المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فصل   قال رحمه الله: [شروط من تقبل شهادته ستة] هذا الفصل في - شرح زاد المستقنع - حمد الحمد - جـ ٣٢

[حمد الحمد]

فهرس الكتاب

فصل

قال رحمه الله: [شروط من تقبل شهادته ستة]

هذا الفصل في شروط من تقبل شهادته.

قال: [الأول: (البلوغ) فلا تقبل شهادة الصبيان]

فالبلوغ شرط في قبول الشهادة. فالصبى المميز لا تقبل شهادته

لقوله تعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)

الصبي لا يأثم لأن قلم التكليف مرفوع عنه.

-فالصبي المميز لا تقبل شهادته وهذا في الأداء وأما في التحمل فتحمله صحيح.

-وظاهر كلام المؤلف – وهو المذهب – أن هذا على إطلاقه حتى في شهادة بعضهم على بعض في الجراح إذا شهدوا قبل التفرق.

وعن الإمام أحمد وهو مذهب مالك واختيار ابن القيم: أن شهادة بعضهم على بعض تقبل في الجراح إذا شهدوا بذلك قبل التفرق.

وهو قول ابن الزبير – صح عنه ذلك، كما قال ذلك ابن حزم ويدل عليه: احتياط الشرع على حفظ الدماء.

ولأن هذه الجراح التى تكون بينهم – لا يطلع عليها في الغالب إلا الصبيان، فأشبهت المسائل التى تُقبل الشهادة على خلاف الأصل لكون الشاهد لا يطلع عليها إلا هُو في الغالب كشهادة المرأة في الرضاع ونحوه، فإنها لا يطلع عليها إلا النساء في الغالب وكذلك الشهادة بالاستفاضة.

إذن شهادة بعضهم على بعض في الجراح مقبولة بشرط أن يشهدوا قبل التفرق.

أما إذا شهدوا بعد التفرق فإن شهادتهم لا تقبل وذلك لاحتمال التلقين، فيحتمل أن يلقنوا من أوليائهم.

(3)

وقيل: تقبل شهادتهم مطلقاً.

-والذي يترجح قبول شهادتهم مطلقاً في المسائل التى لا يطلع عليها في الغالب إلا الصبيان سواء كانت في الجراح أو في غيرها.

قال: [الثاني: العقل]

وهذا شرط بالإنفاق، فالمجنون والمعتوه لا تقبل شهادتهما وكذلك الصبي غير المميز وهو الطفل.

قال: [فلا تقبل شهادة مجنون]

المجنون: هو من لا عقل له مطلقاً.

قال: [ولا معتوه]

وهو من له عقل لكنه لا يميز به التمييز التام.

قال: (وتقبل ممن يخنق أحياناً في حال إفاقته)

ص: 1

فتقبل الشهادة ممن يحنق أحياناً أي يجن إذا شهد في حال إفاقته وذلك لأنه شهد في حال العقل فهي شهادة من عاقل.

قال: [الثالث: الكلام]

هذا هو الشرط الثالث.

قال: [فلا تقبل شهادة الأخرس ولو فهمت إشارته إلا إذا أداها بخطه]

فلا تقبل شهادة الأخرس ولو فهمت إشارته –هذا هو المشهور في مذهب أحمد.

والقول الثاني: في المسألة: وهو مذهب الشافعية: إنها تقبل حيث أفادة العلم.

-وهذا هو الصحيح لأن إشارة الأخرس تقوم مقام نطقه: فإذا علمنا ما يريد وفهمناه فإن ذلك كالنطق.

وأما قولهم إنها لا تفيد اليقين.

فالجواب: أن هذا خلاف الظاهر بل تفيد اليقين حيث فهمت، فإنها إذا فهمت تفيد اليقين كا يفيده اللفظ.

(إلا إذا أداها بخطه) فإذا كتب الأخرس شهادته بخط يده، فإنها تقبل وذلك لأن دلالة اللفظ كدلالة الخط. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:" ما حق امرىء مسلم عنده شىء يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " فالخط مقبول في الشرع

وهنا إذا كتب الأخرس شهادته بيده فإنها تقبل حتى في المشهور من المذهب.

إذن: المشهور في المذهب أن شهادة الأخرس لا تقبل إلا أن يؤديها بخطه.

والصحيح أنها تقبل مطلقاً حتى لو أشار وعلمت إشارته.

أما إذا لم تعلم إشارته فإن شهادته لا تقبل قولاً واحداً فإذا لم يدرى ما يريد فإن شهادته لا تقبل.

قال: [الرابع: الإسلام]

لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فيشترط في الشهود أن يكونوا مسلمين.

وهنا مسالتان:

المسألة الأولى:-

أن المشهور في المذهب – وهو من مفردات المذهب – أن شهادة اثنين من أهل الكتاب على الوصية في السفر عند الضرورة جائزة.

لقوله تعالى: (يا آيها الذين أمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم صربتم في الأرض)

فهذه الآية نص في جواز ذلك.

ص: 2

فإذا أراد أن يوصي ولم يجد شاهدين مسلمين فإنه يشهد اثنين من أهل الكتاب إذا كان في سفر.

-وعن الإمام أحمد: أنه لا يشترط أن يكونا من أهل الكتاب فلو كانا من غير أهل الكتاب كأن يكونا مجوسيين أو وثنيين فكذلك وهو اختيار شيخ الإسلام وهو ظاهر الآية فإن الله عز وجل قال: (أو آخران من غيركم) وهو عام من أهل الكتاب وغيرهم.

-فالصحيح أن الشهادة تقبل عند الضرورة سواء كانت من أهل الكتاب أم من غيرهم.

-واختار شيخ الاسلام – أيضاً -: أن هذه الشهادة تصح ولو في غير سفر للضرورة، لانها موضع ضرورة فإذا جازت في السفر جازت في الحضر وهذا هو الراجح.

المسألة الثانية:

أن مذهب الجمهور – منهم الحنابلة – أن شهادة الكفار بعضهم على بعض لا تقبل.

فإذا شهد يهودي على يهودي أو شهد يهودي ليهودي أو شهد نصراني على نصراني أو لنصراني، أو شهد يهودي على نصراني أو شهد نصراني على يهودي وهكذا، فان الشهادة لا تقبل.

(ب) وذهب الأحناف إلى أنها تقبل، هو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.

-هذا هو أصح القولين، وذلك لأن الآيات الواردة في اشتراط العدالة إنما هي في المؤمنين خاصه قال تعالى ((يا آيها النبى إذا طلقتم النساء – الى أن قال سبحانه -أشهدوا ذوي عدل منكم)) وقال سبحانه (يا آيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين /إلى ان قال - سبحانه – ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)) .

فالآيات في اشتراط العدالة إنما خوطب بها المؤمنون.

ولأن المقصود من العدالة انتفاء التهمة وعليه الظن بالصدق فلم تشترط العدالة إلا لهذا.

ولأن الحقوق إنما تحفظ بذلك، فإن الغالب في حقوقهم أنهم يثبتونها بشهود منهم فاذا لم نقبل شهادة بعضهم على بعض فإن ذلك يترتب عليه ضياع الحقوق.

فالراجح قبول شهادة بعضهم على بعض.

-وهل يشترط اتحاد الملة أم لا؟

ص: 3

قولان لأهل العلم، هما قولان في المذهب:-

القول الأول: أنه لا يشترط اتحاد الملة فعلى ذلك تقبل شهادة اليهودي على النصراني والعكس، وهو مذهب أبي حنيفة.

والقول الثاني: أنها تشترط، وهو قول إسحاق وأبي عبيد.

-والصحيح هو الثاني – للتهمة في اختلاف الدين.

ولأنه إنما يحتاج إلى شهادة بعضهم في بعض – في الغالب – عند اتفاق دينهم فالغالب أنهم إنما يحفظون حقوقهم بشهداء من ملتهم.

فأرجح القولين أنه يعتبر اتحاد الملّة.

قال: [الخامس: الحفظ]

فلا تقبل شهادة من عرف بكثرة السهو والخطأ،لأنه لا يوثق بقوله.

قال: [السادس: العدالة]

قال الشيخ محمد بن ابراهيم – رحمه الله: " العدالة بحسب الإمكان وهكذا سائر شروط الشهداء " إنما تعتبر بحسب الإمكان.

وهذا ما يدل عليه كلام شيخ الاسلام، وأن العداله تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. فالعدل فينا ليس كالعدل في القرون المفضلة.

"فشارب التنباك " أي الدخان " لا تقبل شهادته كما قال الشيخ محمد بن إبراهيم لكن اذا كان في بلد الدخانُ فيها فاشٍ فإن شهادته تقبل وذلك لأنهم ممن ترضى شهادتهم،لأن الدخان فيهم فاش وعلى ذلك فإنه يقع حتى ممن هو معروف بالصدق والأمانة.

قال ابن القيم: وتقبل شهادة الفاسق الأمثل فالأمثل عند الضرورة.

قال: وعليه العمل وإنما ينكره أكثر الفقهاء بألسنتهم.

فالعمل على هذا لأن الناس لا يسعهم إلا هذا.

قال: [ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض بسننها الراتبة]

الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض بسننها الراتبة فمن لم يؤد السنن الراتبة فليس بعدل ولا تقبل شهادته في أحد القولين في المذهب.

-والصحيح من المذهب أنها تقبل.

أما دليل ما ذكره المؤلف فهو أن من ترك السنن الراتبة فإنه لا يسلم – كما قالوا- من ترك فرض.

ص: 4

لكن هذا ضعيف بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم – في الرجل الذي قال: لا أزيد على هذا – أي على الفرائض - ولا أنقص منه فقال صلى الله عليه وسلم: " أفلح والله إن صدق "

فالصحيح من المذهب أن أداء السنن الراتبة لا يشترط في العدل.

قال: [واجتناب المحارم]

ويبين ذلك بقوله:

(بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة)

لأن إصراره على الصغيرة يدل على استهانته بما حرم الله عز وجل.

وهذا يجعله مظنة الكذب ولا يوثق بقوله.

والكبيرة – كما عرفها شيخ الاسلام – ما ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الاخرة أو ترتب عليه لعْن أو غضب أو نفْي إيمان.

قال: [فلا تقبل شهادة الفاسق]

فشهادة الفاسق لا تقبل لأنه ليس بعدل.

سواء كان فاسقاً في عمله أو فاسقاً في اعتقاده.

فالفاسق في عمله: كمن يزني أو يشرب الخمر فلا تقبل شهادته.

والفاسق في اعتقاده: هو من لم يكفر من أهل البدع، فإنه فاسق باعتقاده فلا تقبل شهاده أهل الأهواء (1) في المشهور في المذهب.

(2)

وذهب الشافعي وهو مذهب أبي حنيفة واختيار ابن القيم: إلى قبول شهادة المتحفظين من أهل الهواء.

وهذا ظاهر، لأنهم قد اعتقدوا ما اعتقدوه من البدع على اعتقاد أن هذا هو دين الله عز وجل، فهو كمن فعل أمراً محرماً يعتقد إباحته فإن هذا لا ينقض عدالته،فشارب النبيذ ممن يعتقد إباحته لا يفسق ولا تنتقض بذلك عدالته، فلذلك من له اعتقاد يخالف اعتقاد أهل السنة والجماعة فإن شهادته لا ترد لأنه متحفظ في دينه، يعتقد أن هذا هو دين الله ويتعبد لله عز وجل بهذه البدعة. فتقبل شهادتة.

نعم: قد ترد شهادته زجراً له حيث لم نضطر إلى قبولها وأما إذا كنا نحتاج إلى شهادته فالصحيح قبولها، فإذا كانت الحقوق تثبت بشيء فالصحيح هو قبولها وذلك لأنه ما دام أنه يعتقد أن هذا هو الحق وأن هذا هو دين الله – فالتهمة بعيدة عنه والغالب صدقه فهو معروف بالصدق والأمانة

ص: 5

قال: [الثاني: استعمال المرؤة وهو فعل ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه]

"فعل ما يجمله ويزينه " من محاسن العادات كالسخاء والشجاعة ونحو ذلك.

"واجتناب ما يدنسه ويشينه به ذكروا لذلك أمثله منها أن يطعم في الشارع فإذا أخرج إناء الطعام من بيته فأكل فإن ذلك يدنسه ويشينه وهذا في البلاد التى تعيب ذلك، وأما البلاد التى لا تعيب ذلك فإن ذلك لا يدنسه ولا يشينه.

قالوا: ومن ذلك مضغ العلك. ومن ذلك الطفيلي الذي يأتى إلى الدعوة من غير أن يُدعى لها، ومن ذلك الذي يسخر من الناس ويحكي أفعالهم وهكذا، فهذه أفعال تشين وتنقص مروءته فلا تقبل شهادته لأنه مظنة الكذب.

فاستعمال المروءة: هو فعل ما يجملّه ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه " وهذا ليس مرجعه – في الغالب – إلى الشرع وإنما مرجعه الى العادة.

فكون الرجل يخرج وهو حاسر الرأس فليس معيباً في كثير من البلاد الاسلامية الآن لكن في هذه البلاد فقد كان معيباً، وأما الآن فليس معيباً بتلك الدرجة

بينما كانوا في زمن قديم يستعيبون أن يخرج الرجل بلا مشُلح.

قال: [ومتى زالت الموانع: فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم] .

لأن هؤلاء إنما اشترط فيهم ما اشترط في الأداء لا في التحمل فإذا كان رجل فاسق وعنده شهادة فإننا لا نقلبها منه فإذا تاب الى الله فإن شهادته تقبل وإن كان قد تحملها في فسقه.

ولو أن غير البالغ تحمل شهادة فإننا لا نقلبها منه، فإذا أداها بعد بلوغه فإننا نقبلها منه.

ولوا أن رجلاّ يحمل الشهادة وهو كافر فلا تقبل منه لكن إذا أسلم فإنها تقبل منه تلك الشهادة.

وأما العقل فشرط في الأداء والتحمل وكذلك الحفظ فإنه شرط في الأداء والتحمل.

وأما الكلام فإنه شرط في الأداء لا في التحمل فإن الأخرس يتحمل الشهادة لكن هل يؤديها؟

فيه الخلاف المتقدم والصحيح أن شهادته تقبل أيضاً.

ص: 6

إذن: إذا زالت الموانع فبلغ الصبي وأسلم الكافر وتاب الفاسق وعقل المجنون قبلت شهادتهم وذلك لزوال المانع الموجب لرد الشهادة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس: الثاني والعشرين بعد الأربعمائه 422

-ذكر المؤلف – كما تقدم – شروطاً ستة للشاهد ولم يذكر فيها الحرية،فليس من شروط الشاهد أن يكون حراً بل يصح أن يكون عبداً لعمومات الأدله كقوله:(وأشهدوا ذوى عدل منكم)(واستشهدوا شهيدين من رجالكم) والعبيد كذلك.

ولما ثبت في البخارى في قصة المرأة التى قالت:" إني قد أرضعتُ عقبة والتي تزوج " فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل " وفي رواية إنها كانت أمة سوداء.

*وقال الجمهور: لا تقبل شهادة العبد، وذلك لما فيه من النقص بالرق فأشبه النقص بالكفر، وهذا قياس باطل لأن الله عز وجل يقول:(ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) .

فلا يصح قياس العبد المسلم بالكافر.

فالصحيح هو القول الأول.

-وفي الحديث المتقدم – وهو شهادة المرضعة – فيه صحة شهادة الإنسان على فعل نفسه، كالمرضعه على الرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه بعد العزل – فقد شهدت هذه المرأة على فعل نفسها وهو الرضاع وقبل ذلك النبى صلى الله عليه وسلم.

(باب موانع الشهادة وعدد الشهود)

قال رحمه الله: [لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض]

المانع: هو ما يلزم من وجوده العدم.

فاذا وجد المانع – وان توفرت الشروط – فان العقد يبطل والعبادة أيضا تبطل.

فهذه الموانع يلزم من وجودها رد شهادة الشاهد وإن توفرت فيه الشروط التى تقدم ذكرها.

-ويدار هذه الموانع كلها على التهمة

"فلا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم على بعض "

وعمودا النسب هما الأصول والفروع فلا تقبل الشهادة للأباء والأمهات وإن علوا ولا تقبل الشهادة للأولاد وإن نزلوا.

ص: 7

فإذا شهد لأبيه أو لأمه لم تقبل شهادته وإن كان عدلاً وإذا شهد لجد أو لجدته فكذلك.

وإذا شهد لابنه او ابنته فكذلك واذا شهد لابنة ابنته او لأبن ابنه،فكذلك وهكذا.

فمتى شهد الاصل لفرع وإن نزل هذا الفرع لم تقبل شهادته، ومتى شهد الفرع لأصل وإن علا هذا الأصل فان شهادته لا تقبل.

قالوا: للتهمه لقوة القرابة وهذا هو أحد أقوال أهل العلم في هذه المسألة:

فالقول الأول: وهو مذهب الجمهور: أن شهادة الأصول للفروع وشهادة الفروع للأصول لا تقبل.

القول الثاني: وهو مذهب أهل الظاهر وهو قول شريح لقاضي، والمزني وابن المنذر وأبي بكر بن حزم أنها تقبل.

قالوا ولعمومات الأدلة (وأشهدوا ذوى عدل منكم)

(واستشهدوا شهيدين من رجالكم) والوالد عدل والولد عدل من رجالنا.

وهذا القول قد ورد عن عمر ففي مصنف عبد الرزاق أن عمر رضى الله عنه قال: " تجوز شهادة الوالد لولده والولد لوالده، والأخ لأخيه "

(3)

والقول الثالث: أن شهادة هؤلاء تقبل مع انتفاء التهمة وترد للتهمة: إذن جعلوا المناط للرد هو التهمة بأن كان هناك تهما فإنها لا تقبل، وإن لم يكن فانها تقبل وهذا القول رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن القيم وهو أظهر هذه الأقوال وهو ظاهر اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وذلك لأن العدل مقبول الشهادة كما دلت عليه الأدله الشرعية فهو عدل والعدل مقبول الشهادة.

وقد ورد أثر عن عمر يدل على الرد بالتهمة، وهو ما ثبت في سنن البيهقى بإسناد صحيح: أن عمر قال: (المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً بجلد او مجّرباً بشهادة زور أو ظنيناً) أى مُتهماً (في قرابة أو ولاء)

فقد قال:" أو ظنيناً" أي متهماً – فلما كان متهماً ردت هذه الشهادة.

وأثر عمر يدل على الرد بالتهمة ولا يدل على الرد بالقرابة لأنه لم يقل " ولا قريباً" وإنما قال "ولا ظنيناً" في قرابة أو ولاء"

ص: 8

وهم -أي الجمهور – لا يقولون بهذا الأثر على عمومه، فإن هذا الأثر يدل على أن كل قريب ترد شهادته على قريبه.

-حيث استدل به على طريقتهم – وليس فيه تخصيص الولد والوالد بل هو عام في الولد والوالد وسائر الأقارب.

فأظهر هذه الأقوال: عدم قبول الشهادة عند التهمة والقبول عند انتفائها.

وعلى ذلك فينظر الحاكم في كل قضيه بعينها، فإذا ظهرت له التهمة، فإنه لا يقبل، وإن لم تظهر له التهمة فإنه يقبل.

فإذا كان الشاهد ممن هو مبّرز في العدالة يبعد في العادة أن يشهد لولده شهادة زور أو أن يشهد لوالده شهادة زور، فالتهمة منفية عنه فتقبل شهادتة.

إما إذا كان ليس مبّرزاً في العدالة، فله عدالة ظاهر – لكن العدالة الباطنة غير معلومة منه / فيقوى حينئذ الرد في التهمة.

-وقد اتفق أهل العلم على قبول شهادة الأخ لأخيه، وشهادة الأخ لعمه وشهادة الرجل لابن عمه وسائر الأقارب فهم إنما خصّوا المنع بمن بينهم قرابة إيلاد وأما من بينهم قرابة أخرى فإنها لا تقضي المنع عند جمهور العلماء.

-وتقدم الكلام على أثر عمر وأنه لو استدل به على المنع لاقتضى المنع من قبول شهادة كل قريب، لكن المنع إنما هو للتهمة فحيث وجدت التهمة منعت الشهادة ولم تقبل.

وهكذا أيضاً شهادة الصديق لصديقه فهى مقبولة.

واستثنى الإمام مالك: شهادة الصديق لصديقه حيث كانت الصداقة مؤكدة " أي بالغة " وهو اختيار ابن عقيل.

وهذا الضابط الذي ذكروه – في الحقيقة – قد يكون أقوى في التهمة مما يكون بين الوالد وولده، فان الرجل قد يحابي صديقه أكثر مما يحابي ولده، بل قد يحابي صديقه أكثر مما يحابي ولده والده وهذا ظاهر حيث كانت الصداقة مؤكدة.

وعليه: فالصداقة المؤكدة تدخل في المسألة السابقة فإذا كانت التهمة موجودة لم تقبل هذه الشهادة.

وأما إذا لم تكن التهمة موجوده كأن يكون الشاهد مبرّزاً في العادلة فان شهادتة تقبل.

ص: 9

-وعن الإمام مالك: أن شهادة الأخ لأخيه لا تقبل حيث كان منقطعاً على صلته – أي لا واصل له إلا أخوه – فهو يسكن عنده ويطعمه ويبرّه.

وهذه أيضاً تدخل في المسألة السابقة.

-الصحيح في هذه المسألة ما هو صحيح في المسألة السابقة من القبول عند عدم التهمة والرد عند وجودها.

وقد قال صلىالله عليه وسلم – كما في مسند أحمد وسند أبي داود:" لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر " أي حقد " على أخيه ولا القانع لأهل البيت "

-والقانع وهو المنقطع لأهل البيت يبرونه ويصلونه، وعليه فكذلك حتى لو كان أجنبياً لكن " أهل البيت يقومون بصلته فهو منقطع إليهم فحينئذ الحكم كذلك كأن يكون له معتق يصلونه ويبرونه فهو منقطع إليهم لا واصل له سواهم فالمحاباة – احتمالها قوي جداً فعلى ذلك لا بد أن ينظر في شهادته.

قال: [ولا شهادة أحد الزوجين لصاحبه]

فإذا شهد الرجل لامرأته ـ أو شهدت المرأة لزوجها فترد الشهادة، قالوا لقوة الوصلة بينهما.

وحيث عللنا بالتعليل المتقدم وهو احتمال التهمة،فالتهمة إنما: ظاهرة بين الزوجين.

ولكن – كما تقدم – إنما ترد مع التهمة وأما إذا كانت التهمة منتفية أو ضعيفة فإننا نقبل الشهادة بناءً على الأصل، فالأصل هو قبول شهادة العدل وقبول شهادة ذات العدالة.

فالمشهور في المذهب وهو قول الجمهور أن شهاده أحد الزوجين لصاحبه لا تقبل قالوا: لقوة الوصلة.

-وعن الأمام أحمد وهو مذهب الشافعية إنها تقبل مطلقاً لعموم الأدلة.

-والصحيح التفصيل في ذلك كما تقدم في المسألة السابقة.

-وشهادة أحد الزوجين لصاحبه تردّ – كما هو المشهور في المذهب – ولو كان ذلك بعد الطلاق.

وكذلك إذا كان إثناء الطلاق فإنها ترد فان كانت رجعية فظاهر لأنها زوجة وإن كانت بائناً فإنها كانت زوجة وبينهما قوة واصلة فكذلك، ولو كان الطلاق قبل الدخول.

والصحيح في هذه المسألة ما تقدم، وأناّ ننظر إلى التهمة.

ص: 10

لكن: إذا كانت المرأة مطلقة طلاقاً بائناً قد انتهت مدة عدتها به فإن التهمه بعيدة فإنها أجنبيه عنه فالتهمة ضعيفة.

قال: [وتقبل عليهم]

لقوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) .

فشهادة الرجل على ولده، وشهادته على والده وشهادة المرأة على زوجها وشهادة الزوج على امرأته، شهادة مقبولة بنص الآية، ولا مانع من قبولها ولا دليل يدل على المنع.

قال: [ولا من يجر إلى نفسه نفعاً]

فلا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه نفعاً. فإذا كان الشاهد يجر إلى نفسه نفعاً بهذه الشهادة فإنها لا تقبل.

مثال ذلك:إذا شهد الورثة أن مورثهم مات بالجرح قبل اندماله، فالذي يترتب على ذلك أن تكون لهم الدية لانهم هم الورثه فلا تقبل شهادتهم في ذلك لأنهم يجرون الى أنفسهم نفعاً.

ومثال آخر: شهادة الشريك لشريكه في مال الشركة، فإذا باع أحد الشريكين شيئاً من مال الشركة فلا يصح أن يكون الشريك الآخر شاهداً على ذلك، أي حيث وقع خلاف أو نزاع أو خصومة، وذلك لأن الشهادة تجر له نفعاً فهو كالشاهد لنفسه والشاهد لنفسه لا تقبل شهادته اتفاقاً.

قال: [أو يدفع عنهم ضرراً]

فإذا كانت الشهادة تدفع ضرراً عن الشاهد فإنها لا تقبل منه فإذا شهد الشهود أن فلانا قتل فلاناً خطأً فيرتب على ذلك ثبوت الدية، والدّية على العاقلة، فإذا شهدت العاقلة أن هؤلاء الشهود مجروحون فلا تقبل شهادتهم، فلو قال أحد العاقلة: هذا يشرب الخمر وقال الآخر: نعم هو كذلك، وقالوا في الثاني: هو يزني وقال الآخر نعم هو كذلك

فلا تقبل شهاده العاقلة على جرح هؤلاء الشهود وذلك لأن في ذلك دفع ضرر عنهم لأن ثبوت هذه الشهادة يترتب عليها الدية والدية عليهم فإذا شهدوا على جرح الشهود ترتب على ذلك دفع الضرر عنهم.

إذن: لا تقبل شهادة من يدفع عن نفسه ضرراً، لأنه شاهد لنفسه والتهمة في ذلك ظاهرة.

ص: 11

قال: [ولا عدو على عدوه]

للحديث المتقدم: (ولا ذي غمر على أخيه) والغمر هو الحقد فإذا شهد العدو على عدوه فلا تقبل شهادته.

ومثلّ لذلك المؤلف بقوله:

[كمن شهد على من قذفه]

قذف زيد عمراً بزنا أو لواط، فلما قذفه – وهذا لا شك أنه يثير بينهما عداوة – قال: أشهد أن لفلان عليه كذا وكذا فلا تقبل هذه الشهاده للعداوة.

قال: [أو قطع الطريق عليه]

فإذا شهد أن فلاناً قد قطع الطريق عليه، فلا تقبل شهادته بذلك لأن ذكره أن فلاناً قد قطع الطريق عليه هذا إقرار منه بالعداوة فلم تقبل شهادته.

وكذلك إذا رمى الزوج إمرائه بالزنا وشهد عليها بذلك فلا تقبل شهادته وذلك لأن شهادته عليها بالزنا تصريح منه بعداوته وبغضائه لها وحينئذ فلا تقبل شهادته.

إذن: لا تقبل شهادة العدو على عدوه – وهذا حيث كانت عداوة دنيوية.

وأما اذا كانت دينية فلا ترد – بل تقبل، كما لو شهد مسلم على كافر أو شهد سني على مبتدع فان الشهادة تقبل وذلك لأن دينه يمنعه من شهادة الزور وهو لا يبغضه لشخصه ولنفسه وإنما يبغضه لدينه فدينه الذي حمله على بغضائه لهذا المبتدع وعلى بغضه لهذا الكافر يمنعه من أن يشهد عليه بالكذب.

قال: [ومن سره مساءة شخص أو غمّه فرحُه فهو عدوه]

هذا هو العدو.

فإذا سمع أن هذا الشخص أصيب بمصيبه سر في ذلك

وإذا سمع انه قد أصيب بخير ونعمة: فإن ذلك يحزنه ويسئه فهذا هو العدو.

فضابط العدو: من يسره أن يساء هذا الشخص أو يغمه أن يفرح.

فإن قيل: ألا يقضى ذلك: رد شهادته مطلقاً لأن هذا هو الحاسد؟

فالجواب: أنه ليس كذلك مع كل أحد وإنما مع هذا الشخص المعين للعداوه التى بينهما.

أما لو كان يسيئه أن يسّر أي شخص ويغمه أن يفرح أي شخص فهذا لا شك أنه حاسد فإذا ظهر فيه ذلك فليس بعدل. .

-لكن إذا شهد العدو لعدوه فهل تقبل؟

الجواب: نعم لعدم التهمة ولا مانع من قبولها

-فإن قيل: ألا تحتمل أن يكون شهد له لدفع ضررة؟

ص: 12

فالجواب: إنه يحتمل ذلك لكنه احتمال ضعيف وبعيد فلا ترد به شهادة المسلم العدل.

والحمد لله رب العالمين

الدرس: الثالث والعشرون بعد الأربعمائة 423

فصل

-هذا الفصل في عدد الشهود وهم البينة.

وعدد الشهود يختلف باختلاف المشهود به كما سيتبين من خلال هذا الدرس.

قال: [ولا يقبل في الزنا والإقرار به إلا أربعة]

لا يقبل في الزنا إلا أربعة، فإذا شهد أربعة على شخص بالزنا، فإن الزاني يحد، كما تقدم في حد الزنا قال تعالى (حتى يأتوا بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) .

فبينة الزنا أربعة شهود وتقدم بيان هذا في حد الزنا (والإقرار به) : فإذا شهد أربعة أن فلاناً قد أقرً على نفسه بالزنا فإنه يحد بذلك.

فلو أن رجلاً في مجلس أقرّ على نفسه أنه قد زنا بالزنا الصريح فتلفظ بما يدل على أنه قد زنا فشهد عليه أربعة بهذا الإقرار فإنه يحد وذلك لأنه إثبات للزنا فلم يثبت إلا بأربعة كشهود الفعل فنقيس شهود الإقرار على شهود الفعل فكما أن شهود الفعل يشترط فيه أن يكونوا أربعة فكذلك شهود الإقرار بجامع أن كليهما إثبات للزنا.

والقول الثاني في المسألة: وهو رواية عن أحمد انه يكتفى بالإقرار بشهادة اثنين كسائر الإقرارات فسائر الإقرارات يكتفى فيها بشهادة اثنين فكذلك في الإقرار بالزنا.

-والأول أظهر، لما تقدم فتعليله أقوى لأنه إثبات للزنا فأشترط فيه أن يكون الشهود أربعة كفعل الزنا.

إذن: لا يقبل في الزنا ولا في الإقرار به إلا أربعة.

وكذلك ما يوجب حد الزنا كاللواط فانه يشترط فيه أيضاً شهود الزنا لأنه يوجب حد الزنا في المشهور من المذهب.

وتقدم أن الراجح: أن حده أعظم وأنه لا فرق بين المحصن وغيره، وعليه فيشترط فيه أربعة من باب أولى.

وإذا قلنا في إتياك البهيمة أنه يوجب حد الزنا فيشترط فيه أربعة، وتقدم أن الصحيح أن حكمه ليس كذلك.

قال: [ويكفي على من أتى بهيمة رجلان]

ص: 13

وذلك لأنه هذا الفعل لا يوجب حد الزنا وإنما يوجب التعزير فاكتفى فيه بشهادة رجلين.

قال: [ويقبل في بقية الحدود والقصاص]

سائر الحدود كالقذف والسرقة، وكذلك القصاص أي القود.

قال: (وما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال غالباً كنكاح .....إلى أن قال: يقبل فيه رجلان) .

فالحدود كالسرقة وغيرها من الحدود تقبل فيها رجلان اتفاقاً. وكذلك القصاص، فإذا شهد اثنان أن زيداً قتل عمراً عمداً فهذا يوجب القصاص بالشروط التى تقدم ذكرها وعليه فيشترط فيه شاهدان ذكران.

-وما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال غالباً يشترط فيه رجلان، وضرب المؤلف لذلك أمثلة.

(كنكاح) : فيشرط في النكاح أن يشهد عليه رجلان وكذلك في الطلاق وكذلك في الرجعة والخلع والنسب والولاء وكذلك في الإيصاء إليه يعني بغير المال.

فإذا ادعى رجل إلى ورثة فلان: أن فلاناً قد أوصى إليه بانكاح بناته،أو قال: أوصاني أبوكم أن أقوم برعاية القُصّار فيشترط في ذلك أن يكون الشهود رجلين.

إذن: عندنا ثلاثة أشياء يشترط فيها شاهدان:

الأول: الحدود سوى الزنا.

الثاني: القصاص.

الثالث: ما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد منه المال ويطلع عليه الرجال غالباً.

قال تعالى (واشهدوا ذوى عدل منكم)

-وهل يكفى شهادة رجل أو امرأتين أو الشاهد واليمين في هذه المسائل أم لا؟

الجواب فيه تفصيل:

أما الحدود والقصاص فالراجح أن شهادة النساء لا تصح فيها هذا هو مذهب عامة أهل العلم.

ويدل عليه قوله تعالى: (حتى يأتوا بأربعة شهداء) فاشترط الله عز وجل في تثبوت الزنا الذكورية فيقاس عليها سائر الحدود ويلحق بها القصاص لأن القصاص مما يحتاط فيه لأن فيه إزهاقاً للنفس أو اتلافاً للطرف أو جرحاً للبدن فكان مما يحتاط به.

-وذهب بعض السلف وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي إلى أن شهادة النساء تجزئ فيه.

ص: 14

واستدل – رحمه الله – بالأثر والنظر.

-أما الأثر فهو قوله صلى الله عليه وسلم – في الصحيح – " أليس شهادة المرأتين كشهادة الرجل " وهذا عام.

-وأما النظر فإن مبنى الشهادة على الحفظ والضبط والصدق وهذه الصفات ثابته في النساء كما هي ثابتة في الرجال، وما يكون في النساء من نقص يجبر بمضاعفة العدد.

وهذا الاستدلال وإن كان قوياً. فالأظهر ما ذهب اليه أهل القول الأول وذلك لما تقدم في اشتراط الله عز وجل الذكورية في حد الزنا ويلحق به غيره ويلحق به القصاص احتياطاً للدماء.

وعليه العمل عند عامة أهل العلم.

-وأما ما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال كالنكاح وحده:

فالصحيح فيه: وهو رواية عن الإمام احمد: قبول شهادة رجل وامرأتين.

فإذا شهد رجل وامرأتان على نكاح أو طلاق أو رجعة او خلع أو نسب أو ولاء أو إيصاء بغير مال فإن ذلك يجزئ.

وذلك لما تقدم من قول النبى صلى الله عليه وسلم: (أليس شهادة المرأتين كشهادة الرجل) .

وليست هذه الشهادة بمعنى الحدود والقصاص، ليس ثمت إجماع يخالف.

-وهل يقبل فيها الشاهد واليمين أم لا؟

فإذا ادعى رجل أنه قد راجع زوجته قبل انتهاء عدتها وأتى بشاهد يشهد على ذلك – وحلف بعد الشاهد فهل تثبت له الرجعه أم لا؟

-المشهور في المذهب: إنها لا تثبت له الرجعة حتى يأتى بشاهدين.

-وفي القول الثاني في المسألة: وهو رواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام: أن الشاهد ويمين المدعي يقبل في هذه المسائل أي المسائل التى يطلع عليها الرجال غالباً وليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد بها المال.

وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.

وليس في الحديث ما يدل على أنه في المال.

-هذا هو الراجح.

قال: [ويقبل في المال وما يقصد به كالبيع والأجل والخيار فيه أو نحوه رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي] .

ص: 15

(يقبل في المال) : إذا ادعى زيد أن له في ذمة عمرو عشرة آلاف ريال، فنقول: إن أتيت بشاهدين ثبت الحق لك وإن أتيت برجل وامرأتين ثبت الحق لك، وإن أتيت بشاهد مع يمينك ثبت الحق لك.

قال تعالى: (واستشهدوا شهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء) وهذه الآية في مسألة مالية وهي المداينة: (يا أيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) .

(وما يقصد به كالبيع) : فإذا ادعى فلان أن فلاناً قد باعه داره فأتى برجلين يشهدان قُبل ذلك او أتى برجل وامرأتين قُبل ذلك، أو أتى بشاهد مع يمينه..

(والأجل) : إذا ادعى زيد أن عمراً قد باعه هذه الدار بمائة ألف مؤجلة الى سنة فأقرّ عمرو بالبيع ولم يقرّ بالأجل.

فنقول له: احضر البينة، وبينتك رجلان أو رجل وامرأتان أو شاهد مع يمينك.

- (الخيار فيه) : كأن يقول: أنا اشترطت لى الخيار ثلاثه أيام.

فيقول: احضر البينه ويكفي في ذلك شاهدك ويمينك أو شاهد ذكر وامرأتان.

(ونحوه) : كالقرض والرهن والغصب والعتق، وعامة المسائل المالية.

ودليل ثبوت الحقوق المالية بالشاهد واليمين ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.

وهو من حديث أبي هريرة في سنن ابي داود والترمذي.

وهل يقبل فيه – أي في المسائل المالية – شهادة امرأتين مع اليمين؟ أم لا؟

إذا ادعى رجل أن فلاناً قد باعه داره فقلنا له: أحضر البينة،

فقال: بينتي امرأتان مع يمينى، فهل يقبل ذلك؟

قولان لأهل العلم:

المشهور في المذهب: أن ذلك لا يقبل.

واختار شيخ الإسلام وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في المذهب قبول ذلك.

وهو الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم:" أليس شهادة المرأتين كشهادة الرجل ".

ولأن شهادة المرأتين قرينة قوية تجعل الظاهر مع المدعي واليمين في جنب أقوى المتداعيين.

ص: 16

قال شيخ الإسلام: "ولو قيل: بقبول المرأة مع اليمين لتوجّه ".

وفيه قوة، لأن شهادة المرأة تجعل الظاهر مع المدعي فحينئذ تكون قرينة قوية، فإذا حلف معها كان القول قوله.

إذن: وجّه شيخ الإسلام قبول شهادة المرأة الواحدة مع اليمين قال: كخبر الديانة، فكما أن المرأة يقبل خبرها في الدين فكذلك هنا.

وأما قوله تعالى ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)) يقول هذا في التحمل فيحتاط في التحمل واما في الاداء فليس كذلك.

-والمشهور – وحكي إجماعاً – عدم قبول شهادة أربع نسوة فإذا شهدت أربع نسوه بأن فلاناً قد باع فلاناً داره فان شهادتهن لا تقبل.

-ولو قيل بقبول شهادتهن لكان قوياً لما تقدم من أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل، والله اعلم.

-وهل تقبل اليمين قبل الشاهد؟

الجواب: لا تقبل اليمين إلا بعد الشهادة، وذلك لأن اليمين إنما صارت في جنبه بعد الشاهد، فإذا شهد الشاهد كانت اليمين له أي للمدعي.

قال: [وما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والاستهلال ونحوه يقبل فيه شهادة إمراة عدل]

(كعيوب النساء) : كبرص ونحوه.

(والاستهلال) : أن يخرج المولود صارخاً فتثبت له الإرث ونحوه من الأحكام.

(ونحوه) : كالجراحة تكون في مجمع النساء كعرس أو حمام أو نحو ذلك فإنه يقبل في ذلك شهادة إمرأة عدل.

-فإذا شهدت امرأة أن في فلانة برصاً في جلدها أو شهدت أنها بكراً وأنها ثيب أو شهدت أنها حائض أو شهدت بولادة أو رضاع أو استهلال فإن شهادتها تقبل في هذه المسائل لأن هذه المسائل مما لا يطلع عليها الرجال في الغالب، فقد يطلع عليها الرجال لكن اطلاعهم عليها نادر، فقبلت فيها شهادة النساء.

ص: 17

وقد تقدم حديث المرأة التى قالت – وهي أمة سوداء – أنى قد أرضعت عقبة والتي تزوج فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كيف وقد قيل " فقبل النبي صلى الله عليه وسام شهادتها وهي إمرأة واحدة وهكذا في عامة ما ذكره المؤلف من المسائل.

إذن: ما لا يطلع عليه الرجال في الغالب تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة.

-وقال المالكية: بل لا يقبل فيه إلا شهادة امرأتين.

وقال الشافعية: بل لا يقبل فيه إلا شهادة أربع نسوة والأظهر هو القول الأول لشهادة المرضعة على الرضاع وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادتها.

ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإن الغالب في مثل هذه المسائل ألاّ تشهد فيها إلا المرأة الواحدة فيتعسر في الغالب شهادة أكثر من امرأة.

إلا ما تقع من جراحات بين النساء ، فالذي يقوي – أنه لا يقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، لأن الشهادة فيها بأكثر من امرأة لا تتعسّر.

ولأن جراحات الرجال لا تثبت بالرجل الواحد فأولى من ذلك ألا تثبت جراحات النساء بالمرأة الواحدة فالأظهر أنه لا يقبل فيها – أي الجراحات التى تكون في مجتمع النساء – لا يقبل فيها إلا شهادة أربع نسوة كما هو مذهب الشافعي في عامة مسائل هذا الباب.

وإذا كان يوجب المال فإذا شهدت امرأتين أو امرأة واحدة مع اليمين اكتفينا بذلك لأننا لا نقبل في الجراحات التى يوجب المال إلا شهادة رجل وامرأتين أو شاهد واليمين فإذا كان هذا في حق الرجال فأولى من ذلك النساء لأن شهادة النساء دون شهادة الرجال.

فالأظهر أنا لا نقبل إلا شهادة أربع نسوة. لكن ظاهر كلام الفقهاء أن القود لا يثبت بذلك وإنما هو في المسائل المالية اذ لا مدخل لشهادة النساء في الحدود والقصاص.

فالذي يوجب قوداً الأظهر عدم قبول شهادتها.

قال: [والرجل فيه كالمرأة]

ص: 18

بل أولى. فإذا شهد رجل برضاع فقال: أشهد أن فلاناً قد رضع من فلانة فهو أولى من المرأة لأن شهادته أعلى من شهادة المرأة، فإذا قبلنا شهادة المرأه فأولى من ذلك شهادة الرجل.

-وظاهر كلام المؤلف أن هذه الشهادة لا تفتقر إلى يمين وهو نص الإمام أحمد وهو ظاهر الحديث المتقدم في قضيه شهادة المرضعة فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستحلفها.

إذن: إذا شهدت المرأة على أمر لا يطلع عليه في الغالب إلا النساء فان شهادتها تقبل بلا يمين.

لكن إذا ارتاب القاضى فله أن يحلفها، لقوله تعالى (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمناّ) الآية.

قال: [ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال) .

تقدم أن القود يشترط فيه شهادة رجلين فإذا أتى مدع برجل وامرأتين أو أتى بشاهد ويمين فيما يوجب القود.

كأن يدعى رجل أن فلاناً قد قتل وليّه عمداً وأحضر رجلاً وامرأتين أو اأحضر رجلاً وقال: أنا أحلف على ذلك. فلا يثبت به قود ولا مال.

فلا يثبت القود لأنه يشترط في القصاص شهادة رجلين فلم تكتمل البينة.

ولا يثبت المال، فلو قال: أنا أحضرت لكم رجلاً وامرأتين فاقضوا لي بالدية فلا يحكم له بذلك وذلك لأن المال فرع وبدل عن القود، وإذا لم يثبت المبدل لم يثبت البدل، فلم يثبت القود بهذه الشهادة، والمال بدل عنه فكذلك لا يثبت.

لكن لو أتى برجل وامرأتين أو بشاهد مع يمينه يشهدون أن فلاناً قد قتل وليه خطئاً فإن المال يثبت هنا لأن هذه المسألة مالية والمسائل المالية تثبت بشهادة رجل وامرأتين أو شاهد مع اليمين.

قال: [وإذا أتى بذلك في سرقة ثبت المال دون القطع] .

إذا ادعى رجل على آخر أنه قد سرق منه عشرة آلاف ريال ثم أتى برجل وامرأتين يشهدون على ذلك.

فلا يثبت حد السرقة لان حد السرقة يشترط فيه شهادة رجلين.

لكن ثبت له المال الذي ادعاه.

ص: 19

والفارق بين هذه المسألة والتى قبلها هو: أن ثبوت السرقة يترتب عليه شيئان: القطع وهو الحد والشىء الثاني: الضمان. فليس المال فرعاً عن القطع كالمسألة الأولى. فإذا لم تستكمل بينة الحد واستكملت بينة المال ثبت المال.

وكذلك في الشاهد واليمين. فإذا ادعى أن فلاناً قد سرق منه عشرة آلاف وقال: بينتى هذا الشاهد ثم أدلى الشاهد بشهادته ثم حلف هو أي المدعي – فإنا نضمن المدعى عليه المال الذي أدعّى عليه،لأنها أصبحت مسألة مالية لا تثبت السرقة وبالتالى لا نقطع يده لأن بينة الحد لم تستكمل.

قال: [وإن أتى بذلك في خلع ثبت له العوض وتثبت البينونة بمجرد دعواه] .

إذا ادعى رجل أنه خالع امرأته على عشرة آلاف ريال وهو يريد هذه العشرة آلاف منها، واحضر رجلاً وامرأتين بينة على ذلك. فلا يثبت الخلع بذلك –في المشهور من المذهب – لأنه ليس بمال ولا يقصد به المال فلم تثبت إلا بشهادة رجلين – هذا في المشهور من المذهب وتقدم الراجح.

إذن لا يثبت الخلع بهذه البينه لكنه يثبت عليه الخلع بإقراره ولذا قال: وتثبت البينونة بمجرد دعواه، ويثبت له العوض لأنه مال والمال تقبل فيه هذه البينة.

فإذا ادعت المرأة الخلع، فقالت: قد خالعنى زوجي على عشرة آلاف وأتت بشاهد ذكر وامرأتين. فلا يثبت الخلع لأنه لا يثبت إلا برجلين في المشهور من المذهب، وبالتالى لا يلزمها العوض لأن العوض مرتب على صحة الخلع.

والصحيح – كما تقدم – أن الخلع يثبت بشهادة رجل وامرأتين.

والحمدلله رب العالمين

الدرس الرابع والعشرون بعد الأربعمائة 424

فصل

هذا الفصل في الشهادة على الشهادة.

ص: 20

إذا شهد زيد أن لعمرو على بكر ألف ريال – مثلاً – فقال: زيد وهو الشاهد الأصل، قال لسعد احفظ عنى إني شاهد لعمر على بكر بألف ريال، أو اشهد على شهادتى أن هذا البيت وقف، أو اشهد على شهادتي أن هذا قد قذف فلاناً ونحو ذلك.

إذن: عندنا شاهدان: شاهد أصل وهو الذي قد سمع أو رأى، وشاهد فرع وهو الذي لم يسمع ولم ير لكنه حملّ شهادة غيره واستحفظ.

كأن يحتضر رجل فيقول لبعض أولاده: اشهد عليّ إني شاهد لفلان بكذا على فلان ونحو ذلك.

-وهي – أي الشهادة على الشهادة – جائزة بالاجماع، والحاجة تدعو إليها، كما يكون في الوقوف.

وأيضاً قد يتأخر عرض القضية على الحاكم فيحتاج إلى شهادة الفرع فيحتاج إليها في حفظ الحقوق.

قال رحمه الله: [ولا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي] .

فهذه المسألة متفرعة عن مسألة سابقة وهي كتابة القاضي الى القاضي.

وقد تقدم أن المشهور في المذهب أن كتابة القاضي الى القاضي لا تصح إلا في حقوق الآدميين – ولا تصح في الحدود.

وتقدم أن الراجح خلافة.

وهنا كذلك فهذه المسألة كتلك المسألة، فالمشهور في المذهب إنها لا تصح إلا في حقوق الآدميين ولا تصح في الحدود.

-والمشهور في مذهب الشافعي صحة الشهادة على الشهادة في الحدود.

فالصحيح / أن الشهادة على الشهادة لا يشترط فيها أن تكون في حقوق الآدميين بل تصح في حقوق الآدميين وغيرها فلو شهد فرع عن أصل في حد الزنا أو في حد قذف أو في حد سرقه ونحو ذلك فإن هذه الشهادة صحيحة.

فمثلاً: أراد اثنان أن يذهبا إلى القاضي ليشهدوا على فلان أنه سرق، فاحتضر أحدهما فالقى بالشهادة الى آخر لم ير ولم يسمع فهي شهادة فرع فتقبل.

قال: [ولا يحكم بها إلا أن تتعذر شهادة الأصل، بموت أو مرض

او غيبة مسافة قصر]

ص: 21

فإذا أمكننا أن نحكم بشهادة الأصل فلا يجوز أن نحكم بشهادة الفرع. وذلك لأن شهادة الأصل هي الأصل، وشهادة الفرع بدل عنها.

ولأن في شهادة الفرع تطويلاً، فإنا نحتاج إلى أن ننظر في عدالة شهود الأصل وننظر في عدالة شهود الفرع.

ولأن احتمال الخطأ يكون أكبر.

إذن: لا يجوز أن نحكم بشهادة الفرع إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموت أو مرض أو غيبة مسافة قصر أو كخوف من سلطان. إذن لا يجوز لنا إلا عند الحاجة – فهي كالماء والتراب، فلا يجوز التيمم بالتراب إلا عند عدم الماء أو الضرر باستعماله – وهذا هو مذهب جمهور العلماء كما تقدم تعليله.

-وهل يكفى أن يشهد فرع عن الأصلين؟

الجواب: لا يكفي ذلك.

فإذا كان زيد وعمرو يشهدان على قضية تحتاج إلى شاهدين – فحَفَظ عنهما هذه الشهادة بكر، فلا تقبل شهادة الفرع. وهذه هي الصورة الأولى.

-الصورة الثانية: أن يشهد لكل أصل فرع.

فإذا حفظ زيد وعمر شهادة فهما شاهدا أصل فحفظ شهادة زيد بكر وحفظ شهادة عمرو سعد، فإنها تقبل – في المشهور في المذهب -.

قالوا: لأنه نقل للشهادة فقبل فيها خبر الواحد كخبر الديانة.

-وقال الجمهور: بل لا يقبل وذلك لأنها شهادة في إثبات حق كالإقرار فاشترط فيها شاهدان وعليه فلا بد أن يكون لكل أصل فرعان فيجتمع في القضية أربعة شهود.

أو أن يكون الفرعان قد حفظوا الشهادة عن هذا وعن هذا.

-والقول الأول أظهر لأن تعليله أقوى، فهي نقل للشهادة وليست إثبات حق وذلك لأنها لا يثبت الحق عليه فإن هذا الشاهد بشهادة الفرع لا يثبت على شاهد الأصل حق وإنما هي نقل لشهادته.

فالأظهر هو قبول ذلك كما هو المشهور في المذهب وهو قول إسحاق، قال الإمام أحمد:" لم يزل الناس على هذا "

فعليه عمل السلف، ونحوه عن إسحاق.

-الصورة الثالثة: أن يشهد عن كل أصل فرعان.

ص: 22

ففي المثال المتقدم: يقول بكر اشهد على زيد وعمرو أنهما قد شهدا بكذا ويقول سعد: اشهد على زيد وعمرو أنهما قد شهدا بكذا وهي مقبولة.

اذن: الخلاف فيما إذا كان لكل أصل فرع واحد والصحيح القبول لكن لا ينفرد في القضية فلا بد في القضية أن يكون شهود الأصل كشهود الفرع فإن كانت القضية مما لا يقبل فيها إلا شهادة رجلين فلا بد وأن يكون الفرع كذلك / وإذا كانت مما يقبل فيها شهادة رجل وامرأتين فيكون الفرع كذلك، والنساء لهن مدخل في الباب – على الصحيح وهو المشهور في المذهب.

قال: [ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل]

اذا كنت في مجلس فسمعت زيدًا يقول: " أشهد أن هذا البيت وقف " فليس لك أن تشهد على شهادته – كما ذكر المؤلف – حتى يسترعيك أي حتى يستحفظك، فإذا قال: اشهدوا عليّ إذا شهد على فلان، فحينئذ تصح شهادتك.

إذن: يشترط أن يسترعي شاهد الأصل.

قالوا: لأنه يحتمل أن تكون شهادته على العلم فيحتمل بأنه لما شهد لم يشهد على ما سمع ورأى بل شهد على العلم.

أي: يعلم أن هذا البيت وقف فقال: اشهد أن هذا البيت وقف فهو إنما يشهد بعلمه، ومعلوم أن الشهادة بالعلم لا تصح.

-والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن الإمام أحمد: أن شهادة الفرع تصح وإن لم يسترعه شاهد الأصل.

قالوا ولأن الأصل في الشهادة أن تكون بما يسمع وبما يرى أما كونه يشهد بعلمه هذا خلاف الأصل.

فإن قيل: قد يكون شهد على أمر ماض؟

فالجواب: أن هذا – أيضاً – خلاف الأصل- والأصل بقاء ما كان على ما كان.

فالراجح من هذه المسألة، صحة الشهادة لا سيما أن الشهادة في هذا الباب إنما شرعت للحاجه اليها.

قالوا: [فيقول: اشهد على شهادتى بكذا]

فيقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: اشهد على شهادتي بكذا فيكون بذلك قد استرعاه أي قد استحفظه الشهادة.

قال: [أو يسمعه يقر بها عند الحاكم]

ص: 23

فإذا سمع شاهد الفرع شاهد الأصل يقر بالشهادة عند الحاكم فإنه يحفظها عنه ويجوز له أن يشهد عنه بذلك لأنه يزول الإحتمال المتقدم.

فإذا كان في مجلس الحاكم فأتى بشاهدين لكن القاضي لم يحكم بالقضية لأمر ما أو لم تستوف البينة، فشهد الرجل أن فلاناً قد شهد عند الحاكم بكذا، كأن يكون قد مات هذا الشاهد الذي شهد في مجلس الحاكم وكان هناك من يجلس عند القاضي فشهد أن فلاناً قد شهد فحينئذ تقبل لزوال الإحتمال المذكور.

قال: [أو يعزوها إلى سبب من قرض او بيع ونحوه] .

فعزوها إلى سبب يقويها، وحينئذ يضعف ذلك الإحتمال.

فاذا قال: أشهد أن فلانا قد شهد أن لفلان على فلان كذا وكذا قيمة داره التى باعها إياه

أو قال: أشهد أن فلانا شهد لفلانة على فلان كذا وكذا مهراً لها.

إذن: المشهور في المذهب: أنه يشترط أن يسترعيه الشهادة إلا أن يشهد في مجلس القاضي أو أن يشهد على شئ ويذكر سببه فحينئذ لا يشترط أن يسترعيه الشهادة.

قال: [وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض – يلزمهم الضمان دون من زكاهم] .

إذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض ولو قبل الإستيفاء هنا ثلاثة أحوال.

(1)

الحالة الأولى: أن يرجع شهود المال قبل الحكم.

كأن يشهد زيد وعمروّ أن لبكر على سعد عشرة آلاف ريال وأثناء جلوسهم مع القاضي وقبل أن يُبتّ بالحكم رجعوا عن الشهادة.

فالحكم: أن القاضي لا يحكم وذلك لأن الشرط في الحكم قد زال فشرط الحكم الشهادة وقد زالت قبل الحكم.

(2)

الحالة الثانية: أن يرجعا بعد الحكم وقبل الإستيفاء.

أي لما حكم القاضي وبتّ في القضية قالوا رجعنا، وكان ذلك قبل الإستيفاء أي قبل أن يعطى المدعى عليه المدعي هذا المال المدعى به.

فالحكم: أن الحكم لا ينقض.

(3)

الحالة الثالثة: أن يرجعا بعد الحكم وبعد الإستيفاء.

فالحكم: أن الحكم لا ينقض.

ص: 24

إذن: بعد الحكم سواء كان بعد الاستيفاء أو قبله فإن الحكم لا ينقض وذلك لأن الحكم قد ثبت بتوفر شروطه.

ولئلا يكون حكم القاضى العوبة بأيدي الشهود.

وقد يكون رجوعهم لرغبةٍ او رهيةٍ، لرغبة بمال كأن يعطوا رشوة أو رهبةٍ كان يهددوا ليرجعوا.

-ويلزم هولاء الشهود الضمان دون من زكاهم، فنقول للمدعى عليه أعط المدعي حقه الذي قد ثبت وارجع بحقك إلى الشهود وذلك لأن الشهود هم الذين قد اخرجوا منه ماله بغير حق فكان الضمان عليهم.

(دون من زكاهم) فإذا رجعوا فإن الحق ثبت عليهم دون من زكاهم لأن من زكاهم إنما بنى على ظاهر أمرهم من العدالة وهم قد رجعوا فيكونون هم الذين قد باشروا ذلك فأخرجوا الحق عن صاحبه.

لكن إذا بان أن هؤلاء الشهود فسّاق أي لم يرجعوا لكن بان فسقهم وكان فسقهم ظاهراً فحينئذ: يرجع على المزكي.

ولا يقال: إنه يرجع إليهم هم أي الشهود، لأنهم لا يزالون يثبتون الحق ولا يزالون يقولون نحن شهود على كذا، لكن شهادتهم لا تقبل، والذي غررّ الحاكم بهم هم هؤلاء المزكون.

وفي قوله: (شهود المال) قيد يخرج القصاص والقود، فإذا كان الشهود قد شهدوا في القصاص، فإذا رجع الشهود بعد الحكم وقبل الإستيفاء، فإن القصاص لا يستوفى.

فإذا شهد فلان وفلان أن زيداً قتل عمراً عمداً فحكمنا على زيدٍ بالقود واختار ذلك الأولياء، وقبل أن يسُتوفى رجع الشهود، فحينئذ لا تنفذ القود، وذلك احتياطياً للدماء والأطراف.

وكذلك في الحدود، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ولا شك أن رجوع الشهود شبهة كبيرة.

لكن هل تثبت الدية؟

الجواب: نعم تثبت الدية، فرجوع الشهود بعد الحكم لا ينقض حكم القاضي، لكن احتطنا للدماء فلم ننفذ القود لكننا نثبت الدية، فشهادتهم تثبت الدية وبرجوعهم لا نقيم القصاص احتياطاً للدماء.

قال: [وان حكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله]

إذا حكم القاضي بشاهد ويمين:

ص: 25

كأن يدعى زيد على عمرو أن له عليه عشرة آلاف وليس عنده إلا شاهد فيقول: يحلف على ذلك فقال: نعم فشهد الشاهد وحلف هو، ثم رجع الشاهد، فإنه يرجع إلى الشاهد بالمال كله، وذلك لأن الشاهد هو حجة الدعوى وأما اليمين فهي قول الخصم.

فعليه: اذا رجع هذا الشاهد فإنا نضمنه المال كله.

********

"باب اليمين في الدعاوي"

قال: [لا يستحلف في العبادات]

إذا ادعى رجل أنه قد أخرج زكاة ماله أو أنه أوفى بنذره أو أنه يصلى في بيته، فإنه لا يستحلف على ذلك، لأن العبادات حقوق الله وهي مبنية على المسامحة.

وقال الشافعية: بل يستحلف لأنها دعوى.

والصحيح هو الأول. لأن اليمين إنما شرعت في حقوق الآدميين في قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ".

فاليمين إنما شرعت في حقوق الآدميين ولا تقاس عليها حقوق الله للفارق، فإن حقوق الله مبنية على المسامحة.

إذن: إذا قال عند صاحبي الحسبة: إني أصلى في بيتى فإن ذلك يقبل منه بلا يمين.

قال: [ولا في حدود الله تعالى]

لأن حدود الله تعالى حق مبنى على المسامحة،

ولأن المشروع هو الستر، وإذا كان يُلقّن عدم الاقرار فأولى من ذلك ألا يستحلف وهذا باتفاق العلماء.

قال: [ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي] .

فيستحلف المنكر في كل حق لآدمي إذا كان الحق مالاً أو يقصد به المال

فإذا ادعى زيد أنه اقرض عمراً ألف ريال فأنكر ذلك عمرو فنقول له: احلف

وكذلك إذا ادعى زيد أن عمراً قد باعه داره فأنكر ذلك عمرو فنقول له: احلف ونحو ذلك.

قال: (إلا النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء وأصل الرق والولاء والإستيلاد والنسب والقود والقذف)

" اصل الرق " إذا ادعى فلان أن اللقيط الذي عنده في البيت رقيق له فهنا قد ادعى اأصل الرق.

" والاستيلاد " أي استيلاد الأمة.

ص: 26

فهذه الامور التى ذكرها المؤلف مستثناه لأنها ليست بمال ولا يقصد بها المال فلا يستحلف فيها المنكر.

فإذا ادعت امرأه أن زوجها قد طلقها فنقول: احضري البينة، فإذا قالت لا بينة عندي، فإننا لا نحلف الرجل.

وإذا ادعى رجل أنه قد راجع امرأته فأنكرت المرأه ذلك فنقول للرجل: احضر البينة، فإن قال ليس عندى بينة فلا نطلب منها اليمين.

كذلك في الإيلاء: إذا ادعت المرأة أن زوجها قد أتى منها أي حلف ألا يطأها فأنكر ذلك فلا نقول له احلف وهكذا عامة المسائل التى ذكرها المؤلف هنا.

-والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية: أن الاستحلاف ثابت في هذه المسائل من حقوق الآدميين وأن حقوق الآدميين كلها يستحلف فيها سواء كانت في الأموال او في غير الأموال.

-وهذا هو القول الراجح في المسألة، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " يدل على أن اليمين تثبت حتى في الدماء أي حتى في القود.

فلو قال رجل: ادعى أن فلانا قد قتل وليي عمداً، فنقول: احضر البينة فقال: لا بينه لي، فنقول للمدعى عليه احلف اأنك لم تقتل وليه عمداً.

-وهل يقضى بالنكول؟

تقدم انه في المسألة قولان:

وتقدم اختيار شيخ الاسلام في هذه المسألة وأنه يقضى بالنكول إلا أن يكون المدعي يختص بالعلم فإن اليمين ترجع إليه.

إذن: في النكاح والطلاق والرجعة وفي عامة المسائل التى هي من حقوق الآدميين تثبت اليمين.

وأما في حقوق الله عز وجل فلا.

قال: [واليمين المشروعة هي اليمين بالله]

تقدم ذكر هذا.

قال: (ولا تغلظّ إلا فيما له خطر)

ص: 27

فلا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجناية التى لا ترتب عليها قود، لأن الجناية التي يترتب عليها قود ليس فيها في المذهب – استحلاف، لكن الجناية التي تثبت فيها مال كأن يدعى زيد أن عمراً قد قتل وليه خطئاً فإن المدعى عليه يستحلف حتى في المذهب – لأنها في الأموال وهذه المسألة لا خطر فللإمام أن يغلظ في اليمين.

أو كان ذلك في طلاق، كأن تدعى المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثاً وهو ينكر ذلك، وقلنا بالإستحلاف فانها تغلظ حينئذ وذلك لأن الأمر فيه خطورة.

وكذلك في العتق فإذا ادعى العبد أن سيده قد أعتقه فالأمر فيه خطر فحينئذ تغلظ اليمين.

-والتغليظ في اليمين مشروع – كما قال شيخ الاسلام – حيث رأى الإمام مصلحة في ذلك.

بل قد مال شيخ الاسلام إلى وجوبه حيث كان فيه مصلحة والأمر كذلك لأنه وسيلة الى إيصال الحق إلى صاحبه.

-والتغليظ قد يكون بالقول كأن يقول له: قل " والله الذي لا الله إلا هو عالم الغيب والشهادة أنه ليس لفلان عليّ كذا "

ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم – في صحيح مسلم – لعالم من علماء اليهود " أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون الحد في كتابكم "

-وقد يكون التغليظ بالزمان وذلك بعد صلاه العصر قال تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاه فيقسمان بالله)

وهي صلاة العصر بإجماع المفسرين.

وقد يكون التغليظ في المكان: كالمنبر في الجامع.

لما روى مالك في موطئه وأبو داود وابن ماجه وغيرهم: ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على منبري يميناً آثمة فليتبوأ مقع من النار)

قال الفقهاء: ويقاس عليه غير منبره: والله أعلم لكن لا بأس بذلك من باب التغليظ.

قالوا: وكذلك بين الباب والركن عند الكعبة فهذا تغليظ في المكان.

إذن: له أن يغلظ بالزمان وله أن يغلظ بالمكان وله أن يغلظ باللفظ.

-فإذا نكل فما الحكم؟

ص: 28

أي قيل له:" والله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة أنه ليس لفلان على حق " فقال أنا لا احلف إلا أن اقول:" والله " أو قيل له: احلف بعد صلاه العصر أو إحلف على المنبر.

فقال: لا أحلف، إن شئتم مني:" والله " وإلا فلا أحلف، فما الحكم؟

قالوا: يقبل منه ذلك ولا يحكم بنكوله لأنه ليس عليه إلا اليمين وقد قام بما عليه وهي اليمين.

ومال شيخ الاسلام إلى أنه يحكم بنكوله لأنه لا فائدة من التغليظ إلا هنا، فالمقصود زجره وردعه عن الإنكار بحيث إنه إذا أنكر فحلف بهذه اليمين انزجر وارتدع ونكل فثبت الحق لصاحبه وهذا هو الراجح.

------------------------------------------------------الدرس الخامس والعشرون بعد الأربعمائة – والأخير 425

كتاب الإقرار

الإقرار: هو الإعتراف بالحق.

وهو أقوى البينات، ذلك لأن العاقل لا يكذب على نفسه بما يضّرها فلا يمكن أن يعترف أن لفلان عليه عشره آلاف درهم وهو كاذب على نفسه.

-والفقهاء.منهم من يضعه في آخر كتاب الفقه تفاؤلاً بالإقرار بالشهادتين عند الموت.

ومنهم من يضع العتقَ في آخر كتاب الفقه تفاؤلاً بالعتق من النار.

قال رحمه الله [يصح من مكلف] .

فاذا كان الإقرار من غير مكلف كالصبي والمجنون، فإنه لا يصح.

فإذا أقر صبي أن عليه عشرة آلاف فإن إقراره لا يصح، وكذلك إقرار المجنون أو المغمي عليه أو النائم.

لقوله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة – ذكر منهم – الصبي والمجنون والنائم ".

لكن هل للصبي أن يقرّ بما يصح تصرفة فيه، مما يأذن له فيه وليه؟

فالولى يأذن للصبي أن يتصرف ببعض الشيء الذي لا يضر بماله، فإذا أذن له أن يتصرف بشيء من البيع والشراء، فهل له أن يقر به.

الجواب: نعم، لأنه لما صح تصرفه فيه صحّ إقراره معه.

مسألة:

ص: 29

إذا أقر الصبي ابن عشر أو الجارية بنت تسع بالاحتلام – وهذه هي السن التى يمكن فيها الاحتلام في مذهب أحمد كما تقدم – فما الحكم.

الجواب: إنهما إذا ادعياه فإنه يقبل منهما فاقرارهما بالإحتلام مقبول.

وذلك لأن الإحتلام لا يعلم إلا من جهتهما. فكان القول قولهما.

-لكن لو ادعى السن، فقال قد بلغت خمس عشرة سنة فلا تقبل إلا ببينة وذلك لأن بلوغ السن الخامسة عشرة ظاهر معلوم يعلم من غير صاحبه فاحتيج إلى بينة.

قال: [مختار]

أي ليس بمكره، لقوله تعالى:(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فالإكراه مرفوع.

فإذا أكره على الإقرار بالمال فأقر به مكرهاً فهذا الإقرار لا يصح.

قال: [غير محجور عليه]

أي غير محجور عليه لسفه وذلك لأن تصرفه في المال لا يصح وعليه فلا يصح إقراره.

وأما المحجور عليه لفلس فقد تقدم ان إقراره يصح في الذمة ولا يصح في المال الذي قد حجر عليه فيه.

قال: [ولا يصح من مكره]

هذا تفريع على قوله: مختار " فلا يصح من مكره".

فلو أن رجلاً ضُربَ حتى أقر أنه قد طلق إمراته أو حتى أقر أن لفلان في ذمته عشرة آلاف فلا يصح إقراره لأنه مكره.

-فإذا أقرّ وادعى الإكراه ما الحكم؟

رجل أقر أن لفلان عليه عشرة آلاف وشهد شاهدان على هذا الإقرار ثم ادعى أنه قد أُكره على هذا الإقرار فما الحكم؟

الجواب: لا يقبل منه ذلك إلا ببينة تدل على الإكراه.

وكذلك إذا كان هناك ما يدل على الإكراه كأن يكون أقر في حبس أو في قيد أو أثناء ضرب فإن هذه يدل على الإكراه.

وعليه: فإذا ضُرب المتهم حتى اعترف فهل يصح إقراره؟

الجواب: لا يصح إقراره لأنه مكره.

لكن هل هذا على إطلاقه؟

في المسألة قولان لأهل العلم – كما حكى ذلك شيخ الإسلام –:

ص: 30

القول الأول: أن ذلك على إطلاقه وهو قول بعض أصحاب أحمد والشافعي، فإذا ضرب الرجل فاعترف فإنه لا بد وأن يصدق اعترافه مرة أخرى أي لا بد وأن يقر مرة أخرى عند القاضي فإذا أقر بعد ذلك فإن الإقرار يصح.

والقول الثاني في المسألة: وهو الذي عليه القضاء هنا أن ذلك ليس على إطلاقه، بل إذا أقرّ وكان هناك ما يصدق إقراره أثناء الضرب فإن ذلك يصدق.

مثال ذلك: رجل لما أتى به فضرب على السرقة،

قال: اعترف أني قد سرقت القيمة الفلانية، من المكان الفلاني وذهبت وأخذت الشيء الفلاني وكسرت الباب ووصف السرقة وصفاً ظاهراً، والمال المفقود هو ما ذكره والباب المكسور هو المذكور فحينئذ نعلم أنه قد سرق ولا نحتاج حينئذ إلى إقراره، هذا هو أصح قول العلماء في هذه المسألة.

قال: (وإن أكره على وزن مال فباع ملكه صح)

أي صح البيع،

رجل قيل له: ادفع عشرة آلاف ريال وإلا قتلناك، وليس عنده إلا هذه الدار أو عنده غيرها، فباع هذه الدار ودفع هذه العشرة آلاف، فان البيع يكون صحيحا، وذلك لأنه لم يكره على هذا البيع، وهذه المسألة استطراد من المؤلف.

قال: (ومن أقر في مرضه بشيء فكإقراره به في صحته)

رجل في مرضه قال: أُقرّ أن لفلان عليّ عشرة آلافً فإن هذا الإقرار يصح، كما أقرّ في صحته لعدم التهّمه واستثنى المؤلف فقال:

[إلا في إقراره بالمال لوارث] .

فإذا أقر بالمال لوارث فلا يقبل

فلو كان له ابنان فقال في مرضه أقر أن لابنى فلاناً عشرة آلاف في ذمتي فلا يصح هذا الإقرار للتهمه.

لكن إذا أقام بينة أو أجاز بقية الورثة فإن هذا الإقرار يصح.

قال: [وإن أقر لامرأته بالصداق فلها مهر المثل بالزوجية لا بإقراره]

رجل عنده زوجتان فأقر لكليهما أو لأحدهما بالصداق فقال: أقر أن لفلانه عليّ الصداق أو أن هناك مهر مؤخر لفلانه فلها مهر المثل بالزوجية لا بإقراره، لأن إقراره لوارث لا يصح والزوجة وارثة.

ص: 31

فكونها زوجة له يدل على أن لها صداقاً عنده، وإقراره هذا إخبار منه بأنه لم يوفها صداقها.

قال: [ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها] .

إذا قال في مرضه (أنا قد أبنتها " أي طلقتها " طلاقا بائناً في صحتى) فنقول: هل عندك بينة؟ فإن قال لا، فنقول: إقرارك هذا لا يسقط إرثها لأنك متهم بحرمانها.

-كما تقدم في كتاب الفرائض.

قال: [وإن أقر لوارث فصار عند الموت أجنبياً لم يلزم إقراره لأنه باطل، وإن أقرّ لغير وارث أو أعطاه صح وإن صار عند الموت وارثاّ] .

فالإقرار المعتبر في صحته حال المقرَّ له حال الإقرار.

فإن كان المقر له ليس بوارث فإنه يصح هذا الإقرار وإن صار وارثاً بعد ذلك.

وأما إذا كان إثناء الإقرار وارثاً فإن الإقرار له لا يصح وإن كان ليس بوارث بعد ذلك.

فمثلاُ: رجل له زوجة حامل وله ابن عم، فإن العم وارث فلا يصح الإقرار له، لكنه أقرّ له ثم ولد له ابن من زوجته، فلا يرث ابن العم، ولا نرجع الى الإقرار المتقدم فنصححه لأن العبرة بحاله عند الإقرار، وحاله عند الإقرار أنه وارث وإن كان ليس بوارث بعد ذلك.

وكذلك العكس: رجل قال لفلانة عليّ كذا، ثم لم يمت حتى تزوجها فإن هذا الإقرار يثبت لأن حالها عند الإقرار أنها ليست بوارثه.

إذن: إذا أقرّ لوارث فصار عند الموت أجنبياً لم يلزم إقراره لا أنه باطل لأنه موقوف على إجازة الورثة فلو أجاز ذلك الورثة صح هذا الإقرار.

قال: [وإن أقرت المرأة على نفسها بنكاح ولم يدعه اثنان قبل] .

رجل قال لامرأة: " انك زوجة لى: فقالت "أقر بذلك" فهذا الإقرار صحيح لأن النكاح حق فصح إقرارها فيه كالمال.

لكن هنا شرط ألا يدعيّه اثنان.

فإذا أتى اثنان إلى قاضي وكل منهما يدعي أن فلانة زوجة له فأقرت لأحدهما فظاهر كلام المؤلف أنه لا يقبل هذا الإقرار.

-والقول الثاني – وهو الصحيح في المذهب – أن إقرارها لأحدهما صحيح وهو ظاهر.

ص: 32

لأنها قد أقرت لأحدهما بحق عليها وليس هناك ما يمنع فليس مع الآخر بينة تمنع ،

لكن إن كان مع كل واحد فيهما بينة؟

كأن يدعى اثنان على فلانة أنها زوجة وكل يقول هي زوجتى وأقام كل واحد فيها بينة.

فالحكم: أننا نحكم بالبينة الأسبق.

فإن لم نعلم أيهما أسبق وادعى ولي المرأة أن بينة أحدهما هي الأسبق قُبلَ قولْهَ بيمينه.

فإن قال ولىّ المرأة: لا أعلم أيهما أسبق، فحينئذ تفسخ نكاح الإثنين كما إذا زوجها وليان ولم يعلم أيهما الأسبق.

وهل نحكم لمن هي تحت يده.

الجواب: لا نحكم بها لمن هي تحت يده لأن الُحرَ لا يحكم عليه باليد. (الحر: الفرج)

قال: [وإن أقرّ وليّها المجبر بالنكاح أو الذي أذنت له صحّ] .

اذا أقرّ الولى المجبر بالنكاح فهل يصح ويكون كإقرار المرأة؟

الجواب: نعم لأن الولى المجبر – وهو الأب في المذهب – يملك إنشاء عقد النكاح فيملك إقراره.

-وكذلك الولى غير المجبر إن أذنت له المرأة لأن المرأة إذا أذنت له ملك أنشاء عقد النكاح عليها وإذا ملك عقد النكاح ملك الإقرار به.

إذن: الإقرار بالنكاح يصح بإقرار المرأة ويصح بإقرار وليها المجبر وبإقرار وليها غير المجبر إذا أذنت له بالإقرار.

قال: [وإن أقر بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه]

إذا أقر بنسب صغير فقال – مثلاّ – هذا الطفل أبن لي أو أخ لى، وقيده بالصغير لأنه إن كان كبيراً بالغا فلا بد وأن يصدق هذا الإقرار.

كذلك لا بد أن يكون الصغير ومثل ذلك المجنون – لا بد أن يكونا مجهولى النسب لأنه إن كان معلوم النسب فلا يصح ادعاء نسب آخر له.

فإذا ادعي على هذا الصغير أو المجنون مجهول النسب أنه ابنه أو أخوه أو ابن أخيه فإن نسبه يثبت منه.

والشارع متشوف إلى إثبات النسب، وهذا المقرّ يقر بحق عليه فقبل إقراره.

لكن كان المقرّ له بالغاً فأنكر ذلك فان الإقرار صحته قاصر، فلا يصح الإقرار على الغير، بل يصح على النفس.

ص: 33

فلو أن رجلاً اقرّ على نفسه وعلى شريكه فيلزمه ذلك ولا يلزم شريكه

قال: [فإن كان ميتاً ورثه]

فإذا كان هذا المقرّ له ميتاً ورثه المقر، لأن الإرث يترتب على النسب وقد ثبت النسب فيترتب على ذلك الإرث.

-وصوّب صاحب الإنصاف: أنه لا يرثه للتهمة.

فلو أن هذا مجهول النسب لا يعرف نسبه له أموال كثيرة طائلة فلما فاق جاء رجل فقال هو ابني أو أخي فهل يقبل هذا الإقرار؟.

-كلام المؤلف يدل على أنه يقبل لأنه أثبت نسبه إليه ومن ثم يثبت إرثه.

-والقول الثاني: انه لا يرثه للتهمة وهذا أظهر لكن ليس على إطلاقه، فلو أن التهمة انتفت وكان الإرث عنده لا يستحق عنده إثبات النسب بل هو صادق في دعواه النسب لكن الإرث يرتب على ذلك فلا يمنع.

إذا كان الرجل غائباً وكان الإرث ليس بالكثير فادعى صاحب هذا المال أخ له فدعواه ممكنة والتهمة ضعيفة، فالمقصود أن الحكم يدور وجوداً وعدما مع التهمة فإذا كانت التهمة ظاهرة لم نقبل وإلا قبلنا.

ومثل ذلك الإقرار لوارث، فإذا انتفت التهمة فكذلك.

فلوا أن رجلاً له بنت وابن عم، فلو أنه أقرّ لابن عمه بشىء من المال لم يكن متهماً بخلاف ما لو أقر لابنته وهذا هو مذهب مالك في المسألة السابقة.

قال:] وإذا ادعى على شخص بشيء فصدقه صحّ]

أي صح إقراراً

هذه المسألة بينّ فيها المؤلف أن الإقرار يصح بكل لفظ يدل عليه.

فإذا قال له:" لي عليك عشرة آلاف " فقال صدقت " فيكون ذلك إقراراً

أو قال:" أليس لي عليك عشرة آلاف " فقال بلى " أو كان من العامة فقال نعم، فإن ذلك يعتبر إقراراً.

***************

فصل

قال: [إذا وصل بإقراره ما يسقطه مثل أن يقول: له على ألف لا يلزمني ونحوه لزمه الألف]

إذا وصل بإقراره ما يسقطه، بمعنى أقرّ لكنه وصل بإقراره ما يسقط الإقرار وينفيه.

فمثلاً: قيل له: أليس لفلان عليك ألف، فقال: له على ألف لا تلزمني.

ص: 34

أو قال: له عليّ ألف هي ثمن خمر، ومعلوم أن ثمن الخمر باطل.

أو قال: له على ألف هي حلوان كاهن ونحو ذلك فما الحكم؟

قال هنا: لزمه الألف، لأنه أقرّ بما يثبت الحق ثم ناقض نفسه فنفاه، وعليه فلا تقبل هذه الوصلة من الكلام إلا ببينة، فإذا قال: له عليّ ألف لا تلزمنى " فيقال له: أقم البينة على أن هذه الألف لا تلزمك وإلا فهي لازمة.

قال: [وإن قال: كان له على فقضيته فقوله مع يمينه]

إذا قال: كان له على الف ريال لكنى قضيته، فما الحكم؟

قوله الثاني المتصل بقوله الأول لا يناقض القول الأول فحينئذ لما كان هذا هو اقراره فإنا نصدقه في قوله لأنا لم نعلم ثبوت الحق إلا بإقراره فكان مؤتمنا على قوله فحينئذ يصدق قوله ويكون عليه اليمين، فنقول احلف أنك قد قضيته.

-وقال أبو الخطاب من الحنابلة: بل يكون مثبتا مقراً، ومدعياً فهو مقر بان عليه الفاً، ومدع انه قد قضى فتقول عليك البينه.

والراجح هو الأول لما تقدم فإن تعليله أقوى فإن هذا الرجل لم يثبت الحق إلا بإقراره مؤتمناً على قوله فلم تلزمه أكثر من إقراره لأنا إذا قلنا له هات بينة لزمه أكثر من إقراره.

إذن: الصحيح ما ذهب اليه الحنابلة في المشهور عندهم كما قرره المؤلف هنا.

قال: [ما لم تكن بينة أو يعترف بسبب الحق] .

إذا كانت هناك بينة تدل على الحق فلا يقبل قوله (إني قضيته) وذلك لوجود البينة.

وكذلك إذا كان اعترف بسبب الحق فقال:" له على عشرة آلاف ثمن مبيع لكني دفعتها له، فنقول له لما ذكرت سبب الحق، فحينئذ لا بد من بينة لأنه ذكر سبب الحق يوجب الحق فيكون كالبينة فعلى ذلك لا يقبل قوله:" فقضيته " إلا ببينة وقول آخر.

قال: [وإن قال: له علىّ مائة ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه ثم قال، زيوفاً أو مؤجله لزمه مائة جيدة حالهّ]

قال: لفلان على مائه ثم سكت ثم قال: زيوفاً أي دراهم رديئة وهذا من أنواع الدراهم عندهم في السابق.

ص: 35

أو قال: " مؤجله " فانه يلزمه مائة جيدة حالة وذلك لأن هذا هو مقتضى اطلاقه، فإن قال:" له على مائه " فمقتضى هذا الإطلاق إنها حالة وإنها جيدة وأما الرابع الذي ذكره وهو قوله:" زيوفاً أو مؤجلة " فهو رافع منفصل فلم يغير من الحكم شيئاً.

قال: [وان أقر بدين مؤجل فأنكر المقرّ له الأجل فقول المقر مع يمينه]

هذه كالمسألة المتقدمة

قال رجل: لفلان علىّ مائه ألف ريال إلى سنة – فقال المقر له قد اثبتّ على نفسك الحق لكنها ليست إلى سنة بل هي حالة الآن فاحضر البينة التى تدل على أنها مؤجلة.

فنقول له: هذا المقر مؤتمن على قوله قد أقر بنفسه فلم يلزمه أكثر من اقراره وعليه فالقول قوله مع يمنيه.

قال: [وإن اقر أنه وهب أو رهن أو قبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر القبض ولم يجحد الإقرار وسأل إحلاف خصمه فله ذلك] .

معلوم أن من وهب انساناً شيئاً فإنه لا يلزم إلا بالإقباض كما تقدم في مشهور مذهب أحمد.

فلو أن رجلاً أقر على نفسه أنه قد وهب زيداً داره وأقبضه إياها أو قال وهبته عشرة آلاف وأقبضه إياها ثم لما أتى الى القاضى، قال نعم أنا قد وهبته لكني لم أقبضه.

فنقول له: إنك قد أقررت فيقول: إني إنما أقررت لجريان العادة بذلك، فإن الكثيرين في مسألة الهبة ان يقر بالإقباض الواهب لتنقطع علاقته بها وإن كان لم يقبض حقيقة فلجريان هذه العادة نقول: حلفوا خصمى، فإن حلف أني قد اقبضته فهي له، فهل نحلفه؟

الجواب: نعم نحلفه لجريان العادة بمثل هذا أي بالاقرار بالهبة مع عدم الإقباض.

إذن: العادة تصدقه في دعواه وحينئذ نحلف خصمه.

فان حلف أنه اقبضه أخذ الهبة.

وان لم يحلف فحينئذ نرجع اليمين الى الأول لأنه منكر للإقباض.

كذلك في ثمن المبيع والرهن.وثمن المبيع هذه تقع كثيراً.

ص: 36

فالآن كتابة العدل لا تكتب الدار أو الأرض حتى يثبت لهم أن الثمن قد قبض، فيتبايع اثنان على أرض – مثلا- بثمن قدره عشرة آلاف ريال، وقالوا: نريد أن نقرها باسم المشترى عند كتابه العدل، فلما ذهبوا إلى كاتب العدل قال: صاحب الدار: أقر أنى أخذت الثمن كاملاً.

فلما كان بعد زمن أنكر المشترى أن تكون هذه الأشياء مجرد أشياء رسمية وقال: أنا قد أعطيتك حقك وأنت قد أقررت بذلك عند كاتب العدل،فذهبا إلى القاضي، فهل يستحلف القاضى الخصم على أنه قد أقبضه الثمن فيقول للمشترى إحلف أنك قد أعطيته الثمن؟

الجواب: نعم نستحلفه، فإن حلف وإلا رجعت الثمن على المدعي الذي هو المقر.

إذن: العادة جارية بمثل هذا أي بأن يقر بالقبض أو الإقباض لمصلحته، فالعادة جارية بهذا قديماً وحديثاً.

ولذا فان هذا الإقرار لا يحكم عليه به حتى يحلف الخصم.

قال: [وإن باع شيئا أو وهبه او أعقبه ثم أقر أن ذلك كان لغيره لم يقبل قوله] .

رجل قال: من يشترى هذه السيارة، فقال: رجل آخر، أنا اشتريها فاشتراها بعشرة آلاف، فلما أخذ البائع العشرة آلاف قال: هذه ليست سيارتي وإنما سيارة زيد من الناس فما الحكم؟

الجواب: أنه لا يقبل قوله لأن إقراره في حق غيره والإقرار حجه قاصرة.

قال: [ولم ينفسخ البيع]

لأنه قد توفرت شروطه، والإقرار هنا لا يقبل وعليه فالبيع صحيح.

قال: (ولا غيره)

كالعتق – فلو أن رجلاً اعتق عبداً، ثم قال:(هذا العبد ليس ملكاً لي) أو وهب داراً وقال: هي ليست ملكاً لي / فهل يبطل العقد وهل تبطل الهبة؟

الجواب: لا يبطل العتق ولا الهبة كالبيع.

قال: [ولزمته غرامته] للمقرّ له.

فنقول: أنت تقول أن السيارة لزيد فاذهب إلى زيد فأعطه حقه وهو قيمة هذه السيارة

لكن إن أحضر بينة أنها ليست له، فهل ينفسخ البيع بذلك؟

الجواب: نعم ينفسخ البيع بذلك ولذا قال:

[وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد وأقام بينة قبلت]

ص: 37

للبينة.

قال: [إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو أنه قد قبض ثمن ملكه لم يقبل منه]

رجل قال: من يشترى سيارتى هذه؟ أو من يشترى داري هذه؟

ثم اشتراها رجل، ثم أقام البائع بينة بأن هذه السيارة أو الدار ليست له فهل تقبل هذه البينة أم لا؟

الجواب: لا تقبل لأنه مكذب لها لأنه قال:" من يشترى سيارتي هذه ".

ومثل ذلك: لو باع سيارة ثم قال قد قبضت ثمن ملكها ثم بعد ذلك أقام بينة أنها ليست له، فإنها لا تقبل منه البينة لانه مكذب لها.

فصل

هذا الفصل في الإقرار المجمل.

والإقرار المجمل هو الإقرار غير المفسر وهو الذي يحتمل معنيين فأكثر على استواء.

قال: [إذا قال له: عليّ شًئأ أو كذا قيل له: فسره]

اذا أقره عند القاضى ان لزيد عليه شئ او كذا وكذا فما الحكم؟.

فإنه يطالب بتفسيره.

إذن: يقبل إقراره المجمل لكن لا يمكن القاضي أن يحكم بذلك فلا يتأتى الإلزام لأنه مجهول.

فيقال له: فسره – لأنه إقرار منه فلم يعلم تفسيره إلا من جهته

قال: [فان أبى حبس حتى يفسره]

لحق الآدمي

قال: [فإذا فسره بحق شفعة أو بأقل مال قبل]

كأن يقول له علي ريال واحد أو بحق شفعه فإن ذلك يقبل.

قال: (وإن فسره بميتة أو خمر أو قشر جوزه لم يقبل)

أو قال له على حبة شعير أو حبة حنطة أو شطر تمر فلا يقبل لأن هذا لم تجر العادة بالإقرار به.

-لكن قد يكون بعضه يجرى العادة به في بعض الأزمان كالتمرة يمكن أن يقرّ بها في وقت مجاعة لكن في غير مجاعه لا يمكن الإقرار بها.

إذن: لا بد أن يفسره بما تجرى العادة بالاقرار به.

أما لو قال: حقه علي رد السلام عليه أو تشميته إن عطس ونحو ذلك أو تشييع جنازته إن مات فلا يقبل منه ذلك لأن هذا لم تجر العادة بالإقرار به.

قال: [ويقبل بكلب مباح نفعه]

لأنه واجب رده فهو حق، والكلب المباح ككلب صيد أو كلب ماشيه أو نحو ذلك.

قال: [أو حد قذف]

ص: 38

-قال: حقه عليّ أن أجلد ثمانين سوطا لأني قد قذفته، فيفعل ذلك، لالأنه حق وهو مما يقّر به في العادة.

قال: [وإن قال: له عليّ ألف رجع في تفسير جنسه اليه]

فإذا قال ولزيد علي ألف،فيقال من ماذا؟ ألف دراهم أو ألف دنانير أو ألف من الثياب أو من القمص فيرجع بالتفسير أليه.

قال: [فإن فسره بجنس واحد]

كأن يقول: له عليّ ألف درهم قبل ذلك لأنه لا يعلم إلا من جهته فقبل قوله.

قال: [أو بأجناس قبل منه]

كأن يقول: له عليّ خمسمائة درهماً وخمسمائة ديناراّ فيقبل ذلك.

قال: [وإن قال: له عليّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية]

لأن الذي بين الدرهم والعشرة ثمانية دراهم.

قال: [وإن قال: ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة]

والرواية الثانية، أن تلزمه عشرة لأن الغاية تدخل في المغيّا لأن العشرة من جنس الدراهم وهذا أظهر.

قال: [وان قال: له عليّ درهم أو دينار لزمه أحدهما]

إذا قال: له عليّ إما درهم أو دينار فيلزمه أحدهما فنقول لا بد من التعيين لأن القول قوله.

-وهنا المؤلف قد أجرى هذه الإقرارات على اللغة والصحيح أجراؤها على العرف كما قرره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله.

فألفاظ الناس تجرى على أعرافهم وعاداتهم.

فنحن في عرفنا إذا قال: له على ألف فإنه يريد ألف ريال.

وإذا قال له علىّ ما بين عشرة آلاف الى مائة ألف فهو لا يريد تسعين الفاً، وإنما يريد إما عشرة أو عشرين أو أربعين أو خمسين أو نحو ذلك، هذا في عرف الناس.

قال: [وإن قال: له عليّ تمر في جراب أو سكين في قراب أو فص خاتم ونحوه فهو مقر بالأول]

لأن هذا هو مقتضى لفظه.

إذا قال: لزيد عليّ سكين في قراب " وهو ما تدخل فيه السكين " فإنه يلزمه السكين فقط.

-وكذلك إذا قال: له عليّ فص في خاتم فإنه يلزمه الفص لا الخاتم.

وكذلك إذا قال: له عليّ تمر في جراب فإنه يلزمه التمر لأن هذا مقتضى لفظه.

ص: 39

لكن لو قال: له عليّ سيف في قراب " فيلزمه القراب لأن السيف في العادة لا يخرج من قرابه إلا عندما يراد للضرب.

أما السكين فإنها توضع في أكثر الأحوال بلا قراب لذلك لو قال: له عليّ خاتم فيه فص فإنه يلزمه الخاتم والفص لأن هذا هو مقتضى لفظه.

والله سبحانه وتعلى اعلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

وبهذا نختم شرح الكتاب

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ص: 40