المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس الثامن بعد الثلاثمئة ??يوم السبت: 3 / 7 / 1416 - شرح زاد المستقنع - حمد الحمد - جـ ١٧

[حمد الحمد]

فهرس الكتاب

الدرس الثامن بعد الثلاثمئة

??يوم السبت: 3 / 7 / 1416 هـ)

??كتاب الوقف "

??الوقف: مصدر وقف يقف وقفاً، وجمعه وقوف ويقال: وقفه وأوقفه.

أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرفه المؤلف.

بقوله: ??وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة] .

????كأن يحبس نخلاً، وثمارها تكون صدقة في سبيل الله أو يحبس داراً وأجرتها في سبيل الله، أو يحبس فرساً يركب في سبيل الله.

??والوقف مندوب إليه، لقوله تعالى:((وافعلوا الخير)) (1) ?وهو من الخير.

وثبت في الصحيحين عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم?يستأمره فيها فقال له?????لو شئت حبست أصلها وتصدقت بها) ??، ?فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، تصدق بها في الفقير وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقاً غير متمول مالاً) ? (2)

قال: [ويصح بالقول وبالفعل الدال عليه]

???فالوقف يصح بكل قول دل عليه، وبكل فعلٍ دل عليه.

ثم مثّل المؤلف للفعل فقال???

??كمن جعل أرضه مسجدا وأذِن للناس في الصلاة فيه أو مقبرة وأذن بالدفن فيها]

??فإذا جعل أرضاً مسجداً وأذن للناس بالصلاة فيه فتكون هذه الأرض وقفاً مسجداً لله عز وجل؛ لأن هذا الفعل منه يدل على ذلك، ولا يشترط أن يقول هي وقف أو نحو ذلك، ولكن فعله يدل على ذلك ولو لم يتلفظ بأنها وقف.

أو جعل أرضه مقبرة فحوطها كما تحوّط المقابر وأذن للناس أن يدفنوا فيها فكذلك هي وقف?؛?لأن هذا الفعل منه يدل على ذلك.

قال: [وصريحه: وقفت وحبست وسبلت] .

???هذا في القول??

?القول منه ما هو صريح ومنه ما هو كناية ?

(2) أخرجه البخاري في باب الشروط في الوقف، من كتاب الشروط، وفي باب ما للموصي أن يعمل في مال اليتيم..، وباب الوقف كيف يكتب من كتاب الوصايا، ومسلم باب الوقف، من كتاب الوصية، كما أخرجه بقية السبعة، المغني [8 / 184] .

ص: 1

فالصريح يكفي فيه اللفظ من غير اشتراط انضمام شيء إليه من نية أو فعل أو قرينة، فبمجرد ما يتلفظ باللفظ الصريح تثبت هذه العين وقفاً وإن قال أنا لم أنوِ، وإن لم يفعل ما يدل على ذلك، وإن لم تكن?هناك قرينة تدل على أنه وقف??

وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، فإذا قال: وقفت داري أو حبست داري أو سبلت داري فهذه ألفاظ صريحة في الوقف.

قال: [وكنايته?تصدقت وحرمت وأبَّدت???

?????الكناية هي: ما لا يكفي فيه اللفظ بل يشترط انضمام أمر زائد إليه من نية أو فعلٍ أو قرينة.

وكنايات الوقف: تصدقت وحرمت وأبدّت??

?فإذا قال مثلاً: تصدقت بداري?، ثم قال: أنا لم أنوه وقفاً، ولا قرينة ولا فعل?، فإنه يحكم بقوله?؛?وذلك لأن هذه الألفاظ مشتركة في الوقف وغيره فكان لابد من أمر زائدٍ يدل على إرادة الوقف??

??وقال ابن الجوزي، وهو من فقهاء الحنابلة???بل لفظة (?أبَّدت???تدل على الوقف فهي من صريحه لا من كنايته.

وفيه قوة: ومرجع معرفة اللفظ أهو من الصريح أم من الكناية مرجع ذلك إلى أعراف الناس.

??

قال: [فتشترط النية مع الكناية] .

???أي يقول: تصدقت بداري " وينوي أنها وقف؛ ?لأن قوله: تصدقت بداري، لفظ مشترك فيحتمل أن تكون الصدقة التي ليست هي بوقف ويحتمل أنه يريد الوقف، فلما كان لفظاً مشتركاً اشترط فيه النية.

قال: [أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة] .

??تقدمت ألفاظ ستة، منها ثلاثة صريحة، ومنها ثلاثة من باب الكناية، فإذا تلفظ بلفظ من ألفاظ الكناية وضمّ إليه لفظاً من الألفاظ الباقية، فحينئذ يزول الاشتراك وتكون وقفاً.

??فإذا قال: تصدقت بداري صدقة موقوفة، أو تصدقت بداري صدقة محبوسة، أو تصدقت بداري صدقة مسبّلة أو قال تصدقت بداري صدقة محرمة أو صدقة مؤبدة.

?فحينئذ يكون وقفاً وإن ادعى?أنه لم ينو، فلا يقبل منه ذلك.

وكذلك لو قال: "حرمت داري تحريماً مؤبداً أو تحريماً موقوفاً أو تحريماً محبساً، ونحو ذلك فإنه يحكم بأنه وقف??

ص: 2

ومرجع هذا في الألفاظ إلى عرف الناس، وقد يكون في عرف الناس لفظ هو صريح في الوقف وهو في عرف من قبلهم كناية فيه وقد يكون العكس أيضاً.

قال: [?أو حكم الوقف] .

????أي أن يضم إلى هذا اللفظ الذي هو من الكناية، يضم إليه ما يدل على الوقف وهو حكمه.

كأن يقول: "?تصدقت بداري فلا تباع ولا توهب ولا تورث، فدل على أن قوله?????تصدقت بداري، يريد بذلك الوقف.

قال: [ويشترط فيه المنفعية دائماً من عين ينتفع به مع بقاء عينه كعقار وحيوان ونحوهما](1) ?

??فيشترط في الوقف أن يكون ذا منفعة دائمة مع بقاء العين ?

فإذا كانت العين لا ينتفع بها على سبيل الدوام فلا تصح وقفاً.

مثال ذلك: الدراهم والدنانير، والطعام ونحوها، فلا يصح وقفها وذلك لأنها تنفد فلا يبقى الانتفاع.

??كعقار] ?أي كأرض يبنى فيها، وتبقى وتؤجر ومثل ذلك البستان فهذه يصح وقفها.

وقد تقدم حديث عمر لما أصاب أرضاً بخيبر فقال?له ?النبي ?صلى الله عليه وسلم??????لو شئت حبست أصلها وتصدقت بها) ?فهذا يدل على أن الأرض تصح وقفاً.

?وحيوان] ?فالحيوان يصح وقفه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم?في صحيح البخاري: ??من حبس فرساً في سبيل) (2) ?

(1) في النسخة التي عندي: " ويشترط فيه المنفعة دائماً من معين ينتفع به مع بقاء عينه، كعقار وحيوان ".

(2)

لم أجده بهذا اللفظ في صحيح البخاري، لكنه أخرج في كتاب الجهاد والسير، وفي كتاب الوصايا، باب وقف الدواب والكراع.. (2775) : أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله، أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمل عليها رجلا، فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاعها فقال:(لا تبتعها ولا ترجعن في صدقتك) ، وأخرجه مسلم 1621.

ص: 3

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم?قال: في خالد بن الوليد: ??وأما خالدٌ?فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) (1) ?

?وهذا يدل على صحة وقف الأدراع ونحوها من السلاح??

والعتاد???هو أهبة القتال من خيل وذخيرة وسلاحٍ ونحو ذلك.

وفي?قول المؤلف????من عين???

??هذا هو المشهور في المذهب?وأن الموصوف في الذمة لا يصح وقفه ?

فإذا قال???وقفت عبداً وصفه كذا، أو داراً وصفها كذا أو حيواناً وصفه كذا، فلا يصح.

ومثل ذلك، المبهم فإذا قال:"?تصدقت بأحد فرسيّ في سبيل الله صدقة موقوفة، أو قال???حبست أحد عبديَّ في سبيل الله" ونحو ذلك، فهنا مبهم لا يدري أي العبدين ولا أي الفرسين، فلا يصح أيضاً كما هو المشهور في المذهب?

قالوا: كالهبة.

وسيأتي الكلام على الهبة والخلاف فيها.

??وهنا احتمال في المذهب وهو اختيار شيخ الإسلام???أنه يصح وقف الموصوف في الذمة ويصح وقف المبهم?،?وهذا هو القول الراجح?

???وعليه: فعليه أن يوقف ما وصفه في الذمة??

?فيقال?له???أنت وقفت داراً قلت وصفها كذا وكذا، فعليك أن توقف ما وصفت ?

وإن قال: وقفت أحد عبدي في سبيل، فيُقرع بينهما ومن خرجت عليه القرعة فهو وقف.

والحمد لله رب العالمين

الدرس التاسع بعد الثلاثمئة

??يوم الاثنين: 5 / 7 / 1416 هـ)

قال رحمه الله: [وأن يكون على بر كالمساجد والقناطر والمساكين والأقارب] .

????هذا هو الشرط الثاني من شروط الوقف وهو أن يكون على برٍ وهذا باتفاق العلماء.

(1) أخرجه البخاري في باب قول الله تعالى: {وفي الرقاب..} من كتاب الزكاة، وفي باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الجهاد،، ومسلم في باب في تقديم الزكاة ومنعها من كتاب الزكاة،وأخرجه أبو داود والنسائي وأحمد، المغني [8 / 232] .

ص: 4

فإن الوقف يدوم إلى ما بعد موته فلم يكن له?حق في أن يصرف شيئاً من ماله في أمر محرم ولا مباح فاشترط أن يكون في بر، كبناء مسجد أو مدرسة علمية أو بناء دار يكون ريعها للفقراء وذوي القربى??

فإن كان على محرم فلا يجوز كأن يبنى داراً للهو?المحرم أو لشرب الخمر ونحو ذلك??

وإذا كان على مباح فإنه لا ينفذ أيضاً كأن يجعل داره وقفاً على لهو مباح.

قال: [من مسلم وذمي] .

????يصح أن يكون الوقف على المسلم وعلى الذمي ?

أما المسلم فظاهر.

وأما الذمي?فلقوله تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)) (1) ?

وروى عبد الرزاق في مصنفه، والأثر حسن أن صفية زوج النبي- صلى الله عليه وسلم?أوصت لابن أخٍ لها يهودي? (2) ?فيجوز أن يوقف على ذمي ونحوه.

قال: [غير حربي] .

فالحربي لا يجوز أن يوقف عليه، وذلك لأن ماله ليس بمعصوم وعليه فريع الوقف غير معصوم ?

والوقف لازم وحين ذلك لا يكون لهذا المال عصمة لكون صاحبه ليس بمعصوم المال ولأنه ليس بوجه برٍ أن يوقفه على من يحارب الله ورسوله وأهل الإسلام.

(1) سورة الممتحنة.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (9914) في كتاب أهل الكتاب، باب عطية المسلم الكافر ووصيته له قال:" أخبرنا عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن نافع عن ابن عمر: أن صفية ابنة حُييّ أوصت لابن أخ لها يهودي " وبرقم (9913)[6 / 33] وبرقم (19327)[10 / 349] قال: " أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن عكرمة، قال: باعت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم داراً لها من معاوية بمئة ألف، فقالت لذي قرابة لها من اليهود: أسْلِم فإنّك إن أسلمتَ ورثتني، فأبى، فأوصت به، قال بعضهم: بثلاثين ألفاً ". وأخرجه برقم (19342) قال: " أخبرنا الثوري عن ليث عن نافع عن ابن عمر أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أوصَت لنسيب لها نصراني ".

ص: 5

قال: [وكنيسةٍ ونسخ التوراة والإنجيل وكتب زندقة] .

فهذه لا يجوز الوقف عليها.

قال: [وكذا الوصية] .

??أي في الحكم، فالوصية كذلك فإن ما لا يصح وقفه لا تصح الوصية به، وسيأتي الكلام على هذا في باب الوصايا.

قال: [والوقف على نفسه] .

?أي لا يصح الوقف على نفسه، فإذا قال:" وقفت داري على نفسي ثم أولادي من بعدي" فهنا الوقف لا يصح.

قالوا: كما لا يصح بيعه على نفسه وإجارته عليها، هذا هو المشهور في المذهب.

??وعن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وهو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد كابن عقيل وهو مذهب أبي يوسف من الأحناف، وبعض الشافعية???أن الوقف على النفس صحيح.

وهذا هو الأظهر، وذلك قياساً على أم الولد فإن الرجل إذا وطئ أمته فولدت له ولداً فهي أم ولد، تبقى له في حياته ولا تباع ولا توهب، فكذلك الوقف يبقى له في حياته ولا يباع ولا يوهب??

?وكما لو أوقف مسجداً وصلى فيه أو أوقف مقبرةً ودفن فيها أو أوقف بئراً وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين كما وقع من عثمان رضي الله عنه فهنا قد دخل في المنتفعين من الوقف، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك وأنه إذا أوقف مقبرةً فله أن يقبر فيها وكذلك إذا أوقف مسجداً فله أن يصلي فيه وهكذا فكذلك هنا??

?وأما المنع من بيعه على نفسه وإجارته عليها فهذا لامتناعه فهو ممتنع لا فائدة فيه.

وفي هذا القول ترغيب بالوقف فإنه إذا علم أنه يمكنه أن يوقف شيئاً من ماله ويستفيد من ريعه حياته فإن هذا يكون ترغيباً له فيه.

??قال الحنابلة??ويجوز له إن أوقفه عل غير نفسه أن يشترط غلته كلها أو بعضها أو مدة معلومة، له أن يستثني ذلك وهو مخرج من المسألة المتقدمة.

ويستدلون بما تقدم من قول عمر????ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقاً غير متمول مالاً?? (1) ?وكان عمر كما قالوا، كان هو وليها في حياته??

(1) متفق عليه، وقد تقدم في الصفحة الأولى.

ص: 6

وهذا ظاهر، وحيث قلنا بالقول المتقدم من جواز الوقف على نفسه فهذا أولى.

قال: [ويشترط في غير المسجد ونحوه أن يكون على معين يملك] .

المسجد والمقبرة ونحوهما إذا أوقفه فإنه لا يوقفه على معين بل على جماعة من الناس، وكذلك القنطرة أو النفق أو الطريق، فهذا وقف على غير معين، فلا يشترط العلم بالموقوف عليه، فإذا بنى مسجداً فلا يشترط أن يعلم من يصلي فيه، وهكذا.

أما غير المسجد ونحوه، فإنه يشترط فيه أن يكون على معين يملك، فيكون على معين غير مجهول ولا مبهم.

قال: [لا مَلَك] .

فإذا أوقف على ملك من الملائكة أو على جني فإنه لا يصح لأنه لا يملك.

قال: [وحيوان] .

??لا يصح الوقف عليه لأنه لا يملك، وكذلك العبد فإنه معين لكن لا يملك فلا يصح الوقف عليه.

قال: [وقبر] ? (1) ?

لا يصح الوقف عليه لأنه وإن كان معيناً لكنه لا يملك.

قال: [وحمل] ? (2) ?

??لا يصح الوقف عليه لأنه ليس بمعين أو لا يدرى?هل موجود أو لا.

ويشترط?،?وهو الشرط الرابع???هو? (3) ?????أن يكون ناجزا لا معلقاً هذا هو المشهور في المذهب?

فإذا قال: "?أوقفت داري إن شفى الله مريضي أو إن جاء زيد من سفر" فإن الوقف لا يصح.

??والقول الثاني في المذهب وهو اختيار شيخ الإسلام، واختيار صاحب الفائق من الحنابلة???إن الوقف يصح وهو الراجح إذ لا مانع منه شرعاً.

ومثل ذلك إن قال: أوقفت داري سنة أو عشر سنوات، أي ثم بعد ذلك ترجع إليَّ?، ففيها قولان:

والأظهر الجواز?إذ لا مانع منه، وإن كان الوقف في الأصل يدوم ويستمر لكن هذا لو سلمنا أنه ليس بوقف لكن لا نسلم أنه ممنوع إذ الأصل في العقود الحل.

قال: [لا قبوله] .

أي لا يشترط قبوله، إذا أوقف على غير معين فلا إشكال في أنه لا يشترط القبول، كأن يوقف مسجداً ونحوه، فلا يشترط قبول الموقوف عليهم لأنها جهة عامة.

(1) في الأصل:والقبر.

(2)

في الأصل: والحمل.

(3)

كذا في الأصل.

ص: 7

لكن الكلام هنا حيث كان الوقف على معينٍ كأن يقول: "أوقفت داري على زيد وأولاده من بعده" فهل يشترط قبول الموقوف عليهم أم لا؟

قال المؤلف: لا يشترط قبوله، كالعتق?، فكما أن العبد لا يشترط قبوله للعتق?، فكذلك هنا.

والقول الثاني في المسألة، وهو وجه في المذهب وهو رواية عن الإمام أحمد???أنه يشترط قبوله?؛?قياساً على الوصية أو الهبة، فهي تبرع من آدمي.

وهذا أظهر?فهي بالهبة هنا أشبه منها بالعتق ?

والفارق بين الوقف والعتق أن العتق إن رُدّ فإن في ذلك إبطالاً لحق الله في الحرية??

?بخلاف رد الوقف فكان الوقف هنا أشبه بالهبة والوصية منه بالعتق.

ولأن ما يترتب من المنة ونحوها ثابتة في الوقف كما هي ثابتة في الهبة.

فإن لم يقبل هذا الوقف فإنه ينصرف إلى من بعده، فإذا قال "أوقفت هذه الدار على زيد وعمرو" فلم يقبل زيد فإنها تنتقل إلى من بعده.

قال: [ولا إخراجه عن يده] .

أي لا يشترط أن يخرج الوقف عن يده.

فإذا قال مثلاً: هذا الفرس وقف لله تعالى، ولم يخله فهو ما زال في يده، فهل يلزم الوقف أم لا؟

قولان لأهل العلم.

???القول الأول???أنه يلزم فليس له الرجوع بعد ذلك?، وهذا هو المشهور في المذهب?

قالوا??لأنه قد ثبت بالقول الدال عليه أو?الفعل الدال عليه فيحصل الوقف بذلك.

قالوا: وقياساً على العتق?، فكما أن الرجل إذا قال: أعتقت فلاناً فإنه يعتق عليه وإن لم يخرجه من يده" فكذلك هنا.

القول الثاني?،?وهو رواية عن الإمام أحمد??أنه لا يلزم ويثبت إلا إذا أخرجه من يده وأما قبل ذلك فله الرجوع??

?واستدلوا: بالقياس على الهبة والوصية.

فكما أن الهبة لا تثبت حتى يخرجها عن يده ويقبضها الآخر فكذلك هنا في الوقف.

والذي يترجح?من هذين القولين?، أن ذلك ليس بشرط بل يثبت الوقف وإن كان الوقف في يده?، وذلك لأن حقيقة الوقف قد ثبتت بمجرد قوله:"وقفت أو حبست ونحو ذلك" لأن الوقف هو حبس الأصل وتسبيل المنفعة، وقد حصل الوقف بقوله ذلك ?

ص: 8

وأما الهبة فلا تكون هبةً حتى ينتقل من يده ويقبضها الآخر ففرق هنا بين الهبة والوقف.

فالراجح أنه لا يشترط لثبوت الوقف - لا يشترط - إخراج الوقف من يد الواقف.

والحمد لله رب العالمين

الدرس العاشر بعد الثلاثمئة

??يوم الثلاثاء: 6 / 7 / 1416 هـ)

??فصل "

قال رحمه الله: [ويجب العمل بشرط الواقف] .

يجب العمل في الوقوف بشرط واقفها، لأثر عمر المتقدم في الصحيحين.

قال شيخ الإسلام: "وقول الفقهاء نص الواقف كنص الشارع يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل".

فالفقهاء عندهم أن لفظ الواقف كنص الشارع يعني في دلالة الألفاظ من عموم أو خصوص أو إطلاق أو تقييد أو نحو ذلك ?

قال أي شيخ الإسلام، "والتحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عقدٍ يُحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم فيها وافقت لغة العرب أو لغة الشرع أم لا"?اهـ.

فالعبرة بما يريده في لفظه وهو المراد في خطاباته وفي لغته أي في أعراف الناس،

فمثلاً الناس عندنا يطلقون الولد ويريدون به الذكر، وليس هذا في لغة العرب ولا في لغة الشرع.

فإذاً: فهم كلام الواقف مرجعه إلى عادته في خطابه ولغته التي يتكلم فيها?؛?لأن هذا هو مراده.

وقول المؤلف هنا:???بشرط الواقف "، ?ظاهره سواء كان الشرط مستحباً أو كان مباحاً، وهذا هو المذهب??

مثال كون الشرط مستحباً أن يقول: "?أوقفت داري على أولادي ثم أولادهم من بعدهم لطلبة العلم أو لحفظة القرآن منهم" فهذا شرط مستحب??

?ومثال الشرط المباح أن يقول: " أوقفت داري على أولادي الأغنياء منهم" فهذا شرط مباح.

واختار شيخ الإسلام أن الشرط المباح ليس بمعتبر فإذا قال: "للأنسب منهم أو للغني منهم أو غير ذلك من الشروط المباحة أو شرط ألّا يؤجر ونحو ذلك، فإنه لا عبرة بشرطه، فللناظر على الوقف أن يخالف شرطه وهذا هو القول الأرجح??

ص: 9

وذلك لأن اشتراط القربة ثابت في اعتبار الجهة أصلاً كما تقدم?، وأن الواجب في الوقف أن يكون على قربة فكذلك في شروطه فيشترط أن تكون في قربة ??

ولأن مثل هذا سفه وعبث في المال فينهى عنه فالراجح هو ما اختاره شيخ الإسلام?

وشرط الواقف يجب العمل به حيث لم يخالف مقصود الشرع أو لم يكن فيه إخلال بمقصود الشارع فإذا وضع وقفاً على أئمة وقال???يكون لغير الأقرأ أو لغير الأعلم???أو كأن يقول???للأكبر???، فهذا يخالف ويخل بمقصود الشارع من أن إمام الناس أقرؤهم لكتاب الله.

فالشرط المخالف لكتاب الله غير مقبول.

قال: [في جمع] .

يجب العمل بشرط الواقف في جمع أي في جمع الموقوف عليهم، فإذا قال:"أوقفت داري على أولادي وأولاد أولادي" فقد جمع بين أولاده وأولاد أولاده فيكون ريع الوقف لهم جميعاً، لأن هذا هو شرطه.

قال: [وتقديم] .

??فإذا قال " هذا وقف على زيد وعمرو والمقدم هو زيد" فيُعمل بشرطه فإنه قد شرط التقديم لزيد?،?فيعطى زيد من الريع ما يكفيه فإن فضل شيء فهو لعمرو، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له.

قال: [وضد ذلك] .

??ضد الجمع الإفراد، وضد التقديم التأخير.

فإذا أفرد فقال: "هذا وقف لزيدٍ ثم أولاده من بعده" فيعمل به.

وإذا قال: هذا وقف لزيد وعمرو والمؤخر هو زيد" فيعطى عمرو ريع الوقف وما فضل فلزيد لأنه هو المؤخر.

قال: [واعتبار وصف وعدمه] .

???فإذا قال: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم من بعدهم الأفقه منهم، فحينئذ نعطيه?الأفقه?منهم فنعمل بهذا الوصف.

وإذا قال: "هذا وقف عل أولادي ثم أولادهم من بعدهم" فهنا لم يذكر وصفاً وعليه فنحن نطلق كما أطلق?، فهو قد شرّك بينهم، وأطلق فحينئذ نشرك بينهم ونطلق؛ وذلك لأنه لم ينص على صفة معينة.

قال: [وترتيب] .

فالترتيب شرط مقبول منه.

ص: 10

فإذا قال: ??هذا لأولادي ثم لأولادهم من بعدهم، فلا نُشرِّك بين أولاده وأولاد أولاده، بل يعطى أولاده، ثم إذا لم يبق له ولد فإنه يعطى أولاد أولاده، لأنه هنا قد رتّب.

قال: [ونظر] .

??إذا قال: "والناظر على الوقف فلان" فهو شرط معتبر يجب العمل به، فيكون هذا المعين هو الناظر على الوقف المعتني?بشؤونه الصارف لريعه، فقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح في وصية عمر بن الخطاب:"هذا ما أوصى به عبد الله، عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغاً وصِرْمَة بن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمئة سهم التي بخيبر والأرقاء فيه والمئة التي أطعمه النبي صلى الله عليه وسلم?بالوادي، تليه حفصة بنت عمر ثم ذو الرأي من أهلها"(1) ?

فهذا شرط من عمر في تعيين الواقف.

قال: [وغير ذلك] .

???فأي شرط يشترطه، فإنه يعمل به، وقد تقدمت ضوابط في هذا.

قال: [فإن أطلق ولم يشترط استوى الغني والذكر وضدهما] .

??إذا أطلق الواقف فقال: "هذا وقف على أولادي وأولاد أولادي" ولم يشترط فإنه يستوي فيه الغني والفقير والذكر والأنثى، لا فرق بينهم.

وذلك لأنه شرّك بينهم وأطلق، ومقتضى هذا الإطلاق التسوية بينهم.

قال: [والنظر يكون للموقوف عليه] .

??لأن الواقف لم يعين ناظراً فحينئذ يكون الناظر هو الموقوف?عليه.

(1) أخرجه أبو داود باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف من كتاب الوصايا برقم [2878] ولفظه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله، عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدثٌ أن ثمغاً وصِرْمَة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمئة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه، والمئة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقاً منه ".

ص: 11

فإذا قال: "هذا وقف على زيدٍ ثم لأولاده من بعده، ولم يعين ناظراً" فإن الناظر يكون زيداً.

وهذا إن كان فرداً مستقلاً به.

أما إذا كان الموقوف عليه جماعة، كأن يقول: هذا الوقف على أولادي وهم جماعة فحينئذ يكونون هم الناظرين عليه جميعاً بقدر حصصهم، هذا إذا كان الوقف مما يكون على المعينين.

وأما إن لم يكن على المعينين، كأن يوقف على الفقراء أو على المساكين ونحو ذلك فإن الناظر هو الحاكم.

إذن: إذا كان الوقف على معينين، فالمعينون هم الناظرون فيه.

فإن كان فرداً استقلّ به، وإن كانوا جماعة فهم جميعاً ناظرون عليه بقدر حصصهم.

قالوا: لأن الوقف ملك لهم والمنفعة لهم.

أما كون المنفعة لهم، فإن هذا صحيح فإنهم هم المنتفعون به وهذا يقتضي أن يكونوا هم الناظرين عليه لأن ريعه وثمرته لهم.

وأما كونهم هم المالكون للوقف، فهذا هو المذهب?،?فالمذهب?أن الوقف ملك للموقوف عليه، فإذا قال: ?هذا وقف على زيد" فهو ملك له.

قالوا: قياساً على الهبة.

??وعن الإمام أحمد وهو مذهب أبي حنيفة واختيار طائفة من أصحاب الإمام أحمد:?أنه حق لله وليس ملكاً للموقوف عليه، نعم الموقوف عليه يملك منفعته وأما أصله فلا يتملكه الموقوف عليه، وهذا هو الراجح.

فالراجح: أنه?ملك لله عز وجل.

ويستدل على هذا، بقول النبي صلى الله عليه وسلم???احبس أصلها وتصدق بها) (1) ، فدل على أنها صدقة.

ولأن الموقوف عليه لا يملك التصرف فيها ولا تورث عنه كسائر ماله فدل على أنها ليست ملكاً له، وقد تقدم الفارق بين الوقف والهبة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمئة

??يوم الأربعاء: 7 / 7 / 1416 هـ)

قال المؤلف رحمه الله: [وإن وقف على ولده، أو ولد غيره، ثم على المساكين] .

(1) متفق عليه وقد تقدم في الصفحة الأولى.

ص: 12

الوقف على الولد جائز باتفاق العلماء، ومن الآثار الواردة فيه ما ثبت عند البيهقي والدارمي ورواه البخاري معلقاً، أن الزبير رضي الله عنه وقف على ولده وجعل للمردودة أن تسكن غير مضرّةٍ?ولا مضرّاً بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها" (1) ?ولا يعلم له مخالف.

أو ولد غيره، كأن يقول: هذه الدار وقف على ولد زيد أو على ولد أخي" فهذا جائز.

فإذا قال هذه الدار وقف على ولدي ثم للمساكين.

قال: [فهو لولده] .

???قال الفقهاء من الحنابلة في المشهور عندهم:?لولده الموجودين حين الوقف، وعليه???فإذا ولد له بعد ذلك فلا حق لهم في الوقف، وهذا ضعيف.

??وعن الإمام أحمد وهو اختيار طائفة من أصحابه???أن من يولد من ولده فله حق في الوقف، وذلك موافقةً لغرض الواقف، ولدخوله في لفظه فهو داخل في ولده ومقصوده انتفاع ولده وهذا من ولده، بل هو أشفق عليه وأرحم به لصغره فكان دخوله أولى.

قال: [الذكور والإناث بالسوية] .

??فريع هذا الوقف يكون لولده ذكروهم وإناثهم بالسويَّة، وذلك هو مقتضى إطلاقه، فإنه قد شرَّك بينهم وأطلق فاقتضى التسوية فللذكر مثل ما للأنثى.

قالوا: ويستحب له أن يفضل الذكر على الأنثى.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى [6 / 275] رقم (11930)، باب الصدقة على ما شرط الواقف.. من كتاب الوقف قال:"أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو الحسن الكارزي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد، ثنا أبو يوسف، عن هشام بن عروة أن الزبير جعل دوره صدقة،قال: " وللمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فلا شيء لها " قال أبو عبيد: قال الأصمعي: المردودة المطلقة " وعلقه البخاري في باب إذا وقف أرضاً أو بئراً واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين من كتاب الوصايا بعد (2777) فقال: " وتصدق الزبير بدوره

"

ص: 13

واختار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي?وجوب تفضيل الذكر على الأنثى وتحريم عدم التفضيل وهو الراجح، وذلك لأن التفضيل هو العدل كما في الإرث وترك العدل محرم فترك العدل ظلم.

وعليه: فإذا أطلق أو نص على أن الذكر له مثل ما للأنثى، فإن الذكر يعطى مثل ما للأنثيين، لأن هذا هو العدل الذي أمر الله به.

قال: [ثم ولد بنيه] .

???فيكون لولده من صلبه ثم لولد بنيه، وهل الترتيب هنا ترتيب على فرد أو ترتيب بطن على بطن؟

بمعنى: هل لا يعطى?أولاد الأبناء حتى ينقرض الأولاد من الصلب فلا نعطى أولاد بنيه حتى ينقرض أولاده.

أم أن الترتيب ترتيب فرد على فرد، فإذا مات زيد من ولده ولزيدٍ أولاد فنصيب زيد ينتقل إلى أولاده؟

وجهان في مذهب الحنابلة?

والمذهب هو الأول??وأنه ترتيب بطن على بطن فإذا انقرض البطن الأول أعطي?البطن الثاني فلا يعطى?أولاد?الأبناء مع وجود الأولاد.

القول الثاني في المذهب: وهو اختيار شيخ الإسلام واختيار الشيخ عبد الرحمن بن السعدي:?أنه ترتيب فرد على فردٍ وهو الراجح?تقريباً للإرث والعدل وبعداً عن الجور?والظلم، فإن هذا حق لوالدهم كان يأخذه وهو حي فينتقل حينئذ إليهم كما ينتقل إليهم سائر ماله.

قال: [دون بناته] .

أي دون ولد بناته.

ولد البنات لا يرثون كما تقدم في الفرائض???

فبنت البنت وابن البنت وإن نزلا فلا إرث لهما.

قالوا: فكذلك هنا لقوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم)) (1) ?فإذا قال???هذا وقف على ولدي?،?لم يدخل ولد بناته، كما لا يدخلون في قوله تعالى:???يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)) ? (2) ??

هذا هو مذهب الإمام أحمد فهو مذهب الحنابلة?

ومذهب الشافعية???أن أولاد بناته يدخلون.

قالوا: لأن ولد البنت ولده?، ولذا قال تعالى:((ومن ذريته داود وسليمان ???إلى قوله???????وعيسى??? (3) ?وعيسى ابن بنته مريم رضي الله عنها.

(1) سورة النساء.

(2)

سورة النساء.

(3)

سورة الأنعام 84.

ص: 14

ولقوله صلى الله عليه وسلم?في الحسن، وهو ابن بنته، قال: ?إن ابني هذا سيدّ" (1) ??

وهذا القول رواية عن الإمام أحمد واختاره أبو الخطاب من الحنابلة واختاره من أئمة الدعوة الإمام عبد الرحمن بن حسن والإمام محمد بن إبراهيم وهو القول الراجح?في هذه المسألة.

وأما قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)) ? (2) ?

فالجواب أن ولد البنت داخل في العموم، وإنما دل الإجماع على عدم إرثهم فرضاً.

ويمكن أن يُستدل بهذه الآية على إرثهم رحماً كما هو مذهب الحنابلة ??لكن فيه نظر؛ لأنه يلزم أن يرثوا للذكر مثل الانثيين??? (3) ??

قال: [كما لو قال: على ولد ولده وذريته لصلبه] .

???إذا قال: هذا وقف على ولد ولدي أو على ذريتي لصلبي أو على عقبي أو على نسلي".

فالخلاف كذلك هنا، والراجح أن ولد البنت يدخلون في ذلك كما هو مذهب الشافعية?

قال: [ولو قال على بنيه أو بني فلان اختصّ بذكورهم???

????إذا قال: هذا وقف على بنيّ أو على بني فلان، فيختص بالذكور فليس للإناث من الوقف شيء.

وذلك لأن الابن يطلق ويراد به الذكر كما قال تعالى: ???أم?له البنات ولكم?البنون????? (4) ?فالابن بخلاف البنت.

وهل يدخل في ذلك ابن بنته؟ على الخلاف المتقدم، والراجح دخولهم.

(1) أخرجه البخاري، في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن..، من كتاب الصلح، وفي باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب المناقب، وفي باب الحسن والحسين من كتاب فضائل الصحابة، وفي باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن من كتاب الفتن،وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، المغني [4 / 98] .

(2)

سورة النساء.

(3)

ما بين القوسين ليست في الأصل، وإنما في المطبوع فقط.

(4)

قال الله تعالى في سورة الصافات 149: {فاستفتهم ألربك البناتُ ولهم البنون} .

ص: 15

وقد قال تعالى: ((وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم)) ? (1) ?أي محرمات ومعلوم أن زوجة ابن البنت محرمة بالاتفاق.

قال: [إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم] .

????إذا قال: هذا وقف على القبيلة الفلانية فيدخل فيه النساء؛ وذلك لأن النساء من القبيلة فيشمل الذكور والإناث.

ويخرج أولاد النساء من غيرهم.

فإذا تزوج رجل من قبيلة أخرى، امرأةً من هذه القبيلة فالمرأة لها نصيب من الوقف?؛?لأنها تنسب إلى هذه القبيلة، أما أولادها من هذا الرجل فلا نصيب لهم؛ وذلك لأنهم لا ينتسبون إلى هذه القبيلة، وهذا ظاهر.

قال: [والقرابة وأهل بيته وقومه يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه] .

???إذا قال: هذا وقف على قرابتي أو على أهل بيتي أو على قومي، فإنه يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد بنيه (2) ?وجده وجد أبيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم?اسمه هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فإذا أوقف لقرابته فيدخل في ذلك أولاده، وأولاد عبد الله???وعبد الله ليس?له من الولد إلا النبي صلى الله عليه وسلم???وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم، فعبد الله أبوه، وجده عبد المطلب، وجد أبيه هاشم، قالوا: بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم?قد جعل سهم ذوي القربى في?أولاد هاشم وأولاد عبد المطلب، وأولاده عليه الصلاة والسلام.

وقال الشافعية?بل يدخل في ذلك كل من ينتسب إلى أبيه الذي ينتسب إليه هو، وليس المراد الأب المباشر بل قد ينتسب إلى جده?أو أبي جده،?كما يقال ??بنو جعفر أو بنو هاشم وبنو مخزوم.

فإذا قال: هذا الوقف لقرابتي أو أهل بيتي أو لقومي ?، دخل في ذلك كل فرد [مـ]ـمن ينتسب إلى أبيه.

وهذا هو القول الراجح?وهو أقرب إلى العرف.

(1) سورة النساء، نهاية الجزء الرابع.

(2)

كذا في الأصل، ولعلها: أبيه.

ص: 16

فمثلاً: العائلة الفلانية إذا قال رجل منهم ??هذا وقف على قرابتي أو قومي أو أهل بيتي، يدخل فيها كل من يتسمّى بهذه القبيلة سواء كان من ولد أب الجد أو من ولد جد الجد.

وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم?بني المطلب من سهم ذوي القربى وهم من ولد جد جده.

وقد تقدم كلام شيخ الإسلام وأن مرجع هذه الألفاظ إلى العرف لا إلى دلالة اللغة ولا إلى دلالة الشرع.

وما تقدم من المسائل كذلك، فإذا كان في عرف الناس عندنا أنه إذا قال: على ولدي" لا يدخل في ذلك أولاد بناته فنحكم بذلك?؛?لأن هذا هو مراده، بدليل أنه لو عرف أنا سنفهم مراده على غير هذا لاستثنى وقال: إلا ولد البنات، فالواجب حمل كلام الناس على ما يعتادون عليه.

قال: [وإن وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث أو حرمانهن عمل بها???

????إذا قال: "وقف على بنيه" فلا تدخل فيه البنات فإذا كانت هناك قرينة تقتضي إعطاء الإناث، أو حرمانهن في مسائل أخرى فإنه يعمل بها.

هذا يخالف الشرع والعدل كما قرر هذا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي?فالشخص لا يتصرف بماله يمقتضى شهوته وهواه، وإن خالف الشرع والعدل بل الشرط ألا يخالف الشرع والعدل، ولا شك أن العدل بين الأولاد ذكورهم وإناثهم واجب.

فإذا تضمن لفظه في وقفه تضمن حرمان صاحب حق أو اختصاص بعض الورثة بالوقف دون البعض الآخر، فإن هذا ظلم وجور والشريعة تنهى عن ذلك.

فعلى ذلك لا ينظر إلى لفظه الذي يخرج به الإناث بل تعطى الإناث?لوجوب العدل وتحريم الظلم.

ولو فتح هذا لسلكه كل من شاء حرمان الإناث من المال بأن يوقفه على أبنائه وأبناء أبنائه ونحو ذلك، والواجب سد هذا الباب.

قال: [وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم ??والتساوي??? (1) ???

???إذا قال هذا وقف على من يوجد في بلدتي من القبيلة الفلانية، وكان حصرهم ممكناً فحينئذٍ يعطونه بالتسوية ويجب تعميمهم؛ لأنه يمكن حصرهم.

(1) هذه الكلمة في المطبوع دون الأصل.

ص: 17

وظاهر إطلاق كلامه التسوية بينهم.

وقال بعض الحنابلة:?بل إذا كان هناك ما يقتضي التمييز فللناظر التمييز ?، كأن يكون بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً فيميز بين غنيهم وفقيرهم، أو بعضهم إناث وبعضهم ذكور فيميز بين ذكرانهم وإناثهم وهذا هو القول الراجح?كما تقدم تقريره في مسألة سابقة وأن شرطه المباح لا يعمل به، وهذا شرط مباح، فالمساواة بين الذكور والإناث إن لم نقل بتحريمه فيقال على أقل تقدير بإباحته ولا يعمل بالشرط المباح وإنما يعمل بالشرط المستحب، هذا القول هو الراجح.

قال: [وإلا جاز التفضيل والاقتصار على أحدهم] .

??فإذا كان لا يمكن حصرهم كأن يقول????هذه الدار وقف على كل قبيلة بني تميم?–?وتميم أكثر قبائل العرب - ?وهي دار لا يخرج منها إلا عشرة آلاف فحينئذ يجوز التفضيل والاقتصار على أحدهم.

قالوا: لأنه لما أتى بهذا اللفظ الذي لا يمكننا العمل به إذا (1) ??لا يمكنهم تعميم ذلك، علم أنه يريد نفع هذا الجنس وهذا حاصل بنفع رجل واحدٍ منهم.

قالوا: وعليه فإذا كان يجوز لنا أن نقتصر على واحد فإن التفضيل أولى، لأنه إذا جاز حرمانه فكونه مفضلاً عليه من باب أولى.

أما إذا كانوا ابتداءً يمكن حصرهم ثم طرأ عليهم انتشار ونحو ذلك فأصبحوا لا يمكن حصرهم فحينئذ يجب أن يعمل الناظر بالتعميم حيث أمكن، لأنه أراد تعميمهم.

??فصل "

قال: [والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه] .

??فالوقف عقد من العقود اللازمة وقد تقدم ما يدل على هذا.

قال: [ولا يباع] .

???فالوقف لا يباع خلافاً لأبي حنيفة، لما تقدم في حديث ابن عمر وفيه: أنه لا يباع (2) ?

وقول أبي حنيفة مخالف للسنة فلا يلتفت إليه، والجمهور على تحريم?بيع الوقف.

قال: [إلا أن تتعطل منافعه] .

??إذا تعطلت منافعه بالكلية، فأصبح لا ينتفع?به فيجوز بيعه.

(1) كذا في الأصل، ولعلها: إذْ

(2)

تقدم في بداية كتاب الوقف.

ص: 18

مثال ذلك: بنى مسجداً وقفاً في قرية فخربت هذه القرية فلم يبق فيها ساكن بل أصبحت مزارع وبساتين، أو بني طريقاً أو قنطرة، أو نحو ذلك، ثم حصل خراب في هذه المدينة فأصبحت هذه الأرض لا ينتفع بها، وقد بنى بها قنطرةً، وطريقاً، أو فتح مدرسة، فيجوز بيعه في المشهور من المذهب.

??ومنع من ذلك الشافعية، والمالكية?تمسكاً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم?عن البيع.

والراجح ما ذهب إليه الحنابلة?

لأن هذا هو الموافق لمقصود الشارع أولاً وقد نهى الشارع عن إضاعة المال وفي ترك هذا المال من غير أن ينتفع به إضاعة له، وهو أيضاً موافق لغرض?المُوقِف فإن غرض الموقف الانتفاع به?، وهنا قد فات الانتفاع به?

فإن لم تعطل منافعه لكن المصلحة الراجحة بيعه فهل يجوز بيعه أم لا؟

المشهور في المذهب???المنع؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم?عن البيع.

وعن الإمام أحمد وهذه الرواية هي أظهر?نصوصه وهو قول في المذهب وهو اختيار شيخ?الإسلام?وهو المعمول به في هذه البلاد في المحاكم????أن ذلك جائز حيث المصلحة الراجحة.

وهذا هو الراجح، لأنه أتم وأكمل في مقصود الشارع ومقصود الموقِف ?

?فمثلاً: مسجد كان في موضع وهو لا يتسع إلا لمئة مصلٍ، وحوله بيوت فإذا أردنا أن نوسعه احتجنا إلى شراء هذه البيوت بأثمان غالية وربما امتنع أصحابها من بيعها، وفي نفس الحي أرض واسعة فهل يجوز أن نبيع أرض المسجد ونشتري هذه الأرض الواسعة ويبنى بها بهذا الثمن مسجد.

الجواب: نعم للمصلحة الراجحة.

قال: [ويصرف ثمنه في مثله ولو أنه مسجد] .

إن كان مسجداً فبمسجد وإن كانت مدرسة فبمدرسة ونحو ذلك.

ص: 19

وذلك لأن هذا هو الأقرب لمقصود الموقف، فإن مقصوده بناء مدرسة أو بناء مسجد فإذا أخذنا الثمن ووضعناه في شيء آخر فإن هذا يخالف مقصوده فحينئذ يوضع فيما هو أقرب لمقصود الموقف فيبنى به مسجد أو بعض مسجد (1) ??كأن يشترى به الأرض ثم يتبرع أحد ببناء?مسجد عليها ?

قال: [وآلته وما فضل عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر] .

آلة المسجد من فرش وأدوات أخرى من كهرباء ونحو ذلك، ما يفضل منه يجوز صرفه في مسجد آخر، للمصلحة الراجحة وهو أقرب لمقصود الموقف.

قال: [والصدقة به على فقراء المسلمين] .

??أي ويجوز أن يتصدق به على الفقراء?، كأن تباع ويُتصدق بها على الفقراء.

واستدلوا بما روى البيهقي???أن شيبة كان يتصدق بخُلْقان الكعبة "أي أستارها" وأن عائشة أمرته بذلك?? (2) ?أي يبيع ستر الكعبة ويتصدق به على الفقراء، لكن الأثر إسناده ضعيف.

وعن الإمام أحمد???أنه لا يتصدق به بل يصرف في مسجدٍ آخر ?، وقال صاحب الإنصاف?????وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية????

فعلى ذلك آلات المسجد الفاضلة عن حاجته ولا يظن أنه يحتاج إليها قريباً من فرش ونحو ذلك لا تباع فيتصدق بها، بل تنقل إلى مسجد آخر، وهكذا المصاحف ونحو ذلك مما يفضل عن حاجة المسجد.

مسألة:

???هل يجب تعمير الوقف على الموقف عليهم من غلته أم لا؟

إذا أوقف زيد داره على أولاده فهل إذا حصل فيها خراب أو نحو ذلك يجب عليهم أن يعمروها?؟

المشهور في المذهب???أنه لا يجب التعمير ?

وهذا القول ضعيف جداً.

وذلك لأن فيه تسليطاً للبطن الأول عليه بإفساده، بحيث يستقلون بمنافعه فلا يستفيد منه من بعدهم?، ففيه إضرار بمن بعدهم.

ولما فيه من الإضرار بالوقف، ولأن العرف جار بوجوب ذلك في جميع الأوقاف، وهو اختيار شيخ الإسلام، واختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، فالراجح وجوب تعميره.

مسألة:

(1) في المطبوع: أو أرض مسجد.

ص: 20

إذا قال ??هذا وقف على أولادي?ولم يقل: ثم للمساكين، فانقرض أولاده فلمن يصرف ريع الوقف?؟

ثلاثة أقوال في هذه المسألة هي روايات عن الإمام أحمد.

القول الأول?،?وهو المشهور في مذهب أحمد والشافعي????أنه يصرف إلى قرابته لأنهم أولى بمعروفه.

القول الثاني???أنه يرجع إلى بيت المال، ويصرف في المصالح?؛?لأنه مال لا مستحق له.

القول الثالث?،?واختاره القاضي من الحنابلة واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي???أنه يكون للمساكين.

وهذا القول أرجحها?؛?وذلك لأن مصرف الصدقات المساكين، والوقف صدقة كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم?لعمر: ?احبس أصلها وتصدق بها) ،?ومصرف الصدقات المساكين، ولذا فمن نذر صدقة مطلقة فإنها تصرف للمساكين??

?ومع ذلك فإن الأولى والأحق هم قرابته المساكين فهم أولى بمعروفه، لكن لا يعطى?الغني منهم، فإن ظاهر المذهب الأول أنه يعطى الغني منهم أيضاً، والصحيح أنه للمساكين وأولى المساكين بذلك هم قرابته.

والحمد لله رب العالمين

الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمئة

??يوم الجمعة: 9 / 7 / 1416 هـ)

?باب: الهبة والعطية"

الهبة والعطية: هما إعطاء المال بلا عوض.

والعطية هنا هي الهبة في مرض الموت، وأما الهبة فهي في حال الصحة، هذا هو الفرق بين الهبة والعطية هنا.

??والهدية يقصد بها الإكرام والتودد والمكافأة فإن لم يقصد بإعطائه شيئاً فهبة وعطية ? (1) ???

والفرق بين الهبة والعطية والهدية وبين الصدقة: أن الهبة ونحوها تعطى لشخص معين يقصد بها لمحبةٍ أو لتأليف قلبٍ ونحو ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم???تهادوا تحابوا) ? (2) ?رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو حديث حسن ?

(1) العبارة التي بين القوسين ليست في الأصل، وإنما هي في المطبوع فقط.

(2)

قال الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد ص221 رقم [462 /594] قال: " حسن - الإرواء (1601) : ليس في شيء من الكتب الستة ".

ص: 21

وأما الصدقة فهي عبادة يقصد بها دفع الحاجة ولا يقصد بها أحد بعينه?وكان النبي صلى الله عليه وسلم?يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة كما في الصحيحين ??ويقصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط?? (1) ?

قال: [وهي التبرع بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره] .

فالهبة?هي التبرع?، فيخرج من ذلك المعاوضة، والمعاوضة بيع.

"بتمليك??احتراز من العارية، فإن العارية ليست بتمليك فإنه يدفع عين ماله لمن ينتفع به لا تمليكاً وإنما من باب إباحة نفع العين.

"المعلوم الموجود" فيشترط أن يكون المال الموهوب، أن يكون معلوماً لا مجهولاً وأن يكون موجوداً لا معدوماً، هذا هو المذهب ?

?في حياته??لا بعد موته، فكونه يمتلكها بعد الموت هذه وصية، فإذا قال له???هذه الدار لك بعد موتى، فهي وصية.

?غيره"?فهي تمليك للغي??

?ويشترط أن يكون الواهب جائز التصرف.

قال: [فإن شرط فيها عوضاً معلوماً فبيع] .

???إن?شرط على الهبة عوضاً معلوماً فهي بيع وليست بهبة.

فإذا قال: "وهبتك داري على أن تهبني فرسك" فلا تكون هبة بل تكون بيعاً للمعاوضة فيها، هذا هو المشهور في المذهب?

??وعن الإمام أحمد وهو اختيار القاضي من الحنابلة???أن هذه الصورة هبة وليست ببيع?، وأن من الهبة ما يكون فيه عوض ومنها?ما لا يكون فيه عوض كالعتق?، فكما أن العتق منه ما يكون بعوض?، ومنه ما لا يكون بعوض فكذلك الهبة.

(1) ما بين القوسين ليس في الأصل، وإنما في المطبوع فقط.

ص: 22

وهذا أرجح?، ويدل عليه قول عمر الثابت في موطأ مالك بإسناد صحيح أنه قال?????من وهب هبةً أراد عليها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها?? (1) ?فقد سماها هبةً مع ما فيها من الثواب.

قال شيخ الإسلام:??ومن وهب ليعاوَض على هبته أو ليقضى?له فيها حاجة فلم يوفَ?فهو كالشرط"، أي كأنه قال: "وهبتك هذا الشيء بشرط أن تعاوضني" أو بشرط أن تقضي لي الحاجة والمسلمون على شروطهم.

فإن كان العوض مجهولاً فلا يصح.

إذا?قال "وهبتك هذا الشيء على أن تهبني كذا وكذا وذكر شيئاً مجهولاً، كأن يقول: على أن تقضي لي حاجة أو على أن تعطيني عوضها ولم يذكر هذا العوض، فحينئذ يكون البيع غير صحيح، لأنه بيع في المذهب ومن شروط البيع أن يكون الثمن معلوماً.

والصحيح ما تقدم وأنه هبة وليس ببيع.

??وعن الإمام أحمد?، ومال إليه أبو الخطاب من الحنابلة?في هذه المسألة ??أنه يعطيه ما يرضيه، فحينئذ تزول الجهالة، وقد تقدم ما يدل عليه من أثر عمر?، وقد قال فيه:" فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها" فإذا رضى منها فهي هبة صحيحة.

قال: [ولا يصح مجهولاً] .

????أي لا يصح أن يكون الموهوب مجهولاً، فإذا قال:"وهبتك الجمل الذي في بطن ناقتي" مثلاً فلا يصح.

ومثله المعدم (2)، فإذا قال:"وهبتك ثمر السنة القادمة من نخلي". فلا يصح لأنه معدوم??

?ومثله إذا قال "وهبتك العبد الآبق ??فلا يصح؛ لأنه غير مقدور على تسليمه??

قالوا: قياساً على البيع.

(1) رواه مالك في الموطأ في كتاب الأقضية، باب القضاء في الهبة برقم (1436) عن أبي غطفان بن طريف المُرِّي أن عمر بن الخطاب قال:" من وهبَ هبةً لصلة رحم أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبةً يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته يرجعُ فيها إذا لم يُرض منها ".

(2)

كذا في الأصل.

ص: 23

واختار شيخ الإسلام وهو مذهب مالك???صحة كون الموهوب مجهولاً وهو اختيار الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل شيخ، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو القول الراجح?في هذه المسألة.

وذلك للفرق بين التبرع والمعاوضة، فإن الهبة هنا عقد تبرع?في الأصل وإن وقع فيها في بعض صورها المعاوضة لكنها في الأصل عقد تبرع.

والبيع عقد معاوضة، ويُغتفر?في عقود التبرعات ما لا يُغتفر في عقود المعاوضات؛ وذلك لعدم الضرر إذ لا غرر.

فقد بذل له هذا الشيء بلا عوض، فإن حصل له على الصفة التي يريدها وإلا لم يضره هذا الشيء?، وهذا هو القول الراجح.

قال: [إلا ما تعذر علمه] .

??إن تعذر علم الشيء فهبته جائزة، كالصلح.

قالوا: وذلك فيما إذا كان الشيء غير متميز، فملكه لا يتميز عن ملك غيره، فوهب أحد المالكين نصيبه للآخر، فإذا اختلط زيته بزيت غيره على وجه لا يتميز به فلكل واحد منهما أن يهب نصيبه للآخر للحاجة.

والصحيح ما تقدم وأن هبة المجهول صحيحة مطلقاً في هذه الصورة وغيرها.

قال: [وتنعقد بالإيجاب والقبول] .

أي أن يقول: وهبتك?، ويقول الموهوب له???قبلت، ونحو ذلك من الألفاظ.

قال: [وبالمعاطاة الدالة عليها] .

??فإذا دفع له الشيء وقبله الآخر فعلاً على وجه المعاطاة الدالة على الهبة فكذلك.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم?وأصحابه كانوا يهدون ويُهدى إليهم وكان سبيلهم في ذلك المعاطاة فلم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو كان شرطاً لنقل نقلاً بيناً، وهذا ظاهر.

إذن تثبت الهبة بكل قول أو فعلٍ يدل عليها.

قال:???وتلزم بالقبض] .

???إذن: الهبة تنعقد بالقول الدال عليها أو الفعل الدال عليها ولا تلزم إلا بالقبض.

فإذا قال: "وهبتك داري" ولم يخل بينه وبينها، أو قال:" وهبتك هذا الطعام" ولم يقبضه إياه، فإن الهبة لا تلزم ?

ص: 24

ودليل هذا???ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم?قال???يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت) ? (1) ، فذكر الإمضاء وهو الإقباض.

ولما ثبت في موطأ مالك بإسناد صحيح?، أن أبا بكر قال لعائشة: ??إني كنت قد نحلتك عشرين وسْقاً ولو أنك جددتيه أو حزتيه لكان لك وإنما هو مال وارث) ? (2) ??

(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق (2958) قال: " حدثنا هَدَّابُ بن خالد، حدثنا همَّامٌ، حدثنا قتادة، عن مُطَرَّف عن أبيه قال: أتبيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} قال: (يقول ابن آدم: مالي، مالي، قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبست فأبلَيْتَ، أو تصدقتَ فأمْضيْتَ ". ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة (2959) بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول العبد: مالي، مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وماسوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس) .

(2)

أخرجه مالك في الموطأ، باب ما لا يجوز من النحل من كتاب الأقضية (1434)، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها.. قال: والله يا بنية ما مِنَ الناس أحدٌ أحب

وإني كنت نحلتك جادَّ عشرين وسقاً، فلو كنت جدَدْتيه واحتزْتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث.. "، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه [9 / 101) رقم (16507) باب النحل من كتاب الوصايا.

ص: 25

وهو قول عمر كما في مصنف عبد الرزاق (1) ، وذكره المروذي من أصحاب أحمد عن الخلفاء الأربعة??

وقال الظاهرية??بل تلزم بمجرد القول أو الفعل الدال عليها، لقوله?صلى الله عليه وسلم???ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه??? (2) ?متفق عليه.

والجواب: أن هذا حديث عام ويخصص بما ثبت عن الصحابة كما تقدم?،?فيدل على أن المراد به ما يكون بعد القبض، وأن الراجع فيه كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه وهو مثل سوءٍ ليس للمؤمنين فدل على التحريم.

قال: [بإذن واهب] .

فلابد من إذن الواهب في القبض؛ وذلك لأن القبض بلا إذنه تفويت لحقه في الرجوع??

?وهل تكون ملكاً للموهوب له قبل قبضها أو تكون ملكاً للواهب؟

قولان في المذهب:

المشهور في المذهب???أنها ملك للموهوب له، فالنماء له؛ لأن الضمان عليه فالنماء له.

والقول الثاني في المذهب???أنها ملك للواهب، وهذا القول هو الراجح?؛ لأن من أركانها القبض ولم يثبت القبض ?

ولأن الموهوب?له لا يضمنها لأنها ليست تحت يده، وعليه فالخراج ليس للموهوب?له؛ لأن الضمان ليس عليه ??فالصحيح أنها ملك للواهب حتى يقبضها الموهوب?له، فعليه النماء يكون للواهب ??وعليه فإذا وجد القبض علمنا أنها للموهوب?? (3) ??

قال: [إلا ما كان في يد متهب] .

(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الوصايا، باب النحل (16509) قا ل عبد الرزاق:" عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: أخبرني المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: ما بال أقوام ينحلون أبناءهم، فإذا مات الابن قال الأب: مالي، وفي يدي، وإذا مات الأب قال: قد كن نحلت ابني كذا وكذا، لا نحل إلا لمن حازه وقبضه عن أبيه " وأخرجه البيهقي بمعناه.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته (2622) .، وأخرجه مسلم (1622) .

(3)

هذه العبارة في المطبوع دون الأصل.

ص: 26

المتهب هو الموهوب له.???

رجل وضع وديعة عند آخر ثم قال?له: ??هي لك"، فحينئذ لا نقول يلزم القبض؛ لأنها عنده?، فالقبض مُستدام فلم يشترط ابتداء قبض.

قال: [ووارث الواهب يقوم مقامه] .

??فله حق الرجوع.

إذا وهب زيد هبةً لعمرو، ولم يقبضها عمرو، ثم مات زيد فهل لابن زيدٍ وهو بكر مثلاً أن يرجع فيها?؟

الجواب??له أن يرجع فيها.

وذلك لأنهم ورثة لحقوقه وهذا حق من حقوقه فورث كسائر حقوقه.

وتبطل الهبة بموت المتهب أي الموهوب له"

إذا وهب زيد لعمرو هبةً فمات عمرو قبل أن يقبضها، فالهبة تبطل وذلك لعدم القبض.

وإن?قبضها رسوله أو وكيله فهو قبض.

مثال ذلك???إذا أعطى زيد رسول عمرو أو وكيل عمرو، أعطاه هديةً فمات عمرو قبل أن يصل إليه رسوله أو وكيله فهي ملك له لأن قبض رسوله وقبض وكيله يقوم مقام قبضه هو.

قال: [ومن أبرأ غريمه من دينه بلفظ الإحلال أو الصدقة أو الهبة ونحوها?برئت ذمته ولو لم يقبل] .

???في ذمة زيد لعمرو عشرة آلاف ريال، فقال عمرو قد أبرأت ذمتك من هذا الدين، فلا يشترط القبول من الغريم?المدين، بل تبرأ ذمته، ولو لم يقبل، هذا هو المشهور في المذهب?

والقول الثاني في هذه المسألة وهو اختيار الشيخ ابن سعدي وهو قول في المذهب???أنه لا يجبر على القبول?؛?وذلك لأن في إجباره على القبول إجباراً على أن يكون تحت منَّة غيره ?

وأيضاً هذه هبة ديون وأوصاف فأشبهت هبة الأعيان، فكما أنه إذا أهدى له عيناً فيشترط قبوله لها ولا تدخل في ملكه إلا أن يرضى بذلك?، فكذلك في هبة الديون إذا لا فرق وهو الراجح?

وأما الحنابلة فقالوا: هو إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول، وهذا تعليل ضعيف.

فالراجح أنه يفتقر إلى قبول، وذلك لئلا يجبر على أن يكون تحت منَّةِ?غيره، ولأنه لا فرق بين هبة الأعيان وبين هبة الأوصاف والديون.

قال: [وتجوز هبة كل عين تباع وكلب يقتنى] .

ص: 27

فكل عين يصح بيعها تجوز هبتها، وما لا يصح بيعه لا تصح هبته كأم الولد والوقف ونحو ذلك.

هذا إذا كان النهي عن بيعه للنهي عن نقل اليد عنه كأم الولد هنا ?

وأما إذا كان لمعنى آخر وهو عدم ماليته فلا، ولذا قال المؤلف "وكلب يقتنى" فالكلب الذي يقتنى لا يباع لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم?عن بيعه وهذا ليس للنهي عن نقل اليد عنه وإنما لعدم ماليته فصحت هبته?،?وهو اختيار الموفق?

??والقول الثاني في المذهب??أن هبة الكلب لا تصح، وهو ضعيف؛ قالوا: كالبيع فكما أن البيع لا يصح فكذلك الهبة، وهذا ضعيف؛ وذلك لأن النهي عن بيع الكلب ونحوه لعدم ماليته لا لئلا ينقل عن اليد?، بخلاف النهي عن بيع أم الولد ونحوها فالنهي لئلا تنتقل عن اليد.

مسألة:

إذا وهب هبة معلقةً كأن يقول: "وهبتك هذه الدار إن جاء زيد أو إن دخل شهر رمضان" أو نحو ذلك.

أو وهبه هبة مؤقتة كأن يقول: "وهبتك هذه الدار سنةً أو نحو ذلك???

??فمذهب الحنابلة وهو مذهب أكثر الفقهاء، ولم يذكر الحنابلة خلافاً في هذه المسألة ??أن هذا لا يجوز ولا تصح الهبة.

لأن الهبة تراد للتمليك كالبيع، وإذا كانت معلقة أو مؤقتة فهذا ينافي تمليكها المؤبد.

??وقال ابن القيم??بل يصح تعليقها وتوقيتها، وذلك جائز؛ لأنه شرط?له، والأصل في الشروط الصحة ولا دليل يمنع من ذلك وهذا فيه قوة، ويأتي ما يدل عليه في المسألة الآتية.

مسألة:

العُمرى?والرُقبى ?

العمُرى ??أن يقول???أعمرتك هذه الدار يعني ملكتك إياها عمرك، أو يقول: لك هذه الدار ما عشتَ أو ما حييتَ أو ما عشتُ أو ما حييتُ.

وأما الرقبى ??أن يقول أرقبتك هذه الدار فإن مت قبلي فهي لي وإن مت قبلك فهي لك.

ص: 28

والمشهور في مذهب الحنابلة وهو مذهب الجمهور???أن الرقبي والعمري تكون للموهوب?له ولورثته مطلقاً، أي سواء قال "هذه الدار لك عمرك ولعقبك" أو قال:"هذه الدار لك عمرك" أو قال: "هذه الدار لك ما عشتَ ??أو قال: "?أعمرتك هذه الدار أو أرقبتك هذه الدار.

فلها ثلاث حالات:

??الحالة الأولى??أن ينص على أنها تكون لعقبه من بعده فيقول: "?أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك من بعدك" فلا خلاف بين أهل العلم على أنه يملكها ملكاً مستقراً لا ترجع بعده للمعمِر المتبرع.

- الحالة الثانية??أن يطلق فيقول: "أعمرتك هذه الدار ??ولا ينص على: "ما عشتُ" ونحو ذلك.

فالجمهور???على أنها لا ترجع إليه أيضاً وهو الراجح?

وقال المالكية???بل ترجع إليه?؛?وذلك لأن لفظ العمرى?يدل على الشرط والمسلمون عل شروطهم، فكأنه قال:"هي لك عمرك?أو هي لك ما حييت".

??الحالة الثالثة??أن ينصّ على الشرط فيقول: "?أعمرتك هذه الدار ما عشتَ أو ما حييتَ أو ما بقيتَ أو ما عشتُ وما بقيتُ ونحو ذلك ?

فمذهب الجمهور???أنها تكون للموهوب له ولعقبه من بعده.

ومذهب مالك???أن الشرط هنا معتبر فترجع إلى صاحبها وهو اختيار شيخ الإسلام?، وهو اختيار الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

فقالوا: الشرط هنا معتبر لأن المسلمين على شروطهم.

ص: 29

فالجمهور استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم?في المتفق عليه ????العمري لمن وهبته?له) ? (1) ?قالوا: ولقوله صلى الله عليه وسلم?في مسلم من حديث جابر: ??أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإن من أرقب شيئاً أو أعمر شيئاً فهو لمن أعمره حياً وميتاً?ولعقبه ?? (2) ?، قالوا: فدل على أنها تكون للمعمَر ولا ترجع للمعمِر، وتكون للمعَمَر ولورثته من بعده.

وأما من قال بأنها مع الشرط ترجع إلى المعمِر: فلما ثبت في مسلم من قول جابر: قال: "?إنما العمري التي?أجازها النبي صلى الله عليه وسلم?أن يقول ??هي لك ولعقبك من بعدك، وأما إن قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها???وهذا يقوي ما ذهب إليه الإمام مالك في هذه المسألة.

وهذا يقوي ما ذهب إليه ابن القيم في المسألة المتقدمة من صحة الهبة المؤقتة ومثلها من باب أولى المعلقة.

فالصحيح??أن العمرى?تكون للموهوب?له ولورثته من بعده سواء قال "العمرى لك ولعقبك من بعدك" أو قال "هي عمرى لك" ولم يشترط??

?أما إن اشترط فإنها تكون للمعمَر ما بقي حياً فإذا مات فإنها ترجع إلى معمِرها??

??ويقوي قول الجمهور أن الرقبى لا تكون إلا بشرط?? (3) ?

والحمد لله رب العالمين.

الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمئة

(يوم السبت: 10 / 7 / 1416)

"فصل"

قال: [ويجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم] .

يجب على الوالد أباً كان أم أماً التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

(1) أخرجه البخاري في باب ما قيل في العمرى.. من كتاب الهبة، ومسلم في باب العمرى، من كتاب الهبات، وأخرجه أبو داود والنسائي والإمام أحمد 3 / 304، 393. المغني [8 / 283] .

(2)

أخرجه مسلم في باب العمرى من كتاب الهبات، وأبو داود والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد، المغني [8 / 183] .

(3)

هذه العبارة في المطبوع دون الأصل.

ص: 30

فيجب على الأب والأم أن يعدلوا بين أولادهم في أصل العطية وقدرها فلا يختص أحد الأولاد بعطية دون بقيتهم.

وذلك لما ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم?فقال:??إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم??أفعلت هذا بولدك كلهم" قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم???اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ? (1) ?قال النعمان: "?فرجع أبي فرد تلك الصدقة???

وفي رواية في الصحيحين: " إني لا أشهد على جور " وفي مسلم: " أشهد على هذا غيري" ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن ".

فقوله: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم: "يدل على وجوب العدل بين الأولاد، وقوله:"إني لا أشهد على جور" يدل على أن تركه جور، والجور محرم على فاعله ومحرم أيضاً على المعطي تناوله هذا هو المشهور في المذهب.

- وقال الجمهور باستحباب العدل بين الأولاد في العطية واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم???أشهد على هذا غيري) ?

وهذا استدلال ضعيف?، فإن مراد النبي صلى الله عليه وسلم?التهكم أو التهديد والتخويف بدليل قوله: "لا أشهد على جور?، والراجح ما ذهب إليه الحنابلة?من وجوب ذلك، وأن التعديل بينهم يكون بقدر إرثهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب الهبة للولد، وباب الإشهاد في الهبة (2586) ، (2587) ، وأخرجه مسلم (1623) .

ص: 31

وأما قوله صلى الله عليه وسلم?في رواية للنسائي، من حديث النعمان:"ألا سويت بينهم"، فإنه لا يدل على التسوية بين الذكر والأنثى، بل المراد التسوية في أصل العطية، أي ألا سويت بينهم في أصل العطية فأعطيت هذا كما أعطيت هذا، لا في قدر العطية، ويحتمل أنه ليس له إلا ذكور?–?أي بشير - ?والعدل بين الأولاد في العطية ينفي الحسد والعداوة التي قد تقع بين الأولاد، فإن عدم العدل بينهم مظنة?الحسد والعداوة بينهم.

كما هو مظنة العقوق لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم???أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء) .

وظاهر كلام المؤلف وجوب التسوية بين الأولاد إلا إذا كان أحدهم ذكراً والآخر أنثى فيعطى الذكر مثل ما?للأنثيين????ظاهر كلامه هذا ??ولو كان هناك معنى يقتضي التخصيص كأن يكون بعض ولده فيه زمانة?أو عمى أو له اشتغال بعلم أو دعوةٍ أو غير ذلك تقتضي تخصيصه بالعطية، هذا ظاهر كلام المؤلف وهو أحد القولين في المذهب?

??وعن الإمام أحمد??أنه إذا كان هناك معنى يختص به أحدٌ?منهم فيجوز أن يفضَّل في العطية?،?وهو الراجح، وقد رجحه الموفق، وذلك قياساً على تفضيل الذكر على الأنثى فإن الذكر إنما فُضل على الأنثى لمعنى يختص به، فإذا كان في بعض بنيه معنى يختص بالتفضيل كأن يكون فقيراً أو مريضاً زمناً أو غير ذلك فإنه يجوز تخصيصه بالعطية وتفضيله.

والناظر في واقعة هذه المسألة يرى أن تخصيص الفقير أو الأنثى أو الذكر في بعض الشؤون لا ينافي العدل ولا يقتضي الجور فإن الذكر يحتاج من العطايا ما لا تحتاجه الأنثى، والأنثى في جهة أخرى تحتاج من العطايا ما لا يحتاجه الذكر، فمثلاً في واقعنا قد يحتاج الذكر إلى مركب?، والمرأة تحتاج إلى حلي وبين هذا وهذا فارق في الثمن.

وهكذا الفقير قد يحتاج إلى أشياء من حاجياته ولا يحتاج إلى هذا الغنى ولا ينافي هذا العدل ولا يقتضي الجور.

قال: [فإن فضّل بعضهم سوّى?بينهم برجوع أو زيادة] .

ص: 32

فإن فضّل بعض أولاده تفضيل جورٍ منهي عنه فإنه يجب عليه أن يسوي بينهم إما بأن يُرجع صدقته وعطيته، وإما أن يعطي الآخر، أو يزيده حتى يسوي بينهم.

إذا أعطى الذكر ولم يعطِ الأنثى شيئاً فنقول: إما أن تأخذ هذه العشرة آلاف فترجع بهبتك، وإما أن تعطي الأنثى خمسة آلاف وإن كان أعطاها ألفاً أو ألفين فنقول: زد حتى تصل إلى خمسة آلاف.

قال: [فإن مات قبله ثبتت] .

وهب الأب ولده هبةً، وكانت هبة جورٍ حيث أنه قد خصّه بها دون باقي أخوته فمات الوالد ولم يرجع عن هذه الهبة فإنها تثبت للولد، وليس لباقي الورثة المطالبة بها، هذا هو المشهور في المذهب.

- وعن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام وهو قول طائفة من الحنابلة: أن لهم أن يرجعوا، فللورثة أن يطالبوا بها، وهذا هو الراجح.

وذلك لأن هذه العطية عطية جورٍ وظلم، والظلم محرم على فاعله ومحرم أيضاً تناوله، وهذا قد تناوله جوراً وظلماً فكان لمن له حق أن يطالب به، فأخذ هذا الموهوب له بغير حق فكان للورثة المطالبة به.

وفي قوله: [في عطية أولاده] .

ظاهره أن التعديل الواجب في الولد دون سائر أقاربه كإخوانه أو بني عمه أو نحو ذلك.

وفي المسألة قولان في المذهب.

أشهرهما هذا، وأن التعديل ليس واجباً في سوى الأولاد من سائر الأقارب.

وهذا هو الراجح لأن الأصل هو جواز تصرفه في ماله وإنما استثنى الأولاد لمعنى يختص بهم وهذا المعنى لا يثبت في الأقارب فلم يلحقوا بهم.

قال: [ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة] .

الهبة اللازمة تقدمت وهي الهبة المقبوضة.

فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته التي قبضها المتهب، للحديث المتقدم:"ليس لنا مثل السوء العائد في هبته، كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه" متفق عليه.

وظاهره ولو كان يريد بها الثواب، فإذا وهب هبةً يريد بها الثواب فليس له الرجوع، هذا هو المشهور في المذهب.

ص: 33

- وقال المالكية والأحناف: بل له الرجوع فإذا دلّت القرائن أنه يريد بذلك الثواب فله الرجوع إذا لم يثب وهذا هو الراجح وتقدم ما يدل على عليه من قول عمر في موطأ مالك: (من وهب هبةً أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها) ? (1) .

قال: [إلا الأب] .

فالأب يجوز له أن يرجع في هبته لولده.

لما ثبت عند الخمسة، وصححه الترمذي، والحديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم?قال: ?لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) ? (2) ??

??والمذهب خلافاً للشيخ لكافر الوالد أن يرجع بما وهب ابنه الذي أسلم بعد أن يرجع في هبته لولده?? (3) ??

فللوالد الأب لقوله (لا يحل لرجل مسلم) أني يرجع في هبته لولده.

قال الحنابلة??فإذا كانت الهبة قد زادت زيادة متصلة، كأن يعطيه من صغار الغنم أو الإبل فتنمو، ففيها زيادة متصلة قالوا: فليس للأب الرجوع لهذه الزيادة المتصلة.

(1) تقدم.

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب الرجوع في الهبة (3539) قال: " حدثنا مسدد، حدثنا يزيد - يعني ابن زريع - حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوووس عن ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يحل لرجلٍ أن يُعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يُعطي ولده، ومثلُ الذي يُعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قام ثم عاد في قيئه) ، وأخرجه الترمذي في الولاء والهبة حديث 2133، باب في كراهية الرجوع في الهبة، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الهبة حديث 3720، باب رجوع الوالد فيما يعطي ولد، وابن ماجه في الهبات حديث 2377، باب أعطى ولده ثم رجع فيه، سنن أبي داود [3 / 810] .

(3)

هذه العبارة في المطبوع دون الأصل، ولعلها من بعض طلبة الشيخ حفظه الله تعالى، وستأتي هذه المسألة في صْ 33.

ص: 34

وهذا ضعيف لعموم الحديث المتقدم، ولما سيأتي تقريره من قوله صلى الله عليه وسلم???أنت ومالك لأبيك?? (1) ?

والذي يتبيَّن لي أن هذه المسألة نظير قوله صلى الله عليه وسلم???أنت ومالك لأبيك) ?فالأب?له أن يأخذ من مال ولده ما شاء بشروطهم التي سيأتي ذكرها، ولذا جاز له الرجوع في هبته.

لأنه إذا جاز له أن يأخذ من مال ولده ما هو مال للولد أصلاً فأولى من ذلك أن يرجع في هبته.

إذن: المشهور في المذهب: أنه إذا زادت الهبة زيادة متصلة فليس للأب الرجوع.

وعن الإمام أحمد وهو اختيار عبد الرحمن بن سعدي: أنه يجوز الرجوع وهو الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم???إلا الوالد) وهذا عام سواء كان فيها زيادة متصلة أم لم يكن فيها زيادة متصلة.

قال: [وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه] .

له أي للأب، أن يأخذ من مال ولده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم???أنت ومالك لأبيك) ?رواه ابن ماجه والحديث صحيح.

(1) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يأكل من مال ولده (3530) قال: " حدثنا محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي مالاًَ وولداً، وإن والدي يجتاح مالي، قال:(أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم) ، وأخرجه ابن ماجه في التجارات حديث 2292، باب ما للرجل من مال والده، وأخرج ابن ماجه عن جابر برقم 2291:(أنت ومالك لأبيك) ورجال إسناده ثقات.

ص: 35

وقوله صلى الله عليه وسلم???أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) ? (1) ?

رواه الخمسة بإسناد صحيح.

ولقوله تعالى: {?ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم?} ? (2) ?

ولم يذكر بيوت الأبناء فهم داخلون في بيوت الأب

فللأب أن يمتلك من مال ولده ما شاء بالشروط الآتي ذكرها??

?ويشترط?في الأب: أن يكون حراً، فإن كان عبداً فليس?له أن يتملك من مال ولده؛ وذلك لأن مال العبد مال لسيده، فإنه حينئذ يخرج من ملكية الولد لا إلى ملكية الوالد بل إلى ملكية سيده.

فاشترط أن يكون الأب حراً.

ويشترط أن يكون الأب مسلماً كما قرره شيخ الإسلام وصّوبه صاحب الإنصاف.

وكذلك- الأشبه كما قال شيخ الإسلام فيما إذا كان الولد كافراً فيشترط أن يكون الأب كافراً كالإرث فلا إرث مع اختلاف الدين فكذلك في هذه المسألة.

??وجواز الأخذ خاص بالأب فلا يدخل في ذلك الجد ولا الأم?؛?لأن هذا الحكم خلاف الأصل، فإن الأصل أنه لا يخرج من ملك الآدمي شيء إلا بطيب نفس منه فاستثني?الأب ولا يستثنى الجد ولا الأم وليسا ?في معنى الأب?، فإن الأب أكمل شفقة من الجد وأحسن تصرفاً من الأم.

[ما لا يضره ولا يحتاجه]

(1) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده (3528) قال: " حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عمارة بن عُمير، عن عمته، أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حِجْري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولدُهُ من كسبه) ، وأخرجه الترمذي في الأحكام حديث (1358) باب الوالد يأخذ من مال ولده، والنسائي في البيوع حديث 4454 باب الحث على الكسب، وابن ماجه في أول كتاب التجارات حديث 2137 باب الحث على المكاسب، سنن أبي داود [3 / 800] .

(2)

أواخر سورة النور.

ص: 36

هذا هو الشرط الأول، وهو أن لا يضر هذا الأخذ بالولد، فللأب أن يأخذ من ولده ما شاء سواء كان الأب غنياً أو فقيراً وسواء كان الولد ذكراً أو أنثى كبيراً بالغاً رشيداً، أو غير ذلك، بشرط ألاّ يضر به ولا يجحف.

وبشرط آخر - ويحسن أن يدخل في الشرط الأول - ألاّ يحتاج إليه فما كان من حاجياته كمسكنه وملبسه وخادمه ومركبه ونحو ذلك من حاجياته فلا، لما في ذلك من الحرج.

والشرط الثالث: أن لا يأخذ منه فيعطي ولداً آخر إعطاءً ينافي العدل، لأنه إذا وجب عليه التعديل في ماله هو، فأولى من ذلك أن يجب التعديل في المال الذي يأخذه من ولده.

الشرط الربع: ألا يكون في مرضه المخوف لا الأب ولا الابن لانعقاد الإرث حينئذ، ويأتي الكلام عليه في الوصايا.

قال: [فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له ببيع أو عتق أو إبراء.. لم يصح] .

إذا تصرف الوالد في مال ولده، ولو فيما وهبه الوالد لولده إذا تصرف به ببيع، أو تصدق به أو وهبه لأحد من الناس أو أعتقه كأن يعتق عبد ولده، أو تصرف فيه بإبراء كان يبرئ غريم ولده من دين ولده،

أو أراد أخذ هذه الهبة التي وهبها لولده قبل رجوعه أي قبل قوله رجعت عن الهبة، أو تملكه بالقول كأن يقول: هو لي، أو نية: بأن ينوي أن يتملك هذا الشيء، وقبضٍ معتبر لم يصح هذا التصرف.

صورة هذه المسألة: لو أن رجلاً باع شيئاً من ملك ولده كأن يبيع عبده أو راحلته أو داره أو أن يعتق عبده، أو يهب شيئاً من ماله يتصرف به الأب قبل أن يتملكه بأن يقول: هو ملك لي، ويقبضه من ولده قبضاً معتبراً، فلابد مع القول من قبض، وكذلك لابد مع النية من قبضٍ.

فإذا تصرف قبل تملكه أو رجوعه من الهبة فتصرفه باطل، فبيعه باطل، وعتقه باطل، وهبته باطلة، وإبراؤه كذلك.

إذن: ليس للوالد أن يتصرف في مال ولده حتى يقبضه تملكاً.

أي قبضه مع قول يدل على الملك أو نية الملك فحينئذ له أن يتصرف فيه وإلا فتصرفه باطل.

ص: 37

وذلك لأنه ملك للولد فلا يصح أن يتصرف فيه الوالد حتى يثبت ما يدل على ملكيته له بقول أو نية مع القبض، أو رجوع في الهبة هذا هو المشهور في المذهب.

- وعن الإمام أحمد: أنه يصح، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو القول الراجح في هذه المسألة؛ لأن تصرفه فيه ببيع أو عقد أو إبراء ونحو ذلك متضمن للتملك وقد قال صلى الله عليه وسلم???أنت ومالك لأبيك) .

وإذا قلنا: قد تصرف في غير ملكه فقد نافينا قول النبي صلى الله عليه وسلم???أنت ومالك?لأبيك) ?فهذا الحديث يدل على أنه ملك للأب، وهذا كله مع توفر الشروط المتقدمة.

لكن إن كان تصرفاً يضر بالولد أو فيما يحتاج إليه الولد فحينئذ التصرف باطل أو موقوف على الإجازة.

قال: [بل بعده] .

???أي بعد القول أو النية مع القبض المعتبر، أو الرجوع في الهبة.

قال: [وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه] .

ليس للابن أن يطالب أباه بدين ولا نحوه كإرش جنايةٍ ولا غير ذلك مما يكون في ذمة الوالد.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم?قال???أنت ومالك لأبيك) .

وقال الجمهور: بل له أن يطالبه؛ لأنه دين ثابت فكان كدين الأجنبي.

والجمهور لا يرون العمل بحديث (أنت ومالك لأبيك) بل هو من مفردات المذهب والأحاديث حجة عليهم.

وقال بعض الحنابلة: ويحتمل أن له المطالبة مع غنى الوالد وحاجة الولد.

وهذا هو الراجح وأنه ليس له أن يطالب والده، إلا أن يكون الوالد غنياً وهو محتاج؛ وذلك لأن الوالد ليس له أن يتملك حينئذ فكان له أن يطالبه كالدين الثابت.

وهل له أن يرجع إلى التركة بعد وفاة الوالد أم لا؟

الجواب: نعم له أن يرجع هذا هو المشهور في المذهب؛ لأنه دين ثابت فكان كدين الأجنبي.

لكن إن أخذه الوالد تملكاً فلا، أو أسقطه الوالد وله الإسقاط فكذلك لقوله "أنت ومالك لأبيك".

إذن: له أن يرجع إلى تركة أبيه إلا أن يكون الوالد قد أخذه تملكاً فحينئذ يكون قد خرج من ملكيته.

ص: 38

ومثل ذلك لو أسقطه الوالد من ذمته وقال: لا شيء لك في ذمتي، وكان الولد غنياً عنه ليس مضطراً ولا محتاجاً إليه وتوفرت الشروط في تملك الوالد، فله أن يسقطه.

قال: [إلا بنفقته الواجبة (عليه فإن له مطالبته بها) (1) ] .

حيث كان الولد (2) عاجزاً عن التكسب فإن له مطالبة والده بالنفقة الواجبة.

قال: [وحبسه عليها] .

فللولد إن وصل الأمر إلى حبس الوالد حتى يعطيه النفقة الواجبة فله ذلك، هذا من باب حفظ النفس؛ لأنه قائم بهذه النفقة الواجبة فحياته قائمة بذلك، فهو حق واجب له.

مسألة:

إن أهدي للشخص هدية أو تُصدق عليه بصدقة فأحكامها كأحكام الهبة تماماً.

مسألة:

فإن وهب له هبةً ولها وعاء فهل يدخل وعاؤها فيها أم لا؟

إذا أهدى إليه تمراً في إناء، أو طعاماً في إناء، فهل يدخل الإناء في الهدية أم لا؟

الجواب: مرجع ذلك إلى العرف، فإن كان العرف يدل على هذا دخل في الهدية وإلا فإنه لا يدخل فيها.

الدرس الرابع عشر بعد الثلاثمئة

(12 / 7 / 1416 هـ)

"فصل في تصرفات المريض"

تقدم أن الهبة في مرض الموت تسمى عطية في اصطلاح الفقهاء.

قال: [من مرضه غير مخوف كوجع ضرس وعين وصداع (يسير) (3) ] .

المرض المخوف: هو المرض الذي يخشى معه الموت، ومرجع هذا إلى العادة أو إلى قول طبيبين ذوي خبرة مسلمين ثقتين، ولا يشترط أن يكون ظن الموت غالباً في المرض ولا أن يكون ظن الموت مساوياً لرجاء سلامته بل متى ما كان يخشى معه الموت كثيراً فإنه مرض مخوف (أي ما يكثر حصول الموت منه كما في الاختيارات)(4) .

قال: [فتصرفه لازم كالصحيح (ولو مات منه) (5) ] .

(1) هذه العبارة في المطبوع دون الأصل.

(2)

في الأصل: الوالد، وهو خطأ.

(3)

هذه الكلمة في المطبوع دون الأصل.

(4)

هذه العبارة ليست في الأصل، وإنما في المطبوع فقط.

(5)

ليست في الأصل.

ص: 39

(1)

فإذا وهب مضت هبته على ما وهب، فتصرفاته نافذة صحيحة (2) .

قال: [وإن كان مخوفاً كبرسام] .

البِرْسام: مرض من الأمراض المخوفة قالوا: أن يتبخّر من الباطن أو نحوه بخارٌ فيفسد الدماغ، ولا أدري ما تسميته عند المعاصرين.

قال: [وذات الجنب] .

ذات الجنب: مرض يصاب به الجنب من الباطن بقروح.

قال: [ووجع قلبٍ ودوام قيام] .

أي دوام قيام إلى خلاء بإسهال مزمن ممرض.

قال: [ورعاف دائم، وأول فالج] .

الفالج: مرض يصيب البدن فيرتخي بعض أطرافه، فلا تتحرك هذه الأطراف.

وهو أشبه ما يسمى عندنا بـ"الجلطة".

قال: [وآخر سلٍ] .

السل: قروح تصيب الرئة.

قال: [والحمى المطبقة والرِبْع] .

الحمى المطبقة: أي المستمرة، والحمى معروفة وهي حرارة تكون في البدن.

"والربْع" أي الحمى الربع وهي أن تصيبه يوماً ثم تتركه يومين ثم تعود إليه في اليوم الرابع.

وهذه أمثلة وإلا فالمرجع في ذلك إلى ما يراه الناس في العادة أنه مرض مخوف.

قال: [وما قال طبيبان مسلمان عدلان إنه مخوف] .

فما قال طبيبان مسلمان عدلان إنه مرض مخوف، وذلك لما يترتب على ذلك من حق الوارث وحق المعْطى فاشترط أن يكونا طبيبين ثقتين مسلمين.

- والقول الثاني في المذهب، وهو ظاهر قول الخرقي: أن قول الطبيب الواحد يقبل مع العدم.

ويستدل له: بما روى الإمام أحمد في مسنده وغيره أن عمر لما جُرح سقاه الطبيب لبناً فخرف من جرحه فقال: اعهد إلى الناس فعهد" (3) .

ولو قيل بقبول خبر طبيب واحدٍ ثقة حيث لم يعارضه غيره لكان قوياً، والله أعلم.

قال: [ومن وقع الطاعون في بلده] .

فإذا وقع الطاعون في بلدٍ، فوقوعه فيها مخوف فيخشى معه التلف فيكون له حكم المرض المخوف.

(1) هنا في الأصل عبارة وهي: " فالمريض مرضاً غير مخوف تصرفه كتصرف الصحيح ".

(2)

في الأصل: " كالصحيح " بدل: صحيحة.

(3)

أخرجه الإمام أحمد

ص: 40

وقد اتفق العلماء على أن هبة المريض مرضاً مخوفاً متصلاً بالموت أن حكم هبته كالوصية، وسيأتي إيضاح هذا.

قال: [ومن أخذها الطلق] .

أي المرأة يأخذها الطلق.

قال: [لا يلزم تبرعه لوارث بشيء] .

فالمريض مرضاً مخوفاً أو من وقع في بلده الطاعون أو من كان عند التحام الصف والعدو يُخاف ونحوهم فهبته تكون في حكم الوصية.

فإن كانت لوراث فلا يلزم هذا التبرع لقوله صلى الله عليه وسلم???لا وصية لوارث) ? (1) ،?وهنا كما تقدم حكم الهبة كحكم الوصية.

قال: [ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها إن مات منه] .

فإذا وهب نصف ماله مثلاً لأجنبي في مرضه المخوف، فإذا مات الواهب، فلا يُعطى هذا الأجنبي نصف المال الذي وهبه إياه في مرض الموت بل يُعطى الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم???الثلث والثلث كثير) ? (2) ?

إلا أن يجيز هذا الورثة، فإذا رضي الورثة بذلك فإن هذا إسقاط لحقهم، فإنه إنما يمنع لحق الورثة، فإذا أجاز ذلك الورثة فقد أسقطوا حقهم.

قال: [وإن عوفي فكصحيح] .

إذا عوفي هذا المريض مرضاً مخوفاً فإن هذه الهبات تلزم من جميع المال؛ وذلك لفقدان الشرط الآخر وهو أن يكون هذا المرض قد اتصل به الموت، وهنا لم يتصل به الموت لأنه لما لم يمت به فهذا يدل على أنه ليس مرض الموت.

(1) أخرجه أبو داود في باب ما جاء في الوصية لوارث من كتاب البيوع، والترمذي في باب ما جاء لا وصية لوارث، والنسائي وابن ماجه الدارمي والإمام أحمد، المغني [8 / 390] .

(2)

أخرجه البخاري في باب الوصية بالثلث من كتاب الوصايا، ومسلم باب الوصية بالثلث من كتاب الوصية، كما أخرجه النسائي في باب الوصية بالثلث وابن ماجه والإمام أحمد، المغني [8 / 393]

ص: 41

ودليل ما اتفق عليه أهل العلم من أن المرض المخوف الذي يتصل به الموت له حكم الوصية، ما ثبت في مسلم: أن رجلاً من الأنصار أعتق ستة أعبد في مرضه ولا مال له غيرهم فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم?وجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرقّ أربعة? (1) ?وهذا في العتق فكذلك الهبة.

قال: [ومن امتدَّ?مرضه بجذام أو سلٍ أو فالجٍ ولم يقطعه بفراش فمن كل ماله] .

الجذام: مرض تتساقط به الأعضاء.

فإذا امتد به هذا المرض المخوف ولم يقعده على فراشه فإن ما يهبه من الهبات تكون من جميع المال لا من الثلث.

إذن: له حكم تصرف الصحيح.

أما إذا أقعده في فراشه فليس له حكم تصرف الصحيح بل له الحكم المتقدم فيكون له حكم الوصية، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد?

??القول الثاني?،?وهو رواية عن الإمام أحمد وهو وجه في المذهب???أنه له حكم الوصية أيضاً وإن لمم يقعده على فراشه، وهذا هو القول الراجح?

إذ عدم قعوده في الفراش ليس بمؤثر مع أن هذا المرض مخوف، وعدم قعوده على الفراش مع أن هذا المرض بطبيعته مرض مخوف يخشى أن يتعجل معه الموت لا يكون مؤثراً.

قال: [والعكس بالعكس] .

??أي إذا كان يقطعه بفراشٍ فتصرفاته كتصرفات المريض مرضاً مخوفاً أي في حكم الوصية.

قال: [ويعتبر الثلث عند موته] .

فيعتبر الثلث عند موته لا حال هبته وعطيته.

رجل يملك تسعين ألفاً وهو في مرض مخوف فأعطى رجلاً ثلاثين ألفاً أي هبة، فهي ثلث ماله حال العطية، ثم أنفق على نفسه من المال فبقى له عند موته ستون ألفاً، فأصبحت الثلاثون ألفاً نصف ماله.

فالحكم: أنه يعتبر الثلث عند موته؛ وذلك لأن هذا هو زمن استحقاق الوصية ولزومها، فكذلك الهبة.

(1) أخرجه مسلم في باب من أعتق شركا له في عبد من كتاب الأيمان، وأبو داود باب في من أعتق عبيدا له.. من كتاب العتق، والترمذي والنسائي، والإمام مالك مرسلا، والإمام أحمد، المغني [8 / 395] .

ص: 42

وإذا أعتق عبداً في مرضه المخوف وليس له سوى هذا العبد، وعند الموت أصبح يملك ثلاثة أعبد فإنه يعتق عليه هذا العبد؛ لأنه ثلث ماله.

ولو وهب رجلاً ثلاثين ألفاً في مرضه المخوف، وعند موته كان عليه ديونه تستغرق هذه الثلاثين فحينئذ تقدم ديونه ولا شيء للمعطى.

إذن: العبرة بحال الموت، فيعتبر الثلث بحال موته لا عند العطية.

قال: [ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويبدأ بالأول فالأول في العطية] .

هنا فوارق بين الوصية والعطية.

الفارق الأول: أنه يُسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، فإذا أوصى لزيدٍ بعشرة آلاف، ثم أوصى لعمرو بعشرةٍ آلاف ومات عن ثلاثين ألفا، فالثلث هو عشرة آلاف، فكل واحد منهما يأخذ خمسة آلاف فيسوى بين المتقدم والمتأخر.

وذلك لأن الوصية تبرع بعد الموت، فهو تبرع مشروط بالموت، والموت يحصل دفعةً واحدةً فاستويا ولم يسبق أحدهما الآخر في الملكية.

وأما العطية فيقدم الأول فالأول:

فإذا وهب زيداً عشرة آلاف، في مرضه المخوف، ثم وهب عمراً عشرة آلاف، ثم مات وترك ثلاثين ألفاً، فالثلث عشرة آلاف نعطيها زيداً ولا يكون لعمرو شيئاً، لأن الأول يُقدم.

وهذا الفارق بينهما علته: أن العطية لازمة بخلاف الوصية فإنها جائزة ولا تلزم إلا بالموت، ففي العطية يكون ملك زيدٍ سابق لملك عمرو.

قال: [ولا يملك الرجوع فيها] .

هذا فارق آخر بين العطية والوصية، هو أن العطية لا يملك الرجوع فيها.

فإذا وهب في مرضه المخوف زيداً عشرة آلاف وقبضها زيد فإنه لا يملك الرجوع فيها، لأنها أصبحت لازمة.

وأما الوصية فيملك الرجوع فيها.

فلو أن رجلاً في مرضه المخوف أو قبل ذلك أوصى بثلث ماله ثم بدا له أن يرجع، فله ذلك لأنها لا تلزم إلا بالموت وهذا فارق آخر.

قال: [ويعتبر القبول لها عند وجودها] .

ص: 43

فالعطية يعتبر القبول لها عند وجودها، فإذا قال:"وهبتك كذا" فيعتبر القبول عند وجود الهبة، فإذا لم يقبل الموهوب له حينئذ فللآخر أن يرجع عن هبته.

أما الوصية فإن قبولها يكون عند موت الموصي لأنه وقت استحقاقها ولزومها.

وهذا فارق ثالث.

قال: [ويثبت الملك إذن (والوصية بخلاف ذلك) (1) ] .

هذا الفارق الرابع: العطية إذا قبضت فقد ثبت الملك فإنها تصبح ملكاً للمُعطى في أثناء مرضه المخوف، وذلك لأن الهبة تملك في الحال.

وأما الوصية فإنها إنما تملك بعد الموت.

فإذا قال: "أعطيتك يا زيد عشرة آلاف" وهو في مرضه المخوف، فقال زيد: قبلت" وقبضها فأصبحت ملكاً لزيد.

لكن يكون هذا المال منتظراً به ومرتقباً فلا يعطى هذا الموهوب له فيتصرف به تصرفاً لا يمكن الورثة أن يردوه، إن شاءوا الرد.

إذن يملكه لكن هذا الملك ملك موقوف.

فإذا شفي الواهب من هذا المرض فإنه يأخذ هذه العشرة آلاف من جميع المال، سواء كانت الثلث أو أكثر.

أما إذا مات من هذا المرض المخوف، فحينئذ ننظر إن كان وارثاً فلا شيء له، لأنه أصبحت بحكم الوصية ولا وصية لوارث.

وإن كان أجنبياً فننظر هل يستغرق الثلث أم لا؟

فإن كان بقدر الثلث أو أقل أعطيناه إياه، وإن كان أكثر من الثلث نظرنا إلى الورثة فإن أجازوا أعطيناه إياه، وإن لم يجيزوا اكتفينا بالثلث.

* والمحاباة في المرض المخوف، في حكم العطية.

فلو حابى وارثه ببيع دار بنصف ثمنها.

فمثلاً: باع على بعض ورثته داره التي تساوي مائة ألف باعها له في مرضه المخوف بخمسين ألفاً فحينئذ ما زاد من هذه الدار فلا بيع فيه بل يثبت البيع فيها بقدر الثمن فحينئذ يكون المبيع هو نصف الدار.

وللمشتري الخيار لتبعيض السلعة عليه، هذا إذا كان وارثاً.

وأما إن لم يكن وارثاً فينظر إلى هذه المحاباة هل هي بقدر الثلث أم لا؟

فإن كانت بقدر الثلث فهي له.

وإن كانت بأكثر من الثلث فينظر فيه إلى إجازة الورثة.

(1) هذه العبارة ليست في الأصل.

ص: 44

والحمد لله رب العالمين.

تم كتاب الوقف، ويليه كتاب الوصايا. (1)

(1) تم مراجعة كتاب الوقف على الأصل.

ص: 45