الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على خيرة خلقه محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الجزء السادس عشر من كتاب الحافظ العماد بن كثير "البداية والنهاية" أقدّمه متمِّمًا لما سبقه من أجزاء وقد كنت في غنًى عن التقديم له، لأن عملي في تحقيقه لم يخرج عن الخطة التي وضعتها دار ابن كثير العامرة لإخراج هذا الكتاب وفق منهج علمي متميّز، لما للكتاب من شأن كبير في مكتبتنا العربية، ولما لمصنّفه رحمه الله من مكانة بين نظرائه من العلماء. غير أنّ مشاكل اعترضتني تخصُّ هذا الجزء من الكتاب، فرأيت توضيحها وبيانها؛ منها:
أولًا: إن النّسختين المصورتين (أ) و (ب) المعتمدتين في التحقيق تنتهيان إلى سنة (738 هـ)، وتابعت بعد ذلك تحقيق القسم المتبقي مستعينًا بمراجع ومصادر تلك الفترة، خاصة تلك التي نقل أصحابها عن ابن كثير مباشرة.
ثانيًا: هناك فروق كبيرة وسقط يصل أحيانًا إلى عدَّة صفحات بين المطبوع والنسخة (أ) التي اعتمدتها في التحقيق.
ثالثًا: هناك آراء وأقاويل تدور حول نسبة القسم الأخير من الكتاب إلى ابن كثير، وهذا الخلاف يسير في وجهتين متضادتين تمامًا، ولكل وجهة منهما من يؤيدها وينتصر لها بحججٍ ذات قيمة.
القول الأوّل:
إن تاريخ ابن كثير ينتهي في سنة (738 هـ)، وما بعده ذَيْل ذيّله عليه ابن حجي، ثم تابع بعده ابن قاضي شهبة. والقائل بهذا الرأي المؤرّخ العلّامة الأستاذ محمد راغب الطبّاخ، رحمه الله. وقد جاء ذلك في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق في المجلد 18:(376 - 377). وللأمانة أثبته بحروفه:
"وصلني من عهد قريب الجزء الثالث عشر والجزء الرابع عشر من "تاريخ البداية والنهاية" للحافظ العلّامة إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفّى سنة (774 هـ)، فرأيته ذكر في آخر الجزء الرابع عشر
حوادث سنة (768 هـ) إلى شهر ربيع الآخر، ولم يعنون لها، فعجبت لهذا لأني أعلم أن النسخة المخطوطة من هذا التاريخ المحفوظة في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب والتي هي في عشر مجلدات كبار تحت رقم 1217 قد انتهى التاسع منها الذي فيه الوفيات والحوادث إلى سنة (738 هـ) وآخر العبارة فيه:
كان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وسبعمئة أحسن الله خاتمتها آمين، إلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم - عليه وعلى نبينا أفضل الصَّلاة والسَّلام - إلى زماننا هذا. والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهما بإحسان إلى يوم الدين.
ثم هناك بخط آخر: يتلوه إن شاء الله الجزء الآخر، وهو النهاية في أمور الآخرة آخر البداية في البَعْث والنشور، والجزء العاشر يبتدئ بالملاحم والفتن في آخر الزمان وبعد التأمل في آخر الجزء الرابع عشر وجدته قال في نهاية حوادث سنة (738 هـ) كتبه: إسماعيل بن كثير القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين.
وهنا كتب المصحح في الذيل: كذا بسائر الأصول.
فهذا وذاك يفيدنا أن المؤلف قد انتهى تاريخه إلى هذه السنة، ثم قال في الأصل المطبوع: ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، وأخذ في سرد حوادثها ووفياتها إلى أن ذكر بعض حوادث سنة (768 هـ) كما تقدم، وبها ختم الكتاب.
فهذه السنين أي من سنة (739 هـ) إلى سنة (768 هـ) هي بلا ريب لغير الحافظ ابن كثير. الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير درّس التفسير إلى آخره، وهنا قال المصحح: كذا بنسخ الآستانة، وفي المصرية بياض نصف صحيفة من الأصل، وهذا صريح في أنّ الكلام لغير الحافظ ابن كثير، وسقط كلام في أوّل السّنة، وعند ذلك أحببت أن أقف على مؤلف الذيل، فأخذت في البحث فرأيت مكتوبًا بخطي على هامش كشف الظنون في الكلام على هذا التاريخ، انظر ما كتب في ذيل ذيول تذكرة الحفاظ الذي طبعه السيد حسام الدين القدسي في ص (250)، فرجعت إليه، فإذا هناك من تعليقات العلامة الفاضل الشيخ محمد زاهد الكوثري على ترجمة العلامة أحمد بن حجي المتوفى سنة (816 هـ) ما نصُّه:
وكتب ذيلًا على تاريخ ابن كثير، ذكر فيه حوادث الشهر ثم من توفيّ فيه، وهو مفيد جدًّا قال الحافظ السخاوي في "ضوئه"(1/ 270) يبتدئ من سنة (741 هـ) وينتهي إلى سنة (815 هـ).
قال ابن قاضي شهبة: كتب من سنة (741 هـ) ستًا ثم بدأ من سنة (769 هـ) فكتب إلى قبيل وفاته بيسير، وكان قد أوصى لي بتكميل الخرم المذكور فأكملته.
ثم رجعت إلى ضوء السخاوي (1/ 270) وإلى الشذرات (7/ 117) فوجدت الأمر كما قال. فهنا يتبين أن هذا الذيل من سنة (739 هـ) إلى الآخر لا (741 هـ) بعضه لأحمد بن حجي، وبعضه لابن
قاضي شهبة، وأن ابن حجي ذيّله من سنة (769 هـ) إلى سنة (815 هـ). وأن ابن قاضي شهبة ذيّله بعد ذلك إلى سنة (840 هـ) في سبع مجلدات كبار، ثم اختصره في نحو نصفه.
هذا ما ظهر لنا والله الموفق إلى الصواب". انتهى.
محمد راغب الطباخ
القول الثاني:
إنّ هذا الكتاب مع ما يُدَّعى أنّه ذيلٌ له هما لابن كثير، والقائل به الأستاذ: محمد أحمد دهمان رحمه الله وذلك في مقال نشرته مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق المجلد 20 (90 - 93) ردًّا على قول الأستاذ الطبّاخ السابق. وأنا مثبته بتمامه أيضًا لنقف على الرأيين معًا، فبعد تلخيص لما جاء في المقال الأول يقول: "وبعد دراستي لهذا الموضوع خرجت بنتيجتين:
1 -
هو أن الحافظ ابن كثير انتهى تاريخه بحوادث سنة (738 هـ) وأنه توجد عدة نسخ خطية تنتهي بالسنة المذكورة.
2 -
أنّ المؤلف بعد أن وصل إلى هذه السنة في تاريخه ذيل عليه بعد مدة من سنة (739 - 774 هـ) كما في النسخة المطبوعة، وأن هذه الزيادة موجودة في بعض النسخ دون بعض، وهي للحافظ ابن كثير بلا شك ولا ريب.
أما أدلّتي على الأمر الأول فهي:
أولًا: النسخة الخطية الحلبية التي تكلم عنها الأستاذ الطباخ.
ثانيًا: النسخة التي نقل عنها عبد القادر النعيمي المتوفَّى سنة (927 هـ) في كتابه "تنبيه الطالب وإرشاد الدارس" الذي تكلم فيه عن مدارس دمشق ومدرسيها، فقد أخذ نصوص تاريخ ابن كثير التي تتعلق بموضوعه وجعلها في كتابه المذكور، ولكننا نراه لا يذكر شيئًا من الزيادات التي بعد سنة (738 هـ) وما تجدد من المدارس أو الحوادث بعد هذا التاريخ فبعضه ينقله من مصادر أخرى غير ابن كثير، والبعض الآخر يهمله لعدم اطلاعه عليه مع أن في الزيادات التي بعد سنة (738 هـ) مواد قيمة تتعلق بموضوع كتابه لا يستغنَى عنها، وفي هذا دليل على أن النسخة التي كان ينقل منها النعيمي خالية من الزيادات الموجودة في النسخة المطبوعة وهي كنسخة حلب المحفوظة في المدرسة الأحمدية.
وأما أدلتي على الأمر الثاني، وهو أن الزيادة لابن كثير نفسه فهي:
أولًا: إن بعض تلاميذ المؤلف تصرّف في الكتاب حين يذكر المؤلف نفسه، فإذا ذكر نفسه بالاسم الصريح وضع التلميذ للاسم ألقاب التعظيم، فحينما قال المؤلف عن نفسه [ص 321] أنه في شوال حضر عماد الدين ابن كثير درس التفسير، تصرف التلميذ في العبارة وقال: إنه في شوال حضر الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير، وحينما يتكلم عن نفسه بضمير المتكلم يزيد تلميذه اسم شيخه ويبين أنه هو المراد في هذا الضمير كما في [ص 216] حينما يتكلم المؤلف عن نفسه في جامع المرجاني
فيقول: وكنت أنا الخطيب [يعني عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته]. ولله الحمد والمنة. فما بين الحاصرتين ظاهر البداهة في أنه يراد به تفسير الضمير في: كنت أنا الخطيب، وإن هذه الزيادة من أحد تلامذة المؤلف أو أحد أصدقائه
(1)
، وقد تكرر هذا التفسير مرارًا ففي [ص 245] وفي يوم السبت عاشره - أي عاشر الشهر المتقدم ذكره وهو شعبان من سنة (753 هـ) - اجتمعنا [يقول الشيخ عماد الدين بن كثير المصنف رحمه الله] بالخليفة المعتضد بالله.
و [ص 254] وصنف - يعني ابن تيمية - في ذلك مسألة مفردة وقفت عليها [يعني الشيخ عماد الدين بن كثير] فرأيتها غاية الحسن.
ثانيًا: أنّ المؤلف يذكر عن نفسه أعمالًا وصفات لا تنطبق إلّا عليه، فيقول عن المِزّي والذَّهبي [ص 190] شيخنا جمال الدّين المِزّي: وشيخنا الحافظ الذَّهبي.
ويقول في [ص 192] عن شيخه المزّي: أخبرتنا بنته زينب زوجتي.
وحينما يذكر ابن تيمية يقول [ص 129]: شيخنا العلامة ابن تيمية، أو زميله ابن القيّم تلميذ ابن تيمية [ص 202، 234] صاحبنا العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي إمام الجوزية.
وبعد أن يذكر وفاة الحافظ الذَّهبي [ص 225] يقول: وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة حضرت تربة أم الصالح - رحم الله واقفها - عوضًا عن الشيخ شمس الدّين الذّهبي، وحضر جماعة من أعيان الفقهاء، وبعض القضاة، وكان درسًا مشهودًا.
وإذا رجعنا إلى ترجمة الحافظ ابن كثير نرى أن جميع هذه الصفات منطبقة عليه تمام الانطباق، فما جاء في ترجمته في كتاب "تنبيه الطالب" للنُّعَيمي في بحث دار الحديث الأشرفية: صاهر الحافظ أبا الحجّاج المِزّي ولازمه، وأخذ الكثير عن ابن تيمية، وولي مشيخة تربة أم الصالح بعد الذهبي، توفي سنة (774 هـ) ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية ومثل ذلك في شذرات الذهب.
على أن المؤلف صرح باسمه في موضعين آخرين مما لا يحتمل الشك ولا التأويل ففي [ص 317]: ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر أعني ربيع الآخر طُلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتين، فمن ناحية الشافعي نائباه وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين بن وهبة والشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني والمصنف عماد الدين بن كثير وووو. . . فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر المكان وجلسنا حوله.
وفي [ص 256] وقفت في شهر ذي القعدة على كتاب أرسله بعض الناس إلى صاحب له من بلاد طرابُلُس وفيه: والمخدوم يعرِّفُ الشيخ عماد الدين بالذي جرى في بلاد السواحل. وبعد فهذه أَدلّة قاطعة
(1)
بل هو ابنه عبد الرحمن كما أشار السّخاوي رحمه الله وسيأتي ذلك عمّا قليل.
على أن الذيل الذي في آخر تاريخ ابن كثير هو للمؤلف نفسه، ويرجع الفضل في إظهار هذه الحقيقة إلى الأستاذ محمد راغب الطباخ الذي أبدى ملاحظاته القيمة في هذا الموضوع أولًا.
وبعد كتابة هذا المقال اطلع عليه الأستاذ يوسف العش فلفت نظري إلى كتاب "إنباء الغمر" لابن حجر وبعد الرجوع إليه إذا به يقول في خطبة الكتاب:
هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزَّمان الذي أدركته منذ مولدي [ثلاث وسبعين وسبعمئة] وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلًا على ذيل تاريخ الحافظ عماد الدين بن كثير فإنه انتهى في تاريخه إلى هذه السّنة. انتهى.
وكلامه صريح ومؤيد لما ذهبنا إليه، وهو يفيدنا بأن النّسخة المطبوعة من تاريخ ابن كثير ينقص من آخرها حوادث خمس سنوات". انتهى
محمد أحمد دهمان
وبعد:
فلقد وفقني الله سبحانه وتعالى إلى تحقيق وإخراج كتاب: "الذيل التام لتاريخ دول الإسلام" للإمام الحافظ المؤرخ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفّي سنة (902 هـ) رحمه الله، وكل اعتقادي أن أحدًا من الذين كتبوا حول هذه النقطة لم يطّلع على ما قاله السّخاوي في كتابه هذا، وإلّا فإنَّ ما جاء فيه جدير بالوقوف عنده والإشارة إليه.
ولقد تزامن إخراجي لهذا الكتاب مع عملي في تحقيق الجزء السادس عشر من "البداية والنهاية" وهذا من فضل ربي وتوفيقه.
وممّا لفت انتباهي كثرة نقول السّخاوي عن ابن كثير، فوقفت أستقرئ هذه النقول وأوازن بينها وبين ما قيل عن ذيل تاريخ ابن كثير فوصلت إلى ما يلي:
أولًا: لقرب عهد السّخاوي من ابن كثير ولكونه تلميذًا لابن حجر صاحب "إنباء الغمر" الذي اعتبر كتابه ذيلًا لكتاب ابن كثير، ولقرب عهده من أحمد بن حجّي وابن قاضي شهبه اللّذين نُسب إليهما الذّيل، ولكون كتاب ابن كثير من مصادر السّخاوي الرئيسَة، كان من الممكن، بل ومن المؤكد أن يشير إلى هذه النقطة الخلافية في عزو الذّيل لو كان هذا الأمر واقعًا، إلا أنه لم يفعل.
ثانيًا: لقد كانت نُقُوله عن ابن كثير حرفيَّة، أضع بعضًا منها للاستئناس.
- ففي سنة (745 هـ) وفي الصفحة (69) يقول السخاوي في مسألة قتل الكلاب في دمشق، قال ابن كثير:"وكان الأولى قتلهم بالكلّية ثم أحرقوا. . .".
- وفي سنة (749 هـ) ص (97) قال السخاوي لدى حديثه عن طاعون القاهرة: قال ابن كثير: "المكثر يقول: ثلاثون، والمقلِّلُ يقول: أحد عشر. . . .".
- وفي سنة (750 هـ) ص (108) قال السخاوي في معرض حديثه عن مقتل أرغون شاه: قال ابن كثير: "إنّه أُثبتَ محضرٌ بذبحه نفسه".
- وفي سنة (751 هـ) ص (116) يقول في معرض ترجمته للشمس بن قيم الجوزية: قال ابن كثير: "لا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه".
- وفي سنة (753 هـ) ص (127) يقول في معرض حديثه عن الخليفة المعتضد بالله: قال ابن كثير: "شابٌّ حسن الشكل، مليحُ الكلام، متواضعٌ، جيد الفهم، حلو العبارة".
- وفي السنة نفسها ص (130) يقول: قال الحافظ العماد بن كثير: "إنه اجتمع بالمعتضد حين كان مع الصّالح في كائنة بَيْبُغَا أُروس بدمشق، وهو الخليفة فيها وإنّه حج في التي قبلها وعاد إلى مصرَ سريعًا بسبب الخلاف".
- وفي سنة (762 هـ) ص (182) يقول: وحكى ابن كثير في محرّمها أنه أُحضر حسن بن الخياط. . ." ونقل الخبر كاملًا عنه.
- وفي سنة (768 هـ) ص (219) يقول: وكذا قال ابن كثير في ذلك أبياتًا.
- وفي سنة (769 هـ) ص (227) يقول لدى حديثه عن الطاعون: قال ابن كثير. وفيها أيضًا ولدى ترجمته للعلَّامة النحوي ابن عقيل رحمه الله يقول: قال ابن كثير: "أحد علماء الشَّافعية والعربية بمصر، وذو التصانيف الكثيرة المفيدة وكانت فيه رئاسة وحشمة وتجمُّل، وله جوامك كثيرة، وتوسُّع في الملابس والمآكل، وحجّ رجبيًّا في التي قبلها، وكان بمكة في هيئته ونفقاته".
- وفي سنة (773 هـ) ص (252) ولدى حديثه عن تولية الخطيب برهان الدين بن جماعة قضاء الشّافعية بمصر قال: قال ابن كثير:
"وما سمعنا في هذه الأعصار بولاية أكمل منها ولا أبعد عن تهمة الرّشوة" وفيها أيضًا، ولدى ترجمته للبهاء أبي حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي السُّبكي قال: قال ابن كثير: "كان قانتًا عابدًا كثير الحج".
- وفي أحداث سنة (774 هـ) أشار إلى انتهاء كتاب "الوفيات" لابن رافع في جمادى الثانية، ثم قال:
وفي أثناء شعبانها - أي سنة 774 هـ - انتهى تاريخ العماد بن كثير، وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن.
بعد هذا الاستقراء نستنتج أن النسخة التي اعتمدها السخاوي من كتاب "البداية والنهاية" تنتهي إلى شعبان سنة (774 هـ) لا كما هو متوهم إلى سنة (768 هـ) فضلًا عما يقال عن انتهائه سنة (738 هـ).
- والآن. . . .
لو أضفنا هذه الأدلة إلى ما قدّمه الأستاذ محمد أحمد دهمان رحمه الله لقطعنا بما يشبه اليقين بأن الكتاب كلَّه لابن كثير، بل ونحن الآن ننتظر الوقوع على القسم المفقود في مكان ما، كي يُلحق الفرع بالأصل، ويقطع الشك باليقين. والله الهادي إلى الصواب.
وأخيرًا: كل الشكر إلى دار ابن كثير العامرة التي عملت على إخراج هذا الكتاب القيم، وأعطته كل ما هو أهلٌ له من العناية وللعاملين فيه من الرعاية، ولما لها من باع طويل في خدمة تراثنا المجيد، لربط الحاضر الزاهر بالماضي المشرق الباهر، نفعهم الله وأثابهم في الدارين.
واللهَ أسألُ أن يوفقنا إلى أحسن الأعمال، وأن يختم لنا بالحسنى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حسن إسماعيل مَرْوة
دمشق الشام - معربا
الجمعة 27 رجب المعظم 1412 هـ
31 كانون الثاني 1992 م
تَكْمِلَةُ البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ
تأليفُ
الإِمَامِ الْحَافِظِ المُؤَرِّخِ أبي الفِدَاءِ إِسِمَاعِيْل بن كَثِير
701 -
774 هـ
حَقَّقَهُ وَخرَّج أَحَادِيثَهُ وَعَلَّقَ عَلَيه
حسَن إسمَاعِيل مَروة
الجُزءُ السَّادِسَ عَشَرَ
دَار ابْن كَثير
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة التكملة
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.
أما بعد: فقد كنت قدَّمت للجزء السادس عشر من هذا الكتاب بمقدّمةٍ تناولتُ فيها الأقوال المختلفة في سنة انتهاء تأريخ ابن كثير - البداية والنهاية -.
ومما جاء فيها:
وبعد هذا الاستقراء نستنتج أن النّسخة التي اعتمدها السّخاوي من كتاب (البداية والنهاية) تنتهي إلى شهر شعبان من سنة (774 هـ).
لا كما هو متوهّم إلى سنة (768 هـ)
[*]
. فضلًا عما يقال عن انتهائها سنة (737 هـ).
والآن. . .
لو أضفنا هذه الأدلّة إلى ما قدمه الأستاذ محمد أحمد دهمان رحمه الله لقطعنا بما يشبه اليقين بأنّ الكتاب كلَّه لابن كثير.
بل ونحن الآن ننتظر الوقوع على القسم المفقود في مكانٍ ما، كي يُلحق الفِرعُ بالأصل، ويُقطعَ الشَّكُّ باليقين. والله الهادي إلى الصّواب" ا. هـ
والآن وبعد مرور سبعةٍ وعشرين عامًا على فراغي من تحقيقه وكتابة هذه المقدمة جاء البشير من مصرَ يحملُ البشرى بالوقوع على النّسخة الكاملة من المخطوط، التي أشرت فيها من قبلُ إلى أنّ السّخاوي ربّما يكون قد اعتمدها في نقوله. وتلك - لعمري - مكافأةٌ كبرى لدار ابن كثير كِفاءَ صبرها ومثابرتها في البحث والتنقير عن هذا المخطوط. ولي أنا الراجي رحمةَ ربِّه وغفرانه على أَناتي وتدقيقي.
وقد رأت الدار - تقديرًا منها لجهودي في تحقيق الجزء السادس عشر، ولكوني أوّل من أشار إلى هذه المسألة الهامة، وناشدَ المهتمين بالتُّراث بمواصلة البحث والتنقير عن هذا القسم المفقود - رأت أن أحقّق التكملة، ليخرج الجزء السادس عشر كاملًا كما تركه ابن كثير رحمه الله، حتى شهر شعبان من سنة (774 هـ) وهي سنة وفاته كما هو معلوم.
والله الهادي إلى الصواب
[*](تعليق الشاملة): في المطبوع «868 هـ» ، غلطٌ طباعيٌ
عملي في التكملة
1 -
اعتمدت في إخراج التكملة على النسخة المخطوطة من باكستان، مكتبة بديع الدين السندي ورمزنا، إليها بحرف س. وهو بخط ولده عبد الرحمن: إذ يقول في مستهلّ سنة (741 هـ)"بسم الله الرحمن الرحيم. . . ربّ يسّر وأَعنْ. . كتاب والدي الحافظ ابن كثير، تغمدّهُ الله برحمته. . . ومن خطّه نقلتُ. . .".
كتب المخطُوط بخطّ النّسخ المعتاد. تضمُّ الورقة منه وجهين، الوجه الواحد فيه واحد وعشرون سطرًا، مسطرةُ السّطر الواحد خمسةَ عشرَ سنتمترًا، ويشتمل على ثلاثَ عَشْرةَ كلمة.
وقد اعترى المخطوطَ كثيرٌ من الطّمس والبياض، بفعل العوامل المختلفة، وهذا ما أسهم في وعورة الطريق؛ وعُسر المسلك إلى اليقين المطلق في بعض الألفاظ.
ولم يكن الناسخ على دراية بالعربية الفصحى، تجلّى ذلك واضحًا في كثرة الأغلاط اللغوية التي وقعتُ عليها، وقمتُ بتصحيحها مشيرًا إلى مواضع بعضها، مغفلًا معظمها لكثرتها.
2 -
ربطت الكتاب بالكتب ذات الصّلة، ولا سيّما تلك التي نقلت عنه مباشرة.
3 -
استدركت ما كان من طمس أو بياض من الكتب التي نقلت عن ابن كثير. وربمّا أسعفني في بعضها سِيَاق المعنى.
4 -
نظرًا لتمام هذه النسخة، والتأكد من نسبتها ومضمونها، فقد رأت دار ابن كثير أن تعيد النظر في الجزء السادس عشر المطبوع عليها، وأوكلت إليّ هذه المهمّة، فاتَّخذت من هذه النسخة الخطية (أصلًا)، وقابلت الجزء السادس عشر المطبوع عليها، محاولًا سدّ الخلَل، واستدراك النقص الذي طرأ على النسخ الخطية الأخرى المعتمدة من قبل، وعلى النسخ المطبوعة جراء ذلك.
وأخيرًا:
هل هذه التكملة من صُلب مخطوط الكتاب أو هي ذيلٌ ذيّل به أحدهم؟
1 -
بعد الموازنة بين المخطوط والمطبوع تبيّن لي أن هذه النسخة نسخةٌ أخرى غير النُسخ التي اعتُمدَ عليها في إخراج المطبوع، ولا أستبعدُ أن تكون هذه النسخة هي النُّسخة التي اعتمدها السخاوي في نقوله عن ابن كثير؛ للتطابق بين المنقول عنده والأصل. كما تقدّم.
كذلك نقل ابن قاضي شهبة في تاريخه عن ابن كثير حتى شهر شعبان من سنة (774 هـ).
وكان المحقّق الفاضل يشير في الهامش عند كلّ نقلٍ إلى أنّه لم يقع على هذا النّقل عند ابن كثير.
معلقًا: لعلّه في ذيل لابن كثير لم يُعْثَرْ عليه.
وشاركهم في النّقل عن ابن كثير بن العمادِ الحنبلي صاحب كتاب "شذرات الذهب"، فقد نقل عنه حتى سنة وفاته (774 هـ).
كلُّ هذا يؤكد أنَّ التكملة هي جزءٌ من الكتاب، متناغم معه، ومؤتلف، أسلوبًا، وطريقة عرض.
2 -
استخدم ابن كثير ضمير المتكلّم في أحداث هذه السنوات جميعها، يقول:(واجتمعت معه - أي مع نائب السلطنة - وهنأتُه بمولود له، وقلت أبياتا). (خُتم عليّ البخاري)، (حدثني السُّبُكي)، (وفي هذا اليوم استدعَيِناهُ - يريد واحدًا من شيوخ الحديث - ليقرأَ عليه الأولادُ؛ وعدَّدَ أولادَهُ بنينَ وبناتٍ)، (وبلغَنا وفاة فلانٍ من الناس)، (وفي سنة سبعين، وفي شهر ربيع الآخر يقول: خُلعَ على الولد عمرَ خِلعة الحسبة، ودار البلد على العادة وباشر).
حتى في سنة (774 هـ) وفي أثناء كلامه على وفاة مَنْكَلي بغا يقول:
وقد جمعتُ له سيرةً مفردةً في أوراق عديدة وسمّيتُها: "ما يُنتقى ويُبتغى في سيرة المقرّ السَّيفي مَنْكَلي بغا".
3 -
جاء في شهر رجب من سنة (770 هـ):
وهذا آخر ما كتبه الشيخ بخطّه، ومن هاهنا أملى عليّ، وأَذِن لي في تعليقه. وهذا القول هو ما نقله السّخاويُّ في الذّيل التّام 1/ 259:
"وفي أثناء شعبانها - أي سنة (774 هـ) - انتهى تاريخ العماد بن كثير. وكان من حين ضرره وضُعفه يُملي فيه على ولده عبد الرحمن" ا. هـ.
فهل من بعد هذا كلّه شكٌّ في أنّ التكملة هي جزء من الكتاب الكبير، لا هي ذيلٌ، ولا ملحقٌ، بل أصلٌ أصيلٌ.
والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ
حسن إسماعيل مروة
دمشق الشام - معربا
الجمعة شوال 13 هـ
21 حزيران 2019
ثم دخلت سنة إحدى وسبعمئة
استُهِلَّت والحُكَّام هم المذكورون في التي قبلها، والأمير سيف الدين سلّار
(1)
بالشام، والأفرم نائب دمشق
(2)
.
وفي أولها عُزل الأمير قَطْلُبَك
(3)
عن نيابة البلاد السّاحلية، وتولّاها الأمير سيف الدين أَسَنْدَمِر
(4)
.
وعزل عن وزارة مصر شمس الدين الأعسر
(5)
.
وتولّى سيف الدين آقجِبَا المنصوري
(6)
نيابة غزَّة، وجعل عوضه بالقلعة الأمير سيف الدين بهادر السَّنُجري
(7)
، وهو من البرجيَّة.
وفي صفر: رجعت رسل ملك التتر من مصرَ إلى دمشقَ فتلقّاهم نائبُ السلطنة والجيشُ والعامة.
وفي نصف صفر ولي تدريس النورية
(8)
الشيخ صدر الدين علي البُصراوي الحنفي عوضًا عن الشيخ ولي الدين السمرقندي، وإنما كان وَلِيَها ستةَ أيام، ودرَّس بها أربعة دروس بعد بني الصدر سليمان، الذي توفي، وكان من كبار الصالحين، يصلّي كل يوم مئة ركعة.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول جلس قاضي القضاة وخطيب الخطباء بدر الدين بن جَماعة بالخانقاه السُّميساطية
(9)
شيخ الشيوخ بها عن طلب الصوفية له في ذلك
(10)
، ورغبتهم فيه، وذلك بعد وفاة الشيخ يوسف بن حمويه الحمويّ
(11)
. وفرحت الصوفية به وجلسوا حوله، ولم تجتمع هذه المناصب
(1)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 710 هـ.
(2)
في ب، وط: ونائب دمشق الأفرم. وهو جمال الدين أقوش، وستأتي ترجمته في وفيات سنة 719 هـ.
(3)
أحد مماليك المنصور، ولي عدّة مناصب، ثم سُجنَ بأَخَرة وقتل سنة 716 هـ ترجمته في الدرر الكامنة:(3/ 252 - 253).
(4)
سيأتي في وفيات سنة 711 هـ.
(5)
هو سنقر المنصوري، أحد الأمراء المماليك، وستأتي ترجمته في وفيات 709 هـ.
(6)
ولي غزة نقلًا من الأستادارية بدمشق، توفي سنة 710 هـ الدُّرر الكامنة (1/ 393).
(7)
في ط، السيجري، وفي الدرر الكامنة (1/ 498): الشجري، وهو تصحيف، توفي سنة 733 هـ.
(8)
"النورية": هي المدرسة النورية الكبرى، أنشأها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ولا تزال عامرة إلى أيامنا في سوق الخياطين في دمشق. الدارس في تاريخ المدارس (1/ 651).
(9)
"السُّمَيْسَاطِيَّة": بمهملات مصغرة، نسبة للسُّمَيْساطي أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الحبشي. الدارس (2/ 156).
(10)
في ط: بذلك.
(11)
هو: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن عثمان. الدرر (4/ 482).
قبله لغيره
(1)
، ولا بلغنا أنّها اجتمعت لأحد بعده إلى زماننا هذا: القضاءُ والخَطابةُ ومَشْيَخَةُ الشُّيوخ
(2)
.
وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول قُتِلَ الفَتْحُ أحمد بن البَقَقِي
(3)
بالدِّيار المصرية، حكم فيه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي بما ثبت عنده من تنقُّصه
(4)
للشريعة المطهّرة، واستهزائه بالآيات المحكمات، ومعارضة المشتبهات بعضها ببعض. يُذكر عنه أنّه كان يُحِلُّ المحرّمات من اللواط والخمر وغير ذلك، لمن كان يجتمع به
(5)
من الفَسَقة من التُّرك وغيرهم من الجهلة. هذا وقد كان له فضيلة وله اشتغال وهيئة جميلة في الظاهر، وبِزَّته ولبسته جيدة، ولما أوقف عند شباك دار الحديث الكامِلية
(6)
بين القَصْرَيْن استغاث
(7)
بالقاضي تقي الدين بن دقيق العيد وقال: ما تعرف مني؟ فقال: إنما
(8)
أعرف منك الفضيلة، ولكن حكمك إلى القاضي زين الدين، فأمر القاضي للوالي أن يضرب عنقَه. فضُرِب عُنقُه وطِيف برأسه في البلد، ونوديَ عليه: هذا جزاء من طعن في الله ورسوله.
قال البرزالي في "تاريخه"
(9)
: وفي وسط شهر ربيع الأول ورد كتابٌ من بلاد حماةَ من جهة قاضيها يخبر فيه أَنّه وقع في هذه الأيام ببارِيْن
(10)
من عمل حماة بَرَدٌ كِبار على صُور حيوانات مختلفة شتّى؛ سباعٍ وحَيّاتٍ وعقاربَ وطيورٍ ومَعَزٍ ونساءٍ، ورجالٍ في أوساطهم حَوَائص
(11)
، وأن ذلك ثبت
(1)
في ط: لغيره قبله.
(2)
زاد الناسخ في المتن هنا قوله:
قلت: قد اجتمعت بعد موت المؤلف لجماعة منهم برهان الدين بن جماعة، وبعده شرف الدين وعلاء الدين بن أبي البقاء، وشهاب الدين الباعوني، وقبله ابن القرشي شهاب الدين وشمس الدين الإخنائي، وشهاب الدين بن حجي، وغير هؤلاء تولَّوا هذه الوظائف على قاعدة بدر الدين بن جماعة. وكذلك في الدارس (2/ 156).
(3)
في ط: "الثقفي"، محرف، وما أثبتناه هو الصواب، قيده الذهبي في المشتبه فقال:"البققي كثير، بالموحدة وقافين: مجد الدين. . . ابن البققي الحموي. . . ونسيبه فتح الدين أحمد بن البققي الذي قتل على الزندقة سنة 701" وينظر تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 228 - 229، وتوضيح ابن ناصر الدين 1 (بشار).
(4)
في ط: تنقيصه.
(5)
في ط: فيه.
(6)
"الكاملية": دار حديث في مصر بناها الملك الكامل الأيوبي، أبو المعالي مات سنة 635 هـ، ترجمته في وفيات الأعيان (5/ 81).
(7)
في: أ: استعان. وابن دقيق العيد ستأتي ترجمته في وفيات سنة 702 هـ.
(8)
ليست في: ط.
(9)
علم الدين البرزالي، هو القاسم بن محمد، نقل ابن كثير عنه تاريخه الذي ذيل به على تاريخ أبي شامة. وستأتي ترجمته في وفيات 739 هـ، وتاريخه مخطوط، منه نسخة في إستانبول، وحقق القسم الثاني منه الدكتور معن سعدون العيفان، نال به رتبة الدكتوراه.
(10)
قال ياقوت في معجمه 1/ 465: والعامّةُ تقول: بعرين. مدينة حسنة بين حلب وحماة من جهة الغرب.
(11)
"الحوائص": ج حِيَاصة بالكسر، سَيْرٌ يشدُّ به حزام السَّرج، وقد استعمل في كل ما يَشُدُّ به الإنسان حَقْوَه. شاميّة. التاج (حوص).
بمحضر عند قاضي الناحية، ثم نُقل ثبوتهُ إلى قاضي حماة.
وفي يوم الثلاثاء عاشر ربيع الآخر شُنِقَ الشيخُ علي الحوراني
(1)
بوّاب الظاهرية على بابها، وذلك أنه اعترف بقتل الشيخ زين الدّين السَّمرقندي.
وفي النصف منه حضر القاضي بدر الدين بن جَماعة تدريس الناصرية الجوّانية عوضًا عن كمال الدين بن الشَّريشي
(2)
، وذلك أنّه ثبت محضر أنّها لقاضي الشافعية بدمشق، فانتزعها من يد ابن الشريشي.
وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى قدم الصدر علاء الدين بن شرف الدين بن القلانسي
(3)
على أهله من بلاد التتر بعد الأسر
(4)
سنتين وأيامًا، وقد حبس مدَّةً ثم لطف الله به وتلطَّف حتى تخلّص منهم ورجع إلى أهله، ففرحوا به.
وفي سادس جمادى الآخرة قَدِم البريدُ من القاهرة، وأخبر بوفاة أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي، وأن ولده ولِيَ الخلافةَ من بعده، وهو أبو الربيع سليمان، ولقب بالمستكفي باللّه، وأنه حضر جنازته الناسُ كلُّهُم مُشاةً، ودُفن بالقرب من الست نفيسة، وله أربعون سنة في الخلافة.
وقدم مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين [بن]
(5)
الحريري الحنفي، ونظر الدواوين لشرف الدين بن مزهر
(6)
.
واستمرت الخاتونية الجوانية
(7)
بيد القاضي جلال الدين بن حسام الدين بإذن نائب السلْطنة.
وفي يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة خُطب للخليفة المستكفي باللّه وتُرُحِّم على والده بجامع دمشق، وأعيدت الناصرية إلى ابن الشريشي. [وعزل عنها ابن جَماعة]
(8)
ودرَّس بها يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادى الآخرة.
وفي شوال قدم إلى الشام جَرادٌ عظيم أكل الزرع والثمار، وجرّد الأشجار حتى صارت مثل العِصِي: ولم يُعهَد مثل هذا.
وفي هذا الشهر عُقد مجلس لليهود الخيابرة وأُلزِموا بأداء الجزية أُسْوةَ أمثالِهم من اليهود، فأحضروا
(1)
في ط: الحويزالي، وكذلك هو في الدارس:(1/ 459).
(2)
سيأتي في وفيات سنة 718 هـ.
(3)
هو علي بن محمد بن محمد بن نصر الله. ستأتي ترجمته في وفيات سنة 736 هـ.
(4)
في ط: من التتر بعد أسر.
(5)
هو: قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان، وسيأتي في وفيات سنة 728 هـ.
(6)
هو: يعقوب بن مظفر بن مزهر، وسيأتي في وفيات سنة 714 هـ.
(7)
مدرسة أنشأتها خاتون بنت معين الدين أنر، زوج نور الدين محمود بن زنكي. الدارس (1/ 388) وما بعدها.
(8)
زيادة من ط.
كتابًا معهم يزعمون أنّه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم، فلما وقف عليه الفقهاء تبيَّنوا أنّه مكذوبٌ مفتعل لِمَا فيه من الألفاظ الركيكة، والتواريخ المخبطة، واللّحن الفاحش، وحاقَقَهُم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيَّنَ لهم خطأهم وكذبهم، وأنه مزوَّر مَكْذوب، فأنابوا إلى أداء الجزية، وخافوا من أن تُستعاد منهم السِنُونَ
(1)
الماضية.
قلت: وقد وقفت أنا على هذا الكتاب فرأيت فيه شهادة سعد بن معاذ عام خيبر، وقد توفي سعدٌ قبل ذلك، وشهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم إذ ذاك، وإنما أسلم بعد ذلك
(2)
بنحوٍ من سنتين: وفيه: (وكتب علي بن أبو طالب) وفيه
(3)
لحن لا يصدر عن أمير المؤمنين علي، لأن علم النحو إنما أُسند إليه من طريق أبي الأسود الدؤلي عنه، وقد جمعت فيه جزءًا مفردًا، وذكرت ما جرى فيه أيام القاضي الماورْدي
(4)
، وكبار أصحابنا في ذلك العصر، وقد ذكره في "الحاوي" وصاحب "الشامل"
(5)
في كتابه، وغير واحد، وبيَّنوا خطأه ولله الحمدُ والمِنَّةُ.
وفي هذا الشهر ثار جماعة من الحَسَدة على الشيخ تقي الدين بن تيمية، وشَكَوا منه أنه يقيم الحدود ويُعزِّر، ويَحلق رؤوس الصبيان، وتكلّم هو أيضًا فيمن يشكو منه ذلك، وبيَّن خطأهم، ثم سكنت الأمور.
وفي ذي القعدة ضربت البشائر بقلعة دمشق أيامًا بسبب فتح أماكن من بلاد سِيْس
(6)
عَنْوة، فتحها المسلمون، ولله الحمد.
وفيه قدم عِزُّ الدين بن مبشر
(7)
على نظر الدواوين عوضًا عن ابن مزهر.
وفي يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة حضر عبد السيد بن المهذب ديَّان
(8)
اليهود إلى دار العدل ومعه أولاده فأسلموا كلهم، فأكرمهم نائب السلطنة، وأمر أن يركب بخِلْعة وخلفه الدَّبَادِب
(9)
تضرب والبوقات إلى داره، وعمل ليلتئذ خَتْمة عظيمة حضرها القضاةُ والعلماء، وأسلم على يديه جماعة كبيرة من
(1)
في ط: الشئون. وهو تصحيف.
(2)
سقطت من ط.
(3)
(أبو طالب) وهذا لحن.
(4)
هو القاضي علي بن محمد بن حبيب البصري توفي سنة (450 هـ) في بغداد، ونسبته إلى ربيع الماورد، وفيات الأعيان (3/ 282).
(5)
الحاوي للقاضي الماوردي المذكور، والشَّامل لأبي نصر عبد السيد بن محمد المعروف بابن الصبَّاغ، مات سنة (477 هـ). انظر الوفيات (3/ 217) وكشف الظنون (2/ 1025).
(6)
"سيس": أعظم مدن الثغور بين إنطاكية وطرسوس، ياقوت.
(7)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 716 هـ. وهو في الدرر الميسر.
(8)
الديان: القائم بأمر دينهم.
(9)
"الدبادب": الطبول.
اليهود، وخرجوا يوم العيد كلّهم يكبرون مع المسلمين، وأكرمهم الناس إكرامًا زائدًا.
وقدمت رُسُلُ ملِك التتار في سابع عشر ذي الحجة، فنزلوا بالقلعة، وسافروا إلى القاهرة بعد ثلاثة أيام. وبعد مسيرهم بيومين مات أرجواش
(1)
، وبعد موته بيومين قَدِم الجيشُ من بلاد سِيْس وقد فتحوا جانبًا منها، فخرج نائب السلطنة والجيشُ لتلقِّيهم، وخرج الناس للفُرْجة على العادة، وفرحوا بقدومهم ونصرهم.
وممن توفي فيها من الأعيان:
أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله: أبو العباس أحمد بن (بن أبي علي بن أبي بكر ابن)
(2)
المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري
(3)
، بويع بالخلافة في الدولة الظاهرية في أول سنة إحدى وستين وستمئة، فاستكمل أربعين سنة في الخلافة. وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى. وصُلّي عليه وقت صلاة العصر بسوق الخيل بمصر، وحضر جنازته الأعيان ورجال الدولة كلّهم مشاةً. وكان قد عهد بالخلافة إلى ولده المذكور أبي الربيع سليمان.
خلافة المستكفي بالله
(4)
أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي
لما عهد إليه أبوه كُتب تقليده بذلك، وقُرئ بحضرة السلطان ورجال الدولة يوم الأحد العشرين من ذي الحجّة من هذه السنة، وخُطب له على المنابر بالديار المصرية والشامية، وسارت بذلك البريدية إلى جميع البلاد الإسلامية.
وتوفي فيها:
الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله النجيبي الدوادار
(5)
: والي البِّر بدمشق
(6)
، وأحد أمراء
(1)
في ط: أرجواس، بالسّين المهملة، انظر "العبر" (5/ 392) والدرر:(1/ 349).
(2)
ما بين الحاصرتين إضافة من مصادر ترجمته لا يصح إلا به (بشار).
(3)
ترجمته في فوات الوفيات (1/ 68) والدرر الكامنة (1/ 119) وتاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 760) وبدائع الزهور (1/ 410) والشذرات (6/ 2).
(4)
النجوم الزاهرة (10/ 169) وتاريخ الخلفاء (769).
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 423).
والدويدار والدوادار، اسم فارسيّ مركب من لفظين، أحدهما عربي وهو الدواة، والثاني دار ومعناه ممسك.
ومعناه: الذي يمسك الدواة بين يدي السُّلطان، ويتولّى أمرها، وما يلحق ذلك، نحو تبليغ الرسائل، وتقديم القصص، والمشورة والبريد للسلطان. التعريف بمصطلحات صبح الأعشى (ص 139).
(6)
في أ و ط: والي دمشق.
الطبلخانة
(1)
بها، وكان مشكور السيرة، ولم تطل مدته، ودفن بقاسيون.
توفي يوم الثلاثاء سادس عشر ربيع الأول.
الشيخُ الإمام العالم شرف الدين أبو الحسين، علي
(2)
: ابن الشيخ الإمام العالم العلّامة الحافظ الفقيه تقي الدين، أبي عبد الله، محمد بن الشيخ أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد اليُوْنِيني البَعْلَبَكّي، وكان أكبر من أخيه الشيخ قطب الدين
(3)
ابن الشيخ الفقيه.
ولد شرف الدين سنة إحدى وعشرين وستمئة، فأسمعه أبوه الكثير، وتفقّه واشتغل، وكان عابدًا عاملًا كثير الخشوع، دخل عليه إنسان وهو بخزانة الكتب، فجعل يضربه بعصًا في رأسه ثم بسكين، فبقي متمرّضًا أيامًا، ثم توفي إلى رحمة الله يوم الخميس حادي عشر رمضان ببعْلَبَك، ودفن بباب سطحا، وتأسف الناس عليه لعلمه، وعمله، وحفظه الأحاديث، وتودُّدِه إلى الناس، وتواضعه، وحسن سمْته، ومروءته. تغمده الله برحمته.
الصدر ضياء الدين أحمد بن الحسين
(4)
ابن شيخ السَّلامية: والد القاضي قطب الدين موسى
(5)
الذي تولى فيما بعد نظر الجيش بالشام وبمصر أيضًا، توفي يوم الثلاثاء عشرين ذي القعدة، ودفن بقاسيون، وعمل عزاؤه بالرواحية.
الأمير الكبير المرابط المجاهد علم الدين أَرْجَوَاش بن عبد الله المنصوري
(6)
: نائب القلعة بالشام، كان ذا هيبة وهمة وشهامة وقصد صالح، قدَّر الله على يديه حفظ معقل المسلمين لما ملكت التتار الشام أيام قازان، وعصت عليهم القلعة، ومَنَعَها الله منهم على يدَي هذا الرجل، فإنه التزم أن لا يسلمها إليها ما دام به عين تطرف، واقتدت بها بقية القلاع الشامية
(7)
.
وكانت وفاته بالقلعة ليلة السبت الثاني والعشرين من ذي الحجّة، وأُخرِج منها ضحوةَ يوم السبت، فُصلّي عليه، وحضر نائبُ السلطنة فمَن دونه جنازتهَ، ثم حُمل إلى سفح قاسيون، ودفن بتربته رحمه الله.
(1)
"الطبلخانة": فارسية معناها فرقة الموسيقى السلطانية، أو بيت الطّبل.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 98) والنجوم الزاهرة (8/ 198) والشذرات (6/ 3).
"واليونيني": نسبة إلى قرية في بعلبك، يقال لها يُوْنان. القاموس المحيط (يون).
(3)
هو: موسى بن محمد بن أبي الحسين أحمد اليونيني البعلبكي وسيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 124) وفيه: أحمد بن الحسين بن بدر بن أحمد بن شيخ السّلامية.
(5)
هو: موسى بن أحمد. سيأتي في وفيات سنة 723 هـ.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 349) والنجوم الزاهرة (8/ 198). وهو: سَنْجَر ويعرف بأرجواش.
(7)
الخبر في النجوم الزاهرة (8/ 198).
الأَبَرْقُوْهِي المُسْند المعمَّر المصري: هو الشيخ الجليل المسند الرحلة، بقيةُ السلَف شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن إسحاق
(1)
بن محمد بن المؤيد بن علي بن إسماعيل بن أبي طالب، الأَبَرْقُوْهي الهَمَذاني ثم المصري. وُلِد بأَبَرْقُوه من بلاد شيراز في رجب أو شعبان سنة خمس عشرة وستمئة، وسمع الكثير من الحديث على المشايخ الكثيرين، وخرجت له مشيخات، وكان شيخًا حسنًا لطيفًا مطيقًا، توفي بمكة بعد أن خرج الحجيج بأربعة أيام رحمه الله.
وفيها توفي صاحب مكة الشريف أبو نُمَي محمد
(2)
ابن الأمير أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني: صاحب مكة منذ أربعين سنة. وكان حليمًا وقورًا، ذا رأي وسياسة وعقل ومروءة.
وفيها ولد كاتبه
(3)
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي
(4)
الشافعي عفا الله عنه، والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمئة من الهجرة
استهلت
(5)
والحُكَّام هم المذكورون في التي قبلها.
وفي يوم الأربعاء ثاني صفر فُتحت جزيرة أرواد بالقرب من أنطرسوس
(6)
، وكانت من أضر الأماكن على أهل السواحل، فجاءتها المراكب من الديار المصرية في البحر وأردفها جيوش طرابلس، ففُتحت ولله الحمد إلى نصف النهار، وقتلوا من أهلها قريبًا من ألفين، وكانت الأسرى قريبًا من خمسمئة
(7)
، ودقَّت البشائر بدمشق ثلاثة أيام فرحًا وسرورًا. وكان فتحها من تمام فتح السواحل، وأراح الله المسلمين من شر أهلها.
وفي يوم الخميس السابع عشر من شهر صفر وصل البريد [من الديار المصرية]
(8)
إلى دمشق، فأخبر
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 103) وشذرات الذهب (6/ 4) والأعلام (1/ 96).
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 422 - 423) وشذرات الذهب (6/ 2) والنجوم الزاهرة (8/ 199) والأعلام (6/ 86).
(3)
أي كاتب هذا الكتاب رحمه الله.
(4)
في ط: المصري، وهو سهو.
(5)
زاد في ب: استهلت والخليفة المستكفي بالله أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد العباس، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالح، ونائب مصر سيف الدين سلار، ونائب دمشق جمال الدين آقوش الأفرم، وقضاة مصر والشام هم المتقدم ذكرهم كما سلف، والله أعلم.
(6)
"أنطرسوس": هي طرَطوس اليوم، وأرواد: جزيرة قبالة ساحل طرَطوس في سورية.
(7)
في ط: وأسروا قريبًا. وزاد في ب: ودقّت البشائر بدمشق ثلاثة أيام سرورًا وفرحًا.
(8)
زيادة من ب.
بوفاة قاضي القضاة ابن دَقِيْق العِيْد، ومعه كتابٌ من السلطان إلى قاضي القضاة ابن جَماعة
(1)
، فيه تعظيم له واحترام وإكرام، يستدعيه إلى قربه ليباشر وظيفَة القضاة بمصر على عادته، فتهيأ لذلك، ولما عزم، خرج معه نائب السلطنة الأفْرم وأهل الحَلّ والعقد، وأعيان الناس ليودِّعوه. وستأتي ترجمة ابن دقيق العيد في الوفيات.
ولما وصل ابن جَماعة إلى مصر أكرمه السلطان إكرامًا زائدًا
(2)
، وخلع عليه خلعة صوف وبغلةً تساوي ثلاثة آلاف درهم، وباشر الحكم بمصر يوم السبت رابع ربيع الأول.
ووصلت رسل التتار في أواخر ربيع الأول قاصدين بلاد مصر، وباشر الشيخ
(3)
شرف الدين الفزاري مشيخة دار الحديث الظاهرية
(4)
يوم الخميس ثامن ربيع الآخر عوضًا عن الشيخ
(5)
شرف الدين الناسخ، وهو أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الدين، الفارسي، توفي بها عن سبعين سنة، وكان فيه بِرٌّ ومعروف وله أخلاق حسنة. رحمه الله تعالى.
وذكر الشيخ شرف الدين المذكور درسًا مفيدًا، وحضر عنده جماعة من الأعيان.
وفي يوم الجمعة حادي عشر
(6)
جمادى الأولى خلع على قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرَى
(7)
بقضاء الشام عوضًا عن ابن جَمَاعة. وعلى الفارقي
(8)
بالخطابة. وعلى الأمير ركن الدين بيبرس التِلَاوي
(9)
بشدِّ الدواوين؛ وهنَّأهم الناس. وحضر نائب السلطنة والأعيان المقصورة لسماع الخطبة. وقُرئ تقليد ابن صَصْرَى بعد الصلاة، ثم جلس في الشباك الكمالي وقُرئ تقليدُه مرةً ثانية.
وفي جمادى الأولى وقع بيد نائب السلطنة كتابٌ مزوَّر فيه أن الشيخ تقي الدين بن تيمية
(10)
والقاضي شمس الدين بن الحريري
(11)
وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة يناصحون
(1)
في ب: قاضي القضاة بالشام بدر الدين بن جماعة.
(2)
في ب: كبيرًا وستأتي ترجمة ابن جماعة في وفيات سنة 733 هـ.
(3)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 705 هـ.
(4)
هي المدرسة الظاهرية الجوانية. الدارس (1/ 357).
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 189) والدارس (1/ 357 و 2/ 83).
(6)
في ب: الحادي والعشرين.
(7)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 723 هـ.
(8)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 703 هـ.
(9)
في ط: العلائي. وهو وهم، فالعلائي غيره، ناب بغزّة، ثم بحمص، وتوفي سنة 712 هـ أما التلاوي فهو الذي كان شادّ الدواوين بدمشق وتوفي سنة 703 هـ. الدرر الكامنة (1/ 508).
(10)
سيأتي في وفيات سنة 728 هـ.
(11)
سبق ذكره في أول أخبار سنة 701 هـ.
التتر
(1)
، ويريدون تولية قبجق
(2)
على الشام، وأن الشيخ كمال الدين بن الزَّمْلَكَاني
(3)
يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين الأفرم، وكذلك كمال الدين بن العطار
(4)
. فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أن هذا مفتعل، ففحص عن واضعه فإذا هو فقيرٌ كان مجاورًا بالبيت الذي كان مجاور محراب الصحابة
(5)
، يقال له: اليعفوري، وآخر معه يقال له: أحمد الفناري
(6)
، وكانا معروفين بالشرِّ والفضول، ووجد معهما مسوَّدة هذا الكتاب، فتحقق نائب السلطنة ذلك، فَعُزِّرا تعزيرًا عنيفًا، ثم وسطا بعد ذلك. في مستهل جمادى الآخرة
(7)
قطعت يد الكاتب الذي كتب لهما هذا الكتاب، وهو التاج ابن المناديلي.
وفي أواخر جمادى الأولى انتقل الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري إلى نيابة القلعة عوضًا عن أرجواش.
عجيبة من عجائب البحر
(8)
قال الشيخ علم الدين البِرْزالي في (تاريخه): قرأت في بعض الكتب الواردة من القاهرة أنه لما كان بتاريخ يوم الخميس رابع جمادى الآخرة ظهرت دابة من البحر، عجيبة الخِلْقة، من بحر النيل إلى أرض المنوفية، بين بلاد منية مسعود واصطباري والراهب، وهذه صفتها: لونها لون الجاموس بلا شعر، وآذانها كآذان الجمل، وعيناها وفرجها مثل الناقة، يغطي فرجَها ذنبٌ طوله شبر ونصف كذنب
(9)
السمكة، ورقبتها مثل غلظ الكيس المحشو تبنًا، وفمها وشفتاها مثل الكِرْبال
(10)
، ولها أربعة أنياب، اثنان من فوق واثنان من أسفل، طول كل واحد دون الشبر في عرض إصبعين، وفي فمها ثمانية وأربعون ضرسًا وسنًّا مثل بيادق الشطرنج، وطول يدها من باطنها إلى الأرض شبران ونصف، ومن ركبتها إلى حافرها مثل بطن الثعبان، أصفر مجعَّد، ودور حافرها مثل السُّكُرُّجَة بأربعة أظافير مثل أظافير
(1)
زاد في ط: ويكاتبوهم. وكذا في الأصل.
(2)
قبجق نائب حلب.
(3)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة (727 هـ).
(4)
ستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(5)
محراب الصحابة في جامع بني أمية.
(6)
في أ و ط: الغناري. تحريف.
(7)
ليست في أ و ط: وهي في الأصل.
(8)
ذكرها ابن إياس في بدائع الزهور (1/ 410) وفيه: سابع جمادى الآخرة من سنة 701 هـ. وكذلك ذكرها صَاحبُ النجوم الزاهرة (8/ 200) وفيه: رابع جمادى الآخرة.
(9)
في ب: طرفه كذنب.
(10)
"الكِرْبال": مندف القطن. القاموس المحيط (كربل).
الجمل، وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف، وطولها من فمها إلى ذنبها خمسة عشر قدمًا وفي بطنها ثلاثة كروش، ولحمها أحمر له زفرة مثل السمك، وطعمه كلحم الجمل، وغلظ جلدها أربعة أصابع ما تعمل فيه السيوف، وحمل جلدها على خمسة جمال في مقدار ساعة من ثقله على جمل بعد جمل، وأحضروه إلى بين يدي السلطان بالقلعة وحشوه تبنًا وأقاموه بين يديه، والله أعلم.
وفي شهر رجب قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فانزعج الناس لذلك واشتد خوفهم جدًّا، وقَنَتَ الخطيب في الصلوات، وقُرِئ البخاري، وشرع الناس في الجَفَل
(1)
إلى الديار المصرية والكَرَك والحصون المنيعة، وتأخر مجيء العساكر المصرية عن أوانها، فاشتد لذلك الخوف.
وفي شهر رجب باشر نجم الدين بن أبي الطيب نظر الخزانة عوضًا عن أمين الدين سليمان.
وفي يوم السبت ثالث شعبان باشر مشيخة الشيوخ بعد ابن جماعة القاضي ناصر الدين بن عبد السلام
(2)
، وكان جمال الدين الزرعي
(3)
يسد الوظيفة إلى هذا التاريخ.
وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار [المخذولين]
(4)
.
وفي هذا اليوم بعينه كانت وقعة عُرض
(5)
وذلك أنّه التقى جماعة من أمراء الإسلام فيهم أَسَنْدَمِر
(6)
وبَهَادُر آص
(7)
وكجكن وغرلو العادلي
(8)
، وكلٌّ منهم سيف من سيوف المِلَّة الدين
(9)
في ألف وخمسمئة فارس، وكان التتار في سبعة آلاف مقاتل
(10)
، فاقتتلوا، وصبر المسلمون صبرًا جيدًا، فنصرهم الله وخذل التتر، فقتلوا منهم خلقًا وأسروا آخرين، وولوا عند ذلك مدبرين، وغنم المسلمون منهم غنائم، وعادوا سالمين لم يفقد منهم إلا القليل ممن أكرمه الله بالشهادة، ووقَّعت البطاقة بذلك، ثم قدمت الأسارى يوم الخميس نصف شعبان، وكان يوم خميس النصارى.
(1)
"الجَفَلُ": الهربُ.
(2)
سيأتي في وفيات سنة 709 هـ.
(3)
سيأتي في وفيات سنة 734 هـ.
(4)
زيادة من ب و ط والخبر في تاريخ ابن خلدون (5/ 418) والبدائع (1/ 413).
(5)
عُرْض بعين مهملة مضمومة، بليد في بريّة الشام وهو بين تدمر والرّصافة. انظر ياقوت 4/ 103.
(6)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 711 هـ.
(7)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 730 هـ.
(8)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 719 هـ.
(9)
ليست في: ب و ط.
(10)
ليست في ب و ط.
أوائل وقعة شقحب
(1)
وفي ثامن عشرة قدمت طائفة كبيرةٌ
(2)
من جيش المصريين، فيهم الأمير ركن الدين بِيْبَرس الجَاشَنْكير
(3)
، والأمير حسام الدين لاجين المعروف بالإستادار
(4)
المنصوري، والأمير سيف الدين كراي المنصوري
(5)
، ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فيهم بدر الدين أمير سلاح، وأيبك الخزندار، فقويت القلوب، واطمأن كثير من الناس، ولكن الناس في جَفَل عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي، وتقهقر الجيش الحلبي والحموي إلى حمص، ثم خافوا أن يدهمهم التتر، فجاؤوا، فنزلوا المرج يوم الأحد خامس
(6)
شعبان، ووصل التتار إلى حمص وبعلبك، وعاثوا في تلك الأراضي فسادًا، وقلق الناس قلقًا عظيمًا، وخافوا خوفًا شديدًا، واختبط البلد لتأخُّر قدوم السلطان ببقية الجيش، وقال الناس: لا طاقة لجيش الشّام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم، وإنما سبيلهم أن يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة. وتحدث الناس بالأراجيف، فاجتمع الأمراء يوم الأحد المذكور بالميدان، وتحالفوا على لقاء العدو، وشجَّعوا أنفسهم، ونودي بالبلد ألا يرحل أحدٌ منه، فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلَّفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، وتوجّه الشيخُ تقي الدين بن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة، فاجتمع بهم في القُطَيِّفة
(7)
فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60].
وقد تكلَّم النّاسُ في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو، فإنهم يُظهِرون الإسلام وليسوا بغاةً على
(1)
ليست في: الأصل "وشَقْحَبُ": موضع قرب دمشق، نسب إليه جماعة من المحدِّثين، انظر "التاج" (شقحب) وذكرها ابن خلدون في تاريخه (5/ 418) وقال: هي مرج الصُفَّر، وفي "بدائع الزهور"(1/ 413)، هي: مرج راهط تحت جبل غباغب، وكلاهما من نواحي دمشق. وما تزال قائمة إلى يومنا هذا، تبعد عن زاكية 7 كم وهي بين النافور وكناكر والزريقيّة.
(2)
ليست في: ب و ط.
(3)
سيأتي في وفيات سنة 707 هـ
(4)
سيأتي في وفيات سنة 729 هـ. "والإستادار": وظيفة عسكرية يتولّى صاحبها قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه.
(5)
توفي سنة 719 هـ. ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 266) والدارس (2/ 297).
(6)
في أ: خامس عشر من. وفي ط: خامس عشرين وكلاهما وهم.
(7)
في ط: القطيعة. والقُطَيِّفة بالفاء: قرية تبعد عن دمشق نحو (45 كم) إلى الشمال على يمين الذاهب إلى حمص. ياقوت 4/ 378.
الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه. فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ ومعاويةَ، ورأَوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبِّسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال، التتار وقويت قلوبهم ونياتهم، ولله الحمد.
ولما كان يوم الأربعاء
(1)
الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشَّامية فخيَّمت على الجسورة من ناحية الكُسْوَة
(2)
، ومعهم القضاة، فصار الناس فيهم فريقين: فريق يقولون: إنما ساروا ليختاروا موضعًا للقتال، فإن المرج فيه مياه كثيرة فلا يستطيعون معها القتال، وقال فريق: إنّما ساروا إلى تلك الجهة ليهربوا وليلحقوا بالسلطان. فلما كانت ليلة الخميس ساروا إلى ناحية الكُسْوَة فقويت ظنون الناس في هربهم، وقد وصلت التتار إلى قَارَةَ
(3)
، وقيل: إنهم وصلوا إلى القُطَيِّفة، فانزعج الناس لذلك انزعاجًا
(4)
شديدًا، ولم يبق حول القرى والحواضر أحد، وامتلأت القلعة والبلد، وازدحموا في
(5)
المنازل والطرقات، واضطرب الناس، وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمَشَقَّةٍ كبيرة، وصحِبته جماعة ليشهد القتالَ بنفسه ومن معه، فظنُّوا أنَّه إنَّما خرج هاربًا فحصل اللَّومُ من بعض الناس، وقالوا: أنت منعتنا من الجَفَل، وها أنت هارب من البلد؟ فلم يرد عليهم، وبقي البلد ليس فيه حاكم، وعاثت
(6)
اللُّصوص والحرافيش
(7)
فيه وفي بساتين الناس يخربون وينتهبون ما قدروا عليه، ويقطعون الثمر
(8)
قبل أوانه والباقلاء والقمح وسائر الخضراوات، وحيل بين الناس وبين خبر الجيش وانقطعت الطرق إلى الكُسْوة، وظهرت الوحشة على البلد والحواضر، وليس للناس شغل غير الصعود إلى المآذن ينظرون يمينًا وشمالًا إلى ناحية الكُسْوة فتارة يقولون: رأينا غبرةً فيخافون أن تكون من التتر، ويتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم وعددهم، أين ذهبوا؟ فلا يدرون ما فعل الله بهم، فانقطعت الآمال وألح الناس في الدعاء والابتهال وفي الصّلوات وفي كل حال، وذلك يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان، وكان الناس في خوف ورعب لا يعبَّر عنه، ولكن كان
(1)
ليست في: أو ط.
(2)
"الكُسْوة": بلدة معروفة على طريق دمشق درعا، تبعد عن دمشق نحو (20 كم) جنوبًا. وقيل: سميت لذلك لأن غسان قتلت بها رسُل ملك الروم لما أتوا إليهم لأخذ الجزية، واقتسمت كسوتهم. ياقوت 4/ 461.
(3)
قارة: بلدة على طريق دمشق حمص تبعد نحو (100 كم) إلى الشمال من دمشق ياقوت 4/ 395.
(4)
ليست في ب، ط.
(5)
في أ و ط: وازدحمت.
(6)
في ب، ط: جاس.
(7)
الحرافيش: هم سفلة الناس وأراذلهم.
(8)
في أ و ط: المشمش.
الفرج من ذلك قريبًا، ولكن أكثرهم لا يعلمون
(1)
، كما جاء في حديث أبي رزين
(2)
: "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قُنُوْطِ عبادِهِ وقُرْبِ غِيَرِهِ ينظر إليكم أَزْلِين قنطينَ، فيظَلُّ يضحَكُ يعلم أن فَرَجَكُم قَرِيْبٌ"
(3)
.
فلما كان آخر هذا اليوم وصل الأمير فخر الدين إياس
(4)
المرقبي أحد أمراء دمشق، فبشَّرَ الناس بخير، هو أن السلطان قد وصل وقد اجتمعت العساكر المصرية والشامية
(5)
، وقد أرسلني أكشف هل طَرَقَ البلدَ أحدٌ من التتر، فوجد الأمر كما يُحب لم يطرقها أحد منهم
(6)
، وذلك أن التتار عرجوا عن دمشق إلى ناحية العساكر المصرية، ولم يشتغلوا بالبلد، وقد قالوا: إن غَلَبنا، فالبلد لنا، وإن غُلبنا فلا حاجة لنا به، ونودي بالبلد بتطييب الخواطر، وأن السلطان قد وصل، فاطمأن الناس وسكنت قلوبهم
(7)
، وأثبت الشهر ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي، فإن السماء كانت مغيمة، فعلقت القناديل، وصليت التراويح، واستبشر الناس بشهر رمضان وبركته، وأصبح الناس يوم الجمعة في هَمٍّ شديد وخوف أكيد، لأنهم لا يعلمون ما خبر الناس. فبينما هم كذلك إذ جاء الأمير سيف الدين غرلو العادلي، فاجتمع بنائب القلعة، ثم عاد سريعًا إلى العسكر، ولم يدر أحد ما أخبر به، ووقع الناس في الأراجيف والخوض.
وقعة شَقْحَب
أصبح النّاسُ يومَ السبت على ما كانوا عليه من شدة الخوف وضيق الأمر، فرأوا من المآذن سوادًا وغبرة من ناحية العسكر والعدوّ، فغلب على الظنون أن الوقعة في هذا اليوم، فابتهلوا إلى الله عز وجل بالدعاء في المساجد والبلد، وطلع النساء والصغار على الأسطحة وكشفوا رؤوسهم، وضج البلد ضجة عظيمة، ووقع في ذلك الوقت مطر عظيم غزير، ثم سكن الناس، فلما كان بعد الظهر قُرِئت بطاقةٌ بالجامع تتضمن أن في الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعت الجيوش الشامية والمصرية مع السلطان
(1)
في ب، ط: لا يفلحون.
(2)
هو أبو رزين العقيلي.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 11) رقم (16145)، وابن ماجه رقم (181) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية ولفظه فيه: "ضحك ربنا. . . غيره". وله تتمة غير التي أوردها المؤلف هاهنا وفي إسناده ضعف. وفي النهاية لابن الأثير (1/ 46): "عجب ربكم من أزْلكم وقنوطكم، هكذا يروى في بعض الطّرق، والمعروف من "إِلِّكُم" وهو ما في قنعة الأريب في تفسير الغريب لابن قدامة المقدسي، تحقيق. صديقنا الفاضل د. علي حسين البواب (ص 44) "وإلِّكُم": رفع أصواتكم بالدعاء قلت: وهو الأنسب للمعنى هنا.
(4)
ويقال له: إياز، قتل سنة 750 هـ وسيأتي في أخبارها.
(5)
في ب: وهذا هو المقصود وقد أرسلني ليكشف.
(6)
ليست في ب.
(7)
زاد في ب: سكنت قلوب الناس مع وجوفها، وخوفها، وبالله المستعان.
في مرج الصُّفَّر
(1)
، وفيها طلب الدعاء من الناس والأمر بحفظ القلعة. والتحرُّز على الأسوار. فدعا الناس في الجامع والبلد، وانقضى النهار، وكان يومًا مزعجًا هائلًا، وأصبح الناس يوم الأحد يتحدَّثون بكسر التتر، وخرج الناس إلى ناحية الكُسْوة، فرجعوا ومعهم شيء من المكاسب، ومعهم رؤوس من رؤوس التتر
(2)
، وصارت أدلة كسرة التتار تقوى وتتزايد قليلًا قليلًا حتى اتضحت جملة، ولكن الناس لِمَا عندهم من شدة الخوف وكثرة التتر لا يصدِّقون، فلما كان بعد الظهر قُرِئ كتابُ السلطان إلى متولّي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشَقْحَب وبالكُسْوة، ثم جاءت بطاقةٌ بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأَفرم إلى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، وأن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلًا ونهارًا وأَنّهم هربوا وفرُّوا واعتصموا بالجبال والتلال، وأَنّه لم يسلم منهم إلا القليل، فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم، وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنّصر المبارك، ودقّت البشائر بالقلعة من أول النهار المذكور، ونُودي بعد الظهر بإخراج الجُفَّال
(3)
من القلعة لأجل نزول السُّلطان بها، وشرعوا في الخروج
(4)
.
وفي يوم الإثنين رابع الشهر رجع الناس من الكُسْوة إلى دمشق، فبشَّروا النَّاس بالنَّصر. وفيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من الجهاد، ففرح النّاس به ودعَوْا له وهنّؤوه بما يسر الله على يديه من الخير، وذلك أَنّه ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق، فسار إليه فحثَّه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر، فجاء هو وإياه جميعًا، فسأله السُّلطان أن يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ: السُّنَّةُ أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم، وحرض السلطان على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف له بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. وأفتى الناسَ بالفطر مدَّة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوَّوا على القتال أفضل، [فيأكل الناس]
(5)
، وكان يتأوَّل في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم:"إنكُم مُلاقُو العدوِّ غدًا، والفِطْر أقْوى لَكُم" فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري
(6)
.
وكان الخليفة أبو الربيع سليمان في صحبة السلطان، ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت
(1)
"مرج الصُّفَّر": قرب دمشق. ياقوت 5/ 101.
(2)
ليست في ب.
(3)
"الجفّال": الهاربون.
(4)
ليست في أ و ط.
(5)
زيادة من ط.
(6)
هكذا رواه المؤلف رحمه الله بالمعنى، وهو في صحيح مسلم رقم (1120) في الصِّيام، باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، وأبو داود أيضًا رقم (2406) في الصّوم، باب: الصوم في السفر، وفي لفظه اختلاف.
السلطان ثباتًا عظيمًا، وأمر بجواده فقيِّد حتى لا يهرب، وبايع الله تعالى في ذلك الموقف، وجرت خُطوب عظيمة، وقُتل جماعة من سادات الأمراء يومئذ، منهم الأمير حسام الدين لاجين الرُّومي أستاذ دار السلطان، وثمانية من الأمراء المقدَّمين وصلاح الدين بن الملك السعيد الكامل بن السعيد بن الصالح إسماعيل
(1)
، وخلق من كبار الأمراء، ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ، واستظهر المسلمون عليهم. ولله الحمد والمنة.
فلما جاء الليلُ لجأَ التتر إلى اقتحام التُّلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب، ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله عز وجل، وجعلوا يجيؤون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم، ثم اقتحم منهم جماعة الهزيمة فنجا منهم القليل، ثم كانوا يتساقطون في الأودية والمهالك، ثم بعد ذلك غرق منهم جماعة في الفرات بئْستِ الأمة
(2)
، وكشف الله بذلك عن المسلمين غمّة عظيمة شديدة، ولله الحمد والمنّة.
ودخل السلطان إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رمضان وبين يديه الخليفة، وزُيِّنت البلد، وفرح كل واحد من أهلها. أهل الجمعة والسبت والأحد
(3)
، فنزل السطان في القصر الأَبْلق
(4)
والميدان، ثم تحوّل إلى القلعة يوم الخميس، وصلّى بها الجمعة، وخلع على نوّاب البلاد وأَمَرَهم بالرجوع إلى بلادهم، واستقرت الخواطر، وذهب البأس وطابت قلوب الناس.
وعزل السلطان ابن النحّاس عن ولاية المدينة وجعل مكانه الأمير علاء الدين أَيْدغدي
(5)
أمير علم، وعزل صارم الدين إبراهيم
(6)
والي الخاص عن ولاية البر، وجعل مكانه الأمير حسام الدين لاجين الصغير
(7)
، ثم عاد السطان إلى الديار المصرية
(8)
يوم الثلاثاء ثالث شوال بعد أن صام رمضان وَعيَّد بدمشق.
وطلب الصوفيَّةُ من نائب دمشق الأَفرم أن يولّي عليهم مشيخة الشيوخ للشيخ صفي الدين الهندي، فأذن له في المباشرة يوم الجمعة سادس شوال عوضًا عن ناصر الدين بن عبد السلام
(9)
، ودخل السلطان
(1)
النجوم الزاهرة (8/ 206) وبدائع الزهور (1/ 414)، وفيهما ذكر لمن استشهد معهم في ذلك اليوم.
(2)
في أ و ط بسبب الظلام.
(3)
يعنى من المسلمين واليهود والنصارى.
(4)
"الأَبْلَق": قصر بناه في الميدان في دمشق، الملك الظاهر بيبرس. فوات الوفيات (1/ 244).
(5)
ويعرف بالزَّرَّاق. النجوم الزاهرة (9/ 12).
(6)
سيأتي ذكره في وفيات سنة 723 هـ.
(7)
سيأتي ذكره في وفيات سنة 729 هـ.
(8)
ابن خلدون (5/ 418).
(9)
الدارس في تاريخ المدارس (2/ 156).
القاهرة
(1)
يوم الثلاثاء ثالث عِشري شوال، وكان يومًا مشهودًا، وزُيِّنت القاهرة.
وفيها جاءت زلزلة
(2)
عظيمة يوم الخميس بكرة الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، وكان جمهورها بالديار المصرية، تلاطمت بسببها البحار، فكُسِرت المراكب، وتَهدَّمت الدور، ومات خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، وتشقِّقت الحيطان، ولم يُرَ مثلُها في هذه الأعصار، وكان منها بالشام طائفة، لكن كان ذلك أخف من سائر البلاد غيرها.
وفي ذي الحجة باشر الشيخ أبو الوليد ابن الحاج الإشبيلي المالكي إمام
(3)
محراب المالكية بجامع دمشق بعد وفاة الشيخ شمس الدين محمد الصّنْهاجي.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
ابن دَقِيْق العِيْد: الشيخ الإمام العالم العلّامة الحافظ قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد
(4)
القُشَيري المصري.
ولد يوم السبت الخامس والعشرين
(5)
من شعبان سنة خمس وعشرين وستمئة بساحل مدينة يَنْبُع من أرض الحجاز.
سمع الكثير، ورحل في طلب الحديث، وخرَّج، وصنّف فيه إسنادًا ومتنًا مصنفات عديدةً، فريدة مفيدة، وانتهت إليه رياسة العلم في زمانه، وفاق أقرانه، ورحل إليه الطلبة
(6)
ودرّس في أماكن كثيرة، ثم ولّي قضاء الديار المصرية في سنة خمس وتسعين
(7)
وستمئة، ومشيخة دار الحديث الكاملية
(8)
.
[وقد اجتمع به الشيخ تقي الدين بن تيمية، فقال له تقي الدين بن دقيق العيد لما رأى تلك العلوم منه: ما أظن بقي يخلق مثلك]
(9)
. وكان وقورًا قليل الكلام غزير الفوائد كثير العلوم في ديانة ونزاهة، وله شعر رائق.
(1)
في ب: وكان دخول السلطان والعساكر إلى القاهرة. . .
(2)
في ب: وزلزلت الشام. وكذلك النجوم الزاهرة (8/ 210).
(3)
في ب: إمامة. والإشبيلي وفاته سنة 728 هـ. الدارس (2/ 6) وما بعدها.
(4)
ترجمته في: الدرر الكامنة (4/ 91 - 96) وفيه: محمد بن علي بن وهيب بن مطيع، والنجوم الزاهرة (8/ 206) وبدائع الزهور (1/ 411 - 412) وشذرات الذهب (6/ 5) والطالع السعيد (ص 317) وفيه: أن جدّ أبيه كان عليه طيلسان شديد البياض في يوم عيد، فقيل: كأنه دقيق العيد فلقب به.
(5)
في النجوم الزاهرة: مولده في العشرين من شعبان.
(6)
زاد في ب: وحنّت إلى فوائده الركاب.
(7)
كذا في ط و ب، وفي أ: وسبعين وهو سهو.
(8)
التي في القاهرة.
(9)
زيادة من ط.
توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر، وصلّي عليه يوم الجمعة المذكور بسوق الخيل، وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء، ودفن بالقَرَافة الصُّغرى، رحمه الله.
الشيخ برهان الدين الإسكندري إبراهيم بن فلاح
(1)
بن محمد بن حاتم: سمع الحديث
(2)
وكان ديّنًا فاضلًا.
وُلد سنة ست وثلاثين وستمئة. وتوفي يوم الثلاثاء رابع وعشرين شوال عن خمس وستين سنة
(3)
.
وبعد شهر
(4)
بسواء كانت وفاة:
الصدر كمال
(5)
الدين بن العطار: كاتب الدرج منذ أربعين سنة، أبو العباس أحمد بن أبي الفتح محمود بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن سلمان
(6)
بن فتيان الشيباني، كان من خيار الناس وأحسنهم نقيبة
(7)
، ودفن بتربة لهم تحت الكهف بسفح قاسيون، وتأسف الناس عليه لإحسانه إليهم، رحمه الله تعالى.
الملك العادل زين الدين كَتْبُغا
(8)
: توفي بحماة نائبًا عليها بعد صَرْخَد
(9)
يوم الجمعة يوم عيد الأضحى، ونقل إلى تربته بسفح قاسيون غربي الرباط الناصري، [يقال لها: العادلية، وهي تربة مليحة ذات شبابيك وبوابة ومئذنة]
(10)
، وله عليها أوقاف دارة على وظائف [من قراءة وأذان وإمامة](7) وغير ذلك، وكان من كبار الأمراء المنصورية، وقد ملك البلاد بعد مقتل الأشرف خليل بن المنصور
(11)
، ثم
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 53) والدارس (1/ 26).
(2)
زاد في ب وتفقّه ودرَّس بالقوصيّة، وأعاد، وأفتى، وناب في الخطابة مدةً، وفي الحكم عن ابن جماعة وهي كذلك في الدرر والدارس (1/ 439).
(3)
زاد في ب: ودفن بالقرب من الفندلاوي.
والفندلاوي هو أبو الحجاج يوسف بن درباس المغربي شيخ المالكية، قُتل في حصار الفرنج لدمشق سنة 543 هـ. الدارس (2/ 11).
(4)
كذا في ب وهو الصّواب، لأنّ وفاة ابن العطّار كانت في 14 ذي القعدة. وفي أ و ط: شهور.
(5)
في الأصل و ط: جمال وهو تحريف. ترجمته في النجوم الزاهرة (8/ 203). وفيه: أحد كتاب الدرج في دمشق. وذكره صاحب الفوات (1/ 158) عرضًا في ترجمة شهاب الدين بن فضل الله في عداد الكتاب المجيدين، وسماه: كمال الدين بن العطار.
(6)
سقطت من ط، وفي النجوم الزاهرة (سليمان).
(7)
في الأصل وط: "تقية" ولا معنى لها وفي ب: هيئة. وهو معقول، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(8)
ترجمته في فوات الوفيات (3/ 218) وفيه: رسم له أن يقيم في صرخد، ثم أحسن إليه الناصر فأعطاه حماة. والدرر الكامنة (3/ 262 - 264) والنجوم الزاهرة (8/ 206) وشذرات الذهب (6/ 5).
(9)
"صَرْخَد": بلد ملاصق لبلاد حوران من أعمال دمشق، وهي قلعة حصينة. ياقوت 7/ 401.
(10)
ليست في ب. وهو في الدارس (2/ 261).
(11)
سبقت ترجمته في الجزء السابق من الكتاب.
انتزع الملك منه لاجين
(1)
[وجلس في قلعة دمشق، ثم تحول إلى صَرْخد وكان بها إلى أن قتل لاجين وأخذ الملك الناصر بن قلاوون، فاستنابه بحماة حتى كانت وفاته كما ذكرنا]
(2)
.
وكان من خيار الملوك وأعدلهم وأكثرهم بِرًّا، وكان من خيار الأمراء والنوّاب، رحمه الله.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمئة
استهلت والحكام
(3)
هم المذكورون في التي قبلها.
وفي صفر تولى الشيخ كمال الدين بن الشُّرَيْشي
(4)
نظارة الجامع الأموي، وخلع عليه، وباشره مباشرة مشكورة، وساوى بين الناس، وعزل نفسه في رجب منها.
وفي شهر صفر تولَّى الشيخ شمس الدين الذهبي
(5)
خطابة كَفْرَ بَطْنا
(6)
وأقام بها. ولما توفي الشيخ زين الدين الفارقي في
(7)
هذه السنة - كما سيأتي في الوفيات - كان نائب السلطنة في نواحي البَلْقاء
(8)
يكشف بعض الأمور، فلما قدِم تكلموا معه في وظائف الفارِقي فعيّن الخطابة لشرف الدين الفَزَاري
(9)
، وعَيَّن الشامية البرّانية ودار الحديث
(10)
للشيخ كمال الدين بن الشَّرِيْشِي
(11)
، وذلك بإشارة الشيخ تقي الدين بن تيمية، وأخذ منه الناصرية
(12)
للشيخ كمال الدين بن الزَّمْلَكَاني، ورسم بكتابة التواقيع بذلك،
(1)
في ب: ثم عزل عنها لاجين. وهو الأمير حسام الدّين لاجين.
(2)
ليست في الأصل واستدركتها من أ و ط.
(3)
زاد في ب: وخليفة الوقت المستكفي بالله ابن الحاكم، وسلطان البلاد الملك الناصر عمرو بن قلاوون ونائبه بمصر سيف الدين سلّار، وقاضي الشافعية بدر الدين بن جماعة، ونائب الشام جمال الدين آقوش الأفرم، وقاضي المالكية جمال الدين الزّواوي، وقاضي الحنابلة تقي الدين سليمان المقدسي، وخطيب البلد زين الدين الفارقي.
(4)
الفوات (1/ 120 - 121) وسيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
* هنا حدث انتقال في الأرقام، إذ كررت مجموعة أوراق في (أ) لأحداث وسنوات ماضية، ثم تابع الأحداث في الورقة (267) كما أشرت في الهامش. أما في الأصل فالكلام متصل.
(5)
وهو: محمد بن أحمد، العلّامة المعروف، سيأتي في وفيات (748 هـ).
(6)
"كَفْرَبَطْنَا": من قرى غوطة دمشق، ذكرها ياقوت في معجمه (4/ 468).
(7)
في ب: صغر من وقوله: كما سيأتي في الوفيات سقط من ط. وهو في ب والأصل.
(8)
"البَلْقاء": من مناطق الأردن اليوم، ذكرها ياقوت في معجمه.
(9)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة (729 هـ).
(10)
"الشاميَّة البرانية": بالعُقَيْبة من أحياء دمشق القديمة، بنتها والدة الملك الصالح إسماعيل. الدارس (1/ 279).
ودار الحديث الأشرفية الدمشقية، جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية. الدارس (1/ 19).
(11)
سيأتي في وفيات (718 هـ).
(12)
دار الحديث، الدارس (1/ 27) وكمال الدين بن الزملكاني محمد بن علي، ستأتي ترجمته في وفيات سنة (727 هـ).
وباشر الشيخ شرف الدين الإمامة والخَطابة، وفرح الناس به لِحُسْن قراءته وطيب صوته وجودة سيرته.
فلما كان بكرة يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول، وصل البريد من مصر صحبةَ الشيخ صدر الدين بن الوكيل
(1)
، وقد سبقه مرسوم السلطان له بجميع جهات الفارقي مضافًا إلى ما بيده من التدريس، فاجتمع بنائب السلطنة بالقصر، وخرج من عنده إلى الجامع، ففتح له باب دار الخطابة، فنزلها وجاءه الناس يهنِّئونه، وحضر عنده القُرّاء والمؤذنون، وصَلّى بالناس العصر، وباشر الإمامة يومين، فأظهر الناسُ التألُّمَ من صلاته وخطابته، وسَعَوا فيه إلى نائب السلطنة، فمنعه من الخطابة، وأَقرّه على التدريس ودار الحديث، فباشر
(2)
وجاء توقيعٌ سلطاني للشّيخ شرف الدين الفزاري بالخطابة، فخطب يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى، وخلع عليه بطرحة، وفرح الناس به، وأخذ الشيخ كمال الدين بن الزمْلَكاني تدريس الشامية البرانية من يد ابن الوكيل، وباشرها في مستهل جمادى الأولى واستقرت دار الحديث بيد ابن الوكيل مع مدرستيه الأوليين، وأظنهما العذراوية والشامية الجوانية
(3)
.
ووصل البريد في ثاني عشر جمادى الأولى بإعادة السَّنْجَري إلى نيابة القلعة وتولية نائبها الأمير سيف الدين الجوكنداري
(4)
نيابة حمص عوضًا عن عز الدين الحموي الذي توفي.
وفي يوم السبت ثاني عشر رمضان
(5)
قدمت ثلاثة آلاف فارس من مصر، وأُضيف إليها ألفان من دمشق، وساروا وأخذوا معهم نائب حمص الجوكندار، ووصلوا إلى حماة، فصحبهم نائبها الأمير سيف الدين قبجق
(6)
، وجاء إليهم أسَنْدمر
(7)
نائب طرابلس، وانضاف إليهم قَرَاسُنْقر
(8)
نائب حلب، وانفصلوا كلهم عنها، وافترقوا فرقتين، طائفة
(9)
سارت صحبة قبجق إلى ناحية مَلَطْية، وقلعة الروم
(10)
، والفرقة
(1)
سيأتي في وفيات سنة (716 هـ).
(2)
ليست في الأصل و ط.
(3)
"العذراويّة": بحارة الغرباء، داخل باب النّصر، وهي وقف على الشّافعية، والحنفية. الدارس (1/ 27، 1/ 376).
والشامية الجوانية: تقع قبلي المارستان النوري. الدارس (1/ 271، و 1/ 305).
(4)
الجوكندار هو الذي يحمل الجوكان للسُّلطان، وهو المحجن الذي يلعب به ويضرب الكرة. صبح الأعشى (5/ 458).
(5)
انظر الشذرات (6/ 7)، ابن خلدون (5/ 420).
(6)
سيأتي في وفيات سنة (710 هـ).
(7)
سيأتي في وفيات سنة (711 هـ).
(8)
هو المنصوري، سيأتي في وفيات سنة (728 هـ).
(9)
في ط: فرقة.
(10)
"مَلَطْيةُ": بفتح أوّله وثانيه وسكون الطّاء، وتخفيف الياء، وهي من بناء الاسكندر، وجامعها من بناء الصحابة وهي بلدة مَشْهُورة من بلاد الرّوم مذكورة تتاخم بلاد الشّام. ياقوت.
وقلعة الروم: قلعة حصينة غربيّ الفرات، مقابل البيرة، بينها وبين سُمَيْسَاط: ياقوت.
الأخرى صحبة قَرَاسُنْقُر حتى دخلوا الدَّرْبَنْدات
(1)
، وحاصروا تلّ حمدون، فتسلموه عنوة في ثالث
(2)
ذي القعدة بعد حصار طويل، فدقت البشائر بدمشق لذلك، ووقع الاتفاق
(3)
مع صاحب سِيْس على أن يكون للمسلمين من نهر جيحان إلى حلب، وبلاد ما وراء النهر
(4)
إلى ناحيتهم لهم، وأن يعجِّلوا حمل سنتين، ووقعت الهدنة على ذلك، وذلك بعد أن قتل خلق من أمراء الأرمن ورؤسائهم، وعادت العساكر إلى دمشق مؤيَّدين منصورين، ثم توجهت العساكر المصرية [صحبة مقدَّمهم أمير سلاح]
(5)
إلى مصر.
وفي أواخر السنة كان موت قازان
(6)
وتولية أخيه خربندا. وهو ملك التتار قازان، واسمه محمود بن أرغون بن أبغا، وذلك في رابع عشر شوال أو حادي عشر أو ثالث عشر، بالقرب من هَمَذان، ونقل إلى تربته بتبريز
(7)
بمكان يسمى الشام، ويقال: إنه مات مسمومًا.
وقام في الملك بعده أخوه خَرَبَنْدَا
(8)
محمد بن أَرْغُون، ولقَّبوه الملك غياث الدين، وخُطب له على منابر العراق وخراسان وتلك النواحي والبلاد.
وحج في هذه السنة الأمير سيف الدين سَلّار نائب مصر
(9)
وفي صحبته أربعون أميرًا، وجميع أولاد الأمراء، وحج معهم وزير مصر الأمير عز الدين البغدادي، وتولى مكانه بالبِرْكة
(10)
ناصر الدين محمد الشيخي. وخرج سَلَّار في أُبَّهة عظيمة جدًّا، وأميرُ ركب المصريين الحاج إباق الحسامي، وترك الشيخ صفي الدين
(11)
مشيخة الشيوخ، فوليها القاضي تقي الدين
(12)
عبد الكريم ابن قاضي القضاة
(1)
والدَّرْبَنْد: هي باب الأبواب، وينسب إليها بعض الرجال. ياقوت 2/ 449. والتاج (دربد).
(2)
في ب: ثالث عشر.
(3)
ليست في ط.
(4)
في ب: وللأرض من النهر إلى ناحيتهم.
(5)
زيادة من ط.
(6)
اسمه: غازان، والعامّة تقول: قازان، بالقاف.
ذيل العبر (ص 26) وفوات الوفيات (4/ 97) والدرر الكامنة (3/ 212) والنجوم الزاهرة (8/ 212).
(7)
في ط: بيبرين وهو تصحيف. فيبرين من قرى حلب، ومستبعد جدًّا أن ينقل من همذان إليها، والأولى أن ينقل إلى تبريز من بلاد فارس. ياقوت.
(8)
الفوات (4/ 97). قال بشار: أصلها "خُدُابندا"، أي: عبد الله.
(9)
في ب: نائب السلطنة في الديار المصريّة. وذكر صاحب الدرر الكامنة (2/ 276) خروج سلَّار سنة (704 هـ).
(10)
"بِرْكة": وتسمى بِرْكَةُ الحَبَش وهي خاصة بالأشراف، خلف القَرَافة، مشرفة على نيل مصر انظر ياقوت (1/ 401).
وناصر محمد الشّيخي الأمير الوزير، ويقال له: ذبيان، مات تحت العقوبة سنة (703 هـ).
انظر النجوم الزاهرة (8/ 214) أما الدرر الكامنة (1/ 104) فذكر وفاته في سنة (704 هـ).
(11)
سيأتي في وفيات سنة (715 هـ).
(12)
ليست في ب، ط. وعبد الكريم بن محيي الدين بن الزكي، توفي سنة (703 هـ) الدارس (2/ 157).
محيي الدين بن الزكي، وحضر الخانقاه يوم الجمعة الحادي والعشرين
(1)
من ذي القعدة، وحضر عنده ابن صَصْرَى وعز الدين القلانِسي، والصاحب ابن المُبشَّر
(2)
والمحتسِب، وجماعة.
وفي ذي القعدة وصل من التتر مقدَّمُ كبير قد هرب منهم إلى بلاد الإسلام، وهو الأمير بدر الدين جَنْكَلي بن البابا
(3)
، وفي صحبته نحو من عشرة، فحضروا الجمعة في الجامع، وتوجهوا إلى مصر، فأُكرم وأُعطي إمْرة ألف، وكان مقامه ببلاد آمد، وكان يناصح السلطان ويكاتبه ويطلعه على عورات التتر
(4)
، فلهذا عَظُم شأنُه في الدولة الناصرية.
وممن توفي فيها من الأعيان: ملك التترقازان
(5)
.
والشيخ القدوة العابد الزاهد الورع أبو إسحاق: إبراهيم بن أحمد
(6)
بن محمد [بن معالي بن محمد]
(7)
بن عبد الكريم الرَّقِّي الحنبلي. كان أصله من بلاد الشرق، ومولده بالرقة من سنة سبع وأربعين وستمئة. واشتغل، وحصَّل، وسمع شيئًا من الحديث، وقَدِم دمشق، فسكن بالمئذنة الشرقية في أسفلها بأهله إلى جانب الطهارة بالجامع، وكان معظَّمًا عند الخاص والعام، فصيحَ العبارة، كثير العبادة، خَشِن العيش، حسن المجالسة، لطيف الكلام، كثير التلاوة، قويّ التوجه، من أفراد العالم، عارفًا بالتفسير والحديث والفقه والأصلين، وله مصنفات وخُطب، وله شعر حسن.
توفي بمنزله ليلة الجمعة خامس عشر المحرم، وصلّي عليه عقيب الجمعة، ونقل إلى تربة الشيخ أبي عمر بالسفح
(8)
، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله وأكرم مثواه.
وفي هذا الشهر توفي الأمير زين الدين قراجا: أستاذ دار الأفرم، ودفن بتربته بميدان الحصا
(9)
عند النهر.
والشَّيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام: عرف بابن الحُبْلى، كان من خيار
(1)
كذا في ب وفي أ: حادي عشرين وفي ط: الحادي عشر. وفي الدارس (2/ 157) سادس عشرين.
(2)
في ط: الميَسَّر تحريف.
(3)
الدرر الكامنة (1/ 54) والدليل الشافي (1/ 251).
(4)
في ب: وينبهه على عورات المغول.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 212) والنجوم الزاهرة (8/ 222) وبدائع الزهور (1/ 417) وشذرات الذهب (6/ 9).
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 14 - 15) الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 349) وشذرات الذهب (6/ 7).
(7)
زيادة من ط و ب.
(8)
أي: سفح جبل قاسيون.
(9)
وهي المسمّاة بالتربة القراجيّة. انظر الدارس (2/ 271).
الناس، يتردّد إلى عكّا أيامًا حينما كانت في [أيدي]
(1)
الفرنج، في فِكاك أَسارى المسلمين، جزاه الله خيرًا وعتقه من النار وأدخله الجنة برحمته.
الخطيب ضياء الدين: أبو محمد عبد الرحمن
(2)
ابن الخطيب جمال الدين أبي الفرج عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السُّلميّ، خطيب بَعلبَكّ نحوًا من ستين سنة، هو ووالده.
وُلد سنة أربع عشرة وستمئة وسمع الكثير وتفرّد عن القزويني. وكان رجلًا جيدًا حسن القراءة
(3)
من كبار العُدُول.
توفي ليلة الإثنين ثالث صفر، ودفن بباب سَطحا.
الشيخ زين الدين الفَارقي: عبد الله بن مروان
(4)
بن عبد الله بن فهر بن الحسن، أبو محمد الفارقي، شيخ الشافعية.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمئة، وسمع الحديث الكثير، واشتغل ودرَّس في
(5)
عدة مدارس، وأفتى مدةً طويلةً، وكانت له همّة وشهامة وصرامة، وكان يباشر الأوقاف جيدًا. وهو الذي عمر دار الحديث بعد خرابها زمن قازان
(6)
، وقد باشرها سبعًا وعشرين سنة من بعد النواوي إلى حين وفاته. وكانت معه الشامية البرانية وخطابة الجامع الأموي تسعة أشهر، باشر به الخطابة قبل وفاته، وقد انتقل إلى دار الخطابة وتوفي بها يوم الجمعة بعد العصر، وصُلّي عليه ضحى السبت، صلى عليه ابن صَصْرَى عند باب الخطابة، وبسوق الخيل قاضي الحنفية شمس الدين بن الحريري
(7)
، وعند جامع الصالحية قاضي الحنابلة تقي الدين سليمان
(8)
، ودفن بتربة أهله شمالي تربة الشيخ أبي عمر رحمه الله.
وباشر بعده الخطابة شرف الدين الفزاري
(9)
ومشيخة دار الحديث ابن الوكيل
(10)
، والشامية البرانية ابن الزَّمْلَكَاني، وقد تقدَّم ذلك.
(1)
زيادة من ط و ب.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 335)، وشذرات الذهب (6/ 9).
(3)
في ب: والخطبة.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 304 - 305) وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 292) وشذرات الذهب (6/ 8) والدارس (1/ 26) وفيها جميعًا: فيروز. بدلًا من فهر.
(5)
في ط: بعدة. وفي الشذرات: في فتنة.
(6)
في ط: بيد قازان.
(7)
سيأتي في وفيات سنة (728 هـ).
(8)
سيأتي في وفيات سنة (715 هـ).
(9)
شرف الدين الفزاري. جاء ذكره في فوات الوفيات (1/ 33) لدى ذكر ابن أخيه إبراهيم وفيه: أنه كان خطيب الجامع الأموي.
(10)
سيأتي في وفيات سنة (716 هـ).
الأمير الكبير عز الدين أَيْبَك الحموي
(1)
: ناب بدمشق مدة، ثم عزل عنها إلى صرخد، ثم نقل قبل موته بشهر إلى نيابة حمص، وتوفي بها يوم العشرين من ربيع الآخر، ونقل إلى تربته بالسفح غربي زاوية ابن قوام، وإليه ينسب الحمام بمسجد القصب
(2)
الذي يقال له: حمام الحموي، عمره في أيام نيابته.
الوزير فتح الدين: أبو محمد عبد الله بن محمد
(3)
بن أحمد بن خالد بن محمد بن نصر بن صعير
(4)
القرشي المخزومي ابن القَيْسراني.
كان شيخًا جليلًا أديبًا شاعرًا مجوِّدًا من بيت رياسة ووزارة. ولي وزارة دمشق مدة، ثم أقام بمصر موقعًا مدة، وكان له اعتناء بعلوم الحديث وسماعه وإسماعه
(5)
، وله مصنف في أسماء الصحابة الذين خرَّج لهم في الصحيحين، وأورد شيئًا من أحاديثهم في مجلدين كبيرين موقوفين بالمدرسة الناصرية بدمشق، وكان له مذاكرة جيدة محررة باللفظ والمعنى، وقد خرَّج عنه الحافظ الدمياطي، وهو آخر من توفي من شيوخه.
توفي بالقاهرة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الآخره، وأصلهم من قيسارية
(6)
.
وكان جدُّه موفق الدين أبو البقاء خالد
(7)
وزيرًا لنور الدين الشهيد، وكان من الكتَّاب المجيدين المتقنين، له كتابة جيدة محررة جدًّا، توفي في أيام صلاح الدين سنة ثمان وثمانين وخمسمئة.
وأبوه محمد بن نصر بن صعير
(8)
ولد بعكا قبل أخذ الفرنج لها سنة ثمان وسبعين وأربعمئة، فلما أخذت بعد التسعين
(9)
وأربعمئة انتقل أهلهم إلى حلب فكانوا بها، وكان شاعرًا مطبقًا له ديوان مشهور، وكان له معرفة جيدة بالنجوم وعلم الهيئة وغير ذلك.
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 422) والنجوم الزاهرة (8/ 212) وفيه: ولي نيابة صرخد ثمّ حمص، ومات في تاسع عشر ربيع الآخر. والدارس (2/ 258).
(2)
ويعرف بمسجد الأقصاب وما زال قائمًا ويعرف اليوم بجامع السادات. الدارس (2/ 429).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 284) والنجوم الزاهرة (8/ 213) وشذرات الذهب (6/ 9) والأعلام (4/ 125).
(4)
في ط: صقر.
(5)
ليست في ط.
(6)
"قَيْساريّة": بلد على ساحل بحر الشام تعدُّ في أعمال فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة أيام. ياقوت.
(7)
ذكره صاحب الأعلام (2/ 298) نقلًا عن المؤلف هنا.
(8)
ترجمته في وفيات الأعيان (4/ 458) والدارس (2/ 388) وفي ط: صقر.
(9)
كذا في ب، وهو الصواب، وفي الأصل أ، ط: السبعين. وهو خطأ. إذ إن سقوط عكا كان سنة (497 هـ) كما ذكر ابن كثير في أخبار هذه السنة، وكذلك ابن خلدون (4/ 188) وشذرات الذهب (3/ 404).
[ترجمة الوالد رحمه الله]
(1)
وفيها توفي الوالد، وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء ابن درع القرشي، من بني خُصَيْلة
(2)
، وهم ينتسبون إلى الشرف، وبأيديهم نسب، وقف على بعضها شيخنا المِزّي فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك: القرشي. من قرية يقال لها: الشركوين
(3)
غربي بصرى، بينها وبين أذرعات، ولد بها في حدود سنة أربعين وستمئة، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى، فقرأ (البداية)
(4)
في مذهب أبي حنيفة، وحفظ (جمل) الزَّجّاجي، وعني بالنحو والعربية واللغة
(5)
، وحفظ أشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء، وقرَّر بمدارس بصرى بمبرك
(6)
الناقة شمالي البلد حيث يزار. وهو المبرك المشهور عند الناس، والله أعلم بصحة ذلك
(7)
.
ثم انتقل إلى خطابة القُريَّة شرقي بصرى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النواوي، والشيخ
(8)
تاج الدين الفزاري، [وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزَّمْلَكاني]
(9)
، فأقام بها نحوًا من اثنتي عشرة سنة، ثم تحول إلى خطابة مُجَيْدل، القُرَيَّة التي منها الوالدة رحمها الله، فأقام
(10)
بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة. وكان يخطب جيدًا، وله قبول
(11)
عند الناس، ولكلامه موقع، ولديانته وفصاحته حلاوة، وكان يؤثر الإقامة في البلاد لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله
(12)
.
(1)
زيادة من ب، وفي ط: ترجمة والد ابن كثير مؤلف هذا التاريخ.
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 185) والدليل الشافي (1/ 503) وشذرات الذهب (6/ 9).
(2)
في الأصل وب: حصلة. وفي القاموس (بنو خُصَيْلة: بُطَين). وهو: خُصيلة واسمه عمرو بن مرَّةَ بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض. جمهرة النسب لابن الكلبي. تحقيق محمود فردوس العظم (2/ 109).
(3)
في الدليل الشافي (السرلوين).
(4)
هو: بداية المبتدي في الفروع لعلي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي، توفي سنة (593 هـ) كشف الظنون (1/ 227).
(5)
ليست في ب.
(6)
في ط: بمنزل.
(7)
ليست في ب.
(8)
كذا في ب، والدرر الكامنة (3/ 185) وكذلك سيذكره المؤلف بعد قليل. وفي الأصل وآ، و ط: تقي الدين.
والنّواوي: هو العلامة الفقيه الحافظ أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، توفي سنة (676 هـ). ترجمته في تذكرة الحفاظ (4/ 1470 - 1474) وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 476).
(9)
ليست في ب.
(10)
في ط: فأقاما.
(11)
في ط: مقول وهو خطأ.
(12)
في ب: من الرفق به وبعياله.
وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس، ثم من الوالدة عبد الوهاب وعبد العزيز ومحمد وأخوات عدة، ثم أنا أصغرهم، وسُمّيت باسم الأخ إسماعيل لأنه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ
(1)
مقدمة في النحو، وحفظ (التنبيه)
(2)
وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصّل (المنتخب) في أصول الفقه، قاله لي شيخنا ابن الزَّمْلَكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث أيامًا ومات، فوَجَدَ الوالد عليه وَجْدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلِدْتُ له أنا بعد ذلك سمَّاني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل
(3)
، فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي.
توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة، بقرية مُجَيدل القُرَيَّة
(4)
، ودفن بمقبرتها الشّمالية عند الزيتونة، وكنت إذ ذاك صغيرًا ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أُدركه إلا كالحُلُم، ثم تحوّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمئة إلى دمشق صحبة الأخ
(5)
كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسر الله تعالى منه ما يسّر، وسهّل منه ما تعسر. والله أعلم
(6)
.
(1)
في ب: وقرأ عليه.
(2)
التنبيه في فروع الشافعية: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفّى سنة (476 هـ) وله شروح كثيرة. كشف الظنون (1/ 489).
(3)
في ب: فأول أولاده إسماعيل وأصغرهم إسماعيل.
(4)
في ط: في قرية، وفي الدارس (1/ 301) وفيه: سميت كذلك لتمييزها عن مجيدل السويداء.
(5)
ليست في ط.
(6)
زاد في المطبوع خبرًا عن البرزالي في ترجمة والد ابن كثير، ليس في الأصول الخطِّيَّة. وقال: إنه زيادة من نسخة أخرى، لم أهتد إليها. قلت: وهو في طبعة هجر 18/ 42 - 44.
وهو:
وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في معجمه فيما أخبرني عنه شمس الدين محمد بن سعد المقدسي مخرجه له، ومن خط المحدّث شمس الدين بن سعد هذا نقلت، وكذلك وقفت على خط الحافظ البرزالي مثله في السّفينة الثانية من السّفن الكبار.
قال: عمر بن كثير القرشي خطيب القُرَيَّة وهي قرية من أعمال بُصرى، رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيرًا من اللُّغْز، وله همة وقوة، كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة بمجيدل القرية من عمل بُصرى.
أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القُرَيَّة بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمئة: [من الطويل]
نأَى النومُ عن جَفني فبتُّ مسهَّدا
…
أخا كَلَفٍ حِلْفَ الصبابة موجدا
سمير الثُّريَّا والنجوم مدلَّهًا
…
فمِن وَلَهي خِلت الكواكب رُكَّدا
طريحًا على فُرُشِ الصبابة والأسى
…
فما ضركم لو كنتمُ ليَ عُوَّدا =
ثم دخلت سنة أربع وسبعمئة
استُهِلَّت والخليفة والسلطان والحكام والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها
(1)
.
وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول دارت
(2)
الدروس والوظائف التي أنشأها الأمير بيْبَرْسُ الجَاشَنُكِير المنصوري بجامع الحاكم بعد أن جدَّده من خرابه بالزلزلة التي طرقت ديار
(3)
مصر في آخر سنة ثنتين وسبعمئة، وجَعَلَ القُضاةَ الأربعة هم المدرسين للمذاهب، وشيخ الحديث سعد الدين الحارثي، وشيخ
= تقلِّبني أيدي الغرامِ بلوعةٍ
…
أرى النَّار من تلقائها ليَ أبردا
ومزّقَ صبري بعد جيران حاجزٍ
…
سعيرُ غرام باتَ في القلب موقدا
فأمطرته دمعي لعلَّ زفيره
…
يقلُّ، فزادته الدموع توقُّدا
فبتُّ بليلٍ نابغيّ ولا أرى
…
على النأي من بعد الأحبّة صُعّدا
فيا لك من ليلٍ تباعد فجره
…
عليَّ إلى أن خِلته قد تخلّدا
غرامًا ووجدًا لا يحدّ أقله
…
بأهيف معسولِ المراشف أغيدا
له طلعة كالبدر زان جمالها
…
بطرّةِ شَعر حالك اللون أسودا
يهزُّ من القدِّ الرشيق مثقَّفًا
…
ويشهرُ من جفنيه سيفًا مهنَّدا
وفي وَردِ خديه وآس عذاره
…
وضوء ثناياه فنيت تجلُّدا
غدا كلُّ حُسنٍ دونَهُ متقاصرًا
…
وأضحى له ربُّ الجمال موحّدا
إذا ما رنا واهتزَّ عند لقائه
…
سباك، فلم تملك لسانًا ولا يدا
وتسجد إجلالًا له وكرامةً
…
وتقسمُ قد أمسيتَ في الحسن أوحدا
وربّ أخي كفرٍ تأمّلَ حسنه
…
فأسلم من إجلاله وتشهّدا
وأنكر عيسى والصَّليبَ ومريمًا (*)
…
وأصبح يهوى بعد بغضٍ محمدا
أيا كعبة الحُسن التي طاف حولها
…
فؤادي، أما للصدِّ عندك من فدا
قِنعتُ بطيفٍ من خيالك طارق
…
وقد كنت لا أرضى بوصلك سرمدا
فقد شفّني شوقُ تجاوز حدّهُ
…
وحسبكَ من شوقٍ تجاوز واعتدا
سألتك إلّا ما مررتَ بحيِّنا
…
بفضلك يا ربَّ الملاحةِ والنَّدا
لعلَّ جفوني أن تغيض دموعها
…
ويسكن قلبٌ من هجرتَ فما هذا
غلطتَ بهجراني ولو كنتَ صابيًا
…
لما صدّكَ الواشون عنّي ولا العِدَا
وعدَّتها ثلاثة وعشرون بيتًا، والله يغفرُ له ما صنع من الشعر.
(*) أراد بإنكار عيسى ومريم، إنكار الألوهيّة التي يدَّعيها بعض أهل الكتاب، وذلك من قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [المائدة: 116].
لا إنكار نُبوّة: لأنّ ذلك مستبعدٌ من عالمٍ مثله رحمه الله.
(1)
في ط: استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها.
(2)
في ب، ط: حضرت. تحريف.
(3)
في ب: كانت في أواخر سنة ثنتين وسبعمئة، وفي ط: طرأت على دياره.
النحو أثير الدين أبا حيان
(1)
، وشيخ القراءات السبع الشيخ نور الدين الشَّطَّنَوْفي
(2)
، وشيخ إفادة العلوم الشيخ علاء الدين القونوي
(3)
.
وفي جُمادى الآخرة باشر الأمير ركن الدين بِيْبَرْس الحجوبية مع الأمير سيف الدين بَكْتَمِر
(4)
، وصارا حاجبين كبيرين في دمشق.
وفي رجب منها حضر إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية شيخ كان يلبس دلقًا كبيرًا متَّسعًا جدًّا يسمى المجاهد إبراهيم القطان، فأمر الشيخ بتقطيع ذلك الدلق. فتناهبه الناس من كل جانب وقطّعوه حتى لم يَدَعوا فيه شيئًا]
(5)
، وأمر بحلق رأسه، وكان ذا شعر، وقلم أظفاره، وكانوا طوالًا جدًّا، وحَفّ شاربه المسبل على فمه المخالف للسُّنة، واستتابه من كلام الفحش وأكْلِ ما يغيِّر العقل من الحشيشة وغيرها.
وبعده استحضر الشيخ محمد الخبَّاز البلاسي فاستتابه أيضًا عن أكل المحرمات ومخالطة أهل الذمة، وكتب عليه مكتوبًا أن لا يتكلم في تعبير المنامات
(6)
ولا في غيرها بما لا علم له به.
وفي هذا الشهر بعينه راح الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى مسجد النارنج
(7)
وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت بنهر قلوط تُزَار ويُنْذَر لها
(8)
، فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها، [فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيمًا. وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة، وكذلك بكلامه بابن عربي وأتباعه، فحسد على ذلك وعودي، ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم، ولا بالي، ولم يصلوا إليه بمكروه، وأكثر ما نالوا منه الحبس مع أنه لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام، ولم يتوجه لهم عليه ما يشين، وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه، كما سيأتي، وإلى الله إياب الخلق وعليه حسابهم]
(9)
.
وفي رجب جلس قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرَى بالمدرسة العادلية الكبيرة، وعملت التخوت
(1)
هو: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف. سيأتي في وفيات سنة (745 هـ).
(2)
هو: علي بن يوسف بن حريز اللخمي، عالم بالقراءات، من علماء الشافعية، توفي سنة (713 هـ) والشَّطَّنَوفي، بتشديد الطاء، نسبة إلى شَطَّنَوف، بلد بمصر، غاية النهاية (1/ 585) والدرر (3/ 141) وياقوت 3/ 344.
(3)
هو: علي بن محمود بن حميد بن موسى، توفي سنة (749 هـ). الدرر الكامنة (3/ 126).
(4)
سيأتي في وفيات سنة (724 هـ).
(5)
ليست العبارة في ب.
(6)
في ب: المنامات. وهي الأفصح.
(7)
في ط: التاريخ. وهو تصحيف، ويعرف بمسجد الحجر أيضًا. الدارس (2/ 361) وشذرات الذهب:(6/ 9).
(8)
في ب: وينذر لها بعض الجهلة من الناس.
(9)
ليست في ب.
بعد ما جددت عمارة المدرسة، ولم يكن أحد يحكم بها بعد وقعة قازان بسبب خرابها
(1)
، وجاء المرسوم للشيخ برهان
(2)
الدين الفزاري بوكالة بيت المال فلم يقبل. وللشيخ كمال الدين بن الزَّمْلَكاني بنظر الخزانة فقبل وخلع عليه بطَرحه
(3)
، وحضر بها يوم الجمعة، وهاتان الوظيفتان كانتا مع نجم الدين بن أبي الطيب
(4)
، توفي إلى رحمة الله.
وفي شعبان سعى جماعة في تبطيل الوقيد ليلة النصف، وأخذوا خطوط العلماء في ذلك، وتكلموا مع نائب السلطنة، فلم يتفق ذلك، بل أشعلوا، وصُليت صلاة ليلة النصف أيضًا.
وفي خامس رمضان وصل الشيخ كمال الدين بن الشَّرِيْشي من مصر بوكالة بيت المال، ولبس الخلعة يوم الجمعة
(5)
سابع رمضان، وحضر عند ابن صَصْرَى بالشباك الكمالي
(6)
.
وفي سابع شوال عُزل وزيرُ مصر ناصر الدين بن الشيخي، وقطع إقطاعه ورسم عليه، وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة. وتولى الوزارة سعد الدين محمد بن محمد بن عطايا وخلع عليه.
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة حكم قاضي القضاة جمال الدين الزواوي بقتل الشمس محمد بن جمال الدين عبد الرحيم الباجربقي
(7)
، وإراقة دمه وإن تاب وإن أسلم، بعد إثبات محضر عليه يتضمن كفر الباجربقي المذكور، وكان ممّن شهد عليه فيه الشيخ مجد الدين التونسي النحوي الشافعي، فهرب الباجربقي إلى بلاد الشرق، فمكث بها مدة سنين ثم جاء بعد موت الحاكم المذكور، كما سيأتي.
وفي ذي القعدة كان نائب السّلطنة في الصيد، فقصدهم في الليل طائفةٌ من الأعراب، فقاتلهم الأمراء، فقتلوا من العرب نحو النّصف، وتوغَّل في العرب أمير يقال له سيف الدين بهادرَسَمِز
(8)
احتقارًا
(1)
تقع العادلية الكبرى شمالي الجامع تجاه باب الظاهرية، يفصل بينهما الطريق، أنشأها نور الدين زنكي. انظر الدارس (1/ 363).
(2)
كذا في ط، وهو الصواب، كما سيأتي ذكره في وفيات سنة (729 هـ)، وفي الأصل وأ: جمال الدين، وفي ب: تاج الدين.
(3)
الفوات (4/ 8).
(4)
سيأتي في وفيات هذه السنة.
(5)
ليست في ط. وأحمد محمد الشريشي، سيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
(6)
"الشباك الكمالي": بجامع دمشق، ويصلّي فيه نواب السلطان، والذي أحدثه قاضي القضاة كمال الدين الشَّهرزوري، ولّاه نور الدين الشهيد قضاء دمشق، توفي سنة (572 هـ)، وفيات الأعيان (4/ 244) والدارس (2/ 287).
(7)
"الباجربقي": نسبة إلى قرية (باجربق) من قرى بين النهرين، وسيأتي في وفيات سنة (724 هـ). الدارس (2/ 13).
(8)
في ط: تمر. وفي الأصل وأ: تمراز. وأثبتنا ما في الدرر (1/ 497) والنجوم الزاهرة (8/ 218) وفيه: سَمِز بفتح السين وكسر الميم. معناها: (السمين).
بالعرب، فضربه واحدٌ منهم برمح فقتله، فكرَّت الأمراء عليهم فقتلوا منهم خلقًا أيضًا، وأخذوا واحدًا منهم زعموا أنّه هو الذي قتله، فصُلب تحت القلعة، ودفن الأمير المذكور بقبر الست.
وفي ذي القعدة تكلَّم الشيخ شمس الدين بن النقيب
(1)
وجماعة من الفقهاء في الفتاوى الصادرة من الشيخ علاء الدين بن العطار
(2)
شيخ دار الحديث النورية والقوصيّة، وأنها مخالفة لمذهب الشافعي، وفيها تخبيط كثير، فتوهَّم من ذلك وراح إلى الحنفي فحقن دمه وأبقاه على وظائفه، ثم بلغ ذلك نائب السلطنة فأنكر على المنكرين عليه، ورسم عليهم، ثم اصطلحوا، ورسم نائب السلطنة أن لا تثار الفتن بين الفقهاء
(3)
.
وفي مستهل ذي الحجة ركب الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين
(4)
ومعه نقيب الأشراف زين الدين بن عدنان
(5)
، فاستتابوا خلقًا منهم وألزموهم بشرائع الإسلام، ورجَع مُؤَيدًا منصورًا.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ تاج الدين بن شمس الدين بن الرفاعي: شيخ الأحمدية بأم عَبِيْدة
(6)
من مدة مديدة، وعنه تكتب إجازات الفقراء، ودفن هناك عند سلفه بالبطائح.
الصدر نجم الدين عمر
(7)
: ابن أبي القاسم بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن أبي الكتائب بن محمد بن أبي الطيب، وكيل بيت المال وناظر الخزانة، وقد ولّي في وقت نظر المارستان النوري
(8)
وغير ذلك. وكان مشكور السيرة رجلًا جيدًا، وقد سمع الحديث وروى أيضًا.
توفي ليلة الثلاثاء الخامس عشر من جمادى الآخرة، ودفن بتربتهم بباب الصغير
(9)
.
(1)
هو: محمد بن أبي بكر بن إبراهيم، قاضي قضاة الشافعية، توفي سنة (745 هـ)، وسيذكره المؤلف في أحداثها.
(2)
هو: علي بن إبراهيم بن داود، وسيأتي في وفيات سنة (724 هـ). الدارس (1/ 439) والقوصيّة: هي الحلقة بالجامع الأموي.
(3)
الخبر في الدرر (3/ 6).
(4)
جبال شمال غرب دمشق على حدود سورية مع لبنان. الدارس (2/ 248).
(5)
سيأتي في وفيات سنة (708 هـ).
(6)
أمُّ عَبَيْدَةَ: بفتح العين وكسر الباء وسكون الياء بلد في العراق، والبطائح موضع ما بين البصرة والأهواز، قاله صاحب "التاج" في (بطح). وفي وفيات الأعيان (1/ 172): هي قرى مجتمعة بين واسط والبصرة.
(7)
في الأصل: ابن عمر، وهو سهو.
وترجمته في: الدرر الكامنة (3/ 182) والدارس (1/ 447).
(8)
وهو اليوم متحف للعلوم الطبية عند العرب.
(9)
ما زالت قائمة إلى اليوم وتعرف بهذا الاسم.
ثم دخلت سنة خمس وسبعمئة
استهلت والخليفة المستكفي والسلطان الملك الناصر، والمباشرون هم المذكورون
(1)
فيما مضى.
وجاء الخبر أن جماعة من التتر كمنوا لجيش حلب، وقتلوا منهم من خلقًا من الأعيان وغيرهم، وكثر النوح ببلاد حلب بسبب ذلك.
وفي مستهل المحرم حكم جلال الدين القزويني
(2)
أخو قاضي القضاة إمام الدين نيابة عن ابن صَصْرَى.
وفي ثانيه خرج نائب السلطنة بمن بقي من الجيوش الشامية، وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم، فساروا إلى بلاد الجُرد والرُّفَّض والتيامنة، فخرج نائب السلطنة الأفرم بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم، فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقًا كثيرًا منهم ومن فرقتهم الضَّالة، ووطئوا أراضي كثيرة من منيع
(3)
بلادهم، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش، وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خيرٌ كثير، وأبان الشيخ علمًا وشجاعة في هذه الغزوة، وقد امتلأت قلوب أعدائه حسدًا له وغمًّا
(4)
.
وفي مستهل جمادى الأولى قدم القاضي أمين الدين أبو بكر ابن القاضي وجيه الدين عبد العظيم بن الرقاقي
(5)
المصري من القاهرة على نظر الدواوين بدمشق، عوضًا عن عز الدين بن مبشر.
[ما جرى للشيخ تقي الدين بن تَيْمِيَّة مع الأحمدية وكيف عقدت له المجالس الثلاثة]
(6)
وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى حضر جماعة كثيرة من الفقراء الأحمدية
(7)
إلى نائب السلطنة بالقصر الأبلق وحضر الشيخ تقي الدين بن تيمية، فسألوا من نائب السلطنة بحضرة الأمراء أن يكفَّ الشيخ
(1)
كذا في ب، ط، وفي الأصل وأ: استهلت والحكام هم المذكورون.
(2)
سيأتي في وفيات سنة (739 هـ).
(3)
في ط: صنع، وهو تحريف.
(4)
ليست في ب.
(5)
في ط: الرفاقي بفاء ثم ألف وقاف، وهو تصحيف. ترجمته في الفوات (1/ 121).
(6)
زيادة من ط.
(7)
هم أتباع طريقة الشيخ أحمد الرفاعي.
تقي الدين إنكاره عليهم
(1)
، وأن يسلم لهم حالهم، فقال لهم الشيخ: هذا ما لا يمكن
(2)
، ولا بد لكل أحد أن يدخل تحت الكتاب والسنة، قولًا وفعلًا، ومن خرج عنهما وجب الإنكار عليه. فأرادوا أن يفعلوا شيئًا من أحوالهم الشيطانية التي يتعاطونها في سماعاتهم، فقال
(3)
الشيخ: تلك أحوال شيطانية باطلة، وأكثر أحوالكم من باب الحيل والبهتان، ومن أراد منكم أن يدخل النار فليدخل أولا إلى الحمام وليغسل جسده غسلًا جيدًا ويدلكه بالخل والإِشنان، ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقًا، ولو فرض أن أحدًا من أهل البدع دخل النار بعد أن يغتسل فإن ذلك لا يدل على صلاحه ولا على كرامته، بل حاله من أحوال الدجاجلة المخالفة للشريعة إذا كان صاحبها على السنة، فما الظن بخلاف ذلك. فابتدر شيخ المنيبع الشيخ صالح وقال: نحن أحوالنا إنما تنفُق عند التتر ليست تنفق عند الشرع. فضبط الحاضرون
(4)
عليه تلك الكلمة، وكثر الإنكار عليهم من كل أحد، ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد من رقابهم، وأن من خرج عن الكتاب والسنة ضُربت عنقه. وصنَّف الشيخ جزءًا في طريقة الأحمدية، وبيّنَ فيه فسادَ أحوالهم ومسالكهم وتخيُّلاتهم، وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب، وأظهر الله السنة على يديه، وأخمد بدعتهم. ولله الحمد والمِنَّة.
وفي العشر الأوسط من هذا الشهر خلع على جلال الدين بن معبد، وعز الدين خطاب
(5)
، وسيف الدين بَكْتَمر
(6)
مملوك بَكْتَاش الحُسامي بالإمرة ولبس التشاريف، وركبوا بها، وسلموا إليهم جبل الجرد والكسروان والبقاع.
وفي يوم الخميس ثالث رجب خرج الناس للاستسقاء إلى سطح المزة، ونصبوا هناك منبرًا وخرج نائب السلطنة وجميع الناس من القضاة والعلماء والفقراء، وكان مشهدًا هائلًا وخطبة عظيمة بليغة، فاستسقوا فلم يُسْقَوْا يومهم ذلك
(7)
.
(8)
وفي يوم الإثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب
(1)
في ط: إمارته عنهم.
(2)
كذا في ب، وهو الصواب. وفي الأصل و أ؛ ط: ما يمكن.
(3)
في ب: فذكر الشيخ أن هذا أكثره من باب الحيل والبهتان.
(4)
في ب: الأمراء.
(5)
هو خطّاب بن محمود بن مرتعش، سيأتي في وفيات سنة (725 هـ).
(6)
هو بكتمر الحسامي كان حاجبًا بدمشق ثم ولي ثغر الإسكندرية. توفي سنة (724 هـ). كما سيأتي.
(7)
في النجوم الزاهرة (8/ 217) تفصيل لأحداث سنة (705 هـ).
(8)
زاد في ط عنوانًا للفقرة التالية: وهو: أول المجالس الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
السلطنة بالقصر، وقُرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية، وحصل بحث في أماكن منها
(1)
، وأُخّرت مواضع إلى المجلس الثاني.
فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور، وحضر الشيخ صفي الدين الهندي
(2)
، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلامًا كثيرًا، ولكن ساقيته لاطمَتْ بحْرًا
(3)
، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخ كمال الدين بن الزَّمْلَكاني
(4)
هو الذي يحاقِقُه من غير مسامحة، فتناظرا في ذلك، وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزمْلَكاني وجودة ذهنه وحسن بحثه، حيث قاوم ابن تيمية في البحث، وتكلَّم معه، ثم انفصل الحال على قبول العقيدة
(5)
، وعاد الشيخ إلى منزله معظّمًا مكرمًا. وبلغني أن العامة حملوا له الشمع من باب القصر إلى القصَّاعين على جاري عادتهم في أمثال هذه الأشياء.
وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك، كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف
(6)
، والشيخ نصر المَنْبِجي
(7)
شيخ الجاشَنْكير
(8)
وغيرهما أعدائه. وذلك أن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المَنْبِجي وينسبه إلى اعتقاد ابن عربي، وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدُّمه عند الدولة، وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له، ومحبتهم له، وكثرة أتباعه، وقيامه في الحق، وعلمه وعمله
(9)
.
ثم وقع بدمشق خبط كثير وتشويش بسبب غيبة نائب السلطنة في الصيد. وطلب القاضي جماعة من أصحاب الشيخ، وعزّر بعضهم، ثم اتفق أن الشيخ جمال الدين المِزّي
(10)
الحافظ قرأ فصلًا في الرد على الجهمية
(11)
من كتاب (أفعال العباد) للبخاري تحت قبة النسر
(12)
بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب
(1)
ليست في ب.
والعقيدة الواسطية: كتاب ألّفه ابن تيمية رحمه الله.
أما عن سبب التسمية، فقيل: إنه اعتبر السلف أهل السنّة وسطًا بين فرق الزّيغ والضلال من هذه الأمة.
وقيل: إن رجلًا من أهل واسط، سأله أن يكتب له عقيدة تكون عدةً له ولأهل بيته وبلده.
(2)
سيأتي في وفيات سنة (715 هـ).
(3)
ليست في ب.
(4)
سيأتي في وفيات سنة (727 هـ).
(5)
ليست في ب.
(6)
سيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
(7)
سيأتي في وفيات سنة (719 هـ).
(8)
الملك المظفّر بِيبَرْس الجاشَنكير. سيأتي في وفيات سنة (709 هـ).
(9)
ليست في ب.
(10)
سيأتي في وفيات سنة (742 هـ).
(11)
هي فرقة تقول: إن الإيمان مجرّدُ المعرفة والأعمال ليست من الإيمان، ونسبتُها إلى جَهْم بن صَفْوان السّمَرْقندي قتل سنة (128 هـ). ميزان الاعتدال (1/ 197).
(12)
"قُبّة النَّسر": قبَّة الجامع الأموي، سمّيت بذلك لعلوّها آنذاك عما حولها.
الاستسقاء، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين، وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صَصْرَى، وكان عدو الشيخ، فسُجن المِزْي، فبلغ الشيخ تقي الدين، فتألم لذلك، وذهب إلى السجن، فأخرجه منه بنفسه، وراح إلى القصر فوجد القاضي هنالك، فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المِزّي، فحلف ابن صَصْرَى لا بد أن يعيده إلى السجن وإلا عَزَل نفسه، فأمر النائب بإعادته تطييبًا لقلب القاضي، فحبسه عنده في القوصية أيامًا ثم أطلقه.
ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق أصحابه في غيبته، فتألم النائب لذلك، ونادى في البلد أن لا يتكلم أحد في العقائد، ومن تكلّم في ذلك حلَّ ماله ودمه ونهبت
(1)
داره وحانوته. فسكنت الأمور.
وقد رأيت فصلًا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات.
ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر، واجتمع الجماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة. وفي هذا اليوم عزل ابن صَصْرَى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين في المجلس المذكور، وهو من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صَصْرَى إلى القضاء، وذلك بإشارة المَنْبِجي، وفي الكتاب: إنا كنا رسمنا
(2)
بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية، وقد بَلَغنا ما عُقِد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف، وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نُسب إليه. ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الإثنين وفيه الكشف عما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام قازان
(3)
والقاضي إمام الدين القزويني، وأن يحمل هو والقاضي ابن صَصْرَى إلى مصر، فتوجها على البريد نحو مصر، وخرج مع الشيخ خلق من أصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائب السلطنة الأفرم
(4)
بترك الذهاب إلى مصر، وقال له: أنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا، فامتنع الشيخ من ذلك، وذكر له أن في توجهه لمصر مصلحةً كبيرةً، ومصالح كثيرة. فلما توجه إلى مصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته، حتى انتشروا من باب داره إلى قريب الجسورة، فيما بين دمشق والكسوة، وهم فيما بين باك وحزين ومتفرج ومتنزه ومزاحم متغال فيه.
فلما كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غَزّة، فعمل في جامعها مجلسًا عظيمًا، ثم رحلا معًا إلى
(1)
في ط: ورتبت.
(2)
في ط: سمعنا. وفي الدرر (1/ 145) إشارة إلى المرسوم.
(3)
كذا في ب، وفي أوط: جاغان.
وكان ذلك عام (698 هـ) عندما اجتمعوا في مشهد علي بعد انهزام جيش السلطان أمام قازان لأخذ الأمان للبلد منه. النجوم الزاهرة (8/ 123).
(4)
في ط: ابن الأفرم.
القاهرة، والقلوب معه، وبه متعلقة، فدخلا مصر يوم الإثنين الثاني والعشرين من رمضان، وقيل: إنهما دخلاها يوم الخميس.
فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة، وأراد أن يتكلم على عادته، فلم يتمكن من البحث والكلام، وانتدب له الشمس بن عدنان خصمًا احتسابًا، وادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أنه يقول: إن الله فوق العرش حقيقة، وأنَّ الله يتكلم بحرف. وصوت. فسأله القاضي جوابه، فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له: أجب ما جئنا بك لتخطب. فقال: ومن الحاكم في؟ فقيل له: القاضي المالكي. فقال له الشيخ: كيف تحكم في وأنت خصمي؟! فغضب غضبًا شديدًا وانزعج، وأقيم مرسمًا عليه وحبس في برج أيامًا، ثم انتقل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالجُب
(1)
، هو وأَخَواه
(2)
شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن.
وأما ابن صَصْرَى فإنه جُدِّد له توقيع بالقضاء
(3)
بإشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر، وعاد إلى دمشق يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوب له ماقتة، والنفوس منه نافرة، وقرئ تقليده بالجامع، وبعده قرئ كتاب فيه الحطّ على الشيخ تقي الدين ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى بذلك في البلاد الشامية، وألزم أهل مذهبه بمخالفته، وكذلك وقع بمصر، قام عليه جاشنكير وشيخه نصر المنبجي، وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء
(4)
، وجرت فتن كثيرة منتشرة، نعوذ بالله من الفتن. وحصل للحنابلة بالديار المصرية إهانة عظيمة كثيرة، وذلك أن قاضيهم كان قليل العلم مزجي
(5)
البضاعة، وهو شرف الدين الحرّاني
(6)
، فلذلك نال أصحابهم ما نالهم، وصارت حالهم حالهم.
وفي شهر رمضان جاء كتاب من مقدّم الخدّام بالحرم النبوي يستأذن السلطان في بيع طائفة من قناديل الحرم النبوي لينفق ذلك ببناء مئذنة عند باب السلام الذي عند المطهرة، فرسم له بذلك، وكان في جملة القناديل قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار، فباع ذلك وشرع في بنائها وولي سراج الدين عمر
(7)
قضاءها مع الخطابة، فشق ذلك على الروافض
(1)
الدرر الكامنة (1/ 146) والدارس (1/ 98) والجب في قلعة جبل المقطم بالقاهرة التي بناها صلاح الدين الأيوبي سنة (576 هـ)
(2)
في ط: وأخوه.
(3)
الدرر الكامنة (1/ 146)
(4)
الفقراء هنا هم المتصوفة.
(5)
"مزجي البضاعة": قليل البضاعة.
(6)
هو: عبد الغني بن يحيى أبو محمد الحرّاني توفي سنة (709 هـ) كما سيأتي
(7)
هو: عمر بن أحمد بن الخضر بن ظافر بن طرد أبو الفتوح الأنصاري المصري، الخطيب، سراج الدين توفي سنة (726 هـ) في السويس، وهو في طريقه إلى القاهرة للتداوي. الدرر الكامنة (3/ 150)
وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية القضاء لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن داود الأذرعي
(1)
الحنفي قضاء الحنفية عوضًا عن [شمس الدين]
(2)
بن الحريري [معزولًا]
(3)
وبتولية [الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين]
(4)
الفزاري خطابة دمشق عوضًا عن عمه الشيخ شرف الدين، توفي إلى رحمة الله
(5)
، وخلع عليهما بذلك، وباشرا في يوم الجمعة ثالث عشر الشهر، وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها الناس والأعيان. ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البادرائية
(6)
حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه، فبقي منصب الخطابة شاغرًا، ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب، ودخل عيد الأضحى وليس للناس خطيب، وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك، فجاء المرسوم بإلزامه بذلك، وفيه: لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية، فباشرها معها مرة ثانية، ثم إن كمال الدين بن الشيرازي سعى في البادرائية
(7)
فأخذها، وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني، فَعَزَل الفَزَاري نفسه الخطابة ولزم بيته، فراسله نائب السلطنة بذلك، فصمم على الترك
(8)
وأنّه لا يعود إليها أبدًا، وذكر أنّه عجز عنها، فلما تحقق نائب السلطنة ذلك أعاد إليه مدرسته وكتب له بها توقيعًا في العشر الأول من ذي الحجة.
وخلع على شمس الدين بن الخَطِيري
(9)
بنظر الخزانة عوضًا عن ابن الزملكاني
وحج بالنَّاس الأمير شرف الدين حسن بن حيدر
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ عيسى بن الشيخ سيف الدين الرّجيحي
(10)
: ابن سابق بن الشيخ يُونُس القيسي، ودفن
(1)
سيأتي في وفيات سنة (712 هـ)
(2)
زيادة من ب وط وفي ط: ابن الحسيني. وهو تحريف. وما أثبتاه موافق لما في الدرر (3/ 278).
(3)
زيادة من ب، وط
(4)
زيادة من ب، وط
(5)
زيادة من ب. كما سيأتي في ترجمته في الوفيات
(6)
الدرر (1/ 34) شذرات الذهب (6/ 88).
"والبادرائية": مدرسة داخل باب الفراديس، وتعرف سابقًا بدار أسامة. الدارس (1/ 205)
(7)
ليست في ط، وسيأتي في وفيات سنة (736 هـ)
(8)
في الأصل ط: العزل. وأثبت ما في: ب.
(9)
هو عبد القادر بن يوسف. توفي سنة (716 هـ). ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 393) وشذرات الذهب (6/ 38)
(10)
في ط: الرحبي وهو سهو. ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 201). ومنادمة الأطلال لعبد القادر بدران: (ص 316). نقلا عن ابن كثير
بزاويتهم
(1)
التي بالشّرف الشّمالي بدمشق غربي الوراقة والعزية يوم الثلاثاء سابع المحرم
(2)
.
الملك الأوحد
(3)
: تقي الدين شاذي ابن الملك الزاهر مجير الدين داود ابن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي.
توفي بجبل الجُرد في آخر نهار الأربعاء ثاني صفر، وله من العمر
(4)
سبع وخمسون سنة فنقل إلى تربتهم بالسفح
(5)
.
كان من خيار الدولة
(6)
، معظمًا عند الملوك والأمراء، وكان يحفظ القرآن وله معرفة بعلوم، ولديه فضائل.
الصدر علاء الدين: علي بن معالي الأنصاري الحراني
(7)
الحاسب، يُعرف بابن الرُّزَيْز. وكان فاضلًا بارعًا في صناعة الحساب انتفع به جماعة، توفي في آخر هذه السنة فجأة ودفن بقاسيون. وقد أخذت الحساب عن الحاضري عن علاء الدين الطيوري عنه.
الخطيب شرف الدين أبو العباس: أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري
(8)
، الشيخ الإمام العلامة أخو العلامة شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن، ولد سنة ثلاثين، وسمع الحديث الكثير، وانتفع على المشايخ في ذلك العصر كابن الصلاح وابن السخاوي
(9)
وغيرهما، وتفقه وأفتى وناظر وبرع وساد أقرانه، وكان أستاذًا في العربية واللغة والقراءات وإيراد الأحاديث النبوية، والتردد إلى المشايخ للقراءة عليهم، وكان فصيح العبارة، حلو المحاضرة، لا تُمَل مجالسته، وقد درس بالطيبة
(10)
، وبالرباط الناصري
(11)
مدة، ثم تحوّل عنه إلى خطابة جامع جرّاح
(12)
، ثم انتقل إلى خطابة جامع دمشق
(1)
الزاوية اليونسية. ذكرها النعيمي في الدارس (2/ 213) وبدران في منادمة الأطلال (ص 316).
(2)
في ب: التاسع عشر. وفي الدرر الكامنة (سابع عشر)
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 183 - 184) ووفاته فيه سنة (750 هـ) وهو توهم. والنجوم الزاهرة (8/ 220) وفيها: ثالث صفر، الدارس (2/ 248)
(4)
زيادة من ط.
(5)
هي: التربة الزاهرية، نسبة إلى الملك الزاهر مجير الدين داود الذي بناها. الدارس (2/ 248) ومنادمة الأطلال (ص 335 - 336)
(6)
في ب: وط من خيار الملوك والدولة.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 133) وفيه: ابن الوزير.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 89) والنجوم الزاهرة (8/ 217) والدارس (1/ 27) وشذرات الذهب (6/ 12).
(9)
في الأصل وأوط: ابن السخاوي وأثبتنا ما في ب، وبقية مصادر ترجمته.
(10)
في ط: الطبية، بتقديم الباء، والصَّواب ما أثبتناه، وكذلك في الدارس (1/ 337) ومنادمة الأطلال (ص 115) وهي قبلي النورية الحنفية، وتعرف بالشومانية.
(11)
يقع داخل دار الحديث الناصرية.
(12)
يقع خارج الباب الصغير بمحلة سوق الغنم. الدارس (2/ 420) منادمة الأطلال (ص 371 - 372)
بعد الفارقي في سنة ثلاث ولم يزل به حتى توفي يوم الأربعاء عشية التّاسع
(1)
من شوّال، عن خمس وسبعين سنة.
وصلّي عليه صبيحة يوم الخميس على باب الخطابة، ودفن عند أبيه وأخيه بباب الصغير رحمهم الله، وولي الخطابة بعده
(2)
ابن أخيه، شيخنا العلامة برهان الدين.
الحافظ الكبير الدمياطي: وهو الشيخ الإمام العالم الحافظ شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خَلَف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي
(3)
.
حامل لواء هذا الفن - أعني صناعة الحديث وعلم اللغة - في زمانه مع كبر السن والقدر، وعلو الإسناد وكثرة الرواية، وجودة الدراية، وحسن التأليف وانتشار التصانيف، وتردد الطلبة إليه من سائر الآفاق
(4)
.
مولده في آخر سنة ثلاث عشرة وستمئة، وقد كان أول سماعه في سنة ثنتين وثلاثين بالإسكندرية، سمع الكثير على المشايخ ورحل، وطاف، وحصل، وجمع فأوعى، ولكن ما منع ولا بخل، بل بذل وصنّف ونشر العلم، وولِّي المناصب بالديار المصرية، وانتفع الناس به كثيرًا، وجمع " معجمًا لمشايخه"الذين لقيهم بالشَّام والحجاز والجزيرة والعراق وديار مصر يزيدون على ألف وثلاثمئة شيخ، وهو مجلدان
(5)
، وله "الأربعون المتباينة الإسناد "وغيرها، وله كتاب في "الصلاة الوسطى" مفيد جدًّا، ومصنف في "صيام ستة أيام من شوال" أفاد فيه وأجاد، وجمع ما لم يسبق إليه، وله كتاب "الذكر والتسبيح عقيب الصلوات"، وكتاب "التسلّي والاغتباط بثواب من يقدم من الأفراط"
(6)
وغير ذلك من الفوائد الحسان، ولم يزل في إسماع الحديث إلى أن أدركته وفاته وهو صائم في مجلس الإملاء
(7)
غشي عليه فحمل إلى منزله، فمات من ساعته يوم الأحد عاشر
(8)
ذي القعدة بالقاهرة.
ودفن من الغد بمقابر باب النصر وكانت جنازته حافلة جدًّا رحمه الله تعالى
(1)
في ب: التاسع عشر
(2)
وهو: إبراهيم بن عبد الرحمن برهان الدين، وسيأتي في وفيات سنة (729 هـ)
(3)
ترجمته في: فوات الوفيات (2/ 409) والدرر الكامنة (2/ 417) وطبقات السبكي (6/ 132) والنجوم الزاهرة (8/ 212) وحسن المحاضرة (1/ 357) وشذرات الذهب (6/ 12) والدارس (1/ 22).
(4)
في ب: والجهات والأقطار.
(5)
وهو أربع مجلدات في الدرر. قال بشار: نشر الأستاذ جورج فايدا مختصره باللغة الفرنسية، ونسخه موجودة.
(6)
ذكر صاحب الوفيات جميع هذه المصنفات وغيرها.
(7)
في ط: الأمراء. وهو تصحيف.
(8)
في ب والدرر: خامس عشر.
ثم دخلت سنة ست وسبعمئة
استهلت
(1)
والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالحب من قلعة الجبل، [وخطيب دمشق برهان الدين الفزاري بعد عمه الشيخ شرف الدين رحمه الله كما تقدّم بيانه، في أنه ألزم بها مرة ثانية، فلما كان صفر أخذ مدرسة البادرائية الشيخ كمال الدين الشيرازي، فعزل الشيخ برهان الدين نفسه عن الخطابة، فأعيدت إليه مدرسته]
(2)
.
وفي يوم الأربعاء جاء البريد بتولية الخطابة للشيخ شمس الدين إمام الكلاسة
(3)
، وذلك في ربيع الأول، وهنّئ بذلك، فأظهر التكرُّه لذلك والضعف عنه، ولم يحصل له مباشرة لغيبة نائب السلطنة في الصيد، فلما حضر أذن له فباشر يوم الجمعة العشرين من الشهر، فأوّلُ صلاة صلاها الصبح يوم الجمعة، ثم خُلع عليه وخَطَب بها يومئذ.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول باشر نيابة الحكم عن القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن المعروف بالدمشقي
(4)
عوضًا عن تاج الدين صالح بن تامر بن حامد الجعبري
(5)
، وكان معمرًا قديم الهجرة كثير الفضائل، دينًا ورعًا، جَيدَ المباشرة، وكان قد ولي نيابة الحكم في سنة سبع وخمسين وستمئة، فلما ولي ابن صَصْرَى كره نيابته
وفي يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع للقاضي شمس الدين الأذرعي الحنفي
(6)
، فظنَّ النَّاسُ أنه بولاية القضاء لابن الحريري فذهبوا ليهنئوه البريدي
(7)
إلى مع الظاهرية، واجتمعَ النَّاس لقراءة التقليد على العادة، فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته، فلما وصل إلى الاسم تبين أنه ليس له، وأنه للأذرعي، فبطل القارئ، وقام الناس مع البريدي إلى الأذرعي، وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحاضرين.
ووصل مع البريدي أيضًا كتاب فيه طلب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى القاهرة
(8)
، فتوهم من
(1)
في ب: استهلت والخليفة بالله بن الحاكم العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر وقضاتهما هم المذكورون في التي قبلها والشيخ
…
(2)
ما بين الحاصرتين إضافة من ب.
(3)
هو: محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي. سيأتي ذكره في وفيات هذه السنة.
(4)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة (726 هـ)
(5)
في ط: تاج الدين بن صالح بن تامر بن خان الجعبري، وستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(6)
هو: محمد بن إبراهيم. وسيأتي في وفيات سنة (712 هـ).
(7)
في ط: البريد.
(8)
في ب: إلى الديار المصرية. وكثيرًا ما سيرد هذا الفرق بين القاهرة، ومصر، والديار المصرية، لذلك تجاوزته.
ذلك، وخاف أصحابه عليه بسبب انتسابه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، فتلطف به نائب السلطنة، ودارى عنه حتى أُعفي من الحضور إلى مصر، ولله الحمد.
وفي يوم الخميس تاسع جمادى الأولى دخل الشيخ براق
(1)
إلى دمشق وبصحبته مئة فقير كلّهم محلقي ذقونهم، موفري شواربهم، عكس ما وردت به السنة، وعلى رؤوسهم قرون لبابيد. وعليهم أجراس وكعاب وجواكين خشب، فنزلوا بالمُنَيبع وحضروا الجمعة برواق الحنابلة، ثم توجهوا نحو القدس فزاروا، ثم استأذنوا في الدخول إلى الديار المصرية فلم يؤذن لهم، فعادوا إلى دمشق، فصاموا بها رمضان ثمَّ انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق، إذ لم يجدوا بدمشق قبولًا، وقد كان شيخهم براق المذكور روميًا من بعض قرى دوقات من أبناء الأربعين، وقد كانت له منزلة عند قازان ومكانة، وذلك أنه سلط عليه نَمِرًا فزجره فهرب منه وتركه، فحظي عنده وأعطاه في يوم واحد ثلاثين ألفًا ففرّقها على أصحابه كلها فأحبه، ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون لهم صلاةً، ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جَلْدة، وكان يزعم أن طريقه الذي سلكه إنما سلكه ليخرب على نفسه، ويرى أنه زي المسخرة، وأن هذا هو الذي يليق بالدنيا، والمقصود إنما هو الباطن والقلب وعمارة ذلك، ونحن إنّما نحكم بالظاهر، والله أعلم بالسرائر.
وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة حضر تدريس
(2)
النَّجيبية
(3)
بهاء الدين يوسف بن كمال الدين أحمد بن عبد العزيز العجمي الحلبي، عوضًا عن الشيخ ضياء الدين الطوسي، توفي وحضر عنده ابن صَصْرَى وجماعةٌ من الفضلاء.
وفي هذه السنة صُلِّيت صلاة الرَّغائب
(4)
في النصف
(5)
بجامع دمشق بعد أن كانت قد أبطلها ابن تيمية منذ أربع سنين، ولما كانت ليلة النصف حضر الحاجب ركن الدين بيُبَرْسُ العلائي، ومنع الناس من الوصول إلى الجامع ليلتئذ، وغلقت أبوابه فبات كثير من الناس في الطرقات وحصل للناس أذى كثير، وإنما أراد صيانة الجامع من اللغو والرفث والتخليط.
(1)
في ط: ابن.
وهو: براق القرمي من قرية من قرى الدوقات، أبوه صاحب إمرة، عمه من الكتاب، تمرَّد هو وصحب الفقراء، قتل مسلوقًا في دست سنة (707 هـ). ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 474) والدارس (2/ 250).
(2)
في ط: مدرس.
(3)
يقال لها أيضًا: خانقاه القصر، وهي مطلة على الميدان، أنشأها النجيبي جمال الدين آقوش. الدارس (2/ 171) وفي منادمة الأطلال (ص 286) يقول بدران رحمه الله: قلت: أراد بالميدان المرجة، وكان ذلك القصر قصرًا للملك الظاهر، ولما عمرت التكية السليمانية خُرّب وأقيمت مكانه، ولم يبق أثر للنجيبية ولا للقصر.
(4)
سقطت من ط.
(5)
في النصف من شعبان، وهي صلاة غير ثابتة في الشرع، لذلك أبطلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وفي سابع عشر رمضان حكم القاضي تقي الدين الحنبلي بحقن دم محمد بن الباجَرْبَقي
(1)
، وأثبت عنده محضرًا بعداوة ما بينه وبين الشُّهود السنّة الذين شهدوا عليه عند المالكي، حين حكم بإراقة دمه، وممن شهد بهذه العداوة ناصر الدين بن عبد السلام
(2)
وزين الدين بن الشريف عدنان
(3)
، وقطب الدين ابن شيخ السلامية
(4)
وغيرهم.
وفيها باشر كمال الدين بن الزَّملكاني نظر ديوان ملك الأمراء
(5)
عوضًا عن شهاب الدين الحنفي، وذلك في آخر رمضان، وخلع عليه بطَيْلسان وخلعة، وحضر بها دار العدل.
(6)
[وفي ليلة عيد الفطر أَحْضَرَ الأمير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء والقضاة الشافعي والمالكي والحنفي، والفقهاء التاجي
(7)
والجزري
(8)
والنمراوي
(9)
، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس، فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطًا بذلك، [منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة]
(10)
وأرسلوا إليه ليحضر ليتكلّموا معه في ذلك، فامتنع من الحضور وصمَّم، وتكرّرت الرُّسل إليه ستّ مراتٍ، فصمم على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم، ولم يعدهم شيئًا، فطال عليهم المجلس فتفرّقوا وانصرفوا غير مأجورين.
وفي يوم الأربعاء ثاني شوال أذن نائب السلطنة الأفرم للقاضي جلال الدين القزويني
(11)
أن يصلي بالناس ويخطب بجامع دمشق عوضًا عن الشيخ شمس الدين إمام الكلاسة، توفي، فصلى الظهر يومئذ وخطب الجمعة، واستمر بالإمامة والخطابة حتى وصل توقيعه بذلك من القاهرة.
وفي مستهل ذي القعدة حضر نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان وشكرت خطبته.
وفي مستهل ذي القعدة كمل بناء الجامع
(12)
الذي ابتناه وعمره الأمير جمال الدين نائب السلطنة الأفرم عند الرباط الناصري بالصالحية، ورتب فيه خطيبًا يخطب يوم الجمعة، وهو القاضي شمس الدين
(1)
في ط الباجريقي بالياء
(2)
ابن شرف الدين المالكي قاضي القضاة.
(3)
هو: الحسين بن محمد. سيأتي في وفيات سنة (708 هـ).
(4)
هو: موسى بن أحمد بن الحسين، وسيأتي في وفيات سنة (727 هـ).
(5)
هو الأفرم، وهو لقب كان يطلق على نائب الشام.
(6)
من هنا بياض قدر ورقة في الأصل استدركته من أوط.
(7)
في ط: الباجي بالباء.
(8)
هو: ثابت بن عمر بن المشيّع المقصاتي سيأتي في وفيات (713 هـ)
(9)
هو: عز الدين عبد الجليل، سيأتي في وفيات سنة (710 هـ)
(10)
ليست في ب.
(11)
هو: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، سيأتي في وفيات سنة (739 هـ).
(12)
هو جامع الأفرم. الدارس (2/ 435).
محمد بن العز الحنفي
(1)
، وحضر نائب السلطنة والقضاة وشكرت خطبة الخطيب به، ومد الصاحب شهاب الدين الحنفي سماطًا بعد الصلاة بالجامع المذكور، وهو الذي كان الساعي في عمارته، والمستحث عليها، فجاء في غاية الإتقان والحسن، تقبل الله منهم.
وفي ثالث ذي القعدة استناب ابن صَصْرَى القاضي صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الجعفري
(2)
خطيب داريا في الحكم عوضًا عن جلال الدين القزويني، بسبب اشتغاله بالخطابة عن الحكم.
وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة قدم قاضي القضاة صدر الدين أبو الحسن علي بن الشيخ صفي الدين الحنفي البصراوي
(3)
إلى دمشق من القاهرة متوليًا قضاء الحنفية عوضًا عن الأذرعي، مع ما بيده من تدريس النورية والمقدميّة
(4)
وخرج الناس لتلقيه وهنؤوه، وحكم بالنُّورية، وقرئ تقليده بالمقصورة الكِنْديَّة [في الزاوية الشرقية، من جامع بني أمية]
(5)
.
وفي ذي الحجة ولي الأمير عز الدين بن صبرة على البلاد القبلية والي الولاة، عوضًا عن الأمير جمال الدين أقوش الرُّستمي، بحكم ولايته شد الدواوين بدمشق، وجاء كتاب من السلطان بولاية وكالته للرئيس عز الدين بن حمزة القلانسي
(6)
عوضًا عن ابن عمه شرف الدين، فكره ذلك.
[وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة أخبر نائب السلطنة بوصول كتاب من الشيخ تقي الدين من الحبس الذي يقال له: الجُب، فأرسل في طلبه فجيء به فقرئ على الناس فجعل يشكر الشيخ ويثني عليه وعلى علمه وديانته وشجاعته وزهده، وقال: ما رأيت مثله، وإذا هو كتاب مشتمل على ما هو عليه في السجن من التوجه إلى الله، وأنه لم يقبل من أحد شيئًا لا من النفقات السلطانية]
(7)
ولا من الكسوة ولا من الإدارات ولا غيرها، ولا تدنّس بشيء من ذلك]
(8)
.
[وفي هذا الشهر يوم الخميس السابع والعشرين منه طلب أَخَوَا الشيخ تقي الدين: شرف الدين
(1)
سيأتي في وفيات سنة (722 هـ)
(2)
في ط: الجعبري. سيأتي في وفيات سنة (725 هـ).
(3)
علي بن الشيخ صفي الدين الحنفي البصراوي توفي سنة (727 هـ). ترجمته في الدرر الكامنة (6/ 78) والنجوم الزاهرة (268) والدرر (3/ 96) وفيها: ابن أبي القاسم.
(4)
النُّورية الكبرى، كان موضعها دارًا لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بناها الملك نور الدين وفيه نظر، إنما الذي أنشأها الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين.
والمقدميّة: داخل باب الفراديس. الدارس (1/ 600 و 621) ومنادمة الأطلال (ص 206 و 212)
(5)
ليست في ب
(6)
سيأتي في وفيات سنة (729 هـ)
(7)
إلى هنا وينتهي البياض المشار إليه من قبل.
(8)
في ب: ووصل كتاب من الشيخ تقي الدين بن تيمية وهو في الجبّ إلى نائب الشام الأفرم، فقرأه على الناس، وجعل يشكر من ديانته وعلمه وشجاعته، ويثني عليه بما هو مشتمل عليه في السجن.
وزين الدين من الحبس إلى مجلس نائب السلطان سلار، وحضر ابن مخلوف المالكي، وطال بينهم كلام كثير فظهر شرفُ الدِّين بالحُجَّة على القاضي المالكي بالنقل والدليل والمعرفة، وخطأه في مواضع ادعى فيها دعاوى باطلة، وكان الكلام في مسألة العرش، ومسألة الكلام، وفي مسألة النزول]
(1)
.
[وفي يوم الجمعة أحضر شرف الدين أخو الشيخ تقي الدين وحده في مجلس نائب السلطنة سلار وحضر ابن عدنان، وتحكم معه الشيخ شرف الدين وناظره، وبحث معه وظهر عليه]
(2)
.
وفي يوم الجمعة ثاني الجمعة ثاني عشر
(3)
ذي الحجة وصل على البريد من مصر نجم
(4)
الدين محمد بن الشيخ فخر الدين ابن أخي قاضي القضاة البصراوي
(5)
وزوج ابنته على الحِسْبة بدمشق عوضًا عن جمال الدين يوسف العجمي، وخلع عليه بطيلسان، ولبس الخلعة ودار بها في البلد في مستهل سنة سبع وسبعمئة وفي هذه السنة عُمر في حرم مكة بنحو مئة ألف
وحج بالنَّاس من الشام الأمير ركن الدين بيبرس المجنون
(6)
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
القاضي تاج الدين: صالح بن تامر
(7)
بن حامد بن علي الجعبري
(8)
الشافعي
(9)
، نائب الحكم بدمشق، ومُعِيدُ
(10)
الناصرية، كان ثقة دينًا عدلًا مرضيًا زاهدًا، حكم من سنة سبع وخمسين وستمئة، له فضائل وعلوم، وكان حسَن الشَّكل والهيئة، توفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة، ودفن بالسفح وناب في الحكم بعده نجم الدين الدمشقي
(11)
.
الشيخ ضياء الدين الطوسي: أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن علي الشافعي
(12)
مدرس
(1)
ليست في.
(2)
ليست في ط وب.
(3)
في ط: ثاني عشرين.
(4)
في ط: نصر الدين. انظر الدرر الكامنة (4/ 46).
(5)
في ب: قاضي القضاة صدر الدين علي الحنفي البصراوي.
(6)
سيأتي في وفيات سنة (715 هـ)
(7)
في ط: أحمد.
(8)
في ط: الجعدي.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 200) والدليل الشافي (1/ 350) وفيه: أبو الفضل، والدارس (1/ 466).
(10)
في ط: مفيد بالفاء.
(11)
هو: أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي. وسيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(12)
ترجمته في النجوم (8/ 225) وطبقات الشافعية للسبكي (6/ 125) والدليل الشافي (1/ 418) وشذرات الذهب (6/ 14) والدارس (1/ 470).
النَّجيبية. شارح (الحاوي)
(1)
و (مختصر ابن الحاجب)
(2)
كان شيخًا فاضلًا بارعًا، وأعاد في الناصرية أيضًا، توفي يوم الأربعاء بعد مرجعه من الحمام تاسع عشري
(3)
جمادى الأولى، وصُلِّي يوم الخميس ظاهر باب النصر، وحضر نائب السلطنة وجماعة من الأمراء والأعيان، ودفن بالصوفية، ودرس بعده بالمدرسة بهاء الدين بن العَجَميّ
(4)
.
الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن سعد الطيبي
(5)
: المعروف بابن السواملي
(6)
، والسوامِل الطَّاسات. كان معظمًا ببلاد الشرق جدًّا، كان تاجرًا كبيرًا توفي في هذا الشهر المذكور.
الشيخ الجليل سيف الدين الرجيحي
(7)
: سيف
(8)
بن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسيَّة بمقامهم، صلي عليه سادس رجب بالجامع، ثم أعيد إلى داره التي سكنها داخل باب توما، وتعرف بدار أمين الدولة فدفن بها، وحضر جنازته خلق كثير من الأعيان والقضاة والأمراء، وكانت له حرمة كبيرة عند الدولة وعند طائفته، وكان ضخم الهامة جدًّا محلوقَ الشَّعر، وخلف أموالًا وأولادًا.
الأمير فارس الدين الردّادي
(9)
: توفي في العشر الأخير من رمضان، وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام وهو يقول له: أنت مغفور لك. أو نحو هذا، وهو من أمراء حسام الدين لاجين.
الشيخ القدوة العابد أبو عبد الله بن مطرف: توفي بمكة في شهر رمضان وقد كان مجاورًا بمكة ستين سنة وكان يطوف كل يوم وليلة خمسين أسبوعًا. وتوفي عن تسعين سنة رحمه الله
(10)
.
الشيخ العابد خطيب دمشق شمس الدين
(11)
: محمد بن الشيخ أحمد بن عثمان الخلاطي إمام الكلاسة
(12)
، كان شيخا حسنًا بهى المنظر كثير العبادة، عليه سكون ووقار، باشر إمامة الكلاسة قريبًا.
(1)
لأبي الحسن الماوردي. توفي سنة (450 هـ).
(2)
هو مختصر لكتاب منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل لجمال الدين بن الحاجب المتوفى سنة (646 هـ).
(3)
في ط: تاسع عشر.
(4)
هو: يوسف بن أحمد بن عبد العزيز، سبط الكمال بن العديم، سيأتي في وفيات سنة (716 هـ)
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 59 - 60) وشذرات الذهب (6/ 13)
(6)
في الأصل وط: السوابلي بالباء. والسَّوامل: ج سَوْمَلة وهي الفنجانةُ الصغيرة. التاج (سمل).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 182) والدليل الشافي (1/ 338) والدارس (2/ 216)
(8)
زيادة من المصادر السابقة
(9)
في طوب: الروادي. تحريف
(10)
ليس في ط. وترجمته في الدرر الكامنة (4/ 260) وفيها الأندلسي وفاته في جمادى الأولى، والشذرات (6/ 16) وفيها وفاته في رمضان.
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 375) والشذرات (6/ 14) وذكر في الدارس (1/ 448) أنه استلمها بعد وفاة أبيه.
(12)
لصيقة الجامع الأموي من شمال، ولها باب إليه، عمَّرها نور الدين الشهيد. الدارس (1/ 447).
من أربعين سنة، ثم طلب إلى أن يكون خطيبًا بدمشق بالجامع من غير سؤال منه ولا طلب، فباشرها ستة أشهر ونصف أحسن مباشرة، وكان حسن الصوت طيب النغمة عارفًا بصناعة الموسيقا، مع ديانة وعبادة، وقد سمع الحديث.
توفي فجأة بدار الخطابة يوم الأربعاء ثامن شوال عن ثنتين وستين سنة، وصلّي عليه بالجامع وقد امتلأ بالناس، ثم صلّي عليه بسوق الخيل، وحضر نائب السلطنة والأمراء والعامة، وقد غلقت الأسواق ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله.
ثم دخلت سنة سبع وسبعمئة
[استهلت وخليفة الوقت المستكفي بالله بن الحاكم العباسي، وسُلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ونوابه وقضاته بالديار المصرية والبلاد الشامية هم المذكورون، ولكن خطيب الشام جلال الدين القزويني]
(1)
، والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل في الحَبْس من
(2)
قلعة الجبل بمصر، وفي أوائل المحرم منها أظهر السلطان الملك الناصر الغضب على الأمير سلار
(3)
والجاشنكير
(4)
وامتنع من العلامة، وأغلق القلعة، وتحصن فيها، ولزم الأميران بيوتهما، واجتمع عليهما جماعةٌ من الأمراء وحوصرت القلعة وجرت خبطة عظيمة، وغلِّقت الأسواق، ثم راسلوا السلطان فتوطدت الأمور وسكنت الشرور على دَخَنٍ، وتنافرِ قلوبٍ
(5)
. وقوي الأميران أكثر مما كانا قبل ذلك وركب السلطان ووقع الصلح على دخن.
وفي المحرم وقعت الحرب بين التتر وبين أهل كيلان
(6)
، وذلك أن ملك التتر طلب منهم أن يجعلوا ببلادهم طريقًا لعساكره
(7)
فامتنعوا من ذلك، فأرسل ملك التتر خَرْبَندا جيشًا كثيفًا ستين ألفًا من المقاتلة، أربعين ألفًا مع قطلُوشَاه وعشرين ألفًا مع جوبان، فأمهلهم
(8)
أهل كيلان حتى توسطوا بلادهم، ثم أرسلوا عليهم خليجًا من البحر، ورَمَوْهم بالنفط فغرق كثير منهم واحترق آخرون، وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة، فلم يفلت منهم إلا القليل
(9)
، وكان فيمن قتل أمير التتر الكبير قطلُوشَاه، فاشتد غضب خَرْبَنْدا على أهل
(1)
في الأصل: "استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها". وما بين حاصرتين استدركته من ب.
(2)
ليس في ط
(3)
في الأصل وط: ابن سلار.
(4)
يريد: بيبرس.
(5)
ليس في ب. و (على دَخَنٍ): أي سكون لغلَبَةٍ لا لصلح. القاموس (دخن).
(6)
"أهل كيلان": هم قرى متفرقة في مروج بين جبال وراء بلاد طبرستان والعجم، يقولون عنها: كيلان بالكاف، وذكرها ياقوت بالجيم (جيلان). ياقوت والدارس (2/ 246).
(7)
في ط: في بلادهم طريقًا إلى عسكره.
(8)
في الأصل: فأمهلوهم، وهو غلط.
(9)
الدرر الكامنة (3/ 254).
كيلان، ولكنه فرح بقتل قُطلُوشاه
(1)
فإنه كان يريد قتله فكفي أمره عنهم، ثم قتل بعده بولاي، ثم إن ملك التتر أرسل الشيخ بُراق الذي قدم الشام فيما تقدَّم إلى أهل كيلان يبلغهم عنه رسالةً، فقتلوه وأراحوا الناس منه
(2)
. [وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع، وهم أهل سُنَّة وأكثرهم حنابلة لا يستطيع مبتدع أن يسكن بين أظهرهم]
(3)
.
وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع قاضي القضاة بدرُ الدين بن جماعة
(4)
بالشيخ تقي الدين ابن تيمية في دار الأوحدي من قلعة الجبل، وطال بينهما الكلام ثم تفرّقا قبل الصلاة، والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن، فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول جاء الأمير حسام الدين مُهَنَّا بن عيسى
(5)
ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن إليه، فلما خرج أقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار، فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث الصَّلاة كثيرة، ثم فرقت بينهم، ثم اجتمعوا إلى المغرب، وبات الشيخ تقي الدين عند سلار، ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان جميعَ النَّهار، ولم يحضر أحد من القضاة، بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير، أكثر من كل يوم، منهم الفقيه نجم الدين بن الرّفعة
(6)
وعلاء الدين التاجي، وفخر الدين ابن بنت أبي سعد، وعز الدين النَّمْراوي، وشمس الدين بن عَدْنان وجماعةٌ من الفقهاء، وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار، بعضهم بالمرض بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره، وبعضهم بغيره، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطو عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدًا من الحاضرين لا يطيقه، فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم وانفصل المجلس على خيرٍ، وبات الشيخ عند نائب السلطنة، وجاء الأمير حسام الدين مُهَنَّا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق، فأشار سلار بإقامة الشيخ
(7)
بمصر عنده ليرى النَّاسُ فضله وعلمه، وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه.
وكتب الشيخ كتابًا إلى الشام يتضمَّنُ ما وقع له من الأمور
(8)
.
(1)
ليست في ب
(2)
ذكر صاحب الدرر (2/ 5): أنه أرسله غازان صحبة قليجا إلى جبال كيلان ليحاربهم، فأسروا الشيخ، وقالوا له: أنت شيخ الفقراء، كيف تجيء صحبة أعداء الدين لقتال المسلمين، وسلقوه في دست، وذلك في سنة (707 هـ). انتهى.
(3)
ليست في ب
(4)
هو: محمد بن إبراهيم. سيأتي في وفيات سنة (733 هـ)
(5)
سيأتي في وفيات سنة (735 هـ).
(6)
في ط: نجم الدين بن الرفع. وهو أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة. وسيأتي في وفيات سنة (710 هـ).
(7)
في ب: مدة بمصر.
(8)
في الأصل وأ زيادة يبدو جليًا أنها ليست من كتابة المصنف رحمه الله، ولكن أوردناها هنا لاعتمادنا على هذه النسخة الخطية في عملنا أولًا، ولفائدتها ثانيًا.
قال ابن عبد الهادي: وكان مدَّة مقامه في الجبّ ثمانية عشر شهرًا، فلما خرج فرح خلق كثير بخروجه، وسرّووا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سرورًا عظيمًا، وحزن لخروجه آخرون، وضاقت صدورهم، وامتدحه الشيخ الإمام نجم الدين سليمان بن عبد القوي بقصيدة منها:[من البسيط]
فاصبر ففي الغيب ما يُغنيك عن حيل
…
وكلُّ صعب إذا صابرته هانا
ولست تعدم من خطب رميت به
…
إحدى اثنتين فأيقن ذاك إيقانا
تمحيص ذنب لتلفى الله خالصه
…
أو امتحان به تزداد قربانا
يا سعد إنا لنرجو أن يكون لنا
…
سعدًا ومرعاك للأعداء سعدانا
وإن يضرّ بك الرحمن طائفة .... آذت وينفع [من] بالود والانا
يا آل تيمية العالين مرتبةً
…
ومنصبًا قرع الأفلاك تبيانا
جواهر الكون أنتم، غير أنّكم .... في معشر أشربوا في العقل نقصانا
لا يعرفون لكم فضلًا ولو عقلوا
…
لصيَّروا لكم الأجفان أوطانا
يا من حوى من علوم الخلق ما قصرت
…
عنه الأوائل من كانوا إلى الآنا
إن تبتلى بلئام الناس يرفعهم .... عليك جهل لأهل الفضل قد حانا
أو جاه ظالم، أو قاض قد افتتنوا
…
بحب دنياهم يبدون بهتانا
لا يدّعون أقل الله خيرهم
…
ولا يخافون يوم العرض نيرانا
إنني لأقسم والإسلام معتقدي
…
وإنني من ذوي الإيمان إيمانا
لم ألق قبلك إنسانًا أسر به
…
فلا برحت لعين المجد إنسانا
في أبيات كثيرة، يمدح فيها الشيخ ويذم أعداءه.
وقال ابن عبد الهادي وغيره: وفي يوم الجمعة صلّى الشيخ تقي الدين في جامع الحاكم، وجلس فاجتمع عليه خلق عظيم، فسأله بعض الحاضرين أن يتكلم بشيء يسمعونه منه، فلم يتكلم بل تبسم، فقال له رجل:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] فنهض قائمًا، وابتدأ خطبة الحاجة، ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم تكلّم على تفسير قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5]. فتكلّم على معنى العبادة والاستعانة إلى أن أذن مؤذن العصر، بكلام يُسبي العقول وإنما قام قائمًا لأن الجمع كان كثيرًا، فانصرف الخلق عن ذلك المجلس، وقد امتلأت قلوبهم إيمانًا ويقينًا، وكل أحد يقول: لم نسمع بمثل هذا الكلام، وامتلأت القلوب له محبة، ومصر له ذكرًا وفي يوم الخميس السادس من شهر ربيع الآخر منها عقد مجلس آخر بالمدرسة الصالحية بالقاهرة واجتمع فيه القضاة وغيرهم، وكان مما جرى في هذا المجلس أنه قيل له: تستغفر الله العظيم وتتوب إليه. فقال الشيخ: كلنا نستغفر الله ونتوب إليه، ثم التفت الشيخ إلى رجل منهم، فقال له: استغفر الله العظيم وتب إليه، فقال الرجل: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وكذلك قال لآخر ولآخر، وكلهم يقول كذلك، فقيل له: تب إليَّ من كذا وكذا، وذكر له كلامًا، فقال له: إن كنت قلت كلامًا يستوجب التوبة فأنا تائب منه. فقال له قائل منهم: هذه ليست توبة، وكان من أعيانهم، فردّ عليه الشيخ وجهله، ووقع كلام يطول ذكره.
قال: ووصل كتاب من الشيخ مؤرخ بليلة الجمعة رابع عشر من الشهر المذكور، ويذكر له أنه عقد له مجلس بالصالحية ثالث، بعد خروج مُهَنّا في يوم الخميس، وأنه حصل فيه خير كثير، وأن في إقامته بمصر مصالح وفوائد للناس، وكتب كتابًا إلى والدته يقول فيه: من أحمد بن تيمية إلى الوالدة، أقر الله عينها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وعلى كل شيء قدير، وأسأله أن يُصلّي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله، ويسلّم تسليمًا كثيرًا.
كتابي إليكم عن نعم عظيمة، ومِنَنٍ كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كلما شكرت في نمو وازدياد، وأياديه جلَّت عن التعداد، وتعلمون أن مقامنا في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية، متي أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا.
لسنا والله مختارين البعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، متى قدم ابتدأه أو كتمه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد لا تختارون إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرًا واحدًا، بل كل يوم أستخير الله تعالى في السفر إليكم، واستخيروا الله لنا ولكم وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يقدر لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخير، في خير وعافية، وحسن عاقبة، ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ونحن في كل وقت في ازدياد من الخير، وفي الاهتمام بالسفر مستخيرون الله، فلا يظنُّ الضَّان أنا نؤثر على قربكم شيئًا من أمور الدنيا، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثمّ أمور كبار نخاف الضرر العام من إهمالها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة، فإن الله سبحانه يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من سعادة ابن آدم استخارته الله، ورضاه بما يقسم الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله، وسخطه بما يقسم الله له"
والتاجر يكون مسافرًا فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمر يجلُّ عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله [العلي] العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرًا، وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار، وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدًا واحدًا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
وكتب إلى أخيه لأمه:
من أحمد بن تيمية إلى الأخ الشيخ العالم بدر الدين تولاه الله في جميع الأمور، وصرف عنه كل محذور، وأصل له أمر الدنيا وأمر الآخرة، وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنّا نحمد إليكم الله، ثم قال:
أما بعد: فقد وصل كتابكم المبشّر بوصول الكتاب إليكم، فحمدنا الله على ما أنعم به عليكم من وصول أخبار السرور إليكم، ومن حين خرجنا لم نزل في آلاء مترادفة، ونِعَم متزايدة، ومنن جازت حد الأماني، بحيث يقصر الخطاب والكتاب عن تفصيل معشارها، ونِعَمٍ في زيادة، والله هو المسؤول أن يوزعنا وسائر إخواننا المؤمنين شكرها، ويزيدنا من فضله، وفي مقامنا بمصر من حصول الخير والفوائد لأهل هذه البلاد وتلك، ولكم ولسائر المسلمين ما أوجب التأخر عن التعجيل إليكم، فستعلمون أن ذلك من تمام نعم الله سبحانه، فإن في ذلك من الخير ما لم يمكن وصفه.
وقد كان عقد مجلس بالمدرسة المنصورية يوم الخميس، وكان يومًا مشهودًا، كان من رحمة الله ولطفه ومنته، وانتشار الدعاء المستجاب، والثناء المستطاب، واجتماع القلوب على ما تحبونه، وتختارونه، فوق ما كان بالشام وأعظم منه، بحيث صار عند أهل مصر من البشرى والسرور، ورجوع جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم إلى الحق وعرفوا من نعم الله علينا ما لا يُحَدُّ ولا يوصف، وظهر الحق للعامة والخاصة، ووصل الجماعة القادمون عقيب بيان ذلك يوم الجمعة، فجمع الله الشمل على أحسن حال، فالحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والحمد لله الذي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جمع قلوب المؤمنين، فأكثروا الشكر لله، والثناء عليه. وعليكم بما يجمع قلوب المؤمنين، ويُؤلف بين قلوبهم وإياكم والبطر والتفريق بين المؤمنين، فالأصل الذي يبنى عليه الاعتصام بالسنة والجماعة هو اجتماع قلوب المؤمنين بحيث لا يوجد التفريق بينهم والاختلاف بحسب الإمكان، فإن الذي صنعه الله ويصنعه في هذه القضية أمر جازَ حد الأوهام، وفات قوي العقول، وهو من حكم الله تعالى، والحمد لله ربّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا، مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربُّنا ويرضى، ثم ذكر السلام على الإخوان، والأخوات والأصحاب ومنها كتاب كتب فيه بعد حمد الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم أما بعد:
فإن الله - وله الحمد - قد أنعم عليَّ من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة وآلائه الكريمة وعن المحذور على المقدور، والعبد مأمور بالصبر في السراء أعظم من الصبر في الضراء.
وتعلمون أن الله سبحانه في هذه القضية من المنن التي فيها من أسباب نصر دينه، وعلو كلمته ونصر جنده وعزة أوليائه وقوة أهل السنة والجماعة، وذل أهل البدعة والفرقة وتقرير ما قررناه عندكم من السنة وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب الهدى والنصر، والدلائل وظهور الحق لأمم لا يُحصون، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنة والجماعة، وغير ذلك، مع سد أبواب من الضلال، وبدع، وطموس سبيل الشيطان، وغير ذلك من المنن ما لا بد معه معه من عظيم الشكر.
وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماعها وصلاح ذات البين قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1].
ويقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. ويقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105].
وأمثال هذا من النصوص التي يأمر الله فيها بالجماعة والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنهم هم أهل الفرقة والاختلاف، وجماع ذلك طاعة الله ورسوله وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصِحُوا من ولاه الله أموركم".
وفي "السنن" من حديث زيد بن ثابت وابن مسعود - فقيهي الصحابة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"نَضَّر الله امرءًا سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لم يسمعه، فربَّ حامل فقه غيرُ فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل الله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
قوله: لا يغل: أي لا يحقد عليهن، فلا يبغض هذه الخصال قلب مسلم ألبتَّةَ، بل يحبهنَّ ويرضاهن وأوّلُ ما يبدأ به من هذا الفضل وما يتعلق بي.
فتعلمون رضي الله عنكم أني لا أحبُّ أن يؤذى أحد من عموم المسلمين بسببي، فضلًا عن أصحابي، لا باطنًا ولا ظاهرًا، ولا، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلًا. بل هم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كلٌّ يحسبه. ولا يخلو الرجل من أن يكون مجتهدًا مصيبًا أو مجتهدًا مخطئًا أو مذنبًا. فالأول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مأجور مشكور، والثاني مأجور على اجتهاده معفوٌّ عن خطئه، والثالث: المذنب، فالله يغفر لنا وله، فيطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل. كقول القائل: فلان قصّر، فلان ما عمل جيدًا، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان بسبب هذه، فلان كان يتكلم في كذا، ونحو ذلك فيما فيه مذمّة لبعض الأصحاب. فإني لا أسامح من آذاهم في مثل هذا الباب، بل مثل هذا نعود على قائله بالملام، إلا أن تكون له نيَّة حسنة، فيكون ممن يغفر الله له إن شاء الله. وقد عفا الله عما سلف.
وتعلمون أيضًا أن ما كان يجري مني من نوع تغليظ وتخشين لبعض الأصحاب بدمشق وما جرى الآن بمصر، ومما هو جار، فليس ذلك بغضاضة ولا نقص من حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغير منا عليه، بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرًا، وأنبه ذكرًا، وأحبُّ وأعظم عندنا، وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقطع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما يحمد معه ذلك التخشين.
وتعلمون أنا جميع متعاونون على البر والتقوى، واجب علينا نصر بعضنا بعضًا، أعظم ما كان وأشدّ، فمن رام أن يؤذي بعض الأصحاب لما قد يظنّه من نوع تخشين عومل به بدمشق أو بمصر الساعة أو غير ذلك فهو الغالط، وكذلك من ظن أن المؤمنين يتخلون عما أمروا به من التعارف والتناصر، فقد ظن ظن سوء، وإن الظنَّ لا يغني من الحق شيئًا.
وما غاب أحد عنا من الجماعة أو قدم إلينا الساعة أو قبل ذلك إلا ومنزلته عندنا اليوم أعظم مما كانت وأجلَّ وأرفع وتعلمون - رضي الله عنكم - أن ما دون هذه القضية من الحوادث يقع من اجتهاد الآراء، واختلاف الأهواء، وتنوع أحوال أهل الإيمان وما لا بد منه من نزغات الشيطان، ما لا يتصوّر أن يعرى عنه نوع الإنسان، ولا سيما وقد وصف الله الإنسان بالظلم والجهل فقال:
{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 72 - 73] بل أنا أقول تنبيهًا بالأدنى على الأعلى وبالأقصى على الأدنى:
تعلمون كثرة ما وقع في هذه القضية من الأكاذيب المفتراة، والأغاليط المظنونة، والأهواء الفاسدة، وإن ذلك أمر يجل عن الوصف، وكل ما قيل من كذب وزور فهو في حقنا خير ونعمة. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11].
وقد أظهر الله بسبب هذه القضية من نور الحق وبرهانه، ما ردّ به إفك الكاذب وبهتانه، وأنا لا أحب أن يُقتص لي من أحد بسبب كذبه عليّ، أو ظلمه لي وعدوانه، فإني قد حاللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل مؤمن، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبّه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حلّ من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله ورسوله، فإن تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم، ولو كان الرجل مشكورًا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببًا في هذه القضية لِمَا ترتب لنا عليها وعلى يديه من خير الدنيا والآخرة، لكنّ الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه، الذي لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم، وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم.
وأنتم تعلمون هذا من خلقي، والأمر أزيد مما كان، لكن حقوق الناس بعضهم مع بعض، وحقوق الله عليهم هم فيها تحت حكم الله.
وأنتم تعلمون أن الصديق الأكبر في قضية الإفك أنه حلف لا يصل مِسْطَح بن أثاثة، لأنه كان من الخائضين في الإفك فأنزل الله تعالى: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلما نزلت قال أبو بكر: بلى والله أحبُّ أن يغفر الله لي، ثم رجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه. واعلموا أن الله سبحانه وتعالى مع ما ذكر من الصفح والإحسان والعفو وأمثال ذلك وأضعافه، فالجهاد لا بد منه، وهو الجهاد على ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة أمر لا بد منه. {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآيات [المائدة: 54 - 55].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونزل الشيخ في دار الأوحدي، وقيل: في دار ابن سنقر، وأكبَّ الناس على الاجتماع والقراءة عليه في جميع العلوم ليلًا ونهارًا، فكان يعلّم الناس ويفتيهم، ويذكر الله ويدعو إليه، ويتكلّم في الجوامع بمصر على المنابر بتفسير القرآن، ويوم الجمعة من بعد الصلاة إلى أذان العصر إلى أن ضاق منه صدور خلق من أعدائه، وانحصروا منه، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت.
وفي العشر الأول من شوّال اجتمع خمسمئة من الصُّوفية وفيهم شيخ شيوخهم كريم الآملي وابن المنبجي واتفقوا على الشكوى على الشيخ تقي الدين إلى السلطان، فطلع منهم خلق إلى القلعة فكانت لهم ضجّة شديدة، فقال السلطان: ما لهؤلاء؟!
فقيل له: يشكون على ابن تيمية، فقال: وما يشكون منه؟
فقالوا: إنهم يزعمون أنه يسب مشايخهم، ويضع من قدرهم عند الناس.
واستغاثوا، وجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، ودخلوا على الأمراء، ولم يبقوا ممكنًا.
فقال بعض أصحابه له: إنّ الناس قد جمعوا لك جمعًا كثيرًا، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وكان قد تكلم في ابن عربي وبين طريقه، وطريق أتباعه من أهل الحلول والاتحاد
فأمر أن يعقد مجلس بدار العدل، فعقد له مجلس كان يحبه ويتمناه، واجتمع فيه القضاة والفقهاء، فظهر من هذا المجلس من علم الشيخ، وشجاعته، وقوة قلبه، وصدق توكله، وبيان حجته ما يتجاوز وصف الواصفين مع أنه وحده، وكلهم عليه، وكان وقتًا مشهودًا، وقد قال له كثير من الفقهاء المخالفين له: من أين لك هذا العلم.
فقال لهم الشيخ: من أين لا تعلمونه.
وذكر جماعة ممن حضر هذا المجلس أن الناس لما تفرقوا منه، قام الشيخ ومعه جماعة من أصحابه، فجاء إلى موضع في دار العدل، فاستلقى على ظهره، وأخذ حجرًا، فوضعه تحت رأسه فاضطجع قليلًا. ثم جلس قليلًا، فقال له إنسان من الحاضرين: يا سيدي قد أكثر الناس عليك!
فقال: إن هم إلا كالذباب، ورفع كفه إلى فيه ونفخ، وقام وقمنا معه حتى خرجنا من دار العدل، فأتي بحصان فركبه، وتحنّك بذؤابته، فلم أر أحدًا أقوى قلبًا منه، ولا أشجع، ولا أشد بأسًا.
ولما أكثروا الشكاية فيه، والحط عليه، رسم بتسفيره إلى السّام. فخرج للسفر ليلة الخميس ثامن عشر الشهر، ثم ردَّ في يوم الخميس المذكور، وحُبس بسجن الحاكم في حارة الدَّيلم ليلة الجمعة تاسع شوال، ولما دخل الحبس وجد المحابيس في غفلة عظيمة مشتغلين بأنواع من اللعب يلتهون بها عمّا هم فيه كالشطرنج والنرد وغير ذلك، من تضييع الصلوات، فأنكر عليهم أشد الإنكار، وأمرهم بملازمة الصلاة، والتوجه إلى الله بالأعمال الصالحة والتسبيح والاستغفار والدعاء، وعلمهم من السُّنَّة ما يحتاجون إليه، ورغبهم في أعمال البر وحضهم على ذلك،
قال البِرْزالي: وفي شَوَّال منها شكى الصُّوفية بالقاهرة على الشّيخ تقي الدين وكلامه في ابن عربي وغيره إلى الدولة، فردُّوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي، فعُقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء
(1)
بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء، لكنه قال: لا يُسْتَغَاثُ إلا بالله، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة، ولكن يتوسل به ويُشَفّع به إلى الله، فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شيء، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب، فحضرت رسالة إلى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة، فقال القاضي: قد قلت له ما يقال لمثله.
ثم إن الدولة خيّروه بين أشياء: إما أن يسير إلى دمشق أو الإسكندرية بشروطه
(2)
أو الحبس، فاختار الحبس، فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزمًا ما شَرَطَ فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرًا لخواطرهم.
فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال، ثم أرسلوا خلفه من الغد بريدًا آخر، فرَدُّوه، وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء، فقال له بعضهم: إن الدولة ما ترضى إلا بالحبس، فقال القاضي: وفيه مصلحة له، واستناب شمس الدين التونسي المالكي وأذن له أن يحكم عليه بالحبس فامتنع، وقال: ما ثبت عليه شيء، فأذن لنور الدين الزَّواوي المالكي فتحيَّر، فلما رأى الشَّيخُ توقَّفَهم في حبسه قال: أنا أمضي إلى الحبس وأتَّبع ما تقتضيه المصلحة، فقال نور الدين الزواوي: يكون في موضع يصلح لمثله. فقيل له: الدولة ما ترضى إلا بمسمى الحبس، فأُرسل إلى حبس القضاة في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الأعز
(3)
حين سجن، وأُذن له أن يكون عنده من يخدمه، وكان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة، فإنّه كان قد استحوذ على عقل الجَاشْنَكير الذي تسلطن فيما بعد، وغيره من رجال الدولة، والسُّلطان مقهور معه، واستمر الشيخ في الحبس يستفتى ويقصده الناس ويزورونه، وتأتيه الفتاوى المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء
= حتى صار الحبس مما فيه من الاشتغال بالعلم والدين خيرًا من كثير من الزوايا والربط والخوانق والمدارس، حتى صار خلق من المحابيس إذا طلعوا يختارون الإقامة عنده، وبعضهم لا يريد الخروج من الحبس لما حصل له فيه من الخير. وكثر المتردِّدون إليه حتى كان الحبس يمتلئ منهم، فلما كثر اجتماع الناس به في الحبس ساء ذلك أعداءه وحصرت صدورهم، فسألوا نقله إلى الإسكندرية، وأرادوا أن يصرفوا قلوب الناس عنه، وينقطع أثره، ويأبى الله إلا أن يرفع ذكره ويجمع قلوب الخلق عليه.
(1)
هو: أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري المالكي الصوفي. توفي سنة (709 هـ). ترجمته في الدليل الشافي (1/ 78)
(2)
توفي في صفر في ط: بشروط.
(3)
هو: أبو القاسم عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين أبي محمد عبد الوهاب، ولي الوزارة مع القضاء ثم استعفى من الوزارة، امتحن على يد شمس الدين بن السلعوس، ثمّ نجّاه الله. مات سنة (695 هـ) انظر ترجمته في "فوات الوفيات"(2/ 279) و "النجوم الزاهرة"(8/ 82).
وأعيان الناس، فيكتب عليها بما يحيّر العقول من الكتاب والسُّنَّة. ثم عقد للشيخ مجلس بالصالحية بعد ذلك كله، ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير، وأكب الناس على الاجتماع به ليلًا ونهارًا.
وفي سادس رجب باشر الشيخ]
(1)
كمال الدين بن الزَّمْلَكاني نظر ديوان المارستان
(2)
عوضًا عن يوسف العجمي توفي، وكان محتسبًا بدمشق مدة فأخذها منه نجم الدين بن البصراوي
(3)
قبل هذا بستة أشهر، وكان العجمي موصوفًا بالأمانة.
وفي ليلة النصف من شعبان أبطلت صلاة ليلة النصف لكونها بدعة، وصين الجامع من الغوغاء والرعاع، وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنة.
وفي رمضان قدم الصدر نجم الدين البصراوي ومعه توقيع بنظر الخِزَانة عوضًا عن شمس الدين الخطيري
(4)
مضافًا إلى ما بيده من الحسبة.
ووقع في أواخر رمضان مطر قوي شديدٌ، وكان الناس لهم مدة لم يمطروا، فاستبشروا بذلك، ورخصت الأسعار، ولم يمكن الناس الخروج إلى المصلى من كثرة المطر، فصلوا بالجامع، وحضر نائب السلطنة فصلى بالمقصورة.
وخرج المحمل
(5)
، وأمير الحج عامئذٍ سيفُ الدِّين بَلَبَانُ البَدريُّ التَّتَري
(6)
.
وفيها حج القاضي شرف الدين البارزي
(7)
من حماة.
وفي ذي الحجة وقع حريق عظيم بالقرب من الظاهرية مبدؤه من الفرن تجاهها الذي يقال له: فرن الصُّوفية
(8)
ثم لطف الله وكف شرها وشررها
(9)
.
قلت: وفي هذه السنة كان قدومنا من بصرى إلى دمشق بعد وفاة الوالد، وكان أول ما سكنا بدرب سفون
(10)
الذي يقال له: درب ابن أبي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطيوريين
(11)
، ونسأل الله حسن العاقبة والخاتمة آمين.
(1)
إلى هنا ينتهي البياض المشار إليه من قبل.
(2)
في ب: البيمارستان النوري.
(3)
هو: محمد بن عثمان البصراوي، سيأتي في وفيات سنة (723 هـ).
(4)
هو: عبد القادر بن يوسف. سيأتي في وفيات سنة (716 هـ).
(5)
في ب: المحمل السلطاني.
(6)
هو: أحد مقدمي الألوف بدمشق، حج سنة (707 هـ) وتوفي يوم عيد الفطر سنة (727 هـ).
(7)
هو: هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم، وسيأتي في وفيات سنة (737 هـ).
(8)
في ط: العوتيّة، وهو توهم.
(9)
ليست في ب.
(10)
في ط: سَعُّور. وهو عند الصَّاغة العتيقة، وسيذكره المؤلف مرة ثانية في أحداث سنة (710 هـ).
(11)
في ط: الطوريين، وهو تصحيف. وما أثبتاه موافق لما في الدارس (2/ 7).
وممن توفي فيها من الأعيان:
الأمير ركن الدين بيبرس: العَجَمي الصالحي
(1)
، المعروف بالجَالِق، كان رأس نوبة
(2)
الجمدارية في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب وأمره الملك الظاهر. وكان من أكابر الدولة كثير الأموال، توفي بالرملة، لأنّه كان في قسم إقطاعه في نصف جمادى الأولى، ونقل إلى القدس فدفن به.
الشَّيخ صالح الأحمدي الرفاعي
(3)
: شيخ المنيبع
(4)
، وكان التتر يكرمونه لما قدموا دمشق، ولما جاء قطلُوشاه نائب التتر نزل عنده، وهو الذي قال للشيخ تقي الدين بن تيمية حين تناظروا
(5)
بالقصر: نحنُ ما ينفق حالنا إلا عند التتر، وأمّا عند الشرع فلا.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعمئة
استهلت [والخليفة المستكفي وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، ونوابه وقضاته بالديار المصرية والبلاد الشامية هم المذكورون في السنة التي قبلها]
(6)
، والشيخ تقي الدين قد أخرج من الحَبْس
(7)
، والنَّاس قد عكفوا عليه زيارة وتعلمًا واستفتاء وغير ذلك.
وفي مستهل ربيع الأول أفرج عن الأمير نجم الدين خَضر بن الملك الظاهر
(8)
، فأخرج من البرج
(9)
وسكن دار الأَفْرَم
(10)
بالقاهرة، ثم كانت وفاته في خامس رجب من هذه السنة.
وفي أواخر جمادى الأولى تولى نظر ديوان ملك الأمراء زينُ الدِّين الشريف ابن عدنان عوضًا عن
(1)
ترجمته في: الدرر الكامنة (1/ 508) والنجوم الزاهرة (8/ 227).
وفيه: (الجَالِقُ: لفظ تركي، اسم للفرس الحاد المزاج، الكثير اللعب).
(2)
ليست في ط.
(3)
ترجمته في: الدرر الكامنة (2/ 201 - 202) والدليل الشافي (1/ 352). وفيهما: صالح بن عبد الله البطائحي.
(4)
في ط: المينبع.
(5)
زيادة من ب.
(6)
في الأصل: "استهلّت والحكام هم المذكورون في التي قبلها "وما بين الحاصرتين استدركته من ب.
(7)
في الأصل: في الحبس
(8)
كان الناصر سجنه سنة (698 هـ) عوده من الحج. الدرر الكامنة (2/ 83) النجوم الزاهرة (8/ 229).
(9)
هو: برج القلعة.
(10)
دار عز الدين أيبك بن عبد الله الأفرم، أمير جاندار الملك الظاهر والملك السعيد والملك المنصور قلاوون النجوم الزاهرة (8/ 80).
ابن الزملكاني، ثم أضيف إليه نظرُ الجامع أيضًا عوضًا عن ابن الخطيري، وتولَّى نجم الدين الدمشقي
(1)
نظر الأيتام عوضًا عن نجم الدين بن هلال
(2)
.
وفي رمضانَ عُزِل الصَّاحِبُ أمين الدين الدقاقي
(3)
عن نظر الدواوين بدمشق وسافر إلى مصر.
وفيها عَزَل كمالُ الدِّين بن الشَّرَيْشي
(4)
نفسَه عن وكالة بيت المال، وصمَّم على الاستمرار على العزل، وعُرض عليه العَودُ فلم يقبل، وحُمِلت إليه الخِلعة لمّا خُلع على المباشرين فلم يلبسها، واستمر معزولًا إلى يوم عاشوراء من السَّنة الآتية، فجُدِّد تقليده وخُلع عليه في الدَّولة الجديدة.
وفيها خرج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصدًا الحج، وذلك في السادس والعشرين من رمضان، وخرج معه جماعةٌ من الأمراء لتوديعه فردَّهم، ولما اجتاز إلى الكرك عَدل إليها فنُصب له الجسرُ، فلما توسّطه كُسر به، فسلم من كان أمامه وقفز به الفرسُ فسلم، وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين، فمات منهم أربعة، وتهشَّم أكثرهم في الوادي الذي
(5)
تحت الجسر، وبقي نائبُ الكَرَك الأمير جمال الدين آقوش
(6)
خَجِلًا يتوهم أن يكون هذا يظنُّه السلطان عن قصد، وكان قد عمل للسُّلطان ضيافةً غرم عليها أربعة عشر ألفًا، فلم تقع الموقع لاشتغال السلطان بهمته وما جرى له ولأصحابه، ثم خلع على النائب، وأذن له في الانصراف إلى مصر فسافر، واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكَرَك وحدَها، وكان يحضر دارَ العدل ويباشر الأمور بنفسه، وقدمت عليه زوجه
(7)
من مصر، فذكرت له ما كانوا فيه من ضيق الحال وقلة النفقات
(8)
.
ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
(9)
لما استقر الملك النَّاصِرُ بالكَرَك وعزم على الإقامة بها كتب كتابًا إلى الديار المصرية يتضمَّنُ عَزلَ نفسه عن المملكة، فأُثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نُفّذ على قضاة الشام، وبويع الأمير ركن الدين بيبرس
(1)
في الأصل وط: ابن الدمشقي. وسيأتي ذكره في وفيات سنة (726 هـ).
(2)
هو: علي بن محمد بن هلال الأزدي، توفي سنة (729 هـ). الدارس (1/ 168) شذرات الذهب (6/ 91).
(3)
في ط وب: الرفاقي. وهو أبو بكر بن عبد العظيم أمين الدين الدقاقي المصري الكاتب سيأتي في وفيات سنة (710 هـ).
(4)
هو: أحمد بن محمد بن أحمد الشريشي الوائلي. وسيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
(5)
في ب: تحته.
(6)
هو: آقش الأشرفي، جمال الدين البرناق، المعروف بنائب الكرك. مات سنة (736 هـ) في الاسكندرية معزولًا محبوسًا. الدرر الكامنة (1/ 395) النجوم الزاهرة (9/ 310).
(7)
في الأصل وط، وب، وأ: زوجته. والصواب لغةً ما أثبتناه.
(8)
الخبر في النجوم الزاهرة (8/ 229) وبدائع الزهور (1/ 422) وشذرات الذهب. أحداث سنة (709 هـ).
(9)
في ط: بشيخ المنبجي عدو ابن تيمية. ولا معنى لها في هذا الموضع.
الجَاشْنَكير، بالسلطنة
(1)
في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر، بدار الأمير سيف الدين سلار، اجتمع بها أعيان الدولة من الأمراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالملك المظفر، ثم ركب إلى القلعة ومَشَوْا بين يديه، وجلس على سرير المملكة بالقلعة، ودقت البشائر وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان
(2)
.
وفي مستهل ذي القعدة وصل الأمير عز الدين البغدادي
(3)
إلى دمشق فاجتمع بنائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان بالقصر الأبلق، فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى أهل مصر، وأنه قد نزل عن الملك وأعرض عنه، فأثبته القُضَاة وامتنع الحنبلي
(4)
من إثباته وقال: ليس أحد يترك الملك مختارًا، ولولا أنه مضطهد ما تركه، فعُزل وأُقيم غيرُه
(5)
، ثم استحلفهم للسلطان الملك المظفّر، وكتبت العلامة على القلعة، وألقابه عليها وعلى محال المملكة، ودقت البشائر، وزُيَّنت البلد، ولما قرئ كتاب الملك الناصر على الأمراء بالقصر، وفيه: إني قد صحبت الناس عشر سنين ثم اخترت المقام بالكَرَك، تباكى جماعة من الأمراء وبايعوا كالمكرهين.
وتولى مكان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأمير سيف الدين ترغلي
(6)
، ومكان ترغلي
(7)
سيف الدين بتخاص
(8)
، ومكان بتخاص الأمير جمال الدين آقوش
(9)
الذي كان نائب الكَرَك، وخُطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها، [وحضر نائب السلطنة الأفرم والقضاة، وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة في تاسع عشر ذي القعدة]
(10)
.
(1)
في ط: في السلطنة.
(2)
الخبر في النجوم الزاهرة (2328) وبدائع الزهور (1/ 453).
(3)
عز الدين أيبك البغدادي المنصوري. النجوم الزاهرة (8/ 235) أما في الدرر فقد ذكر وفاته سنة (703 هـ). ولعلّ ذلك توهم. فليحرر.
(4)
هو: سليمان المقدسي. سبق ذكره.
(5)
عزاء بالقاضي شهاب الدين بن الحافظ. الدرر الكامنة (1/ 120) الدارس (2/ 37).
(6)
في ط: بن علي.
(7)
في ط: ترعكي. وهو السابق نفسه.
(8)
في ط: بنخاص، وكذلك في الدرر الكامنة (1/ 472). والذي في النجوم الزاهرة (8/ 232): بتخاص موافق لما في أ.
وهو: بتخاص المنصوري، كان من الرّحبة، ثم كان من أمراء دمشق، ثم ولّي صفد سنة 679 هـ وعاد إلى القاهرة وولّى بها إمرةً في أول سلطنة بيبرس، وسجن بعد أن قام على الناصر، ومات في الكرك مسجونًا سنة (711 هـ).
(9)
جمال الدين آقوش الرُّومي المنصوري، كان من أمراء التقدمة في أيام الناصر، فلما تسلطن المظفر بيبرس كان في خدمته، غدر به مماليكه فقتلوه غيلة سنة (709 هـ)، وهو غير المذكور قريبًا، وسيذكر في وفيات سنة (709 هـ).
(10)
ليست في ب.
وقرأ تقليد النائب كاتب السرّ القاضي محيي الدين بن فضل الله
(1)
بالقصر بحضرة الأمراء، وعليهم الخلع كلّهم. وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية، والعِمَامة المدوّرة ورجال الدولة بين يديه، عليهم الخِلعُ يوم السبت سابع ذي القعدة، والصَّاحب ضياء الدين النشاي
(2)
حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود.
وأَوّله {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30].
ويقال: إنّه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة ومئتي خلعة، وكان يومًا مشهودًا، وفرح بنفسه أيامًا يسيرة، وكذا شيخه المنبجي، ثمَّ أزالَ الله عنهما نعمته سريعًا
(3)
.
وفيها خطب ابن جماعة
(4)
بالقلعة، وباشر الشيخ علاء الدين القونوي
(5)
تدريس الشريفية
(6)
.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشَّيخ الصَّالح عثمان الحلبوني
(7)
: أصله من صعيد مصر، فأقام مدة بقرية حلبون وغيرها من تلك الناحية، ومكثَ مدة لا يأكل الخبز، واجتمع عليه جماعةٌ من المريدين وتوفي بقرية برزة
(8)
في أواخر المحرَّم، ودفن بها، وحضر جنازته نائب الشّام والقضاة وجماعة من الأعيان.
الشيخ الصَّالح: أبو الحسن علي بن محمد بن كثير الحراني
(9)
الحنبلي إمام مسجد عطية، ويعرف بابن المقرئ، روى الحديثَ، وكان فقيهًا بمدارس الحنابلة.
ولد بحران سنة أربع وثلاثين وستمئة، وتوفي بدمشق في العشر الأخير من رمضان، ودفن بسفح قاسيون.
(1)
هو: يحيى بن فضل الله، تقلب في كتابة السرّ بين دمشق والقاهرة، وسيأتي في وفيات سنة (738 هـ).
(2)
في ط، وأ: النساي. انظر بدائع الزهور (1/ 423).
(3)
ليست في ب
(4)
هو: محمد بن إبراهيم بن سعد.
(5)
هو: علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي، وسيأتي في وفيات سنة (729 هـ).
(6)
تقع عند حارة الغرباء، ذكرها النعيمي في الدارس (1/ 316) وقال بدران في منادمة الأطلال (ص 109): لم يبق لهذه المدرسة عين ولا أثر.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 442) وفيها وفاته في بعلبك، والشذرات (6/ 16) وما فيه موافق لما هاهنا أقول: وفي برزة قبر يعرف بقبر الشيخ عثمان، وفي معربا القريبة منها: مقام بهذا الاسم، فلعله كان يلجأ إليه للراحة في طريقه من حلبون إلى دمشق وبالعكس.
(8)
في ط: برارة.
(9)
لم أقع له على ترجمة فيما بين يدي من الكتب.
وتوفي قبله الشيخ زين الدين الحرَّاني
(1)
بغزّة، وعمل عزاؤُه بدمشق. رحمهما الله.
السَّيد الشَّريف زَيْن الدّين: أبو علي الحُسَين
(2)
بن محمد بن عدنان الحُسَيني
(3)
نقيب الأشراف، كان فاضلًا بارعًا فصيحًا متكلمًا، يعرف طريقة الاعتزال ويباحث الإمامية، ويناظر على ذلك بحضرة القضاة وغيرهم، وقد باشر قبل وفاته بقليل نظر الجامع ونظر ديوان الأفرم، توفي يوم الخامس من ذي القعدة عن خمس وخمسين سنةً، ودفن بتربتهم بباب الصغير.
الشيخ الجليل ظهير الدين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل بن مَنْعَةَ البغدادد
(4)
، شيخُ الحَرَم الشَّريف بمكة بعد عمه عفيف الدين منصور بن منعة، وقد سمع الحديث، وأقام ببغداد مدة طويلة، ثم سار إلى مكة، بعد وفاة عمه، فتولى مشيخة الحرم إلى أن توفي بها
(5)
.
ثم دخلت سنة تسع وسبعمئة
استهلت وخليفة الوقت المستكفي أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك المظفّر ركن الدين بيبرس الجَاشْنَكير، ونائبه بمصر الأمير سيف الدين سلار، وبالشام
(6)
آقوش الأفرم، وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها.
وفي ليلة سلخ صفر توجه الشيخ تقي الدين بن تيمية من القاهرة إلى الإسكندرية صحبة أمير مُقدّم، فأدخله دار السلطان وأنزله في برج منها فسيح متسع الأكناف، فكان الناس يدخلون عليه ويشتغلون في سائر العلوم
(7)
، ثم كان بعد ذلك يحضر الجُمُعَات، ويعمل المواعيد على عادته في الجامع، وكان دخوله إلى الاسكندرية يوم الأحد وبعد عشرة أيَّام وصل خبره إلى دمشق، فحصل للناس عليه تألم وخافوا عليه غائلة الجاشْنَكير وشيخه المنبجي، فتضاعف له الدُّعاء، وذلك أنهم لم يمكِّنوا أحدًا من أصحابه أن يخرج معه إلى الإسكندرية، فضاقت له الصُّدور، وذلك أنه تمكن منه عدوه نصر المنبجي
(8)
وكان سبب عداوته له أنَّ الشيخ تقي الدين كان ينال من الجاشنكير ومن شيخه نصْر
(1)
في ب: أمين الدين بن سقر الحراني. لم أقع له على ترجمة.
(2)
في الأصل وط، أ، الحسن، وأثبتنا ما في ب والدرر الكامنة (2/ 69) وكذلك في الدارس (1/ 495).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 69) والدارس (1/ 495) ومواضع متفرقة منه.
(4)
ترجمته في شذرات الذهب (6/ 17) وفيها: توفي بالمَهْجَم من نواحي اليمن، عن بضع وسبعين سنة "والمَهْجَمُ": بلد وولاية من أعمال زَبيد باليمن. انظر "ياقوت.
(5)
ليست في ط، ولا في ب. ولعله أراد بها، أي في المشيخة.
(6)
في ب. جمال الدين.
(7)
ليست في ب. بل فيها: ويبحثون معه.
(8)
ليست في ب.
المنبجي، ويقول: زالت أيامه وانتهت رياسته، وقَرُب انقضاء أجله، ويتكلم فيهما وفي ابن عربي وأتباعه، فأرادوا أن يسيروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفي، لعل أحدًا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة
(1)
، فما زاد ذلك الناس إلا محبة فيه وقربًا منه، وانتفاعًا به، واشتغالًا عليه، وحُنُوًّا وكرامة له.
(2)
وجاء كتاب من أخيه
(3)
يقول فيه: إنَّ الأخ الكريم قد نزل بالثّغر المحروس على نية الرباط، فإنّ أعداء الله قصدوا بذلك أمورًا يكيدونه بها ويكيدون الإسلام وأهله، وكانت تلك كرامةً في حقنا، وظنوا أنَّ ذلك يؤدي إلى هلاك الشيخ، فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة، وانعكست من كل الوجوه، وأَصبَحُوا وأَمْسَوْا وما زالوا عند الله وعند النّاس العارفين سودَ الوُجوه، يتقطَّعون حسرات وندمًا على ما فعلوا، وانقلب أهل الثغر أجمعين إلى الأخ مقبلين عليه، مكرمين له، وفي كل وقت ينشر من كتاب الله وسنة رسوله ما تَقَرُّ بِهِ أعينُ المؤمنين، وذلك شجى
(4)
في حلوق الأعداء، واتفق أنه وجد بالإسكندرية إبليس قد باض فيها وفَرَّخَ، وأضلَّ بها فرق السبعينيَّة
(5)
والعربية
(6)
، فمزق الله بقدومه عليهم شملهم، وشتت جموعهم شَذَرَ مَذَرَ، وهتك أستارهم وفَضَحهم، واستتاب جماعةً كثيرة منهم، وتوَّبَ رئيسًا من رؤسائهم، واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاض وفقيه، ومفتي وشيخ وجماعة المجتهدين، إلا من شَدَّ من الأغْمَارِ الجُهَّال، مع الذلة والصَّغار - محبةُ الشَّيخ وتعظيمه وقبول كلامه والرُّجوع إلى أمره ونهيه، فعلَتْ كلمة الله بها على أعداء الله ورسوله، ولعنوا سرًا وجهرًا وباطنًا وظاهرًا، في مجامع الناس بأسمائهم الخاصة بهم، وصار ذلك عند نصر المنبجي القيمَ المُقيم، ونزل به من الخوف والذُّلّ ما لا يعبر عنه، وذكر كلامًا كثيرًا.
والمقصود أنَّ الشَّيخَ تقي الدين أقام بثغر الإسكندرية ثمانية أشهر مقيمًا ببرج متّسع مليح نظيف، له شبّاكان أحدهما إلى جهة البحر والآخر إلى جهة المدينة، وكان يدخل عليه من شاء، ويتردد إليه الأكابر والأعيان والفقهاء، يقرؤون عليه ويستفيدون منه، وهو في أطيب عيش وأشرح صدر.
وفي آخر ربيع الأول عزل الشيخ كمال الدين بن الزَّملكاني عن نظر المارستان
(7)
بسبب انتمائه إلى
(1)
في ب: فيستريحوا منه.
(2)
ليست في ب.
(3)
يعني: شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم.
(4)
"الشَّجَى": ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. القاموس.
(5)
نسبة إلى عبد الحق بن إبراهيم محمد قطب الدين المعروف بابن سبعين. مات سنة (669 هـ) وقيل (668 هـ) في مكة المكرمة بعد أن فصد يديه وترك الدم يخرج حتى تصفى، قال الذهبي رحمه الله واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعًا بقوله: "لا نبي بعدي". فإن كان قال هذا، فقد خرج به من الإسلام. العبر (5/ 291) وفيه وفاته سنة (669 هـ)، وفوات الوفيات (2/ 253) وفيه وفاته سنة (668 هـ).
(6)
"العربية": نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي.
(7)
كان تولاه سنة (707 هـ) كما تقدَّم.
ابن تيمية بإشارة المنبجي
(1)
، وباشره شمس الدين عبد القادر بن الخطيري.
وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر ولى قضاء الحنابلة بمصر الشيخ الإمام الحافظ سعد الدين أبو محمود
(2)
مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد
(3)
الحارثي، شيخ الحديث بمصر، بعد وفاة القاضي شرف الدين أبي محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحرّاني.
وفي جمادى الأولى برزت المراسيم السلطانية المظفّرية إلى نوّاب البلاد الساحلية
(4)
بإبطال الخمور، وتخريب الحانات، ونفي أهلها، ففعل ذلك، وفرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا.
وفي مستهل جُمادى الآخرة وصل بريد بتولية قضاء الحنابلة بدمشق للشيخ شهاب الدين أحمد بن شرف
(5)
الدين حسن بن الحافظ جمال الدين أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي، عوضًا عن التقي سليمان بن حمزة بسبب تكلمه في نزول الملك الناصر عن الملك، وأنه إنما نزل عنه مضطهدًا بذلك، ليس بمختار، وقد صدق فيما قال.
وفي عشرين جمادى الآخرة وصل البريد بولاية شد الدواوين للأمير سيف الدين بَكْتَمُر الحاجب
(6)
، عوضًا عن الرُّسْتُمي
(7)
فلم يقبل، وبنظر الخزانة للأمير عزّ الدين أحمد بن الزين
(8)
محمد بن أحمد بن محمود المعروف بابن القلانسي، فباشرها
(9)
وعزل عنها البصراوي محتسب البلد.
وفي هذا الشهر باشر قاضي القضاة
(10)
ابن جماعة مشيخة سعيد السُّعداء بالقاهرة بطلب الصُّوفية له، ورَضُوا منه بالحضور عندهم في الجمعة مرة واحدة، وعُزل عنها الشيخ كريم الدين الآملي
(11)
لأنَّه عزل منها الشهود، فثاروا عليه، وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدين، فرُسم بصرفه عنهم، وعُومل بنظير ما كان يعامل به النّاس، ومن جملة ذلك قيامه على شيخ الإسلام ابن تيمية وافتراؤه عليه الكذبَ، مع جهله وقلة ورعه، فعجل الله له هذا الخزي على يدي أصحابه وأصدقائه جزاء وفاقا
(12)
(1)
ليست في ب
(2)
في ب: أبو محمد، وكذلك هو في الشذرات (6/ 29)
(3)
في الأصل وط وأ: زين الدين. والتصويب من ب والنجوم الزاهرة (7/ 135 و 9/ 221).
(4)
في ط: إلى البلاد السواحلية
(5)
في ط: شريف
(6)
سيأتي في وفيات سنة (729 هـ). وهو: بكتمر بن عبد الله الحسامي
(7)
هو: جمال الدين آقوش الرستمي. وسيأتي في وفيات هذه السنة
(8)
في الأصل وط: زين الدين. وكلها بمعنى واحد. وسيأتي في وفيات سنة (736 هـ)
(9)
في ط: فباشرهما
(10)
في ب: بدر الدين
(11)
في الأصل وط و أ: الأيكي وقد سبق الحديث عن ذلك. وسيأتي في وفيات سنة (710 هـ)
(12)
ليست في ب
وفي شهر رجب كثر الخوف بدمشق وانتقل الناس من ظاهرها إلى داخلها، وسبب ذلك أنَّ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ركب من الكَرَك قاصدًا دمشق يطلب عوده إلى الملك، وقد مالًاه جماعة من الأمراء وكاتبوه في الباطن وناصحوه، وقفز إليه جماعة من أمراء المصريين، وتحدَّث النَّاسُ بسفر نائب دمشق الأفرم إلى القاهرة، وأن يكون مع الجم الغفير، فاضطرب النّاسُ ولم تفتح أبواب البلد إلى ارتفاع النهار، وتخبطت الأمور، فاجتمع القضاة وكثير من الأمراء بالقصر وجددوا البيعة للملك المظفّر
(1)
، وفي آخر نهار السبت غلقت أبواب البلد بعد العصر وازدحم الناس بباب النصر وحصل لهم تعب عظيم، وازدحم البلد بأهل القرى وكثر الناس بالبلد، وجاء البريد بوصول الملك الناصر إلى الخمَّانِ
(2)
، فانزعج نائبُ الشّام لذلك، وأظهر أنه يريد قتاله ومنعه من دخول البلد، وقفز إليه الأميران ركن الدين بيبرس المجنون
(3)
، وبيبرس العلمي
(4)
، وركب إليه الأمير سيف الدين يَكْتَمُر حاجب الحجاب يشير عليه بالرجوع، ويخبره بأنه لا طاقة له بقتال المصريين، ولحقه الأمير سيف الدين بهادر
(5)
آص يشير عليه بمثل ذلك، ثم عاد إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رجب وأُخبر أن السلطان الملك الناصر قد عاد إلى الكرك، فسكن الناس ورجع نائب السلطنة إلى القصر، وتراجَعَ بعض الناس إلى مساكنهم، واستقروا بها.
صفة عود المُلْكِ إِلى المَلِكِ الناصر بن الملك المنصور قلاوون
(6)
وزوال دولة الملك المظفّر الجاشنكير بيبرس وخذلان شيخه نصر المنبجي الاتحادي الحلولي
(7)
.
لما كان ثالث عشر شعبان جاء الخبر بقدوم الملك الناصر إلى دمشق، فساق إليه الأميران سيف الدين قُطلُوبَك والحاج بهادر إلى الكَرَك، وحصّاه على المجيء إليها، واضطرب نائب دمشق وركب في جماعة من أتباعه على الهجن في سادس عشر شعبان ومعه ابن صُبح صاحب
(8)
شَقِيفِ
(9)
أَرْنُونَ، وهُيِّئت بدمشق
(1)
في ب: لصاحب الملك المظفّر.
(2)
"الخَمَّان": من نواحي البثَنَيه من أرض الشام، وهي بين دمشق وأذرعات. ياقوت.
(3)
هو أحد الأمراء بدمشق مات سنة (715 هـ)
(4)
وفي الدرر الكامنة (1/ 509): العلائي، وفاته سنة (712 هـ) بالكَرَك.
(5)
في ط: بهادر. وسيأتي في وفيات سنة (730 هـ).
(6)
الخبر في: فوات الوفيات (4/ 35) والدرر الكامنة (4/ 146) والنجوم الزاهرة (8/ 245) وبدائع الزهور (1/ 431).
(7)
ليست في ب
(8)
هكذا في ط وب وأ: "ابن صبح" وكذا هو في السلوك وعقد الجمان للعيني، ووقع في النجوم الزاهرة 8/ 265: صبيح بزيادة ياء، وما أثبتناه هو الأصوب إن شاء الله.
(9)
"الشَّقيف": كأمير: وهو كالكهف، أضيف إلى رجل رومي أو إفرنجي، وهو قلعة حصينة جدًّا في كهف من =
أُبَّهةُ السلطنة والإقامات اللائقة به، والعصائب
(1)
والكوسات، وركب من الكَرَك في أبهة عظيمة، وأرسل الأمان إلى الأفرم، ودعا له المؤذنون في المئذنة ليلة الإثنين سابع عشر شعبان وضع الناس
(2)
بالدعاء له والسرور بذكره، ونُودي في الناس بالأمان، وأن يفتحوا دكاكينهم ويأمنوا في أوطانهم، وشرع النّاسُ في الزينة، ودقت البشائر، ونام الناس في الأسطحة ليلة الثلاثاء ليتفرجوا على السلطان حين يدخل البلد، وخرج القضاة، والأمراء والأعيان لتلقيه.
قال كاتبه ابن كثير: وكنت فيمن شاهد دخوله يوم الثلاثاء وسط النهار في أبهة عظيمة وبسط له من عند المصلى
(3)
وعليه أبهة الملك، وبسطت الشِّقاق الحرير تحت أقدام فرسه، كلما جاوز شقة طويت من ورائه، والجَتر
(4)
على رأسه والأمراء السِّلَحْدارية عن يمينه وشماله، وبين يديه، والناس يدعون له ويضجُّون بذلك ضجيجًا عاليًا، وكان يومًا مشهودًا.
قال الشيخ علم الدين البرْزالي: وكان على السلطان يومئذ عمامة بيضاءُ، وكلوتة
(5)
حمراء، وكان الذي حمل الغاشية على رأس السُّلطان الحاج بَهَادر، وعليه خلعةٌ معظَّمة مذهبة بفرو فاخم. ولما وصل إلى القلعة نصب له الجسر ونزل إليه نائبها الأمير سيف الدين السنجري، فقبل الأرض بين يديه، فأشار إليه إني الآن لا أنزل هاهنا، وسار بفرسه إلى جهة القصر الأبلق والأمراء بين يديه، فخُطب له يوم الجمعة
(6)
.
وفي بكرة يوم السبت الثاني والعشرين من الشهر وصل الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب دمشق مطيعًا للسُّلطان، فقبّل الأرض بين يديه، فترجل له السلطان وأكرمه، وأذن له في مباشرة النيابة على عادته، وفرح الناسُ بطاعة الأفرم له، ووصل إليه أيضًا الأمير سيف الدين قَبْجَق
(7)
نائب حماة، والأمير سيف الدين أَسَنْدَمِر
(8)
نائب طرابلس يوم الإثنين الرابع والعشرين من شعبان، وخرج الناس لتلقيهما، وتلقاهما السلطان كما تلقى الأفرم.
وفي هذا اليوم رسم السلطان بتقليد قضاء الحنابلة وعوده إلى تقي الدين سليمان
(9)
، وهنأة الناس
= الجبل قرب بانياس من أرض دمشق بينها وبين الساحل. ياقوت والتاج (شقف).
(1)
في النجوم الزاهرة (8/ 265): الجَتْر.
(2)
في ط وصبح بالدعاء.
(3)
في ب إلى القلعة. والمصلَّى: هو مُصَلّى العيد خارج باب الجابية.
(4)
في ط: الجد. تحريف.
(5)
في ط: كاوثة. تحريف.
(6)
في ب: ودعا له الناس.
(7)
سيأتي في وفيات سنة (710 هـ).
(8)
في ط: أستدمر.
(9)
في ب: وخلع عليه.
وجاء إلى السلطان إلى القصر فسلَّم عليه ومضى إلى الجَوْزيّة
(1)
فحكم بها ثلاثة أشهر.
وأقيمت الجمعة الثانية بالمَيْدان
(2)
وحضر السُّلطان والقضاة إلى جانبه، وأكابر الأمراء والدولة، وكثير من العامة.
وفي هذا اليوم
(3)
وصل إلى السلطان الأمير قَرَاسُنقر المنصوري نائب حلب وخرج دهليز السلطان يوم الخميس رابع رمضان ومعه القضاة والقرّاء وقت العصر، وأقيمت الجمعة خامس رمضان بالميدان أيضًا، ثم خرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء تاسع رمضان، وفي صحبته ابن صَصْرَى وصدرُ الدين الحنفي قاضي العساكر، والخطيب جلال الدين، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني، والموقعون وديوان الجيش وجيش الشام بكماله قد اجتمعوا عليه من سائر مدنه وأقاليمه بنوابه وأمرائه، فلما انتهى السلطان إلى غَزّة دخلها في أبهة عظيمة، وتلقاه الأمير سيف الدين بَهَادر هو وجَمَاعَةٌ من أمراء المصريين، فأخبروه أن الملك المظفّر قد خلع نفسه من الملك، ثم تواتر قدوم الأمراء من مصر إلى السلطان وأخبروه بذلك، فطابت قلوبُ الشَّاميين واستبشروا بذلك ودقت البشائر
(4)
وتأخر مجئ البريد بصورة ما جرى
(5)
، واتفق في يوم هذا العيد أنه خرج نائب الخطيب الشيخ تقي الدين الجزري
(6)
المعروف بالمقصاتي
(7)
في السناجق إلى المصلّى على العادة، واستناب في البلد الشيخ مجد الدين التُّونُسي
(8)
فلما وصلوا إلى المصلّى وجدوا خطيب المُصلّى قد شرع في الصلاة فنُصبت السناجق في صحن المصلى وصلّى بينهما تقي الدين المقصَّاتي ثمَّ خطب، وكذلك فعل ابن حسان
(9)
داخل المُصلَّى، فعقد فيه صلاتان وخطبتان يومئذ، ولم يتفق مثل هذا فيما نعلم.
وكان دخولُ السُّلطان الملك الناصر إلى قلعة الجبل آخر يوم عيد الفطر من هذه السنة، ورسم لسلار
(10)
أن يسافر إلى الشَّوْبَك
(11)
، واستنابَ بمصر الأمير سيف الدين بَكْتَمُر الجَوْكَنْدار
(12)
الذي كان نائبَ صَفَدٍ.
(1)
تقع في سوق القمح، بالقرب من الجامع، أنشأها محيي الدين بن الجوزي المتوفى سنة (656 هـ) الدارس (2/ 29).
(2)
في ب: الأخضر. ويعرف بالميدان الكبير، وميدان القصر الأعلى، وميدان المرج الأخضر.
(3)
في ب: بعد العصر.
(4)
ليست في ب.
(5)
في ط: الناصري. تحريف.
(6)
هو: ثابت بن عمر بن الشيخ الجزري، سيأتي في وفيات سنة (713 هـ).
(7)
في ط: المقضاي. وهو تصحيف.
(8)
هو: أبو بكر بن محمد بن قاسم المرسي النحوي الشافعي. مات تحت الضرب سنة (718 هـ).
(9)
هو: إمام المصلَّى، حيثُ الخطابة فيهم منذ مدة. الدارس (2/ 419).
(10)
في ب: لسيف الدين سلار.
(11)
هي قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وأيلة والبحر الأحمر، قرب الكرك. ياقوت (3/ 370).
(12)
هو أمير جندار المنصوري، قتل في الكرك سنة (716 هـ). الدرر الكامنة (1/ 484)
وبالشّام الأمير شمس الدين قَرَاسُنْقر المنصوري
(1)
، وذلك في العشرين من شوال، واستوزر الصاحب فخر الدين بن الخليلي بعدها بيومين
(2)
، وباشر القاضي فخر الدين
(3)
كاتب الممالك نظر الجيوش بمصر بعد بهاء الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن المظفر الحِلي
(4)
، توفي ليلة الجمعة عاشر شوال، وكان من صدور المصريين وكبار الأعيان
(5)
، وقد روى شيئًا من الحديث، وصرف الأمير جمال الدين آقوش الأفرم إلى نيابة صَرْخَد، وقدم إلى دمشق الأميرُ زَين الدِّين كَتْبُغَا رأس نوبة الجمدارية [في عشرين شوال على]
(6)
شد الدواوين، وأستاذ دار الأستادارية عوضًا عن سيف الدين أَقْجَبا
(7)
، وتغيّرت الدولة، وانقلبت قلبة عظيمة.
قال الشيخ علم الدين البززالي: ولما دخل السلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ تقي الدين بن تيمية من الإسكندرية معزّزًا مكرمًا مبجلًا، فوجّه إليه في ثاني
(8)
يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين، فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر وخرج مع الشيخ خلق من الإسكندرية يودِّعُونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقاه ومشى إليه في مجلس حافل
(9)
، فيه قضاة المصريين والشاميين، وأصلح بينه وبينهم، ونزل الشيخ إلى القاهرة، وسكن بالقرب من مشهد الحسين رضي الله عنه، والناس يتردَّدُون إليه، والأمراء والجند وكثير من الفقهاء والقضاة منهم من يعتذر إليه ويتنصل مما وقع منه، فقال: أنا حالَلْتُ كل من آذاني
(10)
.
قلت: وقد أخبرني القاضي جمال الدين بن القلانسي بتفاصيل هذا المجلس، وما وقع فيه من تعظيمه وإكرامه ممّا حصل له من الشكر والمدح من السلطان والحاضرين من الأمراء، وكذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي، ولكن أخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلًا، وذلك أنه كان إذ ذاك قاضي العساكر، وكلاهما كان حاضرًا هذا المجلس
(11)
، ذكر لي أن السلطان لما قدم عليه الشيخ تقي
(1)
وهو: قراسنقر الجوكندار الجركسي المنصوري، سيأتي في أحداث سنة (728 هـ). سنة وفاته ببلاد التتار.
(2)
هو: عمر بن عبد العزيز بن الحسين، سيأتي في وفيات سنة (711 هـ)
(3)
هو: صاحب ديوان الجيش. النجوم الزاهرة (8/ 281)
(4)
ترجمته: الدرر الكامنة (2/ 245).
(5)
في الأصل وط وأ: وأعيان الكبار. وأثبتنا ما في: ب.
(6)
زيادة من ب.
(7)
توفي سنة (710 هـ). الدرر الكامنة (1/ 393).
(8)
في ب: ثامن
(9)
في ط: حفل
(10)
ليست في ب
(11)
ليست في ب
الدين بن تيمية
(1)
نهض قائمًا للشيخ أوّل ما رآه، ومشى له إلى طرف الإيوان واعتنقا هناك هنيهة، ثم أخذ بيده فذهب به إلى صُفّة
(2)
فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدثان، ثم جاءا ويد الشيخ في يد السلطان، فجلس السلطان وعن يمينه ابن جماعة قاضي مصر، وعن يساره ابن الخليلي الوزير، وتحته ابن صَصْرَى، ثم صدر الدين علي الحنفي، وجلس الشيخ تقي الدين بين يدي السلطان على طرف طراحته، وتكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم، وأنهم قد التزموا للديوان بسبعمئة ألف في كل سنة، زيادة على الحالية، فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وأكابر العلماء من أهل مصر والشام من جملتهم ابن الزَّمْلَكاني.
قال ابن القلانسي: وأنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزملكاني، فلم يتكلم أحد من العلماء ولا من القضاة، فقال لهم السلطان: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلم أحد، فجثا الشيخ تقي الدين على ركبتيه، وتكلّم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ، وردّ على الوزير ما قاله ردًا عنيفًا، وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويُسْكته برِفْقٍ وتُؤَدة وتوقير. وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله، ولا بقريب منه
(3)
، وبالغ في التشنيع على من يوافق في ذلك. وقال للسلطان: حاشاك أن يكونَ أَوَّلُ مجلس جلسته في أبهة الملك تَنصُرُ فيه أهل الذمة لأجل حُطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ ردَّ ملكك إليك، وكبت عدوّك، ونصرك على أعدائك
(4)
فذكر أن الجاشْنَكير هو الذي جدَّد عليهم ذلك، فقال: والذي فعله الجاسنكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبًا لك، فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك، وجرت فصول يطول ذكرها. وقد كان السلطان أعلم بالشيخ من جميع الحاضرين، بعلمه ودينه وقيامه
(5)
بالحق وشجاعته، وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنَّهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضًا، وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنَّما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سَعَوْا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير، ففهم الشيخ مراد السلطان فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكرُ أن يُنالَ أحدٌ منهم بسوء وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارًا، فقال الشيخ: من آذاني فهو في حِل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح.
(1)
ليست في ب.
(2)
في ط: ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة.
(3)
ليست في ب.
(4)
ليست في ب.
(5)
في ط: ودينه وزينته.
قال: فكان
(1)
قاضي المالكية ابن مَخْلُوف يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية
(2)
، حَرَّضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفَحَ عنا وحاجَجَ عنا، ثم إن الشيخ بعد اجتماعه بالسلطان نزل إلى القاهرة وعاد إلى بث العلم ونشره، وأقبلت الخلق عليه ورحلوا إليه يشتغلون عليه ويستفتونه ويجيبهم بالكتابة والقول، وجاء الفقهاء يعتذرون مما وقع منهم في حقه فقال: قد جعلت الكل في حل، وبعث الشيخ كتابًا إلى أهله يذكر ما هو فيه من نعم الله وخيره الكثير، ويطلب منهم جملة من كتب العلم التي له ويستعينوا على ذلك بجمال الدين المزي، فإنه يدري كيف يستخرج له ما يريده من الكتب التي أشار إليها، وقال في هذا الكتاب: والحق كل ما له في علو وازدياد وانتصار، والباطل في انخفاض وسفول واضمحلال، وقد أذلَّ الله رقاب الخصوم، وطلب أكابرهم من السلم ما يطول وصفه، وقد اشترطنا عليهم من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة، وما فيه قمع الباطل والبدعة، وقد دخلوا تحت ذلك كله، وامتنعنا من قبول ذلك منهم، حتى يظهر إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد، ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولًا، ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وذكر كلامًا طويلًا يتضمن ما جرى له مع السلطان في قمع اليهود والنصارى وذلهم، وتركهم على ما هم عليه من الذلة والصَّغار والله سبحانه أعلم
(3)
.
وفي شوال أمسك السُّلطان جماعة من الأمراء قريبًا من عشرين أميرًا
(4)
.
وفي سادس عشر شوّال وقع بين أهل حوران من قيس ويمن، فقتل منهم مقتلة عظيمة جدًّا، قُتِلَ من الفريقين نحو من ألف نفس بالقرب من السُّوَيْداء، وهم يسمونها يوم
(5)
السويداء، ووقعة السُّويداء
(6)
، وكانت الكسرة على يمن، فهربوا من قيس حتى دخل كثير منهم إلى دمشق في أسوأ حال وأضعفه، وهربت قيس خوفًا من الدولة، وبقيت القرى خالية والزروع سائبة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي يوم الأربعاء سادس ذي القعدة قدم الأمير سيف الدين قَبْجَقُ المنصوري نائبًا على حلب
(7)
فنزل القصر ومعه جماعة من أمراء المصريين، ثم سافر إلى حلب بمن معه من الأمراء والأجناد، واجتاز الأمير سيف الدين بَهَادر بدمشقَ ذاهبًا إلى نيابة طرابلس
(8)
والفتوحات السواحلية عوضًا عن الأمير سيف الدين
(1)
في ط: وكان.
(2)
من هنا بياض قدر ورقة في الأصل. واستدركته من أ.
(3)
ليست في ب
(4)
النجوم الزاهرة (9/ 13) وقد ذكر أنهم اثنان وعشرون، وأورد ثبتًا بأسمائهم.
(5)
ليست في ط.
(6)
ليست في ب.
(7)
ليست في ب.
(8)
في ط: طرابلس نائبًا.
أسَندَمر
(1)
، ووصل جماعةٌ ممَّن كان قد سافر مع السلطان إلى مصر في ذي القعدة منهم قاضي قضاة الحنفية صدر الدين الحنفي ومحيي الدين بن فضل الله وغيرهما.
قلت: وجلست يومًا إلى القاضي صدر الدين الحنفي بعد مجيئه من مصر، فقال لي: أتحبُّ ابن تيمية؟ قلت: نعم، فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببت شيئًا مليحًا، وذكر لي قريبًا مما ذكر ابن القلانسي، لكن سياق ابن القلانسي أتم.
مقتل الجَاشْنَكيري
(2)
: كان قد فر الخبيث
(3)
في جماعة من أصحابه، فلما خرج الأمير سيف الدين قَرَاسُنقُر المنصوري من مصر متوجهًا إلى نيابة الشام عوضًا]
(4)
عن الأفرم، فلما كان بغزة في سابع ذي القعدة ضرب حلقة لأجل الصيد، فوقع في وسطها الجاشنكير في ثلاثمئة من أصحابه، فأحيط بهم، وتفرّق عنه أصحابه فأمسكوه، ورجع مع قَرَاسُنقُر وسيف الدين بَهَادر على الهجن، فلما كانوا بالخَطَّارة
(5)
تلقاهم أَسَنْدَمُر فتسلَّمه منهم، ورجعا إلى عسكرهم، ودخل به أسَندَمر على السلطان فعاتبه ولامه، وكان آخر العهد به، وقتل ودفن بالقرافة، ولم ينفعه شيخه المنبجي ولا أمواله، بل قتل شر قتلة
(6)
.
ودخل قَرَاسُنقُر دمشقَ يوم الإثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة فنزل بالقصر، وكان في صحبته ابن صَصْرَى وابن الزَّمْلَكاني وابن القلانسي، وعلاء الدين بن غانم، وخلق من الأمراء المصريين والشاميين، وكان الخطيب جلال الدين القزويني قد وصل قبلهم يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر، وخطب يوم الجمعة على عادته، فلمّا كان يوم الجمعة الأخرى وهو التاسع والعشرون من الشهر خطب بجامع دمشق القاضي بدر الدين محمد بن عثمان بن يوسف بن حداد الحنبلي
(7)
عن إذن نائب السلطنة، وقرئ تقليده على المنبر بعد الصَّلاة بحضرة القضاة والأكابر والأعيان، وخلع عليه عقيب ذلك خلعة سنية، واستمر يباشر الإمامة والخطابة اثنين وأربعين يومًا.
ثم أُعيد الخطيب جلال الدين
(8)
بمرسوم سلطاني، وباشر يوم الخميس ثاني عشر المحرم من السنة الآتية
(1)
في ط: أستدمر.
(2)
"الجاشنكير": هو لفظ فارسي ومعناه: التحدث في أمر السماط مع الأستادار. صبح الأعشى (4/ 21).
وترجمته في: الدرر الكامنة (1/ 502) وابن خلدون (5/ 422) والنجوم الزاهرة (8/ 232) وبدائع الزهور (1/ 435) وشذرات الذهب (6/ 19).
(3)
ليست في ب.
(4)
إلى هنا وينتهي البياض المشار إليه من قبل.
(5)
في ط: كان. والخطارة: موضع قرب القاهرة من أعمال الشرقية. التاج (خطر).
(6)
ليست في ب.
(7)
سيأتي في وفيات سنة (724 هـ).
(8)
سيأتي في أحداث السنة القادمة.
وفي ذي الحجّة درّس كمال الدين بن الشِّيرازي
(1)
بالمدرسة الشامية البرانية، انتزعها من يد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وذلك أن أسنْدَمِر ساعده على ذلك.
وفيها أظهر ملك التتر خَرْبَندا
(2)
الرّفض في بلاده، وأمر الخطباء
(3)
أن لا يذكروا في خطبتهم إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته، ولما وصل خطيب باب الأَزج
(4)
إلى هذا الموضع من خطبته بكى بكاء شديدًا، وبكى الناس معه ونزل ولم يتمكن من إتمام الخطبة، فأُقيم من أتمها عنه، وصلى بالناس وظهر على الناس بتلك البلاد من أهل السنة أهل البدعة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولم يحج فيها أحد من أهل الشام بسبب تخبيط الدولة وكثرة الاختلاف
(5)
.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الخَطيب ناصر الدين أبو الهدى: أحمد بن الخطيب بدر الدين يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام
(6)
خطيب العقيبة
(7)
بداره بها، وقد باشر نظر الجامع الأموي وغير ذلك، توفي يوم الأربعاء النصف من المحرم، وصلّي عليه بجامع العُقَيْبة، ودفن عند والده بباب الصغير.
وقد روى الحديث وباشر الخطابة بعد والده
(8)
بدر الدين وحضر عنده نائب السلطنة والقضاة والأعيان.
قاضي الحنابلة بمصر
(9)
: شرفُ الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحرّاني ولد بحران سنة خمس وأربعين وستمئة، وسمع الحديث وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم أُضيف إليه القضاء، وكان مشكور السيرة، كثير المكارم، توفي ليلة الجمعة رابع عشر ربيع الأول، دفن بالقرافة، ووُلّي بعده سعد الدين الحارثي كما تقدّم.
(1)
هو: أحمد بن محمد بن هبة الله سيأتي في وفيات سنة (736 هـ).
(2)
هو: ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو. مات سنة (716 هـ)، كما هو مذكور في أحداث تلك السنة.
(3)
في ط: وأمر الخطباء أولًا أن لا، ولا معنى له.
(4)
في ط وأ: بلاد الأزج، وأثبتنا ما في ب.
وباب الأزج. محلة كبيرة في بغداد ذات محال كثيرة، تشبه كل واحدة أن تكون مدينة وينسب إليها الأزجي. التاج (أزج). قال بشار: هي المعروفة اليوم بباب الشيخ، نسبة إلى الشيخ الشهير عبد القادر الكيلاني، دفينها، وأهل باب الأزج يومذاك حنابلة.
(5)
وكذلك قال في النجوم الزاهرة (8/ 278)
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 331) والدارس في الجزء الثاني في مواضع متفرقة.
(7)
"جامع العقيبة": هو جامع التوبة اليوم بناه الملك الأشرف سنة (632 هـ) وكان يعرف بخان الزنجاوني وكان فيه قبل كل مكروه. وهو غير جامع العقيبة المذكور في الدارس (2/ 426).
(8)
في الأصل ولده. والصَّواب ما أثبتناه.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 389) والنجوم الزاهرة (9/ 278) ووفاته فيه: في الرابع والعشرين.
الشيخ نجم الدين
(1)
: أيوب بن سليمان بن مظفّر المُقْريء
(2)
المعروف بمؤذن النجيبي، كان رئيس المؤذنين بجامع دمشق ونقيب الخطباء، وكان حسن الشكل رفيع الصوت، واستمر بذلك نحوًا من خمسين سنة إلى أن توفي مستهل جمادى الأولى.
وفي هذا الشهر توفي:
الأمير شمس الدين سُنْقُر الأَعْسر المنصوري
(3)
: تولى الوزارة بمصر مع شدَّ الدواوين معًا، وباشر شدَّ الدواوين بالشام مرَّات، وله دار و بستان بدمشق مشهوران به، وكان فيه نهضةٌ، وله همةٌ عالية وأموال كثيرة، توفي بمصر.
الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الرُّستُمي
(4)
: شادُّ الدواوين بدمشق، وكان قبل ذلك والي الولاة بالجهة القبلية بعد الشّريفي، وكانت له سطوة.
توفي يوم الأحد ثاني عشري
(5)
جمادى الأولى، ودفن ضحوة بالقبة التي بناها تجاه قبة الشيخ رسلان، وكان فيه كفاية وخبرة
(6)
. وباشر بعده شد الدواوين أَقْجِبَا
(7)
.
وفي شعبان أو في رجب توفّي:
التَّاجُ ابن سعيد الدولة
(8)
: وكان مُسلمانيا
(9)
وكان مشير
(10)
الدولة، وكانت له مكانة عند الجاشنكير بسبب صحبته
(11)
لنصر المنبجي شيخ الجاشنكير
(12)
، وقد عرضت عليه الوزارة فلم يقبل، ولما توفى تولّى وظيفته ابن أخته كريم الدّين الكبير
(13)
.
(1)
ترجمته في: الدرر الكامنة (1/ 434) والدليل الشافي (1/ 178).
(2)
في ط، وأ، وب: المصري. وأثبتنا ما في الدرر والدليل.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 177) والنجوم الزاهرة (8/ 287) والدارس (1/ 495 و 516) وشذرات الذهب (6/ 20).
(4)
في ط: الرسيمي
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 398) والدارس (1/ 435).
(5)
في أ وب وط تاسع.
(6)
في ب زيادة: وإنّما ولّى الشد بدمشق مدة يسيرة.
(7)
أقبجا، في ط. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 393) وفيه: وهو شاد الدواوين بدمشق، مات سنة (710 هـ).
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 515 - 516) وفيه: يقال له: أحمد الكاتب، والنجوم الزاهرة (8/ 279) وفيه: التاج أبو الفرج. ووفاته فيه: يوم السبت ثاني رجب.
(9)
"مسلمانيًا": أي أسلم فيما بعد. إذ كان قبطيًا.
(10)
في ط: سفير، وفي أ: شقيّ. وأثبتنا ما في ب والدرر والنجوم.
(11)
في ب: للشيخ نصر.
(12)
ليست في ب.
(13)
هو: عبد الكريم بن هبة الله السديد المصري، سيأتي في وفيات سنة (724 هـ).
الشيخ شهاب الدين
(1)
: أحمد بن محمد بن أبي المكارم بن نصر الأصبهاني، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، ولد سنة اثنتين وستمئة، وسمع الحديث وباشر وظيفة الأذان من سنة خمس وأربعين إلى أن توفي ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة ودفن بباب الصغير
(2)
، وكان رجلًا جيدًا والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة عشر وسبعمئة
استهلت وخليفة الوقت المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي
(3)
، وسُلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون
(4)
، ونائب مصر الأمير سيف الدين بَكْتمُر أمير جُندار
(5)
، وقضاتُه هم المذكورون في التي قبلها، سوى الحنبلي فإنّه مسعود
(6)
الحارثي، والوزير بمصر الخليلي
(7)
،
(8)
ونائب الشام قَرَا سُنقر المنصوري، وقضاة دمشق هم هم، ونائب حلبَ قَبْجَق، ونائب طرابلس الحاج بَهَادر، والأفرم بصرخد.
وفي محرّم منها باشرَ الشَّيخ أمينُ الدين سالم بن أبي الدَّر
(9)
وكيل بيت المال إمام مسجد ابن هشام
(10)
تدريس السّامية الجوانية، والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية، كلاهما انتزعها من ابن الوكيل بسبب إقامته بمصر، وكان قد وَفَدَ إلى المظفّر فأكرمه ورتَّبَ له رواتب
(11)
لانتمائه إلى نصرِ المَنْبِجِي
(12)
، ثم عاد بتوقيع سلطاني إلى مدرستيه، فأقام بهما شهرًا أو سبعةً وعشرين يومًا، ثُمَّ استعاداهما منه، ورجعتا إلى المدرّسين الأولين: الأمين سالم، والصَّدر الكردي
(13)
.
(1)
لم أقع له على ترجمة.
(2)
ليس في أوط.
(3)
في ب: ابن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن العباسي.
(4)
في ط: والشيخ تقي الدين بن تيمية مقيم بمصر معظمًا مكرمًا.
(5)
في الأصل وط و أ: خازندار وأثبتنا ما في ب والدرر الكامنة (1/ 484). حيث قال: كان من قبل جوكندار، ثم صار أمير جندار، وقتل بالكرك سنة (716 هـ).
(6)
في ط: سعد الدين.
(7)
في ط: فخر الدين الخليلي.
(8)
في طوب: وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك.
(9)
في الأصل وأ: بن أبي الذرين وفي ط: الدرين. وأثبتنا في الدرر الكامنة (2/ 132) والدارس (1/ 377) وسيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(10)
في ط: مسجد هشام.
(11)
في ط: وألزمه رواتب. وهو تحريف.
(12)
ليست في ب.
(13)
الدارس (1/ 305 و 377).
ورجع الخطيب جلال الدين
(1)
إلى الخطابة في ثاني
(2)
عشرَ المحرم، وعُزل عنها البدر بن الحداد.
وباشر الصاحب شمس الدين
(3)
نظر الجامع والأسرى والأوقاف قاطبة يوم الإثنين، ثم خُلع عليه وأضيف إليه شرف الدين بن صَصْرَى في نظر الجامع، وكان ناظره مستقلًا به قَبْلَهما.
وفي يوم عاشوراء قدم أسَندَمِر إلى دمشق متوليًا نيابة حماة
(4)
، وسافر إليها بعد سبعة أيام.
وفي المحرم باشر بدر الدين بن الحداد نظر المارستان عوضًا عن شمس الدين بن الخطيري ووقعت منازعة بين صدر الدين بن الوكيل
(5)
وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية، وكتبوا في ابن الوكيل
(6)
محضرًا يتضمن من القبائح والفضائح والكفريات على ابن الوكيل
(7)
، فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين بن سليمان الحنبلي، فحكم بإسلامه وحَقَن دَمَه، وحَكَم بإسقاط التَّعزير عنه والحكم بعدالته واستحقاقه للمناصب
(8)
وأشهد عليه بذلك في شهر المحرم المذكور
(9)
، ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية لسليمان الكردي، والشَّامية الجوانية للأمين سالم، ولم يبق معه سوى دار الحديث الأشرفية.
وفي ليلة الإثنين السابع من صفر وصل النجم محمد بن عثمان البصراوي من مصر متوليًا الوزارة بالشام، ومعه توقيع بالحسبة لأخيه فخر الدين سليمان، فباشرا المنصبين بالجامع، ونزلا بدرب سفون الذي يقال له: درب ابن أبي الهيجاء، ثم انتقل الوزير إلى دار الأعسر عند باب البريد، واستمر نظر الخزانة لعز الدين أحمد بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين.
وفي مستهل ربيع الأول باشر القاضي جمال الدين الزُّرَعي
(10)
قضاء القضاة بمصر عوضًا عن ابن جماعة، وكان قد أخذ منه قبل ذلك في ذي الحجة مشيخة الشيوخ، وأُعيدت إلى الكريم الأملي وأُخذت منه الخطابة أيضًا.
(1)
يعني القزويني.
(2)
في ط: سابع عشر. وفي أ: ثامن عشر، وأثبتنا ما في ب وهو الصواب، وقد مر ذكره في آخر الأحداث السنة الماضية.
(3)
في ب: شمس الدين غبريال.
(4)
النجوم الزاهرة (9/ 11) وفيه: عوضًا عن قبجق حيث نقل إلى نيابة حلب.
(5)
في الأصل وأ وط: المرحل، وأثبتنا ما في ب والدارس (1/ 377).
(6)
في ط: إلى الوكيل.
(7)
ليست في ب والذي فيه: وهموا بكتابة محضر يتضمّن أشياء على ابن الوكيل. وهو أشبه.
(8)
ليست في ب، وفي ط: وكانت هذه هفوة من الحنبلي.
(9)
في ط: وكانت هذه هفوة من الحنبلي.
(10)
هو: سليمان بن عمر بن سالم الزرعي. سيأتي في وفيات سنة (734 هـ).
وجاء البريد إلى الشام بطلب القاضي شمس الدين بن الحريري
(1)
لقضاء الديار المصرية، فسار في العشرين من ربيع الأول وخرج معه جماعة لتوديعه، فلما قدم على السلطان أكرمه وعظمه وولاه قضاء الحنفية وتدريس الناصرية والصالحية الناصرية والصالحية، وجامع الحاكم، وعزل عن ذلك القاضي شمس الدين السروجي فمكث أيامًا ثم ما مات.
وفي نصف هذا الشهر مُسِكَ من دمشقَ سبعةُ أمراء، ومن القاهرة أربعة عشر أمير
(2)
.
وفي ربيع الآخر اهتم السلطان بطلب الأمير سيف الدين سلار فحضر هو بنفسه إليه فعاتبه، ثم استخلصت منه أمواله وحواصله في مدة شهر، ثم قُتِلَ بعد ذلك، فوَجَدَ معه من معه من الأموال والحيوان
(3)
والأملاك والأسلحة والمماليك والبغال [والجمال]
(4)
والحمير أيضًا والرباع شيئًا كثيرًا، وأما الجواهر والذهب والفضة، فشيء لا يحدُّ ولا يوصف من كثرته، وحاصل الأمر أنه قد استأثر
(5)
لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال وأموال المسلمين تجري إليه، ويقال: إنه كان مع ذلك كثير العطاء كريمًا محببًا إلى الدولة والرعية والله أعلم.
وقد باشر نيابة السلطنة بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الأربعاء رابع عشرين هذا الشهر، ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة
(6)
، سامحه الله.
وفي ربيع الآخر درّس القاضي شمس الدين بن العز الحنفي
(7)
بالظاهرية عوضًا عن شمس الدين بن الحريري، وحضر عنده خاله الصَّدر علي قاضي قضاة الحنفية وبقية القضاة والأعيان.
وفي هذا الشهر كان الأمير سيف الدين أسَندَمِر قد قدم دمشق لبعض أشغاله، وكان له حنو على الشيخ صدر الدين بن الوكيل، فاستنجز له مرسومًا بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية، فلم يباشر ذلك حتى سافر أَسَنْدَمِر، فاتفق أنه وقعت له بعد يومين كائنة بدار ابن درباس بالصالحية، وذكر أنه وجد عنده شيء من المنكرات واجتمع عليه جماعةٌ من أهل الصالحيَّة من الحنابلة وغيرهم، وبلغ ذلك نائب السلطنة فكاتب فيه، فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية، فخرجت عنه دار الحديث الأشرفية وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة لذلك.
فلما كان في آخر رمضانَ سافر إلى حلب فقرّر له نائبها أسَنْدَمِر شيئًا على الجامع، ثم ولاه تدريسًا
(1)
هو: محمد بن عثمان بن عبد الوهاب الأنصاري. سيأتي في وفيات سنة (728 هـ).
(2)
أيضًا النجوم الزاهرة (9/ 13).
(3)
ليست في ب، وهو الأَشبه، لأنَّ الحيوانات ذكرت مفصلة بعد قليل.
(4)
سقطت من الأصل وأ وط وأثبتناها من ب.
(5)
في ب: استاق.
(6)
في النجوم الزاهرة (9/ 18 - 19): دفن في تربة علم الدين سنجر الجاولي بجانب مدرسته بالقرب من جامع ابن طولون.
(7)
هو: محمد بن محمد بن الشيخ أبي العز الحنفي الأذرعي، سيأتي في وفيات (722 هـ).
هناك وأحسن إليه، وكان الأمير أسَندَمِر قد انتقل إلى نيابة حلب في جمادى الآخرة عوضًا عن سيف الدين قبْجَق، توفي، وباشر مملكة حماة بعده الأمير عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب.
وانتقل جمال الدين آقوش الأفرم من صَرْخَد إلى نيابة طرابلس عوضًا عن الحاج بَهَادر.
وفي يوم الخميس سادس عشر شعبان باشر الشيخ كمال الدين بن الزَّملكاني مشيخة دار الحديث الأشرفية عوضًا عن ابن الوكيل
(1)
، وأخذ في التفسير والحديث والفقه، فذكر من ذلك دروسًا حسنة، ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يومًا حتى انتزعها منه كمال الدين بن الشَّرَيْشي، فباشرها يوم الأحد ثالث شهر رمضان.
وفي شعبان رسم قرَاسُنقُر نائب الشام بتوسعة المقصورة، فأُخِّرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر، ومنعت الجنائز من دخول الجامع أيامًا ثم أُذن في دخولها.
وفي خامس رمضان قدم فخر الدين إياس
(2)
الذي كان نائبًا في قلعة الروم
(3)
إلى دمشق شاد الدواوين عوضًا عن زين الدين كَتْبُغَا المنصوري
(4)
.
وفي شوّال باشر الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشيخة الشيوخ بالديار المصرية عوضًا عن الشيخ كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الآملي
(5)
الذي توفي، وكان له تجريد وهمة، وخُلع على القونوي خِلعة سنيّة، وحضر سعيد السُّعَداء بها
(6)
.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خُلع على الصاحب عز الدين القلانسي
(7)
خلعة الوزراء بالشّام عوضًا عن النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة وإعراضه عن الوزارة.
وفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية
(8)
.
(1)
الدارس (1/ 31).
(2)
ويقال له: إياز بالزاي. سيأتي في وفيات سنة (750 هـ).
(3)
هي قلعة حصينة غربي الفرات، مقابل البيرة، بينها وبين سميساط. ياقوت (4/ 390).
(4)
هذه الزيادة من ب:
وولي وزارة مصر سيف الدين بكتمر الحاجب، عوضًا عن فخر الدين بن الخليلي، وخرج الركب الشامي في شوال، وأميرهم الأمير زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان شاد الدواوين. وهذا موافق لما في النجوم الزاهرة (9/ 34).
(5)
في ط: الأيكي.
(6)
يعني: مشيخة الشيوخ.
(7)
هو: حمزة بن أسعد وسيأتي في وفيات سنة (729 هـ).
(8)
الدارس (1/ 282).
وفي هذا اليوم لبس تقي الدين ابن الصاحب شمس الدين بن السلعوس
(1)
خلعة النظر على الجامع الأموي.
ومسك الأمير سيف الدين أسَندَمِر نائب حلب في ثاني عشر ذي الحجة ودخل إلى مصر
(2)
.
وكذلك مُسِك نائب البيرة
(3)
سيف الدين طُوْغَان
(4)
بعده بليال.
وممن توفي فيها من الأعيان:
قاضي القضاة الإمام العلامة
(5)
شمس الدين أبو العباس: أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، شارح "الهداية"
(6)
، كان بارعًا في علوم شتى، وولي الحكم بمصر وولي الحكم بمصر مدةً وعزل قبل موته بأيام، توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الآخر، ودفن بقرب الشافعي، وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين بن تيمية في علم الكلام
(7)
، وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات، وأبطل حجّته.
وفيها توفى سَلَّار مقتولًا كما تقدَّم
(8)
.
الصَّاحب أمين الدين
(9)
: أبو بكر بن الوجيه عبد العظيم بن يوسف المعروف بابن الدقاقي
(10)
.
(1)
هو: عمر بن محمد بن عثمان، وسيأتي في وفيات سنة (731 هـ)
(2)
في ط: ثاني ذي الحجة. وفي النجوم الزاهرة (9/ 27): ثم حمل إلى السلطان صحبة الأمير بينجار وأيبك الرومي.
(3)
"البيرة": هذه غير تلك القريبة من الفرات، وهي بين المقدس ونابلس، من أرض فلسطين العزيزة - أعادها الله للمسلمين سالمة - آمين. ياقوت (1/ 526).
(4)
في ط: ضرغام. وهو تحريف. النجوم الزاهرة (9/ 34).
(5)
ليست في ط.
وترجمته في الدرر الكامنة (1/ 91 - 92) والنجوم الزاهرة (9/ 212) وفيه: وفاته في الثاني والعشرين وبدائع الزهور (1/ 439) وشذرات الذهب (6/ 23).
(6)
شرح الهداية وسماه: الغاية، ولم يكمله. النجوم الزاهرة (9/ 213).
(7)
بعد هذا في الأصل وط: "أضحك فيها على نفسه" وليست في ب، ولعلها من زيادات النساخ فليس هذا من أسلوب ابن كثير رحمه الله.
(8)
هو: سَلَّار البيرمي المنصوري، نائب الجاشنكير بمصر.
وترجمته في فوات الوفيات (2/ 86 - 89) والدرر الكامنة (2/ 179 - 182) والنجوم الزاهرة (9/ 17 - 23 و 217) وبدائع الزهور (1/ 435 - 438).
(9)
في ط: الدولة، وهو وهم.
وترجمته في: الدرر الكامنة (1/ 446 - 447) وفيه: ابن الدقاقي.
(10)
في ط: الرقاقي، بالراء، وهو كذلك في الفوات فقد ذكره في معرض حديثه عن كمال الدين بن الشريشي، وفيه: وكان ابن الرقاقي ناظر النظار بدمشق. الفوات (1/ 121 - 122).
والحاج بَهَادُر
(1)
: نائب طَرابُلُس مات بها.
والأمير سيف الدين قَبْجَق
(2)
: نائب حلب، مات بها، ودفن بتربته بحماة، ثاني جمادى الآخرة وكان شهمًا شجاعًا، وقد ولّي نيابة دمشق في أيام لاجِيْن
(3)
، ثم قفز إلى التّتر خوفًا من لاجين، ثم جاء مع التَّتر. وكان على يديه فرج المسلمين كما ذكرنا عام قازان، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن مات بحلب، ثم وليها بعده أسَندَمِر، ومات أيضًا في آخر السنة
(4)
.
الشيخ كريم الدين أبو القاسم عبد الكريم
(5)
بن الحسين الآملي
(6)
: شيخ الشيوخ بمصر
(7)
، كان له صلة بالأمراء، وقد عُزل مرَّة عن المشيخة بابن جماعة
(8)
.
توفي ليلة السبت سابع شوال بخانقاه سعيد السعداء، وتولاها بعده الشيخ علاء الدين القونوي كما تقدم.
الفقيه الكبير عز الدين عبد العزيز بن
(9)
عبد الجليل: النَّمراوي
(10)
الشافعي، كان فاضلًا بارعًا، وقد صحب سلار نائب مصر، وارتفع في الدنيا بسببه.
ابن الرفعة
(11)
: هو الإمام العلامة نجم الدين أحمد بن محمد شارح (التنبيه)
(12)
، وله غير
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 500) وفيه: بهادر المنصوري الحلبي، والنجوم الزاهرة (9/ 216) وفيه: وفرح الناصر بموته، لأنه أكبر أمراء المنصورية.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 241 - 243). وفيه وفاته في جمادى الأولى، والنجوم الزاهرة (9/ 216) والدارس (1/ 304).
(3)
في سنة (696 هـ). وهرب في العام نفسه، وفي سنة (699 هـ) كان عام غازان.
(4)
أسندمر، وفاته في سنة (711 هـ) كما سيذكر.
(5)
ليست في ط.
(6)
في الأصل وط و أ: الأيكي وفي ب: الآملي. وهي نسبة لآمل أكبر مدن طبرستان السهل ياقوت (1/ 57).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 397) والدليل الشافي (1/ 424) وفيه: "عبد الكريم بن حسن، الشيخ كريم الدين الآملي".
(8)
في الدرر الكامنة (2/ 397) ثم أُعيد.
(9)
في الأصل وط و أ: الفقيه عز الدين عبد الجليل. وأثبتنا ما في مصادر ترجمته.
وترجمته في الدرر الكامنة (2/ 371) وشذرات الذهب (6/ 25 - 26).
(10)
"النَّمراوي": نسبة إلى (نَمْرى) من أعمال الغربية من نواحي مصر. هكذا في الشذرات وياقوت (5/ 305).
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 284) وفيه: أحمد بن علي بن مُرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس وطبقات الشافعية للسبكي (5/ 177) والنجوم الزاهرة (9/ 213) والبدائع (1/ 440) وفيه: وفاته سنة (11 هـ). وشذرات الذهب (6/ 22).
(12)
ليست في ب.
ذلك
(1)
، وكان فقيهًا فاضلًا وإمامًا في علوم كثيرة رحمهم الله]
(2)
.
ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمئة
استهلت والحكَّام هم المذكورون في التي قبلها، غير الوزير
(3)
بمصر فإنَّه عُزل ووُلّي سيف الدين بَكْتَمُر وزيرًا.
والنَّجم البصراوي عزل أيضًا بعز الدين بن القلانسي
(4)
.
وقد انتقل الأَفْرَم من صرخد
(5)
إلى نيابة طرابلس.
وملك
(6)
حماة الملك المؤيَّد عماد الدين على قاعدة أسلافه.
وقد مات نائب حلب أَسَنْدَمِر وهي شاغرة عن نائب فيها، وأَرْغُون الدَّوادار الناصري قد وصل إلى دمشق لتسفير قَرَاسُنْقُر منها إلى حلَبَ، وإحضار سيف الدين كَرَاي إلى نيابة دمشق
(7)
، وغالب العساكر بحلبَ والأَعراب محدقة بأطراف البلاد، فخرج قَرَاسُنقُر المنصوري من دمشق في ثالث المحرم في جميع حواصله وحاشيته وأتباعه، وخرج الجيش لتوديعه، وسار معه أزغون لتقريره بحلب، وجاء المرسوم إلى نائب القلعة الأمير سيف الدين بهادر السنجري
(8)
أن يتكلم في أمور دمشق إلى أن يأتيها نائب، فحضر عنده الوزير والموقعون وباشر النيابة، وقويت شوكته
(9)
وقويت شوكة الوزير إلى أن ولّى ولايات عديدة، منها لابن أخيه عماد الدين نظر الأسرى
(10)
، واستمر في يده.
وقَدِم نائب السلطنة سيف الدين كَرَاي المنصوري إلى دمشق نائبًا عليها في يوم الخميس الحادي والعشرين من المحرّم وخرج الناس لتلقِّيه، وأوقدوا الشموع.
(1)
هو: كفاية النبيه في شرح التنبيه في شرح فقه الشافعي.
(2)
وذكر صاحب النجوم، وكذلك صاحب الشذرات أيضًا: الطلب في شرح الوسيط وشرح الوسيط في الفقه أربعين مجلدًا.
(3)
هو: فخر الدين الخليلي.
(4)
بن، ليست في ط. وهو حمزة بن أسعد بن المظفر.
(5)
من صرخد، ليست في ط ولا أ.
(6)
في ط: ونائب حماة الملك المؤيد وأثبتنا ما في ب.
(7)
النجوم الزاهرة (9/ 27).
(8)
في الدرر الكامنة (1/ 498) ولّي نيابة القلعة، وسقطت من ط. وفيه: بهادر الشجري توفي في سنة (733 هـ).
(9)
ليست في ب.
(10)
في ط: الأسرار. وهو تصحيف.
وأُعيدت المقصورة إلى مكانها يوم الأحد
(1)
رابع عشرين المحرم، وانفرج الناس، ولبس النجم البصراوي خلعة الإمرة يوم الخميس ثالث عشر صفر على قاعدة الوزراء بالطرحة، وركب مع المقدّمين الكبار وهو أمير عشرة بإقطاع يضاهي إقطاع كبار الطبلخانات.
وفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول جلس القضاة الأربعة بالجامع لإنفاذ أمر الشهود بسبب تزوير وقع من بعضهم، فاطلع عليه نائب السلطنة فغضب وأمر بذلك، فلم يكن منه كبير شيء، ولم يتغير حال.
وفي هذا اليوم ولّي الشريف نقيب الأشراف أمين الدين جعفر بن
(2)
محيي الدين عدنان نظر الدواوين عوضًا عن شهاب الدين الواسطي، وأعيد تقي الدين بن الزَّكي
(3)
إلى مشيخة الشُّيوخ.
وفيه ولي ابن جماعة تدريس الناصرية بالقاهرة، وضياء الدين النشائي
(4)
تدريس الشافعي، والميعاد العام بجامع ابن طولون، ونظر الأحباس أيضًا.
وولي الوزارة بمصر أمين الملك أبو سعيد عوضًا عن الأمير سيف الدين بَكْتَمر الحاجب في ربيع الآخر
(5)
.
وفي هذا الشهر احتيط على الوزير عز الدين بن القلانسي بدمشق، ورسم عليه مدة شهرين، وكان نائب السلطنة كثير الحَنَق عليه، ثم أُفرج عنه.
وأعيد بدر الدين بن جماعة إلى الحكم بديار مصر في حادي عشرين ربيع الآخر، مع تدريس دار الحديث الكاملية، وجامع طولون والصَّالحية والناصرية، وحصل
(6)
له إقبال كثير من السلطان.
واستقر جمال الدين الزَّرعي على قضاء العسكر وتدريس جامع الحاكم، ورسم له أن يجلس مع القضاة بين الحنفي والحنبلي بدار العدل عند السلطان
(7)
.
وفي مستهل جُمادى الأولى أشهد القاضي نجم الدين الدمشقي
(8)
نائب ابن صَصْرَى على نفسه بالحكم ببطلان البيع في الملك الذي اشتراه
(9)
عز الدين بن القلانسي من تَرِكَةِ المنصوري في الرمثا
(10)
(1)
في ب: مقصورة الخطابة.
(2)
في ط: جعفر بن محمد بن محيي الدين، وكذلك هو في الدرر الكامنة (1/ 517). وقد توفي سنة (714 هـ).
(3)
هو: عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن الزكي. توفي سنة (747 هـ).
(4)
في آوط: النسائي. وأثبتنا ما في الأصل وب.
(5)
في سابع عشر جُمادى الأولى في النجوم الزاهرة (9/ 28).
(6)
في ط: جعل. وهو تحريف.
(7)
الدرر الكامنة (2/ 160).
(8)
هو: أحمد بن عبد المحسن بن معالي، وسيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(9)
في ب: الرئيس عز الدين.
(10)
بلدة معروفة، على الحدود السورية الأردنية، من بلاد الشام.
والثُّوجَة
(1)
والفضالية
(2)
لكونه بدون ثمن المثل، ونفذه بقية الحكام، وأحضر ابن القلانسي إلى دار السعادة وادعى عليه بريع ذلك، ورسم عليه بها، ثم حكم قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي بصحة هذا البيع وبنقض ما حكم به الدمشقي، ثم نفّذ بقية الحكام ما حكم به الحنبلي. وفي هذا الشهر قُرِّر على أهل دمشق ألف وخمسمئة فارس لكل فارس خمسمئة درهم، وضربت على الأملاك والأوقاف، فتألم الناس من ذلك تألمًا عظيمًا، وسُعِيَ إلى الخطيب جلال الدين فسعى إلى القضاة واجتمع النَّاس بكرة يوم الإثنين ثالث عشر الشهر واختلفوا
(3)
بالاجتماع، وأخرجوا معهم المصحف العثماني والأثر النبوي والسناجق الخليفية، ووقفوا في الموكب، فلما رآهم كَرَاي تغيظ عليهم، وشتم القاضي
(4)
والخطيب
(5)
، وضرب مجد الدين التونسي
(6)
ورسم عليهم ثم أطلقهم بضمان وكفالة، فتألم الناس من ذلك كثيرًا، فلم يمهله الله إلا عشرة أيام فجاءه الأمرُ فجأةً فعُزِلَ وحُبِس، ففرح النَّاسُ بذلك فرحًا شديدًا
(7)
، ويقال: إن الشيخ تقي الدين بلغه ذلك الخبر عن أهل الشام فأخبر السلطان بذلك فبعث من فوره فمسكه شر مسكة
(8)
.
وصفة مسكه أنه قدم الأمير سيف الدين أَرْغُون الدوادار فنزل في القصر، فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى خلع على الأمير سيف الدين كرَاي خِلعة سنية، فلبسها وقبَّل العتبة، وحضر الموكب ومدَّ السِّماط، فقُيِّدَ بحضرة الأمراء وحُمِل على البريد إلى الكَرَك صُحْبَة غرلو العادلي، وبيبرس المجنون
(9)
.
وخرج عز الدين بن القلانسي من التّرسيم من دار السعادة، فصلى في الجامع الظهر ثم عاد إلى داره، وقد أُوقدت له الشموع، ودعا له الناس، ثم رجع إلى دار الحديث الأشرفية فجلس فيها نحوًا من عشرين يومًا، حتى قدم الأمير جمال الدين نائب الكرك.
(1)
الثُّوجة وتعرف اليوم بالصوجة بالصاد. وهي مزرعة تابعة لقطنا، من ريف دمشق.
(2)
في ط: الفصالية بالصاد، وهي مزرعة معروفة في أول المرج. الدارس (2/ 367)
(3)
في ب وط: احتفلوا. تحريف
(4)
يعني: ابن صَصْرَى.
(5)
يعني: جلال الدين القزويني
(6)
هو: أبو بكر بن محمد بن قاسم، ذكر من قبل، وسيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
(7)
الدارس (2/ 297)
(8)
ليست في ب
(9)
الدرر الكامنة (3/ 267) وبدائع الزهور (1/ 440). وكان مسكه في الثالث والعشرين من جمادى الأولى. وغرلو: هو نائب دمشق لكتبغا كما سيأتي في وفيات سنة (719 هـ).
وفي هذا الشهر مسك نائب صفد
(1)
الأمير سيف الدين قُطلُوبَك وقيد وحمل إلى الكرك، ومسك نائب مصر الأمير سيف الدين بكتمر أمير خازندار وعوض عنه بالأمير ركن الدين
(2)
بَيْبَرْس الدوادار المنصوري.
ومسك نائب غزة، وعوض عنه بالجاولي
(3)
، فاجتمع في حبس الكَرَك أَسَنْدَمُر نائب حلب، وبكْتَمُر نائب مصر، وكَرَاي نائب دمشق، وقُطلُوبك نائب صفد، وقطلُتمِر
(4)
نائب غزة وبَتْخَاص
(5)
.
وقدم جمال الدين أقوش المنصوري الذي كان نائب الكَرَك على نيابة دمشق إليها في يوم الأربعاء رابع عشرربيع الآخر، وتلقاه الناسُ وأُشعلت له الشموع، وفي صحبته الخطيري
(6)
لتقريره في النيابة، وقد باشر نيابة الكرك من سنة تسعين وستمئة إلى سنة تسع وسبعمئة وله بها آثار حسنة، وخرج عز الدين بن القلانسي لتلقي النائب.
وقُرئ يومَ الجمعة كتابُ السُّلطان على السدة بحضرة النائب والقضاة والأعيان، وفيه الأمر بالإحسان إلى الرعية وإطلاق البواقي التي كانت قد فرضت عليهم أيام كرَاي، فكثرت الأدعية للسلطان وفرح الناس.
وفي يوم الإثنين التاسع عشر خلع على الأمير سيف الدين بَهَادُرآص بنيابة صفد
(7)
فقبل العتبة، وسار إليها يوم الثلاثاء.
وفيه لبس الصدر بدر الدين بن أبي الفوارس خِلعة نظر الدواوين بدمشق، مشاركًا للشريف ابن عدنان وبعد ذلك بيومين قدمَ تقليد عز الدين بن القلانسي بوكالة السلطان على ما كان عليه، وأنه أُعفي عن الوزارة لكراهته لذلك.
وفي رجب باشر ابن السلعوس نظر الأوقاف عوضًا عن شمس الدين غربال
(8)
.
(1)
في الأصل وط: صفت وهو توهُّم. لأن صَفَت: هي قرية في جوف مصر قرب بلبيس يقال: بها بيعت البقرة التي أمر بنو إسرائيل بذبحها. ياقوت (3/ 412). والأشبه ما أثبتناه.
(2)
العبارة في ط مضطربة وهي فيها: الأمير سيف الدين بكتمر وعوض عنه بالكرك بيبرس الدوادار المنصوري. حيث سقط سطر كامل. وما أثبتناه الأصل وهو موافق لما في: النجوم الزاهرة (9/ 30) وبدائع الزهور (1/ 440).
(3)
هو: علم الدين سنجر الجاولي. وسيأتي في وفيات سنة (745 هـ).
(4)
في ط: قطلتمز بالزاي، وهو تحريف. وفي أ وب: قلطتمر وهو تصحيف.
(5)
في ط: بنحاص. وما في الدرر الكامنة (1/ 472) والنجوم الزاهرة (9/ 25) موافق لما أثبتناه. وقد توفي مع أسندمر في السجن سنة (711 هـ).
(6)
هو: الأمير أيدمر الخطيري.
(7)
عوضًا عن قُطُلُوبك. وسيأتي في وفيات سنة (730 هـ).
(8)
في أوب: ابن عدنان، تحريف.
وفي شعبان ركب نائب السلطنة
(1)
بنفسه إلى أبواب السُّجون، فأطلق المحبوسين بنفسه، فتضاعَفَتْ له الأدعية في الأسواق وغيرها.
وفي هذا اليوم قدم الصاحب عز الدين بن القلانسي من مصر فاجتمع بالنائب وخلع عليه، ومعه كتاب يتضمن احترامه، وإكرامه، واستمراره على وكالة السُّلطان، ونظر الخاص، والإنكار لما ثَبَتَ عليه بدمشق، وأنَّ السلطان لم يعلم بذلك ولا وَكَّل فيه، وكان المساعد له على ذلك كريم الدين ناظر الخاص السلطاني، والأمير سيف الدين أَرْغُون الدوادار
(2)
.
وفي شعبان منع ابن صَصْرَى الشهود والعقاد من جهته، وامتنع غيرهم أيضًا وردهم المالكي
(3)
. وفي رمضان جاء البريد بتولية زين الدين كَتْبُغَا المنصوري حجوبية الحجاب، والأمير بدر الدين بكتُوت
(4)
القَرَماني شدَّ الدّواوين عوضًا عن طُوْغَان
(5)
، وخلع عليهما معًا.
وفيها ركب بهادر السنجري نائب قلعة دمشق على البريد إلى مصر وتولاها سيفُ الدِّين بَلَبَان البدري، ثم عاد السِّنْجَري في آخر الشهر
(6)
على نيابة البيرة، فسار إليها.
وجاء الخبر في آخر رمضان
(7)
بأنه قد احتيط على جماعة من قصاد المسلمين ببغداد، فقتل منهم ابن العقاب وابن البدري
(8)
، وتخلّص عُبيدة وجاء سالمًا.
وخرج المحْمَلَ في شوال وأمير الحاج الأمير علاء الدين طَيْبُغَا أَخو بَهَادُرآص.
وفي عاشر
(9)
ذي القعدة جاء الخبر بأن الأمير قَرَاسُنقُر رجع من طريق الحجاز بعد أن وصل إلى بركة زيزاء
(10)
، وأنه لحق بمهَنَّا بن عيسى، فاستجار به خائفًا على نفسه ومعه جماعةٌ من خواصه، ثم سار من
(1)
في ب: جمال الدين الأفرم.
(2)
الدرر الكامنة (2/ 75).
(3)
ليست في ب.
(4)
في ط: ملتوبات وهو تصحيف.
(5)
هو: طوغان المنصوري، وهو ممَّن مسك هذا العام. الدرر الكامنة (2/ 228).
(6)
في ط: النَّهار. وهو وهم.
(7)
سقط من ط.
(8)
في ط: ابن البدر.
(9)
في الأصل وأ وط: آخر، وفي ب: عاشر، وهو الصواب، لأن التسلسل الزمني يقتضيه، وخروجه من حلب كان في منتصف شوّال متجهًا إلى مهنا.
(10)
في ط: زيرا بالراء والقصر، وهي من قرى البلقاء، يطؤها الحجاج، ويقام لهم بها أسواق، وفيها بركة عظيمة ياقوت (3/ 163)، وكذلك في النجوم الزاهرة (9/ 31).
هناك إلى التتر بعد ذلك كله، وصحبَهُ الأَفْرَمُ
(1)
والزَّرَدْكَاسُ
(2)
.
وفي العشرين من ذي القعدة وصل الأمير سيف الدين أَرْغُون في خمسة آلاف إلى دمشق وتوجهوا إلى ناحية حمص، وتلك النواحي.
وفي سابع ذي الحجّة وصل الشيخ كمال الدين بن الشَّريشي من مصر مستمرًا على وكالته
(3)
، ومعه توقيع بقضاء العسكر الشامي، وخُلِعَ عليه في يوم عَرَفَةَ
(4)
.
وفي هذا اليوم وصلت ثلاثة آلاف عليهم سيف الدين ملِّي
(5)
من الديار المصرية فتوجهوا وراء أصحابهم إلى البلاد الشمالية.
وفي آخر الشهر وصل الشيخ
(6)
شهاب الدين الكاشغري
(7)
من القاهرة ومعه توقيع بمشيخة الشيوخ، فنزل في الخانقاه، وباشرها بحضرة القُضاة والأعيان، وانفصل ابن الزَّكي عنها.
وفيه باشر الصَّدْرُ علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير
(8)
كتابة السرّ بمصر، وعزل عنها شرف الدين بن فضل الله إلى كتابة السرّ بدمشقَ، عوضًا عن أخيه محيي الدين، واستمر محيي الدين على كتابة الدست بمعلومه أيضًا. والله أعلم.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الرئيس بدر الدين: محمد بن رئيس الأطباء أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري
(9)
من سلالة سعد بن معاذ - السويدي، من سُوَيْداء حَوْران، سمع الحديث وبرع في الطبّ.
توفي في ربيع الأول ببستانه بقرب الشِّبليّة
(10)
، ودفن في تربة له في قبة فيها عن سبعين
(11)
سنة.
(1)
هو: جمال الدين آقوش.
(2)
هو: الأمير عز الدين أَزْدَمُ الزَّرَدْكاش. وسيأتي في أحداث سنة (712 هـ).
(3)
في ب: على وكالة بيت المال.
(4)
في ب: بذلك وهناه الناس في خلعته.
(5)
لم أهتد لمعرفته، ولعله: سيف الدين منكلي، وكان أعظم خاصية الناصر محمد بن قلاوون توفي في القاهرة في حدود سنة ثلاثين وسبعمئة. الدرر الكامنة (5/ 136) والدليل الشافي (2/ 744).
(6)
ليست في ط.
(7)
في ط: الكاشنغري، وهو تحريف، وسيأتي في وفيات سنة (716 هـ).
(8)
هو: علي بن أحمد بن سعيد. وسيأتي في وفيات سنة (730 هـ).
قال ابن حجر في الدرر الكامنة (3/ 14): عن موعدة وعدها لابن الأثير عندما كان الناصر في الكَرَك.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 294) والدارس (2/ 132).
(10)
هي: المدرسة الشبلية الحسامية البرانية. الدارس (2/ 132).
(11)
في ط: ستين، وما أثبتناه الصواب، وهو كذلك في الدرر والدارس.
الشَّيخ شعبانُ بن أبي بكر بن عمر الأرْبلي
(1)
: شيخ الحلبية بجامع بني أمية، كان صالحًا مباركًا فيه خيرٌ كثيرٌ، كان كثير العبادة وإيجاد الراحة للفقراء، وكانت جنازته حافلة جدًّا، صلّي عليه بالجامع بعد ظهر يوم السبت تاسع عشرين رجب ودفن بالصُّوفية، وله سبع وثمانون سنة، وروى شيئًا من الحديث وخرَّجْتُ له مشيخةً حضرها الأكابر رحمه الله.
[وقبله بيوم واحدٍ توفي نائب الإسكندرية بَكْتُوت أمير شِكَار]
(2)
.
الشيخ ناصر الدين
(3)
يحيى بن إبراهيم
(4)
: بن محمد بن عبد العزيز العُثماني، خادم المُصحف العثماني نحوًا من ثلاثين سنة، وصُلِّي عليه بعد الجمعة سابع رمضان ودفن بالصوفية، وكان لنائب السلطنة الأفرم فيه اعتقاد، ووصله منه افتقاد، وبلغ خمسًا وستين سنة.
الشيخ الصالح الجليل القدوة: أبو عبد الله محمد ابن الشيخ القدوة إبراهيم بن الشيخ عبد الله الأرموي
(5)
، توفي في العشرين من رمضان بسفح قاسيون، وحضر الأمراء والقضاة والصدور جنازته وصلّي عليه بالجامع المظفّري
(6)
، ثم دفن عند والده، وغلق يومئذ سوق الصالحية له، وكانت له وجاهة عند الناس وشفاعة مقبولة، وكان عنده فضيلة وفيه تودد، وجمع أجزاءً في أخبار جَدِّهِ
(7)
، وسمع الحديث وقارب السبعين رحمه الله.
ابن الوحيد الكاتب
(8)
: هو الصدر شرفُ الدّين أبو عبد الله محمد بن شريف بن يوسف الزُّرَعي المعروف بابن الوحيد، كان موقعًا بالقاهرة، وله معرفة بالإنشاء، وبلغ الغاية في الكتابة في زمانه، وانتفع الناس به،
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 189) وشذرات الذهب (6/ 26)
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
وترجمته في الدرر الكامنة (1/ 489) والنجوم الزاهرة (9/ 217) وفيها:
كان خازندار ثم أمير شكار، ثم نائب السلطنة بثغر الإسكندرية، ومات بعد عزله عنها في ثامن رجب، وفيه نظر. أقول: لعله ثامن عشرين رجب، لأنَّ الشَّيخ شعبان الذي مات بعده وسبقت ترجمته مات في تاسع عشرين أو العكس، أي: تكون وفاة الشيخ شعبان في تاسع رجب فقط. فليحرر.
(3)
في ب: الشيخ ناصر الدين محمد بن يحيى بن إبراهيم.
(4)
لم أقع على ترجمة له.
(5)
في ط: الأموي. وترجمته في الدرر الكامنة (3/ 283) والدارس (2/ 196).
(6)
ويعرف بجامع الحنابلة، ويقع في سفح قاسيون. ويعرف كذلك بجامع الجبل. الدارس (2/ 435).
(7)
في الأصل وط: جيدة وهو تحريف.
وجدُّه هو: عبد الله بن يونس الأرموي، صاحب الزاوية الأرموية، والمتوفّى سنة (631 هـ) الدارس (2/ 196) ومنادمة الأطلال ص (299).
(8)
ترجمته في فوات الوفيات (3/ 390) والدرر الكامنة (3/ 453 - 456) والنجوم الزاهرة (9/ 220) وشذرات الذهب (6/ 27).
وكان فاضلًا مقدامًا شجاعًا، توفي بالمَارِستان المنصوري بمصر يوم الثلاثاء
(1)
سادس عشرَ شعبان
(2)
.
الأمير ناصر الدين
(3)
: محمد بن عماد الدين حسن بن النسابي
(4)
أحد أمراء الطَّبْلَخَانات، وهو حاكم البندق، ولي ذلك بعد سيف الدِّين بَلَبَان.
توفي في العشر
(5)
الآخر من رمضان.
التَّميمي الدَّاري
(6)
: توفي يوم عيد الفطر ودفن بالقرافة الصغرى، وقد ولّي الوزارة بمصر، وكان خبيرًا كافيًا، مات معزولًا، وقد سمع الحديث وسمع عليه بعض الطلبة.
وفي ذي القعدة جاء الخبر إلى دمشق بوفاة الأمير الكبير أسَندَمِر
(7)
.
وبَتْخَاص
(8)
في السجن بقلعة الكَرَك.
القاضي الإمام العلامة الحافظ: سعد الدين مسعود الحارثي
(9)
الحنبلي الحاكم بمصر، سمع الحديث، وجمَع وخرّج وصنّف، وكانت له يدٌ طُولى في هذه الصناعة والأسانيد والمتون، وشرح قطعة من "سنن أبي داود" فأجاد وأفاد، وأحسن الانتقاد
(10)
، رحمه الله تعالى، والله أعلم
(11)
.
(1)
ليست في ط.
(2)
في الأصل أ و ط: شوال، والتصحيح من ب ومن مصادر ترجمته.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 425). وفيه النسابي.
(4)
في ط: النسائي.
(5)
في ط: العشرين.
(6)
في ب: الصاحب الكبير الوزير فخر الدين عمر بن الشيخ مجد الدين عبد العزيز بن الحسن الخليلي التميمي الداري، وترجمته في الدرر الكامنة (3/ 170) والنجوم الزاهرة (9/ 220) والدارس (1/ 281) وشذرات الذهب (6/ 28).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 387) وفيها وفاته سنة (721 هـ) وأشير في الحاشية إلى أنه سنة (711 هـ) والنجوم الزاهرة (9/ 30) وفيها: أَسَنْدَمُ الكُرْجي والدارس (1/ 30). وفيه: أَسَنْدمَر الكوفي، وهو تصحيف.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 472) وفيها: بنخاص، والنجوم الزاهرة (9/ 24) وما فيها موافق لما في الأصل وأ.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 347) وفيه: منسوب إلى قرية الحارثية من قرى بغداد والنجوم الزاهرة (9/ 221) وشذرات الذهب (6/ 28).
(10)
في ط: وحسن الإسناد. وهو تصحيف.
(11)
ورد في أ هذه الزيادة:
- فصل -
قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي في كتابه الذي جمعه في ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية.
لما كان في شهر رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمئة جاء رجل من أعيان أهل مصر إلى أخي الشيخ شرف الدين،=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهو في مسكنه بالقاهرة فقال: إن جماعة بالجامع قد تعصّبوا على الشيخ وتفرّدوا به، وضربوه. فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان بعض أصحاب الشيخ حاضرًا عنده، فقام وأتى مصر.
يقول: فوجدت خلقًا من أهل الحسينية، وغيرها رجالًا وفرسانًا يسألون عن الشيخ، فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر، وقد اجتمع عنده جماعة كثيرة، وتتابع الناس في المجيء إليه، فقال له بعضهم: يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية لو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا، فقال: لأي شيء؟
قالوا: نصرة لك وقيامًا لحقك.
فقال لهم: هذا ما لا يجوز.
قالوا: فنحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذؤك، فنقتلهم ونخرب بيوتهم.
فقال: هذا لا يحل.
قالوا: فهذا الذي فعلوه معك يحل؟! هذا شيء لا نصبر عليه، ولا بد أن نؤذي من آذاك فجعل الشيخ ينهاهم ويسليهم، وهم مصممون على ذلك.
فقال لهم: إما أن يكون الحقُّ لي أو لكم، أو الله، فإن كان الحق لي فهم في حلٍّ منه، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق الله، فالله يأخذ حقه كما يشاء، وكيف يشاء ممن يشاء إن شاء قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال؟!.
قال: فهذا الذي فعلوه معي قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه.
قالوا: فتكون أنت على الباطل وهم على الحق إذا قلت: إنهم مأجورون فيه، فاسمع منه وخذ بقولهم، ووافقهم على قولهم.
فقال لهم: ما الأمر على ما تزعمون، فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين، ففعلوا ذلك الذي فعلوه باجتهادهم، والمجتهد المخطئ له أجر اجتهاده، فلما قال لهم ذلك، قالوا له: اركب معنا حتى ندخل القاهرة، فقال: لا، ثم سأل عن وقت العصر، فقيل له: إنه قريب. فقام قاصدًا إلى الجامع لصلاة العصر، فقيل له: إن أعداءك قد تواصَوْا عليك أن يقتلوك في الجامع، فإنهم يتمكنون منك حينئذ، فصل حيث كان، فأبى إلا الذهاب إلى الجامع والصلاة فيه.
فخرج وتبعه خلق كثير من محبيه، لا يرجعون عنه، فأراد ردّهم عنه، فأبوا، فامتلأ الطريق بالناس، فقال له من كان قريبًا منه: ادخل إلى هذا المسجد، وإذا مسجد في الطريق، واقعد فيه حتى يخفّ عنك الناس لئلا يموت أحد من الزحام، فدخل المسجد ولم يجلس فيه، بل وقف وأنا معه، فلمّا خف الناس خرج منه طالبًا للجامع العتيق، فمرّ على طريقه بقوم يلعبون بالشطرنج على مصطبة بعض حوانيت الحدادين، فقبض الرقعة، وقلبها، فبهت الذي يلعب بها والناس من فعله ذلك.
ثم مضى إلى الجامع فلما دخله قيل: الآن يغلقون عليه وعلى أصحابه أبواب الجامع ويقتلونهم، فصلى ركعتين، فلما سلَّم منهما أذن للعصر، فصلى، ثم افتتح كلامه بحمد الربّ تعالى، ثم تكلّم في المسألة التي كانت الفتنة بسببها إلى أذان المغرب، فخرج أتباع خصومه وهم يقولون: والله لقد كنا غالطين في هذا الرجل ظالمين له بقيامنا عليه، والله إنّ الذي يقوله هذا هو الحق، ولو تكلم بغير الحق لم نمهله إلى أن يسكت، بل كنا نبادر إلى الإنكار عليه، وإلى قتله، ولو كان هذا يبطن خلاف ما يظهر لم يخف علينا، فإن لكلامه وقعًا في القلوب وحلاوة، وعليه طلاوة، وصاروا فريقين يخاصم بعضهم بعضًا.
قال: ورحنا معه إلى بيت ابن عمه على البحر، فبتنا عنده.
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمئة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها.
وفي خامس المُحرّم توجه الأميرُ عز الدين أَزْدَمِرِ الزَّرَدْكَاش وأميران معه إلى الأفرم، وساروا بأجمعهم حتى لحقوا بَقَراسُنقُر وهو عند مهنَّا، وكاتبوا السلطان ثمّ ساروا نحو التتر
(1)
وكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنَّار.
وجاء البريد في صفر
(2)
بالاحتياط على حواصل الأفرم وَقَراسُنقُر والزَّرَدْكَاش وجميع ما يتعلّق بهم، وقطع خبر مهنا، وجُعل مكانه في الإمرة أخوه فضل
(3)
، وعادت العساكر صحبة أرغون من البلاد الشمالية، وقد حصل عند الناس من فَرَاسُنقُر وأصحابه هَمٌّ وغَمٌّ وحُزْنٌ.
= وقال الشيخ علم الدين البرزالي: وفي العشر الأوسط من رجب سنة إحدى عشرة وقع أذى في حق الشيخ بمصر، وذلك أنه ظفر به بعض أعدائه ومبغضيه في مكان خالٍ فأساء عليه الأدب، وحضر جماعة كثيرة من الجند وغيرهم إلى الشيخ لأجل الانتصار له، فلم يجب إلى ذلك، ولو علم السلطان بذلك لأهان من آذاه إهانة بالغة، ولكن كتب إلى المقاتلين يذكر أن ذلك وقع من فقيه بمصر يعرف بالبكري حصل منه إساءة أدب وأمره أن لا يُعلم السلطان بذلك، ثم إنّ البكري طُلب فهرب واختفى.
ثم مضى إلى بعض الأمراء الكبار، فشفع فيه مع جماعة آخرين من الأمراء، مع أن الشيخ ما تكلم فيه ولا اشتكى، ولو حصل منه شكوى لوقع لذلك المؤذي شَرٌّ عظيم.
بل قال الشيخ: أنا لا أنتصر لنفسي.
قال: وقد توفي في غيبة الشيخ عن دمشق جماعة من أصحابه وساداتهم منهم:
الشيخ الإمام القدوة العابد العارف المسلك عماد الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين.
توفي يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر من سنة إحدى عشرة وسبعمئة، وكان رجلًا صالحًا ورعًا كبير الشأن منقطعًا إلى الله، متوفرًا على العبادة والسلوك، وله تصانيف كثيرة في أعمال القلوب وغيرها وقد شرح:"منازل السائرين" في ثلاث مجلدات شرحًا جيدًا، وله رسائل وكتب إلى أصحابه تتضمّن علومًا وفوائد جمة، وله رسالة إلى أصحاب الشيخ تقي الدين فيها الوصاة بملازمة الشيخ، والحث على اتباع طريقة الشيخ، وفيها الثناء على علوم الشيخ وأعماله، وذكر فيها: أنه قد خالط الطرائق من الفقهاء والفقراء وغيرهم، وسافرت بلادًا كثيرة غربًا وشرقًا ويمنًا ومصر وشامًا، فلم أرَ تَحْتَ أديم السماء مثل شيخكم وشيخنا الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن تيمية، وسأذكر هذه الرسالة إن شاء الله تعالى عند وفاة الشيخ إذا انتهينا إلى ذلك في سنة ثمان وعشرين وسبعمئة - وهذا الفصل لم يذكره المؤلف رحمه الله تعالى.
(1)
ليست في ط. وهي في ب أيضًا.
(2)
في ب: من مصر. بدلًا من صفر. وهو غير بعيد أيضًا.
(3)
في الأصل وأوط: محمدًا بالنصب وفي ب: محمد بالرفع نائب فاعل لجُعل، وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (3/ 231) وابن خلدون (5/ 439) والنجوم الزاهرة (9/ 34) فليحرّر.
وقدم سُودي من مصر على نيابة حلب، فاجتاز بدمشق فخرج الناس والجيش لتلقيه
(1)
، وحضر السماط، وقرئ مرسوم السلطان
(2)
بطلب جمال الدين نائب دمشقَ إلى مصر، فركب من ساعته على البريد إلى مصر وتكلَّم في نيابته لغيبة قرالاجين
(3)
.
وطلب في هذا اليوم قطب الدين موسى بن شيخ السّلامية ناظر الجيش إلى مصر، فركب في آخر النَّهار إليها فتولّى بها نظر الجيش عوضًا عن فخر الدين الكاتب كاتب المماليك بحكم عزله ومصادرته وأخذ أمواله الكثيرة منه في عاشر ربيع الأول.
وفي الحادي عشر منه باشر الحكم للحنابلة بمصر القاضي تقي الدين أحمد بن العز
(4)
عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي، وهو ابن بنت الشيخ شمس الدين بن العماد
(5)
أول قضاة الحنابلة.
وقدم الأمير سيف الدين تَمُر
(6)
على نيابة طرابلس عوضًا عن الأفرم بحكم هربه إلى التتر.
وفي ربيع الآخر مُسك بيبرس العلائي نائب حمص وبيبرس المجنون وطُوْغَان وجماعةٌ آخرون من الأمراء سنَّةٌ في نهار واحد
(7)
، وسُيِّرُوا إِلى الكَرَك معتقلين بها.
وفيه مسك نائب مصر الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري
(8)
، وولي بعده أَرْغُون الدوادار.
ومسك نائب الشام وجمال الدين نائب الكَرَك، وشمس الدين سُنقُر الكمالي حاجب الحجاب بمصر، وخمسة أمراء آخرون
(9)
، وحبسوا كلهم بقلعة الكرك، في برج هناك.
وفيه وقع حريق داخل باب السَّلامة
(10)
احترق فيه دور كثيرة منها دار ابن أبي الفوارس، ودار الشريف القباني.
(1)
ليست في ب والذي في ب: فركب الجيش صحبة القائد لتلقيه.
(2)
في ط: المنشور
(3)
في ط: لاجين. وهو: حسام الدين قرالاجين بن عبد الله المنصوري توفي في سنة (715 هـ) ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 332) وفيه: قراجين المنصوري. والدليل الشافي (2/ 540).
(4)
في ط: المعز
(5)
هو: شمس الدين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن العماد إبراهيم. مات سنة (676 هـ) النجوم الزاهرة (7/ 134).
(6)
هو: تَمُر الساقي المنصوري مات سنة (743 هـ). الدرر الكامنة (1/ 519).
(7)
ومنهم: سنجر البرداني، وبيبرس التاجي. النجوم الزاهرة (9/ 34).
(8)
هو صاحب التاريخ المشهور.
(9)
ومنهم: لاجين الجاشنكير، بينجار، وألدُكُز الأشرفي، ومغلطاي. النجوم الزاهرة (9/ 34).
(10)
في ط: السّلامية. وهو باب السّلام، المعروف في دمشق.
نيابةُ تَنْكِز على الشّام
(1)
في يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر دخل الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الملكي
(2)
الناصري نائبًا على دمشق بعد مسك نائب الكرك
(3)
ومعه جماعة من مماليك السلطان منهم الحاج أَرُقْطَاي
(4)
على خبز بيبرس العلائي، وخرجَ النَّاس لتلقيه وفرحوا به كثيرًا، ونزل بدار السعادة، ووقع عند قدومه مطر
(5)
عظيم، وكان ذلك اليوم يوم الرابع والعشرين من آب، وحضر يوم الجمعة الخطبة بالمقصورة وأشعلت له الشُّموع في طريقه، وجاء توقيع لابن صَصْرَى بإعادة قضاء العسكر إليه، وأن يَنْظُر الأوقاف فلا يشاركه أحد في الاستنابة في البلاد الشامية على عادة من تقدمه من قضاة الشافعية.
وجاء مرسوم لشمس الدين أبي طالب بن حُميد
(6)
بنظر الجيش عوضًا عن ابن شيخ السلامية بحكم إقامته بمصر.
ثم بعد أيام وصل الصدر معين الدين
(7)
هبة الله بن حشيش
(8)
ناظر الجيش وجعل ابن حميد بوظيفة ابن البدر، وسافر ابن البدر على نظر جيش طرابلس.
وتولى أَرْغُون نيابة مصر
(9)
.
وعاد فخر الدين كاتب المماليك إلى وظيفته مع استمرار قطب الدين ابن شيخ السلامية أيضًا مباشرًا معه.
وفي هذا الشهر قام الشَّيخ محمد بن قَوَّام
(10)
وجماعةٌ من الصَّالحين على ابن نهرة
(11)
المغربي الذي كان يتكلم بالكلاسة، وكتبوا عليه محضرًا يتضمَّن استهانته بالمُصحف، وأنه يتكلم في أهل العلم،
(1)
الخبر في: فوات الوفيات (1/ 251) والدرر الكامنة (1/ 525) والنجوم الزاهرة (9/ 34) والبدائع (1/ 441).
(2)
في أوط: الحسامي.
(3)
أي: جمال الدين آقوش.
(4)
أَرُقْطاي القفجي المشهور بالحاج، ولي بعد ذلك نيابات عديدة إلى أن توفي سنة (750 هـ) الدرر الكامنة (1/ 354).
(5)
في ط: من مصر فرح.
(6)
هو: أبو طالب بن عباس بن أبي طالب بن أحمد بن حميد شمس الدين، توفي سنة (741 هـ) الدرر الكامنة (2/ 215)
(7)
في أ: شمس الدين. وأثبتنا ما في الدرر (4/ 403) وكذلك في الشذرات (6/ 92).
(8)
في ط: خشيش بالخاء.
(9)
ليست في ب، والذي فيها: في جمادى الأولى وصل البريد بمباشرة الأمير سيف الدين أرغون.
(10)
سيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
(11)
في ط: ابن زهرة.
فأحضر إلى دار العدل فاستسلم وحقن دمه
(1)
وعُزّر تعزيرًا بليغًا عنيفًا وطيف به في البلد باطنه وظاهره، وهو مكشوف الرأس ووجهه مقلوب وظهره مضروب، يُنادى عليه: هذا خزي من يتكلم في العلم بغير معرفة، ثم حبس وأُطلق فهرب إلى القاهرة، ثم عاد على البريد في شعبان ورجع إلى ما كان عليه.
وفيه قدم بهادرآص من نيابة صفد إلى دمشق وهنأه الناس.
وفيه قدم كتاب من السلطان إلى دمشق يتضمَّنُ
(2)
أن لا يولّى أحد بمال ولا برِشْوة، فإِنَّ ذلك يُفْضي إلى ولاية من لا يستحق الولاية، وإلى ولاية غير الأهل
(3)
، فقرأه ابن الزَّمْلَكاني على السُّدَّة وبلغه عنه ابن صبيح
(4)
المؤذن، [وكان سبب ذلك الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله]
(5)
.
وفي رجب وشعبان حصل للنّاس خوفٌ بدمشق
(6)
بسبب أن التتر قد تحرّكوا للمجيء إلى الشام
(7)
، فانزعج النَّاسُ من ذلك وخافوا، وتحول كثير منهم إلى البلد، وازدحموا في الأبواب، وذلك في شهر رمضان، وكثرت الأراجيف بأنهم قد وصلوا إلى الرَّحْبَة
(8)
، وكذلك جرى واشتهر بأن ذلك بإشارة فَرَاسُنقُر وذويه فالله أعلم.
وفي رمضان جاء كتاب السلطان أنَّ من قتل لا يجني أحدٌ عليه، بل يتبع القاتل حتى يقتص منه بحكم الشرع الشريف، فقرأه ابن الزَّملكاني على السُّدَّة بحضرة نائب السلطنة
(9)
تنكز.
وفي أوّل رمضان وصل التتر إلى الرَّحبَة فحاصروها عِشرين يومًا، وقاتلهم نائبها الأمير بدر الدين موسى الأزدكشي
(10)
خمسة أيام قتالًا عظيمًا، ومنعهم منها، فأشار رشيد الدولة بأن ينزلوا إلى خدمة السلطان خَرْبَنْدا ويهدوا له هدية ويطلبوا منه العفو، فنزل القاضي نجم الدين إسحاق، وأدوا له خمسة رؤوس خيل، وعَشْرَةَ أَباليجَ سُكَّرٍ، فقبل ذلك ورجع إلى بلاده.
وكانت بلاد حلب وحماة وحمص قد أُخْلُوْا منها وخرب أكثرها، ثم رجعوا إليها لما تحققوا رجوع التَّتر عن الرَّحبة، وطابت الأخبار وسكنت النفوس ودقت البشائر وتركت الأئمة القُنُوتَ، وخطب
(1)
ليست في ب.
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ب.
(4)
في ط: ابن حبيب. وهو توهم. وسيأتي في وفيات سنة (725 هـ)
(5)
سقط من الأصل، واستدركته من أ وط
(6)
ابن خلدون (5/ 426) والنجوم الزاهرة (9/ 34) وبدائع الزهور (1/ 442)
(7)
ليست في ب، والذي فيها: يريدون قصد البلاد
(8)
"الرَّحْبَةُ": قرية من قرى دمشق خربت الآن وهي على مسيرة يوم منها. ياقوت.
(9)
في ط: ابن.
(10)
هو: موسى بن أبي بكر الأزدكشي: كانت له اليد البيضاء في قتال التتر، مات سنة (715 هـ) بدمشق. الدرر الكامنة (4/ 384)
الخطيب يوم العيد وذكر الناس بهذه النعمة. وكان سبب رجوع التتر قلةُ العلف وغلاء الأسعار وموت كثير
(1)
منهم، وأشار على سلطانهم بالرجوع الرَّشيدُ وجُوْبانُ
(2)
.
وفي ثامن شوّال دقت البشائر بدمشقَ [بسبب خروج السلطان من مصر لأجل ملاقاة التتر]
(3)
، وخرج الرَّكبُ في نصف شوَّال وأميرهم حسام الدين لاجين الصَّغير، الذي كان والي البر، وقدمت العساكر المصرية أرسالًا
(4)
، وكان قدوم السلطان ودخوله دمشق يوم الثلاثاء
(5)
ثالث عشرين شوال، واحتفل الناس لدخوله فنزل القلعة وقد زينت البلد ودقت
(6)
البشائر، ثم انتقل بعد ليلتئذ
(7)
إلى القصر وصلّى الجمعة بالجامع بالمقصورة وخَلع على الخطيب، وجلس في دار العدل الإثنين، وقدم وزيره أمينُ الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر.
وقدم صحبة السُّلطان الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية إلى دمشق يوم الأربعاء مُسْتهلّ ذي القعدة، وكانت غيبته عنها سبع سنين كوامل، ومعه أخواه وجماعةٌ من أصحابه، وخرج خلق كثير لتلقيه وسرُّوا بقدومه وعافيته ورؤيته، واستبشروا به حتى خرج خلق من النساء أيضًا لرؤيته
(8)
، وقد كان السلطان صحبه معه من مصر، فخرج معه بنيَّة الغَزَاة، فلما تحقق عدم الغزاة وأن التتر رجعوا إلى بلادهم
(9)
فارق الجيش من غزّة وزار القدس وأقام به أيامًا، ثم سافر على عَجْلُون وبلاد السَّواد وَزَرع، ووصل إلى دمشق في أول يوم من ذي القعدة، فدخلها فوجد السلطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرًا من خواصه يوم الخميس ثاني ذي القعدة، ثم إنّ الشيخ بعد وصوله إلى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازمًا لاشتغال النَّاس في سائر العلوم، ونشر العلم، وتصنيف الكتب، وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطوّلة والاجتهاد في الأحكام الشرعية، ففي بعض الأحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الأربعة، وفي بعضها يفتي بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم.
وله اختيارات كثيرة مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده، واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف
(10)
(1)
في ب: من التتار ونزول القاضي ومن معه يطلبون العفو في شهر رمضان.
(2)
هما من أعوان خَرْبَنْدا.
(3)
ليست في ب.
(4)
"الأرسال": ج رَسَل، وهو الجماعة والقطيع من كل شيء.
(5)
ليست في ط.
(6)
في ط: وضربت.
(7)
في أ وب: ليلتين.
(8)
ليست في ب.
(9)
ليست في ب.
(10)
ليست في ب.
فلما سافر السلطان إلى الحج فرق العساكر والجيوش بالشَّام وترك أَرْغُون بدمشق.
وفي يوم الجمعة لبس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني خلعة وكالة بيت المال
(1)
عوضًا عن ابن الشَّرَيْشي، وحضر بها الشُّبَّاك.
وتكلَّم وزيرُ السُّلطان
(2)
في البلد، وطلب من الناس
(3)
أموالًا كثيرة وصادر وضرب بالمقارع، وأهان جماعة من الرُّؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين.
وفيه عُيّن شهاب الدين بن جهبل
(4)
لتدريس الصلاحية بالقدس، عوضًا عن نجم الدين داود الكردي توفي
(5)
، وقد كان مدرسًا بها من نحو ثلاثين سنة، فسافر ابن جهبل إلى القدس بعد عيد الأضحى.
وفيها مات ملك القفجاق المسمى طُقْطَاي
(6)
خان، وكان له في الملك ثلاث وعشرون سنة، وكان عمره يوم مات
(7)
ثلاثين سنة، وكان شهمًا شجاعًا على دين التتر في عبادة الأصنام والكواكب، يعظم المجسمة والحكماء والأطباء، ويكرِمُ المسلمين أكثر من جميع الطوائف، كان جيشه هائلًا لا يجسر أحد على قتاله لكثرة جيشه وقوتهم وعددهم وعُدَدهم، ويقال: إنَّه جرَّد مرةً تجريدة من كل عشرة من جيشه واحدًا فبلغت التجريدة مئتي ألف وخمسين ألفًا.
توفي في رمضان منها وقام في المُلك من بعده ابن
(8)
أخته أَزْبَك خان، وكان مسلمًا فأظهر دين الإسلام ببلاده، وقتل خلقًا من أمراء الكفرة وعلت الشَّريعة
(9)
المحمدية على سائر الشرائع هناك. ولله الحمد والمنة على الإسلام والسنة.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الملك المنصور صاحب ماردين
(10)
: وهو نجم الدين أبو الفتح غازي بن الملك المظفر قرا
(1)
في ط: بيت الملك.
(2)
يعني: أمين الملك. وهو أبو سعيد عبد الله بن تاج الرياسة بن الغنام. مات سنة (741 هـ)
(3)
ليست في ط.
(4)
هو: أحمد بن يحيى بن إسماعيل. مات سنة (733 هـ) وسيأتي في الوفيات من تلك السنة.
(5)
في ب: إلى رحمة الله.
(6)
في ط: طغطاي، وهو تحريف.
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 266) والدليل الشافي (1/ 367) وفيه: توفي سنة ست عشرة وسبعمئة، وشذرات الذهب (6/ 31).
(7)
في ط: ثمانيًا وثلاثين. وهو توهُّم، لقوله: له في الملك ثلاثٌ وعشرون سنة وجاء في الدليل الشافي: أنه تسلطن وعمره سبع سنين.
(8)
في الدليل الشافي: أخوه أُزْبَك خان.
(9)
في ط: الشرائع، وهو غلط فاحش، فالشريعة واحدة.
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 216) والنجوم الزاهرة (9/ 224) وشذرات الذهب (6/ 31).
أَرسلان بن الملك السعيد نجم الدين غازي بن الملك المنصور ناصر الدين أُرْتُق بن غازي بن المنى بن تمرتاش بن غازي
(1)
بن أُرْتُق الأرتقي. أصحاب ماردين من عدة سنين، كان شيخًا حسنًا مهيبًا كامل الخلقة بدينًا سمينًا إذا ركب يكون خلفه محقة. خوفًا من أن يمسه لغوب فيركب فيها.
توفي في تاسع ربيع الآخر ودفن بمدرسته تحت القلعة، وقد بلغ من العمر فوق السبعين، ومكث في الملك قريبًا من عشرين سنة، وقام من بعده في الملك ولده العادل فمكث سبعة عشر يومًا، ثم ملك أخوه المنصوري
(2)
.
وفيها مات.
الأمير سيف الدين قُطلُوبَك الشَّيخي
(3)
: كان من أمراء دمشق الكبار.
الشيخ الصَّالح
(4)
: نور الدين أبو الحسن علي بن محمد بن هارون بن محمد بن هارون بن علي بن حميد
(5)
التغلبي
(6)
الدمشقي، قارئ الحديث بالقاهرة ومُسندها.
روى عن ابن الزبير
(7)
وابن اللتي
(8)
وجعفر الهمداني وابن الشيرازي وخلق، وقد خرج له الإمام العلامة تقي الدين السبكي مشيخةً. وكان رجلًا صالحًا توفي بكرة الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر، وكانت جنازته حافلة.
الأمير الكبير الملك المُظَفَّر
(9)
: شهاب الدين غازي بن الملك الناصر داود بن المعظم.
سمع الحديث
(10)
، وكان رجلًا متواضعًا توفي بمصر ثاني عشر رجب، ودفن بالقاهرة.
قاضي القضاة
(11)
: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود بن حازم
(12)
الأذرعي
(1)
ليست في ب
(2)
في ب والنجوم الزاهرة (9/ 224) أخوه صالح
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 254) والنجوم الزاهرة (9/ 224)
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 121 - 122) وفيه: ابن أحمد التغلبي. والشذرات (6/ 30 - 31) وفيه: التغلبي وبدائع الزهور (1/ 442) وفيه: التغلبي.
(5)
في ب والدرر: أحمد.
(6)
في ط: الثعلبي.
(7)
في ط: الزبيدي.
(8)
في ط: الليثي.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 215) والنجوم الزاهرة (9/ 224) والشذرات (6/ 31).
(10)
سمعه عن خطيب مردا، والصدر البكري. الدرر.
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 278) وفيه: ابن حازم الأذرعي والنجوم الزاهرة (9/ 223) وفيه كذلك.
(12)
في ط: خازم بالخاء، وهو تصحيف.
الحنفي، كان فاضلًا درّس وأفتى، وولي قضاء الحنفية بدمشق سنةً، ثم عُزل واستمر على تدريس الشبلية، ثم سافر إلى مصر، فأقام بسعيد السُّعداء خمسة أيام، وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشرين رجب فالله أعلم.
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمئة
استهلت والحكام هم هم
(1)
، والسُّلطان في الحجاز لم يقدّم بعد، وقد قدم الأمير سيف الدين قجْلِيْسُ
(2)
يوم السبت مستهل المحرّم من الحجاز وأخبر بسلامة السلطان، وأنه فارقه من المدينة النبوية، وأنه قد قارب البلاد، فدُقَّت البشائر فرحًا بسلامته.
ثم جاء البريد فأخبر بدخوله إلى الكرك ثاني المحرم يوم الأحد، فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم دخل دمشق، وقد خرج الناس لتلقيه على العادة، وقد رأيته مرجعه من هذه الحجة على شفته ورقةٌ قد ألصقها عليها، فنزل بالقصر وصلّى الجمعة رابع عشر المحرَّم بمقصورة الخطابة بالأموي
(3)
، وكذلك الجمعة التي تليها، ولعب في الميدان بالكرة يوم السبت النصف من المحرم، وولى نظر الدواوين للصاحب شمس الدين غبريال
(4)
يوم الأحد سادسَ عَشَرَ
(5)
المحرَّم، وشدّ الدواوين لفخر الدين إياس الأعسري
(6)
عوضًا عن القرماني، وسافر القَرَماني إلى نيابة الرَّحْبَة، وخلع عليهما وعلى وزيره
(7)
، وخلع على ابن صَصْرَى وعلى الفخر كاتب المماليك، وكان مع السلطان في الحج وولي شرف بن صصرى
(1)
ليست في ب، والذي فيه:
والخليفة المستكفي بالله أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، ونائب الديار المصرية الأمير سيف الدين أَرْغون. وقضاته بمصر: بدر الدين بن جماعة الشافعي، وشمس الدين الحريري الحنفي، وزين الدين بن مخلوف المالكي، وتقي الدين الحنبلي. ووزير المماليك أمين الملك وهو بالشّام، وبالشام: سيف الدين تنكز، وقاضي الشافعية نجم الدين بن صَصْرَى، وقاضي الحنفية صدر الدين علي البصراوي، وقاضي المالكية جمال الدين الزّواوي، وقاضي الحنابلة تقي الدين سليمان الحنفي وخطيب دمشق جلال الدين القزويني، والمحتسب فخر الدين سليمان البصراوي ومتولّي البر ووالي المدينة جمال الدين أقوش الرحبي، وناظر الجيوش معين الدين بن حشيش ووكيل بيت المال الشيخ كمال الدين بن الشريشي. انتهت الزيادة من ب.
(2)
في ط: تجليس بالتاء. وهو أمير سلاح، توفي سنة (731 هـ) كما سيأتي.
(3)
ليست في ط.
(4)
هو: عبد الله بن صنيعة القبطي الوزير.
(5)
في الأصل وأ وط: حادي عشر، وهو توهم. لأن السبت النصف من المحرم، فالأحد السادس عشر.
(6)
سيأتي في وفيات سنة (750 هـ).
(7)
في ب: الوزير أمين الملك.
حجابة الديوان
(1)
وباشر فخر الدين ابن شيخ السَّلامية نظر الجامع
(2)
، وباشر بهاء الدين بن عليم نظر الأوقاف، والمنكورسي شد الأوقاف.
وتوجه السلطان راجعًا إلى الديار المصرية بكرة الخميس السابع والعشرين من المحرم، وتقدمت الجيوش بين يديه ومعه
(3)
.
وفي أواخر صفر اجتاز على البريد في الرسلية إلى مهنا الشيخ صدر الدين بن الوكيل، وموسى بن مهنا، والأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا
(4)
فاجتمعوا به في تَدْمُرَ، ثمَّ عاد أَلْطَنْبُغَا وابنُ الوكيل إلى القاهرة
(5)
.
وفي أَوَاخر
(6)
جمادى الآخرة مُسك أمينُ المُلْك وجماعةٌ من الكبار معه، وصودروا بأموال كثيرة، وأقيم عوضه بدر الدين بن التركماني الذي كان والي الخزانة.
وفي رجب كَمُلَت
(7)
أربعة مجانيق، واحد لقلعة دمشق وثلاثةٌ تحمل إلى الكَرَك، ورمي باثنين على باب الميدان وحضر نائب السلطنة تَنْكِرُ والعامة
(8)
.
وفي شعبان تكامل حَفْرُ النّهر الذي عمله سودي نائب حلب بها، وكان طوله من نهر الساجور إلى نهر قويق أربعين ألف ذراع في عرض ذراعين وعمق ذراعين، وغرم عليه ثلاثمئة ألف درهم
(9)
، وعُمِلَ بالعدل ولم يُظلم فيه أحد.
وفي يوم السبت ثامن شوّال خرج الرَّكبُ من دمشق وأميره سيف الدين بَلَبَان
(10)
التّتري، وحجّ صاحب حماة
(11)
في هذه السنة وخلق من الرُّوم والعُرْبان
(12)
.
وفي يوم السبت السادس والعشرين من ذي الحجة وصل القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية من مصر على نظر الجيوش الشامية كما كان قبل ذلك، وراح معين الدين بن الحشيش إلى مصر في رمضان
(1)
في ب: وخلع عليهما أيضًا.
(2)
في ب: بدل الصدر سليمان.
(3)
النجوم الزاهرة (9/ 35) وفيه: دخل مصر ثاني عشر صفر.
(4)
سيأتي في وفيات سنة (742 هـ).
(5)
وبعده في ب: ثم عاد صدر الدين إلى مهنا ورجع من عنده في رجب إلى القاهرة.
(6)
في ط: وفي جمادى.
(7)
في ب: عُمِلت.
(8)
في ب: للفرجة على ذلك.
(9)
الدرر الكامنة (1/ 179) وفيه: غرم أربعمئة ألف دينار.
(10)
في ط: بلباي وهو تصحيف. وهو من أمراء المنصورية، ولي إمرة الركب سنة (713 هـ) وتوفي سنة (725 هـ) الدرر الكامنة (1/ 493).
(11)
هو: الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل.
(12)
في ط: الغرباء.
صحبة الصاحب شمس الدين غبريال، وبعد وصول ناظر الجيوش بيومين وصلت البشائر
(1)
بمقتضى إزالة الإقطاعات الشامية
(2)
بما رآه السلطان بعد نَظَره في ذلك
(3)
أربعة أشهر.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الإمام المحدث
(4)
: فخر الدين أبو عثمان
(5)
عمرو بن محمد بن عثمان بن أبي بكر بن محمد بن داود التّوزَري
(6)
بمكة يوم الأحد حادي عشر
(7)
ربيع الآخر، وقد سمع الكثير، وأجازه خلق يزيدون على ألف شيخ، وقرأ الكتب الكبار وغيرها، وقرأ"صحيح البخاري" أكثر من ثلاثين مرة رحمه الله.
عز الدين محمد بن العدل
(8)
شهاب الدين أحمد بن عمر بن إلياس الرهاوي، كان يباشر استيفاء الأوقاف وغير ذلك، وكان من أخصاء أمين المُلك، فلما مُسكَ بمصر أُرسل إلى هذا وهو معتقل بالعَذراويّة
(9)
ليحضر على البريد، فمرض فمات بالمدرسة العذراوية ليلة الخميس التاسع عشر من جمادى الآخرة، وله من العمر خمس وثلاثون سنة.
وكان قد سمع من ابن طبرزد
(10)
، والكندي، ودفن من الغد بباب الصغير، وترك من بعده ولدين ذكرين جمال الدين محمدًا، وعز الدين.
الشَّيخُ الكبيرُ المقرئ
(11)
شمس الدين المقصَّاتي
(12)
: هو أبو بكر بن عمر بن السَّبع الجزري المعروف بالمقصاتي نائب الخطابة، وكان يُقرِئ النَّاس بالقراءات السَّبع
(13)
وغيرها من الشواذ، وله إلمام بالنحو، وفيه ورع واجتهاد.
(1)
في ب: المناشير.
(2)
ليست في ط.
(3)
في ب: بنفسه.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 449) وشذرات الذهب (2/ 32).
(5)
في ط: عفان.
(6)
في ط: التوزي. والتوزري نسبة إلى توزر بلد بأفريقية. ياقوت (2/ 57).
(7)
ليست في ط
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 344)
(9)
"العذراوية": مدرسة بحارة الغرباء، داخل باب النصر، الدارس (1/ 372).
(10)
ليست في ط.
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 453)، والشذرات (6/ 32) والدارس (1/ 121)
(12)
في ط: المقصاي. وهو تحريف
(13)
في ب: نحوا من خمسين سنة
توفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الآخرة، ودفن من الغد بسفح قاسيون تجاه الرباط الناصري
(1)
، وقد جاوز الثمانين رحمه الله
ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمئة
استهلت والحكام هم هم
(2)
في التي قبلها إلا الوزير
(3)
أمينُ المُلْك، فمكانه بدر الدين
(4)
التركماني.
وفي رابع المحرم عاد الصّاحب شمس الدين غبريال من مصر على نظر الدواوين وتلقاه أصحابه.
وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قُرئ كتاب السلطان على السُّدَّة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء يتضمن بإطلاق البواقي من سنة ثمان وتسعين وستمئة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمئة، فتضاعفت الأدعية للسلطان، وكان القارئ جمال الدين
(5)
بن القلانسي ومبلّغه صدر الدين
(6)
بن صَبِيح المؤذن، ثم قرئ في الجمعة الأخرى مرسوم آخر فيه الإفراج عن المسجونين وأن لا تؤخذ من كل واحد سوى نصف درهم، ومرسوم آخر فيه إطلاق السُّخَر في الغَضب وغيره عن الفلاحين، قرأه ابن الزَّملكاني وبلّغه عنه أمين الدين محمد بن مؤذن النَّجيبي.
وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين علي البكري، وهم بقتله وشَفَع فيه الأمراء، فنفاه، ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم، وكان قد هرب لمَّا طَلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى، وشَفَع فيه أيضًا، ثم لما ظَفِر به السلطان الآن وأراد قتله شَفَعَ فيه الأمراء، فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى، وذلك لاجترائه وتسرُّعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره
(7)
.
وفي يوم الجمعة مستهلّ صفر قرأ ابن الزَّمْلكاني كتابًا سلطانيًا على السُّدَّة بحضرة نائب السلطان والقاضي، وفيه الأمر بإبطلاق القواسير وضمان النبيذ
(8)
وغير ذلك، فدعا النَّاس للسلطان.
وفي أواخر ربيع الأول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود، ونَهَوهم عن الجلوس في المساجد، وأن لا يكون أحد منهم في مركزين، وأن لا يتولَّوْا إثبات
(9)
الكتب ولا يأخذوا أجرةً على أداء
(1)
وقد كان أم مدة فيه. الشذرات.
(2)
ليست في ب، وفيه: والخليفة والسلطان والنواب والقضاة هم المذكورون.
(3)
في ب وقد عزل.
(4)
في ب: نور الدين بن.
(5)
في ب: عماد الدين وفي الدرر الكامنة (2/ 122) أمين الدين وهو سالم بن عبد الرحمن.
(6)
في ب: بدر الدين.
(7)
ليست في ب. والذي فيه: وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل.
(8)
في أوب: بإبطال ضمان القواسين وضمان الشد. وهو تحريف.
(9)
في أوط: ثبات. وأثبتنا ما في ب.
الشهادة، وأن لا يغتابوا أحدًا وأن يتناصفوا في المعيشة، ثم جلسوا مرة ثانية لذلك وتواعدوا ثالثة فلم يتفق اجتماعهم، ولم يقطع أحد من مركزه.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه عُقد مجلس في دار ابن صَصْرَى لبدر الدين بن بصخان
(1)
، وأنكر عليه شيء من القراءات، فالتزم بترك الإقراء بالكلية، ثم استأذن بعد أيام في الإقراء فأذن له فجلس بين الظهر والعصر بالجامع وصارت له حلقة على العادة
وفي منتصف رجب توفي نائب حلب الأمير سيف الدين سودي ودفن بتربته، وولّي مكانه علاء الدين الطِّنْبُنَا الصَّالحي الحاجب بمصر، قبل هذه النيابة
(2)
.
وفي تاسع شعبانَ خُلع على الشريف شرف الدين بن عدنان بنقابة الأشراف بعد والده أمين الدين جعفر توفي في الشهر الماضي
(3)
.
وفي خامس شوال دفن الملك شمس الدين ذُوباج
(4)
بن مَلِكُشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة به بسفح قاسيون
(5)
، وكان قد قصد الحجَّ في هذا العام، فلما كان بِقُبَاقِبَ
(6)
أدركته منيَّتُه يوم السبت سادس عِشْري رمضانَ فحمل إلى دمشق، وصلّي عليه ودفن في هذه التربة، اشتريت له وتُمّمت وجاءت حسنة وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري، وكان له في مملكة كيلان خمسةٌ وعشرون سنة، وعمر أربعًا وخمسين سنة، وأوصى أن يحج عنه جماعةٌ، ففعل ذلك وخرج الركب في ثالث شوال وأميره شمس
(7)
الدين سنقر الإبراهيمي، وقاضيه محيي الدين قاضي الزبداني
(8)
.
وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي بدر الدين بن الحداد من القاهرة متولّيًا حسبة دمشق، فخُلع عليه عوضًا عن فخر الدين سليمان البصراوي، عُزل فسافر سريعًا إلى البرية ليشتري خيلًا للسلطان
(1)
في ط: بضيان.
(2)
الدرر الكامنة (2/ 179) والنجوم الزاهرة (9/ 229)، وسيأتي ذكره في الوفيات.
(3)
ليست في ب: وفيه: جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني بحكم وفاة أبيه في الشهر الماضي وقد كان رئيسًا كبيرًا.
(4)
في الأصل وط: دوباح بدال وحاء مهملتين.
(5)
هي: التربة الذوباجية الجيلانية. منادمة الأطلال (ص 334 - 335)
(6)
في الأصل وط و أ: غباغب القرية المشهورة في أول حوران مما يلي دمشق.
والصواب ما أثبتناه عن الدارس (2/ 245) ومن منادمة الأطلال (ص 335). ففيه: "مات بقباقب من ناحية تدمر".
وفي ياقوت: هو ماء لبني تغلب خلف البشر من أرض الجزيرة، أما في الدرر فهي منزلة من الرحبة إلى جهة دمشق.
أقول: ولو كانت غباغب لقال: ورجعوا به إلى دمشق، أما قوله: فحمل إلى دمشق يؤيد ما أثبتناه.
(7)
في ط: سيف.
(8)
هو الحسن بن محمد بن عمار. سيأتي في وفيات سنة (725 هـ).
يقدمها رُشْوةً على المنصب المذكور
(1)
، فاتفق موتُه في البرية في سابع عشر الشهر المذكور، وحمل إلى بصرى فدفن بها عند أجداده في الثامن عشر من ذي القعدة
(2)
وكان شابًا حسنًا كريم الأخلاق حسن الشكل.
وفي أواخره مسك نائب صَفَد بَلَبَان طُرْنا
(3)
المنصوري وسُجن وتولّى مكانه سيف الدين بلبان
(4)
البدري.
وفي سادس ذي الحجة تولى ولاية البر الأمير علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي
(5)
عوضًا عن شرف الدين عيسى بن البرطاسي
(6)
وفي يوم عيد الأضحى وصل الأمير علاء الدين بن صُبح
(7)
من مصر وقد أفرج عنه فسلّم عليه الأمراء. وفي هذا الشهر أُعيد أمين المُلْك إلى نظر النظّار بمصر وخلع على الصاحب بهاء الدين النسابي
(8)
بنظر الخزانة عوضًا عن سعد الدين حسن بن الأقفهسي
(9)
.
وفيه وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى حلب وأن يكون مقدَّمَ العساكر كلها تَنْكِزُ نائبُ الشَّام، وقدم من مصر ستة آلاف مقاتل عليهم الأمير سيف الدين بَكْتَمُر الأبو بكري
(10)
، وفيهم قجليس
(11)
وبدر الدين الوزيري
(12)
، وقُلّى
(13)
وابن طُبْرس
(14)
وشَاطِي
(15)
، وابن سلار وغيرهم، فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب الشّام تَنْكِز.
(1)
ليست في ب
(2)
في ط: ثامن ذي القعدة وفي أ: ذي القعدة ثامنه. وأثبتنا ما في ب، لأنه الصواب، إذ كيف يموت في السابع عشر كما ذكر ويدفن في الثامن.
(3)
في الأصل وط: بلبان طوباي. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 492 - 494) والنجوم الزاهرة (9/ 38) وسيأتي في وفيات سنة (734 هـ).
(4)
في ط: بلباي وهو تحريف.
(5)
سيأتي في وفيات سنة (723 هـ).
(6)
في ط: البركاسي وهو تحريف، مات سنة (725 هـ). الدرر الكامنة (3/ 208)
(7)
هو: علي بن حسن بن صبح الدمشقي، سجنه الناصر في كائنة الأفرم بالإسكندرية، وأفرج عنه سنة (714 هـ) واستمر على إمرته بدمشق إلى أن مات سنة (724 هـ) الدرر الكامنة (3/ 38).
(8)
في ط: النسائي وسبق الكلام فيه
(9)
هو: حسن بن عبد الرحمن الأقفهسي، سعد الدين، ناظر الخزانة بمصر، توفي سنة (715 هـ) الدرر (2/ 17) والأقفهسي نسبة إلى: أقفهس، بلد بصعيد مصر وتلفظه العامة أقفاص. ياقوت (1/ 237)
(10)
مات سنة (728 هـ) مسجونًا بالقلعة في مصر الدرر الكامنة (1/ 482).
(11)
في ط: تجليس، وقد سبق الكلام فيه.
(12)
هو: محمد بن الوزيري، سيأتي في وفيات سنة (716 هـ).
(13)
في ط: كتشلي وفي الأصل وأ: كشلي. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة وهو: سيف الدين قلي أمير سلاح.
(14)
في الأصل وط: طيبرس وأثبتنا ما في ب الدرر الكامنة (3/ 255) وفيه: قلبوس بن طبرس الوزيري مات سنة (730 هـ)، بدمشق.
(15)
هو الأمير سيف الدين شاطي السلاح دار. النجوم الزاهرة (9/ 4).
وممن توفي فيها من الأعيان:
سَوْدِي نائبُ
(1)
حلب: في رجب ودفن بتربته، وهو الذي كان السبب في إجراء نهرٍ إليها
(2)
، غرم عليه ثلاثمئة ألف درهم، وكان مشكور السيرة حميد الطَّريقة رحمه الله.
وفي شَعْبَانَ توفي:
الصّاحِبُ شَرَفُ الدِّين: يَعقُوبُ بنُ مُزْهِر
(3)
وكان بارًّا بأهله وقرابته رحمه الله.
والشَّيخ رشيد الدين
(4)
أبو الفداء إسماعيل: ابن محمد القرشي
(5)
الحنفي المعروف بابن المعلم، كان من أعلام الفقهاء والمفتين، ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد، وعنده زهد وانقطاع عن الناس، وقد درس بالبَلْخيَّة
(6)
مدة، ثم تركها لولده وصار إلى مصر فأقام بها، وعُرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل، وقد جاوز السبعين من العمر.
توفي سحر يوم الأربعاء خامس رجب ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
وفي شوّال توفي:
الشَّيخ سليمانُ التُركماني
(7)
: المولَّه الذي كان يجلس على مصطبته بالعُلَبيِّينَ، وكان قبل ذلك مقيمًا بطَهارة باب البريد، وكان لا يتحاشى من النَّجاسات ولا يتقيها، ولا يصلي الصلوات ولا يأتيها، وكان بعضُ النَّاس من الهَمَج له فيه عقيدة
(8)
، قاعدة الهمج الرعاع الذين هم أتباع كل ناعق من المُوَلَّهين والمجانين، ويزعمون أنه يكاشف، وأنه رجلٌ صالح، ودفن بباب الصغير في يوم كثير الثلج.
وفي يوم عرفة توفيت:
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 179) والنجوم الزاهرة (9/ 229).
(2)
ليست في ب. وفيه: أجرى نهرا.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 436) وفيه: يعقوب بن مظفر بن مزهر، النجوم الزاهرة (9/ 227) وفيه: القاضي شرف الدين يعقوب بن مجد الدين مظفر بن شرف الدين أحمد بن مزهر بحلب وهو ناظرها.
(4)
ليست في ط.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 369) وفيه: إسماعيل بن عثمان والدارس (1/ 482) والشذرات (6/ 33) وكذلك فيهما.
(6)
تعرف بخربة الكنيسة، وتعرف أيضا بدار أبي الدرداء رضي الله عنه أنشأها الأمير كلر الدقاقي وفي الدارس: ككز. الدارس (1/ 481) ومنادمة الأطلال (156).
(7)
ترجمته في شذرات الذهب (6/ 33).
(8)
ليست في ب.
الشَّيخة الصالحة العابدة الناسكة
(1)
: أُمُّ زينب فاطمة بنت عَبَّاس
(2)
بن أبي الفتح بن محمد البغدادية بظاهر القاهرة، وشهدها خلق كثير، وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مؤاخاتهم النساء والمردان والمردان، وتنكر أحوالهم وأُصول أهل البدع وغيرهم
(3)
، وتفعل من ذلك ما لا تقدر عليه الرجال، وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعتُ الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرًا من (المُغْني) أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي ختمت نساءً كثيرًا القرآن، منهُنَّ أم زوجتي عائشة بنتُ صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المِزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أَمَةَ الرَّحيم زَيْنب، رحمهنَّ الله وأكرمهن برحمته وجنته آمين.
ثم دخلت سنة خمس عشرة وسبعمئة
استهلت والحكام في البلاد هم المذكورون في التي قبلها
(4)
.
فتْحُ مَلَطْيَة
(5)
في يوم الإثنين
(6)
مستهل المُحَرّم خرج سيف الدين تنكز بالجيوش قاصدًا مَلَطْيَةَ، وخرجت الأطلاب
(7)
على راياتها، وأبرزوا ما عندهم من العُدَد وآلات الحرب، وكان يومًا مشهودًا، وخرج مع الجيش ابن صَصْرَى، لأنّه قاضي العساكر وقاضي قضاة الشامية، فساروا حتى دخلوا حَلَبَ فِي الحَادِي عَشَرَ من الشهر، ومنها وَصَلوا
(8)
في السادس عشر إلى بلاد الروم إلى مَلَطْيَةَ، فشرعوا في محاصرتها في الحادي والعشرين من المُحَرَّم، وقد حُصِّنَت ومُنِعَتْ وغُلِّقَتْ أبوابها، فلما رأوا كثرة الجيش نزلَ متولّيها
(1)
ترجمتها في الدرر الكامنة (3/ 226) وشذرات الذهب (6/ 34).
(2)
في الدرر الكامنة بنت عياش.
(3)
ليست في ب.
(4)
ليست في ب والذي فيه: استهلت والخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون هم هم، وقد أُعيد أمينُ المُلك إلى الوزارة في أواخر السنة الخارجة، ومحتسب دمشق بدر الدين بن الحدّاد، ونائب حلب علاء الدين ألطنبغا.
(5)
"ملطية": والعامة تقول بتشديد الياء وكسر الطاء (ملطيَّة). من بناء الإسكندر، وجامعها من بناء الصحابة، بلدة من بلاد الرّوم مشهورة مذكورة تتاخم الشام. ياقوت: وأطلس تاريخ الإسلام (الخريطة 118 ص 227) و (الخريطة 143 ص 303).
(6)
فوات الوفيات (1/ 252) والدرر الكامنة (1/ 521) وابن خلدون (5/ 427) وبدائع الزهور (1/ 446).
(7)
الأطلاب: الكتائب.
(8)
في ب: ومنها توجه الجيش.
وقاضيها، وطلبوا الأمان، فأَمَّنُوا المسلمين ودخلوها، فقتلوا من الأزمن خلقًا ومن النَّصارى، وأسروا ذريةً كثيرةٌ، وتعدّى ذلك إلى بعض المسلمين وغَنِمُوا شيئًا كثيرًا، وأخذت أموال كثير من المسلمين ورجعوا عنها بعد ثلاثة أيام، يوم الأربعاء رابع عشرين المحرَّم إلى عَيْن تَاب
(1)
إلى مرج دابق
(2)
، وزُيّنت
(3)
دمشق ودقت البشائر.
وفي أول صفر دَخل
(4)
نائب ملطية متوجهًا إلى السلطان.
وفي نصف الشهر وصل قاضيها الشَّريف شمس الدين ومعه خلق من المسلمين من أهلها.
وفي بكرة نهار الجمعة سادس عشر ربيع الأول دخل تنكز دمشق وفي خدمته الجيوش الشامية والمصرية
(5)
، وخرج النَّاسُ للفُرجة عليهم على العادة، وأقام المصريون قليلًا ثم ترَحَّلُوا إلى القاهرة.
وقد كانت مَلَطْيَةُ إقطاعًا للجُوْبَان
(6)
أطلقها له ملك التّتر، فاستناب بها رجلًا كرديًا فتعدى وأساء وظلم، وكاتب أهلها السُّلطان الناصر وأحبُّوا أن يكونوا من رعيَّته، فلما ساروا إليها وأخذوها وفعلوا ما فعلوا فيها، جاءها بعد ذلك الجُوبان فعَمَرَها وردَّ إليها خلقًا من الأزمن وغيرهم.
وفي التاسع عشر من هذا الشهر وصل إلينا الخبر بمَسْك بَكْتَمُر الحاجب وأَيْدُغْدِي شُقَيْر وغيرهما
(7)
، وكان ذلك يوم الخميس مستهل هذا الشهر، وذلك أنّهم اتفقوا على السلطان فبلغه الخبرُ فمسكَهُم، واحتيط على أموالهم وحواصلهم، وظهر لبكْتَمُر أموال كثيرة وأمتعة وأخشاب وحواصل كثيرة.
وقد قدم قجليس من القاهرة فاجتاز بدمشق إلى ناحية طرابلس، قدم
(8)
سريعًا ومعه الأمير سيف الدّين تَمُر
(9)
نائب طرابلس تحت الحوطة.
ومُسك بدمشقَ الأمير سيف الدين بهادرآص المنصوري فحمل الأَوَّل إلى القاهرة، وجعل مكانه في
(1)
هي قلعة حصينة بين حلب وإنطاكية، وهي الآن من أعمال حلب. ياقوت (4/ 176).
(2)
هي: بلدة شمالي حلب، وفيها كانت الوقعة الفاصلة بين الأتراك بقيادة السلطان سليم والمماليك سنة 1516 م.
انظر "أطلس تاريخ الإسلام"(ص 359) والخريطة رقم (164).
(3)
في ب: ولما وصلت الأخبار بفتح ملطية زينت دمشق. وهو الأنسب.
(4)
في ط: رحل.
(5)
في ب: الجيوش المنصورة من الشاميين والمصريين.
(6)
هو: جوبان النوين الكبير، نائب المملكة القانية، قتل سنة (728 هـ) في المدينة المنورة ودفن بالبقيع. الدرر الكامنة (1/ 542).
(7)
مسك معهم: الأمير طُفاي والأمير تمر الساقي كما سيأتي.
(8)
في ب: عاد.
(9)
في ط: تمير.
نيابة طَرَابُلُس كُسْتاي
(1)
، وحمل الثاني إلى الكَرَك
(2)
وحزن النَّاسُ عليه ودَعَوْا له.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من ربيع الآخر قدم عز الدين بن مبشر دمشق محتسبًا وناظر الأوقاف وانصرف ابن الحداد عن الحِسبة، وبهاء الدين
(3)
عن نظر الأوقاف.
وفي ليلة الإثنين ثالث عشر جمادى الأولى وقع حريق قبالة مسجد الشنباشي داخل باب الصغير، احترق فيه دكاكين ودور وأموال وأمتعة.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرَ جُمادى الآخرة درّس قاضي مَلَطْبَة الشريف شمس الدين بالمدرسة الخاتونية البرانية
(4)
عوضًا
(5)
عن قاضي القضاة الحنفي البصروي، وحضر عنده الأعيان، وهو رجلٌ له فضيلة وخلق حسن، كان قاضيًا بملطية وخطيبًا بها نحوًا من عشرين سنة.
وفي يوم الخميس رابع جمادى الآخرة أُعيد ابن الحداد إلى الحِسْبة، واستمر ابن مُبَشِّر ناظر الأوقاف.
وفي يوم الأربعاء تاسع جمادى الآخرة درّس ابن صَصْرَى بالأتابكية
(6)
عوضًا عن الشيخ صفي الدين الهندي.
وفي يوم الأربعاء الآخر حَضَر ابن الزَّمْلَكاني دَرْسَ الظاهرية الجوانية عوضًا عن الهندي أيضًا بحكم وفاته كما ستأتي ترجمته.
وفي أواخر رجب أُخرج الأمير جمال الدين أقوش نائبُ الكَرَك من سجن القاهرة وأعيد إلى الإمرة.
وفي شعبان توجه خمسة آلاف من بلاد حلب فأغاروا على بلاد آمد، وفتحوا بلدانًا كثيرة، وقتلوا وسَبَوْا وعادوا سالمين، وخَمسُوا ما سَبَوْا فبلغ سهمُ الخُمُس أربعة آلاف رأس وكُسُور
(7)
.
(1)
كُسْتاي الناصري مات سنة (716 هـ) الدرر (3/ 268).
(2)
ليست في ط.
(3)
في ب: ابن عليمة. وهو: بهاء الدين إبراهيم بن جمال الدين يحيى الحنفي المعروف بابن عليمة، وسيأتي في أحداث جمادى الآخرة من السنة القادمة، سنة (716 هـ).
(4)
الخاتونية البرانية: هي مسجد خاتون على الشرف القبلي، على القنوات، بصنعاء الشام - الدارس (1/ 502).
ويعرف مكانها الذي هي فيه بتل الثعالب. وانظر كلامًا طويلًا جميلًا فيها في منادمة الأطلال (ص 167 - 168).
(5)
في ب: انتزعت له من.
(6)
الأتابكية بصالحية دمشق. الدارس (1311).
(7)
ذكره ابن خلدون (5/ 427). وقال: إنهم توجهوا إلى عرقية، والاعتقاد أنها عَرْقة من أعمال حلب. وقد ذكرها ياقوت (4/ 109).
وفي أواخر رمضان وصل قَرَاسُنقُر المنصوري إلى بغداد ومعه زوجته الخاتون بنت أَبْغَا ملك التتر
(1)
وجاء إلى خدمة خَرْبندَا، واستأذنه في الغارة على أطراف بلاد المسلمين فلم يأذن له، ووثَبَ عليه رجل فداوي من جهة صاحب مصر فلم يقدر عليه وقتل الفداوي.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرين رمضان درس بالعادلية الصغيرة
(2)
الفقيه الإمام فخر الدين محمد بن علي المصري المعروف بابن كاتب قُطلُوبَك
(3)
، بمقتضى نزول مدرّسها كمال الدين بن الزَّمْلَكاني له عنها، وحضر عنده القضاة والأعيان، والخَطيبُ وابنُ الزَّمْلَكاني أيضًا.
وفي هذا الشهر كَمُلَت عمارة القيسارية المعروفة بالدهشة عند الوراقين واللبادين وسكنها التجار، فتميزت بذلك أوقاف الجامع، وذلك بمباشرة الصَّاحب شمس الدين
(4)
.
وفي ثامن شوال قتل أحمد الزويني
(5)
شهد عليه بالعظائم من ترك الواجبات واستحلال المحرمات واستهانته وتنقيصه بالكتاب والسُّنَّة، فحكم المالكي بإراقة دمه وإن أسلم، فاعتقل ثم قتل.
وفي هذا اليوم كان خروج الركب الشّامي وأميره سيف الدين طَقْتَمُر الموساوي وقاضيه قاضي مَلَطْيَةَ.
وحج فيه قاضي حماة وحلب وماردين ومحيي الدين كاتب ملك الأمراء تنكز وصهره فخر الدين المصري. وتقي الدين الفاضلي.
وفي ثامن ذي الحِجّة ولد للسلطان ولد ذكرٌ فَزُيِّنَتِ البلاد له
(6)
.
وممن توفي فيها من الأعيان:
شرف الدين أبو عبد الله: محمد بن العدل عماد الدين
(7)
بن أبي الفضل محمد بن أبي الفتح نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التَّميمي الدمشقي بن القلانسي
(8)
، ولد
(1)
هو أَبْغَا بن هولاكو مات سنة (680 هـ). الدليل الشافي (1/ 33) والذي في الدرر الكامنة (3/ 247): قُطلُوشَاه التتري.
(2)
وفي الدارس (1/ 369) الصُّفرى: وهي داخل باب الفرج شرقي باب القلعة.
(3)
محمد بن علي بن إبراهيم المصري، المعروف بالفخر المصري ابن كاتب قطلوبك. مات سنة (751 هـ) الدارس (1/ 245).
(4)
ليست في ب وفيه: وذلك بإشارة الصاحب شمس الدين ومباشرته. وهو أنسب.
(5)
في ط: الروسي وفي الأصل و (أ): الدَّوسي. وأثبتنا ما في الدارس (2/ 13) وشذرات الذهب (6/ 35). وهو: أحمد الزويني الإقباعي.
(6)
ليست في ط
(7)
في ط: محمود الدين بن أبي الفضل
(8)
ترجمته في: الدرر الكامنة (4/ 241)
سنة ست وأربعين وستمئة وباشر نظر الخاص. وقد شهد قبل ذلك في القيمة ثم تركها، وقد ترك أولادًا وأموالًا جمة، توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر، ودفن بقاسيون.
الشيخ صفي الدين الهندي: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرْموي
(1)
الشافعي المتكلم.
ولد بالهند سنة أربع وأربعين وستمئة، واشتغل على جده لأمه، وكان فاضلًا، وخرج من دهلي
(2)
في رجب سنة سبع وستين، فحج وجاور بمكة ثلاثة
(3)
أشهرٍ، ثم دخل اليمن فأعطاه ملكها المظفَرُ أربعمئة دينار، ثم دخل مصر فأقام بها أربع سنين، ثم سافر إلى الرُّوم على طريق أنطاكية فأقام إحدى عَشْرَةَ سنةً، بقونية خمسا
(4)
وبسيواس خمسًا، وبقيسارية
(5)
سنة، واجتمع بالقاضي سراج الدين فأكرمه، ثم قدم إلى دمشق في سنة خمس وثمانين فأقام بها واستوطنها، ودرّس في الرواحية والدّولعية والظاهرية والأتابكية، وصنف في الأصول والكلام
(6)
، وتَصَدَّر
(7)
للاشتغال والإفتاء، ووقف كتبه بدار الحديث الأشرفية، وكان فيه بِرٌّ وصلة.
توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين صفر ودفن بمقابر الصوفية، ولم يكن معه وقت موته سوى الظاهرية وبها مات.
فدرس بعده فيها ابن الزَّمْلَكاني، وأخذ ابن صَصْرَى الأَتَابَكية.
القاضي المُسندِ المُعَمَّرَ الرِّحْلَةُ: تقي الدين سُليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي
(8)
الحنبلي الحاكم بدمشق.
ولد في نصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمئة، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه، وتفقه وبرع، وولّي الحكم وحدّث، وكان من خيار الناس وأحسنهم خلقًا وأكثرهم مروءة، توفي فجأة بعد مرجعه من البلد وحُكْمه بالجَوْزيّة، فلما صار إلى منزله بالدير
(9)
تغيّرت حاله ومات عقيب صلاة المغرب
(1)
ترجمته في: الدرر الكامنة (4/ 14 - 15) والدارس (1/ 130 - 131) والشذرات (6/ 37).
(2)
هي حاضرة الهند، وتعرف اليوم بدلهي، وهي العاصمة. أطلس تاريخ الإسلام الخريطة رقم (114، 116،115).
(3)
ليست في ط
(4)
ليست في ط
(5)
وهي: قيصرية أيضًا
(6)
من مصنفاته: الفائق في أصول الدين. والنهاية في الفقه. الدرر الكامنة (4/ 15).
(7)
في ط: تصدى.
(8)
ترجمته في: فوات الوفيات (2/ 83) والدرر الكامنة (2/ 146) والنجوم الزاهرة (9/ 231) والدارس (2/ 35) والشذرات (6/ 36) والأعلام (3/ 124).
(9)
يسمى أيضًا بدير الحنابلة، والدير المبارك هي دار بناها أبو عمر أحمد بن قدامة المقدسي. الدارس (2/ 101).
ليلة الإثنين حادي عِشْري ذي القعدة، ودفن من الغد بتربة جده
(1)
، وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير رحمه الله.
الشيخ علي بن الشيخ علي الحريري
(2)
: كان مقدَّمًا في طائفته: كان مقدَّمًا في طائفته
(3)
، مات أبوه وعمره سنتان، توفي في قرية بسر
(4)
في جمادى الأولى.
الحكيمُ الفاضل البارع: بهاء الدين عبد السيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الطبيب الكحَّال
(5)
المتشرِّفُ بالإسلام، ثم قرأ القرآن جميعه لأنّه أسلم على بصيرة، وأسلم على يديه خلق كثير من قومه وغيرهم، وكان مباركًا على نفسه وعليهم، وكان قبل ذلك ديان اليهود، فهداه الله تعالى.
وتوفي يوم الأحد سادس جُمادى الآخرة ودفن من يومه بسفح قاسيون، أسلم على يدي شيخ الإسلام ابن تيميَّة لما بين له بطلان دينهم وما هم عليه وما بدلوه من كتابهم وحَرَّفوه من الكلم عن مواضعه رحمه الله
(6)
.
ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمئة
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبله
(7)
غير الحنبلي بدمشق، فإنه توفي في أواخر
(8)
السنة الماضية.
وفي المحرم تكملت تفرقة المثالات
(9)
السلطانية بمصر بمقتضى إزالة الأجناد، وعُرض الجيش على السلطان، وأبطل السلطان المَكْسَ بسائر البلاد القبلية والشامية.
وفيه وقعت فتنة بين الحنابلة والشافعية ببَعْلَبَكَّ
(10)
بسبب العقائد، وترافعوا إلى دمشق فحضروا بدار.
(1)
تربة أبي عمر في سفح قاسيون.
(2)
ترجمته في: الدرر الكامنة (3/ 87) وفيه: الجريري: وهو تحريف، والنجوم الزاهرة:(9/ 232).
(3)
الفقراء الحريرية.
(4)
في ط: نسر. وهي قرية من أعمال حوران بموضع يقال له: اللجا، صعب المسلك إلى جانب زُرَّه التي تسميها العامة زرع.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 366 - 367). وفيه أسلم سنة (701 هـ)
(6)
ليست في ب.
(7)
ليست في ب، والذي فيه: وخليفة الوقت المستكفي بالله، وسلطان الملك الناصر بن المنصور قلاوون، ونوابه وقضاته بمصر والشام المذكورون.
(8)
ليست في ط
(9)
"المثالات": هي وثيقة رسمية تصدر من ديوان الجيش فيها استحقاق كل جندي. النجوم الزاهرة (9/ 51).
(10)
ليست في ط.
السَّعادة عند نائب السلطنة تنكز فأصلح بينهم، وانفصل الحال على خير من غير محاققة ولا تشويش على أحد من الفريقين، وذلك يوم الثلاثاء سادس عشر المحرَّم.
وفي يوم الأحد سادسَ عَشَرَ صفر قُرئ تقليد قاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع الحنبلي
(1)
، بقضاء الحنابلة والنظر بأوقافهم عوضًا عن تقي الدين سليمان بحكم وفاته رحمه الله، وتاريخ التقليد من سادس ذي الحجة، وقُرئ بالجامع الأموي بحضور القضاة والصاحب والأعيان، ثم مَشَوْا معه وعليه الخِلْعة إلى دار السعادة، فسلَّم على النائب وراح إلى الصَّالحية، ثم نزل من الغَد إلى الجَوْزيّة فحكم بها على عادة من تقدَّمه، واستناب بعد أيام
(2)
الشيخ شرف الدين بن الحافظ
(3)
.
وفي يوم الإثنين سابع صفر وصل الشيخ كمال الدين بن الشَّريشي من مصر على البريد ومعه توقيع بعود الوَكَالة إليه، فخُلع عليه وسلَّم على النائب والخِلعةُ عليه.
وفي هذا الشهر مُسك الوزير عز الدين بن القلانسي واعتقل بالعذراوية وصودر بخمسين ألفًا، ثم أطلق له ما كان أخذ منه وانفصل من ديوان نظر الخاص
(4)
.
وفي ربيع الآخر وصل من مصر الأمير
(5)
فَضْلُ بن عيسى
(6)
، وأُجري له ولابن أخيه موسى بن مهنا إقطاعات جيدة
(7)
، وذلك بسبب دخول مهنَّا إلى بلاد التتر واجتماعه
(8)
بملكهم خَرْبَندا.
وفي يوم الإثنين سادس عِشْري
(9)
جمادى الأولى باشر ابن صَصْرَى مشيخة الشيوخ بالسُّمَيْسَاطية بسؤال الصُّوفية وطلبهم له من نائب السلطنة، فحضرها وحضر عنده الأعيان في هذا اليوم عوضًا عن الشريف شهاب الدين أبي القاسم محمّد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن علي بن الحسن بن الحسين بن يحيى بن موسى بن جعفر الصادق، وهو الكاشغري
(10)
توفي عن ثلاث وستين سنة ودفن بالصوفية.
(1)
سيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(2)
في ب: أيام يسيرة.
(3)
هو: القاضي شرف الدين عبد الله بن شرف الدين حسن بن الحافظ أبي موسى، وسيأتي في وفيات سنة (732 هـ).
(4)
الدرر الكامنة (2/ 75).
(5)
ليست في ط.
(6)
في ب: ومعه تقليد بإمرة العرب عوضًا عن أخيه مهنا.
(7)
في ط: صيدا، وهو تحريف.
(8)
في ط: اجتماعهم.
(9)
في ط: سادس عشر. وفي الدارس (2/ 157) أيضًا سادس عشرين.
(10)
في ط: الكاشنغر.
وفي جمادى الآخرة باشر بهاء الدين إبراهيم بن جمال الدين يحيى الحنفي المعروف بابن عليمة
(1)
، وهو ناظر ديوان النائب بالشّام نظر الدواوين عوضًا عن شمس الدين محمد بن عبد القادر الخطيري الحاسب الكاتب
(2)
توفي، وقد كان مباشرًا عدة من الجهات الكبار، مثل نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان وغير ذلك، واستمرّ نظرُ المارستان من يومئذ بأيدي ديوان نائب السلطنة من كان، وصارت عادة مستمرة.
وفي رجب نقل نائب
(3)
حمص الأمير شهاب الدين قَرَاطاي
(4)
إلى نيابة طرابلس عوضًا عن الأمير سيف الدين التُّركُسْتاي بحكم وفاته، وولي الأمير سيف الدين إرقطاي نيابة حمص، وتولى نيابة الكَرَكِ سيف الدين طَقْطَاي الناصري عوضًا عن سيف الدين بيبغا
(5)
.
وفي يوم الأربعاء عاشر رجب درّس بالنَّجيبية القاضي نجم
(6)
الدين الدمشقي عوضًا عن بهاء الدين يوسف بن جمال الدين أحمد
(7)
بن ظافر
(8)
العجمي الحلبي، سبط الصَّاحب كمال الدين بن العديم، توفي ودفن عند خاله ووالده بتربة العديم
(9)
.
وفي أواخر شعبان وصل القاضي شمس الدين بن عز الدين يحيى الحراني
(10)
أخو قاضي قضاة الحنابلة بمصر شرف الدين عبد الغني
(11)
، إلى دمشق متوليًا نظر الأوقاف بها عوضًا عن الصاحب عز الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن مبشر
(12)
، توفي في مستهل رجب بدمشق، وقد باشر نظر الدواوين بها وبمصر، والحِسبة، وبالإسكندرية وغير ذلك، ولم يكن بقي معه في آخر وقت سوى نظر الأوقاف بدمشق، مات
(13)
وقد قارب الثمانين ودفن بقاسيون.
(1)
في ط: علية وسبق الكلام فيه.
(2)
في ط: الكاسب بالسين، وهو تحريف.
(3)
في ط: صاحب.
(4)
في الأصل وط: قرطاي. وسيأتي في وفيات سنة (734 هـ).
(5)
في ط: تيبغا، وهو تحريف.
(6)
في الأصل وط و أ: شمس الدين. وأثبتنا ما في الدارس (1/ 471) وسوف يأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(7)
في الدرر الكامنة (4/ 446) أحمد بن عبد العزيز بن ظافر العجمي.
(8)
في الأصل وط: الظاهري
(9)
هي التربة العديمية عند زاوية الحريري غربي الزيتون على الشرف القبلي. الدارس (1/ 471) و (2/ 258).
(10)
هو: محمد بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن نصر الحراني. كما في ب.
(11)
مضى في وفيات سنة (709 هـ).
(12)
في ب والدرر الكامنة (1/ 287): ميسر.
(13)
ليست في ط.
وفي تاسع
(1)
شوال خرج الركب الشامي وأميرهم سيف الدين أَرْغُون السِّلَخدار الناصري الساكن عند دار الطراز بدمشق، وحج من مصر سيفُ الدِّين الدوادار وقاضي القضاة ابن جماعة، وقد زار القدس الشريف في هذه السنة بعد وفاة ولده الخطيب جمال الدين عبد الله، وكان قد رأسَ وعَظُم شأنُه.
وفي ذي القعدة سارَ الأمير سيف الدين تنكز إلى زيارة القُدْس فغاب عشرين يومًا.
وفيه وصل الأمير سيف الدين بَكْتَمُر الحاجب إلى دمشقَ من مصر وقد كان معتقلًا في السِّجن فأُطلق وأُكرم وولّي نيابَةَ صَفَد، فسار إليها بعدما قضى أشغاله بدمشق.
ونقل القاضي حسام الدين القزويني من قضاء صفد إلى قضاء طرابلس، وأُعيدت ولاية قضاء صفد إلى قاضي دمشق، فولى فيها ابن صَصْرَى شرف الدين النَّهاوندي
(2)
، وكان متوليًا قضاء طرابلس قبل ذلك، ووصل مع بَكْتَمُر الحاجب الطواشي ظهيرُ الدّين مختار المعروف بالزَّرْعي، متوليًا الخزانة بالقلعة عوضًا عن الطواشي ظهير الدين مختار البلبيسي
(3)
توفي.
وفي هذا الشهر أعني ذا القعدة وصلت الأخبار بموت ملك التتر خَرْبَندا محمد
(4)
بن أَرْغُون بن أَبْغَا بن هولاكوقان ملك العراق وخُراسان وعراق العجم والروم وأذربيجان والبلاد الأرمينية وديار بكر.
توفي في السابع والعشرين من رمضان ودفن بتربته بالمدينة التي أنشأها، التي يقال لها: السلطانية وقد جاوز الثلاثين من العمر، وكان موصوفًا بالكرم ومحبًا للهو واللعب والعمائر، وأظهر الرفض في بلاده
(5)
، أقام سنة على السنة ثم تحوّل إلى الرّفض، أقام شعائره في بلاده وحظي عنده الشيخ جمال الدين بن مُطَهَّر الحِلِّي
(6)
، تلميذ نَصير الدين الطُّوسي، وأقطعه عدة بلاد، ولم يزل على هذا المذهب الفاسد إلى أن مات في هذه السنة.
وقد جرت في أيامه فتن كبار ومصائب عظام، فأراح الله منه العباد والبلاد.
وقام في الملك بعده ولده بوسعيد
(7)
وله إحدى عشرة سنة، ومدبر الجيوش والممالك له الأم جوبان، واستمرَّ في الوزارة علي شاه التبريزي، وأخذ أهل دولته بالمصادرة وقتل الأعيان ممن اتَّهَمهم
(1)
في ط: آخر
(2)
في ط: الهاوندي
(3)
في ط و أ: البلستيني. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (4/ 344)
(4)
ترجمته في الذيل للذهبي (ص 88) والدرر الكامنة (1/ 501) والدليل الشافي (1/ 284 و 2/ 517) والنجوم الزاهرة (8/ 212) و (9/ 238).
(5)
ليست في ط.
(6)
سيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(7)
في الأصل ط و أ: أبو سعيد. وأثبتنا ما في الدرر (1/ 501) والنجوم (9/ 55).
بقتل أبيه مسمومًا، ولعب
(1)
كثير من الناس به في أوّل دولته ثم عَدَل إلى العدل وإقامة السُّنَّة، فأمر بإقامة الخطبة بالتّرضِّي عن الشيخين أولًا، ثُمَّ عُثمان ثم علي رضي الله عنهم، ففرح النَّاسُ بذلك وسكَنَتْ بذلك الفتَنُ والشُّرور والقتال الذي كان بين أهل تلك البلاد وبهراةَ وأَصْبَهان وبغداد وإربل وساوَة وغير ذلك.
وكان صاحب مكة الأمير خميصة بن أبي نُمي الحسني، قد قصد ملك التَّتر خربندا لينصره على أهل مكة، فساعده الرَّوافض هناك وجهَّزُوا معه جيشًا كثيفًا من خراسان، فلما مات خَرْبَنْدَا بِطَلَ ذلك بالكلية، وعاد حُمَيْصَةُ خائبًا خاسئًا، وفي صحبته أمير من كبار الروافض من التتر يقال له الدُّلْقَندي، وقد جمع لخُمَيْصَةَ أموالًا كثيرة ليقيم بها الرّفض في بلاد الحجاز، فوقع بهما الأمير محمد بن عيسى أخو مهنا، وقد كان مهنا
(2)
في بلاد التتر أيضًا ومعه جماعةٌ من العرب فكسر هما
(3)
ومن كان معهما، ونهب ما كان معهما من الأموال، وتفرّق
(4)
الرجال وبلغت أخبار ذلك إلى الدَّولة الإسلامية، فرضي عنه الملك الناصر وأهل دولته، وغَسَلَ ذلك ذنبه عندَه، فاستدعى به السلطان إلى حضرته فحضر سامعًا مطيعًا، فأكرمه نائب الشام، فلما وصل إلى السلطان
(5)
أكرمه أيضًا، ثم إنَّه استُفْتِيَ الشَّيخُ تقي الدين بن تيمية، وكذلك أرسل إليه السلطان يسأله
(6)
في الأموال التي أخذت من الدُّلْقَندِي، فأفتاهم أنَّها تُصرف في المصالح التي يعود نفعها على المسلمين، لأنَّها كانت معدة لعناد الحق ونُصرة أهل البدعة على السنة.
وممن توفي فيها من الأعيان:
عز الدين المبشر
(7)
والشهاب الكاشغري شيخ الشيوخ
(8)
وشمس الدين الخطيري
(9)
(1)
في أوب: وتعب. وهو تصحيف.
(2)
ليست في ط.
(3)
في ط: فقهرهما.
(4)
في ط: وحضرت.
(5)
في ب: فلما استقر عند السلطان.
(6)
ليست في ب وهو الأصوب.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 287) وفيه: أحمد بن محمد بن علي بن يوسف بن ميسر عز الدين المصري.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 499) والدارس (2/ 157).
(9)
ليست في الأصل وط و أ، واستدركناها من ب. وترجمته في: الدرر الكامنة (2/ 393) وشذرات الذهب (6/ 38).
والبهاء العجمي مدرّس النجيبية
(1)
.
وفيها قتل خطيبُ المِزَّة
(2)
، قتله رجل جَبَليّ، ضربَهُ بفأس اللحام في رأسه في السوق فبقي أيامًا ومات، وأُخذ القاتل فشُنق في السوق الذي قتل فيه، وذلك الأحد ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن هناك وقد جاوَزَ السِّتِّين.
الشَّرفُ صالح بن محمد بن عَرَبْشَاه: ابن أبي بكر الهمداني
(3)
، مات في جمادى الآخرة، ودفن بمقابر النيرب، وكان مشهورًا بطيب القراءة وحُسنِ السّيرة، وقد سمع الحديث وروى "جُزْء ابن عرفة"
(4)
.
صاحبُ التَّذكرة الكندية
(5)
: الشيخ الإمام المقرئ المحدّث النحوي الأديب علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد بن هبة الله الكندي الاسكندراني، ثم الدمشقي، سمع الحديث على أزيد من مئتي شيخ، وقرأ القراءات السبع، وحصل علومًا جيدة، ونظم الشعر الحسن الرائق الفائق، وجمع كتابًا في نحو من خمسين مجلدًا، فيه علوم جمة أكثرها أدبيات سمّاها "التذكرة الكندية"
(6)
، وقفها بالسُّمَيْسَاطية وكتب حسنًا وحَسَب جيدًا، وخدم في عدة خدم، وولّي مشيخة دار الحديث النفيسية في مدة عشر سنين، وقرأ "صحيح البخاري" مرات عديدة، وأسمع الحديث، وكان يلوذ بشيخ الإسلام ابن تيمية
(7)
، وتوفي بستانه
(8)
. عند قبة المسجف
(9)
ليلة الأربعاء سابع عشر رجب، ودُفن بالمرة عن ست وسبعين سنة.
الطَّواشي ظهيرُ الدّين مختار
(10)
: البلبيسي
(11)
الخَزِنْدار بالقلعة وأحد أمراء الطَّبلخانات بدمشق.
(1)
هو: يوسف بن أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحيم بهاء الدين أبو المحاسن بن كمال الدين العجمي ترجمته في: الدرر الكامنة (4/ 446) والدارس (1/ 471).
(2)
في ب: شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن داود بن فارس المنبجي وقد كان مدَّة متطاولة خطيب المِزَّة، قتله رجل صورةٌ مولة.
(3)
ترجمته في: الدرر الكامنة (2/ 203).
(4)
في الأصل وط: وروى جزءًا، ثم جعل ابن عرفة هو صاحب التذكرة الكندية وهذا توهم. والصواب ما أثبتناه.
(5)
ترجمته في: الفوات (3/ 98 - 103) والدرر الكامنة (3/ 130 - 131) والنجوم الزاهرة (9/ 235) والبدائع (1/ 447) والدارس (1/ 151) وشذرات الذهب (6/ 39).
(6)
وتسمّى التذكرة العلائية. لعلاء الدين علي بن المظفر بن هدية الكندي المتوفى سنة (716 هـ) ويقال لها: التذكرة الكندية. كشف الظنون (1/ 389)
(7)
ليست في ب
(8)
في ط: بستان
(9)
في ط: المسجد. وهو تحريف، وما أثبتناه الصواب، وكذلك هو في الأصل والدرر والفوات والدارس.
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 344) والنجوم الزاهرة (9/ 237)
(11)
في أ: البلستيني وفي ط: البكنسي وفي ب: التفليسي. وأثبتنا ما في الدرر والنجوم، وكذلك هو في الدارس (2/ 287).
كان ذكيًا خبيرًا فاضلًا، يحفظ القرآن ويؤدّيه بصوت طيب، ووقف مكتبًا للأيتام على باب قلعة دمشقَ، ورتَّب لهم الكُسْوة والجامكيَّة، وكان يمتحنهم بنفسه ويفرح بهم، وعمل تربة خارج باب الجابية، ووقف عليها القَرْيَتَيْن
(1)
، وبنى عندها مسجدًا حسنًا ووقفه بإمام وهي من أوائل ما عُمل من التُّرَب بذلك الخط. ودفن بها في يوم الخميس عاشر شعبان رحمه الله، وقد كان حسن الشكل والأخلاق، عليه سكينة ووقار وهيبة، وله وجاهة في الدولة سامحه الله، وولي بعده الخزانة سميه ظهير الدين مختار الزَّرْعي.
الأمير بدر الدين
(2)
: محمد بن الوزيري، كان من الأمراء المقدمين، ولديه فضيلة ومعرفة وخبرة، وقد ناب عن السُّلطان بدار العدل مرَّة بمصرَ، وكان حاجب الميسرة، وتكلم في الأوقاف وفيما يتعلق بالقضاة والمدرّسين، ثم نقل إلى دمشق، فمات بها في سادس عشر شعبان، ودفن بميدان الحصى فوق خان النجيبي، وخلَّف تركةٌ عظيمة.
الشيخة الصالحة
(3)
: ست الوُزَراء بنت عمر بن أسعد بن المُنَجِّي، راوية "صحيح البخاري" وغيره، جاوزت التّسعين سنة، وكانت من الصالحات، توفيت ليلة الخميس ثامن عشر شعبان، ودفنت بتربتهم فوق جامع المظفّري بقاسيون.
القاضي محب الدين
(4)
: أبو الحسن ابن قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، استنابه أبوه
(5)
في أيامه وزوجه بابنة الحاكم بأمر الله، ودرس بالكهارية
(6)
ورأس بعد أبيه، وكانت وفاته يوم الإثنين تاسع عشر رمضان، وقد قارب الستين، ودفن عند أبيه بالقرافة.
الشيخة الصالحة
(7)
: ستُّ النِّعم
(8)
بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية، والدة الشيخ تقي الدين بن تيمية عُمِّرت فوق السبعين
(9)
سنة،
(10)
ولم تُرزق بنتًا قط.
(1)
هي مدينة عامرة بين دمشق وتدمر.
(2)
ترجمته في الدارس (2/ 233).
(3)
ترجمتها في: الدرر الكامنة (2/ 129) والنجوم الزاهرة (9/ 237) والدارس (1/ 298) و (2/ 12، 117) وشذرات الذهب (6/ 40). وتعرف بوزيرة.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 113). وهو علي بن محمد
(5)
محمد بن علي بن وهيب. مضى في وفيات سنة (702 هـ).
(6)
في الأصل وط، أ: اللهارية، وأثبتنا ما في ب. وكذلك هي في الوافي بالوفيات (1/ 106). بضم الكاف.
(7)
ترجمتها في: العقود اللؤلؤية. لابن عبد الهادي.
(8)
في ط: المنعم.
(9)
في ب: التسعين.
(10)
في ب: ولدت تسع بنين.
توفيت يوم الأربعاء العشرين من شوال ودفنت بالصُّوفية وحضر جنازتها خلق كثير وجَمٌّ غفير رحمها الله.
الشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد
(1)
: الحَلَبي
(2)
ثم الدمشقي، الكاتب الفاضل المعروف بالبُصْبُص، شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المُزَوَّج والمُثَلث، وقد أقام يكتبُ النَّاسَ خمسين سنة. وأنا ممَّن كتب عليه أثابه الله. وكان شيخًا حسنًا بهي المنظر يُشعر جيدًا
(3)
.
توفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة ودفن بمقابر الباب الصغير وله خمس وستون سنةً.
الشيخ تقي الدين الموصلي
(4)
: أبو بكر بن محمد
(5)
بن أبي بكر بن أبي الكرم شيخ القراءة عند محراب الصحابة، وشيخ ميعاد ابن عامر مدة طويلة، وقد انتفع الناس به نحوًا من خمسين سنة في التلقين والقراءات، وختم خلقًا كثيرًا، وكان يقصد لذلك ويجمع تصديقات يقولها الصبيان ليالي ختمهم، وقد سمع الحديث وكان خيرًا دينًا.
توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي القعدة، ودفن بباب الصغير رحمه الله.
الشيخ الصالح الزاهد المقرئ
(6)
: أبو عبد الله محمد بن الخطيب سلامة بن سالم بن الحسن بن يَنْبُوب الماليني، أحد الصلحاء المشهورين بجامع دمشق.
سمع الحديث، وأقرأَ النَّاسَ نحوًا من خمسين سنة، وكان يفصح الأولاد في الحروف الصعبة، وكان مبتلى في فمه يحمل طاسة تحت فمه من كثرة ما يسيل منه من الرِّيال وغيره وقد جاوز الثمانين بأربع سنين.
توفي بالمدرسة الصارمية
(7)
الأحد ثاني عِشْري
(8)
ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من القَنْدَلاوي، وحضر جنازته خلق كثير جدًّا نحوًا من عشرة آلاف رحمه الله تعالى.
الشيخ الصدر بن الوكيل
(9)
: هو العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام مفتي المسلمين
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 376) والنجوم الزاهرة (9/ 233).
(2)
في ط: الجيلي وهو تحريف.
(3)
قال في الدرر: كان ينظم نظمًا سافلًا عريًا عن الإعراب على طريقة الصوفية، وكان مأمونًا عفيفًا.
(4)
لم أقع على ترجمة له.
(5)
ليست في ط.
(6)
ترجمته في الدراس (1/ 330).
(7)
هي: داخل باب النصر والجابية، قبلي العذراوية، بانيها هو صارم الدين أزبك. الدارس (1/ 326).
(8)
في ط: عشر.
(9)
ترجمته في: فوات الوفيات (4/ 13) والدرر الكامنة (4/ 115 - 123) والنجوم الزاهرة (9/ 233) والدارس (1/ 27) وشذرات الذهب (6/ 40).
زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المُرحل وبابن الوكيل شيخ الشافعية في زمانه، وأشهرهم في وقته بالفضيلة وكثرة الاشتغال والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة، وقد أجاد معرفة المذهب والأصْلين، ولم يكن بالنحو بذاك القوي، وكان يقع منه اللحنُ الكثير
(1)
، مع أنه قرأ فيه "المفصَّل" للزمخشري، وكانت له محفوظات كثيرة.
ولد في شوال سنة خمس وستين وستمئة، وسمع الحديث على المشايخ من ذلك "مسند الإمام أحمد" على ابن علان، والكتب السنّة، وقُرئ عليه قطعة كبيرة من "صحيح مسلم" بدار الحديث عن الأمين
(2)
الإربلي والعامري والمِزّي، وكان يتكلّم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة، من الطب والفلسفة وعلم الكلام - وليس ذلك بعلم
(3)
وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعر جيدًا، وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة
(4)
، وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه، وآخرون يحسدونه ويبغضُونَه، وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائم، وقد كان مسرفًا على نفسه قد ألقى جِلْبابَ الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش
(5)
، وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ويناظره في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثني عليه، ولكنه كان يجاحف
(6)
عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافح عن طائفته. وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومه وفضائله ويشهد له بالإسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة، وكان يقول: كان مخلّطًا على نفسه متّبعًا مُراد الشيطان منه
(7)
، يميل إلى الشهرة
(8)
والمحاضرة، ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلّم فيه هذا أو ما هو في معناه.
وقد درس بعدة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشَّاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية، وولي في وقت الخطابة أيامًا يسيرة كما تقدَّم، ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده، ولم يرق منبرها
(9)
، ثمّ خالط نائب السلطنة الأفرم فجرت له أمور لا يمكن ذكرها ولا يُحسبن من القبائح
(10)
ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحواذه على قلب نائبها، فأقام بها ودرس، ثم
(1)
ليست في ب. ط: الأمير.
(2)
في ط: الأمير.
(3)
ليست في ب.
(4)
ليست في ب.
(5)
ليست في ب.
(6)
"يجاحف": يدافع، من جحفه برجله: رفسه بها حتى يرمي به. القاموس (جحف).
(7)
ليست في ب.
(8)
في الأصل وط: "الشهوة".
(9)
ليست في ب.
(10)
ليست في ب.
تردد في الرسلية بين السُّلطان ومهنَّا صحبةَ أرْغُون وَألْطَنْبُغَا، ثم استقرَّ به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحُسَين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشري ذي الحجة بداره قريبًا من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريبًا من الشيخ محمد بن أبي حمزة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشقَ صُلِّي عليه بجامعها صلاة الغائب بعد الجمعة ثالث المحرَّم من السنة الآتية، ورثاه جماعة، منهم ابن غانم علاء الدين، والقَحْفازي
(1)
والصَّفدي لأنَّهم كانوا من عُشَرائه.
وفي يوم عرفة توفي:
الشيخ عماد الدين إسماعيل الفوعي
(2)
: وكيل تجليس، وهو الذي بنى له الباشورة على باب الصغير بالبرانية الغربيَّة، وكانت فيه نهضة وكفاية، وكان من بيت الرّفض، اتفق أنَّه استحضره نائب السلطنة فضربه بين يديه، وقام النائب إليه بنفسه فجعل يضربه بالمهاميز
(3)
في وجهه فرفع من بين يديه وهو تالفٌ فمات في يوم عرفة، ودفن من يومه بسفح قاسيون وله دار ظاهر باب الفراديس.
ثم دخلت سنة سبع عشرة وسبعمئة
استهلت والحكام
(4)
هم المذكورون في التي قبلها.
وفي صفر منها شُرع في عمارة الجامع الذي أنشأه ملك الأمراء تنكز نائبُ الشَّامِ ظاهر باب النصر تجاه حِكْر السماق، على نهر بانياس بدمشقَ، وتردَّدَ القُضَاةُ والعلماء في تحرير قبلته، فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه، وشرعوا في بنائه بأمر السلطان، ومساعدته لنائبه في ذلك
(5)
.
وفي صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينة بَعْلَبَك أهلك خلقًا كثيرًا من النَّاس، وخرَّب دورًا وعمائر كثيرة، وذلك في يوم الثلاثاء سابع وعشرين صفر.
وملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءَهم رعدٌ وبرقٌ عظيم معهما بَرد ومطر، فسالت الأودية، ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعًا، مع أن سمك الحائط
(1)
في ط: القجقازي. وهو تحريف.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 382). والفوغي بالغين في ب، نسبة إلى الفوعة من محافظة إدلب اليوم.
(3)
المهاميز: جمع مهمزة، وهي عصا في رأسها حديدة ينخس بها الحمار، انظر اللسان.
(4)
ليست في ب. وفيه: والخليفة المستكفي بالله، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون ونوابه وقضاته
…
(5)
الدرر (1/ 522) والنجوم الزاهرة (9/ 57) والدارس (2/ 425) ومنادمة الأطلال (ص 369) وما زال قائمًا عامرًا إلى الآن، وفيه الثانوية الشرعية التي تديرها وزارة الأوقاف.
خمسة أذرع، وحمل برجًا صحيحًا ومعه من جانبيه بدنتين
(1)
، فحمله كما هو حتى مرّ وحفر في الأرض نحو خمسمئة ذراع سعة ثلاثين ذراعا
(2)
، وحمل السَّيل ذلك إلى غربي البلد، لا يمر على شيء إلا أتلفه، ودخل المدينة على حين غَفْلَةٍ من أهلها، فأتلف ما يزيد على ثلثها، ودخل الجامع فارتفع فيه على قامة ونصف، ثم قوي على حائطه الغربي فأخربه وأتلف جميع ما فيه من
(3)
الحواصل والكتب والمصاحف وأتلف شيئًا كثيرًا من رباع
(4)
الجامع، وهلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال والنساء والأطفال، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وغرق في الجامع الشيخ علي بن محمد بن الشيخ علي الحريري
(5)
هو وجماعة معه من الفقراء، ويقال: كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبك مئة وأربعة وأربعون نفسًا سوى الغرباء، وجملة الدور التي خرَّبها والحوانيت التي أتلفها نحو من ستمئة دار وحانوت، وجملة البساتين التي جرف أشجارها عشرون بستانًا، ومن الطواحين ثمانية سوى الجامع والأبنية
(6)
وأما الأماكن التي دخلها وأتلف ما فيها ولم تخرب فكثير جدًّا.
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها من مُدَد، وغرّق بلادًا كثيرة، وهلك فيها ناس كثير أيضًا، وغَرَّق مُنْيَةَ الشِّيْرج
(7)
فهلك للناس فيها شيء كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي مستهل ربيع الآخر جلس السلطان بوسعيد بن خَرْبَنْدا على تخت الملك بالمدينة السلطانية
(8)
.
وفي ربيع الآخر منها أغار جيش حلب على مدينة آمد فنهبوا وسَبَوْا وعادوا سالمين.
وفي يوم السبت تاسع وعشرين منه قدم قاضي المالكيَّة إلى الشام من مصر وهو الإمام العلامة فخر الدين أبو العباس أحمد بن سلامة بن
(9)
أحمد بن سلامة الإسكندري المالكي، على قضاء دمشق عوضًا عن قاضي القضاة جمال الدين الزّواوي لضعفه واشتداد مرضه، فالتقاه القُضاة والأعيان، وقرئ تقليده بالجامع ثاني يوم وصوله، وهو مؤرخ بثاني عشر الشهر، وقدم نائبه الفقيه نور الدين السنجاوي ودرس
(1)
في ط: مدينتين تحريف.
(2)
ليست في الأصل.
(3)
ليست في ط.
(4)
في ط: رباغ بالغين المعجمة. والرباع: الدور.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 114) وفيه: كان هو وأخوه يدخلان في أذيَّة الناس سنة قازان.
(6)
في ط: الأمينية. تحريف.
(7)
في أوط: السيرج بالسين، وأثبتنا ما في ياقوت، وهي: بلدة كبيرة طويلة ذات سوق بينها وبين القاهرة فرسخ أو أكثر. على طريق القاصد إلى الإسكندرية.
(8)
ليست في ط. البدائع (1/ 448).
(9)
في ط: أحمد بن سلامة بن أحمد بن أحمد بن سلامة. بزيادة أحمد وسيأتي في وفيات سنة (718 هـ).
بالجامع في مستهل
(1)
جمادى الأولى، وحضر عنده الأعيان، وشكرت فضائله وعلومه ونزاهته وصرامته وديانته، وبعد ذلك بتسعة أيام توفي الزَّواوي المعزول، وقد باشر القضاء بدمشق ثلاثين سنة.
وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين بَهَادرآص من سجن الكَرَك، وحُمل إلى القاهرة، وأكرمه السلطان، وكان سَجْنُه بها مطاوعة لإشارة نائب الشّام بسبب ما كان وقع بينهما بمَلَطْيَةَ.
وخرج المَحْمَلُ في يوم الخميس تاسع شوال، وأمير الحج سيف الدين كجْكُن
(2)
المنصوري.
وممَّن حجَّ
(3)
قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرى وابن أخيه شرف الدين، وكمال الدين بن الشِّيرازي، والقاضي جلال الدين الحنفي، والشيخ شرف الدين بن تيمية، وخلق.
وفي سادس هذا الشهر درّس بالجاروخية
(4)
القاضي جمال
(5)
الدين محمد بن الشيخ كمال الدين بن الشَّريشي بعد وفاة الشَّيخ شرف الدين بن سلام
(6)
وحضر عنده الأعيان.
وفي التاسع عشر منه درس ابن الزَّمْلَكاني بالعَذْراوية عوضًا عن ابن سَلَام.
وفيه درّس الشيخ شرف الدين بن تيمية بالحنبلية
(7)
عن إذن أخيه له بذلك بعد وفاة أخيهما لأُمِّهما بدر الدين قاسم بن محمد بن خالد، ثم سافر الشَّيخ شرفُ الدين إلى الحج، وحضر الشيخ تقي الدين الدرس بنفسه، وحضر عنده خلق كثير من الأعيان وغيرهم حتى عاد أخوه، وبعد عوده أيضًا.
وجاءت الأخبارُ بأنّه قد أبطلت الخمور والفواحش كلُّها من بلاد السواحل وطرابلس وغيرها، ووضعت مكوس كثيرةُ عن النَّاس هنالك، وبنيت بقرى النُّصَيرية في كل قرية مسجد، ولله الحمد والمنة.
وفي بكرة نهار الثُّلاثاء الثامن والعشرين من شوّال وصل الشيخ الإمام العلامة شيخ الكتاب شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي على البريد من مصر إلى دمشق متولّيًا كتابة السرّ بها، عوضًا عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله توفي إلى رحمة الله
(8)
.
(1)
ليست في ط، وهي كذلك في الدارس (2/ 66) نقلا عن ابن كثير.
(2)
في ط: كجكني وهو تحريف. وهو أحد الأمراء الكبار بدمشق. مات سنة (739 هـ) الدرر الكامنة (3/ 265).
(3)
في ب: في هذه السنة.
(4)
في ط: الجاروضية بالضاد. وهي: مدرسة داخل باب الفرج والفراديس، لصيقة الإقبالية الحنفية، شمالي الأموي والظاهرية الجوانية. الدارس (1/ 225).
(5)
في ط: جلال.
(6)
في ط: ابن أبي سلام. وهو توهم، وسيأتي صحيحًا في الوفيات.
(7)
المدرسة الحنبلية الشريفية عند القباقبية العتيقة. الدارس (2/ 64).
(8)
الدرر الكامنة (4/ 324) وفوات الوفيات (4/ 82) وسيأتي في وفيات سنة (725 هـ).
وفي ذي القعدة يوم الأحد دُرِّسَ بالصمصامية
(1)
التي جُددت للمالكية، وقد وقف عليها الصاحب شمس الدين غبريال درسًا، ودرس بها فقها
(2)
، وعيَّن تدريسها لنائب الحكم الفقيه نور الدين علي بن عبد النصير
(3)
المالكي، وحضره عنده القضاة والأعيان، وممن حضر عنده الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان يعرفه من إسكندرية.
وفيه درس بالدخواريَّة
(4)
الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد الكحال، ورتب في رياسة الطب عوضًا عن أمين الدين سليمان الطبيب، بمرسوم نائب السلطنة تنكز، واختاره لذلك.
واتفق أنه في هذا الشهر تجمع جماعةٌ من التجار بماردين وانضاف إليهم خَلقٌ من الجُفَّال من الغَلاء قاصدين بلاد الشام، حتى إذا كانوا بمرحلتين من رأس العين لحقهم ستون فارسًا من التتار فمالوا عليهم بالنشاب وقتلوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى صبيانهم نحو سبعين صبيًا، فقالوا من يقتل هؤلاء؟ فقال واحد منهم: أنا بشرط أن تنقلوني بمال من الغنيمة، فقتلهم كلهم عن آخرهم، وكان جملة من قتل من التجار ستمئة، ومن الجفلان ثلاثمئة من المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وردموا بهم خمس صهاريج هناك حتى امتلأت بهم رحمهم الله، ولم يسلم من الجميع سوى رجل واحدٍ تُركماني، هرب وجاء إلى رأس العين فأخبر الناس بما رأى وشاهد من هذا الأمر الفظيع المؤلم الوجيع، فاجتهد مُتَسَلَّمُ ديار بكر سوتاي
(5)
في طلب أولئك التتر حتى أهلكهم عن آخرهم، ولم يبق سوى رجلين، لا جمع الله بهم شملًا، ولا لقاهم مرحبًا ولا سهلا، ولا ردَّ عليهم يوم القيامة مالًا ولا أهلًا
(6)
. آمين يا رب العالمين.
صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة
(7)
وفي هذه السنة خرجت النُّصيريَّة عن الطَّاعة وأقاموا
(8)
من بينهم رجلًا سَمَّوْهُ محمد بن الحسن المهدي
(1)
بمحلة حجر الذهب، شرقي دار القرآن الوجيهية وبالقرب من المارستان النوري. وقد درست وصارت دورًا مع غيرها. منادمة الأطلال (ص 226).
(2)
في ط: فقهاء.
(3)
في ط: البصير. وهو تحريف.
(4)
وهي مدرسة بالصاغة العتيقة بقرب الخضراء، قبلي جامع الأموي، أنشأها المهذب والدخوار ووقفها على الأطباء انظر الدارس (2/ 127) ومنادمة الأطلال (ص 252).
(5)
في ط وأ: سوياي. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (2/ 178) وفيه: سوتاي التتري النوين الحاكم على ديار بكر. مات سنة (32 هـ)، وكذلك في الدليل الشافي (1/ 328)
(6)
في ط وأ العبارة مضطربة: ولم يبق منهم سوى رجلين، لا جمع الله شملا بهم، ولا بهم مرحبًا ولا أهلًا.
(7)
الشذرات (6/ 43) وجبلة مدينة مشهورة على الساحل السُّوري. ويقال: فيها قبر إبراهيم بن أدهم.
(8)
في ط: وكان.
القائم بأمر الله، [وتارة يدَّعي أنه علي بن أبي طالب فاطرُ السموات والأرض، تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرًا]
(1)
وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد، وصرّح بكفر
(2)
المسلمين، وأنَّ النُّصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجلُ على عقول كثير من كبار النُّصيرية الضَّلال، وعيَّن لكل إنسان منهم تقدمة ألف، وبلادًا كثيرة ونيابات، وحَمَلوا على مدينة جَبَلة فدخلوها وقتلوا خلقًا من أهلها، وخرَجُوا منها يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان ولا باب إلا سلمان. وسَبُّوا الشَّيْخين، فصاح أهل البلد وا إسلاماه، وا سلطاناه، وا أميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضَّالُّ تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين. وقال لهم: لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها.
ونادى في تلك البلاد: إنَّ المقاسمة
(3)
بالعُشْر لا غير، ليرغب الفلاحين
(4)
فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمَّارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين. قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي، الذي يُحيي ويُميت حتَّى يُحقن دَمُك، ويكتب لك فرمان، وتجهزوا وعملوا أمرًا عظيمًا جدًّا، فجُرّدت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجمًا غفيرًا، وقُتِلَ المهدي الذي أضلهم، وهو يكون يوم القيامة مقدَّمهم إلى عذاب السعير، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}
(5)
[الحج: 3 - 4].
وفيها حجّ الأمير حسام الدين مُهَنَّا وولده سليمان في ستة آلاف وأخوه محمد بن عيسى في أربعة آلاف، ولم يجتمع مُهَنَّا بأحدٍ من المصريين ولا الشاميين
(6)
، وقد كان في المصريين قجليس وغيره والله أعلم.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الصالح
(7)
: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله
(8)
كان فاضلًا، وكتب حسنًا، نسخ "التنبيه"
(9)
(1)
ما بين الحاصرتين سقط من الأصل وأ. واستدركناه من ب وط.
(2)
في ط: وخرج يكفر وهو تحريف.
(3)
في ط: بالمقاسمة.
(4)
ليست في ط.
(5)
وفي أ وط: ذلك بما قدمت يداك الآية، حيث جعل هذا الكلام جزءًا من الآيتين السابقتين. وهذا توهم.
(6)
إذ كان مهنا لا يزال عند التتر.
(7)
لم أقع على ترجمة له.
(8)
في ط: المنتزه.
(9)
التنبيه في معرفة الأحكام، الشرف الدين بن أبي عصرون، عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن أبي عصرون مات سنة (585 هـ). وفيات الأعيان (3/ 53 - 57) الدارس (1/ 399).
و"العمدة"
(1)
وغير ذلك، وكان النّاس ينتفعون به ويقابلون عليه ذلك ويصححون عليه، ويجلسون إليه عند صندوق كان له في الجامع، توفّي ليلة الإثنين سادس محرّم ودفن بالصُّوفية، وقد صححت عليه في "العُمْدة" وغيره.
الشيخ شهاب الدين الرومي
(2)
: أحمد بن محمد بن إبراهيم المراغي، درس بالمُعِيْنية
(3)
، وأم بمحراب الحنفية بمقصورتهم الغربية إذ كان محرابهم هناك، وتولى مشيخة الخاتونية، وكان يوم بنائب السلطان الأفرم، وكان يقرأ حسنًا بصوت مليح، وكانت له مكانة عنده، وربما راح إليه الأفرم ماشيًا حتى يدخل عليه زاويته التي أنشأها بالشرف
(4)
الشمالي على الميدان الكبير، ولما توفي بالمحرم ودفن بالصوفية قام ولداه عماد الدين وشرف الدين بوظائفه.
الشيخ الصَّالح العَدْل
(5)
: فخر الدين عثمان بن أبي الوفاء بن نعمة الله الأعزازي، كان ذا ثروة من المال، كثير المروءة والتلاوة، أدّى الأمانة في ستين ألف دينار وجواهر لا يعلمُ بها إلا الله عز وجل، بعد ما مات صاحبُها مجرّدًا في الغَزَاة وهو عز الدين الجرَّاحي نائبُ غَزَّة، أودعه إياها فأَدَّاها إلى أهلها أثابَهُ الله. ولهذا لما مات يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر حضر جنازته خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى، حتى قيل: إنَّهم لم يجتمعوا في مثلها قبل ذلك، ودفن بباب الصغير رحمه الله.
قاضي القضاة
(6)
: جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن يوسف الزواوي قاضي المالكية بدمشق، من سنة سبع وثمانين وستمئة، قدم مصر من المغرب واشتغل بها، وأخذ عن مشايخها، منهم الشيخ عز الدين بن عبد السّلام، ثم قدم دمشقَ قاضيًا في سنة سبع وثمانين وستمئة، وكان مولده تقريبًا في سنة تسع وعشرين وستمئة. وأقام شعار مذهب مالك وعمر الصَّمْصَاميَّة في أيامه وجدَّد عمارة النُّوريَّة
(7)
، وحدَّث" بصحيح مسلم" و "موطأ مالك" عن يَحْيَى بن يَحْيَى
(8)
عن مالك، وكتاب
(1)
العمدة في الفقه لوجيه الدين بن المُنجى.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 242) والدارس (1/ 590) و (2/ 145)
(3)
في ط: العينية، والمعينية مدرسة للأحناف مقابل باب الفرج في الطريق الآخذ إلى باب المدرسة العصرونية الشافعية. منادمة الأطلال (ص 203)
(4)
في ط: الشرق. تحريف.
(5)
لم أقع على ترجمة له.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 448) وفيه محمد بن سليمان بن سومر. والنجوم الزاهرة (9/ 239) وفيه: ابن سويد، ونقله عن عقد الجمان والسلوك، والدارس (2/ 12) وفيه: ابن سوير.
(7)
موضعها كان يسمى بالخواصين، وكان موضعها قديمًا دارًا لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنشأها نور الدين محمود بن زنكي. منادمة الأطلال (ص 212).
(8)
هو يحيى بن يحيى بن كثير بن دسلاس، فقيه الأندلس، أبو محمد الليثي، الأندلسي، القرطبي، راوي الموطأ، توفي رحمه الله سنة (234) هـ.
"الشِّفَا"
(1)
للقاضي عياض
(2)
، وعزل قبل وفاته بعشرين يومًا عن القضاء، وهذا من خيره حيث لم يمت قاضيًا، توفي بالمدرسة الصَّمْصَامية يوم الخميس التاسع من جمادى الآخرة. وصلّي عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر باب الصغير تجاه مسجد النارنج
(3)
، وحضر الناس جنازته وأثنوا عليه خيرًا، وقد جاوز الثمانين كمالك رحمه الله. ولم يبلغ
(4)
إلى سبعة عشر من عمره على مقتضى مذهبه أيضًا.
القاضي الصَّدر الرَّئيس
(5)
: رئيس الكتاب شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله بن مُجَلِّي
(6)
القرشي العدوي العُمَريُّ
(7)
.
ولد سنة تسع
(8)
وعشرين وستمئة، وسمع الحديث وخدم وارتفعت منزلته حتى كتب الإنشاء بمصر، ثم نقل إلى كتابة السرّ بدمشق إلى أن توفي في ثاني رمضان، ودفن بقاسيون، وقد قارب التسعين، وهو متمتع بحواسه وقواه وكانت له عقيدة حسنة في العلماء، ولا سيما في ابن تيمية وفي الصلحاء رحمه الله وقد رثاه الشهاب محمود كاتب السر بعده بدمشق
(9)
، وعلاء الدين بن غانم، وجمال الدين بن نباتة.
الفقيه الإمام العالم المُناظر
(10)
: شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن الإمام كمال الدين علي بن إسحاق بن سلام الدمشقي الشافعي، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمئة، واشتغل وبرع وحصل ودرس بالجاروخية
(11)
والعَدْراوية، وأعاد بالظاهرية وأفتى بدار العدل.
وكان واسع الصدر كثير الهمة كريم النفس مشكورًا في فهمه وخطِّه
(12)
وفصاحته ومناظرته
(1)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى. مطبوع. عدة طبعات، وهو كتاب عظيم.
(2)
القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته. توفي بمراكش مسمومًا سنة (544 هـ). قيل: سمّه يهودي. الأعلام (5/ 99) وثمة مصادر ترجمته.
(3)
في ط: التاريخ. وسبق الكلام عليه.
(4)
أي لم يدخل في سن البلوغ.
(5)
ترجمته في فوات الوفيات (2/ 421) والدرر الكامنة (2/ 428 - 429) والنجوم الزاهرة (9/ 240) وشذرات الذهب (6/ 46).
(6)
في الأصل وط وأ: الحلي، وأثبتنا ما في ب والمصادر السابقة.
(7)
في ط: المعمري. وهو تحريف.
(8)
في المصادر السابقة: ثلاث وعشرون.
(9)
القصيدة طويلة مطلعها:
لتبكِ المعالي والنُّهى الشرف الأعلى
…
وتبكي الورى الإحسانَ والحلم والفضلا
الفوات (2/ 422).
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 59) والدارس (1/ 228 - 229) وشذرات الذهب (6/ 44).
(11)
في ط: الجاروضية.
(12)
في ب وط: وخطه وحفظه وفصاحته
…
توفي في رابع عشرين رمضان وترك أولادًا ودَينًا كثيرًا، فوفته عنه زوجته بنت زُوَيْزَان تقبل الله منها وأحسن إليها.
الصاحب أنيس الملوك
(1)
: بدر الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الإربلي، ولد سنة أربعين
(2)
وستمئة، واشتغل بالأدب فحصل على جانب جيّد منه وارتزق عند الملوك به، [فمن رقيق شعره ما أورده الشيخ علم الدين في ترجمته قوله:
ومدامةُ خمرٍ تشبه خدَّ من
…
أَهوى ودمعي يسقي بها قمرا
أعزّ عليَّ من سمعي ومن بصري
…
.... [ ........... ]
وقوله في مغنية: [من الكامل]
وعزيزة هيفاء ناعمة الصبا .... طوع العناق مريضة الأجفان
(3)
غنَّتْ وماس قوامُها فكأنها الـ .... ـورقاء تسجعُ فوق غصن البان]
الصدر الرئيس شرف الدين محمد بن جمال الدين إبراهيم
(4)
: ابن شرف الدين عبد الرحمن بن أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرَى، باشر عدة جهات، وخرج مع خاله قاضي القضاة ابن صَصْرَى إلى الحج
(5)
، فلما كانوا ببدر
(6)
اعتراه مرض، ولم يزل به حتى مات، توفي بمكة وهو محرمٌ مُلَبٍّ، فشهد النَّاسُ جنازته وغَبطُوه بهذه الموتة، وكانت وفاته يوم الجمعة آخر النهار سابع ذي الحجة، ودفن ضحى يوم السبت بمقبرة الحجون
(7)
رحمه الله تعالى وأكرم مثواه.
ثم دخلت سنة ثمان عشرة وسبعمئة
[الخليفة والسلطان هما هما، وكذلك النواب والقضاة سوى المالكي بدمشق فإنه العلامة فخر الدين بن سلامة بعد القاضي جمال الدين الزواوي رحمه الله]
(8)
. فيها وصلت
(9)
الأخبار في المحرّم من
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 321) ومجلة المجمع العلمي العربي (18/ 550) والأعلام (3/ 293)
(2)
في الأصل وط وأ: ثمان وثلاثون. وما أثبتناه الصّواب - إن شاء الله - لأن وفاته سنة (717 هـ) وله من العمر سبع وسبعون سنة كما في الدرر. وهو المذكور أيضًا في الأعلام.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من ب و ط. وهي في الدرر
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 9) وفيه: محمد بن عبد الرحيم بن سالم بن أبي المواهب بن صَصْرَى التغلبي الدمشقي.
(5)
في ط: ذهب إلى الحجاز الشريف.
(6)
في ط: ببردى وهو تحريف.
(7)
في ط: باب الحجون وهو توهم.
(8)
ما بين الحاصرتين زيادة من ب و ط.
(9)
من هنا أول أحداث السنة في أ وفيه: وفيها وصلت الأخبار ....
بلاد الجزيرة وبلاد الشرق وسنجار والمَوْصل وماردين وتلك النواحي بغلاء عظيم وفناء شديد، وقلة الأمطار، وجَوْر
(1)
التتار، وعدم الأقوات وغلاء الأسعار، وقلة النفقات، وزوال النعم، وحلول
النّقم، بحيث إنّهم أكلوا ما وجدوه من الجمادات والحيوانات والنباتات
(2)
، وباعوا حتَّى أولادهم،
وأهاليهم، فبيع الولد بخمسين درهمًا وأقل من ذلك، حتى إن كثيرًا من الناس
(3)
كانوا لا يشترون من أولاد المسلمين تأتم
(4)
، وكانت المرأة تصرّح بأنَّها نصرانية ليُشْتَرى منها ولدها لتنتفع بثمنه ويحصل له من يطعمه فيعيش، وتأمن عليه من الهلاك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ووقعت أحوال صعبة يطول
ذكرها، وتنبو الأسماعُ عن وصفها، وقد ترحلت منهم فرقة قريب الأربعمئة إلى ناحية مراغة
(5)
فسقط عليهم ثلج أهلكهم عن آخرهم، وصحبت طائفة منهم فرقة من التتار، فلما انتهوا إلى عقبة، صعدها
التتار ثم منعوهم أن يصعدوها لئلا يتكلفوا بهم فماتوا عن آخرهم. فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز
الحكيم.
وفي بكرة الإثنين السابع
(6)
من صفر قدم القاضي كريمُ الدِّين عبد الكريم بن العلم هبة الله وكيل الخاص السلطاني بالبلاد جميعها، قدم إلى دمشق فنزل بدار السعادة وأقام بها أربعة أيام، وأمر ببناء جامع القُبيبات
(7)
، الذي يقال له: جامع كريم الدين
(8)
، وراح لزيارة بيت المقدس، وتصدق بصدقات كثيرة وافرة، وشرع ببناء جامعه بعد سفره.
وفي ثاني صفر جاءت ريحٌ شديدةٌ ببلاد طَرابلس على ذوق تركمان، فأهلكت لهم شيئًا كثيرًا من الأمتعة، وقتلت أميرًا منهم يقال له طرالي وزوجته وابنتيه وابني ابنيه وجاريته وأحد عشر نفسًا، وقتلت جمالًا كثيرة وغيرها، وكسرت الأمتعة والأثاث وكانت ترفع البعير في الهواء مقدارَ عَشْرة أرماح ثم تلقيه، مقطعًا، ثم سقط بعد ذلك مطر شديد وبرَدٌ عظيم بحيث أتلف زروعًا كثيرة في قرى عديدة نحوًا من أربع وعشرين قرية، حتى إنَّها لا ترد بدارها
(9)
.
(1)
في ط: خوف.
(2)
في ط: والميتات.
(3)
ليست في ط.
(4)
ليست في ط.
(5)
هي بلدة عظيمة مشهورة، أعظم بلاد أذربيجان. ياقوت.
(6)
في الدارس (2/ 416) في التاسع.
(7)
هي محلة جليلة بظاهر دمشق. ياقوت. النجوم الزاهرة (9/ 57) الدارس (2/ 416).
(8)
ويقال له الآن: جامع الدقاق في الميدان.
(9)
شذرات الذهب (6/ 47).
وفي صفر أخرج الأمير سيف الدين طُغَاي الخاصكي الناصري
(1)
إلى نيابة صفد فأقام
(2)
بها شهرين ثم مسك.
والصاحب أمين الدين إلى نظر الدواوين
(3)
بطرابلس على معلوم وافر.
قال الشيخ علم الدين: وفي يوم الخميس منتصف ربيع الأول اجتمع قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم
(4)
بالشيخ الإمام العلامة تقي الدين بن تيمية وأشار عليه بترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشيخ نصيحته وأجاب إلى ما أشار به، رعاية لخاطره وخواطر الجماعة المفتين.
ثم ورد البريد في مستهل جُمادى الأولى بكتاب من السلطان فيه منع الشيخ تقي الدين من الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، وانعقد بذلك مجلس، وانفصل الحال على ما رسم به السلطان، ونودي به في البلد، وكان قبل قدوم المرسوم قد اجتمع بالقاضي ابن مسلم الحنبلي جماعة من المفتين الكبار، وقالوا له: أن ينصح الشيخ في ترك الإفتاء في مسألة الطلاق، فعلم الشيخ نصيحته، وأنه إنما قصد بذلك ترك ثوران فتنة وشر
(5)
.
وفي عاشره جاء البريد إلى صفد
(6)
بمسك سيف الدين طُغَاي
(7)
، وتؤلية بدر الدين القَرْمَاني نيابة حمص.
وفي هذا الشهر وصل
(8)
مقتل رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير بن علي
(9)
الهَمْداني، كان أصله يهوديًا عطّارًا، فتقدَّم بالطب وشملته السعادة حتى كان عند خَرْبَتْدَا الجزء الذي لا يتجزأ، وعلت رتبته وكلمتُه، وتولى مناصب الوزراء، وحَصَل له من الأموال والأملاك والسعادة ما لا يُحدُّ ولا يُوصف، وكان قد أظهر الإسلام، وكانت لديه فضائل جمّة، وقد فسر القرآن وصنّف كتبًا كثيرة، وكان له أولاد وثروة عظيمة، وبلغ الثمانين
(10)
من العمر، وكانت له يد جيّدة يوم الرَّحْبَة
(11)
، فإنه صانع عن المسلمين
(1)
في ط: الحاصلي وأ: الخاصلي. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (2/ 221) والدليل الشافي (1/ 364).
(2)
في ط: فأقيم.
(3)
في ط: الأوقاف.
(4)
محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع قاضي الحنابلة، سيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(5)
ليست في ب.
(6)
في ط وأ: صفت.
(7)
في ب: وحمله إلى الديار المصرية فَفُعل ذلك وحُوِّل أَرقطاي من حمص إلى صفد. انتهى. وأرقطاي: هو القفجقي الحاج، توفي سنة (750 هـ). الدرر الكامنة (1/ 354).
(8)
في ط: "كان" وما أثبتناه من ب، وهو الصواب، لأن مقتله كان في سنة (717 هـ) كما في الشذرات (6/ 46) وقيل كان سنة (716 هـ) كما في الدرر الكامنة (3/ 232).
(9)
في ط: عالي. وفي الدرر الكامنة (3/ 232): غالي.
(10)
في الدرر والشذرات: عاش بضعًا وسبعين سنة.
(11)
مرَّ ذكره.
وأتقن القضية في رجوع ملك التتار عن البلاد الشامية
(1)
، سنة ثنتي عشرة كما تقدَّم، وكان يناصح الإسلام، ولكن قد نال منه خلقٌ كثير من النَّاس واتهموه على الدين وتكلموا في تفسيره هذا، ولا شك أنه كان مخبِّطًا مخلِّطًا، وليس لديه علم نافع، [ولا عمل صالح]
(2)
. ولما تولى أبو سعيد المملكة عزله وبقي مدة مدة خاملًا، ثم استدعاه جُوْبَان وقال له: أنت سقيت السلطان خَرْبَندا سُمًّا؟ فقال له: أنا كنت
(3)
في غاية الحقارة والمذلّة، فصرت في أيامه في غاية العظمة والعزة، فكيف أعمد إلى سقيه والحالة هذه؟ فأحضرت الأطبّاء فذكروا صورة مرض خَرْبَنْدا وصفته، وأن الرشيد أشار بإسهاله لما عنده في باطنه من الحواصل، فانطلق باطنه نحوًا من سبعين مجلسًا، فمات بذلك على وجه أنَّه أخطأ في الطب. فقال: فأنت إذا قتلته، فقتله وولده إبراهيم، واحتيط على حواصله وأمواله، فبلغت شيئًا كثيرًا، وقطعت أعضاؤُه وحمل كل جزء منها إلى بلدة، ونودي على رأسه بتبريز: هذا رأسُ اليهودي الذي بدل كلام الله لعنه الله، ثم أُحرقت جثته، وكان القائم عليه علي شاه
(4)
.
وفي هذا الشهر - أغني جُمادى الأولى - تولى قضاء المالكية بمصر تقي الدين الإخنائي
(5)
عوضًا عن زين الدين بن مخلوف توفي عن أربع وثمانين سنة، وله في الحكم ثلاث وثلاثون سنة.
وفي يوم الخميس عاشر رجب لبس صلاح الدين يوسف بن الملك الأوحد خلعة الإمرة بمرسوم السلطان
(6)
.
وفي آخر رجب جاء سيلٌ عظيم بظاهر حمصَ خرَّب شيئًا كثيرًا، وجاء إلى البلد ليدخلها فمنعه الخندق.
وفي شعبانَ تكامل بناء الجامع الذي عمره تنكز ظاهر باب النصر، وأقيمت الجمعة فيه يوم عاشر شعبان، وخطب فيه الشيخ نجم الدين علي بن داود بن يحيى الحنفي المعروف بالقحفازي
(7)
، من مشاهير الفضلاء ذوي الفنون المتعدّدة، وحضر نائب السلطنة والقضاة والأعيان والقراء والمنشدون، وكان يومًا مشهودًا.
وفي يوم الجمعة التي يليها خُطب بجامع القبيبات الذي أنشأه كريم الدين وكيل السلطان، وحضر فيه
(1)
ليست في.
(2)
ليست في.
(3)
ليست في ب.
(4)
هو: علي شاه الوزير. الدرر الكامنة (3/ 232) وفيه الخبر.
(5)
هو محمد بن أبي بكر الإخنائي بن بدران. مات سنة (750 هـ).
(6)
هو: يوسف بن شادي بن داود، مات سنة (741 هـ) الدرر الكامنة (4/ 456).
(7)
في ط: الفقجازي. وسيأتي في وفيات سنة (745 هـ).
القضاة والأعيان، وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الرزين
(1)
الحراني الآمدي
(2)
الحنبلي، وهو من الصَّالحين الكبار، ذوي الزَّهادة والعبادة والنّسك والتوجه وطيب الصوت وحسن السمت
(3)
.
وفي حادي عشر رمضان خرج الشيخ شمس الدين بن النقيب
(4)
إلى حمص حاكمًا بها مطلوبًا مولى مرغوبًا فيه، وخرج الناس لتوديعه.
وفي هذا الشهر حصل سيل عظيم بسلمية ومثله بالشوبك، وخرج المحمل في تاسع
(5)
شوال وأمير الركب الأمير علاء الدين بن سعد
(6)
والي البر، وقاضيه زين الدين ابن قاضي الخليل الحاكم بحلب.
وممَّن حج في هذه السنة من الأعيان: الشيخ برهان الدين الفزاري وكمال الدين بن الشريشي وولده وبدر الدين بن العطار.
وفي الحادي والعشرين من ذي الحجة انتقل الأمير فخر الدين إياس
(7)
الأعْسري من شد الدواوين بدمشق إلى طَرَابُلُس أميرًا.
وفي يوم الجمعة السابع عشر من
(8)
ذي الحجة أقيمت الجمعة في الجامع الذي أنشأه الصاحب شمس الدين بن غبريال ناظرُ الدواوين بدمشق خارج باب شرقي
(9)
، إلى جانب ضرار بن الأزور رضي الله عنه
(10)
بالقرب من محلة القعاطلة، وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن التّدمري المعروف
(11)
بالنيرباني، وهو من كبار الصَّالحين ذوي العبادة والزهادة، وهو من أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية، وحضره الصاحب المذكور وجماعة من القضاة والأعيان.
وفي يوم الاثنين، العشرين
(12)
من ذي الحجة باشر الشيخ شمس الدين محمد بن عُثمان الذهبي
(13)
(1)
في الدرر الكامنة (4/ 35) الرزيز. وفي الدارس (2/ 418) الوزير.
(2)
في الأصل وأوط: الأسدي وأثبتنا ما في الدرر.
(3)
في الأصل: الصَّمت: بالصاد.
(4)
هو: محمد بن أبي بكر بن إبراهيم
…
بن حمدان الدمشقي القاضي. مات سنة (745 هـ) الدرر (3/ 399).
(5)
ليست في ط.
(6)
في الأصل وط وأ: معبد. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (3/ 125).
(7)
ويقال له: إياز، قتل سنة (750 هـ) كما سيأتي.
(8)
ليست في ط.
(9)
ويعرف بجامع الملاح، الدارس (2/ 420 - 421).
(10)
زيادة في ب.
(11)
ليست في الأصل.
(12)
في ط، الاثنين والعشرين، وهو توهم: لأن الحدث القادم يوم الخميس ثالث عشري.
(13)
سيأتي في وفيات سنة (748 هـ).
المحدث الحافظ بتربة أمّ الصالح
(1)
عوضًا عن كمال الدين بن الشَّريشي، توفي بطريق الحج
(2)
في شوال، وقد كان له في مشيختها ثلاث وثلاثون
(3)
سنة، وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة.
وفي يوم الثلاثاء صبيحة هذا الدرس أحضر الفقيه زين الدين بن عُبَيْدان الحنبلي من بعلبك وحوقق على منام رآه زعم أنه رآه بين النائم واليقظان، وفيه تخليط وتخبيط وكلام كثير لا يصدر عن مستقيم المزاج، كان كتبه بخطه وبعثه لي بعض أصحابه، فاستسلمه القاضي الشّافعي وحقنَ دمَهُ وعَزَّرَه، ونُودي عليه في البلد ومنع من الفتوى وعقود الأنكحة، ثم أطلق.
وفي يوم الأربعاء بُكْرةً باشر بدر الدين محمد بن بصخان
(4)
مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح عوضًا عن الشيخ مجد الدين التونسي توفي، وحضر عنده الأعيان والفضلاء، قد حضرته يومئذ، وقبل ذلك باشر مشيخة الإقراء بالأشرفية عوضًا عنه أيضًا الشيخ محمد بن خروف الموصلي.
وفي يوم الخميس ثالث عشري ذي الحجة باشر الشيخ الإمام العلامة الحافظ الحجّة شيخنا ومفيدنا أبو الحَجَّاج يوسف بن الزَّكي عبد الرحمن بن يوسف المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية عوضًا عن كمال الدين بن الشريشي، ولم يحضر عنده كبير أحد، لما في نفوس بعض الناس من ولايته لذلك، مع أنه لم يتولَّها أحدٌ قبله أحقُّ بها منه، ولا أحفظ منه، وما عليه منهم؟ إذ لم يحضروا عنده فإنه لا يوحشه إلا حضورهم عنده، وبعدهم عنه أنس، والله أعلم
(5)
.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الصّالح العابد الناسك: الورع الزاهد القدوة بقية السَّلف وقدوة الخلف أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح عمر بن السيد القدوة الناسك الكبير العارف أبي بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي
(6)
، ولد سنة خمسين وستمئة ببَالِسَ
(7)
، وسمع من أصحاب ابن طبرزد، وكان شيخًا جليلًا بشوش الوجه حسنَ السَّمت، مقصدًا لكل أحد، كثير الوقار، عليه سيما العبادة والخير، وكان يوم قازان في جملة من كان مع الشيخ تقي الدين بن تيمية لما تكلم مع قازان، فحكى عن كلام شيخ الإسلام تقي
(1)
هي المدرسة الصالحية. الدارس (1/ 316).
(2)
في ط: الحجاز.
(3)
في الأصل: ثلاثًا وثلاثين، وهو غلط.
(4)
في ط: بضحان.
(5)
ليست في ب، وهي كذلك في الدارس (1/ 32) نقلًا عن ابن كثير.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 124) والدارس (2/ 208 - 209) والشذرات (6/ 49).
(7)
"بالس": بلدة بين حلب والرّقة، كانت على ضفة الفرات الغربية، فلم يزل الفرات يشرق عنها حتى صارت بينهما في أيامنا هذه أربعة أميال. ياقوت.
الدين لقازان وشجاعته وجرأته عليه، وأنه قال لترجمانه قل للقان: أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاض وإمام وشيخ على ما بلغنا فغزوتنا دخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين وما غَزَوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت! قال: وجرت له مع قازان وقطلوشاه وبولاي أمورٌ ونُوَبٌ، قام ابن تيمية فيها كلها الله، وقال الحق ولم يخش إلا الله عز وجل. قال وقرّب إلى الجماعة طعامًا فأكلوا منه إلا ابن تيمية، فقيل له ألا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، قال: ثم إن قازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه: "اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياءً وسمعة وطلبًا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمزه واقطع دابره". قال: وقازان يؤمن على دعائه، ويرفع يديه.
قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفًا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله. قال: فلما خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرَى وغيره: كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم. قال فانطلقنا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخوَّاقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، قال: والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمئة فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم، هذا الكلام أو نحوه، وقد سمعت هذه الحكاية من جماعة غيره، وقد تقدم ذلك
(1)
.
توفي الشيخ محمد بن قوام ليلة الإثنين الثاني والعشرين من صفر بالزاوية
(2)
المعروفة بهم غربي الصالحية والناصرية والعادلية، وصلّي عليه بها ودفن فيها، وحضر جنازته ودفنه خلق كثير وجم غفير، وكان في جملة الجمع الشيخ تقي الدين بن تيمية، لأنه كان يحبه كثيرًا، ولم يكن للشيخ محمد مرتب على الدولة ولا غيرهم، ولا لزاويته مرتب ولا وقف، وقد عرض عليه ذلك غير مرة فلم يقبل، وكان يُزار، وكان لديه علم وفضائل جمة، وكان فهمه صحيحًا، وكانت له معرفة تامة، وكان حسن العقيدة وطويته صحيحة، محبًا للحديث وآثار السلف، كثير التلاوة [والجمعية على الله عز وجل]
(3)
، وقد صنف جزءًا فيه أخبار جَدَّهِ
(4)
، رحمه الله وبلّ ثراه بوابل الرحمة آمين.
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في ب
(2)
القوامية البالسيّة، الدارس (2/ 208 - 209) منادمة الأطلال (ص 311).
(3)
ليست في ب. والذي فيه: يحبُّ الخلوه. وليس ببعيد.
(4)
في أ وط جيدة. وأثبتنا ما في ب وهو الصواب فقد ذكر صاحب منادمة الأطلال (ص 312) نقلًا عن العدوي في الزيادات قوله: وألف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن أبي بكر في مناقبه مؤلفًا حسنًا. انتهى.
الشيخ الصالح الأديب البارع الشاعر المجيد: تقي الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ بن الشيخ أحمد بن تمام بن حسان التلي
(1)
ثم الصالحي الحنبلي
(2)
، أخو الشيخ محمد بن تمّام، ولد سنة خمس وثلاثين وستمئة، وسمع الحديث، وصحبَ الفُضَلاء، وكان حسنَ الشَّكل والخُلُق، طيب النفس مليح المجاورة والمجالسة، كثير المفاكهة، أقام مدَّةً بالحجاز واجتمع بابن سبعين
(3)
وبالتّقي الحوراني، وأخذ النَّحوَ عن ابن مالك
(4)
وابنه بدر الدين وصحبه مدَّة، وقد صحبه الشهاب محمود مدة خمسين سنةً، وكان يثني عليه بالزهد والفراغ من الدنيا، توفي ليلة السبت الثالث من ربيع الآخر ودفن بالسفح. [من الوافر]
وقد أورد الشيخ علم الدين البِرْزالي في ترجمته قطعة من شعره: فمن ذلك قوله:
أَسُكَّانَ المعاهد من فُؤادي
…
لكُم في خافقةٍ منه
(5)
سكونُ
أكرر فيكم أبدًا حديثي
…
فيحلو والحديث له
(6)
شجون
وأنظمه عقودًا
(7)
من دموعي
…
فتنشره المحاجر والجفون
وأبتكر المعاني في هواكم .... وفيكُم كل قافيةٍ تهون
وأسألُ عنكُمُ البَكَّاءَ
(8)
سرًّا .... وسر هواكم سرٌّ
(9)
مصون
وأعتبق
(10)
النسيم لأنَّ فيه .... شمائل من معاطفكُم تبينُ
فكم لي في محبّتكم غرام
…
وكم لي في الغرام بكم فنون؟
قاضي القضاة زين الدين: علي بن مخلوف بن ناهض بن مسلم بن منعم بن خلف النويري المالكي
(11)
الحاكم بالديار المصرية، ولد
(12)
سنة أربع وثلاثين وستمئة، وسمع الحديث واشتغل وحصل، وولي
(1)
في ط: البلي.
(2)
ترجمته في فوات الوفيات (2/ 161) والدرر الكامنة (2/ 241 - 243) والشذرات (6/ 48) والأعلام (4/ 68).
(3)
هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الشيخ الصوفي. من القائلين بوحدة الوجود توفي سنة (669) هـ.
(4)
هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك. مات سنة (672 هـ) بغية الوعاة (1/ 130).
(5)
في فوات الوفيات (2/ 164) في كل جارحة.
(6)
فيه: بكم.
(7)
في ب وط: عقيقًا.
(8)
فيه: النكباء.
(9)
فيه: عندي.
(10)
فيه: وأعتنق، والاعتباق: التَّنسُّم. والمبالغة في الشم.
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 127 - 128) والنجوم الزاهرة (9/ 242) وبدائع الزهور (1/ 449) والشذرات (6/ 49).
(12)
ليست في ط.
الحكم بعد ابن شاس
(1)
سنة خمس وثمانين، وطالت أيامه إلى هذا العام، وكان غزير المروءة والاحتمال والإحسان إلى الفقهاء والشُّهود، ومن يقصده.
توفي ليلة الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة ودفن بسفح المقطَّم بمصر، وتولى الحكم بعده بمصر تقي الدين الأخنائي المالكي.
الشيخ إبراهيم
(2)
بن أبي العلاء
(3)
: المقرئ الصيت المشهور المعروف بابن شَعْلان، وكان رجلًا جيدًا في شهود المسمارية
(4)
، ويقصد للختمات لطيب
(5)
صَوْته.
توفي يوم الجمعة وهو كهل ثالث عشر جُمادى الآخرة، ودفن بسفح قاسيون.
الشيخ الإمام العالم الزاهد: أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أحمد بن خلف بن إبراهيم بن أبي عيسى بن الحاج التجيبي
(6)
القرطبي ثم الإشبيلي
(7)
، ولد بإشبيلية سنة ثمان وثلاثين وستمئة، وقد كان أهله بيت العلم والخطابة والقضاء بمدينة قرطبة، فلما أخذها الفرنج انتقلوا إلى إشبيلية وتمحقت أموالهم وكتبهم، وصادر ابن الأحمر جده القاضي بعشرين ألف دينار، ومات أبوه وجده في سنة إحدى وأربعين وستمئة، ونشأ يتيمًا ثم حجّ وأقبل إلى الشام، فاستقام بدمشق من سنة أربع وثمانين، وسمع من ابن البخاري وغيره، وكتب بيده نحوًا من مئة مجلد، إعانة لولديه أبي عَمْرو وأبي عبد الله على الاشتغال.
ثم كانت وفاته بالمدرسة الصلاحية
(8)
يوم الجمعة وقت الأذان ثامن عشر رجب، وصلّي عليه بعد العصر ودفن عند الفندلاوي
(9)
، بباب الصغير بدمشق، وحضر جنازته خلق كثير.
الشيخ كمال الدين بن الشريشي: أحمد ابن الإمام العلامة جمال الدين أبي بكر محمد بن أحمد بن
(1)
في ط: شاش.
(2)
في ب: برهان الدين.
(3)
لم أقع على ترجمة له.
(4)
هي القيمرية الكبرى داخل السور بالقرب من المئذنة الفيروزية. الدارس (2/ 114).
(5)
في ط: لصيت.
(6)
في ط: النجيبي، وهو تصحيف، وما هنا في الشذرات والدرر. نسبة إلى: تُجيب بنت ثوبان بن سليم بن مذحج وهي أم عدي وسعد ابني أشر بن شبب بن السكون نسب ولدها إليها. الوفيات (4/ 431). وهو مجود بخط الذهبي في ترجمة جده من تاريخ الإسلام (14/ 394 من طبعة الدكتور بشار).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 350 - 351) والشذرات (6/ 51).
(8)
هي الصلاحية المالكية أنشأها الملك الناصر صلاح الدين أيوب. منادمة الأطلال (ص 226).
(9)
في الأصل وأ وط: القندلاوي بالقاف، وأثبتنا ما في ب والدارس (2/ 10 - 11) وهو: الشيخ يوسف الفندلاوي شيخ المالكية قتل على يد الفرنجة شهيدًا وقبره بباب الصغير.
محمد بن عبد الله بن
(1)
سُجمان
(2)
البكري الوائلي الشريشي
(3)
، كان أبوه مالكيًا كما تقدَّم، واشتغل هو في مذهب الشافعي فبرع وحصل علومًا كثيرة، وكان خبيرًا بالكتابة
(4)
مع ذلك، وسمع الحديث وكتب الطباق بنفسه، وأفتى ودرس وناظَرَ وباشَرَ بعدة مدارس ومناصب كبار، أول ما باشر مشيخة دار الحديث بتربة أم الصالح بعد والده من سنة خمس وثمانين وستمئة إلى أن توفي
(5)
، وناب في الحكم عن ابن جماعة، ثم ترك ذلك وولي وكالة بيت المال وقضاء العسكر ونظر الجامع مرات، ودرس بالشامية البرانية ودرس بالناصرية عشرين سنة، ثم انتزعها من يده ابن جماعة وزينُ الدين الفارقي، فاستعادها منهما وباشر مشيخة الرّباط الناصري بقاسيون مدَّة، ومشيخة دار الحديث الأشرفية ثمان سنين، وكان مشكور السيرة فيما يولى من الجهات كلها، وقد عزم في هذه السنة على الحج فخرج بأهله فأدركته منيته بالحسا
(6)
في سلخ شوّال من هذه السنة، ودفن هناك رحمه الله، وتولى بعده الوكالة جمال الدين بن القلانسي، ودرس بالناصرية كمال الدين بن الشيرازي، وبدار الحديث الأشرفية الحافظ جمال الدين المزي، وبأم الصالح الشيخ شمس الدين الذهبي، وبالرباط الناصري ولده جمال الدين.
الشهاب المقرئ: أحمد بن أبي بكر بن أحمد البغدادي
(7)
نقيب
(8)
المتعممين، كان عنده فضائل جمة نثرًا ونظمًا ممّا يناسب الوقائع وما يحضر فيه من التهاني والتَّعازي، ويعرفُ الموسيقا والشَّعْبَذَةَ، وضَرْبَ الرَّمل، ويحضر المجالس المشتملة على اللهو والمُسْكر واللعب والبسط، ثم انقطع عن ذلك كله لكبر سنه وهو مما يقال فيه وفي أمثاله:
ذهبتُ عن توبته سائلًا
…
وجدتها توبة إفلاسِ
(9)
وكان مولده بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمئة، وتوفي ليلة السبت خامس ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير في قبر أعده لنفسه عن خمس وثمانين سنة، سامحه الله.
قاضي القضاة فخر الدين: أبو العباس أحمد بن تاج الدين أبي الخير سلامة بن زين الدين
(1)
ليست في ط.
(2)
في ط: سحمان، وما هنا من أ وهو الصواب، كما في التاج وغيره.
(3)
ترجمته في الفوات (1/ 120) والوافي بالوفيات (7/ 337) والدرر الكامنة (1/ 252) والنجوم الزاهرة (9/ 243) والدارس (1/ 33 - 34) والشذرات (6/ 47).
(4)
في ب: بالكتابة والنظم. وقد أورد له صاحب الفوات مقطوعات لطيفة.
(5)
الدارس (1/ 34).
(6)
قال ياقوت (2/ 258): هو موضع. والذي في الوافي بالوفيات وفوات الوفيات: وتوفي بدرب الحجاز بالكرك.
(7)
ترجمته في الشذرات (6/ 47).
(8)
في ط: الأشراف والمتعممين وهو توهم.
(9)
ليست في ب.
أبي العباس أحمد بن سلامة
(1)
الإسكندري المالكي
(2)
، ولد سنة إحدى وسبعين وستمئة، وبرع في علوم كثيرة، وولي نيابة الحكم في الإسكندرية فحمدت سيرته وديانته وصرامته، ثم قدم على قضاء الشام للمالكية في السنة الماضية فباشرها أحسن مباشرة سنة ونصفًا، إلى أن توفي بالصَّمْصَاميّة
(3)
بكرة الأربعاء مستهل ذي الحجة، ودفن إلى جانب الفَنْدَلاوي بباب الصغير، وحضر جنازته خلق كثير، وشكره الناس وأَثْنوا عليه. رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمئة
استهلت [والحكام هم المذكورون في التي قبلها]
(4)
.
وفي ليلة مستهل محرّم هبَّت ريحٌ شديدة بدمشق سقط بسببها شيء كثير
(5)
من الجدران، واقتلَعَتْ أشجارًا كثيرة.
وفي يوم الثلاثاء سادس عِشْري المحرّم خُلع على جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال عوضًا عن ابن الشريشي.
وفي يوم الأربعاء الخامس من صفر درّس بالناصرية الجوانية ابن صَصْرَى عوضًا عن ابن الشَّريشي
(6)
أيضًا، وحضر عنده الناس على العادة.
وفي عاشره باشر شدَّ الدواوين جمال الدين آقوش الرحبي عوضًا عن فخر الدين إياس، وكان آقوش متولي دمشق من سنة سبع وسبعمئة، وولي مكانه بالبلد الأمير علم الدين طرقشي الساكن بالعقيبة.
وفي هذا اليوم نُودي بالبلد بصوم النَّاس لأجل الخروج إلى الاستسقاء، وشُرع في قراءة "البخاري"، وتهيّأ الناس لذلك، ودَعَوْا عُقَيْب الصلوات وبعد الخطب، وابتهلوا إلى الله في الاستسقاء، فلما كان يوم السبت منتصف صفر، وكان سابع نيسان، خرج أهل البلد برمتهم إلى عند مسجد القدم، وخرج نائب السلطنة والأمراء مشاة يبكون ويتضرَّعون، واجتمع الناس هنالك وكان مشهدًا
(1)
في ط: سلام.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 140) والدارس (2/ 14 - 15) والشذرات (6/ 47).
(3)
المدرسة الصمصامية. الدارس (2/ 14).
(4)
ليست في ب، والذي فيه: والخليفة والسلطان والنواب والقضاة في البلاد المصرية والشامية هم هم، غير أنّ القاضي المالكي في دمشق قد توفي إلى رحمة الله تعالى، ولم يأت غيره بعده.
(5)
ليست في ط.
(6)
توفي في السنة الماضية.
عظيمًا، وخطب بالناس القاضي صدر الدين سليمان الجعفري
(1)
وأمَّن النَّاسُ على دعائه، فلما أصبح النَّاسُ من اليوم الثاني جاءهم الغيثُ بإذن الله ورحمته ورأفته لا بحولهم ولا بقوتهم
(2)
، ففرحَ النَّاسُ فرحًا شديدًا وعم البلاد كلها ولله الحمد والمنة، وحده لا شريك له
(3)
.
وفي أواخر الشهر شرعوا بإصلاح رُخام الجامع وترميمه وجلي
(4)
أبوابه وتحسين ما فيه.
وفي رابع عشر ربيع الآخر درّس بالناصرية الجوانية ابن الشيرازي
(5)
بتوقيع سلطاني، وأخذها
(6)
من ابن صَصْرَى وباشرها إلى أن مات.
وفي يوم الخميس سادس عشرَ جُمادى الأولى باشر
(7)
ابن شيخ السَّلامية فخر الدين أخو ناظر الجيش الحسبة بدمشق عوضًا عن ابن الحداد، وباشر ابن الحداد نظر الجامع بدلًا عن ابن شيخ السلامية، وخلع على كل منهما.
وفي بكرة الثلاثاء خامس جُمادى الآخرة قدم من مصر إلى دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن الشيخ زكي الدين ظافر الهمداني المالكي، على قضاء المالكية بالشَّام، عوضًا عن ابن سلامة الذي توفي، فكان بينهما ستة أشهر
(8)
، ولكن تقليد هذا مؤرخ بآخر ربيع الأول، ولبس الخلعة وقُرى تقليده بالجامع
(9)
.
وفي هذا الشهر درس بالخاتونية البرانية القاضي بدر الدين بن الفُوَيْرة
(10)
الحنفي، وعمره خمسٌ وعشرون سنة، عوضًا عن القاضي شمس الدين محمد قاضي مَلَطْيَةَ الذي توفي
(11)
.
وفي يوم السبت خامس رمضان وصل إلى دمشق سيلٌ عظيم أتلف شيئًا كثيرًا، وارتفع حتى دخل من باب الفرج، ووصل إلى العُقَيْبة، وانزعج النَّاسُ له، وانتقلوا من أماكنهم، ولم تطل مدته لأنَّ أصله كان
(1)
سليمان بن هلال بن شبل. سيأتي في وفيات (725 هـ). والخبر في الدرر الكامنة (2/ 165).
(2)
ليست في ب.
(3)
ليست في ب.
(4)
في ط: حلي.
(5)
في ب: القاضي كمال الدين. وهو: أحمد بن محمد بن هبة الله. وسيأتي في وفيات سنة (736 هـ).
(6)
في ب: وانتزعها من يد.
(7)
في ب: القاضي فخر الدين. وهو: أخو قطب الدين موسى بن أحمد.
(8)
ليست في ب، والذي فيه: فكان بين وفاته ووصول هذا إلى دمشق ستة أشهر.
(9)
الدارس (2/ 16).
(10)
في الأصل وأ وط: نويره وأثبتنا ما في ب وهو كذلك في الدارس (1/ 506) وقيده ابن ناصر الدين في ترجمة والده من توضيح المشتبه (7/ 131). توفي سنة (735 هـ). الدرر الكامنة (4/ 283).
(11)
سقط من أ وط وهو في ب قوله: وكان قد أخذت له من قاضي القضاة صدر الدين علي البصروي.
مطرًا وقع بأرض آبل السوق
(1)
والحُسَيْنية
(2)
. وفي هذا اليوم باشر طرقشي شد الدواوين بعد موت جمال الدين الرحبي، وباشر ولاية المدينة صارم الدين الجُوكَنْدَار
(3)
، وخُلع عليهما.
ولمّا كان يومُ الثُّلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمّن منعَ الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق، وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك.
وفي يوم الجمعة تاسع شوال خطب القاضي صدر الدين الدَّاراني
(4)
عِوضًا عن بدر الدين بن ناصر الدين بن عبد السلام
(5)
، بجامع جَرَّاح، وكان فيه خطيبًا قبله فتولاه بدر الدين حسن العَقْرَباني واستمر ولده في خطابة داريا التي كانت بيد أبيه من بعده.
وفي يوم السبت عاشره خرج الرّكب وأميرهم عز الدين أيبك المنصوري أمير علم.
وحج فيها صدر الدين قاضي القضاة الحنفي، وبرهان الدين بن عبد الحق، وشرف الدين بن تيمية، ونجم الدين الدمشقي وهو قاضي الركب، ورضي الدين المنطيقي، وشمس الدين بن الزريز
(6)
خطيب جامع القُبَيْبَات، وعبد الله بن رشيق المالكي وغيرهم.
وفيها حج سلطان الإسلام الملك الناصر محمد بن قلاوون ومعه جمع كثير من الأمراء، ووكيله كريم الدين وفخر الدين كاتب المماليك
(7)
، وكاتب السر ابن الأثير، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وصاحب حماة الملك عماد الدين، والصاحب شمس الدين غبريال في خدمة السلطان وكان في خدمته خلق كثير من الأعيان.
وفيها كانت وقعة عظيمةٌ بين السَّتار بسبب أنّ سلطانهم أبا سعيد
(8)
كان قد ضاق ذرعًا بجُوْبَان وعجز عن مسكه، فانتدب له جماعةٌ من الأمراء عن أمره، منهم أبو يحيى خال أبيه، ودُقمَاق وقرمشي
(9)
، وغيرهم من أكابر الدولة، وأرادوا كبسَ جُوْبان، فهرب وجاء إلى السلطان فأنهى إليه ما كان منهم، وفي صحبته
(1)
في ط: وابل السوق وهو تحريف. وهي قرية ذكرها ياقوت (1/ 50) أنها من قرى غوطة دمشق من ناحية الوادي.
(2)
قرية معروفة في سوق وادي بردى.
(3)
هو إبراهيم بن قراسنقر الجوكندار. توفي سنة (723 هـ) كما سيأتي.
(4)
في ب: بجامع العقيبة. ويسمى جامع التوبة.
(5)
في ب: وكان قبله يخطب بجامع جراح. وجامع جراح بمحلة سوق الغنم. الدارس (2/ 420).
(6)
في الأصل وأ: الوزير وقد سبق الكلام فيه.
(7)
ستأتي ترجمته في وفيات سنة 732 من هذا الكتاب.
(8)
في ب: بوسعيد.
(9)
في الأصل وأ وط وب: قرشي. وهو تحريف. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (3/ 248).
الوزير علي شاه، ولم يزل بالسلطان حتى رضي عن جُوبان وأمدَّه بجيش كثيف، وركب السلطان معه أيضًا والتقوا مع أولئك فكسروهم وأسروهم، وتحكم فيهم جوبان فقتل منهم إلى آخر هذه السنة نحوًا من أربعين أميرًا
(1)
.
[وممن توفي فيها من الأعيان
(2)
:
الشيخ المقرئ شهاب الدين
(3)
: أبو عبد الله الحسين
(4)
بن سليمان بن فزارة
(5)
بن بدر الكفري الحنفي، ولد تقريبًا في سنة سبع وثلاثين وستمئة. وسمع الحديث وقرأ بنفسه كتاب "الترمذي"، وقرأ القراءات، وتفرد بها مدَّةً يشتغل الناس عليه، وجمع عليه السَّبعَ أكثر من عشرين طالبًا، وكان يعرف النحو والأدب وفنونًا كثيرة وكانت مجالسته حسنة، وله فوائد كثيرة، درّس بالطَّرْخَانيَّة
(6)
أكثر من أربعين سنة، وناب في الحكم عن الأذرعي مدَّة ولايته، وكان خيرًا مباركًا أضرَّ في آخر عمره، وانقطع في بيته، مواظبًا على التلاوة والذكر وإقراء القرآن إلى أن توفي ثالث عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه بعد الظهر يومئذ بجامع دمشق، ودفن بقاسيون
(7)
رحمه الله.
وفي هذا الشهر جاء الخبر بموت
(8)
:
الشيخ الإمام تاج الدين
(9)
: عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الشافعي المعروف بالأَفْضَلي، بعد رجوعه من الحج ببغداد في العشر الأول من صفر، وكان صالحًا فقيهًا مباركًا، وكان ينكر على رشيد الدولة
(10)
ويحطّ عليه، ولما قتل قال: كان قَتْله أنفع من قتل مئة ألف نصراني، وكان رشيد الدولة يريد أن يترضاه فلا يقبل، وكان لا يقبل من أحد شيئًا، ولما توفي دفن بتربة الشونيزية
(11)
. وكان قد قارب الستين رحمه الله.
(1)
الدرر الكامنة (1/ 541).
(2)
ليست في ط وب.
(3)
ترجمته في معجم شيوخ الذهبي 1/ 215، والوافي 12/ 377، الدرر الكامنة (2/ 56) والشذرات (6/ 51).
(4)
في ط: الحسن.
(5)
في ط: خزارة و أ: قرارة.
(6)
تعرف بدار طرخان وهي قبلي المدرسة الباذرائية. الدارس (1/ 542).
(7)
في ب: عند والده.
(8)
في ب: بوفاة.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 341 - 342) والشذرات (6/ 49) وفيه: وفاته في شهر رمضان.
(10)
وزير التتر. وقد سبق الكلام عليه.
(11)
هي مقبرة ببغداد بالجانب الغربي. قلت: هي المعروفة اليوم بمقبرة الشيخ معروف نسبة إلى دفينها الشيخ معروف الكرخي.
محيي الدّين محمد بن مفضّل بن فضل الله المصري
(1)
: كاتب ملك الأمراء
(2)
، ومستوفي الأوقاف، كان مشكورَ السِّيرة محببًا للعلماء والصلحاء، فيه كرم وخدمة كثيرة للناس، توفي في رابعِ عِشْرين من جُمادى الأولى ودفن بتربة بني هلال
(3)
بسفح قاسيون وله ستٌّ وأربعونَ سنة، وباشر بعده في وظيفته أمينُ الدِّين بن النحاس.
الأمير الكبير غرلُو بن عبد الله العادلي
(4)
: كان من أكابر الدَّولة ومن الأمراء المقدَّمين الألوف، وقد نابَ بدمشقَ عن أستاذه الملك العادل كَتْبُغًا نحوًا من ثلاثة أشهر في سنة خمس وتسعين
(5)
وستمئة، وأول سنة ست وتسعين، واستمر أميرًا كبيرًا إلى أن توفي في سابع جُمادى الأولى يوم الخميس، ودفن بتربته
(6)
بشمالي جامع المظفَّري بقاسيون، وكان شهمًا شجاعًا ناصحًا للإسلام وأهله، مات في عَشْر الستين.
الأمير جمال الدين أَقُوش
(7)
: الرحبي
(8)
المنصوري
(9)
، ولي دمشق مدة طويلة، كان أصله من قرى إِرْبل
(10)
، وكان نصرانيًا فسبي وبيع من نائب الرحبة، ثم انتقل إلى الملك المنصور فأعتقه وأمَّره، وتولَّى الولاية بدمشقَ نحوًا من إحدى عَشْرَةَ سنةً ثم انتقل إلى شدّ الدواوين [مدة]
(11)
أربعة أشهر قبل وفاته، وكانت وفاته ليلة الخميس حادي عِشْري جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية
(12)
، وكان محبوبًا إلى العامة مدة ولايته.
الخطيبُ صلاح الدين
(13)
يوسف بن محمد بن عبد اللطيف بن المُغيزل
(14)
الحموي:
له تصانيفُ وفوائدُ، وكان خطيب جامع السُّوق الأسفل بحماة، وسمع من ابن طَبَرْزَد، توفي في جمادى الآخرة.
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 261).
(2)
يعني: تنكز.
(3)
في الأصل وط: ابن هلال.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 218) وفيه: غرلو، بالغين ثم الراء، والنجوم الزاهرة:(9/ 245) وفيه: إغزلو. والدارس (2/ 270) وفيه: غرلو. وشذرات الذهب (6/ 52) وفيه: عزلو بالعين ثم الزاي.
(5)
في ط: سبعين.
(6)
يعني: التربة الغرلية. الدارس (2/ 270) أما في منادمة الأطلال (ص 344) و (ص (346) فقد وردت مرتين الأولى التربة العزلية، والثانية التربة الغزلية.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 400) وفيه: آقش المنصوري الرحبي.
(8)
الرحبي نسبة إلى الرَّحبة لأنه بيع لنائبها.
(9)
المنصوري نسبة إلى الملك المنصور قلاوون لأنه كان من مماليكه.
(10)
في ب: من قرية من قرى إربل، وهي المعروفة اليوم بأربيل في شمال العراق.
(11)
زيادة من ط.
(12)
ليست في ط.
(13)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 469 - 470).
(14)
في ط: المعتزل.
العلَّامة فخر الدين أبو عَمْرو:
عثمانُ
(1)
بن علي بن يحيى بن هبة الله بن إبراهيم بن المسلم بن علي الأنصاري الشافعي المعروف بابن بنت أبي سَعْد المصريّ، سمع الحديثَ وكان من بقايا العلماء، وناب في الحكم بالقاهرة، وولّيَ مكانه في ميعاد جامع طولون الشيخ علاء الدين الُقونوي شيخ الشيوخ، وفي ميعاد الجامع الأزهر شمس الدين بن علَّان.
كانت وفاته ليلةَ الأحد الرابع والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بمصر وله من العمر تسعون
(2)
سنة.
الشَّيخ الصّالح العابد
(3)
: أبو الفتح نصر بن سليمان بن عمر المنبجي
(4)
له زاوية بالحُسَينيّة
(5)
يزارُ فيها، ولا يخرج منها إلا إلى الجمعة، سمع الحديث
(6)
، توفي يوم الثلاثاء بعد العصر السادس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن من الغد بزاويته المذكورة رحمه الله.
الشيخ الصّالح المعمَّر الرّحلة:
عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد بن إسماعيل بن عطّاف بن مبارك بن علي بن أبي الجيش المقدسي الصالح المطعِّم
(7)
، راوي "صحيح البخاري" وغيره، وقد سمع الكثير عن مشايخ عدَّة، وترجمه الشيخ علَم الدين البِرْزالي في "تاريخه".
توفي ليلة السبت رابعَ عَشَرَ ذي الحجَّة، وصُلّي عليه بعد الظهر من اليوم المذكور بالجامع المظفّري ودفن بالساحة بالقُرب من تربة المُوَلَّهين، وله أربعٌ وتسعونَ
(8)
سنةً. رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة عشرين وسبعمئة
استهلّت وحكام البلاد
(9)
هم المذكورون في التي قبلها، وكان السُّلطان في هذه السنة في الحجّ،
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 446) وفيه وفاته سنة (717 هـ) النجوم الزاهرة (9/ 247).
(2)
في ط: سبعون.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 392) والنجوم الزاهرة (9/ 244) والدارس (1/ 305) وشذرات الذهب (6/ 52).
(4)
في ط: الكبجي.
(5)
ذكرها المقريزي في الخطط (2/ 432) وقال: هي زاوية خارج باب النصر من القاهرة.
(6)
سمعه بحلب أولًا على إبراهيم بن خليل، ثم في مصر على الكمال الضرير والكمال بن فارس.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 204) وفيه وفاته سنة (717 هـ) والدارس (1/ 54 - 55) وفيه: الدلّال والشذرات (6/ 52). "والمطعِّم": لأنه كان يطعِّمُ الأشجار، وذهب إلى بغداد وطعَّم بستان المستعصم، أمّا الدلّال فلأنه كان يُسَمْسِرُ في الدُّور.
(8)
في الأصل وأ: أربع وستون. وفي ط: أربع وسبعون. وهو تحريف. وأثبتنا ما في ب ومصادر ترجمته. لأنّ ولادته في سنة (626 هـ). كما جاء فيها.
(9)
ليست في ب والذي فيه: والخليفة المستكفي وسلطان الإسلام الملك الناصر بن المنصور قلاوون والنواب والقضاة والمباشرون.
وعاد إلى القاهرة يوم السبت ثانيْ عَشَرَ المحرّم، ودُقت البشائر.
ورجع الصاحب شمس الدين
(1)
على طريق الشام وصحبتُه الأمير ناصر الدين الخازِنْدار
(2)
.
وعاد صاحبُ حماة مع السلطان إلى القاهرة، وأنعم عليه السلطان ولُقِّب بالملك المُؤَيَّد، ورُسم أن يُخطب له على منابرها وأعمالها، وأن يخاطب
(3)
بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي، على ما كان عليه عمُّه المنصور
(4)
.
وفيها عمر ابن المرجاني شهاب الدين
(5)
مسجدَ الخَيْف
(6)
، وأنفقَ عليه نحوًا من عشرين ألفًا.
وفي المحرَّم استقال أمين الملك
(7)
من نظر طرابُلُس وأقام بالقدس.
وفي آخر صفر باشر نيابة الحكم المالكي القاضي شمس الدين محمد بن أحمد القَفْصيّ، وكان قد قدم مع قاضي القضاة شرف الدين
(8)
من مصر.
وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الأول ضُربت عنقُ شخص يقال له: عبد الله الرُّومي
(9)
وكان غلامًا لبعض التجّار، وكان قد لزم الجامع، ثم ادّعى النبوة واستُتيب فلم يرجع فضربت عنقه، وكان أشقَر أزرقَ العينين جاهلًا، وكان قد خالطه شيطانٌ حسَّن له ذلك، واضطرب عقله في نفس الأمر وهو في نفسه شيطان إنسي.
وفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عُقِدَ عَقْدُ السلطان على المرأة التي قدمت من بلاد القبجاق، وهي من بنات الملوك
(10)
.
وخلع على القاضي بدر الدين ابن جماعة وكاتب السر وكريم الدّين وجماعة الأمراء.
(1)
شمس الدين غبريال عبد الله بن صنيعة ناظر دواوين دمشق.
(2)
في ب: وكان قد وصل المدينة النبويّة ليلقى السلطان.
(3)
في ط: يخطب. وهو تحريف.
(4)
الدرر الكامنة (1/ 371).
(5)
محمد بن أحمد بن عمر المرجاني، سيأتي في وفيات سنة (759 هـ).
(6)
الذي في منى، الدارس (2/ 442).
(7)
في الأصل وأ وط: الدين. وأثبتنا ما في ب. وقد مضى الكلام فيه.
(8)
هو: محمد بن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظاهر الهمذاني النويري، وسيأتي في وفيات سنة (748 هـ) وقد قدم معه القفصي المذكور سنة (719 هـ) نائبًا له. الدارس (2/ 16).
(9)
ويقال له: الأزرق، وهو مولى التاجي. ذيول العبر:(ص 109) ومرآة الجنان (4/ 259).
(10)
هي أخت أزبك. ذيول العبر (ص 109).
ووصلت العساكر في هذا الشهر إلى بلاد سيس وغرق في نهر جاهان
(1)
من عساكر طرابُلُس نحو من ألف فارس.
وجاءت مراسيم السلطان في هذا الشهر
(2)
إلى الشَّام في الاحتياط على أخبار آل مهنا وإخراجهم من بلاد الإسلام، وذلك لغضب السلطان عليهم لعدم قدوم والدهم مهنَّا على السُّلطان.
وفي يوم الأربعاء رابع عِشْري جمادى الأولى درَّس بالرُّكنية
(3)
الشيخ محيي الدين الأسمر الحنفي
(4)
وأُخذت منه الجَوْهرية
(5)
لشمس الدين الرَّقِّي الأعرج
(6)
، وتدريس جامع القلعة لعماد الدين بن محيي الدين الطرَسوسي
(7)
، الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا، وأخذ من الرَّقي إمامة مسجد نور الدين بحارة اليهود لعماد الدين بن الكيَّال
(8)
، وإمامة الربوة الشيخ محمد النّصيبي
(9)
.
وفي جمادى الآخرة اجتمعت الجيوش الإسلامية بأرض حلبَ نحوًا من عشرين ألفًا، عليهم كلهم نائبُ حلب أَلْطَنْبُغَا، وفيهم نائب طرابُلُس شهاب الدين قَرَطَاي
(10)
فدخلوا بلاد الأَرْمن من إِسكندرية ففتحوا الثَّغر ثم تل حمدان ثم خاضوا جاهان فغرق منهم جماعة ثمَّ سلَّم الله، ثمَّ وصلوا إلى سيس فحاصروها وضيَّقوا على أهلها وأحرقوا دار المُلْك التي في البلد، وقطعوا أشجار البساتين وساقوا الأبقار والجواميس والأغنام، وكذلك فعلوا بطَرَسُوس، وخرَّبوا الضياع والأماكن وأحرقوا الزُّروع ثم رجعوا فخاضوا النهر المذكور فلم يغرق منهم أحد، وأخرجوا بعد رجوعهم مهنَّا وأولاده من بلاده، وساقوا خلفه إلى عانة
(11)
وحديثة
(12)
ثم بلغ الجيشَ موتُ صاحب سيس وقيام ولده من بعده، فشنُّوا الغارات على بلاده وتابعوها وغنموا وأسروا وسلموا إلَّا في المرة الرابعة فإنه قُتِل منهم جماعة.
(1)
في الأصل: بحر. وهو نهر جيحان. تقويم البلدان (ص 50).
(2)
في ط: اليوم.
(3)
المدرسة الركنية الحنفية البرانية: بناها ركن الدين منكورس المتوفي سنة (631 هـ). الدارس (1/ 499، 520).
(4)
هو: يحيى بن سليمان الرومي. مات سنة (728 هـ). الدرر الكامنة (4/ 416). والدارس (1/ 499).
(5)
شرقي تربة أم الصالح، داخل دمشق بحارة بلاطة. الدارس (1/ 498).
(6)
في ط: البرقي. وهو تحريف. وهو محمد بن أحمد علي الرقي الأعرج. مات سنة (742 هـ). الدرر الكامنة (3/ 341) والدارس (1/ 520) و (2/ 298).
(7)
هو: علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي. مات سنة (748 هـ). الدارس (1/ 521).
(8)
الدارس (1/ 521).
(9)
في الأصل وأ وط: الصبيبي. وأثبتنا ما في الدارس.
(10)
في الأصل وأ: قرطية. وفي ط: قرطبة وأثبتنا ما في ب، وكذلك هو في الدرر الكامنة (3/ 248) وهو قراطاي الأشرفي الجوكنداري، عمل حاجبًا في حلب، ثم ناب في طرابلس وكان من الأبطال مات سنة (737 هـ).
(11)
في ط: "غانة" بالنون، وهو: بلد مشهور بين الرَّقة وهيت قائمة إلى اليوم على الفرات غربي العراق.
(12)
حديثة النورة وبها قلعة حصينة، وهي قرب عانة. ياقوت (2/ 230).
وفي هذه
(1)
السنة كانت وقعة عظيمة ببلاد الغرب بين المسلمين والفرنج فنصر الله المسلمين على أعدائهم فقتلوا منهم خمسين ألفًا وأسروا خمسة آلاف، وكان من جملة القتلى خمسة وعشرون ملكًا من ملوك الإفرنج، وغنموا شيئًا كثيرًا من الأموال، يقال: كان من جملة ما غنموا سبعون قنطارًا من الذَّهب والفضة، وإنما كان جيش الإسلام يومئذ ألفين وخمسمئة فارس غير الرُّماة، ولم يُقْتل منهم سوى أحَدَ عشرَ قتيلًا، وهذا من غريب ما وقع وعجيب ما سُمع
(2)
.
وفي يوم الخميس ثاني عِشْري رجب عقد مجلس بدار السعادة للشيخ تقي الدين بن تيمية بحضرة نائب السلطنة، واجتمع
(3)
فيه القضاة والمفتون من المذاهب، وحضر الشيخ وعاتبوه على العَوْدِ إلى الإفتاء بمسألة الطَّلاق، ثم حبس في القلعة فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا، ثم ورد مرسوم من السلطان بإخراجه يوم الإثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى
(4)
.
وبعد ذلك بأربعة أيام أضيف شدُّ الأوقاف إلى الأمير علاء الدين بن سعد
(5)
إلى ما بيده من ولاية البر وعُزل بدر الدّين المنكورسي عن الشَّدّ
(6)
.
وفي آخر شعبان مسك الأمير علم الدّين الجَاوْلي نائبُ غزّة وحُمل إلى الإسكندرية لأنه اتّهم أنه يريد الدخول إلى بلاد
(7)
اليمن، واحتيط على حواصله وأمواله، وكان له بر وإحسان وأوقاف، وقد بنى بغزَّة جامعًا حسنًا مليحًا.
وفي هذا الشهر أراق ملك التتر أبو سعيد الخُمورَ وأبطل الحانات، وأظهر العدل والإحسان إلى الرعايا، وذلك أنّه أَصابَهم بردٌ عظيم وجاءهم سيل هائل فلجؤوا إلى الله عز وجل، وابتهلوا إليه فسلِمُوا فتابوا وأنابوا وعملوا الخير عَقِيْب ذلك.
وفي العشر الأول من شوال جرى الماء بالنَّهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدّين بخمسة وأربعين ألفًا وأجراه في جدول إلى جامعه بالقُبَيْبَات فعاش به الناس، وحصل به أُنسٌ إلى أهل تلك الناحية، ونصبت
(1)
في ب: أوائل. وقد ذكر الذهبيُّ في الذيول (ص 104) وتاريخ دول الإسلام: (2/ 173) أنها وقعت في سنة (719 هـ).
(2)
الإحاطة في أخبار غرناطة (1/ 397).
(3)
في ط: حضر.
(4)
ليست في ب.
(5)
في الأصل وأ وط وب معبد. وهو تحريف. وهو علي بن محمود بن إسماعيل بن سعد البعلبكي. وقد مضى الكلام فيه في أحداث سنة (718 هـ).
(6)
في ط: الشام.
(7)
في ط: دار.
عليه الأشجار والبساتين، وعمل حوضٌ كبير تجاه الجامع من الغرب يشربُ منه الناس والدواب، وهو حوض كبير وعُمل مطهرة، وحصل بذلك نفع كثير، ورفق زائد أثابه الله.
وخرج الرَّكب في حاديْ عشرَ شوال وأميره الملك صلاح الدين بن الأَوْحد، وفيه زين الدين كَتْبُغًا الحاجب
(1)
، وكمال الدين الزَّمْلَكاني والقاضي شمس الدين بن العز
(2)
، وقاضي حماة شرف الدين، البارزي
(3)
، وقطب الدين ابن شيخ السلامية، وبدر الدين بن العطار، وعلاء الدين بن غانم، ونور الدين السَّخاوي، وهو قاضي الرَّكب. ومن المصريين قاضي الحنفية ابن الحريري، وقاضي الحنابلة ومجد الدين حرمي والشرف عيسى المالكي، وهو قاضي الركب.
وفيه كَمُلَت عِمارة الحمَّام الذي عَمَرَهُ أَلْجِيْبُغَا
(4)
غربي دار المطعم ودخله النَّاس.
وفي أواخر ذي الحِجَّة وصل إلى دمشقَ من عند ملك التتر الخواجه مجد الدين إسماعيل بن محمد بن ياقوت السلامي
(5)
، وفي صحبته هدايا وتُحف لصاحب مصرَ من ملك التتر، وَاشْتُهِرَ أَنّه إنما جاء ليُصلح بين المسلمين والتتر، فتلقاه الجند والدولة، ونزل بدار السعادة يومًا واحدًا، ثم سار إلى مصر.
وفيها وقف النَّاسُ بعرفات موقفًا عظيمًا لم يعهد مثله، أتوه من جميع أقطار الأرض، وكان مع العراقيين محامل كثيرة من جملتها محملٌ قُوِّم ما عليه من الذّهب واللآلئ بألف ألف دينار مصرية، وهذا أمر عجيب.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
الشَّيخ إبراهيم الدَّهِستاني
(6)
: وكان قد أسنَّ وعُمِّرَ، وكان يذكر أن عمره حين أخذت التتر بغداد أربعين سنة، وكان يحضر الجمعة هو وأصحابه تحت قبة النَّسر، إلى أن توفي ليلة الجمعة السابع والعشرين من ربيع الآخر بزاويته
(7)
التي عند سوق الخيل بدمشقَ، ودفن بها وله من العمر مئة وأربع سنين، كما قال، فالله أعلم.
الشيخ محمَّد بن محمود بن علي:
الشحَّام المقرئ شيخ ميعاد ابن عامر
(8)
، كان شيخًا حسنًا بهيًا
(1)
سيأتي في وفيات (721 هـ).
(2)
في ط: ابن المعز. وهو تحريف. وسيأتي في وفيات سنة (722 هـ).
(3)
في ط: "البازري" تصحيف، وما أثبتناه هو الصواب، وستأتي ترجمته في وفيات سنة 738 من هذا الكتاب.
(4)
سيأتي في وفيات سنة (754 هـ).
(5)
هو ابن تاجر الخاص في الرقيق مات سنة (743 هـ). الدرر الكامنة (1/ 381).
(6)
ترجمته في: الدارس (1/ 200). هو منسوب إلى دِهِستان. بلد معروف قرب خوارزم وجرجان، ياقوت.
(7)
الزاوية الدِّهِسْتانية. الدارس (2/ 200) ومنادمة الأطلال (ص 304).
(8)
هو عبد الله بن عامر أبو عمران ويقال أبو عامر اليحصبي، قارئ أهل الشام توفي سنة (118 هـ) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (12/ 291).
مواظبًا على تلاوة القرآن إلى أن توفي في ليلة توفي الدهستاني المذكور أو قبله بليلة رحمهما الله.
الشيخ شمس الدين ابن الصَّائغ اللُّغوي
(1)
: هو أبو عبد الله محمد بن حسن
(2)
بن سِبَاع بن أبي بكر الجُذَامي المصري الأصل، ثم انتقل إلى دمشق، ولد تقريبًا سنة خمس وأربعين وستمئة بمصرَ، وسمع الحديث وكان أديبًا فاضلًا بارعًا بالنظم والنثر، وعلم العروض والبديع والنّحو واللغة، وقد اختصر "صحاح الجوهري"، وشرح "مقصورة ابن دريد"، وله قصيدة تائية تشتمل على ألفي بيت فأكثر، ذكر فيها العلوم والصنائع، وكان حسنَ الأخلاق لطيفَ المحاورة والمحاضرة، وكان يسكن بين درب الحبالين والفرَّاش عند بستان القط توفي بداره يوم الإثنين ثالث شعبان ودفن بباب الصغير.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمئة
استهلَّت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها، وفي أوّل يوم منها فُتح حمَّامُ الزَّيت الذي في رأس درب الحجر، جدَّد عمارته رجلٌ سامري
(3)
بعد ما كان قد درس ودثر من زمان الخُوارزمية من نحو ثمانين سنة، وهو حمام جيد متسع.
وفي سادس المحرَّم وصلت هديَّةٌ من ملك التتار أبي سعيد إلى السلطان، صناديق وتُحف ورقيق
(4)
.
وفي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقيُّ الدين بن تيمية من القلعة بمرسوم السُّلطان، وتوجه إلى داره، وكانت مدة إقامته خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا رحمه الله.
وفي رابع ربيع الآخر وصل إلى دمشق القاضي كريم الدين وكيل السلطان فنزل بدار السعادة، وقدم قاضي القضاة تقيُّ الدين بنُ عوض الحاكم الحنبلي بمصرَ وهو ناظر الخزانة أيضًا، فنزل بالعادلية الكبيرة
(5)
التي للشافعية، فأقام بها أيامًا، ثم توجه إلى مصر: جاء في بعض أشغال السلطان وزار القدس.
وفي هذا الشهر كان السلطان قد حفر بركة قريبًا من المَيْدان، وكان في جوارها كنيسة فأمر الوالي بهدمها، فلما هدمت تسلَّط الحرافيشُ وغيرهم على الكنائس بمصرَ يهدمون ما قدروا عليه، فانزعج
(1)
ترجمته في فوات الوفيات (3/ 326) وفيه وفاته سنة (722 هـ). والذيول (ص 114) وبغية الوعاه (1/ 84) وفيه وفاته سنة (725 هـ) في شهر شعبان وهو توهم.
(2)
في ط: حسين.
(3)
في ط: ساوي.
(4)
في أ: "دقيق" ولا معنى لها، وما هنا من الأصل وط.
(5)
داخل دمشق، شمالي الجامع بغرب، وتجاه باب الظاهرية يفصل بينهما الطريق، الدارس (1/ 359) قلت: وكانت تتخذ مبنى للمجمع العلمي العربي إلى عهد قريب.
السلطان من ذلك
(1)
وسأل القضاةَ: ماذا يجب على من تعاطى ذلك منهم؟ فقالوا: يعزَّرُ، فأخرج جماعة من السجون ممَّن وجبَ عليه قتل
(2)
فقطع وصلب وحرم وخزم وعاقب، موهمًا أنه إنّما عاقب من تَعَاطى تخريب ذلك، فسكن الناس وأمنت النصارى وظهروا بعد ما كانوا قد اختفوا أيامًا.
وفيه ثارت الحرامية ببغداد ونهبوا سوقَ الثُّلاثاء وقت الظهر، فثار النَّاس وراءهم وقتلوا منهم قريبًا من
مئة وأسروا آخرين.
قال الشيخ علَم الدين البِرْزالي ومن خطِّه نقلتُ: وفي يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى خرج القضاة والأعيان والمفتون إلى القابون، ووقفوا على قِبلة الجامع الذي أمر ببنائه القاضي كريم الدين وكيل السلطان بالمكان المذكور، وحرَّروا قِبلَته، واتَّفقوا على أن تكون مثل قِبلة جامع دمشق.
وفيه وقعت مراجعة بين
(3)
الأمير جُوبان
(4)
أحد المقدَّمين الكبار بدمشق، وبين نائب السلطنة تَنْكِز، فمسك جوبان ورفع إلى القلعة ليلتين، ثم حُوّل إلى القاهرة فعوتب في ذلك، ثم أعطي خبزًا يليق به.
وذكر علم الدين أن في هذا الشهر وقع حريق عظيم في القاهرة في الدور الحسنة والأماكن المليحة المرتفعة، وبعض المساجد، وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك، وقنتوا في الصلوات، ثم كشفوا عن القضية فإذا هو من فعل النصارى بسبب ما كان أُحرق
(5)
من كنائسهم وهدم، فقتل السُّلطان بعضَهم وألزم النصارى أن يلبسوا الزُّرقة على رؤوسهم وثيابهم كلها، وأن يحملوا الأجراس في الحمامات، وأن لا يُستخدموا في شيء من الجهات، فسكن الأمر وبَطَل الحريق
(6)
.
وفي جُمادى الآخرة خرَّب ملك التتار أبو سعيد البَازَار
(7)
وزوَّج الخواطئ وأراق الخمور، وعاقب ذلك أشد العقوبة، وفرح المسلمون بذلك ودعَوا له رحمه الله وسامحه.
وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة أُقيمت الجمعة بمسجد القصب
(8)
وخطب به الشّيخ علي المناخلي.
(1)
في ط: لذلك.
(2)
في ط: قتله.
(3)
في ط: من.
(4)
هو: جوبان المنصوري. ومات سنة (728 هـ).
(5)
في ب: أخرب. تحريف.
(6)
الذيول (ص 116) والنجوم الزاهرة (9/ 63).
(7)
يعني: بازار الفاحشة. . الذيول (ص 116).
(8)
ويعرف بمسجد السادات. الدارس (2/ 430).
وفي يوم الخميس تاسعَ عشرَ جُمادى الآخرة فُتح الحمّام الذي أنشأه تَنْكِز تجاه جامعه، وأُكري في كل يوم بأربعين درهمًا لحسنه وكثرة ضوئه ورخامه.
وفي يوم السبت تاسعَ عشرَ رجب خربت كنيسة القرائيين التي تجاه حارة اليهود بعد إثبات كونها محدثة [عند الحكام]
(1)
وجاءت المراسيم السلطانية بذلك.
وفي أواخر رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى أبي سعيد ملك التتار، صحبة الخواجا مجد الدين السلامي، وفيها خمسون جملًا وخيول وحمار عتابي.
وفي منتصف رمضانَ أُقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالقابون وخطب فيه الفقيه جمال الدين عبد الوهاب التركماني الحنفي إمام القابون
(2)
وشهدها يومئذ القُضَاة والصَّاحب وجماعةٌ من الأعيان.
قال الشيخ علَم الدين: وقدم دمشق الإمام قوام الدين كاتب ابن الأمير عمر بن العميد الأكفاني
(3)
القازاني، مدرّس مشهد الإمام أبي حنيفة ببغداد، في أول رمضان، وقد حج في هذه السنة وتوجه إلى مصر وأقام بها أشهرًا، ثم مر بدمشق متوجهًا إلى بغداد فنزل بالخاتونية الحنفية، وهو ذو فنون وبحث وأدب وفقه.
وخرج الرَّكب الشامي يوم الإثنين عاشر شوال وأميره شمس الدين حمزة التركماني
(4)
، وقاضيه نجم الدين الدمشقي
(5)
. وفيها حجَّ تَنْكِرُ نائب الشام وفي صحبته جماعةٌ من أهله، وقدم من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه إلى أن يرجع، فنزل بالنَّجيبية البرَّانية
(6)
.
وممَّن حج فيها الخطيب جلال الدين القَزْويني، وعز الدين حمزة بن القلانسي، وابن العز شمس الدين الحنفي، وجلال الدين بن حسام الدين الحنفي، وبهاء الدين بن عليمة
(7)
، وعلم الدين البِرْزالي.
ودرَّس ابنُ جماعة بزاوية الشّافعي يوم الأربعاء ثامنَ عشرَ شوال عوضًا عن شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري
(8)
لسوء تصرفه، وخُلع على ابن جماعة، وحضر عنده من الأعيان والعامة ما يُشَابهُ
(1)
زيادة من ب.
(2)
زيادة من ب، الدارس (1/ 506).
(3)
ليست في ب.
والأتقاني: نسبة إلى بلدة اتقان. الدرر الكامنة (1/ 414). مات سنة (758 هـ).
(4)
هو حمزة بن شريك التركماني، مات سنة (733 هـ) الدرر الكامنة (2/ 76).
(5)
هو: أحمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي. سيأتي في وفيات (726 هـ).
(6)
لصيق المدرسة النورية وضريح نور الدين الشهيد من جهة الشمال. الدارس (1/ 468).
(7)
في الأصل وط: علية.
(8)
سيأتي في وفيات سنة (749 هـ).
جميعُه الجُمُعة
(1)
، وأُشعلت له شموع كثيرة وفرح الناس بزوال المعزول.
قال البِرْزالي ومن خطِّه نقلت: وفي يوم الأحد سادسَ عشرَ شوال ذكر الدَّرس الإمامُ العلَّامة تقي الدين السبكي المحدث بالمدرسة الهَكَّاريَّة
(2)
عوضًا عن ابن الأنصاري أيضًا، وحضر عنده جماعة منهم القُونوي، وروى في الدَّرس حديث المتبايعين بالخِيَار
(3)
، عن قاضي القضاة ابن جماعة.
وفي شوال عزل علاء الدين بن سعد عن ولاية البرّ، وشدّ الأوقاف، وتولّى ولاية الولاة بالبلاد القِبلية بحوران عوضًا عن بَكْتَمُر لسفره إلى الحجاز، وباشر أخوه بدر الدّين شدَّ الأوقاف، والأمير علم الدين الطرقشي ولاية البر شد الدواوين، وتوجَّه ابنُ الأنصاري إلى حلب متوليًا وكالة بيت المال عوضًا عن تاج
(4)
الدين أخي شرف الدين يعقوب
(5)
ناظر حلب، بحكم ولاية التَّاج المذكور نظر الكَرَك.
وفي يوم عيد الفطر ركب الأمير تَمُرتاش بن جُوبان
(6)
نائب أبي سعيد على بلاد الروم قيسارية في جيش كثيف من التَّتار والتُّركمان والقرمان، فدخل بلادَ سيس فقتل سيس فقتل وسبى وحرق وخرب، وكان قد أرسل لنائب حلب ألْطَنْبُغَا ليجهَّزَ له جيشًا ليكونَ عونًا له على ذلك، فلم يمْكِنْه [أن يرسل إليه]
(7)
ذلك بغير مرسوم السُّلطان.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الصالح المقرئ
(8)
: بقية السَّلف عفيفُ الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحق بن عبد الله بن عبد الأحد
(9)
بن علي القرشي المخزومي الدَّلاصِيّ
(10)
شيخُ الحرم بمكَّة، أقام فيه أزيد من ستِّين سنة، يُقرئ النَّاسَ القرآن احتسابًا، وكانت وفاته ليلة الجمعة الرابع عشر من محرم بمكة، وله أزيد من تسعين سنة رحمه الله.
(1)
في ط: ما نشأ به جمعية الجمعة. وهو تحريف.
(2)
بمصر.
(3)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرّقا وكانا جميعًا. . ." الحديث. رواه البخاري رقم (2112) في البيوع، باب: إذا خَيّر أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع. ومسلم أيضًا رقم (1531)(44) في البيوع، باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
ورواه أيضًا ابن ماجه رقم (2181) في التجارات، باب: البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا.
(4)
في ط: ناصر. وهو توهم.
(5)
يعقوب بن عبد الكريم، سيأتي في وفيات سنة (729 هـ).
(6)
ناب عن أبي سعيد في الحكم في بلاد الروم. وقتل سنة (728 هـ) كما سيأتي.
(7)
زيادة من ب.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 265 - 566) والنجوم الزاهرة (9/ 251) والدليل الشافي (1/ 386).
(9)
في أ وط: الواحد. وأثبتنا ما في ب والمصادر السابقة.
(10)
"الدِّلاصي": نسبة إلى دِلاص وهي كورة بصعيد مصر على غربي النيل. ياقوت.
الشيخ الفاضل شمس الدين أبو عبد الله
(1)
: محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمداني، أبوه الصَّالحي المعروف بالسَّكاكيني، ولد سنة خمس وثلاثين وستمئة بالصالحية، وقرأ بالروايات، واشتغل في مقدمة في النحو، ونظم قويًا، وسمع الحديث، وخرَّج له ابن الفخر
(2)
البعلبكي جزءًا عن شيوخه، ثم دخل في التشيُّع فقرأ على أبي صالح الحلبي
(3)
شيخ الشيعة، وصحب [ابن]
(4)
عدنان وقرَّأَ عليه أولاده، وطلبه أمير المدينة النبوية الأمير منصور بن جماز
(5)
فأقام عنده نحوًا من سبع سنين، ثم عاد إلى دمشق وقد ضَعُف وثقل سمعه، وله سؤال في الجبر أجابه به الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكل فيه عنه غيره، وظهر له بعد موته كتاب فيه انتصارٌ لليهود وأهل الأديان الفاسدة
(6)
فغسله تقي الدين السُّبكي لما قدم دمشق قاضيًا، وكان بخطه، ولمَّا مات لم يشهد جنازته القاضي شمس الدين بن مسلم
(7)
.
توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وقُتل ابنه فيما بعد
(8)
على قذفه أمهات المؤمنين عائشة وغيرها رضي الله عنهن وقبّح قاذفهُنّ.
وفي يوم الجُمعة مستهل رمضان صلّي بدمشق على غائبين وهم:
الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد الأَصْبهاني
(9)
: توفي بمكة.
وعلى جماعة توفوا بالمدينة النَّبويَّة، منهم:
أبو
(10)
عبد الله بن أبي القاسم بن فرحون: مدرس المالكية بها.
(1)
ترجمته في الوافي بالوفيات (2/ 265) والذيل للذهبي (ص 117) والدرر الكامنة (3/ 410) والشذرات (6/ 55).
(2)
في ط: الفخر ابن، وهو توهم، وابن الفخر هو: محمد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي مات سنة (699 هـ).
(3)
في أو ط: الحلي وهو تحريف، وينظر ذيل الذهبي 117، والوافي 2/ 266.
(4)
زيادة في ب.
(5)
في ط: حماد.
(6)
هو: الطرائف في معرفة الطوائف. الدرر الكامنة (3/ 410).
(7)
هو محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع المِزّي قاضي الحنابلة، سيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(8)
في أ: ابنه فيها وفي ط: ابنه قيماز، وكلاهما توهم، وأثبتنا ما في ب. وسيأتي في سنة (744 هـ).
(9)
ترجمته في الذيل (ص 118 - 119) والدرر الكامنة (2/ 302) والنجوم الزاهرة (9/ 251) والشذرات (6/ 55) وفيها جميعًا ما معناه: تعانى التصوف، وصحب المرسي تلميذ الشاذلي، رحل إلى مكة فأقام بضعًا وعشرين سنة ولم يتفق له زيارة المدينة.
(10)
ليست في ط: وهو والد الشيخ عبد الله بن أبي القاسم بن فرحون المتوفّى سنة (769 هـ) في المدينة المنورة. الدرر الكامنة (2/ 300).
والشيخ يحيى الكردي
(1)
.
والشيخ حُسَيْن المغربي السقا
(2)
.
الشيخ الإمام العالم علاء الدين
(3)
: علي بن سعيد بن سالم الأنصاري، إمام مشهد علي من جامع دمشق، كان بشوشَ الوجه متواضعًا حسنَ الصَّوت بالقراءة ملازمًا لإقراء الكتاب العزيز بالجامع، وكان يَؤُمُّ نائبَ السَّلطنة، وهو والد العلامة بهاء الدين محمد بن علي
(4)
مدرّس الأمينية، ومحْتَسِب دمشقَ.
توفي يوم الإثنين رابع رمضانَ ودفن من الغد بسفح قاسيون.
الأميرُ حاجب الحجاب
(5)
: زين الدين كَتْبُغَا المنصوريّ، حاجبُ دمشق، كان من خيار الأمراء وأكثرهم بِرًا للفقراء والمساكين
(6)
يحب الختم والمواعيد والموالد، وسماع الحديث، ويلزم أهلَه ويُحسن إليهم، وكان ملازمًا لشيخنا أبي العباس بن تيمية كثيرًا
(7)
، وكان يحجُّ ويتصدَّق، توفي يوم الجمعة آخر النهار ثامن عِشري
(8)
شوال، ودُفن من الغد بتربته قبلي القُبَيْبَات، وشهده خلقٌ كثير وأَثْنَوْا عليه. رحمه الله.
[وفيها كانت وفاة]
(9)
:
الشيخ بهاء الدين بن المقدسي
(10)
.
الشيخ سعد الدّين أبو زكريا يحيى المقدسي
(11)
: والد الشيخ شمس الدين محمد بن سعد المحدِّث المشهور
(12)
.
(1)
لم أقع على ترجمة له.
(2)
لم أقع على ترجمة له.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 51) والدارس (2/ 398).
(4)
المعروف بابن إمام المشهد. توفي سنة (752 هـ) الدرر الكامنة (4/ 65).
(5)
ترجمته في الذيل: (ص 120) والدرر الكامنة (3/ 264) والدارس (2/ 261).
(6)
ليست في ط.
(7)
ليست في ب.
(8)
في ط: عشر.
(9)
زيادة في ب.
(10)
لم أقع على ترجمة له.
(11)
ترجمته في الذيل (ص 121) وفيه: مات بالصالحية عن تسعين سنة وتسعة أشهر والدرر الكامنة (4/ 426).
(12)
هو محمد بن يحيى بن سعد. سيأتي في وفيات سنة (759 هـ).
وسيف الدّين النَّاسخ
(1)
: المُنادي على الكتب.
والشيخ أحمد الحَزام
(2)
: المقرئ على الجنائز، وكان يكرر على "التنبيه"، ويسأل عن أشياء منها ما هو حسن ومنها ما ليس بحسن.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وسبعمئة
استهلَّت وأرباب الولايات هم المذكورون في التي قبلها، سوى والي البر بدمشقَ فإنه علم الدين طرقشي، وقد صرف ابن سعد إلى ولاية حَوْران لشهامته وصرامته وديانته وأمانته.
وفي المحرَّم حصلت زلزلة عظيمة بدمشق، وقى الله شرَّها.
وقدم تَنْكِزُ من الحجاز ليلة الثلاثاء حاديْ عَشَرَ المحرَّم، وكانت مدة غيبته ثلاثةَ أشهر، وقدم ليلًا لئلَّا يتكلَّف أحدٌ لقدومه، وسافر نائبُ الغيبة
(3)
عنه قبله بيومين لئلا يكلِّفه بهدية ولا غيرها.
وقدم مُغْلَطَاي عبد الواحد الجمدار أحد الأمراء بمصرَ بخلعة سنيّة من السُّلطان لِتَنْكِزَ فلبسها، وقبّلَ العتبة على العادة.
وفي يوم الأربعاء سادس صفر درَّس الشيخ نجم الدين القَحْفازيّ
(4)
بالظَّاهرية للحنفية
(5)
، وهو خطيب جامع تَنْكِز، وحضر عنده القضاة والأعيان، ودرَّس في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
وذلك بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي، توفي مرجعَه من الحجاز، وتولّى بعده نيابة القضاء عماد الدّين الطَّرَسُوسي
(6)
، وهو زوج ابنته، وكان ينوب عنه في حال غيبته، فاستمرَّ بعده، ثم ولّي الحكم بعده، مستنيبه فيها.
وفيه قدم الخُوارزمي حاجبًا عوضًا عن كَتْبُغَا.
وفي ربيع الأول قدم إلى دمشق الشيخ قوام الدين مسعود بن الشيخ برهان الدين محمد ابن الشيخ
(1)
لم أقع على ترجمة له.
(2)
لم أقع على ترجمة له.
(3)
هو ركن الدين بيبرس الحاجب.
(4)
في ط: القفجازي. وهو تحريف سبق الكلام فيه.
(5)
هي الظاهرية الجوانيّة البيبرسية. وهي نفسها التي للشافعية. منادمة الأطلال (ص 181).
(6)
هو: علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم. مات سنة (748 هـ). الدرر الكامنة (3/ 18).
شرف الدين محمد الكرماني الحنفي، فنزل بالقصَّاعين، وتردَّد إليه الطلبة ودخل إلى نائب السَّلطنة واجتمع به وهو شاب مولده سنة إحدى وسبعمئة
(1)
وقد اجتمعت به، وكان عنده مشاركة في الفروع والأصول ودعواه أوسع من محصوله، وكانت لأبيه وجدِّه، مصنَّفات، ثم صار بعد مدة إلى مصر ومات بها كما سيأتي.
وفي ربيع الأول تكامل فتحُ آياس
(2)
ومعاملتها وانتزاعُها من أيدي الأرمن، وأخذ البرج الأطلس، بينه وبينها في البحر رميةٌ ونصف، فأخذه المسلمون بإذن الله وخَرَّبوه، وكانت أبوابه مطليَّةً بالحديد والرصاص
(3)
، وعرضُ سوره ثلاثةَ عشرَ ذراعًا بالنجار، وغنم المسلمون غنائم كثيرة جدًا، وحاصروا كواره
(4)
فقوي عليهم الحرُّ والذُّباب، فرسم السُّلطان بعودهم، فحرقوا ما كان معهم من المجانيق وأخذوا حديدَها وأقبلوا سالمين غانمين، وكان معهم خلق كثير من المتطوّعين.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى كَمُل بسطُ الجامع فاتَّسع على الناس، ولكن حصل حرج بحمل الأمتعة على خلاف العادة، فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواقات ويخرجون من باب البرادة، ومن شاء استمرَّ يمشي إلى الباب الآخر بنعليه، ولم يكن مَمْنوعًا سوى المقصورة لا يمكن أحد الدخول إليها بالمداسات، بخلاف باقي الرواقات، فأمر نائب السَّلطنة بتكميل بسطه بإشارة ناظره ابن مراجل
(5)
.
وفي جُمادى الآخرة رجعت العساكر من بلاد سيس ومقدّمهم أقوش نائب الكَرَك.
وفي آخر رجب باشر القاضي محيي الدين
(6)
إسماعيل بن جهبل نيابة الحكم عن ابن صَصْرَى عوضًا عن الداراني الجعفري، واستغنى الداراني بخطبة جامع العُقَيبة عنها.
وفي ثالث رجب ركب نائب السلطنة إلى خدمة السلطان فأكرمه وخلع عليه، وعاد في أول شعبان ففرح به الناس.
وفي رجب كمُلت عمارة الحمام الذي بناه الأمير علاء الدين بن صُبح جوار داره شمالي الشامية البرَّانية.
(1)
في ط: وسبعين. وهو توهم، وفي الدرر الكامنة (4/ 351) مولده سنة (664 هـ) وهذا بعيد.
(2)
أياس وآياس. بلد للأرمن وهي فرضة تلك البلاد. التاج (أيس).
(3)
ليست في ب، وفيه: فإذا حجارته مكلبة بالحديد والرصاص. وهو أنسب.
(4)
لعلّه أراد سفن المُؤن. قال في التاج (كور): الكار: سفن منحدرةٌ فيها طعام في موضع واحد. قال بشار: أ وهو اسم موضع.
(5)
جاء الخبر في الدارس (2/ 396) وفيه حدوثه سنة (732 هـ) وهو توهم.
(6)
في ط: محي الدين بن إسماعيل. وهو غلط.
وفي يوم الإثنين تاسع شعبانَ عقد الأمير سيف الدين أبو بكر بن أَرْغُون نائب السَّلطنة عقده على ابنة الناصر، وختن في هذا اليوم جماعة من أولاد الأمراء بين يديه، ومَدَّ سماطًا عظيمًا، ونُثرت الفضةُ على رؤوس المطهِّرين، وكان يومًا مشهودًا، ورسم السلطان في هذا اليوم وضع المَكْسَ عن المأكولات بمكة، وعوَّض صاحبها عن ذلك بإقطاع في بلد الصعيد
(1)
.
وفي أواخر رمضان كَمُلت عمارة الحمَّام الذي بناه بهاء الدين بن عليمة
(2)
بزقاق الماصية
(3)
من قاسيون بالقرب من سكنه، وانتفع به أهل تلك الناحية ومن جاورهم.
وخرج الركب الشامي يوم الخميس ثامن شوال وأميره سيف الدين بلبطي نائبُ الرَّحبة، وكان سكنه داخل باب الجابية بدرب ابن صَبْرة، وقاضيه شمس الدين بن النقيب
(4)
قاضي حمص.
وممن توفي فيها من الأعيان:
القاضي شمس الدين بن العز الحنفي
(5)
: أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب
(6)
بن عطاء بن جبير بن كاين بن وهيب الأذرعي الحنفي، أحد مشايخ الحنفية وأئمتهم وفضلائهم في فنون من العلوم متعددة.
حكم نيابة نحوًا من عشرين سنة، وكان سديد الأحكام محمود السيرة جيد الطريقة كريم الأخلاق، كثير البر والصلة والإحسان إلى أصحابه وغيرهم، وخطب في جامع الأفْرم مدّةً، وهو أول من خطب به، ودرَّس بالمُعظَّمية
(7)
واليَغْموريّة
(8)
والقَلِيْجيّة
(9)
والظاهرية، وكان ناظر أوقافها، وأذن للنّاس بالإفتاء، وكان كبيرًا معظّمًا مهيبًا.
توفي بعد مرجعه من الحجِّ بأيام قلائل، يوم الخميس سلخ المحرم، وصُلّي عليه يومئذ بعد الظهر بجامع الأَفْرم ودُفن عند المُعَظَّمية عند أقاربه، وكانت جنازته حافلةً، وشهد له النَّاسُ بالخير وغبطوه لهذه الموتة رحمه الله.
(1)
النجوم الزاهرة (9/ 74).
(2)
في ط: عليم.
(3)
في ط: الماجية. وهو توهم.
(4)
هو: محمد بن أبي بكر بن إبراهيم ولي قضاء حمص سنة (718 هـ). مات سنة (745 هـ). كما سيأتي.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 246) والنجوم الزاهرة (9/ 254) والدارس (1/ 547) والشذرات (6/ 58).
(6)
في الدرر: وهب.
(7)
الدارس (1/ 579) وهي بالصالحية بسفح قاسيون الغربي.
(8)
المصدر السابق. (1/ 650) وهي الحنفية بالصالحية.
(9)
المصدر السابق (1/ 571) وهي قبلي الجامع الأموي.
ودرس بعده في الظاهرية نجم الدين القحفازي
(1)
، وفي المُعَظَّمية والقَلِيْجية والخطابة بالأفرم ابنه علاء الدين
(2)
، وباشر بعده نيابةَ الحكم القاضي عماد الدين الطَّرَسُوسي، مدرِّسُ القلعة.
الشيخ الامام
(3)
العالم أَبو إسحاق
(4)
: بقية السَّلف رضي الدين أبو إِسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطَّبَري المكّيّ الشافعي، إمام المقام أكثر من خمسين سنة، سمع الحديث من شيوخ بلده والواردين إليها ولم يكن له رحلة، وكان يفتي الناس من مدة طويلة، ويذكر أنه اختصر "شرح السنة" للبغوي.
توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الأول بمكَّة، ودُفن من الغد، وكان من أئمة المشايخ.
شيخنا الزاهد الورع
(5)
: بقية السَّلف ركن الدين
(6)
أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان بن حمَّاد البَجَليّ الشافعي، نائب الخطابة، ومدرّس الطِّيبيّة
(7)
والأَسَدية
(8)
، وله حلقة للإشغال
(9)
بالجامع، يحضر بها عنده الطلبة، كان يشغل في الفرائض وغيرها، مواظبًا على ذلك.
توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى عن سبع وستين سنة
(10)
ودفن قريبًا من شيخه تاج الدّين الفزاري
(11)
رحمهما الله.
نصير الدّين
(12)
: أبو محمد عبد الله بن وجيه الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن
(13)
علي بن محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد بن معالي بن محمد بن أبي بكر الربعي التغلبي التكريتي أحد صدور
(1)
في ط: القفجازي.
(2)
هو علي بن محمد، مات سنة (746 هـ).
(3)
في ب: الزاهد الورع.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 124) والدرر الكامنة (1/ 54 - 55) والعقد الثمين (3/ 240) والنجوم الزاهرة (9/ 255) والشذرات (6/ 56).
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 115) والدارس (1/ 154 و 337).
(6)
في ب، والدرر: زكي الدين.
(7)
الدارس (1/ 377) وهي مدرسة قبلي النورية الحنفية وشرقي تربة زوجة تنكز.
(8)
المصدر السابق (1/ 152) وهي مدرسة بالشرف القبلي ظاهر دمشق مطلّة على الميدان الأخضر.
(9)
وقع في بعض النسخ: "الاشتغال" وهو خطأ، فالإشغال هو التدريس، والاشتغال: طلب العلم.
(10)
في ط: سبعين، وفي الدرر: عن اثنتين وسبعين، وهو الأرجح لأن ولادته كما جاء فيه سنة (650 هـ).
(11)
هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفركاح الفزاري. مات سنة (690 هـ). فوات الوفيات (2/ 263).
(12)
ترجمته في الذيل (ص 125) والدرر الكامنة (2/ 300) والشذرات (6/ 57).
(13)
ليست في ط.
دمشق، قدم أبوه
(1)
قبله إليها وعظُم في أيام الظّاهر وقبله، وكان مولده في حدود خمسين وستمئة، ولهم الأموال الكثيرة والنعمة الباذخة.
توفي يوم الخميس عشرين رجب، ودفن بتربتهم
(2)
بسفح قاسيون رحمه الله.
وفي يوم الأحد حادي عشر شوال توفي: شمس الدين محمد بن المغربي
(3)
: التاجر السفَّار، باني خان الصَّنَمَيْن
(4)
الذي على جادة الطريق للسَّبيل رحمه الله وتقبّل منه-، وهو في أحسن الأماكن وأنفعها.
الشيخ الجليل الزاهد
(5)
نجم الدين
(6)
: أبو عبد الله الحسين بن محمد بن إسماعيل القرشي
(7)
المعروف بابن عبود
(8)
المصري، كانت له وجاهة وإقدام على الدولة.
توفي بكْرة الجمعة ثالث عشري شوال، ودفن بزاويته، وقام بعده فيها ابن أخيه شمس الدين محمد بن الحسن
(9)
.
الشيخ الفقيه محيي الدين أبو الهدى
(10)
: أحمد بن الشيخ شهاب الدين أبي شامة
(11)
، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمئة فأسمعه أبوه على المشايخ وقرأ القرآن واشتغل بالفقه وكان ينسخ، ويكثر التلاوة، ويحضر المدارس والسّبع الكبير
(12)
.
توفي في سابع عِشْري شوال، ودفن عند والده بمقابر باب الفراديس
(13)
.
(1)
وجيه الدين محمد بن علي. ذكره ابن كثير في وفيات سنة (670 هـ). والدارس (2/ 193).
(2)
في الرباط التكريتي بالقرب من الرباط الناصري بقاسيون. الدارس (2/ 193).
(3)
لم أقع على ترجمة له.
(4)
بلد معروف من حوران. ياقوت (3/ 431).
(5)
ليست في ط.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 65 - 66).
(7)
في ب: القدسي.
(8)
في ط: عنقود، وهو تحريف.
(9)
ليست في ط.
(10)
لم أقع على ترجمة له.
(11)
هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، الإمام العلامة ذو الفنون شهاب الدين -وأبو شامة- لشامة كبيرة على حاجبه. مات في دمشق سنة (665 هـ). الفوات (2/ 269).
(12)
السبع الكبير: كان في مسجد بني أميّة يجتمع إليه (354) نفرًا. والسّبع: توظيف من يقرأ القرأن كل سبعة ليال. الدارس (2/ 410) والتاج (سبع).
(13)
وقيل: بباب كيسان. الفوات (2/ 269).
الشيخ الصالح العابد:
جلال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي المعروف بابن القلانسي
(1)
، ولد سنة أربع وخمسين وستمئة، وسمع على ابن عبد الدائم جزء ابن عرفة، ورواه غير مرة، وسمع على غيره أيضًا، واشتغل بصناعة الكتابة والإنشاء ثم انقطع، وترك ذلك كلَّه، وأقبل على العبادة والزهادة، وبنى له الأمراء بمصرَ زاويةً وتردَّدُوا إليه، وكان فيه بشاشة وفصاحة، وكان ثقيل السَّمع، ثم انتقل إلى القدس وقدم دمشقَ مرَّةً فاجتمع به الناس وأكرموه، وحدَّث بها ثم عاد إلى القدس، وتوفي بها ليلة الأحد ثالث ذي القعدة، ودفن بمقابر ماملي رحمه الله، وهو أخُ
(2)
المحتسب عز الدين بن القلانسي، وهذا خال الصَّاحب تقي الدين بن مراجل
(3)
.
الشيخ الإمام قطب الدين:
محمّد بن عبد الصّمد بن عبد القادر السُّنْباطي المصري
(4)
، اختصر "الروضة"
(5)
وصنف كتاب "تصحيح التعجيز"، ودرَّس بالفاضلية ونابَ في الحكم بمصرَ، وكان من أعيان الفقهاء.
توفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة عن سبعين سنة، وحضر بعده تدريس الفاضلية ضياء الدين المُنَاوي
(6)
، نائب الحكم بالقاهرة وحضر عنده ابن جماعة، والأعيان والله أعلم.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وسبعمئة
استهلَّت بيوم الأحد في كانون الأصمّ، والحكَّام هم المذكورون في التي قبلها، غير أن والي البرِّ بدمشق هو الأمير علاء الدين علي بن الحسن المرواني
(7)
، باشرها في صفر من السنة الماضية.
وفي صفر من هذه السنة باشر ولاية المدينة الأمير شهاب الدين بن برق
(8)
عوضًا عن صارم الدين الجوكنداري.
(1)
ترجمته في الذيل (ص 125) والدرر الكامنة (1/ 57) والشذرات (6/ 56).
(2)
في أ و ط: خال. وأثبتنا ما في ب والمصادر السابقة.
(3)
ناظر الجامع وقد سبق ذكره.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 16) والنجوم الزاهرة (9/ 257) والشذرات (6/ 57). "والسنباطي": نسبة إلى سنباط قرية في جزيرة قُوسَنِيّا من نواحي مصر. ياقوت (3/ 260).
(5)
للإمام النووي رحمه الله.
(6)
في ط: المنادي بالدال.
(7)
وُلّي مناصب عديدة ومات قبل الأربعين، الدرر الكامنة (3/ 41).
(8)
في ط: يرق. وهو أحمد بن أبي بكر بن برق. وسيأتي في وفيات سنة (736 هـ).
وفي صفر عوفي القاضي كريم الدين وكيل السُّلطان من مرض كان قد أصابه، فزُيّنت القاهرة وأُشْعِلت الشموع وجُمع الفقراء بالمارستان المنصوري ليأخذوا من صدقته، فمات بعضهم من الزِّحام
(1)
.
وفي سلخ ربيع الأول درّس الإمام العلامة المحدث تقي الدين السُّبكي الشافعي بالمنصورية بالقاهرة عوضًا عن القاضي جمال الدين الزرعي، بمقتضى انتقاله إلى دمشقَ، وحضر عنده علاء الدين شيخ الشيوخ القونوي الشافعي ودرّس بعده بجامع الحاكم شمس الدين محمد بن أحمد بن عدلان بالعزّية.
وكانت ولاية
(2)
القاضي جمال الدين الزرعي لقضاء الشام عوضًا عن النجم ابن صَصْرى، في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى، فنزل العادلية وقد قدم على قضاء القضاة ومشيخة الشيوخ وقضاء العساكر وتدريس العادلية والغزالية والأتابكية
(3)
.
وفي يوم الأحد
(4)
مسك القاضي كريم الدين
(5)
عبد الكريم بن هبة الله بن السَّديد وكيل السلطان وكان قد بلغ من المنزلة والمكانة عند السلطان مالم يصل إليه غيره من الوزراء الكبار، واحتيط على أمواله وحواصله، ورسم عليه عند نائب السَّلطنة، ثم رُسم له أن يكون بتربته التي بالقَرَافة، ثم نفي إلى الشَّوْبك
(6)
وأُنعم عليه بشيء من المال، ثم أُذن له بالإقامة بالقدس الشريف برباطه.
ومسك ابن أخيه كريم الدين الصغير ناظر الدواوين، وأخذت أمواله وحبس في البرج، وفرحت العامة بذلك ودَعوا للسلطان بسبب مسكهما، ثم أخرج إلى صفت
(7)
.
وطلب من القدس أمين الملك عبد الله فولّي الوزارة بمصر، وخلع عليه عَودًا على بَدءٍ، وفرح العامة بذلك وأشعلوا له الشموع، وطلب الصاحب شمس الدين غبريال من دمشق فركب ومعه أموال كثيرة، من حواصل كريم الدين الكبير، وعاد إلى دمشق مكرمًا، وقدم القاضي معين الدين بن الحشيشي على نظر الجيوش الشامية عوضًا عن القطب ابن شيخ السلامية عزل عنها، ورسم عليه في العذراوية نحوًا من عشرين يومًا ثم أذن له في الانصراف إلى منزله مصروفًا عنها.
(1)
النجوم الزاهرة (9/ 75).
(2)
ليست في ط.
(3)
الدارس (1/ 135).
(4)
في النجوم الزاهرة (9/ 75) في يوم الخميس رابع عشر ربيع الآخر.
(5)
في أ و ط: كريم الدين بن عبد الكريم. وهو توهم.
(6)
قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وأيلة قرب الكَرَك. ياقوت (3/ 370).
(7)
صفت. هي قرية في جوف مصر قرب بلبيس، ياقوت. وهي ليست تصحيف صفد كما قد يخطر، وكما مرت من قبل.
وفي جُمادى الأولى عُزل طُرُقْشي عن شد الدواوين وتولَّاها الأمير بَكْتَمُر
(1)
.
وفي ثاني جُمادى الآخرة باشر ابنُ جهبل نيابة الحكم عن الزَّرعي، وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الأيتام عوضًا عن ابن هلال.
وفي شعبان أعيد الطُّرُقْشي إلى الشدّ وسافر بَكْتَمُر إلى نيابة الإسكندرية، وكان بها إلى أن توفي.
وفي رمضانَ قدم جماعةٌ من حجَّاج الشرق، وفيهم بنت الملك أبغا بن هولاكو، وأخت أَرْغون وعمَّة قازان وخَرْبَنْدا، فأُكرمت وأُنزلت بالقصر الأبلق، وأُجريت عليها الإقامات والنفقات إلى أوان الحجّ
(2)
.
وخرج الركب يوم الإثنين ثامن شوّال وأميره قُطْليجا
(3)
الأبوبكري، الذي بالقصَّاعين، وقاضي الركب شمس الدين قاضي القضاة ابن مسلم الحنبلي
(4)
.
وحج معهم جمال الدين المِزِّي، وعماد الدين ابن الشيرجي، وأمين الدين الواني، وفخر الدين البعلبكي، وجماعة، وفُوّض الكلام في ذلك إلى شرف الدين بن سعد الدين بن نُجَيح، كذا أخبرني شهاب الدين الظاهري.
ومن المصريين قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وولده عز الدين، وفخر الدين كاتب المماليك، وشمس الدين الحارثي، وشهاب الدين الأذرعي، وعلاء الدّين الفارسي.
وفي شوّال باشر تقي الدين السُّبكي مشيخة دار الحديث الظاهرية بالقاهرة بعد وفاة
(5)
زكي الدين المنادي، ويقال له: عبد العظيم بن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ثم انتزعت من السُّبكي لفتح الدين بن سيد الناس اليَعْمُري، باشرها في ذي القعدة.
وفي يوم الخميس مستهل ذي الحجة خلع على قطب الدين ابن شيخ السلامية وأعيد إلى نظر الجيش مصاحبًا لمعين الدين بن الحُشَيْش
(6)
، ثم بعد مُدَيْدةٍ
(7)
استقلَّ قطبُ الدين بالنَّظر وحده وعزل ابن حُشَيْش.
(1)
في ب: سيف الدين بكتمر والي الولاة.
(2)
خطط الشام (5/ 285).
(3)
في ط: "قطلجا". الدرر الكامنة (3/ 255).
(4)
محمد بن مسلم بن مالك، سيأتي في وفيات سنة (726 هـ).
(5)
ليست في ط.
(6)
في ط: الحشيشي.
(7)
في ط: مدة مديدة، وهو توهم، ومُدَيدة كذلك في الذيل (ص 127).
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
الإمام المؤرخ كمال الدين الفُوَطي
(1)
: أبو الفضل عبد الرزاق بن
(2)
أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي الشَّيباني البغدادي، المعروف بابن الفُوَطي، وهو جده لأمّه.
ولد سنة اثنتين وأربعين وستمئة ببغداد، وأُسر في واقعة التّتار، ثمّ تخلَّص من الأسر، فكان مشارفًا على الكتب بالمستنصرية، وقد صنف تاريخًا في خمسة وخمسين مجلدًا
(3)
، وآخر في نحو عشرين
(4)
، وله مصنفات كثيرة، وشعر حسن، وقد سمع الحديث
(5)
من محيي الدين بن الجوزي.
توفي ثالث المحرم ودفن بالشُّونيزية.
قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرَى
(6)
: أبو العباس أحمد بن العدل عماد الدين بن محمد بن العدل أمين الدين سالم بن الحافظ المحدّث بهاء الدين أبي المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن صَصْرى التَّغْلبيّ الربَعي الشافعي قاضي القضاة بالشام.
ولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمئة، وسمع الحديث، واشتغل وحصّل وكتب عن القاضي شمس الدين بن خلكان "وفيات الأَعيان"، وسمعها عليه، وتفقَّه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النّحو، وكان له يد في الإنشاء وحسن العبارة، ودرَّس بالعادليَّة الصغيرة سنة ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين
(7)
، وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كَتْبُغَا، ثم تولى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمئة بعد ابن جماعة حين طُلب لقضاء مصر، بعد ابن دقيق العيد. ثم أُضيف إليه مشيخة الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، وكلها مناصب دنيوية انسلخ منها وانسلخت منه، ومضى عنها وتركها لغيره، وأكبر أُمنيته بعد وفاته أنه لم يكن تولّاها وهي متاع قليل من
(1)
ترجمته في الذيل (ص 128) وفوات الوفيات (2/ 319) والدرر الكامنة (2/ 364) والنجوم الزاهرة (9/ 260) والشذرات (6/ 60).
(2)
ليست في ط.
(3)
هو المعروف بجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب، كما نص عليه الذهبي في كتبه.
(4)
هو المعروف بدرر الأصداف في غرر الأوصاف.
(5)
في الأصل وأ وط: الحسن. وهو توهم.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 128) وفوات الوفيات (1/ 125) والدرر الكامنة (1/ 263) وقضاة دمشق (ص 84) والنجوم الزاهرة (9/ 258) وشذرات الذهب (6/ 59).
(7)
الدارس (1/ 132).
حبيب مفارق
(1)
، وقد كان رئيسًا محتشمًا وقورًا كريمًا جميل الأخلاق، معظَّمًا عند السلطان والدولة.
توفي فجأة ببستانه بالسَّهْم
(2)
ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول وصلّي عليه بالجامع المظفَّري، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازته حافلةً ودفن بتربتهم
(3)
عند الرُّكنيَّة.
علاء الدين علي
(4)
بن محمد
(5)
: بن عثمان بن أحمد بن أبي المنى بن محمد بن نحلة الدمشقي الشافعي، ولد سنة ثمان وخمسين وستمئة وقرأ "المحرَّر"، ولازم الشيخ زين الدين الفارقي ودرَّس بالدّولعية والرّكنية، وكان
(6)
ناظر بيت المال، وابتنى دارًا حسنةً إلى جانب الرّكنية، ومات وتركها في ربيع الأول، ودرّس بعده بالدّولعية القاضي جمال الدين بن جملة
(7)
، وبالركنية القاضي ركن الدين الخراساني
(8)
.
وفي ربيع الأوّل قُتل:
الشَّيخُ ضياء الدين
(9)
: عبد الله الدَّرَبنْديّ
(10)
النَّحوي، كان قد اضطرب عقله، فسافر من دمشقَ إلى القاهرة، فأشار شيخ الشيوخ القونوي أنْ يُودع
(11)
بالمارستان فلم يوافق، ثم دخل إلى القلعة وبيده سيفٌ مسلول فقتل نصرانيًا، فحمل إلى السلطان، وظنُّوه جاسوسًا فأمر بشنقه فشنق.
وكنتُ ممَّن اشتغل عليه في النَّحو.
الشَّيخ الصالح المقرئ الفاضل
(12)
: شهاب الدين أحمد بن الطبيب بن عبد
(13)
الله الحلبي
(14)
(1)
ليست في ب.
(2)
هو بستان بين نهري يزيد وتورا في الصالحية، شرقي الجسر الأبيض. الدارس (1/ 132) حاشية المحقق.
(3)
التربة الصَّصْرية. في سفح قاسيون. الدارس (2/ 254) ومنادمة الأطلال (ص 341).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 137) والدارس (1/ 245).
(5)
في ب والدرر: يحيى.
(6)
ليست في ط.
(7)
هو محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة المحجي توفي سنة (764 هـ). الدارس (1/ 346).
(8)
في الدارس: زكي الدين الحرستاني.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 311).
(10)
في أ: الزرنيدي. وفي ط: الزرنبدي. وأثبتنا ما في ب والدرر. وهي نسبة إلى دَرَبَنْد مدينة عظيمة على بحر الخزر، وتسمّى باب الأبواب. ياقوت (2/ 449).
(11)
في ط: فأودع.
(12)
لم أقع على ترجمة له.
(13)
في ط: عبيد.
(14)
في ط: الحلِّي، وهو تحريف.
العزيزي الفوارسي، المعروف بابن الحلبيَّة، سمع من خطيب مَرْدَا
(1)
وابن عبد الدائم
(2)
، واشتغل وحصَّل وأقرأ النَّاسَ.
وكانت وفاته في ربيع الأول عن ثمانٍ وسبعينَ سنة، ودُفن بالسَّفح.
شهاب الدين أحمد بن محمد
(3)
: ابن قُطَينَة
(4)
الزرعي التّاجر المشهور بكثرة الأموال والبضائع والمتاجر، قيل: بلغت زكاةُ ماله في سنة قازان خمسة وعشرين ألفَ دينار.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بتربته
(5)
التي بباب بستانه المسمى بالمرفع
(6)
عند ثُورا، في طريق القابون، وهي تربة هائلة، وكانت له أملاك.
القاضي الإمام جمال الدين
(7)
: أبو بكر بن عيّاش
(8)
بن عبد الله الخابوري، قاضي بعلبك، وأكبر أصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري
(9)
، قدم من بعلبك ليلتقي بالقاضي الزرعي فمات بالمدرسة البادرائية
(10)
ليلة السبت سابع جُمادى الأولى ودفن بقاسيون، وله من العمر سبعون سنة. أَضْغاثُ حُلم
(11)
.
الشَّيخ المعمَّر المسن جمال الدين
(12)
: عمر بن إلياس بن الرّشيد البعلبكي التاجر، ولد سنة ثنتين
(13)
وستمئة وتوفي في ثانيْ عشرَ جُمادى الأولى عن مئة وعشرين
(14)
سنة، ودُفن بمسطحا
(15)
رحمه الله.
(1)
هو: محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدسي النابلسي. مات سنة (656 هـ).
(2)
هو: أحمد بن عبد الدائم بن نعمة زين الدين أبو العباس مات سنة (668 هـ).
(3)
ترجمته في الذيل (ص 129) والدرر الكامنة (1/ 294) الدارس (2/ 272) والشذرات (6/ 59 - 60).
(4)
في ط: قطنيه. بتقديم النون وهو تحريف.
(5)
التربة القطينية. الدارس (2/ 273) منادمة الأطلال (ص 347).
(6)
في ب: الموقع. تحريف.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 444 و 454). حيث ذكره مرة ابن عبّاس ومرة ابن عياش. ويظهر لنا أنه توهم.
(8)
في الأصل وط: عباس. وأثبتنا ما في الدرر والدارس (1/ 273) فقد ورد ذكره مع ابنه صدر الدين محمد بن أبي بكر بن عياش بن عسكر الخابوري.
(9)
في ب: الفركاح. مدرّس البادرائية منذ (676 هـ). الدارس (1/ 208).
(10)
في ط: البادرانية. داخل باب الفراديس والسلامة وشمالي جيرون وشرقي الناصرية الجوانية وكانت قديمًا تعرف بدار أسامة. المصدر السابق نفسه.
(11)
ليست في ب. وفيها: رحمه الله.
(12)
ترجمته في الذيل (ص 129). وفيه: وله مئة سنة وسنة.
(13)
في ب: سنة ثنتين وعشرين وستمئة. وهذا هو الصّواب.
(14)
في ب: عن مئة سنة وسنة. وهذا موافق لما جاء في الذيل.
(15)
في ط: بمطحا. ومسطحا. موضع قرب بعلبك.
الشيخ الإمام المحدّث اللغوي المفيد:
صفيّ الدين أبو الثَّناء محمود بن أبي بكر محمد
(1)
ابن حامد بن يحيى بن الحسين الأُرْمَوي
(2)
الصُّوفي
(3)
، ولد سنة ست وأربعين وستمئة، وسمع الكثير، ورحل، وطلب، وكتب الكثير، وذيّل على "النِّهاية" لابن الأثير، وكان قد قرأ التنبيه واشتغل في اللغة فحصّل منها طرفًا جيدًا، ثم اضطرب عقله في سنة سبع وسبعين وغلبت عليه السَّوداء، وكان يفيق منها في بعض الأحيان فيذاكر صحيحًا ثم يعترضه المرضُ المذكور، ولم يزل كذلك حتى توفي في جُمادى الآخرة من هذه السنة في المارستان النُّوري، ودفن بباب الصغير.
الخاتون المصونة:
خَاتُون
(4)
بنت الملك الصّالح إسماعيل بن العادل بن أبي بكر بن أيّوب بن شاذي بدارها. وتُعرف بدار كافور.
وكانت رئيسةً محترمةً، ولم تتزوّج قطُّ، وليس في طبقتها من بني أيوب غيرها في هذا الحين.
توفيت يوم الخميس الحادي والعشرين من شعبانَ، ودفنت بتربة أم الصالح رحمها الله.
شيخنا الجليل المسند
(5)
المعمر الرحلة:
بهاء الدّين
(6)
أبو القاسم
(7)
بنُ الشيخ بدر الدين أبي غالب المظفر بن نجم الدين بن أبي الثناء محمود ابن الإمام تاج الأمناء أبي الفضل أحمد بن محمد بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الدمشقي الطبيب المعمَّر، ولد سنة تسع وعشرين وستمئة، سمع حضورًا وسماعًا على الكثير من المشايخ، وقد خرَّج له الحافظ علَم الدين البِرزالي مشيخةً سمعناها عليه في سنة وفاته، وكذلك خرَّج له الحافظ صلاح الدين العَلَائي
(8)
عوالي من حديثه، وكتب له المحدِّثُ المفيد ناصر الدين بن طغريل مشيخة في سبعة مجلدات تشتمل على خمسمئة وسبعين شيخًا، سماعًا وإجازة، وقرئت عليه فسمعها الحفَّاظ وغيرهم. قال البرزالي: وقد قرأت عليه ثلاثة وعشرين مجلدًا بحذف المكررات. ومن الأجزاء خمسمئة وخمسين جزءا بالمكررات. قال: وكان قد اشتغل
(1)
في ط: "بن محمد" خطأ، وما أثبتناه هو الموافق لما في مصادر ترجمته، وينظر معجم شيوخ الذهبي 2/ 335، ومن ذيول العبر 130 وغيرهما (بشار).
(2)
في ط: محمد الحسني بن يحيى بن الحسين الأرموي.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 334 - 335) والشذرات (6/ 62). والأُرْموي نسبة إلى أُرْمَية وهي مدينة عظيمة في أذربيجان، وهي فيما يزعمون مدينة زرادشت نبي المجوس. ياقوت (1/ 159). ويقال: الأرمني.
(4)
ترجمتها في الدارس (1/ 318).
(5)
ليست في ط.
(6)
في ط: ابن.
(7)
ترجمته في الذيل (ص 130) والدرر الكامنة (3/ 239 - 240) والشذرات (6/ 61).
(8)
الكيكلدي، وسيأتي في وفيات سنة (761 هـ).
بالطب، وكان يعالج النَّاسَ بغير أجرة، وكان يحفظ كثيرًا من الأحاديث والحكايات والأشعار، وله نظم، وخدم من عدة جهات الكتابة، ثم ترك ذلك، ولزم بيته وإسماعَ الحديث، وتفرَّد في آخر عمره في أشياء كثيرة، وكان سهلًا في التسميع؛ ووقف آخر عمره داره دار حديث
(1)
، وخصَّ الحافظ البِرزالي والمِزِّي بشيء من بِرِّهِ، وكانت وفاتُه يوم الإثنين وقت الظهر خامس وعشرين شعبان، ودفن بقاسيون رحمه الله.
الوزير ثم الأمير نجم الدين:
محمد
(2)
بن الشيخ فخر الدين عثمان بن أبي القاسم البُصروي الحنفي.
درَّس ببُصرى بعد عمه القاضي صدر الدين الحنفي
(3)
، ثم ولّي الحِسبة بدمشقَ ونظر الخزانة، ثم ولّيَ الوزارة، ثم سأل الإقالة منها فعُوِّض بإمرة عشرة عنها بإقطاع هائل، وعومل في ذلك معاملة الوزراء في حرمته ولبسته، حتى كانت وفاته ببُصرى يوم الخميس ثاني
(4)
عشرين شعبانَ، ودفن هناك، وكان كريمًا ممدَّحًا وهَّابًا نهَّابًا كثير الصدقة والإحسان إلى الناس، ترك أموالًا وأولادًا ثم تفانوا كلُّهم بعده وتفرقت أمواله، ونكحت نساؤه وسكنت منازله
(5)
.
الأمير صارم الدين إبراهيم
(6)
بن قراسنقر الجوكندار
(7)
: مشد الخاص، ثم ولّي دمشق ولاية، ثم عُزل عنها قبل موته بستة أشهر، توفي تاسع رمضان ودفن بتربته
(8)
المشرفة المبيضة شرقي مسجد النارنج
(9)
كان قد أعدها لنفسه.
الشيخ أحمد الأَعْقَف الحريري
(10)
: شهاب الدين أحمد بن حامد بن سعيد التنوخي الحريري.
ولد سنة أربع وأربعين وستمئة، واشتغل في صباه على الشَّيخ تاج الدين الفزاري في "التنبيه"، ثم صحب الحريرية وخدمهم. ولزم مصاحبة الشيخ نجم الدين بن إسرائيل
(11)
وسمع الحديث، وحجَّ
(1)
دار الحديث البهائية داخل باب توما الدارس (1/ 55) ومنادمة الأطلال (ص 34).
(2)
ترجمته في الذيل (ص 131) والدرر الكامنة (4/ 46) والشذرات (6/ 62) وفي ط: حمد.
(3)
هو: علي بن محمد أبي القاسم بن عثمان البصروي، سيأتي في وفيات سنة (727 هـ).
(4)
في ط: ثامن عشرين.
(5)
ليست في ب.
(6)
ليست في ط.
(7)
ترجمته في الدارس (1/ 242) ومنادمة الأطلال (ص 331).
(8)
في التربة الجوكندارية، الدارس ومنادمة الأطلال.
(9)
في ط: التاريخ.
(10)
ترجمته في الدارس (2/ 199) ومنادمة الأطلال (ص 301) نقلًا عن ابن كثير.
(11)
هو: محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر. مات سنة (677 هـ).
غير مرة، وكان مليح الشكل كثير التودُّد إلى الناس، حسن الأخلاق، توفي يوم الأحد ثالث عِشْري رمضان بزاويته بالمزة، ودفن بمقبرة المزة، وكانت جنازته حافلة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشري رمضان صُلّي بدمشقَ على غائب وهو الشَّيخ هارون المقدسي
(1)
توفي ببعلَبَكّ في العشر الأُخر من رمضان، وكان صالحًا مشهورًا عند الفقراء.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة توفي:
الشيخ المقرئ أبو عبد الله
(2)
: محمد بن إبراهيم بن يوسف بن غصن
(3)
الأنصاري القَصْري ثمّ السَّبْتي بالقدس
(4)
، ودفن بما ملي، وكانت له جنازة حافلة حضرها كريم الدّين والنَّاسُ مشاة، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمئة، وكان شيخًا مهيبًا، أحمر اللحية من الحناء، اجتمعت به وبحثت معه في هذه السنة حين زرت القدس الشريف، وهي أول زيارة زرته، وكان مالكيَّ المذهب، وقد قرأ "الموطَّأَ" في ثمانية أشهر، وأخذ النَّحو عن الأستاذ
(5)
أبي الربيع شارح "الجمل"
(6)
للزجَّاجي من طريق شُرَيْح.
شيخنا الأصيل [المعمَّر الرُّحلة]
(7)
: شمس الدين أبو النصر محمد
(8)
بن عماد الدين أبي الفضل محمد بن شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن بندار بن مميل الشيرازي.
مولده في شوال سنة تسع وعشرين وستمئة، وسمع الكثير، وأسمع وأفاد في علَّته شيخَنا المزِّي تغمده الله برحمته، قرأ عليه عدة أجزاء بنفسه أثابه الله، وكان شيخًا حسنًا خيّرًا مباركًا متواضعًا، يذهِّب الربعات والمصاحف، له في ذلك يد طولى، ولم يتدنَّس بشيء من الولايات، ولا تدنَّس بشيء من وظائف المدارس ولا الشَّهادات، إلى أن توفي في يوم عَرَفة ببستانه من المِزَّة
(9)
، وصُلّي عليه بجامعها ودفن بتربتها رحمه الله.
(1)
لم أقع على ترجمة له.
(2)
هذه الترجمة ليست في ب.
(3)
في ط: عصر.
(4)
ترجمته في طبقات القراء لابن الجزري 2/ 47 - 48 (بشار).
(5)
ليست في ط.
(6)
في ط: المجمل وهو تحريف.
(7)
ليست في ط.
(8)
ترجمته في الذيل (ص 131) والدرر الكامنة (4/ 233) والشذرات (6/ 62).
(9)
كانت قرية قريبة من دمشق في الغوطة. ياقوت وأيضًا في غوطة دمشق لمحمد كردعلي. أقول: وهي متصلة اليوم بدمشق وتشكل حيًّا من أحيائها الجديدة العامرة.
الشيخ الصالح العابد الناسك
(1)
: أبو بكر بن أيُّوب بن سعد الزُّرَعي
(2)
الحنبلي
(3)
، قيِّم الجَوْزيّة
(4)
، كان رجلًا صالحًا متعبِّدًا قليل التكلف، وكان فاضلًا، وقد سمع شيئًا من "دلائل النبوة" عن الرَّشيد العامري.
توفي فجأة ليلة الأحد تاسعَ عَشَرَ ذي الحجَّة بالمدرسة الجَوْزيَّة، وصُلّي عليه بعد الظهر بالجامع، ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة، وأثنى عليه الناسُ خيرًا رحمه الله، وهو والد العلامة شمس الدين محمَّد بن قيم الجوزية صاحب المصنَّفات الكثيرة [النافعة الكافية]
(5)
.
الأمير علاء الدين علي
(6)
بن شرف الدين: محمود
(7)
بن إسماعيل بن سعد
(8)
البعلبكي أحد أمراء الطبلخانات، كان والده تاجرًا ببعْلَبَكّ، فنشأ ولده هذا واتَّصل بالدولة، وعلت منزلته، حتى أُعطي طبلخانة وباشر ولاية البرّ
(9)
بدمشق مع شدّ الأوقاف، ثم صُرف إلى ولاية بحَوْران، فاعتراه
(10)
مرض، [وكان سَبْطَ البدَنِ عَبْلَهُ]
(11)
، فسأل أن يقال، فأجيب؛ فأقام ببستانه بالمزّة إلى أن توفي في خامس عشري ذي الحجة
(12)
وصُلّي عليه هناك، ودُفن بمقبرة المِزَّة، وكان من خيار الأمراء وأحسنهم، مع ديانة وخير سامحه الله.
وفي هذا اليوم توفي:
الفقيه العابد
(13)
الناسك شرف الدين:
أبو عبد الله محمد
(14)
بن سعد الله بن عبد الأحد
(15)
بن
(1)
ليست في ط.
(2)
قيده الحافظ ابن ناصر الدين فقال: "بضم أوله وفتح الراء وكسر العين المهملة"، نسبة إلى بلد زُرع من أعمال دمشق (توضيح المشتبه 4/ 287).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 442) ومنادمة الأطلال (ص 240) في معرض ذكر ولده محمد.
(4)
مدرسة للحنابلة، في سوق القمح بالقرب من الجامع. الدارس (2/ 29).
(5)
ليست في ب. وولده محمد سيأتي في وفيات سنة (751 هـ).
(6)
ليست في أ و ط.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 125).
(8)
في ط: معبد وقد سبق الكلام فيه، والتصويب من الدرر.
(9)
في ط: البريد وهو تحريف.
(10)
في ط: فاعترضه وهو تحريف.
(11)
ليست في ب. وسَبْطُ البدن عَبْلُه: أي مستو ضخم.
(12)
ليست في ب، وط.
(13)
ليست في ط.
(14)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 443 - 444) والدارس (2/ 39) والشذرات (6/ 61).
(15)
في الدرر: الواحد.
سعد الله ابن عبد القاهر بن عبد الواحد
(1)
بن عمر الحرّاني، المعروف بابن النُّجَيْح.
توفي في وادي بني سالم، فحُمِل إلى المدينة فغُسِّل وصُلّي عليه في الرَّوضة، ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل، فغبطه النَّاس بهذه الموتة وهذا القبر، رحمه الله.
وكان ممَّن غبطه الشيخ شمس الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فمات بعده ودفن عنده وذلك بعده بثلاث سنين رحمهما الله.
وقد
(2)
حضر جنازة الشيخ شرف الدّين محمد المذكور شمس
(3)
الدين بن أبي العز الحنفي قبل ذلك بجمعة، مرجعَه من الحج بعد انفصاله عن مكّة بمرحلتين فغبط الميت المذكور بتلك الموتة فرُزق مثلها بالمدينة، وقد كان شرف الدين بن نُجَيح هذا قد صحب شيخنا العلَّامة تقي الدين بن تيمية، وكان معه في مواطن كبار صعبة
(4)
لا يستطيع الإقدام عليها إلا الأبطال الخُلَّص الخواص
(5)
، وسُجن معه، وكان من أكابر خدَّامه وخواص أصحابه، ينال فيه الأذى وأُوذي بسببه مرات، وهو في ازدياد محبة فيه وصبرًا على أذى أعدائه
(6)
، وقد كان هذا الرجل في نفسه وعند الناس جيدًا مشكور السيرة جيد العقل والفهم، عظيم الديانة والزهد، ولهذا كانت عاقبته هذه الموتة عقيب الحج، وصلّي عليه بروضة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع بقيع الغرقد بالمدينة النبوية، فختم له بصالح عمله، وقد كان كثير من السلف يتمنى أن يموت عقيب عمل صالح يعمله، وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى، والله سبحانه أعلم
(7)
.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وسبعمئة
استهلَّت والحكام هم المذكورون في التي قبلها: الخليفة المُستكفي بالله أبو الربيع سليمان ابن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر، ونائبُه بمصرَ سيف الدين أَرْغُون ووزيره أمين المُلك، وقضاته بمصرَ هم المذكورون في التي قبلها.
ونائبه بالشّام تَنْكِز، وقضاة الشام الشَّافعي جمال الدين الزُّرَعي
(8)
، والحنفي الصَّدر علي البُصراوي،
(1)
في الدرر: الأحد.
(2)
في ط: وجاء يوم، وهو توهم.
(3)
في ط: شرف الدين. وهو: محمد بن محمد أبي العز الأذرعي. سبق في وفيات سنة (722 هـ).
(4)
في سنة 726 هـ. كما سيأتي بعد قليل.
(5)
ليست في ب.
(6)
ليست في ب.
(7)
ليست في ب.
(8)
هو: سليمان بن عمر بن سالم سيأتي في وفيات سنة (737 هـ).
والمالكي شرف الدين الهمداني
(1)
، والحَنْبلي شمس الدين بن مسلم، وخطيب الجامع الأموي جلال الدين القزويني، ووكيل بيت المال جمال الدين بن القلانسي، ومحتسب البلد فخر الدين بن شيخ السلامية، وناظر الدواوين شمس الدين غبريال، ومشد الدواوين علم الدين طرقشي، وناظر الجيش قطب الدين ابن شيخ السلامية، ومعين الدين بن حُشَيْش، وكاتب السرِّ شهاب الدين محمود، ونقيب الأشراف شرف الدين عدنان، وناظر الجامع بدر الدين بن الحداد، وناظر الخزانة عز الدين بن القلانسي، ووالي البر علاء الدين بن المرواني، ووالي دمشق شهاب الدين بن
(2)
برق.
وفي خامسَ عشرَ ربيع الأول باشر عز الدين بن القلانسي الحسبة عوضًا عن ابن شيخ السلامية مع نظر الخزانة.
وفي هذا الشهر حُمِلَ كريمُ الدين وكيل السلطان من القدس إلى الديار المصرية، فاعتُقل ثم أُخذت منه أموالُ وذخائر كثيرة، ثم نُفي إلى الصعيد وأجري عليه نفقات سلطانية له ولمن معه من عياله، وطُلب كريم الدين الصغير وصُودر بأموال جمة، وحبس ثم أطلق
(3)
.
وفي يوم الجمعة الحاديْ عشرَ من ربيع الآخر قرئ كتاب السلطان بالمقصورة من الجامع الأموي بحضرة نائب السلطنة والقضاة، يتضمّن إطلاق مَكْس الغلَّة بالشَّام المحروس جميعه، فكثرت الأدعية للسلطان
(4)
.
وقدم البريد إلى نائب الشام يوم الجمعة خامس عِشْري ربيع الآخر بعزل قاضي الشافعية الزُّرعي، فبلغه ذلك فامتنع بنفسه من الحكم، وأقام بالعادلية بعد العزل خمسةَ عشر يومًا ثم انتقل منها إلى الأتابكية
(5)
، واستمرّت بيده مشيخةُ الشيوخ وتدريس الأتابكية.
واستدعى نائب السّلطان شيخَنا الإمام الزاهد برهان الدين الفزاري، فعرض عليه القضاء فامتنع، فألحَّ عليه بكل ممكن فأبى وخرج من عنده فأرسل في أثره الأعيان إلى مدرسته فدخلوا عليه بكل حيلة فامتنع من قبول الولاية، وصمَّم أشد التصميم، جزاه الله خيرًا عن مروءته، فلمَّا كان يوم الجمعة جاء البريد [من الديار المصرية يطلب الخطيب جلال الدين القزويني إلى الديار المصرية]
(6)
فأخبر بتوليته قضاء الشام.
(1)
هو: أبو عبد الله محمد. سيأتي في وفيات سنة (748 هـ).
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ط.
(4)
الذيل (ص 132).
(5)
الدارس (1/ 133).
(6)
ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
وفي هذا اليوم خلع على تقي الدين سليمان بن مراجل بنظر الجامع عوضًا عن بدر الدين بن الحداد الذي توفي، وأخذ من ابن مراجل نظر المارستان الصغير لبدر الدين بن العطار.
وخُسف القمر ليلة الخميس للنصف من جُمادى الآخرة بعد العشاء، فصلى الخطيب صلاة الكسوف بأربع سور: ق، واقتربت، والواقعة، والقيامة، ثمّ صلَّى العشاء ثم خطب بعدها للكسوف
(1)
ثم أصبح فصلَّى بالنَّاس الصُّبح ثم ركب على البريد إلى مصرَ فرزق من السلطان قَبُولًا
(2)
وولّاه بعد أيام القضاء، ثم كرَّ راجعًا إلى الشام، فدخل دمشقَ في خامس رجب على القضاء مع الخطابة وتدريس العادلية والغزالية، فباشر ذلك كلَّه، وأُخذت منه الأَمينية فدرَّس فيها جمال الدين بن القلانسي، مع وكالة بيت المال، وأضيف إليه قضاء العساكر وخوطب بقاضي القضاة جلال الدين القزويني
(3)
. ودرس بالمسرورية الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عوضًا عن الخطيب قاضي القضاة جلال الدين
(4)
.
وفيها قدم ملك التَّكْرور
(5)
إلى القاهرة بسبب الحج في خامس عِشْري رجب، فنزل بالقَرَافة ومعه من المغاربة والخدم نحو من عشرين ألفًا، ومعهم ذهب كثير بحيث إنه نزل سعر الذهب درهمين
(6)
، ويقال له: الملك الأشرف موسى بن أبي بكر، وهو شاب جميل الصورة، له مملكة متسعة مسيرة ثلاث سنين، ويذكر أن تحت يده أربعة وعشرين ملكًا، كل ملك تحت يده خلق وعساكر
(7)
، ولمّا دخل قلعة الجبل ليسلِّم على السلطان أُمر بتقبيل الأرض فامتنع من ذلك، فأكرمه السلطان
(8)
، ولم يمكَّن من الجلوس
(9)
أيضًا حتى خرج من بين يدي السلطان وأحضر له حصان أشهب بزُنَّارَيْ أطلسٍ أصفرَ، وهيّئَت له هجن وآلات كثيرة تليق بمثله، وأرسل هو إلى السلطان أيضًا بهدايا كثيرة من جملتها أربعون ألف دينار، وإلى النائب بنحو عشرة آلاف دينار، وتحف كثيرة.
وفي شعبانَ ورمضانَ زاد النّيل بمصرَ زيادة عظيمة، لم يُر مثلها من نحو مئة سنة أو أزيد منها ومكث على الأراضي نحو ثلاثة أشهر ونصف، وغرّق أقصابًا كثيرة، ولكن كان نفعه أعظم من ضره
(10)
.
(1)
ليست في ب.
(2)
في ط: فتولاه. وهو تصحيف.
(3)
الدارس (1/ 196 و 365).
(4)
ليست في الأصل وأ وط وهو زيادة من ب. والدارس (1/ 457).
(5)
هو: موسى بن أبي بكر الأسود. الذيل (ص 133) والدرر الكامنة (4/ 383) وفيه: موسى بن أبي بكر سالم التكروري.
(6)
في ب والدرر: نزل سعر الدينار درهمين في كل مثقال.
(7)
ليست في ب.
(8)
ليست في ب.
(9)
الذي في الذيل: ولم يجلس وهو أنسب، لما فيه من الاختيار لا القسر.
(10)
النجوم الزاهرة (9/ 261).
وفي يوم الخميس ثامنَ عشرَ شعبانَ استناب القاضي جلال الدين القزويني نائبين في الحكم، وهما: يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجّي الصّالحي، وقد ولّي القضاء فيما بعد ذلك كما سيأتي، ومحمد بن علي بن إبراهيم المصري، وحكما يومئذ بالعادلية
(1)
.
ومن الغد جاء البريد ومعه تقليد قضاء حلب للشيخ كمال الدين بن الزَّمْلكاني، فاستدعاه نائب السلطنة وفاوضه في ذلك فامتنع، فراجعه النائب ثم راجع السلطان فجاء البريد في ثانيْ عشرَ رمضانَ بإمضاء الولاية فشرع للتأَهُّب لبلاد حلب، وتمادى في ذلك حتى كان خروجه إليها في بكرة يوم الخميس رابعَ عشرَ شوال
(2)
، ودخل حلب يوم الثلاثاء سادس عِشْري شوال فأُكرم إكرامًا زائدًا، ودرَّس بها وألقى علومًا أكبر من تلك البلاد، وحصل لهم الشرف بفنونه وفوائده، وحصل لأهل الشام الأسف على دروسه الأنيقة الفائقة، وما أحسن ما قال الشاعر، وهو شمس الدين محمد الخياط
(3)
في قصيدة له مطوَّلة، أولها قوله:[من الكامل]
أسِفتْ لِفَقْدِكَ جِلَّقُ الفيحاءُ
…
وتباشَرَتْ لِقُدُومِكَ
(4)
الشهباءُ
وفي ثانيْ عشرَ رمضانَ عزل أمين الملك عن وزارة مصر، وأضيفت الوزارة إلى الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي، أستاذ دار السلطان
(5)
.
وفي أواخر رمضان طلب الصاحب شمس الدين غبريال إلى القاهرة فولّي بها نظر الدواوين عوضًا عن كريم الدين الصّغير
(6)
، وقدم كريم الدين المذكور إلى دمشق في شوال، فنزل بدار العدل من القصّاعين.
وولّي سيف الدين قديدار
(7)
ولاية مصرَ، وهو شهم سفاك للدماء، فأراق الخمور وأحرق الحشيشة وأمسك الشطّار، واستقامت به أحوال القاهرة ومصرَ، وكان هذا الرجل ملازمًا لابن تيمية مدَّة مقامه بمصر
(8)
.
وفي رمضانَ قدم إلى دمشقَ
(9)
الشّيخ نجمُ الدين عبد الرحيم بن الشحَّام الموصلي
(10)
من بلاد
(1)
ليست في ط. وفي ب زيادة: وحضر الناس عندهما في مجلس الحكم وهنؤوهما بذلك.
(2)
في ب: فودّعه الناس وتأسّفُوا عليه.
(3)
في ط: الحناط. وهو تحريف، وهو محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقي الحنفي، شمس الدين الخياط الشاعر المشهور. مات سنة (756 هـ). مترجم في الذيل للحسيني (ص 306).
(4)
في ط: بقدومك.
(5)
الدرر الكامنة (4/ 354).
(6)
هو أكرم بن خطيرة القبطي كريم الدين الصغير، وتسمى لما أسلم عبد الكريم، وهو ابن أخت عبد الكريم الكبير، كان ظالمًا متعسفًا، أُغرق في البحر سنة (726 هـ) الدرر (1/ 400).
(7)
في أ: فديدار وفي النجوم (9/ 283): قدارار.
(8)
ليست في ب.
(9)
في ط: مصر وهو توهم.
(10)
سيأتي في وفيات سنة (730 هـ).
السلطان أُزْبَك
(1)
، وعنده فنون من علم الطب وغيره، ومعه كتابٌ بالوصية به فأُعطي تدريس الظاهرية البرَّانية نزل له عنها جمال الدين بن القلانسي، فباشرها في مستهلّ ذي الحجة، ثمَّ درَّس بالجاروخية.
ثم خرج الركب في تاسع شوال وأميره كوكنجيار
(2)
المحمدي، وقاضيه شهاب الدين الظاهري
(3)
. وممَّن خرج إلى الحج برهان الدين الفزاري، وشهاب الدين قَرَاطَاي الناصري نائب طرابُلُس، وصَارُوجا
(4)
وشِهْري وغيرهم.
وفي نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية، كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون، فزادهم إلى أربعة وخمسين من كل مذهب، وزادهم في الجوامك أيضًا.
وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شَنَق نفسه داخل خِزانة له قد أغلقها عليه من داخل: ربط حلقه في حبل وكان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان، وستأتي ترجمته.
وفي سابعَ عشرَ ذي القعدة زُيِّنت دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد أشرف منه على الموت.
وفي ذي القعدة درَّس جمال الدين بن القلانسي بالظاهرية الجوانية عوضًا عن ابن الزملكاني، سافر على قضاء حلب، وحضر عنده القاضي القزويني.
وجاء كتاب صادق من بغداد إلى المولى شمس الدين
(5)
بن حسّان
(6)
يذكر فيه أن الأمير جوبان أعطى الأمير محمد حسيناه قدحًا فيه خمر ليشربه، فامتنع من ذلك أشد الامتناع، فألح عليه وأقسم فأبى أشد الإباء، فقال له إن لم تشربها كلفتك أن تحمل ثلاثين تومانًا، فقال نعم أحملُ ولا أشربها، فكتب عليه حجَّة بذلك، وخرج من عنده إلى أمير آخر يقال له بكتي، فاستقرض منه ذلك المال ثلاثين تومانًا فأبى أن
(1)
أُزْبَك بن طُقْطاي القان، صاحب بلاد المشرق وملك التتار، كان صحيح الإسلام مات سنة (742 هـ) الدليل الشافي (1/ 113).
(2)
في النجوم الزاهرة (9/ 78) كَوْكَاي، وفي الدرر الكامنة (3/ 270) كَوكي، وفي الحاشية: كوكاني. ولعلّ ما في النجوم هو الصواب. فليحرر.
(3)
هو: أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي. مات سنة (755 هـ) الدرر الكامنة (1/ 167) والدارس (1/ 173).
(4)
والعامة تلفظه بالسّين، وهو المظفري صارم الدين. مشهور بدمشق، ومات في القدس سنة (743 هـ). كما سيأتي.
(5)
ليست في ط.
(6)
في الأصل: ان مسّات.
يقرضه إلا بربح عشرة توامين، فاتفقا على ذلك، فبعث بكتي إلى جوبان يقول له: المال الذي طلبته من حسيناه عندي فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشَّريفة، وإن رسمت تفرقه على الجيش. فأرسل جوبان إلى محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له: تزن أربعين تومانًا ولا تشرب قدحًا من خمر؟ قال نعم، فأعجبه ذلك منه ومزَّق الحجَّة المكتوبة عليه، وحظي عنده وحكَّمه في أموره كلها، وولَّاه ولايات كبار
(1)
وحصل لجوبان إقلاع ورجوع عن كثير ممّا كان يتعاطاه، رحم الله حُسَيْناه
(2)
.
وفي هذه السنة كانت فتنة بأَصْبَهان قتل بسببها ألوف من أهلها، واستمرت الحرب بينهم شهورًا.
وفيها كان غلاء مفرط بدمشق، بلغت الغرارة مئتين وعشرين، وقلَّت الأقوات. ولولا أن الله أقام للناس من يحمل لهم الغلة من مصرَ لاشتدَّ الغلاء وزاد أضعاف ذلك، وكان مات أكثر الناس، واستمر ذلك مدة شهور من هذه السنة، وإلى أثناء سنة خمس وعشرين، حتى قدمت الغلات ورخصت الأسعار ولله الحمد والمنة
(3)
.
وممّن توفي فيها من الأعيان؛ توفي في مستهل المحرم:
بدر الدين محمد
(4)
بن ممدود
(5)
بن أحمد الحنفي
(6)
: قاضي قلعة الروم بالحجاز الشريف، وقد كان عبدًا صالحًا، حج مرات عديدة، وربما أحرم من قلعة الروم أو أحرم من
(7)
بيت المقدس، وصُلّي عليه بدمشقَ صلاة الغائب.
وعلى شرف الدين بن العز، وعلى شرف الدين بن نجيح، توفُّوا في أقل من نصف شهر، كلهم بطريق الحجاز، بعد فراغهم من الحج، وذلك أنهم غبطوا ابن نجيح
(8)
صاحب الشيخ تقي الدين بن تيمية بتلك الموتة كما تقدم، فرزقاها، فماتوا عَقِيب عملهم الصالح بعد الحج
(9)
.
الحجة الكبيرة خَوَنْدَا بنت مَكِّيَّة
(10)
: زَوْج السلطان
(11)
الملك النّاصر، وقد كانت زوجة أخيه
(1)
في ط: كتابة.
(2)
ليست في ب.
(3)
الذيل (ص 132).
(4)
ليست في ط.
(5)
في ط: ممدوح.
(6)
لم أقع على ترجمة له.
(7)
في ط: أو حرم بيت المقدس.
(8)
ليست في أ، وب، وط.
(9)
انظر خبر وفاة ابن النُجَيْح في سنة (723 هـ).
(10)
الجهة الكبيرة. وتعني الزوجة. وفيه: بنت نوكاي، ترجمتها في الدرر الكامنة 1/ 370.
(11)
ليست في ط.
الملك الأشرف ثم هجرها الناصر وأخرجها من القلعة، وكانت جنازتها حافلة، ودفنت بتربتها التي أنشأتها.
الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش
(1)
: ويقال له اللَّباد ويعرف بالمُوَلَّه، كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وقد قرأت عليه شيئًا من القرآن
(2)
، وكان يعلّم الصّغار الْحُرُوف الْمُشِقَّة، كالرّاء ونحوها، وكان متقلّلًا من الدنيا لا يقتني شيئًا، وليس له بيت ولا خزانة، إنما كان يأكل في السُّوق، وينام في الجامع.
توفي في مستهلّ صفر وقد جاوز السبعين، ودفن في باب الفراديس رحمه الله.
وفي هذا اليوم توفي بمصرَ:
الشّيخ أَيّوبُ السّعودي
(3)
: وقد قارب المئة، أدرك الشّيخ أبا السعود
(4)
وكانت جنازته مشهودة. ودفن بتربة شيخه
(5)
بالقَرَافة وكتب عنه قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي في حياته، وذكر الشيخ أبو بكر الرحبي أنّه لم ير مثل جنازته بالقاهرة منذ سكنها رحمه الله.
الشيخ الإمام الزاهد نور الدين:
أبو الحسن علي
(6)
بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي، له تصانيف، وقرأ "مسند الشافعي" على وَزيرة بنت المُنَجَّى، ثم إنه أقام بمصرَ، وقد كان في جملة من ينكر على شيخ الإسلام ابن تيمية فأراد بعض رجال الدولة قتله فهرب واختفى كما تقدم لما كان ابن تيمية مقيمًا بمصر، وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة كدرة لاطمت بحرًا عظيمًا صافيًا، أو رملة أرادت زوال جبل، وقد أضحك العقلاء عليه، وقد أراد السلطان قتله فشفع فيه بعض الأمراء
(7)
، ثم أنكر مرة شيئًا على الدولة فنفي من القاهرة إلى بلدة يقال لها دَهْرُوط
(8)
، فكان بها حتى توفي يوم الإثنين سابع
(1)
لم أقع على ترجمة له.
(2)
في ط: القراءات.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 435) والنجوم الزاهرة (9/ 261).
(4)
هو: عمر بن أبي العشائر. مات سنة (642 هـ). طبقات الأولياء (ص 549).
(5)
زاوية الشيخ عمر السعودي.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 133) وطبقات الشافعية للسبكي (6/ 242) والدرر الكامنة (3/ 139) والشذرات (6/ 64).
(7)
ليست في ب.
(8)
في ط: ديروط. ودَهْروط: بليد على شاطئ غربي النيل من ناحية الصعيد فوق البَهْنَسا. ياقوت.
أقول: وقد ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة (3/ 140) سبب نفيه، أورده باختصار، لقد أنكر تواطؤ كريم الدين الكبير وكريم الدين الصغير مع النصارى على استعارة قناديل من جامع عمرو بن العاص وتعليقها في كنيستهم، ثم استدعاه السلطان فذكر له الحديث:"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وهو يعرض بالسلطان الناصر، فأمر بقطع لسانه، ثم خفف ذلك إلى النفي إلى دهروط.
ربيع الآخر، ودفن بالقَرَافة، وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة، وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على ابن تيمية، ويقول له أنت لا تحسن أن تتكلم
(1)
.
الشيخ محمد البَاجُرْبَقيّ
(2)
: الذي تنسب إليه الفرقة الضالّة البَاجُرْبقيّة، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وقد كان والده جمال الدين بن عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلًا صالحًا من علماء الشافعية، ودرَّس في أماكن بدمشقَ، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء واشتغل بعض شيء ثم أقبل على السلوك ولازمه جماعة يعتقدون فيه ويزورونه ويرزقونه ممّن هو على طريقته، وآخرون لا يفهمونه، ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه فهرَب إلى الشّرق، ثم إنَّه أثبتَ عداوةً بينه وبين الشهود فحكم الحنبليُّ بحقن دمه فأقام بالقابون مدَّة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادسَ عشرَ ربيع الآخر، ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة
(3)
، وله من العمر ستون سنة.
شيخنا القاضي المعمَّر الفقيه
(4)
: محيي الدين أبو زكريا يحيى
(5)
بن الفاضل جمال الدين إسْحاق بن خليل بن فارس الشَّيباني الشَّافعي اشتغل على النَّواوي ولازم المقدسي، ووَلِيَ الحكم بزرع وغيرها، ثم أقام بدمشق يشتغل في الجامع، ودرَّس في الصَّارميّة
(6)
، وأعاد في مدارس عدّة إلى أن توفي في سلخ ربيع الآخر ودفن بقاسيون، وقد قارب الثمانين رحمه الله.
وسمع كثيرًا، وخرج له الذهبي شيئًا.
وسمعنا عليه "الدَّارَقُطني" وغيره.
الفقيه الكبير الصّدر الإمام العالم الخطيب بالجامع:
بدر الدين أبو عبد الله محمد بن
(7)
عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي الحنبلي، سمع الحديث واشتغل وحفظ "المحرر" في مذهب أحمد، وبرع على ابن حمدان وشرحه عليه في مدة سنين، وقد كان ابن حمدان يثني عليه كثيرًا وعلى ذهنه
(1)
ليست في ب.
(2)
ترجمته في الذيل (ص 134) وفوات الوفيات (3/ 397) والدرر الكامنة (4/ 12) والنجوم الزاهرة (9/ 262) والدارس (2/ 13 و 297) والشذرات (6/ 64).
(3)
ليست في ب.
(4)
في ط: شيخنا القاضي أبو زكريا.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 414) والدارس (1/ 327).
(6)
هي مدرسة داخل باب النصر والجابية، قبلي العذراوية بشرق، بانيها صارم الدين أُزْبك. الدارس (1/ 327).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 46) والشذرات (6/ 65). وفي أ أبو محمد عبد الله. وأثبتنا ما في ط و ب والمصادر المذكورة.
وذكائه
(1)
، ثم اشتغل بالكتابة ولزم خدمة الأمير قَرَاسُنقُر بحلبَ، فولّاه نظر الأوقاف وخطابة حلب بجامعها الأعظم
(1)
، ثم لما صار إلى دمشق ولّاه خطابة الأموي
(1)
فاستمر خطيبًا فيها اثنين وأربعين يومًا، ثم أعيد إليها جلال الدين القزويني، ثم ولّي نظر المارستان والحِسبة ونظرَ الجامع الأموي، وعين لقضاء الحنابلة في وقت، ثم توفي ليلة الأربعاء سابع جمادى الآخرة، ودفن بباب الصغير رحمه الله.
الكاتب المفيد قطب الدين:
أحمد
(2)
بن مفضل بن فضل الله المصري، أخو محيي الدين كاتب تَنْكِز، والد الصاحب علم الدين كان خبيرًا بالكتابة، وقد ولّي استيفاء الأوقاف بعد أخيه، وكان أسنَّ من أخيه، وهو الذي علَّمه صناعة الكتابة وغيرها.
توفي ليلة الإثنين ثاني رجب وعُمل عزاؤه بالسُّمَيْسَاطية
(3)
، وكان مباشر أوقافها.
الأمير الكبير ملك العرب:
محمد
(4)
بن عيسى بن مُهنّا أخو مهنا، توفي بسَلَمْيَة
(5)
يوم السبت سابع رجب، وقد جاوز الستِّين كان مليح الشَّكل، حسنَ السّيرة، عاملًا عارفًا. رحمه الله.
وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى دمشقَ بموت:
الوزير الكبير تاج الدين
(6)
علي شاه بن أبي بكر التبريزي
(7)
: وزير أبي سعيد بعد قتل سعد الدين الساوي، وكان شيخًا جليلًا فيه دين وخير، وحمل إلى تِبْريز فدفن بها في الشهر الماضي رحمه الله.
الأَمير سيف الدين بَكْتَمُر
(8)
: والي الولاة صاحبُ الأوقاف في بلدان شتّى: من ذلك مدرسةٌ بالصَّلْت
(9)
، وله درس بمدرسة أبي عُمَرَ
(10)
وغير ذلك، توفي بالإسكندريّة، وهو نائبها خامسَ رمضانَ. رحمه الله.
(1)
ليست في ب.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 318).
(3)
في الأصل وأ: الشُّميساطية. الدارس (1/ 151).
(4)
ترجمته في الذيل (ص 134) والدرر الكامنة (4/ 131) والنجوم الزاهرة (9/ 261) وفيه: شمس الدين، والشذرات (6/ 66).
(5)
"سَلَمْيَةُ": بليدة في ناحية البرية من أعمال حماة، وكانت تعدُّ من أعمال حمص. ياقوت (3/ 241)، وأهل الشام يقولون سَلَمِيَّة.
(6)
ليست في ط.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 34) والشذرات (6/ 63).
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 487) والدارس (2/ 104).
(9)
في ط: الصلب. وهو تحريف، والصلت: من أعمال الأردن معروف.
(10)
مدرسة أبي عمر: هي المدرسة العمرية الشيخية بالجبل، الدارس (2/ 100).
شرف الدين أبو عبد الله:
محمد
(1)
بن الشيخ الإمام العلّامة زين الدين بن المُنَجَّى بن عثمان بن أسعد بن المُنَجَّى التَّنوخيّ الحنبلي، أخو قاضي القضاة علاء الدين
(2)
، سمع الحديث ودرَّس
(3)
وأفتى، وصحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان فيه دين ومودة وكرم وقضاءُ حقوق كثيرة.
توفي ليلة الإثنين رابع شوال، وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمئة، ودفن بتربتهم بالصالحية.
الشيخ حُسَين
(4)
الكردي المُوَلَّه
(5)
: كان يخالطُ النَّجاسات والقاذورات، ويمشي حافيًا، وربما تكلم بشيء من الهُذَيانات التي تشبه علم المُغَيَّبَات، وللناس فيه اعتقاد كما كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات
(6)
، مات في شوال.
كريم الدين الذي كان وكيل السلطان:
عبد الكريم
(7)
بن العلَم هبة الله المسلماني، حَصَل له من الأموال والتقدُّم والمكانة والحُظْوة عند السلطان
(8)
ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك، وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما جامع القُبَيْبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع، واشترى له نهرَ ماءٍ بخمسين ألفًا، فانتفع به الناس انتفاعًا كثيرًا، ووجدوا رفقًا
(9)
. والثاني الجامع الذي بالقابون.
وله صدقات كثيرة تقبّل الله منه وعفا عنه، وقد مُسك في آخر عمره، ثم صُودر ونفي إلى الشَّوْبك، ثم إلى القدس، ثم الصَّعيد فخنق نفسه كما قيل بعمامته بمدينة أسوان، وذلك في الثالث والعشرين من شوال، وقد كان حسن الشَّكل، تامَّ القامة، ووُجد له بعد موته ذخائر كثيرة
(10)
سامحه الله.
الشيخ الإمام العالم علاء الدين:
علي
(11)
بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار، شيخ دار
(1)
ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 377) والدرر الكامنة (4/ 266) والدارس (2/ 73 و 199) والشذرات (7/ 65).
(2)
هو علي بن المُنَجَّى بن عثمان سيأتي في وفيات سنة (750 هـ).
(3)
درّس بالمسمارية. الدارس (2/ 114).
(4)
في الأصل وأ وط: حسن. وأثبتنا ما في ب والدرر.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 73).
(6)
ليست في ب.
(7)
ترجمته في الفوات (2/ 378 وما بعدها) والدرر الكامنة (2/ 401) والنجوم الزاهرة (9/ 75) وبدائع الزهور (1/ 453) والشذرات (6/ 63).
(8)
ليست في ب.
(9)
ليست في ب.
(10)
تفصيل ذلك في "الفوات".
(11)
ترجمته في الذيل (ص 136) وطبقات الشافعية للسبكي (6/ 143) والدرر الكامنة (3/ 5 - 7) والنجوم الزاهرة (9/ 261) والشذرات (6/ 63).
الحديث النُّورية، ومدرِّسُ القوصيّة
(1)
بالجامع، ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمئة، وسمع الحديث واشتغل على الشيخ محيي الدين النواوي ولازمه حتى كان يقال له: مختصر النواوي، وله مصنَّفات وفوائدُ ومجاميعُ وتخاريجُ، وباشر مشيخة النُّورية من سنة أربع وتسعين إلى هذه السنة، مدَّة ثلاثين سنة.
توفي يوم الاثنين منها مستهلّ ذي الحجة فولي بعده النُّورية علم الدين البِرْزالي، وتولى القوصيّة شهاب الدين ابن حرز الله. وصُلّي عليه بالجامع ودفن بقاسيون رحمه الله، والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وسبعمئة
استهلَّت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها، وأولها يوم الأربعاء
(2)
.
وفي خامس صفر منها قدم إلى دمشق الشَّيخ شمس الدين محمود ود الأَصْبَهاني
(3)
بعد مرجعه من الحج وزيارة القدس الشريف وهو رجل فاضل له مصنَّفات منها "شرح مختصر ابن الحاجب"، و "شرح التجريد"
(4)
وغير ذلك
(5)
، ثم إنه "شرح الحاجبية" أيضًا وجمع له تفسيرًا بعد صيرورته إلى مصر، ولما قدم إلى دمشق أكرم، واشتغل عليه الطلبة، وكان حظيًا عند القاضي جلال الدّين القَزْويني، ثمّ إنّه ترك الكل
(6)
وصار يتردّد إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، وسمع عليه من مصنفاته وردِّه على أهل الكلام، ولازمه مدة فلمَّا ماتَ الشيخ تقي الدّين تحول إلى مصر، وجمع التَّفْسير
(7)
.
وفي ربيع الأول جرد السُّلطان تجريدة نحو خمسة آلاف
(8)
إلى اليمن لخروج ابن عمه عليه، وصحبتهم خلق كثيرٌ من الحُجّاج، منهم الشيخ فخر الدين النويري.
(1)
في ط: الغوصية بالغين، وهو تحريف. وهي زاوية بالجامع. الدارس (1/ 438).
(2)
ليست في ب، والذي فيه: والخليفة والسلطان والنواب والمباشرون هم المذكورون غير أنّ وزير الديار المصرية الأمير الكبير علاء الدين مُغلطاي الجمالي، والقاضي الشافعي بدمشق هو خطيبها جلال الدين القزويني، ووكيل بيت المال وقاضي العسكر جمال الدين بن القلانسي والمحتسب عز الدين بن القلانسي، وهو ناظر الخزانة أيضًا، وناظر الجامع تقي الدين بن مراجل.
(3)
هو: محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، شمس الدين. مات سنة (749 هـ) الدرر الكامنة (4/ 327) والشذرات (6/ 165).
(4)
في ط: الجويد. وهو تحريف. والتجريد كتاب النصير الطوسي.
(5)
تفصيل مصنفاته في الدرر.
(6)
ليست في ب.
(7)
ليست في ب.
(8)
في الذيل (ص 137) وسار من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن.
وفيها مُنع شهابُ الدين بن مرّي البعلبكي من الكلام على الناس بمصرَ، على طريقة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وعزّرَهُ القاضي المالكي بسبب مسألة
(1)
الاستغاثة، وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء، ثم سُفِّر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل، ثم انتزح إلى بلاد الشَّرق وأقام بسنجار ومارِدِين ومعاملتهما يتكلَّم ويعظُ النَّاس
(2)
إلى أَنْ مات رحمه الله كما سنذكر.
وفي ربيع الآخر عاد نائب الشّام من مصرَ وقد أكرمه السُّلطان والأمراء
(3)
.
وفي جُمادى الأولى وقع بمصرَ مطرٌ لم يُسمع بمثله بحيث زاد النيلُ بسببه أربع
(4)
أصابعَ، وتغيَّر أيامًا.
وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستّةَ أيام لم تفتح أبوابها، وبقيت مثل السفينة في وسط البحر، وغرق خلقٌ من الفلاحين وغيرهم، وتلف للنَّاس مالا يعلمه إلا الله، وودَّع أهلُ البلد بعضُهم بعضًا، ولجؤوا إلى الله تعالى، وحملوا المصاحف على رؤوسهم في سُدّة السُّوق
(5)
بأنفسهم حتَّى القضاة والأعيان، وكان وقتًا عجيبًا، ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص، وتراجع النَّاسُ إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائزة وغير الجائزة، وذكر بعضهم أنَّه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمئة بيت، وإلى عشر سنين لا يرجع ما غرق
(6)
.
وفي أوائل جُمادى الآخرة فتح السلطان خانقاه سِرْ يَاقُوس التي أنشأها وساق إليها خليجًا وبنى عندها محلَّةً، وحضر السُّلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم، ووليها مجد الدين الأَقصرائي
(7)
، وعمل السلطان بها وليمة كبيرة وهي في الحقيقة وكيرةٌ، وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرينَ حديثًا بقراءة ولده عزّ الدين بحضرة الدولة، منهم أَرْغُون النائب، وشيخ الشُّيوخ القونوي وغيرهم، وخلع على القارئ عز الدين وأَثْنَوْا عليه ثناءً زائدًا، وأُجلس مكرّمًا، وخلع أيضًا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ، وعلى مجد الدين الأَقْصَرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم.
(1)
ليست في ط.
(2)
ليست في ب. مرآة الجنان (4/ 273). فالخبر بتمامه فيه.
(3)
في ب: إكرامًا زائدًا وحصلت له تقادم وتحف كبيرة.
(4)
في ط: أربعة، وهو غلط.
(5)
في ط: شدة الشوق.
(6)
الخبر في الذيل (ص 136 - 137). يقول الذهبي: ومن الآيات أن مقبرة أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز، علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صحّ هذا عندنا. أ. هـ. ونقله عنه ابن العماد في الشذرات (6/ 66).
(7)
هو: الشيخ أبو حامد موسى بن أحمد بن محمود الأَقْصُرائي أو الأَقْصُري. مات سنة (740 هـ). النجوم (9/ 84).
وفي يوم الأربعاء رابعَ عشَر رجب درَّس بقبة المنصورية
(1)
في الحديث الشيخ زين الدين بن الكتاني
(2)
الدمشقي، بإشارة نائب الكَرَك وأَرْغُون، وحضر عنده الناس، وكان فقيهًا جيدًا، وأما الحديث فليس من فنّه ولا من شغله.
وفي أَواخر رجب قدم الشيخ زين الدين محمد
(3)
بن عبد الله بن المرحّل من مصرَ على تدريس الشَّامية البرَّانية، وكانت بيد ابن الزملكاني فانتقل إلى قضاء حلبَ، فدرَّس بها في خامس شعبان وحضر القاضي الشافعي وجماعة.
وفي سلخ رجب قدم القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من مصرَ ومعه ولده، وفي صحبته الشيخ جمال الدين الدّمياطي وجماعةٌ من الطلبة بسبب سماع الحديث، فقرأ بنفسه وقرَأَ الناسُ له واعتنوا بأمره، وسمعنا معهم وبقراءته شيئًا كثيرًا، نفعهم الله بما قرأوا وبما سمعوا، ونفع بهم.
وفي يوم الأربعاء ثانيْ عشرَ شعبان درَّس الشيخ شمس الدين بن الأصبهاني
(4)
، بالرّواحية بعد ذهاب ابن الزَّمْلكاني إلى حلبَ، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجرى يومئذ بحثٌ في العامِّ إذا خصَّ، وفي الاستثناء بعد النفي، ووقع انتشار، وطال الكلام [في ذلك المجلس، وتكلم الشيخ تقي الدين كلامًا أبهت الحاضرين]
(5)
.
وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب الظّهر يوم العيد، فلمَّا ثبت دقت البشائر وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع، ولم يخرج النَّاس إلى المُصلَّى، وتغضَّب الناس على المؤذِّنين وسُجن بعضهم.
وخرج الركب في عاشره وأميره صلاح الدين ابن أَيْبَك الطويل، وفي الركب صلاح الدين بن الأوحد، والمنكورسي، وقاضيه شهاب الدين الظاهريّ.
وفي سابع عشره درَّس بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القزويني الذي كان قاضي طرابُلُس، قايضه بها جمال الدين بن الشريشي
(6)
إلى تدريس المسرورية، وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية فوقف في طريقه قاضي القضاة جلال
(7)
الدين ونائباه ابن جملة والفخر المصري، وعقد له ولكمال الدين بن الشيرازي مجلسًا، ومعه توقيع بالشَّامية البرانية، فعُطِّل الأمرُ عليهما لأنّهما لم يُظهرا
(1)
هي حلقة حديث في جامع بني أمية. الدارس (1/ 135).
(2)
في الأصل: الكافي. تحريف.
(3)
ليست في ط.
(4)
الشيخ محمود المذكور في أولها.
(5)
ليست في ب.
(6)
في ط: الشريشني. وهو تحريف.
(7)
في ط: جمال الدين وهو تحريف. والمراد: جلال الدين القزويني.
استحقاقهما في ذلك المجلس، فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحِّل كما ذكرنا
(1)
، وعُوّض
(2)
القزويني بالمسرورية فقايض منها لابن الشريشي إلى الرباط الناصري، فدرس به في هذا اليوم وحضر عنده القاضي جلال الدين، ودرس بعده ابن الشريشي بالمسرورية
(3)
وحضر عنده الناس أيضًا.
وفيه عادت التجريدة اليمنية وقد فُقد منهم خلق كثير من الغلمان وغيرهم، فحبس مقدَّمُهم الكبير ركن الدين بِيْبَرس لسوء سيرته فيهم
(4)
.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ إبراهيم الصباح
(5)
: وهو إبراهيم بن منير البعلبكي، كان مشهورًا بالصلاح مقيمًا بالمئذنة الشرقية، توفي ليلة الأربعاء مستهل المحرم ودفن بالباب الصغير، وكانت جنازته حافلة، حمله الناس على رؤوس الأَصابع، وكان ملازمًا لمجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية
(6)
.
إبراهيم المُوَلَّهُ
(7)
: الذي يقال له: القُمَيْني لإقامته بالقمّامين خارج باب شرقي، وربما كاشفَ بعضَ شيءٍ، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة، وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات ومخالطة القاذورات، وجمع النّساء والرجال حوله في الأماكن النجسة. توفي كهلًا من هذا الشهر.
الشيخ شهاب
(8)
الدين:
[أحمد بن العفيف]
(9)
محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصِّقلِّي ثم الدمشقي، إمام مسجد الرأس
(10)
، آخر من حدَّث عن ابن الصَّلاح
(11)
ببعض "سنن البيهقي". سمعنا عليه شيئًا منها
(12)
.
(1)
الدارس (1/ 305).
(2)
في الأصل وط: وعظم وهو تصحيف.
(3)
في ب: بأربعة أيام.
(4)
النجوم الزاهرة (9/ 87).
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 73). وفيها: الصيّاح بياء، وصححت في الحاشية.
(6)
ليست في ب.
(7)
لعلّه مما انفرد ابن كثير بترجمته.
(8)
في الأصل وط: عفيف وهو تحريف.
(9)
ما بين حاصرتين زيادة من ب وكذلك هو في الذيل (ص 139). ترجمته في الذيل (ص 139). والدارس (1/ 22). والشذرات (6/ 67).
(10)
عند باب المسجد الجامع، فيه قناة الدارس (2/ 330). أقول: وهو مضاف اليوم إلى الجامع الأموي.
(11)
هو: عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن الصلاح، كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال. مات بدمشق سنة (643 هـ) الوفيات (3/ 244).
(12)
في الأصل: معها. تحريف.
توفّي في صَفَر الشيخ الصّالح العابد الزّاهد النّاسك: عبد الله
(1)
بن موسي بن أحمد الجَزَري، الذي كان مقيمًا بمشهد
(2)
أبي بكر من جامع دمشقَ، كان من الصَّالحين الكبار مباركًا خيّرًا، عليه سكينة ووقار، وكانت له مطالعة كثيرة، وله فهم جيد وعقل صحيح
(3)
، وكان من الملازمين لمجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان ينقل من كلامه أشياء كثيرة ويفهمها، يعجز عنها كبار الفقهاء
(3)
.
توفي يوم الإثنين سادس عشري صفر، وصُلّي عليه بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة
محمودة.
الشّيخ الصالح الكبير المعمَّر:
الرجل الصالح تقي الدين
(4)
ابن الصائغ المقرئ المصري، الشافعي، آخر من بقي من مشايخ القراء، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن سالم بن مكي.
توفي في صفر ودفن بالقَرَافة، وكانت جنازته حافلة، قارب التِّسعين ولم يبقَ له منها سوى سنة واحدة، وقد قرأ عليه غير واحد، وهو ممّن طال عمُره وحَسُنَ عَمَلُه.
الشَّيخ الإمام [صدر الدين]
(5)
: أبو زكريا يحيى
(6)
بن علي بن تمّام بن موسى الأنصاري السُّبكي الشافعي، سمع الحديث وبرع في الأصول والفقه، ودرَّس بالسَّيفيَّة
(7)
وباشرها بعده ابن أخيه تقي الدين السُّبكي الذي تولَّى قضاء الشَّام فيما بعدُ.
الشَّهاب محمود
(8)
: هو الصدر الكبير الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ صناعة الإنشاء الذي لم يكن بعد القاضي الفاضل
(9)
مثله في صنعة الإنشاء، وله خصائص ليست للفاضل من كثرة النظم والقصائد المطوّلة الحسنة البليغة.
(1)
ترجمته في الدور الكامنة (2/ 307) والدارس (2/ 399).
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ب.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 139) وغاية النهاية لابن الجزري (2/ 65) والدرر الكامنة (3/ 320) والنجوم الزاهرة (9/ 266) والشذرات (6/ 69).
(5)
زيادة من ط و ب.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 422) والدارس (1/ 23).
(7)
هي مدرسة في القاهرة.
(8)
ترجمته في الذيل (ص 140) وفوات الوفيات (4/ 82) والدرر الكامنة (4/ 324) والنجوم الزاهرة (9/ 264) والدارس (2/ 236) والشذرات (6/ 69).
(9)
هو أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين عسقلاني المولد، مصري الدار، وزر للسطان صلاح الدين الأيوبي -رحمهما الله-. برز في صناعة الإنشاء وفاق المتقدمين. مات سنة (596 هـ). الوفيات (3/ 158).
فهو شهاب الدين أبو الثنا: محمود بن سلمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي، ولد سنة أربع وأربعين وستمئة بحلب
(1)
، وسمع الحديث وعُني باللغة والأدب والشعر، وكان كثير الفضائل بارعًا في علم الإنشاء نظمًا ونثرًا، وله في ذلك كتب
(2)
ومصنّفات حسنة فائقة، وقد مكث في ديوان الإنشاء نحوًا من خمسين سنة، ثم عمل كتابة السرّ بدمشقَ نحوًا من ثمان سنين إلى أن توفي ليلة السبت ثاني عشري شعبانَ في منزله قرب باب الناطفانيين وهي دار القاضي الفاضل، وصلّي عليه بالجامع ودفن بتربة
(3)
له أنشأها بالقرب من اليغمورية وقد جاوز الثمانين رحمه الله.
شيخنا المسند المعمَّر الرّحلة
(4)
عفيف الدين الآمدي
(5)
: عفيف الدين إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل الآمدي ثم الدمشقي الحنفي شيخ دار الحديث الظاهرية، ولد في حدود الأربعين وستمئة، وسمع الحديث على جماعة كثيرين، منهم يوسُف بن خليل ومجد الدين بن تيمية، وكان شيخًا حسنًا بهيّ المنظر سهل الإسماع، يحب الرواية ولديه فضيلة، توفّي ليلةَ الإثنين ثاني عشري رمضان، ودُفن بقاسيون، وهو والد فخر الدين ناظر الجيوش والجامع.
وقبله بيوم توفّي:
الصدر معين الدين يوسف بن زُغيب الرّحبي
(6)
أحد كبار التجار الأمناء.
وفي رمضان توفّي البدرُ العوَّام: وهو محمد
(7)
بن علي البابا الحلبي، وكان فردًا في العوم، وطيب الأخلاق، انتفع به جماعة من التجار في بحر اليمن، كان معهم فغرق بهم المركب، فلجأوا إلى صخرة في البحر فكانوا عليها، فخلصهم الله على يديه واحدًا واحدًا إلى الساحل
(8)
، وكانوا ثلاثةَ عشرَ، ثمَّ إنه غَطَس فاستخرج لهم أموالًا من قرار البحر بعد أن أفلسوا وكادوا أن يهلكوا، وكان فيه ديانة وصيانة، وقد قرأ القرآن وحجَّ عشر مرات، وعاش ثمانيًا وثمانين سنة رحمه الله، وكان يسمع الشيخ تقي الدين بن تيمية كثيرًا
(9)
.
(1)
في الفوات: ولد بدمشق.
(2)
له كتاب: حسن التوسُّل في صناعة الترسُّل.
(3)
التربة البهائية. الدارس (2/ 235).
(4)
ليست في ط.
(5)
ترجمته في الذيل (ص 141) والدرر الكامنة (1/ 358) والدارس (1/ 548) والشذرات (6/ 66).
(6)
لعلّه مما انفرد به ابن كثير.
(7)
لم أقع له على ترجمة.
(8)
ليست في ط.
(9)
ليست في ب.
وفيه توفي:
الشّهابُ أحمد بن عثمان الأمشاطي
(1)
: الأديب في الأزجال والموشحات والمواليا والدُّوبيت والبَلاليق، وكان أستاذ أهل هذه الصناعة
(2)
مات في عشر الستين.
القاضي الإمام العالم الزاهد:
صَدْر الدّين سُليمان
(3)
بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب الجعفريُّ الشافعي المعروف بخطيب داريا، ولد سنة ثنتين وأربعين وستمئة، بقرية بصرى
(4)
السَّواد
(5)
، وقدم مع والده فقرأ بالصَّالحية القرآن على الشيخ نصر بن عبيد، وسمع الحديث وتفقه على الشيخ محيي الدين النَّووي، والشيخ تاج الدين الفزاري، وتولّى خطابة داريَّا وأعاد بالناصرية، وتولى نيابة القضاء لابن صَصْرَى مدة، وكان متزهّدًا لا يتنعَّمُ بحمَّام ولا كَتّان ولا غيره، ولم يغير ما اعتاده في البَرِّ، وكان متواضعًا، وهو الذي استسقى بالناس في سنة تسعَ عَشْرَة فسُقوا كما ذكرنا، وكان يذكر له نسبًا إلى جعفر الطيار، بينه وبينه ثلاثة عشر أبًا
(6)
ثم ولّي خطابة العُقَيْبة فترك نيابة الحكم، وقال: هذه تكفي إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ذي القعدة، ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته مشهودة رحمه الله، وتولّى بعده الخطابة ولده شهاب الدين أحمد.
ابن صَبِيح المؤذِّن
(7)
: الرئيس بالعروس
(8)
بجامع دمشق مع البرهان وهو
(9)
بدر الدين أبو عبد الله محمد بن صبيح بن عبد الله التفليسي مولاهم المقرئ المؤذن، كان من أحسن الناس صوتًا في زمانه، وأطيبهم نغمة، ولد سنة اثنتين وخمسين وستمئة تقريبًا وسمع الحديث في سنة سبع وخمسين، وممن سمع عليه ابن عبد الدائم وغيره من المشايخ، وحدّث، وكان رجلًا حسنًا، أبوه مولى لامرأة اسمها شامة بنت كامل الدين التفليسي، امرأة فخر الدين الكَرْخي، وباشر مشارفة الجامع وقراءة المصحف، وأَذَّنَ
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (201/ 1) والشذرات (6/ 66).
(2)
ليست في ب.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 142) وطبقات الشافعية للسبكي: (6/ 106) والفوات (2/ 82) والدرر الكامنة (1/ 201) والدارس (1/ 465) والشذرات (6/ 66).
(4)
في ط: بسرا وفي الأصل وب: بشرا. وأثبتنا ما في الفوات. وفي معجم ياقوت (1/ 458): بُشرى بوزن حبلى قرية، ولم يحدد موضعها، ومما يؤكد بصرى قول الذهبي في الذيل: الجعفري الحوراني.
(5)
"السَّواد": موضع من نواحي البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها. ياقوت (3/ 272).
(6)
في الأصل وأوط: عشرة آباء. وأثبتنا ما في ب والدارس والدرر. وهو: سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب بن حسن بن محمد بن أحمد بن داوود بن علي بن حسن بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 458).
(8)
يعني المئذنة.
(9)
ليست في ط.
عند نائب السلطنة مدة، وتوفي في ذي الحجة بالطواويس، وصُلّي عليه بجامع العقيبة، ودفن بمقابر باب الفراديس.
خَطَّاب، باني "خان خطاب"، الذي بين الكسوة وغباغب. الأمير الكبير عز الدين خطّاب
(1)
بن محمود بن رنقش
(2)
العراقي، كان شيخًا كبيرًا له ثروة من المال كبيرة، وأملاك وأموال، وله حمَّام بحكر السمّاق
(3)
، وقد عمَّر الخان المشهور به بعد موته إلى ناحية الكتف المصري، مما يلي غباغب، وهو بمرج الصُّفَّر، وقد حصل لكثير من المسافرين به رفق، توفي ليلة تاسع
(4)
عَشَر ربيع الآخر ودفن بتربته بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وفي ذي القعدة منها توفي رجل آخر اسمه:
ركن الدين خطَّاب
(5)
بن الصاحب كمال الدين:
أحمد بن أحمد
(6)
بن خطاب الرُّومي السّيواسي، له خانقاه ببلده سيواس
(7)
، عليها أوقاف كثيرة وبر وصدقة، توفي وهو ذاهب إلى الحجاز الشريف بالكَرَك، ودفن بالقرب من جعفرٍ وأصحابه بمؤتة رحمه الله.
وفي العشر الأخير من ذي القعدة توفي:
بدر الدين أبو عبد الله:
محمد
(8)
بن كمال الدين أحمد بن أبي الفتح بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن سليمان بن فتيان الشيباني المعروف بابن العطار، ولد سنة سبعين، وسمع الحديث الكثير، وكتب الخط المنسوب واشتغل "بالتنبيه" ونظم الشعر، وولّي كتابة الدرج، ثم نظر الجيش ونظر الأشراف، وكانت له حظوة في أيام الأَفْرم
(9)
، ثم حصل له خمول قليل، وكان مُترفًا مُنعَّمًا له ثروة ورياسة وتواضُع وحسن سيرة، ودفن بسفح قاسيون بتربتهم رحمه الله.
القاضي محيي الدين:
أبو محمد الحسن
(10)
بن محمد بن عمار بن فتوح الحارثي، قاضي الزبداني
(1)
ترجمته في الذيل (ص 140) والدرر الكامنة (2/ 85) والدارس (2/ 244).
(2)
في ط: تقش. وفي الدرر: رتعس. وفي الدارس: مرتعش.
(3)
مقابل جامع تنكز.
(4)
في ط: سبع عشرة.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 84 - 85).
(6)
في ط: ابن أخت وهو تحريف. وأثبتنا ما في الدرر وفي ب: رجب.
(7)
هي: مدينة في بلاد الروم بين قيصرية وتوقات. أطلس تاريخ الإسلام (ص 216) الخريطة رقم (109).
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 367 - 368).
(9)
هو جمال الدين آقوش. سبق الكلام فيه.
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 38) والدارس (2/ 246).
مدة طويلة، ثم ولي قضاء الكرك وبها مات في العشرين من ذي الحجة، وكان مولده سنة خمس وأربعين وستمئة، وقد سمع الحديث واشتغل، وكان حسنَ الأخلاق متواضعًا، وهو والد الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني
(1)
مدرِّس الظاهرية رحمه الله.
ثم دخلت سنة ست وعشرين وسبعمئة
استهلَّت [والحكام]
(2)
هم المذكورون في التي قبلها، سوى كاتب سر دمشق شهاب الدين محمود فإنه توفّي، وولّيَ المنصبَ من بعده ولدُه الصَّدر شمس الدين
(3)
.
وفيها تحوّل التُّجَّار في قماش النّساء المخيط من الدَّهْشة التي للجامع إلى دهشة سوق علي
(4)
.
وفي يوم الأَحَد
(5)
ثامن المحرم باشر مشيخة الحديث بالظّاهرية الشيخ شهاب الدين بن جهبل بعد وفاة العفيف إسحاق
(6)
وترك تدريس الصلاحية بالقدس الشريف، واختار دمشق، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي أولها فتح الحمَّام الذي بناه الأَمير سيف الدين جُوْبان بجوار داره بالقرب من دار الجالق، وله بابان أحدهما إلى جهة مسجد الوزير، وحصل به نفع.
وفي يوم الإثنين ثاني صفر قدم الصاحب غِبْريال من مصرَ على البريد متوليًا نظر الدواوين بدمشقَ على عادته
(7)
، وانفصل عنها الكريم الصغير، وفرح الناس به.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشري ربيع الأول بُكرةً ضُربت عُنق ناصر بن الشَّرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي
(8)
بسوق الخيل على كفره و استهانته واستهتاره بآيات الله، وصحبته الزنادقة كالنجم بن خلكان، والشمس محمد الباجر بقي، وابن المعمار البغدادي، وكل منهم فيه انحلال وزندقة مشهورٌ بها بين الناس
(9)
.
(1)
هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار. مات سنة (776 هـ). الدارس (1/ 311) والشذرات. (6/ 244).
(2)
ليست في ب. وفيه: والخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون.
(3)
محمد بن محمود، سيأتي في وفيات سنة (727 هـ).
(4)
الذيل (ص 144).
(5)
في ب: الإثنين. و ط: الأربعاء.
(6)
إسحاق بن يحيى. مضى في وفيات السنة الماضية.
(7)
وكان قد عزل عنها سنة (724 هـ) أيامًا قلائل، الدرر (2/ 262).
(8)
الدرر الكامنة (4/ 386) ودول الإسلام (2/ 177) والشذرات (6/ 74).
(9)
تفصيل الخبر في المصادر السابقة.
قال الشيخ علم الدين البِرْزالي: وربّما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتَّلاعب بدين الإسلام، والاستهانة بالنبوَّة والقرآن. قال: وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة.
قال: وكان هذا الرجل في أوّل أمره قد حفظ "التنبيه"، وكان يقرأُ في الختم بصوت حسن. وعنده نباهة وفَهْم، وكان منّزلًا
(1)
في المدارس والترب، ثم إنّه انسلخ من ذلك جميعه، وكان قتله عزًا للاسلام وذلًا للزَّنادقة وأهل البدع.
قلت: وقد شهدتُ قتلَه، وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية حاضرًا يومئذ، وقد أتاه وقرَّعه على ما كان يصدر منه قبل قتله، ثم ضُربت عنقه وأنا شاهد ذلك.
وفي شهر ربيع الأول رسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجُعلوا في الخندق ظاهر باب الصغير من ناحية باب شرقي، الذكور على حدة والإناث على حدة، وألزم أصحاب الدكاكين بذلك، وشدَّدُوا في أمرهم أيامًا.
وفي ربيع الأول ولي الشيخ علاء الدين المقدسي معيد البادرائية
(2)
مشيخة الصلاحية بالقدس الشريف، وسافر إليها.
وفي جُمادى الآخرة عزل قَرَطَاي عن نيابة
(3)
طرابُلُس ووليها طَيْنال
(4)
وأُقرَّ قَرَطَاي على خبز القَرَماني بدمشق بحكم سجن القَرَماني بقلعة دمشق.
قال البرزالي: وفي يوم الإثنين عند العصر السادس من
(5)
شعبان اعتُقِل الشّيخ الإمام العالم العلَّامة تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشقَ، حضر إليه من جهة نائب السلطنة تَنْكِز مشد الأوقاف وابن الخَطيري أحدُ الحجاب بدمشق، وأخبراه أن مرسوم السلطان ورد بذلك، وأحضرا معهما مركوبًا ليركبه، وأظهر السرور والفرح بذلك، وقال: أنا كنت منتظرًا لذلك، وهذا فيه خيرٌ كثيرٌ ومصلحة كبيرة، وركبوا جميعًا من داره إلى باب القلعة، وأخليت له قاعة وأُجري إليها الماء، ورُسم له بالإقامة فيها، وأقام معه أخوه زين الدّين
(6)
يخدمه بإذن السلطان، ورُسم له ما يقوم بكفايته.
قال البرزالي: وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد
(1)
في ب: مرتبًا. وهما بمعنى.
(2)
البادرائية في ط. الدارس (1/ 205).
(3)
في ط: ولاية.
(4)
طَيْنال الأشرفي الحاجب. الدرر الكامنة (2/ 232).
(5)
في الأصل وط: سادس عشر. وهو وهم، وأثبتنا ما في ب.
(6)
هو: عبد الرحمن.
باعتقاله ومنعه من الفُتيا، وهذه الواقعة سببُها فُتيا وجدت بخطه في المنع من
(1)
السفر وإعمال المطيّ إلى زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقبور الصّالحين.
قال: وفي يوم الأربعاء منتصف شعبانَ أمر قاضي القضاة الشافعي بحبس جماعة من أصحاب الشيخ تقي الدين في سجن الحكم، وذلك بمرسوم نائب السّلطنة وإذنه له فيه، فيما تقتضيه الشّريعة في أمرهم، وعُزّر جماعة على دواب ونُودي عليهم ثُمّ أُطلقوا، سوى شمس الدين محمد بن قيّم الجَوْزية فإنه حُبس بالقلعة، وسكتت القضية.
قال: وفي أول رمضانَ وصلت الأخبار إلى دمشقَ أنه أُجريت عين ماء إلى مكة شرّفها الله وانتفع الناس بها انتفاعًا عظيمًا، وهذه العين تُعرف قديمًا بعين باذان، أجراها جُوْبان من بلاد بعيدة حتى دخلت إلى نفس مكة، ووصلت إلى عند الصَّفَا وباب إبراهيم، واستقى النّاسُ منها فقيرُهم وغنيُّهم وضعيفهم وشريفهم، كلهم فيها سواء، وارتفق أهلُ مكة بذلك رفقًا كثيرًا ولله الحمد والمنة. وكانوا قد شرعوا في حفرها وتجديدها في أوائل هذه السنة إلى العشر الأخير من جُمادى الأولى، واتفق أن في هذه السنة كانت الآبار التي بمكة قد يبست وقلَّ ماؤها، وقلَّ ماء زمزم أيضًا، فلولا أن الله تعالى لطف بالناس بإجراء هذه القناة لنزح عن مكَّة أهلُها، أو هَلَك كثيرٌ ممّن يُقيم فيها
(2)
. وأما الحجيج في أيام الموسم فحصل لهم بها رفق عظيم زائد عن الوصف، كما شاهدنا ذلك في سنة إحدى وثلاثين عام حَجَجْنَا
(3)
.
وجاء كتاب السلطان إلى نائبه بمكة بإخراج الزَّيديين من المسجد الحرام، وأن لا يكون لهم فيه إمام ولا مجتمع، ففعل ذلك.
وفي يوم الثلاثاء رابع شعبانَ درَّس بالشَّامية الجوّانية شهابُ الدين أحمد بن جهبل، وحضر عنده القاضي القزويني الشافعي وجماعة، عوضًا عن الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدُّر إمام مسجد ابن هشام
(4)
، توفي.
ثم بعد أيام جاء توقيع بولاية القاضي الشافعي فباشرها في عشرين رمضانَ.
وفي عاشر شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين جوبان
(5)
.
وحجَّ عامئذٍ القاضي شمس الدين بن مسلم قاضي قضاة الحنابلة، وبدر الدين ابن قاضي القضاة جلال
(1)
ليست في ط.
(2)
في ط: مما يقيم بها.
(3)
الدرر الكامنة (1/ 541) فالخبر مذكور في ترجمة جوبان النوين الكبير نائب المملكة القانية. الذي جرّ هذا الماء.
(4)
في سوق الفسقار بناه القاضي بدر الدين بن مزهر. الدارس (1/ 306).
(5)
هو: جوبان المنصوري من مماليك الأشرف. مات سنة (728 هـ).
الدين القزويني، ومعه تحفٌ وهدايا وأمورٌ تتعلق بالأمير سيف الدين أَرْغون نائبِ مصرَ، فإِنَّه حجَّ في هذه السنة ومعه أولاده وزوج
(1)
ابنه بنت السلطان.
وحج
(2)
فخر الدين ابن شيخ السلامية، وصدر الدين المالكي، وفخر الدين البعلبكي وغيرهم.
وفي يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة درّس بالحنبلية
(3)
برهان الدين أحمد بن هلال الزُّرعي الحنبلي، بدلًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء وشقَّ ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين، وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به وسأله عن أشياءَ بأمر نائب السلطنة.
ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فكتب ذلك في درج
(4)
وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصحَّ
(5)
إلى أن قال: وإنما المحز جَعْلُه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعًا [بها]، فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصَّالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرَّحل والسَّفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شدَّ رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شدِّ رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذا الزيارة في هذه الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"زُورُوا القبورَ فإنَّها تذكِّركُم الآخرة"
(6)
والله سبحانه لا يخفى عليه شيء، ولا يخفى عليه خافية، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]
(7)
.
وفي يوم الأحد رابعَ عشرَ
(8)
ذي القعدة فُتحت المدرسة الحمصيّة
(9)
تجاه الشامية الجوانية، ودرّس
(1)
في ط: وزوجته وهو توهم، لأن زوج بنت السلطان هو أبو بكر بن أَرْغون. النجوم الزاهرة (9/ 88).
(2)
في ب: وممّن حجّ من الشاميين.
(3)
المدرسة الحنبلية الشريفة عند القباقيية العتيقة. الدارس (2/ 64).
(4)
في ب: ونفذت مع البريد إلى الديار المصرية إلى السلطان في جواب سؤاله. وقد سقطت من أ وط.
(5)
ليست في ب.
(6)
رواه مسلم رقم (977) في الجنائز: وأحمد في المسند (5/ 357) وأبو داود رقم (2235) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(7)
ما بين قوله: وكتب تحته حتى. . . أي منقلب ينقلبون. ليست في ب.
(8)
ليست في ط.
(9)
الدارس (1/ 232).
بها محيي الدين الطرابلسي قاضي حصن عكار وتلقب
(1)
بأبي رباح، وحضر عنده القاضي الشافعي.
وفي ذي القعدة سافر القاضي جمال الدين الزُّرَعي من الأتابكية إلى مصر، ونزل عن تدريسها لمحيي الدين بن جهبل.
وفي ثاني عشر ذي الحجة درَّس بالنَّجيبية ابن قاضي الزبداني عوضًا عن الدمشقي
(2)
نائب الحكم، مات بالمدرسة المذكورة.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
ابن المُطَهَّر الشيعي جمال الدين
(3)
: أبو منصور حُسَيْن
(4)
بن يوسف بن مطهر الحِلِّي
(5)
العراقي الشِّيعي، شيخ الروافض بتلك النواحي، وله التصانيف الكثيرة، يقال: تزيد على مئة وعشرين مجلدًا، وعدّتها خمسةٌ وخمسون مصنفًا، في الفقه والأصول والنّحو
(6)
والفلسفة والرَّفض
(7)
وغير ذلك من كبار وصغار، وأشهرها بين الطلبة "شرح ابن الحاجب" في أصول الفقه، وليس بذاك الفائق، ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة المحصول والأحكام، فلا بأس بها فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجيه جيد، وله كتاب "منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة"، خبَّط فيه في المعقول والمنقول، ولم يدر كيف يتوجه، إذ خرج عن الاستقامة. وقد انتدب في الردّ عليه الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في مجلَّدات أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة، وهو كتاب حافل
(8)
.
ولد ابن المطهَّر الذي لم تطهُر خلائقه ولم يتطهَّر من دنس الرفض
(9)
ليلة الجمعة سابع عشري رمضان سنة ثمان وأربعين وستمئة، وتوفّي ليلة الجمعة عشرين محرم من هذه السنة، وكان اشتغاله ببغداد وغيرها من البلاد، واشتغل على نصير الطُّوسي، وعلى غيره، ولما تَرفَّض الملكُ خَرْبَنْدا حظي عنده ابن المطهّر وسادَ جدًا وأقطعه بلادًا كثيرة.
(1)
في ط: هكار وتقلّب.
(2)
هو: نجم الدين.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 147) الدرر الكامنة (2/ 71) والنجوم الزاهرة (2/ 267) والدليل الشافي (1/ 277).
(4)
في الأصل وأ وط والدرر الكامنة: حسن. وأثبتنا ما في ب والنجوم والدليل.
(5)
في ط: الحلبي.
(6)
في أ وط: في اللغة والنحو والأصول والفلسفة. وأثبتنا ما في ب.
(7)
"الرفض": ليست في ب.
(8)
هو المعروف بمنهاج السنة مطبوع منتشر مشهور.
(9)
ليست في ب.
الشمس الكاتب
(1)
: محمد بن أسد الحرّاني المعروف بالنَّجَّار، كان يجلس ليكتب الناس عليه
(2)
بالمدرسة القَلِيجية
(3)
، توفي في ربيع الآخر ودفن بباب الصغير.
العز حسن بن أحمد بن زُفَر
(4)
: الأربلي ثم الدمشقي، كان يعرف طرفًا صالحًا من النَّحو والحديث
(5)
والتاريخ، وكان مقيمًا بدويرة حمد
(6)
صوفيًّا بها، وكان حسن المجالسة أثنى عليه البِرزالي في نقله وحُسن معرفته.
مات بالمارستان الصغير في جُمادى الآخرة ودفن بباب الصغير عن ثلاث وستين
(7)
سنة.
الشّيخ الإمام أمين الدِّين سالم
(8)
بن أبي الدر: عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الشافعيّ مدرّس الشاميّة الجوَّانية، أخذها من ابن الوكيل قهرًا، وهو إمام مسجد ابن هشام، ومحدّث الكرسيّ به، كان مولده في سنة خمس وأربعين وستمئة، اشتغل وحصل وأثنى عليه النّوري وغيره، وأعاد وأفتى ودرَّس، وكان خبيرًا بالمحاكمات، وكان فيه مروءة وعصبية لمن يقصده، توفي في شعبانَ، ودفن بباب الصغير.
الشيخ حمَّاد
(9)
: وهو الشيخ الصّالح العابد الزاهد حمَّاد الحلبي
(10)
القَطَّان، كان كثير التلاوة والصلوات، مواظبًا على الإقامة بجامع التوبة بالعُقَيْبة بالزَّاوية الغربية الشمالية، يقرئ القرآن ويكثر الصّيام ويتردّد الناس إلى زيارته، مات وقد جاوزَ التسعين
(11)
سنة على هذا القدم، توفي ليلة الإثنين عشرين شعبان ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة. رحمه الله.
الشيخ قطب الدين اليُونينيّ: وهو الشيخ الإمام العالم بقية السلف، قطب الدين أبو الفتح
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 382) والدارس (1/ 436).
(2)
ليست في ب.
(3)
المدرسة القليجية الحنفية داخل البابين الشرقي وباب توما، شرقي المسمارية بناها مجد الدين ابن قليج. الدارس (1/ 434).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 11) والدارس (2/ 150) والشذرات (6/ 72).
(5)
ليست في ب. وفيه: الطب.
(6)
الخانقاه الدويرية المعروفة بدويرة حمد، بدرب السلسلة بباب البريد. الدارس (2/ 146).
(7)
في ب: وسبعين.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 123 - 124) وفيه القلانسي، والدارس:(1/ 306) ومواضع أخرى.
(9)
ترجمته في الذيل (ص 147) والدرر الكامنة (2/ 74) والنجوم الزاهرة (9/ 267) والشذرات (6/ 72).
(10)
في ب: التلعفراني.
قلت: وهو نسبة لتل أعْفُر وهو اسم قلعة بين الموصل وسنجار وهي على جبل منفرد حصينة محكمة وفي ماء نهرها عذوبة. وهو أيضًا: بليدة قرب حصن مسلمة بن عبد الملك، بينه وبين الرّقة من نواحي الجزيرة. ياقوت.
(11)
في ط: السبعين. وما أثبتناه من المصادر السابقة.
موسى
(1)
ابن الشيخ الفقيه الحافظ الكبير شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد البعلبكي اليونيني الحَنْبلي.
ولد سنة أربعين وستمئة بدار الفاضل
(2)
بدمشقَ، وسمع الكثير وأحضرَه والدُه المشايخ واستجاز
(3)
له وبحث واختصر "مرآة الزمان" للسِّبط
(4)
، وذيل عليها ذيلًا حسنًا
(5)
مرتبًا أفاد فيه وأجاد بعبارة حسنة سهلة، بإنصاف وستر، وأتى فيه بأشياء حسنة وأشياءَ فائقة رائقة، وكان كثير التلاوة حسن الهيئة متقلّلًا في ملبسه ومأكله.
توفي ليلة الخميس ثالثَ عشرَ شوال ودُفن بباب سطحا
(6)
عند أخيه الشيخ شرف الدين رحمهما الله.
قاضي القضاة ابن مُسَلَّم: شمسُ الدّين أبو عبد الله محمد
(7)
بن مُسَلَّم بن مالك بن مزروع بن جعفر الصّالحي الحنبلي، ولد سنة ثنتين
(8)
وستين وستمئة، ومات أبوه - وكان من الصالحين - سنة ثمان وستين، فنشأ يتيمًا فقيرًا لا مال له، ثم اشتغل وحصّل وسمع الكثير وانتصب للإفادة والاشتغال، فطار ذكره، فلمَّا مات التقيُّ سُليمان
(9)
سنة خمس عشرة ولّي قضاء الحنابلة، فباشره أتم مباشرة.
وخرجت له تخاريج كثيرة.
فلمّا كانت هذه السنة خرج للحجّ فمرض في الطريق فورد المدينة النبوية على ساكنها رسول الله أفضل الصلاة والسلام، يوم الإثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة فزار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى في مسجده وكان بالأشواق إلى ذلك، وكان قد تمنى ذلك لما مات ابن نُجَيح
(10)
، فمات في عشية ذلك اليوم ليلة الثُلاثاء وصُلّي عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرَّوضة، ودفن بالبقيع إلى جانب قبر شرف الدين بن
(1)
ترجمته في الذيل (ص 145) والدرر الكامنة (4/ 382) والشذرات (6/ 73).
(2)
في ط: الفضل.
(3)
في الشذرات: وأجاز له ابن رواج والشيرازي.
(4)
هو: شمس الدين أبو المظفر قَزُغلي بن عبد الله وقزغلي بالتركية معناه السبط. مات سنة (654 هـ) الفوات (4/ 356).
(5)
سمّاه: ذيل مرآة الزمان.
(6)
في بعلبك.
(7)
ترجمته في الذيل (ص 149) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 380) والدرر الكامنة (4/ 258) والدارس (38/ 2) وفيها: الزيني، والشذرات (6/ 73).
(8)
ليست في الأصل و ط.
(9)
هو سليمان بن حمزة بن أحمد. مرّ ذكره في وفيات (715 هـ).
(10)
ليست في ب.
نُجَيح، الذي كان قد غبطه بموته هناك سنة حج هو وهو قبل هذه الحجة
(1)
شرقي قبر عقيل رحمهم الله، وولّي بعده القضاء عز الدين بن التقي سليمان [الدمشقي]
(1)
.
القاضي نجم الدين: أحمد
(2)
بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي الشّافعي.
ولد سنة تسع وأربعين واشتغل على تاج الدين الفزاري، وحصّل وبرع وولّي الإعادة ثم الحكم بالقدس، ثم عاد إلى دمشق فدرّس بالنَّجيبيّة، وناب في الحكم عن ابن صَصْرَى مدة.
توفّي بالنَّجيبيَّة المذكورة يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة، وصُلّي عليه العصر بالجامع، ودُفن بباب الصغير.
ابن قاضي شهبة: الشيخ الإمام شيخ الطّلبة ومفيدهم كمال الدين أبو محمد عبد الوهاب
(3)
[بن][محمد]
(4)
بن ذؤيب الأسدي الشُّهْبي الشافعيّ، ولد بحَوْران في سنة ثلاث وخمسين وستمئة، وقدم دمشق واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري، ولازمه وانتفع به، وأعاد بحلقته، وتخرج به، وكذلك لازم أخاه الشيخ شرف الدين، وأخذ عنه النَّحو واللُّغة، وكان بارعًا في الفقه والنَّحو، له حلقة يشتغل فيها تجاه محراب الحنابلة، وكان يعتكف جميع شهر رمضان، ولم يتزوج قطُّ، وكان حسن الهيئة والشيبة، حسن العيش والملبس متقلِّلًا من الدنيا، له معلومٌ يقوم بكفايته من إعادات وفقاهات وتصدير بالجامع، ولم يدرِّس قطُّ ولا أفتى، مع أنّه كان ممَّن يصلح أن يأذن في الإفتاء، ولكنه كان يتورع عن ذلك، وقد سمع الكثير: سمع "المسند" للإمام أحمد وغير ذلك.
توفي بالمدرسة المُجاهديّة
(5)
وبها كانت إقامته - ليلة الثلاثاء حادي عشرين ذي الحجة، وصُلّي عليه بعد صلاة الظهر، ودفن بمقابر باب الصغير.
وفيها كانت وفاة:
الشَّرف يعقوب بن فارس الجَعْبَريّ
(6)
: التَّاجر بفرجة ابن محمود
(7)
، وكان يحفظُ القرآن ويَؤُمُّ، بمسجد القَصَب
(8)
، ويصحب الشيخ تقي الدين بن تيمية والقاضي نجم الدّين الدمشقي، وقد حصَّل
(1)
زيادة من ب.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 190) والدارس (1/ 471).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 431) والدليل الشافي (1/ 435) وفيه: عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب.
(4)
زيادة من ب.
(5)
بالقرب من باب الخوّاصين. الدارس (1/ 451).
(6)
لم أقع على ترجمة له.
(7)
في الأصل: ابن محمود.
(8)
ويقال له: الأقصاب، وهو المعروف الآن بجامع السادات. الدارس (2/ 429).
أموالًا وأملاكًا وثروة، وهو والد صاحبنا الشيخ الفقيه المشتغل
(1)
المحصّل الذكي بدر الدين محمد، خال الولد عُمَر إن شاء الله.
وفيها توفي:
الحاج أبو بكر
(2)
بن تيمراز الصَّيرفي: كانت له أموالٌ كثيرةٌ ودائرةٌ ومكارم وبرٌّ وصدقات، ولكن انكسر في آخر عمره، وكاد أن ينكشف، فجبرَهُ الله بالوفاة رحمه الله.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمئة
استهلَّت بيوم الجمعة والحكام والخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي كما تقدم
(3)
.
وفي العاشر من المحرّم دخل مصرَ أَرْغُون نائب مصر فمُسك في حادي عشره وحبس أيامًا، ثم أطلق وبعثه السُّلطان إلى حلب نائبًا عليها
(4)
، فاجتاز بدمشقَ بُكرة الجمعة ثاني عشري المحرّم، فأنزله نائبُ السَّلطنة بداره المجاورة لجامعه، فبات بها ليلةً
(5)
ثم سافر إلى حلبَ.
وقد كان قبله بيوم قد سافر من دمشق الجاي الدَّوادار إلى مصرَ، وفي صحبته نائبُ حلب علاء الدين ألْطَنْبُغَا معزولًا عنها إلى حجُوبية الحُجَّاب بمصر
(6)
.
وفي يوم الجمعة تاسعَ عشرَ ربيع الأول قُرئ تقليد قاضي الحنابلة عز الدين محمّد بن التقي سُليمان بن حمزة المقدسي، عوضًا عن ابن مُسلَّم بمقصورة الخطابة بحضرة القضاة والأعيان، وحكَم، وقُرِئ قبلَ ذلك بالصَّالحية.
وفي أواخر هذا الشهر وصلَ البريدُ بتولية ابن النَّقيب
(7)
الحاكم بحمصَ قضاء القضاة بطرابُلُس،
(1)
في ط: المفضل وهو توهم.
(2)
لم أقع على ترجمة له غير هذه.
(3)
ليست في ب. وفيه: غير أن القاضي الحنبلي ابن مسلَّم توفي في المدينة المنورة أواخر ذي القعدة وهو بالحجاز الشريف. وكان الأمير أَرْغون نائب السلطان للديار المصرية في هذه السنة قد حج، فأُرسل إليه أن يسرع العودة إلى السلطان.
(4)
في ط: وإلى نائب حلب.
(5)
ليست في ط.
(6)
النجوم الزاهرة (9/ 88).
(7)
في ب: القاضي شمس الدين. وهو محمد بن أبي بكر بن إبراهيم.
ونُقل الذي بها إلى حمصَ نائبًا عن قاضي دمشق، وهو ناصر [الدين]
(1)
بن محمود الزُّرعي.
وفي سادس عشري
(2)
ربيع الآخر عاد تَنْكِزُ من مصر إلى الشَّام، وقد حصل له تكريمٌ من السلطان.
وفي ربيع الأول حصلت زلزلةٌ بالشام وقى الله شرّها.
وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى باشر نيابةَ الحنبلي القاضي برهان الدين الزُّرَعي، وحضر عنده جماعة من القضاة.
وفي يوم الجمعة منتصف جُمادى الآخرة جاء البريد بطلب القاضي القزويني الشافعي الخطيب
(3)
إلى مصر، فدخلها في مستهلّ رجب، فخُلع عليه بقضاء قضاة مصرَ مع تدريس النَّاصرية والصّالحية ودار الحديث الكاملية، عوضًا عن بدر الدين بن جماعة لأجل كِبَر سنِّهِ، وضَعْف نفسه، وضرر عينيه، فجبروا خاطره، فرُتِّبَ له ألفُ درهم وعشرةُ أرادب قمح في الشَّهر، مع تدريس زاوية الشافعي، وأرسل
(4)
ولده بدر الدين
(5)
إلى دمشق خطيبًا بالأموي، وعلى تدريس الشامية البرّانية، على قاعدة والده جلال الدين القزويني في ذلك، فخُلع عليه في أواخر رجب ثامن عشرينه وحضر عنده الأعيان.
وفي رجب كان عرس الأمير سيف الدين قَوْصُون السّاقي الناصري، على بنت السلطان، وكان وقتًا مشهودًا، خلع عليه
(6)
الأمراء والأكابر.
وفي صبيحة هذه اللّيلة عُقد عَقْدُ الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير سيف الدين
(7)
بَكْتَمُر السّاقي، على بنت تَنْكِز نائب الشام، وكان السلطان وكيل أبيها تَنْكِز والعاقد ابن الحريري
(8)
. وخُلع عليه وأُدخلت في ذي الحجة من هذه السنة في كلفة كثيرة
(9)
.
وفي رجب جرتْ فتنةٌ كبيرةٌ بالإسكندرية في سابع رجب، وذلك أنَّ رجلًا من المسلمين قد تخاصم مع
(10)
رجل من الفِرَنج، على باب البحر، فضرب أحدُهما الآخر بنعل، فرُفع الأمر إلى الوالي فأمر بغلق
(1)
زيادة من ب.
(2)
في ط: سادس عشر.
(3)
ليست في ط.
(4)
في ب: وعاد. ولا بأس به لأنه ذهب مع أبيه إلى مصر.
(5)
في ب: القزويني.
(6)
في الأصل وأ وط: وخلع على. وأثبتنا ما في ب. النجوم الزاهرة (9/ 89).
(7)
ليست في ط.
(8)
هو: قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الحريري الحنفي.
(9)
الدرر الكامنة (1/ 114 - 115).
(10)
في أ وط: هو ورجل.
باب البلد بعد العصر
(1)
فقال له الناس: إن لنا أموالًا وعبيدًا ظاهر البلد وقد أَغْلقت الباب قبل وقته. ففتحه، فخرج الناس في زحمة عظيمة، فقُتل منهم نحو عَشَرةٍ، ونُهبت عمائم وثياب وغير ذلك، وكان ذلك ليلة الجمعة، فلمّا أصبح الناس ذهبوا إلى دار الوالي فأحرقوها وثلاث دور لبعض الظَّلمة، وجرت أحوالٌ صعبة، ونهبت أماكن
(2)
، وكسرت العامة باب سجن الوالي فخرج منه من فيه، فبلغ نائب السَّلطنة
(3)
فاعتقد النائب أنَّه السِّجْنُ الذي فيه الأمراء، فأمر بوضع السيف في البلد وتخريبه، ثم إنَّ الخبر بلغ السُّلطان فأرسل الوزير مُغْلَطَاي
(4)
الجمالي سريعًا فضرب وصادر، وضرب القاضي ونائبَه وعزلَهُم، وأهان خلقًا من الأكابر وصادرهم بأموال كثيرة جدًّا، وعزل المتولِّي ثم أعيد، ثم تولّى القضاء بها
(5)
علم الدين الأَخْنائي
(6)
الشافعي الذي تولَّى دمشقَ فيما بعدُ، وعزل قضاة الإسكندرية المالكي ونائباه، ووضعت السَّلاسل في أعناقهم وأُهينوا، وضرب ابن التّنيسي
(7)
غير مرة
(8)
.
وفي يوم السبت عشري شعبان وصل إلى دمشقَ قاضي قضاة حلبَ كمال الدين
(9)
بنُ الزَّمْلَكاني على البريد فأقام بدمشقَ أربعةَ أيام ثم سار إلى مصرَ ليتولى قضاء قضاة الشام بحضرة السُّلطان، فاتَّفق موتُه قبل وصوله إلى القاهرة
(10)
وفي يوم الجمعة سادس عشري شعبان باشر صدر الدين المالكي
(11)
مشيخة الشيوخ مضافًا إلى قضاء قضاة المالكية، وحضَر الناس عنده، وقُرئ تقليده بذلك بعد انفصال الزُّرعي عنها إلى مصر.
(1)
في ب: قبل وقته.
(2)
في ط: أموال.
(3)
أَرْغون.
(4)
في أ: طبنغا وفي ط: طيبغا. وهو توهم، والصواب ما أثبتنا من ب وهو كذلك في الدرر الكامنة (4/ 354) والدليل الشافي (2/ 738) وهو مغلطاي بن عبد الله الجمالي المعروف بخزر، مات عائدًا من الحجاز سنة (732 هـ).
(5)
في ط: بهاء الدين، وهو توهم.
(6)
وهو: محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة الأخنائي السعدي الشافعي علم الدين، مات سنة (732 هـ).
(7)
في ط: السنيّ، والتنيسي هو نائب القاضي.
(8)
الذيل (ص 150 - 151).
(9)
ليست في ط.
(10)
مات ببلبيس كما في الذيل (ص 151) والدرر الكامنة (4/ 75).
(11)
هو: سليمان بن عبد الحليم الغُمَاري. وقيل ابن عبد الحكيم. الدرر الكامنة (2/ 248) الوفيات لابن رافع (2/ 78). مات سنة (749 هـ).
وفي نصف رمضانَ وصل [تقليدُ]
(1)
قاضي الحنفية بدمشق لقاضي
(2)
القضاة عماد الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الطَّرسوسي، الذي كان نائبًا لقاضي القضاة صدر الدين علي البُصروي، فخلفه بعده بالمنصب، وقُرئ تقليده بالجامع، وخلع عليه وباشر الحكم، واستناب القاضي عماد الدين بن العز
(3)
، ودرس بالنورية مع القضاء، وشكرت سيرته.
وفي رمضانَ قدم جماعةٌ من الأسارى مع تجَّار الفرنج فأُنزلوا بالمدرسة العادلية الكبيرة واستفكوا من ديوان الأسرى بنحو من ستين ألفًا، وكثرت الأدعية لمن كان السبب في ذلك.
وفي ثامن شوّال خرج الرَّكبُ الشامي إلى الحجاز وأميره سيف الدين بَلَبَان
(4)
المحمدي، وقاضيه بدر الدين محمد بن محمد ابن
(5)
قاضي حرّان.
وفي شوال وصل تقليدُ قضاء الشافعية بدمشق لبدر الدين ابن قاضي القضاة ابن عز الدين بن الصائغ
(6)
والخلعة معه، فامتنع من ذلك أشد الامتناع، وصمّم وألحّ عليه الدَّولة فلم يقبل وكَثُر بكاؤه وتغير مزاجه واغتاظَ، فلما أصرَّ على ذلك راجع تَنْكِزُ نائب السلطان في ذلك
(7)
.
فلما كان شهر ذي القعدة اشتهر تولية علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي قضاء الشام، فسار إليها من مصرَ وزار القُدسَ، ودخل دمشقَ يوم الاثنين سابعَ عشرَ ذي القعدة، فاجتمع بنائب السلطنة ولبس الخِلعة وركب مع الحُجَّاب والدَّولة إلى العادلية، فقُرئ تقليدُه بها وحكم بها على العادة، وفرح النَّاس به وبحُسْن سمته وطيب لفظه وملاحة شمائله وتودُّده، وولّيَ بعده مشيخة الشيوخ بمصرَ مجد الدين الأَقْصرائي
(8)
الصُّوفي شيخ سِرْيَاقُوس
(9)
.
وفي يوم السبت ثالث عشري ذي القعدة لبس القاضي محيي الدين بن فضل الله الخلعة بكتابة السر عوضًا عن شمس الدين
(10)
ابن الشهاب محمود، واستمرّ ولده شرف الدين في كتابة الدست
(11)
.
(1)
زيادة من ب.
(2)
في ط: لقضاء.
(3)
هو: إسماعيل بن محمد بن أبي العز مات سنة (783 هـ). وقد جاوز التسعين. الدرر الكامنة (1/ 379).
(4)
في ط: بالبان وهو تحريف.
(5)
ليست في ط.
(6)
هو: أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر. مات سنة (729 هـ). الدارس (1/ 238).
(7)
الذيل (ص 151) وفيه: فأُعفي مكرّمًا.
(8)
هو مجد الدين أبو حامد موسى بن أحمد بن محمود الأَقْصَرائي. مات سنة (740 هـ) وفي الدرر (4/ 373) الأقصري، نسبة إلى أقصرا ببلاد الروم.
(9)
الخانقاه الناصرية بناها الملك الناصر سنة (725 هـ). النجوم الزاهرة (9/ 84).
(10)
ليست في ط.
(11)
كتابة المجلس.
وفي هذه السنة تولَّى قضاء حلب عوضًا عن ابن الزَّمْلكاني القاضي فخر الدين البارزي.
وفي العشر الأول من ذي الحجة كَمُل ترخيمُ الجامع الأموي أعني حائَطهُ الشّمالي وجاء تَنْكِز حتى نظر إليه فأعجبه ذلك، وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل
(1)
.
وفي يوم عيد الأضحى جاء سيل عظيم إلى مدينة بلبيس فهرب أهلها منها وتعطلت الصَّلاة والأضاحي فيها، ولم ير مثله من مدة سنين متطاولة، وخرَّب شيئًا كثيرًا من حواضرها وبساتينها
(2)
. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الأمير أبو يحيى: زكريا
(3)
بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن
(4)
أبي حفص الهنتاتي [اللِّحياني]
(5)
المغربي، أمير بلاد المغرب.
ولد بتونس قبل سنة خمسين وستمئة، وقرأ الفقه والعربية، وكان ملوك تونس تعظّمه وتكرمه، لأنّه من بيت المُلْك والإمرة والوزارة، ثم بايعه أهلُ تونس على الملك في سنة إحدى عشرة وسبعمئة، وكان شجاعًا مقدامًا، وهو أوَّلُ من أبطل ذكر ابن التُّومرت
(6)
من الخُطبة، مع أن جدَّه أبا حفص الهنتاتي كان من أخصّ أصحاب ابن التُّومرَت.
توفي في المحرم من هذه السنة بمدينة الإسكندرية
(7)
، رحمه الله.
الشيخ الصالح الناسك: ضياء الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر
(8)
رضي الدين أبي الفضل المسلم بن الحسن بن نصر الدمشقي، المعروف بابن الحموي، كان هو وأبوه وجده من الكتاب المشهورين المشكورين، وكان هو كثيرَ التّلاوة والصّلاة والصّيام والبر والصّدقة والإحسان إلى الفقراء والأغنياء.
(1)
الدارس (2/ 394).
(2)
الذيل (ص 151).
(3)
ترجمته في الذيل (ص 152) والدرر الكامنة (2/ 113) والنجوم الزاهرة (9/ 268). وفيه: اللّحياني نسبة إلى لحيان بن مدركة بن إلياس بن مضر، وشذرات الذهب (6/ 76).
(4)
ليست في ط.
(5)
في ط: الجياني. وأثبتنا ما في المصادر السابقة. وهو زيادة في ط.
(6)
هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت. المنعوت بالمهدي الهَرْغي. وكذلك المعصوم. ترجمته في الوفيات (5/ 45) والذيل (ص 152).
(7)
جاء إليها بعد أخذ تونس منه سنة (721 هـ).
(8)
ليست في ط.
ولد سنة خمس وثلاثين وستمئة، وسمع الحديث الكثير، وخرَّج له البِرْزالي مشيخةً سمعناها عليه، وكان من صدور أهل دمشق.
توفي يوم الجمعة رابعَ عشرَ صفر، وصُلِّي عليه ضحوة يوم السبت، ودفن بباب الصغير، وحجَّ وجاور وأقامَ بالقدس مدَّة. مات وله ثنتان وتسعون
(1)
سنة رحمه الله، وقد ذكر والده أنّه حين ولد له فتح المصحفَ يتفاءَلُ فإذا قوله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] فسمّاه إسماعيل.
ثم ولد له آخر فسمّاه إسحاق، وهذا من الاتّفاق الحسن. رحمهم الله تعالى
(2)
.
الشّيخ عليٌّ المجارفيّ: علي
(3)
بن أحمد بن هوس الهلالي، أصل جده من قرية آبل السُّوق
(4)
، وأقام والده بالقدس، وحجَّ هو مرّة وجاورَ بمكة سنةً ثم حجّ، وكان رجلًا صالحًا مشهورًا، ويُعرف بالمجارفيّ، لأنه كان يَجْرِف الأزقَّة ويُصلح الرُّصفان الله تعالى، وكان يكثر التهليل والذِّكر جهرةً، وكان عليه هيبةٌ ووقارٌ، ويتكلم كلامًا فيه تخويف وتحذير من النار، وعواقب الرَّدى، وكان ملازمًا لمجالس ابن تيمية
(5)
.
وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثالث عشري ربيع الأول، ودفن بتربة الشّيخ موفق الدّين بالسفح، وكانت جنازته حافلة جدًّا رحمه الله.
الملك الكامل ناصر الدين: أبو المعالي محمد
(6)
بن الملك السعيد فتح الدين عبد الملك بن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الخيش
(7)
ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أحد أكابر الأمراء وأبناء الملوك، كان من محاسن البلد ذكاءً وفطنة وحُسنَ عشرة ولطافةَ كلام، بحيث يَسردُ كثيرًا من الكلام بمنزلة الأَمثال من قوَّة ذهنه وحذاقة فهمه، وكان رئيسًا من أجود الناس.
توفي عشيّةَ الأربعاء عشرين جُمادى الأولى وصلّي عليه ظهر الخميس بصحن الجامع تحت النَّسر
(8)
، ثم أرادوا دفنه عند جدّه لأمِّه الملك الكامل فلم يتيّسر ذلك، فدفن بتربة أمِّ الصَّالح سامحه الله.
(1)
في ط: وسبعون.
(2)
ليست في ب
(3)
لم أقع له على ترجمة.
(4)
في ط: إيل البسوق. وهو تصحيف، وآبل السوق قرية كبيرة في غوطة دمشق. سبق ذكرها. ياقوت (آبل).
(5)
ليست في ب.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 153) والدرر الكامنة (4/ 31 - 32) والنجوم الزاهرة (9/ 269) والدارس (2/ 286).
(7)
في الأصل: أبي الجيش. وينظر تاريخ الإسلام للذهبي 14/ 593 (تحقيق الدكتور بشار).
(8)
يريد: قبة النَّسر في جامع بني أمية.
وكان له سماع كثير سمعنا عليه منه، وكان يحفظ تاريخًا جيدًا، وقام ولده الأمير صلاح الدّين مكانه في إمرة الطَّبْلخانه، وجُعِل أَخُوه في عَشْرَته ولبسا الخلع السلطانية بذلك.
الشيخ الإمام نجم الدين: أحمد
(1)
بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي [القَمُّولي]
(2)
، كان من أعيان الشافعية، وشرح "الوسيط"
(3)
وشرح "الحاجبية" في مجلدين، ودرَّس وحكم بمصرَ، وكان محتسبًا بها أيضًا، وكان مشكورَ السِّيرة فيها، وقد ولّي بعده الحكم نجم الدين بن عقيل، والحِسبة ناصر الدين بن فار السّقوف
(4)
.
توفي في رجب وقد جاوز الثَّمانين، ودُفن بالقَرَافة رحمه الله.
الشّيخ الصّالح أبو القاسم: عبد الرحمن
(5)
بن موسى بن خلف الحزامي، أحد مشاهير الصَّالحين بمصرَ، توفي بالرَّوضة في منتصف رجب
(6)
وحُمل إلى شاطئ النيل، وصُلّي عليه وحُمل على الرؤوس والأصابع، ودفن عند ابن أبي حمزة، وقد قارب الثمانين، وكان ممّن يُقصد للزيارة رحمه الله.
القاضي عز الدين: عبد العزيز
(7)
بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن عثمان
(8)
بن عيسى بن عمر بن الخضر الهكاري الشافعي، قاضي المحلَّة.
كان من خيار القُضاة، وله تصنيف على حديث المُجَامع في رمضان، يقال: إنه استنبط فيه ألف حُكم. توفي في رمضانَ، وقد كان حصَّل كتبًا جيدة منها "التَّهذيب" لشيخنا المِزِّي.
الشيخ كمال الدين بن الزملكاني
(9)
: شيخنا الإمام العلّامة كمال الدين أبو المعالي بن الشيخ علاء الدين علي بن عبد الواحد بن خطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري الشافعي ابن الزملكاني
(10)
، شيخ الشّافعية بالشام وغيرها، انتهت إليه رياسةُ المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرةً،
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 304) والشذرات (6/ 75).
(2)
زيادة من ب وهي في المصادر السابقة، والقَمُّولي نسبة إلى قمولة بلد في الصّعيد.
(3)
لزين الدين الغزالي، وسماه: البحر المحيط في شرح الوسيط.
(4)
في ط: قار السبقوق. وهو تصحيف. وهو لقب.
(5)
لم أقع له على ترجمة.
(6)
ليست في في ط.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 368) وفيه: الكردي. والشذرات (6/ 77).
(8)
ليست في ط.
(9)
ترجمته في الذيل (ص 154) وطبقات الشافعية (5/ 251) وفوات الوفيات (4/ 7 - 11) والدرر الكامنة (4/ 74 - 76) والنجوم الزاهرة (9/ 270) والدارس (1/ 311 - 32) والشذرات (6/ 78).
(10)
ليست في ط.
ويُقال في نسبه: السِّماكيّ، نسبةً إلى أبي دُجانة سِمَاك بن خَرَشة
(1)
والله أعلم.
ولد ليلة الإثنين ثامن شوال سنة ست وستين وستمئة، وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري [في الفقه]
(2)
، وفي الأصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي، وفي النحو على بدر الدين بن مالك
(3)
وغيرهم، وبرَع وحصّل وساد أقرانه من أهل مذهبه، وحاز قَصَب السّبْق عليهم بذهنه الوقّاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرُّقاد وعبارته التي أشهى من كل شيء معتاد، وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد، وقد درَّس بعدَّةِ مدارس بدمشق
(4)
، وباشر عدة جهات كبار، كنظر الخِزانة، ونظر المارستان النُّوري، وديوان الملك السعيد، ووكالة بيت المال.
وله تعاليق مفيدة واختيارات حميدة سديدة، ومناظرات سعيدة.
ومما علَّقه قطعةٌ كبيرةٌ من "شرح المنهاج" للنووي، ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق وغير ذلك، وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدًا من الناس درَّس أحسنَ منها ولا أحلى من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظمه، وقد درَّس بالشَّامية البرَّانية والعذراوية والظَّاهرية الجوانية والرَّواحيَّة والمسروريّة، فكان يعطي كل واحدة منهنَّ حقَّها بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته، ولا يُهيلُه
(5)
تعدادُ الدروس وكثرة الفقهاء والفضلاء، بل كلَّما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدَّرس أنضر وأبهر وأحلى وأجلى وأنصح وأفصح.
ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها، وأوسعَ بالفضيلة جميع أهلها أهلها، وسمعُوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم.
ثم طلب إلى الدّيار المصرية ليولّى البلاد
(6)
الشامية دار السنة النبوية فعاجلته المنية قبل وصوله إليها، فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام، ثم عقب المرض بُحرانُ الحِمَامِ
(7)
، فتوفي في سحر يوم الأربعاء
(1)
سِمَاكُ بن خَرَشة الخزرجي البياضي الأنصاري المعروف بأبي دجانة، صحابي، كان بطلًا شجاعًا، شهد بدرًا، وثبت يوم أحد وأصيب بجراحات كثيرة، استشهد باليمامة سنة (11 هـ). الأعلام (3/ 139) وثمة مصادر ترجمته.
(2)
زيادة من ب.
(3)
في ط: ملك.
(4)
الدارس (1/ 32).
(5)
"يهيلُهُ": يفزعه.
(6)
ليست في ط.
(7)
وقيل: مات مسمومًا. الفوات والدرر؛ ويأتي بعد هذا في ب ب: "فقبضه هاذم اللَّذات، وحال بينه وبين سائر الشهوات والإرادات، والأعمال بالنيات. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متولِّيًا أن يؤذي شيخ الإسلام ابن تيمية فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده" ولا أظن أن ابن كثير كتب هذا لأنه يتناقض مع الثناء العاطر الحسن الذي أثنى عليه المؤلف (بشار).
سادسَ عشر شهر رمضانَ بمدينة بِلْبيس
(1)
، وحمل إلى القاهرة ودفن بالقُرَافة ليلة الخميس جوار قبة الشّافعي تغمدهما الله برحمته.
الحاج علي المؤذن المشهور بالجامع الأموي: الحاجُّ عليُّ بن
(2)
فرج
(3)
بن أبي الفضل الكَتَّاني، كان أَبوه من خيار المؤذنين، فيه صلاح ودين وله قبول عند الناس، وكان حسنَ الصّوت جَهْوَرَه، وفيه تودُّد وخدمة
(4)
وكرم، وحجَّ غير مرة وسمع من أبي عمر وغيره.
توفي ليلة الأربعاء ثالث ذي القعدة وصُلّي عليه غَدْوة، ودفن بباب الصغير.
وفي ذي القعدة:
الشيخ فضل
(5)
ابن الشيخ الرّجيحي اليُونُسيّ
(6)
: وأجلس أخوه يوسف مكانه بالزاوية
(7)
.
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمئة
في ذي القعدة منها كانت وفاة شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه كما ستأتي ترجمة وفاته في الوفيات إن شاء الله تعالى
(8)
.
استهلت هذه السنة وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها سوى نائب مصر وقاضي حلب
(9)
.
(1)
"بِلْبيس": مدينة بينها وبين الفسطاط عشرة فراسخ على طريق الشام. فتحها عمرو بن العاص رضي الله عنه سنة (18 أو 19 هـ). ياقوت.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 136).
(3)
في الدرر (نوح).
(4)
في ط: خدم.
(5)
ترجمته في الدارس (2/ 216).
(6)
في ط: التونسي، وهو تحريف، نسبة إلى يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القِنّي، نسبة إلى القنية من نواحي ماردين. وهو شيخ الطائفة اليونسية. منادمة الأطلال (ص 313).
(7)
الزاوية اليونسية. سبق الحديث عنها. الدارس (2/ 213).
(8)
ليست في ب.
(9)
ليست في ب. وفيه:
والخليفة المستكفي بالله، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون ولا نائب له بالديار المصرية. وقاضي الشافعية بها جلال الدين القزويني، وقاضي الحنفية شمس الدين الحريري، وقاضي المالكية تقي الدين الأخنائي، وقاضي الحنابلة [بياض في الأصل]. ووزير مصر علاء الدين مغلطاي الجمالي وهو الأستاذ، ونائب دمشق الأمير سيف الدين تنكز، وقضاته هم في التي قبلها سوى الشافعي فإنه علاء الدين القونوي، والحنبلي فإنه عز الدين بن التقي سليمان المقدسي، والمباشرون هم هم سوى كاتب السر فإنه القاضي محيي الدين بن فضل الله، =
وفي يوم الأربعاء ثاني المحرّم درّس بحلقة صاحب حمص الشيخ الحافظ صلاح الدين العلائي
(1)
، نزل له عنها شيخنا الحافظ المِزِّي، وحضر عنده الفقهاء والأعيان، وذكر درسًا حسنًا مفيدًا.
وفي يوم الجمعة رابع المحرم حضر قاضي القضاة علاء الدين القونوي
(2)
مشيخة الشيوخ بالسُّمَيْسَاطية عوضًا عن القاضي المالكي شرف الدين
(3)
، وحضر عنده الفقهاء والصّوفية على العادة.
وفي يوم الأحد ثامنَ عشرَ صفر درَّس بالمَسْرُوريّة تقي الدين عبد الرحمن بن الشيخ كمال الدين بن الزَّمْلَكاني عوضًا عن جمال الدين بن الشَّرِيشي بحكم انتقاله إلى قضاء حمصَ، وحضر الناس عنده وترحَّموا على والده
(4)
.
وفي يوم الأحد خامس عشري صفر وصل إلى دمشق الأمير الكبير صاحب بلاد الروم تَمْرُتَاش بن جُوبان، قاصدًا إلى مصرَ، فخرج نائبُ السّلطنة والجيش لتلقِّيه، وهو شابٌّ حسنُ الصُّورة تامُّ الشكل مليحُ الوجه، ولمّا انتهى إلى السلطان بمصرَ أكرمه وأعطاه تقدمة ألف، وفُرِّق أصحابه على الأمراء وأُكرموا إكرامًا زائدًا، وكان سبب قدومه إلى مصر
(5)
أن صاحب العراق الملك أبا سعيد كان قد قتل أخاه خَواجَا دِمَشْقِ
(6)
في شوّال من السنة الماضية، فهمّ والده جوبان بمحاربة السُّلطان أبي
(7)
سعيد فلم يتمكَّن من ذلك، وكان جُوبان إذ ذاك مدبر الممالك، فخاف تَمُرْتَاش هذا عند ذلك من السلطان ففر هاربًا بدمه إلى السطان الناصر بمصر.
وفي ربيع الأول توجه نائب الشام سيف الدين تَنْكِز إلى الدّيار المصرية لزيارة السلطان فأكرمه واحترمه واشترى في هذه السَّفرة دار الفلوس التي بالقرب من
(8)
البزوريين والجَوْزية، وهي شرقيها، وقد كان سوق البزورية اليوم يسمّى سوق القمح، فاشترى هذه الدار وعمرها دارًا هائلة ليس بدمشقَ دارٌ أحسنُ منها، وسمّاها دار الذهب، وهدم حمّام سُوَيْد تلقاءها وجعله دار قرآن وحديث وجاءت
(9)
في غاية
= عوضًا عن شمس الدين بن الشهاب محمود توفي بالسنة الماضية، وليس بدمشق شادّ الدواوين، ثم ولي في المحرّم شد الدواوين الأمير سيف الدين. اهـ
(1)
هو: خليل بن كَيْكَلْدي العلائي، سيأتي في وفيات سنة (761 هـ).
(2)
في ب: الحريري. وهو غلط، والقونوي: هو علي بن محمود بن حميد بن موسى سيأتي في وفيات سنة (749 هـ). الدارس (2/ 155).
(3)
هو محمد بن أبي بكر بن طاهر الهمداني النويري. مات سنة (748 هـ) الدارس (2/ 158).
(4)
الدارس (1/ 457) والمسرورية: مدرسة كانت بباب البريد.
(5)
في ب: إلى السلطان الناصر.
(6)
في ط: جواجا رمشتق، وهو تحريف، وفي الدرر الكامنة (1/ 518):(دشتى) ولعلّه توهم، وفي النجوم الزاهرة (9/ 273):(دِمَشْقَ حَجَا).
(7)
في الأصل: أبا وهو غلط.
(8)
في ب: بالقرب من حمام نور الدين بسوق القمح.
(9)
ليست في ط.
الحسن أيضًا، وأوقف عليها أماكنَ، ورتّب فيها المشايخ والطلبة كما سيأتي تفصيله في موضعه
(1)
، واجتاز برجوعه من مصرَ بالقدس الشريف وزاره وأمر ببناء حمَّام ومدرسة ودار
(2)
حديث أيضًا به، وخانقاه كما يأتي بيانه.
وفي آخر ربيع الأول وصلت القناة إلى القدس التي أمر بعمارتها وتجديدها سيف الدين تَنْكِز قُطْلُبَك، فقام بعمارتها مع ولاة تلك النواحي، وفرح المسلمون بها ودخلت حتى إلى وسط
(3)
المسجد الأقصى، وعمل به بركة هائلة، وهي مرخَّمة ما بين الصخرة والأقصى، وكان ابتداء عملها من شوال من السنة الماضية. وفي هذه المدة عمر سقوف ورواقات
(4)
المسجد الحرام وأبوابه
(5)
، وعمرت، وعمرت بمكَّة طَهارة ممّا يلي باب بني شَيْبة.
قال البرزالي: وفي هذا الشهر كَمُلَت عِمارة الحَمَّام الذي بسوق باب توما، وله بابان.
وفي ربيع الآخر نقض التّرخيمُ الذي بحائط جامع دمشق القبلي من جهة الغرب مما يلي باب الزِّيادة، فوجدوا الحائط متجافيًا
(6)
فخيف من أمره، وحضر تَنْكِز بنفسه ومعه القضاة وأرباب الخبرة، فاتّفق رأيهم على نقضه وإصلاحه، وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشري ربيع الآخر، وكتب نائب السلطنة إلى السلطان يعلمه بذلك ويستأذنه في عمارته، فجاء المرسوم بالإذن بذلك، فشُرع في نقضه يوم الجمعة خامس عشري جُمادى الأولى، وشرعوا في عمارته يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة، وعمل محرابٌ فيما بين باب
(7)
الزِّيادة ومقصورة الخطابة يضاهي محراب الصَّحابة، ثم جدُّوا ولازموا في عمارته، وتبرّع كثيرٌ من الناس بالعمل فيه من سائر الناس، فكان يعمل فيه كل يوم أزيد من مئة رجل، حتى كَمُلت عمارةُ الجدار وأُعيدت طاقاته وسقوفه في العشرين من رجب، وذلك بهمَّة تقي الدين بن مراجل، وهذا من العجب فإنه نُقِضَ الجدار وما يسامتُه من السّقف، وأُعيد في مدة لا يتخيّل إلى أحد أن عمله يفرغ في
(8)
هذه المدة جزمًا، وساعدهم على سرعة الإعادة حجارةٌ وجدوها في أَساس الصَّومعة الغربية التي عند الغَزَالية، وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة كما في الغربية والشرقية والقبليَّتين
(9)
منه فأُبيدت
(1)
الدارس (1/ 123).
(2)
في ط: به وبناء. وأثبتنا ما في ب.
(3)
في ط: حتى إلى شط وهو تحريف.
(4)
في ط: شرافات.
(5)
في ط: وإيوانه.
(6)
في الذيل (ص 155): (منحدبًا).
(7)
ليست في ط.
(8)
في ط: فيما يقارب.
(9)
في ط: القبلتين. وهو تحريف.
الشماليتان قديمًا ولم يبق منهما من مدة ألوف من السنين سوى أس هذه المئذنة الغربية الشمالية، فكانت من أكبر العون على إعادة هذا الجدار سريعًا. ومن العجب أن ناظر الجامع ابن مراجل لم ينقص أحدًا من أرباب المرتبات على الجامع شيئًا مع هذه العمارة
(1)
.
وفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى وقع حريق عظيم بالفرَّائين
(2)
واتصل بالرمَّاحين، واحترقت القيسارية والمسجد الذي هناك، وهلك للنّاس شيء كثير من الفِراء والجوخ والأقمشة، فإنا لله وإنا إليه راجعون
(3)
.
وفي يوم الجمعة عاشره بعد الصّلاة صُلِّي على القاضي شمس الدين بن الحريري قاضي قضاة الحنفية بمصرَ، وصُلّي عليه صَلاةُ الغائب بدمشقَ.
وفي هذا اليوم قدم البريدُ يطلب برهان الدين بن عبد الحق الحنفي
(4)
إلى مصر ليلي القضاء بها بعد ابن الحريري، فخرج مسافرًا إليها، ودخل مصر في خامس عشري جُمادى الأولى، واجتمع بالسلطان فولّاه القضاء وأكرمه وخَلَع عليه وأَعطاه بغلة
(5)
بِزناري، وحكم بالمدرسة الصَّلاحية بحضرة القضاة والحجاب، ورسم له بجميع جهات ابن الحريري.
وفي يوم الإثنين تاسع جمادى الآخرة أُخرج ما كان عند الشيخ تقي الدين بن تيمية من الكتب والأوراق والدّواة والقلم، ومُنع من الكتب والمطالعة، وحُملت كتُبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة.
قال البرزالي: وكانت نحو ستين مجلدًا، وأربعَ عَشْرةَ ربطة كراريس، فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرقوها بينهم
(6)
، وكان سبب ذلك أنه أجاب لما كان رد عليه التقي بن الأخنائي المالكي في مسألة الزيارة فرد عليه الشيخ تقي الدين واستجهله وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم
(6)
، فطلع الأخنائي إلى السُّلطان وشكاه، فرسم السطان عند ذلك بإخراج ما عنده من ذلك وكان ما كان، كما ذكرنا
(6)
.
وفي أواخره رسم لعلاء الدين بن القلانسي
(7)
في الدست، مكان أخيه جمال الدين
(8)
توقيرًا
(1)
الدارس (2/ 394 - 395) الشذرات (6/ 80).
(2)
في ط: القرايين. وجاء محرفًا في كثير من المصادر. وهو نسبة لصنع الفراء.
(3)
الذيل (ص 156).
(4)
هو: إبراهيم بن علي بن محمد. وسيأتي في وفيات سنة (744 هـ).
(5)
في ط: بلغة.
(6)
جميعها ليست في ب.
(7)
هو: علي بن محمد بن محمد بن نصر الله
…
سيأتي في وفيات سنة (736 هـ).
(8)
هو: أحمد بن محمد .... سيأتي في وفيات سنة (731 هـ).
لخاطره عن المباشرة، وأن يكون معلومه على قضاء العساكر والوكالة، وخلع عليهما بذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشري رجب رُسم للأئمة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بالصّلاة في الحائط القبلي من الأموي، فعُيّن المحراب الجديد الذي بين باب
(1)
الزيادة والمقصورة للإمام الحنفي، وعُيّن محراب الصحابة للمالكي، وعين محراب مقصورة الخَضِر الذي كان يصلي فيه المالكي للحنبلي، وعوِّض إمام محراب الصَّحابة بالكلَّاسة، وكان قبل ذلك في حال العمارة قد بلغ محراب الحنفية من المقصورة المعروفة بهم، ومحراب الحنابلة من خلفهم في الرواق الثالث الغربي وكانا بين الأعمدة، فَقُلِعت
(2)
تلك المحاريب، وعوّضوا بالمحاريب المستقرة بالحائط القبلي واستقر الأمر كذلك.
وفي العشرين من شعبان مسك الأمير تَمُرْتَاش بن جُوبان الذي أتى هاربًا إلى السطان الناصر بمصر وجماعة من أصحابه
(3)
، وحُبسوا بقلعة مصر
(4)
، فلما كان ثاني شوال أُظهر موتُه، يقال: إنّه قتله السلطان وأرسل رأسَه إلى أبي سعيد صاحب العراق ابن خَرْبَنْدا ملك التتار.
وفي يوم الإثنين ثاني شوال خرج الركب الشامي وأميره فخر الدين عثمان بن الأمير
(5)
شمس الدين لؤلؤ الحلبي أحد أمراء دمشق، وقاضيه قاضي قضاة الحنابلة عز الدين بن التقي سُلَيمان.
وممّن حج فيها الأمير حسام الدين الشُّبْمقدار، والأمير قَبْجَق والأمير حسام الدين بن النجيبي وتقي الدين بن السَّلْعُوس وبدر الدين بن الصّائغ وابنا جهبل والفخر المصري، والشيخ علم الدين البِرْزالي، وشهاب الدين الطَّاهري.
وقبل ذلك بيوم حكم القاضي جمال الدين
(6)
المنفلوطي الذي كان حاكمًا ببعلَبَكَّ بدمشقَ نيابة عن شيخه قاضي القضاة علاء الدين القُونوي، وكان مشكور السيرة، تألَّم أهلُ بعلَبَكَّ لفقده، فحكم بدمشقَ عوضًا عن القونوي بسبب عزمه على الحجّ، ثم لما رجع الفخر من الحج عاد إلى الحكم واستمر المَنْفلوطيّ يحكم أيضًا، فصاروا ثلاثةَ نوّاب: ابن جملة والفخر المصري وجمال الدين
(7)
المنفلوطي.
وسافر القاضي معين الدين
(7)
بن الحشيش في ثاني عشري شوال إلى القاهرة لينوب عن القاضي فخر الدين كاتب المماليك إلى حين رجوعه من الحجاز، فلما وَصَل وُلّيَ حجابة ديوان الجيش،
(1)
ليست في في ط.
(2)
في ط: نقلت.
(3)
ليست في في ب.
(4)
في ب: القاهرة.
(5)
ليست في ط. الدرر الكامنة (2/ 450).
(6)
ليست في الأصل وط.
(7)
ليست في الأصل وط.
واستمرّ هناك، واستقل قطبُ الدين ابن شيخ السلامية بنظر الجيش بدمشق على عادته.
وفي شوّال خُلع على أمين الملك بالديار المصرية، ووُلّيَ نظر الدَّواوين فباشره شهرًا ويومين وعُزل عنه.
ذكر وفاة شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية قدّس الله روحه
قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه: وفي ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة توفي الشيخ الإمام العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد القدوة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن تيمية الحرّاني ثم الدمشقي، بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسًا فيها، وحضر جمع كثير إلى القلعة، فأذن لهم في الدخول عليه، وجلس جماعة عنده قبل الغُسْل وقرؤوا القرآن وتبرّكوا برؤيته وتقبيله، ثم انصرفوا، ثم حضر جماعةٌ من النِّساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن واقتُصِرَ على من يُغَسِّله، فلما فرغ من غسله أُخرج وقد
(1)
اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضًا وصحنه والكلّاسة وبابُ البريد وباب السّاعات إلى باب اللبادين والفَوَّارة، وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع، والجند قد احتاطوا بها
(2)
) يحفظونها من الناس من شدة الزحام، وصُلّي عليه أولًا بالقلعة، تقدم في الصلاة عليه أولًا الشيخ محمد بن تمَّام
(3)
، ثم صُلّي عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر، وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره، ثم تزايد الجمع إلى أن ضاقت الرِّحاب والأزقَّة والأسواق بأهلها ومن فيها، ثم حمل بعد أن صُلّي عليه على الرؤوس، والأصابع، وخرج النَّعش به من باب البريد واشتدَّ الزحام وعلتِ الأصوات بالبكاء والنحيب والتَّرحُّم عليه والثناء والدعاء له، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم وثيابهم، وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة، وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر، وتارة يقف حتى تمر الناس، وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام، كل باب أشد زحمة من الآخر، ثم خرج الناس من أبواب البلد جميعها من شدة الزحام فيها، لكن كان معظم الزحام من الأبواب الأربعة: باب الفرج الذي أُخرجت منه الجنازة، وباب الفراديس، وباب النصر، وباب الجابية. وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس، ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصّلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن، فلمّا قُضيت الصَّلاة حُمل إلى مقبرة الصُّوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله رحمهما الله، وكان دفنه قبل
(1)
في ط: ثمّ.
(2)
ليست في أ وب.
(3)
في ط: محد.
العصر بيسير، وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم، وأغلق النَّاسُ حوانيتهم ولم يتخلّف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور، مع الترحُّم والدعاء له، وأنَّه لو قَدَرَ ما تخلَّفَ، وحضر نساء كثيرات بحيث حُزِرْنَ بخمسة عشر ألف امرأة، غير اللاتي كنَّ على الأسطحة وغيرهن، الجميع يترحَّمن ويبكين عليه فيما قيل. وأما الرجال فحزروا بستين ألفًا إلى مئة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مئتي ألف، وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السِّدر الذي غُسِّل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مئة وخمسون درهمًا، وقيل: إن الطَّاقيَّة التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمئة درهمٍ. وحصل في الجنازة ضجيج وبكاءٌ كثير، وتضرُّع وختمت له ختمات كثيرة بالصَّالحية وبالبلد، وتردَّد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ليلًا ونهارًا يبيتون عنده ويُصبحون، ورُؤيت له مناماتٌ صالحةٌ كثيرة، ورثاه جماعة بقصائد جمة. وكان مولده يوم الإثنين عاشر ربيع الأول بحرَّان سنة إحدى وستين وستمئة، وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير، فسمع الحديث من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وابن عبدان والشيخ شمس الدين الحنبلي، والشيخ شمس الدين بن عطاء الحنفي، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، ومجد الدين بن عساكر، والشيخ جمال الدين البغدادي، والنجيب بن المقداد، وابن أبي الخير، وابن علان، وابن أبي بكر الهروي
(1)
. والكمال عبد الرحيم، والفخر علي، وابن شيبان، والشرف بن القواس، وزينب بنت مكي، وخلق كثير سمع منهم الحديث، وقرأ بنفسه الكثير وطلب الحديث وكتب الطباق والأثبات ولازم السّماع بنفسه مدة سنين، وقلَّ أن سمع شيئًا إلا حفظه، ثم اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًا كثير المحفوظ، فصار إمامًا في التفسير وما يتعلق به عارفًا بالفقه، فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره
(2)
، وكان عالمًا باختلاف العلماء، عالمًا في الأصول والفروع والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، وما قطع في مجلس ولا تكلَّم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفنَّ فنُّه، ورآه عارفًا به متقنًا له، وأما الحديث فكان حامل رايته
(3)
حافظًا له متنًا وإسنادًا
(4)
مميّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله متضلِّعًا من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليقُ مفيدة في الأصول والفروع، كَمُل منها جملةٌ وبُيِّضت وكُتبت عنه وقُرئت عليه أو بعضها، وجملة كبيرة لم يُكملها، وجملة كمَّلها ولم تبيَّض إلى الآن.
(1)
في ط: اليهودي وهو تحريف. وهو أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الهروي مات سنة (730 هـ) الدرر الكامنة (1/ 457).
(2)
ليست في ب.
(3)
ليست في ب.
(4)
ليست في ط.
وأثنى عليه وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره، مثل القاضي الخُويي
(1)
، وابن دقيق العيد، وابن النحاس، والقاضي الحنفي قاضي مصر ابن الحريري، وابن الزملكاني، وغيرهم، ووجدت بخط ابن الزملكاني أنه قال: اجتمعت فيه شروطُ الاجتهاد على وجهها، وأنَّ له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتَّبيين
(2)
، وكتب على تصنيف له هذه الأبيات:[من مجزوء الكامل]
ماذا يقولُ الواصفونَ لهُ
…
وصفاته جلَّتْ عن الحصرِ
هو حجةٌ الله قاهرةٌ
…
هو بينَنا أُعجوبةُ الدّهرِ
هو آيةٌ في الخَلْقِ ظاهرةٌ
…
أنوارُها أربَتْ على الفَجْرِ
(3)
وهذا الثناء عليه، وكان عمره يومئذ نحو الثلاثين سنة، وكان بيني وبينه مودة وصحبة من الصغر، وسماع الحديث والطلب من نحو خمسين
(4)
سنة، وله فضائل كثيرة، وأسماء مصنفاته وسيرته وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة وحبسه مرات وأحواله لا يحتمل ذكر جميعها في
(5)
هذا الموضع.
ولما مات كنت غائبًا عن دمشقَ بطريق الحجاز، ثم بلغنا خبر موته بعد وفاته بأكثر من خمسين يومًا لمّا وصَلْنا إلى تبوكَ، وحصل التأسُّف لفقده رحمه الله تعالى. هذا لفظه في هذا الموضع من "تاريخه".
ثم ذكر الشيخ علَم الدِّين بعد إيراد هذه الترجمة جنازة أبي بكر بن أبي داود وعظمها، وجنازة الإمام أحمد ببغداد وشهرتَها، وقال الإمام أبو عثمان الصابوني: سمعت أبا عبد الرحمن السيوفي يقول: حضرت جنازة أبي الفتح القوَّاس الزاهد مع الشيخ أبي الحسن الدَّارَ قُطني فلمّا بلَغ إلى ذلك الجمع العظيم أقبل علينا
(6)
وقال: سمعت أبا سهل بن زياد القطَّان يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع بينَنَا وبينَكُم الجنائز.
قال: ولا شك أن جنازة أحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة، بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك، وتعظيمهم له، وأن الدولة كانت تحبُّه، والشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله توفي ببلدة دمشق، وأهلها لا يعشرون
(7)
أهل بغداد حينئذ كثرة، ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعًا لو جمعهم سلطان قاهر، وديوان حاصر، لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته، وانتهوا إليها.
(1)
هو القاضي شهاب الدين محمد بن أحمد بن الخليل الخوبي الشافعي المتوفى سنة 693.
(2)
في ط: التديُّن وهو تحريف.
(3)
"أربت": فاقت.
(4)
ليست في ط.
(5)
ليست في الأصل وط.
(6)
أي: أبو الحسن الدارقطني.
(7)
أي: لا يبلغون عشرهم.
هذا مع أن الرجل مات بالقلعة محبوسًا من جهة السلطان، وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة، ممّا ينفِّر منها طباعَ أهل الأديان، فضلًا عن أهل الإسلام. وهذه كانت جنازته.
قال: وقد اتفق موتُه في سحر ليلة الإثنين المذكور، فذكر ذلك مؤذن القلعة على المنارة بها وتكلم به الحرَّاس على الأبرجة، فما أصبح الناس إلا وقد تسامعوا بهذا الخَطْب العظيم والأمر الجسيم، فبادر الناس على الفور إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه، حتى من الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهلُ الأسواق شيئًا، ولا فتحوا كثيرًا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح أوائل النَّهار على العادة، وكان نائب السَّلطنة تَنْكز قد ذهب يتصيَّدُ في بعض الأمكنة، فحارت الدولة ماذا يصنعون، وجاء الصاحب شمس الدين غبريال نائب القلعة فعزَّاه فيه، وجلس عنده، وفتح باب القلعة لمن يدخل من الخواص والأصحاب والأحباب، فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخِصَّاء أصحابه ومن رجال الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية، فجلسوا عنده يبكون ويئنُّون.
[عَلَى مِثْل لَيْلَى يَقتُلُ المَرْءُ نَفْسَهُ]
(1)
.
وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ أبي الحجاج المِزّي رحمه الله، وكشفتُ عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبَّلته، وعلى رأسه عمامةٌ بعَذَبَةٍ مغروزة وقد علاه الشَّيب أكثر مما فارقناه. وأخبر الحاضرين أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين خَتْمة، وشرعا في الحادية والثَّمانين، فانتهينا فيها إلى آخر اقتربت الساعة:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 - 55].
فشرع عند ذلك الشّيخان الصّالحان الخيِّران عبد الله بن المحب وعبد الله الزُّرعي الضرير - وكان الشيخ رحمه الله يحب قراءتهما - فابتدًا من أول سورة الرحمن حتى ختموا القرآن وأنا حاضرٌ أسمعُ وأَرَى.
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجتُ إلى مسجد هناكَ ولم يمكث
(2)
عنده إلا من ساعد في غسله، منهم شيخنا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصّالحين الأخيار، أهل العلم والإيمان
(3)
، فما فُرغ منه حتى امتلأت القلعة وضجَّ الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحُّم، ثم ساروا به إلى الجامع فسلكوا طريق
(1)
زيادة في ط.
وهو صدر بيت لقيس بن الملوّح المعروف بمجنون ليلى، والبيت بتمامه:
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه
…
وإن بات من ليلى على اليأس طاويا
ديوانه (ص 296)
(2)
في ط: يدعوا.
(3)
ليست في أ وب.
العماديَّة على العادلية الكبيرة، ثم عطفوا على ثلث الناطفانيين، وذلك أن سُوَيقة باب البريد كانت قد هدمت لتُصْلح، ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي، والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها ما لا يُحصي عدَّتهم إلا الله تعالى، فصرخ صارخٌ وصاح صائح: هكذا تكون جنائز أئمة السنَّة فتباكى الناسُ وضحُّوا عند سماع هذا الصارخ، ووضع الشيخ في موضع الجنائز مما يلي المقصورة، وجلس الناس من كثرتهم وزحمتهم على غير صفوف، بل مرصوصين رصًا لا يتمكن أحد من السجود إلا بكلفة جَوَّ الجامع وبراه إلى الأزقة والأسواق، وذلك قبل أذان الظهر بقليل، وجاء الناس من كل مكان
(1)
، ينوي خلق الصيام لأنهم لا يتفرَّغون في هذا اليوم لأكل ولا لشرب، وكثر الناس كثرة لا تُحدُّ ولا تُوصف، فلما فُرغ من أذان الظهر أُقيمت الصّلاة عقبه على السدّة خلاف العادة، فلما فرغوا من الصلاة خرج نائب الخطيب لغيبة الخطيب بمصر فصلى عليه إمامًا، وهو الشيخ علاء الدين الخراط، ثم خرج الناس من كل مكان من سائر
(2)
أبواب الجامع والبلد كما ذكرنا، واجتمعوا بسوق الخيل، ومن الناس من تعجّل بعد أن صلّى في الجامع إلى مقابر الصوفية، والناس في بكاء وتهليل في مخافتة، كل واحد بنفسه، وفي ثناءٍ وتأسُّف، والنّساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن: هذا العالم.
وبالجملة كان يومًا مشهودًا لم يعهد مثله بدمشق، اللّهم
(3)
إلا أن يكون في زمن بني أمية حين كان الناس كثيرين، وكانت دار الخلافة، ثم دفن عند أخيه قريبًا من أذان العصر على التحديد، ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة، وتقريب ذلك أنه عبارة عمّن أمكنه الحضور من أهل البلد وحواضره ولم يتخلف من الناس إلا القليل من الصغار والمخدَّرات، وما علمتُ أحدًا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلَّف عن الحضور في جنازته، [وهم ثلاثة أنفس: وهم ابن جملة، والصدر، والقحفازي، وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفًا على أنفسهم، بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا وأهلكهم الناس]
(4)
، وتردَّد شيخُنا الإمام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الأيَّام الثلاثة، وكذلك جماعةٌ من علماء الشَّافعية، وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبًا على حماره وعليه الجلالة والوقار رحمه الله.
وعُملت له ختمات كثيرة، ورؤيت له منامات باهرة
(5)
صالحة عجيبة، ورثي بأشعار كثيرة وقصائد مطوَّلة
(6)
جدًّا. وقد أُفردت له تراجم كثيرة، وصنَّف في ذلك جماعةٌ من الفضلاء وغيرهم، وسأُلخِّص
(1)
ليست في أ وب.
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في الأصل وط.
(4)
زيادة من ط.
(5)
ليست في الأصل وط.
(6)
ليست في أ وب.
من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه وفضائله وشجاعته وكرمه ونصحه وزهادته وعبادته وعلومه المتنوعة الكثيرة المحرّرة
(1)
ومُصَنَّفاته
(2)
الكبار والصغار، في العلوم كلِّها التي احتوت على غالب العلوم، ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسُّنَّة، وأفتى بها.
وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء، وممن يُخطئ ويُصيب، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لُجِّي، وخطؤه أيضًا مغفور له كما في "صحيح البخاري":"إذا اجتهَدَ الحاكم فأَصَابَ فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"
(3)
فهو مأجور.
وقال الإمام مالك بن أَنس: "كل أحد يؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر"
(4)
(5)
.
(1)
في ط: المجودة.
(2)
في ط: وصفاته وهو تحريف.
(3)
رواه البخاري رقم (6919) في الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ. وهو من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ولفظه فيه: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمَّ أخطأ فله أجر واحد" ومسلم أيضًا رقم (1716) في الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ.
(4)
هذا أثر، ذكر السُّيوطي في الدُّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (ص 108) تحقيق الأستاذ محمود الأرناؤوط: أن عبد الله بن الإمام أحمد ذكره في زوائد الزهد من طريق عكرمة عن ابن عبّاس قال: "ما من أحدٍ من الناس إلّا يؤخذ من قوله ويُدَعُ غير النبي صلى الله عليه وسلم".
(5)
هنا في الأصل الخطّي الذي اعتمدناه للمقابلة لهذا الجزء أقحم الناسخ قطعة صالحة تقع في (160) ورقةً في ترج ترجمة ابن تيمية - رحمه الله تعالى - بدأها بقوله:
إلى هنا انتهى ما ذكره المؤلف - يعني ابن كثير - من ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله من تاريخ البرزالي، وقد وعد أنه سيفرد له ترجمة خاصة فلا أدري هل فعل ذلك الوعد أو عاجلته منيّته قبل إنجازه، فإني لم أر للشيخ تقي الدين ترجمة مفردة معزوة إلى الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله ولم أسمع بها عنه من غيره".
"هذا آخر ما ذكره الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم الزاهد العابد الورع شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الطبراني الكاملي نفع الله به وعفا عنه من بعض ترجمة شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه.
وذلك ما ذكره الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله في كتابه هذا؛ البداية والنهاية.
وما ذكره الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي في ترجمته التي ألّفها.
وما أضفناه إلى ذلك مما ذكره العلماء في ترجمته. غير ذلك من المراثي نظمًا والثناء عليه نثرًا.
فجاءت هذه الترجمة بحمد الله وافية بالمقصود، حافلة مع أن المؤلف أن المؤلف وعد في هذا الكتاب أن يجمع له ترجمة حافلة منفردة غير ما في هذا الكتاب من ترجمة فلم نسمع بذلك، ولا رأينا ما وعد به، ولم يخبرنا أحد بها، وإنما وقعنا على ما عمله ابن عبد الهادي وغيره فنقلناه هنا، وقد عمل جماعة تراجم كثيرة لها، وما ذكرناه شاف كاف إن شاء الله، ونستغفر الله، ونسأله التوبة والمغفرة، إنه قريب مجيب رحيم ودود، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم".
عودٌ إلى المؤلف الأصلي:
"قال المؤلف رحمه الله بعد ترجمة الشيخ تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله.
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة نقل نائب السلطنة سيف الدين
(1)
تَنْكِز حواصله وأموالَه من دار الذَّهب داخل باب الفراديس إلى الدار التي أنشأها، وتُعرف بدار فلوس، فسميت دار الذهب، وعزل خَزِنْداره ناصر الدين محمد بن عيسى، وولي مملوكه أَبَاحي.
وفي ثاني عشري ذي القعدة جاء إلى مدينة عجلون سيل عظيم من أول النهار إلى وقت العصر، فهدم من جامعها وأسواقها ورباعها ودورها شيئًا كثيرًا، وغرقَ سبعةُ نفر، وهلَكَ للنَّاس شيء كثير من الأموال والغلّات والأمتعة والمواشي ما يقارب قيمته ألف ألف درهم والله أعلم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي يوم الأحد ثامن عشر ذي الحجة أَلزم القاضي الشافعي الشّيخُ علاءُ الدين القونوي جماعةَ الشُّهود بسائر المراكز أن يُرسلوا في عمائمهم العَذَبات
(2)
ليتميّزوا بذلك عن عوامِّ الناس، ففعلوا ذلك أيامًا ثم تضرَّرُوا من ذلك، فأرخص لهم في تركها، ومنهم من استمر بها.
وفي يوم الثلاثاء عشرين ذي الحجة أُفرج عن الشيخ الإمام العالم العلامة أبي عبد الله شمس الدين محمد
(3)
ابن قيّم الجوزية، وكان معتقلًا بالقلعة أيضًا، من بعد اعتقال الشيخ تقي الدين بأيامٍ من شعبان سنة ستٍّ وعشرين إلى هذا الحين، وجاء الخبر، وجاء الخبر بأن السلطان أفرج عن الجاولي
(4)
والأمير فرج بن قراسنقر
(5)
، ولاجين المنصوري
(6)
، وأحضروا بعد العيد بين يديه، وخلع عليهم.
وفيه وصل الخبر بموت الأمير الكبير جُوْبان
(7)
نائب السلطان أبي سعيد على تلك البلاد.
ووفاة قراسنقر المنصوري
(8)
أيضًا كلاهما في ذي القعدة من هذه السنة.
وجوبان هذا هو الذي ساق القناة الواصلة إلى المسجد الحرام
(9)
، وقد غرم عليها أموالًا جزيلة كثيرة
(10)
، وله تربة بالمدينة النبوية، ومدرسة مشهورة، وله آثار حسنة، وكان جيد الإسلام، له همَّة
(1)
ليست في ط.
(2)
"العَذَبة": هو ما يسدل من العمامة بين الكتفين.
(3)
ليست في ط.
(4)
هو علم الدين سنجر الجاولي بعد اعتقال ثماني سنين وثلاثة أشهر. النجوم الزاهرة (9/ 90).
(5)
توفي سنة (734 هـ) الدرر الكامنة (3/ 230).
(6)
حبسه الناصر بعد عودته من الكرك، فأقام سبعة عشر عامًا، ثم أفرج عنه ليلة عرفة. مات سنة (731 هـ). الدرر الكامنة (3/ 270).
(7)
الدرر الكامنة (1/ 542) النجوم الزاهرة (9/ 272).
(8)
وهو الذي مرَّ خبر فراره في سنة (712 هـ) إلى التتار. الدرر الكامنة (3/ 247) والنجوم الزاهرة (9/ 273) وفيه: وفاته كانت في شوال. والدارس (1/ 304).
(9)
سنة (726 هـ).
(10)
ليست في ب.
عالية وقد دبَّر الممالك في أيام أبي سعيد مدَّة طويلة على السداد، ثم أراد أبو سعيد مسكَه فتخلَّص من ذلك كما ذكرنا، ثم إن أبا سعيد قتل ابنه حَواجَا دِمَشْق في السَّنة الماضية ففر ابنه الآخر تَمُرْتَاش هاربًا إلى سلطان مصر، فآواه شهرًا ثم تردَّدت الرسل بين الملكين في قتله، فقتله صاحبُ مصر فيما قيل وأرسل برأسه إليه، ثم توفي أبوه بعده بقليل، والله أعلم بالسرائر
(1)
.
وأما قَرَاسُنقُر المنصوري فهو من جملة كبار أمراء مصر والشام، وكان من جملة من شارك في قتل الأشرف خليل بن المنصور كما تقدم، ثم ولي نيابة مصر مدة، ثم صار إلى نيابة دمشق ثم إلى نيابة حلب، ثم فر إلى التتر هو والأَفْرم والزَّرْدَكاشي فآواهم ملك التتار خَرْبَندا وأكرمهم وأقطعهم بلادًا كثيرة، وتزوَّج قَرَاسُنقُر بنت هولاكو ثم كانت وفاته بَمَراغَة
(2)
بلدِهِ التي كان حاكمًا بها في هذه السنة، وله نحو تسعين سنة والله أعلم.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
شيخ الإسلام العلامة تقي الدين بن تيمية
(3)
: كما تقدم ذكر ذلك في الحوادث وسنفرد له ترجمة على حدة إن شاء الله تعالى.
الشريف العالم الزاهد المحدث
(4)
: عز الدين أبو إسحاق إبراهيم
(5)
بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الحسيني العَرَّافي
(6)
الإسكندري الشافعي، سمع الكثير وحفظ "الوجيز في الفقه"
(7)
، و "الإيضاح"
(8)
في النحو، وكان زاهدًا متقللًا من الدُّنيا وبلغ تسعين سنةً، وعقله وعلمه وذهنه ثابت متيقِّظ، ولد سنة ثمان وثلاثين وستمئة، وتوفّي يومَ الجمعة خامس المحرم، ودُفن بالإسكندريّة بين الماوين رحمه الله.
(1)
النجوم الزاهرة (9/ 273).
(2)
بلدة عظيمة ومشهورة، وهي أعظم بلاد أذربيجان. ياقوت (5/ 93).
(3)
ترجمته في الذيل (ص 158) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 387) وفوات الوفيات (1/ 35) والدرر الكامنة (1/ 144) والنجوم الزاهرة (9/ 271) والدارس (1/ 75) والشذرات (6/ 80).
(4)
ليست في ط.
(5)
ترجمته في الذيل (ص 156) ودول الإسلام (2/ 180) والدرر الكامنة (1/ 10) والشذرات (6/ 80).
(6)
في الأصل وط والشذرات: العراقي بالعين المهملة. وأثبتنا ما في الذيل. قال بشار: وهو منسوب إلى الغَرَّاف البلد والنهر المشهور في جنوب العراق.
(7)
للإمام الغزالي.
(8)
لأبي علي الفارسي.
الشمس محمد
(1)
بن عيسى البكري
(2)
: كانت فيه شهامة وصرامة، وكان يكون بين يدي الشيخ تقي الدين بن تيمية كالمُنَفِّذ لما يأمر به وينهى عنه، ويرسله الأمراء وغيرهم في الأمور المهمة، وله معرفة ومروءة يبلِّغ رسالته على أتم الوجوه
(3)
.
توفي في الخامس من صفر بالقُبَيْبَات ودُفن عند الجامع الكريمي. رحمه الله تعالى.
الشيخ الصّالح
(4)
: أبو بكر
(5)
بن شرف بن محسن بن معن بن عمّار
(6)
الصّالحيّ.
ولد سنة ثلاث وخمسين وستمئة، وسمع الكثير صحبة الشيخ تقي الدين بن تيمية والمِزِّي
(7)
، وكان معهما كالخادم لهما، وكان فقيرًا ذا عيال يتناول من الزّكاة والصَّدقات ما يقوم بأَوَده، وأقام في آخر عمره بحمصَ، وكان فصيحًا مفوّهًا، له تعاليق وتصانيف في الأصول وغيرها، وكان له عبادة وفيه خير وصلاح، وكان يتكلّم على الناس بعد صلاة الجُمُعة إلى العصر من حفظه، وقد اجتمعتُ به مرة صحبةَ شيخنا المزِّي حين قدم من حمصَ، فكان قويَّ العبارة فصيحها متوسطًا بالعلم، له ميل إلى التصوُّف والكلام في الأحوال والأعمال والقلوب وغير ذلك، وكان يكثر ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية.
توفي بحمصَ في الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة، وقد كان الشيخُ يحضُّ النّاسَ على الإحسان إليه، وكان يعطيه ويرفده.
ابن الدّواليبي البغدادي: الشيخ الصالح العالم العابد الرّحلة المُسْند المعمَّر عفيف الدين أبو عبد الله محمد
(8)
بن عبد المحسن بن أبي الحسين بن عبد الغفار البغدادي الأزجي الحَنْبلي المعروف بابن الدواليبي، شيخ دار الحديث المُسْتَنصرية
(9)
، ولد في ربيع الأول سنة ثمان
(10)
وثلاثين وستمئة، وسمع
(1)
ترجمته في الدارس (2/ 419).
(2)
في ب: التدمري وفي ط: التكريدي.
(3)
بعد هذا في بعض النسخ: "وكان ممن يحب الشيخ تقي الدين" وليست في ب، والظاهر أنها من زيادات بعض القراء.
(4)
في ط: الشيخ أبو بكر الصالحالي.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 443).
(6)
في الأصل وأ: عثمان، وفي ط: عمان وأثبتنا ما في الدرر.
(7)
ليست في ب.
(8)
ترجمته في الذيل (ص 156) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 384) والدرر الكامنة (4/ 27) والنجوم الزاهرة (9/ 274) وفيه: المعروف بابن الخراط الدواليبي البغدادي. والشذرات (6/ 88) وكذلك فيه.
(9)
مدرسة في بغداد عمرها المستنصر بالله في (625 هـ) وانتهت سنة (631 هـ) على دجلة.
(10)
في ب: ثلاث وثلاثين. وفي الدرر: سبع وثلاثين - أو ثمان وثلاثين - أو تسع وثلاثين.
الكثير، وله إجازات عالية، واشتغل بحفظ "الخِرَقيّ"
(1)
، وكان فاضلًا في النحو وغيره، وله شعر حسن، وكان رجلًا صالحًا جاوز التسعين وصار رُحْلَةَ العراق.
وتوفي يوم الخميس رابع عشري
(2)
جمادى الأولى ودفن بمقبرة الإمام أحمد في
(3)
مقابر الشهداء رحمه الله.
وقد أجازني فيمن أجازَ من مشايخ بغداد والله الحمد.
قاضي القضاة شمس الدين بن الحريري: أبو عبد الله محمد
(4)
بن صفي الدين أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن عبد الوهاب الأنصاري الحنفي.
ولد سنة ثلاث وخمسين، وسمع الحديث واشتغل وقرأ "الهداية"
(5)
، وكان فقيهًا جيدًا، ودرَّس
(6)
بأماكن كثيرةٍ بدمشقَ، ثم ولّي القضاء بها، ثم خُطِبَ
(7)
إلى قضاء الديار المصرية فاستمرّ بها مدَّة طويلة منّزَة العرض، لا يقبل من أحد هدية، ولا تأخذه في الحكم لومة لائم، وكان يقول: إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن؟ وقال لبعض أصحابه: أتحبُّ الشيخ تقي الدين؟ قال: نعم، قال: والله لقد أحببتَ شيئًا مليحًا
(8)
.
توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادى الآخرة ودفن بالقَرَافة، وكان قد عَيَّن لمنصبه القاضي برهان الدين بن عبد الحق
(9)
فنُفِّذت وصيتُه بذلك، وأُرسل إليه إلى دمشقَ فأُحضر فباشر الحكم بعده وجميعَ جهاته.
الشيخ الإمام العالم المقرئ: شهاب الدين أبو العباس أحمد
(10)
بن الشيخ الإمام تقي الدين
(1)
مختصر الخرقي في فقه الحنابلة لأبي القاسم عمر بن الحسين الخِرَقي الفقيه الحنبلي. مات سنة (334 هـ) الوفيات (3/ 441).
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ط.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 157) والدرر الكامنة (4/ 39) والدارس (1/ 563) ومنادمة الأطلال (ص 182) وفيه: الجوبري نقلًا عن الوافي بالوفيات للصفدي (4/ 90).
(5)
الهداية كتاب في الفقه الشافعي، والذي في ط: الهدايا وهو تحريف.
(6)
الدارس (1/ 563).
(7)
في الدرر: طلب.
(8)
ليست في ب.
(9)
هو إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الحق برهان الدين، سيأتي في وفيات (744 هـ).
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 259) والشذرات (6/ 87).
محمد بن جبارة بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المرداوي الحنبلي، شارح "الشاطبية"
(1)
.
ولد سنة تسع وأربعين وستمئة، وسمع الكثير وعُنيَ بفن القراءات فبرز فيه، وانتفع النَّاسُ به، وقد أقام بمصر مدَّة واشتغل بها على القَرَافي
(2)
في أصول الفقه.
وتوفي بالقدس رابع رجب رحمه الله، وكان يعد من الصُّلحاء الأخيار، سمع من خطيب مردا وغيره.
ابن العاقولي البغدادي: الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله
(3)
بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت
(4)
الواسطي العاقولي ثم البغدادي الشافعي، مدرِّس المُسْتَنصرية مدّةً طويلة نحوًا من أربعين سنةً، وباشر نظر الأوقاف وعين لقضاء القضاة في وقت.
ولد ليلة الأحد عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمئة، وسمع الحديث وبرع واشتغل وأفتى من سنة سبع وخمسين إلى أن مات، وذلك مدة إحدى وسبعين سنة، وهذا شيء غريب جدًّا، وكان قويَّ النفس له وَجاهة في الدولة، فكم كشف كُرْبة عن الناس بسعيه وقَصْده.
توفي ليلة الأربعاء رابع عشري شوال، وقد جاوز التسعين سنة، ودُفن بداره، وكان قد وقفها على شيخ وعشرة صبيان يسمعون القرآن ويحفظونه، وأوقف عليها أملاكه كلَّها، تقبَّل الله منه ورحمه.
ودرَّس بعده بالمستنصرية قاضي القضاة قُطْب الدِّين.
الشَّيخ الصالح العالم التاجر البار: شمس الدين محمد
(5)
بن داود بن محمد بن يَسَاب
(6)
، السلامي البغدادي، أحد ذوي اليسار وله برٌّ تام بأهل العلم، ولا سيما أصحاب الشيخ تقي الدين]
(7)
، وقد أوقف كتبًا كثيرة، وحجَّ مرات، وتوفي ليلة الجمعة
(8)
رابع عشري ذي القعدة بعد وفاة الشيخ تقي الدين بأربعة أيام، وصلّي عليه بعد صلاة الجمعة ودفن بباب الصغير رحمه الله وأكرم مثواه.
(1)
قصيدة في القراءات مشهورة، للشيخ أبي محمد القاسم بن فِيُّرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرُّعيني الشاطبي الضرير المقرئ، واسم القصيدة: حرز الأماني ووجه التهاني. وعدّة أبياتها (1173) بيتًا. غاية النهاية (2/ 20) الوفيات (4/ 71).
(2)
في ط: الفزاري وهو تحريف.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 299) والشذرات (6/ 87).
(4)
في ط: تائب وهو تحريف.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 437).
(6)
في ط: ساب وفي الدرر: منتاب فليحرر.
(7)
ليست في ب.
(8)
في الأصل وأوط: الأحد وهو توهم. إذ كيف يموت ليلة الأحد ويُصلّى عليه بعد صلاة الجمعة.
وفي هذه الليلة توفيت الوالدة مَرْيم
(1)
بنت فرج بن مفرج بن علي من قرية كان الوالد خطيبَها، وهي مُجَيْدل القرية سنة ثلاث وسبعين وستمئة، وصُلّي عليها بعد الجمعة ودُفنت بالصُّوفية شرقي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله تعالى.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمئة
استهلت والخليفة والحكام هم المباشرون في التي قبلها، غير أن قطب الدين ابن شيخ السلامية استقلّ
(2)
بنظر الجيش
(3)
.
وفي المحرم طلب القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر بدمشق وولده الصّدر
(4)
شهاب الدين، وشرف الدين بن شمس الدين بن الشِّهاب محمود إلى مصرَ على البريد، فباشر القاضي الصّدر الكبير محيي الدين المذكور كتابة السرِّ بها عوضًا عن علاء الدين بن الأثير لمرض اعتراه، وأقام عنده ولده شهاب الدين، وأقبل شرف الدين بن
(5)
الشهاب محمود إلى دمشق على كتابة السرّ عوضًا عن ابن فضل الله
(6)
.
وفيه ذهب ناصر الدّين مشد الأوقاف ناظرًا على القدس والخليل، فعمر هنالك عمارات كثيرة لملك الأمراء تَنْكِز، وفتح في الأقصى شُبّاكين عن يمين المحراب وشماله.
وجاء الأمير نجم الدين داود بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن يوسف بن الزيبق من شد الدواوين بحمصَ إلى شدِّها بدمشقَ.
وفي يوم الخميس السادس والعشرين
(7)
من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي من جامع دمشق وبُسط الجامع جميعه، وصَلَّى النَّاسُ الجُمُعةَ به من الغد، وفتح باب الزِّيادة، وكان له أيامًا مغلقًا
(8)
وذلك في مباشرة تقي الدين بن مراجل
(9)
.
وفي ربيع الآخر قدم من مصرَ أولادُ الأمير شمس الدين قَرَاسُنقُر إلى دمشقَ فسكنوا في دار أبيهم داخل
(1)
لم أقع لها على ترجمة.
(2)
في ط: اشتغل.
(3)
في ب: لطلب صاحبه إلى مصر. وهو معين الدين بن الحشيش.
(4)
ليست في ط.
(5)
ليست في ط.
(6)
في ب: وكانت غيبته عنها سبعة وعشرين يومًا.
(7)
من ب، وفي الأصل وط:"وفي الحادي والعشرين" ولا يصح بموجب الحساب الفلكي.
(8)
في ب: بسبب الترخيم، وجاء الترخيم في غاية الحسن والبهجة وصرف عليه أموال كثيرة.
(9)
الدارس (2/ 395 - 396).
باب الفراديس، في دهليز المقدَّميَّة، وأُعيدت عليهم أملاكهم المخلَّفة عن أبيهم، وكانت تحت الحوطة، فلما مات في تلك البلاد أفرج عنها أو أكثرها.
وفي يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر أُنزل الأمير جُوبان وولدُه من قلعة المدينة النبوية وهما ميّتان مصبَّران في توابيتهما
(1)
، فصُلّي عليهما بالمسجد النبوي
(2)
، ثم دُفنا بالبقيع عن مرسوم السُّلطان، كان مُرَاد جُوْبان أن يُدفن في مدرسته، فلم يمكَّنْ من ذلك
(3)
.
وفي هذا اليوم صُلّي بالمدينة النبوية على الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وعلى القاضي نجم الدين البالسي المصري، صلاةَ الغائب.
وفي يوم الاثنين منتصف جمادى الآخرة درّس القاضي شهاب الدين أحمد بن جهبل بالمدرسة البادرائية عوضًا عن شيخنا برهان الدين الفزاري توفي إلى رحمة الله تعالى، وأخذ مشيخة دار الحديث منه الحافظ شمس الدين الذهبي، وحضرها في يوم الأربعاء سابع عشره، ونزل عن خطابة كفر
(4)
بطنا للشيخ جمال الدين المسلاتي المالكي
(5)
فخطب بها يوم الجمعة تاسع عشره.
وفي أواخر هذا الشهر قدم نائب حلب الأمير سيف الدين أَرْغُون إلى دمشق قاصدًا باب السلطان، فتلقَّاه نائبُ دمشقَ وأنزله بداره التي عند جامعه، ثمّ سار نحو مصرَ فغاب نحوًا من أربعين يومًا، ثم عاد راجعًا إلى نيابة حلب.
وفي عاشر رجب طلب الصاحب تقي الدين عمر
(6)
بن الوزير شمس الدين بن السّلعُوس
(7)
إلى مصرَ فولي نظر الدواوين بها حتى مات عن قريب
(8)
.
وخرج الركب يوم السبت تاسع شوال وأميره سيف الدين بلطي، وقاضيه شهاب الدين القيمري، وفي الحجّاج زوجة ملك الأمراء تَنْكِز، وفي خدمتها الطَّواشي شبل الدولة كافور
(9)
وصدر الدّين المالكي،
(1)
ذُكر من قبل: إنه قتل في بلاده. والظاهر أنه نقل إلى تربة له بالمدينة النبوية.
(2)
في النجوم الزاهرة (9/ 273) بعد أن طيف بهما في الحرم المكي مع الركب العراقي.
(3)
منعه السلطان بمرسوم.
(4)
ليست في ط. وهي قرية مشهورة من قرى غوطة دمشق.
(5)
هو: محمد بن عبد الرحيم بن علي السلمي المسلاتي. مات سنة (771 هـ) الدارس (1/ 358).
(6)
في ط: بن عمر ولعله تطبيع.
(7)
وهو: عمر بن محمد بن عثمان بن أبي رجاء بن أبي الزهراء الصاحب شمس الدين بن السلعوس.
(8)
سيأتي في وفيات سنة (731 هـ).
(9)
ليست في ط.
وصلاح الدّين ابن أخي الصاحب تقي الدّين توبة
(1)
، وأخوه شرف الدين، والشيخ علي المغربي، والشيخ عبد الله الضرير وجماعة.
وفي بُكْرَة الأربعاء ثالث عشر
(2)
شوال، جلس القاضي ضياء الدين علي بن سليم بن ربيعة
(3)
للحكم بالعادليّة الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة القُونوي، وعوضًا عن الفخر المصري بحكم نزوله عن ذلك وإعراضه عنه تاسع عشر رمضان من هذه السنة.
وفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة بعد أذان الجمعة صعد إلى منبر جامع الحاكم بمصرَ شخصٌ من مماليك الجَاوْلي يقال له أَرْصَى، فادّعى أنه المَهديُّ وسجَع سَجَعاتٍ يسيرة على رأي الكهّان، فأُنزل في شرِّ خَيْبةٍ، وذلك قبل حضور الخطيب بالجامع المذكور.
وفي ذي القعدة وما قبله وما بعده من أواخر هذه السنة وأوائل الأخرى وُسِّعت الطُّرقات والأسواق داخل دمشقَ وخارجها، مثل سوق السّلاح والرصيف والسوق الكبير وباب البريد ومسجد القصب إلى الزنجبيلية، وخارج باب الجابية إلى مسجد الذُّبان
(4)
، وغير ذلك من الأماكن التي كانت تضيق عن سلوك الناس
(5)
، وذلك بأمر تَنْكز، وأمر بإصلاح القنوات، واستراح الناس من ترشيش
(6)
الماء عليهم بالنجاسات.
ثم في العشر الأخير من ذي الحجة رُسم بقتل الكلاب فقُتل منها شيء كثير جدًّا، ثم جمعوا خارج باب الصغير مما يلي باب كَيْسان
(7)
في الخندق، الخندق، وفُرِّق بين الذكور منهم والإناث ليموتوا سريعًا. ولا يتوالدوا، وكانت الجيف والميتات تنقل إليهم، فاستراح النّاس من النَّجاسة من الماء والكلاب، وتوسعت لهم الطرقات
(8)
.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرَ ذي الحجة حضر مشيخة الشيوخ بالسُّمَيْساطية قاضي القضاة شرف الدين المالكي بعد وفاة قاضي القضاة القونوي الشافعي، وقُرئ تقليده بالمشيخة بها، وحضره الأعيان وأعيد إلى ما كان عليه.
(1)
"توبة": هو توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع التكريتي. مات سنة (698 هـ) الدارس (2/ 237).
(2)
ليست في أ وط. وأثبتناها من ب.
(3)
مات في الرملة سنة (731 هـ) ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 53).
(4)
مسجد خارج باب الجابية وهو شرقي التربة الركنية المنجكية. الدارس (2/ 232).
(5)
في ب: في المدارس والمساجد والأملاك العامة.
(6)
في ط: ترتش وهو تحريف.
(7)
باب من أبواب دمشق من الجنوب وقد فتح عام (765 هـ) بعد غلقه ما يزيد عن مئتي سنة، كما سيأتي ومن ثمّ هُدم وبُنَي مكانه كنيسة القديس بولص. . الدارس (2/ 318) دمشق القديمة للمنجد.
(8)
الذيل (ص 159).
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الإمام العالم الزاهد مفتي المسلمين
(1)
: نجم الدين أبو عبد الله محمد
(2)
بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي الشافعي، شارح "التنبيه".
ولد سنة ستين وستمئة، وسمع الحديث واشتغل بالفقه وغيره من فنون العلم، فبرع فيها، ولازم ابنَ دقيق العيد ونابَ عنه في الحكم، ودرَّس بالمَغْربيّة والطَّيبرسية وجامع مصر، وكان مشهورًا بالفضيلة والديانة وملازمة الاشتغال.
توفي ليلة الخميس رابعَ عشرَ المحرم ودفن بالقَرَافة، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله.
الأمير سيف الدين قُطُلُوبَكَ الشَّشْنَكير
(3)
الرُّومي
(4)
: كان من أكابر الأمراء وولي الحُجُوبيّة في وقت، وهو الذي عمر القناة بالقدس، توفي يوم الإثنين سابع ربيع الأول ودفن بتربته شمال باب الفراديس
(5)
، وهي مشهورةٌ حسنة، وحضر جنازته بسوق الخيل النائبُ والأمراءُ.
محدِّثُ اليَمن: شرف الدين أحمد
(6)
بن فقيه زبيد أبي الخير
(7)
بن منصور الشّماخيّ المَذْحِجيّ.
روى عن المكِّيين وغيرهم، وبلغت شيوخه خمسمئة أو أزيد، وكان رحلة تلك البلاد ومفيدها الخير، وكان فاضلًا في صناعة الحديث والفقه وغير ذلك.
توفي في ربيع الأوَّل من هذه السنة.
نجم الدين أبو الحسن: علي
(8)
بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الواحد أبو محمد بن المسلم.
أحد رؤساء دمشق المشهورين، له بيتٌ كبيرٌ ونسبٌ عريق، ورياسةٌ باذخة وكرم زائد، باشر نظر الأيتام مدَّة، وسَمع الكثير وحدَّث، وكانت له فضائل وفوائد، وله الثروة الكثيرة.
(1)
ليست في ط.
(2)
ترجمته في الذيل (ص 159 - 160) وطبقات الشافعية للسُّبكي (6/ 23) والدرر الكامنة (4/ 50) والنجوم الزاهرة (9/ 280) والشذرات (6/ 91).
(3)
في ط: التشنكير وهو تصحيف.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 254) والدارس (2/ 272).
(5)
التُّربة القُطِّلُوبَكيّة، شمالي باب الفراديس. الدارس (2/ 272) ومنادمة الأطلال (ص 347).
(6)
ترجمته في طبقات صلحاء اليمن للسكسلي: (ص 27).
(7)
في أ وط (أبي الحسين) انظر طبقات صلحاء اليمن.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 114) وفيه: علي بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن هلال نجم الدين الأزدي. والشذا (6/ 91) والدارس (1/ 168).
ولد سنة تسع وأربعين وستمئة، ومات يوم الإثنين صَحْوة خامس ربيع الآخر، وصُلّي عليه بعد الظهر بالأموي، ودُفن بسفح قاسيون بتربة أعدها لنفسه، وقبران عنده، وكَتب على قبره {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الآية [الزمر: 53].
وسمعنا عليه "الموطّأ" وغيره.
الأمير بَكْتَمُر الحاجب
(1)
: صاحب الحمام المشهور خارج باب النّصر في طريق مقابر الصُّوفية من ناحية الميدان، كانت وفاته بالقاهرة في عشرين ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته التي أنشأها إلى جانب داره هناك.
الشَّيخ شرف الدين عيسى بن محمد
(2)
بن قراجا بن سليمان: السُّهْرَوَرْدي
(3)
الصُّوفي الواعظ، له شعر ومعرفة بالألحان والأنغام، ومن شعره قوله:[من البسيط]
بُشْراكَ يا سَعْدُ هَذَا الحيُّ قَدْ بَانَا
…
فخلِّها تَسْتَطِيلُ الأَيْكَ والبَانَا
منازِلٌ ما ورَدْنَا طِيْبَ مَوْرِدِهَا
…
حَتَّى شَرِبْنَا كؤوس الموت أَلوانا
(4)
مِتنا غرامًا وشوقًا في المسير فمذْ
…
وافى نسيمُ اللقا والقُربِ أَحْيانا
(5)
توفّي في ربيع الآخر.
شيخُنَا العلَّامة برهان الدين الفزاري: هو الشيخ الإمام العالم شيخ المذهب وعلَمه ومفيد أهله، شيخ الإسلام مفتي الفِرَق بقية السَّلف برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم
(6)
ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرئ المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة ستين وستمئة، الحديث واشتغل على أبيه، وأعاد في حلقته وبرعَ وساد أقرانَه، وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره، ثم كان في منصب أبيه في التدريس بالبادرائية، وأشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون، وقد
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 483) ووفاته فيه سنة (728 هـ) النجوم الزاهرة (9/ 277).
(2)
في ب: ابن محمد مرة ثانية، وكذلك في الدرر الكامنة (3/ 209).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 209 - 210). والسُّهرَوردي: نسبة إلى أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عَمُّويه، ولد في سُهْرَورد سنة (539 هـ) وتوفي في بغداد سنة (632 هـ).
قال في الدرر: (وكان سُهْرَوَرديّ الخِرقة).
(4)
في ب: شهدنا كؤوس.
(5)
وقع في الأبيات تصحيفات وتحريفات أفسدت المعنى.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 160) وطبقات الشافعية (6/ 45) والفوات (1/ 32) والدرر الكامنة (1/ 34) والشذرات (6/ 88) والدارس (1/ 208) ووفاته فيه بسنة (728 هـ).
عُرضت عليه المناصب الكبار فأباها، فمن ذلك أنه باشر الخطابة بعد عمه العلامة شرف الدين مدة ثم تركها وعاد إلى البادرائية، وعرض عليه قضاء قضاة الشام بعد ابن صَصْرَى وألحّ نائب الشام عليه بنفسه وأعوانه من الدَّولة فلم يقبل، وصمَّم وامتنع أشد الامتناع، وكان مقبلًا على شأنه عارفًا بزمانه مستغرقًا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلًا ونهارًا، كثير المطالعة وإسماع الحديث، وقد سمعنا عليه "صحيح مسلم" وغيره، وكان يدرّس بالمدرسة المذكورة، وله تعليق كثير على "التنبيه"، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره، وله تعليق على "مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه، أصول الفقه، وله مصنفات في غير ذلك كبار. وبالجملة فلم أرَ شافعيًّا من مشايخنا مثلَه، وكان حسَن الشّكل، عليه البهاء والجلالة والوقار، حسن الأخلاق، فيه حِدَّةٌ ثمَّ يعودُ قريبًا، وكرمُه زائد وإحسانه إلى الطلبة كثير، وكان لا يقتني شيئًا بل
(1)
يصرف مرتّبه وجامكيَّة مدرسته في مصالحه، وقد درَّس بالبادرائية من سنة تسعين
(2)
وستمئة إلى عامه هذا.
توفي بُكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأُولى بالمدرسة المذكورة، وصُلّي عليه عقب الجمعة بالجامع وحُملت جنازته على الرؤوس وأطراف الأَنامل، وكانت حافلةً، ودفن عند أبيه وعمِّه وذويه بباب الصَّغير رحمه الله تعالى.
الشَّيخ الإمام العالم الزّاهد الوَرع: مجد الدين إسماعيل
(3)
الحرَّاني
(4)
الحنبلي، ولد سنة ثمان وأربعين وستمئة، وقرأَ القرآن
(5)
وسمع الحديث في دمشق، حين انتقل مع أهله إليها سنة إحدى وسبعين
(6)
، واشتغل على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، ولازمه وانتفع به، وبَرَع في الفقه وصحَّة النقل وكَثرة الصَّمت عمَّا لا يعنيه، ولم يزل مواظبًا على جهاته ووظائفه لا ينقطع عنها إلا من عذر شرعي، إلى أن توفي ليلة الأحد تاسع جُمادى الأولى ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
وفي هذا الحين توفّي الصّاحب شرف الدّين يعقوب
(7)
بن عبد الكريم
(8)
: الذي كان ناظر الدواوين بحلبَ، ثم انتقل إلى نظرها بطرابُلُس. توفي بحماة، وكان محبًا للعلماء وأهل الخير، وفيه كرم وإحسان، وهو والد القاضي ناصر الدّين
(9)
كاتب السرِّ بدمشق، وقاضي العساكر الحلبية ومشيخة
(1)
في ط: و.
(2)
في ط: سبعين وهو توهم، لأن ولادته سنة (660 هـ).
(3)
ترجمته في الذيل (ص 161) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 408) والدرر الكامنة (1/ 377) والشذرات (6/ 89).
(4)
في ب: إسماعيل بن محمد بن إسماعيل، وكذلك في الدليل، وزاد في الذيل والدرر والشذرات الفرّاء الحراني.
(5)
في ط: القراءات.
(6)
ليست في أ وب.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 434) والنجوم الزاهرة (9/ 280).
(8)
في ط: عبد الله.
(9)
هو: محمد بن يعقوب وسيأتي في وفيات سنة (763 هـ).
الشيوخ بالسُّمَيْساطية، ومدرّس الأسدية بحلب، والناصرية والشامية الجوانية بدمشق
(1)
.
القاضي معين الدين: هبة الله بن علم الدين مسعود
(2)
بن أبي المعالي عبد الله بن أبي الفضل بن الحَشيش
(3)
الكاتب وناظر الجيش بمصر
(4)
في بعض الأحيان، ثم بدمشق مدة طويلة مستقلًا ومشاركًا لقطب الدين ابن شيخ السلامية، وكان خبيرًا بذلك يحفظه على ذهنه، وكانت له يدٌ جيدة في العربية والأدب والحساب وله نظم جيد، وفيه تودُّد وتواضُع.
توفّي بمصرَ في نصف جمادى الآخرة، ودفن بتربة الفخر كاتب المماليك
(5)
.
قاضي القضاة وشيخ الشيوخ
(6)
علاء الدين القُونَويّ: أبو الحسن عليّ
(7)
بن إسماعيل بن يوسف القُونَوي التبريزي الشّافعي، ولد بمدينة قونية
(8)
في سنة ثمان وستين وستمئة تقريبًا واشتغل هناك، وقدمَ دمشقَ سنة ثلاث وتسعين، وهو معدود [من] الفُضَلاء فازداد بها اشتغالًا. الحديث وتصدَّر للإشغال بجامعها ودرَّس بالإقبالية، ثم سافرَ إلى مصرَ فدرَّس بها في عدَّة مدارس كبار، وولي مشيخة الشيوخ بها وبدمشق، ولم يزل يشغل بها وينفع الطلبة إلى أن قدم دمشق قاضيًا عليها في سنة سبع وعشرين، وله تصانيف في الفقه وغيره، وكان يحرز علومًا كثيرة منها النَّحو والتَّصريف والأَصلان والفقه، وله معرفة جيدة، بـ "كشَّاف" الزمخشري، وفهم في
(9)
الحديث، وفيه إنصاف كثير وأوصاف حسنة، وتعظيم لأهل العلم.
وخرِّجتْ له مشيخة سمعناها عليه، وكان يتواضع لشيخنا المزي كثيرًا.
توفي ببستانه بالسَّهم
(10)
يوم السبت بعد العصر رابعَ عشرَ ذي القعدة، وصُلِّي عليه من الغد، ودُفن بسفح قاسيون سامحه الله.
الأمير حسام الدين لاجين
(11)
المنصور الحُسَامي: ويُعرف بلاجين الصَّغير ولي البريد بدمشقَ
(1)
الدارس (2/ 159).
(2)
ترجمته في الذيل (ص 162) والدرر الكامنة (4/ 403). والنجوم الزاهرة (9/ 280) والشذرات (6/ 92).
(3)
في ط: ابن الخشيشي وهو تحريف.
(4)
في الأصل: بدمشق. وهو وهم.
(5)
هو: فخر الدين المصري.
(6)
ليست في ط.
(7)
ترجمته في الذيل (ص 162) وطبقات الشافعية (6/ 144) والدرر الكامنة (3/ 24) والنجوم الزاهرة (9/ 279) والدارس (1/ 162) وبغية الوعاة (2/ 149) والشذرات (6/ 90).
(8)
هي أعظم مدن الإسلام في بلاد الروم. ياقوت.
(9)
ليست في ط.
(10)
بستان خارج دمشق مقابل جسر تورا. الدارس (1/ 132).
(11)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 270) والنجوم الزاهرة (9/ 280).
مدَّةً، ثم نيابة غزّة ثم نيابة البيرة، وبها مات في ذي القعدة، ودفن هناك
(1)
.
وكان ابتنى تربة لزوجته ظاهر باب شرقي فلم يتفق دفنه بها. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
الصاحب عز الدين أبو يعلى: حمزة
(2)
بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين أبي غالب المظفّر ابن الوزير مؤيد الدّين أبي المعالي بن أسعد بن العميد أبي يعلى
(3)
حمزة بن أسد بن علي بن محمد التّميمي الدمشقي بن القلانسي، أحد رؤساء دمشق الكبار.
ولد سنة تسع وأربعين وستمئة، وسمع الحديث من جماعة، ورواه، وسمعْنا عليه، وله رياسة باذخة وأصالة كثيرة وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا، ولم يزل معرضًا عن
(4)
الوظائف إلى أن أُلزم بوكالة بيت السُّلطان ثم بالوزارة في سنة عَشْرٍ كما تقدَّم ثم عزل، وقد صودر في بعض الأحيان، وكانت له مكارم على الخواص والكبار، وله إحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
ولم يزل معظمًا وجيهًا عند رجال الدولة من النواب والملوك والأمراء وغيرهم إلى أن توفي ببستانه ليلةَ السبت سادس ذي الحجة، وصُلّي عليه من الغد ودفن بتربته بسفح قاسيون، وله في الصَّالحية رِباطٌ حسنٌ بمئذنة
(5)
، وفيه دار حديث وبِرٌّ وصدقة. رحمه الله.
ثم دخلت سنة ثلاثين وسبعمئة
استهلَّت بالأربعاء والحكام بالبلاد هم المذكورون بالتي قبلها سوى الشَّافعي فإنه توفي ووُلّي مكانه في رابع المحرم منها علَم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران
(6)
الأخنائي الشافعي وقدم دمشق في الرابع والعشرين منه صُحبَة نائب السَّلطنة تَنْكِز، وقد زار القُدس وحضر معه تدريس التَّنْكِزية التي أنشأها بها، ولما قدم دمشق نزل بالعادليّة الكبيرة على العادة، ودرَّس بها وبالغزالية، واستمرَّ بنيابة المنفلوطي، ثم استناب زين الدين بن المرحِّل
(7)
.
(1)
ثم نقل سنة (132 هـ) إلى دمشق. الدرر الكامنة (3/ 270).
(2)
ترجمته في الذيل (ص 163) والدرر الكامنة (2/ 75) والنجوم (9/ 280) والدارس (1/ 96) والشذرات (6/ 89).
(3)
في ط: أبو يعلى بن حمزة وهو غلط.
(4)
في الأصل وط: معه صناعة. وهو تحريف.
(5)
ليست في ب.
(6)
في الأصل وأ وط: السُّبكي الأخنائي. وليست السبكي في ب أو الذيل والمصادر الأخرى.
(7)
الذيل (ص 163).
وفي صفر باشر شرف الدين محمود بن الخطير
(1)
شد الأوقاف وانفصل عنها نجم الدين بن الزيبق إلى ولاية نابلُس.
وفي ربيع الآخر شرع في ترخيم الجانب الشرقي من الأموي نسبة الجانب الغربي، وشاور ابن مراجل النائب والقاضي على جمع الفُصوص من سائر الجامع في الحائط القبلي، فرسما له بذلك.
وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في إيوان الشّافعية بالمدرسة الصّالحية بمصرَ، وكان الذي أنشأ ذلك الأمير جمال الدين نائب الكرك
(2)
، بعد أن استفتى العلماء في ذلك.
وفي ربيع الآخر تولى القضاء بحلب شمس الدين بن النقيب
(3)
عوضًا عن فخر الدين بن البارزي
(4)
، توفي.
ووُلِّي شمس الدين بن مجد البعلبكي قضاء طرابُلُس عوضًا عن ابن النقيب.
وفي آخر جمادى الأولى باشر [القاضي محيي الدين بن جهبل]
(5)
نيابة الحكم عن الأخنائي عوضًا عن المنفلوطي، توفي.
وفي هذا الشهر وَقَفَ الأمير علاء الدين مُغلَطَاي الناصري مدرسة على الحنفية وفيها صوفية أيضًا، ودرَّس بها القاضي علاء الدين بن التركماني، وسكنها الفقهاء
(6)
.
وفي جمادى الآخرة زُيّنت البلاد المصرية والشّامية ودُقّت البشائر بسبب عافية السلطان من وقعة
(7)
انصدعت منها يده، وخلع على الأمراء والأطباء بمصرَ، وأُطلقت الحبوس
(8)
.
وفي جمادى الآخرة قدم على السُّلطان رسلٌ من الفرنج يطلبون منه بعض البلاد الساحلية فقال لهم: لولا أنَّ الرُّسل لا تُقتل لقتلتكم، ثم سيَّرهم إلى بلادهم خاسئين.
وفي يوم الأحد سادس رجب حضر الدَّرس الذي أنشأَه القاضي فخر الدين كاتب المماليك على الحنفيَّة بمحرابهم بجامع دمشق، ودرَّس به الشيخ شهاب الدين ابن قاضي الحِصْن
(9)
، أخو قاضي القضاة
(1)
في ط: الخطيري. وهو: محمود بن أوحد بن الخطير شرف الدين مات سنة (748 هـ) مطعونًا.
(2)
هو: جمال الدين آقش البرناق، عمر جامعًا بالحسينية.
(3)
هو: محمد بن أبي بكر بن إبراهيم.
(4)
هو: عثمان بن محمد بن عبد الرحيم مات فجأة في حلب سنة (730 هـ).
(5)
العبارة الأصل فيها اضطراب، واستدركناها بالزيادة من ب.
(6)
النجوم الزاهرة (9/ 96) وفيه: الجمالي بدلًا من الناصري وهو نفسه.
(7)
في ب والنجوم: (سقطة).
(8)
النجوم الزاهرة (9/ 63).
(9)
في ط: الحُصين.
برهان الدين بن عبد الحق
(1)
بالديار المصرية، وحضر عنده القضاة والأعيان، وانصرفوا من عنده إلى عند ابن أخيه صلاح الدين بالجَوْهريَّة
(2)
، درَّس بها عوضًا عن حَميه
(3)
شمس الدين بن الزكي نزل له عنها.
وفي آخر رجب خُطب بالجامع الذي أنشأه الأمير سيف الدين أُلْمَاسُ
(4)
الحاجب ظاهر القاهرة بالشارع
(5)
.
وخُطب بالجامع الذي أنشأَه قَوْصُون بين جامع طولون والصالحية
(6)
يوم الجمعة حاديْ عشرَ رمضانَ وحضر السُّلطان وأعيانُ الأمراء الخُطبة. خَطبَ به يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي عوضًا عن أمين الدين بن العَسَّال، ورجع ابن العَسّال إلى حجابة الديوان الكبير
(7)
وخُلع عليه خِلعة سنيّة، واستقلَّ في خطابته بدر الدين
(8)
بن شكر
(9)
.
وخرج الرَّكبُ الشّامي يوم السبت حاديْ عشرَ شوّال وأميرُه سيف الدين المُوْسَاويّ
(10)
صهر بَلَبَان، إِلْبيري
(11)
، وقاضيه شهاب الدين ابن المجد عبد الله مدرس الإقبالية
(12)
، ثم تولى قضاء القضاة كما سيأتي.
وممَّن حج في هذه السنة رضي الدّين بن المنطيقي، والشمس الأردبيلي شيخ الجاروخيّة، وصفي الدين بن الحريري، وشمس الدين ابن خطيب يَبْرُود
(13)
، والشيخ محمد النَّيرباني وغيرهم، فلمَّا قَضَوْا مناسكهم رجعوا إلى مكَّة لطواف الوداع، فبينما هم في سماع الخُطبة إذ سمعوا جلبة الخيل من بني حَسَن وعبيدهم، قد حَطَمُوا على النَّاس في المسجد الحرام، فثار إلى قتالهم الأَتراك فاقتتلوا، فقتل أمير من
(1)
في ب: قاضي الحنفية. وقد ذكر من قبلُ.
(2)
الدارس (1/ 498).
(3)
في الأصل وأ وط: حموه. وهو غلط.
(4)
في ط: الماشي. وهو تحريف.
"وأُلْمَاسُ": هو ابن عبد الله الناصري محمد بن قلاوون، ولي الحجوبية الكبرى. مات سنة (732 هـ) كما في الدرر الكامنة (1/ 410) أما في الدليل الشافي (1/ 154) فقد توفي قتيلًا في ثاني صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمئة.
(5)
في خدْرة البقر.
(6)
في دار اشتراها تعرف بدار الأمير آقوش المؤصلي الحاجب من أربابها، وسماه جامع التوبة. النجوم (9/ 94).
(7)
زيادة من ب.
(8)
في الأصل: فخر الدين.
(9)
في ط: شكري.
(10)
في ط: المرساوي بالراء.
(11)
في الدرر الكامنة (1/ 492): (بَلَبَان البدري).
(12)
الدارس (1/ 162).
(13)
في ط: بيروذ وهو تصحيف.
الطبلخانات بمصر، يقال له: سيف الدين أَيْدَمر أمير جمدار وابنه خليل ومملوكه
(1)
وأمير عَشَرةٍ يقال له ابن التاجي
(2)
، وجماعةٌ من الرِّجال والنِّساء ونُهبت أموالٌ كثيرة، ووقعت خبطة عظيمة في المسجد، وتهارَبَ النَّاسُ إلى منازلهم بأبيار الزَّاهر، وما كادوا يصلون إليها وما أكملت الجمعة إلا بعد جهد، فإنا الله وإنّا إليه راجعون.
واجتمعت الأمراء كلُّهم على الرَّجعة إلى مكَّة للأخذ بالثَّأر منهم، ثم كرُّوا راجعين وتبعهم العبيد حتى وصلوا إلى مخيَّم الحجيج، وكادوا ينهبون الناس عامة جَهْرةً، وصار أهل البيت في آخر الزمان يصدُّون النَّاس عن المسجد الحرام، وبنو الأتراك هم الذين ينصرون الإسلام وأهلَه ويكفُّون الأذيَّة عنهم بأنفسهم وأموالهم، كما قال تعالى:{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}
(3)
[الأنفال: 34].
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
علاء الدين بن الأثير: كاتب السرّ بمصرَ، علي
(4)
بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي الأصل، ثمَّ المصري، كانت له حرمة ووجاهة وأموال وثروة ومكانة عند السُّلطان، حتى ضربه الفالج في آخر عمره فانعزل عن الوظيفة وباشرها ابن فضل الله في حياته.
الوزير العالم أبو القاسم: محمد
(5)
بن محمد بن سهل بن محمد
(6)
بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسي، من بيت الرياسة والحشمة ببلاد المغرب، قدم علينا إلى دمشق في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين
(7)
وهو بعزم الحج، فسمعت بقراءته "صحيح مسلم" في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني. قراءة صحيحة.
ثم كانت وفاته في القاهرة في ثاني عشري المحرم، وكانت له فضائل كثيرة في الفقه والنَّحو والتاريخ والأصول، وكان عاليَ الهمّة شريف النفس محترمًا ببلاده جدًّا، بحيث إنَّه يولِّي الملوك ويعزلهم، ولم يلِ هو مباشرةَ شيء ولا أهلُ بيته، وإنما كان يلقب بالوزير مجازًا.
(1)
في ط: سيف الدين خجدار. وهو تحريف
(2)
في الأصل وط: الباجي. وهو أحد أولاد الأمير ركن الدين بيبرس التاجي والي القاهرة سابقًا.
(3)
سورة الأنفال (34). والآية: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .
(4)
ترجمته في الذيل (ص 164) والدرر الكامنة (3/ 14) والنجوم الزاهرة (9/ 283).
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 178) والنجوم الزاهرة (9/ 284) والأعلام (7/ 34) وثمة مصادر ترجمته.
(6)
في النجوم (ابن أحمد).
(7)
في الدرر: (عشرين).
شيخنا الصَّالح العابد النَّاسك الخاشع: شمس الدين أبو عبد الله محمد
(1)
بن الشيخ الصالح العابد شرف الدين أبي الحسن بن حُسَين بن غيلان البعلَبَكيِّ الحنبلي، إمام مسجد السلّالين
(2)
بدار البطيخ العتيقة، الحديث وأسمعه، وكان يُقرئ القرآن طرفي النهار، وعليه ختمتُ القرآن في سنة إحدى عشرة وسبعمئة، وكان من الصَّالحين الكبار، والعبَّاد الأخيار.
توفّي يوم السبت سادس صفر وصُلَي عليه بالجامع ودُفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة.
وفي هذا الشَّهر - أعني صفر - كانت وفاة والي القاهرة القدَادَار
(3)
وله آثار غريبة ومشهورة
(4)
.
بَهَادُرآص
(5)
الأمير الكبير: رأسُ ميمنة الشّام، سيف الدين بَهَادُرآص المنصوري أكبر أمراء دمشق، وممّن طال عمره في الحشمة والثّروة، وهو ممَّن اجتمعت فيه الآية الكريمة {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ}
(6)
الآية [آل عمران: 14].
وقد كان محبَّبًا إلى العامة، وله برٌّ وصدقة وإحسان.
توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر بداره داخل باب توما المشهورة وحضر نائب السلطنة والأمراء جنازته
(7)
ودُفن بتربته خارج باب الجابية
(8)
، وهي مشهورة أيضًا.
الحَجَّارُ ابن الشُّحنة: الشيخ الكبير المُسند المُعمَّر الرُّحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد
(9)
بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الدَّيْرمقرني ثم الصّالحي الحجار المعروف بابن الشُّحْنة، سمع "البخاري" على الزبيدي سنة ثلاثين وستمئة بقاسيون، وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمئة، ففرح بذلك المحدَّثون وأكثروا السماع عليه، فقُرئ "البخاري" عليه نحوًا من ستّين مرَّة وغيره.
وسمعنا عليه بدار الحديث الأشرفية في أيَّام الشتويات نحوًا من خمسمئة جزء بالإجازات والسماع،
(1)
ترجمته في حاشية الدارس (2/ 315).
(2)
عند رأس درب التبان. الدارس (2/ 315).
(3)
في الأصل وط: القديدار. وترجمته في النجوم الزاهرة (9/ 283). وفيه: قَدَادار بن عبد الله، والي القاهرة.
(4)
صاحب القنطرة على خليج الناصري.
(5)
ترجمته في الذيل (ص 164) والدرر الكامنة (1/ 497) والنجوم (9/ 281) والدارس (2/ 228) والشذرات (6/ 93).
(6)
(7)
ليست في ط.
(8)
التربة البهادرآصية غرب مقبرة باب الصغير. الدارس (2/ 227).
(9)
ترجمته في الذيل (ص 164) والدرر الكامنة (1/ 142) والنجوم (9/ 281) وبدائع الزهور (1/ 466) وفيه وفاته (733 هـ) والشذرات (6/ 93).
وسماعه من الزبيدي وابن اللتيِّ، وله إجازة من بغداد فيها مئة وثمانية وثلاثون شيخًا من العوالي المُسنِدين، وقد مكث مدة مقدَّم الحجَّارين نحوًا من خمسٍ وعشرين سنة، ثم كان يخبط في آخر عمره، واستقرت عليه جامكيته لما اشتغل بإسماع الحديث، وقد سمع عليه السلطان الملك الناصر، وخلع عليه وألبسه الخلعة بيده، وسمع عليه من أهل الديار المصرية والشامية أمم لا يحصون كثرة، وانتفع الناس بذلك، وكان شيخًا حسنًا بهي المنظر سليم الصدر ممتعًا بحواسه وقواه، فإنه عاش مئة سنة محقّقًا، وزاد عليها، سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمئة، وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمئة في تاسع صفر بجامع دمشق، وسمعنا عليه يومئذ والله الحمد، ويقال إنّه أَدرك موتَ المعظَّم عيسى بن العادل لمَّا توفي، والنَّاس يسمعهم يقولون: مات المعظَّم، وقد كانت وفاة المعظَّم في سنة أربع وعشرين وستمئة.
وتوفي الحجَّار يوم الإثنين خامس عشري صفر من هذه السنة، وصُلِّي عليه بالمُظَفَّري يوم ودفن بتربة له عند زاوية الرُّومي
(1)
، بجوار جامع الأفرم
(2)
. وكانت جنازته حافلةً رحمه الله.
الشيخ نجم الدين
(3)
عبد الرحيم
(4)
بن عبد الرحمن: بن
(5)
نصر الموصلي
(6)
المعروف بابن الشَّحَّام، اشتغل ببلده ثم سافر وأقام بمدينة سراو
(7)
من مملكة أردبيل
(8)
ثم قدم دمشق في سنة أربع وعشرين فدرَّس بالظَّاهرية البرانية ثم بالجاروخية، وأُضيف إليه مشيخة رباط القصر
(9)
، ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته نور الدين الأردبيلي، توفي في ربيع الأول وكان يَعرفُ طرفًا من الفقه والطّب.
الشَّيخ إبراهيم
(10)
الهدمة: أصله كرديّ من بلاد المشرق، فقدم الشَّام، وأَقام بين القُدس والخليل، في أرض كانت مواتًا
(11)
فأحياها وغرسها وزَرَع فيها أنواعًا، وكان يُقصَدُ للزّيارة، ويَحكي النَّاسُ عنه كرامات صالحة، وقد بلغ مئةَ سنة، وتزوَّج في آخر عمره ورزق أولادًا صالحين، توفّي في جُمادى الآخرة رحمه الله.
(1)
في ط: الدومي. وهو محمد بن عثمان بن علي شرف الدين الرومي مات سنة (684 هـ) منادمة الأطلال (ص 305).
(2)
غربي الصالحية. الدارس (2/ 435).
(3)
في ط: بن عبد الرحيم. وهو توهم.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 356) والدارس (1/ 229).
(5)
في ط: أبي.
(6)
في ط: المحصل.
(7)
في الأصل وط: سراي.
(8)
في الأصل: أزبك، وفي ط: إربل.
(9)
الدارس (1/ 229).
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 32).
(11)
ليست في ب.
الستّ صاحبة التربة بباب الخَوَّاصين: الخَوَنْدَةُ المعظّمة المحجّبة المحترمة:
ستيتة
(1)
بنت الأمير سيف الدين: كوكباي
(2)
المنصوري، زوجة نائب الشام تَنْكِز، توفيت بدار الذهب وصلّي عليها بالجامع ثالث رجب، ودفنت بالتُّربة التي أمرت بإنشائها بباب الخَوَّاصين
(3)
، وفيها مسجد وإلى جانبها رباط للنساء ومكتب للأيتام، وفيها صدقات وبِرٌّ وصلات، وقُرئ عليها، كل ذلك أمرت به
(4)
، وكانت قد حَجَّت في العام الماضي رحمها الله.
قاضي قضاة طَرَابُلُس: شمس الدين [أبو عبد الله]
(5)
محمد
(6)
بن عيسى بن محمود البعلبكيّ المعروف بابن المجد الشافعي، اشتغل ببلده وبرعَ في فنون كثيرة، وأقام بدمشق مدة يدرِّسُ بالقُوصيّة وبالجامع، ويَؤُمُّ بمدرسة أم الصالح، ثم انتقل إلى قضاء طرابُلُس فأقام بها أربعة أشهر.
ثم توفي في سادس رمضان، وتولّاها بعده ولده تقي الدين وهو أحد الفُضَلاء المشهورين، ولم تَطُل مدَّته حتى عُزل عنها وأُخرج منها.
الشيخ الصالح: عبد الله
(7)
بن أبي القاسم بن يوسف بن أبي القاسم الحَوْراني، شيخُ طائفتهم وإليه مرجع زاويتهم بحوران، كان عنده تفقه بعض شيء، وزهادة ويُزار، وله أصحاب يخدمونه، وبلغ السّبعين
(8)
سنة، وخرج لتوديع بعض أهله إلى ناحية الكَرَك من ناحية الحجاز فأدركه الموت هناك، فمَاتَ في أوَّل ذي القعدة.
الشّيخ حسن
(9)
بن علي: بن أحمد الأنصاري الضرير كان بفرد عين أولًا
(10)
، ثمَّ عَمي جُمْلَةً، وكان يقرأُ القرآنَ ويُكثر التّلاوة، ثم انقطع إلى المنارة الشرقية، وكان يحضر السَّماعات ويستمعُ ويتواجَدُ، ولكثير من الناس فيه اعتقاد على ذلك، ولمجاورته في الجامع وكثرة تلاوته وصلاته والله يُسامحه. توفي يوم السبت في العشر الأول من ذي الحجة بالمئذنة الشرقية وصُلِّي عليه بالجامع، ودفن بباب الصغير.
(1)
ترجمتها في الدارس (2/ 274).
(2)
في الأصل وأ وط: كركاي وفي الدرر الكامنة (4/ 125): كوكاي وفي الحاشية كوكاني. أما في الدارس (2/ 274): كوكباي، وكذلك في منادمة الأطلال (ص 350) وهو ما أثبتناه.
(3)
التربة الكوكبائية. الدارس. منادمة الأطلال (ص 350) وفيه: (والناس يسمونها زاوية النحلاوي وهو خطأ).
(4)
ليست في ب.
(5)
زيادة من ب.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 131) والدارس (1/ 439).
(7)
لم أقع له على ترجمة غير هذه.
(8)
في ب: التسعين.
(9)
لم أقع له على ترجمة غير هذه.
(10)
في ب: كان محلّى.
محيي الدين أبو الثَّناء محمود
(1)
: ابن الصدر شرف الدين
(2)
بن القلانسي، توفي في ذي الحجة بستانه، ودُفن بتربتهم بسفح قاسيون، وهو أخو
(3)
الصَّدر جمال
(4)
الدين بن القلانسي، وأخيه علاء
(5)
، وهم ثلاثتهم رؤساء
(6)
.
الشّاب الرئيس: صلاح الدّين يوسُف
(7)
بن القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية، ناظر الجيش أبوه، [وكان قد]
(8)
نشأ هذا الشاب
(9)
في نعمة وحشمة وترفُّه وعِشْرة واجتماع بالأصحاب.
توفي يوم السبت تاسع عشري ذي الحجة فاستراح من حشمته وعشرته إن لم تكن وبالًا عليه، ودُفن بتربتهم
(10)
تجاه الناصرية بالسَّفح، وتأسَّف عليه أبواه ومعارفه وأصحابُه سامحه الله.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمئة
استهلَّت [والحكام هم المذكورون في التي قبلها]
(11)
وقد ذكرنا ما كان من عبيد مكة إلى
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 338).
(2)
ليست في ط.
(3)
في الأصل وط: جد. وهو توهم.
(4)
في ط: جلال، وأثبتنا ما في الدارس والدرر، وهو جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر مات سنة (731 هـ). الدرر (1/ 307).
(5)
وهو: علي بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر. مات سنة (736 هـ) الدرر (3/ 118).
(6)
فقد باشر محمود هذا نظر البيوت، وأوقاف الحرمين.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 478).
(8)
زيادة من ب.
(9)
ليست في ب.
(10)
التربة السّلامية، وهي تربة والده ناظر الجيش قطب الدين. الدارس (2/ 250).
(11)
ليست في ب. والذي فيه:
[والخليفة المستكفي بالله، والسلطان الملك الناصر ولا نائب له بمصر، ونائب الشام سيف الدين تنكز، وقاضي الشافعية علم الدين الأخنائي، والحنفية عماد الدين الطرسوسي، والمالكية شرف الدين الهمذاني، والحنابلة عز الدين بن التقي سليمان.
وخطيب البلد بدر الدين بن القاضي جلال الدين، ووكيل بيت المال جمال الدين بن القلانسي، وهو قاضي العساكر أيضًا، ومحتسب البلد عز الدين بن القلانسي، وهو ناظر الخزانة أيضًا، وناظر الجيش قطب الدين بن شيخ السلامية، وناظر الأوقاف شمس الدين الحراني، وناظر الجامع تقي الدين بن مراجل، ونقيب الأشراف شمس الدين عدنان الحسيني، ووالي البلد شهاب الدين بن برق، ووالي البر علاء الدين بن المرواني، ومشد الأوقاف شرف الدين محمود بن الخطير ومشدّ الدواوين سيف الدين أرغون].
الحجَّاج
(1)
، وأنه قُتل من المصريين أميران، فلمّا بلغ الخبرُ السلطانَ عَظُم عليه ذلك، وامتنع من الأكل على السّماط فيما يقال أيّامًا، ثم جرَّد ستمئة فارس وقيل ألفًا، والأول أصح، وأرسل إلى الشَّام أن يجرد مقدمًا آخر، فجُرّد الأمير سيف الدين أُلْجِيْبُغا العادلي
(2)
. وخرجَ من دمشقَ يوم دخلها الرّكب في سادس عشري المحرّم، وأُمرَ أن يسير إلى أَيْلَةَ ليجتمع مع المصريين، وأن يسيروا جميعًا إلى الحجاز.
وفي يوم الأربعاء تاسع صفر وصل نهرُ السَّاجُور إلى مدينة حلب، وخرج نائب حلب أَرْغُون ومعه الأُمَراء مشاةً إليه في تهليل وتكبير وتحميد، يتلقَّوْن هذا النَّهر، ولم يكن لأحدٍ من المغاني ولا غيرهم أن يتكلَّم بغير ذكر الله تعالى، وفرح النَّاس بوصوله إليهم فرحًا شديدًا، وكانوا قد سَعَوْا في تخليصه
(3)
من أماكن بعيدة احتاجوا فيها إلى نقب الجبال، وفيها صخورٌ ضِخَام، وعقدوا له قناطر على الأودية، وما وصل إلا بعد جهد جهيد، وأمر شديد، فلله الحمد وحده لا شريك له
(4)
. وحين رجع نائب حلب أَرْغُون مرض مرضًا شديدًا ومات رحمه الله.
وفي سابع [عشر]
(5)
صفر وسَّع تَنْكِز الطرقات بالشّام ظاهرَ باب الجابية، وخرَّب كلَّ ما يضيِّقُ الطرقات.
وفي ثاني ربيع الأول لبس علاء الدين بن
(6)
القلانسي خلعة سنّية لمباشرة نظر الدواوين
(7)
ديوان ملك الأُمراء، وديوان نظر المارستان، عوضًا عن أمين الدين بن العسَّال
(8)
، ورجع ابن العسال إلى حجابة الديوان الكبير.
وفي يوم الخميس
(9)
ثاني ربيع الأَول لبس عماد الدين بن الشيرازي خلعة نظر الأموي عوضًا عن ابن مراجل عُزل عنه لا إلى بدل عنه، وباشر جمال الدين بن الفَوَيْرة
(10)
نظر الأسرى بدلًا عن ابن الشيرازي.
وفي يوم الخميس آخر ربيع الأول لبس القاضي شرف الدين
(11)
عبد الله بن شرف الدين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي خلعة قضاء الحنابلة عوضًا عن عز الدين بن
(1)
في المسجد الحرام.
(2)
توفي سنة (754 هـ). كما سيأتي
(3)
في ط: وَسَعُوا في تحصيله. وهو تحريف.
(4)
ليست في ب.
(5)
زيادة من ب.
(6)
ليست في ط.
(7)
ليست في ب.
(8)
في الأصل: العال، والذي في ط: ابن العادل. وهو تحريف.
(9)
ليست في ط.
(10)
في ط: القويره. والذيل (ص 166).
(11)
في ط: شرف الدين بن عبد الله.
التقي سليمان، توفي رحمه الله، وركب من دار السعادة إلى الجامع، فقرئ تقليده تحت النَّسر بحضرة القضاة والأعيان، ثم ذهب إلى الجَوْزية فحكم بها، ثم إلى الصَّالحية وهو لابس الخلعة، واستناب يومئذ ابن أخيه عبد الله بن شهاب الدين أحمد
(1)
.
وفي سلخ ربيع الآخر اجتاز الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا
(2)
بدمشق وهو ذاهب إلى بلاد حلب نائبًا عليها، عوضًا عن أرغون توفي إلى رحمة الله، وقد تلقّاه النَّائبُ والجَيْشُ.
وفي مستهل جُمادى الأولى حضر الأمير الشَّريف رميثة بن أبي نُمي إلى مكّة، فقُرئ تقليدهُ بإمرة مكّة من جهة السلطان، صُحبةَ التَّجريدة، وخُلع عليه، وبايعه الأمراء المجرَّدون من مِصرَ والشَّام داخل الكعبة، وقد كان وصول التجاريد إلى مكَّة في سابع ربيع الأول، فأقاموا بباب المُعَلَّى، وحصل لهم خير كثير من الصَّلاةِ والطَّوافِ، وكانت الأسعار رخيصة معهم.
وفي يوم السبت سابع ربيع الآخر
(3)
خُلع على القاضي عزّ الدين بن بدر الدّين بن جماعة بوكالة السُّلطان ونظر جامع ابن طولون ونظر الناصرية، وهنأه النَّاس عوضًا عن التاج
(4)
إسحاق عبد الوهاب، توفّي ودُفن بالقَرَافة.
وفي هذا الشهر تولّى عماد الدين ابن قاضي القضاة الأخنائي تدريس الصَّارميَّة وهو صغير بعد وفاة النجم هاشم بن عبد الله البَعْلَبَكي الشافعي، وحضرها في رجب وحضر عنده النَّاس خدمة لأبيه
(5)
.
وفي حادي عشري جُمادى الآخرة رجعت التَّجريدة من الحجاز صحبة الأمير سيف الدين أُلْجِي بُغَا، وكانت غيبتهم خمسةَ أشهرٍ وأيامًا وأقاموا بمكة شهرًا واحدًا ويومًا واحدًا، وحصَل للعرب منهم رعبٌ شديدٌ، وخوفٌ أكيدٌ، وعزلوا عن مكَّة عطيّة، ووَلَّوْا أخاه رُمَيْتَةَ وصَلّوا وطَافُوا واعتمروا، ومنهم من أقام هناك ليَحُجَّ.
وفي ثاني رجب خلع على ابن أبي الطيب بنظر ديوان بيت المال عوضًا عن ابن الصاين توفي.
وفي أوائل شعبانَ حصلَ بدمشقَ هواءٌ شديدٌ مزعج كسَّر كثيرًا من الأشجار والأغصان، وألقى بعضَ
(1)
الدارس (2/ 40).
(2)
ألطنبغا الصالحي، الحاجب الناصري. مات سنة (742 هـ) كما سيأتي.
(3)
في ب: جمادى الآخرة.
(4)
في ط: ابن. وفي أ و ب: أبي. وأسقطناها لأنه كان قبطيًا اسمه إسحاق وتسمّى بعبد الوهاب بن عبد الكريم. الدرر الكامنة (1/ 357) و (2/ 432). النجوم الزاهرة (9/ 289).
(5)
الدارس (1/ 328).
الحيطان والجدران، وسكن بعد ساعة بإذن الله، فلما كان يومُ تاسعه سقط بردٌ كِبَار مقدار بيض الحمام، وكسَّر بعض جامات الحمَّام
(1)
.
وفي شهر شعبان هذا خُطب بالمدرسة المعزيَّة على شاطئ النيل، أنشأها الأمير سيف الدين طقُزْدَمُر
(2)
، أمير مجلس الناصري، وكان الخطيب عز الدين عبد الرحيم بن الفرات الحنفي
(3)
.
وفي نصف رمضانَ قدم الشّيخ تاج الدين عمر بن علي بن سالم اللَّخمي ابن الفاكهاني المالكي
(4)
، نزل عند القاضي الشافعي، وسمع عليه شيئًا من مصنَّفاته، وخرج إلى الحج عامئذٍ مع الشَّاميين، وزار القُدْسَ قبل وصوله إلى دمشق.
وفي هذا الشهر وُطِّئ سوق الخيل ورُكِّبت فيه حَصَبات كثيرة، وعمل فيه نحو من أربعمئة نفس في أربعة أيام حتى ساوَؤه وأصلحوه، وقد كان قبل ذلك يكون فيه مياه كثيرة، ومَلَقاتٌ
(5)
.
وفيه أُصلح سوقُ الدّقيق ظاهر
(6)
باب الجابية إلى الثابتيّة وسقف عليه السقوف.
وخرج الرّكب الشَّامي يوم الإثنين ثامن شوّال وأميره عز الدين أَيْبَك، أمير علم، وقاضيه شهاب الدين الظاهري
(7)
، وممّن حج فيه: شهاب الدين بن جهبل، وأبو اليسر، وابن جملة، والفخر المصري، والصَّدر المالكي، وشرف الدين الكفري الحنفي، والبهاء ابن إمام المشهد، وجلال الدين الأعيالي ناظر الأيتام، وشمس الدين الكردي، وفخر الدين البعلبكي، ومجد الدين بن أبي المجد، وشمس الدين بن قيم الجوزية، وشمس الدين بن خطيب يبرود
(8)
، وشرف الدين قاسم العجلوني، وتاج الدين بن الفاكهاني، والشيخ عمر السلامي
(9)
، وكاتبه إسماعيل بن كثير، وآخرون من سائر المذاهب، حتى كان الشيخ بدر الدين يقول: اجتمع في ركبنا هذا أربعمئة فقيه وأربع مدارس وخانقاه، ودار حديث، وقد كان معنا من المفتين ثلاثة عشر نفسًا.
(1)
الفتحات الزجاجية التي تنير الحمام في القباب.
(2)
في ط: طغزدمر. مات سنة (747 هـ). الدليل الشافي (1/ 366).
(3)
هو: عبد الرحيم بن علي بن حسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات. مات سنة (741 هـ). الدرر الكامنة (2/ 358) النجوم الزاهرة (9/ 326).
(4)
في ط: الملخي. وهو تصحيف، وفي أ: البلخي. وأثبتنا ما في ب وبغية الوعاة (2/ 221).
(5)
"المَلَقَات": ج مَلَقة وهي الصخرة الملساء.
(6)
في ط: داخل.
(7)
هو: أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله شهاب الدين بن فارس الغراء الظاهري، ولي قضاء الركب الشامي مرارًا ومات سنة (755 هـ). الدرر الكامنة (1/ 167).
(8)
في ط: بيره وهو وهم.
(9)
في الأصل وط: السلاوي.
وكان من المصريين جماعةٌ من الفقهاء منهم قاضي المالكية تقي الدين الأخنائي، وفخر الدين النُّويري، وشمس الدين بن الحارثي، ومجد الدين الأقصرائي، وشيخ الشيوخ الشيخ محمد المرشدي. وفي ركب العراق الشيخ أسد المَراوحي
(1)
وكان من المشاهير.
وفي الشاميين الشيخ علي الواسطي صحبة ابن المَرْجاني، وأمير المصريين مُغَلْطَاي الجَمَالي الذي كان وزيرًا في وقت، وكان إذ ذاك مريضًا، ومررنا بعين تبوك وقد أُصلحت في هذه السنة، وصِيْنت من دَوْس الجمال والجمّالين، وصار ماؤها في غاية الحُسْن والصَّفاء والطِّيب، وكانت وقفة الجمعة ومُطرنا بالطَّواف، وكانت سنةً مرخصة آمنة.
وفي نصف ذي الحجة رجع تَنْكِز من ناحية قلعة جَعْبَر، وكان في خدمته أكثر الجيش الشامي، وأظهَر أُبَّهةً عظيمة في تلك النواحي.
وفي سادس عشري
(2)
ذي الحجة وصل توقيع القاضي علاء الدين بن القلانسي بجميع جهات أخيه جمال الدين بحكم وفاته مضافًا إلى جهاته، فاجتمع له من المناصب الكبار ما لم يجتمع لغيره من الرُّؤساء في هذه الأَعْصار، فمن ذلك: وكالة بيت المال، وقضاء العسكر، وكتابة الدست، ووكالة ملك الأمراء، ونظر البيمارستان، ونظر الحرمين، ونظر ديوان السعيد، وتدريس الأمينيّة والظاهريّة والعصرونيّة وغير ذلك من الوظائف انتهى.
وممَّن توفّي فيها من الأعيان:
قاضي القضاة عزّ الدين المقدسي: عز الدين أبو عبد الله محمد
(3)
ابن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي، ولد سنة خمس وستين وستمئة، وسمع الحديث واشتغل على والده واستنابه في أيام ولايته، فلمّا وُلِّيَ ابن مُسَلَّم لزم بيته يحضُر درْس الجَوْزيّة ودار الحديث الأشرفية بالجبل ويأوي إلى بيته، فلما توفي ابن مُسَلَّم وُلِّي قضاء الحنابلة بعده نحوًا من أربع سنين، وكان فيه تواضُعُ وبرٌّ وقضاءٌ الحوائج الناس.
وكانت وفاته يوم الأربعاء تاسع صفر، وكان يومًا مطيرًا، ومع هذا شهد النَّاسُ جنازته، ودفن بتربتهم
(4)
رحمهم الله وولِّيَ بعد نائبه شرف الدين ابن الحافظ
(5)
، وقد قارب الثمانين
(1)
في ط: أحمد السروجي.
(2)
في ط: عشر.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 166) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 415) والدرر الكامنة (3/ 448) والنجوم الزاهرة (9/ 286) والدارس (2/ 39) الشذرات (6/ 96).
(4)
تربة جدّه أبي عمر.
(5)
هو: عبد الله بن شرف الدين حسين وسيأتي في وفيات سنة (732 هـ).
وفي نصف صفر توفي: الأمير سيف الدين قَجْليس
(1)
. سيف النِّقْمة
(2)
، وقد كان على الحجَّار ووزيرة بالقُدْس الشَّريف.
الأمير
(3)
الكبير سيف الدين أَرْغُون
(4)
: بن عبد الله الدّويدار الناصري، وقد عمل على
(5)
نيابة مصرّ مدَّة طويلة، ثم غضب عليه السلطان فأرسله إلى نيابة حلبَ، فمكث بها مدّة ثم توفي بها في سابعَ عشرَ ربيع الأول، ودفن بتربة اشتراها بحلب، وقد كان عنده فهم وفقه، وفيه ديانة واتّباع للشريعة، وقد سمع "البخاري" على الحجّار وكتبه جميعه بخطِّه، وأذن له بعضُ العلماء في الإفتاء، وكان يميل إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية وهو بمصرَ، توفّي ولم يُكمل الخمسين سنة، [وكان يكره اللَّهو رحمه الله. ولمّا خرج يلتقي نهرَ السَّاجور خرج في ذلٍّ ومسكنة ذل ومسكنة، وخرج معه الأُمراء كذلك مشاة في تكبير وتهليل وتحميد، ومنع المغاني واللّهو واللعبَ في ذلك رحمه الله.
القاضي ضياء الدين: أبو الحسن علي
(6)
بن سليم بن ربيعة
(7)
بن سُليمان الأذرعي سليمان الأذرعي الشافعي، تنقَّل في ولاية الأقضية بمدارسَ كثيرة، مدة ستِّين سنة، وحكم بطرابُلُس وعَجْلُون وحمص و
(8)
زرع وغيرها، وحكم بدمشقَ نيابةً عن القُونوي نحوًا من شهر، وكان عنده فضيلة وله نظم كثير، نظم "التنبيه" في نحو ستةَ عشرَ ألف بيت، وتصحيحها في ألف وثلاثِمئةِ بيت، وله مدائح ومواليا وأَزْجال وغير ذلك.
ثم كانت وفاته بالرّملة يوم الجمعة ثالث عشري ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة رحمه الله، وله عدة أولاد منهم عبد الرزاق أحد الفضلاء، وهو ممَّن جمع بين علمي الشريعة والطبيعة.
أبو رويس عثمان بن معيد المغربي
(9)
: تملَّك في وقت بلادَ قابس، ثمَّ تغلَّب عليه جماعةٌ
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 243) والنجوم الزاهرة (9/ 287) والدليل الشافي (2/ 535) وفيه: قجليس بن عبد الله أمير سلاح.
(2)
في ط: النعمة وليس كذلك، لأنه كان معدًّا للأمور العظيمة يُقذف بها، ويعتمد عليه السلطان فيما يرومه. كما جاء في الدُّرر.
(3)
في ط: وفي منتصف صفر توفي. وليست بشيء.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 167) والدرر الكامنة (1/ 351) والنجوم الزاهرة (9/ 288) والشذرات (6/ 95) إعلام النبلاء (2/ 383).
(5)
ليست في أ، ب.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 53) والشذرات (6/ 96) والأعلام (4/ 291).
(7)
في ط: ربيع.
(8)
ليست في ط.
(9)
في ط: دبوس عثمان بن سعيد، وهو تحريف. ولم يرد له مع ضياء الدين الذي قبله ذكر في ب. ولم أقع على ترجمة له.
فانتزعوها منه فقصدَ مصرَ فأقام بها وأقطع إقطاعًا، وكان يركب مع الجند في زي المغاربة متقلدًا سيفًا، وكان حسنَ الهيئة، يواظبُ على الخدمة إلى أن توفي في جُمادى الأولى.
الإمام العلامة ضياء الدين أبو العباس: أحمد
(1)
بن قطب الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي الشافعي، مدرِّسُ الحُسَامية ونائبُ الحكم بمصرَ، وأعاد في أماكنَ كثيرة، وتفقَّه على والده.
توفي في جُمادى الآخرة، وتولَّى الحسَاميّة بعده ناصرُ الدِّين البريديّ
(2)
.
[الصدر الكبير]
(3)
تاج الدّين الكارمي
(4)
: المعروف بابن الرهايلي
(5)
، كان أكبر تجار دمشق الكارميَّة
(6)
وبمصرَ. توفي في جُمادى الآخرة، يُقال: إنّه خلف مئة ألف دينار غير البضائع والأثاث والأملاك.
الإمام العلامة فخر الدين: عثمان
(7)
بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان بن المارديني التّركماني الحنفي، شرح فخر الدين هذا "الجامع الكبير"
(8)
وألقاه دروسًا في مئة كراس، توفي في رجب وله "إحدى وسبعون سنة، كان شيخًا عالمًا فاضلًا، وقورًا فصيحا حسنَ المفاكهة، وله نظم حسن. وولِّيَ بعده المنصورية ولده تاج الدين
(9)
.
تقي الدين عمر
(10)
ابن الوزير شمس الدين: محمد بن عثمان بن السلعوس، كان [صغيرًا] لما ماتَ أبوه
(11)
تحت العقوبة، ثمَّ نشأ في الخدم، ثم طلبه السلطان في آخر وقت فولّاه نظر الدّواوين بمصر، فباشر يومًا واحدًا. وحضر بين يدي السُّلطان يوم الخميس، ثم خرج من عنده وقد اضطرب حاله فما وَصَل إلى منزله إلّا في محفّة، ومات بُكرةَ يوم السبت سادس عشري ذي القعدة، وصُلّيَ عليه بجامع عمرو بن العاص، ودُفن عند والده بالقَرَافة. وكانت جنازته حافلة.
(1)
لم أقع على ترجمة له.
(2)
في ط: التبريزي.
(3)
زيادة من ب و ط.
(4)
ترجمته في النجوم الزاهرة (9/ 289).
(5)
في ب والنجوم الزاهرة: الدماميني.
(6)
هم فرقة من السودان كانوا مقيمين بمصر يتجرون في البهارات بأنواعها.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 435) والنجوم الزاهرة (9/ 290) والأعلام (4/ 202).
(8)
كتاب في الفقه الحنفي للإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة.
(9)
تاج الدين أحمد بن عثمان. مات سنة (744 هـ) الدرر (1/ 198).
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 188).
(11)
هو محمد بن عثمان، الوزير الصاحب التاجر. قتل تحت العقوبة سنة (693 هـ) النجوم (8/ 54).
جمال الدين أبو العباس: أحمد
(1)
بن شرف الدين بن جمال الدين محمد بن أبي الفتح نصر الله بن المظفر بن أسد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي بن القلانسي، قاضي العساكر ووكيل بيت المال ومدرّس الأمينية
(2)
وغيرها حفظ "التنبيه" ثم "المحرر" للرّافعي، وكان يستحضره، واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري، وتقدَّم لطلب العلم والرئاسة، وباشر جهات كبارًا، ودرَّس بأماكنَ وتفرَّد في وقته بالرياسة والبيت والمناصب الدينية والدنيوية، وكان فيه تواضعٌ وحسنُ سَمْت وتودُّد وإحسان وبر بأهل العلم والفقراء والصّالحين، وهو ممَّن أُذن له في الإفتاء وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة، فأفاد وأجاد، وأحسنَ التعبير وعَظُم في عيني.
توفي يوم الإثنين ثامن عشري ذي القعدة، ودفن بتربتهم بالسفح، وقد سمع الحديث على جماعة من المشايخ وخرَّج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه رحمه الله.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وسبعمئة
استهلَّت وحكام البلاد هم هم
(3)
وفي أولها فتحت القيسارية التي كانت مَسْبَكَ الفولاذ جُوَّاباب الصّغير حوّلَها تَنْكِز قيسارية
(4)
ببركة.
وفي يوم الأربعاء
(5)
ذكر الدَّرس بالأمينية والظَّاهرية علاء الدين بن القلانسي عوضًا عن أخيه جمال الدين، وذكر ابن أخيه أمين الدين محمد بن جمال الدين الدرس في العصرونية، تركها له عمه، وحضر عندهما جماعة من الأعيان
(6)
.
وفي تاسع المحرّم جاء إلى حمصَ سيلٌ عظيم غرق بسببه خلقٌ كثير وجمٌّ غفير، وهلك للنَّاس أشياءُ كثيرة. وممَّن مات فيه نحو مئتي امرأة بحمام النّائب
(7)
كن مجتمعات على عروس أو عروسين فهلكن جميعًا
(8)
.
(1)
ترجمته في الذيل (ص 168 - 169) والدرر الكامنة (1/ 300) والدارس (1971) والشذرات (6/ 95).
(2)
الظاهرية والعصرونية. الدارس (1/ 177) و (1/ 340).
(3)
ليست في ب. وفيه: والخليفة المستكفي والسلطان الملك الناصر ولا نائب له بديار مصر. وأما في الشام فنائبه بها الأمير سيف الدين تَنْكِز الناصري. وقضاة الشام. والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي، فإنه شرف الدين بن الحافظ، وسوى وكيل بيت المال، وقاضي العسكر علاء الدين أخو جمال الدين بن القلانسي وناظر الجامع عماد الدين بن الشيرازي.
(4)
في ب: للعُبي والصُّوف.
(5)
سادس المحرّم.
(6)
الدارس (1/ 198).
(7)
حمام النائب سيف الدين تَنْكِز الذي بحمص. الفوات (1/ 257).
(8)
الشذرات (6/ 97).
وفي صفر أمر تَنْكِز ببياض الجدران المقابلة لسوق الخيل إلى باب الفراديس، وأمر بتجديد خان الظَّاهر، فغرم عليه نحوًا من سبعين ألفًا.
وفي هذا الشهر وصل تابوت لاجين الصَّغير من البيرة فدُفن بتربته خارج باب شرقي
(1)
. وفي تاسع الآخر حضر الدرس بالقيمازيّة
(2)
عماد الدين الطَّرَسُوسي
(3)
الحنفي عوضًا عن الشيخ رضي المنطيقي، توفي، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي أول ربيع الآخر خُلع على الملك الأفضل علي بن الملك المؤيد صاحب حماة وولّاه السلطان الملك الناصر مكانَ أبيه بحكم وفاته، وركب بمصر بالعصائب والنشابة والغَاشية أمامه
(4)
.
وفي نصف هذا الشهر سافر الشيخ شمس الدين الأصفهاني شارح "المختصر" ومدرِّس الرّواحية إلى الديار المصرية على خيل البريد، وفارق دمشقَ وأهلَها واستوطن القاهرة.
وفي يوم الجمعة تاسع تاسع جمادى الأولى
(5)
خُطب بالجامع الذي أنشأه الأمير سيف الدين آل ملك
(6)
واستقر فيه خطيبًا نور الدين علي بن شبيب الحنبلي
(7)
.
وفيه أرسل السلطان جماعة من الأمراء إلى الصّعيد فأحاطوا على نحو من خمسمئة
(8)
رجل ممن كان يقطع الطريق فأتلف بعضهم.
وفي جمادى الآخرة تولّى شدَّ الدواوين بدمشق نور الدين بن الخشاب عوضًا عن الطّرقشي.
وفي يوم الأربعاء حاديْ عشرَ رجب خُلع على قاضي القضاة علاء الدين بن الشيخ زين الدين بن المُنَجَّا بقضاء الحنابلة عوضًا عن شرف الدين بن الحافظ، وقرئ تقليده بالجامع، وحضر القضاة والأعيان وفي اليوم الثاني استناب برهان الدين الزُّرعي
(9)
.
وفي رجب باشر شمسُ الدين موسى بن التاج إسحاق
(10)
نظرَ الجيوش بمصرَ عوضًا عن فخر الدين
(1)
الدرر الكامنة (3/ 270)
(2)
داخل باب النصر والفرج. الدارس (1/ 572).
(3)
علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم. مات سنة (748 هـ). الدرر الكامنة (3/ 18).
(4)
النجوم الزاهرة (100/ 9).
(5)
في ط: الآخرة.
(6)
مات مقتولًا بالإسكندرية سنة (747 هـ) أيام الملك الكامل شعبان ونقل إلى القاهرة ميتًا. الدرر (1/ 411) النجوم (10/ 175).
(7)
مات سنة (747 هـ). الدرر (3/ 59).
(8)
في ط: ستمئة.
(9)
الدارس (2/ 41).
(10)
موسى بن إسحاق ويدعى عبد الوهاب. مات سنة (771 هـ).
كاتب المماليك توفي، وباشر النَّشْو
(1)
مكانَه في نظر الخاص، وخُلع عليه بطرحة، فلما كان في شعبان عُزل هو وأخوه العلم ناظر الدواوين، وصُودرا وضُربا ضربًا عظيمًا، وتَولَّى نظر الجيش المكين بن قُزْوينة، ونظر الدواوين أخوه شمس الدين بن قُزْوينة.
وفي شعبان كان عرس أَنُوك، ويقال: كان اسمه محمد ابن السلطان الملك الناصر، على بنت الأمير سيف الدين بَكْتَمُر السَّاقي، وكان جهازها بألف ألف دينار، وذُبح في هذا العرس من الأغنام والدَّجاج والإوز والخيل والبقر نحو من عشرين ألفًا، وعملت
(2)
حلوى بنحو ثمانية عشر ألف قنطار، وحمل له من الشمع ثلاثة آلاف قنطار، قاله الشّيخ أبو بكر الرّحبي
(3)
، وكان هذا العرس ليلة الجمعة حادي عشرَ شعبانَ.
وفي شعبان هذا حُوِّلَ القاضي محيي الدين بن فضل الله من كتابة السرِّ بمصرَ إلى كتابة السرِّ بالشام، ونقل شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى كتابة السر بمصر.
وأُقيمت الجمعة بالشّامية البرَّانية في خامس عشرين
(4)
شعبان، وحضرها القُضاة والأمراء، وخطب بها الشيخ زين الدّين عبد النُّور المغربي
(5)
وذلك بإشارة الأمير حسام الدين البشْمَقْدَار الحاجب بالشّام، ثمَّ خَطب عنه كمال الدين بن الزكي
(6)
.
وفيه أمر نائب السلطنة بتبييض البيوت من سوق الخيل إلى ميدان الحصا، ففعل ذلك
(7)
.
وفيه زادت الفراتُ زيادةً عظيمةً لم يُسمع بمثلها، واستمرّت نحوًا من اثني عشرَ يومًا فأتلفت بالرَّحبة أموالًا كثيرة، وكسر الجسر الذي عند دير بشر، وغلت الأسْعار هناك فشرعوا في إصلاح الجسر، ثم انكسر مرة ثانية.
وفي يوم السَّبت تاسع شوال خرج الرَّكبُ الشَّامي وأميره سيف الدين أُورَان
(8)
، وقاضيه جمال الدين بن الشريشي
(9)
، وهو قاضي حمصَ الآن.
(1)
هو: شرف الدين عبد الوهاب بن التاج فضل الله المعروف بالنَّشْو.
(2)
في ط: حملت.
(3)
ليست في ط.
(4)
في ط: عشر.
(5)
عبد النور بن علي المغربي المكناسي، زين الدين وقطب الدين. مات سنة (763 هـ). الدارس (1/ 298).
(6)
هو: محمد بن يحيى بن محمد القرشي. مات سنة (744 هـ) الدرر (4/ 280) والدارس (1/ 298).
(7)
ليست في ب.
(8)
في الأصل وط: أوزان وهو تطبيع. وهو أُورَان بن عبد الله الحاجب بدمشق. مات سنة (733 هـ) الدرر الكامنة (1/ 419) والدليل الشافي (1/ 157).
(9)
جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان أبو بكر بن الشريشي الأصل نزيل دمشق مات سنة (769 هـ). الدرر الكامنة (3/ 351).
وحج السُّلطان في هذه السنة وفي صحبته قاضي القضاة القزويني، وعز الدين بن جماعة، وموفق الدين الحنبلي، وسبعون أميرًا.
وفي ليلة الخميس حادي عشري شوال رُسم على الصَّاحب عز الدين غبريال بالمدرسة النَّجيبية الجوّانية، وصُودر وأُخذت منه أموالٌ كثيرة، وأُفرج عنه في المحرم من السنة الآتية.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ عبد الرحمن
(1)
بن أبي محمد بن محمد: ابن سلطان القرامزي
(2)
، أحدُ المشاهير بالعبادة والزهادة وملازمة الجامع الأموي، وكثرة التّلاوة والذّكر، وله أصحاب يجلسون إليه، وله مع هذا ثروة وأملاك.
توفي في مستهلّ المحرم عن خمس أو ست وثمانين سنة
(3)
، ودفن بباب الصغير، وكان قد سمع الحديث واشتغل بالعلم ثم ترك ذلك واشتغل بالعبادة إلى أن مات.
الملك المؤيَّد صاحبُ حماةَ: عماد الدين إسماعيل
(4)
بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفّر تقي الدين عمر بن شَاهِنْشاه بن أيُّوب، كانت له فضائل كثيرة في علوم متعددة في الفقه والهيئة والطبّ وغير ذلك، وله مصنفات عديدة، منها "تاريخ" حافل حسن مختصر
(5)
في مجلدين كبيرين "وله العُروض والأطوال والكلام على البلدان" في مجلد كبير
(6)
، وله "نظم الحاوي" وغير ذلك، وكان يحبُّ العلماءَ، ويشاركهم في فنون كثيرة، وكان من فُضَلاء بني أيوب، وَلِيَ مُلكَ حماة من سنة إحدى وعشرين إلى هذا الحين، وكان الملك النَّاصر يكرمُه ويعظِّمه، ووَلِيَ بعده ولده الأَفضل عليّ
(7)
.
توفي في سَحَر يوم الخميس ثامن عشرين المحرم، ودُفن ضَحْوةً عند والديه بظاهر حماة.
(1)
ترجمته في الذيل (ص 170) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 416) والدرر الكامنة (2/ 346) والشذرات (6/ 100).
(2)
في ط: القرامذي.
(3)
في الذيل (بَجُوبَر).
(4)
ترجمته في الذيل (ص 170) وطبقات الشافعية (6/ 84) وفوات الوفيات (1/ 183) والدرر الكامنة (1/ 371) والنجوم الزاهرة (9/ 292) والبدائع (1/ 466) وفيه وفاته سنة (733 هـ).
(5)
ليست في ط، وهو مطبوع مشهور.
(6)
ليست في ط. وهو المطبوع تحت اسم تقويم البلدان. مطبوع في باريس عام 1840 م.
(7)
وهم ممدوحو ابن نباتة الشاعر المعروف.
القاضي الإمام العالم المحدث
(1)
تاج الدين السَّعْدي: تاج الدين أبو القاسم عبد الغفّار
(2)
بن محمد بن عبد الكافي بن عوض بن سِنَان بن عبد الله السَّعْدي الفقيه الشافعي، سمع الكثيرَ وخرَّج لنفسه معجَمًا في ثلاثة مجلدات، وقرأ بنفسه الكثير، وكتب الخطَّ الجيد، وكان متقنًا عارفًا بهذا الفن، يقال: إنَّه كتب بخطه نحوًا من خمسمئة مجلد، وقد كان شافعيًا مُفْتيًا، ومع هذا ناب في وقتٍ عن القاضي الحنبلي، وولّيَ مشيخة الحديث بالمدرسة الصاحبية، وتوفي بمصرَ في مستهل ربيع الأول عن ثنتين وثمانين سنة، رحمه الله.
الشيخ رضي الدين إبراهيم
(3)
بن سليمان: المنطيقي الحنفي، أصله من أَبْ كَرْم، من بلاد قونيَة، وأقام بحماة ثم بدمشق. ودرّس بالقيْمازيَّة
(4)
، وكان فاضلًا في المنطق والجدل، واشتغل عليه جماعةٌ في ذلك، وبلغ من العمر ستًا وثمانين سنة، وحجَّ سبعَ مرات.
توفي ليلة الجمعة سادس عشري ربيع الأول، وصُلّيَ عليه بعد الصَّلاة ودُفن بالصوفية.
وفي ربيع الأول توفي: الأمير علاءُ الدّين طَيْبُغَا
(5)
: ودفن بتربته بالصّالحية.
وكذلك الأَمير سَيْفُ الدّين زُولاق
(6)
: ودُفن بتربته أيضًا.
قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد: عبد الله
(7)
بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي، ولد سنة ست وأربعين وستمئة، وباشر نيابة ابن مسلَّم مدة، ثم ولّي القضاء في السنة الماضية، ثم كانت وفاته فجأة
(8)
في مستهل جُمادى الأولى ليلةَ الخميس، ودُفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر.
الشَّيخ ياقُوت
(9)
الحَبَشيّ: الشّاذلي الإسكندرانيّ بلغ الثَّمانين، وكان له أتباع، وأصحاب منهم
(1)
ليست في ط.
(2)
ترجمته في الذيل (ص 171) وطبقات الشافعية (6/ 125) والدرر الكامنة (2/ 386) والشذرات (6/ 102) والدارس (2/ 85).
(3)
ليست في ط. وترجمته في الذيل (ص 172) والجواهر المضيَّة (1/ 139) والدرر الكامنة (1/ 27) وفيه: الأبكرمي، والشذرات (6/ 97) والدارس (1/ 575).
(4)
من مدارس الحنفية بدمشق. الدارس (1/ 575).
(5)
الدرر الكامنة (2/ 231).
(6)
لم أقع على ترجمة له.
(7)
ترجمته في الذيل (ص 172) والدرر الكامنة (2/ 255) وفيه: الحسين. والدارس (2/ 40) والشذرات (6/ 100).
(8)
وهو يتوضأ لصلاة المغرب.
(9)
ترجمته في الذيل (ص 172) والدرر الكامنة (4/ 408) وفيه: ياقوت بن عبد الله الحبشي، والنجوم (9/ 295) والدارس (1/ 325) وفيه: ياقوت الملثم والشذرات (6/ 103).
شمس الدين بن اللَّبَّان الفقيه الشافعي، وكان يعظِّمُه ويُطْريه ويُنْسبُ إليه مبالغات الله أعلم بصحتها وكذبها]
(1)
.
توفي في جُمادى وكانت جنازته حافلة جدًّا.
النَّقيب ناصح الدين: محمد
(2)
بن عبد الرحيم بن قاسم بن إسماعيل الدِّمشقي، نقيب المُتَعَمِّمين، تتلمذ أولًا للشِّهاب المقرئ، ثم كان بعده من المحافل للعَزَاء والهَنَاء، وكان يعرِف هذا الفن جيدًا، وكان كثير الطَّلب من الناس، ويطلُبه النَّاس لذلك، ومع هذا مات وعليه ديونٌ كثيرة، توفي في أواخر رجب.
القاضي فَخْر الدّين كاتبُ المماليك: وهو محمد
(3)
بن فضل الله ناظر الجيوش بمصرَ، أَصْله قبطيٌّ، فأسلمَ وحَسُن إسلامه، وكانت له أوقاف كثيرة
(4)
، وبر وإحسان إلى أهل العلم، وكان صدرًا معظَّمًا، حصل له من السلطان حظ وافر، وقد جاوز السبعين وإليه تُنسب الفخريّة بالقُدس الشريف.
توفّي في نصف رجب واحتيط على أمواله وأملاكه بعد وفاته رحمه الله.
الأَمير سيف الدين أُلْجَاي
(5)
الدّويدار الملكي الناصري: كان فقيهًا حنفيًا فاضلًا، كتب بخطه ربعة، وحصَّل كتبًا كثيرة معتبرة، وكان كثيرَ الإحسان إلى أهل العلم، توفّي في سلخ رجب رحمه الله.
الطّبيب الماهر الحاذق الفاضل: أمين الدين سليمان
(6)
بن داود بن سليمان، كان رئيسَ الأطبّاء بدمشقَ ومدرِّسَهم مدَّة
(7)
، ثم عزل بجمال الدين بن الشهاب الكحال
(8)
مدة قبل موته لأمرٍ تعصَّب عليه فيه نائبُ السَّلطنة.
توفي يوم السبت سادس عشرين شوّال ودفن بالقُبَيْبَات.
الشّيخ الإمام العالم المقرئ شيخ القراء: برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم
(9)
بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجَعْبريّ، ثم الخليلي الشافعي، صاحب المصنَّفات الكثيرة في القراءات وغيرها
(10)
، ولد سنة
(1)
ليست في ب.
(2)
لم أقع على ترجمة له.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 173) والدرر الكامنة (4/ 138) والنجوم الزاهرة (9/ 295) والدارس (1/ 431).
(4)
بنى مساجد كثيرة في القاهرة، وعمر أحواضًا كثيرة في الطرقات، وبني بنابُلس مدرسة وبالرملة بيمارستانًا. النجوم الزاهرة (9/ 296).
(5)
ترجمته في الذيل (ص 174) وفيه: أُلْجَيْه. والدرر الكامنة (1/ 405) والنجوم الزاهرة (9/ 297).
(6)
ترجمته في الذيل (ص 174). والدرر الكامنة (2/ 151) والدارس (2/ 132) والشذرات (6/ 100).
(7)
درّس بالدّخوارية. وهي مدرسة طبيّة بالصاغة العتيقة قبلي الجامع. الدارس (2/ 127).
(8)
هو: محمد بن أحمد الكحال رأس المدرسة الدّخوارية سنة (717 هـ) عوضًا عن أمين الدين.
(9)
ترجمته في الذيل (ص 174 - 175) وغاية النهاية (1/ 21) والدرر الكامنة (1/ 50) والفوات (1/ 38) والنجوم الزاهرة (9/ 296) والشذرات (6/ 97).
(10)
ألف شرحًا للشاطبية كبيرًا، وشرحًا للرائية، ونظم في الرسم روضة الطرائف. واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمة ابن الحاجب في النحو، وكمّل شرح التعجيز.
أربعين وستمئة بقلعة جَعْبر، واشتغل ببغداد، ثم قدم دمشقَ، وأقام ببلد الخليل نحو أربعينَ سنةً يقرِئُ النَّاس، وشَرح الشَّاطبية وسمع الحديث، وكانت له إجازة من يوسف بن خليل الحافظ، وصنّف بالعربيّة والعّرُوض والقراءات نظمًا ونثرًا، وكان من المشايخ المشهورين بالفضائل والرّياسة والخير والدّيانة والعفَّة والصّيانة.
توفّي يوم الأحد خامس شهر رمضان، ودفن ببلد الخليل تحت الزيتونة، وله ثنتان وتسعون سنة رحمه الله.
قاضي القضاة علم الدين: أبو عبد الله بن محمد
(1)
بن القاضي شمس الدين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة الإخْنَائي السَّعْدي المصري الشافعي الحاكم بدمشقَ وأعمالها، كان عفيفًا نزهًا ذكيًا سادَّ العبارة محبًّا للفضائل، معظمًا لأهلها، كثيرًا لإسماع الحديث في العادلية الكبيرة، توفي يوم الجمعة ثالثَ عشرَ ذي القعدة ودُفن بسفح قاسيون عند زوجته تجاه تربة العادل كَتْبُغَا
(2)
من ناحية الجبل.
قُطب الدّين موسى
(3)
: ابن أحمد بن الحسين ابن شيخ السلامية ناظر الجيوش الشامية، كانت له ثروة وأموال كثيرة، وله فضائل وإفضال وكرم وإحسان إلى أهل الخير، وكان مَقْصَدًا في المُهمَّات.
توفّي يوم الثلاثاء ثاني الحجة وقد جاوزَ السَّبعين، ودُفن بتربته
(4)
تجاه النَّاصرية بقاسيون، وهو والد الشيخ الإمام العلامة عزّ الدين حمزة
(5)
مدرِّس الحنبلية
(6)
.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمئة
استهلّت يوم الأربعاء والحكام هم المذكورون في التي قبلها
(7)
وليس للشافعية قاض، وقاضي الحنفية عماد الدين الطرَسوسي، وقاضي المالكية شرف الدين الهمداني، وقاضي الحنابلة علاء الدين بن المُنَجَّى
(8)
،
(1)
ترجمته في الذيل (ص 175) وطبقات الشافعية (6/ 45) والدرر الكامنة (3/ 407) والدارس (2/ 269) والشذرات (6/ 103).
(2)
غربي دار الحديث الناصرية البرانية بسفح قاسيون. الدارس (2/ 260).
(3)
ترجمته في الذيل (ص 176) والدرر الكامنة (4/ 372) والنجوم الزاهرة (9/ 298) وذكره في وفيات سنة (733 هـ) والشذرات (6/ 103).
(4)
التربة السلامية. الدارس (2/ 250).
(5)
حمزة بن موسى مات سنة (769 هـ) ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 338).
(6)
المدرسة الحنبلية الشريفة عند القباقبية. مرّ ذكرها.
(7)
ليست في ب، والذي فيه:
والخليفة المستكفي بالله والسلطان الملك الناصر بن قلاوون.
(8)
زيادة من ب.
ولا ناظر للديوان السلطاني، والصاحب شمس الدين غبريال تحت الحوطة، وقد توفي ناظر الجيش قطب الدين بن شيخ السلامية، والخطيبُ بدر الدين بن جلال الدين، والمحتسب عز الدين بن القلانسي، وهو ناظر الخزانة.
وكاتبُ السرّ محيي الدين بن فضل الله
(1)
، وناظرُ الجَامع عمادُ الدِّين بنُ الشِّيرازي
(2)
.
وفي ثاني
(3)
المحرَّم قدم البشيرُ بسلامة السُّلطان من الحجاز وباقتراب وصوله إلى البلاد، فدُقّت البشائر وزُيّنت البلد. وأَخبر البشير بوفاة الأمير سيف الدين بَكْتَمُر الساقي
(4)
وولدُه شهاب الدين أحمد وهما راجعان في الطريق، بعد أن حجَّا قريبًا من مصرَ: الولدُ أوَّلًا، ثمَّ من بعده أبوه بثلاثة أيام بعيون القَصَب
(5)
، ثمّ نقلًا إلى تربتهما بالقَرَافة، ووُجدَ لبَكْتَمُر من الأَموال والجواهر واللآلئ والقماش والأمتعة والحواصل شيءٌ كثيرٌ، لا يكاد ينحصر ولا ينضبط
(6)
.
وأفرج عن الصاحب شمس الدين غبريال في المحرَّم، وطُلب في صفر إلى مصرَ فتوجّه على خيل البريد، واحتيط على أهله بعد مسيره وأخذت منهم أموال كثيرة لبيت المال
(7)
.
وفي أواخر صفر قدم الصّاحب أمين المُلك على نظر الدّواوين بدمشقَ عوضًا عن غبريال.
وبعده بأربعة أيام قدم القاضي فخر الدين بن الحليّ
(8)
على نظر الجيش بعد وفاة قطب الدين ابن شيخ السلامية.
وفي نصف ربيع الأول لبس ابن جملة خِلعة القضاء للشَّافعية بدمشقَ بدار السعادة، ثم جاء إلى الجامع وهي عليه، وذهب إلى العادليّة وقُرئ تقليدُه بها بحضرة الأعيان، ودرَّس بالعادلية والغزالية يوم الأربعاء ثاني عشري الشَّهر المذكور
(9)
.
وفي يوم الإثنين رابع عشريه حضر ابن أخيه جمال الدين محمود
(10)
إعادة القيمرية نزَل له عنها، ثم
(1)
زيادة من ب:
وشادّ الدواوين بدر الدين بن الخشاب، ووكيل بيت المال علاء الدين بن القلانسي، وهو قاضي العساكر، ومتولي البر والبلد هما المذكوران في التي مضت.
(2)
زيادة من ب:
وناظر الأوقاف شمس الدين بن الحريري، ونقيب الأشراف عدنان الحسيني.
(3)
في ب والنجوم الزاهرة (9/ 107).
(4)
ترجمته في الذيل (ص 176) والدرر الكامنة (1/ 486) والنجوم الزاهرة (9/ 300) وجاء في النجوم: البشير هو تُلَك المظفّري الجمدار.
(5)
هي منزلة في طريق الحج المصري ببلاد الحجاز، وهي عين ماء ينبت حولها القصب الفارسي، فعرفت به.
(6)
الدرر (1/ 486) والشذرات (6/ 105).
(7)
الدارس (2/ 9).
(8)
الذيل (ص 177).
(9)
في الأصل وأ: ثاني الشهر. وفي ط: ثاني عشر. وأثبتنا ما في الدارس (1/ 424): وهو الصواب.
(10)
هو: محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة المحجّي. مات سنة (764 هـ) كما سيأتي.
استنابه بعد ذلك في المجلس، وخرج إلى العادلية فحكم بها، ثم لم يستمر بعد ذلك، عُزل عن النيّابة بيومه، واستناب بعده جمال الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن يوسُف الحسباني
(1)
، وله همّة وعنده نزاهةٌ وخبرةٌ بالأحكام.
وفي ربيع الأول ولّيَ شهاب الدين
(2)
قَراطَاي نيابةَ طرابُلُس، وعُزل عنها طِيْنَال
(3)
إلى نيابة غزّة وتولَّى نائب غزَّةَ حمصَ، وحصل للذي جاء بتقاليدهم مئة ألف درهم منهم.
وفي ربيع الآخرة أعيد القاضي محيي الدين بن فضل الله وولده إلى كتابة سرّ مصرَ، ورجع شرف الدين بن الشّهاب محمود إلى كتابة سرّ الشام كما كان.
وفي منتصف هذا الشهر وُلِّيَ نِقابة الأشراف عماد الدين موسى الحُسَيْني عوضًا عن أخيه شرف الدين عدنان توفي في الشهر الماضي ودُفن بتربتهم عند مسجد الدُّبَّان
(4)
.
وفيه درَّس الفخر المصري بالدّولعية عوضًا عن ابن جملة بحكم ولايته القضاء
(5)
.
وفي خامس عشري رجب درَّس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف ويُعرف بابن الوحيد
(6)
، عوضًا عن ابن جهبل توفي في الشَّهر الماضي، وحضر عنده القضاة والأَعيان، وكنتُ إذ ذاك بالقدس أنا والشيخ شمس الدين بن عبد الهادي وآخرون.
وفيه رسم السلطان الملك الناصر بالمنع من رمي البندق، وأن لا تُباعَ قِسيُّها ولا تُعمل، وذلك لإفساد رماة البندق أولادَ النّاس، وأن الغالب على من تعاناه اللواط والفسق وقلة الدين، ونُودي بذلك في البلاد المصرية والشامية
(7)
.
قال البِرْزالي: وفي نصف شعبان أمر السُّلطان بتسليم المنجِّمين إلى والي القاهرة فضُربوا وحُبِسُوا ثمّ نُفُوا لإفسادهم حالَ النِّساء، فمات منهم أربعةٌ تحت العقوبة، ثلاثةٌ من المسلمين ونصراني، وكتب إليَّ بذلك الشيخ أبو بكر الرحبي.
(1)
مات سنة (755 هـ) الدرر الكامنة (1/ 70) والدارس (1/ 366). والحسباني: نسبة إلى حسبان البلدة التي كان قاضيًا فيها.
(2)
ليست في ط. وقَرَطاي في أ و ط.
(3)
في ط: طبلان وهو تحريف. مات سنة (743 هـ). الدرر الكامنة (2/ 232).
(4)
الذيل (ص 178).
(5)
الدارس (1/ 211).
(6)
سيأتي في وفيات سنة (744 هـ).
(7)
ليست في ب.
وفي أوّل رمضانَ وصل البريد بتولية الأمير فخر الدين [عثمان بن محمد]
(1)
الشمس لؤلؤ ولاية البر بدمشق بعد وفاة شهاب الدين بن المرواني.
ووصل كتاب من مكَّةَ إلى دمشق في رمضانَ يُذكر فيه أنّها وقعت صواعقُ ببلاد الحجاز فقتلت جماعة متفرِّقين في أماكن شتَّى، وأمطار كثيرة جدًّا.
وجاء البريدُ في رابع رمضانَ بتولية القاضي الدين بن جهبل
(2)
قضاء طرابُلُس فذهب إليها. ودرَّس ابن المجد عبد الله
(3)
بالرّواحية عوضًا عن الأَصْبَهاني بحكم إقامته بمصر.
وفي آخر رمضان أفرج عن الصّاحب علم الدين وأخيه شمس الدين موسى بن التاج إسحاق بعد سَجْنهما سنةً ونصفًا
(4)
.
وخرج الرَّكبُ الشّامي الخميس عاشر شوّال وأميره بدر الدين بن مَعْبد وقاضيه علاء الدين بن منصور مدرِّس الحنفية بالقدس بمدرسة تَنْكِز، وفي الحُجَّاج صدر الدين المالكي، وشهاب الدين الظهيري، ومحيي الدين بن الأعقف وآخرون.
وفي يوم الأحد ثالث عشره درَّس بالأَتابكيَّة ابن جملة عوضًا عن ابن جهبل الذي تولّى قضاء طرابُلُس
(5)
.
وفي يوم الأحد عشرينه حكم القاضي شمس الدين محمد بن كامل التَّدمري
(6)
، الذي كان في خطابة الخليل بدمشْقَ نيابةً عن ابن جملة، وفرح الناس بدينه وفضيلته.
وفي ذي القعدة مَسَك تَنْكِزُ دواداره ناصرَ الدِّين محمّد، وكان عندَه بمكانةٍ عظيمة جدًّا، وضربه بين يديه ضَرْبًا مُبْرحًا، واستخلص منه أموالًا كثيرة، ثم حبسه بالقلعة ثم نفاه إلى القدس، وضُرب جماعةٌ من أصحابه منهم علاء الدين بن مقلّد حاجب العرب، وقطع لسانه مرتين، ومات، وتغيرت الدولة وجاءت دولة أخرى مقدَّمُها عنده حمزةُ الذي كان سميره وعشيرَه في هذه المدة الأخيرة، وانزاحت النِّعمة الدوادار ناصر الدين وذويه ومن يليه.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشري ذي القعدة ركِّب على الكعبة بابُ جديد أرسله السلطان مرصَّعًا من السِّنط
(7)
الأحمر كأنه آبَنوس، مركَّب عليه صفائح من فضة زنتها خمسةٌ وثلاثون ألفًا وثلاثِمئةِ وكسر، وقلع
(1)
زيادة من ب. وسيأتي في وفيات سنة (736 هـ).
(2)
في ط: جميل. وهو: إسماعيل بن يحيى، مات سنة (740 هـ). الدرر (1/ 384).
(3)
هو: أحمد بن عبد الله، الشافعي. الدارس (1/ 272).
(4)
الدرر (4/ 374).
(5)
الدارس (1/ 133).
(6)
خطيب تدمر، ثم القدس، مات سنة (741 هـ) الدرر الكامنة (4/ 150).
(7)
في ط: مرضعًا من السبط وهو تحريف.
الباب العتيق، وهو من خشب السّاج، وعليه صفائح تسلَّمها بنو شَيْبَةَ، وكان زِنتها ستين رطلًا فباعوها كل در هم بدرهمين، لأجل التَّبرُّك. وهذا خطأ وهو رِبًا - وكان ينبغي أن يبيعوها بالذهب لئلا يحصل رِبًا بذلك - وتُرك خشبُ الباب العتيق داخل الكعبة، وعليه اسم صاحب اليمن في الفَرْدَتَيْن، سَطْرٌ واحدٌ
(1)
: اللَّهم يا وليُّ يا عليّ اغفر ليوسُفَ بن عمرَ بن عَلِيّ
(2)
.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ العالم تقي الدين محمود بن
(3)
علي: ابن محمود بن مقبل الدَّقوقي أبو الثناء البغدادي محدّث بغداد منذ خمسينَ سنةً، يقرأ لهم الحديث وقد وُلّي مشيخة الحديث بالمُسْتَنصريّة
(4)
، وكان ضابطًا محصِّلًا بارعًا، وكان يعظُ ويتكلَّمُ في الأَعْزيَة والأَهْنيَة، وكان فردًا في زمانه وبلاده رحمه الله.
توفي في المحرَّم وله قريب السبعين سنة، وشهد جنازته خلق كثير، ودفن بتربة الإمام أحمد، ولم يخلّف درهمًا واحدًا، وله قصيدتان رَثَى بهما الشيخ تقي الدين بن تيمية، كتب بهما إلى الشيخ الحافظ البرزالي رحمه الله تعالى.
الشَّيخُ الإمام العالم عزُّ القضاة: فخر الدين أبو محمد عبد الواحد
(5)
بن منصور بن محمد بن المُنَيّر المالكيّ الإسكندري، أحد الفضلاء المشهورين، له تفسير في ستَّة مجلدات، وقصائد في رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنة، وله [نظم]
(6)
في كان وكان، وقد سمعَ الكثيرَ ورَوى
(7)
.
توفي في جُمادى الأولى عن ثنتين وثمانين سنة، ودفن بالإسكندرية. رحمه الله.
ابن جماعة قاضي القضاة: العالم شيخ الإسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد
(8)
ابن الشيخ الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر الكناني الحموي الأصل
(1)
في أ وط: واحدة عليها. وأثبتنا ما في ب، وهو الأشبه.
(2)
وهو: يوسف بن عمر بن علي بن رسول، الملك المظفر أبو منصور. توفي في اليمن في شهر رجب النجوم الزاهرة (8/ 71) والشذرات (5/ 427).
(3)
ليست في ط. وترجمته في الذيل (ص 177) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 421) والدرر الكامنة (4/ 330) والشذرات (6/ 106).
(4)
مدرسة في بغداد مرّ ذكرها.
(5)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 422) والأعلام (4/ 177) وثمة مصادر ترجمة له.
(6)
زيادة من ب والأعلام.
(7)
ليست في ب.
(8)
ترجمته في الذيل (ص 178) وطبقات الشافعية (5/ 181) وفوات الوفيات (3/ 297) والدرر الكامنة (3/ 280) والنجوم الزاهرة (9/ 298) والشذرات (6/ 105).
[الشافعي]
(1)
، ولد ليلة السبت رابع ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمئة بحماة، وسمع الحديث واشتغل بالعلم، وحصّل علومًا متعددة، وتقدَّم وسادَ أقرانه، وباشر تدريس القيمرية، ثم وُلِّي الحكمَ والخطابةَ بالقدس الشّريف، ثم نُقل منه إلى قضاء مصرَ في الأيام الأشرفية، ثم باشر تداريسَ كبارٍ بها
(2)
في ذلك الوقت، ثم وُلِّي قضاء الشّام وجُمع له معه الخطابة ومشيخة الشيوخ وتدريس العادلية وغيرها مدة طويلة، كل هذا مع الرّياسة والديانة والصيانة والورع، وكف الأذى، وله التَّصانيف الفائقة النافعة، وجمع له خطبًا كان يخطب بها في طيب صوت فيها وفي قراءته في المحراب وغيره، ثم نُقل إلى قضاء الديار المصريّة بعد وفاة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، فلم يزل حاكمًا بها إلى أن أَضَرَّ وكَبِرَ وضعُفَت أحواله، فاستقال فأقيل وتولَّى مكانه القزويني، وبقيت معه بعض الجهات ورُتّبت له الرواتب الكثيرة الدارَّة إلى أن توفي ليلة الإثنين بعد عشاء الآخرة حادي عشري جُمادى الأولى، وقد أكمل أربعًا وتسعين سنةً وشهرًا وأيامًا، وصُلِّيَ عليه من الغد قبل الظهر بالجامع الناصري بمصر، ودفن بالقَرَافة، وكانت جنازته حافلة هائلة رحمه الله.
الشَّيخ الإمام الفاضل مفتي المسلمين: شهاب الدّين أبو العباس أحمد
(3)
بن محيي الدين يحيى بن تاج الدين إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جَهْبَل الحلبيّ الأصل ثمّ الدمشقي الشافعي، كان من أعيان الفقهاء.
ولد سنة سبعين وستمئة، واشتغل بالعلم، ولزم المشايخ، ولازم الشَّيخ الصَّدر بن الوكيل
(4)
، ودرّس بالصلاحية بالقدس، ثم تركها وتحوَّل إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية مدة
(5)
، ثم ولي مشيخة البادرائية فترك الظَّاهرية وأقام بتدريس البادرائية إلى أن مات
(6)
، ولم يأخذ معلومًا من واحدة منهما.
توفي يوم الخميس بعد العصر تاسع جُمادى الآخرة وصُلِّيَ [
(7)
عليه بعد الصّلاة ودفن بالصُّوفية وكانت جنازته حافلة.
(1)
زيادة من ب.
(2)
في. ط: كباريها وهو تحريف.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 178) وطبقات الشافعية (5/ 181) والدرر الكامنة (1/ 329) والدارس (1/ 210) والشذرات (6/ 104).
(4)
محمد بن عمر بن مكي العثماني. مات سنة (716 هـ). كما ذكر.
(5)
الدارس (1/ 210).
(6)
الدارس (1/ 358).
(7)
من هنا سقط من الأصل. واستدركته من أ وب وط.
تاج الدين عبد الرحمن
(1)
بن أيوب: مُغَسّلُ الموتى في سنة ستين وستمئة، يقال: إنّه غَسّل ستين ألف ميِّت.
وتوفّي في رجب وقد جاوز الثَّمانين.
الشيخ فخر الدين أبو محمد: عبد الله
(2)
بن محمد بن عبد العظيم بن السَّقَطي الشَّافعي، كان مباشرًا شهادةَ الخِزَانة، وناب في الحكم عند باب النصر
(3)
ودُفن بالقَرَافة.
الإمام الفاضل مجموع الفضائل: شهاب الدين أبو العباس أحمد
(4)
بن عبد الوهاب البكري، نسبةً إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه كان لطيف المعاني ناسخًا مُطيقًا يكتب في اليوم ثلاثة كراريس، وكتب "البخاري" ثماني مرات ويقابله ويجلِّده ويبيع النسخة ذلك بألف ونحوه، وقد جمع "تاريخًا" في ثلاثين مجلدًا، وكان ينسخه ويبيعه أيضًا بأزيد من ألف، وذكر أن له كتابًا سماه "منتهى الأرب في علم" الأدب"
(5)
في ثلاثين مجلدًا أيضًا، وبالجملة كان نادرًا في وقته.
توفي يوم الجمعة عشرين رمضان رحمه الله.
الشيخ الصالح الزاهد الناسك: الكثيرُ الحَجّ عليُّ
(6)
بن الحسن بن أحمد الواسطي، المشهور بالخير والصّلاح، وكَثرة العبادة والتلاوة والحج، يقال: إنّه حج أزيد من أربعين حَجَّة، وكانت عليه مهابة ولديه فضيلة.
توفّي وهو محرم يوم الثلاثاء ثامن عشري ذي القَعدة وقد قارب الثمانين رحمه الله.
الأمير عز الدين إبراهيم
(7)
بن عبد الرحمن: بن محمد بن
(8)
أحمد بن القوّاس، كان مباشرًا الشدّ في بعض الجهات السلطانية، وله دار حسنة بالعُقَيْبة الصّغيرة، فلمّا حضرته
(9)
الوفاة أوصى أن تُجعل
(1)
لعلّه ممّن انفرد به ابن كثير.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 295).
(3)
في ب زيادة هي: بمصرَ، وجمع مسكًا كبيرًا، ويقال: إنه شرح التنبيه أيضًا، وكانت وفاته في رمضان.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 197) وفيه: النويري. النجوم الزاهرة (9/ 299) وبدائع الزهور (1/ 466) والأعلام (1/ 163).
"والنُّويري": نسبة إلى النُّويرة إحدى قرى بني سويف بمديرية بني سويف بمصر.
(5)
الكتاب مطبوع مشهور ويعرف بنهاية الأرب في فنون الأدب. طبع دار الكتب المصرية.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 179) وفيه: ومات ببدر محرمًا، والدرر الكامنة (3/ 37) والشذرات (6/ 105).
(7)
ترجمته في الدارس (1/ 436).
(8)
ليست في ط.
(9)
في ط: جاءته.
مدرسةً
(1)
، ووقف عليها أوقافًا، وجعل تدريسها للشيخ عماد الدين الكردي الشافعي
(2)
.
توفي يوم الأربعاء عشرين ذي الحجة.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وسبعمئة
استهلّت بيوم الأحد [وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها]
(3)
. وفي يوم الجمعة ثاني ربيع الأول أُقيمت الجمعة بالخاتونية البرانية
(4)
، وخطب بها شمسُ الدين النَّجَّار المؤذن المؤقت بالأموي، وترك خطابة جامع القابون
(5)
.
وفي مستهلّ هذا الشهر سافر الأمير شمس الدين محمد التَّدْمري إلى القدس حاكمًا به، وعُزلَ عن نيابة الحكم بدمشق.
وفي ثالثه قدم من مصر زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بخطابة القدس، فخُلع عليه من دمشقَ [فلبسها]
(6)
ثم سافر إليها.
وفي آخر ربيع الأوَّل باشر الأمير ناصر الدين بن بكتاش الحسامي شد الأوقاف عوضًا عن شرف الدين محمود بن الخطيري
(7)
، سافر بأهله إلى مصر أميرًا نيابة بها عن أخيه بدر الدّين مسعود
(8)
.
وعُزل القاضي علاء الدين بن القلانسي، وسائر الدّواوين والمباشرين الذين في باب ملك الأمراء تَنْكِز وصُودروا بمئتي ألف درهم، واستدعي من غزة ناظرها جمال الدين يوسف صهر السني المستوفي، فباشر نظر ديوان النائب ونظر المارستان النوري أيضًا على العادة.
(1)
هي المدرسة القوّاسية بالعقيبة الصغرى بالقرب من مسجد الزيتونة، الدارس (1/ 436) وجاء في منادمة الأطلال (ص 139). ولقد تأملت هناك فلم أجد لها أثرًا، فقد صارت دورًا.
(2)
هو: إسماعيل بن إبراهيم الكردي.
(3)
ليست في ب. والذي فيه:
والخليفة المستكفي بالله، وسلطان البلاد الملك الناصر بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون ونائبه بالشام الأمير سيف الدين تنكز الناصري، والقضاة والمباشرون فخر الدين بن الحلبي وكاتب السر شرف الدين بن الشهاب محمود، ووالي البر فخر الدين بن الشمس لؤلؤ، ونقيب الأشراف عماد الدين موسى أخو عدنان المتوفّى في السنة الماضية.
(4)
في مسجد خاتون على الشرف القبلي. الدارس (1/ 506).
(5)
الدارس (1/ 506).
(6)
زيادة من ب.
(7)
هو محمود بن أوحد بن خطير شرف الدين. مات سنة (749 هـ).
(8)
هو مسعود بن أوحد مات سنة (754 هـ). الدرر الكامنة (4/ 348).
وفي شهر ربيع الأول أمر تَنْكِز بِإصلاح باب تُوما فشُرع فيه فرُفع بابُه عشرةَ أذرعٍ، وجُدّدت حجارتُه وحديدُه في أسرع وقت.
وفي هذا الوقت حصل بدمشقَ سيلٌ خرَّب بعض الجُدران ثمّ تناقص.
وفي أوائل ربيع الآخر قدم من مصرَ جمال الدين أقوش نائبُ الكَرَك مجتازًا إلى طرابُلُس نائبًا بها عوضًا عن قَرَاطاي
(1)
توفي.
وفي جُمادى الأُولى طُلب القاضي شهاب الدين بن المجد عبد الله إلى دار السّعادة فوُلّي وكالة بيت المال عوضًا عن ابن القلانسي، ووصل تقليده من مصر بذلك، وهنَّأَهُ النَّاسُ
(2)
.
وفيه طُلب الأمير نجم الدين بن الزَّيبق من ولاية نابلس فوُلّي شدَّ الدواوين بدمشق، [وقد شغر منصبُه شهورًا بعد ابن الخشاب]
(3)
.
وفي رمضان خطب الشيخ بدر الدين أبو اليسر بن الصائغ
(4)
بالقدس عوضًا عن زين الدين بن جماعة لإعراضه عنها واختياره العَوْدَ إلى بلده.
قضيّةُ القاضي ابن جملة
(5)
لمَّا كان في العَشْر الأخير من رمضان وقع بين القاضي ابن جملة وبين الشيخ الظَّهير شيخ ملك الأُمراء - وكان هو السفير في تولية ابن جملة القضاء - فوقع بينهما منافسةٌ ومخانقةٌ
(6)
في أمورٍ كانت بينه وبين الدَّوادار المتقدِّم ذِكرُه ناصر الدين، فحلف كل واحد منهما على خلاف ما حلف به الآخر عليه، وتفاصلا من دار السَّعادة في المسجد، فلما رجع القاضي إلى منزله بالعادليّة أَرسل إليه الشيخ الظَّهير ليحكم فيه بما فيه المصلحة، وذلك عن مرسوم النَّائب، وكأنه كان خديعة في الباطن وإظهارًا لنصرة القاضي عليه في الظَّاهر، فبدر به القاضي باديَ الرَّأي فعزَّره بين يديه، ثم خرج من عنده فتسلمه أَعوانُ ابن جملة فطافوا به البلد على حمارٍ يوم الأربعاء سابع عشري رمضان، وضربوه ضربًا عنيفًا، ونادَوْا عليه: هذا جزاء من
(1)
في ط: قرطا. وفي ب: الأمير سيف الدين قراطاي. النجوم (9/ 108).
(2)
الدارس (1/ 272).
(3)
في ب: وقد كان المنصب شاغرًا بعد عزل ابن الخشاب.
(4)
هو محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري ابن الصايغ الدمشقي، ولي خطابة القدس ثم تركها. مات سنة (139 هـ). الدارس (6/ 121).
(5)
الذيل (ص 183) والدرر الكامنة (4/ 443) وقضاة دمشق (ص 98) والدارس (1/ 246) والشذرات (6/ 119).
(6)
في ط: محاققه.
يكذب ويفتات على الشرع، فتألَّم الناس له لكونه في الصيام. وفي العَشْر الأخير من رمضانَ، ويوم سبع وعشرين، وهو شيخٌ كبيرٌ صائمٌ، فيقال: إنه ضُرب يومئذ ألفين ومئة وإحدى وسبعين دِرَّة والله أعلم، فما أَمسى حتى استفتى على القاضي المذكور وداروا على المشايخ بسبب ذلك عن مرسوم النائب، فلمَّا كان يوم تاسع عشري رمضان عَقَد نائبُ السَّلطنة بين يديه بدار السعادة مجلسًا حافلًا بالقضاة وأعيان المفتين من سائر المذاهب، وأُحضر ابن جملة قاضي الشَّافعية والمجلس قد احتفل بأهله، ولم يَأْذنوا لابن جملة في الجلوس، بل قامَ قائمًا
(1)
ثم أُجلس بعد ساعة جيدة في طرف الحَلْقة، إلى جانب المحفَّة التي فيها الشيخ الظَّهير، وادَّعى عليه عند بقية القضاة أنَّه حكم فيه لنفسه، واعتَدى عليه في العقوبة، وأفاض الحاضرون في ذلك، وانتشر الكلام وفهموا من نفس النّائب الحطَّ على ابن جملة، والميل عنه
(2)
بعد أن كان إليه، فما انفصل المجلسُ حتى حَكَم القاضي شرف الدين المالكي بفسقه وعزله وسَجنه، فانفض المجلس على ذلك، ورُسم على ابن جملة بالعَذْراويّة ثم نُقل إلى القلعة جزاءً وفاقًا والحمدُ لله وحده
(3)
، وكان له في القضاء سنةٌ ونصفٌ إلا أيامًا، وكان يباشرُ الأحكام جيدًا، وكذا الأوقاف المتعلقة به، وفيه نزاهةٌ وتمييز الأوقاف بين الفقهاء والفقراء، وفيه صَرامةٌ وشَهامة وإقدام، لكنَّه أخطأ في هذه الواقعة، وتعدى فيها، فآل أمره إلى هذا.
وخرجَ الرَّكبُ يوم الإثنين عاشرِ شوّال وأميره اُلْجِي بُغَا، وقاضيه]
(4)
مجد الدين بن حيَّان المصري.
وفي يوم الإثنين رابع عشريه درَّس بالاقبالية الحنفية نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطَّرَسوسي الحنفي عوضًا عن شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأَصْبهاني بن العجمي الحبطي، ويُعرف بابن الحنبلي، وكان فاضلًا دينًا متقشفًا كثير الوَسْوَسَة في الماء جدًّا،
(5)
وأما المدرّس مكانه وهو نجم الدين بن الحنفي
(6)
فإنَّه ابن خمسَ عَشْرَةَ سنة، وهو في النباهة والفهم، وحسن الاشتغال والشكل والوقار، بحيث غبط الحاضرون كلُّهم أباه على ذلك، ولهذا آل أمره أن تولى قضاء القضاة في حياة أبيه، نَزَلَ له عنه وحُمِدَت سيرتُه وأحكامُه.
وفي هذا الشهر أُثبت محضرٌ في حقِّ الصاحب شمس الدين غبريال المتوفّى في هذه السنة أنه كان
(1)
ليست في ب.
(2)
في ب: عليه.
(3)
ليست في ب.
(4)
هنا انتهى السقط المستدرك.
(5)
الدرر الكامنة (4/ 43). وفيه: كان موسوسًا في الطّهارة.
(6)
هو إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنفي، ولد سنة (721 هـ) ومات سنة (758 هـ -) الدرر الكامنة (1/ 53).
يشتري أملاكًا من بيت المال ويوقفها ويتصرّف فيها تصرُّف الملَّاك لنفسه، وشهد بذلك كمال الدين بن
(1)
الشيرازي وابن أخيه عماد الدين وعلاء الدين بن القلانسي وابن خاله عماد الدين بن عز الدين بن القلانسي، وعز الدين بن المُنجّى، وتقي الدين بن مراجل، وكمال الدين بن الفويرة، وأُثبت على القاضي برهان الدين الزُّرعي الحنبلي ونفذه بقيَّةُ القضاة، وامتنع المحتسب عز الدين بن القلانسي من الشَّهادة فرُسم عليه بالعذراوية قريبًا من شهر، ثم أُفرج عنه وعُزل عن الحِسبة، واستمرَّ على نظر الخزانة
(2)
.
وفي يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة حُملت خلعة القضاءِ إلى الشيخ شهاب الدين بن المجد وكيل بيت المال يومئذ، فلبسها وركب إلى دار السعادة وقُرئ تقليده بحضرة نائب السلطنة والقضاة ثم رجع إلى مدرسته الإقبالية فقُرئ بها أيضًا وحَكَم بين خَصْمين، وكتب على أوراق السّائلين
(3)
، ودرَّس بالعادلية والغَزَاليَّة والأتابكيَّة
(4)
مع تدريس الإقبالية عوضًا عن ابن جملة.
وفي يوم الجمعة رابع الحجة حضر الأمير حسام الدين مُهَنّا بن عيسى وفي صحبته صاحبُ حماة الأَفْضَل، فتلقاهما تَنْكِز وأكرمهما، وصَلَّيَا الجُمُعَة عند النائب ثم توجَّها إلى مصرَ، فتلقَّاهما أعيانُ الأمراء وأَكرمَ السُّلطان مُهَنَّا بن عيسى وأطلق له أموالًا جزيلة كثيرة، من الذَّهب والفِضَّة والقماش، وأقطعه عدَّةَ قرى ورَسم له بالعَوْد إلى أهله، ففرح النَّاسُ بذلك.
قالوا: وكان جميعُ ما أنعم به عليه السلطان قيمة مئة ألف دينار
(5)
، وخلع عليه وعلى أصحابه مئة وسبعين خلعةً.
وفي يوم الأحد سادس ذي الحجة حضر درس الرّواحية الفخرُ المصري عوضًا عن قاضي القضاة ابن المجد وحضر عنده القضاة الأربعة وأعيان الفضلاء
(6)
.
وفي يوم عرفة خُلع على نجم الدين بن أبي الطيِّب بوكالة بيت المال، عوضًا عن ابن المجد، وعلى عماد الدِّين بن الشيرازي بالحسبة عوضًا عن عز الدين بن القلانسي وخرج الثَّلاثةُ من دار السعادة بالطَّرْحات.
(1)
ليست في ط.
(2)
الدرر الكامنة (2/ 63).
(3)
في ب: وجاء الناس للتهنئة.
(4)
في الأصل و أ و ط: الأتابكيتين. وأثبتنا ما في ب والدارس.
(5)
في ب: سبعون ألف درهم.
(6)
في ب: أعيان الفقهاء الفضلاء.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ الأجل التاجر الصَّدوق
(1)
بدر الدين: لُؤلُؤ
(2)
بن عبد الله عتيق النَّقيب شُجاع الدِّين إدريس، وكان رجلًا حسنًا يتَّجرُ في الجُوخ.
مات فجأةً عصر يوم الخميس خامس محرم وخلَّف أولادًا وثروة، ودفن بباب الصغير، وله بر وصدقة ومعروف، وسُبْعٌ بمسجد ابن هشام
(3)
.
الصدر أمين الدين: محمد
(4)
بن فخر الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أبي العيش الأَنْصاري الدمشقي باني المسجد المشهور بالربوة، على حافة بردى والطَّهارة والحجارة إلى جانبه، والسُّوق الذي هناك، وله بجامع النَّيرب ميعاد.
ولد سنة ثمان وخمسين وستمئة، وسمع "البخاري" وحدَّث به، وكان من أكابر التجّار ذوي اليسار، توفي بُكْرة الجمعة سادس المحرم ودفن بتربته
(5)
بقاسيون رحمه الله.
الخطيب الإمام العالم: عماد الدين أبو حفص
(6)
[عمر بن الخطيب ظهير الدين عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر]
(7)
بن عبد الله بن الحسن القرشي الزُّهري النابلسي، خطيب القدس، وقاضي نابلس مدة طويلة، ثم جمع له بين خطابة القدس وقضائها، وله اشتغال وفيه فضيلة، وشرح "صحيح مسلم" في مجلدات، وكان سريع الحفظ سريع الكتابة.
توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم ودفن بماملا رحمه الله.
الصدر شمس الدين: محمد
(8)
بن إسماعيل بن حمَّاد التاجر بقيساريّة الشرب، كتب المنسوب وانتفع به الناس، وولي سمسرة
(9)
التجّار لأمانته وديانته، وكانت له معرفة ومطالعة في الكتب.
توفي تاسع صفر عن نحو ستين سنة. ودفن بقاسيون رحمه الله.
(1)
ليست في ط.
(2)
لم أقع له على ترجمة.
(3)
الدارس (2/ 305).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 307) والدارس (2/ 298 و 438).
(5)
التربة المحمّدية الأمينية العيسيَّة الأنصارية شمالي الجامع المظفري بسفح قاسيون الدارس (2/ 298).
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 169) والشذرات (6/ 108).
(7)
زيادة من ط. وهي في الدرر والشذرات عدا قوله: (ابن الخطيب ظهير الدين).
(8)
لم أقع على ترجمة له.
(9)
ليست في ط.
جمال الدين قاضي القضاة الزُّرَعيّ: هو أبو الربيع سُليمان
(1)
ابن الخطيب مجد الدين عمر بن سليمان
(2)
بن عمرو بن عثمان الأَذْرَعي الشّافعي ولد سنة خمس وأربعين وستمئة بأذرعات، واشتغل بدمشقَ فحصَّل، وناب في الحكم بزُرَع مدة فعرف بالزُّرَعي لذلك، وإنما هو من أذرعات وأصله من بلاد المغرب، ثم نابَ بدمشقَ ثم انتقل إلى مصرَ فناب في الحكم بها، ثم استقلَّ بولاية القضاء بها نحوًا من سنة، ولِّي قضاء الشام مدة مع مشيخة الشيوخ نحوًا من سنة، ثم عُزل وبقي على مشيخة الشيوخ نحوًا من سنة من تدريس الأتَابكية، ثم تحوَّل إلى مصرَ فوُلِّي بها التَّداريس وقضاءَ العسكر، ثمَّ تُوفّي بها يوم الأحد سادس صفر وقد قاربَ التسعين
(3)
رحمه الله.
وقد خرَّج له البِرْزاليُّ مشيخةً سمعناها عليه وهو بدمشقَ عن اثنين وعشرينَ شيخًا.
الشيخ الإمام العالم الزاهد: زين الدين أبو محمد عبد الرحمن
(4)
بن محمود بن عبيدان البعلبكي الحنبلي، أحد فضلاء الحنابلة، وممَّن صنَّف في الحديث والفقه والتصوّف وأعمال القلوب وغير ذلك، كان فاضلًا له أعمال كثيرة، وقد وقعت له كائنة في أيام الظَّاهر أنه أُصيب في عقله أو زوال فكره، أو قد عمل على الرياضة فاحترقَ باطنُه من الجوع، فرأى خيالات لا حقيقة لها فاعتقد أَنَّها أمرٌ خارجي، وإنما هو خيال فكري فاسد.
وكانت وفاته في نصف صفر ببعلبك، ودفن بباب سطحا ولم يكمل الستين، وصلّي عليه بدمشق صلاة الغائب، وعلى القاضي الزُّرَعي معًا.
الأمير شهاب الدين قَرَطاي
(5)
: نائبُ طرابُلُس له أوقاف وصدقات، وبرٌّ وصلات، توفي بطرابُلُس يوم الجمعة ثامنَ عشرَ صفر
(6)
ودفن هناك رحمه الله.
الشيخ عبد الله
(7)
بن يوسف بن أبي بكر الأَسْعرديّ المؤقِّت: كان فاضلًا في صناعة المِيْقات وعلم الاصطرْلاب وما جرى مجراه، بارعًا في ذلك، غير أنه لا يُنْتَفَعُ
(8)
به لسوءِ أَخلاقه وشراستها، ثم إنَّه
(1)
ترجمته في الذيل (ص 181) والدرر الكامنة (2/ 159) وطبقات الشافعية (6/ 105) والنجوم الزاهرة (9/ 304) ورفع الإصر لابن حجر (2/ 250) وشذرات الذهب (6/ 107).
(2)
في ط: سالم بن عمر.
(3)
في أ وب السبعين. وأثبتنا ما في ب، وهو الأشبه، لأن ولادتهُ سنة (645 هـ) وفي الذيل والشذرات: توفي في صفر عن تسع وثمانين سنة.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 347) والشذرات (6/ 107) وقد جاء في ب: أنّه أبو الفرج، وكذلك في الشذرات.
(5)
ترجمته في الذيل (ص 181) والدرر الكامنة (3/ 248) والنجوم الزاهرة (9/ 304).
(6)
ليست في ب.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 308).
(8)
في ط: لا ينفع.
ضَعُفَ بصرُه فسقط من قيساريَّة بحسى فمات
(1)
عشية السبت عاشر ربيع الأول، ودُفن بباب الصغير.
الأمير سيف الدين بَلَبَانُ
(2)
: طُرْنَا بن
(3)
عبد الله الناصري، كان من المقدمين بدمشق، وجرت له فصول يطول ذكرها، ثمَّ توفي بداره عند مئذنة فيروز ليلة الأربعاء حادي عشري ربيع الأول، ودفن بتربة اتخذها إلى جانب داره، ووقف عليها مقرئين، ورتّب
(4)
عندها مسجدًا بإمام ومؤذن.
شمس الدين محمّد
(5)
بن يحيى بن محمد بن قاضي حرَّان: ناظرُ الأَوقاف بدمشقَ، مات الليلة التي مات فيها الذي قبله، ودُفن بقاسيون، وتولَّى مكانه عماد الدين بن
(6)
الشيرازي.
الشيخ الإمام ذو الفنون: تاج الدين أبو حفص عمر
(7)
بن علي بن سالم بن عبد الله اللَّخمي الإسكندراني، المعروف بابن الفاكهاني، ولد سنة أربع وخمسين وستمئة، وسمع الحديث واشتغل بالفقه على مذهب مالك، وبرع وتقدَّم بمعرفة النحو وغيره، وله مصنَّفات في أشياءَ متفرقة، قدم دمشقَ في سنة إحدى وثلاثين وسبعمئة في أيام الأخنائي
(8)
، فأنزله في العادليّة
(9)
، وسمعنا عليه ومعه، وحجَّ من دمشقَ عامئذٍ، وسُمع عليه في الطريق، ورجع إلى بلاده.
توفي ليلة الجمعة سابع جمادى الأولى، وصُلّيَ عليه بدمشقَ حين بلغهم خبرُ موته.
الشيخ الصَّالح العابد الناسك: أمين الدين أيمن
(10)
بن محمد، وكان يذكر أنَّ اسمَه محمدُ بن محمد إلى سبعةَ عشرَ نفسًا كلهم اسمه محمد
(11)
، وقد جاوَرَ بالمدينة مدَّة سنينَ إلى أن توفّي ليلة الخميس ثامن ربيع الأول بالمدينة
(12)
، ودفن بالبقيع وصُلّيَ عليه بدمشقَ صلاةَ الغائب.
(1)
ليست في ط.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 494) والنجوم الزاهرة (9/ 304) والدارس (2/ 325) وفيه: (طرناه) وفي الدليل الشافي (1/ 198) توفي في نيابة صفد.
(3)
في الأصل وط: طوفا، وفي أ: طوفان.
(4)
في ط: وبنى.
(5)
لم أقع على ترجمة له.
(6)
ليست في ط.
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 178) وبدائع الزهور (1/ 469) والشذرات (6/ 96) وفيه وفاته سنة (731 هـ).
(8)
مرّ ذكرهُ في سنة (732 هـ).
(9)
في ط: دار السعادة وهو توهم.
(10)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 431).
(11)
ذكر سلسلة هذه الأسماء المباركة ابن حجر في الدرر في معرض ترجمته.
(12)
ليست في ط.
الشَّيخ نجم الدّين القِبَابيّ الحموي: عبد الرحمن
(1)
بن الحسن بن يحيى اللخمي القِبَابيّ
(2)
، قرية من قرى أَشْمون الرُّمَّان
(3)
، أَقامَ بحماة في زاوية يُزَار ويُلتمس دعاؤه، وكان عابدًا ورعًا زاهدًا آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، حسنَ الطريقة إلى أن توفّي بها آخر نهار الإثنين رابعَ عشرَ رجب، عن ست وستين سنة، وكانت جنازته حافلة هائلة جدًّا، ودفن شماليّ حماة، وكان عنده فضيلة، واشتغل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وله كلام حسنٌ يؤثر عنه رحمه الله.
الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: الحافظ العلامة البارع، فتح الدين أبو الفتح محمد
(4)
بن الإمام أبي عمرو محمد بن الإمام الحافظ الخطيب أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليَعْمريّ الأندلسي الإشبيلي ثم المصري.
ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمئة بالقاهرة، وسمع الكثير وأجازَ له الرّواية عنهم جماعاتٌ من المشايخ، ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره، واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علومٍ شتَّى من الحديث والفقه والنحو والعربية، وعلم السّير والتّواريخ وغير ذلك من الفنون، وقد جمع سيرةً حسنةً في مجلدين
(5)
، وشرح قطعة حسنةً من أول "جامع الترمذي"، رأيت منها مجلدًا بخطّه الحسن، وقد حرّر وحبّر وأَفادَ وأجاد، ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله الشِّعر الرائقُ الفائقُ، والنَّثر الموافق، والبلاغة التامة، وحسنُ التَّرصيف والتَّصنيف، وجودة البديهة، وحسن الطوِيَّة، وله العقيدة السَّلفية الموضوعة على الآي والأخبار والآثار والاقتفاء بالآثار النبوية، ويذكر عنه شؤون أُخَرُ يَتَولّاه
(6)
الله فيها، وله مدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان
(7)
، وكان شيخ الحديث بالظَّاهرية بمصرَ، وخطب بجامع الخندق، ولم يكن في مصرَ في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والمُلَح والأشعار والحكايات.
(1)
ترجمته في الذيل (ص 182) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 425) والدرر الكامنة (2/ 327) والشذرات (6/ 107).
(2)
في ط: القباني وهو تحريف. التحفة السنيّة لابن الجيعان.
(3)
من قرى الصّعيد. ياقوت (1/ 200). والشذرات.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 182) وفوات الوفيات (3/ 287) والدرر الكامنة (4/ 208) والنجوم الزاهرة (9/ 303) وبدائع الزهور (1/ 469) والشذرات (6/ 108). قال بشار: ولصديقنا الدكتور محمد الرواندي الغربي دراسة نفيسة عنه طبعت في مجلدين.
(5)
هي المعروفة بعيون الأثر، مطبوعة مشهورة.
(6)
في ط: ويذكر عنه سوء أدب في شؤون أُخر سامحه الله وهو تحريف.
(7)
ذكر الكتبي شيئًا منها في الفوات.
توفي فجأة يوم السبت حاديْ عشرَ شعبان، وصُلِّىَ عليه من الغد، وكانت جنازته حافلة، ودفن عند ابن أبي جمرة
(1)
رحمه الله.
القاضي مجد الدين
(2)
حرمي
(3)
: ابن قاسم بن يوسف العامري الفَاقُوسي الشّافعي، وكيل بيت المال، ومدرِّس الشّافعي
(4)
وغيره، كان له همة ونهضة، وعلت سنُّه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل، ويلقي الدُّروس من حفظه إلى أن توفي ثاني ذي الحجة، وولّيَ تدريس الشافعي بعده شمس الدين بن القمَّاح، والقُطبيَّة
(5)
بهاء الدين بن عقيل، والوكالة نجم الدين الأسْعَرْدي المحتسب، وهو كان وكيل بيت الظَّاهر.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمئة
استهلَّت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها
(6)
وناظر الجامع عز الدين بن المُنَجَّى، والمحتسب عماد الدين بن
(7)
الشيرازي وغيرهم.
وفي مُستهلّ المحرَّم يوم الخميس درَّس بأم الصالح الشيخ [شمس الدين ابن]
(8)
خطيب يبرود
(9)
عوضًا عن قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي سادس المحرم رجع مُهَنَّا بن عيسى من عند السُّلطان فتلقَّاه النَّائبُ والجيش، وعاد إلى أهله في عزٍّ وعافية.
وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه، وعمارة جامع مصر العتيق.
(1)
في الأصل وأ: حمزة. وابن أبي جمرة هو: عبد الله بن أبي جمرة. مات سنة (710 هـ). الشذرات (6/ 21).
(2)
في أ وط: ابن حرمي وهو تحريف.
(3)
ترجمته في الذيل (ص 183) والدرر الكامنة (2/ 8) وفيه: حرمي بن هاشم. والنجوم الزاهرة (9/ 305) وفيه: حرمي بن قاسم. والفَاقُوسي: نسبة إلى مدينة فاقوس في مديرية الشرقية. ياقوت (4/ 232). التحفة السنيّة.
(4)
أي: قبة الشافعي.
(5)
في ب: المعظمية.
(6)
ليست في ب. والذي فيه: والخليفة والسلطان والمباشرون هم المذكورون سوى وكيل بيت المال فإنه نجم الدين بن أبي الطيب.
(7)
ليست في ط.
(8)
زيادة من ب. وهو: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان. مات سنة (777 هـ). الدارس (1/ 240).
(9)
في ط: تبرور. وهو تحريف.
وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين [عبد الله بن كمال الدين]
(1)
محمد بن عماد الدين بن الأثير كاتب سرٍّ بها عوضًا عن ابن الشهاب محمود.
ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير من الناس بالخانوق.
وفي ربيع الأول مُسك الأمير نجم الدين بن الزّيبق مشدّ الدواوين، وصُودر وبيعت خيوله وحواصله وتولّاه بعده سيف الدين تَمُر مملوك بَكْتَمُر الحاجب، وهو مشد الزكاة.
وفيه كملت عمارة حمَّام الأمير شمس الدين حمزة الذي تمكَّن عند تَنْكِز بعد ناصر الدين الدَّوادار، ثم وقعت الشَّناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للنَّاس منه، وضربه بين يديه ورماه بالبندق بيده في وجهه، وسائر جسده، ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرَّقه فيها
(2)
.
وعُزل الأمير جمالُ الدِّين
(3)
نائبُ الكَرَك عن نيابة طَرَابُلُس حسبَ سؤاله في ذلك، وراح إليها طِيْنال وقدم نائبُ الكَرَك إلى دمشقَ وقد رُسم له بالإقامة في صَرْخد
(4)
، فلمَّا تلقاه نائب السّلطنة والجيش نزل في دار السعادة وأخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة، ثم نقل إلى صفت
(5)
ثم إلى الإسْكندرية ثم كانَ آخرُ العهد به.
وفي جمادى الأولى احتيط على دار الأمير بَكْتَمُر الحاجب الحسامي
(6)
بالقاهرة، ونُبشت وأُخذ منها شيء كثير جدًّا، وكان جدَّ أولادِه نائبُ الكَرَك المذكور.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الآخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الأوقاف عوضًا عن ابن بكتاش، اعتقل، وخلع على المتولي وهنَّأهُ النّاس.
وفي منتصف هذا الشهر عُلِّق السِّتر الجديد على خزانة المصحف العثماني، وهو من خزٍّ طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف، [غرم عليه أربعة آلاف وخمسمئة، وعمل في مدة سنة ونصف]
(7)
.
(1)
زيادة من ب، وكذلك هو في الذيل (ص 183). مات سنة (778 هـ). الشذرات (6/ 257).
(2)
الذيل (ص 184).
(3)
جمال الدين آقوش الأشرفي المعروف بنائب الكرك.
(4)
في ط: سلخد. وهو تحريف.
(5)
في الدرر الكامنة (1/ 396): صفد والنجوم الزاهرة (9/ 112): صرفد، والصواب: صفت. وقد سبق ذكرها، وأنها في مصر قرب بلبيس.
(6)
مات سنة (724 هـ) كما سلف.
(7)
زيادة من ط.
وخرج الركب الشّامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المُرْسي، وقاضيه شهاب الدين الظّاهري
(1)
.
وفيه رجع جيشُ حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التُّركمان، وكانوا في بلاد أذنة وطرَسوس وإياس، وقد خربوا وقتلوا وسبوا وأسروا
(2)
خلقًا كثيرًا، ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان، ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوًا من ألف رجل، يوم عيد الفطر من التجار وغيرهم
(3)
فإنا لله وإنا إليه راجعون
(4)
.
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة، وأملاك وأوقاف، وهلكت أموال لا تُحصر، وكذلك احترق أكثر مدينة أَنْطاكية، فتألَّم المسلمون لذلك.
وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في وسط
(5)
الطريق بين باب النصر وباب الجابية، عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة، وبُني غربيَّه مسجدٌ حسنٌ؛ أحسنُ وأنفعُ من الأوَّل.
وتوفّي فيها من الأعيان:
الشّيخ الصّالح المعمَّر رئيس المؤذِّنين بجامع دمشق: برهان الدين إبراهيم
(6)
بن محمد بن أحمد بن محمد الواني.
ولد سنة ثلاث وأربعين وستمئة، وسمع الحديث، وروَى، وكان حسنَ الصَّوت والشكل، محبَّبًا إلى العوام.
توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير.
وقام من بعده في الرِّياسة ولده أمين الدين محمد الواني
(7)
المحدث المفيد، وتوفّي بعده ببضعةٍ وأربعين يومًا رحمهما الله.
(1)
هو أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي. مات سنة (755 هـ) الدرر الكامنة (1/ 167).
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ط.
(4)
الذيل (ص 184) وفيه: فوثب الملاعينُ على التجار والعربان فقتلوا ألفي مسلم.
(5)
ليست في ط.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 185) والدرر الكامنة (1/ 56) والشذرات (6/ 109).
(7)
الذيل (ص 185) والدرر الكامنة (3/ 293).
الكاتب المطبّق المجوّد المحرّر: بهاء الدين محمود
(1)
ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السّلمي.
ولد سنة ثمان وثمانين وستمئة، واعتنى بهذه الصناعة فبرع فيها، وتقدَّم على أهل زمانه قاطبةً في النَّسخ وبقية الأقلام، وكان حسنَ الشكل طيبَ الأخلاق، طيبَ الصّوت حسنَ التودُّد، توفي في سلخ ربيع الأول ودفن بتربة الشيخ أبي عمر رحمه الله.
علاء الدين السّنجاري: واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الأموي بدمشق، علي
(2)
بن إسماعيل بن محمود كان أحد التجار الصدق الأخيار، ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات.
توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالثَ عشرَ جُمادى الآخرة، ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
(3)
.
العدل نجم الدين التاجر: عبد الرحيم
(4)
بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة
(5)
بالمِزّة، وقد جعل فيها مسجدًا وأوقف عليها أوقافًا دارَّة، وصدقات هناك، وكان من خيار أبناء جنسه، عدلٌ مرضيٌّ عند جميع الحكام، وترك أولادًا و أموالًا جمة، ودارًا هائلة، وبساتين بالمزة.
وكانت وفاته يوم الأربعاء سابع عشرين جمادى الآخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله.
الشيخ الإمام الحافظ قطب الدين: أبو محمد عبد الكريم
(6)
بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصَّمد بن عبد النُّور الحلبيّ الأصل ثمَّ المصري، أحد مشاهير المحدثين بها، والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه.
ولد سنة أربع وستين وستمئة بحلب، وقرأ القرآن بالرّوايات، وسمع الحديث وقرأ "الشاطبية" و "الألفية"، وبرع في فن الحديث، وكان حنفيَّ المذهب وكتب كثيرًا وصنف شرحًا لأكثر "البخاري"، وجمع تاريخًا لمصر ولم يكملهما، وتكلَّم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني
(1)
ترجمته في الذيل (ص 186) والدرر الكامنة (4/ 335) والنجوم (9/ 308) والشذرات (6/ 112) وفيه: المسلمي. وهو غلط.
(2)
ترجمته في الدارس (1/ 12 - 13) ووقف دار القرآن السنجارية تجاه باب الجامع الشمالي المسمى بالناطفانيين الدارس.
(3)
محمد بن عثمان. مات سنة (728 هـ) ودفن بالقرافة كما سلف.
(4)
ترجمته في الدارس (2/ 246).
(5)
هي التربة الرحبية. الدارس.
(6)
ترجمته في الذيل (ص 186)، وغاية النهاية (1/ 402) والدرر الكامنة (2/ 398) والنجوم الزاهرة (9/ 306) والدارس (1/ 94) والشذرات (6/ 110) وأعلام النبلاء (4/ 564).
وخرَّج لنفسه أربعين حديثًا متباينة الإسناد، وكان حسن الأخلاق مطَّرحًا للكلفة طاهرَ اللسان كثيرَ المطالعة والاشتغال، إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب، ودفن من الغد مستهلّ شعبان عند خاله نصر المَنْبجي
(1)
، وخلَّف تسعة أولاد رحمه الله.
القاضي الإمام زين الدين أبو محمد: عبد الكافي
(2)
بن علي بن تمّام
(3)
بن يوسف السُّبكي، قاضي المحلة
(4)
، ووالد العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي. سمع من ابن الأنماطي وابن خطيب المزة، وحدَّث وتوفي تاسع شعبان.
وتبعته زوجته ناصرية
(5)
بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي، ودفنت بالقَرَافة، وقد سمعَتْ من ابن الصابوني شيئًا من "سنن النسائي".
وكذلك ابنتها محمَّدية، وقد توفِّيت قبلها.
تاجُ الدّين علي
(6)
بن إبراهيم: بن عبد الكريم المصري، ويعرف بكاتب قُطْلُبَك، وهو والد العلامة فخر الدين
(7)
شيخ الشَّافعية ومدرّسهم في عدَّة مدارس، ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادليّة الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالثَ عشرين
(8)
شعبان، وصُلِّيَ عليه من الغد بالجامع، ودُفن بباب الصغير.
الشّيخ الصالح عبد الكافي
(9)
: ويُعرف بعُبَيْد بن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المَنِيْنيّ، ويعرف بابن أبي الأزرق، مولده في سنة أربع وأربعين وستمئة بقريته من بلاد بَعْلبك، ثم أقام بقرية مَنِيْنَ
(10)
، وكان مشهورًا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين.
(1)
المتوفي سنة (719 هـ) كما سلف.
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 396) والنجوم الزاهرة (9/ 307) والشذرات (6/ 110).
(3)
في الأصل: غنام. وهو تحريف.
(4)
هي: المحلة الكبرى. مدينة مشهورة في مصر.
(5)
ترجمتها في الدرر الكامنة (4/ 388).
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 7) والدارس (1/ 373).
(7)
هو: محمد بن علي. مات سنة (751). الدرر الكامنة (4/ 51) والنجوم (10/ 250).
(8)
في ط: ثالث عشر.
(9)
لم أقع على ترجمة له.
(10)
هي قرية من أعمال دمشق. ياقوت (5/ 218). أقول: وهي بلدة عامرة مشهورة بجمال طبيعتها ولطف هوائها ونشاط أهلها وتبعد عن دمشق حوالي (18 كم).
الشيخ محمد بن عبد الحق
(1)
: ابن شعبان بن علي الأَنصاري، المعروف بالشيَّاح
(2)
، له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به
(3)
، وكان قد بلغ التسعين، وسمع الحديث وأسمعه، وكانت له معرفة بالأمور وعنده بعض مكاشفة، وهو رجل حسن، توفي أواخر شَوَّال من هذه السنة.
الأمير سلطان العرب: حسام الدين مهنا
(4)
بن عيسى بن مهنا، أمير العرب بالشام، وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، من ذرية الولد
(5)
الذي جاء من العباسة أخت الرشيد فالله أعلم.
وقد كان كبير القدر محترمًا عند الملوك كلِّهم، بالشَّام ومصرَ والعراق، وكان دّينًا خيِّرًا متحيِّزًا للحق، وخلَّف أولادًا وذريةً
(6)
وأموالًا كثيرة، وقد بلغ سنًا عالية، وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبًا زائدًا، هو وذريته وعربه، وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام، يسمعون قوله ويمتثلونه، وهو الذي نهاهم أن يُغير بعضُهم على بعض، وعرَّفهم أن ذلك حرام، وله في ذلك مصنَّف جليل، وكانت وفاة مهنا هذا ببلاد سَلَمْيَة في ثامنَ عشرَ ذي القعدة، ودفن هناك رحمه الله
(7)
.
الشَّيخ الزَّاهد: فضلُ
(8)
بن عيسى بن قنديل العجلونيّ الحنبليّ المقيم بالمِسْماريّة
(9)
، أصله من بلاد حبراص، كان متقللًا من الدنيا يلبَسُ ثيابًا طوالًا وعمامة هائلة، وهي بأرخص الأثمان، وكان يعرف تعبيرَ الرُّؤيا ويُقصد لذلك، وكان لا يقبل من أحد شيئًا، وقد عُرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها، بل رضي بالرَّغيد الهنيّ من العيش الخشن إلى أن توفي في ذي الحجة، وله نحو تسعين سنة، ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله، وكانت جنازته حافلة جدًّا
(10)
.
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 491).
(2)
في ط: السيّاح. وهو تطبيع. وفي الدرر الكامنة (الشيّاخ).
(3)
في المهاجرين من دمشق، وتعرف المنطقة به إلى الآن.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 187) والدرر الكامنة (4/ 368) وابن خلدون (5/ 439) والنجوم (9/ 302) وفيهما: وفاته سنة (734 هـ). والشذرات (6/ 112).
(5)
قال ابن خلدون: هو سميع الذي ولدته العبّاسة. ثم قال: وحاشا لله من هذه المقالة في الرشيد وأخته وفي انتساب كبراء العرب من طيء إلى موالي العجم من بني برمك وأنسابهم (5/ 436). قال بشار: وقول ابن خلدون هو الصواب فآل عيسى من آل فضل وهم من طيء، وهم إلى اليوم أهل نخوة مساكنهم في بلاد الشام والعراق.
(6)
في ط: وورثة.
(7)
ليست في ب. قال بشار: وغالب أحفادهم إلى اليوم من محبي شيخ الإسلام، ومن أتباعه.
(8)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 231).
(9)
المسمارية مدرسة قبلي القيمرية الكبرى داخل دمشق. الدارس (2/ 114).
(10)
ليست في ب.
ثم دخلت سنةُ ست وثلاثين وسبعمئة
استهلّت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها
(1)
.
وفي أوَّل يوم منها ركب تَنْكِز إلى قلعة جَعْبَر ومعه الجيش والمجانيق فغابوا شهرًا وخمسة أيام وعادوا سالمين
(2)
.
وفي ثامن صفر فُتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قَوْصُون الناصري خارج باب القَرَافة
(3)
، وتولّى مشيختها الشيخ شمس الدين الأَصْبَهاني
(4)
المتكلِّم.
وفي عاشر صفر خرج ابن جُمْلة من السِّجن بالقلعة
(5)
. وجاءت الأخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خَرْبَنْدا بن أَرْغون بن أبغا بن هولاكو [بن]
(6)
تُولي بن جنكزخان، في يوم الخميس ثانيْ عشرَ ربيع الآخر بدار السَّلطنة بقَرَاباغ، وهي منزلهم في الشتاء، ثم نُقل إلى تربته بمدينته التي أنشأها قريبًا من السُّلطانية مدينة أبيه، وقد كان من خيار ملوك التتار وأحسنهم طريقة وأثبتهم على السنة وأقومهم بها، وقد عز أهلُ السُّنَّة بزمانه وذلت الرّافضة، بخلاف دولة أبيه، ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة، بل اختلفوا فتفرَّقوا شذَرَ مذَرَ إلى زماننا هذا، وكان القائم من بعده بالأمر أَرْبَكاوُون
(7)
من ذرية أبغا، ولم يستمرَّ له الأمر إلا قليلًا.
وفي يوم الأربعاء عاشر جُمادى الأولى درَّس بالناصرية الجوانية نور
(8)
الدين الأردبيلي عوضًا عن كمال الدين بن الشّيرازي توفي، وحضر عنده القضاة.
وفيه درَّس بالظاهرية البرانية الشيخ الإمام المقرئ سيف الدين أبو بكر الحريري عوضًا عن نور الدين الأردبيلي، تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية.
(1)
ليست في ب. والذي فيه: استهلّت بيوم الإثنين والخليفة المستكفي ونائبه بالشام والقضاة والمباشرون هم المذكورون، سوى شدّ الأوقاف فإنه سيف الدين تمَرُ مشد الزكاة وكاتب السر جمال الدين بن الأثير، ومشد الأوقاف فإنه الأمير حسام الدين.
(2)
بدائع الزهور (1/ 473).
(3)
وهي خانقاه سرياقوس.
(4)
هو محمود بن عبد الرحمن. مات سنة (749 هـ) بالطاعون. الدرر الكامنة (4/ 327).
(5)
الدرر (4/ 444).
(6)
زيادة في ط.
(7)
في ط: أرتكاوون. وهو تحريف. وفي الدليل الشافي (1/ 102): أَرْبكون المغلي صاحب العراق وأذربيجان والروم وهو من ذرية جَنْكِزخان، توفي مقتولًا سنة (736) وقيل: كان نصرانيًا. اهـ.
(8)
في أ و ط: بدر الدين. وأثبتنا ما في الدرر (3/ 230) والدارس (1/ 230).
وبعده بيوم درَّس بالنَّجيبية كاتبُه إسماعيل بن كثير عوضًا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعيَّن له تدريس الظاهرية الجوانية، وحضر عنده القضاة والأعيان. وكان درسًا حافلًا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه، وكان ذلك في تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفَضْل.
وفي يوم الأحد رابعِ عشرهِ ذَكَر الدَّرس بالظَّاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضًا عن علاء الدين بن القلانسي توفي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان يومًا مطيرًا
(1)
.
وفي أوّل جُمادى الآخرة وقع غلاءٌ شديدٌ بديار مصرَ، واشتدَّ ذلك إلى شهر رمضانَ، وتوجه خلق كثيرٌ في رجب إلى مكَّة نحوًا من ألفين وخمسمئة، منهم عز الدين بن جماعة، وفخر الدين النُّويري وحسن السلامي، وأبو الفتح السلامي، وخلق.
وفي رجب كَمُلَت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورُسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية الأبواب، وكان قبل ذلك يغلق من المغرب.
وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه نجم الدين بن خُلَيْخَان
(2)
تجاه باب كَيْسان من القبلة، وخطب فيه الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية.
وفي ثاني شعبانَ باشر كتابة السر بدمشق القاضي علَم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن فضل
(3)
عوضًا عن كمال الدين بن الأثير، عزل وراح إلى مصر.
وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذَكر الدَّرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد
(4)
عوضًا عن علاء الدين بن القلانسي.
وفي العشرين منه خُلع على الصدر نجم الدين
(5)
بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافًا إلى ما بيده من وكالة بيت المال، بعد وفاة ابن القلانسي بشهور.
وخَرَجَ الرَّكبُ الشّامي يوم الإثنين ثامن شوال وأميره قُطْلُوتَمُر
(6)
الخليلي.
(1)
الدارس (1/ 353).
(2)
في الأصل وط: خيلخان.
(3)
مات سنة (760 هـ) الدرر (3/ 368).
(4)
محمد بن علي بن سعيد. مات سنة (752 هـ). الدرر (4/ 65).
(5)
هو: محمد بن عمر مات سنة (742 هـ) الدارس (1/ 446).
(6)
في الأصل وط: قطلودمر. الدرر (3/ 254).
وممَّن حجَّ فيه قاضي طرابُلُس محيي الدين بن جهبل، والفخر المصري، وابن قاضي الزبداني، وابن العز الحنفي، وابن غانم والسخاوي وابن قيّم الجوزية، وناصر الدين بن الربوة
(1)
الحنفي.
وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قُتل فيها خلقٌ كثير منهم، وانتصر علي باشا وسلطانه الذي كان، قد أقامه، وهو موسى كاوون على أزبَا كاوُون وأصحابه، فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة، وجرت خطوبٌ كثيرة طويلة، وضُربت البشائرُ بدمشقَ
(2)
.
وفي ذي القعدة خُلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المُنَجَّى
(3)
بسبب إكماله البطائن في الرّواق الشمالي والغربي والشرقي، ولم يكن قبل ذلك له بطائن.
وفي يوم الأربعاء سابع ذي الحجة ذَكَر الدَّرس بالشِّبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطَّرَسُوسي الحنفي، وهو ابن سبعَ عَشْرَةَ سنةً، وحضر عند القضاة والأعيان، وشكروا من فضله ونباهته، وفرحوا لأبيه فيه. وفيها عُزل ابن النقيب
(4)
عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين.
وولي الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الآبار
(5)
، خلع عليه السلطان.
وفي ذي القعدة رَسَم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهلِهِ، وأن يُمنعوا من الاجتماع، فآل أمرهم كما كان أيام الظَّاهر
(6)
والمَنْصُور
(7)
.
وممَّن توفّي فيها من الأعيان:
السُّلطان أبو سعيد
(8)
بن خَرْبَنْدا: وكان آخرَ من اجتمع شَمْلُ التَّتار عليه، ثم تفرَّقُوا من بعده.
(1)
في ط: البربوة، وهو تصحيف.
(2)
ابن خلدون (5/ 440).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن المنجَّى التنوخي الحنبلي مات سنة (746 هـ). الدارس (2/ 74).
(4)
وهو: محمد بن أبي بكر بن إبراهيم سيأتي في وفيات سنة (745 هـ).
(5)
مات سنة (761 هـ). الدرر (4/ 482).
(6)
هو: بيبرس بن عبد الله. مات سنة (676 هـ). الفوات (1/ 240).
(7)
هو: قلاوون والد السلطان الناصر. مات سنة (689 هـ).
(8)
ترجمته في الذيل (ص 191) والدرر الكامنة (1/ 501) و (2/ 137) وابن خلدون (5/ 440) والنجوم الزاهرة (9/ 309) وبدائع الزهور (1/ 473). وقد اختلفت المصادر السابقة في الاسم، فمنهم من جعله: أبو سعيد وأعربه ومنهم من ركّبه على هيئة واحدة: بوسعيد بغير همزة.
الشيخ المعمّر الرّحلة
(1)
: شمس الدّين علي
(2)
بن محمد بن ممدود
(3)
بن عيسى البَنْدَنِيْجي الصُّوفي، قدم علينا من بغدادَ شيخًا كبيرًا راويًا لأشياءَ كثيرة، فيها "صحيح مسلم""والترمذي" وغير ذلك، وعنده فوائد.
ولد سنة أربع وأربعين وستمئة، وكان والده محدّثًا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة، وكان موته بدمشقَ رابعَ المحرم.
قاضي قضاة بغداد: قطب الدين أبو الفضائل محمد
(4)
بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأَخَوَيْن
(5)
سمع شيئًا من الحديث واشتغل بالفقه والأُصول والمنطق والعربيّة والمعاني والبيَان، وكان بارعًا في فنون كثيرة ودرَّس بالمُسْتَنصريَّة بعد العَاقُولي. وفي مدارسَ كبار، وكان حسن الخلق كثير الحُنوِّ
(6)
على الفقراء والضعفاء، متواضعًا يكتب حسنًا أيضًا.
توفي في آخر المحرم ودُفن بتربة له عند داره ببغدادَ رحمه الله.
الأَمير صارم الدين: إبراهيم
(7)
بن محمّد بن أبي القاسم بن أبي الزهر، المعروف بالغزال
(8)
، كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ، ويحاضرُ جيدًا.
ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمَّام العديم.
الأمير علاء الدين مُغْلَطَاي
(9)
الخازن: [
(10)
نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب، كان رجلًا جيدًا، له أوقاف وبر وصدقات، توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر، ودفن بتربته المذكورة.
(1)
ليست في ط.
(2)
ترجمته في الذيل (ص 189) والدرر الكامنة (3/ 119) والشذرات (6/ 114).
(3)
في أ: محمود.
(4)
ترجمته في تلخيص مجمع الآداب 4 / الترجمة 2897 من الملقبين بقطب الدين، وفي الذيل (ص 189) والوافي (4/ 287) والدرر الكامنة (4/ 110) والشذرات (6/ 114).
(5)
في أ: الأخرس، وط: الأحوص وهو تحريف.
(6)
في أ وط: الخير. وأثبتنا ما في ب.
(7)
لم أقع على ترجمة له.
(8)
في ط: المغزال.
(9)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 355) والدليل الشافي (2/ 738) مع اختلاف في تاريخ الوفاة بين هذه المصادر وما بين أيدينا.
(10)
من هنا سقط من الأصل. واستدركته من: أ وب وط.
القاضي كمال الدين: أحمد
(1)
بن محمّد بن محمَّد بن عبد الله بن هبة الله بن الشّيرازي الدمشقي.
ولد سنة سبعين، وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري، والشيخ زين الدين الفارقي، وحفظ "مختصر المزني"
(2)
ودرَّس في وقت بالبادرائية، وفي وقت بالشَّامية البرَّانية، ثم ولِّيَ تدريس الناصرية الجوانية مدَّة سنين إلى حين وفاته، وكان صدرًا كبيرًا، ذُكر لقضاء قضاة دمشقَ غيرَ مرَّة، وكان حسنَ المباشرة والشكل.
توفي في ثالث صفر ودُفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله.
الأمير ناصر الدين: محمد
(3)
ابن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصَّالح إسماعيل بن العادل.
كان شيخًا مسنًّا، قد اعتنى بـ "صحيح البخاري" يختصره، وله فهمٌ جيِّدٌ ولديه فضيلة، وكان يسكن المِزَّةَ وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر، وله أربعٌ وسبعون سنةً، ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله.
علاء الدين: علي
(4)
بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال، وموقع الدست، ومدرس الأمينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب، ثمّ سُلبَها كلَّها سوى التَّدريسين، وبقي معزولًا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر، ودُفن بتربتهم.
عز الدين أحمد
(5)
بن الشيخ زين الدين محمد بن أحمد بن محمود العقيلي، ويعرف بابن القلانسي، مُحتَسبُ دمشقَ وناظرُ الخِزَانة، وكان محمودَ المباشرة، ثم عُزل عن الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الإثنين تاسعَ عشرَ جُمادى الأولى ودفن بقاسيون.
الشّيخ علي
(6)
بن أبي المجد بن شرف بن أحمد بن أحمد
(7)
الحمصي ثمَّ الدِّمشقيّ مؤذِّن الرَّبوة خمسًا وأربعين سنة، وله ديوان شعر وتعاليق وأشياء كثيرة ممَّا يُنْكَرُ أمرها، وكان محلولًا في دينه، توفّي في جُمادى الأولى أيضًا.
(1)
ترجمته في الذيل (ص 190) والدرر الكامنة (1/ 301) والدارس (1/ 209) والشذرات (6/ 112).
(2)
مختصر المزني في الفقه الشافعي، لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الإمام الشافعي - رحمهما الله - مات في مصر سنة (264 هـ). الوفيات (1/ 217).
(3)
لم أقع على ترجمة له.
(4)
ترجمته في الذيل (ص 190) والدرر الكامنة (3/ 118) وفيه: علي بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر
…
والدارس (1/ 198).
(5)
ترجمته في الذيل (ص 191) والدرر الكامنة (3/ 364) والشذرات (6/ 112).
(6)
لم أقع على ترجمة له.
(7)
ليست في ط.
الأمير شهاب الدين بن برق
(1)
: متولِّي دمشقَ، شهد جنازَتهُ خلقٌ كثير، توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية وأَثْنَى عليه الناس.
الأمير فخر الدين
(2)
ابن الشمس لؤلؤ، متولي البر. كان مشكورًا أيضًا، توفّي رابع شعبان، وكان شيخًا كبيرًا، توفي ببُسْتانه ببيت لَهْيَا
(3)
ودفن بتربته هناك وترك ذرِّيةً كثيرة رحمه الله.
عمادُ الدين إِسماعيل
(4)
: ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صَغير بن القَيْسَراني، أحد كتاب الدّست، وكان من خيار النّاس، محبًّا
(5)
للفقراء والصّالحين، وفيه مروءة كثيرة، وكتب بمصرَ ثم صار إلى حلبَ كاتبَ سرِّها، ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلةَ الأحد ثالثَ عَشَرَ ذي القعدة، وصُلِّيَ عليه من الغد بجامع دمشق، ودُفن بالصّوفية عن خمس وستين سنة، وقد سمع شيئًا من الحديث على الأَبْرَقُوهي وغيره.
وفي ذي القعدة توفِّي شهاب الدين
(6)
ابن العُدَيْسة
(7)
المحدِّث بطريق الحجاز الشريف
(8)
.
وفي ذي الحجة توفِّي الشَّمس محمَّد
(9)
المؤذِّن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي، وكان يتكلَّم ويُنشد في المحافل والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمئة
استهلَّت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطانُ الملك النَّاصر، ومنعه من الاجتماع بالنَّاس، ونائبُ الشام تَنْكِز بن عبد الله النَّاصري، والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها،
(1)
ترجمته في الذيل (ص 192) والدرر الكامنة (1/ 109) والشذرات (6/ 113) وهو: أحمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقيّ.
(2)
ترجمته في الذيل (ص 192) والدرر الكامنة (2/ 450) والشذرات (6/ 113) وهو: فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لؤلؤ.
(3)
هي قرية مشهورة بغوطة دمشق، وكانت بيتًا للآلهة. ياقوت
(4)
ترجمته في الذيل (ص 163) والدرر الكامنة (1/ 378) والنجوم الزاهرة (9/ 311) والشذرات (6/ 113).
(5)
في ط: محببًا إلى الفقراء.
(6)
ترجمته في معجم شيوخ الذهبي 2/ 250 الدرر الكامنة (4/ 60) والدارس (2/ 170). وهو: شهاب الدين محمد بن تاج الدين علي بن أبي بكر الرّقي، وكان شيخ الخانقاه المجاهدية. بدمشقَ.
(7)
في ط: القديسة، وفي الدرر: العدسية، وفي الدارس: القدسية. وكله تحريف، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما في معجم شيوخ الذهبي.
(8)
في مكان يقال له: وادي الأخضر. وهو منزل قرب تبوك. ياقوت.
(9)
لم أقع على ترجمة له.
سوى كاتب السِّرِّ فإنَّه علم الدين بن القُطْب، ووالي البر الأمير بدر الدين بن قُطْلُوبَك بن شَشْنَكير، ووالي المدينة حسام الدين طُرُنْطَاي
(1)
الجُوكَنْدار.
وفي أوّل يوم منها يوم الجمعة وصلت الأخبار بأنَّ علي باشا كُسر جيشه، وقيل إنه قُتل
(2)
، ووصلت كتبُ الحُجَّاج في الثاني والعشرين من المحرَّم تصف مشقةً كثيرة حصلت للحُجَّاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشي كثيرٍ من النساء والرجال، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على كل حال.
وفي آخر المحرَّم قدم إلى دمشقَ القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد، والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان
(3)
الكردي، وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثةَ أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان، فاستقضى الأول على الحنفيَّة كما سيأتي، واستوزَرَ الثاني، وأمَّر الثالثَ.
وفي يوم عاشوراء أُحضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد
(4)
بن اللبّان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي
(5)
، وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الأقصرائي شيخ الشيوخ، وشمس الدين
(6)
الأصْبَهاني، فادَّعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغُلُوّ في القَرْمطة وغير ذلك، فأقرّ ببعضها فحُكم عليه بحقن دمه، ثم توسَّط في أمره وأبقيت عليه جهاته، ومُنع من الكلام على الناس، وقام في صفِّه جماعة من الأمراء والأعيان
(7)
.
وفي صفر احترق بقصر حَجَّاج حريق عظيم أتلف دورًا ودكاكين عديدة.
وفي ربيعٍ الأوَّل وُلد للسُّلطان ولدٌ فدُقَّت البشائر بدمشقَ
(8)
وزُينت البلد أيامًا.
وفي منتصف الآخر أُمِّر الأميرُ صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه، وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية
(9)
رحمه الله، وله مقاصد حسنة صالحة، وهو في نفسه رجل جيد
(10)
.
(1)
في ط: طرقطاي.
(2)
الذيل ص (194) ابن خلدون (5/ 549).
(3)
في الدرر الكامنة (2/ 42) و (4/ 331). شروين.
(4)
ليست في ط.
(5)
يريد: مجلس القاضي جلال الدين القزويني.
(6)
في أ و ط: شهاب الدين. وهو تحريف.
(7)
تفصيل الواقعة في الدرر الكامنة (3/ 330).
(8)
ليست في ط.
(9)
ليست في ط.
(10)
الدارس (2/ 418).
وفيه أُفرج عن الخليفة المستكفي وأُطلق من البرج في حادي عِشْري ربيع الآخر ولزم بيته
(1)
.
وفي يوم الجمعة عشرين جُمادى الآخرة أُقيمت الجمعة في جامعين بمصر، أحدهما أنشأه الأمير عز الدين أيْدَمُر بن عبد الله الخطيري، ومات بعد ذلك باثني عشر يومًا رحمه الله
(2)
، والثاني أنشأته امرأة يقال لها: الست حدق داية
(3)
السلطان الناصر عن قَنْطَرة السّباع
(4)
.
وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النّائب في الحكم بدمشقَ إلى قضاء طرابُلُس، وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي.
وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر، وعلى ضياء الدين بن خطيب بيت الآبار
(5)
بالحسبة بالقاهرة، مع ما بيده من نظر الأوقاف وغيره.
وفيه أُمِّر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس.
وفي عاشر رمضان قدمت من مصرَ مقدِّمتان ألفان إلى دمشق سائرةً إلى بلاد سيس، وفيهم علاء الدين [الفارسي]
(6)
فاجتمع به أهلُ العلم وهو من أفاضل الحنفيَّة، وله مصنفاتٌ في الحديث وغيره.
وخرجَ الرَّكب الشامي يوم الإثنين عاشر شوال وأميره بهادرُ قَبْجَق، وقاضيه محيي الدين الطَّرابلسي مدرِّس الحمصيّة، وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين بن الشيرازي، ونجم الدين الطَّرسوسي، وجمال الدين المرداوي، وصاحبه شمس الدين بن مفلح، والصدر المالكي والشرف بن القيسراني، والشيخ خالد المقيم عند دار الطُّعم، وجمال الدين بن الشهاب محمود.
وفي ذي القعدة وصلت الأخبار بأنَّ الجيش تسلموا من بلاد سيس سبعَ قلاعٍ، وحصل لهم خير كثير ولله الحمد، وفرح المسلمون بذلك
(7)
.
وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ [حسن]
(8)
وذووه.
(1)
الدرر الكامنة (2/ 142).
(2)
النجوم الزاهرة (9/ 312).
(3)
في ط: دادة.
(4)
يقال له: جامع ست مسكة. الدرر الكامنة (2/ 7).
(5)
هو: يوسف بن أبي بكر بن خطيب بيت الآبار، ذكر في أحداث سنة (736) هـ. الدرر (4/ 482).
(6)
زيادة من ب.
(7)
الذيل ص (194 - 195) والقلاع هي: آياس، وكواره، ونجيمة، وسِوْكَنْدار والهارونيّة، وقلعة البحر، وميناء آياس.
(8)
زيادة من ب. وهو حسن بن حسين بن بيبغا بن أملكان، وهو ابن عمة السلطان أبي سعيد ترجمته في ابن خلدون (5/ 440 - 515) والشذرات (6/ 116).
وفيها نَفَى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه، وكانوا قريبًا من مئة نفس إلى بلاد قوص
(1)
، ورتَّب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ علاء الدين بن غانم: أبو الحسن علي
(2)
بن محمد بن سلمان
(3)
بن حمائل بن علي المُنْشي
(4)
أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسُّل، وكثرة الأدب والأشعار والمروءة التامة، مولده سنة إحدى وخمسين وستمئة، وسمع الحديث الكثير، وحفظ القرآن "والتنبيه"، وباشر الجهات، وقصده الناس في الأمور المهمّات وكان كثير الإحسان إلى الخاص والعام.
توفي مرجعه من الحج في منزلة تَبُوك يوم الخميس ثالثَ عشرَ المحرم، ودُفن هناك رحمه الله.
ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد
(5)
: في شهر رمضان، وكان أصغر منه سنًا بسنة، وكان فاضلًا أيضًا بارعًا كثير الدعابة.
الشّرف محمود
(6)
الحريري: المؤذِّن بالجامع الأموي بنى حمَّامًا بالنَّيرب، ومات في آخر المحرم.
الشّيخ الصّالح العابد: ناصر الدين محمد
(7)
بن الشيخ إبراهيم بن مِعْضَاد بن شدّاد بن ماجد بن مالك الجَعْبَري
(8)
ثم المصري. ولد سنة خمسين وستمئة بقلعة جَعْبَر، وسمع "صحيح مسلم" وغيره، وكان يتكلَّم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره، وكان فيه صلاح وعبادة.
توفي في الرابع والعشرين من المحرَّم، ودفن بزاويتهم
(9)
عند والده خارج باب النصر.
(1)
مدينة كبيرة في صعيد مصر ياقوت.
(2)
ترجمته في الذيل ص (195) ومعجم شيوخ الذهبي (2/ 41)، وفوات الوفيات (3/ 78 والوفيات لابن رافع (1/ 128) والدرر الكامنة (3/ 103) والشذرات (6/ 114).
(3)
في أ وط: سليمان.
(4)
في أ و ط: المقدسي وهو تحريف، وفي الدرر: الدمشقي. وأثبتنا ما في الذيل والمنشئ نسبة إلى الإنشاء الذي باشره ستين سنة. وفي الوفيات لابن رافع: المقدسي ثم الدمشقي.
(5)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 171 - 172) والذيل ص (196)، والدرر الكامنة (3/ 103) والشذرات (6/ 114).
(6)
لعله ممّن انفرد ابن كثير بذكره.
(7)
ليست في ط وترجمته في: الوفيات لابن رافع (1/ 131 - 133) والدرر الكامنة (3/ 297) والنجوم الزاهرة (9/ 313) وطبقات الأولياء ص (567).
(8)
نسبة إلى جعبر، قلعة على الفرات بين بالس والرّقة قرب صفين. ياقوت.
(9)
بزاوية والده الجعبري خارج باب النصر من القاهرة.
الشيخ شهاب الدين بن
(1)
عبد الحق الحنفي: أحمد
(2)
بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي الحنفيين
(3)
ويعرف بابن عبد الحق الحنفي، شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها، وكان بارعًا فاضلًا دينًا، توفي في ربيع الأول.
الشيخ عماد الدين: إبراهيم
(4)
بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الإمام العالم العابد شيخ الحنابلة بها ومُفتيهم
(5)
من مدة طويلة، توفّي في ربيع الأول.
الشيخ الإمام العابد الناسك: محب الدين عبد الله
(6)
بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي.
سمع الكثير وقرأ بنفسه، وكتب الطّباق وانتفع الناس به، وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسُّنَّة في الجامع الأموي وغيره، وله صوت طيب بالقراءة جدًّا، وعليه روح وسكينة ووقار، وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس، وكان شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية يحبُّه ويحبُّ قراءته.
توفي يوم الإثنين سابع ربيع الأول، وكانت جنازته حافلة، ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير، رحمه الله تعالى، وبلغ خمسًا وخمسين سنة.
المحدِّث البارع المحصّل المفيد المُخرج المجيد: ناصر الدين محمد
(7)
بن طُغْريل
(8)
بن عبد الله، الصَّيْرَفيّ أبوه، الخُوارِزْميّ الأصل.
سمع الكثير وقرأ بنفسه، وكان سريعَ القراءة، وقرأ الكتب الكبار والصغار، وجمع وخرَّج شيئًا كثيرًا، وكان بارعًا في هذا الشأن.
رحل فأدركته منيَّتُه بحماةَ يوم السبت ثاني عشر
(9)
ربيع الأول، ودُفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله.
(1)
ليست في ط.
(2)
ترجمته في: الوفيات لابن رافع (1/ 197 - 198) والدرر الكامنة (1/ 204) ووفاته فيهما في ربيع الأول سنة (738) هـ، والدارس (1/ 606) ووفاته فيه سنة (737) هـ.
(3)
ويعرف أيضًا بابن قاضي الحصن.
(4)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 197)، والذيل على طبقات الحنابلة (2/ 428)، والشذرات (6/ 115).
(5)
في ط: وفقيههم وفي ب: رئيسهم.
(6)
ترجمته في: الذيل ص (196) والوفيات لابن رافع (1/ 139) والقلائد الجوهرية ص (2/ 279) والدرر الكامنة (2/ 244) والشذرات (6/ 114).
(7)
ترجمته في الذيل ص (196) والوفيات لابن رافع (1/ 142) والدرر الكامنة (3/ (460) والشذرات (6/ 116).
(8)
في ط: طغربل وفي الشذرات: (طغر بك).
(9)
ليست في ط، وهي في أ وب.
شيخنا الإمام العالم العابد: شمس الدين أبو محمد عبد الله
(1)
بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمةَ المقدسي النابلسي الحنبليّ، إمام مسجد الحنابلة بها. ولد سنة تسع
(2)
وأربعين وستمئة، وسمع الكثير وكان كثيرَ العبادة حسنَ الصّوت، عليه البهاء والوقار وحسن الشكل والسّمت، قرأت عليه عام ثلاثة وثلاثين وسبعمئة مرجعَنا من القدس كثيرًا من الأجزاء والفوائد، وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم، والمشهورين بالخير والصلاح.
توفي يوم الخميس ثاني عِشْري ربيع الآخر ودُفن
(3)
هناك رحمه الله.
الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المُرْشدي
(4)
المقيم بمُنْية مُرْشِد
(5)
، يقصده النَّاس للزِّيارة، ويضيِّفُ النّاسَ على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدًّا، ولم يكن يأخذ من أحد شيئًا فيما يبدو للناس، والله أعلم بحاله، وأصله من قرية دَهْرُوط
(6)
، وأقام بالقاهرة مدّة واشتغل بها، ويقال إنه قرأ "التنبيه" في الفقه، ثم انقطع بمنية مُرْشد واشتهر أمره في الناس وحجَّ مرات، وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس، ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودُفن بزاويته، وصُلِّي عليه بالقاهرة ودمشقَ وغيرها.
الأمير أسد الدين: عبد القادر
(7)
بن المغيث عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل، ولد سنة اثنتين وأربعين وستمئة، وسمع الكثير وأسمع، وكان يأتي كلَّ سنة من مصرَ إلى دمشقَ، ويُكرمُ أهل الحديث، ولم يبق من بعده من بني أيُّوب أعلى سنًا منه، توفّي بالرَّملة في سلخ رمضانَ رحمه الله.
الشيخ الصالح الفاضل: حسن
(8)
بن إبراهيم بن حسن الجّاكي
(9)
الحَكَريّ
(10)
إمام مسجد هناك، ومذكِّر الناس في كل جمعة، ولديه فضائل، وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوَّال، ولم يرَ الناس مثلَ جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى.
(1)
ترجمته في الذيل ص (197) والوفيات لابن رافع (1/ 144) وذيل طبقات الحنابلة: (2/ 428) والدرر الكامنة (2/ 304) والنجوم الزاهرة (9/ 311) والشذرات (6/ 115).
(2)
في ط: سبع وهو تحريف.
(3)
بمقبرة الزّاهريّة. الوفيات (1/ 144).
(4)
ترجمته في الذيل ص (198) والوفيات لابن رافع (1/ 173 - 174). وطبقات الشافعية (5/ 237) والدرر الكامنة (3/ 462) ووفاته فيه: (738) هـ وهو غلط، والنجوم الزاهرة (9/ 313) وطبقات الأولياء ص (568).
(5)
منية مرشد إحدى قرى مركز فوّه بمديرية الغربية بمصر. التحفة السنية والذيل ص (198) الهامش (4).
(6)
"دَهْرُوط": بليد على شاطئ غربي النيل من ناحية الصعيد قرب البَهْنَسا. ياقوت.
(7)
ترجمته في الذيل ص (199) والوفيات لابن رافع (1/ 179 - 180) والدرر الكامنة (2/ 390) والشذرات (6/ 115).
(8)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 181). وطبقات الشافعية (2/ 2).
(9)
في ط: الحاكي.
(10)
"الحكَري": نسبه إلى الحَكَر وهو المكان المعروف بظاهر القاهرة. الوفيات الهامش (5).
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمئة
استهلَّت بيوم الأربعاء والخليفة المستكفي منفيٌّ ببلاد قُوص، ومعه أهله وذووه، ومن يلوذ به، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور، ولا نائب بديار مصر ولا وزير، ونائبه بدمشق تَنْكِز، وقضاةُ البلاد ونوابُها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها.
وفي ثالث ربيع الأول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيُّوم يقيمون به، وفي ليلة الأحد ثالث عشرين ربيع الأول بعد المغرب هبَّت ريحٌ شديدة بمصرَ وأعقبها رعد وبرق وبرَد بقدر الجَوْز، وهذا شيءٌ لم يشاهدوا مثلَه من أعصار متطاولة بتلك البلاد.
وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عُزِل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السرِّ وضرب، وصودر، ونُكب بسببه القاضي فخر الدين المصري، وعزل عن مدرسته الرواحية
(1)
وأخذها ابن جملة، والعادليَّة الصغيرة باشرها ابن النقيب، ورُسِمَ عليه بالعذراوية مئةَ يوم، وأخذ شيء من ماله.
وفي عاشر جُمادى الأولى استهل الغيثُ بمكة من أول الليل، فلما انتصف اللَّيل جاء سيلٌ عظيم هائل لم يرَ مثله من دهر طويل، فخرَّب دورًا كثيرة نحوًا من ذراع أو أكثر، وغرَّق جماعة وكسر أبواب المسجد، ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوًا من ذراع أو أكثر، وجرى أمرٌ عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري.
وفي سابع عِشْرين من جُمادى الأولى عُزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصرَ، واتّفق وصولُ خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير، فولاه السلطان قضاءَ الشام فسار إليها راجعًا عَودًا على بدءٍ، ثم عزل السُّلطان برهان الدين بن عبد الحق قاضي الحنفية، وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين، ورُسم على ولده صدر الدين بأداء ديون النَّاس إليهم، وكانت قريبًا من ثلاثِمئِة ألف، فلمّا كان الإثنين تاسعَ عشرَ جُمادى الآخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام، طلب السُّلطانُ أعيانَ الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عمَّن يصلح للقضاء بمصرَ، فوقع الاختيار على القاضي عز الدين بن جماعة، فولاه في الساعة الراهنة
(2)
، وولَّى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد، وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصَّالحيَّة، وعليهما الخِلَعُ، ونزل عز الدين بن جماعة عن دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ
(1)
في ط: الدولعية وأثبتنا ما في الدارس (1/ 246).
(2)
الدرر الكامنة (2/ 380).
كمال الدين (2)
(1)
الدِّمياطي، فدرَّس فيها وأورد حديثَ "إنما الأعمال بالنيات"
(2)
. بسنده، وتكلَّم عليه.
وعزل أكثر نواب الحكم
(3)
واستمرّ بعضهم واستمر بالمُنَاوي
(4)
الذي أشار بتوليته.
ولما كان يوم خامس عشرين منه ولي قضاء الحنابلة الإمام العالم موفق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضًا عن المعزول، ولم يبقَ من القضاة سوى الأخْنائي المالكي.
وفي رمضان فتحت الصَّبابيَّة التي أنشأهَا شمس الدين بن تقي الدين بن الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث، وقد كانت خربةً شنيعةً قبل ذلك
(5)
.
وفي رمضان باشر علاء الدين علي بن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصرَ بعد وفاة أبيه كما ستأتي ترجمته، وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين، ورُسم لهما أن يحضُرا مجلس السلطان، وذهب أخوه شهاب الدّين إلى الحج.
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصرَ برَد كالبيض وكالرمَّان، فأتلف شيئًا كثيرًا، ذكر ذلك البرزالي، ونقله من كتاب الشِّهاب الدّمياطي.
وفي ثالث عشري رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضًا عن زين الدين الكتاني توفي، فأورد حديثًا من "مسند الشافعي" بروايته عن الجاولي بسنده، ثم صرف عنها في الحجَّة بالشيخ أثير الدين أبي حيان، فساق حديثًا عن شيخه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان مجلسًا حافلًا.
وفي ذي القعدة حضر تدريس الشَّامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب عوضًا عن القاضي جمال الدين بن جملة توفي، وحضر خلق كثير من الفقهاء والأعيان
(6)
، وكان مجلسًا حافلًا.
(1)
في ط: عماد الدين.
(2)
رواه البخاري رقم (1) في بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول صلى الله عليه وسلم ورقم (5070) ومسلم أيضًا رقم (1907) في الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية". وأبو داود رقم (2201) في الطلاق، و"الترمذي"(1647) في فضائل الجهاد "والنَّسائي"(1/ 58 - 60) في الطَّهارة و "ابن ماجه" رقم (4227) في الزهد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والحديث بتمامه: "إنما الأعمال بالنِّيَّات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
(3)
لأنهم كانوا يتولّون بالمال، خصوصًا في البلاد. الدرر الكامنة (2/ 380).
(4)
في أ و ط: المنادي وهو تصحيف. وهو: ضياء الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي مات سنة (746) هـ. الدرر (3/ 285) والشذرات (6/ 150).
(5)
الدارس (1/ 128) وهي: قبلي العادلية الكبرى.
(6)
الدارس (1/ 285).
وفي ثاني ذي الحجة درَّس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضًا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرّانية، وحضر عنده القضاة والأعيان
(1)
.
وفي هذا الشهر درّس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالأتَابكية، وأخوهما
(2)
الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه. انتهى والله أعلم.
وممّن توفي فيها من الأعيان:
الأمير الكبير بدر الدين محمد
(3)
بن فخر الدين عيسى بن التركماني: باني جامع المِقْياس
(4)
بديار مصر في أيام وزارته بها، ثم عزل عنها
(5)
أميرًا إلى الشام، ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الآخر، وتوفي بالحُسَيْنية، وكان مشكورًا.
الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أحمد
(6)
: بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شرح "الجامع الكبير" وكان رجلًا صالحًا منقطعًا عن الناس، وانتفع به الناس وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشري رجب وكانت له معرفة بالقرآن والقراءات والعربية ومشاركًا في علوم أخر رحمه الله.
قاضي القضاة شهاب الدين محمد
(7)
بن المجد: عبد الله بن الحسين بن علي الزِّرْزاري
(8)
الإربليّ الأصل، ثم الدمشقي الشافعي، قاضي الشافعية بدمشق، ولد سنة اثنتين وستين وستمئة، واشتغل وبرع وحصَّل وأفتى سنة ثلاث وتسعين، ودرَّس بالإقبالية ثم الرّواحية وتربة أم الصالح، وولِّيَ وكالة بيت المال، ثم صار قاضي قضاة الشَّام إلى أن توفي بمستهلّ جمادى الأولى بالمدرسة العادلية، ودُفن بمقابر باب الصغير رحمه الله.
(1)
الدارس (1/ 370).
(2)
في ط: أخوه.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 132) وفيه وفاته سنة (726) هـ وهذا وهم، إذ خلط بينه وبين ابنه. والنجوم الزاهرة (9/ 269).
(4)
ويعرف بجامع التركماني. قال المقريزي في خططه: إنه من الجوامع المليحة أنشأه الأمير بدر الدين محمد التركماني في المقس ومات عن سعادة طائلة بالمقس في ربيع الأول سنة (738) هـ النجوم الهامش 3.
(5)
ليست في ط.
(6)
هذه الترجمة في ط جاءت بعد ابن البارزي وترجمته في الجواهر المضية (1/ 61 - 62).
(7)
ترجمته في: الذيل ص (201) والوفيات لابن رافع (1/ 206) والدرر الكامنة (3/ 467) والنجوم الزاهرة (9/ 314) والدارس (1/ 162) والشذرات (6/ 118).
(8)
في ط: "الرازي"، وما هنا يعضده ما في الوفيات والدرر الكامنة والنجوم الزاهرة وغيرها. وفاته في مستهل جمادى الأولى في جميع المصادر السابقة عدا الوفيات ففيه مستهل جمادى الآخرة وفي الذيل والشذرات: آخر جمادى الأولى.
الشيخ الإمام العالم ابن المُرَحِّل: زين الدين محمد
(1)
بن عبد الله بن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد بن المُرَحِّل مدرِّسُ الشامية البرانية والعَذْراويّة بدمشقَ، وكان قبل ذلك بمشهد الحسين، ولد بدمشق
(2)
، وكان فاضلًا بارعًا فقيهًا أصوليًا مناظرًا، حسنَ الشكل طيّبَ الأخلاق حسن التدريس
(3)
ديّنًا صيّنًا، ونابَ في وقت بدمشق عن علم الدين الأخنائي فحمدت سيرته، وكانت وفاتُه ليلةَ الأربعاء تاسعَ عشرَ رجب، ودُفن من الغد عند مسجد الذُّبَّان في تربة لهم هناك، وحضر جنازته القاضي جلال الدين، وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط، وقدم بعده القاضي برهان الدين بن
(4)
عبد الحق بخمسة أيام، هو وأهله وأولاده أيضًا، وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين بن جملة، ثم كانت وفاته بعده بشهور، وذلك يوم الخميس رابعَ عشرَ ذي القعدة. وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علَم الدين البرزالي.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَالِمُ قاضي القضاة جمال الدّين الصّالحي: جمال الدين أبو المحاسن يوسف
(5)
بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام
(6)
بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجِّي والده، بالمدرسة المسروريَّة
(7)
وصلِّيَ عليه عُقَيب الظُّهر يوم الخميس رابعَ عشرَ ذي الحجة، ودُفن بسفح قاسيون، ومولده في أوائل سنة اثنتين وثمانين وستمئة، وسمع من ابن البخاري
(8)
وغيره، وحدث. وكان رجلًا فاضلًا في فنون، اشتغل وحصَّل وأفتى وأعاد ودرَّس، وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحُرمة وافرة، وفيه تودُّد وإحسان وقضاء للحقوق، وولِّي القضاء بدمشقَ نيابةً واستقلالًا، ودرَّس بمدارسَ كبار، ومات وهو مدرس الشامية البرانية، وحضر جنازته خلقٌ كثير من الأعيان رحمه الله.
شيخ الإسلام قاضي القضاة ابن البارِزِيّ: شرف الدين أبو القاسم هبة الله
(9)
ابن قاضي نجم الدين
(1)
ترجمته في الذيل ص (203) والوفيات لابن رافع (1/ 209 - 210) وطبقات الشافعية (5/ 238) والدرر الكامنة (3/ 479) والدارس (1/ 283) والشذرات (6/ 118).
(2)
ليست في ط.
(3)
ليست في ط.
(4)
ليست في ط.
(5)
ترجمته في: الذيل ص (202) والوفيات لابن رافع (1/ 225) وطبقات الشافعية (6/ 248) والدرر الكامنة (4/ 443) والنجوم الزاهرة (9/ 317) والدارس (1/ 284) والشذرات (6/ 119).
(6)
في ط: همام. وهو تحريف.
(7)
في ط: السرورية.
(8)
علي بن أحمد بن عبد الواحد فخر الدين الشهير بابن البخاري. مات سنة (690) هـ. الدليل الشافي (1/ 449 - 450) والشذرات (5/ 414).
(9)
ترجمته في الذيل ص (202) والوفيات لابن رافع (1/ 226) وطبقات الشافعية (6/ 248) والدرر الكامنة (4/ 401) والنجوم الزاهرة (9/ 315) والشذرات (6/ 119).
عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجُهنيّ الحمويّ
(1)
، المعروف بابن البارِزِيّ قاضي القضاة بحماة.
صاحب التَّصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة، ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمئة، وسمع الكثير وحصَّل فنونًا كثيرة، وصنَّف كتبًا جمّة كثيرة، وكان حسنَ الأخلاق، كثيرَ المحاضرة، حسنَ الاعتقاد في الصّالحين، وكان معظَّمًا عند الناس، وأذن لجماعة من البلد في الإفتاء، وعَمِيَ في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة، ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم
(2)
، وهو في ذلك لا يقطع نظرَه عن المنصب، وكانت وفاته ليلة الأربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلَّى العشاء والوِتْر، فلم تفته فريضة ولا نافلة، وصُلِّيَ عليه من الغد ودُفن بعقبة نَقيرين، وله من العمر ثلاثٌ وتسعون سنةً.
القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر: هو أبو المعالي يحيى
(3)
بن فضل الله بن مُجلِّي
(4)
بن دَعْجان بن خَلَف العَدَويّ العُمَريّ.
ولد في حادي عَشَر شوّال سنة خمس وأربعين وستمئة بالكَرَك، وسمع الحديث وأسمعه، وكان صدرًا كبيرًا معظَّمًا في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده، وكتب السرَّ بالشَّام وبالديار المصرية، وكانت وفاته ليلة الأربعاء تاسع رمضانَ بديار مصرَ، ودُفن من الغد بالقَرَافة وتولَّى المنصب بعده ولده القاضي
(5)
علاء الدين، وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب.
الشَّيخ الإمام العلامة ابن الكتَّاني: زين الدين ابن الكَتَّاني، شيخ الشَّافعية بديار مصر، وهو أبو حفص عمر
(6)
بن أبي الحَرَم
(7)
بن عبد الرحمن بن يونس الدّمشقي الأصل.
ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث وخمسين وستمئة، واشتغل بدمشقَ ثمَّ رحل إلى مصرَ واستوطنها وتولَّى بها بعض الأقضية بالحَكَر، ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحُمدت سيرتُه، ودرَّس
(1)
في ط: الجهيني وهو تحريف.
(2)
توفي في سنة (764) هـ الدرر الكامنة (2/ 352).
(3)
ترجمته في الذيل ص (201) والوفيات لابن رافع (1/ 216) والدرر الكامنة (4/ 424) والنجوم الزاهرة (9/ 316) والدارس (1/ 446) وبدائع الزهور (1/ 475).
(4)
في ط: المحلّي وهو تحريف.
(5)
ليست في ط. وهو علي بن يحيى بن فضل الله، مات سنة (769) هـ. الدرر الكامنة (3/ 139).
(6)
ترجمته في الذيل ص (203) والوفيات لابن رافع (1/ 219 - 221) وطبقات الشافعية (6/ 245) والدرر الكامنة (3/ 161 - 164) والشذرات (6/ 117).
(7)
في ط: "الحزم" بالزاي، مصحف، وما هنا يعضده ما في الوفيات لابن رافع وطبقات ابن الجزري، وفوات الوفيات لابن شاكر، والوافي للصفدي وغيرهم. وهو الأصل في ضبط الاسم حيث لم تذكره كتب المشتبه بالزاي.
بمدارس كبار، وُلِّي مشيخة دار الحديث بالقُبّة المنصوريّة، وكان بارعًا فاضلًا، عنده فوائد كثيرة جدًّا، غير أنَّه كان سيءَ الأخلاق منقبضًا عن الناس، لم يتزوَّج قطُّ، وكان حسن الشكل بهيَّ المنظر، يأكل الطيبات ويلبس اللَّيِّن من الثياب، وله فوائد وفرائد وزوائد على "الروضة" وغيرها، وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحُه، وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان، ودُفن بالقَرَافة رحمه الله. انتهى.
الشيخ الإمام العلامة ابن القَوْبَع: ركن الدين بن القَوْبَع، أبو عبد الله محمد
(1)
بن محمد بن
(2)
عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الجليل القرشي
(3)
الجَعْفريّ
(4)
التُّونسي المالكيّ، المعروف بابن القَوْبَع
(5)
، كان من أعيان الفُضَلاء وسادة الأذكياء، ممَّن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الغزيرة
(6)
الدِّينية الشَّرعية الطَّيِّبة، وكان مدرسًا بالمَنْكُوتَمُريَّة
(7)
، وله وظيفة في المارستان المنصوري، وبها توفي في بكرة السابعَ عشرَ من ذي الحجة، وترك مالًا وأثاثًا ورثه بيتُ المال والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحمد لله وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل
(8)
.
قلت: وهذا آخر ما أرّخ شيخُنا الحافظ علَم الدين البِرْزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين أبي شامة المقدسي
(9)
وقد كانت وفاة البرزالي في العام القابل وهو محرم بمنزلة خليص
(10)
وقد ذيّلت على تاريخه إلى زماننا هذا، وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء العشرين من جُمادى الآخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمئة، أحسن الله خاتمتها آمين
(11)
.
(1)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 234) والديباج المذهب (ص 329) والدرر الكامنة (4/ 181) والنجوم الزاهرة (9/ 315) وبدائع الزهور (1/ 476).
(2)
ليست في ط.
(3)
في ط: الوسي وهو تحريف.
(4)
نسبة إلى جعفر الطيار، ابن أبي طالب رضي الله عنه. اللباب (1/ 230).
(5)
نسبةً إلى طير معروف عند المغاربة.
(6)
في ط: الأخروية.
(7)
في ط: المنكودمرية، وهو تحريف وقد سبق ذكرها.
(8)
ليست في ط.
(9)
هو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، مات سنة (665) هـ. وكتابه هو الذيل على كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية. وأما تاريخ البرزالي، فهو "المقتفي لتاريخ أبي شامة" وصل إلينا مخطوطًا، وعندي نسخة مصورة منه إلى سنة 720 (بشار).
(10)
ليست في ط.
(11)
من المعلوم أن المادة التي ساقها الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" اعتبارًا من سنة 665 هـ، مختصرة من كتاب "المقتفي لتاريخ أبي شامة" للبرزالي، كما نص عليه هنا، وكما ثبت من المقابلات بين التاريخين ثم أضاف له بعد هذه السنة، أعني سنة 751 هـ تتمة الكتاب إلى قبيل وفاته (بشار).
وإلى هنا انتهى ما كتبتُه من لَدُنْ خلق آدم إلى زماننا هذا.
والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
(1)
.
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمئة
(2)
استهلَّت وسلطان الإسلام والمسلمين بالدّيار المصرية وما والاها والديار الشّامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، ولا نائب له، ولا وزير أيضًا بمصر.
وقضاةُ مصر: أمّا الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر
(3)
الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة، وأمّا الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري، حسن بن محمد، وأمّا المالكي فتقي الدين الأخْنائي، وأمّا الحنبلي فموفق الدين بن محمد
(4)
المقدسي.
ونائب الشام الأمير سيف الدين تَنْكز، وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية، والحنفي عماد الدين الطَّرسوسي، والمالكي شرف الدين الهمداني، والحنبلي علاء الدين بن المُنَجَّا التَّنوخي.
وممَّا حدث في هذه السنة إكمالُ دار الحديث السُّكَّريَّة
(5)
وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الإمام الحافظ مؤرّخُ الإسلام شمس الدّين محمد بن أحمد الذهبي
(6)
، وقُرِّر فيها ثلاثون محدِّثًا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز، وقُرِّر للشيخ ثلاثون ورطل خبز، وقُرّر فيها ثلاثون نفرًا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدّثين، ورُتِّب لها إمامٌ وقارئُ حديث ونوّاب، ولقارئ الحديث عشرون درهمًا وثمان أواقِ خبز، وجاءت في غاية الحسن في
(1)
في ب: والله الحمد والمنّة، كتبه إسماعيل بن كثير بن ضوء القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين، وكتبه لنفسه أفقر عباد الله وأحوجهم إلى رحمة ربّه محبُّ أهل السنة وخادمهم محمد بن سلطان بن سعيد البعلي الحنبلي عفا الله عنه بمنّه وكرمه.
وفي ط: زيادة: وما أحسن مقال الحريري:
وإنْ تجدْ عيبًا فسدَّ الخللا
…
فجلَّ مَنْ لا عيب فيه وعلا
(2)
إلى هنا انتهى المخطوطان (أ و ب)، واعتمدنا في تحقيق القسم المتبقي على المصادر التي نقل عنها ابن كثير أو نقلت عنه، وكذلك مصادر الترجمة وكتب الوفيات.
(3)
في ط: صدر الدين.
(4)
في ط: نجا ولا وجه له، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجاوي الحنبلي. مات سنة (769) هـ الدرر الكامنة (2/ 297) والشذرات (6/ 215).
(5)
بالقصّاعين داخل باب الجابية. الدارس (1/ 77).
(6)
في ط: محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد وهو توهم. وسيأتي في وفيات سنة (748) هـ.
شكلها
(1)
وبنائها، وهي تجاه دار الذَّهب التي أنشأها الواقف الأمير تَنْكِز، ووقف عليها عدة أماكن: منها سوق القشَّاشيين بباب الفرج، طوله عشرون ذراعًا شرقًا وغربًا، سمّاه في كتاب الوقف، وبيدر زبدين
(2)
، وحمَّام بحمص وهو الحمام القديم، ووقف عليها حصصًا في قرايا أُخر، ولكنه تغلَّب على ما عدا القشَّاشيين وبيدر زبدين، وحمام حمص.
وفيها قدم القاضي تقي الدّين علي بن عبد الكافي السُّبكي الشافعي من الديار المصرية حاكمًا على دمشق وأعمالها، وفرح النّاس به، ودَخَل النَّاسُ يسلّمون عليه لعلمه وديانته وأمانته، ونزل بالعادليَّة الكبيرة على عادة من تقدَّمه، ودرَّس بالغزالية والأتَابكية
(3)
، واستناب ابنَ عمِّه القاضي بهاء الدين أبا البقاء
(4)
، ثم استناب ابن عمه أبا الفتح
(5)
، وكانت ولايتُه الشَّام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي، على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
في المحرم العلامَّة قاضي القضاة فخر الدين: عثمان
(6)
بن الزّين علي بن عثمان الحلبي، ابن خطيب جَبْرين
(7)
الشافعي، ولي قضاء حلب وكان إمامًا صنَّف "شرح مختصر ابن الحاجب" في الفقه، وشرح "البديع" لابن الساعاتي، وله فوائد غزيرة ومصنَّفات جليلة، تولَّى حلبَ بعد عزل الشيخ ابن النقيب، ثم طلبه السلطانُ فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة
(8)
.
وممن توفي فيها قاضي القضاة جلال الدّين محمد
(9)
بن عبد الرحمن: القَزوينيّ
(10)
الشافعي،
(1)
في ط: شكالاتها.
(2)
في ط: بندر زيدين وهو تحريف. الدارس (1/ 127) والفوات (1/ 257).
قلت: وزبدين قرية عامرة في غوطة دمشق.
(3)
الذيل ص (204).
(4)
هو: محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي. مات سنة (777) هـ. الدرر الكامنة (3/ 490).
(5)
هو: محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي مات سنة (744) هـ الدرر الكامنة (4/ 26).
(6)
ترجمته في الذيل ص (205) والوفيات لابن رافع (1/ 242) وطبقات الشافعية (6/ 142) والدرر الكامنة (2/ 443) والنجوم الزاهرة (9/ 320) والشذرات (6/ 122).
(7)
في ط: جسرين. وهو تحريف. جَبْرين: وهي من قرى حلب ناحية عَزَاز، وهي كذلك حصن بين بيت المقدس وعسقلان.
(8)
في المدرسة المنصورية بالقاهرة. الوفيات لابن رافع.
(9)
ترجمته في الذيل ص (205) والوفيات لابن رافع (1/ 258 - 260) وطبقات الشافعية (5/ 238) والدرر الكامنة (4/ 3) والنجوم الزاهرة (9/ 318) والدارس (1/ 196) وبُغية الوعاة (1/ 156) والشذرات (6/ 123).
(10)
نسبة إلى قزوين إحدى المدن المعروفة بأصبهان. اللباب (2/ 261). وفي بقية المصادر ورد في نسبه العِجْليّ: نسبة إلى أبي دلف العجلي، وهذا منسوب إلى عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. اللباب (2/ 124).
قدم هو وأخوه أيّام التتر من بلادهم إلى دمشقَ، وهما فاضلان، بعد التِّسعين وستمئة فدرَّس إمام الدين
(1)
في تربة أم الصَّالح، وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشَّافعية، ثم تقلبت بهم الأحوال إلى أن وُلِّيَ إمام الدين قضاء الشافعية بدمشق، انتزع له من يد القاضي بدر الدين بن جماعة، ثم هرب سنةَ قازان إلى الديار المصريّة مع الناس فمات هنالك، وأعيد ابن جماعة إلى القضاء، وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمئة، فوليها جلال الدين المذكور، ثم وُلّيَ القضاء بدمشقَ سنة خمس وعشرين مع الخطابة، ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضَّرر في عينيه، فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصَّب عليه السُّلطان الملك الناصر بسبب أمور يطول شرحها، ونفاه إلى الشام، واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم، فولاه السلطان قضاء الشام عَودًا على بدءٍ، فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق، كانت وفاته في أواخر هذه السنة
(2)
، ودُفن بالصُّوفية.
وكانت له يد طولى في المعاني والبيان، ويفتي كثيرًا، وله مصنفات في المعاني، مصنَّف مشهور اسمه (التلخيص في علوم البلاغة)
(3)
اختصر فيه "المفتاح" للسَّكَّاكيِّ
(4)
، وكان مجموع الفضائل، مات وكان عمره قريبًا من السَّبعين أو جاوزها
(5)
.
وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الأحد:
الشيخ الإمام الحافظ ابن البرْزالي: علم الدين أبو محمد القَاسِمُ
(6)
بن محمد بن البِزْزالي مؤرِّخ الشّام الشافعي.
ولد سنة وفاة الشيخ أبي شامة سنة خمس وستين وستمئة، وقد كتب تاريخًا ذيَّل به على الشيخ شهاب الدين، من حين وفاته ومولد البرْزالي إلى أن توفي في هذه السنة، وهو مُحْرِمٌ
(7)
، فغُسِّل، وكُفِّن ولم يستر رأسه، وحمله النَّاس على نعشه وهم يبكون حولَه، وكان يومًا مشهودًا، وسمع الكثير أزيد من ألف
(1)
هو عمر بن عبد الرحمن. مات سنة (699) هـ. الدارس (1/ 195).
(2)
في جميع المصادر السابقة وفاته في جمادى الأولى.
(3)
كتاب في البلاغة قيم مشهور، شرحه الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي رحمه الله.
(4)
هو: مفتاح العلوم ليوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبي يعقوب مات سنة (626) هـ. بغية الوعاة (2/ 364).
(5)
في الذيل: وله ثلاث وسبعون سنة.
(6)
ترجمته في الذيل ص (209) وطبقات الشافعية (6/ 246) والوفيات لابن رافع: (1/ 289) وفوات الوفيات (2/ 196) والدرر الكامنة (3/ 237) والنجوم الزاهرة (9/ 319) والدارس (1/ 112) والشذرات (6/ 122)"والبِرْزاليُّ": نسبةً إلى بِرْزالة قبيلة قليلة العدد جدًّا.
(7)
بمنزلة خُلَيْص وهي حصن بين مكّة والمدينة ياقوت.
شيخ، وخرَّج له المحدّث شمس الدين بن سعد مشيخة لم يُكْملها، وقرأ شيئًا كثيرًا، وأسمع شيئًا كثيرًا، وكان له خطٌّ حسن، وخلقٌ حسنٌ، وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم.
سمعت العلامة ابن تيمية يقول: نقلُ البِرْزالي نقرٌ في حَجَر.
وكان أصحابه من كل الطوائف يحبُّونه ويكرمونه، وكان له أولاد ماتوا قبله، وكتبت ابنته فاطمة "البخاري" في ثلاثةَ عشرَ مجلدًا فقابله لها، وكان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القُبَّة، حتى صارت نسختها أصلًا معتمدًا يكتب منها الناس، وكان شيخ حديث بالنُّورية وفيها وقف كتبه بدار الحديث السَّيْفيَّة
(1)
وبدار الحديث القُوصيّة وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث، وكان متواضعًا محبَّبًا إلى الناس، متودّدًا إليهم.
توفي عن أربع وسبعين سنةً رحمه الله.
المؤرِّخ شمس الدين: محمد
(2)
بن إبراهيم الجَزريّ
(3)
جمع تاريخًا حافلًا
(4)
، كتب فيه أشياءَ [حسنةً]
(5)
استفاد
(6)
منها الحافظ المزيّ والذَّهبي والبرْزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله
(7)
، وكان شيخًا قد جاوز الثمانين، وثقُل سمعه وضعُف خطُّه، وهو والد الشيخ نصير الدِّين
(8)
محمَّد وأخوه مجد الدين.
ثم دخلت سنة أربعين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك النَّاصر، وولاتُه وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلَّامة السُّبكي.
وممّا وقع من الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤوس النَّصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من
(1)
في ط: السُّنيَّة وهو تحريف. الدارس (1/ 275) الهامش (1).
(2)
ترجمته في الذيل ص (208) والوفيات لابن رافع (1/ 251) والدرر الكامنة (3/ 301) وشذرات الذهب (6/ 124).
(3)
في ط: الجوزي وفي بعض المصادر الحريري. وهو تصحيف.
(4)
هو التاريخ الكبير والمسمّى حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه، ويقال له: تاريخ ابن الجزري. الأعلام (5/ 298). قال بشار: اختصر الإمام الذهبي قطعة منه. وتوجد قطعة مخطوطة منه في باريس فيها من 689 - 698 رقمها 6739، وفي استانبول قطعة نفيسة بخطه فيها من سنة 724 إلى سنة 736، منها صورة في مكتبة المجمع العلمي العراقي.
(5)
زيادة من الشذرات.
(6)
في ط: يستفيد.
(7)
قال بشار: في هذا القول شيء من التساهل، فكثيرًا ما أشار الذهبي إلى أن في تاريخه مجازفات.
(8)
في ط: ناصر الدين وهو تحريف. مات سنة (778) هـ. الدرر (4/ 157) والشذرات (6/ 258).
بينهم مالًا جزيلًا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم، يحسنان صنْعَة النِّفْط، اسم أحدهما ملاني والآخر عازَر، فعملا كحطا من نفط، وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك، فوضعا في شقوق دكاكين التُّجَّار في سوق الرجال عند الدَّهشة في عدة دكاكين من آخر النهار، بحيث لا يشعر أحدٌ بهما، وهما في زيِّ المسلمين، فلمَّا كان في أثناء اللَّيل لم يشعر النَّاسُ إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في درابزينات المئذنة الشرقية المتَّجهة للسوق المذكور، وأحرقت الدَّرابزينات، وجاء نائب السَّلطنة تَنْكز والأمراء أمراء الألوف، وصعدوا المنارة وهي تشتعل نارًا، واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيءٌ من الحريق ولله الحمد والمنة، وأما المئذنة فإنها تفجرت أحجارها واحترقت السِّقالات التي تدل السلالم فهُدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث
(1)
أنَّه ينزلُ عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلدُ محاصرٌ بالدَّجال.
والمقصود أن النصارى بعد ليال عَمَدوا إلى ناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها، وبما فيها من الأقواس والعُدَد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدُّور والمساكن والمدارس، واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة، وما كان مقصودهم إلا وصول النار إلى معبد المسلمين، فحال الله بينهم وبين ما يرومون، وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد. جزاهم الله خيرًا. ولما تحقق نائب السلطنة أنَّ هذا من فعلهم أمر بمسك رؤوس النصارى، فأمسك منهم نحوًا من ستين رجلًا، فأُخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المُثُلات، ثم بعد ذلك صُلب منهم أزيدُ من عشرة على الجمال، وطيف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدًا بعد واحد، ثم أُحرقوا بالنار حتى صاروا رمادًا لعنهم الله، انتهى
(2)
. والله أعلم.
سبب مسك تَنْكِز
(3)
: لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجَّة جاء الأمير طَشْتَمُر
(4)
من صفدٍ مسرعًا وركب جيش دمشق ملبسًا، ودخل نائب السَّلطنة من قصره مسرعًا إلى دار السعادة، وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر، وكان أراد أن يلبس ويقاتل
(5)
فعذلوه في ذلك، وقالوا: المصلحة الخروج إلى السُّلطان سامعًا مطيعًا، فخرج بلا سلاح، فلمّا برز إلى ظاهر البلد التفَّ عليه الفَخْريُّ
(6)
(1)
انظر "صحيح مسلم" رقم (2937)(4/ 2253) في الفتن وأشراط الساعة. من حديث النَّواس بن سمعان رضي الله عنه.
(2)
الذيل ص (213 - 214) الدارس (2/ 400) الشذرات (6/ 126).
(3)
الذيل للحسيني ص (219). فوات الوفيات (2/ 253) الدرر الكامنة (1/ 520) النجوم الزاهرة (9/ 327) الدارس (1/ 123) ابن خلدون (5/ 442) بدائع الزهور (1/ 477).
(4)
هو طَشْتَمُر السّاقي المعروف بحمِّص أخضر، وسَّطَهُ الملك الناصر أحمد سنة (743) هـ النجوم (10/ 101).
(5)
في ط: ويقابل.
(6)
الأمير قُطْلُوبغا الفخري.
وغيره، وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة، فلمّا كان عند قبة يَلبُغَا نزلوا وقيَّدوه وخصاياه من قصره، ثم ركب البريد وهو مقيّد وساروا به إلى السُّلطان، فلمَّا وصل
(1)
أمر بمسيره إلى الإسكندرية، وسألوا عن ودائعه فأقرَّ ببعض، ثم عُوقب حتى أقرَّ بالباقي، ثم قتلوه ودفنوه بالإسكندرية
(2)
، ثم نقلوه إلى تربته بدمشقَ
(3)
رحمه الله، وقد جاوز الستّين، وكان عادلًا مهيبًا، عفيف الفرج واليد، والنَّاسُ في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة، فرحمه الله، وبلّ بالرحمة ثراه.
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصفدٍ، وجامع بنابلس وعجلون، وجامع بدمشق، ودار حديث بالقدس ودمشق، ومدرسة وخانقاه بالقدس، ورباط وسوق موقوف على المسجد الأقصى، وفتح شباكًا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم.
وممَّن توفي فيها من الأعيان:
أمير المؤمنين المستكفي بالله: أبو الربيع سليمان
(4)
بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العبَّاسي، البغدادي الأصل المصري المولد، مولده سنة ثلاث وثمانين وستمئة أو في التي قبلها، وقرأ واشتغل قليلًا، وعهد إليه أبوه بالأمر وخُطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمئة، وفوَّض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر، وسار إلى غزو التتر فشهد مصافَّ شَقْحَب
(5)
، ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمئة وهو راكب مع السلطان، وجميع كبراء الجيش مشاة، ولما أعرض السلطان عن الأمر وانعزل بالكَرَك، التمس الأمراء من المستكفي أن يُسلطن من ينهض بالملك، فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقدَ له اللِّواء وألبسه خلعة السلطنة، ثم عاد الناصر إلى مصر وعزَّر الخليفة في فعله، ثم غضب عليه وسيَّره إلى قوص فتُوفّي في هذه السنة في قُوص في مستهلّ شعبانَ.
(6)
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وسبعمئة
استهلّت يوم الأربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمّد بن الملك المنصور قلاوون، وقضاته بمصرَ هم المذكورون في التي قبلها، وليس في دمشقَ نائب سلطنة، وإنما الذي يسدُّ الأمور الأمير سيف
(1)
كان وصوله الثلاثاء ثامن المحرّم سنة (741 هـ).
(2)
في يوم الثلاثاء منتصف المحرم. المصادر السابقة.
(3)
نقل في أوائل رجب سنة (744) هـ إلى تربته جوار جامعه. الفوات (1/ 258).
(4)
ترجمته في الذيل ص (214) والدرر الكامنة (2/ 141) وابن خلدون (5/ 441) والنجوم الزاهرة (9/ 322) والشذرات (6/ 126).
(5)
مرت في أحداث سنة (702 هـ).
(6)
هنا انتهى السقط المستدرك. ومنذ بداية هذه السنة يصرّح عبد الرحمن ابن المؤلف بأنه ينقل من خطّ أبيه.
الدين طَشْتَمُر الملقب بالحمّص الأخضر، الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تَنْكز، ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صفد فركب من آخر النهار وتوجَّه إلى بلده، وحواصل الأمير تَنْكز تحت الحُوطة كما هي.
والمباشرون هم المذكورون في السنة التي قبلها من القضاة والولاة والمشدّين والأعيان سوى من ذكرنا في أثناء السنة المتقدمة.
وهم وزير مصر شرف الدين النَّشو، ونائب الشام الأمير سيف الدين طشْتَمِر، وأمين الملك الوزير بدمشق كان.
وفي يوم الجمعة ثالث المحرم جاء مرسوم السلطان بالحوطة على حواصل مشدّ الدواوين، وهو ناصر الدين الذي كان مشدَّ الدواوين ثم باشر نظر القدس الشريف، ثم قدم إلى دمشق أمير طلخاناه، على ولاية البر، ثم باشر الدواوين.
وعلى حواصل الأمير ناصر الدين بن بكتاش متولّي دمشق، وأن يقبض عليهما، ويحبسا بالقلعة، ففعل ذلك
(1)
.
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الدّيار المصرية خمسة أمراء، الأمير سيف الدين بَشْتَاك
(2)
الناصري ومعه بَرْسبُغَا
(3)
الحاجب، وطاجار
(4)
الدويدار وبَيْغر
(5)
وبَطَا
(6)
، فنزل بَشْتاك بالقصر الأبلق، وليس معه من مماليكه إلا القليل، وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل، وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تَنْكِز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية.
ورسم بإطلاق خلقٍ من جملتهم الذين بقوا في الجيوش من النصارى المتّهمين بالحريق المتقدّم.
وجدّ الأمير سيف الدين في تحصيل الأموال التي بدار الذهب والأمتعة، واستخلاص الودائع من الأمراء فكان مبلغًا عظيمًا ومالًا جزيلًا، لم يسمع بمثله في هذه الأعصار من الذهب والفضة والجواهر الثمينة والحوايص والكلاوت الذهب، والسيوف المحلّاة، والخيول والجمال والأغنام والغلات والأشياء التي لا تنحصر إلّا بكلفةٍ شديدة
(7)
.
(1)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(2)
مات سنة (742) هـ كما سيأتي في هذا الكتاب، ويكتب "بَشْتَك" من غير ألف بعد التاء ثالث الحروف.
(3)
في الأصل وط: برصبغا وهو تحريف. مات سنة (742) هـ الدرر (1/ 474).
(4)
في الأصل وط: طاشار وهو تحريف. مات سنة (742 هـ) الدرر (2/ 213).
(5)
في ط: بيعرا وأثبتنا ما في النجوم (10/ 5).
(6)
بطا الدويدار مات بدمشق سنة (764 هـ) الدرر (1/ 406).
(7)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا إلى دمشقَ نائبًا، وتلقاه الناس وبُشْتاك والأمراء المصريون، ونزلوا في خدمته، فقبّل العتبة الشريفة، ورجعوا معه إلى دار السعادة، وقُرئ تقليده.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره مُسك من الأمراء المقدَّمين أميران كبيران ألْجيبُغَا العادلي
(1)
، وطَيْبُغَا حاجي
(2)
، ورفعا إلى القلعة المنصورة واحتيط على حواصلهما.
وفي يوم الثلاثاء تحمّلوا بيت ملك الأُمراء سيف الدين تَنْكِز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره ركب نائب السلطنة الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا ومعه الأمير سيف الدين بَشْتاك الناصري، والحاجة رقطية، وسيف الدين قُطْلُوبُغَا الفخري وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جُنْغَاي
(3)
وطُغَاي. فأُمِرَ بتوسيطهما، فوسّطا وعُلّقا على الخشب ونُودي عليهما: هذا جزاء من يخامر على السلطان الناصر.
وفاة تَنْكِز
(4)
: وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الأمير سيف الدين تَنْكز نائب الشام بقلعة إسكندرية، قُتِلَ مخنوقًا، وقيل: مسمومًا وهو الأصح، وقيل غير ذلك. وتأسَّف الناس عليه كثيرًا، وطال حزنهم عليه، وفي كل وقت يتذكّرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الإسلام، ومن إقامة الحق على ذوي الجاهات وغيرهم، ويشتدُّ تأسُّفهم عليه رحمه الله.
وقد أخبرني القاضي أمين الدين بن القلانسي أن الأمير
(5)
سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الإسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصُلِّي عليه بالإسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري، وكانت له جنازة جيدة.
وفي
(6)
يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الأمير سيف الدين حمِّص أخضر
(7)
الذي مسك تَنْكز إلى
(1)
أمسك بعد تنكز، ثم أفرج عنه بعد موت السلطان. الدرر (1/ 406).
(2)
في ط: طنبغا الحجي وهو تحريف. اعتقل بعد إمساك تنكز ثم أُفرج عنه سنة (743 هـ).
(3)
في ط: جغاي. وأثبتنا ما في الدرر (1/ 539).
(4)
ذكرنا مصادر ترجمته وخبره لدى ذكر مسكه.
(5)
في ط: "وقد أخبر القاضي أمين الدين بن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين بن كثير رحمه الله أن الأمير". ولا يشك عاقل أن هذا من إضافة أحد تلامذة المصنف، ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب (بشار).
(6)
قبل هذا في ط: "طشتمر نائب حلب"، ولا معنى لهذه العبارة، لأن الموجود هنا هو خبر وليس ترجمة له، فإنه توفي سنة 743 هـ كما في الدرر وغيره.
(7)
في أ و ب و ط: طشتمر. وهو نفسه.
دمشق فنزل بوطأة بَرْزَة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبًا عنها عوضًا عن ألْطَنْبُغَا المنفصل عنها
(1)
.
وفي يوم السبت سادس عشرة توجه الأمير سيف الدين برِسْبُغا إلى الديار المصرية، وانفك الترسيم عن غالب الناس، وفرح التجارُ وكثير من الجيش بانفصال الحال ولله الحمد والمنة.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره قدم الأمير شرف الدين ابن الخطير حاجبًا بدمشق، في منزل سيف الدين قرْمَسي، وأقام أخاه بدر الدين نائبًا بغزة المحروسة، وأقام الأمير سيف الدين قَرْمَسي حاجبًا بالديار المصرية، ولقب بناصح الدولة؛ لأجل ما كان ناصح السلطان بما كان تمالًا عليه تنكر ومماليكه الخواص من الهرب إلى بلاد الشرق، والإقامة بحغبر. فأعجبَ السلطان منه ذلك، فقربه وأدناه وأنعم عليه بعد طلبه بين يديه
(2)
.
وفي يوم الأحد الرابع والعشرين من صفر درّس نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي بالمدرسة اليغمورية من الجبل، وأعاد عند والده بالمدرسة النورية، نزل عنها القاضي عماد الدين إسماعيل بن العز الحنفي
(3)
نائب ابنه كان بعد مطاولة ومطالبة.
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين منه درّس القاضي شهاب الدين ابن النقيب البعلبكي الشافعي بالمدرسة القليجية بالقرب من مئذنة فيروز، عوضًا عن مدرّسها بهاء الدين تركها وتزهد، وحضر عنده جماعة من القضاة والفضلاء والأعيان
(4)
.
شهر ربيع الأول، أوّله الأحد، وقيل: السبت.
وفي يوم الإثنين ثانيه؛ عادَ نائب السلطنة ألطُنْبُغا الأمير حسام الدين البشمقدار في محله العقيبة من مرض به، وجلس عنده ساعةً جيدة، وضيفه.
وفي يوم الثلاثاء ثالثه؛ طلع نائب السلطنة المذكور لزيارة الشيخ محمد بن تمام وعيادته أيضًا؛ وجلس عنده ساعةً، ووعظه الشيخ، وأمره بالقيام في ردع المفسدين وأرباب التهم والفسوق؛ فامتثل منه ما أمره به، وأخذه بالقبول، وخرج من عنده إلى بستان الملك صلاح الدين بن الأوحد لعيادته من مرض، وجلس عنده، وأخذ بخاطره، وفرح الملك صلاح الدين بذلك.
وفي يوم الأربعاء رابعه أُفرج عن ناصر الدين بن بكتاش الذي كان متولّي دمشق
(5)
. كان قد اعتقل في
(1)
الدرر الكامنة (2/ 219).
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 122.
(3)
المصدر نفسه 2/ 122.
(4)
المصدر نفسه 2/ 122. نقلا عن ابن كثير.
(5)
المصدر السابق نفسه 2/ 122.
أوّل مسك تَنْكِرْ ورفع إلى القلعة، ثم حُوّل إلى العذراوية مقيّدًا، ثمّ خلع القيد من رجله بعد مدة. وأفرج عنه في هذا اليوم، وذهب إلى داره، ولم يُضرب، ولم يُصادر، ففرح الناس بذلك.
وعملت المواليد بالجامع الأموي في ليلة الأربعاء ثاني عشره، واجتمع الناس، وأوقدت القناديل على العادة
(1)
.
وفاة محمد
(2)
بن تمَّام: وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد [بن أحمد بن تمام بن حسان التَّلِّي الصالحي]
(3)
توفي بالصالحية، فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري، واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم، وصلَّى النَّاسُ في الطرقات وأرجاء الصالحية، وكان الجمع كثيرًا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها، لكثرة من حضرها من الناس رجالًا ونساء، وفيهم القضاة والأعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفًا، وانتظر النَّاس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية، فلم يحضر، فصلّى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفّري، ودفن عند أخيه في تربة بين تربة الموفّق وبين تربة الشيخ أبي عمر
(4)
رحمهم الله وإيانا.
وفاة عائشة
(5)
زَوْج
(6)
الشيخ المِزِّي
(7)
: وفي أول شهر جمادى الأولى توقيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوج شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر، وصلّي عليها بالجامع صبيحة يوم الأربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله. كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح، يعجز كثير من الرجال عن تجويده، وختمت نساءً كثيرًا، وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعنَ بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وتقللها منها، مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة، وكان الشيخ محسنًا إليها مطيعًا، لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعًا وشرعًا، فرحمها الله وقدّس روحها، ونوّر مضجعها بالرحمة آمين.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
ترجمته في: ذيل العبر للحسيني ص (220) والفوات (3/ 314) والوفيات لابن رافع (1/ 353) والدرر الكامنة (3/ 311) والشذرات (6/ 131).
(3)
زيادة من مصادر ترجمته. والتّلي نسبة إلى تل منين.
قلت: وهي الآن مدينة عامرة شمال غرب دمشق على بعد 16 كم منها.
(4)
في الوفيات لابن رافع: ودفن بتربة المرداويين بسفح قاسيون.
(5)
ترجمتها في: الوفيات لابن رافع (1/ 359) والدرر الكامنة (2/ 235) وأعلام النساء (3/ 4). وهي أم زوج ابن كثير رحمهم الله أجمعين.
(6)
في ط: زوجة.
(7)
أبو الحجاج يوسف المزِّي. سيأتي في وفيات سنة (742 هـ).
وفي يوم السبت خامسه توفّي الملك صلاح الدين بن الأوحد
(1)
، أحد الأمراء الأجواد ببستانه. وصُلِّي عليه بسفح قاسيون، ودفن تربتهم هناك.
كان من أبناء الدنيا وسعدائها، وكان قد اقتنى الأملاك الكثيرة مع الأوقاف والخير الكثير، وكان ذكيًا فطنًا، حسن العشرة، جميل الأخلاق، حسن الاعتقاد في أهل العلم والفقراء، كثير البر لهم.
وبستانه مشهور بأنه من أحاسن ظاهر البلد، والناس يترامون على زيارته لرؤية عمارته وحسن ترتيبه، وما فيه من السعادة، وحسن تلقي صاحبه رحمه الله.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره توفي الشيخ الصالح العابد الناسك خالد الهُدَيْمي
(2)
الذي كان مقيمًا بمسجده عند باب دار الطعم الشرقي، كان يُقصد بالزيارة من الأمراء والأكابر وغيرهم، وكان فيه عبادة، وسُنّة، ومحبة للخبر، واتباع الآثار. ودفن بتربته التي أنشأها بداريا، وعنده مئذنة محدثة، وقبة ومسجد. رحمه الله.
وفي يوم السبت تاسع عشره توفّي الشيخ ركن الدين الصوفي
(3)
، مدرّس الركينة، وشيخ الطواويس. كان من أصحاب الشيخ الظهير والأمير ناصر الدين الدوادار في الأيام التنكرية، وكان له دخول على تنكز، وممن يحضر مجلسه الخاص، ثم لما وقعت كائنة الظهير والدوادار لم يعد، ولم يبق له دخول، واستمر مبعدًا إلى أن جرى لتنكز ما جرى. ثم بقي خاملًا إلى أن مات، ودفن بالصوفية.
شهر جمادى الآخرة أوّله الأربعاء، وفي أوائله تشحط الخبرُ، وازدحم الناس على الخبازين، وضُرب بعض الخبازين بالمقارع. وغلا السعر لتأخر المطر عن أيامه، والله المستعان
(4)
.
وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه درّس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، في التدريس البكْتَمُري عوضًا عن القاضي برهان الدين الزرعي، وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة، ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 198 نقلًا عن ابن كثير، وأعيان العصر 5/ 642، والدرر الكامنة 4/ 456.
قال محقق ابن قاضي شهبة: لم نجده في (البداية والنهاية) ومعروف أن هذه الطبعة الفريدة لهذا الكتاب غاية في الرداءة والنقص.
قلت: وهذا ما رجح عندنا إعادة النظر في الجزء السادس عشر، واتخاذ هذه النسخة التامة أصلًا.
(2)
هو: خالد بن عطاف. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 157 نقلًا عن ابن كثير. وليست في المطبوع.
(3)
هو أحمد بن محمد بن أحمد الشهرستاني الخراساني.
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة نقلًا عن ابن كثير. وليست في المطبوع منه.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
وولي أخوه الأشرف تلطف أمر هذا المذكور، وبُعث إلى الشام أميرًا على خبز الأمير بدر الدين بن الخطير على تقدمة ألف، ودخل متجملًا، وعُرض على نائب السلطنة ألطنبعا.
وفي يوم السبت ثانيه دخل الأمير طقزدَمِر دمشق، وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى الجسورة. قدم على نيابة حماة عوضًا عن ابن أستاذه الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المنصور صاحب حماة. عزلوا ابن أستاذه من مملكة حماة وولّوه نيابتها؛ فقدم لذلك، وانصرف من يومه ولم ينزل بدمشق.
فلمّا كان من الغد دخل ابن أستاذه صاحب حماة الملك الأفضل ناصر الدين محمد المذكور، فنزل على رأس تقدمة الميسرة.
وركب يوم الموكب مع نائب السلطنة فوق رأس الميسرة، فلما كان يوم الأحد عاشر الشهر توفيت حماته، وقيل: أمه
(1)
، فلما أمسى ليلة الثلاثاء الثالث عشر من الشهر اعتراه داء الصرع؛ فمات نصف الليل. وحمل من صبيحته إلى حماة في تابوت
(2)
، وماتت زوجته بعده يوم الثلاثاء، ودفنت نصف النهار يومئذ بمقابر الصوفية، وذكر أن جاريةً عندهم أيضًا ماتت في هذه الأيام. فهذا من أغرب ما سمعناه.
وفي يوم السبت سادس عشره خلع على الأمير ناصر الدين ابن بكتاش، وأُعيد إلى الولاية وإمرة عشره، وفرح أهل الخير والديانة بذلك، واستبشروا به، وانفصل عن الولاية شهاب الدين بن أوحد إلى شد السواحل.
وفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين منه خُلع على القضاة والنظار وكتاب الإنشاء وغيرهم، وحضر القضاة يومئذٍ دار العدل بالخلع، وحضروا الدروس بعد ذلك كذلك.
واشتهر في هذه الأيام أن جرت خبطة عظيمة بمصر، قتل فيها جماعة من الأتراك والعامة؛ وذلك أن طائفة من المماليك الناصرية همّوا بالفتك بالأمير سيف الدين قوصون، فلم يظفروا به، واعتقد جماعة من الحرافيش وغيرهم أنّه قد هرب أو قتل، فعزموا على تحريق اصطبله، فمنعوا من ذلك، وقتل منهم كبيرة
(3)
.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد؛ في يوم الخميس خامس الشهر قدم الخطيب بدر الدين ابن القاضي جلال الدين القزويني من الديار المصرية من بعد غيبة طويلة؛ نحو من ثمانية أشهر. وراح الناس للسلام
(1)
بل حماته، ورثاها شاعره ابن نباته. انظر أعيان العصر 4/ 322.
(2)
ترجمته في أعيان العصر 4/ 322 - 330، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 283، والدرر الكامنة 3/ 388.
(3)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 211 - 212.
البريد، واستناب على الخطابة أخاه تاج الدين عبد الرحيم؛ فخطب جيدًا بصوت عالٍ فصيح
(1)
.
شهر رمضان المعظم أوله الأحد، في يوم الأربعاء حادي عشره درّس بالمدرسة الشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي، أُعيدت إليه وانتزعت من يد القاضي عماد الدين بن العز، وحضر عنده القضاة
(2)
.
وتكاملت عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الأخير من رمضان، واستَحْسَنَ النَّاسُ بناءها وإتقانها، وذكر بعضهم أنه لم يبن في الإسلام منارة مثلها ولله الحمد.
ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سَمْعان في نزول عيسى ابن مريم عليه السلام على المنارة البيضاء في شرقي دمشق
(3)
، فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرُّواة، وإنَّما كان على المنارة الشرقية بدمشق، وهذه المنارة مشهورة بالشرقية لمقابلتها أختها الغربية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
شهر شوال أوله الإثنين، كان خروج المحمل والحجيج يوم الخميس حادي عشره. وحجّ ناس كثير من الأعيان وغيرهم وجماعة من المعمّمين.
فمن الشافعية جمال الدين ابن قاضي الزبداني، وجمال الدين بن الرُّهاوي.
ومن الحنفية القاضي عماد الدين بن العز، ومن المالكية صدر الدين المالكي، ومن الحنابلة شرف الدين ابن قاضي الجبل، وعز الدين بن شيخ السلامية.
وكانت الأسعار متحسّنةً في هذه المدة بدمشق، والغلات قليلة، والأخباز متقحطة. وما ذاك إلا لقلة الأمطار في شهري آذار ونيسان، ولكن وقعت رعود في أماكن متفرّقة.
وفي هذا الشهر انتزع تدريس المعينية من يد الشّرف ابن الرومي، وأعيد إلى الصدر ابن البهاء الحنفي.
وكذلك إمامة محراب الحنفية بالجامع الأموي أعيدت إلى الشمس الزنجيلي
(4)
.
إعدام الدَّكَّالِي
(5)
: وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 125 نقلًا عن ابن كثير.
(2)
في المصدر نفسه 2/ 126. هنا انتهى الاستدراك المشار إليه من قبلُ.
(3)
رواه مسلم رقم (2937) في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه. من حديث طويل عن النواس بن سمعان رضي الله عنه.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر شوال، أوله
…
(5)
في ط: الدكاكي. وفي الدرر 2/ 441: "الدوكاكي" وكله تحريف، والصواب ما أثبتنا وهو منسوب إلى دكالة، بلد بالمغرب.
وحضرتُه يومئذ، واجتمع القضاة والأعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدَّكَّالي قبحه الله تعالى، وادعي عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج
(1)
ولا عن ابن أبي العزاقر الشَّلْمَغَاني
(2)
، وقامت عليه البيئة بدعوى الإلهية لعنه الله، وأشياء أخر من التنقيص بالأنبياء ومخالطته أرباب الريب من البَاجَرْبَقيَّة
(3)
وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله، ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي، وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضًا، وادَّعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود، فرُدَّ إلى السجن مقيدًا مغلولًا [مقبوحًا، أمكن الله منه بقوته وتأييده]
(4)
، ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أُحضر عثمان الدَّكَّالي المذكور إلى دار السعادة وأقيم إلى بين يدي الأمراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر، وعجز عن ذلك، فتوجه عليه الحكم، فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم بإراقة دمه وإن تاب، فأُخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل، ونودي عليه: هذا جزاء من يكون على مذهب الاتحادية، وكان يومًا مشهودًا بدار السعادة، حضر خلق من الأعيان والمشايخ، وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ، وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي، وتكلَّما وحرّضا في القضية جدًّا، وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة، وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية، وخرج القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي، وهم نفذوا حكمه في المجلس، فحضروا قتل المذكور، وكنتُ مباشرًا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
(5)
.
شهر ذي القعدة أوّله الأربعاء، في يوم الأحد ثاني عشره وليلة الإثنين وقع مطر جيد، وكان في آخر نيسان، فتباشر الناس بذلك، وانحط سعر الغلات قليلًا، وابيض الخبرُ، وكثر، وخفت الزحمات على الأفران والله الحمد.
وفي ليلة الخميس سادس عشره برز المرسوم من عند نائب السلطنة ألطنبغا بأن تزين البلد، وأن يركب الجند من الغد بالبياض، وأن يُظهروا السّرور، واشتهر أن ذلك بسبب وجود مولود للسلطان، وقيل: لعافية السلطان فالله أعلم.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه درّس علاء الدين علي بن سلام بالمدرسة المعروفة بالسبع
(1)
هو: الحسين بن منصور الحلاج قتل سنة (309) هـ. وفيات الأعيان (2/ 145)
(2)
في ط: أبو الغدافر السلقماني. وأثبتنا ما في الوفيات الأعيان (2/ 155) وهو: محمد بن علي الشَّلْمَعَاني أبو جعفر، المعروف بابن أبي العزاقر، قتل حرقًا لادّعائه الألوهية سنة (322) هـ.
(3)
نسبة إلى محمد الباجربقي المتوفي سنة (724) هـ.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(5)
الدرر الكامنة (2/ 441).
مجانين بالعقيبة، وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض الفقهاء على العادة.
وفي يوم السبت الخامس والعشرين منه قدم وفد من التتار من عند الشيخ حسن الكبر وطغاي بن سوسه، وخرج نائب السلطنة والجيش لتلقيهم إلى القابون، وكان يومًا مشهودًا، وذكر أنهم بعثوا ليكونوا رهائن عند السلطان الملك الناصر على أن يبعث إلى الشرق جيشًا يكون قوة لأولئك على الشيخ حسن بن تمرناش، فإذا حكموا جعلوا بغداد ومعاملتها للسلطان، ويبعث إليهم ابنه يتسلّمها منهم.
ورسم نائب السلطنة ثاني يوم قدومهم بتجهيز طائفة من الجيش لذلك، وأن يتأهبوا ويكونوا مستعدين للتجريد متى رسم لهم خرجوا، وعيّن لذلك ثلاثة آلاف من الجيش بدمشق، وخمسة آلاف من مصر، مع ما يضاف إلى ذلك من حلب وحماة وطرابلس وغيرها.
شهر ذي الحجة أوله الجمعة، في يوم سادس عشره نُودي بسوق الخيل بحضرة نائب السلطنة أن يتأهب الجيش كلهم ويتجهزوا، ومتى استنفروا من ليل أو نهار كانوا مستعدين لذلك، وأُعلموا بقدوم الركاب الشريف إلى دمشق المحروسة.
وفيه اشتريت دار الذهب التي أنشأها تنكز جوار دار القرآن المنسوبة إليه للأمير سيف الدين بشتاك الناصري
(1)
.
وفي يوم الجمعة الثاني
(2)
والعشرين من ذي الحجّة
(3)
أفرج عن الأميرين المعتقلين بالقلعة وهما طَيْبُغا حاجي وأَلْجِيْبُغَا
(4)
، وكذلك أفرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة، وفرح الناس بذلك.
ذكر وفاة الملك الناصر محمد
(5)
بن قلاوون: في صبيحة يوم الأربعاء السابع والعشرين
(6)
من ذي الحجة قدم إلى دمشق الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه، وكان قدومه على خيل البريد، فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر، كانت وفاته يوم الأربعاء بعد العصر بعد أن صلاها وغير ثيابه. وأنه صلي عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع أبيه الملك المنصور على ولده آنوك، وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين أبي بكر ولقبه بالملك المنصور، فلما دفن السلطان ليلة الجمعة حضره من الأمراء قليل، وكان قد ولى على الأمر علم الدين الجاولي
(7)
، ورجل آخر منسوب إلى
(1)
ليس في أو ب وط. من قوله: شهر ذي القعدة أوله حتى هنا.
(2)
في أوط: (الثامن) تحريف. وأثبت ما في الأصل.
(3)
في أوط: (القعدة) خطأ. وأثبت ما في الأصل.
(4)
في ط: طنبغا حجي وألجي بغا، ومضى الكلام فيهما.
(5)
ترجمته في: ذيل العبر للحسيني ص (223 - 225) وفوات الوفيات (4/ 34) والدرر الكامنة (4/ 144) والنجوم الزاهرة (8/ 41 و 115) و (9/ 161) وبدائع الزهور (1/ 482) وكتاب أخبار الأول للإسحاقي ص (130 - 131).
(6)
في أخبار الأول: سابع عشر. وفي الذيل: عشرينه.
(7)
هو علم الدين سنجر بن عبد الله الجاولي، يتولى دفنه.
الصلاح يقال: له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري، وشخص آخر من الجبابرية، ودفن كما ذكرنا، ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه، ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس، وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إمامًا، والجاولي وأيدغمش وأمير آخور
(1)
والقاضي بهاء الدين بن حامد ابن قاضي دمشق السبكي.
وجلس الملك المنصور سيفُ الدُّنيا والدين أبو المعالي أبو بكر على سرير المملكة.
وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمئة، بايعه الجيش المصري
(2)
، وقدم الفَخْر
(3)
لأخذ البيعة من الشاميين، ونزل بالقصر الأبلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور، ودُقَت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه ويوم الجمعة ويوم السبت، وفرح الناس بالملك الجديد، وترحموا على الملك ودَعَوْا له وتأسفوا عليه رحمه الله.
فلما كان يوم الجمعة حضر نائب السلطنة ألطَنْبُغا وفي خدمته الأمراء، ومعهم الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري، وعليه خلعة هائلة، فصَلَّوْا في المقصورة وعندهم القضاة والأعيان. وخطب يومئذ القاضي تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني خطبة بليغةً؛ دعا فيها للملك المنصور، وترحم على الدارج إلى رحمه الله تعالى والده الملك الناصر، وبكى الناس من ذكره، وصلّي عليه بعد الصلاة صلاة الغائب
(4)
.
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وسبعمئة
استهلت بيوم الأحد وسلطان الإسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها من البلاد الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي.
ونائب الشام الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا
(5)
وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها، وكذا المباشرون سوى الولاة.
(1)
في ط: أخر.
(2)
بدائع الزهور (1/ 487).
(3)
هو: قطلوبغا الفخري.
(4)
من قوله: فلما كان يوم الجمعة حتى هنا، ليست في أو ب وط، وهي في الأصل.
(5)
في ط: طنبغا، وأثبتنا ما في النجوم (10/ 8).
شهر المحرم أوله الأحد، في يوم الإثنين ثانيه توجّه الأمير سيف الدين قُطلوبغا الفخري إلى الديار المصرية، وقد قدّم له النائب والأمراء والمباشرون من الهدايا والتحف، ما بين خيول وملابس وأقمشه وغير ذلك ما قوّم حزرًا بنحو من ستمئة ألف درهم. وقد استوثقت البيعة من البلاد الشامية للملك المنصور نصره الله وأيده.
وفي يوم الجمعة رجع الأمير قُماري أحد المقدّمين بالديار المصرية من البلاد الحلبية، وقد أخذ بيعة الجيش هنالك للملك المنصور. وذكر أن أخاه الملك الأشرف أحمد الذي بالكرك ختم الحواصل باسم أخيه، وبعث إليه بذلك. ولله الحمد والمنة
(1)
.
ولاية الخليفة المُستنصر بالله
وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي، ولقب بالمستنصر بالله، ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة، وألبسه خلعة سوداء أيضًا، فجلسا وعليهما السَّواد، وخطب الخليفة يومئذ خُطبة بليغةً فصيحةً مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخُلِعَ يومئذٍ على جماعة من الأمراء والأعيان، وكان يومًا مشهودًا، وكان أبو القاسم هذا قد عَهِدَ إليه أبوه بالخلافة، ولكن لم يمكِّنْهُ النَّاصر من ذلك، وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع، ولقبه الواثق بالله، وخُطِبَ له بالقاهرة جمعة واحدة، فعزله المنصور، وقرّر أبا القاسم هذا، وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
(2)
.
وقدم قبل العشر بعض الحجاج وأخبروا أنّهم وقفوا عشية الجمعة وعشية السبت.
وفي يوم الثلاثاء يوم عاشوراء توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن جملة أخو القاضي جمال الدين بن جملة. ودفن بسفح قاسيون)
(3)
.
وفي يوم الأحد ثامن المحرَّم مُسك الأمير سيف الدين بَشْتَك الناصري آخر النهار
(4)
، وكان قد كُتب تقليده بنيابة الشَّام وخُلع عليه بذلك وبرز ثِقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به وأجلسه وأحضر طعامًا فأكلا، وتأسف الملك على فراقه، وقال: تذهب وتتركني وحدي، ثم قام لتوديعه وذهب بَشْتَك من
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله شهر المحرم أوله، إلى هنا.
(2)
ذيل العبر للحسيني ص (226) والدرر الكامنة (1/ 137) وابن خلدون (5/ 442) والنجوم الزاهرة (10/ 4) وبدائع الزهور (1/ 487).
(3)
ليست في أ وب وط. وهو في الأصل من قوله: وقدم قبل العشر.
(4)
ذيل العبر للحسيني ص (226) الدرر الكامنة (1/ 477) النجوم (10/ 74).
بين يديه ثماني خطوات أو نحوها، ثم تقدَّم إليه ثلاثة نفر
(1)
فقطع أحدهما سيفه من وسطه بسكين، ووضع الآخر يده على فمه، وكتفه الآخر، وقيَّدُوه، وذلك كله بحضرة السلطان، ثم غُيِّبَ ولم يدر أحد إلى أين صار، ثم قالوا لمماليكه: اذهبوا أنتم فائتوا بمركوب الأمير غدًا، فهو بائت عند السلطان. وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء منهم تسعة من الكبار
(2)
، واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه، فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار، وسبعمئة ألف دينار.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره درّس بالعذراوية تقي الدين عبد الله بن الشيخ زين الدين بن المرحل مدرس الشامية والده كان. وحضر عنده القضاة والأعيان، وعمره قريب من خمس عشرة سنة.
واشتهر في أثناء المحرم أن السلطان الملك المنصور استناب بالديار المصرية الأمير سيف الدين طقرْدَمِر الحموي، والد زوجة السلطان وزوج أمه، وهو مشكور السيرة، معروف برزانة العقل، ووفور الرّأي
(3)
.
واستوزر بالديار المصرية إنسان يعرف بابن شَرْوين البغدادي الذي كان وزيرًا ببغداد، ثم قدم الشام هو وقاضي بغداد للإمام حسام الدين الغوري، فلمّا وصل إلى الديار المصرية في دولة الناصر استقضى الغوري على الديار المصرية، وعزل الإمام برهان الدين ابن عبد الحق، وأعطى الوزير المذكور إمرة مئة.
وطلب الأمير بدر الدين ابن الخطير أحد الأمراء المقدّمين الكبار على البريد إلى الديار المصرية معظمًا موعودًا بالحجوبية على عادته بالديار المصرية كما كان أيام الناصر، والد السلطان.
شهر صفر وأوّله الثلاثاء، في يوم الأربعاء ثانيه جلس القاضي تقي الدين أبو الفتح الشبكي بالمدرسة العادلية الكبيرة لنيابة الحكم، وادعى سنده، وهو ثالث ثلاثة نوّاب، وأخبر أنّه كان قد ولاه قاضي القضاة نيابة الحكم في ذي الحجة من السنة الخالية، ولكنّه كان يمتنع من المباشرة، ثم عزم عليه حتى أجابَ إلى ذلك
(4)
.
وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزِّي
(5)
: تمرَّض أيامًا يسيرة مرضًا لا يشغله عن شهود
(1)
منهم: الأمير قطلوبغا الفخري والأمير طُقُزدَمر النجوم (10/ 8).
(2)
وقيدوا جميعًا وسُفّروا إلى الإسكندرية في الليل. المصدر السابق نفسه.
(3)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 202. نقلًا عن ابن كثير. وليس في المطبوع.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الأربعاء. حتى هنا.
(5)
هو جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الحلبي ثم الدمشقي المزي.
ترجمته في الذيل ص (229) والوفيات لابن رافع (1/ 395 - 398) وطبقات الشافعية (6/ 251) والفوات (4/ 353) والدرر الكامنة (4/ 457) والنجوم (10/ 76)، وتاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 290 - 294) والدارس (1/ 35) والشذرات (6/ 136)، ومقدمة الدكتور بشار عواد معروف لكتاب "تهذيب الكمال".
الجماعة، وحضور الدروس، وإسماع الحديث، فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة، ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصَّلاة، فاعترضه له في باطنه مغص عظيم، ظن وما أَنَّه قولنج كان إلا طاعون، فلم يقدر على حضور الصَّلاة، فلما فرغنا من الصلاة أُخبرتُ بأنَّه منقطع، فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هو يرتعد رعدةً شديدة من قوة الألم الذي هو فيه،، فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد لله، ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد، وصلى الظهر بنفسه، ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة، وهو في قوة الوجع، ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت، فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك، لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلًا. فقالت: يا أبة أذن الظهر، فذكر الله وقال: أريد أن أصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضَتْ روحه بين الصلاتين، رحمه يوم السبت ثاني عَشَرَ صفر، فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة، فلما كان من الغد يوم الأحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم، غُسل وكُفّن وصُلّي عليه بالجامع الأموي، وحضر القضاة والأعيان وخلائق لا يحصون كثرة، وخُرج بجنازته من باب النصر، وخرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين ألطَنْبُغَا ومعه ديوان السلطان، والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الأمراء، فصلوا عليه خارج باب النصر، أمّهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي، وهو الذي صلّى عليه بالجامع الأموي، ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله، عائشة بنت إبراهيم بن صُدَيْق، غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين.
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه توفي شرف الدين بن الشهاب الرومي
(1)
، وكان له مدة بالعلة ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله
(2)
.
كائنة غريبة جدًّا
قدم يوم الأربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الأشرف علاء الدين كُجُك
(3)
بن الملك الناصر، وذلك بعد عزل أخيه المنصور، لما صدر عنه من الأفعال التي ذُكر أنَّه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات، وتعاطي ما لا يليق به، ومعاشرة الخاصكية من المردان
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 256 - 257.
(2)
ليست في أ وب وط.
(3)
في ط: كحك بالحاء المهملة ولعلّه تطبيع، وأثبتنا ما في الذيل ص (226) والنجوم (10/ 21) وهي كلمة أعجمية معناها الصغير، وكان له من العمر خمس سنوات، وقيل: دون السبع.
وغيرهم، فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض، فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله ابن أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نُسب إلى الملك المنصور من الأمور فحينئذ خلعه الأمراء الكبار وغيرهم، واستبدلوا مكانه أخاه هذا المذكور، وسيَّروه إذ ذاك إلى قوص مضيَّقًا عليه ومعه إخوة له ثلاثة، وقيل أكثر، وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قُوصُون الناصري، واستمرت الأمور على السداد، وجاءت البيعة إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء، وضربت البشائر عشيّة الخميس مستهل ربيع الأول وخُطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء.
شهر ربيع الأول أوله الخميس في مستهله توفي الشيخ شمس الدين الرقي
(1)
مدرس الجوهرية الحنفية وشيخ الاقتداء بدار الحديث الأشرفية ودفن يومه بمقابر باب الصغير رحمه الله.
وفي يوم الأربعاء سابع ربيع الأول حضر بدار الحديث الأشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضًا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزّي، ومشيخة دار الحديث النُّورية عوضًا عن ابنه رحمه الله
(2)
.
وفي يوم الخميس ثامنه سمّر رجل على جمل وطيف به حول البلد، وذلك لما نسب إليه من أنه يولف النساء، ويفجر بهنّ، ثم يقتلهنّ، ويأخذ ما معهنّ، فلمّا ظُهر عليه سُمّر.
وفي يوم الجمعة تاسعه صلّينا بجامع دمشق على غائب بالنيّة، وهو الإمام قوام الدين أبو محمد عبد الله بن حامد البغدادي البصري
(3)
، أحد الكبراء هناك، وممّن له ثروة عظيمة، وتسنن جيد، وكانت وفاته يوم الخميس سادس عشر المحرم سنة اثنتين وأربعين وسبعمئة.
وفي يوم الأحد حادي عشره حضر الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن الحافظ جمال الدين المزي مشيخة دار الحديث النورية عوضًا عن أبيه رحمه الله.
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين منه، حضر تدريس مشهد ابن عروة عوضًا عن المزي بالجامع الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي، وفي يوم الجمعة بعده حضر حلقة الكلاسة وقف ابن القاضي الفاضل
(4)
.
شهر ربيع الآخر وأوّله الجمعة. في يوم الأحد عاشره دخل الأمير آقبغَا عبد الواحد الذي كان أستاذ دار الملك الناصر، فلما ولّي ولده المنصور المُلك صادره، وأخذ منه أموالًا جزيلة. فلما انفصل المنصور
(1)
ليست في أ وب وط. وأثبته من الأصل. ترجمته في تاريخ قاضي ابن شهبة 2/ 282.
(2)
الدارس (1/ 36).
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 271. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع.
(4)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 230.
وولي أخوه الأشرف تلطّف أمر هذا المذكور، وبعث إلى الشام أميرًا على خبز الأمير بدر الدين بن الخطير على تقدمة ألف، ودخل متجملًا، وعُرض على نائب السلطنة ألطُنْبُعا.
وفي يوم السبت ثانيه دخل الأمير طقزدَمِر دمشق، وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى الجسورة. قدم على نيابة حماة عوضًا عن ابن أستاذه الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المنصور صاحب حماة. عزلوا ابن أستاذه عن مملكة حماة وولّوه نيابتها؛ فقدم لذلك، وانصرف من يومه ولم ينزل بدمشق.
فلما كان من الغد دخل ابن أستاذه صاحب حماة الملك الأفضل ناصر الدين محمد المذكور، فنزل على رأس تقدمة الميسرة.
وركب يوم الموكب مع نائب السلطنة فوق رأس الميسرة، فلما كان يوم الأحد عاشر الشهر توفيت حماته، وقيل: أمه
(1)
، فلما أمسى ليلة الثلاثاء الثالث عشر من الشهر اعتراه داء الصرع؛ فمات نصف الليل. وحمل من صبيحته إلى حماة في تابوت
(2)
، وماتت زوجته بعده يوم الثلاثاء، ودفنت نصف النهار يومئذ بمقابر الصوفية، وذكر أنّ جاريةً عندهم أيضًا ماتت في هذه الأيام. فهذا من أغرب ما سمعناه.
وفي يوم السبت سادس عشره خلع على الأمير ناصر الدين ابن بكتاش، وأُعيد إلى الولاية وإمرة عشره، وفرح أهل الخير والديانة بذلك، واستبشروا به، وانفصل عن الولاية شهاب الدين بن أوحد إلى شد السواحل.
وفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين منه خُلع على القضاة والنظار وكتاب الإنشاء وغيرهم، وحضر القضاة يومئذ دار العدل بالخلع، وحضروا الدروس بعد ذلك كذلك.
واشتهر في هذه الأيام أن جرت خبطة عظيمة بمصر، قتل فيها جماعة من الأتراك والعامة؛ وذلك أن طائفة من المماليك الناصرية همّوا بالفتك بالأمير سيف الدين قوصون، فلم يظفروا به، واعتقد جماعة من الحرافيش وغيرهم أنه قد هرب أو قتل، فعزموا على تحريق اصطبله، فمنعوا من ذلك، وقتل منهم طائفة كبيرة
(3)
.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد؛ في يوم الخميس خامس الشهر قدم الخطيب بدر الدين ابن القاضي جلال الدين القزويني من الديار المصرية من بعد غيبة طويلة؛ نحو من ثمانية أشهر. وراح الناس للسلام
(1)
بل حماته، ورثاها شاعره ابن نباته. انظر أعيان العصر 4/ 322.
(2)
ترجمته في أعيان العصر 4/ 322 - 330، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 283، والدرر الكامنة 3/ 388.
(3)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 211 - 212.
عليه على العادة، وخطب يوم الجمعة بخلعة سلطانية، ومعه تفويض من بني الظاهر بنظر الظاهرية
(1)
.
وفي شهر جمادى الأولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طَشْتَمُر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الأمير أحمد الذي بالكَرَك، وأنّه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم
(2)
.
وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكَرَك في طلب ابن السلطان الأمير أحمد.
وفي يوم الإثنين سادس عشره اعتقل الأمير الموسادي صهر طَيْنال نائب طرابلس في القلعة المنصورة؛ بسبب كلام صدر منه في الملك وبعد أيام يسيره توفيت زوجته في نفاس وعُمل لها ختمة هائلة في دار الذهب التي أنشأها تنكز، وجاء الأمراء إلى خدمة والدها بسبب ذلك والقضاة.
وأُعيد يوم اعتقل الموساوي إلى نيابة القلعة الأمير سيف الدين بن الموتيني.
وفي هذا الشهر كثر الكلام في أمر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك، بسبب محاصرة الجيش الذي صحبه الفخري له، واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طَشْتَمُر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب أولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد، وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد، ليصرف عنه الجيش، وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن أستاذه، وتهيأ له نائب الشَّام بدمشق، ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عمّا يريد من إقامة الفتنة وشق العصا، واهتم الجند لذلك، وتأهبوا واستعدُّوا، ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة، وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوَّفوا أن تكون فتنة، وحَسِبُوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العَشِيرات في الجبال وحوران، وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك، ثم قدم من حلب حاجب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الأمير علاء الدين ألطَنْبُغَا ومعه مشافهة، فاستمع لها فبعث معه حاجب الميسرة أيان السَّاقي
(3)
، فذهبا إلى حلب، ثم رجعا في أواخر جمادى الآخرة، وتوجّها إلى الديار المصرية، واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر، ما عدا المنصور، وأن يخلّي عن محاصرة الكرك
(4)
.
وفي العشر الأخير من جمادى الأولى توفّي مظفر الدين مُوسى
(5)
بن مُهَنّا ملك العرب ودفن بتَدْمُر.
(1)
ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الخميس ثامنه سُمّر. حتى هنا.
(2)
النجوم الزاهرة (10/ 31)
(3)
في ط: أمان وهو تصحيف. وأثبتنا ما في الدليل الشافي (1/ 160).
وهو: أيَان بن عبد الله الساقي الناصري. مات سنة (746) هـ.
(4)
النجوم (10/ 34).
(5)
ترجمته في الذيل ص (230) والدرر الكامنة (4/ 382) والنجوم (10/ 76).
وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جُمادى الآخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد
(1)
بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدَّمنا، فخطب جمعةً واحدةً، وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى، ثم مرض فخطب عنه ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبد الرحيم على العادة ثلاث جمع، وهو مريض إلى أن توفي يومئذ، وتأسف الناس عليه لحُسن شكله وصَبَاحة وجهه، وحسن ملتقاه وتواضعه، واجتمع النَّاسُ للصَّلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وخَرَج به النَّاس إلى مقابر الصُّوفية، وكانت جنازته حافلة جدًّا، فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله.
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طَشْتَمُر، لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكَرَك، وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوَحْل، وكان يومًا مشهودًا عصيبًا، أحسن الله العاقبة.
وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثة وثلاثين، فزادهم السبكي قبل ذلك "أستغفرُ الله العظيم ثلاثًا، اللهم أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ تباركت يا ذا الجلال والإكرام"
(2)
. ثم أثبت ما في "صحيح مسلم " بعد صلاتي الصبح والمغرب: "اللهم أجرنا من النار سبعًا"
(3)
"أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرّ ما خَلَقَ ثلاثًا"
(4)
.
وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية
(5)
ليلة الجُمْعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1)
ترجمته في الذيل ص (228) والوفيات لابن رافع (1/ 403) والدرر الكامنة (4/ 185) والنجوم الزاهرة (10/ 77).
(2)
رواه مسلم رقم (591) في المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
ولفظه فيه: عن ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته، استغفر الله ثلاثًا وقال:"اللهم أنت السلام ومنك السَّلام، تباركت ذا الجلال والإكرام". وفي رواية "يا ذا الجلال والإكرام".
(3)
هذا الدعاء بعد صلاتي الصبح والمغرب، ليس في صحيح مسلم، بل هو في سنن أبي داود، رقم (5079) و (5080) من حديث مسلم بن الحارث التميمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرني من النار، سبع مرات، فإنك إذا قلت ذلك، ثم مت في ليلتك، كُتِبَ لك جوَارٌ منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك، فإنك إن مِتَّ في يومك، كتب لك جوار منها) وهو حديث ضعيف.
(4)
رواه مسلم رقم (2709) في الذكر والدعاء، باب: في التعوّذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.
ولفظه فيه: عن أبي هريرة، أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة! قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شر ما خلق، لم تضُرَّكَ".
(5)
يريد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56].
يبتدئ الرئيس منفردًا ثم يُعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة
(1)
، وصار ذلك سببًا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك، وكلما كان المبتدئ حسنَ الصَّوت كانت الجماعة أكثر اجتماعًا، ولكن طال بسبب ذلك الفصل، وتأخَّرت الصَّلاة عن أول وقتها. انتهى.
وفي ليلة السبت ثالث عشره خسف القمر بعد نصف الليل، وصلّى الناس بالجامع، وصلّى بهم نائب الخطيب شهاب الدين القيمري، وخطب
(2)
.
كائنة غريبة جدًّا
وفي ليلة الأحد عشية السبت نزل الأمير سيف الدين قُطلُوبُغَا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالأطلاب الذين جاؤوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكَرَك للقبض على ابن السلطان الأمير أحمد بن الناصر، فمكثوا على الثنيَّة محاصرين مضيّقين عليه إلى أن توجه نائبُ الشَّام إلى حلب، ومضت هذه الأيام المذكورة، فما درى النّاسُ إلا وقد جاء الفخري وجموعه، وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النّاصر، وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كُجُك واعتلوا بصغره، وذكروا أنَّ أتابكه الأمير سيف الدين قَوْصُون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقًا ببلاد الصعيد، جهز إليهما من تولّى ذلك، وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان، فتنكّر الأمير بسبب ذلك، وقالوا: هذا يريد أن يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة، فحموا لذلك وبايعوا ابن أستاذهم وجاؤوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونًا للأمير سيف الدين طَشْتَمُر نائب حلب ومن معه، وقد كتبوا إلى الأمراء يستميلونهم إلى هذا، ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الأكابر والقضاة والمباشرين، مثل والي البر ووالي المدينة وابن سَمِنْدار وغيرهم، فلمَّا كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة أبيهم، على عادتهم في قدوم السلاطين، ودخول الحُجّاج، بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه، وخرج القضاة والصاحب والأعيان والولاة وغيرهم، ودخل الأمير سيف الدين قطلُوبَغا في دست نيابة السلطنة التي فوّضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي، وعن شماله الحنفي على العادة، والجيش كله محدق به في الحديد، والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق، والناس في الدُّعاء والثناء للفخري، وهم في غاية الاستبشار والفرح، وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب، ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم، وكان يومًا مشهودًا، فنزل شرقي دمشق قريبًا من خان لاجين، وبعث في هذا اليوم، فرسم على القضاة والصاحب، وأخذ من أموال الأيتام وغيرها خمسمئة ألف،
(1)
وهذا ما يسمى بأذان الجوق، وهو مخالف للسنة، ولم يكن من هدي السلف الصالح.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال، وكتب بذلك سجلات، واستخدم جيدًا، وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعةٌ، منهم تمر الساقي مقدم ألف، وابن قَرَاسُنقُر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم، وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر، وأقام الفخري على خان لاجين، وخرج المتعيشُون بالبضائع إلى عندهم وضُربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر، ونُودي بالبلد: إنَّ سلطانكم الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون، ونائبكم سيف الدين قُطلُوبُغَا الفخري، وفرح كثير من الناس بذلك، وانضاف إليه نائب صفد
(1)
وبايعه نائبُ بَعْلَبَك، واستخدموا له رجالًا وجندًا، ورجع إليه الأمير سيف الدين سِنْجَر الجَمَقْدَار رأس الميمنة بدمشق، وكان قد تأخر في السَّير عن نائب دمشق علاء الدين ألطنبغَا، بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع إليه وبايع الناصر بن الناصر، ثم كاتب نائب حماة طقَرْدَمِر الذي ناب بمصر للملك المنصور، فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور، في تجمُّل عظيم وخزائن كثيرة، وثقل هائل
(2)
.
وفي صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر.
وفي صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من جمادى الآخرة، قدم نائب غزة الأمير آق سُنقُر
(3)
في جيش غزّة، وهو قريب من ألفين، فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري، فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرًا، وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون.
شهر رجب أوّله الثلاثاء، واستهلّ، والجماعة من أكابر التجّار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري، يقوّي بها جيشه الذي معه، و مبلغ ذلك الذي أراده منهم ألفُ ألف درهم، ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع أملاك الأمير سيف الدين قَوْصُون، أتابك الملك الأشرف علاء الدين كجُك، ابن الناصر التي بالشّام، بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر، فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص، ويجعل مال قَوْصُون من الخاص، فرسم بذلك، وأن يباع للتجار قرية دومة
(4)
قومت بألف ألف وخمسمئة ألف، ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين أو ثلاث، وتعوّضوا عن ذلك بحواصل قَوْصُون، واستمر الفخري بمن معه ومن أضيف إليه من الأمراء والأجناد مقيمين بثنيَّةِ العُقاب، واستخدم من رجال البقاع جماعةً كثيرة أكثر من ألف رام، وأميرهم يحفظ أفواه الطرق، وأزفَ قدوم الأمير علاء
(1)
في ط: صفد.
(2)
الذيل (226 - 227) النجوم الزاهرة (10/ 33 - 40) البدائع (1/ 494).
(3)
آق سنقر بن عبد الله الناصر محمد بن قلاوون الأمير شكار، نائب غزة، ثم طرابلس قتل في وقعة كانت بالقاهرة سنة (748) هـ الدليل الشافي (1/ 142).
(4)
في ط: دوية. ودُوْمَةُ: مدينة عامرة قرب دمشق. ياقوت.
الدين ألطَنْبُغَا بمن معه عساكر دمشق، وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين، وتأهب هؤلاء لهم، فلما كان الحادي من الشهر اشتهر أن ألْطَنْبُغا وصل إلى القَسْطل
(1)
وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري، ولم يكن بينهم قتال والله الحمد والمنة، وأرسل الفخري إلى القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشَّافعي من أثناء الطريق، فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين ألْطَنْبُغَا في الصُّلح، وأن يوافق الفخري في أمره، وأن يبايع الناصر بن الناصر، فأبى فردَّهم إليه غير مرة، وكل ذلك يمتنع عليهم.
فلما كان يوم الإثنين رابع عشره عند العصر جاء بريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد، فغلّقت الأبواب، وذلك لأنَّ العساكر توجهوا وتوافقوا للقتال، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وذلك أن ألطَنْبُغَا لما علم أن جماعة قُطلُوبُغا على ثنيَّة العُقاب دار الذُرْوَةَ من ناحية المُعَيْصرة، وجاء بالجيوش من هناك، فاستدار له الأمير سيف الدين قُطلُوبُغَا الفخري بجماعته إلى ناحيته، ووقف له في طريقه، وحال بينه وبين الوصول إلى البلد، وانزعج النَّاس انزعاجًا عظيمًا، وغلقت القَيَاسر والأسواق، وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب وشرٌّ، فركب متولّي البلد الأمير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه ورجاله فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له، فلمَّا كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد، فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة، وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة، واتَّفق أنها ليلة الميلاد، وبات المسلمون مهمومين
(2)
بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقةً في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية، والأمر على ما هو عليه، فلما كان عشيّة هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع ألطَنْبُغا وأمراؤه، واتفق أمراءُ دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلوا مسلمًا ولا يسلُّوْا في وجه الفخري وأصحابه سيفًا، وكان قضاة الشام قد ذهبوا إليه مرارًا للصلح، فيأبى عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه، وقويت نفسه عليه انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
عجيبة من عجائب الدهر
فباتَ النَّاسُ متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين أو ثلاثة، وكانت ليلة مطيرة، فما أصبح الصُّبح إلا وقد ذهب من جماعة ألْطَنْبُغَا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلقة ومن الأمراء والأعيان، وطلعت الشمس وارتفعت قليلًا فنفذ ألْطَنْبُغَا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدّده ويتوعده ويقوّي نفسه عليه. فما ساروا عنه قليلًا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب، ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري، وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الأطعمة وعلف
(1)
"القَسْطَل": قرية بين حمص ودمشق. ياقوت.
(2)
في ط: مهمومون.
الدواب، وكثرة ما معهم من الكُلف، فرأوا أن هذا حال يطول عليهم، ومقتوا أمرهم غاية المقت، وتطايبت قلوبهم وقلوبُ أولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئًا، فبايعوا على المخامرة عليه، فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة، فلما رأى الحال على هذه الصفة كرّ راجعًا هاربًا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين أَرُقْطَاي
(1)
نائب طرابلس، وأميران آخران
(2)
، والتقت العساكر والأمراء، وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحًا شديدًا جدًّا، الرجال والنساء والولدان، حتى من لا نوبة له، ودقت البشائر بالقلعة المنصورة، فأرسلوا في طلب من هرب، وجلس الفخري هنالك بقية النّهار يحلّفُ الأمراء على أمره الذي جاء له، فحلفوا له، ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة، وحرمة وافرة، فنزل القصر الأبلق ونزل الأمير طُقُزدَمُرُ بالميدان الكبير، ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا المَوْسَويّ
(3)
الذي كان معتقلًا بالقلعة، وجعلوه مشدًا على حوطات حواصل ألْطَنْبُغَا، وكان قد تغضّب الفخري على جماعة من الأمراء منهم الأمير حسام الدين البشمَقْدَار، أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين ألْطَنْبُغَا، فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب، ولكن لم يأت الفخري، بل دخل البلد فتوسط في الأمر، لم يذهب في ذاك ولا جاء مع هذا، ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البلد إلى الفخري، وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدًّا، ثم إنه أعطي منديل الأمان، وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله
(4)
، ثم أُفرج عنهم، ومنهم الأمير سيف الدين جقطاي وكان شديد الحنق عليه، فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية، وأظهر مكارم أخلاق عظيمة، ورياسة كبيرة، وكان للقاضي علاء الدين بن المُنَجَّى
(5)
قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعي مشكور، ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين ألطَنْبُغا، حتى خيف عليه منه، وخاطر بنفسه معه، فأنجح الله مقصده وسلّمه منه، وكبت عدوه والله الحمد والمنة.
وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه صلى بالناس صلاة الظهر تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين القزويني بالجامع الأموي، وأعيد إلى الخطابة على قاعدة أخيه بدر الدين بمرسوم الفخري. ففرح بذلك كثير من الناس، وخطب يوم الجمعة، وصرح بالدعاء للناصر ابن الناصر، فضح الناس بالدعاء له، والتَّرَحُم على والده الملك الناصر محمد
(6)
(1)
في ط: رقطبة.
(2)
هما: أسَنْبُغَا بن بكتمر البوبكري، وأيْدَمُ المَرْقبي. النجوم (10/ 36)
(3)
في ط: الموساوي. وهو: تمر الموسوي. الدرر الكامنة (1/ 519)
(4)
هو أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري. مات سنة (749) هـ كما سيأتي.
(5)
علي بن مُنَجّى بن عثمان بن أسعد بن المُنَجَّى التنوخي. مات سنة (750) هـ الوفيات لابن رافع (2/ 125).
(6)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قُلّد قضاء العساكر المنصورة الشيخ نور الدين بن الصائغ عوضًا عن القاضي الحنفي
(1)
، الذي كان مع النَّائب المنفصل، وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه ألْطَنْبُغَا بقتال الفخري، وفرح بولايته أصحابُ الشَّيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وذلك لأنه من أخص من صحبه قديمًا، وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلومًا.
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النَّهار قدم الأمير قُماري
(2)
من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر ألطَنْبُغا، ففرح بذلك وأخبر قُماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الأموال والذِّمَّة بالجزية.
شهر شعبان وأوّله الخميس، وفي مستهله ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور، وهو أول ركوبه فيه، وإلى جانبه قُماري وعلى قُماري خلعةٌ هائلة، وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ، وكان يومًا مشهودًا.
وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدّمين الألوف إلى الكرك لإخبار ابن السلطان بما جرى: منهم طقُزدَمُرُ وآقْبُغَا عبد الواحد وتمر الساقي
(3)
، ومَنكُلي بُغَا
(4)
وغيرهم.
وفي يوم السبت ثالثه استدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في إحضار الكتب المعتقلة في سلة
(5)
الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني، فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة، وخاف على نفسه منه، فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده، وهو متغضّب عليه، وربما هم بعزله لممانعته إياها، وربما قال قائل: هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة، فقال الفخري: كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم. واستبشر الفخري بإحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن، وبالشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها، فهنَّأهُما بإحضاره الكتب، وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتَّبَرُّك، وصلَّى به الشيخ زين الدين أخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر، وأكرمه الفخري إكرامًا زائدًا لمحبته الشيخ رحمه الله.
وفي هذا اليوم خلع على القاضي شرف الدين خالد بن القيسران بوكالة بيت المال، وعُيّن نظر الخزانة
(1)
هو: حسام الدين الغوري البغدادي، الحسن بن محمد، قاضي القضاة بمصر، النجوم (7/ 129) و (10/ 60).
(2)
هو: قماري الحسني أمير شكار مات سنة (746) هـ الدرر الكامنة (3/ 256).
(3)
الدرر الكامنة (1/ 391).
(4)
في ط: ميكلي.
(5)
في أ وب: سدة. تحريف.
للقاضي عماد الدين بن الشيرجي، وأخذ منه حجابةُ الديوان، وأعطيت لعماد الدين بن القلانسي ولد الصاحب عز الدين
(1)
.
وفي يوم الأحد رابعه دقّت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قَوْصُون بالديار المصرية، واجتمع النَّاسُ لذلك واستبشر كثير منهم بذلك، وأقبل جماعة من الأمراء إلى الكرك لطاعة النَّاصر بن النَّاصر، واجتمعوا مع الأمراء الشاميين عند الكَرَك، وطلبوا منه أن ينزل إليهم فأبى، وتوهم أن هذه الأمور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون، وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق.
وفي هذه الأيام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالأسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة، فتحصل من ذلك زيادة على مئة ألف وسبعة آلاف، وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي أُخذت أُخذت منهم عن ثلاث سنين سلفًا وتعجيلًا، ثمَّ نُودي في البلد يوم الإثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظُّلامات والطلبات وإسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة، غير أنهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص
(2)
، والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المُصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طَميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم.
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصَّلاة دخل الأمراء السنّة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدَمَ إلى دمشقَ فأبى عليهم في هذا الشهر، ووعدهم وقتًا آخر فرجعوا، وخرج الفخري، لتلقيهم، فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي، ودخلوا كلُّهم إلى دمشق في جمع كثير من الأتراك الأمراء والجند، وعليهم حَمْدة لعدم قدوم السلطان أيده الله صُحبتهم.
وفي يوم الأحد قدم البريد خلفَ قُماري وغيره من الأمراء يطلبهم إلى الكرك، واشتهر أنَّ السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكَرَك وقبول المملكة، فانشرح الناس لذلك.
[وتوفي الشيخ عمر
(3)
بن أبي بكر بن الميهني
(4)
البسطي يوم الأربعاء التاسع والعشرين، وكان رجلًا صالحًا كثير التلاوة والصَّلاة والصَّدقة، وحضور مجالس الذكر والحديث، له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصَّالحين وليسوا منهم، سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره. وقرأت عليه عن ابن البخاري مُختصر المشيخة، ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وانتفع به، ودفن بمقابر باب الصغير]
(5)
.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل
(2)
النجوم الزاهرة (10/ 59)
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 157)
(4)
في ط: الثيمي، وأثبتنا ما في الدرر.
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته ط
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة، كان قد نودي فيه في الجيش: أنَّ الرَّحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر، ثم تأخّر ذلك إلى بعد العشر، ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد.
وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي، ومعه ولاية من السلطان الناصر ابن الناصر بنظر البيمارستان النوري، ومشيخة الرَّبوة ومرتب على الجهات السلطانية، وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى، ففرح الناس بذلك حيث تكلم السُّلطان في المملكة وباشر وأمر وولى، ووقع، والله الحمد.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره دخل الأمير سيف الدين طَشْتَمُر الملقب بالحمّص الأخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة، وتلقاه الفخري والأمراء والجيشُ بكماله، ودخل في أبهة حسنة، ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي ألطَنْبُغَا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
(1)
.
وفي يوم الخميس رابع عشره خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزّة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد، فخرج يومئذ مقدمان: طُقُزدَمرُ وآقْبُغا عبد الواحد، فبرزا إلى الكُسْوَةِ، فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طَشْتَمُر وجمهورُ الأمراء، ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة، وخرج معه القضاة الأربعة، وقاضي العساكر والموقعون
(2)
والصاحب
(3)
وكاتب الجيش وخلق كثير.
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك أحمد
(4)
الملقب بالعصيدة ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان، وصلّي عليه بجامع تنكز
(5)
، ودفن بالصُّوفية قريبًا من قبر الشيخ جمال الدين المزي، تغمدهما الله برحمته.
وكان فيه صلاح كثير، ومواظبة على الصَّلاة في جماعة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، مشهورًا عند الناس بالخير، وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره، وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير، وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا.
(1)
الدرر الكامنة (2/ 219).
(2)
في الأصل وط: "الموقعين" وهو غلط.
(3)
في ط: "المصاحب" وهو تحريف.
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 344) وفيه: (أحمد العصيدة والد الشيخة زينب) وتاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 58)، نقلًا عن ابن كثير.
(5)
في الأصل وط شكر وهو تحريف.
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أنَّ السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكَرَك المحروس صحبة جماعة من العرب والأتراك قاصدًا إلى الديار المصرية، ثم تحرّر خروجه منها في يوم الإثنين ثامن عشر الشهر المذكور، فدخل الديار المصرية بعد أيام
(1)
، هذا والجيش صادرون إليه، فلما تحقق دخوله مصر حَثُّوا في السَّير إلى الديار المصرية، وبعث يستحثهم أيضًا، واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدُمَ الأمراء الشاميون صحبة نائبة الأمير سيف الدين قُطُلُوبُغَا الفخري، ولهذا لم تُدقَ البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا.
شهر شوال وأوله السبت، خرج الحجيج يوم الإثنين العاشر منه، وكان الحاج في هذه السنة قليلًا، لتخوف الناس من الأعراب
(2)
.
وجاءتِ الكتبُ والأخبارُ من الديار المصرية بأن يوم الإثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة، صَعِدَ هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر، وهما لابسان السواد، والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم، فخطب الخليفة، وخلع الأشرفَ كُجُكَ، وولى هذا الناصر، وكان يومًا مشهودًا، وأظهر ولايته لطَشْتَمُر نيابة مصر، والفخري دمشق، وأَيْدُغْمُش حلب فالله أعلم
(3)
.
ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور، واستمرت إلى يوم الإثنين مستهلّ ذي القعدة، وزُيَّنت البلد يوم الأحد ثالث عشرين منه، واحتفل النَّاس بالزينة.
واشتهر في أواخر هذا الشهر أن حسن بن تمِرْتاش
(4)
ملك التتار مات في بلاد الشرق.
وجاء في أواخر هذا الشهر جراد كثير، انتشر في أطراف البلاد من ناحية الشرق، وشعث الزروع. وغير ذلك.
شهر ذي القعدة أوله الإثنين، في أوائله قدم القاضي حسام الدين الغوري قاضي الحنفية بالديار المصرية، من الديار المصرية معزولًا، فنزل قريبًا من النجيبية البرانية في ناحية القصر الأبلق وعيّن لقضاء الحنفية بمصر القاضي تاج الدين ابن العديم الذي هو قاضي حلب، وطُلب على البريد، وذلك بعد عرض المنصب على القاضي عماد الدين الطرسوسي، وهو مقيم بمصر، فأبى وامتنع، ولم يختر إلا دمشق.
(1)
النجوم الزاهرة (10/ 58).
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
النجوم (10/ 60) والبدائع (1/ 495).
(4)
ترجمته في أعيان العصر 2/ 192 - 193. وفيه وفاته في شهر رجب سنة 744 هـ، وتابعه ابن قاضي شهبة في تاريخه 2/ 381، وفي المنهل الصافي 5/ 72 وهم فجعل وفاته سنة 774 هـ.
يلووا على القاضي برهان الدين بن عبد الحق بسبب أولاده، وما كان منهم.
وقدم القاضي ناصر الدين بن العديم على البريد من حلب فدخل دمشق يوم الخميس الخامس والعشرين من الشهر.
وفي يومئذ قدم من الديار المصرية قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي سبق أصحابه مستعجلًا إلى المزة، وذهب الناس إلى تهنئة هذا وهذا، فاجتمع يومئذ بدمشق من قضاة قضاة الحنفية خمسة؛ ابن العديم، والطرسوسي، وابن عبد الحق، والغوري. وجلال الدين بن حسام الدين الرومي. منهم اثنان مباشران الطرسوسي وابن النديم والثلاثة معزولون
(1)
.
وفي يوم الخميس المذكور دخل الأمير سيف الدين آل مَلَك
(2)
أحد الرّؤوس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى.
فلما كان من الغد يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طَشْتَمُر الحمّص الأخضر مسك، فتعجب النَّاسُ من هذه الكائنة كثيرًا
(3)
فخرج مَنْ بدمشقَ من أعيان الأمراء أمير الحج وغيره وخَيَّم بوطاةِ بَرْزَةَ، وخرج إلى الحجّ أمير فأخبره بذلك وأمروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمدونه أمير الحَجّ، فأجاب إلى ذلك، وركب في الموكب يوم السبت السادس منه.
وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزَّعْقة
(4)
فرَّ في طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر، فاخترق
(5)
الطرق، وساق سوقًا حثيثًا، وجاءه الطلب من ورائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس، صحبة الأميرين: ألطَنْبُغَا المارِدَاني
(6)
، ويَلْبُغَا اليَحْيَاوي
(7)
، ففاتهما وسبق، واعترض له نائب غزّة في جُنده فلم يقدر عليه، فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه، فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير، وقتل منهم خلقًا، وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الأمير سيف الدين أَيْدُغْمُش نائب حلب راجيًا منه أن ينصره، وأن يوافقه على ما قام بنفسه، فلما وصل أكرمه وأنزلَهُ، وبات عنده، فلما أصبح قبض عليه
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله واشتهر في أواخر هذا الشهر. حتى: هنا.
(2)
في ط: الملك وهو تحريف. النجوم الزاهرة (10/ 62).
(3)
الذيل ص (227).
(4)
"الزَّعقة": مركز من مراكز البريد ما بين العريش ورفح. صبح الأعشى (14/ 378)
(5)
في ط: احترق وهو تطبيع، والمراد: اخترق صفوف آق سنقر الذي كان ينتظره هناك. النجوم (10/ 65).
(6)
من خواص الناصر وزوج ابنته، ناب في حلب بعد طُقُزدَمُر ومات فيها سنة (744) هـ. الدليل الشافي (1/ 151).
(7)
في ط: يبلغا التحناوي وهو تصحيف.
وهو: يَلْبُغَا بن عبد الله اليَحْيَاوي نائب حماة ثم حلب ثم الشام، قتل سنة (748 هـ) الدليل الشافي (2/ 793).
وقيّده وردّه على البريد إلى الديار المصرية، ومعه التّراسيم من الأمراء وغيرهم
(1)
.
ولما كان يوم الإثنين
(2)
سلخ ذي القعدة خرجَ السُّلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدًا إلى الكَرَك المحروس، ومعه أموال جزيلة، وحواصل وأشياء كثيرة، فدخلها الثلاثاء من ذي الحِجَّة وصحبتُه طَشْتَمُر في محفة ممرّضًا، يوم والفَخْرِيُّ مقيّدًا، فاعتُقِلا بالكَرَك المحروس، وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لإصلاح مهمات بالكرك، وطلب أشياء كثيرة من دمشق، فحملت إليه
(3)
.
ووصل الصاحب علم الدين بن القطب إلى دمشق المحروسة يوم الجمعة حادي عشره ناظر الدواوين بالشام، فنزل بدار الزردكاش التي كان حدّدها. وعمرها تَنْكِز رحمه الله.
وفي يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة وصل القاضيان، قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي، وشرف الدين قاضي المالكية، وذهب الناس إليهما
(4)
.
ولما كان يوم الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي
(5)
النائب بصفد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه، وخرج منها فارًا بنفسه من القبض عليه.
وذُكر أنَّ نائب غزة قصدَهُ ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورَدَ عليه من الكرك، فهرب الأحمدي بسبب ذلك، ولما وصل الخبرُ إلى دمشقَ وليس بها نائب انزعج الأمراء لذلك، واجتمعوا بدار السعادة، وضربوا في ذلك مشورة ثم جرَّدوا إلى ناحية بعلبك أميرًا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية.
فلما أصبح الصباح من يوم الإثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكُسْوة، من وراء مانع أخلاطه، فركبوا كلهم ونادى المنادي: من تأخَّر من الجند عن هذا النفير شُنِقَ، واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكُسْوة وبعثوا الرسل إليه، فذكر أعذارًا في خروجه وتخلّص منهم، وذهب يومه ذلك، وَرَجعُوا وقد كانوا ملبسين في يوم حار، وليس معهم من الأزواد ما يكفيهم سوى يومهم ذلك.
فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الأمراء في طلبه من ناحية ثنيَّة العُقاب، فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم، ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله، في طريق داريا، فأقام بها، وأَجْرَوْا عليه مرتبًا
(1)
الدرر الكامنة (1/ 426)
(2)
في النجوم الزاهرة (الأربعاء)
(3)
النجوم (10/ 566)
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: ووصل حتى هنا
(5)
مات سنة (746 هـ) الدليل الشافي (1/ 505)
كاملًا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله، ومعه مماليكه وخدمه
(1)
.
فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خَدَمِهِ على السلطان الملك الناصر وأبيه الملك المنصور.
ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم [جاء كتاب]
(2)
إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة وإلى الحاجب أُلْمَاس
(3)
بالقبض على الأحمدي، فركب الجيشُ ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه - وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع - فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية، فأما من هو مقيم بالكَرَك ويصدر عنه ما يقال عنه من الأفاعيل التي قد سارت بها الركبان، فلا، فلما بلغ الأمراء هذا توقفوا في أمره، وسكنوا، ورجعوا إلى منازلهم، ورجع هو إلى قصره
(4)
.
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك [أحمد بن]
(5)
ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون، وهو مقيم بالكَرَك، قد حاز الحواصل السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك.
ونائبه في الديار المصرية الأمير سيف الدين آقْسُنقُر السَّلاري
(6)
، الذي كان نائبًا بغزة.
وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية، سوى القاضي الحنفي
(7)
. فإنه تقدم أن حسام الدين بن الغوري عزل وولّي قضاء الحنفية عوضه القاضي زين الدين عمر البسطامي
(8)
.
وأما دمشق فليس لها نائب إلى حينئذ، غير أن الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري
(1)
الدرر الكامنة (1/ 502)، وتاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 250 - 251) نقلا عن ابن كثير.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
في ط: أَلْمَش. وهو تصحيف.
وهو ألماس بن عبد الله الناصري محمد. ولي الحجوبية الكبرى. مات قتيلًا سنة (734) هـ الدرر (1/ 410) الدليل الشافي (1/ 154).
(4)
الدرر (1/ 502)
(5)
زيادة يقتضيها السياق. الذيل ص (231)
(6)
قتل سنة (744) هـ الدليل الشافي (1/ 142)
(7)
هو قاضي القضاة زين الدين عمر بن كمال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر البسطامي. مات سنة (771) هـ. الوفيات لابن رافع (2/ 355).
(8)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
بدمشق نائب غيبته، فهو الذي يسدُّ الأمور مع الحاجب اللَّمش
(1)
، وتمر المهمندار، والأمير سيف الدين الملقب بحلاوة، ووالي البر، والأمير ناصر الدين بن بكبّاش متولي البلد، هؤلاء الذين يسدون الأشغال والأمور السلطانية، والقضاة هم الذين ذكرناهم في السنة الخالية.
وناظر الدواوين الصاحب علم الدين ابن القطب الذي كان كاتب السرفي أيام تنكز، وناظر الجيش فخر الدين بن العفيف، وعُزل وولّي فخر الدين كاتب قرطية والمحتسب وناظر الأوقاف القاضي عماد الدين الشيرازي
(2)
.
وخطيب البلد تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني، وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله.
واستهلّت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي نازل بقصر تَنْكِز بطريق داريا، وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض، وأن يُمْسَك ويُرسل إلى الكَرَك، هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم، وقتًا بعد وقت، وحينًا بعد حين، ويحملهم على ذلك أن الأحمدي لا ذنب له، ومتى أمسكه تطرّق إلى غيره، مع أن السلطان يبلغهم عنه أحوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الأراذل والأطراف ببلد الكرك قتله الفخري وطَشْتَمُر قتلًا فظيعًا، وسبيه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلي، وإخراجهم في أسوأ حال من الكَرَك، وتقريبه النصارى وحضورهم عنده. فحمل الأمراء هذه الصفات على أن بعثوا أحدهم يكشف أمره، فلم يصل إليه، ورجع هاربًا خائفًا، فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرًا، واجتمعوا بسوق الخيل مرارًا وضربوا مشورة بينهم، فاتفقوا على أن يخلعوه، فكتبوا إلى المصريين بذلك، وأعلموا نائب حلب أَيْدغمش ونواب البلاد، وبقوا متوهمين من هذه الحال كثيرًا ومترددين، ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن، وقالوا لا سمع ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية، ويجلس على سرير المملكة، وجاء كتابه إليهم يعيبهم ويعنفهم في ذلك، فلم يفد، وركب الأحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا إليه إلى القصر، فسلَّموا عليه وخدموه، وتفاقم الأمر وعَظُم الخطب، وحملوا همومًا عظيمة خوفًا من أن يذهب إلى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين، فحمل الناس همهم، فالله هو المسؤول أن يحسن العاقبة
فلما كان يوم الأحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدَّمُ البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لما بلغهم
(1)
في ط: ألمش بلام واحدة. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 410) فقد قيده الحافظ ابن حجر بالحروف فقال: بلامين، الأولى مشددة والميم ساكنة ثم معجمة، والدليل الشافي (1/ 153) مات سنة (746) هـ.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل، من قوله: وناظر الدواوين. حتى هنا.
خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان أضعاف ما حصل عند الشاميين، فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه، ولكن تردَّدوا خوفًا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدَّموا في صحبة السلطان لقتالهم، فلما اطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد، وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن المنصور، جعله الله مباركًا على المسلمين، وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور، وجاء كتابه مسلّمًا على أمراء الشام ومقدَّميه، وجاءت كتب الأمراء إلى الأمراء بالسلام والإخبار بذلك، ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحًا شديدًا، ودُقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ، ورسم بتزيين البلد، فزَيَّنَ النَّاسُ صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه.
ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خُطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
(1)
.
شهر صفر أوله السبت وفي يوم الأحد ثانيه توفي الأمير يُنجي
(2)
شادّ الدواوين، وحضر جنازته القضاة والأعيان.
وفي يوم الاثنين ثالثه رسم برفع الزينة، وهو تكميل سبعة أيام)
(3)
.
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصَّدريَّة
(4)
صاحبنا الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي إمام الجوزية، وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المُنَجَّى
(5)
الذي نزل له عنها، وجماعة من الفضلاء.
وفي يوم الأحد سادس عشره دخل الأمير سيف الدين أَلْملِك من حماة إلى دمشق ذاهبًا إلى الديار المصرية على وظيفته في المشورة، فنزل بالميدان الأخضر الكبير، فرحنا للسلام عليه فاجتمعنا به، ورأيناه رجلًا حسنًا
(6)
.
وفي هذا اليوم توفيت ست الفضل
(7)
بنت كمال الدين العطار، زوجة شيخنا الإمام برهان الدين الفزاري، وصلّي عليها ظهر هذا اليوم، ودفنت في تربة زوجها المذكور، وحضرها القضاة والأعيان
(8)
.
(1)
الدرر الكامنة (1/ 380) والنجوم الزاهرة (10/ 74 - 78) وبدائع الزهور (1/ 498).
(2)
ترجمتة في أعيان العصر 5/ 594، والدرر الكامنة 4/ 443، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 350.
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(4)
"الحنبلية": الدارس (2/ 86) وهي جنوبي قصر العظم.
(5)
هو: محرر بن أحمد بن المُنجا. مات سنة (746 هـ) الدارس (2/ 74).
(6)
الخبر في تاريخ قاضي ابن شهبة 2/ 302. نقلًا عن ابن كثير.
(7)
لم أقع لها على ترجمة.
(8)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفي يوم الإثنين سابع عشر صفر دخل الأمير سيف الدين طَقْزدَمُر
(1)
من الديار المصرية، إلى دمشق ذاهبًا إلى نيابة حلب المحروسة، فنزل بالقابون.
[وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد عبد الله
(2)
بن أبي الوليد [محمد بن أحمد] المقرئ المالكي، إمام المالكية
(3)
، هو وأخوه أبو عمرو
(4)
. بالجامع الأموي بمحراب الصحابة. توفي ببستان بقبة السحف
(5)
، وصُلِّي عليه بالمصلى، ودفن عند أبيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير، وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة، وكان رجلًا صالحًا مُجمَعًا على ديانته وجلالته رحمه الله]
(6)
.
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الأمير أَيْدَغْمُش نائبُ السَّلطنة بدمشق ودخل إليها من ناحية القابون قادمًا من حلب، وتلقاه الجيش بكماله، وعليه خلعة النيابة، واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع، وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع، وكان يومًا مشهودًا، وصلى يوم الجمعة بالمقصورة، من الجامع الأموي، من الجامع الأموي، ومعه الأمراء والقضاة، وقرئ تقليده هناك على السُّدَّة وعليه خلعته، ومعه الأمير سيف الدين مَلَكْتَمُر السَّرْجَواني
(7)
وعليه خلعة أيضًا.
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الأمير علم الدين الجاولي
(8)
دمشق المحروسة ذاهبًا إلى نيابة حماة المحروسة، وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم، وراح فنزل بالقابون، وخرج القضاة والأعيان إليه، وسمع عليه من "مسند الشافعي" فإنَّه يرويه، وله فيه عملٌ، ورتبه ترتيبًا حسنًا ورأَيْتُهُ، وشرحه أيضًا، وله أوقاف على الشافعية وغيرهم.
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصَّلاة بالشُّبَّاك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري، وصدر الدين عبد الكريم بن القاضي جلال الدين القزويني، بسبب العادلية الصغيرة، فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها، ونزل فخر الدين عن مئة وخمسين على الجامع.
(1)
في ط: تغردمر وفي الدرر الكامنة (طقزتمر) وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (10/ 80).
(2)
ترجمته في: الذيل ص (234) والوفيات لابن رافع (1/ 422) والدرر الكامنة (2/ 286) والدارس (2/ 6) والزيادة منها.
(3)
هو المعروف بابن الحاج.
(4)
يعني في إمامة المالكية لا في الوفاة. فقد توفي أبو عمرو - أحمد بن محمد بن أحمد - سنة (745) هـ الدرر الكامنة (1/ 247). وسيأتي في الوفيات منها.
(5)
بظاهر دمشق، وفي الوفيات لابن رافع: بالمزة، فلعلها من المزة.
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب.
(7)
في ط: ملكتم الرحولي. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (10/ 88) مات سنة (747) هـ.
(8)
هو: سنجر بن عبد الله. الدرر الكامنة (2/ 171).
وفي يوم الأحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر النَّاسُ عنده على العادة، وأخذ في قوله تعالى:{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65].
شهر ربيع الأول، أوّله الإثنين قدم الأمير سيف الدين قرمشي يوم الإثنين ثامنه على خبز ينجي شاد الدواوين، فنزل دار الذهب، وخرج الناس للسلام عليه، ثم انتقل إلى قريب المدينة.
وعملت المواليد بالجامع ليلة الجمعة على العادة في محراب الصحابة، ومحراب الحنفية، وغيرهما.
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين منه توفيت فاطمة بنت
(1)
…
امرأة القاضي جلال الدين القزويني، وأم بدر الخطيب، صلّى عليها ابنها الخطيب تاد الدين عبد الرحيم بالجامع الأموي صلاة العصر يومئذ، ودفنت عند زوجها وولدها بدر الدين بمقابر الصُّوفية، وحضر جنازتها القضاة والأعيان
(2)
.
وفي آخر شهر ربيع الأول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن تخرج تجريدة من دمشق بصحبة الأمير حسام الدين البَشْمَقْدَار
(3)
لحصار الكرك الذي تحصن فيه السلطان
(4)
أحمد، واستحوذ على ما عنده من الأموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر، وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات، فنُصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمي به و من نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار.
شهر ربيع الثاني أوله الثلاثاء، وفي يوم الأربعاء ثانيه قدم الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته
(5)
.
وفي يوم الخميس عاشره دخل إلى دمشق الأميران الكبيران ركن الدين بيبرس الأحمدي من طرابلس، وعلم الدين الجاولي من حماة سَحَرًا، وحضرا الموكب ووقفا مكتنفين لنائب السلطنة:: الأحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره، ونزلا ظاهر البلد، ثم بعد أيام يسيرة توجّه الأحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة، وتوجّه الجاولي إلى غَزَّة المحروسة نائبًا عليها، وكان الأمير بدر الدين مسعود بن خَطِير على إمرة الطبلخانات بدمشق.
وفي يوم الخميس رابع عشره خرجت التجريدة من دمشق سحرًا إلى مدينة الكرك بحضرة السلطان،
(1)
بياض قدر كلمة لم يتوجه في قراءته، ولم أعثر على ترجمة لها، لعلها مما انفرد ابن كثير بترجمته.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل
(3)
في ط: السمقدار وهو تحريف. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (2/ 317) وهو: طُرُنْطاي البَشْمَقْدار مات سنة (748 هـ) وقد جاوز السبعين. وفي الدليل الشافي (1/ 361): البَجْمَقْدَار.
(4)
في ط: ابن السلطان.
(5)
النجوم (10/ 82).
وصحبتهم المنجق على الجمال والعجل، ومقدم هذه التجريدة حسام الدين طَرَنْطاي البشمقدار، وصحبته
(1)
الأمير شهاب الدين بن صُبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق، وخرج الأمير سيف الدين بهادر الأوْجاقي
(2)
الملقب بحلاوة والي البر بدمشق إلى ولاية الولاة بحوران.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوَصَاةُ بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافًا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية، فتغيَّظَ
(3)
عليه النائب لأجل أولاد الجلال، لأنّهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء، وقد نهاه عن السعي في ذلك، فتقدم إليه يومئذ أن لا يُصلّي عنده في الشُّباك الكَمَالي، فنهض من هناك وصلى في الغزالية.
وفي يوم الأحد العشرين منه دخل دمشق الأمير سيف الدين أُرنبغا
(4)
زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازًا ذاهبًا إلى طرابلس نائبًا بها، في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب، وعدة، وبرك كامل.
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الأمير بدر الدين بن الخطيري معزولًا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخميس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة، ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه.
شهر جمادى الأولى وأوله الخميس، وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر منه
(5)
زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه، ثم شفي منه
(6)
.
وفي يوم الجمعة السادس عَشَر منه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي إليها حاكمًا بها
(7)
، فذهبَ النَّاسُ للسلام عليه ولتوديعه، وذلك بعدما أرجف الناس به كثيرًا، واشتهر أنَّه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الأيتام إلى أَلْطَنْبُغا وإلى الفخري، وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه، وداروا بها على المفتين فلم يكتب لهم أحد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي، رأيت خطه عليها وحده بعد الصَّلاة، وسئلتُ في الإفتاء عليها فامتنعتُ لما فيها من التشويش على الحكام، وفي أول السُّؤال مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
في ط: بهادر الشمس. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 497) وهو غير بهادر الشمسي. المتوفى سنة (718) هـ.
(3)
في ط: فتغبط.
(4)
في ط: أربعا. وأثبتنا ما في النجوم (10/ 99) وغيره.
وهو: أُرُنْبُغَا بن عبد الله الناصري. مات سنة (743) هـ.
(5)
في أوب: صفر. وهو وهم.
(6)
النجوم (10/ 81).
(7)
في ط: حاكمها وهو تحريف.
ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف، وكانوا له في نيَّةٍ عجيبة، ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية، فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد، وخرج الكُبَراء والأعيان لتوديعه، وفي خدمته
(1)
.
شهر جمادى الآخرة وأوله السبت، استهلّ والتَّجريدة عمالة إلى الكَرَك والجيش المجرَّدون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون.
ولما كان الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين أَيْدَغْمُش
(2)
نائب السلطنة بالشّام المحروس في دارٍ وحده في دار السعادة، فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحضروا الأطباء، وَخَشَوْا أن يكون اعتراه سكتة، ويقال إنه شفي فالله أعلم، فانتظروا به إلى الغد احتياطًا، فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلّي عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائز، وذهبوا به إلى نحو القبلة، ورام بعض أهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات، فلم يمكن ذلك، فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق، ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعد الظهر من يومئذ، وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه.
واشتهر في أوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكَرَك، وأنَّ أهل الكَرَك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير، وقتل من الجيش واحد وجدوا في الحصار، فنزل القاضي وجماعةٌ ومعهم شيء من الجَوْهر، وتراضَوا على أن يسلموا البلد، فلما أصبح أهلُ الحِصن تحصنوا ونصبوا المجانيق، واستعدوا، فلما كان بعد أيَّامٍ رَمَوْا منجنيق الجيش فكسروا السَّهم الذي له، وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين، وجرت أمورٌ فظيعة، فالله يحسن العاقبة.
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكَرَك وقعة أخرى، وذلك أن وذلك أن جماعة من رجال الكَرَك خرجوا إلى الجيش ورَمَوْهم بالنُّشَّاب فبرز الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم، وجُرح من العسكر خلق، وقتل واحد أو اثنان، وأُسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بَهَادرآص
(3)
وقتل من العرب ناس، وأُسر آخرون فاعتقلوا بالكرك، وجرت أمور منكرة، ثم بعدها تعرّض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها، وذلك أنهم دهمهم البرد الشديد وقلة الزاد، وحاصروا أولئك شديدًا بلا فائدة، فإن البلد يُريد
(4)
[مُدَدًا]
(5)
متطاولة ومجانيق، ويشقُّ على الجيش الإقامة هناك في كوانين، والمنجنيق الذي حملوه معهم كُسر، فرجعوا ليتأهبوا لذلك.
(1)
الدرر الكامنة (3/ 68).
(2)
ترجمته في الذيل ص (231) الدرر الكامنة (1/ 426) النجوم الزاهرة (10/ 99).
(3)
أمير طبلخاناه، تقي الدين، أحد أبناء بهادرآص الذكور الخمسة الذين خلفهم. الدارس (2/ 229).
(4)
في ط: بريد وهو غلط.
(5)
زيادة يقتضيها السّياق.
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبًا على السر عوضًا عن أخيه القاضي شهاب الدين، ومعه كتاب الاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين
(1)
، وعلى حواصل القاضي عماد الدين بن الشيرازي المحتسب، فاحتيط على أموالهما، وأخرج من في ديارهما من الحُرَم، وضُربت الأخشاب على الأبواب، ورسم على المحتسب بالعَذراوية، فسأل أن يحول إلى دار الحديث الأشرفية فحُوِّل إليها. وأما القاضي شهاب الدين، فكان قد خرج ليلتقي الأمير سيف الدين طَقْزدَمُر
(2)
الحموي، الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب، وجاء هذا الأمر وهو في أثناء الطريق، فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب، ولم يدر الناس ما ذنبهما.
شهر رجب الفرد وأوله الأحد، وفي يوم الأحد الثامن منه آخر النهار رجع قاضي القضاة تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء، ومعه تقليد بالخطابة أيضًا، وذهب الناس للتهنئة والسلام عليه
(3)
. ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين طقزدمر الحموي بعد العصر الخامس عشر منه حلب، فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون، ودعا له الناس دعاءً كثيرًا، وأحبُّوه لبغضهم النائب الذي كان قبله، وهو علاء الدين أَيْدغُمُش سامحه الله تعالى، فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الإثنين، واجتمع طائفة من العامة، وسألوه أن لا يغيّر عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم بن جلال الدين، فلم يلتفت إليهم، بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السُّبكي الخطابة ولبس الخلعة، وأكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء، وصاروا يجتمعون حلقًا حلقًا بعد الصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك، لما منع ابن الجلال، ولكن بقي هذا لم يباشر الشبكي في المحراب، واشتهر عن العوام كلام كثير، وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب، وضاق بذلك ذَرْعًا، ونُهُوا عن ذلك فلم ينتهوا، وقيل لهم ولكثير منهم: الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الأمر، ولو أُمر عليكم عبد حبشي. فلم يرعووا، فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال، ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع، وجاء نائب السلطنة إلى المقصورة والأمراء معه، وخطب ابن الجلال على العادة، وفرح الناس بذلك، وأكثروا من الكلام والهرج، ولما سلَّم عليهم الخطيب حين صعد ردُّوا عليه ردًا بليغًا، وتكلّفوا في ذلك وأظهروا بغضة القاضي السُّبكي، وتجاهروا بذلك، وأسمعوه كلامًا كثيرًا، ولما قضيت الصَّلاة قرئ تقليد النيابة على السدة، وخرج الناس فراحًا بخطيبهم، لكونه استمرَّ عليهم، واجتمعوا عليه يسلّمون ويدعون له
(4)
.
(1)
الدرر الكامنة (1/ 333).
(2)
في ط: تغردمر وهو تحريف وأثبتنا ما في النجوم (10/ 82).
(3)
الدرر (3/ 94).
(4)
الدرر الكامنة (2/ 361) والدارس (1/ 135).
شهر شعبان المبارك أوله الإثنين، وفي يوم الأربعاء ثالثه درّس القاضي برهان الدين بن عبد الحق
(1)
بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القَحْفَازي
(2)
، وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل، فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له.
وفي يوم الجمعة خامسه توفي الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد
(3)
بن [علي بن الحسن بن داود] الجَزَري أحد المُسْنِدين المكثرين الصَّالحين، مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله، وصلّي عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية.
وفي يوم الأربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الإمام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد
(4)
بن [عبد الأحد بن يوسف الآمدي المعروف بابن] الوزير
(5)
خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات، وصلّي عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور، ودفن قبلي الجامع المذكور، إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله.
شهر رمضان المعظم أوله الإثنين، واشتهر في أوائله أن مولودًا ولد له رأسان وأربع أيد، وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة، وذهب الناس للنَّظر إليه في محلَّةٍ ظاهر باب الفراديس، يقال لها: حكر الوزير
(6)
، وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر، فأحضره أبوه - واسم أبيه سعادة - وهو رجل من أهل الجبل، فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان قد اشتبكت أفخاذهما بعضها ببعض، وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهما ميتان
(7)
، فقالوا: أحدهما ذكر والآخر أنثى، وهما ميتان حال رؤيتي إليهما. وقالوا: إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين أو نحوهما، وكتب بذلك محضر بجماعة من الشهود.
وفي يوم الإثنين سابعه لبس المحتسب الجديد القادم من الديار المصرية الخلعة والطيلسان، ودار في البلد، وسعر الخبز فأرخصه عن سعره، ونادوا بذلك بين يديه، واسمه علاء الدين بن الأطروش.
(1)
هو: إبراهيم بن علي بن أحمد، الآتية ترجمته في وفيات السنة الآتية.
(2)
في ط: القفجاري، وهو تصحيف.
(3)
ترجمته في: الذيل ص (232) والوفيات لابن رافع (1/ 433) والدرر الكامنة (1/ 207) والدارس (1/ 40) وفيه: أبو العباس، والزيادة منه.
(4)
ترجمته في الذيل ص (234) والدرر الكامنة (3/ 489) والدارس (2/ 418) وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 346. والزيادة منه.
(5)
في الأصل وط: الزرير وهو تحريف.
(6)
في ط: حكي الوزير، وهو تحريف.
(7)
الذيل ص (232) للحسيني وفيه: فحكى لي شيخنا عماد الدين بن كثير وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 311 نقلا عن ابن كثير.
وفي أواخر الشهر قل الخبر جدًّا، وازدحم الناس على الأفران بسبب غلاء السعر، وإرخاص المحتسب الخبز، ومجاكرة الطحانين له، وكثرة الوارد، وانقطاع الأنهار لأجل إصلاحها.
وغلا اللحم أيضًا، حتى بيع في بعض الأيام الرطل منه بأربعة دراهم؛ وشق ذلك على الناس، حتى إن كثيرًا من الناس طبخوا بالدهن والسّمن ونحو ذلك لفقدان اللحم
(1)
.
وختم البخاري تحت قبة النسر على العادة يوم السادس والعشرين منه، بقراءة شرف الدين الواني، واجتمع قرّاء الأسباع فختموا قبل ختمه على ما جرت به العادة المتأخرة، ثم ختم أيضا بقراءة شمس الدين السروجي بالمكان المذكور صبيحة يوم الإثنين الثامن والعشرين منه اجتمع الناس كالذي قبله، ولما أنشد العلم سليمان الحوراني شاش بعض الفقراء وقام. فقام القضاة والناس، وتصارخ كثير من الناس، ووقع أمر عجيب لم يعهد مثله في المسجد الجامع، حتى إن كثيرًا من الناس أعجبه ذلك، ومن الناس من أنكره بقلبه ولسانه
(2)
.
وفي هذا اليوم احتيط على أربعة من الأمراء وهم أبناء الكامل
(3)
صلاح الدين محمد، أمير طبلخاناة، وغياث الدين محمد أمير عشرة، وعلاء الدين علي بن أيبك الطويل أمير طبلخاناة أيضًا، وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا أمير طبلخاناة أيضًا. وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك أحمد بن الناصر الذي في الكَرَك، ومكاتبته، والله أعلم بحالهم، فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب السرّ
(4)
مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير، وفُرّق بينهم في الأماكن.
شهر شوال المبارك، وأوله الخميس، اتفق مطرٌ كثير ليلة العيد، فمُنع الناس من الذهاب إلى المصلَّى، بل لم يذهب كثير من الناس إلى الجامع أيضًا لكثرة الطين والزحام، وصلى الخطيب تاج الدين بدار السعادة والقضاة
(5)
.
وخرج المحمل يوم الخميس خامس عشره، ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم، وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء.
وفي هذا الشهر نُصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الأخضر، وطول أكتافه ثمانية عشر ذراعًا، وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعًا، وخرج النَّاس للفرجة عليه، ورمى به في يوم السبت حجرًا زنته ستين
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 312 - 313). نقلًا عن ابن كثير.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
هو سنقر الأشقر الصالحي النجمي نائب دمشق. تلقب بالملك الكامل وأخذ البيعة للسلطنة في قلعة دمشق سنة (678) هـ. الدليل الشافي (1/ 327).
(4)
في ط: اليسر.
(5)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
رطلا، فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير، وذكر معلّم المجانيق أنه ليس في حصون الإسلام مثله، وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكَرَك، فقدَّر الله أنه خرج ليحاصر به الكرك، فالله يحسن العاقبة.
وفي أواخره أيضًا مُسك أربعة أمراء، وهم آقبغَا عبد الواحد الذي كان مباشرًا الاستدارية للملك الناصر الكبير، فصودر في أيَّام ابنه المنصور، وأُخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرةً غير مرضية. وذمه الناس ثم عُزل عنها وأُعطي تقدمة ألف بدمشق، وجعل رأس الميمنة، فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكَرَك، فمسك وحمل إلى القلعة، ومعه لأمير سيف الدين بلك
(1)
، وسيف الدين جقطاي الذي كان حاجبًا في أيام ألطَنْبُغا والأمير سيف الدين سلامش، وكلهم بطبلخانات، فرفعوا إلى القلعة المنصورة، فالله يحسن العاقبة.
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجددًا للقاضي شهاب الدين بن البارزي، وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وانتصر له بعض الدولة، واستخرج له المرسوم المذكور.
وفيه أيضًا أفرد قضاء القدس الشريف أيضًا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة، ثم عزل عنها وبقي مقيمًا ببلده غزة، ثم أعيد إليها مستقلًا بها في هذا الوقت.
وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين بن فضل الله من الديار المصرية ومعه توقيع بالمرتب الذي كان له أول كل شهر ألف درهم
(2)
، وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس.
شهر ذي القعدة وأوله الجمعة، وفي صبيحة مستهله خرج المنجنيق قاصدًا إلى الكَرَك على الجمال والعَجَل
(3)
، وصحبته الأمير صارم الدين إبراهيم اليوسفي
(4)
، أمير حاجب، كان في الدولة التنكزية
(5)
، وهو المقدَّم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه.
وتجهز الجيش للذهاب إلى الكَرَك، وتأهبوا أتم الجهاز، وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة.
(1)
في الأصل وط: بلو. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (9/ 86) والدليل الشافي (1/ 199).
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 333).
(3)
النجوم الزاهرة (10/ 84).
(4)
في الأصل: السّيفي وفي ط: المسبقي، وأثبتنا ما في الدارس (2/ 444).
وهو: صارم الدين إبراهيم بن سيف الدين منجك اليوسفي الناصري.
(5)
في ط: "السُّكّرية" ولا معنى لها (بشار).
وفي يوم الإثنين رابعه توفي الطواشيُّ شِبْل الدولة كافور
(1)
التَّنْكِزي
(2)
ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسه في تربته التي أنشأها قديمًا ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطَّواشي ظهير الدين الخازن
(3)
بالقلعة، كان قبيل مسجد الذُّبَّان رحمه الله.
وكان قديمًا للصاحب تقي الدين تَوْبة التكريتي
(4)
، ثم اشتراه تَنْكِز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوّضهما إقطاعًا بزيادة على ما كان بأيديهما، وذلك رغبةً في أمواله التي حصلها من أبواب السلطنة، وقد تعصّب عليه أستاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول، ثم سلم بعد ذلك، ولما مات ترك أموالًا جزيلة وأوقافًا رحمه الله.
وخرجت التجريدة يوم الأربعاء سادسه والمقدم عليها الأمير بدر الدين بن الخطير
(5)
ومعه مقدم آخر وهو الأمير علاء الدين فَرَاسُنقَر
(6)
.
[وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشَّاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فَرَجَ المُؤَذِّن بمئذنة، العروس وكان شهيرًا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند أهل البلد، وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب، وليس في القُرَّاء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته، وكان في آخر وقته على طريقة حسنة، وعمل صالح، وانقطاع عن الناس، وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله، وأكرم مثواه، وصلّي عليه بعد الظهر يومئذ، ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية]
(7)
.
وفي يوم الخميس خامس عشره طلب الأمير نجم الدين ابن الزيبق والي البر إلى دار السعادة، وحصل له ضرب وإحراق من النائب بسبب خصومة بينه وبين بعض حاشية النائب، لكنه استمر على ولايته، ثم خلع.
شهر ذي الحجة المبارك وأوّله السبت
(8)
.
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين أحمد بن بَصْخَان
(9)
شيخ القراء السَّبعة في
(1)
لعلّه ممن انفرد ابن كثير بذكره.
(2)
في ط: "السكري"، ولا معنى لها، والصواب ما أثبتناه، يدل عليه ما في الترجمة من قوله:"ثم اشتراه تنكز".
(3)
مضى ذكره في وفيات سنة (716) هـ.
(4)
توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع التكريتي. مات سنة (698) هـ الدارس (2/ 237).
(5)
هو: مسعود بن أوحد بن الخطير. تقدم ذكره.
(6)
أُخرج من القاهرة بعد وفاة أبيه في بلاد التتر إلى دمشق أمير طبلخاناة. مات سنة (748) هـ الدرر الكامنة (3/ 95).
(7)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ وب. وهو في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 318 - 319. نقلا عن ابن كثير.
(8)
ليست في أوب، وط، وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الخميس.
(9)
في ط: نصحان وهو تحريف. وأثبتنا ما في مصادر ترجمته.
البلد، الشهير بذلك، وصُلِّي عليه بالجامع بعد الظهر يومئذ، ودفن بباب الفراديس رحمه الله.
وفي يوم الأحد تاسعه وهو يوم عرفة حضر الإقراء بتربة أمّ الصَّالح عوضًا عن الشيخ بدر الدين بن بَصْخَان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي
(1)
، وحضر عنده جماعة من الفضلاء، وبعض القضاة، وكان حضوره بغتة، وكان متمرّضًا فألقى شيئًا من القراءات والإعراب عند قوله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 178].
وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدًّا وقل الخبز، وازدحم الناس على الأفران زحمة عظيمة، وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقاوة
(2)
، وبلغت الغرارة بمئة وستة وثمانين درهمًا، وتقلّص السعر جدًّا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم، وفوق ذلك بيسير، ودونه بحسب طيبه ورداءته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكثر السؤال وجاع العيال، وضعف كثير من الأسباب والأحوال، ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلًا هائلًا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة، وقد اقترب أوانه، وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التُّوت، فلولا ذلك لكان غير ذلك، ولكن لطف الله بعباده، وهو الحاكم المتصرّف الفعّال لما يريد لا إله إلا هو.
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الصالح عماد الدُّنيا والدين إسماعيل بن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي.
ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين آقْسُنقر السَّلاري
(3)
. وقضاته بها هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي.
ونائبه بدمشق الأمير سيف الدين طُقْزدَمِر الحموي، وقضاته هم المتقدم ذكرهم، وكذلك الصاحب.
(والخطيب وناظر الجامع والخزانة، وشادّ الدواوين والأوقاف والولاية، أما وكالة بيت المال مفوّضة إلى القاضي شرف الدين بن الشهاب محمود، والحسبة إلى القاضي علاء الدين بن الأطروش المصري، ونظر الأوقاف إلى القاضي شهاب الدين بن البارزي، وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله،
= ترجمته في الذيل ص (235) والوفيات لابن رافع (1/ 439 - 440) والدرر الكامنة (3/ 309) وغاية النهاية (2/ 57) وفيه: بضحان، مصحف.
وهو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بَصْخَان.
(1)
مات سنة (764) هـ. ترجمته في غاية النهاية (1/ 41 و 73) والدرر الكامنة (1/ 115) والدارس (1/ 324).
(2)
في ط: النقارة بالراء وهو تحريف.
(3)
النجوم (10/ 86) وفيه: مسك في هذه السنة في العاشر من المحرّم.
وناظر الجيش فخر الدين ابن العفيف وكتاب الدّست هم هم)
(1)
.
واستهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكَرَك محاصرون ويبالغون في أمره، والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة، وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضًا تخرج إليها.
وفي العشر الأوسط من المحرم أرخص الله أسعار المسلمين بحوله وقوته.
وكانت الغرارة تباع بأزيد من مئة وثمانين فسقطت إلى المئة وما دونها، وتناقض الشعير عن المئة بكثير، وزيد في تسعير الخبز بعده، فإنه قد بلغ الرّطل بدرهم وأقل من رطل. وهو غاية ما يكون من الرداءة سوادًا وشعيرًا وزيوانًا لا يكاد يأكله الإنسان، لكن يحمله على ذلك الجوع. فارتفع السعر حتى أبيع بعد عشرة أيام من يومئذ وهو ثالث عشر المحرم الخبز رطلين بدرهم، والصافي رطلين إلا ربع بدرهم. فالله الحمد والمنة.
وجاءت كتب الحجاج في رابع عشره، وتواترت أخبارهم بأنهم كانوا في الطلعة في غاية الأمر والطيبة والرّخص، بحيث المُشَلْشَل واللحم في بعض المنازل رطلين بدرهم، والعجوة كذلك، والسمن بدرهم وبدرهم ونصف.
ولكن حصل لهم عند وصولهم إلى المدينة النبوية خوف بسبب تشويش حصل بن أميري المدينة طفيل وودي، وقد قوي طفيل على صاحبه فأخرجه منها، وأرادَ الآخر أن يستنصر بأمير الحجاج، فخشي الناس من وقوع قتال بينهم وانزعجوا لذلك، فلم يقع والله الحمد شيء مما حذروا.
ثم ذهبوا إلى مكة في خير وسلامة، فلم يزالوا بذلك حتى كان يوم عرا فة، وقعت فتنة بين الترك والأشراف الذين بمكة، وجرت بينهم مقتلة ووقعة انكسر فيها جماعة الترك مرتين، وكل ذلك لكفّ الأشراف عن الحجيج، وهم وقوف بعرفات، ولكن حصل رعب شديد لكثير من الناس، وخشوا أن يميلوا عليهم فينهبوهم. وأولئك الأشراف لم يقصدوا شيئًا من ذلك، وإنما كان قتالهم دفعًا عن النفس لصولة بعض الأتراك؛ فإنه أراد بعضهم أن يتعرّض لحريم الأشراف وعيالهم في منازلهم؛ فحموا لذلك، وكان ما كان، ثم رجعوا إلى الشام، وكانت الرجعة في غاية الغلاء وشحط الأسعار
(2)
.
وجاءت الأخبار في هذه الأيام من الديار المصرية بالقبض على نائب السلطنة بها، هو والأمراء آقسنقر السلاري، وعلى بَيْغَرا أمير جندار، وعلى الحاجبين
(3)
، وعلى بعض الدويدارية اتهموا بالممالأة لأحمد بن السلطان الناصر الذي بالكرك، فأخذوا وأعدموا واحتيط على حواصلهم، وأبيعت بالديار المصرية
(4)
.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 315 و 353). نقلا عن ابن كثير.
(3)
هما: الأمير أولاجا وأخوه الأمير قراجا.
(4)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 352. نقلا عن ابن كثير.
وكان مسك هؤلاء على ما أضربه القاضي أمين الدين ابن القلانسي يوم الخميس رابع المحرم.
وفي ليلة الإثنين الثاني والعشرين منه وقع بيت على أهله ظاهر دمشق قريبًا من دار عاقول غربي الشامية البرانية، فماتوا أجمعين، وأصبحوا فأخرجوا جنائز أحد عشر جنازة، وصلّي عليهم بسوق الخيل، ودفنوا بمقابر الباب بصغير رحمهم الله.
وفي ليلة الخميس الخامس والعشرين منه وقع حريق هائل بالقصاعين بالقرب من مدرسة الشيخ تقي الدين بن تيمية في دار أمير طبلخاناة يقال له مغلطاي الحموي احترقت بأسرها، ولم تبعد النار إلى غيرها، وذهب له فيها أموال كثيرة. ووقعت له جارية من جواريه ثمينة، وهي أم أولاده في هذه الليلة، فماتت - رحمها الله -.
ودخل المحمل وبقية الحجاج في يوم الخميس الخامس والعشرين من المحرم، ولم يركب نائب السلطنة لمرضي حصل له.
وفي هذا اليوم خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرازي بنظر الجامع الأموي، وعزل عز الدين بن المُنجي، وعلى الأمير حسام الدين ابن النجيبي مشدًّا للأوقاف وعلى علاء الدين بن الأطروش المحتسب بنظر الأسوار خلعة كاملة بنغلة وطيلسان وركبوا في المحمل بالخلع يومئذ مع القضاة
(1)
.
شهر صفر، أوّله الأربعاء وفي يوم الخميس تاسعه دخلت التجريدة من الكَرَك إلى دمشق، واستمرت التجريدة الجديدة على الكَرَك ألفان من مصر وألفان من الشام، والمنجنيق منصوب عند الجيش خارج الكرك، والأمور متوقفة، وبرد
(2)
الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر.
وفي يوم السبت ثاني ربيع الأول توفي السيد الشَّريف عماد الدين الخَشَّاب
(3)
بالكوشك في درب الشَّيْرَجي
(4)
جوار المدرسة العزّية، وصلّي عليه ضحى بالجامع الأموي، ودفن بمقابر باب الصغير، وكان رجلًا شهمًا كثير العبادة والمحبّة للسُّنَّة وأهلها، ممَّن واظب [على]
(5)
الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به، وكان من جملة أنصاره وأعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الذي بعثه إلى صيدنايا
(6)
مع بعض القسيسين، فلوّث يده بالعُذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك، وأهانها غاية الإهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي العشر الأوسط من المحرّم.
(2)
"بَرَد": فَتَر.
(3)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 450). وفيه: الشيخ الصالح العابد عماد الدين إسماعيل بن ناهض بن أبي الوحش بن حاتم الحسيني الدمشقي.
(4)
في ط: السيرجي بالسين وهو خطأ.
(5)
زيادة يقتضيها السياق.
(6)
قرية مشهورة شمال غرب دمشق تبعد عنها حوالي 28 كم.
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال، ومشد الأوقاف ومباشرو الجامع ومعهم العمال بالفؤوس
(1)
والمعاول، يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد علي تحت تلك الصخرة التي كانت هناك، وذلك عن قول رجل جاهل، زعم أن هناك مالًا مدفونًا، فشاوروا نائب السلطنة فأمرهم بالحفر، واجتمع الناس والعامة، فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر، ثم حفروا ثانيًا وثالثًا فلم يجدوا شيئًا إلا التراب المحض، واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره، وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال، وطُم الحفير كما كان.
وفي يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب
(2)
على البريد مجتازًا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة.
وأخبر أنه صلَّى على المحدِّث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد
(3)
بن علي بن أيبك السَّرُوجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة، وكان قد أتقن طرفًا جيدًا في علم الحديث، وحفظ أسماء الرجال، وجمع وخرَّج.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره قدم القاضي تاج الدين ابن أمين الملك من الديار المصرية على نظر الدواوين بالشام، فنزل بتربة أبيه، وقصده الأعيان والأكابر للسلام عليه وتهنئته. وعزل العلم ابن القطب عنها، وولّي نظر الجيش عوض الفخر بن العفيف.
وفي يوم السبت الثالث والعشرين منه وصل الخبر بوفاة القاضي شرف الدين ابن الشهاب محمود
(4)
، وكيل بيت المال، وأحد موقعي الدَّست ببلد القدس الشريف بمدرسة التنكزته يوم الثلاثاء العشرين منه.
وذكروا أنه توفي في بيت الماء، وهو على الحاجة، وصلّي عليه بالمسجد الأقصى، ودفن بماملًا رحمه الله -.
وعمل عزاؤه بجامع دمشق عند محراب الصحابة، واحتفل الناس بذلك، وعَزّوا ولده شهاب الدين، ورسم له بمنصب أبيه في التوقيع، وخلع عليه، وذهب الناس لتهنئته بذلك
(5)
.
شهر ربيع الآخر وأوله الأحد، وفي مستهله وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفّري، وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبًا من مئة وعشرين دكانًا، ولم
(1)
في ط: العمالين بالفول وهو تحريف.
(2)
الدارس (1/ 552).
(3)
ترجمته في: الذيل ص (238) والوفيات لابن رافع (1/ 451) والنجوم الزاهرة (10/ 108) وشذرات الذهب (6/ 141)، وهو منسوب إلى سَرُوج مدينة بنواحي حران.
(4)
ترجمته في أعيان العصر 2/ 12 - 28، والدرر 1/ 464، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 369.
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره.
يُرَ حريق من مدة طويلة أكبر منه ولا أعظم، فإنا لله وإنا إليه راجعون
(1)
.
وفي يوم الخميس خامسه وقت العصر خُلع على القاضي أمين الدين ابن القاضي جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال، وجلس في الدست فوق شهاب الدين بن القيسراني، وذهب الناس لتهنئته، واحتفلوا لذلك، منصب أبيه، رحمه الله
(2)
.
وفي يوم الجمعة سادسه رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن البلد كما يذكر في مآذن الجامع ففعل ذلك.
وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السُّبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئًا من أموال الغياب التي تحت يده، فامتنع من ذلك امتناعًا كثيرًا، فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة، ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرًا، ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطاني، ووقع أمر كثير لم يُعهد مثله.
شهر جمادى الأولى أوله الإثنين، وفي يوم الأربعاء عاشره توفي صاحبنا الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد
(3)
بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، تغمده الله برحمته، وأسكنه بحبوحة جنته، مرض قريبًا من ثلاثة أشهر بقرحة وحُمَّى سل، ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال، وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر، فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
فصلي عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة، وكانت جنازته حافلة مليحة، عليها ضوء ونور، ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف بن المجد رحمهما الله تعالى، وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمئة
(4)
فلم يبلغ الأربعين، وحصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة، وكان حافظًا جيدًا لأسماء الرجال، وطرق الحديث، عارفًا بالجرح والتعديل بصيرًا بعلل الحديث حسن الفهم له، جيد المذاكرة، صحيح
(1)
الذيل ص (236).
(2)
ليست في أ وب وط.
(3)
ترجمته في الذيل ص (238) والوفيات لابن رافع (1/ 457 - 458) والدرر الكامنة (3/ 331) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 436) والشذرات (6/ 141).
(4)
في ذيل طبقات الحنابلة والشذرات مولده سنة (704) هـ.
الذهن، مستقيمًا على طريقة السلف، واتباع الكتاب والسنة، مثابرًا على فعل الخيرات.
وفي يوم الثلاثاء سلخه درّس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الإمام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي
(1)
في حلقة الثلاثاء عوضًا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله، وحضر عنده القضاة والفضلاء، وكان درسًا حسنًا، أخذ في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].
وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد.
شهر جمادى الآخرة وأوله الأربعاء، وفي يوم الخميس ثانيه خرجت التجريدة إلى الكرك [وعليها]
(2)
مقدَّمان من الأمراء، وهما الأمير شهاب الدين بن صُبح، والأمير سيف الدين قلاوون، في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة.
وفي يوم الجمعة ثالثه بعد الصلاة صُلّي على الشيخ فخر الدين عثمان ابن الأمير صفي الدين ابن الشيخ فخر الدين ابن الشيخ صفي الدين البصراوي الحنفي
(3)
. مدرّس الحنفية ببصرى، بمدرسته الأمينية والحكيمية، وكان شابًا حسنًا، لم يبلغ الأربعين، وحضر جنازته القضاة والأعيان ودفن بالصالحية، ثم قدم والده صفي الدين فاستنجز مرسومًا بأن تكون المدارس التي كانت بيد ولده باسم ولده وولد ولده المتوفى إلى رحمة الله تعالى
(4)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن
(5)
الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض، شُهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره، وأنَّه رافضي جَلْدٌ، فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما، وقذفه أمي المؤمنين عائشةَ وحَفْصَة رضي الله عنهما، وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد، وإنما كان مرسلًا إلى علي، وغير ذلك من الأقوال الباطلة القبيحة قبحه الله، وقد فعل.
وكان والده الشيخ محمد بن أبي بكر السكاكيني
(6)
يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدًا، وكانت له أسئلة على مذهب أهل الخير، ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن
(1)
هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي. مات سنة (771) هـ الدرر الكامنة (1/ 121) والدارس (2/ 102).
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 390. نقلا عن ابن كثير.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الجمعة ثالثه.
(5)
ترجمته في: الدرر الكامنة (2/ 34) والشذرات (6/ 140) وفيهما: حسن بن الشيخ محمد أبي بكر السكاكيني.
(6)
سبق ذكره في وفيات سنة (721) هـ.
تيمية رحمه الله، وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني ما مات حتى رجع عن مذهبه، وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم. وأخبرت أنَّ ولده حسنًا هذا القبيح كان قد أراد قتل أبيه لما أظهر السنة.
شهر رجب الفرد أوله الخميس في صبيحة مستهلة لبس القاضي علاء الدين بن شمريوخ خلعة قدمت معه من مصدر صحبة توقيعه بوكالة بيت المال، وتوقيع بالدست، وجاء القضاة والأعيان للسلام عليه والتهنئة
(1)
.
وفي ليلة الإثنين خامس شهر رجب وصلَ بَدَنُ الأمير سيف الدين تَنكِز نائب الشام إلى تربته التي إلى جانب جامعه الذي أنشأه ظاهر باب النَّصر بدمشق، نُقل من الإسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر، بشفاعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح، فأذن في ذلك، وأرادوا أن يُدفن بمدرسته بالقدس الشريف، فلم يمكن، فجيء به إلى تربته بدمشق، وعُملت له الختم وحضر القضاة والأعيان، رحمه الله
(2)
.
[وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الأمير صلاح الدين يوسف التكريتي
(3)
ابن أخي الصاحب تقي الدين
(4)
توبة الوزير، بمنزله بالقصاعين، وكان شابًا من أبناء الأربعين، ذا ذكاء وفطنة وكلام، وبصيرة جيدة، وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، ولأصحابه خصوصًا، ولكل من يراه من أهل العلم عمومًا، وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين، ودفن بتربتهم
(5)
بسفح قاسيون رحمه الله]
(6)
شهر شعبان المبارك أوّله السبت في يوم الأربعاء ثاني عشره قدم الأمير سيف ابن فضل ملك العرب من الديار المصرية، وقد ولّي أمر العرب، فنزل بمشهد عثمان من الجامع، فأقام أيامًا. بلغه أن بني مهنا الذين قطعت أخبارهم بسببه قد أغاروا على بني عمهم آل علي الذين أقطعوا أخبار بني مهنا بسفارته؛ فنهض مسرعًا إليهم
(7)
.
وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق، لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة، ثم تواترت الأخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئًا كثيرًا من العمران حتى سقط بعض الأبراج بقلعة حلب، وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها، وأما في القلاع حولها فكثير جدًّا،
(1)
ليست في أوب، وط، وهي من الأصل.
(2)
الذيل ص (235) وفوات الوفيات (1/ 258) وفيه شعر طريف للصلاح الصفدي بهذه المناسبة.
(3)
لعله ممن انفرد ابن كثير بذكره.
(4)
في ط: ابن توبة، وهو غلط. وهو: توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع التكريتي. مرّ ذكره عما قريب.
(5)
التربة التكريتية، بسوق الصالحية بسفح قاسيون. الدارس (2/ 237).
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب.
(7)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وذكروا أن مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل، وأن عامة الساكنين بها هلكوا تحت الرَّدم رحمهم الله
(1)
.
شهر رمضان المعظم أوله الأحد، استهل بأمطار وثلوج عظيمة جدًّا واستمر متداركًا إلى بعد العشر.
وفي يوم الإثنين تاسعه طلب القاضي نور الدين بن الصائغ الذي كان قاضي العساكر إلى دار السعادة، وجلس بين يدي نائب السلطنة طقزتمِر وأخبره من السلطان بولايته إياه قضاء القضاة بحلب، فقبل ذلك بعد تمنع ونزاع. وقد بعث له تقليد القضاء من الديار المصرية، ومعه خلعة وبغلة من هناك وإطلاق مئة دينار من دمشق لجهاز مسفره، ورواتب في طريقه، وكان كل ذلك بإشارة نائب السلطنة بمصر الحاج ألملك. فذهب الناس للسلام عليه وتهنئته، وكان كثير من الناس قد هنؤوه قبل ذلك
(2)
.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره درّس بالدماغية عوضًا عن القاضي نور الدين المذكور القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي، استنجز بها مرسومًا لولده المذكور، وحضر عنده القضاة والأعيان والفضلاء ولم يحضر والده، وأخذ في قوله تعالى:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] وتوجّه القاضي نور الدين ابن الصائغ يوم الخميس تاسع عشره إلى حلب، وصحبته ولده تقي الدين عبد الله، وابن أخيه الشيخ ناصر الدين بن فخر الدين مدرس العمادية.
وتوفي الشيخ كمال الدين ابن القاضي محي الدين بن الزكي
(3)
يوم الأربعاء ثامن عشره، ودفن بتربتهم بقاسيون. ودرّس القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالمدرسة التقوية عوضًا عن كمال الدين بن الزكي الدارج يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه، وحضر عنده القضاة والفضلاء. وأخذ في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر: 1] وهو في أول سن التكليف.
وقدم الصاحب مكين الدين بن قروينة من الديار المصرية يوم الجمعة السابع والعشرين على نظر الدواوين بدمشق عوضًا عن تاج الدين بن أمين الملك، وصرف هذا إلى طرابلس.
شهر شوال المبارك أوّله الإثنين في يوم مستهله أو ثانيه قدم القاضي شمس الدين موسى بن إسحاق القبطي إلى دمشق ذاهبًا إلى حلب على نظر الدواوين بها.
وخرج المحمل والحجاج يوم الخميس الحادي عشر منه، وحجّ من الأعيان؛ القاضي فخر الدين المصري والقاضي علاء الدين بن الغر نائب الحنفي، والقاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطَّرسوسي. وحج من أهل حماة قاضيها الشافعي بن البارزي.
(1)
الذيل ص (235) وإعلام النبلاء (2/ 407).
(2)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 361).
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 388 - 389).
وفي يوم الجمعة ثاني عشره جاء ناءب السلطنة من دار السعادة إلى الصلاة، وقد أُغلقت الدكاكين في طريقه، وطرد الناس عنها تخوّفًا عليه من الغاوية لتوهمهم من ذلك
(1)
.
وفي أواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكَرَك وهما أميران مقدَّمان الأمير علاء الدين قَرَاسُنقُر، والأمير الحاج بَيْدَمُر، واشتهر في هذه الأيام أن أمرَ الكَرَك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الأرزاق عندهم جدًّا، ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه، فَسُيّروا من الصُّبح إلى قلاوون وصحبتهم مقدَّمون من الحلقة إلى الديار المصرية، وأخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدًّا فالله المسؤول أن يُحسن العاقبة.
شهر ذي القعدة، أوّله الأربعاء، في يوم سادسه خُلعَ على الأمير سيف الدين بن الكزلري بولاية المدينة عوضًا عن ابن مكانس
(2)
وفي ليلة السبت الثامن عشر منه توفي القاضي تقي الدين أبو الفتح السبكي
(3)
بين العشاءين وصلّي عليه صبيحة يوم السبت بالجامع المظفري، ودفن بسفح قاسيون، وحضر جنازته القضاة وكثير من الأعيان، وتألّم عليه قاضي القضاة تقي الدين السبكي ابن عم والده كثيرًا، لأنه كان رباه من صغره، وأشغله، وزوجه ابنته، وله منها بنتان وصبي، وكان قد ساعده في توليه جهات من البلد، منها تدريس الركنية، وتدريس حلقة صاحب حمص بالجامع. وكان محببًا، حسن المجالسة، طيب، وله فنون أخرى كثيرة رحمه الله.
وفي آخر هذا الشهر جرت وقعة بين نائب حلب وهو سيف الدين يلبغا اليحياوي وبين تلغادر، التركماني، فانكف جيش حلب، وشلح أبوه وأخوه، وقتل من الجيش الحلبي قريب المئة، وقيل: أربعمئة. واستظهر عليهم التركمان.
وفي هذا الشهر أيضًا توفي بعض مشايخ الأحمدية
(4)
ودفن بمقبرة الصوفية، وحضر جنازته القضاة والأعيان، ونائب السلطنة، وتواجد عليه فقراؤهم ومولّهوهم، وحلقوا رؤوسهم، وعملوا السماعات على قبره، وهذا من المنكرات التي دأب ولي الأمر على إزالتها.
شهر ذي الحجة، أوّله الخميس
(5)
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين منه توفي القاضي الإمام العلامة برهان الدين
(6)
بن عبد الحق، شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة، بعد
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: شهر رمضان المعظم.
(2)
في الأصل: بكتاش. تحريف والصواب: ناصر الدين بن مكانس انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 363.
(3)
هو: محمد بن عبد اللطيف ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 396 - 399.
(4)
لم أدر من هو ولم أهتد إلى ترجمة له.
(5)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: شهر ذي القعدة
(6)
ترجمته في: الذيل ص (237) والوفيات لابن رافع (1/ 478) والدرر الكامنة (1/ 46) والنجوم الزاهرة (10/ 104).
وهو: برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف الحنفي سبط ابن عبد الحق.
ابن الحريري، ثم عُزل وأقام بدمشقَ ودرّس في أيام طُقُزْدَمُر بالعذراوية لولده القاضي أمين الدين، فذكر بها الدرس يوم الأحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام، وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الأَرْزة بطريق الصالحية، ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ أبي عمر رحمه الله، وصُلِّيَ عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازته القضاة والأعيان والأكابر رحمه الله.
وفي يوم الخميس التاسع والعشرين منه حكم القاضي جمال الدين المسلاتي المالكي نيابة عن قاضي القضاة شرف الدين المالكي عوضًا عن شمس الدين القفصي؛ نقموا عليه أشياء
(1)
.
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمئة
استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح إسماعيل
(2)
بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.
وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة، ونائبه بمصر الحاج آل ملك
(3)
ووزيره المتقدم ذكره، وناظر الخاص القاضي مكين الدين، وناظر الجيوش القاضي علم الدين بن القطب، والمحتسب المتقدّم، وشاد الدواوين علم الدين الناصري، وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي، ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شمريوخ، وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب، وبقية المباشرين والنظار هم المتقدم ذكرهم، وكاتب الدست القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر، والقاضي أمين الدين بن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني، والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود، والقاضي علاء الدين شرنوخ.
شهر المحرم أوله السبت، استهل والحصار واقع بقلعة الكَرَك، وأما البلد فقد
(4)
استنيب فيه الأمير سيف الدين قبلاي
(5)
قدم إليها من الديار المصرية، والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة، والناصر أحمد بن الناصر ممتنع من التسليم، ومن الإجابة إلى الإنابة. ومن الدخول في طاعة أخيه، وقد تفاقمت الأمور وطالت الحروب، وقتل خلق كثير بسبب ذلك، من الجيوش ومن أهل
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
في ط: ابن إسماعيل وهو توهم.
(3)
في أ وط: سيف الدين.
(4)
في الأصل وط: فأخذوا
(5)
في الأصل وط: قبلية وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (3/ 243) والذيل التام على تاريخ دول الإسلام للسخاوي (1/ 146) وفيه: قبلاي الناصري، ذكره في وفيات سنة (756) هـ.
الكَرَك، وقد توجّهت القضية إلى خير إن شاء الله
(1)
.
وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة الكَرَك الأمير سيف الدين
(2)
أبو بكر بن بهادر آص الذي كان أسر في أوائل حصار الكَرَك، هو وجماعة من مماليك الناصر أحمد، كان اتهمهم بقتل الشُّهَيْب أحمد، الذي كان يعتني به ويحبُّه، واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده، وجُهِّز إلى الديار المصرية معظَّمًا، هذا والمجانيق الثلاثة مُسلَّطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلًا ونهارًا، وتدمر في بنائها من داخل، فإنَّ سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية، ثم ذكر أنّ الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرةٌ ولا شيء مما يستعينون به على المقام فيها، فالله المسؤول أن يحسن العاقبة.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره درّس بالخانونية البرّانية الشيخ فخر الدين بن السراج الحنفي الرومي، بعد وفاة القاضي برهان الدين ابن عبد الحق
(3)
رحمه الله وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة، وأُخذ م منه تدريس الزنجيلية بمحلة المنيبعة للشيخ شمس الدين الكاشغري.
وفي يوم الخميس ثالث عشره ولّي فيها القاضي أمين الدين بن القلانسي وكالة بيت المال عوضًا عن علاء الدين بن شمريوخ وذهب الناس للسلام عليه والتهنئة.
وقدمت كتب الحجاج صبيحة يوم الجمعة رابع عشره وفيها أمور عظيمة مما لقَوْا من الغلاء وقلّة الظهر، وما حصل لهم في الرّجعة من هلاك كثير من الناس والجمال وغير ذلك، ولا سيما ليلة وادي العظامي.
قرأت في كتاب: أنه هلك به ليلتئذٍ نحو من ألفي نفس، وأبيع في الرجعة كيل الشعير بأزيد من خمسين درهما، وبلغت الشربة بوادي العظامي دينارين مصريين وقيل مئة درهم، وفي يوم الأحد سادس عشره قدم خلق من الحجاج من التركمان صحبة القاضي فخر الدين المصري والشيخ عمر بن جامع، وجماعة من أهل البلد. وذكروا أنهم لم يلقوا شيئًا مما ذكر الحجاج في كتبهم من الغلاء وقلّة الماء
(4)
.
وفي يوم الجمعة الحادي والعشرين منه بعد الصلاة حكم بالعادلية القاضي جمال الدين حسن ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي نيابة عن أبيه عوضًا عن تقي الدين أبي الفتح رحمه الله، وحضر عنده القاضيان المالكي والحنبلي، وجماعة من الفقهاء والأعيان.
شهر صفر المبارك أوّله الأحد، في ليلة الثلاثاء ثالثه وقع حريق كبير بدار السعادة احترقت منه الطارمة
(5)
التي بناها تنكز المشرفة على باب النصر المطلة على الخندق، وكانت هائلة جدًّا.
(1)
النجوم الزاهرة (10/ 91) وفيه: وهي التجريدة الثامنة.
(2)
في الدارس (2/ 229): تقي الدين
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 366.
(4)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 406، نقلا عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه.
(5)
قرب القلعة بدمشق، ذكرها ابن قاضي شهبة نقلا ابن كثير.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن عشره درّس القاضي بهاء الدين أبو البقاء ابن عم قاضي القضاة تقي الدين الشافعي ونائبه بحلقة صاحب حمص بالجامع الأموي، عوضًا عن ابن عمه القاضي تقي الدين أبي الفتح - رحمه الله وذكر شيئًا في فضل:(البَسْمَلَة) ثم أسند حديث يحيى بن معمر عن ابن عمر في القدر من طريق مسلم
(1)
، وتكلّم على رجاله، منه إلى الصحابي، وكنت فيمن حضر عنده.
وفي صبيحة يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه حكم القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي نيابة عن والده بالمدرسة النورية، وحضر عندهم القاضي الشافعي وبنوه وذووه)
(2)
.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعًا من الكَرَك، فأخبر بفتح القلعة، وأن بابها أُحرق، وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان، وخرج أحمد مقيدًا وسير على البريد إلى الديار المصرية، وذلك يوم الإثنين بعد الظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر
(3)
، ولله عاقبة الأمور.
وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الأول دقت البشائر بالقلعة، وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سُرورًا بفتح البلد، واجتماع الكلمة عليه، واستمرَّت الزينة إلى يوم الإثنين سابعه، فرسم برفعها بعد الظهر، فتشوش كثير من العوام، وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده، وليس لذلك حقيقة، ودخلت الأطلاب من الكَرَك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الأول بالطبلخانات والجيوش.
واشتهر إعدام أحمد بن الناصر
(4)
.
شهر ربيع الأول أوّله الثلاثاء، وفي يوم الجمعة حادي عشره صُلّي بالجامع الأموي على الشيخ أثير
(5)
الدين أبي حيان النحوي، شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة، وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر
(6)
.
(1)
قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلُّ شيء بقدر، حتى العجز والكَيْس، أو الكَيْس والعجز".
رواه مسلم في صحيحه في القدر رقم (2655) باب: كل شيء بقدر من حديث ابن عمر.
والكيس: ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الأربعاء ثاني عشره.
(3)
النجوم الزاهرة (10/ 92).
(4)
ترجمته في الذيل ص (242) والدرر الكامنة (1/ 294) والنجوم الزاهرة (10/ 93) والذيل التام للسخاوي (1/ 65).
(5)
في ط: أمين الدين وهو تحريف. وهو: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي.
ترجمته في الذيل ص (243) والوفيات لابن رافع (1/ 482) والدرر الكامنة (4/ 302) وفوات الوفيات (4/ 71) وبغية الوعاة (1/ 280) والذيل التام للسخاوي (1/ 68 - 70).
(6)
في الثامن والعشرين من صفر.
ثم اشتهر في ربيع الآخر قَتْلُ السُّلطان أحمد، وحَزُّ رأسه، قيل: وقطع يديه، ودَفْنُ جثته بالكَرَك، وحَمْلُ رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل، وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح النَّاسُ بذلك.
ودخل الشيخ أحمد الزُّرَعي
(1)
على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة، من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكتاش، وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك، فأجابه إلى جميع ذلك، وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضعة وثلاثين مرسومًا.
فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح، فأمضيت كلها، أو كثير منها، وأفرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل، والأمير سيف الدين بلك
(2)
في يوم الخميس سلخ هذا الشهر، ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها.
وفي هذا الشهر عُملت منارة خارج باب الفرج، وفتحت مدرسة كانت دارًا قديمة، فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدًا، وعملت طَهَارة عامة، ومصلى للناس، وكل ذلك منسوب إلى الأمير سيف الدين طُقْتَمُر
(3)
الخليلي أمير حاجب كان، وهو الذي جدَّد الدار المعروفة به اليوم بالقصَّاعين.
وعمر في هذا الشهر ربع قبلي باب الجابية مما يلي تربة بهادرآص عملت أساساته في الخندق، وأسفله دكاكين، وأعاليه طباق، وذلك من إنشاء نائب السلطنة طُقُزتَمِر.
وفي هذا الشهر والذي قبله القتال والعشير قائم بجبل البقاع، والحرب بين الدرزية وأهل البقاع.
وأظهر الدرزية اعتقادهم - لعنهم الله - وأحضر إلي كتب من كتبهم ممّا نهبها أعداؤهم، فرأيت فيها عظائم وكفرًا بواحًا، وإفكًا صراحًا - لعنهم الله -.
والذي تقتضيه الأدلة قتالهم وقتلهم، وعدم قبول توبتهم لردّتهم وزندقتهم.
هذا كله والأمير شهاب الدين بن صبح مجرّد في تقدمته لقتالهم، وتسكين الحرب عنهم - لا سلّمهم الله -.
شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة في صبيحة ثامنه رفع الأمير أحمد بن مهنا إلى القلعة مضيقًا عليه، وكان قد قدم من البرية ومعه قوَدٌ وهدايا، وذلك بعدما حلفوا له وأمنوه، فلما حُجز استنكر كثير من الناس ذلك. ووقعت خبطةً في التجار الذين كانوا قد برزوا إلى القابون، فيقال: إن كثيرًا منهم رجع.
(1)
هو: أحمد بن موسى الزُّرَعي الشيخ الصالح مات سنة (761) هـ الدرر الكامنة (1/ 324).
(2)
في ط: بلو وهو تحريف، وهو بلك الجمدار الناصري. الدليل الشافي (1/ 199).
(3)
في ط: تقطم وهو تحريف. وهو طُقْتَمُر الخليلي صاحب المدرسة الخليلية بدمشق. الذيل ص (251). وسيأتي في وفيات سنة (746) هـ.
وفي يوم الاثنين حادي عشر خرجت أطلابٌ مجرّدة إلى نحو تدمر، وأطلاب أُخر إلى البقاع والأمور صعبة بالنسبة إلى مداراة الأعراب، وما في الجبل من الحروب والعشران.
وخسف القمر في ليلة الرابع عشر من هذا الشهر، وصُلّي بالجامع وقت السّحر صلاة الخسوف. صلى بالناس نائب الخطابة، وخطب بعد الصلاة ونزل، وصلّى الناس عن سنة الفجر؛ وأقيمت الصلاة للفجر.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين منه طلعت الشمس كاسفةٌ، فنُودي بالمنابر بعد ساعة جيدة، بعد أن كادت أن يعمّها الكسوف ثم لطف الله بالحال.
وفي ليلة سلخ هلال الشهر أو مستهلّ الذي يليه هجم جماعة من الجبلين على مدينة الزبداني وما حولها من القرى، وقتلوا جماعة من أهاليها، وحرقوا طائفة من بيوتها، حتى قيل: إنّهم هموا بإحراق الجامع الذي بالزبداني. وفرّ كثيرٌ من أهلها تحت الليل، فما أصبح لهم الصباح إلّا بالصالحية.
وخرجت أطلاب الأمراء في الليل، ومعهم الطبلخانات وآلات الحرب قاصدين الزبداني
(1)
.
وفي ليلة الإثنين عاشر جُمادى الآخرة توفي صاحبُنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجَعْبَري
(2)
زوج بنت ابن الشيخ جمال الدين المِزّي، والد شرف الدين عبد الله، وجمال الدين إبراهيم وغيرهم، وكان فقيهًا بالمدارس، وشاهدًا تحت السَّاعات وغيرها، وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية، وله نظمٌ مستحسن، انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل، وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ، وحدَّثني وضاحكني، وكان خفيف الرُّوح رحمه رحمه الله، ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله، وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يُسْخط الله عز وجل، وأنَّه عازم على ترك الشهود أيضًا رحمه الله، صُلِّي عليه ظهر يوم الإثنين، ودُفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله.
وفي يوم الجمعة ثاني عشري شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تَنْكِز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القَحْفَازي
(3)
له عن ذلك، وأيضًا نائب السلطنة الأمير سيف الدين طُقُزْدَمِر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
(4)
.
وفي يوم الجمعة تاسع عشري رجب توفي القاضي الإمام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد بن
(5)
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وعمّر في هذا الشهر ربعٌ.
(2)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 490) وفيه وفاته: ليلة الإثنين سادس عشر جمادى، والدرر الكامنة (3/ 449) وفيه: محمد بن سليمان بن عبد الله بن سليمان الجعفري، وفي الهامش الجعبري.
(3)
في ط: القفجاري وهو تحريف. وسيأتي عما قريب.
(4)
الدارس (1/ 548).
(5)
ترجمته في الذيل ص (244) وفيه: أبو المفاخر، والوفيات لابن رافع (1/ 492) وفيه: أبو العباس، والدرر الكامنة (1/ 117) والفوائد البهية ص (16 - 17) والذيل التام للسخاوي (1/ 70) وفيه: أبو المفاخر.
قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي، وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق، وحضره القضاة والأعيان، ودفن بالمدرسة
(1)
التي أنشأها إلى جانب الزُّرَدْكَاش قريبًا من الخاتونية الجوانية، وكان قد وَلِيَ قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية، وكان مولده سنة إحدى وخمسين وستمئة، وقدم الشام مع أبيه، فأقاموا بها، ثم لما وَلِيَ الملك المنصور لاجين ولَّى أباه قضاء الديار المصرية، وولده هذا قضاء الشام، ثم إنه عزل بعد ذلك واستمرَّ على ثلاث مدارس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صَمَمٌ في آخر عمره، وكان ممتعًا بحواسه سواه وقواه، وكان يذاكر في العلم وغير ذلك.
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفّي الشيخ نجم الدين علي بن
(2)
داود القَحْفازي
(3)
خطيب جامع تَنْكِز، ومدرِّس الظاهرية، وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي، وصلِّيَ عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ، وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده، وحضره القضاة والأعيان، وكان أستاذًا في النَّحو وله علوم أخر، لكن كان نهايةً في النحو والتَّصريف.
[وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله
(4)
الضرير الزُّرَعي، وصُلّيَ عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية، ودفن بها قريبًا من الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها، كثير العبادة، يُقرئُ الناس من دهر طويل، ويقوم بهم العشر الأخير من رمضانَ، في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله]
(5)
.
شهر شعبان المبارك، أوّله الأربعاء، في يوم الخميس ثانيه ذكر الدّرس بالمدرسة الجلالية التي أنشأها القاضي جلال الدّين ابن القاضي حسام الدين الرازي المتقدّم ذكره. درّس بالفقه الفاضل رضيّ الدين ابن الرضيّ، وحضر القضاة.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامنه حضر القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطّرسوسي قاضي الحنفية والده، وهو نائبه تدريس الخاتونية الجوّانية عوضًا عن القاضي جلال الدين بن حسام الدين. وفي صبيحة يوم الأحد السابع عشر منه حضر الدّرس بالرّيحانيّة قاضي القضاة عماد الدين
(1)
هي المدرسة الجلالية. الذيل التام (1/ 71) وهي مدرسة للحنفية ذكرها النعيمي في الدارس (1/ 517).
(2)
ترجمته في: الذيل ص (245) والوفيات لابن رافع (1/ 493) وفيه وفاته في رابع عشري رجب وفوات الوفيات (3/ 23) وفيه وفاته سنة (744) هـ والذيل التام للسخاوي (1/ 71) وبغية الوعاة (2/ 166) وفيه وفاته في رجب.
(3)
هذه النسبة وردت في الذيل بفتح القاف، وفي الوفيات لابن رافع بكسر القاف وفي بغية الوعَاة: بضم القاف. والقَحْفَرَة: سُرعة نقل القدم. التاج (قَحْفَزَ).
(4)
لم أقع على ترجمة له. لعله مما انفرد ابن كثير بترجمته.
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
الطرسوسي الحنفي عوضًا عن القاضي جمال الدين بن حسام الدين المتوفّى، وحضر عنده القضاة، وحضر عنده قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي، ولم يك حضر أول درس يومئذ منذ قدم دمشق إلّا هذا.
وفي يوم الأربعاء الثاني والعشرين منه حضر القاضي شهاب الدين العَيْنتابي الحنفي قاضي العسكر بالمدرسة الشبليّة
(1)
من السّفح عوضًا عن القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي، بحكم نزوله عنها، وتوليته الخاتونية المتقدّم ذكرها.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه حضر الشيخ فخر الدين ابن الفصيح البغدادي درسَ الخاتونية بالقصاعين عوضًا عن القاضي حلال الدين بحكم وفاته المتقدّم ذكرها.
وفي يوم الأحد السادس والعشرين منه حضر الشيخ ناصر الدين ابن الرّبوة تدريس المقدّمية داخل باب الفراديس عوضًا عن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي بحكم تركه إياها؛ لتوليته الريحانية
(2)
.
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظَّم توفي الشيخ الإمام العالم العامل العابد الزّاهد الورع
أبو عمر [أحمد]
(3)
بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصَّحابة الذي للمالكية، وصُلِّيَ عليه بعد الصلاة، وحضر جنازته خلق كثير، وجم غفير، وتأسَّف النَّاسُ عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة، ودفن إلى جانب قبر أبيه وأخيه، إلى جانب قبر أبي الحجاج الفَنْدلاوي
(4)
المالكي قريبًا من مسجد النارنج
(5)
رحمه الله، وولِّي مكانه في المحراب ولده، وهو طفل صغير، فاستنيب له إلى حين صلاحيته، جبره الله ورحم أباه.
وفي يوم الإثنين خامسه درّس القاضي علاء الدين بن الأطرش ناظر الحسبة بالمدرسة الخاتونية الجوانية، مكان القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطّرسوسي بمرسوم شريف قدِم صحبةَ البريد وخلعة. فشقّ ذلك على نائب السلطنة، وشقّ على القاضي الحنفي بسبب ولده، وساعده القاضي الشافعي وأرادوا عقد مجلس لبيان أنّه لا يصلح لذلك، فلم يتهيّأ ذلك فلبس الخلعة ودرس بها في هذا اليوم، وحضر عنده المالكي والحنبلي وجماعةٌ من الأمراء المقدّمين وغيرهم. وقليل من الفقهاء، وخرج
(1)
يعني الشبلية البرانية.
(2)
ليست في أ وب وط. وفي الأصل. من قوله: شهر شعبان المبارك أوله.
(3)
ترجمته في الذيل ص (246) والوفيات لابن رافع (1/ 497) والدرر الكامنة (1/ 247) والدارس (2/ 6) والذيل التام للسخاوي (1/ 71).
والزيادة من مصادر ترجمته.
(4)
في ط: الغندلاوي بالغين. وأثبتنا ما في الدارس (2/ 11) وهو أبو الحجاج يوسف بن دوناس بن عيسى (تاريخ الإسلام 11/ 841) ووفاته سنة (543) هـ.
(5)
في ط: التاريخ وهو تصحيف.
من هنالك ودار الأسواق، وأوقدت له الشموع، ونثروا عليه الدراهم، ويقال: إن بعضهم نثر دنانير، وتمَّ يوم هائل
(1)
.
وفي صبيحة ليلة الثُّلاثاء سادس رمضانَ وقع ثلجٌ عظيم لم يُرَ مثله بدمشق من مدة طويلة، وكان الناس محتاجين إلى مطر، فلله الحمد والمنة، وتكاثف الثلج على الأسطحة، وتراكم حتى أعيى النَّاس أمره ونقلوه عن الأسطحة إلى الأزقَّة بحمل
(2)
، ثم نُودي بالأمر بإزالته من الطرقات فإنّه سَدَّها وتعطَّلت معايشُ كثير من النَّاس، فعوَّض الله الضُّعفاء بعملهم في الثلج، ولحق الناس كلفة كبيرة وغرامة كثيرة، فإنا الله وإنا إليه راجعون
(3)
.
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صُلِّيَ بالجامع الأموي على غائب
(4)
وهو وهو الأمير علم الدين
(5)
الجاولي، وقد تقدَّم شيء من ترجمته رحمه الله.
شهر شوال أوّله السبت، وفي أوّله يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم، بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلَّى، ولا خرج نائب السلطنة، بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة، وحضر الخطيب فصلَّى بهم العيد بها، وكثير من الناس صَلَّوا العيد في البيوت.
وخرج المحمل والحجيج في يوم الخميس ثالث عشره، وركب القضاة على العادة، ولم يركب نائب السلطنة لمرضٍ عرض له، وكان أمير الرّكب شهاب الدين ابن صبح أحد مقدمي الألوف.
وحجّ هذه السنة سيف الدين طَقْتَمِر الخليلي أمير طبلحاناة.
وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه ركب القاضي تقي الدين ابن مراجل على خيل البريد مطلوبًا إلى الديار المصرية، ليُولَّى نظر الدواوين بدمشق، وذهب الناس لتهنئته سلفًا.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه ركب ابن الأطروش ناظر الحسبة على البريد مطلوبًا إلى الديار المصرية أيضًا، وخرج معه إلى ظاهر البلد خلق من القضاة وغيرهم.
شهر ذي القعدة وأوله الإثنين، في يوم الأربعاء ثالثه درّس بالظاهرية الجوانية القاضي علاء الدين بن العز الحنفي بتوقيع شريف، وتوليةِ الناظر الشرعي بمصر، وعزل عنها القاضي عماد الدين
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
في ط: يحمل بالياء، وأثبتنا ما في الذيل التام (1/ 69).
(3)
الذيل للحسيني ص (243) والذيل التام للسخاوي (1/ 69)
(4)
في ط: نائب وهو تحريف.
(5)
في ط: علاء الدين وهو تحريف.
وترجمته في الوفيات لابن رافع (1/ 489) والدرر الكامنة (2/ 170) والذيل التام (1/ 72) وهو: أبو سعيد سَنْجَر الجاولي، نسبة لجاول أمير في سلطنة الظاهر بيبرس.
إسماعيل بن العز. وأبطل ما كان نزل له الشيخ نجم الدين القحفازي، ورجع نائب السلطنة عن توليته إياها، وحضر عنده القضاة.
وتوفّي صبيحة يوم الجمعة ثاني عشرة الشيخ الإمام العلامة بقية السّلف شيخ الشافعية شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم، المشهور بابن النقيب
(1)
بمدرسته الشامية البرانية بعد مرض يزيد على شهرين، وصُلّي عليه بعد الصلاة بالمدرسة المذكورة، ثم صُلّي عليه بالجامع المظفري من سفح قاسيون، ودفن بتربتهم شمالي الجامع المظفري، وشهد جنازته جمع كثير، وجمٌّ غفير.
وكان رحمه الله شيخًا دينًا عالمًا، وقد نيف على الثمانين بثلاث سنين أو أربع، وكان قد ولّي قضاء حمص مدّة، ثم انتقل إلى قضاء طرابلس فباشرها مدّة أيضًا، ثم صار إلى قضاء حلب، فأقام بها مدّة سنتين ثم عزل عنها، وأقام بدمشق مدّة ليس له وظيفة حتى أضرّ به الحال، وحمل الناس همّه، ثم ولّاه تَنْكِز تدريس العادلية الصغيرة حين عُزل عنها القاضي فخر الدين المصري، ثم ولّاه تدريس الشامية البرانيّة بعد موت ابن جملة. فباشرها وحدها إلى أن مات رحمه الله.
وفي يوم الخميس ثامن عشره ركب نائبه السلطنة في الموكب، وقد برئ من مرضٍ كان به، به، وحصل له بقية لوقة في فمه ظاهرة وعلى عينه، واحتفل العامّة له بالشموع وأكثروا له الدّعاء، ثم أصبح فصلّى الجمعة كذلك في الشباك الكمالي من جامع دمشق على العادة.
وفي هذا اليوم خلع على الأمير جمال الدين الدّمرداشي بولاية دمشق بمرسوم شريف عوضًا عن ابن الكركري وفرح الناس، وأشعلوا له الشموع. وسكن بدار ابن برق بالمطّرزيين.
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين منه درّس قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعيّ بالشامية البرانية عوضًا عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب، وحضر عنده القضاة والأعيان والأمراء.
وأخذ في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)} [ص: 3].
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين منه درّس بالأتابكية من الصالحية القاضي بهاء الدين أبو البقاء بحكم نزول قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي له عنها. وحضر عنده القضاة والأعيان وجماعة من الأمراء.
شهر ذي الحجة وأوله الإثنين، في يوم العيد قدم من الديار المصرية القاضي شهاب الدين الزُّرَعي قاضي قضاة طرابلس، بعدما كان رافعه بعض الناس، فلم يتبين عليه شيء؛ فأُعيد مكرّمًا إلى معاملته على عادته.
وفي يوم الإثنين رابع عشره لبس القاضي تقي الدين ابن مراجل خلعة الصحابة وباشرها مع أنظار
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 434، والدرر الكامنة 3/ 398، والذيل التام 1/ 72.
أخرى، وذلك بعد أن عاد من الديار المصرية بأيّام. وخلع على صهره البَهْنَسي في استيفاء الديوان
(1)
.
وفي ذي الحجة استفتي في قتل كلاب البلد، فكتب جماعة من أهل البلد في ذلك، فرسم بإِخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه، لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير، وكان الأولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الإمام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة، إذا رأى الإمام ذلك، ولا يعارض ذلك النهي عن قتل (أمة) الكلاب
(2)
، ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
(3)
.
ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور، وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضًا.
وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كَمُلَت عمارة الجامع الذي بالمِزَّة الفوقانية الذي جدَّده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني
(4)
، الذي بنى والدُه
(5)
مسجد الخَيف بمنى، وهو جامع حسن متسع، فيه روح وانشراح تقبل الله من بانيه، وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المِزَّة، ومن حضر من أهل البلد، وكنتُ أنا الخطيب
(6)
ولله الحمد والمنة.
ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلِّل في المسابقة، وكان سببه أنَّ الشيخ شمس الدين بن قيّم الجوزية
(7)
صنَّف فيه مصنَّفًا من قبل ذلك، ونصر فيه ما ذهب إليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك، ثم صار يفتي به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، فاعتقد من اعتقد أنَّه قوله وهو مخالف للأئمة الأربعة، فحصل عليه إنكار في ذلك، وطلبه القاضي الشافعي، وحصل كلام في ذلك،
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: وخرج المحمل والحجيج في يوم الخميس.
(2)
الوارد في حديث جابر بن عبد الله والذي رواه مسلم رقم (1572) في المساقاة باب الأمر بقتل الكلاب. قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال:"عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان".
(3)
الحيوان للجاحظ (1/ 293) وفيه: عن الحسن قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام.
(4)
هو: محمد بن أحمد بن عمر بن المرجاني. مات سنة (759) هـ الدرر (3/ 345).
(5)
شهاب الدين بن المرجاني. مرَّ في أحداث سنة (720) هـ.
(6)
كتب أحدهم بعد ذلك: "يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته، فهذا من النساخ أو أحد القراء.
(7)
محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزّرعي. مات سنة (751) هـ كما سيأتي.
وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور
(1)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين السادس والعشرين منه دخل المحمل مع بقية الحجاج وهم بخير وعافية، وأخبروا أن السِّعر كان متحسّنًا وسطًا، وكان الماء كثيرًا.
شهر صفر وأوّله الخميس، في يوم الخميس الثامن والعشرين منه توفي صلاح الدين عمر بن محمد بن أبي الحرم، ويعرف أيضًا بالصلاح الأزرق
(2)
. كان أحد الفضلاء والفقهاء، وكان مدرسًا بالرّواق الدّوايداري، وأعاد بالرّكنية وصُلّي عليه بالجامع مع صلاة الظهر، وحضر القضاة وجماعة من الأعيان، ودفن بباب الصغير.
شهر ربيع الأول وأوّله السبت، في يوم الأحد ثانيه درّس القاضي عماد الدين إسماعيل بن العز بالمدرسة الظاهرية الجوانية، بمرسوم شريف، وهذه المرة الثانية، استعادها من ابن أخيه، ولم يحتفل للدّرس؛ لأنه يراه ممّا كان له.
وفي يوم الخميس سادسه درّس الشيخ نور الدين ابن الشيخ نجم الدين أبي بكر ابن الشيخ القدوة محمد بن قوّام بالرّواق الدويداري داخل باب الفرج، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين منه حضر نائب السلطنة والقضاة الأربعة، وخلق من الأمراء إلى المقصورة من الجامع قبيل الظهر، فصلّوا الظهر في أول وقتها بعد الأذان مباشرة، وقرئ كتاب السلطان على السُّدَّة، قرأه كاتب السرّ، ونائب السلطنة والقضاة والأمراء قيام، يتضمن إعادة ما كان قُطع من المرتّبات على الديوان السلطان والصّدقات. فابتهل الناس بالدعاء له، وكان مرسوم وكان مرسومه به وهو مريض مثقل، فانفصل الحال على ذلك، ورُسم بعمل ختمٍ في المدارس والربط ليُدعى عقبها بعافية السلطان، فعمل ذلك
(3)
.
وفاة الملك الصالح إسماعيل
(4)
في يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر من هذه السنة أُظهر موت السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور آخر النهار، وكان قد عهد بالأمر إلى أخيه لأبويه الملك الكامل سيف
(1)
الدرر الكامنة (3/ 403)
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 417. وفيه الجوبراني نقلًا عن ابن كثير، وليست في المطبوع منه. والدرر الكامنة 4/ 460.
(3)
ليست في أ وط وب، وهي في الأصل من قوله: وفي صبيحة يوم الإثنين السادس والعشرين منه.
(4)
ترجمته في الذيل ص (284) والدرر الكامنة (1/ 380) والنجوم الزاهرة (10/ 78) والذيل التام للسخاوي (1/ 73) والشذرات (6/ 148).
الدين أبي الفتوح شعبان، فجلس على سرير المملكة يوم الخميس رابعه
(1)
، وكان يومًا مشهودًا، ثم قدم الخبر إلى دمشق عشية الخميس ليلة الجمعة الثاني عشر منه، وكان البريد قد انقطع عن الشام نحو عشرين يومًا للشُّغل بمرض السلطان، فقدم الأمير سيف الدين بَيْغَرا
(2)
للبَيْعة للملك الكامل، فركب عِلْيةُ الجيش لتلقِّيه، فلما كان صبيحة الجمعة أُخذت البيعة من النائب والمقدَّمين وبقية الأمراء والجند للسلطان الملك الكامل بدار السعادة، ودُقت البشائر وزُيِّن البلد وخطب الخطباء يومئذ للملك الكامل، جعله الله وجهًا مباركًا على المسلمين.
وفي صبيحة يوم الإثنين الثاني والعشرين من ربيع الآخر درَّس القاضي جمال الدين حسين بن قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعي بالمدرسة الشّامية البرانية، نزل له أبوه عنها، واستخرج له مرسومًا سُلطانيًا بذلك، فحضر عنده القضاة والأعيان وجماعة من الأمراء والفقهاء وجلس بين أبيه والقاضي الحنفي، وأخذ في الدرس في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15] الآيات.
وتكلم الشَّريف مجد الدين المتكلِّم في الدرس بكلام فيه نَكارة وبَشاعة، فشنَّع عليه الحاضرون فاستُتيبَ
(3)
بعد انقضاء الدَّرس وحكم بإسلامه
(4)
.
وقد طلب إلى الديار المصرية نائب دمشق الأمير سيف الدين طَقَزْدَمُر وهو متمرّض، انقطع عن الجمعة بسبب المرض مرات.
والبريد يذهب إلى حلب لمجيء نائبها الأمير سيف الدين يَلبُغَا لنيابة دمشق، وذكر أن الحاج أَرُقطاي
(5)
تعين لنيابة حلب.
وفي يوم الجمعة رابعه خرجت أثقال الأمير سيف الدين طُقُزْدَمُر النائب وخيوله وهجنه ومواليه وحواصله وطبلخاناته وأولاده في تجمُّل عظيم، وأُبَهة هائلة جدًّا، وخرجت المحافل والكحارات والمحفات لنسائه وبناته وأهله في هيبة عجيبة، هذا كله وهو بدار السعادة، فلمَّا كان من وقت السحر في يوم السبت خامسه خرج الأمير سيف الدين طُقُزْدَمُر بنفسه إلى الكُسْوة في محفة لمرضه مصحوبًا بالسلامة، فلما طلعت الشمس من يومئذ قدم من حلب أستاذ دار الأمير سيف الدين يَلْبُغا اليَحْيَاوي
(6)
فتسلّم دار السعادة، وفرح الناس بهم، وذهب الناس للتهنئة والتودُّد إليهم.
(1)
الذيل التام (1/ 74).
(2)
في ط: معزا وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 514) والنجوم (10/ 116).
(3)
في ط: فاستتبّ. وهو تحريف.
(4)
الدارس (1/ 285).
(5)
ط: أرقطة، وهو تحريف. وهو: أرقطاي القفجقي الشهير بالحاج النجوم (10/ 118).
(6)
في ط: البحناوي وهو تحريف.
ولما كان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى خرج الجيش بكماله لتلقي نائب السلطنة الأمير سيف الدين يَلْبُغَا فدخل في تجمُّلٍ عظيم، ثم جاء فنزل عند باب السر، وقبَّل العتبة على العادة ثم مشى إلى دار السعادة.
وفي عشية يوم الإثنين رابع عشره قطع نائب السلطنة ممَّن وجب قطعه في الحبس ثلاثةَ عشرَ رَجُلًا وأضاف إلى قطع اليد قطع الرجل من كل منهم، لما بلغه أنه تكرر من جناياتهم، وصَلَبَ ثلاثةً بالمسامير ممَّن وجب قتلُه، ففرح الناس بذلك لقمعه المفسدين وأهل الشرور، والعيث والفساد.
وفي آخر هذا اليوم أذانَ المغرب توفّي الشيخ عز الدين بن مُنَجيّ
(1)
.
محتسب البلد، وكان قد ولّي نظر الجامع من قبل ذلك لمدّة طويلة، وصُلّي عليه بجامع دمشق ظهر يوم الثلاثاء الخامس عشر من الشهر، وحضر جنازته خلقٌ كثير، وجمٌّ غفير.
ودفن بسفح قاسيون، وكان مولده سنة ثمان وثمانين وستمئة، وحضر على زينب بنت الكمال، وسمع من جماعة من المشايخ، وهو من بيت الرئاسة والديانة والعلم والحشمة، وخلّف أولادًا كثيرين ووظائف متعدّدة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشّره جاء نائب السلّطنة إلى الجامع الأموي، فصلّى بالشباك الكمالي، فلمّا كان بعد الصلاة دار في الجامع، ونظر فيه، ومعه القضاة والخطيب وناظر الجامع عماد الدين الشيرازي فأعجبته عمارته وما فيه من الرخام، وقد اجتهد ناظر الجامع في تنظيفه يومئذٍ.
وفي يوم الأحد العشرين منه درّس القاضي عز الدين حمزة ابن القاضي قطب الدين ابن شيخ السّلامية الحنبلي بالمدرسة الحنبلية داخل باب الفراديس عوضًا عن عز الدين بن مُنَجَى رحمه الله وحضر عنده القضاة والأعيان، وأخذ في حديث عائشة:"فمن أوّل البعث .. "
(2)
وأجاد في أداء الدّرس.
وفي هذا اليوم درس القاضي علاء الدين بن العز الحنفي نائب الحكم بالمدرسة الظاهرية عوضًا عن عمه القاضي عماد الدين بمرسوم شريف، وتوليه الناظر الخاص من مصر.
وفي يوم الأربعاء الثالث والعشرين منه خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرازي بطرحة بسبب ولايته حسبة البلد، مضافًا إلى ما بيده من نظر الجامع، وذهب الناس إلى تهنئته
(1)
هو: محمد أحمد بن بن عثمان بن أسعد ابن المنجى ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 473، وأعيان العصر 4/ 261 والدرر 3/ 357 وفيه "محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان .. " والذيل التام 1/ 80.
(2)
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُبْعَثُ النَّاسُ يوم القيامةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا" قال: فقالت عائشة: يا رسول الله، فكيف بالعوْرات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]. رواه أحمد في مسنده 9/ 377 رقم الحديث (24642)، والبخاري في الفتح 11/ 385 رقم الحديث (6527).
وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين منه صلّى نائب السلطنة بالشبّاك الكمالي على العادة ومعه القاضي، ولما انقضت الصلاة مشى في صحن الجامع، وذهب إلى الخانقاه السميساطية لزيارة الفقراء، فأضافه القاضي المالكي، وهو شيخ الشيوخ هناك ومن معه من القضاة، ثم ذهب إلى دار الحديث الأشرفية فزار الأثر الشريف، وسقاه قاضي القضاة السبكي الشافعيّ شيخ دار الحديث مشروبًا، ثم رجع إلى دار السّعادة ماشيًا.
وفي صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين منه ذكَرَ الدّرس بالجوزية الشيخ الإمام العالم العلّامة شرف الدين بن الشرف الحنبلي عوضًا عن الشيخ عز الدين بن المُنجّى، وحضر عنده القضاة وجماعة من الأعيان والفضلاء، وأخذ في تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
وفي يوم الإثنين الثامن والعشرين منه كسفت الشمس بعد الظهر، وصلى الناس بالجامع. وخطب الخطيب قُبيل العصر.
شهر جمادى الآخرة أوّله الخميس. في أوّله قدم الأمير أحمد بن مهنا ملك العرب من مصر وقد فوّض إليه السلطان إمرة العرب، وعزل ابن عمه سيف بن فضل. ورسم له السلطان بعودِ إقطاعات إخوته، والإفراج عن أملاكهم. وكان هذا المذكور قد اعتقله السلطان الملك الصالح بقلعة دمشق، ثم نُقل إلى قلعة صفد، فلما وُلّي الملك الكامل أفرج عنه، وخلع عليه، وأحسن إليه
(1)
.
واشتهر في العشر الأوسط من جمادى الآخرة وفاة الأمير سيف الدين طُقُزْدَمُرَ
(2)
بعد وصوله إلى الديار المصرية بأيام، وكان ذلك ليلة الخميس مستهل هذا الشهر، وذكر أنّه رُسم على ولده وأستاذ داره، وطلب منهم مالٌ جزيل، فالله أعلم.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره توفي القاضي علاءُ الدّين
(3)
بن العز الحنفي، نائب الحكم، ببستانه بالصالحية ودُفن بها، وذلك بعد عود المدرسة الظاهريّة إليه، وأَخْذه إياها من عمه القاضي عماد الدين إسماعيل، كما قدمنا، ولم يدرِّس فيها إلا يومًا واحدًا، وهو متمرِّض، ثم عاد إلى الصَّالحية فتمادى به مرضُه إلى أن مات رحمه الله.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي آخر هذا اليوم أذانَ المغرب.
(2)
ترجمته في الذيل ص (251) وفيه: (طُقُزْتَمُر) والدرر الكامنة (2/ 225) وكذلك فيه والنجوم الزاهرة (10/ 142) وفيه: (طقزدمر) وكذلك هو في البدائع (1/ 507).
(3)
ترجمته في الذيل ص (251)، والوفيات لابن رافع:(2/ 12) وفيه: توفي في العشرين من جُمادى الآخرة. والدرر الكامنة (3/ 118) والذيل التام (1/ 76).
وهو: علي بن محمد بن محمد بن أبي العزّ الحنفي.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره لبس القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة السُّبكي خلعة سلطانية بالمدرسة الشاميّة البرانية. وحضر بها عصريّة هذا اليوم بالمدرسة المذكورة.
وفي هذا اليوم ضربَ نائبُ السّلطنة النّجم ابن الزيبق وولدُه شجاع الدين، وعزله عن ولاية البرّ. وكتب عليه محضرًا بأنّ له خانًا وجد فيه الخمر تباع على جاهه. فالله أعلم.
وولّى ناصر الدين بن المرواني ولاية البرّ مكان المذكور.
وفي يوم الثلاثاء العشرين منه قدم بجنازة سيف الدين طُقَتْمِر الخليلي
(1)
إلى المدرسة والمئذنة ظاهر باب الفرج من مدينة حمص إلى دمشق، فدفن بتربته بالقبيبات. كان رجلًا جيدًا رحمه الله.
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين منه توفي الشيخ نجم الدين أبو بكر بن الصالح العابد الناسك محمد بن قوّام
(2)
، وصلّي عليه في هذا اليوم، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأعيان، وكانت الصلاة عليه بجامع الأفرم من سفح قاسيون، ودُفِنَ إلى جانب والده بالزّاوية المعروفة بهم. بهم وكان رحمه الله رجلًا حسنًا، جميل المعشر، فيه أخلاقٌ وآدابٌ حسنةُ، وعنده فقه ومذاكرة، وفيه محبة للعلم. درّس بالرباط الناصري كما تقدّم. ثم استقرّ المكان المذكور لولده الشيخ نور الدين.
شهر رجب الفرد، أوّله السبتُ، في أوّله خلع على القاضي تقي الدين بن مراجل لنظر ديوان استؤنف، وهو المُرتجع من أخبار العرب نيّف وستّون بلدًا، وجعل له على نظره في كل شهر ألف درهم، وعشر غرائر حنطة، وجعل معه مشدًّا خاصًّا، وهو حسام الدين البرجمي، وجعل له من المعلوم نظيره.
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه عُملت الختم والمواعيد بالجامع الأموي بسبب ليلة المعراج على ما يقال، على ما جرت به العادة.
وفي هذه الليلة توفي القاضي بدر الدين ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله
(3)
كاتب السرّ بداره التي أنشأها، وأنشأ إلى جانبها حمامًا ظريفًا بحارة قناة صالح من المطرّزين وصُلّي عليه صبيحة يوم الأربعاء بالجامع الأموي، ثم صلّي عليه ظاهر باب النّصر، وحضر نائب السلطنة هناك. ونُقل إلى سفح قاسيون فدفن بتربةٍ له.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 462 نقلًا عن ابن كثير بتصرف. وفي أعيان العصر 4/ 127. (فطلوتمر) والذيل التام 1/ 82. والدارس 1/ 239. وفيه بكتمر والصواب ما أثبته.
(2)
البايسي الدّمشقي. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 453. نقلًا عن ابن كثير بتصرف. والدرر الكامنة 1/ 460 والذيل التام 1/ 82.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 475)، وأعيان العصر (5/ 304 - 306)، والدرر الكامنة (4/ 282)، والذيل التام (1/ 82).
شهر شعبان، أوّله الأحد، في عاشره توفي الصاحب بهاء الدين بن سكرّة
(1)
ناظر الدواوين بدمشق بعد ابن مراجل وكان ليّنًا في مباشرته، يُظهر محبّة الفقراء والصحبة لهم، وفيه تودّد في السَّلام، وبشاشة، وله شكل حسن، ودفن من يومه بمقابر الشيخ رسلان ظاهر الباب الشرقي، وحضر جنازته بعض القضاة.
وأوقدت القناديل بالجامع الأموي ليلة النصف من هذا الشهر على العادة، وربّما زادوا فيها بسبب نائب السلطة، فإنّه حضر إلى الجامع في هذه الليلة، وجلس في الشباك الذي يصلّي فيه الجمعة. وضيّفه ناظر الجامع بحلواء كثيرة، ثم انصرف في أثناء الليل.
شهر رمضان المعظم، في مستهلّه لبس القاضي ابن الزّين خضر خلعة بكتابة السّر عوضًا عن القاضي بدر الدين بن فضل الله الدارج إلى رحمه الله تعالى، ونزل جوار باب الخوّاصين في قاعة ابن الحنفي.
وفيه لبس الأمير علاء الدين الشريف العباسي خلعة شدّ الأوقاف عوضًا عن حسام الدين بن النجيبي
(2)
، صرف عنها بمرسوم شريف قدم على خيل البريد
(3)
.
وخرج الرَّكب إلى الحجاز الشَّريف يوم السبت حادي عشر شوال، وخرج ناس كثير من البلد، ووقع مطر عظيم جدًّا، ففرح النَّاسُ به من جهة أن المطر كان قليلًا جدًّا في شهر رمضان، وهو كانون الأصم، فلمَّا وقع هذا استبشروا به وخافوا على الحُجَّاج ضرره، ثم تداول
(4)
المطر وتتابع ولله الحمد والمنة، لكن ترحَّل الحجاج في أوحال كثيرة وزلق كثير، والله المسلِّم والمعين والحامي. ولما استقل الحجيج ذاهبين وقع عليهم مطر شديد بين الصنمين
(5)
[وزُرَع]
(6)
فعوقهم أيامًا بها، ثم تحاملوا إلى زُرَع فلم يصلوها إلا بعد جهد جهيد وأمر شديد، ورجع كثير منهم وأكثرهم، وذكروا أشياء عظيمة حصلت لهم من الشدة وقوة الأمطار وكثرة الأوحال، ومنهم من كان تقدَّم إلى أرض بُصرى، فحصل لهم رفق بذلك والله المستعان.
وقيل: إن نساءً كثيرة من المخدَّرات
(7)
مَشَيْنَ حفاةً فيما بين زُرَع والصَّنَمين وبعد ذلك، وكان أمير
(1)
هو أبو بكر بن موسى. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 454 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع، وأعيان العصر 2/ 29 والدرر الكامنة 1/ 467، والذيل التام 1/ 82.
(2)
في الأصل: (البرجمي) وفي تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 450: "التحيتي" وكلاهما وهم، وأثبت ما في أعيان العصر 1/ 325.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الإثنين تاسع عشره.
(4)
تتابع وتعاقب.
(5)
في ط: الصمين. وهو تحريف. وهي بلدة من أعمال دمَشْقَ على طريق الحاج في أوائل حوران ياقوت (3/ 431) أقول: وهي اليوم تابعة لمحافظة حوران.
(6)
زيادة يقتضيها السّياق.
(7)
ربّات الحجال من النساء.
الحاج سيف الدين مَلَك آص
(1)
وقاضيه شهاب الدين بن الشجرة الحاكم بمدينة بعلَبَك يومئذ، والله المستعان، انتهى.
وفي هذا العشر ركب الصاحب تقي الدين بن مراجل إلى الديار المصرية مطلوبًا على خيل البريد معظمًا، فلمّا استقر ركابه هناك وُلّي نظر الدواوين بها، وعومل معاملة عظيمة، وعُظّم تعظيم الوزارة، وسار سيرهم في الكلام في الأشياء العامة، وتولية مباشرين، وصرفهم، واستمرّ هناك.
وبعده بأيام توجه الأمير حسام الدين بن التحيتي إلى الديار المصرية ليُولّى شدّ الدواوين بدمشق.
شهر ذي القعدة، أوّله الخميس، في العشر الأول منه رجع نائب السلطنة سيف الدين يلبّغا اليحياوي من زيارة القدس الشريف، وكان قد خرج إليه بعد المحمل وكان قد خرج إليه بعد المحمل بيوم، فحصل اجتماعه بالمحمل في الصَّنمين، فحصل له ولهم مضايقة وغلاءٌ في السّعر، ثم فارقهم، وتوجّه نحو القدس الشريف، فتصيد بتلك النواحي، وزار القدس، ثم عاد سالمًا، وبعد ما وصل بأيام أمر بتسمير ستّة كانوا قد نزلوا على أهل بيت بالشاغور في بستانٍ هناك، وهم يسيرون مَنْسرًا
(2)
بالليل، وأخذوا كل ما كان فيه، ونزلوا على قومٍ آخرين بعدهم بليالٍ، فقتلوا وانتهبوا، ثمّ أمكن الله منهم على يدي متولّي المدينة، فعاقبهم حتى أقرُّوا، وأحضروا أعيان العلّة فاعتقلهم نائب السلطنة، ثم أمر بهم فسمّروا، ثم بعد يوم وسّطوا في سوق الخيل، وبعضهم بباب الصّغير، وبعضهم بقبر عاتكة حيث كانت محلّاتهم.
وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه قدم بجنازةٍ الأمير أَلِلِّمش الحاجب الكبير
(3)
، توفّي في بانياس، فحمل في محفّةٍ، وجيء به حتى صلَّوا عليه بباب النصر، ثم دفن بالقبيبات رحمه الله.
وفي هذا العشر توفي الأمير بدر الدين بن معبد البعلبكي
(4)
، وكان أمير طبلخاناة، ودفن إلى جانب داره في قاعةٍ أرصدها لذلك، وأوصى لها بمشترى أوقاف توقف عليها، وجَعْلها دار قرآن وحديث.
شهر ذي الحجة أوله السبت، في مستهلّه قدم الصاحب علاء الدين بن الحراني، وصحبته الأمير حسام الدين ابن النجيبي، الأول على نظر الدواوين بدمشق، والثاني على شدّ الدواوين بها، وخُلع عليهما يوم الإثنين ثالثه، وهنأهما الناس بذلك على العادة.
وفي ثامنه قدم البريد من الديار المصرية بمنشور بدر الدين ابن الخطير بإقطاع أَلِلْمش الحاجب المتقدّم ذكره ووفاته، وبمنشور الأمير فخر الدين إياس بإقطاع ابن الخطير وحجوبية الحجاب.
(1)
مات سنة (756) هـ. الذيل للحسيني ص (307) الدرر الكامنة (4/ 357).
(2)
النسر: جماعة اللصوص يسطون على الناس.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 457، وأعيان العصر 1/ 618.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 475، وأعيان العصر 5/ 256، والدرر الكامنة 4/ 252. وهو: محمد بن محمود.
وفي ليلة الخميس العشرين منه عُملت زفةٌ لعرس دوادار نائب السّلطنة على قريبة للنائب، ودخلوا من باب الجابية إلى دار الذهب التي بناها تَنْكِز بشموع هائلة، لم يُرَ مثلُها إلّا قليل، واحتفال زائد جدًّا، واجتمع للفرجة عليها عامة أهل البلد في سوق الرمّاحين وغيره.
وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين منه لبس قاضي القضاة نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطّرسوسي الحنفي خلعةُ بقضاء القضاة نزل له أبوه عنه، وجاء تقليده بذلك
(1)
، وحضر القضاة والأعيان صبيحة هذا اليوم بالمقصورة، وقرئ التقليدُ، ثمّ جاء الناس معه إلى النّوريّة، فجلس بمسجدها، وحكم بها، وهو شاب عمره يومئذٍ ستٌ أو سبعٌ وعشرون
(2)
سنة، وشكل مليحٌ ضخم.
وفي هذا العشر الأخير من هذا الشهر وجعل الأمير قُماري نائب طرابلُس، مُقيّدًا مُحتاطًا عليه، وعلى جماعة من الأمراء وغيرهم.
وفيه اشتهر مسك الحاج أَلْمِلكِ
(3)
نائب صفد - الذي كان نائبًا - بالديار المصرية
(4)
.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة وسلطان البلاد بالديار المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك الكامل سيف الدين شعبان بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، وليس له بمصر نائب.
وقضاة مصرَ هم المذكورون في التي قبلها.
ونائب دمشق الأمير سيف الدين يَلْبُغَا اليحياوي.
وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها، إلا أنّ قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل الحنفي نزل عن القضاء لولده قاضي القضاة نجم الدين، واستقلَّ بالولاية وتدريس النُّورية، وبقي والدُه على تدريس الرَّيحانيَّة
(5)
.
شهر المحرم، أوّله الإثنين، وفي يوم الأربعاء عاشره حكم بالمدرسة النوريّة نيابة عن قاضي القضّاة نجم الدين القاضي عز الدين ابن الأقصرائي مدرّس العزّية البرانية مضافًا إلى نيابة القاضي شرف الدين ابن
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 452 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(2)
في الأصل: (وعشرين). وهو غلط.
(3)
مُسِك بالديار المصرية، وكان آخر العهدية. انظر أعيان العصر 1/ 619 - 620.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي هذا العشر ركب الصاحب تقي الدين ..
(5)
جوار المدرسة النُّورية لغرب. الدارس (1/ 522).
الكفري، وذكر أنه اشترك بينهما في المعلوم، واشترطت عليهما شروط من جملتها ألّا يحكما خارج النورية، وألّا يثبتا شيئًا إلّا بعد المراجعة
(1)
.
وفي ثاني عشره قدم الأمير أَرُقطاي
(2)
نائب حلب على خيل البريد إلى دمشق مجتازًا إلى الديار المصرية أميرًا بها على خبز الأمير بدر الدين جنكلي
(3)
بن البابا المتوفيّ رحمه الله.
وفي يوم الخميس ثامن عشره وصل الصدر بدر الدين محمد بن شرف الدين بن سيف الحرّاني من الديار المصرّية، ومعه تقليد بالحسبة بدمشق، ومعه خلعة، فلبسها بدار السعادة، وقبّل يدَ نائب السلطنة على العادة. وخرج والشموع بين يديه إلى داره بقناة الزّلّاقة
(4)
.
وفي يوم الجمعة سادس عِشْرَي
(5)
المحرَّم من هذه السنة توفي الشيخ الصالح تقي الدين محمد
(6)
بن الشيخ محمد بن قوام بزاويتهم
(7)
بالسفح، وصُلِّيَ عليه الجمعة بجامع الأفْرم، ثم دُفن بالزّاوية وحضره القضاة والأعيان وخلق كثير، وكان بينه وبين أخيه ستة أشهر وعشرون يومًا، وهذا أسنُّ من ذلك.
وفتحت في أول السنة القيسارية التي أنشأها الأمير سيف الدين يَلْبُغا نائب السلطنة ظاهر باب الفرج، وضُمِّنت ضمانًا باهرًا بنحو من سبعة آلاف كل شهر، وداخلها قيسارية تجارة في وسطها بركة ومسجد، وظاهرها دكاكين وأعاليها بيوت للسَّكن.
شهر ربيع الأول أوله الخميس، في يوم الأربعاء سابعه درّس القاضي نجم الدين ابن القاضي عماد الدين إسماعيل بن العزّ الحنفي بالمدرسة المرشديّة، نزل له عنها أبوه، وحضر عنده بعض القضاة والأعيان
(8)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين ثاني عشرَ ربيع الأول عُقد مجلسٌ بمشهد عثمان للنور الخراساني، وكان يقرأ القرآن في جامع تَنْكِز، ويعلّم الناس أشياء من فرائض الوضوء والصلاة، ادُّعي عليه فيه أنه تكلم في بعض الأئمة الأربعة، وأنَّه تكلَّم في شيء من العقائد، ويطلق عبارات زائدة على ما ورد به الحديث، وشهد عليه ببعض أشياء متعددة، فاقتضى الحال أن عُزِّر في هذا اليوم، وطيف به في البلد، ثم رُدَّ إلى السجن
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 477. نقلًا عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه.
(2)
في الأصل رقطية. تحريف وأثبت ما في أعيان العصر 1/ 477.
(3)
في الأصل منكلي. تحريف. وأثبت ما في أعيان العصر 2/ 163، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 460 في الوفيات.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله شهر المحرم أوله الإثنين.
(5)
في ط: السادس عشر من المحرم، وهو غلط، لأن مستهلَّ الشهر كان يوم الإثنين.
(6)
ترجمته في: الوفيات لابن رافع (2/ 24) والدرر الكامنة (4/ 205). وفي مصادر ترجمته: (البالسي).
(7)
هي الزاوية القوامية البَالسيّة سبق ذكرها لدى ذكر وفاة أبيه أبي بكر سنة (718) هـ.
(8)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
معتقلًا. فلما كان يوم الخميس الثاني والعشرون منه شفع فيه الأمير أحمد بن مُهَّنا
(1)
ملك العرب عند نائب السلطنة فاستحضره بين يديه وأطلقه إلى أهله وعياله.
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة، لم أجد فيه شيئًا من الحوادث والوفيات.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد، في ليلة الخميس ثاني عشره قدم القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب كاتب السر بحلب على كتابة السرّ بدمشق عوضًا عن القاضي تاج الدين بن الزين خضر المتوفّى في الشهر الخارج.
وفي يوم السبت رابع عشره خُسف القمر، طلع كاسفًا كسوفًا شديدًا، وصلى الخطيب بالجامع صلاة الخسوف. وخطب بين العشاءين، واستمر الخسوف إلى قريب من ربع الليل
(2)
.
ولما كان تاريخ يوم الجمعة ثالثَ عشرَ جمادى الأولى صلّى نائب السلطنة الأمير سيف الدين يَلْبُغا اليَحْيَاوي الناصري بجامع تَنْكِز ظاهر دمشق برا
(3)
باب النصر، وصلَّى عنده القاضي الشافعيّ والمالكي وكبار الأمراء، ولمَّا أُقيمت الصلاة صلَّى، وقعد بعض مماليكه عن الصلاة ومعهم السلاح حراسة له، ثم لما انصرف من الصلاة اجتمع بالأمراء المذكورين وتشاوروا طويلًا، ثم نهض النائب إلى دار السعادة، فلما كان آخر النهار برز بخدمه ومماليكه وحشمه ووطاقه وسلاحه وحواصله، ونزل قبلي مسجد القدم وخرج الجند والأمراء في آخر النهار وانزعج الناس واتفق طلوع القمر خاسفًا، ثم خرج الجيش ملبسًا تحت الثياب وعليه التراكيس بالنشاب والخيول والجنابات، ولا يدري النَّاسُ ما الخبر، وكان سبب ذلك أن نائب السلطنة بلغه أن نائب صفد
(4)
قد ركب إليه ليقبض عليه، فانزعج لذلك وقال: لا أموت إلا على ظهر أفراسي، لا على فراشي، وخرج الجند والأمراء خوفًا من أن يفوتهم بالفرار، فنزلوا يمنة ويسرة، فلم يذهب من تلك المنزلة بل استمر بها يعمل النيابة ويجتمع بالأمراء جماعة وفرادى، ويستميلهم إلى ما هو فيه من الرأي، وهو خلع الملك الكامل شعبان لأنه يكثر من مسك الأمراء بغير سبب، ويفعل أفعالًا لا تليق بمثله، وذكروا أمورًا كثيرة، وأن يولُّوا أخاه أمير حاجي بن الناصر لحسن شكالته وجميل فعله، ولم يزل يفتلهم في الذِّروة والغارب
(5)
حتى أجابوه إلى ذلك، ووافقوه عليه، وسلَّموا ما يدَّعيه، وتابعوا على ما أشار إليه وبايعوه، ثم شرع في البعث إلى نواب البلاد يستميلهم إلى ما مالأ عليه الدمشقيون وكثير من المصريين، وشرع أيضًا في التصرُّف في الأمور العامة الكلية، وأخرج بعض من وأخرج بعض من كان الملك الكامل اعتقله بالقلعة المنصورة، ورد إليه إقطاعه بعد ما بعث الملك الكامل إلى من أقطعه منشوره، وعزل وولّى
(1)
أحمد بن مهنا بن عيسى بن مهنا. مات سنة (749) هـ الدرر الكامنة (1/ 322).
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
لفظة شبه عامية يراد بها "خارج".
(4)
في ط: صغد بالغين.
(5)
أي: يدور من وراء خديعته حتى يغيِّر رأيهم. القاموس (قتل).
وأخذَ وأَعطى، وطلب التُّجار الأربعاء ثامن عشره ليباع عليهم غلال الحواصل السلطانية فيدفعوا أثمانها في الحال، ثم يذهبوا فيتسلَّمُوها من البلاد البرانية، وحضر عنده القضاة على العادة والأمراء والسادة، وهذا كله وهو مخيِّم بالمكان المذكور، لا يحصره بلد ولا يحويه سور
(1)
.
ودخل في العشر الأخير من هذا الشهر نائبُ حمص وهو الأمير حسام الدين البشمقدار، ثم الأمير عراق نائب صفد، فنزل بالوطاق عند نائب السلطنة، ونزل البشمقدار في داره
(2)
.
وفي يوم الخميس رابع جمادى الآخرة خرجت تجريدة نحو عشرة طليعة لتلقِّي من يقدم من الديار المصرية من الأمراء وغيرهم، ببقاء الأمر على ما كان عليه، فلم يصدقهم النائب، وربما عاقب بعضهم، ثم رفعهم إلى القلعة، وأهل دمشق ما بين مصدّق باختلاف المصريين وما بين قائل السلطان الكامل قائم الصورة مستمر على ما كان عليه، والتَّجاريد المصرية واصلة قريبًا، ولابد من وقوع خبطة عظيمة. وتشَّوشَتْ أذهان النَّاسِ وأحوالهم بسبب ذلك، والله المسؤول أن يحسن العاقبة.
وحاصل القضية أن العامَّة ما بين تصديق وتكذيب، ونائبُ السلطنة وخواصُّه من كبار الأمراء على ثقة من أنفسهم، وأن الأمراء على خُلْف شديد في الديار المصرية بين السلطان الكامل شعبان وبين أخيه أمير حاجي، والجمهور مع أخيه أمير حاجي، ثم جاءت الأخبار إلى النائب بأن التجاريد المصرية خرجت تقصد الشام ومن فيه من الجند لتوطِّد الأمر، ثم إنَّه تراجعت رؤوس الأمراء في الليل إلى مصر واجتمعوا إلى إخوانهم ممَّن هو ممالئ لهم على السلطان، فاجتمعوا ودعوا إلى سلطنة أمير حاجي وضُربت الطبلخانات، وصارت باقي النفوس متجاهرة على نيَّة تأييده، ونابذوا السلطان الكامل، وعَدُّوا عليه مساويه، وقَتْل بعض الأمراء.
وفرّ الكامل وأنصاره فاحتيط عليه، وخرج أَرْغُون العلائي زوج أُمّه
(3)
واستظهر أيضًا أمير حاجي فأجلسوه على السرير ولقبوه بالملك المظفر، وجاءت الأخبار إلى النائب بذلك، فضربت البشائر عنده، وبعث إلى نائب القلعة فامتنع من ضربها، وكان قد طلب إلى الوطاق
(4)
فامتنع من الحضور، وأغلق باب القلعة، فانزعج الناس واختبط البلد، وتقلّص وجود الخير، وحصنت القلعة ودعوا للكامل بكرة وعشية على العادة، وأرجف
(5)
العامة بالجيش على عادتهم في كثرة فصولهم، فحصل لبعضهم أذيَّةٌ. فلما كان يوم الإثنين ثامن الشهر قدم نائب حماة إلى دمشق مطيعًا لنائب السلطنة في تجمل وأُبَّهة، ثم أجريت له عادة أمثاله.
(1)
النجوم الزاهرة (10/ 134) الذيل التام (1/ 84).
(2)
ليست في أ وب وط: وهي في الأصل.
(3)
في ط: ابنة وهو توهم. النجوم الزاهرة (10/ 138).
(4)
إلى خيمة النائب.
(5)
"أرجف": خاض في أخبار الفتن ونحوها، والمُرْجفون: الذين يشيعون الأخبار السيئة.
وفي هذا اليوم وقعت بطاقة بقدوم الأمير سيف الدين بَيْغَرَا حاجب الحجَّاب بالديار المصرية لأجل البيعة للسُّلطان الملك المظفر، فدُقّت البشائر بالوطاق، وأُمر بتزيين البلد، فزين الناس وليسوا منشرحين، وأكثرهم يظن أن هذا مكر وخديعة، وأن التجاريد المصرية واصلة قريبًا. وامتنع نائب القلعة من دق البشائر وبالغ في تحصين القلعة، وغلَّق بابها، فلا يفتح إلا الخوخة
(1)
البرانية والجوانية، وهذا الصنيع هو الذي يشوش خواطر العامة، يقولون: لو كان تم شيء له صحة، كان نائب القلعة يطَّلع على هذا قبل الوطاق. فلما كان الثلاثاء بعد الزوال قدم الأمير سيف الدين بَيْغَرَا إلى الوطاق، وقد تلقَّوه يوم وعظَمُوه، ومعه تقليد النيابة من المظفَّر إلى الأمير سيف الدين يَلْبُغَا نائب السلطنة، وكتاب إلى الأمراء بالسَّلام. ففرحوا بذلك وبايعوه وانضمت الكلمة والله الحمد.
وركب بَيْغَرَا إلى القلعة فترجَّل وسلَّ سيفه ودخل إلى نائب القلعة فبايعه سريعًا ودُقَّت البشائر في القلعة بعد المغرب، حين بلغه الخبر، وطابت أنفس الناس ثم أصبحت القلعة في الزينة وزادت الزينة في البلد وفرح الناس.
فلمَّا كان يوم الخميس حاديْ عَشَر الشهر دخل نائب السلطنة من الوطاق إلى البلد والأطلاب بين يديه في تجمُّل وطبلخانات على عادة العَرْض، وقد خرج أهل البلد إلى الفرجة، وخرج أهل الذمة بالتَّوراة، وأُشعلت الشموع، وكان يومًا مشهودًا
(2)
.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره اجتمع الأمراء بالمقصورة، فصلّوا بها، وخُطب للملك المظفّر، وهم يسمعون، ثم تفرّقوا بعد ذلك.
وفي يوم السبت ثالث عشره ذكر النائب في موكب هائل، ومعه نواب السلطنة عن يمينه وشماله، والمقدّمون وبَيْغَرا والجيش بكماله، ولعب بالكرة في هذا اليوم مع نواب السلطنة.
شهر رجب الفرد، أوله الثلاثاء، في يوم الخميس ثالثه درّس بالشاميّة البّراانية القاضي جمال الدين حسين بن قاضي القضاة تقي الدين السُبكي استرجعها من ابن شَمَريوخ. وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.
وفي يوم الخميس داروا بالمحمل حول البلد على العادة، واحتفلوا لذلك، وعرض الواليان في تجمل هائل، واحتفال.
وفي يوم الإثنين رابع عشره قدم القاضي علاء الدين بن الأُطُرُوش من عند نائب السلطنة، وكان بالغسُّولة، وفد إليه من الديار المصرية بمنصب الحسبة، ونظر الأسرى، وتدريس الخاتونية، وغير
(1)
"الخوخة": باب صغير وسط الكبير.
(2)
الذيل ص (255) النجوم الزاهرة (10/ 141 وما بعدها).
ذلك، فأمضى ذلك له، وحكم في دمشق على العادة، وذهب الناس للسّلام عليه، وتهنئته. وبعد ذلك بأيام لبس الخلعة ودرّس بالخاتونية، ودار في البلد على عادة النُّظّار.
وفي العشر الأخير من هذا الشهر قدم الأمير بَيْدَمِر البدري من الديار المصرية على نيابة حلب، فاحتفلَ له نائب السلطنة وأكرمه، وأنزله القصر الأبلق. ثم ذهب في أوائل شعبان.
شهر شعبان المبارك وأوله الخميس، في يوم الإثنين ثاني عشره صُلّي على القاضي تقي الدين عبد الكريم ابن القاضي محيي الدين بن الزكي المعروف بشيخ الشيوخ
(1)
بالجامع المطفري بالسّفح صلاة الظهّر، ودفن بتربتهم، وكان من رؤساء دمشق، وترك وراءه ذريّةً وديونًا كثيرة، سامحه الله.
وكان مولده يوم عرفة سنة أربع وستين وستمئة بالقاهرة.
وعمل النصف بالجامع ليلة الخميس، واحتفل الناس له، وحضر نائب السلطنة أيضًا من قبل العشاء الآخرة، وحضر عنده قرّاء البلد، فقرؤوا بين يديه، وتفرّج، ثم انصرف بعد العشاء، ثم ركب بعد ذلك بأيام إلى الصّيد في جماعة من الأمراء إلى الجهة القبلية، وبين يديه إقامة عشرين يومًا.
وفي النصف منه خلع على القاضي تقي الدين بن أبي الطيّب بتوقيع الدَّست، وسافر النائب قبل أن يباشر
(2)
.
وقد صلَّى في شهر رمضان من هذه السنة بالشامية البرانية صبي عمره ست سنين، وقد رأيته وامتحنته فإذا هو يجيد الحفظ والأداء، وهذا من أغرب ما يكون.
وفي يوم الخميس سابعه قدم نائب السلطنة من الصيد، وجلس في دار العدل وحوله المباشرون، وحضر ابن أبي الطيّب، فأُجلس تحت القاضي أمين الدين بن القلانسي.
وفي يوم السبت خلع على القاضي زين الدين الحُسيني بن عدنان بنقابة الأشراف، وأشعلت له الشموع بين يديه.
وفي يوم الإثنين حادي عشره خلع على الأمير الباسيري بشدّ الدواوين عوضًا عن حسام الدين البرجمي
(3)
.
وفي العشر الأوائل من هذا الشهر فرغ من بناء الحمّامين اللَّذَيْن بناهما نائب السلطنة بالقرب من الثابتية في خان السلطان العتيق، وما حولها من الرباع والقرب وغير ذلك.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 494 نقلًا عن ابن كثير وليست في المطبوع منه، وأعيان العصر 3/ 134 والدرر الكامنة 2/ 404 والذيل التام 1/ 86.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الجمعة ثاني عشره.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
وفي يوم الأحد حادي عشره اجتمع نائب السلطنة والقضاة الأربعة ووكيل بيت المال والدولة عند تل المشانيق
(1)
، من أجل أن نائب السلطنة قد عزم على بناء هذه البقعة جامعًا بقدر جامع تَنْكِز. فَاشْتَوَرُوا هنالك، ثم انفصل
(2)
الحال على أن يُعمل، والله ولي التوفيق.
شهر شوال أوله الأحد في يوم السبت سابعه سار الرّكب الشريف صحبه المحمل السلطاني، وكان يومًا مطيرًا، فلم يخرج كثير من الناس.
وأمير الحاج ابن طَيْنَال الذي كان أبوه نائب طرابلس، وقاضيه الشيخ شهاب الدين الظاهري، وحجَّ في هذه السنة أبناء قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعي؛ وهم القاضي بهاء الدين أبو حامد أحمد، والقاضي تاج عبد الوهاب، والقاضي بهاء الدين أبو البقاء، وزوجة قاضي القضاة المذكور.
والشيخ شمس الدين بن قيم الجوزيّة، وجمال الدين بن الرُّهاوي.
وفي يوم الإثنين تاسعه قدم من الديار المصرية القاضي تقي الدين بن الصدر جمال الدين بن هلال على نظر الدواوين بدمشق، وذهب الناس إليه للتهنئة. ونزل في قاعة غلامهم العلم سنجر، وهي دار الخيمي، عند باب الناطفانيين.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره استسقى الخطيب على المنبر، وتباكى الناس، وأمَّنَ المؤذّنون على دعائه. والمطر إلى الآن قليل جدًّا.
وهذا اليوم السادس والعشرون من كانون الأصم، ولم يقع على جبال حوران ثلج ولا سالت الأودية، والبرك قد نفد كثير منها، وورد كثير من القرايا والسعر متحسّن جدًّا؛ الغرارة القمح بنحو من مئة وثمانين درهمًا، والخبز كل رطل وأوقيتين بدرهم، وهو متشحّط لا يكاد يوجد. والله المستعان.
واستسقى الخطيب يوم الجمعة وهو السابع والعشرين منه بعد الخطبة الثانية أيضًا، وقام الناس، ووَعَوْا وتباكَوْا، ولم يزالوا قيامًا حتى أقيمت الصلاة.
وفي هذا اليوم قرئ كتاب السلطان على السّدّة بإبطال المكس الذي كان يؤخذ من القطن المردون البلدي، ودعا الناس للسلطان، ولمن كان السبب في إبطاله، وهو نائب الشام الأمير يلبغا.
وفي يوم الإثنين سلخ الشهر وقع مطرُ جيدٌ من وقت الزّوال إلى بعد المغرب، وجرت الميازيب، وكان مطرًا نافعًا، وفرج الناس به، واستبشروا. ولكنّ السّعر متحسِّنُ
(3)
.
(1)
في أ وب وط: المُسْتقين. تحريف، وهو موضع جامع يلبغا على شاطئ بردى، وفي الدارس (3/ 423):(كان موضع جامع يلبغا تلا يشنق عليه).
(2)
تفرق المجلس.
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: شهر شوال أوله الأحد.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة صُلِّي على الشيخ زين الدين عبد الرَّحمن بن
(1)
تيمية، أخو الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى.
بعد صلاة الظهر بالجامع الأموي، وشيعه القضاة والأعيان وخلق كثير إلى مقبرة الصُّوفية، فدفن قبلي قبر أخيه، بينهما قبر ابن عمهما عز الدين بن تيمية. رحمهم الله
(2)
.
وفي يوم السبت ثاني عشره توفّي الشيخ علي
(3)
القَطَنَانيّ بقَطَنَا
(4)
، وكان قد اشتهر أمره في هذه السنين، واتّبعه جماعةٌ من الفلاحين والشباب المنتمين إلى طريقة أحمد بن الرفاعي، وعظُم أمره وسار ذكره، وقصده الأكابر للزيارة مرات، وكان يقيم السماعات على عادة أمثاله، وله أصحابٌ يُظْهرون إشارةً باطلة، وأحوالًا مفتعلة، وهذا ممّا كان يُنْقَمُ عليه بسببه، فإنه إن لم يكن يعلم بحالهم فجاهل، وإن كان يُقرُّهم على ذلك فهو مثلهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
واستسقى الخطيب فوق المنبر بعد الخطبتين أيضًا.
وفي أواخر هذا الشهر منّ الله سبحانه وتعالى بمجيء أمطار جيدة نافعة، ودفعت عين الفيجة دفعًا جيدًا، وسقط ثلج جيد على جبل حوران حتى جرت منه الأودية، وامتلأت البرك، وطابت قلوب الناس، ولكن السِّعر باقٍ على ما كان عليه، كل رطل خبز بدرهم وشيءٌ رطل وثلث، ولكنه أسمر، وشيء آخر رطل ونصف وهو في غاية التغيّر والإكمداد، والله المرجو حسن العاقبة.
شهر ذي الحجة، أوّله الخميس، في يوم عرفة حُدّدت طبلخاناة تسمّى الخليلية على البرج المعاد عمارته عند الباب الشرقي من دمشق الذي في الزاوية.
وقبل هذا لمدة أشهر جددت خليلية بمدينة الكرك التي بالبقاع عند القبر الذي يقال: إنه قبر نوح عليه السلام
(5)
.
وفيه قدم من الديار المصرية شهاب الدين أحمد الرّياحي على قضاء المالكية بحلب، وهو أول من تولّاه، ولم يكن لهم فيها قاض مالكي. وإنما فيها شافعي وحنفي من مددٍ متطاولة
(6)
.
(1)
ترجمته في: الذيل ص (259) والوفيات لابن رافع (372) والدرر الكامنة (2/ 329). هو: عبد الرحمن بن شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
ترجمته في: الذيل ص (260) والوفيات لابن رافع (2/ 38) والدرر الكامنة (3/ 77) وفيه: علي بن عبد الله القطباني. فذكر اسم أبيه وغلط في نسبته.
(4)
هي من قرى دمشق العامرة تبعد عنها حوالي 25 كم. وقد ذكرها ياقوت في معجمه (4/ 374).
(5)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 482 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(6)
ليست في أ وب وط. هي في الأصل من قوله: واستسقى الخطيب فوق المنبر بعد الخطبتين.
وفي أواخر هذا الشهر - أعني ذي الحجة من العيد وما بعده - اهتم ملك الأمراء في بناء الجامع الذي بناه تحت القلعة مَكان
(1)
تلِّ المَشانيق، وهدم ما كان هناك من أبنية، وعملت العجل، وأخذت أحجار كثيرة من أرجاء البلد، وأكثر ما أُخذت الأحجار من الرحبة التي للمصريين، من تحت المئذنة التي في رأس عقبة الكَتَّان
(2)
، وتيسَّر منها أحجار كثيرة، والأحجار أيضًا من جبل قاسيون وحمل على الجمال وغيرها.
وكان سلخ هذه السنة - أعني سنة سبع وأربعين وسبعمئة - قد بلغت غرارة القمح إلى مئتين فما دونها، وربما بيعت بأكثر من ذلك، فإنا لله وإِنا إليه راجعون.
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وسبعمئة أحسن الله تقضّيها
استهلّت هذه السنة وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك المظفر أمير حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين أَرُقْطَاي
(3)
وقضاة مصر هم الذين كانوا في الماضية بأعيانهم.
ونائبه بالشام المحروسة سيف الدين يَلْبُغا الناصري
(4)
، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها بأعيانهم، غير أن القاضي عماد الدين الحنفي نزل لولده قاضي القضاة نجم الدين، فباشر في حياة أبيه، وحاجب الحجاب فخر الدين إياس.
[واستهلت هذه السنة ونائب السلطنة في همَّة عالية في عمارة الجامع الذي قد شرع في بنائه غربي سوق الخيل، بالمكان الذي كان يعرف بتل المشانيق]
(5)
.
شهر المحرم أوله الجمعة توفي قاضي القضاة شرف الدين محمد بن
(6)
أبي بكر الهَمْدَاني المالكي، وصُلِّي عليه بالجامع، ودفن بتربته بميدان الحصا، وتأسَّف الناس عليه لرئاسته وديانته وإحسانه إلى كثير من الناس رحمه الله.
(1)
في ط: وكان.
(2)
في ط: "الكتاب" وهو تحريف، وهو موضع معروف بدمشق، ينظر تاريخ الإسلام 2/ 795 و 14/ 45 و 156 و 15/ 315 و 953 و 954 (بشار).
(3)
في الأصل وط: أرقطية.
(4)
هو اليحياوي.
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وط.
(6)
ترجمته في: الذيل ص (263) والوفيات لابن رافع (2/ 41) وفيه: الثاني من المحرّم. والدرر الكامنة (3/ 404) والنجوم الزاهرة (10/ 182) والدارس (2/ 16) والذيل التام (1/ 96).
وفي يوم الإثنين رابعه باشر الشيخ علاء الدين القونوي الحنفي مشيخة الشيوخ بمرسوم ملك الأمراء، وحضر الخانقاه السُّميساطية، وحضر عنده القضاة الثلاثة، وجماعة من الأعيان)
(1)
.
وفي يوم الأحد الرابع والعشرين من المحرم وصل تقليد قضاء للقاضي جمال الدين المسلَّاتي
(2)
الذي كان نائبًا للقاضي شرف الدين قبله، وخلع عليه من آخر النهار.
وفي يوم الإثنين الخامس والعشرين منه دخل المحمل السلطاني والحجيج والقضاة بين يديه على العادة. والقاضي المالكي لابسٌ الخلعة.
وقدم الحجاجُ شاكرين لهذه السنة من رخصها وأمنها، وأخبرونا أنّه درّس الشيخ فخر الدين النُّويري المالكي بمكة في درسٍ مجدّد في المسجد الحرام، وحضر عنده قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، والقاضي موفق الدين الحنبلي، وجماعة من أعيان الفضلاء المصريين والشاميين، وكان الدرس في حديث جبريل في المواقيت
(3)
.
شهر صفر، أوّله الأحد، في مستهلّه حضر القاضي جمال الدين المسلّاتي درس المالكية، وحضر عنده جماعة من الفضلاء والقضاة، واستناب القاضي شمس الدين القفصي نائب الحكم الذي توفي.
وجاءت الأخبار في هذا الشهر وما قبله بأنّ الفأر أهلك ضياعًا كثيرة من الجولان وحوران، وبلادٍ كثيرةٍ لم يكن لها عادة بذلك أصلًا، فنقص المُغلُّ بسبب ذلك، وارتفع السّعر، وأبيعت الغرارة بأزيد من مئتين وخمسين، ورخص الخبز في أوائل ربيع الأول.
شهر ربيع الأول، أوّله الإثنين، وفي يوم الأربعاء ثالثه درّس القاضي صدر الدين بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي بتربة أم الصالح عن نزول شمس الدين ابن خطيب يبرود له عن ذلك، وتعويضه عن ذلك بإعادة الناصرية الجوّانية، وحضر عنده القضاة والفضلاء والأعيان، وكان الدّرس في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164].
وفي يوم الأحد ثالث عشره حضر الدرس بالقيمازيّة صدر الدين ابن القاضي علاء الدين بن العز الحنفي، وقد كانت لأبيه من قبله، وكتبت باسمه، فلمّا تأهل، درس بها، وحضر عنده القضاة والفضلاء على العادة، وكان درسه على قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
وفي يوم الأربعاء سادس عشره دخل الأمير سيف الدين أرغون شاه الذي كان نائبًا بصفد إلى دمشق في
(1)
ليست في أ وب وط وهي في الأصل.
(2)
هو: محمد بن عبد الرحيم. مات سنة (771) هـ.
(3)
رواه البخاريّ رقم 499. في كتاب مواقيت الصلاة، ومسلم رقم 610 في المساجد ومواضع الصلاة. باب: أوقات الصلوات الخمس من حديث بشير بن أبي مسعود عن أبيه أبي مسعود الأنصاري.
طلب هائل، فاجتاز بها ذاهبًا إلى نيابة حلب المحروسة، وتلقّاه نائبُ السلطنة، وسلّم عليه الأمراء والقضّاة، وقبل قدومه بقليل طُلب فخر الدين أياس إلى الديار المصرية ليولّى نيابة صفد عوضًا عن أرغون شاه
(1)
.
وفي شهر ربيع الأول أخذوا لبناء الجامع المجدَّد بسوق الخيل، أعمدة كثيرة من البلد، فظاهر البلد يعلِّقون ما فوقه من البناء ثم يأخذونه ويقيمون بدله دعامة، وأخذوا من درب الصيقل، وأَخَذوا العمود الذي كان بسوق العُلبيِّين الذي في تلك الدخلة على رأسه مثل الكرة فيها حديد، وقد ذكر الحافظ ابن عساكر أنه كان فيه طِلَّسْمٌ لعسر بَوْل الحيوان إذا دَارُوا بالدَّابة ينحلُّ أراقيها
(2)
.
فلمَّا كان يوم الأحد السابع والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة قلعوه من موضعه بعد ما كان له في هذا الموضع نحوًا من أربعة آلاف سنة والله أعلم. وقد رأيته في هذا اليوم وهو ممدود في سوق العلبيين على الأخشاب ليجروه إلى الجامع المذكور من السوق الكبير، ويخرجوا به من باب الجابية الكبير فلا إله إلا الله. وفي أواخر شهر ربيع الآخر ارتفع بناء الجامع الذي أنشأه النّائب، وجفت العين التي كانت تحت جداره حين أسسوه ولله الحمد.
وفي شر ربيع الأول أوله الأربعاء وردت الأخبار من الديار المصرية بمَسْك جماعة من أعيان الأمراء كالحجازي وآقسُنْقُر الناصري
(3)
، ومن لفَّ لفهما، فتحرّك الجند بالشام ووقعت خبطة.
شهر جمادى الأولى أوله الخميس استهلّ الجند في حركة شديدة، ونائب السلطنة الأمراء إلى دار السعادة بسبب ما وقع بالديار المصرية، وتعاهد هؤلاء على أن لا يُؤذى أحدٌ، وأن يكونوا يدًا واحدة، وفي هذا اليوم تحول ملك الأمراء من دار السعادة إلى القصر الأبلق واحترز لنفسه، وكذلك حاشيته.
وفي هذا اليوم لبس خلعة نظر الدواوين القاضي شمس الدين بن التاج إسحاق الذي كان ناظر الجيش بدمشق من مدّة سنين، ثمّ تنقّلت به الأحوال إلى الإمرة والإقامة بالديار المصرية
(4)
.
وفي يوم الأربعاء
(5)
الرابع عشر منه قدم أمير
(6)
من الديار المصرية على البريد ومعه كتاب من السلطان فيه التّصريح بعزل ملك الأمراء يَلْبُغا نائب الشام، فقرئ عليه بحضرة الأمراء بالقصر الأبلق، فتغمَّم لذلك وساءه، وفيه طلبُه إلى الديار المصرية على البريد ليولَّى نيابة الديار المصرية، والظاهر أن ذلك خديعة له
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الإثنين: الخامس والعشرين منه.
(2)
مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر لابن منظور (1/ 272)، ولا شك أن هذا من الخرافات.
(3)
النجوم الزاهرة (10/ 159) وفيه: كان مسكهما في يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر وقطعًا بالسّيوف قطعًا.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(5)
الذيل للحسيني ص (260 - 261) وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 505.
(6)
هو: أراي أمير أخور.
فأظهر
(1)
الامتناع، وأنه لا يذهب إلى الديار المصرية أبدًا، وقال: إن كان السلطان قد استكثر عليَّ ولاية دمشق فيولِّيني أيَّ البلاد شاء، فأنا راض بها. وردَّ الجواب بذلك، ولما أصبح من الغد وهو يوم الخميس وهو خامس عشره، ركب فخيَّم قريبًا من الجسورة في الموضع الذي خيم فيه عام أول، وفي الشهر أيضًا كما تقدم، فبات ليلة الجمعة وأمر الأمراء بنصب الخيام هنالك على عادتهم عام أول.
فلما كان يوم الجمعة سادس عشره بعد الصلاة، ما شعر الناس إلا والأمراء قد اجتمعوا تحت القلعة وأحضروا من القلعة سنجقين سلطانيين أصفرين، وضربوا الطبول حربيًا، فاجتمعوا كلهم تحت السنجق السلطاني، ولم يتأخر منهم سوى النائب وذويه كابنيه وإخوته وحاشيته، والأمير سيف الدين قَلاوُوْن أحد مقدَّمي الألوف، وخبره أكبر أخبار الأمراء بعد النيابة، فبعث إليه الأمراء أن هلمَّ إلى السمع والطاعة للسلطان، فامتنع من ذلك وتكرَّرت الرسل بينهم وبينه فلم يقبل، فساروا إليه في الطبلخانات والبوقات ملبسين لْأمَةَ الحرب، فلما انتهوا إليه وجدوه قد ركب خيوله ملبسًا واستعدَّ للهرب، فلما واجههم هرب هو ومن معه وفروا فرار رجل واحد، وساق الجند وراءه فلم يكتنفوا له غبارًا، وأقبل العامة وأقبل العامة وتركمان القُبَيْبات، فانتهبوا ما بقي في معسكره من الشعير والأغنام والخيام، حتى جعلوا يقطعون الخيام والأطناب قطعًا قطعًا، فعدم له ولأصحابه من الأمتعة ما يساوي ألف ألف درهم، وانتدب لطلبه والمسير وراءه الحاجب الكبير الذي قدم من الديار المصرية قريبًا شهاب الدين بن صبح، مقدمي الألوف، فسار على طريق الأشرفية ثم عدل إلى ناحية القَرْيَتين.
ولما كان يوم الأحد قدم الأمير فخر الدين أَياس نائب صفد منها، فتلقَّاه الأمراء والمقدَّمون، ثم جاء فنزل القصر وركب من آخر النهار في الجحافل، ولم يترك أحدًا من الجند بدمشق إلا ركب معه وساق وراء يَلْبُغا فانبرى نحو البرية، فجعلت الأعراب يعترضونه من كل جانب، وما زالوا يكفُّونه حتى سار نحو حماة، فخرج نائبُها وقد ضعف أمره جدًّا، وكلّ هو ومن معه
(2)
من كثرة السوق ومصاولة الأعداء من كل جانب، فألقى بيده، وأُخذ سيفُه وسيوف من معه واعتقلوا بحماة وبعث بالسيوف إلى الديار المصرية، وجاء الخبر إلى دمشق صبيحة يوم الأربعاء رابعَ عشرَ هذا الشهر، فضربت البشائر بالقلعة وعلى باب الميادين على العادة، وأحدقت العساكر بحماة من كل جانب ينتظرون ما رسم به السلطان من شأنه، وقام إياس بجيش دمشق على حمص، وكذلك جيش طرابُلُس، ثم دخلت العساكر راجعة إلى دمشق يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر، وقدم يَلْبُغَا وهو مقيد على كديش هو وأبوه وحوله الأمراء الموكَّلون به ومن معهم من الجنود، فدخلوا به بعد عشاء الآخرة فاجتازوا في سوق السبعة بعدما غلِّقت الأسواق، وأطفئت السرج، وغلقت الطاقات، ثم مروا على الشيخ رسلان والباب الشرقي ثم على باب الصغير، ثم
(1)
في ط: أظهر.
(2)
هكذا في الأصل.
من عند مسجد الذُّبَّان على المصلَّى، واستمروا ذاهبين نحو الديار المصرية، وتواترت البريدية من السلطان بما رسم به في أمره وأصحابه الذين خرجوا معه من الاحتياط على حواصلهم وأموالهم وأملاكهم وغير ذلك.
شهر جمادى الآخرة أوله الخميس، وقدم البريد من الديار المصرية يوم الأربعاء ثالثه فأخبر بقتل يلبغا فيما بين قاقون
(1)
وغزّة
(2)
، وأخذت رأسه
(3)
إلى السلطان، وكذلك قتل بغزة الأمراء الثلاثة الذين خرجوا من مصر، وهم: نجم الدين
(4)
الوزير بن شروين
(5)
البغدادي، والدّوادار طُغَيْتَمُر، وَبَيْدَمُر البدري
(6)
، أحد المقدمين، كان قد نقم عليه السلطان ممالأة يَلْبُغا، فأخرجهم من مصر مسلوبين جميع أموالهم، وسيَّرهم إلى الشام، فلما كانوا بغزة لحقهم البريد بقتلهم حيث وجدهم، وكذلك بقتل يلبغا حيث التقاه من الطريق، فلما انفصل البريد من غزة التقى يَلْبُغا في طريق وادي فحمة فخنقه ثم احتز رأسه وذهب به إلى السلطان، وقدم أميران من الديار المصرية بالحوطة على حواصل يَلْبُغَا وطواشي من بيت المملكة، فتسلم مصاغًا وجواهر نفيسة جدًّا، ورسم ببيع أملاكه وما كان وقفه على الجامع الذي كان قد شرع بعمارته بسوق الخيل، وكان قد اشتهر أنه وقف عليه القيسارية التي كان أنشأها ظاهر باب الفرج، والحمامين المتجاورين ظاهر باب الجابية غربي خان السلطان العتيق، وحِصَصًا
(7)
في قرايا أخرى كان قد أشهد على نفسه بذلك قبل ذلك فالله أعلم. ثم طلب بقية أصحابه من حماة فحملوا إلى الديار المصرية وعُدِم خبرهم، فلا يدرى على أي صفةٍ هلكوا.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الثامنَ عشرَ من جمادى الآخرة من هذه السنة دخل الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه دمشقَ المحروسة نائبًا عليها، وكان قدومه من حلب، انفصل عنها وتوجه إليها الأمير فخر الدين إياس الحاجب، فدخلها أَرْغُون شاه في أبهة وعليه خلعة وعمامة بطرفين، وهو قريب الشكل من تَنْكِز رحمه الله فنزل دار السعادة وحكم بها، وفيه صرامة وشهامة
(8)
.
وركب في الموكب يوم الخميس، وصلى الجمعة بمشهد عثمان على عادة النواب، وحمل الناس
(1)
"قاقون": حصن بفلسطين قرب الرّملة، وقيل: هو من عمل قيسارية ياقوت (4/ 299).
(2)
في ط: غبرة وهو تصحيف.
(3)
الأصل وط: رؤوسهما. الذيل ص (261) والدرر الكامنة (3/ 436) والذيل التام (1/ 91).
(4)
في ط: وحاكم الوزير.
(5)
في ط: سردا وهو تصحيف. وهو: محمود بن علي بن شروين البغدادي نجم الدين ذكر من قبل مع رفيقه القاضي حسام الدين الغوري الذيل التام (1/ 89).
(6)
الدرر الكامنة (2/ 4) والنجوم الزاهرة (10/ 163).
(7)
ط: خصصًا بالخاء.
(8)
الدرر الكامنة (1/ 350) والنجوم الزاهرة (10/ 161).
الشموع، وأكثروا الدعاء له وفرحوا به، وكان قد رخص الخبز قبل قدومه، فصار رطلٌ وأوقيتان بدرهم. فرام أن يجعله رطلًا ونصفًا بدرهم فلم يمكنه ذلك.
وفي صبيحة يوم الجمعة الحادي والعشرين منه دخل الأمير بدر الدين بن الخطير إلى دمشق ليلًا، فنزل بداره، وذهب الناس للسلام عليه وتهنئته بنيابة طرابلس بعد غزّة، وحضر الصلاة مع النائب، وركب معه يوم السبت في الموكب، ولعب معه بالكرة بالميدان
(1)
.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه صُلِّي على الأمير علاء الدين بن قَرَاسنْقُر
(2)
بالجامع الأموي وظاهر باب النصر، وحضر القضاة والأعيان والأمراء، ودفن بتربته بميدان الحصا بالقرب من جامع الكريمي.
شهر رجب الفرد، أوّله الأحد، في أوائله داروا بالمحمل على العادة، واحتفلوا به، لأجل نائب السلطنّة.
شهر شعبان، أوّله الإثنين، في العشر الأوسط منه عُزل والي البر الأمير بدر الدين المنكورسي، وولّي مكانه متولي المدينة الأمير جمال الدين عبد الله الدَّمرداشي، ووكالة شرطة البلد نائبه ناصر الدين الطُّرَيْراتي
(3)
.
وعملت ليلةُ النصف على العادة من إشعال القناديل، ولم يشعلِ النَّاس لما هم فيه من الغلاء وتأخرُّ المطر وقلّة الغلة، الخبز كل رطل إلا أوقية بدرهم، وهو متغير، وسائر الأشياء غالية، والزيت كل رطل بأربعة ونصف، ومثله السِّيرج
(4)
والصابون والأرز، والعنبريس كل رطل بثلاثة، وسائر الأطعمات على هذا النحو، وليس شيء قريب الحال سوى اللحم بدرهمين وربع، ونحو ذلك، وغالب أهل حَوْران يردون من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمُؤْنة والبذار من دمشق، وبيع عندهم القمح المغربل كل مد بأربعة دراهم، وهم في جهد شديد، والله المستعان، وإذا سافر أحد يشقُّ عليه تحصيل الماء لنفسه ولفرسه ودابته، لأن المياه التي في الدرب كلها نفدت، وأما القدس فأشد حالًا وأبلغ في ذلك.
ولما كان العشر الأخير من شعبان من هذه السنة من الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنَّة على عباده بإرسال الغيث المتدارك الذي أحيى العباد والبلاد، وتراجع الناس إلى أوطانهم لوجود الماء في الأودية والغدران، وامتلأت بركة زُرَع بعد أن لم يكن فيها قطرة، وجاءت بذلك البشائر إلى نائب السلطنة، وذُكر أن الماء عم البلاد
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وركب في المركب.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 527).
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(4)
في ط: الشيرج بالشين.
كلها، وأنَّ الثلج على جبل بني هِلال كثير
(1)
، وأما الجبال التي حول دمشق فعليها ثلوج كثيرة جدًّا، واطمأنّت القلوب وحصل فرج شديد والله الحمد والمنَّة، وذلك في آخر يوم بقي من تشرين الثاني.
شهر رمضان أوّله الأربعاء، وفي يوم الثُّلاثاء الحادي والعشرين منه توفّي الشيخ عز الدين محمد
(2)
الحنبلي بالصَّالحية وهو خطيب الجامع المظفري، وكان من الصالحين المشهورين رحمه الله، وكان كثيرًا ما يلقِّنُ الأموات بعد دفنهم، فلقّنه الله حجّته وثبّته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
مقتل المظفر وتولية الناصر حسن بن الناصر
وفي العشر الأخير من رمضانَ جاء البريد من نائب غزة إلى نائب دمشق بقتل السلطان الملك المظفَّر حاجي بن الناصر محمد، وقع بينه وبين الأمراء فتحيَّزوا عنه إلى قبة النصر فخرج إليهم في طائفة قليلة فقُتل في الحال وسُحب إلى مقبرة هناك، ويقال قُطِّع قطعًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون
(3)
.
ولما كان الجمعة آخر النهار ورد من الدّيار المصرية أميرٌ للبيعة لأخيه السلطان الناصر حسن بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فدُقّت البشائر في القلعة المنصورة، وزُيّن البلد بكماله والله الحمد في الساعة الراهنة من أمكن من الناس، وما أصبح صباح يوم السبت إلا زُيّن البلد بكماله والله الحمد على انتظام الكلمة، واجتماع الألفة.
شهر شوال، أوّله الخميس، في ليلة الخميس خامس عشره كسف القمر آخر الليل، وصلى الخطيب فرض الصبح، ثم صَلّى الكسوف وخطب. وقيل: إنّ هذا شيء لم يتّفق من قبل أن يكسَف القمر ليلة خمس عشرة
(4)
.
وفي يوم الثلاثاء العشرين من شوال قدم الأمير فخر الدين أياس نائب حلب محتاطًا عليه، فاجتمع بالنائب في دار السعادة، ثم أُدخل القلعة مضيَّقًا عليه، ويقال: إنه قد فوّض أمره إلى نائب دمشق، فمهما فعل فيه فقد أمضى له فأقام بالقلعة المنصورة نحوًا من جمعة، ثم أركب على البريد ليسار به إلى الديار المصرية، فلم يُدرَ ما فعل به
(5)
.
(1)
في حوران من أرض دمشق، تحته قرى كثيرة، منها قرية تعرف بالمالكية ياقوت (5/ 43).
(2)
ترجمته في الذيل ص (266) والوفيات لابن رافع (2/ 52) والدرر الكامنة (3/ 287) والذيل التام (1/ 96) وفيها: محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي الحنبلي أبو عبد الله.
(3)
الدرر الكامنة (2/ 3 - 5) الذيل التام (1/ 92 - 93).
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(5)
حبس في الإسكندرية النجوم الزاهرة (10/ 189).
وفي آخر ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شوال، وهو الخامس والعشرين من كانون الثاني جاء الغيث بفضل الله ومنّه، وكان الناس من مستهلّ رمضان وإلى هذا الآن لم يُمطروا مطرًا تجري منه الميازيب. وغلت الأسعار حتى الخضراوات وغيرها، وسعر الخبز عشر أواق بدرهم. وقد تغير حال كثير من الناس. ولكن حوران وسائر البلاد ممطورة والأودية جارية، والزراعات جيدة في سائر البلاد. والله الحمد.
وكانت دمشق وغوطتها ومرجها جدبًا إلى هذه الليلة فمن الله الكريم بالغيث.
شهر ذي القعدة، وأوّله السبت
(1)
. وفي ليلة الإثنين ثالثه توفي الشيخ الحافظ الكبير مؤرّخ الإسلام وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
(2)
[أحمد بن]
(3)
عثمان الذهبي بتربة أم الصالح وصُلّي عليه يوم الإثنين صلاة الظهر في جامع دمشق، ودفن بباب الصغير، وقد خُتم به شيوخُ الحديث وحفّاظُه. رحمه الله.
وفي يوم الأحد سادسَ عشرَ ذي القعدة حضرتُ تربة أمِّ الصالح
(4)
رحمه الله واقفها عوضًا عن الشيخ شمس الدين الذهبي، وحضر جماعةٌ من أعيان الفقهاء وبعض القضاة، وكان درسًا مشهودًا ولله الحمد والمنة، أوردت فيه حديثَ أحمد عن الشافعيّ عن مالك عن الزهري عن عبد الرَّحمن بن كعب بن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّما نسمةُ المؤمن طائرٌ يَعْلُقُ
(5)
في شجر الجنّة حتَّى يُرجعَه إلى جسده يوم يَبْعَثُه [الله] "
(6)
.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره أمر نائب السلطنة بجماعة انتهبوا شيئًا من الباعة فقطع أيدي أحدَ عشرَ منهم، وسُمِّر، سبعة عشر منهم تسمير تعزير وتأديب انتهى. والله أعلم.
شهر ذي الحجة، أوّله الأحد، في يوم الإثنين سلخه توفي القاضي عماد الدين علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنفي
(7)
الذي كان قاضي قضاة الحنفية، فنزل لولده قاضي القضاة نجم الدين عن المنصب، واعتزل هو في منزله بالمِزّة، ثم كانت وفاته في هذا اليوم في منزله المذكور، وصُلّي عليه العصر بالجامع
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي آخر ليلة الجمعة.
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (267 - 269) والوفيات لابن رافع (2/ 55) وطبقات الشافعية (5/ 216) والدرر الكامنة (3/ 336) وتاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 530) والذيل التام (1/ 94) ومصادر ترجمته من الكثرة بقدر يصعب حصرها.
(3)
زيادة من مصادر ترجمته.
(4)
يعني الدَّرس.
(5)
في الأصول: معلق، والتصحيح من كتب السنة.
(6)
رواه أحمد في المسند (3/ 455) وابن ماجه رقم (4271) والنسائي (4/ 108) من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
(7)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 524 والدرر الكامنة 3/ 18 - 19، والذيل التام 1/ 95.
المجدّد بالمزّة، ودّفن بمقبرة لهم بسفح المزّة، وحضره القضاة والأعيان، وكان الجمع حافلًا
(1)
.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين وسبع مئة
استهلَّت وسلطان البلاد المصرية والشامية الملك الناصر ناصر الدين حسن بن الملك المنصور ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين بَيْبُغَا
(2)
، ووزيره مَنْجَك
(3)
.
وقضاته القاضي عز الدين بن جماعة الشافعيّ وتقي الدين الإِخنائي المالكي، وعلاء الدين بن التركماني الحنفي، وموفق الدين المقدسي الحنبلي. وكاتب سره القاضي علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله العمري. ونائب الشام المحروس بدمشقَ الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه الناصري، وحاجب الحجاب الأمير طَيْدَمُر
(4)
الإسماعيلي.
والقضاة بدمشق، قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعي، وقاضي القضاة نجم الدين الحنفي، وقاضي القضاة جلال الدين المسلَّاتي المالكي، وقاضي القضاة علاء الدين بن مُنَجَّى الحنبلي.
وكاتب سرّه القاضي ناصر الدين الحلبي الشافعي، وهو قاضي العساكر بحلب، ومدِّرس الأسدية بها أيضًا، مع إقامته بدمشق المحروسة.
[وتواترت الأخبار بوقوع البلاء في أطراف البلاد. فذكر عن بلاد القرم أمر هائل، وموتان فيهم كثير، ثم ذكر أنَّه انتقل إلى بلاد الفرنج حتى قيل: إنَّ أهل قبرص مات أكثرهم أو يقارب ذلك، وكذلك وقع بغزة أمر عظيم، وقد جاءت مطالعة نائب غزة إلى نائب دمشق أنه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو من بضعةَ عشرَ ألفًا، وقرئ "البخاري" في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع ربيع الأول في هذه السنة، وحضر القضاة وجماعة من الناس، وقرأت بعد ذلك المقرئون، ودعا الناس برفع الوباء عن البلاد، وذلك أن الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض في السواحل وغيرها من أرجاء البلاد يتوهمون ويخافون وقوعه بمدينة دمشق، حماها الله وسلمها مع أنه قد مات جماعة من أهلها بهذا الداء]
(5)
.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: شهر ذي الحجة أوّله الأحد.
(2)
في ط: يلبغا وهو تحريف. والتصويب من النجوم (10/ 188) والذيل التام للسخاوي (1/ 97) وسيأتي في أحداث سنة (754) هـ.
(3)
الأمير منجك اليوسفي السلاح دار أخو بيبغا أروس.
(4)
في ط: طير دمر وهو تحريف. والتصويب من الدرر الكامنة (2/ 232) وفيه: طيدمر الحاجب الإسماعيلي اعتقل ومات بعد سنة (759) هـ.
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وط.
وفي صبيحة يوم تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة وقرؤوا متوزعين "سورة نوح" ثلاثة آلاف مرة وثلثمئة وثلاثة وستين مرة، عن رؤيا رجل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى قراءة ذلك كذلك
(1)
.
وفي هذا الشهر أيضًا كثر الموت في الناس بأمراض الطواعين، وزاد الأموات كل يوم على المئة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا وقع في أهل بيت لا يكاد يخرج منه حتى يموتَ أكثرهم، ولكنه بالنظر إلى كثرة أهل البلد قليل، وقد توفي في هذه الأيام من هذا الشهر خلق كثير وجم غفير، ولا سيَّما من النّساء، فإن الموت فيهن أكثر من الرجال بكثير كثير، وشرع الخطيب في القنوت بسائر الصلوات والدعاء برفع الوباء من المغرب ليلة الجمعة سادس شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وحصل للناس بذلك خضوع وخشوع وتضرُّع وإنابة، وكَثُرت الأموات في هذا الشهر جدًّا، وزادوا على المئتين في كل يوم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وتضاعف عدد الموتى منهم، وتعطلت مصالح الناس، وتأخرت الموتى عن إخراجهم، وزاد ضمان الموتى جدًّا فتضرّر النَّاس ولا سيما الصَّعاليك، فإنه يؤخذ على الميت شيء كثير جدًّا، فرسم نائب السلطنة بإبطال ضمان النُّعوش والمغسّلين والحمّالين، ونودي بإبطال ذلك في يوم الإثنين سادسَ عشرَ ربيع الآخر، ووقف نعوش كثيرة في أرجاء البلد واتسع الناس بذلك، ولكن كثرت الموتى فالله المستعان
(2)
.
وفي يوم الإثنين الثالث والعشرين منه نودي في البلد أن يصوم الناس ثلاثة أيام، وأن يخرجوا في اليوم الرابع وهو يوم الجمعة إلى عند مسجد القدم يتضرَّعون إلى الله ويسألونه في رفع الوباء عنهم، فصام أكثرُ الناس ونامَ الناس في الجامع وأحيوا الليل كما يفعلون في شهر رمضان، فلما أصبح الناس يوم الجمعة السابع والعشرين منه خرج الناس يوم الجمعة من كل فج عميق، واليهود والنصارى والسَّامرة، والشيوخ والعجائز والصبيان، والفقراء والأمراء والكبراء والقضاة من بعد صلاة الصبح، فما زالوا هنالك يدعون الله تعالى حتى تعالى النهار جدًّا، وكان يومًا مشهودًا.
شهر جمادى الأولى، أوله الثلاثاء. في يوم الأربعاء تاسعه درّس بالمدرسة الطيبة جوار باب الخوّاصين الفقيه الفاضل تقي الدين بن القيراطي المصري عوضًا عن شمس الدين بن الزكي الذي كان أبوه نائب الخطابة، وحضر عنده جملة من الفقهاء والأعيان والقضاة، وكان الدرس في قوله تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61]
(3)
.
وفي يوم الخميس عاشر جمادى الأولى صَلَّى الخطيب بعد صلاة الظهر على ستة عشر ميتًا جملة
(1)
لم يرد مثل هذا في السنة، والمنامات لا تؤخذ منها الأحكام الشرعية.
(2)
النجوم الزاهرة (10/ 195) والذيل التام للسخاوي (1/ 97 - 98).
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
واحدة، فتهوّل النَّاسُ من ذلك وانذعروا، وكان الوباء يومئذ كثيرًا ربما يقارب الثلثمئة بالبلد وحواضره فإنا لله وإنا إليه راجعون، وصُلِّيَ بعد الصلاة على خمسةَ عشرَ ميتًا بجامع دمشق، وصُلِّي بجامع الخيل على إحدَى عَشَرَةَ نفسًا رحمهم الله.
وفي يوم الإثنين الحادي والعشرين منه رسم نائب السلطنة بقتل الكلاب من البلد، وقد كانت كثيرة بأرجاء البلد، وربما ضَرَّت النَّاسَ وقطعت عليهم الطرقات في أثناء الليل، أما تنجيسها الأماكن فكثير قد عمَّ الابتلاء به وشق الاحتراز منه، وقد جمعتُ جُزْءًا في الأحاديث الواردة في قتلهم، واختلاف الأئمة في نسخ ذلك، وقد كان عثمان
(1)
رضي الله عنه يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب، ونصَّ مالكٌ في رواية ابن وهب على جواز قتل كلاب بلدة بعينها، إذا أذن الإمام في ذلك للمصلحة.
وفي يوم الإثنين الثامن والعشرين منه توفي زين الدين عبد الرَّحمن
(2)
ابن شيخنا الحافظ المِزِّي، بدار الحديث النُّوريَّة وهو شيخها، ودفن بمقابر الصوفية مع والده.
شهر جمادى الآخرة وأوّله الأربعاء في مستهلّه رسم لي بمشيخة دار الحديث النورية، ثم توقف الأمر بأسباب من جهة بعض الحكام، وكان ولد الشيخ رحمه الله قد نزل لي عنها.
وفي يوم الأحد خامسه توفي الشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم
(3)
المالكي مدرس الشرّابيشية المالكية، وقد ولّي مشيخة دار الحديث بعد شيخنا الحافظ الذهبي
(4)
.
وفي منتصف شهر جمادى الآخرة قوي الموت وتزايد وبالله المستعان، ومات خلائق من الخاصَّة والعامَّة ممَّن نعرفهم وغيرهم رحمهم الله وأدخلهم جنته، وبالله المستعان.
وكان يُصلَّى في أكثر الأيام في الجامع على أَزْيَدَ من مئة ميت فإنا لله وإنا إليه راجعون، وبعض الموتى لا يُؤتى بهم إلى الجامع، وأما حول البلد وأرجائها فلا يعلم عددَ من يموت بها إلا الله عز وجل رحمهم الله آمين.
وفي يوم الإثنين السابع والعشرين منه توفي الصدر شمس الدين
(5)
بن الصَّبَّاب
(6)
التاجرُ السفَّارُ، باني
(1)
في ط: عمر وهو توهم. وقد مر الكلام فيه في سنة (745) هـ مفصلًا.
فقد روى الأشعث عن الحسن قال: ما خطب عثمان خطبة إلا أمر بقتل الكلاب وذبح الحمام. الحيوان (1/ 292).
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (275) والوفيات لابن رافع (2/ 77) والدرر الكامنة (2/ 351).
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 580، والدرر الكامنة 2/ 153، وأعيان العصر 2/ 443.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(5)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (276) وتاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 634) والدرر الكامنة (3/ 375) وذيول تذكرة الحفاظ ص (121) ومنادمة الأطلال ص (69) وقد وهم الشيخ بدران فجعل وفاته سنة (740) نقلًا عن الزيل.
(6)
في الدارس (1/ 128) ابن الصَّبَّان. وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العزّ بن الصبّاب الحراني التاجر.
المدرسة الصبابية، التي هي دار قرآن بالقرب من الظاهرية، وهي قبلي العادلية الكبيرة، وكانت هذه البقعة برهة من الزمان خربة شنيعة، فعمرها هذا الرجل وجعلها دار قرآن ودار حديث للحنابلة، ووقف هو وغيره عليها أوقافًا جيدة رحمه الله تعالى.
شهر رجب الفرد، وأوله الخميس، وفي يوم الجمعة ثامنه صلي بعد الجمعة بالجامع الأموي على غائب: على القاضي علاء الدين بن قاضي شُهْبة
(1)
.
ثم صُلي على إحدى وأربعين نفسًا جملة واحدة، فلم يتّسع داخل الجامع لصفِّهم بل خرجوا ببعض الموتى إلى ظاهر باب السر، وخرج الخطيب والنقيب فصلى عليهم كلهم هناك، وكان وقتًا مشهودًا، وعبرة عظيمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون
وفي هذا اليوم توفي التاجر المسمى بأَفْرِيْدُون
(2)
الذي بنى المدرسة التي بظاهر باب الجابية
(3)
تجاه تربة بهادرآص، حائطها من حجارة ملونة، وجعلها دارًا للقرآن العظيم ووقف عليها أوقافًا جيدة، وكان مشهورًا مشكورًا رحمه الله وأكرم مثواه.
وفي يوم السبت ثالث رجب صُلِّيَ على الشيخ علي
(4)
الغَزِّي
(5)
أحد أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية بالجامع الأَفرمي بسفح قاسيون، ودفن بالسفح رحمه الله.
وكانت له عبادة وزهادة وتقشف وورع ولم يتولَّ في هذه الدنيا وظيفة بالكلية، ولم يكن له مال، بل كان يأتي بشيء من الفتوح يستنفقه قليلًا قليلًا، وكان يعاني التصوَّف، وترك زوجة وثلاثة أولاد رحمه الله.
وفي يوم الأحد رابعه توفي القاضي عز الدين الأقصرائي
(6)
الحنفي نائب الحكم، ومدّرس العزّية البرانية وخطيبها. وكان لديه فضائل ورئاسة وتعبُّد، وكتابة حسنة. وفي هذا اليوم درّس الشيخ شهاب الدين الأفضلي بالمدرسة الجاروخية عوضًا عن الشيخ نور الدين الأردبيلي الدارج إلى رحمة الله. نزل له عنها. وحضر عنده القضاة وجماعة من الأعيان.
وفي يوم الثلاثاء سادسه صُلّي على جمال الدين يوسف العجمي
(7)
الذي كان يؤم بمسجد ابن هشام،
(1)
هو علي بن عمر بن محمد ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 607).
(2)
ترجمته في الدرر الكامنة للحسيني ص (277) والدرر الكامنة (1/ 391) والدارس (2/ 253) والذيل التام (1/ 105).
(3)
الدارس (2/ 253).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 145) وفيه: علي الغزي نزيل الصالحية في كلام طويل.
(5)
في الأصل وط: المغربي. وأثبتنا ما في الدرر.
(6)
هو محمد بن عيسى. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 642) نقلًا عن ابن كثير وليس في المطبوع منه.
(7)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 655. نقلا عن ابن كثير أيضًا. وليس في المطبوع منه.
كان يجيد قراءة القرآن المجيد، ويؤدي الروايات بصوت حسن، ويقرأ في الختم، وكان له تصدير بالجامع الأموي، وشاع في قوت أنه أُذن له في الفتوى، وكان جميل الشكل
(1)
.
وفي صبيحة يوم الأربعاء سابع رجب صُلِّي على القاضي زين الدين
(2)
بن النُّجَيْح نائب القاضي الحنبلي، بالجامع المظفَّري، ودفن بسفح قاسيون، وكان مشكورًا في القضاء، لديه فضائل كثيرة، وديانة وعبادة، وكان من أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان قد وقع بينه وبين القاضي الشافعيّ مشاجرات بسبب أمور، ثم اصطلحا فيما بعد ذلك.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره بعد أذان الظهر حصل بدمشقَ وما حولها ريح شديدة أثارت غبارًا شديدًا اصفرّ الجو منه ثم اسود حتى أظلمت الدنيا، وبقي الناس في ذلك نحوًا من ربع ساعة يستجيرون الله ويستغفرون ويبكون، مع ما هم فيه من شدة الموت الذريع، ورجا الناس أن هذا الحال يكون ختام ما هم فيه من الطاعون، فلم يزدد الأمر إلا شدة، وبالله المستعان.
وبلغ المصلَّى عليهم في الجامع الأموي إلى نحو المئة وخمسين، وأكثر من ذلك، خارجًا عمَّن لا يؤتى بهم إليه من أرجاء البلد وممّن يموت من أهل الذمة، وأما حواضر البلد وما حولها فأمر كثير، يقال: إنه بلغ ألفًا في كثير من الأيام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وصلّي بعد الظهر من هذا اليوم بالجامع المظفري على الشيخ إبراهيم
(3)
بن المُحبّ، الذي كان يحدث في الجامع الأموي وجامع تَنْكز، وكان مجلسه كثير الجمع لصلاحه وحسن ما كان يؤديه من المواعيد النافعة، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة رحمه الله.
وعملت المواعيد بالجامع الأموي ليلة سبع وعشرين من رجب يقولون ليلة المعراج، ولم يجتمع الناس فيه على العادة لكثرة من مات منهم، ولشغل كثير من الناس بمرضاهم وموتاهم، واتفق في هذه الليلة أنه تأخر جماعة من الناس في الخيم ظاهر البلد، فجاؤوا ليدخلوا من باب النصر على عادتهم في ذلك، فكأنه اجتمع خلق منهم بين البابين فهلك كثير منهم كنحو ما يهلك الناس في هذا الحين على الجنائز، فانزعج نائب السلطنة فخرج فوجدهم فأمر بجمعهم، فلما أصبح الناس أمر بتسميرهم ثم عفا
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الأحد رابعه.
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (273) وفيه: زين الدين عمر بن سعد الله بن النَّجَيج الحراني. وذيل طبقات الحنابلة (2/ 443) والدرر الكامنة (3/ 166). وفي الوفيات لابن رافع (2/ 85 - 86) وفيه: عمر بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن بُخَيْخ. نقلًا عن المشتبه في الرجال (1/ 51) فليحرر.
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (278) والوفيات لابن رافع (2/ 91) والدرر الكامنة (1/ 9) وفيه: إبراهيم بن أحمد. وذيول تذكرة الحفاظ ص (57).
عنهم، وضُرب متولِّي البلد ضربًا شديدًا، وسُمّر نائبه في الليل، وسُمّر البواب بباب النصر، وأمر أن لا يمشي أحد بعد عشاء الآخرة، ثم تسمَّح لهم في ذلك.
شهر شعبان المبارك، أوّله السبت في صبيحة هذا اليوم خرج نائب السلطنة إلى الصّيد إلى ناحية الغسُّولة، وقدمت التجريده من أرض الرّحبة ومقدّمهم سيف الدين ألجيبغا العادلي.
واستهلَّ هذا الشهر والفناء في الناس كثير جدًّا، ربّما ألّفت
(1)
المدينة وحواضرها في اليوم والليلة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وصُلّي يوم الجمعة سابعه بعد الصّلاة على ثلاثة وخمسين ميتًا، من ذلك أحدٌ وثلاثون رجلًا وصبيًا وإحدى وعشرون امرأة رحمهم الله. وصلّي يوم السبت ثامنه بعد الصلاة على اثنتين وعشرين نفسًا منهم الشيخ عمر
…
(2)
، وكان من أهل الخير والديانة، كثير التلاوة، وكان جنديًّا، فترك وانقطع لله تعالى وتأهّل وجاءته الأولاد، وكان يقتات من مرتّبٍ ضعيف وكان قد تصدّى في هذا الوقت للصلاة على الموتى بالجامع في غير أوقات الصلاة، ممّن يُصلّى عليه إلى الظهر، ومن بعده إلى العصر، ثم إلى المغرب، حتى مات في هذا اليوم رحمه الله ودفن على زوجته بمقابر الباب الصغير. وتوفّي الشيخ شمس الدين بن الصلاح
(3)
مدرس القيمرية بالمطرزيين، يوم الخميس ثالث عشره رحمه الله.
وفي يوم الجمعة سابع عشره صلّي بعد الصلاة على جماعة كثيرة منهم القاضي عماد الدين ابن الشيرازي
(4)
محتسب البلد، وكان من أكابر رؤساء دمشق، وولّي نظر الجامع مدة، وولّي نظر الأوقاف في وقت، وجمع له بينهما في وقت، ودفن بسفح قاسيون.
وفي يوم الخميس العشرين من شعبان لبس القاضي جمال الدين ابن القاضي عماد الدين أحمد بن محمد بن الشيرازي خلعة الحسبة بعد أبيه، ودار في البلد على العادة، وهو شاب عمره نحو العشرين
(5)
.
شهر رمضان المعظّم وأوّله الأحد، في يوم الأربعاء رابعه توفي الشيخ علاء الدين القونوي شيخ الشيوخ ومدرّس القليجية، ودفن بمقابر الصوفية بتربة بناها له.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره حضر القاضي ناصر الدين كاتب السرّ مشيخة الشيوخ بالسُميساطية، وحضر عنده القضاة والأعيان وغيرهم، عوضًا عن علاء الدين القونوي بطلب الصّوفية من نائب السلطنة.
(1)
في أ وب وط: (أنتنت). وألفت: بلغتِ الألفَ. وهو الصواب.
(2)
بياض كلمة في الأصل، ولم أهتد إلى معرفته وترجمته.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 609: وهو علي بن محمد بن محمود الشهّرزوري.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 633 نقلًا عن ابن كثير. وليست في المطبوع منه.
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: شهر شعبان المبارك.
وفي هذا اليوم خطب الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد مدرّس الأمينية بالجامع الأشرفي بالعقيبة، ويُعرف بجامع التُوبة. وحضر جماعة من الأعيان، وخطب من تصنيفه، واستجاد الناس منه ذلك.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره توفيت زوجتي زينب بنت الحافظ جمال الدين المزي
(1)
، وكانت من الصالحات الكبار، تحفظ القرآن العظيم، وتكثر تلاوته، والصلاة في الليل والنهار، تُحسن قراءة الحديث من الكتب والأجزاء في غاية القوة، مع الخصال الحميدة - رحمها الله - ودفنت بمقابر الصوفية على والدتها إلى جانب والدها - رحمهم اللهُ تعالى -.
وفي العشر الأخير من هذا الشهر توفي القاضي جمال الدين عبد الله بن عماد الدين بن الشيرازي
(2)
المحتسب بعد أبيه، ودُفن بالصّالحية عند أبيه.
وقد توفّي أخوه عبد العزيز
(3)
قبله بنحوٍ من جمعة رحمهم الله.
وأُعيد البدرُ بن سيف الحرّاني إلى الحسبة، ولبس الخلعة، ودار في البلد على العادة.
وفي هذا الشهر أو الذي قبله فتحت مدرسة في دار الحديث الأشرفية، ورُتّب فيها إمامٌ وجماعة يقرؤون القرآن ويشغلونه، ومنشِئُها الشريف علي الفقاعي. بالرصيف كان.
شهر شوال وأوله الثلاثاء، صلّى الخطيب
(4)
صلاة العيد بدار السعادة، اتقاء المطر، وحزنًا على ولده، كان قد توفي قبل ذلك بأيام قلائل.
وفي هذا اليوم توفيت زوجة القاضي تقي الدين السبكي الشافعيّ، ودفنت بالصالحية، وحضر القضاة والأعيان على العادة
(5)
.
وفي العشر الأخير من شهر شوال توفي الأمير قَرَابُغَا
(6)
دوادار النائب
(7)
، بداره غربي حكر السماق، وقد أنشأ له إلى جانبها تربة ومسجدًا، وهو الذي أنشأ السُّويقة المجدَّدة عند داره، وعمل لها بابين شرقيًا وغربيًا، وضمنت بقيمة كثيرة بسبب جاهه، ثم بارت وهجرت لقلة الحاجة إليها، وحضر الأمراء
(1)
ترجمتها في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 579. نقلًا عن ابن كثير، وليست في المطبوع منه.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 588 - 589.
(3)
المصدر نفسه 2/ 589.
(4)
في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 553: النائب وكلاهما صحيح فالخطيب القزويني خطب بدار السعادة يومذاك وصلّى بالنائب.
(5)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: شهر رمضان المعظم.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 244).
(7)
يعني: أرغون شاه. نائب دمشق.
والقضاة والأكابر جنازته، ودفن بتربته هناك، وترك أموالًا جزيلة وحواصل كثيرة جدًّا، أخذه مخدومه نائب السَّلطنة.
شهر ذي القعدة أوّله الأربعاء، وفي يوم الثلاثاء سابعه توفّي خطيب الجامع، الخطيب تاج الدين عبد الرحيم
(1)
بن القاضي جلال الدين محمد بن عبد الرَّحمن
(2)
القزويني، بدار الخطابة، مرض يومين وأصابه ما أصاب الناس من الطاعون، وكذلك عامة أهل بيته من جواريه وأولاده.
وتبعه أخوه بعد يومين صدر الدين عبد الكريم
(3)
، وصُلّي على الخطيب تاج الدين بعد الظهر يومئذ عند باب الخطابة ودفن بتربتهم بالصوفية عند أبيه وأخويه بدر الدين محمد
(4)
، وجمال الدين عبد الله
(5)
رحمهم الله.
وفي يوم الخميس تاسعه اجتمع القضاة وكثير من الفقهاء المفتين عند نائب السلطنة بسبب الخطابة، فطلب إلى المجلس الشيخ جمال الدين
(6)
محمود بن جملة. فولَّاه إياها نائب السلطنة، وانتزعت من يده وظائف كان يباشرها، ففرّقت على الناس، فولي القاضي بهاء الدين أبو البقاء تدريس الظاهرية البرانية، وتوزع الناس بقية جهاته، ولم يبق بيده سوى الخطابة، وصلّى بالناس يومئذ الظهر، ثم خُلع عليه في بكرة نهار الجمعة، وصلى بالناس يومئذ وخطبهم على قاعدة الخطباء.
وفي يوم الأحد ثاني عشره درّس القاضي شرف الدين بن الكفري بالقليجية، جوار دار الذهب، عوضًا عن القاضي زين الدين بن الرضيِّ نائب الحكم. وفي رحمة الله إن شاء الله.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره درّس القاضي ناصر الدين كاتب السرّ بالمدرسة الشامية الجوّانية عوضًا عن محمود بن الخطيب تاج الدّين، لحق أباه بعد أيام، وكانت قد أُرصدت له، ليستنيب فيها حتى يتأهّل. فكان موته بعد أبيه بخمسة أيام، فوليها القاضي ناصر الدين المذكور. وحضر عنده القضاة وجماعة من الأعيان
(7)
. وأخذ في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
(1)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (272 - 273) والدرر الكامنة (2/ 361) والدارس (1/ 347 - 370).
(2)
في ط: الرحيم.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 401) وفيه ذكر لاسمه فقط، وأشير في الهامش إلى أن في ترجمته بياضًا قدره ثلاثة أسطر.
(4)
توفي سنة (742) هـ كما سلف.
(5)
توفي سنة (743) هـ الدرر الكامنة (2/ 294).
(6)
في ط: جمال الدين بن محمود وهو توهم. الذيل ص (273) والدارس (1/ 346).
(7)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 555 عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه.
وفي هذا العَشْر من هذا الشهر بلغنا وفاة قاضي القضاة بحلب نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري، الصائغ
(1)
. وهو مؤرخٌ بيوم الأربعاء سلخ شوال، وإنما كان في مستهلّ ذي القعدة، عليه رحمة الله تعالى.
وفي يوم الأربعاء الثاني والعشرين منه درّس الشيخ شرف الدين بن منصور الحنفي بالسّفينة من مقصورة المالكية من الجامع الأموي عوضًا عن برهان الدين ابن شمس الدين الزَّنجيلي
(2)
توفّي رحمه الله.
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه صُلّي على أربعة من الغياب بمصر، وهم: الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن لاحق بن عبدلان
(3)
، أحد مشايخ الشافعية بمصر من مدّة طويلة مولده سنة ثنتين وستين وستمئة، وناب عن ابن دقيق العيد قبل السبعمئة.
والثاني شمس الدين محمد بن اللبّان الإِسْعَرْدي
(4)
كان مدرسَ تربةِ الشّافعي وخلفَه فيها صاحبنا الإمام شمس الدين محمد ابن خطيب يبرود. ودّرس بخلعة، وحضر عنده القضاة والأعيان وارتفع أمره كثيرًا، وذلك بعناية القاضي علاء الدين كاتب السرّ بالديار المصرية
(5)
.
شهر ذي الحجة، أوّله الجمعة، في مستهلّه صُلّي على رجلٍ وصبي بعد صلاة الجمعة، وهذا شيء لم يعهد من مدّة شهور، ولله الحمد.
وفي هذا اليوم صُلّي على جماعة من الغياب منهم: الشيخ علي بن نبهان
(6)
بحلب، وكانت له زاوية يفدُ إليها خلق من الناس. ومن جاءه من أمير وكبير، وفقير وصغير أضافه بحسب حاله، وكذلك كان والده من قبله على هذا القدم. وكانت له ثروة وأموال جزيلة وحشم وخدم رحمه الله
(7)
.
وفي يوم عرفة، وكان يوم السبت، توفي القاضي شهاب الدين
(8)
بن فضل الله كاتب الأسرار الشريفة
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 645، وأعيان العصر 5/ 199، والدرر 4/ 226، وإعلام النبلاء للطبّاخ 4/ 542.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 627، وغاية النهاية لابن الجزري 2/ 49، والذيل التام 1/ 103.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 630 نقلًا عن ابن كثير، وليست في المطبوع منه. والذيل التام 1/ 100.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 629، نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه، والذيل التام 1/ 99.
قلت: ذكر ابن كثير أنه صلي على أربعة. ولم يذكر سوى اثنين.
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الأحد ثاني عشره درَّس
…
(6)
ترجمته في تاريخ قاضي ابن شهبة 2/ 609، نقلًا عن ابن كثير. وليست في المطبوع منه. وأعلام النبلاء 4/ 543.
(7)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(8)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (275) والوفيات لابن رافع (2/ 112 - 113). والفوات (1/ 157) والنجوم الزاهرة (10/ 234) والذيل التام للسخاوي (1/ 105).
وهو: أحمد بن يحيى بن فضل الله العُمَري.
بالديار المصرية، والبلاد الشامية، ثم عزل عن ذلك ومات، وليس يباشر شيئًا من ذلك، مع رياسة وسعادة وأموال جزيلة، وأملاك ومرتبات كثيرة، وعمر دارًا هائلة بسفح قاسيون بالقرب من الركنية
(1)
شرقيها ليس بالسفح مثلها.
وقد انتهت إليه رئاسة الإنشاء، وكان يشبَّه بالقاضي الفاضل
(2)
في زمانه، وله مصنَّفات عديدة بعبارات سعيدة
(3)
، وكان حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الأخلاق، يحب العلماء والفقراء، ولم يجاوز الخمسين، توفي بدارهم داخل باب الفراديس، وصُلِّي عليه بالجامع الأموي، ودُفن بالسَّفح مع أبيه وأخيه بالقرب من اليغمورية
(4)
سامحه الله وغفر له.
وفي هذا اليوم توفي الشيخ أبو عبد الله
(5)
بن رشيق المصري، كاتبُ مصنَّفات شيخنا العلامة ابن تيمية، كان أبصرَ بخط الشيخ منه، إذا عزب شيء منه على الشيخ استخرجه أبو عبد الله هذا، وكان سريع الكتابة لا بأس به دينًا عابدًا كثير التلاوة حسن الصلاة، له عيال وعليه ديون، رحمه الله وغفر له آمين.
ثم دخلت سنة خمسين وسبعمئة أحسن الله تتقضّيها
استهلَّت هذه السنة وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك من البلاد الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون.
ونائب الديار المصرية ومُدَبِّر
(6)
ممالكه والأتابك سيف الدين بَيْبُغَا
(7)
.
وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في التي قبلها.
ونائب الشام الأمير سيف الدين أَرْغون شاه الناصري.
وقضاة دمشقَ هم المذكورون في التي قبلها، وكذلك أرباب الوظائف سوى الخطيب وسوى المحتسب
(8)
.
(1)
الركنية البرّانية الحنفية بسفح قاسيون. الدارس (1/ 519).
(2)
أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن أحمد بن الفرج بن أحمد اللخمي العسقلاني. وزر لصلاح الدين رحمه الله تعالى مات فجأة بالقاهرة سنة (596) هـ. وفيات الأعيان (3/ 158).
(3)
منها كتابه المشهور: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
(4)
مدرسة بالصالحية. الدارس (1/ 649).
(5)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 655)، نقلًا عن ابن كثير.
(6)
في ط: مدير.
(7)
في ط: يلبغا وسبق الكلام فيه.
(8)
فقد توفاهما الله في السنة الماضية.
شهر محرم وأوّله الأحد وفي هذه السنة - ولله الحمد - تقاصر أمرُ الطَّاعون جدًّا، نزل ديوان المواريث إلى العشرين وما حولها بعد أن بلغ الخمسمئة في أثناء سنة تسع وأربعين، كما تقدَّم، ولكن لم يرتفع بالكلية.
فإنَّه في
(1)
يوم الأربعاء رابع شهر المحرَّم توفي الفقيه شهاب الدين أحمد
(2)
بن الثِّقة هو وأمّه وأخوه في ساعة واحدة بهذا المرض، وصُلّيَ عليهم جميعًا، ودفنوا في قبر واحد رحمهم الله تعالى.
وصلّي يوم الجمعة بعد الصلاة على غائب، وهو الشيخ زين الدين بن الوردي
(3)
الحلبي وكان حسن الشعر رقيقه، فقيهًا، مدرّسًا بحلب، وقد سبقه أخوه جمال الدين بن الوردي.
وفي صبيحة يوم الإثنين تاسعه حمل ثلاثةٌ على جملٍ، رجلان مسمّران، وامرأة مربّطة معهما، أحدهما زوجها، يقال: إنّه استحسنَ عليها، والآخر من وشى فيه إلى نائب السلطنة، وطيف بهم في البلد، بمرسوم نائب السلطنة على هيئة منكرة بشعة
(4)
.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من المحرم توفي صاحبنا الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الناسك الخاشع نور الدين
(5)
محمد بن
(6)
محمد بن محمد بن عبد القادر بن الصائع الشافعيّ، مدرِّس العمادية، كان رحمه الله لديه فضائل كثيرة على طريقة السلف الصالح، وفيه عبادة كثيرة وتلاوة وقيام ليل وسكون حسن، وخلق حسن، جاوز الأربعين بنحو من ثلاث سنين، رحمه الله وأكرم مثواه.
وفي يوم الإثنين الثامن والعشرين منه لبس الشيخ الإمام العالم بهاء الدين ابن إمام المشهد، مدرّس الأمينية، وخطيب جامع التوبة خلعة الحسبة بدمشق، وعزل عنها ابن سيف، وجاء من دار السعادة، فاجتاز بسويقة باب البريد، فوقف فيها، وحكم، ونظر في المصالح.
شهر صفر أوّله الإثنين
(7)
. وفي يوم الأربعاء ثالث صفر باشر تقي الدين بن رافع
(8)
المحدِّث مشيخة دار الحديث النورية، وحضر عنده جماعة من الفضلاء والقضاة والأعيان، انتهى والله تعالى أعلم.
(1)
في ط: فإنّ.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 661. نقلًا عن ابن كثير.
(3)
خبره في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 661. نقلًا عن ابن كثير وليس في المطبوع منه.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: وصُلّي يوم الجمعة.
(5)
في ط: ناصر الدين وأثبتنا ما في الدرر الكامنة والدارس.
(6)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (272) وذكره في وفيات سنة (749) هـ وكذلك هو في الوفيات لابن رافع (2/ 106) ففيه وفاته في ليلة الأربعاء مستهلِّ ذي القعدة. وكذلك في الدارس (1/ 239). أما الدرر الكامنة (4/ 226) فوفاته فيها سنة (750) غير أنه جعل ولادته سنة (696) فيكون بذلك قد جاوز الرابعة والخمسين من العمر.
(7)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: شهر محرم وأوله الأحد.
(8)
هو: أبو المعالي محمد بن رافع السَّلامي صاحب كتاب الوفيات. مات سنة 774 هـ.
وفي يوم الجمعة خامسة بعد الصلاة صلّي على القاضي علاء الدين بن التركماني قضاة الحنفية بالديار المصرية، وذكر أنه توفي في عاشر المحرم رحمه الله.
ولم يُصَلَّ في هذا اليوم على أحد من أهل البلد بعد الصلاة، وهذا شيء ولم يُعهد مثله من سنةٍ، والله الحمد والمنّة أولًا وآخرًا.
وفي هذا اليوم رسم نائب السلطة بقطع مذاكير مملوك من مماليكه تزوّج بغير أمره، فقطع بالمرستان النوري، بعدما شفع فيه غير مرّة، فلم يقبل فيه شفاعة.
وفي يوم الخميس ثامن عشره خرجت التجريدة من دمشق قاصدين بلاد سيس؛ لقتال الأرمن بسبب منعهم الحمل المضروب عليهم في كل سنة، وعدّة هذه التجريدة ثلاثة آلاف مع ثلاثة مقدمين ألف، وهم: نُغْبية الجمدار، وأُلجيبُغا العادلي، وبدر الدين بن الخطير. وهو المقدم عليهم، ووقف لهم نائب السلطنة بسوق الخيل، واستعرضهم على عادة الأصلاب
(1)
.
وفي يوم الإثنين الثاني والعشرين منه اصطلح نائب السلطنة مع القاضي السُّبكي، وكان قد تغضّب عليه وبالغ في أذاه، ثم رضي عليه، وظفر الصلح هذا اليوم بعدما كان قد أرسل في طلب ولده القاضي بهاء الدين أبي حامد وردّه من الطريق، وكان قد قصد الديار المصرية، فرجع وقد رضي عن والده، لم ينله منه سوء، وأمره بالمصير إلى أبيه، ثم رسم له بالذهاب على خيل البريد مكرّمًا معزّزًا.
شهر ربيع الأول، أوّله الأربعاء، في يوم السبت حادي عشره رجعت التجريدة التي كانت قد أرسلت لغزو الأرمن بعد أن كانوا قد وصلوا إلى حمص، فوصلت الأخبار بأن الحَمْل قد أرسل به ملك الأرمن، فروجع السلطان في ذلك فأمر برجوعهم، فحين وصلوا جهز أكثرهم إلى القدس، لإصلاح ما بين الفلاحين وبعض العشران.
وفي يوم الأحد ثاني عشره درّس بالمدرسة الإقبالية القاضي جمال الدين الشَّريشي عوضًا عن ناصر الدين بن أفتكين
(2)
بحكم وفاته رحمه الله.
وفي يوم الأحد تاسع عشره درّس القاضي شرف الدين محمود ابن القاضي جمال الدين ابن الشريشي بالمدرسة الباذرائية عوضًا عن أبيه المذكور بحكم نزوله له عنها
(3)
.
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 662. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(2)
هو الشيخ محمد بن أفتكين. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 703.
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الجمعة خامسه بعد الصلاة.
مسك نائب السلطنة أَرْغُون شاه
وفي ليلة الخميس الثالث والعشرين من ربيع الأول مُسك نائب السلطنة بدمشق الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه، وكان قد انتقل إلى القصر الأبلق بأهله، فما شعر بوسط الليل إلا ونائب طرابلس الأمير سيف الدين ألْجيبُغَا المظفَّري الناصري، ركب إليه في طائفة من الأمراء الألوف وغيرهم، فأحاطوا به ودخل عليه من دخل وهو مع جواريه نائم، فخرج إليهم فقبضوا عليه وقيَّدوه ورسموا عليه، وأصبح الناس أكثرهم لا يشعر بشيء مما وقع، فتحدَّث الناس بذلك، واجتمعت الأتراك إلى الأمير سيف الدين أُلْجيبُغَا المذكور، ونزل بظاهر البلد، واحتيط على حواصل أَرْغُون شاه، فبات عزيزًا وأصبح ذليلًا، وأمسى غنيًا
(1)
نائب السَّلطنة، فأصبح وقد أحاط به الفقر والمسكنة، فسبحان من بيده الأمر مالك الملك، يؤتي الملك يشاء، وينزع المُلك ممن يشاء، ويعز من يشاءُ ويذلُّ من يشاء
(2)
، وهذا كما قال الله تعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 99] ثم لما كان ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الأول أصبح مذبوحًا فأُثبت محضرٌ بأنه ذبح نفسه
(3)
فالله تعالى أعلم.
كائنة عجيبة غريبة جدًّا
ثمَّ لمَّا كان يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين وسبعمئة وقع اختلاف بين جيش دمشق وبين الأمير سيف الدين أُلْجِيبُغَا، نائب طرابُلُس، الذي جاء فأمسك نائب دمشق الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه الناصري، ليلة الخميس وقتله ليلة الجمعة كما تقدَّم، وأقام بالميدان الأخضر يستخلص أموالَه وحواصلَه، ويجمعُها عنده، فأنكر عليه الأمراء الكبار، وأمروه أن يحمل الأموال إلى قلعة السلطان، فلم يقبل منهم، فاتَّهموه في أمره، وشكُّوا في الكتاب الذي على يده من الأمر بمسكه وقتله، وركبوا ملبسين تحت القلعة وأبواب الميادين، وركب هو في أصحابه وهم في دون المئة، وقائل يقول: هم ما بين السبعين إلى الثمانين والتسعين، جعلوا يحملون على الجيش حمل المستقتلين، إنما يدافعهم مدافعة المتبرِّئين، وليس معهم مرسوم بقتلهم ولا قتالهم، فلهذا ولّى أكثرهم منهزمين، فخرج جماعة من الجيش حتى بعض الأمراء المقدّمين، وهو الأمير الكبير سيف الدين أُلْجِيبُغَا العادلي، فقُطعت يدُه
(1)
في ط: علينا. والتصويب من الذيل التام للسخاوي (1/ 109) نقلًا عن ابن كثير.
(2)
هذا تمثل من ابن كثير رحمه الله بمعنى الآية.
(3)
الذيل ص (279) الدرر الكامنة (1/ 350) ابن خلدون (5/ 448) النجوم الزاهرة (10/ 243) الذيل التام للسخاوي (1/ 105 - 106).
اليمنى، وقد قارب التِّسْعين، وقتل آخرون من أجناد الحلقة والمستخدمين، ثم انفصل الحال على أن أخذ أُلْجِيبُغَا المظفّري من خيول أَرْغُون ما أراد، ثم انصرف من ناحية المِزَّة صاغرًا على عقبيه، ومعه الأموال التي جمعها من حواصل أَرْغون شاه، واستمرَّ ذاهبًا، ولم يتبعه أحد من الجيش، وصحبته الأمير فخر الدين أيَاس، الذي كان حاجبًا، وناب في حلب في العام الماضي، فذهبا بمن معهما إلى طرابُلُس وكتب أمراء الشام إلى السلطان يعلمونه بما وقع، فجاء البريد بأنه ليس عند السلطان علم بما وقع بالكلية، وأن الكتاب الذي جاء على يديه مفتعل، وجاء الأمر لأربعة آلاف من الجيش الشامي أن يسيروا وراءه ليمسكوه ثم أضيف نائب صفد مقدَّمًا على الجميع، فخرجوا في العشر الأول من ربيع الآخر.
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة، وفي يوم الأربعاء سادسه خرجت العساكر في طلب سيف الدين أُلْجِيبُغَا العادلي في المعركة، وهو أحد أمراء الألوف المقدمين، ولما كانت ليلة الخميس سابعه نودي بالبلد على من يقربها من الأجناد أن لا يتأخر أحد عن الخروج بالغد، فأصبحوا في سرعة عظيمة واستنيب في البلد نيابة عن النائب الراتب الأمير بدر الدين بن خطير
(1)
فحكم بدار السعادة على عادة النواب.
وفي ليلة السبت بين العشاءين، سادس عشره دخل الجيش الذين خرجوا في طلب أُلْجِيبُغَا المظفري، وهو معهم أسير ذليل حقير، وكذلك الفخر إياس الحاجب مأسور معهم، فأودعا في القلعة مهانين من جسر باب النصر الذي تجاه دار السعادة، وذلك بحضور الأمير بدر الدين بن خطير نائب الغيبة، ففرح الناس بذلك فرحًا شديدًا، ولله الحمد والمنة.
فلما كان يوم الإثنين الثامنَ عشر منه خرجا من القلعة إلى سوق الخيل فوسّطا بحضرة الجيش، وعلقت جُثّتهما على الخشب ليراهما النَّاس، فمكثا أيامًا ثم أُنزلا فدفنا بمقابر
(2)
المسلمين.
وفي هذا الشهر وما قبله، العشران في غالب البلاد قائمة، في بلاد غزة والخليل والقدس ونابلس وعجلون وأرض السواد، وفي بلاد الزبداني وما حولها. وأما بلاد حوران فلا. وأسعار الأشياء في هذه المدة غالبة كالزيت والصابون وغالب الأقوات سوى القمح
(3)
.
شهر جمادى الأولى أوّله .... لم أجد فيه شيئًا.
شهر جمادى الآخرة أوله الاثنين. وفي أوائله جاء الخبر بموت نائب حلب سيف الدين قُطْلِيجا
(4)
(1)
في ط: بدر الدين الخطير. والتصويب من الذيل التام وفيه: بدر الدين مسعود بن خطير نائب الغيبة.
(2)
الذيل للحسيني ص (280) وفيه: فقتلا في حادي عشرين ربيع الآخر. والذيل التام للسخاوي (1/ 110) نقلًا عن ابن كثير.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(4)
في الأصل وط: قطلبشاه وهو تحريف.
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 255) والذيل التام للسخاوي (1/ 110).
ففرح كثير من الناس بموته وذلك لسوء أعماله في مدينة حماة في زمن الطاعون، وذُكر أنَّه كان يحتاط على التَّرِكَةِ وإن كان فيها ولد ذكر أو غيره، ويأخذ من أموال الناس جَهْرةً، حتى حصل له منها شيء كثير، ثم نقل إلى حلب بعد موت نائبها الأمير سيف الدين أَرُقْطاي
(1)
الذي كان عُيّن لنيابة دمشقَ بعد موت أَرْغُون شاه، وخرج النَّاس لتلقيه فما هو إلا أن برز منزلةً واحدةً من حلب فمات بتلك المنزلة
(2)
.
فلما صار قُطْلِيجا إلى حلب لم يقم بها إلا يسيرًا حتى مات، ولم ينتفع بتلك الأموال التي جمعها لا في دنياه ولا في أخراه.
ولما كان يوم الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة دخل الأمير سيف الدين أَيْتَمُش الناصري
(3)
من الديار المصرية إلى دمشقَ نائبًا عليها، وبين يديه الجيش على العادة، فقبّل العتبة ولبس الحياصة والسيّف، وأُعطي تقليدَه ومنشورَه هنالك، ثم وقف في الموكب على عادة النواب، ورجع إلى دار السعادة وحكم، وفرح النّاس به، وهو حسن الشكل تام الخلقة، وكان الشام بلا نائب مستقل قريبًا من شهرين ونصف. وفي يوم دخوله حبس أربعة أمراء من الطبلخانات، وهم القاسمي وأولاد الأبوبكري، اعتقلهم في القلعة لممالأتهم أُلْجِيبُغَا المظفري، على أَرْغون شاه نائب الشام.
وفي يوم الإثنين خامسَ عشرَ جمادى الآخرة حكم القاضي نجم الدين
(4)
بن القاضي عماد الدين الطرسوسي الحنفي، وذلك بتوقيع سلطاني وخلعة من الديار المصرية.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرَ جُمادى الآخرة حصل الصُّلح بين قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي وبين الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية، على يدي الأمير سيف الدين بن فضل ملك العرب، في بستان قاضي القضاة، وكان قد نقم عليه إكثاره من الفُتيا بمسألة الطَّلاق.
وليلة يوم الجمعة السادس والعشرين منه نقلت جُثَّة الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه من مقابر الصُّوفية إلى تربته التي أنشأها تحت الطَّارمة، وشرع في تكميل التربة والمسجد الذي قبلها، وذلك أنه عاجلته المنية على يد أُلْجِيبُغَا المظفري قبل إتمامهما، وحين قتلوه ذبحًا ودفنوه ليلًا في مقابر الصوفية، قريبًا من قبر الشيخ تقي الدين بن الصَّلاح، ثم حُوّل إلى تربته في الليلة المذكورة.
والأعراب في هذا الشهر والذي قبله بناحية غزة يقطعون الطّرقات على الناس، وقد أسروا نائب غزة
(1)
في ط: أرقطية وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (10/ 244).
وترجمته في النجوم الزاهرة (10/ 244) والدليل الشافي (1/ 109) وفيه: أرقطاي بن عبد الله الأمير سيف الدين.
(2)
مات بظاهر حلب في خامس جمادى الأولى. الدليل الشافي.
(3)
الذيل للحسيني ص (280).
(4)
هو: إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنفي مات سنة (758) هـ الدرر الكامنة (1/ 43) الدارس (1/ 476).
في بعض الأيام، ثم أرسلوه، فتوّةً منهم عليه، وذكر أنّهم نهبوا حُرَم أَرْغون شاد وهم ذاهبون إلى الديار المصرية، وأخذوا جميع ما كان معهم.
وفي يوم الإثنين سلخ جمادى الآخرة لبس قاضي القضاة بالديار المصرية، فنزل له ابن خطيب يبرود عن تدريس تربة الشافعيّ، وتدريس بجامع الحاكم، ونزل له القاضي حسين ابن قاضي القضاة من هاهنا عن تدريس الشامية البرانية، ودرس القاضي بهاء الدين أبو حامد أحمد بن قاضي القضاة بالمكانين اللذين بالديار المصرية في يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة، كما أخبر بذلك والده، عن كتاب ورد إليه بذلك
(1)
.
شهر رجب الفرد، أوّله الثلاثاء، في يوم الإثنين سابعه اجتاز الأمير سيف الدين أَرْغون الكاملي بدمشق إلى نيابة حلب، فأنزله نائب السلطنة بدار السعادة وأكرمه وضيّفه. وهو شابٌ دون العشرين سنة.
وفي ليلة الأربعاء تاسعه أنزل
(2)
الأمراء الأربعة وهم: بنو الأبو بكري الثلاثة، والقاسمي من القلعة، وسلّموهم إلى أمراء ليذهبوا بهم إلى طرابلس، والقاسمي: إلى حمص. وقيل: إنهم أهلكوا
(3)
.
وفي يوم الخميس عاشره داروا بالمحمل حول البلد على العادة، ولكن بزيادة كبيرة من التجمّل.
وفي يوم الإثنين رابع عشره خلع على البدر بن سيف خلعة الحسبة ودار بها في البلد، وهذه ثالث مرة ولّي الحسبة بدمشق، وعزل عنها الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد بلا سبب
(4)
.
وفي يوم السبت تاسع عشر رجب أذن المؤذنون للفجر قبل الوقت بقريب من ساعة، فصلَّى الناس في الجامع الأموي على عادتهم في ترتيب الأئمة، ثم رأوا الوقت باقيًا، فأعاد الخطيب الفجر بعد صلاة الأئمة كلهم وأقيمت الصَّلاة ثانيًا، وهذا شيء لم يتفق مثله.
شهر شعبان المبارك، أوّله الخميس، وفي يوم الخميس ثامنه توفي قاضي القضاة علاء الدين
(5)
بن المُنَجَّى الحنبلي بالمسمارية، وصُلِّي عليه الظُّهر بالجامع الأموي، ثم بظاهر باب النصر، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.
وفي يوم الثلاثاء العشرين منه قدم من الديار المصرية الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود، فنزل بالشامية البرانية التي جاء على تدريسها، وراح الناس لتهنئته على العادة.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
في الأصل: أُنزلوا. وهو غلط.
(3)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 67162. نقلًا عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله والأعراب في هذا الشهر والذي قبله
…
(5)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (281) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 447) والدرر الكامنة (3/ 134) والدارس (2/ 41).
وهو: أبو الحسن علي بن المُنَجَّا بن عثمان بن أسعد بن المنجَّا التنوخي.
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه عُملَ للصوفية بالخانقاه السُّميساطية ضيافة شكرانًا، لأنه بُسط له عندهم سجادة للتصوّف.
وفي الخامس والعشرين منه خُلع على القاضي عماد الدين ابن الفرفور بحسبة البلد عوضًا عن ابن سيف. وفي هذا اليوم وهو الإثنين خلع على الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود وخلعة تدريس الشامية البرانية.
وفي العشر الآخر من هذا الشهر لبس الأمير صفي الدين أبو القاسم ابن الشيخ فخر الدين الحنفي البصراوي شربوشًا بإمرة طبلخاناة بدمشق.
شهر رمضان المعظم، وأوّله الجمعة، وفي يوم الأحد ثالثه حضر الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود تدريس الشامية البرانية، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان درسه في تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} [آل عمران: 173 - 174]
(1)
.
وفي يوم الإثنين ثامن عشر
(2)
رمضان بكرة النهار استدعي الشيخ جمال الدين المَرْداوي
(3)
من الصالحية إلى دار السعادة، وكان تقليد القضاء لمذهبه قد وصل إليه قبل ذلك بأيام، فأحضرت الخلعة بين يدي النائب والقضاة الباقين، أريد على لبسها وقبول الولاية فامتنع، فألحوا عليه فصمَّم وبالغ في الامتناع، وخرج وهو مغضب فراح إلى الصالحية فبالغ الناس في تعظيمه، وبقي القضاة يوم ذلك في دار السعادة، ثم بعثوا إليه بعد الظهر فحضر من الصَّالحية فلم يزالوا به حتى قبل ولبس الخلعة وخرج إلى الجامع، فقرئ تقليده بعد العصر، واجتمع معه القضاة وهناه الناس، وفرحوا به لديانته وصيانته وفضيلته وأمانته.
وبعد هذا اليوم بأيام حكم الفقيه شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي
(4)
نيابة عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي المقدسي، وابن مفلح زوج ابنته.
شهر شوال المبارك، وأوّله الأحد، كان قد وقع مطرٌ كثير قبل العيد بيوم، ثم استمر متواترًا، وجاءت الزيادات في الأنهار، وكثرت، وامتنع الناس من البروز إلى المصلى، وقيل: إن نائب السلطنة يُصلّي بدار السعادة؛ فحضر بنفسه يوم العيد إلى الجامع، فصلّى في المقصورة، واجتمع عنده القضاة. سوى الحنبلي فشهد صلاة العيد هنالك.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
في أ وب وط: ثالث.
(3)
هو: يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي. مات سنة 769 هـ الدارس (2/ 42).
(4)
مات سنة (763) هـ الدارس (2/ 43).
وفي رابعه خرجت التجريدة لنجدة نائب غزّة على المتمردين من الأعراب الذين طغَوْا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فنسألُ الله أن يصب عليهم صوت عذاب. ثم عادوا بعد خمسة عشر يومًا، وقد نهبوا الأعراب الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأخذوا ما كانوا يتقوَّوْن به من الجمال والأمتعة، وقدموا معهم بأولادهم ونسائهم، ظنًا أنّ ذلك جائز لهم، وحلالٌ سبيُهنَّ، وهو حرامٌ؛ فإنهم لم يكونوا كفارًا، وإنما كانوا قطاع طرق - قبّحهم الله -.
وفي يوم الإثنين تاسعه خرج المحمل السلطاني والحجيج
(1)
، وحجّ في هذه السنة القاضي شهاب الدين الظاهري.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره درّس بالركنية بدر الدين ابن القاضي تقيّ الدين أبي الفتح، وهو ابن بنت قاضي القضاة السُّبكي الشافعيّ، وحضر عنده القضاة والأعيّان، وأخذ في قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
شهر ذي القعدة، أوّله الإثنين، في مستهلّه لبس جمال الدين الفاقوسي
(2)
خلعة الحسبة بدمشق، فراح الناس لتهنئته على العادة.
وفي يوم السبت سادسه توفي الشيخ أبو العباس الأندرشي النحوي
(3)
، له مصنّفات في النَّحو وفي التفسير، وغير ذلك، وكان نقالًا في النحو، يحفظ كثيرًا من الشواهد والمثل، وكان قد أخذ النحو عن الشيخ أبي حيان، وسمعت من يفضّله عليه في الحفظ وكثرة النقل. فالله أعلم.
أقام بالشام قريبًا من ثلاثين سنة، وكانت وفاته بالعزيزية، وله ستون سنة أو ما ينيف عنها. وصلّي عليه بعد الظهر، يومئذٍ بجامع دمشق. ودفن بسفح قاسيون في تربة القاضي تقي الدين السّبكي رحمه الله.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره خطب بجامع العقيبة الشريف زين الدين عمر بن فخر الدين عثمان الجعفري عوضًا عن الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد، فشق ذلك عليه بعد عزله من الحسبة.
وفي يوم السبت العشرين منه خلع على القاضي عماد الدين بن الفرفور، وأُعيد إلى حسبة دمشق بتوقيع شريف، وعزل عنها جمال الدين الفاقوسي، وعوّض عنها بنظر المارستان النوري)
(4)
.
(1)
لم يذكر ابن كثير أمير الحج ولا قاضيه في هذه السنة. كما هي العادة.
(2)
في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 674: العاقوسي. وهو تحريف.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 677. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه، وغاية النهاية لابن الجزري 1/ 55، والذيل التام 1/ 113، وبغية الوعاة 1/ 309.
والأندرشي: نسبة إلى بلدة من الأندلس من كورة البيرة. انظر معجم البلدان 1/ 126.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر شوال المبارك، وأوله الأحد.
وفي أواخر هذه السنة تكامل بناء التربة التي تحت الطارمة المنسوبة إلى الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه، الذي كان نائب السلطنة بدمشق، وكذلك المسجد القبلي منها، وصلَّى فيه الناس، وكان قبل ذلك مسجدًا صغيرًا فعمره وكبَّره، وجاء كأنه جامع، تقبل الله منه. انتهى.
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وسبعمئة
استهلَّت وسلطان الشام ومصر الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون. ونائبه بمصر الأمير سيف الدين بَيْبُغَا
(1)
وأخوه سيف الدين منجك الوزير، والمباشرون وقضاة مصر وكاتب السر هم الذين كانوا في السنة الماضية. ونائب الشام الأمير سيف الدين أَيْتَمُش
(2)
الناصري. والقضاة هم القضاة سوى الحنبلي فإنَّه الشيخ جمال الدين يوسف المَرْداوي، وكاتب السر، وشيخ الشيوخ عز الدِّين الحلبي، وكتّاب الدست هم المتقدِّمون، وأضيف إليهم شرف الدين عبد الوهاب بن القاضي علاء الدين بن شَمرْيوخ
(3)
، والمحتسب القاضي عماد الدين بن الفرفور، وشاد الأوقاف الشَّريف، وناظر الجامع فخر الدين بن العفيف، وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة رحمه الله.
شهر المحرم أوله الخميس، وفي يوم الأحد رابعه ذكر قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعيّ الدّرس بالمسرورية عوضًا عن الشيخ تاج الدين المراكشي، تركه تورُّعًا وتزهُّدًا وإعراضًا، فوليها القاضي ودرس فيها
(4)
.
وفي يوم السبت عاشر المحرم نودي بالبلد من جهة نائب السلطان عن كتاب جاءه من الديار المصرية أن لا تلبس النِّسَاءُ الأكمام الطوال العِراضَ، ولا البُرُد الحرير، ولا شيئًا من اللباسات والثياب الثمينة، ولا الأقبية القصار، وبلغنا أنهم بالديار المصرية شدَّدُوا في ذلك جدًّا، حتى قيل إنهم غرَّقوا بعض النساء بسبب ذلك فالله أعلم
(5)
.
وفي يوم الإثنين السادس والعشرين دخل المحمل والحجيج على العادة. وذكر الحجاج أنّه نالهم في هذه السنة مشقّة شديدة بسبب غلاء الأسعار، وما نُهب لهم من المدينة النبوية من الودائع بسبب خروج
(1)
في ط: يلبغا.
(2)
في ط: اريتمش وهو تحريف.
(3)
هو: علي بن عثمان. مات سنة (776) هـ. الدرر الكامنة (3/ 81).
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(5)
بدائع الزهور (1/ 536).
طفيل
(1)
نائبها منها، وتولية قريبة سعد
(2)
عليها، فنهب طفيل ما كان فيها من الودائع للحجاج، وذهب على حميَّة.
وفي يوم الأربعاء الثامن والعشرين منه حضر قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي دار الحديث الظاهرية عوضًا عن الشيخ قوام الدين الحنفي، نزل له عنها عند عزمه على المسير إلى الديار المصرية. وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.
وجددت في أول هذه السنة دارُ قرآن قبلي تربة امرأة تنكر
(3)
بمحلة الخوّاصين، حولها وكانت قاعةً، صورةَ مدرسة منشئها الطّواشي عنبر السّامري مولى ابن حمزة.
شهر صفر، أوّله السبت، وفي يوم السبت ثامنه لبس الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد خلعة الحسبة عودًا على بدء عوضًا عن عماد الدين بن الفرفور، قدم بها من الديار المصرية، واستعاد الجامع وخطب فيه.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره درّس الشيخ صدر الدين ابن منصور بالمدرسة البلخيّة، نزل له عنها الشيخ قوام الدين الحنفي عند سفره إلى الديار المصرية، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي يوم الإثنين سابع عشر، لبس القاضي أمين الدين بن القلانسي خلعة وكالة بيت المال، جاءه بها تقليد من الديار المصرية عوضًا عن ابن شمريوخ، وذهب الناس إلى تهنئته.
شهر ربيع الأول، أوّله الأحد، عملت المواليد في ليلة الثاني عشر منه بالجامع الأموي على العادة شهر ربيع الآخر، أوّله الثلاثاء، وفي يوم الخميس عاشره عُقد عقد بنت نائب السلطنة أيتمِش على الأمير سيف الدين طشْبُغا دوادار السلطان كان بالديار المصرية، وكان العقد بدمشق في دار السعادة، وحضر القضاة وكبار الأمراء والدولة، كان عقدًا هائلًا.
وفي ليلة الإثنين رابع عشره خسف القمر أوّل طلوعه، وصليت صلاة الخسوف بالجامع وخطب الخطيب
(4)
.
وفي يوم الأحد خامس شهر جمادى الأولى فتحت المدرسة الظبيانية
(5)
التي كانت دارًا للأمير سيف الدين طينان بالقرب من الشامية الجوانية، بينها وبين أم الصالح، اشتريت من ثلثه الذي وصَّى به، وفتحت مدرسة، وحُوِّل لها شباك إلى الطريق في ضفتها القبلية منها، وحضر الدَّرس بها في هذا اليوم
(1)
الطفيل بن منصور بن حماز الحسيني مات سنة 752 هـ انظر التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 2/ 259.
(2)
سعد بن ثابت بن حجاز مات سنة 352 هـ انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 2363، والتحفة اللطيفة 12562.
(3)
هي الست ستيتة، ماتت سنة (730 هـ) والتربة هي التربة الكوكبانية شرقي الأكزية. انظر الدارس 2/ 274.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الإثنين السادس والعشرين دخل المحمل.
(5)
في الدارس (1/ 337) المدرسة الطيبة.
الشيخ عماد الدين بن شرف الدين ابن عم الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بوصية الواقف له بذلك، وحضر عنده قاضي القضاة السُّبكي والمالكي وجماعةٌ من الأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] الآية.
وفي يوم الجمعة عاشره خطب الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد محتسب البلد بجامع العقيبة، وكان قد استعاده من زين الدين الشريف الجعفري، وعوّضه بمرتبات له وخطب الشريف في الجمعة الأخرى، وهذا من العجائب.
وفي العشر الآخر من هذا الشهر أُعيد إلى نيابة الحكم الحنفي القاضي نجم الدين ابن القاضي عماد الدين إسماعيل بن العز الحنفي، وكان قد جاءه مرسوم بالنيابة فباشرها أيامًا ثم عزله قاضي القضاة نجم الدين بن الطّرسوسي، ثم جاءه في هذه الأيام شفاعة من السلطان إلى نائب الشام في ذلك فاستنابه قاضيه، وحكم.
وفيه قدم جمال الدين عبد الله الدّمرداشي من الديار المصرية، ومعه مراسم أن يكون والي المدينة، ووالي البر، ومشدّ الخاص، مع إمرة طبلخاه. فكان ذلك
(1)
.
واتفق في ليلة الأحد السادس والعشرين من جمادى الأولى أنه لم يحضر أحد من المؤذنين على السُّدَّة في جامع دمشق وقت إقامة الصلاة للمغرب سوى مؤذن واحد، فانتظر من يقيم معه الصلاة فلم يجئ أحد غيره مقدار درجة أو أزيد منها، فأقام هو الصلاة وحدَه، فلمَّا أحرم الإمام بالصَّلاة تلاحق المؤذنون في أثناء الصَّلاة حتى بلغوا دون العشرة، وهذا أمر غريب من عدة ثلاثين مؤذنًا أو أكثر، لم يحضر سوى مؤذن واحد، وقد أخبر خلق من المشايخ أنهم لم يَرَوْا نظير هذه الكائنة.
وفي يوم الإثنين سابع عشرَ جُمادى الآخرة اجتمع القضاة بمشهد عثمان، وكان القاضي
(2)
الحنبلي قد حكم في دار المعتمد الملاصقة لمدرسة الشيخ أبي عمر ببيعها، وكانت وقفًا، لتُضافَ إلى دار القرآن ووقف عليها أوقافٌ للفقراء، فمنعه الشافعيّ من ذلك، من أجل أنَّه يؤول أمرها أن تكون دار حديث ثم فتحوا بابًا آخر وقالوا: هذه الدار لم يستهدم جميعها، وما صادف الحكم محلًا، لأن مذهب الإمام أحمد أنَّ الوقف يباع إذا استهدم بالكلية ولم يبق ما ينتفع به، فحكم القاضي الحنفي بإثباتها وقفًا كما كانت، ونفَّذه الشافعيّ والمالكي، وانفصل الحال على ذلك، وجرت أمور طويلة، وأشياءُ عجيبة.
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة أصبح بوَّاب المدرسة المستجدة التي يقال لها الطيبانية إلى جانب أم الصَّالح مقتولًا مذبوحًا، وقد أُخذت من عنده أموال من المدرسة المذكورة ولم
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله وفي يوم الجمعة عاشره.
(2)
في ط: الفاضل.
يطلع على فاعل ذلك، وكان البواب رجلًا صالحًا مشكورًا رحمه الله
(1)
.
شهر رجب الفرد أوّله السبت، وفي يوم الخميس ثالث عشره داروا بالمحمل السلطاني حول البلد على العادة، واحتفلوا به
(2)
.
ترجمة الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية:
وفي ليلة الخميس ثالثَ عشرَ رجب وقت أذان العشاء توفي صاحبُنا الشّيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد
(3)
بن أبي بكر بن أَيُّوب الزُّرَعي، إمام الجوزية، وابن قيمها، وصُلِّي عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموي، ودُفن عند والده بمقابر الباب الصغير رحمه الله.
ولد في سنة إحدى وتسعين وستمئة وسمع الحديث واشتغل بالعلم. وبرع في علوم متعددة، ولا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمئة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًا، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطلب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال. وكان حسن القراءة والخلُق كثير التودُّد، لا يحسد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد، وكنت من أصحب الناس له وأحبِّ الناس إليه، ولا أعرف في زماننا من أهل
(4)
العلم أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدًّا، ويمدُّ ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله، وله من التَّصانيف الكِبَار والصِّغار شيء كثير، وكتب بخطِّه الحسن شيئًا كثيرًا، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشْره من كتب السَّلف والخَلف، وبالجملة كان قليل النظير في مجموعه وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة، سامحه الله ورحمه، وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وجرت بسببها فصول يطولُ بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي وغيره
(5)
، وقد كانت جنازته حافلة رحمه الله، شهدها القضاة والأعيان والصَّالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم النَّاسُ على حمل نعشه، وكمل له من العمر ستون سنة رحمه الله.
(1)
الدارس (1/ 337) وفيه: الطيبة.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
ترجمته في الذيل ص (282) وذيل طبقات الحنابلة (2/ 447) والدرر الكامنة (3/ 400) والنجوم الزاهرة (10/ 249) د والذيل التام (1/ 116) وفيه نقل عن ابن كثير.
(4)
في ط: ولا أعرف في هذا العالم في زماننا. وأثبتت العبارة من الذيل التام. وهو الأصوب.
(5)
الدرر الكامنة (3/ 402).
شهر شعبان المبارك وأوّله الإثنين، وفي يوم الإثنين ثامنه
(1)
شعبان ذكر الدَّرس بالصَّدرية شرف الدين عبد الله بن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية عوضًا عن أبيه رحمه الله فأفادَ وأجادَ، وسرد طرفًا صالحًا في فضل العلم وأَهْلِهِ
(2)
، انتهى والله تعالى أعلم.
ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها ولم يقع من نحو مئتي سنة وأكثر، أنه بَطل الوقيدُ بجامع دمشق في ليلة النصف من شعبان، فلم يُزَد في وقيده قنديلٌ واحد على عادة لياليه في سائر السنة ولله الحمد والمنة. وفرح أهل العلم بذلك، وأهل الديانة، وشكروا الله تعالى على تبطيل هذه البِدْعة الشَّنْعاء، التي كان يتولَّد بسببها شرور كثيرة بالبلد، ولا سيَّما
(3)
بالجامع الأموي، وكان ذلك بمرسوم السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون خلَّد الله ملكه، وشيَّد أركانه، وكان الساعي لذلك بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النَّجِيْبيّ بيّض الله وجهه، وقد كان مقيمًا في هذا الحين بالديار المصرية، وقد كنت رأيت عنده فُتْيا عليها خطُّ الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ كمال الدين بن الزَّمْلكاني، وغيرهما في إبطال هذه البدعة، فأنفذ الله ذلك ولله الحمد والمنة. وقد كانت هذه البدعة قد استقرت بين أَظْهر الناس من نحو سنة خمسين وأربعمئة وإلى زماننا هذا، وكم سعى فيها من فقيه وقاضٍ ومفتٍ وعالم وعابد وأمير وزاهد ونائب سلطنة وغيرهم، ولم ييسر الله ذلك إلا في عامنا هذا، والمسؤول من الله إطالة عمر هذا السلطان، ليعلمَ الجَهَلةُ الذين استقرَّ في أذهانهم من إن إذا أُبطل هذا الوقيد في عام يموت سلطان الوقت، وكان هذا لا حقيقة له ولا دليل عليه إلا مجرَّد الوهم والخيال.
شهر رمضان المعظّم، أوّله الأربعاء، وفي مستهله اتّفق أمرٌ غريب لم يتفق مثله من مدة متطاولة، فيما يتعلّق بالفقهاء والمدارس، وهو أنه كان قد توفّي ابن النَّاصح
(4)
الحنبلي بالصَّالحية، وكان بيده نصف تدريس الصَّاحبة
(5)
التي للحنابلة بالصالحية، والنصف الآخر للشيخ شرف الدين
(6)
ابن القاضي شرف الدين الحنبلي شيخ الحنابلة بدمشقَ، فاستنجز مرسومًا بالنصف الآخر، وكانت بيده ولاية متقدّمة من القاضي علاء الدين بن المُنَجَّى الحنبلي، فعارضه في ذلك قاضي القضاة جمال الدين المَرْدَاوي الحنبلي، وولَّى فيها نائبه شمس الدين بن مفلح، ودرَّس بها قاضي القضاة في صدر هذا اليوم، فدخل القضاة الثلاثة الباقون ومعهم الشيخ شرف الدين المذكور إلى نائب السلطنة، وأنهَوْا إليه صورة لحال،
(1)
في أ وط: ثاني عشر. وهو توهّم.
(2)
الدارس (2/ 90) وقد مات رحمه الله تعالى سنة (759) هـ.
(3)
في ط: والاستيجار وهو تحريف، والتصويب من الذيل التام (1/ 114).
(4)
هو: يوسف بن يحيى بن الناصح. ترجمته في الذيل (1/ 283) والدرر الكامنة (4/ 480).
(5)
في ط: الضّاحية وهو تحريف. الدارس (2/ 79) ويقال لها: الصاحبية أيضًا.
(6)
هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي بن قاضي الجبل. مات سنة 771 هـ الوفيات لابن رافع (2/ 354).
فرسم له بالتدريس، فركب القضاة المذكورون وبعضُ الحجَّاب في خدمته إلى المدرسة المذكورة، واجتمع الفضلاء والأعيان، ودرَّس الشيخ شرف الدين المذكور، وبث فضائل كثيرة، وفرح الناس به. شهر شوال، أوّله الخميس، كان قد وقع مطر كثير، فحضر نائب السلطنة يوم العيد إلى الجامع، وخطب الخطيب بالجامع، ولم يخرج إلى المصلّى.
وقدم في هذا اليوم إلى دمشق نائب طرابلس الأمير بدر الدين ابن الخطير معزولًا عنها، قاصدًا إلى الديار المصرية على تقدمة ألفٍ بها، فأقام أيامًا قلائل، ثم ذهب مع السّلامة.
وفي يوم الإثنين خامسه اجتمع القضاة بمشهد عثمان بسبب نصرانيّ صدرَ منه سبُّ، فأسلم فحكم القاضي الحنبلي بقتله، مع علمه بالخلاف، فقُتل من يومه؛ لأنّ الذي صدر منه لا يتفوَّه به إلا زنديق.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره خرج المحمل والحجاج، وأمير الركب ساطْلِمش الجلالي أمير طبلخاناه
(1)
.
وفيه كان في جملة من توجه إلى الحجّ في هذا العام نائب الديار المصرية ومدبَّر ممالكها الأمير سيف الدين بَيْبُغَا
(2)
الناصري، ومعه جماعة من الأمراء، فلمَّا استقلَّ النَّاسُ ذاهبين نهض جماعة من الأمراء على أخيه الأمير سيف الدين مَنْجك، وهو وزير المملكة، وأستاذ دار الأستادارية، وهو باب الحوائج في دولتهم، وإليه يرحل ذوو الحاجات بالذَّهب والهدايا، فأمسكوه، وجاءت البريدية إلى الشام في أواخر هذا الشهر بذلك
(3)
.
وبعد أيام يسيرة وصل الأمير سيف الدين شَيْخُون
(4)
، وهو من أكابر الدولة المصرية تحت التَّرسيم، فأدخل إلى قلعة دمشق، ثم أخذ منها بعد ليلة فذهب به، قيل: إلى الإسكندرية، فالله أعلم
(5)
. وجاء البريد بالاحتياط على ديوانه وديوان مَنْجك بالشام وأُيسَ من سلامتهما.
وكذلك وردت الأخبار بمسك بَيْبُغا في أثناء طريق الحج، وأُرسل سيفُه إلى السلطان، وقدم أمير من الديار المصرية فحلَّف الأمراء لطاعة السُّلطان، وكذلك سار إلى حلبَ فحلف من بها من الأمراء ثم عادَ إلى دمشقَ ثم عاد راجعًا إلى الديار المصرية، وحصل له من الأموال شيء كثير من النواب والأمراء.
شهر ذي القعدة، أوّله السبت، وقيل: الجمعة - في يوم السبت خامس عشره زُين البلد، ودُقت
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله شهر شوال، أوله الخميس.
(2)
في ط: يلبغا
(3)
الدرر الكامنة (4/ 361) النجوم الزاهرة (10/ 218) الذيل التام (1/ 115).
(4)
في الدرر الكامنة (2/ 196): شَيْخُو.
(5)
النجوم الزاهرة (10/ 218).
البشائر بالقلعة، واحتفل الناس بذلك، ولا سيّما الفرح باستقلال السلطان الملك الناصر ابن الناصر بأمر المملكة، وكُبت أعداؤه.
ولما كان يوم الأحد سادس عشره بعد أذان الفجر توفّي الشيخ الإمام العالم القاضي فخر الدين محمد بن علي القبطي الأصل، الشافعي المذهب، المعروف بالمصري
(1)
وكان بارعًا فاضلًا، مجموع الفضائل في فنون متعدّدة، ودرّس في أماكن كثيرة، وأعاد وولّي الحكم، واشتغل بالتدريس بالعادلية الصغيرة والروحية والدّولعية، وكان يشغل بالجامع الأموي في حلقة وانتفع به الطلبة، وكان سريع العبادة، سريع الحفظ، وكانت فيه عبادة ويكثر التلاوة، وحجّ مرارًا، وجاور كرّات متعدّدة، فحصّل أموالًا كثيرة وصُلّي عليه الظهر بجامع الأموي، واجتمع القضاة والأعيان من سائر المذاهب، ودفن بباب الصغير عند والده رحمه الله
(2)
.
وفي يوم الخميس العشرين من ذي القعدة مُسك الأميران الكبيران الشّاميان المقدَّمان شهاب الدين أحمد بن صُبْح، وملك آص
(3)
، من دار السعادة بحضرة نائب السلطنة والأمراء ورُفعا إلى القلعة المنصورة، سِيْريهما ماشيين من دار السعادة ماشيين إلى باب القلعة من ناحية دار الحديث، وقُيّدا وسُجنا بها.
شهر ذي الحجة، أوله الأحد
(4)
، وجاء الخبر فيه بأن السلطان استوزر بالدِّيار المصرية القاضي علم الدين بن زَنْبُور
(5)
، وخلع عليه خلعة سنية، لم يسمع بمثلها من أعصار متقادمة، باشر وخلع على الأمراء والمقدمين، وكذلك خلع على الأمير سيف الدين طَشْبُغَا
(6)
وأُعيد إلى مباشرة الدويدارية بالديار المصرية، وجعل مقدمًا.
وفي أوائله اشتهر أن نائب صفد شهاب الدين أحمد مشد الشُّرْبخاناة طُلب إلى الديار المصرية فامتنع من إجابة الداعي، ونقَضَ العهد، وحصَّن قلعتها، وحصَّل فيها عددًا ومددًا وادّخر أشياء كثيرة بسبب الإقامة بها والامتناع فيها، فجاءت البريدية إلى نائب دمشق بأن يركب هو وجميع جيش دمشق إليه، فتجهَّز الجيش لذلك وتأهَّبُوا، ثم خرجت الأطلاب على راياتها، فلما برز منها بعضٌ، بدا لنائب السَّلطنة
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 15 - 16 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه وطبقات الشافعية للسّبكي 9/ 188 - 1889، والدرر الكامنة 4/ 51 - 52 والذيل التام 1/ 115 - 116.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: شهر ذي القعدة، أوله.
(3)
مات ملك آص سنة (756) هـ. الدرر الكامنة (4/ 357).
(4)
ليست في أوب، وط، وهي في الأصل.
(5)
في ط: علم الدين زينور وهو توهم وتحريف. والتصويب من الدرر الكامنة (2/ 261) والنجوم الزاهرة (10/ 225). وفيهما: عبد الله بن سعيد الدولة القبطي الوزير موفق الدين.
(6)
في ط: طسبغا بسين مهملة. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (10/ 221)
فردَّهم، وكان له خبرة عظيمة، ثم استقر الحال على تجريد أربعة مقدمين بأربعة آلاف إليه
(1)
.
[وفي يوم الخميس ثاني عشره وقعت كائنة غريبة بمنًى، وذلك أنه اختلف الأمراء المصريون والشاميون مع صاحب اليمن الملك المجاهد
(2)
، فاقتتلوا قتالًا قريبًا من وادي محسّر، ثم انجلت الوقعة عن أسر صاحب اليمن الملك المجاهد فحُمل مقيّدًا إلى مصر، كذلك جاءت بها كتب الحجّاج وهم أخبروا بذلك]
(3)
.
واشتهر في أواخر ذي الحجة أن نائب حلب الأمير سيف الدين أَرْغون الكاملي قد خرج عنها بمماليكه وأصحابه فرام الجيشُ الحلبي ردَّه فلم يستطيعوا ذلك، وجرحَ منهم جراحاتٍ كثيرةً، وقتل جماعة فإنا لله وإنّا إليه راجعون، واستمر ذاهبًا وكان في أمله فيما ذكر أن يتلقى سيف الدين بَيْبغَا في أثناء طريق الحجاز فيتقدّم معه إلى دمشقَ، وإن كان نائب دمشق قد اشتغل في حصار صفد أن يهجم عليه بغتة فيأخذها، فلمَّا سار بمن معه وأخذته القُطَّاع من كل جانب ونهبت حواصله وبقي تجريدة في نفر يسير من مماليكه، فاجتاز بحماةَ ليهرِّبَه نائبُها فأبى عليه، فلما اجتاز بحمص وطَّنَ نفسه على المسير إلى السلطان بنفسه، فقدم به نائبُ حمصَ وتلقَّاه بعض الحجاب وبعض مُقَدَّمي الألوف، ودخل يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشري الشهر، وهو في أُبَّهة، فنزل بدار السعادة في بعض قاعات الدويدارية. انتهى.
ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة والخليفة العباسي أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر وأبو الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان وسلطان البلاد الشامية والديار المصرية والحرمين الشريفين وما يلحق بذلك من الأقاليم والبلدان، الملك الناصر حسن بن السلطان الملك محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي.
ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين بَيْبُغَا
(4)
الملقب بحارس الطير، وهو عوضًا عن الأمير سيف الدين بَيْبُغَا أَرُوس
(5)
الذي راح إلى بلاد الحجاز، ومعه جماعة من الأمراء بقصد الحج الشريف، فعزله السلطان في غيبته وأَمسك
(6)
شَيْخُون واعتقله، وأخذ مَنجك الوزير، وهو أستاذ دار ومقدّم ألف، اصطفى أمواله، واعتاض عنه، وولَّى مكانه في الوزارة القاضي علم الدين بن زَنْبور، واسترجع إلى
(1)
النجوم الزاهرة (10/ 222).
(2)
هو: علي بن داود بن المظفر يوسف بن المنصور. النجوم الزاهرة (10/ 228) وبدائع الزهور (1/ 536).
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب وط.
(4)
في ط: يلبغا، وهو: بَيْغَاطَطَر حارس الطَّير. النجوم الزاهرة (10/ 220) والذيل التام (1/ 119).
(5)
في ط: يلبغا أروس وهو تحريف. أشرنا إليه من قبل.
(6)
في ط: أمسك على.
وظيفة الدويدارية الأمير سيف الدين طَشْبُغا الناصري، وكان أميرًا بالشام مقيمًا منذ عزل إلى أن أُعيد في أواخر السنة كما تقدم. وأما كاتب السر بمصر وقضاتها فهم المذكورون في التي قبلها.
شهر الله المحرّم، أوله الإثنين
(1)
، استهلَّ ونائب صفد
(2)
قد حصن القلعة وأعدَّ فيها عدتها وما ينبغي لها من الأطعمات والذخائر والعُدَد والرِّجال، وقد نابذ المملكة وحارب، وقد قصدته العساكر من كل جانب من الديار المصرية ودمشقّ وطرابُلُس وغيرها، والأخبار قد كتمتْ عن بَيْبُغا ومن معه ببلاد الحجاز ما يكون من أمره، ونائب دمشق في احتراز وخوف من أن يأتي إلى بلاد الشام فيدهمها بمن معه، والقلوب وجلة من ذلك، فإنَّا الله وإنا إليه راجعون.
وجاءت كتب الحجاج في الخامس عشر منه، وفيها أنّ بيبغا روس نائب مصر تم مسكه، وأودع بقلعة الكرك، ورجعت حواصله وأمواله إلى مصر
(3)
.
وفيها ورد الخبر أن صاحب اليمن حجَّ في هذه السنة فوقع بينه وبين صاحب مكة عَجْلان بسبب أنَّه أراد أن يولِّي عليها أخاه ثَقْبَة
(4)
، فاشتكى عَجْلان ذلك إلى أمراء المصريين، وكبيرهم إذ ذاك الأمير سيف الدين بُزْلار ومعهم طائفة كثيرة، وقد أمسكوا أخاهم
(5)
بَيْبُغا وقيَّدُوه، فقويَ رأسُه عليهم واستخفَّ بهم، فصبروا حتى قُضي الحجُّ وفرغ الناس من المناسك، فلمّا كان يوم النفر الأول يوم الخميس تواقفوا هم وهو، فقتل من الفريقين خلق كثير، والأكثر من اليمنيين، وكانت الوقعة قريبة من وادي محسِّر، وبقي الحجيج خائفين أن تكون الدائرة على الأتراك فتنهبُ الأعراب أموالهم وربَّما قتلوهم، ففرَّج الله ونصر الأتراك على أهل اليمن، ولجأ الملك المجاهد إلى جبل فلم يعصِمْهُ من الأتراك، بل أسروه ذليلًا حقيرًا، وأخذوه مقيدًا أسيرًا، وجاءت عوامُّ الناس إلى اليمنيين فنهبوا شيئًا كثيرًا، ولم يتركوا لهم جليلًا ولا حقيرًا، ولا قليلًا ولا كثيرًا، واحتاط الأمراء على حواصل الملك وأمواله وأمتعته وأثقاله، وساروا بخيله وجماله، وأدلوا على صنديد
(6)
من رحله ورجاله، واستحضروا معهم طُفَيْلًا
(7)
الذي كان حاصر المدينة النبوية في العام الماضي، وقيَّدوه أيضًا، [وجعلوا الغُلَّ في عنقه، واستاقوه كما يُستاق الأسير في
(1)
ليس في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
أحمد السّاقي، ذُكر في أحداث السنة الماضية خروجه عن الطاعة واستعداؤهُ.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(4)
في ط: بُعيثه وهو تحريف. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (10/ 226) وهو: ثقبة بن رميثة بن أبي نميّ. مات سنة (762) بمكة.
(5)
يعني الأتراك.
(6)
العبارة مضطربة. وقد تكون: وأَتَوْا على العديد من رحله ورجاله.
(7)
هو الشريف طُفَيْل بن منصور بن جمّاز، نهبَ المدينة سنة (751) هـ ثم عزل بابن عمّه سعد بن ثابت بن جماز. ومات سنة (752) هـ. الدرر الكامنة (2/ 224).
وِثاقه مصحوبًا بهمِّه وحتفه، وانشمروا عن تلك البلاد إلى ديارهم راجعين، وقد فعلوا فعلةً تذكر بعدهم إلى حين]
(1)
.
ودخل الركب الشامي إلى دمشقَ يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من المحرم على العادة المستمرة والقاعدة المستقرة.
وفي هذا اليوم قدمت البريدية من تلقاء مدينة صفد مخبرةً بأنَّ الأمير شهاب الدين أحمد بن مشدّ الشّربخاناة
(2)
، الذي كان قد تمرّد بها وطغى وبغى حتّى استحوزَ عليها وقطع سبلها
(3)
وقتل الفرسان والرجَّالة، وملأها أطعمة وأسلحة، ومماليكه ورجاله، فعندما تحقَّق مسكُ بَيْبُغا أُرُوس خضعت تلك النفوس، وخمدت ناره وسكن شراره وحار بثاره، ووضح قراره، وأناب إلى النوبة والإقلاع، ورغب إلى السَّلامة والخلاص، وخشع ولات حين مناص، وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم توجَّه بنفسه على البريد إلى حضرة الملك الناصر والله المسؤول أن يُحسن عليه وأن يُقبل بقلبه إليه
(4)
.
شهر صفر، وأوَّله الأربعاء
(5)
وفي يوم الأحد خامسه قدم من الديار المصرية الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي معادًا إلى نيابة حلب، وفي صحبته الأمير سيف الدين طَشْبُغَا الدوادار بالديار المصرية، وهو زوج ابنة نائب الشام، فتلقَّاه نائبُ الشام وأعيان الأمراء، ونزل طَشْبُغَا الدوادار عند زوجته بدار منجى في محلَّة مسجد القَصَب التي كانت تعرف بدار حنين بن حندر، وقد جُدِّدَتْ في السنة الماضية، وتوجَّها في اللَّيلة الثانية من قدومهما إلى حلب.
شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة في صبيحة يوم الأحد ثالثه درّس بالعادلية الصغيرة الشيخ شهاب الدين بن النقيب البعلبكي مفتي دار العدل وحضر عنده القضاة والأعيان وأخذ في قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] وذلك بحكم وفاة الفخر المصري
(6)
.
وفي يوم الأربعاء سادسه درس بمحراب الحنابلة إلى جانب الزيادة من جامع دمشق في حلقة صاحب حمص الفقيه أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي المالكي، وهو شافعي، عوضًا عن القاضي بهاء الدين أبو البقاء السّبكي بحكم توليته الرواحية و إعراضه عن هذه
(7)
.
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب، وط.
(2)
في ط: الشر نجاتاه وهو تحريف.
(3)
في ط: سببها.
(4)
النجوم (10/ 225).
(5)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(6)
تقدم ذكره عما قريب.
(7)
ليست في أوب، وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة.
وفي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول اجتمع القضاة الثلاثة وطلبوا القاضي الحنبلي ليتكلَّموا معه فيما يتعلق بدار المعتمد التي بجوار مدرسة الشيخ أبي عمر، التي حكم بنقض وقفها وهدم بنائها وإضافتها إلى دار القرآن المذكور، وجاء مرسوم السلطان يوافق ذلك، وكان القاضي الشافعي قد أراد منعه من ذلك، فلما جاء مرسوم السلطان اجتمعوا لذلك، فلم يحضر القاضي الحنبلي، قال حتى يجيء نائب السلطنة.
ولما كان يوم الخميس خامسَ عشرَ ربيع الأول حضر القاضي حُسَين
(1)
ولد قاضي ولد قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي عن أبيه مشيخة دار الحديث الأشرفية وقرئ عليه شيء كان قد خرَّجه له بعض المحدِّثين، وشاع في البلد أنه نزل له عنها، وتكلَّموا في ذلك كلامًا كثيرًا، وانتشر القولُ في ذلك، وذكر بعضهم أنَّه نزل له عن الغزالية والعادلية، واستخلفه في ذلك فالله أعلم.
وفي هذا الشهر حدّدت قناةٌ داخل باب النصر الغربي، بين البابين.
شهر ربيع الآخر، أوّله السبت، في سادسه يوم خميس أُلزم القاضي الشافعي بحضرة نائب السلطنة والقضاة بإصلاح أمر الجامع، وتكميل معاليم الناس المرتّبين عليه، فباشر نظره، ووفر الديوان، واستمرّ بالناظر والعامل ومشارف ببعض معالمهم، وخفّف شيئًا كثيرًا من الجوامك المرتبة للديوان، واستناب شمس الدين الكردي إمام شهد علي في الديوان، وعمّر سقف الكلاسة من الغرب.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد
(2)
.
وفي سحر ليلة الخميس خامس شهر جُمادى الأولى
(3)
وقع حريق عظيم بالجوَّانيين في السوق الكبير واحترقت دكاكين الفواخرة والمناجليين وفرجة الغرابيل، وإلى درب القلى، ثم إلى قريب درب العميد، وصارت تلك الناحية دكًا بلقعًا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. وجاء نائب السلطنة بعد الأذان إلى هناك ورسم بطفي النار، وجاء المتولّي والقاضي الشافعي والحُجّاب، وشرع الناس في طفي النار، ولو تركوها لأحرقت شيئًا كثيرًا، ولم يفقد فيما بلغنا أحدٌ من الناس، ولكن هلك للناس شيء كثير من المتاع والأثاث والأملاك وغير ذلك، واحترق للجامع من الرباع في هذا الحريق ما يساوي مئة ألف درهم. انتهى والله أعلم. كائنة غريبة جدًّا:
وفي يوم الأحد خامسَ عشرَ جُمادى الأولى استسلم القاضي الحنبلي
(4)
جماعة من اليهود كان قد صَدَر
(1)
هو: حسين بن علي بن عبد الكافي. مات سنة (755) هـ كما سيأتي.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
في أ وط: الآخرة، وهو وهم.
(4)
القاضي جمال الدين يوسف المرداوي.
منهم نوع استهزاء بالإسلام وأهله، فإنَّهم حملوا رجلًا منهم صفَة ميّت على نعش ويهلِّلون كتهليل المسلمين أمام الميت ويقرؤون {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4].
فسمع بهم مَن بِحَارَتهم من المسلمين، فأَخذوهم إلى ولي الأمر نائب السلطنة فدفعهم إلى الحنبلي، فاقتضى الحال استسلامهم، فأسلم يومئذ منهم ثلاثة وتبع أحدَهم ثلاثةُ أطفال، وأسلم في اليوم الثاني ثمانيةُ آخرون، فأخذهم المسلمون وطافوا بهم في الأسواق يهلِّلون ويكبِّرون، وأعطاهم أهل الأسواق شيئًا كثيرًا، وراحوا بهم إلى الجامع فصَلَّوا، ثم أخذوهم إلى دار السعادة فاستطلقوا لهم شيئًا، ورجعوا وهم في ضجيج وتهليل وتقديس، وكان يومًا مشهودًا ولله الحمد والمنَّة. انتهى والله أعلم.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الثلاثاء، في أوائله قدم الفقيه شرف الدين ابن منصور الحنفي من الديار المصريّة، ومعه توقيع بالإفتاء بدار العدل الحنفية كما الشافعية، فأوقف بين يدي نائب السلّطنة، فأرسله إلى القضاة ليسألوا عن أمره وأهليته، فلم يتم له أمر، وتعوق أمره.
وفي يوم الأحد ثالث عشره، توفي الفقيه العالم المحصل تاج الدين محمد المراكشي المصري الشافعي
(1)
من غير مرض، بل عرض له أمر في يومه هذا، فحُمَّ من أول النهار، ثمّ تقاصر عنه الحال، ثم لما لما صلّى الظهر بالجامع راح إلى دار الحديث فلما صلى العصر بها عاد إلى بيته منها، فجلس هنيهة ثم خر صريعًا ساعةً ثم مات من فوره. فأخرج إلى الإيوان وبات هناك، ثم خرجت جنازته وقت الصبح وصُلّي عليه بعد صلاة الخطيب. ودفن بالصوفية، وله من العمر نحو الخمسين سنة رحمه الله.
شهر رجب الفرد، أوله الأربعاء
(2)
.
مملكة السُّلطان الملك الصَّالح
صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي: في العشر الأوسط من شهر رجب الفرد وردت البريدية من الديار المصرية بعزل السلطان الملك الناصر حسن بن الناصر بن قلاوون لاختلاف الأمراء عليه، واجتماعهم على أخيه الملك الصالح، وأُمُّه بنت ملك الأمراء تَنْكِز الذي كان نائب الشام مدة طويلة، وهو ابن أربع عشرة سنة، وجاءت الأمراء للتحليف، فدقّت البشائر وزيّن البلد على العادة، وقيل: إنَّ الملك الناصر حسن خُنق ورجعت الأمراء الذين كانوا بإسكندرية مثل
(1)
هو: محمد بن إبراهيم بن يوسف. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 27 - 28، وطبقات الشافعية للسُّبكي 9/ 147، والدرر الكامنة 1/ 457، والذيل التام 1/ 120.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
شَيْخُون ومَنْجك وغيرهما، وأرسلوا إلى بَيْبُغا فجيء به من الكَرَك، وكان مسجونًا بها من مرجعه من الحج، فلما عاد إلى الديار المصرية شَفَعَ في صاحب اليمن الملك المجاهد الذي كان مسجونًا في الكَرَك فأُخرج وعاد إلى الديار الحجازيّة. وأما الأمراء الذين كانوا من ناحية السُّلطان حسن مثل مغلطاي أمير أخور
(1)
ومنكلي بُغَا
(2)
الفخري وغيرهما، فاحتيط عليهم وأُرسلوا إلى الإسكندرية، وخُطب للملك الصالح بجامع دمشق يوم الجمعة السابعَ عشرَ من شهر رجب وحضر نائبُ السلطنة والأمراء والقضاة للدعاء له بالمقصورة على العادة.
وفي أثناء العشر الأخير من رجب عُزل نائب السّلطنة سيف الدين أَيْتَمُش عن دمشقَ مطلوبًا إلى الديار المصرية فسار إليها يوم الخميس.
وفي هذا الشهر أمر القاضي الشافعي للمؤذنين أن يرفعوا أصواتهم بالتَّأمين إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة في الجهرية، على ما بلغنا من أهل بغداد، ثم أمر بتركه في رمضان
(3)
.
شهر شعبان المبارك، وأوله الجمعة
(4)
وفي يوم الإثنين حاديْ عشرَه قدم الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي الذي كان نائبًا على الديار الحلبية من هناك، فدخل دمشق في هذا اليوم في أُبَّهة عظيمة، وخرج الأمراء والمقدّمون وأرباب الوظائف لتلقِّيه إلى أثناء الطريق، منهم من وصل إلى حلبَ وحماة وحمص، وجرى في هذا اليوم عجائب لم تُرَ من دهور، واستبشر الناس به لصرامته وشهامته وحِدَّته، وما كان من لين الذي قبله ورخاوته، فنزل دار السعادة على العادة. وفي يوم السبت وقف في موكب هائل قيل إنَّه لم يُرَ مثلُه من مدة طويلة، ولما سير إلى ناحية باب الفرج اشتكى إليه ثلاثُ نسوة على أمير كبير يقال له: طُرْغاي
(5)
، فأمر بإنزاله عن فرسه فأُنزل وأُوقف معهن في الحكومة.
[واستمرَّ بطلان الوقيد في الجامع الأموي في هذا العام أيضًا كالذي قبله، حسب مرسوم السلطان الناصر حسن رحمه الله، ففرح أهل الخير بذلك فرحًا شديدًا، وهذا شيء لم يعهد مثله من نحو ثلاثِمئةِ سنة ولله الحمد والمنة]
(6)
.
ونودي في البلد في هذا اليوم والذي بعده عن النائب: من وجد جنديًا سكرانًا فلينزله عن فرسه ليأخذ ثيابه، ومن أحضره من الجند إلى دار السعادة فله خبزه، ففرح الناس بذلك، واحتجر على
(1)
هو أيدغدي أمير أخور. النجوم الزاهرة (10/ 256).
(2)
في ط: ميكلي، وهو تحريف.
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(4)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل.
(5)
في ط: الطرخاين، وهو تحريف.
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وط.
الخمّارين والعصّارين، ورخصت، الأَعْنَاب وجادت الأخباز واللَّحم بعد أن كان بلغ كل رطل أربعةً ونصفًا، فصار بدرهمين ونصف، وأقل، وأُصلحت المعايش من هيبة النائب، وصار له صيتٌ حسنٌ، وذكر جميل في النَّاس بالعدل وجودة القصد وصحَّة الفهم وقوَّة العدل والإدراك.
وفي يوم الإثنين ثامنَ عشرَ شعبان وصل الأمير أحمد بن شاد الشربخاناه الذي كان قد عصى في صفد، وكان من أمره ما كان، فاعتُقل بالإسكندرية، ثم أُفرج عنه في هذه الدَّولة، وأُعطي نيابة حماة فدخل دمشقَ في هذا اليوم سائرًا إلى حماة، فركب مع النائب مع الموكب وسيره عن يمينه، ونزل في خدمته إلى دار السعادة، ورحل بين يديه.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين منه دخل الأمير سيف الدين بَيْبُغا أروس الذي كان نائبًا بالديار المصرية، ثمَّ مسك بالحجاز وأودع الكَرَك، ثم أَفرج عنه في هذه الدولة وأُعطي نيابةَ حلب، فتلقَّاه نائبُ السلطنة، وأُنزل دار السعادة حين أضافه. ونزل وطاقه بوطأة برزة، وضُربت له خيمة بالمَيْدان الأَخْضر.
شهر رمضان المعظم، أوّله الأحد، في العشر الأخير منه وقع مطر عظيم توالى ليالي وأيامًا، وسقط ثلج كثير على البلد وما حولها من الجبال، وذلك في أواخر تشرين الثاني، حتى قيل: إنه لم يُرَ مثل هذا من أزيد من خمسين سنة
(1)
.
وفي هذا العشر مسك طائفة من الأعاجم يشربون الخمر يوم الجمعة بعد الصلاة ليلة إحدى وعشرين فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي ليلة تسع وعشرين وقت السّحر مُسك فقيرٌ بالكّلاسة مع صبيّ، فيما ذكر قد نال منه، وهو نائم لا يشعر، فقُيّد وسُجن.
شهر شوال، أوّله الإثنين في يوم العيد صُلّي على الأمير طَشْبُغا الدّويدار
(2)
الذي عُزل من الديار المصرية، وقدم دمشق، فأقام فيها نحوًا من أربعين يومًا، ثم كانت وفاته ليلة العيد، وصُلّي عليه عند جامع يَلْبُغا بسوق الخيل رحمه الله.
وفي يوم الخميس حادي عشره خرج المحمل السلطاني والحجيج، وأميره سيف الدين السليماني الذي كان حاجبًا، وقاضيه زين الدين الباريني، وفيهم القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة الشافعي السُّبكي، والشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود مدرّس الشامية البرانية.
(1)
الخبز في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 20 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 24، والدرر الكامنة 2/ 218، والذيل التام 1/ 122.
وصُلّي يوم الجمعة ثاني عشره بعد الصلاة على غائبين بالنيّة، وهما قاضي القضاة ناصر الدين بن العديم
(1)
الحنفي بحلب، وقد كان له في الحكم أزيد من ثلاثين سنة، وكان مذكورًا، مشهورًا.
شهر ذي القعدة، أوّله الأربعاء، وفي يوم الخميس ثانيه ضرب نائبُ السلطنة الصّاحبَ شمسَ الدين بن التاج إسحاق بين يديه بالعصي على ظهره نحوًا من مئة جلدة، وذلك لتقصيره في الذي يأمره به مرّة بعد مرّةٍ، واستعظم الناس ذلك، وقال بعضهم: هذا شيءٌ لم يعهدُ.
وفي يوم الثلاثاء سابعه ركب نائب السلطنة، فدخل البيمارستان النوري، فنزل في إيوانه، وتفقد أحواله، وضيّفه ناظره هناك بمشروبٍ وفاكهةٍ، وكان معه بعض الحجبة وغيرهم.
وفي يوم السبت حادي عشره خُلع على القاضي بدر الدين ابن البرهان الذي كان قاضي بعلبك بطرحةٍ وطيلسان على النظر في الحسبة، عوضًا عن الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد، عزل عنها بلا سببٍ ظهر.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره حضر الشيخ شهاب الدين بن خضر الحنفي دار العدل مع القضاة.
وقد أفتى بدار العدل للحنفية، كما أن الشيخ شهاب الدين بن النقيب مفتي دار العدل للشافعية. وفي يوم الإثنين بعشرين منه خلع على شرف الدين موسى المِزّي ويعرف بالقطّان ولاية المدينة، وركب في البلد وبين يديه الشموع حتى انتهى إلى داره.
وفي أواخره توفي الأمير علاء الدين الشريف العباسي
(2)
شاد الأوقاف المبرورة، وصُلِّي عليه بعد الظهر بالجامع الأموي، ودُفن بالقبيات رحمه الله.
شهر ذي الحجة، أوّله الخميس، في يوم الخميس ثامنه رجمت العامة المحتسب تحت القلعة، بسبب أنّه كان قد سعّر الخبز رطل وثلث بناقص أوقيّتين، وذلك بسبب غلاء السّعر، وارتفاع ثمن القمح. ووقعت خبطةٌ شديدة.
وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر قاضي القضاة السّبكي الشافعي الصّلاة عند نائب السلطنة بالشباك الكمالي على عادته، لكن لم يحضر النائب بسبب مرضٍ عرض له،، وكان قد منع القاضي المذكور من
(1)
هو: محمد بن عمر بن عبد العزيز. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 30 نقلًا عن ابن كثير وليس في المطبوع منه.
والدر الكامنة 4/ 106 - 107. وإعلام النبلاء للطباخ 5/ 18.
قلت: ذكر ابن كثير أن الصلاة كانت على غائبين. ولم يذكر إلّا واحدًا هو ابن العديم.
(2)
هو: علي بن أحمد بن محمد ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 25، والدرر الكامنة 3/ 20 - 21 والذيل التام 1/ 122.
الحضور عنده في صلاة الجمعة من أوائل رمضان إلى يومئذٍ، وكان قد استُرضِيَ عنه يوم العيد فرضي أو أذن له في ذلك، فحضر يومئذٍ كما ذكرنا.
وبلغنا في هذا الحين ورود تقليد بعض الشافعية بحلب مع البريد من الديار المصرية لكمال الدين قاضي المعرّة كان، وعزل القاضي نجم الدين ابن شمريوخ عنها
(1)
.
سنة ثلاث وخمسين وسبعمئة
استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الصالح صلاح الدين، صالح بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.
والخليفة الذي يدعى له المعتضد بأمر الله، ونائب الديار المصرية الأمير سيف الدين قُبْلاي.
وقضاة مصر هم المذكورون في التي قبلها، والوزير القاضي علم الدين ابن زنبور، وأُولو الأمر الذين يدبّرون المملكة فلا تصدر الأمور إلا عن آرائهم لصغر السلطان المذكور جماعة من أعيانهم ثلاثة سيف الدين شَيْخُون، وطَاز
(2)
وصَرْغَتُمُش
(3)
.
ونائب دمشق الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي، وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها، ونائب البلاد الحلبية سيف الدين بَيْبُغَا أُرُوس
(4)
، ونائب طرابُلُس الأمير سيف الدين بَكْلَمُش، ونائب حماة الأمير شهاب الدين أحمد بن مشد الشربخاناه
(5)
.
شهر المحرّم، وأوّله السبت، استهلّ والأسعار متقلّصة؛ فالخبزُ الطيّب منه الرّطل بدرهم، والقمح بمئة وخمسين فما فوقها، والشعير جاوز المئة، وحمل التّبن بلغ الأربعين درهمًا، وقيل: إنه جاوزها وفي هذا اليوم توفي بهاء الدين
(6)
ناظر العُشر بباب داره على المصطبة فجأَةً قاعد، وهو مع أصحابه من الكتبة، يقابل معهم بعض الأوراق فتحرك هُنَيهة من غير مرض متقدم، ومات من ساعته قبل الظهر. ودخل المحمل السلطاني والركب الشامي إلى دمشق يوم الثلاثاء الخامس والعشرين منه، وقد أصابهم مطر كثير.
(1)
ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر رمضان المعظّم، أوّله الأحد.
(2)
في ط: طار بالراء.
(3)
في ط: حر عيمش.
(4)
في ط: يلبغا أروش.
(5)
في ط: الشريخانة.
(6)
لم أقع على ترجمة له. لعله مما انفرد به ابن كثير.
شهر صفر، وأوّله الأحد، وقيل: الإثنين
(1)
.
ووصل بعض الحجاج إلى دمشق في تاسع الشهر - وهذا نادر - وأُخبروا بموت المؤذن شمس الدين بن
(2)
سعيد بعد منزلة العُلا
(3)
في المدابغ.
وفي ليلة الإثنين سادسَ عشرَ صفر وقت التسليم وقع حريق عظيم عند باب جيرون شرقيه فاحترق به دكان الفقاعي الكبيرة المزخرفة وما حولها، واتسع اتساعًا فظيعًا، واتصل الحريق بالباب الأَصْفر من النُّحاس، فبادر ديوان الجامع إليه فكشطوا ما عليه من النحاس ونقلوه من يومه إلى خزانة الحاصل، بمقصورة الحلبية، بمشهد علي، ثم عَدَوْا عليه يكسِّرُون خشبه بالفؤوس الحداد، والسواعد الشداد، وإذا هو من خشب الصنوبر الذي في غاية ما يكون من القوة والثبات، وتأسَّفَ الناس عليه لكونه كان من محاسن البلد ومعالمه. وله في الوجود ما ينيف عن أربعة آلاف سنة. انتهى والله أعلم.
ترجمةُ باب جَيْرون المشهور بدمشق
(4)
الذي كان هلاكه وذهابه وكسره في هذه السنة، وهو باب شرقي جامع دمشق لم يُرَ بابٌ أوسع ولا أعلى منه، فيما يعرف من الأبنية في الدنيا، وله غلقان
(5)
من نحاس أصفر بمسامير نحاس أصفر أيضًا بارزة، من عجائب الدنيا، ومحاسن دمشق ومعالمها، وقديم بنائها. وقد ذكرته العرب في أشعارها والناس [في أمثالها]
(6)
.
وهو منسوب إلى ملك يقال له: جَيْرون بن سعد
(7)
بن عاد بن عوص بن أدم بن سام بن نوح، وهو الذي بناه، وكان بناؤه له قبل الخليل عليه السلام، بل قبل ثمود وهود أيضًا، على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" وغيره، وكان فوقه حصن عظيم، وقصر منيف.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (287) وفيه: المقرئ المجيد شمس الدين محمد بن شيخنا سعيد بن فلاح بن أبي الوحش النابلسي الأصل، الدمشقي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، توفي بدرب الحجّاج وصار قبره منزلة للحاجّ معروفة أ. هـ.
وذكر وفاته في سنة (752) هـ.
(3)
في ط: العلاء. والصواب ما أثبتناه البلدان (4/ 144).
(4)
معجم البلدان (2/ 198) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (1/ 44، 46) ودمشق تاريخ وصور للدكتور قتيبة الشهابي ص (250).
(5)
في ط: "علمان"، ولا معنى لها، وما هنا يعضده ما جاء في وجيز الكلام 1/ 60 (بشار).
(6)
هو في الذيل التام للسخاوي (1/ 124) نقلًا عن ابن كثير.
(7)
في مختصر تاريخ دمشق: جيرون بن سعد بن لقمان بن عاد.
ويقال بل هو منسوب إلى اسم المارد الذي بناه لسليمان عليه السلام، وكان اسم ذلك المارد جَيْرون، والأول أظهر وأشهر، فعلى الأول يكون لهذا الباب من المدد المتطاولة ما يقارب خمسةَ آلاف سنة، ثم كان انجعاف
(1)
هذا الباب لا من تلقاء نفسه، بل بالأيدي العادية عليه، بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه من حريق وقع من جانبه إلى صبيحة ليلة الإثنين السادسَ عشر من صفر، سنة ثلاث وخمسين وسبعمئة. فتبادر ديوان الجامعية ففرّقوا شَمْلَهُ وقطعوا وصله
(2)
. وعَرَّوْا جلده النحاس عن بدنه الذي هو من خشب الصنوبر، الذي كأن الصانع قد فرغ منه يومئذ، وقد شاهدت الفؤوس تعمل فيه ولا تكاد تحيل فيه إلا بمشقة، فسبحان الذي خلق الذين بنوه أولًا، ثم قدّر أهل هذا الزمان على أن هدموه بعد هذه المدد المتطاولة، والأمم المتداولة، ولكن لكل أجل كتاب، ولا إله إلا رب العباد.
بيان تقدّم مدة هذا الباب وزيادتها على مدة أربعة آلاف سنة بل يقارب الخمسة
ذكر الحافظ ابن عساكر
(3)
في أوّل "تاريخه" باب بناء دمشق بسنده عن القاضي يحيى بن حمزة
(4)
البتلهيّ
(5)
الحاكم بها في الزّمن المتقدم - وقد كان هذا القاضي من تلاميذ أبي عمرٍو
(6)
الأوزاعيِّ - قال: لمَّا فتح عبد الله بن عليّ دمشقَ بعد حصارها - يعني وانتزاعها من أيدي بني أمية وسلبهم ملكهم - هدموا سورَ دمشق فوجدوا حجرًا مكتوبًا عليه باليونانية، فجاء راهب فقرأه لهم، فإذا هو مكتوب عليه: "ويكِ إرَم الجبابرة، من رَامَك
(7)
بسوء قصمه الله، إذا وهى منك جيرونُ الغربي من باب البريد وَيْلُكِ
(8)
من خمسة أعين، نَقْضُ سورك على يديه، بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رَغَدًا، فإذا وهى منك جَيْرُونُ الشرقي أُديل
(9)
لك ممّن تعرّض
(10)
لك".
(1)
"انجعاف": من جعف الشجر قلعها. القاموس المحيط.
(2)
جاؤوا على البقية الباقية منه.
(3)
تاريخ ابن عساكر (1/ 13).
(4)
هو: يحيى بن حمزة الحضرمي البتلهي أبو عبد الرحمن، قاضي دمشق في عصره وعالمها، كان من حفاظ الحديث، تولَّى القضاء نحوًا من ثلاثين سنة وحديثه في الكتب الستة مات سنة (183) هـ تذكرة الحفاظ (1/ 264) الأعلام (8/ 143).
(5)
في ط: التبلهي، بتقديم التاء على الباء. وهو تصحيف، والبتلهي نسبة إلى بيت لها قرية قرب دمشق.
(6)
في ط: ابن عمر والأوزاعي. وهو توهم.
(7)
في ط: راسك. وهو تحريف.
(8)
في ط: وتلك. وهو تحريف.
(9)
في ط: أؤمل وهو تحريف.
(10)
في ط: يعوض. وهو تحريف.
قال: فوجدنا الخمسة أعين عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب
(1)
، عين بن عين بن عين بن عين بن عين.
فهذا يقتضي أنه كان بسورها سنينًا إلى حين إخراجه على يد عبد الله بن علي أربعة آلاف سنة، وقد كان إخراجه له في سنة ثنتين وثلاثين ومئة كما ذكرنا في التاريخ الكبير، فعلى هذا يكون لهذا الباب إلى يوم خرب من هذه السنة - أعني سنة ثنتين وثلاثين ومئة - أربعة آلاف وستمئة وإحدى وعشرين سنة، والله أعلم.
وقد ذكر ابن عساكر عن بعضهم أن نوحًا عليه السلام هو الذي أسس دمشقَ بعد حرَّانَ وذلك بعد مضي الطوفان.
وقيل بناها دمسقس
(2)
غلام ذي القرنين عن إشارته، وقيل: عاد الملقب بدمشيق وهو غلام الخليل، وقيل: غير ذلك من الأقوال، وأظهرها أنها من بناء اليونان، لأن محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي، ثم كان بعدهم النصارى فصلَّوا فيها إلى الشرق، ثم كان فيها بعدهم أجمعين أمة المسلمين فصلَّوا إلى الكعبة المشرَّفة. وذكر ابن عساكر وغيره أن أبوابها كانت سبعة، كل منها يتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة، فباب القمر باب السلامة، وكانوا يسمونه باب الفراديس الصغير، ولعطارد باب الفراديس الكبير، وللزُّهرة باب توما، وللشَّمس الباب الشرقي، وللمريخ بابُ الجابية، وللمُشْتري باب الجابية الصغير، ولزُحل باب كيسان. (وهو الآن مسدود)
(3)
.
شهر ربيع الأول، أوّله الثلاثاء، في ليلة الثاني عشر منه عملت المواليد والختم بالجامع الأموي على
العادة المتقدمة في ذلك
وفي يوم الإثنين رابع عشره خلع على الأمين ابن المحيي بشدِّ الدّواوين عوضًا عن ابن البساسيري. وفي يوم الخميس سابع عشره خلع على القاضي أمين الدين بن عبد الحق الحنفي بنظر الجامع الأموي عوضًا عن فخر الدين بن العفيف، بتوقيع شريف قدم به من الديار المصرية.
شهر ربيع الآخر، أوّله الأربعاء، في هذا الشهر عزل والي البرّ جمال الدين عبد الله الدمرداشي بالأمير نيروز الأرمني الأصل.
وفيه وسّط رجل من تركمان القبيات، قتل امرأةً بالمدينة ضربها بسكينٍ في أماكن من جسدها حتى قتلها، فوسّط بعدها بيوم.
(1)
الخبر في: قرة العيون في أخبار باب جيرون: ص (8).
(2)
في ط: دمسغس بالغين. وهو تحريف.
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفيه قَتل رجلٌ من الأعجام شريكًا له في التجارة بخانٍ ظاهر باب الفراديس، فلما ظهر عليه ادّعى أنه غلامه، فتوقف في أمره حتى بان خلاف ذلك، مما قيّد به، واحتيط على ماله.
شهر جمادى الأولى، أوّله الخميس. [وليس فيه حوادث ولا وفيات]
(1)
.
شهر جمادى الآخرة، أوله السبت، اشتهر في أوائله أن إنسانًا قدم على صفدٍ، وزعم أنه أبو بكر بن السلطان الملك الناصر الذي عهد إليه أبوه في مرضه الذي توفي فيه بالسلطنة، فملكه الأمراء عليهم بعده، ولُقّب بالملك المنصور كجدّه، ثم لم يلبث إلّا يسيرًا حتى مسك، وأرسل مع بعض الأمراء ليقتله ويأتي برأسه، فذكر بعض الأمراء الكبار أنه جيء برأسه على هيئته، وزعم هذا أنه هو وأنّه لم يقتل، وأنه كان مختفيًا في بعض البلاد، فيقال: إنه سأله الأمراء عن أشياء يستدلّون بها على صدقه، فذُكر أنه اضطرب في الجواب، فاحتيط عليه، وأرسل إلى الديار المصرية، للتبيين في أمره، فجاء المرسوم بحمله إلى الديار المصرية مخسّبًا، مقيّدًا، فأرسل لذلك، فضرب هناك بالمقارع، وسمّر، وقطع لسانه، وطيف به في البلد، ثم حُمل إلى المارستان
(2)
.
وفي أوائل شهر رجب الفرد اشتُهر أن نائب حلب بَيْبُغا أُرُوس اتفق مع نائب طرابُلُس بَكْلَمُش، ونائب حلب أمير أحمد بن مشد الشربخاناه على الخروج عن طاعة السلطان حتى يمسك شَيْخُون وطَاز، وهما عضدا الدولة بالديار المصرية، وبعثوا إلى نائب دمشق وهو الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي، فأَبى عليهم ذلك، وكاتب إلى الديار المصرية بما وقع من الأمر، وانزعج الناس لذلك، وخافوا من غائلة هذا الأمر وبالله المستعان
(3)
.
ولما كان يوم الإثنين ثامن الشهر جمع نائب السلطنة الأمراء عنده بالقصر الأبلق واستحلفهم بيعة أخرى لنائب السلطنة الملك الصالح، فحلفوا له، واتفقوا على السمع والطاعة والاستمرار على ذلك.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره دخل نائبُ السّلطنة بعد الصلاة إلى المقصورة وأخذَ له فألًا من المصحف العثماني، وزار جماعةً من المشايخ الصّالحين، ثم دخل إلى الخانقاه السُّميساطية، وأضافه الصُّوفية فيما قيل حلاوةً عجمية، ثم أرسل لهم ولغيرهم من الفقراء دراهم ففرّقت عليهم.
وفي ليلة السبت ثالث عشره احترقت المدرسة الصمصامية للمالكية، وكان جمهور الحريق في سكن القاضي منها ومن غرب المدرسة، وهي قاعة وطباق فوقها، وخرج التاج في الليل إلى العادلية الكبيرة
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
(2)
ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ربيع الأول، أوّله الثلاثاء.
(3)
النجوم الزاهرة (10/ 270) الذيل التام للسخاوي (1/ 123 - 125).
ثم استقر سكن القاضي المالكي بزوجته وهي بنت قاضي القضاة السُّبكي بدار الحديث الأشرفية، جوار القلعة المنصورة
(1)
.
وفي ليلة الأربعاء سابعَ عشرَ رجب جاءت الجبلية الذين جمعوهم من البقاع لأجل حفظ ثنيّة العُقَاب من قدوم العساكر الحلبية، ومن معهم من أهل طرابُلُس وحماة، وكان هؤلاء الجبلية قريبًا من أربعة آلاف، فحصل بسببهم ضرر كثير لأهل برزة وما حولها.
وفي بكرة يوم السبت العشرين منه ركب نائب السلطنة سيف الدين أَرْغُون ومعه الجيوش الدمشقية قاصدين ناحية الكُسْوة لئلَّا يقاتلوا
(2)
المسلمين، ولم يبق في البلد من الجند أحد، وأصبح الناس وليس لهم نائب ولا عسكر، وخلت الديار منهم، ونائب الغيبة الأمير سيف الدين أُلْجيبُغَا العادلي، وانتقل النَّاسُ من البساتين ومن طرف الحاكورة والعُقَيْبة وغيرها إلى المدينة، وأكثر الأمراء نقلوا حواصلهم وأهاليهم إلى القلعة المنصورة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما اقترب دخول الأمير بَيْبُغَا بمن معه انزعج الناس وانتقل أهل القرى الذين في طريقه إلى المدينة، وسَرَى ذلك إلى أطراف الصّالحية والبساتين وحواضر البلد، وغُلّقت أبواب البلد إلى ما يلي القلعة، كباب النصر وباب الفرج، وكذا باب الفراديس، وخَلَتْ أكثر المحال من أهاليهم، ونقلوا حوائجهم وحواصلهم وأنعامهم إلى البلد على الدواب والحمالين، وبلغهم أن أطراف الجيش انتهبوا من القرايا في طريقهم من الشعير والتبن وبعض الأنعام للأكل. وربما وقع فساد غير هذا من بعض الجهلة، فخاف النَّاسُ كثيرًا وتشوشت خواطرهم انتهى.
دخول بَيْبُغَا أَرُوس
(3)
إلى دمشق
(4)
ولما كان يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب دخل الأمير سيف الدين بَيْبُغَا أُرُوس نائب حلب إلى دمشق المحروسة بمن معه من العساكر الحلبية وغيرهم وفي صحبته نائب طرابُلُس الأمير سيف الدين بَكْلَمُش، ونائب حماة الأمير شهاب الدين أحمد، ونائب صفد الأمير علاء الدين ألْطَنْبُغَا، الملقب، برْنَاق
(5)
، وكان قد توجه قبله، قيل بيوم، ومعه نواب قلاع كثيرة من بلاد حلب وغيرها، في عدد كثير من الأتراك والتركمان، فوقف في سوق الخيل مكان نواب السلطان تحت القلعة واستعرض الجيوش الذين
(1)
ليست في أ وب وط وهي في الأصل من قوله وفي يوم الجمعة ثاني عشره.
(2)
في ط: ليلًا يقاتلون وهو تحريف.
(3)
في ط: يلبغا أروش.
(4)
النجوم الزاهرة (10/ 272) وما بعدها). الذيل التام (1/ 122)
(5)
في ط: طيبغا ملقب برتاق وهو تحريف. والتصويب من الذيل التام (1/ 122). وفيه: أَلْطَنْبُغا الجاشنكير الملقب بُرْناق.
وفدوا معه هنالك، فدخلوا في تجمُّل كثير، ملبسين، وكان عدَّة من كان معه من أمراء الطبلخانات قريبًا من ستين أميرًا أو يزيدون أو ينقصون، على ما استفاض عن غير واحد ممَّن شاهد ذلك، ثم سار قريبًا من الزوال للمخيم الذي ضُرب له قبل مسجد القدم عند قبة يَلْبُغا، عند الجدول الذي هنالك، وكان يومًا مشهودًا هائلًا، لما عاين النَّاسُ من كثرة الجيوش والعدد، وعذَر كثيرٌ من الناس صاحبَ دمشقَ في ذهابه بمن معه لئلا يقابل هؤلاء. فنسأل الله أن يجمع قلوبهم على ما فيه صلاح المسلمين.
وقد أرسل إلى نائب القلعة وهو الأمير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أَرْغُون التي عنده، فامتنع عليه أيضًا، وقد حصَّن القلعة وسترها وأرصد فيها الرجال والرماة والعُدَد، وَهيأ بها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الأبرجة، وأمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين ويغلقوا الأسواق، وجعل يغلق أبواب البلد إلا بابًا أو بابين منها، واشتدّ حنق العسكر عليه، وهمُّوا بأشياء كثيرة من الشر، ثم يرعوون عن الناس والله المسلِّم، غير أن إقبال العسكر وأطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا والبساتين والكروم والزروع فيأخذون ما يأكلون وتأكل دوابهم، وأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونُهبت قرايا كثيرة وفجروا بنساء وبنات، [وعَظُم الخطب، وأمّا التجار ومن يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختف لا يظهر لما يخشى من المصادرة، نسأل الله أن يحسن عاقبتهم]
(1)
شهر شعبان المبارك، أوله الثلاثاء ثبت على الحاكم
(2)
استهلّ شهر شعبان وأهل البلد في خوف شديد وأهل القرايا والحواضر في نقلة أثاثهم وأبقارهم ودوابهم وأبنائهم ونسائهم، وأكثر أبواب البلد مغلقة سوى بابي الفراديس والجابية، وفي كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا والحواضر، حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم، وكذلك من أهل العُقَيْبة
(3)
وسائر حواضر البلد، فنزلوا عند معارفهم وأصحابهم، ومنهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم وأولادهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال كثيرٌ من المشايخ الذين أدركوا زمن قَازَان: إن هذا الوقت كان أصعب من ذلك لمَا ترك الناس من ورائهم من الغلات والثمار التي هي - عمدة قوتهم في سنتهم، وأما أهل البلد ففي قلق شديد أيضًا لما يبلغهم عنهم من الأراجيف، أنّهم على عزم نهب البلد، فجعل كثير من الناس يُودعون عزيزَ ما يملكون عند من يأمنون، واشتدَّ الأمر جدًّا، وخاف كثير من الناس من التجار، وجعلوا
(4)
يدعون عَقِيْب الصلوات عليهم يصرِّحون بأسمائهم ويعنون بأسماء أمرائهم وأتباعهم.
(1)
ليست في الأصل واستدركتها من أو ب وط.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
في ط: العقيبة.
(4)
ليس في أ وب، وط، وهي في الأصل.
ونائب القلعة الأمير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكِّن جأش الناس ويقوِّي عزمهم ويبشِّرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي، ليجيئوا كلُّهم في خدمته وبين يديه، وتدق البشائر فيفرحُ النّاس، ثم تسكن الأخبار وتبطل الروايات فتقلق الناس.
شهر رمضان المعظّم أوله الخميس، لما كان أول ليلة من هذا الشهر بات أكثر أهل دمشق بظاهر البلد في البيوت المطلّة على الطريق وفي الأسطحة، وقد زينت البلد، وبات الناس في شموع ومغانٍ وأفراح وباتت الحمول والأثقال على الجمال في طول الليل ترد فوجًا بعد فوج وبعد الفجر أُخرج أهل الذمّة بالشموع والتوراة والإنجيل يدعون للسلطان، فأول من خرج السّامريون، ثم النصارى، ثم اليهود، وذلك قبل طلوع الفجر، وقت السّحر، فلمّا آن طلوع الشمس أقبلت الأطلاب على راياتها وترتيبها حلقًا من بعد حلق، وفوجًا من بعد فوج في تجمُّل عظيم.
ثم جاء السلطان أيّده
(1)
. الله تعالى وقد ترجَّل الأمراء بين يديه من حين بسط له الحرير الأحمر عند مسجد الذُّبَّان إلى داخل القلعة المنصورة، وهو لابس قباءً أحمر بفرو وقائم على فرس أصيلة مؤدّبة معلّمة المشي على الفرش لا تحيد عنه، وهو حسن الصُّورة مقبول الطلعة، عليه بهاء المملكة والرياسة، والجتر فوق رَأسه يحمله بعض الأمراء الأكابر، وكلّما عاينه من عاينه من الناس يبتهلون بالدعاء بأصوات عالية، والنساء بالزغرطة، وفرح الناس فرحًا شديدًا، وكان يومًا مشهودًا، وأمرًا حميدًا، جعله الله مباركًا على المسلمين.
فنزل بالقلعة المنصورة (أعلى الله شأنه وشيَّد أركانه)
(2)
وقد قدم معه الخليفة المعتضد أبو الفتح أبو بكر
(3)
بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان راكبًا إلى جانبه من ناحية اليسار، ونزل بالمدرسة الدِّماغية
(4)
بجوار القلعة.
[ثم]
(5)
في أواخر هذا اليوم سار
(6)
الأمراء مع نائب الشام أرغون الكاملي، وتقدَّمهم طاز وشَيْخُون طلب بَيْبُغا ومن معه من البغاة المفسدين.
وفي يوم الجمعة ثانيه حضر السلطان أيَّده الله إلى الجامع الأموي وصَلَّى فيه الجمعة بالمشهد الذي
(1)
ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل من قوله شهر رمضان المعظّم أوّله الخميس.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
في ط: أبو الفتح بن أبي بكر وهو غلط. فهو أبو الفتح وأبو بكر أيضًا.
(4)
داخل باب الفرج وشمالي العمادية. الدارس (1/ 236).
(5)
ما بين الحاصرتين زيادة من الذيل التام (1/ 126).
(6)
في ط: سائر وهو تحريف.
يصلِّي فيه نواب السلطان أيده الله، فكثُر الدعاء له ذاهبًا وآيبًا تقبّل الله منه، وكذلك فعل الجمعة الأخرى وهي تاسع الشهر.
وفي يوم السبت عاشره اجتمعنا
(1)
- بالخليفة المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وسلَّمنا عليه وهو نازل بالمدرسة الدِّماغية، داخل باب الفرج، وقرأتُ عنده جزءًا فيه ما رواه أحمدُ بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في "مسنده"، وذلك عن الشيخ عز الدّين بن الضِّياء الحموي بسماعه من ابن البُخَاري وزينب بنت مكي، عن أحمد بن الحُصَين، عن ابن المذهب، عن أبي بكر بن مالك عن عبد الله بن أحمد عن أبيه فذكرهما.
والمقصود أنَّه شابٌّ حسنُ الشكل مليحُ الكلام متواضعٌ، جيدُ الفهم حلوُ العبارة رحم الله سَلَفَهُ
(2)
.
وفي رابع عشره قدم البريد من بلاد حلب بسيوف الأمراء الممسوكين من أصحاب بَيْبُغَا.
وفي يوم الخميس خامس عشره نزل السلطان الملك الصالح من الطّارمة إلى القصر الأبلق في أُبَّهة المملكة، ولم يحضر يوم الجمعة إلى الصلاة، بل اقتصر على الصلاة بالقصر المذكور. وفي يوم الجمعة باكر النهار دخل الأمير سيف الدين شَيْخُون وطاز بمن معهما من العساكر من بلاد حلب، وقد فات تدارك بَيْبُغا وأصحابه لدخولهم بلاد دلغَادر
(3)
التركماني بمن بقي معهم، وهم القليل، وقد أُسر جماعةٌ من الأمراء الذين كانوا معه، وهم في القيود والسلاسل صحبة الأميرين المذكورين، فدخلا على السلطان وهو بالقصر الأبلق فسلّما عليه وقبّلا الأرض وهنَّأه بالعيد، ونزل طاز بدار أَيْتَمُش بالشرف
(4)
الشمالي، ونزل شَيْخُون بدار إياس الحاجب بالقرب من الظاهرية البرانية، ونزل بقية الجيش في أرجاء البلد، وأما الأمير سيف الدين أَرْغون فأقام بحلب نائبًا عن سؤاله إلى ما ذكر، وخُوطب في تقليده بألقاب هائلة، ولبس خلعة سنية، وعُظِّم تعظيمًا زائدًا، ليكون هناك إلْبًا
(5)
على بَيْبُغَا وأصحابه لشدة ما بينهما من العداوة. ثم صلَّى السلطان بمن معه من المصريين ومن انضاف إليهم من الشاميين صلاةَ عيد الفطر بالمَيْدان الأخضر، وخطب بهم القاضي تاج الدين
(6)
المُنَاوي المصري قاضي العسكر المصري بمرسوم السلطان وذويه، وخلع عليه. انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
بعد هذا في ط: "يقول الشيخ عماد الدين بن كثير المصنف رحمه الله"، ولا شك أن هذا من الناسخ.
(2)
الذيل التام (1/ 124) نقلًا عن ابن كثير.
(3)
في ط: زلغادر وهو تحريف. وهو: قَرَاجا بن دلغادر بن خليل التركماني قتل في القاهرة سنة (754) هـ. الدرر الكامنة (3/ 245).
(4)
في ط: الشرق وهو تحريف.
(5)
"الإلبُ": القوم يجتمعون على عداوة إنسان واحد. القاموس المحيط.
(6)
هو: محمد بن إسحاق المناوي. مات سنة (764) هـ. الوفيات لابن رافع (2/ 283) الذيل التام (1/ 126).
شهر شوال، أوّله السبت، صلى السلطان بمن معه من المصريين ومن انضاف إليهم من الشاميين بالميدان الأخضر صلاة العيد وخطب فيهم القاضي تاج الدين المناوي المصري، قاضي العسكر المصري بمرسوم السلطان وذويه، وخلع عليه.
وحمَلَ يومئذٍ الجَتْر فوق رأس السلطان الأمير بدر الدين مسعود بن الخطير، وخلع عليه أيضًا، ومُدَّ السّماط يومئذٍ بالميدان الأخضر وتناهبوه على العادة.
وفي يوم الأحد ثانيه صُلّي على القاضي شمس الدين القفصي المالكي
(1)
نائب الحاكم بالجامع الأموي بعد الظهر، ودفن بمقابر الباب الصغير، وقد كان له نحوًا من أربع وثلاثين سنة حاكمًا سامحه الله
(2)
.
قتل الأمراء السَّبعة من أصحاب بَيْيُغَا
(3)
وفي يوم الإثنين ثالث شوال قبل العصر ركب السلطان من القصر إلى الطّارمة وعلى رأسه القبة والطَّيْر يحملهما الأمير بدر الدين بن الخطير
(4)
، فجلس في الطارمة، ووقف الجيش بين يديه تحت القلعة، وأحضروا الأمراء الذين قدموا بهم من بلاد حلب، فجعلوا يوقفون الأمير منهم ثم يشاورون عليه، فمنهم من يُشفع فيه، ومنهم يُؤْمر بتوسيطه، فوُسِّط سبعةٌ: خمس طبلخانات ومقَّدما ألفٍ، منهم نائب صفد بُرْناق وشُفع في الباقين فردُّوا إلى السِّجن، وكانوا خمسة آخرين.
وفي يوم الأربعاء خامسه مُسك جماعةٌ من أمراء دمشق سبعة؛ منهم ملك آص، وسَاطْليش، وتحولت دول كثيرة، وتأمَّر جماعة من الأجناد وغيرهم
(5)
انتهى.
وفي يوم الخميس سادسه لبس حسام الدين النجيبي خلعةً لشد الدواوين عوضًا عن ابن المُحْسنى.
وخلع على الأمير السليماني بحجوبية الحجاب، وعلى جماعة غيرهم الأمراء الطبلخانات
(6)
.
خروج السلطان من دمشق متوجهًا إلى بلاد مصر
وفي يوم الجمعة سابع شوّال ركب السلطان في جيشه من القصر الأبلق قاصدًا لصلاة الجمعة بالجامع
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 42، والدرر الكامنة 3/ 447 وفيه وفاته:(743 هـ). وهو غلط. والذيل التام 1/ 129.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله شهر شوّال، أوله السبت.
(3)
في ط: يلبغا. وأسماء الأمراء وتفصيل الخبر في النجوم الزاهرة (10/ 276).
(4)
مسعود بن أوحد.
(5)
تفاصيل الخبر في النجوم الزاهرة (10/ 276).
(6)
ليست في أ وب وط وهي في الأصل.
الأموي، فلما انتهى إلى باب النصر ترجَّل الجيش بكماله بين يديه مشاة، وذلك في يوم شاتٍ كثير الوحل، فصلَّى بالمقصورة إلى جانب المصحف العثماني، وليس معه في الصف الأول أحد، بل بقية الأمراء خلفه صفوف، فسمع خطبة الخطيب، ولما فرغ من الصَّلاة قرِئَ كتابٌ بإطلاق أعشار الأوقاف.
وخرج السلطان بمن معه من باب النصر، فركب الجيش واستقل ذاهبًا نحو الكُسْوة بمن معه من العساكر المنصورة، مصحوبين بالسلامة والعافية المستمرة، وخرج السلطان وليس بدمشق نائبُ سلطنةٍ، وبها الأمير بدر الدين بن الخطير هو الذي يتكلم في الأمور نائبَ غيبةٍ، حتى يقدم إليها نائبها ويتعين لها.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثاني عشره درَّس الأمينية علاء الدين على الأنصاري قريب الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد بسبب شعورها؛ بوفاة الشيخ بهاء الدين المذكور، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وفي يوم الخميس ثالث عشره خرج المحمل والركب الشامي من دمشق وأميرهم شلاش. وحج من الأعيان في هذه السنة عماد الدين إسماعيل ابن العز الحنفي، والقاضي شرف الدين الكفري الحنفي نائب الحكم، وسبط قاضي القضاة السُّبكي بدر الدين محمد البقاء وجماعة من كبار التجار وغيرهم.
وفي ليلة الثلاثاء خامس عشرينه زلزلت الأرض
(1)
.
شهر ذي القعدة، أوله الأحد، جاءت الأخبار بوصول السلطان إلى الديار المصرية سالمًا، ودخلها في أُبَّهة عظيمة في أواخره، وكان يومًا مشهودًا، وخلع على الأمراء كلهم، ولبس خلعة نيابة الشام الأمير علاء الدين المارِدَاني، ومُسِكَ الأمير علم الدين بن زَنْبُور
(2)
، وتولَّى
(3)
الوزارة الصاحب موفق الدين
(4)
.
شهر ذي الحجة، أوّله الثلاثاء، في صبيحة يوم السبت خامسه دخل الأمير علاء الدين على الجَمدار من الديار المصرية إلى دمشق المحروسة في أبهة هائلة، وموكب حافل متوليًا نيابة بها، وبين يديه الأمراء على العادة، فوقف عند تربة بَهَادر آص حتّى استعرض عليه الجيش فلحقهم، فدخل دار السعادة فنزلها على عادة النواب قبله، جعله الله وجهًا مباركًا على المسلمين.
وفي يوم السبت ثالث عشره قدم دوا دار السلطان الأمير عزُّ الدين طُقْطَاي
(5)
من الديار المصرية فنزل
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل. من قوله: وفي صبيحة يوم الأربعاء.
(2)
الذيل التام (1/ 127). وكان وصوله يوم الثلاثاء خامس عشرين شوّال كما في النجوم الزاهرة (10/ 277).
(3)
في ط: "وتولية" ولا معنى لها.
(4)
هو هبة الله بن إبراهيم، وتسمّى لما أسلم عبد الله. وكان يقال له: الأسعد القبطي الوزير موفق الدين. مات سنة (755) هـ. الدرر الكامنة (4/ 400).
(5)
في ط: مغلطاي. وأثبتنا ما في الذيل التام (1/ 32) وفيه: في محرمها توجه الأمير عز الدين طُقطاي الناصري الدوادار.
القصر الأبلق، ومن عزمه الذهاب إلى البلاد الحلبية ليجهز الجيوش نحو بَيْبُغا وأصحابه انتهى، الله تعالى أعلم.
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والمملكة الحلبية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الصالح صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي.
ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قُبْلاي، والمشار إليهم في تدبير المملكة الأمراء الثلاثة سيف الدين شَيْخُون، وسيف الدين طاز، وسيف الدين صَرْغَتُمُش الناصري.
وقضاة القضاة وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية.
ونائب حلب الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي، لأجل مقاتلة أولئك الأمراء الثلاثة بَيْبُغا وأمير أحمد وبَكْلَمُش الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية، ثم لجأوا إلى بلاد الأَبْلُسْتَيْن
(1)
في خفارة دُلْغَادر
(2)
التركماني، ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور، ففرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا، والله الحمد والمنة، ونائب طرابُلُس الأمير سيف الدين أَيْتَمُش الذي كان نائب دمشق كما ذكرنا، تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابُلُس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم.
شهر الله المحرم، أوله الخميس واستهلّت هذه السنة وقد تواترت الأخبار بأن الأمراء الثلاثة بَيْبُغَا وبَكْلَمُش وأمير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الأمير سيف الدين أَرْغُون، وهم مسجونون بقلعتها بها، ينتظر ما يرسم به فيهم، وقد فرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا. نسأل الله أن يمكّن منهم، وأن يُريح الناس منهم.
وفي يوم الأربعاء ورابع عشره سُمّر رجل وامرأة على جمل وطيف بهما في البلد، وأُشهرا بأمر نائب السلطنة؛ لأنّهما كانا يتعاونان على القيادة على الجواري والقحاب، بعد الضرب المبرح.
(1)
في ط: البلبيسين وهو تحريف. والأبلستين مدينة مشهورة ببلاد الروم قريبة من أبسُس وهي في أرض تركية اليوم. معجم البلدان (1/ 75) أطلس تاريخ الإسلام (الخريطة 128)
(2)
في ط: زلغادر.
وفي يوم الجمعة سادس عشره قرئ كتاب السلطان على السُّدَّة بعد الصلاة برفع الكلف والجنايات عن البساتين في الغوطة، ورفع مظالم كثيرة، فكثر الدعاء للسلطان
(1)
.
وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين طُقْطَاي
(2)
الدويدار عائدًا من البلاد الحلبية، وفي صحبته رأس بَيْبُغا الباغي أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بَعْلَمُش الذي كان نائبًا بطرابُلُس وأمير أحمد الذي كان نائب حماة، فقطعت رؤوسهما بحلب بين يدي نائبها سيف الدين أَرْغُون الكاملي، وسُيّرت إلى مصر، ولما وصل بَيْبُغا بعدهما فُعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة والجيش برمته والعامة على الأحاجير يتفرجون بمصرعه، وسُرَّ المسلمون كلهم ولله الحمد والمنة
(3)
.
ودخل المحمل السلطاني والحجّاج يوم الخميس العشرين من المحرم، وأكثر الحجاج يخبرون بأنهّم كانوا في رخص وأمنٍ في غالب الأحول، وهذه سُرعةٌ في السير لم تعهد قبل ذلك.
شهر صفر، أوّله الجمعة في أوائله عاد القاضي نجم الدين الحنفي من زيارة القدس الشريف، وكان في صحبته جماعةً ساروا حتى دخلوا البيت المقدس، فصلّى فيه ركعتين نافلة أطالهما، وصلى أصحابه ما تيسّر، ثم انكفأ راجعًا إلى دمشق من فوره، لم يجتمع بأحدٍ، ولا أكل طعام أحدٍ، وإنما عاد إلى البلد المسمّاة البيرة، وكان قد سار منها إلى القدس، ثم بات بها، ثم كرّ راجعًا على نابلس أيضًا، واقتدى في ذلك بعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنه كذلك فعل.
وفي يوم السبت تاسعه تغضّب نائب السلطنة على القاضي جمال الدين حسين ولد قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشافعي لأمرِ ذكر له عنه، فسيّره إلى الديارا المصرية؛ ليكون عند أخيه هنالك.
شهر ربيع الأول، أوله الأحد، وقيل: السبت.
عملت المواليد في الجامع الأموي على العادة، وعمل نائب السلطنة مولدًا. واجتمعتُ به في هذه الليلة، وقرأتُ عنده سائر المولد المختصر، فاستحسنه وفرح به، وجرت بيني وبينه مسائل فرعية، وهو مع ذلك يفهم جيدًا ويتصور حسنًا
(4)
.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
في ط: مغلطاي.
(3)
النجوم الزاهرة (10/ 284).
(4)
ليست في أ وب وط وهي في الأصل. من قوله: ودخل المحمل السلطانيّ.
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول أُقيمت جمعة جديدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له مسجد المَزَّاز
(1)
، وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية
(2)
، ثم وقع في ذلك كلام فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكبه، وحملوا سناجق خليفية من جامعهم ومصاحف واشتملوا إلى نائب السلطنة وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم، فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة، ثم وقع نزاع في جواز ذلك، ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار، وجرت خطوب طويلة بعد ذلك.
شهر ربيع الآخر، أوله الإثنين وفي يوم الأحد سابعه توفِّي الأمير الكبير سيف الدين أُلْجيبُغا
(3)
العادلي، ودفن بتربته
(4)
التي كان أنشأَهَا قديمًا ظاهر باب الجابية، وهي مشهورة تعرف به، وكان له في الإمرة قريبًا من ستين سنة، [وقد كان أصابه في نوبة أَرْغون شاه وقضيته ضربة أصابت يدَهُ اليمنى، واستمرَّ مع ذلك على إمرته وتقدمته محترمًا معظَّمًا إلى أن توفي رحمة الله تعالى عليه]
(5)
.
ذكر أمر غريب جدًّا
لما ذهبتُ لتهنئة الأمير ناصر الدين بن لاقوش
(6)
بنيابة بعلبك، وجدتُ هنالك شابًا فذكر لي من حضر أن هذا هو الذي كان أنثى ثم ظهر له ذكر، وقد كان أمره اشتهر ببلاد طرابُلُس، وشاع بين الناس بدمشق وغير ذلك، وتحدَّث الناس به، فلما رأيته وعليه قبعة تركية استدعيته إليّ وسألته بحضرة من حضر، فقلت له: كيف كان أمرك؟ فاستحيى وعلاه خجل يشبه النِّساء، فقال: كنت امرأة مدة خمس عشرة سنة، وزوجوني بثلاثة أزواج لا يقدرون عليَّ، وكلهم يطلِّق، ثم اعترضني حال غريب فغارت ثدياي وصَغُرت، وجعل النوم يعتريني ليلًا ونهارًا، ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليل قليلًا ويتزايد حتى برز شبه ذكر وأنثيان، فسألته أهو كبير أم صغير؟ فاستحيى ثم ذكر أنه صغير بقدر الأُصْبع فسألته هل احتلم؟ فقال: احتلم مرتين منذ حصل له ذلك، وكان له قريبًا من ستة أشهر إلى حين أخبرني، وذكر أنه يُحسن صَنْعَة النِّساء كلَّها من الغزل والتطريز والزركاش وغير ذلك، فقلت له: ما كان اسمك
(1)
في ط: المزار بالراء المهملة. وأثبتنا ما في الدارس (2/ 421).
(2)
هو: جمال الدين عبد الله بن محمد بن أبي بكر الحنبلي الدمشقي. مات سنة (756) هـ.
(3)
ترجمته في: الدرر الكامنة (1/ 406) والدارس (2/ 227) والذيل التام (1/ 136).
(4)
التربة الجيبغائية، شمالي تربة مختار الطواشي خارج باب الجابية يمنة الذاهب في الطريق السلطاني. انظره الدارس (2/ 227).
(5)
ليس في الأصل، واستدركته من أ وب.
(6)
في ط: ابن الأقوس وهو تحريف.
وهو: الأمير ناصر الدين كجكن بن لاقوش. مات سنة (761) هـ.
وأنت على صفة النساء؟ فقال: نفيسة، فقلت: واليوم؟ فقال عبد الله، وذكر أنه لما حصل له هذا الحال كتمه أهله عن حتى عن أبيه، ثم عزموا على تزويجه على رابع، فقال لأمّه إن الأمر ما صفته كيت وكيت، فلما اطّلع أهله على ذلك أعلموا به نائب السلطنة هناك، وكتب بذلك محضرًا واشتُهر أمره فقدم دمشقَ ووقف بين يدي نائب السلطنة بدمشق، فسأله فأخبره كما أخبرني، فأخذه الحاجب سيف الدين كجكن بن لاقوش
(1)
عنده وألبسه ثياب الأجناد، وهو شاب حسن، على وجهه وسمته ومشيته وحديثه أنوثةُ النساء، فسبحان الفعال لما يشاء، فهذا أمر لم يقع مثله في العالم إلا قليلًا جدًّا، وعندي أن ذكره كان غائرًا في جورة ظنوها فرجًا ثم لما بلغ ظهر قليلًا قليلًا، حتى تكامل ظهوره فتبينوا أنه كان ذكرًا، وذكر لي أن ذكره برز مختونًا فسمي ختان القمر، فهذا يوجد كثيرًا والله أعلم.
شهر رجب الفرد، أوّله الجمعة وفي يوم الثلاثاء خامسه قدم الأمير عز الدين طُقْطَاي
(2)
الدويدار من الديار الحلبية وخبر عما اتفق عليه العساكر الحلبية من ذهابهم مع نائبهم ونواب تلك الحصون وعساكر خلف دُلْغَادر التركماني، الذي كان أعان بَيْبُغا وذويه على خروجه على السلطان، وقدم معه إلى دمشق وكان من أمره ما تقدم بسطه في السنة الماضية، وأنّهم نهبوا أمواله وحواصله، وأسروا خلقًا من بنيه وذويه وحريمه، وأن الجيش أخذ شيئًا كثيرًا من الأغنام والأبقار والرقيق والدواب والأمتعة وغير ذلك، وأنه لجأ إلى ابن أَرْتَنا
(3)
فاحتاط عليه واعتقله عنده، وراسل السلطان بأمره ففرح الناس براحة الجيش الحلبي وسلامته بعدما قاسوا شديدًا وتعبًا كثيرًا.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره كان قدوم الأمراء الذين كانوا مسجونين بالإسكندرية من لَدُن عَود السُّلطان إلى الديار المصرية، ممَّن كان اتُّهم بممالأة بَيْبُغَا أو خدمته، كالأمير سيف الدين مَلَك آص
(4)
وعلاء الدين علي ابن البَشْمُقْدَار
(5)
، وساطلمش الجلالي ومن معهم.
وفي أوائل هذا الشهر تكامل عمارة القياسوية التي أنشأها ديوان الأمير طاز، خارج باب الفرج غربي القيسارية التي أنشأها يَلبُغا، وتشتمل على ستة سطور دكاكين، وفي علوها طباق.
وكان قد اشتهر في أوائل هذا الشهر أن قاضي القضاة بالديار المصرية عز الدين بن جماعة قد ترك المنصب، وتولّاه نائبه القاضي تاج الدين المناوي وحكم أيامًا، ثم قيل: إن المناوي عُزل، وشغر
(1)
في ط: كحلن ابن الأقوس.
(2)
في ط: بقطية وهو تحريف. ومرَّ ذكره.
(3)
في ط: أرطنا وأثبتنا ما في الدرر (1/ 348). وهو صاحب الرُّوم من جهة أبي سعيد. مات سنة (753) هـ.
(4)
في ط: ملك أجي وهو تحريف.
(5)
في ط: السيمقدار.
المنصب، وشاع بين الناس أنّ قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي يُطلب إلى الديار المصرية لتولية القضاء بها، وذُكر للمنصب جماعة، وطلبوا منه أن يعود إلى المنصب فعاد، ولبس الخلعة.
شهر شعبان، أوّله السبت، لم يعمل ليلة النصف بالجامع الأموي، ولم توقد القناديل على ما جرت به تلك البدعة الشنعاء التي كانت مستمرة، بل منّ الله تعالى بإطفائها، وزوالها، وإخمادها منذ ثلاث سنين شهر رمضان المعظم، أوّله الاثنين
(1)
.
وفي أوئله اتفق أن جماعة من المفتين أفتوا بأحد قولي العلماء، وهما وجهان لأصحابنا الشافعية، وهو جواز استعادة ما استهدم من الكنائس، فتعصَّب عليهم قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي فقرَّعهم في ذلك ومنعهم من الإفتاء، وصنَّف في ذلك مصنفًا يتضمن المنع من ذلك سمَّاه "الدسائس في الكنائس"
(2)
.
وفي خامس شهر رمضان قدم بالأمير دُلْغَادر
(3)
التركماني الذي كان مؤازرًا لبَيْبُغَا في العام الماضي على تلك الأفاعيل القبيحة، وهو مضيَّق عليه، فأُحضر بين يدي النائب، ثم أُودع القلعة المنصورة في هذا اليوم.
وفي يوم الأحد رابع عشره درّس بالركنية الشيخ شمس الدين البانقوسي الحنفي عوضًا عن علاء الدين بن زين الدين بن عبد الحق
(4)
توفيّ رحمه الله وفي صبيحة يوم الاثنين الخامس عشر منه قُدم بالأمير ابن دُلغادر التركماني الذي كان مؤازًا لبيبُغَا أروس على تلك الأفاعيل القبيحة، وهو مضيّق عليه إلى بين يدي نائب السلطنة، ثم أودع القلعة من يومه.
شهر شوال، أوّله الأربعاء، توفي الأمير بدر الدين ابن الخطير
(5)
في يوم الثلاثاء سادسه، ودفن من يومه بسفح قاسيون.
وخرج المحمل في يوم الخميس تاسعه، وأمير الركب ابن المنكورسي، وقد قدّمنا شيئًا من خبره. وتوفيّ الصدر علاء الدين بن الفويره الحنفي
(6)
، شاهد الخزانة، وموقّع الدَّست في العشر الأوسط منه، ودفن بالصالحية.
وفي هذا اليوم بعينه خُلع على القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السّبكي الشافعي بطرحة، وجلس مع موقعي الدَّست.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي أوائل هذا الشهر تكامل.
(2)
الذيل التام (1/ 134).
(3)
في ط: أبو الغادر وهو تحريف
(4)
لم أقع على ترجمة له، لعله مما انفرد ابن كثير بذكره.
(5)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 57. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه والدر الكامنة 4/ 348 والذيل التام 1/ 134.
(6)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 53، والدرر الكامنة 3/ 139. والذيل التام 1/ 135.
وفي يوم الثلاثاء الثامن والعشرين منه توفي الموقّع بالدّست أيضًا شرف الدين عبد الوهاب ابن القاضي شهاب الدين بن فضل الله
(1)
، ضربه فلّاح بدبوسٍ في رأسه، فلم يزل منها متمرضًا حتى مات في هذا اليوم. ودفن بتربة أبيه وعمه بقاسيون، وهو شاب دون الأربعين، وتولّى مكانه في الدّست أخوه نجم الدين، ولبس خلعةً وطرحةً. وباشر يوم الإثنين رابع ذي القعدة.
شهر ذي القعدة، أوله الجمعة، قد قدمنا ولاية نجم الدين أحمد بن فضل الله مكان أخيه في توقيع الدّست. شهر ذي الحجة، أوّله السبت. في ليلة السبت خامس عشره أُخذت عُملةٌ كثيرة من سوق الدّهشة التي للرجال شرقي الجامع، صعد الحراميّة إليها من سقالة جيرون، ونقبوا أرض الدكان وأخذوا على ما قيل ثلاثين ألف درهمٍ، غير القماش.
وفي هذا الحين تفاقم أمر رجلٍ ظهر ببلاد الصعيد من الأعراب، يلقّب بالأحدب
(2)
، يأتي في زمن الغلّات، فيُغير بمن معه على أطراف البلاد؛ فيأخذ ما يحتاج إليه من الغلّات والميرة وغيرها قهرًا من أيدي الفلاحين، وقد اتَبعه خلقٌ كثير، وجم غفير، بحيث أنه أعجز الولاة والتجاريد تحصيلُه.
فركب إليه الأمير شيخون
(3)
بنفسه في ألوف من الجيش، وخرج السلطان وعامة الجيش في صحبته إلى أثناء الطريق، وقعدوا في انتظاره، وقصد هو بمن معه البلاد التي يكون فيها الأحدب، فاتّفق تلاقيهما في مكان هناك، فقُتل من جيش الأحدب خلقٌ كثير، وهرب الأحدبُ فأتبعه بمئة من الفرسان الأبطال الشجعان فلم يدركوه، وخلص من بين الجميع، وهو معدود أيضًا من الأبطال المذكورين، ويُذكر عنه أنّه يحدّث نفسه بالملك، ويعد أصحابه وغيرهم بذلك
(4)
.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وما يتبع ذلك والحرمين الشريفين وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، وهو ابن بنت تَنْكِز نائب الشام، وكان في الدولة الناصرية.
ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قَبْلاي الناصري، ووزيره القاضي موفق الدين، وقضاة مصرهم المذكورون في العام الماضي، ومنهم قاضي القضاة عزّ الدين بن جماعة الشافعي، وقد جاور في
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 52، والدرر الكامنة 2/ 424، والذيل التام 1/ 137.
(2)
هو محمد بن واصل، كما في الذيل التام (1/ 133)، ولقب بذلك لكونه أَقْعَسَ.
(3)
في ذيل التام 1/ 133: سَنْجق. وهو تحريف.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم. من قوله: وفي يوم الأحد رابع عشره درس بالرّكنية.
هذه السنة في الحجاز الشريف، والقاضي تاج الدين المُنَاوي يسدُّ المنصب عنه، وكاتب السر القاضي علاء الدين بن فضل الله العدوي، ومدبرو المملكة الأمراء الثلاثة سيف الدين شَيْخُون، وصَرْغَتُمُش الناصري، والأمير الكبير الدوادار عز الدين طُقْطَاي الناصري.
ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شَيْخُون في الأحداث من مدة شهر أو قريب.
ونائب دمشق الأمير علاء الدين على المارداني، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها، وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج أبي إسحاق
(1)
، وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب، وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة، ومحتسبه الشيخ علاء الدين الأنصاري، قريب الشيخ بهاء الدين ابن
(2)
إمام المشهد، وهو مدرّس الأمينية
(3)
مكانه أيضًا.
شهر الله المحرم، أوله الإثنين، وردت كتب الحجاج في ثاني عشره، وذكروا فيها أنهم وجدوا أسعارًا رخيصة، وأمنًا، وسعةً.
وقدم الركب يوم الخميس الخامس والعشرين منه، وقد صادفهم في أراضي حوران أمطارٌ وثلوج من الزرقا وجاي، فحصل لهم بسبب ذلك مشقّة شديدة، ثم لطف الله تعالى.
شهر صفر، أوّله الثلاثاء، عُقد في هذا الشهر مجالس بسبب فُتيا وردت من حماة في وقف كتب فيها جماعة من المفتين، من الحنابلة والشافعية والحنفية والمالكية، وكان القاضي الشافعي قد كتب بوفاقهم، ثم خالفهم، وصنّف في الردّ عليهم، وأراد أن يسترجعهم فأبى أكثرهم، واستمروا على ما أفتَوْا به، ووقعت أمور طويلة، وبعد ذلك كله حكم نائبه القاضي بهاء الدين أبو البقاء بمقتضى ما رجّحه قاضي القضاة، وسُطّر محضرٌ، وذُكر فيه أولئك المفتون، ونيل منهم بكلام ساءهم سماعُه.
شهر ربيع الأول، أوله الخميس، في ليلة الإثنين الثاني عشر منه عُملت المواليد في الجامع على العادة، وقرأ المقرؤون، وأنشد الوعّاظ.
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه زوّجت الولد عبد الرحمن أسعده الله تعالى. وكان مجلس عقده في دار المرقبي خارج باب النّصر، وحضر القضاة الأربعة، والصاحب، وكاتب السرّ، وأعيان الناس، وناظر الجيش، وأعيان الناس من أولي الحلّ والعقد والعلماء والأمراء وغيرهم.
(1)
هو: موسى بن أبي إسحاق، ويدعى عبد الوهاب بن عبد الكريم المصري القبطي. مات سنة (771) هـ والزيادة من الوفيات لابن رافع (2/ 361).
(2)
بهاء الدين هو: محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري مات سنة (752) هـ الدارس (1/ 199).
(3)
مدرسة قبلي باب الزيادة من أبواب الجامع الأموي. الدارس (1/ 199).
وفي يوم الأحد تلوه دخلت به إلى نائب السلطنة، فقبل يده، وأهدى له أشياء من السكّر والقلوبات باسم ولده ناصر الدين محمد، ووعده ملك الأمراء بإقطاع في الحلقة المنصورة.
وفي ليلة الجمعة وهي ليلة الثلاثين منه عمل نائب السلطنة مولدًا، احتفل له احتفالًا زائدًا، وطُلبت فقرأت المولد المختصر الذي اختصرته من مختصر آخر من المبسوط الذي بَسَطتُه في أول السّيرة من كتاب (البداية والنهاية).
وكان - حرسه الله - كثير الإكرام والتودُّد والاحترام، ويسأل عن مسائل حسنة مفيدة، ولديه فضيلة، ونقل لمذهب أبي حنيفة، ويفهم الكلام، وما يقال له جيدًا
(1)
.
وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مُغْلَطاي الذي كان مسجونًا بالإسكندرية ثم أُفرج عنه، وقد كان قبل ذلك هو الدولة، وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند حمية أَيْتَمُش
(2)
نائب طرابُلُس، وأمّا مَنْجك الذي كان وزيره بالدّيار المصرية، وكان معتقلًا بالإسكندرية مع مُغْلَطاي
(3)
، فإنه صار إلى صفد مقيمًا بها بطالًا، كما أن مُغْلَطاي أُمر بالمقام بطرابُلُس بطالًا إلى حين يحكم الله عز وجل. انتهى والله أعلم.
في العشر الآخر منه أمسك مقدّم المجرمين، صدر منه أشياءُ قبيحة شنيعةٌ في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقُيد وسُجن، ورفع أمره إلى المالكي.
وكذلك قدم من أذرعات اثنان نصارى كانا أسلما ثمّ ارتدا، فقُيّدا وأرسلا فسخنا أيضًا.
وتوفي الوزير موفق الدين
(4)
بديار مصر ليلة الجمعة الثاني والعشرين منه، وكان مشكورًا كثير الصدقة من خيار أبناء جنسه من القبط، وقد قارب رحمه الله تعالى.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد، في ليلة الإثنين منه عُدي على قاضي الحنفية
(5)
بطرابلس فقتل في داره، وأخذت أمواله وحواصله
(6)
.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله شهر الله المحرم، أوله الإثنين.
(2)
في ط: حمزة أيتمش وهذه ليست في جميع مصادر ترجمته.
(3)
علاء الدين مُغْلطَاي النوري رأس نوبة مات سنة (755) هـ الذيل للحسيني ص (295).
(4)
هو هبة الله ابن سعد الدولة القبطي. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 75 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه. والدرر الكامنة 4/ 400، والذيل التام 1/ 141.
(5)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 60.
(6)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: في العشر الآخر منه.
نادرة من الغرائب
في يوم الإثنين سادسَ عشرَه اجتاز رجل من الرَّوافض من أهل الحِلَّةِ
(1)
بجامع دمشق بعد صلاة الظهر وهو يسبُّ أول من ظلم آل محمد، ويكرِّر ذلك لا يفتر، ولم يصلِّ مع الناس ولا صلَّى على الجنازة الحاضرة، على أن النَّاس في الصَّلاة، وهو يكرّر ذلك ويرفع صوته به، فلمَّا فرغنا من الصَّلاة نبَّهْتُ عليه الناس، فأخذوه، وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس. فجئت إليه واستنطقته: مَن الذي ظلم آل محمد؟ فقال: أبو بكر الصديق، ثم قال جهرة والناس يسمعون: لعن الله أبا بكر وعمرَ وعثمانَ ومعاويةَ ويزيدَ، فأعاد ذلك مرتين، فأمر به الحاكم إلى السِّجن، ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط، وهو مع ذلك يصرُخُ بالسبّ واللّعن والكلام الذي لا يصدرُ إلا عن شقي، واسم هذا اللعين علي بن أبي الفضل بن محمد بن حسين بن كثير قبَّحه الله وأخزاه، ثم لما كان الخميس سابع عشره عقد له مجلس بدار السعادة وحضر القضاة الأربعة وطُلب إلى هنالك، فقدَّر الله أن حكم نائب المالكي بقتله، فأُخذ سريعًا فضربت عنقه تحت القلعة وحرقه العامة وطافوا برأسه البلد، ونادوا عليه: هذا جزاء من سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي وإذا عنده شيء ممَّا يقوله الرَّافضةُ الغُلاة، وقد تلقَّى عن أصحاب ابن مطهَّر أشياء في الكُفْر والزَّندقة، قبحه الله وإياهم.
شهر رجب الفرد، أوّله الثلاثاء وورد الكتاب بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية
(2)
.
وفي يوم الجمعة ثامن عشرَه قُرِئَ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة وأمراء الأعراب، وكبار الأمراء، وأهل الحل والعقد والعامة، كتاب السلطان بإلزام أهل الذمة بالشّروط العُمَرية وزيادات أخر: منها أن لا يستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الأشياء، وأن لا تزيد عمامةُ أحدهم عن عشرة أَذْرُع و [أن]
(3)
لا يركبوا الخيل ولا البغال، ولكن الحمير بالأكف عرضًا، وأن لا يدخلوا (الحَمَّام) إلا بالعلامات من جرس أو خاتم نحاس أصفر أو رصاص، ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمَّامات، وليكن لهن حمَّامات تَخْتَصُّ بهن، وأن يكون إزار النصرانية، من كتان أزرق، واليهودية من كتان أصفر، وأن يكون أحد خفيها أسود، والآخر أبيض
(4)
، وأن يُحْمَل
(5)
حكمُ مواريثهم على الأحكام الشرعية.
(1)
"الحلَّة": مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، وكانت تسمّى الجامعين. معجم البلدان.
(2)
الدرر الكامنة (3/ 95).
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
وفي الذيل التام (1/ 135): وإذا مرّ بمسلم جالسٍ نزل وأظهر المسكنة، ولا يكرموا في المجالس ألبتّة.
(5)
في ط: يحكم وأثبتنا ما في الذيل التام.
شهر شعبان، أوّله الخميس، في يوم السبت عاشره توفّي الأمير أباجي
(1)
نائب القلعة بدمشق، وقد كان مشكور السيرة رحمه الله.
واشتهر في العشر الأخير منه أنّ أهل طرابُلُس قاموا على ناظر الجيش عندهم، وكان مسلمانيًا، تعرّض للجناب النبوي، فحكم القاضي شهاب الدين بن البارزي الشافعي بكفره وقتله، فقتل وأُحرق.
شهر رمضان المعظم، أوّله الجمعة
(2)
.
وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الإمام العالم البارع شمس الدين بن النَّقَّاش
(3)
المصري الشّافعي - وَرَدَ دمشق
(4)
- بالجامع الأموي تجاه محراب الصَّحابة، ميعادًا للوعظ واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة، وشكروا كلامه وطلاقة عبارته، من غير تَلعْثُم ولا تخليط ولا توقُّف، وطال ذلك إلى قريب العصر.
وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صُلِّي بجامع دمشق بالصَّحن تحت النَّسر على القاضي جمال الدّين
(5)
حُسَين
(6)
ابن قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي الشّافعي، ونائبُه
(7)
، وحضر نائب السَّلطنة الأمير علاء الدين علي، وقضاة البلد والأعيان والدولة وكثير من العامة، وكانت جنازته محشودة، والده وحضر والدة قاضي القضاة وهو يتهادى
(8)
بين رجلين، فظهر عليه الحزن والكآبة، فصلَّى عليه إمامًا، وتأسَّف النَّاس عليه لسماحة أخلاقه وانجماعه على نفسه، لا يتعدَّى شرُّه إلى غيره، وكان يحكم جيدًا نظيفَ العرض في ذلك، وكان قد درَّس في عدة مدارس، منها الشَّامية البرّانية والعَذْراوية
(9)
، وأفتى وتصدَّر، وكانت لديه فضيلة جيدة بالنَّحو والفقه والفرائض وغير ذلك.
ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم رحمهم الله.
وفي يوم الإثنين حادي عشره خلع على الأمير كجكن بن لاقوش الحاجب بشربوش الطبلخاناه،
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 62 نقلًا عن ابن كثير وليس في المطبوع منه.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
هو: شمس الدين أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى الدُّكَالِيّ المصري الشافعي المعروف بابن النَّقَّاش. مات سنة (763) هـ كما سيأتي. الوفيات لابن رافع (2/ 248).
(4)
قال ابن رافع: قدم علينا دمشق، وتكلَّم على الناس بجامع دمشق.
(5)
في ط: كمال الدين وأثبتنا ما في مصادر ترجمته.
(6)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (296) وطبقات الشافعية (6/ 87) والوفيات لابن رافع (2/ 173) والدرر الكامنة (2/ 61) والدارس (1/ 239) والذيل التام (1/ 137). وهو: حسين بن علي بن عبد الكافي السُّبكي أبو الطَّيب.
(7)
أي نائب أبيه قاضي القضاة.
(8)
في ط: يهادي.
(9)
الدارس (1/ 239).
وأَلبَس هو خلعًا كثيرةً للناس، ولبس أخوه ابن ناصر الدين خلعةً بنيابة حمص.
وفي يوم الخميس رابع عشره لبس القاضي أمين الدين ابن القلانسي خلعةً بقضاء العساكر عوضًا عن الوكالة.
ولبس علاء الدين بن شمريوخ خلعة الوكالة وباشرها.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين منه حكم القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة السّبكي بدار السعادة في مجلس دار العدل بحضرة نائب السلطنة والقضاة في قضيّة تتعلّق بالأمير شيخون في ضمان قرية بالساحل. ورسم له يومئذٍ بالمدرسة التّقويه بكمالها.
شهر شوال، أوّله الأحد
(1)
.
عودة الملك النَّاصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون
وذلك يوم الإثنين ثانيه اتفق جمهور الأمراء مع الأمير شَيْخُون وصَرْغَتْمُش في غيبة طَاز في الصيد على خلع الملك الصّالح صالح بن الناصر، وأمُّه بنت تَنْكز، وإعادة أخيه الملك الناصر حسن، وكان ذلك يومئذ وألزم الصالح بيته مضيَّقًا عليه، وسُلِّم إلى أمه خوندة بنت الأمير سيف الدين تَنْكز نائب الشام، كان، فطلبوا طاز
(2)
، وأُمسك أخوه جَنْتَمُر
(3)
وأخو السُّلطان لأمه عمر بن أحمد بن يَكْتَمُر السَّاقي ووقعت خبطة عظيمة بالدّيار المصرية، ومع هذا فلم يقبل البريد إلى الشام وخبر البيعة إلا يوم الخميس الثالث عشر من هذا الشهر، قدم بسببها الأمير عز الدين أَيْدَمُ الشّمسي، وبايع النائب بعد ما خلع عليه خِلْعة سنيّة، والأمراءُ بدار السعادة على العادة، ودقت البشائر، وزين البلد، وخطب له الخطيب يوم الجمعة على المنبر بحضرة نائب السلطنة والقضاة والدولة.
وكان قد خرج المحمل السلطاني يوم الإثنين تاسع الشهر، وأمير الركب الملك أسد الدين بن الملك صلاح الدين بن الأوحد، وقاضيه شمس الدين محمد بن الصايغ أحد المعدّلين بدمشق.
وحجّ في هذه السنة من الأعيان قاضي القضاة نجم الدين الحنفي بنية المجاورة بمكة. والقاضي ناصر الدين كاتب السر وولده الأمير جمال الدين، ومعهم الشيخ نور الدين بن الصارم أحد القراء والمحدّثين والحاجب جمال الدين الدمرداشي، والقاضي بهاء الدين أبو البقاء، ذهب عن طريق المصريين من أيلة ومعه طائفة من الناس سلكوا مسلكه)
(4)
.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الإثنين حادي عشره.
(2)
في ط: وقطلبوطار. وهو تحريف.
(3)
في ط: سنتمر. النجوم (10/ 302) الذيل التام (1/ 136).
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: وكان قد خرج المحمل.
وفي صبيحة يوم الإثنين تاسع عشر شوال دخل دمشق الأمير سيف الدين مَنْجَك مجتازًا على نيابة طرابُلُس، ونزل القصر الأبلق مع الأمير عز الدين أَيْدَمُر، فأقام أيَّامًا عديدة، ثم سار إلى بلده بعد أيام.
وفي يوم السبت الحادي والعشرين منه توفي الصدر شهاب الدين بن البارزي الحموي
(1)
، ناظر الأوقاف بدمشق رحمه الله، وصلي عليه بعد الظهر بجامع العقيبة، وكان عمره قريبًا من الثمانين أو جاوزها، وفي هذا اليوم خلع على القاضي شمس الدين البهنسي ناظر ديوان ملك الأمراء وناظر المارستان بنظر الأوقاف عوضًا عن المتوفَّى
(2)
.
وفي صبيحة الخميس السادس والعشرين منه دخل الأمير سيف الدين طَاز من الديار المصرية في جماعة من أصحابه مجتازًا إلى نيابة حلب المحروسة، فتلقَّاه نائب السلطنة إلى قريب من جامع كريم الدين بالقُبَيْبات، وشيَّعه إلى قريب من باب الفراديس، فسار ونزل بوطأة برزة فبات هنالك، ثم أصبح غاديًا وقد كان نظير الأمير شَيْخون، ولكن قوي عليه فسيَّره إلى بلاد حلب، وهو محبَّب إلى العامَّة لما له من السَّعي المشكور في أمورٍ كبار كما تقدَّم.
ثم دخلت سنة ست وخمسين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسُلطان الإسلام والمسلمين السَّلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، وليس بالدّيار المصرية نائبٌ ولا وزير، وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها.
ونائب دمشق الأمير علي المارِدَاني، والقضاة والحاجب وكاتب السر، وناظر الجيش، والخطيب، وكاتب السرّ هم المذكورون في التي قبلها.
ونائب حلب الأمير سيف الدين طَاز، ونائب طرابُلُس مَنْجَك، ونائب حماة أَسَنْدَمُ
(3)
العمري، ونائب صفد الأمير شهاب الدين بن صُبْح، ونائب حمص الأمير ناصر الدين بن لاقوش
(4)
، ونائب بعلَبَكّ الحاج كامل.
شهر المحرم، أوّله الجمعة، في صبيحة يوم الأحد سابع عشره رجع قاضي القضاة نجم الدين
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 63 - 64)، والدرر الكامنة (1/ 178)، والذيل التام (1/ 42).
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
في ط: استدمر.
(4)
في ط: ابن الأقوس.
الحنفي من الحج، فدخل دار السعادة أولًا، فسلّم على نائب السلطنة، ثم راح إلى منزله بالمزة. وذهب ناسٌ للسلام عليه على العادة.
وقدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء والشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة السُّبكي ليلة الأربعاء العشرين منه من الحج، فنزلا عند قاضي القضاة ببستانه، ودخل أبو البقاء البلد.
وفي ليلة الخميس الحادي والعشرين منه سقط بناء قبّةٍ على القاضي شرف الدين عبد الله ابن الشيخ بدر الدين بن الفويرة الحنفي
(1)
، أحد موقعي الدَّسْت، وكان مدرسًا بالزنجيلية، وشاهدًا بالخزانة العالية فمات من ساعته.
وفي صبيحتها قُرّرَ مكانه في الدَّست القاضي وليّ الدّين عبد الله ابن القاضي بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي الشافعي، ورسم له بخلعةٍ وطرحة.
ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم السبت الثالث والعشرين منه، ولم يكن بين يديه من القضاة سوى المالكي؛ لأن الشافعي منقطع، والحنفي من آثار السفر، والحنبلي لا عادة له بذلك.
وأخبرنا الحجاج عما جرى على الشمس محمد الخيّاط الملقب بضفدع
(2)
في درب الحجاز من تعزيره البليغِ بحلق لحيته، والمناداة عليه في الركب. وذلك بسبب هجائه لأعيان من في الرّكب كما يقال: من السّاقةِ إلى القادة، وذلك في خامس المحرم في المفازة الكبيرة، ثم لمّا جاء إلى معان توفيّ، ودُفن هنالك، سامحه الله.
وقد كان ذلق اللسان بالهجو، له من ذلك شيء كثير، وله مدائح لا توازي هجوَهُ، وقد جُمع ديوانه بخطّه وخط غيره، مدحًا وهجوا في مجلدات.
شهر صفر، أوّله الأحد، في أول ليلة سُعّر الخبز رطلٌ بدرهم، وبيعت الغرارة بمئة وسبعين درهمًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبلغنا ولاية قضاء المالكية بالديار المصرية للشيخ نور الدين علي بن السخاوي المالكي، كان قد ارتحل قبلُ بسنواتٍ، فأقام بمصر مقتصرًا على التدريس بجامع شيخون، ثم نُدب لقضاء المالكية
(3)
.
وفي يوم الإثنين تاسع صفر مُسك الأمير أَرْغون الكاملي الذي ناب بدمشقَ مدَّة ثم بعدها بحلبَ ثم
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 84، والدرر الكامنة 2/ 304، والذيل التام 1/ 146 مات في الكهولة، ولم يكمل الأربعين.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 94، وأعيان العصر 5/ 353 - 363، والدرر الكامنة 4/ 300 والذيل التام 1/ 148.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر المحرم، أوّله الجمعة.
طلب إلى الديار المصرية حين وليها طازُ، فقبض عليه وأُرسل إلى الإسكندرية معتقلًا
(1)
.
وفي يوم السبت من شهر صفر قُدِّم تقليد قضاء الشافعية بدمشقَ وأعمالها لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهّاب بن قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي، على قاعدة والده، وذلك في حياة أبيه، وذهبتِ الناس للسّلام عليه
(2)
.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه حضر الدّرس بالعادلية الكبيرة حفيده أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي.
وأخبرني جدّه أنه ابن عشر سنين، وأنه اقتدى في ذلك بالقاضي شهاب الدّين بن الخُويي
(3)
حين درّس في سنة ستٍّ وثلاثين وستمئة، وهو ابن عشر سنين أيضًا بالدّماغية، وكان في كفالة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأخبرني أنه سمع قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب يحكي عن قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويّي المذكور قال: لما درّست وأنا ابن عشرٍ خجلت، وعرقت عرقًا شديدًا، حتى خشيت إذا قمت أن يقول القائل: إنه قد بال تحته.
شهر ربيع الأول، أوّله الإثنين، عملت المواليد ليلة الثاني عشر منه بالجامع على العادة. وفي آخره عند نائب السلطنة.
وفي يوم السبت قدمَ تقليدُ قضاء الشافعية بدمشق وأعمالها لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدّين السُّبكي على قاعدة والده، وذلك في حياة والده.
ولما كان يوم الإثنين لبس الخِلع والطرحة، وركب البغلة التي أُمر له بها في تشريفه، وجاء إلى المقصورة من الجامع في كبكبة كثيرة، وجلس مع القضاة والفضلاء والأكابر، وقرئ تقليده هناك؛ قرأه الشيخ عماد الدين بن السّراج، ثم صار إلى الغزالية فدرّس بها، وحكم بها أيضًا، بحضرة قضاة القضاة سوى الحنبلي واستناب في الحكم هناك ابن أخته القاضي بدر الدين محمد بن القاضي تقي الدين أبي الفتح السُّبكي، ولقد حكم هناك أيضًا.
شهر ربيع الآخر، أوله الأربعاء، وقيل: الثلاثاء، في يوم الأربعاء أوله أو ثانيه حضر الدرس بالعادلية الكبيرة، وحضر عند والده قاضي القضاة تقيّ الدين السُّبكي، وأخذ في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: 15]. واستناب يومئذٍ الشيخ شمس الدين محمد بن عمر ابن قاضي شهبة، وحكم هناك أيضًا بحضرة السُّبكي.
(1)
الدرر الكامنة (1/ 353) والذيل التام (1/ 141).
(2)
الدرر الكامنة (2/ 426).
(3)
أحمد بن محمد الخُويّي، درّس وهو صغير بالدماغية، مات سنة 693 هـ عن سبع وستين سنة. انظر البداية والنهاية 15/ 693.
وفي يوم الخميس ثانيه أو ثالثه حضر مشيخة دار الحديث الأشرفية مستقلًا بعد أبيه، ولم يخطب ولم يذكر درسًا، بل قرأ عليه ابن أخته أقضى القضاة بدر الدين على العادة
(1)
.
وفي صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين من ربيع الآخر توجه قاضي القضاة تقي الدين السبكي بعد استقلال ولده تاج الدين عبد الوهاب في قضاء القضاة ومشيخة دار الحديث الأشرفية مسافرًا نحو الديار المصرية في محفة، ومعه جماعة من أهله وذويه، منهم سبطه القاضي بدر الدين بن أبي الفتح وآخرون، وقد كان الناس ودَّعوه قبلَ ذلك [وعنده ضَعْفٌ، ومن النَّاس من يخاف عليه وَعْثاء السفر مع الكبر والضَّعف]
(2)
.
شهر جمادى الأولى أوّله الجمعة، في يوم الجمعة ثامنه صُلّي على غائب، وهو قاضي القضاة نور الدين علي السخاوي المالكي
(3)
بالديار المصرية.
وفي يوم الخميس لتاسع والعشرين منه خلع على القاضي أمين الدين ابن القلانسي بعوده إلى الوكالة
(4)
.
ولما كان يوم الجمعة سادس شهر جمادى الآخرة صُلِّيَ بعد الظهر على قاضي القضاة تقي الدين
(5)
علي
(6)
بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي المصري الشافعي، توفي بمصر ليلة الإثنين ودفن من صبيحة ذلك اليوم وقد أكمل ثلاثًا وتسعين سنة، ودخل في الرابعة أشهرًا، ووَلِيَ الحكم بدمشق نحوًا من سبعَ عَشْرة سنة، ثم نزل عن ذلك لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، ثم رحل في محفَّة إلى الديار المصرية كما ذكرنا، ولما وصل مصر أقام دون الشهر ثم توفي كما ذكرنا.
وجاءت التعزية ومرسومٌ باستقرار ولده في مدرسته التقوية
(7)
والقيمرية، وبتشريف، تطييبًا لقلبه وذهب الناس إلى تعزيته على العادة.
وقد سمع قاضي القضاة السُّبكي الحديثَ في شبيبته بديار مصر، ورحل إلى الشام وقرأ بنفسه وكتب
(1)
ليس في أوب، وط، وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه.
(2)
ليست في الأصل، واستدركتها من أ وب وط.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 89، والدرر الكامنة 2/ 183 - 184 والذيل التام 1/ 147.
(4)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل.
(5)
في ط: تقي الدين بن علي وهو توهم.
(6)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (304) وطبقات الشافعية (6/ 146) والوفيات لابن رافع (2/ 185) والدرر الكامنة (3/ 63) والنجوم الزاهرة (10/ 318) والذيل التام (1/ 143) وبغية الوعاة (2/ 176) وفيه وفاته سنة (755) هـ.
(7)
في ط: اليعقوبية وهو تصحيف وأثبتنا ما في الدارس (1/ 223، 445 وهي مدرسة داخل باب الفراديس، بسوق العمارة، وهي شمالي الجامع، شرقي الظاهرية.
وخرَّج، وله تصانيف كثيرة منتشرة كثيرة الفائدة، وما زال في مدة القضاء يصنِّفُ ويكتبُ إلى حين وفاته وكان كثير التلاوة، وذكر لي أنه كان يقوم من اللَّيل رحمه الله.
[وفي شهر جُمادى الأولى من هذه السنة اشتهر أخذ الفرنج المخذولين لمدينة طرابُلُس الغرب
(1)
. وقرأت من كتاب لقاضي قضاة أن أخذهم إيَّاها كان ليلة الجمعة مستهل ربيع الأول من هذه السنة، ثم بعد خمسةَ عشرَ يومًا استعادها المسلمون وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا أولًا من المسلمين ولله الحمد والمنة. وأرسل [أهل]
(2)
الدولة إلى الشام يطلبون من أموال أوقاف الأسارى ما يَسْتَنقذون به من بقي في أيديهم من المسلمين]
(3)
.
شهر رجب الفرد، أوله الأحد، في يوم الإثنين تاسعه داروا بالمحمل على العادة حول البلد، واحتلفوا به احتفالًا زائدًا
(4)
.
وفي يوم الأربعاء حاديْ عشرَ رجب الفرد من هذه السنة حكم القاضي المالكي وهو قاضي القُضاة جمال الدين المسلَّاتي بقتل نَصْراني من قرية الرأس من معاملة بعلَبَكّ، اسمه داود بن سالم، ثبت عليه بمجلس الحكم في بعلَبَكَّ أنَّه اعترف بما شهد عليه أحمد بن نور الدين علي بن غازي من قرية اللَّبْوة من الكلام السيئ الذي نال به من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبّه وقذفه بكلام لا يليق ذكره، فقتل لعنه الله يومئذ بعد أذان العصر بسوق الخيل وحرقه الناس وشفى الله صُدورَ قومٍ مؤمنين ولله الحمد والمنة.
شهر شعبان المبارك، أوَّله الإثنين، وفي صبيحة يوم الأحد رابع عشره درَّس القاضي بهاء الدين أبو البقاء السُّبكي بالمدرسة القيمرية
(5)
نزل له عنها ابن عمه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي وحضر عنده القضاة والأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وصُلِّيَ في هذا اليوم بعد الظهر على الشيخ الشاب الفاضل المحصِّل جمال الدين عبد الله بن
(6)
العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي، ودُفن عند أبيه بمقابر باب الصغير، وكانت جنازته حافلة، وكانت لديه علوم جيدة، وذهنه حاضر خارق، أفتى ودرَّس وأعاد وناظر وحجَّ مراتٍ عديدة رحمه الله وبلّ بالرحمة ثراه.
(1)
الذيل التام (1/ 145)
(2)
زيادة من الذيل التام.
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ وب وط.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(5)
الدارس (1/ 445).
(6)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 84) نقلًا عن ابن كثير. وليس المطبوع منه الدرر الكامنة (2/ 290) والدارس (2/ 90) والشذرات (6/ 180) وهو: عبد الله بن محمد بن أبي بكر الحنبلي الدمشقي. وفيها جميعها: شرف الدين.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره حضرت الدرس بمشهد ابن عروة من الجامع الأموي، وحضر عندي قاضي القضاة تاج الدين بن السّبكي الشافعي، وهو الذي آثرني به، ونزل لي عنه، وحضر معه جماعة من الفضلاء، وأسندت لهم حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة
(1)
في النَّهي من الصّيام بعد نصف شعبان، والكلام عليه، من كلام الأئمة في ذلك، ممّن كرهه ومن لم يكرهه، ومن قَبِلَه ومن عدّله، ومن طعنة ومن حسّنه وصححّه، وغير ذلك.
شهر رمضان المعظم، أوّله الأربعاء، اتفق في هذا الشهر وفيما قبله من أواخر شعبان موت جماعة من الأمراء الطبلخانات، ومقدمي الألوف؛ ومنهم الأمير ملك آص
(2)
بالدّار الحَسَنَةِ بالقرب من جامع يَلبُغَا، تحت القلعة.
وفي يوم السّلخ منه توفي الأمير ناصر بن طَيْنَال
(3)
الذي كان أبوه نائب طرابلس رحمه الله.
شهر شوال، أوّله الخميس، خرج المحمل السلطاني يوم الإثنين ثاني عشره، وكان يومَ مطرٍ، وأمير الركب صفيّ الدين البّصراوي، وقاضيه القاضي تقي الدين الفارقي، ومن الأعيان سيف الدين يَلْبُغا دوادار نائب السّلطنة، والأمير طَيْبُغا حجي أحد أمراء الألوف، والأمير طاز برق أحد الألوف أيضًا، والقاضي أمين الدين بن القلانسي، والشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني وغيرهم.
وفي صبيحة يوم السبت سابع عشره صُلّي بالجامع على الصّدر شرف الدين سالم بن الصدر أمين الدين، بن القلانسي
(4)
ودفن بسفح قاسيون، ولم يبلغ الثلاثين، وكان شابًا حسنًا رحمه الله
(5)
.
وفي يوم الإثنين تاسعَ عشرَ شوال وقع حريق هائل في سوق القطَّانين بالنهار، وذهب إليه نائب السّلطنة والحجبة والقضاة حتى اجتهد الفعول
(6)
والمتبرِّعون في إخماده وطَفْيِهِ، حتى سكن شرُّه وذهب بسببه دكاكين ودور كثيرة جدًّا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد رأيته من الغد والنَّارُ كما هي عمَّالةٌ والدُّخانُ صاعد، والناس يُطفونه بالماء الكثير الغمر والنار لا تخمد، لكن هدمت الجدران وخربت المساكن وانتقل السكان. انتهى، والله أعلم.
(1)
رواه الترمذي في الصّوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان.
ولفظه: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا".
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 95، والدرر الكامنة 4/ 357، والذيل التام 1/ 149.
(3)
هو محمد بن طينال، ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 92، والدرر الكامنة 63/ 461، وأعيان العصر 4/ 486.
(4)
لم أقع على ترجمة له، لعلّه ممن انفرد ابن كثير بذكره.
(5)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله وفي يوم الأربعاء سابع عشره حضرت.
(6)
"الفعول": جمع فاعل وهو العامل. وتجمع أيضًا على فعلَة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره خُلع على جماعة من الأمراء والرؤساء بسبب مباشرات، فكان منهم الوليّ الشيخ صلاح الدين الصفدي الموقّع، نقل من الدّرج إلى الدَّسْت؛ ففرح الناس به، لفضائله وتقدّمه في هذه الصناعة وغيرها من فنون علوم شتّى من الأدب والتاريخ، وغير ذلك، وله مصنفات
(1)
في فنون متعدّدة.
وخلع على الأمير كجكن الحاجب بنيابة الأمير صَرْغَتمش، وعلى أخيه بشد المراكز، وعلى زبالة نائب القلعة بشدّ المهمات، وعلى فخر الدين بن عصفور بنظر الخاص المرتجع بدلًا عن عماد الدين بن الفرفور، مضافًا إلى ما بيده من الأنظار.
وفي هذا اليوم استقرّ نقيب الأشراف في وظيفته، وكان قد نازعه فيها ابن عدنان الصّائغ، وقدم من مصر بمرسوم شريف بها، فأبى ذلك سادة الأشراف، وأكثر أهل البلد معهم، وقدّموا الأول عليه لرياسة آبائه وأجداده، وتقدّمه فيها، ومعرفته بها، ولكون الثاني بياعًا. وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه درّس بالإقبالية القاضي بدر الدين ابن الشيخ جمال الدين بن الشَّريشي؛ نزل له والده عنها، وحضر عنده جماعة من القضاة.
شهر ذي القعدة، أوّله السبت.
في يوم الثلاثاء الحادي عشر منه سافر قضاة القضاة الشافعي والمالكي والحنبلي، وأقضى القضاة شرف الدين الكفري نيابة عن قاضي القضاة نجم الدين، لكونه في الحجاز الشريف، وذلك بمرسوم السلطان ورد من الديار المصرية، بسبب حلٍّ يقفون عليه في أرض بيروت، تتعلّق بوقف الحرمين من البرج والغازية.
وفي هذا اليوم قدم الأمير عمر شاه من الديار المصرية على خبز قردم
(2)
، وتقدمته في رأس الميمنة. وفيه توفي قرابغا دويدار نائب السلطنة الصغير، وحضر النائب جنازته، ودفنه بمقابر الصوفية رحمه الله.
وفي ليلة الثلاثاء الثامن عشر منه رجع القضاة من بيروت، وقد قضَوْا الأمر الذي خرجوا بسببه.
وفي يوم الخميس العشرين منه باشرت إسماع البخاري بمسجد الحاج سيف الدين داخل باب النصر، وقف عليه ولده ناصر الدين محمد
(3)
، تقبل الله منه.
وفي هذا اليوم خُلع على الأمير جمال الدين عبد الله ابن القاضي ناصر الدين كاتب السرّ بإمريّة عشرة.
(1)
على رأسها: الوافي بالوفيات، وأعيان العصر.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 90، والدرر الكامنة 3/ 348، والذيل التام 1/ 149، وفيه: فَرْدَمر.
(3)
هو ابن نائب السلطان بدمشق.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الخامس والعشرين منه توفّي الأمير حسام الدين النجيبي
(1)
، وصُلّي عليه بالجامع الأموي بعد الظهر، وحُمل إلى سفح قاسيون، ودُفن بتربتهم - سامحه الله تعالى -.
شهر ذي الحجة، أوّله الأحد، بلغَنَا أنّه حُضِرت الدروس في يوم عرفة بالمدرسة التي أنشأها الأمير شيخون بديار مصر، وجعل فيها أربعة مذاهب، ومحدّثين، وصوفيّة، وأوقف عليهم أوقافًا عزيزة لكلّ مذهب مدّرس، وثلاثون فقيهًا، يحصل للمدرس ما يقارب الأربعمئة في كل شهر، وللفقيه قريب المئة.
فللشافعيّة الشيخ بها الدين السّبكي، وللمالكية الفقيه خليل، وهو متجنّد
(2)
الشكل، وإن له إقّطاعًا بالحلقة، وهو مع ذلك فقيه مشتغل مُحصّل فاضل بارع ديّنٌ على ما بلغني. وللحنابلة قاضي القضاة موفق الدين المقدسي الحنبلي، وللحنفية وشيخ الصّوفية الشيخ أكمل الدين
(3)
(4)
.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسلطان البلاد بالديار المصرية والشَّامية والحرمين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولا نائب له ولا وزير بمصرَ، وإنما يرجع تدبير المملكة إلى الأمير سيف الدين شَيْخُون، ثم الأمير سيف الدين صَرْغَتْمُش، ثم الأمير عز الدين طُقْطَاي
(5)
الدوايدار، وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها سوى الشافعي فإنّه ابن المتوفى، قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السُّبكي.
ونائب حلب الأمير سيف الدين طَاز، وطرابُلُس الأمير سيف الدين مَنْجك، وبصفد الأمير شهاب الدين بن صُبْح، وبحماة أَسَنْدَمُر
(6)
، وبحمص علاء الدين بن المعظَّم، وببعلبك الأمير ناصر الدين [بن]
(7)
لاقُوش
(8)
.
[وفي العشر الأول من ربيع الأول تكاملَ إصلاح بلاط الجامع الأموي وغسل فصوص المقصورة
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 9563، والدرر الكامنة 44161، وأعيان العصر 1/ 725.
(2)
يلبس زيَّ الجند.
(3)
محمد بن محمد بن محمود البابرتي الرّومي.
(4)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله وفي يوم الإثنين تاسع عشره خُلع.
(5)
في ط: مغلطاي وسبق الحديث فيه.
(6)
في ط: استدمر.
(7)
زيادة يقتضيها الكلام.
(8)
في ط: الأقوس.
والقبّة، وبُسط بسطًا حسنًا، وبُيّضت أطباق القناديل، وأضاء حاله جدًّا، وكان المستحثّ على ذلك الأمير علاء الدين أَيْدَغْمُش أحد أمراء الطبلخانات، بمرسوم نائب السّلطنة له في ذلك.
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة صُلِّيَ على الأمير سيف الدين بُرَاق
(1)
أمير آخور بجامع تَنْكِز، ودُفن بمقابر الصُّوفية، وكان مشكور السيرة كثير الصَّلاة والصَّدقة محبًا للخير وأهله، من أكابر أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية، رحمه الله تعالى. وقد رُسم لولديه ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر، كل منهما بعشرة أرماح، ولناصر
(2)
الدين بمكان أبيه في الوظيفة بإِصطبل السلطان.
وفي يوم الخميس رابع شهر جمادى الأولى خلع على الأميرين الأخوين ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر ولدي الأمير سيف الدين بُراق رحمه الله تعالى، بأميرين عشرتين]
(3)
.
شهر المحرم، أوّله الثلاثاء، قدم الأمير بَيْبُغا دوادار نائب السلطنة يوم الثلاثاء ثامن المحرم، فارق الحجاج من مدينة العُلا.
قدم المحمل في صبيحة الأربعاء الثالث والعشرين منه، وأخبر الحجاج أنه نالهم في بلاد زَرْعٍ ثلجٌ احتاجوا معه إلى أن أقاموا بها أيامًا. وكان السعر في هذه السنة معهم فيه غلاء.
وفي أوائله فُتح الحمام المجدَّد عند دار الطعم شرقَها، خلف دار ابن شَهْري، وأُدير للناس عامّةً، وذكر لي من اطّلع على عمارته وهيئته أنه مشتمل على خمسة عشر حوضًا، وأنه حسن.
شهر صفر، أوّله الخميس، في يوم الإثنين ثاني عشره حضر سيف الدين بن صنافر الحرّاني إلى دار المالكي، وعُزّر بسبب كلام شُهد عليه به في دار الشافعي، وحُكم بإسلامه بسببه، وذلك في خصومة تقدمت بينه وبين البرهان بن لؤلؤ الجوخي ومنازعة بسبب ماء القنوات، ثم نسب ابن صنافر إلى برهان الدين المذكور كلامًا في أذىً له، فتنصل منه، وأثبت خلافه، واشتكاه إلى نائب السلطنة، حصل له أذًى.
وفي يوم الخميس خامس عشره صُلّي على الصدر عماد الدين ابن الفرفور
(4)
أحد موقّعي الدست، بالجامع الأموي بعد صلاة الظهر، ودفن بمقابر الصوفية، وكان ذا ثروة وأموال وأملاك.
شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة، في يوم الأحد ثانيه توفي الأمير سيف الدين قُماري
(5)
أخو نائب
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (1/ 474). والذيل التام (1/ 152 - 153) وفيهما وفاته في شهر ربيع الأول.
(2)
في ط: والناصر.
(3)
ما بين الحاصرتين ليست في الأصل واستدركتها من أ وب وط.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 114 نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(5)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 109، والدرر الكامنة 3/ 256، والذيل التام 1/ 155.
السلطنة لأبيه
(1)
، وابن خالته، وصلي عليه ظاهر باب النصر، ودفن غربي مقابر الصوفية، وكان جنازته حافلةٌ خدمة لأخيه نائب السلطنة.
وتوفي الشيخ صفي الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين بن الحريري الحنفي
(2)
، مدرّس الصّادريّة يوم السبت تاسعه، بمدرسته، ودفن يومئذٍ، وكان نحيل البدن جدًّا، فيه سذاجة وتغفيل وبلادة، وربّما أُسند إليه كثير من النّاس من الأشياء السّامجة، نظير ما كان يُسند إلى جحا، وكان فيه ذلك مع دين ورئاسة وتجمّل، وسجّيه حسنة، فالله يغفر له ولنا آمين.
وفي صبيحة يوم الأحد عاشره درّس الفقيه الفاضل شهاب الدين البعلي المعروف بابن النقيب، وحضر عنده جماعة من القضاة وغيرهم، وأخذ في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 164] والكلام على ذلك.
وفي صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه لبس الأمير بَيْبُغَا دويدار ملك الأمراء خلعة بإمرة طبلخاناة، ومشى معه الأمراء والحجبةُ إلى داره على العادة، واحتفلوا له زائدًا؛ لكونه دويدارًا. وحُملت له الشموع، ونثرت الدّراهم والدّنانير على الناس، ودقت المغاني والطبلخاناة، ولبس استاذ دار نائب السلطنة أيضًا خلعةً بالإمرةِ لعشرة التي كانت بيد الدويدار المذكور.
شهر ربيع الآخر، أوّله الأحد، في ليلة الجمعة الثامن والعشرين منه تكلّم في مئذنة العروس من الجامع الأموي مؤذّن السلطان، وهو شمس الدين محمد بن الخطيب، ورد على البريد من الديار المصريّة إلى زيارة الأمير طاز، طلبه من السلطان، فأذّن بعد العشاء أذانًا حسنًا بليغًا بصوت شجيٍّ طيب رخيم، ثم أنشد أبياتًا، ثم سلّم هو وحسن الكتّاني، هذا مرّةٌ، وهذا مرّة، وقد امتلأ صحن الجامع جميعه على خلاف العادة أكثر من ليالي النصف، وكان وقتًا مشهودًا، وطال ذلك جدًّا.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الإثنين
(3)
، ووقع في هذا الشهر نزاع بين الحنابلة في مسألة المناقلة، وكان ابن قاضي الجبل
(4)
الحنبلي يحكم بالمناقلة في قرار دار الأمير سيف الدين طَيْدَمُر الإسماعيلي
(5)
حاجب الحجَّاب إلى أرض أخرى يجعلها وقفًا على ما كانت قرار داره، عليه ففعل ذلك بطريقه، ونفذه القضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي، فغضب القاضي الحنبلي، وهو قاضي القضاة جمال الدين المَرْداوي المقدسي
(1)
الأمير علي المارداني.
(2)
هو أحمد بن محمد بن عثمان. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 102، نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه. والدرر الكامنة 1/ 279 - 280، والذيل التام 1/ 153.
(3)
ليس في أ وب، وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر المحرّم أوّله الثلاثاء، قدم الأمير بَيْبُغا.
(4)
هو: شرف الدين أحمد بن قاضي القضاة حسن مات سنة (771) هـ. الوفيات لابن رافع (2/ 354).
(5)
طَيْدَمُر الإسماعيلي الحاجب، أُمِّر بدمشق ثم قبض عليه، ومات سنة (739) هـ.
من ذلك، وعقد بسبب ذلك مجالس، وتطاول الكلام فيه، وادّعى كثيرٌ منهم أن مذهب الإمام أحمد في المناقلة إنَّما هو في حال الضَّرورة، وحيث لا يمكن الانتفاع بالموقوف، فأما المناقلة لمجرد المصلحة والمنفعة الراجحة فلا، وامتنعوا من قبول ما قرَّره الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك، ونقله عن الإمام أحمد من وجوه كثيرة [من طريق ابنيه صالح
(1)
وحَرْب وأبي داود وغيرهم، أنها تجوز للمصلحة الراجحة، وصنَّف في ذلك مسألة مفردة وقفتُ عليها فرأيتها في غاية الحسن والإفادة، بحيث لا يتخالج من اطلع عليها ممّن يذوق طعم الفقه أنها مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فقد احتجَّ أحمدُ في ذلك في رواية ابنه صالح بما رواه عن يزيد بن عوف عن المسعودي عن القاسم بن محمد: أنَّ عمرَ كتب إلى ابن مسعود أن يُحوِّلَ المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمَّارين، ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق
(2)
، ففعل ذلك، فهذا فيه أوضح دلالة على ما استدل به فيها من النقل بمجرد المصلحة فإنّه لا ضرورة إلى جعل المسجد العتيق سوقًا، على أن الإسناد فيه انقطاع بين القاسم وبين عمر وبين القاسم وابن مسعود، ولكن قد جزم به صاحب المذهب، واحتج به، وهو ظاهر واضح في ذلك، فعقد المجلس في يوم الإثنين الثامن والعشرين من الشهر]
(3)
.
وفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من جمادى الأولى وقع حريق عظيم ظاهر باب الفرج احترق فيه بسببه قياسير كثيرة لطاز ويلبغا، وقيسرية الطواشي لبنت تَنْكِز، وأحرق فيه دور كثيرة ودكاكين وذهب للناس شيء كثير من الأمتعة والنحاس والبضائع وغير ذلك، مما يقاوم ألف ألف وأكثر خارجًا عن الأموال، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد ذكر كثير من الناس أنه كان في هذه القياسير شر كثير من الفسق والرّبا والزّغل وغير ذلك
(4)
.
وفي السابع والعشرين من جمادى الأولى ورد الخبر بأن الفرنج لعنهم الله استحوذوا على مدينة صَيْدا
(5)
، قدموا في سبعة مراكب وقتلوا طائفة من أهلها ونهبوا شيئًا كثيرًا وأسروا أيضًا، وهجموا على الناس وقت الفجر يوم الجمعة، وقد قتل منهم المسلمون خلقًا كثيرًا وكسروا مركبًا من مراكبهم، وجاء الفرنج في عشية السبت قبل العصر وقدم الوالي وهو جريح مثقل، وأمر نائب السلطنة عند ذلك بتجهيز الجيش إلى تلك الناحية فساروا تلك الليلة ولله الحمد، وتقدَّمهم حاجب الحجاب وتحدَّر إليهم نائب
(1)
صالح وحرب ابنا الإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله، فأما الأول فكان قاضي أصبهان مات سنة (266) هـ. وفيات الأعيان (1/ 65) أما حرب فلم أقع له على ترجمة فيما بين يديّ من المصادر، ولم أعلم لابن حنبل أولادًا غير صالح وعبد الله وبالأخير كان يكنى.
(2)
الذي بناه سعد بن أبي وقاص بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. معجم ياقوت.
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ وب وط.
(4)
الذيل للحسيني ص (310) والذيل التام (1/ 148) والزغل: الغِشُّ.
(5)
في ط: صفد وهو تحريف، وأين صفد من الساحل. وأثبتنا ما في الذيل التام (1/ 152).
صفد الأمير شهاب الدين بن صبح، فسبق الجيش الدمشقي، ووجد الفرنجَ قد برزوا بما غنموا من الأمتعة والأسارى إلى جزيرة تلقاء صَيْدا في البحر، وقد أسر المسلمون منهم في المعركة شيخًا وشابًا من أبناء أشرافهم، وهو الذي عاقهم عن الذهاب، فراسلهم الجيش في افتكاك الأسارى من أيديهم فبادرهم عن كل رأس بخمسمئة فأخذوا من ديوان الأسارى مبلغ ثلاثين ألفًا، ولم يبق معهم ولله الحمد أحد.
واستمر الصبي من الفرنج مع المسلمين، وأسلم ودفع إليهم الشيخ الجريح، وعطش الفرنج عطشًا شديدًا، وأرادوا أن يردوا من نهر هناك، فبادرهم الجيش إليه، فمنعوهم أن ينالوا منه قطرة واحدة، فرحلوا ليلة الثلاثاء منشمرين بما معهم من الغنائم، وبُعِثَت رؤوس جماعةٍ من الفرنج ممّن قتل في المعركة فنصبت على القلعة بدمشق، وجاء الخبر في هذا الوقت بأن أيَاس
(1)
قد أحاط بها الفرنج، وقد أخذوا الربيض
(2)
وهم محاصرون القلعة، وفيها نائب البلد، وذكروا أنهم قتلوا خلقًا كثيرًا من أهلها فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب صاحب حلب في جيش كثيف نحوهم والله المسؤول أن يظفّرهم بهم بحوله وقوته، وشاع بين العامة أيضًا أن الإسكندرية محاصرة ولم يتحقق ذلك إلى الآن، وبالله المستعان. وفي يوم السبت رابع جمادى الآخرة قدم رؤوس من قتلى الفرنج على القلعة، وهي بضعة وثلاثون رأسًا، فنصبت على شرافات القلعة ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد.
شهر جمادى الآخرة وأوّله الأربعاء وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين منه وقع حريق عظيم داخل باب الصغير
(3)
من مطبخ السُّكَّر الذي عند السُّويقة الملاصقة لمسجد الشّنباشي، فاحترق المطبخ وما حوله إلى حمام أبي نصر، واتَّصل بالسويقة المذكورة وما هنالك من الأماكن، فكان قريبًا أو أكثر من الحريق ظاهر باب الفرج فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحضر نائب السلطنة، وذلك أنه كان وقت صلاة العشاء، ولكن كان الريح قويًا، وذلك بتقدير العزيز العليم.
[وتوفي الشيخ عز الدين محمد
(4)
بن إسماعيل بن عمر الحَمويّ أحد مشايخ الرُّواة في ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة، وصُلِّيَ عليه من الغد بالجامع الأموي بعد الظهر، ودفن بمقابر باب الصغير. وكان مولده في ثاني ربيع الأول سنة ثمانين وستمئة، فجمع الكثير وتفرَّد بالرواية عن جماعة في آخر عمره، وانقطع بموته سماعُ "السُّنَن الكبير" للبَيْهقيّ، رحمه الله]
(5)
.
(1)
في ط: إيناس والتصويب من الذيل التام.
(2)
"الربيض والربض": سور المدينة، ولعله أراد الأغنام والمواشي حول المدينة خارج السّور.
(3)
الذيل التام (1/ 151).
(4)
ترجمته في: الذيل ص (312) والوفيات لابن رافع (2/ 192) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 110) والدرر الكامنة (3/ 389).
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من المطبوع.
شهر رجب الفرد، أوّله الجمعة. في صبيحة يوم الخميس سابعه توفي القاضي أمين الدين بن النحّاس
(1)
أحد الكتاب المتقنين، وكانت وفاته بلا مرض، بل دخل الحمام على عادة الناس، فأغمي عليه، فحمل إلى منزله فتوفّي بعد ساعتين، وصُلِّي عليه الظهر بالجامع الأموي، وحُمل إلى المزّة، فدفن بها رحمه الله
(2)
.
ووقع حريقٌ عظيم ليلة الجمعة خامس عشر رجب بمحلَّة الصالحية من سفح قاسيون، فاحترق السُّوق القبلي من جامع الحنابلة بكماله شرقًا وغربًا، وجنوبًا وشمالًا. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شهر شعبان، أوّله السبت، وفي سابع عشره توجّه النائب إلى الصيد الكبير.
شهر رمضان المعظم، أوله الإثنين
(3)
، وفي يومالجمعة خامس شهر رمضان خطب بالجامع الذي أنشأه سيف الدين يَلْبُغا الناصري
(4)
غربي سوق الخيل وفتح في هذا اليوم، وجاء في غاية الحسن والبَهاء، وخطب الشّيخ ناصر الدين
(5)
بن الرَّبوة الحنفي، وكان قد نازعه فيه الشَّيخ شمس الدين الشَّافعي المَوْصلي
(6)
، وأظهر ولايةً من واقفه يَلْبُغا المذكور، ومراسيم شريفة سلطانية، ولكن قد قوي عليه ابن الربوة بسبب أنَّه نائب عن الشيخ قوام الدين الاتقاني الحنفي، وهو مقيم بمصر، ومعه ولاية من السُّلطان متأخرة عن ولاية الموصلّي، فرسم لابن الرَّبْوة، فلبس يومئذ الخلعة السوداءَ من دار السعادة وجاؤوا بين يديه بالسناجق السود الخليفية، والمؤذِّنون يكبِّرون على العادة، وخَطَب يومئذٍ خُطْبَةً حسنة أكثرها في فضائل القرآن وقرأ في المحراب بأول (سورة طه)، وحضر كثير من الأُمراء والعامة والخاصة، وبعض القضاة، وكان يومًا مشهودًا، وكنت ممَّن حضر قريبًا منه
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره توفي بدمشق الأمير أسد الدين ابن الملك صلاح الدين بن الأوحد
(7)
بستان شامة باكر النهار.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 111.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(4)
الذي بدأ بناءه يَلْبُغَا نائب السلطنة في الشام.
(5)
هو: محمد أحمد بن بن عبد العزيز الحنفي الشهير بابن الربوة مدرس المقدّمية بدمشق وخطيب جامع يلبغا. مات سنة (764) هـ الذيل ص (370) والدارس (1/ 594).
(6)
هو: محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان بن عبد العزيز المؤصلي، البعلي المولد، تصدّر للخطابة في الأموي، وكان استوطن دمشق وحصل فيها وظائف عوند فيها، فأعرض عنها، واتَّجر بالكتب، فحّصل أموالًا طائلة. مات في طرابُلُس سنة (774) هـ. الدرر الكامنة (4/ 188) الدارس (1/ 95).
(7)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 113 - 114.
وفي عشيته توفي بحمص نائبها ابن عمه الأمير علاء الدين بن المعظّم
(1)
وهما شابان من أمراء الطبلخانات، ونقل نائب حمص إلى دمشق فدفن بتربتهم رحمهم الله.
شهر شوال، أوّله الثلاثاء، خرج المحمل يوم الخميس عاشره، وخرج في هذه السّنة خلق من الأمراء نحو من خمسين طبلخاناه سوى أمير الركب، فإنه حاجب الحجاب طيدمر الإسماعيلي، ومنهم ناصر الدين بن لاقوش، وابن ألجيبُغَا العادلي، والحاج كامل، وقطلوبُغَا الكركي، وأمير آخر.
وخرج في آخر هذا اليوم الأمير كُجَلن الحاجب قاصدًا عمان؛ ليعمِّرَها للأمير صرغتمش اشتراها من بيت المال.
وفي صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره درّس بالمدرسة المقدّمية شرف الدين ابن الشيخ ناصر الدين بن الرّبوة، نزل له أبوه عنها، وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.
شهر ذي القعدة، أوّله الخميس في ليلة الجمعة ثانيه وقع حريق بتل الجبن احترقت منه دور كثيرة.
ثم في ليلة الجمعة سادس عشره وقع حريق بين السُّورين قريبًا من الحمام الذي بالبابين، وصعدنا إلى مئذنة العروس وشاهدناه هناك.
ثم وقع حريق آخر ليلة السبت أيضًا السابع عشر منه داخل باب الفراديس، وكان قد وقع قبل ذلك حريق في الطبقة التي على رأس باب الفراديس الجواني في آخر شوال)
(2)
.
والعجب أني وقفت في شهر ذي القعدة على كتاب أرسله بعض الناس إلى صاحبٍ له من بلاد طرابلس وفيه: والمخدوم يعرف الشيخ عماد الدين بما جرى في بلاد السَّواحل من الحريق من بلاد طرابُلُس إلى آخر معاملة بيروت إلى جميع كسروان، أحرق الجبال كلها ومات الوحوش كلها مثل النمور والدب والثعلب والخنزير
(3)
من الحريق، ما بقي للوحوش موضع يهربون فيه، وبقي الحريق عليه أيامًا وهرب الناس إلى جانب البحر من خوف النار واحترق زيتون كثير، فلما نزل المطر أطفأه بإذن الله تعالى - يعني الذي وقع في تشرين وذلك في ذي القعدة من هذه السنة - قال ومن العجب أن ورقة من شجرة وقعت في بيت من مدخنته فأحرقت جميع ما فيه من الأثاث الأثاث والثياب وغير ذلك ومن حلية حرير كثير، وغالب هذه البلاد للدُّرزية والرَّافضة. نقلته من خط كاتبه محمد بن بَلَبَان
(4)
إلى صاحبه، وهما عندي ثقتان
(5)
فيا لله العجب.
(1)
لم أقع على ترجمة له، لعلّه مما انفرد ابن كثير بترجمته.
(2)
ليست في أ وب، وط، وهي في المطبوع. من قوله: وفي يوم الثلاثاء سادس عشره.
(3)
ليست الخنزير في الذيل التام (1/ 148) وقد نقل الخبر بحروفه.
(4)
هو: الأمير ناصر الدين بن الأمير سيف الدين الحنفي، المعروف بابن المهمندار أحد الأمراء المقدَّمين. قتل سنة (792) هـ. الدليل الشافي (2/ 609).
(5)
من حيث الثقة والنَّقل.
وفي هذا الشهر - يعني ذي القعدة - وقع بين الشيخ إسماعيل بن العز الحنفي وبين أصحابه من الحنفية مناقشة بسبب اعتدائه على بعض الناس في محاكمة، فاقتضى ذلك إحضاره إلى مجلس الحكم ثلاثة أيام كمثل المتمرِّد عندهم، فلمَّا لم يحضر فيها حكم عليه القاضي شهاب الدين
(1)
الكَفْري نائب الحنفي بإسقاط عدالته، ثم ظهر خبره بأنَّه قصد بلاد مصر، فأرسل النائب في أثره من ردِّه فلما حضر عنَّفُه، ثم أطلقه إلى منزله، وشفع فيه قاضي القضاة الحنفي فاستحسن ذلك، ولله الحمد والمنَّة.
شهر ذي الحجة، أوّله الجمعة، ويوم الأحد سابع عشره توفي القاضي فخر الدين الزّواوي
(2)
نائب المالكية، وكان من خيار القضاة وأصر مهم، وصُلِّي عليه بالجامع الظهر، ودفن بمقابر الباب الصغير عند عمه قاضي القضاة جمال الدين الزواوي رحمه الله.
وجاء في هذه الأيام كتابه من الديار المصرية بمُشترى السّلطان مدينة بيسان من الغَوْر، من بيت المال بثمنٍ مبلغه مئتان وخمسون ألف دينار، ومن نية السّلطان ليهبها للأمير شيخون.
وفي أواخرها جدّد بعض عمارة مدينة عمان البلقاء على يدي الأمير كجكن ابن لاقوش الحاجب)
(3)
.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة والخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي.
وسلطان الإسلام بالديار المصرية وما يتبعها وبالبلاد الشامية وما والاها والحرمين الشّريفين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس له بمصرَ نائبٌ ولا وزير، وإنما ترجع الأمور إصدارًا وإيرادًا إلى الأميرين الكبيرين سيف الدين شَيْخُون وصَرْغَتْمُش الناصريين، وقضاة مصرَهُم المذكورون في التي قبلها.
ونائب الشام بدمشق علاء الدين علي المارداني، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها انتهى.
تجديد عمارة عمان البلقاء في هذا الحين، وفي أواخر السنة الماضية
رجع الأمير سيف الدين كجكن الحاجب، وكان له قريب الثلاثة أشهر غائبًا في عمارة البلد المعروف
(1)
هو: أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة، شهاب الدين بن شهاب الدين، ناب في الحكم مدَّة ثم ولي القضاء استقلالًا، ثم نزل لابنه جمال الدين يوسف، غير أن ابنه مات قبله سنة (766) هـ ومات المذكور سنة (776) هـ الدرر الكامنة (1/ 125).
(2)
هو محمد بن مسعود ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 112، والذيل التام 1/ 154.
(3)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ذي الحجة أوّله الجمعة.
بعمّان البلقاء، وقد كان لهذا البلد سنين متطاولة خرابًا، ثم في هذا الحين اشتراه الأمير صرغتمش من بيت المال، وأرسل إلى الأمير كجكن المذكور، وهو وكيله بالشام ليعمّره له، فذهب إليه فعمّره في هذه المدة، ولم يستوعب جميعه، بل عمر منه ما أسكن فيه خلقًا من الفلاحين وغيرهم، ونقل الولاية والقضاء من حُسبان إليها، وكذلك الجلوبات، وعادت أم البلاد كما كانت أولًا، وهذا البلد له ذكر قديم، وقد ترجمه ياقوت الحموي في (معجم البلدان)
(1)
وذكر بعضهم أنه مدينة دقيانوس الذي خرج منه أصحاب الكهف، وأن هناك مكانًا يقال له: الرقيم. مشهور عند أهل تلك الناحية.
وذكر أنها بنيت بعد هلاك قوم لوط، وأن الذي بناها ابن أخي لوط، وحُكي عن بعض كتب أهل الكتاب حكاية منكرة جدًّا.
وذُكر أن بها ملعب سليمان بن داوود، وأن قصر جالوت على جبل عندها، وأن بها قبر أورياء، وعليه مسجد، وإنها كثيرة الأنهار، والأرحية، والثمار والغلّات.
وذكر أنها هي المذكورة في حديث "تحديد الحوض من عدن إلى عمان"
(2)
، وأنّ الخطّابي
(3)
رجّح ذلك، وحكى الخطّابي فيها تخفيف الميم أيضًا، قال: وفي الترمذي: "من عدن إلى عمّان البَلْقاء" وهذا على ما ذكر صريحٌ في أنْ المرادَ هذه البلد.
قلت: وأخبرني بعض الأمراء - وهو الأمير عسّاف من بني مهدي النازلين حول هذه البلدة أنها بين جبلين غربيّ وشرقيّ، وأنها في واد بينهما، وأن فيه نهرًا كبيرًا يجري من القبلة إلى الشمال بشرق، وأنّ أصلها كبير جدًّا يقرب من سور دمشق، وأن بها عمارات قديمة هائلة، وأنّ ملعب سليمان هذا عبارة عن قصور وبنايات معجزة.
قال الأمير كجكن: عرفت أن ذلك البناء لا يقدر على عمارته إلا الجنّ.
قال هو وغيره من أهل تلك البلاد يقولون: الملعب المعلب. ولم يعرفه أنه نُسب إلى بناء سليمان إلّا من كتاب ياقوت هذا.
وذكرني الأمير عساف أنّ الأمير كجكن عمّر في هذه ثلاثة الأشهر
(4)
ما لا يعمره غيره في ثلاث سنين
(1)
انظر معجم البلدان 4/ 151.
(2)
وهو: عن ثَوْبان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "حَوْضي من عَدَنٍ إِلى عَمّان البَلْقَاء
…
" من حديث طويل. أخرجه الترمذي (رقم 2444) في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في صفة أواني الحوض. وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(3)
هو حمد بن محمد بن إبراهيم البُستي الخطابي، إمام، وحافظ، له تصانيف مشتهرة مات سنة (388 هـ). انظر سير أعلام النبلاء 17/ 23 - 28.
(4)
في الأصل: الثلاثة أشهر. وما أثبته الصواب.
وأنه كان يعمل بنفسه وغلمانه من أول النهار إلى العشاء الآخرة كل يوم، وقد جدد بناء جامعها ومنارته، ورتب به خطيبًا، والله المسؤول التمام بخير.
شهر المحرم، أوّله السبت، في يوم السبت خامس عشره قدم قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي من الحجاز الشريف وهنّأه الناس.
وكذلك قدم الشيخ علاء الدين المحتسب من الحجاز الشريف أيضًا، وهُنّئ بالسلامة أيضًا.
ودخل المحمل السّلطاني ليلة الجمعة بعد عشاء الآخرة الحادي والعشرين من الشهر، ولم يعلَم أكثر الناس بذلك؛ لأن هذا شيء لم يعهد قطُّ مثل هذه الليلة، وإنّما فعل ذلك خوفًا من الأمطار والأوحال الذي قد وقع في أرض حوران، وتتابع الحجاج في الدخول أرسالًا، غير أنهم كانوا في حجّتهم هذه في أمنٍ كثير، ورُخصٍ متوسط، وقد وقفوا يوم الجمعة عن رؤية.
شهر صفر أوّله الإثنين، في ليلة الإثنين خامس عشره بدا القمر من المشرق حالَ بزوغه مكسوفًا نحو النصف منه، وأقل من ذلك، فصُلِّي بالجامع الأموي بين العشاءين صلاة الكسوف، وخطب الخطيب.
وفي هذه الليلة سقط بيتٌ على من فيه فهلكَ بعضهم، وسلم صغير في سرير، فسبحان الفعّال لما يريد. وهذا المنزل في القيسارية التي عند باب الأمينية إلى جانب الحلواني.
حريق المدرسة الفلكيّة
وفي ليلة الأحد الثامن والعشرين منه احترقت المدرسة الفلكية، حريقًا كليًّا، بحيث سقطت سقوفها وأخشابها وما على ظهرها من المساكن والمنازل، وتشعث بعض أبنية المدرسة الركنيّة التي إلى جانبها، وقد تجشّمت الوصول إليها صبيحة يومئذٍ، فرأيت النار تضطرم في وسطها اضطرامًا عظيمًا، وكلّما ألقي عليها الماء والتراب تزايد لهبُها وتأجُّجها، والحجبة والولاة على ظهرها يستحثون السّقّائين لطفيها. والله هو الفعال لما يريد.
وفي يوم الإثنين التاسع والعشرين منه توفّي الصدر علاء الدين على الأسعَرْدي
(1)
التاجر المشهور ذو الأموال الجزيلة، والحواصل الجليلة، وقد كان قبل وفاته بقليل بلغه غريق مركبٍ له مع بعض مماليكه ببحر الهند، فيه من المتاجر والأموال ما يقاوم ألف ألف وأربعمئة ألف درهم، فزاده ذلك مرضًا إلى مرضه، ولكن أظهر التجلُّد والتصبُّر حتى كانت وفاته، والصلاة عليه بالجامع قبل الظهر من هذا اليوم، ودفن بتربته التي أنشأها إلى جانب العادلية كتبغا.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 126).
شهر ربيع الأول، أوّله الأربعاء، لمّا كان يوم الإثنين العشرين منه وُجد الشيخ شهاب الدين أحمد المظفّر النّابلس
(1)
، سبط الزّين خالد أحد مشايخ الحديث مَيْتًا بمنزله من درب بني نصر، شرفي الصبّاغين، وله أيام قد توفيّ وحده، ليس عنده أحد، ووجدوه صريعًا لوجهه، وقد تغيّر لونه وازرق فغُسّل وكفّن وصُلّي عليه بالجامع بعد الظهر، ودفن بباب الصغير، وله من العمر ثلاث وثمانون سنة، وقد تفرّد بأجزاء وأشياء، ولم يتزوج قطّ، وكان يحبّ الانفراد والاجتماع عن الناس، حتى مات كذلك.
وفي العشره الأوسط قدم الأمير جرجي أستاذ دار السّلطان من الديار المصرية، وفي صبيحتِه القاضي جلال الدين ابن الأجل، لينظرا في أمر الدواوين وأموال المهمّات، فنزل جرجي بدار الذهب التنكزية، ونزل ابن الأجلّ بالمدرسة القليجيّة إلى جانبها، وهبّ الناس للسّلام عليهما.
شهر ربيع الآخر، أوّله الخميس، فيه سافر الأمبر جرحي إلى الديار المصرية وصحبته جلال الدين ابن الأجلّ، وقد تحصّل على هدايا كثيرة وتقادم وتُحف من نائب السلطنة فمَنْ دونه من أرباب الدولة وغيرهم.
شهر جمادى الأولى، أوّله السبت في ليلة الأربعاء تاسع عشره وقع حريق في أعالي طهارة باب النّاطفانيين والأندلسية شمالي الجامع الأموي، وذلك بين العشائين، فحضر نائب السلطنة وصعد إلى مئذنة العروس ليشرف على الحريق، ثم نزل إلى سطح الكلّاسة، وجعل يتناول يد السقائين إذا صعدوا بيده، جزاه الله خيرًا، فانكشف الحريق، ثم أُضرم وقت السّحر فأحرق طباقًا كثيرة.
ثم وقع حريق آخر في الليلة المقبلة.
وفي ليلة الخميس العشرين من الشهر المذكور داخل باب السلامة، ثم وقع حريق آخر في ليلة الإثنين الرابع والعشرين منه عند باب قيسارية القطن المردون، فنفذ إلى الرُّطابيين، ثم نفذ إلى بعض سوق الحريريين.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الأحد، أخبرني أمين الدين ابن عبد الحق الحنفي بوفاة الشيخ علاء الدين ابن الأطروش
(2)
في مستهل هذا الشهر بمصر، وهو محتسبها وقاضي عسكرها. وقد كان ممن تقدّم عملَ الحسبة بدمشق، ودرّس.
وفي يوم الثامن عشر فيه نُودي بالبلدان ألّا يمشي أحدٌ في الطّرقات بعد عشاء الآخرة، من أجل أنّه كَثُرَ العَيْثُ والفسادُ وقتلُ النفوسِ، ولم يقع شيءٌ من ذلك من أجل أنّه كان يزداد الفساد، ويُبقي على البلد وحشةً شديدةً.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 121)، والدرر الكامنة (1/ 317 - 318)، والذيل التام (1/ 159).
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 125)، والدرر الكامنة (3/ 3 - 4)، والذيل التام (1/ 159).
وفي ليلة التاسع عشر منه وقع حريق بين السُّوريين باب الفراديس والفرج أيضًا، فتداركوه سريعًا، ولله الحمد والمنة.
شهر رجب الفرد، أوّله الإثنين، في يوم الخميس حادي عشره داروا بالمحمل حول البلد على العادة واحتفلوا احتفالًا زائدًا، ولم يُعيّن أمير الركب، واشتُهر في أثنائه أنّ الملك ابن أزبك، استحوذ على بلاد العراق وخراسان، وجلس على التّخت من مدينة توريز ودانت له الملوك من سائر تلك النواحي كلها، ونفي عنها الأشرف ابن تمرتاش جوبان
(1)
.
كائنة غريبة جدًّا
لما كان يوم الأربعاء الرابع والعشرين منه من هذه السنة، نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد علي وغيره، واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة، وجاؤوا إلى أماكن متَّهمة بالخمر وبيع الحشيش فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر، وأراقوا ما فيها وأتلفوا شيئًا كثيرًا من الحشيش وغيره، ثم انتقلوا إلى حِكْر السمّاق وغيرهم فثار عليهم من البَازدَاريّة
(2)
والكِلَابزيَّة
(3)
وغيرهم من الرّعاع فتناوشوا، وضُربت عليهم ضربات بالأيدي وغيرهم، وربما سل بعض الفساق السيوف عليهم كما ذكر، وقد رَسَم ملك الأمراء لوالي المدينة ووالي البر أن يكونوا عضدًا لهم وعونًا على الخَمَّارين والحشَّاشة، فنصروهم عليهم، غير أنه كثر معهم الضجيج ونصبوا راية واجتمع عليهم خلق كثير، ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعةٌ من النقباء والخزَّاندارية ومعهم جنازير فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وضُربوا بالمقارع، وطيف بهم في البلد ونادوا عليهم: هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان، فتعجَّب الناس من ذلك وأَنكروه حتى أنه أنكر اثنان من العامة على المنادية فضربَ بعضُ الجند أحدهم بدبُّوس فقتله، وضرب الآخر، فيقال: إنه مات أيضًا فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شهر شعبان المبارك، أوّله الأربعاء، في صبيحة يوم السبت رابعه قدمت الرُّسل من السلطان جاني بك بن أَزْبَك يخبرون بقدومه إلى بلاد خراسان، واستيلائه عليها، وانتزاعها من يد الأشرف بن تمرتاش الظالم الغاشم، وصيرورة هذا السلطان على تلك البلاد بعدله وعظمة جيشه الذي يقارب سبعمئة ألف، وكان يوم دخولهم يومًا مشهودًا هائلًا، ركب الجيش بكماله بالأطرزة والكلاوت الذهبِ، والتجمّل
(1)
ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل. وهي من قوله: تجديد عمارة عمّان البلقاء في هذا الحين.
(2)
في ط: البارذادية وهو تحريف.
والبازدارية بتقديم الزاي على الدال، هم المهتمُّون بتربية الطيور وتدريبها على الصّيد.
(3)
في ط: الكلابرية بالراء وهو تحريف أيضًا.
وبالزاي هم الذين يهتمون بتربية الكلاب، وتدريبها على الصّيد.
التام، وبات أكثر الناس تلك الليلة ظاهر البلد على الأسطحة، ولم يتخلف منهم إلّا القليل. وتلقّاهم الحجبة والمهمندار والنقباء وأرباب الوظائف إلى ناحية القابون، واستقر نائب السلطنة بدار السعادة حتى جاؤوا، فدخلوا عليه، وأكرمهم، وأجلسهم فوق الأمراء، ومدّ لهم سماطًا، ثم أذن لهم، فنزلوا في الخانقاه التجيبية، وكان لهم يومًا مشهودًا
(1)
.
وبعد صلاة العصر من يومئذ صُلّي على قاضي قضاة الحنفية نجم الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة عماد الدين على بن عبد الواحد الطَّرسُوسي الحنفي
(2)
، ثم خُرج به إلى ظاهر باب النصر، فخرج نائب السلطنة، فصلّى عليه إمامًا وذهبوا به، فدفن بسفح المزّة رحمه الله.
وقد بقي له من الأربعين سنةً سنةٌ، وكان قد صنف عدة مجلدات، وله نظم حسنٌ، ومذكرات مفيدة، وفيه تودّد.
وكسف القمر ليلة الرابع عشر، وإنما هي عند أرباب التقويم الثالثة عشر، وصُلّيت صلاة الكسوف
(3)
.
وفي شعبان من هذه السنة حكي عن جارية من عتيقات الأمير سيف الدين تَمُر المِهْمَنْدار أنها حملت قريبًا من تسعين يومًا، ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت في قرب من أربعين يومًا في أيام متتالية ومتفرقة أربعَ عَشْرة بنتًا وصبيًا بعدَهُنَّ. قلّ من يعرف شكل الذكر من الأنثى
(4)
.
وجاء الخبر بأنّ الأمير سيف الدين شَيْخُون مدير الممالك بالديار المصرية والشامية قفز
(5)
عليه مملوك
(6)
من مماليك السلطان، فضربه بالسّيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده، منها ما هو في وجهه ومنها ما هو في يده، فحمل إلى منزله صريعًا طريحًا جريحًا، وغضب لذلك طوائف من الأمراء حتى قيل: إنَّهم ركبوا ودعَوْا إلى المبارزة فلم يجئ إليهم، وعظم الخطب بذلك جدًّا، واتَّهموا به الأمير سيف الدين صَرْغَتْمُش وغيره، وأن هذا إنّما فُعل عن ممالأة منهم فالله أعلم.
شهر رمضان المعظم، أوّله الجمعة ولم أجد فيه شيئًا.
شهر شوال المبارك، أوّله الأحد، خرج المجمل السلطاني يوم الخميس ثاني عشره على العادة
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 116.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 118، والدرر الكامنة 1/ 43، والذيل التام 1/ 158.
(3)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل من قوله: شهر شعبان المبارك، أوله الأربعاء.
(4)
الخبر في النجوم الزاهرة (10/ 306) نقلًا عن ابن كثير. ووقع في ط: "سبعين" بدلًا من تسعين، وما هنا يوافق ما نقله صاحب النجوم، وهو الأصوب إن شاء الله.
(5)
في ط: ظفر وهو تحريف. وفي النجوم الزاهرة (10/ 305) والذيل التام (1/ 157): (وثب).
(6)
هو: قُطْلوخَجَا السلاح دار النجوم (10/ 324) وفي الدرر الكامنة (2/ 196) وشذرات الذهب (6/ 183): (آي فَجَا) وكذلك في الذيل التام (1/ 157).
المستمرة، وأميرهم عامئذٍ الأمير أَلدَمِرْ عبد الله
(1)
. وقاضيهم القاضي قطب الدين قاضي حمص. وأُحضر لي في هذا الشهر درهمان فضة خالص، أحدهما ناتج ضربة في سنة أربع وثمانين بواسط في دائرة وفي وسطه من الجانب الواحد بخطٍّ كوفيّ متوضح:(الله أحدٌ، الله الصّمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد). وفي الجانب الآخر: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له). فهذا من ضرب الحجاج بن يوسف الثقفي
(2)
في خلافة عبد الملك بن مروان باني جامع دمشق. وقد كانت وفاته في سنة ستّ وتسعين
(3)
.
وبلغنا وفاة الشيخ قوام الدين أمير كاتب الأَتقاني الحنفي
(4)
بمصر في يوم السبت الحادي والعشرين من شوال، ودفن من الغد، وقد كان رأسًا في مذهب الإمام أبي حنيفة، ولكن كان فيه تعصّب شديد بليغ. وقد درّس ببغداد في مشهد أبي حنيفة، ثم ولّي القضاء بها، ثم عزل عن ذلك كلّه، ثم ورد دمشق فأقام بها مدّةً خاملًا، ثم ولّي مشيخة الحديث بالظاهرية، ثم نزل عنها لقاضي قضاة المالكية، ودخل مصر، فحصل له حظوة عند الأمير شيخون، وضرغتمش، ودرّس في المدرسة التي أنشأها صرغتمش الحنفية، وكان كما ذكرنا ذلك في السنة الماضية.
وأنشده قصيدة قالها يوم الدّرس
(5)
، وخلع عليه، وأَعطاه شيئًا كثيرًا.
وفاة أرغون الكاملي
(6)
باني البيمارستان بحلب.
كانت وفاته بالقدس الشريف في يوم الخميس السادس عشر من شوال، ودفن بتربةٍ أنشأها غربي المسجد بشمال رحمه الله.
شهر ذي القعدة، أوّله الثلاثاء، في يوم الأربعاء رابع عشرينه درّس القاضي كمال الدين محمد بن الشيخ تقي الدين بن الصائغ بالمدرسة العمادية، نزل له عنها نجم الدين أبو بكر ابن صاحبنا الشيخ ناصر الدين محمد بن الصائغ، وحضر عنده القضاة الأربعة.
(1)
ذكره وذكر إمرته للحج في هذا العام الصفدي في أعيان العصر 1/ 594.
(2)
أمير العراقين. توفي سنة 95 هـ. انظر دول الإسلام 1/ 82.
(3)
يعني الوليد بن عبد الملك. انظر دول الإسلام 1/ 84.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 123 - 124. نقلًا عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه. والدرر الكامنة 6/ 414 - 416، والذيل التام 1/ 158.
(5)
بائية مطلعها:
أرأَيْتُم مَنْ درأَ النُّوَبا
…
وأتى قُرَبًا ونفى ريبا
عدتها 23 بيتًا. ذكرها الصفدي في أعيان العصر 1/ 626.
(6)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 122 - 123، والدرر الكامنة 1/ 352 - 353، وأعيان العصر 1/ 466 - 474، والذيل التام 1/ 160.
وفي هذا اليوم حكم القضاة الأربعة بالتَّشريك في خطابة جامع يلبغا بين الشيخ شمس الدين الموصلّي الشافعي، وبين الحنفية
(1)
، فحصل الجمع بين المصالح.
وفاة الأمير شيخون
(2)
، ورد الخبر من الديار المصرية بوفاته ليلة الجمعة السادس والعشرين منه، ودفن من الغد بتربته. وقد ابتنى مدرسة هائلة كما تقدّم، وجعل فيها المذاهب الأربعة، ودار حديث، وخانقاه للصوفية، وأوقف عليها شيئًا كثيرًا، وقرّر فيها معاليم كثيرة، وترك أموالًا جزيلة.
ومُسك بعد وفاته أمراء كثيرون بمصر، كانوا من أعوانه، من أشهرهم؛ عز الدّين طقطاي الدويدار، وابن قوصون، وهو ابن أخت السلطان زوجة شيخون المتوفّى رحمه الله.
شهر ذي الحجة، أوّله الثلاثاء تأخّر المطرفي هذه السنة عن إِيَّانِهِ، وتسلّق سعر الغلّة قليلًا، ولكنّ الأجلاب كثيرٌ ولله الحمد.
ودخل شهر كانوا الأول يوم الجمعة الثامن عشر من هذا الشهر، وهو يوم غدير خمّ الذي تعدّه جهلة الروافض عيدًا ببلاد الشرق، ولم يكن قد وقع من المطر الموسمي إلَّا مطرةٌ يسيرة
(3)
.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة وسلطان الإسلام بالبلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي، وقد قوي جانبُه وحاشيتُه بموت الأمير شيخون كما ذكرنا في سادس عشري ذي القعدة من السنة الماضية وقد صار إليه من ميراثه من زهرة الحياة الدنيا شيء كثير من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وكذلك من المماليك والأسلحة والعُدّة والبِرَك والمتاجر ما يشق حصره ويتعذر إحصاؤه هاهنا. وليس في الديار المصرية فيما بلغنا إلى الآن نائب ولا وزير، والقضاة هم المذكورون في التي قبلها. وأمّا دمشقُ فنائبها وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنَّه قاضي القضاة شهاب الدين
(4)
الكفري، عوضًا عن نجم الدين الطَّرَسُوسي
(5)
توفِّي في شعبان من السنة الماضية، ونائبُ حلب
(1)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 117. وذكر قاضي الحنفية، وهو الشيخ ناصر الدين ابن الرّبوة.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 124 - 125، والدرر الكامنة 2/ 196، وأعيان العصر 2/ 531 - 536. وفيه (شيخو). والذيل التام 1/ 156 - 157. وفيه: شيخو أيضًا.
(3)
هذا بعضه مضطرب في المطبوع وبعضه ليس في أ و ب و ط. وهو مستدرك من الأصل من قوله؛ شهر رمضان المعظّم، أوّله الجمعة.
(4)
في ط: شرف الدين وهو تحريف. وقد سبق ذكره عما قريب.
(5)
في ط: الطوسي وهو تحريف.
سيف الدين طَاز، وطرابُلُس مَنْجَك، وحماة أسَنَدَمُر
(1)
العمري، وصفد شهاب الدين بن صبح، وبحمص صلاح الدين خليل بن حاجي ترك
(2)
، وببعلبك ناصر الدين بن آقُوش
(3)
.
شهر الله المحرم، أوّله الخميس، في أوله اشتهر وقوع التشويش بين القيسية واليمنية بوادي بردى، وخرج إليهم الحاجب في جماعة من الأمراء والجند، ليحجبوا بينهم بعدما اقتتلوا.
وكذلك بحوران أيضًا عدت بنو همام من أهل زُرع على رجل بين بني ورفة، فقتلوه على باب داره وقطعّوه قطعًا، وكان ذا مال جزيل، وجاه عند الدولة، وله إقطاعات في الحلقة، وثروة كبيرة ولما كان يوم السبت ثالثه خرجت التجاريد صحبة طَيْدَمِر حاجب الحجّاب من طريق الكسوة قاصدين بني همّام، وأخذ آخرون من الأمراء من الطريق الشرقية، على درب دير الحجر من ناحية شهبة والسويداء.
وفي سابعه حضر الدرس بالمنجكيّة التي أنشأها الأمير منجك الناصري نائب طرابلس بالقدس الشريف، وكان المدرس بها خطيب القدس القاضي برهان الدين بن جماعة، وحضر عنده المشايخ والأعيان
(4)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين ثاني عشرَ المحرم خرجت أربعةُ آلاف مع أربعة مقدمين إلى ناحية حلب نصرةً لجيش حلب على مسك طاز إن امتنع من السلطنة كما أمر.
ولما كان يوم الحادي والعشرين من المحرم نادى المنادي من جهة نائب السلطنة أن يركبَ من بقي من الجند في الحديد ويوافوه إلى سوق الخيل، فركب معهم قاصدًا ناحية ثَنِيَّةِ العُقَاب ليمنع الأمير طاز من دخول البلد، لمَّا تحقق مجيئُه في جيشه قاصدًا إلى الديار المصرية، فانزعج الناس لذلك وأُخليت دار السعادة من الحواصل والحريم إلى القلعة، وتحصَّن كثير من الأمراء بدورهم داخل البلد، وأُغلق باب النصر، فاستوحش الناس من ذلك بعض الشيء، ثم غلّقت أبواب البلد كلها إلا باب الفراديس والفرج، وباب الجابية أيضًا لأجل دخول الحجَّاج ودخل المحمل صبيحة يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرّم ولم يشعر به كثير من الناس لشغلهم بما هم فيه من أمر طاز، وأمر العشير بحَوْران
(5)
، وجاء الخبر بمسك
= وهو: إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد الطّرَسوسي.
وترجمته في: الذيل للحسيني ص (316) والوفيات لابن رافع (2/ 202) والذيل التام (1/ 158). ولم يورده ابن كثير في وفيات السنة الماضية في مكانه.
(1)
في ط: استدمر، وهو تحريف.
(2)
في ط: خاض برك، وهو تحريف. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (2/ 89).
(3)
في ط: الأقوس.
(4)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله شهر الله المحرّم، أوله الخميس.
(5)
يعني: ثورة العربان في أرض حَوْران، وقطع السُّبل، إلى أن قتل مقدَّمُهم الشهاب أحمد بن البُسَريّة بزُرع. الذيل للحسيني ص (317 - 318).
الأمير سيف الدين طَيْدَمُر الحاجب الكبير بأرض حَوْران وسجنه بقلعة صَرْخَد، وجاء سيفُه صحبةَ الأمير جمال الدين الحاجب، فذهب به إلى الوطاق عند الثَّنِيَّة.
وقد وصل طاز بجنوده إلى باب القطيفة وتلاقى شاليشُه بشاليش
(1)
نائب الشام، ولم يكن منهم قتال ولله الحمد، ثم تراسل هو والنّائب في الصُّلح على أن يسلِّم طازُ نفسه ويركب في عشرة سروج إلى السلطان وينسلخ مما هو فيه، ويكاتب فيه النائب، وتلطّفوا بأمره عند السلطان وبكل ما يقدر عليه، فأجاب إلى ذلك وأرسل يطلب من يُشْهده على وصيَّته، فأرسل إليه نائب السَّلطنة القاضي شهاب الدين قاضي العسكر، فذهب إليه فأَوْصَى لولدِهِ وأم ولده ولوالده نفسه، وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين علي المارداني نائب السلطنة، وللأمير صَرْغَتُمُش، ورجع النائب من الثَّنيَّة عشيةَ يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الأدعية له وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا، ودعَوْا إلى الأمير طاز بسبب إجابته إلى السمع والطاعة، وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش، وقوة من كان يحرِّضُه على ذلك من أَخَوَيْه وذويه.
وقد اجتمعتُ بنائب السلطنة الأمير علاء الدين علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع، ومضمون كلامه: أنَّ الله لطف بالمسلمين لطفًا عظيمًا، إذ لم يقع بينهم قتال. فإنه قال: لما وصل طاز إلى القُطَيْفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلتُ إليه مملوكًا من مماليكي أقول له. إنّ المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط، فإذا جئت هكذا فأهلًا وسهلًا، وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة. وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس، فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعًا يقول: إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج بطلبه من مصر، فقلت: لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان، فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال: إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوزَ دمشقَ إلى الكُسْوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم فقلت: لا سبيلَ إلى أن يدخلَ دمشقَ ويتجاوز بطلبه أصلًا، وإن كان عنده خيل ورجال وعدَّة فعندي أضعاف ذلك، فقال لي الأمير: يا خَوَنْدُ لا تكونُ تُنْشِئُ فِتْنَةً، فقلت: لا يقع إلا ما تسمع، فرجع، فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال: يا خوندُ هاقد وصل جيش حماةَ وطرابُلُس، ومن معهم من جيش دمشق الذين كانوا قد خرجوا بسببه، وقد اتفقوا هم وهو. قال: فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراؤوا للجيوش الذين جاؤوا حتى يرَوْكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب. فحينئذ جاء الردُّ من جهته بطلب الأمان ويجهرون بالإجابة إلى أن يركبَ في عشرة سروج، ويترك طلبه بالقُطَيْفة، وذلك يوم الجمعة، فلما كان الليل ركبت أنا
(1)
"الشاليش": مقدمة العساكر.
والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة، فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشَّابهم ورماحهم وكثيرًا من سلاحهم، فتحقَّقنا عند ذلك طاعته وإجابته، لكلِّ ما رُسم به، فلما أصبح يوم السبت وَصَّى وركب في عشرة سروج وسار نحو الدِّيار المصرية ولله الحمد والمنة.
شهر صفر، أوّله السبت، وقيل: الجمعة، في أوائله خرجت أمراء كثيرة بأطلابها إلى بلاد حوران بسبب العشران، وتعذّر تحصيل رؤوس الفريقين، لا سيما مشايخ قيس. بسبب كثرة الثلوج والأمطار
(1)
.
وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجَّاب الأمير طيدمر الذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الذي قدم بسببه من الديار المصرية، وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء، وتصدَّق بصدقات كثيرة في داره، وفرحوا به فرحًا شديدًا، وهو والناس يقولون: إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظَّمًا مكرمًا على تقدمة ألف ووظائف هناك، فلما كان ووظائف هناك، فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين منه لم يفجأ النَّاسَ إلا وقد دخل القلعة المنصورة معتقلًا مضيّقًا عليه، فتعجَّب الناس من هذه الترحة من تلك الفرحة فما شاء الله كان.
شهر ربيع الأول، أوّله الأحد، دخل نائب طرابلس قادمًا من الديار المصرية، وهو الأمير سيف الدين أَقْتَمِر عبد الغني فركب مع النائب في الموكب، ونزل عنده بدار السعادة، وذلك يوم الثلاثاء ثالثه
(2)
.
وفي يوم الأربعاء رابع ربيع الأول عقد مجلس بسبب الحاجب طيدمر بالمشهد من الجامع.
وفي يوم الخميس أحضر الحاجب من القلعة إلى دار الحديث، واجتمع القضاة هناك بسبب دعاوى يطلبون منه حق بعضهم.
ثم لما كان يوم الإثنين تاسعه قدم الديار المصرية مقدم البريدية بطلب الحاجب المذكور، فأخرج من القلعة السلطانية وجاء إلى نائب السلطنة فقبَّلَ يده، ثم خرج إلى منزله وركب من يومه قاصدًا إلى الديار المصرية مكرَّمًا، وخرج بين يديه خلق من العوام والحرافيش يدعون له، وهذا أغرب ما أُرِّخَ، فهذا الرجل نالته شدة عظيمة بسبب سجنه بصرخد، ثم أُفرج عنه ثم حبس في قلعة دمشق ثم أفرِج عنه، وذلك كله في نحو شهر
(3)
.
شهر ربيع الآخر، أوّله الثلاثاء، في مستهلّه دخل نائب السلطنة من بلاد حوران، ومعه جماعة من رؤوس العشران في الزّناجير، فأودعوا السّجن.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثانيه طلب الشيخ نور الدين بن الصارم المحدّث من الجامع، وهو على
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل.
(2)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل.
(3)
الذيل للحسيني ص (319).
كرسيّ الحديث عند باب مشهد علي من جهة القاضي المالكي، فذهب معه أهل ميعاده برُمتَّهم يهللون ويكبّرون إلى دار القاضي، فنقم عليه أنّه استفتح ميعاده الذي أذن له في العود إليه، وكان قد منعه قبل ذلك، بعد منعه منه شهرًا بآية، توهم أنّه عرّض فيها بالقاضي الذي منعه، فتنصَّل من ذلك، وشهد له جماعةٌ من الناس أنها الآية التي انتهى إلى قراءتها، فأطلق سراحه.
وفي يوم الإثنين خُلع على حاجب الحجّاب، جديد قدم من نيابة دَرَنْدة
(1)
، وهو سيف الدين طَيْبُغا.
وفي هذا اليوم قُرئ بالجامع الأموي الاستثمار الذي جاء من الديار المصرية بسبب الجامع الأموي وما قُبض من المرتبات عليه، ومن المباشرين والمعاليم، وحضر القضاة والناظر، وهو الصاحب تقي الدين ابن مراجل الذي جاء توقيعه به من الديار المصرية عودًا على بدءٍ، بعدما كان له في نظره ثمانٍ وعشرون سنة، فإنّه عزله تنكز سنة إحدة وثلاثين، ثم أُعد في هذه الأيام، بإشارة الأمير صَرْغتمش مدير الممالك، وخُلع عليه يوم السبت ثاني عشره، ففرح أكثر الناس بعوده إليه لحسن مباشرته، لعفّته وأمانته، وعدم مراعاته لأحدٍ من أرباب الجهوات. وقد باشر قبل لبس الخلعة أيامًا، فحصّل في نحو عشرة الأيام للجامع نحوًا من أربعين ألفًا، وضعها في القبة الغربية في دفعات، وأصلح في الجامع أماكن كثيرة، كانت قد وهَتْ في مددٍ متطاولة، واستعمل الفرش الكثيرة، ورسم بألّا تطفأ القناديل من أرجاء الجامع بكرةً وعشيًا، حتى يفرغ جميع الأئمة من الصلوات؛ لئلّا يشوّشوا على الناس بالظّلمة، فاستحسن ذلك جدًّا، ونفذّ ما جاء في الاستثمار أتمّ تنفيذ، واسترجع أموالًا كانت قد وقفت للجامع، أو تناولها بعضُ من لا يستحِقُّها، وازدادت واردات الأجور في الرباع زيادة كثيرة، وأَلزم المصدَّرين والأئمة بالمباشرة وعدم الاستنابة، وأقام عليهم كتّاب الغيبة، فحضر المشايخ كلُّهم، وصار الجامع آهلًا بالمصدّرين والمفتين والمشتغلين والأئمة والمؤذّنين والقَوَمة والسّدَنة. ولله الحمد.
ووقعت في هذا الشهر سقعةٌ
(2)
عظيمة حطّمت شيئًا كثيرًا من الأشجار، مثل الجوز واللوز والمشمش والدراقن والتّوت وغير ذلك. وأفسدت أشياء كثيرة بالكليّة.
هذا وأهل حوران في غاية ما يكون من القلّة والقتال ونهب الأموال وقتلُ رجالٍ وأطفال. وقعة العشير بحوران عند قرية عتيل
(3)
. وفي يوم الأحد السابع والعشرين منه، فيما بلغنا بعده بأيامٍ، كانت الوقعة بين بني أسد وبني هلال بالقرب من قرية عتيل، وكانت الدائرة على بني أسد، لأن بني هلال كانوا فيما ذكر
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل.
(2)
السقعة، لهجة دمشقية، تعني الصقيع.
(3)
في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 135: قرية عقيل. وهو تحريف.
وعتيل: قرية معروفة في حوران.
على عشرة أضعاف بني أسد، ولم يكن جمع بني أسدٍ كاملًا، وإنما فجؤوهم بغتة، وقد كان كل من الطائفتين على غاية ما يكون من العشاء في الأرض، قد خرّب كلٌّ من العشيرين قرايا كثيرة جدًّا، ونهبوا أموالًا، واستحق كلُّ منهم القتل على مذهب من يرى الدَّرء
(1)
. والمقصود أنه قُتل من كلٍّ من الفريقين خلقٌ كثير. وجمٌّ غفير، فأقلُّ ما ذكر لي خمسمئة، وقيل: ألف، وقيل: ألفان.
وأخبرني بعض الأجناد الذين كانوا مجرّدين بتلك البلاد أن بني هلال جعلوا يجمعون القتلى من بني أسد، ويجعلونهم روابي يصعدون فيؤذنون فوقهم افتخارًا بكثرة من قتلوا. يعنون أنّهم يسامتون
(2)
المآذن
(3)
.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأربعاء، في يوم الجمعة عاشره حضر نائب السلّطنة إلى المدرسة العادلية الكبيرة بعد صلاة الجمعة بسبب عَقْدِ ابْنَةِ قاضي القضاة تاج الدين بن السُّبكي على ابن ابن قاضي القضاة شرف الدين الكَفْري الحنفي، وحضره بقية القضاة والأعيان، وكان عقدًا هائلًا، أنشأه وقرأه الشيخ صلاح الدين الصَّفدي.
وفي صبيحة يوم السبت حادي عشره حضر الشيخ شرف الدين ابن شيخ الجبل الحنبلي بمسجد ابن هشام ميعادًا، وجلس على الكرسيّ، وتكلّم من حفظه، وذلك من مرسوم نائب السلطنة له بذلك.
أن يجلس في كل يوم سبت في هذا المسجد كما يحضر الجامع يوم الثلاثاء
(4)
.
ثم جاءت الأخبار في يوم الأحد ثاني عَشَرَ جُمادى الأولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الإثنين، ولا حضر في دار العدل، ثم تحقَّقت الأخبارُ بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب، ومجئ نائب حلب
(5)
إلى دمشقَ، فتأسَّفَ كثيرٌ من الناس عليه لديانته وجُودِهِ وحُسن معاملته لأهل ومجيء العلم، ولكنَّ حاشيته لا ينفِّذون أوامره، فتولّد بسبب ذلك فسادٌ عريض، وحموا كثيرًا من البلاد، فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك، وهاجت العشيرات فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الأمير علي المارداني من دمشق في طلبه مستعجلًا في أُبَّهة النيابة، قاصدًا إلى حلب المحروسة، وقد ضرب وطاقه بوَطْأة بَرْزَة، فخرج الناس للتفرُّج على طلبه.
فلما ولّى ظهره إلى ناحية سوق الخيل خرجت جنازة شيخه الشيخ شمس الدين البانقوس الحنفي
(6)
،
(1)
يعني: درء المفاسد.
(2)
يسامتون: يضارعون ويشابهون.
(3)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 131. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(4)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ربيع الآخر، أوّله الثلاثاء.
(5)
هو: مَنْجك اليوسفي.
(6)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 144).
مدرّس الرّكنية من باب النصر ليدفن بمقابر الصوفية وليس معها إلّا نفرا يسير؛ منهم القاضي الحنفي
(1)
.
وفي هذا اليوم بعد خروج النائب بقليل دخل الأمير سيف الدين طَيْدَمُر الحاجب من الديار المصرية عائدًا إلى وظيفة الحجوبية في أُبَّهة عظيمة، وتلقَّاه الناس بالشموع، ودعَوْا له، ثم ركب من يومه إلى خدمة ملك الأمراء إلى وَطْأة بَرْزَة، فقبَّل يدَهُ وخلع عليه الأمراء، واصطلحا، انتهى والله أعلم.
وفي صبيحة يوم الاثنين السابع والعشرين منه رجعت بعض أطلاب الأمراء الذين كانوا بحوران مجردين الأجل العشران، وقد أعياهم أمرهم، فلما قصد الجند ناحية منها تجمّعوا في الطرف الآخر، واقتتلوا. وقد وقعت بينهم في هذا العشر الأخر من هذا الشهر وقعة هائلة على قرية يقال لها: دامة
(2)
. من طرف اللجاة، فقتل من الفريقين نحو الألف أيضًا، وكانت الغلبة على يمن أيضًا. وتسحبّ مقدمهم الذي يقال له: الدُّنيط
(3)
. - قبحه الله -.
ودخل في هذا اليوم نائب حماة المنفصل، وهو أَسَنْدَمِر العمري إلى دمشق أميرًا على خبز عمر شاه، وتقدمة ألف رأس الميمنة، وخرج طلب عمر شاه إلى حماه، ذاهبًا إلى مباشرة النيابة بها
(4)
.
دخول نائب السلطنة منجك إلى دمشق
كان ذلك في صبيحة يوم الخميس الرابع والعشرين من جُمادى الآخرة من ناحية حلب وبين يديه الأمراء والجيش على العادة، وأُوقدت الشموع وخرج الناس ومنهم من بات على الأسطحة وكان يومًا هائلًا
(5)
.
فلما كان الجمعة الأخرى الثاني والعشرين منه صلَّى بالمقصورة من الجامع وعنده القضاة، وأعيان الدولة، فلما قضيت الصلاة قُرئ كتاب السلطان بالأمر باعتبار شروط الواقفين والعمل بمقتضاها في سائر المدارس والخوانك وغيرها، قرأه كاتب السرّ على السُّدّه. وبلّغ عنه بعض المؤذّنين في بعضه.
ونائب السّلطنة هذا له سطوة على المفسدين والخمّارين، يعاقبهم عقوبة بليغة ويخرم آنافَهُم، ويُطاف بهم في البلد كذلك ثلاثة أيّام
(6)
.
وقد أُحضرت إلى بين يديه شيوخ القيسيين واليمنيين بحوران، فأصلح بينهم، والتزموا بالتّتارك
(1)
ليس في أ و ب و ط، وهو في الأصل.
(2)
جنوب بلاد الشام.
(3)
في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 132): عمر الرّسط. وهو تحريف.
(4)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله: وفي صبيحة يوم الإثنين السابع والعشرين.
(5)
الذيل للحسيني ص (319) وفيه: فدخلها يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 132.
(6)
آناف وأنوف جمع أنف. والخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 132، نقلًا عن ابن كثير. وليس في المطبوع منه.
وعدم الإفساد، وحَبَا الفريقين ثمانية آلاف درهم، وألزم قيسًا بغرامة ما كانوا أتلغوا لأولئك التراكمين من الأغنام سبعة الآلاف، أكثر ما كانوا انتهبوا.
وفي هذا اليوم قدم من الديار المصرية البريد يطلب بعض مباشري أوقاف الأسرى والحرمين والأسوار والبيمارستان النوري ليحرّر أمورهم، ويُصرف عنها بعض من هو مباشر فيها لكثرتهم.
شهر رجب الفرد، أوّله السبت، في أوائله كثرت المُنَادِيَةُ عن نائب السلطنة في أمر النّساء، وعدم خروجهن بعد العشاء، ومن الفرج، حتى ولا أسواق البيع والشراء إلّا لعجوزٍ أو عزباء، ولا يركبْن بين الرجال على الحُمُر، فجزاه الله خيرًا.
وقد أمر بالتخريج في أمر الخمور، فمن وُجد منهم عاقبه أشد العقوبة، وخرم أنفه كما قدّمنا؛ فارتدع بذلك خلقٌ من الفسقة، وانقطع جلب الخمر إلى البلد، وارتحل منها خلق من جهلة النساء والشباب، وبقية اللصوص والمقطعين أيضًا.
وجهز سريَّةً نحوًا من خمسمئة فارس إلى الأعراب من زبيد وغيرها، من جبل بني هلال ممّن أعان في العشير ونهب البلد، وأكثر الفساد، وأمر بقتل من وُجد منهم، ونهبِ أموالهم.
وقدم من الديار المصريّة أميرٌ على ولاية الولاة، يسمّى ابن أحمد، ويلقّب شَنْكلَ مَنْكل، فلبس الخلعة بدمشق، ثم خرج إلى حوران في صبيحة يوم الثلاثاء رابعه وقت السحر.
عزل ابن جماعة عن القضاء بالديار المصرية
جاءت الأخبار بعزل قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن إبراهيم بن جماعة عن الديار المصرية في أواخر جمادى الآخرة بالشيخ بهاء الدين بن عقيل
(1)
أحد أئمة الشافعية بمصر، فحكم فيما بلغني يوم الخميس الثامن والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، وذكروا أن القاضي عز الدين استمرّ على وظائفه كلها ما عدا المنصب. وأنّه عُوّض عنه بألف درهم في كلّ شهر من الجوالي، وأنّه جاء لتهنئة ابن عقيل في يوم ولايته، ثم جاء ابن عقيل إليه إلى منزله، فجلس بين يديه وقال: أنا نائبك
(2)
.
وفي أواخر شهر رجب برز نائبُ السَّلطنة إلى الرَّبوة وأُحضِرَ القضاة وولاةُ الأمور ورُسم بإحضار المفتين - وكنت فيمن طلب يومئذ فركبتُ إليها
(3)
- وكان نائب السلطنة قد عزم يومئذ على تخريب المنازل المبنيّة بالرَّبوة وغَلْق الحمَّام من أجل هذه فيما ذكر أنها بنيت ليُعصى فيها، وهذا الحمام أوساخُه صائرةٌ
(1)
عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل، الطالبي البالسي الحلبي المصري النحوي. سيأتي في وفيات سنة 769 هـ من هذا الكتاب.
(2)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل من قوله: فلمّا كان يوم الجمعة الأخرى الثاني والعشرين منه.
(3)
يعني ابن كثير نفسه.
إلى النهر الذي يشرب منه الناس، فاتّفق الحال في آخر الأمر على إبقاء المساكن ورد المُرتفقات المسلطة على تُورَه وبانياس
(1)
ويترك ما هو مسلَّط على بردى، فانكفَّ الناس عن الذهاب إلى الرّبوة بالكُلِّية، ورُسم يومئذ بتضييق أكمام النساء وأن تزال الأجراس والركب عن الحمير التي للمكارية.
شهر شعبان المكرم، وأوَّله الإثنين وفي أوائله ركب نائبُ السلطنة يوم الجمعة بعد العصر ليقف على الحائط الرومي الذي بالرحبية، فخاف أهل الأسواق، وغلَّقوا دكاكينهم عن آخرهم، واعتقدوا أن نائب السلطنة أمر بذلك، فغضب من ذلك وتنصَّل منه، ثم منه، ثم إنه أمر بهدم الحائط المذكور، وأن ينقل إلى العمارة التي استجدَّها خارج باب النصر في دار الصِّناعة التي إلى جانب دار العدل، أمر ببنائها خانًا، ونقلت تلك الأحجار إليها
(2)
، انتهى والله أعلم.
عزل القضاة الثلاثة بدمشق
ولما كان يوم الثلاثاء تاسع شعبان قدم من الديار المصرية بريدي ومعه تذكرة - ورقة - فيها السلام على القضاة المستجدين، وأخبر بعزل القاضي الشافعي
(3)
والحنفي
(4)
والمالكي
(5)
، وأنه ولي قضاء قضاة الشافعية القاضي بهاء الدين أبو البقاء السُّبكي، وقضاء الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج الحنفي، وذهب الناس إلى السلام عليهم والتهنئة لهم واحتفلوا بذلك، وأخبروا أن القاضي المالكي سيقدم من الديار المصرية، ولما كان يوم السبت السابع والعشرين من شعبان وصل البريد من الديار المصرية ومعه تقليدان وخلعتان للقاضي الشافعي والقاضي الحنفي، فلبسا الخلعتين وجاءا من دار السعادة إلى الجامع الأموي، وجلسا في المقصورة، وقرأ تقليد قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشَّافعي، الشيخ نور الدين بن الصّارم المحدِّث على السُّدَّة تجاه المحراب، وقرأ تقليد قاضي القضاة جمال الدين بن السراج الحنفي الشيخ عماد الدين بن السرَّاج المحدث أيضًا على السدة، ثم حكما هنالك، ثم جاء أيضًا إلى الغزالية فدرَّس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء، وجلس الحنفي إلى جانبه عن يمينه، وحضرتُ عنده فأخذ في صيام يوم الشك
(6)
ثم جاءا معًا إلى المدرسة النورية فدرَّس بها قاضي القضاة جمال الدين المذكور، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين، وذكروا أنَّه أخذ في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] الآية.
(1)
في ط: نوره وناس وهو تحريف. وكلاهما فرعان معروفان من فروع بردي.
(2)
الدارس (2/ 445).
(3)
تاج الدين السُّبكي الشافعي.
(4)
شرف الدين الكفري الحنفي.
(5)
جمال الدين المسلَّاتي.
(6)
أي حديث "صيام يوم الشك".
ثم انصرف بهاء الدين إلى المدرسة العادلية الكبيرة فدرّس بها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] الآية.
شهر رمضان المعظم، أوّله الأربعاء، في مستهلّه استناب قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء الشافعي قريبه القاضي بدر الدين بن أبي الفتح الذي كان نائبًا لخاله قاضي القضاة تاج الدين بن السُّبكي والنائب الثاني عماد الدين الحسباني، وحكما يومئذٍ.
ثم استناب بعدهما بيوم القاضي شمس الدين بن شهبة، واستمرّ به أيضًا
(1)
.
وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان دخل القاضي المالكي من الديار المصرية فلبس الخلعة يومئذ ودخل المقصورة من الجامع الأموي وقُرئ تقليدُه هنالك بحضرة القضاة والأعيان، قرأه الشيخ نور الدين بن الصّارم المحدث، وهو قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد بن عسكر العراقي البغدادي، قدم الشّام مرارًا، ثم استوطن الديار المصرية بعدما حكم ببغداد نيابةً عن قطب الدين الأخوي، ودرس بالمُسْتَنصريّة بعد أبيه، وحكم بدمياط أيضًا ثم نُقل إلى قضاء المالكية بدمشقَ، وهو شيخ حسن، كثيرُ التودُّد، ومسدّد العبارة، حسن البشر عند اللقاء، مشكور في مباشرته عفة ونزاهة، وكرم [خلق]، الله يوفقُّه ويسدِّدُه
(2)
.
وبعد بيوم قدم القاضي أمين الدين بن عبد الحق الحنفي من الديار المصرية، فلبس الخلعة يومئذٍ بحسبة دمشق عوضًا عن علاء الدين الأنصاري مدرَّس الأمينية، ودار في البلد على العادة
(3)
.
مسك الأمير صَرْغَتْمُش
(4)
أَتَابك الأمراء بالديار المصرية
ورد الخبر إلينا بمسكه يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان هذا، وأنّه قُبض عليه بحضرة السلطان يوم الإثنين العشرين منه، ثم اختلفت الرواية عن قتله، غير أنَّه احتيط على حواصله وأمواله، وصُودر أصحابه وأتباعُه، فكان فيمن ضُرب وعُصر تحت المصادرة القاضي ضياء الدين
(5)
بن خطيب بيت الآبار، واشتهر أنّه مات تحت العقوبة، وقد كان مقصدًا للواردين إلى الديار المصرية، ولاسيَّما أهل
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل.
(2)
الدارس (1/ 168) و (2/ 16).
(3)
ليست في أ و ب و ط وهي في الأصل.
(4)
في ط: طرغتمش وهو تطبيع.
وترجمته في الدرر الكامنة (2/ 206) والنجوم الزاهرة (10/ 308) والذيل التام (1/ 160).
(5)
هو: ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن خطيب بيت الآبار. مات سنة (761) هـ الدرر (4/ 482) والنجوم الزاهرة (10/ 337) والذيل التام (1/ 163) وفي الذيل للحسيني (321) هو: ضياء الدين محمد بن خطيب بيت الآبار.
بلدة دمشقَ، وقد باشر عدَّة وظائف، وكان في آخر أمره قد فوض إليه نظر جميع الأوقاف ببلاد السلطان، وتكلَّم في أمر الجامع الأموي وغيره، فحصل بسبب ذلك قطع أرزاق جماعات من الكتبة وغيرهم، ومالأَ الأميرَ صَرْغَتْمُش في أمور كثيرة خاصة وعامة، فهلك بسببه، وقد قارب الثمانين
(1)
، انتهى.
إعادة القضاة الثلاثة
وقد كان صَرْغَتْمُش عزل القضاة الثلاثة بدمشق، وهم الشافعي والحنفي والمالكي كما تقدَّم، وعزل قبلهم ابنَ جماعة ووَلّى ابن عقيل، فلما مُسكَ صَرْغَتْمُش السلطان بإعادة القضاة على ما كانوا عليه، ولمّا ورد الخبرُ بذلك إلى دمشقَ امتنع القضاةُ الثلاثة من الحكم، غير أنهم حضروا ليلة العيد لرؤية الهلال بالجامع الأموي، وركبوا مع النائب صبيحة العيد إلى المُصَلّى على عادة القضاة، وهم على وَجَلٍ، وقد انتقلوا من مدارس الحكم فرجع قاضي القضاة أبو البقاء الشافعي إلى بستانه بالزُّعَيْفَرانيّة
(2)
ورجع قاضي القضاة ابن السرّاج إلى داره بالتَّعديل، وارتحل قاضي القضاة شرف الدين المالكي إلى الصَّالحية داخل الصَّمْصَاميَّة، وتألَم كثير من الناس بسببه، لأنه قد قدم غريبًا من الديار المصرية وهو فقير ومتديّن، وقد باشر الحكم جيدًا، ثم تبيَّن بأخرة أنه لم يُعزل وأنه مستمرٌّ كما سنذكره، ففرح أصحابه وأحبابه، وكثير من الناس بذلك.
شهر شوال أوَّله الخميس، فلما كان يوم الأحد رابع شوال قدم البريد وصحبته تقليد الشافعي قاضي القضاة تاج الدين بن السُّبكي، وتقليد الحنفي قاضي القضاة شرف الدين الكفري، واستمر قاضي القضاة شرف الدين المالكي العراقي على قضاء المالكية، لأنَّ السلطان تذكَّر أنه كان شافهه بولاية القضاء بالشام، وسيّره بين يديه إلى دمشق، فحمدت سيرته كما حَسُنت سريرته، إن شاء الله، وفرح الناس له بذلك.
وقدم مع البريد تقليد الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق بالاستمرار في نظر الدواوين بالشام، وأُفرج عنه من الترسيم بالشامية الجوانية، وأُعفي من المصادرة. وقد كان طُلب منه ما يعجز عن حمله.
وكان خروج المحمل السلطاني يوم الإثنين الثاني عشر منه، وأمير الركب ابن حمزة التركماني الذي داره بمحلّة القّبيبات.
(1)
يعني: الضياء.
(2)
في ط: الزعيفرية وأثبت ما في الوفيات لابن رافع (1/ 251) وفي التعليق (4) بَسْطٌ لأوجه الخلاف في لفظها، وهو كذلك في شذرات الذهب (6/ 124) وهي قرية شمال برزة.
والذي في الدارس (2/ 420) الزعيزعية: وهي قرية من قرى غوطة دمشق ضمت إلى أرض زبدين.
وفي العشر الآخر منه تقايض الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود مع قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي الشافعي تدريس الشامية البرانية إلى تدريس المسروريّة والتّقوية، ثم عدل عن التّقوية إلى الدّماغيّة، وأنظار آخر.
ودرّس قاضي القضاة تاج الدين بالشامية يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه.
شهر ذي القعدة، أوّله السبت، في أثنائه ورد مرسوم سلطاني بأن ينظر القاضي الشافعي في الأوقاف التي لا نظّار لها، وعيّن له نظر البيمارستان النوري، ونظر الأسرى، ونظر الأسوار، ونظر قرية أريحا الموقوفة على بلد الخليل عليه السلام، فباشر ذلك بنفسه، وخُلع عليه لذلك
(1)
.
[وفي ذي القعدة توفّي المحدّث شمس الدين محمد
(2)
بن سعد الحنبلي يوم الإثنين ثالثه، ودفن من الغد بالسفح، وقد قارب الستين، وكتب كثيرًا وخرَّج، وكانت له معرفة جيدة بأسماء الأجزاء
(3)
ورواتها من الشيوخ المتأخِّرين، وقد كتب للحافظ البِرْزالي قطعةً كبيرة من مشايخه، وخرَّج له عن كلٍّ حديثًا أو أكثر، وأثبت له ما سمعه عن كل منهم، ولم يتمَّ حتى توفي البِرْزالي رحمه الله]
(4)
.
وتوفي بهاء الدين
(5)
بن المرجاني باني جامع المزّة الفوْقاني
(6)
، وكان مسجدًا في الأصل، فبناه جامعًا، وجعل فيه خطبة، وكنت أول من خطب فيه سنة ثمان وأربعين وسبعمئة، وسمع شيئًا من الحديث.
وبلغنا مقتل الأمير سيف
(7)
بن فضل بن عيسى بن مُهنَّا أحد أمراء الأعراب الأجواد الأنجاد وقد ولي إمرة آل مُهَنّا غير مرّة كما وليها أبوه من قَبله، عَدَا عليه بعضُ بني عمه فقتله عن غير قصد بقتله، كما ذُكر، لكن لمَّا حمل عليه السيف أراد أن يدفع عن نفسه ويتَّقيه، فضربه بالسيف برأسه فقتله، فلم يعش بعده إلا أيامًا قلائل، ومات رحمه الله.
(1)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل. من قوله: وقدم مع البريد تقليد الصاحب.
(2)
ترجمته في الذيل ص (323) والوفيات لابن رافع (2/ 315 - 316) والدرر الكامنة (4/ 283) والشذرات (6/ 188) وفيها: محمد بن يحيى بن محمد بن سعد المقدسي ثم الصالحي.
(3)
في ط: الأحرار وهو تحريف.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل واستدركته من أ و ب و ط.
(5)
ترجمته في: الذيل ص (323) والوفيات (2/ 217) والدرر الكامنة (3/ 345) وهو محمد بن أحمد بن عمر بن محمد الدمشقي المعروف بابن المرجاني الجُندي.
(6)
جامع المِزّة. وقد مضى في أحداث سنة (748) هـ. الدارس (2/ 442).
(7)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 183) وفيه: وفاته سنة (760) هـ.
وذكر في النجوم (10/ 330) وفاته سنة (759) هـ ورجَّح أن تكون سنة (760) هـ. وابن خلدون (5/ 439).
شهر ذي الحجّة، أوله الأحد، في أوائله أمسك الأمير أَسَنْدَمِر العمري الذي كان نائب حماةَ، فقيَّد، ورفع إلى القلعة بدمشق.
عزل منجك عن دمشق
ولما كان يوم الأحد ثاني ذي الحجة قدم أمير من الديار المصرية ومعه تقليد نائب دمشق، وهو الأمير سيف الدين منجك بنيابة صفد المحروسة، فأصبح من الغد - وهو يوم عرفة - وقد انتقل من دار السعادة إلى سطح المِزَّة قاصدًا إلى صفد المحروسة، فعَمِلَ العيد بسطح المِزَّة، ثم ترحَّل نحو صفد، وطمع كثير من المفسدين والخمّارين وغيرهم وفرحوا بزواله عنهم
(1)
.
وفي يوم العيد قرئ كتاب السلطان بدار السعادة على الأمراء وفيه التصريح باستنابة أمير علي المارداني عليهم، وعَوده إليهم والأمر بطاعته وتعظيمه واحترامه والشكر له والثناء عليه.
وقدم الأمير شهاب الدين بن صُبْح
(2)
من نيابة صفد ونزل بداره بظاهر البلد بالقرب من الشامية البرانية. ووصل البريد من الديار المصرية يوم السبت الحادي والعشرين منه بنفي حاجب الحجاب طيدمر الإسماعيلي إلى مدينة حماة بطالًا في سرجين لا غير والله أعلم.
ثم دخلت سنة ستين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الممالك الإسلامية الملك الناصر حسن ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، وليس بديار مصر نائب ولا وزير.
وقضاة مصرهم المذكورون في أول السنة التي قبلها، ونائب دمشق الأمير علاء الدين علي المارداني.
وقضاة دمشق هم المذكورون قبلها، غير المالكي؛ فإنه عزل بالقاضي شرف الدين العراقي كما تقدّم.
وحاجب الحجّاب بها الأمير شهاب الدين بن صبح، وحاجب الميسرة جمال الدين عبد الله
(1)
الذيل للحسيني ص (322) وفيه: وفي صبيحة يوم عرفة صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة دمشق إلى نيابة صفد.
(2)
الذيل للحسيني ص (322) وفيه: شهاب الدين أحمد بن صالح، وهو تحريف والصواب ابن صُبْح. وقد مر كثيرًا.
الدمرداشي، وثالثهم صلاح الدين كيكلدي، وقد عزل كجكن. وهو وأخواه في المصادرة بسبب أنه كان وكيل صَرْغتمش بدمشق.
وكاتب السرّ والموقّعون وناظر الجيش والخطيب هم المذكورون في التي قبلها، وناظر الحسبة القاضي عماد الدين بن السّيرجي، وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل، وشادّ الأوقاف الأمير ناصر الدين بن إدريس، ومتولّي المدينة ابن المرواني.
شهر الله المحرّم، أوّله الثلاثاء، ثم أُرِّخ بالإثنين.
في صبيحة يوم الأربعاء ثالثه دخل الأمير علاء الدين علي المارداني نائب السلطنة إلى دمشقَ من نيابة حلبَ، ففرح الناس به وتلقَّوه إلى أثناء الطريق، وحملت له العامَّةُ الشموع في طرقات البلد، [ولبس الأمير شهاب الدين بن صُبْح خلعة الحجابة الكبيرة بدمشق عوضًا عن نيابة صفد]
(1)
.
ووردت كتب الحجَّاج يوم السبت الثالثَ عشر منه مؤرّخة سابع عشري ذي الحجة من العُلا وذكروا أنّ صاحبَ المدينة النبوية عدا عليه فداويان عند لبسه خلعة السلطان، وقت دخول المحمل إلى المدينة الشريفة فقتلاه، فعدَتْ عبيده على الحجيج الذين هم داخل المدينة فنهبوا من أموالهم وقتلوا بعضهم وخرجوا، وكانوا قد أغلقوا أبواب المدينة دون الجيش فأحرق بعضها، ودخل الجيش السلطاني فاستنقذوا الناس من أيدي الظالمين.
ودخل المحمل السلطاني إلى دمشق يوم السبت العشرين من هذا الشهر على عادته، وبين يدي المحمل الفداويان اللذان قتلا صاحب المدينة، وقد ذكرت عنه أمور شنيعة بشعة من غلوّه في الرّفض المفرط، ومن قوله: إنه لو تمكّن لأخرج الشَّيخين
(2)
من الحُجْرة، وغير ذلك من عبارات مؤدِّية لعدم إيمانه إن صح عنه والله أعلم.
شهر صفر، أوّله الأربعاء وفي صبيحة يوم الإثنين سادسه مُسك الأمير شهاب الدين بن صُبْح حاجب الحجاب وولداه الأميران وحُبسُوا في القلعة المنصورة، ثم سافر به الأمير ناصر الدين البتخَاص
(3)
ترك بعد أيام إلى الديار المصرية
(4)
، وفي رجل ابن صبْح قيد، وذُكر أنَّه فُكَّ من رجله في أثناء الطريق.
وفي يوم الإثنين ثالثَ عشرَ صفر قدم نائب طرابُلُس الأمير سيف الدين [بن] عبد الغني
(5)
فأدخل
(1)
ليس في الأصل، واستدركته من أ و ب و ط.
(2)
يعني: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
(3)
في ط: خار بكَ، والتصويب من الدليل الشافي.
(4)
الذيل للحسيني ص (325).
(5)
هو: سيف الدين آقْتَمُر بن عبد الله بن عبد الغني. الذيل ص (325) النجوم الزاهرة (11/ 219) والزيادة منهما.
القلعة، ثم سافر به الأمير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظًا به مضيقًا عليه.
وجاء الخبر بأن مَنْجك سافر من صفد على البريد مطلوبًا إلى السُّلطان، فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التِّيْه فارًّا من السلطان، وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه وتفارط
(1)
الأمر، انتهى والله أعلم.
وفي العشر الأخير من هذا الشهر قدم الأمير صلاح الدين الحاجب من غزة راجعًا من تسفير نائب طرابلس إليها، فلما وصل إلى الكسوة أرسل إلى ولد له صغير مراهق ليتلقّاه إليها أو قريب منها لشدّه شوقه إليه ووجده به، فركب الغلام ومعه جنديّه، فلمّا كان قريب الجسورة قيل له: هذا أبوك قد أقبل، فساق ليسرع إليه فتقنطر
(2)
به فرسه، فألقاه وتحته، فأتلفه إتلافًا لا يتلافي. وجاء أبوه فوجده على تلك الحال، فحصل له جزع شديد بسببه، وجاءت أم الصَبي، فضربت خيمة هنالك عليه في الطريق، وما زالوا عنده وهو يضطرب حتى مات في أثناء الليل، فحمل من الغد، فدفن في تربة جدّ أمه الصاحب شمس الدين غبريال.
شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة، في يوم السبت ثانيه قدم البريد من الديار المصرية بالتقاليد، أحدها وثانيها وثالثها للقاضي أمين الدين بن القلانسي، بكتابة السرّ، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية والشامية الجوانية، ولبس في هذا اليوم خلعة مصرية ببغلتها.
والتقليد الآخر لقاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي، أُعيد إلى المنصب، ولما كان الغدُ حضر القاضي أمين الدين المدرستين، وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.
ولما أصبح نهار الإثنين لبس قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي خلعةٌ، وحضر درس الجامع، وقرئ تقليده بحضرة القضاة والأعيان، ثم راح الناس مع القاضي أمين الدين إلى السُّميساطية، فحضرها وقرئ تقليده بها فيها بحضرة الناس، وسقى الناس مشروبًا، وكان له وقتًا مشهودًا، وسافر قاضي القضاة تاج الدين السّبكي الشافعي في صبيحة يوم الإثنين السّابع عشر منه متوجّهًا إلى الديار المصرية، ومعه الكتب التي أُثبتت بقيمة داريّا ودومة وحارتين [من نابلس] وغيرها. ثم استُعيدت منه، ورُجع بها إلى البلد ليقع عقد التبايع بدمشق، واستمرّ هو ذاهبًا إلى الديار المصرية، فاجتاز على القدس الشريف فزاره، ثم دخل الديار المصرية.
وفي يوم الجمعة الثاني أو الثالث والعشرين منه خرج القاضي ناصر الدين كاتب السرّ كان بدمشق ذاهبًا إلى كتابة السر بحلب، وتأسّف الناس عليه لحسن صبحته للناس في هذه الوظيفة.
(1)
الذيل ص (325) النجوم (10/ 310).
(2)
تقنطر به: ألقى به.
شهر ربيع الآخر، أوّله السبت في ثالثه قدم القاضي صلاح الدين الصفدي مفصولًا عن كتابة سرّ حلب إلى دمشق المحروسة، على وكالة بيت المال، وذهب الناس للسّلام عليه، وتهنئته بالوكالة على العادة.
وفي يوم الثلاثاء رابعه عقد مجلس بمشهد عثمان حضره القضاة الثلاثة سوى الشافعي، وحضر الأمير سيف الدين بَيْدَمِر حاجب الحجاب، وابتاع بطريق الوكالة عن السلطان الملك الناصر حسن من وكيل بيت المال جميع القرايا الثلاث؛ داريا ودومة وحارتين من نابلس، وبعض حواضر بيسان بمبلغ خمسمئة دينار، وسبعين ألف دينار، وأُحضرت أحدُ عشر ألف دينار، وأداروها بينهم حتى حصل الإقباض عن الثمن بحضرة شهوده. وأخبرني وكيل بيت المال المذكور أنّ هذه البيعة كانت أول مباشرته للوكالة. وأخبرني أنّ السلطان اشترى له أنطاكية والفوعة من معاملة حلب.
وفي يوم الثلاثاء رابعه كان دخول قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي إلى الديار المصرية، ليسأل عن كتابه، وقد تلقّاه جماعة من الأعيان، واجتمع بالسلطان، وذكر أنّه أقبل عليه، ورسم له بتشريف وبغلةٍ، رتَّب له في كل يوم مئةَ درهمٍ ولحمًا، وغير ذلك، وأطلق له مالًا، وعاد إلى دمشق في يوم الأحد الثالث والعشرين منه، وتلقّاه الناس إلى أثناءِ الطريق، واجتمع بنائب السلطنة أولًا، وخرج من عنده قاصدًا السلام على الأمير سيف الدين بَيْدَمِر الحاجب الكبير في داره.
وفيه درّس محيي الدين ابن القاضي تقي الدين شيخ الشيوخ ابن الزّكي بالمدرسة التّقويّة؛ انتزع نصف التدريس من قاضي القضاة الشافعي برضاه في ذلك، بعد عقد مجلس بسبب ما كان قد رُسم لابن الزّكي.
شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد، في آخر أول يوم منه توفيّ القاضي علم الدين
(1)
ناظر الجيوش المنصورة بالشام، تمرّض شهرًا، ثم كانت وفاته في هذا اليوم بعد العصر، فصلّي عليه بعد الصّبح بالجامع الأموي، وحُمل إلى السفح فدفن هناك. وقد قارب الخمسَ والستين سنة، وأسمع شيئًا يسيرًا، وكان يُجيزُ بشيءٍ من آخر البخاري يوم ختمه. وكان من كرماء الناس ورؤسائهم. وذوي الثروة والحشمة والنفقات، والمآكل الكثيرة المتنوعة رحمه الله.
واشتُهر في أول هذا الشهر أنّ بقرية داريا مَطْلَبًا، فركب الأمير سيف الدين بَيْدَمر وكيل السلطان، ونائب الشافعي، وجماعة من الشهود، فحفروا هناك قبلي القرية، فوجدوا تحت الأرض بابًا مغلقًا فلم يتجاسروا على فتحه حتى يُعلموا السلطان، فبعث من بين يديه من يقف عليه لاحتمال ألا يكون ثمّ شيءٌ.
وفي يوم الأحد ثامنه درّس القاضي شمس الدين الغزي نائب الشافعي بالمدرسة التّقويّة بنزول من قاضي القضاة له عن الذي تبقى بيده، وهو نصف التدريس.
(1)
هو محمد بن أحمد بن مفضل بن القطب. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 154 - 155. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه، وأعيان العصر 4/ 304 - 310، والدرر الكامنة 3/ 368، والذيل التام 1/ 169.
وفي يوم الإثنين سلخه خُلع على القاضي جمال الدين يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بطرحة بسبب مرسوم ورد من السلطان أن يكون نائبًا عن أبيه في حياته مستقلًا في قضاء القضاة بعد وفاته. شهر جمادى الآخرة، أوّله الثلاثاء، في يوم الجمعة رابعه وجدت امرأةٌ مقتولةٌ، مقطّعة الأطراف والأوصال، وقد أُلقيت في أسفل بيوت طهارة جيرون، فأخرجت شيئًا فشيئًا، وأُلقيت عند درج جيرون، فقصدها الناس، ولا سيّما النساء من سائر أرجاء البلد يعجبون منها، ويتعظون بها.
وفي يوم السبت خامسه خُلع على الأمير علاء الدين بُهادُر الشُّجاعي بولاية المدينة، وأُخذت منه نقابة النقباء للهدباني.
شهر رجب الفرد، أوّله الأربعاء، في يوم الإثنين ثالث عشره قدم البريد من الديار المصرية بإعادة اليهود إلى لباسهم ولباس نسائهم بألوان الصّبغة إلى ما كانوا عليه. وذلك أنهم كانوا قد أنهَوْا أن نساءهم كانوا يظهرون، ويُعدى عليهن حين كنّ يلبسن الأُزر المصبّغة، اليهوديات بالأصفر، والنصرانيات بالأزرق، والسّامريات بالأحمر، بألوان عمائم رجالهن، وتوصّلوا بالبراطيل حتى استنجزوا مرسومًا في أيام صَرْغَمُّش بان يلبسن الأزر البيض، فشقّ ذلك على المسلمين، فقام من سعى في الاستفتاء عليهن في ذلك، وكتب جماعات من الفقهاء في ذلك، فيسّر الله تعالى، وأرسلت الفتاوي إلى الديار المصرية بسبب ذلك. فحين وقف السلطان على ذلك قال: أنا ما كنت تأملت ما أَنْهَوا، وذكر له أَنّهم أَنْهَوْا خلاف الواقع، فرسم بالعود إلى ما كانوا عليه، وألّا يستخدم رجالهم في شيء من الأعمال السلطانية وأن يميّزوا عن المسلمين في الحمامات أيضًا. وقرئ الكتاب على السدّة يوم الجمعة سادس عشره، وحضّره القضاة والأعيان، وفرح المسلمون بذلك.
وكسّف القمر في الخميس سادس عشره، وصلى الخطيب بالناس صلاة الكسوف بعد صلاة المغرب إلى العشاء وفي صبيحة يوم الإثنين العشرين منه خلع على القضاة الأربعة ووكيل بيت المال، وكاتب السرّ، وعلى الأمير سيف الدين بَيْدَمر، وعلى جرائيل، وعلى شادّ الدواوين وأخيه جمال الدين محمود، وعلى أمير عشرة، وغيرهم، فلم يُر يومٌ بالشام من مدّة متطاولة أكثر خلقا من هذا اليوم
(1)
.
مسك الأمير علي المارِدَاني نائبِ الشّام
(2)
:
وأصل ذلك أنّه في صبيحة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رجب، ركب الجيش إلى تحت القلعة ملبسين، وضُربت البشائر في القلعة في ناحية الطّارمة، وجاء الأمراء بالطبلخانات من كل جانب، والقائم بأعباء الأمر الأمير سيف الدين بَيْدَمُر الحاجب، ونائبُ السلطنة داخل دار السعادة، والرسل مردَّدة بينه
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله: وفي العشر الأخير من هذا الشهر قدم الأمير صلاح الدين الحاجب.
(2)
الذيل ص (324) الدرر الكامنة (3/ 77) النجوم (10/ 310).
وبين الجيش، ثم خرج فحُمل على سروج يسيرة محتاطًا عليه إلى ناحية الديار المصرية، واستوحش من أهل الشام عند باب النصر، فتباكى النَّاسُ رحمةً له وأسفًا عليه، لديانته، وقلة أذيته وأذية الرعية وإحسانه إلى العلماء والفقراء والقضاة.
ثم في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين منه احتيط على الأمراء الثلاثة، وهم الأمير سيف الدين طَيْبُغا حاجي أحد مقدّمي الألوف، والأمير سيف الدين قُطْلِيْجا
(1)
الدوادار أحد المقدمين أيضًا والأمير علاء الدين أَيْدُغْمُش المارداني أحد أمراء الطبلخانات
(2)
، وكان هؤلاء ممن حضر نائب السلطنة المذكور وهم جلساؤه وسُمَّارُه، والذين بسفارته أعطَوا الأجناد والطبلخانات والتَّقادم، فرفعوا إلى القلعة المنصورة معتقلين بها مع مَن بها من الأمراء.
ثم ورد الخبر بأن الأمير عليًّا رُدَّ من الطريق بعد مجاوزته غزَّة وأُرسل إليه بتقليد نيابة صفد المحروسة، فتماثل الحال وفرح بذلك أصحابه وأحبابه.
وقدم متسلّم دمشقَ الذي خلع عليه بنيابتها بالديار المصرية في يوم الخميس سادس عشر رجب بعد أن ذلك مرارًا، وباس الأرض مرارًا فلم يُعفِهِ السلطان، وهو الأمير سيف الدين أسَندَمُر
(3)
أخو يَلْبُغَا اليَحْيَاوي
(4)
، الذي كان نائب الشام، وبنته يومئذٍ زوجة السلطان، قدم متسلِّمه إلى دمشق يوم الخميس سلخ الشهر فنزل في دار السعادة
(5)
، وراح القضاة والأعيان للسلام عليه والتودُّد إليه، وحملت إليه الضيافات والتقادم، انتهى والله أعلم.
كائنة وقعت بقرية القرية حوران فأوقع الله بهم بأسًا شديدًا في هذا الشهر الشريف
وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحَوْران وهي خاص لنائب الشام وهم صليبة يمن، ويقال لهم: بنو نشبة وبنو ناشي، وهي حصينة منيعة يضوي إليها كل مفسد وقاطع ومارق، ولجأ إليهم أحد شياطين رُوَيْمن الْعَشِيرِ وهو عمر المعروف بالدُّنَيْط
(6)
، فأعدُّوا عددًا كثيرة، وتهيّؤوا ليقيموا العشير، وفي هذا الحين بدرهم والي الولاة المعروف بشنكل منكل، فجاء إليهم ليردَّهم ويهديهم؛ وطلب منهم عمر الدنيط فأبَوْا
(1)
في ط: فطليخا وهو تطبيع.
(2)
الذيل للحسيني ص (327).
(3)
في ط: استدمر وهو تحريف.
(4)
في ط: البحناوي وهو تحريف. ويعرف: بأسَنْدَمر الزَّيني.
(5)
الذيل ص (324) وفيه: دخلها يوم الإثنين حادي عشر شعبان.
(6)
الذيل التام للسخاوي (1/ 164).
عليه، وراموا مقاتلته، وهم جمع كثير وجمٌّ غفير، فتأخَّر عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمدَّه بجيش عونًا له عليهم وعلى أمثالهم، فجهز له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومئة من جند الحلقة الرماة، فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ورمَوْه بالحجارة والمقاليع، وحجزوا بينهم وبين البلد، فعند ذلك رمتهم الأتراك بالنبال من كل جانب، فقتلوا منهم فوق المئة، فكرُّوا ناكصين على أعقابهم، وأسر منهم والي الولاة نحوًا من ستين رجلًا وأمر بقطع رؤوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسارى، ونُهبت بيوت الفلاحين كلِّهم، وسُلِّمت إلى مماليك نائب السلطنة لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمئة درهم. وكرَّ راجعًا إلى بصرى وشيوخ العشران معه، فأخبر ابن الأمير صلاح الدين بن خاص ترك، وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصُّه، وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الأسرى من الجرحى، أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الأسرى، وفَعل هذا بهم غير مرة حتى أنَّه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه، شيخ كبير، فإنا لله وإنا إليه راجعون، حتى قدم بهم بُصْرى، فشنكل طائفة من أولئك المأسورين، وشنكل آخرين، ووسّط الآخرين وحبس بعضهم في القلعة، وعلَّق الرؤوس على أخشاب نصبها حول قلعة بُصْرى، فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الأوان بأهل حوران، وهذا كله سُلّط عليهم بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد، وكذلك نُوَلِّي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى.
شهر شعبان المبارك، أوَله الخميس.
دخول نائب السلطنة الأمير سيف الدين أَسَنْدَمُر اليَحْيَاويّ
في صبيحة يوم الإثنين حادي عشر شعبان من هذه السنة كان دخول الأمير سيف الدين أسَنْدمِر اليحياوي نائبًا على دمشق من جهة الديار المصرية، وتلقّاه الناسُ بالشموع واحتفلوا له احتفالًا زائدًا، وشاهدته حين ترجَّل لتقبيل العتبة، وتعضَّده الأمير سيف الدين بَيْدَمُر الذي كان حاجب الحجاب وعُيّن لنيابة حلب المحروسة، فاستقبل القبلة وسجد عند القبلة، وقد بُسط له عندها مفارشُ وصَمْدةٌ هائلة، ثم إنه ركب فتعضّده بَيْدَمُر أيضًا، وسار نحو الموكب، فأركب ثم عاد إلى دار السعادة على عادة من تقدمه من النواب. وجاء تقليد الأمير سيف الدين بَيْدَمُر
(1)
من آخر النهار لنيابة حلب المحروسة.
وفي آخر نهار الثلاثاء بعد العصر ورد البريد البشيري وعلى يده مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبي البقاء وأولاده وأهله إلى طرابُلس بلا وظيفة
(2)
، فشقّ ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه، وتغمَّم له
(1)
هو: بَيْدَمُر الخوارزمي الدر الكامنة (1/ 513).
(2)
الذيل للحسيني ص (328).
كثير من الناس، وسافر ليلة الجمعة وقد أذن له في الاستنابة في جهاته، فاستناب ولده الكبير وليِّ الدين.
وفي ليلة الأربعاء الثالث عشر منه برز الأميران المعزولان طُيْبُغا وقطيلجا الدوايدارا من القلعة المنصورة مقيّدين محتفظًا عليهما متوجّهين إلى مصر، وقد وقف بيوتهما من مماليك والجواري حاسراتٌ حافياتٌ صارخات، فتألّم لهم الناس، وبكوا لبكائهم على ما ذكر. ثم أعيد طيْبُغَا حجيّ إلى دمشق بعد أيام، ورسم بنفيه إلى حلب.
وفي يوم الخميس رابع عشره ركب نائب السلطنة في الموكب على العادة، وحضر معه الأمير سيف الدين بَيْدَمِر نائب حلب، ونزل معه إلى دار السعادة، وحضر القضاة أيضًا يومئذٍ، ورُسم لهم بالحضور في يومي الإثنين والخميس دار العدل.
وحضر الموكب يوم السبت السادس عشر منه، وسمّر ووسّط من كان بالجيوش ممّن وجب عليه ذلك شرعًا، وأظهر بأسًا وحضر معه الأمير سيف الدين بَيْدَمر نائب حلب، وعرض طلبه هنالك، ذاهبًا إلى حلب في أبهة هائلة، وعُدد كاملة، وجنائب نجائب، وآلات حسنة، واستمرّ ذاهبًا سالمًا.
شهر رمضان المعظم، أوّله الأحد، في يوم الأحد الثاني والعشرين منه درّس القاضي عماد الدين ابن العزّ الحنفي بالمدرسة الرّكنيّة أخذها من يد قاضي القضاة شرف الدين الغزي الحنفي بمرسوم شريف، ووقع بينهما تشاجرٌ، وتشاحن كبير بسبب ذلك، واستمرّ أمرهما كذلك، ثم استعادها قاضي القضاة الكفري منه بمرسوم شريف، ودرّس فيها في أواخر شوال من هذه السّنة.
شهر شوال، أوّله الإثنين. استهلَّ وماء الأنهار في السَّنةِ في غاية القلّة، بحيث أن نهر بردى ليس فيه من الماء ما يدير حجر طاحون صغيرًا، وكذلك نهر ثورا، وقد يبست أشجار كثيرة من قلَّةِ الماء، وبُعْدِ عهدها من السّقيا بالماء من شهور متعدّدة، حتى أنه نشفَ كثير من الآبار. فالحكم الله العزيز الكبير.
وخرج المحمل يوم السبت الثالث عشر منه، وخرج من الحجاج في هذه السنة قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي، ونائبه القاضي شمس الدين بن مفلح
(1)
.
[واشتهر في شوال أن الأمير سيف الدين مَنْجَك الذي كان نائب السلطنة بالشام هرب ولم يطلُع له خبر، فلما كان في هذا الوقت ذُكر أنّه مُسك ببلد بحران من مقاطعة ماردين في زيِّ فقير، وأنه احتفظ عليه وأرسل السلطان قراره، وعجب كثير من الناس من ذلك، ثم لم يظهر لذلك حقيقة وكان الذين رأَوْه ظنُّوا أنه هو، فإذا هو فقير من جملة الفقراء يشبهه من بعض الوجوه]
(2)
.
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل من قوله: وفي ليلة الأربعاء الثالث عشر منه برز الأميران.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ و ب و ط.
شهر ذي القعدة، أوّله الأربعاء، في صبيحة مستهلّه درّس الشيخ جمال الدين بن الرُّهاوي بالمسرورية، نزل عنها بعوض الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود، وتوجَّه نحو الحجاز الشريف، وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة
(1)
.
واشتهر في ذي القعدة أن الأمير عز الدين فياض بن مُهَنَّا ملك العرب، خرج عن طاعة السلطان، وتوجَّه نحو العراق، فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرّحبة من العساكر الدمشقية وهم أربعة مقدمين في أربعة آلاف، وكذلك جيش حلب وغيره بتطلُّبه وإحضاره إلى بين يدي السلطان، فسعوا في ذلك بكل ما يقدرون عليه فعجزوا عن لحاقه والدخول وراءه إلى البراري، وتفارط الحال وخلص إلى أرض العراق فضاق النطاق وتعذر اللحاق.
شهر ذي الحجة، أوّله الجمعة، ثم ذُكر أنه الخميس، في يوم الإثنين رابعه دخل طلب نائب السلطنة الأمير أسَنْدَمِر وأهله من الديار المصرية في تحمل هائل.
وفي هذا الشهر كانت وفاة الأمير صفي الدين أبي القاسم ابن الشيخ فخر الدين عثمان ابن الشيخ صفي الدين أبي القاسم الحنفي البصراوي
(2)
، بالقدس الشريف، وكان ناظرًا عليها وعلى بلد الخليل عليه السلام وقد انتُدب لعمارة بركة الرجيع التي هي كالمدد لبركة عطاف فأخبرني الخطيب برهان الدين ابن جماعة خطيب القدس الشريف أنّه بذل في عمارتها نحوًا من عشرة آلاف درهم، وأنها كانت سبب مرضه، فإنه باشرها بنفسه في الحرّ الشّديد، وأستحث الفعول والعمّالين، وما زال كذلك حتى كانت وفاته فجأة بعد يوم النحر رحمه الله
(3)
.
ثم دخلت سنة إحدى وستين وسبعمئة
استهلَّت وسلطان المسلمين الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها.
ونائب الشام الأمير سيف الدين أسَندَمر أخو يَلْبُغَا اليحياوي، وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي.
(1)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 157، وأعيان العصر 4/ 55 - 57، والدرر الكامنة 3/ 260، والذيل التام 1/ 168.
(3)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل من قوله: شهر ذي الحجة، أوّله الجمعة.
ووكيل بيت المال الشيخ صلاح الدين الصفدي، وكتاب الدَّسْت هم المذكورون وكذلك ناظر الدواوين، وناظر الجيوش المنصورة علم الدين داود الذي كان نائب النظر لعلم الدين بن القطب، وشادّ الأوقاف هو المذكور قبلها، وكذلك المحتسب والخطيب، ووالي البر ناصر الدّين بن بهادر مملوك السّنجري.
شهر الله المحرّم، أوّله السبت في مستهلّه
(1)
.
جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين
(2)
العلائي بالقدس الشريف ليلة الإثنين ثالث المحرم، وصُلِّيَ عليه من الغد بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر، ودفن بمقبرة باب الرحمة، وله من العمر ست وستون سنة، وكان مدة مقامه بالقدس مدرّسًا بالمدرسة الصّلاحية وشيخًا بدار الحديث التنكزيّة
(3)
ثلاثين سنة، وقد صنّف وألَّف وجمع وخرج، وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللُّغة والعربية والأدب، وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يُشْكل، وله عدَّةُ مصنَّفات
(4)
وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السُّميْسَاطيّة
(5)
بدمشق، وقد ولي بعده التّدريس بالصلاحيّة
(6)
الخطيب برهان الدين بن جماعة
(7)
والنظر بها، وكان معه تفويض منه متقدّم التاريخ.
وفي يوم الخميس السادس من محرّم احتيط على متولي البرّ ابن بَهَادُر السّنجري
(8)
، ورُسم عليه بالعذراوية بسبب أنّه اتّهم بأخذ مطلب من نعمان البلقاء هو وكجكن
(9)
الحاجب، وقاضي حسان،
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل.
(2)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (335) والوفيات لابن رافع (2/ 226) وطبقات الشافعية (6/ 104) والدرر الكامنة (2/ 90) والنجوم الزاهرة (10/ 337) والدارس (1/ 59).
وهو: صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كَيْكَلْدي العلائي الدمشقي المقدسي الشافعي.
(3)
في ط: السكّرية وهو تحريف.
وهي دار حديث بناها تنكز في القدس. انظر "الأنس الجليل"(2/ 387).
(4)
منها القواعد المشهورة، والوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم، عقيلة المطالب في ذكر أشراف الصفات والمناقب، وجمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. الشذرات (6/ 191).
قلت: وله جزء لطيف في تفسير الباقيات الصالحات. وما جاء من أثر في تفسيرها، صدر عن دار ابن كثير العامرة بدمشق. بتحقيقي مشاركة مع الصديق الدكتور علي أبو زيد.
(5)
في ط: السمساطية وهو تطبيع. وأثبتنا ما في منادمة الأطلال للشيخ بدران (276).
(6)
في ط: الصرخصية وهو توهم.
(7)
هو: إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن سعد الله بن جماعة القاضي برهان الدين مات سنة (790) هـ. الدرر الكامنة (1/ 39).
(8)
في ط: الشيرجي وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (498)
(9)
في ط: كحلن. وأثبتنا ما في الدرر (3/ 265) وهو: كجكن بن لاقوش. مات سنة (762) هـ.
والظاهر أن هذه مرافعة من خصم عدو لهم، وأنه لم يكن من هذا شيء والله أعلم. ثم ظهر على رجل يزوّر المراسيم الشريفة وأُخذ بسببه مدرِّسُ الصَّارميَّة
(1)
لأنَّه كان عنده في المدرسة المذكورة، وضرب بين ملك الأمراء، وكذلك على الشيخ زين الدين زَيْد المغربي الشافعي، وذكر عنه أنّه يطلب مرسومًا لمدرسة الأكزيّة
(2)
، وضرب أيضًا ورُسم عليه في حبس السَّدّ، وكذلك حبس الأمير شهاب الدين الذي كان متولِّي البلد، لأنه كان قد كتب له مرسومًا شريفًا بالولاية، فلما فهم ذلك كاتب السر أطلع عليه نائب السلطنة فانفتح عليه الباب وحُبسوا كلُّهم بالسَّدّ.
وجاءت كتب الحجاج ليلة السبت الخامس عشر من المحرم، وأخبرت بالخِصْب والرُّخص والأمن ولله الحمد والمنة.
ودخل المحمل بعد المغرب ليلة السبت الثاني والعشرين منه، ثم دخل الحجيج بعده في الطين والدَّحض
(3)
وقد لقوا من ذلك من بلاد حوران بُرَحاء وشدة، ووقعت جمالات كثيرة، ومشت نساء
(4)
كثيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحصل للنّاس تعبٌ شديد.
ولما كان يوم الإثنين الرابع والعشرين قُطعت يدُ الذي زوّر المراسيم واسمه السِّراج عمر القِفْطيّ
(5)
المصري، وهو شاب كاتب مطيق على ما ذكر، وحمل في قفص على جمل وهو مقطوع اليد، ولم يحسم بعد والدم يَشْخُبُ منها، وأركب معه الشيخ زين الدين زيد على جمل وهو منكوس وجهه إلى ناحية دبر الجمل، وهو عريان مكشوف الرأس، وكذلك البدر الحِمْصيّ على جمل آخر، وأركب الوالي شهاب الدين على جمل آخر وعليه تخفيفة صغيرة، وخف وقباء، وطيف بهم في محال البلد، ونُودي عليهم: هذا جزاء من يزوِّر على السلطان، ثم أُودعُوا حبس الباب الصغير وكانوا قبل هذا التعزير في حبس السدّ، ومنه أخذوا وأُشهروا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى.
مسك مَنْجَك وصفة الظهور عليه وكان مختفيًا بدمشقَ حوالي سنة
(6)
لما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم جاء ناصحٌ إلى نائب السّلطنة الأمير سيف الدين
(1)
مدرسة قبلي العذراوية داخل باب النصر وباب الجابية. الدارس (1/ 326).
(2)
في ط: الأكرية بالراء وهو تطبيع.
والأكزية مدرسة غربي الطيبة والتربة التنكزية، وشرقي مدرسة أم الصالح. منادمة الأطلال ص (82).
(3)
الدحض: المنزلق. اللسان (دحض).
(4)
في أ و ط: سُبيت. ولا معنى له.
(5)
نسبة إلى قِفْط. وهي قرية من قرى الصعيد الأعلى. ياقوت.
(6)
الذيل للحسيني ص (330 - 331) الدرر الكامنة (4/ 360) النجوم (10/ 310).
أَسَنْدَمُر فأخبره بأن مَنْجَك في دارٍ بالشَّرف الأعلى، فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه، فأحضر إلى بين يديه محتفظًا عليه جدًّا، بحيث إن بعضهم رَدَفَهُ
(1)
من ورائه واحتضنه، فلما واجهه نائب السّلطنة أكرمه وتلقّاه، وأجلسه معه على مقعدته، وتلطَّف به وسقاه وأضافه، وقد قيل: إنَّه كان صائمًا فأفطر عنده، وأعطاه من ملابسه وقيّده وأرسله إلى السلطان في ليلته - ليلة الجمعة - مع جماعة من الجند وبعض الأمراء، منهم حسام الدين أمير حاجب، وقد كان أرسل نائب السلطنة ولده بسيف مَنْجَك من أوائل النهار، وتعجَّب النَّاسُ من هذه القضية جدًّا، وما كان يظنُّ كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار أنه في بعض البلاد النائية، ولم يشعر الناس أنه في وسط دمشقَ وأنه يمشي بينهم متنكِّرًا، وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق، ويمشي بين الناس متنكرًا في لبسه وهيئته، ومع هذا لن يغني حذر من قدر، ولكل أجل كتاب، وأرسل ملك الأمراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها، وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدًا محتفظًا عليه، ورجع ابن ملك الأمراء بالتحف والهدايا والخلع والإنعام لوالده، ولحاجب الحجَّاب، ولبس ذلك الأمراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشُّموع وغيرها، ثم تواترت الأخبار بدخول مَنْجَك إلى السلطان وعفوه عنه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الخام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة، والأموال والأمان، وتقديم الأمراء والأكابر له من سائر صنوف التُّحف.
شهر صفر المبارك، أوَّله الإثنين، وقدم
(2)
الأمير علي
(3)
من صفد قاصدًا إلى حماة لنيابتها، فنزل القصر الأبلق ليلة الخميس رابعه وتوجَّه ليلة الأحد سابعه.
وفي يوم الأربعاء عاشره توفي الرئيس نجم الدين عبد الوهاب ابن الصاحب الوزير فخر الدين بن السِّيرجي
(4)
عن ثلاث وسبعين سنة، وصلي عليه ظهر يومئذ بالجامع، ودفن بتربتهم بباب الصغير، وكان من أجواد الدَّماشقة، ورؤسائها، ساكنًا، وقورًا رحمه الله.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره حضر نائب السلطنة الصلاة بالشباك الكمالي، وعليه خلعة سنيّة، وكذلك على حاجب الحجاب شكرانًا لمسك الأمير منجك، وقد احتفل له الناس بالشموع في الطريق، وجمع أهل الذمة من اليهود والنّصارى، ورجع من الصلاة، وبين يديه شبابة تصفر، تشبهًا بالملوك
(5)
.
(1)
"رَدفَهُ": ركب خلفه. اللسان (ردف).
(2)
في ط: قدوم وهو تحريف.
(3)
هو: علي المارداني، نائب دمشق كان.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 173.
(5)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الأربعاء عاشره.
وفي يوم الخميس الثامن عشر من صفر قدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء
(1)
من طرابُلُس بمرسوم شريف أن يعودَ إلى دمشقَ على وظائفه المبقاة عليه، وقد كان ولده ولي الدين ينوب عنه فيها، فتلقَّاه كثير من الناس إلى أثناء الطريق، وبرز إليه قاضي القضاة تاج الدين
(2)
إلى حَرَسْتَا، وراح النَّاس إلى تهنئته إلى داره، وفرحوا برجوعه إلى وطنه.
شهر ربيع الأول، أوله الثلاثاء، في ليلة الجمعة حادي عشره كانت زفَةٌ هائلةٌ لابن ملك الأمراء وهو أمير علي بن أسَندَمِر نائب السلطنة، أقبلت بشموع من ناحية القبيبات "والعريس
(3)
في أبهة لم يرَ أهل البلد مثلها في كثرة الشموع الضِّخام، والهيئة الحسنة، وكان مبلغ ما حُرِرَ من الشمع ما يقارب مئة قِنطار من الصّغار والكبار، ومنها عدَّةٌ كثيرة، قنطارٌ قنطارٌ. وقد خرج غالب أهل البلد للتفرج عليها.
وبعد أيام مُسك متولي البلد، وضربه نائب السلطنة، وألزمه بمالٍ بشيء نقمَهُ عليه، وسلّمه إلى شادّ الدواوين ليستخلص منه مالًا، فضربه الآخر بالمقارع، وأُخذَ معه بعضُ المعرّفين، وضربوا بالمقارع، وصُودروا بمالٍ جزيل. وأعيد المعرّفون
(4)
الذين كانوا قد ضربوا مثل ذلك، وكتب عليهم مكاتيب لئلا يعودوا. فهرب الوالي المصادر. وأحدُ المعرّفين أيضًا
(5)
.
ووقع مطر عظيم في أواخر هذا الشهر، وهو أثناء شهر شباط، وثلج عظيم، فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدّة شهور، ولا يحصل لأحد من الناس سقي إلا بكلفة عظيمة ومشقَّة، ومبلغ كبير، حتَّى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير، وذلك في شهور كانون الأول والثاني، وأول شباط، وذلك لقلَّة مياه الأنهار وضَعْفها، وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة عن قراهم في هذه الشهور، ثم منّ الله تعالى فجرت الأودية وكثرت الأمطار والثلوج، وغزرت الأنهار ولله الحمد والمنة. وتوالت الأمطار، فكأنه حصل السَّيل في هذه السنة من كانون إلى شباط فكأن شباط هو كانون، وكانون لم يسل فيه ميزاب واحد.
ووصل في هذا الشهر الأمير سيف الدين مَنْجَك إلى القدس الشريف ليبتني للسُّلطان مدرسةً وخانقاه غربيّ المسجد الشريف، وأُحضر الطّرخان الذي كُتبَ له بماء الذهب إلى دمشقَ، وشاهده بعض النّاس، ووقَّعْتُ على نسخته، وفيها تعظيم زائد ومدح وثناء له، وشكر على متقدِّم خدمته لهذه الدولة، والعفو عمّا مضى من زلاته، وذكر سيرته بعبارة حسنة.
(1)
هو: محمد بن عبد البر.
(2)
هو: عبد الوهاب بن علي.
(3)
العروس: أفصح.
(4)
في الأصل: المعرفين وهو غلط.
(5)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل من قوله: شهر ربيع الأول، أوّله الثلاثاء.
شهر ربيع الآخر، أوّله الأربعاء، أرسل في أوائله نائبُ السلطنة متولّي البلد، ونقيب النقباء إلى حكر السمّاق، فكسرا من دنان الخمر، وأراق شيئًا كثيرًا، وأتلفا من الآلات الملعونة ما قيمته مبلغ كبير، وأمسك نائب السلطنة خمارًا من التركمان فأتلفه بالعقوبة، أدخل الكلاليب في عراقيبه، وعلّقه منكوسًا، فلولا تتداركه بعض الحاشية بشفاعةٍ لمات سريعًا، وفعل بآخرين بعده كذلك وسمّرهم
(1)
.
وفي أوائله رسم على المعلّم سَنْجَر
(2)
مملوك ابن هلال صاحب الأموال الجزيلة بمرسوم شريف قدم مع البريد وطلب منه ستمئة ألف درهم، واحتيط على العمارة التي أنشأها عند باب الناطفانيين
(3)
ليجعلها مدرسة، ورُسم بأن يعمر مكانها مكتب للأيتام، وأن يُوقف عليهم كفايتهم جارية عليهم، وكذلك رُسم بأن يجعل في كل مدرسة من مدارس المملكة الكبار، وهذا مقصد جيد. وسُلِّم المعلم سَنْجَر إلى شادّ الدواوين يستخلص منه المبلغ المذكور سريعًا، فعاجل بحمل مئتي ألف، وسُيِّرت مع أمير عشرة إلى الديار المصرية
(4)
.
الاحتياط على الكتبة والدواوين
(5)
وفي يوم الأربعاء خامسَ عشرَ ربيع الآخر ورد من الديار المصرية أميرٌ معه مرسوم بالاحتياط على دواوين السلطان، بسبب ما أكلوا من الأموال المرتَّبة للناس من الصدقات السلطانية وغير ذلك فرسم عليهم بدار العدل البرانيّة وأُلزموا بأموال جزيلة كثيرة، بحيث احتاجوا إلى بيع أثاثهم وأقمشتهم وفرشهم وأمتعتهم وغيرها، حتى ذكر أن منهم من لم يكن له شيء يعطيه فأحضر بناته إلى الدكَّة ليبيعهن، فتباكى النَّاسُ وانتحبوا رحمةً ورقَّةً لأبيهنَّ، ثم أطلق بعضهم وهم الضعفاء منهم والفقراء الذين لا شيء معهم، وبقيت الغرامة على الكبراء منهم، كالصَّاحب
(6)
والمستوفين، ثم شدّدت عليهم المطالبة وضربوا ضربًا مُبْرحًا، وألزموا الصَّاحب بمال كثير بحيث إنه احتاج إلى أن سأل من الأمراء والأكابر والتجار بنفسه وبأوراقه، فأسعفوه بمبلغ كثير يقارب ما ألزم به، بعد أن عُرِّي ليُضرب، ولكن ترك واشتهر أنه قد عين عوضَهُ من الديار المصرية، انتهى.
(1)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل. من قوله: شهر ربيع الآخر، أوّله.
(2)
هو: سَنْجَر بن عبد النجمي، مولى نجم الدين بن هلال، مات سنة (769) هـ الدرر الكامنة (2/ 174) الدارس (1/ 489).
(3)
في ط: النطافيين وهو تحريف.
(4)
الذيل للحسيني ص (333 - 334).
(5)
الذيل ص (332).
(6)
هو شمس الدين موسى ناظر الدواوين بالشام.
موت فيَّاض بن مُهَنَّا
(1)
ورد الخبر بذلك يوم السبت الثامنَ عشرَ منه، فاستبشر بذلك كثير من الناس، وأرسل إلى السلطان مبشّرون بذلك، لأنه كان قد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، فمات ميتةً جاهلية وذلك بأرض العراق أرض الشِّقاق ذكرى النِّفاق، وقد ذكرت أشياء صدرت عنه من ظلم الناس، والإفطار في شهر رمضان بلا عُذر وأمره أصحابه وذويه بذلك في هذا الشهر الشريف، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد جاوزَ السَّبعين انتهى والله أعلم.
كائنة غريبة جدًّا: هي هدم المعلِّم سَنْجَر مملوك ابن هلال
في يوم الجمعة الرابع والعشرين منه أُطلق المعلِّم الهلالي بعد أن استوفوا منه تكميل ستمئة ألف درهم، فبات في منزله عند باب الناطفانيين
(2)
مسرورًا بالخلاص، ولما أصبح ذهب إلى الحمَّام وقد ورد البريد من جهة السلطان من الديار المصرية بالاحتياط على أمواله وحواصله، فأقبلت الحَجَبَةُ ونُقَباء النقبة والأعوان من كل مكان، فقصدوا داره فاحتاطوا بها وعليها بما فيها، ورُسم عليه وعلى ولديه، وأُخرجت نساؤه من المنزل في حالة صعبة، وفتَّشوا النساء وانتزعوا عنهن الحُلِيَّ والجواهر والنفائس، واجتمعت العامة والغوغاء، وحضر بعض القضاة ومعه الشهود لضبط الأموال والحُجّج والرهون، وأحضروا المعلم ليستعلموا منه جلية ذلك، فوجدوا من حاصل الفضة أول يوم ثلثمئة ألف ثلثمئة ألف وسبعين ألفًا، ثم صناديق أخرى لم تفتح، وحواصل لم يصلوا إليها لضيق الوقت ثم أصبحوا يوم الأحد في مثل ذلك، وقد بات الحرس على الأبواب والأسطحة لئلا يُعْدَى عليها في الليل، وبات هو وأولاده بالقلعة المنصورة محتفظًا عليهم، وقد رقَّ له كثير من الناس لما أصابه من المصيبة العظيمة بعد التي قبلها سريعًا
(3)
.
وفي أواخر هذا الشهر توفي الأمير ناصر الدين محمد
(4)
بن الدوادار التَّنْكِزي، كان ذا مكانة عند أستاذه، ومنزلة عالية، ونال من السعادة في وظيفته أقصاها، ثم قَلَب الله قلب أستاذه عليه فضربه وصادره وعزله وسجنه، ونزل قدره عند الناس، وآل به الحال إلى أن كان يقف على أتباعه بفرسه ويشتري منهم ويحاككهم، ويحمل حاجته معه في سرجه، وصار مُثْلَةً بين الناس، بعد أن كان في غاية ما يكون فيه الدويدارية من العز
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 234) وابن خلدون (5/ 439) فيه: وفاته سنة (762) هـ.
(2)
في ط: النطافيين. وقد مضى.
(3)
الدرر الكامنة (2/ 174).
(4)
هو محمد بن كوندك. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 175) وأعيان العصر (5/ 105).
والجاه والمال والرفعة في الدنيا، وحقٌّ على الله تعالى أن لا يرفع شيئًا من أمر الدنيا إلا وضعه.
شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة، وفي يوم الأحد ثالثه درّس القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بالمدرسة الرّكنية عودًا على بدء، ولكن بحكم أنّ له نصف التدريس، ونصف النّظر، بمرسوم شريف، وللقاضي الكفري النصف الآخر في التدريس والنظر.
وفي يوم السبت سادس عشره وصل الوزير فخر الدين بن قَرَوينة من الديار المصرية بتولّيه الوزارة بدمشق، ونظر الدواوين، فدخل دار السعادة حتى سلَّم على النائب، ثم جاء إلى الجامع الأموي، فصلّى به العصر تجاه محراب الحنفية، وفي خدمته الأكابر الذين تلقَّوْه. ثم خرج من باب البرادة قاصدًا إلى داره، وهي دار العلم ابن القطب الذي كان ناظر الجيش داخل باب الصغير، ولبس الخلعة يوم الإثنين، وجلس بدار السعادة إلى جانب القضاة، مكان جدّه أمين الملك، ولكن خلع عليه أجمل من خلعة نظار الدواوين، بزناري أطلس، ويصرّح بأنه وزير، ولم يجلس فوق القضاة ولم يلبس لُونَه زركش، ولا قبع ذهب
(1)
.
وفي صبيحة يوم الأحد سابع عشره أُفرج عن العلم الهلالي وعن ولديه، وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة، وسلّمت إليهم دورهم وحواصلهم، ولكن أخذ ما كان حاصلًا في داره، وهو ثلاثمئة ألف وعشرون ألفًا، وختم على حُجَجه ليُعقد لذلك مجلسٌ، ليرجع رأس ماله منها عملًا بقوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ونُودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لكونه لا يؤدّي الزكاة ويعامل بالربا، وحاجب السُّلطان ومتولي البلد، وبقية المتعمِّمين والمشاعلية تُنادي عليه في أسواق البلد وأرجائها.
وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف بإطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم، ففرح النّاسُ بسبب ذلك، لخلاصهم ذلك، لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة، ولكن لم يستمرّ بهم في مباشراتهم.
وفي صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين تكلَّم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظ، قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة. واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشّافعيّ والمالكيّ، فتكلَّم على تفسير آيات من القرآن، وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقةٍ مُعْربةٍ حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد، وودَّع الناس بعَوده إلى بلده، ولما دعا استنهض الناس للقيام، فقاموا في حال الدعاء، وقد اجتمعت به بعد المجلس فرأيته حسن الهيئة والكلام والتأدُّب.
(1)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة.
شهر جمادى الآخرة، أوَّله السبت، في مستهلّه ركب الأمير سيف الدين بَيْدَمُر نائب حلب لقصد غزو بلاد سيس في جيش، لقَّاه الله النصر والتأييد
(1)
.
وفي مستهل هذا الشهر أصبح أهل القلعة وقد نزل جماعة من أمراء الأعراب من أعالي محبسهم
(2)
في عمائم وحبال إلى الخندق وخاضوه وخرجوا من عند جسر الزلابية
(3)
فانطلق اثنان وأُمسك الثالث الذي وهو المسمَّى بالعجل بن سيف بن فضل، فرُدَّ إلى السجن مع عمه الذي تبقى في السجن، وكأنه كان يمسك لهم الحبال حتى تدلوا فيها، فاشتد نكير نائب السلطنة على نائب القلعة، وضربَ ابنيهِ النقيب وأخاه وسجنهما، وكاتب في هذه الكائنة إلى السلطان، فورد المرسوم بعزل نائب القلعة وإخراجه منها، وطلبه لمحاسبته على ما قبض من الأموال السلطانية في مدة ست سني مباشرته، وعزل ابنه عن النقابة وابنه الآخر عن استدارية السلطان، فنزلوا من عزِّهم إلى عزلهم.
في صبيحة يوم الأحد ثانيه درّس القاضي تقي الدين عمر بن قاضي القضاة نجم الدين بن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي بالمدرسة الرّيحانية شريكًا مع أخيه جمال الدين عبد الله بمرسوم شريف، واستقل القاضي أمين الدين ابن عبد الحق بتدريس الخانونية الجوانية التي أخذها من تقي الدين المذكور
(4)
.
وفي يوم الإثنين سابع عشره جاء الأمير زين الدين جبريل من عند الأمير سيف الدين بَيْدَمر نائب حلب، وقد فتح بلدين من بلاد سيس، وهما طرَسوس وأَذنة، وأرسل مفاتيحهما صحبة جبريل المذكور إلى السلطان أيده الله، ثم افتتح حصونًا أُخر كثيرة في أسرع مدة، وأيسر كلفة، وخطب هناك القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة، وبلغني في كتاب أن أبواب كنيسة أذنة حملت إلى الديار المصرية في المراكب
(5)
.
قلت: وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح، أخذها سيس عام قازان، وذلك في سنة تسع وتسعين وستمئة، فاستُنقذت، والله الحمد في هذه السنة.
وفي أواخر هذا الشهر بلغنا أن الشيخ قطب الدين هرماس الذي كان شيخ السلطان طرد عن جناب مخدومه، وضرب وصودر، وخربت داره إلى الأساس، ونفي إلى مصياف، فاجتاز بدمشق ونزل
(1)
الذيل للحسيني ص (333) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 160).
وهو: بَيْدَمُر الخوارزمي.
(2)
في ط: مجلسهم.
(3)
في ط: الزلامية.
(4)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(5)
الدرر الكامنة (1/ 513) ابن خلدون (5/ 430) الدارس (1/ 115).
بالمدرسة الجلالية
(1)
ظاهر باب الفرج، وزرتُه فيمن سلَّم عليه، واجتمعتُ به، فإذا هو شيخ حسن عنده ما يقال ويتلفظ معربًا جيدًا، ولديه فضيلة، وعنده تواضع وتصوف فالله يحسن عاقبته. ثم تحول إلى العَذْراوية.
شهر رجب الفرد، أوّله الإثنين، وقيل: الأحد. في ليلة ثانيه وقع حريق عظيم بخان الظاهر الذي هو في سوق الخيل، وكان قد حوّل إليه سوق الغنم قبل ذلك تعليل، فاحترق وما حوله من الرّباع إلى زقاق الحِمِّص، وهو درب يسكنه الأراذل والحشاشة والحرافيش
(2)
.
وفي صبيحة يوم السبت سابع شهر رجب توجه الشيخ شرف الدين أحمد
(3)
بن الحسن بن قاضي الجبل الحنبلي إلى الديار المصرية مطلوبًا على البريد إلى السلطان لتدريس الطائفة الحنبلية بالمدرسة التي أنشأها السلطان بالقاهرة المُعزِّيّة، وخرج لتوديعه القضاة والأعيان إلى أثناء الطريق كتب الله سلامته، انتهى والله تعالى أعلم.
مسك نائب السلطنة أَسَنْدَمُر اليحياوي
(4)
وفي صبيحة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من رجب قبض على نائب السلطنة الأمير سيف الدين أسَنْدَمر، أخي يَلْبُغا اليحياوي، عن كتاب ورد من السلطان صحبةَ الدَّوادار الصغير، وكان يومئذ راكبًا بناحية ميدان ابن أتابك، فلما رجع إلى عند مقابر اليهود والنصارى احتاط عليه الحاجب الكبير ومن معه من الجيش وألزموه بالذهاب إلى ناحية طرابُلُس، فذهب من على طريق الشيخ رسلان، ولم يمكَّن من المسير، إلى دار السعادة، ورُسم عليه من الجند من أَوصله إلى طرابُلُس مقيمًا بها بطالًا، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء، يفعل ما يشاء، وبقي البلد بلا نائب يحكم فيه الحاجب الكبير عن مرسوم السلطان، وعُيِّن للنيابة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر النائب بحلب.
شهر شعبان المكرَّم، أوّله الثلاثاء، وفيه وصل تقليد الأمير سيف الدين بَيْدَمر بنيابة دمشق
(5)
. ورُسم له أن يركب في طائفة من جيش حلب ويقصد الأمير حِيَار
(6)
بن مُهَنا، ليحضره إلى خدمة السلطان،
(1)
في ط: الجليلة. وأثبتنا ما في الدارس (1/ 488).
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي. مات سنة (771) هـ. الوفيات لابن رافع (2/ 354).
(4)
الذيل للحسيني ص (333) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 161).
(5)
الذيل للحسيني ص (334) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 162).
(6)
في ط: خيار بالخاء. مصحف، وما أثبتناه هو الصواب، وهو جد عشائر الحيارات في البلقاء وغيرها، وهو من أمراء آل فضل أمراء العرب، وشيوخ العيساويين في الطرق وبلاد الشام، وله ترجمة في الدرر الكامنة (2/ 81)(بشار).
وكذلك رُسم لنائب حماة وحمص أن يكونا عونًا للأمير سيف الدين بَيْدَمُر في ذلك، فلما كان يوم الجمعة رابعه التقوا مع حِيَار عند سلمية، فكانت بينهم مناوشات، فأخبرني الأمير تاج الدين الدوادار - وكان مشاهد الوقعة - أن الأعراب أحاطوا بهم من كل جانب، وذلك لكثرة العرب وكانوا نحو الثمانمئة، وكانت الترك من حماة وحمص وحلب مئة وخمسين، فرموا الأعراب بالنشاب فقتلوا منهم طائفة كثيرة، ولم يقتل من الترك سوى رجل واحد، رماه بعض الترك ظانًا أنه من العرب بناشج فقتله، ثم حجز بينهم الليل، وخرجت الترك من الدائرة ونهبت أموال من الترك ومن العرب، وجرت فتنةٌ وجردت أمراء عدة من دمشق لتدارك الحال، وأقام نائب السلطنة هناك ينتظر ورودهم، وقدم الأمير عمر الملقب بمصمع بن موسى بن مُهنَّا من الديار المصرية أميرًا على الأعراب وفي صحبته الأمير بدر الدين [رملة]
(1)
بن جماز أميران على الأعراب، فنزل مَصْمَع بالقصر الأبلق، ونزل الأمير رملة بالنُّوريَة على عادته، ثمّ توجها إلى ناحية حِيَار بمن معهما من عرب الطاعة ممن أضيف إليهم من تجريدة دمشق ومن يكون معهم من جيش حماة وحمص لتحصيل الأمير حيار، وإحضاره إلى الخدمة الشريفة، فالله تعالى يحسن العاقبة.
دخول نائب السلطنة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر إلى دمشقَ
وذلك صبيحة يوم السبت التاسع عشر من شعبان، أقبل بجيشه من ناحية حلب وقد بات بوطأة بَرْزة ليلة السبت، وتلقّاه الناس إلى حماة ودونها، فلما كان هذا اليوم دخل في أُبَّهة عظيمة، وتجمُّل حافل، فقبّل العتبة على العادة، ومشى إلى دار السعادة ثم أقبلت جنائبه ونجائبه في لبوس هائلة باهرة، وعدد كثيرة، وفرح المسلمون به لشهامته وصرامته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والله تعالى يؤيده ويسدده.
شهر رمضان المعظم، أوّله الخميس، شُرع في قراءة البخاري عليَّ في مسجد ابن هشام، وفي الجامع الأموي، وكذلك في جامع تنكز وبمسجد دار السعادة، وفي قراءة مسلم بالجامع أيضًا، وبجامع يَلْبُغا. والله المسؤول المأمول أن ينفع بذلك، ويقوّيني عليه بحوله وقوّته
(2)
.
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضانَ خطبتِ الحنابلةُ بجامع القُبيبات، وعزل عنه القاضي شهاب الدين قاضي العسكر الحنفي، بمرسوم نائب السلطانَ، لأنّه كان يعرف أنه كان مختصًا بالحنابلة منذ عين إلى هذا الحين.
وفي يوم الجمعة السادس عشر منه قُتل عثمان
(3)
بن محمد المعروف بابن دبادب الدقّاق بالحديد على
(1)
ليست في أ و ب و ط.
(2)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(3)
لعلّه ممن انفرد به ابن كثير.
ما شهد عليه به جماعةٌ لا يمكن تواطؤُهم على الكذب، أنه كان يكثر من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، فرُفع إلى الحاكم المالكي وادُّعي عليه، فأظهر التجابن ثم استقرَّ أمره على أن قتل قبَّحه الله وأبعده ولا رحمه.
وفي يوم الإثنين السادس والعشرين منه قتل محمد
(1)
المدعو زبالة الذي كان مهتارًا
(2)
لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي صلى الله عليه وسلم ودعواه أشياء كفرية، وذُكر عنه أنّه كان يكثر الصَّلاة والصِّيام، ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين، وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم، فضُربت عنقه أيضًا في هذا اليوم في سوق الخيل والله الحمد والمنّة.
شهر شوال المبارك، أوّله السبت وفي ثالثَ عشره الخميس خرج المحمل السلطاني، وأميره الأمير ناصر الدين بن قرَاسُنْقُر، وقاضي الحجيج الشيخ شمس الدين محمد بن سند المحدِّث، أحد المفتين.
وفي أوائل هذا الشهر أُخذ رجل يقال له: حسن، كان خياطًا بمحلَّة الشَّاغور، ومن شأنه أن ينتصر لفرعون لعنه الله، ويزعمُ أنَّه مات على الإسلام، ويحتجُّ بأنه في سورة يونس حين أدركه الغرق قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] ولا يفهم معنى قوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] ولا معنى قوله: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 25] ولا معنى قوله: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على أنْ فرعون أكفرُ الكافرين، كما هو مجمع عليه بين اليهود والنصارى والمسلمين.
وخرج نائب السلطنة الأمير بَيْدَمِر إلى الصيد بجميع الجيش من الأمراء وجند الحلقة بالعده التامّة، وكان خروجه بعدما لعب بالكرة يوم السبت، ثم ركب نصف الليل ليلة الأحد الثالث والعشرين من شوال نحو الغَسّولة، وضرب هنالك حلقًا عدّه، وحصل على صُيودٍ متعدّدة، وهذا شيء لم يعهد من أحد النواب، أنه يخرج جمع الجيش بالعدة الكاملة للصّيد، ولكن إنّما فعل هذا ليكون الجيش على أهبة متى طلب منهم النفير نفروا، وهذا مقصد جيد.
شهر ذي القعدة أوله الأحد، قدم نائب السلطنة، وصحبته الجيش من الصّيد، في صبيحة يوم الجمعة سادسِهِ، وصلَّى بالجامع الأموي يومئذٍ، وعليه خلعة سنية
(3)
.
وقدم البريد بطلب نائب السلطنة
(4)
إلى الديار المصرية في تكريم وتعظيم، على عادة تَنْكِز، فتوجّه
(1)
لعلّه ممن انفرد به ابن كثير.
(2)
في الأصل: مهتاز، وفي م: بهتار وهو وهم، المهتار: المَسْخرةُ.
(3)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل من قوله: وخرج نائب السلطنة الأمير بيدمر.
(4)
بيدمر الخوارزمي.
النائبُ إلى الديار المصرية، وقد استصحب معه تحفًا سنيّة وهدايا معظَّمة تصلُح للأبواب الشريفة، في صبيحة السبت رابع عشره، خرج ومعه القضاة والأعيان من الحجبة والأمراء والمباشرون لتوديعه إلى أثناء الطريق. شهر ذي الحجة، أوّله الثلاثاء، وفي أوائله ورد كتاب من نائب السلطنة بخطه إلى قاضي القضاة تاج الدين
(1)
الشافعي يستدعيه إلى زيارة القدس الشريف، وزيارة قبر الخليل، ويذكر فيه ما عامله به السلطان من الإحسان والإكرام والاحترام والإطلاق والإنعام من الخيل والتحف والمال والغلات، فتوجه نحوه قاضي القضاة القضاة يوم الجمعة بعد الصلاة رابعه على ستة من خيل البريد، ومعه تحف وما يناسب من الهدايا، وعاد عشية يوم يوم الجمعة ثامن عشره إلى بستانه
(2)
.
ووقع في هذا الشهر والذي قبله سيول كثيرة جدًّا في أماكن متعددة، من ذلك ما شاهدنا آثاره في مدينة بعلبك، أتلف شيئًا كثيرًا من الأشجار، واجترف أماكن كثيرة متعددة عندهم، وبقيت آثار سيحه على أماكن كثيرة، ومن ذلك سيل وقع بأرض حبراص أتلف شيئًا كثيرًا جدًّا، وغرق فيه قاضي تلك الناحية، ومعه بعض الأجناد، كانوا وقوفًا على أكمة، فدهمهم أمر عظيم، ولم يستطيعوا دفعه ولا منعه، ولا منعه، فهلكوا.
ومن ذلك سيل وقع بناحية جبة
(3)
عسال فهلك به شيء كثير من الأشجار والأغنام والأعناب وغيرها.
ومن ذلك سيل بأرض حلب هلك به خلق كثير من التركمان وغيرهم. رجالًا ونساء وأطفالًا وغنمًا وإبلًا. قرأته من كتاب من شاهد ذلك عيانًا، وذكر أنه سقط عليهم برد وزنت الواحدة منه فبلغت زنتها سبعمئة درهم، وفيه ما هو أكبر من ذلك وأصغر، انتهى
(4)
.
الأمر بإلزام القَلَنْدَرِيّة بترك حلق لحاهم وحواجبهم وشواربهم [وذلك محرم بالإجماع حسب ما حكاه ابن حَزْم
(5)
وإنما ذكره بعض الفقهاء بالكراهية]
(6)
ورد كتابٌ من السُّلطان - أيده الله - إلى دمشق في يوم الثلاثاء خامس عشره، بإلزامهم بزي سائر
(1)
عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي السُّبكي. مرَّ ذكره.
(2)
بالزعيفرانية. وقد سبق ذكره.
(3)
في ط: حسة ط: حسة. وحسية جمال. وكلّه تحريف.
(4)
الذيل للحسيني ص (334) الذيل التام للسخاوي (1/ 170).
(5)
في ط: ابن حازم والتصويب من الذيل التام للسخاوي (1/ 170).
وهو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، كان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر. مات سنة (456) هـ وفيات الأعيان (3/ 325).
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ و ب و ط.
المسلمين وترك زي الأعاجم والمجوس، فلا يمكن أحد منهم من الدخول إلى بلاد السلطان حتى يترك هذا الزي المبتدع، واللباس المُستبشع المستشنع، ومن لا يلتزم بذلك يعزَّر شرعًا، ويقلع من قراره قلعًا، وكان اللائق أن يؤمروا بترك أكل الحشيشة الخسيسة، وإقامة الحد عليهم بأكلها أو السُّكر بها
(1)
، كما أفتى بذلك بعض الفقهاء. والمقصود أنهم نودي عليهم بذلك في جميع أرجاء البلد ونواحيه في صبيحة يوم الأربعاء ولله الحمد والمنة
(2)
.
وبلغنا في هذا الشهر وفاة:
الشيخ الصالح الشيخ أحمد
(3)
بن موسى الزُّرَعى بمدينة حِبْرَاص
(4)
يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة، وكان من المبتلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام في مصالح الناس عند السلطان والدولة، وله وجاهة عند الخاص والعام، رحمه الله.
والأمير سيف الدين كجكن بن لاقُوش
(5)
، الذي كان حاجبًا بدمشق وأميرًا، ثم عزل عن ذلك كله، ونفاه السلطان إلى طرابلس فمات هناك. رحمه الله.
وقدم نائب السَّلطنة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر عائدًا من الديار المصرية، وقد لقي من السلطان إكرامًا وإحسانًا زائدًا فاجتاز في طريقه بالقدس الشريف فأقام به يوم عرفة والنحر، ثم سلك على طريق غابة أَرْسُوف
(6)
يصطاد بها فأصابه وَعْكٌ منعه عن ذلك، فأسرع السير فدخل دمشق في صبيحة يوم الإثنين الحادي والعشرين منه في أُبَّهة هائلة، ورياسة طائلة، وتزايد، وخرج العامة للتفرج عليه والنظر إليه في مجيئه هذا، فدخل وعليه قباء معظَّم ومطرز من عند أصبعه إلى كتفه، وبين يديه ما جرت به العادة من الحجبة والشاليشية وغيرهم، ومن نيته الإحسان إلى الرعية والنّظر في أحوال الأوقاف وإصلاحها على طريقة تَنْكِز رحمه الله انتهى والله أعلم.
(1)
في ط: وسكرها، والتصويب من الذيل التام (1/ 173).
(2)
الذيل التام (1/ 170 - 171). فقد نقل عن ابن كثير بالحروف، دون الإشارة منه رحمه الله وكذا في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 163).
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 189)، وفيه وفاته سنة 762، والدرر الكامنة (1/ 324) وفيه: وفاته في ذي الحجة، وقيل: أول المحرم سنة (762) هـ. وهو ما اعتمده الذيل ص (245). والنجوم الزاهرة (11/ 12) وشذرات الذهب (6/ 197). ذكره في وفيات سنة (762) هـ أيضًا.
(4)
في ط: جبراص بالجيم.
(5)
في ط: كحلن بن الأقوس وهو تحريف والتصويب من مصادر ترجمته. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 174 - 175). نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة (3/ 265) والذيل التام للسخاوي (1/ 173).
(6)
في ط: أرصوف. "وأَرْسُوف": مدينة على ساحل بحر الشام بين قَيْسارية ويافا. معجم البلدان (1/ 19).
وبلغنا في هذا الشهر وفاة القاضي ضياء الدين ابن خطيب بيت الآبّار
(1)
وكان صدرًا كبيرًا، حصلت له رئاسة ووجاهة بالديار المصرية، بسبب انتقاله إليها صحبة قاضي القضاة جلال الدين القَزويني الشافعي رحمهما اللهُ
(2)
.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وسبعمئة
استهلَّت هذه السنة المباركة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك ويلتحق به الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولا نائب له بالديار المصرية، وقضاته بها هم المذكورون في العام الماضي، ووزيره بها ابن خصيب
(3)
.
ونائب الشام بدمشقَ الأمير سيف الدين بَيْدَمُر الخُوَارزمي، والقضاة والخطيب وبقية الأشراف وناظر الجيش والمحتسب هم المذكورون في العام الماضي، والوزير ابن قرَوينة
(4)
، وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي، ووكيل بيت المال القاضي صلاح الدين الصَّفدي وهو أحد موقِّعي الدست الأربعة، وشاد الأوقاف الأمير ناصر الدين بن فضل الله، وحاجب الحجاب اليوسفي، وقد توجه إلى الديار المصرية ليكون بها أمير جندار، ومتولي البلد ناصر الدين، ونقيب النقباء ابن الشجاعي.
شهر المحرم، أوّله الجمعة، وفي صبيحة يوم الإثنين سادسه قدم الأمير علي
(5)
نائب حماة منها، فدخل دمشق مجتازًا إلى الديار المصرية فنزل في القصر الأبلق ثم تحول إلى دار دويدار يَلْبُغا الذي جدد فيها مساكن كثيرة بالقصاعين. وتردد الناس إليه للسلام عليه، فأقام بها إلى صبيحة يوم الخميس تاسعه، فسار إلى الديار المصرية.
وفي يوم الأحد تاسعَ عشرَ المحرم أحضر حسن بن الخيَّاط من محلَّة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن، وناظر في إيمان فرعون، وادُّعِيَ عليه بدعاوى لانتصاره لفرعون لعنه الله، وصدَّق ذلك باعترافه أولًا ثم بمناظرته في ذلك ثانيًا وثالثًا، وهو شيخ كبير جاهل عامي دائص
(6)
لا يُقيم دليلًا ولا يُحسنه، وإنما
(1)
هو: يوسف بن أبي بكر. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 178، وأعيان البصر 5/ 612 والدرر الكامنة 4/ 482، والنجوم الزاهرة 10/ 337.
(2)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(3)
في ط: خطيب. تحريف.
(4)
في ط: قزوينة.
وهو فخر الدين فخر الدولة بن قَرَوينة: قدم على نظر دواوين الشام في السنة الماضية كما تقدم.
(5)
علي المارداني: نائب دمشق سابقًا.
(6)
في ط: "ذانص" مصحفة، والدائص: الأشر البطر، فانظر وجيز الكلام (1/ 117).
قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله [تعالى]
(1)
إخبارًا عن فرعون حين أدركه الغرق، وأُحيط به ورأى بأس الله، وعاين عذابه الأليم، فقال حينئذ
(2)
: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] قال الله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 91 - 92] فاعتقد هذا العامي أن هذا الإيمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه، وقد قال تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84 - 85]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96 - 97][وقد دعا موسى على فرعون فقال: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 88 - 89] الآية
(3)
.
ثم حضر في يوم آخر وهو مصمِّم على ضلاله فضُرب بالسّياط، فأظهر التوبةَ، ثم أعيد إلى السجن في زِنْجير، ثم أحضر يومًا ثالثًا وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر، فنودي عليه في البلد ثم أُطلق
(4)
.
وفي ليلة الثُّلاثاء الرابع عشرَ طلع القمر خاسفًا كلُّه، ولكن كان تحت السحاب، فلما ظهر وقت العشاء وقد أخذ في الجلاء صلَّى الخطيبُ صلاة الكُسوف قبل العشاء، وقرأ في الأولى بسورة العنكبوت وفي الأخرى بسورة يس، ثم صعد المنبر فخطب، ثم نزل بعد العشاء.
وقدمت كتب الحجّاج يخبرون بالرُّخص والأمن، واستمرت زيادة الماء من أول ذي الحجة وقبلها إلى هذه الأيام من آخر هذا الشهر والأمر على حاله، وهذا شيء لم يعهد كما أخبر به عامة الشيوخ، وسببه أنه جاء ماء من بعض الجبال انهال في طريق النهر.
ودخل المحمل السلطاني يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم قبل الظهر، ومسك أمير الحاج جَركْتَمُر
(5)
المارداني الذي كان مقيمًا بمكَّة شرفها الله تعالى، وحماها من الأوغاد، فلما عادت التجريدة مع الحجاج إلى دمشق صحبة ابن قَرَاسُنقُر
(6)
من ساعة وصوله إلى دمشق، فقُيّد وسُيّر إلى الديار المصرية على البريد، وبلغنا أنَّ الأمير سند أميرَ مكّة غرّر بجند السلطان الذين ساروا صحبة ابن قَرَاسُنقُر وكبسهم
(1)
زيادة من الذيل التام.
(2)
في ط: حين الغرق إذًا. وأثبتنا ما في الذيل التام.
(3)
في ط: فاستجيبت دعوتكما. وفي العبارة خلل. والزيادة مستدركة من الذيل التام (1/ 182) نقلًا عن ابن كثير.
(4)
الخبر في الذيل التام (1/ 180) فقد نقله السخاوي عن ابن كثير بخلاف طفيف في بعض الألفاظ دون المعنى.
(5)
في ط: شركتمر. وأثبت ما في إتحاف الورى (3/ 288)، وفيه الخبر.
(6)
في ط: القراسَنقر. تحريف.
وقتل من حواشيهم وأخذ خيولهم، وأنهم ساروا جرائد بغير شيء مسلوبين إلى الديار المصرية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شهر صفر المبارك، أوّله الجمعة، وفي أوّله اشتُهر فيه وتواتر خبر الفناء الذي بالديار المصرية بسبب كثرة المستنقعات من فيض النيل عندهم، على خلاف المعتاد، فبلغنا أنه يموت من أهلها كل يوم فوق الألفين، فأما المرض فكثير جدًّا، وغلت الأسعار لقلة من يتعاطى الأشغال، وغلا السكر والمياه
(1)
والفاكهة جدًّا، وبرز السلطان إلى ظاهر البلد، وحصل له تشويش أيضًا، ثم عوفي بحمد الله
(2)
.
شهر ربيع الأول، أوّله السبت، في يوم الإثنين الرابع والعشرين منه توجّه الوزير
(3)
بدمشق إلى الديار المصرية مكرّمًا معظّما، موعودًا بوزارة مصر، وخرج القضاة والكبراء والولاة لتوديعه.
شهر ربيع الآخر، أوّله الإثنين، في الثالث منه
(4)
. قدم من الديار المصرية ابن الجحَّاف رسول صاحب العراق لخطبة بنت السلطان، فأجابهم إلى ذلك بشرط أن يُصدِقَها مملكة بغداد، وأعطاهم سنجقًا
(5)
سلطانيًا، وأطلق لهم من التحف والخلع والأموال شيئًا كثيرًا، ورسم للرسول بمشترى قرية من بيت المال لتوقف على الخانقاه التي يريد أن يتخذها بدمشقَ قريبًا من الطَّواويس، وقد خرج لتلقِّيه نائب الغيبة وهو حاجب الحجاب، والدولة والأعيان.
وقرأتُ في يوم الأحد سابعه كتابًا، ورد من حلب بخط الفقيه العدل شمس الدين العراقي من أهلها، ذكر فيه أنه كان في حضرة نائب السلطنة في دار العدل يوم الإثنين السابعَ عشرَ من ربيع الأول، وأنه أحضر رجل قد ولد له ولد عاش ساعة ومات، وأحضره معه وشاهده الحاضرون وشاهده كاتب الكتاب، فإذا هو شكلٌ سَوِيٌّ له على كل كتف رأس بوجه مستدير، والوجهان إلى ناحية واحدة فسُبحان الخلاق العليم
(6)
.
وبلغنا أنه في هذا الشهر سقطت المنارة التي بنيت للمدرسة
(7)
السلطانية بمصر، وكانت مُتَّخذَة
(8)
على صفة غريبة، وذلك أنها منارتان على أصل واحد فوق قبو الباب الذي للمدرسة المذكورة، فلما سقطت أهلكت خلقًا كثيرًا من الصُّنَّاع بالمدرسة والمارة والصبيان الذين في مكتب المدرسة، ولم ينجُ من
(1)
في ط: الأمياه.
(2)
النجوم الزاهرة (10/ 311).
(3)
هو فخر الدين بن قروينة.
(4)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(5)
في ط: مستحقًا. وهو تحريف.
(6)
بدائع الزهور (1/ 585) وفيه: الإثنين سادس عشري.
(7)
هي المدرسة الحسينية.
(8)
في ط: مستجدة والتصويب من الذيل التام (1/ 178).
الصبيان فيما ذكر شيء سوى ستَّة
(1)
، وكان جملة من هلك بسببها نحو ثلاثمئة نفس، وقيل: أكثر، وقيل: أقل، فإنا لله وإنا إليه راجعون (4).
وخرج نائب السلطنة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر إلى الغيضة لإصلاحها وإزالة ما فيها من الأشجار المؤذية والدّغل يوم الإثنين التاسع والعشرين من الشهر، وكان سلخه، وخرج معه جميع الجيش من الأمراء وأصحابه، وأجناد الحلقة برمتهم لم يتأخر منهم أحد، وكلهم يعملون فيها بأنفسهم وغلمانهم، وأحضر إليهم خلق من فلاحي المرج والغوطة وغير ذلك، ورجع يوم السبت خامس الشهر الداخل وقد نظفوها من الغل والدغل والغش.
شهر جمادى الأولى، أوّله الثلاثاء، وفي صبيحة يوم الأربعاء ثانيه درّس القاضي تقي الدين عبد الله ابن القاضي جمال الدين يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الحنفي الكفري بالمدرسة الطَّرخانية بناحية جيرون، نزل له أبوه عنها، كما نزل جدُّه لأبيه عنها، وكما نزل جدُّه لجدّه عنها فهو رابع أربعة نَسَقًا يدرسون فيها من سنة خمس وسبعين وستمئة.
كما أخبر بذلك قاضي القضاة المذكور، وحضر عنده القضاة والأعيان والفضلاء من سائر المذاهب، وأخذ في قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1].
وتكلم عليها من عدّة فنون، وأورد ما أورده بعبارة فصيحة
(2)
.
واتفقت كائنة غريبة لبعض السؤال، وهو أنه اجتمع جماعة منهم قبل الفجر ليأخذوا خبزًا من صدقة تربة امرأة ملك الأمراء تَنْكز عند باب الخواصين، فتضار بوا فيما بينهم فعمدوا إلى رجل منهم فخنقوه خنقًا شديدًا، وأخذوا منه جرابًا فيه نحو من أربعة آلاف درهم. وشيء من الذهب وذهبوا على حمية، وأفاق هو من الغشي فلم يجدهم، واشتكى أمره إلى متولّي البلد فلم يظفر بهم إلى الآن، وقد أخبرني الذي أخذوا منه أنهم أخذوا منه ثلاثة آلاف درهم معاملة، وألف درهم بندقية ودينارين وزنهما ثلاثة دنانير. كذا قال لي إن كان صادقًا.
وفي صبيحة يوم السبت خامسه طلب قاضي القضاة شهاب الدين
(3)
الحنفي للشيخ علي بن البناء، وقد كان يتكلم في الجامع الأموي على العوام، وهو جالس على الأرض شيئًا من الوعظيات وما أشبهها من صدره، فكأنه تعرَّض في غضون كلامه لأبي حنيفة رحمه الله، فأُحضر فاستتيب من ذلك، ومنعه قاضي القضاة شرف الدين الكفري من الكلام على الناس، وسجنه، وبلغني أنه حكم بإسلامه وأطلقه من
(1)
في الذيل التام: غير عشرة.
(2)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(3)
في ط: شرف الدين. وقد مضى ذكره.
يومه، وهذا المذكور ابن البناء عنده زهادة وتعفف، وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه، ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق، وضرب أمثال، وقد مال إليه كثير من العوام واستحلوه، وكلامه قريب إلى مفهومهم، وربما أضحك في كلامه، وحاضرتُه. وهو مطبوع قريب إلى الفهم، ولكنه أساءَ فيما ذكر عنه من شطحته في بعض أشياء إن حل عنه ذلك، والله الموفق، ثم إنه جلس للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته، فتطلبه القاضي المذكور، فيقال إن المذكور تغيَّب. انتهى والله أعلم.
سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد
(1)
: ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون.
لما كثر طمعه وتزايدَ شرهه، وساءت سيرته إلى رعيته، وضيّق عليهم في معايشهم وأكسابهم، وبنى البنايات الجبَّارة التي لا يحتاج إلى كثير منها، واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وأمواله، واشترى منه قرايا كثيرة ومدنًا ورساتيق
(2)
، وشق ذلك على الناس جدًّا، ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة، ولا العلماء ولا الصلحاء على الإنكار عليه، ولا الهجوم عليه، ولا النصيحة له بما هو مصلحة له وللمسلمين، انتقم الله منه فسلَّط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه، لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم وأخبازهم، وأضاف ذلك جميعه إلى خاصته، [فقلت الأمراء والأجناد والمقدمون
(3)
والكتَّاب والموقِّعون، ومسَّ الناسَ الضررُ وتعدَّى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم]
(4)
، فعند ذلك قدّر الله تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الأمير الكبير سيف الدين يَلْبُغَا الخَاصكي. وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتدَّ لذلك، وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش، وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولًا في الوطاقات، فهزم السلطان بعد كل حساب وقد قتل من الفريقين طائفة، ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل، كلا لا وزر، ولن يُغنيَ حذر من قدر، فبات الجيش بكماله محدقًا بالقلعة، فهم بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكَرَك، فلما برز مُسك واعتُقل ودخل به إلى دار يَلْبُغَا الخاصكي المذكور، وكان آخر العهد به، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى من هذه السنة، وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي، فاتفقت الآراء واجتمعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي، وخطب الخطباء وضُربت السكة، وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف، هذا وهو ابن ثنتي عشرة، وقيل أربع عَشْرَةَ، ومن الناس
(1)
الذيل للحسيني (338 وما بعدها). والدرر الكامنة (2/ 38) والذيل التام (1/ 179).
(2)
في الذيل التام: وأكثر من سفك الدماء.
(3)
في الذيل التام: حتى قلَّ الأمراء من كبار المتقدمين.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ و ب و ط.
قال: ستَّ عَشْرَةَ، ورُسم في عود الأمور إلى ما كانت عليه في أيام والدهم الناصر محمد بن قلاوون، وأن يبطل جميع ما كان أخذه الملك الناصر حسن، وأن تعاد المرتبات والجوامك التي كان قطعها، وأمر بإحضار طاز
(1)
وطَشْتَمُر
(2)
القاسمي من سجن الإسكندرية
(3)
إلى بين يديه ليكونا أتابكا
(4)
.
وجاء الخبر إلى دمشق صحبة الأمير سيف الدين بُزْلار شاد التربخاناة أحد أمراء الطبلخانات بمصر صبيحة يوم الأربعاء سادسَ عشر الشهر، فضربت البشائر بالقلعة وطبلخانات الأمراء على أبوابهم، وزُيّن البلد بكماله، وأُخذت البيعة له صبيحة يومئذ بدار السعادة وخلع على نائب السلطنة تشريف هائل، وفرح أكثر الأمراء والجند والعامة بذلك، ولله الأمر، وله الحكم. قال تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] الآية.
ووجد على حجر بالحميرية، فقرئت للمأمون فإذا مكتوب:[من المنسرح]
ما اختلفَ الليلُ والنهارُ ولا
…
دارتْ نجومُ السماء في الفلكِ
إلا لنقلِ النعيم من ملكٍ
…
قد زالَ سلطانهُ إلى ملكِ
ومُلكُ ذي العرشِ دائمٌ أبدًا
…
ليسَ بفانٍ ولا بمشتركِ
(5)
[ورُوي عن سليمان بن عبد الملك بن مروان أنّه خرج يومًا لصلاة الجمعة، وكان سَوِيَّ الخلق حسنَهُ، وقد لبس حُلة خضراء، وهو شاب ممتلئ شبابًا، وينظر في أعطافه ولباسه، فأعجبه ذلك من نفسه، فلمّا بلغ إلى صرحة الدار تلقته جِنِّية في صورة جارية من حظاياه فأنشدته: [من الخفيف]
أنتَ نعمَ المتاع لو كنتَ تبقى
…
غير أن لا حياةَ للإنسانِ
ليسَ فيما علمتُ فيك عي
…
ب يذكرُ غير أنكَ فانِ
(6)
(1)
في ط: طار وقد سبق ذكره.
(2)
في ط: طاشتمر.
(3)
في ط: اسنكدرية.
(4)
النجوم الزاهرة (11/ 4).
(5)
منها بيتان في عيون الأخبار لابن قتيبة (2/ 307) وفيه: حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدار من جُدُر كنيسة القسطنطينية:
ما اختلف اللَّيل والنَّهارُ ولا
…
دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل السلطان عن ملك
…
كان يحبُّ الدنيا إلى ملك
(6)
البيتان في عيون الأخبار (2/ 17) وهي منسوبة فيه للشاعر موسى شَهَوات ولفظها:
ليس فيما بدا لنا منك عيبٌ
…
عابه الناسُ غير أنك فاني
أنت خير المتاع لو كنت تبقى
…
غير أنْ لا بقاء للإنسان
وأورد الحكاية ابن خلكان في وفيات الأعيان (3/ 421) وذكر الأبيات بلفظها كما أوردتها هنا.
فصعد المنبر الذي في جامع دمشقَ وخطب الناس، وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر، فضعف صوته قليلًا قليلًا حتى لم يسمعه أهل المقصورة، فلمَّا فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدَّت تلك الجِنِّية على صورتها، وقال: كيف أنشدتيني تينك البيتين؟ فقالت: ما أنشدتك شيئًا. فقال: الله أكبر نُعيت والله إليَّ نفسي. فأوْصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبد العزيز رحمه الله
(1)
.
وقدم نائب طرابُلُس المعزول عليلًا والأمير سيف الدين أسَندَمُر
(2)
الذي كان نائب دمشق وكانا مقيمان بطرابُلُس جميعًا، في صبيحة يوم السبت السادس والعشرين منه، فدخلا دار السعادة فلم يحتفل بهما نائب السلطنة]
(3)
.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره صلى نائب السلطنة بالمقصورة من الجامع الأموي، ومعه الشافعي والحنفي، وخلق من الأمراء بسماع الخطبة والدّعاء للسلطان الجديد، وعلى النائب خلعه
(4)
.
وتكامل في هذا الشهر تجديد الرِّواق غربي باب الناطفانيين إصلاحًا لدرابزيناته وتبييضًا لجدرانه ومحرابه، وجُعل له شبابيك في الدّرابزينات، ووقف فيه قراءة قرآن بعد المغرب، وذكروا أن شخصًا رأى منامًا فقصَّه على نائب السلطنة فأمر بإصلاحه.
وفيه نهض بناء المدرسة التي إلى جانب هذا المكان من الشمال، وقد كان أسسها أولًا علَم الدين بن هلال
(5)
، فلما صودر أُخذت منه منه وجُعلت مضافة إلى السلطان، فبنوا فوق الأساسات وجعلوا لها خمسة شبابيك من شرقها، وبابًا قبليًا ومحرابًا، وبركة عراقية، وجعلوا حائطها بالحجارة البيض والسود، وكمَّلوا عاليها بالآجر، وجاءت في غاية الحسن، وقد كان السلطان الناصر حسن قد رسم بأن تُجعل مكتبًا للأيتام فلم يتم أمرها حتى قتل كما ذكرنا
(6)
.
واشتهر في هذا الشهر أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة قد ماتت أُمُّهم، وهي في ناحية كنيسة مَرْيم
(7)
في خرابة، فتجيء إليهم فتضطجع على شقها فترضع أولئك الجراء منها، تكرر هذا منها مرارًا، وأخبرني المحدث المفيد المتقن نور الدين أحمد بن منصور بمشاهدته ذلك.
(1)
سليمان مات في دابق، ولعلّ الحكاية من وضع الوعاظ. وفيات الأعيان (3/ 420) ابن خلدون (3/ 74).
(2)
في ط: استدمر.
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل: واستدركته من أ و ب و ط.
(4)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(5)
هو: سنجر بن عبد الله النجمي، وهو مولى ابن هلال.
(6)
هي المدرسة الجقمقية الدارس (1/ 489) ومنادمة الأطلال ص (160). أسسها المعلم سنجر الهلالي، وخربت في فتنة تيمورلنك، فأعاد سيف الدين جقمق إعمارها أثناء نيابته على دمشق سنة (822 هـ).
(7)
قرب درب الحجر.
وفي العشر الأوسط من جمادى الآخرة نادى منادٍ من جهة نائب السلطنة حرسه الله تعالى في البلد أن النساء يمشين في تستُّر ويلبسن أُزْرَهُنّ إلى أسفل من سائر ثيابهن، ولا يظهرن زينة ولا يدًا، فامتثلن ذلك ولله الحمد والمنة.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الخميس، فيه قدم طوائف من مماليك السلطان المنفصل منفييّن في أحوال صعبةٍ على ما ذكر.
وجاء نائبَ السلطنة منشورٌ شريف بإقطاعه مضافًا إليه ما كان للنواب قبله من إضافة بيت جِنّ وحرستا وعذرا الذي كان جاريًا في إقطاع تنكز رحمه الله
(1)
.
وقدم أمير العرب حِيَار
(2)
بن مُهنَّا في أُبَّهة هائلة، وتلقّاه نائب السلطنة إلى أثناء الطريق، وهو قاصد إلى الأبواب الشريفة.
وفي أواخر رجب قدم الأمير سيف الدين تَمُر
(3)
المهمندار من نيابة غزَّة حاجب الحجاب بدمشق، وعلى مقدمة رأس الميمنة.
وأبطل نائب السلطنة مكوسات كثيرة، مثل مكس الجداية والغزل المردون الجلب، والطبابي
(4)
، وأبطل ما كان يؤخذ من المحتسبين زيادة على نصف درهم، وما يؤخذ من أجرة عدة الموتى كل ميت بثلاثة ونصف، وجعل العدة التي في القيسارية للحاجة مسبَّلة لا تنحجر على أحد في تغسيل ميت، وهذا حسن جدًّا، وكذلك منع التحجّر في بيع البلح المختص به، وبيع مثل بقية الناس من غير طرخان
(5)
فرخص على الناس في هذه السنة جدًّا، حتى قيل: إنه بيع القنطار بعشرة، وما حولها.
شهر شعبان
(6)
المكرم أوَّله الأحد، وقيل: السبت. قدم الأمير حِيَار بن مُهَنَّا من الديار المصرية، فنزل القصر الأبلق، وتلقّاه نائب السلطنة وأكرم كل منهما الآخر، ثم ترحل بعد أيام قلائل، وقدم الأمراء الذين كانوا بحبس الإسكندرية في صبيحة يوم الجمعة سابعه، وفيهم الأمير شهاب الدين بن صبح وسيف الدين طَيْدمُر الحاجب، وطُنَيْرق
(7)
ومقدم ألف؛ وعمر شاه وأَسَنْدَمِر اليحياوي.
(1)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(2)
في ط: جبار، وهو تصحيف، وقد مضى ذكره.
(3)
مات في الثمانين من عمره في شوال سنة (762) هـ الذيل للحسيني ص (339) الدرر الكامنة (1/ 520).
(4)
هكذا وردت العبارة في ط، ولعل كل هذا يشير إلى مكس يؤخذ من النساء المختصات بعمل القراءات من قراءة وغيرها، والله أعلم.
(5)
طرخان: رخصة. صبح الأعشى (13/ 48).
(6)
في بدائع الزهور (1/ 584): في ذي الحجة.
(7)
في ط: طيبرف. وأثبتنا ما في الذيل للحسيني ص (339).
هذا ونائب السلطنة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر أعزه الله يبطل المكوسات شيئًا بعد شيء ممّا فيه مضرة بالمسلمين، وبلغني عنه أن من عزمه أن يبطل جميع ذلك إن أمكنه الله من ذلك.
تنبيه
(1)
على واقعة غريبة واتفاقٍ عجيب
نائب السلطنة الأمير سيف الدين بَيْدَمُر فيما بلغنا في نفسه عتب على أتابك الديار المصرية الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي مُدَبِّر الدولة بها، وقد توسَّم وتوهَّم منه أنّه يسعى في عزله عن الشام، وفي نفس نائبنا قوة وصرامة شديدة، فتنسَّم منه ببعض الإباء عن طاعة يَلْبُغا، مع استمراره على طاعة السلطان، وأنه إن اتفق عَزْلٌ من قبل يَلْبُغَا أَنه لا يسمع ولا يطيع، فعمل أعمالًا واتفق في غضون هذا الحال موت نائب القلعة المنصورة بدمشق وهو الأمير سيف الدين بُرْناق
(2)
الناصري فأرسل نائب السلطنة من أصحابه وحاشيته من يتسلّم القلعة برُمّتها، ودخل هو بنفسه إليها، وطلب الأمير زين الدين زبالة الذي كان فقيهًا ثم نائبها وهو من أخبر الناس بها وبخطاتها
(3)
وحواصلها، فدار معه فيها وأراه حصونها وبروجها ومفاتحها ومغالقها ودورها وقصورها وعددها وبركها، وما هو معدٌّ فيها ولها، وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال، حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط، وفتح الباب الذي هو تجاه دار السعادة وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ويخرج بخدمه وحشمه وأبهته فيكشف أمرها وينظر في مصالحها أيده الله.
ولما كان يوم السبت خامس عشره ركب في الموكب على العادة واستدعى الأمير سيف الدين أسندَمُر الذي كان نائب الشام، وهو في منزله كالمعتقل فيه، لا يركب ولا يراه أحد، فأحضره إليه وركب معه، وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية: طُنَيْرق
(4)
، وهو أحد أمراء الألوف وطَيْدَمُر الحاجب، كان، وأما ابن صُبْح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار، والمقصود أنه سيَّرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل، ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة فتعاهدوا وتعاقدوا واتفقوا على أن يكونوا كلّهم كتفًا واحدًا، وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء وأنهم يد على من سواهم ممّن أراد عزل أحد منهم أو قتله، وأن من قاتلهم قاتلوه، وأن السلطان هو ابن أستاذهم الملك المنصور بن حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون، فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك، وحلفوا له وخرجوا من عنده على هذا الحلف، وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة، وأُبَّهة كثيرة، والمسؤول من الله حسن العاقبة.
(1)
في ط: تنبيع وهو تطبيع.
(2)
في الذيل للحسيني ص (340): برتاق بالتاء.
(3)
هكذا في ط، ولعل الصواب: بخططها. وفي الأصل: بمظانِّها.
(4)
في ط: "طبترق" وقد ذكر قبل قليل.
وفي صبيحة يوم الأحد سادسَ عشرَ شعبان أبطل ملك الأمراء المكس الذي يؤخذ من الملح وأبطل مكس الأفراح، وأبطل أن لا تغنِّي امرأة لرجال، ولا رجل لنساء، وهذا في غاية ما يكون من المصلحة العظيمة الشامل نفعها.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره شرع نائب السلطنة سيف الدين بَيْدَمُر في نصب مجانيق على أعالي بروج القلعة، فنصبت أربعة مجانيق من جهاتها الأربع، وبلغني أنه نصب آخر في أرضها عند البحرة أخبرني بذلك ابني عبد الرحمن، ثم نصب آخر وآخر حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الأبرجة، وأخرج منها القلعية وأسكنها خلقًا من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الأنجاد، ونقل إليها من الغلات والأطعمة والأمتعة وآلات الحرب شيئًا كثيرًا، واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج إليه من جميع ما يرصد من القلاع، بما يفوت الحصر. ولما شاهد أهل البساتين المجانيق قد نصبت في القلعة انزعجوا وانتقل أكثرهم من البساتين إلى البلد، ومنهم من أودع عند أهل البلد نفائس أموالهم وأمتعتهم، والعاقبة إلى خير إن شاء الله تعالى.
وجاءتني فُتْيَا صورتها: ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلامًا فأحسن إليه وأعطاه وقدَّمه، ثم إنَّه وثَبَ على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه، وتصرف في المملكة، وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدَمَ عليه ليقتله، فهل له الامتناع منه؟ وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدًا أم لا؟ وهل يُثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال؟ أفتونا مأجورين
(1)
.
فقلت للذي جاءني بها من جهة الأمير: إن كان مراده خلاصَ ذمته فيما بينه وبين الله تعالى فهو أعلم بنيته في الذي يقصده، ولا يسعى في تحصيل حق معين إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة على ذلك، فيؤخَّر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقه، وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة والأمراء عليه، فلا بد أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولًا، ثم بعد ذلك تكتب بقية المفتين، والله الموفق للصواب.
هذا وقد اجتمع على الأمير نائب السلطنة جميع أمراء الشام، حتى قيل: إن فيهم من نواب السلطنة سبعةَ عشرَ أميرًا، وكلهم يحضر معه المواكب الهائلة، وينزلون معه إلى دار السعادة، ويمدّ لهم الأسمطة ويأكل معهم، وجاء الخبر بأن الأمير مَنْجَك المقيم ببيت المقدس قد أظهر الموافقة لنائب السلطنة، فأرسل له الأمير جِبْريل ثم عاد فأخبر بالموافقة، وأنه قد استحوذ على غزة ونائبه، وقد جمع وحشد واستخدم طوائف، ومسك على الجادة، فلا يدع أحدًا يمر إلا أن يفتش ما معه، لاحتمال إيصال كتب من من هاهنا إلى هاهنا، مع هذا كله فالمعدلة تامة جدًّا، والأمن حاصل هناك، فلا يخاف أحد، وكذلك بدمشق ونواحيها، لا يُهاج أحد ولا يَتعدّى أحد على أحد، ولا ينهب أحد لأحد شيئًا ولله الحمد، [غير
(1)
بدائع الزهور (1/ 582).
أن بعض أهل البساتين توهموا وركبوا إلى المدينة وتحوّلوا، وأودع بعضهم نفائس ما عندهم، وأقاموا بها على وجل، ذلك لمَّا رأوا المجانيق الستة منصوبة على رؤوس قلال الأبراج التي للقلعة، ثم أحضر نائب السلطنة القضاة الأربعة والأمراء كلهم وكتبوا مكتوبًا سطَّره بينهم كاتب السر، أنهم راضون بالسُّلطان كارهون لِيَلبُغا، وأنهم لا يريدونه ولا يوافقون على تصرُّفه في المملكة، وشهد عليهم القضاة بذلك، وأرسلوا المكتوب مع مملوك للأمير طَيْبُغَا الطَّويل
(1)
، نظير يَلْبُغَا بالديار المصرية، وأرسل مَنْجك إلى نائب السلطنة يستحثه في الحضور إليه في الجيش ليناجزوا المصريين، فعين نائب الشام من الجيش طائفة يبرزون بين يديه]
(2)
، وخرجت التجريدة ليلة السبت التاسع والعشرين من شعبان صحبة أَسَنْدَمُر الذي كان نائب الشام مددًا للأمير مَنْجَك في ألفين، ويذكر الناس أن نائب السلطنة بمن بقي من الجيش يذهبون على إثرهم، ثم خرجت أخرى بعدها ثلاثة آلاف، ليلة الثلاثاء الثامن من رمضان كما سيأتي.
ثم أحضر نائب السلطنة القضاة الأربعة والأمراء كلهم، وكتبوا بينهم مكتوبًا سطره كاتب السرّ أنّهم راضون بالسلطان، كارهون ليَلْبُغا، وأنهم لا يريدونه ولا يوافقون على تصرّفه في المملكة، وشهد عليهم القضاة بذلك، وأرسل المكتوب مع مملوك للأمير طيبغا، وأرسل الأمير منجك إلى نائب السلطنة يستحثه في الحضور إليه بالجيش، ليناجزوا المصريين. فعين نائب السلطنة من الجيش طائفةٌ يبرزون بين يديه
(3)
.
وتوفي الشيخ الحافظ علاء الدين مُغْلَطاي
(4)
المصري بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة، ودفن من الغد بالرَّيْدانية
(5)
، وقد كتب الكثير وصنَّف وجمع، وكانت عنده كتب كثيرة رحمه الله.
شهر رمضان المعظّم، أوّله الإثنين، وفي مستهله أحضر جماعة من التجار إلى دار العدل ظاهر باب النصر ليباع شيء عليهم من القند والفولاذ والزجاج مما هو في حواصل يَلْبُغَا
(6)
، فامتنعوا من ذلك خوفًا من استعادته منهم، فضرب بعضهم منهم شهاب الدين بن الصواف بين يدي الحاجب، وشاد الدواوين، ثم أُفرج عنهم في اليوم الثاني، ففرَّج الله بذلك.
(1)
كان السلطان حسن أمّره مع يلبغا طبلخاناه مات في حلب سنة (769) هـ.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من أ و ب و ط.
(3)
ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(4)
ترجمته في: الدرر الكامنة (4/ 352) والدليل الشافي (2/ 737) وشذرات الذهب (6/ 197) وفيها جميعًا: مُغلطاي بن قَليج بن عبد الله البَكْجُري.
(5)
في ط: "الزيدانية" بالزاي، وهو تصحيف، وهي مقبرة معروفة خارج باب الفتوح بالحسينية من القاهرة (خطط المقريزي 2/ 139)(بشار).
(6)
هو يَلبُغا اليحياوي صاحب الجامع المعروف.
وخرجت التجريدة ليلة الثلاثاء بعد العشاء صحبة ثلاثة مقدمين منهم عراق
(1)
ثم ابن صبح
(2)
تم ابن طرغية، ودخل نائب طرابلس الأمير سيف الدين تُومان إلى دمشق صبيحة يوم الأربعاء، عاشر رمضان، فتلقاه ملك الأمراء سيف الدين بَيْدَمُر إلى القصير
(3)
ودخلا معًا في أبهة عظيمة، فنزل تومان في القصر الأبلق، وبرز من معه من الجيوش إلى عند قبة يَلْبُغا، هذا والقلعة منصوب عليها المجانيق، وقد ملئت حرسًا شديدًا، ونائب السلطنة في غاية التحفّظ.
ولما أصبح يوم الخميس صمم تُوْمان تَمُر على ملك الأمراء في الرحيل إلى غزة ليتوافي هو وبقية من تقدمه من الجيش الشامي، ومَنْجك ومن معه هنالك، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فأجابه إلى ذلك وأمر بتقدم السبق بين يديه في هذا اليوم، فخرج السبق وأغلقت القلعة بابها المسلوك الذي عند دار الحديث الأشرفية، فاستوحش الناس من ذلك، والله يحسن العاقبة.
خروج ملك الأمراء بَيْدَمُر من دمشقَ متوجهًا إلى غزة ليلحق بالعساكر هناك
صلى الجمعة بالمقصورة الثاني عشر من رمضان نائب السلطنة، هو ونائب طرابلس، ثم اجتمعا بالخطبة في مقصورة الخطابة، ثم راح لدار السعادة، ثم خرج طلبه في تجمُّل هائل على ما ذكر بعد العصر، وخرج معهم فاستعرضهم، ثم عاد إلى دار السعادة فبات إلى أن صلى الصبح، ثم ركب خلف الجيش هو ونائب طرابلس، وخرج عامة من بقي من الجيش من الأمراء وبقية الحلقة، وسلمهم الله، وكذلك خرج القضاة، وكذا كاتب السر ووكيل بيت المال وغيرهم من كتاب الدست، وأصبح الناس يوم السبت وليس أحد من الجند بدمشق، سوى نائب الغيبة الأمير سيف الدين بن حمزة التركماني، وقريبه والي البر، ومتولي البلد الأمير بدر الدين صدقة بن أوحد، ومحتسب البلد ونواب القضاة، والقلعة على حالها، والمجانيق منصوبة كما هي. ولما كان صبح يوم الأحد رجع القضاة بكرة ثم رجع ملك الأمراء في أثناء النهار هو وتُومان تمر، وهم كلهم في لبس وأسلحة تامة، وكل منهما خائف من الآخر أن يمسكه، فدخل هذا دار السعادة، وراح الآخر إلى القصر الأبلق.
ولما كان بعد العصر قدم مَنْجَك وأسمندر كانا نائبي السلطنة بدمشق، وهما مغلولان قد كسرهما من كان قدم على منجك من العساكر التي جهزها بَيْدَمُر إلى مَنْجَك قوة له على المصريين، وكان ذلك على يدي الأمير سيف الدين تَمُر حاجب الحجاب ويعرف بالمهمندار، قال لمَنْجَك: كلنا في خدمة من
(1)
أمير معمر، ولي تقدمة ألف ثم أعطي طبلخاناه، مات سنة (773) هـ الدرر الكامنة (2/ 454).
(2)
هو شهاب الدين.
(3)
في ط: "الأقصر"، ولا يوجد مثل هذا الموضع في مشارف الشام، ولعل ما أثبتناه هو الصواب، وهو موضع في مشارف الشام.
بمصر، ونحن لا نطيعك على نصرة بَيْدَمُر، فتقاولا ثم تقاتلا، فهزم مَنْجَك، وذهب تَمُر ومَنْجَك ومن كان معهما كابن صبح وطَيْدَمُر.
ولما أصبح الصباح من يوم الإثنين خامس عشره لم يوجد لتؤمان تمر وطُبَيرق ولا أحد من أمراء دمشق عين ولا أثر، قد ذهبوا كلهم إلى طاعة صاحب مصر، ولم يبق بدمشق من أمرائها سوى ابن قَرَاسُنقُر من الأمراء المتقدمين، وسوى بَيْدَمُر ومَنْجَك وأَسَنْدَمُر، والقلعة قد هيئت والمجانيق منصوبة على حالها، والناس في خوف شديد من دخول بَيْدَمُر إلى القلعة، فيحصل بعد ذلك عند قدوم الجيش المصري حصار وتعب ومشقة على الناس، والله يحسن العاقبة
(1)
.
ولما كان في أثناء نهار الإثنين سادس عشره دُقَّت البشائر في القلعة وأظهر أن يَلْبُغا الخاصكي قد نفاه السلطان إلى الشام، ثم ضربت وقت المغرب ثم بعد العشاء في صبيحة يوم الثلاثاء أيضًا، وفي كل ذلك يركب الأمراء الثلاثة مَنْجَكَ وَبَيْدَمُر وأَسَنْدَمُر ملبسين، ويخرجون إلى خارج البلد، ثم يعودون، والناس فيما يقال: ما بين مصدق ومكذب، ولكن قد شُرع إلى تستير القلعة وتهيء الحصار فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم تبيّن أن هذه البشائر لا حقيقة لها، فاهتم في عمل ستائر القلعة وحمل الزلط والأحجار إليها، والأغنام والحواصل، وقد وردت الأخبار بأن الركاب الشريف السلطاني وصحبته يَلْبُغَا في جميع جيش مصر قد عدا غزّة، فعند ذلك خرج الصاحب وكاتب السر والقاضي الشافعي وناظر الجيش ونقباؤه ومتولّي البلد وتوجهوا تلقاء حماة لتلقي الأمير علي المارداي الذي قد جاءه تقليد دمشق، وبقي البلد شاغرًا عن حاكم فيها سوى المحتسب وبعض القضاة، والناس كغنم لا راعي لهم، ومع هذا الأحوال صالحة والأمور ساكنة، لا يعدو أحد على أحد فيما بلغنا، هذا وبَيْدَمُر ومَنْجَك وأسَندَمر في تحصين القلعة وتحصيل العدد والأقوات فيها، والله غالب على أمره، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، والستائر تعمل فوق الأبرجة، وصلَّى الأمير بَيْدَمُر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي، في مشهد عثمان، وصلَّى عنده منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة، وليس هناك أحد من الحجبة ولا النقباء، وليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية، ولا من الجند إلا القليل، وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان، والمباشرون إلى ناحية حماة لتلقي الأمير علي نائب الشام المحروس، ثم عاد إلى القلعة ولم يحضر الصلاة أسَنْدَمُر، لأنه قيل: كان منقطعًا، أو قد صلّى في القلعة.
وفي يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء الطريق إلى نائب دمشق يستعلم طاعته أو مخالفته، ويعتب عليه فيما اعتمده من استحواذه على القلعة وتحصينها، وادخار الآلات والأطعمات فيها، ونَصْبِ المَجَانِيْقِ والستائر عليها، وكيف تصرف في الأموال السلطانية تَصَرُّفَ الْمُلاكِ
(1)
الذيل التام للسخاوي (1/ 180 - 181).
والملوك، فتنصل ملك الأمراء من ذلك، وذكر أنه إنما أرصد في القلعة جنادتها وأنه لم يدخلها، وأن أبوابها مفتوحة، وهي قلعة السلطان، وإنما له غريم بينه وبينه الشرع والقضاة الأربعة - يعني بذلك يَلْبُغا - وكتب بالجواب وأرسله صحبة البريدي وهو كيكلدي مملوك طُقْطاي
(1)
الدويدار، وأرسل في صحبته الأمير صارم الدين أحد أمراء العشرات مِنْ يومِهِ ذَلِكَ.
وفي يوم الإثنين الثاني والعشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر، وليس ثمّ مفتوح سوى باب النصر والفرج، والناس في حصر شديد وانزعاج، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولكن قد اقترب وصول السلطان والعساكر المنصورة.
وفي صبيحة الأربعاء أصبح الحال كما كان وأزيد، ونزل الأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي بقبة يَلْبُغَا، وامتد طلبه من سبينة إلى داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة، وهيئة حسنة، وتأخر الركاب الشريف بتأخُّره عن الصَّنَمَيْن
(2)
بعد، ودخل بَيْدَمُر في هذا اليوم إلى القلعة وتحصن بها.
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه استمرت الأبواب كلها مغلقة سوى باب النصر والفرج، وضاق النطاق وانحصر الناس جدًّا، وقطع المصريون نهر بانياس، والفرع الداخل إليها وإلى دار السعادة من القنوات، واحتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور، فانزعج أهل البلد لذلك، وملؤوا ما في بيوتهم من برك المدارس، وبيعت القربة بدرهم، والحق بنصف، ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ ولله الحمد والمنة، فانشرح الناس لذلك، وأصبح الصَّبَاح يوم الجمعة والأبواب مغلقة ولم يفتح باب النصر والفرج إلى بعد طلوع الشمس بزمان، فأرسل يَلْبغا من جهته أربعة أمراء وهم الأمير زين الدين زبالة الذي كان نائب القلعة، والملك صلاح الدين بن الكامل، والشيخ علي الذي كان نائب الرّحبة من جهة بَيْدَمُر، وأمير آخر، فدخلوا البلد وكسروا أقفال أبواب البلد، وفتحوا الأبواب، فلما رأى بَيْدَمُر ذلك أرسل مفاتيح البلد إليهم.
وصول السلطان الملك المنصور إلى المصطبة غربي عقبة سَحُورا
كان ذلك في يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان في جحافل عظيمة كالجبال، فنزل عند المصطبة المنسوبة إلى عم ابنته الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، وجاءت الأمراء ونواب البلاد لتقبيل يده والأرض بين يديه، كنائب حلب، ونائب حماة، فلما كان يوم السبت السابع والعشرين منه خلع على الأمير علاء الدين علي المارداني بنيابة دمشق، وأُعيد إليها عودًا على بدء، ثم هذه الكرة
(1)
في ط: بقطبة وهو تحريف. وأثبتنا ما في الدليل الشافي (1/ 367). وهو: طقطاي بن عبد الله دوادار الأمير يلبغا اليحياوي نائب دمشق مات بعد الستين والسبعمئة.
(2)
في ط: الصنميين وهو تحريف، وانظر معجم البلدان، فهي قرية من أعمال دمشق من أوائل حوران.
الثالثة، وقبل يد السلطان وركب عن يمينه، وخرج أهل البلد لتهنئته، [هذا والقلعة محصنة بيد بَيْدَمر، وقد دخلها ليلة الجمعة واحتمى بها، هو ومَنْجَك وأسَنْدَمر ومن معه من الأعوان بها، ولسان حال القدر يقول: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]
(1)
.
ولما كان يوم الأحد طلب قضاة القضاة وأرسلوا إلى بَيْدَمُر وذويه بالقلعة ليصالحوه على شيء ميسور يشترطونه
(2)
، وكان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
سبب خروج بَيْدَمُر من القلعة وصفة ذلك
لما كان يوم الأحد الثامن والعشرين منه أرسل قضاة القضاة ومعهم الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، والشيخ سراج الدين الهندي الحنفي قاضي العسكر المصري للحنفية، إلى نائب السلطنة بيدمر ومن معه، ليتكلّموا في الصلح لينزلوا على ما يشترطون قبل أن يشرعوا في الحصار بالرجال والمجانيق التي قد استدعي بها من صفد وبعلبك، وأحضر من رجال البقاع نحو من ستة آلاف رام، فلما اجتمع به القضاة ومن معهم وأخبروه عن السلطان وأعيان الأمراء بأنهم قد كتبوا له أمانًا إن أناب إلى المصالحة، فطلب أن يكون بأهله ببيت المقدس، وطلب أن يعطي مَنْجَك بلدًا بناحية بلاد سيس ليسترزق هنالك، وطلب أسَندَمر أن يكون بشمقدارًا للأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي.
فرجع القضاة إلى السلطان الأمير زين الدين جبريل الحاجب، كان، فأخبروا السلطان والأمراء بذلك، فأجيبوا إليه، وخلع السلطان والأمراء على جبريل خلعًا، فرجع في خدمة القضاة ومعهم الأمير أسنبُغَا بن [بَكْتَمُر]
(3)
البوبكري، فدخلوا القلعة وباتوا هنالك كلهم، وانتقل الأمير بَيْدَمر بأهله وأثاثه إلى داره بالمطرّزين، فلما أصبح يوم الإثنين التاسع والعشرين منه خرج الأمراء الثلاثة من القلعة ومعهم جبريل، فدخل القضاة وسلَّموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى الأمير أَسَنْبُغَا بن البوبكري انتهى.
دخول السلطان المنصور محمد ابن الملك المظفر أمير حاجي ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون إلى دمشق في جيشه وجنوده وأمرائه وأُبَّهته
لما كان صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من رمضان هذه السنة، رجع القضاة إلى الوطاق الشريف، وفي صحبتهم الأمراء الذين كانوا بالقلعة، وقد أعطوا الأمان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم، فدخل القضاة، وحجب الأمراء المذكورون، فخلع على القضاة الأربعة وانصرفوا راجعين
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب وط.
(2)
الذيل للحسيني ص (342)
(3)
في ط: أستبغا الأبوبكري، وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (1/ 386) والنجوم الزاهرة (11/ 6) مات سنة (777) هـ.
مجبورين، وأما الأمراء المذكورون فإنهم أُركبوا على خيل ضعيفة، وخلف كل واحد منهم وساقي
(1)
أخذ بوسطه. قيل: وفي يد كل واحد من الوِسَاقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها، فدخل جهرة بين الناس ليُروهم ذلتهم التي قد لبستهم، وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب، فقام كثير من الناس، الله أعلم بعدتهم، إلا أنهم قد يقاربون المئة ألف أو يزيدون عليها، فرأى الناس منظرًا فظيعًا، فدخل به الوساقية إلى الميدان الأخضر الذي فيه القصر، فأجلسوا هنالك وهم ستة نفر: الثلاثة النواب وجبريل وابن أسَندَمُر، وسادس، وظن كل منهم أن يُفعل بهم فاقرة
(2)
، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وتراسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابًا أطلابًا في تجمل عظيم، ولبس للحرب بهرَ البَصَر وخيول وأسلحة ورماح، ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن، وعليه من أنواع الملابس قباء
(3)
زِنْجَارَي، والقبة والطير يحملهما على رأسه الأمير سيف الدين تُوْمَان تَمُر الذي كان نائب طرابلس، والأمراء مشاة بين يديه، والبسط تحت قدمي فرسه، والبشائر تضرب خلفه، فدخل القلعة. ورأى ما قد أرصد بها من المجانيق والأسلحة، فاشتد حنقه على بَيْدَمُر وأصحابه كثيرًا، ونزل الطارمة، وجلس على سرير المملكة، ووقف الأمراء والنواب بين يديه، ورجع الحق إلى نصابه، وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صلاح الدين صالح في أول يوم من رمضان، وهذا في التاسع والعشرين منه، وقد قيل: إنه سلخه والله أعلم. وشرع الناس في الزينة.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين، مفرقًا بينهم، [بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين، أصبحوا معتقلين مهانين خائفين، فخاروا بعدما كانوا رؤساء، وأصبحوا بعد عزهم أذلاء]
(4)
، وتطلب أَعْيانُ أَصْحَابِ هَؤُلاءِ الأُمَراءِ. ونودي عليهم في البلد، ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل، وولاية إمرة بحسب ذلك، ورسم في هذا اليوم على الرئيس أمين الدين بن القلانسي كاتب السر
(5)
، وطلب منه ألف ألف درهم، وسُلِّم إلى الأمير زين الدين زبالة نائب القلعة، وقد أُعيد إليها وأعطي تقدمة ابن قَرَاسُنقُر، وأمره أن يعاقبه إلى أن يزن هذا المبلغ.
شهر شوال أوّله الأربعاء، وصلَّى السلطان وأمراؤه بالميدان الأخضر صلاة العيد، ضرب له خام
(1)
"الوساقي": الحمّال.
(2)
"الفاقرة": الداهية والمصيبة.
(3)
في ط: قباز.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب وط.
(5)
هو: محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله. مات سنة (763) هـ كما سيأتي.
عظيم، وصلى به خطيبًا القاضي تاج الدين المناوي
(1)
الشافعي، قاضي العسكر المنصورة للشافعية، ودخل الأمراء مع السلطان للقلعة من باب الحديد، ومدَّ لهم سماط هائل أكلوا منه ثم رجعوا إلى دورهم وقصورهم، وحمل الطير في هذا اليوم على رأس السلطان الأمير علي نائب دمشق، وخلع عليه خلعة هائلة.
وفي هذا اليوم مُسك الأمير تُوْمان تَمُر الذي كان نائب طرابلس، ثم بَيْدَمُر، فكان من أمره ما قدَّمنا ذكره، ثم نَفَرَ إلى المصريين واعتذر إليهم، فعذروه فيما يبدو للناس، ودخل وهو حامل القبة على رأس السلطان يوم الدخول، ثم ولّوه نيابة حمص، فصغروه وحقروه، ثم لما استمر ذاهبًا إليها فكان عند القابون أرسلوا إليه فأمسكوه وردوه، وطلب منه المئة ألف التي كان قبضها من بَيْدَمُر، ثم ردُّوه إلى نيابة حمص.
وفي يوم الخميس ثاني الشهر اشتهر الخبر بأن طائفة من الجيش بمصر من طواشية وخاصكية ملكُوا عليهم حُسَيْن بن الناصر ثم اختلفوا فيما بينهم واقتتلو
(2)
، وأن الأمر قد انفصل، ورُدَّ حُسَيْن للمحل الذي كان معتقلًا فيه
(3)
، وأطفأ الله شر هذه الطائفة ولله الحمد.
وفي آخر هذا اليوم لبس القاضي ناصر الدين ابن الصاحب شرف الدين بن يعقوب
(4)
خلعة كتابة السر الشريفية، والمدرستين، ومشيخة الشيوخ عوضًا عن الرئيس علاء الدين بن القلانسي، عُزل وصودر، وراح الناس لتهنئته بالعَوْد إلى وظيفته كما كان
(5)
.
وفي صبيحة يوم الجمعة ثالثه مسك جماعة من الأمراء الشاميين منهم الحاجبان صلاح الدين وحسام الدين والمهمندار ابن أخي الحاجب الكبير، تمر، وناصر الدين ابن الملك صلاح الدين بن الكامل، وابن حمزة والطرخاني واثنان أخوان وهما طَيْبُغا زفر وبلجاك
(6)
؛ كلهم طبلخانات، وأخرجوا خبز وتمر حاجب الحجاب، وكذلك الحجوبية [وأعطوه لا بن القشيري الذي كان نائب حلب والحجوبية]
(7)
أيضًا لقُماري أحد أمراء مصر.
(1)
في ط: الساوي وهو تحريف.
هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المصري المُنَاوي مات سنة (765) هـ كما سيأتي.
(2)
الدرر الكامنة (2/ 70). بدائع الزهور (1/ 584) الذيل التام (1/ 180)
(3)
في دور الحريم بقلعة الجبل
(4)
هو: محمد بن يعقوب مات سنة (763) هـ كما سيأتي
(5)
الدرر الكامنة (4/ 287)
(6)
في ط: بلجات. وسوف يأتي بالكاف
(7)
ما بين الحاصرتين ليس في أ وب وط
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال مسك ستة عشر أميرًا من أمراء العرب وكانوا بالقلعة المنصورة، منهم عمر بن موسى بن مُهَنَّا الملقب بالمِصْمَع، الذي كان أمير العرب في وقت، ومعيقل بن فضل بن مهنا وآخرون، وذكروا أن سبب ذلك أن طائفة ذلك أن طائفة من آل فضل عرضوا للأمير سيف الدين الأحمدي الذي استنابوه على حلب، وأخذوا منه شيئًا من بعض الأمتعة، وكادت الحرب تقع بينهم.
وفي ليلة الخميس بعد المغرب حمل تسعة عشر أميرًا من الأتراك والعرب على البريد مقيدين في الأغلال أيضًا إلى الديار المصرية، منهم بَيْدَمُر ومَنْجَك وأسَندَمُر وجبريل وصلاح الدين الحاجب وحسام الدين أيضًا وبلجك وغيرهم، ومعهم نحو من مئتي فارس ملبسين بالسلاح متوكلين بحفظهم، وساروا بهم نحو الديار المصرية، وأمَّروا جماعةً من البطالين منهم أولاد لاقوش، وأطلق الرئيس أمين الدين بن القلانسي من المصادرة والترسيم بالقلعة، بعد ما وَزَن بعض ما طلب منه، وصار إلى منزله، وهنّاه الناس.
خروج السلطان من دمشقَ قاصدًا مصرَ
(1)
ولما كان يوم الجمعة عاشر شهر شوال خرج طلب يَلْبُغا الخاصكي صبيحته في تجمل عظيم لم ير الناس في هذه المُدَد مثله، من نجائب وجنائب ومماليك وعظمة هائلة، وكانت عامة الأطلاب قد تقدّمت قبله بيوم، وحضر السلطان إلى الجامع الأموي قبل أذان الظهر، فصلّى في مشهد عُثمان هو ومن معه من أمراء المصريين، ونائب الشام، وخرج من فوره من باب النصر ذاهبًا نحو الكسوة والناس في الطرقات وعلى الأسطحة على العادة، وكانت الزينة قد بقي أكثرها في الصاغة والخواصين وباب البريد إلى هذا اليوم، فاستمرت نحو عشرة الأيام
(2)
.
وفي يوم السبت حادي عشرَه خُلع على الشيخ علاء الدين
(3)
الأنصاري بإعادة الحسبة إليه وعزل عماد الدين بن الشيرجي
(4)
.
وخرج المحمل يوم الخميس سادسَ عشره على العادة، والأمير مصطفى البيري.
وتوفي يوم الخميس ويوم الجمعة أربعة أمراء بدمشق، وهم طَشْتَمُر زَفَر
(5)
وَطَيْبُغَا الفيل
(6)
،
(1)
النجوم الزاهرة (11/ 5).
(2)
في ط: العشرة أيام.
(3)
هو: علي بن محمد بن سعيد بن سالم بن يعقوب بن قمر. علاء الدين الأنصاري بن أمير المشهد. مات سنة (763) هـ كما سيأتي.
(4)
في ط: السيرجي بالسين. وما أثبت موافق لما في الذيل للحسيني ص (344).
(5)
في ط: وفر والتصويب من الذيل التام للسخاوي (1/ 186) وترجمته فيه.
(6)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 230).
ونَوْرُوز
(1)
أحد مقدمي الألوف، وتَمُر المهمندار
(2)
، وقد كان مقدم ألف، وحاجب الحجاب، وعمل نيابةً غزة في وقت، ثم تعصب عليه المصريون فعزلوه عن الإمرة، وكان مريضًا فاستمر مريضًا إلى أن توفي يوم الجمعة، ودفن يوم السبت بتربته التي أنشأها بالصُّوفية، لكنّه لم يُدفن فيها بل على بابها كأنه تورع أو ندم على بنائها فوق قبور المسلمين رحمه الله.
وتوفي الأمير ناصر الدين بن لاقوش
(3)
يوم الإثنين العشرين من شوال ودفن بالقبيبات، وقد ناب ببعلبك وبحمص، ثم قطع خبزه هو وأخوه كُجْكُن
(4)
ونفُوا عن البلد إلى بلدان شتى، ثم رضي عنهم الأمير يَلْبغا وأعاد عليهم أخباز
(5)
بطبلخانات، فما لبث ناصر الدين إلا يسيرًا حتى توفي إلى رحمة الله تعالى، وقد أثر آثارًا حسنة كثيرة، منها عند عقبة الرمانة خان مليح نافع، وله ببعلبك جامع وحمام وخان وغير ذلك، وله من العمر ست وخمسون سنة.
[وفي يوم الأحد السادس والعشرين منه درّس القاضي بدر
(6)
الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشافعي بالمدرسة الأتابكية، نزل له عنها والده بتوقيع سلطاني، وحضر عنده القضاة والأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
وفي هذا اليوم درّس القاضي نجم الدين أحمد بن عثمان النابلسي الشّافعي المعروف بابن الجابي
(7)
بالمدرسة العَصْرونية
(8)
استنزل له عنها القاضي أمين الدين بن القلانسي في مصادراته.
وفي صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من شوّال درّس القاضي ولي الدين عبد الله
(9)
بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء بالمدرستين الرَّواحية ثم القيمرية، نزل له عنهما والده المذكور بتوقيع سلطاني، وحضر عنده فيهما القضاة والأعيان]
(10)
.
وفي صبيحة يوم الخميس سلخ شوال سُمّر الشيخ أسد بن الشيخ الكردي
(11)
على جمل وطِيف به في حواضر البلد ونودي عليه: هذا جزاء من يخامر على السلطان ويفسد نواب السلطان، ثم أُنزل عن الجمل
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 398). وهو نوروز الناصري.
(2)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (339) والذيل التام للسخاوي (1/ 185).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (4/ 280) والذيل التام للسخاوي (1/ 186) وفيه: محمد بن آقوش.
(4)
في ط: كحلن. وقد سبق الكلام فيه.
(5)
في ط: "أخبارًا" بالراء ولا معنى لها، والصواب ما أثبتناه، وهو جمع "خبز". (بشار)
(6)
في ط: نور. وهو تحريف.
(7)
الياسوفي. مات سنة (778) هـ. الدرر الكامنة (1/ 200) الدارس (1/ 241).
(8)
هي داخل باب الفرج والنصر شرقي القلعة. الدارس (1/ 398).
(9)
مات سنة (785) هـ. الدرر الكامنة (2/ 292) الدارس (1/ 273 و 445).
(10)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(11)
هو: أسد بن أميري الكردي من أعوان بَيْدَمر ضد يَلْبُغَا. الدرر الكامنة (1/ 359).
وحمل على حمار، وطيف به في البلد ونُودي عليه بذلك، ثم ألزم السجن، وطلب منه مالٌ جزيل، وقد كان المذكور من أعوان بَيْدَمر المتقدم ذكره وأنصاره، وكان هو المتسلّم للقلعة في أيامه.
شهر ذي القعدة، أوّله الجمعة، في يوم الجمعة ثامنه بعد الصلاة عقد عقد الأمير ناصر الدين محمد ابن نائب السلطنة الأمير علي المارداني بدار السعادة على ابنة عمه قُماري
(1)
بولاية قاضي الفضل الحنفي وباشر القبول قاضي القضاة الشافعي
(2)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين حادي عَشْرِه خُلع على قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح بقضاء العسكر الذي كان متوفّرًا عن علاء الدين بن شَمَرْيوخ
(3)
، وهنأه الناس بذلك وركب البغلة بالزناري مضافًا إلى ما بيده من نيابة الحكم والتدريس.
[وفي يوم الإثنين ثامن عشره أُعيد تدريس الركنية بالصالحية إلى قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي، استرجعها بمرسوم شريف سلطاني، من يد القاضي عماد الدين بن العز، وخُلع على الكفري، وذهب الناس إليه للتهنئة بالمدرسة المذكورة]
(4)
.
شهر ذي الحجة، وأوّله الجمعة، وفيه اشتهر وقوع فتن بين الفلاحين بناحية عجلون
(5)
، وأنهم اقتتلوا فقتل من الفريقين اليمني والقيسي طائفة، وأن عين حينا التي هي شرقي عجلون دمِّرت وخربت، وقطع أشجارها ودمرت بالكلية.
وفي يوم السبت سادس عشره ظهر القاضي علاء الدين المحتسب وأولاده الأربعة، وظهر معهم أزيد من خمسين يتيمًا، ويعطي كل واحدٍ منهم عشرة دراهم وأزيد، وربما كسا بعضهم، فاستحسن ذلك منه، وعمل أعذارًا دعي إليه القضاة والأعيان والفقراء والقرّاء وغيرهم
(6)
.
[وفي صبيحة يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة لم تفتح أبواب دمشق إلى ما بعد طلوع الشمس، فأنكر الناس ذلك، وكان سببه الاحتياط على أمير يقال له: كتبغا
(7)
، كان يريد الهرب إلى بلاد الشرق، فاحتيط عليه حتى أمسكوه]
(8)
(1)
أخو علي المارداني. توفي سنة 757 هـ. ذكر من قبل.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
هو: علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس البعلي الزُّرعي الدمشقي علاء الدين بن شمريوخ مات سنة (776) هـ. الدرر الكامنة (3/ 73)
(4)
ليست في الأصل، واستدركته من ط. انظر: الدارس (1/ 519) وهي: الركنية البرانية.
(5)
مدينة معروفة من أعمال الأردن اليوم.
(6)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(7)
في ط: كسبغا وهو تحريف.
(8)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته ط.
وفي ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة قدم الأمير سيف الدين طاز
(1)
من القدس فنزل بالقصر الأبلق، وقد عمي من الكحل حين كان مسجونًا بالإسكندرية، فأُطلق كما ذكرنا، ونزل ببيت المقدس مدة، ثم جاءه تقليد بأنه يكون طرخانا
(2)
ينزل حيث شاء من بلاد السلطان، غير أنه لا يدخل ديار مصر، فجاء فنزل بالقصر الأبلق، وجاء الناس إليه على طبقاتهم - نائب السلطنة فمن دونه - يسلمون عليه وهو لا يبصر شيئًا، وهو على عزم أن يشتري أو يستكري له دارًا بدمشق يسكنها. انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمئة
استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما والاهما من الممالك الإسلامية السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر أمير حاجي
(3)
بن الملك المنصور قلاوون، وهو شاب دون العشرين.
ومدبّر الممالك بين يديه الأمير يَلْبُغا، ونائب الديار المصرية قَشْتَمُر
(4)
.
وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها.
والوزير سيف الدين قَرَوينة وهو مريضٌ مُدْنَفٌ.
ونائب الشام بدمشق الأمير علاء الدين المارداني، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها، وكذلك الخطيب، ووكيل بيت المال، والمحتسب علاء الدين علي الأنصاري عاد إليها في السنة المنفصلة، وحاجب الحجاب قماري
(5)
، والذي يليه السليماني وآخر من مصر أيضًا، وكاتب السر القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب الحلبي، وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل، وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي أنَّه جُدِّد في أول هذه السنة قاض حنفي بمدينة صفد المحروسة مع الشافعي، فصار في كل من حماة وطرابلس وصفد قاضيان شافعي وحنفي.
شهر الله المحرّم، أوّله الإثنين. وقيل: الأحد، وفي ثانيه قدم نائب السلطنة بعد غيبة نحو من خمسة
(1)
هو: طاز بن قطغاج. ذكر كثيرًا. وكان مدبّر الدولة أيام الملك الصالح. مات سنة (763) هـ الدرر الكامنة: (2/ 214).
(2)
له مرتب أمير، ولكنه بطّال.
(3)
في ط: حاج، والتصويب من ذيل العبر للحسيني ص (347).
(4)
في ط: طشتمر والتصويب من الدرر الكامنة (3/ 249) والدليل الشافي (2/ 543) وهو: قشتمر بن عبد الله المنصوري الأمير سيف الدين، قتل في واقعة بظاهر حلب سنة (770) هـ.
(5)
سيأتي ذكره بعد قليل عند الكلام على عزل تاج الدين السبكي.
عشر يومًا، وقد أوطأ بلاد فرير بالرعب، وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس، وكان قد اشتهر أنه قصد العشران المواسين ببلاد عجلون، فسألته عن حين سلّمتُ عليه فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير، [وأن العشران قد اصطلحوا واتفقوا، وأن التجريدة عندهم هناك. قال: وقد كبس الأعراب من حرم الترك، فهزمهم الترك وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، ثم ظهر للعرب كمين فلجأ الترك إلى وادي صرح فحصروهم هنالك، ثم ولت الأعراب فرارًا ولم يقتل من الترك أحد، وإنما جرح منهم أمير واحد فقط، وقتل من الأعراب فوق الخمسين نفسًا]
(1)
.
وقدم الحجاج يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرّم، ودخل المحمل السلطاني ليلة الإثنين بعد العشاء، ولم يحتفل لدخوله كما جرت به العادة، وذلك لشدة ما نال الركب في الرجعة من بريز إلى هنا من البرد الشديد، بحيث إنه قد قيل إنه مات منهم بسبب ذلك نحو المئة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولكن أخبروا برخص كثير وأمن، وبموت ثقبة
(2)
أخي عَجْلان صاحب مكة، وقد استبشر بموته أهل تلك البلاد لبغيه على أخيه عجلان العادل فيهم انتهى والله أعلم.
منام غريب جدًّا
ورأيتُ في ليلة الإثنين الثاني والعشرين من المحرّم سنة ثلاث وستين وسبعمئة الشيخ محيي الدين النواوي
(3)
رحمه الله، فقلت له: يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك [المهذب]
(4)
شيئًا من مصنفات ابن حزم
(5)
؟ فقال ما معناه: إنه لا يحبه، فقلت له: أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في أصوله وفروعه، أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس، وفي الأصول مؤوّل تابع
(6)
قرمط القرامطة وهرمس الهرامسة، ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم، ثم أشرت له إلى أرض خضراء تشبه النخيل بل هي أردأ شكلًا منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي، فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(2)
في ط: نفسه والتصويب من الدرر الكامنة (1/ 531) وهو: ثقبة بن رميثة.
(3)
هو: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي. مات سنة (676) هـ فوات الوفيات (4/ 264).
(4)
المهذب لأبي إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي. مات سنة (476) هـ في الفقه الشافعي الفوات (1/ 29) والأعلام (1/ 51).
قلت: شرحه النووي ووصل فيه إلى أبواب الرّبا، ولم يتمه، وقد ذكره ابن كثير لدى حديثه عن النووي رحمه الله إذ قال: إنه لو كمل لم يكن له نظير في بابه، فإنه أبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاد وحرّر الفقه في المذهب وغيره، والحديث على ما ينبغي، واللغة وأشياء مهمة لا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. اهـ.
(5)
هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري مات سنة (456) الفوات (3/ 325) هـ.
(6)
في ط، (تول مائع). وهو تحريف.
[قال] انظر هل ترى فيها شجرًا مثمرًا أو شيئًا ينتفع به؟ فقلت: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر. فهذا حاصل ما رأيته، ووقع في خَلَدي أن ابن حزم كان حاضرنا عند ما أشرت للشيخ محيي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم، وهو ساكت لا يتكلم.
شهر صفر، أوّله الأربعاء، وقيل الثلاثاء. في يوم الثلاثاء رابع عشره ورد البريد من الديار المصرية إلى نائب السلطنة يأمره بأن يكون الجيش بكماله على أهبة الجهاد، ليسيروا نحو: بلاد ملطية وقيسارية بعد شهر، فتأهبوا لذلك
(1)
.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرجي بعود الحسبة إليه بسبب ضعف علاء الدين الأنصاري عن القيام بها لشغله بالمرض المُدْنِف، وهناه الناس على العادة.
وفي ليلة السبت السادس والعشرين منه توفي.
الشيخ علاء الدين الأنصاري
(2)
المذكور بالمدرسة الأمينية، وصُلّي عليه الظهر بالجامع الأموي، ودفن بمقابر باب الصغير خلف محراب جامع جراح
(3)
، في تربة هنالك، وقد جاوز الأربعين سنة، ودرَّس في الأمينية، وفي الحسبة مرتين، وترك أولادًا صغارًا وأموالًا جزيلة سامحه الله ورحمه، وولي المدرسة بعده قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي بمرسوم كريم شريف
(4)
.
وفي العشر الأخير منه بلغنا وفاة:
قاضي القضاة المالكية الإخنائي
(5)
بمصر وتولية أخيه برهان الدين ابن قاضي القضاة علم الدين الشافعي أبوه قاضيًا مكان أخيه، وقد كان على الحسبة بمصر مشكور السيرة فيها، وأضيف إليه نظر الخزانة كما كان أخوه.
شهر ربيع الأول الأول، وأوَّله الخميس، وفي صبيحة الأحد يوم رابعه كان ابتداء حضور قاضي القضاة تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين أبي
(6)
الحسن بن عبد الكافي السبكي الشافعي تدريس الأمينيّة عوضًا عن الشيخ علاء الدين المحتسب، بحكم وفاته رحمه الله كما ذكرنا، وحضر عنده
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (348) والدرر الكامنة (3/ 103) وفيه: علي بن محمد بن سعيد بن سالم
…
(1/ 200) والذيل التام للسخاوي (1/ 190).
(3)
خارج الباب الصغير بمحلة سوق الغنم. الدارس (2/ 420)
(4)
الدارس (1/ 200).
(5)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (348) والدرر الكامنة (4/ 245) والنجوم الزاهرة (11/ 14) والذيل التام للسخاوي (1/ 191)
(6)
في ط: "بن" وهو تحريف بين فهو أبو الحسن علي بن عبد الكافي (بشار)
خلق من العلماء والأمراء والفقهاء والعامة، وكان درسًا حافلًا، أخذ في قوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] الآية وما بعدها، فاستنبط أشياء حسنة، وذكر ضَرْبًا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة، أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج ولا تكلف فأجاد وأفاد، وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم حتى قال بعض الأكابر: إنَّه لم يسمع درسًا مثله
(1)
.
وفي يوم الإثنين الخامس والعشرين منه توفي:
[الصدر برهان الدين بن لؤلؤ الحوضي، في داره بالقصَّاعين ولم يمرض إلا يومًا واحدًا، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق بعد صلاة الظهر، وخرجوا به من باب النصر، فخرج نائب السلطنة الأمير علي فصلى عليه إمامًا خارج باب النصر، ثم ذهبوا به فدفنوه بمقابرهم بباب الصغير، فدفن عند أبيه رحمه الله، وكان رحمه الله فيه مروءة وقيام مع الناس، وله وجاهةٌ عند الدّولة، وقبول عند نواب السلطنة وغيرهم، ويحب العلماء وأهل الخير، ويواظب على سماع مواعيد الحديث والخير، وكان له مال وثروة ومعروف، قارب الثمانين رحمه الله]
(2)
.
وجاء البريد من الديار المصرية فأخبر بموت:
الشيخ شمس الدين محمد
(3)
بن النقاش المصري بها، وكان واعظًا باهرًا، وفصيحًا ماهرًا، ونحويًّا شاعرًا، له يد طولى في فنون متعددة، وقدرة على نسج الكلام، ودخول على الدولة، وتحصيل الأموال، وهو من أبناء الأربعين رحمه الله.
وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي، الذي كان قاضيًا بالشام للمالكية، ثم عُزل بنظر الخزانة بمصر، فإِنَّه رُتِّب له معلوم وافر يكفيه ويفضل عنه، ففرح بذلك من يحبه.
وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي، الذي كان قاضيًا بالشام للمالكية، ثم عُزل بنظر الخزانة بمصر، فإنه رُتب له معلوم وافر يكفية ويفضل عنه، ففرح بذلك من يحبُّه.
شهر ربيع الآخر، وأوّله الجمعة
(4)
.
وفي يوم الأحد السابع عشر منه توفي:
(1)
الدرر الكامنة (2/ 426) الدارس (1/ 200).
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (349) والدرر الكامنة (4/ 71) والنجوم الزاهرة (11/ 13) والذيل التام (1/ 189).
وهو: محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدكالي ثم المصري أبو أمامة بن النقاش.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
الرَّئيس أمين الدين محمد
(1)
بن الصدر جمال الدين أحمد بن الرئيس شرف الدين محمد بن القلانسي، آخر من بقي من رؤساء البلد وكبرائها، وقد كان باشر مباشرات كبار كأبيه وعمه علاء الدين، ولكن فاق هذا على أسلافه فإنّه باشر وكالة المال مدّة، وولي قضاء العساكر أيضًا، ثم ولي كتابة السر مع مشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشَّامية الجوانية، [وكان قد درس في العصرونية
(2)
من قبل سنة ست وثلاثين، ثم لما قدم السلطان في السنة الماضية عُزل عن مناصبه الكبار، وصودر بمبلغ كثير يقارب مئتي ألف، فباع كثيرًا من أملاكه، وما بقي بيده من وظائفه شيء، وبقي خاملًا مدة إلى يومه هذا، فتوفي بغتة، وكان قد تشوش قليلًا لم يشعر به أحد، وصلّي عليه العصر بجامع دمشق، وخرجوا به من باب الناطفانيين إلى تربتهم التي بسفح قاسيون رحمه الله]
(3)
.
وفي صبيحة يوم الإثنين ثامن عشره، خلع على القاضي جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي
(4)
، وجعل مع أبيه شريكًا في القضاء ولقب في التوقيع الوارد صحبة البريد من جهة السلطان "قاضي القضاة" فلبس الخلعة بدار السعادة، وجاء ومعه قاضي القضاة تاج الدين السبكي إلى النُّورية فقعد في في المسجد ووضعت الربعة فقرئت وقرئ القرآن ولم يكن درسًا، وجاءت الناس للتهنئة بما حصل من الولاية له مع أبيه.
وفي يوم الإثنين الخامس والعشرين منه خلع على ناصر الدين بن الغاوي بالعود إلى ولاية المدينة، وعُزل عنها العلم البصراوي
(5)
.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء توفي:
الشيخ الصالح العابد الناسك الجامع فتح الدين
(6)
بن الشيخ زين الدين الفارقي، إمام دار الحديث الأشرفية، وخازن الأثر بها، ومؤذن في الجامع، وقد أتت عليه تسعون سنة في خير وصيانة وتلاوة وصلاة كثيرة وانجماع عن الناس، صلّي عليه صبيحة يومئذ، وخرج به من باب النصر إلى نحو الصالحية رحمه الله.
(1)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (349) والدرر الكامنة (3/ 362) والنجوم الزاهرة (11/ 15) والدارس (1/ 307) والذيل التام (1/ 189).
(2)
الدارس (1/ 308 و 404).
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(4)
هو: يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة مات سنة (766) هـ. الدرر الكامنة (4/ 446).
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(6)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (350) والدرر الكامنة (4/ 424) والنجوم الزاهرة (11/ 17) والذيل التام للسخاوي (1/ 192).
وهو: يحيى بن عبد الله بن مروان بن عبد الله بن قمر الفارقي ثم الدمشقي.
شهر جمادى الأولى، أوّله السبت، وفي صبيحة يوم الإثنين عاشره ورد البريد وهو قَرَابُغَا دوادار نائب الشام الصغير، ومعه تقليد بقضاء قضاة الحنفية للشيخ جمال الدين يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري، بمقتضى نزول أبيه له عن ذلك، فلبس الخلعة بدار السعادة وأجلس تحت المالكي، ثم جاؤوا إلى المقصورة من الجامع وقرئ تقليده هنالك، قرأه شمس الدين بن السُّبكي نائب الحسبة، واستناب اثنين من أصحابهم وهما شمس الدين بن منصور
(1)
، وبدر الدين بن الجواشني
(2)
ثم جاء معه إلى النورية فدرس بها ولم يحضره والده بشيء من ذلك انتهى - والله أعلم -.
موت الخليفة المعتضد بالله
(3)
:
كان ذلك في العشر الأوسط من جمادى الأولى بالقاهرة، وصُلِّي عليه يوم الخميس، أخبرني بذلك قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشَّافعي، عن كتاب أخيه الشيخ بهاء الدين - حفظهما الله تعالى -.
خلافة المتوكل على الله
ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله
(4)
أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد - رحم الله أسلافه -.
واشتهر في هذا الشهر طلوع نجم وقت أذان الفجر من الشرق مما يلي الشمال، له ذنب مستطيل، ولم يتفق رؤيتي له في هذا الشهر
(5)
.
وفي جمادى الأولى توجّه الرسول من الديار المصرية ومعه سناجق خليفية وسلطانية وتقاليد وخلع وتحف لصاحبي المَوْصل وسِنْجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما.
وولّى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين، حسب ما أخبرني بذلك، وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين، وهذا أمر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم. والله أعلم.
وفي جمادى الآخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الغسولة ومعه حجبته ونقباء النقباء، وكاتب السرّ وذووه، ومن عزمهم الإقامة مدة، فقدم من الديار المصرية أمير على البريد فأسرعوا الأوبة فدخلوا في
(1)
الدارس (1/ 624)
(2)
في ط: الخراشي وأثبتنا ما وأثبتنا ما في الذيل للحسيني ص (351)
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (350) والدرر الكامنة (1/ 443) والنجوم الزاهرة (11/ 14) والذيل التام (1/ 187).
(4)
بعد هذا في ط: علي، ولا يصح.
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
صبيحة الأحد الحادي والعشرين منه، وأصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة.
وخلع على الأمير سيف الدين يَلْبُغا الصَّالحي، وجاء النص من الديار المصرية بجعله دويدارًا عوضًا عن سيف الدين كجكن
(1)
.
وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مُرّي
(2)
بتوقيع الدست، وجهات أخر، قدم بها من الديار المصرية، فانتشر الخبر في هذا اليوم بإجلاس قاضي القضاة شمس الدين الكفري الحنفي، فوق قاضي القضاة، لكن لم يحضر في هذا اليوم، وذلك بعد ما قد أُمر بإجلاس المالكي فوقه.
شهر رجب الفرد، أوّله الأربعاء، وفي ثاني رجب توفي:
القاضي الإمام العالم شمس الدين
(3)
بن مفلح المقدسي الحنبلي، نائب شيخه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي، وزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث، وكان بارعًا فاضلًا متفتنًا في علوم كثيرة، ولا سيما علم الفروع، كان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد، وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب "المقنع" نحوًا من ثلاثين مجلدًا كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين المزداوي، [وعلق على "محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية"
(4)
مجلدين، وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات رحمه الله، توفي عن نحو خمسين سنة، وصلّي عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفّري، ودفن بمقبرة الشيخ الموفق]
(5)
، وكانت له جنازة حافلة حضرها القضاة كلهم، وخلق من الأعيان رحمه الله وأكرم مثواه.
وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة
(6)
أساؤوا الأدب على النائب ومماليكه وذويه، بسبب جامع للخُطبة جُدِّدَ بناحيتهم، فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين، فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعًا قد نصب فيه منبر، وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه إليه، فأنفت أنفس أهل تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعًا، وأعظموا ذلك، فتكلم بعضهم بكلام سيئ، فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه، ونودي عليهم في البلد، فأزداد
(7)
بعض العامة إنكارًا لذلك
(1)
في ط: كحلن. وقد مر الكلام عليه.
(2)
في ط: مرقي. تحريف.
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (352) وفيه: أبو عبد الله محمد بن مفلح وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 213). والدرر الكامنة (4/ 261) والنجوم الزاهرة (11/ 16) والدارس (2/ 85) والذيل التام (1/ 190).
(4)
هو كتاب المنتقى للمجد بن تيمية.
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(6)
محلة معروفة إلى اليوم بدمشق.
(7)
في ط: فأراد. تحريف.
[وحُدِّد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي الذي يقرأ عليه المصحف، رتبه أحد أولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي، وحدّث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج، واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير، وقرأ في "السيرة النبوية"
(1)
من خطّي، وذلك في العشر الأول من هذا الشهر]
(2)
.
أعجوبة من العجائب:
وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخُراسان يزعم أنه يحفظ "البخاري" و "مسلمًا" و "جامع المسانيد" و "الكشاف" للزمخشري وغير ذلك من محافيظ
(3)
في فنون أُخر. فلما كان يوم الأربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الأموي بالحائط الشمالي منه، عند باب الكلاسة [عليَّ] من أول "صحيح البخاري" إلى أثناء كتاب العلم منه، من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي، فأدى جيدًا، غير أنه يصحُفُ بعضًا من الكلمات لعُجم فيه، وربما لحن أيضًا في بعض الأحيان، واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعةٌ من المحدثين، فأعجب ذلك جماعةً كثيرين، وقال آخرون منهم: إن سرد بقيَّة الكتاب على هذا المنوال فعظيم جدًّا.
فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء، واجتمع العامة مُحْدقين، فقرأ على العادة غير أنَّه لم يطوّل كأول يوم، وسقط عليه بعض الأحاديث، وصحف ولحن في بعض الألفاظ، ثم جاء القاضيان الحنفي والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضًا بعض الشيء، هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره، ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه، وفرح بكتابتي له بالسَّماع على الإجازة، وقال: أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك، وأن تجيزني، وذكرك عنها في بلادنا مشهور، ثم رحل
(4)
إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والأعيان بشيء من الدراهم يقارب الألف.
شهر شعبان المكرّم، أوله الخميس، خرج من أوّله نائب السلطنة نحو الصنمين لإصلاح قناة بها، ثم عاد بعد أيام يسيرة، ونودي في البلد ألا يباع الأعراب شيئًا من السلاح، ولا غيرها من الأمتعة مطلقًا
(5)
.
(1)
يعني السيرة النبوية التي ألفها ابن كثير رحمه الله وهي مطبوعة.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس من الأصل. واستدركته من ط.
(3)
في ط: محاضيرها. تحريف.
(4)
في ط: دخل. وهو تحريف.
(5)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
عزل الأمير علي عن نيابة دمشق المحروسة
(1)
:
في يوم الأحد حادي عَشَرَه ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف بعزل الأمير علي عن نيابة دمشق، فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره، وخُلع عليه خلعة وردت مع البريد، ورسم له بقرية دومة وأخرى في بلاد طرابلس على سبيل الراتب، وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس أو الحجاز، فانتقل من يومه من دار السَّعادة وبباقي أصحابه ومماليكه، واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جدَّدها وزاد فيها دويداره يَلْبُغا، وهي دار هائلة، وراح النَّاسُ للتّأسف عليه والحُزن له. انتهى.
سفر قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب
(2)
بن السبكي الشافعي مطلوبًا إلى الديار المصرية معزولا عن قضاء دمشق:
ورد البريد بطلبه من آخر نهار الأحد بعد العصر الحادي عشر منه سنة ثلاث وستين وسبعمئة، فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه، فاستنظرهم إلى الغد فأمهل، وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء دمشق عوضًا عن أخيه تاج الدين، وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح السبكي يحكم إلى أن يقدم وأخذ قاضي القضاة
(3)
في التأهب والسير، وجاء الناس إليه يودِّعُونه ويستوحشون له، وركب من بستانه بعد العصر يوم الإثنين ثاني عشر شعبان، متوجهًا على البريد إلى الديار المصرية، وبين يديه قضاة القضاة والأعيان، حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، حتى ردهم قريبًا من الجُسُورة، ومنهم من جاوزها. والله المسؤول حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
أعجوبة أخرى غريبة:
لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة جمال
(4)
الدين بن الشَّرِيشي شيخ الشافعية، وحضر جماعة من الأعيان منهم الشيخ الإمام العلامة صلاح الدين الصفدي
(5)
، وكيل بيت المال، والشيخ الإمام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي
(6)
، والشيخ الإمام العلامة مجد الدين
(1)
الذيل للحسيني ص (352) الدرر الكامنة (3/ 77) الذيل التام (1/ 187)
(2)
الذيل للحسيني ص (352) الدرر الكامنة (2/ 426).
(3)
العبارة في ط مضطربة، وأثبت ما في الأصل.
(4)
في ط: كمال. وهو وهم.
(5)
هو: خليل بن أيبك صاحب الوافي بالوفيات مات سنة (764 هـ) كما سيأتي.
(6)
هو: محمد بن محمد بن عبد الكريم البعلي، مات سنة (774) هـ، الدرر الكامنة (4/ 188).
محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحاق الفيروزابادي
(1)
، من أئمة اللُّغويين، والخطيب الإمام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي أحد البلغاء الفضلاء، والشيخ الإمام العلامة نور الدين علي بن الصَّارم أحد القراء المحدثين البلغاء، وأحضروا نيفًا وأربعين مجلدًا من كتاب "المنتهى في اللغة"
(2)
للتميمي البرمكي
(3)
، وقف الناصرية
(4)
وحضر ولد الشيخ جمال الدين بن الشَّرِيشي، وهو العلامه بدر الدين محمد، واجتمعنا كلنا عليه، وأخذ كل منا مجلدًا بيده من تلك المجلدات، ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المُسْتشهد عليها بها، فينشر كُلًّا منها ويتكلم عليه بكلام متقن مفيد، فجزم الحاضرون والسامعون أنه يحفظ شواهد اللغة ولا يشدّ عنه منها إلا القليل الشاذ، وهذا من أعجب العجائب، وأبْلَغِ الإغْرَاب
(5)
.
شهر رمضان المعظم وأوّله السبت. دخول نائب الشام سيف الدين قَشْتَمُر
(6)
.
وذلك في أوائل رمضان يوم السبت
(7)
ضُحى، والحجبة بين يديه والجيش بكماله، فتقدم إلى سوق الخيل فأُركب فيه، ثم جاء ونزل عند باب السر، وقبل العتبة، ثم مشى إلى دار السعادة والناس بين يديه.
وكان أول شيء حكم فيه أن أمر بصلب الذي كان قتل بالأمس والي الصالحيَّة، وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة، ثم هرب فتبعه الناس فقتل منهم آخر، وجرح آخرين، ثم تكاثروا عليه فمسك، ولما صُلب طافوا به على جمل إلى الصَّالحية فمات هناك بعد أيام، وقاسى أمرًا شديدًا [من العقوبات، وقد ظهر بعد ذلك على أنه قتل خلقًا كثيرًا من الناس قبحه الله]
(8)
.
قدوم قاضي القضاة بهاء الدين أحمد بن تقي الدين عوضًا عن أخيه قاضي القضاة تاج الدين بن عبد الوهاب:
قدم يوم الثلاثاء قبل العصر فبدأ بملك الأمراء فسلَّم عليه، ثم ذهب إلى أمير علي المارداني نائب الشام المعزول، وهو بداره بالقصاعين فسلم عليه
(9)
، ثم مشى إلى دار الحديث فصلّى هناك، ثم مشى
(1)
صاحب القاموس المحيط.
(2)
هو: المنتهى في الفرع، منقول من الصحاح وزاد عليه أشياء. كشف الظنون (1858).
(3)
هو: محمد بن تميم البرمكي مات سنة (411) هـ الدارس (1/ 163).
(4)
المدرسة الناصرية الدارس (1/ 459).
(5)
نقله السخاوي في الذيل التام (1/ 188) مع بعض التصرُّف في الألفاظ.
(6)
في ط: تشْتَمُر بالتاء، وهو تحريف. وسبق الحديث فيه.
(7)
الذيل للحسيني ص (352 - 353).
(8)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(9)
ليست في أ وب وط، وهي من الأصل.
إلى المدرسة الرُّكنيّة
(1)
فنزل بها عند ابن أخيه قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح
(2)
، قاضي العساكر، وذهب النَّاسُ للسّلام عليه، وهو يكره من يلقبه بقاضي القضاة، وعليه تواضع وتقشف، ويظهر عليه تأسف على مفارقة بلده ووطنه وولده وأهله، والله المسؤول المأمول أن يحسن العاقبة
(3)
.
شهر شوال، أوّله الأحد، وخرج المحملُ السلطاني يوم الخميس ثامن عشره، وأمير الحاج الملك صلاح الدين ابن الملك الكامل بن السعيد بن العادل الكبير، وقاضيه الشيخ بهاء الدين بن سبع مدرس الأمينية
(4)
ببعلبك، وفي هذا الشهر وقع الحكم بعودها يخص المجاهدين من وقف المدرسة التقوية
(5)
إليهم، وأذن القضاة الأربعة إليهم بحضرة ملك الأمراء في ذلك.
شهر ذي القعدة، أوله الثلاثاء، وفي ليلة الأحد سادسه
(6)
توفي.
القاضي ناصر الدين محمد
(7)
بن يعقوب كاتب السر، وشيخ الشيوخ ومدرّس الناصرية الجوانية
(8)
والشَّامية الجوانية
(9)
بدمشق، ومدرّس الأسدية
(10)
بحلب، وقد باشر كتابة السر بحلب أيضًا، وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكاني قضاء حلب، أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمئة، ومولده سنة سبع وسبعمئة، وقد قرأ "التنبيه" و "مختصر ابن الحاجب" في الأصول، وفي العربية، وكان عنده نباهةٌ وممارسة للعلم، وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه، وليس يتوسم منه سوء، وفيه ديانة وعفة، حلف لي في وقت بالأيمان المغلظة أنه لم يكن
(11)
قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك، ولم يزن ولم يشرب مسكرًا ولا أكل حشيشة، فرحمه الله وأكرم مثواه، صُلِّي عليه بعد الظهر يومئذ، وخُرج بالجنازة من باب النصر، فخرج نائب السلطنة من دار السعادة
(1)
الركنية هي الجوانية.
(2)
هو محمد بن محمد بن عبد اللطيف مات سنة (771) هـ. الدرر الكامنة (4/ 189).
(3)
الذيل للحسيني ص (353).
(4)
واقفها: أمين الدولة غزال أبو الحسن وزير الصالح إسماعيل أبي الحبش، كان يهوديًا فأسلم في الظاهر، مات سنة (648) هـ. الدارس (2/ 285).
(5)
من أجل مدارس دمشق، داخل باب الفراديس، شمال الجامع. الدارس (1/ 216)
(6)
في ط: ثالثه وهو غلط.
(7)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (355) وأبي من البصرة (5/ 311) والدرر الكامنة (4/ 287) والنجوم الزاهرة (11/ 16) والدارس (1/ 307) والذيل التام (1/ 191).
(8)
الدارس (1/ 307 و 462)
(9)
الدارس (1/ 307)
(10)
الدرر الكامنة (4/ 288)
(11)
في ط: يمكن وهو تحريف.
فحضر الصلاة عليه هنالك، ودفن بمقبرة لهم بالصُّوفية، وتأسفوا عليه وترحموا، وتزاحم جماعةٌ من الفقهاء بطلب مدارسه انتهى.
ولما كان يوم الإثنين سابعه خرجت التجريدة صحبة حاجب الحجاب سيف الدين قماري قاصدين بلاد الروم لاستنقاذ ملطية وغيرها من أيدي العدو.
هذا وفي اليوم درّس قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح قاضي العساكر، ونائب خالية بالمدرسة الشامية الجوانية عوضًا عن كاتب السر
(1)
الدارج إلى رحمة الله. ولاه إياها الناظر عليها القاضي عماد الدين بن السيرجي محتسب البلد، وأنفذه له خاله الشيخ بهاء الدين قاضي الشام، وولاه نائب السلطنة، وخرج القضاة معه من دار السعادة، فحضر الدرس بها.
ودرس بالناصرية الجوانية قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين السبكي الشافعي في يوم الأربعاء تاسعه: وذكر في الدرس أنه ينوبُ بها عن ولد القاضي علاء الدين بن فضل الله، وهو مقيم بمصر، فلما بلغ القاضي علاء الدين ذلك أبى وامتنع من قبول ذلك، فأثبت محضر قديم يتضمن شرط تدريس الناصرية لقاضي قضاة دمشق الشافعي، فأثبت على بعض الحكام، واستقرّت بيد قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين بشرط الواقف.
واحتيط على الفرنج الذين هم بدمشق، وجمعت حواصلهم، وما عندهم من المتاجر والأمتعة، ورسم عليهم كلهم في منزل واحد. فاضطرب التجار عند ذلك، وخافوا على متاجرهم وأموالهم التي هي لهم في ذمّة الفرنج، وذلك في آخر يوم من الشهر.
شهر ذي الحجة، أوّله الأربعاء، في يوم السبت رابعه خرج نائب السلطنة الأمير قَشْتَمِر في جماعة من الأمراء مظهرًا أنه ذاهب إلى السّرجة من ناحية القابون، واستناب في الغيبة الأمير عمرشاه.
ولما كان صباح يوم الإثنين سادسه إذا بولد حيار أمير العرب المسمّى بصَوْلَة قد هرب من القلعة، وكان قد أرسله أبوه بقودٍ وهدايا كثيرة عوضًا عن مثوله. وأبى أن يقدم هو بنفسه خوفًا من السجن، وهو مع هذا قد عزل عن الإمرة وولّي ابن عمه معيقل، فلما قدم ولد حيار دمشق احتيط عليه، ورفع إلى القلعة معتقلًا محتفظًا به، وهو شاب مناهز الاحتلام فلما كان في هذا اليوم أصبح ومعتقله لا داع بر ولا مجيب. بل قد نزل من بعض شبابيك الحصن. وذهب سريعًا في الليل نحو أبيه.
ولما كان يوم الإثنين العشرين من هذا الشهر عزل الأمير زبالة عن نيابة القلعة، وجمع من يتعلق به منها. وأعيد إليها الأمير سيف الدين بهادر العلائي مرة ثانية
(2)
.
(1)
هو محمد بن يعقوب. تقدم ذكره.
(2)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 204.
وفي هذا اليوم توفي الأمير طاز الناصري
(1)
بالقصر الأبلق، ودفن بالصوفية رحمه الله وقد ترك أموالًا وأملاكًا وأولادًا وشيئًا كثيرًا، وله أربع زوجات، وعنده قريب مئتي جارية للوطء، وقد كان أحد رؤوس المشورة بمصر في الدولة الناصرية، ثم أخرج إلى نيابة حلب، ثم عزل.
ودخل نائب السلطنة إلى البلد صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين من الشهر، وقد وصل إلى تدمر، فهرب من بين يديه الأعراب إلى البرية.
ولما كان يوم الجمعة بعد الصلاة الخامس والعشرين منه، طلب الأمير زبالة الذي عزل عن نيابة القلعة إلى دار السعادة، فضرب بين يدي ملك الأمراء. ثم أعطي سيفه واستمر على إمرته تقدمة ألف، وهو نائب يَلْبُغَا. وركب يوم السبت، وسُيّر مع الأمراء الألوف.
وكسفت الشمس يوم الثلاثاء بعد العصر الثامن والعشرين منه، وصلّى الخطيب بالناس، وخطب بهم
(2)
.
ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمئة
استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبعها من الأقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي.
ومدبر الممالك بين يديه وأتابك العساكر سيف الدين يَلْبُغا الخاصكي.
وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها، غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف، ونائب دمشقَ الأمير سيف الدين قَشْتَمرُ المنصوري، وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر، وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري، آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الرُّكنيّة يتعبد ويتلو ويُجْمعُ على العبادة، وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي، وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي [والخطيب]
(3)
محمود بن جَمْلة، ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين بن السيرجي، وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الأثير، قدم من
(1)
ترجمته في أعيان العصر 2/ 567، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 208، والدرر الكامنة 2/ 214 والذيل التام 1/ 194.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
سقطت من ط. وقد تولى الخطابة بعد الشيخ تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني. وسيأتي في وفيات هذه السنة.
الديار المصرية عوضًا عن ناصر الدين بن يعقوب، وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية
(1)
، وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي، وناظر الجيش علم الدين داود، وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب، وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل.
وشاد الأوقاف الأمير بدر الدين صدقه بن أوحد، وشادّ الدواوين ناصر الدين محمد بن بهادر السيرجي، ومتولي البر بدر الدين حسن بن العسكري، ومتولّي المعنية ناصر الدين محمد بن الغاوي، والحجبة، ونقيب الجيش هم المذكورون في التي قبلها
(2)
.
شهر الله المحرّم، أوّله الجمعة، ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين منه بعد العصر خوفًا من المطر، وكان وقع مطر شديد قبل أيام، فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها، ومساطيح
(3)
وغير ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الآخرة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجواني، ومن ناحية الباب المذكور سلسلة، ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة، فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها، ثم مرعلى الأخرى فقطعها، وخرج من باب النصر، ولم يعرف لأنه كان ملثّمًا.
وخرج نائب السلطنة صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه، وصحبته الأمراء وأكثر الحلقة إلى ناحية الضمير، لمساعدة أمير العرب معيقل علي حيار بن مهنا فقد زاد فساده.
شهر صفر، أوّله السبت
(4)
.
وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين زبالة أحد أمراء الألوف إلى الديار المصرية مكرّمًا، وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم، وجاء البريد أيضًا ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير، زيادات على الجامع، رُدَّت إليهم وأُقرُّوا على ما بأيديهم من ذلك، وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صَرْغَتْمُش، فلم يف ذلك.
وتوجّه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار المصرية يوم
(1)
في بدائع الزهور (1/ 589): وفي شهر شوال أخلع على القاضي جمال الدين عبد الله بن محمد المعروف بابن الأثير، واستقرّ في كتابة السرّ بدمشق عوضًا عن القاضي ناصر الدين.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
في ط: مشاطيخ وهو تحريف.
والمساطيح: ج مِسْطح وهو مكان بسط التمر وغيره للتجفيف، واللغة فيه: مساطح.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
الأحد سادس عشره من هذه السنة، وخرج القضاة والأعيان لتوديعه، وقد كان أخبرنا عند توديعه بأن أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية، وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر، وذكر لنا أن أخاه كاره للشَّام. وأنشدني القاضي صلاح الدين الصَّفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في بيته من قصيدته وهو قوله:[من الوافر]
إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا
…
فأيسرُ ما يمرُّ به الوحولُ
(1)
وقال: [من الوافر]
دخول دمشقَ يُكسبنا نُحُولًا
…
كأنَّ لها دخولًا في البَرَايَا
إذا اعتاد الغريب الخوض فيها
…
فأيسرُ ما يمرُّ به المنايا
وهذا شعر قوي، وعكس جلي، لفظًا ومعنى
(2)
.
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت ختمةٌ حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع، بسبب تكامل تجديده [على يدي ناظره السيد شهاب الدين ابن علاء الدين الحسيني وكان]
(3)
قريب السقف مبنيًا باللين، حتى قناطره [فهدم ذلك كلّه، ورفع سقفه، وبنى قناطره]
(4)
الأربع بالحجارة البلق، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة، وفتق في قبلته إيوانًا حسنًا زاد في أعماقه أضعاف ما كان، وبَيَّضَه جميعه بالجص الحسن المليح، وجُدّدت فيه خزائن ومصالح، وفرش ولحف جدد، وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين، وحضر الختمة
(5)
جماعات من الناس من الخواص والعوام، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات، وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر.
شهر ربيع الأول، أوّله الإثنين، وقيل: الأحد، في يوم الجمعة السادس والعشرين منه قرئ بالجامع الأموي على السُّدَّة كتاب السلطان بحضرة نائب السلطنة والقضاة والخطيب والأعيان، مضمونة الحثّ على التقدم إلى عمارة رباع الجامع، والمحراب قبل أخذ المعاليم والجوامك.
شهر ربيع الآخر، وأوّله الأربعاء
(6)
.
(1)
في ط: الوصول بالصاد وهو تحريف. والبيت من قصيدة يمدح بها المتنبي سيف الدولة وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية. وهي في ديوانه (3/ 5) بشرح العُكْبري.
(2)
نقله السخاوي في الذيل التام (1/ 193).
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في ط.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في ط.
(5)
في ط: الخيمة. وهو تحريف.
(6)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفي أوله قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عودًا على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره، فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة، ثم ذهب إلى دار الأمير علي
(1)
بالقصَّاعين فسلَّم عليه، ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال، ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنئونه بالعود، وهو يتودَّد ويترحب بهم، ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة إلى العادلية، فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والأعيان، وهناه النَّاسُ والشُّعراء والمداح
(2)
.
وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت.
حسين
(3)
بن الملك الناصر، ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه، ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة، لما كان فيه من حِدَّة وارتكاب أمور منكرة.
وأخبر بموت:
القاضي فخر الدين سليمان
(4)
ابن القاضي عماد الدين بن السيرجي
(5)
، وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضًا عن أبيه، نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه، وخلع عليه بالديار المصرية، ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرَّض يومًا وثانيًا وتوفِّي إلى إلى رحمة الله تعالى، فتألم والده بسبب ذلك تألمًا عظيمًا، وعزّاه الناس فيه، ووجدته صابرًا محتسبًا.
بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم:
مع ولاية سعد الدين ماجد
(6)
بن التاج إسحاق قدم من الديار المصرية على نظر الدواوين قبله، ففرح الناس بولاية هذا وقدومه - وبعزل الأول وانصرافه عن البلد فرحًا شديدًا، ومعه مرسوم شريف بوضع نصف مكس الغنم، وكان غرمه
(7)
أربعة دراهم ونصف، فصار إلى درهمين وربع درهم، وقد نودي بذلك في البلد يوم الإثنين العشرين من الشهر، ففرح الناس بذلك فرحًا شديدًا، ولله الحمد والمنة، وتضاعفت أدعيتُهم لمن كان السبب في ذلك، وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس، ويأخذ
(1)
هو: علي المارداني نائب الشام سابقًا.
(2)
الدارس (1/ 367).
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (2/ 70) والنجوم الزاهرة (11/ 21) وقال: كان أمثل من أخوته، ولكن وفاته قبل تولية ابنه الملك الأشرف شعبان بن حسين بخمسة أشهر.
(4)
ترجمته في أعيان العصر 2/ 453.
(5)
في الدارس (2/ 74): محتسب دمشق عماد الدين بن الشيرازي.
(6)
ماجد بن التاج أبي إسحاق القبطي ناظر الخاص بدمشق مات سنة (775) هـ الدرر الكامنة (3/ 275).
(7)
في ط: عيرته. وهو تحريف.
الديوان نظير ما كان يأخذ قبل ذلك، وقدّر الله تعالى قدوم وفود وقفول بتجائر متعددة، وأخذ منها الديوان السلطاني في الزَّكاة والوكالة، وقدم مراكب كثيرة فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس، ولله الحمد والمنة، ثم قرى على الناس في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قبل العصر.
وتظلّم طائفة من المؤذنين على الصاحب تقي الدين بن مراجل بسبب أنه يزيد قطع بعض المرتبات لأجل مصلحة عمارة رباع الجامع حسب رسم السلطان به؛ فاجتمع طائفة منهم نحو الثلاثين، وابتدؤوا بالتكبير من باب مئذنة العروس، وساروا والناس حولهم، وهم يصرخون بالتكبير إلى دار السعادة، فطلب الناظر المذكور، فتكلم معه النائب والقضاة، وربّما أغلظ له القول. وانفصل الحال على ما كان عليه
(1)
.
وفي يوم الإثنين العشرين منه ضُرب الفقيه شمس الدين الصفدي بدار السعادة بسبب خانقاه الطواويس
(2)
، فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ، وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف ممّا فيه مشقة عليهم، فتكلَّم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ، فبطح ليضرب فشفّع فيه، ثم تكلم فشفع فيه، ثم بطح الثالثة فضرب ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاث.
[وفي صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين منه درس قاضي القضاة الشافعي
(3)
بمدارسه
(4)
، وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر، وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض القضاة، وأخذ في سورة الفتح، قرى عليه من تفسير والده في قوله {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]
(5)
.
[شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة، وفي مستهله يوم الجمعة بعد صلاة الفجر مع الإمام الكبير صُلِّي على القاضي قطب الدين محمد
(6)
بن [عبد] المُحْسن الحاكم بحمص، جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، فتمرَّض مدة ثم كانت وفاته بدمشق، فصلّي عليه
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
هي الخانقاه الطواويسية، وهي مسجد كبير فيه قبر الملك دقاق، وفيه قبة معروفة بقبة الطواويس بالشرف الأعلى الدارس (2/ 164).
(3)
هو القاضي بهاء الدين أحمد.
(4)
الدارس (1/ 38).
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(6)
في ط: محمد بن الحسن وهو تحريف. ترجمته في الذيل للحسيني ص (359) والدرر الكامنة (4/ 28) والذيل التام (1/ 195).
وفيها جميعًا محمد بن عبد المحسن بن حمدان السبكي الشافعي.
بالجامع كما ذكرنا، وخارج باب الفرج، ثم صعدوا به إلى سفح قاسيون، وقد جاوز الثمانين بسنتين
(1)
، وقد حدث وروى شيئًا يسيرًا رحمه الله]
(2)
.
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الأذرعي، والشيخ زين الدين الباريني وآخرون معهم، فنزلوا بالمدرسة الإقبالية وهم وقاضي قضاتهم الشافعي، وهو كمال الدين المعرّي
(3)
مطلوبون إلى الديار المصرية، ليتحرَّوا ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السَّيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر، وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره.
وفي يوم الخميس قدم الأمير زين الدين زبالة
(4)
نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمُّل عظيم هائل، وتلقَّاه الناس بالشموع في أثناء الطريق، ونزل بدار الذهب، وراح الناس للسّلام عليه وتهنئته بالعَود إلى نيابة القلعة، على عادته، وهذه ثالث مرَّة وليها لأنَّه مشكور السيرة فيها، وله فيها سعيٌ محمود في أوقات متعددة.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلَّى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي وكاتب السرّ وجماعةٌ من الأمراء والأعيان بالمقصورة، وقُرئ كتاب السلطان على السُّدَّة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين، فتضاعفت الأدعية لولي الأمر، ولمن كان السبب في ذلك.
غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب:
وذلك أن المياه قد كثرت في هذا الشهر؛ وزادت الأنهار زيادة كثيرة جدًّا، بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عمّ جميع الصَّرحة المعروفة بموقف الموكب، بحيث إنه أجريت فيه المراكب بالكلك، وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب، واستمر ذلك جُمَعًا متعدّدة، وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك، وربما وقف نائب السلطنة بعض الأيام تحت الطارمة تجاه باب الإسطبل السُّلطاني، وهذا أمر لم يُعهد مثله، ولا رأيته قط مدة عمري، وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة، وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء.
[وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى توفّي
(1)
في الذيل للحسيني: مولده سنة ست وثمانين وستمئة. فيكون مات قبل إتمام الثمانين بسنتين، وفي الذيل التام للسخاوي عن دون السبعين ولعله وهم.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل واستدركته من ط.
(3)
في ط: المصري. وهو تحريف.
(4)
هو: زين الدين الفارقي. الدارس (2/ 443).
الصدر شمس الدين عبد الرحمن
(1)
بن الشيخ عز الدين بن المُنَجَّا التنوخي بعد العشاء الآخرة، وصلي عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر ودفن بالسفح]
(2)
.
وفي صبيحة هذا اليوم توفي
الشيخ ناصر الدين محمد
(3)
بن أحمد القونوي الحنفي خطيب جامع يَلْبُغَا، وصُلِّيَ عليه عُقيب صلاة الظهر أيضًا، ودُفن بالصُّوفية، [وقد باشر عوضه الخطابة والإمامة قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي]
(4)
.
وفي عصر هذا اليوم توفي
القاضي علاء الدين
(5)
بن القاضي شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي، أحد موقعي الدست بدمشق، وصُلِّي عليه يوم الأربعاء ودفن بالسفح.
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يَلْبُغَا عوضًا عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي رحمه الله تعالى، وحضر عنده نائب السلطنة الأمير سيف الدين قَشْتَمر، وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشَّافعي بالشباك الغربي القبلي منه، وحضر خلق من الأمراء والأعيان، وكان يومًا مشهودًا، وخطب من خطب ابن نباتة
(6)
بأداء حسنٍ وفصاحة بليغة، هذا مع علم أنَّ كلَّ مركبٍ صعبٌ.
شهر جمادى الآخرة، أوّله السبت، في صبيحة مستهله قدم رسولٌ من جهة أويس صاحب العراق وخراسان في تجمُّل هائل، وتلقاه الجيش في لباس معظم بالأطرزة والكلاوت الزركش وغير ذلك، فنزل بالقصر الأبلق
(7)
.
وفي يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة توجه الشيخ شرف الدين
(8)
القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين يَلْبُغا في كتاب كتبه إليه يستدعيه ويستحثُه في القدوم عليه.
(1)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (370) وابن قاضي شهبة (2373) والدرر الكامنة (2/ 341).
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (369) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 235) والدرر الكامنة (3/ 327) وفيهما: الشهير بابن الربوة. والذيل التام (1/ 199).
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(5)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (370) والدرر الكامنة (3/ 33).
وهو: علي بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي.
(6)
لعله أراد ديوان خطب ابن نباتة، وهو محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحسن بن صالح بن نباتة جمال الدين الشاعر المعروف المتوفّى سنة (768 هـ) الدرر (4/ 217) والنجوم الزاهرة (11/ 95).
(7)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(8)
هو: أحمد بن قاضي الجبل. مات سنة (771) هـ الدارس (2/ 44).
شهر رجب الفرد، وأوله الإثنين وقيل: الأحد، وفي يوم الثلاثاء ثانيه سقط اثنان سكارى من سطحٍ بحارة اليهود، أحدهما مسلم والآخر يهودي، فمات المسلم من ساعته، وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده لعنه الله، وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جوابًا.
ورجع الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل بعدما قارب غزّة لما بلغه من الوباء بالديار المصرية
(1)
فعاد إلى القدس الشريف، ثم رَجَع إلى وطنه فأصاب السُّنَّةَ
(2)
، وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر، وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف، وأنه مات جماعة ممَّن يُعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المُناوي، وكاتب الحكم بن الفرات
(3)
، وأهل بيته أجمعين، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وجاء الخبر في أواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر، منهم.
أبو حاتم
(4)
ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر، وهو شاب لم يستكمل العشرين، وقد درّس بعدة جهات بمصر وخطب، ففقده والده وتأسف الناس عليه وعزّوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق.
وجاء الخبر بموت
[قاضي القضاة شهاب الدين أحمد
(5)
الرباحي
(6)
المالكي، وكان بحلب وليها مرتين، ثم عُزل فقصد مصر واستوطنها مدّة ليتمكن من السعي في العودة، فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء وولدان له معه أيضًا]
(7)
.
وداروا بالمحمل يوم الإثنين الثالث والعشرين منه، واحتفلوا به احتفالًا زائدًا.
(1)
الذيل التام للسخاوي (1/ 195).
(2)
يريد بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون رجزٌ أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه".
رواه البخاري رقم (3286) في الأنبياء باب (52) ورواه مسلم أيضًا رقم (2218) في السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(3)
هو: تقي الدين محمد بن أحمد بن الحسن بن محمد بن الفرات الحنفي، الذيل التام (1/ 199).
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 235) الذيل التام (1/ 195). وفيه: أبو حاتم محمد بن الإمام البهاء أبي حامد أحمد بن شيخ الإسلام التقي علي السُّبكي.
(5)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (362) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 225) والدرر الكامنة (1/ 327) والذيل التام (1/ 200).
وهو: أحمد بن ياسين بن محمد الرباحي، وهو أول من ولي قضاء بحلب.
(6)
في ط: الرُّباجي بالجيم. وأثبتنا ما في مصادر ترجمته.
(7)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
وقدم رسول أُويس عائدًا من الديار المصرية يوم الخميس السادس والعشرين منه؛ فاحتفل الجيش على العادة.
شهر شعبان المكرم، أوّله الثلاثاء
(1)
. وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الأمراء إلى ناحية تَدْمُر لأجل الأعراب من أصحاب حيار
(2)
بن مهنا، ومن التف عليه منهم، وقد دمّر بعضهم بلد تَدْمُر وحرّقوا كثيرًا من أشجارها، وزرعوا وانتهبوا شيئًا كثيرًا، وخرجوا عن الطاعة، وذلك بسبب قطع أخبازهم وتملُّك أملاكهم والحيلولة عليهم، فركب نائب السلطنة بمن معه كما ذكرنا، لطردهم عن تلك الناحية، وفي صحبته الأمير حمزة بن الخياط، أحد أمراء الطبلخانات، وقد كان حاجبًا لحيار قبل ذلك، فرجع عنه وألب عليه عند الأمير الكبير يلبغا الخاصكي، ووعده إن هو أمره وكبره أن يُظفره بحيار وأن يأتيه برأسه، ففعل معه ذلك، فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى حيار وأصحابه، فساروا كما ذكرنا، فوصلوا إلى تَدْمُر، وهربت الأعراب من بين يدي نائب الشام يمينًا وشمالًا، ولم يواجهوه هيبة له، ولكنهم يتحرَّفون على حمزة بن الخياط، ثم بلغنا أنهم بيتوا الجيش فقتلوا منه طائفة وجرحوا آخرين وأسروا آخرين فإنا لله وإنا إليه راجعون
(3)
.
سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين: شعبان بن حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون.
لما كان عشية السبت تاسع عشر شعبان من هذه السنة - أعني سنة أربع وستين وسبعمئة قدم أمير من الديار المصرية فنزل بالقصر الأبلق، وأخبر بزوال مملكة الملك المنصور بن المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، و [أنه]
(4)
مسك واعتقل. وبويع للملك الأشرف شعبان بن حسين الناصر بن المنصور قلاوون، وله من العمر قريب العشرين، فدُقَّت البشائر بالقلعة المنصورة، وأصبح الناس يوم الأحد في في هم الزينة. وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين والصاحب بدر الدين ماجد ناظر الدواوين، أنه لما كان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان عُزل الملك المنصور، وأُودع منزله وأجلس الملك الأشرف ناصر الدين شعبان على سرير الملك، وبويع لذلك
(5)
.
وقد وقع رعد في هذا اليوم ومطر كثير، وجرت المزاريب، فصار غدرانًا في الطرقات، وذلك في خامس حزيران، فتعجب الناس من ذلك.
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
في ط: خيار ومضى الحديث فيه.
(3)
ابن خلدون (5/ 439).
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
(5)
الذيل للحسيني ص (358) والذيل التام (1/ 196).
[هذا وقد وقع وباء في مصر في أول شعبان، فتزايد وجمهوره في اليهود، وقد وصلوا إلى الخمسين في كل يوم وبالله المستعان]
(1)
.
وفي يوم الإثنين سابعه اشتهر الخبر عن الجيش بأن الأعراب اعترضوا التجريدة القاصدين إلى الرحبة واقفوهم وقتلوا منهم ونهبوا وجرحوا، وقد سار البريد خلف النائب والأمراء ليقدموا إلى البلد لأجل البيعة للسلطان الجديد جعله الله مباركًا على المسلمين، ثم قدم جماعة من الأمراء المنهزمين من الأعراب في أسوأ حال وذلّة، ثم جاء البريد من الديار المصرية بردهم إلى العسكر الذي مع نائب السلطنة على تدمر، متوعدين بأنواع العقوبات، وقطع الإقطاعات.
شهر رمضان المعظم، وأوَّله الأربعاء، وفيه تفاقم الحال بسبب الطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة، كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال، ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدًّا، وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين.
وفي يوم السبت حادي عشره صلَّينا بعد الظهر على [الشيخ المعمَّر الصَّدر بدر الدين أحمد بن محمد
(2)
بن [أحمد]
(3)
الزقاق
(4)
المعروف بابن الجوخي
(5)
]
(6)
.
وعلى الشيخ صلاح الدين محمد
(7)
بن شاكر الكتبي
(8)
، تفرد في صناعته وجمع تاريخًا
(9)
مفيدًا نحوًا من عشرة مجلدات، وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه - انتهى.
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (361) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 225) والدرر الكامنة (1/ 250).
(3)
زيادة من مصادر ترجمته.
(4)
في ط: الرّقاق.
(5)
في ط: الجوجي.
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(7)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (369) والوفيات لابن رافع (2/ 263) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 238) نقلا ابن كثير والدرر الكامنة (3/ 451) والذيل التام (1/ 201 - 202).
(8)
في ط: الليثي وهو تحريف.
(9)
سمّاه: عيون التواريخ، يقع في ستة مجلدات. كشف الظنون (2/ 1185) قلت: وهو يصدر اليوم عن وزارة الإعلام العراقية، سلسلة كتب التراث. وهو صاحب الكتاب المفيد: فوات الوفيات استدرك فيه ما فات ابن خلكان في وفيات الأعيان وزاد عليه.
وفاة الخطيب جمال الدين محمود
(1)
بن جملة ومباشرة قاضي القضاة تاج الدين بعده:
كانت وفاته يوم الإثنين بعد الظهر قريبًا من العصر، فصلى بالناس بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضًا عنه، وصلى بالناس الصبح أيضًا، وقرأ بآخر المائدة من قوله:{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ} [المائدة: 109] ثم لما طلعت الشمس، وزال وقت الكراهة صُلِّي على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة، وكان الجمع في الجامع كثيرًا، وخرج بجنازته من باب البريد، وخرج معه طائفةٌ من العوام وغيرهم، وقد حضر جنازته بالصَّالحية على ما ذكر جم غفير وخلق كثير، ونال قاضي القضاة الشافعي من بعض الجهلة إساءة أدبٍ، فأُخذ جماعة وأدبُوا، وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ، وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الأيام، يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والأعيان وغيرهم، ذهابًا وإيابًا، وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني وكذلك العيد، وامتنع تاج الدين من المباشرة، حتى يأتي التشريف.
وفي يوم الإثنين بعد العصر صُلِّي على الشيخ شهاب الدين أحمد
(2)
بن عبد الرحمن
(3)
البعلبكي، المعروف بابن النقيب، ودفن بالصوفية وقد قارب السبعين أو جاوزها. وكان بارعًا في القراءات والنحو والتصريف والعربية، وله يد في الفقه وغير ذلك، [وولّي مكانه مشيخة الإقراء بأمّ الصَّالح شمس الدين محمد بن اللَّبَّان
(4)
، وبالتُّربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلَّار]
(5)
.
شهر شوال المبارك، أوّله الجمعة، وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر وفي صحبته الجيش الذين كانوا معه بسبب محاربته إلى أولاد مهنا وذويهم من الأعراب في يوم الأربعاء السادس منه.
وفي يوم السبت تاسعه جُمع القضاة والأعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضا بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي، وكاتب نائب السلطنة تولّى ذلك، واستمر يخطب بالناس في الجُمع القاضي بدر الدين بن وُهَيْبة، نائب الحكم له
(6)
.
(1)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (367) وطبقات الشافعية للسبكي (10/ 385) والوفيات لابن رافع (2/ 265) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 240 - 242) والدرر الكامنة (4/ 322) والذيل التام (1/ 198).
(2)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (363) وطبقات الشافعية (5/ 174) والوفيات لابن رافع (2/ 266) والدرر الكامنة (1/ 115).
(3)
في ط: عبد الله. وأثبتنا ما في مصادر ترجمته.
واسم أبيه (بَلَبَان) كما في الذيل. ثم تسمّى بعبد الرحمن، وتسمّى جده بعبد الرحيم تفاديًا بذلك عن أسماء الموالي.
(4)
الدارس (1/ 364) و (2/ 298).
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل واستدركته من ط.
(6)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل
(1)
بن أيبك، وكيل بيت المال، وموقع الدست، وباشر كتابة السر بحلب وصلّي عليه صبيحة الأحد بالجامع، ودفن بالصوفية، وقد كتب الكثير من التاريخ واللغة والأدب، وله الأشعار الفائقة، والفنون المتنوعة، وجمع وصنّف وألف، وكتب ما يقارب مئتين من المجلدات.
وفي يوم الأحد حادي عشره استقرّ عزل نائب السلطنة سيف الدين قَشْتَمُر عن نيابة دمشق وأمر بالمسير إلى نيابة صَفَد فأنزل أهله بدار طَيْبُغا حاجي من الشرف الأعلى، وبرز هو إلى سطح المزّة ذاهبًا إلى ناحية صفد
(2)
.
وخرج المحمل السلطاني صبيحة يوم الخميس رابع عشره، وأميره شهاب الدين ابن صبح، وقاضيه القاضي نجم الدين ابن الجابي. وممن خرج من الأعيان إلى الحج في هذه السنة: قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي، ومعه ولده أبو الخطاب، وأمه بنت قاضي القضاة بدر الدين السبكي، وأخوه قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح، والقاضي بدر الدين الجواشني نائب الخفي، والخواجا عليّ الدين السّعرتي، والشيخ أمين الدين الأنفي المالكي
(3)
.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين منه توفي القاضي أمين الدين
(4)
أبو حيان، ابن أخي قاضي القضاة تاج الدين المسلاتي المالكي، وزوج ابنته، ونائبه في الحكم مطلقًا وفي القضاء والتدريس في غيبته، فعاجلته المنية.
[ومن غريب ما وقع في أواخر هذا الشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أنّ رجلًا رأى منامًا فيه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند شجرة توتة عند مسجد ضرار
(5)
خارج باب شرقي فتبادر النساء إلى تخليق
(6)
(1)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (364) وطبقات الشافعية (6/ 94) والوفيات لابن رافع (2/ 268 - 269) وتاريخ ابن قاضي شهبة (227 - 229) نقلًا عن ابن كثير والدرر الكامنة (2/ 87) والنجوم الزاهرة (11/ 19) والذيل التام (1/ 200 - 201) وفيه: وهو صاحب الوافي بالوفيات وهو على حروف المعجم في نحو ثلاثين مجلدة. اهـ.
(2)
الذيل للحسيني (361) والذيل التام (1/ 194 - 195).
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(4)
ترجمته في: الذيل للحسيني ص (366) والوفيات لابن رافع (2/ 273) والدرر الكامنة (4/ 17) والذيل التام (1/ 199).
وهو: أمين الدين أبو حيان محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم السلمي المسلاتي الشافعي ثم المالكي.
(5)
هو: ضرار بن الأزور مالك بن أوس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي. مات سنة (13 هـ) وقيل: غير ذلك. مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر لابن منظور (11/ 153).
(6)
"التّخليق": التطييب بالخلوق.
تلك التوتة، وأخذوا أوراقها للاستشفاء من الوباء، ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام، ولا يصح عمن يرويه]
(1)
.
شهر ذي القعدة، أوَّله السبت، وفي يوم الجمعة سابعه خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي خطبة بليغة فصيحة أدَّاها أداءً حسنًا، وقد كان يخشى من طائفة من العوام أن يشوشوا، فلم يتكلم أحد منهم، بل ضجوا عند الموعظة وغيرها، وأعجبهم الخطيب وخطبته وأداؤه وتبليغه ومهابته، واستمر يخطب هو بنفسه.
وفي يوم الخميس ثالث عشره ورد توقيع بالوكالة من الديار المصرية بالوكالة للقاضي جمال الدين الرهاوي، وهنّأه الناس بذلك
(2)
.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة توفي. الصاحب تقي الدين سُليمان
(3)
بن مَرَاجِل ناظر الجامع الأموي وغيره، وقد باشر نظر الدواوين بدمشق وبمصر، ونظر الإسكندرية، ثم عاد إلى نظر الجامع في أيام تنكر، وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي، وكمل رخامه كله، وفتق محرابًا للحنفية في الحائط القبلي، ومحرابًا للحنابلة فيه أيضًا في غربيه، وأثر أشياء كثيرة فيه، وكانت له همَّة، ويُنسب إلى أمانةٍ وصرامةٍ ومباشرة مشكورة مشهورة، ودُفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقُبَيْبَات رحمه الله، وقد جاوز الثمانين.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره توفّي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب
(4)
الإخميمي المصري، إمام مسجد دَرْب الحَجَر
(5)
وصُلِّيَ عليه بعد العصر بالجامع الأموي، ودفن بزاوية ابن السراج
(6)
عند الطيوريين
(7)
بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك، وقد كان له يد في علم أصول الفقه، وصنف في الكلام كتاب
(8)
مشتملًا على أشياء مقبولة وغير مقبولة انتهى.
دخول نائب السلطنة مَنْكُلي بُغَا:
في يوم الخميس السابع والعشرين منه دخل نائب السلطنة مَنْكلي بغا من حلب إلى دمشق نائبًا عليها في
(1)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (365) والوفيات لابن رافع (2/ 278) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 230) والدرر الكامنة (2/ 159) والنجوم الزاهرة (11/ 18).
وهو: سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي.
(4)
ترجمته في الذيل للحسيني ص (365) والدرر الكامنة (2/ 425) والذيل التام (1/ 198).
(5)
الدارس (2/ 318) وهناك في درب الحجر أكثر من مسجد.
(6)
في ط: بقصر ابن الحلاج، وأثبتنا ما في الذيل للحسيني والدارس (2/ 289) نقلًا عن الحسيني أيضًا.
(7)
عند الصَّاغة العتيقة.
(8)
هو: المنقذ من الزلل في القول والعمل. الذيل للحسيني، والذيل التام.
تجمُّل هائل، ولكنَّه متمرض في بدنه بسبب ما كان ناله من التّعب في مصابرة الأعراب، فنزل دار السعادة على العادة
(1)
.
شهر ذي الحجة أوله الإثنين، وقيل: الأحد، وفي يوم الإثنين مستهله خُلع على قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي للخطابة بجامع دمشق، واستمر على ما كان عليه يخطب بنفسه كل جمعة، وهنأه الناس.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه قدم القاضي فتح الدين
(2)
بن الشهيد من الديار المصرية على كتابة السر بدمشق، ومشيخة الشيوخ، ولبس الخلعة وراح الناس لتهنئته.
وفي يوم الخميس حضر القاضي فتح الدين بن الشهيد كاتب السر مشيخة السُّمَيْسَاطية، وحضر عنده القضاة والأعيان بعد الظهر، وخلع عليه لذلك أيضًا، وحضر فيها من الغد على العادة.
وخُلع في هذا اليوم على وكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرُّهاوي
(3)
، وعلى الشيخ شهاب الدين الزهري
(4)
بفُتيا دار العدل، انتهى.
وفي يوم الأربعاء ثالثه تكلّم نائب السلطنة مع عماد الدين ابن السّيرجي المحتسب بكلام غليظ، في إمرة الخبز، ورسم بضربه مرتين، فشفع فيه الحَجَبةُ، ثم أحضر نائبه شمس الدين بن المسكي فضُرب بين يدي النائب ضربًا كثيرًا، ونودي على الخبز كل ثلاثة أرطال بدرهم، والصافي رطلين بدرهم.
وفي يوم الخميس رابعه حضر القاضي فتح الله ابن الشهيد كاتب السرّ مشيخة الشيوخ بالسميساطية، وحضر عنده القضاة والأعيان بعد الظهر، وخلع عليه لذلك أيضًا.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره استدعى النائب بالمحتسب إلى بين يديه وأنبه، ووبخه، ثم أمر به فضرب بين يديه، وناله منه أذى بسبب تسعير الخبز، وفوّض أمرها فيما يتعلّق بالتسعير إلى الأمير علاء الدين بن الشجاعي نقيب الجيش، فضرب الخبازين وغيرهم، وأصلح أمر الخبز وأرخص سعره.
(1)
الذيل للحسيني ص (361) الذيل التام (1/ 196).
(2)
هو: محمد بن إبراهيم بن محمد النابلسي الأصل الشافعي الرئيس. فتح الدين أبو الفتح بن الشهيد قتل بسيف السلطان في مصر سنة (793) هـ. الدرر الكامنة (3/ 296) الدارس (1/ 159) الذيل التام (1/ 364) وفيه: وكذا مات فيها كل من أخويه شمس الدين محمد ونجم الدين محمد ودفنوا في قبر واحد بعد الشتات الطويل.
(3)
هو القاضي جمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس بن الخضر الدمشقي المعروف بابن الرهاوي الشافعي مات سنة (777) هـ الدارس (1/ 285) شذرات الذهب (6/ 250).
(4)
هو: أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب البقاعي الأصل الدمشقي، شهاب الدين الزهري الفقيه الشافعي، مات سنة (795) هـ. الدارس (1/ 370) شذرات الذهب (6/ 338).
وفي ليلة الأحد خامسه عشره خسف القمر بعد مضيّ ربع الليل، فصلّى الخطيب قاضي القضاة صلاة الخسوف، وخطب بالناس خطبة بليغة صحيحة فصيحة
(1)
.
ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمئة
استهلّت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك السلطان الملك الأشرف ناصر الدين شَعبان بن حُسين بن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي، وهو في عمر عشر سنين.
ومدبّر الممالك بين يديه الأمير الكبير نظام الملك سيف الدين يَلْبُغَا الخَاصْكي.
وقضاة مصرهم المذكورون في السنة التي قبلها، ووزيرها فخر الدين بن قَرَوِيْنَة، ونائب دمشق الأمير سيف الدين مَنْكُلي بُغَا الشَّمسي، وهو مشكور السيرة.
وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها، وناظر الدواوين بها الصاحب سعد الدين ماجد، وناظر الجيش القاضي علم الدين داود، وكاتب السر القاضي فتح الدين بن الشهيد، ووكيل بيت المال القاضي جمال الدين بن الرُّهاوي. وشاد الدواوين علاء الدين ابن الحلبي القابوني، وشاد الأوقاف بدر الدين صدقة بن أوحد، وناظر الحسبة عماد الدين بن السيرجي.
شهر الله المحرم أوّله الثلاثاء، [استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس، إلا أنه خفَّ وقلَّ والله الحمد]
(2)
.
في يوم الإثنين سابعه عقد مجلس بدار السعادة بعد العصر للشيخ قطب الدين أحد المشاهير بالعبادة والخلوات بسبب كتاب أرسل به إلى الأمير يلبغا فيه عتب عليه، وإنكار بسبب الأعراب، وغير ذلك، وقد ورد جوانبه من الأمير يلبغا فيه الحطُّ عليه، فأسمعه بعض الحاضرين كلامًا فيه غلط، ثم تبين أن الكاتب إليه في ذلك إنما هو رجل آخر يقال له: القطب التحتاني
(3)
(4)
.
وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة - وكان بهاء الدين أبو البقاء السبكي - إلى الديار المصرية مطلوبًا من جهة الأمير يَلْبُغَا وفي الكتاب إجابته له إلى مسائل، وتوجّه بعده قاضي القضاة تاج الدين الحاكم
(1)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل واستدركته من ط.
(3)
القطب التحتاني: هو أبو عبد الله محمد بن محمد الرازي، ويعرف بالقطب التحتاني؛ تمييزًا له عن قطب آخر كان ساكنًا معه بأعلى المدرسة الظاهرية.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
بدمشق وخطيبها يوم الإثنين الرابع عشر من المحرم، على خيل البريد، وتوجّه بعدهما الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، مطلوبًا إلى الديار المصرية، وكذلك توجه الشيخ زين الدين المنفلوطي مطلوبًا.
وتوفي في العشر الأوسط من المحرّم صاحبنا الشيخ شمس الدين
(1)
بن العطّار الشافعي، كان لديه فضيلة واشتغال، وله فهم، وعلق بخطه فوائد جيدة، وكان إمامًا بالسجن من مشهد علي بن الحسين بجامع دمشق، ومصدرًا بالجامع، وفقيهًا بالمدارس، وله مدرسة الحديث الوادعية، وجاوز الخمسين بسنوات، ولم يتزوج قط.
وقدم الركب الشامي إلى دمشق في يوم الخميس الرابع والعشرين من المحرم، وهم شاكرون مثنون كل خير بهذه السنة أمنًا ورخصًا. والله الحمد.
شهر صفر، أوّله الخميس، في يوم الأربعاء سابعه باشر نيابة الحكم للمالكي الشيخ أمين الدين محمد بن علي الأنفي، بعد رجوعه من الحجاز
(2)
.
وفي يوم الأحد حادي عشَرَ صفر درس بالمدرسة الفتحية
(3)
صاحبنا الشيخ عماد الدين إسماعيل بن خليفة الشافعي، وحضر عنده جماعة من الأعيان والفضلاء، وأخذ في قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36].
وفي يوم الخميس خامس عشره نودي في البلد على أهل الذمة بإلزامهم بالصغار وتصغير العمائم، وأن لا يستخدموا في شيء من الأعمال، وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال، ويركبون الحمير بالأكف بالعرض، وأن يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات أجراس، وأن يكون أحد النعلين مخالفًا للون الأخرى، ففرح بذلك المسلمون ودعوا للآمر بذلك.
شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة، وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية مستمرًا على القضاء والخطابة، فتلقاه الناس وهنؤوه بالعود والسلامة.
وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين بدمشق، وهنأه الناس، [وباشر بصرامته واستعمل في غالب الجهات من أبناء السبيل]
(4)
.
وفي يوم الإثنين حادي عشره ركب قاضي القضاة بدر الدين
(5)
بن الفتح على خيل البريد إلى الديار
(1)
لم أقع على ترجمته فيما بين يدي من المصادر.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل من قوله: وقدم الركبُ الشامي.
(3)
الدارس (1/ 429) مدرسة للشّافعية، وهو: إسماعيل بن خليفة بن عبد الغالب الحسباني.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(5)
هو: محمد بن محمد بن عبد اللطيف السبكي، مات سنة (771) هـ الذيل التام (1/ 242).
المصرية لتوليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق، وعن رضًا من خاله قاضي القضاة تاج الدين ونزوله له عن ذلك.
شهر ربيع الآخر، أوّله الأحد، وفي ليلة الخميس خامسه
(1)
احترقت الباسورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر، ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت، وقد حضر طفيها نائب السلطنة والحاجب الكبير، ونائب القلعة والولاة وغيرهم.
وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة بسبب كثرة الأمطار وذلك في أوائل كانون الثاني، وركب الماء سوق الخيل بكماله، ووصل إلى ظاهر باب الفراديس، وتلك النواحي، وكسر جسر الخشب الذي عند جامع يَلْبُغا، وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضًا.
وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف حاجب الحجاب قُماري
(2)
عن المباشرة بدار السعادة، وأُخذت العصا من يده، وانصرف إلى داره في أقل من الناس، واستبشر بذلك كثير من الناس، لكثرة ما كان يفتئت على الأحكام الشرعية.
وفي أواخره اشتهر موتُ القاضي تاج الدين
(3)
المُناوي بديار مصر وولاية قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها، ووكالة السلطان أيضًا، ورتب له مع ذلك كفايته.
وتولى في هذه الأيام الشيخ سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ بهاء الدين أحمد ابن قاضي القضاة السبكي بالشام، وقد ولى هو أيضًا القضاء بالشام كما تقدم، ثم عاد إلى مصر موفّرًا مكرّمًا وعاد أخوه تاج الدين إلى الشام، وكذلك وَلَّوْا مع البلقيني إفتاء دار العدل الحنفي (شيخًا) يقال له الشيخ شمس الدين بن الصائغ، وهو مفتٍ حنفي أيضًا
(4)
.
وفي يوم الإثنين سلخ ربيع الآخر
(5)
توفي الشيخ نور الدين
(6)
محمد بن الشيخ أبي بكر [بن محمد بن]
(7)
قوام بزاويتهم
(8)
بسفح جبل قاسيون، وغدا الناس إلى جنازته، وقد كان من العلماء
(1)
في ط، ربيع الأول. وهو وهم.
(2)
هو قمارى الحموي.
(3)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 283) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 255) والدرر الكامنة (3/ 380) والنجوم الزاهرة (11/ 85) والذيل التام (1/ 204).
وهو: محمد بن إسحاق بن إبراهيم السُّلَمي المُناوي الشافعي.
(4)
الذيل التام (1/ 203).
(5)
في أ وب وط: (سابع ربيع الأول) وهو غلط.
(6)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 285) وفيه: وفاته في ليلة الإثنين مستهل جمادى الأولى وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 258) والدرر الكامنة (3/ 409) وفيه: البالسي ثم الصالحي.
(7)
ما بين الحاصرتين استدركناه من مصادر ترجمته.
(8)
الزاوية القوامية البالسية.
الفضلاء الفقهاء بمذهب الشافعي، درّس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه، وبالرّباط الدويداري
(1)
داخل باب الفرج، وكان يحضر المدارس، ونزل عندنا بالمدرسة النَّجيبية، وكان يحبُّ السُّنَّة ويفهمها جيدًا رحمه الله.
شهر جمادى الأولى، أوّله الثلاثاء، وفي مستهله ولي قاضي القضاة تاج الدين
(2)
الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فُتحت بدرب القَلي
(3)
، وكانت دارًا لواقفها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري، الذي كان أستاذًا للأمير طاز، وجعل فيها درسًا للحنابلة، وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية
(4)
، وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة الدرس، ثم جرت أمور يطول بسطها. واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس، واستفرد كلا منهم وسألهم كيف شهد في أصل الكتاب - للمحضر - الذي أثبتوا عليهم، فاضطربوا في الشهادات فضُبط ذلك عليهم، وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا له في أصل المحضر، وشنّع عليهم كثير من الناس، [ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طاز على جمال الدين التدمري الواقف، وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بإبطال ما حكم به الحنبلي، فتوقف في ذلك. وفي يوم الإثنين الحادي والعشرين منه، قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا]
(5)
.
وفي يوم الإثنين الحادي والعشرين منه قرئ كتاب السلطان بصرفِ الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة، فصرفوا.
وفي أوائله قدم القاضي علاء الدين بن شمريوخ من ديار مصر، ومعه توقيع بنظر الجامع، وتوقيع الدَّست، مكان الصاحب شمس الدين البهنسي.
وفي العشر الآخر منه وجد ناصر الدين محمد بن
(6)
…
الأميني مقتولًا في فراشه، على يد ولده؛ قد قتله ليأخذ ماله، فلما ظُفر به اعترف، فمنع من ميراثه، وصُرف إلى عمه أخي المقتول مالٌ كثير، وأقطع إقطاعه، وافتدت أم القاتل من عمِّه ستة آلاف درهم، لا كان الله له في عون
(7)
.
(1)
الدارس (1/ 71 و 121).
(2)
هو عبد الوهاب السُّبكي.
(3)
في ط: درب القبلي. وأثبتنا ما في الدارس (2/ 330).
(4)
هو إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية مات سنة (767) هـ الدرر الكامنة (1/ 58) والدارس (2/ 89).
(5)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(6)
كلمة مطموسة لم أهتد إليها، ولم أقع على ترجمة له لعله مما انفرد ابن كثير بذكره.
(7)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأربعاء، وفيه توفي الشيخ شمس الدين
(1)
شيخ الحنابلة بالصالحية ويعرف بالتّتري
(2)
يوم الخميس ثامنه
(3)
، صلي عليه بالجامع المظفّري بعد العصر ودفن بالسفح وقد قارب الثمانين.
وكسف القمر ليلة الرابع عشر فصلى بالناس قاضي القضاة تاج الدين من بعد المغرب، وقد أذن العشاء وهم في الصلاة، ثم خطب خطبة بليغة حسنة، ونزل فصلى العشاء بعد ذلك
(4)
.
وفي الرابع عشر منه عُقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتين، وطلبتُ فحضرتُ معهم بسبب المدرسة التّدمرية، وقرابة الواقف، ودعاويهم، أنه وقف عليهم الثلث، فتوقف الحنبلي في أَمْرِهِمْ، ودَافَعَهُمْ عَنْ ذلك أشد الدفاع.
شهر رجب الفرد، أوّله الجمعة، وقيل: الخميس، وفي العشر الأول منه وجد جراد كثير منتشر، ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الأمر بسببه، وسدَّ الأرض كثرةً وعاثَ يمينًا وشمالًا، وأفسد شيئًا كثيرًا من الكروم والمقاثئ والزراعات النفيسة، وأتلف للناس شيئًا كثيرًا
(5)
، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وطافوا بالمحمل السلطاني حول البلد في يوم الخميس خامس عشره على عادتهم في ذلك باحتفال زائد.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره خرج الأمير شهاب الدين بن صبح متوجّهًا إلى حوران على ولاية الولاة بعد تمنّع شديد منه. ولكن أشير عليه بأن في هذا مصلحة للمسلمين بسببه وهيبته.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين منه تولّى حسبة دمشق القاضي أمين الدين سالم الذي كان مؤذنًا في أيام يَلْبُغَا، وأيام أرغون الكاملي أيضًا، ثم صار إلى حلب، فكان مؤذنًا لنوّابها، ثم ولي حسبة حلب، ثم عزل عنها، ثم قدم منها على حسبة دمشق، وعزل عنها القاضي عماد الدين بن السيرجي من بعد سؤاله مرارًا أن يُعفى من ذلك، فكان آخر ذلك أن أجيب إلى سؤاله
(6)
.
(1)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 286 - 287) والدرر الكامنة (2/ 336) والذيل التام (1/ 206) وشذرات الذهب (6/ 206).
وهو كما جاء في "الذيل التام": أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي.
(2)
في ط: البيري وهو تحريف، وما أثبتناه هو الصواب، وذلك أنه أسر سنة قازان (699) هـ بيد التتار، وعاد فيما بعد.
(3)
في الوفيات لابن رافع: ثانيه.
(4)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(5)
الذيل التام (1/ 204).
(6)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفي يوم الإثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كَيْسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج النَّاسُ به. وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع كثرة الجراد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي هذا اليوم خلع على المحتسب أمين الدين سالم وأشعل العامة الشموع، ودعوا له على عادتهم، وقد غلت الأسعار في أيامه، وقلت الأخباز، وأبيع الخبز بسعر أزيد مما كان مع التغيير، ثم تصلح الحال قليلًا.
وفي يوم الجمعة الحادي والعشرين منه، نودي في الجيش أن يركب بكماله صحبة نائب السلطنة بعد الصلاة، فاهتموا لذلك، وخرجوا صحبته الصعب والذلول، وسار بهم نحو البحرة شرقي دمشق بقية يومهم وليلتهم، ثم كبسوا في صبيحة يوم السبت فريق معيقل؛ فانتهبوا إبلًا كثيرة نحو سبعة آلاف جمل، وأمتعة وأثاثًا، ثم كروا راجعين سالمين غانمين
(1)
.
فتح باب كَيْسَان
(2)
بعد غلقه نحوًا من مئتي سنة:
وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين منه اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان، وشرع الصُّنَّاع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية، وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك واستهل رمضان وهم في العمل فيه.
وفي العشر الأخير منه توفي [الشريف شمس الدين محمد
(3)
بن علي بن الحسن بن حمزة الحُسَيْني
(4)
، المحدث المحصل، المؤلّف لأشياء مهمة في الحديث
(5)
قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء الرجال بـ "مسند" الإمام أحمد، واختصر كتابا
(6)
في أسماء الرجال مفيدًا، وولي مشيخة الحديث التي
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
الذيل التام (1/ 202).
وكيسان له صحبة، وقيل: كان يتجر في الخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حَرَّمت الخمر نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وذكر فيمن نزل حمص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وولده بدمشق وقيل: توفي بحمص. ترجمته في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (21/ 228).
وباب كَيْسان مكان كنيسة بولس في دمشق.
(3)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 290) والدرر الكامنة (4/ 61) والذيل التام (1/ 205) وفيه: صاحب الذيل على العبر، وطبقات الحفاظ.
(4)
في ط: الحسني.
(5)
اختصر الأطراف ورتبها على الحروف.
(6)
اختصر تهذيب الكمال للمزِّي.
وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر
(1)
، داخل باب توما].
شهر رمضان المعظم، أوّله الإثنين. فيه قُرئ عليَّ البخاري تحت قبة النّسر، وحضرنا قاضي القضاة المالكي بقراءة ابن الرفاعي، وقرئ على قاضي القضاة تاج الدين (السيرة النبوية) عند باب الخطابة قرأه شمس الدين بن سند.
وفي صبيحة يوم الجمعة مات رجل فقير بجامع تنكز، كان قد صلّى ركعتين، وجلس مع الناس ينتظر الصلاة، وهناك جنازة جاء معها، ليشيعها، فبينا هو كذلك إذ جاءه الموت فجأة، فمات من ساعته، فأخذه الناس من فوره، فغسلوه في المطهرة، وحملوه على أيديهم ووضعوه على البساط، ولما صلّي الناس، وصلوا على الجنازة وُضع مع المَيْت في نعشه، وحملا جميعًا إلى المقابر، وأنا هناك بالجامع المذكور حاضر لإسماع البخاري. وختمت البخاريات في أواخر الشهر
(2)
.
ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة، وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشَّريشي، وتهاترا على رؤوس الأشهاد بسبب لفظة "يبتز" بمعنى يدَّخر، وفي نسخة يلتز، فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب "يبتز" من قول العرب: عزّ بزَّ
(3)
وصدق في ذلك، فكأن منازعَه خطأ ابنَ المِزِّي، فانتصر الآخر للحافظ المزي، فقاد منه بالقول، ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه، فكشف رأسه على طريقة الصوفية، فكأن ابن السَّرَّاج لم يلتفت إليه، وترافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي، وجرت أمور ثم اصطلحوا غير مرة، وعزم أولئك على كتب محضر على ابن السراج، ثم انطفأت تلك الشرور.
وكثر الموت في أثناء هذا الشهر وقاربت العدة مئة، وربما جاوزت المئة، وربما كانت أقل منها وهو الغالب، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكثر الجراد في البساتين، وعظُم الخطب بسببه، وأتلف شيئًا كثيرًا من الغلات والثمار والمقاثي والخضراوات، وغلت الأسعار وقلت الثمار، وارتفعت قيم الأشياء [فبيع الدبس بما فوق المئتين القنطار، والرز بأزيد من ذلك]
(4)
.
وتكامل فتح باب كَيْسان وسموه الباب القبلي، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباشورة في جانبيه، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان، وجاء
(1)
هي دار الحديث البهائية، وقد كان الواقف طبيبًا بارعًا، كثير الصدقات. وقد سبق ذكره في وفيات سنة (723) هـ.
(2)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(3)
في ط: يز، وهو تحريف. وهو إشارة إلى المثل القائل: من عزَّ بزَّ، أي من غلب سلب.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
في غاية الحسن، وسلك الناس في حارات اليهود، وانكشف دَخَلُهم وأمِنَ النَّاسُ من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم، وانفرج الناس بهذا الباب المبارك.
شهر شوال، أوله الثلاثاء، واستهل والجراد قد أتلف شيئًا كثيرًا من البلاد، ورعى الخضراوات والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار، واستمرَّ الفناء، وكثر الضجيج والبكاء، وفقدنا كثيرًا من الأصحاب والأصدقاء، فلا تسمع في البلد إلا فلانًا مات، وفلانًا قد مات.
وسار الركب الشامي من دمشق يوم الإثنين رابع عشره على العادة، وخرج خلق كثير، وأميره الأمير شمس الدين سنقر الخازن، وقاضيه قاضي مصياف.
وحج من الأعيان في هذه السنة الشيخ بدر الدين بن الشَّريشي، وولده الشيخ شرف الدين محمود مدرس الباذرائية، والشيخ برهان الدين (. . .)
(1)
والشيخ محيي الدين الرحبي أحد التجار السفاره.
وفي أواخره قدم الأمير المُسمّى بابن كلبك بشاد الدواوين بمصر، وطلب الصاحب شمس الدين البهنسي ناظر الدواوين بدمشق وطلب منه حسابًا، فوقف عليه فيما ذكر مالًا جزيلًا، فطالبه به فتمنع عليه، وأظهر الغضب، فضربه على مقعده، ثم أقامه وضربه على كفيه
(2)
ضربًا عنيفًا، ثم تكرر منه هذا الصنيع حتى حمل الصاحب ما زاد على المئة ألف درهم. وعزل عن النظر عزلًا فظيعًا شنيعًا.
شهر ذي القعدة أوّله الخميس، ثمّ تعيّن الأربعاء استهل وقد تقاصر الفناء -ولله الحمد- ونزل العدد إلى الأربعين وما حولها
(3)
.
[وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة، فأنزلا في الميدان الأخضر قريبًا من القصر الأبلق، وذهب الناس للنظر إليهما على العادة]
(4)
.
وفي يوم الثلاثاء سادسه، وهو رابع آب سمع رعد شديد، ورؤي غيم كثيف حجب عين الشمس - وجاء سيل عظيم في بعض الأراضي حمل شيئًا كثيرًا من الغلات التي في البيادر ولم تقسّم
(5)
.
وفي يوم الجمعة تاسعه صُلِّي على الشيخ جمال الدين عبد الصمد
(6)
بن خليل البغدادي، المعروف بابن الخُضَري، محدّث بغداد وواعظها، كان من أهل السُّنَّة والجماعة رحمه الله انتهى.
(1)
بياض قدر كلمة.
(2)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 245 وفيه: (على كسعه).
(3)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: وسار الركب الشامي.
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(5)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(6)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 293) ووفاته فيه: في شهر رمضان والدرر الكامنة (2/ 367) وفيه: يعرف بابن الحصري، وذيل طبقات الحنابلة (2/ 413) والذيل التام (1/ 204) وفيه أيضًا: وفي رمضان ببغداد.
تجديد خُطبة ثانية
(1)
داخل سور دمشق، ولم يتفق ذلك فيما أعلم منذ فتوح الشَّامِ إلى الآن:
اتفق ذلك في يوم الجمعة الثالث، ثم تبين أنه الرابع والعشرين منه من هذه السنة بالجامع الذي جَدَّد بناءه نائب الشام سيف الدين مَنْكُلي بُغَا، بدرب البياعة
(2)
قبلي مسجد درب الحجر، داخل باب كيسان المجدَّد فتحه في هذا الحين كما تقدَّم، وهو معروف عند العامة بمسجد الشاذوري
(3)
، وإنما هو في "تاريخ" ابن عساكر مسجد الشهرزوري، وكان المسجد رنَّ الهيئة، قد تقادم عهده منذ دهر، وهجر فلا يدخله أحد من الناس إلا قليل، فوسعه من قبليه وسقفه جديدًا، وجعل له صرحة شمالية مبلطة، ورواقات على هيئة الجوامع، وداخل ذلك رواق كبير له جناحان شرقي وغربي، بأعمدة وقناطر، وقد كان قديمًا كنيسة فأخذت منهم قبل الخمسمئة، وعملت مسجدًا، فلم يزل كذلك إلى هذا الحين، فلما كمل كما ذكرنا وسيق إليه الماء من القنوات، ووضع فيه منبر مستعمل كذلك، فيومئذ ركب نائب السلطنة ودخل البلد من باب كَيْسان وانعطف على حارة اليهود حتى انتهى إلى الجامع المذكور، وقد اجتمع الناس عنده من قضاة وأعيان وخاصة وعامة، وقد عين لخطابته الشيخ صدر الدين بن منصور الحنفي، مدرس البلخية
(4)
وإمام الحنفية بالجامع الأموي، فلما أذَن الأذان الأول تعذر عليه الخروج من بيت الخطابة، قيل: لمرض عرض له، وقيل: لغير ذلك من حصر أو نحوه، فخطب الناس يومئذ قاضي القضاة جمال الدين
(5)
الحنفي الكفري، خدمة لنائب السلطنة.
وفي يوم السبت الخامس والعشرين منه شاهدت في جماعة من الناس في بعض الأماكن رجلًا شرقيًا اسمه تاج الدين سلطان، انتخبَ له درهمًا من الثقبلات الجدد، فوضعه بين أصبعيه الكبرى والسبابة، ولم يزل به حتى محاسكة الوجه الواحد الذي يلي إبهامه، فلما ألقاه من يده ألقاه في طاسة فيها ماء بارد، فجعل يغش كأنما خرج من كور الحداد، والدرهم عندي
(6)
.
وفي يوم الإثنين السابع والعشرين منه خلع على القاضي علم الدين ناظر الجيش خلعة بنظر الدواوين مضافًا إلى نظر الجيش، ولم يُجمع هذان المنصبان لغيره، وراح الناس لتهنئته، وهو كاره لذلك،
(1)
الذيل التام (1/ 201).
(2)
في ط: البلاغة، والتصويب من الدارس (2/ 317).
(3)
في ط: الشاذوري وهو تحريف. والتصويب من الدارس (2/ 317) وفيه: هو مسجد كبير كان قديمًا كنيسة لليهود ثم جعل مسجدًا.
(4)
في ط: الناجية وهو تحريف.
(5)
هو يوسف بن أحمد. مرَّ كثيرًا ووفاته سنة (766) هـ.
(6)
الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 246. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
خائف من أخذ نظر الجيش منه. فباشر ذلك مباشرة مسدّدة، احتاط لنفسه، والتزم ألا يأخذ فيها معلومًا
(1)
.
واستهل وقد رفع الله الوباء عن دمشق وله الحمد والمنة. وأهل البلد يموتون على العادة، ولا يمرض أحد بتلك العلة، ولكن المرض المعتاد، انتهى.
وفي ليلة الرابع والعشرين منه كسف القمر بعد نصف الليل، ونودي لها على رؤوس المنائر، فاجتمع من تيسر له الحضور، وخطب بهم وانجلى القمر قبل غيبوبته
(2)
.
ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمئة أحسن الله تقضيها
استهلَّت هذه السنة وسلطان الإسلام الملك الأشرف ناصر الدين شعبان، وأرباب الدولة بمصر والشام هم هم.
سوى نظر الدواوين بالشام، فإنّه مضاف إلى القاضي علم الدين داود مع نظر الجيوش، والحسبة بيد أمين الدين سالم المؤذن، كان
(3)
. وشد الدواوين بيد ابن العسكري.
شهر الله المحرم، أوّله السبت، وردت كتب الحجاج يوم الأحد سادس عشره، وفيها أنه لحقهم شدّة في الرجعة، وغلاء في الشعير والماء، ولا سيما في المفازه. وأنه مات جمال كثيرة
(4)
.
ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الإثنين الرابع والعشرين منه، وذكروا أنهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين، وقدم مع الركب ممَّن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح
(5)
، وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خاله
(6)
تاج الدين
(7)
يحكم فيما يحكم فيه مستقلًا معه ومنفردًا بعده. وذهب الناس لتهنئته بذلك والسلام عليه من السفر، والدعاء له بقبول الحج
(8)
.
(1)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(2)
ليس في أ وب وط، وهي في الأصل.
(3)
هكذا في أصلنا المخطوط، وهو تعبير يستخدمه ابن كثير عادة، ويريد أنه كان مؤذنًا.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(5)
هو: محمد بن محمد بن عبد اللطيف السُّبكي وذكر من قبل غير مرّة.
(6)
في ط: خالد وهو تحريف.
(7)
عبد الوهاب بن علي، ذكر من قبل غير مرّة.
(8)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
وفي هذا الشهر رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهما مَشْغَرا
(1)
وتلفياثا
(2)
، وسبب ذلك أنهما عاصيتان، وأهلهما مفسدون في الأرض، والبلدان والأرض حصينة لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس، فخربتا وعُمر بدلهما في أسفل الوادي، بحيث يصل إليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة، فأخبرني الملك صلاح الدين بن الكامل أن بلدة تلفياثا عمل فيها ألف فارس، ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمئة حمار عدة أيام.
وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين منه درّس القاضي شمس الدين الغزي نائب الحكم بالمدرسة الناصرية الجوانية، تركها له مستنيبه قاضي القضاة تاج الدين السبكي، وحضر عنده القضاة وكاتب السر وجماعة من الأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [البقرة: 274] وذلك بعد ثبوت المكتب من مدّةٍ متطاولة، إنّما تكون لحاكم البلد فصدق الاسم، ولو على النائب للحاكم. وفعل ذلك.
وصُلّي على الملك الصالح صاحب ماردين
(3)
صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة بجامع دمشق في الثامن والعشرين منه، من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين، منها في الملك ستون سنة - رحمه الله تعالى -.
شهر صفر، أوّله الإثنين، في مستهله ركب الصاحب علم الدين داود ناظر الدواوين وناظر الجيوش المنصورة بدمشق إلى الديار المصرية على خيل البريد مطلوبًا من هناك طلب إكرام عن طلبة لذلك
(4)
.
وفي يوم الجمعة خامسه
(5)
بعد الصَّلاة صُلِّي على قاضي القضاة جمال الدين يوسف
(6)
ابن قاضي القضاة شرف الدين أحمد ابن أقضى القضاة ابن الحُسَين الكَفْري
(7)
الحنفي، وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر، وقد جاوز الأربعين بثلاث من السنين، ولي قضاء قضاة الحنفية، وخطب بجامع يَلْبُغَا، وأحضر مشيخة النفيسية
(8)
، ودرس بأماكن من مدارس الحنفية، وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كَيْسَان بحضرة نائب السلطنة.
(1)
في ياقوت (5/ 134): مَشْغَرى.
(2)
في ط: تلبياثا. وأثبتنا ما في الدارس (2/ 368) وكذلك هي في ياقوت (2/ 42).
(3)
هو صالح بن غازي، ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 263.
(4)
ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(5)
في ط: سادسه. وهو غلط.
(6)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 297) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 269) والدرر الكامنة (4/ 446) والنجوم الزاهرة (11/ 86) والذيل التام (1/ 211).
(7)
في ط: المزي. وهو توهم.
(8)
هي دار حديث قبلي المارستان الدقاقي. الدارس (1/ 114).
وفي صفر كانت وفاة [الشيخ جمال الدين عمر
(1)
بن القاضي عبد المحسن
(2)
بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد، وقاضي الحنابلة بها، فتعصبت عليه الرَّوافض حتى ضُرب بين يدي الوزارة ضربًا مبرحًا، كان سبب موته سريعًا رحمه الله، وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، من أكبر المنكرين على الرّوافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله، وبلَّ بالرحمة ثراه]
(3)
.
وفي يوم الإثنين ثانيه حضر مشيخة النفيسيَّة الشيخ شمس الدين محمد بن سند
(4)
، وحضر عند قاضي القضاة تاج الدين
(5)
وجماعة من الأعيان، وأورد حديث عبادة بن الصامت:"لا صلاة لِمَنْ لَمْ يَقْرأ بفاتحة الكتاب"
(6)
أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه.
وفي العشر الأخير منه عقد مجلس بدار السعادة بين يدي نائب السلطنة بسبب قضاء الحنفية، فقيل: إنه تعيّن الشيخ جمال الدين بن السّراج وقاضي العساكر الحنفي شهاب الدين العينتابي، ووقع منه كلام بسبب إمامة مدرسة الشبلية، وإن لا يواظبها كما في شرط الواقف).
في يوم الأربعاء تاسعة رجمت العامة المحتسب أمين الدين سالم فاحتمى بدار الحاجب منهم
(7)
.
وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين السبكي إلى هناك؛ فسير أهله قبله على الجمال، وخرجوا يوم الجمعة حادي عشره [جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك]
(8)
، فأقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من السَّرحة ووادعه، وركب على البريد.
وقدم الصاحب علم الدين داود من الديار المصرية يوم الثلاثاء خامس عشره، فنزل بداره داخل باب كيسان، وراح الناس للسلام عليه وتهنئته باستمراره على نظر الدواوين والجيش، وما كان بيده من المباشرات.
ولما قدم نائب السلطنة يوم الخميس الرابع والعشرين منه، وركب في الموكب يومئذ، ونزل دار
(1)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 173).
(2)
في ط: عبد الحي وأثبتنا ما في الدرر الكامنة.
(3)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(4)
هو: الحافظ الواعظ الشمس محمد بن موسى بن محمد بن سند اللخمي الدمشقي. مات سنة (792) هـ. الذيل التام (1/ 358).
(5)
هو: عبد الوهاب السبكي.
(6)
رواه البخاري رقم (756) في صفة الصلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلّها.
ورواه مسلم أيضًا رقم (394) في الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(7)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(8)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
السعادة، خلع على الصاحب علم الدين داود المذكور، وعلى قاضي القضاة جمال الدين بن السراج شيخ الحنفية في زمانه، وجاء إلى المقصورة من الجامع الأموي، وقرئ تقليده هناك فاستناب الشيخ نور الدين ابن الصارم المحدّث، ثم راح إلى النورية فدرّس بها، وفي صحبته القضاة والأعيان، وجاء الناس للسلام عليه وتهنئته.
وتوفي الشيخ علي الغوطي
(1)
أحد مشاهير الفقراء له كلام، وفيه انطباع، ويعتقد فيه كثير من الناس أن له أحوالًا، وكانت جنازته حافلة، صُلّي عليه بكرة يوم الأحد الحادي والعشرين من هذا الشهر، وقد جاوز التسعين رحمه الله وسامحه -.
شهر ربيع الآخر، أوّله الخميس، في أول يوم منه توجّه قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي على خيل البريد إلى الديار المصرية، وصحبته القاضي ولي الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء السبكي وجماعة من ذويه.
وخطب يوم الجمعة ثانيه بالجامع الأموي ابن أخته قاضي القضاة في المنصب والخطابة.
وفي ليلة الخميس ثامنه ولد لنائب السلطنة مَنْكَلي بُغَا ولد ذكرٌ من زوجته بنت السلطان الملك الناصر، فخلق الدولة بالخَلُوق، ودقت طبلخانة على باب دار السعادة، وهناه الأمراء والقضاة والخواص، وامتدحه الشعراء، فمن جملتهم فتح الدين كاتب السر
(2)
الشريف أنشد في من أوّل قصيدة له: [من الوافر]
تبدّى في ثمانٍ من ربيع
…
فعوذناه بالسبع المثاني
تبدّى في ثمان وهو بدر
…
فواعجبًا لبدر في ثمانِ
وعملت لهذا المولد عقيقة حافلة للنساء بدار السعادة، حضر عند والدته بنت السلطان نساء الأمراء والأكابر بالتقادم والتحف والألطاف. ورأوا عندها ما بهرهم من الحشمة والسعادة والنعمة والألطاف والمشارب والأطعمة والطرب، وغير ذلك ما تتحدث به النساء بعضهنّ لبعض مما لم يكن بعض ذلك يخطر ببالهن.
وللرجال بالقصر الأبلق في محفل ما يعبَّرُ عنه.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 265، والدرر الكامنة 3/ 145، والذيل التام 1/ 2111، وفيه: الفوطي. بالفاء.
(2)
هو محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر، فتح الدين المعروف بابن الشهيد، العالم الأديب الكاتب الفقيه. توفي مقتولًا بسيف السلطان سنة 793 هـ.
انظر الدرر الكامنة 3/ 296، والذيل التام 1/ 364، والشذرات 8/ 563.
وفي أواخر هذا الشهر احتيط على جماعة من المفسدين في الأرض من قطع الطرقات، وجلب الخمر، والعُدوان على الناس، فصلبوا، وطيف بهم في البلد، ومن أشهرهم رجلٌ يقال له: قَرَايَغْدِي، كان قد جرح رجلًا يقال له: ابن عيشه، فأتلفه، فصُلب قرا يغدي، ثم أنزل وقطعت يده اليمنى، فمات عقب ذلك.
شهر جمادى الأولى، أوّله السبت، في العشر الأوسط منه فتح حمّام جدّده ملك الأمراء الأمير علي المارداني نائب الشام كان إلى جانب داره النازل بها بالقصاعين، ففي نحو من شهرين وخمسة أيام استأنف جميع بنيانه، وجعل في داره منه مقصورة لأهله. وقد رأيته، ودخلت إليه ناظرًا إلى صفة بنيانه، فإذا هو حسن مختصر، فيه ستة أجرنة، وضوءه جيد، ومَشْلَحه
(1)
متسع، وله بابان أحدهما إلى درب ابن صبرة داخل باب الجابية، والآخر إلى القصاعين، وذلك مما ينتفع به.
وكسفت الشمس في يوم الجمعة الثامن والعشرين من بعد الصلاة، فصُلِّي للكسوف قبل أذان العصر وخطب الخطيب عند الأذان للعصر، ثم نزل، وأقيمت الصلاة للعصر، فصلّى ثم أطال الدعاء.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الإثنين، ثم ثبت الأحد، في يوم الإثنين خامس عشره رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على خيل البريد، فتلقاه الناس إلى أثناء الطريق، واحتفلوا له احتفالًا زائدًا في تهنئته بالسلامة.
وفي آخره عاد نائب السلطنة من الصيد بعد غيبة نحو من عشرة أيام أو أزيد)
(2)
.
قتل الرافضي الخبيث:
وفي يوم الخميس سابع عشره أول النهار وجد رجل بالجامع الأموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي، وهو يسب الشيخين ويصرّح بلعنتهما، فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك، وأُحضر الضُّرَّاب، فأوّل ضربة قال: لا إله إلا الله، علي ولي الله، ولما ضُرب الثّانية لعن أبا بكر وعمر، فالتهمه العامة فأوسعوه ضربًا مبرحًا بحيث كاد يهلك، فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك، فجعل الرّافضي يسب ويلعن الصَّحابة، وقال: كانوا على الضَّلال؛ فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة، وشهد عليه قوله بأنَّهم كانوا على الضلالة، فعند ذلك حكم عليه القاضي بإراقة دمه، فأخذ إلى ظاهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبَّحه الله، وكان ممَّن يقرأ بمدرسة أبي عُمَر، ثم ظهر عليه الرّفض فسجنه الحنبلي أربعين يومًا، فلم ينفع ذلك، وما زال يصرِّحُ في كل موطن
(1)
المشلح هنا مكان نزع الملابس.
(2)
ليست في أ وب وط، وهي في الأصل. من قوله: وقدم الصاحب علم الدين داود.
يمرُّ
(1)
فيه بالسبِّ حتَّى كان يومه هذا، أظهر مذهبه في الجامع، وكان سبب قتله قبحه الله كما قبح من كان قبله، وقتل بقتله في سنة خمس وخمسين
(2)
.
استنابة ولي الدين بن بهاء الدين أبي البقاء السبكي:
وفي آخر هذا اليوم - أعني يوم الخميس ثامن عشره - حكم أقضى القضاة ولي الدين
(3)
ابن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء بالمدرسة العادليَّة الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين مع استنابة أقضى القضاة شمس الدين
(4)
الغزّي، وأقضى القضاة بدر الدين بن وهيبة
(5)
، وأما قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح فهو نائب أيضًا، ولكنه بتوقيع شريف أنه يحكم مستقلًا مع قاضي القضاة تاج الدين.
وفي يوم الإثنين الثاني والعشرين منه استحضر نائب السلطنة الأمير ناصر الدين بن الغاوي متولّي البلد ونقم عليه أشياء، وأمر بضربه، فضرب بين يديه على أكتافه ضربًا ليس بمبرح، ثم عزله واستدعى بالأمير علم الدين سُلَيْمان أحد الأمراء العشراوات [ابن الأمير صفي الدين بن أبي القاسم البصراوي، أحد أمراء الطبلخانات، كان قد ولي شد الدواوين ونظر القدس والخليل وغير ذلك من الولايات الكبار، وهو ابن الشيخ فخر الدين عثمان بن الشيخ صفي الدين أبي القاسم التميمي الحنفي. وبأيديهم تدريس الأمينية التي بيُصْرى والحكيمية أزيد من مئة سنة]
(6)
فولاه البلد على تكره منه، فألزمه بها وخلع عليه، وقد كان وليها قبل ذلك فأحسن السيرة، وشكر سعيه لديانته وأمانته وعفته، وفرح الناس ولله الحمد.
ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه
(7)
:
ورد الخبر مع البريد من الدّيار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عزل نفسه عن القضاء يوم الإثنين السادس عشر من هذا الشهر، وصمم على ذلك، فبعث الأمير الكبير يَلْبُغا إليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل، فركب إليه بنفسه ومعه القضاة والأعيان فتلطَّفوا به فلم يقبل وصمَّم على الانعزال، فقال له الأمير الكبير: فعيِّن لنا من يصلح بعدك. قال: ولا أقول لكم شيئًا غير أنه لا يتولَّى رجل واحد، ثم ولُّوا من شئتم، فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال:
(1)
في ط: يأمر.
(2)
وهو: علي بن أبي الفضل بن محمد بن حسين، قتل سنة (755) هـ.
(3)
هو: أبو ذر عبد الله بن محمد بن عبد البر. مات سنة (785) هـ. الذيل التام (1/ 328).
(4)
هو: محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزِّي ثم الدمشقي الشافعي. مات سنة (770) هـ الذيل التام (1/ 235).
(5)
في ط: وهبة.
(6)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(7)
الدرر الكامنة (2/ 381) النجوم الزاهرة (11/ 28) الذيل التام (1/ 207).
لا تولُّوا ابنَ عقيل، فعين الأمير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين أبا البقاء، فقيل: إنه أظهر الامتناع، ثم قبل ولبس الخلعة.
وباشر يوم الإثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة، وتولَّى قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء.
شهر رجب الفرد، أوّله الثلاثاء، في صبيحة الأحد سادسه سمّر نائب السلطنة رجلًا من أهل الجبل يقال له: حسن الجمال، كان قد عتا
(1)
وتمرّد وبغى، فلم يزل في تطلّبه حتَّى أحضره نائب بعلبك ومعه جماعة من أخدانه، على الجمال، وكانوا فوق العشرين، وألبس مقدمهم خلعة وكللاتة كان قد خلعها عليه قبل ذلك.
ثم أمر بعدما طيف بهم البلد دورة المحمل، فوُسّط بعد ذلك لا جمع الله به شملًا، ولا رحمه، آمين
(2)
.
وفي يوم الإثنين سابعه توفي الشيخ علي
(3)
المراوحي خادم الشيخ أسد المراوحي البغدادي، وكان فيه مروءة كثيرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدخل على النواب ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته، وله قبول عند الناس، وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج
(4)
، وبيده مال جيد يتَّجر له فيه، تعلَّل مدة طويلة ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلِّيَ عليه الظهر بالجامع، ثم حُمل إلى سفح قاسيون رحمه الله.
وفي يوم الإثنين رابع عشره، طافوا بالمحمل حول البلد، ولم يكن نائب السلطنة حاضرًا، ولم يركب. وفي العشر الآخَر منه ركب الشعائر على كوى قبّة النّسر وظهور الجامات التي بالمقصورة من الجامع الأموي، وجاءت في غاية الحسن والنّفع، وذلك عن أمر نائب السلطنة ومباشرته لذلك جزاه الله خيرًا.
وهو ساع في عمارة المعمل قيساريةً للتجار وغير ذلك.
واشتهر في هذا الشهر أن الأمير بيدمر الذي كان نائب الشام، وهو مقيم ببلد صفد بطالًا قد ولّاه الأمير يلبُغَا ولاية الولاة بحوران مع إمرة طبلخاناه على قاعدة ابن صبح والشيخ علي.
شهر شعبان المكرم، أوّله الخميس، في العشر الأول منه وذلك في التاسع والعشرين من نيسان وقع مطرٌ هائل سألت منه الميازيب وامتلأت منه الطرقات مرّات متعدّدة، ففرح الناس به فرحًا شديدًا،
(1)
عتا يعتو: استكبر وتجاوز الحد. اللسان (عتا).
(2)
ليست في أ و ب وط. وهي في الأصل.
(3)
ترجمته في الدرر الكامنة (3/ 145) وفيه: البراوحي.
(4)
يعني: المحتاجين.
ورجَوْا فيه فرجًا قريبًا، إذ بهذه المطرة تتضاعف الغلّات وتكثر، ويزول ما بالناس من الجهد بسبب الغلاء المستمر شهورًا عديدة، الخبز دون الرطل بدرهم، وأنهى ما يرتفع إلى الرطل، والقمح الغرارة بثمانين وأزيد.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثالث عشره قدم الأمير الكبير بيدمِر الذي كان نائب الشام، فنزل بداره عند مئذنة فيروز، وذهب الناس للسلام عليه، بعدما سلّم هو على نائب السلطنة بدار السعادة، وقد رسم له بإمرة مقدمة ألف، وولاية الولاة بحوران والسواحل
(1)
.
وفي يوم السبت سابع عشره رسم نائب السلطنة بجمع طائفة الأعاجم بمرسوم ورد من الديار المصرية وأُخذوا إلى دار السعادة، وكذلك في يوم الأحد بعده، ولم يبيّن لماذا كان طلبهم، ونودي على الخبز الصافي العلامة كل رطل بدرهم، وعلى الذي دونه رطل ووقيتين، ونزل سعر القمح إلى المئة وستين ونحو ذلك، ففرح الناس بذلك فرحًا شديدًا.
شهر رمضان المعظم، أوّله الجمعة، جرت العادة في هذا الشهر أن يُقرأ علي (صحيح البخاري) في مواضع متعددة؛ فمن ذلك بمسجد هشام، ثم تحت قبة النّسر بالجامع الأموي، ثم يُقرأ صحيح مسلّم عند محراب الحنابلة منه، ثم بمدرسة النورية البخاري، ثم بعد الظهر بجامع تنكِز. ثم قبل العصر بالمدرسة العزية بالكجك، ثم بعد العصر بدار الأمير علي المارداني بالقصّاعين. فللَّه الحمد والمنّة على ذلك أولًا وآخرًا.
في العشر الأول منه ظُهر على رجل شيخٍ صنعته دقّاق يغتال النّساء والبنات، يقتلهنّ خنقًا، ويأخذ ما عليهن، حتَّى إنه اعترف أنه خنق صغيرة بنت ثماني سنين، فشُنق بعدما عُوقب.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره نودي على الخبز الطيب كل رطل ونصف بدرهم. والله الحمد.
ولما كان يوم الإثنين ثامن عشره طلب الأمير بَيْدَمِر إلى دار السعادة، فخُلع عليه خلعة سنيّة بولاية الولاة من بلاد غزّة إلى أقصى بلاد الشّام، وأكرمه نائب السلطنة إكرامًا زائدًا، واحترمه.
شهر شوال، أوّله الأحد، في يوم الثلاثاء عاشره توفي الشيخ نور الدين علي بن الصارم بن أبي الهيجاء الكَرْكي الشّوبكي، ثم الدمشقي، الشّافعي
(2)
، كان رحمه الله خفيف الروح، يحبَّه الناس ويرغبون في عشرته لذلك، وكان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارًا حسنًا متقنًا، كثير التلاوة له، حسن الصلاة، يقوم الليل، وقرأ عليّ (صحيح البخاري) بمسجد ابن هشام عدّة سنين، ومهر فيه، وكان
(1)
السّواحل: مكان بعينه قرب حوران، وليس ساحل البحر.
(2)
ترجمته في المطبوع لكنها مضطربه عما هاهنا، وفي تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 265 نقلًا عن ابن كثير.
جهوري الصوت، صحيح العبارة. وكان يداوم على القيام في العَشْر الآخَر في محراب الصحابة من الجامع الأموي في شهر رمضان، ثم مرض خمسة أيام، ومات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد، وصُلّي عليه العصر بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير عند والدته، وكانت جنازته حافله رحمه الله.
وخرج المحمل السلطاني والحجيج يوم الخميس ثاني عشره، وأميرهم علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي.
وفي صبيحة يوم الإثنين سادس عشره خُلع على الأمير علاء الدين بن بهادر الشجاعي نقيب النقباء بولاية البر مضافًا إلى ما بيده من النقابة، وهو أحد أمراء العشرات بدمشق، وهو مشكور السيرة.
شهر ذي القعدة، أوّله الإثنين، في يوم الأحد سابعه توفّي الشيخ قطب الدين محمد بن محمد التحتاني
(1)
. أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل، قدم دمشق من سنواتٍ، فنزل في دار إلى جانب المدرسة الظاهرية، وقد اجتمعت به، فوجدته لطيف العبارة، عنده ما يقال، ورأيته ضعيف العينين، يشتكي من ضعفهما، وله مالٌ وثروة، وله عيال وأولاد، ولم يزل مقيمًا بها حتَّى كانت وفاته في هذا الوقت رحمه الله.
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه قدم البريدية من ناحية الشرق، ومعهم قماقم فيها ماء من عينٍ هناك من خاصيّته أن يتبعه طيرٌ يسمى (السّمرمر) أصفر الريش، قريب من شكل الخطاف من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه يفنيه ويأكله، فلا يلبث الجراد إلا قليلًا، حتَّى يرحل أو يؤكل، على ما ذكروه ليّ.
شهر ذي الحجّة، أوّله الثلاثاء، في المنتصف منه كمل بناء القيساريّة التي كانت معملًا بالقرب من دار الحجارة، قبلي سوق الدَّهشة الذي للرجال، وفتحت وأُكريت دهشةً لقماش النساء، وذلك بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع الأموي، وفيه حصل لملك الأمراء وللقاضي الشافعي والحنبلي أيضًا، وعادهم الناس، ثم عوفي ملك الأمراء قبل القاضي، وراح إليه عاده، ثم عوفي الشافعي في أواخر الشهر.
وفي نفسه مما وقع في حقّه من كلام بعض الجهلة ممن كتب فيه أوراقًا تُرمى في أرجاء الجامع وغيره، فيها أشياء لا تُذكر، مما يجب في كثير منها الحدود والتّعزير، وقد وقع ظنُّه أنها من جهة ابن الرُّهاوي
(2)
.
(1)
ترجمته في تاريخ قاضي ابن شهبة 3/ 267، نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه، والدرر الكامنة 4/ 339 والذيل التام 1/ 260، والشذرات 8/ 355.
وعُرف بالتحتاني تمييزًا له من مطب آخر كان ساكن معه بأعلى المدرسة الظاهرية.
(2)
هو: أحمد بن محمد بن أحمد، جمال الدين أبو العباس الرُّهاوي الشافعي. قام على القاضي الشافعي وآذاه، وسوف يأتي الكلام عليه. مات سنة (777 هـ).
وفي أواخر هذا الشهر جاء المرسوم الشريف يطرح مكس القطن المغزول والمجلوب أيضًا، ونودي بذلك في البلد، فكثر الدعاء لمن سعى في ذلك، وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا.
وفي آخره اختطفَ فارسٌ - صفته وشاقيّ
(1)
- عمامةَ رجلٍ بالصّالحية، وساق الفرس ليهرب، فتقنطرت به الفرس بعد خطوات يسيرة، فسقط عنها مَيْتًا، والشّاش في يده، ففرح صاحب الشاش، ومن شهد ذلك من الناس، أو بلغه، وانسَرُّوا بوقوعه وموته أيضًا.
وفي هذا الحين اجتاز الأمير مَنْجَك من الديار المصرية قاصدًا إلى طرسوس نائبًا عليها، فجاء إلى دار السعادة، وسلّم على نائب السلطنة، وأقام أيامًا ثم سافر إلى بلده)
(2)
.
ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمئة
استهلَّت وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشَّامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الأقاليم الملك الأشرف بن الحُسَين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمره عشر سنين فما فوقها، وأتابك العساكر ومدبر ممالكه بين يديه الأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي.
وقاضي قضاة الشافعية بمصر بهاء الدين أبو البقاء السُّبكي، وبقية القضاة هم المذكورون في السنة الماضية. وكذلك الوزير، وليس بمصر نائب سلطنةٍ.
ونائب دمشق الأمير سيف الدين مَنْكُلي بُغَا، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه الشيخ جمال الدين بن السرّاج شيخ الحنفية، والخطابة بيد قاضي القضاة تاج الدين الشافعي، وكاتب السر وشيخ الشيوخ القاضي فتح الدِّين بن الشَّهيد، ووكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرُّهَاويّ.
شهر الله المحرّم، أوّله الخميس ودخل المحمل السلطاني والحجيج يوم الجمعة بعد العصر قريب الغروب، ولم يشعر بذلك أكثر أهل البلد، وذلك لغيبة النَّائب في السرحة ممَّا يلي ناحية الفرات، ليكون كالرد للتَّجريدة التي بعثت لتخريب الكبيسات التي هي إقطاع حيار بن مهنا من أرض السلطان أُوَيْس ملك العراق انتهى.
(1)
الوِشاقي: الخفيف السّريع. وتعني هنا اللصّ.
(2)
بعضها ليس في: أ وب وط. وهي في الأصل، وبعضها الآخر جاء في ط، لكنه مضطرب من قوله: وطافوا بالمحمل حول البلد في يوم الإثنين رابع عشره، وجاء وفي بعض المواضع عبارات تشعر بأن الكلام ليس لابن كثير. من مثل قوله:(وخُتمتْ البخارياتُ بالجامع الأموي وغيره في عدة أماكن، من ذلك ستة مواعيد؛ تقرأ على الشيخ عماد الدين بن كثير في اليوم). المطبوع 16/ 457. وهذا أسلوب مغايرٌ لما في الأصل. والمثبت بين يدي. فليُنْظَر فيه.
استيلاء الفرنج لعنهم الله على الإسكندرية
(1)
:
وفي العشر الأخير من هذا الشهر احتيط على الفرنج بمدينة دمشق، وأُودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة، واشتهر أنَّ سبب ذلك أن مدينة الإسكندرية محاصرة بعدة شواني، وذكر أن صاحب قبرص معهم، وأن الجيش المصري جهّزوا إلى حراسة مدينة الإسكندرية حرسها الله تعالى وصانها وحماها، وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الآتي، فإنه أوضح.
ونكبت القِرم بعد الإسكندرية بأيام فيما بلغنا، بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له ماميه
(2)
، واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسرًا، وقتلوا من أهلها خلقًا وغنموا شيئًا كثيرًا، واستقرت عليها يد ماميه ملكًا عليها.
وفي يوم الجمعة سلخ هذا الشهر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم
(3)
بن الشيخ شمس الدين بن قيّم الجوزية ببستانه بالمِزَّة، ونقل إلى عند والده بمقابر الباب الصغير، فصلّي عليه بعد صلاة العصر بجامع جرَّاح، وحضر جنازته القضاة والأعيان وخلق كثير من التجار والعامة، وكانت جنازته حافلة، وقد بلغ من العمر ثمانيًا وأربعين سنة، وكان بارعًا فاضلًا في النَّحو والفقه وفنون أُخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى، [وكان مدرِّسًا بالصَّدرية والتَّدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابة بجامع ابن صلحان، وترك مالًا جزيلًا يقارب المئة ألف درهم، انتهى.
شهر صفر وأوله الجمعة، أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم - يوم الجمعة مستهل هذا الشهر - الكواكب السبعة سوى المرِّيخ في برج العقرب، ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة، فأما المرِّيخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس]
(4)
.
وفيه، وردت الأخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الإسكندرية من الفرنج لعنهم الله، وذلك أنهم وصلوا إليها في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم صحبة صاحب قبرص غليوم
(5)
، فلم يجدوا بها نائبًا
(6)
ولا جيشًا، ولا حافظًا للبحر ولا ناصرًا، فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعدما حرقوا أبوابًا كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فسادًا، يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النّساء والأطفال،
(1)
ابن خلدون (5/ 454) النجوم الزاهرة (11/ 29) الذيل التام (1/ 212).
(2)
لم أقع له على ذكر له فيما بين يديّ من المصادر.
(3)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 303) وتاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 278) نقلًا عن ابن كثير والدرر الكامنة (1/ 58) والذيل التام (1/ 216) والسحب الوابلة لابن حميد ص (30).
(4)
ما بين الحاصرتين ليس في الأصل. واستدركته من ط.
(5)
ليس في أ و ب وط.
(6)
نائبها خليل بن عرّام. كان يؤدّي الفريضة. ابن خلدون (5/ 454).
فالحكم الله العلي الكبير المتعال. وأقاموا بها يوم الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء، فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري، فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها، وقد أسروا خلقًا كثيرًا يقاربون أربعة الآلاف
(1)
، وأخذوا من الأموال ذهبًا وحريرًا وبهارًا وغير ذلك ما لا يُحدُّ ولا يوصف. وقدم السلطان والأمير الكبير يَلْبُغَا ظهر يومئذ، وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشَّواني بالبحر، فسمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجار إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين ما قطع الأكباد، وذرفت له العيون وأصم الأسماع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شقَّ عليهم ذلك جدًّا، وذكر ذلك الخطيبُ يوم الجمعة على المنبر فتباكي [الناس] كثيرًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النَّصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب وشواني تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى وطُلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب، ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعًا.
وقد طلبتُ يوم السبت السادسَ عشر من صفر إلى الميدان الأخضر للاجتماع بنائب السلطنة، وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة، فرأيت. فرأيت منه أنسًا كثيرًا واحترامًا زائدًا، ورأيته كامل الرأي والفهم، حسن العبارة كريم المجالسة، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النَّصارى، فقال: إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك، فقلت له: هذا ممَّا لا يسوَّغ شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا، ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدُّون إلينا الجزية ملتزمين بالذِّلة والصَّغار، وأحكامُ الملَّة قائمة، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم - الواحد - فوق ما يبذلونه من الجزية، ومثل هذا لا يخفى على الأمير فقال: كيف أصنع، وقد ورد المرسوم بذلك، ولا يمكنني أن أخالفه؟
وذكرت له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الإرهاب ووعيد العقاب، وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به، كما قال سُليمان بن داود عليهما السلام:"ائْتُونِي بالسِّكِّين أَشُقُّه نصفَيْن"
(2)
كما هو الحديث مبسوط في "الصحيحين"، فجعل يعجبه هذا جدًّا، وذكر أن هذا كان في
(1)
في ط: الأربعة آلاف.
(2)
رواه البخاري رقم (6769) في الفرائض باب: إذا ادَّعت المرأة ابنًا ورقم (3427). ورواه مسلم أيضًا رقم (1720) في الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين. ولفظه في البخاري:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت امرأتان معهما ابناهُمَا، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتُوني بالسِّكين أشقُّه =
قلبه وأني كاشفتُه بهذا، وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية، وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام، فتجيء حتَّى تقف على الجواب، وظهر منه إحسان وقبول وإكرام زائد أحسن الله إليه.
ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الأول فبشَّرني أنَّه قد رُسم بعمل الشَّواني والمراكب لغزو الفرنج، ولله الحمد والمنة.
ثم في صبيحة يوم الأحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه وهم قريب من أربعمئة فحلَّفهم كم أموالهم، وألزمهم بأداء الربع من أموالهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد أمروا إلى الولاة بإحضار من في معاملتهم، ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب ذلك، وجرّدت أمراء إلى النواحي لاستخلاص الأموال من النَّصارى في القدس وغير ذلك.
شهر ربيع الأول، أوّله السبت، وفي أوله كان سفر قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي الشافعي إلى القاهرة.
[وفي يوم الأربعاء خامس ربيع الأول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة، وسألتُه عن جواب المطالعة، فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشَّواني والمراكب لغزو قبرص، وقتال الفرنج، ولله الحمد والمنة]
(1)
.
وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطَّاعين والنشَّارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت
(2)
، وأن يُشرع في عمل الشَّواني في آخر يوم من هذا الشهر، وهو يوم الجمعة.
وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التغاراتي
(3)
إلى جانب حمَّام الكاس، شمالي المدرسة البادرائية، وعمل فيها وظيفة حديث وحضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى والله أعلم.
صفة عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي
(4)
:
ولما كان يوم الإثنين العشرين من ربيع الأول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب ما رمي به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي السُّبكي، وكنت ممّن طُلب إليه، فحضرته فيمن حضر،
= بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصّغرى" قال أبو هريرة: والله إن سمعتُ بالسكّين قطُّ إلا يومئذ، وما كنّا نقول إلا المدية.
(1)
ليس في الأصل، واستدركته من ط.
(2)
في النجوم الزاهرة (11/ 30): إلى جبل شغلان بالقرب من مدينة أنطاكية.
(3)
هكذا في الأصل، والذي في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 4272) التفتازاني، وليس من الأشراف.
(4)
الدرر الكامنة (2/ 426) وفيه: وحصل له بسبب القضاء محنة شديدة. والدارس (1/ 37).
وقد اجتمع فيه القضاة الثلاثة، وخلق من المذاهب الأربعة، وآخرون من غيرهم، بحضرة نائب الشام سيف الدين مُنْكلي بُغَا، وكان قد سافر هو إلى الديار المصرية إلى الأبواب الشريفة، واستنجز كتابًا إلى نائب السَّلطنة لعقد هذا المجلس ليسأل عنه الناس، وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان أحدهما له والآخر عليه، وفي الذي عليه خط القاضيين المالكي والحنبلي، وجماعة آخرين، وفيه عظائم وأشياء منكرة جدًّا ينبو السَّمع عن استماعها. وفي الآخر خطوط جماعات من المذاهب بالثَّناء عليه، وفيه خطي بأني ما رأيتُ منه إلا خيرًا. ولما اجتمعوا أمر نائب السلطنة بأن يمتاز هؤلاء عن هؤلاء في المجالس، فصارت كل طائفة وحدها، وتجاوزوا فيما بينهم، وناضل عنه نائبه القاضي شمس الدين الغزي، والنائب الآخَر بدر الدين بن وهيبة وغيرهما، وصرح قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي بأنه قد ثبت عنده ما كتب به خطه فيه، وأجابه بعض الحاضرين منهم بدائم النفوذ، فبادر القاضي الغزي فقال للحنبلي: أنت قد ثبتت عداوتك لقاضي القضاة تاج الدين، فكثُر القول وارتفعت الأصوات وكثُر الجدال والمقال، وتكلم قاضي القضاة جمال الدين المالكي أيضًا بنحو ما قال الحنبلي، فأجيب بمثل ذلك أيضًا، وطال المجلس فانفصلوا على مثل ذلك، ولمَّا بلغتُ البابَ أمر نائب السلطنة برجوعي إليه، فإذا بقية الناس من الطرفين والقضاة الثلاثة جلوس، فأشار نائب السَّلطنة بالصلح بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين - يعني وأن يرجع القاضيان عما قالا - فأشار الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضًا بذلك، فلان المالكي وامتنع الحنبلي، فقمنا والأمر باقٍ على ما تقدم، ثم اجتمعنا يوم الجمعة بعد العصر عند نائب السلطنة عن طلبه، فتراوضوا كيف يكون جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة، ففعل ذلك، وسار البريد بذلك إلى الديار المصرية، ثم اجتمعنا أيضًا يوم الجمعة بعد الصلاة التاسعَ عشرَ من ربيع الأول بدار السعادة، وحضر القضاة الثلاثة وجماعة آخرون، واجتهد نائب السلطنة على الصُّلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصرَ، فحصل خلف وكلام طويل، ثم كان الأمر أن سكنت أنفس جماعة منهم إلى ذلك على ما سنذكره في الشهر الآتي.
شهر ربيع الآخَر، أوله الإثنين، وفي مستهلّه كانت وفاة علم الدين داود
(1)
الذي كان مباشرًا لنظارة الجيش، وأُضيف إليه نظر الدواوين إلى آخر وقت، فاجتمع له هاتان الوظيفتان، ولم يجتمعا لأحد قبله كما في علمي، وكان من أخبر النَّاس بنظر الجيش وأعلمهم بأسماء رجاله، ومواضع الإقطاعات، وقد كان والده نائبًا لنظَّار الجيوش، وكان يهوديًا قرائيًا، فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر أو نحوها، وقد كان ظاهره جيدًا والله أعلم بسرِّه وسريرته، وقد تمرَّض قبل وفاته بشهر أو نحوه، حتَّى كانت وفاته في هذا اليوم، فصُلِّيَ عليه بالجامع الأموي تجاه النَّسر بعد العصر، ثم حُمل إلى تربة له أعدها في بستانه بجوبر
(2)
، وله من العمر قريب الخمسين.
(1)
في ط: المغلم. وهو تحريف، وترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 282). نقلًا عن ابن كثير.
(2)
في ط: بحوش. تحريف.
وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني بالردّ على نساء النصارى ما كان أخذ منهنَّ مع الجباية التي كان تقدم ذكرها، وإن كان الجميع ظلمًا، ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم، والله أعلم.
وفي يوم الإثنين الخامسَ عشرَ منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر في الخوابي والحُبَاب
(1)
فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة، بحيث جرت في الأزقَّة والطرقات.
وفاض نهر تُورَا
(2)
من ذلك، وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل، وهم تحت الجباية، وبعد أيام نودي في البلد بأن نساء أهل الذمة لا تدخل الحمَّامات مع المسلمات، بل تدخل حمَّامات تختصُّ بهن، ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يُعرفون بها من أجراس وخواتيم. ونحو ذلك، وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفَّيها مخالفَين في اللَّون بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أصفر أو نحو ذلك.
ولما كان يوم الجمعة التاسعَ عشرَ من الشهر - أعني ربيع الآخَر - طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتين: فمن ناحية الشافعي نائباه، وهما القاضي شمس الدين الغَزِّي والقاضي بدر الدين بن وهيبة، والشيخ جمال الدين ابن قاضي الزَّبداني، وكاتبه ابن كثير، والشيخ بدر الدين حسن الزُّرَعي، والشيخ تقي الدين الفارقي. ومن الجانب الآخَر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي، والشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن الشَّرَيشي
(3)
، والشيخ عز الدين حمزة ابن شيخ السَّلامية الحنبلي، وعماد الدين الحسبائي، فاجتمعنا عند نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنَّا نحنُ التركَ وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء إلى العلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا نجيء تصلح بينهم
(4)
وشرع في تأنيب من شنَّع على الشافعي بما تقدم ذكرُه من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفي الأعداء بنا، وأشار بالصُّلح بين القضاة بعضهم مع بعض، فصمَّم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحثٌ في مسائل، ثم قال نائب السلطنة أخيرًا: أما سمعتم قول الله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95]
(1)
"الحُباب": ج حُبّ وهو الجرَّة الضخمة، القاموس المحيط (الحُبُّ).
(2)
في ط: توزا وهو تحريف.
(3)
في ط: الشريشني وهو تحريف، وقد صححته كثيرًا دونما إشارة لذلك.
(4)
العبارة في ط مضطربة (فمن يصلح بينهم؟) هكذا.
فلانت القلوب عند ذلك، وأمر كاتب السر أن يكتبَ مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية، ثم خرجنا على ذلك. انتهى والله أعلم
(1)
.
عودة قاضي القضاة السُّبكي إلى دمشقَ
(2)
:
في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأُولى قدم من ناحية الكُسْوة وقد تلقّاه جماعة من الأعيان إلى الصّنمين
(3)
وما فوقها، فلما وصل إلى الكُسْوة كثر الناس جدًّا، وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السَّرَّاج، فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصْون كثرةً، وأُشعلت الشموع حتَّى مع النساء، والناس في سرور عظيم، فلما كان قريبًا من الجسورة تلقته السناجق الخَلِيفَتِيَّةُ مع الجوامع والمؤذنون يكبِّرون، والناس في سرور عظيم، ولما قارب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات، يدعون له ويفرحون بقدومه، فدخل دار السعادة وسلَّم على نائب السلطنة، ثم دخل الجامع بعد العصر ومعه شموع كثيرة، والرؤساء أكثر من العامة.
شهر جمادى الآخرة، أوّله الخميس، وقيل: الأربعاء. في يوم الخميس مستهلّه أصبح قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي في البلد، وقد جرى له بالأمس ما تقدّم ذكره من التعظيم والسّرور به، ما لم يعهد لقاضٍ قبله فيما أعلم، فلبس خلعة السلطان، وراح في خلق عظيم من الجامع إلى دار السعادة، فسلّم على نائب السلطنة أيضًا، ثم جاء فنزل بالعادلية الكبيرة في خلق لا تسعهم الطّرقات حتَّى ولا العادلية، فجلس ساعة وقرئ بين يديه أعشار من المقرئين، وامتدحه بعض الشعراء، ثم جاء إلى الجامع المعمور والناس يدعون له ويستبشرون بقدومه، شيئًا لم يعهد مثله لغيره من القضاة فيما رأيت
(4)
.
ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الآخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائبُ السَّلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي، فأصلح بينهم، وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشوْن إلى الجامع، فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك، وضيَّفَهُما الشافعي، ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة، ثم خرجوا ثلاثتُهم من جوا إلى دار المالكي، فاجتمعوا هنالك وضيَّفَهم المالكي هنالك ما تيسَّر. والله الموفق للصواب
(5)
.
وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من
(1)
الدرر الكامنة (2/ 426).
(2)
بدائع الزهور (322) وفيه: في شهر رجب.
(3)
في ط: الصمين بغير نون.
(4)
ليست في أ و ب وط. وهي في الأصل من قوله شهر جمادى الآخرة، أوّله الخميس.
(5)
البدائع (1/ 37).
إقطاعه النصف خاصًّا له، وفي النصف الآخَر يكون لأجناده، فحصل بهذا رفق عظيم للجند، وعدلٌ كثير ولله الحمد، وأن يتجهز الأجناد ويحرصوا على السَّبق والرمي بالنشاب، وأن يكونوا مستعدين، متى استُنْفروا نَفَروا، فاستعدُّوا لذلك، وتأهَّبوا لقتال الفرنج، كما قال الله تعالى:{{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] الآية. وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المِنْبر: "ألا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ"
(1)
.
وفي الحديث الآخَر: "ارْمُوا وَارْكَبُوا، وأَنْ تَرْمُوا أَحبُّ إليَّ"
(2)
.
وفي يوم الإثنين رابعه استناب قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بدر الدين حسن الزُّرعي معيد الناصرية.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء عمل قاضي القضاة تاج الدين مَأَدَبةً بالمدرسة العادلية حافلة هائله. وحضرها نائب السلطنة وقضاة القضاة سوى الحنبلي، ذُكر أنه رجع، وخلقٌ من الحجبة والأمراء والولاة وأرباب الدولة وغيرهم. وقد دُعيت إليها فحضرتها في خلق من العلماء والمدرسين والفقهاء
(3)
.
وفي يوم الإثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المَرْدَاوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك، وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع أوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب، وإثبات إعسارات أيضًا كذلك وغير ذلك انتهى.
الوقعة بين الأمراء بالديار المصرية
(4)
:
وفي العشر الأخير من هذا الشهر ورد الخبر بأن الأمير الكبير يَلْبُغا الخاصكي خرج عليه جماعة من الأمراء مع الأمير سيف الدين طَيْبغا الطَّويل، فبرز إليهم إلى قبة القصر فالتقَوْا معه هنالك، فقتل جماعة وجرح آخرين، وانفصل الحال على مسك طَيْبُغا الطويل وهو جريح، ومسك أرغُون الإسْعَرْدي
(5)
(1)
رواه مسلم رقم (1917) في الإمارة باب: فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه ولفظه فيه:
عن عقبة بن عامر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المِنبر، يقول:"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة. ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي".
(2)
وهو جزء من حديث طويل، رواه أحمد في مسنده (4/ 144 و 146) وأبو داود رقم (2513) والترمذي رقم (1637) وابن ماجه رقم (2811) من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وأوله:"إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومُنْبِلُه، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا. . ." الحديث، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.
(3)
ليست في أ و ب وط. وهي في الأصل من قوله: وفي يوم الإثنين رابعه، استناب.
(4)
النجوم الزاهرة (11/ 30 - 32) والذيل التام (210 - 211).
(5)
في ط: السِّعردي، وأثبتنا ما في النجوم (11/ 31).
الدّويدار، وخلق من أمراء الألوف والطبلخانات، وجرت خبطة عظيمة استمر فيها الأمير الكبير يَلْبُغا على عزِّه وتأييده ونصره ولله الحمد والمنة.
شهر رجب الفرد، أوّله السبت، وفي يوم السبت ثانيه توجه الأمير سيف الدين بَيْدَمُر الذي كان نائب دمشق إلى الديار المصرية بطلب الأمير يَلْبُغا ليؤكد أمره في دخول البحر لقتال الفرنج وفتح قبرص، إن شاء الله، انتهى والله تعالى أعلم.
مما يتعلّق بأمر بغداد
(1)
:
أخبرني الشيخ عبد الرحمن البغدادي أحد رؤساء بغداد وأصحاب التِّجارات، والشيخ شهاب الدِّين العطار - السِّمْسار في الشرب بغدادي أيضًا - أن بغداد بعد أن استعادها أُوَيْس ملك العراق وخُراسان من يد الطَّواشي مَرْجان، واستحضره فأكرمه وأطلق له، واتَّفقا على أنَّ أصل الفتنة من الأمير أحمد أخي
(2)
الوزير، فأحضره السلطان إلى بين يديه وضربه بسكِّين في كرشه فشقه، وأمر بعض الأمراء فقتله، فانتصر أهلُ السُّنَّة بذلك نصرة عظيمة، وأخذ جثته أهلُ باب الأزج فأحرقوه، وسكنت الأمور وتَشَفَّوْا بمقتل الشيخ جمال الدّين الأنباري
(3)
الذي قتله الوزير الرافضي فأهلكه الله بعده سريعًا انتهى.
شهر شعبان المبارك، أوله الإثنين، وفاة قاضي القضاة عز الدين
(4)
عبد العزيز بن جماعة
(5)
الشافعي:
وفي العشر الأول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة بمكَّة شرّفها الله، في العاشر من جُمادى الآخرة ودفن في الحادي عشر في باب المَعْلى
(6)
، وذكروا أنّه توفي وهو يقرأ القرآن، وأخبرني صاحبه الشيخ محيي الدين الرحبي حفظه الله تعالى: أنه كان يقول كثيرًا: أشتهي أن أموتَ وأنا معزولٌ، وأن تكونَ وفاتي بأحد الحرمين. فأعطاه الله ما تمنَّاه. عزل نفسه في السَّنة الماضية، وهاجر إلى مكَّة، ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى مكَّة، وكانت وفاتُه بها في الوقت المذكور، فرَحِمَهُ اللهُ وبلّ بالرحمة ثراه.
(1)
الذيل التام (1/ 211) بدائع الزهور (2/ 39).
(2)
في الأصل ط: أخو وهو غلط.
(3)
هو: جمال الدين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي الشهيد، مات صابرًا سنة (765) هـ انظر تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 273) والشذرات (8/ 349).
(4)
ترجمته في الوفيات لابن رافع (2/ 305) وطبقات الحفاظ (531) والنجوم الزاهرة (11/ 89) والعقد الثمين (5/ 460) والذيل التام (1/ 211 - 212).
(5)
في ط: حاتم وهو تحريف.
(6)
ويقال لها: المَعْلاة.
وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين، فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة، وقد نال العزَّ، عزًّا في الدنيا ورفعة هائلة، ومناصب وتداريس كبارا، ثم عزل نفسه وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين، فيقال له ما قلته في بعض المراثي:[من الخفيف]
فكأنَّك قد أُعلِمْتَ بالموت حتَّى
…
قد تزوَّدْتَ من خيار الزَّادِ
وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البَتْرك بشارةُ الملقَّب بميخائيل، وأخبرني أن المطارنة بالشَّام بايعوه على أن جعلوه بَتْركًا بدمشقَ عوضًا عن البترك بأنطاكية، فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دينهم، فإنَّه لا تكون البتَاركة إلا أربعة بالإسكندرية وبالقدس وبأنطاكية وبروميَّة، فنُقل بترك روميَّة إلى إسطنبول وهي القسطنطينية، وقد أنكر عليهم كثير منهم إذ ذاك، فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم ذلك. لكن اعتذر بأنَّه في الحقيقة هو عن أنطاكية، وإنّما أذن له في المقام بالشام الشريف لأجل أنه أمره نائب السلطنة أن يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص، يذكر له ما حل بهم من الخزي والنّكال والجناية بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الإسكندرية، وأحضر لي الكتب إليه وإلى ملك إسطنبول، وقرأها علي من لفظه لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضًا. وقد تكلمتُ معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاث، وهم الملكية واليعقوبية، ومنهم الإفرنج والقبط، والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء، ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار لعنه الله.
وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السُّلطان أُوَيْس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مَرْجان الذي كان نائبه عليهما، وامتنع من طاعة أوَيْس، فجاء إليه في جحافل كثيرة فهرب مَرْجان ودخل أُويس إلى بغداد دخولًا هائلًا، وكان يومًا مشهودًا
(1)
.
وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بَيْدَمُر من الديار المصرية على البريد أمير مئة مقدم ألف، وعلى نيابة يَلْبُغا في جميع دواوينه بدمشقَ وغيرها، وعلى إمرية البحر وعمل المراكب، فلمّا قدم أمر بجمع جميع النشَّارين والنجارين والحدادين وتجهيزهم لبَيْروتَ لقطع الأخشاب، فسُيِّروا يوم الأربعاء ثاني رمضان وهو عازم على اللَّحاق بهم إلى هنالك وبالله المستعان. [ثم أُتبعوا بآخرين من نجّارين وحدّادين وعتّالين وغير ذلك، وجعلوا كل من وجدوه من ركَّاب الحمير ينزلونَهُ ويَرْكَبُونها إلى ناحية البقَاع، وسخَّروا لهم من الصُّنَّاع وغيرهم، وجرت خبطة عظيمة، وتباكى عوائلُهم وأطفالُهم، ولم يسلَّفوا شيئًا من أجورهم، وكان من اللائق أن يسلَّفوه حتَّى يتركوه إلى أولادهم]
(2)
.
(1)
الذيل التام (1/ 213).
(2)
النجوم الزاهرة (11/ 30) وما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من ط والنجوم.
شهر رمضان المعظّم، أوّله الثلاثاء، وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يَلْبُغا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكَفْري، بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد أَسَنْدَمُر
(1)
أخي يَلْبُغا، وشقَّ ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم، وذلك يوم الجمعة الرابع منه، هذا وحضر عنده خلق كثير.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره صلّيتُ بجامع تنْكِز؛ بسبب إسماع (البخاري) فجاء نائب السلطنة، فصلّيت عنده إلى جانبه، وأخذ معي فيما يتعلق بغزو الفرنج، وعمل المراكب، وغير ذلك.
وجاء اثنان من اليهود، فاستدعيتهما لحضرته، وقصَّ أحدهما عليه منامًا رآه له، فيه خير، فيه خير لنائب السلطنة وللرائي أيضًا
(2)
.
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قُرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين ابن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة، عوضًا عن قاضي القضاة جمال الدين المَرْدَاوي، عزل هو والمالكي معه أيضًا، [بسبب الأمور التي جرت بينهما وبين القاضي الشافعي]
(3)
تقدَّم نسبتُها لهما، وقُرئ التقليد بمحراب الحنابلة، وحضر عنده الشافعي والحنفي، وكان المالكي معتكفًا بالقاعة من المنارة الغربية، فلم يخرج إليهم، لأنَّه معزول أيضًا بسريّ الدين قاضي حماة، وقد وقعت شرور وتخبيط بالصَّالحية وغيرها.
وفي صبيحة يوم الأربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سري الدين إسماعيل
(4)
المالكي، بقضاء المالكية. قدم من حماة عوضًا عن قاضي القضاة جمال الدين المسَلَّاتي، عُزل عن المنصب، وقُرئ تقليده بمقصورة المالكية من الجامع، وحضر عنده القضاة والأعيان.
وذكر الدرس بالسبع، وببقية جهات المالكية
(5)
.
شهر شوال، أوّله الخميس، وفي صبيحة يوم الأربعاء سابعه قدم الأمير حيار بن مهنا إلى دمشق سامعًا مُطيعًا، بعد أن جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة، كل ذلك ليطأ البساط، فأبى خوفًا من المسك والحبس أو القتل، فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصدًا الديار المصرية ليصطلح مع الأمير الكبير يَلْبُغا، فتلقَّاه الحجَبة والمهمنداريّة والخلق، وخرج الناس للفرجة، فنزل القصر الأبلق، وقدم معه نائب حماة عمر شاه فنزل معه. وخرج معه ثاني يوم إلى الديار المصرية
(6)
.
(1)
أسَنْدَمُر اليحياوي أخو يلبغا.
(2)
ليست في أ و ب وط. وهي في الأصل.
(3)
ليست في ط.
(4)
هو: أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن هانئ اللّخمي الأندلسي. مات سنة (771) هـ الذيل التام (1/ 242).
(5)
ليست في أ و ب وط، وهي في الأصل.
(6)
بدائع الزهور (2/ 39).
وخرج المحمل السلطاني صبيحة يوم الإثنين ثاني عشره، وأميره مصطفى، وممّن حجّ في هذه السنة قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المعزول، والشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره ركب نائب السلطنة، وندب الجيش إلى النّفير؛ فركبوا على الصّعب والذّلول قاصدين ناحية القابون، وغلّقت الأبواب، وانزعج الناس لذلك، وتكلّف الجند للخروج، وشقّ عليهم.
ورجع نائب السلطنة يوم الأربعاء الحادي والعشرين، وقد سبقه أكثر الجيش، ومعهم جمالٌ كثيرة قد أخذوها من العرب، وبلغني أنه قتل طائفة منهم.
وفي العَشْر الأوسط من هذا الشهر هرب شهاب الدين أحمد وبدر الدين حسن ابنا علاء الدين الإسعردي من كثرة المطالبين بالديون التي استقرّت عليهما نحو من ألف ألف درهم. ولم يُدرَ أين ذهبا. . .! فقيل: مع الحجاج، وقيل: غير ذلك
(1)
.
وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، أن الأمير الكبير جدَّد درسًا بجامع ابن طولون فيه سبع
(2)
مدرِّسين للحنفية، وجعل لكل فقيه منهم في الشهر أربعين درهمًا، وإردَبَّ قمح، وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب أبي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس.
درس التفسير بالجامع الأموي:
وفي صبيحة يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شوال سنة سبع وستين وسبعمئة حضرتُ درس التَّفسير الذي أنشأه ملك الأمراء نائب السلطنة الأمير سيف الدين مَنْكُلي بغا - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - من أوقاف الجامع التي جددها في حال نظره عليه أثابه الله، وجعل من الطلبة من سائر المذاهب خمسةَ عشرَ طالبًا لكل طالب في الشهر عشرة دراهم، وللمعيد عشرون ولكاتب الغيبة عشرون، وللمدرس ثمانون، وتصدَّق حين دعوته لحضور الدرس، فحضر واجتمع القضاة والأعيان، وأخذتُ في أول تفسير الفاتحة، وكان يومًا مشهودًا ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة. انتهى.
شهر ذي القعدة، أوّله السبت.
(1)
ليست في أ و ب وط. وهي في الأصل. من قوله وخرج المحمل السّلطاني.
(2)
في ط: سبعة. وهو خطأ.
كائنة غريبة للنصارى
في يوم الخميس سادسه طلب جماعة من النصارى، من رؤسائهم ومن الرهبان والقساوسة والتبرك، واحتيط عليهم، ومُلئت بهم الحبوس، والتراسيم على بعضهم، وعُملت بخان الظاهر ثلاثون لعبة أو أزيد من ذلك ليصلبوا عليها، فلما أصبح الناس أمر بنحو ثلاثين منهم، فركّبوا على اللعب، وربطوا بالحبال، ثم جيء بالبترك وجماعة منهم مقيّدين بالسّلاسل، فأدخلوا إلى دار السعادة، وناصحوا بما فيه نصحٌ للمسلمين، فأمر بهم فأُطلقوا، وأُنزل أولئك من اللعب، وضربت رقبة واحد منهم، كان قد أسلم، ثمّ ارتدّ.
وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين منه آخر النهار قدم الأمير حيّار من الديار المصرية، وقد ردّت إليه إمرة العرب، وأملاكه، وإقطاعات أقاربه، وقد لقي من يَلْبُغَا خيرًا كثيرًا.
وفي ليلة الخميس رابع عشره أو ثالث عشره كسف القمر، وصُلّي له في الجامع صلاة الكسوف، وكسفت الشمس في صبيحة يوم الجمعة الثامن والعشرين منه، وصَلّى الخطيب بالجامع الأموي وخطب.
شهر ذي الحجة، أوّله الأحد، في يوم عرفة صُلّي بعد الظهر على الشيخ شمس الدين محمد بن أبي عبد الله
(1)
رئيس المؤذّنين، عن خمسٍ وثمانين سنة.
وفي يوم العيد خطب بالمصلّى القاضي وليُّ الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين بسبب ضعف حصل له قبل ذلك، ثمّ عوفي منه، ولله الحمد.
وفي العشر الأوسط منه توفي شمس الدين محمود بن خلف
(2)
أحد مشايخ الحديث، ومَنْ له سماعات كثيرة.
وفي يوم الجمعة العشرين منه حكم الشيخ شمس الدين محمد بن سند نيابة عن قاضي القضاة سريّ الدين المالكي، انتقل إلى مذهب الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه، دخلتُ إلى بين يدي ملك الأمراء منكلي بغا، وقرأتُ عليه ما كنتُ جمعته من سيرته وأيامه، فأعجبه ذلك جدًّا، وتصدّق بصدقات كثيرة، وآداب حسنة، ورئاسة وسيادة، وولّاني تصديرًا في الجامع الأموي - أحسن الله إليه في الدارين -
(3)
.
(1)
لم أقع على ترجمة له. لعلّه ممن انفرد ابن كثير بذكره.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 387)، والدرر الكامنة (4/ 323)، والذيل التام (1/ 216).
(3)
ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ذي القعدة، أوّله السبت.
[*]
سنة ثمان وستين وسبعمئة من الهجرة
(1)
استهلّت وسلطانُ المسلمين الملك الأَشرفُ ناصر الدين محمد بن حسين ابن الملك الناصر محمد ابن الملك الناصر
(2)
قلاوون الصالحي، ومدبّر الممالك بين يديه الأمير يَلبْغُا الخاصكي
(3)
.
وقضاةُ الدّيار المصريّة همُ المذكورون في التي قبلَها، سوى الشَّافعي، فإنّه قاضي القضاة بهاءُ الدين أبي البقاء، والوزير بها تاج الدين بن قَرَوِنْيَة، وناظر الجيوش بها القاضي محب [الدين محمد بن يوسف]
(4)
.
ونائبُ الشّام الأميرُ سيفُ الدِّين مَنكَلي بُغَا الشَّمسي، وقضاةُ الدّيار المصرية؛ قاضي القضاة تاجُ الدّين ابن السُّبكي الشافعي، وهو خطيبُ البلد. وقاضي الحنفيّة الشّيخ جمالُ الدّين بن السِّراج، وقاضي المالكية الشّيخ سَريّ الدين بن هانئ المغربي، وقاضي الحنابلة الشيخ شرفُ الدّين ابن قاضي الجبل المقدسي، وكاتب السرّ وشيخ الشيوخ القاضي فتحُ الدِّين بن الشَّهيد، وناظرُ الدّواوين سعدُ الدّين ماجد بن التَّاج إسحاق، وناظرُ الجيش بُرهانُ الدِّين بن الحِلِّي، ووكيلُ بيتِ المال القاضي وليُّ الدين ابن قاضي القضاة بهاءِ الدين أبي البقاء السُّبكي.
شهرُ اللهِ المحرَّم، وأوّلُه الثلاثاء استهلّ والمراكبُ تُعملُ وتُركَّب في الدّيار المصريّة وبيروتَ أيضًا؛ لغزو قُبْرصَ.
وفي أوائله رتّب قاضي القُضاة تاجُ الدّين في مدارسه معيدين
(5)
يَشْغَلُون الطَّلبة في كُل يوم.
سفرُ نائبِ السَّلطنة إلى الدّيار المصريّة
لمّا كانَ ليلةُ الحادي والعشرين منه، قدمَ الأميرُ طَشْتَمُر دَويدار الأمير يَلْبُغَا على البريد فنزلَ بدارِ السَّعادة، ثمّ ركبَ هو ونائبُ السّلطنة بعد عشاء الآخرة على المشاعل والفوانيس، والحَجبةُ بين
(1)
في المطبوع من الكتاب، وفي الجزء السادس عشر الأخير منه انتهى عند شهر ربيع الآخَر ومقتل يَلْبُغا الأمير الكبير. لذا أثبتُّ السّنة كاملة من الأصل المعتمد، متجاوزًا القسم المطبوع من سنة 768 هـ.
(2)
في الأصل: (المنصور) وهو وهمُ.
(3)
في الأصل: (الخاصلي). تحريف.
(4)
في الأصل: طمس قدر أربع كلمات. استدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 535.
(5)
منصب يقوم بتفهيم الطلاب ونفعهم، ويعمل ما يقتضيه لفظ الإعادة، انظر نقد الطالب لزَغَلِ المطالب لابن طولون ص 154.
[*](تعليق الشاملة): من هنا يبدأ القسم المفقود الذي يُطبع لأول مرة.
أيديهما، والخلائقُ يدعون لهما، فاستمرًا كذلك ذاهبين إلى الدّيار المصرية، فلمّا وصل إلى الدّيار المصريّة أكرمَهُ يَلْبُغا، وأَنعمَ عليه. وسألَ أن يكونَ ببلادِ حلبَ، فأجابَهُ إلى ذلك، وعادَ فنزلَ بدار طَيْدَمِر
(1)
الإسماعيلي، وارتحلَ منها إلى حلبَ على ما سيأتي، وقد اجتمعتُ به هنالك، وعنده بعض التّشكّي من آثارِ ما نالَهُ من الطرّيق من المَرَضِ، ثم عُوفي وسافرَ.
وباشرَ نيابةَ الغيبةِ الأميرُ زين الدين زَبَالة الذي كان نائبَ القلعة إلى أن قدمَ نائبُ السَّلطنةِ.
ودخلَ المحمَلُ السُّلطاني يومَ الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر، على خلافِ العادَة بسبب غَيْبَةِ النّائب.
شهرُ صفر المبارك أَوّلُه الأربعاء، في مستهِلّه سقطَ قاضي القضاة شرفُ الدِّين ابن قاضي الجَبَل الحنبلي من عُلْوِ داره، فيقال: إنَّه انكسرَتْ رجلُه []
(2)
عافاه الله.
وفي ليلةِ الجمعة ثالثه، رُفعت نارٌ بجبلِ [الصّالحية تنبئ]
(3)
عن نار رُفعت من ناحية البحر، فاهتمّ الناسُ لذلك، فلمّا أصبح يومُ الجمعة صبيحتَها نُودي في البلدان لا يتخلّف أحد من أجْناد الحَلَقة عن المسير إلى بيروت، فبادر الناس والجيش مُلبسين إلى سطح المزّة، وخرج الأميرُ عليُّ المارداني الذي كان نائبَ الشّام من داره داخل باب الجابية في جماعة مُلبسين في هيئة حسنة، وولده الأمير ناصر الدين محمد، وطلبُهُ بين يديه، وقد جاء نائبُ الغَيبة والحَجَبة إلى بين يدي أمير علي، وشاوروه في الأمر، فقال: ليس لي هاهنا أمر، ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلي هناك رأي.
وخرج خلقٌ كثيرٌ متبرِّعين، وخطب قاضي القضاة تاجُ الدّين الشافعي بالناس يومَ الجمعة على العادة، وحرّض النّاسَ في خُطبته على الجهاد، وقد ألبس جماعةً من غِلمانة اللأَّمة والخُوَذ، وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت، فلمّا كان من آخر النهار رجعَ النّاس إلى منازلهم، وقد وردَ الخبرُ بأنَّ المراكب التي رُئيت في البحر إنّما هي مراكبُ تجارٍ؛ فطابت قلوبُ النّاس، ولكن ظهرَ منهم استعدادٌ عظيم.
وفي ليلة الأحد خامسه: قُدم بالأمير جُرجي
(4)
الذي كانَ إلى آخر وقت نائبَ حلب محتاطًا عليه، بعدَ عِشاء الآخرة إلى دار السَّعادة، فسُيِّر معزولًا عن حلب إلى طَرَابلُس بطَّالًا.
(1)
في ط: 16/ 469: (سنجر الإسماعيلي) وما أثبته الصواب. وقد مرّ ذكره في الكتاب نفسه 16/ 380: (طَيْدَمِر).
(2)
في الأصل طمس قدر كلمتين، لم يتوجّه لي قراءتهما.
(3)
في: الأصل، طمس قدر كلمة.
(4)
جرجي الناصري. انظر إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للطبّاخ 2/ 359.
وبلغَنا وفاةُ الشّيخ جمالِ الدّين بن نُبَاته
(1)
، حاملُ لواءِ شعراءِ زمانه بالدّيار المصريّة بمارِسْتَان الملك المنصور قلاوون، وذلك يوم الثلاثاء سابعِ صفرٍ.
وفي ليلة الأربعاء: نقبَ أهلُ حبس السَّد
(2)
سجنهم، وهربَ أكثرُهم، فأرسلَ الولاةُ وراءهم صبيحةَ يومئذ، فمُسك كثيرٌ منهم، فضُربوا أشدَّ الضرب، وردّوهم إلى شرِّ المُنْقلب.
وفي هذا الشهر والذي قبله منعَ نائبُ السلطنة من أن يُباع بالبلد العنبُ الأبيض البلدي؛ خشيةَ أن يتطرّق الخمّارون إلى عَصْره؛ فصارَ يُباع ظاهرَ البلد بأرخص الأسعار، ولا يُباع في البلد منه شيء.
وفيه وليَ نيابةَ القلعة الأمير سيفُ الدين الشّريفي الذي كان حاجبًا، ثم ولي شدّ الدواوين.
وفي يومِ الأربعاء خامس عشره، نُودي بالبلدان [ألّا]
(3)
يُعاملَ الفرنجُ البنادقة والجنويّة والكَيْتَلان.
واجتمعتُ في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زَبالة نائب [الغيبة، النّازل بدار الذّهب فأخبرني:]
(4)
أنّ البريديّ أخبرَه: أن صاحبَ قُبْرِص رأى في النُجوم أنَّ قُبْرصَ مأخوذةُ فجهّز [مركبين من الأسرى]
(5)
الذين عنده من المسلمين إلى الأمير يَلْبُغا، ونادى في البلاد أنَّ من كتمَ مسلمًا صغيرًا أو كبيرًا قُتل، ومن عزْمِهِ ألّا يُبقي أحدًا من الأسارى إلّا أَرسَله.
وفي آخر هذا اليوم قدمَ من الدّيار المصريّة قاضي القضاة جمالُ الدين المسلَّاتي المالكي الذي كان قاضيَ المالكية، فعُزِل في أواخر رمضان من السنة الماضية، فحجّ ثمَّ قصدَ الدّيار المصريّة، فدخلَها لعلّه يستَعْتب فلم يصادفه قبولٌ، وادُّعِيَ عليه عند بعض الحجّاب، وحصلَ له ما يسوؤُه، ثم خرجَ إلى الشّام، فجاء فنزل في التُّربة الكامليّة شماليّ الجامع الأموي، ثمّ انتقل إلى منزل ابنته متمرضًا، والطّلابات والدَّعاوى والمصالحات عنه كثيرة جدًّا
(6)
، فأحسن الله عاقبته.
وفي يوم الأحد بعدَ العصر، دخل الأمير طَيْبُغَا الطّوِيل من القدس الشريف إلى دمشقَ مجتازًا إلى نيابةِ حماة - حرسها الله -، فنزلَ بالقصر الأَبْلق، ثم ترحَّل بعد يومين.
(1)
ترجمته في: الوفيات لابن رافع 2/ 311 - 312، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 303 - 305، والذيل التام 1/ 223.
(2)
في الأصل: (الشّدّ). تحريف.
(3)
زيادة يقتضيها السّياق.
(4)
سقط من الأصل، واستدركته من المطبوع 16/ 470.
(5)
سقط من: الأصل، واستدركته من المطبوع 16/ 470.
(6)
لما كان بينه وبين القاضي السُّبكي.
وجاءت الأخبار بولاية الأمير مَنْكَلي بُغَا نيابةَ حلب عوضًا عن نيابة دمشق، وأنّه قد أضِيْف إلى إقطاعه نصفُ إقطاع النيّابة بدمشق، وأنّه قد استقر بدمشق آقتمرُ
(1)
عبد الغني.
شهرُ ربيعٍ الأوّل أوّله الخميس. في يوم الأحد حادي عشره اشتُهرَ في البلد قضيّةُ الفِرَنج أيضًا، بمدينة إسكندرية، وقدم بريديٌّ من الدّيار المصريّة بذلك؛ فاحتيط على من كان بدمشقَ من الفِرَنج، وسُجنوا في القلعة، وأُخذت حواصلهم.
وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذٍ أنّ أصلَ ذلك سبعةُ مراكب من التّجار من البنادقة من الفِرَنج قَدِموا إلى إسكندرية، فباعوا
(2)
بها واشترَوْا، وبلغ ذلك الأمير يَلْبُغا أن مركبًا من هذه السبعة لصاحب قُبْرص؛ فأرسلَ إلى الفِرَنج يقولُ لهم: يسلّموا هذه المركب، فامتنعوا من ذلك، وبادروا إلى مراكبهم، فأرسل في آثارهم ستّةَ شواني مشحونةً بالمقاتلة، فاتَّقعوا
(3)
هم والفِرَنْج في البحر؛ فقُتلَ من الفريقين خلقٌ، ولكن من الفِرَنج أكثر، وهربوا فارّين بما معهم من البضائع، وجرح بعض المقاتلة؛ منهم أَقْبُغَا الجوهري.
ونُودي في هذا اليوم بدمشقَ أن ينفرَ المجاهدون إلى بيروت.
قدوم نائب دمشق آقْتَمِر
(4)
عبد الغني
لمّا كان يوم الخميس خامس عشره قدم الأمير سيف الدين آقْتَمِر عبد الغني نائبًا على دمشقَ من الدّيار المصريّة، وقد كانَ حاجب الحجّاب بها، فتلقّاه الناس على العادة، ودخل دارَ السّعادة بعدما قبّل العَتَبَةَ الشّريفة، ثم استعرضَ أصحابَ الجيوش من القلعة وغيرها يومئذ.
وحضر إلى الصّلاة يوم الجمعة. فجلس
(5)
في المقصورة عند المنبر، فلمّا فرغَ من الصّلاة دارَ في الجامع، ونظرَ في أحواله، وقد فُوّض إليه النّظر في أوقافه على ما كان عليه الأمير مَنْكَلي بُغَا نائب السّلطنة قبله.
ولمّا كانت ليلة الثلاثاء العشرين منه، دقّت البشائرُ بالقلعة بعد عشاء الآخرة؛ فتوهّم الناسُ أمورًا كثيرةً، ثم ظهرَ الخبرُ بأنّ نارًا اشتعلت بجبل الصالحية تنبيء عن خبر يكون قد حدَث ببيروت، فركبَ نائبُ السّلطنة والحجَبةُ والوُلاة، واجتمعوا بسوق الخيل، وكشفوا الخبرَ، فلم يظهرْ له على حقيقة.
(1)
في الأصل: (طَقْتَمِر). تحريف.
(2)
في الأصل: (فبايعوا).
(3)
في المطبوع 16/ 476: (التَقَوْا). والمعنى واحد.
(4)
في الأصل: (آقطمر): النجوم الزاهرة 11/ 34.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
وفي صبيحة هذه الليلة قدَم الأمير مَنْكَلي بُغَا الشَّمس نائبًا على حلب من الديار المصرية، فتلقّاه نائبَ السّلطنة والجيشُ بكماله إلى ناحية الكُسْوَة
(1)
وعظّموه تعظيمًا زائدًا بخلاف العادة، ورحت إليه مسلّمًا مهنّئًا بالسلامة والعافية، وهو نازلٌ بدار طَيْدَمِر الإسماعيلي، وصلّيت يومئذٍ صلاة المغرب، وتكلّمنا في شيءٍ من مسائل العلم في الفروع وغيرها، وهو مع ذلك يفهم جيدًا، ويبحث حسنًا ويسأل، زاده الله من فضله، وأحسن إليه، ووُلد له ولدٌ ذكَرٌ من بنت السلطان في دار الإسماعيلي، وسمّاه عبد الرحيم، وذلك يوم السبت الرابع والعشرين من ربيع الأول، ففرحَ به، ثم عمل له عقيقةً يوم الجمعة سلخَ الشهر المذكور، وارتحل في مستهل ربيع الآخَر.
وهنّأته في هذا الولد بقصيدة ضمنُها إجازةٌ، وهي [من الطويل]:
أيا ناصرَ الإسلام هنَّاك ربُّنا
…
بطلعةِ مولودٍ جَلَى وجههَ البدرُ
سليلِ ملوكِ الأرض شرقًا ومغربًا
…
بهم عزَّ دينُ الله وَانْمحى الكفرُ
ووالدُه ركنٌ عظيمٌ لنصرهم
…
فأَحكامُهُ عَدْلٌ وأَيَّامه فخرُ
له الصِّيتُ بين الناس شكرًا ومِدحةً
…
ونورُ محيَّاه كما أَسْفر الفجرُ
وميلاده في شهرِ مولدِ أشرف البرايا
…
شفيعُ النَّاسِ يا حَبَّذا الشَّهرُ
وذلك في العام الموفي ثمانيًا
…
وستينَ والسَّبع المئين لها ذكر
تَبَدَّى لنا في طالع السَّعد مشرِقًا
…
فحقَّ علينا كلُّنا الحمدُ والشّكرُ
فحيّاه ربّي ناشئًا في حياته إلى
…
أن يُرى جَدًّا، وأنت له ذخرُ
وأنشاه في سعدٍ ومجدٍ مؤيدًا
…
بتوفيقه ما وافق الخَبَرَ الخُبْرُ
أجزتُ له ما قد رويتُ جميعَه
…
وما قلتهُ نظمًا كذلك والنَثرُ
فمن ذاك تفسيرُ القُرَانِ جميعُه
…
فعشرةُ أسفارٍ وتاريخُنا عَشْرُ
ومثليهما جمعُ المسانيد كلُها
…
وستةُ كتُبٍ جَامِعُوها لهم شُكرُ
كذلك الأحكامُ الكبيرُ الذي حوى
…
مقالاتِ ساداتٍ هُم الأنجمُ الزُّهرُ
مُدَبَّجةِ الأَرجَاءِ خِلْتَ خلالَها
…
وما حازَها، من فوقِ نوّارها الزَّهرُ
وناظمُها إسماعيلُ نَجْل كثيرِهم
…
هو الخادمُ الدّاعي بأن يُرفع الذّكرُ
وذلك من بعدِ الصَّلاة على الَّذي
…
دعا
(2)
النَّاسَ للإسلام وارتفعَ النُّكر
محمدٍ المبعوثِ للنَّاس رحمةً
…
عليه سلامُ الله ما بقيَ الدَّهرُ
(3)
(1)
في الأصل: تحتها كلمة الجسورة.
(2)
في الأصل: (دعى). وهو غلط.
(3)
هذا الخبر لم يرد في المطبوع.
أعجوبة وغريبة
(1)
وفي يومها، وهو يوم نظمت الأبيات المكتوبات، وهو يوم الإثنين السادس والعشرين من ربيعٍ الأول بعدَ العصر، وقفَ عليها قاضي القضاة تاجُ الدين السَّبكي الشافعي
(2)
، فقرأ عليَّ بمقصورة الخطابة، فسألتُه أن يكتبَ معها شيئًا، فأخذ القلم وخطَّ، وأنا مشاهد في الساعة الرّاهنة ما صورته: "الحمدُ الله مباعد الأفراد في الإفرادِ إلا من تَبِعَ إمام أهل السُّنة والجماعة، ولا مدّ قلمه بالمِداد إلا من استمدَّ من محي الشَّريعة ما لا يكسد لسوقه بضاعة، ولمَّا رأيتُ قليلَ ابن كثيرٍ، ولا يُقال له: قليلٌ، وأبصرت من قَريضه ما يُسيءُ العدوَّ ويُقرُّ عينَ الخليل
(3)
، وسمعت من الفاضل إمامِ الحديث ابن كثيرٍ
(4)
ما شاقني سماعُه، وأحببْتُ الاقتداءَ بتالي ابن كثير؛ هذا إمام الحديث، وذاك إمامُ القراءات، وكلاهما المقتدى، إذا لحِق بكلِّ إمامٍ أتباعهُ
(5)
.
قلت [من الكامل]:
(6)
يا أيُّها الملك الذي عزماتُهُ
…
تَعْنُو لها أعداؤها وتسلِّمُ
[]
(7)
العزيز المرتضى
…
عبد الرحيم لَهُ الإِلهُ يُسلِّمُ
و []
(8)
منه وبرّ يحيى
…
ويراكَ خيرَ أبٍ يرقُّ ويرحمُ
لا زلتُما في نِعْمَةٍ وسَعَادةٍ
…
ما سارَ في جوِّ السَّماءِ الأَنْجُمُ
ولقد أجزتُ له روايةَ كلِّ ما
…
أروي، وشرطُ رَوي الرِّواية يُعَلمُ
فله وعنِّي بالإجازة سالمًا
…
ولَهُ البخاري الصَّحيحُ ومسلمُ
وله روايةُ ما كتبتُ جميعِهُ
…
ورويْتُ، روّاه الإلهُ الأَعظمُ
كتبه عبد الوهاب بن السُّبكي الشافعي في سادس عشرين ربيع الأول، سنة ثمانٍ وستين
(9)
وسبعمئة.
(1)
لم يرد في المطبوع.
(2)
هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السُّبكي، تاج الدين، صاحب طبقات الشافعية، وسيأتي ذكره.
(3)
فيها تورية لطيفة. فالخليلُ: بمعنى الصّديق، والخليل بن أحمد الفراهيدي، مخترع فنِّ العروض، وهو المراد هنا.
(4)
ابن كثير هذا هو إسماعيل بن عمر مصنّف التاريخ.
(5)
والمراد بابن كثير هذا إمام القراءات، وهو عبد الله بن كثير المكّي، أبو معبد، إمام أهل مكة في القراءة. توفي سنة (120 هـ)، انظر غاية النهاية لابن الأثير 1/ 443.
(6)
القائل التاج السّبكي.
(7)
في الأصل: بياض قدر كلمتين لم تتوجّه لي قراءتهما. ولم أقع على الأبيات في شيءٍ من المصادر.
(8)
في الأصل: بياض قدر كلمتين لم تتوجّه لي قراءتهما.
(9)
في الأصل: (ست) تحريف.
شهر ربيع الآخَر، أوله السبت. في مستهلّه سارَ الأميرُ مَنْكَلي بُغَا قاصدًا إلى حلبَ نائبًا عليها مصحوبًا بالسَّلامة والعافية.
وفي ثانيه قدم الأميرُ علاءُ الدين بن كَلْبَك
(1)
شادُّ الدّواوين بالدّيار المصريّة، فنزلَ في دار الزَرَدْكاش، واستحضرَ جماعةً في التَّراسيم على أموالٍ يطلبُها منهم، ومنهم الصَّاحب سعدُ الدّين ماجد، أقامَه وكشفَ رأسَه وعرَّاه وضَربَه بين يديه مرَّاتٍ بالمَقَارع وغيرِهِا، وطلبَ منه نحوًا من سبعمئة ألف درهم، وكذلك فعلَ بجماعةٍ من الكَتَبة، لا كان الله له في عَوْنٍ.
محاصرة الفِرَنج مدينة طَرَابُلُس
(2)
قرأتُ في كتابٍ وردَ من طرَابُلُس من بعض مُوقّعي الدَّسْت إلى بعض أصحابه: لمّا كان يومُ الأربعاء سادسُ ربيعٍ الآخَر، وصلَ إلى طرابُلُس آخرَ النهار شينيٌّ من العدو المخذول برايات بيضٍ، فوقف تجاه الميناء، ولم يدخلها، فجهز نائب السلطنة نحوه المقدَّم داود ريس الميناء، فلمّا اقتربَ من الشيني
(3)
نزل إليه ثلاثة فأسروه، وتقدموا إلى مركب خارج من الميناء فأحرقوه، وقاتلهم جماعةٌ من المراكب، وترامَوْا بالنِّبال، ثم انصرفوا نحو جزيرة أرواد، ثم أصبحوا فأقبلت الشَّواني حتَّى تكاملت لهم ستةَ عشرَ شينيًّا، ثم جاءت فرفوره
(4)
فوقفت في الوسط، وأخرجوا منها أسلحةً عمروا بها تلك الشَّواني، وخرج نائب طرابلس فصفَّ المسلمين تجاههم يمْنةً ويسرةً، وجرَتْ خطوبٌ وحروبٌ قُتل
(5)
كثيرٌ من الفرنج والمسلمين في أيام نَحِسات عليهم، حتَّى انصرفوا خاسئين لم ينالوا خيرًا
(6)
، وذلك في يوم الثلاثاء ثالث عشره، وكفى اللهُ المؤمنين القتال، وكان اللهُ قوِيًا عزيزًا.
وقدَم الجيشُ الذين كانوا جُرِّدوا إلى خَرْتَبرْتَ
(7)
، وهم ثلاثة
(8)
مقدّمين يوم الخميس سادسه، وفي صحبتهم صاحب خَرْتَبِرْت، فأُنزل في دار السعادة، وقد كان حاصره جيشُ حلب مدّةً، فلمّا قدمَ عليه جيشُ الشام ومقدَّمُهم الأمير أسَندَمِر الذي كان نائب الشام، فصالحوه على أن ينزلَ ويذهبَ معهم إلى
(1)
ويقال له: علي بن كلفت. توفي سنة 780 هـ. انظر إنباء الغمر 1/ 185.
(2)
هذا الخبر لم يرد في المطبوع.
(3)
الشّيني أو الشّونة: نوع من السّفن السريعة.
(4)
الفَرْفُورة: سفينة الإمداد.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(7)
تقدّم الكلام عليها.
(8)
في الأصل: (ثلاث) وهو غلط.
الشام؛ ليسيرَ إلى الدّيار المصريّة ويحضُرَ بين يدي الأمير يَلْبُغا، فسلّم إليهم الحِصْنَ، وأُرسلَتْ مفاتيحُهُ وسيفُهُ قبل قدومهم إلى الدّيار المصريّة، والله الحمد.
وفي يوم الإثنين عاشره وردَ الخبرُ من طرَابُلس بأنّ ثماني عشرة قطعةً فيها مقاتلةٌ من الفِرَنج جاؤوا لحصار البلد، فنفرَ المسلمونَ إليهم لقتالهم على العادة.
وكان الأمير الكبير بَيْدَمِر قد قدمَ من بيروت قبل هذا اليوم، فأُمر بالعَوْد إليها، وخرجَ نائبُ دمشقَ في جمهور الجيش في ليلة الثلاثاء حادي عشره متوجهًا نحو بيروت خوفًا من هجوم الفرنج عليها
(1)
، فخيّم بسطح المزَّة، ونُودي بالنَّفير للجهاد؛ فخرج الأمير عليٌّ الذي كان نائب الشام أيضًا، ومعه ولده ومماليكه، وفيهم أمراء طبلخانات في تجمُّلٍ هائل، ثم توجَّع الأمير علي، واستمرَّ نائب السَّلطنة حتَّى وقف على بيروت، ونظرَ في أمرها، ثم عاد سريعًا.
وبلغَني أنَّ الفِرَنج الذين جاؤوا طرابُلُس، تجرؤوا وأخذوا مركبًا للمسلمين من الميناء فحرقوه، والنّاسُ ينظرون، لا يستطيعون دفعَهم ولا منعَهم، ثم كرُّوا راجعين، وقد أسروا ثلاثةً من المسلمين.
مقتل يَلْبُغا الخَاصْكي
(2)
جاء الخبرُ بمقتله إلى دمشقَ في ليلة الإثنين السابع عشر من ربيع الآخَر مع أميرين جاءا على البريد من الدّيار المصريّة، فأَخبرا بمقتله في يوم الأربعاء ثاني عشره، تمالأَ عليه مماليكه حتَّى قتلوه يومئذٍ، وتغيّرت الدولة، ومسك من الأمراء الألوف والطَبْلخانات جماعةٌ كثيرون واختبطت الأمور جدًّا، وجرت أحوالٌ، وقام بأعباء القضية الأمير طُغَيْتَمِر
(3)
النّظامي، وقويَ السُّلطانُ ورَشُد
(4)
.
وقدمَ نائبُ دمشَق من بيروت يوم الثلاثاء فأمر بدقّ البشائر وزُيّنت البلد، وأَطْلَقَ الفِرَنْجَ الذين كانوا بالقلعة، فلم يَهُن ذلك على الناس، وشاعَ استمرارُ ناظر الدّواوين وناظرُ الجيش وكاتبُ السرّ الذين قد كانوا عُزلوا وعُيّن غيرهم، وقد صادر ابن كَلْبك للصاحب سعد الدين
(5)
وضربَه مراتٍ بالمقارع كما
(1)
في الأصل: (إليها).
(2)
هو: يلبُغَا بن عبد الله الخاصكي الناصري الأمير الكبير. له مآثر في الشام كثيرة.
ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 438 - 440، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 93، والذيل التام 1/ 218 - 220، وشذرات الذهب 8/ 364 - 365.
(3)
إلى هنا انتهت سنة (768 هـ) من المطبوع، ومن هاهنا تبتدى التكملة.
(4)
في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 293: (طَقْتَمِر) وما في النجوم الزاهرة 11/ 37 والذيل التام 1/ 219 موافق لما في الأصل.
(5)
هو سعد الدين ماجد بن إسحاق، توفي سنة (775 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 441.
ذكرنا، وصادرَ كاتب السرّ، وطمع فيه بسبب أنّه كان قد عُزل، فبينما هو على مصادرة النّاس وأذاهم إذ جاءهم هذا الخبر؛ فانكفَّ شرُّه عن الناس، والله الحمد.
وممّا قلته في مقتل يَلْبُغا ليلةَ بَلَغنا خبرُه
(1)
[من المتقارب]:
وفي يَلْبُغا عِبرَةٌ للأَرِيْـ
…
ـبِ باقيةٌ بدوامِ الحِقَبْ
تَنَاهى بهِ عزُّهُ للسُّهى
…
ودانتْ له التُّركُ ثمّ العربْ
ودوّخ كلَّ الملوك الّذِي
…
نَ عَصَوْهُ فلم يستطيعوا الهَرَبْ
وحازَ جميعَ كنوزِ الملوك
…
وساقَ الرَّعايا بسَوْطِ الرَّهَبْ
فهذا يُهان وهذا يُعزُّ
…
وهذاكَ يُمْنَعُ وهذا نُهبْ
فبينَا الأمورُ على ما ذَكَرْتُ
…
وقد أمِنَ المكرَ فيما حَسِبْ
تَمَالا عليهِ مماليكُهُ
…
وقَدْ كانَ جَمْعُهمُ للغَلَبْ
(2)
فما تَمَّ والله ما قدْ رَجَاهُ
…
وكانوا الحُماةَ فَصَارُوا العَطَبْ
أذاقُوه مِنْ حدِّ أَسيافهم
…
فأصبحَ كالأمسِ لمّا ذهبْ
فلم يُغنِ عنهُ جنودٌ لهُ
…
ولا ما حَوَى من كنوزِ الذَّهبْ
لا مُلْكَ إلا لربِّ العبادِ
…
سميعِ الدُّعاء لمن قد رَغِبْ
(3)
ولا عزَّ إلا لمن يَستجيرُ
…
بموْلاه من شَرِّ ما قد رَهِبْ
وقامَ بأعباءِ المُلك بعدَه بين يديّ السُّلطانِ الملكِ الأشرفِ جماعةٌ من الأمراء منهم؛ دواداره الأمير عز الدين أَيْدَمِر، وقاتل يَلْبُغا ممْلوكه الأمير أَسَنْدَمِر، وأَقْبُغا جلب، وطغيتمر النظامي.
وفي يوم السبت الثاني والعشرين من ربيع الآخَر هذا: خُلعَ على القاضي تاج الدين بن مشْكور بنظر الجيش بدمشقَ عوضًا عمّا كان بيده من نَظَرِ جيشِ حلب.
وقد ولي نظرَ الجيوش بحلب على ما ذُكر الأمير شهاب الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين الزُّرَعي أحدُ من حكمَ بديار مصرَ وبالشام قضاءَ قضاة الشافعية، وقد كان الأميرُ شهاب الدين هذا يلبَسُ لبسَ الأجناد، وقد عمل استاداريّة لجماعةٍ من الأمراء، حتَّى كان آخر ما كان عندَ نائب السلطنة مَنْكَلي بُغَا فاستصحبه معه إلى حلب، وولّاه نظر الجيش، ونظر ديوانه هناك، وهو مشكورُ السّيرة محمود السريرة، وفقه الله تعالى.
(1)
انظر الذيل التام 1/ 219. فيه: "وكذا قال ابن كثير في ذلك أبياتًا" اهـ.
(2)
تَمَالا بتخفيف الهمزة تَمَالأَ: أي اجتمع. اللسان (ملأ).
(3)
في الأصل: رعب بالعين. ورغِبَ: تضرّع وسأل. اللسان (رغب). والمعنيان مقبولان.
وفي يوم الخميس السابع والعشرين منه خُلع على الصّاحبِ سعد الدين ماجد [بن التاج إسحاق]
(1)
وأُفرج عنه ممّا كان فيه من العقوبة والمصادرة على يد ابن كَلْبك لا كتب [الله له السلامة]
(2)
وقدم القاضي جمال الدُين بن الأثير من الدّيار المصريّة على كتابةِ السرَّ بدمشقَ ليلةَ السبت التاسع والعِشرين منه، وتلقّاه قاضي القضاة تاج الدّين الشافعي وغيرُه من القضاة والأعيان إلى أَثْناء الطريق، ودخلَ في محفلِ هائلِ، فنزلَ في الدار التي نزل فيها في أيام تَنْكُز، وهذه المرَّة هي الثالثةُ يلي كتابةَ السرّ بدمشق
(3)
.
وفي هذا الشهر أُحضرَ الأمير شَنْكل مَنْكل
(4)
من الدّيار المصريَّة إلى دمشقَ وهو مريضٌ في محفّة، وأُعيد إلى ولاية الولاة بحَوْران فما هو إلّا أن وصل ناويًا كلَّ سوءٍ وشرّ أخذه الله إليه، وتوفّي في العَشْر الآخَر من هذا الشهر.
شهر جمادى الأُولى أوله الأحد، في يوم الخميس خامسه خُلع على سيف الدين أبي بكر بن بُراق بولاية البرّ، وهو كارهٌ.
وفي يوم الجمعة سادسه. حضرَ كاتبُ السر ابن الأثير السَّمَيْسَاطيّة وعليه خِلعةٌ بمشيخة الشيوخ، وحضر عنده الأعيان.
وخسف القمر ليلة الخامس عشرة بعد عشاءِ الآخرة، وصلَّى الناسُ صلاةَ الكسوف.
وخُلع على الأميرِ الكبيرِ بَيْدَمِرِ الذي كان نائبَ الشام يومَ قدومه من بيروت بسبب أنّه استنابه الأميران أُقْبُغا جَلَب وأسَنْدمِر، وهما اللّذان أخذا الغَوْرَ بعد يَلْبُغا، واستناباه على ذلك، ثم خلعَ عليه الآخرُ بعده بيوم، وذلك يوم الثلاثاء سابع عشره.
وجاءت البشارةُ إلى نائب السَّلطنة بقتلِ صاحب قُبْرص، قتله فداوية كان قد أرسلهم إليه يَلْبغا قبل مَقْتله رحمه الله فيقال: إنه قُتِل يوم قُتِل، ثم ظهر أنَّ الأمرَ لم يكن له حقيقة، وأنّه باقٍ - لعنه الله.
شهر جُمادى الآخرة، أوّلُه الثلاثاء، وهو ثاني شباط. أول هذا الشهر شُرع في بناء المَسَاطب التي كانت للشهود تحت السَّاعات حوانيت، وضُمِّنت بأجرةٍ كثيرة
(5)
للجامع الأموي. وتفارَطَ الحالَ، وقد سعيتُ معهم إلى أبواب الدّولة ألا يُفْعَلَ هذا فلم يجابوا إلى ذلك، وذكرتُ أنَّ من العلماء من أفتى بأن
(1)
في الأصل: طمس من ثلاث كلمات، استدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 293.
(2)
في الأصل: طمس من ثلاث كلمات، استدركته من المصدر نفسه.
(3)
أوّلها كان في عام 763 هـ. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 205.
(4)
هو: الأمير أحمد شهاب الدين الملقّب بشَنْكَلَ مَنْكَل. ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 297.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين. استدركته من تاريخ قاضي ابن شهبة 3/ 294.
رحاب المسجد وعراصه يلتحقُ به في حُرْمَة الجلوس فيه
(1)
ونحو ذلك، حتَّى ولو كانت خارجةً عن سمْتِهِ، إذا كانت متَّصلة به كهذه البقعة.
قلتُ: ثم إنّ هذه البُقْعة لم تزلْ من زمن بني أمية وإلى هذا الحين على هذه الصِّفة، لم تُشْغل ببناءِ، وقد كان القاضي يحيى بن حمزة البَتَلْهيّ
(2)
قاضي قاضي دمشق يحكُم في هذا المكان، حتَّى إنّه كان يومًا يكتبُ على سجلٍ، فسمعَ بياعًا ينادي على بضاعةٍ له، فاشتغلَ ذهنُه، فكتب على السّجل بما سمعَه من المنادي، أخبرني بذلك شيخنا الحافظ المِزّي
(3)
.
ثم تلطَّفنا أن يؤجر للشُّهود د بدون عبرة بما بُذلَ، وتبقى على هيئتها، فأجيبوا إلى مئتي درهم كل شهر؛ فتلعثموا قليلًا، فزيد فيها زيادةً كبيرة نحو السبعمئة، على ما أخبرني قاضي القضاة تاج الدّين السُّبكي، وشادُّ الأوقاف، وقد وقفتُ أنا وهما على هذا المكان.
وفي يوم الخميس ثالثه خُلع على بدر الدّين بن مُزْهر بتوقيع الدسّت خلعةٌ هائلة.
وفي يوم الإثنين سابعه لبس الأمير علم الدين سليمان البَصْراوي خلعةً بولاية المدينة، وهو كاره.
وفي يوم الإثنين رابع عشره ركب الأمير جَنْتَمرُ
(4)
أخو طاز مع مقدَّمي الألوف عوضًا عن ناصر الدّين بن طُرغاي
(5)
، وعُوِّضَ ابن طرغاي
(6)
بإمرة طَبْلخاناه أربعين
(7)
فارس بإقطاع ضعيف.
وفي صبيحة يوم الإثنين قبل سلخه حصلت بدمشقَ زلزلةٌ لطيفة لم يدركها كثيرٌ من الناس، لكن جاءت الأخبار أنّها دمّرت بمدينة صفد شيئًا كثيرًا من مساكنها، وزَعْزَعَتْ عددًا
(8)
من أبراج قلعتها، وهلكَ تحت الرّدم بالقلعةِ والبلدِ خلقٌ كثيرٌ قريب الألف
(9)
. رحمهم الله تعالى.
وكانت وفاة الوزير ابن قَرَويْنة
(10)
في العَشْر الأخير من هذا الشهر بعد مصادرة عظيمةٍ وعقابٍ أليمٍ،
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمتين. استدراك اقتضاه السّياق.
(2)
في الأصل: (السُّلمي) تحريف. وهو: يحيى بن حمزة بن واقد، أبو عبد الرحمن الحضرمي البَتَلْهيّ الدمشقي، قاضي دمشق. نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق بالغوطة. توفي سنة 183 هـ انظر سير أعلام النبلاء 8/ 354 - 355.
(3)
تقدم ذكره في وفيات سنة (742 هـ) من هذا الكتاب 16/ 297.
(4)
في الأصل: (جَرْدَمِر)، وفي تاريخ ابن قاضي الشهبة 3/ 294. (شَنْتَمِر).
والصّواب ما أثبته. وبه ذكر مرّات في تاريخ قاضي ابن شهبة.
(5)
في الأصل: (ابن طرغيه). تحريف.
(6)
في الأصل: (ابن طرغيه). تحريف.
(7)
في الأصل: طمس كلمة. استدراك اقتضاه السّياق.
(8)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(9)
الخبر في تاريخ قاضي ابن شهبة 3/ 294. نقلًا عن ابن كثير.
(10)
هو ماجد بن قَرَوْيْنَة، الصاحب الكبير، فخر الدين القبطي. ترجمته في: الدرر الكامنة 3/ 274 وفيه: (ابن =
وأنواع من البليّات، وسقطت أصابعُه، وكان من آخر ذلك أن جوُّعوه، ثم أطعموه وزةً مشويّةً مملّحة، ثم سقَوْه بعدها ماءً مثلوجًا، وأطعموه بطيخًا كثيرًا، ثم ربطوا ذكرَه وأُنثيَيْه ربطًا شديدًا ومنَعُوه الإراقةَ، فيُقال: إنّه افتدى نفسه من هذه الحالة بنحو من ثلاثمئة ألف، ومن الذهب بسبعة آلاف دينار، ثم لم يفكوّه حتَّى مات من ليلته، فدفَنُوه بينَ قبورِ المُسلمين [والنّصارى]
(1)
.
ثم جاءنا الخبرُ بوفاة خَوَنْدة
(2)
بنت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي. زوج الأمير مَنْكَلي بُغَا بحلب، وهي ذاهبةٌ إليها، ودُفنت هناك في تربةٍ لها - رحمها الله - وتركت ولدَهَا عبدَ الرّحيم رضيعًا، جبره الله، وأنشأه نشئًا حسنًا.
شهر رجب الفرد، أوله الأربعاء، وهو ثالث آذار. خرج أكثرُ الركب الرّجَبي يوم الخميس، ثانيه، وهم خلقٌ كثير منهم؛ تقي الدين بن الظّاهري.
وقدم القاضي برهانُ الدّين بن الحلّي
(3)
من صفدٍ إلى دمشقَ في آخر نهار الأربعاء الثامن من رجب ومعه مرسومٌ شريفٌ بنظر الجامع الأموي، وتوقيعٌ في الدّست، وغير ذلك، وأقرْأَني صورةَ محضرٍ، وعليه خطّ قاضي صفدٍ بصورةِ ما تهدَّم بسبب الزَّلزلة التي كانت عندهم، وكان ابتداؤُها كما ذكرنا صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من جُمادى الآخَر، وذكر القاضي برهان الدين أنّها استمرَّت تعاودُهم في كلِّ يوم مرَّتين، من يوم الإثنين إلى يوم السبت رابعِ رجب، فذكرَ في المحضر أنّه انهدم من أبرجةِ القلعة، ومنها ما تفجّر نحوًا من بضعةَ عشرَ [برجًا]
(4)
، وقد فصَّلوا ذلك برجًا برجًا، وبدنةً بدَنَةً بأسمائها وصفاتها، وأنَّه هلك خلقُ كثير تحتَ رَدْم الهَدْم، وكذلك من أهل البلد وضواحيها خلقٌ كثير لم يُحصَوْا، فيُذكروا رحمهم الله.
وذكرَ لنا القاضي برهانُ الدّين أنّ هذه القلعة ليس في قلاع الإسلام على هيئتها، وأنّ فيها من نَفَّاطَات
(5)
النِّفط ما يساوي ثلاثمئة ألف درهم، وفيها من بنادق الرّصاص ما يقارب ذلك، ومن صناديق النّشاب شيءٌ كثير، ومن السُّيوف عشرةُ آلاف سيفٍ.
= قزوينة) بالزاي، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 301 والنجوم الزاهرة 11/ 97، والذيل التام 1/ 220.
(1)
في الأصل: سقط قدر كلمة. وهو استدراك يقتضيه السيّاق.
(2)
توفيت في حلب ودفنت هناك، ثم نقلت في آخر سنة 779 هـ إلى تربتها التي أنشأها لها زوجها في دمشق قبالة جامع كريم الدين. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 321.
(3)
في الأصل. (الحلبي). تحريف. وهو إبراهيم بن عبد الله الرئيس، برهان الدين ابن القاضي بهاء الدين بن الحلّي المصري. توفي سنة (777 هـ) انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 486.
(4)
ليس في الأصل، واستدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 295. نقلًا عن ابن كثير.
(5)
في الأصل: (فقاعات). تحريف.
والنفّاطات: أدواتُ تُعملَ من نحاسٍ يُرمى فيها بالنفط والنار. اللسان (نفط).
ولمّا كان يوم الإثنين ثالث عشره: لبس الخِلْعة، وباشرَ عند باب المشهد، وخَلع هو على نقيب المتعمّمين.
وفي يوم الإثنين العشرين منه: طيف بخمسة مسمَّرين على جمالٍ حولَ البلد، وقطّعت أعصابهم؛ ظَهرَ عليهم أَنَّهم يَطُوفون باللّيل على أبواب الناس يفتحونها، ويدخلون قهرًا إلى أهلها؛ فيأخذون ويقتُلون، وهم من جملة مَنْسَرٍ
(1)
حصَّلهم والي البر سيفُ الدِّين
(2)
بن البُرَاق - رحم الله والده
(3)
.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه. لبسَ الأميرُ عمرُ شاه خِلعة الحُجُوبية الكبيرة في دمشق
(4)
، وهنّاه النّاسُ بذلك، وقد كان نائبَ حماة قبلَ ذلك، فشُكرَت سيرتُه.
شهر شعبان المكرم، أوله الجمعة. في يوم السبت تاسعه دُفنَ القاضي مجد الدين حمّاد بن القاضي شهاب الدين قاضي العسكر بمقابر [الصُّوفية. وُلِّي]
(5)
قضاءَ العسكر للحنفية، وتدريس المُعينيّة
(6)
، وتدريس الشِّبليّة بالصّالحية
(7)
.
وفيه بلغنا خبرُ عزِّ الدين حمزةَ بن شرف الدّين بن السَّيرجي وولدِه محمّد وقَتْلهما، حيث عُدي عليهما بقرية مُجَيْدل القرية؛ لعداوة كانت بينه وبين فلاحيها بسبب أنّه عاملُ الوقتِ، وولده مشدُّه
(8)
، فبيَّتُوهما في اللّيل، ودخلوا عليهما فهبَرُوهما بالسُّيوف، وكان ولده صغيرًا دون العشرين، ثمّ نحروا الخيل عليهما، وحرقوا الجميع بالنار، ولكن هرب [المهتار]
(9)
الذي كان معهما فسَلِمَ. ووصلَ الأمرُ إلى والي الولاة؛ فأرسلَ إلى نائب السلطنة، فجرَّد إليه أميري
(10)
طَبْلخاناه بسببهم.
وكذلك أخبرني ملكُ الأمراء أَبَيْدَمِر أنَّه اجتمع جمعُ قريبٌ من ستمئة مقاتل من أهل اللَّجاة
(11)
، فنزلوا
(1)
المِنْسَرُ: القطعة من الخيل. اللسان (نسر). والمَنْسَرُ: جماعة اللصوص يهجمون الدور والحوانيت.
(2)
هو أبو بكر بن براق، أمير آخور السلطان بدمشق. توفي سنة (757 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 104.
(3)
هو سيف الدين براق أمير آخور بجامع تنكز. تقدم في وفيات سنة 757 هـ. وقد أطراه ابن كثير.
(4)
عن الأمير أيُدَمِر الشّيخي. تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 295.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين. ولم أقع على ترجمةٍ له.
(6)
بالعصرونية. الدارس 1/ 406.
(7)
بسفح قاسيون، بالقرب من جسر ثورى. الدارس 1/ 407.
(8)
المشدُّ والشدُّ والشَّادُّ. كلَّها بمعنىً، وتعني المفتّش أو الناظر والمدير. والوظيفة تسمّى الشَّادِّية. انظر معجم الألفاظ التاريخية. لدهمان ص 95.
(9)
في الأصل: طمس قدر كلمة. والمهتار: من الوظائف الإدارية.
(10)
في الأصل: (أميران). وهو غلط.
(11)
اللّجاة: حرّة سوداء بأرض صلخد من نواحي الشام، فيها قرى ومزارع. معجم البلدان 5/ 13.
على قرية يقال لها: حنبك، فقتلوا أهلها، ونهبوها، ثمّ إلى قرية أخرى يقال لها: خلخلة، فقتلوا إحدى الطائفتين ونهبوهم، ثم كرُّوا راجعين إلى بلادهم، وتفاقم الحالُ.
وفي هذا الشّهر خُلع على الصَّاحب سعد الدين ماجد خِلعةً هائلة بتوقيع الدَّست عوضًا عن قاضي العسكر الدارج، وخُلعَ على القاضي بدر الدين الجواشني نائب الحكم لقاضي القضاة جمال الدين بن السِّراج الحنفي بولاية قضاء العساكر عوضًا عن حميد الدين حمَّاد ابن قاضي العسكر شهاب الدين الرَّسْعنيّ الحنفي.
شهرُ رمضانَ المعظّم، أوُله السبت، وهو مستهلٌ أيار. في يوم الجمعة سابعه بعد الصّلاة صُلِّي على غائبين
(1)
من أهل الحجاز: أحدُهما الشَّيْخ عبد الله اليافعي اليمني
(2)
، مكثَ مدَّة طويلةً مجاورًا بمكة، وله تصانيف في التّصوُف وغير ذلك، وله نظم، وفي كلامه ما يُنْكره عليه كثيرٌ من العلماء، ووقفتُ على بعضه فرأيتُ فيه كلامًا فيه شَطْحٌ كثيرٌ، وإطلاقُ عباراتٍ لا ينبغي ذكرُها، وقد قارب الثّمانين أو جاوزها رحمه الله.
وفي يوم الخميس ثالث عشره. جرت خَبْطةٌ عظيمةً في البلد، وسببُها أن متولي البلد رسم له عمرُ شاه حاجبُ الحجاب بضربِ بعض العامة؛ لكونهم امتنعوا من الحضور إلى بين يديه، وضرَبوا بعضَ أعوانه، فلمّا ضربَهم المتولّي كما رُسِمَ له استغاث العامَّة، واجتمع معَهم نساءٌ كثيرٌ، ودخَلوا الجامع يهللون، ودخلَ النِّساءُ معهم أيضًا إلى [الجامع]
(3)
يشكون
(4)
أمرهم إلى قاضي القضاة تاج الدين، وهو في دار الخِطَابة، وطلبوا حكمَ الشرع، ثم إنَّهم راحوا إلى دار السّعادة، فدخلوا إلى بين يدي نائب السَّلطنة، وهم يهلّلون؛ فسألهم عن خبرهم، فذكروا له ما جرى عليهم، فرسَم بإحضار الوالي فلامه على ذلك، فذكر له أنَّ الحاجبَ أمره بذلك، فضربَه بين يديه، وقال له: هلَّا شاورتني قبل ذلك، وأمرَ نائبُ السّلطنة فنودي في البلدان من طلبَ حكمَ الشّرع لا يُمنع، ومن منعه عوقب عقابًا شديدًا، وأرسلَ إلى الحاجب ليُحضره فاعتذر، وعزم على تَرْك المباشرة.
ثم اجتمع القضاة بنائب السّلطنة، وتكلَّموا مع الحَجَبة كلامًا غليظًا في افتئاتهم على كثيرٍ من الأحكام الشرعية، وجرت بينهم مقاولات، وتكلّم الشافعي كلامًا نافعًا قويًا، واستندب القضاةُ فأجادوا، وكان مجلسًا نافعًا.
(1)
ذكر ابن كثير واحدًا منهما، وسَهَا عن الآخَر.
(2)
ترجمته في إتحاف الورى لابن فهد 3/ 307، والدرر الكامنة 2/ 352، والنجوم الزاهرة 11/ 93، والذيل التام 1/ 221، وشذرات الذهب 8/ 362.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في خ: (يشكوا) وهو غلط.
وخُتِمَتِ البُخَارِيَّاتُ في أواخر الشّهر على العادة، منها بالجامع تحت النَّسر على كاتبه في يوم الأربعاء السادس والعشرين منه، وبعده بيومٍ عند محراب الصّحابة، وبعده بيوم بمسجد ابن هشام، وبعدَ الجمعة بجامع تَنْكُز، وبعده بيوم خُتِمَ مسلمُ تحتَ النَّسر على كاتبه أيضًا.
شهرُ شوّال، أولُه الإثنين، وهو أوّل تموز. في يوم الأربعاء ثالثه، بعد صلاة الظهر. صُلّي بالجامع الأموي على الشيخ علي بن البَنّاء
(1)
المحدّث الواعظ للعوام وغيرهم في الجامع والأسواق، وهو قائمٌ وقاعدٌ بعبارةٍ طَلقة حُلوة داخلة يمزجُها بخفّة روح، تُشبه عبارات العوام؛ فهي تَنْجَعُ فيهم كثيرًا، وكانَ كثيرَ التَّزهُّد والقناعة والتَّجزِّي بأيسر مؤُونة، وأصلُه من مصرَ، قدّم الشّامَ وهو في زيّ فقيرٍ، ضعيفِ البذلة
(2)
، وهو مع ذلك يشتري الكتبَ الكبارَ وغيرها بأموالٍ يأخذها من العوام، ويُزايد في الكتاب إلى أثمانه، وترك كتبًا جمَّةً، ويقال: إن عليه دينٌ. فالله أعلم بأمره، وكانت فيه مساعدةٌ للفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء، يسعى لهم [عند الأغنياء]
(3)
ويأخذ منهم لهم، ويصرفها إليهم، وقد اجتمعَ في جنازته خلقٌ من العوام [والتجار]
(4)
وغيرهم، فكانت حافلةً جدًّا، ولم يكن فيها أحدٌ من الأعيان، ودُفن بباب الصغير.
وفي صبيحة يوم السبت سادسه. توجَّه الأميرُ علاء الدين - يُعرف بالشَّيخ علي - الذي قدِمَ من بابة الرَّحْبة على ولاية الولاة بحَوْران في تجمُّل هائلٍ وبين يدَيْه ستةَ عشرَ مصلوبًا من الحَوَرانة على الجِمَال، وفيهم الذي حرقَ حمزة السّيرجي، وفي يديه مخاريق
(5)
بزيت، وقد أُطلقت فيها النّار، وهو يستغيث: فلا يُغاثُ، ثم سقط مَيْتًا عن الجملِ عند القُبَيْبَات
(6)
- لا رحمه الله.
وهذا الأمير من خيارِ الأمراء وشجعانهم وأجوادهم وزينتهم.
كائنةً عظيمةً وقعت بمصرَ
لما كان يومُ الجمعة ثاني عشره. وردَ البريدُ من الدّيار المصريّة؛ فأخبرَ نائبَ السّلطنة بوقعةٍ هائلةٍ وقعت بين الأُمراء الذين هم ولاة الأمر بديار مصر كما تقدّم، وملخّص ذلك: أن جمهورَهم اتَّفقوا على
(1)
هو علي بن الحسين بن علي المصري ثم الدمشقي ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 301، وقد نقل شيئًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة 3/ 42، وفيه: وفاته سنة (748 هـ) وهو وهم. والذيل التام 1/ 223.
(2)
في الأصل: (البالة). وأثبت ما عند ابن شهبة نقلًا عن ابن كثير.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين. واستدركته من ابن شهبة، ممّا نقله عن ابن كثير.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة. استدركته من ابن شهبة.
(5)
في الأصل: (جزاريق). تحريف.
(6)
القبَيْبَات: محلّة جليلة بظاهر دمشق. انظر معجم البلدان 4/ 308.
مسك أَسَنْدَمِر، فتأهّبوا لذلك، وأركبوا السّلطانَ إلى قُبّة النّصر يوم الإثنين ثامن شوال آخرَ النهار، وهم مُلْبِسُون
(1)
، وأخذوا عليه الطُّرق، فنهضَ هو في مماليكه ومعه ابن دو لغادر وبُزْلار، وقصدَهم من وراء ظهورهم، وفرّق شملهم، وقتلَ كثيرًا منهم في المعركة وصبرًا بين يديه، وسَيَّر من أسرَ منهم إلى إِسكندرية في الجيوش مهانين غايةَ الإهانة، وطَرَدَ آخرين إلى بقية البلاد منفيّين، وزالت النِّعمة عن أَيْدَمِر الشَّامي الدّويدار، وعن أَقْبُغا جلب، والنِّظَامي، وقُجْماس مملوك طَاز، وتَمْراز، وقد قُتِلَ بينَ أيديهم خلقٌ من مماليكهم، واستبدَّ بالأمر أَسَنْدَمِر ما له منازعٌ في الدّيار المصريّة
(2)
.
وأخبرني قاضي القضاة تاج السُّبكي بمِفْصَلِ الوَقْعة عمَّا أخبره به من شاهدها، وأنّه قُتِلَ بينهم سبعمئة.
وخرجَ المحملُ والحجيجُ في يوم السّبت الثالثَ عشرَ منه، وأميرُهم ابن أمير علم الدّين ساكن في المطرِّزيين، وقاضيهم ابن السّراج، وحجَّ في هذه السنة الأمير علاء الدين بن بَهَادرُ الشُّجاعي.
وفي هذا اليوم دخل من الديار المصريَّة النَّشْو
(3)
على نظر الدواوين بدمشق عن [الصاحب سعد الدين]
(4)
واستمر سعد الدين ناظر المهمات.
وفي يوم الإثنين الثاني والعشرين [خَرَجَ]
(5)
جماعةٌ من وادي بردى ممّن أقام العَشيْرَ في هذه الأيام. خرجَ إليهم الحاجبُ [ابن براق، والي]
(6)
البر، وأمراء آخرون، فسكَّنوا أمرهم، وأحضروا منهم جماعة ممّن ظفروا بهم [نحو الأربعة]
(7)
فسُمِّروا وحُزِموا، وأُطيفَ بهم، وهم مشاةٌ مهانون
(8)
غاية الإهانة - قبحهم الله أجمعين.
واشتُهر بين الناس أنَّ الأميرَ طَيبُغَا الطّويل نائب حماة والأمير أَشْقَتمِر نائب طرابُلُس قد جمعا جموعًا لمحاربة أَسَنْدَمِر الذي أقيم في الأتابكيّة
(9)
بمصر في مقام أستاذِهِ يَلْبُغا، فجدّدت البيعة للسُّلطان بدار السعادة من الأمراء كلهم.
وقدمَ شادُّ الأوقاف بدرُ الدين صَدَقه بن أوحد الذي كان قد جهّزه نائبُ دمشقَ إلى الأمير مَنْكلي بُغَا
(1)
في الأصل: (ملبسين) وهو غلط.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 296. في رمضان. وذكره السخاوي في الذيل التام 1/ 219 - 220.
(3)
هو: محمد بن أحمد بن أبي العزّ الأذرعي، المعروف بابن النّشو. توفّي 801 هـ. انظر الشذرات 9/ 21.
(4)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات، استدركته من ابن قاضي شهبة 3/ 297.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمه.
(6)
في الأصل: طمس، قدر ثلاث كلمات.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(8)
في الأصل: (مهانين) وهو غلط.
(9)
في الأصل: (الأبكية). تحريف.
نائب حلب ليستعلم ما عنده في هذا الأمر، فرجعَ ومعه من خواصّه ومن خواصّ الطَّويل بأنَّهم على السَّمع والطَّاعة لوليّ الأمر. وجُهِّزوا إلى مصر.
شهرُ ذي القعدة، أوّلُه الأربعاء. في العشر الأول منه قدمَ نائبُ طرابُلُس الأمير أشِقْتَمِر في سروجٍ يسيرةٍ من خيل البريد سامعًا مطيعًا قاصدًا الدّيار المصرية، فنزلَ، ثم ركبَ من اليوم الثاني، فقبلَ وصوله إلى القاهرة صُرف إلى إِسكندرية.
ولمّا كانَ يومُ السبت الحادي عشر منه قدم الأمير طَيْبُغا الطَّويل من حماة فنزل بالقصر أيضًا، ثم ركب في عشرةِ
(1)
سروجٍ في اليوم الثاني إلى الدّيار المصريّة، ففُعل به كما فُعل بالذي قبله سواءً بسواءٍ.
وفي بقية الشهر سارَ الأمير أَسَنْدَمِر نائبُ صفدٍ الذي كان نائب الشام ومعه مُسَفَّرٌ إلى نيابة طرابُلُس.
وسارَ الأمير عُمَر شاه من دمشقَ إلى نيابة حماة، وعُيِّن إلى صفدٍ جَرْدَمِر أخو طَاز.
شهر ذي الحجة أوله الخميس. في ليلةِ السّبتِ ثالثه احترقَ بيتُ عروس، وقد صمدوه على العادة، وهم مشغولون بجلائها على زَوْجها، [في]
(2)
بيت آخر، فما تداركوا حتَّى احترقَ عامةُ ما فيه من القماش. وانقلبَ الفرح تَرَحًا، وهو من جمله حريق.
وفي يوم الإثنين خامسه برز الأمير جَرْدَمِرُ أخو طاز إلى سطح المزَّة قاصدًا إلى نيابة صفد.
وفي يوم الجمعة تاسعه وقع حريقُ كبيرٌ قِبْلي قُبّة الشَّحم من غربها، احترقت المِئْذنَة التي [هناك، وسوق]
(3)
القطانين تجاهها من القبلة، والرّبعُ المجدّد فوقها، والخوّاصين الذين يعملون الخوص []
(4)
وما قَرَبَ من بيوتٍ ورباع، وكان ابتداؤه من عشاء الآخرة، فركِبَ النّائبُ والحَجَبَةُ والولاةُ واجتهدوا في طَفْي النّار، وأصبحَ الناسُ والحريقُ عَمَّالُ، ولكن قد انحسمت مادتُه، وأُمن شرُّه، واتّفقَ في ضمن ذلك أنّ والي البلد تأخّر مجيئُه إلى هذا الحريق؛ فتغضَّب عليه نائب السّلطنة وعزلَهُ، وولَّى غيره، وهو جمال الدين بن دُغا، وأصلُه من قرية فيق، وكان قد باشَر شدّ المواريث قديمًا.
وفي يوم الخميس خامس عشره: دخلَ الأميرُ سيفُ الدين بَهَادر الشّريقي إلى دمشقَ على الحُجوبية الكبيرة من نيابة حمص، ولبس الخلعة من دار السَّعادة، وهنّأهُ الأمراءُ والأعيانُ، ونزل داخلَ باب الجابية.
(1)
في الأصل: (عشر) وهو غلط.
(2)
في الأصل: بياض قدر كلمة.
(3)
في الأصل: بياض قدر كلمتين.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة، لم أهتد إلى معرفته.
وفي سابع عشره توفّي الشيخ الإمام العلَّامةُ تقيُّ الدّين بنُ المَجد
(1)
الحاكمُ بمدينة بعْلَبَك، وكان لديه فنونٌ وعلومٌ وتعليقاتٌ ومذكراتٌ، وتركَ أمولًا جزيلة، وولي بعدَه ولدُه.
وتوفي الأميرُ طَقْتَمِر المعرِّي
(2)
نائبُ القلعة في العشرين منه، ودُفن في ترتبه في العقبة الصَّغيرة.
وجاء الخبرُ مع البريد من طرابُلَسَ بموتِ نائبها الأميرِ أسَنْدَمِر اليحياوي
(3)
أخو يَلْبُغا نائب دمشق، وقد نابَ هو أيضًا بدمشقَ وصفدٍ، ثم نُقل إلى طرابُلُس، فكانت وفاته بها اشتهر أن ولده قتله.
سنة تسع وستين وسبعمئة من الهجرة
استهلّت هذه السنة والخليفةُ هو المتوكّل على الله العباسي - رحم الله سلفه وخلفه -، وسلطان الإسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين وأعمال ذلك وما يتبعها الملك الأشرف ناصر الدين شَعْبان بن حسين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، ومدبّر الممالك بين يديه بالدّيار المصريّة الأمير أَسَنْدَمِر مملوك يَلْبُغا الخاصكي وقاتِلُه.
وقضاةُ مصرَ هم المذكورون قبلَها، وكذلك كاتب السّرِّ بها، وناظر الجيش.
ونائب دمشقَ الأميرُ سيف الدين أَقْتَمِر عبد الغني، وقضاة الشام هم هم، وكذلك كاتب السّرّ، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال والمحتسب، وبقية المباشرين.
شهر الله المحرم، أوله السبت. في أول هذا الشهر ظُهِرَ [بدمشق]
(4)
على امرأة تتزيا بزيّ طَواشي، وتتزوَّجُ النساء، [فإذا ظَفرت]
(5)
بالمرأة ذات الجهاز عملَت على أخذِ مالها بكلِّ ممكنٍ، ولو أنَّها تَسْقيها مُرْقِدًا، ثمّ تأخذُ ما تقدر عليه، ثم تنشمر من تلك البلدة إلى غيرها، ثم تفعل في البلد الآخَر كذلك، وربما دخلت بيوتَ الأُمراء والمحتشمين فلا يُنْكَرُ عليها؛ لكونها في زيِّ طواشيٍّ، وتعمل على أخذ شيء من أمتعتهم خُفْية، وتتوصَّل إلى استلاب أموال الناس بكل سبيل، حتَّى اتفق أنها تزوَّجت بامرأة ثم تزوَّجت بأخرى، فغارتِ الأُولى من الثانية فنمَّت عليها وفَشَتْ سِرَّها، فتسلَّمها الولاةُ بدمشقَ،
(1)
ترجمته في النجوم الزاهرة 11/ 98، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 303. وفيه نقلٌ عن ابن كثير، والدرر الكامنة 4/ 206 - 207. والذيل التام 1/ 222.
(2)
لم أقع على تاريخ وفاة (طَقْتَمِر). والذي في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 315. "وفي هذا الشهر - يعني جمادى الآخَر من سنة 769 هـ - وُلّي الأمير طَقْتَمِر الشّريفي نيابة غزّة" اهـ.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 298. وفيه نقلٌ عن ابن كثير.
(4)
ليس في: الأصل. واستدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 308.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
وأُحضرت إلى بين يدي نائب السَّلطنة والقضاة، وأقرَّت بعدةِ أَخذاتٍ كثيرة، فأُخذت منها، ثم رُسم بتَسْفيرها إلى البلاد التي
(1)
فعلت فيها ما فعلت؛ ليؤخذ منها ما أقرّت به.
وفي ليلة الجمعة سابعه توفّي الأمير بدر الدين مُصْطَفى البيريّ
(2)
أحد أمراء الطبلخانات، وصُلّي عليه يوم الجمعة، ودفن في تربته، وقد ترك أموالًا جزيلة، وابتنى بدمشق حمامًا حسنًا، ودارًا هائلة، وحوانيت كثيرة، وكان أصلُه تاجرًا سفّارًا، فتوصّل حتَّى حصَّل أمير طبلخانه رحمه الله.
حريق في المكان المعروف بالحريق من ناحية كنيسة مريمَ بدمشقَ
كان هذا الحريق ابتداؤه عشية يوم الثلاثاء بعد العصر الحادي عشر من هذا الشهر، فما
(3)
أَذَّنَ المغربُ إلا وقد اشتد اضطرام النار، كأنّها في جَزْل الغَضَا؛ فجاءَ الولاةُ، ثمّ الحَجَبَةُ ونائبُ السلطنة، وشرعوا في إطفائها وتخريب ما حَوْلها؛ لئلّا يتّسع الحَرْق إلى غيره، ووقف نائِبُ السلطنة وحولَه السيوفُ مُسَلَّلَةٌ لئلّا يتقدّم أحدٌ لنهبِ شيء من أموال الناس، فحفظَ أموالهم - جزاه الله خيرًا.
وفي يوم الخميس ثالث عشره. درَّسَ الشيخ عز الدّين حمزة ابن شيخ السَّلامية الحنبلي بالمدرسة المجدَّدة السلطانية بباب النَّاطفانيّين شمالي دمشق
(4)
، وحضرَ عنده القضاةُ والأعيانُ، وأخذَ في تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18].
ولاية ملك الأمراء بَيْدَمِر وعزل أَقْتَمِر عبْد الغني
في يوم السبت الثاني والعشرين منه وردَ البشيرُ من الديار المصرية بعزلِ نائبِ السلطنة أَقْتَمِر عبد الغني [فانتقل]
(5)
من ساعته من دار السّعادة إلى دار طَيْبُغا حاجي، واشتُهِر ولاية الأمير [المجاهد]
(6)
العادل، الدَّيِّنُ، الصَّيِّنُ، صاحب الفتوحات بَيْدَمِر، وكان قد خرجَ لتلقّي أهله من الحجاز الشَّريف، وقد نزلَ معهم في الكُسْوة.
فلما كان ليلةُ الإثنين رفعت نارٌ بجبل الصَّالحية تُخْبر عن حدثٍ كائنٍ بمدينة بيروت؛ فدقّت الطَبْلخاناتِ السلطانية بالقلعة لاجتماع الجيش، ونُودي في الناس عن أمرِ نائب السَّلطنة الأمير بَيْدَمِر
(1)
في الأصل: (الذي). وهو غلط.
(2)
في الأصل" (الشريفي). وهو تحريف. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 343. وفيه: (المعرّي). وفي الهامش (2) قال محقّقه: (المقّري) معجمة، مصحّفة.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
انظر الدارس في تاريخ المدارس 1/ 489 و 2/ 206.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
بالمسير إلى بيروت، وبادر - أيّده الله - من يومه ذلك بالتوجُّه إلى بيروت، فنزلَ بسطح المزَّة، واستحضرَ العُدَدَ، واستحثَّ الجيش، وسبقهم بنفِسِه الكريمة إلى الجهاد والمرابطة، جزاه الله عن الإسلام خيرًا، وتَبِعَهُ رجالُ الحَلَقة والأمراء، وخرج فيمن خرجَ متطوعًا الأمير علي المارداني نائبُ الشام كان، واستمرَّ الجيش يتلاحق وراء ملك الأمراء بَيْدَمر، فلمّا كان في أثناء الطريق جاءَهُ الخبرُ بأنَّ مدينة طرابلس قد جاءَها خلقٌ من الفِرَنْج، وقد نفضوا إلى البرّ، وقد اتَّفقوا مع أهلها، فسارَ مسرعًا إليها بمن معه من العساكر - جزاه الله خيرًا - فكان ما سيأتي ذكره إن شاء الله.
وقعة مع الفِرَنْج بمدينة طرابلسَ، وكانت النُّصرةُ للمسلمين
لمّا كان يومُ السبت الثاني والعشرين من المحرّم سنةُ تسعٍ وستّين
(1)
وسبعمئة: أقبلت مراكبُ كثيرةٌ نحو مئة وخمسة وثلاثين شيني إلى مدينة طرابُلُس، وليس بها نائب ولا حاجب، فنزلوا من الغد إلى البر رجّالة وخيّالة، وهم في عَددٍ وعُددٍ وافرة، فقتلوا بعض العامّة، وبرزَ إليهم من فيها من الأترااك والجُنْد، وحضرَ من يُحاصِرُها من التراكمِينَ متراكمينَ والمتطوعةِ من كلّ مكان أفواجًا أفواجًا، وأفرادًا وأزواجًا. فاتّقعوا معهم فقتلوا وقُتِلوا، ودخلتِ الفرنجُ إلى مدينة طرابلسَ ليخلِّصُوا ابنَ [أخي]
(2)
صاحبِ قُبْرص، فإنَّه كان مسجونًا، فقتله [المسلمون]
(3)
ومن معه أجمعين، وبلغني أنّ بعضَ الفرنج صَعِدَ المنارة، وأحدَثَ هناك، ونَصَب سَنجقًا فيه صليبٌ، فلم يلبثوا فيها إلا ساعةً من النهار حتَّى تواخت
(4)
عليهم العامة، فقتلوا منهم خلقًا، وخرجوا منها مذمومين مدحورين خاسئين خاسرين، وقد قُتل منهم جماعة آخرون في المعركة، فحُسِبَ مَنْ قُتل منهم داخل البلد وخارجه [فكان]
(5)
أزيدَ من مئتين، وكانوا نحوًا من خمسةَ عشرَ ألفًا من الرَّجَّالة، ومن الخيّالة نحوًا من أربعين؛ ملوكًا
(6)
وأمراءَ، ولم يُقتل من المسلمين إلَّا دونَ العشرة جندًا رحمهم الله.
ودخلَ المحملُ وبقية الحجّاج يوم الإثنين الرابع والعشرين منه، وليس في البلد نائبٌ، وإنَّما معه أميرُ الرَّكب، ووالي البرّ، ووالي المدينة، وذكروا أنَّهم وقفوا الجُمُعة. وكان [من القادمين]
(7)
مع الرّكبَ
(1)
في الأصل: (ستٍّ). وهو غلط.
(2)
ما بين الحاصرتين ليس في: خ. واستدركته من ابن قاضي شهبة.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمه، واستدركته من ابن قاضي شهبة.
(4)
هكذا في الأصل. وتواخت: تظاهرت.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة استدركته من تاريخ قاضي ابن شهبة.
(6)
في الأصل: (ملوك) وهو غلط.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
الشّامي من المصريين، الرَّجبيين الشّيخ الإمامُ العلّامة قاضي القضاة بهاء الدين أبو
(1)
حامد أخو قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي، قدم ليبُلَّ شوقه من أخيه، وخطبَ النّاسَ يومَ الجمعة بالجامع الأُموي خطبةً بليغةً، وقرأَ في المحرابِ قراءةً حسنةً، أَعجبَ الناسَ سمتُه ووقارُه وتودُّدُه.
وبلغَنَا وفاةُ الشيخ صدْر الدّين بن الخَابُوري
(2)
مُفتي طرابُلُس وشيخها من مدّة، وكان فقيهًا جيدًا مستحضرًا للمذهب مِن قواعده وضوابِطه، وفروعه ودقائقه، له اعتناءٌ جيدٌ بذلك جدًّا، وقد أذِنَ لجماعةٍ في الإفتاء، ووُلِّيَ وِكَالة بيت المال بطرابُلُس في وقتٍ، وكانت وفاته في السابع والعشرين من هذا الشهر بطرابُلُس، وقد جاوز السَّبعين.
وفي هذا اليوم كانت وفاةُ قاضي القضاة موفَّق الدين المَقْدسي الحنبليّ
(3)
بديار مصر رحمه الله.
وفي العشر الأخير من رمضان [جاءتنا أخبار من الأندلس]
(4)
وملخّصها أنّ الملك ابن الأحمر
(5)
صاحب ما ملكه المسلمون بجزيرة الأندلس، فتح مدينة جيّان فقتَلَ من الفرنج مئة ألف أو يزيدون، وأسرَ سبعينَ ألفَ أسيرٍ من نساءٍ وأطفالٍ وشبابٍ، وأخذ منها من الجواهر والآلئ والزمرّد شيئًا كثيرًا.
شهرُ صفر، أوّله الأحد دخول نائب السلطنة بَيْدَمِر أعزّ اللهُ أنصارَه:
لمّا كان صبيحةُ يوم الإثنين ثاني صفر. أقبل الأميرُ الكبيرُ المجاهدُ المرابط المثاغر
(6)
، صاحب الفتوحات، سيفُ الدُّنيا والدين بَيْدَمِر راجعًا من مدينة طرابُلُس، وقد فاتَهُ الوقعةُ، فدخلَ البلدَ من ناحية سطح المزّة، وعليه التَّشريف، وهو في أُبّهة عظيمة والسَّناجق الخليفتيّة بين يديه، والمؤذّنون بالتكبير، وأهل الذّمة
(7)
الذين معهم التوراة والإنجيل، فجاءَ إلى سوق الخيل فسير على العادة، ثم أُركب، ثم جاء فقبَّل العَتَبَةَ [و دخل]
(8)
إلى دار السّعادة، والأمراءُ بين يديه على العادة.
ودخلتُ إليه يوم الثلاثاء؛ فأخبرني عن تفاصيل ما وقعَ بمدينة طرابُلُسَ، وحلفَ بالله: لو أدركَهُم على
(1)
في الأصل: (أبي). وهو غلط.
(2)
هو محمد بن أبي بكر بن عياش بن عبد الله، ابن القاضي جمال الدين المعروف بابن الخابوري.
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 342. نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة 3/ 406، والذيل التام 1/ 229.
(3)
هو عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجاوي.
ترجمته في: الدرر الكامنة 2/ 293 والذيل التام 1/ 231، والمنهج الأحمد 5/ 127.
(4)
كان ذلك في المحرّم من سنة (778 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 290 - 291.
(5)
هو: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر.
(6)
المثاغر: المرابط على الثّغور. اللسان (ثغر).
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(8)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
الأرض قبل أن يفرُّوا إلى المراكب لما تركَ أحدًا منهم يرجعُ إلى البحر حتَّى يقتلَه أو يأسرَه، وأخبرني أنّه قُتِلَ مئتان وثلاثون رجلًا غير ما قُتِلَ منهم في البيوت، وأخبرني أنَّ الفرنجَ ليسوا بشيء، وأنّ فرسانَهم ورجالَهم في غاية الضُّعْف، وأنّهم انكشفوا، وأنّ غالب من قتلَهُم العامَّةُ والنِّساء والحرافيشُ وبعضُ التُّركمان، وأنّهم التَقَوْا مع جماعةٍ من التُّركمان بأنْطَرْسوس فكسرهم التُّركمان، وقتلوا منهم خلقًا آخرين وأسروا.
وبينما أنا جالسٌ عنده إذ جيء بقسطارية
(1)
وسلاح من سلاحهم، وهو في غايةِ الإحكام، وذكرَ لي أنّه جاء معه خيلٌ من خيولهم، وأنّها في غاية الضُّعف وقلّة النَّفع.
وفوّض النَّظرَ في مصالح الجامع إلى قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي - أحسن الله إليهما -.
ولمّا كانَ يومُ الخميس خامسه عزلَ متولّي المدينة ابنَ دُغا الفيقي ورسّمَ عليه، وألزمه بمالٍ كثيرٍ، ومتولّي البر علاء الدين بن العلم الهلالي، وأحضرَ علم الدين بن البَصْراوي، وولَّاه ولاية المدينة على عادته قَسْرًا وقهْرًا بعد تهديدٍ ووعيد أكيد، وكذلك أحضرَ سيف الدين بن بُراق وولَّاه ولايةَ البر بعد تمنُّعٍ منه وتهديد ووعيد أيضًا من نائب السَّلطنة إن لم يقبل، وقال لهما ولسائر الولاة والمشدّين والمباشرين: لا تقبلوا شفاعةً ولا رسالةً ولا رِشوةً، ولا أكلَ مالِ أحدٍ.
وفي هذا اليوم تغَضّبَ نائب السلطنة المشار إليه على أمير عشرة يقال له: عادل شاه بسبب إساءة أدب في الأمر على نائب السلطنة، وتكرّر ذلك منه، فمُدَّ بين يديه، وأمَرَ بضربه فضُرب فيما سمعته من غير واحدٍ ألفًا وسبعمئة وثلاثة عشر عصًا، ثم رفعَهُ إلى القلعة مهانًا.
وفي يوم الجمعة سادسه صلّى نائب السَّلطنة في المقصورة من الجامع الأموي، وقُرئ تقليدُه على السُدّة، وفيه أنَّه فُوِّضَ إليه السّواحلُ والقدسُ ونابلسُ وساحلُ غزّة وغير ذلك، على قاعدة المقرّ العالي مَنْكَلي بَغا، وكان الذي قرأه الشيخ شمس الدين السُّبكي
(2)
، وخلعَ عليه قاضي القضاة الشافعي، وكَثُر الدُّعاء لنائب السّلطنة، وأُشعلت له الشموع.
وفي يوم الإثنين تاسعه توجَّه الجماعةُ المجاهدون الذين كانوا قد تجّمعوا [في صحن]
(3)
الأموي منهم من تبرَّع بُعدَّةٍ من عنده، ومنهم من أُعطي من النّاس، وذلك [باستفادة]
(4)
الشيخ الصالح محمد السَّلاوي - تقبل الله منه -، وكان اجتماعهم وتعليق عُدَدِهم في صحن الجامع ممّا يلي رُواق الحنابلة على الأفاريز
(1)
هكذا في الأصل، ولم يتوجّه لي ما هي.
(2)
في الأصل: (المسكي). تحريف. وشمس الدين السُّبكي. هو نائب الحسبة. انظر البداية والنهاية 16/ 430.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
بين الرُّواقِ الأَول من ناحية باب البريد إلى باب البرادي الرّماح والسُّيوف والدُّروع الجَنَوِيّات، وغير ذلك من العُدَد، والنّاسُ حولَهم صفوفٌ. وذُكر لي أنَّهم كانوا في اللّيل يلبَسُون اللأمة، ويتطاعنون ليتمرَّنوا على ذلك، وكان لهم مدّة أيام، فلمّا كان هذا اليوم توجَّهوا بعد صلاةِ الظُّهر، واجتمعَ عليهم خلقٌ لا يُحصون، وضُربت الخَليليّة بباب البريد، وخرجوا إلى سطح المَّزة ومن عزمهم الذهاب إلى ثَغْر بيروت.
وقعةٌ أخرى مع الفرنج بمدينة أياس، وكُسِرُوا أيضًا
بلغَنَا في العَشْر الأوسط من هذا الشهرِ أَنَّ الفِرنجَ لما خُذلوا بمدينة طرابُلُس، وقد حلَّ بهم فيها بلاءٌ ونَكالٌ شديدٌ فراحوا إلى أنطرْسوس، فقَتَل منهم التركمان
(1)
المُتَراكمين، وكانوا للمسلمين في الكمائن خلقًا آخرين. ثم صاروا إلى مدينة أياس، فنازلوا أهلَها حتَّى فتحوا الرَّبض، وعصَتْ عليهم القلعةَ، وراحت البطايق إلى نائب حلب الأمير مَنْكَلي بُغَا؛ فركب في جيش حلب وأسرعَ، فكان عندهم في اليوم الثاني، وكان بالعُمْق فجاء أياس
(2)
، وقد حصلَ للفرنج اليأسُ من الخلاص، فحال بينهم وبين البحر؛ فخرجوا هاربين فقتل منهم نحو الخمسمئة، ورمى الأمير مَنْكَلي بُغَا ملكَ قبرص بسَهْم فجاء في خاصرتِه، فنزعَ القَدَحَ وبقي النَّصلُ، وهو إن شاء الله سببُ هلاكه ودماره، وكانت هذه الوَقْعَةُ في يوم الإثنين ثاني هذا الشهر
(3)
.
وقد ذكر لي الأمير مَنْكلي بُغَا بالقصر الأَبْلق حين نزلَهُ مجتازًا إلى الدّيار المصرية؛ ليكون نائبًا هناك ومشاورًا، فرحتُ للسّلام عليه، فأَخبرني منه إليَّ خاصةً بصفة الوقعة، وأن الله تعالى نصرَ المسلمين وخذلَ الفرنج، وأنّ جمعهم كان قريبًا من ثلاثين ألفًا رجَّالة وخيَّالةً، وأنَّه كان قد بلغَهُ مسيرُهم إلى أياس وهو بحلب [فنهض لذلك]
(4)
وتأهَّب، وأمر الجيش بالتأهُّب وسارَ بهم إلى العُمْقِ، ثم تدنى من الجسر الجديد، فبلغَهُ أنَّهم قد نازلوا البلدَ، فتقدَّم هو ومماليكه في نحو الثّمانين فارسًا، ولكن الجيش يتلاحق وقد تعبت خيولُهم من سرعة السّير، فأخذ خيولًا من التّراكمين فأركبها مماليكه حتَّى تستريحَ خيولهم، ثم أشرفَ عليهم، قال: فإذا هم ثلاثٌ فرقٍ سودٌ كالليل المظلم، وفرقةٌ أخرى لباسهم بياض، قال: فسألتُ عن ذلك، فذكروا أن السُّود فرنج، وأن الفرقة الأخرى من الغَجَر مسلمون، وهم معهم يقاتلون، قال: وإذا الصُّلبان مرفوعةٌ فوقَ السَّناجق والنواقيس تضربُ في المراكب، وأخذه البكاء عند ذلك، وأبكاني
(1)
في الأصل: (التراكمين). وأثبت ما في الذيل التام.
(2)
انظر تاريخ ابن شهبة 3/ 308 - 309، وإعلام النبلاء 2/ 358. وهي بلد في بلاد الروم.
(3)
انظر الذيل التام 1/ 225. فالخبر فيه بتمامه.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
معه أيضًا، قال: وكان الأميرُ مَنْجَك قد سبقَ إليهم لكن لم يمكنه مَنْعُهم من الخروج من المراكب، قال: فعندما عرفوني اجتمعوا حتَّى صاروا كالبُرْج من الحديد، ورَشَقونا بالنِّبال حتَّى ستروا وجهَ الأرض، ثم قال لي: أترى وجه الأرض من تحت هذا البساط؟ فقلت: لا، فقال: كذلك وَارَى النّبلُ وجهَ الأرض، قال: وحَمَلْنا عليهم، وجعلَ أهلُ القلعة من المسلمين المحاصرين ينادونَنا بأن اذهبوا إلى ناحيةِ الميناء حتَّى نقطعَ عليهم طريقهم، فسمعَ من يعرف العربيةَ معهم ذلك؛ فولَّوا هاربين إلى الميناء، فقتلنا منهم خلقًا كثيرًا وقُتل صاحب رودس، وجُرِحَ صاحبُ قُبْرص وذهبوا منهزمين.
وبلغنا وفاةُ قاضي القضاة موفق الدّين الحنبلي بمصرَ في هذا الشهر، وولاية القاضي ناصر الدين نصرُ الله مكانه في القضاء، وكانت وفاته في السابعِ والعشرين من المحرَّم
(1)
.
ووُلّيَ مشيخةَ الحديث بقبَّة المنصورية القاضي بدرُ الدّين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء السُّبكي الشافعي.
وفي المنتصف من هذا الشهر بلغنا الوَقْعَةُ الأخرى بين الأتراك بمصرَ، وانفصلت عن مقتل الأمير أَسَنْدَمِر
(2)
، وقُتِلَ معه أولئك المماليك الذين كانوا يُفْسدون في الأرض ولا يُصلحون، ولله الحمدُ والمنَّة، وقد كانوا في تلك الليلة تعاملوا بينهم على خلع السلطان، وتولية المُلك لابن يَلْبُغا، فمكروا مكرًا، ومكر الله بهم مكرًا وهم لا يشعرون، فأصبَحوا والجيشُ مع السُّلطان، قد أحاطوا بهم من كلّ جانب فقُتِّلوا تقتيلًا، وقُتِلَ أَسَنْدَمِرُ أيضًا، واستظهر السّلطانُ، ولم يبقَ له منازع [في]
(3)
القلوب، ونودي في البلدان من قَدِرَ على أحدٍ من هؤلاء المماليك المفسدين فليقتُلْه
(4)
فَسَلبُه لمن قَدِرَ عليه، وروحُه للسّلطان.
وفي يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر: زُيِّنَتْ دمشقُ ودُقَّت البشائر فرحًا باستقلال السلطان بتدبير الملك وترشيده وظفره بأولئك المماليك الجَلب المفسدين في الأرض أنواع الإفساد - لعنهم الله وأهانهم - وكذلك فعلَ؛ أظفَر بهمُ السُّلطانَ وحزبَهُ؛ فأَبادوهم، وسلَّطوا عليهم العامَّة يقتلون ويأسِرُون ويَسْلِبُون، واستمرَّت الزِّيْنَةُ إلى يوم الثلاثاء الآخَر.
وفي هذا اليوم توفِّي العَلَمُ الهلاليّ عليم الدِّين سَنْجِر بن عبد الله
(5)
، مولى نجم [الدين علي]
(6)
بن
(1)
تقدّم الكلام عليه قبل قليل.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 310، والنجوم الزاهرة 11/ 103.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 329 - 330 وفيه. حتَّى دُعيَ بقارون الشّام. والدرر الكامنة 2/ 174.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
هلال، وقد قاربَ الثمَّانينَ أو جاوزَها، وهو مشهورٌ بكثرة الأموال من [المعاملات]
(1)
- سامحه الله.
وركب نائبُ السَّلطنةِ الأميرُ الكبيرُ بَيْدَمِر لتلقيّ أميرٍ قدمَ من الدّيار المصرية قاصدًا إلى حلبَ لطلب الأمير مَنْكَلي بُغَا إلى الدّيار المصريّةَ مكرَّمًا معظَّمًا.
وبعد ذلك بأيَّامٍ ركبَ إلى جماعةٍ من الأعرابِ المفسدين في الأمن؛ بقطعِ الطّريق، فكبسهم فأسرَ منهم جماعةً، وأخذَ من أغنامهم وإبلهم شيئًا كثيرًا، ورجعَ ليلةَ الثلاثاء خامس عشر منه.
عزلُ نائبِ السَّلطنة الأمير بَيْدَمِر
لمَّا كان يومُ الأربعاء الخامس والعشرين من صفرٍ سنة تسعٍ وستين وسبعمئة، قدمَ البريدُ من الدّيار المصريّة، فتلقّاه النائبُ والأمراءُ فدخلوا دارَ السَّعادة فقُرئَ المرسومُ الذي على يدِهِ بعزلِ نائبِ السَّلطنة بَيْدَمِر، وبعثه على البريد إلى صَفَد، فإن امتنعَ مُسكَ وقُيّد، فأجابَ بالسَّمعِ والطَّاعَةِ وسلَّمهم سيفَهُ، وخرَجَ من فورِهِ، فساروا إلى ناحيةِ صفد، ولم يكن بين دخوله من ناحية المزَّة في أُبهَّة النيابة وبين هذا اليوم سوى ثلاثةٍ وعشرين يومًا، فسُبحان من له الحكم الذي لا يُخالَفُ ولا يُمَانَعُ
(2)
.
في ليلة الجمعة قبلَ المغرب السّابع والعشرين منه. قدم الأمير مَنْكَلي بُغَا [من حلب]
(3)
على البريد في خمسين سرجًا مطلوبًا في الدّيار المصريّة، فنزلَ بالقصر، وذهبَ الناسُ للسّلام عليه، وذهبتُ يومَ الجمعة قبلَ الصَّلاة فسلَّمتُ عليه، وجلستُ معه، فحدَّثني عن صفة وقعة أياس وما جرى هناك من الأمور التي قدَّمْنا ذكرها، وبما فتح الله عليه من شهوده هذا الموقف الشريف والغزوة العظيمة التي استنقذ بها مدينة أياس من أيديهم.
شهرُ ربيعٍ الأول، أولُه الثلاثاء، في يوم الثلاثاء منه توفّي قاضي القضاة جمال الدين يُوسف بن محمد المَرْدَاوي الحنبلي
(4)
، وصُلّي عليه بالجامع المظفَّري بعد الظُّهر، ودُفن بمقبرةِ الشَّيخ موفّق الدين، وكان الجمعُ كثيرًا، وقد كان عُزل قبلَ ذلك وقد جاوزَ السَّبعين، وكان مشكورًا في جميع أحواله واشتغاله وإشغاله، وله تصنيفٌ في المذهب
(5)
رحمه الله.
وقدمَ أميرٌ من الدّيار المصريّة بطلبِ ملكِ الأُمراء أمير علي المارداني؛ لنيابَة السَّلطنة بالدِّيار المصريّة
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 311.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 343، والنجوم الزاهرة 11/ 100، والذيل التام 1/ 231، والمنهج الأحمد 5/ 128، وإيضاح المكنون 3/ 129. ووفاته فيه:(763 هـ) وهو وهمٌ.
(5)
هو (الانتصار). جمع فيه أحاديث الأحكام، وبوّبه على أبواب (المقنع) في الفقه.
مكرَّمًا معظمًا، وذلك بإشارة الأمير مَنْكَلي بُغَا الشَّمسي الذي صار أتابَك الدّيار المصريّة، ونزلَ بالدَّار الأشرفية
(1)
.
وأُمرَ بتخريبِ دار يَلْبُغَا فَخُرِّبَتْ
(2)
.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره توفّي الأميرُ علاءُ الدّين عليُّ بنُ العلم سَنْجِر الهلالي
(3)
تمرَّض نحوًا من أسبوع، وابتُلي في رجله بداءٍ عُضَال، ولم يتمتَّع بشيءٍ ممّا ترك أبوه من تلك الأموال الرَّبَويّة بشيءٍ، وصُلِّيَ عليه بالجامع، ودفن بسفحِ قاسيون عند أبيه بتربةٍ لهم رحمه الله.
دخولُ الأمير مَنْجَك إلى دمشقَ
دخلَها في صبيحةِ يومِ الخميس التاسع عشر من ربيع الأول هذا، من ناحية طرابلس، كان نائبًا عليها، من ناحية القابون، في أُبَّهة النّيابة، وخرجَ الجيشُ لتلقّيهِ والقُضاةُ والأعيانُ وأهلُ الذِّمَّة على العادة، فنزلَ بدار السَّعادة بعدما أوكب
(4)
، وقَبَّل العتَبَةَ الشّريفة.
وركبَ صبيحةَ يومِ الجمعة إلى دارِ الأمير علي المارِداني المطلوب إلى نيابةِ السَّلطنة بمصرَ، فنزلَ عنده خدمةً له، وأَحْضَرَ سماطَه فأكلا جميعًا، ثم ركب إلى [الجامع الأموي]
(5)
.
ولمّا كان الغدُ قدمَ من الدّيار المصريّة بنحوٍ من مئةٍ وخمسين مملوكًا من [الأجلاب]
(6)
الذين كانوا يُفسدون في الأرض ببلاد مصر مقرَّنين في الأصفاد، وأُودعوا في القلعة.
ومن الغدِ أحضر ملكُ الأُمراءِ الأميرَ حمزةَ بن الخيّاط أحدَ أمراء الطَّبلخانات؛ فوبّخة وأنبّة، وأمرَ بسَجْنه في القلعة، ونادى عليه في البلد: من كان له عنده طلابه، وأُرسلَ إلى بعلبَكَّ التي كان نائبًا بها؛ ليُنادى عليه بها مثل ذلك.
وخرجَ الأميرُ عليُّ المارداني متوجهًا إلى الدّيار المصريّة على نيابتِها يوم الإثنين الحادي والعشرين منه على خيل البريد، وخرج نائبُ السَّلطنة الأمير مَنْجك لتوديعه إلى عقبة سحور
(7)
، وخلقٌ من الأمراء وغيرهم.
(1)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 311.
(2)
السُّلطان هو من أمر بهدمها. المصدر السابق نفسه.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 230. وفيه: توفّي بعد أبيه بشهرٍ.
(4)
أُوْكِبَ: جعل له موكبٌ.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة. وذكر الخبر ابن قاضي شهبة في تاريخه 3/ 312.
(7)
هي عقبة قريبة من دمشق.
وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه. قدمَ الأميرُ طَيْبُغا الطَّويل من سجن إسكندرية في أُبهّة هائلة ذاهبًا إلى نيابة حلبَ، فتلقَّاه نائبُ السلطنة والجيشُ فنزلَ [القصرَ]
(1)
.
وخُلع على الشّريف علاءِ الدّين الحُسيني بولاية المدينة يوم الخميس الرابع والعشرين منه، ونزل في دار الصَّارم الحَوْلَداري بدرب أبي نصر، وإنَّما يقال له: درب بني نصر.
وفي هذا اليوم قدمَ الأمير إشقتَمِر من سجن إسكندرية أيضًا على نيابة طرابُلُس عودًا على بدءِ، فنزل بدار طَيْدمِر الإسماعيلي، واجتمعتُ به هناك في أمرٍ يتعلّق ببعض الفقهاء فأجاب.
وفي العَشْر الأخير منه: جاءَ الخبرُ بوفاة الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين بن عَقيل
(2)
أحدِ علماءِ الشَّافعية بمصرَ، وشيخِ العربيَّة، وله مصنفاتٌ كثيرةٌ مفيدةٌ
(3)
، وكانت فيه رياسةٌ وحشِمْةٌ وتجمُّل، وله جوامك كثيرة، وتوسُّعُ في الملابس والمآكل، وقد جاوزَ السَّبعين رحمه الله.
شهر ربيع الآخَر، أوله الأربعاء. في ليلة مستهله كنت قد رُحت من آخر النهار للسّلام على نائب السَّلطنة الأمير مَنْجَك بدار السعادة، رأيتُ منه إكرامًا وإحسانًا، وسألتُه عن كيفيّة ما كان من أمره بأياس مع الفرنج قبل وصول الأمير مَنْكَلي بُغَا، فأخبرني بنحو ما أَخبرني به مَنْكَلي بُغَا، وزادني على ذلك في صفة [تصدِّيه]
(4)
قريب العشرين ألفًا، وليس معه مماليك سوى خمسة وثلاثين مملوكًا، ومن التُّركمانِ نحو المئتين، ومع هذا ذكر أنَّه كَسَرَهُم غيرَ مرَّة قبلَ قدوم الجيش صُحبة مَنْكَلي بُغَا.
وفي يوم السبت حادي عشره خُلع على الأمير ناصر الدين ابن أَمير علم بنيابة بعلبَكّ، وعلى الأمير علاء الدين بن بَهَادُر الشُّجاعي بولاية البرِّ عودًا على بدْءٍ.
ثم في يوم الإثنين العشرين منه لبس الأميرُ علاء الدّين المذكور لنقابة النُّقَباء، وأُخذت منه ولاية البرّ لبركةَ بن لاقى.
ومن أوّل هذا الشهر باشرَ نظر الجامع الأمير جاروخي
(5)
الذي كان دوادار السلطان بمرسومِ ملك الأمراء، فضيَّق على المباشرين وشدَّد عليهم.
(1)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 311.
(2)
هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 331، والنجوم الزاهرة 11/ 100، والذيل التام 1/ 228، وبغية الوعاة 2/ 47.
(3)
على رأسها: شرح الألفية لابن مالك، وشرح التسهيل. له أيضًا.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
في الأصل: (جاوجي) تحريف.
شهر جمادى الأُولى، أوّلُه الجمعة. ليلةُ ثانيه كانتْ ليلةَ الميلاد؛ فنُودي في البلد من قِبَلِ نائب السّلطنة ألا يُوقد فتائل النّيران، ولا يَلعبُ أحدٌ بنفطٍ ولا شيءٍ من الملاعيب التي تتعلّق بليلة الميلاد - فجزاه الله خيرًا.
وفي ليلة ثالثه قُدِمَ بالأمير الكبير بَيْدَمِر الذي كان نائبَ الشَّام من صفدِ محيطًا به، فأنزل في المدرسة الدِّماغية
(1)
، ورَسَمَ عليه نقيبُ النُّقباء، والمطلوب منه إقامة حساب ما صُرف على عمل الشَّواني التي ببيروت
(2)
.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره نُودي بالبلد عن مرسومِ نائبِ السَّلطنة أنَّ من وجدَ ذميًّا بعد المغرب فلَهُ سلَبُه.
ولبسَ الأميرُ المارداني خلعةَ نيابة السَّلطنة بمصر في رابع عشره بعد تمنُّع شديدٍ منه، ثم أُلزم بذلك حتَّى ذُكر أنَّ السلطان ألبسه الخلعةَ بيده.
وفي يوم الخميس رابع عشره قُرئَ كتابُ السّلطان بدار السّعادة بحضرة نائب السّلطنة والقضاة أن تُحمل أموالُ الغياب إلى الدّيار المصريّة، وكذلك زكوات أموال الأَيْتام وفائضُ المرتَّب على الصَّدقات، وتحريرُ أموال الأسرى، وأنَّ المراسيم الزَّائدة بعد الأمير مَنْكَلي بُغا على الجامع تَبْطُل، كريمًا وشريفًا. ويُستعاد منهم ما قَبَضُوه من ذلك، وكذلك رُسِمَ أن يُؤخذ زكاة أموال الأغنياء عن سنةٍ كاملة، فرُسِمَ حينئذٍ أن يتكلَّم الأميرُ شهاب الدِّين بن الحمصي وشاد الأوقاف وجاروخي، ويجلسوا في الشباك الكمالي، وجلس معهم نائب وكيل بيت [المال]
(3)
شهاب الدين الزّهري مفتي دار العدل، ثم جاء مرسوم شريف أن يتكلم [بذلك]
(4)
الأميرُ شهابُ الدّين بن صبحٍ ومعه جمالُ الدّين بن الرّهاوي، فجلسوا في الشباك أيامًا، ثمّ انتقلوا إلى البَادْرائيّة
(5)
، واستُحضر أربابُ الأموال من المرابين وغيرهم، وحُرِزَ عليهم أكثر من أولئك، وكثُر تشكّي التُّجار وغيرهم، وبالله المستعان.
وكُسف القمرُ ليلةَ الجُمعة خامس عشره بعد عشاء الآخرة، ونُودي في المآذن لصلاة الكُسُوف.
(1)
داخل باب الفرج، شمالي المدرسة العمادية. انظر الدارس 1/ 177.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 312. وفيه: ما صرف في عمل الشّواني أيام الأمير يَلْبُغَا.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
في الأصل: (السباذرائية). تحريف. وهي داخل باب الفراديس والسّلامة، كانت سابقًا تعرف بدار أسامة. انظر الدارس 1/ 154.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأحد، وقيل: السبت. في يوم الإثنين ثانيه نودي في البلد على أهل الذّمة: ألّا يركبوا شيئًا من الدّواب داخلَ البلد بالكلّية.
ثم نُودي بعد أيام على إخراج الفلاحين من الجَبَليّة والحَوَارنة من [الداخل]
(1)
خشية أن يَصْدُر من أحد منهم ما صدر من الخنّاقين، وذلك أنّه كان قد ظُهرَ على أنّ جماعةً من رجال الجبليّة وغيرهم استأجروا بستانًا بمرج الدَّحْداح يولفون
(2)
المرأة ويسقونها الخمرَ، ويجتمع أحدهم بها في خلوةٍ فيخنُقُها وهو على صدرها، ويشلّحونها ما عليها من ثيابٍ قلَّ أو كثر. ثمَّ يَدْفِنُونها في ذلك البستان، فحين ظُهرَ عليهم هربَ بعضُهم، واحتيط على بعضهم، صُلب وطيفَ به، وتطلَّبوا الباقين.
في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه، آخرَ النهار: رُسم على قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي الشافعي بالمدرسة العَذْراوية
(3)
، ومُنع النّاسُ من الدّخول إليه بالكلّية، وفي مرسوم التَّنصيص على جماعةٍ من كتّاب حكمه وشهوده وأَخِصَّائِهِ أن يُرْسم عليهم، ويهدّدوا بالضّرب وغيره حتَّى يَقَرُّوا
(4)
. ولا يسألوا عنه وعن أحواله، ففُعل ذلك، ورُسم على من حَضَر منهم، وهرَبَ بعضُهم؛ فتغَيَّب.
ولمّا كان يومُ السبت الثامن والعشرين منه: [خُتِّم على بيت القاضي]
(5)
في العادليّة ودار الخطابة بمرسوم نائب السّلطنة لشادِّ الدَّواوين والحاجب قَرَابُغَا.
في هذا الشهر حوِّلت المناداة على الرَّقيق من يوم الجمعة إلى يومي الإثنين والخميس من الظُّهر إلى العَصْر.
شهرُ رجب الفردُ، أوّلُه الإثنين قاضي القضاة تاجُ الدِّين مستمرٌ في التَّرسيم بالعَذْرَاويّة، وشُهودُ حُكمه، وكتَّابُ حكمه، وديوانه [إلّا من هرب منهم]
(6)
مُرسَّمٌ عليهم بالباذرائيّة تحتَ طلابةِ ابن صُبْحٍ وابنِ الرُّهَاوي، وخلائقُ آخرون من أَخدانِ القاضي وأَخصَّائه؛ لإقامة حساباتٍ لبيان ما دخلَ تحتَ يدِ قاضي القضاة، وما انصرف من ذلك، وما تبقّى في جهته، وكأنّما الأمرُ يتفاقَمُ ويشتدُّ، وجرت أمور.
وفي يوم الخميس حادي عشرة اجتمع خلقٌ من مدرسة الشَّيخ أبي عمر، وحملوا مصاحف، ووقفوا
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 314. وفيه: (يستدعون المرأة).
(3)
بحارة الغرباء، داخل باب النصر، الذي يعرف بباب دار السعادة، بنتها الست عذراء بنت أخي صلاح الدين. انظر الدارس 1/ 283 و 286.
(4)
يَقرُّوا: يهدؤوا، ويستكينوا.
(5)
في الأصل: طمس قدر أربع كلمات، واستدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 314.
(6)
في الأصل: طمس قدر أربع كلمات.
بين يدي ملك الأمراء، فاشتكوْا على قاضي قضاة الحنابلة شرف الدّين بن شيخ الجبل
(1)
أَنَّه يأكلُ أوقافهم
(2)
، فطُلب إلى دار السَّعادة فأبدى عذرًا، ثم اشتكَوْا في يوم السبت، وتمالؤوا عليه، فأُخِّروا إلى أن يجيء القاضي الشّافعي الجديد من الدّيار المصريّة.
وتوفّي الصَّدرُ الكبيرُ تقيُّ الدّين عمرُ بنُ الصّدر نجم الدين محمد بن الصّدر نجم الدين بن أبي الطيّب
(3)
في صبيحةِ يوم الأحد الرابع عشر من رجبٍ، وله من العمر نحو الخمسين سنة، وتركَ أموالًا جزيلة وأملاكًا هائلةً ثوَّرَها بهمّته وتحصيله، وتركَ أولادًا أربعةً ذكورًا، وكان بيده نظرُ الخزانة وثلاثُ تداريس ودار حديث، وصُلّي عليه الظهر يومئذٍ، ودفن بالسَّفح رحمه الله.
ولاية الشيخ سراج الدين البلقيني قضاء الشافعية بدمشق
وقدم قاضي القُضاة سراجُ الدَين عمرُ بن أَرسلان البُلْقيني الشافعي من الدّيار المصرية على خيلِ البريد حاكمًا وخطيبًا بدمشقَ وأعمالها، وشيخ دار الحديث عوضًا عن قاضي القضاة تاج الدّين السُّبكي، وهو إذ ذاك مُرسَّمًا عليه بالعَذْراوية داخل باب النصر، وكان قدومه صبيحةَ يوم الأحد الثامن والعشرين من رجب هذا، فجاء إلى الجامع الأموي فصلّى الظّهرَ إمامًا، ثم راح إلى العادليّة والناس معه كثيرون من أنواع الناس، ولمّا أصبح نهار الإثنين لبسَ الخِلعةَ، وقرئ تقليدُه بالمقْصورة، وراح إلى العادلية وحكم بها، واستناب الشيخ عماد الدين الحُسْباني، وحكم أيضًا يومئذ، واستناب أيضًا الشيخ شمس ابن قاضي [شهبة]
(4)
.
وأُخبرت بما وقع بديار مصر من الحريق بقلعة الجبل في أواخر هذا الشهر، وبالعُرس الحافل الهائل وعريسه الأتابك مَنْكَلي بُغَا على أختِ السّلطان [الأَشرف]
(5)
.
شهرُ شعبانَ المكرّم، أوّلُه الأربعاء. في مستهلّه درَّس قاضي القضاة البُلْقيني بالمدرسة الغَزَاليَّة والعادليّة وأخذ في قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] وخطب يوم الجمعة ثالثه بالجامع الأموي.
(1)
هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله، قاضي القضاة شرف الدين، المشهور بابن قاضي الجبل. سيأتي في وفيات 771 هـ.
(2)
هم جماعة من المرادوة الحنابلة. انظر المنهج الأحمد 5/ 136.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 337. وأضاف (النّهاوندي) إلى نسبه.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة. استدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 315.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة. استدركته من المصدر السابق نفسه.
وفي يوم الأحد خامسه: درَّس الشيخ عماد الدين الحُسْباني بالمدرسة [الأمينيّة]
(1)
.
وأخذ في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
وفي يوم الإثنين سادسه حضرَ القضاةُ بدارِ السّعادة على العادة، وأُحضر الأمير شهابُ الدّين بن صُبْح، وجمال الدين بن الرُّهاوي، وأُحضرَ قاضي القضاة تاجُ الدين السُّبكي من العَذْراوية، فجاء فجلس على حافة الإِيوان قدّام ملك الأمراء، وجلس إلى جانبه ابن الرُّهاوي، فتكلَّم معه فيما خرجه عليه من الأموال التي زعمَ أنَّه التمسها من جهاتٍ ذكرها فتَنَاقَشَا طويلًا وتكاذبا، وجرت أمورٌ بينهما ومقاولاتٌ كثيرة، ولم ينفصل أمرٌ، ثم تفرّقوا عن غيرِ شيءٍ، ورُدَّ قاضي القضاة إلى العَذْراوية، وقد سأل في المجلس أن تكونَ حكومته عند قاضي القضاة سراج الدّين البُلْقيني شيخ الإسلام بهذه العبارة.
وفي يوم الإثنين هذا حضرتُ عندَ قاضي القضاة سراج الدّين المشار إليه دار الحديث الأشرفية امتثالًا لطلبه [وغايتي الإعادة]
(2)
فتكلّم في فنونٍ كثيرةٍ كلامًا كثيرًا محرّرًا مفيدًا بعبارةٍ فصيحةٍ بليغةٍ، وصوتٍ عالٍ، وأسلوبٍ عجيبٍ، قريب من سَمْت ابن تيميّة في سجيّة كلامه. انبهر الفضَلاء ممّن معه من المصريين وفضلاء الشّاميين من حسن إيرادِهِ وإصدارِهِ مع تأدُّبٍ وتودُّد حسن.
وقدم الشيخ بهاء الدين بن السُّبكي الشافعي من الدِّيار المصرية بأمرِ الدّولة له بذلك، [ليُحاقَق ويُسمَّعَ]
(3)
ما خُرِّجَ عليه في مدَّة ولايته القضاء، ويُجيب عن ذلك، فنزلَ بالمدرسة الرُّكنية، وحيلَ بينه [وبين]
(4)
الاجتماع بأخيه بأمرِ نائب السّلطنة، وكان قدومُه في عشية يوم الأربعاء ثامنه.
وفي [هذا الشهر]
(5)
ادُّعيَ على القاضي عماد الدين بن السِّيرجي
(6)
ناظر الشّامية البرّانية بما كان صرفه إلى قاضي القُضَاة
(7)
[أثناء مباشرته]
(8)
للشامية البرانية، ومبلغُه خمسةٌ وخمسون ألفًا؛ وذلك لعدم قيامه بما [يلزم]
(9)
من الاشتغال بها دون غيرها، فأَلزمَ قاضي القضاة سراج الدّين البُلقيني للنّاظر بالمبلغ المذكور، ورُسم عليه ليُطالب القاضي تاج الدّين بما كان صرفه إليه.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة واحدة.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(6)
هو محمد بن موسى بن سليمان، الصدر الأصيل المُسْنِد المعمَّر. توفي سنة (770 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 357.
(7)
تاج الدين السبكي المستمرُّ في الترسيم.
(8)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(9)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
وطُولب الشَّيخُ بهاء الدين السُّبكي ببعض ما دخل تحتَ يده من الأموال التي التمسها فيما ذكروا بغير حقٍّ، فوزن بعضُها أربعةَ آلافِ درهم، وظهرَ عليه بأنّه باع مُرتّبًا كان لابنه أبي حاتم في كلِّ شهرٍ مئتين وستين درهمًا، فمات أبو حاتم، ثم باعوا المرتّب بعد موت الصّبي بسنة بعشرة آلاف درهم فيما ذكر، فرجع ديوان الجامع على [المُشْتري]
(1)
بالعشْرة آلاف، وحكمُوا له على الشيخ بهاء الدين بها.
كائنةٌ غريبةٌ
(2)
اجتمع القضاة إلا الحنبليَّ بدار السعادة في قاعة الدّوادار، وأُحضر قاضي القضاة تاجُ الدين السُّبكي وأخوه الشيخ بهاء الدين، فتكلَّموا معهما فيما يتعلّق بصرف أموال المجاهدين، فراجعوا الكلام وانتشر؛ فبدت من قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي كلمةُ طالحةٌ، قال في غُبُون
(3)
كلام: (فَبَطُل دينُ الإسلام).
فبَدَرَ إليه بعضُ الحاضرين عندهم وهو شمس الدّين محمد الفرَّاء والمحدِّث، وهو ابن أخت ابن الرُّهاوي المتعصّب فقال له: كَفَرْتَ، وتعلَّق في أطواقه مع بعض لحيتِهِ وجذبَهُ جذبةً شديدةً بحيث سقط [إلى]
(4)
الأرض على وجهه، وتكلَّم القضاةُ في التّكفير، فمنهم من صمّم على ذلك، ومنهم من توقّف، فطفِقَ القاضي تاج الدين السُّبكي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وتعلّق في قاضي [القضاة]
(5)
سراج الدين البُلقيني الشافعي يسألُهُ الحكمَ بإسلامه، فتوقّف في ذلك، ثم اتّفق القضاةُ على الكفِّ في ذلك، ورُفع القاضي تاجُ الدّين من يومه إلى القلعة مُعتقلًا بها بعدَ اجتماع القضاة بنائب السّلطنة وإعلامه بما وقع. وحكموا بين يديه بما حكمَ القاضي جمالُ الدِّين المَرْداوي في سنة ستٍّ وستين وسبعمئة من التّفسيق
(6)
، وشهدَ جماعةٌ آخرون باستمراره على فسقه إلى حين عزْله، وحكموا عليه بالمُوجب، وهو تغريمه الأموالَ التي دخلت تحتَ يدِهِ، وادَّعى صرفها فيما رآه. وكاتبوا في ذلك إلى الدّيار المصريّة.
ثم بعد أيام ظهرَ لقاضي القضاة أنّ القاضي صلاح الدين بنُ مُنجَّى نائب الحنبلي قد حَكَم بإسلام القاضي تاج الدين السُّبكي ممّا [رَفَعَ]
(7)
التَّعزير عنه، فطلبه قاضي القضاة سراج الدّين الشافعي فأنبَّه لكونه افتأت
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 316 - 317.
(3)
هكذا في الأصل. وهو لفظ يستخدمه ابن كثير دائمًا، بمعنى: في أثناء.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
على تاج الدين نفسه.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
[عليه، وخالف مرسومه]
(1)
وقد تقدَّم القُضاةُ إلى نوابهم ألّا يحكموا في ذلك بشيء، فقال: ما علمتُ حتى حكمتُ، فنُوقش بذلك؛ فاعترفَ بخطأ ما حكمَ به، وكتب خطَّهُ بذلك، وأشهد عليه به، وحكم قاضي القضاة سراج الدين بإبطال ما حكم به صلاحُ الدين وعزله عن نظر الصّدقات، وفوّضها إلى ابن الرُّهاوي، وعزلَ مُستنيبه قاضي القضاة شرف الدّين الحنبلي عن نيابته، واستناب تقي الدين سليمان المقدسي، حكمَ يوم الأحد التاسع عشر من شعبان هذا.
وفي هذا اليوم، كان عيدُ النّصارى من صيامهم وقد جاءت طائفةٌ من غيارة
(2)
الفرنج هذه الليلة إلى بلد الصَّرفند
(3)
فدخلوا في الليل؛ فقتلوا من أهله سبعةً وعشرين نفسًا، وأسروا امرأةً واحدةً، وقُتل بعضُهم، ونهَبُوا شيئًا كثيرًا من البضائع المودَعَةِ فيها وانهزَمُوا هاربين.
وكان نائبُ السّلطنة قد خرجَ قبلَ ذلك إلى ناحية بيروت، فبلغه خبرُهم، فقصدَ نحوهم، وأرسلَ إلى الجيش يأمرُهم بأن يتأهّبوا ويكونوا على أهبةٍ لذلك.
وجاءتِ الأخبار في العشر الآخَر من هذا الشهر من الدّيار المصريّة بما عندهم من الوباء في هذا الحين
(4)
.
ومن أعيان من توفّي في هذا الوقت قاضي القضاة جمال الدين بن التُّركماني الحنفي
(5)
بالديار المصرية.
وتولّى بعده قضاءَ القضاة سراجُ الدّين الهندي قاضي العساكر الحنفي بالقاهرة ومتولِّي الحسبة.
وفي العَشْر الأَخير من هذا الشهر قدمَ الشيخُ جمال الدّين بن الشَّريشي من الديّار المصريّة على تدريس الشَّامية البرانيَّة، وحكم بالعادليَّة نيابةً عن قاضي القضاة سراج الدّين البُلقيني، فصار نوّابُ الشّام أربعةً: الشيخ جمال الدين المذكور، والقاضي وليُّ الدّين أبو البقاء، والشيخ عمادُ الدين الحُسْباني، والقاضي شمس الدين ابن قاضي شَهْبة.
(1)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات.
(2)
الغيّارة: المغيرون للنّهب والسلب. اللسان (غور).
(3)
ويقال لها: (صَرَفَنْدَة). وهي قرية من قرى صور من سواحل بحر الشام. انظر معجم البلدان 3/ 402: (صَرَفَنْدَة).
(4)
انظر النجوم الزاهرة 11/ 52، والذيل التام 1/ 227.
(5)
هو: عبد الله بن علي بن عثمان، جمال الدين أبو الحسن المعروف بابن التُّركماني.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 333، والدرر الكامنة 2/ 276، والنجوم الزاهرة 11/ 99، والذيل التام 1/ 23.
كائنة وبشارة للمسلمين في قتل طائفةٍ من الفرنج بجزيرة أَقْرِيْطش
(1)
أخبر قاضيَ القضاةِ فتحُ الدّين بنُ الشَّهيد كاتبُ السرّ، وقرأتُ في كتاب مضمونَ ذلك؛ أن [رجلًا وَرَدَ]
(2)
الإسكندرية يقال له: أحمد التَّازي
(3)
، وهو ريِّس البحر، سُلّم إليه شِينيّان، وأُضيف إليه جماعةٌ من الغُزاة، فساروا إلى أن انتهَوْا إلى جزيرة قبرص، فلم يجدوا بها أحدًا من الجيش، فأحرقوا أربعة شواني، وأخذوا اثنين آخرين، ثم ضربَهُم الهواء إلى جزيرة أَقْرِيطش فلبسوا زِيَّ البنادقة، وحاصروا دَيْرًا هناك يقال له: دير بربها
(4)
ففتحوه، وقتلوا من فيه فإذا هم خمسمئةٍ، وقيل: ستمئة، وقُطع من كلّ رأسٍ الأذنُ اليُمنى منه، وأرسل بها إلى السّلطان، وغنم من تلك الدَّير مالًا جزيلًا، من ذلك قنديلُ ذهبٍ، وصليبُ ذهبٍ، وأسر ثلاثين، وراهبين من عظمائهم، وكرَّ راجعًا سالمًا غانمًا، فلمّا انتهى إلى السلطان خلعَ عليه وأحسنَ إليه، وأطلقَ له جميع ما غنمه سوى القِنْديل والصَّليب، وأطلق له ستة شواني أُخرَ مشحونةً بالعُدَد، ولريِّسٍ آخرَ يقال له: مَيْمُون أربعةُ شواني أيضًا برسم غزو الفرنج.
شهر رمضان المعظم، أوله الخميس. استهلّ والأخبارُ عن الدّيار المصرية متواترة بكَثْرة الفناء بها، وأنّه يموتُ في كل يوم ما ينيف على الألف، فإنا لله وإنا إليه راجعون
(5)
.
وفي ليلة الإثنين خامسه جاءَ الخبرُ بأنّ مراكب كثيرةً، شواني وغيرها قد أقبلت من البحر قاصدةً ثغري صيدا وبيروتَ، فجرّد نائبُ السلطنة ثلاثةَ ألافِ فارسٍ مع الحاجب الكبير وزَبالة وتوكُّل، فبادروا سراعًا نحو الثّغور.
وأُفرجَ عن الأمير الكبير سيف الدُّنيا والدِّين بَيْدَمِر - الذي كان نائب السَّلطنة بدمشق - من التَّرسيم بالمدرسةِ الدِّماغية إلى منزله ليلة الأربعاء ثامنه بعد عشاء الآخرة والنّاسُ حولِه [يمشون]
(6)
.
وقدم على حِسْبة دمشقَ علاء الدِّين علي المِزِّي من الدّيار المصريّة في أوائل العشر الثاني منه.
وقرئ عليَّ ختمُ البُخاريِّ بدار السعادة بحضرةِ نائب السّلطنة مَنْجَك والقضاة، وخلقٍ من المقرئين وغيرهم في ليلة الإثنين الثاني عشر منه.
(1)
هي جزيرة كبيرة فيها مدنٌ وقرىً. في البحر المتوسط. وهي ما يعرف اليوم بجزيرة كريت. انظر معجم البلدان 1/ 236.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(3)
نسبة إلى (تازة) مدينة في المغرب الأقصى.
(4)
هكذا في: الأصل، ولم أقع عليه.
(5)
انظر الذيل التام 1/ 227. نقلًا عن ابن كثير.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
وجاء الخبرُ بوفاة القاضي علاء الدين ابن القاضي محي الدين يحيى بن فضل الله العدوي
(1)
كاتب السر بالدّيار المصرية من سنة [ثمان]
(2)
وثلاثين وسبعمئة إلى ليلة الجمعة التاسع من شهر رمضان سنة تسعٍ وستّين وسبعمئة بالديار المصرية [وناب]
(3)
عن أبيه في حياته، وعمره إذ ذاك أربعُ وعشرون سنة. وكذلك ولي [كتابة السرّ]
(4)
القاضي بدر الدين محمد في حياة أبيه القاضي علاء الدّين المشار إليه، وخُلع عليه وعمره تسع عشرة سنة، وأُقيم القاضي ناصر الدين بن النَّشَّائي
(5)
بين يديه نائبًا له، وقد ترك أموالًا جزيلة وأملاكًا جليلة، وخلف ستة بنين وأربع بنات، وبلغ من العمر سبعًا وخمسين سنةً رحمه الله وقد كان [أوحد عصره في الكتابة وفي مباشرة الوظيفة]
(6)
.
[وجاء الخبر بمسك الأميرين الكبيرين: طَقْتَمِر النّظامي، وأرغون تتر، لأنهما أضمرا سوءًا. وأن النِّظامي صار إلى القدس الشريف]
(7)
.
وجاء البريدُ بطلب الشّيخِ بهاء الدّين السُّبكي من الديار المصرية مكرّمًا على خيل البريد ليلة الثلاثاء السابع والعشرين منه، بعدما ودَّع أخاه وهو بالقلعة بمسجد أبي الدَّرداء.
وفي هذه الليلة وصل ابن كَلْبَك في أشغالٍ تتعلَّق بتحصيل أموالٍ سلطانية وغيرها، فأوّل ما طلبَ من جمال الدين بن الرُّهاوي ستين ألفًا من الخاص المُرتجع الذي هو ناظره.
وفي نهار الأربعاء ثامن عشرينه: جاءَ الخبرُ بالإفراجٍ عن قاضي القضاة تاج الدّين السُّبكي الشافعي من القلعة، فاجتمع الخلقُ عند باب القلعة رجاءَ أن يخرج فأخّر حتى يقدم البريد.
شهرُ شوّال، أوله الجمعة. صلّى بالنّاس في المُصَلّى قاضي القضاة سراجُ الدّين البلُقيني الشّافعي، خرج في أبهَّةِ الخطابة على العادة.
(1)
هو علي بن يحيى بن فضل بن مجلِّي، أبو الحسن العَدَوي العمري.
ترجمته في: الدرر الكامنة 3/ 138 - 139، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 336 والنجوم الزاهرة 11/ 102، والذيل التام 1/ 232.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(5)
هو: محمد بن عبد القاهر. أبو المعالي الشهير بابن النّشّائي. توفي في رمضان سنة (770 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 355.
(6)
ليس في الأصل. واستدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة.
(7)
ما بين الحاصرتين عبارة مضطربة في: الأصل. وأثبت ما في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 318.
وفي صبيحة يوم الأربعاء سادسه: حضرَ تدريس الناصرية الجّوانية
(1)
بمرسوم نائب السّلطنة بعد ثُبوت أنّ تدريسها مختصُّ بقضاة الشافعية على القضاة الباقين، اعتمادًا على ما ثبت عند قاضي القضاة شمس الدّين بن علي الحنفي في محضرٍ بعد إكمال أصل الوقف عن السُّلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسُف بن العزيز محمد ابن الظاهر غازي بن النّاصر يوسف بن أيوب [ولا يزال]
(2)
هذا المحضر مهجورًا غيرَ معمورٍ إلى ولاية الشيخ بها الدين بن السُّبكي قضاء الشام عوضًا [عن]
(3)
قاضي القضاة تاج الدين، فجّدد إثبات هذا المحضر على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن [المَرْداوي]
(4)
فدرس بها بهاءُ الدين ثم أخوهُ تاج الدين، ثم سراجُ الدِّين، كما ذكرناه.
وسار الرّكبُ الشّامي والمحَملُ السّلطاني يومَ الخميس ثالث عشره، وأميرُه الملك صلاحُ الدّين.
وتوفي الشيخ جمال الدين [محمد بن]
(5)
أحمد بن محمد بن الشَّريشي
(6)
ليلة الأحد بعدَ عصر السبت سابع عشره، وصُلّي عليه صبيحةَ يوم الأحد بالجامع الأموي، وحُمِل إلى السَّفح ودُفنَ عند جده الشّيخ جمال الدين شارح (الألفيَّة)، خلفَ جامع الأفرم، وله (شرح المنهاج) وغير ذلك من الفوائد رحمه الله، وقد درّس في عدَّة مدارس
(7)
، وولي قضاءَ حمصَ في وقتٍ، ثمّ أقامَ بدمشق ودرَّس بالشَّاميَّة البَّرانية كما ذكرنا درسًا واحدًا، وبقي متمرّضًا حتى مات، وهو نائب الحكم عن البُلقيني، ولم يحكم حكومةً واحدة.
ولما كان يوم الأربعاء العشرين منه: درَّس بالشَّامية البَّرانية جمالُ الدين بن الرُّهاوي، وحضر عنده القُضَاةُ والأعيانُ، وحكم في هذا اليوم أيضًا بالعادلية الكبيرة نيابةً عن قاضي القضاة سراج الدين الشافعي، وفُوِّضَ إليه الكلام في الصَّدقات والأيتام وغيرهم.
وحكم في هذا اليوم أيضًا القاضي شهاب الدين بن الزُّهْريّ مفتي دار العدل نيابةً عن البُلقيني أيضًا فكَمُل به خمسةُ نوابٍ.
الإفراجُ عن قاضي القضاة تاج السُّبكي الشَّافعي من القلعة
وفي صبيحة يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوّال هذا أُفرج عن قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي
(1)
انظر الدارس 1/ 354.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
ليسَ في الأصل، واستدركته من مصادر ترجمته.
(6)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 338، والدرر الكامنة 3/ 351 - 352، والذيل التام 1/ 228، والدارس 1/ 88، وفي شذرات الذهب 8/ 453. وقد وهم فجعل وفاته سنة (779 هـ).
(7)
انظر الدارس 1/ 88، 121، 148، 159، 348 و 2/ 4.
الشافعي، فخرج من القلعة في خلقٍ كثيرٍ إلى دار السَّعادة، فسلَّم على نائب السَّلطنة، ثمَّ رجع إلى المدرسة الرُّكنية في محفل هائلٍ، وبادر الناسُ إلى السَّلام عليه قبل الصّلاة وبعدها، ثمّ رجع من آخر يومه على البريد متوجهًا إلى الدّيار المصرية بطلب من السلطان له مكرَّمًا معظَّمًا.
وفي أواخر هذا الشهر توجّه القاضي أمينُ الدِّين [الأَنَفي]
(1)
المالكي إلى مدينة حلب قاضي قضاة المالكية بها بتقليدٍ شريفٍ.
وجاء الخبرُ بموت طَيْبُغًا الطَّويل
(2)
نائب حلب في سلخ هذا الشهر، قُتل مسمومًا لِمَا كان قد عزم على انعقاد [الفتنة]
(3)
وتفريق الكلمة فيما ذُكر.
شهر ذي القعدة، أوله الأحد. في يوم الإثنين تاسعه، توجَّه قاضي القضاة سراج الدين البُلقيني قاضي قضاة الشام على البريد إلى الدّيار المصرية، وفي صحبته جماعةُ طلبوا بمرسوم شريف منهم [ابن الرُّهاوي]
(4)
وابن أخته شمس الدين محمد الفَرَّاء، والشَّيخ تقي الدين بن الصّائغ، والشَّيخ علاء الدين حِجِّي
(5)
، والباريني
(6)
؛ استعداهم قاضي القضاة تاجُ الدين السَّبكي، فرسم بإحضارهم للتحاقق.
وفي يوم الخميس ثاني عشره أُمسك جماعةٌ من الأمراء: منهم النِّظامي، وأَرْغُون [الإسعردي]
(7)
وآخرون، فسُجنوا في القلعة بدمشقَ، ثم نُفُوا إلى ناحية مصياف ونحوها من البلاد.
وجاء الخبر بأن قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي اجتمعَ بالسلطان أوّلَ يوم قدم مصر، فخلع عليه خلعةً هائلةً، وردَّ عليه الخِطابةَ بدمشقَ والشَّامية البَّرانية والأمينية ودار الحديث الأشرفية
(8)
، وَرَدَ بذلك كتابُ السلطان إلى نائبه بدمشق يوم الأحد الثاني والعشرين منه، فصلَّى نائبه في الإمامة بالمحراب ظُهْرَ يومئذٍ. وناب عنه في الخطابة ابن أخته قاضي قضاة العساكر بدر الدين بن أبي الفتح، وفي الشَّامية البرانية.
وحين دارت الدّروس درَّس في الأمينية القاضي شمس الدين الغَزِّي
(9)
، وكان دوران الدروس مستهلَّ سنة سبعين.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة. استدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 319.
(2)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 330، والدرر الكامنة 2/ 231، والنجوم الزاهرة 11/ 102 والذيل التام 1/ 233، وإعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء 2/ 363 وفيه:(طَنْبُغَا).
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(5)
في الأصل: (يحيى) تحريف.
(6)
في الأصل: (المارديني). غلط، وأثبت ما في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 320.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(8)
انظر الدارس 1/ 31، 106، 121، 180 - 181.
(9)
انظر الدارس 1/ 106، 181.
شهر ذي الحجّة أوّله الثلاثاء، ثم تبيَّن الإثنين. وكان ثبوتُه بالإثنين عن حكم قاضي القضاة جمال الدين المسلَّاتي المالكي عند قدومه من الدّيار المصرية على منصبه، وعزّل سَرِيّ [الدين]
(1)
إسماعيل بن هانيء عن المنصب، وتحوّل إلى دار ابن السَّلعوس، واستقرّ قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي في المدرسة الصَّمصَامية على ما كان عليه.
وجاء توقيعٌ شريفٌ لقاضي القضاة سَريّ الدِّين المالكي بقضاء حماة، ورسم له بخمسمئة كل شهر.
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من ذي الحجة: كانت وفاةُ الشّيخ عزّ الدين حمزةَ ابن ناظر الجيش [قطب]
(2)
الدين بن شيخ السَّلاميَّة الحنبلي
(3)
مدرّس الحنبلية رحمه الله اشتغل في الفقه فحصل وبرع [وصنّف]
(4)
وجمع، وشرح أحكام المجد بن تيمية، وله فيه اعتقادٌ صحيحٌ وقبولٌ لما يقوله [شديدُ ونصرة]
(5)
. صُلّي عليه قبل الظُّهر يومئذٍ بجامع دمشق، ودُفن بتربة أبيه إلى جانب جامع الأفرم من الشرق، وقد وقف فيها عز الدين دارًا للحنابلة رحمه الله وسامحه -.
سنة سبعين وسبعمئة، أحسنَ الله تقضيِّها
استهلت وسُلطان الإسلام بالدّيار المصرية والبلاد الشّامية والحرمين الشّريفين وما والى ذلك وتبعه من البلاد الملكُ الأشرفُ صلاح الدِّين شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون.
ونائبه بمصر الأمير علي المارداني، وأتابك العساكر بها الأمير مَنْكَلي بُغَا الشمسي، ووزيرُه بمصر الصّاحب بن قَرَوينة، وناظرُ الجيوش بها القاضي محبُّ الدين، وقضاةُ القضاة بمصر: قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السُّبكي الشافعي، وسراج الدين الهندي الحنفي، وبرهان الأخْنَائي المالكي، وناصر الدين المقدسي الحنبلي - وفقّهم الله تعالى.
ونائب الشّام الأمير سيف الدين مَنْجَك، وقضاةُ دمشق هم: قاضي القضاة سراج الدين البُلقيني الشافعي غير أنّه مقيمٌ بمصر إلى الآن منذُ طُلب إلى هناك، وجمالُ الدّين بن السّراج الحنفي، وجمال الدين المسلاتي المالكي، وشرف الدين الحنبلي.
(1)
ليس في الأصل.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 328، والمقصد الأرشد لابن مفلح 1/ 362 وفيه:(توفّى ليلة الأحد حادي عشر الحجة).
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
ما بين الحاصرتين سقط من الأصل. واستدركته من تاريخ ابن قاضي شهبة. نقلًا عن ابن كثير.
وناظر الدواوين الصاحب شرف الدين النَّشْو، ووكيل بيت المال القاضي وليُّ الدين بن أبي البقاء السُّبكي، وناظرُ الجيش تاج الدين بن مَشْكُور، والمحتسبُ بها علاء الدين المِزِّي، وشادُّ الدواوين علاء الدين بن بهادُر الشُّجاعي، وشادُّ الأوقاف ابن [أوحد]
(1)
.
شهر الله المحرمُ، أولُه الأربعاء. في أوائله كَمُل بناء التُّربة التي أنشئت
(2)
تجاه جامع كريم الدين بالقبيبات، لزوجة الأمير مَنْكَلي بُغَا التي توفيت بحلب، فنُقلت إليها في أواخر الماضية، وهي الشريفة خَوَنْدة ابنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، ورُتَب فيها القرّاء والخدّام وغير ذلك
(3)
.
وفي أوائله فتح الخانُ الذي أنشأ عمارته نائب السلطنة مَنْجَك، وهو تجاه خان البَيض، وهو في غاية الإحكام، وضُمِّن في السَّنة بسبعة عشر ألفًا
(4)
.
ودخل المحمَلُ يوم الإثنين العشرين منه والحجَّاجُ شاكرون كثرة المياه والعُلوفة، وذكروا أن الزاد كانَ متحسّنًا، ولا سيما اللّحم، وأنّهم وقفوا الثلاثاء.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه: استحضر نائبُ السّلطنة أولاد الأمير صلاح الدين أمير الرّكب الثلاثة، وأدّبهم بين يديه لمكان الأمير جرجي
(5)
بسبب حزازٍ
(6)
كان بينهم.
ودخل القاضي جمال الدين بن الرُّهاوي من الدّيار المصرية صبيحة يوم الجمعة، فدخل إلى العادلية الكبيرة قبل أن يروح إلى منزله، وسمعَ الدَّعاوى وحكَمَ، ثمَّ راح إلى منزله.
وتوفّي القاضي عماد الدين محمد بن موسى ابن الوزير فخر الدّين بن السِّيرجي
(7)
ليلة الأحد السادس والعشرين منه ببستانه بمَقْرَى
(8)
وصُلّي عليه بجامع يَلبُغا، ثم بجامع جرّاح، ودفن بمقبرتهم بباب الصغير، وله سبع وثمانون سنة، ودخل في الثامنة.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
في الأصل: (أنشأت) وهو غلط.
(3)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 345. نقلًا عن ابن كثير.
(4)
المصدر السابق نفسه.
(5)
في خ: (جرحي) بالحاء. وهو تحريف. وسيأتي في وفيات 772 هـ.
(6)
الحزاز: عدم الثقة والتوجُس. اللسان (حزز).
(7)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 357 - 359، والنجوم الزاهرة 11/ 107 وفيه:(الشيرجي) بالشين. وهو وهم.
(8)
مَقْرَى: قرية بالشام من نواحي دمشق. انظر معجم البلدان 5/ 173. (مَقْرى). وقد تُضَمُّ الميم قلت: وهي اليوم من المدينة دمشق.
وفي هذا الشهر أُطلق الفرنج الذين كانوا في الحبوس
(1)
ما عدا القبارصة؛ وذلك لصُلحٍ وقع بين ملوكهم بسبب الصُّلح الذي قدَّموا إلى الدّيار المصرية، فأجيبوا إلى ذلك بشرط ردِّ الأسارى.
وفي هذا الشهر كَمُل تجديدُ مشهد عليٍّ بالجامع الأموي؛ كان سقفه مقرنصًا
(2)
واطيًا، فأُزيلت القَرْنَصَةُ
(3)
، ورُفع السقف، وعُملت فيه ضُويّات فأضاءَ جيدًا بعد ما كان معتمًا
(4)
.
شهرُ صفرٍ، أوّلُه الجمعة. في مستهله رجع قاضي القضاة سراج الدّين البلقيني عودًا على بدء إلى قضاء الشام، ودخل البلد، وراحَ النَّاسُ إلى تهنئته.
وفي يوم الأحد درَّس بالناصرية والغزاليّة والعادليّة، وخُلعَ عليه يوم الخميس سابعه،، وأُشعلت قُدّامه الشُّموعُ الكثيرة إلى الجامع، ثم عاد
(5)
.
شهر ربيع الأول، أوّلُه السبت، وقيل: الأَحَدُ. في يوم الخميس خامسه توفي القاضي بدر الدين حسن ابن قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين سليمان الحنبلي
(6)
، نائب الحكم عن قاضي القضاة شرف الدين أحمد ابن قاضي القضاة [شرف الدين]
(7)
الحنبلي، وقد قاربَ الثَّمانين، وكان بيده مشيخة الحديث بدار الحديث الأشرفية التي بالجبل للحنابلة، ونصف تدريس الجَوْزيَة، وكان شيخًا حسنًا بشوش الوجه، صُلّي عليه بالجامع [المظفّري]
(8)
ودفن بتربة جدّهم الشيخ أبي عمر المقدسي رحمه الله.
وولّي بعده نيابة القضاء القاضي صلاحُ الدين بن المُنَجَّى الذي كان نائبًا قبله.
مسك ابن الرُّهاوي وأصحابه وذويه
(9)
ولمّا كان يومُ الأحد ثامنه قدم البريدُ من الدّيار المصريّة، وعلى يديه كتاب السُّلطان بمسك جمال الدين بن الرُّهاوي وجماعةٍ ممّن كان يلوذُ به أيَّام مطالبته الناس بالزَّكوات وغيرها والوصايا، ومحاسبته
(1)
في الأصل: (الجيوش) تحريف.
(2)
في الأصل: (مقرنصٌ). وهو غلط.
(3)
المقرنصات: قطع من الحجارة المنحوتة على هيئة أشكال هندسية ونباتية استخدمها العاملون في المجال المعماري لتزيين واجهات القصور والمساجد والمباني التاريخية وما تشتمل عليه من المحاريب.
(4)
في الأصل: (معدرًا) تحريف.
(5)
انظر الدارس 1/ 85، 215، 321.
(6)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 352، وفيه نقلٌ عن ابن كثير، والدرر الكامنة 2/ 35 - 36، والمقصد الأرشد 1/ 335، والدارس 1/ 41، والذيل التام 1/ 239، والمنهج الأحمد 5/ 133.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(8)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(9)
ذكره ابن قاضي شهبة في تاريخه 3/ 346.
للناس ومعاقبته لبعضهم، كأنّه كان له عليهم ثأرٌ من قديم، فأمر نائبُ السَّلطنة الأمير سيفُ الدين مَنْجَك لمتوليّ البلد، ومتوليِّ البرِّ، وشادِّ الدّواوين، وأحد الحجّاب بالاحتياط على بستانه عند جسر كحيل
(1)
بالصّالحية بالقرب من الشِّبلية، فذهبوا سريعًا، واحتاطوا عليه وعلى حواصله، وشاع في البلد واشتهر، وصحَّ أنَّهم وجدوا عنده خمرًا، وأواني الخمر، ومعصرةً للخمر خشبًا
(2)
، فذهبوا به إلى نائب السَّلطنة فرَسم بأن يُرسم عليه بالمدرسة الباذرائية، وأن يُحتاط عليه، ولا يمكَّن أحدٌ من الاجتماع به، ولمّا ذُهَبَ به إلى المدرسة المذكورة نالَهُ من العوام في الطريق أَخْراقٌ عظيمة، وشَتْم قبيحٌ، ثم تتبعوا جماعةً من أصحابه وأصهاره فمُسكوا وحبسوا في حبس السَّدَّ، وبعضُهم في حبس باب الصّغير مع اللُّصوص، منهم ابن أخته شمس الدين [الفرّاء]
(3)
وعبد الله الحنبلي بن أخي القاضي المرداوي، وهو نقيب القاضي الشافعي يومئذٍ، ثم طُولب ابن الرُّهاوي بما يزيد على المئة وعشرين ألف درهم، وتُوُعِّد على عدم إحضارها بضَرْب المقارع والنَّكال والمعاصير والكسّارات وأهين إلى الغاية.
رجوع قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية
لما كان يومُ الإثنين تاسعُ ربيع الأول عند أذان الظُّهر وصل قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي إلى جامع دمشق على الخطابة وتدريس الشَّامية البرانيَّة و [الأمينيّة]
(4)
ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وصلّى بالناس إمامًا يومئذٍ صلاة الظُّهر [واجتمع]
(5)
عليه الناس اجتماعًا عظيمًا يسلّمون عليه، ويهنّئُونه بالسلامة. وقد جرى له في هذا اليوم من تلقي الناس له خاصهم وعامِّهم، رجالهم ونسائهم إلى عقبة سحورا
(6)
ما بعدها فوجًا بعد فوج وطائفةً بعد طائفة ما بين رُكبان ورجاله، فقراء وأمراء وقضاة وكبراء، والنّساء يزغلطنَ، والخليليةُ يضرب بين يديه، والفقراءُ يرقصون فرحًا به وبقدومه، والناس يكبّرون، وكان يومًا مشهودًا، ولم يزل
(7)
الأمرُ في تزايد إلى أن انتهى إلى دار السعادة فلم [يجد]
(8)
نائب السَّلطنةِ بها، فراح إليه إلى الميدان الأخضر، فتلقّاه نائبُ السلطنة بالإكرام والاحترام والإعظام، وعلَّم له على ما ورد معه من التواقيع
(1)
في الأصل: (كجيك). تحريف والصّواب ما أثبته، قال ابن كثير: ويعرف اليوم بجسر الشّبلية. انظر الدارس 1/ 365.
(2)
في الأصل: (خشبٌ) وهو غلط.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
في الأصل (شحورا) بالشين تحريف. وهي عقبة أرض سحورا، بالقرب من دمشق، وفي البداية والنهاية 16/ 420. (سجورا) بالجيم.
(7)
في الأصل: (يَزَالُ): وهو غلط.
(8)
ليست في الأصل. زيادة يقتضيها السّياق.
الشريفة له ولغيره من أصحابه وذويه، ثمّ رجعَ من عنده فدخل البلد من باب النَّصر إلى الجامع الأموي والنّاسُ يزيدون في تلقيه والدُّعاء له، لا سيّما أهل القلعة الذين كان محبوسًا عندهم، والشموعُ تقِدُ معهم ومع غيرهم، والماوَرْدُ يُرشُّ عليه وعلى النّاس حتى غرّقوا ثيابه وفرسه، وما زال كذلك حتى وصل إلى درج باب البريد فترجَّل، ودخل الجامع، والنّاسُ مرتصُّون حوله من كلِّ جانب عند إقامة الصلاة، فدخل وصلَّى بالناس الظُّهر كما ذكرنا، ثمّ دحلّ مقصورة الخِطَابة والنّاسُ يفدون إليه، ويزحمون على بابه، وهو يتلقى الناس ببشاشة وطلاقة وجه، ويعامل كل أحدٍ بما يناسبه، ويليقُ به من إكرام واحترام ومكارم أخلاق، عامله الله بلطفه، وأحسن عاقبته، آمين.
في آخر هذا النّهار توجّه نائبُ السَّلطنة الأمير سيف الدين مَنْجَك مطلوبًا إلى الديار المصرية مكرّمًا معظمًا على خيل البريد، والهدايا والتُّحف قد سبقتهُ بين يديه إلى الدّيار المصرية مصحوبًا بالسلامة والعافية وحسن العاقبة.
توجَّه قاضي القضاة سراجُ الدين البُلقيني إلى الديار المصرية على خيل البريد في [صبيحة]
(1)
عاشره، وقد تقدّمه أهلُه بيوم.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره: نُودي بالبلد على ابن الرُّهاوي: من كان له عنده طلابةٌ أو ظلامةٌ، وبعد ذلك بيوم نُودي عليه أيضًا، وجرت فصولٌ كثيرةٌ وخطوبٌ، وكُتبت محاضرُ بالذي وجدوا في بيته من الخمر، وأواني الخمر، ومعصرة الخمر، وغير ذلك.
وخطب قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بالجامع الأموي يوم الجمعة ثاني عشره خطبة عظيمة بليغةً، كرّر الحمد في أوّلها كثيرًا، وذكر نعمة الله عليه؛ من سلامته من كيد أعدائه، وعوده إلى منصبه وأدائه.
شهرُ ربيع الآخر، أوّلُه الإثنين. في ليلة الخميس رابعه توفّي القاضي صلاح الدين محمد ابن الشيخ شرف الدين أحمد ابن الشيخ زين الدين بن المُنَجِّى الحنبلي
(2)
نائب الحكم ومدرِّس المسمارية والصَّدرية وناظر الصدقات، كان من بقيّة أبناء الرُّؤساء، وفيه سُنَّةٌ ودينٌ وصِيَانة، وصُلِّي عليه صبيحة يوم الخميس المذكور، ودُفنَ بالسفح في تربة بالقرب من العادلية، وكانت له جنازة حافلة رحمه الله.
وقد استناب قاضي القضاة شرفُ الدين الحنبلي لولدِ هذا المُتَوفَّى وهو علاء الدين علي ابن القاضي صلاح الدين
(3)
استنابه في الحكم مكان أبيه وذلك بعذر، وحكم هناك ففرح أهلُه بذلك.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 357. نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة 4/ 239 - 240، والدارس 2/ 93، والذيل التام 1/ 239، والمنهج الأحمد 5/ 133.
(3)
هو: علي بن محمد بن أحمد. توفي سنة (778 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 529. والمنهج الأحمد 5/ 147.
ولما كان يوم الأحد سابعة حضر درس [الصّدريّة]
(1)
وحضر عنده القضاةُ والأعيانُ، وحكم يومئذٍ في الجَوْزية، وله من العمرِ دونَ العشرين سنة
(2)
.
عودةُ قاضي القضاة تاج الدّين إلى منصب القضاء بدمشق
اتّفق أنّه لمّا كانَ يومُ الأربعاء السابع عشر من هذا الشهر جاء البريدُ بالإفراج عن الرُّهاوي من التَّرسيم والمُصادرة، وكان له في ذلك نحوًا من [أربعين يومًا]
(3)
، وقد أخذ منه نحو من أربعين ألفًا، فبمجرد ما أُفرج عنه راح إلى العادلية الكبيرة [فجلس]
(4)
في صدر إيوانها، ومعه جماعةٌ كثيرةٌ من الشُّهود والرجّالة [والوكلاء]
(5)
. وأشاعوا بأن القاضي البُلقيني قادمٌ من مصر مع نائب السَّلطنة مَنْجَك على عادته في القضاء، وإنما كان هذا الفرح في بياض النّهار، فلما كان بين العشاءين ليلة الخميس جاء الخبرُ بأنّ السُّلطان عزلَ البُلقيني، وولى قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي [فهمد]
(6)
أصحاب البُلقيني، وقد خَمَدتْ جمرتُهم، وتواترت الأخبارُ بذلك.
فلمّا كانَ يومُ الإثنين لبس قاضي القُضاة تاجُ الدين السَّبكي خلعةً سنيّةً، قدِّمت إليه صبيحة التّقليد، لبسها من دار السَّعادة إلى العادليّة، وقرى تقليدُه هناك وكتابُ السُّلطان إليه، وكان يومًا مشهودًا وانخزى ابن الرُّهاوي وأَضَرابُه.
واستناب يومئذٍ أربعةً، وهم: وليّ الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي، وشمس الدين الغَزّي، وشمس الدين ابن قاضي شهبة، وبدر الدين الزُّرَعي.
ولما كان يوم الخميس الرابع والعشرين منه: خُلعَ على الولدِ عُمَر خِلْعَةَ الحِسْبة، ودار البلد على العادة وباشرَ
(7)
.
وفي هذا اليوم خُلعَ على والي المدينة ناصر الدِّين الغَاوي، وعلى جمال الدّين ابن قاضي الكُرَك بتوقيع الدّست.
شهرُ جُمادى الأولى، أوّلُه الثلاثاء. استهلّ هذا الشهر ونائبُ السّلطنة الأميرُ سيفُ الدِّين مَنْجَك، قد
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
انظر الدارس 2/ 35 - 38.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(7)
عمر هذا هو ابن العماد إسماعيل. نقله عنه ابن قاضي شهبة في تاريخه 3/ 348.
أقَبلَ من الديار المصرية، وقد تلقّاه السلطان بالرّحب والإحسان، وقَبِلَ ما كان قد أهداه من التُّحف والألطاف، وأطلق له أضعافَ ذلك، وكذلك أهدى إليه جماعةُ الأمراء، ولمّا بلغ بلاد غزَّة اجتاز ببلدِ بدرأس
(1)
فوجد هناك واديًا لا يُسلكُ فيه زمن الشتاء إلا بكلفةٍ شديدةٍ، فأقام هناك لبناء جسرٍ عليه - أثابه الله تعالى.
قدوم نائب السّلطنة مَنْجَك من الديار المصريّة
فلمَّا كانَ يومُ الأحد العشرين من هذا الشهر قدم الأمير سيفُ الدين مَنْجَك نائبُ السّلطنة إلى دمشق في آخر النّهار في أبهة هائلةٍ، ثم أصبحَ فلبس التَّشْريف الهائل، وركب في الموكب [وأُوقدت]
(2)
له الشموع، ودعا
(3)
له الناس، وحين دخلَ دارَ السّعادة ظَهرَ
(4)
أنَّه أوّلُ يوم من كانون الثاني؛ فتباشر النَّاسُ بذلك.
شهر جُمادى الآخرة، أوّله الأربعاءُ. في يوم الخميس تاسعه طافوا حوْلَ البلدِ بستَّةِ مسمَّرين على جمال، ممن اعترف بقتل النَّفْس التي حرَّم الله، وشُنِقَ آخر، وهو شريف كان قد اتَّفق هو وآخر من المسمَّرين على قتل امرأةٍ أحضراها عندَهُم على الشَّراب فأَسكراها، ثمّ قتلاها وأخَذَا ما كان عليها [من الجهاز في]
(5)
بستان بأرض جوبر، فلمّا ظُهِرَ عَليهما اعترفا من غيرِ عقوبةٍ، وأحضرا ما كانا أخذا من مالها.
وأما الإثنان الآخران فإنهما استأجرتهما ابنة الشُّويخ على قتل زوجها، وهو من تجارِ الصَّاغة، يقال له: بَقْتَمِر، فقتلاه ليلًا، ولمّا أُخذا [أقرا]
(6)
سريعًا.
وأما الآخران فغلام عشقَ جارية قوم فاتفقت معه على قتل سيِّدها وستِّها في بستان عند جسر ابن شواش، وأعانَهُما على ذلك عبد لهم أسود، فصلب معهم تأدبًا، وأمّا الباقون فوسِّطوا، وشُنق رفيقُ الشّريف.
هذا آخر ما كتبهُ الشيخ بخطِّه
(7)
. ومن هاهنا أملى عليّ، وأذِنَ لي في تعليقه!
أملى عليّ والدي الحافظ إسماعيل بن كثير - مد الله في أجله، وختم بالصالح عملهُ:
(1)
هكذا في: الأصل، ولم أهتد إلى معرفتها.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
في الأصل: (ودعَوْا). وهو غلط.
(4)
الأصل: بياض قدر كلمة.
(5)
في (6) في الأصل: بياض قدر كلمة.
(6)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات.
(7)
انظر الذيل التام 1/ 259 في أحداث سنة 774 هـ. وفيه: وكان من حين ضرره وضُعفه - أي ابن كثير - يُملي فيه - أي في التاريخ - على ولده عبد الرحمن" اهـ.
شهر رجب الفرد، من سنة سبعين وسبعمئة، أوّله. الجمعة في يوم الجمعة ثامنه ظهر جرادٌ منتشرٌ في البساتين والبلد، وشعَّث بعض الشيء، واستمرَّ موجودًا إلى الجمعة الأخرى، فسلَّط الله عليه ريحًا شديدة الهبوب فصرَفَتْهُ عن البلد، ولله الحمدُ، وقد قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 29].
وقد اشتُهر في هذا الشهر مَقْتَلُ صاحب قُبرص - لعنه الله - كما جاءتْ بذلك الكُتُبُ من الفِرَنج إلى إخوانهم بدمشقّ، وفي بعضها تفصيلُ صفة قَتلِه
(1)
.
وملخّصه: أنَّ عشرة من أمرائه اجتمعوا بأخيه، وهو من عُبّادهم وزُهّادهم، فشَكَوْا إليه ما يَلْقى أهلُ قبرص منه من المصادرات، وما صنع في بلاد المسلمين، وما ترتَّب عليهم بسبب ذلك، فقال لهم أخوه: إن [شريعة الإنجيل]
(2)
حكمت بأن يموت، فتعاقدوا وتعاهدوا على قتله، فلمّا جاءَ اللَّيلُ، جاءَ واحدٌ منهم [إلى باب]
(3)
الملك ليَسْمُر عنده على العادة في علالي لهم في دارِ المُلْك بالأَفْقُسية
(4)
، وهي أكبرُ مُدِنِ قُبرص، فاستأذنَ البوّاب لمن بعدَهُ من الإذن حتى أذن الملك بدخوله ولم يشعر بما وراء ذلك، وإذا بأَميرَيْن أَخَوَيْن قد قدِمُوا، ثم أربعةٌ، ثم ثلاثةٌ، ثم أربعةٌ حتى توافقوا كلُّهم وأخوهُ معهم، فلمّا دخلوا إلى صرحة
(5)
الدّار، وقد استأذن لذلك الأمير الأول فأذن له ليصعدوا كلُّهم إليه، وإذا هو جالس في بشخاناه على فراش، فلمّا رآهُم أَنْكَرَهم وذُعِرَ منهم، فقال: ما جاءَ بكم في هذه الساعة؟ فقالوا: جتنا لنخبرك بما قد جرى على الرَّعايا بسبب ظُلمك وسيرتك الضّالَّة
(6)
، وقد حكمت شريعةُ الإنجيل بقتلك، فقال: من هو الذي يقتلني؟ فضرَبَهُ بعضُ الأمراء بسكيّنٍ كانت بيده فأَتْلَفَ يده، وأهوى إليه آخر بسيفٍ معه، فقامَ الملك وخطفَهُ منْهُ، فضربه أخوه بحربةٍ في ظهره فأَخْرَجها من صدره، فوقع صريعًا، فهبَرُوه بالسُّيوف، ونزلوا، فركبوا في البلد، ونادَوْا بقتل الملك، ونظروا هل يُنْكِرُ ذلك أحدٌ فلم يُنكر ذلك أحدٌ من أهل البلد، فاجتمع الجيش والأمراءُ على أن يملِّكوا أخاه، فأبى ذلك. وقال: ملّكوا ولده، فبايعوه وهو ابن إحدى عشرة سنة، وعمُّه هو المدبِّر للمملكة، وكتب إلى صاحب مصرَ بالمصانعة، وأننّا تحت أوامركم، وبعث بأسارى وهدايا وتُحف.
شهرُ شعبان المكرّم، أوَّله الأحد. لم أجد شيئًا من الحوادث.
(1)
ذكره ابن قاضي شهبة في تاريخه 3/ 348، والسخاوي في الذيل التام 1/ 236.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(3)
في الأصل: بياض قدر كلمتين.
(4)
ويقال لها: (الأفقُوسيّة). وهي مدينة جزيرة قبرص. انظر معجم البلدان 1/ 236.
(5)
الصَّرحةُ: السّاحة. اللسان (صرح).
(6)
في الأصل: (الظالمة). وما أثبته الأَشْبَه.
شهرُ رمضانَ المعظَّم، أوّلُه الإثنين. في مستهلّه باشرَ الحِسْبة شهاب الدّين أحمد بن الأماسي
(1)
الذي كان شادًا، ثم صار وكيلًا في دار الحنفي، باشر عوضًا عن الوَلَدِ عُمَر
(2)
، وغلتِ الأسعارُ في أيَّامه، وتشاءَمَ النّاسُ به، وجُزّئ البخاري في أماكن متعدّدة من البلد على العادة.
وفي أواخر الشهر [وقع بدمشق طاعون خفيف يبدأ]
(3)
بكُبّةٍ تطلع تحتَ الآباط أو في الفخذ؛ فيموتُ صاحبها بعد ثلاثة الأيام
(4)
أو دونَها، واستمرّ شهورًا، ووَصَلَ عددُ الجنائز إلى الستِّين، ثم تقاصر إلى الخمسين والأربعين وأقل من ذلك، ثم وَقَى اللهُ الناس من شرّه وخفَّفَ ذلك، ولله الحمد والمنة.
شهر شوال المبارك، أوله الأربعاء. خرج المحملُ والحجيجُ يوم الإثنين ثالث عشره، وأميرُهُم سيفُ الدّين قَرَابُغَا مملوك أمير علي المارِدَاني نائب السَّلطنة بالدِّيار المصريَّة، وهو أحد الحَجَبةِ بدمشق وقاضيهم ابن شجرة الشافعي.
شهر ذي القعدة، أوله الخميس. في مستِهلّه دخل الأميرُ الكبير سيفُ الدِّين بَيْدَمِرُ الذي كان نائب الشَّام إلى دمشق من مدينة طَرْسُوس مطلوبًا إلى الدّيار المصريّة، فشرعَ في الاستدانة لأجلِ الهَدَايا التي يأخذها إلى الدّيار المصريّة، فلمَّا تكامل ما أرادَهُ صارَ إلى مصر في أُبَّهِة وتجمُّلٍ، ودخل مصر فقدَّم للسُّلطان ما ينبغي تقدِيمُه له، وكذلك للأمراء، فلمَّا كان اليوم الثاني من قدومه أُوقف بين يدي السُّلطان فتكلَّم فيه بعض الأمراء من الوسائط النّجسة؛ فناله إهانةُ، وأوقفوه تحت الأمراء الطّبلخانات ثم لمّا وُضع السّماط لم يدْعَ إليه، فخرج إلى الدِّهليز فجلس فيه كالمطرود المبعود، ثمّ صارَ إلى منزله الذي نزلَ فيه، فما هو إلا أن استقرَّ به إذ جاءَهُ الطَّلبُ إلى دارِ الشَّدّ، فطّلب منه عشرة آلاف دينار يُحضرها في الوقت، فذكر أنّه لم يبقَ معه شيء، فعُصر بالمعاصر غير مرّةٍ على ما ذكر لي ابن أخيه، ثم اشتُريَتْ منه ضيعةٌ بأرض حلب للأمير مَنْجَك بعشرة آلاف دينار، وأحالَهُم بها عليه، فقُبِضَت منه، ثم ردُّوه إلى طرْسُوس حيث كان
(5)
.
وفي أواخر هذا الشهر: خرج نائب حلب الأمير قَشْتَمِر إلى طائفة من العرب فكبسَهُم؛ بلغه عنهم أنَّهم يؤذُونَ النَّاسَ بتلك النّاحية، فقتل منهم ونهبّ بيوتهم، وربَّما ذكروا أنهم هَتَكُوا بعض الحريم، وفيها أبيات لبني مُهنَّا، فلما بلغهم الخبرُ احتدُّوا وغضبوا وجاؤوا بجمعٍ كثيرٍ في عَدد وعُدد، فحملوا على من هناك من
(1)
في الأصل: (التماسي). وهو غلط. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 349.
(2)
تقدّم ذكره.
(3)
في الأصل: بياض قدر خمس كلمات.
(4)
في الأصل: (الثلاثة أيام). وما أثبته الأفصح والأشبه.
(5)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 349 - 350. وزاد فيه: ورجع خائبًا إلى طرسوس.
الأتراك فقتلُوا منهم خلقًا كثيرًا، منهم عددٌ
(1)
، من الأمراء، حتى وصلَ القَتْلُ إلى نائبِ السَّلطنة قَشْتَمِر
(2)
فقتلوه، بعد قتل ابنه الصغير [محمد، وأُشيع]
(3)
أنه قتل من الجيش قريب الألف، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فلمّا جاء الخبر إلى حلب كوتب به إلى الديار المصرية، فجاءَ التأنيب إلى الأمير حيار [بن مُهنّا على]
(4)
ما وقع من هذا الأمر الفجّ.
فردّ الجواب: أنّهم إنّما قاتلوا للدَّفع عن الحريم، ولم يعلموا أنَّ نائب السَّلطنة بينهم، وعلاهم غبارٌ وقتامٌ منعَ النَّاسَ أن يعرفوا بعضهم بعضًا، وأيضًا فإنّ نائب حلب افتأت عليهم، وقاتلهُم بغير مرسومٍ شريف، وليتَهُ نهبَ جميع ما لهم، ولم يتعرّضوا للحريم، هذا عذرٌ؛ فإن قبلتُمُوه وإلا انشمَرْنا عن بلادكم.
فورد المرسوم الشريف باستنابة الأمير أَشْقَتَمِر على حلب عوضًا عن قَشْتَمِر، ومرسومٌ إلى نائب الشّام بأن يُرجَّ بالجيش الأقوياءُ منهم يعني الأعراب؛ بسبب هذه الكائنة، فخرجوا في السَّنة الداخلة على ما سيأتي إن شاء الله.
شهر ذي الحجّة، أولُه الجمعة أو السبت. في يوم الجمعة سلخه كانت وفاة قاضي القضاة جمال الدين محمود بن السِّراج الحنفي
(5)
قاضي قضاة الحنفيّة بدمشق، وقد جاوز السّبعين، بمنزله بالتّعديل، وصُليّ عليه بجامع تَنكُز، ودفن بالصُّوفية رحمه الله.
سنة إحدى وسبعين وسبعمئة من الهجرة
استهلَّت هذه السَّنةُ وسلطانُ الإسلام بالدّيار المصريّة والبلاد الشّامية والحلبيّة والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من البلدان والرساتيق السُّلطان الملكُ الأشرفُ ناصرُ الدين شَعبانُ بنُ حُسين ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الصَّالحي، ونائبه بالدّيار المصرية أمير علي المارِدَاني، ومدبُر المملكة ومشيرُها الأمير مَنْكَلي بُغَا الشمسي.
(1)
في خ: بياض قدر كلمة.
(2)
ترجمته في: الذيل التام 1/ 236 وإعلام النبلاء 2/ 364.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات. وحيّار هو من أمراء العرب من آل فَضْل. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 458 - 459، والذيل التام 1/ 236.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 358، والنجوم الزاهرة 11/ 105، والدرر الكامنة 4/ 322 - 323، والذيل التام 1/ 238. وفيه: أبو المحاسن القُونَوي.
وقضاة مصر: هم المذكورون في التي قبلها، قاضي قضاة الشافعية بهاء الدين أبو البقاء السُّبكي، وقاضي قضاة الحنيفة سراج الدّين الهندي، وقاضي قضاة المالكية بُرهان الدين الإخنائي، والحنابلة قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله المقدسي.
ونائب دمشق الأمير سيف الدين مَنْجَك، وقاضي قضاة الشافعية بها تاج الدين عبد الوهاب السُّبكي، وهو خطيبُ البلد، مع ما معه من التَّداريس، وليس للحنفية قاض؛ لأنَّ قاضيهم جمال الدين بن السِّراج توفّي قبل استهلالِ السَّنَةِ بيومٍ.
وقاضي قضاة الحنابلة
(1)
شرفُ الدّين أحمد بن الحسن المقدسيّ المعروف بابن قاضي الجبل، وناظر الدواوين الصّاحب شمسُ الدين التّاج إسحاق، وناظرُ الجيش القاضي تاج الدّين بن مَشكور، ووكيل بيت المال القاضي ولي الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، وكاتب السرّ القاضي فتح الدين بن الشّهيد، وناظر الحِسْبة شهاب الدين الأماسي
(2)
، وحاجب الحجَّاب الأمير توكُّل ورفقته الأمير قوري وقرابغا وابن العسكري وآخر، ونقيب النقباء الأمير علاء الدين بن الشجاعيّ، ومتولي البرّ بركة بن لاقى، ومتوليّ المدينة ناصر الدِّين محمد بن الغاوي، ونائب حلب الأمير سيف الدين أَشْقَتمِر، ونائب طرابلس الأمير أَيْدَمِر الدّوادار، ونائبُ حماة الأمير أَيْدَمر الشّيخي، ونائب حمص الأمير أقبُغا البجاسي، ونائب صفد الأمير جَرْدَمِر أخو طاز، ونائب غزة محمد تنك الفازاني.
شهر الله المحرم، أوّلُه الأحد. في يوم الإثنين ثالث عشر منه دخل المحملُ السُّلطاني وبقيَّةُ الحجّاج، وهم شاكرون
(3)
مُزيرهم، وهو الأمير قَرَابُغَا الحاجب مملوك أمير علي المارداني.
وفي هذا اليوم برز
(4)
نائب السِّلطنة مَنْجَك إلى وطأَةِ بَرْزَة، وصحبته جماعةٌ ممّن اختارهم من الجيش، ومن نيته الذّهابُ خلف العرب الذين قَتَلوا نائبَ حلب في السنة الماضية كما مرَّ، واستناب في غيبته الأمير عمر شاه أحد مقدّمي الألوف، فكانت وفاته بعد خروج مَنْجَك بأيّام قلائل بمنزله بالقنوات، وقد جاوز الستّين
(5)
، وله مباشرات بمصر والشّام، وناب بحماة في بعض الأحيان، وعمل الحجوبيّة الكبيرة.
(1)
في الأصل: (المالكية). وهو وهم. انظر المنهج الأحمد 5/ 135.
(2)
في الأصل: (التماسي) وهو غلط. وتقدّم تصويبه في السنّة الفائته.
(3)
في الأصل: (شاكرين). والأشبهُ ما أثبتّه.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 376. وفيه نقلٌ عن ابن كثير.
شهر صفر، أوّلُه الثلاثاء. في يوم الخميس عاشره قُرئَ تقليدُ قضاء قضاة الحنفية باسم الشيخ عماد بن إسماعيل ابن العز
(1)
بالمدرسة النُّوريّة، وحضرَ تقليدَه القضاةُ والأعيانُ، ولبس الخِلعة والطَّيْلسان، وراحَ النّاس إلى تهنئته بذلك، وكان قد امتنع من قبول الولاية حين عُرضت عليه، وأبى كلَّ الإباء، ثم أُلزِم بذلك فقبل الولاية، وحكم واستناب ولده نجم الدين، ودرَّسَ بالنُّوريَّة.
وفي هذا اليوم باشر شمس الدين محمد بن عمر المعروف بابن المسكي
(2)
نيابة الحِسبة عن القاضي شمس الدين بن مرِّي، استنابَهُ بإشارة قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السُّبكي، هذا وابن مرِّي مقيمٌ بالديار المصرية لم يقدُم بعدُ.
واستهلَّت هذه السّنة والطَّاعونُ موجود بالشام، لكنه يسيرٌ جدًّا، وقد تقاصَرَ عمَّا كانَ. وأمّا الغلاء فالخبرُ رِطلٌ بدِرْهم، والقمحُ في بيدره الغَرَارة
(3)
بمئة وثمانين درهم، والناسُ على وجلٍ من ذلك، والله المستعان.
وفي أواخره رجعَ الجيشُ الذين ساروا في طلب العرَبَ صُحبةَ نائب السلطنة كما تقدَّم، وقدِمَ صحبتهم الأمير توكُّل، وتأخَّر قدوم نائب السَّلطنة بسبب أعذار تخصُّه.
وفي أواخره طلب الفقيه زين الدين عمر بن مُسلم القرشي القُبَيباتي إلى مجلس القاضي عماد الدّين الحنفي
(4)
، وتكلّموا معه بسبب أنَّه بلغَهُم أنَّه تكلَّم في الإمام أبي حنيفة، فزجَرَهُ القاضي عن ذلك وأهانه، ومنَعَهُ من الكلام على العامة على ما كان يتعاطاه؛ وذلك في مساجد متعدّدة من حفظه بجعائل يأخذها من العوام، لا بأوقاف مقرّرة على ذلك، ودعاوي يدَّعيها، وتكثّر بما ليس بمطابق لما يدّعيه في غالب الأمر، ثم أَذِنَ له بعض الحكّام في الشهر الدّاخل، وعاد إلى ما كان عليه.
شهرُ ربيع الأوّل، أولُه الخميس. وفي يوم الثلاثاء سادسه قدم من الدِّيار المصرية القاضي شمس الدين محمد بن مرّي محتسبًا بدمشق مباشرًا
(5)
لها على عادة من تقدّمه، ونزل بدرْبِ النّقَّاشة قريبًا من مئذنة
(6)
فيروز في دار بَكْتَمِر، وراحَ النّاسُ لتهنئته، فتكلّم في أمر الحِسْبة وما يتعلّق بها، وضربّ بعض السَّماسرة وأدَّبهم، وطاف بهم في البلد، ولم يلبس الخِلْعة إلى الآن؛ لأنَّ نائب السَّلطنة لم يَقْدُم من
(1)
هو عماد الدين بن العزّ الصّالحي. الشهير بابن الكشك. انظر الدارس 1/ 436.
(2)
هكذا جاء الخبر في: الأصل. ولم أهتد إليه.
(3)
الغرارة وتجمع على غرائر. قال الجوهري: مكيالٌ، معرّب (غرر) وهي من الخيش لوضع القمح.
(4)
هو زين الدين أبو حفص عمر بن مُسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم الكتاني.
توفّي سنة (792 هـ). انظر الذيل التام 1/ 359. وفيه: مات مسجونًا انظر الشذرات 8/ 254.
(5)
في الأصل: بياض قدر كلمة.
(6)
في الأصل: (مأذنة) وهو غلط.
مَغِيبه، وذكروا أنّ معه تواقيع عدة: منها توقيع الدّست، وقضاة العساكر للحنيفة مشاركًا لحافظ الدين، وغير ذلك.
وفي ثامنه قدم الأمير زَبَالة من مدينة الكَرَك من نيابتها، وقد أُقيل منها إلى دمشق، فنزل بدار الذَّهب، وجُعل أمير أربعين، وذهبَ النَّاسُ لتهنئته.
وفي ليلة السبت عاشره قدمَ نائب السّلطنة الأميرُ مَنْجَك إلى دمشّق، ودخل طلبُهُ وقت السّحر، وأصبحَ فركب في الموكبِ وحضرَ في الخِدمة، وذهب النّاسُ للسّلام عليه.
وممَّن ذهب للسَّلام عليه خطيبُ المسجدِ الأقصى الإمام العلامة برهان الدّين بن جماعة، وكان قد قدِم في أواخر الشَّهر الخارج.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره لبس القاضي شمسُ الدين محمدُ بن مرّي خِلعةَ الحِسبة بين يدي ملك الأمراء بدار السَّعادة، ودار في البلد، ونظرَ في مصالح النَّاس على العادة، وضربَ وأَدَّبَ وأظهر شدَّةٌ وعنفًا، هذا والأسعارُ مستمرةٌ على غلائها؛ القمحُ بنحو المئتين، والشَّعير تزايد عن المئة، والخبزُ عشرُ أواق بدرهم.
وممن توفيّ في هذا الشهر من الأعيان قاضي القضاة سَريُّ الدِّين إسماعيل بن هانئ المالكي
(1)
، أصله من الأندلس، وأقام دهرًا طويلًا بمدينة حماة يشغل الناس في فنونِ من العلوم، وكان أستاذًا في العربيَّة والنَّحو والتّصريف وأشعار العرب، بارعًا في ذلك حافظًا كبيرًا، وكان يحفظُ الموطَّأ للإمام مالك، ويكرّر عليه، ويستحضره في أوقاته، ويحفظ فقهًا كثيرًا في مذهبه، وكان في لسانه لثغة في حروفٍ متعددّة يشقُ عليه التعبير بسبب ذلك، ولولا ذلك لنشر علمًا عظيمًا، ثمّ ولّي قضاء المالكية بمدينة حماة في آخر عمره، ثم نقل إلى قضاء دمشق عوضًا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، فأقام نحوًا من سنتين، ثم أُعيد [القاضي]
(2)
جمال الدين المسلاتي، ورجع سريّ الدين إلى قضاء حماة على عادته، ثم طلب إلى الدّيار المصرية، فلمّا وصل إليها وأقام بها يسيرًا، فكانت وفاته بها في العشرين من هذا الشهر، ودفن بالقَرَافة، وقد قارب السبعين
(3)
أو جاوزها. رحمه الله وقد كان كثير العبادة والصّلاة، حسنَ الاعتقاد على طريقة السّلف، لكن نُقِمَ عليه لكونه استنابَ ولده ناصر الدين محمد حين وليّ القضاء بدمشق، وكان ابنه سيّئ السيرة
(4)
.
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 368 - 369. نقل بعضه عن ابن كثير، والدرر الكامنة 1/ 380 - 381، والذيل التام 1/ 244، وبغية الوعاة / 456. والشذرات 8/ 378. وفيه: "وبالع ابن كثير في الثَّناء عليه".
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
والذي في تاريخ ابن قاضي شهبة: "وهو ابن ثلاث وستين سنة". ومثله في الذيل التام. ولعلّه الأقرب إلى الصواب.
(4)
يقول ابن العماد الحنبلي في الشذرات: "ولم يكن فيه ما يُعابُ إلّا أنّه استناب ولده، وكان سيء السيرة جدًّا" ا، هـ.
شهر ربيع الآخر، أوّلُه السبت في هذا الشهر استدعى قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب السُّبكي الشافعي الشيخ الصالح المعمَّر شهاب الدين أحمد بن عبد الكريم بن أبي الحسين البَعْلَبَكِّي
(1)
إلى دمشق فسمع عليه (صحيح مُسلم) بدار الحديث الأشرفية بقراءة الشّيخ عماد الدّين بن السِّراج، وخُتم في يوم الخميس بكرة النهار الخامس من جمادى الأول، واجتمع في هذا السّماع عليه خلقٌ كثيرٌ، وجمٌّ غفيرٌ، وأحسن إليه قاضي القضاة إحسانًا كثيرًا زائدًا - أحسن الله إليه -.
وفي هذا اليوم أيضًا قبل الزَّوال استدعَيْناه
(2)
إلى دَرْب الشَّيرجي
(3)
؛ فأسمعنا عليه أولاد الولدِ عبد الرحمن: محمد شاه وفاطمة بحضرة أبيها. وإخوة عبد الرحمن، وهم: محمد، وشقيقه أحمد، وأحمد الثاني، وشقيقه عبد الوهاب في الخامسة، وشقيقتهما عائشة في الثانية، وزينب في الأولى والمَسموع يومئذٍ (الأَرْبَعون الرُّباعية من صحيح مُسلم) والأحاديث التي رواها مُسلم عن أحمد في جزءٍ آخر، وخمسة أحاديث من مسلم تخريج الحافظ الذَّهبي، وسمَّعَ الجزء الذي رواه مسلم عن أحمد فاطمهُ ابنتي وزوجتي أم أحمدَ وعبد الوهاب المقدّم ذكرهما.
شهر جمادى الأوّل، أوله الأحد. لم أجد فيه شيئًا من الحوادث.
شهرُ جُمادى الآخر، أوّلُه الإثنين. في أوائله قدِمَ القاضي شمسُ الدّين محمد بن مرّي إلى دمشق، وقد ورد البريدُ بعوده إلى الحسبة عوضًا عن الولد عُمَر، كان قد تولاها الولدُ في أوائل شهر ربيع الآخر فعُزل بالقاضي شمس الدين بن مرّي كما ذكرنا، فلبس الخِلعةَ ودار في البلد على العادة، وأظهر شدَّةً [وحرصًا]
(4)
وأرعب العامَّة وأدَّبهم.
هذا كلُّه والخبزُ ما بين العشر أواق إلى الرَّطل مع سقوط أمطارٍ كثيرة وثلوجٍ في الشام كلّه، وجرت الأوديةُ بحورَان، ولله الحمد والمنَّة.
كلُّ هذا والقمح - بحمد الله تعالى - سعره ما بين المئتين ومئة وتسعين، والشعير بمئة وعشرين ونحوها.
وفي أواخره عُزل ناصر الدّين محمد بن الغّاوي عن ولاية المدينة، وتولاها ابن دُغَا الفيقي بمرسومٍ شريف.
(1)
انظر: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 487. وفيه: "وأقدمه القاضي تاج الدين السّبكي دمشق؛ فسمعوا منه (صحيح مسلم). وتوفي المذكور سنة (777 هـ).
(2)
المستدعي ابن كثير نفسه. لإسماع أولاده وأولاد أولاده بنين وبنات.
(3)
في الأصل: (السِّيرجي) بالسِّين وهو تحريف. وفيه سَكَنُ ابن كثير.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
شهر رجب الفرد، أوله الأربعاء، وفي أول شباط. في يوم الثلاثاء رابع عشره توفيّ قاضي القضاة الشيخ شرف الدين أحمد بن قاضي القضاة قاضي الجبل شرف الدين حسن الحنبلي المقدسي
(1)
بسفح قاسيون وصُلّي عليه بالجامع المُظَفَّري، ودفن بمدرسة الشيخ أبي عمر بالسفح، ويضم تربة جَدّهم، وكان من مشايخ العلماء الكبار ممن يأْذَنُ للفضلاء في الإفتاء، كثير الفنون، له يدٌ في علوم متعدّدة، وله مصنَّفاتٌ عدة قديمةٌ وحديثةٌ، ودَرَّس في أماكن متعدّدةٍ بالجَوْزية والصَّالحية، وبحلقة الثلاثاء بالجامع الأموي، وبمدرسة أبي عمر، ثمّ وَلي القضاء بعد عزل المَرداوي، فلم يُحمد في مباشرة القضاء، ولا فرح به صديقه، بل شمت به عدوُّه حتى كانت وفاته في هذا اليوم، وقد قاربَ الثَّمانين، وقد قيل: إنّه خلّف ما ينيف عن مئتي ألف درهم، ما بين حواصل، وكتبٍ وأملاكٍ وغير ذلك. سامحه الله تعالى ورحمه.
وفي يوم الأربعاء درّس بحلقة الثلاثاء بالجامع الأموي عوضًا عن الشيخ شرف الدين الدَّارج
(2)
المذكور الفقيهُ البارعُ الإمام العالم الشّيخ زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن رجب البغدادي ثم الدّمشقي الحنبلي، وحضرَ عنده القاضيان الشّافعي والحنفي وجماعةٌ من الفضلاء والأعيان
(3)
.
وفي يوم الخميس سادس عشره داروا بالمحمل
(4)
حول البلد على العادة [ومرُّوا]
(5)
به بين يدي نائب السلطنة مَنْجَك، وكان قد قدم بالأمس من تأسيس قرية أنشأها عند رأس وادي [بدّرأس]
(6)
.
وفي يوم الأحد تاسع عشره درَّس بالجَوْزية القاضي علاء الدين علي ابن القاضي صلاح الدين بن المُنَجَّى عوضًا عن مستنيبه قاضي القضاة شرف الدين المذكور، نزلَ له عنها، ودرس في الصَّاحبة عوضًا عن قاضي القضاة شرف الدّين أيضًا الفقيه الفاضل البارع [شهاب]
(7)
الدين ابن القاضي شمس الدين بن مُفلح، وقد كان معه ربع تدريسها، فرَسَم له نائبُ السّلطنة بتكملتِها
(8)
.
وفي هذا الشهر ارتفع سعرُ القمح إلى المئتين وعشرين، ثم ترقَّى إلى أن وصل إلى المئتين وستّين
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 364 - 365. نقل بعضه عن ابن كثير، والدرر الكامنة 1/ 120 - 121، والذيل التام 1/ 243، ونقل عن ابن كثير أيضًا. والدارس 2/ 44، والمنهج الأحمد 5/ 135، والشذرات 8/ 376.
(2)
المُتَوفّى.
(3)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 361.
(4)
في الأصل: (الحمل). وهو تحريف.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(6)
هكذا في الأصل، ولم أهتد إلى حقيقته.
(7)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(8)
انظر المنهج الأحمد 5/ 181.
والشّعير إلى المئة وستّين وأزيد، وقد وصل الخبرُ إلى التِّسع أواق بدرهم، والتَّنُّوري ثمانِ أواق، وأُبيع الخبزُ الشّعير كلُّ رِطلٍ بدرهم وأقلّ من ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
شهر شعبان المكرّم، أولُه الخميس. استهلَّ هذا الشَّهرُ والأَسعارُ
(1)
على حالها، وتأخَّر المطرُ، لكن الأخبار جيدةٌ عن الزُّروعات.
ولمّا كان الحادي والعشرون من هذا الشَّهر سقطَ مطرُ مباركٌ كثيرٌ، وكَثُرت الأجلابُ من بلاد مصر وغيرها بالقَمح والدّقيق، وانحطَّ سعر القمح إلى نحو المئتين، والشعير إلى نحو المئة، وكانت الأخبار عن الزّروع أنَّها جيّدة مباركةٌ، وطابت أنفسُ النّاس، ولله الحمد.
شهرُ رمضانُ المعظَّم، أوَّلُه الجمعة. في أَوَّله ابتُدئ بقراءة البُخَاري في أماكن متعددة: منها بمسجد ابن هشام، والنُّورية، وجامع تنكُز، [وتحت]
(2)
قُبَّة النَّسر من الجامع الأُموي على العادة، وفي غير ذلك من أماكن متعدّدة.
وفي أواخره جدّدت البشائر بالقلعة المنصورة، وزُيّن البلدُ بسبب ميلادِ ولدِ ذكر للسُّلطان الملك الأشرف صاحب الديار المصريّة والبلاد الشّامية والحلبيّة
(3)
.
وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين منه خُلعَ على الشَّيخ زادَه
(4)
بمشيخة الشُّيوخ بدمشق عوضًا عن قاضي القضاة فتح الدين بن الشَّهيد كاتب السِّرِّ، وحضر الخانقاه السُّميساطيّة.
شهرُ شوال المبارك، أوّلُه الأحد. جاء الخبرُ بوفاة القاضي بدر الدين محمَّد بن أبي الفَتْح
(5)
في يوم الأربعاء رابع شوّال ببيت المقدس، ودفن بمقابر مامِلَّا رحمه الله، وكان سبب ذهابه إلى بيت المَقدس [مرافقة] الشيخ بهاء الدين السُّبكي وأخته أم بدر الدّين المتوفَّى المذكور، قدِموا يَصُوموا شهر رمضان ببيت المقدس، فخرج من دمشق في العشر الأخير من شهر رمضان يسلِّم على والدته وخاله فاتَّفق موتُه بالمكان المذكور، وقد كان شابًا حسنًا، حسن الشّكل له اشتغالٌ في العلم، ودرَّس بمدرسة الرُّكنية من مدةٍ طويلة، ثم في الشّامية الجوانية، وولي قضاءَ العساكر بدمشق، وكانت له أنصارٌ وجوامكُ كثيرة، وكان نائبًا لخاليه في القضاء، وخطَبَ عن خاله قاضي القضاة تاج الدين بدمشق مدَّةً طويلة، وكان حسنَ
(1)
في الأصل: (وأسعار).
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
وسمّاه: (رمضان). انظر الذيل التام 1/ 242.
(4)
زادة بن حَمُّوية. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 362.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 377. نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة 4/ 189 - 190، والدارس 1/ 1917، والشذرات 8/ 380، وفيه نقلٌ عن ابن كثير.
الخطابة، كلُّ ذلك ولم يَصِلْ إلى الأربعين، وكان كثير الآداب والحِشمة والحَياء، له تودُّد زائدٌ إلى الناس، وكان قد نزل عن تدريس الشَّامية الجوانية لخاله قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي، وعن تدريس الرُّكنيّة لولدٍ له صغير.
ووليَ قضاء العساكر بعده صاحبه وعشيره وخليله القاضي فتح الدّين ابن الشّهيد كاتبُ السرِّ، وخلع عليه بذلك، وخلع على ولده تاج الدّين بتوقيع الدَّست عوضًا عن بدر الدين المذكور رحمه الله.
ولما كان يوم الأربعاء تاسع عشره: حضَرَ قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي تدريس الجوانية عوضًا عن ابن أخته بحكم نزوله لهُ عنها.
وخرجَ الرَّكبُ من دمشق نهار الإثنين سادس عشره، وأميرُ الحاج الأمير طَيْبُغا الدّوادار أحدُ مقدمي الألوف، وقاضي الرَّكب الشيخ شهاب الدين المَلْكَاوي.
أثناء هذا الشَّهر خُلع على الأمير علم الدين سليمان ابن الأمير علم الدين البصراوي [بنَظَرِ]
(1)
الحرمين القدس والخليل.
وفي هذا الشّهر المُبارك ظهر بدمشق وبلدان كثيرة حولها طاعونٌ سُمِّي: الخَطَّافُ، يخطف الرجل، أو المرأة [أو الصَّبيَ]
(2)
في اليوم أو اليومين أو الثلاثة
(3)
، وزادتِ المَوْتى بدمشق في اليوم عن المئةِ وأزيد.
وفي أواخر هذا الشهر رَخُصَتِ الأسعارُ، وأُبيعَ القمحُ بدونِ المئتين، والله الحمد والمنّة.
شهر ذي القعدة، أوّلُه الإثنين. استَهلَّ هذا الشهرُ وقد رَخُصتِ الأسعارُ، ونزلت الغَرَارةُ إلى دون المئة بعدما كانت وصلت إلى نحو الثلاثمئة، والغَزَارة الشَّعير أبيعت بنحو الأربعين بعدما كانت [زادَتْ عن]
(4)
سبعين، ورَخُصَ الخبزُ حتى صار رِطلين بدرهم ولله الحمد والمنة.
ولكن كثُرَ الموتُ بسبب الفناء، ومات في النَّهار نحو المئتين من الرجال والنساء والأطفال، ودعا
(5)
النَّاس في الجُمَع.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
في الأصل: (الثالث). والأشبه ما أثبته. انظر الذيل التام 1/ 22.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(5)
في الأصل (دعى). وهو غلط
وفي يوم السَّبت ثالث عشره قدم رسولُ أُوَيْس
(1)
صاحبِ خُراسان، فاجتمع بنائب السّلطنة، وصَعِدوا إلى سطح المِزَّة، ولعبُوا هنالك بالكُرَةِ، وأظهروا تجمُّلًا زائدًا.
وفي يوم الخميس ثامن عشره خُلعَ على قاضي القضاة نجم الدّين أبي العباس أحمد ابن قاضي القضاة عماد الدّين إسماعيل بن العزّ الحنفي بقضاء القضاة الحنفية عوضًا عن أبيه، نزل لهُ عنه، وذهبَ الناس لتهنئتَهِ والسَّلام عليه، واستنابَ في الحكم الشيخ صدر الدين ابن القاضي علاء الدين ابن القاضي شمس الدين بن العزّ، واستناب أيضًا ابن أُختِه السيد الشريف، وحكما بالمدرسة النُّوريَّة.
وفي صبيحة يوم الجمعة تاسع عشره قدم قاضي القضاة علاء الدِّين ابن العسقلاني
(2)
من الديّار المصريّة على قضاء الحنابلة، فنزَلَ بمدرسة الأمينيّة عند قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي الشافعي.
وفي العشر الأول من هذا الشهر: توفّي قاضي القضاة جمال الدّين محمد بنُ عبد الرّحيم المسلَّاتي
(3)
قضاة قضاة المالكية بدمشق، وكانت وفاتُه بالقاهرة، وقد قاربَ السَّبعين أو جاوزها، وقد أقام بالشَّام نحوًا من أربعين سنةً، درّس للمالكية مدّة طويلةً، ودرس بدار الحديث الظَّاهرية وبالجامع، وأفتى، وكانت لديه فضائلُ، وكان يقترحُ أسئلة لا يقترحها غيره، وكان [مُحَبَّبًا]
(4)
إلى الناس، والناس يحبَّونَه لقربِهِ إليهم رحمه الله وسامحه.
وفي العَشر الأخير درَّس بالمدرسةِ الصَّارميّة الشَّريف شمسُ الدين محمدُ بن الغرابيلي الشهير بالحدنك عوضًا عن بدر الدين الحمصي
(5)
بحكم وفاته رحمه الله وقد حضر عنده قضاةُ القضاة الشافعي والحنفي والحنبليُّ القادمُ من مصر، وجماعةٌ من الفضلاء.
وفي يوم الإثنين الثاني والشعرين منه لبس قاضي القُضاة علاء الدِّين المصري خلعةً بقضاء القضاة الحنابلة، وحكم بالجَوْزَّية على العادة، وحضر عنده الشافعي والحنفي، وقُرِئَ تقليدُه.
(1)
هو أويس بن الشيخ حسن الكبير بن حُسين بن آقبُعا، صاحب بغداد وتبريز وما أضيف إليهما من البلاد. توفي سنة (776 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 456.
(2)
في تاريخ ابن قاضي شهبة: (علاء الدين الحجاوي). وهو وهم.
انظر الذيل التام 1/ 278. والمنهج الأحمد 5/ 146.
(3)
ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 11 - 12، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 377، والذيل التام 1/ 243.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 370. وهو: الحسن بن علي بن مسعود بن أبي الطيّب بدر الدين الصائغ الحمصي.
وفي صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين منه توفّي الصاحبُ شمسُ الدين موسى بن التاج إسحاق
(1)
ناظر
(2)
الدواوين بدمشق، وصلّي عليه بجامع دمشق، ودفن قبلي البلد بالقرب من جامع كريم الدين، وقد جاوز السَّبعين، وقد باشر هذه الوظيفة مرّات عديدة، وباشرَ نظَر الجيش، ولهُ بمصرَ مباشراتٌ كثيرةٌ، وكان خبيرًا بالدَّيْوَنَةِ وصناعة الحساب رحمه الله.
شهر ذي الحجّة، أوّلُه الأربعاء. فيه وفاة قاضي القضاة تاج الدِّين عبد الوهاب السُّبكي الشافعي
(3)
. في آخر نهارِ الثَّلاثاء السابع من ذي الحجة من سنة إحدى وسبعين وسبعمئة كانت وفاة قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي السُّبكي الشافعي ببستانه من أراضي النَّيرب، وصُلّي عليه من الغد بجامع الأفرم، ودُفن بتربته بسفح قاسيون، وكانت له جنازةٌ هائلة، حضرها نائب السلطنة، وجماعةٌ من الأمراء الكبار، وغيرهم من القضاة والأعيان، وله من العمر ثنتان وأربعون سنة، وقد اشتغل وحصل وصنَّف وألَّف، وجمَعَ كتبًا كثيرةً في الأصول والفروع والحديث وطبقات الشافعية وغير ذلك، وكانت له يَدٌ طُولى في المناظرة وفي النَّظم والنَّثر، وقد درَّس في مدارس كثيرة بدمشق وبمصر، ونابَ في الحكم عن أبيه، ثم نزلَ له أبوه عن المنصب في سنة خمسٍ وخمسين أو ستٍّ وخمسين كما تقدَّم بيانه، وقد عُزل عن المنصب ثلاث مراتٍ ثم أُعيد: مرَّةً بأبي البقاء، ومرةً بأخيه [بهاء الدين]
(4)
ومرة بالبُلقيني قاضي القضاة سراج الدين. وكانت أشدَّ العَزْلات عليه، وكانت الخطابةُ قد أضيفت إليه فتولاها مع القضاء.
وقد جرى عليه من المِحَن والشَّدائد ما لم يجر على قاض قبلَه، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبلَه، كان معه من المناصب حين توفِّي: القضاءُ، والخطابةُ، والعادليّة، والغزاليّة، والشاميّة البرانيّة، والجوانيّة، والأمينيّة، ودار الحديث الأشرفية، ودار الحديث الظاهريّة، وكان يباشر بالنظر العامِّ نظر الأُسراء والأسوار والبيمارستان النُّوري، وتحت يده أنظارٌ أُخَر كثيرة، وقد درّس في وقت في القيمرية والرواحية والتقويّة والدماغيّة، والنّاصرية الجوانية، والمُسْرورية، وقد ترك أموالًا كثيرة وأملاكًا متعدِّدة؛ من رباعٍ، وضياعٍ، وبساتينَ، وقاعاتٍ، وغير ذلك، وقد ترك أولادًا ذكورًا وإناثًا، منهم تقي
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 378، والنجوم الزاهرة 11/ 110.
(2)
في الأصل: (ناضر). وهو تحريف.
(3)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 372 - 375. والدرر الكامنة 2/ 425 - 428 والنجوم الزاهرة 11/ 108، والذيل التام 1/ 243. والشذرات 8/ 378 - 380 وقد نقل ابن قاضي شهبة والسخاوي في الذيل عن ابن كثير. وكذا صاحب الشذرات.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
الدين علي سباعيّ
(1)
، وترك له مرسومًا شريفًا بالخطابة وتدريس الأمينيّة، ومنهم يحيى صغيرًا، وترك له مرسومًا شريفًا بتدريس الشاميّة الجوانيّة.
ومن الاتفاق الغريب وفاةُ قضاة القضاة الأربعة بدمشقَ في هذه السّنة المباركة، ففي أوّلها كانت وفاة قاضي القضاة جمال الدين بن السِّراج الحنفي في آخر يوم من الماضية، ودفن في أول يومٍ من هذه، وفي رجبٍ منها يوم رابع عشره كانت وفاة قاضي القضاة شرف الدين الحَنبلي ابن قاضي الجبل، ويوم سادس ذي القعدة كانت وفاة قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي بالدّيار المصرية، وتوفّي الشافعي في سابع ذي الحجّة كما تقدّم، وقد مات ابن أخته القاضي بدر الدين بن أبي الفتح قاضي قضاة العساكر بدمشق المحروسة في أوائل شوال منها، فصاروا خمسة قضاةٍ
(2)
.
وفي أواخرها عُمِّر سجنُ القاضي عمارةً حسنةً، وعُمِل فيه بحرةٌ وشَبّاك، ورُتِّب [له]
(3)
إمامُ ومحدِّثُ، وكان الذي تولّى ذلك وفعله القاضي تاج الدين ناظر
(4)
الجيش بالشَّام. من ماله كما فعل بسجن حلب المحروسة حين كان مباشرها - أثابه الله.
سنة اثنين وسبعين وسبعمئة، أحسن الله تقضيها
استهلّت هذه السّنة وسُلطان المُسلمين بالدّيار المصريّة والبلاد الشاميّة والحلبّية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من البلاد والرَّساتيق السلطان الملك الأشرف صلاح الدين شعبان ابن أمير حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الصّالحي، وليس له نائب بالديار المصريّة، وقضاةُ مصر هم المذكورون قبلها، ونائب دمشق الأمير سيف الدين مَنْجَك، وقضاةُ دمشق: قاضي القضاة كمال الدّين المعرّي الشافعي، وقاضي القضاة نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين ابن العز الحنفي، وقاضي القضاة زين الدين الماروني
(5)
المالكي، وقاضي القضاة علاء
(6)
الدين ابن العسقلاني الحنبلي، وكاتبٌ السرّ وقاضي العساكر قاضي القضاة فتح الدين ابن الشَّهيد، ووكيلُ بيت المال القاضي وليُّ الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، وناظر الدواوين تاج الدين بن شمس الدين بن التاج إسحاق، وناظر الجيش القاضي تاج
(1)
يعني ابن سبع سنين.
(2)
تقدّم الكلام عليهم في مواضع ذكرهم.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: (ناضر) تحريف.
(5)
في الأصل (المازون). تحريف. وأثبت ما في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 380 و 567. وهو: أبو بكر بن علي ابن عبد الملك، قاضي القضاة، زين الدين الماروني المالكي. توفي سنة (779 هـ).
(6)
في الأصل: علي الدين.
الدّين المذكور في التي قبلها، وناظر الحِسْبة القاضي شمس الدين بن مرعي، ونقيب الأشراف برهان الدين بن عدنان، ومتولّي المدينة الأمير ناصر الدين الغاوي، ومتولّي البر [بركة]
(1)
.
شهر الله المحرم، أوّله الخميس. في يوم الأحد رابعه درَّس بالشَّاميَّة البرانيّة الشيخ شمس الدين ابن خطيب يبرود عوضًا عن قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بحكم وفاته، وحضر عنده ملكُ الأمراء والقاضيان الحنفي والحنبلي، وجلس المدرِّس على السَّجَّادة على العادة، وأخذ يدرِّس في الكلام على البسملة، وأحضر ملكُ الأمراء قِدْرَتَيْنِ وسقاه مشروبًا
(2)
.
وفي يوم الإثنين تلوه، وهو خامس الشهر درَّس المؤلف إسماعيل بن كثير، وهو والد مسطرّة
(3)
. حضر الدَّرس بدار الحديث الأشرفية عوضًا عن قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بحكم وفاته، وحضرَ جماعةٌ من الرّؤساء والفُضَلاء والفقهاء، وكان الدرس في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في (مسنده)
(4)
عن الشافعي عن مالك عن الزَّهري، عن عبد الرَّحمن بن كَعب بن مالك، عن أبيه مرفوعًا: " [إِنَّما]
(5)
نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طائر
(6)
يَعْلق في شَجَرِ الجَنَّةِ حتى يَبْعَثَهُ اللهِ إِلى جَسَدِه يَوْمَ يَبْعَثَهُ" والكلام على ذلك.
وفي صبيحة هذا اليوم: درَّس تقيُّ الدِّين علي ابن قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بالمدرسة الأمينيّة، وهو ابن سبع سنين، وحضر عنده جماعةٌ من العُلَماء والفُضَلاء والفُقهاء والأُمَراء، منهم الأمير جُرْجي أحد مقدمي الألوف بالشام.
وفي يوم الأربعاء سابعه: درَّس جمالُ الدّين بن الرهاوي بالنَّاصريَّة الجوانية عوضًا عن الشيخ شمس الدين ابن قاضي يبرود، وحَضَر عنده النَّائب وأضافَهُ مَشْروبًا.
وفي يوم الأحد حادي عشره درَّس أبو الخطَّاب ابن قاضي القضاة جمال الدين المسلَّاتي المالكي بالمدرسة الركنيّة نيابةً عن أخيه
(7)
لأُمِّه بدر الدين بن أبي الفتح.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
انظر الدارس 1/ 214 و 350.
(3)
المؤلف ابن كثير، والكاتب المسطّر ابنه عبد الرحمن كما تقدّم من قبلُ.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده: 5/ 349 رقم الحديث (15778)، والنسائي في (21) كتاب الجنائز، (117) باب: أرواح المؤمنين وغيرهم، الحديث رقم (2072)، وابن ماجه في كتاب الزهد، (32) باب: ذكر القبر والبلى، الحديث رقم 4271.
(5)
ليس في الأصل، واستدركته من مصادر الحديث.
(6)
في الأصل: (شجرة). وهو غلط. وأثبت ما في مصادر الحديث.
(7)
في الأصل: (عن ابن أخيه). وهو غلط. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 380.
وفي أواخر هذا الشهر ابتدأ نائبُ السّلطنة الأمير سيف الدين مَنْجَك الناصري بنهر قلُّوط آخر مبتدئه من جسر باناس الدّاخل إلى القلعة، ثمّ خرج به إلى الخندق، وبنى له قناةً روميَّةً مجرُّها في سوق العَرَصة من باب الجابية إلى عند تُربة بَهَادر [ومن ثمَّ]
(1)
من هنالك إلى سوق الخشابين إلى باب الصَّغير، فألقاها على نهر القلّوط الخارج
(2)
من تحت الباب الصَّغير، وهذه القناة انتفع بها أهلُ بساتين الشَّاغور انتفاعًا كثيرًا، بحيث إنَّها سقت أراضي لم يكن نهرُ قَلُّوط يصلُ إليها أبدًا، وقيل: إنَّها واصلة إلى أراضي القُبيبات وميدان الحصى، وما هنالك من المزارع، وقد أبيع ماؤها بثمنٍ كثير، ويتحصَّل منه في كل أسبوعٍ ما ينيفُ عن [
…
]
(3)
.
شهر صفر المبارك، أوله السبت [وفيه سَرَحَ]
(4)
نائبُ السلطنة إلى الزَّبداني فأمر بِسيَاطِةِ
(5)
عُيُون التُّوتِ لتكثير الماء؛ فتغيرت المياه بسبب ذلك، وزاد الماء حينئذٍ - ولله الحمد والمنّة -.
وفي يوم الخميس ثالث عشره قدمَ من الدّيار المصريّة قاضي القضاة زينُ الدّين المارُوني
(6)
المالكي على قضاء القضاة المالكية بدمشق، ونزل بالصَّمصاميّة، واستأجر لأهله دارَ السَّلْعُوس، وذهبَ النَّاسُ للسَّلام عليه.
ولما كان آخر نهار الأحد سادس عشره قدم قاضي القضاة كمال
(7)
الدين عمر بن عثمان المعرّي الشافعي من بلاد حلب على قضاء قضاة الشافعية بدمشقَ، ونزلَ بالعادليّة الكبيرة، وكان قد عرَّج في طريقه إلى ناحية نائب السَّلطنة بأرض الزَّبداني، وقدِمَ هو ونائبُ السَّلطنة في هذه الليلة، ولمّا أصبحَ ركبَ نائبُ السَّلطنة على عادته، وحضر الخِدمة، وحضَرَ عنده القضاةُ الأربعةُ، وخلع على الشَّافعيّ والمالكيّ، وخرجوا بأجمعهم ومرُّوا بدار الحديث الأشرفيّة، ودخلوا إليها، وصَلُّوا بها، وزاروا الأثَرَ الشريف، ثم جاؤوا إلى الجامع، وجلسوا بالمَقصورة، وقُرِئَ تقليدا القاضيين هنالك، ثم عادا إلى منازِلهما، وذهبَ النَّاس للسّلام عليهما على العادة.
وفي يوم الأحد ثالث عشر منه درّس قاضي القضاة كمال الدين المَعَرّي المذكور بالغزاليّة، وحضر عنده قاضيا القضاة الحنفي والمالكي وجماعةٌ من الأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فاستُحسن منه ذلك، ثم ذهب إلى العادليّة، وتكلّم أيضًا على الآية.
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(2)
في الأصل: (الذي خارج). وهو غلط.
(3)
في الأصل: بياض لم تتوضح لي قراءته.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(5)
ساط الماءَ يَسُوطه: إذا حركه بخشبةٍ أو غيرها. اللسان (سوط).
(6)
في الأصل: (المازوني) بالزّاي. تحريف. وتقدّم الكلام عليه.
(7)
في الأصل: (جمال الدين).
وفي يوم الأربعاء سادس عشر منه حضر الدّرس للمالكيّة قاضي القضاة زين الدين المارُوني بالجامع الأموي وبالمدارس التي للمالكية، وحضر عندَهُ القاضيان الشافعي والحنفي وجماعةٌ من الأعيان.
وفي ليلة الأحد سلخ هذا الشَّهر كانت وفاة الأمير الكبير سيف الدين جُرْجي
(1)
أحد أمراء الألوف، وقد عمل الدَّوادارية بمصرَ للسَّلطان، ثم نابَ بطرابلُس، ثم بحلب، ثم نُقل إلى دمشق، فكان رأس المَيمنة بها إلى أن توفّي في هذا الحين، ودفن بسفح قاسيون، وكان عفيفًا عن الشَّراب والفُروجِ
(2)
ولكن لم يكن عفيفًا عن المال [والظلم]
(3)
.
شهر ربيع الأوّل، أوّلُه الإثنين. في أوائل هذا الشّهر جاءتِ الأخبارُ من الدّيار المصرية بمصالحة الفرنج بقُبرص وغيرها من جزائر البحر الجَنَويَّة
(4)
والبنادقة والكَيْتَلان على أن يضعوا
(5)
عشرين سنةً بشرط أن يردُّوا جميع ما استَأسرُوه من مدينة إسكندريّة، وأن يضمَنُوا جميع الأموال التي كانوا أَخَذُوها منها، وأُطْلِقَ الفِرنْجُ الذين كانوا في القَلْعَة، فتصرَّفوا، وباعوا، واشترَوْا، وفرحَ التَّجَارُ بذلك.
وفي ليلة الأحد الحادي والعشرين منه توفيّ الأمير بدرُ الدّين يونُس
(6)
داوادار نائب السلطنة مَنْجَك.
وصلّي عليه صبيحةَ يومِ الأحد بجامع دمشقَ، وخرجَ في جنازته خلقٌ كثيرٌ من الأعيان وغيرهم، ودُفِنَ بسفح قاسيون تجاه النَّاصرية، ولم يجاوز الأَربعين من العمر، وتأسَّف الناسُ عليه، وحزن عليه أبواه وأخواه
(7)
حزنًا كثيرًا، وكان متولي نظرِ الجامع الأموي نيابةً عن نائب السَّلطنة، ونظر البيمارستان النُّوري، ونظر الأشراف، وغير ذلك، ولم يتَّفق ذلك لأحدٍ قبلَه من الدّويدارية، وكان معه أيضًا إمرة عشرة رحمه الله وسامحه -.
وفي هذا الشّهر رَخُصَتِ الأَسعارُ، وصارَ القمحُ بما دون المئة، ونُودي على الخبز كلُّ رِطْلَيْنِ بدرهمٍ، وأما الشَّعير فإنّه قليل، سعرُه من الخَمسين إلى الستّين والسّبعين أيضًا.
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من ربيع الأوّل: توفّي الشيخُ فخرُ الدين عثمانُ ابن القاضي تقي
(1)
جرجي الناصري الإدريسي. ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 386. نقلًا عن ابن كثير والنجوم الزاهرة 11/ 116.
(2)
في الأصل: (والفروج والزّنا). وليست (الزّنا) فيما نقله ابن قاضي شهبة عن ابن كثير.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(4)
في الأصل: (الجنوبية). تحريف.
(5)
يعني: يُلقون السّلاح، ويَجْنَحُون للسّلم.
(6)
هو: يونس بن أبي بكر بن الحسن الأمير بدر الدين. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 396.
(7)
في الأصل: (وأخويه). وهو غلط.
الدين شيخ الشيوخ عبد الكريم ابن قاضي القضاة محيي الدين يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين محمد بن الزَّكي الشافعي
(1)
.
وصُلّي عليه بالجامع المُظَفَّري، ودُفن بتُربتهم المشهورة بسفح قاسيون، وقد جاوزَ السَّبعين بسنواتٍ، ودرَّس بعد أبيه بالمدرسةِ العزيزيَّة، والفلكيّة، والكلّاسة، والتَّقويَّة، وكان يزعم أنَّه يعرفُ في أصول الفقه شيئًا، وكان إذا أخذ في تدريس تعجّبَ الفضلاءُ الحاضرون عندَهُ من تعبيره عمّا يَرُومه فيما
(2)
يزعُمُ أنَّه فهمه من عبارة صاحب (التحصيل)
(3)
بما لا أحكام فيه ولا حاصِل ولا مَحْصُول. إذ هو من وراء طورِ العُقُول
(4)
، وكان مع ذلك دِّينًا مع صيانةٍ، ويكتبُ على الفتاوى بعجائبَ أيضًا.
رحمه الله وسامحه، وغفر له ولنا وسائر المسلمين - بمنّه وكرمه - آمين.
شهرُ ربيع الآخر، أوّلُه الأربعاء. في يوم الخميس تاسعِهِ درَّس بعده في المدارس المقدّم ذكرُها أخوه محيي الدين عبد الملك بن الزَّكي، وخُلِعَ عليه، وحضر عنده بعضُ القضاة والأعيانِ.
وقدمَ نائبُ السَّلطنة من السَّرحة بعد مضيِّ نحوٍ
(5)
من أربعين يومًا، وقد أقامَ ابن أخته
(6)
في الدّويداريّة عوضًا عن بدر الديّن يونس الدَّارج.
وفي يوم الإثنين طلب نائبُ السَّلطنة الصّاحبَ شمس الدّين البَهْنَسيّ، وألزمه بمباشرة نظر الجامع الأموي عوضًا عن يونُس أيضًا، وكان تمنَّع من ذلك أشدّ الامتناع فباشره، ومنَعَ النَّاسَ من الدُّخول إليه إلا حفاةً على عادة مباشرته الأوُلى.
وفي عشيَّةِ نهار الإثنين قدم مملوكُ قاضي القضاة كمال الدين المعرّي الشافعي من الدّيار المصرية، ومعه مراسيمُ شريفةٌ بوظائف النّاسِ؛ منها: تدريسُ المدرسةِ النّاصريّة، ومشيخة دار الحديث الأشرفية مع نظرها، وأربعمئة دِرْهم في كلِّ شهرٍ على الجامع، وأنظارٌ أُخر.
وخُلعَ عليه في يوم الإثنين من السابع والعشرين من هذا الشهر بدارِ السَّعادة، وخَرَجَ منها معه القضاةُ وجماعةٌ من الأعيان، فحضَرَ دارَ الحديثِ الأشرفيّة قبل الزَّوال بحضرة من معه من القضاة والأعيان، وقرأَ
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 389، نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة 9/ 142 - 143. والذيل التام 1/ 248.
(2)
في الأصل: (ممّا). وأثبت ما عند ابن شهبة. نقلًا عن ابن كثير.
(3)
هو: مختصر محصول الفخر الرّازي في أصول الفقه. السراج الدّين الأرموي (682) هـ) أما الحاصلُ فهو مختصر آخر للمحصول لتاج الدين محمد بن حسين الأرموي (ت 656 هـ).
(4)
في الأصل: (معقول) تحريف. وأثبت ما عند ابن شهبة. نقلًا عن ابن كثير.
(5)
في الأصل: (نحوًا) وهو غلط.
(6)
هو: الصاحب شمس الدين البَهنسي.
القارئُ حديث: (الأَعْمَالِ بالنِّيَّاتِ)
(1)
فتكلَّم عليه شيئًا يسيرًا، ثم [تحوّلوا]
(2)
فَذَهَبوا إلى النّاصرية الجّوانية، فحضرَها، وتكلَّم على بقيَّةِ الحديثِ فيها.
وفي يوم الأربعاء التاسع والعشرين منه: جلسَ بالجامع الأموي في مكان الشيخ برهان الدين الفَزَاري إلى أن صلّى الظُّهر، ثم قام فذهب إلى دار الحديث فحضَرَها على العادة.
شهر جُمادى الأوّل، أوّلُه الخميس. في ليلة الإثنين خامسه، بعد عشاء الآخرة بَدَتْ حُمْرَةٌ عظيمةٌ في السَّماء، بحيثُ أَنَّها غَمَّت ما بين الرَّبوة إلى ثَنْيَةِ العُقاب، ويوجد في تضاعيفها أعمدةٌ بيضٌ، وخفي بسبب ذلك ضوءُ القمر؛ فتباكى الناسُ عند ذلك، وتصارخوا، وصعد المؤذِّنون إلى المآذن
(3)
؛ فذكَّروا وقرؤوا آيات من القرآن، وضجَّ النَّاسُ بالدُّعاءِ
(4)
.
ولو صُلّي لهذه الآية
(5)
على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كالصَّلاة للكسوف وللزَّلزلة والظُّلمة لم يكن بعيدًا.
وجاءت الأخبارُ أنَّ هذه الحُمُرة في هذه الليلة رئيَتْ بحمص وبحماة وبحلب والقدسِ الشريف أيضًا وهذا من أغرب ما رُئي في هذه الأزمان.
وفي يوم الخميس خامس عشره خرجَ الأميرُ قرابُغَا مملوك أمير علي المارداني إلى ولاية الولاة بالبلاد القِبْليّة في تجمُّل هائل بطلبِهِ وطبلخانته وذَويه.
شهر جُمادى الآخرة، أوّلُه السبت. في يوم الجمعة رابع عشره صُلِّي بجامع دمشق بعد صلاة الجمعة على الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنويّ
(6)
شيخ الشّافعية بالديار المصرية، وله المصنفاتُ الكثيرةُ
(7)
، والفوائد الغزيرة، مولده سنة سبعٍ وسبعمئة - رحمه الله تعالى.
(1)
من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. وهو من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولفظه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّما الأعمال بالنِّيات، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نُوى، فمن كانت هجرتُهُ إلى دُنيا يصيبُها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه".
أخرجه البخاري في بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم: (1) ومسلم في كتاب الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية. رقم: (1907).
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
في الأصل: (المواذين).
(4)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 381، والذيل التام 1/ 247، والشذرات 8/ 382.
(5)
الآية: هنا بمعنى العلامة.
(6)
في الأصل: (الإسنائي). ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 387 - 389، والدرر الكامنة 2/ 354 - 356، والنجوم الزاهرة 11/ 114، والذيل التام 1/ 247 - 248 وبغية الوعاة 2/ 92 - 93.
(7)
في الأصل: (مصنفات كثيرة) بلا تعريف.
وفي يوم الخميس السابع والعشرين منه قدمَ الأميرُ بهادِرُ قُلْقَاسِ الرُّكني أحدُ أمراء الطّبلخانات، وهو وكيل السُّلطان، وقد كانَ في أشغال للسُّلطان ببلاد الكَرَك والشَّوْبك فقدمَ يومئذٍ إلى دمشق، فنزل بدار الزَّاهر، ومعه مرسومٌ شريفٌ بنظر الجامع الأموي، فأُمضي له، وتكلَّم في نظره، وراح المباشرون إليه.
شهرُ رجبٍ الفَرْد، أوّلَه الإثنين. خرج حجّاجٌ كثيرٌ رجبيِّين من الأعيان وغيرهم، منهم فخر الدّين بن عصفور، وسيفُ الدّين أبو بكر بن السَّرادار، والشّيخ محيي الدين الرّحبي وابنهُ وأهلُ بيته، وشهابُ الدين الرَّحبي وابنُه وأهلُ بيته، وشرفُ الدّين بن مُنَجَّى، ورسلان بن النَّقش
(1)
.
وفي يوم الجمعة سادسه دخل الصَّاحبُ تاجُ الدين عبد الوهاب بن الصّاحب شمس الدين بن التاج إسحاق من الدّيار المصريّة ومعه تقليد بنظر الدواوين بدمشق.
وصُلِّي يومَ الجمعةِ بعد الصَّلاة بجامع دمشق على غائب، وهو الشَّيخ بدر الدين حسنُ النابلسي الحنبلي
(2)
أحد مشايخ الحنابلة بمصر.
وفي صبيحة يوم السبت العشرين منه داروا بالمَحْمَل السُّلطاني حولَ البَلدِ على العادة، ولم يكن نائبُ السلطنة حاضرًا، بل هو مقيمٌ على جسر القاسميَّةِ بأرض صَيْدا لأجل عمارتِه.
شهر شعبان المكرم، أوّلُه الثلاثاء. في ليلة الثّلاثاء سابعه قدمَ نائبُ السَّلطنة بعد غيبة ثلاثة أشهرٍ وأيام، وقد عمر جسْرَ القاسمية الذي أشار به الأميرُ ألجيه اليوسفي، ووقف على الخان الذي أشار بعمارته الأمير مَنْكَلي بُغَا في الغَوْر عند جِسْرِ المَجَامِعِ.
وفي يوم ثلاثاء ثامنه توفّي الأمير ناصر الدين محمد بن بهادر الشُّجاعي
(3)
أخو الأمير الكبير علاء الدين نقيب النقباء بالشَّام المحروس، وقد قاربَ السَّبعينَ، وكان كثير التَّلاوةِ، حسنَ الصَّلاة، وقد كتب التفسير
(4)
بخطَّة بنَسْخَةٍ حَسَنةٍ في أزيد من عشر مجلدات - رحمه الله تعالى.
وفي يوم الأربعاء تاسعه توفّي الشيخ عليُّ السُّطوحي
(5)
، وصُلِّي عليه بجامع يَلْبُغا، وحضر جنازته نائبُ السّلطنة والقضاةُ والأعيانُ، وجماعةٌ من الفقراء، وكانت جنازتُه حافلة جدًّا، ودُفنَ بمقابرِ بابِ الفراديس، وكان شيخًا يُزارُ، وله عبادةٌ وانقطاع عن النّاس - رحمه الله تعالى.
(1)
هكذا في الأصل.
(2)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 386، والدرر الكامنة 2/ 36 - 37، والنجوم الزاهرة 11/ 117، والذيل التام 1/ 249، والمنهج الأحمد 5/ 139، والشذرات 8/ 382.
(3)
في الأصل: (السجّاعي) بالسين المهملة. ولم أقع على ترجمة له.
(4)
يعني تفسيره هو؛ ابن كثير.
(5)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 390، وفيه: من مُعيّصرة جوان، والدرر الكامنة 3/ 52. وفيه: علي بن سعيد المُعيصري ثم الحوارني، والذّيل التام 1/ 250.
وفي ليلة الإثنين الحادي والعشرين منه هبَّ في الليل وقتَ الثَّلثِ الآخر هواءٌ عاصفٌ [متدارك]
(1)
وما زال كذلك إلى الصَّباح، وقيل: إنه كان معه زَلَزَلَةٌ، وقد أُلقي أشجارٌ كثيرةٌ.
وفي صبيحة هذا اليوم دفعت العين عين الفيجة ماءً عزيرًا، وامتلأت الأنهار بعد أن كانت كما تكون في زمن الصّيف، وأقل من ذلك، وذلك في شهر آذار.
وفي أواخر هذا الشّهر تكاملَ عملُ [فوانيس]
(2)
وقناديل جدَّدها ناظر الجامع الأموي في شمالي الرّواقات كما في القِبْلة، وجاءتْ في غاية الحُسْن والنَّفع ..
شهر رمضان المعظم، أوله الأربعاء. في ليلة الخميس تاسعه توفّي الشيخُ شرفُ الدّين بنُ عبد الكريم
(3)
نقيبُ المُتعمّمين، وإمام إيوان الشّافعية بمدرسة الظَّاهرية، وأحد المقرئين بتُربتها، كان رجلًا خيارًا من أهلِ القرآن، وكان والدُه مقرى البلد، توفِّي فجأة، وصُلِّي عليه بجامع التَّوبة، وقد قارب الثمانين رحمه الله.
وبعده بأيام توفّي جمال الدين عبد الله ابن القاضي زين الدين عمر العامري الشهير بابن قاضي الكَرَك
(4)
، تقلبت به الأحوالُ؛ كتب الحُكْم بين يدي قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي، وبين يدي ابنه تاج الدّين، ثمّ باشر في ديوان النِّيابة فحصل أموالًا جزيلة، وبنى دورًا هائلة، من ذلك بستانٌ هائل غربي الميدان الكبير الأخضر جوار طاحون الحِصنيَة، غُرِمَ عليه أزيد من مئة ألف درهمٍ، وبه كانت وفاتُه في هذا التّاريخ، ودُفن بمقابر الصُّوفية.
وفي العشر الأخير من هذا الشهر خُتِمَتْ البُخَاريّات في الجامع الأموي وغيره من الجوامع والمساجد.
وفيه ثارث جماعةٌ من الفقهاء على واعظٍ قدم من الدّيار المصريّة ادَّعى أنه شريفٌ
(5)
تكلَّم في جامع دمشق من
(6)
على الكرسي الذي بالجانب الغربي منه، فأورد أحاديثَ لا أصل لها، وأُخرى ضعيفة؛ فتلمَّح بعضُ الناس فيه تشيُّعًا، وشهدوا عليه بأشياء، فحُمِل إلى دار القاضي المالكي؛ فمنعَهُ من الكلام على النَّاس، فاجتمع العوامُ وخلقٌ كثيرٌ، وحدثت خبطةُ، وشُهد عليه بأشياء فيها دَرْكٌ عظيم، ثم سكنَت قضيَّتُه.
(1)
في الأصل: بياض قدر كلمة.
(2)
في الأصل: (قوانين). وهو تحريف
(3)
لم أقع على ترجمة له.
(4)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 387.
(5)
في الأصل: (شريفًا). وهو غلط.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
شهر شَّوال المبارك، أوّله الجمعة. في يوم السبت سادس عشره خرجَ المحمَلُ والحَجيجُ، وأميرُهم علاء الدّين بن أُقْجَاي
(1)
أحد أمراء الطبلخانات، وقاضيهم شهاب الدين النِّيني.
وفي أواخر هذا الشهر قدمَ نجم الدين بن فخر الدين السِّنْجاوي من الدّيار المصريّة ومعه تواقيع متعدّدة؛ منها نظرُ الأوقاف، ونظرُ الأيتام، مضافًا إلى ما كانَ بيده من الأَوْصياء، ومعه تذكرةٌ بأمورٍ مُنكرةٍ بأخذ زكاة أموال التُّجَّار، وزكاة أموال الأيتام، وثلث الموصى به من الوصايا للبرِّ والصَّدقات، وأن يُحمل ذلك جميعه إلى الدّيار المصريّة، وعلى يديه أيضًا أن يُؤخذ من قضاة البرِّ ما كانوا بَرْطَلُوا به حتى تولَّوا، فكان جمله ذلك ستة آلاف دينار وأربعمئة وثلاثين
(2)
دينارًا، وهذه طامَّةٌ كبرى، وعلَّم له نائبُ السَّلطنة على ذلك جميعِهِ.
وفي يوم الإثنين الخامس والعشرين منه قدمَ مُسَفَّرُه
(3)
يوم الأربعاء سابع عشر منه، فنزل عنده تجاه المدرسة الأمينيّة وجعلوها محكمة لهم، ووقف ببابه والي البر، ووالي المدينة، ونقيبُ النّقباء، واجتمع عنده نقباءُ ورجالةٌ كثيرةٌ، وجاء للسَّلام عليه كاتب السرّ، وناظرُ الجيش، والقضاةُ، والأمراء، فتطلَّبَ جماعةٌ ممَّن تحت يده من أرباب الوصايا، ومن لهم مالٌ جزيلٌ، ومن تحت يده وصيةٌ أو صدقةٌ؛ فجمع أموالًا جزيلة جمَّةً، وختمَ على مخازن كثيرةٍ بقَيْسَارية الفَرْش، من مخازن الأيتام والأوصياء وغير ذلك، وتكلّم في البلد فخافَ النَّاسُ منه بسبب المسفَّر الذي معه، وفي أرض النّهار يحكم بهذه القضايا الفظيعة، وفي الليل ذُكر عنه أمرُهُ بكلِّ فعائل قبيحةٍ غير مرضية، وأرسل إلى نوّاب القضاة بالبرّ جماعةً من البريدية ليحضُروا، ويُحضِروا ما في التَّذكرة من المصادرة بالذَّهب، ثم كان من أمره ما سنذكره في أَوَّلِ الشهر
(4)
.
شهرُ ذي القعدة، أوّلُه السبت. لمّا كانَ يومُ الأحدِ ثانيه غُلِّقت أسواق البلد جميعُها؛ الخوَّاصين، والرمّاحين، والشّرب، والصَّاغة، وغُلّقت مراكز الشُّهود ومدارس الحكّام، وحضر كثيرٌ من العامَّة، وتواعدَ النَّاسُ للحضور إلى نائب السَّلطنة يتظلّمون
(5)
ابن السِّنجاريّ، وحضر كثيرٌ من العامَّةِ إلى باب الأمينية ليَهجُموا عليه، فعَلَّق دونَهُ البَابَ، فرجَمُوا باب المدرسة، ورجَمُوا الطَّاقات، وكسَرُوا قنديلَ المدرسة، وما زالوا مُحاصريْهَا
(6)
إلى أن دخلَ اللَّيلُ، فلمّا أصبحَ يومُ الإثنين ثالثه اجتمعَ الخلائقُ من كلِّ فجٍّ عميق من أهل مدرسة أبي عمر وغيرهم؛ من القرَّاء والعلماء والصُّلحاء، ورفعوا مصاحف كثيرةً،
(1)
في الأصل: (أَقجبا). تحريف.
(2)
في الأصل: (ثلاثون) وهو غلط.
(3)
في الأصل: (متسفّره). وهو رسوله المختصّ به.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمة. وانطر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 383.
(5)
في الأصل: (يتضلمون) بالضاد. تحريف.
(6)
في الأصل: (محاصرينها). وهو غلط.
ووقَفُوا لنائب السَّلطنة، فأخذَهُم النَّائبُ، ودخلَ بهم إلى دار السَّعادة، وحضر القضاةُ وجماعةٌ من مشايخ العِلْم، وأُحضر السِّنْجاريُّ، فوقف وسِئَل عما اقترحَهُ من هذه التَّذكرة التي جاءت على يديه، فاعترفَ أنَّه أخطأ في ذلك، وأنّه قد رجَعَ عنه، وعَزَلَ نفسه ذلك، وقد أهانه بعضُ الفقراء، وألقى عمامتَهُ عن رأسه، ثمّ أُمِرَ به إلى القلعة في زَنْجِيرٍ فصُحُبَ إليها بحضرة العامة، ولولا ذلك لرَجَمُوهُ حتَّى قَتَلُوه، فكاتب نائبُ السَّلطنة إلى الدّيار المصريّة بصورة ما وقع، فلمّا كان يوم الإثنين سابع عشره أُحضر المذكورُ إلى دار السَّعادة، فضُربَ بين يدي ملك الأُمراء، بحضرةِ القُضاة وكاتب السّر والحَجَبةِ والموقِّعين وغيرهم، ثم قطِّعَتْ أَكْمَامُهُ ورُكِّبَ على جَمَلٍ مقلوبٍ، ونادى عليه المشاعليّةُ، وطيفَ به حَوْلَ البلد، ثم أُودع سجنَ السَّدِّ مقيّدًا، وذلك بمرسوم شريفٍ ورد من مصر، وفيه الأمرُ بالعَدْلِ والرُّجوع إلى الأحكام الشّرعيّة، ورفعُ الظَّلم عن الرعيّة، وقُرِئَ هذا المرسوم بحضرة القضاة والخاصّ والعامٌ، وكثر الدعاء للسُّلطان - أيَّده الله.
وفي يوم الجمعة ثامن عشر منه صُلِّيَ بعد صلاة الجمعة على غائبٍ، وهو الشيخ جلال الدين خطيب بعلبك
(1)
ابن خطيبها محيي الدين الكاتب ابن الكاتب وأخو الكاتب [بهاء الدين محمود]
(2)
- رحمه الله تعالى.
وقد انسلخَ هذا الشّهرُ وليسَ للجامع الأموي ناظرٌ يتكلَّم فيه إلا الأمير قلقاس، والصّاحب شمس الدين البَهْنَسي.
شهرُ ذي الحجة، أوّلُه الأحد. في أواخر يوم الخميس خامسه توفي الأمير تَوَكُّل حاجبُ الحجّاب بالشّام
(3)
، وصُلّي عليه بجامع تَنْكُز، ودُفنَ بتربته التي أنشأَهَا بسطحِ المِزَّة، وحضر جنازَتَه الأُمراء والقضاةُ والأعيانُ.
وفي ليلة الخميس ثاني عشره وقعَ حريقٌ عظيمٌ قريب نصف الليل بسوق كنيسة مريم من عندِ دَخْلَةِ حمَّام علوي مَشْرِقٌ ومَغْرِبٌ نحوًا من ثلاثين أو أربعين دكانًا، واحترق من وراء ذلك من ناحية القبلة قياسيرُ ودورٌ، وسقطت مئذنةٌ قبلي السُّوق تجاه اللبَّانة، وانتهى الحريقُ في أثناء النَّهار من الغد.
وفي أواخر ذي الحجَّة جاءت الأخبارُ من الدِّيار المصرية بأنَّ الأمير أُلْجاي
(4)
اليُوسُفيّ خرجَ عن طاعةِ السُّلطان، ووقف بمن اتّبعه من الأمراء عند قبَّة النصر، وربَّما رشقوا بعضَ السُّهام إلى ناحية قلعة الجبل،
(1)
هو: محمد بن محمد بن عبد الرحيم السُّلمي الشافعي. ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 395 والدرر الكامنة 4/ 186.
(2)
في الأصل: بياض قدر ثلاث كلمات. استدركته من عند ابن شهبة.
(3)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 385 - 386.
(4)
في الأصل: (أُلجيه). انظر تاريخ اببن قاضي شهبة 3/ 384.
وأنَّ السّلطان رسم للأمير مَنْكَلي بُغَا أَن يَخرجَ إليه هو والجيشُ، فخشي من غائلة ذلك، وأن يقتتل
الجيشان، فقال: المَصْلحةُ في ترك ذلك، وأينما ذهبَ أَخَذْناه، فرسَمَ له السُّلطان بنيابة حلَبَ، فامتنع
من قبول ذلك، والتمسَ الرُّجوع إلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، فأجيب إلى ذلك، ولكن تفرَّقَ عنه أصحابُه،
وأخذَ السُلطانُ طائفةٌ من مماليكه، ونفَى آخرين، وحبس آخرين أيضًا، واضمحلَّ أمره، وسقطت
منزلته، وبانت خيانته.
سنة ثلاث وسبعين وسبعمئة، أحسن الله تقضّيها
استهلّت هذه السنة وسُلطان الإسلام بالدّيار المصرية وغيرها وما والاها والحرمين الشريفين والبلاد الشاميّة، والحلبيّة، وما هنالك إلى أذنة وطرسوس وأياس من بلاد الأرمن
(1)
. السّلطان الملك الأشرف صلاح الدين شعبان بن أمير حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، وليس له نائبٌ بالدّيار المصريَّة
(2)
، وقضاة مصر هم المذكورون قبلها.
ونائب الشام الأمير سيف الدين مَنْجَك، وقضاةُ دمشقَ هم المذكورون في التي قبلها أيضًا، وكذلك كاتبُ السِّرَ، وناظرُ الجيش، ووكيل بيت المال، ونقيبُ الأشراف، وناظر الحِسبة؛ هم المذكورون في التي قبلها، وناظرُ الدواوين الصاحبُ تاج الدين بن شمس الدين التاج إسحاق، ووالي المدينة الأمير ناصر الدين بن الغَاوي، وحجوبيّة الحُجَّاب شاغرة بعد وفاة تَوَكُّل.
شهرُ الله المحرّم، أوّلُه الثلاثاء. في يوم الخميس سابع عشره لبسَ الصَّاحِبُ شمسُ الدين البَهْنَسي خلعةً بنظرِ الجامع الأموي بمرسوم شريفٍ أوردهُ البريدُ؛ ففرح النَّاسُ به، وأُوقدت له الشُّموع، ودعوا له.
وقَدِمَ الحُجَّاجُ نهار الخميس رابع عشر منه، وأخبروا بوفاة الخطيب زين الدين
(3)
، خطيب جامعِ التّوبة، وهو الشّريفَ الجَعْفَريّ في مرجعِهِ من الحجّ يوم الثلاثاء الخامس عشر من المحرم بعد مَعَانِ بمرحلة أو مرحلتين، ودفن هناك - رحمة الله تعالى، وكان من أماثِلِ الناس وأحاسنهم وأكارمهم، وقد درَّس وأفتى وقرأَ الحديث قراءةً حسنةً، وكتب كتابةً حسنةً منسوبةً، وابتنى دارًا بمحلَّةِ حَجَر الذَّهب اتجاه الخاتُونيَّة الجوَّانية من غربها، وهي دارٌ
(4)
حسنةٌ، وكان يلبَسُ حسنًا ويأكلُ طيِّبًا، وكان قد نزل عن
(1)
في الأصل (الأردن). تحريف.
(2)
لموت الأمير علي المارداني في المحرّم كما تقدّم.
(3)
هو: عمر بن عثمان بن مؤمن بن حازم، الخطيب السيّد الشريف.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 406 - 407 نقلًا عن ابن كثير، وإنباء الغمر 1/ 31 - 32 وفيه:(ابن موسى) تحريف. والذيل التام 1/ 254، والشذرات 8/ 392 وفيه:(ابن موسى) أيضًا.
(4)
في الأصل: (وهي دارًا). وهو غلط.
وظائفه حين خرج إلى الحجّ للشيخ الإمام العلامة عماد الدين الحُسْباني، وهو صهر
(1)
أبيه السيّد المذكور، فلما جاء خبرُه ولاهُ ملكُ الأمراء وظائفه جميعها فباشرها [من يومه، وخطب]
(2)
بجامع التَّوبة نهار الجمعة، وهو الخامس والعشرين من المحرّم، وحضر عنده جماعةٌ من الأعيان والأصحاب، وخطب جيدًا بفصاحة وبلاغة وإجازة، وصلَّى صلاةَ كاملةً، قرأَ فيها {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]، كما جاء في الصحيحين
(3)
، ودرّس في الجاروخية يوم الأحد سابع عشر منه، وحضر عنده جماعة من الأعيان، وأخذ في قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] الآية.
وفي صبيحة يوم السبت سادس عشر منه: خرج الأمير علاء الدين بن أقجاي
(4)
الحموي الذي كان أميرَ الحاجّ هذه السنة من التّرسيم من دار العدل بسبب ما كان أسدى إلى النَّاس من الظُّلم في طريق الحجاز، فخرجَ إلى حمام تَنكُز وأخذ الموسى ليستحدَّ بها فجبَّ
(5)
مذاكيرَهُ وأُنْثَيَيْه وهلةً واحدةً، فخرج ودمُه يسيلُ على فخذيه وسيقانه، فرجع إلى دار العدل ماشيًا، فأُعلمت التَّراسيم للحجَّاب ونائب السَّلطنة بذلك فلامُوه على ذلك، وحملوه إلى بيته مغشيًّا
(6)
عليه بحيث إنّه يموتُ فلم يمت.
وفي أواخر هذا الشّهر وقَعَ خانٌ على مَنْ فيه خارجُ باب الفراديس اتِّجَاهَ قَنَاةِ العَوْنِي، وهو ملاصقٌ عمارة نائب السّلطنة مَنْجَك التي
(7)
بناها حمامًا
(8)
. فمات فيه جماعةٌ من الناس، وغالبَ الدَّوابِّ التي كانت فيه.
شهر صفر المبارك، أوله الخميس. في العشر الأوسط منه قدم الأمير علاء الدين طَيْبُغَا الذي كان حاجب الحجاب بحماة على حجوبية الحجَّابِ بدمشق عوضًا عن الأمير تَوَكُّل، فنَزَلَ في دار الذَّهب أيامًا قلائل، ثمّ تّحوّل إلى دارِ مَلِك آص
(9)
جوارِ جامع يَلْبُغا بمحلة سوقِ الخَيْل.
(1)
في الأصل: (زوج). وهو وهم.
(2)
في الأصل: بياض قدر ثلاث كلمات.
(3)
رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب: ما يُقرأ في صلاة الجمعة. رقم (878) من حديث النُّعمان بن بشير. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ، في العيدين وفي الجمعة، بسبّح اسم ربَّك الأعلى، وهَلْ أتاك حديثُ الغاشية.
قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحدٍ، يُقرأ بهما أيضًا في الصَّلاتين.
(4)
تقدم (ص 631 / حاشية: 1) أن "أقجبا" تحريف.
(5)
في الأصل: (فجمّ) وما أثبتهُ عن الذيل التام 1/ 252. والمعنى واحدٌ.
(6)
في الأصل: (مغميًّا). وما أثبته عن الذيل التام.
(7)
في الأصل: (الذي) تحريف.
(8)
في الأصل: (حمامٌ). وهو غلط.
(9)
دار حسنة وتربة إلى جانبها شمالي جامع يلبغا. بناها الأمير سيف الدين ملك آص. المتوفّى سنة (756 هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 95.
وفي هذا الشّهر توفّي شهابُ الدين أحمدُ بن بَلَبَان
(1)
كاتب حُكْم المالكية، وأحدُ المُفتين على مذهب الإمام مالك، خلف مالًا كثيرًا وولدًا صغيرًا.
وتوفّي الأميرُ عِراقُ
(2)
في العشرين منه وهو أحدُ الأمراء المقدَّمين الألوف، وقد جاوز المئة أو جازها، فلمّا كَبِرَ ستْه أُعطي طَبْلخاناه؛ وذلك لضُعْفه وكِبَرِ سِنّه، وأُعفِيَ من الخدمة، وصلّي عليه عندَ بابِ النّصر، ودُفنَ بتربته التي أنشأها اتجاه مسجد الفلوس من الغرب تحت مئذنة صُهيب.
وفي هذا الشّهر اشترى نائب السلطنة مَنْجَكَ حَجَرَ ماءٍ وأضافه إلى نَهْرٍ كَفَرْسُوسَيَة، ثم مع نهر الكريمي، ثم فصَلَه فأجراه في قناةٍ وحدَه إلى جسر الفحل
(3)
وذكروا أنَّه أطلق منه فرعًا لزاوية الأحمدية، وفرعًا لمسجد هناك أيضًا، وابتنى هناك حوضًا هائلًا، وأجرى إليه الماء من النَّهر المذكور، وهذا الحوضُ هو الذي أمر بإحضاره من أراضي الصَّنَمين، وجرُّوه على العَجَل من هناك، وطولُ هذا الناووس
(4)
نحوٌ من ستَّة أذرع على ما ذُكر، وارتفاعُه من الأرض نحو ثلاثة أذرعٍ وأزيد، وسيأتي ذكرُ تاريخ قدومه، ثم إنَّ هذا الماءَ يُسقى به أراض هناك، يباع لها.
شهرُ ربيع الأول، أوَلُه الجمعة. في ليلة ثاني عشره عملت المواليدُ في الجامع الأُموي على العادة، ولكن بالغَ النَّاظرُ في الوقيد، وعُلّقت الثَّريا بين القُبَّة والمئذنة وقناديل كثيرة بمئذنة العروس.
وفي العَشْرِ الأوسط منه توفّي القاضي شمس الدين الحواريُّ
(5)
أحد نواب الحكم العزيز عوضًا عن قاضي القضاة كمال الدين الشَّافعي، وكان قد نابَ في الحُكْم في جهات كثيرة؛ منها القدس الشريف، وإياس من معاملة حلب، وكان مشكور السيرة.
وفي ليلة الثالث والعشرين منه قدمَ الإمامُ العلامة برهان الدين بن جماعةٍ خطيب القدس الشريف، فنزل في المدرسة الأمينية، فذهبَ النَّاسُ السَّلام عليه على العادة.
ولما كان يوم الإثنين خُلعَ عليه بنظرِ الحَرَمَيْن القدس والخليل، وألا يُقطع أمرٌ دونَه.
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 401، والدرر الكامنة 1/ 145، والذيل التام 1/ 255، والشّذرات 8/ 388.
(2)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 405، وإنباء الغمر 1/ 28. وفيه: عراق بن عبد الله التركي. والذيل التام 1/ 256.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين، وسيأتي على ذكره بعد قليل.
(4)
هو حوض محفورٌ من الحجر، وكأنه من مقابر النصارى. اللسان (نوس).
(5)
هو: محمد بن موسى بن ياسين بن مسعود القاضي. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 408، وإنباء الغمر 1/ 33. وفيه:(الحوراني).
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين منه انكسفَتِ الشَّمسُ بعد صلاة الظهر، وصَلَّوْا صَلاةَ الكُسُوف بالجامع الأموي، وخطب الخطيبُ أيضًا.
وفي أواخره أصلح نائبُ السلطنة خانَ السَّبيل الذي بمحلة القابون، وأَصْلَحَ الصِّفَافَ
(1)
التي فيه [ومد أرضه]
(2)
وعمّر المسجد الذي فيه، وساق إليه ماءً إلى البركة التي فيه.
شهر ربيع الآخر، أوله الأحد. في ليلة رابع عشره انْكَسَفَ القمرُ، واستمر إلى وقت التَّسبيح.
شهر جمادى الآخر، أوله الإثنين. في يوم الأربعاء ثالثه حكم القاضي بدر الدين الزُّرعي الذي هو نائبُ الخِطَابة بالمدرسة العادلية الكبيرة نيابةً عن قاضي القضاة جمال الدين المَعَرّي الشافعي.
وفي يوم الإثنين خامس عشره ورد البريدُ من الديار المصرية بطلب الخطيب بُرهان الدين بن جَمَاعة خطيبِ القدس إلى الدّيار المصرية؛ لتولّية قضاء القضاةِ الشّافعية بها، عوضًا عن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء عُزل عنه، وقد كان الخطيبُ برهان الدين قدمَ إلى دمشق لزيارة أهلِهِ، فأقام نحوًا من خمسين، يومًا، فلمَّا كانَ في هذا اليوم بعينه خرج متوجهًا إلى القدس الشريف، وقد أُضيف إليه نظرُ الأوقاف بها كما تقدّم، فاختلف هو والبريديُّ القادم في الطَّريق، فبات الخطيب برهان الدين في الكُسْوة، فلمّا أصبحَ بعث في طلبه إلى دمشق فعادَ الثلاثاء، فكُوتب بسببه إلى نائب السَّلطنة وكان غائبًا بأرض حمص، فولّى نائبُ السلطنة خطابةَ القدس الشريف لابن عمّه عماد الدين إسماعيل ابن الشيخ برهان الدين إبراهيم ورسم للخطيب بُرهان الدين بخيل البريد، ثمَّ سافر الخطيبُ برهان الدين إلى القدس الشريف، فقضى أمورًا تخُصَّه، وخطَبَ هنالك يوم الجمعة السادس والعشرين منه على العادة خطبة بليغةً، فخشعت ووجلتْ منها القلوبُ، وذرَفَتِ العيون، وهي خطبةُ مودع؛ فبكى الناسُ بكاء كثيرًا لفراقه، ثم توجَّه إلى الديار المصرية صحبة البريد، فخرج كُلُّ القدس في تويدعة إلى الخليل، وباتوا هنالك، ثم ساروا إلى الدِّيار المصرية في عَشَرة سروجٍ.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأربعاء. في يوم السبت رابعه قدمَ نائبُ السَّلطنة مَنْجَك من الصَّيد بعد غيبة أسبوعين وأكثر، وكانت الأمطارُ متداركةً جدًّا، وقد مُدّت الأودية في حوران وغيرها، ومُلِئَتِ البلادُ آبارُها وبَرِكُها ولله الحمد والمنة.
وفي يوم الأحد خامسه كان دخولُ الخطيب برهان الدين إلى الدّيار المصرية، وقد تلقّاهُ أكابرُها إلى أثَنَاء الطّريق، فدخلها في [أبهَةٍ]
(3)
هائلة، وفي هذا اليوم اجتمعَ بالسلطان الملك الأشرف، وجلس هو
(1)
الصِّفاف: جمع صُفّة، وهي البَهوُ الطويل. اللسان (صفف).
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
وإياه فولاه القضاء كما وقع عليه الاتفاق من الأمراء وغيرهم، فامتنع من ذلك مرارًا، ثم ألحَّ عليه السُّلطانُ، وأقسم عليه، فسكَتَ وأطرق فأمر السلطان بإحضار خلعةٍ فأُفيضَتْ عليه، واشتَرَطَ شروطًا كثيرةً يعودُ نفعُها على الناس، فالتزم له السَّلطان بذلك، ثم خرج من بين يديه في أبَّهة عظيمة، وخرج معه أعيانُ الدّولة، وحَجَبَهُ الأميران الكبيران مَنْكَلي بُغَا وأُلجاي
(1)
اليوسفي إلى باب القلعة، وركب الحَجَبَةُ بين يديه، وأُوقِدَتْ له الشُّموع من باب القلعة إلى المدرسة الصَّالحية الذي فيها سكنُه بين العَصْرَين، فراحَ النّاسُ لتهنئته حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء المعزول عن المنصب، فتلقاه تلقيًا حسنًا، وأكرمه إكرامًا زائدًا، وفرح أبو البقاء بولايته لما يعلَمُ فيه من الرِّياسة والإحسان.
قال والدي الحافظ ابن كثير
(2)
: فما سمعنا في هذه الأَعْصَار بولاية أَكْمَلَ من هذه، ولا أبعد من تُهْمَةِ الرّشوة منها، بل قد ذُكر لنا أنه قيل: إنَّ عليه دين كثير فالتزم
(3)
بقضائه - فالحمدُ لله رب العالمين.
شهرُ رجب الفرد، أَوّله الجمعة. في نهار الإثنين حادي عشره داروا بالمَحْمَل حَوْلَ البلد على العادة في تجمُّلٍ هائل، واحتفالٍ زائدٍ جدًّا.
وفي يوم الجمعة ثاني عشر منه صُلِّيَ بعد الصَّلاة بالجامع الأموي صلاة الغائب على قاضي القضاة سراج الدين الهندي الحنفي
(4)
بالديار المصرية بالديار المصرية، توفي بها - رحمه الله تعالى، وذكروا أنَّه ولي القضاء بعد قاضي القضاة صدر الدّين ابن قاضي القضاة جمال الدين ابن قاضي القضاة علاء الدين بن التُّركُماني.
وفي آخر يوم منه قدم البريدُ [من أراضي]
(5)
حلب برجل طويل بائن، لم يُرَ في هذه الأعصار أطول منه، ذكروا أنَّ طوله أربعةُ اذرعٍ بالحديد، وعرضُ أكتافه ذراعين، وهذا طولٌ زائد جدًّا.
شهر شَعبان المكرّم، أولُه السبت. في نهار الإثنين ثالثه ركب نائب السلطنة مَنْجَك إلى الصَّيد، وذكروا أنه استصحب معه نحوًا من تسعين عَليْقةً، وربَّما أنَّه لم يحضُر إلا بعد عيدِ الفطر، فالله أعلم.
وفي العشر الأوسط منه توفّي الخطيبُ شمس الدين محمد ابن الشيخ عز الدين محمد المقدسي الحنبلي
(6)
، خطيبُ الجامع المظفَّري بسفح قاسيون، وكان شيخًا صالحًا عابدًا زاهدًا عالمًا مفتيًا، له يدُ
(1)
في الأصل: (ألجيه).
(2)
نقله السخاوي في أحداث سنة (773 هـ) في الذيل التام 1/ 252.
(3)
يعني السلطان.
(4)
هو: عمر بن إسحاق الغَزنوي الهندي.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 405 - 406، 406، والدرر الكامنة 3/ 154 - 155 والنجوم الزاهرة 11/ 120، والذيل التام 1/ 254، والشذرات 8/ / 391 - 392.
(5)
في الأصل: طمس قدر كلمتين. انظر الذيل التام 1/ 253 والخبر فيه.
(6)
ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 200. وفيه: محمد بن علي المقدسي والذيل التام 1/ 255.
طُولى في علم الفَرائض كعمه العزّ عبد الرحمن، وقد قارب السبعين أو جازَها، دُفن بسفح قاسيون رحمه الله.
وجاء الخبرُ في العشرين من هذا الشهر بوفاةٍ الشّيخ بهاء الدين أحمد بن السُّبكي
(1)
بمكّةَ، كان مجاورًا هنالك بأهله وبني أخيه تاج الدين عبد الوهاب، فاتَّفق موتُه هناك في التاسع من رجب في هذه السَّنة قالوا: وفي هذا اليوم توفّي سراج الدّين الهندي بمصر
(2)
، وهذا اتّفاقٌ غريبٌ
(3)
.
كان
(4)
رحمه الله عالمًا فاضلًا بارعًا لديه يدُ طُولى في الشِّعر الرّائق، وكان صيّنًا عابدًا كثيرُ الحجِّ والإعتِمار والمُجاورة، درَّس بعد أبيه في المَنْصورية بمصر في جامع ابن طُولون، وتولَّى خطابتِه، ودرَّس في تُربة الشّافعي والشَّيخونية، وولي إفتاء دار العدل بمصر، ثمَّ قضاء العساكر بها، وحكم بدمشق قاضي قضاتها خلافةً عن أخيه تاج الدِّين، وباشر أخوهُ
(5)
جهاته بمصر، ثمّ عادَ كلُّ منهما إلى منصبه، ولمّا توفّي بهاءُ الدين المذكور درَّس بترية الشافعي وبالمنصورية قاضي القضاة بهاءُ الدين أبي البقاء السُّبكي، وبجامع ابن طولون نيابة عن أولاد بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي المتوفَّى المذكور، وأُخذت الشَّيْخونية لضياء الدين قاضي القِرْم، وباشر قضاء العساكر قاضي القضاة سِراجُ الدّين البُلقيني، وحضر عند قاضي القزم بالشَّيْخُونيّة وقتَ درَّس بها الأميرُ مَنْكَلي بُغَا وجماعةٌ من الأمراء، ثم عُيّن قضاءُ الشّام لقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السُّبكي الشافعي وذلك في السابع والعشرين من شعبان، ودرس بقبَّة الشافعي وبالمنصورية قاضي القضاة برهانُ الدين بن جَماعة، فحضر عنده قضاةُ القضاة والأميرُ مَنْكَلي بُغَا وغيرهم.
شهرُ رمضان المعظّم [أولُه الأحدُ]
(6)
وقيل: الإثنين. قرئَتِ البُخاريات في أوَّل يوم في أماكن متعدّدة [تحت قبَّة النَّسر]
(7)
من الجامع الأموي، وبمسجد ابن هشام، وبجامع تَنْكُز عليَّ، وفي أماكن غير ذلك.
وفي العشر الأوسط منه وردّ مرسومُ السُّلطان من الدِّيار المصرية بأنَّ السَّادَةَ الأشراف يعملوا في
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 401، والدرر الكامنة 1/ 244، وإتحاف الورى بأخبار أم القرى لابن فهد 3/ 317، والذيل التام 1/ 255.
(2)
تقدّم الكلام عليه قبل قليل.
(3)
في الأصل: (وهذا اتفاقًا غريبًا). وهو غلط.
(4)
عود إلى الكلام على السّبكي.
(5)
في الأصل: (وباشر أخيه). وهو غلط.
(6)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(7)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات.
عمائِمِهم علائِمَ خُضْرًا؛ ليُعرفوا ممَّن سواهم، ونادى المشاعليّةُ بذلك في أرجاء البلد، فعُمل بذلك.
وفي أواخره قدم من الدّيار المصريَّة على البريد القاضي علاءُ الدّين بن شَمَرْ يُوخَ، ومعه توقيعٌ بوكالة بيت المال وقضاء العساكر، وتوقيعُ الدَّست له ولابنه، ونظرُ
(1)
الجوالي ونظر
(2)
الجيش
(3)
، وغيرُ ذلك من الجهات، فمن ذلك تدريس الإقباليّة التي كانت مدرّسها الشيخُ عماد الدين الحُسْباني، وأشياءُ كثيرةٌ، ثم راح إلى نائب السَّلطنة، وقدمَ معه في نهارِ الإثنين سلخَ الشّهر المذكور من هذه السنة.
شهرُ شوّال المبارك، أَوّلُه الثلاثاء. خرج المحملُ والحَجيجُ يوم الخميس عاشره، وأميرُهم الأمير كلماس بن كلتيه أخو طاز.
وخرج إلى الحجِّ في هذه السنة الست كللتي بنت القاضي علاء الدين بن فضل الله، كاتب السر الشريف بالديار المصرية كان رحمه الله.
وفي العشر الأوسط منه: وصل الحَجَرُ الذي رسَمَ نائبُ السُّلطنة بإحضاره
(4)
إلى دمشق من أراضي الصَّنمين، فوضعوه عند جسر الفحل، وقد تقدّم ذكر ذلك
(5)
.
وفي يوم الإثنين الحادي والعشرين من شوال: لبس قاضي القضاة كمال الدين المعرّي الشافعي خلعةً بالعود إلى قضاء القضاة
(6)
على عادته، وذلك بعد أن رُدَّ من بُصرى؛ لأنَّه كان قد خرج إلى الحجاز فردَّه البريدُ، فلبس يومئذٍ.
وفي هذا اليوم درَّس القاضي شهابُ الدين الزُّهري بالمدرسة الجارُوخيَّة
(7)
، انتزعها من الشيخ عماد الدين الحُسْباني بمرسومٍ شريفٍ وكريمٍ، وحضر عنده القضاةُ.
وفي هذا الشهر كَمُلَ بناء حمّام بمدينة بُصْرى بالقرب من جامعها شرقيِّهِ، فجاءَ في غاية ما يكون من الحُسْن، ودخلَهُ الحجيجُ في هذه السنة، يقال: إنه لم يكن له نظير
(8)
في بلاد بصرى ونواحيها، بل ولا بدمشق، وهذا الحمّام أنشأه نائبُ السلطنة مَنْجَك - حرسه الله تعالى.
شهر ذي القعدة، أوّلُه الأربعاء، وقيل: الخميس. في نهار الخميس ثانيه: خُلع على القاضي
(1)
في الأصل: (نضر) بالضاد. تحريف.
(2)
في الأصل: (نضر) بالضاد. تحريف.
(3)
في الأصل: (الحشر). تحريف.
(4)
في الأصل: (بإحظاره). تحريف.
(5)
في شهر صفر.
(6)
في الأصل: (القضاء). تحريف.
(7)
داخل باب الفراديس، لصيقة الإقبالية. انظر الدارس 1/ 173.
(8)
في الأصل: (نضير) بالضاد. تحريف.
ولي الدين بن أبي البقاء بعودِهِ إلى الوكالة عوضًا عن ابن شَمَرْيوخ، وكذلك بقضاء العساكر للقاضي فتح الدين كاتب السر، واستقرَّت الإقباليةُ في يد الشَّيخ عماد الدين الحُسباني بمرسومٍ شريف.
شهر ذي الحجّة، أولُه الجُمُعة. في نهارِ السّبت ثانيه رسم نائبُ السلطنة مَنْجَك بخرابٍ أماكن بينَ النَّهرين ظاهر البلدِ غربيَّ جامعِ يَلْبُغا، ثم ركب يوم الأحد إلى هناك، وفعل ذلك بحضوره، وهو قطع أشجار صفصاف أُنشئت هنالك، وهَدم
(1)
حوانيتُ مُحْدَثة أيضًا، وذهب للناس بسبب ذلك شيءٌ كثيرٌ من عمائم ومناديل، وسجاجيد، وغير ذلك، ثم توجَّه نحو مكان آخر أحدثَهُ جمالُ الدين بن الرُّهاوي في الوادي أيضًا سمَّتْهُ العوامُ قَطيَاء بين الجَبْهة وجسر ابن شواش، فرسم بخراب ذلك جميعه أيضًا فتمَّ ذلك، وكانت هذه المحلَّات يجاهرُ فيها بالمعاصي والفواحش والمنكر من شُرْبِ الخَمْر، وأكل الحشيش، وغير ذلك؛ فتضاعفت الأدعيةُ من أهل الصَّلاح لنائب السَّلطنة بدوام أيَّامه، ثم نادت المنادية في داخل البلد وظاهره بألا يبايع التجَّارُ امرأةً شابةً، ولا تجلسُ له على دكان إِلَّا ضُرِبَ، وخُلقَت لحيتُه، وطيفَ به.
وفي هذا اليوم: درّس الشيخ عماد الدين الحُسباني في الجاروخيّة، استعادها من القاضي شهاب الدين الزُّهري بمرسوم شريف.
وفي هذه السنة كَمُلَ بناءُ مدرسةٍ أنشأها الخواجا زين الدين عبد الرحمن الأَسْعَرْدي بالقرب من البيمارستان النوري شماليه بغرب، ورُتِّبَ فيها إمامٌ ومؤذنٌ وشيخُ قرّاء وهو شمسُ الدّين بن الجزريّ، وأُحدثت خطبةٌ بخان السّلطان العتيق خُطب فيها من قبل هذا الشهر، والله أعلم، والذي أحدثَها شمس الدين محمد بن المسلوت اللبَّان - أثابه الله وتقبّل منه.
سنة أربع وسبعين وسبعمئة، أحسن الله تقضيها
استهلّت هذه السنة وسُلطان الإسلام بالشّام والدّيار المصرية والبلاد الحلبيّة والحَرَمين الشَّريفين وما والى ذلك السُّلطان الملك الأشرفُ صلاح الدين شَعْبان بن أمير حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصَّالحي، وليس له نائبٌ بالدّيار المصرية.
وقضاةُ مصر قاضي القضاة برهانُ الدّين بن جماعة خَطيب القُدس الشريف كان، وقاضي القضاة صدر الدين بن جمال الدين بن التُّركماني الحنفي، وقاضي القضاة علم الدين الأَخْنَائي المالكي، وقاضي القضاة ناصر الدين نَصْرُ الله المقدسي الحنبلي، ونائب دمشقَ الأمير سيف الدين منجك - أعزه الله، وقضاةُ دمشق قاضي القضاة كمال الدين المَعَرّي الشافعي، وقاضي القضاة نجم الدين ابن قاضي القضاة
(1)
في الأصل: (خراب). وما أثبته أشبه. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 400.
عماد الدين بن العزّ الحنفي، وقاضي القضاة زين الدين المارُوني المالكي، وقاضي القضاة علاء الدين بن العسقلاني الحنبلي، وبقيَّةُ أرباب الدولة مثل كاتب السرّ، وناظر الجيش، وناظر الدواوين، ووالي المدينة، ووكيل بيت المال، وناظر الحسبة، ونقيب الأشراف هم المذكورون في التي قبلها، وناظر الجامع الصاحب شمس الدين البَهنَسي، وحاجب الحجَّاب الأمير يَلْبُغَا الذي قدم من حماة، وشادُّ الأوقاف الأمير بدر الدين بن أَوْحَد.
شهرُ الله المحرّم، أوُله السبت. وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه درّس القاضي تاجُ الدّين أحمدُ ابن قاضي القضاة فتح الدين
(1)
كاتب السر بمحراب الحنفيّة بجامع دمشقَ، فحضر عنده القضاة وبعضُ الحجَبَة وأعيانُ الناس، وكان عليه خِلعةٌ بطرْحَةٍ من عند نائب السلطنة، وهذا التَّدريس في الحقيقة عن تدريس مدرسة الطيّبة التي عند باب الخوّاصين عوضًا عن شمس الدين بن عُبَيْد، فإنه تولّى قضاء حمص عوضًا عن القاضي كمال الدين محمد بن الصائغ
(2)
المتوفَّى في شهر الحجّة من السنة الخالية، وكان شابًا حسنًا رئيسًا رحمه الله تعالى.
ودخل المحمَلُ وبقيَّةُ الحجَّاج في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين منه فأخبروا بما لاقوه بوادي الأخيضر من الحرّ العظيم، والعطش الشديد، وأنَّه مات ألوفٌ من الناس بسبب ذلك من المشاة وغيرهم، ثم سلَّم الله تعالى، وله الحمدُ والمنّة.
وفي العشر الأخير منه: درَّس بالمدرسة الرُّكنيّة الحنفية بسفح قاسيون، والمدرسة المقدميّة داخلَ باب الفراديس الشيخ شهاب الدين أحمد بن خضر الحنفي، مفتي دار العدل
(3)
.
شهر صفر، أوله الإثنين. في يوم الثلاثاء ثانيه صُلّي بجامع دمشق على الأمير سيف الدين بهادرُ
(4)
الملقَّب بقلقاس، ودُفن بمقابر باب الصّغير عند قبر الشّيخ حمَّاد، وقد فرح غالبُ الناس بموته فرحًا شديدًا؛ وذلك أنَّه كان وكيل السّلطان، وكان يشتري البضائع بالنّاقص عن أثمانها، ويُنقص أموالَ النَّاس من التُّجَّارِ، ويَبْخَسُ الثَّمَنَ، ففرحوا بموته.
(1)
هو: تاج الدين أحمد بن القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن الشهيد انظر الدارس 1/ 255.
(2)
هو: محمد بن عبد الله بن محمّد، كمال الدين، أبو الغيث الأنصاري المعروف بابن الصائغ.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 407. والدرر الكامنة 3/ 484، والنجوم الزاهرة 11/ 120، والشذرات 8/ 393.
لم يأت ابن كثير على ذكره في وفيات السّنة الفارطة.
(3)
انظر الدارس 1/ 399 - 400.
(4)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 418.
وفي العَشر الأخير منه توفّي الشيخُ نجم الدين طاهرُ التّبريزي
(1)
بالخَانقاه السُّمَيْسَاطية، كان قد قدم من بلاد الشرق في أيام ملك الأمراء تنكُز، وحُظِي وحظي عنده، وكان معه بضائع كثيرة وجواهر نفيسة، فقدَّم منها لملك الأمراء تنكز، وحظي عنده؛ وولاه أنظارًا كبارًا ووظائف، وكان من أحاسن النّاس، وعندَهُ رئاسةٌ وحشمةٌ وإحسانٌ إلى الناس، وله مآثرُ كثيرة، ومن مناقبه أنَّه كفَّنَ الشيخ جمال الدين المزِّي من ماله - رحمهما الله تعالى - ثم إنّه قلَّ ما بيده فنزل بالخانقاه السُّمَيْسَاطيّة إلى أن توفّي.
وفي أواخر العَشر الآخر من هذا الشهر قدمَ على نَظَر الدوّاوين الصَّاحِبُ جمالُ الدين عبدُ الله بن عبد الحقّ الحلبي - يعرف بابن البطيش
(2)
- عوضًا عن تاج الدين بن شمس الدين بن التاجِ إسحاق، فلبس الخِلْعَةَ بدارِ السَّعادة، وهنّأَهُ النَّاسُ بذلك.
شهر ربيع الأول، أوَلُه الثلاثاء. في أوّل يومٍ منه توفي القاضي شمس الدين القفصي المالكي
(3)
الذي كان ينوبُ في الحكم للقاضي جمال الدين المسلَّاتي.
وفي يوم الإثنين سابعه حكمَ بالعادلية الكبيرة نيابةٌ عن قاضي القضاة كمال الدين المعرّي القاضي تقيّ الدين محمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد الظَّاهري.
وفي العشر الأوسط منه خرج نائبُ السَّلطنة ومعه جماعةٌ من الحجَّاب وأرباب الوظائف نحو الكُسوة، ومن عزمه تأسيس خانقاه بمحلَّة الكسوة، وتمَّ ذلك.
وفي أواخره قدم من الدّيار المصرية القاضي سريُّ الدين أبو الخطَّاب ابن قاضي القضاة جمال الدين المسلَّاتي المالكي على تدريس الرُّكنية التي كانت لأخيه لأمِّه بدر الدين بن أبي الفتح، ومشيخة دارِ الحديث الظَّاهرية، وفُتيا دار العدل، فخُلع عليه وباشر ذلك جميعه.
وقَدِمَ من الدّيار المصرية شخصٌ، وادعى أنَّه شيخ السُّلطان، ومعه تمرٌ فطرحهُ على النَّاس أصحاب الأسواق، وثمَّنَهُ كلُّ تمرةٍ بدِرْهم
(4)
.
شهر ربيع الآخر، أوّلُه الخميس. في ليلة الثلاثاء السابع والعشرين منه، وهو السادسُ والعشرون
(5)
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 419، وفيه: ظافر بن أبي بكر بن محمود الشيخ نجم الدين التبريزي ثم الدمشقي، وإنباء الغمر 1/ 45. وفيه طاهر كما ها هنا.
(2)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 411. وفيه (ابن البطش).
(3)
هو: محمد بن يوسف بن صالح، أبو عبد الله القفصي.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 425، والدرر الكامنة 4/ 196، والذيل التام 1/ 262، والشذرات 8/ 407.
(4)
انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 411. نقلًا عن ابن كثير.
(5)
في الأصل: (والعشرين) وهو غلط، والخبر في إنباء الغمر 1/ 33.
من شهر تشرين الأول، وقعَ مطرٌ عظيمٌ وراعدٌ قويٌّ، وجاءت زيادةٌ هائلةٌ إلى أن سدَّت أبواب الأنهار. وانكسر بعضُها، وانقلبَ الماءُ جميعُه إلى نهر بردى؛ فتلِفَ بسبب كثرة الماءِ شيءٌ كثيرٌ، وبَطَّلَتْ طواحينُ كثيرةٌ وحمَّامات، وهذا شيء لم يُعهد.
شهر جُمادى الأولى، أوّله الجمعة. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفّي الشيخ تقيُّ الدين محمد بن رافع السَّلَّامي الشّافعي
(1)
بمحلة الزّويرانيَّة، وصلي عليه من الغد بالمصلى، ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله كان من طلبة الحديث، وأسمعهُ والدُه الكثير، وقرأَ المنهاجُ للنَّووي في الفقه، ودرَّس في أماكن كثيرةٍ من دور الحديث؛ من ذلك النُّورية والقُوصية، والفَاضليّة، والعزّيّة البرّانيّة، وتنزَّل في المدارس بين الفُقهاء، منها الشّاميّة البرّانية، وكان قد غلب عليه الوسواس في الوضوء، فلقي من ذلك شدَّةً وعناء - سامحه الله.
وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه حضرتُ الدَّرس بدار الحديثِ النُّوريّة
(2)
، وحضر عندي قاضي القُضَاة الشّافعي، وجماعةٌ من الفضلاء وغيرهم، وكانَ الدَّرْسُ فيما يتعلق بالثُّلاثيَّات
(3)
الواقعة في الكُتبِ السِّتَّة.
وفي العَشْرِ الأخير من هذا الشهر: ورد البريدُ بتقليد الأمير الكبير سيف الدِّين بَيْدَمِر نيابةً طَرْسُوس ومعاملتها وما يلوذُ بها من البلدان، وبإمرة طَبْلخاناه بمدينة حلب المحروسة.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأحد. في اليوم الثامن منه توفّي الشيخُ الإمامُ العالمُ شمسُ الدّين محمدُ بن المَوْصلي
(4)
بسكن دار الحديث الأشرفيّة، وصلّي عليه بعد صلاةِ العَصْرِ بجامع دمشق، ودُفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السّبعين بسنوات رحمه الله قرأ القرآن والفِقه، وسمعَ الحديث، وكان غالبُ مقامِهِ بطَرَابُلس، ثم انتقل إلى دمشق قبل وفاته بنحوٍ من بضع وعشرين سنةً، وكتب خطًّا حسنًا فائقًا، وقال شعرًا رائقًا، نظم (المنهاجَ) للشَّيخ محيى الدّين النَّووي، وقدَّمه للملك عماد الدين صاحب حماة؛ فأعطاه جائزةً حسنةً، ألف درهم، وخِلعةٌ، وحظي عنده، ثم أقام بدمشقَ، وولي خطابة جامعِ يَلْبُغا، وخطبَ فيه جمعةً أو جمعتين ثمّ عُزِلَ عنه، ووليهُ الحنفيَّة، وكان أحد المصدَّرين بالجامع الأموي،
(1)
صاحب كتاب الوفيات. ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 421 - 423، والدرر الكامنة 3/ 439 - 440، والنجوم الزاهرة 11/ 124، والدارس 1/ 70، والذيل التام 1/ 260 والشذرات 8/ 403.
(2)
الحاضر ابن كثير. يتحدَّث بضمير المتكلّم مُمْليًا على ولده.
(3)
المراد بها الأحاديث المتَّصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بثلاثة رواة.
(4)
هو: محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان، أبو عبد الله البعلي، المعروف بابن المَوْصلي.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 424، والدرر الكامنة 4/ 188، والذيل التام 1/ 261، وبغية الوعاة 1/ 228، والشذرات 8/ 406.
وحضر مشيخة الحديث بالفاضليّة الذي بالكلّاسة، وتردَّد إلى بعض الفِقَاهات بالمدارس، وكتب ربعاتٍ كثيراتٍ، وكتب البُخاري، وخلَّف كتبًا كثيرةً، وخلَّف ولدَيْن، وترك لهما تركةً كبيرة جدًّا نحوًا من مئة ألف درهم رحمه الله وإيانا وسائر المسلمين، آمين.
وفاة الأمير مَنْكَلي بُغَا نائب دمشق، كان. وفي يوم الجمعة ثالث عشرة صُلِّي على الأمير مَنْكَلي بُغَا الشَّمسي
(1)
بعد صلاة الجمعة صلاة غائبٍ، كان من خيار الأُمراء سيرةً، عنده فضيلةٌ في العربيّة والفقه، وكَتَبَ حسنًا، وقد نابَ أولًا في مدينة صَفَدٍ، ثم طرَابُلُس، ثم انتقل إلى نيابة حلب، ثم باشر نيابة الشام، فأَثّرَ بها آثارًا حسنةً مشهورةً، وأحسن إلى أهلها وأحبُّوه، ونظر في أوقاف الجامع فعَمَرها، وعمَّر القَيْسَارِيَتَّيْنِ
(2)
، وهُما قِبْلي سوقِ التُّجَّار، وكانتا في غاية ما يكون من الحُسن، وهما دَهَشَةٌ للرّجال ودَهْشَةٌ للنِّساء، رتَّبَ عليها درس التَّفسير وولّاني إيّاه، ورتب سبعًا وقتَ السَّحر، وخمسين يتيمًا يتعلَّمُون القرآن، لكلِّ يتيم في كلِّ شهرٍ عَشَرَةُ دراهم، وفَتَحَ باب كَيْسان، وقد كان مغلقًا من زمن نور الدِّين الشهيد، وحصل بفتحه فرجٌ عظيم، وانكشفت به حارَةُ اليَّهودِ اللّعينة، وعمَّر مسجدَ الشَّهْرَزُوري
(3)
، وأنشأ فيه خُطبةً، ولم يُسبق لمثل ذلك، فأرفق الناس بها شيئًا كثيرًا، وعمَّر مسجد خالد بن الوليد داخلَ بابِ الشَّرقي، ورفع الماءَ من نهر يزيد إلى أعالي النّاصرية البرَّانيَّة، وإلى أعالي بيمارستان الصَّالحيَّة، فارتفقُوا به، وزادت أوقافُهم.
رجَعَ إلى نيابة حلبَ فبنى بها جامعًا حَسَنًا بخُطبةٍ، ثم طُلِبَ إلى الدّيار المصرية مكرّمًا معظّمًا، فصار مالك رأس المشورة، وأتابَكِ الدّيار المصريّة، ونَزَل بالأشرفية، ونَظَر في الأوقاف المَنصورية فعمَّرَها وثمَّرَها، وبعثَ مالًا جزيلًا فعمَّر به خانًا هائلًا عند جسرِ المَجَامع بالغَوْر، فارتفقَ المسافرون به رِفقًا عظيمًا، وكذلك عمَّر خانًا بقرية سَعْسَع من إقليم دمشق، فارتفقَ النَّاسُ به أيضًا، وقد كانت محلَّته قبل ذلك يَقْطَعُ الطَّريقَ فيها أهلُ تلك النَّاحية - فجزاه الله خيرًا ورحمه.
وقد جمعتُ له سيرةً مُفردة في أوراق عديدة وسميتها "ما يُنتقَى ويُبْتَغى في سيرةِ المُقرّ السَّيْفي مَنْكَلي بغا"
(4)
.
(1)
ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 426. وفيه: (وقد جمع شيخنا ابن كثير له سيرةً وقرأها عنده). والدرر الكامنة 4/ 363، والنجوم الزاهرة 11/ 124، والذيل التام 1/ 263. وفيه نقل عن ابن كثير. والشذرات 8/ 407. وفيه نقل عن ابن كثير أيضًا، وإعلام النبلاء 2/ 362 - 363.
(2)
انظر البداية والنهاية 16/ 458، وتاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 262 - 263.
(3)
في الأصل: (الشَّهرزوري) بالسّين، وأثبتّ ما في الدارس 2/ 244.
(4)
أشار إليها ابن حجّي. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 426، والسخاوي في الذيل 1/ 263 نقلًا عن ابن كثير نفسه.
وفي يوم الأحد خامس عشره صُلِّي على الشيخ شمس الدّين السَّمَرْقَندي
(1)
، ودُفنَ بمقابرِ بابِ الصَّغير عندَ الشَّيخ حمَّاد
(2)
، كان فاضلًا عالمًا عابدًا كثير البذل، لا يقتني شيئًا، يقتدي بأخلاق الصُّوفية وفقه الفقهاء، ويُؤْثِرُ على نَفْسه رحمه الله.
وفي هذا الشهر تكامل بناءُ القَيْسَاريَّة التي أنشأهَا واعتنى بتجديدها وبنائها الصُّاحِبُ شمسُ الدين البَهنَسي ناظرٌ الجامع المَعمور، وقد كانت على هيئةٍ ضعيفةٍ قد تداعَتْ إلى الخراب، فبناها على هيئة حسنة التي
(3)
ليس لها نظيرٌ في البلد، وهي قبلي الصَّاغة، وقد فُتِحَ إليها من الصَّاغَةِ بابان مُحْدَثان، وسُدَّ البابُ المعهود الذي كان قبل ذلك، ووُسِّع فيها أماكنُ كثيرةٌ، ورباعٌ وبيوتٌ، وساقَ الماءَ إلى دكانِ الفقاع، وضُمِّنَتْ هذه القَيْسَاريَّة وما يليها في السَّنةِ بنحوٍ من خمسين ألفِ دِرْهمٍ.
وفي أواخرِ هذا الشَّهر أيضًا تكامل بناءُ الحمَّام الذي أنشأه نائبُ السَّلطنة مَنْجَك، وهو خارجُ بابِ الفراديس، وجاء في غاية الحُسْن والبَهاء والزَّخْرَفَةِ، والرُّخام الهائل والأَجْرِنَةِ المُتَّسِعة الكبيرة، وهذا الحمَّام لم يُرَ له نظيرٌ في آفاق الأرض.
شهرُ رَجب الفَرْد، أوّلُه الثلاثاء. استهلّ هذا الشّهرُ والأمطارُ قليلةٌ جدًّا، وأكثرُ القَرَايا بحَوْران يردُون ليس عندهم من الماء ما يكفيهم، وقد انسلخ شهرُ كانون الأولِ والأَمْرُ على ما ذكرنا.
وفي ليلة الجمعة رابعه وقع حريق في محله دورِ بني فضل الله داخل باب الفراديس، فأَتلف شيئًا كثيرًا من عمائرهم، وأماكن كثيرة، فأحرق القاعة الكبيرة، وطبقةً هائلة فوقها، وبعض البحرة، وبعضَ القاعة الأخرى، وذهبَ بسبب ذلك أثَاتٌ كثيرٌ، ولا سيّما أنَّه كان ساكنًا بالمكان المذكور أميرٌ كبيرٌ، فإنَّه عدم
(4)
له شيء كثير.
ولمَّا كان ليلة النصف منه، وهو العاشر من كانون الثاني: سقطت أمطارٌ عظيمة، وثلجٌ كثيرٌ وبَرَدٌّ، واستمرَّ ذلك ليالي وأيامًا
(5)
، وفرح المسلمون بذلك جدًّا، وجاءتِ الأخبارُ عن بلاد حوران وما والاها بأضعاف ذلك، ولله الحمد والمنة.
وكذلك وقعت أمطار كثيرةٌ وثلوجٌ هائلة، وتدارك ذلك ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً، في العَشْرِ الأخير
(1)
هو محمد بن علي. المعروف بابن العطار.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 423 نقلًا عن ابن كثير.
(2)
هو: الشيخ الصالح العابد الزاهد حماد الحلبي القطّان. توفي سنة (726) هـ) ودفن بباب الصغير. انظر البداية والنهاية 16/ 198.
(3)
هكذا هي في: الأصل.
(4)
في الأصل: (عُدّ). تحريف.
(5)
في الأصل: (ليالٍ وأيام). وهو غلط.
منه، واستمرَّ ذلك أكثر من جَمُعةٍ، وحَصَلَ بسبب ذلك بَرْدُّ شديدٌ؛ فطابت القلوبُ بذلك، واطمأنَّتِ النّفوس، وزالَ عن أهل حَوْران ما كانوا فيه من الورد، وجرت الأوديةُ، وامتلأت الآبار والبركُ وفاضَتْ، وغَمَرتِ الجبلَيْن الشرقيَّ والغربيَّ الثلوجُ بما لا يُحدُّ ولا يُوصفُ، ولله الحمدُ والمنّة أولًا وآخرًا.
شهرُ شعبانَ المكرَّم، أولُه الخميس. في مستهلّه لبسَ الصَّاحِبُ تاجُ الدين عبدُ الوهاب ابن التاج إسحاق خلعةً بنظرِ الدَّواوين بدمشقَ عودًا على بدء
(1)
، وعُزلُ الذي كان قبله بحكمِ عَجْزِهِ عن المباشرة وقلَّة معرفته.
هذا آخر ما أملاه عليَّ الوالدُ الحافظُ ابنُ كثير - رحمه الله تعالى - ممَّا اتفق في ضُعفه الذي توفيّ فيه، ولم يتفق في أيّام مرضِهِ شيءُ
(2)
من الحوادث إلا وفاةُ صدر الدين
(3)
أحمد ابن إمام المشهد
(4)
في يوم الخميس ثامِنِهِ، كان من أصْحَاب الحديثِ، وله اشتغالٌ رحمه الله
(5)
.
* * *
(1)
وكان قد عُزل في صفر بالصاحب جمال الدين بن البطش الحلبي. انظر تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 411 و 412.
(2)
في الأصل: (شيئًا) وهو غلط.
(3)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(4)
هو: أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي، الشهير بابن إمام المشهد.
ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 415.
(5)
إلى هنا انتهى كتاب ابن كثير البداية والنهاية وفق ما صرّح به ابنه عبد الرحمن.
وهو ما يوافق ما صرح به السخاوي في الذيل التام 1/ 259. في سنة (774 هـ) قال: "وفي أثناء شعبانها انتهى (تاريخ العماد بن كثير). وكان من حين ضَرَرِهِ وضُعْفه يُملي فيه على ولده عبد الرحمن ا. هـ.
تعليقة ولده عبد الرحمن
(1)
وفاة والدي الحافظ ابن كثير
(2)
تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنَّتِهِ
تمرض أيامًا يسيرة مرضًا لا يشغلُه عن شهودِ الصَّلاة، ثُمَ ثَقُل في مرضه في أوائل شعبان من هذه السنة، وكان غالبُ ما حصل له من القُولَنّج
(3)
، وبه ماتَ شيخُه الحافظُ أبي الحجَّاج المزِّي
(4)
، ثم تقاصر عنه ذلك، وتماثل أمرُه فأَدْخلناه الحمّام بإشارة الأطباء، وذلك أنَّه عَسُرَت عليه الإراقة، ولم يزل كذلك إلى يوم الخميس الخامس عشر من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمئة وقت الثالثة قُبضت روحه رحمه الله وبلَّ بالرَّحمة ثراه، آمين - عن ثلاث وسبعين سنةً وشهورًا، فغُسِّل في سكنه بدرْبِ السّيرجي بالكُجُك، غَسْلُه، فما تم حتى امتلأت تلك النواحي خلائق، رجالًا ونساءً، وهم يَصْدَحُون بالبكاء والصُّراخ، فلما فرغ من الغُسلِ، أُخرج من البيت، وقد اجتمعَ النَّاسُ والأمراءُ على بابِ الدَّرْب منهم؛ الأمير زين الدّين زبالة، والأميرُ صارم الدّين البَيْدَمِري، والأمير ملَكَ ابن أُخت طاز، والأمير علاء الدّين بن الشّجاعي، وأمراء عشرات؛ منهم سيف الدّين أبي بكر بن بُراق، وأبو بكر بن زبالة، وغيرهما، وهم يحجزونَ النَّاسَ عن نَعْشه، وقد أمتلأتِ الطُّرقاتُ من هناك إلى الجامع، وامتلا الجامع وصحنُهُ والكلَّاسة وبابُ البريد، وبابُ السّاعات إلى اللبَّادين والنّوارة.
(1)
في آخر شهر جمادى الآخرة من أحداث سنة (770) هـ)، كتب عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمر بن كثير المؤلف. "هذا آخر ما كتبه الشيخ بخطّه؛ ومن ها هنا أملى عليَّ، وأذن لي في تعليقه:
أملى عليَّ والدي الحافظ إسماعيل بن كثير - مد الله في أجله، وختم بالصالح عمله".
شهر رجب الفرد، الفرد، من سنة سبعين وسبعمئة، أوّله الجمعة .. " الخ.
(2)
تقدمّ ذكر مصادر ترجمته في مقدمة الكتاب.
(3)
القُولَنجُ: مرض معروف، وهو بضمّ القاف وإسكان الواو وفتح اللام. ويقال فيه: قولون. وليس بعربيّ. وهو مرض يحدث بالأمعاء، انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 279.
(4)
هو: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف الشيخ الإمام العلامة الحافظ الكبير شيخ المحدّثين، وعمدة الحفاظ، أعجوبة الزمان أبو الحجاج القضاعي الكلبي الحلبي ثم الدمشقي المِزّي. وهو والد زوجة ابن كثير. توفّي سنة (742 هـ) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 290، وتقدّم الكلام عليه في البداية والنهاية 16/ 297.
خرجت
(1)
الجنازة وقتَ الرّابعة من النَّهار أو نحو ذلك، فوُضعت في الجامع والأمراءُ يحفظونها
(2)
من النّاس من شدَّةِ الزّحام، وصُلّي عليه هناك، تقدَّم في الصلاة عليه القاضي بدر الدين الزُّرعي نائبُ الخِطَابِة، وخرجت جنازَتُه من باب البريد، واشتدَّ الزّحام بباب البريد، وألقى النَّاسُ على نعشه المناديل والعمائم للتَّبرُّك، وتزاحم الأمراء كلٌّ منهم يرومُ أن يحمل نعشه، فحملوه بالنَّوبة، وصارَ النَّعش على رؤوس الناس؛ تارةً يتقدَّمُ وتارةً يتأخَّرُ، وخرجَ النَّاسُ من أبواب الجامع الثلاثة: الزّيادة، وباب البريد، وباب الناطفانيين لكثرتهم، وأوّل باب أشدُّ زحمةٌ من الأخير، ثم خرجوا إلى باب الفراديس وباب النّصر، ومنه خرجتِ الجَنَازةُ، وكان الزِّحام به أكثر من سائر الأبواب، وصُلّي عليه خارج باب النّصر، وحُمِلَ إلى مقبرةِ الصُّوفيّة، فدُفِنَ إلى جانب قبر الشيخ الإمام تقيّ الدّين بن تيمية شمالية، وكان دفنُه وقتَ العَصْر أو قبلها بقليل، وغلق الناسُ دكاكينهم، ولم يتخلَّف عن حضور الجنازة إلا القليلُ من النَّاس أو من عجز عن الزّحام، هذا ولم يعلم به أهلُ الصَّالحيَّةِ إلا في أثناء النّهار؛ فلم يحضُرُ غالبُهم الجنازةُ إلا بعد الدَّفن، وصَلَّى عليه النَّاسُ أرسالًا قبل الدَّفن فوجًا بعد فوج، وجاء أهل الصَّالحية بعد ذلك فصلُّوا عليه بعد الدَّفن كذلك، وحضرها نساءٌ كثيرٌ حُزِرْنَ بخمسة عشر ألفًا، وأمّا الرِّجال فحُزِروا بستّين ألفًا، وتردَّد الناسُ إلى قبره أيامًا كثيرةً متعدّدة يقرؤون القرآن هناك، ويهدون
(3)
له، ويتذاكرون المنامات التي رُئيت له بعد وفاته، وحصل في الجنازة ضجيجٌ، وبكاءٌ، وصراخٌ، وتضرُّع.
ورثاه جماعة بقصائد جمَّة.
توفي رحمه الله وله من العمر ثلاث وسبعون سنة وشهور
(4)
، وله من الأولاد اثنا
(5)
: عشر ولدًا؛ ستَّةٌ ذكورٌ، وهم: كاتبُه عبدُ الرحمن وعمرُ، ومحمّدُ، وأحمد الأوّل، وأحمد الثاني، وعبدُ الوهاب، وستُّ
(6)
بنات
(7)
، وهن: مُغْلٌ، وفاطمة، وعائشة، وزينب، وستيتة، ورابعة، وله زوجتان.
وله من التّصانيف شيءٌ كثيرُ؛ فمن ذلك التاريخ، وسماه (البداية والنّهاية) نحو خمسين جزءًا بخطّه، و (التَّفسير) نحو الخمسين جزءًا أيضًا بخطّه، و (التكميل) أربع
(8)
مجلدات ضخمة بخطه، و (الأحكام
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(2)
في الأصل: (يحفضونها) بالضاد. تحريف.
(3)
في الأصل: (يهدده) وهو غلط.
(4)
في الأصل: (شهورًا) وهو غلط.
(5)
في الأصل: (أثنَيْ) فهو غلط.
(6)
في الأصل: (ستة) وهو غلط.
(7)
في الأصل: (ستات) تحريف.
(8)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
الكُبرى) شيءٌ وأربعون
(1)
جزئًا بخطّه، و (أحكام التّنبيه)
(2)
مجلد ضخم بخطّه، و (اختصار الميزان) كراريس عديدة ما يزيد عن الثلاثين بخطه و (جامع المسانيد والسُّنن الهادي لأقوى سَنَنْ) وقد بيّضته، في ثمانية أجزاء
(3)
، و (سيرة أبي بكر) مجلّد بخطّه، و (سيرة عمر) مجلد بخطه، و (تهذيب الكمال)
(4)
مختصرٌ بخطّه، و (سيرة العمرين) جزأين بخطه وله جزأين بخطه في (ترجمة الشافعي) وترجمة صاحب
(5)
(التنبيه) - رحمهما الله تعالى - و (كتاب الجهاد) جزءٌ بخطّه، وجزء آخر في فضل الأيام العشر وما يتعلق بأمرهم، وله (مقدّمة في النحو) وما يتعلّق به، ثلاثة أجزاء صغار بخطّه، وأما الفوائد والغرائب والمقدمات وأجزاء مجالس حديث وما يتعلق بذلك وغير ذلك فشيءٌ كثيرٌ ممَّا لا أقدرُ على عدّ أجزائه، ذلك بخطّه، وقد ألَّفت من ذلك أربع مجلدات من خطّه، منها مجلد في (فضائل الشهور)؛ رجب وشعبان ورمضان، وفضل عشر ذي الحجة وما يتعلّق بيوم عرفة وعيد النّحر، وفضل العشر الأول من المحرّم وما يتعلق به وتاسوعاء وعاشوراء وشهر المحرّم، وله شعر أيضًا منه مديحٌ وغزلٌ ووعظٌ وحِكَمُ وغير ذلك، وقد تقدّم ذكرُ شيء من المديح الذي قاله في الأمير مَنْكَلي بُغَا، وكذلك المرثاة التي رثى بها ابنه يحيى، وغير ذلك. وكان رحمه الله يتمثَّل بهذِهِ الأبياتِ في مَرَضِهِ الذي توفّي فيه، وهي قصيدةٌ عشرة أبياتٍ نظمَها في سنة اثنتين وستين وسبعمئة، قوله [من الطويل]:
لَئِنْ كانتِ العُقبى إلى دارِ جَنَّةٍ
…
فلستُ أُبالي حينَ تُقْضَى منيّتي
سلامٌ على الدُّنيا وطيب نَعيمها
…
سلامٌ عليكُم يا أَهُيْل مودَّتي
سلام امرئ ما حادَ عن سُنَنِ الهُدَى
…
وما زاغَ عَنْها قِيْدَ خُطْوةِ
سلامُ امري ما زالَ - والله - موقنًا
…
بما جاءَ في القُرآنِ والسُّنَّةِ الّتي
رواهاه الثِّقاةُ الحافظُون لَمَتنِهَا
…
وإسنادِها من كلِّ حَبْرٍ وحُجَّةِ
(6)
عليهم سلامُ اللهِ في كلِّ بُقْعَةٍ
…
وفي كلِّ عصرٍ من أصيلٍ وصُبْحَةِ
وأرجو من الله الجزيلِ عَطَاؤُه
…
بأن يجبُر الأطفال من بَعْدِ غَيْبَتي
ويسترَهمُ في هذه الدّارِ إِنَّه
…
لطيفٌ بما يختاره بمشيئة
(7)
(1)
في الأصل (أربعين) وهو غلط.
(2)
في الأصل: طمس قدر كلمة.
(3)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات.
(4)
في الأصل: بياض قدر كلمتين.
(5)
هو أبو إسحاق الشيرازي.
(6)
في الأصل: (الحافضون) بالضاد، تحريف.
(7)
في الأصل: (بمشيئته). وهو غلط.
ويرزقهم من حيثُ
(1)
لا يعلمونَهُ
…
ويُلحقهم بي في النَّعيم برحمة
[ .... .... ]
(2)
وممّا قاله رحمه الله يوم الخميس ثالث صفر
(3)
، سنة أربع وستين وسبعمئة [من الطويل]:
أما آنَ أنْ تُهْدَى بمَا أَنْتَ قَارِئٌ
…
مِنَ الوَحْي [
…
]
(4)
وَمَا جاءَ بالنَّقْلِ الصّحيح مصرَّحًا
…
به عن نذير العالَمينَ محمّدِ
وتَرْجِعَ عن رأي الفَلاسِفَةِ الأُولَى
…
فما مِنْهُمُ إلا غبٌّ غيرُ مُهتدِ
جهولٌ بما جاءَ النَّبِيُّون من هُدًى
…
عليمٌ بِمَا لا يَنْفَعُ المَرْءَ في غَدِ
يظنُّ بأن قَدْ نالَ عِلْمًا مُعَظَّمًا
…
ويَنبُه بهِ عِنْدَ الطَّعام المفنّدِ
(5)
ولكنَّه عند الأئمة كلّما
…
ترفَّعَ كِبْرًا في الحضيض المُبْعد
وما ذاك إلا أنَّ ما في صُدُورهم
…
من العِلْم عن خَيْرِ البَريَّةِ أَحْمَدِ
وأَغْنَاهُمُ عن كلِّ علمٍ لدى الوَرَى
…
سوى عليم ممن يروح ويقتدي
فإِنَّ إله العرش خَصَّ محمّدًا
…
بشرعٍ حَوَى كلَّ البَيَانِ المُوَطّدِ
فلا علم إلا ما أتى من جنابه
…
عَليْهِ سلامُ اللهِ في كلِّ مُشَهَدِ
وممّا قالَهُ في العَشْر الأخير من الحجَّة سنة ثمانٍ وستين وسبعمئة [من الطويل]:
تَمُرُّ بَنَا الأَيام مَرًّا وإِنَّما
…
نُساقُ إلى الآجالِ والعَيْنُ تَنْظُرُ
فلا عائدٌ
(6)
ذاكَ الشَّبابُ الَّذِي مَضَى
…
ولا زَائِلٌ هَذا المَشِيبُ المُكَدِّرُ
ومن بعدِ ذا فالعَبْدُ إِمَّا مُنْعمٌ
…
كريمٌ، وإما في الجَحِيمِ يُسعّرُ
(7)
شهر رمضان المعظم، أَوّلُه الجمعة. في أواخرِ العَشر الأوسط منه وَرَدَ من الدِّيار المصريّة أميرٌ يُقال له: طَقْتَمِر الحَسَني، وهو أخو أُلجاى اليوسفي، وعلى يده مرسومٌ شريفٌ سلطانيٌّ بعرض الجيوش في سائر البلاد؛ دمشق وحلب وحماة وحمص وطَرَابُلُس وغزّة وغير ذلك، فجاءَ فنزلَ بالقَصْر الأَبْلق، وراحَ النَّاسُ إِلى خدمتِهِ
(1)
في الأصل: (حديث). تحريف.
(2)
ذكر أنها قصيدة من عشرة أبيات، فهذه تسعة منها، والعاشر مطموس في الأصل لم تتوجه لي قراءته. ولم أقع عليه في مصادر أخرى.
(3)
في الأصل (عشر) تحريف.
(4)
في الأصل: طمس قدر ثلاث كلمات لم تتوجّه لي قراءتها.
(5)
الطّغام: أوغاد الناس، وأراذلهم. اللسان (طغم).
(6)
في الأصل: (يدُ). تحريف.
(7)
الأبيات في الذيل التام 1/ 259، والأول والثاني منها في إنباء الغمر 4761، وفي الشذرات 8/ 398. وفيه:(تترى) مكان (مرًّا).
من نُقباءِ الجيش والحَجَبة والوُلاة وأرباب الدّولة، وانزعج الناس بسببه وتكدَّرت خواطرهم خصوصًا الجند والأُمراء، وشدَّد في ذلك على نُقباءِ الجيش، وصمَّم عليه، فأنكر نائب السلطنة قضيته. وحضرَ نائبُ السّلطنة
(1)
وقت العرض، وأَرْفَق بالنَّاس، فعرض الأمراء الأُلوف، ثم الطّبلخانات، ثم العَشَرات، ثم أَجناد الحلقة، وقطع هذا المذكور أخبار بعض النَّاس، ولولا نائبُ السَّلطنة قطعَ أخبازًا كثيرة، ولكن لم يمكّنه من ذلك.
وقد جمعوا لهذا الأمير المذكور مالًا جزيلًا من العسكر بسبب هذه القضية، فجعلوا على الأمير المقدّم ألفٍ خمسة آلاف درهمٍ، والطَبلخاناه ألفين وخمسمئة، والأمير عشرين ألّفين، والأمير عشرة ألفًا وخمسمئة، وأمّا جُنْد الحَلَقة ففرضوا ذلك غير الإقطاعات كل ألف وعشرين درهم، وذلك بزعم أنَّه تسفير، فحصَّل من ذلك شيئًا كثيرًا نحو خمسمئة ألفِ درهم أو أزيد من ذلك، ودخل إلى القلعة المنصورة، وعرض الحواصل والخزانة العالية الشريفة، وذكروا أنَّه أخذَ منها تراكيش مجوهرة، وزرديّة من عمل داود، وعدة قسيّ حلقة قديمة، وسيوف من صواعق، وغير ذلك، وهذا شيءٌ لم يُعهد في هذه الأعصار؛ فإنَّه فضح العسكر، وكان في جندِ الحلقة من لا طاقة له لما أَلْزَموه إلى وزنه من المبلغ المذكور، لكن يستدينه أو يُرهن شيئًا، ثمّ فُعَل ذلك في بلاد حلب وتلك النواحي وغيرها من البلدان؛ فحَصَل له بذلك شيء كثير من المال والمتاع والخيل والتَّقادم، فلا جزاه الله خيرًا
(2)
.
وفي هذا العشر تطلبّوا أصحاب الأموال من التُّجار وغيرهم بدمشقَ ليُباع عليهم بضائع لأُلجا اليوسفي من ذلك: سكّر، وزجاج، وفولاذ، وطرحوا ذلك على المذكورين وعلى الأسواق المعروفة به بأضعافِ ثمنه، وألزموا بوزن الثمن في ذلك الوقت، ورسموا على من حضر منهم، ومن لم يحضُر تطلبّوه وختموا على بيته، ومسَكُوا أقاربه وألزموهم بإحضاره، وربّما ضَرَبوا بالمقارع بعضهم، واختفى غالبُ التُّجَّار وأصحابُ الأموال، ومنهم من دارى عن نفسه بمالٍ كثيرٍ حتى أُعفي من ذلك، ونال الناس من ذلك شدّةٌ، واستمر ذلك إلى آخر شهر رمضان.
وختمتِ البخاريات في العشر الآخر منه على العادة تحت قُبَّة النسَّر، وعند محراب الصّحابة.
وفي هذا العشر أيضًا لبس الأميرٌ سيف الدين أبو
(3)
بكر الطَّرائفي أحدُ الأمراء العشرات خلعةً بولاية البّر بدمشقَ عوضًا عن سيف الدين أبي
(4)
بكر الهدباني بحكم وفاته.
شهر شوّال المبارك، أوله السَّبت. في نهار الخميس سادسه غُلّقتِ أسواقُ دمشق جميعُها: الخوّاصين
(1)
هو: مُنْكلي بغا. انظر إنباء الغمر 1/ 24 - 25.
(2)
في الأصل: طمس قدر سطرٍ. فحواه دعاء ابن كثير لابن علي طَقْتَمِر على هذه المظلمة.
(3)
في خ: (أبي). وهو غلط.
(4)
في خ: (أبو) وهو غلط.
والرياحين، والشِّرب، والفرش، والدهشتين، والصَّاغة، والنحاسين، والبزوريين، والزجّاجين من اللبّادين، وغير ذلك، بسبب أنَّهم يُطلبون ليَطْرَحوا عليهم ما تقدَّم ذكرُه من بضائع اليوسفي.
فلمّا كان يومُ الجمعة سابعه: اجتمعوا في الجامع الأموي وقت صلاة الجمعة واستغاثوا وتضرّعوا بالدّعاء والابتهال، وتباكى النّاسُ بسبب ذلك، وتظلّموا إلى نائب السلطنة، واستمروا كذلك نحوًا من ربع ساعة فسلّموا الدولة روعهم، ورسم نائب السّلطنة أن يُكتب محاضرُ بصورةِ ما وقع، وطلب كاتب السرّ إلى بريديه في الحال، وكاتب إلى الديار المصرية في ذلك، ونادى المشاعليَّةُ بعد الصلاة في البلد بأن بيعوا واشتروا، وطيّبوا خواطر الناس، وأنّه لا ظلم ولا طرحان، فطابت خواطر الناس وكثرُ الدعاء لنائب السلطنة بدوام أيامه فجزاه الله خيرًا.
وفي هذا العشر؛ أعني العشر الأوّل من هذا الشهر دارَ الحمَّام الذي أنشأه نائبُ السلطنة مَنْجك ظاهرَ البلد عند قناة العَوْني خارج باب الفراديس، وهو حمَّامٌ لم ير مثلُه في الآفاق، وليس له نظير في كثرة الرُّخام، وقد تقدَّم ذكره ممَّا أملاه والدي، وهذا الحمام ليس فيه من الخشب سوى أبوابه، وجميعه عقد أقباء كلس وحجر من داخله إلى خارجه
(1)
.
وخرج المحمل السَّلطاني والحجيجُ يوم الخميس ثالث عشره، وأميرُ الركب الأمير بدر الدين بن العسكري أحد الحَجَبة، وحجَّ في هذه السنة من الأعيان قاضي القضاة كمال الدين المعرّي الشافعي، ونجم الدّين بن الجابي أحدُ المفتين والمدرّسين بدمشق، وبرهان الدين الصّنهاجي المالكي، ومن عزمهما المجاورة هناك، والأمير ناصر الدين بن شاذبك
(2)
.
شهر ذي القعدة، أوله الإثنين. في أوائله نادت المشاعليّة في أرجاء البلد بمرسوم نائب نائب السَّلطنة: أنَّه من عارض تجارَ السّلطنة الإفرنج من جهوات وغيرهم في فُرَجهم أو غير ذلك ضُربَ بالمقارع.
وفي عشية نهار الأحد سابعه توجَّه الأمير طَقْتَمِر الحَسَني الذي كان قدمَ بسبب عرض الجيوش كما تقدّم ذكره نحو الدّيار المصريَّة، وذلك بعد قدومه من بلاد حلب وما والاها من البلادِ والقلاع - لا كتب الله له سلامته ولا جزاه خيرًا
(3)
.
شهر ذي الحجة، أوله الثلاثاء. في نهار الأحد سادسه: سُمع راعدٌ عظيمٌ متدارك، وسقطت أمطارُ عظيمةٌ وغالبُها على أراضي وادي بردى: فزادت المياهُ زيادةً عظيمةً، وتغيَّر الماء بسبب ذلك، وحمل النهر حملةً هائلةً بحيث إنّه خرَّب جسورةً كثيرة وطواحين كثيرة بطلت و [هدمت جسور]
(4)
كثيرة، ومن
(1)
ذكره ابن قاضي شهبة في تاريخه 3/ 412.
(2)
في الأصل: (شاربك). تحريف.
(3)
هو أخو ألجاي اليوسفي. وتقدّم خبره.
(4)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
جملة الهدم الجسر الذي في الرّبوة الخشب، وارتفاعه عن النهر [نحو الذراعين]
(1)
وأخذ في طريقه قبَّةَ خشبٍ كانت عند حمَّام الربوة، وهدَم جسر ابن شواش وجسر طاحون الأعجام، وفاض الماءُ إلى سوق الخيل، وامتدَّ إلى باب الفراديس ومُنع الناسُ من المرور في الطّرقات، وصارَ يجري من سوق الخيل إلى ناحية باب الفرج شهرًا
(2)
.
وفي نهار الثلاثاء ثامنه: وردتِ الأخبارُ من الدّيارِ المصرية بوفاةِ الخَوَنْده
(3)
أم السُّلطان الملك الأشرف، وهي زوجة أُلجاي اليوسفي، وكان نائبُ السّلطنة غائبًا في بلاد الرَّحبة فراح البريديُّ إليه بسبب ذلك، فجهز نائب السلطنة ابنه الأمير عليًّا نحو الدّيار المصرية؛ لتعزيةِ السُّلطانِ في أُمِّه على العَادَة.
* * *
وكان الفراغ من تحقيقه يوم الجمعة السادس من شهر رجب المعظم عام 1412 هـ الموافق للعاشر من شهر كانون الثاني عام 1992 م.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حسن إسماعيل مروة
وقد فرغ من مراجعة وتخريج أحاديثه (عبد القادر الأرناؤوط) بتاريخ (1) ربيع الأول (1420 هـ)، الموافق (15) حزيران (1999 م).
ونظرت فيه الآن - وانتهيت من المراجعة 8 ربيع الأول 1425 هـ الموافق 27 نيسان 2004.
قلت:
فرغت من تحقيق الملحق من سنة (768 هـ حتى 774 هـ). من القسم المفقود من المخطوط. ومن مقابلة الجزء السادس عشر كاملًا على الأصل - المذكور الموصوف - يوم الخميس العشرين من صفر عام 1441 هـ الموافق للعشرين من أيلول عام 2019 م.
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصّالحاتُ
وكتبه: حسن إسماعيل مروة
(1)
في الأصل: طمس قدر كلمتين.
(2)
في الأصل: (نهرًا) بالنون. تحريف، والخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 413.
(3)
هي: بركة خاتون.
ترجمتها في: تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 418. وفيه: توفيت في سلخ ذي القعدة، وإنباء الغمر 1/ 48 - 49، والنجوم الزاهرة 11/ 125: وفيها توفيت في ذي القعدة أيضًا.
المصادر والمراجع
1 -
إتحاف الورى بأخبار أم القرى، للنجم عمر بن فهد، تحقيق فهيم محمد شلتوت، مكتبة الخانجي - القاهرة 1403 هـ.
2 -
الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب، تحقيق محمد عبد الله عنان. دار المعارف القاهرة 1955 م.
3 -
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، تحقيق محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور ومحمود عبد الوهاب فايد، مطبعة الشعب - القاهرة - 1970 م.
4 -
الأعلام لخير الدين الزركلي - دار العلم للملايين (ط 6). بيروت.
5 -
إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للعلّامة محمد راغب الطباخ.
6 -
أعلام النساء لعمر رضا كحالة - المطبعة الهاشمية بدمشق (ط 2) 1959 م.
7 -
أطلس تاريخ الإسلام.، د. حسين مؤنس، دار الزهراء - القاهرة (ط 1)(1987) م.
8 -
إنباه الغُمر، للحافظ ابن حجر، تحقيق د. حسن حبشي، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة 1969 م.
9 -
بدائع الزهور لابن إياس الحنفي، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة (ط 2) مصورة عن الطبعة الأولى 1984 م.
10 -
بغية الوعاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - البابي الحلبي مصر (ط 1) 1964 م تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - مطبعة محمد عيسى الحلبي القاهرة 1964 م.
11 -
تاج العروس للزبيدي، تحقيق جماعة من المحققين، حكومة الكويت، صدر منه أجزاء.
12 -
تاريخ ابن خلدون، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت - 1979 م.
13 -
تاريخ ابن عساكر، تحقيق صلاح الدين المنجد، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1951 م.
14 -
تاريخ الخلفاء للسيوطي.
15 -
تاريخ ابن قاضي شهبة، تحقيق د. عدنان درويش، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية - دمشق 1977 م.
16 -
التحفة السنيّة لابن الجيعان، القاهرة.
17 -
التعريف بمصطلحات "صبح الأعشى" محمد قنديل البقلي - الهيئة المصرية للكتاب 1983 م.
18 -
تقويم البلدان للملك المؤيد عماد الدين إسماعيل دار الطباعة السلطانية باريس 1840 م.
19 -
الجامع لأحكام القرآن = "تفسير القرطبي". دار إحياء التراث العربي - بيروت (ط 2) 1952 م.
20 -
جمهرة النسب للكلبي تحقيق محمود فردوس العظم دار اليقظة العربية - دمشق (ط 1) 1983 م.
21 -
الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفية، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود الطناحي القاهرة.
22 -
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة - (ط 1) عام 1967 م.
23 -
الحيوان للجاحظ تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون - المجمع العلمي العربي الإسلامي - بيروت (ط 2) 1965 م.
24 -
خطط الشام لمحمد كرد علي. دمشق.
25 -
خطط المقريزي (المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار). مطبعة بولاق - القاهرة 1394 هـ.
26 -
الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي - تحقيق جعفر الحسني - مطبعة الترقي - دمشق - الجزء الأول (ط 1) 1948 م والجزء الثاني (ط 1) 1951 م.
27 -
الدرر الكامنة لابن حجر، مصورة في بيروت.
28 -
الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، تحقيق محمود الأرناؤوط ومحمد بدر الدين قهوجي مكتبة دار العروبة - الكويت - (ط 2) 1989 م.
29 -
الدليل الشافي لابن تغري بردي، تحقيق فهيم محمد شلتوت - مكتبة الخانجي - القاهرة ومركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة (ط 1) 1979 م.
30 -
دمشق تاريخ وصور للدكتور قتيبة الشهابي.
31 -
دول الإسلام للذهبي، دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن - الهند 1365 هـ.
32 -
الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لبرهان الدين إبراهيم بن فرحون اليعمري المالكي مطبعة المعاهد - القاهرة - (ط 1) سنة 1351 هـ.
33 -
ديوان مجنون ليلى. تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مكتبة مصر.؟
34 -
ديوان المتنبي بشرح العكبري، تحقيق مصطفى السقا. دار المعرفة بيروت؟
35 -
الذيل التام على دول الإسلام - للسخاوي - تحقيق حسن إسماعيل مروة طبع دار ابن العماد بيروت (ط 1) الجزء الأول 1992 م.
36 -
ذيل طبقات الحنابلة لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الحنبلي المعروف بابن رجب باعتناء حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية - القاهرة 1952 م.
37 -
ذيل العبر للذهبي وللحسيني، تحقيق محمد رشاد عبد المطلب، مطبعة حكومة الكويت سنة 1970 م.
38 -
ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني، الناشر محمد أمين دمج - دار إحياء التراث العربي.
39 -
رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر العسقلاني، تحقيق الدكتور حامد عبد المجيد، المطبعة الأميرية - القاهرة - 1957 م.
40 -
السحب الوابلة لابن حميد النجدي.
41 -
سنن أبي داود ضبط محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1980 م.
42 -
سنن ابن ماجه تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، مصورة المكتبة العلمية بيروت؟.
43 -
سنن الترمذي إبراهيم عبد الغفار الدسوقي، وسنن الترمذي (الجامع الصحيح) تحقيق أحمد محمد شاكر - إحياء التراث العربي بيروت.
44 -
سنن النّسائي، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية حلب 1986 م.
45 -
شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي - دار المسيرة - بيروت - (ط 2) 1979 م.
46 -
صبح الأعشى للشيخ أبي العباس أحمد القلقشندي - دار الكتب المصرية (ط 1) القاهرة 1922 م.
47 -
صحيح البخاري تحقيق د. مصطفى ديب البغا، دار العلم للملايين (ط 1) بيروت.
48 -
صحيح مسلم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
49 -
الطالع السعيد للشيخ الإمام أبي الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب الإدفوي الشافعي، تحقيق سعد محمد حسن - الدار المصرية للتأليف والترجمة (ط 1) 1966 م.
50 -
طبقات الأولياء لابن الملقن تحقيق نور الدين شريبة - الخانجي - القاهرة - (ط 1)1973.
51 -
طبقات الشافعية للإسنوي، لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي، تحقيق د. عبد الله الجبوري مطبعة الإرشاد - بغداد - 1970 م.
52 -
طبقات الشافعية للسبكي لتاج الدين عبد الوهاب السبكي، المطبعة الحسينية المصرية (ط 1) 1324 هـ.
53 -
طبقات صلحاء اليمن المعروف بتاريخ البريهي تحقيق عبد الله محمد الحبشي - دار الآداب بيروت (ط 1) 1983 م.
54 -
العبر للذهبي تحقيق د. صلاح الدين المنجد مطبعة حكومة الكويت 1960 م.
55 -
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي مطبعة السنة المحمدية - القاهرة - 1958 م.
56 -
عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري - الهيئة العامة للكتاب القاهرة وبيروت مصورة عن دار الكتب المصرية 1925 م.
57 -
غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري عني بنشره. ج. براجستراسر القاهرة 1932 م -.
58 -
فوات الوفيات لصلاح الدين الكتبي، تحقيق د. إحسان عباس. دار صادر بيروت (ط 1)1973.
59 -
القاموس المحيط للفيروز أبادي - مكتبة النوري مصورة عن شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
60 -
قضاة دمشق لابن طولون تحقيق. د. صلاح الدين المنجد، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق (ط 1) 1956 م.
61 -
القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية لابن طولون. تحقيق محمد أحمد دهمان، دمشق 1949.
62 -
قنعة الأريب في تفسير الغريب لموفق الدين بن قدامة المقدسي، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، دار أمية للنشر والتوزيع. الرياض (ط 1) 1406 هـ.
63 -
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاج خليفة، مصورة دار العلوم الحديثة بيروت عن طبعة أستامبول.
64 -
اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير. مكتبة القدسي (ط 1) القاهرة سنة 1357 هـ.
65 -
لسان العرب لابن منظور المصري - دار صادر ودار بيروت 1955 م.
66 -
مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور المصري، تحقيق جماعة من المحققين، دار الفكر دمشق 1984 م.
67 -
مرآة الجنان لليافعي - دار المعارف النظامية حيدر آباد سنة 1337 هـ.
68 -
مسند الإمام أحمد - المكتب الإسلامي بيروت (ط 1) سنة 1969 م
69 -
معجم البلدان لياقوت الحموي - دار صادر ودار بيروت، بيروت 1984 م
70 -
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لابن مفلح، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض 1990 م.
71 -
المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي، الجزء الخامس، تحقيق حسن إسماعيل مروة مكتبة دار العروبة، الكويت 1992 م.
72 -
منادمة الأطلال للعلامة عبد القادر بدران - المكتب الإسلامي (ط 2) 1985 م بيروت.
73 -
النجوم الزاهرة لابن تغري بردي الأتابكي، تحقيق مجموعة من المحققين، الهيئة المصرية العامة للكتاب (ط 1) سنة 1972 م.
74 -
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي والدكتور محمود الطناحي. القاهرة 1962 م.
75 -
الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي، تحقيق جماعة من المستشرقين والعرب، نشر منه أجزاء حتى الآن.
76 -
وفيات الأعيان لابن خلكان. تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر بيروت 1977 م.
77 -
الوفيات لابن رافع. تحقيق صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة بيروت (ط 1) 1982 م.
* * *