الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سجود السهو
قوله: [يشرع - سجود السهو- لزيادة ونقص وشك]
إذاً عندنا ثلاثة أحوال: 1- زيادة. 2- وعندنا نقص. 3- وعندنا شك.
زيادة: كأن يصلي الظهر خمسا.
نقصا: كأن يقوم في الركعتين، فلا يجلس للتشهد الأول.
شك: كأن لا يدري هل صلى ثلاثا أم أربعا.
وسيأتي تفاصيلها إن شاء الله.
قوله: [لا في عمد]
إذاً السجود في سهو لا في عمد، أما في ترك واجب أو ركن عمداً، فإن الصلاة تبطل كما تقدم، وهذا باتفاق العلماء، وإن كان القول بأن هناك واجب هذا من مفردات المذهب، فترك الواجب عندهم كترك الركن، فمن ترك واجبا أو ترك ركناً بطلت صلاته إن كان عمداً، ولأنه لم يفعل ما أمره الله به فلم يصل كما أمر الله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(1) .
إذاً سجود السهو خاص بالسهو، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما صحيح مسلم:(إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين)(2) .
قوله: [في الفرض والنافلة]
يعني يُشرع في الفرض، ويُشرع في النافلة، أما الفرض فظاهر، وأما النفل؛ لأن ما ثبت فرضاً فهو ثابت نفلاً، ولعمومات الأدلة، فقوله:(إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ، هذا عام في الفرض وفي النفل. فإذا سها في سنة الظهر أو سنة الضحى ونحو ذلك، فإنه يسجد للسهو.
(1) أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة [1718] ، زاد المعاد [5 / 224] .
(2)
أخرجه مسلم باب السهو في الصلاة من كتاب المساجد، وابن ماجه باب السهو في الصلاة من كتاب إقامة الصلاة، المغني [2 / 418] .
وهنا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها، هناك يصلي فرضاً أو نفلاً، ثم يترك سنة في هذه الصلاة، فنقول: لا يسجد للسهو، لكن هنا يترك ركناً أو واجباً سهواً في صلاة نفل، كأن يترك التسبيح في الركوع أو التسبيح في السجود في سنة الفجر مثلاً، فإنه يسجد؛ لأن ما ثبت فرضاً فهو ثابت نفلاً، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام:(فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) .
ومن صور السجود في النفل:
لو قام لثالثة في الليل، وصلاة الليل كما قال عليه الصلاة والسلام:(مثنى، مثنى) ، فإذا قام لثالثة سهواً، فإنه يجلس ويسجد سجدتين للسهو؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وأما إذا كان في النهار فقام إلى ثالثة، فله أن يُتم أربعاً، وفي صلاة الليل له أن يصلي خمساً أو سبعاً أو تسعاً، لكن ليس له أن يصلي أربعاً. فإذا دخل على أن يصلي مثنى مثنى، فصلى فقام إلى ثالثة، فإنه يجلس ويسجد للسهو، لأن صلاة الليل مثنى مثنى.
قوله: [فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة]
قيَّد الفعل بكونه من جنس الصلاة، فلو كان الفعل من غير جنسها، فإنه يدخل في المسألة السابقة، وهي مسألة الأفعال الكثيرة، أو مسألة الفعل في الصلاة، ما الذي يُبطل الصلاة منه؟ تقدم هذا، وأن الذي يبطله ما كان بحيث من يراه يقول: إنه لا يصلي، لكن هنا الكلام إذا كانت الزيادة من جنس الصلاة، وأما إذا كان الزيادة من غير جنس الصلاة، فننظر، إذا كانت كثيرة، فإنها تبطل الصلاة، وهي التي بحيث إذا رُئي المصلي قيل: إنه لا يصلي، وأما إذا كانت يسيرة، فإنها لا تبطل الصلاة، كما تقدم تقريره، ولذا قيد هنا المسألة بقوله:" من جنس الصلاة ".
قوله: [قياماً]
أي زاد قياما، كأن يقوم إلى ركعة خامسة.
قوله: [أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت، وسهواً يسجد له]
قوله هنا " أو قعوداً " أي قعوداً في غير محل القعود، لكن إن كان القعود في محل القعود فإن هذا لا يجب له سجود السهو.
مثاله: جلس في محل التشهد يظن أنه جالسٌ بين السجدتين، فتذكر. هل نأمره بالسجود؟
الجواب: لا نأمره بالسجود، لأن هذا في محله، وليست الزيادة ظاهرة – فليست هناك زيادة -، غاية الأمر أنه تذكَّر أن هذا القعود ليس هو القعود الذي نواه، فكان يظن أنه في قعود للجلسة بين السجدتين، فتبين أنه في قعود للتشهد، فهنا القعود الآن في محل القعود، فقعد في محل قعود، لا في محل قيام.
لكن لو أنه جلس بعد أن رفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى، فلما أراد أن يقوم للركعة الثانية جلس وأطال الجلوس، يظن أن هذا هو التشهد الأول، - يظن أنه قد صلى ركعتين، وهو لم يصل إلا ركعة واحدة -، فتذكر فقام، أو نُبِّه، فهل يجب عليه سجود؟
الجواب: نعم، يجب عليه سجود؛ لأنه ليس في محل قعود.
لكن لو كان في محل قعود، فغاية الأمر أن يكون قد نوى غير ما هو واجب عليه، ثم عاد فنواه، فلا يؤثر ذلك. وهذا التقييد في المذهب.
هنا ظاهره أيضاً: أنه ولو كان ذلك بقدر جلسة الاستراحة، فلو أن رجلاً لا يرى جلسة الاستراحة، لما قام من الركعة الأولى جلس بقدر هذه الجلسة، ثم قام، فظاهر كلام المؤلف، وهو المذهب أنه عليه سجود السهو.
والقول الثاني، وذكره صاحب المغني وجهاً في المذهب، واختاره الزركشي من الحنابلة، وهو القول الثاني في المسألة: أنه لا يسجد له. وهذا هو الراجح، وذلك لأن تعمده لا يبطل الصلاة، فلو تعمد رجل هذه الجلسة اليسيرة، فهل نبطل صلاته؟ لا نبطل صلاته، فكذلك إذا سها؛ لأن المسائل السابقة إذا فعلها تعمداً بطلت صلاته، وإذا فعلها سهواً سجد، فهنا هذه الجلسة لو أن رجلاً جلس عجزاً أو تثاقلاً، ثم قام، وهو لا يرى استحبابها، فهل تبطل صلاته؟ الجواب: لا تبطل، حتى في المذهب، فكذلك إذا زادها سهواً. إذاً الراجح أنه لو جلس بقدر هذه الجلسة اليسيرة، ما دام أنها بنحو جلسة الاستراحة، فإنها لا تؤثر.
قوله: [وإن زاد ركعة ولم يعلم حتى فرغ منها سجد]
إن زاد ركعة في الصلاة، كأن يصلي خمسا، فلم يعلم حتى فرغ منها، سجد.
رجل صلى الظهر خمسا، فلما سلّم نُبِّه، فما الواجب عليه؟
أن يسجد سجدتين، لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر خمساً، فقيل له عليه الصلاة والسلام: أزيد في الصلاة؟ قال: (وما ذاك؟) قالوا: إنك صليت خمساً، فقام عليه الصلاة والسلام فسجد سجدتين بعد ما سلّم. إذاً المذهب أنه إذا صلى الظهر خمساً، ثم علم بعد الصلاة أنه قد زاد خامسة، فإنه يسجد للسهو بعد السلام، وتكون حال ضرورة، لأن الواجب عندهم أن يسجد قبل السلام، لكن هنا لم يعلم إلا بعد السلام، فتكون حال ضرورة.
وتحرير مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أنه يجب سجود السهو قبل السلام إلا ما ورد به النص، وهو في ثلاثة صور.
إذاً الأصل عنده أن السجود قبل السلام، لأن السجود يتمم الصلاة، فكان قبل الصلاة، ولم يستثن إلا ثلاث صور قد وردت بها الأحاديث:
الصورة الأولى: هذه الصورة، وهي أن يزيد في الصلاة، فيعلم بعد السلام، فيسجد بعد السلام، لأنها حال ضرورة.
الصورة الثانية: أن يَنقص من الصلاة ركعة فأكثر، فيسلِّم، ثم بعد أن يسلم الواجب عليه أن يتم صلاته، قالوا: ويسجد للسهو بعد السلام.
يعني إذا صلى الظهر ثلاثا، فسلم أو صلى الظهر اثنتين، فسلم، فهنا نقص ركعة فأكثر، فيجب عليه أن يتم صلاته، ثم يسجد للسهو بعد السلام، لحديث عمران وأبي هريرة، وحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إحدى صلاتي العَشيِّ ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد، فقال له رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أنسيت أم قُصرت الصلاة؟ قال:(لم أنس ولم تقصر) ، لما قال له ذلك، علم الرجل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُوح إليه بوحي جديد يوجب قصر الصلاة، فقال: بلى قد نسيت، وفي القوم أبو بكر وعمر، وقد هابا أن يكلماه، فلما سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: صدق ذو اليدين، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتين " إذا كان السجدتان للسهو بعد السلام. إذاً الصورة الثانية أن يُنقص من صلاته ركعة فأكثر، يعني يسلم قبل تمام الصلاة، فيجب عليه أن يتم ثم يسلم، ثم يسجد للسهو بعد السلام.
الصورة الثالثة: أن يشك، فيتحرى.
يعني يكون عنده شك، يقول: ما أدري هل صليت ثلاثاً أم أربعاً، فيتحرى، فيترجح عنده أنه قد صلى أربعاً، فهنا قال: يسجد للسهو بعد السلام، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه، وسيأتي إن شاء الله.
إذاً الإمام أحمد استثنى هذه الصور الثلاث.
وفي هذه المسألة ستة أقوال لأهل العلم أوردها الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في فتح الباري، وأصح هذه الأقوال ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو قريب من مذهب مالك: أن الصلاة إن كان فيها نقص، فإن السجود يكون قبل السلام، وإن كان فيها زيادة، فإن السجود يكون بعد السلام، وهنا يوافقه الإمام مالك في هاتين الصورتين، والصورة الثالثة في الشك، فالإمام مالك عنده الشك قبل السلام، وأما شيخ الإسلام فيقول: إن كان الشك عند تحر، فبعد السلام فيوافق مذهب الإمام أحمد في هذا، وإن كان بلا تحر – يعني شك يستوي فيه الطرفان – فإنه يكون قبل السلام. إذاً الإمام مالك ليس عنده القول بالتحري، ويرى السجود قبل السلام. إذاً شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يختار، - وهو أصح الأقوال - أنه إن كانت في الصلاة زيادة، فالسجود بعد السلام؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، لأنه قد زاد، فإذا أوجبنا عليه السجود قبل السلام، كان فيه زيادتان، ولأن المقصود من هاتين السجدتين ترغيم الشيطان، فشُرع ذلك بعد السلام، ليكون إرغاماً للشيطان، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى الظهر خمساً، سجد بعد السلام، ولو كان السجود قبل السلام، لنبه الصحابة، ولقال لهم: إذا صليتم فاسجدوا قبل السلام، وإنما سجدت بعده لأن هذه حال ضرورة، فلما لم ينبههم عليه الصلاة والسلام لهذا عُلم أن هذا هو المشروع، فإن كان نقصاً فإنه يكون قبل السلام، فلو ترك التشهد الأول، فالواجب عليه أن يسجد قبل السلام، لأن السجود إنما يشرع الآن لتتميم الصلاة، وتتميمها إنما يكون قبل الفراغ منها، لأن الصلاة فيها نقص، فيسجد للسهو قبل السلام ليتمم نقصها، فكان جبرانا، فكان المشروع إن كان عن نقص أن يكون قبل السلام، وأما إذا كان مع تحر، فإنه يكون بعد السلام، لأنه قد تحرى، وغلب على ظنه صحة صلاته، وأن الصلاة على هذه الصورة، فكان
سجوده بعد السلام ترغيماً للشيطان، وأما إذا كان بلا تحري، فلأنه يُحتمل أن يكون قد زاد، فيحتمل أن يكون قد صلى خمسا، فتكون هاتان السجدتان تشفعان له صلاته. إذاً الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو قريب من مذهب مالك، وما خالف فيه مذهب مالك، فهو موافق فيه مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
وهنا: هل لو سجد قبل السلام لِمَا السجود مشروع بعده، فهل يجزئه؟ وهل إذا سجد بعد السلام لِما السجود مشروع قبله، هل يجزئه ذلك؟ وهل خلاف أهل العلم المتقدم في الإجزاء أم في الأفضلية؟
يعني رجل نقص، فلو سجد بعد السلام هل يجزئه؟ ورجل زاد، فهل لو سجد قبل السلام – هذا على القول الراجح، وكذلك على الأقوال الأخرى –هل يجزئه؟
اختلف أهل العلم في هذا الخلاف:
فمن أهل العلم كابن عبد البر من قال: إن خلاف أهل العلم فيما هو دون الإجزاء، هذا هو معنى كلامهم رحمهم الله تعالى، وأنهم لا يختلفون في أنه لو سجد قبل السلام لِما كان السجود مشروعا له بعده، أجزأه، وكذلك إذا سجد بعد السلام لما كان السجود مشروعا له قبله، فلا بأس، وهذا أيضا مذهب طائفة من أهل العلم.
وذهب طائفة من أصحاب الإمام أحمد، وأصحاب الإمام الشافعي إلى: أن هذا الخلاف ليس في الأفضلية، وإنما في الإجزاء. وهذا هو ما قرره أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأن أصح القولين كما قال رحمه الله في مذهب أحمد وغيره أنه يجب السجود قبل السلام لِما شُرع السجود له قبل، ويجب بعده لما شرع بعده، قال:" وهو أصح القولين في مذهب أحمد وغيره " قال: " وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة ".
إذاً عندنا بين أهل العلم خلاف، والذي يترجح هو القول الثاني، وأن هذا الخلاف في الإجزاء، وعلى ذلك فلو سجد قبل السلام لما يجب السجود فيه بعده، لم يجزه، وكذلك العكس، وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لورود السنة في ذلك، والسنة متنوعة على حسب ما تقدم تقريره، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقال في بعض الأحاديث:(فليسجد سجدتين بعدما يسلم) ، إلى غير ذلك، وهذا القول هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره.
قوله: [وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد، وإن علم فيها جلس في الحال]
إن علم بالزيادة فيها – أي في الركعة – فإنه يجلس في الحال.
رجل وهو قائم في الخامسة، علم أنه في زيادة، فالواجب عليه أن يجلس في الحال، ولو استمر لبطلت صلاته؛ لأنه يكون قد زاد أفعالاً عمداً.
قوله: [فيتشهد إن لم يكن تشهد]
إذا لم يكن تشهد، نقول: تشهد.
هل يُحتمل أن يكون قد تشهد؟
يحتمل، فقد يجلس في التشهد الأخير، ويظن أنه في التشهد الأول، فيتشهد ثم يقوم يظن أن هذا هو التشهد الأول، فإذا لم يكن تشهد، نقول: تشهد.
قوله: [وسجد وسلَّم]
وتقدم أن الراجح هنا: أنها لما كانت زيادة، فالواجب عليه أن يكون السجود بعد السلام. والله أعلم. انتهى الدرس الأول من باب سجود السهو في ليلة الاثنين التاسع من شهر رجب لعام 1420 للهجرة.
قوله: [وإن سبَّح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته]
إن سبح به ثقتان لا فاسقان؛ لأن الفاسق لا يقبل خبره.
فإن سبح به ثقتان ولو امرأتان فكذلك؛ لأن هذا خبر ديني فلا فرق فيه بين الذكر والأنثى.
إذاً لو سبح به ثقة فلا يرجع إلى قوله، وإنما يرجع إذا سبح به ثقتان أو أكثر، خلافا لما ذهب إليه إسحاق وأبو حنيفة من أنه يرجع إلى تسبيح الثقة. إذاً المذهب وهو مذهب الجمهور أن الإمام إنما يرجع بتسبيح ثقتين،لا بتسبيح ثقة. وهذا هو الراجح، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا الحديث المشهور وهو حديث ذو اليدين الثابت في الصحيحين وهو: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، فقام رجل يقال له ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قُصرت الصلاة؟ فقال:(لم أنس ولم تُقصر!) فقال ذو اليدين: بلى قد نسيت، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، فلما قال له ذو اليدين ما قال، قالوا: بلى يا رسول الله، - أي لقول ذو اليدين – فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ركعتين، ثم سلم ثم سجد سجدتين بعدما سلَّم) ، واحتج الحافظ ابن حجر بهذا الحديث على ما يقرره أهل العلم من أهل الحديث في باب العلل من رد تفرد الثقة عن الثقات، وأنه لا يُقبل ما تفرد به الثقة عن الثقات، قال:" لاسيما إذا كان مجلس سماعهم واحدا "، فهنا الأصل قبول خبر الواحد، لأنه خبر ديني، كما يُقبل الحديث الذي يتفرد به الراوي، لكن لما تفرد أحد المأمومين عن سائر المأمومين كان ذلك مظنة الخطأ والريبة في خبره، ومن ثم لم يقبل الواحد حتى يعضده خبر ثان.
هنا إن سبح به ثقتان:
فقد يكون يترجح عنده خطؤه.
وقد يترجح عنده صوابه.
وقد يتيقن أنه على صواب.
إذاً هذا الإمام الذي سبح به ثقتان:
إما أن يترجح عنده خطؤه، فهنا يجب عليه أن يرجع إلى خبر الاثنين.
الحال الثانية: أن يترجح عنده صوابه، فهنا كذلك يجب عليه أن يرجع، لأن ظن الاثنين أقوى من ظن الواحد.
لكن هنا استثنى المؤلف الصورة الثالثة: وهي ما إذا تيقن صواب نفسه يعني إذا كان يتيقن أنه على صواب، وخبرهما غايته الظن، وهو ظن غالب، ولكن لا يصل إلى اليقين، وعلى ذلك فلا يرجع إلى قولهما لأن قولهما ظن، وما يحصل في نفسه يقين.
إذاً إن لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته، لكن إن جزم بصواب نفسه، فإن صلاته لا تبطل، بل لا يجوز له أن يرجع إلى قولهما وهو يرى أنه على صواب.
قوله: [بطلت صلاته]
إن لم يرجع هذا الإمام الذي قام خامسة يظنها رابعة، فسبح به ثقتان، ولم يعتقد صواب نفسه، فهنا إن لم يرجع فصلاته باطلة، لأنه واجب عليه الرجوع، فإذا ترك هذا الواجب عمدا فصلاته باطلة.
قوله: [وصلاة من تبعه عالما لا جاهلا أو ناسيا]
عالما: بحيث يعلم أن الإمام زاد خامسة، ويعلم أن الواجب على المأموم ألا يتابع الإمام إذا زاد خامسة، فإذا قام وهو يعلم أن ذلك لا يجوز، فإن صلاته أيضا تبطل، لأنها زيادة في الصلاة متعمدة.
قال " لا جاهلا أو ناسيا ": إذا قام جاهلا، يظن أن عليه أن يتابع الإمام إذا زاد. أو ناسيا: قد حصل له من السهو ما حصل لإمامه، فهنا صلاته صحيحة. إذاً إذا تابعه ناسيا ساهيا أو تابعه جاهلا، فإن صلاته صحيحة. والذين تابعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما زاد خامسة في حديث ابن مسعود الذي تقدم، منهم من هو جاهل بالحكم، ومنهم من هو ناس، فلم يبطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاتهم.
هل للمسبوق أن يتابع الإمام إذا زاد خامسة؟
الجواب: ليس له أن يتابعه، بل يفارق؛ لأنها زيادة لاغية.
فإن تابعه ساهياً أو جاهلاً، فهل يعتد بهذه الركعة؟
- المذهب: أنه لا يُعتدُّ بهذه الركعة؛ لأنها زائدة لاغية في حق الإمام، فكذلك في حق المأموم.
- والقول الثاني، وهو الراجح، وهو قول في المذهب، واختاره الموفق ابن قدامة: أنه يعتد بهذه الركعة؛ وذلك لأنه لم يعتقدها زائدة، فهذا المأموم تابع الإمام على اعتقاده، فكما لو صلى الإمام وهو لم ينو إقامة الصلاة، فلو أن إماماً صلى وهو لم ينو، كأن يكون محدثا، لكن صلى بالناس، فصلاته باطلة، لكن المأمومين – كما تقدم، وكما سيأتي في الكلام على الإمامة - صلاتهم صحيحة، فكذلك هنا. إذاً الراجح أن المسبوق إذا تابعه ناسياً أو جاهلاً، فإنه يعتد بهذه الركعة؛ لأنها وإن كانت زائدة لاغية في حق الإمام، لكنه قد تابعه على وجه يُعذر فيه، فاعتد بهذه الركعة.
قوله: [وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه]
تقدم هذا، وأن الفعل الكثير يبطل الصلاة، عمده وسهوه. والراجح أن سهوه لا يبطل الصلاة، وذلك لما تقدم في غير ما مسألة من أن باب المنهيات إن فُعل على جهة النسيان، فإن العبد يكون معذوراً لا يؤاخذ وتكون العبادة صحيحة، وهنا الرجل عمل أعمالا كثيرة، لكن على جهة النسيان والسهو، فتحرَّك مثلا حركات كثيرة على جهة السهو، وعلى ذلك فيكون معذورا، وعليه فالصلاة صحيحة، لأن باب المنهيات كما تقدم، لا تُعاد العبادة عند النسيان والجهل، كما تقدم تقريره من الفرق بين باب المنهيات وباب المأمورات.
قوله: [ولا يشرع ليسيره سجود]
رجل الباب بجواره، فطرق الباب طارق، ففتح الباب، أو تحرك بحركات يسيرة لا تبطل الصلاة، قال هنا: لا يشرع له سجود السهو؛ لعدم وروده عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك فلا يشرع له أن يسجد للفعل اليسير الذي لا يبطل الصلاة. إذاً مراده بالفعل اليسير هو الذي لا يبطل الصلاة، قال: فلا يشرع له سجود، وهو كما قال.
قوله: [ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً أو جهلاً، ولا نفل بيسير شرب عمداً]
قال: لا تبطل الصلاة بيسير أكل، فقال " بيسير "، وهذا القيد يُخرج الكثير.
لِمَ قيَّد هنا باليسير؟
لأن الأكل الكثير عملٌ كثير، والعمل الكثير في المذهب يستوي فيه السهو والخطأ، فإذا أكل كثيرا سهوا، فالصلاة تبطل.
والراجح وهو رواية عن أحمد: أنه لا فرق بين يسير ولا كثير، فكما أن الكثير في الفعل لا يبطل الصلاة سهوا، فإن الأكل الكثير سهوا لا يبطل الصلاة.
إذاً قوله " بيسير " احتراز من الكثير، فهي فرع عن المسألة، وقد تقدم أن الفعل الكثير يُعذر فيه المكلف بالنسيان، وتُصحَّح عبادته بالسهو، فكذلك الأكل الكثير.
أما لو أكل يسيرا أو كثيرا عمدا، فإن صلاته تبطل بالإجماع؛ لمنافاة ذلك للصلاة، فإن الأكل والشرب ينافي الصلاة، وعلى ذلك فتبطل به الصلاة، وهذا بإجماع العلماء.
وهنا إذا وضع طعاما في فيه، فلا يخلو من حالين:
إما أن لا يمضغه، فهنا لا تبطل الصلاة مع الكراهية، فهذا لا يُعدُّ آكلاً، ولو وضع عِلْكاً في فيه لكنه لم يمضغه، فإن صلاته لا تبطل بذلك.
فإن كان الطعام وضعه في فيه بحيث يتحلل، كما لو وضع سُكَّراً أو نحو ذلك في فيه، فيتحلل هذا السكر، فيدخل جوفه، فإن هذا يُعدُّ آكلاً، وعلى ذلك: فتبطل صلاته.
وأما ما يكون في الأسنان، كأن يطعم ثم يُكبِّر للصلاة، وهناك شيء من الطعام بين أسنانه، فهنا إن كان يجري مع الريق فيدخل الجوف، فإنه لا يبطل الصلاة؛ لأن هذا يشق التحرز منه، وأما إن كان هذا الطعام الذي يكون بين الأسنان يحتاج إلى دفع، يعني لا يجري مع الريق، بل يدفعه ثم يدخله إلى جوفه، ففيه قولان:
والمذهب: أنه يبطل الصلاة. وهذا هو الأظهر؛ لأن هذا أكلٌ، فإذا أخرج ما بين أسنانه ثم ابتلعه، يعني دفعه بريقه حتى دخل جوفه، ففيه قولان لأهل العلم، أظهرهما أنه يبطل الصلاة.
إن أكل يسيرا على سبيل الجهل أو النسيان، فإن صلاته لا تبطل.
قوله: [ونفلٌ بيسير شرب عمدا]
فلو كان يصلى النفل، فشرب عمدا شربا يسيرا، واليسير هنا يرجع إلى العرف، فإن صلاته لا تبطل إن كانت نفلا. وقوله " شرب " يعني سواء كان ماء أو لبنا مما هو شرب ولا يحتاج إلى مضغ.
وأما الأكل اليسير فإنه يبطل النافلة؛ لأن الأكل يحتاج إلى تحريك فم.
إذاً المذهب أنه إن شرب يسيرا في العرف، فإن صلاته لا تبطل إن كانت نفلا لا فرضا، إذاً الفرض لا فرق فيه بين الأكل والشرب، فكلاهما يبطل الصلاة، وأما النفل فقالوا: إن الأكل يبطل الصلاة، وأما الشرب فلا يبطل الصلاة إن كان يسيرا؛ قالوا: لأن النفل يُتسامح فيه ما لا يتسامح في الفرض، ولأن هذا مما يقويه على إطالة التطوع، فبعض الناس يصلي الليل ويطيل، فيحتاج إلى أن يشرب شيئا من الماء، قالوا: فلا بأس بذلك، وذكروا ذلك عن ابن الزبير رضي الله عنه، ولم يعزوه، ولم أقف على هذا الأثر.
وقال جمهور العلماء: بل الصلاة تبطل، قال الموفق:" وهو الصحيح في المذهب " إذاً هو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد، وهو الصحيح في المذهب عند الموفق، وهو مذهب الجمهور، أن ذلك يبطل الصلاة؛ لأن ما ثبت فرضا فهو ثابت نفلا. وهذا هو القول الأرجح في هذه المسألة، وقد يُتردَّد حيث كانت الصلاة طويلة كقيام الليل، فقد يقال بما ذهب إليه الحنابلة تسامحا وترغيبا في التطوع، لاسيما لمن يحتاج إلى الشرب، فإن بعض الناس قد لا يصبر، كأن يكون مريضا ويحتاج إلى تكرار الشرب. والله أعلم.
قوله: [وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه، كقراءة في سجود وقعود، وتشهد في قيام وقراءة سورة في الأخيرتين]
قرأ مثلا الفاتحة في السجود أو الركوع.
" وقعود ": قرأ القرآن مثلا في القعود.
" وقراءة سورة في الأخيرتين " وهذا على القول بأنه لا يشرع، وتقدم أنه يستحب أحيانا.
هنا إذا أتى بقول مشروع في الصلاة، لكنه في غير موضعه، كأن يقرأ القرآن في غير القيام، أو أن يتشهد في غير الجلوس في الركعتين، والجلوس في آخر الصلاة، وكأن يسبح في القيام والرفع في من الركوع أو يحمد الله في ركوعه أو سجوده أو غير ذلك، فهنا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فلا تبطل الصلاة به.
قوله: [ولم يجب له سجود بل يُشرع]
فالصلاة لا تبطل، لأن الأصل أن الصلاة صحيحة، ولا دليل يدل على بطلانها، لكن هل عليه سجود سهو أم لا؟
قال هنا " ولم يجب له سجود، بل يشرع "، يعني لا يجب أن يسجد، لكن يستحب له السجود.
وعن الإمام أحمد: أنه لا يستحب، يعني لا يشرع أيضا. وهذا هو الراجح؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أحاديث سجود السهو، ليس فيها السجود عن قراءة أو ذكر في غير موضعهما – ليس ذلك في سجدات النبي عليه الصلاة والسلام، فليس بمنصوص عليه، وليس بمعنى المنصوص – يعني ولا مُلحقاً بالمنصوص عليه -.
إذاً المذهب لا يجب السجود، لكنه يشرع، إذاً جعلوها كالمسألة السابقة فيما لو ترك بعض المستحبات، فلو ترك مستحبا من المستحبات فإنه لا يجب السجود، لكن يشرع، وتقدم أن الراجح أنه لا يشرع. إذاً لا يشرع له سجود سهو، فالسجود إنما ورد بالأفعال، ولم يرد في باب الأقوال، يعني في باب الزيادة.
قوله: [ولم سلَّم قبل إتمامها عمدا بطلت]
إن سلم قبل إتمام الصلاة عمدا، بطلت، وهذا باتفاق العلماء، وهذا واضح، كما لو تكلَّم عمدا، فهنا قد تحلَّل من صلاته حيث لم يؤمر، وصلى صلاة على غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وكل ما كان على غير هديه وأمره، فهو رد.
قوله: [وإن كان سهواً ثم ذكر قريبا أتمها وسجد]
سلَّم في الظهر عن ركعتين أو ثلاث، سهوا، فهنا أتمها وسجد، كما تقدم في حديث ذي اليدين. إذاً إن سها فسلَّم قبل إتمامها، فإن الواجب عليه أن يتم الصلاة وأن يسجد بعد السلام كما تقدم.
لكن قال هنا " ثم ذكر قريبا " يعني قريبا في العرف، فلو أن الإمام سلَّم في صلاة العشاء مثلا عن ركعتين، ثم إنه جلس يذكر الله، وكلّمه بعض الناس ببعض الشيء، ثم قال له اثنان من المصلين: إنك قد سلمت عن ركعتين، ولم يتيقن صواب نفسه، هل هذا قريب في العرف؟ هذا قريب في العرف، وعلى ذلك: يصلي ركعتين ثم يسجد سجدتين ثم يسلم، فإن خرج إلى بيته، وتذاكروا بعد خروجه، أو أخبروه لما حضر إلى الصلاة الأخرى، فالواجب عليهم هنا الإعادة؛ لأنهم لم يذكروا قريبا – في العرف – يعني بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات، فإن هذا بعيد في العرف. هذا هو مذهب جمهور العلماء. إذاً جمهور العلماء قالوا: إن ذكرها قريبا، فإنه يتمها ويسجد، وإن لم يذكر قريبا، فإنه يعيد.
وذهب طائفة من السلف، وهو قول الأوزاعي ومكحول، وهو منقول عن الإمام أحمد رحمه الله، يعني نُقل عن الإمام أحمد ما يدل عليه، كما قال ذلك ابن رجب، قالوا: إنه يتمها ولو طال الفاصل عرفا، فلو صلوا العشاء مثلا ثلاث ركعات، فلما أتوا الفجر، نبههم بعض المصلين، فإنهم يتمونها، ولا تجب عليهم الإعادة. وهذا هو ظاهر حديث عمران في صحيح مسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلَّم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحُجرة، فقام إليه رجلٌ بسيط اليدين، فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة؟ فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مُغضَباً، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم " فهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المسجد ودخل حجرته، ثم قام إليه هذا الرجل، وفي الغالب يكون في ذلك تأخر، لما عُلم من الصحابة من هيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وترددهم لعل الصلاة تكون قد قُصرت، ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجرته وأتم صلاته ولم يستأنفها عليه الصلاة والسلام. وهذا القول هو الأقرب. وجمهور العلماء على أنه إن كان ذلك قصيرا في العرف، فإنه يبني وإلا فإنه يستأنف.
فإن دخل في صلاة، كأن يصلى ثلاث ركعات، ثم وهو يتنفل تذكر أنه صلى ثلاث ركعات، أو علم الإمام فنبه المأمومين، فقاموا ليصلوا: فيُبطل الصلاة الذي هو فيها ويقطعها؛ لأنه ما زال في الصلاة الأولى، فيقطع الصلاة التي هو فيها، ثم يتم صلاته التي لم يتمها. إذاً: إذا شرع في صلاة، فإنه يقطعها ويتم الصلاة التي قد نسي منها.
قوله: [فإن طال الفصل – عرفا بطلت – أو تكلم لغير مصلحتها بطلت]
الإمام بعد أن سلَّم من ثلاث ركعات، قال: يا فلان أطفئ الميكرفون، فهذا لغير مصلحتها، ثم قالوا له: إنك لم تصل إلا ثلاث، وثبت له ذلك، فأراد أن يقوم ليصلي؟
نقول: لا، عليك أن تستأنف؛ لأنه تكلم لغير مصلحتها.
والراجح خلاف هذا، كما سيأتي في باب الكلام، وأن من تكلم سهوا فإن صلاته لا تبطل، وكذلك هنا، ولذا قال المؤلف:
[ككلامه في صلبها]
لو أن رجلا سها في الصلاة، فمر عليه أحد أولاده، فناداه سهوا، أو قال يا فلان سهوا، فهنا الكلام ليس لمصلحة الصلاة. فيبطلها في المذهب. والراجح أنه لا يبطلها كما سيأتي، فكذلك هنا، فلو قال: أطفئ الميكروفون، أو افعل أو لا تفعل، فإن الصلاة لا تبطل؛ لأن ذلك على سبيل السهو، لكن إن علم، فهل له أن يتكلم بعد، علم أن في الصلاة نقص، فتكلم عالما، فالصلاة تبطل؛ لأنه لما سلَّم قبل، ما زال في الصلاة حتى يتمها. إذاً الكلام هنا لغير مصلحتها سهوا، لكن لو تكلم على سبيل العمد، فإن الصلاة تبطل بذلك، وهذا واضح.
إذا تذكر الإمام أنه لم يصل الرابعة؟
– فالمذهب: أنه يجب أن يقعد ثم يقوم فيتم الرابعة؛ لأن الواجب عليه أن ينتقل من الركن إلى الركن، فإن هذا الرجل سلم من ثلاث، فالواجب عليه إذا أراد أن يتم الرابعة أن يقعد، ثم يقوم، ليأتي بالانتقال إلى الرابعة.
– والقول الثاني في المسألة، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: أنه لا يجب ذلك، ولا يشرع، بل يتمها عن قيام، يعني إذا كان قائما، فإنه يتمها عن قيام، لأن هذا الانتقال ليس مقصودا لذاته، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عمران وحديث أبي هريرة لم يثبت أنه قعد ثم قام، ولو كان ذلك ثابتا لنقل لنا.
قوله: [ككلامه في صلبها]
الكلام السابق ليس في صلبها، فإنه قد سلم، ثم نُبِّه فتنبه، لكن إذا تكلم في صلبها، فإن الكلام في الجملة يبطل الصلاة، على خلافٍ في التفاصيل. ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:" كنا نتكلم في الصلاة، يكلم أحدنا صاحبه عن جنبه، حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام " متفق عليه، وقوله " ونهينا عن الكلام " تفرد بهذه الزيادة مسلم، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:" كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة نسلِّم عليه فيرد علينا، فلما أتينا من الحبشة سلمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن في الصلاة لشغلا) ، وقال كما في صحيح مسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ، فالكلام مبطل للصلاة في الجملة باتفاق العلماء، لكن الخلاف في تفاصيل ذلك. والمذهب - كما قال المؤلف هنا " ككلامه في صلبها " -: أن الكلام مطلقا يبطل الصلاة، مطلقا يعني سواء كان سهوا أو عمدا، سواء كان عالما أو جاهلا، سواء كان كلامه واجبا أم لم يكن واجبا. واجبا: كما لو كان لانقاذ من يُخشى عليه الهلكة، أو لم يكن ذلك، سواء كان مكرها أم لم يكن مكرها، قالوا: فإن الصلاة تبطل بذلك. هذا هو المشهور في المذهب.
والراجح في هذه المسألة، وهو مذهب الشافعية: أن من تكلم جاهلاً أو ساهياً أو مكرهاً أو لانقاذ من يخشى هلكته – يعني كان كلامه واجباً -، فإن الصلاة لا تبطل، ويدل على هذا حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فإنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إذ عطس رجل من القوم، فقال: الحمد لله، فقلت: يرحمك الله؛ لأنه كان حديث عهد بالإسلام، قال: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْل أُمِّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ قال: فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمتُ أنهم يصمِّتونني، لكني سكتُّ " يعني كدتُ أن أتكلم وأن أقابلهم بشيء من الكلام لكني سكت، قال: " فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبأبي وأمي، ما رأيت معلِّماً قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كَهَرَني – أي ما قهرني - ولا شتمني ولا ضربني، ولكن قال:(إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)، قالوا: فهذا يدل على أن الجاهل لا تبطل صلاته إن تكلم، قالوا: والجاهل هو الذي يكون حديث عهد بإسلام أو نحوه، كالذي يكون في بادية، كبعض الأعراب، وأما إن لم يكن كذلك، فصلاته تبطل لتقصيره في التَّعلُّم. إذاً يُعذر بالجهل حيث لم يكن مفرِّطا في التعلم.
قالوا: وإن كان يتكلم، وهو يعلم أن الكلام حرام، لكنه يخفى عليه أنه يُبطل الصلاة، فإنه صلاته تبطل، كما لو زنى وهو لا يعلم حدَّ الزنا، فإنه يقام عليه الحد.
وأما النسيان والسهو، قالوا: فالأحاديث المتقدمة، لما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم مع أصحابه، وكان ذلك سهوا، فلم يُبْطِل الصلاة.
قالوا: ويقاس عليه المُكرَه، إذاً يقاس الناسي على الجاهل، ويقاس المكره على الجاهل. ويقاس أيضا من تكلم كلاما واجبا، كأن يكون هناك رجل أعمى يريد أن يسقط في بئر أو طفل يريد أن يمس الكهرب، فينادي هذا المصلي أمَّ هذا الطفل لتحمله، فهنا هذا الكلام لانقاذ من تُخشى هلكته، قالوا: والكلام هنا واجب، والمتكلم هنا معذور، فيكون ككلام الجاهل والناسي. وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة. فالراجح ما ذهب إليه الشافعية في هذه المسائل، وأن كلام الجاهل والناسي والمكره وكلام من لابد له من الكلام لانقاذ من تُخشى هلكته، فلا يكفي التنبيه والتسبيح، بل لابد من الكلام، فتكلم، فلا حرج عليه.
قوله: [وإن كان لمصلحتها إن كان يسيراً لم تبطل]
هذا إذا كان الكلام في غير صلبها، وأما إذا كان في صلبها، فإن الصلاة تبطل، في المذهب. يعني الكلام هنا راجع إلى المسألة السابقة، يقولون: إذا تكلَّم لمصلحتها يسيرا لم تبطل، وإن تكلم لمصلحتها كثيرا بطلت، هذا فيمن سلَّم يظن أن الصلاة قد تمت.
قوله: [وقهقهة ككلام]
القهقهة: هي الضِّحكة التي يكون معها صوت، فهذه تبطل الصلاة، وفي الدارقطني عن جابر مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(القهقهة تنقض الصلاة، ولا تَنْقُض الوضوء) ، ولا يصح مرفوعا، بل الصواب وقفه على جابر، ولا يُعلم لجابر مخالف، وهذا هو مذهب عامة العلماء، وأن القهقهة تبطل الصلاة.
* لكن إن غلبه ذلك، ولم يكن ذلك عن اختيار، فهل تبطل الصلاة أم لا تبطل؟
الذي يترجح أنها لا تبطل، كما لو سبقه الكلام، حتى في المذهب.
رجل وهو يقرأ القرآن في رمضان، ردوا عليه، فالذي اعتاد على التسميع، قد يتكلم، فيقول: لا، أو: نعم، فهذه كلمة، لكنها سبق لسان، غلبت عليه، فهنا لا تبطل الصلاة حتى في المذهب، لأن هذا يشق التحرز منه كبعض الناس يمشي طفل أمامه فيريد أن يسقط، فيقول: لا، أو نحو ذلك، فتخرج على غلبة لا عن اختيار، فهذه لا تبطل حتى في المذهب، فكذلك أيضا في القهقهة.
وأما التبسم، فإنه لا يبطل الصلاة عند عامة العلماء، وليس هناك ما يدل على الإبطال.
قوله [وإن نفخ – قال: أُف في الصلاة – أو انتحب – يعني رفع صوته بالبكاء – من غير خشية الله تعالى]
يعني لم يكن ذلك من خشية الله تعالى، فإذا انتحب من غير خشية الله تعالى أو قال: أُف، من غير خشية الله.
قوله: [أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت]
فإن قال: أُف، بان الآن حرفان، أو تنحنح، بان أيضا حرفان، هما الهمزة والحاء، أو انتحب، يعني بكى، فخرج شيء من الصوت، وكان ذلك حرفين، فإن الصلاة تبطل. وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد.
والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وإحدى الروايتين عن الإمام مالك، بل هو ظاهر مذهب مالك، كما قال شيخ الإسلام، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: إن ذلك لا يبطل الصلاة؛ لأن هذا ليس بكلام، فإن كلمة أف، أو التنحنح أو نحو ذلك، ليس بكلام في لغة العرب، وإنما هو بالطبع دال على المعنى، يعني بالطبع يدل على المعنى لا بالوضع، ولذا تجد أن اللغات تتفق عليه، فكل البشر يتفقون على النحنحة والتأفيف، كالبكاء يدل على التحسر، وكالضحك يدل على الاستبشار، فكذلك هذه الأصوات، فهي ليست كلاماً بالوضع، وإنما هي كلام بالطبع، وعلى ذلك يكون لها حكم الحركات، ومعلوم أن الحركات اليسيرة لا تبطل الصلاة، وقد روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده في صلاة الكسوف: أف، أف، وإن كان هذا من خشية الله، والحنابلة لا يربطون بذلك، لكن الحجة والعمدة على ما تقدم تقريره، ولذا فإنهم يقولون:" أو تنحنح من غير حاجة "، نقول: لو قال رجل " لا " عمدا لحاجة، فهل تبطلون صلاته؟
صلاته تبطل في المذهب، وإذا تنحنح لحاجة، قالوا: لا تبطل صلاته، فإذا كان كلاما، فلا ينبغي التفريق بينهما، ما دام أن كليهما كلام فلا يصح التفريق بينهما، فهذا التفريق يدل على ترجيح القول السابق. إذاً الراجح أن النحنحة أو التأوُّه، وهو قول: آه، بالمد أو الأنين وهو بالهمزة والهاء يعني بالقصر " أه " يعني يئنُّ، فإن هذا ليس بمبطل للصلاة كما تقدم تقريره. والله أعلم. انتهى الدرس الثاني في ليلة الاثنين السادس عشر من رجب لعام 1420 للهجرة.
فصل
قوله: [ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة أخرى بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا فيأتي به وبما بعده]
هذه المسألة فيمن ترك ركنا من أركان الصلاة، ويستثنى من ذلك تكبيرة الإحرام، لأن تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها، فمن نسي تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته.
فإذا نسي ركنا سوى التكبيرة، كركوع أو سجود أو قيام أو غير ذلك من أركان الصلاة، فإما أن يذكر ذلك بعد أن يشرع في قراءة الفاتحة من الركعة الثانية، وإما أن يذكر ذلك قبلُ:
مثال للصورة الثانية: لو أنه ترك السجود الثاني، يعني سجد سجدة ثم قام ولم يجلس للفصل بين السجدتين، ولم يسجد السجدة الثانية، فتذكر قبل أن ينتصب قائما أو تذكر بعد أن انتصب قائما ولم يشرع في قراءة الفاتحة فما الحكم؟ هذه الصورة الثانية، فهذه الصورة أجمع أهل العلم، كما حكى الإجماع المجد ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقال الموفق:" ولا أعلم في هذه المسألة مخالفا "، على أنه يرجع إلى الركن الذي تركه، فيأتي به. فقبل أن يستتم قائما تذكر أنه إنما سجد سجدة واحدة، فنقول له: ارجع فاجلس للفصل بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، وكذلك إذا تذكره وقد انتصب قائما قبل أن يشرع في الفاتحة، فنقول أيضا: ارجع، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. لو ترك مثلا الركوع، وهو منتصب قائما حصل له سهو، فسجد ولم يركع، فتذكر أنه لم يركع وهو ساجد، نقول له: ارجع فاركع، ثم اعتدل قائما، وإذا تذكره وهو في الجلسة بين السجدتين، نقول له: ارجع فاركع. إذاً الواجب عليه أن يرجع ما لم يشرع في الفاتحة، هذا بالإجماع.
فإن شرع فما الحكم؟
قال الحنابلة: إن شرع لغت التي قبل، وقامت التي بعدُ مكانها، فتلغى الركعة وتقوم الأخرى مكانها. لمّا شرع في فاتحة الكتاب تذكَّر أنه ترك سجدة أو ركوعا في الركعة التي قبل، فنقول له: تقوم الركعة الثانية مقام الركعة الأولى، ولو تذكر في الركعة الثالثة أو الرابعة، تكون رابعته ثالثة، وتكون ثالثته ثانية، وهكذا، يعني هذه تقوم مقام هذه وإن لم ينو، فلو تذكر في الركعة الثالثة أنه ترك سجدة في الركعة الأولى، فنقول له: قد قامت الثانية مقام الأولى، وقامت الثالثة مقام الثانية، إذاً تَلغى الركعة التي سها فيها وترك ركنا، إذا شرع في قراءة التي بعدها.
وقال الشافعية، وهو قولٌ في المذهب: بل لا تلغو هذه الركعة، وإنما إن وصل إلى الركن الذي يقابلها، قام هذا الركن الذي يقابل، مكان الركن الذي ترك، وإما إن لم يصل فيجب عليه الرجوع وإن شرع في الفاتحة، فعلى المثال المتقدم في الذي ترك الفصل بين السجدتين وترك السجدة الثانية، فلمَّا شرع في الفاتحة تذكَّر، فيقول الشافعية: ارجع فائتي بالجلسة بين السجدتين والسجود الثاني، وإذا ذكره وهو راكع نقول كذلك: ارجع، وإذا ذكره بعد أن رفع من الركوع، نقول كذلك: ارجع، وإذا ذكره وهو في السجدة الأولى، نقول كذلك: ارجع، فلما وصل إلى الفصل تذكَّر يعني لما جلس بين السجدتين في الركعة الثانية تذكر أنه لم يكن جلس للفصل بين السجدتين في الركعة الأولى، فنقول: قام هذا الجلوس مقام الذي تركت، وأما ما حصل بين ذلك، قد وقع في غير موقعه، فيكون لاغيا ، وهذا القول أصح، وذلك لأن القول بأن الركعة تلغو فيه إبطال لما قد وقع في موقعه وصح، لأنا على ذلك سوف نبطل فاتحته وركوعه والرفع من الركوع وسجدته الأولى، فهذه كلها وقعت في موقعها وكانت صحيحة، وأما على مذهب الشافعية فإنهم يصححون ما وقع في موقعه، وأما الذي لم يقع في موقعه، فإنهم يقولون إنه باطل. أيضا نقول: ما الفرق بين ما إذا انتصب قائما وبين ما إذا شرع في القراءة؟
تقدم لكم أنه إن انتصب قائما، فإن الإجماع على أنه يرجع إلى الركن الذي تركه، فما هو الفرق بين القيام وبين ما إذا شرع؟
قالوا: إن القيام ركن غير مقصود. وهذا فيه نظر، بل القيام ركن مقصود، بدليل أن من لم يكن قارئا يجب عليه القيام. إذاً الراجح ما ذهب إليه الشافعية، وهو قول في مذهب أحمد: أنه إن ترك ركنا في ركعة، فنقول: إن وصل إلى هذا الركن في الركعة التي بعد، قام هذا الركن مقام الذي ترك، وأما إذا لم يصل، فيجب عليه الرجوع، فإذا لم يتذكر إلا بعد، فكما تقدم في ما ذكره الحنابلة، فإذا لم يتذكر إلا في آخر الصلاة، كأن يتذكر في الركعة الرابعة أنه لم يكن قد سجد ولم يكن قد جلس للفصل في الركعة الأولى، نقول: أنت الآن في الركعة الثالثة.
قوله: [وقبله يعود وجوبا]
يعني قبل الشروع في القراءة يعود وجوبا.
[فيأتي به وبما بعده]
قوله: [وإن علم بعد السلام فكترك ركعة كاملة]
رجل لما سلّم، ذَكَر– وليس شكا، لأن الشك بعد العبادة لا يؤثر اتفاقا – أنه قد ترك ركنا من أركان الركعة الأولى، أو من أركان الركعة الثانية، فما الحكم؟
قال هنا " يأتي بركعة كاملة "، فإذا تذكر مثلا أنه لم يكن قد سجد السجدة الثانية، ولا الجلوس التي بعده في الركعة الرابعة، يعني سجد السجدة الأولى، ثم جلس فتشهد فسلّم، فقالوا: يأتي بركعة كاملة.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أنه يأتي بما ترك وما بعده، فنقول له: اجلس الجلسة بين السجدتين، ثم اسجد، ثم اجلس فتشهد، وكذلك ما لو ترك ذلك في الركعة الأولى، فتكون الجلسة في الركعة الثانية، والسجود الذي بعدها قام عن الركعة الأولى، والثالثة قام عن الثانية، والرابعة قام عن الثالثة، فأصبح النقص راجع إلى الرابعة، وإن كان في الأولى؛ لأن كل ركعة تقوم مقام التي قبلها حتى نصل إلى الركعة الرابعة. وهذا القول أصح، وعلى ذلك: فنأمره أن يأتي بما ترك، لأنه إنما ترك شيئا من الركعة، ولم يترك الركعة كاملة، فيصلي ما ترك، ويسجد سجدتين للسهو. إذاً الراجح أنه يأتي ما ترك وما بعده، أما الذي قبله فلا يأتي به؛ لأنه قد وقع موقعه، فإذا قلنا بأن الركعة كاملة تلغو، فإن في ذلك إبطالا لما وقع في موقعه، بل نأمره بأن يأتي بما ترك؛ لأنه لم يفعله، وأن يأتي بما بعده؛ لأن ما بعده ترتب على خطأ فوقع في غير موقعه. إذاً الراجح أنا نأمره بأن يفعل ما ترك، وما بعده، لكن كما تقدم يُتنبه أن كل ركعة تقوم مقام التي قبلها، فالخلل الذي يكون في الركعة الأولى يُسدُّ بالركعة الثانية، والنقص الذي حصل في الثانية يُسدُّ في الثالثة، ويلغو ما بين ذلك، حتى نصل إلى الرابعة.
قوله: [وإن نسي التشهد الأول]
وتقدم أن التشهد الأول على الراجح واجب من واجبات الصلاة.
قوله: [ونهض]
بأن فارق فخذاه ساقيه، وأما إن لم ينهض كأن يتهيأ للقيام، ثم يتذكر، فهذا لا شيء فيه، لكن الكلام هنا حيث نهض، ففارق الفخذان الساقين، ونهض للقيام.
قوله: [لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً، فإن استتم قائما كره رجوعه، وإن لم ينتصب - قائما – لزمه الرجوع، وإن شرع في القراءة حرُم الرجوع]
إذاً أصبح عندنا ثلاثة أحوال، ولك أن تقول أربعة أحوال:
الحال الأولى: ألا ينهض، كأن يتهيأ للقيام ثم يتذكر، فهذا لا شيء فيه، ولا يلزم سجود سهو.
الحال الثانية: أن ينهض ولا يصل إلى القيام.
الحال الثالثة: أن ينتصب قائما.
الحال الرابعة: أن يشرع في القراءة.
فقالوا: إذا شرع في القراءة، فليس له أن يرجع. وهذا بالاتفاق.
الحالة التي قبلها، انتصب قائما، وقبل أن يشرع في القراءة تذكر أنه قد ترك الجلوس للتشهد، فما الحكم؟
قال هنا: " كُره الرجوع "، لكن لو رجع، فلا بأس بذلك.
الحال التي قبلها: أن يكون في الحالة النهوض ولم ينتصب بعد – لم يصل إلى القيام -، فهنا يجب عليه الرجوع.
إذاً باستثناء الحالة السابقة التي لم ينهض فيها، نقول: إذا نهض ولم يستتم قائما بعد، فيجب عليه الرجوع، فإن انتصب قائما، كره الرجوع، فإن شرع في القراءة حرم الرجوع.
أما ما ذكروه في أنه يحرم الرجوع إذا شرع في القراءة، فقد تقدم لكم أن هذا بالاتفاق.
وأما ما ذهبوا إليه من أنه إذا انتصب قائما، فليس له الرجوع، فهذا هو المشهور في المذهب، فإذا انتصب قائما كره الرجوع، ولم يحرم الرجوع، هذا قول في المذهب، وهو المشهور فيه.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أنه يحرم الرجوع أيضا. وهذا هو الراجح؛ وذلك لأنه اشتغل بركن، لأن القيام ركن، فاشتغل بركن، كما لو اشتغل بالقراءة، فإنه إذا اشتغل بالقراءة فليس له الرجوع، فكذلك إذا انتصب قائما، لأنه شرع في ركن. وأما التفريق بينهما بأن القيام ركن غير مقصود، وأن القراءة ركن مقصود، فهذا فيه نظر كما تقدم، وعلى ذلك فالراجح أنه ليس له أن يرجع، وقد ثبت في الصحيحين، وهو الأصل في هذه المسألة التي يذكرها المؤلف هنا من حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله تعالى عنه قال:" صلى بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فقام في الركعتين ولم يجلس، وقام الناس معه، فلما قضى صلاته، وانتظر الناس تسليمه، كبَّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم " فهذا الحديث هو الأصل في هذه المسألة، وهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام، ولم يرجع، وهذا القيام عام فيما إذا قام ولم يشرع في القراءة بعد، وفيما إذا شرع في القراءة. إذاً الراجح أنه إذا انتصب قائما فليس له الرجوع. أما إن لم ينتصب قائما فهنا لا إشكال أنه يرجع، لأنه لم يشتغل بركن، فيجب أن يرجع ويأتي بالواجب الذي تركه؛ وذلك لأنه لم يدخل في ركن، لأنه إذا دخل في ركن ثم رجع، كان في ذلك زيادة هذا الركن الذي اشتغل فيه، ثم تركه ثم عاد إليه. إذاً على ذلك نقول: أنه إن تذكر قبل أن ينتصب قائما فإنه يجب عليه الرجوع، وأما إذا انتصب قائما فليس له الرجوع على الصحيح، سواء شرع في القراءة أو لم يشرع فيها.
قوله: [وإن شرع في القراءة حرم الرجوع]
فإن رجع عمدا بطلت صلاته، لأن القاعدة أنه إن مضى حيث يجب الرجوع، أو رجع حيث يجب المضي، فإنه يكون تاركا للواجب، ومن ترك الواجب عمدا بطلت صلاته:
يعني إذا كان بحيث يجب عليه الرجوع، مضى، - ويجب عليه الرجوع فيما إذا لم يستتم قائما – عامدا وعالما بالحكم، فنقول: إن الصلاة تبطل، لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا.
وإذا رجع حيث يجب المضي، فكذلك: فإذا استتم قائما أو شرع في القراءة، فإنه يجب عليه المضي، فإذا رجع فإنه يكون قد رجع حيث يجب المضي عامدا، فتبطل الصلاة.
وهذه المسألة، وهي ترك التشهد الأول، يُلحق فيها ترك كل واجب، فإذا ترك التسبيح في الركوع، فتذكر قبل أن يستتم قائما، فنقول له: راجع فسبِّح، فإن استتم قائما، فنقول: لا ترجع. إذا ترك قول: رب اغفر لي، في الجلسة للفصل بين السجدتين، فتذكر أن قبل أن يصل إلى السجود، نقول له: ارجع، فإن تذكر وقد وصل إلى السجود، نقول له: لا ترجع. إذاً هذه المسألة عامة في ترك كل واجب، كما هو الصحيح في المذهب.
قوله: [ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل]
إذا شك في عدد الركعات، فلا يدري أصلى ثلاثا أم أربعا، قال:" أخذ بالأقل "؛ لما ثبت في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم، وفيه زيادات ليست في البخاري، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن – والمتقين هو الأقل -، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته – أي شفعت هاتان السجدتان له صلاته – وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان) ، إذاً يأخذ بالأقل.
ولا فرق في هذه المسألة بين الإمام والمنفرد، وظاهر المذهب أن ذلك في المنفرد، وأما الإمام فإنه إنما يأخذ بالأقل حيث لم يكن عنده تحري، وأما إذا كان عنده تحري فإنه يأخذ بما تحراه.
ظاهر المذهب التفريق بين المنفرد وبين الإمام.
وظاهر كلام المؤلف هنا، هو قول في المذهب أنه لا فرق بين الإمام ولا المنفرد.
وأما ظاهر مذهب الإمام أحمد فإنه قال في الإمام: أنه يتحرى، فإذا كان الشك يستوي فيه الطرفان، فيأخذ بالأقل، وأما إذا كان هناك تحرٍّ بتسبيح المأمومين خلفه، لكن لم يكن عنده يقين، بأن يسبِّح واحد فقط بحيث لا يجب عليه الرجوع، فحصل عنده تحر، فرجَّح أحد الطرفين، فهنا يبني على ما تحرى.
كأن يقول الإمام: أنا أشك، هل صليت ثلاثا أم أربعا؟ لكنه لما جلس للثالثة سبَّح به المأموم الذي خلفه، فأصبح عنده ترجيح أنه قد شك، وأنه إنما صلى ثلاثا، فهنا يصلي رابعة، ويكون سجوده بعد السلام، لقوله عليه الصلاة والسلام:(إذا شك أحدكم في صلاته فيتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين) ، متفق عليه، وفي رواية للبخاري (فليتم ثم يسلَّم ثم يسجد)(1) ، إذاً السلام قبل السجود.
واختار شيخ الإسلام، وهو رواية عن أحمد: أن لا فرق بين منفرد ولا إمام، وهذا هو الراجح، وعلى ذلك تكون القاعدة واضحة وهي: أنه إن كان عنده تحر، سواء كان منفردا أم إماما، فإنه يعمل بتحريه وليسجد سجدتين بعد السلام، وإما إذا كان ليس عنده تحري، فليبن على الأقل، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم.
(1) قال ابن حجر في الفتح: " تنبيه لم يقع في هذه الرواية تعيين محل السجود ولا في رواية الزهري التي في الباب الذي يليه، وقد روى الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مرفوعاً: " إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم " إسناده قوي، ولأبي داود من طريق ابن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ: " وهو جالس قبل التسليم "، وله من طريق ابن إسحاق، قال حدثني الزهري بإسناده، وقال فيه: " فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم " قال الملائي: هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن المحتج به، والله أعلم ".
شك وهو في الرابعة، هل هي الثالثة أم الرابعة؟ فترجَّح في نفسه أنها الرابعة، سواء كان منفردا أم إماما، فنقول: اجعلها الرابعة، ولا تبن على الأقل، وسلِّم، ثم اسجد سجدتين بعد السلام. إذاً الراجح وهو اختار شيخ الإسلام، وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا فرق بين الإمام والمنفرد. فإذاً عندنا الشك نوعان:
شك مع استواء الطرفين، وشك مع الترجيح.
فإذا كان مع استواء الطرفين، فيبني على الأقل، ويسجد سجدتين قبل السلام.
والثاني: شك مع التحري، يعني مع الترجيح، فهنا: يبني على ما تحرى ويسجد سجدتين بعد السلام.
ويُلحق بذلك المأموم الذي أتى والإمام راكع، فشك وقد كبَّر تكبيرة الإحرام، هل أدرك الإمام راكعا أم لا؟
نقول له: هل عندك تحرٍّ؟ فإن قال: نعم، نقول: ابن على تحريك. وإن كان عنده شك بلا ترجيح، فنقول: ابن على أنك لم تدرك الإمام، وعلى ذلك فلا تحسب هذه ركعة لك.
إذا شك المأموم الواحد؟
رجل خلف إمام، وهو واحد، فشك هل صلى إمامه ثلاثا أم أربعا، فشك هذا المأموم في صلاة إمامه، فما الحكم؟
المذهب: أن المأموم لا يرجع إلى إمامه، فلو سلَّم الإمام والمأموم عنده شك، فنقول له: ابن على الأقل، وقم وصل ركعة.
والقول الثاني وهو الصواب: أنه يرجع إلى قول إمامه، ولو كان المأموم واحدا، أما لو كان مع المأموم مأموم آخر، لحصل له بسكوت المأموم الآخر عن التسبيح زوال للشك، لكن هنا المأموم واحد. فنقول: بل يرجع إلى الإمام ولو كان واحدا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الإمام ضامن) ، وعلى ذلك فيرجع إلى قوله.
إذا حصل تيقن بعد؟
رجل شك، وأثناء الصلاة زال الشك وحصل اليقين، فهنا لا عبرة بهذا الشك، ولا يسجد للسهو؛ لأنه لما زال الشك، زال موجَبُه، فموجب الشك السجود، فلما زال الشك زال موجَب الشك وهو السجود. وهذا واضح.
قوله: [وإن شك في ترك ركن فكتركه]
رجل شك، هل ترك الركن أم لم يتركه؟
نقول له هذا كتركه؛ لأنه يُبنى على الأقل كما تقدم في المذهب، والأقل – المتيقَّن – هو الترك، وعلى ذلك نقول: ارجع إليه إن لم تكن قد شرعت في القراءة، هذا على المذهب.
وعلى القول الثاني، نقول: ارجع إليه ما تصل إلى الركن الذي بعده.
يعني لما انتصب قائما قال: أنا لا أدري هل سجدت وجلست للفصل بين السجدتين أم لا – عنده شك -، نقول له: ارجع، وكذلك إذا شرع في القراءة على الصحيح.
والراجح أيضا أنه إن كان عنده تحري، فإنه يرجع إلى تحريه، وذلك لعموم الحديث، فيقول: هل جلست للفصل وسجدت أم لا، لكن الراجح عندي أني جلست وسجدت، فنقول له: ابن على ذلك، واسجد سجدتين بعد السلام. إذاً الراجح أن هذه المسألة داخلة أيضا في عموم حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: [ولا يسجد لشكه في ترك واجب أو زيادة]
إذا شك في ترك واجب، فقال: أنا لا أدري هل جلست للتشهد الأول أم لا؟ أو قال: لا أدري هل سبَّحتُ في الركوع أم لا؟
فيقول هنا " ولا يسجد لشكه في ترك واجب؛ قالوا: لأن الأصل عدم السجود.
إذاً قالوا: إذا ترك الركن، فهذا كترك الركن، لكن إن شك في ترك واجب، فهل يكون كترك الواجب؟
قالوا: ليس كترك الواجب، وعلى ذلك: فإنه لا يسجد، لأن الأصل عدم السجود.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أن الشك في ترك الواجب كتركه أيضا، وهذا هو الراجح؛ لعمومات الأدلة.
وأما قولهم " الأصل عدم السجود "، فنقول لهم أيضا: الأصل عدم فعل الواجب مع الشك، رجل شك، يقول: لا أدري أجلست للتشهد الأول أم لا، فما هو الأصل؟
الأصل أنه لم يجلس، وعلى ذلك فنبني على هذا الأصل، ونوجب عليه سجود السهو.
إذاً المذهب: أن من شك في ترك ركن فكتركه، ومن شك في ترك واجب فليس كتركه، لكن الراجح أنهما سواء، فمن شك في ترك ركن فكتركه، ومن شك في ترك واجب فكتركه أيضا، فيجب السجود في المسألتين جميعا.
قوله: [أو زيادة]
هنا شك، قال: لا أدري أصليت أربعا أم خمسا؟ فالشك هنا في الزيادة، الحديث الذي تقدم قال فيه (ثلاثا أم أربعا) ، لكن هنا شك، فلا يدري أصلى أربعا أم خمسا، أو شك هل ركع ركوعا أو ركوعين، أو هل سجد سجودين في الركعة أم ثلاث سجودات، فحصل له شك، لكن الشك هنا في الزيادة؟
فهنا لا يجب عليه السجود، لأن الأصل عدم الزيادة، والأصل أيضا عدم السجود. هناك في النقص قلنا: عدم الفعل، لكن هنا نقول: الأصل عدم الزيادة، ولذا إذا شك، لما جلس للتشهد حصل عنده شك يقول: لا أدري هل صليت خمسا أم أربعا؟
فنقول له: لا تسجد؛ لأن الأصل عدم الزيادة. والله أعلم. اتنهى الدرس الثالث من سجود السهو في ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب لعام 1420 للهجرة.
قوله: [ولا سجود على مأموم إلا تبعا لإمامه]
هنا مسألتان:
المسألة الأولى: فيما إذا سها الإمام، فيجب على المأموم أن يتابعه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(وإذا سجد فاسجدوا) ، فإذا سها الإمام فيجب على من خلفه السجود، سواء حصل منهم سهو مع الإمام أم لم يحصل منهم، فهذا لا خلاف فيه، لقوله عليه الصلاة والسلام (وإذا سجد فاسجدوا) .
فإن لم يسجد الإمام وقد حصل منه ما يوجب السجود، فإذا لم يسجد وكان واجبا عليه السجود، فهل يجب على المأموم - حيث ترك الإمام السجود – السجود؟
قال جمهور العلماء: يجب عليه السجود؛ وذلك لأن الصلاة فيها نقصٌ، لأنه لما سها الإمام حصل في الصلاة نقص، وعلى ذلك: فلابد من جبران هذا النقص، لأن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام، فإذا حصل سهو من الإمام، كأن يقوم إلى خامسة مثلا، فلا يتابعه المأمومون، ثم إنه جلس، فيجب على المأموم هنا سجود سهو، فإذا لم يسجد الإمام، فهل يسجد من خلفه أم لا؟ قال جمهور العلماء: يجب، لأن الصلاة فيها نقص، وعلى ذلك فيجب جبران هذا النقص. وهذا القول قول ظاهر، لكن يستثنى من ذلك على الصحيح ما لو كان الإمام لا يرى وجوب السجود عليه، كأن يكون ممن يختار عدم السجود في هذا الموضع، فحينئذ لا يجب على المأموم أن يسجد، وذلك لأنه لا نقص في الصلاة، فلا نقص في صلاة الإمام، وإنما يكون فيها نقص حيث ترك سجودا يجب عليه أن يسجده.
إذاً: إذا حصل من الإمام سهو فلم يسجد، وكان يرى وجوب السجود، فإن في صلاته نقصا، وهذا النقص يلحق المأموم، وعلى ذلك: إن لم يسجد الإمام، فيجب على المأموم أن يسجد، لأن في الصلاة نقصا، فلابد من جبره. وهذا هو مذهب جمهور العلماء.
فإن كان المأموم مسبوقا، فسجد الإمام قبل السلام، فإنه يتابعه اتفاقا، لقوله عليه الصلاة والسلام:(وإذا سجد فاسجدوا) .
فإن كان سجوده بعد السلام، يعني سلَّم الإمام، فسجد سجدتين بعد السلام، وهذا المأموم مسبوق، فهل يسجد معه، بمعنى أنه لا يسلم إذا سلم الإمام، فإذا سجد الإمام سجدتين، سجد، فإذا سلَّم الإمام السلام الثاني قام فأتم، أم أنه يقوم فيتم صلاته، ثم يسجد سجدتين بعد السلام؟ قولان لأهل العلم:
فالمذهب: أنه يتابعه، وعلى ذلك: فلو أنه نهض، إذ بالإمام – قبل أن يستتم المأموم قائما – يسجد، فنقول: عليك أن ترجع فتسجد مع الإمام سجدتين، وأما إذا شرع المأموم في القراءة، فليس له أن يرجع. وهذا هو المذهب، قالوا: لعموم قوله: (وإذا سجد فاسجدوا) .
والقول الثاني، وهو قول المالكية والشافعية، قالوا: إذا سها الإمام فسجد بعد السلام، فإن المسبوق لا يتابعه، وإنما يسجد بعد سلامه؛ قالوا: لأن تمام المتابعة للإمام أن يكون سجوده بعد السلام، لأن هذا السجود إنما يشرع بعد السلام، فتكون متابعته للإمام بسجوده هاتين السجدتين، بعد سلام إمامه. وهذا القول هو الأرجح، فالأقرب والأرجح في هذه المسألة أنه ينهض، فيتم صلاته، فإذا سلَّم سجد سجدتين، لأن هاتين السجدتين إنما يشرعان بعد السلام، وعلى ذلك: فيكون من تمام متابعته للإمام أن يكون سجوده بعد السلام. هذا هو القول الراجح.
إذاً: إذا سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السجود، فإذا لم يسجد، فإن على المأموم أن يسجد؛ لأن في ذلك نقصا في الصلاة، فإن كان سجوده قبل السلام تابعه فسجد حيث يسجد الإمام، وأما إذا سلَّم الإمام فسجد بعد السلام، فإنه لا يسجد معه، وإنما يسجد بعد أن يتم صلاته؛ لأن هذا هو تمام المتابعة في أصح القولين. هذا هو الشق الأول.
الشق الثاني: فيما إذا سها المأموم خلف الإمام، فلسهوه حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون مسبوقا قد سها فيما انفرد به، يعني لما قام ليتم الصلاة سها، فهنا يجب عليه السجود قولا واحدا، فالإمام لا يتحمل، وعلى ذلك: فعليه السجود، لعموم الحديث:(فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) . إذاً المسبوق إذا سها فيما انفرد به، فإن عليه السجود.
الحالة الثانية: أن يسهو خلف إمامه، سواء كان مسبوقا أم غير مسبوق، فهنا قد حصل له سهو حال اقتدائه بإمامه، لا حال انفراده عنه؟
فذهب العامة والجماعة من أهل العلم: على أنه لا يجب عليه السجود، وأن الإمام يتحمل ذلك عنه.
وقال أهل الظاهر، وهو قول مكحول: بل يجب على المأموم السجود.
استدل أهل القول الثاني بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين)، قالوا: وهذا عام، فيدخل فيه فيما إذا سها خلف إمامه.
وأما أهل القول الأول، فاستدلوا بأدلة منها:
أن الإمام يتحمل عن المأموم عمده، يعني عمده في النقص وعمده في الزيادة.
يتضح هذا بمثالين، المثال الأول: فيما إذا قام الإمام من الركعتين تاركا للتشهد، فهنا المأموم يتابعه ويترك التشهد، فيكون قد ترك التشهد الأول، وترك التشهد الأول عمده يبطل الصلاة، وقد تركه عمدا متابعة للإمام، وقد تحمل الإمام عنه ذلك.
المثال الثاني: وهو تحمل الزيادة عمدا: فيما إذا سها الإمام، فسجد الإمام سجدتين، والمأموم لم يسهو، كأن يترك الإمام التسبيح في الركوع أو السجود، فإن الإمام يسجد، وهذا السهو قد حصل من الإمام، ولم يحصل من المأموم، ويجب على المأموم أن يتابع إمامه، لقوله عليه الصلاة والسلام:(وإذا سجد فاسجدوا) ، وهذه زيادة في الصلاة، قالوا: فإذا ثبت هذا في عمده، فأولى من ذلك سهوه، وعلى ذلك: فنقيس السهو هنا على العمد، وهذا القياس الصحيح يخصص عموم قوله عليه الصلاة والسلام:(وإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين)، فإن في ذلك تحصيل لمقصود الشرع من متابعة الإمام. قالوا: وأيضا إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون خلفه، ولا يخلو ذلك من سهو، فلابد أن يقع من أحد منهم سهو في الصلاة، ولم ينقل لنا أن أحدا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام سجد للسهو خلفه، ولو كان ذلك واقعا، لنقل لنا نقلا بينا. يعني لابد أن يقع من المأمومين سهو خلف الإمام، لاسيما في القديم، لأن الصوت مع كثرة المصلين قد لا يبلغهم، فيحصل شيء من السهو من المأمومين، وقد يترك المأموم بعض التسبيحات، ونحو ذلك، ولم ينقل لنا أن ذلك قد وقع منهم، ولو كان ذلك واقعا لنقل لنا نقلا بينا، وعلى ذلك فهذا القول هو القول الراجح، فإذا سها المأموم خلف إمامه، فإنه لا يسجد للسهو، وأما ما رواه الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إذا سها الإمام فعليه وعلى من خلفه، وإذا سها المأموم فلا سجود عليه) ، فهذا الحديث إسناده ضعيف جدا، فلا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: [وسجود السهو لِمَا يبطل عمده واجب]
سجود السهو لما يبطل عمده، إن كان من جنس الصلاة، فإذا حصل سهوا فعل ما يبطل عمدا، فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون هذا من جنس الصلاة، كأن يزيد قياما أو ركوعا أو سجودا، فهذا فيه السجود.
الحال الثانية: ألا يكون من جنس الصلاة، كأن يتكلم في الصلاة مثلا، أو يفعل أفعال كثيرة في الصلاة سهوا، فهل تبطل الصلاة بذلك؟ لا تبطل، لكن هل عليه سجود سهو؟ ليس عليه سجود سهو كما تقدم تقريره.
إذاً هنا نقيِّد هذه القاعدة بقيد، وهو أن يكون ذلك من جنس الصلاة كما تقدم. إذاً سجود السهو لما يبطل عمده إن كان من جنس الصلاة، فإن لم يكن من جنس الصلاة، كأن يفعل أفعالا ليست من جنس سهوا وتكون كثيرة، فإنها لا يشرع لها سجود السهو، كذلك لو تكلم، فإنه لا يشرع له سجود.
قوله: [وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام]
هنا مسألتان:
المسألة الأولى: قوله " أفضليته قبل السلام "، وعلى ذلك فالسجود الذي يشرع قبل من باب الأفضلية، والذي يشرع بعد، هذا من باب الأفضلية، وتقدم الكلام على هذه المسألة، وأن الراجح أن ما شُرع قبل السلام، فيجب قبل السلام، وما شرع بعد السلام فيجب بعد السلام، وأن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد، وأحد القولين في المذهب، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد كما قال شيخ الإسلام، وقال الزركشي:" وهو ظاهر كلام أبي محمد " يعني الموفَّق رحمه الله تعالى. وهذا هو القول الراجح. إذاً المذهب: أن المسألة أفضلية، فإن كان زيادة، فإن له أن يسجد قبل السلام أو بعده، وإن كان نقصا فله أن يسجد قبله أو بعده، وإن كان عن شك، فله أن يسجد قبل أو بعده، لكن الأفضلية على ما تقدم تفصيله في المذهب في درس سابق، ولكن الراجح ما تقدم من أن من شُرع قبل السلام فيجب قبله، وما شرع بعد السلام فيجب بعده.
الثانية: أنه إن ترك السجود الذي أفضليته قبل السلام، فإنه يبطل الصلاة، وأما إذا كانت الأفضلية بعد السلام فلا يبطل الصلاة، فإذا كان عنده شك مع تحر، تقدم أنه يشرع بعد السلام، فلو تركه فلم يسجد، فلا تبطل صلاته، والشك إذا كان بلا تحر، فإنه له السجود قبل السلام، فإذا تركه عمدا تبطل صلاته، وإذا كان عن زيادة، تقدم أن الراجح أنه يكون بعد السلام، فإذا تركه فلا تبطل الصلاة، ولو كان عمدا، وإذا كان مما يشرع قبل السلام، فتركه عمدا، فإن الصلاة تبطل. هذا هو المشهور في المذهب، قالوا: مع الإثم، كما لو ترك الأذان أو الإقامة، لأنه مشروع خارج الصلاة، فأشبه الأذان والإقامة، يقولون: ما يشرع بعد السلام، هذا إنما شُرع خارج الصلاة، فأشبه الأذان والإقامة، ولو ترك الإذان والإقامة، تصح صلاته، لكن مع الإثم، قالوا: فكذلك إذا ترك هذا السجود الذي يشرع بعد السلام.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أنه إن ترك ما أفضليته بعد السلام – وعلى الراجح ما هو واجب بعد السلام – يبطل الصلاة أيضا، وهذا أصح، وذلك لأن الصلاة ناقصة، وهذا السجود جبرانها، وإنما شرع خارج الصلاة لأن المناسب واللائق أن يكون كذلك؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان - زيادة قبل، ثم نسجد للسهو قبل -. إذاً القول الثاني في المسألة وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن ترك سجود السهو سواء كان مشروعا قبل السلام أو بعده – تركه – عمدا يُبطل الصلاة، والمذهب أن ما كان مشروعا قبل الصلاة فإن تركه عمدا يبطل الصلاة، وإن كان مشروعا بعد السلام فإن تركه عمدا لا يبطلها.
قوله: [وإن نسيه سجد إن قرُب زمنه]
في المسألة السابقة تعمد، وهنا الكلام في السهو.
إذا نسيه، سواء كان قبل السلام أو بعده، قال:" سجد إن قرب زمنه " فإن قرُب زمنه عرفا، فإنه يسجد.
فلو أنه بعد أن سلَّم ذُكِّر، فتذكَّر فسجد سجدتين، فإن صلاته تتم بذلك، سواء كان مشروعا قبل السلام أو بعده.
لكن لو أنه ذُكِّر بعد زمن طويل عرفا، فإنه لا يبني، وإنما يستأنف الصلاة من جديد، هذا إذا كان السجود قبل السلام، وأما إذا كان بعدها، فإن تركه عمدا لا يبطل الصلاة. هذا هو المذهب.
قالوا: وإذا خرج من المسجد أيضا، فإنه يستأنف الصلاة، وعلى ذلك يشترط أن يكون الزمن قريبا عرفا، ويشترط أن يكون في المسجد أيضا، فإذا خرج من المسجد، ولو كان الزمن قصيرا – سلَّم فخرج، فذُكِّر وهو خارج المسجد – فعليه أن يستأنف الصلاة من جديد.
وعن الإمام أحمد، وهو أصح، أنه لا فرق بين كونه في المسجد أو خارج المسجد ما دام الزمن قريبا.
وأصح من القولين كليهما ما اختاره شيخ الإسلام، وهو رواية عن الإمام أحمد، وتقدم ذكر ما يدل عليه من حديث عمران: وهو أنه يسجد ولو طال الزمن عرفا، سواء كان في المسجد أو لم يكن في المسجد، فإن حديث عمران في مسلم فيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الحجرة بعد أن صلى العصر ثلاثا، ثم قام إليه رجل بسيط اليدين، فقال: أنيست أم قصرت الصلاة؟ ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغْضَباً، فصلى عليه الصلاة والسلام ما ترك، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين بعد أن سلَّم، ثم سلَّم " كما تقدم، فهنا الزمن طويل عرفا، وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد. هذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام هنا، وهو رواية عن الإمام أحمد. إذاً الراجح أنه لو ترك سجود السهو سواء كان قبل السلام أو بعده، ثم تذكر، فإن يسجد سجدتين ولو كان الزمن طويلا. لما أتى الإمام ليقيم صلاة العصر أخبروه أنه حصل سهو في صلاة الظهر، وأنه لم يسجد قالوا: إنك قد قمت عن التشهد ولم تسجد، فيسجد سجدتين ولا شيء عليه. إذاً الراجح ولو طال الزمن عرفا، فإنه يبني.
قوله: [ومن سها مرارا كفاه سجدتان]
إذا سها مرارا، حصل منه في الصلاة أكثر من سهو، زاد في الصلاة ونقص، أو نقص ونقص، أو زاد وزاد، فقد يكون سها فزاد مرتين أو ثلاثا، أو سها فنقص مرتين أو ثلاثا أو سها فجمع بين زيادة ونقص، فهنا حصل من الإمام أكثر من سهو، سها مرتين أو أكثر، فهنا لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الموجِب لسجود السهو غير مختلف، يعني مما يشرع فيه السجود إما قبل السلام، وإما بعده.
رجل قام عن التشهد الأول، فالواجب عليه أن يسجد للسهو قبل السلام، وترك تسبيح الركوع أو السجود، فالواجب عليه السجود قبل السلام كذلك، وشك، هل صلى ثلاثا أم أربعا ولم يرجح، فهنا حصل له نقص، وكل هذه المسائل فيها سجود قبل السلام، فهنا الواجب عليه أن يسجد قبل السلام، لأن موجِب السجود هنا غير متفرق وغير مختلف، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
المسألة الثانية: أن يكون هناك موجِب مختلف، فيكون هناك ما يوجب السجود قبل السلام، وما يوجب السجود بعده.
قام فترك التشهد الأول، فالواجب عليه أن يكون قبل السلام، ثم شك هل صلى ثلاثا أم أربعا، ورجَّح أنه صلى أربعا، فالواجب عليه السجود بعد السلام، فهنا هل يكفيه سجدتان كما قال المؤلف هنا، أم لا يكفيه ذلك، قولان لأهل العلم:
فقال الجمهور: يكفيه سجدتان، كما هو قول المؤلف هنا.
وقال الأوزاعي: بل يجب عليه سجود قبل السلام، وسجود بعده، يعني يشرع له سجدتان قبل السلام، وسجدتان بعد السلام.
والقول الأول هو الراجح، استدل أهل القول الأول بعموم قوله عليه الصلاة والسلام:(إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين)، قالوا: وهذا الحديث عام، سواء كان السجود واحدا أم متكررا، وإذا كان متكررا، سواء كان موجَبه واحدا أو كان موجَبه مختلفا.
وأما أهل القول الثاني فاستدلوا بحديث (لكل سهو سجدتان) ، وتقدم لكم أن الحديث ضعيف، وعلى ذلك فالراجح هو القول الأول، وعلى ذلك: فيسجد قبل السلام، ويكون سجوده قبل السلام يجزئه عن السجود بعد السلام، هذا هو الراجح، وهو مذهب جمهور العلماء، خلافا للأوزاعي، وقول الأوزاعي أيضا هو وجه في مذهب أحمد.
مسألة: هل يشرع لسجدتي السهو بعد السلام تشهد أم لا؟
يعني إذا سلَّم فسجد سجدتين، فهل يُشرع أن يتشهد أم لا؟
قال الجمهور: يشرع له أن يتشهد، يعني يسلم ثم بعد أن يسلم يسجد سجدتين ثم يتشهد، ثم يسلم، إذاً يستحب للسجدتين بعد السلام التشهد. واستدلوا بما رواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث بن عبد الملك الحُمْراني عن محمد بن سيرين عن عمران، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشهد ثم سلم.
والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام، ومال إليه الموفق ابن قدامة، وهو قول محمد بن سيرين: أنه لا يشرع التشهد. استدلوا بحديث أبي هريرة، وحديث ابن مسعود، فإن الرواة لم يذكروا تشهدا، وقد تقدم سياق حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث عمران بن حُصين في قصة بسيط اليدين، وكذلك في حديث ابن مسعود في التحري، وليس فيها ذكر التشهد، والتشهد كما تعلمون طويل، فلو كان ثابتا لنقل، فهذا مما تتوافر الدواعي على نقله.
يبقى الجواب عن حديث عمران في أبي داود والترمذي؟
هذا الحديث حديث شاذ، فهذه الزيادة (ثم تشهد) معلولة، وقد أعلَّها ابن المنذر والبيهقي وابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا التعليل هو الصواب، فإن الزيادة معلولة، فقد تفرد بها أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين، وغيره من الرواة لم يذكروها، وهذا هو المحفوظ عن محمد بن سيرين، أي عدم ذكر التشهد، فقد تفرد بها أشعث بن عبد الملك، فهو وإن كان ثقة، لكنه تفرد عن غيره من الثقات، وعلى ذلك فهذه الزيادة معلولة، ولذا استغرب – أي ضعّف – هذا الحديث الترمذي أيضا بعد أن رواه. وعلى ذلك فالراجح أن التشهد لا يشرع، وهو رأي محمد بن سيرين الذي قد روى عنه أشعث هذه الزيادة، ولو كانت مروية له لما خالفها، هذا أيضا مما يقوي التعليل المتقدم.والله أعلم
تم بحمد الله شرح باب سجود السهو من زاد المستقنع في ليلة الاثنين الثالث والعشرين من رجب لعام 1420 للهجرة، شرحه فضيلة الشيخ / حمد بن عبد الله الحمد،
…
حفظه الله تعالى.
فهرس الأحاديث والآثار
إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين
…
..... 1
فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين
…
... 1
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
…
... 1