المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كتاب الديات الديات: جمع دية. والدية: هي المال المُؤدَّى إلى المجني عليه - شرح زاد المستقنع - حمد الحمد - جـ ٢٧

[حمد الحمد]

فهرس الكتاب

كتاب الديات

الديات: جمع دية.

والدية: هي المال المُؤدَّى إلى المجني عليه أو أوليائه بسبب الجناية.

متى يؤدي إلى المجني عليه؟

إذا كان فيما دون النفس، في قطع طرف، كأن تقطع يده، أو يُجرح وكان في ذلك الدية، فإنها تؤدى إلى المجني عليه.

وأما إذا كان في النفس، فإنها تؤدى إلى أوليائه.

قوله: [كل من أتلف إنسان بمباشرة أو بسبب، لزمته ديته]

" بمباشرة "، هذا واضح، كأن يأخذ السيف ويضرب عنقه.

" أو سبب " كأن يطلق عليه سبُعاً مثلا، فيقتله، فيكون هو الذي تسبّب. فإما أن يكون بمباشرة أو بتسبُّب، فليس هو الذي باشر، بل باشر غيره، كحيوان مفترس.

قال " إنسانا " فيدخل في ذلك الذمي والمستأمن، يعني إنسانا معصوما، ولذا قال تعالى:{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهل} ، إذاً الدية حتى في النفوس المعصومة التي ليست بمسلمة، كالذمي والمستأمن، فإن فيه الدية، كما سيأتي إن شاء الله.

قوله: [فإن كانت عمداً محضا ففي مال الجاني]

إن كان الجناية عمدا محضا، سواء كانت في النفس أو في الجراح أو في الأطراف، فليست خطأ وليست شبه عمد، بل هي عمد محض.

قال " ففي مال الجاني " فالدية تكون في مال الجاني، فإذا لم يختر القود – القصاص - فتكون الدية في مال الجاني إجماعا، لقوله تعالى:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} ، فلا نوجبها على العاقلة، وهم العصبة، وإنما نوجبها على الجاني نفسه، وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لا يجني جانٍ إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده) ، إذاً الجناية تكون على الجاني، وهذا هو الأصل في ضمان المتلفات، فالأصل في ضمان المتلفات أنه يكون على الجاني المُتلِف نفسه، ولا يتحمّله غيره.

قوله: [حالَّة]

ص: 1

نقول له: الآن تدفع الدية، فتكون حالة، ليس فيها تأجيل، وهذا هو الأصل في ضمان المتلفَات، فالأصل في ضمان المتلفات الحلول لا التأجيل.

إذاً جناية العمد المحض، تكون في مال الجاني، سوى ما تقدم من الصبي والمجنون، فإن عمد الصبي والمجنون خطأ، فهنا إن كانت الجناية عمدا محضا، فإنها في مال الجاني وتكون حالة.

قوله: [وشبه العمد والخطأ على عاقلته]

ويأتي إن شاء الله باب في العاقِلَة. فهنا لا تجب الدية على القاتل خطأ ولا شبه عمد، ولا على من قطع طرفا خطأ أو شبه عمد، ولا على من جرح خطأ أو شبه عمد، إنما تجب على العاقلة، وتقدم ما يدل على هذا وهو حديث الهُذَيْلية التي ضربت امرأة في بطنها فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على العاقلة " وهو حديث متفق عليه، فهذا في شبه العمد، والخطأ أولى.

إذاً جناية شبه العمد أو الخطأ تكون على العاقلة، لكنها تكون مؤجّلة على ثلاث سنين باتفاق العلماء، وفي ذلك أثران عن عمر وعلي رضي الله عنهما في البيهقي، وإسناداهما في البيهقي ضعيفان، لكن لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، والنظر يدل عليه، لأنها وجبت على العاقلة لا على الجاني من باب التخفيف والمواساة، فكان المناسب فيها هو التأجيل، فتؤجّل على ذلك على ثلاث سنين.

ومتى يكون أول قِسْط؟

يكون أول قسط في النفس حين الموت، فاليوم الذي مات فيه يدفعون ثلث الدية، فلو أصيب فعاش يوما أو يومين ثم مات، فلا يكون الحساب من زمن الجناية، وإنما من حين الموت؛ لأن الدية استقرت بموته، ثم إذا جاء نفس الوقت من السنة القادمة، فيدفع القسط الثاني، ثم القسط الثالث في مثله من السنة الثالثة.

ص: 2

وأما في الأطراف والجراح، فإن كان الجرح أو الطرف قد سرى ثم اندمل، فمن حين اندماله، فنبدأ من حين توقفت فيه سراية هذا الجرح أو سراية هذا الطرف. وأما إذا لم تسر الجناية، فتكون من حين القطع. إذاً دية الخطأ وشبه العمد على العاقلة.

* فإن تعذّر أن يكون ذلك على العاقلة، كأن لا يطبَّق هذا في بعض البلدان، أو لا تكون له عاقلة، فعلى من يكون؟

مذهب الجمهور: أنه يكون على بيت المال.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يكون على الجاني نفسه، فنرجع الدية على الجاني نفسه، لأنها إنما وجبت على عاقلته من باب التخفيف والمواساة له، وإلا فإن الأصل أن ضمان المتلفات على المتلِف نفسه. وهذا القول هو الأرجح، كما أنه أقوى في حفظ الحق وعدم ضياعه، فنقول: إن كانت له عاقلة فعلى عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة، فعليه هو، لأن الأصل في ضمان المتلفات أن تكون على الجاني أو المتلِف نفسه.

قلنا إنها تؤجل ثلاث سنين، لكن إن كانت المصلحة في دفعها حالّة، فإنها تدفع حالة ولا تؤجل، فإذا رأى القاضي أو السلطان أنها تدفع حالة، فلتدفع حالة، كما لو كان يخشى من فوات الحق وهروب من عليه الدية، أو كان من عليهم الدية، وهم العاقلة أغنياء، وأولياء هذا المقتول فقراء. واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد نص على ذلك الإمام أحمد.

قوله: [وإن غصب حُراًّ صغيرا، فنهشته حية أو أصابته صاعقة

وجبت الدية]

رجل غصب حرا صغيرا ابن عشر سنين، ثم وضعه في حجرة، وإن كان الحجرة مفتوحة الأبواب، لكن المقصود أن يد هذا الغاصب عليه، فنهشته حية أو أصابته صاعقة أو حصل له وباء في ذلك الموضع، فتلف، فعليه الدية؛ لأنه متسبِّب، فكل ما له ارتباط بالمحل الذي وضعه فيه، حتى لو أخذه إلى داره وأصيبت هذه الدار بصاعقة أو أتاها سبع أو نحو ذلك، فتلف هذا المُغتصَب، فإن عليه الضمان، لأنه هو المتسبب.

ص: 3

قوله: [أو مات بمرض]

إذا مات بمرض، هكذا قُدِّر عليه، لا ارتباط له بالمَحلِّ.

اغتصبه – يعني سرقه -، ثم إن هذا الصبي أو الصبية أتاه مرض، هذا المرض لا ارتباط له بالمحل الذي وضع فيه، فهنا قالوا أيضا: عليه الضمان.

وهذا أحد القولين في المذهب.

وأما المشهور في المذهب فهو: أنه لا ضمان عليه.

أهل القول الأول قالوا: إن يده يد غصب، واليد الغاصبة تضمن مطلقا، فلو اغتصب مالا كدراهم أو دنانير، ثم إنها تلفت، ولم يكن هذا التلف بتعد منه ولا تفريط، فهل يضمن؟ نعم، يضمن، فعلى اليد ما أخذته حتى تؤديه. أو: رجل سرق سيارة، ثم إن هذه السيارة أُحرقت أو أتتها صاعقة أو أي شيء من ذلك، فإنه يضمن، لأن على اليد ما أخذته حتى تؤديه، وهذا يده يد غصب، ويد غصب ضامنة مطلقا.

وأما القول الثاني، فقالوا: إنه لم يباشر قتله، ولم يتسبب في قتله، لأن القتل لم له ارتباط بالمحل الذي هو فيه، وأما كون يده يد غصب، فإن هذا إنما في الأموال، وأما هذا فهو حر، وليس بمال. وهذا هو القول الأرجح. فالأرجح وهو المذهب: أنه لا ضمان؛ وذلك لأن يد الغاصب إنما تضمن الأموال، وهذا حر وليس بمال، ولذا قيَّد في المسألة " وإن غصب حرا "، وذلك لأنه لو غصب عبداً، فإنه أولا لا دية، بل فيه القيمة، ثم يثبت الضمان مطلقا بكل الأحوال، لأن العبد مال.

قوله: [أو غلَّ حُراًّ مكلفا وقيّده، فمات بالصاعقة أو الحية، وجبت الدية فيهما]

هناك لم يشترط في الصبي أن يُقيَّد، وأما هنا فإنه اشترط ذلك في المكلف، لأن الصبي اليد عليه وإن لم يكن مقيدًا، فاليد على الصبي وإن لم يكن مقيّداً، لأنه لا يكاد يتمكن من الفرار والهرب، وإن لم يكن مقيّداً، كما أن حرصه على مصلحة نفسه، ليست كالمكلف.

" غلّه ": بحبل في عنقه ويديه.

" وقيّده ": في رجليه.

ص: 4

وقال في الفروع: " أو قيّده "، وهذا أصح، لأنه لو قيده، فكذلك، والمقصود أنه يمنعه من الهرب والمدافعة عن النفس، فلم يتمكن لا من الهرب، ولا من المدافعة عن نفسه، فهذا حرٌّ مكلف قد قيد بحيث لا يتمكن من الهرب ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه، فمات بالصاعقة، لأنه مقيد لا يتمكن من الخروج من هذا الموضع الذي وضع فيه، أو دخلت عليه حية وهو لا يتمكن من إنقاذ نفسه، وجبت الدية، لكن لو كانت الأبواب مفتوحة ويمكنه الفرار، فليس كالصبي، لكن لو كان يعلم أنه لو خرج من هذه الغرفة فهناك أسوار، فلا فائدة، فهذا كما لو قُيِّد، لكن الحية يتمكن من الفرار منها، أما الصاعقة، فإنه إذا وضع في غرفة ولو كانت مفتوحة، فكما لو أُغلقت، مادام أنه يعلم أن وراء هذه الغرفة أسوار لا يتمكن من الخروج منها. إذاً المقصود أنه متى ما كان متسبِّباً، قد حبسه في هذا الموضع، بحيث لا يتمكن من إنقاذ نفسه، فإن الضمان يكون عليه.

وهنا مسألة: هل في ضربة السوط واللطمة وإحراق المال، قصاص أم فيه الضمان؟

- قال جمهور العلماء: لا قصاص فيه، فلو لطم رجل آخر، فهل نقول للآخر: الطمه، أو ضربه بسوط، فهل نقول: اضربه بسوط، أو أحرق سيارته، فهل نقول: لك أن تحرق سيارته؟ قالوا: لا؛ لأن الغالب عدم المماثلة، فقد تكون لطمة أشد من لطمة، وسوط أشد من سوط، فلما كان الغالب عدم المماثلة لم يقولوا بالقصاص.

- وقال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب طائفة من أهل الحديث، وهو قول ابن المنذر، قالوا: بل في ذلك القصاص، فله أن يقتص.

رجل اعتدى على آخر فلطمه، فالقاضي يخيِّره بين أن يلطمه، وبين غير ذلك مما يكون فيه ضمان، كما يكون هذا في المال. وأما الجمهور فإنهم يقولون هنا بالتعزير.

ص: 5

إذاً قال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم بالقصاص، واستدلوا بقوله تعالى:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وبقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ، وبما روى البخاري أن عمر رضي الله عنه أقاد من الدِّرَّة وهي العصا - التي يضرب بها -، وأقاد عليٌّ رضي الله عنه من ثلاثة أسواط، وهذا هو القول الراجح.

فإن قيل: إن الغالب عدم المماثلة كما تقدم؟

فنقول: إن العدل واجب بقدر الإمكان، ونقول لهم: أيهما أقرب، آلتعزير أم القصاص؟

فلو أن رجلا لطم، فالتعزير إما أن يكون بسوط أو سوطين أو يسجن يوما، هذا هو التعزير، فأيهما أقرب، هل الأقرب التعزير أم الأقرب اللطم إن لطم أو الضرب بعصا إن ضرب؟

الجواب: الأقرب الثاني؛ لأن التعزير سيكون بالسجن، وبين السجن وبين اللطمة من الفرق ما هو أعظم من الفرق ما بين لطمة أشد ولطمة أضعف.

فإن قالوا في مسألة المال: إن في ذلك إتلافا في المال، فهذا رجلٌ يقول: إن زيدا أحرق سيارتي، وثبت عليه ذلك، ويقول: أريد أن أحرق سيارته التي تساوي هذه القيمة، أو قتل بعيره فقال: أريد أن أقتل بعيره كما قتل بعيري، قالوا: فهذا فيه إتلاف للمال؟

فنقول: أيهما أعظم إتلاف المال أم إتلاف الطرف؟

إتلاف الطرف، كاليد، أعظم من إتلاف المال، ولذا فإن هذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة، وعلى ذلك نقول بالقصاص كما هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وطائفة من أهل العلم. والله أعلم. انتهى الدرس الأول من كتاب الديات في ليلة الأربعاء الثامن عشر من رجب لعام 1420 للهجرة

فصل

قوله [وإذا أدَّب الرجل ولده أو سلطانٌ رعيته أو معلم صبيّه، ولم يسرف لم يضمن ما تلف به]

ص: 6

لأن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فإذا لم يكن في التأديب إسراف، يعني زيادة في الضرب أو نحو ذلك، بل كان في موضعه، وكان المحِل قابلا للتأديب، فإن كان صبيا غير مميز، فإنه ليس بقابل للتأديب، يعني ليس محلا للتأديب.

قوله: [ولو كان التأديب لحامل، فأسقطت جنينا، ضمنه المؤدِّب]

كأن يؤدب زوجه الحامل فتسقط، ففيه الضمان، أو تُعزر امرأة حامل، فتسقط جنينها، فيكون في ذلك الضمان؛ لأن هذا ليس بمأذون فيه، فالإذن متوجه إلى تأديب المرأة، وأما الذي في بطنها، فإنه لا يتوجه إليه التأديب، فلما سقط هذا الجنين، فإنا نُضمِّن المتسبب، وهو هذا المؤدب. إذاً إذا أدّب امرأة فأسقطت جنينها، فنقول: فيه الضمان؛ لأنه متسبب، وليس في الجهة – وهي المرأة – التي قد أُذن في تأديبها.

قوله: [وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله]

كحد من حدود الله، كحد الزنا، أو حق آدمي.

قوله: [أو استعدى عليها رجل - أي طلبها لدعوى - بالشُّرَط في دعوى له، فأسقطت ضمنه السلطان والمستعدي]

ضمنه السلطان في المسألة الأولى، والمستعدي في المسألة الثانية.

فإذا استعدى رجل على امرأة بالشرط، يعني ذهب إلى الشرطة وقدّم دعوى على امرأة، فدُعيت من قبل الشرط، فأسقطت جنينها، أو أن السلطان أرسل إليها لكشف حق الله أو حق آدمي، فأسقطت، فإن السلطان يضمن. إذاً الضمان للجنين وذلك للتسبب، لأن الجهة قد اختلفت، فإن الذي يطالب بالحق هي المرأة، وقد تعدى الأمر إلى الجنين، وعلى ذلك: فنضمِّن هذا المتسبب، ويكون قتل خطأ. وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.

قوله: [ولو ماتت فزعا لم يضمنا]

يعني لم يضمن السلطان في المسألة الأولى، ولم يضمن المستعدي في المسألة الثانية. وهذا قول في المذهب، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله؛ لأن هذا الطلب مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون.

ص: 7

وأما المذهب فإن في ذلك الضمان، فيضمن السلطان في المسألة الأولى، ويضمن المستعدي في المسألة الثانية؛ قالوا: لأنهما متسببان.

والراجح الأول، وهو قول في المذهب خلافا للمشهور في المذهب، وهو الذي اختاره المؤلف هنا، وهو مذهب الشافعية، واختاره أيضا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي؛ وذلك للقاعدة المتقدمة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون. لكن على ذلك لو كان هناك تعد من السلطان أو المستعدي، فإن في ذلك الضمان، فلو أن السلطان أرسل إليها قبل أن يتحرى ويتثبت، فأسقطت، فهنا يضمن السلطان ، وكذلك المستعدي إذا أرسل إليها ظلما، فماتت فزعا، فإنه يضمن؛ وذلك لأن ذلك غير مأذون فيه، فطلبها من غير تحر أو ظلما هذا غير مأذون فيه.

قوله: [ومن أمر شخصا مكلفا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة، فهلك به - أي بهذا بالصعود أو النزول - لم يضمنه]

لأنه لم يكرهه، لكن لو أكرهه، فقد تقدم الكلام عليه في المسألة السابقة.

قوله: [ولو أن الآمر سلطان]

لأنه لم يكرهه، لكن لو عُلم من السلطان الظلم، وأنه لو لم يطعه لقتله أو نحو ذلك، فإن هذا يكون له حكم الإكراه.

قوله: [وكما لو استأجره سلطانٌ أو غيره]

فلو استأجر عاملا ليحفر له بئرا أو ينزل إلى البئر ليصلحها أو يصعد إلى الشجرة ليجني ثمرها، فسقط فمات، فإنه لا ضمان؛ لأنه لم يحصل منه تعد، ولأنه لم يكرهه، فهو مجرد مستأجر وقد فعل هذا الأمر باختياره.

وقيّده بأن يكون " مكلفا "؛ لأنه لو لم يكن مكلفا، فأمره بذلك فتلف، فإن عليه الضمان؛ وذلك لأنه لا يؤذن له بمثل ذلك، فلا يؤذن له أن يأمر من ليس بمكلف بمثل ذلك، فيكون فيه تعد حيث لم يكن مكلفا.

باب مقادير ديات النفس

قوله: [دية الحر المسلم مئة بعير، وألف مثقال ذهبا – ألف دينار – أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مئتا بقرة أو ألفا شاة]

ص: 8

هذه هي أصول الدية في المشهور في المذهب: مئة من الإبل أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم أو مئتان من البقر أو ألفان من الشاة.

وفي الحُلَل قولان:

المشهور في المذهب: أنها ليست من أصول الدية.

والقول الثاني خلافا للمشهور فيه: أن الحلل من أصول الدية، فيجب مئتا حُلَّة، والحلل من برود اليمن، يجتمع في الحلة إزار ورداء.

إذاً الأصول في باب الدية في المذهب خمسة:

الأصل الأول: الإبل. والأصل الثاني: الذهب. والأصل الثالث: الورِق، يعني الدراهم من فضة. والأصل الرابع: البقر. والأصل الخامس: الشياه.

هذا هو المشهور في المذهب، واستدلوا بما روى أبو داود في سننه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الإبل مئة من الأبل، وفي البقر مئتين من البقر، وفي الشاء ألفي شاة، وفي الحلل مئتي حُلّة " وهذا عمدة من ذهب من أهل العلم بأن الحلل داخلة في أصول الديات.

وأما الورِق فقد روى أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في رجل قُتل باثني عشر ألف درهم ".

وأما الذهب، ففي النسائي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(وفي الذهب ألف مثقال) .

والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية والشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول أئمة الدعوة: أن الأصل الإبل، وأما ما سواه، فإنها قيمة الإبل. إذاً ننظر إلى قيمة الإبل في كل زمن، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، فقد تكون قيمة مئة من الإبل، ثلاثمئة أو أربعمئة بقرة، أو تكون ثمانية آلاف درهم، وقد تكون عشرة آلاف درهم، وهكذا. وهذا هو القول الراجح.

والأدلة التي استدل بها الحنابلة، فهي أدلة فيها ضعف، أما حديث عمرو بن حزم فهو مرسل، وأما حديث ابن عباس فإن في إسناده ضعفا، وأما حديث جابر رضي الله عنه، فإن إسناده فيه عنعنة محمد بن إسحاق.

ص: 9

وأما أهل القول الثاني، فاستدلوا بما ثبت في سنن أبي داود بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الإبل على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمانمئة دينار أو ثمانية آلاف درهم " فالقيمة تختلف هنا عما تقدم تقريره، قال: " وكانت دية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين، فلما كان استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" ألا إن الإبل قد غلت "، فقوَّمها باثني عشر ألف درهم، أو ألف دينار أو مئتين من البقر أو ألفي شاة أو مائتين من الحلل " إذاً هذا الأثر الصحيح دال على أنها كانت في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف ما تقدم ذكره، ثم لما كان عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال " ألا إن الإبل قد غلتْ " ففرضها في الذهب ألفا دينار، وفي الورِق اثني عشر ألف درهم، وفي البقر مئتين من البقر، وفي الشاء ألفي شاة، وفي الحلل مئتي حلة. إذاً هذا الأثر دال على الأصل هو الإبل فقط، ويدل عليه كما سيأتي إن شاء الله أن التغليظ في الدية – في العمد وشبه العمد - خاص بالإبل، ولأنها في الأطراف وفي الجراح تُقوَّم أيضا بالإبل، فدل على أن الأصل هو الإبل فقط، وأما غيرها فإن هذا يختلف باختلاف الأزمان، فتقوم بقيمتها، سواء كانت دراهم أو غيرها، على اختلاف الأزمان. وهذا هو الراجح، وعليه عمل وقضاء أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله.

قوله: [هذه أصول الدية، فأيها أحضر من تلزمه، لزم الولي قبوله]

وهذا على القول بأن الأصول خمسة، وإن قلنا أن الأصل هو الإبل، فلا يلزم القبول إلا أن تكون هي القيمة، فإذا قوَّمناها، فإنه يلزمه أن يأخذ القيمة.

قوله: [فتغلّظ في قتل العمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذَعة]

ص: 10

إذاً تجب أرباعا مغلَّظة في دية العمد وشبه العمد. هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد، واستدلوا بحديث عزوه إلى السائب بن يزيد: أنها تجب أرباعا " وهذا الحديث لم أقف عليه في شيء من كتب السنة، وقد ذكره السيوطي في جمع الجوامع، وضعّفه. فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ثبت عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال، وهو حديث حسن:(في النفس المؤمنة مئة من الإبل) ، لكن هذا التفصيل الذي ذكره الحنابلة رحمهم الله تعالى ينبني على هذا الحديث الذي لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وذهب الشافعية: إلى أن الواجب ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلِفة في بطونها أولادها، واستدلوا بما رواه أبو داود والترمذي، والحديث حسن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(الدية ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها) . وهو الراجح في هذه المسألة، وقد تقدم حديث آخر في أن دية الخطأ شبه العمد مئة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها. إذاً هذه هي دية العمد وشبه العمد، وهي دية مغلظة، ولذا كما تقدم أن التغليظ إنما يكون في الإبل.

قوله: [وفي الخطأ تجب أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة]

الأربعة المذكورة: بنات مخاض، وبنات لبون، والحقاق، والجذعات، فيجب عليه عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون جذعة، وعشرون حقة.

قوله: [وعشرون من بني مخاض]

إذاً تجب أخماسا، واستدلوا بحديث رواه الدارقطني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا، لكن الصواب وقفه.

ص: 11

وذهب بعض أهل العلم، وهو قول طاووس من التابعين: إلى أن الواجب ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون جذعة، وعشرة من بني لبون. وقد ورد فيه حديث عند أبي داود بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في دية الخطأن ثلاثين بنت مخاض، وثلاثين بنت لبون، وثلاثين حقة، وعشرة من بني لبون "، لكن ورد عند أبي داود من قول عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أن الواجب عشرون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرون من بني لبون.

واختار ابن القيم رحمه الله تعالى لمّا اختلفت الآثار هنا، أن ذلك كله مجزئ، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حد محدود أي حد واجب، ولذا فإن الصحابة رضي الله عنهم قضوا بخلاف ما تقدم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعلى ذلك فإن فُرضت عليه أخماسا، كما في المذهب، فلا بأس، وإن فرضت عليه كما في حديث أبي داود، فلا بأس، وإن فُرِضت عليه كما ورد عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، فلا بأس بذلك. وقد قال عليه الصلاة والسلام كما تقدم في سنن النسائي، والحديث حسن:(في النفس المؤمنة مئة من الإبل) ، وهذا يدل على أن التحديد المتقدم ليس بواجب.

قوله: [ولا تُعتبر القيمة في ذلك]

تقدم أن الدية تجب في الدراهم، وتكون القيمة اثني عشر ألف درهم، وعلى ذلك يكون قيمة البعير مئة وعشرون درهما. فلو أنه أخرج أبعرة وكان قيمة كل بعير مئة من الدراهم، فهل يجزئ؟

قال " لا تعتبر القيمة في ذلك "، فلو كان البعير قيمته مئة أو ثمانون، فمادام أن شروط السلامة متوفرة فيه، فلا بأس. إذاً إذا أخرجنا الإبل، فلا يشترط أن نخرج إبلا قيمتها تساوي اثني عشر ألف درهم.

ص: 12

فإذا حدَّدنا الدية في هذا الزمن مثلا مئة وخمسون ألف درهم، فإذا أتى بمئة من الإبل، قيمتها لا تساوي إلا مئة ألف من الدراهم، لكنها سليمة، فهل يجزئه ذلك؟

يجزئه ذلك. إذاً لا نعتبر القيمة، وإنما نعتبر السلامة، ولذا قال " ولا تعتبر القيمة في ذلك " وإنما تعتبر السلامة.

قوله: [ودية الكتابي نصف دية المسلم]

لما ثبت في داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عَقْلُ أهل الكتاب على نصف عقل المسلمين) والعقل يعني الدية. هذا هو مذهب جمهور العلماء خلافا للأحناف.

وأما الأحناف فذهبوا إلى أن الواجب دية المسلم، واستدلوا بقوله تعالى:{فدية مسلمة إلى أهله} .

لكن الحديث حجة عليهم، وأما الدية في الآية فهي مطلقة، فتختلف باختلاف الدين. وأما ما رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى على مسلم قتل يهوديا من أهل الشام – وهو ذمي -، بمئة من الإبل " فإن هذا حيث كان القتل عمدا، فتغلّظ الدية، ويدل عليه ما رواه البيهقي والدارقطني بإسناد صحيح أن عثمان رضي الله عنه قضى على مسلم قتل ذميا عمدا، بمثل دية المسلم "؛ لأنه لما يكن هناك قود بذلك، فإن الدية تُغلّظ، وأما إذا كان قتل خطأ، فإن الواجب نصف الدية. هذا هو الصواب.

قوله: [ودية المجوسي والوثني ثمانمئة درهم]

المجوسي الذي لا كتاب له، وهو من عبدة النار، والوثني، ديتهما ثمانمئة درهم.

كم تساوي ثمانمئة درهم الآن؟

إذا كان في كل مئة درهم فيها سبعون مثقالا من الفضة، فعلى ذلك في ثمانمئة درهم خمسمئة وستون ، والمثقال أربع جرام وربع، والجرام من الفضة يساوي في البيع تقريبا درهما، فيكون قريبا من ألفي درهم. وقد قضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما في سنن الدارقطني، وهو أثر صحيح، ولا يُعلم له مخالف.

ص: 13

إذاً أولئك أهل كتاب، وأما المجوس والوثنيون، فإنهم لا كتاب لهم، فالواجب في ديتهم ثمانمئة درهم إسلامي، وليس الدرهم الموجود الآن. وعليه فننظر إلى قيمته، فقد تساوي هذه الثمانمئة درهم، ألفي درهم أو ثلاثة آلاف درهم.

قوله: [ونساؤهم على النصف، كالمسلمين]

الآن دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل الذكر المسلم، وهذا بإجماع أهل العلم، وقد حكى هذا الإجماع ابن عبد البر وابن المنذر. وقد دلت عليه آثار كثيرة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم، ففي البيهقي عن عمر علي وابن مسعود ما يدل على ذلك.

وكذلك دية المرأة الكتابية على النصف من دية الكتابي، ودية المجوسية على النصف من دية المجوسي، فيكون فيها أربعمئة درهم، وهذا أكثر من قيمتها.

وقد اختلف أهل العلم في دية المسلمة في باب الجراح والأطراف، ما الذي يجب فيها؟ على قولين:

القول الأول، وهو مذهب الحنابلة والمالكية، قالوا: إن الواجب في دية الأطراف والجراح أن تساوي الرجال حتى تبلغ ثلث الدية، فإذا تجاوزت ثلث الدية، فيكون الواجب النصف.

فالأصبع فيها عشر من الإبل، وهي أقل من الثلث، فإذا قطعت أصبع المرأة، فإن الواجب فيها عشر من الإبل، لأنها لم تتجاوز الثلث.

ص: 14

الرجل إذا قُطعت يده، ففيها خمسون من الإبل، فهي أكثر من الثلث، فالمرأة فيها خمس وعشرون من الإبل. واستدلوا بما روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(عقْل المرأة المسلمة مثل عقل الرجل ما لم تبلغ الثلث من ديتها) . لكن الحديث من حديث إسماعيل من عياش عن الحجازيين، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، لكن له ما يعضده في موطأ مالك بإسناد صحيح أن سعيد من مسيب رحمه الله قال:" في الأصبع عشر من الإبل، وفي الأصبعين عشرون من الإبل، وفي الثلاث ثلاثون من الإبل، وفي الأربع عشرون "، فقال له ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله تعالى: لما اشتد جرحها وعظُمت مصيبتها، قلَّت ديتها " قال:" أعراقيٌّ أنت؟ فقال رحمه الله تعالى: " بل إمّا عالِمٌ متثبتٌ أو جاهل سائل " فقال: " هي السنة يا ابن أخي ". ويحتمل في هذا الأثر السنة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويحتمل السنة المنسوبة إلى عامة الصحابة، والاحتمال الثاني أقرب، وقد صح عن عمر رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة أنه قال في السن والموضحة: " أن دية المرأة تساوي دية الرجل، وما فوق، فإن دية المرأة على النصف من ذلك ". فالذي يترجح هذا الأثر منسوب إلى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي سنة بعض الصحابة، كعمر رضي الله عنه.

والقول الثاني، وهو مذهب المالكية والشافعية الأحناف، وهو رواية عن أحمد، قالوا: بل يجب النصف مطلقا، ففي الأصبع خمس من الإبل، وفي الأصبعين عشر من الإبل، وفي الثلاث خمسة عشر بعيرا. وهذا القول هو القول الأرجح، وهو قول علي وابن مسعود كما في البيهقي، والإسناد إليهما صحيح. والله أعلم. انتهى الدرس الثاني في ليلة الأربعاء الثاني من شهر شعبان لعام 1420 للهجرة.

قوله: [ودية قن قيمته]

ص: 15

لأن الرقيق مال، وعلى ذلك: فديته قيمته، فإذا قتل عبداً، فإن دية العبد قيمته، فننظر كم يساوي هذا الرقيق، وتكون هي الدية.

قوله: [وجراحه ما نقَصَه بعد البرء]

في الجراح والأطرف، نقوّمه بعد برئه، وكذلك إذا اندمل الموضع الذي كان فيه قطع الطرف، فنقوّم هذا العبد، كما كان يساوي قبل قطع الطرف وقبل الجرح، وكم يساوي بعد؟ فإذا قالوا: إنه كان يساوي مئة ألف، والآن لا يساوي إلا ثمانين ألفا، فالذي يجب فيه عشرون ألفا. ما ذكره المؤلف هو قول في المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأما المشهور في المذهب، فإن الواجب هو القسط من القيمة، فإذا قطع يده – واليد فيها نصف الدية -، فنقول: كم يساوي هذا الرقيق، قالوا: يساوي مئة ألف، فنقول: الواجب خمسون ألفا.

والراجح هو الأول؛ إلحاقا لما دون النفس بالنفس، لأن القول الأول قاعدته مطردة، فالقيمة في النفس وفيما دون النفس، وأما القول الثاني فإنه فرّق بين ما دون النفس وما بين النفس، فما دون النفس أوجب فيها نصف الدية، ثم بعد ذلك رجع إلى القيمة.

قوله: [ويجب في الجنين – أي الحر – ذكراً كان أو أنثى]

فلا فرق في الجنين بين الذكر والأنثى، والجنين هنا حيث تخلّق، فظهرت فيه خِلْقةُ الإنسان، وهذا يكون بعد الثمانين، فينظر، فقد تكون المضغة مخلقة، وقد تكون غير مخلقة، فينظر بعد الثمانين إن حصل تخلُّق يعني يَبِينُ فيه خلْق الإنسان، فهذا هو الجنين، وأما إذا لم يَبِن فيه خلق الإنسان، فهي قطعة لحم لا دية فيها. إذاً الجنين إذا سقط ميتا وقد تخلق أي ظهر فيه خلق الإنسان – ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة -.

لكن لو سقط حيا حياة مستقرة في ستة أشهر – كأن يصرخ - ثم مات، فإن فيه الدية كاملة؛ لأنه ثبتت حياته. وأما الكلام هنا حيث سقط ميتا، وقد تبين فيه خلق الإنسان.

قوله: [عُشْر دية أمِّه غُرَّة]

ص: 16

الغُرَّة: هي عُشْر دية الأم، باتفاق العلماء، فإن كانت الأم مسلمة، فالغرة خمسٌ من الإبل، لأن ديتها خمسون من الإبل، وعلى ذلك فدية الجنين - الغرة - خمس من الإبل. وحكاه الموفق عن عليّ وزيد، قال:" ولا يعلم لهم مخالف ". وتقدم حديث المرأتين الهُذليتين اللتين اقتتلتا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بدية الجنين غرة، عبدٌ أو أمَة، يعني بقيمة الغرة عبدٌ أو أمة، يعني إما عبد أو أمة بقيمة الغرة، والغرة خمس من الإبل، فتجب عبد أو أمة بقيمة خمس من الإبل، أو تجب خمس من الإبل. فإن تيسر وكان هناك إماء أو عبيد، وإلا كما في عصرنا، فهناك خمس من الإبل، كما أن ظاهر كلام أهل العلم أن الواجب هو خمس من الإبل مطلقا.

فإن كانت كتابية، فالواجب عبدٌ أو أمَة بقيمة بعيريْن ونصف؛ لأن دية الكتابية خمس وعشرون.

قوله: [غرة]

أي عبد أو أمة، قيمة هذا العبد أو الأمة خمس من الإبل، لكن في عصرنا حيث لا إماء ولا عبيد، فإن الواجب خمس من الإبل، وأما في عصرهم، فإن الواجب عبد أو أمة بقيمة ذلك إن تيسر، وإلا فالواجب خمس من الإبل.

قوله: [وعُشْر قيمتها إن كان مملوكا، وتقدَّر الحرة – يعني الحامل برقيق - أمَة]

إن كان هذا الجنين عبدا لا حرا، فالواجب عشر قيمة الأم، فإذا كانت تساوي الأم مئة ألف، فالواجب عشرة آلاف، فإن كانت أمه حرة، فإنا نقوِّمها كما لو كانت عبدة، ونوجب عُشْر القيمة.

قوله: [وإن جنى رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه]

كالجائفة، فليس فيها القصاص، لأنه لا يؤمن الحيف، وإنما فيها الدية.

قوله: [أو فيه قود – كما لو قطع يده من المفصل – واختير فيه المال أو أتلف مالا بغير إذن سيده، تعلَّق ذلك برقبته]

ص: 17

وعلى ذلك نقول للسيد: أنت بالخيار، إما أن تسلِّم هذا العبد للأولياء الجناية، فإن شاؤوا باعوه، وإن شاؤوا ملكوه، وإن شئت فلتفده. فإذا قالوا: إن الجناية تساوي مثلا عشرة آلاف، لكن هذا الرقيق لا يساوي إلا خمسة آلاف، فيقول: خذوه، إن شئتم ملكتموه، وإن شئتم بعتموه، فلا يكلَّف السيد ما زاد على ذلك. وإن كان يساوي عشرة آلاف والجناية خمسة آلاف، فيقول: خذوا هذه الخمسة آلاف ويفدي رقيقه. إذاً يكون السيد بالخيار، إن شاء ملَّكَهم رقبته، وإن شاء فداه.

قوله: [فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه أو يبيعه ويدفع ثمنه]

باب ديات الأعضاء ومنافعها

العضو: كالعين.

والمنفعة: كالبصر والشم والذوق.

وليعلم أنه إن جنى على عضو فأشلَّه، فكما لو قطعه، فلو ضرب اليد مثلا فأشلها، فكما لو قطعها ففي ذلك الدية، باستثناء عضوين، وهما: الأنف والأذن؛ أما الأذن فلأن السمع في الدماغ، وأما الأنف فلأن الشم أيضا في الدماغ، ولأن الجمال باقٍ. فإذا ضرب الأنف أو الأذن فأشلهما، فلا دية، ولكن في ذلك حكومة، وسيأتي الكلام على الحكومة إن شاء الله.

إن قطع عضوا مشلولا، فما الحكم؟

فيه الحكومة، وليس فيه الدية، باستثناء الأذن والأنف؛ فإن فيهما دية، بعكس المسألة السابقة، لأن المقصود بقاؤهما، فإذا زالا، فكما لو زالت اليد، لأن الشم والسمع في الدماغ، فإذا اعتدى عليهما بالقطع فإن المنفعة تفوت، سواء كانا مشلولين أو غير مشلولين.

قوله: [من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد]

ففيه الدية، وإذا أتلف ما فيه شيئان، ففي كل منها نصف الدية، وفي الجميع الدية كاملة، وإذا أتلف ما فيه ثلاثة أشياء، ففي الجميع الدية كاملة، وفي كل واحد منها ثلث الدية، فإذا كان في أربعة أشياء ففي كل واحد ربع الدية، فإذا كان في عشرة أشياء كالأصابع، ففي كل واحد عُشْر الدية.

ص: 18

قوله: [كالأنف واللسان والذَّكَر ففيه دية النفس]

وقد روى أحمد في مسنده والنسائي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال – والحديث عليه العمل وإن كان مرسلا وله شواهد -: (في الأنف إذا أوعب – يعني قطع كله – الدية، وفي العنين الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الصُّلْب الدية)، والصلب: هو العظم الذي يمتد من أعلى الظهر إلى أسفله، وهذا العظم إذا اعتُدي عليه، فإنه تفوت منفعة المشي، وقد تفوت أيضا منفعة الجماع أي النكاح، وإذا جُبر، فإنه يحدودب ظهره. فهذا العظم فيه الدية إذا لم ينجبر، فإذا انجبر لكن احدودب، ففيه حكومة، فإن فاتت منفعة المشي أو منفعة الجماع، ففيه دية واحدة، فإن فاتت المنفعتان جميعا، ففيه ديتان.

قوله: [وما فيه منه شيئان كالعينين]

فالواجب دية كاملة، فإن فُقِئت عين واحدة، فإن فيها نصف الدية.

قوله: [والأذنين والشفتين واللَّحيين]

اللحيان: هما العظمان اللذان ينبت عليهما شعر اللحية.

قوله: [وثديي المرأة]

فإذا قطع ثدي المرأة ففيهما الدية، وإذا قطعت الحَلَمة، فكما لو قطع الثدي؛ لأن المنفعة فيها. والكلام الذي أقرره هو في المذهب.

قوله: [وكثنْدُؤَتَيْ الرجل]

اللذان في مقام ثديي المرأة، ففهم الدية، وفي أحدهما نصف الدية.

ويصح أن تضم الثاء مع الهمز، ويصح بلا همز (ثندوتي) .

وقال الجمهور: بل فيها حكومة، وهذا أصح؛ لأنه ليس فيهما ما في ثديي المرأة من المنفعة، بل غاية ما فيهما أنهما يجمِّلان البدن.

قوله: [واليدين والرجلين والإليتين والأنثيين – يعني البيضتين – وإسكتي المرأة]

إسْكِتَيْ المرأة: يعني حافة الفرج، ويصح أيضا أن تكون الهمزة أعلى (أسْكتي) ، وهما حافتا الفرج، وبهما يكون الجماع.

ص: 19

قوله: [وفي إحداهما نصفها. وفي المنخِريْن ثلثا الدية، وفي الحاجز بينهما ثلثها]

وهذا واضح، فالأنف تتكون من منخِرين وحاجز، فإذا قُطع المنخرين ففي ذلك ثلثا الدية، وفي الحاجز الثلث، وإذا قطع منخِرا واحدا ففيه ثلث الدية.

قوله: [وفي الأجفان الأربعة الدية، وفي كل جفن رُبْعُها]

وهو معروف، فالجفَن هو القطعة من الجلد التي تغطي العين.

قوله: [وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين]

ففي سنن الترمذي وصححه، وهو كما قال، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(دية أصابع اليدين والرجلين عشرة من الإبل لكل أصبع) ، إذاً كل أصبع فيها عشرة من الإبل، ولا فرق بين الخنصر والإبهام، ولذا روى أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء) ، فالأصابع سواء، والأسنان سواء.

قوله: [وفي كل أصبع عُشْر الدية، وفي كل أنملة ثلث عُشْرِ الدية]

كل أصبع فيها ثلاثة أنامل، إلا الإبهام ففيها أُنملتان، وعلى ذلك: الأنملة في الإبهام فيها نصف العشر، ولذا قال:

[والإبهام مفصلان، وفي كل مفصل نصف عشر الدية]

إذاً الآن الأصبع فيها عَشر من الإبل، وفي كل مفصل سوى الإبهام ثلث العُشر، وأما الإبهام ففيها مفصلان، ففيها نصف العُشر.

قوله: [كدية السن]

السن فيها خمس من الإبل، كما روى ذلك النسائي من حديث عمرو بن حزم، وهو مرسل، ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس، والحديث صحيح، وعلى ذلك: فالسن فيها خمس من الإبل.

فلو كسر أسنانه كلها، فإننا نضرب خمسا في ست وثلاثين، فيكون المجموع مئة وثمانون بعيرا. وهذا كما تقدم ما لم تَعُد السن، لكن إن عادت، فإنه ليس فيها الدية.

ص: 20

وفي الظفر خمس من الإبل، وقد روى ابن أبي شيبة عن عباس رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه قال:" في الظفر خمس من الإبل "، فإذا قطع الظفر فلم يعد، أو عاد لكنه أسود، فالواجب فيه خمس من الإبل.

فصل في دية المنافع

قوله: [وفي كل حاسة دية كاملة]

لو أذهب عليه حاستين، ففيه ديتان، ولو أذهب عليه أربع حواس ففيه أربع ديات؛ ولذا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن رجلا ضرب رجلا، فأذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه، فقضى عمر رضي الله عنه بأربع ديات ".

فتجب في كل حاسة دية كاملة، كالسمع والبصر والذوق، فالذوق فيه دية كاملة، ومعلوم أن الذوق يكون لخمسة أشياء، للملوحة والعذوبة، والحلاوة والمرارة، وللحموضة. فلو أنه أذهب عليه حاسته في الحموضة فقط، ويمكن هذا طبيا، فالواجب عليه خُمْس الدية.

والنطق منفعة، ففيه الدية، كما أن اللسان فيها الدية. فإذا أذهب نطقه، فإن في ذلك الدية. واللسان فيه ثمانية عشر حرفا، لأن أربعة حروف شفهية، وستة حروف حلقية، والباقي يكون في اللسان، فلو أذهب عليه نُطْقَ حرفٍ واحدٍ، فالواجب جزء من ثماني عَشرة جزءاً.

كذلك لو أذهب عليه شيئا من البصر، وقال الأطباء: إنه قد أذهب عليه نصف البصر، أو نصف السمع، فالواجب نصف الدية.

قوله: [وهي السمع والبصر والشم والذوق]

ولم يذكر حاسة اللمس.

وقال المالكية: إن حاسة اللمس كذلك. القياس يقتضي ما ذهبوا إليه، وقد ذكرها أيضا بعض الحنابلة.

وفقْد حاسة اللمس: أن يكون لا يحس بالأشياء من حيث الحرارة والبرودة والخشونة ونحو ذلك، فإذا أذهب حاسة اللمس عنده، فإن فيها الدية.

قوله: [وكذا في الكلام والعقل – يعني جُنَّ – ومنفعة المشي والأكل]

وتذهب منفعة الأكل بألا يشتهي الطعام، أو يصبح يأكل لكن معدته لا تهضم الطعام، أو أصبح لا يأكل أبدا، أو لا يرغب في الطعام فليس له في الطعام أي شهوة، فإنه حينئذ تجب فيه الدية.

ص: 21

قوله: [والنكاح]

إما أن ينقطع الماء، أو يكون عنِّيناً، وقد تقدم، أو أن يكون لا ينجب فيصبح عقيما، فإن فيه الدية كاملة.

قوله: [وعدم استمساك البول أو الغائط]

إذاً هذا الضرر ترتب على المسلك البولي، ففيه الدية.

قوله: [وفي كل واحدة من الشعور الأربع الدية، وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العنين]

فلو أتى إلى رجل وهو نائم ووضع عليه دواء، فأصبح لا تخرج لحيته، أو قد يقع هذا من الطبيب خطأ، فما الحكم؟

فيها الدية، وكذلك شعر الرأس فيه الدية، وشعر الحاجب فيه دية، وأهداب العينين في كل هدبٍ رُبْع الدية. هذا هو مذهب الحنابلة، واستدلوا بما روى عبد الرزاق في مصنفه عن علي وزيد أنهما قالا:" في الشعر الدية "، قالوا: وأما الشارب ففيه حكومة.

وقال الجمهور: بل في الشعر كله حكومة، وليس فيه دية؛ قالوا: لأن هذه الشعور منفعتها الجمال فقط، وعلى ذلك فلا تبلغ مبلغ العين أو الأذن، ونحو ذلك. وهذا القول أصح، وأما ما روي عن علي وزيد، فإن الأثرين ضعيفان.

قوله: [فإن عاد فنبت سقط موجَبه]

الموجَب بفتح الجيم: يعني الدية.

إن عاد فنبت، فيسقط الموجَب يعني الدية؛ لأن الدية قد وجبت به.

قوله: [وفي عين الأعور الدية كاملة]

رجل أعور فُقِئت عينه، فالواجب الدية كاملة؛ لذهاب حاسة البصر.

قوله: [وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمدا، فعليه دية كاملة ولا قصاص]

ص: 22

هذا رجل أعور فقأ عينَ صحيحٍ مماثلة لعينه الصحيحة - لأنها إن لم تكن مماثلة لعينة، فلا قصاص – فهنا الأصل أن فيه القصاص، لكن لو اقتصصنا منه لترتب على ذلك حيف، لأن الآخر بصره باق، وأما هو فبصره يذهب، وعلى ذلك: فلا قصاص، لكن الواجب الدية كاملة تغليظا؛ لأن من سقطت عنه العقوبة لمانع، ضوعفت عليه الدية أو الغُر. وبهذا قضى عمر وعثمان رضي الله عنهما كما في مصنف ابن أبي شيبة بإسنادين صحيحيْن، وهذا كما تقدم فيما إذا قتل المسلم ذميا، فالواجب إذا كان عمدا الدية كاملة؛ لأنا لمّا أسقطنا عنه العقوبة لمانع وهو إسلامه وكفر الآخر، فإنا حينئذ نوجب عليه الدية مغلظة، فكذلك هنا.

قوله: [وقَطْعِ يد الأقطع نصف الدية كغيره]

رجل أقطع اليد أو الرجل، فقُطعت، فالواجب نصف الدية؛ قالوا: لأن اليد اليمنى لا تقوم مقام اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقوم مقام اليد اليمنى، والرِّجل اليمنى لا تقوم مقام الرجل اليسرى، وكذلك العكس، بخلاف العين، فإن العين اليسرى تقوم مقام العين اليمنى. هذا هو المشهور في المذهب.

وعن الإمام أحمد: أن الدية تجب كاملة؛ لأن اليد – اليمنى أو اليسرى – الباقية، تقوم مقام الأخرى، فإذا قطعت يده اليمنى، فإنه يأكل بيده اليسرى ويعطي ويأخذ بيده اليسرى إلى غير ذلك، وإذا بقيت إحدى رجليه، فإنه يتكأ ويمشي عليها، بينما إذا لم يبق له رجل، فإنه لا يستطيع المشي. إذاً الأقوى أن نقول: في ذلك الدية كاملة. والله أعلم. انتهى الدرس الثالث في ليلة الأربعاء التاسع من شعبان لعام 1420 للهجرة.

تقدم أن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن اليد الشلاء إذا قطعت ففيها حكومة.

ص: 23

والقول الثاني في المسألة، وهو رواية عن الإمام أحمد: أن فيها ثلث ديتها، واستدلوا بما ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(قضى في العين السوداء السَّادّة مكانها بثلث ديتها) أي ثلث نصف الدية (وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قُلعت بثلث ديتها) . وهذا القول هو الأظهر؛ لهذا الحديث الحسن.

باب الشجاج وكسر العظام

قوله: [الشجة: الجرح في الرأس والوجه خاصة، وهي عشرٌ: الحارِصَة، وهي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه]

فالحارصة: هي التي تشق الجلد ولا يخرج دم.

قوله: [ثم البازلة الدامية الدامعة: وهي التي يسيل منها الدم]

فهذه تسمى البازلة والدامية والدامعة، وهي تشق الجلد، ثم يسيل شيء من الدم يسير كالدمع، ولذا تسمى بالدامعة.

قوله: [ثم يليها الباضعة: وهي التي تبضع اللحم]

تبضع اللحم: أي تشقه، فالباضعة أشد من البازلة، فإن البازلة تشق الجلد – وإن كانت تدميه - ولا تشق اللحم، وأما الباضعة فإنها تشق اللحم.

قوله [ثم يليها المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم]

تلك تشق اللحم، وأما هذه فهي تغوص في اللحم.

قوله: [ثم يليها السِّمْحاق: وهي التي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة]

يعني ما بقي إلى العظم إلا قشرة رقيقة.

قوله: [فهذه خمس لا مُقدَّر فيها بل حكومة]

فهذه فيها حكومة.

والقول الثاني في المسألة، وهو رواية عن أحمد: أن الأربع دون الحارصة، فيها مقدَّر، وأما الحارصة ففيها الحكومة.

أما البازلة ففيها بعير، والباضعة فيها بعيران، والمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة، والسمحاق فيها أربعة أبعرة وصح بذلك الأثر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه كما سنن البيهقي بإسناد صحيح. وهذا هو القول الراجح؛ لأنه لا يعلم له مخالف.

قوله: [وفي الموضحة: وهي التي توضح اللحم وتبرزه، خمسة أبعرة]

ص: 24

" توضح اللحم " كذا ذكر المؤلف رحمه الله، والصواب: ما توضح العظم، كما ذكر الشارح، وكما تقدم تقريره في درس سابق.

فهي توضح العظم، فتجرح اللحم حتى يتضح العظم، وتزول الجلدة الرقيقة التي تكون على العظم، ففيها خمسة أبعرة، كما ورد هذا في حديث عمرو بن حزم في سنن النسائي وغيره.

قوله [ثم الهاشمة، وهي التي تُوضح العظم وتهشمه وفيها عشرة أبعرة]

قد ورد ذلك في مصنف عبد الرزاق عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولا يعلم له مخالف.

قوله: [ثم يليها المُنَقِّلة]

هي التي تنقل العظم من موضعه، فلا تكتفي هذه الجناية بتهشيم العظم، بل ينتقل العظم من موضعه. وفيها كما ذكر المؤلف خمسة عشر بعيرا.

قوله: [وهي ما توضح العظم وتهشمه وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل]

وقد ورد هذا في النسائي من حديث عمرو بن حزم، وعلى ذلك يجب في المنقلة خمسة عشر بعيرا.

قوله: [وفي كل واحدة من المأمومة]

وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، يعني أم الدماغ، ففيها ثلث الدية، كما ورد هذا في حديث عمرو بن حزم في سنن النسائي.

قوله: [والدامغة ثلث الدية]

الدامغة: تخرق الدماغ، فتلك تصل إلى أم الدماغ، وأما هذه فهي تخرق الدماغ، فتسمى بالدامغة، ففيها أيضا ثلث الدية.

وقيل: فيها ثلث الدية وحكومة. وهذا أصح؛ لأن فيها قدر زائد على المأمومة، فالمأمومة تصل إلى الدماغ، وأما هذه فهي تخرق الدماغ، فكان فيها حكومة زيادة على الدية.

قوله: [وفي الجائفة ثلث الدية]

كما ورد هذا في حديث عمرو بن حزم في سنن النسائي وغيره، والجائفة: هي الجرح الذي يصل إلى الجوف، سواء كان في الظهر أو البطن أو في موضع آخر.

فإذا دخل من موضع وخرج من موضع آخر فجائفتان، وعلى ذلك فيجب ثلثا الدية.

قوله: [وهي التي تصل إلى باطن الجوف. وفي الضِّلَع]

ص: 25

الضلع: معروف، واحد الأضلاع، ويضبط (ضِلَع) هذا هو المشهور، وضُبط بتسكين اللام (ضِلْع) ويصح لكنه على غير شهرة.

قوله: [وكل واحدة من الترقوتين بعير]

الترقوة معروفة: وهي العظم المستدير عند الرقبة، فيجب في الضلع إذا كسر، والترقوة إذا كسرت، في كل واحد منهما بعير. لكن هذا بقيد وهو ما إذا جُبر مستقيما، وأما إذا لم يجبر مستقيما ففيه حكومة. فإذا جُبر مستقيما ففي كل ضِلَع بعير، وفي كل ترقوة بعير، وقد صح بذلك الأثر عن عمر بن الخطاب، كما في موطأ الإمام مالك قال:" في كل ضلع بعير، وفي كل ترقوة بعير ".

قوله: [وفي كسر الذراع، وهو الساعد الجامع لعظمي الزند والعضد. والفخذ والساق إذا جبر ذلك مستقيما بعيران]

إذا كُسر الذراع، فجبر مستقيما ففيه بعيران. لكن لو جبر غير مستقيم ففيه حكومة، وكذلك الفخذ والساق. هذا هو المشهور في المذهب.

وقال الجمهور، واختاره الموفق: أن الواجب حكومة، فالعظم إذا كسر، سواء جُبر مستقيما أم جبر غير مستقيم ففيه حكومة. وهذا أصح؛ لأنه لم يرد ما يدل على أن هناك ما هو مقدر في ذلك، وعلى ذلك فنوجب حكومة.

قوله: [وما عدا ذلك من الجراح وكسر العظام ففيه حكومة]

كالجراح تكون في اليد أو الرِّجل، هذه كلها فيها حكومة.

قوله: [والحكومة أن يُقوَّم المجني عليه كأنه عبدٌ لا جناية به، ثم يقوّم وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية]

ص: 26

إذا أوجبنا الحكومة، فالحكومة أن نقومه عبدا، وكان في السابق رق، وكانوا يعرفون القيمة، فيقوّم كأنه رقيق، فكم يساوي وهو رقيق – عبد – لا جنابة به، وكم يساوي وبه جناية؟ فإذا قالوا: يساوي وهو خال من هذه الجناية مئة ألف، ويساوي وفيه الجناية ثمانين ألفا، فالفارق بينهما عشرون ألفا، ونسبتها إلى قيمته الخُمُس، فعلى ذلك: نوجب خُمس الدية، فلا نوجب عشرين ألفا؛ لأنه قد يكون كتابيا أو وثنيا، وبهذا الطريقة نوجب القسط من ديته.

وإذا كان يساوي مئة ألف لا جناية به، وبالجناية يساوي ستين ألفا، والفرق أربعون ألفا، ونسبتها إلى المئة الخُمُسان، وعلى ذلك فالواجب خُمُسا ديته، وهذا يختلف من امرأة إلى رجل، فالمرأة ديتها خمسون من الإبل، فيجب عشرون بعيرا، وأما الرجل فيجب أربعون بعيرا. هذه هي الحكومة ، وعلى ذلك في مثل هذا الزمن إنما يعتمد القضاة على ما قد قيّده القضاة قبلهم ممن كان يوجد عندهم الرق، فيكون هناك تقديرات، فينظرون إلى تقديراتهم، ثم يحكمون بالعدل قدر الإمكان.

وقال الشافعية، واختاره طائفة من متأخري الحنابلة كالشيخ العلامة سعد بن محمد بن عتيق رحمه الله تعالى، قالوا: إنا ننظر إلى النسبة من أقرب جناية لهذه الجناية فيها قدْر محدد.

فالموضحة فيها خمس من الإبل، يعني نصف العُشر، فإذا كانت الجناية نسبتها إلى الموضحة الثلث، كأن يحصل جرح في بدنه، فيقول الأطباء وأهل الخبرة: إن هذه الجناية نسبتها إلى الموضحة الثلث، فعلى ذلك: نوجب ثلث نصف العُشر. وهذا أرجح؛ لأن العدل واجب بحسب الإمكان.

قوله [كأنْ – قدّرنا – قيمته عبدا سلميا ستون، وقيمته بالجناية خمسون، ففيه سُدس ديته]

كما تقدم في المثال السابق.

قوله: [إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدَّر، فلا يبلغ بها المقَدَّر]

ص: 27

لو كان الجرح دون الجائفة، والجائفة فيها ثلث الدية، فلما قوّمناه عبدا بجناية، وعبدا بلا جناية، ونظرنا إلى النسبة، وجدنا أن الفارق أكثر من ثلث الدية، فهل نوجب أكثر من ثلث الدية، مع أن الجائفة التي دونه فيها ثلث دية؟ الجواب: لا. إذاً لا نبلغ الحد المقدر، لأن الجرح دونه. وهذا يدل على ما في هذا القول من ضعف، ولذا تقدم أن الراجح أننا ننظر إلى النسبة، فإن كان الموضع فيه حد مقدر، فإنا ننظر نسبة هذا الجرح إلى الحد المقدّر.

إذاً قال الحنابلة رحمهم الله: إذا كان هناك حدّ مقدّر، فوجدنا أن النسبة تزيد على هذه الحد المقدر، فإنا لا نوجب هذه النسبة؛ لئلا نتجاوز هذا الحد المقدّر، فالجرح أقل من هذا الجرح، وفيه تقدير شرعي، فلا نوجب أكثر من هذا الذي حدده الشارع.

باب العاقلة وما تحمل

قوله [عاقلة الإنسان عصبته كلهم من النسب]

فالعاقلة إذاً العصبة، وهي مشتقة من العقل، والعقْل – كما تقدم -: الدية، وسمي عقلا؛ لأن الإبل التي نؤديها إلى صاحبها تُعقل.

قوله: [والولاء قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، حتى عمودي نسبه]

هؤلاء هم العصبة، فالعصبة: هم من لهم به صلة من جهة النسب أو من جهة الولاء. وأما ذوو الأرحام، كالخال، فإنهم ليسوا من العصبة؛ لأنهم لا يرثون، كما تقدم في الفرائض.

واختار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن ذوي الأرحام يدخلون في العاقلة، يعني يعقلون، إن عدم أقرباؤه، فإن لم يكن له أقرباء ذوو نسب، فإن الدية تجب على ذوي أرحامه، كالإرث وكالنفقة، وتقدم أن النفقة على الراجح واجبة على ذوي الأرحام المحتاجين. وعلى ذلك فالراجح ما اختاره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، فنقول: إن عدمت عاقلته – يعني عصبته من النسب -، فإنا حينئذ نوجب الدية على ذوي رحمه، كما نوجب عليه أن ينفق عليهم بشرطه، كما تقدم في باب النفقات.

ص: 28

قال " حتى عمودي نسبه "، يدخل في العاقلة عمودا النسب، يعني الأصول والفروع، وهم الآباء والأبناء؛ لما ثبت عند الخمسة إلا الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بدية المرأة على عصبة القاتلة مَنْ كانوا، ولا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها " فهذا الحديث يدل على أن عمودي النسب يدخلون في العاقلة؛ لقوله " على عصبة القاتلة "، والآباء والأبناء من العصبة.

وأما ما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم برّأ زوجها وولدها، فالحديث ضعيف.

والمشهور في المذهب: أن الدية تجب على العاقلة الأقرب فالأقرب، فأولاً نوجبها على الآباء، ثم على الأبناء ثم على الأخوة، وهكذا.

والراجح ما ذهب إليه الأحناف: وأنها تجب على الجميع – الأقارب والأباعد –؛ لعموم الحديث المتقدم " قضى بدية المرأة على عصبة القاتلة " والأباعد عصبة، فإذا قتل رجل من العشيرة الفلانية، فإنا نوجب الدية على جميع العشيرة، فنقول: كم عدد الذكور البالغين الأغنياء في هذه العشيرة؟ قالوا: عددهم مئة، والدية قدرها مئة ألف، إذاً يجب على كل ذكر بالغ غني ألف.

وأما الحنابلة فيوجبونها على الأقرب فالأقرب، ولا شك أن هذا أشق على العاقلة، قالوا: قياسا على النكاح، فولاية النكاح تكون للأقرب فالأقرب.

والجواب: أن هناك فرق بين العاقلة هنا، وبين الولاية في النكاح، وذلك لأن الولاية في النكاح إذا كانت في الجميع فإن في ذلك ضرر على المرأة، وأما هنا فإنه حيث كانت العصبة كلها عاقلة – في ذلك – نفع وتخفيف وتيسير. وهذا هو القول الراجح.

قوله: [ولا عقْل على رقيق]

الرقيق على عقل عليه، فلا تجب إلا على الحر؛ لأن الرقيق لا مال له، فإن ماله لسيده.

قوله: [ولا غير مكلف]

ص: 29

غير المكلف حتى لو كان له مال، كالمجنون أو الصبي، فإنه لا عقل عليه؛ لأنه ليس من أهل النصرة، والعصبة هنا إنما أوجبنا عليها العقل للنصرة التي تكون بين من يجمعهم النسب أو من بينهم ولاء، وهذا الصبي أو المجنون ليس من أهل النصرة.

قوله [وفقير]

كذلك الفقير لا يجب عليه؛ لأن الفقير يحتاج إلى المواساة، فكيف يواسي غيره، مع كونه محتاجا إلى المواساة؟

قوله: [ولا أنثى]

لأن الأنثى ليست عصبة، فليست من أهل النصرة.

قوله [ولا مخالف لدين الجاني]

فلا نوجب على المخالفين لدينه، فإذا كان مسلما وله أخ ليس بمسلم، فلا نوجب على هذا الأخ الذي تحت سلطان المسلمين شيئا من العقل – الدية –؛ لأنه ليس من أهل النصرة، والولاية منتفية بين المسلمين وغيرهم.

قوله: [ولا تحمل العاقلة عمدا محضا]

فلو قتل أو قطع الطرف أو جرح عمدا، فإن العاقلة لا تتحمل ذلك، لكن إن كان خطأ أو شبه عمد، فإن العاقلة تتحمله كما تقدم، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه – كما في سنن البيهقي بإسناد صحيح -:" لا تحمل العاقلة عمدا ولا اعترافا ولا صلحا ولا ما جَنى المملوك " يعني ما جَنى على المملوك كما قال أبو عبيد والأصمعي وغيرهما. فالعاقلة لا تتحمل عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا جناية على مملوك.

فهنا لا تتحمل العاقلة عمدا محضا، بل الذي يتحمل ذلك هو الجاني نفسه.

قوله: [ولا عبدا]

لو جنى على عبد، فالعبد هنا كما تقدم في دروس سابقة يقاس على المال، فكما لو أن رجلا أحرق سيارة أو بيتا، فإنه هو الذي يتحمل، فكذلك إذا اعتدى على عبد، فلا تتحمل عاقلته، وإنما هو الذي يتحمل، حتى لو كان خطأ؛ للأثر المتقدم " ولا ما جنى المملوك " يعني وما جنى على المملوك.

قوله: [ولا صلحا]

أي صلحا عن إنكار.

ص: 30

رجل قيل له: إنك قد قتلت فلانا، قال: لم أقتله، قيل له: إذاً سنذهب إلى المحكمة ونرفع، قال: أنا لم أقتله، ولكن اطلبوا من المال ما شئتم لأني لا أريد أن يُذهب بي إلى المحاكم، قالوا: نريد مئة ألف ديته. فهل تتحمل العاقلة؟

الجواب: لا تتحمل العاقلة؛ لأن هذا صلح، وما دام أنه لم يثبت عليه شيء، فالواجب عليه أن يتحمل هو، لأنه هو الذي أراد أن يفدي نفسه عن اليمين أو الذهاب إلى المحاكم أو نحو ذلك، فعلى ذلك: هو الذي يتحمل ولا تتحمل العاقلة.

قوله: [ولا اعترافا لم تصدقه به]

لو أن رجلا قال: أقر أن قتلت فلانا خطأ، والعاقلة لم تُصدِّقه، فهل تتحمل العاقلة؟

الجواب: لا تتحمل، بل يتحمل هو؛ إذ لو فُتح الباب لأقر كذبا وتوصل إلى أخذ المال من العاقلة واقتسامه مع أولياء المقتول. وعلى ذلك فإنها لا تتحمل الاعتراف، لأن الأمر ليس بثابت عليه ببينة.

لكن إن صدّقوا وقالوا: نعم، فلان نعرفه بالصدق، وهو صادق فيما اعترف به، فهل يلزمهم؟

يلزمهم.

قوله: [ولا ما دون ثلث الدية التامة]

ما دون ثلث الدية التامة لا تتحمله العاقلة.

وما هي الدية التامة؟

هي دية المسلم الذكر، وهي مئة من الإبل.

فمثلا: الموضحة فيها خمسة أبعرة، فهل تتحملها العاقلة؟

لا تتحملها.

وكذلك الهاشمة أو المنقلة، فهذه كلها دون الثلث.

مثلا: في قطع اليد من المرأة خمس وعشرون من الإبل، وهذه أقل من الثلث التام، لأن الثلث التام أكثر من ثلاثين بعيرا، وكذلك لو أن المرأة فُقئت عينها، فإن في ذلك خمس وعشرون من الإبل، وهذه دون الثلث من الدية التامة.

استثنوا من ذلك دية الجنين، فالجنين إذا ضُربت أمه فأسقطت هذا الجنين، ففيه خمس من الإبل، قالوا: وتجب على العاقلة، وتركوا القاعدة للحديث المتقدم في قصة الهُذليتين لما اقتتلتا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدية على العاقلة.

ص: 31

والقول الثاني في المسألة، وهو ما ذهب إليه الشافعية، قالوا: إن العاقلة تتحمل ما كان أكثر من الثلث وما كان أقل من الثلث، ولو كان بعيرا، ما دام أن الجناية خطأ أو شبه عمد. وهذا القول أصح؛ ويدل عليه حديث الهذليتين، فإن دية الجنين خمس من الإبل، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوجبه على العاقلة.

وإنما استدل أهل القول الأول بأن الأصل في الجناية أن تكون من ضمان الجاني، لكن الثلث كثير، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الثلث والثلث كثير) ، فالثلث يُجحف بماله، فقالوا: ما كان ثلثا فأكثر فإنا نوجبه على العاقلة، وما كان دون الثلث فنوجبه على الجاني نفسه.

لكن الأصح هو القول الثاني؛ لما تقدم في قصة الهذليتين، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوجب الدية على العاقلة وهو خمس من الإبل، ولذا احتاج أهل القول إلى استثنائه، وقالوا: لأن الجنين تبع لأمه. لكن هذا لا يقوى على الاستثناء، فكونه تبع لأمه، هذا لا يقوى على الاستثناء، لأن الأم لها ديتها المستقلة، والجنين له ديته المستقلة. والله أعلم.

انتهى الدرس الرابع في ليلة الأربعاء السادس عشر من شعبان لعام 1420 للهجرة.

ص: 32