيف.
بل الصواب أنه يقف عن جنبه مساوياً من غير تقدم ولا تأخر.
ففي حديث الباب في رواية (
…
فقمت إلى جنبه) وهذا ظاهر في المساواة.
وهو الذي مشى عليه البخاري فقال باب: يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواءً إذا كانا اثنين.
وفي حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة في مرض موته (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر، إلى جنبه).
قال الألباني: إن الرجل إذا ائتم بالرجل وقف عن يمين الإمام، والظاهر أنه يقف محاذياً له لا يتقدم ولا يتأخر، لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي، لا سيما وأن الاقتداء به من أفراد الصحابة قد تكرر.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه لا يشترط لصحة الإمامة أن ينوي الإمام قبل الدخول في الصلاة أنه إمام.
وهذا مذهب الشافعية (وقد سبقت المسألة) فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاته منفرداً، ثم دخل معه ابن عباس فصار إماماً له من أثناء الصلاة.
- جواز صلاة التطوع جماعة إذا لم يتخذ عادة. [وسبقت المسألة].
- أن الحركة اليسيرة في الصلاة لا تبطلها.
- استدل بالحديث من قال: إن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس، وحين أداره صار ابن عباس خلف الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الإدارة، ولم يؤمر بالإعادة. [وسيأتي بحث المسألة]
- أنه لو وقف المأموم الواحد عن يسار الإمام، فإنه يشرع أن يجعله عن يمينه.
- السنة إذا أراد الإمام أن يحرك من وقف عن يساره أن يحركه من ورائه، وليس من الأمام.
- جواز الحركة في الصلاة لمصلحتها.
- مشروعية صلاة الليل واستحبابها.
- حرص ابن عباس على العلم ومعرفة عبادة النبي صلى الله عليه وسلم.
412 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيّ.
===
•
ما هو موقف المأموم إذا كان مع الإمام اثنان؟
حديث الباب يدل على أنه إذا كان مع الإمام اثنان أن يقفا خلف الإمام.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لقول أنس (فقمت واليتيم خلفه).
فالرسول صلى الله عليه وسلم تقدم على أنس واليتيم، فدل على أن الاثنين موقفهما خلف الإمام.
ب-ولحديث جابر السابق (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجئت فقمت عن يساره
…
ثم جاء جبار بن صخر، فأخذ بأيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه). رواه مسلم
فالرسول صلى الله عليه وسلم أقام جابر وجبار خلفه، فدل على أن موقف الاثنين وراء الإمام.
وذهب بعض السلف إلى أن الإمام يقف بينهما.
وهو قول ابن مسعود.
عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ (أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ قَالَا نَعَمْ. فَقَامَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ رَكَعْنَا فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
والصحيح الأول، والجواب عن فعل ابن مسعود:
قيل: أن هذا الحديث منسوخ.
فخبر ابن مسعود بمكة، لأن فيه التطبيق وقد نسخ بالمدينة، وحديث جابر وجبار بالمدينة، لأن جابر إنما شهد المشاهد بعد بدر وحديث أنس بن مالك فإنه كان بالمدينة، وغاية ما فيه خفاية الناسخ على عبد الله، وليس ببعيد، إذ لم يكن دأبه صلى الله عليه وسلم إلا إمامة الجمع الكثير إلا في الندرة كهذه القصة وحديث أنس وهو في داخل بيت امرأة فلم يطلع عبد الله على خلاف ما علمه.
وقيل: محمول على ضيق المكان، كما قاله إبراهيم النخعي وابن سيرين. (انظر أحكام الإمامة والائتمام).
•
ما حكم مصافة الصبي في صلاة النفل؟
جائزة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لقول أنس (صففت أنا واليتيم وراءه).
واليتيم هو من مات أبوه وهو لم يبلغ، وقد صف هذا اليتيم مع أنس خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ما حكم مصافة اليتيم في صلاة الفرض؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا تصح.
وهذا المذهب.
أ-قالوا: لأن الصبي لا تصح إمامته فلا تصح مصافته.
ب- وقالوا: يخشى أن لا يكون متطهراً فيصير البالغ فذاً.
القول الثاني: تصح مصافته.
وهذا مذهب المالكية، والحنفية، والشافعية واختاره من الحنابلة ابن عقيل وصوبه البعلي وقال ابن مفلح وهو أظهر.
أ- لحديث الباب (فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ).
وجه الدلالة: أن اليتيم - وهو الذي مات أبوه ولم يبلغ - صف مع أنس خلف النبي صلى الله عليه وسلم، والقاعدة: أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل يفرق، ولا دليل.
ب- ولحديث عمرو بن سلِمة - وقد سبق - (
…
فكنت أؤمهم وأنا ابن ست سنين أو سبع).
وجه الدلالة: أن الحديث دل على جواز إمامة الصبي، فإذا جازت إمامته جازت مصافته من باب أولى.
ج- علل ابن قدامة بقوله: أن الصبي بمنزلة المتنفل، والمتنفل يصح أن يصاف المفترض كذا ها هنا.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الجواب عن تعليل أصحاب القول الأول؟
قولهم: إن الصبي لا تصح إمامته، فهذا غير صحيح، لأن السنة وردت بخلافه، وأن الصبي تصح إمامته.
•
أين تقف المرأة إذا صلت مع الرجال؟
أن المرأة إذا صلت مع الرجال فإن موقفها يكون خلفهم، سواء كانت لوحدها أو معها نساء، وسواء كانت مع رجل من محارمها أو لا، فموقفها خلف الرجال.
لحديث الباب (وأم سليم خلفنا).
•
ما الحكم لو وقفت في صف الرجال؟
إذا وقفت في صف الرجال تصح صلاتها وصلاة الرجل.
وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة.
قال ابن لقيم: وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف، حيث قال قائلهم: قال ابن مسعود: أخروهن من حيث أخرهن الله، والأمر للوجوب، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، قال: وحكاية هذا تغني عن جوابه.
•
ما الحكم لو صلت المرأة مع جماعة النساء، فهل يصح أن تقف خلف الصف منفردة؟
لو صلت المرأة مع جماعة النساء، فالصحيح أنها كالرجال مع جماعة الرجال، يعني لا يصح أن تقف خلف صف النساء منفردة، بل يجب عليها أن تكون في الصف، وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم.
•
اذكر حالات إمامة الرجل للنساء؟
الحالة الأولى:
أن يكون النساء في المسجد مع الرجال.
فهذا جائز، وأدلته كثيرة.
منها حديث عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) متفق عليه.
الحالة الثانية:
أن يؤم النساء ومعهن أحد محارمه أو رجل آخر.
فهذا جائز ولا كراهة فيه.
لحديث الباب. قال أَنَسٍ (صَلَّى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا).
الحالة الثالثة:
أن يؤم امرأة واحدة أجنبية منه.
فهذا لا يجوز.
لأنه فيه خلوة بالأجنبية، والخلوة بالأجنبية حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم).
الحالة الرابعة:
أن يؤم نساء أجانب عنه ولا رجل معهن غيره ولا أحد محارمه.
فهذه الحالة اختلف فيها العلماء:
فقيل: يكره.
وقيل: يجوز بلا كراهة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز صلاة النافلة جماعة، بشرط ألا يتخذ ذلك عادة. [وسبق]
- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم.
413 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّهُ اِنْتَهَى إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى اَلصَّفِّ، فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَادَكَ اَللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِيهِ: - فَرَكَعَ دُونَ اَلصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى اَلصَّفِّ -.
===
(لا تعد): بفتح التاء وضم الباء.
•
ما المراد بقوله (لا تعد)؟
اختلف العلماء في المراد به:
فقيل: لا تعد إلى التأخير في المجيء إلى الصلاة.
وقيل: إلى الركوع دون الصف.
لرواية أبي داود: (أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف).
ويؤيده حديث أبي هريرة: (إذا دخلت والإمام راكع فلا تركع حتى تأخذ مصافك من الصف) رواه الطحاوي، وقد روي موقوفاً، لكن صحح ابن رجب أنه موقوف.
وقيل: النهي عن الإسراع.
وهذا جاء حديث بخصوصه سيأتي قريباً.
وأقربها القول الثاني.
وذهب بعض العلماء إلى جواز الركوع دون الصف، وممن رجح هذا القول الشيخ الألباني.
لفعل بعض الصحابة.
وقد قال عطاء بن يسار أنه سمع عبد الله بن الزبير على المنبر يقول للناس (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم ليدب راكعاً، حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة). رواه ابن خزيمة والطبراني
وقد فعل ذلك بعض الصحابة:
كأبي بكر: عند البيهقي.
وزيد بن ثابت: رواه البيهقي.
وابن مسعود: كما عند ابن أبي شيبة.
والله أعلم.
•
متى تسقط الفاتحة؟
تسقط إذا أدرك الإمام راكعاً.
فائدة: استدل بالحديث جماهير العلماء على صحة صلاة المنفرد خلف الصف (وستأتي المسألة).
414 -
وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ] اَلْجُهَنِيِّ]رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ اَلصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ اَلصَّلَاةَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.
415 -
وَلَهُ عَنْ طَلْق (لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ اَلصَّفِّ).
416 -
وَزَادَ اَلطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ (أَلَا دَخَلْتَ مَعَهُمْ أَوْ اِجْتَرَرْتَ رَجُلًا؟).
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث وابصة حديث صحيح، صححه أحمد، والدارمي، والترمذي، وابن معين، وأبو حاتم، والبغوي وابن المنذر، وأن الاضطراب والاختلاف فيه لا يوجب تضعيفه.
وقول الحافظ: وله عن طلق (لا صلاة لمنفرد
…
) فهو وهْم من الحافظ رحمه الله، فإنه إنما هو عن علي بن شيبان والقصة قد قال (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلاته، إذا رجل فرد فوقف عليه نبي الله حتى قضى الرجل صلاته، ثم قال له نبي الله: استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف). رواه ابن حبان، وابن ماجه، قال البوصيري: إسناده صحيح.
وأما رواية الطبراني ضعيفة جداً، وفي إسنادها السري بن اسماعيل. قال الحافظ: متروك.
•
ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تصح صلاته بعذر أو بغير عذر.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث أبي بكرة السابق (
…
فركع قبل أن يصل إلى الصف
…
).
وجه الدلالة: أن أبا بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، مما يدل على صحة صلاته.
ب- ولحديث أنس السابق (والعجوز من ورائنا).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جوّز صلاة المرأة منفردة خلف الصف، فيقاس عليها الرجل.
ج- ولحديث ابن عباس السابق (أنه وقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤتماً به، فأداره من خلفه حتى جعله عن يمينه).
وجه الدلالة: أن ابن عباس صار خلف النبي صلى الله عليه وسلم في حال الإدارة، وذلك كحال المنفرد خلف الصف، ولم يأمره بالإعادة، فدل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف.
القول الثاني: أن صلاته باطلة سواء وجد فرجة أم لا.
وهذا مذهب الإمام أحمد، وبه قال إبراهيم النخعي، والحسن بن صالح، وأحمد، وإسحاق بن راهوية، وابن المنذر، وابن خزيمة، واستدلوا بأحاديث الباب.
أ- بحديث وابصة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة).
ب- ولحديث علي بن شيبان (لا صلاة لمنفرد
…
).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر الرجل أن يعيد الصلاة لم يستفصل هل وجد فرجة أم لا.
وهذا القول هو الصحيح.
•
ما الحكم لو وجد الصفوف مكتملة؟
الراجح أنه إذا جاء ووجد الصفوف مكتملة، فإنه يجوز أن يصلي وحده.
واستدلوا على صحتها في حالة العذر بأدلة:
أ- قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).
وجه الدلالة من الآيتين: أن من لم يجد فرجة في الصف، ولم يجد من يصف معه، فوقف وحده، فإنه معذور قد أتى بما في وسعه، فتصح صلاته لعدم التكليف بما ليس في الوسع والقدرة.
ب-أن واجبات الصلاة تسقط بالعجز.
ورجحه ابن تيمية، وقال: ونظير ذلك أن لا يجد الرجل موقفاً إلا خلف الصف، فهذا فيه نزاع، بين المبطلين لصلاة المنفرد، والأظهر صحة صلاته في هذا الموضع، لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز.
وقال ابن القيم: إن الرجل إذا لم يجد خلف الصف من يقوم معه، وتعذر عليه الدخول في الصف، ووقف فذاً صحت صلاته للحاجة، وهذا هو القياس المحض، فإن واجبات الصلاة تسقط بالعجز عنها.
واختاره الشيخ السعدي، وقال: وهذا القول هو الموافق لأصول الشريعة وقواعدها.
واختاره الشيخ الألباني، وقال: إذا لم يستطع الرجل أن ينضم إلى الصف فصلى وحده، الأرجح الصحة، والأمر محمول على من لم يستطع القيام بواجب الانضمام.
واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وبهذا تبين أن القول الراجح وجوب المصافة، وأن من صلى وحده خلف الصف فصلاته باطلة، وعليه أن يعيدها؛ لتركه واجب المصافة، ولكن هذا الواجب كغيره من الواجبات يسقط بفوات محله، أو بالعجز عنه عجزاً شرعياً، أو عجزاً حسياً لقوله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه، فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب، وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب.
•
ما هو الانفراد المبطل للصَّلاة؟
الانفرادُ المبطلُ للصَّلاةِ أنْ يرفعَ الإِمامُ مِنْ الركوعِ ولم يدخل مع المسبوقِ أحدٌ، فإنْ دَخَلَ معه أحدٌ قبل أن يرفعَ الإِمامُ رأسَه مِنْ الرُّكوعِ، أو انفتح مكانٌ في الصَّفِّ فدخلَ فيه قبل أن يرفعَ الإِمامُ مِنْ الركوعِ، فإنَّه في هذه الحالِ يزول عن الفرديَّة. (الشرح الممتع)
•
هل يشرع أن يسحب أحداً من الصف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يشرع أن يجذب من الصف من يقوم معه.
وهو قول للشافعي، وصححه ابن قدامة.
أ-لحديث الباب - حَدِيث وَابِصَةَ (
…
أَلَا دَخَلْتَ مَعَهُمْ أَوْ اِجْتَرَرْتَ رَجُلاً؟) وهو حديث ضعيف.
ب- ولحديث مقاتل بن حيان. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن جاء فلم يجد أحداً فليختلج إليه رجلاً من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج) وهو حديث ضعيف لا يصح.
القول الثاني: أنه لا يشرع.
وبه قال أبو حنيفة ومالك، واختاره ابن تيمية، وذلك لأمور:
أولاً: أن الحديث ضعيف لا يصح.
ثانياً: ظلم للرجل المجذوب.
ثالثاً: قطع الصف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قطع صفاً قطعه الله).
رابعاً: التشويش على الصف.
وهذا القول هو الصحيح.
•
هل يشرع أن يقف عن يمين الإمام؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز أن يقف عن يمين الإمام.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، حين وجد في نفسه خفة، خرج وصلى بالناس إماماً وأبو بكر يمينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وأبو بكر يصلي بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا ينبغي، لأمور:
أولاً: أنه يؤدي إلى تخطي الرقاب، وخاصة إذا كثرت الصفوف.
ثانياً: أن في ذلك خلاف للسنة في انفراد الإمام وحده، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
417 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا سَمِعْتُمْ اَلْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى اَلصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ اَلسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
===
(الإقامة) أي إقامة الصلاة، وقد جاء في رواية (إذا أتيتم الصلاة)، ولفظ (الإقامة) أخص، قال الحافظ: إنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، فغيره مما جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، فينهى عن الإسراع من باب أولى.
(السكينة) قال النووي: التأني في الحركات، واجتناب العبث.
(الوقار) في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث يدل على النهي عن الإسراع في الذهاب إلى الصلاة.
ومما يدل على النهي الحديث الذي سبق (
…
زادك الله حرصاً ولا تعد).
•
ما الحكمة من النهي عن الإسراع في الذهاب إلى الصلاة؟
جاء في صحيح مسلم بيان الحكمة، فقد ذكر نحو حديث الباب، وقال في آخره (فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة) أي أنه في حكم المصلي، فينبغي اعتماد ما ينبغي للمصلي اجتنابه.
وأيضاً عدم الإسراع يستلزم كثرة الخطا، وهذا مقصود لذاته، وقد جاءت فيه أحاديث:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِى جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِى بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِى سُوقِهِ بِضْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ .. ) متفق عليه.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) رواه مسلم.
وهذه الأحاديث فيها إشكال:
في هذه الأحاديث إشكال: في الحديث الأول قال (فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ) وفي الثاني قال (كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً).
الجمع بينها: ما استظهر ابن حجر: أن العبد إذا خطا خطوة إما أن تكون عليه خطيئة أو لا تكون عليه خطيئة، فإذا كانت عليه خطيئة محيت تلك الخطيئة، وإن لم تكن عليه خطيئة كتب له بها حسنة توجب رفعة درجة.
•
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (إذا سمعتم الإقامة) هل معنى ذلك أنه يجوز قبل الإقامة؟
قال النووي: إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِقَامَة لِلتَّنْبِيهِ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ إِتْيَانهَا سَعْيًا فِي حَال الْإِقَامَة مَعَ خَوْفه فَوْت بَعْضهَا فَقَبْل الْإِقَامَة أَوْلَى، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة. وَهَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع أَوْقَات الْإِتْيَان إِلَى الصَّلَاة، وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَر قَالَ: فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَحَصَلَ فِيهِ تَنْبِيه وَتَأْكِيد لِئَلَّا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْت بَعْض الصَّلَاة، فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنْ الصَّلَاة مَا فَاتَ، وَبَيَّنَ مَا يُفْعَل فِيمَا فَات. (شرح مسلم).
ويحتمل أن هذا خرج مخرج الغالب، لأن الغالب أنه إنما يفعل ذلك من خاف الفوت، فأما من بادر في أول الوقت فلا يفعل ذلك، لوثوقه بإدراك أول الصلاة.
•
في الحديث النهي عن الإسراع، فما الجواب عن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)؟
أن المراد بالإسراع في الآية المضي والذهاب، يقال: سعيت إلى كذا، أي: ذهبت إليه، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).
•
قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تسرعوا
…
) هل هو عام أم يستثنى منه شيء؟
الصحيح أنه عام يشمل جميع الأحوال، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو فوات ركعة، أو فوات الجماعة بالكلية، كما أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، لأن النهي عام ولم يستثني شيئاً.
وبهذا قال جمهور العلماء.
•
ماذا نستفيد من قوله (وما فاتكم)؟
فيه دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة، وأنه لا كراهية فيه، وبهذا قال جمهور العلماء.
وكرهه ابن سيرين، وقال: إنما يقال لم ندركها. (قاله النووي).
•
ماذا نستفيد من قوله (فما أدركتم فصلوا
…
)؟
نستفيد أنه ينبغي الدخول مع الإمام ولو لم يدرك إلا قليلاً من الصلاة.
وقال بعض العلماء بالتفصيل: إن كان يرجو جماعة فإنه لا يدخل، لأنه سوف يصلي صلاة تامة مع جماعة، أو كان يرجوا إدراك ركعة في مسجد آخر، وأما إذا كان يغلب على ظنه عدم وجود شيء من ذلك، فإنه يدخل مع الإمام ولو بالتشهد.
•
ما يدركه المأموم مع إمامه هل هي أول صلاته أم آخرها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ما يدركه المأموم مع إمامه هو أول صلاته، وما يقضي هو آخرها.
قال النووي: وبهذا قال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف.
لقوله (فأتموا
…
) فهذا دليل على أن ما يقضيه هو آخر صلاته، لأنه وصفه بالإتمام.
القول الثاني: أن ما يدركه المأموم مع إمامه هو آخر صلاته.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لأنه جاء في رواية: (فاقضوا
…
) والقضاء لا يكون إلا شيء قد فات.
والراجح الأول.
•
ما الجواب عن قوله (فاقضوا)؟
أجيب:
أ- أَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا).
ب-وأما رواية (فاقضوا) أَنَّ الْمُرَاد بِالْقَضَاءِ الْفِعْل لَا الْقَضَاء الْمُصْطَلَح عَلَيْهِ عِنْد الْفُقَهَاء، وَقَدْ كَثُرَ اِسْتِعْمَال الْقَضَاء بِمَعْنَى الْفِعْل فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات) وَقَوْله تَعَالَى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ) وَقَوْله تَعَالَى:(فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة) وَيُقَال: قَضَيْت حَقّ فُلَان، وَمَعْنَى الْجَمِيع الْفِعْل. (شرح مسلم للنووي).
•
بعض الناس عند ما يدخل المسجد والإمام راكع يقول: إن الله مع الصابرين، فما حكم هذا القول؟
هذا لا أصل له ولم يكن في عهد الصحابة ولا من هديهم، وفيه أيضاً تشويش على المصلين الذين مع الإمام، والتشويش على المصلين منهي عنه؛ لأنه يؤذيهم كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة فنهاهم عن ذلك، وقال (لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن). وفي حديث آخر (لا يؤذين بعضكم بعضاً في القرآن).
وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلي وبين صلاته.
أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره ما لم يشق على المأمومين، فإن شق عليهم فلا ينتظر؛ ولا سيما إذا كانت الركعة الأخيرة؛ لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)(فتاوى الشيخ ابن عثيمين).
418 -
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلَاةُ اَلرَّجُلِ مَعَ اَلرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ اَلرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ اَلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ عز وجل رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان.
===
(أزكى) أكثر أجراً.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث إسناده حسن، وقد صححه ابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم، والعقيلي.
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث دليل على فضل كثرة الجماعة في المسجد، وأن هذا محبوب إلى الله.
•
اذكر حكم تكرار الجماعة في المسجد؟
تكرار الجماعة في المسجد لها أحوال:
أولاً: أن تكرر الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس أو سوقهم، فلا يكره تكرار الجماعة حينئذٍ، لأن المسجد الذي بهذه الحالة لا تنتظم له جماعة لكثرة رواده، ولا يحصل المحذور وهو التسلط على حق الإمام الراتب فيه.
قال النووي في المجموع: إذا لم يكن للمسجد إمام راتب، فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة وأكثر بالإجماع.
ثانياً: أن يكون إعادة الجماعة أمراً دائماً، بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً، فهذا لا شك أنه مكروه، لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.
ثالثاً: أن يكون إعادة الجماعة أمراً عارضاً، أي أن يكون الإمام الراتب هو الذي يصلي بالجماعة، لكن أحياناً يتخلف رجلان أو ثلاثة أو أكثر لعذر، فهل لهم أن يقيموا جماعة ثانية في المسجد؟
هذه المسألة اختلف العلماء فيها:
القول الأول: المنع من ذلك، واختيار الصلاة فرادى عن الصلاة في جماعة في مسجد قد صلي فيه مرة.
وهذا مذهب كل من: سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، والليث بن سعد الأوزاعي، والزهري، وعثمان البتي، وربيعة، والنعمان بن ثابت أبي حنيفة، ويعقوب بن إبراهيم أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني، والقاسم، ويحي بن سعيد، وسالم بن عبد الله، وأبي قلابة، وعبد الرزاق الصنعاني، وابن عون، وأيوب السختياني، والحسن البصري، وعلقمة، والأسود بن يزيد، والنخعي، وعبد الله بن مسعود.
قال الترمذي في المنع: وهذا قول سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، فهؤلاء يختارون الصلاة فرادى عن الصلاة في جماعة في مسجد قد صُلِّي فيه مرة.
وقال الإمام الشافعي: وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة، صلوا فرادى وأحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه.
الأدلة:
حديث أبي بكرة رضي الله عنه (وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم). رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأخرجه ابن عدي في الكامل، وحسنه الألباني في تمام المنة.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن إبراهيم (أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد، فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله ثم صلى بهما).
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، بسندهما إلى الحسن البصري، قال:(كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صُلي فيه، صلوا فرادى).
فلو كانت الجماعة الثانية في المسجد جائزة مطلقاً لما جمع ابن مسعود في البيت مع كون الفريضة في المسجد أفضل، وكما صلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادى مع استطاعتهم على التجميع.
ب- وقالوا: إن الجماعة الثانية تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة، لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة، وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه.
القول الثاني: الجواز مطلقاً (بل قد يقال بمشروعيتها).
وهو المذهب عند الحنابلة.
قال الترمذي: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق.
أ- لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه، فصلى معه رجلاً) رواه أبو داود وأحمد وابن خزيمة والحاكم في المستدرك، وقال بعد: وهذا الحديث أصل في إقامة الجماعة في المساجد مرتين.
وبوب عليه أبو داود: [باب في الجمع في المسجد مرتين].
وبوب عليه الدارمي: [باب صلاة الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة].
وبوب عليه الحاكم: [إقامة الجماعة في المساجد مرتين].
وبوب عليه ابن حبان: [ذكر الإباحة لمن صلى في مسجد جماعة أن يصلي فيه مرة أخرى جماعة].
قال المباركفوري: إذا ثبت من الحديث حصول ثواب الجماعة بمفترض ومتنفل، فحصول ثوابها بمفترضين بالأولى.
وقال صاحب عون المعبود: والحديث يدل على جواز أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه مرة.
ب- ولحديث - الباب - (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده
…
) وهذا نص صريح بأن صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، ولو قلنا لا تقام الجماعة للزم أن نجعل المفضول فاضلاً وهذا خلاف النص.
وهذا القول هو الراجح أن صلاة الجماعة مشروعة في هذه الحال.
إذاً: المشهور من مذهب الإمام أحمد مشروعية الجماعة الثانية في مسجد قد صلي فيه.
•
هل يستثنى شيء على مذهب الحنابلة؟
الحنابلة استثنوا: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، فقالوا: تكره إعادة الجماعة فيهما، واستدلوا:
لئلا يتوانى الناس عن حضور الصلاة مع الإمام الراتب.
والقول الثاني في المسألة: أن المسجد الحرام والمسجد النبوي كغيرهما في حكم إعادة الجماعة، فلا تكره إعادة الجماعة فيهما، بل تستحب لعموم الأدلة، ولأننا لو أخذنا بالتعليل الذي ذكروه، لانطبق على المسجدين وغيرهما.
وعلى هذا فإذا دخلت المسجد الحرام وقد فاتتك الصلاة مع الإمام الراتب أنت وصاحبك، فصليا جماعة ولا حرج.
•
في أي المساجد الفضل أن تكون الصلاة فيها؟
استدل بالحديث على أن المسجد الأكثر جماعة أفضل من الأقل، والأحوال كالتالي:
أولاً: الأفضل أن يصلي الإنسان في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره، لأنه إذا لم يحضر لتعطلت الجماعة.
ثانياً: ثم الأكثر جماعة.
فلو قدر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثر جماعة من الآخر، فالأفضل أن يذهب إلى الأكثر جماعة.
لحديث الباب.
419 -
وَعَنْ أُمِّ وَرَقَةَ رضي الله عنها (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
(أم ورقة) بنت نوفل الأنصارية، من فضيلات الصحابة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث صحيح، وفيه راوٍ وهو الوليد بن جُمَيْع، قال الحافظ: صدوق يهم.
•
ما حكم صلاة النساء جماعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة مع اتفاقهم على عدم وجوبها عليهن، على أقوال:
القول الأول: أنه مستحب.
وبه قال الشافعية، والحنابلة.
أ- لحديث الباب.
ب- وورد (أن عائشة أمت نساء في الفريضة في المغرب وقامت وسطهن) رواه ابن حزم في المحلى.
القول الثاني: مكروه.
وهذا مذهب الحنفية.
لأن المرأة ليست من أهل الاجتماع، ولأن هذا ليس معهود في أمهات المؤمنين وغيرهن.
والصحيح أنها جائزة.
•
ما حكم إمامة المرأة للنساء، وأين تقف؟
الحديث دليل على جواز إمامة المرأة للنساء، وتقف وسطهن.
وقد جاء عند الحاكم (أذن لها أن تؤم أهل دارها في الفرائض، وتقف وسطهن).
وجاء عن عائشة (أنها أمت نساء في الفريضة في صلاة المغرب وقامت وسطهن، وجهرت بالقراءة). رواه ابن حزم.
وجاء عن أم سلمة: (أنها كانت تؤمهن في رمضان وتقوم معهن في الصف).
ولأنه أستر لها.
ونقل ابن قدامة رحمه الله الخلاف في استحباب جماعة النساء ثمّ قال عن إمامة النساء: إذا صلّت بهنّ قامت في وسطهنّ ولا نعلم فيه خلافا بين من رأى أنها تؤمهنّ، ولأنّ المرأة يستحبّ لها التستّر .. وكونها في وسط الصفّ أستر لها لأنّها تستتر بهنّ من جانبيها. المغني 2/ 202
وقال صاحب المهذّب: السنّة أن تقف إمامة النساء وسطهنّ لما روي أنّ عائشة وأمّ سلمة أمّتا نساء فقامتا وسطهن. 4/ 295
•
ما حكم إمامة المرأة للرجال؟
سبقت المسألة وأنه لا يجوز وهذا مذهب أكثر العلماء.
وقد استدل من قال بالجواز بهذا الحديث برواية (فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً لها).
والجواب عن هذا:
أولاً: أنه لم يثبت أن مؤذنها كان يصلي معها، فقد يكون يؤذن لها ويذهب لأحد المساجد فيصلي به.
ثانياً: أنه جاء عند الدار قطني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لها أن يؤذن لها وتقام وتؤم نسائها).
420 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اِسْتَخْلَفَ اِبْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، يَؤُمُّ اَلنَّاسَ، وَهُوَ أَعْمَى) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
421 -
وَنَحْوُهُ لِابْنِ حِبَّانَ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث إسناده حسن، فيه رجل صدوق الحديث.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
الحديث دليل على جواز إمامة الأعمى كالبصير، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
فذهب بعض العلماء إلى أن البصير أولى من الأعمى.
وبه قال الحنفية واختاره ابن قدامة، واستدلوا:
أ-بأن ابن عباس قال (كيف أمهم وهم يعدلوني إلى القبلة حين عمي). رواه عبد الرزاق
وهذا فعل صحابي يدل على أن البصير أولى من الأعمى.
وعللوا ذلك بتعليلين:
الأول: أن الأعمى قد لا يمكنه أن يصون ثيابه عن النجاسات بخلاف البصير فإنه يتجنب النجاسات.
الثاني: أن البصير يستقبل القبلة باجتهاده، بخلاف الأعمى فإنه بتقليد غيره.
والصحيح أن الأعمى كالبصير سواء.
أ-لحديث الباب.
ب-وأيضاً ثبت ما يعارض فعل ابن عباس من فعله، فعن سعيد بن جبير قال (أمنا ابن عباس وهو أعمى). رواه ابن أبي شيبة
ج- ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) ولفعل ابن أم مكتوم. (أحكام الإمامة والائتمام).
وهذا هو الصحيح.
422 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَصَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
===
(صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) المراد ما لم يكن متلبساً بأحد نواقض الإسلام.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث موضوع لا يصح، ففي إسناده عثمان بن عبد الرحمن، قال ابن المديني: ضعيف جداً.
وللحديث طرق كثيرة كلها لا تصح.
وقد جاء عند أبي داود (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً أو إن كان من أهل الكبائر).
لكنه لا يصح لأنه منقطع، لأنه من رواية مكحول عن أبي هريرة، ومكحول لم يسمع من أبي هريرة.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
الحديث يدل على صحة الصلاة خلف الفاسق، لكن الحديث لا يصح كما سبق، لكن جاءت أدلة أخرى تؤيده، وقد سبقت المسألة، وأن الراجح أنه تجوز الصلاة خلف الفاسق.
(وقد كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج) رواه البخاري.
(وصلى أبو سعيد خلف مروان بن الحكم) متفق عليه.
423 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ اَلصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ، فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ اَلْإِمَامُ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث في إسناده ضعف، فإن فيه الحجاج بن أرطاة.
وأعله بعضهم بأن ابن ليلى لم يسمع من معاذ، ولكن سبق معنى الحديث كما سبق (وما أدركتم فصلوا).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث يدل على أن المصلي إذا دخل المسجد، ووجد الإمام يصلي، فإنه يدخل معه على حسب حاله.
•
اذكر حالات من دخل والإمام يصلي؟
أ- إذا دخل ووجد الإمام يقرأ الفاتحة، فإنه يدخل معه ويسكت.
ب-إن أدركه قائماً، أو راكعاً، اعتد بتلك الركعة.
ج-إن أدركه قاعداً أو ساجداً، لم يعتد به.
وجاء في الحديث (إذا جئت ونحن سجود فلا تعتدها شيئاً) رواه ابن خزيمة.
د-إذا جاء والإمام قائماً، فإنه يدخل معه، ويستفتح، ويتعوذ، ويقرأ.
وإذا كان الإمام يقرأ الفاتحة، فإنه يسكت حتى ينتهي الإمام.
و_إذا جاء والإمام راكع، فإنه يكتفي بتكبيرة الإحرام، ثم يركع، وإن كبر للركوع فحسن.
•
ما رأيك بما يفعله بعض الناس إذا جاء والإمام ساجد ينتظر حتى يقوم؟
هذا خطأ منتشر، وما يدري الإنسان ربما تكون هذه السجدة سبباً لمغفرة الذنوب.
الاثنين 4/ 12/ 1432 هـ
بَابُ صَلَاةِ اَلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ
424 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَوَّلُ مَا فُرِضَتِ اَلصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ اَلْحَضَرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَلِلْبُخَارِيِّ (ثُمَّ هَاجَرَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ عَلَى اَلْأَوَّلِ).
425 -
زَادَ أَحْمَدُ (إِلَّا اَلْمَغْرِبَ فَإِنَّهَا وِتْرُ اَلنَّهَارِ، وَإِلَّا اَلصُّبْحَ، فَإِنَّهَا تَطُولُ فِيهَا اَلْقِرَاءَةُ).
===
(أَوَّلُ مَا فُرِضَتِ اَلصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ) وذلك بمكة ليلة الإسراء، وفي رواية (في الحضر والسفر).
(فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ) أي: بقيت صلاة السفر على الحالة الأولى التي فرضها الله ركعتين ركعتين.
(وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ اَلْحَضَرِ) وفي رواية مسلم (وزيد في صلاة الحضر) أي: بعد الهجرة إلى المدينة، لمَا عند البخاري في صحيحه في (كتاب الهجرة) عن عائشة قالت (فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففُرضتْ أربعاً).
•
اذكر الأدلة على مشروعية قصر الصلاة؟
مشروعية القصر ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
وظاهر الآية أن القصر مقيد بحال الخوف، إلا أن السنة بينت المراد من الآية، وهو أن القصر مشروع في الأمن والخوف في حال السفر.
ففي صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال: (قلت لعمر (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته). رواه مسلم
وعن ابن عمر قال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كذلك). متفق عليه
وفي لفظ مسلم: (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله) وفي رواية (ومع عثمان صدراً من خلافته ثم أتم).
وأجمع أهل العلم على مشروعية القصر في السفر الطويل.
•
اذكر الخلاف في حكم القصر هل هو واجب أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه واجب.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ونصره ابن حزم، واختاره الصنعاني.
أ-لقول عائشة (أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر
…
) فهذا يدل على أن صلاة السفر مفروضة ركعتين.
قال الشوكاني: وهو دليل ناهض على الوجوب، لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين، لم يجز الزيادة عليها، كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر.
ب- ولحديث يعلى ابن أمية السابق، وفيه (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) فقوله (فاقبلوا) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
ج- ولحديث ابن عمر قال (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة) متفق عليه.
وجه الدلالة: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على قصر الصلاة في السفر، فلم ينقل عنه أنه أتم في سفره، فمداومته دليل على الوجوب.
د-ولقول ابن عباس: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم، على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعاً، والخوف ركعة). رواه مسلم
قال الشوكاني: فهذا الصحابي الجليل، قد حكى عن الله عز وجل أنه فرض صلاة السفر ركعتين، وهو أتقى وأخشى من أن يحكي أن الله فرض ذلك بلا برهان.
القول الثاني: أن القصر سنة مؤكدة غير واجب.
وهذا قول الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد.
أ- لقوله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا).
وجه الدلالة: قالوا: إن نفي الجناح يفيد أنه رخصة.
ب- ولحديث عمر السابق (صدقة تصدق الله بها عليكم).
قال ابن قدامة: وهذا يدل على أنه رخصة وليس بعزيمة، وأتم عثمان في آخر حياته وصلى معه الصحابة، ولم ينكر.
القول الثالث: أن قصر الرباعية سنة مؤكدة وأن الإتمام مكروه.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله: إن القصر سنة، والإتمام مكروه، لأنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدائم.
وقال ابن تيمية: المسلمون نقلوا بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ في السفر إلا ركعتين، ولم ينقل عنه أحد أنه صلى أربعاً قط.
وهذا القول هو الراجح.
•
أي الصلوات التي تقصر؟
الصلوات الرباعية فقط.
وقد نقل الإجماع في ذلك ابن حزم في المحلى، وابن قدامة في المغني نقلاً عن ابن المنذر.
فالمغرب لا تقصر لأنها وتر النهار، فلو قصرت منها ركعة لم يبق منها وتراً، ولو قصرت ركعتان فإنه إجحاف بها بذهاب أكثرها، وأما الصبح فتبقى على ما هي عليه، لأن قصرها إلى واحدة إجحاف بها.
•
علمنا أن القصر مسنون ومشروع، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، لكن هناك حالات يتم بها المسافر، اذكرها؟
الحالة الأولى: إذا ذكر صلاة حضر في سفر.
مثال: رجل مسافر، وفي أثناء السفر تذكر أنه صلى الظهر في بلده من غير وضوءه، فإنه يجب أن يعيدها أربعاً.
قال ابن قدامة: بالإجماع حكاه الإمام أحمد، وابن المنذر، لأن الصلاة تعين عليه فعلها أربعاً، فلم يجز له النقصان من عددها.
فائدة: ما الحكم لو نسي صلاة سفر فذكرها في حضر؟
مثال: رجل مسافر، وصلى الظهر ركعتين، فلما وصل إلى بلده، ذكر أنه صلاها بغير وضوء.
فالمشهور من المذهب أنه يجب أن يعيدها أربعاً، وهو قول الشافعي.
أ- قالوا: لأن القصر رخصة من رخص السفر، يبطل بزواله.
ب-ولأنها وجبت عليه في الحضر.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يصليها ركعتين.
وهو قول الحنفية، والمالكية.
قالوا: لأن القضاء يحكي الأداء.
وهذا هو الصحيح، والأول أحوط.
الحالة الثانية: إذا صلى المسافر خلف المقيم.
قال ابن قدامة: المسافر متى ائتم بمقيم وجب عليه الإتمام، سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة، أو أقل.
أ- لما روي عن ابن عباس: (أنه قيل له: ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة). رواه أحمد، وأصله في مسلم بلفظ: (كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصلِّ مع الإمام، فقال: ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
ب- وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين.
ج- لأن: هذه صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة.
د- لأنه اجتمع ما يقتضي القصر والتمام فغلب التمام كما لو أحرم بها في السفر ثم أقام.
وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
فقال رحمه الله: الواجب على المسافر إذا صلى خلف مقيم أن يتم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، ولأن الصحابة كانوا يصلون خلف أمير المؤمنين عثمان في الحج في مني، فكان يصلي بهم أربعاً فيصلون معه أربعاً.
وهذا واضح إذا ما دخل المسافر مع الإمام من أول الصلاة، لكن لو أدرك معه الركعتين الأخيرتين فهل يسلم؛ لأنه صلى ركعتين وفرضه ركعتان أو يأتي بما بقي؟ نقول: يأتي بما بقي، فيتم أربعاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)؛ ولأن المأموم في هذه الحال ارتبطت صلاته بالإمام فلزم أن يتابعه حتى فيما فاته. (الشيخ ابن عثيمين).
القول الثاني: يتم المسافر الصلاة خلف المقيم إذا أدرك من صلاته ركعة فأكثر، ويقصر إذا أدرك معه أقل من ركعة.
وهو قول الحسن البصري، والنخعي، والزهري، وقتادة، وقول للأوزاعي، وهو مذهب مالك.
عن الزهري وقتادة في مسافر يدرك من صلاة المقيمين ركعة، قالا: يصلي بصلاتهم، فإن أدركهم جلوساً صلى ركعتين. رواه عبد الرزاق
وقال الحسن في مسافر أدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر قال: يزيد إليها ثلاثاً، وإن أدركهم جلوساً صلى ركعتين. رواه عبد الرزاق.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك).
دلَّ هذا الحديث على أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، أي: حكمها ووقتها وفضلها، فدلَّ ذلك على أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك شيئاً من ذلك، وأن الركعة حد أدنى لإدراك تلك الفضائل.
ب-ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة، ومن أدرك أقل من ذلك لا يلزمه فرضها.
ج-أن المسافر إذا لم يدرك ركعة من الصلاة كاملة فهو في حكم من لم يدرك شيئاً منها، وإذا لم يدرك شيئاً من صلاة المقيم صلى ركعتين بإجماع.
القول الثالث: المسافر يقصر الصلاة سواء خلف مقيم أو غيره.
وهو قول إسحاق، والشعبي، وطاووس، وهو مذهب الظاهرية.
لحديث الباب (أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ اَلصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ اَلسَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ اَلْحَضَرِ
…
).
فدل هذا الحديث على أن صلاة السفر هي الأصل فبمجرد السفر يثبت حكمها ما دام مسافراً فلا يتغير حكمها بالائتمام.
الحالة الثالثة: إذا نوى الإقامة أكثر من أربع أيام.
(وهذه مسألة خلافية سيأتي ذكر الخلاف فيها إن شاء الله).
•
هل يجوز القصر في سفر المعصية؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز له القصر.
وهذا مذهب أبي حنيفة، واختاره ابن تيمية.
قال النووي: وذهب الحنفية، والثوري، والأوزاعي، والمزني من أصحاب الشافعي بجواز القصر في سفر المعصية وغيره.
قالوا: لأن فرض السفر ركعتان، ولأنه داخل تحت النصوص المطلقة.
القول الثاني: لا يجوز له القصر.
وهذا مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد.
لأن الترخيص شرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح توصلاً للمصلحة، فلو شرع هنا لشرع إعانة على المحرّم تحصيلاً للمفسدة، والشرع منزه عن هذا.
والراجح القول الأول.
426 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ فِي اَلسَّفَرِ وَيُتِمُّ، وَيَصُومُ وَيُفْطِرُ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُول.
وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهَا، وَقَالَتْ (إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ) أَخْرَجَهُ اَلْبَيْهَقِيّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث معلول كما قال الحافظ ابن حجر، مع أن رجاله ثقات، فقد رواه الدار قطني من طريق سعيد بن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمرو بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة به.
قال الحافظ في التلخيص: قد استنكره أحمد، وصحته بعيدة.
قال ابن تيمية: والحديث الذي رواه الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر وتتم، ويفطر وتصوم. باطل في الإتمام، وإن كان صحيحاً في الإفطار بخلاف النقل المتواتر المستفيض.
وقال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجه النكارة: أن عائشة كانت تتم، فلو كان عندها هذا الحديث، لم يقل عروة عنها: إنها تأولت.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: بأبي وأمي أفطرت وصمت، وقصرت، وأتممت، فقال: أحسنت يا عائشة.
قال ابن تيمية رحمه الله: فهذا لو صح لم يكن فيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم، وإنما فيه إذن في الإتمام، مع أن هذا الحديث على هذا الوجه ليس بصحيح بل هو خطأ لوجوه:
أحدها: أن الذي في الصحيحين عن عائشة: أن الصلاة ركعتان، وقد ذكر ابن أخيها وهو أعلم الناس بها: أنها أتمّت الصلاة في السفر بتأويل تأولته، لا بنص كان معها، فعلم أنه لم يكن معها فيه نص.
الثاني: أن في الحديث أنها خرجت معتمرة معه في رمضان، وكانت صائمة، وهو كذب باتفاق أهل العلم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط، وإنما كانت كلها في شوال، وإذا كان لم يعتمر في رمضان، ولم يكن في عمره عليه صوم، بطل هذا الحديث.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سافر في رمضان غزوة بدر فلم يكن معه فيها أزواجه، ولا كانت عائشة، وأما غزوة الفتح فقد صام فيها أول سفره ثم أفطر، خلاف ما في هذا الحديث المفتعل.
الرابع: أن عائشة لم تكن بالتي تصوم، وتصلي طول سفرها إلى مكة، وتخالف فعله بغير إذنه، بل كانت تستفتيه قبل الفعل، فإن الإقدام على مثل هذا لا يجوز.
•
هل أتم النبي صلى الله عليه وسلم في سفره؟
النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم في سفره قط.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما في السفر فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريباً من ثلاثين سفرة، وكان يصلي ركعتين في أسفاره، ولم ينقل عنه أحد من أهل العلم أنه صلى في السفر أربعاً قط، حتى في حجة الوداع، وهي آخر أسفاره كان يصلي بالمسلمين بمنى ركعتين ركعتين، وهذا من العلم العام المستفيض المتواتر الذي اتفق على نقله جميع أصحابه، ومن أخذ العلم عنهم.
وقال ابن القيم رحمه الله: وكان يَقصُر الرُّبَاعية، فيصليها ركعتين مِنْ حين يخرُج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبُت عنه أنه أتمَّ الرُّباعية في سفره البتة.
•
من مِنْ الصحابة أتم في سفره؟
عائشة، وعثمان.
أما عائشة، فقد روى البيهقي عن عروة عن عائشة:(أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي، إنه لا يشق عليّ) وسنده صحيح.
قال الحافظ: وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل.
أما عثمان، فقد أتم في آخر خلافته ست سنوات.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ وَعُثْمَانُ صَدْراً مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعاً. فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعاً وَإِذَا صَلاَّهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْن) رواه مسلم.
•
اذكر بعض الأسباب التي قيلت في سبب إتمام عثمان؟
اختلف العلماء في سبب إتمام عثمان:
فقيل: أن الأعراب قد حجوا في تلك السنة، فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع، لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر.
ورد هذا: بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا حديثي عهد بالإسلام، والعهد بالصلاة قريب، ومع هذا فلم يُرَبِّع بهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إنه كان إماماً للناس، والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته.
ورد هذا: بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك ولم يربّع.
وقيل: إنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى، واتخاذها داراً للخلافة.
وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى، فإن عثمانَ رضي الله عنه من المهاجرين الأولين، وقد مَنع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإِقامة بمكة بعد نسكهم، ورخَّص لهم فيها ثلاثة أيام فقط، فلم يكن عُثمانُ لِيقيم بها، وقد منع النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما رخَص فيها ثلاثاً وذلك لأنهم تركوها للّه، وما تُرِكَ للّه، فإنه لا يُعاد فيه، ولا يُسترجع.
وقيل: إنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع، وتزوج فيه، أو كان له به زوجة، أتم، ورجح هذا ابن القيم.
لورود حديث في ذلك عند أحمد (من تأهل ببلدة، فإنه يصلي صلاة مقيم).
ورجح هذا ابن القيم وقال: وهذا أحسن ما اعتُذِر به عن عثمان.
ورد هذا الحافظ ابن حجر، فقال: فهذا الحديث لا يصح، لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة: إن عائشة تأولت ما تأول عثمان.
والراجح ما قاله الشنقيطي في أضواء البيان، حيث قال: الذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن أحسن ما يعتذر به عن عثمان وعائشة في الإتمام في السفر، أنهما فهما من بعض النصوص أن القصر في السفر رخصة، كما ثبت في صحيح مسلم، أنه صدقة تصدق الله بها، وأنه لا بأس بالإتمام لمن لا يشق عليه ذلك كالصوم في السفر.
427 -
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ ..
وَفِي رِوَايَةٍ: (كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ).
===
(أَنْ تُؤْتَى) أن تفعل.
(رُخَصُهُ) الرخص جمع رخصة، لغة: السهولة، واصطلاحاً: تخفيف الحكم الأصلي دون إبطال العمل به
(مَعْصِيَتُهُ) المعصية مخالفة الأمر وفعل المعصية.
•
ما مناسبة الحديث لباب قصر الصلاة؟
الحديث فيه دليل على استحباب العمل بالرخص، ومن ذلك قصر الصلاة في السفر.
واستدل بهذا الحديث جمهور العلماء على أن القصر في السفر مستحب.
وقد قال بعض العلماء: الأصل في الرخص الإباحة، لأنه لو كان مأموراً بها لم تكن رخصة.
لكن قد تجب أحياناً، كأكل الميتة للمضطر في المجاعة.
•
ما عقيدة أهل السنة في صفة المحبة؟
عقيدتهم: أنهم يثبتون صفة المحبة إثباتاً يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه.
والأدلة على ذلك:
قوله (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وقوله (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
وقوله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
وقوله (فسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)
وفسرها أهل البدع بالثواب، وهذا لا يصح، لأنه: خلاف الظاهر، وخلاف طريقة السلف، وليس عليه دليل.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- سعة رحمة الله وكرمه، حيث يحب من عباده أن يفعلوا الرخص.
- أن الله يحب من عبده أن يعمل بالرخص.
فإن قال قائل: أنا لا يشق علي الإتمام في السفر.
فالجواب: أن هذا خلاف ما يحبه الله.
- إثبات الكراهة لله، وهو إثبات يليق بجلاله، كما قال تعالى (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُم).
- أن الله يكره أن يعصى.
فائدة: قال ابن حجر في (الفتح): وقد روى أحمد من طريق أبي طعمة قال: قال رجل لابن عمر: إني أقوى على الصوم في السفر، فقال له بن عمر: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة، وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم:(من رغب عن سنتي فليس مني).
428 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَال أَوْ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
===
(إذا خرج) أي إذا توجه من المدينة مسافراً.
(ثلاثة أميال) جمع ميل، وهو كيل ونصف.
(فراسخ) واحد فرسخ، والفرسخ أربعة أميال، والشك من الراوي وهو شعبة، والفرسخ أحوط.
•
ما معنى قوله في الحديث (كان إذا خرج ثلاثة أميال
…
)؟
فقيل: قال النووي: وأما حديث أنس فليس معناه أن غاية سفره كانت ثلاثة أميال، بل معناه أنه كان إذا سافر سفراً طويلاً فتباعد ثلاثة أميال قصر [الجمهور].
وقيل: إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه المسافة قصر الصلاة.
فعلى هذا القول الثلاثة فراسخ هي كل المسافة.
وقد أخذ بهذا الظاهرية، فقالوا: أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال.
•
ما المسافة التي يعتبر بها المسافر إذا قطعها مسافراً؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: ثلاثة أميال.
وهذا مذهب الظاهرية.
لحديث الباب.
القول الثاني: ميل واحد.
وهذا مذهب ابن حزم.
أ-واحتج له بإطلاق السفر في كتاب الله تعالى، كقوله (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض).
ب- لم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعتهم سفراً من سفر.
ج-وثبت ذلك عن ابن عمر بإسناد صحيح كما عند ابن أبي شيبة.
القول الثالث: أن أقل مسافة للقصر هي مرحلتان لسير الإبل المحملة. [أربعة برد، تقريباً 83 كيلو]
وهذا مذهب الأكثر.
فهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة.
واستدلوا بالآثار المروية عن بعض الصحابة في تحديد السفر الذي تقصر فيه الصلاة، وأنه ما كان على مسافة أربعة برد.
فعن عطاء (أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق.) رواه البخاري تعليقاً والبيهقي، قال النووي: بإسناد صحيح.
وعنه قال (قلت لابن عباس: أأقصر إلى عرفة؟ فقال: لا، قلت: أأقصر إلى منى؟ قال: لا، قلت: أأقصر إلى الطائف وإلى عسفان؟ قال: نعم، وذلك ثمانية، أربعون ميلاً وعقده بيده) رواه البيهقي وابن أبي شيبة، قال الحافظ في التلخيص: إسناده صحيح.
القول الرابع: أن أقل مدة تقصر فيها الصلاة هي ثلاثة أيام.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
أ- لحديث ابن عمر. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليهن إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها) متفق عليه.
ب- ولحديث علي قال (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر) وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك، ولأن الثلاثة متفق عليها وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق.
القول الخامس: أنه لا حد للسفر بالمسافة، فكل ما عد سفراً فهو سفر.
واختار هذا ابن تيمية، وابن قدامة في المغني.
أ-لقوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض) فالله علق مشروعية قصر الصلاة على مطلق الضرب في الأرض، فيصدق ذلك على كل مسافر، قصيراً كان سفره أو طويلاً، وحيث لا دليل يدل على تقييد هذا المطلق فيجب العمل به على إطلاقه.
ب- أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه.
قال ابن قدامة بعد ذكره الأقوال: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، وإذا لم تثبت أقوالهم، امتنع الحصر إلى التقدير الذي ذكروه، لوجهين:
الأول: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها، ولظاهر القرآن، فإن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض.
الثاني: أن التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد سيما ولا أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه.
قال ابن تيمية: الفرق بين السفر الطويل والقصر، لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الأحكام التي علقها الله بالسفر مطلقة.
والأحوط قول الجمهور.
• سئل الشيخ ابن عثيمين: مجموعة من المدرسين يترددون لقرى بعيدة تقريباً فوق (100 كم) ويترخصون برخص السفر، يجمعون بين الظهر والعصر مع أنهم يصلون إلى ديارهم تقريباً الساعة الواحدة والنصف، ويقولون: عندهم فتوى منكم أنتم، فهل يجوز لهم أن يترخصوا برخص السفر؟ وإذا كان لا يجوز فهل يجوز لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر من غير قصر أم لا؟
الجواب: العلماء رحمهم الله اختلفوا في السفر المبيح للرخص، فمنهم: من يحده بالمسافة ويقول: المسافة (83 كم) فإذا جاوزها الإنسان ولو بنصف ذراع حلت له الرخص.
وبناءً على هذا القول: يكون هؤلاء ممكن يكون لهم الرخص؛ لأنك قلت: (100 كم) أو أكثر.
هؤلاء يقولون: له القصر وله الفطر وله الجمع ولو قطع هذه المسافة، أعني:(83 كم) بنصف ساعة أو أقل، على هذا القول يكون لهؤلاء أن يقصروا إذا صادفتهم الصلاة وهم في غير بلدهم، ويجوز لهم أن يجمعوا.
وأما على القول الثاني الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب إلى الصواب فيقول: العبرة بما يسميه الناس سفراً، وهؤلاء القوم الذين يذهبون صباحاً ويرجعون مساءً قبل المساء لا يعدون مسافرين فلا يقصرون .... (فتاوى لقاء الباب المفتوح).
•
ما حكم القصر للمكي بعرفة ومزدلفة ومنى؟
اختلف العلماء في هذا المسألة على قولين:
القول الأول: أنه ليس لأهل مكة القصر بعرفة ومزدلفة وبمنى.
وهذا قول الشافعية، والحنابلة.
قالوا: إن المسوغ للجمع والقصر هو السفر، والخروج إلى هذه الأماكن لا يعد سفراً بالنسبة للمكي لعدم المسافة.
القول الثاني: أن لأهل مكة القصر في هذه الأماكن كسائر الحجاج.
وهذا مذهب المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ-لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر بمنى، وجمع وقصر بعرفة ومزدلفة، وصلى معه جميع المسلمين من أهل مكة وغيرهم، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولا بتأخير العصر في عرفة، أو تقديم المغرب في المزدلفة.
ب- قالوا: ولو أن أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعاً، وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وفي أيام منى، لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة.
قال ابن تيمية:
…
إنما قصروا لأجل سفرهم لا لأجل النسك، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وإن كانوا محرمين.
والأحوط الأول.
•
ما الجواب عن حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفْر)؟
الجواب من وجهين:
الأول: أنه ضعيف، رواه أبو داود وغيره، قال ابن حجر: وهذا ضعيف، لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
والثاني: أنه على التسليم بصحته، فإنما قاله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في جوف مكة، والحال أن أهل مكة مقيمون حقيقة.
•
متى يبدأ المسافر بالقصر؟
إذا فارق عمران بلده.
وهذا مذهب جماهير العلماء: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المريد للسفر أن يقصر إذا خرج من جميع القرية التي يخرج منها.
وقال الحافظ: وهذا مذهب جمهور أهل العلم، أن المسافر إذا أراد سفراً تقصر في مثله الصلاة لا يقصر حتى يفارق جميع البيوت.
أ- لقوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض)، ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج، وقبل مفارقته لا يكون ضارباً فيها.
ب-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل كما في حديث الباب.
ج-وفي حديث أنس قال (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين). متفق عليه
وروى مالك بإسناد صحيح عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا خرج حاجاً، أو معتمراً قصر الصلاة بذي الحليفة.
د-ومن المعقول: فإنه لا يطلق على الشخص مسافراً إلا إذا باشر السفر وفعله، ولا يكون ذلك إلا بخروجه من بلده.
قال الشيخ ابن عثيمين: المسافر لا يعد مسافراً إلا إذا فارق العمران، لكن ليس المراد المفارقة بالرؤية، بل المفارقة بالبدن حتى لو كان بينه وبين البلد ذراعاً واحداً، فله أن يترخص برخص السفر.
فائدة: قال النووي: وقال مجاهد لا يقصر المسافر نهاراً حتى يدخل الليل، قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً وافقه، وعن عطاء أنه قال إذا جاوز حيطان داره فله القصر، فهذان المذهبان فاسدان:
فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة حين خرج من المدينة، ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر. (المجموع شرح المهذب).
•
كم سبب لقصر الصلاة؟
سبب واحد وهو السفر.
قال تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ
…
).
•
ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر.
وهو قول الجمهور كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.
لأن الحكم للمكان لا للزمان.
وقيل: ليس له القصر.
لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد.
وهذا القول فيه ضعف، وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم، فبان أن الحكم للمكان لا للزمان، فحيثما صلى اعتبر مكانه، فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم.
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا سافر الإنسان بعد دخول الوقت وصلى في مسيره، فإنه يقصر صلاته كما أنه لو دخل عليه الوقت وهو في السفر ثم وصل بلده فإنه يتم الصلاة؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بوقتها، فمتى فعل الصلاة في السفر قصرها، ومتى فعلها في الحضر أتم.
•
سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا ذهب أحدهم للنزهة إلى مسافة بعيدة تستوجب القصر أو الجمع، هل يقصر أو يجمع رغم أنه لم يذهب لسفر معين، وإنما لنزهة فقط؛ ولكنه قطع مائة وخمسين ميلاً أو مائتين أو ما أشبه ذلك؟
السفر -بارك الله فيك- ما دام مباحاً فإنه يترخص الإنسان فيه برخص السفر ولو كان نزهة. (ابن عثيمين).
429 -
وَعَنْهُ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى اَلْمَدِينَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
===
(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ) جاء في رواية عند البخاري (قلت: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً) ولمسلم: (خرجنا من المدينة إلى الحج
…
).
•
اختلف العلماء، ما هي المدة التي إذا أقامها المسافر يعتبر مقيماً؟ على أقوال كثيرة، اذكر بعض الأقوال؟
القول الأول: أن أقل مدة الإقامة أربعة أيام، فإذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر انقطع ترخصه.
وهذا مذهب جماهير العلماء، وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة، ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
أ-لحديث أنس، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في يوم الثامن ثم خرج إلى منى.
قالوا: فيجوز لمن كانت إقامته كإقامة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقصر الصلاة.
قالوا: وإقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح في عام حجة الوداع معلومة البداية والنهاية.
وقالوا: إن هناك فرقاً كبيراً بين إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح وبتبوك، وبين إقامته بمكة عام حجة الوداع، ويظهر الفرق من وجهين:
أولاً: إن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وفي إقامة تبوك إقامة طارئة، وغير مقصودة من قبل، بل اقتضتها مصالح الجهاد ومتطلبات الفتح، فهي إقامة غير معلومة البداية، وغير محددة النهاية، لأن هذا السفر من أجل الجهاد ومنازلة الأعداء والكر والفر، لا من أجل المكث والإقامة، ومن المعلوم أن من كانت هذه حاله، فإنه لا يدري ما سيواجهه من أوضاع، لذا فإنه لا يصح أن يقال قد بيت الإقامة، أو أنه قد حدد موعد الرحيل، حتى تكون النهاية معلومة إذ لو فعله لنقل إلينا، وعدم نقله دليل على عدم فعله.
ثانياً: إن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام حجة الوداع تختلف عن إقامته صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وفي عام تبوك لما علم من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعدد الأيام التي يحتاجها من أراد الرحلة من المدينة إلى مكة، لأنه صلى الله عليه وسلم قد طرقه قبل الهجرة وبعدها، كما أنه طريق قريش إلى رحلة الصيف، ثم إنه كان طريقاً آمناً عام حجة الوداع، كما أن اليوم الذي يبدأ به الحج معلوم لما عرف من أن مشروعية الحج كانت في السنة التاسعة فمشروعيته سابقة على حجة الوداع.
لهذه الأسباب كلها فإن إقامته صلى الله عليه وسلم بالأبطح قبل الحج إقامة مقصودة، وهي معلومة البداية والنهاية.
ب-واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً). رواه مسلم
قال ابن حجر: يستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها من حكم المسافر.
القول الثاني: أن مدة الإقامة خمسة عشر يوماً، فإذا نوى إقامة خمسة عشر يوماً فأكثر امتنع عليه الترخص، وإن نوى دون ذلك ترخص.
وهذا مذهب الحنفية.
لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا (إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوماً، أكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها) رواه الطحاوي.
ويرد عليهم: أنه لا حجة في أقوال الصحابة في المسائل التي للاجتهاد فيها مسرح، وهذه منها.
وأيضاً فقد ثبت عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما حكي عنهم.
القول الثالث: أن مرجع ذلك إلى العرف، فإنه يقصر ولو طالت المدة ما لم يجمع الإقامة.
ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال رحمه الله: للمسافر القصر والفطر ما لم يجمع على الإقامة والاستيطان، والتمييز بين المقيم والمسافر نية أيام معلومة يقيمها ليس هو أمراً معلوماً لا بشرع ولا عرف.
والأحوط مذهب الجمهور.
•
هل يجوز للمسافر القصر حتى ولو كان قد اقترب من بلده؟
إذا اقترب المسافر من بلد إقامته راجعاً إليها، جاز له القصر ما لم يدخل بلده، لأنه ما زال مسافراً.
لقول أنس رضي الله عنه: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة).
•
ما الحكم إذا رجع المسافر من السفر، ودخل عليه الوقت وهو في السفر، ثم وصل بلده قبل خروج وقتها؟
فإنه يصلي الرباعية أربعاً ولا يقصرها، لانقطاع سفره بعد دخوله بلده.
430 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (أَقَامَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ - وَفِي لَفْظٍ: - بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ (سَبْعَ عَشْرَةَ).
وَفِي أُخْرَى (خَمْسَ عَشْرَةَ).
431 -
وَلَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ).
432 -
وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ (أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ اَلصَّلَاةَ) وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِه.
===
•
ما الجمع بين الروايات التي ذكرها المصنف رحمه الله؟
الجمع بين رواية البخاري (تسع عشرة) ورواية أبي داود (سبع عشرة) أن رواية البخاري أرجح كما أشار إلى ذلك أبو داود بعد سياقه هذه الرواية، أو يصار إلى الجمع بينهما فيكون من قال: سبعة عشر لم يعد يوم الدخول ويوم الخروج.
وأما رواية أبي داود الثانية (خمس عشرة) فقد ضعفها النووي، لأن فيها محمد ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن.
وأما حديث عمران فلفظه: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّى إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) وهو حديث ضعيف، لأن في سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
•
ما حكم من سافر وأقام مدة لا يدري متى يرجع؟
حكم المسافر إذا أقام مدة ولا يعرف متى ينقضي عمله، فإنه يقصر ولو طالت المدة، وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب، فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم تسع عشرة يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة.
ب-وعن نافع قال (أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول). رواه البيهقي
ج-وعن علي قال (إن قلت أخرج اليوم أو غداً، فأصلي ركعتين) رواه عبد الرزاق.
د-ولأن ذلك لا يعد لبثاً.
433 -
وَعَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا اِرْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ اَلشَّمْسُ أَخَّرَ اَلظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ اَلْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ اَلشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى اَلظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ اَلْحَاكِمِ فِي "اَلْأَرْبَعِينَ" بِإِسْنَادِ اَلصَّحِيحِ (صَلَّى اَلظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ رَكِبَ).
وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي "مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ (كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَزَالَتْ اَلشَّمْسُ صَلَّى اَلظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ اِرْتَحَلَ).
434 -
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي اَلظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
•
عرف الجمع؟
الجمع هو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، والصلاتين التي يصح جمعهما: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
•
هل ورد جمع التقديم؟
ورد في الرواية التي ذكرها الحافظ وَفِي رِوَايَةِ اَلْحَاكِمِ فِي "اَلْأَرْبَعِينَ" بِإِسْنَادِ اَلصَّحِيحِ (صَلَّى اَلظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ رَكِبَ) ذكر الحافظ رحمه الله هذه الرواية لأن فيها جمع التقديم، لأن حديث أنس الذي في الصحيحين الذي ذكره المصنف فيه جمع التأخير فقط.
وجاء جمع التقديم في حديث معاذ (أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، يصليهما جمعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً ثم يسافر
…
).
وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وأعله كبار الحفاظ: كالبخاري، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة.
•
ما حكم الجمع للمسافر؟
الجمع قسمان:
القسم الأول: قسم متفق عليه بين العلماء، وهو الجمع بعرفة ومزدلفة.
قال ابن عبد البر: وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة.
القسم الثاني: مختلف فيه، وهو الجمع للسفر.
وقد اختلف العلماء فيه:
القول الأول: لا يجوز الجمع مطلقاً في غير عرفات ومزدلفة.
وهذا قول أبي حنيفة.
قال الحافظ: وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقاً إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن، والنخعي، وأبي حنيفة وصاحبيه.
أ-لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي لها وقت معين له ابتداء فلا يجوز التقدم عليه، وانتهاء فلا يجوز التأخر عنه.
ب-ولقوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات) أي في أوقاتها.
وحملوا الروايات التي فيها الجمع في السفر على الجمع الصوري، وهو أنه أخر المغرب مثلاً إلى آخر وقتها، وعجل العشاء في أول وقتها.
القول الثاني: جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.
قال في المغني: وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال الخطابي: وقال كثير من أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، إن شاء قدم العصر، وإن شاء أخر الظهر على ظاهر الأخبار المروية في هذا الباب، وهذا قول ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبد الله، وطاوس، ومجاهد، وبه قال الفقهاء: الشافعي، وإسحاق ابن راهويه، وقال أحمد بن حنبل: وإن فعل لم يكن به بأس.
وقال البغوي: فذهب كثير من أهل العلم إلى جوازه.
قال في نيل الأوطار: ذهب إلى جوازه كثير من الصحابة والتابعين.
وقال البيهقي: الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة ما بين الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
فهو قول الشافعي وأحمد.
أ-لحديث الباب.
ب-وبحديث معاذ وهو ضعيف.
ج-ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في عرفة ومزدلفة.
د-وعن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته) رواه مسلم.
القول الثالث: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم.
وهذا مذهب مالك، واختاره ابن حزم.
لحديث أنس (حديث الباب).
وأما جمع التقديم فلم يصح فيه حديث.
والقول الراجح مذهب الجمهور، وهو جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.
•
ما الجواب عن أدلة أصحاب القول الأول؟
الجواب ما قاله الخطابي: بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة.
وقال في الفتح مؤيداً لما قاله الخطابي: وأيضاً فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع.
وأما الجواب عن أصحاب القول الثالث: (لم يصح حديث في جمع التقديم):
فالجواب: أنه صح التقديم في عرفات كما في صحيح مسلم، وصح أيضاً في الحضر كما في حديث ابن عباس السابق (جمع بين
…
من غير خوف ولا مطر) وإذا صح جمع التقديم في الحضر ففي السفر من باب أولى.
فائدة: ذهب بعض العلماء إلى أن الجمع خاص بمن جدّ به السير.
لحديث ابن عمر، وفيه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدّ به السير).
وذهب الأكثر إلى جوازه للجادّ بالسير والمقيم.
قال الشيخ ابن عثيمين: الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس، وفي حق السائر مستحب
•
ما الأفضل في الجمع، جمع التقديم أو جمع التأخير؟
الأفضل في الجمع فعل الأرفق بالمسافر من تقديم وتأخير.
أ-لقوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر).
ب-والجمع إنما شرع رفقاً بالمكلف، فما كان هو أرفق فهو أفضل.
•
ما الحكم إذا تساوى الأمران عند الإنسان أي تساوى عنده جمع التقديم والتأخير فأيهما أفضل؟
الأفضل هنا التأخير، لأن التأخير غاية ما فيه تأخير الأولى عن وقتها، والصلاة بعد وقتها جائزة مجزئة.
أما التقديم ففيه صلاة الثانية قبل دخول وقتها، والصلاة قبل دخول الوقت لا تصح ولو جهلاً.
•
اذكر شروط الجمع بين الصلاتين مبيناً القول الراجح في ذلك؟
الشرط الأول: الترتيب.
بأن يبدأ بالأولى ثم الثانية.
أ-لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ب-ولأن الشرع جاء بترتيب الأوقات والصلوات، فوجب أن تكون كل صلاة في المحل الذي رتبها الشارع فيه.
الشرط الثاني: النية.
قالوا: لا بد أن ينوي عند افتتاح الأولى.
مثال: دخل في الصلاة الأولى وهو لا ينوي الجمع، ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع.
مثال آخر: إنسان صلى الأولى، وبعدما سلم نوى الجمع. اختلف العلماء، هل يصح أم لا؟
القول الأول: لا يصح الجمع.
وهذا مذهب المالكية، والحنابلة فلا بد من نية الجمع.
لحديث عمر. قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات).
وجه الدلالة: إن الصلاة الثانية تفعل في وقت الأولى جمعاً، وقد تفعل سهواً فلا بد من نية تميزها.
القول الثاني: لا يشترط للجمع نية.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه النووي وابن حجر.
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جمع بأصحابه لم يعلمهم بأنه سيجمع قبل الدخول، بل لم يكونوا يعلمون أنه سيجمع حتى قضى الصلاة الأولى.
قال ابن تيمية: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعاً وقصراً لم يكن يأمر أحداً منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر، ولم يكونوا نووا الجمع، وهذا جمع تقديم.
فهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، والذي يشترط هو وجود سبب الجمع عند الجمع.
ثالثاً: الموالاة.
بأن لا يفرق بين الصلاة تفريقاً كثيراً.
واختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يشترط الموالاة بين الصلاتين في جمع التقديم.
وهذا قول المالكية، والشافعية، والحنابلة.
قالوا: بأن الجمع يصيّر الصلاتين المجموعتين كالصلاة الواحدة، فلا يجوز التفريق بينهما، كما لا يجوز التفريق بين ركعات الصلاة الواحدة.
القول الثاني: لا يشترط.
واختاره ابن تيمية.
فيجوز مثلاً أن يصلي الظهر، ثم يتوضأ ويستريح، ثم يصلي العصر.
قالوا: لأن الجمع هو من باب ضم الصلاة إلى الأخرى في الوقت لا في الفعل، فإذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً.
والأحوط القول الأول.
فوائد:
لا يجمع إلا بين الظهرين أو بين العشاءين.
قال ابن عبد البر: أجمع المسلمون أنه ليس لمسافر ولا مريض ولا في حال المطر، يجمع بين الصبح والظهر، ولا بين العصر والمغرب، ولا بين العشاء والصبح، وإنما الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء.
فائدة: أن الصلاة في الجمع تصلى بأذان واحد وإقامتين. [وسبقت المسألة]
فائدة: رجل مسافر نوى جمع التأخير، ولكنه قدم إلى بلده قبل خروج وقت الأولى.
لا يجوز له أن يجمع الأولى إلى الثانية، لأن العذر انقطع وزال، فيجب أن يصليها في وقتها.
فائدة: عن ابن عباس قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر، قال سعيد بن جبير: (قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته).
وفي رواية: (ولا مطر) اختلف العلماء، ما سبب الجمع في هذا؟
قيل: جمع بعذر المطر.
قال النووي: وهذا ضعيف بالرواية الأخرى: (من غير خوف ولا مطر).
وقيل: إنه كان في غيم، فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان وقت العصر دخل فصلاها.
قال النووي: وهذا أيضاً باطل، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
ومنهم من تأوله: على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع.
قال النووي: وهذا أيضاً ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي، ورجحه قبله إمام الحرمين، وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي، وقواه ابن سيد الناس.
ورجحه الحافظ ابن حجر.
وقيل: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار.
وهذا قول أحمد بن حنبل، واختاره الخطابي، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث.
435 -
وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَقْصُرُوا اَلصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ; مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، كَذَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث ابن عباس ضعيف كما قال المصنف رحمه الله، وأنه موقوف.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على أن أقل مسافة للقصر هي أربعة برد.
وهذا مذهب جماهير العلماء، وقد تقدمت المسألة.
436 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (خَيْرُ أُمَّتِي اَلَّذِينَ إِذَا أَسَاءُوا اِسْتَغْفَرُوا، وَإِذَا سَافَرُوا قَصَرُوا وَأَفْطَرُوا) أَخْرَجَهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "اَلْأَوْسَطِ" بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
وَهُوَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ عِنْدَ اَلْبَيْهَقِيِّ مُخْتَصَر.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
حديث ضعيف.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على مشروعية القصر للمسافر، وأن ذلك من خير الأمة.
وقد تقدمت المسألة وحكم القصر.
437 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اَلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
1 -
الحديث تقدم شرحه في كتاب صفة الصلاة (328)، وهو دليل على وجوب القيام في صلاة الفريضة.
2 -
الحديث دليل على أن من لم يستطع القيام في الصلاة فله أن يصلي جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنب.
3 -
الحديث دليل على يسر الشريعة الإسلامية.
4 -
الحديث دليل على قاعدة (لا واجب مع العجز).
5 -
الحديث مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (فما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم).
438 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (عَادَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرِيضًا، فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَرَمَى بِهَا، وَقَالَ: "صَلِّ عَلَى اَلْأَرْضِ إِنْ اِسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ. وَصَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ.
===
1 -
الحديث تقدم شرحه في كتاب صفة الصلاة (329) وهو دليل على أن المريض يصلي حسب استطاعته.
2 -
الحديث دليل على أنه لا يشرع صلاة المريض على وسادة.
3 -
الحديث دليل على أن غير القادر على السجود والركوع، فإنه يصلي حسب حاله، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
439 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (رَأَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.
===
الحديث تقدم شرحه في كتاب صفة الصلاة (301).
قال الشيخ العلوان حفظه: في كيفية القعود في صلاة الجالس:
الصحيح في هذه المسألة جواز التربع والافتراش لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته جالساً ولم تذكر كيفية قعوده فدل ذلك على السعة في الأمر.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: يجوز على أيّ صفة شاء المصلي.
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4/ 376): ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه، إن شاء صلى متربعاً وإن شاء محتبياً وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين
…
).
وقد قالت طائفة من أهل العلم التربع أفضل وهذا مروي عن ابن عمر وأنس بن مالك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
والحجة لهم ما رواه النسائي (3/ 376) وغيره من طريق أبي داود الحفري عن حفص عن حميد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي متربعاً.
وهذا الحديث لا يصح وقد جاء من غير وجه ليس في شيء من ذلك ذكر التربع قال النسائي رحمه الله لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديث غيرَ أبي داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ.
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4/ 376): حديث حفص بن غياث قد تكلم في إسناده، روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع ولا أحسب هذا الحديث يثبت مرفوعاً
…
).
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة متربعاً رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر.
وعن أحمد رواية: أنه إن أطال القراءَة تربع وإلا افترش.
والصحيح القول الأول وهو التخيير بين التربع والافتراش.
بَابُ صَلَاةُ اَلْجُمُعَةِ
اختلف في سبب تسمية الجمعة بهذا الاسم:
فقيل: لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم، وقد جاء حديث عند أحمد، ورجحه الحافظ ابن حجر والشوكاني.
وقيل: لاجتماع الناس فيها في المكان الجامع لصلاتهم.
وقيل: لأن الله تعالى جمع فيه آدم مع حواء في الأرض.
وقيل: لما جمع فيه من الخير.
قال الحافظ: بالاتفاق أنه كان يسمى في الجاهلية العَرُوبة.
•
ذهب جمهور العلماء إلى أن الجمعة إنما فرضت بالمدينة.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، لأن هذه السورة مدنية، وأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بمكة قبل الهجرة.
440 -
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، - أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ -عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ اَلْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اَللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ اَلْغَافِلِينَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ) أي: حال كونه قائماً على أعواد منبره، قال الصنعاني: أي منبره الذي كان من عود لا الذي كان من الطين ولا على الجذع الذي كان يستند إليه، وقد جاء في رواية (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجزع، فأتاه فمسح يده عليه). وفي رواية (
…
فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه، يئن أنين الصبي، الذي يسكته، قال: كان يبكي على ما كانت تسمع من الذكر) وفي رواية (فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار، حتى جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكتت). وفي رواية (فأتاه فاحتضنه فسكن فقال: لو لم أفعل لما سكن). ولابن خزيمة (والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به فدفن).
(عَنْ وَدْعِهِمُ اَلْجُمُعَاتِ) أي: تركهم الجمعات والتخلف عنها من غير عذر.
(ليختمنّ) الختم الطبع، والاستيثاق من الشيء بوضع الختم عليه لئلا يعلم به.
(الغافلين) اللاهين.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على عظم ذنب ترك الجمعة، وذلك بختم على قلبه، كما يختم على المنافقين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (من ترك صلاة جمعة ختم الله على قلبه) رواه أبو داود.
•
ما حكم صلاة الجمعة؟
واجبة، فإن هذا التهديد لا يكون إلا بترك واجب.
والجمعة فرض بالكتاب والسنة والإجماع:
أ-قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون).
ب-ولحديث الباب.
ج- عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ) متفق عليه.
د-ولحديث ابن مسعود. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّى بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ) رواه مسلم.
هـ- ولحديث طارق بن شهاب. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض) رواه أبو داود.
و- ولحديث حفصة. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) رواه أبو داود.
والإجماع، قال ابن قدامة: أجمع المسلمون على وجوب صلاة الجمعة.
وحكى الإجماع أيضاً ابن المنذر.
•
على من يلزم حضور الجمعة؟
على المسلم، البالغ، العاقل، الذكر، الحر. (وسيأتي إن شاء الله تفصيلها في حديث طارق بن شهاب).
•
ما حكم أن يكون الخطيب على منبر؟
مستحب
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أ- ما روي أَنَّ نَفَراً جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِى الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ وَمَنْ عَمِلَهُ وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ - قَالَ - فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ فَحَدِّثْنَا. قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ قَالَ أَبُو حَازِمٍ إِنَّهُ لَيُسَمِّيهَا يَوْمَئِذٍ: انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَاداً أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا، فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهْيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِى أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ «يَا أُيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) متفق عليه.
قال الحافظ: وفيه استحباب اتخاذ المنبر، لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه.
ب- حديث الباب.
قال عنه النووي:
…
فيه استحباب اتخاذ المنبر.
ج- عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْه) رواه البخاري.
د- عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت (وَمَا أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إِلاَّ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاس) متفق عليه.
هـ- عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال (جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ «أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ لَا. فَقَالَ «ارْكَع» متفق عليه.
و- لأن الخطبة على المنبر أبلغ في إعلام الحاضرين الذي يتحقق به مقصود الخطبة.
ز_ أن الإمام إذا كان على منبر شاهده الناس، وإذا شاهدوه كان أبلغ في وعظهم.
441 -
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ اَلْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيّ.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (كُنَّا نَجْمَعُ مَعَهُ إِذَا زَالَتِ اَلشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ، نَتَتَبَّعُ اَلْفَيْءَ).
442 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما قَالَ (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ اَلْجُمُعَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: (فِي عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
===
(ثم ننصرف) إلى بيوتنا.
(ليس للحيطان ظل) هذا نفي للظل الطويل لا أصل الظل [يعني أن الظل قصير].
(نُجمّع): أي نصلي الجمعة.
(نتبع الفيء) هو الظل بعد زوال الشمس.
(نقيل) القيلولة هي استراحة نصف النهار.
•
ما وقت صلاة الجمعة ابتداء وانتهاء؟
اتفق العلماء على أن آخر وقتها كالظهر.
واختلفوا في بداية وقتها على أقوال:
القول الأول: أن وقتها كالظهر [بعد الزوال].
وهذا مذهب الجمهور.
قال النووي: قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وممن بعدهم، لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس.
أ-لحديث أنس بن مالك قال (كان رسول الله يصلي الجمعة حين تميل الشمس) رواه البخاري.
ب-وعن سلمة بن الأكوع قال (كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس).
وكل من الحديثين واضح الدلالة.
ج- وعن عائشة. قالت (كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا للجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) رواه البخاري.
وجه الدلالة: أن المقصود بالرواح في الحديث ما بعد الزوال، ودليل ذلك أنهم كان يصيبهم العرق والغبار ونحوهما، وذلك بعد اشتداد الحر في وقت مجيئهم من العوالي، وذلك لا يكون إلا بعد الزوال.
د- آثار عن الصحابة.
ما روي أن أبا بكر كان يصلي إذا زالت الشمس. ذكره ابن حجر وعزاه لابن أبي شيبة وقال: إسناده قوي.
ما روي أن علي بن أبي طالب كان يصلي الجمعة بعد ما تزول الشمس. أخرجه ابن أبي شيبة وقال ابن حجر: إسناده صحيح.
القول الثاني: يجوز قبل الزوال (من ارتفاع الشمس قيد رمح).
وهذا من مفردات المذهب.
أ-لحديث سهل بن سعد: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة). (الغداء: هو طعام أول النهار).
قال الشوكاني: وجه الاستدلال به أن الغداء والقيلولة محلها قبل الزوال، وفي الحديث أنهم كانوا يصلون الجمعة قبلها.
قال ابن قتيبة: لا يسمى غداء ولا قائلة إلا بعد الزوال.
فكانوا يبدؤون بصلاة الجمعة قبل القيلولة.
ب-وعن جابر قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس، يعني النواضح). رواه مسلم
وجه الدلالة: أن جابراً ذكر أنهم يصلون الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها عند الزوال، فدل على أنهم يصلون قبله.
ج-ولحديث عبد الله بن سيدان قال: (شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر، فكانت صلاته وخطبته على أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره) رواه الدارقطني.
القول الثالث: أنه يبدأ من الساعة السادسة، قبل الزوال بساعة.
وهذه رواية عن أحمد، اختارها ابن قدامة صاحب المغني، واختارها الشيخ ابن عثيمين.
لحديث أبي هريرة: (من راح في الساعة الأولى
…
إلى أن قال: ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة
…
).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فيكون حضور الإمام على مقتضى الحديث الساعة السادسة.
•
بماذا أجاب الجمهور عن أدلة الجواز؟
قال النووي: وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.
فائدة (1): لكن الأفضل أن تفعل بعد الزوال.
قال ابن قدامة: فالأولى أن لا تصلى إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف وبفعلها في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها فيه في أكثر أوقاته و يعجلها في أول وقتها في الشتاء والصيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجلها بدليل الأخبار التي رويناها، ولأن الناس يجتمعون لها في أول وقتها ويبكرون إليها قبل وقتها فلو انتظر الإبراد بها لشق على الحاضرين.
فائدة (2): وقال رحمه الله: وأما في أول النهار فالصحيح أنها لا تجوز لما ذكره أكثر أهل العلم ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار، ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها والله أعلم، ولأنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر المصلين فإن العادة اجتماعهم لها عند الزوال وإنما يأتيها ضحى أحاد من الناس وعدد يسير كما روي عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة فوجد أربعة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد.
فائدة (3): قال الشوكاني: واعلم أن الأحاديث الصحيحة قد اشتمل بعضها على التصريح بإيقاع صلاة الجمعة وقت الزوال كحديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين (قال كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس) وبعضها فيه التصريح بإيقاعها قبل الزوال كما في حديث جابر عند مسلم وغيره (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلي جمالهم فيريحونها حين تزول الشمس) وبعضها محتمل لإيقاع الصلاة قبل الزوال وحاله كما في حديث سهل بن سعد في الصحيحين قال (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) وكما في حديث أنس عند البخاري وغيره قال (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع إلي القائلة فنقيل) ومجموع هذه الأحاديث يدل على أن وقت صلاة الجمعة حال الزوال وقبله ولا موجب لتأويل بعضها.
443 -
وَعَنْ جَابِرٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ اَلشَّامِ، فَانْفَتَلَ اَلنَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(عِيرٌ مِنَ اَلشَّامِ،) بكسر العين، وهي الإبل التي تحمل التجارة طعاماً كان أو غيره.
(فَانْفَتَلَ اَلنَّاسُ) أي انصرفوا، جاء في رواية (فأنزلت هذه الآية: وإذا رأوا تجارة أو لهواً
…
).
وفي رواية لمسلم: (لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر)، وفي رواية للبخاري (فالتفتوا إليها) وفي رواية (فانفض الناس) وهو موافق للفظ القرآن، ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف.
قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب) جاء في رواية عند البخاري (بينما نحن نصلي إذا أقبلت عير) فكيف الجمع؟
يمكن الجمع بأن يُحمل قوله (نصلي) أي: ننتظر الصلاة.
وحمل ابن الجوزي قوله (يخطب قائماً) على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة، قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه.
•
ما العدد الذي تنعقد به الجمعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يشترط حضور اثنا عشر رجلاً.
وهذا مذهب المالكية.
لحديث الباب.
وليس فيه دليل.
قال الشوكاني: فيه أنه يدل على صحتها بهذا المقدار، وأما أنها لا تصح إلا بهم فصاعداً لا بما دونهم، فليس في الحديث ما يدل على ذلك.
القول الثاني: يشترط حضور أربعين رجلاً.
وهذا المشهور من مذهب الحنابلة.
أ-لحديث جابر قال: (مضت السنة في كل أربعين فصاعداً جمعة) رواه الدارقطني والبيهقي. ولا يصح كما سيأتي في تخريجه.
ب-ولما روي عن كعب بن مالك، وكان قائداً لأبيه بعد كف بصره، يقول (سمعت أبي حينما سمع النداء يوم الجمعة يترحم لأسعد بن زرارة، فقلت: لأسلنه عن ذلك، فسألته فقال: إنه أول من جمع بنا، قلت: كم كنتم يومئذٍ، قال: كنا نحو أربعين). رواه أبو داود وابن ماجه
قال الشوكاني: استدل به من قال إن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلاً، وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد في أحد الروايتين عنه، وبه قال عبيد الله بن عيينة، وعمر بن عبد العزيز، ووجه الاستدلال بالحديث: أن الأمة أجمعت على اشتراط العدد، والأصل الظهر، فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثابت بدليل، وقد ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صحيح.
لكن ليس فيه دليل على اشتراط الأربعين، لأنه ثبت كما في حديث الباب، حيث لم يبق معه صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً.
القول الثالث: أنها تنعقد باثنين.
قال الشوكاني: أما من استدل أنه تصح باثنين، فاستدل بأن العدد واجب بالحديث والإجماع، ورأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين، ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وهذا القول هو الراجح عندي.
القول الرابع: أنها تنعقد بثلاثة، إمام ومستمعين.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره الشيخ ابن باز رحمه الله، وهو الراجح.
أ-لقوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله).
وجه الدلالة: أن الخطاب ورد للجمع في قوله (فاسعوا) وأقل الجمع ثلاثة.
ب- ولحديث أبي سعيد. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن الأمر بالإمامة عام في الصلوات كلها الجمعة والجماعة، واستثناء الجمعة من هذا العموم محتاج إلى دليل.
ج- أن الأصل وجوب الجمعة على الجماعة المقيمين، والثلاثة جماعة فتجب عليهم، حيث لا دليل على إسقاطها عنهم أصلاً.
وهذا القول هو الراجح.
• اذكر بعض الفوائد من الحديث؟
- مشروعية خطبة الجمعة. [وستأتي مباحثها]
- مشروعية الخطبة قائماً. [وستأتي مباحثها]
- انفضاض الصحابة وترك الخطبة، لأنهم لم يعلموا بوجوب سماع الخطبة والبقاء في المسجد.
وقد قيل: إن هذا كان يوم كانت الصلاة قبل الخطبة، جاء هذا عند أبي داود في المراسيل. لكن قال الحافظ ابن حجر: وهذا مع شذوذه معضل.
- فضل أبي بكر وعمر.
444 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ اَلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاَلدَّارَقُطْنِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَوَّى أَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه النسائي وابن ماجه من طريق بقية بن الوليد عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
لكن أبو حاتم رجح إرساله.
فقد جاء من طريق سلمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن رسول الله:
…
، وليس فيه ذكر الجمعة، فالحديث لا يصح، وهذا يدل على خطأ بقية في ذكر الجمعة، فالحديث لا يصح، والمحفوظ حديث أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه.
•
ما حكم من أدرك ركعة من صلاة الجمعة؟
الحديث دليل على أنه من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فإنه يكون مدركاً للجمعة، ويكفيه أن يأتي بركعة واحدة.
قال في المغني: أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها يضيف إليها أخرى وتجزيه.
وهذا قول ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وعلقمة بن الأسود، وعروة، والزهري، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
أ- لحديث الباب (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة
…
).
فالحديث صريح في الدلالة على أن من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدركها ومفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يدركها.
ب-ولحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، وهذا عام يشمل الجمعة وغيرها.
ج- قال ابن عمر: إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها أخرى. رواه ابن أبي شيبة.
د- قال ابن مسعود: إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإن فاتك الركوع فصل أربعاً. رواه ابن أبي شيبة.
قال ابن قدامة: ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم.
•
على ماذا يدل مفهوم الحديث؟
مفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة مع الإمام، فإنه لا يكون مدركاً للجمعة، ويصلي الظهر أربعاً.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يعتبر مدركاً للجمعة ويعتبر ظهراً.
وهو قول جمهور العلماء.
لحديث (من أدرك ركعة
…
) فمفهومه أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركاً لها.
وجاء عن ابن عمر أنه قال (إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها أخرى) أخرجه ابن أبي شيبة
قال ابن مسعود (إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى، فإن فاتك الركوع فصل أربعاً). أخرجه ابن أبي شيبة
القول الثاني: أنها تدرك بتكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام.
وعلى هذا القول، فمن جاء والإمام بالتشهد فإنه يصلي ركعتين.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة
…
فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا).
قالوا: إن من أدرك الإمام ساجداً أو جالساً في التشهد، يسمى مدركاً فيتم ما فاته.
والراجح الأول.
فائدة: ينبغي إذا جاء يوم الجمعة والإمام في التشهد، وأراد أن يصلي ظهراً، ينبغي أن ينظر هل زالت الشمس أم لا؟ لأنه كما تقدم يجوز أداء الجمعة قبل الزوال، فمن فاتته الجمعة يصليها ظهراً، والظهر لا تصح إلا بعد الزوال.
•
ماذا يشترط لمن أدرك مع الإمام يوم الجمعة أقل من ركعة لكي يتمها؟
يشترط لمن أدرك مع الإمام يوم الجمعة أقل من ركعة لإتمامها ظهراً، شرطان:
الأول: أن ينوي الظهر.
الثاني: يكون وقت الظهر قد دخل.
445 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمَنْ أَنْبَأَك أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا، فَقَدْ كَذَبَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
===
(فقد كذب) وتمام الحديث (فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت مع أكثر من ألفي صحابي) قال النووي: المراد الصلوات الخمس لا الجمعة.
قال الشوكاني: ولا بد من هذا، لأن الجُمَع التي صلاها صلى الله عليه وسلم من عند افتراض الجمعة إلى عند موته، لا تبلغ ذلك المقدار ولا نصفه.
•
ما حكم أن يكون الخطيب قائماً؟
الحديث دليل على مشروعية أن يكون الخطيب قائماً.
قال ابن المنذر: وهذا الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار.
وقد اختلف في وجوبه على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
وبهذا قال أكثر المالكية.
أ-لحديث الباب، فإنه يدل على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام حال الخطبة.
ب-ولحديث جابر السابق (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير
…
).
قال الحافظ في فتح الباري في معرض استدلاله بهذه الأدلة وتوجيهها: وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعاً في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل إلى الجلوس.
القول الثاني: أن القيام سنة.
وبهذا قال الحنفية، والحنابلة، وبعض المالكية.
أ- أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد اقتادوا في المنبر ممَّ عوده؟ فسألوه، فقال: (إني لأعرف مما هو، الحديث
…
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة - امرأة سماها سهل - مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس
…
). متفق عليه
الشاهد قوله: (أجلس عليهن
…
).
لكن يحتمل أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد، وبين الخطبتين.
ب- ولحديث أبي سعيد الخدري قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله
…
). رواه البخاري
وهذا يجاب عنه أنه في غير خطبة الجمعة.
وهذا القول هو الراجح.
•
ماذا نستفيد من قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب)؟
فيه دليل على أنه لا بد من خطبة الجمعة.
وقد ذهب جماهير العلماء إلى أن الخطبة شرط.
قال في المغني: وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها
…
ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الحسن.
أ-لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه).
وقد اختلف السلف في المراد بذكر الله على قولين:
فمنهم قال: الخطبة. ومنهم قال: الصلاة.
ورجح ابن العربي أنها تشمل الجميع.
فعلى القول بأن المراد الخطبة تدل على وجوبها من وجوه:
أولاً: أنه أمر بالسعي إليها، والأصل في الأمر الوجوب.
ثانياً: أن الله أمر بترك البيع عند النداء لها، أي أن البيع يحرم في ذلك الوقت، فتحريمها للبيع دليل على وجوبها.
وعلى القول بأن المراد الصلاة: فإن الخطبة من الصلاة.
ب-قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً) فالله تعالى ذمهم على الانفضاض وترك الخطبة، والواجب هو الذي يذم تاركه شرعاً.
ج-ولحديث الباب، مع قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وعلى هذا فإن شرطية الخطبة لصحة صلاة الجمعة إنما هي في الجملة وليست بخصوص كل واحد، أي أن صلاة الجمعة من حيث هي يشترط لصحتها الخطبة، فلا تصح بدونها، فإذا وجدت ولم يدركها بعض المصلين، لكنهم أدركوا الصلاة فقط صحت صلاتهم.
•
ماذا نستفيد من قوله: (كان يخطب ثم يجلس ثم يقوم يخطب)؟
نستفيد: أنه لا بد من خطبتين.
وقد اختلف العلماء: هل يشترط خطبتين، أم تكفي خطبة واحدة؟ على قولين:
القول الأول: أنه يشترط خطبتان.
وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية.
أ-لحديث الباب.
ب- ولحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس) متفق عليه.
وجه الدلالة من الحديثين: أن فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب للجمعة خطبتين، وقد قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ج- أن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين من صلاة الظهر، فكل خطبة مكان ركعة، فالإخلال بإحداهما كالإخلال بإحدى الركعتين.
القول الثاني: أنه لا يشترط خطبتان، بل تجزئ خطبة واحدة.
وبهذا قال الحنفية.
لحديث جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين يجلس جلسة) لكن هذا الحديث لا يعرف.
والراجح القول الأول.
•
ما الحكم لو أخرت الخطبة عن الصلاة؟
لا يصح.
فالحديث دليل على أن الخطبة مقدمة على الصلاة، وأنها لو أخرت عن الصلاة فإنها لا تصح.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
•
ماذا نستفيد من قوله (كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ ..
)؟
نستفيد مشروعية الجلوس بين الخطبتين، وقد اختلف العلماء في حكم هذه الجلسة على قولين:
القول الأول: أنه سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
قال في المغني: ويستحب أن يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم.
لحديث الباب، وهو واضح الدلالة.
القول الثاني: أنها واجبة.
وهو قول الشافعي.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلسها وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي).
والراجح القول الأول.
•
كم مقدار هذه الجلسة؟
قيل: بقدر قراءة سورة الإخلاص.
وبه قال الشافعية.
وقيل: بقدر قراءة ثلاث آيات.
وقيل: بقدر الجلسة بين السجدتين.
والراجح أن التقييد ليس عليه دليل، وأنه لا تقدير لها، وأنها جلسة خفيفة للاستراحة والفصل بين الخطبتين.
•
ما الحكمة من الجلوس بين الخطبتين؟
قيل: للفصل بين الخطبتين.
وقيل: للراحة.
ورجح الحافظ ابن حجر القول الأول.
446 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ، احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ اَلْحَدِيثِ كِتَابُ اَللَّهِ، وَخَيْرَ اَلْهَدْيِ هَدْي مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ اَلْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَانَتْ خُطْبَةُ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ: - يَحْمَدُ اَللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ -
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: - مَنْ يَهْدِه اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ -.
وَلِلنَّسَائِيِّ (وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي اَلنَّارِ).
===
(احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ) هذه حالات تعتري الخطيب الناصح المتحمس.
(وَعَلَا صَوْتُهُ) أي: ارتفع.
(وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ) إنما يفعل ذلك، إزالة للغفلة من قلوب الناس، حتى يتمكن فيها الوعظ فضلَ تمكن، ويؤثر فيها حق تأثير.
(حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ) هو الذي يجيء مخبراً للقوم بما دهمهم من عدو. الإنذار: الإخبار مع التخويف.
(وَخَيْرَ اَلْهَدْيِ) ضبط بضم الهاء وفتح الدال (هُدَى) فيكون المعنى: الدلالة والإرشاد، وضبط بفتح الهاء وسكون الدال (هَدْي) فيكون المعنى أحسن الطرق.
(وَشَرَّ اَلْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا) جمع محدثة، والمراد كل ما أحدث في الدين.
(ضلالة) الضلالة ضد الهداية.
•
اذكر بعض ما يسن للخطيب أن يكون عليه في خطبته كما جاء في الحديث؟
قال الشوكاني: فيه أنه يستحب للخطيب أن يضخم أمر الخطبة ويرفع صوته، ويحرك كلامه، ويظهر غاية الغضب والفزع، لأن تلك الأوصاف إنما تكون عند اشتدادهما.
وقال الصنعاني: في الحديث دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته.
•
ما حكم رفع الخطيب صوته بالخطبة زيادة على القدر الواجب؟
ذهب أصحاب الأئمة الأربعة إلى أن رفع الصوت بالخطبة زيادة على القدر الواجب حسب الطاقة سنة من سنن الخطبة.
أ-لحديث الباب.
ب-ولحديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول (أنذركم النار، أنذركم النار، حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه) رواه أحمد.
ج-ولأن رفع الصوت بالخطبة أبلغ في إعلام الناس، فيتحقق المقصود بها.
•
ما حكم قول (أما بعد) في الخطب؟
مستحب.
وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولها.
فقد جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار).
وجاء في حديث آخر (فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فو الله إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي
…
).
وهي أداة شرط بمعنى: مهما يكن من شيء.
ويؤتى بها للانتقال من الخطبة إلى الموضوع.
وقد اختلف العلماء في أول من قالها:
فقيل: داود عليه السلام، رواه الطبراني وفي إسناده ضعف.
وقيل: أول من قالها يعقوب، رواه الدار قطني.
وقيل: أول من قالها يعرب بن قحطان.
وقيل: كعب بن لؤي.
وقيل: قيس بن ساعدة.
قال الحافظ: والأول أشبه.
قال ابن رجب: وقد قيل: أن هذه الكلمة فضل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام، وقد سبق ذكر ذلك في أول الكلام في الكلام على حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (أما بعد؛ فاني ادعوك بدعاية الإسلام).
والمعنى في الفصل بأما بعد: الإشعار بأن الأمور كلها وان جلت وعظمت فهي تابعة لحمد الله والثناء عليهِ، فذاك هوَ المقصود بالإضافة، وجميع المهمات تبع له من أمور الدين والدنيا.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع) وفي روايةٍ: (أجذم).
•
ماذا نستفيد من قوله (يحمد الله)؟
نستفيد: مشروعية حمد الله في الخطبة.
وقد اختلف العلماء في حكم حمد الله في الخطبة على قولين:
القول الأول: أنها ركن، فلا تصح الخطبة بدونها.
وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.
أ-لحديث الباب: (يحمد الله ويثني عليه
…
).
قال النووي: فيه دليل للشافعي أنه يجب حمد الله في الخطبة، وينبغي لفظه، ولا يقوم غيره مقامه.
ب-ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم) رواه أبو داود.
القول الثاني: أنه سنة ليس بواجب.
وبه قال الحنفية، والمالكية، وهو ظاهر كلام ابن تيمية، والشيخ السعدي.
قال شيخ الإسلام: ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفاً، ولا تحصل باختصار يفوت المقصود.
وقال الشيخ السعدي:
…
والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة، أن ذلك كاف وإن لم يلتزم بتلك المذكورات، نعم من كمال الخطبة الثناء على الله وعلى رسوله
…
).
والراجح الأول.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه ينبغي أن يكون مضمون الخطبة: الثناء على الله وحمده، وبيان العقيدة الصحيحة، والتحذير من البدع، والدعوة إلى السنة، وفيها الترغيب والترهيب.
- استحباب سلوك طريق محمد صلى الله عليه وسلم.
- أن كل طريق غير طريق محمد صلى الله عليه وسلم فهو ضلال.
- التحذير من البدعة.
أولاً: البدعة هي: التعبد لله بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون.
ثانياً: كل البدع ضلال من غير تفصيل.
لقوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة). رواه مسلم
فهذا حكم عام، فمن خصصه أو قيده فقد أخطأ، ومما يدل على التحذير من البدع:
قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). متفق عليه
ثالثاً: البدعة تستلزم عدة محاذير:
تستلزم تكذيب قول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم) لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبرها ديناً، فمقتضى ذلك أن الدين لم يكمل.
تستلزم القدح في الشريعة، وأنها ناقصة.
تستلزم القدح في المسلمين الذين لم يأتوا بها.
تستلزم القدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هذه البدعة إما أن يكون الرسول لم يعلم بها وحينئذٍ يكون جاهلاً، وإما أن يكون قد علم بها ولكن كتمها، فيكون كاتماً للرسالة أو بعضها.
447 -
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ اَلرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(إِنَّ طُولَ صَلَاةِ اَلرَّجُلِ) أي: إطالتها.
(وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ) أي: تقصيرها.
(مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ) أي: علامة يتحقق فيها فقهه.
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
لفظ الحديث:
عن أَبي وَائِلٍ قال (خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ. فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً).
(لو تنفست) أي لو أطلت قليلاً، (إن من البيان) من هنا تبعيضية.
•
ما المشروع في خطبة الجمعة؟
عدم إطالتها.
قال في الإنصاف: بلا نزاع.
ومما يدل على ذلك أيضاً:
أ-حديث عبد الله بن أبي أوفى قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة) رواه النسائي.
ب-وعن جابر بن سمرة قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، وإنما هنّ كلمات يسيرات) رواه أبو داود.
•
لماذا كان قصر الخطبة دليل على فقه الرجل؟
قال الصنعاني: وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني، وجوامع الألفاظ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة، ولذلك كان من تمام هذا الحديث: (فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة
…
وأيضاً في إطالة الخطبة إصابة الملل للناس، والملل من أسباب إذهاب الفائدة من الموعظة.
وقال الشوكاني: وإنما كان إقصار الخطبة علامة فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ، فيتمكّن بذلك من التعبير باللفظ المختصر عن المعاني الكثيرة.
وقال: وإنما كانت صلاته صلى الله عليه وسلم وخطبته كذلك لئلا يمل الناس.
•
كيف الجمع بين هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم (فأطيلوا الصلاة)، وفي أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف؟
قال النووي: وليس في الحديث مخالفاً للأحاديث الصحيحة المشهورة، والأمر بتخفيف الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى (وكانت صلاته قصداً) لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المأمومين، وهي حينئذٍ قصد، أي معتدلة، والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها.
•
ما معنى قوله (إن من البيان لسحراً)؟
قيل: هو ذم.
لأنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام إليه.
واستدل من قال هذا بإدخال مالك الحديث في موطئه في: باب ما يكره الكلام بغير ذكر الله، وأنه مذهبه في تأويل الحديث.
وقيل: إنه مدح.
لأن الله تعالى أثنى على عباده وتعليمهم البيان حيث قال (خلق الإنسان. علمه البيان)، وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه، فالبيان يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعوا إليه.
قال القرطبي: وهذا التأويل أولى لهذه الآية وما معناها.
وقال النووي: وهذا الثاني هو الصحيح المختار.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- ينبغي أن يكون الخطيب حكيماً، يعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة.
- فضل قلة الكلام ووضوحه.
- ذم التطويل في الموعظة والإكثار منها، وقد قال ابن مسعود (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا). متفق عليه
- أن من أسباب ضياع الفائدة: تطويل الموعظة وتكلفها.
- فضل الحكمة في التعامل مع الناس ووعظهم.
- أن للمواعظ والتذكير سنن وآداب يحسن بالواعظ معرفتها لكي يستفاد من موعظته.
448 -
وَعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (مَا أَخَذْتُ: "ق وَالْقُرْآنِ اَلْمَجِيدِ"، إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى اَلْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ اَلنَّاسَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(أم هشام بنت حارثة) صحابية جليلة.
(مَا أَخَذْتُ: ق وَالْقُرْآنِ اَلْمَجِيدِ) أي: ما حفظت هذه السورة.
•
ماذا نستفيد من قوله (عَلَى اَلْمِنْبَرِ)؟
استحباب أن يكون الخطيب على منبر.
قال النووي: فيه استحباب اتخاذ المنبر، وهو سنة مجمع عليها.
وقد تقدمت أدلة ذلك في الحديث الأول.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد أنه يستحب للخطيب أن يخطب يوم الجمعة بسورة (ق).
قال النووي: وفيه استحباب قراءة (ق) أو بعضها في كل خطبة.
وقال: فمما حُفِظَ من خطبه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن في سورة (ق).
•
ما الحكمة من اختيار النبي صلى الله عليه وسلم سورة (ق) للقراءة بها كل جمعة؟
والحكمة من ذلك والله أعلم: لأن سورة (ق) مشتملة على البعث بعد الموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة فاستحب قراءتها في الخطبة.
•
هل نستفيد من قولها (يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى اَلْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ اَلنَّاسَ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على ذلك؟
هذا محمول على الغالب، لأنه ورد ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلازم سور معينة أو آية مخصوصة كما في حديث جابر بن سمرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخطبة يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس).
•
ما حكم قراءة شيء من القرآن الكريم في الخطبة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه شرط.
وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.
أ-لحديث جابر بن سمرة قال: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس) رواه مسلم.
قال النووي: فيه دليل للشافعي في أنه يشترط للخطبة الوعظ والقرآن.
ب-ولحديث الباب.
قال النووي: فيه دليل للقراءة في الخطبة.
ج-ولحديث صفوان بن يعلى عن أبيه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: ونادوا يا مالك) رواه مسلم.
قال النووي: فيه القراءة في الخطبة.
القول الثاني: أنها سنة.
وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، ورجحه السعدي.
لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه
…
).
فالله أمر بالذكر مطلقاً من غير تقييد بالقراءة.
قالوا: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الاستحباب.
والقول الأول أحوط.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تكرار المواعظ.
- أن أعظم واعظ هو القرآن (قد جاءتكم موعظة من ربكم
…
).
449 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ اَلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ يُفَسِّرُ.
450 -
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي "اَلصَّحِيحَيْنِ" مَرْفُوعًا (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ وَالْإِمَامِ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْت).
===
•
ما صحة حديث ابن عباس؟
الحديث فيه ضعف، لأن فيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، فقد ضعفه الجمهور.
قال الحافظ: وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن بن عمر موقوفاً.
(إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِك) لفظ النسائي (من قال لصاحبه .. ) والمراد بالصاحب هو الذي يخاطبه إذ ذاك أو جليسه، وإنما ذكر الصاحب لكونه الغالب.
(أَنْصِتْ) أي: اسكت، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن خزيمة: المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله، وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقاً، ومن فرق احتاج إلى دليل.
فائدة: الإنصات: الاصغاء إلى كلام المتكلم، والاستماع: تقصد إدراك الصوت.
(وَالْإِمَامِ يَخْطُبُ) أي: حال الإمام يخطب.
(فَقَدْ لَغَوْتَ) أي وقعت في اللغو، قال ابن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام.
•
ما حكم الكلام أثناء الخطبة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة - كلام الحاضر للخطبة إذا كان يسمعها - على قولين:
القول الأول: يحرم الكلام ويجب الإنصات.
وهذا مذهب الجمهور، من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وبه قال ابن حزم.
أ-لحديث الباب.
قال النووي: ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه، لأنه إذا قال: أنصت، وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لغواً، فغيره من باب أولى.
ب-ولحديث ابن عباس حديث الباب، فإنه يدل على وجوب الإنصات.
وجه الدلالة من وجهين:
الأول: أنه شبه المتكلم بالحمار، ومعلوم أن ذلك صفة ذم ونقص لا يوصف بها تارك الندب.
الثاني: نفي أن يكون له جمعة، وقد علمنا أنها جمعة، فلما استعار له لفظ نفي الإجزاء وعدم الصحة، دلّ على تأكيد منعه وشدة تحريمه.
القول الثاني: لا يحرم الكلام، ولكن يستحب الإنصات.
وهذا مذهب الشافعي.
واستدلوا بحديث الأعرابي الذي قام وكلم النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يستقي لهم.
قالوا: أن الأعرابي تكلم أثناء الخطبة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو حرم عليه لأنكره.
والراجح القول الأول.
•
ما وجه الشبه بين الحمار الذي يحمل أسفاراً، وبين المتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة؟
شبه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للإسفار بجامع عدم الانتفاع.
•
ما حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها لبعد أو غيره؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يحرم عليه الكلام.
وهو مذهب المالكية، ومذهب الحنابلة، وبه قال ابن حزم.
واستدلوا بعموم ما تقدم من الأدلة السابقة التي تدل على تحريم الكلام أثناء الخطبة، فقالوا هي عامة تشمل من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها.
القول الثاني: يجوز له الكلام.
وبه قال الحنفية، وهو مذهب الشافعية.
واستدلوا بما استدلوا به في الأمر السابق على جواز الكلام في الخطبة للسامع، فقالوا: إذا كان يجوز مع السماع فمع عدمه من باب أولى.
والراجح الأول، لقوة ما استدلوا به، وخاصة عموم الأدلة، ولأنه يؤدي إلى التشويش، وقد يجر إلى كلام مكروه أو يحرم في المسجد.
•
ما حكم رد السلام وتشميت العاطس أثناء الخطبة؟
حرام، وهذا القول هو الصحيح.
لحديث الباب (إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت).
معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الأمر بالمعروف أثناء الخطبة لغواً مع أنه أمر مطلوب شرعاً، وفيه فائدة متعدية للآخرين وهي منع التشويش عليهم، فكذلك ردّ السلام وتشميت العاطس، بل هو أولى.
•
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الخطيب في خطبته؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز سراً.
وهذا مذهب الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية.
أ-لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سراً لا تشغل عن سماع الخطبة، ففي فعله إحرازاً للفضيلتين: الصلاة والاستماع.
ب- ولأن الخطيب إذا قال (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
…
) فهو يبلغ الحاضرين أمراً، فيجب امتثاله.
القول الثاني: لا تجوز الصلاة عليه.
وبه قال الحنفية.
والراجح الأول.
•
ماذا نستفيد من قوله (
…
والإمام يخطب
…
)؟
نستفيد أن التحريم حال الخطبة فقط، أما ما قبل الخطبة وما بعدها وما بين الخطبتين جائز.
أ-لما رواه ثعلبة بن مالك القرضي: (أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذن المؤذن، قال ثعلبة: جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منّا أحد).
قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.
قال في الغني: وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم.
ب-ولأن النهي عن الكلام إنما هو لأجل الإنصات واستماع الخطبة، فيقتصر على حالة الخطبة.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (
…
فلا جمعة له)؟
قال الشوكاني: قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة، للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.
وقال ابن حزم: معناه بطلت وعليه إعادتها في الوقت، لأنه لم يصلها.
والصحيح الأول ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو. قال: قال صلى الله عليه وسلم ( .. ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) رواه أبوداود.
•
ماذا نستفيد من قوله (
…
والإمام يخطب يوم الجمعة)؟
نستفيد أنه لا يجب الإنصات لغير خطبة الجمعة، كالعيد والاستسقاء عند بعض العلماء.
451 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ. فَقَالَ: "صَلَّيْتَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(وَعَنْ جَابِرٍ) بن عبد الله الأنصاري.
(دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ) جاء في رواية مسلم تسميته (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي .. ).
(فَقَالَ: صَلَّيْتَ؟) وفي رواية (أصليت يا فلان) وفي أخرى (أركعت ركعتين؟).
(قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) جاء في رواية مسلم (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز بهما).
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على مشروعية صلاة ركعتين لمن دخل المسجد والإمام يخطب.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ذلك مشروع.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد.
قال النووي: هذه الأحاديث صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين، أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب، له أن يصلي ركعتين تحية المسجد.
لحديث الباب، فهو نص.
القول الثاني: لا يشرع له ذلك.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك.
أ-لحديث عبد الله بن بسر (أن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: اجلس فقد آذيت) رواه أبو داود.
ب-وللأمر بالإنصات للإمام.
والراجح القول الأول.
•
ماذا أجاب هؤلاء عن حديث الباب، وأمره صلى الله عليه وسلم لسليك أن يقوم ويأتي بركعتين؟
أجابوا بأجوبة:
الأول: أنه كان عرياناً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه.
قال النووي: وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين) وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه.
الثاني: أن هذا خاص به، ويدل عليه أنه جاء في آخر الحديث:(لا تعودنّ لمثل هذا) عند ابن حبان.
قال الحافظ: وكله مردود، لأن الأصل عدم الخصوصية.
•
بماذا أجاب أصحاب القول الأول عن حديث عبد الله بن بسر: (اجلس فقد آذيت)؟
أجابوا بأجوبة:
الأول: يحتمل أنه ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها.
الثاني: ويحتمل أن يكون قوله له (اجلس) أي بشرطه، وقد عرف قوله للداخل (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فمعنى قوله:(اجلس) أي لا تتخطَ.
الثالث: أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة.
الرابع: ويحتمل أنه صلى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة.
•
ما المستحب في هاتين الركعتين؟
المستحب تخفيفهما، لقوله صلى الله عليه وسلم (
…
وليتجوز فيهما).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز الكلام أثناء الخطبة، للخطيب وغيره.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى المصالح، في كل حال وموطن.
- أن أقل التطوع ركعتان.
- أن تحية المسجد ركعتان.
452 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ) رَوَاهُ مُسْلم.
453 -
وَلَهُ: عَنِ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (كَانَ يَقْرَأُ فِي اَلْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ: بِـ "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى"، وَ: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ اَلْغَاشِيَة).
===
•
ماذا نستفيد من هذين الحديثين؟
نستفيد من حديث ابن عباس: استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة.
ومن حديث النعمان: استحباب قراءة سورة الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة.
•
ما الحكمة من قراءة هذه السور؟
أما سورة الجمعة:
قال النووي: اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها، وغير ذلك مما فيها من القواعد والحث على التوكل والذكر وغير ذلك.
وأما سورة المنافقين:
قال النووي:
…
وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما فيها من القواعد، لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها. (شرح مسلم).
وأما سورة الأعلى:
فلما فيها من تقرير التوحيد وتعظيم الرب وتنزيهه وإثبات كمال قدرته.
وأما سورة الغاشية:
فلما فيها من ذكر يوم القيامة وأحوال أهلها من السعداء والأشقياء، وفيها الحث على التفكر في مخلوقات الله.
•
على ماذا يدل قوله (كان يقرأ الجمعة والمنافقين) وقوله (كان يقرأ سبح والغاشية)؟
دليل على أن (كان) لا يراد بها الدوام وإلا لتعارض الحديثان، وإنما المراد أن أكثر قراءته في هذه السور الأربع، تارة هاتين السورتين، وتارة السورتين الأخريين.
454 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ (صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اَلْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: "مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا اَلتِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث في إسناده إياس بن أبي رملة، وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب.
لكن وثقه ابن حبان، وصحح هذا الحديث ابن المديني، وله شواهد يتقوى بها:
منها: ما رواه أبو داود عن أبي هريرة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون) وفي إسناده ضعف.
ومنها: ما جاء عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: (اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير، فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر). رواه أبو داود، وفي رواية:(لما ذكر ذلك لابن عباس قال: أصاب السنة).
فالحديث صحيح لغيره.
وقول الحافظ هنا: صححه ابن خزيمة، فيه وهم، إذ أن ابن خزيمة لم يصحح الحديث، وإنما علق صحته بعدالة ابن أبي رملة، فقال: إن صح الخبر، فإني لا أعرف إياس بن أبي رملة بعدالة ولا جرح.
•
ما الحكم إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، وقد صلى الإنسان العيد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه تجب الجمعة على من شهد العيد.
قال في المغني: وهذا قول أكثر الفقهاء.
قال: لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها، ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر والعيد.
القول الثاني: تسقط عن أهل البر، مثل أهل العوالي.
لأن عثمان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد. [قاله ابن تيمية]
القول الثالث: أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهدها، ومن لم يشهد العيد.
قال ابن تيمية: وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ولا يعرف في الصحابة في ذلك خلاف.
أ-لحديث الباب.
ب-قال في المغني: ولأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة، وقد حصل سماعها في العيد.
قال الشيخ ابن عثيمين: الصحيح أن من يدرك العيد مع الإمام فإنه يرخص له في الجمعة إن شاء حضر وإن شاء لم يحضر، ولكن إذا لم يحضر يجب أن يصلي ظهراً؛ لأنه إذا سقطت الجمعة فلها بدل وهو الظهر، وهذا بالنسبة للمأمومين، أما الإمام فيلزمه أن يقيم الجمعة، ولا تجزئ صلاة العيد عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم العيد والجمعة إذا كانا في يوم واحد.
• ما الحكم فيمن صلى العيد وأراد أن لا يحضر الجمعة؟
يجب عليه في هذه الحال أن يصليها ظهراً.
وهناك قول شاذ لعطاء، وهو أن من حضر العيد لا يصلي لا جمعة ولا ظهراً.
قال الشوكاني: في شرح فعل ابن الزبير (
…
لم يزد عليهما حتى صلى العصر) ظاهره أنه لم يصل الظهر، وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر وإليه ذهب عطاء، .... وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل ولا دليل يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم.
لكن الصحيح - كما سبق - أن من صلى العيد وأراد أن لا يحضر الجمعة، فإنه تجب عليه الظهر.
- أنه لا تقام صلاة الظهر في المساجد لمن أراد أن لا يحضر الجمعة بسبب حضوره العيد.
455 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ) وفي رواية لمسلم (من كان منكم مصلياً
…
).
•
اذكر الخلاف في السنة البعدية للجمعة؟
اختلف العلماء في سنة الجمعة البعدية على أقوال:
القول الأول: أن السنة بعد الجمعة ركعتان يركعهما المصلي في بيته.
لحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) متفق عليه.
القول الثاني: أن أقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرهما أربع ركعات سواء في المسجد أو البيت.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد، ورجحه الشوكاني.
قال الشوكاني: والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأمة أمراً مختصاً بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة، وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت، واقتصاره على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع.
أ-لحديث الباب (
…
فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا).
ب-ولحديث ابن عمر السابق (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته).
وجه الاستدلال من الدليلين: أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الأربع لفضلها، وفعل الركعتين في أوقات لبيان أنها الأقل.
القول الثالث: أن أقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات.
وهذا قول الحنابلة.
وجه الاستدلال من الحديثين: أنه صلى بعد الجمعة ركعتين، وأمر بأربع ركعات بعدها، وبالجمع بين فعله وأمره تكون أكثر سنة الجمعة البعدية ست ركعات.
القول الرابع: إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين.
وهذا اختيار ابن تيمية كما نقله عنه تلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم: وعلى هذا تدل الأحاديث، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر (أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً وإذا صلى في بيته صلى ركعتين.
قال الألباني: وهذا التفصيل لا أعرف له أصلاً في السنة.
القول الخامس: الأفضل أربع ركعات، لأمرين:
الأول: لأنه أكثر عملاً.
الثاني: ولأن الأربع تعلق به الأمر (فليصل بعدها أربعاً).
والراجح أنه أحياناً أربع، وأحياناً ركعتين والأكثر الأربع.
•
أين تصلى سنة الجمعة البعدية؟
تفعل في البيت.
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه.
• ماذا نستفيد من قوله (من كان منكم مصلياً
…
)؟
قال النووي: نبه بذلك على أنها سنة وليست واجبة.
•
هل الأربع ركعات التي بعد الجمعة تكون متصلة بتسليم في آخرها، أم يفصل بين كل ركعتين بتسليم؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: تكون متصلة.
وإليه ذهب أهل الرأي، وإسحاق بن راهوية، ورجحه الشوكاني.
لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فليصل بعدها أربعاً).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى) فتكون صلاة النهار أربعاً أربعاً.
القول الثاني: تكون منفصلة بتسليم.
وهذا مذهب الشافعي والجمهور.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وسبق تخريج قوله: (والنهار).
وقد سبقت المسألة وأن الراجح مذهب الجمهور.
وقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين) رواه أبو داود.
456 -
وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ، حَتَّى تُكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ) الحديث فيه قصة: عن السائب بن يزيد قال: صَلَّيْتُ مَعَ معاوية الْجُمُعَةَ فِى الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قُمْتُ فِى مَقَامِى فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَىَّ فَقَالَ لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُج).
(أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ) أي: صلاة الفرض بالنفل.
(حَتَّى نَتَكَلَّمَ) إما بالأذكار الشرعية، أو بمخاطبة من بجانبه.
أَوْ تَخْرُجَ) أي: تنتقل من محل الجمعة إلى محل آخر من المسجد.
•
ما معنى قوله (أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُج) ما معنى الخروج هنا؟
أي: ننتقل من محل الجمعة إلى محل آخر من المسجد.
ويؤيد هذا قوله (حتى تكلم) لأن التكليم يكون في المسجد.
ويحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد، فيكون المراد أداء سنة الجمعة في البيت.
ويؤيد هذا عموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل مشروعية الفصل بين صلاة الجمعة ونافلتها، إما بكلام أو تحول، وهذا الحكم ليس خاصاً بالجمعة، بل في جميع الصلوات، والأفضل الخروج إلى البيت، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: بعض المصلين يغيرون أماكنهم ويتبادلونها لأداء صلاة السنة، فهل لهذا أصل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: نعم، لهذا أصل، حيث ثبت من حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج) فهذا يدل على أن الأفضل أن نميز صلاة الفريضة عن صلاة النافلة، وذلك بالانتقال من المكان أو بالتحدث مع الجار، حتى يكون هناك فاصل بين الفرض وسنته، وقد قال بذلك أهل العلم بأنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته بالكلام، أو الانتقال من موضعه.
•
ما الحكمة من هذا الأمر؟
أولاً: الحكمة من ذلك: هو تمييز الفريضة عن النافلة.
فعن نافع أن ابن عمر رأى رجلاً يصلي ركعتين في مقامه، فدفعه وقال:(أتصلي الجمعة أربعاً؟).
قال ابن تيمية: وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، وأيضاً فإن كثيراً من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلموا وما سلموا، فيصلون ظهراً، ويظن الظان أنهم يصلون السنة، فإذا فعل التمييز بين الفرض والنفل كان هذا منع لهذه البدعة.
ولهذا نظائر في الشريعة:
- كالنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
- والنهي عن صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين.
ثانياً: تكثير موضع العبادة.
وذكر هذه العلة الشوكاني، ونسبها للبخاري والبغوي، لبعض العمومات القرآنية:
كقوله تعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِين).
وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).
وقد ورد أحاديث في ذلك لكنها لا تصح.
قال العلماء: أكمل التحول أن يصلي الإنسان النوافل في بيته.
•
ما حكم وصل النافلة بالنافلة؟
وصل النافلة بالنافلة فلا بأس، وهذا الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وغيره.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يشرع الفصل حتى بين النوافل من أجل تكثير مواضع العبادة.
•
ما حكم تطوع الإمام في موضع المكتوبة بعد صلاته؟
يكره تطوُّع الإِمام في موضع المكتوبة، أي: في المكان الذي صلَّى فيه المكتوبةَ.
ودليل ذلك ما يلي:
أولًا: ما رُوِيَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (لا يُصَلِّ الإِمامُ في مُقَامِهِ الذي صَلَّى فيه المكتوبةَ، حتى يَتَنَحَّى عنه) ولكنه ضعيف لانقطاعه.
ثانياً: ربما إذا تطوَّعَ في موضع المكتوبة يَظنُّ مَنْ شاهدَه أنَّه تذكَّرَ نقصاً في صلاته؛ فيلبس على المأمومين. فلهذا يُقال له: لا تتطوّع في موضع المكتوبة، ولا سيَّما إذا باشر الفريضة، بمعنى أنَّه تطوَّع عقب الفريضة فوراً .... (الشرح الممتع).
•
ماذا نستفيد من فعل معاوية واستدلاله بالحديث؟
نستفيد أن الأفضل للإنسان إذا ذكر حكماً أن يذكر دليله، وفي ذلك عدة فوائد:
أولاً: أن في ذلك طمأنينة للسائل.
ثانياً: ربط الناس بالكتاب والسنة.
ثالثاً: لئلا يتهم المفتي أن هذا الكلام من اجتهاده.
رابعاً: ولأن ذلك أوقع بالنفس.
خامساً: وليكون مع السائل حجة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تعليم الصحابة بعضهم لبعض.
- الأمر بالمعروف.
- فضل معاوية.
- الاستدلال بالحديث العام على المسألة الخاصة.
- أن للشارع نظراً للتفريق بين الفرض والنافلة.
457 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ، حَتَّى يَفْرُغَ اَلْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ: غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ اَلْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(مَنِ اغْتَسَلَ) أي: كغسل الجنابة، كما في حديث أبي هريرة. قال صلى الله عليه وسلم (من اغتسل كغسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى .... ).
(ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ) أي: الموضع الذي تقام فيه صلاة الجمعة.
(فَصَلَّى) أي: من مطلق النوافل.
(ثُمَّ أَنْصَتَ) أي: سكت مستمعاً.
(غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ اَلْأُخْرَى) أي: الماضية لا المستقبلة، لما روى النسائي من حديث سلمان مرفوعاً (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة
…
إلا كان كفارةً لما قبله من الجمعة) وفي رواية ابن خزيمة (غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها).
(وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أي: من الأيام التي تأتي بعد يوم الجمعة.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث فيه فضل من فضائل الجمعة، وهو غفران الذنوب بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام.
وهذا الأجر مرتب على هذه الأعمال أن يقوم بها، وهي:
الاغتسال، وأن يصلي ما استطاع، والإنصات، ثم الصلاة مع الإمام.
وقد جاء في حديث آخر عند البخاري بلفظ (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).
(ويتطهر ما استطاع من طهر) قال الحافظ: يؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء تكفي في حصول الغسل، أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة، أو المراد بالغسل غسل الجسد، وبالتطهير غسل الرأس.
(ويدهن) المراد به إزالة شعث الشعر به.
ففي هذا الحديث زيادة: أن يتطيب، وأن يتطهر، ولا يفرق بين اثنين.
فعلى المسلم الاجتهاد في تطبيق هذه الأمور قبل الذهاب لصلاة الجمعة للحصول على هذا الأجر.
•
في حديث سلمان عند البخاري ( .. إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) فاقتصر فيه على غفران ذنوب أيام الأسبوع فقط، فكيف التوفيق بين هذا وبين حديث الباب؟
يجاب بأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً أن الغفران لأيام الأسبوع، ثم تفضل الله بزيادة ثلاثة أيام فأخبر به.
•
ماذا نستفيد من قوله (من اغتسل)؟
نستفيد مشروعية الغسل يوم الجمعة، وقد سبقت مباحثه، وأن الجمهور على استحبابه.
وذهب بعض العلماء إلى وجوبه.
•
ماذا نستفيد من قوله (من اغتسل ثم أتى الجمعة
…
)؟
نستفيد: أن الغسل للصلاة لا لليوم.
ونستفيد أن الأفضل يكون الغسل عند الذهاب للجمعة.
•
ماذا نستفيد من قوله (فصلى ما قدر له)؟
استدل به من قال إنه لا يوجد وقت نهي قبل الزوال في يوم الجمعة.
وقد سبقت هذه المسألة، وهي: هل يوجد وقت نهي وقت الزوال يوم الجمعة على أقوال:
القول الأول: لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال.
وهذا مذهب الشافعي، واختاره ابن تيمية، وابن القيم.
لقوله في الحديث: (ثم يصلي ما كتب له
…
).
قال ابن القيم: فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام.
ولحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة). وهو ضعيف
القول الثاني: أنه وقت نهي.
وهذا مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد.
لعموم حديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن ونقبر فيهن موتانا
…
وذكر منها: وحين يقوم قائم الظهيرة).
وهذا الحديث عام في الجمعة وغيرها.
وهذا القول هو الصحيح.
• ما المراد بالذنوب في قوله (غفر له .. )؟
جماهير العلماء أن المراد بالذنوب الصغائر.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
فإذا كانت الصلاة لا تكفر إلا الصغائر، فغيرها من باب أولى.
أما كبائر الذنوب فلا تكفرها إلا التوبة.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب الإنصات للخطيب.
- أن كلام الخطيب وخروجه يمنع الصلاة.
- أن الإنصات الواجب هو وقت الخطبة.
- أنه ليس للجمعة سنة قبلية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عدد السنن الرواتب ولم يذكر لها سنة قبلية.
- قوله في حديث البخاري: (أو يمس من طيب بيته) يؤخذ منه أن من السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيباً، ويجعل استعماله له عادة، فيدخره في البيت.
- وقوله (فلا يفرق بين اثنين) فيه تحريم تخطي الرقاب.
458 -
وَعَنْهُ; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ (فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اَللَّهَ عز وجل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ)
459 -
وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ اَلْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى اَلصَّلَاةُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَجَّحَ اَلدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بُرْدَةَ.
460 -
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه.
461 -
وَجَابِرِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيّ (أَنَّهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ اَلْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ اَلشَّمْسِ).
وَقَدْ اِخْتُلَفَ فِيهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا، أَمْلَيْتُهَا فِي "شَرْحِ اَلْبُخَارِيِّ.
===
(فِيهِ سَاعَةٌ) المراد بالساعة: قطعة من الزمن، فليس المراد الساعة المشهورة والمتداولة بين الناس.
(لَا يُوَافِقُهَا) أي: لا يصادفها.
(وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) قيل المعنى، يصلي: أي يدعو، ومعنى قائم: ملازم ومواظب.
(يَسْأَلُ اَللَّهَ عز وجل شَيْئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم.
(يُقَلِّلُهَا) التقليل خلاف التكثير، فهو يشير إلى أن وقتها قليل، قال الزين ابن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها، والحض عليها، ليسار وقتها، وغزارة فضلها.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي هريرة في الصحيحين.
وحديث أبي بردة: (هي ما بين أن يجلس
…
) وهو في صحيح مسلم، لكنه أعل بعلتين:
الأولى: بالانقطاع، فإن مخرمة بن بكيْر رواه عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج وهو لم يسمع منه، قاله أحمد ويحي بن معين وأبو داود.
الثانية: الوقف، قال العراقي: إن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعاً، وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه.
فقد رواه موقوفاً عنه: أبو إسحاق الشعبي، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة وغيرهم.
وحديث عبد الله بن سلام فهو حديث صحيح، ولفظه: قال قُلْتُ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا، إِلاَّ قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ.
قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ، قَالَ: بَلَى، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ، لَا يَحْبِسُهُ إِلاَّ الصَّلَاةُ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ.
وأما حديث جابر فقد رواه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر، ولفظه:(يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة من العصر).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على أن من فضائل يوم الجمعة أن فيه ساعة يستجيب الله فيها الدعاء.
•
اذكر الخلاف في تعيين هذه الساعة؟
اختلف العلماء في تعيين هذه الساعة على أقوال:
القول الأول: أنها رفعت.
قال ابن القيم: وأما قول من قال إنها رفعت، فهو نظير قول من قال: إن ليلة القدر رفعت، وهذا القائل إن أراد أنها كانت معلومة، فرفع علمها عن الأمة، فيقال له: لم يُرفع علمها عن كل الأمة وإن رفع عن بعضهم، وإن أراد أن حقيقتها وكونها ساعة إجابة رفعت، فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة، فلا يعول عليه.
القول الثاني: أنها موجودة في جمعة واحدة من السنة.
روي عن كعب ومالك.
القول الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم، كما أخفيت ليلة القدر.
وقد مال إلى هذا جمع من العلماء، منهم: الرافعي، وصاحب المغني.
القول الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة، ولا تلزم ساعة معينة.
وجزم به ابن عساكر، ورجحه الغزالي، والمحب الطبري.
القول الخامس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
روى ذلك ابن عساكر عن أبي هريرة.
القول السادس: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة.
لحديث أبي بردة (حديث الباب).
القول السادس: أنها بعد العصر.
وهذا قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلق، واستدلوا:
بحديث جابر (حديث الباب).
وبحديث عبد الله بن سلام، وهو حديث صحيح.
وهذا القول هو الصحيح.
قال الشوكاني: والقول بأنها آخر ساعة من اليوم هو أرجح الأقوال، وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة.
قال ابن القيم: وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر.
الأول: أنها من جلوس الإِمام إلى انقضاء الصلاة.
وحجة هذا القول ما روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي بُردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعتَ أباك يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئاً؟ قال: نعم سمعتُه يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إلى أن تُقْضَى الصَّلَاة).
وروى ابن ماجه، والترمذي، من حديث عمرو بن عوف المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ في الجمُعة سَاعةً لا يسألُ اللهَ العبد فيها شيئاً إلاَّ آتاه اللهُ إيَاه" قالوا: يا رسول الله! أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قال: "حِينَ تُقام الصَّلاة إلى الانصراف منها.
والقول الثاني: أنها بعد العصر.
وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإِمام أحمد، وخلق. وحجة هذا القول ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنَ في الجمعة ساعةً لا يُوافِقها عَبْدٌ مسلم يَسأَلُ الله فيهَا خَيْراً إِلاَّ أعْطاه إيَّاهُ وهِيَ بَعْدَ العَصرِ).
وروى أبو داود والنسائي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يوم الجمعةِ اثنَا عَشَرَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا شَيْئاً إلاَّ أعطَاه، فالتَمِسُوها آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصر).
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا ولم يختلِفوا أنها آخرُ ساعة من يوم الجمعة).
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن سلام، قال: قلت ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالِس: إنَّا لَنَجِدُ في كِتَابِ الله (يعني التوراة) في يَومِ الجمُعَة سَاعَة لا يُوافِقُها عَبدٌ مُؤمِنٌ يُصلي يسألُ اللهَ عز وجل شَيْئاً إِلاِّ قَضَى الله لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبدُ اللهِ: فأشارَ إلي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو بَعْضَ سَاعَةٍ. قلت: صدقتَ يا رسُولَ الله، أو بَعضَ سَاعة. قلت: أَيُّ ساعةٍ هي؟ قال: هي آخرُ ساعةٍ من سَاعات النَّهار". قلت: إنها ليست ساعةَ صلاة، قال: بلى إن العبدَ المؤمنَ إذا صلَّى، ثم جَلَسَ لا يجلِسُه إلاً الصلَاة، فهو في صَلاة.
462 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا جُمُعَةً) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيف.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، بل ضعيف جداً، لأن في إسناده عبد العزيز بن عبد الرحمن الفرس.
قال أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال الدارقطني: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال البيهقي: هذا الحديث لا يحتج بمثله. (التلخيص).
•
على ماذا يدل حديث الباب؟
الحديث استدل به من يقول إنه يشترط لصلاة الجمعة حضور أربعين، ومن أدلتهم:
ما رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: أَرْبَعُون).
(هَزْمِ النَّبِيتِ) الهزم: المطمئن من الأرض.
والجواب عنه:
أولاً: هذا الحديث يعتبر قصة عين، أن هذا العدد حصل صدفة لا قصداً.
ثانياً: أنه معارض بما تقدم من حديث جابر في قصة الصحابة لما قدمت العير نفروا ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً.
ومما يدل على ضعف اشتراط الأربعين: أنه لو كانت لا تصح إلا بأربعين رجلاً لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً، لأن هذا الأمر مما تعم به البلوى، والناس بحاجة إلى بيانه.
463 -
وَعَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كُلَّ جُمُعَةٍ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ لَيِّن.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف جداً ولا يصح، فهو مسلسل بالضعفاء والمجاهيل، ففي إسناده خالد بن يوسف وهو ضعيف، وأبو يوسف ابن خالد تركوه وكذبه ابن معين، وجعفر بن سليمان ليس بالقوي، وحبيب بن سليمان مجهول.
•
ما حكم الدعاء للمسلمين في خطبة الجمعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه واجب.
قالوا: إن الدعاء للمسلمين في خطبة الجمعة قد نقله الخلف عن السلف، فيكون واجباً.
القول الثاني: أنه سنة.
وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة.
أ- لحديث الباب. وهو ضعيف.
ب- ولحديث عُمارة بن رُوَيبة (أنه رأى بشر بن مروان على المنبر، رافعاً يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة). رواه مسلم، وفي رواية لأحمد: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا، ورفع السبابة وحدها.
ج- أن الدعاء للمسلمين مسنون في غير خطبة الجمعة، ففيها أولى.
وهذا القول هو الصحيح .... (خطبة الجمعة وأحكامها).
•
ما حكم الدعاء لولي الأمر بعينه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
فقيل: مستحب.
وبه قال بعض المالكية، وبعض الحنابلة.
قال في المغني: وإن دعا لسلطان المسلمين فحسن.
لأن إمام المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاء لهم.
وقيل: جائز.
وبه قال بعض الشافعية، واختاره النووي.
وقيل: غير مشروع، بل بعضهم قال ببدعته.
وبه قال بعض المالكية، وبعض الشافعية.
464 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي اَلْخُطْبَةِ يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَيُذَكِّرُ اَلنَّاسَ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِم.
===
•
اذكر لفظ الحديث عند أبي داود كاملاً؟
عن جابر بن سمرة قال (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً، وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس). وسنده حسن
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على مشروعية قراءة آيات من القرآن في خطبة الجمعة. [وقد سبق الخلاف والراجح أنه سنة].
•
ما رأيك بما يفعله بعض الخطباء في أنه يقرأ في صلاة الجمعة آيات تناسب موضوع الخطبة؟
هذا خطأ لأمور:
أولاً: لأن هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد سوراً معينة للقراءة بها في صلاة الجمعة.
ثالثاً: أنه يلزم من ذلك ترك المسنون.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- الحديث دليل على أنه ينبغي قصد الخطيب وعظ الناس وتذكيرهم وتعليمهم.
465 -
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ، وَاِمْرَأَةٌ، وَصَبِيٌّ، وَمَرِيضٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ طَارِقٌ مِنَ اَلنَّبِي.
وَأَخْرَجَهُ اَلْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ طَارِقٍ اَلْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي مُوسَى.
466 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ) رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيف.
===
ما صحة أحاديث الباب؟
طارق بن زياد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، ويعتبر بذلك مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة مقبولة عند جماهير العلماء، والحديث رواه أبو داود.
وأما رواية الحاكم فهي ضعيفة، لأن أبا داود رواه بدون ذكر أبي موسى، ولهذا البيهقي لما ساق هذا الحديث من رواية طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا هو المحفوظ.
وأما حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر ....
وهذا الإسناد ضعيف، لوجود عبد الله بن نافع، فهو منكر الحديث، وقال النسائي:"متروك".
وقد خالف الثقات، فقد نص البيهقي أن الصحيح أنه موقوف على ابن عمر.
•
ما حكم صلاة الجمعة؟
فرض عين، وقد تقدمت أدلة ذلك في الحديث الأول.
•
على من تلزم الجمعة؟
أولاً: المسلم، فلا تجب على الكافر بالإجماع، ولا تصح منه، ولا تقبل منه.
لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه).
ولا يلزمه قضاؤها إذا أسلم.
أ-لقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف).
ب-ولحديث (الإسلام يهدم ما قبله).
ج-ولأن في قضائها مشقة عظيمة.
ثانياً: المكلف (بالغ، عاقل)، فغير البالغ وغير العاقل لا تلزمه.
أ-لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ
…
). رواه أبو داود
ب-ولأنهما ليسا أهلاً للتكليف.
قال ابن قدامة:
…
و أما البلوغ فهو شرط أيضاً لوجوب الجمعة و انعقادها في الصحيح من المذهب، و قول أكثر أهل العلم، لأنه من شرائط التكليف، بدليل قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ.
ثالثاً: الذكر، فالمرأة لا تجب عليها الجمعة.
أ-لحديث طارق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجمعة حق واجب إلا على أربعة: مجنون، أو امرأة، أو صبي، أو مريض). رواه أبو داود
ب-وقال صلى الله عليه وسلم (وبيوتهن خير لهن). رواه أبو داود
ج-ولأن المرأة ليست من أهل الاجتماع.
قال ابن قدامة: والذكورية شرط لوجوب الجمعة و انعقادها، لأن الجمعة يجتمع لها الرجال، والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال، ولكنها تصح منها لصحة الجماعة منها، فإن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعة.
وقال النووي:
…
نقل ابن المنذر وغيره الإجماع أن المرأة لا جمعة عليها
…
و نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنها لو حضرت وصلت الجمعة جاز، و قد ثبتت الأحاديث الصحيحة المستفيضة أن النساء كن يصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده خلف الرجال، و لأن اختلاط النساء بالرجال إذا لم يكن خلوة ليس بحرام.
رابعاً: حر، فلا تجب على العبد.
وقد اختلف العلماء، هل تجب الجمعة على العبد أم لا؟
القول الأول: لا تجب.
وهذا مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة: ولنا:
أ-ما روى طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض).
ب-ولأن الجمعة يجب السعي إليها من مكان بعيد، فلم تجب عليه، كالحج والجهاد.
ج-ولأنه مملوك المنفعة، محبوس على السيد، أشبه المحبوس بالدَّين.
د-ولأنها لو وجبت عليه لجاز له المضي إليها من غير إذن سيده، ولم يكن لسيده منعه منها كسائر الفرائض، و الآية مخصوصة بذوي الأعذار، وهذا منهم .... (المغني).
القول الثاني: تجب مطلقاً.
وهو قول داود الظاهري.
واختاره السعدي، لأن النصوص عامة في دخولهم، و لا دليل يدل على إخراج العبيد، وضعف حديث طارق بن شهاب وقال: ضعيف الإسناد. وذهب إلى العمل بعموم حديث حفصة عن النسائي مرفوعاً (رواح الجمعة واجب على كل محتلم).
قال: وهو عام في الحر و المملوك، والأصل: أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع العبادات البدنية التي لا تعلق لها بالمال.
القول الثالث: تجب إذا أذن سيده.
قال الشيخ ابن عثيمين: هذا قول وسط بين القولين.
خامساً: مستوطن ببناء، فلا تجب على مسافر.
قال ابن قدامة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر جمعاً بينهما ولم يصلِّ جمعة، والخلفاء الراشدون كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصلِّ أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
•
ما حكم من حضر من هؤلاء الجمعة؟
من حضر من هؤلاء الجمعة أجزأتهم.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عليهن، لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن، فإذا تحملوا المشقة ووصلوا، أجزأهم كالمريض.
قال الموفق: يعني تجزئهم الجمعة عن الظهر، ولا نعلم في هذا خلافاً.
467 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
468 -
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ اِبْنِ خُزَيْمَة.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه الترمذي وهو ضعيف لا يصح، في إسناده محمد بن الفضل بن عطية، كذبه ابن معين وغيره.
•
ما حكم استقبال الناس للخطيب أثناء الخطبة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ذلك سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
قال في المغني: قال ابن المنذر: هذا بالإجماع.
أ-لحديث الباب، وسبق أنه ضعيف.
ب-ولحديث أبي سعيد قال: (إن رسول الله جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله
…
).
ج-ولأن في ذلك تسميع للخطيب، ولتظهر فائدة الوعظ، ولأنه من الأدب.
د-ولأن الخطيب يعظ الناس، ولهذا استقبلهم بوجهه وترك استقبال القبلة، فيسن لهم أن يستقبلوه بوجوههم، لتظهر فائدة الوعظ.
هـ- ولأن الإسماع والاستماع للخطبة كليهما واجب، وهذا وإن كان يحصل مع عدم الاستقبال إلا أنه لا يتكامل إلا به، فيسن.
القول الثاني: أنه واجب.
وهذا قول للمالكية.
والراجح الأول.
•
ما حكم التفات الخطيب في الخطبة؟
لا يشرع، بل المستحب أن يقصد تلقاء وجهه.
وبهذا قال الشافعية، والحنابلة.
أ-لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ب-ولأنه إذا قصد وجهه عم الحاضرين سماعه، وإذا التفت يميناً قصر عن سماع يسرته، وإذا التفت شمالاً قصر عن سماع يمنته.
قال ابن قدامة: وَمِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْخَطِيبُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي سَمَاعِ النَّاسِ، وَأَعْدَلُ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُ لَوْ الْتَفَتَ إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ لَأَعْرَضَ عَنْ الْجَانِبِ الْآخَر.
ج-ولان الخطيب مقصود وليس بقاصد.
469 -
وَعَنِ اَلْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ رضي الله عنه قَالَ (شَهِدْنَا الْجُمُعَةَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
رواه أبو داود وإسناده حسن.
قال النووي: حديث حسن رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة.
وقال ابن حجر: وإسناده حسن.
•
ما حكم اعتماد الخطيب على عصا أو قوس حال الخطبة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه سنة.
وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة.
أ-لحديث الباب.
ب-وأحاديث أخرى لا تصح.
ج-ولأن اعتماد الخطيب على القوس أو العصا أو نحوهما أعون له، وأمكن لروعه، وأهدأ لجوارحه.
القول الثاني: أنه يكره.
وهذا مذهب الحنفية.
وليس لهم دليل.
والراجح أنه إذا احتاج إلى ذلك لكبر أو مرض فلا باس وإلا فلا يسن.
فكثير من الصحابة نقلوا صفة الجمعة وصفة الخطبة ولم يذكروا أنه كان يعتمد على عصا أو قوس، فهذا يدل والله أعلم أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا لم يكن على صفة الدوام.
وابن القيم يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ القوس أو العصا قبل أن يبنى له المنبر، وأما بعد أن بنيَ له المنبر فلم يحفظ عنه أنه كان يعتمد على شيء.
•
ما حكم اعتماد الخطيب على السيف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يشرع.
وبه قال ابن القيم.
لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
القول الثاني: يشرع ذلك.
وبهذا قال المالكية، والشافعية، والحنابلة.
قالوا: إن الاعتماد على السيف فيه إشارة إلى أن هذا الدين فتح به وقام به.
القول الثالث: يسن الاعتماد على السيف في البلاد التي فتحت عنوة دون البلاد التي فتحت صلحاً.
وبهذا قال الحنفية.
قالوا: إن الخطيب إذا اعتمد على السيف في هذه البلاد فإنه يُري أهلها أنها فتحت بالسيف، وأنهم إذا رجعوا عن الإسلام فذلك باقٍ بأيدي المسلمين.
قال ابن القيم: وكان إذا قام يخطب، أخذ عصاً، فتوكَّأ عليها وهو على المنبر، كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب، وكان الخلفاءُ الثلاثةُ بعده يفعلون ذلك، وكان أحياناً يتوكأْ على قوس، ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثيرٌ من الجهلة يظن أنه كان يُمْسِكُ السيفَ على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظَ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي، وأمّا السيف، فَلِمَحْقِ أهل الضلال والشرك، ومدينةُ النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فُتِحَت بالقُرآن، ولم تُفتح بالسيف.
بابُ صَلَاةِ اَلْخَوْفِ
صلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة.
قال ابن قدامة: صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ).
أما السنة: فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف.
قال بعض العلماء: إن صلاة الخوف خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبو يوسف والمزني، لقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) حيث وجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب جمهور العلماء: إلى أن حكمها باق بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قدامة: جمهور الفقهاء متفقون على أن حكمها باقٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أن ما ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل على اختصاصه، ولا يكفي تخصيصه بالخطاب لتخصيصه بالحكم، إذ أن أحكاماً كثيرة خص فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب، والحكم عام له ولأمته، كما في قوله تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)، وكما ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم صلوها بعد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكيفية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها عليها.
وقال القرطبي في قوله (وإذا كنت فيهم
…
) وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، وهذا قول كافة العلماء. (التفسير).
وقال القرطبي في المفهم: وذهب أبو يوسف إلى أنه لا تغيير في الصلاة لأجل الخوف اليوم، وإنما كان التغيير المروي في ذلك، والذي دل عليه القرآن، خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، مستدلاًّ بخصوصية خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)، قال: فإذا لم يكن فيهم لم تكن صلاة الخوف. وهذا لا حجة فيه لثلاثة أوجه:
أحدها: أنا قد أمرنا باتباعه، والتأسِّي به، فيلزم اتباعه مطلقًا؛ حتى يدلّ دليل واضح على الخصوص، ولا يصلح ما ذكره دليلاً على ذلك، ولو كان مثل ذلك دليلاً على الخصوصية؛ للزم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذ يلزم أن تكون الشريعة قاصرةً على من خوطب بها. لكن قد تقرر بدليل إجماعي؛ أن حُكْمَه على الواحد حُكمه على الجماعة.
وثانيها: أنه قد قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وثالثها: أن الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ اطَّرحوا توهُّم الخصوص في هذه الصلاة، وعَدَّوهُ إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، فلا يُلتفت إلى قول من ادعى الخصوصية.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما الحكمة من صلاة الخوف؟
أولاً: تخفيف الله على عباده ورحمته بهم.
ثانياً: تحصيل مصلحة الصلاة في وقتها.
ثالثاً: أخذ الحذر والحيطة من العدو.
•
متى شرعت صلاة الخوف؟
جمهور العلماء إن أول ما صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع.
واختلفوا متى كانت:
فقال كثير من أهل السير وابن عبد البر وغيرهما: إنها كانت بعد بني النضير والخندق في جمادى الأولى سنة أربع.
وقال البخاري: بعد خيبر في السنة السابعة، ورجحه الإمام ابن القيم والحافظ.
•
النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الخوف في غزوة الخندق؟
فقيل: نسياناً، وقيل: لتعذر الطهارة، وقيل: لأنه كان مشغولاً بالقتال.
والصحيح أنه أخّرها عمداً، لأنه كانت قبل نزول صلاة الخوف، وإلى ذهب الجمهور، كما قال ابن رشد، وبه جزم ابن القيم، والحافظ ابن حجر.
•
ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة.؟؟؟ لو وضع سؤال
قال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجهاً.
وقال بعض العلماء:
…
أصحها ستة عشر رواية مختلفة.
وقال ابن القيم: وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف صِفاتّ أُخَرُ، ترجع كلها إلى هذه وهذه أُصولُها، وربما اختلف بعض ألفاظِها، وقد ذكرها بعضُهم عشرَ صفات، وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمسَ عشرة صفة، والصحيح: ما ذكرناه أولاً، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة، جعلوا ذلك وجوهاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من اختلاف الرواة. والله أعلم.
قال الحافظ: وهذا هو المعتمد.
قال ابن تيمية: فقهاء الحديث كأحمد وغيره متبعون لعامة الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا الباب، فيُجَوّزون في صلاة الخوف جميع الأنواع المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- يشترط في إقامة صلاة الخوف أن يكون القتال مباحاً.
- صلاة الخوف جائزة في الحضر كما هي جائزة في السفر إذا احتيج إلى ذلك بنزول العدو قريباً من البلد، وخوف هجوم العدو على المسلمين.
وهذا المذهب وبه قال الأوزاعي، والشافعي.
وحكي عن مالك أنها لا تجوز في الحضر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها في الحضر.
قال ابن قدامة: ولنا قول الله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية وهذا عام في كل حال وترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلها في الحضر إنما كان لغناه عن فعلها في الحضر، وقولهم إنما دلت الآية على ركعتين قلنا وقد يكون في الحضر ركعتان الصبح والجمعة والمغرب ثلاث ويجوز فعلها في الخوف في السفر ولأنها حالة خوف فجازت فيها صلاة الخوف كالسفر.
470 -
عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، - عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ اَلرِّقَاعِ صَلَاةَ اَلْخَوْفِ (أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ اَلْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ اِنْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ اَلْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ اَلطَّائِفَةُ اَلْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ اَلرَّكْعَةَ اَلَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَوَقَعَ فِي "اَلْمَعْرِفَةِ" لِابْنِ مَنْدَهْ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ.
471 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَزَوْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا اَلْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى اَلْعَدُوِّ، وَرَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ اَلطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا، فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْن) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ اَلْبُخَارِيِّ.
===
(عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) بفتح الخاء وتشديد الواو، أي ابن جبير بن النعمان الأنصاري، تابعي ثقة، ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد [قاله الحافظ].
(خوات) صحابي جليل أول مشاهده أحد.
وقد اختلف في صحابي هذا الحديث، فقد ورد عند البخاري ومسلم من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة
…
الحديث.
وأخرج ابن منده في (معرفة الصحابة) عن صالح بن خوات عن أبيه، فيكون خوات والد صالح هو المبهم، واختار هذا الحافظ كما هنا، ووجه ذلك: أن سهل بن أبي حثمة كان صغيراً، فقد جزم الطبري، وابن حبان، وابن السكن، وغير واحد بأن سنّه وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين.
(يَوْمَ ذَاتِ اَلرِّقَاعِ) أي غزوة ذات الرقاع، سميت بذلك لأن الصحابة رقت أقدامهم وتأثرت من المشي، فجعلوا يلفون عليها الخرق كالترفع لها، وقد ورد هذا صريحاً في صحيح مسلم عن أبي موسى، وقيل: لأنهم رقّعوا فيها راياتهم، وقيل: بشجرة في ذلك الموضع، يقال لها: ذات الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض.
ورجح السهيلي والنووي السبب الذي أبو موسى، ثم قال النووي: ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع.
واختلف متى كانت: قيل: في سنة 7 هـ بعد خيبر، ورجحه البخاري، وقيل: بعد بني النضر، وقيل: بعد الخندق، قال ابن القيم: هذا هو المشهور عند أهل السير.
(وِجَاهَ اَلْعَدُوِّ) بكسر الواو، أي مقابل.
(فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ) لما قام صلى الله عليه وسلم إلى الركعة الثانية.
(ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا) أي: أتمت هذه الطائفة التي صلت معه الركعة الأولى.
(لِأَنْفُسِهِمْ) بإضافة الركعة الثانية.
(ثُمَّ) بعد سلامهم من صلاتهم.
(اِنْصَرَفُوا) إلى العدو.
(قِبَل نجد) أي جهة نجد [نجد اليمان].
(فوازينا العدو) أي قابلناهم.
•
اذكر صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة؟
في هذا الحديثين صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
الصفة الأولى: (حديث صالح بن خوات عن أبيه).
أن يقسم الإمام الجند طائفتين، طائفة تصلي معه، وأخرى تحرس المسلمين عن هجوم العدو، فيصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الركعة الثانية أتموا لأنفسهم (والإمام قائم) ثم يذهبون ويقفون أمام العدو، وتأتي الطائفة التي كانت تحرس وتدخل مع الإمام في الركعة الثانية، فيصلي بهم الركعة التي بقيت له، ثم يجلس للتشهد قبل أن يسلم الإمام تقوم الطائفة الثانية وتكمل الركعة التي بقيت لها وتدرك الإمام في التشهد فيسلم بهم.
أ- في هذا الحديث العدو في غير جهة القبلة، وهي أقرب الصفات، وهذا الحديث اختاره الإمام أحمد رحمه الله:
أولاً: لأنه أشبه بكتاب الله، (هي الموافقة لظاهر القرآن).
ثانياً: وأحوط بجند الله.
ثالثاً: وأسلم للصلاة من الأفعال، وهذه صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع.
قال القرطبي: وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور.
ب-من شرط تطبيق هذه الصفة: أن تكون الطائفة التي في وِجَاه العدو قادرة على حفظ الطائفة التي تصلي
ج-خالفت هذه الصفة الصلاة من أوجه:
أولاً: انفراد الطائفة الأولى عن الإمام قبل سلامه، لكنه لعذر.
ثانياً: الطائفة الثانية قضت ما فاتها قبل سلام الإمام.
ثالثاً: أن الركعة الثانية كانت أطول من الأولى.
قال بعض العلماء: ولو فعل هذه الصفة والعدو اتجاه القبلة لجاز، ولكن الصحيح أنها لا تجوز، ولذلك لأن الناس يرتكبون فيها ما لا يجوز بلا ضرورة.
د-في هذه الصفة: حصل للطائفة الثانية التسليم مع النبي صلى الله عليه وسلم كما حصل للطائفة الأولى فضيلة التحريم معه.
الصفة الثانية: (حديث ابن عمر).
وهي قريبة من الصفة السابقة، لكن تختلف عنها أن الطائفة إذا صلت مع الإمام ركعة، لا تكمل صلاتها، وإنما يصلي ركعة ثم ترجع إلى مكانها في الحراسة وهي في صلاة، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي مع الإمام الركعة الثانية من صلاة الإمام ويسلم بهم وتتم صلاة الصلاة هذه الفرقة مع الإمام، ثم ترجع الطائفة الأولى وتصلي الركعة الباقية لها.
فقوله في حديث ابن عمر (ثم انصرفوا) لم يكملوا الركعة الثانية، بل انصرفوا وهم في صلاة.
أ- قوله (فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) قال في الفتح: ظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه (ثم سلم، فقام هؤلاء - أي الطائفة الثانية - فقضوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا).
- رجح ابن عبد البر هذه الصفة على غيرها لقوة الإسناد، ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه.
قال القرطبي: وبه أخذ الأوزاعي وأشهب وحُكي عن الشافعي.
472 -
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اَلْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اَلْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ اَلرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ اِنْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ اَلَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ اَلصَّفُّ اَلْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ اَلْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى اَلسُّجُودَ، قَامَ اَلصَّفُّ اَلَّذِي يَلِيهِ
…
) فَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ اَلصَّفُّ اَلْأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ اَلصَّفُّ اَلثَّانِي، ثُمَّ تَأَخَّرَ اَلصَّفُّ اَلْأَوَّلِ وَتَقَدَّمَ اَلصَّفُّ اَلثَّانِي
…
) فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَفِي آخِرِهِ (ثُمَّ سَلَّمَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
473 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مِثْلُهُ، وَزَادَ (أَنَّهَا كَانَتْ بِعُسْفَانَ).
===
(شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اَلْخَوْفِ) وفي رواية لمسلم تعيين العدو الذين حاربوهم، قال (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من جهينة، فقاتلونا قتالاً شديداً).
(فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ) أي: جعلنا خلفه صفين، وفي رواية مسلم الأخرى (فلما حضرت العصر قال: صفّنا صفّين، والمشركون بيننا وبين القبلة).
(فَكَبَّرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أي: للدخول في الصلاة.
(وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا) أي: كبّر الصفات كلاهما معه صلى الله عليه وسلم.
(ثُمَّ اِنْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ اَلَّذِي يَلِيهِ) أي: وانحدر الصف الذي يقرب منه صلى الله عليه وسلم.
(وَقَامَ) أي: بقي قائماً.
(اَلصَّفُّ اَلْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ اَلْعَدُوِّ) أي: في مقابلتهم
•
اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعاً ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِى نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ الَّذِى كَانَ مُؤَخَّراً فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِى نُحُورِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً. قَالَ جَابِرٌ كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِم).
•
اذكر لفظ رواية أبي داود كاملة؟
رواية أبي داود إسنادها صحيح، ولفظها: عن ابن عباس الزرفي قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
).
ومراد المؤلف من ذكرها بيان أين كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حينما صلى بهذه الصفة، وأن ذلك بعسفان.
•
اذكر صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة؟
في هذا الحديث صفة من صفات صلاة الخوف، وهي إذا كان العدو في جهة القبلة، وصفتها:
أن يصف القائد الجيش صفين فيصلي بهم جميعاً يكبر ويركع ويرفع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف الأول وبقي الصف الثاني واقفاً يحرس، فإذا قام الإمام والصف الأول من السجود سجد الصف الثاني، فإذا قاموا من السجود تقدموا في مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول إلى مكانهم فيركع الإمام بهم جميعاً ويرفع بهم ثم يسجد هو والصف الذي يليه، فإذا جلسوا للتشهد سجد الصف المتأخر ثم سلم بهم جميعاً.
أ-هذه الصفة تفعل إذا كان العدو في جهة القبلة.
ب-يشترط للصلاة على هذا الوجه أن لا يخافوا كميناً يأتي من خلف المسلمين، وأن لا يخفى بعض الكفار على المسلمين فإن خافوا كميناً، أو خفي بعضهم عن المسلمين صلى على غير هذا الوجه كما لو كانوا في غير جهة القبلة.
ج-إن حرس كل صف مكانه من غير تقدم أو تأخر فلا بأس، لحصول المقصود.
د-لا يجوز أن يحرص صف واحد في الركعتين، لأنه ظلم له بتأخيره عن السجود والركعتين، وعدول عن العدل بين الطائفتين.
هـ-قال النووي: وبهذا الحديث قال الشافعي وبن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان العدو في جهة القبلة ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر ويجوز بقاؤهما على حالهما كما هو ظاهر حديث بن عباس.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب صلاة الجماعة.
- أهمية صلاة الجماعة.
- وجوب صلاة الجماعة حضراً وسفراً، في حال الأمن والخوف.
- وجوب اتخاذ الحذر من الأعداء بكل وسيلة.
- جواز الحركة الكثيرة لمصلحة الصلاة.
474 -
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ أَيْضًا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ).
475 -
وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
===
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد صفة أخرى من صفات صلاة الخوف؟
وهي أن يصلي الإمام بطائفة ركعتين، ثم تأتي الطائفة الثانية ويصلي بهم ركعتين.
- هذا الحديث رواه النسائي وأصله في مسلم من دون ذكر التسليم (ثم سلم).
ولفظه في مسلم:
عَنْ جابر (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ).
حديث أبي بكرة عند أبي داود وإسناده صحيح، وهو مثل حديث جابر.
ولفظه عند أبي داود:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ (صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) قال النووي: إسناده صحيح.
هذه إحدى صفات صلاة الخوف التي وردت، وهذه هي الصفة الرابعة التي ذكرها الحافظ ابن حجر.
أ-في هذه الصفة يكون النبي صلى الله عليه وسلم متنفلاً في الثانية.
ب-في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين بالطائفة الأولى سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية.
وأما رواية مسلم فلم يرد للسلام بعد الركعتين الأوليين ذكر، فظن بعض الفقهاء - ومنهم ابن قدامة - أن هذه صفة خامسة.
لكن الصحيح أن رواية مسلم المراد صلى بالطائفة الأولى ركعتين، ثم سلم كما جاء في رواية النسائي ورواية أبي داود.
ج-استدل بحديث الباب من قال بجواز صلاة المفترض خلف المتنفل. (وقد سبقت المسألة وأن الراجح الجواز).
قال النووي: واستدل به الشافعي وأصحابه على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل.
476 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ اَلْخَوْفِ بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
477 -
وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
478 -
وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلَاةُ اَلْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث حذيفة رواه أبو داود عن ثعلبة بن زهدم قال (كنا مع سعيد بن العاص بطَبَرِسْتان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا). وإسناده صحيح
وأما حديث ابن عباس فلفظه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قَرَد، فصف الناس خلفه صفين، صفاً خلفه، وصف موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا ركعة) رواه النسائي ورجاله ثقات
- وأما حديث ابن عمر فحديث ضعيف، في إسناده محمد بن عبد الرحمن البَيْلماني، وهو منكر الحديث.
- لم يذكر المؤلف حديث هو أصرح وأصح من هذه الأحاديث في الباب، وهو حديث ابن عباس قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة) رواه مسلم.
في هذه الأحاديث صفة أخرى من صفات صلاة الخوف، وهي الاقتصار على ركعة واحدة لكل طائفة.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الخوف.
قال الحافظ: وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف يقول الثوري وإسحاق ومن تبعهما، وقال به أبو هريرة، وأبو موسى الأشعري، وغير واحد من التابعين.
قال النووي في شرح حديث (وفي الخوف ركعة) هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن، والضحاك واسحق بن راهويه.
القول الثاني: لا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الخوف.
وهذا مذهب الجمهور.
وأجابوا عن أحاديث الباب:
بأن المراد بها ركعة واحدة مع الإمام، وليس فيها نفي الثانية.
قال النووي: وقال الشافعي ومالك والجمهور أن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات، وإن كانت في السفر وجب ركعتان، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام، وركعة أخرى يأتي بها منفرداً، وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة. (شرح مسلم).
وقال في المجموع: والجواب عن حديث ابن عباس: أن معناه أن المأموم يصلي مع الإمام ركعة ويصلي الركعة الأخرى وحده وبهذا الجواب أجاب البيهقي وأصحابنا في كتب المذهب وهو متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة.
قال الشوكاني:
ويرد ذلك قوله في حديث ابن عباس (ولم يقضوا ركعة).
وكذا قوله في حديث حذيفة (ولم يقضوا).
وكذا قوله في حديث ابن عباس الثاني: (وفي الخوف ركعة).
479 -
وَعَنْهُ مَرْفُوعًا (لَيْسَ فِي صَلَاةِ اَلْخَوْفِ سَهْوٌ) أَخْرَجَهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف كما قال المصنف، فيه عبد الحميد بن السري وهو ضعيف عند أهل الحديث.
• هل في صلاة الخوف سجود السهو؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه ليس لها سجود سهو.
قالوا: لأن المعنى يدل على ذلك، فإن الشرع سهل فيها في ترك أشياء كثيرة، والاكتفاء بركعة، والتأخر عن السجود مع الإمام.
القول الثاني: أنه فيها سجود سهو.
لعموم الأدلة.
وحديث الباب ضعيف لا تقوم به حجة.
بَابُ صَلَاةِ اَلْعِيدَيْنِ
العيد: اسم لما يعود ويتكرر.
قال النووي: وسمى عيداً لعوده وتكرره.
وقيل لعود السرور فيه.
وقيل تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة.
- جعل الله تعالى للمؤمنين ثلاثة أيام عيداً: الجمعة والفطر والأضحى.
480 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ اَلنَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي اَلنَّاسُ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رواه الترمذي وفي إسناده يحي بن اليمان متكلم فيه، لكن رواه الحديث من طريق ابن المنكدر عن عائشة.
ورواه الترمذي من طريق الأخنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وبهذا يتقوى.
•
ما معنى الحديث؟
قيل: إن الفطر حكماً عند الله يعتبر بإفطار الناس وتضحيتهم حتى لو حصل خطأ.
ولذلك لو أخطأ الناس في الوقوف بعرفة صح حجهم لهذا الحديث.
قال الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شيء عليهم من وزر أو عيب وكذلك في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة ليس عليهم إعادة.
وقيل: إن الفطر لازم للإنسان إذا أفطر الناس، والأضحى لازم للإنسان إذا ضحى الناس.
قال الترمذي: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظيم الناس.
وعلى هذا: لو رأى هلال رمضان ورد قوله والناس لم يصوموا، فإنه لا يصوم، بل يكون مع الناس.
•
ما حكم من رأى هلال رمضان وردت شهادته، أو رأى هلال رمضان لوحده؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة ذكرها شيخ الإسلام:
أحدها: أن عليه أن يصوم، وهذا مذهب الشافعي.
الثاني: يصوم ولا يفطر مع الناس.
وهذا المشهور من مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة.
الثالث: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس.
وهذا أظهر الأقوال.
ثم ذكر حديث الباب، وقال: وفسر بعض العلماء هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس.
ثم قال رحمه الله: إن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر، والهلال اسم لما يستهل به: أي يعلم به ويجهر، فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالاً، وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة، لظنهم أنه إذا طلع في السماء كات تلك الليلة أول الشهر، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا، وليس كذلك، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه. (مجموع الفتاى).
استدل من قال بوجوب الصوم:
بقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا).
واستدل من قال بوجوب صومه لكن سراً:
نفس الأدلة الماضية، لكن سراً حتى لا يخالف الجماعة.
•
ما حكم من يقف بعرفة قبل اليوم التاسع احتياطاً؟
بدعة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- يسر الشريعة الإسلامية
- حرص الشريعة الإسلامية على اجتماع المسلمين.
481 -
وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ اَلصَّحَابَةِ، (أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ -وَهَذَا لَفْظُهُ- وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
===
(أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا) جاء عند ابن ماجه (فجاء ركب من آخر النهار).
(فَأَمَرَهُمْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْطِرُوا) هذا اليوم، لأنه تبين أنه يوم عيد، وصوم يوم العيد حرام.
(وَإِذَا أَصْبَحُوا) أي: من الغد.
(يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ) يعني مصلى العيد.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث كما قال الحافظ صحيح
قال النووي في المجموع: إسناده صحيح.
وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن.
وقال الخطابي: حديث أبي عميْر صحيح.
وصححه ابن المنذر، وابن السكن، وابن حزم.
•
ما الحكم إذا لم يتبين العيد إلا بعد الزوال؟
حديث الباب دليل على أن صلاة العيد تصلى من الغد إن لم يتبين العيد إلا بعد الزوال.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، فإنهم يصلون العيد من الغد.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
فهو قول الأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر، وهو مذهب الحنابلة، والشافعية، وصوبه الخطابي.
لحديث الباب.
القول الثاني: أنها لا تقضى.
وحكي هذا عن مالك وداود.
والراجح القول الأول.
قال الخطابي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب.
•
في الحديث قضاء صلاة العيد، لكن ما كيفية قضاء صلاة العيد؟
قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنها تقضى على هيئتها وصفتها.
القول الثاني: أنها تصلى أربعاً بسلام واحد.
والقول الأول أصح، لأن القضاء يحكي الأداء، فتصلى صلاة العيد على هيئتها وصفتها.
•
اذكر أقسام الصلوات من حيث كيفية قضائها؟
الصلوات تنقسم في قضائها إلى أقسام:
الأول: ما يقضى على صفته إذا فات وقته من حين زوال العذر الشرعي.
مثل الصلوات الخمس إذا فاتت، فإنك تقضيها بعد زوال العذر، فإن كان العذر نوماً فتقضيها إذا استيقظت، وإن كان نسياناً قضيتها إذا ذكرت.
الثاني: ما لا يقضى إذا فات كالجمعة.
فإن خرج وقتها قبل أن يصليها الناس لم يقضوها وصلوا ظهراً، وإن فاتت الإنسان مع الجماعة فهو لا يقضيها أيضاً، وإنما يصلي بدلها ظهراً، وكذلك الوتر إذا فات الإنسان فإنه يصليه شفعاً.
الثالث: ما لا يقضى إذا فات وقته إلا في وقته من اليوم الثاني، وهو صلاة العيد، فإنها لا تقضى في يومها، وإنما تقضى في وقتها من الغد.
الرابع: ما لا يقضى أصلاً كصلاة الكسوف، فلو لم يعلموا إلا بعد انجلاء الكسوف لم يقضوا، وهكذا نقول: كل صلاة ذات سبب إذا فات سببها لا تقضى، ومثل ذلك سنة الوضوء. (الشرح الممتع).
•
أين تقام صلاة العيد؟
المشروع والأفضل أن تكون صلاة العيد في المصلى (في الصحراء).
ويؤيد ذلك الأحاديث الكثيرة الدالة على ذلك:
أ-كحديث أبي سعيد الخدري قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى
…
) متفق عليه.
ب-وحديث ابن عمر قال (كان صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى في يوم العيد، والعَنَزة تحمل بين يديه) متفق عليه
قال ابن قدامة: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر، ولأن هذا إجماع المسلمين، فإن الناس في كل عصر ومصر يخرجون إلى المصلى، فيصلون العيد في المصلى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المصلى مع شرف مسجده.
وقال النووي: هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار.
وقال الحافظ ابن حجر: واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده.
•
هل يستثنى شيء من ذلك؟
نعم، يستثنى مكة، فصلاة العيد تكون بالحرم، وهذا مذهب جماهير العلماء.
•
ما العلة في ذلك؟
أ- الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم، فلم ينقل أن أحداً من السلف صلى العيد في مكة إلا في المسجد الحرام.
ب-أن المسجد الحرام خير البقاع وأطهرها، والصلاة فيه مضاعفة.
ج-أن مكة - شرفها الله - ضيقة الأطراف لكونها بين الجبال، ولا يوجد مكان واسع قريباً من المساكن أقرب من المسجد الحرام.
د-أن في الصلاة في المسجد الحرام مشاهدة الكعبة، وهي عبادة مفقودة في غيره. (أحكام الحرم المكي).
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه إذا غم هلال شوال فإنه يجب إكمال الشهر، لأ النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل صائما حتى أخبر.
- استدل بالحديث من قال بوجوب صلاة العيد.
482 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ -وَوَصَلَهَا أَحْمَدُ-: وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا.
483 -
وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ اَلْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
===
(لَا يَغْدُو) أي: لا يخرج.
(يوم الفطر) أي عيد الفطر.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على استحباب أن يأكل الإنسان يوم عيد الفطر قبل خروجه لصلاة العيد تمرات وتراً.
ولحديث بريدة قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي).
(يطعم: بفتح الياء، والعين، أي يأكل).
ولمالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب (أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل قبل الغدوِّ يوم الفطر).
•
ماذا نستفيد من قوله (لَا يَغْدُو يَوْمَ اَلْفِطْرِ)؟
نستفيد: أن هذا الحكم خاص في عيد الفطر دون عيد الأضحى.
•
ما الحكمة من ذلك؟
لأن يوم الفطر يوم حرم فيه الصيام عقيب وجوبه، فاستحب تعجيل الفطر لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة.
•
ما الحكمة في جعلهن وتراً؟
الإشارة إلى الوحدانية، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم في جميع أموره تبركاً بذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين: (كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهنّ وتراً) لكن الواحدة لا تحصل بها السنة؛ لأن لفظ الحديث (حتى يأكل تمرات) وعلى هذا فلا بد من ثلاث فأكثر: ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، المهم أن يأكل تمرات يقطعها على وتر، وكل إنسان ورغبته فليس مقيداً فله أن يشبع، وإن أكل سبعاً فحسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تصبّح بسبع تمرات من تمرات العالية ـ وفي لفظ: من العجوة ـ فإنه لا يصيبه ذلك اليوم سم ولا سحر).
•
ما الحكمة من جعلها سبعاً؟
استناداً لحديث (من تصبح بسبع تمرات لم يصبه سم ولا سحر).
•
هل يسن قطع جميع الأعمال - كالأكل والشرب - على وتر؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ليس بواجب بل ولا سنة أن يفطر الإنسان على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع إلا يوم العيد عيد الفطر فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً، وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصد أن يكون أكله التمر وتراً.
وقال رحمه الله وأما قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله وتر يحب الوتر، فالمراد فيما شرعه سبحانه).
وليس المراد بالحديث أن كل وتر، فإنه محبوب إلى الله عز وجل، وإلا لقلنا احسب خطواتك من بيتك إلى المسجد لتقطعها على وتر، احسب التمر الذي تأكله على وتر، احسب الشاي الذي تشربه لتقطعه على وتر، وكل شيء احسبه على وتر، فهذا لا أعلم أنه مشروع.
484 -
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ (أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ اَلْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ; يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ اَلْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ اَلْحُيَّضُ اَلْمُصَلَّى) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) نُسيْبة بنت كعب.
(أُمِرْنَا) وفي رواية (أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أَنْ نُخْرِجَ اَلْعَوَاتِقَ) جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، وفي رواية (وذوات الخدور) أي: النساء صواحبات الخدور، و (الخدور) جمع خِدر ستر يُتخذ في البيت تقعد الأبكار وراءه صيانة لهن.
(وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ) جمع حائض، والمراد التي أصابها الحيض.
(وَيَعْتَزِلُ اَلْحُيَّضُ اَلْمُصَلَّى) وفي رواية (وأمَر الحُيّض أن يعتزلن مصلى المسلمين).
•
ما حكم صلاة العيد على الرجال؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنها فرض عين.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ورجحه ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني.
أ- لحديث الباب (كنا نؤمر بالخروج في العيدين .. ) فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بحضور صلاة العيد وإخراج العواتق وذوات الخدور، بل أمر من لها جلباب أن تُلبس من لا جلباب لها، وإذا ثبت هذا في حق النساء فالرجال من باب أولى.
ب-مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
قال الشوكاني: لأنه قد انضم إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها، والأمر بالخروج إليها، بل ثبت أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور، وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تلبس من لا جلباب لها
…
ومن مقويات القول بأنها فرض إسقاطها لصلاة الجمعة، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
القول الثاني: أنها فرض كفاية.
وهذا مذهب الحنابلة.
أ-واستدلوا بنفس أدلة القول الأول، ومنها حديث الباب فإنه يدل على الوجوب.
لكنهم قالوا بالوجوب الكفائي لحديث طلحة (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأخبره أن عليه خمس صلوات في اليوم والليلة).
ب-ولأن صلاة العيد من أعلام الدين الظاهرة، فكانت فرض كفاية كالجهاد.
القول الثالث: أنها سنة مؤكدة.
وبه قال مالك، وأكثر أصحاب الشافعي، وداود وجماهير العلماء.
أ- لحديث طلحة بن عبيد الله (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأخبره أن عليه خمس صلوات في اليوم والليلة إلا أن تطوع) متفق عليه.
ب-ولقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة
…
).
ج-ولحديث بعث معاذ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (
…
فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) ولم يذكر صلاة العيد، ومن المعلوم أن بعث معاذ كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت واجبة لذكرها لمعاذ.
والراجح القول الثاني.
•
ما حكم شهود النساء لصلاة العيد؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: يستحب لهن شهود العيد.
لحديث الباب.
قال ابن حجر: فيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيئات أم لا.
القول الثاني: يستحب في غير ذوي الهيئات والمستحسنات.
لأن في خروجهن سبب للفتنة، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.
القول الثالث: يكره خروج النساء.
وكرهه النخعي ويحي الأنصاري، وكرهه سفيان وابن المبارك.
القول الرابع: يكره للشابة دون غيرها.
والصحيح الاستحباب للجميع، لظاهر الحديث دون الوجوب بشرط أمن الفتنة منهن وعليهن بدون تفريق بين شابة أو عجوز.
•
ما شروط حضور النساء لصلاة العيد؟
أن تكون النساء غير متطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة
لقوله صلى الله عليه وسلم (وليخرجن تفلات) رواه أبو داود. (أي غير متطيبات).
وعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيباً) رواه مسلم.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَة) رواه مسلم.
•
لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بالخروج لصلاة العيد لا يدل على الوجوب؟
لا يدل على الوجوب لأمور:
أولاً: أن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف، وهن الحيض.
ثانياً: أن صلاة العيد لا تجب على الرجال على الراجح كما مر، فلا تجب على النساء من باب أولى.
•
ما الحكمة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بحضور صلاة العيد، مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل؟
قال ابن تيمية: مَا كَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا أَقَلُّهُنَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ (صَلَاةُ إحْدَاكُنَّ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصِلَاتُهَا فِي حُجْرَتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي دَارِهَا وَصِلَاتُهَا فِي دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا وَصِلَاتُهَا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا مَعِي - أَوْ قَالَ - خَلْفِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَقَدْ أَخْبَرَ الْمُؤْمِنَاتِ: أَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ لَهُنَّ مِنْ شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا " الْعِيدُ " فَإِنَّهُ أَمَرَهُنَّ بِالْخُرُوجِ فِيهِ وَلَعَلَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَسْبَابِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فَقُبِلَ بِخِلَافِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ خِلَافَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا الظُّهْرُ هُوَ جُمْعَتُهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ خُرُوجٌ إلَى الصَّحْرَاءِ لِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَجِّ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ موقفة لِلْحَجِيجِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ إذَا عَلِمْنَ أَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَمْ يَتَّفِقْ أَكْثَرُهُنَّ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ الْقُرُونِ عَلَى الْمَفْضُولِ مِنْ الْأَعْمَال.
485 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ اَلْخُطْبَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
متى تكون خطبة العيد قبل الصلاة أم بعدها؟
بعد الصلاة.
وحديث الباب نص على أن صلاة العيد تكون قبل الخطبة.
قال ابن قدامة: وخطبة العيد بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين.
وقال الحافظ ابن حجر: وعليه جميع فقهاء الأمصار، وعده بعضهم إجماعاً.
•
ما الحكم لو لو خطب قبل الصلاة؟
لم يعتد بها على الصحيح من المذهب، ونسبه بعضهم إلى أكثر العلماء.
•
من أول من خطب قبل الصلاة؟
اختلف من هو أول من خطب قبل الصلاة؟
قال الشوكاني: قال العراقي: إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافة، وقال: ما روي عن عمر وعثمان وابن الزبير لم يصح عنهم.
أما رواية ذلك عن عمر فرواها ابن أبي شيبة (أنه لما كان عمر وكثر الناس في زمانه، فكان إذا ذهب ليخطب الناس ذهب أكثر الناس، فلما رأى ذلك بدأ بالخطبة وختم بالصلاة) قال: وهذا الأثر وإن كان رجاله ثقات فهو شاذ مخالف لما ثبت في الصحيحين عن عمر من رواية ابنه وابن عباس وروايتهما عنه أولى.
قال: وأما رواية ذلك عن عثمان فلم أجد لها إسناداً.
قال ابن قدامة: ولم يصح عن عثمان.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: يقال إن أول من قدمها عثمان، وهو كذب لا يلتفت إليه.
قال الحافظ ابن حجر: إنه روى ذلك ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري، وقال: أول من خطب الناس قبل الصلاة عثمان.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحياناً.
قال الترمذي: يقال أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم.
وقد جاء في صحيح مسلم من رواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال (أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان).
وقيل: أو من فعل ذلك معاوية.
وقيل: أول من فعل ذلك زياد في البصرة في خلافة معاوية.
قال العراقي: الصواب أن أول من فعله مروان بالمدينة في خلافة معاوية كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي سعيد، قال: ولم يصح فعله عن أحد من الصحابة لا عمر ولا عثمان ولا معاوية ولا ابن الزبير.
قال الشوكاني: وقد عرفت حجة بعض ذلك، فالمصير إلى الجمع أولى.
•
ماذا نستفيد من قوله (قبل الخطبة)؟
نستفيد: أن صلاة العيد لها خطبة واحدة.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: أن لها خطبتين.
وهذا قول الأكثر، بل نقل ابن حزم الإجماع على ذلك.
أ-لحديث جابر قال (شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته ووعظ الناس، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن).
قالوا: فظاهر هذا أنه خطب خطبتين.
لكن هذا فيه نظر، لأن وعظته للنساء ليست خطبة أخرى، وإنما ربما لبعد النساء، أو تذكيرهن بأمور تخصهن.
ب- واستدلوا بحديث جابر قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً ثم قعد قعده ثم قام) رواه ابن ماجه وهو منكر في إسناده إسماعيل بن مسلم لا يحتج به.
قال النووي في الخلاصة: ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء.
ج-وقالوا: قياساً على الجمعة.
قال النووي في (الخلاصة) وما روي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ضعيف غير متصل ولم يثبُت في تكرير الخطبة شيء، ولكن المعتمد فيه القياس على الجمعة. (نقله الزّيلعي في (نصب الرّاية).
والقول الثاني: أن خطبة العيد خطبة واحدة.
لظاهر النصوص.
واختاره الشيخ ابن عثيمين.
•
بما تفتتح خطبة العيد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن السنة افتتاح خطبة العيدين بالتكبير، وذلك بأن يكبر في الخطبة الأولى تسع تكبيرات متوالية، وفي الثانية سبع تكبيرات متوالية.
وهذا قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
واستدلوا بما جاء عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع تكبيرات تترى. رواه البيهقي.
القول الثاني: أنها تفتتح بالحمد لله.
وهذا اختيار ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ السعدي، والشيخ محمد بن إبراهيم.
أ- لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبه بغيره. (قاله ابن تيمية).
ب- لحديث أبي هريرة. قال: قال صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد فهو أقطع) رواه أبو داود.
قال ابن القيم: وَكَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ كُلّهَا بِالْحَمْدِ لِلّهِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ خُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِالتّكْبِيرِ، وَإِنّمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ سَعْدٍ الْقَرَظِ مُؤَذّنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أَنّهُ كَانَ يُكْثِرُ التّكْبِيرَ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ وَيُكْثِرُ التّكْبِيرَ فِي خُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ) وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي افْتِتَاحِ خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَقِيلَ يُفْتَتَحَانِ بِالتّكْبِيرِ وَقِيلَ تُفْتَتَحُ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَقِيلَ يُفْتَتَحَانِ بِالْحَمْدِ. قَالَ شَيْخُ ابْنُ تَيْمِيّةَ: وَهُوَ الصّوَابُ لِأَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَلّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَكَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ كُلّهَا بِالْحَمْدِ لِلّه. (زاد المعاد).
486 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ اَلْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) أَخْرَجَهُ اَلسَّبْعَةُ.
===
•
هل يشرع التنفل قبل صلاة العيد أم لا؟
اختلف العلماء في حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها على أقوال:
القول الأول: أنه مكروه.
وهو مذهب ابن عباس، وابن عمر، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وحذيفة، وبريدة، وهو مذهب مالك وأحمد.
قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها. يعني صلاة العيد.
وقال: ما صلى قبل العيد بدري.
واستدلوا بحديث الباب.
القول الثاني: لا مانع من التطوع قبل العيد وبعدها.
لأن الإمام يستحب له التشاغل عن الصلاة ولم يكره للمأموم، لأنه وقت لم ينه عن الصلاة فيه، أشبه ما بعد الزوال.
وهذا قول الشافعي، ورجحه ابن حزم.
وبه قال أنس، وأبو هريرة، ورافع، وسهل، والحسن، وابن المنذر.
قال الشوكاني: حكى الترمذي عن طائفة من أهل العلم والصحابة وغيرهم، أنهم رأوا جواز الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها.
القول الثالث: لا يصلي قبلها ويتطوع بعدها.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
وأجاب هؤلاء عن حديث الباب:
ما ذكره الشافعي أنه محمول على الإمام دون المأموم.
ومن الأجوبة ما قاله العراقي في شرح الترمذي: من أنه ليس فيها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم يتأخر في مجيئه إلى الوقت الذي يصلي بهم فيه، ويرجع عقيب الخطبة، روى عنه من روى من أصحابه أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها، ولا يلزم من تركه لذلك لاشتغاله بما هو مشروع في حقه من التأخر إلى وقت الصلاة أن غيره لا يشرع ذلك له ولا يستحب.
وقال البيهقي: يوم العيد كسائر الأيام، والصلاة مباحة إذا ارتفعت الشمس حيث كان المصلي، ويدل على عدم الكراهة حديث أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (الصلاة خير موضوع، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل) رواه ابن حبان.
قال الحافظ في الفتح: والحاصل أن صلاة العيد لم تثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة في جميع الأيام.
قال الشوكاني: وهو كلام صحيح جار على مقتضى الأدلة، فليس في الباب ما يدل على منع مطلق النفل، ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد.
وهذا القول هو الراجح.
•
ما المقصود بهذا الخلاف؟
المقصود بهذا الخلاف التنفل بعد خروج وقت النهي وقبل حضور الإمام.
•
ما الحكم بالنسبة لتحية المسجد؟
الحكم: إن كانت الصلاة في الجامع فإنها تصلى، لأنه مسجد ولا إشكال في ذلك.
وإن كانت في المصلى:
فقيل: لا يصلي. ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
لأنه ليس مسجد.
قال الشيخ ابن باز في فتوى له: وأفيدك بأن صلاة العيدين إذا صليت في المسجد، فإن المشروع لمن أتى إليها أن يصلي تحية المسجد ولو في وقت النهي؛ لكونها من ذوات الأسباب؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وأما إذا صليت في المصلى المعد لصلاة العيدين فإن المشروع عدم الصلاة قبل صلاة العيد؛ لأنه ليس له حكم المساجد من كل الوجوه، ولأنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها. وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
وقال رحمه الله: ليس للمصلى حكم المساجد فلا تشرع الركعتان لدخوله، ولا حرج في البيع والشراء فيه؛ لأنه موضع للصلاة عند الحاجة وليس مسجداً، وإنما المسجد ما يعد للصلاة وقفاً، تؤدى فيه الصلاة كسائر المساجد، أما المصلى المؤقت تصلي فيه جماعة الدائرة، أو جماعة نزلوا لوقت معين ثم يرتحلون هذا لا يسمى مسجداً، فلا حرج أن يباع فيه ويشترى وليس له تحية المسجد، وإنما التحية لما أعد مسجداً وقفاً لله عز وجل لإقامة الصلاة فيه.
وقيل: يصلي لأنه مسجد.
واختاره الشيخ ابن عثيمين، بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يعتزلن المصلى، فدل على أنه مسجد.
•
هل تقضى صلاة العيد لمن فاتته مع الإمام؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يشرع لمن فاتته العيد مع الجماعة أن يقضيها.
وهذا قول المالكية، والشافعية، والحنابلة.
أ- لحديث أنس. قال: قال صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه.
ب- - ما روي عن بعض الصحابة بالأمر بالقضاء لمن فاتته صلاة العيد: فعن أنس (أنه كان إذا فاتته الصلاة يوم الفطر مع الإمام، جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد) ذكره البخاري تعليقاً.
القول الثاني: لا يشرع قضاؤها.
وهذا قول الحنفية، وقول المزني من الشافعية، واختيار ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين.
لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه. (الشرح الممتع).
القول الثالث: أنه من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلاها أربعاً بسلام واحد.
قال ابن مسعود (من فاتته الصلاة مع الإمام يوم العيد فليصل أربعاً) رواه سعيد بن منصور.
قال الصنعاني: بإسناد صحيح.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن صلاة العيد ركعتان، وهذا بالإجماع.
487 -
وَعَنْهُ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى اَلْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَصْلُهُ فِي اَلْبُخَارِيِّ.
===
•
اذكر أصل حديث الباب؟
عن ابْنَ عَبَّاسٍ (أنه أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِى أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاة).
•
هل يشرع لصلاة العيد أذان وإقامة؟
لا يشرع.
أ-لحديث الباب.
ب- ولحديث جبر بن عبد الله قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة). متفق عليه
قال في المغني: لا نعلم في هذا خلافاً ممن يعتد به.
ج-وعن جابر بن سمرة قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين، بلا أذان ولا إقامة). رواه مسلم
•
هل يشرع أن ينادى لها: الصلاة جامعة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: ينادى لها بالصلاة جامعة.
وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.
أ-قياساً على الكسوف.
ب-وجاء حديث لا يصح عن الزهري قال: (لم يكن يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية
…
وقال الزهري: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذن فيقول: الصلاة جامعة). وهو ضعيف.
القول الثاني: لا يشرع ذلك بل هو بدعة.
وهذا مذهب المالكية.
لأن العيد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة ولم يكن ينادى لها، وأي شيء وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه سنة.
وأما قول أصحاب القول الأول: قياساً على الكسوف، فهذا قياس خطأ، لأن الكسوف يأتي بغتة من غير أن يشعر الناس، بخلاف العيد.
488 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي قَبْلَ اَلْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث أخرجه ابن ماجه وفيه سند عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام كثير لأهل العلم، وقد صححه ابن خزيمة، والحاكم.
وضعف الحديث بعض العلماء.
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث دليل على جواز صلاة ركعتين إذا رجع من مصلى العيد.
والحديث لا يصح.
وهو مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، كحديث ابن عباس (لم يصل قبلها ولا بعدها).
وعلى فرض صحته فلا منافاة بينه وبين حديث ابن عباس السابق، لأنه يحمل حديث ابن عباس على المصلى، ويحمل حديث الباب على البيت.
489 -
وَعَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى اَلْمُصَلَّى، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ اَلصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ اَلنَّاسِ - وَالنَّاسُ عَلَى صُفُوفِهِمْ- فَيَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
•
اذكر بعض فوائد هذا الحديث؟
أ-أن السنة في صلاة العيد أن تكون في المصلى، وقد تقدمت المسألة.
ويؤيد ذلك أيضاً حديث ابن عمر قال (كان صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى في يوم العيد، والعنزة تحمل بين يديه). متفق عليه
قال النووي: هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده.
ولأن ذلك أوقع لهيبة الإسلام وأظهر لشعائر الدين، ولا مشقة في ذلك لعدم تكررها بخلاف الجمعة.
ب-أن الصلاة يوم العيد تكون قبل الخطبة. [وسبقت المسألة]
ج-مشروعية الخطبة يوم العيد.
واستماع الخطبة يوم العيد سنة ليس بواجب، وقد جاء في ذلك حديث عبد الله بن السائب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس فليجلس، ومن لا فلينصرف). رواه أبو داود [مختلف فيه]
د-أن الخطبة تكون مشتملة على: الوعظ، والنصيحة، والتذكير، وفي عيد الأضحى يبين لهم أحكام الأضحية.
490 -
وَعَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اَلتَّكْبِيرُ فِي اَلْفِطْرِ سَبْعٌ فِي اَلْأُولَى وَخَمْسٌ فِي اَلْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَنَقَلَ اَلتِّرْمِذِيُّ عَنِ اَلْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث في إسناده عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وهو مختلف فيه:
قال أبو حاتم: ليس بالقوي. لكن صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ، كالبخاري، وابن المديني، وحسنه الحافظ ابن حجر والعراقي.
وروى مالك في الموطأ بسند صحيح عن نافع قال: (صليت العيدين وراء أبو هريرة فكان يكبر الأولى سبعاً والثانية خمساً قبل أن يقرأ).
وجاء نحو هذا عن ابن عباس موقوفاً رواد ابن أبي شيبة وسنده صحيح.
• ما كيفية التكبير في صلاة العيد؟
في هذا الحديث أن الإمام في صلاة العيد يكبر في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً بدون تكبيرة القيام والسجود.
وهذا مذهب أكثر العلماء.
وذهب بعضهم أنه يكبر سبعاً في الأولى وسبعاً في الثانية.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يكبر في الأولى خمساً وفي الثانية ثلاث.
وما ورد في حديث الباب أولى وأصح.
• متى تكون هذه التكبيرات؟
هذه التكبيرات الزوائد قبل التعوذ وبعد الاستفتاح.
•
ما حكم هذه التكبيرات؟
هذه التكبيرات الزوائد سنة، فلو أن الإنسان اقتصر على تكبيرة الإحرام فقط لكفى.
491 -
وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ (كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي اَلْأَضْحَى وَالْفِطْرِ بِـ (ق)، وَ (اقْتَرَبَتْ)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
•
ما السنة أن يقرأ الإمام في صلاة العيد؟
حديث الباب دليل على أنه يسن أن يقرأ الإمام بعد الفاتحة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة (ق) وفي الركعة الثانية (اقتربت).
ويستحب أن يقرأ أيضاً سورة الأعلى والغاشية.
ففي حديث النعمان بن بشير قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما) رواه مسلم.
•
ما الحكمة من قراءتهما في العيد؟
قال النووي: قال العلماء: الحكمة في قراءتهما لما شتملتا عليه من الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر.
492 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْعِيدِ خَالَفَ اَلطَّرِيقَ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ.
493 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ.
===
•
ما لفظ حديث ابن عمر عند أبي داود؟
لفظ حديث ابن عمر - عند أبي داود - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ورجع في طريق آخر).
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: أنه يستحب لمن أراد أن يذهب إلى مصلى العيد أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.
•
هل هذا الحكم عام للإمام والمأموم أم خاص بالإمام؟
هذا الحكم للإمام والمأموم، وهذا مذهب أكثر العلماء.
وذهب بعض العلماء أنه خاص بالإمام، والأول أصح.
•
ما الحكمة من مخالفة الطريق؟
قيل: ليشهد له الطريقان. وقيل: ليسوي بينهما في المزية والفضل. وقيل: لإظهار شعائر الإسلام فيهما. وقيل: لإظهار ذكر الله. وقيل: ليغيظ المنافقين أو اليهود. وقيل: ليرهبهم بكثرة من معه، ورجحه ابن بطال. وقيل: حذراً من كيد الطائفتين أو إحداهما. وقيل: ليصل رحمه. وقيل: ليزور أقاربه. وقيل: كان في ذهابه يتصدق، فإذا رجع لم يبق معه شيء فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من سأله، قال الحافظ:"وهذا ضعيف جداً ". وقيل: لتخفيف الزحام.
ورجح ابن القيم: أنه يشمل الجميع.
•
هل يسن فعل ذلك في الذهاب لصلاة الجمعة؟
قولان للعلماء:
القول الأول: يسن ذلك.
قياساً على العيد.
القول الثاني: لا يسن ذلك.
وهذا هو الصحيح.
لأن الحديث جاء في العيد ولم يرد في الجمعة، ولو كان يفعل ذلك في الجمعة لنقل إلينا.
والقاعدة: أن كل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يحدث له أمراً، فإن من أحدث له أمراً فإحداثه مردود عليه.
494 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اَلْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَقَالَ: "قَدْ أَبْدَلَكُمُ اَللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ اَلْأَضْحَى، وَيَوْمَ اَلْفِطْرِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
===
(قدم رسول الله) أي عند قدومه من مكة إلى المدينة.
(ولهم) أي لأهل المدينة.
(يومان) هما يوم النيروز، ويم المهرجان.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث رجاله ثقات وإسناده صحيح كما قال الحافظ.
• ماذا نستفيد من حديث الباب؟
نستفيد: مشروعية العيد في أيام العيد المشروعة، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى.
•
كم عيد للمسلمين؟
ليس للمسلمين أعياد غير هذين اليومين.
•
ما حكم الأعياد الأخرى (كعيد الأم، وعيد الوطن)؟
كل ما يسمونه الناس عيد (كعيد الأم، وعيد الوطن، وغيره) كلها أعياد مبتدعة.
لحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الشرع إذا حرّم شيئاً جاء ببدل عنه.
- أن ديننا دين التوسعة والفسحة.
- أن الأعياد من شعائر الإسلام، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم.
- التحذير من أعياد الكفار والمشركين، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من تشبه بقوم فهو منهم).
495 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ (مِنَ اَلسُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى اَلْعِيدِ مَاشِيًا) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، لأن في إسناده شريك القاضي فقد ضعفه جماعة من العلماء، وفيه أيضاً الحارث الأعور لا يحتج به.
•
ماذا نستفيد من حديث الباب؟
الحديث دليل على أنه يستحب أن يذهب لصلاة العيد ماشياً إذا كان قريباً، لكن هذا الأثر ضعيف لا يصح شيء في الباب.
لكن يمكن أن يستدل بالأدلة العامة التي تحث على المشي إلى المساجد.
كقوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة
…
) وصلاة العيد داخلة في هذا الخطاب.
وقوله صلى الله عليه وسلم (بشر المشائين بالظلم بالنور التام يوم القيامة) رواه أبو داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدي فَرِجْل تكتب له حسنة، ورِجْل تحط عنه سيئة حتى يرجع). رواه النسائي.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى ذلك، استحبوا أن تأتي إلى صلاة العيد ماشياً.
فمن الصحابة: عمر، وعلي، ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، والنخعي، والثوري، والشافعي.
496 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ. فَصَلَّى بِهِمْ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اَلْعِيدِ فِي اَلْمَسْجِدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف في سنده عيسى بن عبد الأعلى مجهول، ولم يرو عنه إلا الوليد بن مسلم، وهو كثير الرواية عن الضعفاء والمتروكين.
بَابُ صَلَاةِ اَلْكُسُوفِ
الكسوف هو ذهاب ضوء الشمس كله أو بعضه.
والخسوف: ذهاب ضوء القمر كله أو بعضه.
• قال ابن القيم: فرّق الفقهاء بين صلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء بأن هذه صلاة رهبة وهذه صلاة رغبة.
• وللكسوف سببان:
السبب الأول: سبب شرعي وهو تخويف العباد وزجرهم عن الذنوب ودفعهم إلى التوبة.
وكما قال ابن المنير: أنه بمنزلة الإعلام بقرب وقوع عقوبة، فعلى الناس أن يبادروا بالتوبة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والذكر والصدقة والعتق وغير ذلك مما يدفع أسباب العقوبات.
ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده).
السبب الثاني: سبب كوني: بالنسبة لكسوف الشمس هو حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض.
وأما بالنسبة للقمر فهي حيلولة الأرض بين الشمس.
497 -
عَنِ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ (اِنْكَسَفَتِ اَلشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ اَلنَّاسُ: اِنْكَسَفَتِ اَلشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اَلشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اَللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اَللَّهَ وَصَلُّوا، حَتَّى تَنْكَشِفَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (حتى تنجلي).
498 -
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه (فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ).
===
- (اِنْكَسَفَتِ اَلشَّمْسُ) الكسوف هو ذهاب ضوء الشمس كله أو بعضه. والخسوف: ذهاب ضوء القمر كله أو بعضه.
جاء في رواية (فقام يجر رداءه).
(يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ) يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، وكانت وفاته بالمدينة.
(آيَتَانِ) علامتان.
(مِنْ آيَاتِ اَللَّهِ) أي: الدالة على وحدانية الله وعظم قدرته، وقد جاء في حديث أبي مسعود (يخوف الله بهما عباده).
(وَلَا لِحَيَاتِهِ) استشكلت هذه الزيادة، لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكر الحياة؟
والجواب: أن فائدة ذكر الحياة، دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقد أن يكون سبباً للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم.
•
ما حكم صلاة الكسوف؟
سنة مؤكدة عند جماهير العلماء.
وقد قال النووي: سنة مؤكدة بالإجماع.
قال ابن حجر: فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها.
قال الشيخ الألباني: دعوى الاتفاق منقوضة، فقد قال أبو عوانة في صحيحه في [بيان وجوب صلاة الكسوف] ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الأمر بها كقوله: (فصلوا
…
).
قال الشيخ الألباني: وهو الأرجح دليلاً.
وقال: إن القول بالسنية فقط فيه إهدار للأوامر الكثيرة التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة دون أي صارف لها عن دلالتها الأصلية ألا وهو الوجوب.
قال ابن القيم: إن القول بالوجوب قوي قوي.
وهذا الصحيح أنها واجبة، لكن على الكفاية.
•
متى تشرع صلاة الكسوف؟
عند رؤية الكسوف.
لقوله (
…
فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اَللَّهَ وَصَلُّوا، حَتَّى تَنْكَشِف).
•
ما الحكم لو أخبرنا بالكسوف لكن لم نره لوجود السحب؟
الحكم: أننا لا نصلي صلاة الكسوف.
وكذلك لو طلعت الشمس والقمر خاسف، فإنه لا يصلى، لأنه ذهب سلطانه.
وكذلك إذا غابت الشمس كاسفة، فإنه لا يصلى، لأن سلطانها قد ذهب.
•
ما الحكمة من الكسوف؟
تخويفاً للعباد.
أ-عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ (خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَقَامَ يُصَلِّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِى صَلَاةٍ قَطُّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِى يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) متفق عليه.
ب-وعن عَائِشَةَ (أَنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ قِيَاماً شَدِيداً يَقُومُ قَائِماً ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ فِى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فَانْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ وَكَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ «اللَّهُ أَكْبَرُ». ثُمَّ يَرْكَعُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفاً فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى يَنْجَلِيَا) رواه مسلم.
فائدة: استشكل خشية النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الساعة مع أن الساعة لها مقدمات:
قيل: يحتمل أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات.
أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات.
أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره.
أو أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أما الأول ففيه نظر، لأن قصة الكسوف متأخرة جداً، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في السنة العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
وأما الثالث، فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوثيق.
وأما الرابع فلا يخفى بعده.
وأقربها الثاني، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها.
•
ما الذي يسن فعله عند الكسوف؟
يسن عند حصول الكسوف:
أولاً: الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم (فصلوا
…
).
ثانياً: الدعاء، لقوله (فادعوا
…
).
ثالثاً: التكبير، لقوله (وكبروا
…
).
رابعاً: الصدقة، لقوله (وتصدقوا
…
).
خامساً: العتاقة، عن أسماء قالت:(لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس) رواه البخاري.
•
متى تبدأ صلاة الكسوف؟
تبدأ من حدوث الكسوف إلى التجلي.
أ-لقوله (فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اَللَّهَ وَصَلُّوا، حَتَّى تَنْكَشِفَ) والذي في مسلم مثبت (حتى ينكشف) أي: يرتفع ويزول ما حل بكم من الكسوف.
ب-وفي رواية البخاري من حديث المغيرة (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ).
ج-وفي البخاري عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا، وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ).
•
ما الحكم لو تجلى الكسوف أثناء الصلاة؟
فإنهم يتمونها خفيفة.
أ- لأن السبب الذي شرعت له الصلاة قد زال.
ب- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا حتى ينكشف ما بكم).
•
ما الحكم لو فرِغَ من الصلاة قبل التجلي؟
فقيل: يصلون مرة ثانية.
وقيل: يشتغلون بالدعاء والذكر والتسبيح، وهذا القول هو الصحيح.
قال ابن قدامة: إن فرغ من الصلاة والكسوف قائم: لم يَزِدْ، واشتغل بالذكر والدعاء; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ركعتين.
وقال الإمام النووي رحمه الله: لو سلم من صلاة الكسوف - والكسوف باق - فهل له استفتاح صلاة الكسوف مرة أخرى؟ فيه وجهان، خرجهما الأصحاب على جواز زيادة الركوع، والصحيح المنع من الزيادة والنقص، ومن استفتاح الصلاة ثانياً. والله أعلم .... (المجموع).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المشهور عند أهل العلم أن صلاة الكسوف لا تكرر، ولكن ينبغي للإمام أن يلاحظ مدة الكسوف فيجعل الصلاة مناسبة، فإن كانت قصيرة قصّر الصلاة، ويعلم هذا بما نسمع عنه الآن مما يقرر قبل حدوث الكسوف؛ بأن الكسوف سيبدأ في الدقيقة كذا من الساعة كذا إلى الدقيقة كذا في الساعة كذا، فينبغي للإمام أن يلاحظ ذلك. وإذا فرغت الصلاة قبل انجلاء الكسوف فليتشاغلوا بالدعاء والذكر حتى ينجلي " انتهى.
وقال رحمه الله: لا تكرر صلاة الكسوف إذا انتهت قبل الانجلاء، وإنما يصلي نوافل كالنوافل المعتادة، أو يدعو ويستغفر ويشتغل بالذكر حتى ينجلي.
• هل تصلى صلاة الكسوف في أوقات النهي؟
الصحيح أنها تصلى حتى في أوقات النهي، وقد تقدمت المسألة وشرحها.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- التحذير من غضب الله.
- أن الله يخوف عباده لعلهم يرجعون ويتوبون.
- الفزع إلى الصلاة والدعاء والذكر عند حصول العذاب.
- أن الصدقة والصلاة والذكر تطفئ غضب الرب.
- وجوب الرد على الاعتقادات الباطلة.
- أنه يجب على طلبة العلم والعلماء إذا رأوا خطأً أو أمر منكر أن يبادروا بإنكاره وتوضيح الصواب للناس.
- الاهتمام بالعقيدة.
- التحذير من عادات الجاهلية.
- وجوب تبليغ العلم ونشره وتوضيحه.
499 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلَاةِ اَلْكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (فَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: اَلصَّلَاةُ جَامِعَةٌ).
===
•
بماذا ينادى لصلاة الكسوف؟
الحديث دليل على أنه يسن أن ينادى لصلاة الكسوف بالصلاة جامعة.
قال ابن قدامة: ويسن أن ينادى لها الصلاة جامعة.
وفيه بوب البخاري لذلك - كما هنا - فقال: باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف ثم أورد قول عبد الله بن عمر قال (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: إن الصلاة جامعة) متفق عليه.
وفي حديث عائشة - حديث الباب - (أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِياً «الصَّلَاةَ جَامِعَةً». فَاجْتَمَعُوا وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ. وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَات).
•
هل يشرع لها أذان وإقامة؟
لا يسن لها أذان ولا إقامة.
أ-لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة.
ب- ولأنها من غير الصلوات الخمس فأشبهت النوافل.
•
هل يجهر في صلاة الكسوف والخسوف أم لا؟
الحديث دليل على أنه يجهر في صلاة الكسوف والخسوف. (أي سواء كسوف الشمس أو خسوف القمر).
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يجهر في الكسوف والخسوف.
وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث الباب، وهو نص في الباب.
القول الثاني: لا يجهر في صلاة الكسوف ويجهر في صلاة الخسوف، لأنها ليلية.
وهذا مذهب مالك، والشافعي.
أ-لحديث ابن عباس الآتي قال (انخسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام طويلاً نحواً من سورة البقرة
…
) متفق عليه.
قالوا: هذا دليل على أنه لم يسمعه، لأنه لو سمعه لم يقدره بغيره.
ب-وعن سمرة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتاً
…
) رواه الترمذي.
والراجح القول الأول وهو الجهر بالكسوف والخسوف.
وأما الإجابة عن أدلة القول الثاني:
حديث سمرة حديث ضعيف من أجل ثعلبة بن عباد.
وعلى فرض صحته فالمثبت مقدم على المنفي.
وأما حديث ابن عباس، فالجواب عنه من وجوه:
أولاً: أنه جهر ولم يسمعه ابن عباس.
ثانياً: أنه سمع ولم يحفظ ما قرأ به، فقدره بسورة البقرة.
ثالثاً: أن يكون نسي ما قرأ به، وحفظ قدر قراءته، فقدرها بالبقرة، ونحن نرى الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه.
وقد رجح الجهر الحافظ ابن حجر، والشوكاني، وابن حزم، وابن العربي وغيرهم.
•
ما صفة صلاة الكسوف؟
الحديث دليل على أن صفة صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، وهذا أصح ما ورد. (وسيأتي بحث المسألة إن شاء الله)
•
ما الحكم إذا كسفت الشمس يوم الجمعة؟
إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريباً منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقاً.
وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف.
وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل.
قال ابن قدامة رحمه الله: وإذا اجتمع صلاتان، كالكسوف مع غيره من الجمعة، أو العيد، أو صلاة مكتوبة، أو الوتر، بدأ بأخوفهما فوتاً، فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة، وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح، بدأ بآكدهما، كالكسوف والوتر، بدأ بالكسوف; لأنه آكد، ولهذا تسن له الجماعة، ولأن الوتر يقضى، وصلاة الكسوف لا تقضى.
فإن اجتمعت التراويح والكسوف، فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة، لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم، وانتظارهم للصلاة الواجبة، مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة، كي لا يشق على المأمومين، فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة، مع أنها غير واجبة، أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح، قدمت التراويح لذلك، وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت، وإن خيف فوات الوتر قدم; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف، وإن لم يبق إلا قدر الوتر، فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة، قدمت الجنازة وجها واحداً; لأن الميت يخاف عليه، والله أعلم .... (المغني).
وقال النووي رحمه الله: قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته، ثم الأوكد، فإذا اجتمع عيد وكسوف، أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته .... (المجموع).
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية الصلاة عند الكسوف.
- فضل عائشة في نقل العلم.
500 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (اِنْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ اَلْقِيَامِ اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ اَلرُّكُوعِ اَلْأَوَّلِ،] ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ اَلْقِيَامِ اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ اَلرُّكُوعِ اَلْأَوَّلِ]، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ اَلْقِيَامِ اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ اَلرُّكُوعِ اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ اَلشَّمْسُ. فَخَطَبَ اَلنَّاسَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
501 -
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (صَلَّى حِينَ كَسَفَتِ اَلشَّمْسُ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ).
502 -
وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ.
503 -
وَلَهُ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه (صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ).
504 -
وَلِأَبِي دَاوُدَ: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (صَلَّى، فَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي اَلثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ).
===
•
ما صحة أحاديث الباب؟
هذه الأحاديث كلها في صفة صلاة الكسوف، ومعظمها في مسلم.
أما رواية أبي داود فهي ضعيفة في سنده أبو جعفر الرازي ليس بالقوي.
•
ما صفة صلاة الكسوف؟
هذه الأحاديث فيها صفة صلاة الكسوف.
فحديث ابن عباس الأول: فيه ركعتين في كل ركعة ركوعان.
ورواية مسلم الثانية: ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات.
وقد اختلف العلماء في هذه الصفات:
فبعضهم قال: أصح ما ورد أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان.
ورجحوا حديث عائشة وابن عباس على غيرهما.
وبهذا قال أحمد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وداود.
واختاره ابن تيمية والصنعاني والسعدي.
قال النووي: واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف أم لا، وبهذا قال مالك، والليث، وأحمد، وأبو ثور، وجمهور علماء الحجاز وغيرهم.
وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وبن عباس وبن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
وقال ابن تيمية: قد روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، لكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم كمالك والشافعي وأحمد، أنه صلى بهم ركعتين في كل ركعة ركوعان.
وقال في منهاج السنة: حديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر في مسلم من المواضع المنتقدة بلا ريب.
وقال رحمه الله في التوسل والوسيلة: ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات، كما روى أنه صلى بركوعين، والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي، وهو قول البخاري، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان له إبراهيمان، ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب.
وقال الشوكاني: إذا تقرر لك أن القصة واحدة، عرفت أنه لا يصح ها هنا أن يقال كما قيل في صلاة الخوف، إنه يأخذ بأيّ الصفات شاء، بل الذي ينبغي ها هنا أن يأخذ بأصح ما ورد، وهو ركوعان في كل ركعة، لما في الجمع بين هذه الروايات من التكلف البالغ.
وقال السعدي: والصحيح في صلاة الكسوف حديث عائشة الثابت في الصحيحين، أنه صلى في كل ركعة بركوعين وسجودين، وأما ما سواه من الصفات، فإنه وهْم من بعضهم كما قال الأئمة: الإمام أحمد، والبخاري، وغيرهما.
وقال الشوكاني: حكى النووي عن ابن عبد البر أنه قال: أصح ما في الباب ركوعان، وما خالف ذلك فمعلل أو ضعيف، وكذا قال البيهقي.
ونقل ابن القيم عن الشافعي، وأحمد، والبخاري، أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطاً من بعض الرواة.
وهؤلاء قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، وفي نفي هذه الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركوعات وأربع ركوعات، أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين ولا كان له إبراهيمان، وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذٍ ركوعين في كل ركعة، كما روى ذلك عنه عائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، فلهذا لم يرو البخاري إلا هذه الأحاديث وهو أصدق من مسلم، ولهذا ضعف الشافعي وغيره الثلاثة والأربعة ولم يستحبوا ذلك.
القول الثاني: قال النووي: وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وفي بعضها أسرع الانجلاء فاقتصر وفي بعضها توسط بين الاسراع والتأخر فتوسط في عدده.
القول الثالث: يجوز العمل بجميع ما ثبت، وهو من الاختلاف المباح.
وبهذا قال ابن خزيمة، وابن المنذر، والخطابي وغيرهم.
قال النووي: وهذا قوي.
والراجح القول الأول وهو ما ذهب إليه الجمهور من أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان.
•
ما حكم الجماعة في صلاة الكسوف؟
سنة.
قال الشوكاني: وقد ذهب مالك، والشافعي، وأحمد وجمهور العلماء إلى أن صلاة الكسوف والخسوف تسن الجماعة فيهما.
لحديث الباب.
ولحديث عائشة قالت (خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس
…
) متفق عليه.
ولحديث أسماء الآتي.
•
هل يشرع حضور النساء لصلاة الكسوف؟
نعم يشرع، فقد ثبت أن عائشة وأسماء صلتا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ (أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّى فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ. فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ «مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِى مَقَامِى هَذَا حَتَّى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيباً مِنْ فِتْنَةِ .... ) رواه البخاري
•
ماذا نستفيد من حديث ابن عباس؟
- مشروعية تطويل القراءة في صلاة الكسوف.
- الركعة الأولى تكون أطول من الثانية.
قال النووي: واتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيها أقصر من القيام الأول وركوعه فيها.
واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه، هل هما أقصر من القيام الأول من الأولى وركوعه، أو يكونان سواء؟
وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله (وهو دون القيام الأول) هل المراد به الأول من الثانية، أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله؟
والثاني هو الراجح.
•
ما الحكم فيمن فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف؟
أنه لا يعتد بهذه الركعة، وعليه أن يقضي مكانها ركعة أخرى بركوعين.
•
هل يشرع لصلاة الكسوف خطبة أم لا؟
اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: أنها مستحبة.
ولهذا ذهب جمهور السلف إلى استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد.
قال النووي رحمه الله في (المجموع) عن القول باستحباب الخطبة بعد الصلاة: وبه قال جمهور السلف، ونقله ابن المنذر عن الجمهور.
وقال الحافظ ابن حجر: فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث.
لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف، فإنه (قام وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد
…
)
والأصل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة، كما يفعل في خطبة الجمعة، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
القول الثالث: أنه لا خطبة لها، وهذا مذهب الجمهور: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد.
قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة دون الخطبة، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به.
وقال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد الخطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس.
والصحيح الأول، أنها تشرع لها خطبة.
وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق: ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة، قال بعض أتباع مالك: ولا خطبة، ولكن يستقبلهم ويذكرهم.
وهذا خلاف الظاهر من الحديث، لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه.
والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر: ضعيف، مثل قولهم: إن المقصود إنما كان الإخبار: أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم. والإخبار بما رآه من الجنة والنار، وذلك يخصه.
وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.
وقد يكون بعض هذه الأمور داخلاً في مقاصدها، مثل ذكر الجنة والنار، وكونهما من آيات الله، بل هو كذلك جزماً. (إحكام الأحكام)
قال الشوكاني راداً على أدلة من قال لا خطبة لها: وتُعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بها، وحكاية شرائطها من الحمد والثناء وغير ذلك مما تتضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل.
وقال الصنعاني: رواية البخاري (فحمد الله وأثنى عليه) وفي رواية (أنه عبده ورسوله) وفي رواية للبخاري (أنه ذكر أحوال الجنة والنار وغير ذلك) وهذه مقاصد الخطبة، وفي لفظ مسلم من حديث فاطمة عن إسحاق قالت (فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: ما من شيء لم أكن أريته إلا وقد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، وأنه قد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريباً أو مثل فتنة المسيح الدجال
…
).
505 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا جَثَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: "اَللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً، وَلَا تَجْعَلَهَا عَذَابًا) رَوَاهُ اَلشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف، فقد رواه الشافعي فقال: أخبرني من لا أتهم، حدثنا العلاء ....
وقد قال الربيع بن سلمان: إذا قال الشافعي حدثني من لا أتهم، فإنه يريد بذلك إبراهيم بن أبي يحي، وإبراهيم هذا لا يحتج به
وله طريق أخرى عند الطبراني لكنه ضعيف، فيه حَسْي بن قيس ضعفه أحمد والنسائي.
•
ما السنة أن يقول لمن رأى الريح؟
الحديث دليل على أنه يسن للمسلم إذا رأى الريح أن يقول هذا الدعاء، لكن الحديث ضعيف ويغني عنه:
ما رواه مسلم عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلَتْ به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) رواه مسلم.
وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) رواه الترمذي.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- النهي عن سب الريح، لأن الريح إنما أرسلها الله تبارك وتعالى، فسبك إياها سباً لله.
- أن الرياح من آيات الله لا يقدر أحد على تصريفها إلا خالقها.
كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ).
- استحباب قول الدعاء عند هبوب الريح.
- استحباب الدعاء بخير هذه الريح والاستعاذة من شرها، لأن الريح قد تكون عاتية شديدة تهدم الديار، وقد تكون فيها خير تقع به.
- بيان قدرة الله العظيمة.
- خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه.
- فضل الأذكار والدعوات.
506 -
وَعَنْهُ (أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَقَالَ: هَكَذَا صَلَاةُ اَلْآيَاتِ) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ.
507 -
وَذَكَرَ اَلشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلَهُ دُونَ آخِرِهِ.
===
•
ما صحة هذه الآثار؟
أثر ابن عباس صحيح، فقد صححه البيهقي.
وأما أثر علي أخرجه البيهقي وفيه ضعف، ففيه رجل لم يسم.
•
هل تشرع الصلاة للآيات غير الكسوف والخسوف.
اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: لا يصلى لغير الكسوف والخسوف.
وهذا قول مالك، والشافعي.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ لغير الكسوف، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، وكذلك خلفاؤه.
وحدثت الزلزلة في عهد عمر فلم يصلوا.
القول الثاني: يصلى لكل آية.
وهذا مذهب الحنابلة، واختاره ابن تيمية، وهو مذهب أبي حنيفة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية من آيات الله يخوف بها عباده، وصلى ابن عباس بالبصرة للزلزلة كما في أثر الباب.
وقد جاء عند أبي داود عن عكرمة قال: (قيل لابن عباس: ماتت فلانة، إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فسجد، فقيل: لم تسجد في هذه الساعة، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم آية فاسجدوا، وأي آية أعظم من ذهاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. [الاثنين: 7/ 3/ 1433 هـ]
بَابُ صَلَاةِ اَلِاسْتِسْقَاءِ
أي: باب الصلاة لأجل الاستسقاء، وهو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة.
قال في الفتح: الاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير.
وشرعاً: طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب على وجهٍ مخصوص.
508 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (خَرَجَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا، مُتَضَرِّعًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا يُصَلِّي فِي اَلْعِيدِ، لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.
===
(مُتَوَاضِعًا) أي: مظهِراً للتواضع.
(مُتَبَذِّلًا) أي لابساً لثياب البذلة تاركاً لثياب الزينة تواضعاً لله.
(مُتَرَسِّلًا) الترسل التأني في المشي وعدم العجلة.
(مُتَضَرِّعًا) أي مظهراً للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة.
•
ما حكم صلاة الاستسقاء؟
سنة عند وجود سببها.
قال ابن قدامة: صلاة الاستسقاء سنة عند الحاجة إليها سنة مؤكدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وكذلك خلفاؤه، وهذا قول سعيد بن المسيب وداود ومالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تسن صلاة الاستسقاء ولا الخروج إليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى على المنبر يوم الجمعة ولم يخرج ولم يصل.
وقول الجمهور هو الصحيح.
فقد ثبتت الأحاديث في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الاستسقاء ركعتين.
كحديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى وصلى ركعتين) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة).
وحديث الباب (خَرَجَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا، مُتَضَرِّعًا).
وحديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه قحوط المطر
…
فخطب ثم أقبل على الناس
…
) وسيأتي الحديث.
•
متى تشرع صلاة الاستسقاء؟
تشرع عند وجود سببها، وهي قحوط المطر. [وسيأتي الحديث بعد هذا]
• ما صفة صلاة الاستسقاء:
ركعتان.
قال النووي: بإجماع المثبتين لها.
وقال ابن قدامة: لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافاً في أنها ركعتان.
لحديث الباب (فَصَلَّى رَكْعَتَيْن).
أما بقية صفتها: كصلاة العيد، كما في حديث الباب (كما يصلى العيد).
يعني يكبر الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً.
•
ما صفة الخروج إلى صلاة الاستسقاء؟
أن يكون متواضعاً، متخشعاً، متذللاً، لأنه يوم استكانة وخضوع.
واستحب الفقهاء أن يخرج أهل الدين والشيوخ.
•
هل يمنع من الطيب عند خروج للاستسقاء؟
قال بعض الفقهاء: إن الإنسان إذا خرج للاستسقاء لا يتطيب.
لأن هذه الصلاة يشرع فيها الاستكانة والخضوع.
قال الشيخ ابن عثيمين: الصحيح أنه لا ينكر على من تطيب، لأن الطيب لا يمنع الاستكانة والخضوع لله تعالى.
•
ماذا نستفيد من قوله (لم يخطب كخطبتكم هذه)؟
نستفيد مشروعية الخطبة.
لأن هذا القول من ابن عباس (لم يخطب كخطبتكم هذه) دليل على أنه خطب لكنه ليس كخطبتكم هذه.
والمشروع في صلاة الاستسقاء خطبة واحدة.
•
هل يشرع الصوم في يوم الاستسقاء؟
قال بذلك بعض العلماء.
وقال الشيخ ابن عثيمين: لكنه ليس في هذا سنة، لكن من كان يعتاد أن يصوم الاثنين فهذا طيب، يصوم الاثنين ويجمع بين هذا وهذا.
•
هل يشرع النداء لصلاة الاستسقاء؟
لا.
لأنه لم ينقل (وقد تقدمت المسألة).
509 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (شَكَا اَلنَّاسُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي اَلْمُصَلَّى، وَوَعَدَ اَلنَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ اَلشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى اَلْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اَللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدَبَ دِيَارِكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اَللَّهُ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ" ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى اَلنَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبِلَ عَلَى اَلنَّاسِ وَنَزَلَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اَللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ، وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: "غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَقِصَّةُ اَلتَّحْوِيلِ فِي "اَلصَّحِيحِ" مِنْ:
510 -
حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَفِيهِ: - فَتَوَجَّهَ إِلَى اَلْقِبْلَةِ، يَدْعُو، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ -.
511 -
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ؛ لِيَتَحَوَّلَ اَلْقَحْطُ.
===
(قُحُوطَ الْمَطَرِ) القحط احتباس المطر، والقُحُوط امتناعه وعدم نزوله.
(بَدَا حَاجِبُ اَلشَّمْسِ) أي: ظهر.
(جَدَبَ دِيَارِكُمْ) الجدْب ضد الخصب.
•
ما صحة أحاديث الباب؟
حديث عائشة حديث حسن صححه ابن حبان والترمذي. قال النووي: إسناده حسن.
وحديث عبد الله بن زيد لفظه (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة).
ومرسل أبي جعفر الباقر، ضعيف لأنه مرسل، وقد ذكره الحافظ لبيان الحكمة من التأويل.
•
أين تستحب أن تصلى صلاة الاستسقاء؟
يستحب أن تصلى في المصلى.
•
ماذا نستفيد من قوله (إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدَبَ دِيَارِكُم)؟
نستفيد أن صلاة الاستسقاء مستحبة عند جدب الأرض واحتباس المطر.
•
متى وقت صلاة الاستسقاء؟
ليس لها وقت معين، لكن الأفضل وقت صلاة العيد.
قال ابن قدامة: وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف; لأن وقتها متسع، فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي، والأولى فعلها في وقت العيد.
أ- لما روت عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس. رواه أبو داود.
ب- ولأنها تشبهها في الموضع والصفة، فكذلك في الوقت، إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس، لأنها ليس لها يوم معين،
فلا يكون لها وقت معين .... (المغني).
وقال النووي رحمه الله: في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه:
أحدها: وقتها وقت صلاة العيد
…
الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر
…
والثالث: وهو الصحيح، بل الصواب: أنها لا تختص بوقت، بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار، إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين. وهذا هو المنصوص للشافعي، وبه قطع الجمهور وصححه المحققون. (المجموع).
•
ما هو المستحب في حق الإمام إذا أراد الخروج للاستسقاء؟
المستحب له إذا أراد الخروج يعد الناس يوماً يخرجون فيه، لقولها (ووعد الناس يوماً يخرجون فيه).
•
متى تكون الخطبة في صلاة الاستسقاء، قبل الصلاة أم بعدها؟
هذه المسألة اختلف العلماء فيها على أقوال:
القول الأول: أن الخطبة قبل الصلاة. (بخلاف العيد)
روي ذلك عن عمر، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وذهب إليه ابن عبد البر.
أ-لحديث الباب (
…
فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم
…
ثم نزل فصلى) فهو نص أنه خطب قبل الصلاة.
ب-ولحديث عبد الله بن زيد، وفيه: (
…
فحول ظهره إلى الناس واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين).
القول الثاني: أن الخطبة بعد الصلاة. (كالعيد)
وهذا مذهب الجمهور، المالكية، والشافعية، والحنابلة.
قال النووي: وبه قال الجماهير.
أ- لحديث ابن عباس وقد سبق (خرج متضرعاً
…
فصلى كما يصلي العيد).
ب- ولحديث أبي هريرة قال (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا) رواه ابن ماجه.
ج-ولحديث عبد الله بن زيد قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي، فحول ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه.
القول الثالث: أنه مخير.
واختار هذا الشوكاني.
لورود الأخبار بكلا الأمرين.
والراجح الأول.
•
بما تستفتح خطبة الاستسقاء؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أن السنة افتتاح خطبة الاستسقاء بالاستغفار.
وهذا قول المالكية والشافعية.
قالوا: لأن الاستغفار أليق بالحال، وأخص بالاستسقاء، لأنه حال طلب ودعاء.
القول الثاني: أن السنة افتتاح خطبة الاستسقاء بالتكبير.
وهذا قول الحنابلة.
لحديث ابن عباس - السابق - (خَرَجَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا، مُتَضَرِّعًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا يُصَلِّي فِي اَلْعِيدِ).
القول الثالث: أن السنة افتتاح خطبة الاستسقاء بالحمد.
وهذا قول ابن تيمية.
أ-لحديث أبي هريرة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل امرئ ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد أقطع) رواه أبو داود.
ب- قال ابن تيمية: لم ينقل عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبه بغير الحمد لا خطبة عيد ولا استسقاء.
وهذا القول هو الصحيح.
قال ابن القيم: وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ أَمْرٍ ذي بالٍ لَا يُبْدَأ فيهِ بِحَمْدِ الله، فَهُوَ أَجْذَم، وكان يفتتح خطبَه كلَّها بالحمد لله.
•
ما حكم تحويل الرداء في صلاة الاستسقاء؟
مستحب.
قال ابن قدامة رحمه الله: يستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم، في قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: لا يسن; لأنه دعاء، فلا يستحب تحويل الرداء فيه، كسائر الأدعية.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
وحكي عن سعيد بن المسيب، وعروة، والثوري، أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم. وهو قول الليث، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، لأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه.
ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره، ما لم يقم على اختصاصه به دليل، كيف وقد عُقِل المعنى في ذلك، وهو التفاؤل بقلب الرداء، ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب، وقد جاء ذلك في بعض الحديث. (المغني).
•
هل التحويل خاص بالإمام أو حتى للمأمومين؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يستحب للمأمومين أن يحولوا أرديتهم في الاستسقاء كما يحوّل الإمام.
وهذا قول أكثر العلماء، وبه قال المالكية، والشافعية، والحنابلة.
أ-فقد جاء في مسند أحمد من حديث عبد الله بن زيد: (
…
ثم تحول إلى القبلة، وحول رداءه فقلبه ظهْراً لبطن وتحول الناس معه) وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح التحديث فانتفت شبهة تدليسه.
ب-أن ما ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على اختصاصه.
ج-ولأن العلة واحدة وهي التفاؤل.
القول الثاني: أن سنة تحويل الرداء في الاستسقاء خاصة بالإمام دون المأمومين.
وإليه ذهب جماعة من السلف منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وهو مذهب الحنفية.
قالوا: إن تحويل الرداء إنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه الذين صلوا معه الاستسقاء، فدل ذلك على اختصاص التحويل بالإمام دون المأمومين.
والراجح الأول.
•
اذكر كيفية تحويل الأردية في الاستسقاء؟
اختلف أهل العلم القائلين باستحباب تحويل الأردية في الاستسقاء في هيئة التحويل على قولين:
القول الأول: أن تحويل الرداء يكون بقلبه فقط، وذلك بجعل ما كان من الرداء على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين.
وهذا مذهب الجمهور.
أ-لحديث عبد الله بن زيد في خبر خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه للاستسقاء وفيه (وحول رداءه، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله) رواه أحمد.
ب- ولحديث أبي هريرة قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فصلى بنا ركعتين
…
وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن) رواه ابن ماجه، وفي إسناده النعمان بن راشد فيه ضعف.
القول الثاني: يستحب مع قلب الرداء تنكيسه، بأن يجعل أعلاه أسفله.
وهذا مذهب الشافعي.
واستدلوا بالحديث الذي سبق: (
…
فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه).
والراجح القول الأول، لأن الأحاديث فيه أصرح.
•
ما الحكمة من التحويل؟
أ- قال النووي: التحويل شرع تفاؤلاً بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته.
ب- وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ج-وكأن الرجل التزم أن يغير عمله السيئ إلى عمل صالح، لأن الأعمال لباس.
•
هل يقدّم التحويل أم الدعاء؟
يقدم الدعاء ثم التحويل.
وهذا ظاهر حديث الباب أنه دعا ثم حوّل رداءه.
وكذلك حديث عبد الله بن زيد.
•
ما الذي يقلب من الثياب؟
بالنسبة لما يقلب فالذي ورد هو قلب الرداء.
لحديث عبد الله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فقلب رداءه) ومثله البشت والعباءة للمرأة، لكن المرأة إذا كان المسجد مكشوفاً وكان تحت العباءة ثياب تلفت النظر، فأخشى أنه في حال قيامها لتقلب العباءة تظهر هذه الثياب وتكون مفسدة أكبر من المصلحة فلا تقلب.
•
هل يقلب الشماغ والغترة؟
وأما قلب الغترة والشماغ فلا أظن هذا مشروعاً، لأنه لم يرد أن العمامة تُقلب، والغترة والشماغ بمنزلة العمامة. (فتاوى الشيخ ابن عثيمين).
وذهب بعض العلماء - وهو قول الشيخ ابن باز - إلى أن الشماغ يقلب.
•
هل يقلب الكوت إذا كان عليه كوت؟
في نفسي من هذا شيء، والظاهر أنه لا يقلبها، ولا يلزمه أن يلبس شيئاً أيضاً من أجل أن يقلبه، يعني يخرج على طبيعته .... (فتاوى ابن عثيمين).
•
ماذا يستحب في الاستسقاء؟
يستحب التصدق.
جاء في (الموسوعة الفقهية): اتّفقت المذاهب على استحباب الصّدقة قبل الاستسقاء، ولكنّهم اختلفوا في أمر الإمام بها، قال الشّافعيّة، والحنابلة، والحنفيّة، وهو المعتمد عند المالكيّة: يأمرهم الإمام بالصّدقة في حدود طاقتهم، وقال بعض المالكيّة: لا يأمرهم بها، بل يترك هذا للنّاس بدون أمرٍ؛ لأنّه أرجى للإجابة، حيث تكون صدقتهم بدافعٍ من أنفسهم، لا بأمرٍ من الإمام. انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: " والصدقة " أي: ويأمرهم أيضاً بالصدقة - أي: قبل الاستسقاء -، والصدقة قد يقال: إنها مناسبة؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير، والإحسان سبب للرحمة؛ لقول الله تعالى:(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، والغيث رحمة؛ لقول الله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)، والصدقة هنا ليست الصدقة الواجبة، بل المستحبة، أما الصدقة الواجبة فإن منْعها سبب لمنع القطر من السماء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عنه: وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء. (الشرح الممتع).
•
هل صلاة الاستسقاء جهرية أم سرية؟
جهرية.
لحديث عبد الله بن زيد قال (خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِى فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَة) رواه البخاري ورواه مسلم دون الجهر بالقراءة.
قال النووي: أجمعوا على استحبابه، وكذلك نقل الإجماع على استحباب الجهر ابن بطال.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- اثبات علو الله.
- أن الإبط ليس بعورة.
- استحباب رفع اليدين حال الاستسقاء والاستصحاء فقط. (وسيأتي حالات رفع اليدين في الدعاء إن شاء الله).
- قدرة الله تعالى العظيمة.
512 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، هَلَكَتِ اَلْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ اَلسُّبُلُ، فَادْعُ اَللَّهَ؟ [عز وجل] يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. ) " - فَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ، وَفِيهِ اَلدُّعَاءُ بِإِمْسَاكِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ) لا يعرف.
(دار القضاء) فسره بعضهم القضاء بأنها دار الإمامة، قال في الفتح: وليس كذلك، وإنما هي دار عمر بن الخطاب، وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر.
(هَلَكَتِ اَلْأَمْوَالُ) المراد بالأموال هنا الماشية.
(وَانْقَطَعَتِ اَلسُّبُلُ) المراد بذلك الإبل، ضعفت لقلة القوت عن السفر لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يعلف.
(ولا قزَعة) بفتح القاف والزاء أي سحاب متفرق.
(وما بيننا وبين سلع) بفتح السين وسكون اللام جبل معروف بالمدينة.
(مثل الترس) أي: مستديرة.
(الآكام) قيل: هي الهضبة الضخمة، وقيل: هي الجبل الصغير.
•
اذكر الحديث بتمامه؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ. فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتاً، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِماً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ قَالَ: لا أَدْرِي) متفق عليه.
(ولا قزَعة) بفتح القاف والزاء أي سحاب متفرق، (وما بيننا وبين سلع) بفتح السين وسكون اللام جبل معروف بالمدينة.
(مثل الترس) أي مستديرة، (الآكام) قيل: هي الهضبة الضخمة، وقيل: هي الجبل الصغير.
•
ما حكم الاستسقاء يوم الجمعة؟
جائز.
لحديث الباب.
•
اذكر أنواع الاستسقاء التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
ورد على عدة أوجه:
الأول: استسقى يوم الجمعة وهو يخطب.
كما في حديث الباب.
الثاني: السؤال من كل واحد من الناس.
وقد استسقى النبي صلى الله عليه وسلم بدون صلاة، كما ورد في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فقال (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً غدقاً طبقاً عاجلاً .... ) رواه ابن ماجه.
الثالث: خرج بهم إلى المصلى واستسقى بهم.
كما في حديث عبد الله بن زيد، وحديث عائشة.
•
اذكر ما يقال في الدعاء عند الاستسقاء؟
أ- ما جاء في حديث الباب (اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا
…
).
ب- وجاء في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال (أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا، مَرِيعًا، نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ. قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ) رواه أبو داود.
قال النووي: إسناده صحيح على شرط مسلم.
الغيث: المطر. المغيث: المنقذ من الشدة. المريء: المحمود العاقبة. المريع: الذي يأتي بالريع وهو الزيادة.
فائدة: في قوله صلى الله عليه وسلم (عاجلاً غير آجل) دليل على جواز سؤال الله عز وجل بهذه الصيغة.
وبناء عليه يمكننا تقسيم الاستعجال في الدعاء إلى نوعين:
الأول: استعجال بمعنى طلب تعجيل المطلوب، وسؤال قرب وقوعه على أكمل وجه: فهذا استعجال جائز بل محمود، لأنه من باب الطمع في كرم الله عز وجل وجوده وإحسانه، وهو سبحانه يرضى من عباده أن يقدروه حق قدره.
الثاني: أما الاستعجال المذموم فهو استبطاء الإجابة، والتسخط على الله عز وجل، والتشكك في جوده وكرمه، والتذمر من عدم تحقق المراد، والله عز وجل لا يرضى أن يضيق قلب عبده المؤمن به. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) متفق عليه.
•
اذكر حالات رفع اليدين في الدعاء (متى ترفع ومتى لا ترفع)؟
القسم الأول: ما ثبت فيه رفع اليدين صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذلك في خطبة صلاة الاستسقاء وكذلك في صلاة الجمعة عند الاستسقاء.
كما في حديث الباب.
القسم الثاني: ما ثبت عدم الرفع فيه.
وذلك في الدعاء في خطبة الجمعة في غير استسقاء ولا استصحاء.
القسم الثالث: ما كان ظاهر السنة فيه عدم الرفع.
وذلك كالدعاء بين السجدتين وآخر التشهد.
القسم الرابع: ما سوى ذلك، فالأصل فيه الرفع، ولذلك كان من آداب الدعاء أن يرفع يديه في الدعاء.
•
ما حكم طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: الجواز.
أ- لحديث الباب.
ب- (أن عمر طلب من أويس القرني أن يستغفر له) رواه مسلم.
ج-وقالت أم الدرداء لزوج ابنها صفوان بن عبد الله بن صفوان (أتريد الحج العام؟ قال: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير).
د-وقال الجبار لسارة (ادعي الله لي ولا أضرك).
هـ-وقال تعالى (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك).
القول الثاني: أنه مذموم إلا إذا قصد به نفع الداعي.
وهذا اختيار ابن تيمية.
قال رحمه الله: ومن قال لغيره من الناس: ادع لي - أو لنا - وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضاً بأمره ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله ورسوله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- جواز تكلم الخطيب يوم الجمعة للحاجة.
- مشروعية الإلحاح في الدعاء.
- استحباب رفع اليدين حال الدعاء.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفراً) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم (
…
الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه
…
) رواه مسلم.
- ظهور قدرة الله الباهرة في إنزال المطر وإمساكه.
- جواز تعدد النقم التي تحل بالمسلم إذا لم يقصد بذلك التسخط من تدبير الله.
- أنه يستحب أن يدعو بهذا الدعاء: اللهم حوالينا ولا علينا ..... إذا كثر المطر وخيف منه.
513 -
وَعَنْ أَنَسٍ; - أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه (كَانَ إِذَا قَحِطُوا يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ. وَقَالَ: اَللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، فَيُسْقَوْنَ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(كَانَ إِذَا قَحِطُوا) أي: أمسك عنهم المطر.
(يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ) الاستسقاء هو طلب نزول الغيث على البلاد، وهنا طلب عمر من العباس أن يدعو الله بطلب السقيا، فمعنى يستسقي بالعباس أي: بدعائه، وذلك لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من الديانة والتقوى.
(وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ) التوسل: ما يتقرب بها إلى الغير، فالوسيلة إلى الله تعالى هو تقرب عبده إليه بعمل صالح.
(وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا) أي: بدعائه.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على جواز التوسل بدعاء الصالحين.
وقد روى ابن سعد في الطبقات: (أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي) وسنده صحيح.
•
ما حكم التوسل بذوات الصالحين؟
حرام.
لحديث الباب.
وجه الدلالة: فلو كان مشروعاً لما عدل الصحابة بالتوسل بالعباس عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً كحرمته حياً، وأيضاً في عهد عمر فيه الكثير من الصحابة ممن هم أفضل من العباس، ومع ذلك لم يتوسلوا بهم، قد كان حياً عثمان، وعلي، وعمر أيضاً، وهؤلاء أفضل من العباس.
وأيضاً كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم قريباً منهم، فلو كان التوسل جائزاً أو مشروعاً بالصالحين، أو بذواتهم أحياءً أو أمواتاً لبادروا إلى حجرة عائشة متوسلين بالنبي صلى الله عليه وسلم لسبقهم.
ففي الحديث رد على أهل البدع الذين استدلوا بهذا الحديث على جواز التوسل بذوات الصالحين.
•
ما المراد بقول عمر (وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا)؟
أي: بدعائه، وليس بذاته، ويدل لذلك:
أ-أنه جاء في رواية أن عمر قال له: قم يا عباس فادعو الله.
ب-أنه قال (اَللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا
…
وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا) ومعلوم أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم بدعائه، إذاً فكذلك يتوسلون بالنسبة للعباس بدعائه.
ج-أنه لو كان المراد التوسل بالذات، لكان التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أولى، لأنه لا أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم.
•
اذكر أنواع التوسل المشروع؟
أنواع التوسل المشروع:
النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته وأفعاله.
فيتوسل إلى الله تعال بالاسم المقتضي لمطلوبه، أو بالصفة المقتضية له، أو بالفعل المقتضي له.
قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).
فيقول: اللهم يا رحيم ارحمني، ويا غفور اغفر لي، ونحو ذلك.
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته.
كقوله تعالى عن أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا).
النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته.
كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم، مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ادع الله أن يغيثنا، وقول عكاشة بن محصن: ادع الله أن يجعلني منهم.
وهذا إنما يكون في حياة الداعي.
•
ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره بعد موته؟
لا يجوز.
لأنه لا عمل له فقد انتقل إلى دار الجزاء، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قم فاستسق، فقام العباس فدعا.
•
ما حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
-؟
التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز سواء في حياته أو بعد مماته، لأن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا يجوز أن يقول الإنسان: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني.
والخلاصة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أقسام:
أولاً: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، فهذا جائز في حياته وبعد مماته.
ثانياً: أن يتوسل بدعائه، أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته، لأنه بعد مماته متعذر.
ويدل على الجواز: حديث الأعرابي الذي دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ....
ثالثاً: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا في مماته، لأنه ليس وسيلة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فضل العباس.
- أن صلاة الاستسقاء تشرع عند وجود سببها وهو القحط.
- أن الصحابة ما كانوا يأتون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الدعاء ويتوسلون بذاته وجاهه.
- تواضع عمر.
- معرفة عمر لأهل البيت منزلتهم.
514 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (أَصَابَنَا -وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اَللَّه صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ اَلْمَطَرِ، وَقَالَ: "إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
===
(فَحَسَرَ ثَوْبَهُ) أي كشف.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على استحباب التعرض لأول المطر، وإخراج شيء من جسده ليناله المطر.
عن ابن عباس (أنه كان إذا أمطرت السماء قال لغلامه: أخرج رحْلي وفراشي يصيبه المطر).
•
ما معنى قوله (إنه حديث عهد بربه)؟
أي بتكوين ربه له أو تنزيله.
•
ما الحكمة من ذلك؟
استنبط بعض العلماء الحكمة من ذلك:
فقال بعضهم: لما كان المطر رحمة، فاستحب أن يتطلع لهذه الرحمة.
وقيل: للاعتراف بالتواضع.
515 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى اَلْمَطَرَ قَالَ (اَللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعاً) أَخْرَجَاهُ
===
(صيباً) أي اجعله صيباً، والصيب المطر.
(نافعاً) احترازاً من الصيب الضار.
•
ما الدعاء المستحب عند نزول المطر؟
يستحب أن يقول: اللهم صيباً نافعاً.
ويستحب أيضاً أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن من المطر ما يكون نافعاً، ومنه ما يكون ضاراً، وعلى هذا فيستحب أن يقيد دعاءه بقوله: نافعاً.
- قول بعضهم إذا نزل المطر: اللهم زدنا، هذا دعاء غير مشروع، لأن الزيادة غير مطلوبة بذاتها، فلربما زاد المطر فكان غرقاً أو هلاكاً.
ولهذا تقدم ما نقول إذا كثر المطر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اللهم حوالينا ولا علينا،
…
).
- استحباب قرن الدعاء بالبركة، فإذا دعا بمال أو ولد أو مركب، فإنه يسن أن يدعو أن يكون مباركاً، لأن كل شيء لا بركة فيها، فإنه لا تقع منه.
فكم من الناس كانت أموالهم نعمة عليهم وكذلك أولادهم.
وقد قال تعالى عن عيسى: (واجعلني مباركاً
…
).
وكم من الناس صار علمهم غير نافع، لأنه لا بركة به، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع).
516 -
وَعَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا فِي اَلِاسْتِسْقَاءِ: اَللَّهُمَّ جَلِّلْنَا سَحَابًا، كَثِيفًا، قَصِيفًا، دَلُوقًا، ضَحُوكًا، تُمْطِرُنَا مِنْهُ رَذَاذًا، قِطْقِطًا، سَجْلًا، يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ.
===
(جَلِّلْنَا سَحَابًا) أي: غطّنا.
(قَصِيفًا) أي: شديد الرعد.
(دَلُوقًا) الدلوق المنهمر بسرعة.
(ضَحُوكًا) أي: كثير البرق.
(تُمْطِرُنَا مِنْهُ رَذَاذًا) الرذاذ المطر الخفيف.
قِطْقِطًا) بكسر القاف وإسكان الطاء، أصغر من الرذاذ.
(سَجْلًا) أي: كثيراً.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث ضعيف.
•
لماذا يستحب البسط في الدعاء؟
يستحب البسط في الدعاء لأمور:
أولاً: أنه من الإلحاح في الدعاء
ثانياً: أن ذلك من شدة الاستحضار.
ثالثاً: أن فيها اظهار الافتقار لله والحاجة.
رابعاً: أن المحب يحب طول المناجاة مع محبوبه.
517 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (خَرَجَ سُلَيْمَانُ عليه السلام يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةً قَوَائِمَهَا إِلَى اَلسَّمَاءِ تَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ سُقْيَاكَ، فَقَالَ: ارْجِعُوا لَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِم.
===
(خَرَجَ سُلَيْمَانُ عليه السلام هو ابن داود، أحد أنبياء بني إسرائيل، جمع الله له بين النبوة والملك.
•
ما صحة حديث الباب؟
هذا الحديث رواه أحمد والحاكم، وفي إسناده محمد بن عون وأبوه لا يعرفان، لكن جاء من طريق أخرى عند الطحاوي وفيه ضعف.
وجاء من طريق أخرى مرسلاً.
فالحديث حسن بهذه الطرق، وقد ضعفه بعضهم.
•
هل يستحب إخراج الحيوانات في صلاة الاستسقاء؟
ذهب بعض العلماء إلى ذلك.
استدلالاً بحديث الباب ....
ولأن القحط أصابها كما أصاب بني آدم.
والصحيح أنه لا يستحب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأن في خروجها إشغال للناس.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أن الاستسقاء موجود في الأمم الماضية.
- إثبات علو الله، وحتى البهائم تعترف بعلو الله.
- أنه إذا نزل المطر، فإنه لا يحتاج إلى صلاة الاستسقاء.
- عظم ملك سليمان، فقد أوتي علم منطق الحيوانات.
- فيه التوسل بأسماء الله وصفاته.
- ثبوت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن هذا الأمر الغيبي.
518 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
===
•
على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على استحباب رفع اليدين في الاستسقاء والمبالغة في ذلك.
•
اذكر أقوال العلماء في معنى الحديث؟
اختلف العلماء في الحديث على قولين:
القول الأول: أن السنة في صفة رفع اليدين أن يرفع الداعي يديه وظهورهما إلى السماء.
وهذا قول الأكثر (المالكية، والشافعية، والحنابلة).
لحديث الباب.
قالوا: إن هذا كالنص في كيفية رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء.
القول الثاني: أن السنة في صفة رفع اليدين أن يرفع الداعي يديه وبطونهما إلى السماء.
وهذا ظاهر مذهب الحنفية، وهو اختيار ابن تيمية.
لحديث ابن عباس مرفوعاً (إذا دعوت فادع بباطن كفيك ولا تدع بظهورهما) رواه أبو داود وفيه ضعف.
وقالوا: إن المراد بحديث الباب المبالغة في رفع اليدين، وأنه من شدة الرفع صار ظهور الكفين نحو السماء وبطونهما نحو الأرض.
وهذا هو الصحيح.
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
…
وينبغي في هذا الرفع أن يبالغ فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبالغ فيه حتى يري بياض أبطيه ولا يرى البياض إلا مع الرفع الشديد حتى أنه جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (جعل ظهورهما نحو السماء) واختلف العلماء في تأويله:
فقال بعضهم: يجعل ظهورهما نحو السماء.
وقال بعضهم: بل رفعهما رفعاً شديداً حتى كان الرائى يرى ظهورهما نحو السماء، لأنه إذا رفع رفعاً شديداً صارت ظهورهما نحو السماء.
وهذا هو الأقرب وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الرافع يديه عند الدعاء يستجدي ويطلب، ومعلوم أن الطلب إنما يكون بباطن الكف لا بظاهره. (الشرح الممتع).
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين.
إثبات علو الله.
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم.
خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه.
عبودية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.
مشروعية طلب الحاجات من الله.
-من أسباب إجابة الدعاء التضرع والتذلل لله. [الأحد/ 20/ 3/ 1433 هـ].
بَابُ اَللِّبَاسِ
اللباس: ما يلبس على الجسم ليستره أو يدفئه.
وهو من نعم الله على عباده، كما قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
- الأصل في اللباس الحل.
قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ).
وقال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
• والمحرم من اللباس إما يحرم لوصفه أو لعينه أو لعارض أو لكسبه:
لوصف فيه: كالثوب المُصوّر، وكالإسبال للرجال.
المحرم لعينه: كالحرير للرجل.
المحرم لعارض: كالمخيط للمحرم.
والمحرم لكسبه: كالمسروق والمغصوب.
519 -
عَنْ أَبِي عَامِرٍ اَلْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ اَلْحِرَ وَالْحَرِيرَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي اَلْبُخَارِيِّ.
520 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ اَلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ اَلْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
521 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ اَلْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
522 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصِ اَلْحَرِيرِ، فِي سَفَرٍ، مِنْ حكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي) أي: أمة الإجابة.
(أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ) أي: يفعلونها فعل المستحل من غير مبالاة ويتهاون بها لضعف الإيمان.
(اَلْحِرَ) وهو الفرج.
(وَالْحَرِيرَ) الحرير الحقيقي خيوط دقيقة تفرزها دودة تسمى دودة القز.
(أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ) الرخصة: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وقيل: إن الأحسن في تعريفها: التسهيل لترك واجب أو فعل محرّم لسبب.
(فِي قَمِيصِ اَلْحَرِيرِ) أي: في قميصٍ من حرير.
(مِنْ حَكَّةٍ)(من) للسببية، أي: بسبب حِكةٍ.
•
اذكر لفظ الحديث عند البخاري؟
قال الإمام البخاري: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِى سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِى الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً. فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة).
•
ما صحة حديث أبي عامر الأشعري؟
حديث أبي مالك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به، قال هشام بن عمار حدثنا صدقة.
وقد ضعفه ابن حزم بالانقطاع بين البخاري وابن هشام، والرد عليه:
قال ابن القيم: وقد طعن ابن حزم وغيره في هذا الحديث، وقالوا: لا يصح لأنه منقطع، لم يذكر البخاري من حدثه به، وإنما قال هشام بن عمار، وهذا القدح باطل لوجوه:
أولاً: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا روى عنه معنعناً حمل على الاتصال اتفاقاً.
ثانياً: أن الثقات الأثبات قد رووه عن هشام موصولاً.
ثالثاً: أنه قد صح من غير حديث هشام.
وقال ابن رجب: وهكذا ذكره البخاري في صحيحه بصيغة التعليق المجزوم به، والأقرب أنه مسند، فإن هشام بن عمار أحد شيوخ البخاري، وقد قيل: أن البخاري إذا قال في صحيحه: قال فلان، ولم يصرح بروايته عنه، وكان قد سمع منه فإنه يكون قد أخذه عنه عرضاً أو مناولة أو مذاكرة، وهذا كله لا يخرجه عن أن يكون مسنداً.
•
ما حكم لبس الحرير للرجال؟ واذكر الأدلة على ذلك؟
حرام ولا يجوز.
أ- لحديث الباب.
ب-ولحديث البراءِ بن عازب رضي الله عنهما قَالَ (أمرنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمَرَنَا بعيَادَة المَرِيض، وَاتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وتَشْمِيتِ العَاطسِ، وَإبْرار المُقْسِم، ونَصْرِ المَظْلُوم، وَإجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، ونَهَانَا عَنْ خَواتِيمٍ أَوْ تَخَتُّمٍ بالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بالفِضَّةِ، وَعَنْ الميَاثِرِ الحُمْرِ، وَعَنْ القَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَريرِ والإسْتبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ج-وعن أبي موسى قال (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريراً بشماله وذهباً بيمينه، ثم رفع بهما يديه وقال: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم) رواه الترمذي.
د-وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) متفق عليه.
خ-وحديث الباب.
هـ_ وعن أنس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة) متفق عليه.
و_ وعن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) متفق عليه.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن لباس الحرير للنساء حلال، وأجمعوا أن النهي عن لباس الحرير إنما خوطب به الرجال دون النساء، وأنه حُظِر على الرجال وأبيحَ للنساء.
•
ما الحكمة من تحريم الحرير على الرجال؟
أولاً: لما فيه من الإسراف والتبذير والعجب.
ثانياً: أنه ثوب رفاهية وزينة فيليق بزي النساء دون شهامة الرجال.
قال ابن القيم: حرّم - يعني الحرير - لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث وضد الشهامة والرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنث والرخاوة ما لا يخفى حتى لو كان من أشهم الناس، وأكثرهم فحولة ورجولية
ثالثاً: لما فيه من مشابهة الكفار والمشركين كما في حديث حذيفة (
…
فإنه لهم في الدنيا، وهو لكم في الآخرة).
قال ابن حجر: واختلف في علة تحريم الحرير على الرجال على رأيين مشهوريين:
أحدهما: الفخر والخيلاء.
والثاني: لكونه ثوب رفاهية وزينة.
•
هل لبس الحريم للرجال خاص بالكبار دون الصغار؟
لا، بل يحرم لبس الحرير حتى على الصغار.
لقوله صلى الله عليه وسلم (هذان حرام على ذكور أمتي
…
) والصبي من الذكور.
قال ابن تيمية: وأما لباس الحرير للصبيان الذين لم يبلغوا، ففيه قولان مشهوران للعلماء، لكن أظهرهما أنه لا يجوز، فإن ما حرم على الرجال فعله حرم عليه أن يمكّن منه الصغير.
•
اذكر الحالات التي يجوز فيها لبس الحرير؟
الحالة الأولى: أن يكون الحرير في الثوب يسيراً. (وقد ضبطوا اليسير بألا يتجاوز أربع أصابع).
لحديث الباب (حديث عمر).
قال النووي: وفي هذه الرواية: إباحة العَلَم من الحرير في الثوب إذا لم يَزد على أربع أصابع، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور.
الحالة الثانية: حالة الضرورة، والحاجة إلى لبس الحرير.
لحديث أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، في القمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما) متفق عليه.
(الحكة) هي الجرب ونحوه.
قال الشوكاني: والحديث يدل على جواز لبس الحرير لعذر الحِكة، والقمل عند الجمهور، وقد خالف في ذلك مالك، والحديث حجة عليه.
وقال رحمه الله: والتقييد بالسفر بيان للحال الذي كانا عليه، لا للتقييد، وقد جعل السفر بعض الشافعية قيداً في الترخيص، وهو ضعيف.
•
ما رأيك بمن يقول إن الرخصة خاصة بعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام؟
هذا القول مردود من وجهين:
الأول: أن العبرة في نصوص الشارع بعموم لفظها لا بخصوص سببها.
الثاني: أنه قد تقرر في الأصول أن ما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره، ما لم يقم دليل على اختصاصه بذلك، إذ لا فرق بين هذين الصحابيين اللذين رخص لهما النبي صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير عند الحاجة وبين غيرهما من أفراد الأمة في هذا.
قال ابن القيم: فالذى استقرت عليه سُنَّته صلى الله عليه وسلم إباحةُ الحرير للنساء مطلقاً، وتحريمه على الرجال إلا لحاجةٍ ومصلحةٍ راجحةٍ، فالحاجة إمَّا من شِدَّة البرد، ولا يَجِدُ غيرَه، أو لا يجدُ سُترةً سواه، ومنها: لباسه للجرب، والمرض، والحِكةِ، وكثرة القَمْل كما دلّ عليه حديث أنس هذا الصحيح.
والجواز: أصح الروايتين عن الإمام أحمدَ، وأصحُ قولى الشافعى، إذ الأصلُ عدمُ التخصيص، والرخصةُ إذا ثبتت فى حقِّ بعض الأُمة لمعنى تعدَّتْ إلى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فيه ذلك المعنى، إذ الحكمُ يَعُم بعُمُوم سببه.
•
ما حكم لبس الحرير حال القتال والحرب؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يباح لبس الحرير في الحرب مطلقاً لحاجة كان أم لا.
وهذا ذهب إليه جمع من السلف، منهم عطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير، والمذهب عند الحنابلة.
أ- لحديث الشعبي قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير عند القتال) وهذا حديث ضعيف.
ب- عن الحسن قال (كان المسلمون يلبسون الحرير في الحرب) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
ج- أن المنع من لبس الحرير للرجال إنما هو من أجل ما يورثه لابسه من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء والمساكين، والخيلاء في وقت المعركة والحرب غير مذموم.
القول الثاني: يجوز لبس الحرير للرجال عند الحاجة، أما مع عدم الحاجة فلا يجوز له لبسه.
وإليه ذهب الشافعية في الوجه الصحيح عندهم.
أ- لحديث أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف
…
).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهما في لبس الحرير لحاجتهما إليه، وقد كان ذلك في الغزو، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رخص في لبس الحرير حال الحرب مطلقاً، فدل هذا على أنه لا يجوز لبس الحرير في الحرب إلا عند الحاجة إليه.
القول الثالث: تحريم الحرير مطلقاً على الرجال في الحرب وغيره.
وهو مذهب الحنفية.
لعموم الأدلة التي تدل على تحريم الحرير على الرجال مطلقاً.
والراجح القول الثاني أنه يجوز للحاجة.
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما لباس الحرير عند القتال للضرورة فيجوز باتفاق المسلمين، وذلك بأن لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية.
فائدة أخرى: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما لباسه لإرهاب العدو ففيه قولان للعلماء؛ أظهرهما أن ذلك جائز.
•
ما حكم الجلوس على الحرير والديباج؟
حرام.
لقوله (
…
وأن نجلس عليه).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قَوْله (وَأَنْ نَجْلِس عَلَيْهِ) حُجَّة قَوِيَّة لِمَنْ قَالَ بِمَنْعِ الْجُلُوس عَلَى الْحَرِير، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور، وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن وَهْب فِي جَامِعه مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ: لَأَنْ أَقْعُد عَلَى الجَمْر أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْعُد عَلَى مَجْلِس مِنْ حَرِير. (الفتح).
وقال ابن القيم رحمه الله: لو لم يأت هذا النص لكان النهي عن لبسه متناولا لافتراشه كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبس لغة وشرعا، كما قال أنس:(قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس) رواه البخاري ومسلم. ولو لم يأت اللفظ العام المتناول لافتراشه بالنهي لكان القياس المحض موجبا لتحريمه. (إعلام الموقعين).
وقال النووي: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالتَّغَطِّي بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سَتْرًا وَسَائِرُ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا مُنْكَرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُنَابِذٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، هَذَا مَذْهَبُنَا، فَأَمَّا اللُّبْسُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَوَافَقَنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ. دَلِيلُنَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، وَلِأَنَّ سَبَبَ تَحْرِيمِ اللُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي الْبَاقِي، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ اللُّبْسُ مَعَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى .... (المجموع).
وجاء في (الموسوعة الفقهية) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ افْتِرَاشِ النِّسَاءِ لِلْحَرِيرِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَال فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى تَحْرِيمِهِ " انتهى.
•
هل هذا النهي [وهو الجلوس على الحرير والديباج] خاص بالرجال أم هو عام للرجال والنساء؟
قيل: إن تحريم الجلوس عام للرجال والنساء.
لأن الأصل التحريم، وإنما أبيح اللبس للنساء من أجل التجمل والتزين.
وقيل: إن التحريم خاص بالرجال.
وهذا هو الراجح.
•
هل يدخل في تحريم الحرير، الحرير الصناعي؟
لا، لا يدخل.
•
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)؟
فقيل: هو كناية على عدم دخول الجنة.
قال الشوكاني: والظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة، وقد قال الله تعالى في أهل الجنة:(ولباسهم فيها حرير) فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة، ويدل لذلك حديث ابن عمر عند الشيخين بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) والخلاق كما في كتب اللغة وشروح الحديث: النصيب، أي من لا نصيب له في الآخرة.
وقيل: أنه لا يلبس الحرير في الجنة ويلبس غيره من الملابس.
وقيل: هذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن الفعل مقتضي لهذا الحكم وقد يتخلف عنه لمانع.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تحريم الزنا.
- تحريم الخمر.
- تحريم الغناء.
قال ابن القيم:
حب القرآن وحب ألحان الغناء
…
في قلب عبدٍ ليس يجتمعانِ.
- ظهور آية من آيات الله حيث وقع ما أخبر به.
- تحريم لبس الديباج، وهو ما غلظ من الحرير.
- تحريم الجلوس على الحرير والديباج.
523 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ (كَسَانِي اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ اَلْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
===
(كَسَانِي اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أي: أعطاني وليس معناه ألبسني.
(حُلَّةً) الحلة إزار ورداء.
(سِيَرَاءَ) ثوب مضلع بالحرير.
(فَخَرَجْتُ فِيهَا) جاء في رواية (فلبستها).
(فَرَأَيْتُ اَلْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ) أي: أثره، لأن الغضب ليس شيئاً محسوساً، وقد جاء في رواية لمسلم (فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، إنما بعثت بها إليك لتشققها حمراً بين النساء)، وفي رواية أخرى (شققها حمراً بين الفواطم).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم الحرير على الرجال.
ونستفيد: حل الحرير على النساء.
•
ما معنى قوله (فَرَأَيْتُ اَلْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ)؟
أي: أثره، لأمرين:
الأول: أن الغضب ليس شيئاً محسوساً.
الثاني: أن الغضب محله القلب وليس الوجه.
•
هل السيراء كانت حريراً صرفاً أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فقيل: لم تكن حريراً صِرفاً.
واختار هذا الحافظ ابن حجر.
وقيل: كانت حريراً خالصاً.
واختاره النووي. ويدل لذلك:
ما رواه علي نفسه: (أن أُكيْدر دُومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير، فأعطاه علياً، فقال: شقِّقه حُمُراً بين الفواطم) رواه مسلم.
قال النووي: الحلة كانت حريراً محضاً، وهو الصحيح الذي يتعين القول به
…
ولأنها هي المحرمة، أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر.
•
هل يجوز إهداء الحرير للرجال، وكذلك خاتم الذهب؟
نعم يجوز.
لأنه لا يتعين أن يستعملها هو، بل قد يبيعها أو يعطيها أحداً من نسائه.
•
ما المراد بالفواطم؟
زوجته: فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمه: فاطمة بنت أسد.
وبنت عمه: فاطمة بنت حمرة.
وزوجة أخيه عقيل: فاطمة بنت شيبة.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية الهدية.
- مشروعية قبول الهدية، لكن بشروط ثلاثة:
أن لا يكون خجلاً - أن لا تقع موقع الرشوة - ألا يخشى الرشوة.
- الغضب إذا انتهكت حرمات الله.
524 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُحِلَّ اَلذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِمْ.) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث أعله ابن حبان وغيره بالانقطاع، وأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى، لكنه حديث صحيح لشواهده، ومن شواهده حديث علي قال (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريراً في يمينه وذهباً في يساره وقال: هذان حرام على ذكور أمتي) رواه أبو داود وابن ماجه وزاد (حل لإناثهم).
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم لبس الحرير على الرجال.
ونستفيد: تحريم لبس الذهب على الرجال.
•
اذكر بعض الأدلة على تحريم الذهب على الرجال؟
أ-حديث الباب.
عن- البراءِ بن عازب رضي الله عنهما، قَالَ: أمرنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع:
…
ونَهَانَا عَنْ خَواتِيمٍ أَوْ تَخَتُّمٍ بالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بالفِضَّةِ،
…
) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ج-وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن خاتم الذهب).
د- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتَماً مِنْ ذهبٍ في يدِ رجلٍ فنَزعه فطرحه، وَقالَ (يَعْمدُ أحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ!)) فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لا والله لا آخُذُهُ أبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
•
ما حكم لبس الحرير للصبيان؟
حرام كالكبار.
لقوله صلى الله عليه وسلم (هذان حرام على ذكور أمتي
…
) والصبي من الذكور.
قال ابن تيمية: وأما لباس الحرير للصبيان الذين لم يبلغوا، ففيه قولان مشهوران للعلماء، لكن أظهرهما أنه لا يجوز، فإن ما حرم على الرجال فعله حرم عليه أن يمكّن منه الصغير.
•
ما حكم لبس الذهب للنساء؟
جائز مباح المحلق وغير المحلق، وهذا قول جماهير العلماء.
أ- لحديث الباب (حل لإناثهم).
وجه الدلالة: الحديث لم يستثن من الذهب شيئاً محلقاً ولا غير محلق.
ب- ولحديث جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِى فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ قَالَ لَا وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ، تُلْقِى فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ. قُلْتُ أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ قَالَ إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ) متفق عليه.
(فتخها: هي الخواتيم العظام).
ج-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ (شَهِدْتُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلَالٍ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ «أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ» . وَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا يَدْرِى الْحَسَنُ مَنْ هِيَ. قَالَ «فَتَصَدَّقْنَ» وَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِى ثَوْبِ بِلَالٍ).
وفي رواية (ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا).
(فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى قُرْطَهَا).
(بخرصها: قال الحافظ بضم الخاء وسكون الراء هي الحلقة الصغيرة من الذهب أو الفضة).
(وسخابها: قلادة تتخذ من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة).
(قُرطها: كل ما علق على الأذن فهو قرط سواء كان ذهباً أو فضة أو غير ذلك).
د-ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم معها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله) رواه أبو داود.
وجه الدلالة: من الواضح في هذا الحديث - وضوحاً جلياً - أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر على الصحابية لبس السوارين، ولكنه سألها هل تؤدين الزكاة عليهما؟ ولو كان لبس السوارين محرماً لنهاها النبي صلى الله عليه وسلم.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- حل لبس الحرير للنساء.
- حل الذهب للنساء.
525 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ.
===
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث إسناده صحيح وله شواهد تقويه:
منها: ما رواه أبو الأحوص عن أبيه قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دُونٍ، فقال: ألك مال؟ قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قلت: آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: فإذا آتاك الله مالاً فليُرَ أثر نعمته عليك وكرامته) رواه أبو داود.
- الحديث له قصة عن أبي رجاء العُطاردي قال: (خرج علينا عمران بن حصين وعليه قطرَف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب
…
).
•
ما حكم لبس الملابس الحسنة؟
يستحب لبس الملابس الحسنة، ومما يدل لذلك:
أ- حديث الباب.
ب-ولحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم.
فقد أباح الإسلام لأهله التمتع بالطيبات المباحة أكلاً وشرباً، ولباساً وزينة، وطالب المكلفين برعاية الجسد، كما أمرهم بإصلاح النفس وتهذيب الروح.
•
ما شروط هذا التجمل؟
هذا التجمل مشروط بشرطين:
الأول: عدم الإسراف.
الثاني: عدم الخيلاء.
قال صلى الله عليه وسلم (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) رواه أحمد.
وقال ابن عباس (كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة).
فالحديث نص في مشروعية التجمل بأنواع اللباس المشروع ما لم يصاحب ذلك إسراف ومجاوزة للحد في التبذير أو مخيلة.
والمخيلة: هي الكبر.
قال الشافعي: من نظف ثوبه قل همه.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- استحباب إظهار نعمة الله تعالى، لأن ذلك من شكرها.
- إثبات المحبة لله، فالله يحب ويُحب.
- استدل بحديث الباب على جواز لبس الخز.
والخز: ثياب مخلوطة من صوف وحرير، وهذا هو الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.
526 -
وَعَنْ عَلِيٍّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
527 -
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رضي الله عنهما، قَالَ (رَأَى عَلَيَّ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: "أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(الْقَسِيِّ) قال النووي: بفتح القاف وكسر السين المشددة، قال أهل اللغة: وغريب الحديث هي ثبات مصلعة بالحرير تعمل بالقسي، بفتح القاف، وهو موضع من بلاد مصر، وهو قرية على ساحل البحر.
(وَالْمُعَصْفَرِ) المصبوغ بالعصفر [وهو بضم العين] اسم نبات له أزهار يوجد منها صبغ أحمر.
•
ما حكم لبس لباس القسي؟
حرام، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
•
ما حكم لبس الثياب المعصفرة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه حرام لبسها.
واختار هذا القول جمع من المحققين كابن عبد البر، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني.
لأحاديث الباب فإنها نص على التحريم.
أ- حديث علي (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ).
ب- حديث عن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ (رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟ قلتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا).
وفي رواية (فَقَالَ: إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا) رواه مسلم.
فهذه الأحاديث دلالة واضحة على التحريم.
فقد أمر عبد الله بن عمرو بإحراقها.
وقال (إنها لباس الكفار).
قال ابن القيم: وهذه الأحاديث صريحة في التحريم لا معارض لها، فالعجب ممن تركها.
القول الثاني: أنه يكره.
وذهب إليه جماعة من العلماء.
واستدلوا بأدلة القول الأول، وصرفوها عن التحريم إلى الكراهة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء.
لكن هذا مردود، لأن الأصل في النهي التحريم.
القول الثالث: يباح.
قال النووي: فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك.
لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء.
والراجح القول الأول القاضي بتحريم لبس الثياب المعصفرة للرجال، لقوة أدلته وصراحته في التحريم.
وأما لبس النبي صلى الله عليه وسلم للأحمر:
فقد قال الشوكاني: الحق أنه يتوجه النهي عن المعصفر إلى نوع خاص من الأحمر، وهو المصبوغ بالعصفر، لأن العصفر يصبغ صباغاً أحمر، فما كان من الأحمر مصبوغاً بالعصفر فالنهي يتوجه إليه، وما كان من الأحمر غير مصبوغ بالعصفر فلبسه جائز، وعليه يحمل ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبس الحلة الحمراء.
•
ما الحكمة من النهي عن لبس الثياب المعصفرة؟
أولاً: أنها لبسا الكفار.
الثاني: أنها لباس النساء.
عن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟ قلتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: (بَلْ أَحْرِقْهُمَا).
وفي رواية، فَقَالَ: إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا) رواه مسلم.
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم (أمك أمرتك بهذا؟) معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن وأما الأمر بإحراقهما فقيل هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل.
•
ما حكم لبس الثوب الأحمر؟
اختلف العلماء في حكم لبس الثوب الأحمر على أقوال:
القول الأول: الجواز.
وهو قول المالكية، والشافعية.
أ- لحديث البراء قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلةٍ حمراء ما رأيت شيئاً أحسن منه) متفق عليه.
ب-ولحديث أبي جحيفة قال (خرج رسول الله في حلة حمراء ثم ركزت له عنَزة فتقدم وصلى الظهر) متفق عليه.
وجه الدلالة: فهذا الحديثان وما جاء في معناهما يدلان على جواز لبس ما كان أحمر اللون من اللباس، إذ لو كان لبسه مكروهاً لما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن رجب: والمقصود هاهنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء مشمّراً، وصلى بالناس، يدل على جواز الصلاة في الثوب الأحمر، وإذا جاز لبسه في الصلاة جاز في غيرها من باب أولى.
ج-عن عامر بن عمرو. قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه بُردٌ أحمر، وعليٌ أمامه يُعبِّرُ عنه) رواه أبو داود. (يعبر عنه: أي يبلغ ويردّد عنه كلامه ليسمعه الحجيج).
القول الثاني: يكره للرجل لبس الثياب الحمراء إذا كانت مُصْمَتة (حمراء كلها) مشبَّعة بالحمرة أم لا، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواء وغيرهما فلا كراهة فيه.
وهذا مذهب الحنابلة، والحنفية، واختيار ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نهيت عن الثوب الأحمر، وخاتم الذهب، وأن أقرأ وأنا راكع) رواه النسائي.
ب- ولحديث عبد الله بن عمرو قال (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، قال الحافظ: وهو حديث ضعيف الإسناد.
ج- عن رافع بن يزيد. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة) رواه الطبراني في الأوسط وهو ضعيف.
وأجاب هؤلاء عن أدلة الجواز:
قال ابن القيم: ولبس صلى الله عليه وسلم حُلة حمراء، والحلة: إزار ورداء، ولا تكون الحُلة إلا اسماً للثوبين معاً، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتاً لا يُخالطها غيره، وإنما الحلةُ الحمراء: بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر، وإلا فالأحمر البحتُ منهي عنه أشد النهي، ثم ساق عدداً من الأدلة على المنع ثم قال: وفي جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر. وأما كراهته، فشديدة جداً، فكيف يُظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القاني، كلا لقد أعاذه اللهُ منه، وإنما وقعت الشبهةُ مِنْ لفظ الحلة الحمراء.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر الأقوال في هذه المسألة وأوصلها إلى سبعة أو ثمانية أقوال، ورجح الحافظ في الفتح القول بكراهته إن كان للزينة والشهرة، وجوازه إن كان في البيوت والمهنة، ونسب هذا القول إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا نسبه إلى الإمام مالك رحمه الله.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- وجوب إنكار المنكر.
- جواز العقوبات المالية.
- التحذير من التشبه بالكفار، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود.
- أن التشبه يقع في اللباس كما يقع في غيره.
- شدة اتباع الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم.
- تحريم التشبه بالنساء.
528 -
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما (أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكْفُوفَةَ اَلْجَيْبِ وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ، بِالدِّيبَاجِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَصْلُهُ فِي "مُسْلِمٍ"، وَزَادَ:(كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَقَبَضْتُهَا، وَكَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفِي بِهَا).
وَزَادَ اَلْبُخَارِيُّ فِي "اَلْأَدَبِ اَلْمُفْرَدِ (وَكَانَ يَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ وَالْجُمُعَةِ).
===
(جُبَّةَ) الجبة ثوب واسع مفتوح من الأمام، يلبس فوق الثياب.
(مَكْفُوفَةَ اَلْجَيْبِ) الكف عطف أطراف الثوب.
(وَالْكُمَّيْنِ) الكُم مدخل اليد.
(وَالْفَرْجَيْنِ) الشق الذي يكون أمام الثوب وخلفه.
•
ما صحة حديث الباب؟
الحديث إسناده حسن، لأن في إسناده المغيرة بن زياد متكلم فيه، قال الحافظ: صدوق له أوهام.
•
ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: جواز لبس الثوب الذي فيه يسير الحرير.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (
…
بالديباج) والديباج ما غلظ من الحرير.
ففي هذا الحديث أن ما استدار حول الشق وحول الكمين كان محلى بالديباج.
•
اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- مشروعية التحلي للاجتماعات العامة كالجمعة والعيد ولقاء الوفود.
وقد قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: (ابتع هذه تتجمل بها للعيد والجمعة) فهذا يدل على أن التحلي للعيد كان معروفاً.
- جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم.
- تحريم التبرك بآثار الصالحين.
فما ذهب إليه بعض العلماء من جواز التبرك بآثار الصالحين قياساً على النبي صلى الله عليه وسلم قول باطل:
لأن الصحابة لم يفعلوا ذلك مع غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
سد ذريعة الشرك، لأن جواز التبرك بآثار الصالحين يفضي إلى الغلو بهم وبعبادتهم من دون الله، فوجب المنع من ذلك.
الأحد/ 27/ 3/ 1433 هـ.