الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
قال الإمام العلامة أبو عبد الله ابن ماجه، رحمه الله تعالى:
كتاب الطهارة
باب ما جاء في مقدار الوضوء والغسل من الجنابة
1 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي ريحانة، عن سفينة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع.
هذا حديث رواه مسلم في صحيحه، وخرج هو والدارمي في مسنده بسماع إسماعيل من أبي ريحانة، وفي بعض طرقه: أو قال يطهره المد.
قال: وقد كان كبر، وما كنت أثق بحديثه، ولفظ العسكري: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الجنابة، ويوضئه المد.
وقال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، ونحوه قاله أبو علي الطوسي في أحكامه، وفيه علة خفيت على من صححه، وهي الانقطاع المنافي
للصحة فيما بين أبي ريحانة وسفينة، نص على ذلك أبو حاتم البستي، فإنه لما ذكره في الثقات تردد في سماعه من سفينة بعد وصفه إياه بالخطأ، وبنحوه ذكره الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فإن محمد بن موسى لما سأله عنه قال: ما أعَلم إلا خيرا، قلت: سمع من سفينة؟ قال: ينبغي، هو قديم، سمع من ابن عمر، فهذا من أبي عبد الله ظن وحسبان، لا قطع ببرهان، ولا كل من سمع من شخص ينبغي له السّماع من قرينه، هذا الزهري سمع جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر، ولم يسمع من بعض التابعين، والحسن سمع من علي وأبي عثمان، ولم يسمع ممن توفي بعدهما بنحو من ثلاثين سنة، والله أعلم.
ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث مرجى بن رجاء، ثنا أبو ريحانة، ثم قال: ولم يروه عن مرجى إلا يعقوب بن إسحاق الحضرمي.
2 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.
هذا حديث إسناده صحيح متصل، وإلى هذا أشار أبو عيسى، وفي كتاب أبي داود: رواه أبان، عن قتادة، قال: سمعت صفية. يعني بذلك ما رواه أبو بكر البيهقي في السنن الكبير: ثنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، ثنا أحمد بن سلمان، نا جعفر بن شاكر، ثنا عفان، نا أبان به، وفي سنن الدارقطني: بنحو المد
وبنحو الصاع، وقال في العلل: رواه عن قتادة: الدستوائي، وابن أبي عروبة، وعمران القطان، والجماعة عن أبي الزبير.
وقيل: عن شعبة، كلّهم عن قتادة، عن صفية، وقال عمرو بن عامر: عن قتادة، عن ابن المسيب، عن عائشة، وقال حماد بن سلمة: عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة، وقال شيبان: عن قتادة، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة. وأصحها قول من قال: قتادة عن صفية.
ورواه أبو حصين وإبراهيم بن المهاجر، عن صفية، وقال: وهو غريب بهذا الإِسناد.
ورواه أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب التمييز بإسناد صحيح، عن محمد بن عبيد، نا يحيى بن زكرياء، عن موسى بن عبد الله الجهني - وكان ثقة - قال لي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال.
وقال: أخبرتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا.
وفي مسند أحمد بن منيع البغوي: حزرته ثمانية أو تسعة أو عشرة أرطال.
وفي هذا الإسناد بيان لصحة سماع مجاهد من عائشة، وسيأتي بيان ذلك بعد إن شاء الله تعالى، وفي قول الدارقطني: قال حماد، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة نظر؛ لما رواه الكجي في سننه، عن أبي عمر، ثنا حماد، عن قتادة، عن صفية أو معاذة - شَك حماد- عن عائشة، فهذا كما ترى حماد لم يقل عن واحدة منهما جزما، والله أعلم.
3 -
حدثنا هشام بن عمار، نا الربيع بن بدر، نا أبو الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع.
هذا حديث في إسناده علّتان:
الأولى: ضعف الربيع بن بدر الملقب عليلة، فإن أبا إسحاق الجوزجاني وهاه.
وقال أبو حاتم الرازي: ذاهب الحديث.
وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك الحديث.
وقال البستي: كان يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات المقلوبات، وعن الضعفاء الموضوعات.
وقال أبو داود: لا يكتب حديثه.
وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه الكبير: لا يُكتب حديثه.
وقال في موضع آخر: ضعيف متروك.
وقال البخاري في الأوسط: يخالف.
وذكره الساجي، والعقيلي، والبلخي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو العرب القيرواني، وأبو إسحاق الحربي في الضعفاء.
الثانية: الاختلاف في سماع محمد بن مسلم بن تدرس أبي الزبير، من جابر، حتى قال أبو الحسن بن القطان وغيره: كل ما لم يصرح فيه بالسماع، ولم يكن من رواية الليث عنه منقطع.
ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث الربيع بن صبيح، عن أبي الزبير، وقال: لم يروه عن الربيع إلا الوليد بن مسلم.
تفرد به محمد بن أبي السري، ومن حديث أبي جَعفر محمد بن علي بن الحسين، عن جابر بمثله.
وقال: لم يروه عن شعبة - يعني عن مخول بن راشد - عن جعفر عنه إلا سعيد بن عامر الضبعي.
ولفظه عن جابر في المعجم الكبير: يجزئ من الغسل صاع، ومن الوضوء مد، وأرسله ابن أبي شيبة في المصنف. رواه عن:
عبد الرحيم بن سليمان، عن الحجاج، عن أبي جعفر به، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سوى ما أسلفناه، ذكرها أبو عبد الله في مستدركه، عن أبي بكر بن إسحاق، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، نا هارون بن إسحاق، نا محمد بن فضيل، عن حُصَين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر.
وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرّجاه بهذا اللفظ.
ولما ذكره أبو داود في سننه من حديث أحمد، ثنا هشيم، نا يزيد بن أبي زياد، عن سالم به، ضعفه أبو محمد المنذري بيزيد، بقوله: لا يحتج به، وفيما قاله نظر في موضعين:
الأول: اضطرابه في يزيد؛ فتارة يحسن حديثا هو فيه، وتارة يضعفه، كما فعل هنا، وتارة يسكت عنه موهما صحته، وسنبيّنه - إن شاء الله تعالى - في أليق المواضع به، وليس لقائل أن يقول: فعله ذلك لما يعضده من متابع أو شاهد أو عدمهما، لما أسلفناه من متابعة الربيع بن بدر، وابن الحسين، وحصين.
الثاني:، رواه عن يزيد وحصين عن سالم، فسلم الحديث من طعن إن كان في يزيد، ذكر ذلك أبو بكر البيهقي، عن الحاكم، أنا أبو العباس، نا أحمد بن عبد الجبار، نا ابن فضيل به، وعلى البيهقي في هذا الإسناد استدراك؛ لأجل ضعف أحمد بن عبد الجبار، وعدوله عن حديث الحاكم المذكور قبل هذا، ورويناه في كتاب الحافظ أبي بكر بن خزيمة الصحيح عن هارون بن إسحاق الهمذاني من كتابه، نا ابن فضيل عنهما، فذكره.
4 -
حدثنا محمد بن المؤمل بن الصباح وعباد بن الوليد قالا: حدثنا بكر بن يحيى بن زبان، نا حبان بن علي، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئ من الوضوء مد، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: هذا كان يجزئ من هو خير منك وأكثر شعرا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث في إسناده ضعفاء.
الأول: حبان بن علي العنزي أبو علي الكوفي، رحمه الله وغفر له، روى عن التابعين، قال فيه حجر بن عبد الجبار: ما رأيت فقيها بالكوفة أفضل منه.
وقال يحيى بن معين: صدوق، وفي رواية: ليس حديثه بشيء.
وقال ابن نمير: في حديثه وحديث أخيه مندل بعض الغلط.
وقال أبو زرعة: ليّن.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وسئل عنه ابن المديني فضعفه.
وقال الدارقطني: متروك. ومرة قال: ضعيف، ويخرج حديثه.
وقال أبو الحسان الزيادي: توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، ويقال: سنة إحدى، فإن مولده سنة إحدى عشرة.
وقال البخاري: ليس هو عندهم بالقوي.
وقال النسائي: ضعيف، وكذلك قاله ابن سعد.
وقال العجلي: صدوق.
وقال الخطيب: كان رجلا صالحا دينا.
وقال أبو داود: لا أحدّث عنه.
وقال المرزباني: قال حبان لأخيه مندل، وكان يسمى عمرا:
عجبا يا عمرو من غفلتنا
…
والمنايا مقبلات عنقا
قاصدات نحونا مسرعة
…
يتخللن إلينا الطرقا
وإذا أذكر فقدان أخي
…
أتقلب في فراشي أرقا
وأخي أين أخ مثل أخي
…
قد جرى في كل خير سبقا
وقال ابن قانع: ضعيف، وبنحوه قال ابن طاهرٍ.
الثاني: يزيد بن أبي زياد، وقد اختلف فيه.
فأمّا البخاري في الأوسط فإنه قال: ابن زياد أو ابن أبي زياد، وفي الكبير، قال: ابن زياد عن الزهري منكر الحديث، وتتبع ذلك عليه أبو محمد ابن أبي حاتم، فقال: قال أبو زرعة: إنّما هو يزيد بن أبي زياد، وسمعت أبي يقول كما قال. انتهى.
فعلى ما أسلفناه في التاريخ الأوسط لا وهم عليه، وكذا فرّق النسائي بين ابن زياد وابن أبي زياد.
وقال في ابن زياد: متروك الحديث.
وقال الآجري: سألت أبا داود، عن ابن أبي زياد فقال: ثبت، لا أعلم أحدا يترك حديثه، وغيره أحب إليّ منه.
وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنّه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب.
وقال ابن المديني وابن معين: ضعيف الحديث لا يحتج به.
وقال ابن المبارك: ارْمِ به.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، كل أحاديثه موضوعة وباطلة.
وقال ابن حبان: كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغيّر، وكان يتلقّن ما لقن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغيّر صحيح، وبنحوه ذكره اساجي.
وذكر ابن الجوزي يزيد بن زياد، وقيل: ابن أبي زياد، ويقال: أبو زياد اسمه، واسم أبيه: ميسرة، في ترجمة واحدة، وبنحوه ذكره ابن سرور المقدسي، وذكر أنّ مسلما روى له.
وقال ابن نمير: ليس بشيء.
وقال الترمذي: ضعيف في الحديث.
الثالث: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أبو محمد الهاشمي المدني، سمع جماعة من الصحابة، كان أحمد بن حنبل وإسحاق يحتجان بحديثه، ولكن ليس بالمتين عندهما، قاله الحاكم.
وقال ابن سعد: منكر الحديث لا يحتج بحديثه، وكان كثير العلم، ومات سنة خمس وأربعين ومائة.
وقال أبو معمر: كان ابن عيينة لا يحمد حفظه.
وقال ابن معين: ليس بذاك، وفي رواية: ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليّن الحديث ليس ممن يحتج بحديثه، يكتب حديثه، وهو أحب
إلي من تمام بن نجيح، وسئل عنه أبو زرعة، فقال: يختلف عليه في الأسانيد.
وقال العجلي: جائز الحديث.
وقال الترمذي: صدوق، ولكن تكلّم فيه بعضهم من قبل حفظه.
وقال الفسوي: صدوق وفي حديثه ضعف.
وقال ابن عدي: يكتب حديثه.
وقال الترمذي: صدوق، لكن تكلّم فيه بعضهم من قبل حفظه.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث على التوّهم، فيجيء بالخبر على غير سننه، فوجب مجانبة أخباره.
وأما الحاكم فإنه صحّح حديثه في مستدركه، وذكره أبو عبد الله البرقي في كتاب الطبقات، في باب من ينسب إلى الضعف في الرواية ممن يُكتب حديثه.
وروي لنا عن القطان أنه قال: عاصم عندي نحو ابن عقيل في الضعف.
الرابع: أبو عبد الله محمد بن عقيل، وهو مجهول لا يُعرف حاله، ولا نعرف له غير روايته عن أبيه ورواية ابنه عنه، والله أعلم.
ومع هذا فباعتبار مجموع الأحاديث المتقدّمة يكون حسنا؛ لما أسلفناه من الاختلاف في رجال إسناده، وفيه زيادة على ما قاله الترمذي عند حديث سفينة، وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك، وأغفل أيضا حديث أم سلمة من رواية الحسن عن أمه عنها، ذكره الطبراني في الأوسط. وقال: لم يروه عن أشعث بن عبد الملك - يعني عن الحسن - إلا سيف بن محمد، تفرد به جمهور بن منصور، وحديث أنس عند البخاري: يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمدّ، وحديث ابن عباس من عنده أيضا مرفوعا: يجزئ في الوضوء مد، وفي الغسل صاع.
وقال: لم يروه غير خصيف، عن عكرمة عنه إلا عبد العزيز بن عبد الرحمن الباسلي.
تفرّد به لوين، وذكره أبو الحسن الدارقطني في كتاب الأفراد من حديث إسرائيل، عن مسلم
الأعور، عن مجاهد، وأشار إلى تفرّد إسرائيل به، وحديث أم عمارة، عن أبي داود يرفعه: أتي بماء قدر ثلثي المد وإسناده صحيح، وحديث زينب بنت أبي سلمة بمعناه. ذكره القشيري.
وحديث أبي أمامة ذكره الطبراني في المعجم الكبير وابن عدي في الكامل من حديث الصلت بن دينار، عن شهر بن حوشب، وضعفه بهما، وحديث أبي سعيد مرفوعا من مسند ابن أبي أسامة من حديث عطية عنه، وحديث الربيع بنت معوذ، ذكره الدارقطني في سننه من جهة ابن عقيل عنها، وحديث أم سعد بنت زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوضوء مد، والغسل صاع، ذكره ابن الأثير في معرفة الصحابة، وحديث ابن عمر ذكره أبو محمد عبد الحق، وضعفه، وحديث أبي روح، ذكره في المصنف عن عبيدة، عن عبد الملك بن عمير بنحوه.
وكان الشافعي وأحمد يقولان: ليس معنى هذا الحديث على التوقيف أنه لا يجوز أكثر منه، ولا أقل منه؛ بل هو بقدر ما يكفي، والله أعلم.
لا يقبل الله صلاة بغير طهور
5 -
ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا محمد بن جعفر (ح)، ونا بكر بن خلف أبو بشر ختن المقرئ، نا يزيد بن زريع، نا شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، ولا يقبل صدقة من غلول.
6 -
ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبيد بن سعيد، وشبابة بن سوار، عن شعبة نحوه.
في مسند أبي داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أبا المليح يحدث عن أبيه فذكره.
وهو حديث صحيح، خرجه ابن حبان في كتابه من جهة قتادة.
وقال البغوي فيما رويناه عنه في شرح السنة: هذا حديث صحيح، ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرّجه الإسفرائيني في صحيحه، وفي كتاب البيهقي: إن الله لا يقبل
…
، وأبو المليح اسمه عامر بن أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر، واسمه عمير، خرجا حديثه في صحيحيهما، قال ابن سعد: توفي سنة اثنتي عشرة ومائة.
وقال الفلاس: توفي سنة ثمان وتسعين.
وذكر مسلم في كتاب الوحدان
والعسكري والطبري في المذيل: أنه لم يرو عن أبيه غيره، وكذلك قال ابن بنت منيع في معجمه، وابن عبد البر.
7 -
نا علي بن محمد، نا وكيع، نا إسرائيل، عن سماك (ح)، وحدّثنا محمد بن يحيى، نا وهب بن جرير، نا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول.
في كتاب مسلم، عن سماك، عن مصعب: دخل ابن عمر على ابن عامر - يعني عبد الله - يعوده وهو مريض فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر؟ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
…
فذكره، وفي آخره: وكنت على البصرة، وفي صحيح ابن خزيمة عنه: فجعلوا يثنون عليه وابن عمر ساكت، فقال: أما إني لست بأغشهم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكره، وفي سنن الكجي: فقال ابن عامر: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تقول؟ ولما ذكره الترمذي قال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن شيء. وذكره أبو القاسم، في الأوسط من حديث مندل، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه بلفظ: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، وإنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد، وقال: لم يروه عن ابن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن بن حسين، تفرد به حسين بن الحكم الحبري الكوفي.
8 -
ثنا سهل بن أبي سهل أبو زهير، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.
هذا حديث خرجه أبو عوانة في صحيحه، من حديث سهل بن أبي سهل، واسمه زنجلة، روى عنه جماعة.
وقال أبو حاتم: صدوق، وأبو زهير بن عبد الرحمن بن مغراء بن الحارث بن عياض بن عبد الله بن وهب الكوفي قاضي الأردن، سئل عنه وكيع فقال: طلب الحديث قبلنا وبعدنا.
وكان أبو خالد الأحمر يحسن الثناء عليه.
وقال أبو زرعة: صدوق، وتكلّم ابن المديني في روايته عن الأعمش، وسنان بن سعد لما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات قال: حدّث عنه المصريون، وهم يختلفون فيه، يقولون: سنان بن سعد، وسعد بن سنان، وسنان بن سعيد، وأرجو أن يكون سنان بن سعد، وقد اعتبرت حديثه، فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات، وما روي عن سعد بن سنان فيه المناكير، فكأنهما - والله أعلم - اثنان، وصحح البخاري قول من قال: سنان، وكذلك ابن يونس، وسئل عنه ابن معين، فقال: ثقة، وكذلك قاله الدارقطني.
وقال النسائي في كتاب التمييز: ضعيف، وبنحوه قال الإمام أحمد.
وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: سنان بن سعد سمع أنسا؟ فغضب من إجلاله له.
وقال العجلي: سعد بن سنان مصري تابعي ثقة.
9 -
نا محمد بن عقيل، نا الخليل بن زكريا، نا هشام بن حسان، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.
هذا حديث قال ابن عدي: رواه الخليل بن زكريا، عن هشام، عن الحسن.
ورواه عن هشام أيضا المنهال بن بحر، وبه يعرف، والخليل أضعف من منهال، وذكره في باب محمد بن عبد العزيز الدينوري، عن منهال.
قال: هذا بهذا الإِسناد باطل، فذكر محمد عن منهال. ورواه الخليل، والمنهال خير من الخليل.
ولما ذكره أبو نعيم في كتابه قال: هذا حديث مشهور لا يعرف إلا من حديث ابن عقيل بهذا اللفظ من حديث علي. انتهى، وهو معلَّل بأشياء منها: محمد بن
عقيل، وإن كان الحاكم قال فيه: هو من الثقات النبلاء، مات سنة سبع وخمسين ومائتين، فقد ذكر أنه أُنْكِرَ عليه حديثان، والخليل وإن قال فيه جعفر الصائغ: كان ثقة مأمونا، فقد كذبه القاسم بن زكريا.
وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير.
وقال العقيلي: يحدث بالبواطيل.
وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث، وسماع الحسن من أبي بكرة مختلف فيه، فممن أنكره أبو الحسن الدارقطني، قال: هو عن أبي بكرة مرسل لم يسمع منه، ذكره في سؤالات الحاكم له.
وفي صحيح البخاري في كتاب الفتن: قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول، فذكر حديثا. وفي كتاب الصلح أيضا قال: سمعت أبا بكرة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
قال أبو عبد الله: قال ابن المديني: إنما يثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث، وفي كتاب ابن بطال: وزعم الداودي أنّ راوي هذا عن أبي بكرة إنما هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وفي كتاب المراسيل لابن أبي حاتم: عن بهز: سمع الحسن من أبي بكرة شيئا؟ قال: لا.
قال الباجي في أسماء رجال البخاري: أخرج البخاري حديثا فيه: قال الحسن: سمعت أبا بكرة، فأولّه الدارقطني وغيره من الحفاظ على أنه الحسن بن علي؛ لأن الحسن البصري عندهم لم يسمع من أبي بكرة، ولما ذكره الحاكم في التاريخ رواه عن محمد بن علي بن عمر، ثنا محمد بن عقيل، نا الخليل به، وزاد بعد قوله: ولا صدقة من غلول، وابدأ بمن تعول، وفيه ردّ لما قاله الترمذي وزيادة عليه،
وكذا حديث عمران بن حصين، قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول رواه الحاكم في تاريخ بلده، عن أبي الفضل محمد بن أحمد القاضي، نا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسين، نا أحمد بن عبد الله، نا زيد بن حباب، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي السوار عنه، وحديث علي نحوه، ذكره ابن أبي غرزة في مسنده، وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه، ذكره الحافظ أبو بكر بن خزيمة - رحمه الله تعالى - فيما رويناه عنه في صحيحه، فقال: ثنا أبو عمار الحسين بن حريث، نا عبد العزيز بن أبي حازم، عن كثير، وهو ابن زيد، عن الوليد، وهو ابن رباح، عن أبي هريرة، فذكره.
ولما ذكر ابن عدي هذا الحديث من جهة أبي سلمة وابن سيرين قال: لا أعلم من رفعه إلَّا غسّان بن عبيد الموصلي.
ورواه غسان عن أبي حذيفة مرفوعا، وغيرهما أوقفه، وهذا بهذا الإِسناد باطل. انتهى.
وما أسلفناه من عند ابن خزيمة يرد قوله، ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لم يروه عن الأعمش، يعني عن أبي حازم عنه إلا أبو مريم وابن فضيل، ولم يروه عن ابن فضيل إلا السري بن عاصم، وأغفل أيضا حديث جابر بن عبد الله، ذكره الطبراني في المعجم الأوسط من حديث سليمان بن قرم، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد عنه مرفوعا، أنا المقرئ الصالح موسى الحنفي الكردي رحمه الله أنا أبو نصر، نا زنجويه، نا محمد بن أسلم، نا يعلى بن عبيد، نا يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.
ورواه ابن المنذر في كتاب
الإقناع، عن الربيع أنبأنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، أخبرني كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، وحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور.
رواه الإسفرائيني في صحيحه وأبو القاسم في الأوسط من حديث مكحول، عن رجاء بن حيوة عن. وقال: لم يروه عن مكحول إلا محمد بن سليمان بن أبي داود، تفرد به محمد بن عبيد الله بن يزيد القردواني، عن أبيه، ورواه ابن أبي شيبة في مسنده، عن محمد بن فضيل، عن أبي سُفيان السعدي، عن أبي نضرة عنه، ولفظه: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، وفي كل ركعتين تسليمة، ولا صلاة لكل من لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في الفريضة وغيرها.
وحديث أبي بكر الصديق، قال عليه السلام: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور، وابدأ بمن تعول، ذكره أبو عوانة في صحيحه.
وحديث عبد الله بن عباس ذكره أيضا من حديث نافع مولى يوسف السلمي، عن عطاء عن ابن عباس يرفعه، وقال: لم يروه عن عطاء غير نافع، ولا عن نافع إلا سعدان بن يحيى، تفرد به سليمان بن عبد الرحمن، ولا يُروى عن ابن عباس إلا بهذا الإِسناد. انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لما ذكره ابن أبي شيبة أيضا في مصنفه عن أبي خالد الأحمر، عن ابن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعا.
ولما ذكره الحاكم في تاريخ بلده: نا أبو بكر الجيزي، نا إبراهيم بن محمد بن يزيد السكري، نا عبد العزيز بن منيب المروزي، نا إسحاق بن عبد الله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، فذكره، وحديث الزبير بن العوام عنده أيضا، وقال: لم يروه عن الليث بن سعد، يعني عن هشام عن أبيه عن الزبير إلا أبو قتادة الحراني، ولا يُرْوَى عن الزبير إلا بهذا الإِسناد.
[وفي المعجم الكبير حديث أبي مسعود البدري، وفي مصنف ابن أبي شيبة: حديث رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان عن جدته عن أبيها بمعناه، وهو حديث ضعيف. ابن عرفة: غل في المغنم، يَغُل غلولًا: إذا سرق من الغنيمة، سُمي بذلك، لأن الأيدي مغلولة عنه، أي: ممنوعة، وفي الصحاح: أغل، يغل، غلَّ]، وقال القزاز: سمي بذلك لأن الرجل كان إذا أخذ منه شيئا ستره في متاعه، فقيل للخائن: غال، ومغل من هذا، يعني قوله: يغل الماء والسيل يغل غللا وغلولا، إذا جرى من الشجر، وغللت الشيء أغلّه غلا: سترته، والطهور بالفتح: الماء الذي يتطهر به، وبالضم الفعل، وقال سيبويه: بالفتح يقع على الماء والمصدر معا، وقال الخليل: الفتح في الفعل والماء، ولم يعرف الضم، وحكي الضم فيهما جميعا.
مفتاح الصلاة الطهور
10 -
ثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم.
هذا حديث خرجه الترمذي من حديث سفيان، عن ابن عقيل، وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن،.
وقد تقدّم الكلام في ابن عقيل قبل، وذكر حديثه هذا الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة من حديث وكيع، عن سفيان عنه، وخرّجه الإِمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن وكيع، وشرطه معروف.
وقال ابن العربي في الأحوذي: إسناد أبي داود أصح من سند الترمذي، ولا وجه لما قاله؛ لأن مداره على ابن عقيل، وقد جاء التكبير في غير ما حديث، عن أبي هريرة في الصحيحين: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم. وفي حديث المسيء صلاته: إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، وحديث عمران بن حصين وابن عباس، وكلهم في الصحيح، وابن عمر عند النسائي، وابن مسعود، صححه الترمذي، والتسليم كذلك
رواه ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وهما في الصحيح، وسهل بن سعد عند أحمد، ووائل بن حجر، وحذيفة وغيرهم، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه - إن شاء الله تعالى -، ولفظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان: مفتاح الصلاة الوضوء.
11 -
ثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر، عن أبي سفيان طريف السعدي (ح)، ونا أبو كريب، نا أبو معاوية، عن أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم.
وخرجه الترمذي بزيادة: ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها.
هذا حديث رواه بحشل في تاريخ واسط، عن محمد بن حسان البرجلاني، نا محمد بن يزيد، نا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن أبي سفيان، ولفظه: مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وأذنها التسليم، ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن أو بغيرها من القرآن، وإذا ركع فليضع يده على ركبتيه، وليسوي ظهره، ولا يدبح تدبيح الحمار.
وحديث علي أجود إسنادا وأصح من حديث أبي سعيد، وخالف ذلك الحاكم؛ لما ذكره من جهة الثوري، عن أبي سفيان، عن أبي نضرة به، قال: هذا
حديث صحيح الإِسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وشواهده عن أبي سفيان، عن أبي نضرة كثيرة، فقد رواه أبو حنيفة وحمزة الزيات وأبو مالك النخعي، وأشهر إسناد فيه حديث ابن عقيل، انتهى.
وفيما قاله نظر؛ وذلك لأن أبا طريف لم يخرج مسلم له شيئا، وسيأتي الكلام على ضعفه، ورواه البزار في مسنده، عن علي بن المنذر، نا محمد بن فضيل، نا أبو سفيان به زاد: في كل ركعة قرأ بفاتحة الكتاب وسورة، قال: وهذا الكلام لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا أبو سعيد بهذا الإِسناد، وإن كان همّام قد روى عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نقرأ في الصلاة بفاتحة الكتاب وما تيسر، فحديث همام يؤيّد حديث أبي سفيان، وإن كان بغير لفظه. انتهى.
وخرّجه الدارقطني بلفظ: مفتاح الصلاة الوضوء.
أبو سفيان اسمه طريف بن شهاب الأشل. وقال البخاري: كان عطارديا، وقال أيضا: أبو معاوية طريف بن سعد، ويقال: طريف بن سفيان، وجمع أبو عمر بين السع ي والعطاردي، وهو الصحيح؛ لأن عطارد هو من عوف بن كعب بن سور بن زيد مناه بن تميم، وقال: أجمعوا على أنّه ضعيف الحديث. انتهى.
وأبو إسحاق الحربي يفهم من كلامه غير ما قاله أبو عمر، وذلك أنه لما ذكره في كتاب العلل، قال: ليس هو أوثق الناس، وتقدّم تصحيح الحاكم حديثه.
وقال ابن عدي: أسانيده مستقيمة، وفي كتاب الدارقطني: حديث عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن عقيل، وإسناده لا بأس به، وذلك أنه رواه عن محمد بن عمرو بن البختري، قال الخطيب: كان ثقة ثبتا عن أحمد بن الخليل، وقد وثّقه النسائي والحاكم، ومحمد بن نعيم الضبيّ، عن الواقدي
محمد بن عمر، وقد أثنى عليه مالك، ووثقه غيره من الأئمة، وسيأتي الكلام عليه مستوفى - إن شاء الله تعالى - عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، وهو مذكور في كتاب الثقات لابن حبان، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد به.
ورواه البيهقي في كتاب السنن الكبير، عن أبي عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر بن إسحاق، أنا الحسن بن علي بن زياد، نا إبراهيم بن موسى الرازي، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، نا شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم.
وقاله أبو زرعة الرازي بسند متابع لما تقدّم، ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط، قال: تفرّد به الواقدي، ولا يروى عن ابن زيد إلا بهذا الإِسناد، وحديث أم عمارة أصح، يعني الحديث المذكور من عند أبي داود قبل، والله أعلم.
وخالف ذلك الحافظ أبو بكر بن خزيمة؛ فرواه في صحيحه، عن أبي كريب، نا يحيى فذكره بلفظ: أتي بثلثي مد فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفيه رد لما ذكره أبو عيسى من أن حديث علي أصح شيء في الباب، وفيه ردّ عليه أيضا في قوله: وفي الباب عن علي وعائشة، وكذا حديث جابر بن عبد الله المذكور عند أبي نعيم في تاريخه من حديث أبي داود عن سليمان بن معاذ الضبي عن أبي يحيى القتات، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث سليمان بن قرم،
عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد عنه يرفعه: مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء، وقال ابن العربي: أصح شيء في هذا الباب وأحسن حديث مجاهد عن جابر، وفيه نظر، فما أسلفناه من الأحاديث أصح منه، وحديث ابن عباس مرفوعا: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم المذكور عنده من حديث نافع مولى يوسف السلمي، عن عطاء عنه.
وقال: لم يروه عن عطاء إلا نافع، ولا عن نافع إلا سعدان بن يحيى، تفرّد به سليمان بن عبد الرحمن، ولا يُرْوَى عن ابن عباس إلَّا بهذا الإِسناد، وأما الصحابة فقد روي عن جماعة منهم ذلك موقوفا، منهم: ابن مسعود وابن عباس، وإسناد حديثهما صحيح، وعائشة.
قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أنّ الرجل إذا انصرف من صلاته بغير تسليم فصلاته باطلة، وخالفهم في ذلك آخرون، وافترقوا على قولين؛ فمنهم من قال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمّت صلاته وإنْ لم يسلم، ومنهم من قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة من صلاته فقد تمت صلاته، وإن لم يتشهّد ولم يسلم، فكان من الحجة للفريقين على أهل المقالة الأولى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: تحليلها التسليم، إنما روي عن علي، وقد روي عنه من رأيه في مثل ذلك ما يدل على أن معنى ذلك عنده على غير ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، وهو ما رواه أبو عوانة، عن الحكم، عن عاصم، عن علي، قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة، فقد تمت صلاته.
وقد روى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة، عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رفع رأسه من آخر السجود فقد مضت
صلاته إذا هو أحدث وفي بعض ألفاظه: إذا قضى الإِمام الصلاة فقعد فأحدث هو أو أحد ممن أتمّ معه الصلاة قبل أن يسلم الإِمام، فقد تمّت صلاته، فلا يعود فيها.
قال أبو جعفر: فهذا معناه غير معنى الحديث الأوّل، وقد روي بلفظ آخر: إذا رفع المصلي رأسه من آخر الصلاة، وقضى تشهده ثم أحدث، فقد تمت صلاته، فلا يعود.
واحتج الذين قالوا: لا تتم الصلاة حتى يقعد قدر التشهد، بما نا فهد، نا أبو نعيم وأبو غسان قالا: ثنا زهير، عن الحسن بن الحر، حدثني القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة بيدي فحدّثني أنَّ ابن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلّمه التشّهد، وقال فيه: فإذا فعلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتكم، إنْ شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنَّ ترك التسليم غير مفسد للصلاة، وهو أنه صلى الله عليه وسلم: صلى الظهر خمسا، فلما أخبر بصنيعه ثنى رجله فسجد سجدتين، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل السلام، ولم ير ذلك مفسدا للصلاة، ولو رأى ذلك مفسدا لها لأعادها، فلما لم يعدها، وقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم؛ دَلَّ ذلك على أن السلام ليس من صلبها، ألا ترى أنّه لو كان جاء بالخامسة وقد بقي عليها مما قبلها سجدة، كان ذلك مفسدا للأربع؛ لأنه خلطهن بما ليس منهن، ولو كان السلام واجبا كوجوب السجود لكان حكمه أيضا كذلك، ولكنّه بخلافه فهو سنّة. انتهى.
وعليه فيه مآخذ:
الأول: قوله: إنما روي عن علي، يريد أنه لم يرو غيره، وقد قدمنا حديثين من غير روايته، أحدهما صحيح.
والثاني: ردّه المرفوع بالموقوف الذي هو من رواية عاصم بن ضمرة وهو متكلّم فيه، حتى قال ابن عدي: تفرد عن علي بأحاديث باطلة، لا يتابعه الرواة عليها،
والبلية منه. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يرفع عن علي قوله كثيرا، فلما فحش ذلك منه استحق الترك.
وعلى تقدير صحته يكون العمل بروايته، لا برأيه، هذا هو مذهب أكثر العلماء.
الثالث: ابن أنعم وابن رافع ضعيفان، وحديث عبد الرحمن عن ابن عمرو منقطع فيما ذكره ابن أبي حاتم، مع ضعفه ونكارة حديثه فيما قاله البخاري، وبكر بن سوادة، وإن كان ثقة، فحديثه عن ابن عمرو لم أر أحدا صرح به، ولا ذكر له رواية عنه فيما أعلم، والذي وصفه به ابن يونس: روى عن سهل بن سعد والتابعين.
الرابع: حديث ابن مسعود: فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك. وهي زيادة ذكر الخطيب وغيره أنها مدرجة، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
المحافظة على الوضوء
12 -
ثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولا تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
هذا حديث قال فيه أبو عبد الله النيسابوري لما خرّجه من حديث منصور، عن سالم، ومن حديث الأعمش، عن سالم بلفظ: واعلموا أن خير دينكم الصلاة: صحيح على شرط الشيخين.
ولم أعرف علة من العلل يُعَلَّل مثلها هذا الحديث، إلَّا وهم من وهم أبي بلال الأشعري؛ فإنه وهم منه على أبي معاوية فيما حدثناه أبو بكر بن إسحاق الفقيه، ثنا الحسين بن يسار الحناط، نا أبو بلال الأشعري، نا ابن خازم، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يواظب على الوضوء إلا مؤمن. انتهى كلامه، وليس كما قال، فإن هذا حديث منقطع، والمنقطع ليس صحيحا، وممن صرح بذلك الإِمام أحمد، فإنه قال: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان، بينهما معدان بن أبي طلحة. وقال أبو حاتم الرازي: لم يدركه، وبنحوه قاله ابن حبان.
وأما تحسين الترمذي حديثه عن ثوبان يرفعه: والذين يكنزون الذهب والفضة، فالكلام معه كالكلام مع الحاكم، وقد وقع له أيضا حديث ثوبان متصل بسند صحيح، ذكره أبو حاتم بن حبّان في كتابه الصحيح، فقال: نا أبو يعلى، نا سريج بن يونس وأبو خيثمة، قالا: ثنا الوليد بن مسلم، نا ابن ثوبان، نا حسان بن عطية، أن أبا كبشة السلولي حدّثه أنّه سمع ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، قال أبو حاتم: خبر سالم عن ثوبان منقطع، فلذلك
تنكبناه، وفي مسند الطيالسي إشارة إلى حديث ابن حبان هذا، وإنه لما ذكر خبر سالم، قال: ويروى هذا الحديث عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن ثابت، عن حسان، عن أبي كبشة، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الدارمي، عن يحيى بن بشر، نا الوليد، فذكره.
13 -
نا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، نا المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن من أفضل أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
هذا الإِسناد لا بأس به؛ لأن إسحاق هذا قال فيه أحمد: صدوق.
وقال الدارقطني: ثقة مأمون.
وتابعه على ذلك الحسين بن علي عند ابن أبي شيبة في مسنده، عن زائدة، عن ليث، ومحمد بن أبي شيبة عند ابن طاهر في كتاب صفة التصوف، وليث بن أبي سليم حاله في الضعف مشهورة، ومع ذلك قال عبد الغني: خرّج حديثه الشيخان، ومجاهد فمنصوص على سماعه من ابن عمرو، والله أعلم.
14 -
ثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، حدثني إسحاق بن أسيد، عن أبي حفص الدمشقي، عن أبي أمامة يرفع الحديث، قال: استقيموا، ونعما إن استطعتم، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلَّا مؤمن.
إسحاق بن أسيد وإن كان مذكورا في كتاب الثقات لابن حبان، فقد وصفه بالخطأ مع ذلك.
وقال ابن حبان: ليس بالمشهور ولا نشتغل به.
وقال أبو أحمد
ابن عدي: هو مجهول، يعني بذلك جهالة الحال، لا العين.
وذلك أنه روى عنه جماعة، منهم حيوة بن شريح، والليث بن سعد، وسعيد بن أبي أيوب، وعقبة بن نافع، ويحيى بن أيوب، ذكر أبو محمد بن سرور أنّ الجماعة رووا حديثه إلَّا مسلما، وروى ذلك أبو الحسن بن القطان، فقال: هو ممن يجب على مسلم إخراج حديثه، وأيضا فالبخاري لم يخرج حديثه محتجا به، إنّما روى عنه تعليقا، بَيَّنَ ذلك أبو نصر الكلاباذي - رحمهم الله تعالى - وأبو حفص الدمشقي، ولم يذكره ابن أبي حاتم ولا البخاري، وذكر أبو عمر في كتاب الانتقاء: أنّه روى عن مكحول، قال: وروى عنه إسحاق بن أسيد حديثا منكرا، وقد قيل: إنّه عثمان بن أبي العاتكة، وليس ممن تقوم به حجة. انتهى.
فعلى هذا تكون روايته عن أبي أمامة منقطعة مع ضعفها.
قال أبو عمر: يعني استقيموا على الطريقة النهجة؛ التي نهجت لكم، وسددوا وقاربوا، فإنكم لن تطيقوا الإِحاطة في أعمال البر، ولا بدّ للمخلوق من ملال وتقصير في الأعمال، فإن قاربتم ووفقتم كنتم أجدر أن تبلغوا ما يراد منكم.
باب الوضوء شطر الإِيمان
15 -
ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، أخبرني معاوية بن سلام، عن أخيه أنه أخبره عن جده أبي سلام، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله ملء الميزان، والتسبيح والتكبير ملء السماوات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كلّ الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
خرجه مسلم، عن إسحاق بن منصور، نا حبان بن هلال، نا أبان، نا يحيى أن زيدا حدّثه أن أبا إسلام حدّثه، عن أبي مالك به، وتتبع ذلك الدارقطني، وزعم أن الصواب ما قاله معاوية بن سلام، يعني بذلك المذكور عند ابن ماجه والنسائي والترمذي، وما عند مسلم منقطع، قال المازري: يحتمل قوله: الطهور شطر الإِيمان وجهين:
الأول: أنه ينتهي تضعيف الأجر به إلى نصف أجر الإيمان من غير تضعيف، وهذا كأحد التأويلات في قوله عليه السلام: إن قَل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.
الثاني: أن يكون معناه أن الإِيمان يجُب ما قبله من الآثام، وقد أخبر عليه السلام أن الوضوء يذهب عن الإنسان به الخطايا، إلا أنه قد قام الدليل أنَّ الوضوء لا يصح الانتفاع به إلا مع مضَامة الإيمان له، فكأنه لم يحصل به رفع الإثم إلا مع مضامة شيء ثان، ولما كان الإيمان يمحو الآثام المتقدّمة عليه بانفراده، صار الطهور في التشبيه كأنه على الشَطر منه، وفي هذا الحديث حجة على من يرى أن الوضوء لا يفتقر إلى نية.
باب ثواب الطهور
16 -
ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد.
أخرجاه في الصحيح بلفظ: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، وذلك أنَّ أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ولا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة في حبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه.
قوله: لا ينهزه، أي: لا يبعثه، ولا يشخصه إلا ذلك، ومنه انتهاز الفرصة، وهو الانبعاث لها والمبادرة، وهي بفتح الياء، نهز الرجل ينهز، وحُكي فيه ضم الياء، ومنه أنّ هذه المعاني أسباب الدرجات، وأضيف إلى ذلك أمور أخر وردت في ذلك من الدعاء عند دخول المسجد، والخروج منه، والسلام على أهل المسجد وتحيته، وغير ذلك، نقل أن التضعيف لمجرّد الجماعة، وهي كلّها زيادة على الدرجات.
17 -
نا سويد بن سعيد، ثنا حفص بن ميسرة، حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فتمضمض واستنشق، خرجت خطاياه من فيه وأنفه، وإذا غسل وجهه خرجت من وجهه،
حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت خطاياه من يديه، فإذا مسح برأسه خرجت خطاياه من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة.
هذا حديث مختلف في إرساله واتصاله، وقد خرج مسلم معناه من حديث عمرو بن عبسة، وفيه طول، وفي آخره: فحدَّث عمرو بهذا الحديث أبا أمامة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عنبسة، انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: لقد كبر سني ورقّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على الله، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا حتى عد سبع مرات - ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك، وكما رواه حفص هنا رواه عن مالك في الموطأ يحيى بن يحيى والقعنبي وجمهور الرواة.
وقالت طائفة، منهم مطرف، وإسحاق بن عيسى الطباع عن مالك، عن زيد، عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحي، واختلف عن زيد بن أسلم في ذلك، فقالت طائفة عنه ما قال مالك في أكثر الروايات عنه.
وقالت طائفة أخرى: عن زيد، عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحي.
قال أبو عمر: وما أظن هذا الاضطراب جاء إلا من زيد بن أسلم، والصواب قول من قال فيه:، وروى زهير بن محمد، عن زيد، عن عطاء، عن عبد الله الصنابحي قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر قوله: إنّ الشّمس تطلع ومعها قرن الشيطان .. الحديث، وهو خطأ عند أهل العلم، والصنابحي لم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أبو عمر -، وزهير بن محمد لا يحتج به إذا خالفه غيره، قاله أبو عمر وقد روي عن ابن معين أنه سئل عن عبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون، فقال: يشبه أن يكون له صحبة، وأصح من هذا عن ابن معين أنه سئل عن أحاديث الصنابحي، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن سأله: ليست له صحبة، وبنحوه قاله الترمذي في كتاب العلل الكبير، عن البخاري، رحمهما الله تعالى.
وأما قول أبي عمر: إن زهير بن محمد لا يحتج به، فليس كذلك؛ لأنه ممن خرج حديثه الشيخان في صحيحيهما، ومن كانت هذه حاله لا يقال فيه ما ذكره، لا سيما مع عدم الحالة المصرَح بها، بل هو في المعنى متابع مالكا، وفي ذلك غنية، والله أعلم.
، وإنما فيهم الصنابح بن الأعسر الأحمسي كوفي، روى عنه قيس بن أبي حازم أحاديث، وفي الباب أيضا أحد يقال له عبد الله الصنابحي،.
قال ابن إسحاق: عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الرحمن بن عسيلة، قال: لم يكن بيني وبين وفَاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا خمس ليال، توفي وأنا بالجحفة، كذا زعم أبو عمر أن الذي يروي عنه مرثد هو الذي يروي عنه عطاء، وأبو حاتم يخالف ذلك،، والذي يروي عنه أبو الخير فهو عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، روى عن أبي بكر،، وفي هذا أيضا توهيم من ادّعى أن مالكا وهم في تسميته عبد الله، وقد قيل ذلك له، فلم يرجع؛ بل أصر عليه، وزعم أن كذلك حفظ، ووجده كذلك في كتابه، ففي هذا دلالة أنه لم يرجع إلى ما قيل له؛ لعلمه أنّه غير صواب؛ إذ لو كان صوابا لكان أسرع الناس رجوعا إليه، مع تسليمه أنّ الخطأ لا يسلم أحد منه.
ذكر أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني في كتاب سماه الحث على اقتباس الحديث: قال إبراهيم بن المنذر: سمعت معن بن عيسى يقول: قلت لمالك بن أنس: إن الناس يقولون: إنك تخطئ في أسامي الرجال، تقول: عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحي، وتقول: عمر بن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان، وتقول: عمر بن الحكم السلمي، وإنما هو معاوية بن الحكم! فقال مالك: هكذا حفظنا، وهكذا وقع في كتابي، ونحن نخطئ، ومَنْ يسلم من الخطأ؟!
ويزيد ذلك وضوحًا أيضًا ما ذكره الحاكم في المستدرك من حديث مالك عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وليس له علة، وإنما خرجا حديث عثمان، وأبي هريرة غير تام، وعبد الله الصنابحي صحابي مشهور،.
وترجم ابن قانع في معجمه حرف العين المهملة باسم عبد الله الصنابحي،
وكذا ترجم عليه غيره من المؤلفين، وأما النسائي فإنه ذكر في كتاب مسند حديث مالك هذا الحديث عن قتيبة، ثم قال: عن الصنابحي، ولم يسمه، وهو ما أغفل ذكره أبو عمر، قال أبو الحسن بن القطان: ونسبة الوهم إلى مالك أو مَنْ هو فوقه خطأ، ولا سبيل إليه إلا بحجة بينة، ومالك لم ينفرد بما قال من ذلك عن زيد، بل قد وافقه عليه أبو غسان محمد بن مطرف أحد الثقات المخرج لهم في الصحيحين، وفي كتاب أبي جعفر البغوي، ثنا أبو أحمد، أنا أبان البجلي، حدثني أبو مسلم قال: دخلت على أبي أمامة وهو يتفلى في المسجد، فذكر حديثا فيه: مَنْ توضأ فأسبغ الوضوء، وغسل يديه ووجهه، ومسح على رأسه وأذنيه، ثم قام إلى صلاة مفروضة، غفر الله له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجلاه، وقبضت عليه يداه، وسمعته أذناه، ونظرته عيناه، وحدث به نفسه من سوء، وقال: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه، قال: ثنا الحسن بن موسى، ثنا شيبان عن معاوية، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كعب بن مرة السلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فغسلت كفيك، خرجت ذنوبك من كفيك، فذكره مطولًا، فهذا كله يوضح لك أن ما قاله مالك ومَنْ تبعه صواب، وما قاله أبو عمر عكسه، وذكر البخاري في الأوسط: وحدثني يوسف بن راشد، ثنا إسحاق الطباع، أخبرني مالك، عن زيد، عن عطاء، عن الصنابحي بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ، وهذا عندي أصح، وفي كتاب التمهيد: أجمع العلماء على أن غسل الوجه، واليدين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس فرض ذلك كله، لأمر الله تعالى به، لا خلاف علمته في شيء من ذلك، إلا في مسح الرجلين وغسلهما على ما نبينه بعد هذا في بابه إن شاء الله تعالى، وقد استدل بعض مَنْ لم يجز الوضوء بالماء المستعمل بهذا الحديث لخروج الخطايا معه،
فوجب التنزه عنه، لأنه ماء الذنوب، وهذا عندي لا وجه له، لأن الذنوب لا تنجس الماء، لأنها لا أشخاص لها، ولا أجسام تمازج الماء، فتفسده، وإنما معنى قوله: خرجت الخطايا مع الماء إعلامًا منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمة منه بهم.
وقد اختلف الفقهاء في الماء المستعمل: فقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما: لا يتوضأ به، ومَنْ توضأ به أعاد، لأنه ليس ماء مطلقًا ويتيمم واجده، لأنه ليس بواجد ماءً، وقال بقولهم في ذلك أصبغ بن الفرج، وهو قول الأوزاعي، وأما مالك فقال: لا يتوضأ به إذا وجد غيره من الماء، ولا خير فيه، ثم قال: إذا لم يجد غيره توضأ به، ولم يتيمم، لأنه ماء طاهر، لم يغيره شيء.
وقال أبو ثور وداود: الوضوء بالمستعمل جائز، لأنه ماء طاهر، لا ينضاف إليه شيء، وهو ماء مطلق، واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة، وإلى هذا ذهب محمد بن نصر المروزي، ورُوي عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، والنخعي، ومكحول، والزهري، أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه، فوجد في لحيته بللًا أن يمسح بذلك البلل رأسه.
فهؤلاء كلهم اختاروا الوضوء بالماء المستعمل، وأما مالك والشّافعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم، فلا يجوز ذلك عندهم، ولو فعل لم يجزه، وكان عليه الإعادة لكلّ ما صلى بذلك الوضوء؛ لأنه قد أُدِّيَ به فرض، فلا يؤدى به فرض آخَر كالجمار وشبهها.
قال أبو عمر: الجمار مختلف فيه.
وقال بعض المنتمين إلى العلم من أهل عصرنا: إنَّ الكبائر والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة، واحتج بظاهر حديث الصنابحي، وبمثله من الآثار، وبقوله: فما ترون ذلك يُبْقِي من ذنوبه، وهذا جهل
بيّن، وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز لذي لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها، وهو يسمع قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ، وقوله تبارك وتعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا َ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} في آي كثيرة، ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البرّ مكفرة للكبائر، والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه ولا قَاصد إليه، ولا حضره في حينه ذلك الندم عليه لما كان لأمر الله تعالى بالتوبة معنى، ولكان كلّ من توضأ وصلى، يشهد له بالجنة بإثر سلامه من صلاته، وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر، وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح، وقد أجمع المسلمون أنَّ التوبة على المذنب فرض، والفروض لا يصح أداء شيء منها إلا بقصد ونية، وقال عليه السلام: الندم توبة. وقال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
وهذا يبيّن لك ما ذكرنا، ويوضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات لمن اجتنب الكبائر، فيكون على هذا المعنى قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ} ، كفرنا عنكم الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض، وإن لم تجتنبوا الكبائر، ولم تتوبوا منها، لم تنتفعوا بتكفير الصغائر، إذا واقعتم الموبقات المهلكات، وهذا كله قبل الموت، وبهذا قال جماعة المسلمين، وجاءت به الآثار الصحاح، ولو تدبر هذا القائل الحديث الذي فيه ذكر خروج الخطايا من فيه ويديه ورأسه ورجليه؛ لعلم أنّها الصغائر في الأغلب، ولعلم أنها معفو عنها بترك الكبائر.
دليله: قوله عليه السلام: العينان يزنيان، والفم يزني، ويصدق ذلك كله الفرج، أو يكذبه. يريد - والله أعلم - أن الفرج بعمله يوجب الهلكة، وما لم يكن كذلك فأعمال البر تغسل ذلك كلّه، والله أعلم.
18 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار قالا: ثنا غندر محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن يزيد بن طلق، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن عبسة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا توضأ فغسل يديه خرت
خطاياه من يديه، فإذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه، فإذا غسل ذراعيه ومسح برأسه خرت خطاياه من ذراعيه ورأسه، فإذا غسل رجليه خرت خطاياه من رجليه.
هذا الحديث خرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن ابن عبسة، وقال فيه: صحيح الإِسناد على شرطهما ولم يخرجاه، وأبو عبيد تابعي كبير، لا ينكر سماعه من عمرو. وفي الحديث صحة سماعه، وله شاهد على شرط مسلم، عن عمرو بن عبسة، وفي الأوسط من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة مرفوعًا: إذا توضأ أحدكم حط ما أصاب بفيه
…
الحديث، وفي موضع آخر من حديث شهر بن حوشب عنه: إن العبد إذا غسل يديه خرجت خطايا يديه
…
الحديث، وقال: لم يروه عن أبي أيوب الإفريقي إلا أبو فروة يزيد بن سنان، وأما حديث ابن ماجه ففي إسناده ضعف، وقد تقدَّم معناه من كتاب مسلم، وسبب ضعفه عبد الرحمن بن البيلماني الأنباري، والبيلمان: هي خرق تعمل منها القلوع. وقال الرشاطي: بيلمان من بلاد السند، قال فيه أبو حاتم الرازي: لين، وبنحوه قاله الإشبيلي، وقال الدارقطني: ضعيف، لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله! وقال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث، روى عن ابن عمر بواطيل، ولما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات قال: لا يجب أن يعتبر بشيء من حديثه، إذا كان من رواية ابنه؛ لأن ابنه يضع على
أبيه العجائب، وممن ضعفه أيضا: يعقوب بن طاهر، وذكر الحاكم في كتاب المدخل: أن الشيخين اتفقا على تخريج حديث عمرو بن عبسة، ولم يرد ذلك عبد الغني بن سعيد فيما ردّه، فكأنه قرّره، وتتبع ذلك عليهما الحافظ أبو محمد بن يربوع الشنتريني، فزعم أن مسلما تفرد بحديثه دون البخاري، والله أعلم.
19 -
حدثنا محمد بن يحيى، نا هشام بن عبد الملك، نا حماد، عن عاصم، عن رز بن حبيش، أنّ عبد الله بن مسعود قال: قيل: يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قال: غر محجلون، بلق من آثار الطهور.
خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه، عن أبي يعلى، ثنا كامل بن طلحة، نا حماد به، ولفظ أحمد في مسنده: من آثار الوضوء.
وفي الأوسط عن أبي إسرائيل الملائي، عن عطية، عن أبي سعيد، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك؟
قال: لم يروه عن أبي إسرائيل إلا حسن بن حسين العرني، وفيه حديث جابر بن عبد الله أيضا، وقال: لم يروه عن الأعمش، يعني عن أبي مسلم، عن جابر إلا يحيى بن يمان.
وفي صحيح مسلم حديث أبي هريرة يرفعه: أرأيت لو أنَّ رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض الحديث.
وفي كتاب الترمذي بيان الغرّة مم هي؟ إذ هي في الأحاديث السابقة مجملة عن عبد الله بن
بسر مرفوعا: أمتي يوم القيامة غر من السجود، محجلون من الوضوء.
قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
20 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا الوليد بن مسلم، نا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم، حدثني شقيق بن سلمة، حدثني حمران مولى عثمان، قال: رأيت عثمان بن عفان قاعدا في المقاعد، فدعا بوضوءٍ فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تغتروا.
21 -
حدّثنا هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن حبيب، نا الأوزاعي، حدثني يحيى، حدّثني محمد بن إبراهيم، حدثني عِيسى بن طلحة، حدثني حمران، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
هذا حديث إسناده صحيح؛ لأن الوليد إنما نحذر منه التدليس أو التسوية، وهنا أمِنا ذلك لتصريحه بسماعه، وسماع شيخه ومتابعة عبد الحميد له - وإن كان قد أتى بعيسى مكان شقيق - وهما ثقتان، فلا يضر ذلك الحديث، ويكون محمد سمعه منهما، أو يكون القول في ذلك قول الوليد لتقدمه به على عبد الحميد، فإن بعضهم، وهو أبو حاتم، يزعم أنَّه ليس بصاحب حديث.
وقال النسائي: ليس بالقوي، ويكون أراد ذكر شقيق، فوهم إلى عيسى، والله تعالى أعلم.
وله أصل في الصحيحين من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن حمران من غير زيادة ولا تغتروا، وهي في صحيح أبي حاتم البستي. قال:، ثنا ابن سلم، ثنا عبد الرحمن به. ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ مثل وضوئي هذا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ثم قال عليه السلام: ولا تغتروا، وفي حديث مسلم زيادة: وكانت صلاته
ومشيه إلى المسجد نافلة.
[وفي الباب غير حديث، من ذلك حديث أبي أمامة يرفعه: مَنْ توضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة، خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه، رواه الطبراني في معجمه الكبير عن شهر بن حوشب عنه، وفي آخره: قال أبو ظبية: وأنا سمعت عمرو بن عبسة يحدث بمثل هذا الحديث، حدث، فذكر كما ذكر أبو أمامة، وحديث سلمان الخير مرفوعًا: مَنْ توضأ، فأحسن الوضوء، تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق، رواه من حديث ابن جدعان عن أبي عثمان عنه، وحديث كعب بن مرة البهزي يرفعه: إذا توضأت، فغسلت كفيك خرجت خطاياك من كفيك، فإذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك
…
الحديث، رواه ابن جرير عن منصور عن سالم عنه، وحديث أبي أيوب يرفعه: مَنْ توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غُفِرَ له ما تقدم من عمل، أكذلك يا عقبة بن عامر؟ قال: نعم. رواه عن ابن عبد الحكم عن قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، ثنا أبو الزبير، عن سفيان بن عبد الرحمن، عن عاصم بن سفيان الثقفي عنه، وحديث جابر مرفوعًا: أمتي الغر المحجلون من آثار الوضوء، رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لم يرو هذا عن الأعمش يعني عن أبي مسلم عنه إلا يحيى بن يمان].
قوله: واستنشق، يعني حرك الماء، بريح الأنف، قال القزاز: النشق مصدر نشقت الشيء أنشقه نشقا، إذا شممته، واسم ما يستنشقه النشوق، والشيء منشوق ومستنشق، وتقول: نشق الرجل بمعنى استنشق؛ ولذلك قال المتلمس:
ولو أن محموما بخيبر مدنفا
…
تنشق رباها لأقلع صالبه
أي: وجد ريحها، وتقول للرجل: استنشق يا فلان هذه الريح، وهذه ريح مكروهة النشق، أي الرائحة، ومنه قول رؤبة:
كأنه مستنشق من الفرقِ
…
حرا من الخردل مكروه النشق
وفي الغريبين: أي يبلغ الماء خياشيمه.
وذكر ابن قتيبة أنّ الاستنشاق والاستنثار سواء، مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف، ويشبه أن يكون وهِم؛ لأنّ أهل اللغة فرّقوا بي هما، وفي نفس الحديث: فليجعل في أنفه ثم لينتثر، فدلَّ أنَّ النثر طرح الماء بريح الأنف متبددا، وقد أنكر ذلك عليه غير واحد من الأئمة.
قوله: أشفار عينيه، يعني حروف أجفانه، واحدها شُفر بضم الشين، كذا ذكره ثعلب، وذكر ابن قتيبة فتح الشين في أدب الكاتب.
وفي الجامع: شفير كلّ شيء حدّه، وفي المحكم: وشافره أيضا، وأما الفراء فَحَكَى فيه الضم، وأنكره بعضهم.
قوله: خرت خطاياه، قال في الجمهرة: خر يخر خرًّا، إذا هوى من علو إلى سفل، وكل واقع من حائط وغيره فقد خرّ، يخر خرًّا، وكذلك الرجل إذا سقط وهو قائم على وجهه.
وقال الهروي: سقط يخر خرورا بضم الخاء، وبنحوه قال الجوهري.
قوله: غرة، يريد البياض في الوجه، والغرَّة بياض في وجهة الفرس تفوق الدرهم، يقال: فرس أغر، والأغر الأبيض، وقوم غرّان، قال امرؤ القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية
…
وأوجههم عند المشاهد غران
ورجل أغر: أي شريف، وفلان غُرةُ قومه: أي سيدهم، وغُرَّةُ كل شيء أوّله وأكرمه، ذكره صاحب الصحاح، وفي الجمهرة: وكلّ شيء بدا لك من وضوءٍ أو صبح، فقد بدت لك غرته. وقال القزاز: الأغر والغراء: الأبيض والبيضاء، ومنه
قول الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها
…
تمشي الهوينا كما يمشي الوَجِي الوَحِل
وقيل: الغراء الواسعة الجبهة، وقيل: هي البيضاء النقية العرض.
وقالت الأعراب: هي التي تتسع جبهتها وملاح ما بين عينيها، وتتباعد قصبتها من جبينها.
وقيل: هي البيضاء العينين، وهذا امرؤ غر محجّل، أي واضح، ولذلك قال الشاعر:
ألا حييا ليلى وقولا لها هلا
…
لقد ركبت امرأ أغر محجلا
وفي كتاب النبات لأبي حنيفة: الغراء من نبات التبر، ولها زهرة بيضاء شديدة البياض ناصعة.
وقال أبو نصر: الغراء ثمرة بيضاء، يعني بالثمرة الزهرة، قال أبو حنيفة: ونباتها مثل نبات الجزر، وحبّها كحبّه، وهي طيبة الريح، وخالف ذلك أبو زياد، أنشد أبو العباس للقلاخ، يقوله لإِبراهيم بن النعمان بن بشير، لما زوج أخته من يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان:
لله درّ جياد كنت سائسها
…
ضيعتها وبها التحجيل والغرر
وفي الكناية: وإذا كان بوجه الفرس بياض يسير بقدر الدرهم فما دون ذلك، فذلك القرحة، والفرس أقرح، فإذا جاوز ذلك فهو الغرة، فإن كانت قوائمه الأربع بيضَاء لا يبلغ البياض منها الركبتين فهو محجل، فإن كان البياض بيديه دون رجليه فهو أعصم.
وذكر الأصمعي أنه الذي يرتفع البياض إلى موضع القيد، قال: ومنه الحجل. وفي الصحاح: التحجيل: بياض في قوائم الفرس، أو في ثلاث منها، أو في رجليه، قلّ أو كثر بعد أن تجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين، فإذا كان في قوائمه الأربع فهو محجل أربع، وإن كان في الرجلين جميعا فهو محجل الرجلين، فإن كان بإحدى رجليه وجاوز الأرساغ فهو محجّل الرجل اليمنى أو اليسرى، فإن كان البياض في ثلاث قوائم دون رجل أو دون يد، فهو محجل ثلاث
مطلق يد أو رجل، فلا يكون التحجيل واقعا بيد أو يدين، ما لم يكن معها أو معهما رجل أو رجلان، فإن كان محجل يد ورجل من شق فهو ممسك الأيامن، مطلق الأياسر، أو ممسك الأياسر مطلق الأيامن.
وأما المقاعد فذكر القاضي في المشارق أنَّها موضع عند باب المسجد. وقيل: مصاطب حوله. وقيل: هي دكاكين عند دار عثمان.
وقال الداوودي: هي الدرج. وفي سنن الدارقطني: هي عند مصلّى الجنائز عند المسجد.
باب السواك
22 -
ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، نا أبو معاوية وأبي، عن الأعمش (ح)، وثنا علي بن محمد، نا وكيع، عن سفيان، عن منصور وحصين، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد يشوص فاه بالسواك.
أخرجاه في صحيحيهما.
23 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو أسامة وعبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة.
أخرجاه في الصحيح.
24 -
حدثنا سفيان بن وكيع، ثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
رواه النسائي في الصلاة، عن قتيبة، عن عثام، وبذلك صح إسناده؛ لأن سفيان ضعيف، ومنهم من اتهمه بالكذب، وهو أبو زرعة الرازي.
وقال البخاري: يتكلمون فيه لأشياء لقنوه إياها. وقال النسائي: ليس بشيء. وقال ابن حبان: قيل له في أشياء لقنها، فلم يرجع عنها، فاستحق الترك لإِصراره.
وقال ابن عدي: كان إذا لقن يلقن، وبنحوه قال أبو حاتم الرازي، وعثام ممن احتج به في الصحيح، ووصف مع ذلك بالثقة والصدق، وزعم أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله في كتاب الأطراف أنّ ابن ماجه خرّج هذا الحديث بهذا الإِسناد في كتاب السنة، وتبعه على ذلك
الحافظ المزي، وما قدّمناه يقضي على قولهما وقد استظهرت النسخ من السنن، فوجدته كذلك.
وقال الحاكم عندما خرجه من حديث محمد بن حيان، نا عثام: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وليس كما زعم لكونه على شرط البخاري وحده؛ لتفرّده بعثمان فيما ذكره ابن سرور وغيره عندما رواه عن محمد بن عبد الله بن بزيغ، نا عثام، فذكره مختصرا، وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن الأعمش إلَّا عثام بن علي، وهو ثقة.
25 -
حدّثنا هشام بن عمار، نا محمد بن شعيب، نا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للربِّ، ما جاءني جبريل إلا وصاني بالسّواك، حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وإني لأستاك حتى إني لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي.
هذا حديث إسناده معلل بأشياء منها: عثمان بن أبي العاتكة سليمان أبو حفص الأزدي الدمشقي القاص، قال فيه ابن معين: ليس بشيء.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال أبو أحمد الحاكم: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، مع أن دحيما كان يثني عليه، وينسبه إلى الصدق، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد إلا من قبل علي.
وقال أبو حاتم: لا بأس به، بليته من كثرة روايته عن علي، وأما ما روي عن غيره فمقارب.
ومنها علي بن يزيد أبو عبد الملك الألهاني الدمشقي، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، أحاديثه منكرة.
وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك.
وقال يعقوب بن شيبة: واهي الحديث.
وقال أحمد: هو ضعيف.
ولما ذكره أبو مسهر قال: ما أعلم إلا خيرا، وذكر أبو عبد الله في مستدركه حديثا من رواية يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا: إن أغبط الناس عندي لمؤمن خفيف الحاذ،
ثم قال: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم، ولم يخرجاه - يعني الشيخين - وليس كما زعمه لما أسلفناه، ولما قاله ابن حبان وغيره من أنّ هؤلاء إذا اجتمعوا في إسناد، كان ذلك الحديث من عمل أيديهم، وكأنه اعتمد على قول أبي مسهر في علي والبخاري في ابن زحر، والله أعلم يقصد في هذا الكلام اثنان هما: عثمان بن أبي العاتكة، وعلي بن يزيد.
ومنها القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن مولى خالد بن يزيد بن معاوية، وهو إن قال فيه الكوفي: شامي تابعي، يكتب حديثه وليس بالقويّ.
وقال إبراهيم بن الجنيد، عن ابن معين: هو ثقة إذا روى عن الثقات.
وقال الحربي في كتاب العلل: من ثقات المسلمين، توفي سنة ثنتي عشرة ومائة.
وقال الجوزجاني في تاريخه: كان خيارا فاضلا. وقال الفسوي: ثقة. وسئل عنه أبو حاتم، فقال: حديث الثقات عنه مستقيم، لا بأس به، وإنما ينكر عليه من قبل الضعفاء، فقد قال فيه الإِمام أحمد بن حنبل: منكر الحديث، حدث عنه علي بن يزيد بأعاجيب، وما أراها إلا من قبله.
وقال أبو حاتم البستي: كان يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات.
وفي سؤالات الآجري عن أحمد بن صالح تضعيفه، وفي الأوسط للبخاري: روى عنه المعلى وغيره أحاديث مقاربة، وأما من يتكلم فيه مثل علي بن يزيد ونحوه ففي حديثه ثَمَّ مناكير واضطراب، ومع ذلك ففي متنه أشياء لها أصول صحيحة وشواهد حسنة.
أما قوله: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب فهو حديث عائشة عند ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، وذكره البخاري تعليقا.
وقال البغوي في شرح السنة:
هذا حديث حسن، وعند ابن حبان أيضا من حديث أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم
…
الحديث، وعند القاضي أبي بكر أحمد بن علي المروزي في مسند أبي بكر الصديق من حديثه، عن ابن أبي خيثمة، نا يونس بن محمد، نا حماد، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، وسنده صحيح.
وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالسواك؛ فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرب، ذكره في طبقات الموصل من حديث ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع عنه، وقوله: ما جاءني جبريل عليه السلام إلا أوصاني بالسواك. شاهده عند ابن خزيمة في صحيحه، عن عبد الله بن حنظلة: كان عليه السلام أمر بالوضوء لكل صلاة؛ طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة.
وقوله: لقد خشيت أن يفرض علي، شاهده ما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس، قال عليه السلام: لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه سينزل علي قرآن أو وحي.
وعنده أيضا عن واثلة، قال عليه السلام: أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي.
وذكر أبو نعيم من جهة محمد بن مسلمة أن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن صهيب، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن حلحلة، ورافع بن خديج، قالا: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم: السواك واجب، السواك واجب. وقوله: لفرضته شاهده حديث تمام بن عباس رضي الله عنهما قال عليه السلام: ما لي أراكم تأتون قلحا، استاكوا، لولا أن أشقَّ على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرض عليهم الوضوء. رواه أحمد، وعلّله ابن القطان، وفيما أعلَّه به نظر، ولما رواه في الأفراد من حديث جعفر بن تمام بن عباس، عن أبيه، عن العباس قال: هذا حديث غريب من حديث الثوري، عن منصور، تفرد به أبو خالد عبد العزيز بن أبان عنه، ولا نعلم حدّث به عنه غير الحسن بن مكرم، وحديث أبي هريرة: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرطهما [جميعًا، وليس له علة، وله شاهد بهذا اللفظ، فذكر حديث تمام بن عباس بنحوه، وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث إسماعيل بن عمرو البجلي عن الحسن بن صالح، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن صرد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استاكوا، وتنظفوا، وقال: لم يروه عن الحسن إلا إسماعيل، ولا يروى عن سليمان إلا بهذا الإسناد، وحديث جعفر بن أبي طالب: كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلحًا، فقال: استاكوا رواه الدارقطني].
وفي الكامل لابن عدي قال عليه السلام: لولا أن أشق على أمتي، لجعلت السواك
عليهم عزيمة.
وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك لأبي عبد الله: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة.
وفي الصحيح: لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
وقوله: حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي، شاهده حديث عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال عليه السلام: لقد أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني، قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن عطاء إلا الحسين بن واقد، وحديث جبير بن مطعم مرفوعا: لقد أمرت بالسواك، حتى لقد خشيت أن يدردني، من عند أبي نعيم، وقد رُوي مرسلًا، ورواه عن غير واحد من الصحابة، وحديث عطاء عن عائشة قلت: يا رسول الله، الرجل يذهب فوه، يستاك؟ قال: نعم، قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل أصبعه في فيه.
قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن عطاء إلا عيسى بن عبد الله الأنصاري، تفرد به الوليد بن مسلم، ولا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد، فقد ظهر لك بمجموع ما ذكر صحة المتن، وعرفان مخرجه، وضعف الإِسناد، والله أعلم.
26 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قلت: أخبريني بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل عليك؟ قالت: كان إذا دخل يبدأ بالسواك
رواه مسلم في صحيحه، وذكر أبو عبد الله ابن منده الإِجماع على صحته، وفيما قاله نظر لأمرين: الأول: إن أراد إجماع أهل العلم قاطبة فمتعذر، وإن أراد إجماع الأئمة المتعاصرين أصحاب الليث - وهو الأشبه بمصطلحه؛ لأنه بيّن في غير موضع أنه يريد ذلك - فغير صواب أيضا؛ لأنه لم يخرجه أحد منهم زيادة على من ذكرناه غير النسائي، والسجستاني في رواية ابن داسة فقط، فأي إجماع مع مخالفة البخاري والترمذي؟! وعند ابن خزيمة وأبي عوانة، وسيأتي له تتمة عند أحمد - رحمه الله تعالى - إذا دخل بيته.
27 -
حدثنا محمد بن عبد العزيز، نا مسلم بن إبراهيم، نا بحر بن كنيز، عن عثمان بن ساج، عن سعيد بن جبير، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن أفواهكم طرق القرآن؛ فطيبوها بالسواك.
هذا أثر إسناده ضعيف؛ لضعف بحر راويه مولى باهلة السقاء، قال فيه يزيد بن زريع: لا شيء. وقال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، كل الناس أحب إلي منه. وقال النسائي وابن الجنيد والدارقطني: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال الحربي في العلل: ضعيف. وفي كتاب الآجري: سئل أبو داود عنه، فقال: ضعيف، وسئل عنه مرة أخرى وعن عمران، فقال: عمران فوق بحر، بحر متروك.
وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
وقال ابن سعد: مات سنة ستين ومائة، وكان ضعيفا.
وقال البخاري في التاريخ: ليس عندهم بقوي.
الثاني: الجهالة بحال عثمان، وإن كان ابن أبي حاتم قد وصفه بالرواية عن خصيف، وبرواية المعتمر بن سليمان، ومحمد بن يزيد بن سنان الرهاوي عنه،
ووصفه البخاري بأنه من الجزيرة، فلم أر أحدا تعرّض للمعرفة بحاله، وهو وبحر مما يستدرك ذكرهما على ابن سرور، وكذلك يستدرك الحديث على ابن عساكر. وزعم بعض المتأخرين أنّ عثمان بن ساج هذا هو عثمان بن عمرو بن ساج، نسبه إلى جدّه أخذا من طبقات الجزريين لأبي عروبة، وما علم أن أبا محمد بن أبي حاتم فرّق بينهما، ولا نعدل عن كلامه إلا ببيان واضح.
الثالث: محمد بن عبد العزيز أيضا لا يُدرى من هو؛ لأنَّ ابن سرور ذكر فيمن روى عنه ابن ماجه اثنين، يقال لكل منهما: محمد بن عبد العزيز.
الأول: المعروف بابن أبي رزمة، والثاني: لم يصفه برواية ابن ماجه عنه، فالله أعلم أيهما هذا، فإن كان ابن أبي رزمة وما إخاله، فهو مشهور بالثقة، وإن كان الآخر فهو مجهول، وبنحو ما ذكرهما به ذكره الشيخ جمال الدين، ولم يذكر أحدا منهما برواية عن مسلم بن إبراهيم، وكذلك الخطيب في تاريخه على كثرة تعدادهما للمشائخ.
الرابع: انقطاع ما بين سعيد وعلي؛ فإن ابن أبي حاتم ذكر في كتاب المراسيل: سئل أبو زرعة، عن سعيد بن جبير عن علي، فقال: مرسل، وفي التاريخ الأوسط: عن أبي معشر، عن سعيد بن جبير قال: رأيت عقبة بن عمرو، ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث نحوه، ثنا يحيى قال: مات أبو مسعود أيام علي، ولا أحسبه حفظ؛ لأن سعيد بن جبير لم يدرك أيام علي. انتهى.
وقول البخاري: ولا أحسبه حفظ؛ يعني وفاة أبي مسعود؛ لأنه هو صرح في ذلك بسماع سعيد منه، ويكون مولد
سعيد على ما ذكره هو وغيره بعد موت علي رضي الله عنه بست سنين؛ لأنه قتل سنة خمس وتسعين، وهو ابن تسع وأربعين، والله أعلم. وقد وقع لنا هذا الحديث مرفوعا من طريق سالمة من المذكورين، أنا بهذا المعمر أبو التقى صالح بن مختار - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، أنا المسند أبو العباس بن عبد الدائم بقراءة والدي عليه، أنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي قراءة عليه، أنا أبو القاسم الجوزي، أنا أبو الحسين، أنا الربيع، نا عمر بن نعيم وكيل المتقي من أصل سماعه، نا حمدون بن الحارث بن ميمون المقري، نا العباس بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، نا شعبة، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك، أتاه الملك فقام خلفه، ولا يخرج منه شيء إلا دخل جوف الملك، فطهروا أفواهكم بالسواك.
أخبرنا المسند المعمر أبو زكريا يحيى المقدسي رحمه الله عن العلامة ابن بنت الحميري، أنا شهدة، أنا أبو عبد الله الحسين بن طلحة، أنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله، نا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، نا عبيد الله بن سعد الزهري، نا عمي، نا أبي، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن سالم بن عبد الله، عن أبي الجراح مولى أم حبيبة، أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون.
وروى مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، قال عليه السلام: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليغسل يده من الغمر، ما قام عبد إلى الصلاة قط إلا التقم ملك فاه، فلا يخرج من فيه آية إلا في فم الملك.
ذكره التقي يحيى بن أبي الرضا في كتاب نصرة الصحاح من تأليفه.
وفي مجموع الرغائب لابن عساكر، عن أبي هريرة: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسوكتهم خلف آذانهم يستنون لكل صلاة.
[وروى السواك والتسوك جماعة من الصحابة، منهم: عامر بن ربيعة عند أبي داود، وابن مسعود في مسند الموصلي، وبهز وربيعة ذكرهما الطبراني، إلا ربيعة بن أكثم، ذكره أبو عمر، ومليح بن عبد الله في تاريخ ابن أبي خيثمة، وجبير بن مطعم، وسعد، وعباس بن عبد المطلب عند أبي نعيم الحافظ، ورزين عند الكجي، وسليمان بن صرد في الأوسط لأبي القاسم، وعبد الله بن جراد عند أبي نعيم، وابن حلحلة، ورافع بن خديج عند أبي نعيم، وأبي بن سهل بن سعد، وجابر، وأبو هريرة، وابن محيريز، وأسامة، وأُبي، ومثل ذلك أنس وأبو سعيد الخدري في علل الرازي، ومعاذ بن جبل في المعجم الأوسط، وكثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، وأبو خيرة الصباحي في تاريخ البخاري، وابن أبي ليلى عن أصحاب محمد عند أبي نعيم رضي الله عنهم أجمعين].
السواك والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العيدان.
قال القزاز: استعمل منه سكت الشيء، أسوكه سوكا، إذا دلكته، ومنه اشتقاق السواك، تقول: ساك فمه، يسوكه سوكا، إذا دلكه بالمسواك، فإذا قلت: استاك؛ لم يذكر الفم، والمسواك يذكر ويؤنث، والتذكير أكثر، وهو نفس العود الذي يستاك به، وأصله الشيء الضعيف، يقال: جاءت الغنم والإِبل تستاك هزالا، أي ما تحرك رؤوسها، وقد تساوكت الإبل وغيرها: أصابها الهزال، قال عبيد الله بن الحر الجعفي:
إلى الله أشكو ما أرى بجيادنا
…
تساوك هزلى مخهن قليل
والسواك: مشي الجائع، وفي الصحاح: ويجمع على سوك، مثل كتاب وكتب، قال الشاعر:
أغر الثنايا أحمر اللثاث
…
تمنحه سوك الإسحل
وشرع السواك لتعظيم شأن العبادة وشأن المناجى؛ ليكون على كمال من الطهارة والنظافة؛ لأنه مزيل للقلح، مضعف للأجر، مطيب للنكهة، مسكن للصداع، مذهب لوجع الأضراس، يزيد صاحبه فصاحة، مذهب البلغم، مجلٍّ للبصر. جاء ذلك في آثار مرسلة ذكرها أبو نعيم والطبراني.
ومذهب الجمهور عدم وجوبه للصلاة، خلافا لإسحاق وداود إذ أوجباه، وبالغ إسحاق فأبطل الصلاة بتعمد تركه.
قال أبو عمر: فضل السواك مجمع عليه، لا اختلاف فيه، والصلاة عند الجميع بسواك أفضل منها بغير سواك، حتى قال الأوزاعي: هو شطر الوضوء. ويتأكد عند إرادة الصلاة، وعند الوضوء، وقراءة القرآن، والاستيقاظ من النوم، وعند تغيّر الفم، ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وعند الأكل، وفي السحر.
والأولى الاستياك بالأراك والبشام، والزيتون؛ لمجيئه في حديث معاذ مرفوعا: نعم السواك الزيتون، من شجرة
مباركة، يطيب الفم، ويذهب الحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي. ذكره الطبراني في الأوسط من حديث إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا ابن محصن، ثم بكل ما يجلو الأسنان؛ إذا لم يكن فيه صبغ ولون، خلا الريحان والقصب، واستضعف ابن العربي الأول، وقاسه على الكحل، وحمل بعض الحنفية السواك للصلاة على صلاة المتيمم، أو من لم يجد ماء ولا ترابا حتى لا يخلو المصلي من سواك، إن لم يكن عند الوضوء فعند الصلاة؛ جمعا بين الأحاديث، أو يحمل على ما في حديث يوسف السمتي، عن الأعمش، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك بفضل وضوئه.
وحمل بعض العلماء: يشوص على دلك السن بالأصابع وهو في حديث ضعفه البيهقي، عن أنس مرفوعا: يجزئ من السواك الأصابع، وفي حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدّه، قال عليه السلام: الأصابع تجري مجرى السواك إذا لم يكن سواك. قال أبو القاسم في كتابه الأوسط: لم يروه عن كثير إلا أبو غزية محمد بن موسى، تفرد به هارون بن موسى الفروي؛ دلالة على ذلك أيضا.
وبعضهم يزعم أنّه الدلك عرضا، وقال بعضهم: هو الغسل. وقيل: التنقية، قاله أبو عبيد. وقيل: هو الحك، قاله ابن عبد البر.
ويستحب الاستياك طولا؛ لحديث أبي موسى عند أحمد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق.
قال حماد: ووصفه لنا غيلان كأنه يستن طولا. وحديث بهز وربيعة بن أكثم وعطاء بن أبي رباح: كان عليه السلام يستاك عرضا، ضعَّفها البيهقي. وحديث عائشة مرفوعا: كان يستاك عرضا ولا يستاك طولا ذكره أبو نعيم وهو ضعيف.
وزعم بعضهم أنه ليس بين حديث أبي موسى وما ذكرناه تعارض، فإن حديث أبي موسى يدل على أن تسوك اللسان والحلق طولا، وحديث بهز ومن تابعه في الأسنان عرضا.
وفي قوله عليه السلام: لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة يقتضي جواز الاستياك للصائم؛ أخذا بعموم اللفظ، يوضحه حديث عامر بن ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم، قال فيه الترمذي: حسن. وحديث عائشة يرفعه: من خير خصال الصائم السواك، وحديث أنس: لا بأس بالسواك للصائم، وحديث ابن عمر: كان عليه السلام يستاك آخر النهار وهو صائم، ذكره ابن طاهر في التذكرة، وضعفه على معارضة غيرهم لهم في ذلك، وسيأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
وما قدمناه أحسن دلالة ممن قال ذلك يؤخذ من قول عائشة: بأي شيء كان عليه السلام يبدأ إذا دخل عليك بيتك؟ قالت: بالسواك؛ لأن الحديث إنما جاء في دخوله البيت ليلا، فلا حجة فيه، بيانه: رواية شريح قلت لعائشة: بأي شيء كان يبدأ عليه السلام إذا دخل عليك بيتك؟ قالت: يبدأ بالسواك، ويختم بركعتي الفجر، ذكره الإِمام أبو حاتم في صحيحه.
باب الفطرة
28 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط، وقص الشارب.
خرجاه في صحيحيهما، وأما سعيد بن أبي سعيد فرواه عنه مالك في موطئه، عن أبي هريرة موقوفا به، ورواه أكثر رواة الموطأ إلا بشر بن عمر، فإنه رواه عنه مرفوعا، ولفظ ابن حبان قال: من فطرة الإِسلام: الغسل يوم الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها، فخالفوهم، خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم.
29 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإِبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني: الاستنجاء.
قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
رواه مسلم في صحيحه والترمذي، وقال: حسن.
وقد اختلف في رفعه ووقفه؛ فرواه مرفوعا مصعب منفردا به عن طلق. ورواه سليمان التيمي وجعفر بن إياس، عن طلق، قال: كان يقال: عشر من الفطرة، كذا في كتاب النسائي، ورواية الرفع انفرد بها ابن أبي زائدة، عن مصعب، واختلف في تصحيحه؛ فأباه الإِمام أحمد بن حنبل فقال: مصعب بن شيبة أحاديثه مناكير، منها عشر من الفطرة، والنسائي.
وقال: حديث التيمي أشبه بالصواب من حديث مصعب، ومصعب منكر الحديث.
وفي موضع آخر: وحديث التيمي وأبي بشر أولى، كذا ذكره في سننه، وقال في المجتبى: ومصعب بن شيبة في حديثه شيء، وهذا غير الأول، والله أعلم، حيث قال: التيمي، وابن إياس أثبت منه وأصح حديثا، وأبو الحسن الدارقطني حيث قال: التيمي وابن إياس أثبت منه، وأصح حديثًا، وأبو عبد الله بن منده الأصبهاني، حيث قال: خرجه مسلم وتركه البخاري وهو حديث معلول، رواه التيمي عن طلق مرسلا. وقيل: الرفع صحيح اعتبارا بتوثيق مصعب عند ابن معين، والعجلي، وابن خزيمة لذكره حديثه هذا في صحيحه من حديث محمد بن بشر، نا زكريا، نا مصعب، وحديث محمد بن رافع، نا ابن نمير، عن زكريا لم يذكر العاشرة، لا يتيقن ولا يشك، وفي حديث عبده: العاشرة لا أدري ما هي إلَّا أن تكون المضمضة، وهي مدرجة، ومذهب مسلم بن حجاج وغيرهما، وستأتي أحاديث متابعة له وشاهدة.
30 -
حدّثنا سهل بن أبي سهل، ومحمد بن يحيى، قالا: ثنا أبو الوليد، ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن عمار بن ياسر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح، والاختتان.
هذا حديث معلول، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة قال: هذا حديث ضعيف، ولم يبيّن سبب ذلك، وهو ما ذكره أبو داود حين تخريجه عن موسى بن إسماعيل، وداود بن رشيد، قال: ثنا حماد عَن علي بن زيد، عن سلمة بن محمد، قال موسى: عن أبيه. وقال داود: عن عمار، فعلى قول موسى يكون الحديث مرسلا؛ لأن أباه لم يذكر أحد أن له صحبة، وعلى قول داود يكون منقطعا؛ لأن حديثه عن جدّه، قال ابن معين: مرسل. وقال البخاري: لا يعرف أنّه سمع منه. وقال عنه: لم يره، ومع ذلك فحاله مجهولة، لم نر أحدا تعرض لذكرها، وإن كان أبوه هو: محمد بن عمار بن ياسر، والد سلمة بن محمد قد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقد تابع داود حجاج بن منهال، وأبو عمر الضرير، وهدبة بن خالد فيما ذكره الطبراني في المعجم الكبير، فهذا كما ترى متابع لحديث طلق، ومنه ما ذكره أبو داود فيما رواه عنه ابن العَبد، قال: روي نحوه عن ابن عباس، قال: خمس كلها في الرأس، منها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية.
ورُوي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب ومجاهد عن بكر المزني قولهم: لم يذكروا إعفاء اللحية، وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إعفاء اللحية، وعن إبراهيم النخعي نحوه ذكر إعفاء اللحية، والختان، ولفظ الطيالسي عن حماد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة .. فذكره.
وفي حديث يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد - وهو مختلف في صحبته - قال
- عليه السلام: السواك من الفطرة. وفي حديث ابن عباس المذكور عند أبي نعيم من جهة إسماعيل بن عياش عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ جبريل أبطأ عليه، فذكر ذلك له، فقال: كيف لا نبطئ عنكم وأنتم حولي لا تستنون، ولا تقَلِّمون أظفاركم، ولا تنقون شواربكم، ولا تحفون من حواجبكم؟.
وحديث ابن عمر عند أبي أمية الطرسوسي، نا مكي بن إبراهيم، عن عاصم، عن نافع عنه: إن الفطرة قص الشارب وحلق العانة، حدثنا جعفر بن أحمد، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد مثله.
31 -
حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك قال: وقّت لنا في قصّ الشارب، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة.
هذا حديث صحيح رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى وقتيبة، كلاهما عن جعفر به، قال ابن منده عند تخريجه إياه من حديث جعفر: وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم، وتركه البخاري من هذا الوجه.
ورواه هشيم وغيره، عن صدقة الدقيقي، عن أبي عمران، عن أنس قال: وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب
…
الحديث، وقال: هذا إسناد صحيح على رسم البخاري. انتهى.
وفيِما قاله نظر، وذلك أن صدقة بن موسى أبو المغيرة، ويقال: أبو محمد السلمي الدقيقي البصري ليس من شرط البخاري في شيء، وأنى ذلك مع قول ابن معين فيه: ليس بشيء، وفي موضع آخر: ضعيف، وبنحوه قاله النسائي. وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مما يتابع عليه، وبعضها مما لا يتابع عليه، وهو ضعيف. وقال ابن حبان: كان شيخا صالحا إلَّا أنّ الحديث لم يكن صناعته؛ فكان إذا روى قلب الأخبار، فخرج عن حد الاحتجاج به، ولما خرّج الترمذي حديثه هذا خرج بعده
حديث جعفر. وقال: هذا أصح من الأول، وهو في ذلك كما قيل:
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا
…
خراش وبعض الشر أهون من بعض
لأن جعفر بن سليمان تكلّم فيه غير واحد، وإن كان مسلم قد خرج حديثه منفردا به، منهم سليمان بن حرب، وابن المديني، وابن سعد، وابن عدي، ويحيى بن سعيد وغيرهم، والله أعلم.
ولما ذكره البزار من جهة جعفر، قال: لا نعلم أحدا مشهورا رواه عن أنس إلا الجوني، وصدقة ليس عندهم بالحافظ، ولا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا أنس بن مالك.
الأصل في الفطرة: الفطر وهو: المصدر مفتوح الفاء، وهو الابتداء والاختراع، يقال: فطره الله تعالى، أي: ابتدأه واخترعه، وكذلك افتطر فيما ذكره الزمخشري في أساس البلاغة، قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، وهي لفظة تقال بالاشتراك على الخلقة والجبلة التي خلق الله تعالى الخلقَ عليها، وفي الحديث: كل مولود يولد على الفطرة، قيل: على نوع من الجبلة والطبع المنتهي لقبول الدين، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها وعلى معرفة الله - تعالى - والإقرار به، أي: يولد على ما كان أقر به لما خرج من ظهر آدم. حكى ذلك القزاز في تفسير غريب البخاري، وزعم أنّ الأول أولى الوجوه فيها.
وقال الخطابي: فسّره أكثر العلماء بالسنة، وقد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر مرفوعا: من السنة: قص الشارب، ونتف الإِبط، وتقليم الأظفار، وفي صحيح ابن حبان من حديث زيد بن أرقم مرفوعا: من السنة: قص الشارب، من لم يأخذ من شاربه فليس
منا. وفسرها آخرون بالدين، منهم الماوردي، ويدلّ عليه وروده صريحا في بعض الروايات.
وأما إعفاء اللحية فهو توفيرها، قال الجوهري: عفا الشعر والنبت وغيرهما: كثر. زاد ابن سيده في المحكم: وطال. قال الجوهري: ومنه قوله حتى عفوا أي كثروا، عفوته، وعفيته، لغتان، والعافي: الطويل الشعر، وفي كتاب الأضداد لابن السكيت: عفا الشعر، إذا وفا، وعفا إذا درس، قال الهروي: ومنه قوله عليه السلام: فعلى الدنيا العفا أي الدروس، كره لنا أن نعفها كفعل بعض الأعاجم، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن.
وأما الأظفار، فهو جمع ظفر، مضموم الظاء والفاء، وبضم الظاء وإسكان الفاء وبكسر الظاء وسكون الفاء، وأظافير جمع أظفور لغة في الظفر، ورجل أظفر: طويل الأظفار عريضها، وظفر حديد الظفر. قاله في الأساس.
والبراجم: واحدها برجمة، بضم الباء، وهي عقد الأصابع ومفاصِلها، وبه سميت البراجم من تميم وعبد القيس.
وقال أبو عبيد: البراجم والرواجب جميعا: مفاصل الأصابع. وأبى ذلك غيره؛ فقال الرواجب: هي ما بين العقد من داخل، واحدها راجبة، والبراجم من ظهور الأصابع.
والإِبط: باطن المنكب، يذكر ويؤنث، والتذكير أعلى، والجمع آباط. قال الجواليقي: وبعض المتحذلقين يقوله بكسر الباء، والصواب سكونها. انتهى.
يشهد لقائل ذلك قول الراجز فيما أنشده القزاز:
كان هواء في خواء إبطه
…
ليس بمهل البروك فرشطة
وأما المبرد فزعم أن ذلك للاتباع كقول عبد مناف بن ربع الهذلي:
إذا تأوب نوح قامتا معه
…
ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا
والعانة: النابت من الشعر حول القبل، وقيل: منبت الشعر هناك، وتصغيرها عوينة. وانتقاص الماء، بقاف وصاد مهملة، فُسر بالاستنجاء، ويؤيّده ورود ذلك صريحا في الموقوف عن ابن عباس، والحديثان واحد في تعداد خصال الفطرة، والمعنى: انقطاع البول بالماء عند الغسل، قاله أبو عبيد. وقد قيل: الماء يذهب الماء، وزعم ابن الأثير أنّ الصواب بفاءٍ وصاد مهملة، والمراد: نضحه على الذكر، من قولهم: لنضح الدّم القليل نفصة، وجمعها نفص، والأول أعرف.
والختان قال الأزهري: أصله القطع، ويطلق على قطع الغُلفَة من القبل تارة، وعلى موضع القطع أخرى، والمراد الأول، ويقال فيه: الختانة، قاله الجوهري، يقال: ختن الغلام والجارية يختِنهما ويختُنهما ختنا وختانا، فيما قال أبو زيد، وقال: الختن للرجال، والخفض للنساء، والختين: المختون والمختونة، الذكر والأنثى في ذلك سواء، وحكم ذلك يذكر في بابه إن شاء الله تعالى.
وفي قوله: إلا أن تكون المضمضة، قال عياض رحمه الله: ولعلها الختان، وهو أولى؛ لأنه في حديث أبي هريرة مذكور، واستضعف ذلك لوجهين:
أحدهما: أنّ خصال الفطرة لم ترد على جهة الحصر، ولهذا اختلف تعدادها في الأحاديث، وجاءت بصيغة التبعيض بالنص على شيء منها في حديث الخمس، لا يدل على فرد معنى نسيه راوٍ في حديث العشر.
الثاني: ما رجّح بعينه، بوروده في حديث أبي هريرة، معارض بورود ما تقدّم في حديث عمار وعبد الله بن عباس.
ويرجّح ذلك لأمرين:
أحدهما: في حديث عمار وابن عباس مع حديث عائشة كالمتن الواحد من جهة تعداد العشر، فما قصر في ضبطه بعض رواته يقرب إتمامه من ضبط الآخر؛ ولهذا
أوردهما ابن ماجه في باب واحد، وكذلك غيره.
الثاني: المضمضة والاستنشاق قريبان؛ فورود المضمضة يقرب ورود الآخر، واختلف في الناسي لذلك؛ فعند وكيع عن زكريا أنه مصعب، كما في الكتاب، وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه: إنه هو. روى ذلك مسلم في صحيحه.
وقيل غير ذلك كما أسلفناه من صحيح ابن خزيمة.
باب ما يقول إذا دخل الخلاء
32 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
حدثنا جميل بن الحسن العتكي، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة (ح)، وثنا هارون بن إسحاق، نا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكر الحديث.
هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، عن محمد بن بشار، ومحمد بن عبد الأعلى، ثنا خالد يعني ابن الحارث، ثنا شعبة، وثنا يحيى بن حكيم، ثنا ابن أبي عدي، ثنا شعبة، وثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، فذكره.
وقال: هذا حديث بندار، غير أنّه قال: عن النّضر بن أنس. وكذا قال يحيى بن حكيم في حديث ابن أبي عدي عن النضر بن أنس.
قال أبو عيسى في كتاب الجامع: في إسناده اضطراب، فذكر ما تقدّم، وزاد: وقال معمر: عن النضر بن أنس، عن أبيه، زاد البزار: وقال حسام بن مصك، عن قتادة، عن القاسم بن عوف عن زيد، قال: وهذا الحديث قد اختلفوا في إسناده، عن قتادة.
وفي كتاب العلل للترمذي: وسألت محمدا عنه، وقلت له: أي الروايات عندك أصح؟ فقال: لعلّ قتادة سمع منهما جميعا عن زيد، ولم يقض في هذا
بشيء، وفي قوله: عن زيد؛ إشارة إلى عدم صحة حديث النضر، عن أبيه، وقد جاء ذلك مصرحا به من كلام الإِمام أحمد فيما ذكره البيهقي، وأنّ تعليل الحديث بالاضطراب على قتادة ليس قادحا، لاحتمال سماعه منهما كما قال البخاري، وهما ثقتان، فسواء كان عنهما أو عن أحدهما، وإلى كونه صحيحا عنهما قال أبو حاتم البستي، فرواه في صحيحه من جهة عيسى بن يونس، عن شعبة، عن قتادة، عن القاسم، وقال: هذا الحديث مشهور عن شعبة وسعيد جميعا، وهو مما تفرد به قتادة، أنا عمر بن محمد، نا محمد بن عبد الأعلى، نا خالد بن الحارث، عن شعبة، عن قتادة، سمعت النضر بن أنس يحدث عن زيد فذكره، ورواه الحاكم من جهة عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن قتادة، عن النضَّر، عن زيد بلفظ: فإذا دخل أحدكم الغائط فليقل: أعوذ بالله من الرجس النجس، الشيطان الرجيم، ثم قال: قد احتج مسلم بحديث لقتادة، عن النضر، عن زيد، واحتج البخاري بعمرو بن مرزوق، وهذا الحديث مختلف فيه عن قتادة، ورواه شعبة، عن القاسم، عن زيد، وكلا الإسنادين من شرط الصحيح، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وزعم الإشبيلي أنه اخَتلف في إسناده، قال: والذي أسند ثقة؛ وفيما قاله نظر؛ لأن الحديث لم يرم بالإِرسال حتى يكون الحكم للثقة المسند، إنما رمي بما ذكرناه آنفا، والله أعلم.
33 -
حدثنا محمد بن حميد، ثنا الحكم بن بشير بن سليمان، ثنا خلاد الصَّفَّار، عن الحكم النصري، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: باسم الله.
هذا حديث قال فيه أبو علي الطوسي: غريب، ولا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وقد روي في هذا الباب - يعني التسمية عند دخول الخلاء - حديث، وليس إسناده بذاك، وقال الترمذي عندما خرجه عن محمد بن حميد: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بالقوي، ولا أدري ما الموجب لذلك؟ لأن جميع من في إسناده غير مطعون عليه بوجه من الوجوه فيما رأيت، بل لو قال فيه قائل: إنّ إسناده صحيح، لكان مصيبا، والله أعلم.
وبيان ذلك أنَّ محمد بن حميد قال فيه يحيى: ليس به بأس، كيس.
وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: ثقة.
وسئل عنه الذهلي فقال: ألا ترى أني هو ذا أحدث عنه؟!
وقيل للصغاني: تحدّث عن ابن حميد؟ فقال: وما لي لا أحدّث عنه وقد حدّث عنه الإمام أحمد وابن معين؟! وأما الحكم فروى عنه إبراهيم بن موسى، وزنيج ومحمد بن مهران الجمال، ويحيى بن المغيرة، وعمرو بن رافع، وابنه عبد الرحمن بن الحكم، وقال أبو حاتم الرازي: هو صدوق، وأما خلاد الصَّفّار أبو مسلم الكوفي فروى عنه عمرو بن محمد وحسين الجعفي، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، والحكم بن عبد الله النصري، حديثه في صحيح مسلم، ووصف مع ذلك بالثقة.
34 -
حدثنا عمرو بن رافع، ثنا إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
أخرجه الجماعة في كتبهم، وذكره البزار في مسنده من حديث إسماعيل بن
مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل
…
الحديث.
وإسماعيل ضعيف، وفي كتاب أبي داود من طريق ابن العبد: أنه حدّث عبد العزيز. وقال وهيب: فليتعوذ بالله تعالى، وقال فيه الترمذي: هو أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي كتاب الذخيرة لابن طاهر بزيادة عن أنس: كان عليه السلام إذا دخل الكنيف قال: باسم الله، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك قال: رواه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف، عن أبي طلحة عنه، وفيهَ ردّ لما ذكره الإِمام أحمد بن حنبل لما سأله مهنأ عن هذا الحديث: تعرفه عن أحد من غير وجه عبد العزيز؟ قال: لا، وكفاك بعبد العزيز بن صهيب؛ فإنه ثقة، قلت: بصري؟ قال: نعم.
وهو في كتاب الأفراد لأبي الحسن، رواه عدي بن أبي عمارة، عن قتادة، عن أنس، وهو غريب من حديث قتادة، تفرد به عدي عنه، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري عنه. وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح، تفرد به إبراهيم بن حميد الطويل.
35 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللَّهم إني أعوذ بك من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
قال أبو الحسن القطان: نا أبو حاتم، ثنا ابن أبي مريم، فذكره، ولم يقل في حديثه: الرجس النجس وإنّما قال: من الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
هذا الحديث إسناده ضعيف لضعف رواته، وقد تقدم ذكرهم قريبا.
وفي الباب حديث رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود، أنبأ به المسند شرف الدين المقرئ، أنا الإِمام بهاء الدين إجازة، أنا الأميرة قراءة عليها، أنا ابن هراشة، أنا ابن البزار، أنا إسماعيل بن نصر، عن عبد الله بن محمد بن ياسين صاحب حديث، نا أحمد بن عبد الجبار السكوني، ثنا أبو يوسف القاضي، عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
وأشار الترمذي إلى حديث جابر، وأعل حديث أبي أمامة هذا، وحديث بريدة من عند ابن عدي في كامله، وضعفه بحسين بن عمر، قال أبو سليمان الخطابي: الخبث بضم الباء: جماعة الخبيث، والخبائث: جمع الخبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم، وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث مسكنة الباء، وهو غلط، والصواب مضمومة الباء. وفيما قاله نظر؛ لأنّ الذي أنكره هو الذي حكاه أبو عبيد بن سلام والفارابي في كتاب ديوان الأدب، فلا إنكار على المحدثين إذًا، والله أعلم.
وأيضا ففعل - بضم الفاء والعين - تسكن عينه قياسا، فلعل من سكنها سلك ذلك المسلك.
وأمّا معناه فذكر ابن الأعرابي أنَّ أصله في كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار.
قال ابن الأنباري: الخبث: الكفر، والخبائث الشياطين.
وقال غيره: الخبث: الشيطان، والخبائث: المعاصي، وزاد بعض المتأخرين على ابن الأعرابي: وقيل الخبائث: الأفعال المذمومة، والخصال الرديئة، وليس ذلك بزيادة لدخوله في معنى كلامه.
وقوله: (إذا دخل الخلاء)، يريد إذا أراد دخول الخلاء، كما في صحيح البخاري، وكقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ، ويحتمل أن يراد به ابتداء الدخول، ويبنى عليه من
دخل ونسي التعوذ، هل يتعوذ أم لا؟ كرهه ابن عباس وغيره، وأجازه جماعة، منهم ابن عمر، أخذا بقول عائشة رضي الله عنها: كان يذكر الله على كل أحيانه. وقد نقل القولان عن مالك. هذا كله في الكنف المتخذة في البيوت لا في الصحراء، وهو ظاهر في لفظة: دخل.
والحَشّ والحُشّ: البستان، والجمع حشان، كضيف وضيفان، والحَشِّ والحُشِّ: المخرج أيضا؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، والجمع حشوش، والمحشة - بالفتح - الدبر، ونهي عن إتيان النساء في محاشهن، وربما جاء بالسين كما في الصحاح وفي الجمهرة، ويسمى أيضا الحائش، قال الشاعر:
فقلت أثل زال عن حلاحل
…
ومثمر من حائش حوامل
وفي المغيث: واحد الحشوش حش، ويجمع حشنان، كبطن وبطنان، فإذا استعمل في الكنيف فبالفتح لا غير، سمي للجمع فيه، وكل شيء جمعته فقد حششته، وزعم الخطابي أنه يفتح ويضم كما تقدم من كلام الجوهري، وكلامه صريح في الرد على أبي موسى، والله أعلم.
باب ما يقول إذا خرج من المخرج
36 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، نا إسرائيل، نا يوسف بن أبي بردة، سمعت أبي يقول: دخلت على عائشة فسمعتها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا خرج من الغائط: غفرانك.
قال أبو الحسن بن سلمة: أنبأ أبو حاتم، ثنا أبو غسان النهدي، ثنا إسرائيل نحوه.
خرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب حسن، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، عن يوسف، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيما قاله نظر من وجوه:
الأول: قوله: لا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة: إن أراد مطلق القول عند الخروج ففي الباب أحاديث عدّة؛ منها: حديث أنس الآتي في هذا الباب عند ابن ماجه، وحديث أبي ذر: كان عليه السلام إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، من عند النسائي، وذكر فيه خلاءه، وذكره أبو حاتم في كتاب العلل وضعفه، وحديث ابن عمر يرفعه: الحمد لله الذي أذاقني لذّته، وأبقى فيّ قوته، وأذهب عني أذاه.
وحديث طاوس من سنن الدارقطني، عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: فليقل: الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني، وحديث سهل بن أبي
حثمة بنحوه، ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية، وإن أراد قول: غفرانك فيتجه له قوله.
الثاني: استغرابه إيَّاه من غير تصحيح، وإن كانت الغرابة لا تنافي الصحة، ولذلك لم يلتفت ابن خزيمة إلى ذلك، بل ذكره في صحيحه، وكذلك ابن حبان والحاكم، وخرجه ابن الجارود في المنتقى، وقال أبو حاتم الرازي: هو أصح شيء في هذا الباب، وإن كانت هذه اللفظة لا تعطي تصحيحا مطلقا، وتشعر بأن في الباب غيره، بخلاف ما قاله الترمذي.
الثالث: الجمع بين قوله: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، وبين قوله: لا نعرف في هذا الباب إلَّا حديث عائشة، فإنه أثبت له غرابة السند بتفرد إسرائيل عن ابن أبي بردة، وغرابة المتن لكونه لا يعرف غيره، ثم وصفه بعد ذلك بالحسن، ولو لم تكن إلا الغرابة الراجعة إلى الإسناد؛ لما عارضت في ذلك، وأما أنه لا يعرف في الباب إلَّا هو مع قوله في الَحسن إنه يُرْوَى مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر.
فهذا الحديث قد يوهم منافاة الحسن الذي وصفه به على شرطه، فيحتاج الجواب على ذلك، فنقول: لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي نحتاج فيه إلى أن يروى نحوه من وجه آخر هو ما كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته ولا ارتقى إلى أن تدخل في الصحيح مع المتابعة روايته، فهناك نحتاج إلى تقويته بالمتابعات والشواهد ليصل بمجموع ذلك إلى الدرجة، وأما هذا فقد كان من شأنه أن يكون من الصحيح، فإن إسرائيل
المنفرد به متفق على إخراج حديثه عند الشيخين، والثقة إذا انفرد بحديث، ولم يتابع عليه لا يرتقي إلى درجة الصحيح، حتى يكون مع الثقة في المرتبة العليا من الحفظ والإتقان، وإن لم يتجاوز الثقة فحديثه هناك حسن، كما أن المستور مع التفرد لا يرتقي إلى درجة الحسن؛ بل تفرده مردود، فكذلك هذا الحديث، لو وجد شاهدا لما وقف عند مرتبة الحسن، وربما لم نقف عندها لما بينا من تصحيح من صححه، أو يكون الترمذي لما شرط الحسن وتقويته بالمتابعات عرف بنوع منه، وهو أكثره وقوعا عنده، لا بكل أنواعه، وهذا نوع آخر منه مستفاد من كلامه وكلام الخليلي والحاكم وغيرهما من الحفاظ؛ فعلى هذين القولين ينبني كلام الترمذي، أو تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث؛ إذ الغرابة والحسن في المتن لا تجتمعان.
وذكر بعض الحفاظ أن جمهور الروايات على لفظ الخلاء بدلا من الغائط، ولفظ الغائط تفرد بها هاشم بن القاسم، عن إسرائيل، وحديث ابن ماجه المذكور يقضي على قوله؛ لأن يحيى قال ذلك عنه بما ينفي التفرد، والله أعلم.
37 -
حدثنا هارون بن إسحاق، ثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى، وعافاني.
هذا حديث ضعيف؛ لضعف راويه إسماعيل بن مسلم المخزومي المكي أبي ربيعة، قال فيه سفيان: كان يخطئ في الحديث، وضعفه ابن المبارك. وقال فيه أحمد: منكر الحديث. وقال يحيى بن سعيد القطان: لم يزل مختلطا، وليس بشيء، كان يحدّث بالحديث على ثلاثة ضروب.
وقال ابن المديني: ضعيف، لا يكتب حديثه، أجمع أصحابنا على ترك حديثه. وقال النسائي وابن الجنيد: متروك
الحديث.
وقال الحربي: في حديثه شيء.
وقال السعدي: واهي الحديث جدا.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مختلط.
وقال أبو زرعة: ضعيف.
وقال البخاري: تركه ابن المبارك، وربما روى عنه، وتركه يحيى وابن مهدي.
وقال الفلاس: كان يرى القدر، وهو ضعيف، يحدث عن الحسن وقتادة بأحاديث بواطيل، وهو متروك الحديث، وقد اجتمع أهل العلم على ترك حديثه، وإنّما يحدّث عنه من لا ينظر في الرجال.
وقال يعقوب وابن معين: لا شيء.
وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة عن أهل الحجاز، والكوفة، والبصرة، إلَّا أنه ممن يكتب حديثه، قال أبو الفرج ابن الجوزي: وجملة من يجيء في الحديث إسماعيل بن مسلم خمسة، هذا أحدهم.
والثاني: أبو محمد العبدي، سمع أبا المتوكل والحسن.
والثالث: مولى بني مخزوم، يروي عن ابن جبير.
والرابع: ابن أبي فديك دينار، مولى بني الديل.
والخامس: مولى رفاعة الزرقي، يروي عن محمد بن كعب، لم نعلم في أحد منهم طعنا إلَّا في الأول. انتهى كلامه.
وقد أغفل إسماعيل بن مسلم السكوني شامي، قال فيه الدارقطني: يضع الحديث.
وإسماعيل بن مسلم اليشكري حدّث عن ابن عون حديثا منكرا، ذكره العقيلي، وإنما ذكرت ذلك انتصارا لابن عدي؛ لأنه ذكر في كامله أنهم ثلاثة، فزاد أبو الفرج اثنين، ولو تتبعنا ذلك حق التتبع لألفينا أكثر من ذلك، ولله الحمد، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من إسماعيل هذا، ذكرها الحاكم في تاريخ بلده، فقال:
ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد، ثنا أبو بكر محمد بن ياسين، ثنا أبي، ثنا عبد السلام بن نهشل بن سعيد، عن أبيه، عن قرّة، عن الحسن، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبث، الشيطان الرجيم، وإذا خرج قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
وأما الغفران فمصدر كالمغفرة، قال الخطابي: نصبه بإضمار الطلب، وقيل في تأويل قوله ذلك قولان:
الأول: أنه استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدّة لبثه على الخلاء.
الثاني: قيل معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه، فأطعمه ثم هضمه، ويحتمل أن يكون فعله عليه السلام ذلك للتشريع والتعليم، فحق من خرج سالما معاذا مما استعاذ من الخبث والخبائث، أن يؤدي شكر نعمة الله عليه في إعاذته وإجابة سؤاله، وأن يستغفر الله خوفا ألا يؤدي شكر تلك النعمة، وهو قريب من حمد العاطس على سلامته.
ويحتمل أن تكون لما كانت حالة التخلي محظورا فيها الذكر والتوجه إلى الله تعالى، حَسُن أن يكون الذكر والاستغفار أوّل ما يصدر منه عند الخروج، كما كان آخر ما ختم به عند الدخول، كقول الشاعر:
وآخر شيء أنت أول هجعة
…
وأول شيء أنت عند هبوبي
ونص جماعة من الفقهاء منهم أحمد، على أنه يسن قول ذلك إذا خرج المتخلي، وعند غيرهم: من الآداب، والله تعالى أعلم.
باب ذكر الله على الخلاء والخاتم في الخلاء
38 -
حدثنا سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن خالد بن سلمة، عن عبد الله البهي، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه.
رواه الترمذي عن أبي كريب، ومحمد بن عبيد، ثنا يحيى، عن أبيه. وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة، وزعم بعض المتأخرين من العلماء أن في كلام الترمذي ما يقتضي أن يحيى بن زكريا تفرد به عن أبيه، وليس كذلك؛ لأن إسحاق بن يوسف الأزرق رواه عن زكريا أيضا، قال: ولكنه بيحيى أشهر. انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث إن الترمذي لم يبيّن أي بني زائدة تفرّد به، ويحيى وأبوه يصدق على كل منهما ابن أبي زائدة؛ فيحتمل أن يكون المعني به عنده بالتفرد زكريا لا ابنه، ويحتمل الآخر، وإذا كان كذلك، فليس لنا أن نقول: أراد واحدا بعينه؛ إذ لم يبيّن هو بنفسه ذلك، وإذا تطرق الاحتمال سقط الاستدلال.
وفي قول الترمذي: حسن غريب، يريد بذلك تفرد به ابن أبي زائدة، وكان ينبغي أن يكون على رأيه صحيحا لا حسنا؛ لأن تفرد ابن أبي زائدة لا يحطه عن درجة الصحيح؛ ولذلك لم يعتمده مسلم؛ بل خرجه في صحيحه، وأيضا فرجاله عند الترمذي ممن يصحح أحاديثهم دائبا.
39 -
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا همام بن يحيى، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.
هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه، فممن صححه أبو حاتم البستي في
صحيحه، والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، إنما خرجا حديث نقش الخاتم فقط، وزعم أبو عبد الرحمن النسائي أنه غير محفوظ، وقال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه، والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام، زاد في التفرد: نخاف أن يكون هذا الحديث ليس بمحفوظ.
وفيه نظر من وجوه:
الأول: قوله: هذا حديث منكر، وهو مردود بما أسلفناه.
الثاني: قوله: لم يروه إلا همام، مردود برواية يحيى بن المتوكل، ذكره الحاكم عن علي بن حمشاذ، ثنا عبيد الله بن عبد الواحد، ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي، نا يحيى بن المتوكل البصري، عن ابن جريج، عن الزهري به.
ورواه أبو نعيم في تاريخ بلده من حديث عثمان بن أبي شيبة، عن يحيى به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وفيما قاله نظر؛، وأظن - والله أعلم - أن تضعيف يحيى هو الذي ألجأ البغوي إلى أن قال فيه حين رواه في شرحه من جهة إسحاق بن الخليل عنه: هذا حديث غريب، والبيهقي في قوله: هذا شاهد ضعيف.
الثالث:.
وفي مسند أنس بن مالك لأبي علي إسماعيل بن قيراط العذري: قالوا لابن جريج، فقال: طارئ، إنما لبسه يوما واحدا.
والخاتم فيه لغات: فتح التاء وكسرها، وبألف بعدها وما آخر الحروف قبلها عوضا عن الألف مع فتح الخاء، وختام وختم، وعلى هذا قول الأعشى:
وصهباء طاف يهوديها
…
وأبرزها وعليها ختم
قال اللبلي: فأمّا الذي يختم به فبالكسر لا غير، وجمعه خياتيم على إبدال الياء من الواو.
والحديث أصل في استحباب رفع ما فيه اسم الله تعالى عند الخلاء؛ لأن خاتمه عليه السلام كان نقشه محمد رسول اللَّه وعلى ذلك فقهاء الأمصار، واختلفوا في الاستصحاب؛ فأباحه مالك وأحمد بشرط الستر إن كان خاتما، فإدارة فصه إلى الكف وإن كان درهما فبصره، هذا لحديث العرزمي، عن نافع، عن ابن عمر: كان عليه السلام يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتاب مما يلي كفه، وإن
كان في اليسرى جعله في اليمنى، وقد جاء ذلك مصرحا به أيضا في حديث رواه علي بن أبي طالب عند ابن طاهر، وقال فيه الجوزقاني: حديث منكر، وضعف أيضا حديث ابن عمر، وأبو حنيفة والشافعي قالا بكراهة الاستصحاب تنزيها، والله أعلم.
كراهية البول في المغتسل
40 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في مستحمه، فإنّ عامة الوسواس منه.
هذا حديث صحيح، خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه بلفظ: فإن عامة الوسواس يكون منه.
وقال البخاري في تاريخه الصغير: رواه - يعني الحديث - ابن المبارك، عن أشعث بن عبد الله. ورواه بعضهم عن أشعث بن جابر. انتهى.
وهو يقتضي التفرقة بينهما وليس كذلك للتذكرة بعد.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
، ذكر البرقاني: قلت له - يعني الدارقطني -: أشعث عن الحسن؟ قال: هم ثلاثة يحدثون جميعا عن الحسن: أحدهم الحمراني، منسوب إلى حمران مولى عثمان، بصري ثقة، وأشعث بن عبد الله الحداني يعتبر به، يروي عن الحسن، وأشعث بن سوار الكوفي، يعتبر به، وهو أضعفهم، وذكره ابن الجارود في كتاب المنتقى، وأحمد بلفظ: ثم يتوضأ فيه، وعلل برواية شعبة، عن قتادة، عن ابن مغفل موقوفا: البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس، وفي لفظ: إنّ ابن المغفل سُئِلَ عن الرجل يبول في مغتسله؟
فقال: يخاف منه الوسواس؛ ولذلك قال بعض الحفاظ: الوقف أصح، وكذا رواه يزيد بن إبراهيم التستري، عن قتادة، عن الحسن، عن ابن مغفل: أنه كان يكره البول في المغتسل. وقال: إن منه الوسواس. وقال الإمام أحمد فيما حكاه عنه الخلال: إنما يُرْوَى عن الحسن مرسلا، ويشبه أن يكون هذا مستند أبي عيسى الترمذي في قوله: هذا الحديث غريب، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث، وليس ذلك بعلّة؛ لأن أشعث يحتمل رفعه لحديث تابعه عليه غيره خلافا له وللبخاري وأحمد في قولهما: لا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وهو ما رواه الحاكم، وزعم أنّه على شرطهما، عن أبي بكر بن إسحاق، نا أبو المثنى، نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، عن عبد الله بن مغفل قال: نهي - أو زجر - أن يبال في المغتسل.
وصيغة نهي أو زُجر من الصحابي محمولة على الرفع كما هو مقرر في هذا الفن، وما ذكره أبو القاسم في معجمه الكبير بسند لا بأس به، عن الحسين بن إسحاق القشيري، عن سهل بن عثمان، عن عليّ بن هاشم، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن ابن مغفل مرفوعًا، إذ المثبت أولى من النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم.
وأمّا ما ذكره البيهقي من أن البخاري قال: يُروى أن أشعث هذا هو ابن جابر الحداني. وقال معمر: أشعث بن عبد الله، قال: وقيل: هو أشعث بن عبد الله بن جابر. فهذا اختلاف يدل على اضطراب الحفظ وعدم الضبط، فكلام لا حاصل تحته؛ لأن عبد الغني بن سعيد المصري، قال: أشعث بن جابر الحدَّاني البصري، وأشعث بن عبد الله البصري، وأشعث بن عبد الله بن جابر، وأشعث الأعمى، والأشعث الأزدي، والأشعث الجملي - واحد.
وفي كلام البيهقي المذكور
آنفا إشعار ببعض ذلك؛ فهو تارة ينسبه الراوي عنه إلى أبيه، وتارة إلى جدّه، وتارة إلى لقبه، وتارة إلى قبيلته، وتارة إلى غير ذلك، وما هذا سبيله فليس من الاضطراب في شيء، وأيضا فهذا اختلاف في نسبه ليس في نفسه ولا حاله، ولو كان مثل لك ضارا، لكان الذهلي وغيره أجدر بهذا.
وأيضا فقوله: فهذا اختلاف يدل على اضطراب الحفظ، إن أراد حفظ الذين سموه بذلك فليس بشيء؛ لأن معمرا وابن المبارك لا يحسن فيهما هذا، وإن أراد حفظه هو فليس بشيء أيضا؛ لأنه هو لا يتهم في نسب نفسه، فلا يَنسبُّ ذلك الاضطراب إليه، وسبب ذلك - والله أعلم - أنهم كانوا يحفظون ولا يكتبون، فتارة ينشط الراوي بنسب شيخه، وتارة يقتصر على بعض نسبه، أو يكون كثير الرواية عنه فيدلسه، أو غير ذلك من الأغراض، ومثل ذلك لا يعد اضطرابا، ولئن عددناه اضطرابا فبالنسبة إلى من أدَّى وأرَّخ، لا إليه، والله أعلم.
وأمّا ما ذكره عبد الحق الإشبيلي من أنّ هذا الحديث أرسله الأشعث، عن الحسن ولم يسمعه منه، لما ذكره العقيلي، عن القطان قال: قيل للأشعث: أسمعته من الحسن؟ قال: لا، فوهم منه على العقيلي لم يقله، والذي فيه رواه ابن المديني، عن يحيى القطان، عن الحسن بن ذكوان، عن الحسن، قيل لابن ذكوان: أسمعته من الحسن؟ قال: لا، قال العقيلي: لعله سمعه من الأشعث عنه. وابن ذكوان لا مدخل له فيما نحن بصدده.
وأمّا ما ذكره أبو القاسم في الأوسط، من أنّه لم يروه عن الأشعث إلَّا معمر؛ فحبذا بمعمر وما رواه، وهذا هو الذي صيّره عند الترمذي غريبا، والله أعلم.
وقد روي عن جماعة من الصحابة نحوه: منهم عمران بن حصين، وعائشة، وابن مسعود، وأبو بكرة، ورجل له صحبة، وحديثه عند أبي داود، وإسناده صحيح، وإن كان قد أعله بعضهم ما لا يقدح فيه،
والله أعلم، وعبد الله بن سرجس، وحديثه عند أبي داود والنسائي، وابن عمر، وحديثه في تاريخ الموصل، وسيأتي في باب المتمندل، وحديث الحارث بن يزيد الجهني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء المجتمع المستنقع ذكره أبو موسى من حديث بشر بن عمارة، عن الأحوص بن حكيم، عن الحارث بن زياد عنه.
المستحم: المغتسل، مشتق من الحميم، وهو الماء المسخن لملازمة المغتسل له غالبا.
وحكى الأزهري عن ابن الأعرابي إطلاق الحميم على البارد، فهو من الأضداد، وفي الصحاح: الغسول: الماء الذي يغتسل به، وكذلك المغتسل، قال الله تعالى:{هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ، والمغتسل: المكان الذي يغتسل فيه، وهو المراد هنا، وعامة: يعبر بها عن الجميع، وتستعمل في الأكثر توسعا، والوسواس - بالفتح -: حديث النفس، قَال في المطالع: هو ما يلقيه الشيطان في القلب، وقَد يطلق ويراد به الشيطان، وبالكسر المصدر، سمعت محمد بن يزيد، سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول: إنّما هذا في الحفرة، فأمّا اليوم فلمغتسلاتهم الجصّ والصاروج والقير، فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس به.
الجص بكسر الجيم، حكاه ثعلب، وحكى أبو عبيد في الغريب ويعقوب في الاصطلاح: فتح الجيم أيضا، وكذلك المطرز قال: ويقال له أيضا الصُّرّاج، والقَصة. زاد ابن هشام: والقَصّ والصاروج بصاد مهملة وجيم، قال القزاز: هو الجير الذي تعمل به الحمامات، وقال الجواليقي: هو النورة وأخلاطها التي تصرّج بها الحياض، وهو فارسي معرب، وكذلك كل كلمة فيها صاد وجيم؛ لأنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب. وبنحوه قاله الجوهري وصاحب الجمهرة. والقار، قال أبو حنيفة: هو شجر مرٌ. قال بشر بن أبي حازم:
يسومون الصلاح بذات كهف
…
وما فيها لهم سلعٌ وقار
وقال ابن الأعرابي: يقال هذا أقير منه، إذا كان أمر، وفي الجامع: القار والقير لغتان، وهو الذي يطلى به السفن، وبنحوه قاله في الصحاح، وبنحو ما قاله الطنافسي قاله أبو سليمان الخطابي وأحمد بن حنبل، قال الترمذي: ورخص فيه، يعني إطلاق البول في المغتسل سواء أكان جددا أو غير جدد - ابن سيرين، والقاسم بن محمد.
ما جاء في البول قائما
41 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، وهشيم، ووكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائما.
أخرجوه في كتبهم بزيادة: فدعاني حتى كنت عند عقبه. ورواه الطبراني في الأوسط من جهة زكريا، عن الشعبي، عن شقيق عنه، زاد: لم تنحيت؟ ثم أتي بماء فتوضأ، ومسح على خفيه. وقال: لم يروه عن الشعبي إلا زكريا، ولا عن زكريا إلَّا عيسى بن يونس، تفرد به أحمد بن سليم الفوزي.
وفي مسند الحميدي تصريح الأعمش بسماعه إياه من أبي وائل، وأما قول أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي في كتابه المسمى بـ قبول الأخبار ومعرفة الرجال: إن حديث حذيفة فاحش منكر، لا نراه إلا من قبل بعض الرواة، فكلام سوءٍ، دليل من قائله على تحامل أو جهل، والله تعالى أعلم.
42 -
حدثنا إسحاق بن منصور، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.
قال شعبة: قال عاصم يومئذ: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل، عن حذيفة، وما حفظه، فسألت عنه منصورا، فحدثنيه عن أبي وائل، عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.
هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن محمد بن عبد الله
المخرمي، ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، فذكره بلفظ ففرج رجليه. وقال الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح. كذا ذكره في الجامع، وفي العلل الكبير نحوه، وفيه تصريح بسماع عاصم من أبي وائل، قال الدارقطني: حديث أبي وائل عن المغيرة خطأ، وبنحوه قال البيهقي، ويشبه أن يكون قول ابن خزيمة أولاهما وأقربهما إلى الصواب؛ لصحة إسناده وعدالة رواته، وأنّه لا بُعد في أن يكون أبو وائل رواه عن اثنين، وأن الاثنين رويا ما شاهداه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ أبا وائل أدَّى الخبرين عنهما، فسمعه منه جماعة، فأدى كل ما سمع، وقْد روى فعله ذاك صلى الله عليه وسلم جماعة غير من تقدّم، منهم: سهل بن سعد الساعدي، وحديثه عند ابن خزيمة في صحيحه، والطبراني في الأوسط وأشار إلى تفرد إبراهيم بن حماد عن أبي حازم عن مصعب، وقال: ولا يرويه عن أبي حازم إلا مصعب، وأبو هريرة، وفي حديثه بيان لسبب ذلك؛ وهو جرح كان بمأبضه عند الحاكم. وقال: رواته كلّهم ثقات. وقال البيهقي: هذا حديث صحيح. وفيما قالاه نظر؛، وأبو القاسم بن عساكر في كتابه المسمّى مجموع الرغائب في أحاديث مالك الغرائب، وثبت عن عمر وابنه وزيد أنّهم فعلوا ذلك. قاله ابن المنذر.
وقيل أيضا عن علي، وسعد بن عبادة،
وأنس، وأما قول ابن عساكر في كتاب الأطراف: رواه ابن ماجه في الطهارة، عن إسحاق، عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، وعن إسحاق بن منصور، عن أبي داود، عن سفيان، عن عاصم، عن المغيرة به، ولم يذكر أبا وائل، وتبعه على ذلك الحافظ المزي؛ فلم أر ذلك في عدّة من نسخ ابن ماجه، وليس فيها إلا ما أسلفناه، قال الخطابي: فعل عليه السلام ذلك لأنه لم يجد للقعود مكانا، وعن الشّافعي: كانت العرب تستشفي لموضع الصلب بالبول قائما، فيرى أنه كان به إذ ذاك.
وقال عياض: كان ذلك لشغله بأمور المسلمين، فلعلّه طال عليه المجلس حين حضره البول ولم يمكنه التباعد كعادته، فأتى السباطة لدمثها، وأقام حذيفة يستره عن الناس.
وفي المعلم: كان ذلك لأنها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر، بخلاف القعود، ومنه قول عمر بن الخطاب: البول قائما أحصن للدبر من الجلوس.
ويحتمل أنه عليه السلام فعل ذلك لبيان الجواز ورفع الحرج، وأما قول المنذري: أو لعله كان فيها نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن تتطاير عليه، فليس ظاهرا؛ لكون القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد.
وقول حذيفة: دعاني، ظاهر في جواز التكلم على قضاء الحاجة، وزعم بعضهم أن كلامه له بالإشارة لا باللفظ، اعتمادا على ما في البخاري: فأشار إلي، وطريق الجمع أن قولَه دعاني، يعني الإِشارة، وكذا قوله: لم تنحيت؟ إن كانت صحيحة، فيكون إنكارا بالإِشارة أيضا، أو نقول: إنه جعل الإِشارة تأكيدا للفظ.
والسباطة الموضع الذي يرمى فيه التراب، ويكون بالأبنية مرفقا.
وقيل: السباطة: الكناسة نفسها، وكانت بالمدينة، جاء ذلك في حديث محمد بن طلحة بن مصرف، عن الأعمش، وهو مضعف لقول من قال: إن المسح على الخف لا يكون إلَّا في سفر، وفعل ذلك لكونها للناس عامة، أو لأنها كانت مواتا مباحة، وأضيفت للقوم على سبيل الاختصاص لا الملك، أو لأن هذا كان خاصا به لعدم كراهية
الناس لذلك. قال الطحاوي: وقيل: إنّه فعل ذلك مرة.
روى وكيع، عن زائدة، عن عبد العزيز أبي عبد الله، عن مجاهد قال: ما بال عليه السلام إلا مرة في كثيب أعجبه. انتهى، وحديث حذيفة والمغيرة يردّه، ويوضح أنّه ليس في كثيب، فدلّ على التعدد.
باب في البول قاعدا
43 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى السدي، قالوا: نا شريك، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، عن عائشة قالت: من حدّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقه، أنا رأيته يبول قاعدا.
هذا حديث لما خرجه الترمذي، قال فيه: هذا حديث أحسن شيء في الباب وأصح. وأبو حاتم بن حبان ذكره في صحيحه بلفظ: من حدثكم أنه كان يبول قائما.
وكذلك أبو عوانة الإِسفرائيني، وخرجه الحاكم في مستدركه من جهة عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن المقدام، ولفظه: ما بال عليه السلام قائمًا منذ أنزل عليه الفُرقان، ومن حديث سعيد بن مسعود، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل عن المقدام، عن أبيه: سمعت عائشة تقسم بالله ما رأى أحد النبي عليه السلام يبول قائما منذ أنزل عليه الفرقان.
وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما لما اتفقا على حديث حذيفة: أتى سباطة قوم فبال قائما وجدا حديث عائشة معارضا له، فتركاه، والله أعلم. انتهى.
وفيه نظر من حيث إنّ شأن المحدث النظر إلى الإِسناد وصحته والمتن وكونه محفوظا، وأما التعارض فليس من شأنه، ذاك من شأن الفقهاء، ولئن سلمنا أن ذلك من شأنهم، فلا تعارض بين الحديثين؛ لأنّ عائشة رضي الله عنها أخبرت عمّا شاهدت من فعله عليه السلام في بيته، والبيت ليس محلا للأعذار، وللأعذار المذكورة قبل. وعلى رواية أبي عوانة يكون النفي ورد على صيغة الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه كان، فلا يدل على مطلق الفعل، فلا مخالفة، والله أعلم.
وفي قولها: أنا رأيته، وهي لفظة تفرد بها شريك، وزعم بعضهم أنها غير محفوظة، ولئن كانت صحيحة فتكون على معنى الإخبار عن الحال المستمرة في رؤيتها وعلمها، ولم تطلع على ما اطلع عليه غيرها؛ ولهذا عللت مستند إنكارها برؤيتها، ومع ذلك فهي نافية، وغيرها مثبت، وإذا تعارضا فالمثبت مقدم.
ويؤيّده ما ذكره ابن ماجه، عن سفيان الثوري: الرجل أعلم بهذا من المرأة، وأيضا فحديث عائشة إنّما جاء من جهة المقدام عن أبيه، وهما ليسا من شرط البخاري؛ فلذلك أضرب عن ذكره، فلو قال: على شرط مسلم؛ لكان صوابا من قوله، والله أعلم.
وحديثه سالم من ابن بنت السدي الذي في هذا الباب، وقد رمي بالغلو في التشيّع، ومنهم من ضعّفه.
44 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، عن عبد الكريم أبي أمية، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما، فقال: يا عمر لا تبل قائما، فما بلت قائما بعد هذا.
قال ابن حبان عند تخريج هذا الحديث في صحيحه، عن أبي جابر زيد بن عبد العزيز، نا إبراهيم بن إسماعيل الجوهري، ثنا إبراهيم بن موسى الفراء، ثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن نافع، قال عليه السلام، الحديث: أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر. انتهى.
إذا شككت في اتصاله فلا تحكم بصحته؛ لأنّ الاتصال شرط في الصحة، والله أعلم.
وحديث ابن ماجه يوضح ما شكّ فيه أبو حاتم، وبذلك لم يصح، وكذا ذكره الكرابيسي في كتاب المدلّسين. ولفظ البزار: رآني وأنا أبول قائما، فقال: مه!
قال عمر: فما عدت لها بعد.
وقال الترمذي: إنما رفع هذا الحديث عبد الكريم هو: عبد الكريم أبي أمية، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أيوب السختياني، وتكلّم فيه.
وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال عمر: ما بلت قائما منذ أسلمت، وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وبنحوه قاله الكرابيسي.
وفي قوله: ضعفه أيوب نظر؛ وذلك أنّ المعروف من حاله أنّ أيوب رماه بالكذب.
وقال أحمد: ليس بشيء، ضربت على حديثه، وهو شبه المتروك.
وقال يحيى: ليس بشيء.
وقال السعدي: غير ثقة.
وقال ابن حبان: كثير الوهم فاحش الخطأ، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به.
وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.
وقال أبو داود: لم يحدث مالك عن أحد أضعف من عبد الكريم.
وقال الحربي: كان يتفقه، ويرى الإرجاء، وغيره أوثق منه.
وفي تاريخ البخاري الأوسط: قال علي عن سفيان: لم أر مثل عبد الكريم، إن شئت قلت عراقي، إنّما يقول سمعت.
وقال ابن أبي حاتم: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه.
وقال أبي: ضعيف الحديث.
وقال أبو زرعة: لين.
وروى الأعمش، عن زيد بن وهب: أنه رأى عمر بن الخطاب يبول قائما مخالفا لرواية الحجازيين، كذا قاله ابن منده في كتاب التفرد.
45 -
حدثنا يحيى بن الفضل، ثنا أبو عامر عدي بن الفضل، عن علي بن الحكم، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يبول قائما.
هذا حديث ضعيف؛ لضعف راويه عدي بن الفضل أبي حاتم البصري مولى بني تميم، قال فيه يحيى: ليس بشيء، وسئل مرّة أخرى: يكتب حديثه؟ قال: لا، ولا كرامة.
قال أبو حاتم الرازي والنسائي: متروك الحديث، وسأل ابن أبي شيبة ابن المديني عنه، فقال: كان ضعيفا.
وقال ابن حبان: ظهرت المناكير في حديثه،
فبطل الاحتجاج بروايته، وترك أبو زرعة حديثه. وقال: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: متروك. وقال الآجري: سئل أبو داود عن عدي بن الفضل فقال: ضعيف، وفي موضع آخر: لا يكتب حديثه.
وأمّا قول الترمذي: وفي الباب عن عمر وبريدة، قال: وحديث بريدة في هذا غير محفوظ - ففيه نظر من وجهين:
الأول: إغفاله حديث جابر، وحديث أبي موسى الأشعري المذكور في تاريخ واسط من حديث علي بن عاصم، ثنا خالد الحذاء، عن توبة العنبري أبي المورع، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يبول جالسا، وقد جافى بين فخذيه، حتى إنّي لأرثى له من طول الجلوس، ثم قام قابضا على ثلاث وستين، فقال: صب، فصاحب بني إسرائيل كان في البول أشدّ منكم، كان إذا أصاب جسده شيء من بوله براه.
وحديث أبي هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما - ذكره أبو سعيد الحسن ابن الحسين النجيرمي المعدل في فوائده، نا أبو وهب، ثنا جعفر بن محمد النيسابوري، نا عبد الله بن عمير، نا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن علي عنه.
الثاني: قوله في حديث بريدة: غير محفوظ، ففيه نظر من وجهين، وليس بصحيح؛ لأن البزار رواه في مسنده من طريق صحيحة، فقال: ثنا نصر بن علي، نا عبد الله بن داود، نا سعيد بن عبيد الله، ثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه. وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلَّا سعيد بن عبيد الله.
قال الثَّقفي: معنى قول عائشة: ما بال عليه السلام قائما في منزله.
كراهية مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين
46 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، حدّثني عبد الله بن أبي قتادة، أخبرني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه.
ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي بإسناده نحوه.
- هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم من غير هذه الطريق، وهذه الطريق حسنة للاختلاف في ابن أبي العشرين، وقد تقدّم ذكره قبل، والإِسناد الثاني صحيح، وذكر ابن منده أن إسناده مجمع على صحته، ورواه أبان عن يحيى متفردا: وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا، وإنما المعروف فيه: ولا يتنفس في الإناء.
47 -
حدثنا عليَ بن محمد، ثنا وكيع، ثنا الصلت بن دينار، عن عقبة بن صهبان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني مذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا أثر ضعيف، لضعف راويه الصلت بن دينار أبي شعيب البصري الأزدي المجنون، ويقال: الهنائي، كذا قاله عبد الغني موهما أنّ الأزدي وهُناه غير مجتمعين، وليس كذلك؛ لأن هناه فخذ من الأزد.
قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء.
وقال أحمد: متروك الحديث، ترك الناس حديثه.
وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، قال: وهو كثير الغلط، متروك الحديث.
وقال السعدي: ليس بقوي في الحديث.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه الناس عليه، وكان شعبة يتكلم فيه.
وقال علي بن الجنيد: متروك. وسئل عنه أبو داود فقال: ضعيف.
ورواه ابن يونس في تاريخ مصر، عن العباس بن محمد
البصري، ثنا جعفر بن مسافر، نا عبد الله بن يوسف، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، أنه سمع أبا ثور الفهمي يقول: قدمت على عثمان .. فذكر الحديث.
وفيه: إني اختبأت عند ربي عشرا: إنِّي لرابع أربعة في الإِسلام، ولقد ائتمنني النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، والله ما زنيت، ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا تغنّيت، ولا تمنَّيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد ختمت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مضت لي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة منذ أسلمت، إلا أن لا أجد في تلك الجمعة، فأعتق لما بعد.
وفي الأوسط: نا أحمد بن يحيى الحلواني، نا سعيد بن سليمان، عن عبد الأعلى بن أبي المساور، حدثني إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن عبد الرحمن بن محيريز، عن زيد بن أرقم قال: بعثني صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر .. .
فذكر حديثا طويلا، فيه: أنه بعثه إلى عثمان، وأنّ عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن زيدا أتاني، فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، وأي بلاء يصيبني يا رسول الله؟ والذي بعثك بالحق، ما تغنيّت، ولا تمنيت، ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فقال: هو ذاك.
ثم قال: لا يروى هذا الحديث عن زيد إلا بهذا الإِسناد، يرويه ابن أبي المساور.
ولما ذكر الحربي هذا الحديث في علله، قال: ابن أبي المساور رحمنا الله وإيّاه، وإبراهيم بن محمد بن حاطب رجل معروف.
48 -
حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن رجاء المكي، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه، ليستنج بشماله.
هذا الحديث قطعة من الحديث الذي في الباب بعده.
كذا قاله ابن عساكر في كتاب الأطراف وغيره، وفي ذلك نظر، والله أعلم.
اليمين: فعيل من اليمن. وقيل: من القوّة، قال تعالى:{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} . وقال نفطويه: أي لأخذنا بيمينه، فمنعناه من التصرف، وعلى الوجه الأولى قال الشماخ:
إذا ما غاية رفعت لمجد
…
تلقاها عرابة باليمين
قال الجوهري: وتصغيرها يميِّن بالتشديد بلا هاء، وفي الجمهرة: والجمع أيمن. فيه دلالة على المنع من مس الذكر باليمين حالة الاستنجاء، ويؤخذ من مفهومه إذا بال أحدكم جواز مس الذكر باليمين فصاعدا حال التخلي، فإن وجد ما يقتضي المنع منه قبل، وإلا فجواز المس باق بحاله.
وقول عثمان رضي الله عنه ليس من هذا؛ لتبيينه العلة، وفيه المنع من الاستنجاء باليمين، فمن العلماء من حمله على التنزيه، ويحتاج إلى دليل، ومنهم من حمله على التحريم، وهو الصحيح، وبه قال أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعيين، وأهل الظاهر.
باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة
49 -
حدثنا محمد بن الصباح، أنا سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم مثل الوالد، أعلمكم، إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة، ونهى أن يستطيب الرجل بيمينه.
هذا حديث خرجه أبو عوانة الإسفرائيني في صحيحه من حديث ابن عيينة، وروى مسلم في صحيحه منه قطعة، عن أحمد بن الحسن بن خراش، نا عمر بن عبد الوهاب، نا يزيد بن زريع، نا روح، عن سهيل، عن القعقاع: إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.
وتتبع ذلك عليه أبو الفضل الهروي الحافظ، فزعم أن هذا الحديث أخطأ فيه عمر بن عبد الوهاب على يزيد؛ لأنه حديث يعرف بابن عجلان عن القعقاع، وليس لسهيل في هذا الإِسناد أصل.
ورواه أمية بن بسطام عن يزيد على الصواب، عن روح، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح بطوله، وحديث عمر مختصر، وبنحوه قاله أبو الحسن الدارقطني في كتاب التتبع.
وقال في موضع آخر: وكان في الكتاب مما تركه عن عمر الرياحي عن يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن سهيل، عن القعقاع
…
الحديث.
وهو مما وهم فيه الرياحي، وخالفه أمية، فرواه عن يزيد، عن روح، عن ابن عجلان، وهو الصواب.
قال أبو مسعود الدمشقي: إذا لم يروه في كتابه بحال فلا معنى لنسبته إلى الوهم. وفي ذلك نظر من حيث الموجود في كتاب مسلم، لم يتركه بحال، وأخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، كما رواه ابن ماجه مطولا، عن أبي
يعلى، ثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، ثنا وهيب وأنا أبو يعلى، ثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثني أبي، وأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، ثنا الوليد بن شجاع، ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة والليث، كلهم عن ابن عجلان. وفي مسند الحميدي التصريح بسماع ابن عيينة من ابن عجلان.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه، عن بندار، ثنا يحيى بن سعيد، نا ابن عجلان به مطولا.
ورواه الدارقطني بلفظ: نهى أن يستنجى بروث أو عظم. وقال: إنهما لا يطهران، ثم قال: إسناده صحيح.
.
50 -
حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن زهير، عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: هي رجس.
هذا حديث خرجه البخاري، عن أبي نعيم، ثنا زهير. فذكره.
وقد ردّ بكونه مدلسا؛ لأنّ السبيعي لم يصرح فيه بسماعه، ولم يأت فيه بصيغ ذلك المعتبرة.
ذكر الحاكم أن علي ابن المديني قال: كان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول: ليس أبو عبيدة حدّثنا، ولكن الحديث في الاستنجاء بالأحجار.
قال ابن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى.
قال أبو عبيدة: لم يحدثني ذلك عبد الرحمن، عن الأسود، عن فلان، ولم يقل حدثني، فجاز الحديث وسار.
ولما ذكره الإِسماعيلي في صحيحه قال: كان يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير عن أبي إسحاق ما ليس بسماع لأبي إسحاق، ففي هذا إشعار، بل تصريح باتصال الحديث.
ويزيد ذلك وضوحا ما علّقه البخاري بصيغة الجزم في بعض النسخ المعتبرة إثر حديث أبي نعيم فقال: وقال إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق: حدثني عبد الرحمن بهذا، ويوسف معروف بالسماع من جدّه أبي إسحاق، وإن كان البيهقي أبَى ذلك في كتاب الخلافيات فغير مسلم له، ويؤيّده ما ذكره الكرابيسي في كتاب المدلسين: أبو إسحاق يقول في هذا مرة: حدثني عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، ومرّة: حدثني علقمة، عن عبد الله، ومرة: حدثني أبو عبيدة، ومرة يقول: ابن أبي عبيدة حدثنيه جدي عبد الرحمن بن الأسود، عن عبد الله.
وأما ابن أبي حاتم فذكر عن أبي زرعة أنهم اختلفوا في هذا، والصحيح عندي حديث أبي عبيدة.
وأما الترمذي فإنه ذكر أن أصح الروايات في هذا عنده حديث إسرائيل، وقيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لأن إسرائيل أثبت أحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس، وزهير عن أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بأخرة، سمعت أحمد بن الحسن، سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير، فلا تبالي أن لا تسمعه من غيرهما إلَّا حديث أبي إسحاق.
ورواه زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن عبد الله بن يزيد، وهذا حديث فيه اضطراب.
قال: وسألت الدارمي: أي الروايات في هذا عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقضِ فيه بشيء، وسألت محمدا عن هذا، فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير أشبه، ووضعه في جامعه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، ولا يعرف اسمه.
وفيما قاله نظر من وجوه:
الأول: بترجيحه حديث إسرائيل على حديث زهير، وهو معارض بما حكاه الإِسماعيلي عن القطان، وما حكاه الآجري، وسألت أبا داود عن زهير، وإسرائيل عن أبي إسحاق، فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير. وهذا يصلح أن يكون بابا في الردّ على الترمذي؛ لتقديمه إسرائيل على زهير في أبي إسحاق، وكان جماعة تابعوا زهيرا فيما حكاه الدارقطني، وهم: أبو حماد الحنفي، وأبو مريم، وشريك، وزكريا بن أبي زائدة في رواية، وبما تقدم من متابعة يوسف له أيضا من عند البخاري المصرّح فيها بسماع أبي إسحاق من عبد الرحمن، وبأن زهيرا لم يختلف عليه، وبأن إسرائيل تابع زهيرا كما أسلفناه.
الثاني: اعتماده على متابعة قيس بن الربيع، وهي كلا شيء؛ لشدة ما يرمى به من الضعف ونكارة الحديث، وإضرابه عن متابعة الثوري ويونس، وهما هما.
الثالث: وفي المعجم الأوسط للطبراني من حديث زياد بن سعد، عن أبي الزبير: حدثني يونس بن خباب الكوفي، سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه
يقول: إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر إلى مكة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى الغائط أبعد الحديث. وسيأتي ذكره عن قريب.
الرابع: قوله في أبي عبيدة: ولا يعرف اسمه، وفي العلل الكبير عزا ذلك للبخاري، وليس كذلك؛ لأن مسلم بن الحجاج سماه في كتاب الكنى عامرا.
الخامس: إضرابه عن الحديث المتصل إلى منقطع على زعمه، وهو ما رواه الدارقطني، عن عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا محمد بن عيسى بن حيان، ثنا الحسن ابن قتيبة، نا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة وأبي الأحوص، عن ابن مسعود. فذكره.
السادس: اقتصاره على ما ذكر من التعليل والاضطراب، وأضرب عن أشياء، وإن كان ذلك غير لازم له، وإنما ذكرناه تبرعا وإعلاما، أن ثم غير ما ذكر من غير إشباع تتبع، بل ليستدل على غرضنا في ذلك، فمن ذلك ما رواه عمار بن رزيق، وورقاء، ومعمر، وسليمان بن قرم، وإبراهيم الصائغ، وعبد الرحمن بن دينار، وأبو شيبة محمد بن جابر، وشعبة بن الحجاج، وصباح بن يحيى المزني، وروح بن مسافر، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله.
قال أبو الحسن الدارقطني: وكذلك قال إسحاق الأزرق، عن شريك، وروي عن علي بن صالح بن حي، ومالك بن مغول، ويوسف بن أبي إسحاق وحديج بن معاوية، وشريك، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله.
ورواه أبو سنان عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله بزيادة: فتوضأ ولم يمسّ ماء.
قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن أبي إسحاق عن هبيرة إلَّا أبو سنان، تفرد به الصباح بن محارب، ولفظ أبي نعيم في تاريخ
أصبهان: لا تستنجوا بالعظام والروث.
ورواه من حديث أبي كريب، نا حفص، ثنا داود، عن الشعبي، عن علقمة عنه.
السابع: قوله: رواه زكريا إلى آخره جازما بذلك، وليس هو كذلك، بل روي عنه على وجوه:
فَمِنْها بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، وَالْأَزْرَقِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانَ، وهي المذكورة عند الترمذي، ومنها رواية سهل عن يحيى، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن، ولم ينسبه. وقال منجاب عن يحيى عنه، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، وقيل: عن منجاب عن يحيى عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود، لم يذكر بين أبي إسحاق والأسود أحدا.
الثامن: رواية إسرائيل المرجحة عنده مضطربة أيضا بما ذكره عباد القطواني وخالد العبد عنه، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله.
ورواه الحميدي، عن ابن عيينة عنه، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، وإنما منعنا من استقصاء الخلاف على أبي إسحاق في هذا - قول الدارقطني: اختلف عنه فيه اختلافا شديدا، والله تعالى أعلم.
والذي يظهر من ذلك أنّ أبا إسحاق سمعه من جماعة، ولكنه كان غالبا إنّما يحدثهم به، عن أبي عبيدة، فلما نشط قال: ليس أبو عبيدة الذي هو في ذهنكم أني حدّثتكم عنه حدّثني وحده، ولكن عبد الرحمن. ويؤيد ذلك مجيئه عنه أيضا عن غير المذكورين، أو يكون من باب السلب والإيجاب، نفى حديث أبي عبيدة، وأثبت
حديث عبد الرحمن، وهذا أشد على الترمذي؛ لكونه نفي حديث أثبته هو، ولعلّ البخاري لم ير ذلك متعارضا، وجعلهما إسنادين، وأسانيدهما قدّمناها.
وروى الدارقطني في سننه هذا الحديث من جهة أبي إسحاق، عن علقمة، وفي آخره ائتني بحجر، وفي لفظ ائتني بغيرها، وهو منقطع فيما بين أبي إسحاق وعلقمة، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق سالم، من أبي إسحاق وأبي عبيدة وزهير بزيادة تستفاد، فقال: ثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، ثنا زياد بن الحسن بن فرات، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله، قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز، فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فوجدت له حجرين وروثة حمار، فأمسك الحجرين وطرح الروثة، وقال: هي رجس.
قال الإمام أبو بكر: فيه بيان على أن أرواث الحمر نجسة، وإذا كانت أرواث الحمَر نجسة بحكم النبي صلى الله عليه وسلم كان حكم جميع أرواث ما لا يؤكل لحومها من ذوات الأربع مثل أرواث الحمر.
وفي حديث علي بن رباح عنه: نُهي أن نستنجي بعظم حائل، أو روثة، أو حممة، قال الدارقطني: علي لا يثبت سماعه من ابن مسعود، وفي المسند عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ائتني بشيء أتمسح به، ولا تقربني حائلًا ولا رجيعًا، وفي إسناده ليث بن أبي سليم.
51 -
حدثنا محمد بن الصباح، أنا سفيان بن عيينة، وثنا علي بن محمد، نا وكيع، جميعا عن هشام بن عروة، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن
ثابت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الاستنجاء ثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع.
هذا حديث صحيح الإسناد، لأن أبا خزيمة اسمه عمرو بن خزيمة، كذا صرّح به ابن المديني في الأحاديث المعلّلة التي رواها عنه الباغندي، ذكره البستي في كتاب الثقات، وعمارة هو: عمارة بن خزيمة روى عنه أيضا الزهري وأبو جعفر الخطمي ومحمد بن زرارة، وغيرهم.
ذكره العجلي فقال: تابعي ثقة، ولما ذكره البستي في الثقات، قال: توفي بالرقة سنة خمس ومائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة، ووثقه النسائي أيضا.
قال ابن سعد: توفي بالمدينة في أوّل خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان ثقة قليل الحديث، ومع ذلك فقد علل بالاضطراب والاختلاف في إسناده، وذلك أنّ الجم الغفير رووه عن هشام كما تقدّم، منهم عبدة بن سليمان، وابن نمير، وأبو أسامة، ومحمد بن بشر العبدي، وعبد الرحيم بن سليمان، وعلي بن مسهر، والمفضل بن فضالة، واختلف على ابن عيينة؛ فرواه كرواية الجماعة أولا، وقيل: عنه عن هشام، عن أبي وجزة، عن عمارة.
ورواه أبو معاوية الضرير، عن هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمرو بن خزيمة، وهو خطأ، قاله ابن المديني والبخاري، ورواه إسماعيل بن عياش، عن هشام، عن أبيه، عن عمارة، وهشام من أهل الحجاز؛ فرواية إسماعيل عنه غير معتبرة والصواب الأول، قاله ابن المديني، والبخاري، وأبو زرعة الرازي.
52 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، وثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن منصور، والأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال: قال له بعض المشركين وهم يستهزؤون به: إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل، أمرنا أن لا نستقبل القبلة، وأن لا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم.
ورواه مسلم في صحيحه بلفظ: لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول. وقال
فيه الترمذي: حسن صحيح، وذكر الحربي في كتاب العلل: كان سفيان إذا حكى عن اثنين حكى أصح الروايتين وأتمهما، قد فعل ذلك في غير حديث، منها عن الأعمش ومنصور عن إبراهيم، فذكر حديث سلمان، فقال: عن سلمان، وإنما منصور كان يقول: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذا حكاه عن منصور: جرير، وشعبة، وزائدة، وإسرائيل، وفضيل، فلما جمع سفيان بين الأعمش ومنصور استجاز أن يقول: عن سلمان.
وزعم أبو عيسى أن في الباب عن عائشة، وخزيمة، وجابر، وخلاد بن السائب، عن أبيه، وفي ذلك نظر؛ لإِغفاله حديث أبي هريرة المتقدم أيضا، وحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة؟ رواه الدارقطني، وقال: إسناده حسن.
وحديث ابن عباس مرفوعا: ثم ليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حفنات من تراب رواه الدارقطني وضعفه، وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام: الاستنجاء بثلاثة أحجار ذكره البيهقي، وضعفه بعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي.
وحديث أبي أيوب من عند ابن عبد البر مرفوعا: إذا تغوط أحدكم، فليستنج بثلاثة أحجار، فإن ذلك طهور. وحديث أبي أمامة من عند أبي أحمد مرفوعا: يطهر
المؤمن ثلاثة أحجار وضعفه.
وحديث الزبير بن العوام، أنا أبو بكر المقدسي، أنا ابن الحميري إجازة، أنا شهدة، أنا ابن هراشة، أنا البزار، أنا الإِسماعيلي، أخبرني موسى بن جعفر بن محمد بن التاجر، نا يعقوب بن سفيان، ثنا سليمان بن سلمة، ثنا بقية، حدثني نمير بن يزيد القيني، عن أبيه، عن عمه قحافة بن ربيعة، ثنا الزبير بن العوام، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟ فذكر الحديث.
وفيه: فأخذ عظما وروثة، فنظم إحداهما بالأخرى، وروي فيه: فبلهما، ثم قال: هذا طعام الجن.
قال الزبير: فلا يحل لأحد سمع هذا الحديث أن يستنجي بعظم ولا روثة ولا بعر.
وحديث عقبة بن عامر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي، وكان يرخص في الحميم، وكان إذا اكتحل اكتحل وترا، وإذا استنجى استجمر وترا، رواه أحمد بن حازم بن أبي عرزة في مسند عقبة من حديث ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبد الرحمن بن يزيد عنه.
وحديث خلاد بن السائب الذي أشار إليه، ذكره ابن زبر في معجمه عن البغوي، ثنا هدبة، ثنا حماد بن الجعد، ثنا قتادة، نا خلاد به.
ويلتحق بهذا الاستنجاء بالتراب، وهو في حديث رواه عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: رأيت عمر بن الخطاب بال، فمسح ذكره بالتراب، ثم التفت إلينا وقال: هكذا علمناه.
ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن ابن أبي ليلى إلا عطاء، ولا عن عطاء إلا روح بن جناح. تفرد به الوليد بن مسلم.
وفي حديث أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم مال إلى راحلته، ثم أخذ نواة فوضعها على ذكره، ثلاث مرات ذكره الخطيب أبو بكر
بسند ضعيف، وحديث ابن عباس مرفوعًا عند الدارقطني: فليستنج بثلاثة أعواد، أو بثلاثة أحجار، أو بثلاث حثيات من التراب، وحديث ابن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة يرفعه: يطهر المؤمن ثلاثة أحجار والماء والطين.
وحديث جابر بن عبد الله مرفوعا: نهانا أن نمسح بعظم أو بعرة.
وحديث ابن عمر من عند ابن يونس من جهة ابن لهيعة، عن عبد الله بن زهرة، عن عبد الله بن معتب عنه مرفوعا: إذا بال الرجل ومسح ذكره بالتراب ثلاثا ثم يتوضأ، فإن خرج منه شيء فلا وضوء عليه، قال أبو سعيد: الصحيح من هذا موقوف على ابن عمر، وهو في جامع عبد الرزاق مسندا، والله أعلم.
وحديث سراقة بن مالك بن جعشم، وقال له رجل: ما بقي إلا أن يعلمكم التغوط، فقال
…
الحديث.
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني، ثنا رباح بن زيد، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن أبي رشدين عنه.
وحديث رويفع من حديث يرفعه: من استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا منه بريء.
رواه أبو داود، زاد في التفرد: ثنا ابن موهب، ثنا المفضل عن عياش، أنّ شييم بن بيتان أخبره بهذا الحديث أيضا، عن أبي سالم الجيشاني، أنه سمع عبد الله بن عمرو يذكر ذلك، وهو معه مرابط بحصن أليون.
قوله: نهى عليه السلام أن يستطيب بيمينه قال الخطابي: أي لا يستنجي بها، وسمي الاستنجاء استطابة لما فيه من إزالة النجاسة، يقال: استطاب الرجل إذا استنجى، فهو مستطيب، وأطاب فهو مطيب، ومعنى الطيب هنا الطهارة، ومنه قوله تعالى:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} .
ونهى عليه السلام أن تسمى المدينة يثرب، قال الهروي: لأن الثرب فساد، وأمر أن تسمى طابة، يعني طيبة، ذكره عنه بعض العلماء، ولا أدري
من الهروي؟ فإن كان اللغوي فليس هذا منه، ولعله بعض الفقهاء أصحاب المعاني، قال الخطابي: يعني طهارة التربة؛ فدلّ ذلك على جواز التيمم بالسباخ.
وقيل: معناه الطهارة من النفاق.
وفي الجامع: وأطاب نفسه يطيب. قال الأعشى:
يا رخما قاظ على مطلوب
…
يعجل كف الخارئ المطيب
وأصل الاستنجاء: الذهاب إلى النجوة من الأرض الساجة، وهي المرتفعة، كانوا يستترون بها إذا قعدوا للتخلي، فقيل من هذا: استنجاء الرجل، أي أزال النجو عن بدنه، والنجو كناية عن الحرث، كما كني عنه بالغائط.
وقيل: أصله نزع الشيء من موضعه وتخليصه منه.
وقال المديني: يقال: أنجى، إذا أزال النجو، وهو العذرة عن مقعدته، يقال: شرب دواء فما أنجاه، يعني ما أسهل بطنه، ونجا ينجو: استطلق بطنه، ونجا وأنجا: قضى حاجته من النجو.
وقيل الاستنجاء: الاستخراج لنجو البطن، وهو ما يخرج منه. وقيل: هو من نجوت الشجرة وأنجيتها؛ إذا قطعتها، كأنه قطع الأذى عن نفسه بالحجارة.
وقال القزّاز: نجا ينجو: إذا أحدث، وحكى أنجا فلانا نجا من الغائط، وهو المطمئن من الأرض، والغوط أشد انخفاضا من الغائط، والجمع أغواط، وهذا غوط مطمئن، أي: بعيد، ويجمع على غيطان أيضا.
قال أبو سليمان: في نهيه عليه السلام عن الروث والرمة دليل على أن أعيان الحجارة غير مختص بهذا المعنى دون غيرها من الأشياء التي تعمل عمل الحجارة، وذلك لأنه لما أمر بالأحجار ثم استثنى الروث والرمة، فخصهما بالنهي؛ دلّ على أنّ ما عدا الروث والرمة دخل في الإِباحة، وأنّ الاستنجاء به جائز، خلافا لأهل الظاهر، وفيه نظر؛ لأن في حديث أبي هريرة مرفوعا: نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: إنهما لا يطهران. قال الدارقطني عند تخريجه: إسناده صحيح.
والرمة: العظام البالية، وقد جاء مصرحا به في حديث ابن مسعود من كتاب الدارقطني، ويقال: إنما
سميت بذلك لأنّ الإِبل ترمها أي تأكلها، قال القزاز: أي: تتملح بها. قال لبيد:
والنيب إن تغرمني رمة خلقا
…
بعد الممات فإني كنت أَثئرُ
والرواية الصحيحة: تعدمني بالدال، وهو الأكل بشدة.
قال الجوهري: والجمع رمم ورمام، تقول: رم العظم يرم بالكسر رمة، أي: بلى فهو رميم. وفي الأساس: الرم: الرمام بدون الرفات، قال: ظلّت عليه تعلك الرمَاما، أي: تتملح به.
والرجيع: الروث، وهو اسم يقع على كلِّ حدث، وسمي بذلك لأنه رجع عن الحالة الأولى، وكذا كلّ شيء حدث أو فعل إذا ردّد فهو رجيع، فعيل بمعنى مفعول، قال الشاعر:
وفلاة كأنها ظهر ترس
…
ليس إلَّا الرجيع فيها علاق
وذكر الزمخشري الرجيع في باب المجاز، وبنحوه قال ابن دريد، وذكر الزمخشري بيت الأعشى المستشهد به دليلا على دسع البعير رجيعه، أي جرّته.
قال أبو سليمان: الخراءة مكسورة الخاء ممدودة الألف: أدب التخَلِي والقعود عند الحاجة، وأكثر الرواة يفتحون الخاء، ولا يمدون الألف، فيفحش معناه. وقد اختلف في الاستنجاء، فعند مالك وأبي حنيفة هو سنة. وقال الشافعي وأحمد: فرض. واختلفوا في العدد: فأبو حنيفة ومالك إلى الإنقاء، والشافعي وأحمد لا يجوز عندهما الاقتصار على ما دون الثلاثة، وإن حصل الإنقاء بدونها.
وأجاز الطبري الاستنجاء بكل طاهر ونجس، وكره الاستنجاء بأشياء، منها: العظم، والرجيع، والروث، والطعام، والفحم، والزجاج، والورق، والخزف، وورق الشجر، والشعر، والجلد؛ لمجيء ذلك في الحديث.
باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول
53 -
حدثنا محمد بن رمح المصري، أنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يقول: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة، وأنا أول من حدث الناس بذلك.
هذا حديث ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي خليفة، نا أبو الوليد، ثنا غوث بن سليمان بن زياد المصري، ثنا أبي، قال: دخلنا على عبد الله بن الحارث بن جزء في يوم جمعة، فدعا بطست، وقال للجارية: استريني، فسترته، فبال فيه ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن يبول أحدكم مستقبل القبلة.
وأشار الطبراني في الأوسط إلى أنه لم يروه عن غوث إلا أبو الوليد، وفي مسند ابن وهب: أخبرني الليث وعمرو بن الحارث وابن لهيعة، عن يزيد، قال لي الليث: وحدثنيه سهل بن ثعلبة عنه، قال ابن لهيعة: وحدثنيه سليمان بن زياد الحضرمي عنه. انتهى.
وحديثه عن سليمان ذكره أبو جعفر أحمد بن منيع المروزي في مسنده، عن الحسن بن موسى عنه مختصرا، ولما ذكره ابن يونس في تاريخه من جهة ابن السرح، ثنا محمد بن حميد أبو قرّة الرعيني، ثنا عثمان بن صالح، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد، عن جبلة بن نافع الفهمي من بني شبابة، سمعت عبد الله بن الحارث
…
فذكره. قال: وهو حديث معلول. انتهى.
وفيه نظر؛ وذلك أنه إن أراد سنده الذي ساقه، فهو بلا شك معلول بابن لهيعة، وإن أراد علّة أخرى فكان ينبغي له بيانها مع خلو حديث الباب من علّة ظاهرة.
وإن أراد كون الليث اختلف عليه فيه بأن رواه عن قول الكجي، ثنا أبو الوليد، ثنا
ليث، ثنا يزيد وسهل بن ثعلبة، وتارة أفرده، فرواه عن سهل، عن عبد الله كما أسلفناه؛ فليس بعلّة أيضا لمتابعة عمرو بن الحارث له على تصريح يزيد بسماعه، وناهيك به جلالة ونبلا.
وذكره أبو القاسم في الكبير وفي الأوسط زاد الحسن بن ثوبان، وقال: لم يروه عن الحسن إلَّا رشدين بن سعد.
وأيضا فذكر الكجي في مسنده، ثنا أبو الوليد، ثنا ليث، ثنا يزيد وابن ثعلبة جميعا، فيشبه أن يكون تصحف على الناسخ، والنسخة التي نقلت منها في غاية الجودة، فالله أعلم.
فليس ما أورده قادحا في إسناد حديث الباب؛ إذ فيه دخول جبلة بين يزيد وعبد الله؛ لتصريح يزيد فيه بالسماع من عبد الله، ويكون على هذا سمعه منه وعنه؛ فأولا سمعه من جبلة فحدّث به، ثم إنّه رأى عبد الله فسأله عما سمعه عنه فحدّثه به؛ فحصل له نزول ثم علّو، وهذا شأن جماعة من العلماء.
54 -
حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، أنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد أنّه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل الذي يذهب الغائط القبلة، وقال: شرقوا أو غربوا.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم بزيادة: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل الكعبة، قلنا: ننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل.
وفي مسلم: ببول أو غائط.
وفي النسائي من حديث مالك، عن إسحاق، عن رافع بن إسحاق، سمع أبا أيوب وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس؟ وقد قال عليه السلام الحديث.
ولعل قائلا يقول: سفيان والزهري يدلسان، ولم يصرحا هنا بالسماع، فلعلّ ذاك يكون علّة، فيقال له: ليس كما توهمت؛ لأن كلا من
المذكورين صرح بسماعه ممن فوقه، ففي البخاري ومسند الحميدي تصريح الزهري بسماعه إياه من عطاء، وكذا عطاء من أبي أيوب.
وفي مسلم: عن يحيى، قلت لابن عيينة: سمعت الزهري يذكر عن عطاء الحديث، فقال: نعم.
وقال الترمذي: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وفي بعض النسخ: وأصح صحيح.
وقد رواه عن أبي أيوب غير عطاء جماعة، منهم: عمر بن ثابت، ونافع بن إسحاق، وأبو الأحوص، وعبد الرحمن بن يزيد بن جارية، وعن الزهري جماعة، منهم: ابن أبي ذئب، ومعمر، ويونس، وابن أخي الزهري، والنعمان بن راشد، وسليمان بن كثير، وعبد الرحمن بن إسحاق، وأبو سعيد الجزري، ومحمد بن أبي حفصة، ويزيد بن أبي حبيب، وعقيل، واختلف عنه، فرواه سلامة ورشدين عنه، عن الزهري، عن أبيّ بن كعب، ووهم، والصواب أبي أيوب، وإبراهيم بن سعد، رواه عن الزهري، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، عن أبي أيوب. وقيل: عن إبراهيم، عن الزهري، عن رجل، عن أبي أيوب، ورواه أيوب السختياني، عن الزهري، عن رجلين لم يسمهما، عن أبي أيوب، وأرسله نافع بن عمر الجمحي، عن الزهري، عن النبي عليه السلام.
قال الشيخ أبو الحسن: والقول قول ابن عيينة ومن تابعه، قال الحميدي في مسنده: إن نافعا الجمحي لا يسنده. فقال: لكن أحفظه وأسنده كما قلت لك، ثم قال: إن المكيين إنما أخذوا كتابا جاء به حميد الأعرج من الشام قد كتب عن الزهري، فوقع الكتاب من خرجه، فكان المكيون يعرضون ذلك الكتاب على ابن شهاب؛ فأما نحن فإنما كنا نسمع من فيه.
55 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثني عمرو بن يحيى المازني، عن أبي زيد مولى الثّعلبيين، عن معقل بن أبي معقل الأسدي وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط.
، ويضم إلى جهالته انقطاع حديثه فيما ذكره العسكري من أن معقلا مات في أيام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان كذلك فيكون حديثه منقطعا؛ لأنه ليس صحابيا، ولا ذكره منهم أحد؛ فتعيّن انقطاع حديثه، هذا وعلى قول ابن سرور يكون متصلا؛ لأنه قال: إنه توفي في عهد معاوية، والقلبُ إلى قوله أميل؛ لأن الطبراني ذكر عن عمرو بن يحيى أن معقلا حدّثه مصرّحا بذلك، فترجح ما قاله من وفاته زمن معاوية، والله أعلم. وقاله مسلم في كتاب الوحدان من تأليفه.
وفيه نظر من حيث إن يحيى بن عمرو حدّث عنه فيما ذكره الطبراني في الكبير، ولم أر أحدا فيما أعلم تعرّض لمعرفة حاله، وسمّاه أبو داود الوليد. وذكره أبو عمر في كتاب الاستغناء في القسم الذين يعرف أسماءهم، ولم يسمه، ويشبه أن يكون ذلك وهما من فعله، وليس بكاف سكوت أبي داود عنه.
وقوله: أبو زيد مولى بني ثعلبة، وكذلك سكوت المنذري عنه.
وأما قول ابن قانع عن معقل بن أبي الهيثم الأسدي، كذا وقع، وإنما هو معقل بن أبي معقل؛ فليس بشيء؛ لأنه معقل بن الهيثم، وابن أبي معقل، وابن أبي الهيثم، وابن أم معقل، وكلّه واحد.
كذا ذكره ابن عبد البر وابن
بنت منيع وغيرهما، وعند ابن سعد علّة ثالثة؛ وهي أنّ الحديث من رواية معقل، عن أبي الهيثم، لا عن معقل.
بيان ذلك قوله: ثنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، ثنا مسلم بن خالد، حدثني عبد الرحيم بن عمرو، عن عمرو بن يحيى، عن أبي زيد، عن معقل، عن أبي الهيثم الأسدي، حليف لهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلة ببول أو غائط.
قال مسلم: ثم لقيت عمرو بن يحيى، فحدثني بهذا الحديث عن معقل، عن أبي الهيثم. فهذا كما ترى معضل هنا، وإن كانت له صحبة ولأبيه، فهو بمنزلة تابعي، والله أعلم.
56 -
حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، نا مروان بن محمد، نا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: حدّثني أبو سعيد الخدري: أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول.
57 -
حدثنا أبو سعد عمير بن مرداس الدونقي، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم أبو يحيى المقرئ، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر سمع أبا سعيد يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن أشرب قائما، أو أبول مستقبل القبلة.
كذا هو في عدة نسخ، وفي بعض النسخ: هذه زيادة من القطان، ويشبه أن يكون صحيحا؛ لأني لم أر هذا الحديث مذكورا في شيء من كتب الأطراف، ولا رأيت عميرا مذكورا في شرح ابن ماجه، وكذلك المقرئ، والله أعلم.
هذا حديث إسناده ضعيف بابن لهيعة؛ فإنه ممن تكلّم فيه جماعة من العلماء فيهم كثرة، ومع ذلك فقد قال فيه الثوري: عنده الأصول وعندنا الفروع.
وقال ابن مهدي: وددت أنّي سمعت منه خمسمائة حديث، وأنّي غرمت مالي، وحدثت ابن وهب بحديث، فقال: من حدثك هذا؟ فقال: حدّثني به والله الصادق البار عبد الله
ابن لهيعة.
وروى البخاري في صحيحه حديثا، قال فيه عن ابن فلان، ولم يُسَمِّه، فذكر أبو نعيم الحافظ والإِسماعيلي وصاحب الأطراف أنّه ابن لهيعة.
وفي الروض الأنف لأبي زيد - رحمه الله تعالى -: كان مالك يحسن القول فيه، ويقول إن الذي رَوى عنه حديث العربان في الموطأ عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب ابن لهيعة، ويقال: بل الثقة ابن وهب حدّثه به عن ابن لهيعة.
وذكر الآجري، عن أبي داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان بمثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟! وحدّث عنه أحمد بحديث كثير.
وإنّما ذكرت هذا لأنّ البيهقي قال في كتاب السنن الكبير: أهل الحديث أجمعوا على ضعفه، وأي إجماع مع مخالفة هؤلاء؟! فتأمّله، والله أعلم.
وفي حديث الدونقي بضم الدال وبعد الساكنة نون بعدها قاف، نسبة إلى دونق، قرية من نهاوند - شيء ليس في الحديث الأول، على تقدير أن يكون من الأصل، أو كان من غيره، فلا ضير، والله أعلم.
وذلك أن عمرو بن علي، قال عن ابن لهيعة: احترقت كتبه؛ فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك والمقرئ أصح ممن كتب عنه بعد الاحتراق. وبنحوه قاله ابن سعد، وهذه ليست من حديث المقرئ، والله أعلم.
وخرجه الترمذي في العلل الكبير من حديث ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة. وقال: حديث جابر عن أبي قتادة غير محفوظ، وفيه ردّ لما قاله أبو عيسى إثر حديث أبي أيوب: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث، ومعقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف. وكذا حديث أبي سعيد المتقدّم، وحديث عبد الله بن مسعود المذكور عند ابن
عدي، وحديث ابن عباس المذكور عند الدارقطني، وضعفه، وقد تقدّم قريبا.
وحديث سراقة بن مالك بن جعشم، سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فضعفه، ولفظه: إذا أتى أحدكم البراز فليكرمن قبلته لدينه.
وحديث عمرو بن العجلان عند ابن عدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل شيئا من القبلتين للغائط والبول.
ولفظ البرقي في تاريخه: نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وضعفه بعبد الله بن نافع.
وحديث رجل من الأنصار ذكره ابن وهب في مسنده، فقال: أخبرني مالك وابن سمعان، عن نافع، عن رجل من الأنصار، عن أبيه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
وفي السنن لأبي قرّة، ذكره مالك، عن نافع أنَّ رجلا من الأنصار أخبره.
وحديث أنس بن مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل مستقبل القبلة. رواه أبو زكريا الموصلي في تاريخه، عن سليمان بن عرَّام الحناط، ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، ثنا ضمرة بن ربيعة، عن عباد بن كثير الثقفي، عن الأعرج عنه.
وأمّا حديث أبي هريرة فذكره أبو القاسم في الأوسط. وقال: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير، يعني: عن أبي سلمة عنه إلَّا حسين المعلم، ولا عن حسين إلا إبراهيم، ولا عن إبراهيم إلَّا القاسم، تفرد به أحمد بن حرب.
وحديث زيد أبي العجلان: سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن يبال مستقبل القبلة.
ذكره المنذر بن حرب، عن ابن أبي فديك، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه أن عبد الله بن عمرو العجلاني، حدث فذكره.
الرخصة في ذلك في الكنيف وإباحته دون الصحاري
58 -
حدّثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري. (ح) وثنا أبو بكر بن خلاد، ومحمد بن يحيى قالا: نا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن سعيد، أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره أن عمّه واسع بن حبان أخبره أن عبد الله بن عمر قال: يقول أناس: إذا قعدت للغائط فلا تستقبل القبلة، ولقد ظهرت يوما من الأيام على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على لبنتين مستقبل بيت المقدس.
هذا حديث يزيد بن هارون، خرج هذا الحديث الأئمة الستة في كتبهم، وفي حديث البخاري: فلا تستقبل القبلة، ولا بيت المقدس.
وفي حديث أبي صالح كاتب الليث، عن الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان: يقضي حاجته محجر عليه بلبن، ذكره أبو محمد بن حزم، وصححه.
59 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى الحناط، عن نافع، عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنيف مستقبل القبلة.
قال عيسى: فقلت ذلك للشعبي فقال: صدق ابن عمر، وصدق أبو هريرة؛ أما قول أبي هريرة فقال: في الصحراء لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها. وأما قول ابن عمر: فإن الكنيف ليس فيه قبلة، استقبل حيث شئت. وفي رواية أبي حاتم، عن
عبيد الله: فإنه كنيف صنع للنبي صلى الله عليه وسلم لا قبلة فيه، وتستقبل فيه حيث شئت.
هذا حديث ضعفه الدارقطني لما خرجه بعيسى الحناط، ولفظه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فلما دخلت عليه، إذا هو في المخرج على لبنتين مستقبل القبلة.
وقال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن نافع إلا عيسى،.
60 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك، عن عائشة، قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة.
هذا حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه وإرساله ووصله.
أما إسناده فصحيح ظاهره الاتصال؛ لأنّ خالد بن أبي الصلت عامل عمر بن عبد العزيز روى عنه أيضا المبارك بن فضالة، وسليم بن حسين، وواصل مولى أبي عيينة، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وذكر بحشل في تاريخ واسط، عن سفيان بن حسين، أنا خالد بن أبي الصلت، وكان عينا لعمر بن عبد العزيز بواسط، وكان له
هيئة، فأتيناه يوما وقد مرض وإذا تحته شاذكونية خلقة من متاع رث، فقلنا له في ذلك، فقال: إنكم كنتم تأتون وأنا في حال دنيا، وإنكم الآن أتيتموني وأنا في حال الآخرة، ثم ذكر روايته عن جماعة من الأئمة، وليس في الإِسنادين سماع.
وأما عِرَاك فظاهر حديثه الاتصال؛ لأن مسلما وأبا حاتم البستي خرجاه في صحيحيهما وهو منهما محمول على السماع حتى يقوم الدليل على خلافه.
دليلهما قول الإِمام أحمد عند تخريجه حديث عائشة: أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك، وإن كان مرسلا، فإن مخرجه حسن، كذا ذكره في المسند.
وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: كتب إلي علي بن أبي طاهر، ثنا أحمد بن محمد بن هانئ، سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد - يعني هذا - فقال: مرسل، فقلت له: عراك بن مالك، قال: سمعت عائشة، فأنكره، وقال: عراك من أين سمع عائشة؟ ما له ولعائشة؟ إنّما يروي عن عروة، هذا خطأ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: رواه غير واحد عن خالد ليس فيه (سمعت)، وقال غير واحد أيضا: عن حماد بن سلمة، ليس فيه سمعت، فليس فيه تصريح بعدم سماعه منها، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد وعصر واحد، فسماعه منها ممكن جائز، وقد صرح بذلك بعض الأئمة، وهو ابن سرور، رحمه الله تعالى.
وقد تابع حمادَ بن سلمة على قوله عن عراك سمعت عائشة - عليُّ بن عاصم عند الدارقطني.
وأما قول الترمذي في العلل الكبير: حدّثنا علي بن خشْرَم، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي عبد الله، عن الحذاء، عن عراك به،
ثم قال: رواه حماد بن سلمة، عن خالد، عن ابن أبي الصلت قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة، فقال عراك الحديث، فسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها.
وقال أبو محمد بن حزم: هذا حديث ساقط؛ لأن راويه خالدٌ الحذاء، وهو ثقة عن خالد بن أبي الصلت، وهو مجهول لا يُدرى من هو؟! وأخطأ فيه عبد الرزاق، فرواه عن خالد الحذاء، عن كثير بن أبي الصلت، وهذا أبطل وأبطل؛ لأن الحذاء لم يدرك كثيرا، وفيه نظر من وجوه:
الأول: الاضطراب المشار إليه يشبه أن يكون قول حماد، وعلي بن عاصم، وعبد الوهاب الثقفي أولى لكونهم أثبتوا زيادة أخل بها أبو عوانة، ويحيى بن مطر، والقاسم بن مطيب، والزيادة من الثقة مقبولة، أو المثبت أولى من النافي.
الثاني: قول أبي محِمد: إنّ خالد بن أبي الصلت مجهول، لا يدرى من هو. قد بينا قبل حاله، وأنها غير مجهولة.
الثالث: قوله: كثير بن أبي الصلت لم يدركه الحذاء، وهو لا شيء؛ لأنّ البخاري وابن أبي حاتم ومن بعدهم كابن عبد البر وغيره إنما سموه كثير بن الصلت، لا ابن أبي الصلت، فإن كان ذلك من خطأ عبد الرزاق، فكان ينبغي أن ينبّه عليه، وما أظنّ ذلك لتقريره له، وعدم إنكاره عليه ذلك، أو لعلّه يكون تصحف على الناسخ.
الرابع: إنكاره سماع خالد منه إن كان ذلك بتوقيف فسمعا وطاعة، ولكني لم أر أحدا قاله غيره، وإن كان استبعادا لذلك من حيث إنّ كثيرا ولد في زمنه عليه السلام، فغير مستبعد سماعه منه لرؤيته أنس بن مالك، وبذلك كان تابعيا.
61 -
حدّثنا محمد بن بشار، ثنا وهب بن جرير، نا أبي، سمعت محمد بن إسحاق يحدّث، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها.
ثنا محمد بن بشار، عن وهب به، ولفظه: نهاني أن أستقبل القبلة
…
الحديث.
هذا حديث خرجه ابن خزيمة، عن ابن بشار شيخ أبي عبد الله، وخرجه أيضا الحاكم، وزعم أنه صحيح على شرط مسلم، وليس كما زعم، فإن أبان بن صالح لم يخرج مسلم له شيئًا، وخرجه ابن حبان في كتابه الصحيح، وفيه فائدة تصريح ابن إسحاق بسماعه من أبان، فقال: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عمرو الناقد، ثنا يعقوب ابن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني أبان
…
فذكره. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة. أنا بذلك قتيبة، ثنا ابن لهيعة بهذا، وحديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة، ولما رواه البزار في مسنده، عن محمد بن المثنى، نا وهب به، قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جابر بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإِسناد.
وذكر البيهقي في كتاب الخلافيات، وأبو الحسن الخزرجي في تقريب المدارك، وعبد الحق الإشبيلي أنّ الترمذي سأل البخاري عن حديث ابن
إسحاق هذا، فقال: هذا حديث صحيح، كذا ذكروه عنه. والذي في نسختي من كتاب العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: رواه غير واحد، عن ابن إسحاق فقط، فلعله سقط منها شيء، والله أعلم.
وأما قول ابن حزم حين أراد ردّه: حديث جابر رواه أبان بن صالح، وليس بالمشهور، فقول مردود، لما أسلفنا من توثيقه عند من صحح حديثه؛ ولقول ابن معين، وأبي زرعة، وأبي حاتم، ويعقوب بن شيبة، والعجلي فيه: ثقة.
وقال النسائي: كان حاكما بالمدينة، وليس به بأس، روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وأسامة بن زيد، وابن جريج، وإسحاق بن أبي فروة، وعقيل، ومحمد الجندي، وابن عجلان، وموسى بن عبيدة، والحارث بن يعقوب والد عمرو، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وسعد بن كعب بن عجرة، وعبيد الله بن أبي جعفر، وهو قرشي جَدّ مشكدانه، استشهد به محمد في باب عمرة القضاء من كتاب المغازي، وقال ابن سعد: ولد سنة ستين، ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومائة، زاد يعقوب الفسوي في تاريخه: وهو ابن خمس وخمسين سنة، فأي شهرة أرفع من هذه وأعلى.
وأما قول أبي عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: ردّ أحمد بن حنبل حديث جابر، قال أبو عمرو: وليس حديث جابر بصحيح، فيعرج عليه؛ لأنّ أبان بن صالح راويه ضعيف، ففيه نظر من وجهين:
الأول: قوله ردّه أحمد: إن أراد رد العمل به فمعروف عنه، وإن أراد الردّ الصناعي فغير صحيح؛ لثبوته في مسنده، لم يضرب عليه ولم ينزعه منه، كعادته
فيما ليس بصحيح عنده أو مردود. بين ذلك أبو موسى المديني عنه.
الثاني: تضعيفه الحديث بأبان، وهو قول لا سلف له فيما أعلم، وقد عارضه قول من أسلفنا.
وقول الترمذي فيه: حسن غريب، وهما لفظان متغايران، اللهم إلَّا أن يكون بعض رواته تفرد به، ولئن كان كذلك فما أظنه غير أبان، والله تعالى أعلم.
وفي كتاب الطبراني الكبير حديث عمار: ثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا الحكم بن موسى، نا عيسى بن يونس، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم عن عمار، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي لغائط أو بول.
ولما ذكر الترمذي الأحاديث التي في الباب أغفل حديث ابن عمر: إنّما نهى عن ذلك في الفضاء؛ فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود، وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط البخاري.
وأما قول ابن حزم: النهي عن ذلك، يعني عن استقبال القدس لم يصح، فمردود بما أسلفناه من عند البخاري: فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس.
البيت، جمعه: بيوت، وأبيات، وأبابيت عن سيبويه، مثل قول وأقاويل، وتصغيره: بييت، وبييت أيضا بكسر أوله، والعامة تقول: بويت. قاله الجوهري.
وقوله: ظهرت بمعنى علوت، وفي بعض الروايات: رقيت بمعنى صعدت، وهو العلو، قال تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} ، وقال:{وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}
أي: يعلون. قال النابغة:
بلغنا السماء أبانا وجدودنا
…
وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا
وأما اللبن مثل كلم، فواحده لبنة، ككلمة، ويقال: لبنة ولبن مثل لبدة ولبد. قال القزاز: هو المضروب مربعا، وكل شيء ربعته فقد لبنته، والملبن: هو الفاعل، وهو الذي يضرب به.
وأما الكنيف: فهو البناء الذي انتزع من الدور لقضاء الحاجة، وأصله الشيء الساتر؛ لأنه يستر ويغطي، أو لأنه كنف في أستر النواحي؛ ولذلك قالوا للترس كنيفا، قال لبيد: ولا الحجف الكنيف.
ولحظيرة الإِبل كذلك، وفي حديث: أن أبا بكر رضي الله عنه أشرف من كنف أي ستر. قال القزاز: ومنه قولهم: اذهب في كنف الله، أي: ستره وحياطته.
اختلف الناس في تأويل ما اختلف من الأخبار في استقبال القبلة واستدبارها؛ فذهب أبو أيوب إلى تعميم النهي والتسوية في ذلك بين الصحاري والأبنية، وهو مذهب الثوري والكوفي وأحمد وأبي ثور، واحتجوا بحديث أبي أيوب وغيره من الأحاديث الواردة في النهي، وفيها كثرة.
وقال آخرون: جائز استقبال القبلة وبيت المقدس على كلّ حال، واستدبارهما في الصحاري والبيوت.
قال الخطابي: وذهب ابن عمر إلى أنّ النهي إنّما جاء في الصحاري، وكذلك قاله الشعبي، وإليه ذهب مالك والشافعي، وقد قيل: إن المعنى في ذلك هو أنَّ الفضاء من الأرض موضع للصلاة، ومتعبد للملائكة والإنس والجن؛ ففاعل ذلك مستهدف للأبصار، وهو في الأبنية مأمون، وفي قول ابن عمر جمع بين الأخبار، والله أعلم.
الاستبراء بعد البول
62 -
حدثنا علي بن محمد، نا وكيع. (ح) وثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا زمعة بن صالح، عن عيسى بن يزداد اليماني، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرّات.
- ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا زمعة، فذكر نحوه.
هذا حديث اختلف في اتصاله وإرساله وضعفه؛ فممن قال: إنه مرسل، أبو حاتم الرازي، قال: ليس ليزداد صحبة.
وقال في موضع آخر: لا يصح حديثه وليس لأبيه صحبة، ومنهم من يدخله في المسند، وهو وأبوه مجهولان، وفي الاستيعاب: يزداد والد عيسى، يقال: له صحبة، وأكثرهم لا يعرفونه ولم يرو عنه غير ابنه عيسى، وهو حديث يدور على زمعة.
وقال البخاري: ليس حديثه بالقائم. وقال يحيى بن معين: لا يعرف عيسى هذا ولا أبوه.
وقال أبو عمر: وهو تحامل، وفيما قاله نظر؛ لأن أبا حاتم ذكر ذلك أيضا كما قدمناه، فذهب ما توهمه، وذكره أبو داود في المراسيل.
وقال ابن عساكر: يزداد، ويقال: أزداد، مولى بحير بن ريسان اليماني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: هو مرسل، وبنحوه قاله عبد الحق، وزاد: لا يصح حديثه، وقرر ذلك أبو الحسن بن القطان.
وأما قول أبي عمر: لم يرو عنه غير ابنه عيسى، فغير صحيح؛ وذلك أن البخاري ذكر أن عكرمة روى عنه أيضا. وقال: ويزداد صاحب عدن. وأما الإِمام أحمد فإنه ذكر حديثه في مسنده اعتمادا على أنّ له صحبة، وأن حاله جيدة عنده، وكذلك العسكري قال: وهو من أهل اليمامة، ذكر بعضهم في حديثه أنه قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أيضا أن يحيى بن العلاء قال ذلك، وكذلك ذكره البغوي في معجم الصحابة، وابن حبان البستي قال: يقال: إن له صحبة، إلا أني لست أحتج بحديثه بخبر زمعة بن
صالح.
كذا قال في زمعة، وهو جندي يماني، روى عنه جماعة.
وقال فيه ابن معين: صويلح الحديث.
وقال الفلاس: جائز الحديث مع الضعف الذي فيه.
وقال السعدي: متماسك.
وقال ابن عدي: رّبما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أنَّ حديثه صالح لا بأس به، وروى مسلم له مقرونا بمحمد بن أبي حفصة، وتكلّم فيه غير واحد.
وقال ابن عساكر: رواه جماعة عن زمعة، يعني حديث يزداد، منهم: عيسى بن يونس، وابن عيينة، والمعتمر بن سليمان، وأبو أحمد الزبيري، وإسماعيل بن عياش، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق، وأبو عاصم، وروح بن عبادة.
وفي كتاب العسكري: وابن هراشة، ووكيع، وزكريا بن إسحاق، ثنا يحيى بن علي، ثنا نصر بن داود، ثنا أبو نعيم، ثنا زمعة، عن عيسى بن يزداد، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال نثر ذكره ثلاث مرات.
قال العسكري: كذا جعله من فعله عليه السلام، وغيره يجعله من قوله.
وفي حديث قرة بن خالد ويحيى بن العلاء عنه: إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرات، فإن ذلك يكفيه. انتهى. وهذا يدل على اضطراب وعدم ضبط.
وأما قول ابن معين في عيسى: لا يعرف، إن أراد عينه فمردود برواية زمعة وزكريا بن إسحاق المكي عنه، وإن أراد حاله فكذلك؛ لذكره في كتاب الثقات لابن حبان.
والنتر بالتاء المثناة: جذب في جفوة. قاله في الصحاح.
من بال ولم يمسّ ماء
63 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن عبد الله بن يحيى التوأم، عن ابن أبي مليكة، عن أمه، عن عائشة قالت: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يبول فاتبعه عمر بماء، فقال: ما هذا يا عمر؟ قال: ماء، قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة.
بوّب أبو داود على هذا الحديث باب في الاستبراء، ورده الشيخ زكي الدين بقوله: التي روته عن عائشة مجهولة، وليس ذلك بشيء لأمرين:
الأول: ليس كما زعم في أم ابن أبي مليكة بأنهّا مجهولة، بل معروفة الاسم والحال والنسب، ذكر الزبير وابن حبان في كتاب الثقات أن اسمها ميمونة بنت الوليد بن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، روى عنها ابنها، عن عائشة - يعني هذا الحديث - ثناه محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا التوأم به.
وفي كتاب الوحدان للقشيري، وابن أبي مليكة يعني تفرد عن أمه وعن التوأم، وخالفه أيوب السختياني.
والثاني: إغفاله النظر في حال التوأم، وهو مختلف فيه، فابن معين يضعفه، وكذلك النسائي، وابن حبان يوثقه. ولذلك قال فيه بعض الحفاظ: هذا حديث
غريب، وفي الباب حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ولم يمس ماء رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم عنه. وقال: لم يروه عن أبي إسحاق إلا أبو سنان. تفرد به الصباح بن محارب.
وأما حديث الباب فيدل على أن إتيان عمر بالماء كان لقصد أن يستعمله عليه السلام مع الحجارة علما من عمر بمطلوبيّة ذلك، وإنما يتم كون هذا المعنى مرادا في الخبر لحمل الوضوء منه على الغسل لغة، وعلى هذا يكون الخبر دليلا على استحباب الجمع بين الماء والحجر.
وجه الدلالة: قوله عليه السلام: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، فيقتضي فعل الوضوء المذكور في بعض الحالات بطريق المفهوم، وذلك مفيد للندب، وقد يدلّ على الجمع حديث أورده البزار في مسنده من رواية محمد بن عبد العزيز الزهري، وهو ضعيف لا يحتج به، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّا نتبع الحجارة الماء.
وقد وردت أحاديث مخالفة الظاهر لحديث الباب تأتي بعد، وفيه دليل على أن مداومته عليه السلام على الفعل يقتضي وجوب ذلك الفعل علينا، ما لم يقم دليل على عدم الوجوب، والله أعلم.
النهي عن الخلاء على قارعة الطريق
64 -
حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني نافع بن يزيد، عن حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه قال: كان معاذ بن جبل يتحدّث بما يسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما يسمعوه، فبلغ عبد الله بن عمرو وما يتحدّث به، فقال: والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا، وأوشك معاذ أن يعنتكم في الخلاء، فبلغ ذلك معاذا، فلقيه معاذ، فقال معاذ: يا عبد الله بن عمرو، إنّ التكذيب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق، وإنما إثمه على من قاله، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق.
هذا حديث خرجه أبو عبد الله في مستدركه من رواية سعيد بن الحكم، عن نافع. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنّما انفرد مسلم بحديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: اتقوا اللاعنين.
وفيما قاله نظر، وذلك أنّ هذا حديث منقطع، وفيه رجل مجهول، بيانه: ما ذكره أبو داود، عن إسحاق بن سويد وعمر بن الخطاب، عن سعيد بن الحكم، أنا نافع. فذكره مختصرا. كذا هو في رواية اللؤلؤي وابن داسةَ.
وفي رواية ابن العبد، وفي كتاب التفرد له زيادة عليها، وهي: قال أبو داود: ليس هذا بمتصل، يعني بذلك انقطاع ما بين أبي سعيد ومعاذ. وبنحوه قاله الإشبيلي أيضا وابن القطان، وهو رجل مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله، ولا من روى عنه غير حيوة، ولا روى هو عن غير معاذ، ولا رواه عن حيوة غير نافع، ومع ذلك فله شاهد
جيّد من حديث سراقة بن مالك، أورده حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله، عن عباس العنبري، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سماك بن الفضل، عن أبي رشدين الجندي، أنّ سراقة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله، ولا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس اللعن: الظل والماء وقارعة الطريق
…
.
الحديث، رواه أبو رشدين زياد، وسماك وثقه النسائي والبستي، وبقية من في هذا الإِسناد لا يسأل عنهم، قال: ورواه حبان بن موسى، عن ابن المبارك عنَ معمر موقوفا.
وشاهد ذكره عبد الله بن وهب في مسنده، عن عبد الله بن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة السبائي، أخبرني من سمع ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: وما الملاعن الثلاث يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو نقع ماء. وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده من حديث ابن المبارك، عن ابن لهيعة قال: حدّثني ابن هبيرة، وهو وإن كان مرسلا لإبهام الراوي عن ابن عباس؛ فإنّ الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كل وجه، وابن لهيعة مختلف في حاله كما أسلفناه، وقد زال تدليسه بتصريحه بالسماع، وأيضا فابن المبارك حمل عنه قبل احتراق كتبه، وكان يتبع أصوله.
وشاهد آخر ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث ميمون بن مهران، عن ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة، ونهى أن يتخلى على ضفة نهر جارٍ.
قال: لم يروه عن ميمون إلا.
65 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن زهير قال: قال سالم: سمعت الحسن يقول: ثنا جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والتعريس
على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات والسباع، وقضاء الحاجة عليها، فإنها الملاعن.
هذا حديث معلل بأمرين:
الأول: ضعف عمرو بن أبي سلمة؛ فإنه ممن قال فيه أبو حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى: ضعيف.
الثاني: انقطاع ما بين الحسن وجابر، فممن ذكر ذلك ابن المديني، وبهز، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبزار.
وفي حديث الباب تصريح بسماعه منه لو كانت الطريق سالمة من عمرو، على أنه قد توبع على ذلك فيما ذكره ابن أبي حاتم، عن أبيه: هشام بن حسان يقول: عن الحسن، ثنا جابر بن عبد الله. وأنا أنكر هذا.
وروى شريك، عن أشعث، عن الحسن، سألت جابرا، قال أبو داود: لا يصح، ولو رأينا الحديث الذي في مسند أحمد أنه سمع لأذعنا له سمعا وطاعة، قال: حدّثنا يزيد يعني ابن هارون، أنا حميد الطويل، قال: حدثنا الحسن إحدى صلاتي العشاء، فأطال، فرأيت اضطراب لحيته، فلما انصرف قلت: أكنت تقرأ؟ فقال لي: عامته تسبيح ودعاء، ثم قال: ثنا جابر بن عبد الله قال: كنا ندعو قياما وقعودا، ونسبح ركوعا وسجودا. فهذا كما ترى سند كالشمس، فيه تصريح بسماعه، فلا مطعن في سماعه بعد هذا، وإذا ثبت هذا فقد وقع لنا هذا الحديث مختصرا بإسناد صحيح على شرط مسلم، ذكره المروروذي في مسنده، فقال: حدّثنا إسحاق الأزرق، عن هشام، عن الحسن، عن جابر قال: نُهي عن الصلاة على جواد الطريق والصحاري، فإذا قال: نُهي أو أمر كان محمولًا على
الاتصال كما تقدم من قبل.
ورواه يزيد بن هارون، عن هشام مرفوعا مطولًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم في الخصب فأعطوا الركاب حقها - أو كلمة نحوها - ولا تعدوا المنازل، وإذا كنتم في الجدب فعليكم بالدلجة؛ فإن الأرض تطوى بالليل، وإذا تغولت لكم الغيلان فبادروا بالأذان، ولا تصلوا على جواد الطريق، ولا تبولوا عليها فإنها مأوى الحيّات والسباع، ولا تقضوا عليها الحاجات؛ فإنها ملاعن.
رواه البزار عن محمد بن معمر، عن يزيد، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد. وهم يتكلمون في سماع الحسن من جابر، وفيما قاله نظر؛ لأن حديث الباب بغير هذا الإِسناد، والله أعلم.
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا: اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم رواه مسلم في صحيحه.
ومن حديثه أيضا عند ابن عدي مرفوعا: نهي أن يتغوط الرجل في القرع، قيل: وما القرع؟ قال: أن يأتي أحدكم الأرض فيها النبات كأنما قمت قمامته، فتلك مساكن إخوانكم من الجن.
وفي بعض الروايات: فإنه مصلى الخافير يعني الجن. رواه أبو أحمد من طريق سلام بن سلم الطويل، وهو متروك.
66 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن خالد، ثنا لهيعة، عن قرة، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن يصلى على قارعة الطريق، أو يضرب الخلاء عليها، أو يبال عليها.
ابن لهيعة تقدم ذكره، وقرة هو ابن عبد الرحمن بن حَيُويل، أبو حَيُويل اسمه
يحيى، قال ابن حبان: من ثقات أهل مصر، وخرّج حديثه في صحيحه، ومسلم قرنه بغيره، وأبو عيسى يصحح حديثه، وكذلك الحاكم.
وقال الأوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري منه.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به.
وخالف ذلك أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، وابن القطان.
وعمرو بن خالد أبو خالد القرشي الأعشى الهاشمي، مولاهم، أصله كوفي، قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث ليس بشيء.
وقال أحمد بن محمد: قال أبو عبد الله: عمرو بن خالد الواسطي كذاب، يروي عن زيد بن علي، عن آبائه نسخة موضوعة، يكذب، وكذلك قاله وكيع وإسحاق بن راهويه وأبو زرعة.
وقال ابن معين: كذاب.
وقال أبو داود ويعقوب بن سفيان: لا شيء.
وقد وردت أحاديث تدلّ على المنع من البول في مواضع مخصوصة، منها:
حديث أبي هريرة لا يبولن أحدكم في الماء الدائم في الصحيحين.
وحديث ابن سرجس لا يبولن أحدكم في جحر من عند النسائي، وإسناده صحيح، وإن كان أبو عمرو ذكر أن أهل البصرة تفردوا به، فلا بأس بذلك.
وحديث ابن عمر قال عليه السلام: لا تبولوا في الماء الناقع. ذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن نافع، عنه.
وفي مراسيل أبي داود، عن أبي مجلز: أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد. وفيه عن مكحول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال بأبواب المساجد.
وعند العقيلي، عن أبي هريرة: كان عليه السلام يكره البول في الهواء. وضعفه بأبي الفيض يوسف بن السفر.
وحديث ابن مغفل: لا يبولن أحدكم في مستحمه، وقد تقدم، وحديث رجل من الصحابة: نهى عليه السلام أن يتمشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله عند أبي داود.
الموارد: جمع مورد، وهو مفعل من الورود، أي: الحضور، قاله الجوهري، ورد فلان، ويردوا حضروا، وأورده غيره: أحضره، والموارد يقول: على طريق الماء، وعلى منهل الماء، والأول المراد في الحديث، على ما قاله جماعة من العلماء، والظاهر أن المراد هو الثاني؛ وذلك أن الحديث رواه ابن عباس كما مر، وفيه: أو في نقع الماء. وفي حديث سراقة: والماء. وفيها البيان لمجمل المورد؛ فوجب المصير إليه؛ ولأن الحديث يفسر بعضه بعضا، وإذا تقرر هذا فالذي يظهر تخصيصه بالماء الراكد لتقييد الإِطلاق بنقع الماء في حديث ابن عباس، ولأن ما كثر وجرى لا تأثير للأخبثين فيه.
وقارعة الطريق هي الجادة، واشتُقت من القرع، أي الضرب، فهي مقروعة بالقدم وغيره، وذلك من باب تسمية المفعول بالفاعل.
وفيه منع التخلي بظل الأشجار المثمرة صونا لسواقط الثمر عن التنجيس، والفقهاء يختلفون في المنع؛ فمنهم من يطرده في جميع الزمان، ومنهم من يخصه بزمن الثمار؛ لحديث ابن عمر مرفوعا: نهى أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة أو ضفة نهر جارٍ.
وفي معناه تحريم التخلي فيما ينفع من الأمكنة، كالبيداء والمربد، ويحتمل التعميم، وفي معنى الظل الشمس في الشتاء؛ فإنها تقصد لمنع البرد، كما أن الظل يقصده المسافر للقيلولة. يدل عليه ما رواه أبو خيثمة، عن أبي قطن، قلت لشعبة: لِمَ لمْ ترو عن فلان؟ قال: رأيته يخرى في الشمس. فيحتمل ما قلناه أو على كشف عورته وقت ذاك.
والظل على ما حكاه ثعلب للشجرة وغيرها بالغداة، والفيء بالعشي، قال الشاعر:
فلا الظل في وقت الضحى نستطيعه
…
ولا الفيء من برد العشي نذوق
قال: وأخبرت عن أبي عبيدة، قال رؤبة بن العجاج: كلما كانت عليه الشمس فهو ظل. قال ابن سيده: وجمعه أظلال، وظلال، وظلول.
التباعد للبراز في الفضاء
67 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد.
خرجه الترمذي، وقال فيه: حسن صحيح، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه، عن علي بن حجر، نا إسماعيل بن جعفر، ثنا محمد بن عمرو. فذكره.
وفي الصحيحين عنه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: يا مغيرة خذ الإداوة، فأخذتها، فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته.
وذكر الدارقطني أن محمد بن عمرو رواه عنه، عن المغيرة: إسماعيل، وأسباط بن محمد، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وخالفهم عبدة بن سليمان، فقال: عن ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، والصحيح الأول.
وفي الأوسط، وذكره من حديث ابن سيرين، عن عمرو بن وهب عنه، لم يروه عن ابن سيرين إلا جرير بن حازم. تفرد به علي بن عبد المجيد المعنيّ.
68 -
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد، عن عمر بن المثنى، عن عطاء الخراساني، عن أنس قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتنحى لحاجته، ثم جاء فدعا بوضوء فتوضأ.
هذا الحديث فيه علل ثلاث:
الأولى: الجهالة بحال عمر بن المثنى؛ فإني لم أره في تاريخ البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا البستي، ولما ذكره ابن سرور، قال: سمع عطاء ببيت المقدس، روى
عنه عمر بن عبيد الطنافسي، والعلاء بن هلال الباهلي، روى له ابن ماجه، لم يزد على ذلك، وليس بكاف في معرفة حاله، وذكره أبو عروبة في الطبقة الثالثة من أهل الجزيرة، وبنحوه ذكره الشيخ جمال الدين ولم يزد.
الثانية: ضعف عطاء بن أبي مسلم عبد الله، ويقال: ميسرة، أبو أيوب الخراساني الأزدي البلخي الشامي، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح مولى المهلب، وإن كان مسلم خرّج حديثه في صحيحه فقد كذّبه سعيد بن المسيب.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم؛ فبطل الاحتجاج به.
الثالثة: انقطاع ما بينه وبين أنس بن مالك. نص على ذلك أبو زكريا يحيى بن معين، وأبو زرعة الرازي وغيرهما.
69 -
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، نا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن يونس بن خباب، عن يعلى بن مرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد.
هذا حديث معلل بثلاثة أشياء:
الأول: ضعف يعقوب بن حميد المدني، قال فيه أبو حاتم: ضعيف.
وسئل عنه أبو زرعة فحرك رأسه، فقيل: صدوق؟ فقال: لهذا شروط. وقال مرة أخرى: قلبي لا يسكن إليه. وقال العنبري: يوصل الحديث. وقال يحيى والنسائي: ليس بشيء.
الثاني: يونس بن خباب أبو حمزة، ويقال: أبو الجهم، كوفي، قال يحيى بن سعيد فيه: ما تعجبنا الرواية عنه، كان كذابا.
وقال أحمد: كان عبد الرحمن لا يحدّث عنه.
وقال ابن معين: هو لا شيء، رجل سوء.
وقال مرة أخرى: ضعيف، وكذلك قاله النسائي والفسوي في تاريخه.
وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث
ليس بالقوي. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه.
وقال الدارقطني: كان رجل سوء، فيه شيعية مفرطة، كان يسب عثمان. وقال عبّاد بن العوام: سمعته يحدث بحديث القبر، وزاد فيه: وسئل عن علي، قال: فقلت له: لم نسمع بهذا، قال: أنت من هؤلاء الذين يحبون عثمان الذي قتل ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت له: قتل واحدة، فلم زوَّجه الأخرى؟
وقال أبو داود: كان له رأي سوء في حديث القبر، وعلى رأي شتام لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود: وحدثني من سمعه قال: لا أحدث عنه حتى أتوسد يميني.
قال أبو داود: وقد رأيت أحاديث شعبة عنه مستقيمة وليست الرافضة كذلك.
وقال العجلي: كوفي شيعي خبيث.
الثالث: انقطاع ما بينه وبين يعلى، فإن جميع من نظر في كلامه لما ذكر ابن أبي خيثمة لم يذكر في أشياخه صحابيا كبيرا ولا صغيرا، إنّما ذكر في أشياخه التابعين: كمجاهد، وطاوس، وغيرهما، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق ليس فيها إلا علّة واحدة، وعلى قول بعضهم تكون صحيحة لا علة فيها.
وهي مذكورة في كتاب البغوي عن داود بن رشيد، ثنا إسماعيل بن عياش، حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرّة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الخلاء استبعد وتوارى ورواه ابن قانع، عن إبراهيم البلدي، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا إسماعيل به.
ورواه الخطابي في كتاب الغريب، عن محمد بن العباس المكتب، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، ثنا هارون بن إسحاق الهمداني، ثنا مطلب بن زياد، عن عمر بن عبد الله، عن حكيمة، امرأة يعلى، عن يعلى، ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه انطلق للبراز، فقال لرجل معه: سر إلى هاتين الأشاءتين، فقل لهما حتى يجتمعا، فاجتمعا، فقضى حاجته، وسعيد حديثه في الصحيح.
وفي كتاب الاستيعاب: يعلى بن مرة بن وهب بن جابر الثقفي، ويقال: العامري، واسم أمه سيابة، فربما نسب إليها، فقيل: يعلى بن سيابة، ويكنى أبا المرازم، كوفي. وقيل: إن له دارا بالبصرة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وخيبر، والفتح، وحنينا، والطائف. كذا ذكر نسبه، وغالبا إنما يذكر النسب من كتاب المذيل للطبري، وعندي نسخته التي عليها مواضع بخطه، وليست على ما ذكر، إنما هو يعلى بن مرة بن عتاب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، والنسب الذي ذكره أبو عمر، وذكره ابن سعد، وابن بنت منيع، وأبو أحمد العسكري، وابن قانع، وفي جمع أبي عمر بين ابن سيابة وابن مرة نظر، وإن كان ابن سعد قد ذكر ذلك، وقال: هي أمه أو جدّته، فقد أنكر ذلك ابن حبان في قوله: يعلى بن مرّة الثقفي العامري كنيته أبو المرازم، ومن قال: إنه يعلى بن سيابة، فقد وهم، وكذا فرّق بينهما العسكري وابن أبي حاتم الرازي وخليفة، وذكر نسب كلّ واحد منهما على خلاف ما ذكره الآخر.
فأما ابن مرّة فذكره كما تقدّم، وأما ابن سيابة، فقال: سيابة بن عثمان بن جزي بن ربيعة بن سعد بن أبي عتبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس، وهو ثقفي، ثم أعاد ذكر ابن مرة في ساكن البصرة كما تقدّم وحده.
والطبراني في الكبير فرق بينهما، بين ابن مرة العامري، وابن مرة الثقفي، وابن أمية، وابن سيابة. وعلى قول أبي القاسم الاعتماد؛ لأن ثقيفا لا تجتمع مع عامر بحال إلا بحلف أو نزول أو غير ذلك.
وأما الترمذي فإنه لم يذكر في تاريخه غير ابن مرة الثقفي، وكذا يعقوب الفسوي.
70 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار، قالا: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن أبي جعفر الخطمي، واسمه عمير بن يزيد، عن عمارة بن خزيمة،
والحارث بن فضيل، عن عبد الرحمن بن أبي قراد، قال: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته، فأبعد.
هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه عن بندار، ثنا يحيى بن سعيد به.
ولفظ النسائي: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا أراد الحاجة أبعد.
ولما رواه البزار عن عمرو بن علي، ثنا يحيى به، قال: لا نعلم روى عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، وقد زاد فيه غير يحيى كلاما، وكذا قاله ابن بنت منيع في معجمه، وخالف ذلك أبو عمر بن عبد البر، فقال: له حديث آخر في الوضوء، وله أحاديث، يعد في أهل الحجاز.
وأما ما ذكره ابن قانع من أنَّ عمارة روى هذا الحديث عن الحارث عن عبد الرحمن، فيشبه أن يكون وهما، ولعلّه من الناسخ، ولفظه: فرأيته خرج من الخلاء، فاتبعته بإداوة، وجلست له على الطريق، وكان إذا أتى الحاجة أبعد.
71 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلام لا يأتي البراز حتى يتغيّب فلا يرى.
هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف راويه:
إسماعيل بن عبد الملك بن رفيع ابن أخي عبد العزيز أبو عبد الملك، وهو ابن أبي الصفير المكي، روى عنه الثوري، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، وعبد الواحد بن زياد.
قال القطان: تركته ثم كتبت عن سفيان عنه.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي
في الحديث، وليس حده الترك.
قال ابنه: يكون مثل أشعث بن سوار في الضعف؟ قال: نعم. وقال ابن معين والنسائي: ليس بالقوي. وقال البخاري: يكتب حديثه.
وقال ابن حبان: يقلب ما روى.
وقال ابن مهدي: اضرب على حديثه.
وذكر ابن عدي حديثه هذا فيما أنكر عليه، ثم قال: وهو ممن يكتب حديثه.
وقال الآجري: سألت عنه أبا داود، فقال: ضعيف، وفي موضع آخر: ليس بذاك.
وسيأتي ما للناس في حديث أبي الزبير، عن جابر من الضعف وغير ذلك عن قريب، إن شاء الله تعالى.
وأمّا قول الحاكم إثر حديث المغيرة المتقدّم: شاهده حديث إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير، فالشواهد لا يلتزم فيها الصحة من كلّ وجه.
72 -
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عبد الله بن كثير بن جعفر، ثنا كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جدّه، عن بلال بن الحارث المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد.
زاد العسكري: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فخرج لحاجته، وكان إذا خرج يبعد.
ورواه في الأفراد مطولا، فذكر الشجرتين اللتين سترتاه عليه السلام. وقال: غريب من حديث جابر، تفرد به إسماعيل عنه.
.
وقال في العلل الكبير: سألت محمدا عن هذا الحديث - يعني المذكور في العيد - من رواية عمرو؟ فقال: صحيح، وعن حديث كثير عنه أيضا، فقال: هو أصح شيء في الباب. وبه أقول، وذكر له حديثا آخر: في الجمعة ساعة. وقال فيه: حديث غريب. وحديث فيه: الصلح جائز بين المسلمين. وقال فيه: حسن صحيح. وحديث فيه: من أحيا سنتي قال فيه: حسن. فأين الإِجماع مع مخالفة أبي عبد الله وأبي عيسى؟
وأَما أبوه عبد الله فتفرد عنه بالرواية ابنه كثير، فيما ذكره البخاري وأبو حاتم والبستي في كتاب الثقات.
ومقدار إبعاده عليه السلام غير مبين فيما مضى من الأحاديث، وفي الباب غير ما حديث.
من ذلك: حديث زياد بن سعد، عن أبي الزبير، حدثني يونس بن خباب الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم وإنه معه مسافرين إلى مكة، إذا خرج إلى الغائط أبعد حتى لا يراه أحد، قال: فبصر بشجرتين
متباعدتين فقال: يا ابن مسعود اذهب إليهما فقل لهما: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا، فيتوارى بكما .. الحديث.
قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن زياد إلا زمعة بن صالح، تفرد به أبو قرّة.
وقد جاء مقدار ذلك البعد مصرحا به في حديث عبد الله بن عمر، ذكره الطبري في تهذيب الآثار، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى حاجته إلى المغمس. قال نافع عن ابن عمر: نحو ميلين من مكة. وفي مسند السراج: أو ثلاثة. وحديث ابن عمر هذا ويعلى وأنس بن مالك مستدرك ذكرهم على الترمذي في قوله: وفي الباب عن أبي قتادة وعبد الرحمن بن أبي قراد، ويحيى بن عبيد عن أبيه، وأبي موسى، وابن عباس، وبلال بن الحارث، وجابر.
وفيه دليل على الإبعاد إذا كان في براح من الأرض، ويدخل في معناه ضرب الحجب وإرخاء الستور وأعماق الآبار والحفائر، ونحو ذلك من الأمور الساترة للعورات.
وذلك من آداب التخلي، وكذلك لا يرتفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، والالتفات يمنة وشأمة، وتغطية الرأس وترك الكلام، والاستنجاء باليسار، وغسل اليد بعد الفراغ بالتراب، والاستجمار بثلاث، وأن يجتنب الروثَ والرمة، وأن لا يتوضأ في المغتسل، ونزع الخاتم إذا كان فيه اسم الله تعالى وما في معناه، وارتياد الموضع الدمث، وأن لا يستقبل الشمس والقمر والقبلة، ولا يستدبرها في البيوت، وأن لا يبول قائما، ولا في طريق الناس وظلّهم، والماء الراكد، ومساقط الثمار، وضفة الأنهار، وأن يتكئ على رجله اليسرى، ويتنحنح، وينثر ذكره ثلاثا.
قال الخطابي: البراز بفتح الباء: اسم للفضاء الواسع من الأرض، كَنَوا به عن
حاجة الإنسان، كما كنوا بالخلاء عنه، يقال: تبرز الرجل، إذا تغوط، وهو أن يخرج إلى البراز، كما يقال: تخلى، إذا صار إلى الخلاء.
وأكثر الرواة يقولون: البراز بكسر الباء، وهو غلط، وإنما البراز مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازا. انتهى.
وما أنكره غير منكر، ولا مردود، لذكره في كتاب الصحاح وغيره من كتب اللغة، والله أعلم.
الارتياد للغائط والبول
73 -
حدّثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الملك بن الصباح، ثنا ثور بن يزيد، عن حصين الحميري، عن أبي سعد الخير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من استجمر فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن تخلل فليلفظ، ومن لاك فليبتلع، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أتى الخلاء فليستتر، فإن لم يجد إلا كثيب رملٍ فليمدده عليه، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج عليه.
74 -
حدّثنا عبد الرحمن بن عمر، ثنا عبد الملك بن الصباح بإسناده نحوه، وزاد فيه: من اكتحل فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج عليه.
هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه، عن محمد بن عبد الله بن عبد السلام (مكحول) قال: ثنا سليمان بن سيف، نا أبو عاصم، ثنا ثور به.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير، عن أبي عاصم مختصرا، والإِمام أحمد في مسنده، وقال: كان من أصحاب عمر بن الخطاب.
ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي عامر الخزاز عن عطاء عنه مختصرا، وقال: لم يروه عن أبي عامر إلَّا روح بن عبادة.
تفرد به إبراهيم بن بسطام، وخرجه من حديث ابن شهاب، قال: سمعت أبا إدريس يخبر عن أبي هريرة مختصرا.
ورواه أيضا من جهة الأوزاعي، عن عثمان بن
أبي سودة، عن أبي سعد الخير. وقال: لم يروه مرفوعا عن الأوزاعي إلَّا الهقل. تفرد به عمرو بن هاشم، وأبى ذلك أبو عمر بن عبد البر، وقال: ليس إسناده بالقائم، فيه مجهولان، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر البيهقي، وأبو محمد الإشبيلي، ويشبه أن يكون قول أبي حاتم أقرب إلى الصواب؛ وذلك أن العلّة عند من ضعفه إنّما هي الجهل بحال حصين وأبي سعد.
أما حصين فهو أبو سعيد حصين بن عبد الله الحبرانِي، ويقال: الحميري، ونسبه بعضهم: الحمراني، ولعلّه تصحيف الحبراني، وحبران قبيل من حمير، وحمران ليست منهم بحال. ذكره البستي في كتاب الثقات.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: شيخ.
وقال أبو زرعة الدمشقي: شيخ معروف.
وقال يعقوب: لا أعلم إلَّا خيرا، وهو مما اسْتُدْرِكَ على ابن عساكر في التاريخ الكبير، فإنه كان حمصيا.
وأما أبو سعد فاختلف فيه، فقال جماعة: أبو سعد، كما تقدّم. وقال بعضهم: أبو سعيد، قال الدارقطني في العلل: والصواب الأول.
وقد اختلف في صحبته، فممن ذكره في الصحابة أبو داود، قال لما خرج حديثه هذا في رواية ابن داسة: أبو سعد الخير هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عمر: أبو سعيد الخير، ويقال: أبو سعد الخير الأنماري، له صحبة، قيل: اسمه عامر بن سعد. وقيل: عمرو بن سعد، سكن الشام، له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث يسيرة.
وأمّا العسكري فزعم أن الصحابي المكنى أبا سعد الأنماري المسمى بهذين الاسمين، هو المكنى أيضا أبا البشر، فالله أعلم.
وبنحو ما ذكره أبو عمر ذكره يعقوب وابن بنت منيع وغيره.
وأما ابن أبي حاتم فذكره في كتابه، سألت أبا زرعة عنه، فقال: لا
أعرفه، فقلت: لقي أبا هريرة؟ قال: على هذا يوضع، وذلك ليس بمؤثر في عدم المعرفة بحاله، على تقدير أن يكون تابعيا؛ لأن ابن حبان البستي عرفها؛ فلذلك أدخله في كتاب الثقات، وإن كان صحابيا كما تقدم فلا نظر في حاله.
وقول أحمد: كان من أصحاب عمر - لا ينافي صحبته؛ لأن الصحابة كلهم من أصحابه، وإن كان العرف يقضي على ذلك؛ فظهر بمجموع ما أسلفناه ترجيح قول من صحح الحديث على قول من ضعفه؛ لأن من علم حجة على من لم يعلم، ومن أثبت حجة على من نَفَى.
وفي رواية الطحاوي تصريح بسماع ثور من حصين، وحصين من أبي سعد.
وزعم بعض العلماء أنه لا يعرف اسمه، وليس كما زعم لما تقدّم. وزاد بعض مشائخنا زيادة، ولا أعلم له فيه سلفا.
75 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرّة، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد أن يقضي حاجته، فقال: ائت تلك الأشاءتين - قال وكيع: يعني النخل الصغار - فقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا، فاجتمعا، فاستتر بهما، فقضى حاجته، ثم قال لي: ائتهما فقل لهما: لترجع كل واحدة منكما إلى مكانها، فقلت لهما، فرجعتا.
هذا حديث إسناده صحيح، واختلف على وكيع فيه، فتارة رواه كما تقدّم، وتارة عن يعلى من غير ذكر ابنه، ذكره عنه ابن أبي شيبة في مسنده، وهو الصحيح، والأول وهم، نص على ذلك البخاري وابن عساكر. انتهى.
وقد وجدت متابعا لوكيع على رواية بعضهم، وهو محاضر بن المورع فيما ذكره البغوي عن هارون بن عبد الله عنه، ورواه أحمد بن منيع في مسنده من غير طريق وكيع بزيادات يستفاد منها في أعلام النبوة، عن حسين بن محمد، ثنا المسعودي، عن يونس بن خباب، عن ابن
يعلى بن مرّة، عن يعلى بن مرّة أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا لم يشهده غيري، نزلت معه في سفر فقال لي: يا يعلى بن مرّة، هل ترى شيئًا يواريني؟ وأراد الحاجة، فقلت: والله يا رسول الله ما أرى شيئا يواريك إلا شجرتين، لعلهما إن اجتمعتا توارياك، قال: فقل لهما فليجتمعا بإذن الله تعالى، فأتت إحداهما إلى الأخرى، فلما قضى حاجته قال: قل لهما: فلترجع كل واحدة منهما إلى مكانها.
ثم إن امرأة عرضت له بابن لها، فقالت: يا رسول الله هذا ابني قد أصابه لمم، فتفل عليه السلام في فيه، ثم قال: باسم الله، محمد رسول الله، اخسأ عدو الله، فلما رجعنا من سفرنا إذا هي تهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخبره أنه لم يصبه شيء منذ فارقها، فلما أتينا المدينة إذا بعير قد وضع جرانه مهملات عينيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه يخبرني أنه نضح على أهله كذا وكذا، ثم أرادوا أن ينحروه، فالتمسوا صاحبه، فلما جاء صاحبه قال: بعني بعيرك هذا؟ قال: هو لك، قال: فاجعله في إبلك، وأحسن إليه. وروى بعضه الحاكم في مستدركه.
76 -
حدثنا محمد بن يحيى، نا أبو النعمان، ثنا مهدي بن ميمون، ثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر قال: كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل.
هذا حديث صحيح خرجه مسلم بن حجاج في صحيحه، عن شيبان، وعن عبد الله بن محمد بن أسماء، قالا: ثنا مهدي، بلفظ: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأسرّ إلي حديثا لا أحدثه أحدا من الناس .. الحديث.
77 -
حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد، ثنا حفص بن عبد الله، حدّثني إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن ذكوان، عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعب، فبال حتى إني لآوى له من فكِّ وركيه حين بال.
.
وأمّا محمد بن ذكوان البطاحي الأزدي الجهضمي مولاهم، فهو خال ولد حماد بن زيد، ذكره البخاري في التاريخ الأوسط، فقال: هو منكر الحديث. وكذلك قاله أبو حاتم الرازي والنسائي.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال ابن حبان: سقط الاحتجاج به.
الاستجمار هنا عبارة عن تنح الخارج المعتاد من السبيلين بالأحجار، واشتق من الجمار، وهي الأحجار الصغار لرمي الجمار في الحج.
وسئل ابن عيينة عن معنى هذا، فسكت، فقيل له: أترضى بما قال مالك؟ قال: وما قال مالك؟ قال: الاستجمار الاستطابة، فقال ابن عيينة: مثلي ومثل مالك كما قال الأول:
وابن اللبُون إذا ما لز في قرن
…
لم يستطع صولة البزْلِ القَناعيس
كذا حكاه الدارقطني والخطابي وابن خزيمة في صحيحه، زاد عن ابن وهب: الاستجمار: وهو الاستطابة بالأحجار، وفيه ردّ لقول من قال: إنّ مالكا رحمه الله حمل الاستنجاء هنا على استعمال البخور، مشتقا ذلك من التجمير وهو التبخير، وليس بشيء؛ لأنّ الحديث إنما سِيق في الاستطابة لا في التبخير، ولئن صح ذلك عن مالك فقد سبقه أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وبمثل ما
قاله مالك أولا قاله أصحاب اللغة بأسرهم فيما أعلم.
وزعم الزمخشري أنّ ذلك حقيقة فيهما، والله أعلم.
قوله: (فليلفظ)، معناه: فليقذف، ومضارعه مكسور الفاء، قال الجوهري: وذلك الشيء لفاظة، وفي الجامع: كل ما تركته من يدك فقد لفظته، فهو لفاظ ولفيظ وملفوظ، واسم ذلك الشيء الملفوظ اللفظ، ولا يقال: لفظته، بكسر الفاء.
قوله: (ما لاك)، يعني: أداره، يقال: لاك الشيء له يلوكه لوكا؛ إذا أداره في فيه، ولاك الفرس اللجام، يلوكه لوكا، إذا أداره في فيه، وكلّ شيء مضغته فقد لكته لوكا، وفلان يلوك أعراض الناس، إذا كان يقع فيهم. قاله القزاز. والجوهري بنحوه.
وأمّا الشيطان فذكر ابن الأنباري في اشتقاقه قولين:
الأوّل: لتباعده من الخير؛ أخذا من قول العرب: دار شطون ونوى شطون، أي: بعيدة، قال نابغة بني ظبيان:
فأضحت بعدما وصلت بدار
…
شطون لا تعاد ولا تعود
الثاني: لغيه وهلاكه، أخذا من قولهم: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك. قال الأعشى:
قد نطعن العير في مكنون فائله
…
وقد يشيط على أرماحنا البطل
أراد قد يهلك على أرماحنا، وقال في موضع آخر: وقولهم: فلان شيطان من الشياطين، قال: معناه قوي نشيط مرح، قال جرير:
أيام يدعونني الشيطان من غزلي
…
وهن يَهْوَيْنَنَي إذ كنت شيطانًا
وعاب الزجاج على أبي بكر قوله هذا، وأنكر عليه كونه لم يذكر مم اشتقاقه، وما درى أنه ذكر اشتقاقه أولا، كما تقدم، فاستغنى عن إعادته.
ثانيًا: وأغفلا من اشتقاقه ما ذكره نطفويه: هو من الشطن: وهو الحبل الطويل المضطرب، وما ذكره القزاز: هو فعلان من شيطه بالنار، إذا أحرقه بها، قال
الجوهري نونه أصلية، قال أمية بن أبي الصلت:
أيما شاطن عصاه عكاه
…
ثم يلقى في السجن والأغلال
ويقال أيضًا: إنها زائدة، فإن جعلته فيعالا من قولهم تشيطن الرجل، صرفته، وإن جعلته من شيط لم تصرفه، لأنه فعلان، وفي الكامل: وزعم أهل اللغة أن كل متمرد من جن، وإنس، أو سبع، أو حية يقال له: شيطان، وأن قولهم: تشيطن إنما معناه تخبث، وتنكر، قال الراجز:
أبصرتها تلتهم الثعبانا
…
شيطانة تزوجت شيطانا
وقوله: (ولا حرج): يعني فلا إثم، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} ويقال: معناه: الضيق، قال تعالى:{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} ، ويقال: معناه: الشك، وهذا ليس مرادًا في الحديث، وهو بالفتح والكسر وتسكين الراء أيضًا، قال الخطابي: معناه التخيير بين الماء الذي هو الأصل في الطهارة، وبين الأحجار التي هي للترخيص والترفه، يريد أن الاستجمار ليس بعزيمة، لا يجوز تركها إلى غيره، لكنه إن استنجى بالحجارة فليجعله وترًا، وإلا فلا حرج إن تركه إلى غيره، وليس معناه رفع الحرج في ترك التعبد أصلًا، بدليل حديث سلمان: نهانا أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، هكذا قاله، وهو غير ظاهر؛ لأن قوله: من استجمر فليوتر، ومَنْ لا فلا حرج إنما يريد الإيتار في الاستجمار وعدمه، لا ذكر للاستنجاء بالماء فيه، على هذا أوله الطحاوي وغيره.
قال الطحاوي: في الحديث دلالة على أنه عليه السلام قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار، وأيضًا فقد اكتفى عليه السلام بحجرين لما ألقى الروثة، لأنه لو كان لا يجزئ بما دون الثلاث لما اكتفى بالحجرين، ولأمر عبد الله أن يبغيه ثالثًا، ففي تركه ذلك دليل على اكتفائه بالحجرين انتهى. وفيه نظر من وجهين:
الأول: قوله دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد للغائط في موضع ليس فيه
أحجار، وذلك منطوق به فلا حاجة إلى أن يقال فيه: يدل، ذكر ذلك البخاري في صحيحه بقوله: فالتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة، فهذا ابن مسعود صاحب القصة بين أنه لم يجد في مكانه ذاك حجرًا لعلته.
الثاني: في قوله: ولأمر عبد الله أن يبغيه ثالثًا إلى آخره ذهول عما في الحديث عند أبي الحسن بإسناد حسن: وألقى الروثة، وقال: إنها رجس، ائتني بغيرها، وفي مسند أحمد: ائتني بحجر.
وفي الحديث جواز الاكتحال، واستحباب الإيتار فيه، واختلفوا في الكيفية على وجهين: فقيل بالإيتار في كل عين أخذًا بحديث ابن عباس من عند الترمذي كانت له عليه السلام مكحلة يكتحل منها في كل ليلة، ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه، وقيل به في المجموع بأن يشفع في الواحدة، ويوتر في الأخرى، وقد رُوي في ذلك حديث عن أنس، ذكره البغوي في شرح السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثًا، وفي اليسرى ثنتين، أما الأشاء، فواحدها أشاءة. أنشد القزاز:
لاث به الأشاء والعُبريُّ
…
..
وقال الأجدائي: يقال للنخلة حين تفصل من أمها: جثيثة، وثبيلة، وَوَدْيَة، فإذا انتشرت فهي فسيلة، ثم أشاءة، ثم جعلة، ثم ملم، ثم طريق إذا نالت اليد أعلاها، فإذا ارتفعت عن الأيدي فهي جبارة، ثم رَقْلَةٌ، ثم سحوق، وذكر العسكري في كتاب التلخيص أنها التي لا تحمل، وقيل: هي التي تنبت من غراس، ويقال له بالفارسية: خدور، وقال أبو حنيفة: هي من شواب النخل وصغاره حين نهضت، والجمع: أشاءات، وأشاء. وفي الصحاح: الأشآء بالفتح والمد الواحدة أشآة، والهمزة فيه منقلبة من الياء؛ لأن تصغيرها أُشَيٌّ، قال الشاعر:
وحبذا حين تمسي الريح باردة
…
وادي أشي وقيان به هضم
يا ليت شعري عن جنبي مُلَسحَة
…
وحيث تنبني من الحباة الألم
عن الأشاءة هل زالت مخارمها
…
وهل تغيّر من آرامها أرم
ولو كانت الهمزة أصلية لقال: أشيء.
والهدف: القطعة من الجبل أو الحائط، والجمع: أهداف، وهو أيضا حبل مشرف من الرمل، ذكر ذلك القزاز.
وفي الصحاح: وهو كلّ شيء مرتفع. وفي الغريب المصنف، عن الأصمعي تقييده بالعظيم.
والحائش: جماعة النخل، لا واحد له، كما قالوا لجماعة البقر: ربرب، قال الأخطل:
وكأن ظعن الحي حائش قرية
…
دان جناه وطيب الأثمار
وأصل الحائش: المجتمع من الشَّجر نخلا كان أو غيره، يقال: حائش الطرفاء. ذكره أبو نصر بن حماد.
وفي كتاب الهروي: هو جماعة النخل، ومثله الصور، والحَشّ والحُشّ والحُشَّة. وفي الغريب لأبي عبيد: وكذلك الغابة والأجمة والغيطل والأيكة والرعل والفيل والغريف والشعراء والدارة والأباة والخيس والأشب.
والشِّعْب بالكسر: الطريق في الجبل، والجمع الشعاب. قاله الجوهري، وفي الجامع: ما انفرج بين الجبلين.
ومعنى آوى: أرق وأرثى له، يقال: أويت لفلان وأنا آوي له، أوية وأية، بقلب الواو بالكسرة ما قبلها، وتدغم، ومأوية ومأواة. من كتاب الصحاح.
قال الشاعر:
ولو أنني استأويته ما أوى ليا
…
.
النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده
78 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الله بن رجاء، أنبأ عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتناجى اثنان على غائطهما، ينظر كلّ واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله تعالى يمقت على ذلك.
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا سلم بن إبراهيم الوراق، ثنا عكرمة، عن يحيى، عن عياض بن هلال، قال محمد بن يحيى: وهو الصواب.
ثنا محمد بن حميد، ثنا علي بن أبي بكر، عن سفيان الثوري، عن عكرمة بن عمار، عن يحيى عن عياض بن عبد الله نحوه.
هذا حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ فممّن ضعَّفه أبو داود رحمه الله فإنه قال: لم يسنده إلا عكرمة. وفي كتاب ابن داسة عنه: هو من حديث المدنيين. وفي كتاب ابن العبد عنه: هو مرسل عندهم. وفي كتاب ابن الأعرابي، وأبي عمرو، وأحمد بن علي البصري عنه: وعكرمة في يحيى ليس بذاك. نا أبو سلمة، ثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث عكرمة عنه. انتهى.
وفي قوله: وهو من حديث المدنيين نظر؛ لأنه من مفردات أهل اليمامة، كذا ذكره غير واحد، منهم ابن عقدة في كتاب المفردات من تأليفه، وقال عبد الحق نحوه، زاد: وقد اضطرب فيه. .
كذا رواه عن يحيى أبان بن يزيد - يعني كما رواه عكرمة - وروته جماعة عن يحيى فقالت: عن عياض بن هلال. كذا رواه عن هشام الدستوائي، وعلي بن المبارك، وحرب بن شدّاد، كلّهم عكس ما قال
عكرمة وأبان، فقالوا: عياض بن هلال. انتهى كلامه.
ورواه ابن مهدي عند أبي نعيم في الحلية عن يحيى، أخبرني هلال بن أبي عياض، كذا في أصل سماعنا.
قال ابن القطان: ورواه الأوزاعي عن يحيى فقال: ثنا عياض بن أبي زهير، وهذا كلّه اضطراب، ولكنه على يحيى، لا على عكرمة، فيحتمل أن يكون ذلك من يحيى نفسه، ويحتمل أن يكون من أصحابه، فقول أبي محمد: لم يسنده إلَّا عكرمة، وقد اضطرب فيه، ينبغي أن يكون ضبط: اضْطُّرِبَ مَبْنِيًّا لما لم يسم فاعله، فإنّه إن أسند الفعل إلى عكرمة كان خطأ، ويحيى أحد الأئمة، ولكن هذا الرجل الذي أخذ عنه هذا الحديث هو من لا يعرف، ولا تحصل من أمره شيء، وهكذا هو عند مصنفي الرواة، لم يعرفوا من أمره بزيادة على هذا.
وللحديث مع ذلك علّة أخرى؛ وهي اضطراب متنه، وبيان ذلك هو أنّ ابن مهدي رواه عن عكرمة فقال ما تقدّم من جعل المقت على التكشف والتحدّث في حال قضاء الحاجة.
ورواه بعضهم فجعل المقت على التحدّث كذلك فقط.
ورواه بعضهم فجعل المقت على التكشف والنظر، لم يذكر التحدّث، وهذا قد كان يتكلّف جمعه لو كان راويه معتمدا، واضطرابه دليل سوء حال راويه، وقلة تحصيله، فكيف وهو من لا يعرف؟!
والآن قد بلغنا الغرض المقصود، وهو أنّ للحديث طريقا جيدا غير هذا.
قال أبو علي بن السكن: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، ثنا مسكين بن بكير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تغوط الرجلان فليتوار كلّ منهما عن صاحبه، ولا يتحدّثا على طوقهما، فإن الله يمقت على ذلك.
قال ابن السكن: رواه عكرمة، عن يحيى، عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد الخدري، وأرجو أن يكونا صحيحين. انتهى.
وليس فيه تصحيح حديث أبي سعيد الذي فرغنا من تعليله، وإنّما يعني أن القولين
عن يحيى صحيحان، وصدق في ذلك، صحّ عن يحيى أنّه قال: عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر، وأنه قال: عن عياض، أو عن هلال عن أبي سعيد، ولم يقض على حديث أبي سعيد بالصحة أصلا، ولو فعل كان مخطئا، فإن الأمر فيه على ما بينا.
فأمّا حديث جابر هذا فصحيح،.
،، وسائر من في الإِسناد لا يسأل عنه، وعن يحيى في هذا المعنى غير هذا مما ذكره الدارقطني في علله، إلَّا أنه لم يوصل به إليه الأسانيد، انتهى ما ذكره.
وفيه نظر من وجوه:
قال ابن أبي حاتم: وعياض بن هلال أشبه.
ورجّحه البخاري في الكبير، ومسلم بن الحجاج في الوحدان، والدارقطني، وذكره البخاري في شواهده، وصحّ فيه الحديث.
وفي مسلم معناه: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل.
ولما ذكر الترمذي في جامعه حديث إذا لم يدر أحدكم كم صلى من رواية عياض هذا، عن أبي سعيد، قال فيه: حسن.
ولما خرج ابن خزيمة هذا الحديث في صحيحه، عن أبي موسى، ثنا ابن مهدي، ثنا عكرمة، عن يحيى، عن هلال بن عياض، حدثني أبو سعيد، فذكره، أتبعه قول: ثنا محمد بن يحيى، ثنا سلم بن إبراهيم، يعني
الوراق، ثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى عن عياض بهذا الإِسناد نحوه، قال: وهذا هو الصحيح، هذا الشيخ هو عياض بن هلال، روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث، وأحسب الوهم من عكرمة حين قال: عن هلال.
ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، ثنا محمد بن أبي بكر المقدسي، ثنا إسماعيل بن سنان، ثنا عكرمة، ثنا يحيى، عن عياض بن هلال. فذكره، ولفظه: لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدثان، يرى كل واحد منهما عورة صاحبه؛ فإن الله يمقت على ذلك.
والثاني:.
الثالث: في تصحيحه هذا الحديث نظر، وذلك أن الدارقطني الذي نقل أبو الحسن كلامه ذكر طريق مسكين هذه ولم يصححها، وزعم أن أشبه الأقوال بالصواب حديث عياض بن هلال، فعلى هذا لا يكتفى بجودة الطريق إذا ثبت عند الدارقطني تعليله، اللهم إلَّا لو لم تكن مذكورة عنده، كان يقال: إنه لم يرها، فأما عند الرواية فلا، والله أعلم.
الرابع: قد وجدنا لهذا الحديث طرقا جيّدة لا يطعن فيها، ذكرها أبو القاسم الطبراني في الأوسط، فقال: حدّثنا أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل المصري، ثنا جدي عبيد بن عقيل، ثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال عليه السلام: لا يخرج الرجلان .. الحديث. قال: لم يروه
عن عكرمة - يعني هكذا - إلا عبيد بن عقيل. انتهى.
عبيد هو: عبيد بن عقيل هذا روى عنه جماعة. وقال فيه أبو حاتم الرازي: صدوق. وقال يعقوب: لا أعلم إلا خيرا، وابن ابنه هو: محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل روى عنه جماعة أيضا، منهم النسائي، وقال: لا بأس به، ولم أر أحدا من الأئمة تعرض لتعليلها، والله أعلم.
الخامس: ضبطه اضطرب بضم الهمزة فغير صواب؛ لأنّ عكرمة نفسه اضطرب فيه كيحيى، لما تقدّم من كلام أبي داود وابن خزيمة وأبي القاسم، رحمهم الله تعالى.
السادس: عيبه على أبي محمد قوله: لم يسنده إلا عكرمة - فليس بشيء؛ لأنّ عبد الحق خرّج الحديث من عند أبي داود، وهو قائل ذاك كما تقدّم، فهو في ذلك مقلّد لأبي داود، فإن كان عيبا فلأبي داود لا له.
السابع: هو دائبًا يعيب على الإشبيلي إبعاده النجعة، وهنا استعملها؛ لأنّ الحديث عند أبي الحسن في كتاب العلل كما قدمناه، فَذِكْرُهُ من عند ابن السكن إبعادٌ للنجعة، وإن كان سابقه، ولعل قائلًا يقول: إنما ذكره من عنده لتصحيحه إياه، وليس كذلك؛ لأن أبا علي لم يصححه، إذ لو صححه لكان مصححًا حديث أبي سعيد، وابن القطّان أبى ذلك؛ ولهذا ذكر حال رجال إسناده، ويشبه أن يكون عذره في ذلك كون الدارقطني ذكره منقطعًا بلا إسناد موصل إليه، ومع ذلك فلا عذر له في تركه كلام الدارقطني، مع روايته له، والله أعلم.
وقد ذكره أيضًا الإِسماعيلي من حديث يحيى بن أبي كثير، ذكرنا ذلك استظهارًا، ولا نطالبه به.
وفي قول أبي داود: وهو مرسل إشعار بأن وصله غير صواب عنده، وإلّا فالطريق المذكور عنده لا خلاف في رفعها ووصلها.
وأمّا قوله: إنّ عكرمة في يحيى ليس بذاك - فقد خالفه في ذلك الإمام أبو الحسين، حيث خرج له عنه في صحيحه حديثا محتجا به. واستشهد البَخاري بحديثه عنه أيضًا في صحيحه.
وأما قول من قال: عياض بن عبد الله، وفي تاريخ البخاري: عياض بن أبي زهير - فيشبه أن يكون نسيانا؛ لما رواه عن يحيى، نسي اسم أبيه فسمّاه عبد الله، والخلق كلهم عبيد الله.
وقول الأوزاعي: ابن أبي زهير - يحتمل أن يكون كنية أبيه.
وبهذا وبما أسلفناه تجتمع الأقوال وينتهي مذهب التهاتر والاختلال.
النهي عن البول في الماء الراكد
79 -
حدثنا محمد بن رمح، أنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يبال في الماء الراكد.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه من حديث الليث، وكان لا يقبل من حديث أبي الزبير إلَّا ما كان مسموعا له، فيما ذكره ابن القطان عنه، وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث سفيان عنه، أنا جابر به. ورواه أبو نعيم من حديث عباد بن كثير، عن أبي الزبير بلفظ: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد الدائم ثم يتوضأ منه.
80 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد.
هذا حديث اجتمع على تخريج أصله الأئمة الستة من حديث أبي هريرة، وحديث الباب أخرجه ابن حبان في صحيحه، ورواه أبو داود، عن مسدد، ثنا يحيى، عن محمد بن عجلان، فخالف أبا خالد في لفظه، وصرح بسماعه من أبيه، وسماع أبيه من أبي هريرة، ولفظه: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة. وفي لفظ للبخاري: ثم يتوضأ منه. وفي لفظ: نهى أو نُهي أن يبول الرجل في الماء الدائم أو الراكد، ثم يتوضأ منه، أو يغتسل منه. وفي رواية: أو يشرب منه.
وأعاد ابن ماجه ذكره في باب الجنب ينغمس في الماء الدائم أيجزئه؟ بلفظ: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم.
81 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن المبارك، ثنا يحيى بن حمزة، نا ابن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الناقع.
هذا حديث ضعيف الإِسناد برواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن سوادة، ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: كيسان أبو سليمان القرشي البلوي، ضعيف ذاهب الحديث، سيأتي ذكره في باب الوضوء من مس الذكر، إن شاء الله تعالى.
وأما قول أبي القاسم في الأوسط: لم يروه عن ابن أبي فروة إلا عبد السلام بن حرب، تفرد به سليمان الشاذكوني فغير صحيح لما تقدم.
الماء الراكد: هو الدائم الذي لا يجري، يقال: ركد الماء ركودًا، وركدت الريح سكنت، وركد الميزان إذا استوى، والناقع: المجتمع في قراره. ذكره الهروي.
وبهذا يقول الحنفيون في تنجيس الماء الراكد، وإن كان أكثر من القلتين؛ لأن الصيغة صيغة عموم، والشافعيون يخصون هذا العموم، ويحملون النهي على ما دون القلتين، وقوله:(ثم تغتسل فيه) نهي عن شيئين، وذلك يكون تارة على الجمع، وتارة عن الجمع، فأما الأول فتقتضي المنع من كل واحدة منهما، وأما الثاني فمعناه المنع عن فعلهما معًا، وهذا الحديث من باب النهي عن الجمع، أي: لا يجمع بين البول في الماء والاغتسال فيه، ويؤيده رواية ابن عجلان: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه نهي عن الجمع، قال القرطبي: الرواية الصحيحة: تغتسلُ برفع اللام، ولا يجوز نصبها، وحكى الثوري فيه النصب والجزم أيضًا، قال ابن بطال: ولم يأخذ أحد من الفقهاء بظاهر هذا الحديث إلا داود بن علي، والله تعالى أعلم.
التشديد في البول
82 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده الدرقة فوضعها، ثم جلس فبال إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك، أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم، فعذب في قبره.
هذا حديث قال فيه الحاكم لما خرجه من حديث سفيان، وعبيد الله بن موسى، وزائدة، وعبد الواحد بن زياد، قالوا: حدثنا الأعمش بلفظ: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ومعه درقة .. الحديث.
هذا حديث صحيح الإِسناد، ومن شرط الشيخين إلى أن بلغ: تفرد زيد بن وهب بالرواية عن ابن حسنة، ولم يخرجا هذا اللفظ.
وفيما قاله نظر، بل هو على شرطهما، ولا نظر إلى تفرد زيد؛ لأنهما رويا عن جماعة لم يرو عن أحدهم إلَّا شخص واحد.
ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، ثنا أبو خيثمة، ثنا محمد بن خازم كحديث الباب، لا ذكر لعمرو فيه، وزيد المشار إليه هو ابن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقُبِض وهو في الطريق؛ فلذلك عُد من المخضرمين، وإن كان مسلم لم يذكره فيهم.
وزعم ابن منجويه أنه من همدان، وجمع الكلاباذي بين النسبين، ولا جمع، إلَّا أن يكون بحلف أو شبهِهِ.
قال ابن سعد: زيد جهني أحد بني حسل بن نصر ابن مالك بن عدي بن الطول بن عوف بن غطفان بن قيس بن جهينة من قضاعة.
وبنحوه ذكره الكلبي في الجامع وغيره، حديثه في الصحيحين، وعبد الرحمن بن حسنة، وهي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع بن الغطريف بن عبد العزى
ابن جثامة بن مالك بن ملازم بن مالك بن رُهم بن يشكر بن مبشر بن الغوث بن مُرّ، أخي تيم بن مر، ويقال: إنه من كندة، وهو أخو شرحبيل بن حسنة. كذا ذكره البخاري وأبو داود السجستاني في كتاب الإخوة، وأبو زرعة الدمشقي في كتاب الإخوة أيضًا، وأنكر ذلك ابن أبي خيثمة، وبعده العسكري.
وكانت أمه مولاة لمعمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، هاجرت إلى الحبشة؛ فلذلك عدّه ابن شهاب في حلفاء بني جمح.
وقيل: إنّها ليست أمه، بل تبنَّته، ونسبه البخاري قرشيا، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم؛ ولأنه قرشي بالحلف في زهرة، أو بالولاء في جمح.
وأمّا من قال: كندي، فبالنسبة إلى نسب أمه، فإنّها منهم، والله أعلم.
واختلف في القائل: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فعند أبي داود والعسكري أن عمرًا وابن حسنة قالا ذلك، وفي كتاب البغوي: فقال بعضنا لبعض، وعند النسائي: بعض القوم، وكل ذلك قريب، وفي حديث البغوي والطبراني زيادة تبيّن معنى الإنكار على أي وجه كان، وهو قوله: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، وهو قاعد.
وفي بعض ألفاظ الطبراني: يا رسول الله، تبول كما تبول المرأة إما أن يكون سمع، وإما أن يكون أخبر، فإن الأحاديث المتقدّمة موهمة أنّ ذلك إما للاستتار أو الجلوس.
83 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن طاووس، عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين جديدين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أمّا أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.
في صحيح ابن حبان حديث أبي هريرة بمثل حديث ابن عباس مطولًا هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة في كتبهم. وقال الترمذي: حديث
صحيح. وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد، عن ابن عباس، ولم يذكر فيه طاوسا، ورواية الأعمش أصح. وكذا ذكره البخاري في كتاب العلل، وخالف وأبى ذلك في جامعه الصحيح بذكره حديث منصور إثر حديث الأعمش؛ فيحتاج إلى تأويل ذلك، بأن يكون ظهر له ترجيحه بوجه من الوجوه، وأظن ذلك؛ لأن شعبة روى عن الأعمش كما رواه منصور، ذكر ذلك أبو موسى المديني في كتاب الترغيب من حديث أبي داود الطيالسي، ثنا شعبة به، ولفظه: أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس، وأما الآخر فكان صاحب نميمة. وقال آخره: كذا قال عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، والمحفوظ من حديث الأعمش: مجاهد، عن طاوس، وفي حديث الأعمش عند الإسماعيلي: من طريق شعبة عنه، ثنا مجاهد. قال شعبة: وأخبرني منصور مثلَ إسناد سليمان وحديثه، فلم أنكره منه، فهذا الأعمش رواه كما رواه منصور؛ فظهر بذلك ترجيح حديثه على غيره.
وأما أبو حاتم البستي فذكر في صحيحه الحديثين جميعا، وقال: سمع مجاهد هذا الخبر عن ابن عباس، وسمعه عن طاوس، فالطريقان جميعا محفوظان، ففي هذا شفاء للنفس وإزالة للبس بتصريحه بسماع مجاهد هذا الحديث من ابن عباس رضي الله عنهما ولولا ذلك لكان لقائل أن يقول: إن مجاهدا مدلس، فلو عرى عنه ذلك أو صرّح بالسماع كنّا نقول: رواه عنهما. وأما في هذه الحالة فنجزم بالانقطاع، وعلى تقدير صحة ذلك، لم يكن حديث الأعمش أصح، إنما يكونان صحيحين.
وفي لفظ البخاري: ثم أخذ جريدة رطبة فشقّها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفّف عنهما ما لم ييبسا.
وفي رواية: وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما. وفي لفظ لمسلم: لا يستنزه عن البول، أو من البول مع لفظ لأبي داود: ويستتر مكان يستنزه، وفي لفظ للبخاري: يستبرئ، زاد ابن الجوزي في قصة يوسف عليه السلام: فأورق كل واحد من الغصنين واخضر، وأورق من ساعته، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقال: رفع عنهما العذاب بشفاعتي.
84 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان، نا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر عذاب القبر من البول.
هذا حديث صحيح الإسناد، قال الشيخ ضياء الدين المقدسي لما ذكره: إسناده حسن، وما علم بأن الحاكم حَكم بصحته على شرط الشيخين، قال: ولا أعرف له علّة، وله شاهد من حديث أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا: عامة عذاب القبر من البول. وصححه أيضًا البخاري، رحمه الله.
85 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأسود بن شيبان، حدثني ابن مرّار، عن جدّه أبي بكرة قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فيعذب في البول، وأما الآخر فيعذَّب في الغيبة.
هذا حديث معلّل بأمرين:
ولو سكت أبو عبد الله بن ماجه عن تعيين الجدّ لحمل على عبد الرحمن، وكان الحديث مرسلا، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق متصلة.
وعلى رأي ابن معِين ومن تابعه تكون صحيحة.
ذكرها البخاري في تاريخه الكبير، فقال: ثنا مسلم، ثنا الأسود بن شيبان، ثنا بحر، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: حدّث أبو بكرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: صاحبا القبر يُعذّبان بلا كبير: الغيبة، والبول.
نا الجعفي، ثنا عبد الصمد، نا الأسود، نا بحر، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: حدث أبو بكرة وثنا إسحاق قال: أنا عبد الصمد، نا الأسود، سمعت بحر بن مرار، يحدّث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، ثنا أبو بكرة، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
وبنحوه ذكره الطبراني في الكبير وابن قانع والعسكري، فهذا كما ترى تصريح بسماع بحر من جدّه، وجده من أبيه، والله تعالى أعلم.
ولما ذكره الدارقطني في العلل، قال: الصواب قول من قال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، يعني: عن أبي بكرة. وقال الترمذي إثر حديث ابن عباس: وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأبي بكرة، وأبي هريرة، وأبي موسى، وابن حسنة، وأغفل حديث عائشة: عذاب القبر من البول، المذكور عند الدارقطني، وحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: إني أظن منه عذاب القبر، يعني البول. ذكره البزار، وإسناده لا بأس به.
وحديث يعلى بن سيابة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر يعذّب صاحبه فقال: إنَّ هذا
القبر يعذب صاحبه في غير كبير، ذكره الطبراني وابن أبي شيبة، الحديث. وحديث أبي أمامة الباهلي وأبي رافع ذكرهما أبو موسى المديني في كتاب الترغيب والترهيب، وحديث ميمونة ذكره أبو القاسم في الأوسط. وحديث جابر بن عبد الله ذكره بحشل في تاريخه من حديث الأعمش، عن أبي سفيان عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لأمه ميسرة، وإذا بقبرين، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين، ثم وضع واحدة على أحد القبرين، والأخرى على الآخر، ثم قال: لا يرفعان عنهما حتى يجفّا، قيل: يا رسول الله في أي شيء يعذبان؟ فقال: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزه من البول.
رواه عن موسى بن شبيب، ثنا عبد الله بن موسى، ثنا أبو إسرائيل، عن الأعمش.
وحديث أنس بن مالك: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين من بني النجّار يعذبان في النميمة والبول، فأخذ سعفة رطبة، فشقها بنصفين، فجعل على ذا القبر نصفا، وعلى ذا القبر شقا، وقال: لا يزال يخفف عنهما ما دامتا رطبتين، أنا به المسند المعمر حسن بن عمر بن خليل، قراءة علينا من لفظه، أنا ابن شاذان قراءة عليه، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق قراءة عليه، نا حسين بن حميد بن الربيع، ثنا عبيد بن عبد الرحمن، ثنا عيسى بن طهمان، عن أنس، فذكره.
وحديث ميمونة راويه ليس بثقة: أشدّ عذاب القبر في الغيبة والبول. ذكره ابن منده، وحديث عائشة: مرّ النبي
صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذّبان، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، كان أحدهما لا يستنزه عن البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبيدة بن حميد، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق عنها، وقال: لم يروه عن منصور إلا عبيدة، تفرّد به علي بن جعفر الأحمر، يعني شيخ شيخه محمد بن أحمد الوكيعي، وحديث عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر يوما بين قبور ومعه جريدة رطبة، فشقها باثنتين، ووضع واحدة على قبر، والأخرى على قبر آخر، ثم مضى، قلنا: يا رسول الله لم فعلت ذلك؟ فقال: أما أحدهما فكان يعذب في النميمة، وأما الآخر فكان لا يتقي البول، ولن يعذبا ما دامت هذه رطبة.
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث غسان بن الربيع، ثنا جعفر بن ميسرة، عن أبيه عنه قال: لا يُرْوَى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإِسناد.
والقبر: جمعه قبور في الكثرة، وفي القلة: أقبرة، واستعمل مصدرًا، قالوا: قبرته أقبره قبرًا، وفي الغريبين: قبرته: دفنته، وأقبرته: جعلت له قبرًا. وقال القزاز: موضع قبر، ومن أسمائه أيضًا فيما ذكره ابن السكيت في كتاب الألفاظ، وأبو هلال العسكري في التلخيص: الجدث، والمنهال، والجدف، والرمس، والدمس، والجبان، والضريح، واللحد.
وفي هذه الأحاديث وغيرها إثبات عذاب القبر على ما هو المعروف عند أهل السنة، واشتهرت به الأخبار، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة، كذا رأيت جماعة من العلماء ذكروا ذلك عند كلامهم على هذا الحديث وشبهه.
ويشبه أن يكون ذلك وهمًا منهم على المعتزلة؛ لما ذكره القاضي عبد الجبار رئيس المعتزلة ومصنفهم في كتاب الطبقات من تأليفه: إن قيل: إنّ مذهبكم أدَّاكم إلى إنكار عذاب القبر، وهو قد أطبقت عليه الأمة، وظهر فيه الآثار والدلائل. قيل:
إن هذا الأمر إنّما أنكره أولًا ضرار بن عمرو، ولما كان من أصحاب واصل، ظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك، بل المعتزلة رجلان: أحدهما: يجوز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني: يقطع بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك، إنّما ينكرون قول طائفة من الجهلة: إنّهم يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك، وبنحوه قاله أبو عبد الله المرزباني في كتاب الطبقات أيضًا.
واختلف في فتنة القبر: هل هي للمسلمين وللكافرين؟.
فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه، وبنحوه قال الحكيم أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول.
وخالفهما أبو محمد الإشبيلي، فزعم أنها تعم المؤمنين والمنافقين والكافرين، واختاره القرطبي في التذكرة، قال: وقد اختلف في هذين المعذبين - أعني اللذين في حديث ابن عباس - هل كانا من أهل القبلة أم لا؟ فقال: إن كانا منها، فالمرجو لهما بذلك تخفيف العذاب عنهما مطلقا، وإن كانا كافرين فالمرجو تخفيف العذاب المطلق بهذين الذنبين المذكورين.
أما قوله: إن كانا كافرين .. إلى آخره، فهو من طريق الشكّ، فهو قول مسنده فيما أظن - والله أعلم - حديث رواه أبو موسى المديني في كتاب الترغيب والترهيب من حديث ابن لهيعة، عن أسامة بن زيد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: مر نبي الله صلى الله عليه وسلم على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة.
وقال: هذا حديث حسن، وإن كان إسناده ليس بالقوي؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته لهما إلى أن ييبسا معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان، لم يستجز من عطفه ولطفه صلى الله عليه وسلم حرمهما من ذلك،
فشفع لهما إلى المدّة المذكورة، والله أعلم.
وقد أنا بحديث أبي الزبير هذا المسند المعمر فتح الدين بن حسن الهروي الكناني عن أبي الحسن البغدادي، أنبأتنا شهدة قراءة عليها وأنا أسمع، أنا الحسين بن طلحة الثعالبي قراءة عليه ونحن نسمع، أنا أبو القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر، أنا أبو علي البرذعي، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، أنا محمد بن علي، ثنا النضر بن شميل، أنا أبو الغرام، واسمه عبد العزيز بن ربيع الباهلي، ثنا أبو الزبير، عن جابر، ولفظه غير اللفظ الذي ساقه أبو موسى، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرنا، فأتى على قبرين يعذبان صاحباهما، فقال: إنهما لا يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأمّا الآخر فكان لا يتأذى من بوله، ودعا بجريدة .. الحديث.
ولفظ أبي القاسم في الأوسط، وقد خرجه من حديث ابن لهيعة، عن أسامة بن زيد، عن أبي الزبير، عن جابر: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبور نساء من بني النجار هلكن في الجاهلية، فسمعهن يعذبن في النميمة، فأتى بجريدة، لم يروه عن أسامة إلا ابن لهيعة، فلئن كان ذلك فهو تصريح لا شك فيه، ولكن يعكر عليه ما جاء في بعض ألفاظ حديث ابن عباس في: مر بقبرين من قبور الأنصار وبنو النجار من الأنصار، فيحتمل أن يكون الراوي قاله بالمعنى الأول، والأنصار لفظة إسلامية لم يعرف بها مسمى في الجاهلية؛ ولذلك قال النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنهما يخاطب عمرو بن العاص:
يا عمرو لا تعد الدعاء فما لنا
…
نسب نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لصحبنا
…
أثقل به نسبًا على الكفار
وحديث الباب: بقبرين جديدين، وفي حديث مسلم: فأحببت بشفاعتي أن يخفف ذلك عنهما، والشفاعة لا تكون إلا لمؤمن، وبضميمة كونهما جديدين، وأما رواية من روى المدينة أو مكة، وهو البخاري في الصحيح، فيحتمل أن يكون سهوا من أحد الرواة. وقد استدرك ذلك أبو عبد الله؛ فذكره في كتاب الأدب على
الصواب: المدينة. وقوله: وما يعذبان في كبير، يحتمل معنيين، والذي يجب أن يحمل عليه منهما أنَّهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز عنه، وأنه سهل يسير على من يريد التوقي منه، ولا يراد بذلك أنه صغير من الذنوب؛ لأنه ورد في الصحيح: وإنه لكبير.
قال المازري: والنميمة تكون من الكبائر؛ فيحتمل على أنه يريد به في كبير علمهم تركه، وإن كان كبيرًا عند الله تعالى، ولا شك أن النميمة كبيرة.
قال: والمنهي عنه على ثلاثة أنحاء: منه ما يشق تركه على الطباع، كالملاذ المنهي عنها، ومنه ما ينبو عنه الطبع ولا يدعو إليه، كالنهي عن قتل نفسه وغيره، ومنه ما لا مشقة فيه على النفس في تركه، فهذا القسم مما يقال فيه: ليس بكبير على الإنسان تركه.
وقال عياض: قوله وما يعذبان في كبير أي كبير عندهم، كقوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ، وسبب ذلك أن عدم النثرة من البول يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة.
وأما النميمة فقد تكون كبيرة، ولا سيما إذا تكررت، وبذلك أشعر قوله: كان يمشي بالنميمة.
وفي كتاب الإحياء للشيخ أبي حامد، رحمه الله تعالى: اعلم أن النميمة إنما تطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان يتكلّم فيك بكذا، وليس النميمة مخصوصة بهذا، بل حدّ النميمة: كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه، وسواء أكان ذلك بالكناية أو الرمز أو الإِيماء، فحقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه؛ فلو رآه يخبئ مالا لنفسه فذكره فهو نميمة، فكلّ من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا، فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدقه؛ لأن النمّام فاسق.
الثاني: ينهاه عن ذلك.
الثالث: يبغضه في الله؛ لأنه بغيض عند الله.
الرابع: لا يظن بأخيه الغائب سوءا.
الخامس: لا يحمله ما حكاه على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى عنه النّمام، فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى كذا، فيصير نمّاما.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
فإن كانت النميمة في مصلحة، فلا منع منها، وذلك كما إذا أخبره أن إنسانا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولاية أنّ إنسانًا يسعى بما فيه مفسدة؛ فيجب على صاحب الولايةَ الكشف عن ذلك وإزالته، فكلّ هذا وشبهه ليس بحرام، وقد يكون بعضه واجبًا وبعضه مستحبا على حسب المواطن. انتهى.
وأهل اللغة يفرقون بين نميت مخففة، ونمَّيت مشدّدة.
فالأول: إذا بلغته على وجه الإصلاح والخير.
والثاني: على وجه الإِفساد، ولم يبين الشيخ أبو حامد ذلك في كلامه، فيلبس على من لا يعرف اشتقاق النميمة، والله أعلم.
وأما حديث أبي بكرة: فيعذّب في الغيبة فالغيبة مخالفة للنميمة؛ إذ هي ذكر المرء بسوء فيه من ورائه، وفي قول الشيخ أبي حامد: النميمة هتك الستر، معنى من معاني الغيبة؛ لأنك إذا ذكرته بسوءٍ فيه، فقد هتكت ستره بذكرك ذلك، وإذا كان كذلك، كانا بمعنى واحد، ويكون الراوي لمح في هذا المعنى.
وقوله: من البول يؤخذ منه نجاسة الأبوال مطلقا، قليلها وكثيرها، إلا ما عفا عنه الشّارع، صلوات الله عليه وسلامه.
وأما لعلّ فهو حرف لتوقع مرجو أو مخوِّف، وفيها لغات أنها: لعلّ، وعلّ، وعنّ، ولعنّ، وأنّ، ولأنّ.
وفيه دليل على انتفاع الميت بتلاوة القرآن العظيم أخذًا من غرز العسيب، فإذا انتفع بتسبيح النبات فقراءة القرآن من الإِنسان
أولى، وفي الصحيح للبخاري: أوصى بريدة أن يجعل في قبره جريدتان تبركًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، واختلف في وصول ثواب القرآن العظيم للميت؛ فمذهبنا ومذهب أحمد وصول ذلك إليه، وأبى ذلك جماعة من العلماء مستدليّن بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وبقوله عليه السلام: إذا مات المرء انقطع عمله .. والكلام في ذلك يأتي بعد في كتاب الجنائز، إن شاء الله تعالى.
وأمّا الدرقة فهي ضرب من الترسة تتخذ من جلود دواب تكون في بلاد الحبشة، والجمع درق وأدراق، قاله القزاز.
وفي الصحاح: هي الجحفة إذا كانت من جلود ليس فيها خشب ولا عقب.
وأما بنو إسرائيل فهم أولاد يعقوب عليه السلام، وهو اسم عبراني، وفيه لغات: إسرائيل بكسر أوله، والمدّ، والياء بعد الراء، والهمزة، وقيل: كذلك إلَّا أنّه بغير همز، وبيائين، وقيل: بفتح أوله مع الوجوه الثلاثة، وقيل: إسرال بغير مدّ ولا ياء، بكسر أوّله وقد يفتح، وقيل: بكسر الهمزتين بغير ألف بعد الراء، وقيل كذلك إلا أنه بياء من غير همز، وقيل بدلا عن اللام على الوجوه كلها، وقيل غير ذلك.
ولا خلاف أن إِيل هو اسم الله تعالى في اللغة العبرية. واختلف في إسرا، فزعم السهيلي أنه عبد. وقيل: صفوة. وقيل: هو مركب من عربي وعجمي، معناه: أسري إلى الله، وذلك أن يعقوب عليه السلام أسري به ليلة في الهجرة إلى الربّ سبحانه وتعالى فسمى إسرائيل بذلك، والله أعلم.
الرجل يسلم عليه وهو يبول
86 -
حدّثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، ثنا روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن بن حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة أبي ساسات الرقاشي، عن المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جذعان، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فسلّمت عليه، فلم يرد عليّ، فلما فرغ من وضوئه، قال: إنه لم يمنعني من أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء.
هذا حديث قال فيه الحاكم لما أخرجه في مستدركه من حديث عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الله بن خيران، قالا ثنا سعيد به: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ.
وفيه نظر من وجهين:
.
الثاني: ينظر في سعيد؛ فإنه ممن اختلط اختلاطًا قبيحًا، ولا نعلم من سمع منه أولا ممن سمع منه أخيرًا، ولم يذكر الحديث من رواية غيره ليكون متابعا له، والله أعلم.
وذكره ابن حبان في صحيحه: عن ابن خزيمة، ثنا محمد بن مثنى، ثنا عبد الأعلى به.
ورواه أبو أحمد العسكري من حديث مكي بن إبراهيم، عن سعيد،
وزاد: ولا تسلم علي وأنا في مثل هذه الحالة، فإنّك إن سلّمت علي لم أرد عليك.
وذكر البغوي في معجمه أن معاذ بن معاذ رواه عن قتادة، عن حضين من غير ذكر الحسن.
قال: ورواه الخفاف، فأثبت فيه الحسن، كذا قال.
والبزار ذكر رواية معاذ بن معاذ عن ابن مثنى عنه بثبوت الحسن، وكذلك ذكره أبو القاسم في الكبير من حديث معاذ بن هشام، والله أعلم.
وهذا الحديث معدود مما جوده قتادة، ورواه عنه شعبة والدستوائي، كما رواه ابن أبي عروبة، فذهب ما كنا نخشاه من اختلاطه، فكأنه غير موجود، والله أعلم.
وقد روي عن الحسن عن مهاجر مرسلا فيما ذكره الطبراني، قال ذلك عنه حميد، ويونس، وعبد الله بن المختار، وزياد الأعلم، وأبو عبيدة بن مجاعة، والحسن بن دينار، فيما ذكره ابن قانع، ولفظه: فقمت مهمومًا، فدعا بوضوءٍ فتوضَّأ ورد عليّ، وقال: إني كرهت أن أذكر الله تعالى وأنا على غير وضوء.
ورواه أبو عبيدة الناجي، وهو ليِّن الحديث عن الحسن عن البراء، مخالفا لرواية الجميع، وحضين هذا بضاد معجمة، اسم مفرد فيما قاله البرذعي، وقيل فيه: بصاد مهملة، وهو قليل، كنيته أبو محمد، ولقبه أبو ساسان فيما ذكره الحاكم، وأبو حاتم، والسراج في مسنده، وابن حبان، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي، وفيه يقول، وكانت رايته معه:
لمن راية سوداء يخفق ظلها
…
إذا قيل قدمها حضين تقدّما
وفي التاريخ الأوسط للبخاري: وقال علي بن سويد بن منجوف: تعيشنا مع يزيد بن المهلب ومعنا حضين، ذكر ذلك في ترجمة مَنْ مات بين المائة إلى عشر
ومائة.
وأما المهاجر فاسمه عمرو، قال العسكري: سُمّي بذلك لما قَدم على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال عليه السلام: هذا المهاجر حقًّا.
وبنحوه قاله ابن سعد: ابن قنفذ، واسمه خلف، قال الطبراني: يقال له: شارب الذهب، أيضًا ابن عمير بن جذعان.
87 -
حدّثنا هشام بن عمار، ثنا مسلمة بن علي، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلّم عليه فلم يرد، فلما فرغ ضرب بكفيه الأرض، فتيمم، ثم ردّ عليه السلام.
هذا حديث قال فيه أبو القاسم الطبراني لما ذكره في الأوسط من حديث هشام: لم يروه عن الأوزاعي إلا مسلمة، تفرّد به هشام،.
88 -
حدّثنا سويد بن سعيد، نا عيسى بن يونس، عن هاشم بن البريد، عن
عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله: أنّ رجلا مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أردّ عليك.
هذا حديث إسناده لا بأس به. هاشم وثقه ابن معين وابن حبان، وقال الإِمام أحمد: لا بأس به، وابن عقيل تقدّم ذكره، وأن جماعة كانوا يحتجون بحديثهم، منهم: أحمد، وإسحاق، مع ما عضد حديثه من المتابعات والشواهد، والله أعلم.
89 -
حدّثنا عبد الله بن سعيد، والحسين بن أبي السري العسقلاني، قالا: ثنا أبو داود، عن سفيان، عن الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر: مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه. وقال فيه الترمذي: صحيح، وهو أحسن شيء في الباب. وقال ابن منده: هذا إسناد صحيح، خرجه الجماعة إلا البخاري للضحاك بن عثمان، وأخرجه أيضًا أبو عوانة في صحيحه.
وقال أبو داود بإثر تخريجه: وروي عن ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمّم، ثم ردّ على الرجل السلام.
وفي الأوسط لأبي القاسم ما يدل على أن الضحاك رواه عن نافع مختصرًا، وهو ما رواه من حديث محمد بن ثابت، عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجته إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر حاجته من ابن عباس، وكان حديثه يومئذ أن قال: مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سكة من السكك، وقد خرج من بول أو غائط، فسلّم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة
ضرب بيديه على الحائط، فمسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى بيده على الحائط فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر.
وقال: لم يروه بهذا التمام عن نافع إلا محمد بن ثابت، وسيأتي له مزيد بيان في كتاب التيمم، وأن أبا داود خرجه.
ورواه الإِمام الشافعي - رحمه الله تعالى - في مسنده، عن إبراهيم بن محمد: أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه الرجل، فرد عليه السلام، فلما جاوزه ناداه النبي عليه السلام فقال: إنما حملني على الردّ عليك خشية أن تذهب فتقول: إني سلّمت على النبي عليه السلام فلم يرد علي، فإذا رأيتني على هذه الحالة، فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أردّ عليك.
وهذا لو صح إسناده، وسلم من إبراهيم لكان مخالفًا للأول، ولَكنّه عدم الصحة، وقد وقع لنا من طريق سالمة من إبراهيم، ذكرها البزار في مسنده، فقال: ثنا سعيد بن سلمة، ثنا أبو بكر، فصح الحديث والمخالفة؛ ولهذا، ولكن حديث مسلم أصح، ولعلّه كان ذلك في موطنين، وإنما قال ذلك لأجل المعارضة الظاهرة.
واعترض عليه أبو الحسن بن القطان بأن قال: ما قاله عبد الحق تصحيح للخبر مطلقا نطقا لا سكوتا، وإن كان رجح عليه حديث مسلم، فقد يُرجح في ذلك، والتمس له مخرجًا بجعله إيّاه في موطن آخر وقصة أخرى.
وهذا الذي ذكره في أبي بكر ينبغي أن يتوقف فيه؛ فإنه لا يعلم منه أكثر من أنه من ولد عبد الله بن عمر؛ فمن أين له هذا النسب؟ وأنّه الذي روى عنه مالك، وقد كان مانعا له من أن يقول ذلك، لو ثبت أنَّ الذي في الإِسناد يروى عن نافع، والذي توهمه أنه معلوم
الرواية عن ابن عمر، روى عنه مالك، وابن طهمان، وإسحاق بن شرفَى، وعبيد الله بن عمر. انتهى كلامه.
وفيه نظر، وذلك أنَّ عبد الحق - رحمه الله تعالى - احترز بقوله فيما أعلم، فسلم من هذا الإِيراد؛ لكونه لم يجزم به، وعلى ذلك فهو كما قاله.
صرّح بذلك الإِمام الشافعي كما سبق، وناهيك به جلالة ونُبلا، ولعل قائلا يقول: إنّما ساق نسبه إبراهيم، وهو ضعيف لا يحتج به، فلو استظهرت على ذلك بكلام عنه لثلج بذلك الصدر، فيقال له: قد ذكر ذلك غير واحد في مصنفه، منهم: ابن الجارود في كتاب المنتقى، فقال: ثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد - يعني ابن سلمة - حدّثني أبو بكر، هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فذكره.
وكذلك أبو العباس السراج في مسنده، فقال: نا محمد بن إدريس، نا ابن رجاء، ثنا سعيد، ثنا أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ثنا نافع. فذكره.
فذهب بحمد الله ما توهمه على أبي محمد، وصحَّ بما ذكرناه الحديث؛ لأن سعيدا وأبا بكر حديثهما في الصحيح، والله أعلم.
وأما المعارضة فيحتمل أن يكون الرد كان بعد التيمم، كما جاء في رواية غير أبي بكر، عن نافع.
وزعم الطحاوي في شرح الآثار أن حديث المنع من رد السلام منسوخ بآية الوضوء، وقيل: بحديث عائشة: كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه، وقد جاء ذلك مصرحا به في حديث رواه جابر الجعفي، عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن حزم، عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الماء، نكلّمه فلا يكلّمنا، ونسلم عليه فلا يسلم علينا، حتى نزلت آية الرخصة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ، وزعم الحسن أنه ليس منسوخا، وتمسك بمقتضاه فأوجب الطهارة للذكر، ومنعه للمحدث، ثم ناقض بإيجابه للتسمية للطهارتين، فإنه مستلزم لإيقاع الذكر حالة الحدث، وروي عن عمر إيجاب الطهارة للذكر. وقيل: يتأوّل الخبر على الاستحباب؛ لأن ابن عمر راويه رأى ذلك، والصحابي الراوي أعلم بالمقصود، وهو حسن إن لم يثبت حديث جابر الجعفي لتضمنه الجمع بين الأدلة.
وفي حديث جابر بن سمرة ذكر الوضوء لا التيمم. ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث الفضل بن أبي حسان، ثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، نا أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يردّ علي، ثم دخل إلى بيته فتوضأ ثم خرج، فقال: وعليك السلام قال: لا يُروَى عن جابر إلا بهذا الإِسناد. تفرد به الفضل.
وذكر الخطابي أن السلام الذي يتحيّا به الناس اسم من أسماء الله عز وجل، جاء ذلك في حديث رواه أبو هريرة مرفوعا: السلام اسم من أسماء الله تعالى، فأفشوه بينكم، كذا ذكره، والذي رأيت في حديث أبي هريرة: السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا، وأمانًا لأهل ذمتنا، قال فيه الطبراني في الأوسط: لم يروه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، يعني عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، إلا عصمة بن محمد الأنصاري، تفرد به محمد بن يحيى الأنيسي.
وذكر الحليمي في المنهاج معنى السلام: السالم من المعايب؛ إذ هي غير جائزة على القديم، فإن جوازها على المصنوعات؛ لأنّها أحداث وبدائع، فكما جاز أن يوجدوا بعد أن لم يكونوا موجودين، جاز أن يعدموا ما وجدوا، والقديم لا علّة لوجوده، فلا يجوز التغير عليه، ولا يمكن أن يعارضه
نقص، أو شين، أو تكون له صفة تخالف الفضل والكمال.
وفي كتاب القزاز: وقول القائل: السلام عليكم، يريد اسم الله عليكم، قال لبيد يخاطب ابنته:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكم
…
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد: اسم الله عليكم. وقيل: معنى السلام عليك، أي: سلمت مني لا أنالك بيدي ولا لساني.
وقيل: معناه السلامة من الله.
وقيل: هو الرحمة.
وقيل: هو الإيمان.
وقيل: الصلح.
قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أن يتيمم لغير مرض، ولا جرح، وإليه ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف إن اغتسل أن تطلع الشمس، قال: يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت، وبه قال مالك في بعض الروايات.
ومذهبنا أن ذلك في الجنازة والعيدين.
قال أبو سليمان: وفيه حجة للشّافعي فيمن كان محبوسًا في حَش أو نحوه، فلم يقدر على الطهارة بالماء، أنه يتيمم ويصلي على حسب الإِمكان، إلَّا أنه لا يرى عليه الإعادة إذا قدر عليها، وكذلك قال في المصلوب، وفيمن لا يجد ماءً ولا ترابًا، إلَّا أنه يعيد.
وفيه المنع من ذكر الله تعالى على الخلاء، ولو بسبب، كالعطاس والموافقة في الأذان، وهو مذهبنا ومذهب الشّافعي وأحمد، خلافًا لقوم من السلف ومالك في حمد العاطس.
الاستنجاء بالماء
90 -
حدثنا هناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن إِبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قطّ إلا مس ماءً.
هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه كما قدمناه، فقال: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، ثنا أبو الأحوص بزيادة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط، ولا خرج من الخلاء إلا مس ماء.
ولما ذكر البزار في مسنده حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العشر قط، عن ابن المثنى وعمرو بن علي قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش قال: وهذا الحديث لا نعلم له طريقًا عن عائشة إلا هذا الطريق، وقد تابع الأعمش الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم. انتهى.
وفيما قاله نظر؛ لما أسلفناه من عند ابن حبان، والله أعلم.
91 -
حدّثنا هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد، ثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثني طلحة بن نافع، أخبرني أبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، قال: لما نزلت {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، إن الله قد أثنى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك، فعليكموه.
هذا معلل بأشياء:
الأول: ضعف عتبة بن أبي حكيم الهمداني أبي العباس الشامي الطبراني الأزدي، فيما قاله أبو عبد الرحمن النسائي وابن معين.
وفي كتاب الآجري: قال أبو داود: سألت ابن معين عنه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه لمنكر الحديث، وكان الإِمام أحمد يوهِّنه قليلًا، وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وقال السعدي: كان غير محمود في الحديث. وقال محمد بن عوف الحمصي: ضعيف الحديث، ومع ذلك وثقه مروان الطاطري، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو القاسم الطبراني. وقال أبو حاتم: لا بأس به.
الثاني: أبو سفيان طلحة بن نافع، وإن كان مسلم خرج حديثه، فقد تكلّم فيه غير واحد، منهم ابن معين بقوله: ليس بشيء، ويعقوب بن سفيان، والحربي، وأبو محمد بن حزم، والإشبيلي، وغيرهم.
الثالث: انقطاع حديثه؛ وذلك أن ابن أبي حاتم ذكر في كتاب المراسيل: سمعت أبي يقول، وذكر حديثا رواه عتبة بن أبي حكيم، عن أبي سفيان، قال: حدثني أبو أيوب وجابر وأنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي: لم يسمع أبو سفيان من أبي أيوب، فأما جابر فإن شعبة يقول: سمع أبو سفيان من جابر أربعة أحاديث، قال أبي: وأما أنس فإنه يحتمل، ويقال: إنّ أبا سفيان أخذ صحيفة جابر من صحيفة سليمان اليشكري.
وقال وكيع، عن شعبة: حديثه عن جابر صحيفة، وبمثله قاله سفيان بن عيينة.
وقول الأعمش عنه: جاورت جابرًا ستّة أشهر ليس صريحًا في السماع، فكم من مجاور لا يعرف حال جاره، وآخر مسافر مطلع على أسراره.
وقال البستي في كتاب الثقات: يروي المقاطيع، وقد روى عن أنس ولم يره، وحديث الباب يقضي له بالسماع منهم، لكنه على لسان ضعيف؛ فلهذا لم يعتبره
أبو حاتم، والله أعلم.
ولما خرجه الحاكم من حديث محمد بن شعيب بن شابور، حدّثني عتبة به، قال: هذا حديث كبير صحيح في كتاب الطهارة، فإنّ محمد بن شعيب وعتبة بن أبي حكيم من أئمة أهل الشام، والشيخان إنّما أخذا مخ الروايات، ومثل هذا لا يترك.
قال إبراهيم بن يعقوب: محمد بن شعيب أعرف الناس بحديث الشاميين، وله شاهد بإسناد صحيح.
أخبرناه أحمد بن سلمان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي، عن شرحبيل بن سعد، عن عويم بن ساعدة الأنصاري ثم العجلاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: إن الله قد أحسن الثناء عليكم في الطهور، وقال:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} .. حتى انقضت الآية، فقال لهم: ما هذا الطهور؟ .. الحديث.
ثنا أبو العباس، ثنا محمد بن خالد، عن مجاهد، عن ابن عباس:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، قال: لما نزلت هذه الآية بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عويم، فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ قال: يا نبي الله، ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره، أو قال: مقعدته، فقال عليه السلام: ففي هذا.
قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد حدث به سلمة بن الفضل هكذا، عن ابن إسحاق، ولما ذكره الطبراني في الأوسط من حديث إسماعيل بن صبيح،
ثنا أبو أويس به، قال: لم يرو عن عويم إلا بهذا الإِسناد، فيحتمل أن يكون أراد إسماعيل فمن بعده، فإن كان كذلك فهذا يرُدّ عليه، وإن أراد أنه لم يقع إلا بهذا الإسناد فقريب، والله أعلم.
قال الحاكم: وحديث أبي أيوب شاهده: ثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمد بن أيوب، وأخبرني عبد الله بن محمد بن موسى، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن واصل بن السائب الرقاشي، عن عطاء بن أبي رباح وأبي سَورة، عن عمه أبي أيوب، قال: قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين نزل فيهم {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}
…
الحديث. انتهى ما ذكر.
وقد تقدّم في حديث طلحة ما فيه كفاية.
وأما تصحيحه حديث شرحبيل بن سعد، وكذلك ابن خزيمة لما رواه في صحي هـ، عن محمد بن يحيى، ثنا إسماعيل بن أبي أويس به، ففيه نظر، وذلك أنه ممن وصفه ابن سعد بالاختلاط وعدم الاحتجاج به.
وقال ابن إسحاق بن يسار: نحن لا نروي عنه شيئا، وكان متهما.
وقال سفيان: احتاج، فكأنهم اتهموه، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل وطلب منه شيئا، ولم يعطه، أن يقول: لم يشهد أبوك بدرا.
وقال ابن أبي ذئب: أما شرحبيل فهو شرحبيل، وقد بينّا لكم، يعني أمره، وكان متهمًا. وقال أبو زرعة: فيه لين.
وقال مالك: ليس بثقة.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال ابن معين: ليس هو بشيء، ضعيف.
وقال الدارقطني: يعتبر به، وهو ضعيف.
وقال ابن عدي: وفي عامة ما يرويه إنكار.
الثاني: انقطاع حديثه، وذلك أن عويمًا توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: في
خلافة عمر، وأياما كان فمتعذر سماعه منه؛ لأني لم أر له شيخًا مذكورًا في كتب العلماء أقدم موتًا من زيد بن ثابت رضي الله عنه وكانت وفاته أيام معاوية.
92 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل مقعدته ثلاثًا. قال ابن عمر: فعلناه، فوجدناه دواءً وطهورًا.
هذا حديث قال فيه الطبراني في الأوسط: لم يروه عن أبي الصديق إلا العمي، ولا عنه إلَّا جابر، تفرد به شريك، وخرجه في موضع آخر بلفظ: قال عليه السلام: استنجوا بالماء البارد، فإنه مصحة للبواسير، رواه عن عبد الوارث بن إبراهيم، ثنا عمار بن هارون، نا أبو الربيع السمان، عن هشام، عن أبيه عنها، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا أبو الربيع، تفرد به عمار، يعني المخرج حديثه في صحيح أبي عبد الله، ولما ذكره أبو حاتم في الثقات قال: رّبما أخطأ.
فهذا - والله أعلم - أصح من حديث ابن ماجه؛ لأنه معلل مع التفرد بأشياء:
.
.
الثالث: ما يتوهم من انقطاع ما بين أبي الصديق وعائشة، فإني لم أر أحدا ذكر ذلك حين عددت مشائخه، ولم يأت هنا ما يدلّ على سماعه منها، فيتوقف فيه إلى أن يظهر ذلك بطريقه، الله أعلم.
93 -
حدّثنا أبو كريب، ثنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ، قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية.
هذا حديث قال فيه الترمذي عند تخريجه: غريب من هذا الوجه. ولما ذكره أبو داود سكت عنه، وكذلك عبد الحق.
وتعقب عليه أبو الحسن بن القطان بأن قال: احتمل أن يكون من قسم ما يتسمح فيه، وهو حديث إنّما يرويه إبراهيم بن أبي ميمونة، وهو م هول الحال لا يعرف روى عنه غير يونس بن الحارث الطائفي، وهو ضعيف. قال فيه ابن معين: لا شيء.
وسئل أحمد عنه فقال: مضطرب الحديث، وحكى أبو أحمد عن ابن معين أنه قال فيه: ضعيف، وعنه قول آخر: إنّه ليس به بأس، يكتب حديثه.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وعندي أنه لم تثبت عدالته وليس له من الحديث إلا اليسير. قاله ابن عدي.
والجهل بحال إبراهيم كاف في تعليل الخبر، والله تعالى أعلم. انتهى قوله.
وفيه نظر لكونه قد عصب الجناية برأس إبراهيم، وليس كذلك فإنّه ممن ذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، فذهب ما توهمه من جهالة حاله، والله أعلم. فيشبه أن يكون
سكوت أبي محمد تابعًا لسكوت أبي داود، والترمذي، فلم يقض عليه بشيء، إذ الغرابة تكون في الحديث الصحيح.
وقول ابن معين فيه: لا بأس به يكتب حديثه توثيق. وكذا قاله ابن عدي.
وقال أبو داود: مشهور، وروى عنه غير واحد، ومع ذلك فهو معروف في غير ما حديث.
وأما قول الترمذي: وفي الباب عن أبي أيوب وأنس وابن سلام ففيه نظر؛ لإِهماله حديث جابر بن عبد الله، وحديث عويم وابن عباس المذكورين قبل، وحديث عمر بن الخطاب.
قال مهنأ: ذكرت لأحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: رأيت عمر بن الخطاب بال فمسح ذكره بالتراب، ثم توضأ، ثم التفت إلي، فقال: هكذا علمنا. قال أحمد: ليس بصحيح.
قال شعبة: قال الحكم: إنما كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى حين قتل عمر ست أو سبع سنين. شعبة عن الحكم، عن ابن أبي ليلى قال: كان لعمر مكان يبول فيه. لم يذكر رأيت عمر، وحديث محمد بن عبد الله بن سلام ذكره الفريابي عن مالك بن مغول: سمعت سيارا أبا الحكم يذكر عن شهر، عن محمد بن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أثنى عليكم في الطهور، قال:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، ألا تخبروني؟ قالوا: يا رسول الله إنا نجده مكتوبًا في التوراة أن نستنجي بالماء. ذكره البرقي في تاريخه، والله تعالى أعلم.
وفي كتاب ابن حبان والترمذي من حديث أبي عوانة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة، أنها قالت: مُرن أزواجكن أن يغسلوا إثر الغائط والبول بالماء؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وقال فيه: حسن صحيح.
وفي لفظ لأحمد: وهو شفاء من الناسور. كذا هو في المسند.
ولما سئل عنه فيما ذكره حرب الكرماني، قال: لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث، قيل: فحديث عائشة؟ قال: لا يصح؛ لأنّ غير قتادة لم يرفعه. وفي
كلامه نظر؛ لأن الحربي ذكر في كتاب العلل من تأليفه: هذا الحديث اختلف فيه أصحاب معاذة؛ فرفعه قتادة، وليس منتشرا عنه، وأوقفه يزيد الرشك، واتفق على ذلك أصحابه إلَّا ابن شوذب فإنه رفعه، والوهم في ذلك منه أو من ضمرة، والصواب ما أجمع عليه شعبة، وابن علية، وحماد بن زيد، وعبد الوارث، وجعفر بن سليمان.
ورواه أبو قلابة أيضا فأوقفه، ولم أسمعه عنه إلا من حديث أيوب، ولم يختلف أصحاب أيوب إلا ابن طهمان، فإنه رفعه.
ورواه عاصم الأحول فأوقفه، إلَّا أن أبا زيد قد رفعه عنه، وعاصم أحفظ من أبي زيد، إن شاء الله.
ورواه إسحاق بن سويد وعائشة ابنة عرار، فأوقفاه، والحديث عندي - والله أعلم - موقوف؛ لكثرة من أجمع على ذلك ممن تقدّم ذكره، فهذا كما ترى غير قتادة رفعه.
ووهم ابن شوذب عن يزيد وابن طهمان، وأبو زيد عن أيوب. وفي كلام أبي إسحاق الحربي نظر، وذلك في قوله: وفي حديث عائشة ابنة عرار وإسحاق بن سويد موقوف.
ولما ذكره الطبراني في الأوسط، فإنه لما ذكر حديث عائشة مرفوعا، قال: لم يروه عنها إلَّا هشام بن حسان، تفرد به عمر بن المغيرة.
وقال في حديث إسحاق حين رواه كذلك: لم يروه عنه إلَّا إبراهيم بن مرثد العدوي، تفرد به حوثرة بن أشرس، ولئن سلمنا لهم أن غير قتادة لم يروه، وأنه منفرد بذلك، فلا يضر ذلك الحديث؛ لأنه مع علمه وحفظه إذا رفع حديثا خالفه فيه غيره، قبل قوله، وهو الصحيح؛ لكونها زيادة من حافظ، والله تعالى أعلم.
وفي حديث معاذة المذكور علة أغفلاها، أعني الإِمامين أحمد والحربي، وهي انقطاع ما بين قتادة ومعاذة، ذكر ذلك يحيى بن معين فيما حكاه عنه ابن أبي حاتم، وفي كتاب البلخي: قال شعبة: كنت إذا قدمت المدينة يسألني الأعمش عن حديث قتادة، فقلت له يوما: ثنا قتادة، عن معاذة، فقال: عن امرأة؟! اغرب، اغرب.
وفي قول الإِمام أحمد: لم يصح في
الاستنجاء حديث نظر؛ لما في الصحيح من حديث أنس: كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء، فيستنجي بالماء. ولفظ أبي عوانة في صحيحه يرد ما قاله، وهو: فخرج علينا وقد استنجى بالماء. وفي لفظ له: إذا تبرز لحاجته أتيته بالماء فتغسل به. ولو سلم من كلام قاله الأصيلي، وهو القائل: فيستنجى بالماء، هو أبو الوليد هشام بن الوليد.
وفي الصحيح: وانتقاص الماء، وفسر بالاستنجاء، وقد تقدم.
وحديث عائشة المذكور عند ابن ماجه وابن حبان، وحديث ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فأتيته بماء، فقال: مَنْ أمرك بهذا؟ قلت: ما أمرني أحد، قال: قد أحسنت، أبشر بالجنة. ذكره أبو القاسم في معجمه الأوسط، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن مرة عن إبراهيم بن يزيد يعني عن عبيدة عنه إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم، ورواه الأعمش وأبو الجحاف عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن عبيدة عن عبد الله. وحديث جرير الآتي بعد: فأتيته بماء فاستنجى به وهو مصحح وغير ذلك، وحديث معاذة مذكور في مسنده، وهو قد أخبر عن نفسه أنَه لا يقع فيه إلا ما صح عنده، أنا بذلك الشيخ الإِمام كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن أبي عامر، قراءة عليه، أنا الإمام نجيب الدين الحراني، عن الحافظ أبي محمد عبد الغني المقدسي، قالَ: قرأت على الإمام الحافظ محيي السنة أبي موسى المديني في كتاب خصائص المسند من تأليفه. فذكره. فلا عدول له عنه على هذا، والله أعلم.
وطريق الجمع بين هذه الأخبار وحديث عمر: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة الحمل على النّدب لا الوجوب، استدامة للطهارة؛ لما تقدّم في استحباب الجمع، وقد روي في فضل ذلك حديث رواه بريدة مرفوعا.
قولها: يغسل مقعدته يعني دبره، ومن أسمائها: العجز والعجيزة، والسه، والمؤخر، والإلية، والكفل، والبوص، والمعرص، والسته، والوجعاء، والصحارى، والجهوة، والذعرة، وَالوباعة، وأم سويد، وأم خنور، وأم النعمة، وأم عزم، وأم عزمة، وأم عزيمة، وأم عزمل، وأم سكين، وأم تسعين، وأم كيسان.
لخصت ذلك من كتاب العرب المصنف، وجامع القزاز، والتلخيص لأبي هلال العسكري، والآباء والأمهات لعيسى بن إبراهيم القيسي، وكتاب البنت والبنات لأبي السري عبد الرحيم بن محمد بن أحمد، وأعرضت عما ذكره التيفاشي في كتاب فصل الخطاب لكون معظمه لم تتكلم به العرب.
وأما قباء فهو فيما ذكره البكري في كتاب معجم ما استعجم، ممدود على وزن فعال، من العرب من يذكره ويصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه، وهما موضعان: موضع في طريق مكة من البصرة، وبالمدينة، وقال ابن الأنباري في كتاب التذكير والتأنيث، وقاسم في الدلائل: وقد جاءت قباء مقصورًا، وأنشدا:
فلأبغينكم قبا وعوارضًا
…
ولأقبلن الخيل لابه ضَرغد
وهذا وهم منهما؛ لأنّ الذي في البيت إنّما هو قناء بفتح القاف بعدها نون، وهو جبل في ديار بني ذبيان، وهو الذي يصلح أن يقرن ذكره بعوارض، وكذلك أنشده جميع الرواة الموثوق بروايتهم ونقلهم في هذا البيت.
وقال الهمداني: القباء اسم للأرض بلغة حمير. انتهى كلامه، وفيه نظر في موضوعين:
الأول: في قوله: وهما موضعان يفهم من كلامه أنه ليس غيرهما، وليس كذلك، فإنّ ياقوت زاد ثالثا، قال: وهي قرية في أول أرض اليمن من عمل الكوز، ورابعا بلدة كبيرة من نواحي فرغانة قرب الشاش، ينسب إليها أبو المكارم رزق الله بن محمد بن أبي الحسن القبائي، سكن بخارى، وكان أديبا فاضلًا، سمع
منه أبو سعد وغيره.
والثاني: قوله: موضع في طريق مكة
…
إلى آخره؛ لأن الحنفي زعم أنه منهل، وكذا ذكره أبو حاتم السجستاني - رحمهما الله - وإن كانت اللغة لا تمنع من تسمية المنهل موضعا، فإن العرف يقضي عليها، والله أعلم.
من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء
94 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع، عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأرض.
هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه، فقال: ثنا إسحاق بن إبراهيم وإسماعيل بن مبشر قالا: ثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس، ثنا أبي، ثنا شريك، ثنا إبراهيم، به.
وقال في الأوسط: لم يروه عن أبي زرعة إلا إبراهيم. تفرد به شريك، وسكت عنه الإشبيلي، واعترض عليه ابن القطان، فقال: لا يصح لعلتين:
إحداهما: شريك، فإنه سيئ الحفظ، مشهور بالتدليس، وهو في سوء الحفظ مثل ابن أبي ليلى وقيس بن الربيع، وكلهم اعتراهم سوء الحفظ لما ولوا من القضاء.
والثانية: إبراهيم، فإنه لا تعرف حاله، وهو كوفي يروي عن أبيه مرسلًا، ومنهم من يقول: حدّثني أبي. انتهى كلامه.
وعليه فيه مآخذ، منها: تدليس شريك المخوف زال بحديث آدم عنه المصرح فيه بحدّثنا إبراهيم من عند ابن حبان، ومنها: تسويته بين شريك وقيس ومحمد في سوء الحفظ، وليس كذلك؛ لأنه ممن خرج مسلم حديثه في صحيحه. وقال فيه ابن معين: ثقة ثقة. وهو أحب إلي من أبي الأحوص، وجرير، ليس يقاس هؤلاء به. وفي رواية: ثقة إلا أنه لا يتقن، ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة، قال فيه الإمام أحمد نحو ذلك، زاد: وهو في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل، وخالف ذلك أبو داود، وسيأتي كلامه.
وقال وكيع: لم نر أحدًا من الكوفيين مثل شريك، وحدث عنه ابن مهدي، وقال العجلي: ثقة حسن الحديث. وقال ابن عدي: والغالب على حديثه الصحة
والاستواء. وقال أبو داود: ثقة يخطئ على الأعمش، زهير وإسرائيل فوقه. وقال الآجري: وسمعت أبا داود يقول: إسرائيل أصح حديثًا من شريك، وسمعت أبا داود يقول: أبو بكر بن عياش بعد شريك، قال الآجري: سمعت أحمد بن عمار بن خالد، سمعت سعدويه يقول لإبراهيم بن محمد بن عرعرة: ارو هذا، أنا سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: شريك أعلم بحديث الكوفة من سفيان.
وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، كتب الحديث، وكان يغلط، توفي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائة.
ولما ذكره الحربي في كتاب العلل قال: كان ثقة. وقال الفسوي في تاريخه: ثقة صدوق، صحيح الكتاب، رديء الحفظ، مضطربه.
وقال النسائي في التمييز: ليس به بأس، فكيف يشبه من يكون هذه حاله بابن أبي ليلى؟! القائل فيه شعبة بن الحجاج: ما رأيت أسوأ حفظًا منه.
قال أحمد: سيئ الحفظ، مضطرب في الحديث. وكذلك قاله يحيى بن سعيد، زاد: جدا.
وقال أبو حاتم: شغل بالقضاء فساء حفظه.
وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ، فكثرت المناكير في حديثه، فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى، وكذلك زائدة.
وقال الدارقطني: هو رديء الحفظ، كثير الوهم.
وقال ابن طاهر في كتاب التذكرة: أجمعوا على ضعفه، وليس كما ذكر؛ لأنّ العجلي ذكره في تاريخه، فقال: كان صدوقا جائز الحديث، صاحب سنة، فلا إجماع إذًا، والله تعالى أعلم.
وأما قيس بن الربيع فقال فيه أحمد لما سئل عنه: لم يترك الناس حديثه، وقال: كان يتشيع ويخطئ في الحديث، ويروي أحاديث منكرة.
وقال الجوزجاني: ساقط.
وقال أبو داود: إ ما أتي من قبل ابن له، كان يدخل أحاديث الناس في فُرَج كتابه، ولا يعرف الشيخ ذاك.
وقال الأزدي: كان يعلّق النساء بثديهن، ويرسل عليهن الزنابير، وتكلم فيه غير هؤلاء.
ومنها قوله: إبراهيم لا يعرف حاله، وليس كما قال، فإنه ممن روى عنه أبان بن عبد الله البجلي، وحميد بن مالك اللخمي، وداود بن عبد الجبار، وزياد بن أبي سفيان، وقيس بن مسلم الجدلي، وشريك، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات.
وقال ابن عدي: لم نضعفه في نفسه، وإنما قيل: لم يسمع من أبيه شيئا، وأحاديثه مستقيمة تكتب.
ومنها قوله: ومنهم من يقول حدثني أبي، وذلك لا يستقيم، وأنى له السّماع من أبيه مع قول ابن سعد فيه: مولده بعد موت أبيه.
وكذلك قاله الحربي في كتاب العلل، وبنحوه ذكره الآجري.
ومنها: إغفاله علّة هي في الحقيقة إن صحت علة الخبر لا ما ذكر، وهي ما ذكره أبو عبد الله أحمد بن حنبل حين سأله حنبل عنه؟ فقال: هذا حديث منكر.
وأشد من هذا ما ذكر أبو داود من رواية ابن العبد عنه: ثنا محمد بن عبد الله المخرمي، ثنا وكيع، عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن المغيرة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة. فهذا كما ترى إبراهيم صرح بأنه لم يسمعه من أبي زرعة، إنما سمعه من المغيرة عنه، ولو كان أتى بلفظ يشعر بسماعه منه لكنا نقول: سمعه منه وعنه، فلما يأت بذلك، إنما قاله معنعنا؛ دلنا ذلك على انقطاع حديثه؛ لرؤيتنا واسطة بينهما، ولا أدري من هو في جماعة مسمين بهذا الاسم، وفي هذه الطبقة؟
ولفظ أبي داود: كان عليه السلام إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة، فاستنجى ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر يتوضأ، ولما ذكره الحافظان أبو محمد المنذري، وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتابيهما، قالا: خرجه أبو داود وابن ماجه، تبعا في ذلك الحافظ أبا القاسم ابن عساكر، وهو وهم منه؛ لأنّه ثابت في كتاب السنن للنسائي المجتبى والكبير، ولفظه: فتوضأ، فلما استنجى دلك يده بالأرض رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا وكيع، عن شريك،
وأشار الطبراني في الأوسط إلى أن إبراهيم تفرّد به وعنه شريك.
وأما قول من قال من العلماء المتأخرين: إن ابن خزيمة خرجه في صحيحه، فيشبه أن يكون وَهِمَ؛ لأنّي نظرت كتاب ابن خزيمة فلم أجد ذلك فيه، إنّما فيه حديثه، أعني إبراهيم، عن أبيه، الآتي بعد، فلعله اشتبه عليه، والله أعلم.
ورواه أبان بن عبد الله، عن مولى لأبي هريرة، عن أبي هريرة، قال عليه السلام: ائتني بوضوء، ثم دخل غيضة، فأتيته بماء؛ فاستنجى ثم مسح يده بالتراب، ثم غسل يده.
ذكره الدارمي في مسنده، عن محمد ابن يوسف عنه، وأبو زرعة اختلف في اسمه، فذكر الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب الأسماء والكنى من تأليفه أنَّ اسمه عمرو بن عمرو بن جرير بن عبد الله. أنا محمد بن عيسى، سمعت عباسًا، سمعت يحيى يقول: اسم أبي زرعة بن عمرو بن جرير: عمرو بن عمرو بن جرير. وفرَق بينه وبين أبي زرعة هَرِم. وقال عن علي: هرم أبو زرعة ليس هو ابن عمرو بن جرير، إنما هو آخر.
ثم في الطبقات لابن سعد: كان لجرير ابن يقال له عمرو، وبه كان يكنى، هلك في إمارة عثمان، فوُلد له ابن، فسماه جرير بن عبد الله باسم أبيه، وغلب عليه أبو زرعة، وأبى ذلك أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات، وأبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستغناء، فلم يذكرا غيره.
زاد أبو حاتم: وقد قيل: اسمه كنيته.
وأما أبو حاتم الرازي وأبو زرعة فسمّياه عبد الرحمن.
وأما مسلم فاختلف قوله، فسماه في الطبقات عبد الله، وفي الكُنى هرما.
95 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، نا أبان بن عبد الله، حدّثني إبراهيم بن جرير، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته، وأتاه جرير بإداوة من ماءٍ، فاستنجى بها، ومسح يده بالتراب.
هذا حديث رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن محمد بن يحيى، كما رواه أبو عبد الله، ولما خرجه أبو عبد الرحمن النسائي إثر حديث شريك المتقدم قال: هذا أشبه بالصواب من حديث شريك، ومع ذلك ففيه علّتان، يضعف الحديث بواحدة منها:
الأول: ما أسلفناه من أن جريرًا توفي قبل ولادة ابنه إبراهيم.
وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه، وكذلك قاله يعقوب.
ولما ذكر الدارقطني حديثه عن أبيه في المسح على الخفين، ومن رواه عنه كذلك - قال: خالفهما شريك؛ فرواه عن إبراهيم، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، وهو أشبه، والله تعالى أعلم.
وذكر بعضهم أنه لم يذكر عنه أحد قوله: حدثني أبي إلا داود بن عبد الجبار، وهو متهم بالكذب.
الثانية:.
ذكره بحشل في تاريخه: ثنا حسين بن عبد الرحمن، ثنا موسى بن داود، ثنا هشيم عن عروة بن عبد الله أبي عبد الله البزاز الهمداني عن الشعبي عنها أنها قالت: إن شئتم أريتكم المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك يده إذا توضأ.
التور بتاء ثالث الحروف: إناء يشرب فيه. ذكره الجوهري. وفي الجمهرة لابن دريد: التور عربي معروف، هكذا يقول قوم. وقال آخرون: هو دخيل. فأمّا التور الرسول فعربي صحيح، وقال الجواليقي: هو إناء معروف يذكره العرب، قال أبو عبيد عن أبي عبيدة: ومما دخل في كلام العرب الطست والتور والطاجن، وهي فارسية كلها.
وقال الزمخشري في الأساس: هو إناء صغير مذكر عند أهل
اللغة، ومررت بباب العمرة على امرأة تقول لجارتها: أعيريني تويرتك. وسُمي بذلك لأنه يتعاور ويردد، سمي بالتور وهو الرسول الذي يدور بين العشاق، مأخذه من التارة؛ لأنه تارة عند هذا، وتارة عند هذا.
وذكر أبو موسى في المغيث: أنّه إناء يشبه الإِجانة من صفر أو حجارة، يتوضأ منه ويؤكل، والجمع أتوار.
والغيضة: الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع، فينبت فيه الشجر، والجمع: غياض، وأغياض، وغيض الأسد: أي ألف الغيضة. ذكره في الصحاح.
وقال أبو موسى: هو شجر ملتف، وفي الجامع: يقال لما كثر من الطرفاء والأثل وما أشبهه: غيض. وقال أبو حنيفة: الغيضة: ما كان من الغرب خاصة، والِذي جاءت به الأشعار خلاف هذا، قال رؤبة:
في غيضة شجراء لم تمعَّر
…
من خُشْب عاس وغاب مثمر
فجعلها من المثمر وغير المثمر، وجعلها أيضا غابة، وأي غَرب بنجد يلي غُرب الأرياف إذا اجتمعت، فهي غياض، وكذلك إن كانت من غير الغرب بعد أن تجتمع وتلتف، قال الطرماح:
ومخاريج من شعار وغيـ
…
ـل وغماليل مُدجنات الغياض
والغلول: بطن من الأرض، غامض، ذو شجر، والغال نحو منه، ذكر ذلك أبو عمرو فجعلها غياضا، وهي ألفاف من الشجر، وليست منابت غرب، وشبيه به الغيل، والغيطلة، والغابة.
وفي الغريب المصنف: ونحو منه السرداج، والخبراء، والسَّلان، والعقرة.
وفي كتاب أسماء الشجر لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري: ومثله الحرجة، والنوطة، والفرش، والوهط، والسليل، والرجلة، وقصيمة، ودبيل، والقصيصة، والسبت، وعببة، وباعجة، وربض، وصربة، والأباءة، والعصل، والشجراء، والأجمة، والخميلة، والخمر.
تغطية الإِناء
96 -
حدّثنا محمد بن يحيى، نا يعلى بن عبيد، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نوكي أسقيتنا ونغطي آنيتنا.
هذا حديث لما خرجه الترمذي قال فيه: حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
وقال ابن منده: إسناده صحيح على رسم الجماعة، إلا البخاري لأبي الزبير، وسنعيد ذكره مطولا في كتاب الأشربة حيث أعاد أبو عبد الله ذكره فيه، إن شاء الله تعالى.
97 -
حدثنا عصمة بن الفضل ويحيى بن حكيم قالا: حدّثنا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، ثنا حريش بن خريت، أنا ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: كنت أضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية من الليل مخمرة: إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشربه.
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف راويه حريش أخي الزبير بن خريت، وإن كان قد روى عنه حرمي، ومسلم بن إبراهيم، والمؤرج بن عمرو السدوسي، فقد قال فيه البخاري: فيه نظر، وهو إذا قال هذا اللفظ يريد أنه لا يحتمل، هكذا أُخبر عن اصطلاحه فيما ذكره الدولابي عنه.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال الرازي: لا يحتج بحديثه.
وقال الدارقطني: يعتبر به.
وقال ابن عدي: ولا أعرف له كثير حديث، فأعتبر حديثه، فأعرف ضعفه من صدقه.
ولما رواه البزار من حديث حرمي قال: وهذا الحديث لا نعلمه يُرْوَى إلا عن عائشة، ولا نعلم له إسنادًا عن عائشة إلا هذا الإِسناد.
وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن ابن أبي مليكة إلا
الحريش. تفرد به حرمي.
98 -
حدّثنا أبو بدر عباد بن الوليد، ثنا مطهر بن الهيثم، ثنا علقمة بن أبي جمرة الضبعي، عن أبيه أبي جمرة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدّق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه.
هذا حديث معلل بأمرين:
الأول: الجهالة بحال علقمة هذا، فإني لم أر أحدًا ذكره، ولا ذكر له راويا غير ما في هذا الإِسناد بغير زائد عليه.
الثاني: مطهر بن الهيثم، وإن كان قد روى عنه جماعة، فقد قال فيه ابن يونس: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: يروي عن موسى بن علي ما لا يتابع عليه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات.
وقد وقع لنا هذا الحديث بعلو درجتين، فإني سمعته من طريق ابن ماجه، أنبأ به المسند المعمر بدر الدين الزكي بقراءتي عليه، أنبأكم ابن رواح، عن أبي الطاهر، نا أبو القاسم الأرحبي، أنا أبو الحسن الدارقطني بكتاب المقلين من أبناء المكثرين، ثنا محمد بن مخلد، ثنا أبو بدر، فذكره.
وفي كتاب البغوي الكبير: أنا أبو العلاء، ثنا الليث، عن معاوية بن صالح، أن أبا حمزة حدّثه، عن عائشة، فذكرت حديثًا فيه: ولا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكل وضوءه إلى غير نفسه، حتى يكون هو الذي يهيئ وضوءه لنفسه حين يقوم من الليل.
وأما الوكاء فذكر ابن دريد في الجمهرة أنه كل خيط شدّدت به وعاءً متحفظا له.
وفي (الجامع) تقييده بالمدّ، وبكلّ حبل وخيط.
وفي الصحاح تقييده بالذي يشدّ به رأس القربة.
وذكره الزمخشري في باب الحقيقة.
وأما (السقاء) فذكر ابن دريد أنه القربة الصغيرة، والجمع: أسقية. وفي الجامع تقييده بالماء. وفي الصحاح: يكون للبن والماء، والجمع: أسقية وأسقيات، والكثير أساق.
غسل الإِناء من ولوغ الكلب
99 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين قال: رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده، ويقول: يا أهل العراق إنكم تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون لكم المهنأ، وعلي الإِثم: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات.
100 -
ثنا محمد بن يحيى، ثنا روح بن عبادة، ثنا مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات.
هذا حديث اجتمع على تخريج أصله الأئمة الستة، وفي مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات، أولهن بالتراب.
وفي الترمذي: أولاهن أو أخراهن، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة. وقال: حسن صحيح.
وفي مسلم من حديث الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا: فليهرقه وليغسله سبع مرات، زاد ابن خزيمة من حديث علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن الأعمش: وإذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش فيه حتى يصلحه. وزعم النسائي أن هذه الزيادات لم يتابع ابن حجر عليها أحد، أعني قوله: فليرقه.
وفي الصحيح: إذا شرب من حديث مالك، وكذا هو في
الموطأ، قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا قال مالك: إذا شرب، وغيره من رواة حديث أبي هريرة يقول: إذا ولغ. وهو الذي يعرفه أهل اللغة، وتابعه على ذلك الإِسماعيلي وابن منده، وليس كما قالوا لأمرين:
الأول: مالك رحمه الله لم ينفرد بهذه اللفظة، بل تابعه عليها غيره، عن الأعرج، وهو المغيرة بن عبد الرحمن، وورقاء، فيما ذكره الجوزقي وغيره، ووقعت هذه اللفظة أيضا من رواية أبي همام محمد بن الزبرقان قال: ثنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة.
الثاني: في قول أبي عمر: (هكذا قال مالك) يقتضي ظاهره اتفاق الرواة عنه على ذلك، فإنهم لو اختلفوا كان القول منسوبا إلى رواة هذه اللفظة عنه دون غيرهم، وقد رواه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان، عن أبي عبيد القاسم بن سلام، عن عمر، عن مالك بإسناده سواء. ولفظه: إذا ولغ، وذكر الدارقطني رحمه الله أنَّ أبا علي الحنفي رواه عن مالك كذلك أيضا، فظهر بمجموع ما تقدم بطلان قول من وهم على مالك، وأنه مما قرِف به بريء، والله تعالى أعلم.
وفي كتاب أبي الشيخ الأصبهاني: فليمصه بالماء سبعا، وفي الأوسط للطبراني من رواية هشام بن حسان ويونس بن عبيد، عن ابن سيرين: أولاهن بالتراب، ورواه أبان، عن قتادة، عنه: السابعة بالتراب، ورواه خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أولاهن، قال البيهقي: غريب، إن كان حفظه معاذ، يعني: عن أبيه، عن قتادة، عن خلاس، فهو حسن؛ لأن التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غير ابن سيرين، عن أبي هريرة، وإنما رووه عن هشام، عن قتادة، عن ابن سيرين، ورواه ابن أبي عروبة، عن
أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة: أولهن. وفي رواية أبان، وغيره، عن قتادة، عنه: السابعة. وفي رواية يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين: إحداهن. انتهى.
وفي قوله: لم يروه عن أبي هريرة ثقة غير ابن سيرين - نظر؛ لما أورده أبو الحسن الدارقطني في كتاب السنن بإسناد حسن، فقال: ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا يزيد بن سنان، ثنا خالد بن يحيى الهلالي، ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه يغسل سبع مرات، الأولى بالتراب.
والحسن أنكر سماعه من أبي هريرة جماعة. وفي كتاب الطبراني الأوسط ما يوضح لك أنّ ذلك ليس بصواب، وأن الصواب عكسه.
قال أبو القاسم: ثنا محمد بن زياد الأبزاري، ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا أبو عاصم العباداني، ثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، عن الحسن قال: خطبنا أبو هريرة. فذكر حديثًا طويلًا. قال في آخره: لا يُروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإِسناد. تفرّد به عبد الأعلى.
وهذا الحديث يؤيد قول من قال: إن الحسن سمع من أبي هريرة بالمدينة، وقد رأى الحسن عثمان يخطب على المنبر، والله أعلم.
وفي المعجم الصغير له قال: وقال بعض أهل العلم: إنه سمع منه.
وفي كتاب أبي موسى المديني المسمّى بالترغيب والترهيب، من حديث عمرو بن عدي، عن صالح بن محمد بن سلمة الكندي، عن حماد بن عبد الله، سمعت الحسن يقول: سمعت أبا هريرة يقول .. فذكر الحديث.
وفي كتاب النصيحة للآجري، وتفسير القرآن العظيم للثعلبي بإسناد لا يحضرني الآن ذكره، وفي كتاب المناهي تأليف أبي القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي: ثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد، ثنا محمد بن أحمد الغساني، ثنا مهدي بن جعفر الرملي، ونا أبو الخليل العباس بن
الخليل الطائي الحمصي، ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، قالا: ثنا ضمرة بن ربيعة، ثنا عباد بن كثير بن قيس الثقفي، ثنا عثمان بن الفرج، عن الحسن بن أبي الحسن قال: حدّثني سبعة رهط من الصحابة: عبد الله بن عمر، وأبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكر حديثًا مطولًا عن الحسن. قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة، عن قصور الجنة، فقالا: على الخبير بها سقطت
…
الحديث.
وفي مسند أبي داود الطيالسي بإسناد على شرط الشيخين: ثنا عباد بن راشد، ثنا الحسن، ثنا أبو هريرة، ونحن إذ ذاك بالمدينة، قال: يجيء الإِسلام يوم القيامة .. الحديث.
ثنا أبو الأشهب، عن الحسن قال: قدم رجل من أهل المدينة فلقي أبا هريرة .. فذكر حديثًا طويلًا، في آخره قال أبو داود: سمعت شيخا في المسجد الحرام يحدّث بهذا الحديث، قال: وقال الحسن وهو في مجلس أبي هريرة لما حدث هذا الحديث .. فذكر كلامًا.
وفي كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شاهين: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وما كتبته إلا عنه، ثنا أحمد بن محمد اليمامي، ثنا النَّضر بن محمد، ثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال عليه السلام: إذا أراد أحدكم أن يغشى المرأة .. الحديث. قال: هذا حديث صحيح غريب، ما كتبناه عن أحد إلَّا عن عبد الله بن سليمان.
وقال الدارقطني في كتاب العلل: ثنا دعلج، قال: سمعت موسى بن هارون يقول: سمع الحسن من أبي هريرة، إلا أنّه لم يسمع منه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قعد بين شعبها الأربع، بينهما أبو رافع، ولما خرج الترمذي حديث: لعن
عبد الدينار وعبد الدرهم من حديث يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال فيه: حسن غريب.
وقال في حديث أبي هريرة: إن موسى كان ستيرا عن عبد بن حميد، عن روح بن عبادة، عن عوف، عن الحسن ومحمد بن خلاس عنه. قال: هذا حديث حسن صحيح.
ولما خرج ابن حبان في صحيحه حديث الإِسراء من جهة همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس عن مالك بن صعصعة، قال في وسطه: قال قتادة: وثنا الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون منه، ثم رجع إلى حديث أنس فذكره.
وأما ما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم: ثنا علي بن الحسن الهسنجاني، ثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي، ثنا إسماعيل بن علية، عن شعبة، عن قتادة قال: قال الحسن: إنا والله ما أدركنا إلا وقد مضى صدر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأول.
قال قتادة: إنما أخذ الحسن عن أبي هريرة، قلت له: زعم زياد الأعلم أن الحسن لم يلق أبا هريرة؟ قال: لا أدري. فظاهره يحتمل إنكار قول زياد وعدم رجوع قتادة إليه، وأنه أخبر بالواقع الذي عنده، وكأنه يقول لا أدري، متهكما بقول زياد، والله تعالى أعلم.
فقد ظهر بمجموع ما تقدم صحة قول من قال: إنه سمع من أبي هريرة، وفساد قول من خالف ذلك.
وفي كتاب البزار، عن يونس، عن ابن سيرين: أولهن أو آخرهن.
وفي رواية عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فلا يجعل فيه شيئًا حتى يغسله سبع مرات.
قال في الأوسط: لم يروه عن صفوان بن سليم عن عطاء إلا إبراهيم
ابن محمد. تفرد به إسماعيل بن عياش.
وفي مشيخة ابن المني: إذا ولغ الكلب في الإِناء غسل سبع مرات، أولاهن بالتراب، وإذا ولغ الهر غسل مرة.
وستأتي محصلات ولوغ الهر، وفي تاريخ أبي عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني، ومن خطه نقلت: ثنا الحسين بن عبد الله، ثنا الربيع بن سليمان الجيزي، ثنا سعيد بن عفير، ثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: يغسل الإِناء من الخمر كما يغسل من الكلاب.
قال أبو عبد الله: تفرد به يحيى بن أيوب.
101 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة، ثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت مطرفًا، يحدث عن عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في الإِناء، فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه بزيادة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ
…
الحديث.
102 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، أنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات.
هذا حديث ظاهر إسناده صحيح على شرط الشيخين، وليس كذلك؛ لقول ابن عساكر في كتاب الأطراف: وفي نسخة عبد الله وهو أشبه، ولما ذكر ابن سرور مشائخ سعيد بن الحكم بن أبي مريم لم يذكر عبيد الله فيهم، إنما ذكر عبد الله، وبذلك
يخرج الإِسناد من الصحة إلى الضعف؛ لما قيل في.
وفيه ردّ لما قال الترمذي إثر حديث أبي هريرة: وفي الباب عن ابن مغفل، وأغفل أيضا حديث علي بن أبي طالب من عند الدارقطني، يرفعه: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالبطحاء.
وإسناده لا بأس به، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط مطولا قال: لم يروه عن أبي إسحاق، يعني عن هبيرة بن يريم، عن علي - إلا إسرائيل، ولا عنه إلَّا الجارود بن يزيد، ولا يُرْوَى عن علي إلَّا بهذا الإِسناد.
قوله: إذا ولغ، الولغ من الكلاب والسباع كلها هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع، فيحركه فيه، عن ثعلب: تحريكًا قليلا أو كثيرًا. قاله المطرز.
وقال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع، قيل: لعقه ولحسه. قال المطرز: فإن كان
الإِناء فارغا، يقال: لحس، فإن كان فيه شيء، قيل: ولغ. وقال اللبلي: هذا يقتضي أنه إذا كان في الإِناء شيء، مائعا كان أو غيرَ مائع، فإنه يقال فيه: ولغ، وهو خلاف ما تقدّم قبل عنه وعن غيره.
وقال ابن درستويه: معنى ولغ: لطعه بلسانه، شرب فيه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن، وفي الصحاح: ولغ الكلب بشرابنا، وفي شرابنا ومن شرابنا، وقال المطرز: ولا يقال: ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه.
وقال ابن جنِّي في شرحه شعر المتنبي: أصل الولغ: شرب السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار للشرب مطلقًا. وعن ثعلب: سمعت ابن الأعرابي وقد سئل: أيكون الولوغ في الطير؟ قال: لا يكون إلَّا في الذباب وحده، وتبعه على ذلك المطرز في كتاب الياقوت، والجوهري، وغيرهما، وأنشد المطرز:
تذب عنه كف بها رمق
…
طيرا عكوفًا كزور العرس
عما قليل خلسن مهجته
…
فهن من والغ ومنتهس
وفي كتاب الفصيح: ولَغ - يعني بفتح اللام - الكلب في الإناء، يلغ ويولغ: إذا ولغه صاحبه، وينشد هذا البيت:
ما مر يوم إلَّا وعندهما
…
لحم رجال أو يولغان دما
وذكر عنه المطرز أنه يقال فيه: ولِغ بكسر اللام، ولكنّها لغة غير فصيحة، وتبعه على ذلك أبو علي وابن القطاع وابن سيده في المحكم، وأبو حاتم السجستاني في تقويم المفسد، زاد: وسكن بعضهم اللام، فقال: ولْغ. قال ابن جني: مستقبله يلَغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولِغ بالكسر يلَغ بالفتح. زاد ابن القطاع: ويلِغ بكسر اللام كما في الماضي.
وقد جاء في بعض ألفاظ حديث أبي هريرة مرفوعًا: يغسله بالماء ثلاثًا أو خمسا أو سبعًا، ولكن في الطريق إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف، وعنه عبد الوهاب بن الضحاك، قال
الدارقطني: تفرّد به، وهو متروك الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا الإسناد: فاغسلوه سبعًا. وهو الصواب.
ومن طريق عبد الملك، عن عطاء، عنه: إذا ولغَ الكلب في الإناء، فأهرقه، ثم اغسله ثلاث مرات.
قال الدارقطني: هذا موقوف، ولم يروه هكذا غير عبد الملك، عن عطاء، وبهذا تعلّق الحنفيون اعتمادًا منهم على أن أبا هريرة لا يخالف ما روى إلا لأمر ثبت عنده في روايته.
وغيرهم يقول: الحجة في روايته، لا في رأيه، وهو الصواب، وعليه أكثر المحدثين.
وقال الحربي بأن حديث الثلاث منكر، والأصل فيه موقوف، ليس فيه: فليرقه وليغسله ثلاث مرات.
الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك
103 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا مالك بن أنس، أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت كعب، وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة: أنها صبت لأبي قتادة ماء يتوضأ به، فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء، فجعلت أنظر إليه، فقال: يا ابنة أخي، أتعجبين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها ليست بنجس، هي من الطوافين أو الطوافات.
هذا حديث قال فيه الترمذي لما خرجه: حسن صحيح، وهذا أحسن شيء في الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق، ولم يأت به أحد أتم من مالك.
وقال البخاري: جوّد مالك هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره، وخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، وأبو حاتم في صحيحه أيضا.
وقال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه على أنهما فيما أصلاه لا يعذران في تركه، إذ هما قد شهدا جميعا لمالك بأنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صححه واحتج به في الموطأ.
ولما ذكره ابن المنذر حكم بثبوته، وصححه أيضا أبو محمد بن حزم، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد الإشبيلي.
وخالف ذلك الحافظ ابن منده بقوله: أم يحيى اسمها حميدة، وخالتها هي كبشة، لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، ومحلهما محل الجهالة، لا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، وسبيله سبيل المعلول، وليس بمعول على
قوله مع ما تقدّم من إخراج مالك وغيره حديثهما، وتوثيق من وثقهما، وقول الإِمام أحمد بن حنبل: إذا روى مالك عن رجل لا يعرف فهو حجة.
[ومع ذلك فله غير شاهد، من ذلك: رواه همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة بنحوه، ورواه الشافعي عن الثقة عن يحيى بن أبي كثير، ورواه عبد الواحد عن الحجاج عن قتادة عن ابن أبي قتادة: عبد الله عن أبيه، ورواه يعلى بن عبيد عن سفيان عن خالد عن عكرمة قال: لقد رأيت أبا قتادة يقرب طهوره إلى الهرة، فتشرب منه، ثم يتوضأ بسؤرها، وابن علية عن أيوب عن أبي قلابة قال: كان أبو قتادة
…
الحديث، ورواه عبيد الله بن عمر العمري عن إسحاق عن أبي سعيد الخدري يرفعه، قاله إسماعيل بن عياش عنه، ورواه أخوه عبد الله عن إسحاق عن أنس عن أبي قتادة، قاله أبو عمر]، وقد رواه عن إسحاق كرواية مالك جماعة، منهم: همام بن يحيى، وحسين المعلم، وابن عيينة، وهشام، وإن كانا لم يقيما إسناده، فكلّهم يقول في الحديث: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنها ليست بنجس. ومن أسقط ذلك فلم يحفظه لثبوته في رواية الحفاظ.
قال أبو عمر: ورواه يحيى بن يحيى، عن حميدة بنت أبي عبيد، والصواب: بنت عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري. وقال: عن خالتها، وسائر رواة الموطأ لا يذكرون ذلك.
واختلف في رفع الحاء ونصبها من حميدة، والضم أكثر، وتكنى: أم يحيى، فهي امرأة إسحاق. ذكر ذلك القطان عن مالك، وكذلك قال فيه ابن المبارك، إلَّا أنه قال: كبشة امرأة أبي قتادة، وهو وهم. انتهى كلامه. وفيه نظر، وذلك أن ابن المبارك رواه على الصواب، فلعلّ الاختلاف كان عليه لا منه، ذكر ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه، فقال: ثنا وكيع، ثنا هشام وابن المبارك، عن إسحاق، عن حميدة، عن امرأة عبد الله بن
أبي قتادة عنه، فذكره.
ولئن كان ابن المبارك تفرد بهذه اللفظة كما قال أبو عمر، فقد توبع عليها.
قال النسائي في كتاب مسند مالك: أنا قتيبة وعتبة بن عبد الله، عن مالك، عن إسحاق، عن حميدة، عن كبشة، وكانت تحت أبي قتادة
…
الحديث.
وفي كتاب الدارقطني: وكذا قاله البستي وعبد الرزاق عن مالك، في مسند الشافعي نحوه، وكذا رواه زيد بن الحباب، عن مالك، عند الحاكم، وهو خلاف ما عند ابن ماجه في الباب.
قال أبو عمر: وروي مرسلا ومرفوعا، وهو الصحيح، ولعل من وقفه لم يسأل أبا قتادة: هل عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر أم لا؟ لأنهم حملوا فعل أبي قتادة حسب، وأحسنها إسنادًا: ما رواه مالك، فحفظ أسماء النسوة وأنسابهن، وجود ذلك ورفعه، والله أعلم.
104 -
حدّثنا عمرو بن رافع، وإسماعيل بن توبة قالا: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن حارثة، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، قد أصابت منه الهرة قبل ذلك.
هذا حديث معلل بأمرين:
الأول: ضعف حارثة بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان المدني؛ فإن الإِمام أحمد لما سئل عنه قال: ضعيف ليس بشيء، وسئل عنه أبو زرعة فقال: واهي الحديث ضعيف.
وقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث، منكر الحديث.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه
منكر.
وقال النسائي: متروك الحديث، وفي موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
وقال أبو عيسى: تكلم فيه من قبل حفظه.
وقال ابن معين: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال علي بن الجنيد: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: فحش خطؤه، وكثر وهمه، فتركه أحمد ويحيى.
وقال الساجي: منكر الحديث.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
ولما ذكره أبو جعفر في كتاب المشكل، قال: إنّما يرويه حارثة، وهو ممن يتكلم في حديثه، ويضعف غاية الضعف.
الثاني: انقطاع ما بين حارثة وجدته عمرة، وأنه جاء عنه أنه روى هذا الحديث عن أمّه عنها فيما رواه الطحاوي، وأمه مجهولة العين، فضلًا عن الحال، وإنّ كان معروفَ السماعِ من جدَّتِهِ.
فهنا أورثنا شبهة من كونه لم يصرح بالسماع، إنما أتى بلفظة عن، وعلى ذلك فقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة لا ذكر لحارثة فيها.
قال الحاكم: ثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي ببخارى، ثنا محمد بن أيوب، ثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي، ثنا سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي، قال: سمعت منصور ابن صفية بنت شيبة يحدّث عن أمه صفية، عن عائشة .. فذكره. وقال: إسناده صحيح.
وله في كتاب أبي داود طريق أخرى جيدة، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة، نا عبد العزيز، عن داود بن صالح بن دينار التمار، عن أمه: أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة
…
الحديث.
قال الدارقطني في السنن: تفرد به عبد العزيز، عن داود بن صالح، عن أمه بهذه
الألفاظ. وبنحوه قاله الطبراني في الأوسط. انتهى.
داود هذا قال فيه الإمام أحمد: لا أعلم به بأسًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى حديثها أيضا البغوي في معجمه، عن أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الأيامي، ثنا أبو عباد عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلقي الإناء للسنور حتى يشرب، ويتوضأ منه.
وكذا الترمذي فإنه لما خرج حديثها في باب المواقيت، قال فيه: حسن صحيح.
105 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهرة لا تقطع الصلاة؛ لأنها من متاع البيت.
هذا حديث إسناده جيد لا بأس به، وعلى رأي أبي عبد الله ابن البيع يكون صحيحا، وذلك أنه لما خرج حديث وسيلة آدم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم قال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو من.
وقد تابعه الحكم بن أبان فيما ذكره ابن خزيمة في صحيحه فقال: ثنا محمد بن يحيى، نا إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: حدثني أبي، عن عكرمة قال: قال أبو هريرة، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: الهرة من متاع البيت.
وأما قول الترمذي إثر حديث أبي قتادة: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة - ففيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث أبي سعيد الخدري، ولما في الأوسط للطبراني من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان، فقال: يا أنس اسكب لي وضوءا، فسكبت له، فلما قضى حاجته أقبل إلى الإناء، وقد أتى هر فولغ في الإناء، فوقف له النبي صلى الله عليه وسلم وقفة حتى شرب الهر، ثم توضأ، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الهر، فقال: يا أنس، إن الهر من متاع البيت، لن يقذر شيئا ولن ينجسه. قال: لم يروه عن جعفر إلَّا عمر بن حفص ولا روى علي بن الحسين عن أنس حديثا غير هذا.
قال الحاكم: وقد صح على شرط الشيخين في الهرة ضد هذا ولم يخرجاه، ثم ذكره من حديث أبي بكرة، عن أبي عاصم، عن قرة بن خالد، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب، والهر مثل ذلك.
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين،.
ثنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، ثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه، ثنا بكار بن قتيبة وحماد بن الحسن بن عنبسة، قال: ثنا أبو عاصم
…
فذكره.
وقد شفى علي بن نصر عن قرة في بيان هذه اللفظة: ثناه أبو محمد المزني، ثنا أبو معشر
الحسن ابن سليمان الدارمي، ثنا نصر بن علي، ثنا أبي، ثنا قرة بن خالد، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب.
ثم ذكر أبو هريرة الهر، لا أدري قال: مرة أو مرتين، قال نصر: وجدته في كتاب أبي في موضع آخر في الكلب مسندًا وفي الهر موقوفًا، تابعه في توقيف ذكر الهر مسلم بن إبراهيم، فقد ثبت الرجوع في حكم الشريعة إلى حديث مالك في طهارة الهر. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه:
الأول: إذا كان الحديث قد صح عندك وقفه، فلأي شيء حكمت بصحة رفعه مع وجود هذه العلّة عندك؟ على أن الطحاوي لم يعتد بذلك، ولم يجعله علّة؛ لأن ابن سيرين كان يقول: كلُّ ما أحدث به عن أبي هريرة فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: قوله في حديث بكار: صحيح على شرط الشيخين، وليس كما زعم؛ فإنه لم يخرج له الشيخان في صحيحيهما شيئًا، ولا يمكن ذلك، ولو خرجه من جهة البزار لصح له قوله، فإن البزار رواه عن عمرو بن علي، نا أبو عاصم، ثنا قرة .. فذكره.
الثالث: أنت قد صححت حديث: الهرة سبع من حديث عيسى بن المسيب. وقال: تفرّد به عن أبي زرعة إلا أنه صدوق لم يجرح قط، فلَئِن سلمنا لحكمه ذلك، فلقائل أن يقول: إذا كانت من السباع كان سؤرها غير طاهر؛ لأنّ أسآر السباع كذلك، وقد جاء ذلك في حديث تقدّم ذكره بإسناد صحيح أيضًا من عند البيهقي، وذكره الدارقطني - رحمه الله تعالى - من حديث يحيى بن أيوب، يعني الغافقي المصري، وحديثه في الصحيح، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا: يغسل الإِناء من الهر كما يغسل من الكلب.
وروي عن أبي هريرة موقوفًا به من غير وجه، وكذلك عن غيره من التابعين، وحديث ابن عمر: سئل عن
الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين فلن يحمل الخبث.
وأما حديث: لها ما في بطنها، وما بقي فهو لنا طهور ففيه كلام، ولا يصح فيما ذكره الطحاوي، فحصل بذلك التعارض، لا كما زعم، والله أعلم.
الرابع:.
قال الخطابي: الطوافون: هم الذين يريدون الأجر والمواساة.
وقال ابن عبد البر: هم الذين يداخلونا، قال تعالى:{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} .
وفيه أن خبر الواحد، النساء والرجال فيه سواء. وفيه إباحة اتخاذ الهر، وما أبيح اتخاذه للانتفاع به جاز بيعه وأكل ثمنه، إلا أن يخص شيئًا من ذلك دليل، فيخرجه عن أصله.
وفيه أن سؤره طاهر، وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف.
وفيه دليل على أن ما أبيح لنا اتخاذه فسؤره طاهر؛ لأنه من الطوافين علينا، وطهارة الهر تدل على طهارة الكلب، وأن ليس في حي نجاسة إلا الخنزير؛ لأن الكلب من الطوافين علينا ومما أبيح لنا اتخاذه لأمور. وإذا كان حكمه كذلك في تلك المواضع فمعلوم أن سؤره في غير تلك المواضع كسؤره فيها؛ لأن عينه لا تنتقل، ودلّ على ما ذكرناه أن ما جاء في الكلب من غسل الإناء سبعًا أنه تعبد واستحباب، ولا نعلم أحدًا من الصحابة روي عنه في الهر أنه لا يتوضأ بسؤره، إلا أبا هريرة على اختلاف عنه، وسائر التابعين بالحجاز والعراق يقولون في الهر: إنه طاهر، لا بأس بالوضوء من سؤره، إلا عطاء، وابن المسيب، والحسن. والحجة
عند التنازع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا أعلم حجة لمن كره الوضوء بسؤره أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة، وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر عليه، وقد فرقت السنة بينهما في باب التعبد، وجمعت بينهما على ما قدمناه. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:
الأول: قوله: ولا نعلم أحدًا من الصحابة روي عنه في الهر إلا أبا هريرة، وليس كما قال، بل قد قاله منهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
الثاني: قوله: إلا عطاء وابن المسيب والحسن، وليس كذلك؛ بل قد قاله غير هؤلاء، وهم: ابن أبي ليلى، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وطاوس بالغ إلى أن قال: يغسل سبعًا بمنزلة الكلب. ذكر ذلك ابن المنذر في كتاب الإشراف.
الثالث: قوله: لأن الكلب من الطوافين علينا إلى آخره ليس كذلك، ولا تابعه على ذلك العلماء، والكلام معه ومع غيره مستوفى في كتب الفقهاء، ولا يليق ذكره بهذا المختصر لتشعب الكلام فيه.
الرابع: قوله: وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر عليه. وليس كذلك؛ بل يكون بلغه حديث أبي هريرة المتقدّم من عند الحاكم، والدارقطني المصرّح فيه بالغسل من سؤر الهرة سبعا، فأي حاجة للقياس مع هذا النص الصريح؟ والله تعالى أعلم.
وأما السؤر مهموز: فهو ما بقي من الشراب وغيره في الإناء وغيره، فيما ذكره أبو العباس أحمد بن يحيى في كتاب الفصيح.
قالَ ابن درستويه: والعامة لا تهمزه، وتركها الهمز ليس بخطأ. وقال اللبلي: يستعمل في كل بقية، قال: وأسار فلان من الطعام: إذا أبقى منه.
ومن أسماء الهر: القط، والخيطل، والسنور، والأبوسندره، والضيون، ولفظ
(السنور) مؤنث، ويقال لولده: الوبر، ولصوته: الهوآء، مآيمو، مؤا، قاله العسكري في كتاب التلخيص، وفيه نظر من حيث جعله الوبر ولد القط، وذلك أن الوبر: دويبة رأيتها بأرض الشام، لا سيما بالغور صغيرة برية، لا يزيد مقدارها على القطاط، بل هي أصغر من السنانير، وبهذه الصفة حكاه غير واحد من اللغويين.
قال الأجدائي: هي دويبة تقرب من السنور، ولها بول يخثر، وييبس، يتداوى الناس به، يسمى: الصن. وقال القزاز: الوبر بسكون الباء: دويبة أصغر من السنور، طحلاء اللون، لا ذنب لها، وبنحوه قاله في الصحاح والجمهرة، وفي الغريب المصنف: جمع الهر هررة، وجمع الهرة هرر، والله أعلم.
الرخصة بفضل وضوء المرأة
106 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل أو يتوضأ، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبا، فقال: إن الماء لا يجنب.
هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ فممن صححه: أبو عيسى، فإنّه لما خرجه قال فيه: حسن صحيح، وخرجه أبو حاتم في صحيحه عن عمر بن إسماعيل الثقفي ببغداد، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك، أنا أبو يعلى نا أبو معمر القطيعي، نا أبو الأحوص، أنا الحسن بن سفيان، ثنا حبان بن موسى، أنا عبد الله، عن سفْيان، ثنا سماك، فذكره مختصرا.
قال: ولم يقل أحد عن سماك: في جفنة غير أبي الأحوص، ولما خرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث محمد بن يحيى وأحمد بن المقدام قالا: ثنا محمد بن بكر، ثنا شعبة، عن سماك به. ولفظه: الماء لا ينجسه شيء.
قال: هذا حديث أحمد بن المقدام، وخرجه الحاكم من حديث سفيان، وشعبة عن سماك، وقال: قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، ومسلم بسماك، وهذا حديث صحيح ولم يخرجاه ولا يحفظ له علّة.
وفي الخلافيات: وروي مرسلًا، ومن أسنده أحفظ، وروى مسلم معناه في صحيحه من حديث عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يغتسل بفضل ميمونة. وفي بعض طرقه، عن عمرو: أكبر علمي، والذي
يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس، وذلك يوجب تعليله، والله أعلم.
لكن ذكر أبو عوانة في صحيحه: أنا عمرو، أنا جابر أبو الشعثاء سمع ابن عباس
…
فذكره. وقال: قال سفيان: هذا الإسناد كان يعجب به شعبة. أخبرني سمعت كأنه اشتهى توصيله؛ فزالت تلك العَلّة، والله أعلم.
ولما أخرجه البزار من طريقهما قال: وهذا الحديث لا نعلم أحدا أسنده عن شعبة إلَّا محمد بن بكر، ورواه غيره عنه مرسلا، وقد رواه جماعة عن سماك، واقتصرنا على هذين، ولا نعلمه يُروى عن ابن عباس إلَّا من هذا الوجه.
وخرجه ابن الجارود في المنتقى من حديث سفيان، وممن ضعفه الإِمام أحمد بن حنبل بقوله: هذا حديث مضطرب. ذكره عنه الأثرم في سؤالاته.
وفي رواية الميموني عنه: لم يجئ بحديث سماك غيره، والمعروف أنهما اغتسلا جميعا.
وقال أبو طالب: قال أحمد: هذا فيه اختلاف شديد، بعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه، وأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا خلت فلا يتوضأ منه.
وقال ابن حزم: لا يصح لأن سماك كان يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة وغيره، وهذه جرحة ظاهرة، وذكره ابن ماجه في موضع آخر، والدارقطني في سننه من حديث شريك عن سماك، فجعله من مسند ميمونة.
قال ابن القطان: فعلى هذا يجب أن تكون رواية غيره مرسلة، وتبين برواية شريك أن ابن عباس لم يشهد ذلك، إنّما تلقاه من خالته ميمونة. انتهى.
ويجاب عن الاضطراب بأن ذلك لا يقدح إلا مع التساوي، ولا تساوي هنا؛ لأنّ من أرسله لا يقاوم من رفعه، أعني بذلك شعبة وسفيان، ويجاب عن قول ابن حزم بأن شعبة الذي شهد على سماك بالتلقين كان لا يقبل منه حديثا ملقنا فيما أخبر
بذلك عن نفسه، حكاه عبد الحق الإشبيلي، فصح حديثه بهذا الاعتبار.
ويجاب عن قول ابن القطان بأمرين:
الأول: شريك لا يقاس بشعبة والثوري.
والثاني: على تقدير صحة حديثه، فكان ماذا؟! قصاراه أن نقول: هو مرسل صحابي، ولئن كان ذلك فلا ضير؛ لكونه مسندا على الصحيح، ومن المعلوم أنّ ابن عباس لم يكن ليشهد مثل هذا من المصطفى صلى الله عليه وسلم لكونه غير جائز له، والله أعلم.
فتبين بمجموع ما تقدم أن قول من صححه راجح على قول من ضعفه؛ بل هو الصواب، والله تعالى أعلم.
وأما قول ابن حبان: لم يقل أحد عن سماك: في جفنة غير أبي الأحوص، فيشبه أن يكون ليس كذلك؛ لأن الدارمي ذكر في مسنده: ثنا يحيى بن حسان، عن يزيد بن عطاء، عن سماك، عن عكرمة به، وفيه ذكر الجفنة، ثم قال: ونا عبيد الله، عن سفيان، عن سماك بنحوه، اللهم إلَّا أن يكون أراد بالغير ثقة، فلا يردّ عليه حديث يزيد هذا لضعفه، والله أعلم.
النهي عن ذلك
107 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة.
هذا حديث اختلف فيه: فصححه جماعة، وضعفه آخرون، فمن المصححين له أبو محمد بن حزم. ولما ذكر ابن ماجه حديث ابن سرجس بعده؛ قال: الصحيح الأول، والثاني وهم.
وخرجه أبو حاتم البستي من حديث أبي داود، عن شعبة، عن عاصم: سمعت أبا حاجب يحدّث فذكره.
ولما خرجه أبو عيسى في جامعه؛ قال فيه: حديث حسن. ومن المضعفين له أبو عبد الله البخاري، فإن الترمذي سأله عنه فقال: ليس بصحيح. كذا في كتاب العلل. وفي التاريخ الكبير قال: سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي يعد في البصريين، ويقال: الغفاري، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو. وهذا كلام لا يعطي على صراحته تضعيفًا ولا تصحيحًا، وإن كان المنذري قد ذكره في معرض ردّ الحديث لاحتمال أن يكون لفظ الصحة منه عائدة إلى نسبه إلى غفار، وذلك لا يوجب ضعفًا، لكن بضميمة ما في العلل يتبيّن الضعف، ولا يخلص ذلك المنذري؛ لأنه لم ير ما في العلل؛ فلذلك لم يحكه، والذي حكاه في التاريخ لا يوضح مقصده، والله تعالى أعلم. أو تكون عائدة على الانقطاع فيما بين أبي حاجب والحكم، ولئن كان كذلك فليس بشيء أيضًا؛ لما صحّ عن أبي حاجب أنه سمعه منه فيما يبينّ ذلك بعد.
وذكر ابن منده أنه لا يثبت من جهة السند، ولما ذكر أبو عمر حديث الحكم هذا قال: الآثار
في هذا الباب مضطربة، لا تقوم بها حجة، وذكر الميموني أنه سأل أبا عبد الله عنه، فقلت: يسنده أحد غير عاصم؟ قال: لا، ويضطربون فيه عن شعبة، وليس هو في كتاب غندر، وبعضهم يقول: عن فضل سؤر المرأة، وبعضهم يقول: فضل وضوء المرأة ولا يتفقون عليه. ورواه التيمي إلَّا أنه لم يسمه، قال: عن رجل من الصحابة، والآثار الصحاح واردة بالإِباحة.
وقال الدارقطني: اختلف عنه، يعني أبا حاجب، فرواه عمران بن حدير وغزوان بن حجين السدوسي عنه موقوفًا من قول الحكم، ورواه أبو كدينة، عن سليمان، عن أبي حاجب، عن أبي هريرة، وهو وهم. انتهى.
ويشبه أن يكون قول من صحح أرجح من قول من ضعف، وذلك أن الإِسناد ظاهره السلامة من مضعف وانقطاع، وذلك يرد قول ابن منده.
أمّا الأول: فلأنّ أبا حاجب سوادة بن عاصم روى عنه جماعة منهم سليمان التيمي، وعاصم، وعمران بن حدير، وشعبة، ووثقه ابن معين وغيره، وخرَج حديثه مسلم في صحيحه على ما قاله اللالكائي، وأبو إسحاق الحبال وغيرهما، ومن قبله في الإِسناد لا يسأل عنه.
الثاني: تدليس عاصم المخوف زال بما ذكره ابن حبان، وسوادة صرّح بسماعه من الحكم بن أبي شيبة في المصنف بقول سوادة: انتهيت إلى الحكم بن عمرو بالمربد، وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة، فقلت: ألا حبذا صفرة ذراعيها، ألا حبذا كذا، فأخذ شيئًا، فرمى نحوي، وقال: لك ولأصحابك.
ويجاب عن قول البخاري المذكور في التاريخ بما تقدّم، والقول المذكور في العلل بخلاف
الترمذي له حين حسنه، ولولا ظهور ترجيح لما جاز له الإقدام على خلافه، أو يحمل على أنه لم يصح صحة المجمع عليه من الأحاديث، إذ الصحة تتفاوت عنده وعند غيره، أو يكون قوله صحيحًا لا يمنع الحسن.
ويجاب عن قول أحمد بأن تفرد عاصم بالرفع لا يؤثر في صحة الحديث إذا وقفه ثقة غيره؛ بل يكون ذلك مقبولًا، وكونه ليس في كتاب غندر ليس قادحا أيضًا؛ لأنّ ابن جعفر لم يدع الإِحاطة بجميع حديث شعبة، وقد رواه عن شعبة كرواية أبي داود موافقًا له الربيع بن يحيى الأشناني فيما ذكره الطبراني في الكبير، وعبد الصمد بن عبد الوارث عند ابن بنت منيع في معجمه، وقيس بن الربيع عند العسكري بزيادة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت مع سؤر المرأة.
ويجاب عن الاضطراب بأن معنى ما روي يرجع إلى شيء واحد، وهو البقيّة؛ إذ الرواية بالمعنى جائزة.
فقول من روى فضل طهور المرأة، وسؤر المرأة - واحد، يريد بذلك البقّية، وقد جاء مصرحًا به في كتاب الطبراني الكبير بفضل المرأة، وإذا كان كذلك فلا خلف، ويجاب عن إبهام اسم الصحابي بأن ذلك لا يضر، إذ الصحابة كلّهم عدول، فسواء أبرز اسمه التابعي أو أبهمه، لكن بعد أن يشهد له بالصحبة كما يشترطه أبو الحسن بن القطان، رحمه الله تعالى.
وأيضًا ففي الطبراني الكبير المسمّى عن رجل من غفار، والحكم غفاري، فعلى هذا لا فرق بين القولين إذًا، قول من قال عن الحكم، وقول من قال رجل غفاري له صحبة، ولأنّ المسمى روى عنه أيضًا غير هذا الحديث مصرحا باسمه، فيجيء ذلك من باب البسط وعدمه، والله تعالى أعلم.
ويجاب عن قول من وقفه بأمرين:
الأول: ليس بشيء.
الثاني: يجعل ذلك من قبيل الفتيا، لا من قبيل التعارض في الرواية.
وأما من نسب الحكم غفاريًا، يعني بذلك أن صلبه منهم، فيشبه أن يكون ليس كذلك، وممن نسبه غفاريا أبو عبد الله البخاري في تاريخه الكبير، وأبو حاتم الرازي، وأبو عيسى الترمذي في كتابه الجامع، والتاريخ، ومسلم في كتاب الطبقات، وأبو بكر بن أبي شيبة في كتابه المصنف، والمسند، وغيرهم، ويس كما زعموا، بل هو من نعيلة، حي غُفار بن مُلَيل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة، نسب غفاريا لدخوله فيهم، نص على ذلك ابن الكلبي، وابن سعد، وأبو أحمد العسكري، وأبو حاتم بن حبان، والطبري في المذيل، والأمير أبو نصر، والبغوي في معجمه، وابن قانع، قالوا: هو الحكم بن عمرو الأقرع بن مجدع بن حذيم بن الحارث بن نعيلة بن مليل، إلَّا العسكري فإنَّه قال: نعيلة بن جدي بن مُليل، وفي كتاب خليفة: خديم بن حلوان بن الحارث، والصواب الأول، توفي سنة خمس وأربعين، ويقال: خمسين، ويقال: إحدى وخمسين، بمرو.
108 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا المعلى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل، ولكن يشرعان جميعا.
هذا الحديث اختلف في رفعه ووقفه؛ فأما البخاري فذكر عنه أبو عيسى في كتاب العلل أنّه قال: حديث ابن سرجس هذا حديث موقوف، ومن رفعه فهو خطأ،
وقد تقدم كلام ابن ماجه فيه، ولما رواه في الأوسط قال: لم يروه عن عاصم، عن ابن سرجس غير عبد العزيز. تفرد به معلى بن أسد. ورواه غيره عن عاصم الأحول، عن سوادة بن عمرو، عن الحكم الغفاري، ولما ذكره الدارقطني قال: خالفه شعبة فوقفه، وهو أولى. وقال البزار: لا نعلم أحدًا أسنده عن عاصم، عن ابن سرجس إلَّا عبد العزيز، وخالف ذلك أبو محمد بن حزم فصححه مرفوعًا، وذكر عبد الحق أنَّ النسائي خرجه، ووهم في ذلك فيما بينه أبو الحسن.
قال أبو الحسن: عبد العزيز بن المختار قد رفعه، وهو ثقة، ولا يضره وقف من وقفه، وتوقف في تصحيحه؛ لأنه لم يره إلا في كتاب الدارقطني، وشيخ الدارقطني فيه لم يعرف حاله، ولو رآه هنا لما توقف؛ لأن رجاله كلهم حديثهم في الصحيحين، وفي قول أبي عيسى إثر حديث الحكم: وفي الباب عن ابن سرجس نظر من حيث إغفاله حديث أبي داود من جهة داود الأودي عن حميد الحميري، قال: لقيت رجلًا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا.
وهو حديث صحيح الإسناد، وممن صححه أيضًا ابن مفوز وابن القطان. وقال أحمد: إسناده حسن، فيما حكاه عنه الأثرم. وَلا التفات إلى قول ابن حزم عندما أراد تضعيفه، إن كان داود هذا هو عم عبد الله بن إدريس فهو ضعيف، وإن لم يكن إياه فهو مجهول.
وقد كتب الحميدي إلى ابن حزم من العراق يخبره بصحة هذا الخبر،
وتبين له أمر داود هذا، بأنه داود بن عبد الله الزعافري الأزدي أبو العلاء الكوفي، روى عنه جماعة، ووثقه الإِمام أحمد وغيره، وهو غير عم ابن إدريس فيما ذكره الإمام أحمد.
ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال: الذي تفرد به من هذا الحديث قوله: نهى أن تغتسل المرأة من فضل الرجل.
قال ابن مفوز: فلا أدري رجع عن قوله أم لا؟
ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة، قال: هو منقطع، وداود بن عبد الله ينفرد به.
وقال في السنن الكبير: رواته ثقات إلَّا أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدّثه، فهو بمعنى المرسل، إلا أنه مرسل جيّد، لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود لم يحتج به الشيخان. انتهى. وعليه فيه مآخذ:
الأول: قوله: إنه بمعنى المرسل إن أراد أنه يشبهه في أنّه لم يسم الصحابي فصحيح، لكنه لا يمنع خصمه من الاحتجاج، وإنما إلى أنّه لا حاجة إلى تسمية الصحابي بعد أن يحكم التابعي بكونه صحابيًا، وإن أراد أنه في معناه من أنه لا يحتج به قوم كما لا يحتجون بمرسل التابعي، فغير صحيح لما تقدم.
الثاني: قوله: مرسل جيّد، غير جيّد، بل هو مسند على الصحيح من قول العلماء.
الثالث: قوله: لولا مخالفة الأحاديث الثابتة. يعني بذلك ما تقدّم، فليس بجيّد أيضًا لأمرين:
الأول: شأن المحدّث الإعراض عن المعارضة كما قررناه في غير موضع.
الثاني: على تقدير تسليمنا ذلك، يجاب عنه بأنه لا بأس أن يتوضأا، أو يغتسلا جميعًا من إناء واحد، يتنازعاه على حديث عائشة، وميمونة، وأنس، وابن عمر، وأم هانئ، وأم سلمة، وأم حبيبة، وغيرهن، وعلى أنه لا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة على حديث الحكم، ولأن الأحاديث التي وردت بعد في الكراهة عن الصحابة والتابعين، لم يكن في شيء منها أنَّ الكراهة في ذلك للرجل أن يتطهر بفضل وضوء المرأة، ولتلك
الأحاديث علل، ذكر ذلك أبو بكر الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ.
الرابع: قوله: وداود لم يحتج به الشيخان فيه نظر لأمرين:
الأول: إن أراد عيبه بذلك فليس ذلك بعيب عند المحدثين قاطبة؛ لأنهما لم يلتزما الإِخراج عن كل ثقة، ولو التزماه ما أطاقاه.
الثاني: إن كان يريد بهذا الكلام ردّ الحديث، وهو الأقرب بضميمة كلامه على انقطاعه وغيره؛ فهو كلام متناقض، ولا حاصل تحته لما سلف من توثيقه رجاله.
الخامس: قوله: منقطع، إنما يريد به الإرسال الذي أشار إليه في السنْن الكبير، لا الانقطاع الصناعي، والله أعلم.
وزعم أبو عمر بن عبد البر أن أبا عوانة رواه عن داود عن حميد عن أبي هريرة، فأخطأ فيه.
وزعم أبو الحسن ابن القطان أنَّ المبهم هنا، قيل: هو عبد الله بن مغفل، وقيل: ابن سرجس.
وقطع أبو محمد بن حزم بأن حكم الإباحة منسوخ، وهذا الباب وما فيه من الأحاديث ناسخ، وأبى ذلك ابن العربي، فزعم أنّ الناسخ حديث ميمونة؛ بدليل أنّه عليه السلام لما أراد أن يغتسل قالت له: إني توضأت به، وهذا يدّل على تقدّم النهي، وبنحوه قاله الخطابي.
وأغفل أيضا - أعني الترمذي - حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن رجل: كان نبي الله عليه السلام وأهله يغتسلون من إناء واحد، ولا يغتسل أحد مما يفضل صاحبه.
قال أبو بكر الأثرم: لم يسمعه أبو إسحاق من الحارث، وحديث عائشة: سئل عليه السلام عن فضل وضوء المرأة، قال: لا بأس به ما لم تخل به، فإذا خلت به فلا يتوضأ بفضل وضوئها.
كره ابن عدي، وأعلّه بعمر بن صبح، وحديث أبي ذر وأبي هريرة ذكرهما ابن منده، وأشار إلى أنهما لا يثبتان من قبل سندهما، وقد سبقت الإِشارة إلى حديث أبي هريرة أيضا.
الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد
109 -
حدثنا محمد بن رمح، أنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب (ح)، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
هذا الحديث اتفقا على تخريجه بزيادة: تختلف فيه أيدينا، زاد ابن عوانة في صحيحه: وتلتقي. ورواه عن عائشة جماعة.
110 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن خالته ميمونة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، والبخاري عن أبي نعيم، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر، عن ابن عباس، ثم قال: كان ابن عيينة أخيرا يقول: عن ابن عباس، عن ميمونة، والصحيح ما رواه أبو نعيم. انتهى، وقد تقدم التنبيه على طرف منه قبل، والله أعلم. وخرجه الترمذي كما تقدم. وقال: حسن صحيح.
وذكر الإِسماعيلي: وقال المقدمي، وابن أبي شيبة، والنرسي، وإسحاق الطالقاني، وأبو خيثمة، وابن أبي عمر، وسريج، وابن منيع، والمخزومي، وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الجبار، وابن همام، وأبو موسى الأنصاري، وابن وكيع، والأحمسي، كلّهم عن سفيان في هذا الحديث عن ميمونة، قال: وهكذا يقول ابن مهدي.
وقال الدارقطني: خالف ابن عيينة ابن جريج، فرواه عن عمرو، عن جابر، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يغتسل بفضل ميمونة. قال:
وقول ابن جريج أشبه.
111 -
حدثنا أبو عامر الأشعري عبد الله بن عامر، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وميمونة من إناءٍ واحد في قصعة فيها أثر العجين.
هذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهل بحال أبي عامر عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة.
قال الحافظ المزي: وظنّ بعضهم أنه ابن براد، يعني الذي حديثه في الصحيح، وليس كذلك، ولم يذكر أحدًا من أصحاب الكتب روى عن هذا إلا ابن ماجه فقط، ولم يعرف بشيء من حاله، ولم أر قبله أحدًا عرض بحاله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة، من أبي عامر هذا، ذكرها الحافظ النسائي، فقال: محمد بن بشار حدّثني عبد الرحمن، حدثني إبراهيم بن نافع
…
فذكره.
112 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن الحسن الأسدي، ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه يغتسلون من إناء واحد.
هذا حديث حسن، لعرفان مخرجه ولاحتجاج جماعة بحديث ابن عقيل كما بيناه قبل.
113 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن علية، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة: أنها كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد.
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه عن سعد بن حفص، ثنا سفيان، عن يحيى
به، كذا ذكره خلف في أطرافه. وزعم الشيخ ضياء الدين أنهما اتفقا عليه، والله أعلم. ورواية ابن ماجه، عن ابن أبي شيبة فيها تقصير منه؛ لأن ابن أبي شيبة روى هذا الحديث في مسنده، عن إسماعيل، بزيادة: وكان يقبلها وهو صائم. ورواه كرواية ابن ماجه عثمانُ بن أبي شيبة عند الطبراني، وعند أحمد بن منيع، عن عنبسة بن عمار الفزاري، ثنا يحيى .. فذكره، وتابعه عمار الدهني عند الطبراني، ورواه عن أم سلمة أيضًا عنده سليمان مولاها، ولفظه: من إناء واحد نحو نصف الفرق، فيتبادران الغسل جميعًا، يبدأ قبلي. وخيرة أم الحسن البصري بزيادة: فأقول: اترك اترك. وعبيد بن عمير، ولفظه: يأخذ كل منّا على حدة. وعبد الله بن رافع، وقد روي عن علي بن أبي طالب نحوه مرفوعًا. ذكره أحمد بن حنبل ومطين في مسنديهما، وفي البخاري من حديث أنس نحوه.
الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد
114 -
حدّثنا هشام بن عمار، ثنا مالك بن أنس، حدّثني نافع، عن ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، ولفظ أبي داود: من الإناء الواحد جميعًا.
وفي لفظ له: كنا نتوضأ نحن والنساء من إناء واحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ندلي فيه أيدينا، وفي لفظ: من الميضأة.
115 -
حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا أنس بن عياض، ثنا أسامة بن زيد، عن سالم بن النعمان، وهو ابن سرج، عن أم صبية الجهنية قالت: ربما اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
قال أبو عبد الله: سمعت محمدًا يقول: أم صبية هي: خولة بنت قيس، فذكرته لأبي زرعة: فقال: صدق.
، وأمّا سالم بن سرج فهو أبو النعمان، ويقال أيضا ابن النعمان، ويقال: ابن خربوذ، قال الحاكم: من قال سرج عَرّبَهُ، ومن قال خَربوذ أراد به الإكاف بالفارسيَّة. وقال الدارقطني: سرج يعرف بخربوذ، ووهم وكيع، فقال: عن أسامة، عن النعمان بن خربوذ. قاله البخاري، قال: والصواب سالم بن خربوذ أبو النعمان.
روى عنه أيضا خارجة بن عبد الله أبو الحجاج، قال فيه ابن معين: شيخ مشهور ثقة.
وذكره البستي في الثقات، وفي كتاب العلل الكبير للترمذي تصريح
سالم بسماعه من خولة هذا الحديث، وكانت من المبايعات، وروت عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث، وهي جدّة خارجة، ومولاة سالم. قاله ابن سعد وغيره.
وفرق ابن حبان بينها وبين خولة الأنصارية امرأة حمزة بن عبد المطلب، واعترض بعضهم على صحة هذا الحديث بكونه عليه السلام لم يمس امرأة لا تحل له.
قال: وخولة هذه لم يأت في خبر صحيح ولا غيره أنها كانت بتلك الصفة، وفي الذي قاله نظر في موضعين:
الأول: وذلك يؤخذ من قولها: تختلف، ألا يسلم أن الاختلاف يوجب مسًا.
الثاني: لا يدفع صحة الحديث لتخيّل معارضة إذا عُدلت رواته، وسَلِمَ من شائبة الانقطاع، والله تعالى أعلم.
116 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا داود بن شبيب، ثنا حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن عكرمة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنهما كانا يتوضآن جميعًا للصلاة.
هذا حديث صحيح الإِسناد متصله، وإن كان ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل خالف ذلك بقوله: سمعت أبي يقول: عكرمة لم يسمع من عائشة، فغير صواب؛ لنقضه ذلك في كتابه الجرح والتعديل، قيل لأبي: سمع عكرمة من عائشة؟ فقال: نعم، وكذلك قاله البخاري، وخرج حديثه عنها في صحيحه، وكذلك الترمذي وصححه.
وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: عكرمة سمع من عائشة. ورواه عن عائشة رضي الله عنها جماعة، منهم: أبو سلمة، ومعاذة، وحفصة عند مسلم، وعطاء عند عبد الرزاق، وعبيد بن عمير عند الدارقطني، ومسروق
وأم منصور بن عبد الرحمن عند الطحاوي، وابن المسيب عند ابن عبد البر، وإبراهيم - على انقطاعه - عند ابن أبي شيبة، وأبو أمامة الأنصاري، أنا بحديثه الإِمام تاج الدين أبو العباس أحمد بن علي بن وهب القشيري، المعروف بابن دقيق العيد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، [أنا أبو الحسن ابن الحميري قراءة عليه وأنا أسمع أنا الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع]، أنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني قراءة عليه في شهور سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بأصبهان، أنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، أنا أحمد بن محمد بن زياد القطان، نا علي بن إبراهيم الواسطي، ثنا يزيد بن هارون، أنا جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن عائشة قالت: لقد كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف أيدينا في الإِناء الواحد في الغسل من الجنابة.
والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وفي حديثه زيادات أخبرنا به جماعة من شيوخنا بقراءتنا وقراءة عليهم، وأنا أسمع، قالوا: أنا جماعة، منهم: ابن خطيب المزة، وأبو بكر المقدسي، والشريف عماد الدين، وابن أبي حيان، نا ابن طبرزد رحمه الله، وأنبأنا به الإِمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي المعروف بابن البخاري، أنا أبو حفص عمر بن معمر الدارقزي، أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني، أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم البزاز، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا جعفر بن محمد أبو بكر القاضي، ثنا محمد بن عثمان العثماني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن القاسم، عن عائشة بمثله، يعني حديثا قبله فيه: كنت أغتسل معه عليه السلام من الإناء الواحد.
قال: زاد في حديثه: هو الفرق. قال ابن شهاب: الفرق خمسة أقساط، وبه قال الشافعي.
قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق الدمشقي، ثنا محمد، ثنا مروان، نا ابن لهيعة، ثنا عطاء بن خباب
المكي، عن القاسم، عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فإن سبقني لم أقربه، وإن سبقته لم يقربه. وبه قال: أنا يوسف بن يعقوب، نا محمد بن أبي بكر ونصر بن علي، قالا: ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن عباد بن منصور، عن القاسم، عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، غير أنه يبدأ قبلي.
وفي حديث عبد الرحمن بن القاسم عنه: إناء ليس بالكثير الماء.
قال أبو عمر بن عبد البرّ: في هذه المسألة خمسة أقوال:
الأول: قال ابن عمر: لا بأس أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا.
الثاني: الكراهة أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، أو تتوضأ المرأة بفضل الرجل.
الثالث: الكراهة في أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، والترخيص في أن تتطهر المرأة بفضل وضوء الرجل.
الرابع: أنّهما إذا شرعا جميعا في التطهير فلا بأس به، وإذا خلت المرأة بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها، وهو قول أحمد بن حنبل.
الخامس: لا بأس أن يتوضأ كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه شرعا جميعا، أو خلا كل واحد منهما به. وعليه فقهاء الأمصار، والآثار في معناه متواترة. وذكر ابن المنذر معناه، وقال: وبه نقول.
الوضوء بالنبيذ
117 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، عن أبيه. (ح) وثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، عن سفيان، عن أبي فزارة العبسي، عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: عندك طهور؟ قال: لا، إلَّا شيء من نبيذ في إداوة، قال: تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ.
118 -
ثنا العباس بن الوليد الدمشقي، ثنا مروان بن محمد، ثنا ابن لهيعة، ثنا قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود ليلة الجن: معك ماء؟ قال: لا، إلا نبيذا في سطيحة، فقال صلى الله عليه وسلم: تمرة طيبة وماء طهور، صب علي، قال: فصببت عليه، فتوضأ به.
هذا حديث قال فيه الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: نقلته من خطّ ابن أبي يداس البرزالي: حديث صحيح، وما تركوه إلا بسبب أبي فزارة، وأبي زيد؛ لأنهما غير معروفين، وأبو فزارة اسمه راشد بن كيسان، وأبو زيد مولى عمرو بن حريث. انتهى كلامه.
وهو حديث علل بأمور:
الأول: جهالة حال أبي زيد وضعف حديثه، فقد قال الترمذي عند تخريجه: إنّما روي هذا الحديث عن أبي زيد، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم لا يعرف له رواية غير هذا الحديث. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث زعمه أن أبا زيد تفرّد به عن ابن مسعود؛ لرواية جماعة نحوه عنه، منهم عمرو البكالي الصحابي، ذكره الحاكم أبو أحمد في كتاب الكنى، فقال: نا أبو القاسم البغوي، ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، أخبرني
أبو تميمة عن عمرو، ولعلّه قد قال: البكالي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا
…
فذكر حديث ليلة الجن، ومنهم أبو رافع، ذكر حديثه أبو عبد الله الحاكم من جهة أبي سعيد مولى أبي هاشم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عنه، عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: أمعك ماء؟ قال: لا، قال: أمعك نبيذ؟ قال: نعم، قال: فتوضأ به. قال الجوزقاني: هذا حديث باطل. وقال أبو عبد الله: تفرد به أبو سعيد، عن حماد. وفيما قاله نظر؛ وذلك أن الدارقطني لما ذكره من جهة أبي سعيد قال: علي ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وليس هذا الحديث في مصنفات حماد، وقد رواه أيضًا عبد العزيز بن أبي رزمة، وليس هو بقوي، عن حماد مثله، فهذا عبد العزيز قد تابع أبا سعيد، وفي قول أبي الحسن: وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود نظر من حيث كونه جاهليا من كبار التابعين.
قال أبو عمر: روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود، روى عنه الحسن وغيره من كبار التابعين، فمن كان بهذه المثابة لا ينكر سماعه من ابن مسعود، لا سيما وقد جمعهما العصر والبلد.
وفي قوله: لم يثبت - إشعار بعدم النفي، إذ لو كان ثابتا عنده لجزم به كعادته، ويشبه أن تكون روايته عنه إنّما جاءت على لسان متكلّم فيه؛ فلذلك قال: لم يثبت.
وفي كلامه أيضا إشعار بترجيح مذهب من يشترط أنّه لا بدّ من أن يعرف سماعه من المروي عنه، ولو مرة، ولئن كان كذلك فهو مذهب مرجوح، أطنب مسلم - رحمه الله تعالى - في الردّ على قائله. وفي قوله أيضا: وليس هذا الحديث في مصنفات حماد نظر؛ لأن المصنف الكبير لا يذكر في جامعه جميع رواياته، إمّا
لعدم استحضاره له، أو لكونه لم يرتضه، وقد يحتمل أن يكون ذكره في مصنف لم يره الدارقطني، وذلك مأخوذ من قوله: مصنفات بغير آلة الحصر، إذ لو حصر لما تطرق ذلك له غالبا، والله أعلم.
فعلى ما تقرر يشبه أن يكون أمثل أسانيد هذا الحديث. [ومنهم علي بن رباح، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديثه عن المقدام بن داود، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني موسى بن عُلي بن رباح عن أبيه عن عبد الله فذكر حضوره ليلة الجن، وذكر عن ابن مسعود حديثًا غير هذا، وإسناده لا بأس، ومنهم ما ذكره عمر بن الخطاب حدث به ابنه ابن عمر قال: كنت ممن حضر مع ابن مسعود ليلة الجن، ذكره أبو موسى المديني في الصحابة، وحديث محمد بن خالد الجندي، ثنا شعبة بن الحجاج
…
عن ابن عباس عنه]، ومنهم: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبو الأحوص، أنا بذلك الشيخ المسند المعمر حسن بن عمر بن عيسى بن خليل الكردي من لفظه، وابن خطيب المزة، قالا: أنا أبو المنجا [عبد الله بن عمر بن اللتي قراءة عليه وأنا في الرابعة سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة قال: ثنا أبو المعالي محمد بن محمد بن اللحاس أنا أبو عبد الله محمد بن الحسين بن السراج، أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: ثنا الشيخ الإمام أبو عمرو عثمان بن] أحمد بن عبد الله الدقّاق، قال: نا محمد بن عيسى المدائني، نا الحسن بن قتيبة، نا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، وأبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: خذ معك إداوة من ماء، ثم انطلق وأنا معه، قال: ثم خطّ علي خطا، ثم قال لي: لا تخرج من هذا الخط، قال: ثم مضى عليه السلام، فسمعت لغطا شديدا، قال: فخفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أحفظ لرسوله
مني، فإذا هم وفد الجن، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتاني، فقلت: يا رسول الله: سمعت لغطا شديدا قال: هذا وفد أهل نصيبين من الجن أتوني، قال: فلما انصرفت تبعوني يسألوني الرزق، فأمرت لهم بالعظام والروث، قال: ثم تبرز ثم جاء، فقال: ناولني ثلاثة أحجار فناولته حجرين وروثة قال: فرمى بالروثة، وقال: هذا ركس أو رجس، قال: فلما أفرغت عليه من الإِداوة إذا هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ، فقال: تمرة حلوة وماء عذب.
.
ومنهم عبد الله بن سلمة ذكره الحافظ أبو الحسين بن المظفر في كتاب غرائب حديث شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة عنه، وذكره البخاري في الأوسط والصغير، فقال: لا يصح.
ومنهم قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، ثنا ابن مسعود نحوه، ومنهم عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، ذكره
الإِسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عن يحيى عنه، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وأعله بجهالة حال ابن غيلان هذا.
وقال الدارقطني: يقال: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان، وفي الخلافيات: وقيل: عن فلان بن غيلان، وبنحوه قاله الجوزقاني، ومنهم عُلي بن رباح، ولم يسمع منه ولم يره ولم تبلغه سنه. ذكره البيهقي في الخلافيات.
ومنهم عبد الله بن عباس من طريق ابن لهيعة، عن حنش الصنعاني، عنه. ذكره ابن ماجه تباعا. وقال البيهقي: تفرّد به ابن لهيعة، ومنهم أبو وائل شقيق بن سلمة، ذكره الدارقطني من جهة الحسين بن عبيد الله العجلي. وقال: كان وضاعًا.
قال الحاكم أبو عبد الله، فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات: ومنهم ابن لعبد الله، روى أبو عبيدة بن عبد الله، عن طلحة بن عبد الله عنه أن أباه حدثه، قال البخاري في التاريخ الأوسط: ولا يُعرف لطلحة سماعٌ من ابن عبد الله، وأما حديث أبي عثمان النهدي، عن عبد الله حين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فسنده صحيح. رواه الدارقطني في سننه عن يزيد بن هارون، نا سليمان التيمي، عن أبي عثمان.
وأما حديث أبي تميمة الهجيمي وعمرو البكالي، عن ابن مسعود، فليس في حديث
واحد منهما ذكر نبيذ التمر، إنّما ذكرا خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللّيلة على اضطراب في إسناد حديثهما، وعلى هذا فلا تقوم بهما حجة.
وأبو عثمان بن سَنَهْ ذكره ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ من طريق ضعيفة، كذا ذكره البيهقي، وفيه نظر؛ لأنّ حديث عمرو سنده صحيح، رواه الدارقطني عن غيلان، ثنا المعتمر قال: قال أبي: حدّثني عمرو البكالي فذكره، فقد ثبت بمجموع ما تقدّم أنه لم يروه أبو زيد عن ابن مسعود وحده، كما فهم من كلام الترمذي المتقدم، والله أعلم.
رجعنا إلى ذكر أبي زيد ومن جهله.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيح، يعني في الوضوء بالنبيذ، وأبو زيد مجهول، وذكر في العلل نحوا من هذا، وقال أبو عبد الله البخاري: أبو زيد رجل مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، وقال ابن حبان: لا يُدرى من هو، ولا يُعرف أبوه ولا بلده.
قال أبو أحمد الحاكم: هو رجل مجهول لا يوقف على صحة كنيته واسمه، ولا نعرف له راويًا غير أبي فزارة، ولا رواية من وجه ثابت إلا حديث النبيذ. وقال الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ: وأبو زيد لا يعرف وما يُدرى من أين هو؟
وقال الجوزقاني: منهم من سمّاه، ومنهم من كنّاه، ولكنه رجل مجهول.
وقال أبو عمر في كتاب الاستغناء: هو عند أهل الحديث رجل مجهول، روى عن ابن مسعود حديثًا منكرًا لم يتابع عليه، ولم يرو عنه غير أبي فزارة، ولا يصح حديث أبي زيد هذا عند أهل الحديث، ولا قال به أحد من أهل الحجاز، ولا رواه من يوثق
به، ولا يثبت، وقال أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي في مسند عبد الله بن مسعود، تأليف أحمد بن إبراهيم الدورقي: هذا الحديث يدخله شيئان:
أحدهما: أن يكون هذا من قبل حفظ الناقلين، والوجه الآخر: أن يكون قوله ما رأيت مثلهم إلا ليلة الجن حين رأى ناسًا من الزط، يعني: ما علمت إلَّا ما علمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: ما كنت ليلتئذ مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو أحمد الكرابيسي: وفي هذا الخبر إبطال كتاب الله تعالى، وذلك أن الله تعالى قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، وقال عليه السلام لعمار: إن لم تجد الماء فعليك بالصعيد.
وقد اجتمعت الأمة أنه لا يتوضأ بغير الماء، ولا يغتسل بغيره من الجنابة، مثل: الخل، ونبيذ التمر والعسل، وماء العصفر، وما أشبه ذلك. ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث، بل الأخبار الصحيحة عن ابن مسعود ناطقة بخلافه.
وقال أبو جعفر الطحاوي: هذه الطرق لا تقوم بها الحجة عند من يقبل خبر الواحد.
وقال أبو بكر بن المنذر: حديث ليس بثابت، وقال ابن عدي: ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف القرآن، وبنحوه قاله الترمذي، وفي علل الحربي: وأبو زيد رجل مجهول، قد روى حديثه هذا عن أبي فزارة سبعة أنفس، وقالوا خمسة أقاويل، فقال إسرائيل ووكيع وشريك وسفيان: عن أبي زيد، وقال أبو العميس: عن زيد، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عبد الله بن يزيد بن الأصم، وقال ليث: عن رجل، وقال أبو عبد الله الشقري: عن شريك أنه حدّثه عن أبي زائدة، خلاف ما حكي عن سعدويه، والقول قول من قال: عن أبي زيد.
الثاني:
وقد خرج عبد الرزاق في أماليه التي رواها عنه الرمادي، فقال: أخبرني الثوري، عن أبي فزارة العبسي، وأما النسائي فلم يذكر في كتاب الكنى غير راشد، فعلى قول البخاري ومن بعده يكون قول من قال فيه: مجهول غير جيد، لا سيما على قول الحربي من أن سبعة رووه عنه، وذكر جماعة من العلماء، فأين مطلق الجهالة مع هذا؟ والله أعلم.
وأما قول ابن الجوزي في كتاب التحقيق: فإن قيل: أبو فزارة اسمه راشد بن كيسان أخرج عنه مسلم، فلذلك قال الدارقطني: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد، فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنهما اثنان؛ والمجهول هو الذي في هذا الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود مجهول، فاعلم أنه غير المعروف.
الثاني: أن معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة، فيه نظر لما أسلفناه.
الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود رضي الله عنه وغيره شهد ليلة الجن، وقد أسلفنا ما يدلّ على أنّه هو حضرها، ولما رأى قومًا من الزطّ، قال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن، ذكره البطليوسي، وأنكر ذلك علقمة فيما ذكره مسلم في
صحيحه، وأبو عبيدة ابنه فيما ذكره البخاري في الأوسط، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي رجّحه مع علمه بانقطاعه، قال: لأنّ ابنه يعلم حال أبيه، وإبراهيم النخعي فيما ذكره البيهقي.
وقال في التحقيق عن اللالكائي: أحاديث الوضوء بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية.
ويجاب عن إنكار أبي عبيدة بأمرين:
الأول: ضعف الإِسناد الموصل إليه.
الثاني: ما أسلفناه من روايته عكس ذلك، فتهاترتا. وعن قول إبراهيم بانقطاعه، ويشبه أنّه إنّما أخذه عن علقمة، وعن قول علقمة بأن عبد الله لم يشهد الجن وما قالوا، وصدق في ذلك، كان في الخط الذي خطه له المصطفى صلى الله عليه وسلم ولهذا فإنك لا تجد رواية ضعيفة ولا صحيحة أنه شهد الجن، إنما يقولون: ليلة الجن. وذلك بيّن في حديث أبي الأحوص المتقدّم، وأن الوضوء بالنبيذ كان بعد مجيئه صلى الله عليه وسلم من عند الجن.
ومال الطحاوي رحمه الله إلى أن ابن مسعود لم يحضرها، ويزيده وضوحا ما ذكره الكرابيسي في كتاب المدلّسين من تأليفه: أخبرني من سمع عبد الرزاق يحدّث عن أبيه، عن ميناء، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: يا عبد الله نعيت إلي نفسي .. الحديث، في ذكر الخلافة، وحديث التيمي عن أبي عثمان النهدي، عن عبد الله: أنّه رأى ناسا من الزطّ، فقال: ما رأيت شبههم إلا ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمّا قول اللالكائي فظاهر في التعصب، والله أعلم، ويزيد ذلك وضوحا حضور الزبير بن العوام أيضا تلك الليلة، روى ذلك الإِسماعيلي، عن موسى بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا سليمان بن سلمة، ثنا أبو يحمد بقية بن الوليد، حدّثني نمير بن يزيد الحمصي - معروف حسن الحديث - عن أبيه، عن عمه قحافة بن ربيعة، ثنا الزبير بن العوام، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح في مسجد المدينة، فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة
…
الحديث.
وكيفما حكى فلم يجزم بعدم حضوره، لكنه تردد، قال الأثرم: سألت أبا عبد الله: الذي يصح عندك أن عبد الله صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا أدري. وقال ابن السيد في كتاب أسباب الخلاف: إنما أوجب التعارض أن الذي روى الحديث الأول يعني حديث عبد الله أسقط منه كلمة، وإنّما الحديث ما شهدها أحد غيري.
ومال الطحاوي رحمه الله إلى أن ابن مسعود لم يحضرها، فقال: فهذا الباب إن كان يؤخذ من طريق صحة الإِسناد؛ فهذا الحديث الذي فيه الإِنكار أولى، يعني حديث علقمة، لاستقامة طريقه ومتنه، وثبت رواته، وإن كان من طريق النظر فإنا قد رأينا الأصل المتفق عليه، أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب ولا بالخل، فكان النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضًا كذلك.
وقد أجمع العلماء أن نبيذ التمر إذا كان موجودا في حال وجود الماء أنّه لا يتوضأ به؛ لأنه ليس ماءً، فلما كان خارجًا عن حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في عدم الماء، وتوضؤ النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو غير مسافر، فلو ثبت هذا الأثر أنّ النبيذ يجوز التوضؤ به في البوادي والأمصار، ثبت أنّه يجوز التوضؤ به في حال وجود
الماء وعدمه، فلما أجمعوا على ترك ذلك والعمل بضدّه، ثبت بذلك تركهم لذلك الحديث، وخرج حكم ذلك النبيذ من حكم سائر المياه، وثبت بذلك ألّا يجوز التوضؤ به في حال من الأحوال، وهو قول أبي يوسف وهو النظر عندنا، والأول قول أبي حنيفة. انتهى كلامه.
وفي تاريخ الموصلي من حديث شريك، عن أبي فزارة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد أمرت أن أتلو على إخوانكم من الجن، فليقم معي من ليس في قلبه مثقال خردلة من غش، وفي سنن الدارقطني من جهة المسيب بن واضح، ثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النبيذ وضوء لمن لم يجد الماء.
قال: ووهم فيه المسيب في موضعين: في ذكره ابن عباس، وفي ذكره النبي عليه السلام، والمحفوظ من قول عكرمة غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى ابن عباس والمسيب ضعيف، وقد رواه مجاعة، وهو ضعيف، عن أبان بن أبي عياش، وهو متروك، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا.
ولما ذكره الجوزقاني قال: هذا حديث باطل، والصحيح رأي عكرمة غير مرفوع، ولما ذكره البيهقي في الخلافيات قال: هذا حديث واهي، وروى أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث ومزيدة بن جابر، عن علي: أنه كان لا يرى بالوضوء به بأسًا، قال ابن المنذر: وهو قول الحسن البصري والأوزاعي، قال الدارقطني: وبه قال ابن عباس وعكرمة، قال الترمذي: وبه قال الثوري، وروي عن أبي العالية نحوه، وذهب بعضهم إلى أنّه لو صح لكان منسوخا؛ لأنه كان بمكة في صدر الإسلام.
وقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} نزل في غزوة المريسيع، وممن قالَ ذلك ابن القصار من المالكية وغيره. وأما قول أبي حنيفة: لا يجوز الوضوء بشيء من الأنبذة إلا نبيذ التمر، ففيه نظر؛ لما روى الدارقطني، عن أبي العالية: إنما كان ذلك زبيبا وماء.
وأصل النبذ: الطرح والرفض، قال الله تعالى:{فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} ، وإذا أردت عمله ليطيب، قلت: نبذت النبيذ، بغير ألف. ذكره ثعلب وكراع وابن السكيت والقزاز.
وأما ما ذكره ابن درستويه من أن قول العامة: أنبذت خطأ، فيشبه أن يكون وهما؛ لأنّ جماعة من اللغويين ذكروا ذلك، فلا عيب على العامة، قال اللحياني في نوادره: وأنبذت لغة، ولكنّها قليلة، وبنحوه ذكره ثعلب في كتاب فعلت وأفعلت، وابن سيده في المحكم، قال: والانتباذ قيل: هو المعالجة.
الوضوء بماء البحر
119 -
حدّثنا هشام بن عمار، ثنا مالك بن أنس، حدّثني صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، هو من آل ابن الأزرق، أن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار، حدّثه أنه سمع أبا هريرة يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى لما خرجه: هذا حديث حسن صحيح، قال: وسألت محمدًا عنه، فقال: هو حديث صحيح، قال أبو عمر بن عبد البر: ما أدري ما هذا من البخاري، فإن أهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناد هذا الحديث، ولو كان صحيحًا عنده لوضعه في كتابه، قال: الحديث عندي صحيح؛ لأن العلماء تلقوه بالقبول، وحاصل ما يعترض به على هذا الحديث أربعة أوجه:
أحدها: الجهالة بسعيد بن سلمة والمغيرة، وادعاء أنه لم يرو عن سعيد غير صفوان، ولا عن المغيرة غير سعيد، وفي موضع آخر: وليس إسناده مما تقوم به حجة، فيه رجلان غير معروفين بحمل العلم. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه:
الأول: قوله ولو كان صحيحًا لوضعه في كتابه، وذلك أنه هو قد أخبر عن نفسه أنه خرج كتابه هذا من مائة ألف حديث صحيحة، قال: ولم أخرج هنا إلا ما أجمعوا عليه، فهذا صحيح غير مجمع عليه.
الثاني: ما ادّعى من أنّه لم يرو عن سعيد غير صفوان، وليس كذلك، بل روى عنه أيضًا الجلاح أبو كثير، فيما ذكره النسائي في كتاب السنن، والحاكم في
المستدرك، والبيهقي في كتاب السنن الكبير بلفظ: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فجاءه صيّاد، فقال: يا رسول الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد، فيحمل معه أحدنا الإداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبا، فربما وجده كذلك، وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن أن يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ نفد الماء، فلعل أحدنا يهلكه العطش، فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل منه أو نتوضأ به إذا خضنا ذلك؟ فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: اغتسلوا به وتوضؤوا منه، فإنه الطهور ماؤه، الحل ميتته.
الثالث: المغيرة روى عنه غير سعيد، وهو يحيى بن سعيد، ويزيد بن محمد القرشي، فيما ذكره البيهقي، وعبد الله بن أبي صالح من رواية ابن وهب عنه. ذكره أبو بكر في رياض النفوس، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد العزيز بن صالح، وأبو مرزوق التجيبي، وموسى بن الأشعث البلوي وغيرهم، فيما ذكره ابن يونس.
وقال عبد الغني: وصفوان بن سليمان وعبد الله ابنه فيما ذكره أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد في كتابه التعريف بصريح التاريخ.
الرابع:
الخامس: وقال ابن يونس في تاريخ علماء مصر: ولي غزو البحر لسليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين، والبعث من مصر لعمر بن عبد العزيز سنة مائة، وولده بإفريقيا إلى اليوم.
قال ابن أبي خلف: شهد قتل أصحاب يزيد بن المهلب، وممن صححه أيضًا أبو حاتم البستي، ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذه السنة تفرد بها سعيد بن سلمة، فذكر حديث جابر الآتي بعد، ورجّح ابن منده صحته.
وقال ابن المنذر: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: هو الطهور ماؤه.
وقال البيهقي: هو حديث صحيح، وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة، وذكره ابن الجارود في المنتقى، أنا الشيخ المسند المعمر مجد الدين إبراهيم بن علي بقراءتي عليه، أخبركم الإِمام الرحّال صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكري إجازة، إن لم يكن
سماعا، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قراءة عليه، أخبركم أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي قراءة عليه وأنت تسمع، أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الجنزروذي، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح السلمي النيسابوري، أنا جدي الإِمام أبو بكر بجميع كتاب الصحيح من تأليفه، قال: أنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنا ابن وهب أنّ مالكًا حدثه (ح)، وثنا يحيى بن حكيم، نا بشر، يعني ابن عمر الزهراني، ثنا مالك، نا صفوان، عن سعيد بن سلمة فذكره، قال: هذا حديث يونس. وقال يحيى: عن صفوان، ولم يقل: من آل ابن الأزرق، ولا من بني عبد الدار. وقال: نركب البحر أزمانًا، والحاكم في المستدرك، ومع ذلك فقد أعل بأمور، منها:
الاختلاف في سعيد بن سلمة، فيما ذكره البيهقي في السنن الكبير، فقيل: عن سلمة بن سعيد. وقيل: عن عبد الله بن سعيد المخزومي. وقيل: من آل الأزرق. وقيل: من آل ابن الأزرق. وقيل: من آل بني الأزرق.
ومنها: الإِرسال فيما ذكره أبو عمر من أن ابن أبي عمر والحميدي والمخزومي، رووه عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن رجل من أهل المغرب يقال له المغيرة، أن ناسًا من بني مدلج أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:
…
الحديث بمعنى حديث مالك، قال: ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان، وأثبت من سعيد بن سلمة.
ومنها: الاضطراب واختلاف الروايات، فأما ابن إسحاق فرواه عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أتى رجال من بني مدلج، وفي رواية عن ابن إسحاق: سلمة بن سعيد،
عن المغيرة حليف بني عبد الدار، عن أبي هريرة. ذكره السراج في مسنده.
وفي كتاب البيهقي: واختلف في رواية يحيى بن سعيد اختلافًا كثيرًا، فقيل: عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، عن رجل من بني مدلج، عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه رواية أبي عبيد القاسم بن سلام، عن هشيم عنه.
ورواه بعضهم، عن هشيم، فقال: عن المغيرة بن أبي برزة، وهو وهم،.
قال البيهقي: ورواه سفيان عن يحيى، فقال: عن المغيرة بن عبد الله بن عبدٍ أن رجلا من بني مدلج، ورواه سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة أن رجلا من بني مدلج، وفي رواية: عن عبد الله بن المغيرة الكندي، عن رجل من مدلج.
وقيل: عن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، عن رجل من مدلج، وقيل: عن المغيرة بن عبد الله عن أبيه.
قال البيهقي في معرفة السنن: وهذا الاختلاف يدل على أنه لم يحفظه كما ينبغي، والجواب عن ذلك أنّ من لم يحفظ لا يكون حجة على من حفظ، وذلك أن ابن يوسف جوده، وذلك فيما ذكره الحافظ ابن عساكر رحمه الله في كتابه مجموع الرغائب، الذي قرأته على الشيخ بدر الدين يوسف الحنفي، أخبركم أبو التقي صالح إجازة إن لم يكن سماعا عن مصنفه المذكور، قال: وقد جوده عبد الله بن يوسف عن مالك، عن صفوان، عن سعيد، سمع المغيرة أبا هريرة.
وفي كتاب التاريخ للبخاري: وحديث مالك أصح، قال البيهقي: وقد تابعه الليث وعمرو بن الحارث، كلاهما عن سعيد بن سلمة، عن يزيد بن محمد، عن المغيرة. وأمّا الاختلاف في نسبة المغيرة فكلّه بتفاوت غير ضار، قاله أبو عمر. وأمّا رواية ابن إسحاق فقد خالفه في ذلك الليث، حيث رواه كمالك، والليث لا يقارن به ابن إسحاق، وقد وقع لنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه من غير طريق المغيرة، من جهة الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عنه، أنا بذلك أبو النون يونس بن إبراهيم الكناني إذنًا ومناولة عن ابن المقير، قال: أنبأنا أبو الكرم الشهرزوري، قال: أنا أبو الحسن بن المهتدي في كتابه، عن أبي الحسن علي بن مهدي البغدادي الحافظ، أنا الحسين بن إسماعيل، ثنا محمد بن عبد الله بن منصور، نا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن، نا محمد بن غزوان، نا الأوزاعي به، ومن جهة ابن المسيب، عن أبي هريرة، ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء من طريق عبد الله بن محمد القدامي، نا إبراهيم بن سعد، عن الزهري عنه، ومن جهة الأعرج، عن أبي هريرة، ذكره ابن منده، وأشار إلى عدم ثبوته. وفي المستدرك: وقد رويت من متابعات مالك في طرق هذا الحديث عن ثلاثة ليسوا من شرط هذا الكتاب، وهم: عبد الرحمن بن إسحاق، والقدامي، وإسحاق بن إبراهيم المزني، وإنّما حملني على ذلك أن نعرف العالمين أن هذه المتابعات والشواهد لهذا الأصل الذي صدّر به مالك كتاب الموطأ، وتداوله فقهاء الإسلام من عصره إلى وقتنا هذا، لا يرد بجهالة سعيد
والمغيرة، على أنّ اسم الجهالة مرفوع عنهما بهذه المتابعات.
ورواه الدارقطني من حديث إبراهيم بن المختار، عن عبد العزيز بن عمر عن سعيد بن ثوبان، عن أبي هند، عن أبي هريرة، ولفظه: من لم يطهره ماء البحر فلا طهّره الله.
120 -
حدّثنا سهل بن أبي سهل، ثنا يحيى بن بكر، حدّثني الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد، وكانت لي قربة أجعل فيها ماءً، وإني توضأت بماء البحر، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
هذا حديث سأل الترمذي البخاري عنه فقال: هو مرسل، ابن الفراسي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه له صحبة، وقَال الإشبيلي: لم يروه فيما أعلم إلا ابن مخشي وابن مخشي لم يرو فيما أعلم عنه إلَّا بكر بن سوادة، هذا نص ما ذكر، وخفي عليه انقطاع حديثه، وذلك أنه نقله من عند ابن عبد البر، ونص ما عنده عن مسلم أنّ الفراسي، قال: كنت أصيد
…
الحديث.
وناقض ذلك الإشبيلي حين ذكر حديث إذا كنت سائلا فسل الصالحين، بقوله: ابن الفراسي لم يرو عنه إلا مسلم.
قال أبو الحسن ابن القطان: فتبيّن من هناك أن مسلما لا يروي عن الفراسي إلا بوساطة ابنه، وليست لابنه صحبة. انتهى كلامه.
وقال أبو عمر: حديث الفراسي إسناده ليس بالقائم، وقد وقع لنا هذا الحديث
من طريق متصلة صحيحة، ذكرها أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده: نا قتيبة، نا ليث، عن جعفر، عن بكر، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي أن الفراسي قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث.
فهذا كما ترى ابن الفراسي رواه عن أبيه، فذهب ما توهم البخاري وغيره من انقطاعه، على أن البخاري قد خولف في ذلك، فذكر ابن بنت منيع في معجمه أنّ ابن الفراسي له صحبة أيضا، وزعم ابن الأثير أنَّ ابن الفراسي والفراسي واحد، ويشبه أن يكون وهما، والله أعلم.
وأما بكر بن سوادة أبو ثمامة المصري الفقيه المفتي، فروى عن سهل بن سعد الساعدي وغيره من الصحابة، وروى عنه جماعة، منهم: عمرو بن الحارث، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي، والليث بن سعد، قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى، وروى له مسلم في صحيحه، واستشهد به البخاري، وبكر بن سوادة وثقه أبو حاتم البستي رحمه الله، فصح بذلك الحديث، والله تعالى أعلم.
ويقال في الفراسي: فراس، ولم يذكر البخاري في الكبير غيره، وهو من فراس بن مالك بن كنانة، حديثه عند أهل مصر، ومخرج حديثه عنهم.
كذا ذكره أبو عمر، وفيه نظر؛ لأن فراسا ليس هو ابن مالك، إنما هو ابن عثمان بن ثعلبة بن مالك، قال أبو محمد الرشاطي: وثبوتهما هو الصواب.
121 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، حدّثني إسحاق بن حازم، عن ابن مقسم عبيد الله، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته.
هذا حديث ذكر الشيخ تقي الدين أن ابن السكن خرجه في مصنفه. وقال: هو أصح ما روي في هذا الباب، وخالفه ابن منده في هذا، فقال: روى هذا الحديث
عبيد الله بن مقسم، عن جابر، وعن الأعرج، عن أبي هريرة، ولا يثبت، والظاهر أن القول كما قاله ابن السكن، وذلك أنّ رجال إسناده ثقات.
بيانه: أن أبا القاسم ابن أبي الزناد لما سئل عنه أبو زرعة، فقال: اسمه كنيته، لا يعرف له اسم، وتبعه على ذلك الحافظان مسلم بن الحجاج وأبو عمر، وغيرهما من المتأخرين، وخالف ذلك أبو عمرو بن الصلاح، فذكر أن اسمه مرداس، أنا بذلك قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، قال: أنا قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين، أنا ابن الصلاح، وأنبأ به جماعة من شيوخنا الشاميين عنه به.
وقال عباس بن محمد: سئل عنه يحيى بن معين، فقال: ليس به بأس، قد سمع منه أحمد، قرأت على الشيخ المعمر أبي زكريا المقدسي أخبركم ابن رواح إجازة، إن لم يكن سماعا، أنا الحافظ أبو طاهر قراءة عليه وأنا أسمع بثغر الإسكندرية في يوم الأحد لعشرين من جمادى الأولى من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، أنا الشيخ أبو القاسم محمود بن سعادة بن أحمد بن يوسف بن عمران الهلالي بثغر سلماس من أصل سماعه سنة ست وخمسمائة، أنا أبو يعلى الخليل بن عبد الله القزويني قدم علينا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ثنا أبي، نا علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، نا علي بن أحمد بن الصباح، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ رحمه الله قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر أبا القاسم بن أبي الزناد، فأثنى عليه، وقال: كتبنا عنه وهو شاب.
وأمّا إسحاق بن حازم. وقيل: ابن أبي حازم المديني، فروى عنه عبد الله بن وهب، وعبد الله بن نافع، وخالد بن مخلد، ومعن بن عيسى، قال فيه ابن معين: ثقة، وكذلك قاله أحمد بن حنبل. وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث.
وخرجه الحاكم في مستدركه عن ابن قانع، ثنا محمد بن علي بن شعيب، ثنا الحسن بن بشر، ثنا المعافي بن عمران، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر.
ورواه الدارقطني، عن علي بن الفضل، ثنا أحمد بن أبي عمران، نا سهل بن تمام، ثنا مبارك بن فضالة، عن أبي الزبير به، قال: وخالفه عبد العزيز بن عمران، وليس بالقوي. فأسنده عن أبي بكر الصديق، وجعله عن وهب بن كيسان،
عن جابر، ولما ذكره في العلل قال: تفرد به عبد العزيز، وهو مدني ضعيف الحديث، وقد روي عن أبي بكر من قوله غير مرفوع من رواية صحيحة من حديث عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل عنه.
ورواه ابن زاطيا عن شيخ له، من حديث عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في رفعه، والموقوف أصح.
ولما ذكره ابن صخر في فوائده، قال: قال لنا أبو محمد الحسن بن علي: هذا حديث غريب من حديث أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، انفرد بروايته بهذا الإِسناد محمد بن يحيى المدني، وما كتبناه إلَّا من حديث عمر، يعني ابن شبة، وقد حدّث به الزيادي، فقال: حدّثني أبو زيد النحوي، يعني ابن شبة، ثنا محمد بن يحيى، حدّثني عبد العزيز
…
فذكره.
وقال صاحب كتاب الوقوف على معرفة الموقوف: الصحيح موقوف على أبي بكر، وفي هذا ردّ لما ذكره أبو عيسى من حديث أبي هريرة: وفي الباب عن جابر والفراسي، وفيه أيضا حديث ابن عباس، خرجه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة عنه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشواهده كثيرة، ولم يخرجاه. وأبى ذلك الدارقطني، فزعم أن وقفه هو الصواب.
وفيه أيضا: حديث عليّ بن أبي طالب، خرجه الحاكم من حديث محمد بن الحسين بن علي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه عنه.
وفيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، خرجه الحاكم من حديث الهقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه.
وفيه أيضا: حديث أنس بن مالك، أنا به يونس بن إبراهيم إذنا ومناولة،
عن ابن المقيرّ، قال: أنبأنا أبو الكرم الشهرزوري، ثنا محمد بن علي من كتابه، أنبأنا علي بن عمر قال: نا علي بن مبشر، نا محمد بن حرب، نا محمد بن يزيد، عن أبان، عن أنس به، قال: أبان هو ابن أبي عياش، وهو متروك الحديث.
وفيه أيضا حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، ذكره الدارقطني، وقال: باطل بهذا الإسناد، مقلوب.
وفيه أيضا حديث العركي، أنا به الإِمام تاج الدين ابن دقيق العيد رحمه الله إجازة، عن الفقيه أبي الحسن بن الحميري، قال: أنبأنا الحافظ أبو الطاهر بن سلفة، قال: أنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي قراءة عليه، وأنا أسمع بمصر، قال: أنا القاضي أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي، قال: أنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان العكبري، قال: قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا عثمان بن أبي شيبة، نا حاتم بن إسماعيل، عن حميد بن صخر، عن عياش بن عباس، عن عبد الله بن جرير، عن العركي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إنا نركب الأرمات، فنبعد في البحر، ومعنا ماء لشفاهنا
…
الحديث.
قال أبو القاسم: هكذا ثنا عثمان، عن حاتم، عن حميد بن صخر، وهو وهم، وإنما هو حميد بن زياد أبو صخر المدني، وهو صالح الحديث، قال: والعركي بلغني أن اسمه عبدود، ورواه ابن قتيبة في غريبه، عن القرشي، ثنا محمد بن غياث المكي، نا حاتم بن إسماعيل، عن أسامة بن زيد، عن أبي عبد الرحيم، عن عبد الله بن رزين الغافقي، عن العركي به.
وأما البحر فمختلف فيه؛ فزعم بعضهم أن ذلك يعم العذب والملح. وقال بعضهم: بل ذلك مخصوص بالملح فقط، وممن قال ذلك القزاز، فإنه ذكر أنه سمي بذلك لسعته من قولهم: تبحر الرجل في العلم؛ إذا اتسع فيه، وإذا اجتمع الملح من الماء والعذب سموهما باسم الملح، قال تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} ،
فجعل الماء العذب بحرًا لمقارنة الملح.
قال الشاعر:
وقد عاد عذب الماء بحرًا فزادني
…
على مرضي أن أبحر المشرب العذب
انتهى كلامه.
وفيه تصريح بأن البحر إنما يطلق على الملح لا العذب، وإن أطلق فعلى سبيل المجاز، وكذا ذكره ابن فارس في محكمه بقوله: ماء بحر، أي ملح، يقال: أبحر الماء إذا ملح، وفي الغريب المصنف عن الأموي والأصمعي: البحر هو الملح، يقال فيه: قد أبحر الماء، أي صار ملحا، وكذا ذكره الزمخشري في أساس البلاغة بقوله: وماء بحر وصف به لملوحته، وقد أبحر المشرب العذب، قال ذو الرمة:
بأرض هجان الترب وسمية الثرى
…
غداة نأت عنها الملوحة والبحر
وفي كلام الجوهري ما يفهم منه خلاف ذلك؛ لقوله: البحر خلاف البر، سمي بذلك لعمقه واتساعه، والجمع: أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر، قال عدي:
سره ماله وكثرة ما يملك
…
والبحر مُعْرضًا والسدير
يعني: الفرات. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - في كتاب المناسك وغيره: والبحر الماء العذب والملح، وإليه نحا أبو محمد بن بري في كتابه المسمى بـ التنبيه والإِفصاح عمّا وقع في كتاب الصحاح، الذي أنا بجميعه الشيخ تاج الدين أحمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد، إذنًا عن الفقيه بهاء الدين عنه، قال: كان الأموي يجعل البحر من الماء الملح فقط، قال: وسمّي بحرًا لملوحته، يقال: ماء بحر أي مالح، وأما غيره فقال: إنما سمي بحرًا لسعته وانبساطه، ومنه قولهم: إنّ فلانًا لبحر، أي: واسع المعروف، فعلى هذا يكون البحر للملح والعذب،
وشاهد العذب قول ابن مقبل:
ونحن منعنا البحر أن تشربوا به
…
وقد كان منكم ماؤه بمكان
وقال جرير:
اعطوا هنيدة تحدوها ثمانية
…
ما في عطائهم من ولا سرف
كومًا مهاريس مثل الهضب لو وردت
…
ماء الفرات لكاد البحر ينتزف
وقال الكميت:
أناس إذا وردت بحرهم
…
صوادي العرائب لم تضرب
وقد أجمع أهل اللغة أن اليم هو البحر، وجاء في التنزيل {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} قال أهل التفسير: هو نيل مصر، وفي كتاب الجمهرة لابن دريد: والعرب تسمي الماء الملح والعذب بحرًا إذا كثر، وفي التنزيل:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} يعني الملح والعذب. وفي كتاب الغريب لابن قتيبة: سئل ابن عباس عن الوضوء بماء البحر، فقال: هما البحران لا تبال بأيهما توضأت، والله أعلم.
ذكره الأجدائي في كتاب الكفاية التي قرأتها على علامة وقته وشيخ مشائخ البلاد أبي حيان عن ظهر قلب في مجلس واحد، وأخبرني بها عن الشيخ الصالح المقرئ رشيد الدين عبد النصير بن علي الهمداني وغيره، عن أبي الفضل جعفر بن أبي البركات، وأنبأني بها جماعة من أصحاب جعفر عنه، عن أبي الفتح رضوان بن مخلوف، عن أبي الحسن علي بن الحسن بن حفص القرشي سماعًا من والده. وعن أبي محمد عبد الله ابن المؤلف لها أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الطرابلسي، كلاهما عن مؤلّفها أبي إسحاق، قال: والبحر: الماء الكثير المتسع، عذبًا كان أو ملحا، وإنما سمي بحرا لكثرة مائه.
ومن أسمائه: اليم، والدأماء، والمهرقان، وحصارة، والقاموس: وسطه، وغواريه: أمواجه، والحال: طينه وترابه، والعبر: ساحل البحر وهو الشّط، والشاطئ، والسيف، والضف، والضفة، والجد، والجدة، والغيقة، ويقال: ماء زَغْرَبَ، وماء تليذم، وماء خضرم؛ إذا كان كثيرا متسعًا، وفي الغريب المصنف: والبلاثق: الماء الكثير، وفي كتاب الألفاظ لابن
السكيت: وكذلك ماء سُعر، وسعبر، وطيس، وطيسل، وأديب، وجوار على فعال أي: كثير.
وفي كتاب تثقيف اللسان للحميري: ولا يقولون بحرا إلَّا لما كان ملحًا خاصة، والبحر يقع على الملح والعذب. انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث عيبه على من يقول ذلك من الناس، ولا عيب عليهم؛ لما أسلفناه من قول جماعة من أهل العلم باللغة، والله أعلم.
وأما السائل، فزعم السمعاني أنه العركي، قال: وهو اسم يشبه النسبة، والله أعلم. انتهى.
وفيه نظر من حيث جعله اسما، وليس كذلك، بل هو نعت لمن كان صيادًا، وقد سبق بيان ذلك في الكتاب الموسوم بـ رفع الارتياب في الكلام على اللباب، وملخصه ما ذكره القزاز وغيره، والعروك: الصيادون، والواحد: عركي، قال زهير:
يغشى الحداة بها رعث الكثيب كما
…
يغشى السَّفائن موج اللجة العرك
وكتب المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوم من اليهود: أنّ عليكم ربع ما أخرجت نخلكم، وربع ما صاد عروككم، ويزيد ذلك وضوحا قول البغوي: قيل: اسمه عبد، كما أسلفناه، واختلف في الوضوء من ماء البحر؛ فكره الوضوء منه جماعة، منهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبو العالية فيما ذكره ابن أبي شيبة في المصنف.
وفي الإشراف عن ابن المسيب: إذا ألجُئت إليه توضأ منه. وقد انعقد الإِجماع على جواز الوضوء منه فيما حكاه ابن عبد البر، وإنما كره الوضوء منه من كرهه لما روي في بعض الأحاديث من أنّ الله تعالى يسقط فيه الكواكب يوم
القيامة ويصيره نارًا، وفي حديث يعلى من تاريخ محمد بن إسماعيل مرفوعًا: البحر من جهنم، أحاط بهم سرادقها، والله لا أدخله حتى أعرض على الله تعالى وكنت لم أسمع بهذا الحديث، فلما سافرت إلى الشام سنة تسع وسبعمائة في شوال نزلنا منزلة العريش على شاطئ البحر يوم الثلاثاء تاسعه، وجب علي غسل، فلما أن أردت أن أغتسل من البحر، وجدت ناسا كثيرًا مختفين بالشاطئ، فبصرت استضواء، فنمت وقت القائلة، فرأيت في منامي برية واسعة مليء جمرا كهيئة الكرسي إذا أوقد عليه، فجعلت أفكر فيه، فسمعت قائلا يقول: هذا البحر الملح صيره أو يصيره الله يوم القيامة نارًا، فلا تقربه، فاستيقظت فزعًا ولم أقربه ولا ماءه، فلما قدمنا من الشام ومرت علينا أعوام رأيت هذا الحديث في كتب المسانيد، فحمدت الله تعالى الذي وقاني شره وصدق رؤياي.
الرّجل يستعين على وضوئه فيُصب عليه
122 -
حدّثنا هشام بن عمار، ثنا عيسى بن يونس، ثنا الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته، فلما رجع تلقيته بالإِداوة، فصببت عليه فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب يغسل ذراعيه، فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما ومسح على خفيه ثم صلى.
هذا حديث خرجه الشيخان في صحيحيهما.
123 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة، فقال: اسكبي، فسكبت فغسل وجهه وذراعيه، وأخذ ماءً جديدا، فمسح به رأسه مقدّمه ومؤخّره، وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى حين تخريجه: هذا حديث حسن، وحديث ابن زيد أصح من هذا، وأجود إسنادًا.
وفي موضع آخر قال: وحديث الربيع حديث حسن صحيح، يعني بذلك نفس حديثها في الوضوء، يدلّ على ذلك قوله: حديث الربيع، ولم يقل هذا حديث صحيح كعادته،.
124 -
حدّثنا بشر بن آدم، ثنا زيد بن الحباب، حدّثني الوليد بن عقبة،
حدّثني حذيفة بن أبي حذيفة الأزدي، عن صفوان بن عسال قال: صببت على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في السفر والحضر في الوضوء.
هذا حديث إسناده صحيح على شرط أبي حاتم البستي، لتوثيقه راويه الوليد وحذيفة، أما حذيفة فإن عبد الغني لم يذكره جملة، واستدركه عليه الحافظ المزي، ولم يعرف بحاله مع كثرة نظره ونقله من كتاب الثقات لابن حبّان.
125 -
حدّثنا كردوس بن أبي عبد الله الواسطي، ثنا عبد الكريم بن روح، حدثني روح بن عنبسة بن سعيد بن أبي عياش مولى عثمان بن عفان عن أبيه عنبسة بن سعيد، عن جدّته أم أبيه أم عياش وكانت أمة لرقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا قائمة وهو قاعد.
هذا حديث معلل بأمور:
الأول
الثاني:.
وكذلك عنبسة أيضا لم أجده في الكتب المذكورة، ولم يزد من ذكره على ما في نفس الإِسناد.
الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟
.
126 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أيضا، حدثاه أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده.
هذا حديث خرجه الترمذي، وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك أنه رواه عن أبي الوليد أحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسري الدمشقي البغدادي، عن الوليد بن مسلم، ولم يسمع منه، فيما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه. قال: قرأت في كتاب علي بن أحمد بن أبي الفوارس: أنا أبي، أنا الباغندي، قال: سمعت أبا عبد الله - يعني إسماعيل بن عبد الله السكري - يقول: لم يسمع أبو الوليد هو: أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسري الدمشقي البغدادي من الوليد بن مسلم شيئًا قط، ولم أره عند الوليد قط، وقد أقمت تسع سنين، والوليد حي، ما رأيته قط؛ فعلى هذا يكون حديثه المذكور عنده منقطعا، ويكون حديث الباب أصح إسنادا منه؛ لسلامته من هذه الوصمة، ولتصريح كل منهم بسماعه من الآخر، وهو في الصحيح بلفظ: حتى يغسلهما ثلاثا، وفي لفظ
للبخاري: إذا استيقظ أحدكم من نومه، وفي لفظ عند مسلم: فليفرغ على يده ثلاث مرات، وفي لفظ: إذا كان أحدكم نائما ثم استيقظ فأراد الوضوء، فلا يضع يده في الإِناء حتى يصب على يده، فإنه لا يدري أين باتت.
وعند أبي داود: إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها ثلاث مرات، وعند الدارمي: فلا يغمس يده في الوضوء، وعند الدارقطني: في إنائه أو في وضوئه، وفي رواية: أين باتت تطوف يده، وحسن إسناده، وفي الأوسط عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج بزيادة: ويسمي قبل أن يدخلها، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة. تفرد به إبراهيم بن المنذر، ولا قال أحد ممن رواه عن أبي الزناد ويسمي إلا هشام، ولفظ ابن وهب في جامعه: حتى يغسل يده أو يفرغ فيها، فإنه لا يدري حيث باتت يده، وفي علل الرازي: فليغرف على يده ثلاث غرفات، مع لفظ: ثم ليغترف بيمينه من إنائه.
وعند البيهقي: أين باتت يده منه، وقال: قوله منه تفرد بها محمد بن الوليد البُسرِي، وفيما قاله نظر لما ذكره ابن منده، عن عبد الله بن شقيق من رواية خالد الحذاء عنه، قال: فإنه لا يدري أين باتت يده منه، قال: وكذلك رواه محمد بن الوليد، عن غندر، ومحمد بن يحيى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن
الحذاء، عن ابن شقيق، عن أبي هريرة، وقال فيه: فإنه لا يدري أين باتت يده منه.
وقال: ما أراهما محفوظين بهذه الزيادة، إلَّا أن رواة هذه الزيادة ثقات معدلون، وبنحوه قاله الدارقطني، فهذا كما ترى غير البسري رواه كروايته. ورواه الحسن عن أبي هريرة عند ابن عدي: فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، فليرق ذلك الماء.
وفي كتاب الكجي: حتى يصب عليها صبة أو صبتين. وفي رواية: على ما باتت يده. وفي المصنف لابن أبي شيبة: كان أصحاب عبد الله إذا ذكر عندهم حديث أبي هريرة، قالوا: كيف يصنع أبو هريرة بالمهراس الذي في المدينة؟ ورواه عن أبي هريرة من غير ذكر العدد جماعة، منهم: همام، وعبد الرحمن بن يعقوب، وثابت مولى عبد الرحمن بن زيد، وعمار بن أبي عمار، وابن سيرين، والأعرج، قال أبو عمر: وروى العدد جماعة عنه، منهم: جابر بن عبد الله الصحابي، وابن المسيب، وأبو سلمة، وعبد الله بن شقيق، وأبو صالح، وأبو رزين، وأبو مريم الأنصاري، انتهى.
وفيما قاله نظر، لما ذكره أبو نعيم في مستخرجه أنّ المقدمين، وهكذا روي عن زياد عن ثابت ذكر العدد.
127 -
حدّثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني ابن لهيعة، وجابر بن إسماعيل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإِناء حتى يغسلها.
هذا حديث إسناده صحيح على رسم مسلم؛ لتفرده بجابر بن إسماعيل الحضرمي
أبي عباد المصري، وفي كتاب العلل لأبي عيسى تقويته، وذلك أنّه ذكر عن سفيان بن وكيع، ثنا عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مرفوعا: إذا قمت من منامك فلا تضع يدك في الإناء حتى تفرغ عليها ثلاث مرات.
وقال: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقَال: وهم فيه، إنما روى ابن وهب هذا عن جابر بن إسماعيل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه من حديث ابن أخي ابن وهب عن عمّه عنهما بلفظ: حتى تغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده، أو أين طافت يده، فقال له رجل: أرأيت إن كان حوضًا؟ فحصبه ابن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: أرأيت إن كان حوضًا. قال: إسناد حسن، وبنحوه قاله أبو بكر البيهقي.
128 -
حدّثنا إسماعيل بن توبة، ثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم فأراد أن يتوضأ، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها؛ فإنه لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها.
هذا حديث قال فيه الدارقطني لما رواه من حديث محمد بن نوح، عن زياد: إسناد حسن. وفي قول أبي القاسم في الأوسط: لم يروه عن عبد الملك إلا زياد،
تفرّد به موسى بن يحيى المروزي، ولا يروى عن جابر إلَّا بهذا الإِسناد - نظر، لما تقدّم عند ابن ماجه والدارقطني من عدم تفرد موسى به.
129 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: دعا علي عليه السلام بماء، فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع.
هذا حديث جمع ضعفًا وانقطاعًا:
الأول: الحارث بن عبد الله أبو زهير الأعور الهمداني الخارفي الكوفي، ويقال: الحارث بن عبيد، قال أبو بكر بن عياش: لم يكن الحارث أرضاهم، كان غيره أرضى منه، وكانوا يقولون: إنّه صاحب كتاب، وكان ابن مهدي قد ترك حديثه، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: هو كذاب.
وقال بندار: أخذ يحيى وعبد الرحمن القلم من يدي، فضربا على نحو أربعين حديثًا من حديث الحارث عن علي.
وقال الشعبي: ثنا الحارث، وأشهد أنه أحد الكذابين.
وقال أبو إسحاق السبيعي: زعم الحارث الأعور، وكان كذابًا.
وقال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي ولا يحتج بحديثه.
وقال حمزة الزيات: سمع مُرّة الهمداني من الحارث شيئًا فأنكره، فقال: اقعد حتى أخرج إليك، فدخل مرة واشتمل على سيفه، وأحس الحارث بالشر فذهب.
وقال ابن المديني: الحارث كذاب.
وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة ما يرويه عنهما - يعني عليًا وابن مسعود - غير محفوظ.
وقال أبو بكر بن أبي داود: كان الحارث حُوتيًا من حوت، بطن من همدان.
وفي كتاب الدوري، عن ابن معين: يزعمون أنّه ليس من همدان، يقولون: إنه من الأبناء.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال أبو الحسن البغدادي: ضعيف.
وذكر ابن الجنيد جماعة ضعفاء، ثم قال: وأضعف القوم الحارث، عن علي، وقال ابن
سعد: كان له رأي سوء وهو ضعيف في رأيه، توفي بالكوفة أيّام عبد الله بن الزبير.
الثاني: انقطاع ما بين أبي إسحاق والحارث، وبين الحارث وعلي، فإن ابن نمير قال: لم يسمع السبيعي من الحارث إلَّا أربعة أحاديث، وإنما أخذ حديثه من صحيفة. وفي تاريخ السعدي ثلاثة أحاديث.
وقال ابن المديني في كتاب العلل الصغير الذي قرأته على المسند المعمر أبي الحسن بن الصلاح، عن ابن رواح، عن السلفي، أنا أبو الحسن عن علي بن المشرف الأنماطي من أصل سماعه وأبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي بمصر، قالا: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحافظ بمصر، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد المعروف بابن النحاس المعدل، قراءة عليه بمصر في المحرم سنة سبع وأربعمائة، أنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن عبد الرحمن السجزي، قدم علينا سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المعروف بابن المديني: سمع أبو إسحاق من الحارث أربعة أحاديث، ثم قال: وإنما علمت الحارث روى عن علي حديثين، يختلف عنه في أحدهما.
وذلك في العلل الكبير ذلك عن شعبة بن الحجاج، قال: وكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروي عن علي باطل.
قرأت على الإمام المعمر أبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن شجاع الهاشمي، أخبرَكم أبو محمد عبد الوهاب المصري إجازة، أنا أبو الطاهر الثغري قراءة عليه وأنا أسمع، أنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي من أصله، أنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري بقراءة مسعود بن ناصر السجزي، أنبأ أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه فيما أذن لي، نا أبو الطيب محمد بن القاسم بن جعفر الكوكبي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: الحارث الأعور أحاديثه عن علي بن أبي طالب أخذها من كتاب، وقد وقع لنا معنى حديث علي هذا من طريق صحيحة، ذكرها أبو داود من حديث عبد خير، عن علي: أخذ بيمينه فألقى على يده اليسرى، ثم
غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء، فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، فعله ثلاث مرات.
وفي آخره: من سرّه أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا.
وسيأتي طرف منه في موضعه، إن الله قدر ذلك وشاءه.
وفي الباب حديث آخر عن عائشة. ذكره ابن وهب في جامعه، قال: أخبرني ابن أبي ذئب عمن سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول: حدّثتني عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله - يعني حديث أبي هريرة - قال: إلَّا أنه قال: فليغرف على يديه ثلاث غرف قبل أن يدخلها في وضوئه.
ذهب عامة أهل العلم إلى أنّ ذلك على الاستحباب، وله أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها، فإن الماء طاهر ما لم يتيقن نجاسة يده، وذهب داود والَطبري إلى إيجاب ذلك، وأن الماء ينجس به، إن لم تكن اليد مغسولة، وفرق أحمد وبعض الظاهرية بين نوم النهار والليل؛ لأنّ الحديث جاء في نوم الليل، وكأن الإنسان لا ينكشف لنوم النهار وينكشف لليل غالبا، وأبى ذلك الحسن البصري وإسحاق، حين قال الحسن: ما رأيته، فيما حكاه ابن المنذر، وفيه دليل على أن الماء إذا وردت عليه النجاسة وإن قلت غيرت حكمه.
باب ما جاء في التسمية في الوضوء
130 -
حدّثنا أبو كريب محمد بن العلاء، ثنا زيد بن الحباب (ح)، وثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عامر العقدي (ح)، وثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو أحمد الزبيري، قالوا: ثنا كثير بن زيد، عن رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.
هذا حديث ذكره الحاكم في مستدركه مستشهدا به، وذكر عن أحمد أنه أحسن ما يروى في هذا، ولما ذكره المروذي عن أحمد، قال: لم يصححه، وقال: ليس فيه شيء يثبت.
وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي عنه: وسأله عن التسمية على الوضوء، فقال: فيها أحاديث ليست بذاك، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} الآية، فلا أوجبه عليه.
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يتوضأ ولم يسم، قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيد.
وفي كتاب العلل للخلال: ذكر أبو عبد الله ربيحًا هو: رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقال: ليس بمعروف، وفي مسائل أبي عمر خطاب بن بشر الوراق للإِمام أحمد: وسألته عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا وضوء لمن لم يسم الله، فقال: ليس الخبر بصحيح، روي عن رجل ليس بالمشهور، واسمه رُبيح، وهذا لا يناقض كلامه الأول؛ لأنه حسّنه على علّاته.
ولما ذكره البزار في كتاب السنن من تصنيفه الذي رويناه عن جماعة من شيوخنا، عن مثلهم من أصحاب أبي طاهر عنه، أنا أبو الفتح أحمد بن محمد بن سعيد الحداد سماعًا، أنا أبو الفتح عبد الغفار بن إبراهيم، نا أبو محمد بن حيان عنه، قال: لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإِسناد.
وكثير قد روى عنه جماعة من أهل العلم، فاحتملوا حديثه، وربيح روى عنه فليح، والدراوردي، وكثير بن عبد الله بن عمرو، وكثير بن زيد، تتابع على هذا الحديث عن أبي سعيد، ولما ذكره في مسنده قال:
لا نعلمه يروى عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد، وكثير صالح الحديث، قد روى عنه سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن أَبي حازم، والدراوردي، وسفيان بن حمزة، وأبو أحمد، وأبو عامر، وزيد بن الحباب.
وأما قول ابن عدي: لم يروه عن ربيح غير كثير، ولا عن كثير غير زيد فليس بشيء، لما تقدّم من عند ابن ماجه، وكلام البزار يدور على ترجيح كثير، وإغفال ذكر ربيح، وأحمد قد تقدّم كلامه فيه.
وقال فيه البخاري: منكر الحديث. ذكره عنه الترمذي في كتاب العلل الكبير عند إعلاله هذا الحديث، وخالف ذلك ابن حبان فذكره في كتاب الثقات. وقال أبو زرعة فيه: شيخ. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وكثير بن زيد وثقه ابن عمار وابن معين في رواية.
وقال أبو حاتم: صالح.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وخرج ابن خزيمة له حديثا في صحيحه.
فعلى هذا يكون حديثا حسنا باعتبار سنده، وبما يشده من الشواهد، والله أعلم.
ورواه الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب الوضوء من تصنيفه، عن عمر بن أحمد بن عمر الصفار، أنا الطبراني، ثنا الحضرمي، ثنا الحماني، ثنا قيس بن الربيع، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال إذا توضأ: باسم الله، وإذا فرغ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله .. الحديث، وسيأتي بعد إن شاء الله تعالى.
131 -
حدّثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا يزيد بن هارون، أنا يزيد بن عياض، ثنا أبو ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان أنه سمع جدّته بنت سعيد بن زيد تحدّث أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.
هذا حديث اختلف في تحسينه وتضعيفه؛ فممن حسنه ظاهرا أبو عبد الله البخاري بقوله فيما حكاه عنه أبو عيسى: هو أحسن شيء في هذا الباب عندي، ولما ذكره البزار قال: وحديث ابن حرملة رواه جماعة ثقات، وأبو ثفال مشهور، ورباح وجدّته لا نعلمهما رويا إلَّا هذا الحديث، ولما سئل عنه أبو الحسن البغدادي قال: رواه عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال، واختلف عنه، فقال وهيب وبشر بن المفضل، وابن أبي فديك، وسليمان بن بلال، عن ابن حرملة، عن أبي ثفال عن رباح عن جدته، وذكر الاختلاف فيه، ثم قال: والصحيح قول وهيب، وبشر، ومن تابعهما، وذكره الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة من طريق عفان عن وهيب، بزيادة: ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل قال: ذكرته لأبي وأبي زرعة، فقالا: ليس عندنا بذاك الصحيح، أبو ثفال مجهول، ورباح مجهول، ولما ذكره ابن القطان قال: إن كان يعني عبد الحق اعتمد قول أحمد: لا أعلم في هذا حديثًا له إسناد جيد، فقد بقي عليه أن يبين علته، وذلك هو الذي قصدت بيانه في هذا الباب لتكتمل الفائدة، وإن كان اعتمد قول البخاري: إنه أحسن شيء في هذا الباب، فقد توهم أنه حسن، وليس كذلك، وما هو إلَّا ضعيف جدا؛ لأنّ في إسناده ثلاثة مجاهيل الأحوال:
أولهم: جدّة رباح، فإنها لا تعرف بغير هذا، ولا يعرف لها اسم ولا حال،
وغاية ما تعرفنا بهذا أنها ابنة لسعيد.
الثاني: رباح فهو مجهول الحال كذلك، ولم يعرف ابن أبي حاتم من حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإِسناد.
الثالث: أبو ثفال مجهول كذلك، وهو أشهرهم؛ لرواية جماعة عنه، منهم: ابن حرملة، وسليمان بن بلال، وصدقة مولى الزبير، والدراوردي، والحسن بن أبي جعفر، وعبد الله بن عبد العزيز، قاله أبو حاتم.
وفيما قاله نظر من وجوه:
الأول: ما ذكره من جهالة حال أبي ثفال، وليست كذلك فإنه ممن قال فيه البخاري: في حديثه نظر، والبخاري إذا قال ذلك يكون غير محتمل عنده، وقد أسلفنا فيما ذكر من حسن حديثه، وما ذاك إلا بعد تحسين حاله، وسيأتي كلام ابن حبان فيه.
الثاني: ابنة سعيد بن زيد، اسمها أسماء، سماها بذلك البيهقي في كتاب السنن الكبير، وقوله: إنها مجهولة الحال ليست كذلك؛ بل معروفة، ذكرها ابن حبان في كتاب الثقات. وقال: لا أدري ما اسمها، روى عنها رباح بن عبد الرحمن إلا أني لست بالمعتمد على ما انفرد به أبو ثفال ثمامة المري.
الثالث: قوله في رباح: إنه مجهول، ليس كذلك، فإنه ممن ذكره ابن حبان في كتاب الثقات أيضًا. قال المقدسي: وروى عنه حذيفة غير منسوب والحكم بن القاسم الأويسي، فعلى هذا لولا أن أبا ثفال في السند لكان الحديث صحيحا على رسم ابن حبان، ولكان قول أبي عبيد القاسم بن سلام في كتاب الطهور أقرب إلى الصواب، وذلك أنه لما ذكره وذكر حديث أبي سعيد قال: فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسناديهما، لمكان المرأة المجهولة في الأول، ولما في الآخر من ذكر الرجل ليس يُروى عنه كثير علم، فإن كانا محفوظين فإنما يوجهان على ما
في ذكر الله تعالى عند الطهور من الفضيلة والثواب.
132 -
حدثنا أبو كريب وعبد الرحمن بن إبراهيم قالا: ثنا ابن أبي فديك، ثنا محمد بن موسى بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن سلمة الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.
هذا حديث اختلف فيه: فمنهم من أعله، ومنهم من صححه؛ فأما المعلل فالبخاري لما سأله عنه الترمذي فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس به، مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني، لا يعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة، والعجب من المنذري في إيراده كلام البخاري هذا، ثم قال: وهذا الحديث أمثل الأحاديث الواردة إسنادا، وقد أسلفنا ذكر أحاديث حسنة الإِسناد متصلة، لا تقاس بهذا، وأمّا المصحح:
فالحاكم لما ذكره في مستدركه من حديث قتيبة بن سعيد، ثنا محمد بن موسى، ثنا يعقوب بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
الحديث، ثم قال: رواه ابن أبي فديك، عن محمد بن موسى المخزومي، أخبرناه أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس، ثنا عثمان بن سعيد، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، قال: وهذا حديث صحيح الإسناد، فقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سَلمة دينار، ولم يخرجاه، انتهى كلامه.
وعليه فيه مآخذ: الأول: حكمه عليه بالصحة، وهو عديمها لأمرين:
الأوّل: ما ذكره البخاري.
الثاني: جهالة يعقوب وأبيه سلمة، فإني لم أر أحدا تعرّض لذكر حالهما، وأما ما ذكره ابن سرور في باب سلمة من قوله: روى عنه ابنه يعقوب، ومحمد بن موسى الفطري وأبو عقيل يحيى بن المتوكل فوهم منه، وقد ذكره في باب يعقوب على الصواب، ولو كان ما قاله صحيحا لخرج سلمة من جهالة العين برواية جماعة عنه، وليس الظاهر كذلك، وإنّما تبع عبد الغني في ذلك ابن أبي حاتم حيث قال: سلمة الليثي، روى عن أبي هريرة، روى عنه ابنه يعقوب، وروى عنه محمد بن موسى وأبو عقيل، فاعتقد أنّ الضمير في روى عن محمد بن موسى عائد على سلمة، وإنما هو يرجع إلى يعقوب، يفهم ذلك من قوله روى مرتين، على أنّ هذا لا بد فيه من تعسف؛ إذ الاصطلاح غيره.
وأما البخاري فذكره في الكبير على الصواب، وتبعه على ذلك غير واحد من المتأخرين.
الثالث: قوله: يعقوب بن أبي سلمة، وليس صحيحا؛ إذ لو كان ابن أبي سلمة لكان صحيحا كما زعم، ولكنه ليس به، ولم يقل أحد ما قاله غيره بغير متابع له عليه، وممن رواه كرواية ابن ماجه: أبو داود، والترمذي في العلل، والدارقطني والإِمام أحمد بن حنبل، والطبراني في المعجم الكبير، وفي الأوسط، وقال: لم يروه عن يعقوب إلا الفطري، وغيرهم.
ويشبه أن يكون وقع ذلك منه لاعتماده على حفظه، فإن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أجول على الذهن من يعقوب بن سلمة، فانتقل ذهنه من هذا إلى هذا، وأكّده بذكر أخيه، والله تعالى أعلم.
الرابع: لو سلم له قوله: إنّه ابن أبي سلمة، لكان يحتاج إلى معرفة حال أبيه دينار، وهي غير معروفة، بل لم يذكره في الرواة أحد من أصحاب التاريخ فيما أعلم.
ورواه أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه ذكره الدارقطني في الأول من فوائده رواية ابن معروف عنه، ولما ذكره الحافظ أبو بكر في سننه، قال: وهذا الحديث لا يعرف من حديث يحيى، عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان ابن النجار يقول: لم أسمع من يحيى إلَّا حديثًا واحدًا التقى آدم وموسى.
ذكره ابن معين، فحديثه على هذا يكون منقطعًا، وروي من حديث إبراهيم بن المنذر، ثنا عبد الله بن محمد عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة نحوه.
قال أبو نصر الوائلي: هذا حديث غريب من حديث هشام، عن أبي الزناد وهو من المدبج، وفي كتاب أبي الحسن من حديث مجاهد، عن أبي هريرة نحوه، وفيه جماعة مجاهيل.
ورواه أبو القاسم في الأصغر من حديث علي بن ثابت، عن محمد يرفعه عنه: إذا توضأت فقل: باسم الله، والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك حسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء.
وقال: لم يروه عن علي بن ثابت أخي عزرة بن ثابت إلَّا إبراهيم بن محمد البصري، تفرد به عمرو بن أبي سلمة.
وفي كتاب الشيرازي من حديث الحسين بن علوان: من سمى في وضوئه لم يزل كاتباه يكتبان له الحسنات حتى يحدث من ذلك الوضوء.
133 -
حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا ابن أبي فديك، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة
لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار.
هذا حديث خرجه الحاكم في مستدركه، وقال: لم يخرج على شرطهما. انتهى.
وإسناده ضعيف؛ لضعف راويه عبد المهيمن، فإنه ممن قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن الجنيد وابن معين: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
وقال الساجي: منكر الحديث.
وقال الحربي في كتاب العلل: غيره أوثق منه.
وأما حديث عائشة مرفوعًا: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله، فإن الحربي ذكر في كتاب العلل أنَّ إسحاق بن راهويه عمل مختصر سنن، فجاء به علي بن الجهم إلى أحمد بن حنبل، فأول حديث فيه حديث حارثة، عن عمرة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
…
الحديث.
قال: فرمى أحمد بالكتاب من يده، وقال: هذا يزعم أنّه اختار أصح شيء في الباب، هذا أضعف حديث في الباب، حديث ربيح وحديث سعيد بن زيد أصح من هذا؛، وكل ما روي في ذلك فليس بالقوي الإِسناد، وإن تتابعت هذه الأسانيد.
ولفظ الدارقطني: إذا مَسَّ طهورًا يسمِّي الله تعالى، وفي لفظ: إذا قام إلى الوضوء يسمي الله تعالى.
وأما قول الترمذي: وفي الباب عن أنس، فيشبه أن يريد بذلك الحديث الذي أخبرناه الإمام أبو الحسين بن الهيثم بقراءتي عليه، أخبركم الحافظ البكري إجازة إن لم يكَن سماعًا، أنا أبو روح الهروي قراءة عليه، أنا أبو القاسم
زاهر الشحامي قراءة عليه، أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الجنزروذي، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، أنا جدي الإِمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه الصحيح، ثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ثابت وقتادة، عن أنس قال: نظر بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءا فلم يجدوا، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هاهنا ماء، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإِناء الذي فيه الماء، ثم قال: توضئوا باسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، والقوم يتوضئون، حتى توضئوا عن آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قالوا: نحو من سبعين.
وأخرجه النسائي أيضًا، وأصله متفق عليه.
وفي الباب مما لم يذكره الترمذي: حديث جابر، وفيه طول، وفي آخره: فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء؟ وفيه قال: خذ يا جابر، فصب علي، وقل: باسم الله، فصببت عليه، وقلت: باسم الله.
رواه مسلم في صحيحه، وهو أصرح من حديث أنس في الدلالة، وفيه رد لقول البيهقي، حيث قال في حديث أنس: هو أصح شيء في التسمية، إذ لقائل أن يقول: أراد بقوله باسم الله؛ الإذن لا التسمية، وفيه رد لقول من زعم أن ليس في الباب حديث له إسناد جيد كَما قدمناه، وفي حديث نبيح العنزي، عن جابر عند أحمد: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم كفه في الماء والقدح، ثم قال: باسم الله، ثم قال: أسبغوا الوضوء.
وفي حديث سالم بن أبي الجعد عنه عنده أيضًا: فوضع يده في تور من ماءٍ بين يديه، فجعل يفور من خلال أصابعه كأنها عيون، ثم قال: خذوا باسم الله، حتى وسعنا وكفانا.
وروى البخاري ومسلم هذا الحديث من رواية سالم، عن جابر بغير ذكر التسمية، وإسناد أحمد فيه على رسم الصحيح، وحديث أبي سبرة ذكره ابن بنت منيع في معجمه، عن صلت بن مسعود الجحدري، ثنا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس، حدثني عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جدّه أبي سبرة مرفوعا
…
الحديث، ولما رواه الطبراني في الأوسط، قال: لم يرو هذا الحديث عن أبي سبرة إلَّا بهذا الإِسناد، ويشبه أن يكون وهم؛ لما رواه ابن أبي عاصم
في كتاب الآحاد والمثاني عن الصلت، ثنا يحيى عن عيسى بن سبرة، عن مولى لقريش، عن أبيه، عن جده، زاد الموَلى، وليس عنده، والله أعلم.
وحديث عبد الله بن مسعود مرفوعا، أنا به عبد المحسن المصري قراءة عليه، أنا جدي، أنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد، أنا ابن أبي الفتح السلمي، أنا الشريف الحسين بن محمد الخطيب، أنا أبو الحسين الغساني، ثنا طلحة بن عبد الله بن موسى بن إسحاق، ثنا جدّي، ثنا يحيى بن هاشم، ثنا الأعمش، عن سفيان عنه، وأنا به أعلى من هذا بدرجة قاضي القضاة كمال الدين بن محمد بن سليمان - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، أنا المسند أبو بكر محمد بن النشبي قراءة عليه وأنا أسمع، أنا أبو حفص البغدادي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب محمد بن إبراهيم، أنا أبو بكر الشافعي، ثنا محمد بن غالب، ثنا يحيى بن هاشم، ثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله به.
وحديث خصيف عن النبي صلى الله عليه وسلم مقطوع ومعضل. ذكره أبو بكر البيهقي في كتاب السنن وضعفه، وحديث علي بن أبي طالب ذكره أبو أحمد بن عدي وضعفه، وحديث عبد الله بن عمر ذكره الدارقطني وضعفه بالداهري، وحديث ابن سبرة: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار ذكره أبو موسى، وقال: قال جعفر: في إسناده نظر.
وحديث أبي بكر الصديق ذكره ابن أبي شيبة، فوقفه، واختلف في وجوب التسمية عند الوضوء؛ فاستحب كثير منهم أن يسمي. وقال قوم: إن تركه عامدًا فلا شيء عليه، كذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال إسحاق: إذا تركه ساهيًا فلا شيء عليه، وإذا تعمد ذلك أعاد، قال ابن المنذر: وعندي لا شيء عليه، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: تفسير: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أنه الذي يتوضأ ويغتسل، ولا ينوي وضوءًا للصلاة ولا غسلا للجنابة.
وقال أبو عبيد ابن سلام: وأنا لا أرى لبشر أن يدع ذكر الله تعالى عند طهوره، وإني ما تركته ساهيا حتى يمضي بعض وضوئي، فأعيده من أوّله بالتسمية، وهذا اختيار مني لنفسي آخذها به، وأراه لمن قبل رأيي من غير أن أوجبه، ولا أفسد بتركه صلاة رجل ولا طهوره.
باب التيمن في الوضوء
134 -
حدّثنا هناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن أشعث بن أبي الشعثاء، وثنا سفيان بن وكيع، ثنا عمر بن عبيد الطنافسي، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في الطهور إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.
هذا حديث اتفقا على تخريجه.
135 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو جعفر النفيلي، ثنا زهير بن معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم.
هذا حديث إسناده صحيح، وخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قطعة منه، عن نصر بن علي، أنا عبد الصمد، ثنا شعبة، عن الأعمش به: إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه.
وفي موضع آخر: إذا لبستم أو توضأتم.
ورواه أيضًا الترمذي عن نصر، وقال: قد روى هذا غير واحد، عن شعبة، عن الأعمش بهذا الإِسناد، ولا نعلم أحدا رفعه غير عبد الصمد عن شعبة، ولما ذكره في الأوسط أشار إلى تفرد زهير به، عن الأعمش، عن أبي هريرة موقوفًا.
وفي مسلم، عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وله شاهد في صحيح ابن حبان من حديث ابن عمر: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى أحدنا شيئًا بشماله.
وفي كتاب الإشراف: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن ما استطاع من ترجله وتنعله ووضوئه. وقد أجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره في الوضوء قبل يمينه، وروينا عن علي وابن مسعود أنهما قالا: فلا تبال بأي يد بدأت. زاد الدارقطني: أبا هريرة.
باب المضمضة والاستنشاق من كف واحد
136 -
حدّثنا عبد الله بن الجراح وأبو بكر بن خلاد، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة.
هذا حديث خرجه ابن ماجه في موضعين آخرين، وهو قطعة من حديث مطول رواه البخاري في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وِلفظه: وجمع بين المضمضة والاستنشاق، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ، والحافظ أبو بكر في صحيحه، وجوده الإِمام أحمد فيما حكاه الخلال.
ولما خرجه أبو عيسى قال: حديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مَرة مرة وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى هشام بن سعد والثوري وعبد العزيز بن محمد، عن زيد، عن عطاء، وبنحوه قاله أبو حاتم الرازي حين سأله ابنه، عن حديث رواه ابن لهيعة، عن الضحاك هذا.
137 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا من كف واحد.
هذا حديث خرجه الحافظان أبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم البستي في صحيحيهما من حديث خالد بن علقمة الهمداني، عن عبد خير مطولًا.
وقال فيه الترمذي:
حسن صحيح، ولما ذكره البغوي في شرح السنة قال: حديث عبد خير صحيح حسن، أنا بذلك العلامة أبو الحسن بن موسى الحجازي بقراءتي عليه في شهور سنة إحدى عشرة وسبعمائة جميع كتاب الطهارة منه والزكاة والحج، ومناولة لباقي ذلك.
وأخبرني أنه سمع بعضه من لفظ شيخه شيخ الإِسلام شمس الدين زكي بن الحسن وبقيته قراءة عليه وأنا أسمع بثغر عدن في شهور سنة تسع وستين وستمائة.
قال: أخبرني الفقيه رشيد الدين زاهد بن محمد بن أحمد بن وكيع، أنا شيخ الإسلام عماد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله المروروذي، قال: أنا البَغوي .. فذكره.
ورواه النسائي في مسند علي مطولًا: فملأ فمه فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى، يفعل هذا مرارًا في الحديث ثلاث مرات.
وكذا ذكره أحمد بن سنان القطان في مسنده، ورواه شعبة فقال: عن مالك بن عرفطة، ووهمه في ذلك أبو داود، والنسائي، والدارقطني، والإمام أحمد، ومسلم في كتاب شيوخ شعبة من تأليفه، والبزار، وقال: قد رواه غيَر واحد عن خالد بن علقمة، ولا نعلم أحدًا أحسن له سياقًا ولا أتم كلامًا من زائدة.
ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبي زرعة قال: وهم فيه شعبة. إنما أراد خالد بن علقمة. ورواه سفيان موقوفًا، لم يرفعه.
وفي ذلك نظر؛ لأن الدارقطني ذكر رواية الثوري هذا الحديث مرفوعًا، ثم قال: وخالف الجماعة الحجاج بن أرطأة، فجعله عن خالد، عن عمرو ذي مر، ووهم في ذلك، والصواب قول من قال: عبد خير عن علي. انتهى.
وفي توهيم الجماعة شعبة وعصبهم الجناية برأسه تعسّف؛ لأمرين:
الأوّل: لروايته ذلك كرواية الجماعة: سفيان، وشريك، وأبو عوانة، وأبو
الأشهب، وغيرهم، نص على ذلك أبو الحسن البغدادي.
الثاني: متابعة أبي عوانة له. نص على ذلك مطلقًا من غير تقييد أبو داود في رواية ابن العبد، والترمذي في جامعه، وأبو حاتم كما أسلفناه، والدارقطني، وعن الإِمام أحمد أنه رجع عن ذلك لما قيل له: إن شعبة وهم، وقَال: ما يدريني أنا سمعته، وهو يخالفني في اسمه، فقلت: لعله أعلم مني، فاتبعته، وتبسم أبو عبد الله عند هذا. وقال: خالد بن علقمة كوفي ثقة. وحكى الدارقطني عنه أنه قال فيه أيضا: خالد بن عرفطة، وهو غير شيء أيضا؛ لأن خالد بن عرفطة روى عن أبي سفيان، عن جابر روى عنه واصل مولى أبي عيينة، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وفي مسند الدارمي متابع له، وهو حسن بن عقبة المرادي المذكور في الثقات للبستي.
138 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا أبو الحسين العكلي، عن خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد الأنصاري، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا وضوءًا، فأتيته بماء فمضمض واستنشق من كف واحد.
هذا حديث أصله في الصحيحين، وقال فيه أبو عيسى: حسن غريب، وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو، ولم يذكروا هذا الحرف (من كف واحد)، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وهو ثقة حافظ عند أهل
الحديث. انتهى كلامه.
وفيه نظر في موضعين:
الأول: قوله: عن مالك وغيره، لم يذكروا من كف واحد، إن أراد اللفظ فكذلك هو، وإن أراد المعنى فليس كذلك؛ لأن لفظ حديث مالك وغيره: فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة، وفي لفظ: ثلاث مرات من ثلاث غرف وفي رواية: من ثلاث حفنات، وفي رواية: فمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء، فهذا كما ترى مالك وغيره ذكروا معنى ما ذكره خالد، والله أعلم.
الثاني: تحسينه الحديث مع شهادته للمنفرد به بالحفظ، والحافظ إذا تفرد بحديث عنده كان صحيحًا، لا سيما إذا عضده متابع وشاهد كهذا، مع قطع النظر عمن صححه قبل.
وذكر أبو عبيد في كتاب الطهور: وجدنا الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثبتة، فبعضها معناه أنهما كانا بغرفة واحدة، وفي بعضها: جدد لكل واحد منهما غرفة، ففي هذا شاهد أنّ الأمرين جميعًا واسعان، وأنهما من سنته، وقد عملت العلماء بالرخصة فيهما.
المبالغة في الاستنشاق والاستنثار
139 -
حدّثنا أحمد بن عبدة، أنبأ حماد بن زيد، عن منصور (ح)، وثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس، قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وذكره ابن حزم محتجا به، وألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، ولما ذكره أبو ذر الهروي في مستخرجه، زاد: ألا وإنما هن أربع: ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا.
وفي لفظ: أربع ما أنا بأشح بهن مني يوم سمعتهن.
وفي لفظ: كان ذلك في حجة الوداع.
وأمّا النسائي والطبراني وغيرهما فجعلوهما حديثين.
ولفظ ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط وابن قانع والطبراني: إذا استنشقت. وقد وقع لنا هذا الحديث بعلو ثلاث درجات على طريق ابن ماجه، أنا المسند المعمر يحيى بن أبي محمد الدمشقي بقراءتي عليه عن مفتي المسلمين علي بن هبة الله، أخبرتنا شهدة، أنا الحسن بن علي، أنا عبد الله بن يحيى، قرئ على إسماعيل بن أحمد، ثنا سعدان، ثنا ابن عيينة عن منصور، فذكره، وقال الدارقطني في الأفراد، ورواه من حديث موسى بن مطير عن منصور: هذا غريب من حديث موسى عن منصور.
140 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه: قلت: يا رسول الله أخبرني عن
الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائما.
هذا حديث رواه أبو داود مطولا بلفظ: كنت وافد بني المنتفق، أو في وفد بني المنتفق، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم لم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع، ولم يُقل قتيبة: القناع، والقناع: الطبق فيه تمر، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله، قال: فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا، إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن، ولم يقل: لا تحسَبن، أنَّا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة، لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة، قلت: يا رسول الله إن لي امرأة، وإن في لسانها شيئا، يعني البذاء، قال: فطلقها إذًا، قلت: يا رسول الله إنّ لها صحبة ولي منها ولد، قال: فمرها، يقول: عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أُميّتك، قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
ثنا عقبة بن مكرم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا ابن جريج، حدّثني إسماعيل، فذكر معناه، قال: فلم ننشب أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم يتكفأ، يتقلع. وقال عصيدة مكان خزيرة، ثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج بهذا الحديث، قال فيه: إذا توضأت فمضمض، والترمذي مختصرا، وقال: حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه من حديث شريح، عن الطائفي مطولا، والحافظ أبو بكر بن خزيمة، عن الحسن بن محمد الزعفراني، وزياد بن يحيى الحساني، وإسحاق بن حاتم المدائني وجماعة، قالوا: ثنا يحيى بن سليم بمثل حديث ابن ماجه، وابن الجارود في كتاب
المنتقى، وصححه أيضا البغوي في شرح السنة، وأبو محمد الإشبيلي، وصحح إسناده الطبري، وأبو الحسن بن القطان، وأبو بشر الدولابي في جمعه حديث الثوري، بلفظ: إذا توضأت، فبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما، ورجحه أبو القاسم في الأوسط، وذلك لما رواه من حديث قرة بن خالد، عن إسماعيل قال: لم يروه عن قرّة إلا يحيى بن سعيد، تفرّد به علي بن حسان، فإن كان علي القطان حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن غير علي رواه عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن إسماعيل، ورواه أيضا من حديث محمد بن طارق، عن أبيه، عن لقيط بلفظ: إذا كنت صائما فاستنثر رويدا. وقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن طارق إلَّا بشر بن رافع، تفرد به صفوان بن عيسى.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، وهو جملة ما قلنا: إنّهما أعرضا عن الصحابي الذي لا يروي عنه غير الواحد، وقد احتجا جميعًا ببعض هذا الحديث بعينه، وله شاهد من حديث ابن عباس، يعني الآتي بعد، وفيما قاله نظر من وجهين:
الأول: قوله: إنّهما أعرضا عن الصحابي الذي لا يروي عنه غير الواحد، وليس كما زعم لعدم اشتراطهما ذلك، ولما في كتابيهما من أحاديث جماعة بهذه المثابة، منهم: المسيب بن حزن، وأبو قيس بن أبي حازم، ومرداس الأسلمي، وربيعة بن كعب الأسلمي، وغيرهم.
الثاني: لو سلمنا له ما قاله، كان لفظ هذا خارجًا عن ذلك؛ لرواية جماعة عنه، منهم: ابن أخيه وكيع بن حدس، وابنه عاصم، وعمرو بن أوس، فيما ذكره ابن سعد وأبو عمر، قال: ومنهم من يجعل لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل، المكنى أبا رزين غير لقيط بن صبرة، وليس بشيء، بل هما واحد، نسب إلى جدّه، وكذلك قاله البخاري، وأبو حاتم الرازي، وأبو أحمد العسكري، والفسوي في تاريخه، وابن حبان، وعبد الغني بن سعيد، وغيرهم.
وأما ما ذكره الخلال في كتاب العلل عن الإِمام أحمد بن حنبل: عاصم لم يسمع غير بكر رواية، أي: ليس بمشهور في الرواية عنه - فمردود بما أسلفنا ذكره عند من صحح حديثه.
وما ذكره العسكري والطبراني في الأوسط، ولفظه: فاستنثر رويدا من جهة بشر بن رافع، عن محمد بن طارق، عن أبيه، عن لقيط، قال: لم يروه عن ابن طارق إلَّا بشر بن رافْع، تفرد به صفوان بن عيسى، ومن جهة القطان، عن قرّة بن خالد، عن إسماعيل قال: لم يروه عن قرّة إلَّا يحيى بن سعيد، تفرد به علي بن حسّان القطان، فإن كان علي حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن غير ابن حسان رواه عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن إسماعيل.
ولما ذكره الخطيب في تاريخه من رواية وكيع، عن مسعر، قال: تفرد به وكيع عنه، وحبذا بوكيع، وكذا قول عبدان الذي حكاه العسكري: أتيت سفيان الثوري فقدمت على شعبة، قال لي: ما سمعت من سفيان؟ فقلت: حدّثني عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم
…
الحديث، فقال: أوه، منعتني، لو جئت به عن غير سفْيان لقلت فيه؛ لأنه عديم المحاباة، فلو اتجه له قول فيه لقاله، وحمل على أنه قاله مداعبة وتعظيما لسفيان، والله أعلم.
وكذا ذكره أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، الذي أنا به بقراءتي المسند المعمر يوسف الحنفي، عن عبد الوهاب المصري، أنا أحمد بن محمد الإسكندري، أنا المبارك بن عبد الجبار، أنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد، أنا أبو الحسن أحمد بن الفرج عنه: أنه
حديث تفرد به أهل الطائف عن غيرهم من البلاد؛ لأنّ هذا التفرد لا يوجب ضعفًا كما توهمه بعض الناس فيه، وقد رواه الحاكم في تاريخ بلده من غير طريق إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر البوشنجي، ثنا إبراهيم الحزامي، ثنا أبو إسحاق، أنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الله الحزامي، حدّثني عبد الرحمن بن عباس الأنصاري، عن دلهم بن الأسود، عن عبد الله بن حاجب بن عاصم بن المنتفق العقيلي، عن جدّه عبد الله، عن عمه لقيط، قال دلهم: وحدثنيه أيضا أبي الأسود، عن عاصم بن لقيط به مطولا.
قال أبو عبد الله: سمعت أبا بكر يقول: سمعت أبا عبد الله يقول: هذا حديث إبراهيم كتبه عنه ابن معين وابن حنبل وحفّاظ الحديث ببغداد، ولم يرو عبد الرحمن غير هذا الحديث، ولا كتبناه عن أحد إلا عن الحزامي، وهو من قرية لا من بني مخزوم بن عبد الله، هذا هو الحارثي.
141 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسحاق بن سليمان، (ح) وثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان المري، عن ابن عباس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثًا.
هذا حديث ذكره أبو عبد الله مستشهدا به كما وصفنا، وابن الجارود في منتقاه، أنا المسند المعمر أبو محمد عيسى بن عبد الرحمن بن معالي المقدسي فيما أجازناه غير مرة، أنا جعفر بن أبي البركات، أنا الحافظ أبو طاهر الأصفهاني، أنا الشيخان المبارك بن عبد الجبار وأبو طالب عبد القادر بن محمد، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البرمكي، ثنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة، حدّثني أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب، ثنا أبو زرعة النصري قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، عن أي الحديثين أوكد: حديث ابن
عباس، أو حديث أبي هريرة؟ قال: هما جميعا، الاستنثار أشد تأكيدا، وذكر حديث ابن أبي ذئب عن قارظ، فرأيته يزعم كأنه حديث يعمل عليه، وفي كتاب الخلال: قيل لأحمد: قال عليه السلام: ثنتين بالغتين، قال: ذاك في إسناده شيء. انتهى.
ولا معارضة بين القولين، والله أعلم.
ولما ذكره الإشبيلي قال: قارظ هو ابن شيبة، وهو لا بأس به، والصحيح ما تقدّم من الأمر بالوتر بالاستنثار.
قال أبو الحسن بن القطان: لم يعتل على هذا الحديث بأكثر من هذا، وحكمه على قارظ بأنه لا بأس به، وعلى الحديث بالضعف تعيين لتضعيفه أبا غطفان؛ لإِبرازه إياه، وأبو غطفان هو ابن طريف بن مالك المري، يروي عن أبي هريرة وابن عباس، روى عنه داود بن حصين وقارظ، وكانت له بالمدينة دار عند دار عمر بن عبد العزيز، أخرج له مسلم، وقال الدوري، عن ابن معين فيه: ثقة، وقارظ بن شيبة هو أخو عمر بن شيبة من بني ليث بن كنانة، حلفاء قريش.
قال النسائي: لا بأس به، مات في خلافة سليمان بن عبد الملك بالمدينة. قاله أبو حاتم، وبقية من في الإِسناد لا يسأل عنهم، فإنّهم أئمة.
ووظيفة المحدّث النظر في الأسانيد من حيث الرواة والاتصال والانقطاع.
فأما معارضة هذا المتن ذاك الآخر وأشباه ذلك، فليس من نظره. انتهى كلامه.
ويشبه أن يكون لكلام أبي محمد وجه، وذلك أن الدارقطني ذكر عن ابن أبي داود: أبو غطفان رجل مجهول، فيحتمل أن يكون ذلك هو الذي اعتل به على
الحديث، وكلام أبي الحسن يفهم منه أنّ أبا غطفان الراوي، عن ابن عباس وأبي هريرة واحد، وذاك هو الملجئ له إلى نقل كلام من وثقه، وليس هو بأبي عذرة ذلك، فقد قاله قبله ابن أبي حاتم وأبو عمر وغيرهما.
وأما الحافظ أبو بكر البزار فإنه فرق بينهما، وزعم أن المري روى عن أبي هريرة، وأبا غطفان عن ابن عباس، ويرجح ذلك قول ابن معين: أبو غطفان الذي روى عنه داود بن حصين ثقة. فيحتمل أن عبد الحق لما رأى ذلك وما أسلفناه ورأى حديثه مخالفا لحديث غيره من الثقات - توهمه المجهول لا الموثق، والله أعلم.
ولما خرجه أبو نعيم من حديث الربيع بن بدر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: تمضمضوا واستنشقوا، والأذنان من الرأس. قال: هذا غريب من حديث ابن جريج في المضمضة والاستنشاق، ولا أعلم رواه عنه إلا الربيع.
142 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب وداود بن عبد الله، ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليَوتر.
هذا حديث اتفقا على تخريجه، وفي الباب من الفقه أن الاستنشاق في الوضوء غير واجب، إذ لو كان فرضًا لكان على الصائم كهو على المفطر، وهذه مسألة اختلف فيها: فكان عطاء، والزهري، وابن أبي ليلى، وحماد، وإسحاق، يقولون: يعيد إذا تركها في الوضوء.
وقال الحسن، وعطاء آخر قوليه، والزهري، والحكم، وقتادة، وربيعة، ويحيى الأنصاري، ومالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشّافعي: لا يعيد. وقال أحمد: يعيد في الاستنشاق خاصة، ولا يعيد من ترك المضمضة، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة والثوري: يعيد إن تركها في الجنابة، ولا يعيد في الوضوء.
قال ابن المنذر: بقول أحمد أقول، وفي المحلى لأبي محمد، وذكر قول
أحمد: وهذا هو الحق؛ لأن المضمضة ليست فرضًا، وإن تركها فوضوءه تام، وصلاته تامة، عمدًا تركها أو نسيانًا؛ لأنه لم يصح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر، وإنما هي فعل فعله عليه السلام، وأفعاله ليست فرضًا، وإنما فيها الايتساء به عليه السلام. انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأن الأمر بالمضمضة صحيح، لا كما زعمه، لما أسلفناه في حديث لقيط المذكور عند أبي داود، عن ابن فارس، ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج بهذا الحديث، قال فيه: إذا توضأت فمضمض، فهذا أمر ظاهر، صحيح الإِسناد على ما شرح آنفًا: في المعجم الأوسط من حديث يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبي موسى الحناط، عن ابن المنكدر، عن أنس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم فليمضمض ثلاثا .. الحديث.
قال: لم يروه عن ابن المنكدر عن أنس إلا أبو موسى. تفرد به النوفلي، وذكر أيضا من حديث إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة قال، صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم فليمضمض، ثم قال: لم يروه عن عطاء إلا إسماعيل، تفرد به علي بن هاشم بن البريد، أنا المسند المعمر أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، أنا جدّي الحافظ أبو حامد، أنا القاضي أبو القاسم الأنصاري، أنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن أبي الفتح، أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد الغساني، ثنا محمد بن جعفر غندر الحافظ، ثنا الحسن بن شبيب المعمري، ثنا هدبة من كتابه، ثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمضمضة والاستنشاق.
ولما ذكره البيهقي من طريق هدبة صحّح إسناده، ثم قال: وقال مرّة أخرى مرسلا، لم يقل: عن أبي هريرة، وتابعه داود بن محبر، عن حماد في وصله، قال البيهقي: وغيرهما يرويه مرسلًا، وخالفهما إبراهيم بن سليمان الخلال شيخ ليعقوب بن سفيان، فقال: عن حماد عن عمار عن ابن عباس، وكلاهما غير محفوظ، والله أعلم.
وقد وردت أحاديث شاهدة لهما في إسنادها مقال، فمنها: ما ذكره أبو القاسم من حديث أبي سعيد مرفوعا: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر. ذكره أبو حاتم في صحيحه.
وحديث وائل بن حجر من عند البزار مرفوعا: فمضمض واستنشق ثلاثا، وسيأتي له زيادة بيان في باب الغسل.
وفي سنن البيهقي من حديث عصام بن يوسف، عن ابن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ترفعه: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه.
ورواه إسماعيل بن بشر، عن عصام نحوه، إلَّا أنه قال: من الوضوء الذي لا تتم الصلاة إلَّا به، قال الدارقطني: تفرد به عصام، ووهم فيه، والصواب: ابن جريج، عن سليمان مرسلا، ورواه محمد بن الأزهر، وهو ضعيف، عن الشيباني، عن ابن جريج بإسناد عصام، ومتن الجماعة: من توضأ فليمضمض وهو خطأ، والصواب مرسل، زاد في السنن من تأليفه: وأحسب عصامًا حدث به من حفظه، فاختلط عليه، واشتبه بإسناد حديث ابن جريج، عن سليمان، عن الزهري: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، وفي الأفراد: هذا غريب
من حديث الزهري، عن عروة عنها، تفرد به سليمان بن موسى الدمشقي عنه، ولم يروه عنه غير ابن جريج، وهو غريب من حديث ابن المبارك، عن ابن جريج، تفرد به عنه عصام، وذكره من حديث الربيع بن بدر، وهو متروك، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعا: تمضمضوا، وذكره من عدة طرق عن ابن عباس، وضعفها كلها، والله أعلم.
فتبين بمجموع ما تقدم من الأحاديث الصحيحة وغيرها صحة ما استدللنا عليه، والله الموفق.
باب ما جاء في الوضوء مرةً مرةً
143 -
حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا شريك، عن ثابت بن أبي صفيَّة الثمالي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: حدثت عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة؟ قال: نعم. قلت: ومرتين مرتين؟ وثلاثا ثلاثا؟ قال: نعم.
هذا حديث قال فيه البزار: لا نعلمه يُروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد، ولا رواه عن محمد بن علي إلا أبو حمزة الثمالي، وفيما قاله نظر؛ لما أنبأ به الإمام المسند المعمر يحيى بن أبي الفتوح المقدسي قراءة عليه وأنا أسمع، عن العلامة الخطيب أبي الحسن اللخمي، أنا شهدة قراءة عليها وأنا أسمع، أنا أبو منصور محمد بن الحسين قراءة عليه، أنا الحافظ أحمد بن غالب، أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني، ثنا محمد بن علي بن حفص، عُرف بحيدرة، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا الحارث بن عمران الجعفري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، فذكره.
ورواه أيضا ابن البيّع في تاريخ نيسابور من حديث الحارث بن عمران، به.
ورواه الترمذي من حديث شريك، ثم قال: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت، قلت لأبي جعفر: حدَّثك جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة؟
وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه رُوي من غير وجه، هذا عن ثابت نحو رواية وكيع، وشريك كثير الغلط، وذكر في كتاب العلل أنه سأل محمدا عن الحديثين، فقال: الصحيح ما رواه وكيع عن أبي حمزة، وحديث شريك ليس بصحيح، ولما سأل مهنأ الإمام أحمد عن الوضوء مرة مرة؟ قال: الأحاديث فيه ضعيفة، ثم ذكر حديث جابَر هذا في الأحاديث الضعاف، وسيأتي الكلام مع أحمد في موضعه عند ذكر حديث ابن عباس المخرج في صحيح البخاري، إن شاء الله تعالى. وثابت هذا هو ابن دينار، ويقال: ابن حمزة أبو حمزة، روى عن جماعة من التابعين، قال العقيلي عن
يزيد بن هارون: كان يؤمن بالرجعة، وقال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال الدارقطني: متروك.
وقال أبو زرعة: ليّن.
وقال ابن حنبل: ضعيف الحديث ليس بشيء.
وقال الجوزجاني: واهي الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: وضعفه بيَّن على رواياته، وهو إلى الضعف أقرب.
وقال ابن سعد: كان ضعيفًا.
وقال ابن الجنُيد: متروك.
وقال الآجري عن أبي داود: جاءه ابن المبارك فدفع إليه صحيفة فيها حديث سُوْء في عثمان، فردّ الصحيفة على الجارية، وقال: قولي له: قبحك الله وقبح صحيفتك.
وذكره الفسوي في جملة من يرغب عن الرواية عنهم.
وقال الساجي: هو ضعيف من أهل الصدق، يقدّم عليًّا على عثمان، لم يحدث عنه يحيى ولا ابن مهدي، وذكره البستي في كتاب الضعفاء من تأليفه، وزعم شيخنا العلامة المزي أن ابن ماجه وأبا داود لم يخرجا حديثه، وحديث الباب كاف في الردّ عليه.
144 -
حدّثنا أبو كريب، ثنا رشدين بن سعد، ثنا الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة توضأ واحدة واحدة.
هذا حديث قد سبق فيه كلام الترمذي وأبي حاتم في باب المضمضة والاستنشاق.
وقال ابن عدي: ورواه رشدين، وعبد الله بن سنان، وكلاهما خطأ، والصواب: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، وسيأتي ما للناس في رشدين من كلام، والله أعلم.
وقال البزار: روى هذا الحديث، يعني ابن عباس المتقدّم جماعة، وخالفهم الضحاك، فرواه عن عمر، وأغفل في إسناده قصد الصواب، قال: وقد تابعه ابن لهيعة، وخالفا من سمينا من الثقات، وما أتي هذا إلَّا
من الضحاك بن شرحبيل. انتهى.
.
وفي علل أبي الحسن: وخالف الضحاك عبد الله بن سنان، فرواه عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكلاهما وهم. ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل بيّن الغزوة المبهمة بأنها الحديبيَّة، وفي الباب حديث أبي رافع مرفوعا، قال البخاري: فيه اضطراب. ورواه البزار من جهة الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن ابن أبي رافع، عن أبيه، وقال: لا نعلم يروى هذا الحديث عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد.
ولما ذكره أبو عبيد بن سلام من جهة عمرو، قال: عبد العزيز، نسب هذا الرجل أنه عبد الله بن عُبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه.
ففي هذا كما ترى زيادة رجل لم يكن في إسناد حديث البزار، وفيه بيان اسم الابن المبهم عنده، ويشبه أن يكون هذا هو الاضطراب المشار إليه عند البخاري، ولئِن كان أباه فلا ضرر فيه؛ لأن المبهم وغير المبهم من رجاله حديثهم في الصحيح، والله أعلم.
ورواه أبو عبيد أيضًا من جهة عمرو، عن يعقوب بن خالد، عن أبي رافع.
وقال أبو الحسن المقرئ في كتاب العلل: ورواه الدراوردي
أيضًا، عن محمد بن عمارة ويعقوب بن المسيب، قال: وأشبهه بالصواب حديث عمرو عن عبد الله بن عبيد الله، عن أبيه، عن جده به، فتبين بما ذكرنا فساد قول من زعم أنه لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد.
وحديث بريدة ذكره البزار، فقال: ثنا أبو كُريب، ثنا علي بن قادم، ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، وهو سليمان بن بريدة، قال: هذا الحديث لا نعلم رواه عن الثوري، عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، وهو سليمان بن بريدة، إلا ابن قادم. انتهى.
ولما ذكر بعض الحفاظ حديث بريدة هذا قال: إسناده جيد، وحكى في ابن قادم ما قاله أبو حاتم فقط أخذًا لذلك من كتاب الكمال لابن سرور، وفيما قاله نظر لما أسلفناه.
وحديث عبد الله بن عمرو، قال فيه البزار لما رواه من طريق مندل عن ابن أبي نجيح: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن عمرو إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح.
وفي الأوسط: لم يروه عن ابن أبي نجيح إلَّا مندل، تفرد به بكير بن يحيى بن زبان.
وحديث ابن المسيّبِ، عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة رواه الدارقطني في الأفراد. وقال: تفرد به علي بن حسن الشامي، عن مالك، عن ربيعة الرأي عنه، وحديث
عمرو بن أبي الحسن الأنصاري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فمضمض، واستنشق مرة واحدة ذكره المديني من جهة محمد بن هلال المزني، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن عمه، عنه، وهو مما يستدرك على الترمذي لإغفاله ذكره.
وحديث ابن الفاكه، واسمه سبرة، أنا بحديثه المسند المعمر يحيى بن أبي محمد الناصري، عن مفتي المسلمين أبي الحسن المقرئ، عن أبي الطاهر الثغري، أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي، أنا القاضي أبو الفضل محمد بن أحمد السعدي قراءة عليه، ثنا عبيد الله بن محمد العكبري قراءة عليه، قال: قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، وأنا أسمع، ثنا علي بن الجعد، ثنا عدي بن الفضل، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن ابن الفاكه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.
وحديث معاذ، وحديث ابن عباس مخرج في الصحيح، وسيأتي ذكره في باب الإسباغ،، وحديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب موقوف، وحديث القيسي ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وحديث عائشة ذكره ابن عدي، وضعفه بيحيى بن ميمون، وحديث عبد الرحمن بن أبي قراد، ذكره البخاري في التاريخ الكبير، وحديث أبي هريرة ذكره ابن عساكر في رغائبه.
باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
145 -
حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم الدمشقي، عن ابن ثوبان، عن عَبدة بن أبي لبابة، عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان وعليًّا يتوضآن ثلاثا، ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث إسناده صحيح، ومعناه في الصحيح من حديث عثمان أيضا، ولما ذكره أبو عيسى في علله من حديث فليح، عن سعيد بن الحارث عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد: أن عثمان توضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ. قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، قال: هو حديث حسن. قال أبو عيسى: وهو غريب من هذا الوجه.
وذكر أبو جعفر ابن مُنيع في مسنده من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو النضر عمن رأى عثمان دعا بوضوء، وعنده الزبير وسعد بن أبي وقاص، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن النبي كان يتوضأ كما توضأت؟ قالوا: نعم. وفي كتاب أبي عبيد: وعنده علي، وطلحة، والزبير، وسعد
…
الحديث.
ولما ذكر حديث ابن ماجه هذا بعض الحفاظ المبرزين قال: رواه ابن ماجه عن محمود بن خالد، عن الوليد، عن ابن ثوبان، عن عبدة، عن شقيق، قال: ثم عن أبي حاتم، عن أبي نعيم، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فذكر نحوه.
ويشبه أن يكون ذلك وهمًا؛ لأن القائل: ثنا أبو حاتم
…
إلى آخره إنما هو أبو الحسن ابن سلمة القطان الراوي، عن ابن ماجه؛ لينبئ أن الحديث عنده عال من غير طريق ابن ماجه، فعل ذلك في غير حديث، ورأيته مفصولًا في نسخة، ويؤيد ما قلناه إعراض أصحاب الأطراف عن ذكره، والله أعلم.
146 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا
الأوزاعي، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن ابن عمر: أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث ذكره ابن حبان في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، ثنا حبان، عن عبد الله، أنا المطلب
…
فذكره، وصححه ابن حزم أيضًا باحتجاجه به، ومع ذلك فهو معلّل بأمرين:
الأول: الانقطاع، قال ابن عساكر في كتاب الأطراف: تابعهما بشر بن بكر، ورواه الوليد بن مزيد، فجعله عن ابن عباس، وذكر الخلال حديثه هذا في علله، وفي المسند زيادة: وأنّ ابن عباس كان يتوضأ مرّة مرّة، ويسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
147 -
حدثنا أبو كريب، ثنا خالد بن حيان، عن سالم أبي المهاجر، عن ميمون بن مهران، عن عائشة وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا.
هذا حديث معلّل بأمرين:
الأول: انقطاع ما بين ميمون وشيخيه، أما عائشة فذكر الكناني، قلت له، يعني أبا
حاتم الرازي: ميمون هل سمع من عائشة شيئًا؟ قال: لا.
وأما أبو هريرة فذكر ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: ثنا زحمويه سمعت أبا طالب قال: قلت لأحمد بن حنبل: ميمون بن مهران سمع من حكيم بن حزام؟ قال: لا، من أين لقيه؟ لم يرو إلا عن ابن عباس وابن عمر، فهذا حكم من أحمد على عدم سماعه من صحابي غير هذين، ولم نر له مخالفا نرجع إلى قوله.
الثاني: الاختلاف في حال خالد بن حيان أبي يزيد الرقي الكندي مولاهم الخراز، فأمّا ابن عمَار، وابن معين، وابن سعد، فذكروا أنه ثقة.
وأمّا الإِمام أحمد بن حنبل فقال: لم يكن به بأس، كان يروي عن جعفر غرائب.
وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث.
وقال يعقوب: أنكرت عليه أحاديث تفرد بها، وسئل عنه علي بن ميمون، فقال: كان منكرًا، وكان صاحب حديث. قال أبو بكر الخطيب: قوله: منكر، يعني في الضبط والحفظ، وشدة التوقي والتحرز. انتهى كلامه.
وفيه نظر، إذ لقائل أن يقول: لو لم يكن فيه إلَّا قول من وثقه لكان ما ذكرته حسنًا، ولكن لما رُئِي مضعفًا راويًا للغرائب جوز حمله على نكارة الحديث لا غيرها، اصطلاحًا لا لغة.
وقد وقع لنا حديث أبي هريرة من طريق صحيحة في مسند البزار، رواها عن ابن المثنى، عن الحجاج بن منهال، عن همام، عن عامر الأحول، عن عطاء بن أبي رباح عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا. وقال: هذا الحديث لا نعلمه روي عن أبي هريرة بأحسن من هذا الإِسناد، وصحح الطْبري إسناده في تهذيب الآثار، وحديث عائشة من طريق متصلة، ذكرها أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب الكنى، فقال: حدّثنا الحسين بن حريث، ثنا الفضل بن موسى، عن جُعيد بن عبد الرحمن، أخبرني
عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذباب، أخبرني سالم سبلان قال: أرتني عائشة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: يتمضمض ثلاثا .. الحديث.
148 -
حدّثنا سفيان بن وكيع، ثنا عيسى بن يونس، عن فائد أبي الورقاء بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه مرة.
هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف سفيان بن وكيع المتقدّم الذكر، ونكارة حديث فائد، وإن كان ليس من نظير ما ذكره لمتابعة أبي يعفور عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس الثقة الثبت له، فكأنه ليس بموجود في هذا الحديث، فلم يبق إلَّا تعليله بسفيان، وإن كان ليس علّة له، فقد وقع لنا من طريق سالمة منه، أنا بها الشيخ الإِمام المسند المعمر أبو بكر بن علي الحميري، أنبأنا عبد الهادي، عن فاطمة قالت: أنبأتنا فاطمة، أنا ابن ريذة، أنا أبو القاسم، ثنا الحسن بن إسحاق، ثنا علي بن بحر، أخبرني عيسى بن يونس، عن فائد: سمعت ابن أبي أوفى يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح بيده مرّة، وبه إلى أبي القاسم، أنا عليّ بن عبد العزيز، ومحمد بن يحيى المروزي، قالا: أنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا مروان بن معاوية، عن أبي الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى أنه توضأ ثلاثا ثلاثا، فخلّل لحيته، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفْعل هذا، فصح إسناده على هذا، والله تعالى أعلم.
ولما ذكر أبو القاسم ابن عساكر هذا الحديث، لم يذكره من رواية عبد الرحمن، عن ابن أبي أوفى، ولا ذكر لمن اسمه عبد الرحمن رواية عنه، واستظهرت على ذلك بعدة نسخ، إنما ذكره من حديث فائد فقط، وعزاه لابن ماجه، وتبعه على ذلك جماعة من المتأخرين، منهم: ابن سرور، والحافظ المزّي في كتابيه، وحديث ابن ماجه يرد قولهم.
وممن نبه على أنّ عبد الرحمن هذا هو أبو يعفور الصغير: أبو
حاتم بن حبّان، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة من تأليفهما، وقبلهم الحميدي في مسنده.
149 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثًا ثلاثا.
هذا حديث إسناده جيّد، ولولا الاختلاف في حال رواته لقيل فيه: صحيحا، لما عضده من الشواهد والمتابعات، ولأنه لم يتكلم فيهما بقادح، يُرّد به حديثهما، وللعرفان بحال الواسطة وعينه، أما ليث فهو ابن أبي سليم أنس. كذا ذكره ابن الجوزي، ويشبه أن يكون وهم؛ لأن العقيلي فرق بين ليث بن أبي سليم زياد، وبين ليث بن أنس بن زنيم الليثي الراوي، عن ابن سيرين، يكنى أبا بكر، ويقال بكير، كوفي. وإن كان ابن سرور ذكر أنّ الشيخين رويا له، فيشبه أن يكون وهما؛ وذلك أن الكلاباذي، والحاكم، واللالكائي، والحبال، والباجي، لم يذكره أحد منهم في كتابه، اللهم إلَّا لو قال: إنّ محمدا استشهد به، وروى له في رفع اليدين، وقرنه مسلم بأبي إسحاق الشيباني لكان صوابًا، وكذلك قاله ابن معين، زاد أبو الحسن: سئل وكيع عن حديث من حديثه، فقال: ليث ليث، وقال: كان سفيان لا يسمي ليثا.
وقال البخاري: كان صدوقًا.
وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، وروى عنه شعبة، والثوري، وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه، فقد قال أبو معمر: كان ابن عيينة لا يحمد حفظه، وفي رواية: ضعيف. وقال ابن
مهدي: ليث، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم عندي.
وقال جرير: كان ليث أكثرهم تخليطًا.
وقال عيسى بن يونس: كان قد اختلط، كان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن.
وقال أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، ولكن حدث الناس عنه.
وفي علل الترمذي عنه: لا يفرح بحديثه.
وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لا يشتغل به، مضطرب الحديث. زاد أبو حاتم: هو أحب إلي من يزيد بن أبي زياد.
وقال الفلاس: كان يحيى لا يحدّث عنه، وكان ابن مهدي يحدّث عنه.
وقال الدارقطني: صاحب سنة، وكذلك قاله ابن معين، زاد أبو الحسن: يخرج حديثه، إنّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب.
وقال يحيى بن سعيد: لا يحمد حديثه. ذكره عنه الحاكم.
وقال ابن سعد: كان رجلا صالحا عابدا ضعيفا في الحديث، يقال: كان يسأل عطاء وطاوسا ومجاهدا عن الشيء، فيختلفون فيه، فيروي أنّهم اتفقوا من غير تعمّد لذلك.
وقال الساجي: صدوق فيه ضعف، كان سيئ الحفظ، كثير الغلط، وكان أبو داود لا يدخل حديثه في كتاب السنن الذي صنفه.
وفيما قاله نظر من حيث إنّ أبا داود إذا أطلق كان في العرف محمولا على السجستاني، فإن كان عناه فهو قد خرج حديثه في كتابه، وإن كان غيره فيلزمه بيانه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ضعيف.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وروى عنه شعبة، والثوري وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه.
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة: قال ابن معين: ليس بذاك، وفي كتاب الآجري: قال يحيى: ليس به بأس، وفي كتاب العقيلي عنه: هو أضعف من يزيد، ويزيد فوقه، وفي رواية: ضعيف، إلَّا أنه كان يُكتب حديثه.
وفي كتاب البلخي: قال صدقة بن الفضل المروزي: ليث أضعف العالمين.
وقال السعدي: يضعّف حديثه، ليس بثبت.
وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه القطان
وابن مهدي، وأحمد، وابن معين. انتهى كلامه.
وفي إطلاقه ذلك نظر؛ لأنا أسلفنا عن الفلاس تحديث القطان عنه، وثناء أحمد عليه، وكذلك ابن معين.
والصواب في ذلك قول الساجي: كان يحيى القطان بأخرة لا يحدّث عنه، ففي هذا جمع بين قول أبي حاتم والفلاس، وأما ابن معين فلا وجه لما حكاه عنه.
وقال ابن المديني: مجاهد أحبّ إلي منه.
وقال العجلي: كوفي جائز الحديث.
وفي كتاب الآجري: قال أبو داود أحمد بن يونس سمعت فضيل بن عياض يقول: كان ليث أعلم أهل الكوفة بالمناسك، سمعت أبا داود يقول: سمعت يحيى يقول: عامة شيوخه لا يعرفون.
الثاني: شهر بن حوشب أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو الجعد الأشعري الحمصي، ويقال: الدمشقي، وإن كان مسلم قد خرج حديثه مقرونا، وحسّن الترمذي والبخاري حديثه، وروى له في كتاب الأدب.
وقال أحمد: ما أحسن حديثه، ووثّقه، وفي رواية: هو حسن الحديث، وقوى أمره، قال: وإنما يتكلم فيه ابن عون، يعني بقوله: تركوه، وفي رواية: لا بأس به، وفي رواية: ثبت.
وقال العجلي: ثقة. وكذلك قاله ابن معين.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
وقال موسى بن هارون: ضعيف، وبمثله قاله ابن سَعْد.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني، وقيل له: ترضى حديث شهر؟ فقال: أنا ما أحدّث عنه، قال: وكان ابن مهدي يحدث عنه، قال: وأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه يحيى وعبد الرحمن، يعني على تركه. قال يعقوب: وهو ثقة، على أنّ بعضهم قد طعن فيه.
وقال الفسوي في تاريخه: وإن قال ابن عون: تركوه، فهو ثقة، وفي هذا رّد لما ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور: وثقه ابن معين وأبو زرعة الرازي، وشذّ عنه سائر المشائخ، والله أعلم.
وقال أبو حاتم: هو أحبّ إلي من أبي هارون وبشر بن حرب، وليس بدون أبي الزبير، ولا يحتج به.
وقال أبو زرعة: لا
بأس به.
وقال محمد بن عبد الله بن عمّار: روى عنه النّاس، وما أعلم أحدًا قال فيه غير شعبة، قيل: يكون حديثه حجة؟ قال: لا.
وقال صالح بن محمد: لم يوقف منه على كذب، وكان رجلًا يشك، إلَّا أنه روى أحاديث تفرّد بها لم يشركه فيها أحد، وقد تركه شعبة وطعن فيه، ولم يحدّث عنه ابن مهدي.
وقال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي.
زاد ابن عدي: ولا يحتج بحديثه.
وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات المعضلات، عادل عبّاد بن منصور في الحج، فسرق عيبته، فهو القائل:
لقد باع شهر دِينَهُ بخريطةٍ
…
فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
كذا ذكره، ويشبه أن يكون وهمًا؛ لأنّ المعروف أنّ الخريطة إنمّا كانت من بيت المال، حين وليه ليزيد بن المهُلب.
وقال الهذلي: كان على خزائن يزيد، فلما سأله عنها أتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه، فشتمه، وقال لشهر: هي لك، فقال: لا حاجة لي فيها، فقال القطامي الكلبي، ويقال: سنان بن مُكْمل النميري، البيت، وبعده:
أخذت له شيئًا طفيفًا وبعته
…
من ابن خز نبيداد هذا هو الغَدْرُ
وصحَّف بعض حفّاظ عصرنا هذا البيت، فقال من ابن جرير: إنّ هذا هو الغَدْرُ، ويقال: الشرقي المسمّى الوليد بن القطامي، وهو الحسين بن جمال النسابة. وقال مرة النخعي لشهر:
يا ابن المهلب ما أردت إلى امرئ
…
لولاك كان كصالح القراء
فتبيّن بما ذكرناه فساد قول من عَزا ذلك لعبّاد، أعني الشعر والخريطة، اللهم إلا لو ذكر خيانته له لكان صوابا من فعله؛ لأن شعبة شهد عليه أنّه رافق رجلا من أهل الشام فخانه. فيما ذكره الساجي.
ثم ذكر قصته في بيت المال بعد، فجعلهما مرّتين، وهو الأشبه، والله أعلم.
وفي كتاب الترمذي، عن النضر: شهر تركوه،
ويشبه أن يكون وهما، وذلك أنّ الساجي والعقيلي والسعدي وغيرهم إنما ذكروا روايته عن ابن عون، لا عن نفسه. وقال البستي: ضعيف.
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة، عن ابن معين، عن مسلم، عن رجل ذهب على يحيى اسمه، قال: كنت مع شهر في طريق مكة، فكنّا إذا نزلنا منزلا قال: هاتوا عوديا سووا طنبوريا، فإنا إنّما نأكل به خبزنا، يعني الحديث، وفي كتاب العقيلي نحوه، وعن قتادة قال: جاء شهر يستأذن على الأمير، قال: فخرج الآذن فقال: إن الأمير يقول: لا نأذن له فإنه سبائي قال: فقلت: إنّ خادم البيت يخبرك بما في أنفسهم، قال: ثمّ قال قتادة: لا غفر الله لمن لا يستغفر لهما، يعني عليا وعثمان رضي الله عنهما.
وقال الساجي: فيه ضعف وليس بالحافظ.
وقال السعدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث النّاس، عن عمرو بن خارجة: كنت آخذًا بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أسماء بنت يزيد قالت: كنت آخذة بزمام ناقته أيضًا، كأنه مولع بزمام ناقة النبي عليه السلام، وحديثه دال عليه، فلا ينبغي أن يغتر به وبروايته، وقال موسى بن هارون: ضعيف، وذكره مسلم في مقدمته بالضعف، وكذلك الرازي، فتبين بمجموع ما ذكر أنّ لا قادح فيهما، وذلك أن ليثا غالب ما رمي به الجمع والاختلاط، أمّا الأول فهذا الحديث عار منه، وأمّا الثاني فقد رمي به جماعة من المجمع على عدالتهم، وهذا إنما كان اختلاطه في آخر عمره، وسفيان ممن أخذ عنه قديما.
وأما رميه بالاختلاط وسُوْء الحفظ فقد أسلفنا له متابعات وشواهد أمن ذلك معها منهما، وأمّا شهر فمعظم ما رمي به إّنما أتى على لسان شاعر مرمي بالكذب متغرّض، لا يدرى أمحقّ أم مبطل؟ ولئن كان محقا تؤول على أنّ له حقًا في بيت المال أخذ بعضه، وهذا لا قدح فيه.
وأمّا خيانته لعباد إن ثبت فيحتمل أن تكون مزحا أو ظفرا، أو لأنه يرى اختلاف الآراء يوجب إباحة الأموال، وذلك أن عبادًا رماه ابن حبان بالدعاء إلى القدر، فإن كان بهذه المثابة كان عند بعضهم كافرًا، وأما تسويته الطنبور فهو قول مردود بما ذكره
عثمان بن نويرة عنه قال: دُعي شَهْر إلى وليمة وأنا معه، فدخلنا فأصبنا من الطعام، فلما سمع شهر المزمار وضع أصبعيه في أذنيه وخرج حتى لا يسمعه.
وعلى تقدير صحته فهو مذهب لأهل المدينة مشهور لا عيب فيه على من تعاطاه ممن يراه، وأمّا رميه بأنه سبائي فإنما جاء على لسان من لا يعرف اسمه ولا حاله ولا عينه، ومثل هذا لا يقبل خبره، فكيف تفرده بما لم يأت غيره من الأئمة؟! ولئن كان ما قاله صحيحًا فلا عيب فيه على من لا يدعو إليه.
وأما ترك شعبة له فإنّما هو بسبب خيانته لعباد كما تقدّم مبينًا، وأما قول ابن عون فيه: تركوه، فقد قيل فيه بالنون والزاي، بمعنى طعنوه، وهو الصحيح؛ لأنا أسلفنا كلام الأئمة، وليس فيهم أحد تركه ولا حرج بذلك، فبقي محمولًا على الطعن الذي بيّناه، الذي لم يسلم غالبًا منه أحد.
وأمّا قول السعدي فيحمل على بغضه للشيعة وتعصّبه عليهم لفرط نَصبه، والله أعلم.
وبنحو ما قلناه ذكره ابن القطان في كتاب الوهم والإِيهام فقال: لم أسمع لمضعفه حجة، وما ذكروه من تزييه بزي الجند وسماعه الغناء بالآلات، وقذفه بأخذ خريطة، فكذب عليه، إما لا يصح وإما خارج مخرج لا يضره، وشر ما قيل فيه: إنه يروي منكرات عن ثقات، وهذا إذا كثرت منه سقطت الرواية به، والله أعلم.
وأما قول ابن دحية في كتابه العلم المشهور: وأعظم جرحه أنه كان شرطيًا للحجاج، وليس كذلك، ولئن كان إنّما كان عاملًا لابن المهلب ولئن عمل للحجاج حمل على جبره له، كما جبر غيره.
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق ليس فيها ليث، مشعرة بانقطاع ما بين شهر وأبي مالك بدخول واسطة بينهما، ولكنه غير ضار لثقته وعدالته، رواها ابن أبي شيبة في مسنده، عن محمد بن بشر، عن سعيد، عن قتادة، عن شهر، عن عبد الرحمن بن عمر أنَّ أبا مالك جمع قومه
…
فذكره مطولًا.
150 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثًا.
هذا حديث مختلف في صحته وضعفه للاختلاف في حال ابن عقيل المذكور قبل. وقال الترمذي فيه: حسن.
وفي حديث الزبير وسعد وطلحة والمطلب وابن أبي أوفى وأبي مالك الأشعري المذكورين قبل - ردٌّ لما أغفله الترمذي حين تعداده الصحابة الذين رووا هذا المعنى.
وكذا حديث المقدام بن معديكرب وابن عباس المذكورين عند أبي داود، والله أعلم.
وحديث وائل بن حجر المذكور عند البزار، رحمه الله. وحديث عبد الله بن جعفر المذكور عند الطبراني في الأوسط. وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا قتادة، تفرّد به الزبير.
وحديث أبي الدرداء ذكره إبراهيم بن محمد بن عبيد في مسنده، عن سهل بن إسماعيل النصيبي، ثنا سهل بن زنجلة الرازي، ثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، ثنا تمام بن نجيح، عن الحسن عنه: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يده ثلاثا؛ وتمضمض ثلاثًا .. الحديث.
وحديث المغيرة بن شعبة عند الطبري في التهذيب، رواه عن أحمد بن محمد بن موسى الطوسي، ثنا يعقوب بن محمد، ثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، وحديث علي من طريق أبي إسحاق، عن الحارث عنه، وحديث أبي أمامة من طريق سنان بن ربيعة، عن شهر
عنه، وروى البغوي من حديث أبي أمامة أيضًا، عن يزيد، ثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن سميع عنه.
وحديث معاوية بن أبي سفيان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلًاثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، ثنا به المسند أبو محمد النصري رحمه الله، أنا أحمد بن عبد الله القدوة، أنا يوسف بن عبد الله الدمشقي، أنا أبو طاهر الخشوعي، أنا أبو محمد بن الأكفاني، نا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد التميمي، أنا أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي الحافظ، قال: حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن علان، أنا أبو علي أحمد بن الحسن بن عبد الله المقرئ، ثنا عليّ بن محمد بن أبان المصري، حدّثني أبي، عن علي بن أبي جميلة، عن أبيه عن عبد الملك بن مروان، حدّثني أبو خالد حدثني أمير المؤمنين معاوية به. ولما خرجه أبو داود في كتاب التفرد، قال: تفرد به علي.
وحديث أنس بن مالك قال: رأيت النبي عليه السلام يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وخلّل لحيته مرتين أو ثلاثا، ثم قال: هكذا أمرني ربي، أنا به المسند العلامة أبو الفتح المقرئ - رحمه الله تعالى - أنا أبو الفضل الموصلي، أنا عمر بن طبرزد، أنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنا عمر بن إبراهيم الخفاف، أنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ البزار، ثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي، نا عبد الرحمن بن صالح، ثنا أسد بن عمرو، عن موسى الجهني، عن يزيد الرقاشي عنه.
ولما ذكره في الأوسط من حديث الزبير بن محمد، ثنا قتادة بن الفضيل الرهاوي، ثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن أنس بن مالك، قال: لم يروه عن إبراهيم إلا قتادة، تفرد به الزبير.
وبنحوه قاله أبو الحسن في الأفراد.
وحديث زيد بن ثابت، أنا به المشائخ المسندون أبو عبد الله محمد بن
إبراهيم بن ثابت، وأبو يوسف يعقوب بن عوض، وعبد الله بن إبراهيم بن إسماعيل الشطنوفي قراءة عليه وأنا أسمع، أنا المسند المعمر أبو حامد بن أبي محمد بن علي قراءة عليه ونحن نسمع، أنا أبو الحسن المبارك بن الحسين المقرئ قراءة عليه، أنا الحافظ أبو محمد الحسن بن محمد الخلال إملاءً، ثنا يوسف القواس، ثنا محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، ثنا محمد بن عمر بن نافع، ثنا علي بن الحسين، ثنا مالك، عن ربيعة، عن ابن المسيب، عن زيد وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة، فقال: هذا الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا يضاعف الله به الأجر مرتين، وثلاثًا ثلاثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي.
أنا الشيخ الزاهد ضياء الدين الزرزاري المقرئ رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، أنا الشيخ نجيب الدين قراءة عليه، عن اللبان والجمال، أنا أبو علي، أنا إبراهيم، أنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، نا أحمد بن يحيى الحلواني، نا أحمد بن حنبل سنة ثمان وعشرين في المحرم، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا سعيد الجريري، عن أبي عائذ سيف السعدي، وأثنى عليه خيرًا، عن يزيد بن البراء بن عازب قال: وكان أميرًا بعمان، وكان خير الأمراء، قال: قال لي: اجتمعوا فلأريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وكيف كان يصلي، فإني لا أدري ما قدر صحبتي إياكم، فجمع بنيه وأهله، فدعا بوضوء، فمضمض، واستنشق، وغ ل وجهه ثلاثًا، وغسل هذه اليد - يعني اليمنى - ثلاثًا، وغسل هذه ثلاثا - يعني اليسرى - ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل هذه الرجل ثلاثا - يعني اليمنى -، وغسل هذه الرجل ثلاثًا - يعني اليسرى -، ثم قال: هكذا ما ألوت أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. ثم دخل بيته، فذكر صفة الصلاة.
وحديث معاذ بن جبل قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ واحدة واحدة، واثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجله غسلًا.
ذكره ابن شاهين، عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم المارستاني، ثنا روح بن عبد الرحمن البوشنجي، ثنا الهيثم بن ربيع أبو المثنى العقيلي، ثنا الأصبع بن زيد، عن سليمان بن الحكم، عن محمد بن سعيد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم عنه.
وحديث أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلًاثا، ومسح المأقين، ورواه قاسم في كتاب الدلائل، عن موسى بن هارون، ثنا يحيى بن إسحاق، نا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر عنه، وحديث أبي رافع ذكره في الأوسط بلفظ: ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثًا، وقال: لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإِسناد، تفرد به الدراوردي، يعني: عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عنه.
باب ما جاء في الوضُوءِ مرةً ومرتين وثلاثًا
151 -
حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدّثني مرحوم بن عبد العزيز العطار، حدّثني عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة واحدة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به، ثم توضأ ثنتين ثنتين، فقال: هذا وضوء القدر من الوضوء، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هذا أسبغ الوضوء، وهو وضُوئي ووضوء خليل الله إبراهيم، ومن توضأ هكذا، ثم قال عند فراغه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتح له أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء.
هذا حديث جمع ضعفا وانقطاعا.
أما الأول: فأبو زيد عبد الرحيم بن زيد، قال فيه ابن معين: ليس بشيء.
وقال مرة أخرى: كذاب.
وقال البخاري: تركوه.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال الجوزجاني: هو غير ثقة، وفي موضع آخر: متروك.
وأبو داود والسعدي: ضعيف.
قال ابن عدي: يروي عن أبيه غير حديث منكر، وله أحاديث لا يتابعه الثقات عليها.
وقال أبو حاتم الرازي: ترك حديثه، وفي العلل: متروك الحديث، وكذا قاله الدارقطني.
وقال أبو زرعة: واه، وأبوه زيد بن الحواري أبو الحواري.
قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيف.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال ابن معين: يكتب حديثه على ضعفه، وفي رواية: ليس بشيء.
وقال الجُوزجاني: متماسك.
وقال الدارقطني وأحمد: صالح.
وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء، هو وهم، على أن شعبة قد روى عنه، ولعلّ شعبة لم يرو عن أضعف منه. ولما سأل ابن أبي شيبة عليًّا عنه، قال: كان ضعيفًا عندنا.
ولما ذكر الحديث ابن طاهر في ذخيرة الحفاظ ضعفه بهما، وذكره البيهقي في الخلافيات، وقال: حديث غير ثابت.
وقال أبو حاتم البستي: يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يجوز الاحتجاج
بخبره. وقال الرشاطي: كان واهي الحديث من قيل فيه النقد هو: زيد العمي.
وأما الانقطاع فذكر ابن أبي حاتم في كتاب العلل: أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: هو عندي حديث واهٍ، ومعاوية بن قرة لم يلحق ابن عمر، قلت لأبي: فإن الربيع بن سليمان ثنا بهذا الحديث عن أسد بن موسى، عن سلَّام بن سليم، عن زيد، عن معاوية بن قرّة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سلام الطويل، وهو متروك الحديث، وزيد هذا هو العمي، وهو ضعيف الحديث.
وفي علل الدارقطني: رواه سلام، ثنا محمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن، عن زيد، عن معاوية، عن ابن عمر.
ورواه أبو إسرائيل الملائي، عن العمي، عن نافع، عن ابن عمر، ووهم فيه، والصواب قول من قال: عن معاوية بن قرّة.
وقال فيه ابن حزم: العطار عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرّة مرسلًا، كذا ذكره، وحديث ابن ماجه يرد قوله، والله أعلم.
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من هذين الضعيفين ذكرها عبد الغني بن سعيد في كتاب إيضاح الإشكال، فقال: ثنا أبو يعقوب يوسف الصقلابي أن محمد بن إبراهيم الديلي حدّثهم، ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر الكلبي، ثنا سعد بن إبراهيم، عن معاوية
…
فذكره.
ولما ذكر الحاكم حديث أبي هريرة مرفوعًا: توضأ مرتين مرتين. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشاهده الحديث المرسل المشهور، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة .. الحديث بطوله.
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق حسنة: أنا بها جماعة من شيوخنا إجازة، عن يوسف بن خليل، ثنا خليل بن أبي الرجاء الداراني بقراءتي عليه،
أخبركم أبو علي الحداد، أنا الإِمام أبو نعيم بجميع كتاب حديث عبد الله بن دينار من تأليفه، أنا محمد بن أحمد بن حمدان، نا الحسن بن سفيان، ثنا المسيب بن واضح، وثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبدان، ونا أبو أحمد الحافظ، ثنا أبو عروبة الحراني، ونا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو عروبة قالوا: نا المسيب بن واضح، ثنا جعفر بن ميسرة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
والمسيب روى عنه جماعة، منهم: الرازيان وابن أبي داود وأبو عروبة والباغندي وبقي بن مخلد، وسُئل عنه أبو حاتم، فقال: صدوق كان يخطئ كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل. وقال أبو عروبة: كان لا يحدث إلا بشيء نعرفه يقف عليه.
وقال أبو نصر هبة الله بن عبد الجبار بن فاخر بن معاذ الهجري: كان شيخًا جليلًا ثقة بمرة مع الاتباع، وكان يخطئ.
وقيل لعبدان: أيما أحب إليك: المسيب، أو إسماعيل بن عياش؟ فقال: كلاهما سواء، وكان أبو عبد الرحمن النسائي حسن الرأي فيه، ويقول: الناس يؤذوننا فيه، أي: يتكلمون فيه.
وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه، وهو لا بأس به.
ولما روى الدارقطني حديثه هذا، عن دعلج، عن الحسن، قال: تفرد به عن جعفر: المسيب، وهو ضعيف.
ولما ذكره البيهقي قال: وهذا الحديث من هذا الوجه ينفرّد به المسيب، وليس بالقوي.
وقال في المعرفة: المسيب غير محتج به، وروي من أوجه كلها ضعيفة.
وقال الساجي: تكلّموا فيه، أحاديثه مناكير.
فلزم بمجموع ما تقدم ألا عيب فيه إلا الخطأ، وذلك مرفوع هنا لما سلف من متابعيه، والله أعلم.
152 -
حدّثنا جعفر بن مسافر، ثنا إسماعيل بن قعنب أبو بشر، ثنا عبد الله بن عَرَادة الشيباني، عن زيد بن الحَواري، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرةً مرةً، فقال: هذا وظيفة
الوضوء، أو قال: وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين، ثم قال: هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال: هذا وضوئي ووضُوء المرسلين قبلي.
هذا حديث قال فيه أبو الحسن الدارقطني في كتاب العلل الكبير:.
وفي الباب أحاديث غير هذين.
منها: حديث عائشة، ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل من تأليفه، فقال: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عباس النرسي، عن يحيى بن ميمون، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الوضوء مرة مرة، فقال: هذا الذي افترض الله عليكم، ثم توضأ مرتين مرتين فقال: من ضعف ضعف الله له، ثم أعادها الثالثة فقال: هذا وضوءنا معشر الأنبياء.
قال أبو زرعة: هذا حديث واه، منكر، ضعيف.
وفي موضع آخر: فمن زاد على ذلك فقد أساء وأربى.
قال أبو زرعة: ليس لهذا الحديث أصل، وامتنع من قراءته علينا.
ومنها: حديث عكراش بن ذؤيب التميمي الذي شهد مع عائشة الجمل، فقال الأحنف: كأنكم به قد أتي به قتيلا، أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت، فضرب ضربة على أنفه، فعاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به.
ذكره ابن دريد في الاشتقاق الكبير؛ فعلى هذا يكون قول
من قال: إن أبا الطفيل آخر من مات من الصحابة غير صواب؛ لتأخّر عكراش عن ذلك.
قال الخطيب في ترجمة عبد الوهاب بن أبي عصمة: ثنا النضر بن طاهر، ثنا عبيد الله بن عكراش، حدثني أبي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وسط من الوضوء.
ولما ذكر ابن حبان عكراشا في كتاب الصحابة، قال: غير أني لست بالمعتمد على إسناد خبره، والله أعلم.
ومنها: حديث أبي رافع المتقدم الذكر.
ومنها: حديث بريدة بن الحصيب، ذكره الطبراني في الأوسط من حديث ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن ابن بريدة، عن أبيه: دعا عليه السلام بوضوء، فتوضأ واحدة واحدة، وقال: هذا هو الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين
…
الحديث، ثم قال: لا يُروى عن ابن بريدة إلا بهذا الإِسناد.
تفرد به محمد بن أبي السري، وحديث زيد بن ثابت وأبي هريرة مرفوعا، المذكورين عند ابن عساكر في مجموع الرغائب، وقال: تفرد به علي بن الحسن السّامي، عن مالك.
وحديث عبد الله بن زيد المذكور عند البغوي الكبير: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين.
وروى عن سريج، ثنا فليح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد عنه.
وحديث حبيب بن زيد، قال عليه السلام: الوضوء واحدة، وثنتان، وثلاثة، لا تحل زيادته، ولا ينقص من واحدة، ذكره المديني من حديث عبد الرحمن بن جبلة، عن حسين بن زيد الكندي، عن ابن حبيب، عن أبيه حبيب.
باب ما جاء في القصد في الوضوء، وكراهية التعدي فيه
153 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو داود، ثنا خارجة بن مصعب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي بن ضمرة السعدي، عن أبي بن كعب، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان، فاتقوا وسواس الماءِ.
هذا الحديث مختلف فيه؛ فممن صححه: الحافظ أبو بكر بن خزيمة وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي؛ بذكره له في الأحاديث المختارة، وأبو عبد الله ابن البيع بذكره له شاهدا في مستدركه، ونبه على تفرد خارجة به، وكذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه، عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء،.
وفي العلل لابن أبي حاتم، عن أبيه: كذا رواه خارجة، وأخطأ فيه، ورواه الثوري، عن يونس، عن الحسن قوله.
ورواه غير الثوري، عن يونس، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
مرسل.
قال: وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر.
وفي موضع آخر: هو عندي منكر.
وفي كتاب التاريخ لأبي حاتم، وقال له الكَناني: روى هذا الحديث غير خارجة؟ فقال: لم يرو هذا الحديث غيره، وهو متروك الحديث، ولا يرويه عن
يونس غيره، وفيما قالوه نظر؛ لأنا رأينا غير خارجة رواه أيضا، وأسنده وهو محمد بن دينار الثقة برفع البأس عنه عند ابن معين وأبي حاتم، الصدوق عند أبي زرعة، الحسن الحديث عند ابن عدي.
قال الهيثم بن كليب في مسنده: ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، أنبأ موسى بن إسماعيل المنقري، عن محمد بن دينار، عن يونس. فذكره مرفوعًا.
ولنذكر من حال أبي الحجاج خارجة بن مصعب الضبعي الخراساني ما يبين أمره ويوضحه، وذلك أنه ممن ذكر البخاري أنّ وكيعًا تركه قال: وكان يدلس على غياث بن إبراهيم، ولا نعرف صحيح حديثه من سقيمه.
وسئِل عنه ابن معين، فقال: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، مثل مسلم بن خالد، لم يكن محله محل الكذب.
وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وفي كتاب المروذي: سئل أحمد عنه فضعفه، وقال: ما روى عنه ابن المبارك شيئًا في كتبه، فقال له ابن أبي رزمة: بلى حديثًا واحدًا، قال: وقد قالوا لابن المبارك فيه، فقال: كيف أحدث عن رجل حدث بكذا؟! لحديث منكر.
وقال يحيى بن يحيى: هو مستقيم عندنا، ولا ننكر من حديثه إلا ما كان يُدلس عن غياث، وإنّا كنّا نعرف تلك الأحاديث.
وقال النسائي والأزدي وابن خراش: متروك الحديث.
وقال الدارقطني: هو وأخوه علي ضعيفان.
وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه، وعندي أنّه إذا خالف في الإسناد أو المتن فإنّه يغلط، ولا يتعمّد الكذب، وإذا روى حديثًا منكرًا فيكون البلاء ممن روى عنه، فيكون ضعيفًا.
وقال ابن أبي شيبة: سألت عليًا عنه فقال: هو عندنا ضعيف.
وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج بخبره.
وفي كتاب الآجري: سألت أبا داود عنه، فقال: ضعيف، وفي موضع آخر: سمعت أبا داود يقول: خارجة أودع كتبه غياث بن إبراهيم، فأفسدها عليه.
وفي موضع آخر: سألت أبا داود عنه، فقال: ليس بشيء. وذكره العُقيلي، والبلخي،
ويعقوب بن سفيان، في الضعفاء. وقال الساجي: كان يرى الإرجاء، تركه وكيع.
فتبيّن بمجموع ما ذكر أنّ الصواب قول من ضعف الحديث بخارجة، ومن صححّه بوجوده وتفرده على ما زعم لا عذر له، وأنّ الحديث الذي أورده الهيثم صحيح الإِسناد، والله أعلم.
154 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا خالي يَعْلى، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: هذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء أو تعدى أو ظلم.
هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا الأشجعي، عن سفيان ثم قال: لم يوصل هذا الخبر غير الأشجعي ويعلى، وخرجه أيضا ابن الجارود في المنتقى.
وخرجه أبو داود في باب: ما تفرد به أهل الطائف بلفظ: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفّيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، فمسح بإبهامه ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أُذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء. وإسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبي إبراهيم، وحاله مختلف فيها على أربعة أنحاء: هل هو ثقة أم لا؟ وهل حديثه متصل أم لا؟
فأما الأول: فذكر يحيى بن سعيد القطان أنه إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يحتج به.
وقال الأوزاعي: ما رأيت قرشيا أفضل من عمرو.
وذكر ابن معين أنه ثقة في نفسه، إنما بلي بكتاب أبيه، عن جدّه.
وقال أبو الفتح الأزدي: سمعت عدة من أهل العلم بالحديث يذكرون أنّ عمرا فيما روى عن ابن المسيب وغيره فهو صدوق، وما
رواه عن أبيه عن جدّه يجب التوقّف فيه.
وقال النسائي: سمعت ابن راهويه يقول: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عندنا عدل، وإنما دخل حديثه الوهن لرواية الضعفاء عنه، وقد روى عنه جماعة من الأئمة، قال أبو عبد الرحمن: وهو لا بأس به.
وسئل أبو حاتم: عمرو أحب إليك أو بهز عن أبيه عن جدّه؟ قال: عمرو، عن أبيه، عن جده أحب إلي.
وسأله الكناني عن حديث عمرو، عن أبيه، عن جده، فقال: يكُتب ما روى عنه الثقات، ولا يحتج بها، وفي رواية: وسئل عنه أيضا فقال: ما شأنه؟ وغضب، وقال: ما أقول فيه؟ روى عنه الأئمة.
وفي رواية يحيى بن منصور: يكتب حديثه.
وفي كتاب الطبقات لمحمد بن عبد الله البرقي: قال لي ابن معين: كان عمرو ثبتا.
وقال العجلي: هو ثقة.
وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن عبد الله، والحميدي، وإسحاق بن إبراهيم، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا، يحتجون بحديث عمرو، عن أبيه، عن جده، ما تركه أحد من الناس.
قال محمد: قال حنبل: فمن الناس بعدهم؟
وقال أحمد بن تميم: قلت لمن يتكلم فيه: تقول ماذا؟ قال: يقولون: إن عمرا أكثر، أو نحو هذا.
وقال الدارقطني: لم يترك حديثه أحد من الأئمة، وإذا بين جدّه فهو صحيح.
وقال أبو زرعة: مكي، كأنه ثقة في نفسه، إنّما تكلم فيه بسبب كتاب كان عنده.
الثاني: قال أيوب السختياني: كنت إذا أتيته غطيت رأسي حياء من الناس.
وقال الليث: عليك بطاوس ومجاهد، رد عني من جواليقك: عمرو بن شعيب وفلانا.
وقال يحيى بن سعيد: حديثه عندنا واهٍ.
وقال أحمد: أنا أكتب حديثه، وربّما احتججنا به، ورّبما وجس في القلب منه شيء، وله مناكير.
وفي رواية: ليس بحجة، ومالك روى عن رجل عنه.
وفي سؤالات الميموني: سمعت أحمد يقول: عمرو له أشياء مناكير، وإّنما يكتب حديثه ليعتبر، فأما أن يكون حجة فلا. وفي هذا معارضة لما ذكره البخاري قبل.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه، ما
روى عنه الثقات فيذاكر به، وفي رواية ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ليس بذاك.
وقال الآجري: سألت أبا داود: عمرو عندك حجة؟ قال: لا، ولا نصف حجة.
وفي موضع آخر: قال أبو داود، عن أحمد: أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا بحديث عمرو، عن أبيه، عن جدّه، وإذا شاءوا تركوه.
وقال ابن عدي: أحاديثه عن أبيه عن جدّه اجتنبها الناس مع احتمالهم إيّاه، ولم يدخلوه في صحيح ما خرجوه. وقالوا: هي صحيفة.
ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال: قال سفيان بن عيينة: غيره خير منه.
وفي كتاب ابن أبي حاتم عنه: وكان حديثه عند الناس فيه شيء.
وقال أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يُعاب عليهما بشيء، إلا أنّهما كانا لا يسمعان شيئا إلَّا حدّثا به.
وفي كتاب الساجي: ثنا ابن المثنى، ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: الناس يتهمون عمرًا في حديث رواه عن أبيه، عن جدّه، عن عمر بن الخطاب: أن النبي عليه السلام قضى في موالي المرأة لعصبتها دون ابنها، وذكره البرقي في كتاب الطبقات في باب من ينسب من الثقات إلى الضعف.
الثالث: قال البخاري في تاريخه الكبير: شعيب بن محمد سمع عبد الله بن عمرو، سمع منه ابنه عمرو.
وقال أبو عاصم: عن حَيوة، عن زياد بن عمرو: شعيب بن محمد سمع عبد الله بن عمرو، قال البخاري: إنّما أردنا بهذا أن شعيبًا سمع من عبد الله.
وقال أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي: عمرو ثقة، روى عنه الذين نظروا في الرجال، واحتج أصحابنا بحديثه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو.
وقال أبو الحسن البغدادي: رأى شعيب عبد الله. وقال في كتاب السنن: قال محمد بن علي الوراق: قلت لأحمد بن حنبل: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئًا؟ قال: يقول: حدّثني أبي، قلت: فأبوه سمع من ابن عمرو؟ قال: نعم أرَاهُ قد سمع منه، قال: وسمعت أبا بكر النيسابوري، يقول: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد صح سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جدّه
عبد الله، وبنحوه قاله ابن سرور.
وأمّا قول البيهقي في المعرفة: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في سماع عمرو من أبيه، وإنّما الخلاف في سماع شعيب من جدّه عبد الله.
وقد ذكرنا في مسألة الجماع في الإحرام ما دلّ على سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، وما نذكره بعد من الخلاف، يرد عليه قوله، والحمد لله وحده.
الرابع: ذكر العقيلي عن يحيى: حديث عمرو كتاب، إنما هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله، وهو يقول: أبي عن جدّي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هنا ضُعّف أو نحو هذا.
وقال الدوري عنه: إذا حدّث عمرو عن أبيه فهو كتاب، وفي كتاب الطبقات للبرقي: كانوا يرون ما روى عن أبيه، عن جدّه كتابا.
وقال أبو زرعة: إنّما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده، وكان مغيرة بن مقسم لا يعبأ بصحيفة عمرو، وقال: ما يسرني أن صحيفته عندي بتمرتين أو بفلسين.
وفي كتاب الساجي: عن أبيه عن جده - لا حجة فيه، وليس هو بمتصل، وهو ضعيف من قبل أنه مرسل، وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو، فكان يرويها عن جدّه إرسالًا، وهي صحاح عن ابن عمرو، غير أنه لم يسمعها.
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة الأوسط: سئل يحيى عن حديث عمرو، عن أبيه، عن جدّه، فقال: ليس بذاك، قال: وسمعت هارون بن معروف، يقول: لم يسمع عمرو من أبيه شيئًا، إنما وجده في كتاب، وبنحوه قاله الترمذي.
وقال ابن حبان في كتاب الثقات: شعيب يروي عن ابن عباس، روى عنه ابنه عمرو، ويُقال: إنه سمع جدّه عبد الله، وليس ذلك بصحيح عندي.
155 -
حدثنا أبو إسحاق الشّافعي إبراهيم بن محمد بن العباس، ثنا سفيان، عن عمرو سمع كريبًا سمعت ابن عباس يقول: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنة وضوءًا يقلله، فقمت، فصنعت كما صنع.
هذا حديث خرجه الشيخان في صحيحيهما مطولًا بذكر الصلاة وغيرها، وسيأتي طرف منه بعد - إن شاء الله تعالى - وميمونَةُ هي بنت الحارث بن حَزْن بن بجير بن الهُزَم بن رُؤيبة بن عبد الله بن هلال أخت لبابة الكبرى أم ابن عباس، ولبابة الصغرى أم خالد، عَصْيماء وعزة وأم حفيد هُزَيلة لأب وأم، وأخواتها لأمها: أسماء وسلمى وسلامة بنات عُمَيس، تزوجها عليه السلام بسرف وهو محرم.
وقيل: وهو حلال في شوال سنة سبع، وبنى بها به، وتوفّيت به سنة ثلاث. وقيل: ست وستين. وقيل: إحدى وخمسين. وقيل: اثنتين وخمسين، وضعفها ابن عساكر، خلا الحادي والخمسين. وقيل: سنة ثمان وثلاثين، ذكره البكري أبو عُبيد، وهي آخر زوجة تزوجها صلى الله عليه وسلم.
156 -
حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، ثنا بقية، عن محمد بن الفضل، عن أبيه، عن سالم، عن ابن عمر، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأ، فقال: لا تسرف لا تسرف.
هذا حديث إسناده معلل بأمور، منها:
بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الحميري الميَّتمي، وإن كان مسلم قد خرج له حديثًا في صحيحه واحدًا في كتاب النكاح، واستشهد به البخاري في باب: من أخف الصلاة، وصحح له الترمذي أحاديث.
وقال ابن المبارك في تاريخه: كان صدوقًا، ولكنه كان يكتب عمن أقبل وأدبر.
وقال ابن معين: كان شعبة مبجلا لبقية حين قدم بغداد.
وقال أبو زرعة: ما له عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق، إِذا حدّث عن الثقات فهو ثقة.
وقال يعقوب: هو ثقة إذا حدث عن المعروفين، ويحدّث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيل عن أسمائهم إلى
كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم، ويحدث عمن هو أصغر منه.
وقال محمد بن سَعْد: كان ثقة في روايته عن الثقات، ضعيفا في روايته عن الضعفاء.
وقال النسائي: إذا قال: ثنا وأنبأنا، فهو ثقة، وإذا قال: عن فلان، فلا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يدرى عمن أخذه.
وقال العجلي: هو ثقة فيما روى عن المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء.
وعن عبد الله بن أحمد قال: سمعت عطية بن بقية يقول: أنا عطية بن بقية وأحاديثي نقية، فإذا مات عطية ذهب حديث بقية.
وذكر الحازمي أنه ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، فقد قال ابن عيينة، وسئل عن حديث، فقال: أنا أبو العجب أنا بقية بن الوليد، ثم قال: لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
وقال أبو مسهر: بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية.
وقال أحمد بن حنبل: إذا حدّث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وفي سؤالات السلمي للدارقطني: وأخرج البخاري عن بقية وبهز اعتبارا. قال: لأن بقية يحدث عن الضعفاء، وبهز متوسط.
وقال ابن عدي: يخالف في بعض رواياته الثقات، وإذا روى عن أهل الشام فهو ثبت، وإذا روى عن غيرهم خلط، وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منه، لا منهم، وهوْ صاحب حديث.
وفي الخلافيات لأبي بكر في أثناء كلام له: كيف وقد أجمعوا على أن بقية ليس بحجة. انتهى. وهو كلام يحتاج إلى تأويل وصرف عن ظاهره.
وقال أبو حاتم بن حبان: سمع من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين، عن شعبة ومالك، فروى عن الثقات بالتدليس ما سمع من الضعفاء، وكان أصحابه يفعلون ذلك، ولا يحتج به.
وفي كتاب العقيلي عن بقية قال: ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث، فقال: ما أجود أحاديثك لو كان لها أجنحة. يعني: أسانيد.
وقال وكيع: ما سمعت أحدا أجرأ على أن يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم من بقية.
وقال أبو عبد الله: وما سمعته يتناول أحدا إلا بقية، ولما ذكره الساجي في كتاب الضعفاء، قال: فيه اختلاف.
الثاني: محمد بن الفضل بن عطية العَبسي أبو عبد الله المروزي، قال فيه ابن
معين: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وفي رواية: كان كذابا. وفي رواية: حديثه حديث أهل الكذب.
وقال الجوزجاني: كان كذابا، سألت ابن حنبل عنه فقال: ذاك عجب يأتي بالطّامات، ولم يرضه، وهو صاحب حديث: ناقة ثمود، وبلال المؤذن.
وقال ابن المديني: روى عجائب، وضعفه.
وقال النسائي ومسلم: متروك الحديث.
وقال صالح بن محمد: كان يضع الحديث.
وقال عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش: متروك الحديث.
وقال مرة: كذاب.
وقال أبو بكر: قلت له - يعني الدارقطني - عنه، قال: متروك.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا محمد بن يحيى، أخبرني صالح ابن الضريس يقول لعمرو بن عيسى، وحدث عن محمد بن الفضل، فقال: ألم أنهك عن هذا الكذاب؟
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: ليس بشيء.
وقال الآجريّ: سألت أبا داود عنه فوهاه.
وقال عمرو بن علي: متروك الحديث كذاب.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ذاهب الحديث، ترك حديثه.
وقال عبد السلام بن عاصم: سمعت إسحاق بن سليمان يسأل عن حديث من حديثه، فقال: تسألوني عن حديث الكذابين؟
وقال ابن راهويه: قال لي يحيى بن يحيى: كتبت عن محمد بن الفضل ثم مزّقته، قلت: كان أهلهُ.
قال إسحاق: وكان أبوه ثقة.
وقال ابن عدي: وله غير ما ذكرت من الحديث، وعامة حديثه ما لا يتابعه عليه الثقات.
وقال أبو موسى المديني: ومحمد هذا ممن لا يُرتاب في تركه، وكان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وبنحوه قاله الفسوي في تاريخه.
الثالث: أبوه فضل بن عطية، وإن كان ابن معين قال فيه: ليس به بأس. وبمثله قاله أبو زرعة، ووثقه أبو داود لما سأله عنه الآجري، وابن حبان ذكره في كتاب الثقات، فقد قال فيه: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه؛ لأن ابنه في الحديث ليس بشيء.
وقال عمرو بن علي وأبو أحمد بن عدي: ضعيف، وذكره في كامله من حديث ابن
لفضل، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من وسوسة الوضوء. فخالف هذه الرواية في الإسناد واللفظ.
157 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد اللَه المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ قال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار.
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة المتقدم الذكر، وحيي بن عبد الله أبي عبد الله المعافري المصري، قال فيه أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير.
وقال البخاري: فيه نظر.
ولما ذكره ابن عدي قال: أرجو أنه لا بأس به.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء.
ولما ذكره الساجي قال: عنده مناكير.
وقال ابن معين: لا بأس به، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وفي هذا المعنى حديث إسناده صحيح، رواه أبو حاتم البُستي في صحيحه من حديث الجريري، عن أبي العلاء، قال: سمع عبد الله بن مغفل ابنا له، وهو يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النّار، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور وفي الدعاء، ثم قال: سمع هذا الخبر الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير وأبي نعامة العدوي، فالطريقان جميعا محفوظان، وحديث أبي نعامة المشار إليه، روى ابن ماجه حديثه في كتاب الدعاء مقتصرا على ذلك.
ورواه أبو داود مطولا في كتاب الطهارة، وحديث عمران بن الحصين. ذكره البيهقي في
كتاب السنن، وحديث ذي مخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءا لم يلت منه التراب. ذكره البرقي في تاريخه، من رواية آدم، عن حريز، ثنا يزيد بن صالح عنه، وحديث أبي كاهل: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا أبا كاهل ضع الوضوء منك مواضعه، وأبق فضل وضوئك لأهلك، لا تعطش أهلك، ولا تشق على خادمك.
رواه أيضا عن آدم، ثنا الهيثم بن جماز، عن ابن أبي كثير عنه.
وحديث أبي الدرداء ذكره أبو عبيد في كتاب الطهور، فقال: ثنا أبو أيوب ونعيم بن حماد، عن بقية، ثنا أبو بكر بن أبي مريم، قال: قال أبو أيوب، عن شريح بن عبيد، وقال نعيم: عن حبيب بن عبيد، عن أبي الدرداء، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه مر بنهر فنزل وأخذ قعبا معه، فملأه من الماء، ثم تنحى عنه، فتوضأ، ففضل من ذلك الماء، فرده إلى النهر، وقال: يبلغه الله عز وجل إنسانا أو دابة وأشباهه ينفعهم الله تعالى به.
وذكره أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عُبيد في مسند أبي الدرداء بنحوه.
ولما ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في العلل قال: قال أبي: حبيب عن أبي الدرداء مرسل.
وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام: لا خير في صب الماء، وقال: إنه من الشيطان يعني: كثرة صب الماء.
ذكره أبو نعيم في تاريخه من حديث محمد بن جعفر الوركاني، ثنا سعيد بن ميسرة، عنه.
الشيطان: اشتقاقه من قولهم: دار شطون، ونوى شطون، أي: بعيدة. قال نابغة بني شيبان:
فأصبحت بعدما وصلت بدارٍ
…
شَطُون لا تُعاد ولا تعودُ
بمعنى تباعده من الخير، أو تكون لغيه وهلاكه، أخذ من قولهم: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك، قال الأعشى:
قد نطعن العير في مكنون فائله
…
وقد يشيط على أرماحنا البطل
أراد: وقد يهلك على أرماحنا. ذكره ابن الأنباري وأبو القاسم الزجاجي.
وقوله: أساء، قيل: أساء في الأدب، بتركه السنة والتأدب بآداب الشّرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب، بترداد المرات في الوضوء.
وقيل: ظلم: جاوز الحد، ونقص: يحتمل أن يريد به نقصان العضو، والشنّة: كل وعاءٍ من أدم خلق، والجمع الشنان، وقد تشان: إذا أخلق.
قال أبو عمر: الشن: قطران الماء من الشنة، شيء بعد شيء، وهو الشنين، قال الشاعر:
يا من لدمع دائم الشنين
وفي الصحاح تقييد الشنة بالصغيرة.
باب ما جاء في إسباغ الوضوءِ
158 -
حدّثنا أحمد بن عَبدة، أنبأ حمّاد بن زيد، ثنا موسى بن جهضم أبو جهضم، ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء.
هذا حديث وهم ابن ماجه في موضعين منه:
الأول: قوله: موسى بن جَهْضَم، وإنّما هو موسى بن سالم.
الثاني: قوله: عبيد الله بن عبد الله، وإنما هو عبد الله بن عبيد الله، بين ذلك أبو عيسى حين خرجه عن أبي كريب، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا موسى بن سالم أبو جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبدًا مأمورًا، ما اختصّنا دون الناس بشيء إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حمارا على فرس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى سفيان الثوري، عن أبي جَهْضَم هذا، فقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، وسمعت محمدا يقول: حديث الثوري غير محفوظ، وهم فيه الثوري، والصحيح ما روى إسماعيل بن علية وعبد الوارث، عن أبي جَهْضَم، عن عَبد الله بن عُبَيد الله.
وكذا سمّاه النسائي في كتاب الكنى عن قرّة بن خالد وأبو بشر الدولابي ومسلم بن الحجاج وأبو حاتم الرازي وأبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستغناء.
وقال ابن عساكر: قال ابن ماجه: موسى بن جهضم، وهو وهم، وأخرجه في ترجمة عبد الله بن عبيد الله، وأخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة
في صحيحه، عن ابن عبده شيخ ابن ماجه، قال: ثنا حماد بن زيد، عن موسى بن سالم أبي الجَهْضم، قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله.
ثم أخرجه من حديث ابن علية، عن موسى بن سالم، عن عبد الله بمثله. وزاد: قال موسى: فلقيت عبد الله بن حسن، فقلت: إن عبد الله بن عبيد الله حدّثني بكذا وكذا، فقال: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة، فأحب أن تكثر فيهم، فتبين بمجموع ما أسلفناه أن الوهم من صاحب الكتاب لا من غيره من شيوخه.
وإن كان ابن أبي حاتم ذكر في كتاب العلل، عن أبيه: إنما هو عبد الله بن عبيد الله، أخطأ فيه حماد، قال: وقالا جميعا: رواه حماد بن زيد وعبد الوارث ومرجا، فقالوا كلهم: عن أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله، وهو الصحيح، فقد بينّا أن رواية حماد وابن عبدة على الصواب، وأن الدارمي رواه عن مسدد، عن حماد، فقال: عبيد الله بن عبد الله.
ورواه الترمذي أيضًا من حديث أيوب، عن أبي قلابة عنه مطولًا، ثم قال: وقد ذكروا بين أبي قلابة وابن عباس في هذا الحديث رجلًا، وهو خالد بن اللجلاج، قال: وهو حديث حسن غريب.
159 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زُهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.
هذا حديث إسناده ضعيف بعبد الله بن عقيل المتقدم الذكر.
ورواه أبو عاصم النبيل، عن الثوري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن المسيب، عن أبي سعيد يرفعه: ألا أدلكم على شيء يكفر الخطايا ويزيد في الحسنات .. فذكره، وفيه: إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم، وسدوا الفُرج، وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وخير صفوف الرجال المقَدم، وفيه: يا معشر النساء، إذا سجد الرجال فاحفظن أبصاركن.
قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: قال أبي: هذا وهم، إنما هو الثوري، عن ابن عقيل، وليس لعبد الله بن أبي بكر معنى.
160 -
حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا سفيان بن حمزة، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفارات الخطايا: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد.
هذا حديث إسناده حسن؛ للاختلاف في حال كثير هو: كثير بن زيد؛ فإنه ممن صحح له الترمذي حديثا. وخرج ابن خزيمة له حديثًا في صحيحه.
وقال ابن معين: ثقة، ومرة: ليس بشيء، ومرة: ليس بذاك القوي، ومرّة: صالح.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار: ثقة، وذكره البستي في الثقات.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال أبو زرعة: لين.
وأمّا الوليد بن رباح بن عاصم بن عدي أبو البداح الدوسي المديني مولى ابن أبي
ذباب، قال عبد الرحمن: سئل أبي عنه، فقال: صالح، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وسفيان وصفه أبو زرعة بالصدق. وقال أبو حاتم: صالح.
وأغفل ذكره ابن سرور، ولا ينبغي له ذلك، وهو في صحيح مسلم، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بما يمحُو اللهُ به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.
ولما ذكره ابن منده في صحيحه قال: هذا صحيح على رسم الجماعة، إلا البخاري؛ فإنه لم يخرج في كتابه، عن العلاء إلا استشهادا.
وقد روى هذا الحديث، عن العلاء جماعة؛ منهم: شعبة، ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر والدراوردي وزهير بن محمد وحفص بن ميسرة وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام، وكل هؤلاء مقبول عندهم. انتهى ما ذكره.
وفيه نظر من حيث زعم أنّ البخاري استشهد به، وذلك قول لم أره لغيره، والله أعلم.
وفي المستدرك من حديث فوان بن عيسى: ثنا الحارث بن أبي ذباب، عن ابن المسيب، عن علي، قال عليه السلام: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة - يغسل الخطايا غسلا.
قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وذكره في الأوسط من حديث علي بن زيد، عن ابن المسيب عنه: من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كِفْلان. وقال: لم يروه عن علي إلا أبو حفص العبدي، واسمه عمر بن حفص.
وفي كتاب النجوم للخطيب البغدادي من حديث عبيد الله بن موسى، عن
الربيع بن حبيب، عن نوفل بن عبد الملك، عن أبيه عنه: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم، وأمرني بإسباغ الوضوء.
ومن حديث المقدمي: ثنا هارون بن مسلم، ثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي .. بنحو هذا.
وفي صحيح ابن خزيمة: أنبأ محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، حدّثني أبي، ثنا سفيان، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله، وهو ابن مسعود، عن أبيه، قال: الصفقة بالصفقتين ربا، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء.
ولما رواه الطبراني في الأوسط من حديث سفيان أشار إلى تفرد ابن أبي صفوان، عن أبيه، وأبيه عن سفيان.
وفي تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث نظر؛ لأن عبد الرحمن أنكر سماعَهُ مِنْ أَبِيهِ ابْنُ مَعِينٍ.
وقال ابن سعد: تكلموا في روايته عن أبيه، قالوا: كان صغيرا، وقال الغلابي عن أحمد: مات أبوه وله ست سنين.
واختلف قول أبي حاتم، ففي كتاب الجرح والتعديل: سمع أباه، وفي كتاب التاريخ: يدخل في المسند ولا يصح سماعه من أبيه، واختلف قول البخاري في ذلك أيضًا؛ فذكر في التاريخ الكبير أنّه سمع من أبيه، وفي الأوسط: قال محمد: شعبة يقول: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، ويجمع بما قاله ابن المديني في كتاب العلل الكبير، ولعله عمد لهما: سمع من أبيه حديثين: حديث الضب، وحديث: كنت مع أبي، فأخر ابن عقبة الصلاة.
قرأت على المسند البقية شرف الدين المقدسي رحمه الله عن أبي محمد القرشي، أنبأ العلامة أبو طاهر الإِسكندري، قرأت على أبي
الحسن ابن عبد الجبار بن أحمد، سمعت أبا مسلم عمر بن علي بن الليث البخاري: سمعت أبا الحسن علي بن أبي بكر الحافظ الجرجاني بنيسابور، سمعت مسعود بن علي السجزي، سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول، وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، فقال: اتفق مشائخ الحديث على أنه لم يسمع من أبيه.
وفي مسند البزار: أنا خالد بن يوسف - يعني السمتي - عن أبيه، أنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى ابن أخي عبادة، عن عبادة بن الصامت، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطيئة، ويمحو به الذنوب؟ قالوا: نعم، قال: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط.
وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الحافظ: عن امرأة من المبايعات قالت: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سَلمة، فقربنا له طعامًا، فأكل ومعه أصحابه، ثم قرب إليه وضوء فتوضأ، ثم أقبل على أصحابه، فقال: ألا أخبركم بمكفرات الخطايا؟ قالوا: بلى، قال: إسباغ الوضوء .. الحديث.
وفي مسند أبي يعلى الموصلي، عن عُبيدة بن عمرو الكلابي، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فأسبغ الوضوء.
وفي سنن الكجي، عن ربيعة بنت عياض الكلابية، قالت: حدّثني ربيعة الكلابي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فأسبغ الوضوء.
وفي كتاب أبي موسى المديني من حديث عبيدة بن عمرو الكلابي، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأبلغ الوضوء، وفي لفظ: فأسبغ الوضوء.
رواه من حديث سعيد بن خثيم، عن ربيعة بنت عياض الكلابية، قالت: حدثني ربيعة، وفي موضع آخر: حدّثني جدّي عبيدة، قال أبو موسى: وهو الصواب.
وفي تاريخ الموصلي: ثنا علي بن جابر، ثنا أبو العباس محمد بن عمارة القرشي، أنا الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُدعى يوم القيامة قوم يقال لهم المنقوصون، قيل: يا رسول الله وما المنقوصون؟ قال: الذين لا يتمون وضوءهم ويلتفتون في صلاتهم.
وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي كتاب الترمذي - رحمة الله عليه - عن معاذ بن جبل، ولفظه: وإسباغ الوضوء حين الكريهات. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ثنا خالد بن اللجلاج، حدّثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال: سمعت النبي عليه السلام .. فذكر الحديث.
وهذا غير محفوظ، كذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإِسناد، عن ابن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا أصح، وابن عائش لم يسمع من النبي عليه السلام.
وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في علله من عدّة طرق، وفي كتاب الكامل لأبي أحمد من حديث أشعث بن براز: ثنا ثابت، عن أنس قال عليه السلام: يا أنس أسبغ الوضوء يُزَد في عمرك.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي وأبا زرعة عن أحاديث تروى عن أنس مرفوعة في إسباغ الوضوء، وذكرت لهما الأسانيد المروية في ذلك، فضعفاها كلها، وقالا: ليس في إسباغ الوضوء يزيد في العمر حديث صحيح.
وقال: سألت أبا زرعة عن حديث رواه عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، عن
إسماعيل بن عياش، عن حبيب بن صالح، عن ثابت بن أبي ثابت، عن عبد الله بن معانق الدمشقي، عن عبد الرحمن بن غنم الدمشقي الأشعري، عن أبي عامر الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء نصف الإِيمان. فقال: عبد الوهاب شيخ صالح من حَوْط من مذحج، وأبو عامر اسمه عبيد، قتل بخيبر، وإنما هو عن أبي مالك الأشعري، وهو أشبه؛ لأن الشيخ قال: أبو عامر، وحديث لقيط بن صَبرة تقدم ذكره.
وفي المعجم الأوسط، عن أنس، قال عليه السلام: أسبغ الوضوء يزد في عمرك .. الحديث بطوله، وقال: لم يروه بهذا التمام عن ابن المسيب إلا علي بن زيد بن جدعان، ولا عن علي إلا عبد الله بن المثنى.
تفرد به مسلم بن حاتم، عن الأنصاري، عن أبيه، وتفرّد به محمد بن الحسن بن أبي يزيد، عن عباد المنقري.
باب ما جاء في تخليل اللحية
161 -
حدّثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، عن عبد الكريم أبي أمية، عن حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر، (ح) وثنا ابن أبي عمر قال: وثنا سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته.
هذا حديث حرف ابن ماجه ألفاظه، وذلك أن العدني لم يروه له كما ذكر، وإنما قال في مسنده: ثنا سفيان، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حسان بن بلال، قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقيل له: أتخلل لحيتك؟ قال: ما يمنعني، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته.
ثنا سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار، عن النبي عليه السلام مثله.
هذا نص ما في مسنده، وكذلك رواه عنه الترمذي لا يغادر حرفًا، فقد تبين لك تحريف نقله له، وانتقاله من التصريح بالسماع والرواية إلى العنعنة المشعرة بعدم الاتصال، لا سيما من كوفي، وقد كنت قديمًا رأيت من تكلم في هذا الحديث بنحو من هذه العلة فقط، وهو أبو محمد بن حزم، قال: حسان بن بلال مجهول، وأيضا فلا يعرف له لقاء عمار، وفيما قاله نظر؛ وإن كان ابن حبّان قد سبقه بقوله: روى عن عمار، إن كان قد سمع منه حين ذكره في الثقات، لما تقدم من تصريحه بالرواية والسماع عند ابن ماجه والمكي وابن منده في كتاب الوضوء من تصنيفه، ولأنه قد روى عنه جماعة، منهم: أبو قلابة وأبو بشر وقتادة ويحيى بن أبي كثير، وقال ابن المديني فيه: ثقة، فمن كانت هذه حاله فليس مجهولا
بحال، والذي يظهر من العذر لابن ماجه أنه عدل عن حديث عبد الكريم بن أبي المخارق قيس، ويقال: طارق أبي أمية البصري، فقد قال فيه أيوب: كان غير ثقة، سألني عن حديثه لعكرمة، فحدثته ثم قال: حدثني عكرمة، وذكر ابن أبي معين أنّه اتهم بالكذب، وقال مرة: هو ضعيف، وإن كان مسلم قد خرج له في صحيحه.
كذا ذكره ابن سرور، وأظنّه وهم؛ لأني لم أر ذلك لغيره، إنما خرّج له البخاري مستشهدًا في باب التهجد بقوله: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومسلم إنما جرحه في مقدمة كتابه.
ولهذا قال أبو محمد بن يربوع: أمّا مسلم فقد بين جرحه في صدر كتابه، وأمّا البخاري فلم ينبه من أمره على شيء؛ فدل أنه عنده على الاحتمال؛ لأنه قد قال في التاريخ: كل من لم أبين فيه جرحة فهو على الاحتمال، وإذا قلت: فيه نظر، فلا يحتمل.
وقال معمر: سألني حماد عن فقهائنا، فذكرتهم، فقال: قد تركت أفقههم، يعني أبا أمية، قال أحمد: كان يوافقه على الإِرجاء، وكان ابن عيينة يستضعفه.
وقال أحمد: هو ضعيف، وفي رواية: ليس بشيء قد ضربت على حديثه، وهو شبيه بالمتروك.
وفي إطلاق ذلك نظر؛ لما ذكره ابن أبي حاتم عنه، وذكروا مرة عند يحيى يوم الجمعة في مسجد الجامع، قال عمرو: وأنا شاهد الترويح في الصلاة، فقال: يذكرون عن مسلم بن يسار وأبي العالية، فقال له عفان: من حديث من؟ فقال فيما بينه وبينه وأنا أسمع: ثنا هشام، عن عبد الكريم المعلم، عن عمير بن أبي يزيد، وأما عبد الرحمن فإني سألته فيما بيني وبينه، فقال: فأين التقوى؟ انتهى.
فهذا يحيى قد حدّث عنه.
وقال الفلاس: كان ابن مهدي ويحيى لا يحدثان عنه.
وقال ابن عدي: والضعف بين على كل ما يرويه.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال مرّة: هو ضعيف.
وقال السعدي: غير ثقة.
وقال ابن حبان: كثير الوهم فاحش الخطأ، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به.
وقال النسائي وأبو الحسن الدارقطني: متروك.
وقال الحربي في كتاب العلل من تأليفه: كان يتفقه ويرى الإرجاء، غيره أوثق منه.
وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: لم يحدث مالك عن أحد أضعف من عبد الكريم، وسمعه يقول: مرجئة البصرة: أبو أمية عبد الكريم، وعثمان بن غياث، والقاسم بن الفضل. وقال أبو عمر في التمهيد: بصري ضعيف متروك، مجتمع على ضعفه، لقيه مالك بمكة، فروى عنه، ولم يكن عرفه قبل.
وفي موضع آخر: عبد الكريم ضعيف لا يختلف العلماء بالحديث في ضعفه، إلا أنّ منّهم من يقبله في غير الأحكام خاصة، ولا يحتج به على كل حال، ومن أَجَلِّ من جرحه وطرحه أبو العالية وأيوب مع ورعه، ثم شعبة ويحيى القطان وأحمد وابن المديني وابن معين، وكان مؤدب كتاب، غر مالكًا منه سَمْته، ولم يكن من أهل بلده، ولم يخرج عنه في موطئه حكمًا، إنما ذكر عنه فيه ترغيبًا وفضلًا، ولقائل أن يقول: إنّ ذلك ليس كما زعم، بل روى عنه حكمًا وهو قوله: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحْيِ فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، وتعجيل الفطر، والاستيناء بالسحور، فهذه الأحاديث لا شك في أنها أحكام، والله أعلم.
ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، قال: ثنا أحمد بن محمود، ثنا عثمان بن سعيد قال: سمعت الحسن يقول: عبد الكريم بن أبي المخارق ليس بشيء.
وقال الساجي: فيه ضعف، ليس
بحجة في الأحكام، وذكره البلخي في الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان، وضعف به ابن طاهر غير حديث، وسئل عنه أبو حاتم فقال: ضعيف، وسئل أبو زرعة فقال: ليّن.
وأما ابن راهويه فإن حَرَبا لما سأله عن التخليل قال: سنة، وذكر له حديثه في معرض الاحتجاج به في تصريح حسان بسماعه له من عمار، وهو ردّ على من نفاه، وأخرجه من حديث ابن أبي عروبة لعدالة رواته وثقتهم، وذلك هو المحوج لأبي عبد الله الحاكم إلى تصحيحه، ولعمري لقد كان ذلك عذرا لو صحّ، لكن مهنأ ذكر عن أحمد، عن ابن المديني أنه قال: إنّ قتادة لم يسمع هذا الحديث إلَّا من عبد الكريم فلا عذر إذا، والله أعلم.
وفيه تصريح بسماع سفيان من سعيد. وقال البخاري في الكبير: إنّ ابن عيينة قال مرّة: عن سعيد، عن قتادة، عن حسان، ولا يصح سعيد، ومع ضعف حديث عبد الكريم فيه انقطاع أيضا فيما بينه وبين حسان.
قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور، سمعت أحمد بن حنبل قال: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان حديث التخليل، وكذا ذكره البخاري في التاريخ، فهاتان علّتان كافيتان في عدم الاحتجاج بالحديث، ولو كانت واحدة لكانت كافية.
وأمّا ما ذكره مهنأ، قلت لأحمد: حدّثوني عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار
…
الحديث - فقال أبو عبد الله: إمّا أن يكون الحميدي اختلط، وإمّا أن يكون الذي حدّث عنه خلط، قلت: كيف؟ فحدثني أحمد قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن حسان بن بلال، عن عمار. انتهى.
وفي عصْبه الجناية برأس الحميدي أو الراوي عنه - نظر؛ لما أسلفناه من عند ابن أبي عمر، وهو كاف في الردّ عليه.
وأما قول ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة، عن سعيد، يعني هذا، فقال: لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، قلت: هو صحيح؟ فقال: لو كان صحيحا لكان في
مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث، يعني سماعا، وهذا أيضا مما يوهنه، فليس كما زعم، لأنا أسلفنا من عند الحاكم تصريحه بالسماع لهذا الحديث من سعيد، فزال ما يخشى من تدليسه.
وأمّا كونه ليس في كتبه فليس بشيء أيضا، إذ العالم قد يشذ عنه عند التصنيف الكثير من روايته.
وأمّا قول الطبراني في المعجم الصغير: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلَّا سعيد، تفرد به ابن عيينة، فليس بموهن له، إذ في الصحيح الكثير من أفراد الثقات، فكيف بالحفاظ!
ورواه أبو القاسم في الكبير، عن إبراهيم بن موسى، ثنا صالح بن قطن، ثنا محمد بن عمار بن محمد بن عمّار، حدثني أبي، عن جدي، عن عمار، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل لحيته.
162 -
حدثنا محمد بن أبي خالد، ثنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق الأسدي، عن أبي وائل، عن عثمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته.
هذا حديث خرجه ابن حبان في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، أنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن نمير، ثنا إسرائيل. وقال فيه الترمذي: حسن صحيح.
وقال في العلل: قال محمد: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث، فقال: هو حسن.
ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه وابن الجارود في منتقاه، عن إسحاق بن منصور، أنا ابن مهدي، نا إسرائيل،
عن عامر عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان توضأ، فغسل كفيه ثلاثًا، ومضمض، واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، وخلّل أصابعه، وخلل لحيته، حتى غسل وجهه ثلاثًا، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كما رأيتموني فعلت.
وقال الحاكم: قد اتفق الشيخان على إخراج طرق حديث عثمان، ولم يذكرا في روايتهما تخليل اللحية ثلاثا، وهذا إسناده صحيح، قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولا أعلم فيه طعنًا بوجه من الوجوه، وله في تخليل اللحية شاهد صحيح عن عمار، وأنس، وعائشة، رضي الله عنهم.
وقال أحمد فيما ذكره عنه الخلال: ليس يثبت في التخليل حديث، وأحسن شيء فيه حديث شقيق، عن عثمان.
وأما ما اعتل به ابن حزم حيث قال: هذا حديث لا يصح؛ لأنّ إسرائيل ليس بالقوي عن عامر بن شقيق، وليس مشهورًا بقوة النقل - فليس بشيء؛ لأن إسرائيل لا يحتاج إلى تعريف حاله؛ لأنه ممّن خرج له الشيخان في صحيحيهما ووثّقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وابن سفيان، وابن حبان، وأبو داود، وابن سعد، وغيرهم.
وأما عامر فروى عنه جماعة، منهم: الثوري، وابن عيينة، ومسعر، وشريك، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات، وفي كتاب المروذي، وذكره - يعني أحمد - فلم يتكلّم فيه بشيء.
وقال النسائي: لا بأس به، وإن شهرته أكثر من هذه.
وأمّا قول ابن معين: فيه ضعف، فليس يعارض ما أسلفناه من توثيقه عند من صحح حديثه أو حسنه، ويكون ضعيفا بالنسبة إلى غيره من الثقات.
وكذا قول أبي حاتم الرازي: ليس بقوي. قال معنى ذلك أبو الحسن ابن القطان.
ولما ذكره الدارقطني في كتاب السنن من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا
ابن نمير، عن إسرائيل بلفظ: رأيت عثمان يتوضأ فغسل يديه ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ومضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا .. الحديث.
قال: قال موسى بن هارون: في هذا الحديث موضع فيه عندنا وهم؛ لأن فيه ابتدأ بغسل الوجه قبل المضمضة والاستنشاق.
وقد رواه ابن مهدي وأبو غسان على الصواب، وبنحوه ذكره في العلل لم يزد على ذلك شيئا، والله أعلم.
وأما قول البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه عن عثمان بهذا الإسناد - فيشبه أن يكون وهما؛ لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عطاء الخراساني، عن ابن المسيب: رأيت عثمانَ توضأ فخلل لحيته، ثم قال: رأيت النبي عليه السلام توضأ فخلل لحيته.
وقال: لم يروه عن عطاء إلا شعيب بن رزيق.
وقال أبو نعيم لما رواه أيضا من حديث عطاء: تفرّد به شعيب.
وفي كتاب العلل للرازي: سألت أبي عن حديث رواه بقية عن أبي سفيان الأنماري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ابن المسيب، عن عثمان
…
الحديث، فقال: هو حديث موضوع، وأبو سفيان مجهول.
163 -
حدّثنا محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، ثنا يحيى بن كثير أبو النضر صاحب البصري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين.
هذا حديث لما ذكره الدارقطني في الأفراد قال: تفرّد به محمد بن حمير، عن سلمة بن العيار، عن موسى بن أبي عائشة عنه، ولم يروه عنه غير عيسى بن المنذر الحمصي، وما أسلفناه من عند ابن ماجه يرد عليه، وعلى هذا فإسناده في غاية
الضعف، أما شيخ ابن ماجه فحاله مجهولة، وأما يحيى بن كثير فقال فيه الرازيان وابن معين: ضعيف.
زاد أبو حاتم: ذاهب الحديث جدًّا.
وقال الدارقطني: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يجوز الاحتجاج به فيما انفرد به.
وقال الفلاس: لا يتعمد الكذب ويكثر الغلط.
وقال العُقيلي: منكر الحديث لا يتابع على حديثه.
وقال الساجي: معروف في التشيع، كان ضعيف الحديث جدًّا، متروك، يحدّث عن الثقات بأحاديث بواطيل، وذكره يعقوب في باب من يُرغب عن الرواية عنهم.
وأمّا يزيد بن أبان أبو عمرو فكان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه، وكان عبد الرحمن يحدّث عنه، فيما قاله عمرو بن علي.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: يزيد لم ترك حديثه، هوى كان فيه؟ قال: لا، ولكن كان منكر الحديث.
وقال عبد الله: سمعت أبي يقول: هو فوق أبان بن أبي عياش، وكان شعبة يشبهه بأبان.
وفي رواية: قال أحمد: لا يكتب عنه شيء، كان منكر الحديث.
وفي كتاب المروذي: عن أحمد: ليس ممن يحتج به، وقال ابن معين: ضعيف، وفي رواية: هو خير من أبان، وفي رواية: لا شيء، وفي رواية: هو رجل صالح وليس حديثه بشيء.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال في التمييز: ليس بثقة.
وقال الفسوي: فيه ضعف.
وقال أبو حاتم: كان واعظا بكاء كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر صاحب عبادة وفيه ضعف.
وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به لرواية الثقات عنه، وقال ابن أبي شيبة: سألت ابن المديني عن يزيد، فقال: كان ضعيفًا. وقال الدارقطني مثله. وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله من البكائين بالليل، لكنه غفل عن حفظ الحديث شغلًا بالعبادة، حتى كان يقلب كلام الحسن، فجعله عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة التعجب.
وفي كتاب الساجي: كان رجلًا صالحًا يهم ولا يحفظ، ويحتمل حديثه لصدقه وصلاحه وفضله.
وفي كتاب العقيلي: قال شعبة: لأن أزني أحب إلي من أن أروي عن يزيد، وقد وقع لنا هذا الحديث بزيادة: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يقول بيده في ذقنه يخلل لحيته، يفعل ذلك مرتين، وربما فعله ثلاثًا أو أكثر من مرتين.
أنا بها المعمر أبو الفضل الصابوني - رحمة الله عليه - قراءة عليه وأنا أسمع، أنا جدي قراءة عليه، أنا ابن الحرستاني، أنا السلمي قراءة عليه، أنا ابن طلاب، أنا ابن جميع، ثنا زكريا بن أحمد بمصر، ثنا أبو غسان، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، ثنا الرحيل بن معاوية، عن الرقاشي، فذكره.
وقد وقع لنا أيضًا من طريق سالمة من هؤلاء الضعفاء حسّنة، بل صحيحة؛ لما عضدها من الشواهد والمتابعات، ذكرها الحاكم في الشواهد الصحيحة لحديث عثمان عن علي بن حمشاذ، نا عبيد بن عبد الواحد، ثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة، ثنا محمد بن حرب، وذكرها الذهلي في كتاب علل حديث الزهري، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله، وكان صدوقًا، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك فذكره، قال ابن القطان: وهذا الإسناد عندي صحيح، ولا يضره رواية من رواه عن ابن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس، فإنه ليس مَنْ لم يحفظ حجة على مَنْ حفظ، فالصفار قد عين شيخ الزبيدي بأنه الزهري، وحتى لو علمنا أن محمد بن حرب حدث به تارة، فقال فيه: عن الزبيدي بلغني عن أنس لم يضره ذلك، وقد يراجع فيعرف فيه أن الذي حدثه هو الزهري، فيحدث به، فيأخذه عنه الصفار وغيره، وهذا الذي أشرت إليه هو الذي اعتل به الذهلي حين ذكره، ونص كلامه هو أن قال: وثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فأدخل أصابعه تحت لحيته، قال الذهلي: المحفوظ عندنا حديث يزيد، وحديث الصفار واهٍ عندنا، هذا نص كلامه، فانظر فيه، ويزيد بن عبد ربه ثقة، فاعلمه، ورواه ابن قيراط في مسند أنس بن مالك: عن سليمان بن سلمة عن ابن حرب كذلك، ولفظه: فأدخل أصابعه من تحت لحيته، فخللها، وقال: هكذا أمرني ربي تعالى. وفي كتاب
حرب، ثنا أبو عبيدة شاذ بن فياض، ثنا هاشم بن سعيد عن محمد بن زياد عن أنس به، ورواه عن أنس أيضًا غير واحد، منهم: الوليد بن زوران، أنا بحديثه الإمام المسند المعمر يوسف بن عمر رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا الحافظ المنذري قراءة عليه وأنا أسمع أنا المسند المعمر أبو حفص عمر بن محمد وأنبأنا به عاليًا ابن البخاري، عن ابن طبرزد، قال: أنبأنا الشيخان إبراهيم الكرخي ومفلح الدومي، أنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، أنا سليمان بن الأشعث قال: ثنا أبو توبة، يعني الربيع بن نافع، ثنا أبو المليح، عن الوليد بن زوران، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي، قال أبو داود: الوليد بن زوران، روى عنه حجاج بن حجاج، وأبو المليح الرقي، زاد الإمام أحمد: وجعفر بن برقان، وفي تاريخ الرقة: وهو مَنْ بني سليم، ومع ذلك فهو مجهول الحال، ولا يعرف بغير هذا الحديث، قال ذلك ابن القطان، وهي طريقة له معلومة في طلب زيادة التعديل، مع رواية جماعة عن الراوي، وليس هو بأبي عذرة هذا القول لِسَبْق ابن حزم بذلك.
ولما سئل ابن المبارك عن التخليل في تاريخه قال: قد جاء: كذا أمرني ربي، قال: ولم نجد ذاك القوة، وقال: قد جاء حديث آخر تحريك ما مر عليها من الماء، قال: وهذا أيضًا ليس له قوة، ومنهم: ثابت البناني روى حديثه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا عمر أبو حفص العبدي.
ورواه ابن حبان في الثقات، ولما ذكره ابن طاهر ضعفه بعمر، ومنهم
حميد الطويل، قال في الأوسط: لم يروه عن حميد إلا إسماعيل بن جعفر، تفرد به إسحاق بن عبد الله التميمي، ومنهم موسى بن أبي عائشة، رواه مروان الطاطري عن أبي إسحاق الفزاري عنه، وعُلِّل برواية أحمد بن يونس عن حسن بن صالح عن موسى عن رجل عن يزيد الرقاشي عن أنس، قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: قال أبي: هذا الصحيح، وكنا نظن أن ذلك غريب، ثم تبين لنا علته، ترك من الإسناد رجلين، وجعل موسى عن أنس، وفي موضع آخر: الخطأ من مروان، موسى بن أبي عائشة يحدث عن رجل عن الرقاشي عن أنس، ورواه الطبراني من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد عن الرحيل بن معاوية عن يزيد، وقال: لم يرو هذا عن الرحيل إلا شجاع بن الوليد، ورواه الخطيب في كتاب المتفق والمفترق من حديث وكيع عن الهيثم بن أبي الهيثم عن يزيد، ورواه البغوي عن الهيثم بن حماد عن يزيد.
ومنهم أبو خالد، ذكر حديثه الحافظ أبو بكر البيهقي، ومنهم محمد بن زياد، روى حديثه ابن عدي من حديث هاشم بن سعيد عنه، وقال: هاشم له من الحديث غير ما ذكرت، ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه، ومنهم بشير بن يحيى الكوسج أبو نصر النيسابوري، ذكر حديثه الحاكم في تاريخ نيسابور، ومنهم الحسن بن أبي الحسن، روى الدارقطني من حديث أيوب بن عبد الله عنه، ومنهم مطر الوراق رواه الطبراني من حديث عتاب بن محمد بن شوذب عن عيسى الأزرق عن مطر، وقال:
لا يُروى عن مطر إلا بهذا الإسناد، ومنهم معاوية بن قرة، وسلام الطويل، ذكرهما ابن عدي، ومنهم عمرو بن وهب، ذكره ابن حزم.
164 -
حدثنا هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي، ثنا عبد الواحد بن قيس، حدثني نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها.
هذا حديث رجال إسناده لا بأس بهم، وذكر الخلال عن أحمد أنه أصح شيء في التخليل، وقال فيه الدارقطني: الصواب موقوف أن ابن عمر كان إذا توضأ، وبنحوه قاله البيهقي.
وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال أبي: روى هذا الحديث الوليد عن الأوزاعي عن عبد الواحد، عن يزيد الرقاشي، وقتادة قالا: كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه، وخالف ذلك أبو أحمد بن عدي، فصوب رفعه، وأظن أن ذاك بسبب متابعة عبد الحميد المذكورة عند أبي القاسم في الأوسط، حين رواه عن أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة، عن مؤمل بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ خلل لحيته وأصابع رجليه، وزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وقال: لم يرو هذا الحديث عن ابن عمر إلا مؤمل.
ولما قال عبد الحق: الصحيح أنه فعل ابن عمر، غير مرفوع إلى النبي، عليه السلام قال ابن القطان: قد يظن أن تعليله إياه إنما هو ما ذكر من وقفه ورفعه، وليس ذلك بصحيح، فإنه إنما كان يصح أن يكون هذا علة لو كان رافعه ضعيفًا، وواقفه ثقة، ففي مثل هذه الحال كان يصدق قوله: الصحيح موقوف من فعل ابن عمر.
أما إذا كان رافعه ثقة فهذا لا يضره، ولا هو علة فيه، وهذا حال هذا الحديث، فإن رافعه عن الأوزاعي ابن أبي العشرين، وواقفه عنه هو أبو المغيرة، وكلاهما ثقة، والقضاء للوقف على الرفع يكون خطأ، قال: وبعد هذا فعلة الخبر هي، والموقوف الذي صحح لا بد فيه من عبد الواحد المذكور، فليس إذًا بصحيح، والدارقطني لم يقل في الموقوف: صحيح، ولا أصح، إنما قال في رواية أبي المغيرة وقفه هو الصواب. انتهى كلامه.
وفي حصره أن الرافع يكون ضعيفًا، والواقف ثقة - نظر، فقد يأخذون ذلك من كثرة الواقفين، أو تقديم مرتبة الواقف على الرافع، ولعل هذا منه عند مَنْ قال ذلك، فإن أبا المغيرة عبد القدوس احتج به الشيخان، وابن أبي العشرين ليس مثله، ولعل أبا الحسن أراد: إنما يصح ذلك في النظر الصحيح عنده، والله أعلم.
.
165 -
حدثنا إسماعيل بن عبد الله البرقي، ثنا محمد بن ربيعة الكلابي، ثنا واصل بن السائب الرقاشي، عن أبي سورة، عن أبي أيوب الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فخلل لحيته.
هذا حديث قال الترمذي في كتاب العلل: سألت محمدًا عنه؟ فقال: هذا لا شيء، فقلت: أبو سَوْرة ما اسمه؟ فقال: لا أدري ما يصنع به؟ عنده مناكير، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب، ولما ذكره ابن حزم قال: فيه واصل، وهو ضعيف، وأبو أيوب هذا ليس هو بأبي أيوب الأنصاري، قاله ابن معين. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه: الأول: تضعيفه واصلًا، وذلك أمر لا يضر أحيانًا لو كان صحيحًا؛ لأنها كلمة مقولة في جماعة من الأئمة، ولا ضرر فيها عليهم إلا بضميمة أخرى، وهذا الرجل لا يحسن فيه هذا القول وحده، إلا بما يضم إليه، لأنه مما قال فيه البخاري، وأبو حاتم الرازي: منكر الحديث، وقال أبو عبد الرحمن النسائي، والأزدي: متروك الحديث، وقال أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو زرعة، والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات، وقال أبو داود عن ابن معين: ليس بشيء، ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ذكر من حديثه هذا الحديث، ثم قال: والرواية في التخليل فيها لين، وفيها ما هو أصلح من هذا الإسناد، وقال الساجي: منكر الحديث، وبنحوه قاله يعقوب، وابن طاهر، فمن كان بهذه المثابة لا يحسن فيه قول ضعيف فقط.
الثاني: قوله: إن أبا أيوب هذا ليس بأبي أيوب الأنصاري، وحديث الباب كافٍ في الرد عليه، وكذا ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستغناء، وأبو حاتم البستي حين ذكر أبا سورة في كتاب الثقات، وأبو حاتم الحنظلي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو بكر البزار، وغيرهم من المتأخرين.
الثالث: سكوته عن حال أبي سورة، ولا ينبغي ذلك له؛ لأنه ممن قال فيه البخاري ما أسلفناه، وقال أبو عيسى: يضعف في الحديث، ضعفه ابن معين جدًّا، وسمعت محمدًا يقول: أبو سورة منكر الحديث، يروي عن أبي أيوب مناكير، لا
يتابع عليها، وقال أبو الحسن الدارقطني: مجهول، وقال الساجي: أبو سورة يحدث عن أبي أيوب منكر الحديث، روى واصل بن السائب عنه أحاديث عن أبي أيوب مناكير يطول ذكرها.
الرابع: انقطاع ما بينه وبين أبي أيوب المشار إليه أولًا، فهذه علل ثلاث قوادح، لو كان في الحديث منهن واحدة لكان مردودًا، لا ما أبرزه هو من العلتين اللتين ذكرهما، والله أعلم.
ولفظ البغوي في معجمه: إذا توضأ تمضمض، ومسح لحيته من تحتها بالماء، وقد روى التخليل جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: وائل بن حجر، ذكر حديثه أبو عبد الرحمن في كتاب الكنى فقال: ثنا أحمد بن يوسف، ثنا محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل أبو جعفر، وحدثه عن سعيد بن عبد الجبار عن أبيه عن أمه عن وائل قال: خلل النبي صلى الله عليه وسلم لحيته، ومسح باطن أذنيه، ثم قال: رواه أحمد عنه، ومنهم: عائشة، ذكر حديثها أبو عبد الله الحاكم في مستدركه في باب الشواهد الصحاح من حديث شاذ بن فياض، ثنا عمر بن أبي وهب، عن موسى بن ثروان، عن طلحة بن كريز عنها، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: عمر بن أبي وهب كيف هو؟ قال: ما أعلم به بأسًا، وروى حديثه هذا في مسنده، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات في باب من اسمه عمر، وسمى أباه ثورًا، قال: وهو الذي أعتق سلام بن أبي مطيع، روى عنه ابن المبارك وعبد الصمد بن عبد الوارث.
وموسى بن ثروان اضطرب فيه، فشعبة يقول: ابن ثروان، ووكيع يقول: سروان، وأبو الحسن يقول: وردان، وأخطأ في ذلك، وقال غيره: مروان، وقال غيره: موسى النجدي، وهو ثقة، وثقه ابن معين، وخرج مسلم حديثه في صحيحه متابعة، وفي سؤالات حرب: ثنا شاذ بن فياض، ثنا عمر بن أبي وهب عن موسى النجدي به، ولما ذكر ابن حزم حديث عائشة هذا رده بقوله: فيه رجل مجهول، لا يعرف من هو؟ شعبة يسميه عَمْرًا، وأمية بن خالد يسميه عمر. انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه قبل. ومنهم: علي بن أبي طالب رواه ابن مردويه في انتقائه على كتاب الطبراني عن يحيى بن عثمان، ثنا زكريا بن عبد الخالق الواسطي، ثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن أبي البختري الطائي عنه.
وفي كتاب المراسيل لأبي حاتم، ثنا الهسنجاني، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا حجاج، يعني ابن محمد، نا شعبة قال: كان أبو إسحاق أكثر عن أبي البختري، ولم يدرك أبو البختري عليًّا، ولم يره، سمعت أبي يقول: أبو البختري لم يدرك عليًّا، ومنهم جابر بن عبد الله، رواه الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث أصرم بن غياث، ثنا مقاتل، عن الحسن عنه، ولفظه: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين، فرأيته يخلل لحيته، قال جابر: فنظرت إلى أصابعه من تحت لحيته،، وبقي علة غير انقطاع ما بين مقاتل والحسن المذكور قبل، وهي انقطاع ما بين الحسن وجابر بن عبد الله، نص على ذلك ابن المديني، وأبو زرعة، وبهز، وأبو حاتم، والبزار، وأبو داود، ومنهم أبو أمامة، ذكر حديثه أبو القاسم في الكبير من حديث أبي غالب حزوَّر عنه عن عمر بن سليم الباهلي، وحاله مختلف فيها: فأبو الحسن يوثقه، وابن معين يقول: صالح الحديث، وأبو زرعة يقول: صدوق، وغيرهم يضعفه، ومنهم: ابن عباس، ذكر حديثه أبو القاسم في الأوسط من حديث شيبان بن فرُّوخ، ثنا نافع أبو هرمز عن عطاء عنه، وقال: لم يرو هذه اللفظة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية في الوضوء إلا نافع أبو هرمز، تفرد به شيبان، قال العقيلي: لا يتابع نافع عليه بهذا الإسناد لما رواه عنه عن ابن سيرين عن ابن عباس، ومنهم أم سلمة ذكره ابن حزم، ورده بخالد بن إياس العدوي من ولد أبي الجهم بن حذيفة، وهو ساقط، منكر الحديث، وليس هو خالد بن إياس الذي يروي عنه شعبة، ذاك بصري ثقة، ومنهم ابن أبي أوفى، وقد تقدم حديثه في باب الوضوء ثلاثًا، ومنهم أبو الدرداء، وأشار إليه ابن حزم، وقال: حديث الحسن، وعمرو بن الحارث مرسلان، فأسقط بزعمه كل حديث رُوي في التخليل، وكذا قال أبو عمر: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته في وضوئه من وجوه كثيرة، كلها ضعيفة، وبنحوه قاله العقيلي، وقال أبو حاتم الرازي: لا يثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث، خرجه أبو إسحاق بن عبيد في مسنده عن أبي زرعة، ثنا هشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، قالا: ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا تمام بن نجيح الأسدي عن الحسن عنه قال: توضأ النبي عليه السلام فخلل لحيته بفضل وجهه.
قال أبو محمد: ولا معنى لذلك في الغسل والوضوء، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وداود، وذهب إلى إيجابه قوم، منهم: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعطاء، وابن جريج، وابن سابط، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وروينا عن غير هؤلاء فعل التخليل دون أن يأمروا به، منهم: عثمان، وعمار، وابن أبي أوفى، وأبو الدرداء، وعلي، وإليه كان يذهب أحمد بن حنبل، وهو قول أبي البختري، وابن سيرين، وأبي ميسرة، والحسن، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وعبد الرزاق، وقال ابن المنذر: قال إسحاق، وأبو ثور: إذا ترك التخليل عامدًا أعاد، وممن روينا عنه أنه كان يخلل لحيته: ابن عباس، والحسن بن علي، وأنس، وممن روينا عنه أنه رخص في ترك ذلك: ابن عمر، والحسين بن علي، وطاوس، والنخعي، وأبو العالية، والشعبي، ومحمد بن علي، ومجاهد، والقاسم.
وقال سعيد بن عبد العزيز، والأوزاعي: ليس عرك العارضين وتشبيك اللحية بواجب. وقال أبو بكر: غسل ما تحت اللحية غير واجب، إذ لا حجة تدل على وجوب ذلك. وقال الخطابي: يشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحي على سبيل الوجوب ما رقّ من الشعر منها، فيُرى ما تحتها من البشرة، والله أعلم.
وفي تاريخ ابن المبارك: وفي الحديث أنه قال: تحريك ما مر عليها من الماء، وقال: ليس له قوة، والله أعلم.
باب ما جاء في مسح الرأس
166 -
حدثنا الربيع بن سليمان، وحرملة بن يحيى قالا: ثنا محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد، وهو جد عمرو بن يحيى: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض، واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما، وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
هذا حديث خرجه الجماعة في كتبهم، وقال ابن منده بعد ما أخرجه من حديث مالك: وهذا إسناد مجمع على صحته، رواه جماعة عن عمرو، ولم يذكر واحد منهم في صفة مسح الرأس أنه مسح جميع الرأس إلا مالك بن أنس. انتهى كلامه.
وفيه نظر لما ذكره ابن وهب في مسنده، ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم، ومالك عن عمرو، وفيه: أنه أخذ بيديه ماء، فبدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بيديه إلى مؤخر الرأس، ثم ردهما إلى مقدمه، وهذا يقتضي متابعة يحيى بن عبد الله لمالك في هذه الصفة، وهو ممن أخرج مسلم حديثه في صحيحه، ولما ذكره ابن خزيمة في صحيحه، ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا ابن عيينة عن عمرو بن يحيى، وفيه: ثم مسح برأسه، وبدأ بالمقدم. وفي رواية خالد عنه عند أبي داود نحوه.
وفي سنن النسائي عن ابن زيد: ومسح برأسه مرتين، وفي صحيح ابن حبان عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى: ومسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر.
قال ابن عبد البر: وهم ابن عيينة فيه في موضعين:
الأول: قوله: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهو خطأ، إنما هو عبد الله بن زيد بن عاصم، وأما ابن عبد ربه فهو الذي أري الأذان، وليس هو الذي يروي عنه يحيى بن عمارة هذا الحديث، وعبد الله بن زيد بن عاصم هو عم عباد بن تميم، وهو أكثر رواية من ابن عبد ربه، وقد كان أحمد بن زهير يزعم أن إسماعيل بن إسحاق وهم فيهما، فجعلهما واحدًا، والغلط لا يسلم منه أحد.
الثاني: ذكر المسح على الرأس مرتين، وأظنه والله أعلم تأول الحديث: فمسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر، وما ذكرناه عن ابن عيينة فمن رواية مسدد، ومحمد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأما الحميدي فإنه ميَّز ذلك، فلم يذكره، أو حفظ عن ابن عيينة أنه رجع عنه، قال: وليس هذا الحديث في نسخة القعنبي، فإما أسقطه، وإما سقط. انتهى.
وفي ذلك نظر من حيث كونه موجودًا عنده، نص على ذلك أبو الحسن الدارقطني في كتاب أحاديث الموطأ، وأما قوله: إن سفيان تفرد بقوله: ابن عبد ربه، فليس كذلك، لما ذكر أبو قرة السكسكي في مسنده: ذكر ابن جريج أخبرت عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه أنه قال لعبد الله بن زيد، فذكر الحديث، وفي آخره: وعبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي أري الأذان بالصلاة.
وفي كتاب الصحابة لأبي موسى المديني عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن عمه عمرو بن أبي حسن قال: رأيت النبي عليه السلام توضأ، فمضمض،
واستنشق واحدة.
167 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطاء، عن عثمان بن عفان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح رأسه مرة.
هذا حديث في إسناده علتان: ضعف، وانقطاع.
. الثانية: انقطاع ما بين عطاء وعثمان. ذكر ذلك ابن أبي حاتم في علله عن أبي زرعة حين سأله عن هذا الحديث، قال: وكذا رواه حماد بن زيد، وابن سلمة، وهشيم، وابن أبي زائدة، ويزيد بن أبي حبيب، والليث، وابن لهيعة، ورواه ابن جريج عن عطاء أنه بلغه عن عثمان، مرسل، وهو الصحيح عندنا، انتهى.
وبنحوه ذكره في المراسيل، وخالفه الليث، فرواه عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن عطاء، فقال: ومسح برأسه ثلاثًا حتى قفاه وأذنيه، وحديث حجاج معناه مخرج في الصحيح من حديث حمران، ويخدش فيما قاله رواية مسلم عنه: توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وكذا رواه الشافعي من جهة حمران، قال البيهقي: على هذا اعتمد الشافعي في تكرار المسح، وفي كتابه عنه: ومسح رأسه ثلاثًا، رواه من جهة عامر بن شقيق، وقد تقدم ذكر مَنْ صححه في كتاب أبي الحسن من جهة أبي حنيفة، وتفرد به عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي مرفوعًا ذكر الثلاث، قال: وغالب الروايات عن علي أنه مسح مرة واحدة، وفي مسند البزار من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية: رأيت عليًّا،
فذكره، وفي كتاب أبي بكر البيهقي من حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عنه مثله، وفي مسند عثمان للقاضي أحمد، ثنا بندار، ثنا صفوان بن عيسى، ثنا محمد بن عبد الله بن أبي مريم المدني عن ابن دارة قال: شهدت عثمان توضأ بالمقاعد
…
فذكر الحديث، وفيه: ثم مسح برأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مثل هذا.
وخرج أبو الحسن من حديث زيد بن حباب عن عمر بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي، حدثني جدي أن عثمان خرج في نفر من أصحابه حتى جلس على المقاعد، فدعا بوضوء، فغسل يديه ثلاثًا، وتمضمض، ومسح برأسه مرة واحدة، وغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، كنت على وضوءٍ، ولكن أحببت أن أريكم كيف توضأ النبي عليه السلام، ولهذا قال أبو داود حين ذكر حديث عبد الرحمن بن وردان: ومسح رأسه ثلاثًا، وأحاديث عثمان الصحاح تدل على مسح الرأس مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: ومسح رأسه، لم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره.
وقال ابن سلام في كتاب الطهور: فهذه الأحاديث كلها تشهد أن مسح الرأس لم يكن إلا مرة واحدة، وكذلك وجدنا كثيرًا من الآثار بعد النبي عليه السلام، ولا نعلم أحدًا من السلف جاء عنه ذكر الثلاث إلا ما كان من إبراهيم التيمي. انتهى كلامه.
وفيه نظر، لما ذكره أبو عمر عن أنس، وابن جبير، وعطاء، زاد ابن المنذر: وزاذان، وميسرة.
168 -
حدثنا هناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية،
عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة.
هذا حديث صححه أبو محمد الفارسي باحتجاجه به، وخرَّجه أبو داود في سننه بغير إنكار له عن عمرو بن عون، أنا أبو الأحوص، ولفظه: رأيت عليًا توضأ فذكر وضوءه كله ثلاثًا ثلاثًا، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريكم طهور النبي عليه السلام.
قال ابن العبد: قال غير أبي داود: أخطأ فيه محمد بن القاسم الأسدي، فقال: عن الثوري عن أبي إسحاق عن حية، وإنما هو أبو حية، وتقدم من حديث عبد خير عن علي قبل بما فيه كفاية.
وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم تصحيح حديث أبي الأحوص عن أبي حية على حديث أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وكذا الدارقطني بقوله: ورُوي عن أبي إسحاق عن حية عن علي، وهو وهم، وعن أبي إسحاق، عن عبد خير، وحية، وعن أبي إسحاق، عن أبي حية، وعبد خير، وعن أبي إسحاق عن أبي حية، وعمرو، ورُوي عن أبي إسحاق عن أبي يحيى، وهو وهم، إنما أراد أبا حية، وعن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب، وعن أبي إسحاق وهذا هو والله أعلم الملجئ لابن السكن إلى تصحيحه، واعتمد ذلك أبو محمد الإشبيلي بسكوته عنه مصححًا له.
وقال الترمذي: هو أحسن شيء في الباب، وذكره الشيخ ضياء الدين في صحيحه، وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن، وأما أبو حية فذكره أبو عمر بن عبد البر في قسم الذين لا تعرف أسماؤهم، وكذا الحاكم، وابن سعد، ومسلم في الوحدان، وابن أبي حاتم، وخالف ذلك أبو حاتم البستي، فإنه لما ذكره في الثقات سماه: عمرو بن عبد الله، وقال الأمير أبو نصر بن ماكولا: مختلف في اسمه، فيقال: عمرو بن نصر، ويقال: عامر بن الحارث، والله أعلم
169 -
حدثنا محمد بن الحارث المصري، ثنا يحيى بن راشد البصري، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح رأسه مرةً.
هذا حديث ضعيف الإسناد برواية يحيى بن راشد، الذي قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: شيخ، لين الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، في حديثه إنكار، وأرجو ألا يكون ممن يكذب. وقال النسائي: ضعيف. وقال الدارقطني: يعتبر به، صويلح، ويشبه أن يكون ابن حبان ذكره في الثقات، ولا أحقق ذلك لعدم تميزه، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، ورُوي نحوه عن
رجل من الصحابة، ذكر حديثه ابن السكن، وحديث ابن أبي أوفى تقدم، وحديث المقدام عند أبي داود، وكذا حديث جد طلحة، والله أعلم.
وحديث البراء بن عازب مرفوعًا: مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة، ودور، يعني: دور إبهاميه وراء أذنيه، وحديث معاذ: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه فقط إلا مرة واحدة، وحديث عون بن أبي جحيفة مرفوعًا: ومسح رأسه مرة، ذكرها الدبوسي في الأسرار، وحديث عبادة بن الصامت المذكور في تفسير الكلبي مرفوعًا فيه: ومسح رأسه مرة، وحديث أبي أمامة مرفوعًا: مسح رأسه مرة، ذكره الدارقطني في الأصول من فوائده، ورواه ابن معروف من حديث شهر.
170 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه مرتين.
هذا حديث سبق الكلام عليه، قال أبو عمر: وهو مختلف في ألفاظه.
وفي كتاب أبي القاسم الأوسط: ومسح برأسه، يعني مرة، وقال: لم يروه عن الحسن بن عياش عنها إلا عبد الرحمن بن يونس، تفرد به العباس بن محمد بن حاتم، وفيه أيضًا: مسح رأسه بفضل ماءٍ كان في يده، فبدأ بمؤخر رأسه، ثم جره إلى قفاه، ثم جره إلى مؤخره، وقال: لم يروه عن سفيان، يعني الثوري، عن ابن عقيل، إلا عبد الله بن داود الخريبي، وفي حديث أبي داود عنها: فمسح الرأس كله من
فرق الشعر كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته.
وفي كتاب الطحاوي عنها: فمسح رأسه على مجاري الشعر، ومسح صدغيه وأذنيه، وقد ذكر في كيفية مسح الرأس غير ما تقدم، ففي حديث أبي هريرة المذكور عند ابن قانع من حديث إسماعيل بن مسلم عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عنه يرفعه: إذا مسح رأسه وضع يده على النصف من رأسه، ثم جرهما إلى مقدم رأسه، ثم أعادهما إلى ذلك المكان الذي بدأ منه، وجرهما إلى صدغيه، وفي حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم مرفوعًا: فمسح ناصيته، وعلى العمامة، وفي كتاب أبي داود حديث أنس بن مالك مرفوعًا: فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة. ضعفه ابن القطان، وابن السكن، وصححه الإشبيلي، وفي حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده في كتاب أبي داود: ومسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال، وهو أول القفا، وفي رواية: مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره، حتى أخرج يديه من تحت أذنيه، وفي كتاب ابن الجارود: ومسح رأسه حتى بلغ القذال، وفي كتاب ابن السكن: فمسح باطن لحيته وقفاه، وفي كتاب تاريخ أصبهان لأبي نعيم من حديث ابن عمر: أنه كان إذا توضأ مسح عنقه، وقال: قال عليه السلام: مَنْ توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة، رواه عن محمد بن أحمد بن محمد، نا عبد الرحمن بن داود، ثنا عثمان بن خرزاذ، ثنا عمرو بن
محمد بن الحسن المكتب، ثنا محمد بن عمرو بن عبيد الأنصاري، عن أنس بن سيرين عنه به، حتى أتى على سالفيه يصف ذلك بيده.
وفي حديث معاوية بن أبي سفيان المذكور عند أبي داود من جهة المغيرة بن فروة، ويزيد بن أبي مالك عنه مرفوعًا: فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء، فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء، أو كاد يقطر.
وفي الأوسط للطبراني من جهة الضحاك بن مزاحم، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال عليه السلام: من نسي مسح الرأس، فذكر وهو يصلي، فوجد في لحيته بللًا، فليأخذ منه، ويمسح رأسه، فإن ذلك يجزئه، فإن لم يجد بللًا، فليعد الوضوء والصلاة، قال: لم يروه عن الضحاك إلا نهشل بن سعيد، تفرد به عن عامر بن إبراهيم.
وفي حديث عائشة من عند النسائي مرفوعًا: وضعت يدها في مقدم رأسها، ثم مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم مدت بيدها بأذنيها، ثم مدت على الخدين، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه، وحديث واسع بن حبان عند جميعها.
قال أبو عمر: أجمعوا على أن مَنْ مسح برأسه فقد أحسن، وفعل أكمل ما يلزمه، وكلهم يقول بمسح الرأس مسحة واحدة موعبة كاملة، لا يزيد عليها إلا الشافعي، فإنه قال: أكمل الوضوء أن يتوضأ ثلاثًا كلها سابغة، ويمسح برأسه ثلاثًا، ورُوي ذلك عن أنس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وغيرهم، وكان ابن سيرين يقول: يمسح برأسه مرتين، وكان مالك يقول في مسح الرأس: يبدأ بمقدم رأسه، ثم يذهب بيده إلى مؤخره، ثم يردهما إلى مقدمه، على حديث عبد الله بن زيد، وبه
يقول الشافعي وأحمد.
وكان الحسن بن حي يقول: يبدأ بمؤخر رأسه، ورُوي عن ابن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه، ولا يصح، فأما قول الحسن فموجود في حديث الربيع الدائر على ابن عقيل.
وأصح حديث في هذا الباب حديث ابن زيد، واختلف الفقهاء في مسح بعض الرأس، فقال مالك: الفرض مسح جميعه، وإن ترك شيئًا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه، وهو قول ابن علية.
قال ابن علية: قد أمر الله أن يمسح الرأس في الوضوء، كما أمر أن يمسح الوجه في التيمم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا على أن الوجه يمسح كله، ولم يقل أحد: إن مسح بعضه سنة، وبعضه فريضة، فلما أجمعوا على أن ليس مسح بعضه سنة كان مسح كله فريضة.
واحتج إسماعيل وغيره من المالكية بقول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الطواف ببعضه، فكذا مسح الرأس.
وقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ، معناه امسحوا رءوسكم، ومَنْ مسح بعض رأسه فلم يمسح رأسه، ومن الحجة أيضًا لهم أن الفرائض لا تؤدى إلا بيقين، واليقين ما أجمعوا عليه من مسح جميع الرأس، هذا هو المشهور من مذهب مالك، ولكن أصحابه اختلفوا في ذلك، فقال أشهب: يجوز مسح بعض الرأس، وقال غيره: الثلث فصاعدًا، وأما الشافعي فقال: الفرض مسح بعض الرأس، ولم يحد، وهو قول الطبري، وقد رُوي عنهما: إنْ مسح ثلث الرأس فصاعدًا أجزأه.
قال الشافعي: احتمل قول الله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} بعض الرأس، ومسح جميعه، فدلت السنة أن مَسح بعضه يجزئ. وقال في موضع: فإن قيل: فقد قال الله تعالى في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} ، أيجزئ بعض الوجه في التيمم؟ قيل له: مسح التيمم في الوجه بدلّ عن عموم غسله، ولا بُدّ أن يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل منه، ومسح الرأس أصل، فهذا فرق ما بينهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن مسح المتوضئ ربع رأسه أجزأه، ويبدأ بمقدم رأسه إلى مؤخره، قال
الدبوسي: وإن كرر إقبالًا وإدبارًا لم يكن به بأس، وأخذ الماء لكلِّ مرّة بدعة.
واختلف أصحاب داود، فقال بعضهم كقول مالك، وقال بعضهم: المسح ليس شأنه في اللسان: الاستيعاب، والبعض يجزئ.
وقال الثوري والأوزاعي والليث: يجزئ مسح بعض الرأس ويمسح المقدم، وهو قول أحمد.
وقال أبو حنيفة: إن مسح رأسه أو بعضه بثلاثة أصابع فما زاد أجزأه، وإن مسح بأقل من ذلك لم يجزئه، والمرأة عند جميع العلماء في مسح رأسها كالرجل سواء، واتفق مالك والشّافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: أنّ الرأس لا يجزئ مسحه إلا بماء جديد، ومن مسح رأسه بما فضل من البلل في يديه من غسل ذراعيه لم يجزئه.
وقال الأوزاعي وجماعة: يجزئ. انتهى كلامه.
وفي تضعيفه الرواية عن ابن عمر إذا بدأ بوسط رأسه - نظر؛ لما ذكره ابن حزم محتجا به، ولا يحتج بضعيف، وروينا عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يدخل يده في الوضوء، فيمسح به مسحة واحدة، اليافوخ فقط.
ورويناه أيضا من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه، قال: ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف لما رويناه عن ابن عمر في ذلك، والله أعلم.
وفي حديث أبي هريرة المذكور عند ابن قانع تقوية له.
باب ما جاء في مسح الأُذُنين
171 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه، فمسح ظاهرهما وباطنهما.
هذا حديث خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن عبد الله بن سعيد الأشج، عن ابن إدريس، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، وغرف غرفة، فمضمض واستنشق، ثم غَرف غرفة فغسل وجهه ثم غَرف غَرفة فغسل يده اليمنى وغرف غرفة فغسل يده اليسرى وغرف غَرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما وأدخل إصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى وغَرف غَرفة فغسل رجله اليسرى.
وخرجه ابن منده أيضًا وابن حبان عن أبي يعلى، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن إدريس مطولًا.
ولما خرجه الترمذي قال: حديث حسن صحيح، وصححه الطبري بسنده في تهذيب الآثار.
172 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل إصبعيه في جحري أذنيه.
هذا حديث تقدّم الكلام على سنده، وأن ابن القطان رجحه على حديث المقدام، وسكت عنه أبو محمد حين إيراده، وذكره بحشل في تاريخه من
حديث ليث بن أبي سليم، عن النعمان بن سالم عنها، ولفظها: فغسل أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وعظومهما مع الوجه.
173 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد، ثنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام بن معديكرب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح برأسه وأذنيه، ظاهرهما وباطنهما.
هذا حديث لما ذكره أبو محمد الإشبيلي من عند أبي داود سكت عنه،، فإنها على قسمين: إما بإسقاط الثقات، وإما بإسقاط الضعفاء، كما أن التدليس أيضًا إمّا بإسقاط الثقات وإما بإسقاط الضعفاء، فما كان من التدليس والتسوية بإسقاط الضعفاء ينقسم قسمين:
قسم هو إسقاط ضعفاء عنده وعند غيره، فهذا إذا فعله يكون به مجرَّحًا، وقسم هو إسقاط قوم ضعفاء عند غيره، ثقات عنده، وهذا لا يكون به مجرحًا، ومن هذا القبيل هو قول الدارقطني المحكي عن الوليد، أعني: أن يكون يُسقط من بين
الأوزاعي وبين أشياخه الثقات قومًا روى عنهم الأوزاعي، وهم عند الوليد ثقات، وكان غيره يضعفهم، فلا يكون بعلمه المذكور مضعفا. والله أعلم. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه:
الأوّل: قوله: الوليد لم يقل في هذا الحديث: ثنا، ولا ذكر عن حريز أنّه قال ذلك، وهو ذهول شديد عن الكتاب الذي نقل منه، أعني كتاب السنن، فإنّ لفظه: ثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي، عن الوليد، عن حريز، عن عبد الرحمن، عن المقدام، ثم قال: قال محمود: أخبرني حريز، ثم رواه بعدّ عن محمود، وهشام بن خالد، قالا: ثنا الوليد بهذا الإِسناد، قال: ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، زاد هشام: وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه، فأحال أبو داود على الإسناد الأول.
وقد صَرح محمود فيه بقول الوليد: أخبرني حريز، وروى أبو المغيَرة، عن حريز قال: حدّثني عبد الرحمن بن ميسرة قال: سمعت المقدام .. فذكره، وفيه: ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
فعلى هذا الحديث إسناده واحد، اختلف في بعض ألفاظه، وفي اختصاره وإكماله، فإذا كان واحدا فبرواية محمود عن الوليد يزول التدليس، وبرواية أبي المغيرة عن حريز تزول التسوية، وكذلك رواه أبو جعفر الطحاوي، عن محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا حريز بن عثمان، وكذا أسلفناه من عند ابن ماجه.
الثاني: عيبه الوليد بالتدليس والتسوية، وهو كما قال، ولكن وقع لنا من غير روايته، ذكرها بعد هذا الحديث أبو داود أيضا: من حديث الإمام أحمد بن حنبل، ثنا أبو المغيرة، ثنا حريز، قال: حدّثني عبد الرحمن، سمعتَ المقدام .. فذكره بلفظ: فمسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
تابع الوليد على روايته، فكأنّ روايته لم تكن، فإن اعترض معترض بأنّ حديث الوليد فيه ذكر الصماخ، وهذا لا ذكر له فيه، فالجواب ما أسلفناه من أنّه حديث واحد، اختلف في اختصاره وإكماله، وأنه روي بالمعنى، فإدخال أصبعه لمسح باطن الأذنين هو معنى قوله: وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه.
ويوضح ذلك قول الطبراني في الكبير إثر حديث أبي المغيرة، ثنا هاشم بن مرثد، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد، عن حريز، عن ابن مَيسرة، عن المقدام مثله، ويؤيده حديث الربيع: وأدخل إصبعيه في جحري أذنيه.
.
.
الخامس: سكوته عن علة إن صحت كانت قادحة، بخلاف ما ذكره من العلل، ذكرها العسكري أبو أحمد، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي أن المقدام بن معديكرب وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأقام بالمدينة أربعين يوما ثم هلك، فعلى هذا يكون حديث عبد الرحمن بن ميسرة عنه منقطعًا؛ لأنه ليس صحابيًا، وإنما وفدت الوفود سنة تسع، والله أعلم.
ولما ذكر أبو عيسى حديث ابن عباس قال: وفي الباب عن الربيع، وأغفل حديث الباب وحديثًا ذكره ابن وهب في مسنده، فقال: ثنا أسامة بن زيد الليثي، عن عطاء بن أبي رباح: أنّ عثمان مسح على باطن أذنيه وظاهرهما، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
وذكره أيضًا القاضي أحمد بن علي في مسنده، وهو قطعة من حديث تقدم الكلام عليه قبل من هذه الطريق المنقطعة، ومن حديث عامر بن شقيق، عن أبي وائل عنه، وحديثًا عند أبي عوانة من جهة عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنّ رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف الطهور؟ فدعى النبي - عليه السلام - بماء فتوضأ فأدخل أصبعيه السبابتين أذنيه، فمسح بإبهاميه باطن أذنيه، وبالسبابتين ظاهر أذنيه.
وحديثا في المستدرك ذكره في الشواهد الصحاح، وصححه الطبري أيضا بسندهما من جهة حميد، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح باطن أذنيه وظاهرهما. ثم قال: زائدة بن قدامة ثقة مأمون، وقد أسنده عن الثوري، وخالفه البيهقي، فزعم أن صوابه الوقف.
وحديثًا عند البغوي من جهة عمرة قالت: سألت عائشة عن الأذنين، قالت: هما من الرأس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أذنيه ظاهرهما وباطنهما إذا توضأ.
رواه عن طالوت، ثنا اليمان أبو حذيفة عنها، ولما ذكره الدارقطني أعله بقوله اليمان: ضعيف.
ورواه النسائي في كتاب الكُنى من حديث سالم سبلان عنها، وأرته وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: ومسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أمرت يديها بأذنيها، ثم مرت على الخدين.
وحديثا عند البزار من جهة أبي الخنافس محمد بن حجر، وهو ضعيف عن سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأتي بإناء فيه ماء، فذكر وضوءه، ثم قال: وغسل باطن أذنيه وأدخل أصبعيه في باطن أذنيه .. الحديث.
باب الأذنان من الرأس
174 -
حدّثنا سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأذنان من الرأس.
هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه، ولم يلتفت إلى ما أعل به؛ وذلك أن سويدًا خرج حديثه مسلم في صحيحه محتجًا به، ووثقه غير واحد.
ورمي بالتدليس، وهو هنا مأمون، وبالاختلاط لما عمي، والتلقين وهو هنا معدوم؛ لأن ابن ماجه أخذ عنه قديمًا.
وقول البيهقي في الخلافيات إثر حديث خالف الشّافعي: اختلط بعد أن كتب عنه مسلم، ولعلّه لو عرف تغيّره ما روى عنه في الصحيح - فكلام لا معنى له، ولعل الملجئ له إلى ذلك التعصب؛ لأنه طالما صحح أحاديث من روايته غير مُبيّن فيها سماعًا ولا تحدَّيثا ولا حالا، بل يحيل على من وثقه، وتخريج مسلم حديثه، وقد بين الدارقطني حاله بيانا شافيًا حين سأله حمزة عنه، فقال: تكلّم فيه ابن معين، وقال: حدث عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه عن أبي كريب عن أبي معاوية، كما قال سويد سواء، وتخلص سويد، وصح الحديث عن أبي معاوية، أنا بذلك المسند المعمر أبو
الحسن الصوفي بقراءتي عليه يوم الأربعاء سابع عشرين جمادى الأولى سنة سبع عشرة وسبعمائة، أخبركم الإمام أبو محمد بن ظافر المصري إجازة إن لم يكن سماعًا، عن الحافظ السلفيَ قال: سمعت المؤتمن الساجي يقول: سمعت إسماعيل بن مسعدة الجرجاني الحافظ يقول: سمعت أبا القاسم حمزة بن يوسف عن إبراهيم الحافظ يقول .. فذكره، وقد أشبعت الكلام فيه في كتابي الواضح المبيّن في ذكر من مات من المحبين.
وأما قول أبي عيسى الترمذي: قلت للبخاري: فإنهم يذكرون عن سويد بن سعيد، عن ابن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد .. فذكر كلامًا، وكان بعده ما صورته وضعفه جدًّا، وقال: كلما لقّن شيئًا تلقنه وضَعَّف أمره، فإنما يريد سويدًا لا الحديث؛ لأنّ مذهبه في سويد معلوم، وحبيب بن زيد بن خلَّاد حفيد عبد الله بن زيد، وثقه النسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم الحنظلي: صالح، وباقي من في الإِسناد لا يسأل عن حالهم.
175 -
حدّثنا محمد بن زياد، أنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأذنان من الرأس، وكان يمسح رأسه مرة، وكان يمسح المأقين.
هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه وتحسينه وتضعيفه.
فأمّا أبو داود فذكر في كتاب التفرد، عن سليمان بن حرب يقولها أبو أمامة، يعني الأذنين.
وأمّا الترمذي فإنه لما ذكره قال: إسناده ليس بذاك القائم.
وقال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب أنه موقوف، ثم ذَكر من تابع شهرا على رفعه، وهو راشد بن سعد من طريق ابن أبي مريم وهو ضعيف، والقاسم من طريق جعفر بن الزبير، وهو
متروك، ولما ذكر ابن عدي طريق راشد هذه، قال: هذا يعرف من طريق حماد بن زيد، عن سنان بن شهر، وحدث به أحمد بن عيسى الخشاب، عن عبد الله بن يوسف، عن عيسى بن يونس، عن ابن أبي مريم هكذا، والحمل فيه عليه.
قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو أبي أمامة، يعني قصة الأذنين.
وقال في الخلافيات: ما منها حديث، يعني الأذنان من الرأس إلا وله علة.
وقال البيهقي في السنن الكبير: روى حديث الأذنان من الرأس بأسانيد ضعاف، أشهرها حديث شهر، وهو معلل من وجهين:
الأول: ضعف بعض رواته، والآخر دخول الشك في رفعه، وبنحوه قال الدارقطني، وفيما قالاه نظر؛ لأن حديث ابن زيد المذكور أصح من حديث شَهْر وأَشْهر، ولما سئل موسى بن هارون، عن حديث أبي أمامة، قال: ليس بشيء فيه شَهْر، والحديث في رفعه شك.
وقال سليمان بن حريث: الأذنان من الرأس، إنّما هو من قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدل، أو كلمة قالها سليمان، أي أخطأ، ولما ذكره الدارقطني في سننه، قال: شهر ليس بالقوي، وقد وقفه ابن حُرب، عن حماد وهو ثقة ثبت.
ولما ذكره الإشبيلي أبرز من إسناده شهرا فقط، قال ابن القطان: لم يتقدّم له ذكر شهر قبل هذا، فهو إذا لم يعتمد فيه مقدما قدم، وشهر قد وثقه قوم، وضعفه آخرون، وجنح إلى ترجيح توثيقه كما أسلفناه قبل، ويرويه عنه
أبو ربيعة سنان بن ربيعة، قال فيه أبو حاتم: شيخ مضطرب الحديث. وقال ابن معين: ليس بالقوي. وقد أخرج له البخاري، فهذا الذي فسرناه من علة هذا الخبر، هو الذي لا يصح من أجله عنده، والله أعلم.
وفي كتاب العلل للحنظلي: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن سنان بن ربيعة، عن أنس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ غسل مآقي عينيه قال أبي: روي عن حماد بن زيد، عن سنان، عن شَهْر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحماد بن زيد أحفظ وأثبت من ابن سلمة، وسنان مضطرب الحديث.
176 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن الحصين، ثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأذنان من الرأس.
هذا حديث، قال أبو محمد الإشبيلي: لا يصح، ولم يبيّن لم ذلك، وهو حديث معلل بأمرين:
الأول: عمرو بن الحصين البصري العقيلي، قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي.
وقال: تركت الرواية عنه، ولم يُحدّثنا بحديثه.
وقال: هو ذاهب الحديث ليس بشيء، أخرج أوّل الشيء أحاديث مشبهة حسانا، ثم أخرج بعد لابن عُلاثة أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه، فترك حديثه، وسئل أبو زرعة عنه عندما امتنع عن التحديث عنه، فقال: ليس هو في موضع من يحدث عنه، هو واهي الحديث.
وقال أبو الفتح الأزدي: ضعيف جدا، يتكلّمون فيه، وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بغير حديث منكر، وهو متروك الحديث.
وقال الدارقطني: متروك.
وقال في السنن لما ذكر الحديث: عمرو وابن عُلاثة
ضعيفان. ثم ذكره من رواية جماعة عن أبي هريرة وضعفها كلّها وأغفل ذكره الحافظ المقدسي في كماله ولا ينبغي له ذلك.
الثاني: أبو اليُسير محمد بن عبد الله بن عُلاثة العقيلي، قاضي بغداد لمحمد بن أبي جعفر، ويُعرف بقاضي الجن، وإن كان ابن معين وثقه.
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى.
وقال أبو زرعة: صالح، فقد قال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال البخاري: في حديثه نظر.
وقال أبو الفتح الأزدي: لست أقنع من البخاري بهذا، حديثه يدل على كذبه، وكان أحد العُضل في التزيد، وفي موضع آخر: كان واهي الحديث لا يحل كتب حديثه عن الأوزاعي، وحديثه يدل على كذبه.
قال أبو بكر الخطيب: قد أفرط الموصلي في الميل على ابن علاثة، وأحسبه وقعت إليه روايات لعمرو بن الحصين، عن ابن علاثة، فنسبه إلى الكذب لأجلها، والعلة في تلك من جهة عمرو؛ فإنّه كان كذابا.
وأمّا ابن عُلاثة فقد وصفه ابن معين بالثقة، ولم أحفظ لأحد من الأئمة فيه خلاف ما وصفه به يحيى. انتهى كلامه.
وما ذكرناه من كلام الأئمة يرد قوله.
وقال ابن عدي: ابن عُلَاثة حسن، وأرجو أنه لا بأس به.
وقال الدارقطني: عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل ذكره إلا على جهة القدح فيه، ورّد به ابن القطّان حديثًا، وكذلك ابن طاهر، وردّ حديث: ما عظمت نعمة الله على عبد بقوله: ليس بحجة.
ولما ذكر أبو عيسى حديث شَهْر قال: وفي الباب عن أنس لم يزد شيئًا، وقد تقدّم حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة، وفيهما رّد لما ذكره.
وكذا حديث عبد الله بن عباس القائل فيه عبد الحق:
هو ضعيف، وأنكر ذلك أبو الحسن، فقال: ليس هو عندي كذلك، بل إما صحيح وإما حسن، وبيانه هو ما ذكره الدارقطني، ثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر، ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ثنا أبو كامل، ثنا غندر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأذنان من الرأس. حدّثني به أبي قال: ثنا الباغندي، ثنا أبو كامل بهذا مثله. هذا الإِسناد صحيح بثقة رواته واتصاله، وإنما أعلّه الدارقطني بالاضطراب في إسناده، فتبعه أبو محمد على ذلك، وهو ليس بعلة فيه، والذي قال فيه الدارقطني: هو أن أبا كامل تفرّد به من غندر، ووهم فيه عليه، هذا ما قال، ولم يؤيّده بشيء ولا عضده بحجة، غير أنّه ذكر أنّ ابن جريج الذي دار الحديث عليه يُروى عنه عن سليمان بن موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان مسند ومرسل. انتهى كلامه.
وفي قول ابن القطان، وحدث به عن غندر أبو كامل والمعمري، ففي قوله: والمعمري - رّد لما قاله الدارقطني من تفرّد أبي كامل به، عن غندر.
ورواه أيضًا من جهة محمد بن زياد الطحان، عن ميمون بن مهران، عن
ابن عباس: سئل عليه السلام عن الأذنين .. الحديث، وحديث سلمة بن قيس الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر، والأذنان من الرأس.
ذكره أبو بكر الحافظ في كتاب المدرج من الأحاديث من حديث خيثمة بن سليمان، عن وزير بن القاسم الجبيلي، عن آدم، عن شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف عنه، قال: قوله في هذا الحديث الأذنان من الرأس - خطأ فظيع ووهم شنيع، وذلك أنّ المتن المرفوع آخره فأوتر، حسب لا زيادة عليه، والوهم في هذا الحديث من وزير، وهمه على آدم أو من خيثمة، وهمه على وزير.
والحديث في كتاب آدم عن شعبة، آخره: فأوتر، وبعده في إثره، بإسناد آخر عن عبد الله بن عمر: الأذنان من الرأس. فأسقط الناقل لحديث سلمة ما بعده من إسناد حديث ابن عمر، ووصل منه بلفظ حديث سلمة، وقد روى معمر والثوري وزائدة وموسى بن مطير وقيس بن الربيع هذا الحديث، فلم يزيدوا على ما قلت لك.
وكذا رواه أبو الوليد، عن شعبة، عن منصور، وروى إبراهيم بن الهيثم البلوي، عن آدم، عن شعبة حديث سلمة هذا، وأتبعه بحديث ابن عمر، وميّز كل واحد منهما عن صاحبه، وحديث عبد الله بن عمر ذكره ابن عدي الحافظ من رواية زيد العمي، عن نافع عنه، وعن زيد: محمد بن الفضل بن عطية، قال: ولعلّ البلاء منه، فإنّه أضعف من زيد، وذكره أيضا في ترجمة إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن نافع عنه، قال: وهذا الحديث لم يحدث به عن إسماعيل غير ضمرة، ولا عن يحيى غير إسماعيل.
وقال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب موقوف، وحديث أبي
موسى الأشعري، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث علي بن سعيد الرازي، ثنا الأحمر. وقال: لم يروه عن الأشعث إلا علي بن مسهر، تفرّد به علي بن زياد، ولا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإِسناد.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي وذكر حديث علي بن جعفر الأحمر، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث، عن الحسن عن أبي موسى مرفوعا: الأذنان من الرأس، فقال أبي: ذاكرت أبا زرعة بهذا الحديث، فقال: حدّثنا إبراهيم بن موسى، عن عبد الرحيم، فقال: عن أبي موسى موقوف.
ولما ذكره ابن عدي قال: لا أعلم أحدا رفعه عن عبد الرحيم غير علي الأحمر.
وحديث عائشة قال فيه الدارقطني: إرساله أصح، وحديث علي ذكره الدبوسي في الأسرار، وحديث جابر بن عبد الله وسمرة بن جندب ذكرهما البيهقي في كتاب الخلافيات، وأعلهما، وعمم أبو محمد بن حزم بضعف سائر الأحاديث الّتي في الباب، ووهاها، وفيه نظر لما أسلفناه.
قال أبو عمر في كتاب التمهيد: قال مالك فيما روى عنه ابن وهب وابن القاسم وأشهب وغيرهم: الأذنان من الرأس، إلا أنه قال: يستأنف لهما ماء جديدا سوى الماء الذي مسح به الرأس، فوافق الشافعي في هذا؛ لأن الشافعي قال: يمسح الأذنين بماء جديد كما قال مالك، ولكنه قال: هما سنة على حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس، واحتج بحديث ابن جدعان: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء جديدا، وكذلك روى:
أنه عليه السلام مسح، ومسك مسبحتيه لأذنيه ذكر ذلك أبو زيد، وفي حديث عبد الله بن زيد المصحح إسناده عند البيهقي دلالة واضحة للشّافعي، وهو: وأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه.
وذكره أبو عبد الله بن البيع في النوع الخامس والعشرين من علوم الحديث بسند صحيح، أنبأنا بذلك المسند المعمر أبو النون الدبوسي بقراءتي عليه، عن ابن المقرئ، أنبأنا الحافظ محمد بن ناصر السلامي عن ابن خلف أنا الحاكم قراءة عليه، قال: أنا أبو علي الحافظ، ثنا أبو الطاهر المديني بمصر، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، ثنا عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد، فذكره، وقال: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، ولم يشركهم فيها أحد.
ورواه الترمذي بهذا الإسناد بلفظ: مسح رأسه بماء غير فضل يديه وقال: حسن صحيح. كذا قالَ: مسح رأسه ولم يذكر الأذنين.
وكذا حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ يعيد إصبعيه في الماء فيمسح بهما أذنيه.
وقال عبد الحق: روى هذا ابن جارية، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: تجديد الماء للأذنين، وهو ضعيف، وزعم ابن القطان أنه حديث لا وجود له أصلًا.
وقال أبو عمر: وقول أبي ثور في ذلك كقوله سواء. وقال أحمد بن حنبل كقول مالك. وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: الأذنان من الرأس يمسحان مع الرأس بماء واحد.
وروي عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين مثل هذا القول. وقال ابن شهاب: الأذنان من الوجه. وقال الشعبي: ما أقبل منهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، وبه قال الحسن بن حي وابن راهويه.
وحكى ابن راهويه
هذا القول عن الشافعي، والمشهور ما تقدّم ذكره، رواه عنه المزني والربيع والبويطي والزعفراني وغيرهم، وقد روي عن أحمد مثل قول الشعبي وإسحاق.
وقال داود: إن مسح أذنيه فحسن، وإن لم يمسح فلا شيء عليه، وأهل العلم يكرهون للمتوضئ ترك مسح أذنيه، ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجبون عليه إعادة إلا إسحاق، فإنّه قال: إن ترك مسح أذنيه عمدا لم يجزه.
وقال أحمد: إنّ تركهما عمدًا أحببت أن يعيد، وقد كان علي بن زياد صاحب مالك، يقول: من ترك سنة من سنن الوضوء أو الصلاة عامدًا أعاد، وهذا عند الفقهاء ضعيف، وليس لقائله سلف ولا له حظ من النظر، ولو كان ذلك كذلك لم يُعرف الفرض الواجب من غيره.
واحتج مالك والشافعي في أخذهما للأذنين ماء جديدا؛ بأنّ ابن عمر كان يفعل ذلك، وحجة أبي حنيفة حديث زيد بن أسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذلك فعل، وحديث الصنابحي حيث قال عليه السلام: فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه، كما قال في الوجه: من أشفار عينيه، وفي اليدين: من تحت أظفاره.
ومن المعلوم أن العمل في ذلك واحد بماء واحد، واحتجوا أيضا بما رواه أبو داود، عن ابن عباس، ومسح برأسه مسحة واحدة، وأكثر الآثار على هذا، وحجة من قال: يغسل ظاهرهما مع الوجه، ويمسح باطنهما مع الرأس أن الله عز وجل قد أمر بغسل الوجه، وهو مأخوذ من المواجهة، فكل ما وقع عليه اسم وجه وجب غسله، وأمر عز وجل بمسح الرأس وما لم يواجهك من الأذنين فمن الرأس؛ لأنهما في الرأس فوجب المسح على ما لم يواجه منهما مع الرأس، وهو قول ترده الآثار الثابتة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يمسح ظهور أذنيه وبطونهما من حديث علي وابن عباس وغيرهما.
وحجة ابن شهاب أنهما من الوجه؛ لأنه ما لم ينبت عليه الشعر فهو من الوجه، لا من الرأس إذا أدركته المواجهة، ولمن يكن قفا، والله تعالى قد أمر بغسل الوجه أمرًا مطلقًا.
وفي حديث عثمان: فأخذ ماء فمسح برأسه
وأذنيه، يغسل ظاهرهما وباطنهما.
ومن الحجة له أيضًا ما صح عنه عليه السلام: أنّه كان يقول في سجوده: سجد وجهي للذي خلقه فشق سمعه وبصره، فأضاف السمع إلى الوجه.
وحجة الشافعي في قوله: إن مسحهما سنة على حيالهما -إجماع العلماء على أنّ الذي يجب عليه حلق رأسه في الحج ليس عليه أن يأخذ ما على أذنيه من الشعر.
قال أبو محمد: ولا يختلف أحد في أنّ البياض الذي بين منابت الشّعر من الرأس وبين الأذنين ليس هو من الرأس في حكم الوضوء. فمن المحال أن يكون بين أجزاء رأس الحي عضو ليس من الرأس، وأن يكون بعض رأس الحي مباينًا لسائر رأسه، وأيضًا لو كانا من الرأس لأجزأ أن يمسحا عن مسح الرأس، وهذا لا يقوله أحد.
وحكى الخطابي أن قوله عليه السلام: الأذنان من الرأس - له تأويلان: أحدهما: يمسحان مع الرأس تبعًا له، والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس ولا يُغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب، لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم، أي في حكم النصرة والموالاة دون حكم النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم، ومولى اليهودي لا يؤخذ بَالجزية، وفائدة الكلام ومعناه عندهم إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبه فيها لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا الشعر، وجُعلتا محلا لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محلها الوجه، فقيل: الأذنان من الرأس؛ ليعلم أنهما ليسا من الوجه.
باب تخليل الأصابع
177 -
حدثنا محمد بن المصفي الحمصي، ثنا محمد بن حمير، عن ابن لهيعة، حدّثني يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن المستورد بن شداد، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة، ولفظه: دلك أصابع رجليه بخنصره.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد عن المستورد، قال نحو كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه بغير هذا اللفظ، وفيما قالاه نظر؛ لما سنذكره بعد، وذكره العسكري في معرفة الصحابة، وشرطه أن يذكر أحسن ما روى ذلك الصحابي فاعرفه.
ولما ذكره المنذري وعبد الحق وغيرهما ضعفوه بابن لهيعة، وتتبع ذلك أبو الحسن علي بن أبي محمد، فقال: رواه غيره فصح، وهو ما ذكره ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، قال: سمعت عمي، سمعت مالكا يسأل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال: ليس ذلك على الناس، قال: فتركته حتى خف الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: ما هي؟ قلت: ثنا الليث وابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن .. فذكره، فقال: إن هذا الحديث حسن، ما سمعت به قط إلا الساعة، ثم سمعته بعد ذلك سُئِلَ، فأمر بتخليل الأصابع.
الثالث: ما ذكرهَ من تفقد سماع ابن أبي حاتم من أحمد بن عبد الرحمن - مردود بأمرين:
الأول: أنّ ابن أبي حاتم ليس مدلسا وقد صرح بالتحديث المشعر بالسماع، وذلك مقبول إجماعًا من المدلسين، فكيف من غيرهم؟! ولئن سلمنا له ما قاله من أنه روى عنه بالإجازة كان أيضًا متصلًا عند جماهير أهل العلم من المحدثين وغيرهم، حتى قالَ أبو الوليد الباجي: لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها، وادّعى الإِجماع من غير تفصيل، وحَكى الخلاف في العمل، ورد عليه ادعاء الإِجماع برواية عن الشافعي رواها عنه الربيع بن سليمان، ثم قال: وأنا أخالفه في ذلك، وتبع الشافعي القاضي حسين والماوردي والإِمام أبو إسحاق الحربي وأبو الشيخ وأبو نصر السجزي وغيرهم.
الثاني: مجيء هذا الحديث بعينه من غير روايته من طريق صحيحة، ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب غرائب حديث مالك، عن أبي جعفر الأسواني، عن أبي بشر محمد بن أحمد الدولابي قال: ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: سمعت عمي فذكره، وذكره أبو عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة من جهة جماعة عن ابن لهيعة، منهم: ابن عبد الله بن عبد الحكم وابن وهب.
وفي روايتهما عنده ذكر سماع يزيد من أبي عبد الرحمن، وسماع أبي عبد الرحمن من المستورد، وكذا ذكره ابن وهب في مسنده، وأبو عبيد في كتاب الطهور.
وأما أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد
الحبُلي المعافري، فمنسوب إلى حبل أخي مُقْرًي بن سبيع بن الحارث بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهَير بن المز بن هميسع بن حمير بن سبأ، كذا ساق نسبه ابن الكلبي في جامعه وجمهرة الجمهرة والجمهرة وأبو عبيد بن سلام وغيرهما من النسابين، وخالف في ذلك أبو سعد السمعاني، فزعم أنه منسوب إلى بني الحُبلي سالم بن غنم بن عوف بن الخزرْج بن حارثة، وكذلك قاله أبو زيد السهيلي، وهو وهم منهما، بينت ذلك في كتابي المسمى بالزهر الباسم بشواهده، فأغنى عن إعادته هنا، والله أعلم.
178 -
حدَثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن صالح مَولى التوأمة، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك.
هذا حديث قال فيه الترمذي حين رواه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى: هذا حديث حسن غريب.
وقال في العلل الكبير: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وإنَما
أخرجته شاهدا، وأما قول الترمذي: حسن غريب، فيعني بذلك حسن المتن؛ لأنه روي نحوه من غير وجه، والغرابة في الإسناد وهي تفرد ابن أبي الزناد به، وهو ممن ذكر قبل ما للناس فيه من الكَلام.
وأمّا سعد بن عبد الحميد فذكر مهنأ أنه سأل أحمد وابن معين وأبا خيثمة عنه: كيف هو؟ فقالوا: كان هاهنا في ربض الأنصار يدّعي أنه سمع عرض كتب مالك، قال أحمد: والناس ينكرون عليه ذلك، هو هنا ببغداد لم يحج، كيف سمع عرض مالك.
وأمّا صالح بن نبهان فهو ممن قال فيه مالك بن أنس: ليس بثقة، فلا يأخذون عنه شيئا.
وقال أبو زرعة: ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وكان شعبة لا يروي عنه، وينهى عنه.
واختلف قول يحيى فيه، فمرة قال: ثقة حجة، ومرة قال: لم يكن ثقة.
وقال ابن حبان: تغيّر سنة خمس وعشرين ومائة، وجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يميز، فاستحق الترك.
وقال ابن سَعْد: رأيتهم يهابون حديثه.
وقال ابن معين: لقيه مالك بعد ما كبَّر وخرف، وكذلك الثوري، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف.
وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء: ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سَعْد وغيرهم، ومن سمع منه بأخرة وهو مختلط مثل مالك والثوري فغير شيء.
وفيما قالاه مخالفة لما ذكره البخاري من أنّ ابن أبي ذئب سمع منه بأخرة.
وذكره العقيلي والساجي ويعقوب في الضعفاء، ورواه أحمد في مسنده من جهة سليمان بن داود الهاشمي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن صالح: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلل أصابع يديك ورجليك - يعني: إسباغ الوضوء - وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك حتى تطمئن، وإذا سجدت فلتمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض.
179 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صَبرة، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع.
هذا حديث تقدم الكلام عليه في باب المبالغة في المضمضة مستوعبا.
180 -
حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا معَمَّر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، حدثني أبي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه.
هذا حديث ذكره أبو أحمد وضعفه وكذلك أبو الحسن والبيهقي وتبعهم على تضعيفه أبو محمد الإشبيلي وأبو الحسن بن القطان ومحمد بن طاهر وأبو الفرج البغدادي.
وابنه معمر: قال ابن معين: ما كان بثقة ولا مأمون.
وقال أبو حاتم:
رأيته ولم أكتب عنه في سنة ثلاث عشرة ومائتين فخرج علينا وهو مخضوب الرأس واللحية فلم أسأله عن شيء، فدخل فرآني بعض أصحاب الحديث وأنا قاعد على بابه، فقال: ما يقعدك؟ قلت: أنتظر الشيخ أن يخرج، قال: هذا كذاب.
وقال ابن عدي: ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال صالح بن محمد: ليس بشيء.
وقال ابن حبان: ينفرد عن أبيه بنسخة أكثرها مقلوب، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به، وعبد الملك بن محمد أبو قلابة الرقاشي الضرير الرجل الصالح، وإن كان أبو داود قال فيه: رجل صدوق أمين مأمون، فقد قال الدارقطني: صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، وكان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام منه، ولما ذكر البيهقي هذا الحديث قال: والاعتماد في هذا الباب على الأثر عن علي وغيره، ثم روى أثر علي من جهة ابن شمير عن أبيه، قال: وضأت عليا فكان إذا توضأ حرك خاتمه.
ومن جهة الأزرق بن قيس قال: رأيت ابن عمر إذا توضأ حرك خاتمه.
وروى ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن عبد الحميد، ثنا عبيد بن هاشم، عن عُبَيدة ابنة نابل قالت: رأيت عائشة ابنة سَعْد وفي يدها خاتمان فكانت إذا توضأت حركتهما.
وفي غريب الحديث لابن قتيبة من رواية ابن لهيعة، عن عمرو بن الحارث، عن عقبة بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن الحبُلي، عن الصنابحي أن أبا بكر رضي الله عنه رأى رجلًا يتوضأ فقال: عليك بالمغْفَلة والمنشلة.
قالوا: المغْفلة العنفقة، سميت بذلك لأن كثيرا من الناس يغفل عنها وعما تحتها، والمنْشَلَة: موضع الخاتم من الخنصر، ولا أحسبه سمي بذلك، إلا أنه إذا أراد غسله نشل الخاتم من ذلك الموضع، أي: اختلعه منها، ثم غسله ورد الخاتم.
وذكر المديني في كتاب الترغيب، عن فرقد السبخي أنه قال: رأيت في المنام إصبعي الصغرى تكلمني، فقالت: ما لي من بين أصابعك أُعذب؟ قلت: ولم ذاك؟ قالت: إنك إذا توضأت لا تحرك خاتمك، قال أبو موسى: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم-
أنه قال: ويل للأعقاب من النار، ومن ترك شعرة لم يصبها الماء من الجنابة فعل الله به كذا وكذا في النار.
قال علي: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: وخللوا بين أصابعكم بالماء قبل أن تخللها نيران جهنم في غير ذلك من الأحاديث.
وفي كتاب تخليل الأصابع غير حديث سوى ما ذكره أبو عبد الله، فمن ذلك: حديث أبي هريرة، رواه الدارقطني من حديث يحيى بن ميمون بن عطاء، وكان كذابا فيما ذكره ابن أبي حاتم، عن ليث، عن مجاهد عنه، قال عليه السلام: خللوا أصابعكم، لا يخللها الله يوم القيامة في النار.
وحديث عائشة رواه أيضًا من حديث سَنْدل وهو متروك الحديث، قال ذلك أبو حاتم وغيره، عن ابن شهاب، عن عروة عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويخلل أصابعه ويدلك عقبيه، ويقول: خللوا أصابعكم لا يخلل الله بينها بالنار.
وحديث ابن مسعود ذكره ابن أبي حاتم، فقال: سألت أبي عن حديث رواه زيد بن أبي الزرقاء، عن الثوري، عن أبي مسكين، عن هزيل بن شرحبيل، عن ابن مسعود قال عليه السلام: لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكها النار، فقال أبي: رفعه منكر.
وحديث أبي أيوب خرجه أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي في إملائه في ربيع الأول سنة ثلاثين وثلاثمائة من رواية ابن البيع عنه، من حديث رياح بن عمرو، ثنا أبو يحيى الرقاشي عن ابن أخي أبي أيوب عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حبذا المتخللون بالوضُوء والطعام. وذكره عبد الحميد في مسنده، أنا يزيد بن هارون، أنا رياح به.
وحديث عثمان الذي عند الدارقطني، وقد تقدم تصحيحه عن جماعة في باب تخليل اللحية: أنه توضأ فخلل أصابع قدميه،
وقال: رأيت النبي عليه السلام فعل كما فعلت.
وحديث أبي الدرداء وذكر وضوءه عليه السلام وخلل ما بين أصابع رجليه مرتين إلى الكعبين، ذكره أبو إسحاق بن عبيد في مسنده، فقال: حدّثني سهل بن إسماعيل، ثنا سهل بن زنجلة، ثنا مبشر الحلبي، ثنا ثابت بن نجيح، عن الحسن عنه.
وحديث الربيع، ووصفت وضوءه عليه السلام، قالت: ويغسل رجليه مثله ثلاثًا، فخلل بين أصابعه، ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن النعمان بن سالم - يعني عنها - إلا ابن أبي سليم، ولا عن ليث إلا يزيد بن إبراهيم التستري، ولا عن يزيد إلا حجاج بن منهال، تفرد به ابنه عبيد الله بن حجاج.
وحديث أنس مرفوعًا: حبذا المتخللون من الوضوء ذكره في تاريخ الموصل من حديثه، عن أحمد بن علي، نا ابن عمار، ثنا عفيف بن سالم، عن محمد بن أبي جعفر العطار، عن رقبة عنه.
وفي حديث أبي هريرة وعائشة وابن مسعود وعثمان وأنس وأبي الدرداء والربيع وعمار - ردّ لما ذكره الترمذي، وأغفله حين تعداده الصحابة، والله أعلم.
وكان ابن سيرين وعمرو بن ينار وعروة وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن عيينة وأبو ثور يحرّكون خاتمهم في الوضوء، ورخص فيه مالك والأوزاعي، وروي ذلك عن سالم.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة وأحمد بن حنبل: إن كان ضيقًا يحيله، ويدعه إن كان سلسًا. قال أبو بكر: وبذلك نقول.
باب غسل العراقيب
181 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يتوضئون وأعقابهم تلوح، فقال: ويل للأعقاب من النار، وأسبغوا الوضوء.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولفظ البخاري: تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر.
وفي لفظ لمسلم: رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
وفي مستخرج أبي نعيم وصحيح ابن خزيمة: بيض تلوح لم يمسها الماء.
182 -
حدثنا أبو حاتم، ثنا عبد المؤمن بن علي، ثنا عبد السلام بن حرب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار.
183 -
وخرجه أيضا من حديث ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة عنها، قال: رَأَت عائشة عبد الرحمن وهو يتوضأ
…
الحديث، بلفظ: العراقيب.
هذا حديث رواه مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، ثنا أبو سلمة حدّثني سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر يتوضأ عندها، فقالت: يا عبد الرحمن: أسبغ الوُضوء .. الحديث.
وحديث أبي سلمة عنها، وفي علل أبي عيسى قال محمد: حديث أبي سلمة عنها - يعني عائشة - حديث حسن، وحديث سالم عنها حديث حسن.
وقال أبو زرعة في كتاب العلل: وهم شيبان النحوي، فأدخل بين سالم وعائشة أبا هريرة، والصحيح حديث الأوزاعي، وحسين المعلم، عن يحيى، عن سالم عنها.
ولما ذكره الحافظ أبو الفضل الهروي في علله قال: هذا حديث قد خالف أصحاب يحيى عكرمة، فرواه علي بن المبارك وحرب بن شداد والأوزاعي عن يحيى، قال: حدّثني سالم، وقد قيل في هذا الحديث: حدّثني أبو سالم، وليس بمحفوظ، وذكر أبي سلمة في حديث يحيى غير محفوظ، وقد روي عن أبي سلمة وعائشة من غير رواية يحيى، ومن غير ذكر سالم فيه. انتهى.
وفي كلامه إشعار بأن عكرمة هو المخالف لا غيره، وليس كذلك؛ لما ذكره الطبراني في الأوسط حين رواه من حديث عبد السلام بن حرب، عن هشام عن أبيه عنها، وقال: لم يروه عن هشام إلا عبد السلام، تفرّد به عبد المؤمن بن علي.
ورواه أيضًا من حديث أبي عبيد بن سلام، ثنا عمر بن يونس اليماني، عن عكرمة، عن يحيى، حدّثني أبو سلمة حدّثني سالم، أو قال أبو سالم به، قال: لم يدخل في إسناد هذا الحديث بين يحيى وسالم أبا سلمة إلا عكرمة، ولا عن عكرمة إلا عمر بن يونس، تفّرد به أبو عبيد، كذا ذكره أبو القاسم في الأوسط.
وفي كتاب ابن أبي حاتم ما يشعر بأن اليمامي إنما قال: أبو سالم، قال أبو زرعة: هكذا روى عمر،
والصحيح رواية الأوزاعي عن الهقل، وفي كتاب الطيالسي: ويل للأعقاب من النار يوم القيامة.
184 -
حدّثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويل للأعقاب من النار.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما. ولما ذكره الدارمي بلفظ: ويل للعقب - قال: هذا أعجب إلي من حديث عبيد الله بن عمرو.
185 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ويل للعراقيب من النار.
هذا حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين إلا سعيد بن أبي كريب، ويقال: ابن كرب، والأول أصح لما ذكره الدارقطني والبزار، وإن كان لم يرو عنه غير أبي إسحاق، فقد قال فيه أبو زرعة: كوفي ثقة، وذكره أبو حاتم البُستي في كتاب الثقات.
وأخرجه في الحلية من حديث سليمان، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد، ثنا ابن مهدي، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق. وقال: غريب من حديث الثوري، تفرّد به ابن مهدي، وخرجه أبو القاسم في الأوسط من طريق عمر بن أبي زائدة، عن
أبي إسحاق، عن سعيد. وقال: لم يروه عن عمر إلا أبو عبيدة الحدّاد، وخرجه البزار أيضًا من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي عليه السلام رواه عن عمرو بن علي، عن أبي معاوية عنه، قاله في معرض شد حديث أبي إسحاق المتقدّم، ولا شد لأمرين:
الأول: ما أسلفناه من توثيق سعيد الغير محتاج إلى غيره، وفي هذا أيضًا رد عليه، حيث قال: إنما ثبت مثالًا لحفظه من غيره، وهذا قد حفظه هو عن غيره، فلم أثبته هنا، والله أعلم.
الثاني: حديث الأعمش عن أبي سفيان منقطع، والمنقطع ضعيف ولا يشد به حديث صحيح، وممن نصّ على انقطاع ما بينهما أبو بكر البزار نفسه، قال: وقد روى عنه نحوا من مائة حديث، وإنما يثبت من حديثه ما لا يحفظه من غيره لهذه العلة.
وقال في موضع آخر: إنما هي صحيفة عُرضت عليه.
وفي موضع آخر: وذكر حديثا عن الفلاس، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا الأعمش، قال: حدّثني أبو سفيان، يعني طلحة بن نافع، فذكر حدّيثا قال في إثره: كان يحيى يذكر أحاديث الأخبار وربما حدّث بها غيره، فيدخل بينهما رجلًا، فعلى هذا لا يتبع فيه.
وقال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث أبي الأسباط، ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقرئ، عن الحسن بن صالح وعمّار بن رزيق، عن أبي إسحاق: لم يرو هذا الحديث عن الحسن ابن صالح إلا عبد الرحمن، تفرد به أبو الأسباط، والله أعلم.
وذكر ابن شاهين حديث جابر في كتاب الناسخ والمنسوخ من جهة العرزمي، عن عطاء عنه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا أن نغسل أرجلنا.
186 -
حدّثنا العباس بن عثمان وعثمان بن إسماعيل الدمشقيان قالا: ثنا
الوليد بن مسلم، ثنا شيبة بن الأحنف، عن أبي سلام الأسود، عن أبي صالح الأشعري، قال: حدثني أبو عبد الله الأشعري، عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار.
هذا حديث قال فيه الترمذي في العلل عن البخاري: هو حديث حسن.
ولما سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عنه، قال: أبو صالح وأبو عبد الله لا يعرف أسماؤهما.
ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن إسماعيل بن إسحاق الكوفي، قال: ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبة، عن أبي سلام، عن أبي صالح، حدّثني أبو عبد الله الأشعري، قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل لا يركع وينقر في سجوده والنبي عليه السلام ينظر إليه، فقال: أترون هذا لو مات على هذا لمات على غير ملة محمد؛ ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين، فما يغنيان عنه، فأسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار، وأتموا الركوع والسجود.
قال أبو صالح الأشعري: فقلت لأبّي عبد الله الأشعري: من حدثك هذا الحديث؟ قال: أمراء الأجناد: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء، ذكره
الحافظ أبو بكر بن خزيمة وأبو عبد الله الحاكم من حديث الليث بن سعد عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عنه بزيادة: وبطون الأقدام من النار، وحكم عليه بالصحة، وقال أبو عمر: لا علة فيه.
وحديث أبي أمامة ذكره الطبراني من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عنه، وذكره ابن أبي حاتم في علله من حديث عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم عنه، وزعم أن أبا زرعة ضعّفه.
وحديث أخي أبي أمامة ذكره أيضا أبو القاسم من حديث عبد الواحد بن زياد، عن ابن سابط، عن أخي أبي أمامة، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون، فبقي على أقدامهم قدر الدرهم لم يُصِبه الماءُ، فقال: ويل للأعقاب من النار.
ورواه الدارقطني في سننه من حديث عبد الواحد بن زياد، ثنا ليث، ثنا ابن سابط، عن أبي أمامة أو عن أخي أبي أمامة .. فذكره.
وفيه: فكان أحدهم ينظر، فإذا رأى موضعا لم يصبه الماء أعاد الوضوء.
وفي الأوسط لأبي القاسم من حديث سويد بن سعيد، ثنا علي بن مُسهر، وقال: عن أبي أمامة وأخيه، جمع بينهما من غير شكّ ولا ترّدد في أحدهما، وكذا ذكره المديني في كتاب الصحابة عنهما.
ولما سئل أبو زرعة عن هذا الحديث قال: أخو أبي أمامة لا أعرف اسمه.
وحديث أبي ذر خرجه الكجي في سننه من حديث ابن عيينة، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مجاهد عنه. ولم يسمع منه. قال: أشرف علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتوضأ، فقال: ويل للأعقاب من النار.
وحديث مُعَيقِيب رواه
البزار، عن عمرو بن علي، عن أبي داود، ثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عنه قال عليه السلام: ويل للأعقاب من النار، وقال: لا نعلمه يروى عن مُعيقيب إلا بهذا الإِسناد.
وقال الترمذي في كتاب العلل: قال البخاري: وحديث أبي سلمة عن مُعَيقيب ليس بشيء كان أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه؛ فلا أحدّث عنه، وضعّفه جدا.
ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: إنّما هو عن يحيى، عن سالم سبلان عن عائشة، ومنهم من يقول: يحيى، عن أبي سلمة، عن سالم، عن عائشة.
وحديث الأعمى ذكره الشّافعي في مسنده. فقال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعمى يتوضأ: بطن القدم، فجعل الأعمى يغسل بطن القدم، ولا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم فَسُمِّى البصير.
وقال الثعلبي في تفسيره: فسمي أبا غسِيل، ورواه أبو موسى في معرفة الصحابة من حديث محمد بن محمود وله صحبة.
وحديث أبي سعيد الخدري ذكره أبو إسحاق الشيرازي في كتاب غسل الرجلين؛ الذي قرأته على الشيخ المسند المعمر علي بن الصلاح - رحمة الله عليه - أخبركم الحافظ صدر الدين إجازة إن لم يكن سماعًا، عن أبي القاسم عبد المحسن بن عبد الله الحافظ الخطيب الطبري، أنا والدي أنا الإمام أبو إسحاق، وأنبأنا به عاليا أبو البدل، عن ابن المعز، عن أبي يعقوب عنه.
ويشَبه أن يكون في كلامه نظر؛ لأنّ حديث أبي سعيد ذكره الدارمي، وليس فيه إلَّا إسباغ الوضوء، ولا ذكر للأعقاب فيه، والله أعلم.
وفي حديث أبي أمامة وأخيه وأبي ذر وأبي سعيد والأعمى - ردّ على أبي عيسى إذ أغفلهم، والله أعلم.
العُرقوب: موصل القدمين بالساق من الإِنسان. قاله القزاز.
زاد الجوهري: هو العصب الغليظ الموتر فوق عَقب الإِنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها.
قال أبو داود: حديث الطرف والمنكب والعرقوب والقلب.
قال الأصمعي: كل ذي أربع عرقوباه في رجليه، وركبتاه في يديه، قال أبو جعفر: العرب تقول: الكعبان هما العرقوبان.
والعقب بكسر القاف: مؤخر القدم وهي مؤنثة، وحكى بعضهم سكونها، قال: أراد صاحبها، فحذف المضاف.
وقوله: أرهقنا الصّلاة، أي: أخرناها حتى كادت تدنو من الأخرى.
وقال الخليل: أرهقنا استأخرنا عنها.
وقال أبو زيد: أرهقنا عن الصلاة: أخرناها، وأرهقتنا حانت.
وقال النَّضر: أرهقت الشيء غشيته، ورهقني دنا منّي.
وقال ابن الأعرابي: رهقته وأرهقته بمعنى دنوت منه، وأرهق الحلم: دنا منه.
قال عياض: وتكون أرهقتنا بمعنى أعجلتنا لضيق وقتها، ويقال: أرهقته أعجلته، ومنه المراهق بالفتح في الحج، ويقال بالكسر الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف من قبل الوقوف بعرفة.
باب ما جاء في غسل القدمين
187 -
ذكر فيه حديثا لأبي حية، عن علي القائل فيه الجوزقاني: صحيح، وحديث المقدام بن معديكرب، وحديث الربيع، وقد تقدّم ذكرهما كليهما، وأغفل حديث عمرو بن عبسة الطويل من عند مسلم، وفيه: ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، وعند ابن خزيمة من حديث عمرو بن عبسة: كما أمره الله.
وحديث جابر عند الدارقطني قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا.
وحديث أنس المذكور عنده: أن رجلًا توضأ وترك على قدميه مثل الظفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك.
وحديث خالد بن مَعْدان، عن بعض الصحابة عند أبي داود أن رجلا صلى وفي ظهر قدميه لمعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعد الوضوء والصلاة.
وحديث عثمان بن عفان خرجه، وفيه: فغسل قدميه.
وحديث أبي بكر: بينا أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل قد توضأ وبقي على ظهر قدمه مثل الظفر. ذكره الدارقطني في كتاب الأفراد والغرائب، وقال: غريب من حديث سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي بكر، تفرّد به الوازع بن نافع عنه، وتفرّد به المغيرة بن سقلاب، عن الوازع به، وذكره ابن شاهين من
جهة الوازع بن نافع، عن سالم، عن ابن عمر، عن أبي بكر وعمر بنحوه.
وحديث محمد بن محمود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعمى يتوضأ فقال: اغسل باطن قدميك فجعل يغسل باطن قدميه.
ذكره المديني في كتاب الصحابة من حديث عبدان، عن الأشج، ثنا أبو خالد، ثنا يحيى بن سعيد عنه.
وحديث أبي الهيثم: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ فقال: بطن القدم يا أبا الهيثم. ذكره الطبراني من حديث ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عنه.
قال أبو إسحاق: الفرض في الرجلين في الوضوء الغسل إلى الكعبين، وهما العظمان الناتئان في مفصل الساق والقدم.
هذا مذهب الشافعي، وبه قال من الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وحذيفة وأنس بن مالك وأبو هريرة وتميم الداري وسلمة بن الأكوع وعائشة.
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين، وقد لقي عبد الرحمن مائة وعشرين صحابيا.
وقال عطاء بن أبي رباح لم أدرك أحدا منهم يمسح على القدمين، وقد لقي عطاء عشرة من الصحابة، وهو مذهب الشعبي والحكم والحسن وابن سيرين والزهري وعكرمة ومحمد بن علي بن الحسين وجعفر بن محمد وعطاء الخراساني، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عُبيد والحسن بن صالح وداود بن علي.
وذهبت الإِمامية من الشيعة إلى أنّ الواجب هو المسح على ظهر القدمين من الأصابع إلى الكعبين، والكعب عندهم في ظهر القدم، ووافقهم على الكعب محمد بن الحسن، ولكن لم يوافقهم في المسح.
وقال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين المسح والغسل.
وقال ابن
حزم: هو بالخيار بين المسح والغسل.
والدليل على فساد ما ذهبوا إليه أنّ الأخبار تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى قوم وضوءه، وروى قوم أمره، وروى قوم الوعيد في ترك غسل الأعقاب، وأمّا ما ذهبوا إليه من أنّ هذه أخبار آحاد فلا نقبلها ولا نعمل بها فيجاب بأنّ هذا ليس بآحاد؛ لأنّ بمجموعها تواتر معناها، وأما قراءة من قرأ: وأرجلكم بالخفض، فمعارضة بمن نصبها، وهو نافع وابن عامر وعلي بن حمزة، وهو أحد الروايتين عن عاصم، فلا حجة إذا لوجود المعارضة، فإن قيل: نحن نحمل قراءة النصب على أنّها منصوبة على المحل؛ لأن محل الرأس النصب، وإنّما انخفض بدخول الباء، فيكون نصب الأرجل على العطف على المحل، وإذا حملناه على ذلك لم يكن بينهما تعارض، بل يكون معناهما المسح وإن اختلف اللفظ فيهما، ومتى أمكن الجمع لم يجز الحمل على التعارض والاختلاف، والدليل على جواز العطف على المحل قوله تبارك وتعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ، وقول الشاعر:
ألا حي ندماني عُمَير بن عامرٍ إذا
…
ما تلاقينا من اليوم أو غدًا
فنصب غدا على المحل، وقول آخر:
مَعَاوِي إننا بَشر فأسجح - أي: أعفو -
…
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فنصب الحديد على المحل.
وقال جندب: كبير أناس في بجادٍ مُزَمَّلُ.
وقال: صفيف شواءٍ أو قَدير مُعَجَّل.
وقال زهير:
لعب الزمان بها وغيَرها
…
بعدي سَوَافي المور والقطر
وقال النابغة:
لم يبق إلَّا يسير غير منفلت
…
أو موثق في حبال القدّ مَسلُوبُ
وقال جرير:
فهل أنت إن ماتت أتانك داخل
…
إلى آل بسطام بن قيسٍ بخاطب
وقال آخر:
حي دارًا أعلامها بالجناب
…
مثل ما لاح في الأديم الكتاب
وقال درَيْد:
فجئت إليه والرماحُ تنوشُه
…
كوقع الصياصي في النسيج الممدَّد
فدافعت عنه الخيل حتى تبدّدت
…
وحتَّى علاني حالك اللّون أسود
وقال آخر:
كأنما ضربت قدام أعينها
…
قطنًا بمستحصد الأوتار محلوج
وقال فيه أبو إسحاق: ويجاب بأنّ العطف على المحلّ خلاف السنة وإجماع الصحابة.
فأما السنة فحديث عمرو بن عَبَسَة يعني المتقدم الذكر، وأما الإِجماع فهو ما يروي عاصم، عن أبي عبد الرحمن السلّمي، قال: بينا أنا يوما والحسن يقرأ علي، وجليس قاعد إلى علي رضي الله عنه يحادثه، فسمع يقرأ: وأرجلكم ففتح عليه الجليس الخفض، فقال علي وزجره: إنّما هو فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم من تقديم القرآن وتأخيره.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ: وأرجلكم. وقال: رجع الأمر إلى الغسل، وعن ابن عباس نحوه، وكذا عن عروة ومجاهد وعكرمة والحسن ومحمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن الأعرج والضحاك وعبد الله بن عمر، وابن غيلان، زاد البيهقي: وعطاء ويعقوب الحضرمي وإبراهيم بن يزيد التيمي
وأبي بكر بن عياش.
وأمّا قول أبي إسحاق: وهو مذهب الشعبي وعكرمة والحسن - ففيه نظر؛ لما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه بأسانيد صحيحة عنهم بالمسح.
وأمّا ما حكاه عن علي وابن عباس، فقد ردّه أبو محمد بن حزم، وذكر أنهما قالا به.
وأما ما حكاه عن محمد بن الحسن من أنّ الكعب عنده في ظهر القدم، فكذلك هو، ولكن بزيادة: في كلّ رجل كعبان، في القدم كعب، وفي الساق كعب.
حكى ذلك أبو جعفر عنه، قال: وقال غيره: في كل قدم كعب، وموضعه ظهر القدم، وقال آخرون: هو الدائر مغرز الساق، وهو مجمع العروق من ظهر القدم إلى العراقيب.
وأمّا ما حكاه من الإجماع فلا دليل عليه.
قوله: ولم يذكر هو شيئا من ذلك، ولا يكفي في الإَجماع أنَّ عليا وابن مسعود وابن عمر قالوا به؛ لأنّ عليًا لم يقل شيئًا يخالف فيه ابن مسعود، فكيف يتجّه قوله على هذا، فينظر فيه، والله أعلم.
وأمّا قوله: إنّ عطاء لقي عشرة من الصحابة في معرض مدحه، وذلك مشعر بألّا زيادة على ذلك، وليس كذلك؛ لما ذكره الحافظ ابن سرور من أنّه رأى: عقيل بن أبي طالب وأبا الدرداء، وسمع: ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وجابرا وأبا هريرة ورافع بن خديج ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن خالد وجابر بن عُمير الأنصاري وأبا سعيد الخدري وعائشة، انتهى.
وفيه نظر لما حكاه هو أنّ عطاء ولد في آخر خلافة عثمان، وأبو الدرداء توفي سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين، فكيف تتصوّر روايته لأبي الدرداء، وهذا لا يمكن أصلًا، وقد وردت أحاديث لا بد من تأويلها أوردها، وهو رفاعة بن رافع سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر حديثا فيه: ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، وسيأتي ذكره في الباب الذي بعد هذا، وحديث على: كنت أرى أنَّ باطن القدم أحقّ بالمسح حتى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما، وقد تقدّم طرف منه.
وهذان الحديثان ألجآ من قال من أهل الظاهر بالجمع، وإن كان ابن شاهين ذكر أن هشيمًا قال: كان هذا في مبدأ الإِسلام،
وكذا حديث أوس بن أبي أوس، والله أعلم.
وحديث عبد الله بن زيد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فمسح بالماء على رجليه. ذكره ابن أبي شيبة في مسنده، عن أبي عبد الرحمن المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، حدّثني أبو الأسود، عن عبّاد بن تميم به، وأبو الأسود هذا لا أدري من هو.
وقال الجوزقاني: هذا حديث منكر.
وحديث ابن عباس عند أبي داود مرفوعًا: فقبض قبضة من الماء، فرشَّ على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه، يد فوق القدم، ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك. وفي إسناده هشام بن سعد وهو ضعيف عند ابن معين وابن سعد وغيرهما.
وحديث علي بن أبي طالب كذلك ذكره أيضًا، وإسناده لا بأس به، ولفظه: قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين ثلاثا.
وحديث عثمان: مسح رأسه وظهر قدميه، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا.
ذكره أحمد بن علي القاضي في مسند عثمان، عن القواريري، ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن حمران .. فذكره. وسنده صحيح.
وحديث عباد بن تميم، عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ثلاثًا على رجليه، رواه البخاري في تاريخه عن رجاء وإبراهيم بن نبهان، عن أبيه، عن سعيد بن أبي أيوب، حدّثني أبو الأسود عنه،
قال ابن الحصار: هو يتيم عروة، وفي الإسناد علة، وذلك أنه خرجه في مسند ابن أبي شيبة: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود به، وقال أبو عمر: هذا إسناد لا تقوم به حجة، وفيما قاله نظر، لما أسلفناه، وحديث رجل من قريش قال: تبعت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فلما قضى حاجته توضأ وضوءه للصلاة، قال فيه: ثم مسح على قدمه اليمنى، ثم قبض أخرى، فمسح بقدمه اليسرى، رواه أبو مسلم الكجي بإسناد صحيح عن حجاج، ثنا حماد عن أبي جعفر الخطمي. يعني: عميرًا.
وحديث عبد خير عن علي: كنت أرى باطن القدمين أحق بالغسل حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرهما. ذكره أبو داود.
وحديث عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على القدمين، ذكره ابن شاهين من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم عنه.
وحديث جابر: خرج عليه السلام إلى بقيع الغَرقد فتوضأ وغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، وتناول الماء بيده اليمنى، فرش على قدميه فغسلهما. رواه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن سلمة بن عبد الله بن الحصين إلا ابن لهيعة.
قال ابن حزم بعد ذكر حديث عبد الله بن عمر، وما أشبهه: فأمر عليه السلام بإسباغ الوضوء في الرجلين وتوعد بالنار على ترك الأعقاب، فكان هذا الخبر زائدا على ما في الآية وعلى الأخبار التي رويناها - يعني حديث رفاعة وعلي -
وناسخًا لما فيها ولما في الآية والأخذ بالزائد واجب، ولقد كان يلزم من يقول بترك الأخبار للقرآن أن يترك هذا الخبر للآية؛ لأنا وجدنا الرجلين يسقط حكمهما في التيمم كما يسقط حكم الرأس فكان حملهما على ما يسقطان بسقوطه ويثبتان بثباته أولى من حملهما على ما لا يثبتان بثباته، وأيضًا فالرجلان مذكوران مع الرأس فكان حملهما على ما ذكرا معه أولى من حملهما على ما لا يذكرا معه، وأيضًا فالرأس طرف والرجلان طرف، فكان قياس الطرف على الطرف أولى من قياس الطرف على الوسط، وأيضًا فإنهم يقولون: بالمسح على الخفين فكان تعويض المسح من المسح أولى من تعويض المسح من الغسل، وأيضًا فإنّه لما جاز المسح على ساتر الرجلين، ولم يجز على ساتر دون الوجه والذراعين، دل على أصول أصحاب القياس أنّ أمر الرجلين أخف وأقيس من أمر الوجه والذراعين، فإذ ذلك كذلك فليس إلا المسح ولا بدّ، فهذا أصح قياس في الأرض لو كان القياس حقًا، والله أعلم.
وأمّا قوله: وذهبت الإِمامية من الشيعة - فكلام مجمل يحتاج إلى بيان، وذلك أنّ الإِمامية أصلهم على ما ذكره السمعاني من قال بإمامة علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم نصا ظاهرًا، وهذا قول يعم جميع الشيعة، ولهذا أطلق الفقهاء من غير تقييد بأنه مذهب الشيعة.
قال المسعودي: وفرق الإِمامية - يعني الشيعة - كانوا على ما ذكر من سلف من أصحاب الكتب ثلاثًا وثلاثين فرقة، ثم تنازعوا وتباينوا حتى بلغوا ثلاثًا وسبعين فرقة.
وفي كتاب الشهرستاني: ثم إن الإِمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين على رأي واحد، بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها، حتى قال بعضهم: إنَّ نيفًا وسبعين من الفرق المذكورين في الخبر هو في
الإِمامية خاصة، ومن عداهم فخارجون عن الملّة، والإِمامية بعضها معتزلة، إما وعيدية وإما تفضيلية، وبَعْضها إخبارية، إمّا مشبهة وإما سلفية، فقد تبين لك تفصيل ما أجمل، والله أعلم.
وأما ما حكاه عنهم من أنّ الكعب في ظهر القدم فكان ينبغي له ردّه بما لا طاقة لهم به، وهو قول إمام اللغة عبد الملك بن قريب، فإنه أنكر ذلك القول على قائله، وأبو عبيدة وغيرهما، وإن كان قد ذكر أبو إسحاق ذلك أخيرًا فذكره هنا أولى.
قال أبو موسى المديني: ذهب عامة الصحابة والتابعين إلى أنه الملتصق بالساق المحاذي للعقب، وليس بالظاهر في ظهر القدم.
وقال أبو بكر بن خزيمة في مسنده الصحيح من حديث عثمان الذي فيه وغسل اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، واليسرى مثل ذلك: الكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم، إذ لو كان العظم الناتئ على ظهر القدم لكان للرجل اليمنى كعب لا كعبان، ثم ذكر حديث طارق الذي فيه: ورجل خلفه، يعني الذي يرميه بالحجارة، وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه، قال: وفي هذا دلالة على أن الكعب هو العظم الناتئ في جانبي القدم إذ الرمية إذا جاءت من وراء الماشي لا تكاد تصيب القدم، إذ الساق مانع أن يصيب الرمية ظهر القدم، ثم ذكر حديث النعمان: فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبة صاحبه.
وأما قوله: إنّ عبد الرحمن أدرك عشرين ومائة - فيحتاج إلى زيادة بيان، وذلك أنّ عطاء بن السائب روى عنه: أدركت عشرين ومائة من الصحابة كلّهم من الأنصار، فهذا هو أخبر عن نفسه إدراكه لهؤلاء الأنصاريين، فكيف بمن بعدهم من بقية
الصحابة غيرهم، والله أعلم.
وزعم ابن حزم أنّ القرآن نزل بالمسح، وسواء قرئ بفتح اللام وتخفيفها هي على كلِّ حال عطف على الرأس، إمّا على اللفظ وإمّا على الموضع، لا يجوز غير ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة.
وهكذا جاء عن ابن عباس، وفي أمالي ابن الحاجب: الصواب أنه نصب على الاستئناف، والله أعلم.
باب ما جاء في الوضوء على أمر الله تعالى
188 -
حدّثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن جامع بن شداد أبي صخرة قال: سمعت حمران يحدث أبا بردة في المسجد أنه سمع عثمان يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتمّ الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن.
هذا حديث لما رواه مسلم في صحيحه، عن عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي وثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر، قالا جميعًا: ثنا شعبة، عن جامع، كما ذكره ابن ماجه، قال: هذا حديث ابن معاذ، وليس في حديث غندر: في إمارة بشر سمعت حمران يحدّث أبا بردة في إمارة بشر أن عثمان .. فذكره، ولا ذكر المكتوبات.
وفي لفظ النسائي: فالصلوات الخمس.
189 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا حجاج، ثنا همام، أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدّثني علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنها لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله: يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
هذا حديث لما رواه الترمذي، عن علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر، عن يحيى بن علي بن خلاد بن رافع الزرقي، عن جدّه، عن رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يومًا، قال رفاعة: ونحن معه، إذ جاءه رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف، فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: وعليك، فارجع فصل فإنّك لم تصل. فرجع فصلى ثم جاءه، فسلم عليه فقال: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل. ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يأتي
النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم فيقول: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل. فخاف الناس وكبُر عليهم أنّ يكون من أخف صلاته لم يصل، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنّما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال: أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به ثم تشهد فأقم الصلاة فإن كان معك قرآن فأقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعًا ثم اعتدل قائمًا ثم اسجد فاعتدل ساجدًا ثم اجلس فاطمئن جالسًا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك.
قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول: أنه من انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته، ولم تذهب كلّها، قال: هذا حديث حسن، وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه.
ورواه أبو داود مطولًا من حديث إسحاق، عن علي بن يحيى عن عمه بلفظ: إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء - يعني مواضعه - ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، وتقرأ بما شئت من القرآن ثم تقول الله أكبر ثم تركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يستوي قائما، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبّر، فإذا فعل ذلك تمت صلاته.
وعن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، فذكر لفظ ابن ماجه، ولما ذكر المفاصل زاد: حتى تسترخي ثم يكبّر فيستوي قاعدًا على مقعده، ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك.
، ثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد، عن
رفاعة بن رافع بهذه القصّة قال: إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن أو ما شاء الله أن تقرأ وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك، قال: وإذا سجدت فمكّن لسجودك، وإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى.
وفي حديث محمد بن إسحاق: حدّثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه، عن عمه بهذه القصة: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ.
ولفظ النسائي، عن عم له بدري، وفيه: حتى كان عند الثالثة أو الرابعة قال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جَهدت وحَرصت فأرني وعلمني .. فذكره بمعنى حديث أبي عيسى.
وذكره الحافظ أبو حاتم في صحيحه من حديث محمد بن عمرو، وفي معجم الطبراني الكبير: صلى صلاة خفيفة لا يتم ركوعها ولا سجودها، وفيه: فإذا لم يفعل ذلك لم تتم صلاته، وفيه: أنه كان من الأنصار.
وذكره أيضا أبو محمد بن حزم مصححا له، ولما ذكره البزار بلفظ: ما أدري ما تعيب علي من صلاتي وما ألوت؟ فقال عليه السلام: إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل يديه ووجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
ثم ذكره، وقال: هذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رفاعة وأبو هريرة، وحديث رفاعة أتم من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن. انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لما
ذكره الترمذي من أنّ عمارا روى ذلك أيضا،.
باب في النضح بعد الوضوء
190 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا زكريا بن أبي زائدة قال: قال منصور: وثنا مجاهد، عن الحكم بن سفيان الثقفي: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه.
هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه وإرساله ووصله؛ فممن حكم باتصاله: أبو زرعة فيما حكاه عنه عبد الرحمن حين قال: سمعت أبا زرعة يقول: رواه جرير، عن منصور، عن مجاهد عن الحكم بن سفيان أو أبي الحكم بن سفيان.
ورواه الثوري، عن منصور فقال: عن الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم.
ورواه وهب، عن الحكم، عن أبيه.
ورواه ابن عيينة، عن منصور وابن أبي نُجيح، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف، عن أبيه.
وقال: والصحيح مجاهد، عن الحكم بن سفيان وله صحبة.
والنسائي حين رواه في سننه عن الحكم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه، وكذلك ذكره في تاريخه.
ولما خرجه أبو عبد الله في مستدركه من طريق سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن سفيان بن الحكم، أو الحكم بن سفيان، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما تركاه للشك فيه، وليس ذلك مما يوهنه، وقد رواه جماعة عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان بنحو ما تقدم.
قال في كتاب الحربي: رواه عن منصور ثمانية عشر رجلا، وقالوا في إسناده ستة أقاويل، قال سلام بن أبي مطيع وزكريا وإسرائيل: الحكم بن سفيان. وقال سفيان وزائدة ومعمر: هو عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان. وقال أبو عوانة وجرير وعبيدة وقيس بن شيبان وأبو المحياة وحسن: عن الحكم أو ابن الحكم. وقال شعبة ووهيب: عن الحكم أو أبي الحكم، عن أبيه. وقال ابن عيينة: عن رجل، عن أبيه، وأرسله مسعر، والذي عندي أنه الحكم بن سفيان رجل
من ثقيف له صحبة، نزل الطائف فسمع منه مجاهد بمكة.
وقال ابن حبان في كتاب الصحابة: الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معتب الثقفي من أهل الحجاز، وهو الذي يقال له: سفيان بن الحكم، يخطئ الرواة في اسمه واسم أبيه، وأم الحكم: عائشة بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وابن الجوزي في كتاب الصحابة: الحكم بن سفيان، وسفيان بن الحكم، وقيل: ابن أبي سفيان، وقيل: أبو الحكم الثقفي واحد، وذكره في الصحابة أيضًا ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط وأبو القاسم الطبراني وأبو جعفر الطبري في المذيل، وأبو إسحاق الحربي في كتاب العلل، وقال: نزل الطائف فسمع منه مجاهد وأبو أحمد العسكري وأبو نعيم.
وقال ابن عبد البر: سماعه - يعني من النبي صلى الله عليه وسلم - عندي صحيح، وخالف ذلك البخاري في التاريخ الكبير بعد ذكره اختلاف ألفاظ الرواة، فقال: وقال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي صلى الله عليه وسلم، زاد الترمذي عنه في العلل: ولم يره، وفي كتاب العلل: قال أبي، يعني أبا حاتم الرازي: الصحيح الحكم عن أبيه، ولأبيه صحبة، وخالف ذلك في كتاب الجرح والتعديل فذكر في باب الحكم أنّه رأى النبي عليه السلام وبنحو ما قاله البخاري قاله أحمد في كتاب العلل وابن بنت منيع في معجمه عن ابن عيينة.
وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور: قال محمد بن يحيى الذهلي: قلت لابن المديني: الصحيح عندك، عن الحكم، أو عن أبيه؟ فقال: لا، عن أبيه، كذا يقول شعبة.
قال الترمذي حين رواه عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن منصور، وابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف، عن أبيه، قال: وقال بعضهم: الحكم بن سفيان، وقال بعضهم: سفيان بن الحكم، واضطربوا في هذا الحديث.
وفي هذا رد على ابن عساكر في إغفاله ذكر الترمذي، وتبعه على ذلك المنذري، وهو غير صواب منهما.
وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب جدًّا. وكذا قاله العسكري.
ولما ذكره الإشبيلي قال: اختلف في إسناد هذا الحديث في اسم الصاحب، وأصح الأسانيد
فيه إسناد النسائي: الحكم عن أبيه. كذا قال الترمذي عن البخاري.
.
والثالث: أبوه المذكور لا تعرف صحبته، ولا روايته لشيء غير هذا.
والرابع: تهافت لفظ الحديث المذكور المجتمع من روايات رواته، وشرح ذلك أن مداره عَلَى منصور، وهو قد تلون أو تلون عليه ألوانًا، فرواية شعبة، عن الحكم، عن أبيه، وفي رواية أخرى: الحكم أو أبو الحكم، عن أبيه، وفي أخرى: الحكم أو أبو الحكم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خطأ؛ لأن الرجل الذي لا يعرف إذا قال عن نفسه إنه ثقة فذلك غير مقبول منه.
وأما قوله: كان، فبعيد أن يكون على ظاهره، ولو أطلقه ألزم الناس للنبي عليه السلام وكلام البخاري لا يعطي حكمًا بصحة الحديث، إنّما هو كما يقال: هذا المرسل أصح، فلا يخرج من شيء من ذلك تصحيح ما رواه ضعيف أو متروك أو ما روى مرسلًا، وأيضا فالبخاري لم يقل ذلك إنما سألَهُ الترمذي عنه فقال: الصحيح ما رواه شعبة وَوَهيبْ.
وقال عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث عن أبيه، فما في هذا عن البخاري أنه
قال: هو أصح الأسانيد، وإنما قال: الصحيح زيادة من زاد عن أبيه، وتعين أنا ننظر في حاله، لكونه تابعيًا وعدالته لم تثبت، ولعل قائلًا يقول: فلعلّه أيضًا قد رأى النبي عليه السلام كما رآه أبوه أخذًا من رواية من لم يقل عن أبيه، فنقول: ما في هذا أكثر من أنهما ادّعيا أنهما رأيا وسمعا وإذا لم يعرفا بالعدالة لم يقبل منهما.
.
ورواه أيضا كذلك، عن سفيان بغير زيادة عن أبيه، والشك في الحكم أو سفيان: ابن مهدي، ولفظه أحسن من لفظ محمد بن كثير، قال فيه: رأيت النبي عليه السلام بال ثم توضأ ذكر ذلك ابن السكن.
ورواه كذلك معمر، وممن رواه عن سفيان بغير زيادة عن أبيه دون شك في الأب والابن - محمد بن يوسف، وهي التي يمكن أن يحتج بها ابن عبد البر لما ذهب إليه من تصحيح صحبة الحكم، قال فيه: عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك عنه البخاري في التاريخ، ويمنعه من الاحتجاج به رواية من رواه عنه بالشك كما
قدمناه، وقد رواه عن منصور هكذا بغير شك ولا زيادة عن أبيه عمار بن رُزيق وجرير بن عبد الحميد، بغير لفظة كان، إنما أخبر عن فعلة واحدة. ورواه كذلك زكريا.
والذي نقوله: لا نترك رواية من زاد عن أبيه لترك من ترك ذلك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وإذا لم يكن بد من زيادته فالحكم تابعي، فنحتاج أن نعرف من عدالته ما يلزمنا به قبول روايته، وإن لم يثبت ذلك لم تصح عندنا روايته، ونسأل من صححها عمّا علم من حاله وليس بمبين لها فيما أعلم. والله تعالى أعلم. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه:
الأول: تفرقته بين الاضطراب والتهافت ثم جمع بينهما حين تبييّنه التهافت فذكر لفظ الاضطراب سواء بغير زيادة، ولو أراد التهافت الاصطلاحي الذي هو السقوط لما ساعده.
الثاني: قوله: إن الراوي شكّ، فقال: الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم، فقد أسلفنا قول ابن حبان وغيره في ذلك.
الثالث: قوله: كان بعيدًا أن يكون على ظاهره أو ما علم أنّ لفظة كان لا تُقتضي الدوام والاستمرار، ويؤيّد ذلك ما ذكره البيهقي في الكبير، رواه إسرائيل وسلام بن أبي مطيع، وزكريا، فقالوا: عن الحكم، بغير شك، وهؤلاء حفاظ أثبات جزموا بما يثبت لديهم.
قالت عائشة: كنت أفتل قلائد هدي النبي عليه السلام، ومن المعلوم أنّ ذلك إنما كان مرة.
الرابعُ: على تقدير صحة ما ذكره من اقتضائها التكرار، فحديث ابن ماجه سالم من ذلك.
الخامس: قوله: وأن يكون شكُّا في كونه الأب أو الابن إلى آخره، فقول لم يقله
أحد غيره، وإنما يحتمل ما قاله إذا ثبت أن للحكم ولدًا يقال له سفيان فأما أن نثبت له ولدًا بالوهم والاحتمال ونركب عليه التردّد، فما أظنّه يستقيم، فانظره.
السادس: قوله: وتعين أنّا ننظر في حاله لكونه تابعيًا - غير مستقيم؛ لأنّ كلّ من روى حديثًا غير صحابي لا يكون تابعيا؛ لأنَ عهدنا الصحابة يروي بعضهم عن بعض، ولئن أثبتنا روايته لهذا الحديث عن أبيه، فيكون عند من أسقطها من مراسيل الصحابة، وذلك مقبول عند الجماهير.
السابع: تطرقّه إلى أبيه سفيان بعدم قبول روايته، وهو في ذلك غير مصيب؛ لأنّ سفيان أباه ذكره في الصحابة أبو أحمد العسكري، وذكر له جماعة رووا عنه عدَة أحاديث، فصح بهذا المجموع قول الحاكم وغيره.
الثامن: إغفاله ما ذكره أبو إسحاق الصريفيني من أنه يقال له أيضا: الحكم بن الحكم، والله تعالى أعلم.
191 -
حدّثنا إبراهيم بن محمد الفريابي، حدّثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن الزهري، عن عروة، ثنا أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء.
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، ولما سئل عنه أبو حاتم الرازي قال: هذا حديث كذب باطل، قال ابنه: وقد كان أبو زرعة أخرج هذا الحديث في كتاب المختصر، عن ابن أبي شيبة، عن الأشيب، عن ابن لهيعة فظننت أنه أخرجه قديما للمعرفة، وضعفه أيضا ابن عدي وابن طاهر وأبو الفرج البكري والسهيلي، ورواه أحمد في مسنده، والدارقطني في سننه من جهة رشدين بن سعد،
وحاله يقرب من حال ابن لهيعة، عن عقيل وقرة بحذف زيد أبي أسامة.
ولما ذكر الإشبيلي حديث زيد بن حارثة المتقدّم من عند البزار قال: هذا يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف عندهم، وقد رُوي أيضًا من طريق رشدين بسنده إلى زيد بن حارثة وهو ضعيف عندهم كذلك، وهو غير صواب من فعله؛ لأن حديث رشدين لا ذكر فيه لزيد كما سقته لك أولا، فاعلمه.
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق جيدة لا ذكر فيها لابن لهيعة ولا لرشدين ذكرها أبو القاسم في معجمه الأوسط من حديث سعيد بن شرحبيل، ثنا الليث بن سعد، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أسامة، عن أبيه زيد
…
الحديث. قال: لم يروه عن الليث إلا سعيد بن شرحبيل، والمشهور من حديث ابن لهيعة.
192 -
حدثنا الحارث بن سلمة اليحمدي، ثنا سلم بن قتيبة، ثنا الحسن بن علي الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأت فانتضح.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: هذا حديث غريب، قال: وسمعت محمدًا يقول: الحسن بن علي منكر الحديث.
وقال ابن حبان: هذا حديث باطل، ولما ذكره البغوي في شرح السنة قال: إسناده غريب، وذكره ابن عدي فيما أنكره من حديث الهاشمي، ولما ذكره العقيلي وحديثا آخر قال: لا يُتابع عليه من هذا
الوجه، فأمّا الانتضاح فقد روي بغير هذا الإِسناد بإسناد صالح، وأمّا الثاني فلا يحفظ إلَّا عنه.
وقال عبد الحق: إسناده ضعيف، ولما ذكره الدارقطني، قال: يروي عن الأعرج، عن أبي هريرة مناكير، وخرجه الحافظ أبو نعيم من حديث أبي قتيبة: حدّثني الحسن الهاشمي قال: قلت له: أين لقيته؟ قال: عادلته إلى مصر، وكان مولى لنا عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد، إذا توضأت فانتضح.
193 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عاصم بن علي، ثنا قيس، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه.
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف رواته:
الأول: عاصم بن علي أبو الحسين الواسطي وإن كان البخاري قد خرج حديثه وأثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل، فقد قال فيه يحيى بن معين: لا يساوي شيئًا، وفي رواية: كَذابّ ابن كذاب.
الثاني: قيس بن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي وإن كان أبو حفص وشعبة أثنيا عليه ووثّقه أبو الوليد الطيالسي، وكذا قاله عفان والثوري وشعبة، فقد قال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدّثان عنه، وكان عبد الرحمن حدثنا عنه قبل ذلك ثم تركه.
وقال عفان: كان ربما أدخل حديث مغيرة في حديث منصور، وسئل عنه أحمد فلينه.
وقيل له مرة أخرى: لم ترك الناس حديثه؟ قال: كان يتشيّع، وكان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث
منكرة، وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه وكان وكيع إذا ذكره قال: الله المستعان، وسئل عنه ابن معين فقال ليس بشيء. وقال مرة: ضعيف.
وقال ابن نمير وأبو داود: كان له ابن هو آفته، نظر أصحاب الحديث في كتبه، فأنكروا حديثه فظنوا أنه قد غيرها.
وقال ابن عدي: وعامة رواياته مستقيمة، والقول فيه ما قال شعبة، كأنه لا بأس به.
وقال ابن سعد: أبو محمد قيس بن الربيع الجوَّال توفي بالكوفة سنة ثمان وستين ومائة، وكان كثير الحديث ضعيفًا فيه.
وقال السعدي: ساقط.
وقال الدارقطني: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: تتبعت حديثه فرأيته صادقا إلَّا أنه لما كبر ساء حفظه فيدخل عليه فيحدث منه ثقة بما فيه فوقعت المناكير في روايته واستحق المجانبة.
وقال أبو الفتح الأزدي: ثنا ابن منيع، نا محمود بن غيلان قال لي محمد بن عُبيد: كان قيس بن الربيع استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلّق النساء بأثدائهن ويرسل عليهن الزنابير.
وقال ابن القطان: إنما ساء حفظه بعد ولايته القضاء فهو مثل شريك وابن أبي ليلى، وذكره الساجي والعقيلي والبلخي في كتاب الضعفاء، وضعّف به ابن طاهر غير ما حديث.
الثالث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن يسار.
وقيل: داود الأنصاري الفقيه القاضي، قال شعبة: ما رأيت أسوأ حفظًا منه أفادني أحاديث فإذا هي مقلوبة.
وقال أحمد بن يونس: كان زائدة لا يروي عنه، وكان قد ترك حديثه.
وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وفي رواية: سيئ الحفظ.
وقال أحمد: هو سيئ الحفظ مضطرب الحديث وكان فقهه أحب إلي من حديثه، حديثه فيه اضطراب جدا. وفي موضع آخر: ضعيف، وعن عطاء: أكثر خطأ، إنّما دخل عليه وهو مريض.
وقال يحيى: ليس بذاك.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال مرة: ضعيف الحديث.
وقال العجلي: كان فقيها صاحب سنة، صدوقا جائز الحديث، وكان قارئا للقرآن عالما به، قرأ حمزة عليه وكان حمزة يقول: إنما تعلمنا جَودة القراءة عند ابن أبي ليلى، وكان من أحسب الناس وأنقطهم
للمصحف وأخطهم قلمًا وكان جميلا نبيلًا، وأول من استقضاه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، وكان يرزقه في كل شهر مائة درهم، وفي موضع آخر: كان كوفيا صدوقا ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: شُغل بالقضاء فساءَ حفظه ولا يتهم بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ فلا يحتج به.
وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى.
وقال الدارقطني: هو رديء الحفظ كثير الوهم.
وقال ابن طاهر في كتاب التذكرة: وأجمعوا على تركه، وفيما قاله نظر؛ لما أسلفناه من عند العجلي، وذكره أبو جعفر العقيلي وأبو القاسم البلخي في كتاب الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان، وضعف به أبو أحمد والإشبيلي وابن القطان ومحمد بن عبد الواحد المقدسي وأبو محمد بن حزم وأبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد، وأبو الفرج في العلل المتناهية والتحقيق، والبيهقي في الخلافيات والكبير والمعرفة غير ما حديث.
ولما ذكره الساجي في كتاب الضعفاء قال: كان صاحب فقه ورأي وكان سيئ الحفظ لا يتعمد الكذب، وكان يُمدح في فقهه وقضائه، فأما في الحديث فلم يكن بحجة.
وقد ذكر الدارمي في مسنده حديثا إسناده صحيح، هو أولى بالذكر مما تقدم من الأحاديث، رواه عن قَبيصة، ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرة ونضح وهو في صحيح البخاري بغير هذه الزيادة.
وقال الإِمام أحمد فيما حكاه عنه البيهقي: قوله ونضح تفرد بها قبيصة، عن سفيان، وقد رواه جماعة، عن سفيان من دون هذه الزيادة، وقد روي من وجه آخر، عن ابن عباس من
حديث الحسين بن علي، عن يزيد الصدائي، عن إبراهيم بن فروخ مولى عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن ابن عباس مطولا فذكر نومه عند ميمونة، قال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي فقال: هذا حديث منكر وإبراهيم عنه مجهول.
ورواه الحافظ أبو الشيخ في فوائد الأصبهانيين عن عبد الله بن محمد بن زكريا، عن محمد بن بكير، عن محبوب بن مَحْرز، عن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ، عن أبيه، عن ابن عباس، ولفظه: توضأ ونضح فرجه. وقال: هذا حديث لم يروه إلا محبوب بن محرز تفرد به، وفيما أسلفناه من عند الدارمي ردّ عليه كاف، والله أعلم.
وروى أبو الحسن في غرائب حديث مالك من حديث القاسم بن عبد الله الأخميمي، عن سخبرة بن عبد الله القيرواني عنه، عن الزهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ نضح عانته. ثم قال: هذا باطل عن مالك، ولا يصح، وحديث عمار بن ياسر المتقدم عند ابن ماجه في خصال الفطرة، وفيه: والانتضاح.
وذكر الحافظ أبو بكر الإِسماعيلي في جمعه مسند الحسن: ثنا أبو القاسم البغوي، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، أنا عبد الله بن محمد بن سالم، حدّثني حسين بن زيد بن علي عن الحسن بن زيد بن الحسن، عن أبيه، عن الحسن بن علي: أن النبي - عليه السلام - كان إذا توضأ أفضل لموضع سجوده ماءً حتى يسيله على مواضع السجود.
ولما ذكره أبو جعفر الطبري في كتاب تهذيب الآثار، عن ابن حازم، قال: وهذا عندنا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآَخرين سقيما لعلتين:
إحداهما: أنه خبر لا يُعرف له مخرج يصح عن النبي عليه السلام إلا من هذا الوجه،
والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه.
والثانية: أن ذلك مما لا يعرفه العامة وهو عمل من أعمال الطهارة ولو كان صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تجهله العامة، كذا قال أبو جعفر، ولم أجد في تاريخ محمد بن إسماعيل، ولا في كتاب ابن أبي حاتم سماعا ولا رواية لزيد بن الحسن، عن أبيه، إنّما ذكرا روايته، عن ابن عباس: أنه تطيب بالمسك، لم يذكرا له رواية عن غيره.
.
وفي حديث جابر وابن عباس وأنس بن مالك والحسن وعمار - ردٌ لما أغفله الترمذي.
النضح: الرش، نضحت البيت أنضحه بالكسر، وهو أيضا الشرب دون الري، ذكره الجوهري، قال الهروي: في الحديث: النضح من النضْخ. يريدُ من أصابه نَضخٌ من البول فعليه أن ينضحه بالماء، والنضخ دون النضح.
وفي المغيث: هما متقاربان في المعنى، وقيل: بالخاء ما بقي له أثر، وقيل: ما كان على اعتماد، وبالحاء بخلافهما.
وقيل: بالمهملة أرق، ومعناه: إذا توضأت فصبّ الماء على العضو صبًا، ولا تقتصر على مسحه، فإنه لا يجزئ فيه إلَّا الغسل.
وقيل: استبراء الماءِ بالنثر والتنحنح يقال: نضحت أسلت وانتضحت تعاطيت الإسالة.
وقيل: رش الإزار الذي يلي الفرج بالماء ليكون أذهب للوسواس.
وقيلَ: معناه الاستنجاءَ بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار.
وفي المحكم: قال أبو علي: النضح ما كان من علو إلى سُفل.
باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل
194 -
حدّثنا محمد بن رمح، ثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن أبي هند، أن أبا مرة مولى عقيل حدثه أنّ أمّ هانئ بنت أبي طالب حدّثته: أنه لما كان عام الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به.
هذا حديث اتفقا على تخريجه وذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث سعيد بن أبي سعيد، عن أبي مرّة عنها قالت: أتاني يوم حموان فأجرتهما فجاء علي يريد قتلهما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة بالأبطح بأعلى مكة، فذكرت غسله، ثم قالت: قلت: يا رسول الله إني أجرت حموين لي وإن ابن أمي عليًا أراد قتلهما، فقال عليه السلام: ليس له ذلك قد أجرنا من أجرت.
قال أبو عمر: الذي أجارته هو ولد هبيرة بن أبي وهب المخزومي واحدا كان أو اثنين، لأن في حديث أبي النضر ما يدلُّ على أنه كان واحدا. وفي حديث المقبري: اثنان، وهبيرة زوجها وولده حمو لها.
وقيل: إنّ الذي أجارته الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة المخزوميان.
وأمّا قول من قال: إنه جعدة بن هبيرة - فما أدري ما هذا؛ لأنّ جَعْدة ابنها لا حموها، ولم يذكر أهل النسب ابنا لهبيرة يسمّى جَعْدَة من غير أم هانئ، والله أعلم.
195 -
حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن محمد بن شرحبيل، عن قيس بن سَعْد قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماءً فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه.
هذا حديث إسناده ضعيف بابن أبي ليلى المتقدّم ذكره.
ورواه أبو محمد بن حزم
في كتابه مصححا له من طريق عند أبي داود مختصرا.
وفي تصحيحه له نظر، وذلك أنّ أبا داود رواه في سننه عن هشام وابن مثنى قالا: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، سمعت يحيى بن أبي كثير، حدّثني محمد بن عبد الرحمن، عن قيس قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله، قال قيس: فرد سعد ردًّا خفيًا، قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ذره يكثر علينا من السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد ردا خفيا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردًا خفيًا لتكثر علينا من السلام، قال: فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر له سَعْد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وهو يقول: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عُبادة، قال: ثم أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارًا قد وطئ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب، فأبيت، فقال: إما أن تركب وإما أن تنصرف، قال: فانصرفت.
قال أبو داود: رواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة، عن الأوزاعي مرسلا، لم يذكرا قيسا، فهذا كما ترى سقط من هذه الطريق محمد بن شرحبيل الذي لم يتصل والله أعلم.
ورواه النسائي من طريق ابن أبي ليلى، فقال عمرو بن شرحبيل، عن قيس بنحوه. وعن محمد بن حاتم، عن حبان، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان: أن النبي عليه السلام مرسل. زاد البزار فقال: اللهم صلِ على
الأنصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار، ثم أوكف سعد حمارًا له عليه قطيفة فقال لابنه: اذهب فرد الحمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب على صدر حمارك فإنك ربه، قال: هو لك يا رسول الله.
وذكر هنا حديث ميمونة في اغتساله من الجنابة، وسيأتي ذكره، وفي معناه حديث وائل بن حجر من حديث إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل، عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن جدّه عنه مرفوعا. فذكر الوضوء، وفيه: ولم أره تنشف.
وحديث عبد الله بن جعفر: ذهب عليه السلام إلى الحائط فقضى حاجته ثم توضأ فأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره.
ذكرهما أبو علي الحسن بن علي بن شبيب العمري في كتاب ما ينبغي للرجل أن يستعمله في يومه وليلته.
196 -
حدّثنا العباس بن الوليد وأحمد بن الأزهر قالا: حدّثنا مروان بن محمد، ثنا يزيد بن السمط، ثنا الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن سلمان الفارسي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جُبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه.
هذا حديث قال عنه أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن الوضين إلا ابن السمَطَ، تفرّد به مروان الطاطري.
يعني: الوضين بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي، أبا كنانة الدمشقي، وإن كان قد قال فيه أحمد بن حنبل: هو ثقة، وفي موضع: ما كان به بأس، كان يرى القدر، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وكذلك قاله دُحَيم،
وقال أبو داود: صالح الحديث، قيل له: هو ثقة؟ قال: نعم ثقة. وتكلّم فيه السعدي بقوله: واهي الحديث.
وقال الحربي: غيره أوثق منه.
وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث، ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال: نا أحمد بن يحيى، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الوليد بن مسلم قال: رأيت الوضين وكان صاحب خُطب، ولم يكن في حديثه بذاك، وذكره الساجي في كتاب الضعفاء، وزعم أنّ عنده حديثًا منكرًا، وهو: وكاءَ السه العينان، ورد ابن عدي هذا الحديث به.
وقال ابن عدي: القول فيه قول دحيم؛ لأنه أعرف به، وضعفه أبو الحسن بن القطان، وما أرى بحديثه بأسا، وكذلك البلخي، ولما ذكر الترَمذي حديث عائشة، عن سفيان بن وكيع، ثنا عبد الله بن وهب، عن زيد بن حباب، عن أبي معاذ، عن الزهري، عن عروة عنها، قالت: كان للنبي عليه السلام خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.
قال: وفي الباب عن معاذ، نا قتيبة، ثنا رشدين، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف، ورشدين وابن أنعم يضعفان في الحديث.
وقال ابن القاسم في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن معاذ إلا بهذا الإِسناد تفرّد به رشدين، قال أبو عيسى: وحديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه:
الأول: أبو معاذ يقولون فيه: هو ابن أرقم، يعني تخرّصًا لا يقينًا، وقد أبى ذلك الإِمام أحمد بن حنبل حين سأله مهنأ عنه، فقال: هو حديث منكر منكر، وأبو معاذ ياسين بن معاذ وهو ضعيف وهو أقوى من سليمان بن أرقم.
وأما عبد الله الحاكم فإنه لما ذكر 5 في مستدركه، قال: أبو معاذ هو الفضل بن ميسرة، روى عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، وهذا حديث صحيح، وقد روي عن أنس وغيره ولم يخرجاه، فليس قوله بأولى من قوليهما.
الثاني: قوله: ولا يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء - مردود بحديث أم هانئ، لو لم يكن في الباب غيره، على رأي من لم يفرق بين التنشُّف من الغسل والوضوء.
الثالث: اقتصاره على ذكر حديث معاذ وأغفل ما أسلفناه، وكذا حديث أبي بكر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.
قال البيهقي: إسناده غير قوي، قال: وإنما رواه أبو عمرو بن العلاء، عن إياس بن جعفر أن رجلا حدّثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة أو منديل يتنشف بها بعد الوضوء وهو المحفوظ.
وقال الدارقطني في كتاب الأفراد والغرائب: هكذا رواه الصولي، عن أبي العيناء، عن سعيد بن أوس عنَ أبي عمرو بن العلاء، عن أنس بن مالك عنه.
ورواه عون بن عمارة، عن أبي عمرو، عن إياس بن صبيح، عن رجل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة أو منديل.
وقال غيره: عن أبي عمرو، عن إياس بن جعفر، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث أنس بن مالك قال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشرانّ، أنا ابن السماك، أنا حنبل بن إسحاق، ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال: سألت عبد الوارث عن حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خرقة أو منديل فإذا توضأ مسح وجهه، فقال: كان في قطينة، فأخذه ابن علية فلست أرويه، قال الشّيخ: وهذا لو رواه عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس لكان إسناده صحيحا إلَّا أنه امتنع من روايته، ويحتمل أنه كان عنده بالإسناد الأوّل، يعني إسناد حديث أبي العلاء بن العلاء المتقدّم.
ولما سئَل أبو حاتم عنه قال: رأيته في بعض الروايات، عن عبد العزيز: أنه كان لأنس خرقة. وموقوف أشبه، ولا يحتمل أن يكون مسندا.
وحديث منيب الأزدي، أنا به المسند المعمر أبو بكر بن علي الحميري بقراءتي عليه، أخبركم المشائخ أبو المفاخر المخزومي وابن الشمعة وغيرهما، أنا عبد العزيز بن أبي الفتح بن عمر، أنا أبو زرعة، أنا والدي الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، أنا الحسن بن أحمد السمرقندي، أنا أبو العباس جعفر بن محمد الخطيب، أنا الخليل بن أحمد، أنا بن ديزل، ثنا يحيى بن يونس، حدثني أبو الحسن سنبل الشامي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن التيمي، ثنا عتبة بن حماد الحكمي، ثنا مُنِيبْ بن مدرك الأزدي، عن أبيه، عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يدعو الناس إلى التوحيد والإِيمان وهم يردون عليه ويسفون التراب على وجهه حتى تعالى النهار، فأقبلت جارية تحمل قدحا ومنديلًا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح فغسل وجهه، يعني توضأ، ومسح بالمنديل وجهه ثم قال: يا بنية .. فذكر حديثًا طويلا. قال ابن طاهر: رواه أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، عن سليمان التيمي مختصرًا، وعلونا
فيه إليه.
وحديث أبي مريم إياس بن جعفر بن الصلت، عن فلان، رجل من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ رواه النسائي في كتاب الكنى، عن إبراهيم بن يعقوب، ثنا سهل بن حماد، ثنا أبو عمرو بن العلاء، أخبرني أبو مريم .. فذكره.
وروى مَسعَر، عن سويد مولى عمرو بن حُريث: أن عليًا اغتسل فأتي بثوب فدخل فيه، يعني تنشف به، وهذه رواية وكيع، عن مسعر.
ورواه أبو نعيم، عن سُوَيد مولى عمرو بن حُريث، عن عمرو بن حُريث: أنه أتى عليًا وقد اغتسل فأخذ ثوبًا فلبسه، أو قال: دخل فيه ذكرهما أبو بكر الإِسماعيلي في جَمعه حديث مُسعَر.
وقد اختلف الناس في التمندل: فأمّا ابن المنذر فذكر أنه أخذ المنديل بعد الوضوء: عثمان والحسن بن علي وأنس بن مالك وبشير بن أبي مسعود، ورخّص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك، وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأسا.
وروينا عن جابر أنه قال: إذا توضّأت فلا تتمندل. وكره ذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى وابن المسيب والنخعي ومجاهد وأبو العالية، وعن ابن عباس كراهيته في الوضوء دون الغسل من الجنابة.
ورخص فيهما آخرون، قال أبو بكر: ذلك كلّه مباح.
قال أبو عيسى: إنما كرهه من كرهه من قبل أنه قيل إن الوضوء يوزن.
روي ذلك عن ابن المسيب والزهري، ثنا محمد بن حميد، ثنا جرير، حدّثنيه علي بن مجاهد وهو عندي ثقة، عن ثعلبة، عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء؛ لأن الوضوء يوزن.
وفي تاريخ الموصل: ثنا العلاء بن أيوب، ثنا سليمان بن محمد
ابن حيان، ثنا يحيى بن عنبسة، عن حميد، عن أنس قال عليه الصلاة والسلام: لا يتوضأ أحدكم موضع استنجائه فإن الوضوء يوضع مع الحسنات.
وذهب أبو محمد إلى أنه يكره للمغتسل أن يتنشف في ثوب غير ثوبه الذي يلبس، فإن فعل فلا حرج، ولا يكره ذلك في الوضوء.
وأما المنديل فنونه وياؤه زائدتان، وميمه مكسورة، قاله الجوهري، تقول منه: مندلت بالمنديل وتمندلت، وأنكرها الكسائي.
وتمدل بالمنديل لغة في تندل، وفي الجامع: والندل: المسح بالمنديل من غير استعمال، ولا يقال: مدلت؛ لأن المنديل مفعيل من ندلت يده ندلا؛ إذا غمرت، فقيل: منديل؛ لأنه يمسح به ذلك، ويقال: مندل في معنى منديل، وحكى ابن جني فتح الميم، قال: واشتقاقه من الندل وهو الجذب.
وأبو مرة اسمه زيد لزم عقيلًا فنسب إليه وإنما هو مولى أم هانئ، وأم هانئ اسمها فاختة، وصححه الكلاباذي، وقيل: هند، وقال بعضهم: جمانة، قال ابن الحذاء: وهو خطأ، إنما جمانة أمها، وهي شقيقة علي، وفي ذلك نظر؛ لأنّ أم علي لا خلاف في أن اسمها فاطمة إلَّا أن يكون جمانة لقبها، والله أعلم.
باب ما يقال بعد الوضوء
197 -
حدّثنا موسى بن عبد الرحمن، ثنا الحسين بن علي وزيد بن الحبُاب، (ح) وثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، وثنا إبراهيم بن نصر، ثنا أبو نعيم، قالوا: ثنا عمرو بن عبد الله بن وهب أبو سليمان النخعي، ثنا زيد العُمي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال ثلاث مرات: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ فتح له ثمانية أبواب الجنة، من أيّها شاء دخل.
هذا حديث إسناده ضعيف لضعف روايه زيد العمي المتقدّم الذكر، ولما ذكره الحاكم شاهدًا ضعفه، وكذلك ابن أبي حاتم في علله حين سأل أبا زرعة عنه، وخرجه ابن منده في كتاب الوضوء من تأليفه من حديث عمرو بن عبد الله بن موهب، عن زيد.
وذكر القشيري أن المستغفري خرجه في الدعوات، وقال: هذا حديث حسن.
198 -
حدّثنا علقمة بن عمرو الرؤاسي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء البجلي، عن عقبة بن عامر الجهني، عن عمر بن الخطاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء.
هذا حديث خرجه أبو عيسى من حديث أبي إدريس وأبي عثمان، عن عمر، وقال: هذا حديث في إسناده اضطراب، قال الدارقطني: رواه عبد الله بن عطاء.
وقيل: عن ابن عطاء، عن سَعْد بن إبراهيم، عن زياد بن مخراق، عن شَهْر بن حَوشب، ففسّد الحديث عند شعبة لما فحص عنه.
وفي كتاب العلل للحربي: ثنا المثنى، عن معاذ قال: قلت لأبي: لم ضربت على حديث عقبة بن عامر هذا من كتاب شعبة؟ فقال: سل بشر بن المفضل عنه، فسألته فقال: ثنا شعبة قلت لأبي إسحاق: ممن سمعت حديث عقبة هذا؟ قال: من الأسود الذي يجالسنا، فذكر أسود ليس بشيء، فسألت أسود، فقال: سمعته من ابن المنكدر، فلقيت ابن المنكدر في الحج فسألته فقال: حدّثني به زياد ن مخراق، فرجعت إلى البصرة فسألته فقال: بلغني عن شهر. ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء.
وفيما قاله نظر؛ لأنّ مسلما - رحمه الله تعالى - ذكر في صحيحه: حدّثني محمد بن حاتم، ثنا ابن مهدي، ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة، يعني ابن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر، وحدّثني أبو عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، قال: كانت علينا رعاية الإِبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدّث الناس فأدركت من قوله: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلى ركعتين فيقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة.
قال: فقلت: ما أجوّد هذه، فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال لي: قد رأيتك جئت آنفا، قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو يسبغ - وضوءه ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
وثناه أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن حُباب، ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نُفير، عن عقبة به.
ولما خرجه أبو عوانة في صحيحه بين أنّ معاوية بن صالح هو القائل: وحدّثني ربيعة بن يزيد، ولما خرجه ابن منده قال: هذا حديث
مشهور من طرق عن عقبة وعن عمر، والعجب من أبي عيسى في إخراجه حديث أبي إدريس وتركه حديث غيره وهو قد سأل البخاري في كتاب العلل، عن حديث أبي إدريس فقال: هذا خطأ إنّما هو معاوية بن صالح، عن ربيعة، عن أبي إدريس، عن عقبة، عن عمر ومعاوية عن ربيعة، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر، وليس لأبي إدريس سماع من عمر، قلت: من أبو عثمان هذا؟ قال: شيخ لم أعرف اسمه.
فالذي يصححه يجعل رواية أبي إدريس وأبي عثمان مرسلة، ويأخذ بالزيادة في إثبات عقبة بن عامر بين أبي إدريس وعمر، وإثبات جبير بن نفير بين أبي عثمان وعمر، فإن الأخذ بالزائد أولى.
وفي علل أبي الحسن: رواه عن عقبة، عن عمر: أبو إدريس وجبير وليث بن سليم الجهني وابن عم زهرة بن مَعْبد ومحمد بن ثابت القرشي، وممطور والقاسم أبو عبد الرحمن وأبو الأحوص حكيم بن عُمير وحميد بن هلال، ولم يسمع من عقبة.
وأحسن أسانيده ما رواه معاوية، عن ربيعة، عن أبي إدريس وأبي عثمان عن جبير، عن عقبة.
وحديث يحيى بن حمزة، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة - ليس به بأس أيضًا.
ورواه يزيد بن أبي منصور، عن دخين أبي الهيثم، عن عقبة، عن أبي بكر الصديق، وذكره ابن أبي غرزة في مسند عقبة من تأليفه، عن أبي نعيم، ثنا خالد بن إياس، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن عقبة، وذكره أبو جعفر أحمد بن سنان في مسنده، عن يعقوب بن محمد الزهري، ثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت، حدّثني أبي، عن عقبة قال: حدثني عمر بن الخطاب بنحوه مختصرا، وذكره أبو القاسم في الأوسط، يعني اللفظ الذي سقناه مطولًا عن عقبة
قال: جئت في اثني عشر راكبًا حتى حللنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال أصحابي: من يرعى إبلنا وننطلق نحن نقتبس من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا راح أقبسناه ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنا، ثم قلت في نفسي: لعلي مغبون يسمع أصحابي ما لم أسمع، فحضرت يوما فسمعت رجلا يقول: قال نبي الله: من توضأ وضوءا كاملا ثم قام إلى صلاته كان من خطيئته كيوم ولدته أمه، فتعجبت من ذلك، فقال عمر بن الخطاب: فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشدّ عجبًا، فقلت: اردد علي جعلني الله فداك، فقال عمر: إن نبي الله قال: من مات لا يشرك بالله شيئًا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ولها ثمانية أبواب، فخرج علينا نبي الله صلى الله عليه وسلم فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ثلًاثا، فلما كانت الرابعة قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني؟ فأقبل علي فقال: أواحدٌ أحب إليك أو اثنا عشر؟ مرتين أو ثلاثًا، فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي.
فال أبو القاسم: لم يروه عن الوضين - يعني: عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة - إلا يحيى بن حمزة.
وأما قول الترمذي: وفي الباب عن أنس وعقبة، فقد أغفل حديثًا رواه ثوبان مرفوعًا: من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة، يدخل من أيّها شاء.
ذكره البزار في كتاب السنن، عن ابن مثنى، عن شجاع بن الوليد، ثنا أبو سعد، عن أبي سلمة عنه. وقال: لا نعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه.
وفيما قاله نظر؛ لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث مسور بن مورع العنبري، ثنا الأعمش، عن سالم أبي الجعد، عن ثوبان مرفوعًا بلفظ: فساعة يفرغ من وضوئه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من
التوابين واجعلني من المتطهرين .. الحديث.
وقال: لم يروه عن الأعمش إلا مسور، وحديثًا ذكره النسائي في كتاب اليوم والليلة من حديث يحيى بن كثير أبي غسان، عن شعبة، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك؛ كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة.
ثم رواه عن ابن بشار، عن محمد عن شعبة، عن أبي هاشم سمعت أبا مجلز يُحدث عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد، قال: ما من مسلم .. موقوفا.
وفي مسائل حرب: ثنا سعيد بن منصور، ثنا هشيم، عن أبي هاشم، فذكره مرفوعا بلفظ: من توضأ فقال عند فراغه. ثم قال: طبع على طابع، فيرفع تحت العَرش فلا يقضي إلى يوم القيامة.
ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث يحيى عن شعبة، وقال: لم يرو هذا الحديث مرفوعا عن شعبة إلا يحيى.
وفي فوائد المزكي تخريج الدارقطني حديث روح بن القاسم، عن أبي هاشم مرفوعا بلفظ: من توضأ ففرغ من وضوئه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك .. الحديث.
قال: غريب عن روح، تفرد به عيسى بن شعيب، عن روح، وقد رواه ابن منده في كتاب الوضوء بزيادة البسملة في أوله، وقد تقدّم ذكره،، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
ويصل علي، فإنه إذا فعل ذلك فتحت له أبواب الرحمة.
، ثنا الأعمش بزيادة: إذا تطهر أحدكم فليذكر الله؛ فإنه يطهر جسده كلّه، فإن لم يذكر أحدكم اسم الله على طهوره لم يطهر إلا ما مرّ عليه، وإذا فرغ .. الحديث.
ولما ذكره أبو موسى في كتاب الترغيب والترهيب قال: هذا حديث مشهور له طرق: عن عمر وعقبة وثوبان وأنس، وليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية، وحديثا ذكره أبو الحسن البغدادي من حديث صالح بن عبد الجبار، أنبأنا ابن البيلماني، عن أبيه عبد الرحمن بن البيلماني، عن عثمان بن عفان يرفعه: من توضأ هكذا ولم يتكلم ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله .. الحديث. وفيه: غفر له ما بين الوضوءين.
وفي مسند عثمان للقاضي أحمد بن علي: من توضأ فغسل يديه ثلاثًا ثم مضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ومسح برأسه، ثم غسل رجليه .. الحديث رواه عن القواريري، ثنا محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني.
وأما الدعاء عند غسل كل عضو فمروي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق، وفي كلّها ضعفاء ومجاهيل، وفي بعضها مع ذلك انقطاع.
ذكر منها ابن عساكر طرفا في أماليه وابن الجوزي، والله أعلم.
ولما دخلت حمص سنة تسع وسبعمائة أفادني بها بعض الفضلاء جزءًا من الحديث لا أدري الآن من خرّجه ولا ما سنده، فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عند فراغه من وضوئه سورة القدر، ثم يرفع رأسه فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله .. الحديث.
باب الوضوء في الصفر
199 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن الماجشون، ثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صُفر فتوضأ به.
هذا حديث خرجه البخاري وخرج مسلم أصله ولم يذكر التور.
200 -
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش، عن أبيه، عن زينب بنت جحش أنه كان لها مُخضَبٌ من صُفر قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
هذا حديث إسناده صحيح، إبراهيم وثقه ابن حبان وأبوه محمد روى عنه أيضًا مولاه أبو كثير.
وقال ابن أبي حاتم: له صحبة، قتل أبوه يوم أحد وهو غير مطابق لما ترجم له أبو عبد الله، والذي رواه أحمد في مسنده مطابق فكان أولى بالذكر قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في مخضب من صفر، ولفظه في الأفراد: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في مخضبي هذا مخضب من صفْر.
ورواه من حديث الدراوردي، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه عنها، وعن الدراوردي، عن إبراهيم بن عبد الله بن جحش عنها، وقال: اختلفا في إسناده وهو حديث غريب تفرد به الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، ولفظه عند أبي عبيد: إن زينب كانت تغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم في مخضب
من صفر، قال العمري: وقد رأيت ذلك المخضب.
201 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع، عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في تور.
هذا حديث إسناده صحيح، وهو غير مطابق أيضا؛ إذ التور يكون من غير الصفر، والله أعلم.
وفي الباب أيضا حديث عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبّه ذكره أبو داود.
وقال أبو القاسم الطبراني: لم يروه عن شعبة - يعني: عن هشام عن أبيه - إلا حماد بن سلمة، ولا عنه إلا حوثرة بن أشرس، تفرد به عبد الله.
وفي صحيح ابن خزيمة من حديثها أيضًا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: صبوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة من نحاس وسكبنا عليه الماء .. الحديث.
ثم قال: ثنا به محمد بن يحيى، سمعت عبد الرزاق، يذكر عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحوه، غير أنه لم يقل: من نحاس، حين جعل الحديث عن عروة بلا شك.
وخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وفي كتاب البيهقي، عن عائشة من طريق فيها ضعف، ولكنها متصلة، قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في تور من شبه.
وذكره أبو داود من طريق منقطعة، وفي الأوسط عن جابر: توضأ عليه السلام -
في طست فأخذته فصببته في بئر لنا.
وقال: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد، ابن المبارك، أنبأنا عمر بن سلمة بن أبي مزيد المديني، عن أبيه، عن جابر تفرّد به ابن المبارك.
وفي كتاب الطهور لأبي عبيد بن سلام، ثنا ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: كانت الخلفاء يتوضئون في الطست في المسجد.
وعن الحسن قال: رأيت عثمان يصب عليه من إبريق. وعن عبد الرحمن بن أبي الموال، قال: حدّثني حسن بن علي بن محمد بن علي، ورأيته يتوضأ في تور، فذكر وضوءه، ثم قال: أخبرني أبي، عن أبيه: أنّ عليا كان يتوضأ هكذا.
قال أبو عبيد: وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر الأشياء.
يروى عن ابن عمر من الكراهة، ثنا حجاج، عن شعبة، عن عبد الله بن جبر الأنصاري قال: جاء ابن عمر إلى بني عبد الأشهل فطلب وضوءا فأتيته بتور من ماء فقال: رده وائتني به في قصعة أو ركوة.
وفي كتاب الإشراف: توضأ أنس بن مالك من طست.
ورخص كثير من أهل العلم في ذلك، وبه قال الثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور، وما علمت أني رأيت أحدًا كره الوضوء في آنية الصفر وكذا النحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وبه نقول، والأشياء على الإِباحة، وليس يحرم ما هو مباح بموقوف ابن عمر.
وكان الشافعي وإسحاق وأبو ثور يكرهون الوضوء في آنية الذهب والفضة، وبه نقول، ولو توضأ فيه متوضئ أجزأه وقد أساء، وحكي عن أبي حنيفة أنه كان يكره الأكل والشرب في آنية الفضة، وكان لا يرى بأسًا بالمفضّض، وكان لا يرى بالوضوء منه بأسًا.
وفي قوله: ما علمت
أحدًا كره الوضوء في آنية الصفر والنحاس - نظر؛ لأن الصفر هو النحاس.
وفي قول أبي عبيد: لا نعلم أحدا كرهه إلا عن ابن عمر - نظر؛ لما ذكره في الإشراف عن معاوية أيضا.
وأمّا الصّفر: فهو النحاس بالضم، حكاه ثعلب في فصيحه، وروى المطرّز عنه: النّاس كلّهم يقولون: صفر، وأبو عبيدة يكسره، يعني الصاد.
وقال ابن درستويه: سُمّي النحاس صفرا لصفرته، وهو الذي يصنع بالنوشادر ويقال له الشبه؛ لأنه يشبه الذهب.
وفي الجامع: هو النحاس الجيد، والمخضب المركن، وهي الإِجانة التي تغسل فيها الثياب، كذا في الصحاح، وفي الغريب: شبه المركن، والله أعلم.
باب الوضوء من النوم
202 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ.
قال الطنافسي: قال وكيع: تعني وهو ساجد.
هذا حديث إسناده على شرط الشيخين.
203 -
حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن حجاج، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفح ثم قام فصلى.
هذا حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، ولفظ أبي عبد الله أحمد بن إبراهيم الدورقي في مسند ابن مسعود: كان عليه السلام ينام وهو ساجد، وكنا نعرف ذلك بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته.
رواه عن محمد بن الصلت، ثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن إبراهيم، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا ابن أبي زائدة، ثنا حجاج، عن فضيل، يعني الفقيمي، عن إبراهيم نحوه.
قال حجاج: فسألت عطاء، فقال: النبي عليه السلام ليس كغيره.
ولما ذكره في الأوسط، قال: لم يروه عن الأعمش إلا منصور، وفي سنن الدارقطني عن ابن محمود السمعي، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، ثنا أبو خيثمة، عن محمد بن حازم، عن حجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيًا حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ.
204 -
حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا ابن أبي زائدة، عن حريث بن أبي مطر، عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري، عن سعيد بن جبير، عن أبن عباس قال: كان نومه ذلك وهو جالس.
كذا فيما رأيت من النسخ، وفي الأطراف لأبي القاسم زيادة من نفس السنن، يعني النوم الذي لم يتوضأ منه.
ولما رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي هبيرة، عن ابن المسيب، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو قاعد ثم قام فصلى ولم يتوضأ. قال: لم يروه عن أشعث، عن أبي هبيرة عن سعيد إلا شريك.
ورواه غيره عن أشعث، عن أبي هبيرة، عن ابن جبير، وفي موضع آخر: فأخر العشاء حتى نام القوم واستيقظوا، ثم ناموا واستيقظوا، فصلى بهم ولم يذكر أنهم توضئوا.
وقال: لم يروه عن يونس بن عبيد، يعني: عن عطاء عنه، إلا حماد بن سلمة، تفرّد به يونس المؤدب وابن عائشة، وهو حديث إسناده ضعيف لضعف روايه حريث أبي عمرو الحناط الفزاري، فإنه ممن قال فيه البخاري: فيه نظر، وفي رواية عنه: ليس عندهم بالقوي.
وقال عمرو بن علي: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عنه بشيء قط، وهو حريث بن عمرو وهو ضعيف الحديث بابه عبيدة الضبي وعبد الأعلى الجرار ونظرائه، وبنحوه قاله أبو حاتم الرازي وابن عدي.
وقال يحيى بن معين: لا شيء، وفي رواية: ضعيف.
وقال النسائي: متروك الحديث، وكذا قاله علي بن الجنيد.
وقال الحربي في كتاب العلل: ليس هو بحجة، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء.
وقال الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير، ومَعْنى حديثه هذا في صحيح مسلم، بل هو هو، وأوضح في الدلالة من حديث ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم-
فأيقظيني، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدًا، فلما تبيّن له الفجر صلى ركعتين خفيفتين.
وفي مسند الإِمام أحمد بن حنبل: ثنا معتمر، ثنا حميد، عن عبد الله بن عبيد، عن رجل قال: رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ.
وسئل عمن نام وهو جالس، فقال: عليه الوضوء، ذكره في تاريخ الموصل من جهة المغيرة بن زياد، عن ابن أبي رباح عنه.
وقد ورد في نوم القاعد غير ما حديث، من ذلك حديث ابن المبارك: ثنا معمّر، عن قتادة، عن أنس قال: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون.
قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشّافعي. انتهى كلامه.
وهو محتمل لما قالوه، لكن وردت زيادة تمنع من هذا التأويل، وتردّه على من أوله، ذكرها أبو محمد بن حزم مصححًا لها، وذكرها أيضًا أبو الحسن بن القطان من رواية يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة، فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة.
قال قاسم بن أصبغ: نا محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا ابن بشار، ثنا يحيى بن سعيد .. فذكره.
وهو كما ترى صحيح من رواية إمام، عن شعبة فاعلّمَه.
ورواه البزار من حديث عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-
كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ.
قال الأثرم: قال أبو عبد الله عند ذكر حديث عبد الأعلى: يضعون جنوبهم - ما في هذا أحسن من حديث أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون هكذا قال شعبة. وقال هشام: يخفقون برءوسهم.
وقال ابن أبي عروبة: فيضعون جنوبهم، فتبسم أبو عبد الله، وقال: هذا مرّة، يضعون جنوبهم.
وفي كتاب ابن عدي من حديث محمد بن سليم الراسبي، عن قتادة، عن أنس قال: كنا ننام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا نُحْدِثُ لذلك وضوءا.
وقد أكد حديث شعبة ما في الصحيح من حديث ابن عباس ونومه عند النبي عليه السلام قال: ثم اضطجع فنام حتى نفخ ولكن قد قال: هو أنّ عيني تنامان ولا ينام قلبي.
وقال سفيان: هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وكذا قاله عكرمة، فعلى هذا لا حجة فيه على التأكيد، وقد روي ذلك عن عائشة وأنس وجابر وأبي هريرة، وقد روى يزيد بن أبي زياد وهو منكر الحديث، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: وجب الوضوء على كلّ نائم إلا من خفق خفقة برأسه.
قال البيهقي: هكذا رواه جماعة، عن يزيد موقوفا، وروي ذلك مرفوعا ولا يثبت رفعه.
وقال ابن المنذر: حديث ابن عباس هذا لا يثبت.
وفي السنن أيضًا من حديث ابن الجعد: أنبأنا شعبة، عن الجُريري، عن خالد بن غلاق، عن أبي هريرة قال: من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء، وفي لفظ: فسألناه عن استحقاق النوم، فقال: هو أن يضع جنبه. قال البيهقي: وروي ذلك مرفوعا ولا يصح.
وفي كتاب أبي داود، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء
الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون.
قال أبو داود: زاد فيه شعبة عن قتادة، قال: على عهد النبي عليه السلام. وفي رواية معمر، عن قتادة: حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا.
وفي كتاب الترمذي من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غطّ أو نفخ ثم قام فصلى، فقلت: يا رسول الله، إنك قد نمت، قال: إنّ الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله.
قال أبو عيسى: رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، ولما ذكره دعلج في مسند ابن عباس من تأليفه، قال: سمعت موسى بن هارون يقول: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه إلا الدالاني.
والمعروف عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ، ثم صلى، ولم يتوضأ، وليس فيه زيادة على هذا الكلام، ورواه البيهقي من جهة إسحاق بن منصور السلولي عن عبد السلام بلفظ: لا يجب الوضوء على مَنْ نام جالسًا، أو راكعًا، أو ساجدًا حتى يقع جنبه، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله، قال البيهقي: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني.
ولما رواه أبو داود قال: قوله الوضوء على من نام مضطجعا هو منكر، لم يروه إلا الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة، عن ابن عباس، لم يذكروا شيئا من هذا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ..
وقال شعبة: إنّما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن مَتَّى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس حدثني رجال مرضيون.
قال: وذكرت حديث يزيد للإِمام أحمد، فقال: ما للدالاني يدخل
على أصحاب قتادة، ورأيته لا يعبأ بهذا الحديث، وقال في التفرّد، يعني أبا داود: لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ولم يجئ به إلا يزيد، قال البيهقي: يعني به أحمد، ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد سماع من قتادة.
ولما ذكره ابن أبي داود في كتاب الطهارة من السنن، قال: هذا الحديث معلول، لم يسمع قتادة من أبي العالية إلَّا أربع أحاديث معروفة، ليس هذا منها، وهذا مرسل بين قتادة وأبي العالية يحتاج رجلا آخر، وهذه سنة تفرد بها أهل البصرة وحفظها أهل الكوفة من غير صحة.
وفي كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا لا شيء، رواه ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا نعرف لأبي خالد سماعا من قتادة.
وقال الدارقطني: تفرّد به الدالاني ولا يصح.
وقال البيهقي: وأمّا هذا الحديث فقد أنكره على أبي خالد جميع الحفاظ.
وقال الخزرجي في كتابه تقريب المدارك: حديث أبي العالية هذا منكر، وليس بمتصل الإسناد.
وقول من قال: إنه تفرّد بهذا اللفظ، أعني الدالاني، نظر؛ لما نذكره من متابعة يعقوب عن مقاتل له بعد، والله أعلم.
وفي الاستذكار: حديث أبي خالد هذا عند أهل الحديث منكر، لم يروه غير أبي خالد عن قتادة.
ولما ذكر ابن الجوزي في التحقيق كلام الدارقطني، قال: قد ذكرنا أن مذهب المحدثين إيثار قول من وقف الحديث احتياطا، وليس هذا
بشيء، وقول الدارقطني: لا يصح؛ لأنه دعوى بلا دليل، وقد ذكرت هذا الحديث مستوفيا العلل في كتابي المسمى بالسنن في الكلام على أحاديث السنن، ولله الحمد والمنّة.
وفي كتاب الدارقطني من حديث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء.
ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث ليث عن عمرو قال: لم يروه عنه إلا الحسن بن أبي جعفر، تفرد به عبد القاهر بن شعيب، ولما ذكره ابن المنذر ضعفه بعمر.
وذكره ابن عدي في كامله من حديث مقاتل بن سليمان المتهم بالوضع عند النسائي عنه.
وفي تاريخ نيسابور من حديث الجارود بن يزيد، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن ابن المسيب عنه يرفعه: الوضوء من سبعة: من إقطار البول، والدم السائل، والقيء، ومن دسعة يملأ بها الفم، والنوم المضطجع، وقهقهة الرجل في الصلاة، ومن خروج الدم.
وفي الكامل أيضا من حديث معاوية بن يحيى، وهو واهي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: إذا وضع أحدكم جنْبه فليتوضأ.
قال الحربي: هذا حديث منكر، وفيه من حديث قزعة بن سويد، عن يحيى بن كنيز وهو منكر الحديث، عن ميمون الخياط، عن أبي عياض، عن حذيفة بن اليمان، قال: كنت في مسجد المدينة جالسا أخفق، فاحتضنني رجل من خلفي، فالتفت فإذا النبي عليه السلام فقلت: يا رسول الله، هل وجب علي وضوء؟ قال: لا، حتى تضع جنبك.
قال البيهقي: تفرّد به بحر السقاء، وفيه أيضًا حديث ابن عباس مرفوعًا: وجب
الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين.
قال الدارقطني: إنما يروى عن ابن عباس من قوله، وقد تقدّم.
205 -
حدّثنا محمد بن المصفى الحمصي، ثنا بقية، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ.
هذا حديث لما ذكره الساجي في كتاب الضعفاء في ترجمة الوضين قال: عنده حديث واحد منكر، وذكر هذا ثم قال: ورأيت أبا داود أدخل هذا الحديث في كتاب السنن ولا أراه وضعه إلا وهو صحيح عنده، ولما سئل أحمد عن هذا الحديث وحديث معاوية، قال: حديث علي أثبت وأقوى.
وفي الخلافيات نحوه، ولما ذكره أبو محمد الفارسي قال: هذا أثر ساقط، وقال أبو محمد الإشبيلي: حديث علي ليس بمتصل، وقال ابن القطان: هو كما قال ليس بمتصل، ولكن بقي عليه أن يبيّن أنه من رواية بقية، وهو ضعيف عن الوضين وهو واهي، قاله السعدي، وقد أنكر عليه هذا الحديث نفسه، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، وهو مجهول الحال عن علي، ولم يسمع منه، فهذه ثلاث علل سوى الإِرسال، كل واحدة تمنع من تصحيحه مسندًا كان أو مرسلًا، وفيما قاله نظر، حيث قال عن ابن عائذ مجهول الحال، وليس كذلك؛ فإنه ممن ذكره ابن حبان في كتابه، ومع ذلك فهو ممن لا يحتاج إلى معرفة حاله ولا الكشف
عنها لكونه صحابيًا مشهورًا بذلك، قد ذكره في الصحابة جماعة، منهم البغوي ابن بنت منيع وأبو نعيم الأصفهاني والعسكري.
وقال: كان من أصحاب النبي عليه السلام وأصحاب أصحابه، وكان من حملة العلم، وذكر له حديثًا فيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو حلفت يمينًا لبَررْت أنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي قبل خمسة عشر إلا إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وإسحاق والأسباط وعيسى وموسى ومريم ابنة عمران.
وقال أبو عمر: عبد الله بن عبد، ويقال: عبد بن عبد أبو الحجاج الثمالي، ويقال: عبد الله بن عائذ من الأزد، يُعدّ في الشاميين، حديثه عند بقية بن الوليد.
ولما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات قال: يقال: إن له صحبة، قاله صفوان بن عمرو السكسكي.
وفي قول أبي محمد الإشبيلي: حديث علي ليس بمتصل - نظر، إن أراد الحديث الذي من رواية عبد الرحمن بن عائذ فمسلم، على أن ابن حبان ذكر أنه روى عن علي، قال: وقد قيل: إنه لقي عليا، روى عنه أهل الشام وإن أراد نفس الحديث فغير مسلم؛ لما أسلفناه من رواية غير عبد الرحمن والله أعلم.
وفي رواية البيهقي من حديث بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس، عن معاوية قال عليه السلام: العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء.
قال: ورواه مروان بن جناح والوليد بن مسلم، عن عطية، عن معاوية موقوفا، والوليد ومروان أثبت من أبي بكر بن أبي مريم، وبمثله قاله ابن عدي في الكامل، ولما ذكره في الخلافيات من حديث ابن عباس وأبي هريرة قال: حديث علي الذي يرويه الوضين أثبت منه في هذا الباب.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ، وأبو محمد بن حزم: حديث علي ومعاوية ضعيفان، زاد أبو عمر: ولا حجة فيهما من جهة النقل.
ولما رواه عبد الله بن أحمد وجادة في كتاب أبيه بخط يده، قال: كان في المحنة، وقد ضرب على هذا الحديث في كتابه، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة، عن حديث
علي ومعاوية قالا: ليسا بقويين. ولما ذكره ابن أبي داود في سننه من حديث الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية، قال: هذه سنة تفرد بها أهل حمص، وقال ابن الجوزي: فيهما مقال.
206 -
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسال قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم.
هذا حديث رواه ابن ماجه في موضع آخر، ورواه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان مطولًا بلفظ: أتيت صفوان بن عسال، أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم، فقال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب، قلت: إنه حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءا من أصحاب النبي عليه السلام فجئت أسألك: هل سمعت في ذلك شيئًا؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنّا سفرا - أو مسافرين - أن لا ننزع خفافنا بعد ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم، قال: قلت: هل سمعته يذكر في النجوى شيئا؟ قال: نعم، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت على نحو من صوته: هاؤم، قلنا: ويحك اغضض من صوتك، فإنك عند النبي عليه السلام وقد نهيت عن هذا، فقال: والله لا أغضض صوتي، قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرءُ مع من أحب يوم القيامة، فما زال يحدّثنا حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة سبعين عامًا عرضه، أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عامًا.
قال سفيان: قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحًا،
يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه.
ورواه الترمذي، عن أحمد بن عبدة، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم، وقال: حسن صحيح.
وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن أحمد بن عبدة، ثنا حماد وعن علي بن خشرم، نا ابن عيينة والحافظ أبو حاتم البستي، عن الحسين بن محمد بن أبي معشر، ثنا عبد الرحمن بن عمرو البجلي، ثنا زهير بن معاوية، عن عاصم، ونا أبو يعلى، ثنا هارون بن معروف، ثنا سفيان، وأنا عبد الله بن محمد الأزدي، نا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عاصم، وأنا ابن خزيمة، ثنا محمد بن يحيى وابن رافع، أنا عبد الرازق .. فذكره.
ولما ذكره الحاكم في مستدركه قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وخرجه ابن الجارود في منتقاه، عن محمد بن عبد الله بن يزيد، ثنا سفيان، وصححه أبو محمد بن حزم.
وفي كتاب ابن السكن ما يرد على الحاكم قوله، وهو: وقال الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن ابن مسعود قال: جاء رجل من مراد يقال له صفوان .. فذكر هذا الحديث.
وفي معجم الطبراني من جهة عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زر بقصة المسح. والله أعلم.
وأما حديث أبي هريرة قال عليه السلام: من وضع جنبه فنام فليتوضأ، فإن الحربي لما ذكره في علله قال: هذا منكر لم يروه عن الزهري إلا معاوية بن يحيى.
السَّه: اسم من أسماء الدبر. وقيل: هي حلقة الدبر فيما ذكره الهروي، والوكاء:
الحبل الذي يشد به القربة، قال:
ولا القرب وكاء الزاد أحسبه
…
لقد علمت بأن الزاد مأكول
وفي بعض الأمالي: حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء.
قال أبو بكر بن المنذر في كتاب الإشراف: واختلفوا في الوضوء من النوم، فكان الحسن يقول: إذا خالط النوم قلب أحدكم فليتوضأ، وهو قول سعيد بن المسيب وإسحاق وأبي عُبيد، وروينا معناه عن أبي هريرة وابن عباس وأنس.
وقال الزهري وربيعة ومالك: إن نام قليلًا قاعدًا لم ينتقض وضوؤه، وإن تطاول ذلك توضأ.
وقال الأوزاعي معنى ذلك، وبه قال أحمد، وكان حماد بن أبي سليمان والحكم وسفيان وأصحاب الرأي يقولون: إنّ من نام قائمًا أو قاعدًا فلا ينتقض وضوؤه، وإذا نام مضطجعًا أو متكئًا انتقض وضوؤه، واحتجوا بحديث عن ابن عباس لا يثبت.
وفيه قول رابع: وهو أن من نام ساجدًا في صلاة فليس عليه وضوء، فإن نام ساجدًا في غير صلاة توضأ، وإن تعمّد النوم ساجدًا في الصلاة فعليه الوضوء، وهو قول ابن المبارك.
وفيه قول خامس: وهو أن من زال عن حدّ الاستواء قاعدًا أو نام قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا أو مضطجعًا فعليه الوضوء وهو قول الشافعي.
وفيه قول سادس: وهو أن الوضوء لا يجب من النوم على أي حال كان حتى يحدث حدثًا غير النوم، روي معنى هذا القول عن أبي موسى الأشعري.
قال في شرح السنة: وهو قول الأعرج، قال ابن المنذر: وعن ابن المسيب أنه كان ينام مرارًا مضطجعًا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول استدلالًا بالسنة، وبإجماعهم على أنّ من زال عقله بغير النوم فعليه الوضوء، والنائم زائل العقل أو في معناه.
وقال ابن حزم: والنوم في ذاته حدث ينقض الوضوء سواء قلّ أو كثر، قاعدًا أو قائمًا، في صلاة أو غيرها، أو راكعًا أو ساجدًا أو متكئًا أو مضطجعًا، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا، برهان
ذلك حديث صفوان، فعم عليه السلام كل نوم، ولم يخص قليله من كثيره ولا حالًا من حال وسوى بينه وبين الغائط والبول، وهذا قول أبي هريرة وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن وابن المسيَّب وعكرمة والزهري والمزني وغيرهم، وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا ينقض كيف كان، ويرده ما أسلفناه من عند ابن المنذر.
قال أبو محمد: وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة، وعن ابن عمر ومكحول وعبيدة، وذكر حديث فيضعون جنوبهم، وحديث ينامون ثم يصلون، قال: لو جاز القطع بالإِجماع فيما لا يتيقن أنه لم يشذ عنه أحد؛ لكان هذا يجب أن يقطع فيه بأنه إجماع، لا تلك الدعاوى التي يدعونها، وذهب داود بن علي إلى أنّ النوم لا ينقض الوضوء إلا نوم المضطجع فقط، وهو قول روي عن عمر بن الخطاب وابن عباس ولم يصح عنهما، وعن ابن عمر، وصح عنه، وصح عن النخعي وعطاء والليث والثوري والحسن بن حي.
وذهب أبو حنيفة إلى قول - يعني ما تقدم - لا نعلمه عن أحد من المتقدّمين إلَّا أن بعضهم ذكر ذلك عن ابن أبي سليمان والحكم، ولا نعلم كيف قالا، وأمّا قول الشّافعي فما نعلم تقسيمه يصح عن أحد من المتقدّمين، إلا أنّ بعض الناس ذكر ذلك عن طاوس وابن سيرين، ولا نحققه. انتهى كلامه.
وفيما حكاه أنه رواه البيهقي من جهة يزيد بن أبي زياد، قال: وقد روي مرفوعا، والمرسل إذا عُضِّده مرسل آخر أو قول صحابي كان عند جماهير المحدثين أقوى من مسندٍ لو عارضه. والله أعلم.
باب الوضوء من مس الذكر
207 -
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عبد الله بن إدريس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن بُسرة بنت صفوان، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ.
هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ فأما أبو عيسى الترمذي فإنه لما رواه من جهة يحيى بن سعيد، عن هشام، أخبرني أبي، عن بسرة قال فيه: حسن صحيح.
قال: وهكذا روى غير واحد مثل هذا، عن هشام، عن أبيه، عن بُسرة، وقد روى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة، ورواه أبو الزناد، عن عروة، عن بُسرة، ولما سأل البخاري عنه في كتاب العلل، قال: أصح شيء عندي في مس الذكر حديث بسرة، وال حيح عروة، عن مروان، عن بسرة.
وذكر البيهقي، عن إسماعيل القاضي قال: سمعت ابن المديني يقول، وذكر حديث شعيب بن إسحاق، عن هشام الذي يذكر فيه سماع عروة من بسرة، فقال علي: هذا مما يدّلك أنّ يحيى بن سعيد قد حفظ عن هشام، عن أبيه، أخبرتني بسرة، وقال ابن عدي في كامله: إنّما رواه عروة عن بسرة، ولما سأل داود بن عبد الرحمن أبا عبد الله أحمد بن حنبل، قلت: حديث بسرة ليس بصحيح في مسّ الذكر، قال: بلى هو صحيح، وذلك أنّ مروان حدثهم ثم جاءهم الرسول عنها بذلك، وروى يعقوب بن سفيان، عن أحمد أنه سئل عن حديث بسرة، فقال: هو صحيح، وأنا أذهب إليه، قيل له: على الاختيار أو على الوجوب؟ قال: على الاختيار.
وفي كتاب الميموني: قلت لابن معين: أي حديث عن النبي عليه السلام أثبت في الوضوء من
مسّ الذكر قال: حديث بسرة صحيح من أثبتها، وإنّما يطعن عليه من لا يذهب إليه، قلت: فلم لا تتوضأ أنت منه؟! قال: لأنيْ رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعضهم، قلت: فإذا اختلف الصحابة في شيء وأنت تجده عن النبي عليه السلام تدعه؟
ولما سأله مضر بن محمد قال: ما صح فيه شيء إلا حديث بسرة وحديث بسرة فيه شيء، ولما خرجه الحافظ أبو بكر بن إسحاق السلمي في صحيحه من حديث هشام، عن أبيه، عن مروان عنها، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أنا ابن وهب، عن مالك قال: أرى الوضوء من مس الذكر استحبابًا لا أوجبه، وكان الشّافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعا لخبر بسرة لا قياسا.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول؛ لأنّ عروة قد سمع خبر بسرة منها، لا كما توهمه بعض الناس من أنّ الخبر واهي لطعنه في مروان.
ولما ذكره ابن حبان في صحيحه من جهة عروة سمعت بُسرة؟ قال: معاذ الله أن نحتج بمروان. وخرجه ابن الجارود في منتقاه من حديث عروة، عن مروان، وفي آخره: قال عروة: فسألت بسرة فصدقته.
ولما ذكره في المعرفة قال: إذا ثبت سؤال عروة بسرة له كان صحيحًا على شرط البخاري ومسلم جميعًا.
ولما خرجه ابن البيع في مستدركه من جهة خلف، عن حماد بن زيد، عن هشام أنّ عروة كان عند مروان، فسئل عن مس الذكر، فقال عروة: إن بسرة حدّثتني أنّ النبي عليه السلام قال: إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فلا يصل حتى يتوضأ، فبعث مروان حرسيا
…
الحديث.
قال: هكذا ساق ابن زيد هذا الحديث، وذكر فيه سماع عروة من بسرة، وخلف بن هشام ثقة، وهو أحد أئمة القراء، ومما يدل على صحة روايته رواية الجمهور من أصحاب هشام، عن أبيه، عن
بسرة، منهم: أيوب السختياني وقيس بن سعد المكي وابن جريج وابن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم ويحيى بن سعيد وحماد بن سلمة ومعمر وهشام بن حسان وعبد الله بن محمد أبو علقمة وعاصم بن هلال ويحيى بن ثعلبة المازني وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي وعلي بن المبارك وأبان العطار ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري، والدراوردي ويزيد بن سنان وعبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وجارية بن هرم الفقيمي وأبو مَعْشر وعباد بن صهَيب وغيرهم.
وقد خالفهم فيه جماعة، فرووه عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، منهم: الثوري ورواية عن هشام بن حسان ورواية عن حماد بن سلمة ومالك ووهيب بن خالد وسلام بن أبي مطيع وعمر بن علي المقدمي وعبد الله بن إدريس وعلي بن مُسهر وأبو أسامة وغيرهم.
وقد ظهر الخلاف فيه على هشام من أصحابه، فنظرنا فإذا القوم الذين أثبتوا سماع عروة من بسرة أكثر، وبعضهم أحفظ من الذين جعلوه عن مروان، إلا أنّ جماعة من الأئمة الحفاظ ذكروا عن مروان، منهم: مالك والثوري ونظراؤهما، فظن جماعة ممن لم يمعن النظر في هذا الاختلاف أنّ الخبر واهي، لطعن أئمة الحديث على مروان، فنظرنا فوجدنا جماعة من الثقات الحفاظ رووه عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، ثم ذكروا في رواياتهم أنّ عروة قال: ثم لقيت بعد ذلك بسرة فحدّثتني بالحديث كما حدّثني مروان عنها؛ فدّلنا ذلك على صحة الحديث وثبوته على شرط الشيخين، وزال عنه الخلاف والشبهة، وثبت سماع عروة من بسرة.
فممن بين ما ذكرنا من سماع عروة منها: شعيب بن إسحاق
الدمشقي وربيعة بن عثمان التيمي والمنذر بن عبد الله الحزامي وعنبسة بن عبد الواحد القرشي وأبو الأسود حميد بن الأسود الثقة المأمون.
وقد رواه عن عروة جماعة، منهم: عبد الله بن أبي بكر وابن شهاب وأبو الزناد ومحمد بن عبد الله بن عروة ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري والحسن بن مسلم بن يناق وغيرهم من التابعين وأتباعهم.
ورواه عن بسرة جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، وابن أبي مليكة، وعمرة بنت عبد الرحمن، وسليمان بن موسى.
ولما سئل أبو داود عن أصح حديث في مسّ الذكر، قال: حديث عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، ولما ذكره أبو محمد الفارسي في كتابه محتجا به مصححا له، قال: فإن قيل: إن هذا رواه الزهري عن عروة، وعن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، قلنا: مرحبا بهذا، عبد الله ثقة، والزهري لا خلاف في أنه سمع من عروة وجالسه، فهذا قوة للخبر، والحمد لله تعالى، ولما ذكره الإشبيلي صححه، وكذلك ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك.
وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن.
وقال أبو بكر الحازمي: حديث بسرة - وإن لم يخرجاه - لاختلاف يقع في سماع عروة؛ إذ هو عن مروان عنها، فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه، وكلامه يقتضي أنهما خرجا لمروان، وليس كذلك؛ لأنه معدود في أفراد البخاري، وبنحو ما قلناه نبّه عليه البيهقي في المعرفة وصححه أيضا ابن السكن وأبو عمر وابن وضاح، وقال ابن
الجوزي في التحقيق: هذا السند لا مطعن فيه.
وأما الذين ضعفوه فالدارقطني لما ذكره في كتاب العلل قال بعد كلام: فلما ورد الاختلاف على هشام أشكل أمر هذا الحديث، وظن كثير من الناس ممن لم يمعن النظر في الاختلاف أن هذا الحديث غير ثابت؛ لاختلافهم فيه؛ لأن الواجب في الحكم أن يكون القول قول من زاد في الإِسناد؛ لأنهم ثقات، والثقات زياداتهم مقبولة، فحكم قوم من أهل العلم بضعف الحديث لطعنهم على مروان، وقال الفلاس: حديث قيس عندنا أثبت من حديث بسرة. وقال ابن معين: أي حديث، حديث بسرة لولا أن قاتل طلحة في الطريق، وكان ابن المديني يقول نحو ذلك، وفي كتاب الدبوسي: قال ابن معين: ثلاثة أخبار لا تصح عن النبي عليه السلام منها حديث من مس ذكره فليتوضأ.
قال الحربي في كتاب العلل: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي، عن امرأة، وهو مخالف لما قدمناه عن ابن معين.
وروى الدارقطني في سننه: ثنا محمد بن الحسن النقاش، ثنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، نا رجاء بن مرجا الحافظ، قال: اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، فتناظروا في مسّ الذكر، فقال يحيى: يتوضأ منه، وقال علي بقول الكوفيين، وتقلد قولهم، واحتج ابن معين بحديث بسرة، واحتج علي بحديث قيس بن طلق، وقال ليحيى: كيف تتقلّد إسناد بسرة، ومروان أرسل شرطيًا حتى ردّ جوابها إليه؟ فقال يحيى: وقد أكثر النّاس في قيس بن طلق، ولا يحتجّ بحديثه، فقال أحمد: كلا الحديثين على ما قلتما.
فقال يحيى: مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنه توضأ من مس الذكر.
فقال علي: كان ابن مسعود يقول: لا يتوضأ منه، وإنما هو بضعة من جسدك، فقال يحيى: من قال: سفيان، عن أبي قيس، عن هُزيل، عن عبد الله، فإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر،
واختلفا، فابن مسعود أولى أن يتبع، فقال له أحمد: نعم، ولكن أبو قيس لا يحتج بحديثه فقال: حدّثني أبو نعيم، ثنا مُسعَر، عن عمير بن سعيد، عن عمار بن ياسر فقال: ما أبالي مسسته أو أنفي، قال أحمد: ابن عمر وعمار استويا، فمن شاء أخذ بهذا، ومن شاء أخذ بهذا.
وذكر الخطابي أنّ هذه المناظرة كانت بين أحمد ويحيى وأنّ أحمد احتج بحديث ابن عمر ولم يرفعه يحيى.
فلعلّهما واقعتان، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي في شرحه من جهة عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بلفظ: فأرسل إليها مروان شرطيا، قال: هذا عروة لم يرفع بحديث بسرة رأسا، وذلك لأنها عنده في حال من لا يؤخذ ذلك عنها، ففي تضعيف من هو أقل من عروة لبسرة ما يسقط به حديثها، وقد تابعه على ذلك ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وقال: لو وضعت يدي في دم أو حيض ما نقض وضوئي، فمس الذكر أيسر أم الدم؟ وكان يقول لهم: ويحكم مثل هذا يؤخذ به ويعمل بحديث بسرة، والله لو أن بسرة شهدت على هذا الفعل لما أجزت شهادتها، فلم يكن في الصحابة من يقيم هذا الدين إلا بسرة، قال ابن زيد: على هذا أدركنا مشيختنا، ما منهم واحد يرى في مس الذكر وضوءا، وإن كان إنما ترك أن يرفع بذلك رأسا؛ لأنّ مروان ليس عنده في حال من يجب القبول من مثله، فإنّ خبر شرطي مروان عن بسرة دون خبره عنها، فإن كان خبر مروان في نفسه عند عروة غير مقبول فخبر شرطيه إيّاه عنها بذلك أحرى أن لا يكون مقبولا، وأيضا فهذا الحديث لم يسمعه الزهري من عروة، إنّما دلّس به عن عبد الله بن أبي بكر عنه، فصار الأثر إنما هو عن الزهري، عن عبد الله بن عروة، فقد حطّ بذلك درجة؛ لأنّ عبد الله في حديثه عن عروة كحديث الزهري، عن عروة، ولا عبد الله في حديثه عندهم بالمتقن، لقد حدّثني يحيى بن عثمان، ثنا ابن وزير
سمعت الشّافعي سمعت ابن عيينة يقول: كنّا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من نفر سماهم، منهم: عبد الله بن أبي بكر سخرنا منه؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث، وأنتم قد تضعفون الحديث، ما هو مثل هذا بأقل من كلام ابن عيينة.
وقال آخرون: الذي بين الزهري وعروة في هذا الحديث أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فإن قالوا: فقد روى هذا الحديث هشام عن أبيه، فليس ممن تكلّم في روايته بشيء، قيل له: إنّ هشاما لم يسمع هذا من أبيه، إنما أخذه من أبي بكر أيضًا، فدلس به عن أبيه، ثنا بذلك سليمان بن شعيب، ثنا الخصيب، ثنا همام، عن هشام، قال: حدّثني أبو بكر بن محمد، عن عروة، فإن قالوا: فقد رواه عن عروة غير الزهري وهشام وهو ما رواه ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود، عن عروة به، فقيل لهم: كيف تحتجون في هذا بابن لهيعة وأنتم لا تجعلونه حجة لخصمكم فيما يحتج به عليكم؟ ولم أرد بشيء من ذلك الطعن على عبد الله بن أبي بكر ولا ابن لهيعة ولا غيرهما، ولكني أردت بيان ظلم الخصم، فثبت وهاء حديث الزهري بالذي دخل بينه وبين عروة، ووهاء حديث الزهري أيضا وهشام بالذي بين عروة وبسرة؛ لأن عروة لم يقبل ذلك، ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من ذلك، فإن احتجوا في ذلك بحديث يحيى بن أبي كثير أنه سمع رجلا يحدّث في مسجد النبي عليه السلام بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن بسرة سألت النبي عليه السلام
…
الحديث، قيل لهم: أنتم تزعمون أنّ عمرا لم يسمع من أبيه شيئا، إّنما حدّيثه صحيفة، فهذا على قولكم منقطع والمنقطع لا يجب به عندكم حجة. انتهى قوله.
وعليه فيه مآخذ:
الأول: قوله: إنّ عروة لم يرفع بحديث بسرة رأسًا، وذلك أنها عنده في حال من لا يؤخذ عنها فغير صحيح؛ لكونها صحابية معروفة الصحبة، ومن كانت بهذه المثابة فأجدر بأن يرفع لحديثها الرءوس، قال الحاكم: هي من سيدات قريش، قال
فيها مالك بن أنس: أتدروّن من هي؟ هي جدّة عبد الملك أم أمه، فاعرفوا هذا، وذكر مُصْعب الزبيري أنها من المبايعات وورقة بن نوفل عمّها، وليس لصفوان بن نوفل عقب إلا من قبلها، وهي زوج المغيرة بن أبي العاص، روى عنها جماعة، وروينا لها عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث غير هذا الحديث، فقد ثبت بما ذكرنا اشتهارها، وأنّ اسم الجهالة مرتفع عنها بهذه الروايات، وذكر الشّافعي أنّ لها سابقة وهجرة قديمة وصحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: وقد حدثت بهذا الحديث في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون، فلم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها، منهم: عروة بعد إنكاره ذلك وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
وفي الاستيعاب: ولدت للمغيرة معاوية وعائشة وكانت عائشة تحت مروان، وفي كتاب الزبير بن بكار: هي أم معاوية وجدّة عائشة بنت معاوية وعائشة هي أم عبد الملك وكانت من المبايعات، وبنحوه ذكره ابن الكلبي في جامعه، وزعم البرقي أنها من كنانة، قال أبو عمر: وليس ذلك بشيء، والصواب أنها من بني أسد بن عبد العزى، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لأنّ أسد بن عبد العزى لا مخرج له عن نسب كنانة، فكأن البرقي نسبها إلى الجذر لا إلى الفصيلة، والله أعلم.
ولما ذكرها ابن سعد قال: بسرة بنت صفوان بن نوفل بن عبد العزى بن قُصي أمهّا سالمة بنت أمية بن حارثة بن الأوقصي بن مرّة بن هلال بن فالج بن ذكّوان بن ثعلبة بن بُهثة بن سُلَيم، وأخوها لأمها عقبة بن أبي معيط، وابنها معاوية قتل منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من أحد، وهو جدّ عبد الملك.
وقال ابن حبان: هي من المهاجرات، وخديجة أم المؤمنين عمة أبيها.
وقال أبو محمد الأموي: وصح أن بسرة صحابية مشهورة.
وقال ابن شبة في كتاب أخبار المدينة على ساكنها الصلاة والسلام: قال محمد، يعني ابن طلحة بن الطويل التيمي: صلى عليه الصلاة
والسلام في دار بسرة بنت صفوان رضي الله عنها. وأما ما قاله الحافظ ابن سرور: من أنها خالة مروان فشيء لم أره لغيره، وأيضًا فقد أسلفنا أنه أخذ عنها هذا الحديث نفسه، وحدث به عنها بغير واسطة كما سبق، فدل أنها عنده أهل وموضع للرواية، لا كما زعم، لا سيما عمله بما روته له ورجوعه إليه بعد إنكاره ذلك.
الثاني: قوله: إن هشامًا لم يسمعه من أبيه، ولعمري لقد قال ذلك قبله شعبة، فيما حكاه عنه الإمام أحمد في تاريخه الذي رواه عن ابنه أبو بكر الحضرمي: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث مس الذكر من أبيه، قال يحيى: فسألت هشامًا، فقال: أخبرني أبي، ثم رواه في مسنده أخبرني يحيى، عن هشام قال: حدثني أبي أن بُسرة أخبرته .. فذكر الحديث.
وقد أسلفنا قول ابن المديني في ذلك أيضًا، ويشبه أن يكون مستند من قال ذلك رواية داود العطار عنه، ووهم في ذلك، وقال الحاكم أبو عبد الله: وروى داود العطار، عن هشام، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة حديث بسرة، وهو واهم. وقال في موضع آخر: ما روي من وجه يعتمد.
وفيما قاله نظر؛ لما رواه أبو القاسم في الأوسط: عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن همام بن يحيى، عن هشام، عن عبد الله بن أبي بكر به، وهؤلاء كلّهم ثقات، ويحمل ذلك على أنه سمعه منه أولًا، ثم شافهه به آخرا لصحة الروايتين عنه بذلك، ولئن كان ما قاله أبو جعفر صحيحًا فلا وجه لإعلال الحديث به؛ لأن عبد الله ممن خرج الشيخان حديثه في صحيحيهما.
وقال مالك النجم فيه: كان رجل صدق.
وقال أحمد بن حنبل: حديثه شفاء.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عالمًا، ووثقه ابن معين وأبو حاتم الرازي وابن حبان والعجلي والبرقي وغيرهم، فعلى هذا يتأول ما نقله عن ابن عيينة، وأنه ليس بطعن يردّ به حديثه
فسواء أبرز أو لم يُبرز لعدالته وثقته، ولعدم افتقارنا إلى وجوده، ولما ذكرنا من سماع هشام له من أبيه، وسماع الزهري من عروة كما سبق بيانه من عند ابن حزم وغيره.
الثالث: قوله: لأن مروان عنده ليس في حال من يجب القبول من مثله إلى آخره.
قد بينا أنّ مروان ليس له ولا لشرطيه في هذا الحديث مدخل، ولسنا ممن يعتمد على قول البيهقي في المعرفة: ولولا ثقة الحرسي عند عروة لما قبله لعدم صحة هذا الكلام؛ لأنا لا نقبل ذلك إلا بعد معرفة عينه وحاله، أو ما يقوم مقامهما كما بيناه من أن عروة مشى إلى بسرة فشافهته به، فذكر أولئك ضرب من التشغيب الذي لا طائل تحته، ولئن سلمنا ما قاله، فمروان ليس ممن ترد به الأحاديث؛ لأنه ممن ذكره في الصحابة جماعة من الأئمة، وروى له البخاري في صحيحه حديثا محتجًا به، عن علي بن أبي طالب وفاطمة وآخر مقرونًا بالمسوَر بن مخرمة، وأما ما قُذف به من قتل طلحة فشيء لم يثبت عليه، ولم يأت إلَّا على لسان مؤرخ مقدوح في عدالته كأبي مخنف وهشام وغيرهما، والله أعلم، وسيأتي ذكر من سمّاه المهاجري على بعده إن شاء الله تعالى.
وَمَنْ قال في حديث بسرة: إنه عن حرسي - جاهل متعسف، لا يدري، وذلك أنه اعتل بعلة لو تدبرها أمسك عنها، ولهذا قال ابن حزم: ومروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، ولم يرو عروة هذا عنه إلا قبل خروجه على أخيه، لا بعد خروجه، هذا ما لا شك فيه، والله تعالى أعلم.
الرابع: ما حكاه عن ربيعة - مردود بما سنذكره بعد من رواية جماعة من الصحابة لذلك كروايتها.
الخامس: ذكره حديث عمرو بن شعيب وادّعاؤه فيه الانقطاع - مردود بما أسلفناه
قبل من اتصاله عند جماعة من العلماء ولكن منعنا من أن نحتج به جهالة حال المحدّث لابن أبي كثير؛ وإن كنا قد عرضنا عنه.
السادس: قوله: إنّ أبا الأسود رواه أيضًا عن عروة، لكن من طريق ابن لهيعة، يفهم أن غيره لم يروه كروايته عنه، وهو غير صحيح؛ لما ذكره أبو عبد الله بن البيع من أن محمد بن عبد الله بن عروة رواه عن عروة، وكذلك محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وعبد الحميد بن جعفر والحسن بن يناق، وفي الترمذي: ثنا علي بن حجر، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن بسرة، ومنهم من عابه بالاختلاف في إسناده وألفاظه؛ وذلك أنه مروي من جهة الزهري ومالك وهشام بن عروة، فأمّا الزهري فقد اختلف عليه على وجوه:
أحدها: عنه، عن عروة، عن مروان عن بسرة، وهذه رواية الطبراني عن عبد الرزاق، عن معمر عنه، عن عروة، قال: تذاكر هو ومروان الوضوء من مس الفرج، فقال مروان: حدّثتني بسرة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضُوء من مس الفرج، فكأن عروة لم يرفع لحديثه فأرسل مروان إليها شرطيا فرجع فأخبرهم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الفرج.
وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمر اليحصبي، عن الزهري، عن عروة أنه سمع مروان قال: أخبرتني بسرة
…
الحديث. أخرجها الطبراني، عن أحمد بن معلى الدمشقي، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن نمر.
الثاني: عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو، ثم اختلفوا، فقيل: عن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، وهذه رواية يحيى بن عبد الله البابلتي، عن الأوزاعي، عن الزهري بلفظ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يتوضأ الرجل من مس الذكر.
وكذلك
رواية الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة من جهة ابن دحيم، عن أبيه، عن الوليد.
وقيل: عن أبي بكر، عن مروان، عن بسرة، وهذه رواية إسحاق بن راشد، عن الزهري قال فيها: عن أبي بكر أنَّ عروة حدَّثه أنَّ مروان ذكر أن بسرة قالت: إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ.
ولهذه الرواية شاهد من حديث سعيد بن سفيان الجحدري، عن شعبة، عن أبي بكر سمعت عروة يقول: أرسل مروان إلى بسرة فسألها عن هذا الحديث، فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ. أخرجها الطبراني من حديث عقبة بن مكرم عن سعيد.
الثالث: عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر ثم اختلفوا، فقيل: عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وهذا من جهة الليث بن سعد، عن الزهري من رواية شعيب بن يحيى وعبد الله بن صالح، عن الليث، وكذلك رواية ابن أبي ذئب، عن الزهري، رواها الطبراني، عن إبراهيم بن محمد بن عرق، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد عن ابن أبي ذئب، وكذلك رواية شعيب، عن الزهري، ذكرها النسائي، وكذلك رواية عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب من رواية عبد الله بن صالح، عن الليث عنه، أوردها الطبراني، وكذلك رواية الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، ورواية عبد الله بن صالح، وقيل: عن الزهري، عن
عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة أو زيد بن خالد رواها الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن ابن شهاب.
وأمّا مالك فالصحيح عنه ما أسلفناه. وقيل: عنه عن هشام، عن أبيه، عن بسرة، رواها الطبراني، عن أحمد بن عمرو الخلال، عن إبراهيم بن المنذر، عن أبي علقمة الفروي.
وقيل: عنه عن نافع، عن ابن عمر، عن بُسرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوضوء من مس الذكر رواها أبو الحسن البغدادي في غرائب مالك، وقال: هذا الحديث معروف بحفص بن عمر العدوي، عن مالك، وحفص ليس بقوي في الحديث، وهذا في الموطأ من فعل ابن عمر غير مرفوع، وهو الصواب، وروي عن أبي مُصْعب، عن مالك كرواية حفص، ولا يصح عن أبي مصعب، ثم قال: حدّثني إبراهيم بن محمد وعمر بن أحمد بن عثمان، ثنا الحسن بن مهدي بن عبدة المروزي، ثنا محمد بن علي بن المنذر أبو عبد الله، ثنا أبو مصعب المدني، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن بسرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ.
وقال ابن عدي: هذا ليس ي ويه عن مالك إلا حفص، وهذا الحديث في الموطأ، عن نافع، عن ابن عمر موقوف. وفي حديث ابن صاعد بيان ذلك. وأما قوله: عن بسرة فهو باطل. انتهى.
وما قدّمناه من عند الدارقطني، يرد قوله، ورواه عن ابن قانع بلفظ آخر من جهة ابن مصفى، عن حفص بلفظ: قال عليه السلام: من مس فرجه فليتوضأ.
وأما هشام فقيل: عنه عن أبيه، عن بسرة، وهذه رواية الترمذي ولفظه: من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ وقال: حسن صحيح، وقال: هكذا رواه عن واحد، عن هشام، وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث، عن هشام، عن أبيه، عن مروان، ولفظ الدارقطني: وضوءه
للصلاة، وروى إسماعيل بن عياش، عن هشام، زاد: وإذا مست المرأة قبلها فلتتوضأ. وضعف هذه الرواية.
ورواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر في كتاب العلل عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن نمر اليحصبي عن الزهري عن عروة عن مروان عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالوضوء من مس الذكر، والمرأة مثل ذلك، وذكر عن أبيه: هذا حديث وهم فيه في موضعين:
أحدهما: أن الزهري يرويه عن عبد الله بن أبي بكر، وليس في الحديث ذكر المرأة.
وذكر الحافظ أبو بكر في كتاب الفصل للوصل المدرج في النقل: أن عبد الحميد بن جعفر رواه عن هشام بلفظ: أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ وضوءه للصلاة، ثم قال: ذكر الأنثيين والرفغين، تفرد به عبد الحميد، وقد رُوي عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن هشام .. الحديث. وفيه ذكر الأنثيين خاصة، وذكر الأنثيين والرفغين ليس من كلام النبي عليه السلام، وإنما هو من قول عروة، فأدرجه الراوي، وقد بيَّن ذلك حماد بن زيد وأيوب في روايتهما عن هشام. انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين:
الأول: قوله: إن عبد الحميد تفرد به، وليس كذلك لما ذكره أبو القاسم في الأوسط عن إسحاق بن داود الصواف، نا أحمد بن عبدة الضبي، عن محمد بن دينار، عن هشام، عن عروة، عنها، قال عليه السلام: مَنْ مس رفغه أو أنثييه أو ذكره فلا يصل حتى يتوضأ.
فهذا محمد بن دينار رواه عن هشام كروايته.
الثاني: لقائل أن يقول: ليس مدرجًا؛ لأن ابن دينار صدَّر الحديث بذكر الرفغين
والأنثيين قبل ذكره مس الذكر، والمعروف في كتب المحدثين أن الإدراج إنما يكون آخر الحديث، وأما إذا كان أوله أو في وسطه فهذا أمر عسر صعب لا يوقف على حقيقة الأمر فيه إلا بعد جهد، والله أعلم.
وقيل: عنه عن أبي بكر بن محمد، عن عروة، عن بسرة، أخرجها الطبراني، عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن همام بن يحيى عنه، وقيل: عنه عن أبيه عن عائشة.
وقيل: عنه، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة.
وقيل: عنه، عن أبيه عن أروى.
وفي كتاب الطبراني: من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عنها، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تضرب بيدها فتصيب فرجها؟ قال: تتوضأ يا بسرة. أخرجه عن حفص بن سليمان النوفلي، عن إبراهيم بن المنذر، عن معن بن عيسى، عن عبد الله بن المؤمل عنه، وقد أسلفنا بحمد الله تعالى الجواب عن جميع ما ذكر من الاختلاف، وأن ذلك ليس بقادح في التعليل لما تقدَم، والله تعالى أعلم.
208 -
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا معن بن عيسى (ح)، وثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا عبد الله بن نافع جميعا، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء.
هذا حديث قال فيه ابن شاهين: غريب، لا أعلم جوده إلا دحيم وأحمد بن صالح، وحدث به محمد بن يحيى النيسابوري، ومحمد بن عوف، والحسن بن
محمد الزعفراني والعباس بن محمد جميعا عن دحيم ولما ذكره أبو عمر قال: هذا إسناده صالح، كلّ مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن عبد الرحمن، فإنه ليس بالمشهور بالعلم، يقال: هو عقبة بن عبد الرحمن بن معمر، ويقال عقبة بن عبد الرحمن بن جابر، ويقال عقبة بن أبي عمرو. انتهى كلامه.
ويحتمل على أنه تارة نسب لجده الأعلى، وتارة للأدنى، ويكون أبوه يكنى أبا عمرو؛ وذلك لا يتأتى إلَّا بعد معرفة حاله، فنظرنا، فإذا أبو حاتم البستي ذكره في كتاب الثقات بنحو مما قلناه.
فقال: عقبة بن عبد الرحمن بن معمر من أهل المدينة ويعرف بابن أبي عمرو، ولما ذكره الحافظ ضياء الدين قال: ما أعلم بحديث جابر بأسا، وأبى ذلك البخاري، فقال لما ذكره: وعقبة روى عنه ابن أبي ذئب، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم في مس الذكر. وزاد عبد الله بن نافع، عن جابر: ولا يصح.
وقال الشّافعي رحمه الله تعالى: وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه لم يذكروا جابرا، وقال أبو داود: وسئل أحمد عن حديث ابن أبي ذئب يعني هذا، فقال: هذا من ابن نافع عبد الله بن نافع، قال أبو داود: يريد أن قوله عن جابر وهم، وأن الحديث عن محمد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن حديث عبد الله بن نافع هذا، فأنكره إنكارا شديدا، وقال: هذا ليس يرفع، وعبد الله بن نافع منكر الحديث، وقد رأيته وجالسته، وكان من المعدودين من أصحاب مالك وأعلمهم بقوله وكان يفتي بالمدينة وكان رجلا صالحا، قلت له: فما له؟ قال: لم يكن صاحب حديث ولا يعرفه، أحاديثه منكرة.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي
عن حديث رواه دَحَيم يعني هذا، فقال لي: هذا خطأ، الناس يروونه عن ابن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، لا يذكرون جابراَ، وإلى هذا مال الطحاوي وذكر مضر عن أبي زكريا قلت له: فحديث جابر؟ قال: نعم، رواه ابن أبي ذئب وليس بصحيح، ولقائل أن يقول: قد تبيّن بمجموع ما تقدم ضعف قول أبي عمرو المقدسي؛ لأنه أتى بأشدّ من قول محمد بن إسماعيل البخاري في عبد الله بن نافع الصائغ هذا، في حفظه شيء، تعرف وتنكر في حفظه وكتابه، وقول أحمد المتقدّم فيه.
وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان الفسوي والبلخي، فيقال له على طريقة معلومة: الرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة، وابن نافع قال فيه أبو زكريا بن معين: ثقة.
وقال العجلي: ثقة مدني متعبد.
وقال ابن عدي: هو مستقيم الحديث وإذا روى عنه مثل عبد الوهاب بن بخت يكون ذلك دليلًا على جلالته.
وقال محمد بن سعد: كان قد لزم مالكا لزوما شديدًا، وكان لا يقدم عليه أحدا وهو دون معن.
وقال سحنون: لزم مالكًا أربعين سنة، حكاه الشيرازي.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: لم أر فيه طعنًا يعني قادحًا، وإلا فمن المعلوم أنه رأى بعض ما تقدّم، وأما ذكر العقيلي وابن عدي والبلخي له في كتاب الضعفاء، فإنما ذكروا فيه كلام البخاري، وكلامه يُتأوّل؛ لعدم صراحته بالضعف، وكذلك كلام أحمد، ولئن سلمنا ضعفه ووهمه فنحن غير محتاجين له، لمتابعة معن له كما سبق في الباب، والله أعلم.
وفي قول البيهقي: روي، يعني حديث جابر، دحيم موصولًا - إشعار بتفرّده بذلك، وليس كما قال؛ لما ذكره أبو نعيم الحافظ في تاريخ بلده: ثنا أبي، ثنا الفضل بن الخصيب بن نصر، ثنا النضر بن سلمة شاذان المروزي، ثنا عبد الله بن نافع، ثنا ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن ابن ثوبان، عن جابر
…
الحديث مرفوعا.
209 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المعلى بن منصور، ونا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، ثنا مروان بن محمد قالا: الهيثم بن حميد، ثنا العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ.
هذا حديث قال فيه علي بن سعيد: سألت أبا عبد الله عما يروى في مس الذكر، أيّها أصح عندك؟ قال: حديث أم حبيبة.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد: حديث أم حبيبة أصحها؟ قال: نعم هو أصحها.
وقال محمد بن عوف: قال لي أحمد: حديثك أشتهي أسمعه حديث عنبسة.
وقال مهنأ: سألت أحمد عن الهيثم بن حميد؟ فقال: لا بأس به، قلت: إنّ الهيثم بن خارجة قال: هو متروك الحديث، قال: لم يكن به بأس، ولكنه كان يرى القدر، وسألت أحمد عن العلاء بن الحارث؟ فقال: هو من أصحاب مكحول، وفي الاستذكار: حديث أم حبيبة صحيح لا أدفعه، وفي التمهيد: كان أحمد يقول في مسّ الذكر: حديث حسن ثابت وهو حديث أم حبيبة.
وقال أبو زرعة الدمشقي في التاريخ: وسمعت أبا مسهر يقول: لم أسأل الهيثم بن حميد إلا عن حديثي أم حبيبة، وقال أبو زرعة: كتب إليّ أحمد بن حنبل لأكتب إليه بحديثه في مسّ الفرج: حدثني محمود، عن أبي مسهر أخبرني محمد بن مهاجر أنه يعرف الهيثم بطلب العلم، قال أبو زرعة: قلت: فأعلم أهل دمشق بحديث مكحول وأجمعه؟ فقال: الهيثم ويحيى بن حمزة، ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط، قال: لم يروه عن مكحول إلَّا العلاء، ولا يروى عن أم حبيبة إلا بهذا الإسناد، ولما سأل أبو عيسى في كتاب العلل الكبير أبا زرعة عنه استحسنه، قال: ورأيته كأنه يعدّه محفوظا، وفي موضع آخر قال: هو صحيح.
وقال أبو عمر في التمهيد: قد صحّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة، ذكر ذلك دَحيم وغيره، وذكر البيهقي في الخلافيات عن إسناد أبي عبد الله: هذا حديث حدّث به الإِمام أحمد ويحيى بن معين وأئمة الحديث، وكان يحيى بن معين يثبت سماع مكحول من عنبسة، قال يعني الحاكم: فإذا ثبت سماعه منه فهو أصح حديث في الباب.
وقال الخلال في كتاب العلل: قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري: حدّثني محمد بن زرعة الرعيني قال: سألت مروان بن محمد: مكحول سمع من عنبسة؟ فلم ينكر ذلك.
قال الخلال: ولو لم يكن عند أبي عبد الله أنّ مكحولا سمع من عنبسة لم تتواتر عنه الرواية بتصحيح حديث أم حبيبة.
وقال ابن السكن: ولا أعلم في حديث أم حبيبة علّة إلا أنه قيل: إن مكحولا لم يسمع من عنبسة، وأبى ذلك الحافظ البخاري لما سأله عنه الترمذي بقوله: مكحول لم يسمع من عنبسة، روى عن رجل عن عنبسة، عن أم حبيبة: من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة.
وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحا، وفي مراسيل ابن أبي حاتم: وسئل أبو زرعة عن حديث أم حبيبة في مس الفرج، فقال مكحول: لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئا؛ وكذا ذكره أبو عبد الرحمن النسائي.
وفي كتاب العلل للرازي: قلت لأبي: حديث أم حبيبة فيمن مسّ ذكره؟ فقال: روى ابن لهيعة في هذا الحديث مما يوهن الحديث، قال أبو محمد: أي تدل روايته أن مكحولا قد أدخل بينه وبين عنبسة رجلا.
وفي الاستذكار: لم يسمع مكحول من عنبسة حديث أم حبيبة في مسّ الذكر، وفي موضع آخر منه:
مكحول لم يسمع عنبسة، وذكر أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار: كان أحمد يقول بصحة هذا الحديث، ثم وجده مرسلا؛ لأنّ مكحولا لم يلق عنبسة.
وفي سؤالات مضر بن محمد: سألت يحيى بن معين، عن قول أحمد: أصحّ حديث في مسّ الفرج حديث العلاء عن مكحول عن عنبسة؟ فقال يحيى: هذا أضعفها، قلت: وكيف؟ قال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئا.
وفي كتاب التمهيد عنه: قلت: فإن أحمد يقول: أصحّ حديث فيه حديث الهيثم عن العلاء عن مكحول؟ فسكت، وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منقطع، وضعفه ابن وضاح أيضا، نقلته مما زاده في تصنيف وكيع بن الجراح بن مليح.
والذي يترجح من هذه الأقوال قول أحمد ومن تابعه، وذلك أنّ المضعَّفين إّنما ضعَّفوه بسبب الانقطاع، وقد بينا قول من أثبت سماع مكحول من عنبسة، والمثبت مقدم على النافي.
وقد ذكر الدارقطني في علله ما يشدّ ذلك، وهو ما رواه - يعني حديث أم حبيبة في التطوع - النعمان بن المنذر، عن مكحول، عن عنبسة، أنه أخبره عن أم حبيبة .. فذكره.
وأما قول أبي زرعة: إن حمل على التناقض فيكون ظهر له أحد القولين بعد الآخر، وإن حمل على أنه وجه بعيد عنده صحيح محفوظ مع انقطاعه، فقد يتأتى ذلك في كلامهم، لكن بضميمة أخرى مشعرة بالمقصود، وكذا ما حكي عن ابن معين، وأبي عمر، وإن كان لا يعذر كعذر مَنْ له الاجتهاد لما حكينا عنه في كتابيه، وأما ما حكي عن أحمد فليس فيه تصريح برجوعه عن قوله، وإنه مع ذلك قول شاذ، لم يروه أحد من أصحابه عنه فيما رأينا، والله أعلم.
وأما قول البخاري فالظاهر أنه مستند إلى ما أبرزه أبو حاتم من أن ابن لهيعة زاد بينهما رجلًا، فلئن كان ذلك كذلك فأجدر بهذه العلة أن يكون شعار ابن لهيعة لا تقبل منه الزيادات بحال، فإن قيل: قد تابعه على إدخال رجل بينهما عبد الكريم بن أبي المخارق، فيما ذكره الدارقطني في كتاب العلل، قلنا له: القول في
عبد الكريم كالقول في ابن لهيعة، والله أعلم.
210 -
حدثنا سفيان بن وكيع، ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن أبي فروة، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن أبي أيوب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ.
هذا حديث رواه ابن شاهين في الناسخ، عن البغوي، عن عبد الله بن عمر الكوفي، عن أبي غسان، عن عبد السلام سالما من ابن وكيع، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتوضأ من مس الذكر، وربما قال: من مس ذكره فليتوضأ.
وفي الأبواب عن عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا أحمد بن ملاعب، ثنا أبو غسان، ثنا علي بن محمد المصري، ثنا يحيى بن أيوب، حدثني سعيد بن عفير، أنبأنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عروة، عن بُسرة أو أبي أيوب الأنصاري، ولفظه: إذا مس أحدكم ذكره فلا يصل حتى يتوضأ.
وقال البيهقي في الخلافيات: هذا حديث غير محفوظ بهذا الإسناد.
وقال ابن وضاح: هو غير صحيح، وأجدر به أن يكون كذلك لما نذكَره بعد في الباب الذي بعد هذا، ولحال روايه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن سوادة، ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: كيسان القرشي الأموي أخو إسماعيل وصالح وعبد الأعلى وعبد الحكم وعمار ويونس ومحمد، فإنه ممن قال فيه أبو عيسى: تركه بعض أهل العلم، منهم الإمام أحمد.
وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: لا تحل الرواية عنه، فقلَت: يا أبا عبد الله لا تحل؟ قال: عندي.
وقال أبو حاتم والفلاس والنسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك، زاد الفلاس: منكر الحديث.
وقال البخاري: قد تركوه.
وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث.
وقال يحيى: ليس بشيء، لا
يكتب حديثه، وفي رواية: كذاب، وفي رواية عباس: هو غير ثقة وإخوته ثقات، وسئل سعدويه عن حديث لعلي بن ثابت، عن الوازع بن نافع، فقال: لا يروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل الوازع، وسئل عن حديث إسحاق بن أبي فروة، فقال شرا مما قال في الوازع.
وقال ابن المديني: هو منكر الحديث.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يروي أحاديث منكرة ولا يحتجون بحديثه وكان يرى رأي الخوارج.
وقال الساجي: ضعيف الحديث ليس بحجة وكان له أخ يقال له عبد الحكم، ضعيف مثله، وكان أبو فروة يسمى كيسان، وكان حفَّارا من رقيق الإِمارة الذين يحفرون القبور.
وفي كتاب العقيلي: جلس إسحاق في مسجد المدينة يحدث والزهري إلى جانبه، فجعل يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أكثر قال الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك على الله؟ ألا تسند حديثك، إنّك لتحدّث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمّة.
وقال محمد بن عاصم: كان من أهل الصدق قدمت المدينة ومالك حي فلم أر أهل المدينة يشكون أن إسحاق بن أبي فروة متَّهم على الدين.
وقال أبو غسان: جاءني ابن المديني يكتب عني عن عبد السلام أحاديث ابن أبي فروة، فقلت: أي شيء تصنع بها؟ فقال: أعرفها لئلا تقلب، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء، زاد أنّ النسائي قال: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
وقال ابن البرقي: هو ممن ترك حديثه واتهم في روايته.
وفي سؤالات الآجري: سمعت أبا داود يقول: إسحاق بن أبي فروة مولى عثمان قتلته الخوارج ودفن في المسجد.
وقال ابن نافع: ضعيف.
وقال البزار: ليّن الحديث، وضعفه أيضا الفسوي، وضعّف به ابن الجوزي غير حديث، وكذلك ابن طاهر في كتابيه الذخيرة والتذكرة.
وفي الباب غير ما حديث عكس ما يوهمه كلام ربيعة الرأي بقوله: أما كان في الصحابة من يحمل هذا الدين إلا بُسرة، من ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أنبأنا به أبو النون العسقلاني رحمه الله قراءة عليه
وأنا أسمع، أنبأكم ابن المعز، عن ابن ناصر، أنا أبو منصور محمد بن أحمد المعمري - رحمة الله عليه - وأخبرنا الإِمام بدر الدين محمد بن خالد بقراءتي عليه، أخبركم ابن الفرات قراءة عليه، عن فاطمة بنت سعد الخير، أنبأ أبي، أنا المعمري، أنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن أبي حفص، أنا الحافظ أبو حفص بن شاهين قال: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أنا هشام بن عبد الملك، ثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا محمد بن سليمان الباهلي، قالا: نا أحمد بن الفرج الحمصي، ثنا بقية، ثنا الزبيدي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ، قال أبو حفص: لا أعلم ذكر هذه الزيادة في مس المرأة فرجها في غير حديث عبد الله بن عمرو.
وأنا الإمام يونس الدَّبوسي قراءة عليه، وأنا أسمع، عن أبي المكارم عبد الله بن الحسن بن منصور، أنبأ الإمام الحافظ أبو بكر بن حازم، أنا أبو موسى الحافظ، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو أحمد الغطريفي، نا محمد بن عبد الله بن شيرويه، أنا إسحاق الحنظلي، ثنا بقية .. فذكره. قال: هذا إسناد صحيح؛ لأن إسحاق إمام غير مدافع، وقد خرَجه في مسنده، وبقية بن الوليد ثقة في نفسه، فإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد أخرج مسلم بن الحجاج فمن بعده من أصحاب الصحاح حديثه محتجين به.
والزبيدي هو محمد بن الوليد قاضي دمشق، من ثقات الشاميين، محتج به في الصحاح كلها، وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث، وإذا روى عن غير أبيه لم يختلف أحد في الاحتجاج به، وأما روايته عن أبيه عن جده فالأكثرون على أنها متصلة، ليس فيها إرسال ولا انقطاع، وقد روى عنه خلق من التابعين، وقد رُوي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب من غير وجه، فلا يظن ظان أنه من مفاريد بقية فيحتمل أن يكون أخذه عن مجهول.
والغرض من تبيين هذا الحديث زجر مَنْ لم يتقن معرفة مخارج الحديث عن الطعن في الحديث من غير تتبع وبحث
عن مطالعِهِ. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجهين:
الأول: قوله: إن مسلمًا احتج بحديث بقية، وإنما أخرج له في المتابعات، كذا قاله شيخنا المزي وغيره.
الثاني: قوله في عمرو: ثقة باتفاق، وذلك أنا أسلفنا قول مَنْ تكلم فيه، وهم جماعة: أيوب بن أبي تميمة، والليث، ويحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وابن معين، وأبو داود، والعقيلي، وابن عيينة، والساجي، والبرقي، فأي اتفاق مع مخالفة هؤلاء؟!
وأما قول ابن شاهين: لا أعلم ذكر هذه الزيادة في مس المرأة فرجها .. إلى آخره، فيشبه أن يكون وهمًا، لما سبق من ذكر ذلك في بعض طرق بسرة، ولما ذكره هو في كتاب الأبواب من تأليفه، من حديث سعيد بن المسيب، عنها أنها قالت: يا رسول الله، كيف تفعل إحدانا تمس فرجها بعد ما تتوضأ؟ فقال: من مسّ فرجه فليتوضأ، ومن حديث ابن عمر عنها أيضا.
ولما ذكره أيضا من حديث عائشة من طريق ابن سريج: الرجال والنساء سواء.
ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن بسرة: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تدخل يدها في فرجها، فقال: عليها الوضوء.
قال: لم يروه عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان إلا يحيى بن راشد، تفرد به سليمان بن داود، ولما يأتي بعد من حديث عائشة، رضي الله عنها.
وفي كتاب العلل الكبير لأبي عيسى الترمذي: قال محمد: وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مس الذكر هو عندي صحيح.
وفي كتاب المعرفة للبيهقي: ورواه عن عمرو كذلك - يعني موصولا - عبد الله بن المؤمل المخزومي، وثابت بن ثوبان، وفي
السنن الكبير: وهو غير ثابت غريب. قال: وخالفهم المثنى بن الصباح، عن عمرو في إسناده، وليس بالقوي.
وخرجه ابن الجارود في المنتقى، وأبى ذلك الإمام أحمد بن حنبل حين سُئل عنه، فقال: ليس بذاك، كأنه ضعفه، ذكره الخلال في علله، وفيه إشكال من حيث تخريجه له في مسنده، إذ لا يخرج فيه إلا ما صح عنده، كذا ذكره أبو موسى المديني فيما رويناه عنه.
وقال ابن وضاح: هو غير صحيح، وصرح بذلك الطحاوي. والقلب إلى ما قاله البخاري ومن تابعه أميل، والله أعلم.
وحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ذكره أحمد بن أبي غرزة في مسنده، عن الحسن بن الربيع، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام، عن ابن إسحاق، ورواه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ، عن الحسن بن حبيب الدمشقي، ثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي، نا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مس فرجه فليتوضأ.
ثنا البغوي، ثنا ابن هانئ، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهري .. فذكره.
وقال مهنأ: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد بن خالد في مس الذكر، فقال: ليس بصحيح، الحديث حديث بسرة، فقلت: من قبِل منْ جاء خطؤه؟ قال: من قبل ابن إسحاق، أخطأ فيه، قلت: وكان ابن إسحاق يخطئ في مثل هذا؟ قال: نعم، له غير شيء.
ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي قال: نفس هذا الحديث منكر، وأخلق به أن يكون غلطا، وذلك لأن عروة أنكره لما سأله مروان بن الحكم عن مس الفرج، فأجابه برأيه: أن لا وضوء فيه، فلما
قال له مروان: عن بسرة ما قال، قال له عروة: ما سمعت به، وذلك بعد موت زيد بن خالد، فكيف يجوز أن ينكر ما حدّثه إياه زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
ورد ذلك عليه الحافظ البيهقي بقوله: وأما ما قال من تقديم موت زيد بن خالد فهذا منه توهم ولا ينبغي لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهم، فقد بقي زيد إلى سنة ثمان وسبعين، ومات مروان سنة خمس وستين، هكذا ذكره أهل العلم بالتواريخ، فيجوز أن يكون عروة لم يسمع من أحد حين سأله مروان، ثم سمعه من بسرة ثم سمعه بعد ذلك من زيد، فرجع إلى رأيهما وحديثهما.
وفي سؤالات مُضر: قلت له، يعني يحيى بن معين: فحديث زيد بن خالد؟ قال: خطأ، أخطأ فيه ابن إسحاق.
وقال ابن عبد البر: هو خطأ لا شك فيه، وقال يعقوب بن سفيان: قال ابن المديني: لا أعلم لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر مرفوعا: إذا نعس أحدكم يوم الجمعة، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد: إذا مس أحدكم فرجه. كذا ذكره البيهقي عنه في الخلافيات.
وفي كتاب العقيلي عنه: لم ينكر على ابن إسحاق إلا حديث نافع إذا نعس أحدكم، لم يذكر الثاني.
وفي كتاب العلل للترمذي: قلت له، يعني البخاري: فحديث محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد؟ قال: إنما روى هذا الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بُسرة، ولم يعد حديث زيد بن خالد محفوظا.
وقال ابن وضاح: هذا حديث لا يصح. انتهى.
والكل عصبوا الجنابة برأس ابن إسحاق، وقد توبع ابن إسحاق على ذلك، فسلم هو والحديث من الخطأ.
وذكر ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق وأبو قرة موسى بن طارق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عروة، عن بُسرة وزيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في مس الذكر فقال لي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا جعفر، ثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريج بكتب مثل هذا خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءا فقال: أروي هذا عنك؟ فقال: نعم.
وفي كتاب المعرفة لأبي بكر الحافظ، رحمه الله: وهذا الحديث إنما ذكره صاحبنا الشافعي من جهة ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بُسرة وزيد بن خالد.
وقد أخرجه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في مسنده كما ذكرناه، وهو إسناد صحيح ليس فيه محمد بن إسحاق ولا أحد مما يختلف في عدالته، وإنما المنكر عن ابن إسحاق روايته، عن الزهري، عن عروة نفسه؛ فإن الزهري لم يسمعه من عروة، وإنما أنكر عليه ذكر زيد بن خالد في رواية من لم تبلغه رواية ابن جريج أو بلغته بالشك.
وقال في الخلافيات: رواه ابن جريج، عن ابن شهاب، عن ابن أبي بكر، ثم اختلف عليه، فقيل: عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بُسرة، أو زيد بن خالد على الشك، وهذه رواية محمد بن بكير، عن ابن جريج، أخبرني الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، ولم أسمع ذلك منه.
وكذا رواية ابن خزيمة، عن ابن رافع، عن عبد الرزاق، أخبرني ابن جريج، حدثني ابن شهاب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، قال: ولم أسمع ذلك أنه كان يحدث عن بُسرة أو عن زيد بن خالد.
وكذلك رواية إبراهيم بن الحسن، عن حجاج قال: قال ابن جريج: فذكر الإسناد والشك بين بُسرة وزيد، وفيه: ولم
أسمع ذلك منه، يعني الزهري قائل ذلك، ورأيته في مسند إسحاق بلا شك، ورواية ابن إسحاق بن يسار تدل على صحة رواية إسحاق.
قال: وقد روى ابن جريج هذا الحديث، عن ابن شهاب، عن عبد الله، عن عروة عن بُسرة وزيد بن خالد، رواه إسحاق في مسنده، عن محمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج قال: حدثني الزهري .. فذكره. قال: وهذا إسناد صحيح. انتهى كلامه.
وفيه إشارة إلى دفع ما أعله به أبو حاتم؛ إذ فيه تصريح ابن جريج بالتحديث، والله أعلم.
، عن حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة وزيد بن خالد
…
الحديث، من غير تردّد.
قال البيهقي في الخلافيات: أخطأ فيه هذا المصيصي حيث قال: عن عائشة، وإنّما هو عن بُسرة.
وبنحوه ذكره الحافظ ابن طاهر في كتاب الذخيرة.
وفي كتاب المعرفة: وتعليل من علل حديث الزهري باختلاف الرواة عليه في إقامة إسناده لا يقدح في رواية من أقام إسناده، فالذي أقامه حافظ ثقة، وخطأ من أخطأ فيه على الزهري حين قال: عن عروة، عن عائشة، أو على هشام حين قال فيه: عن عروة، عن أروى، لا يقدح في رواية أهل الثقة، فمثل ذلك موجود في رواية الضعفاء لأحاديث أهل الحفظ، فلم يقدح ذلك في روايتهم، ولم يرد به أحد من أهل العلم حديثهم، والله أعلم.
وحديث حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ. ذكره الشيرازي، عن الفرخ، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر عنها، ثم قال: هكذا قال، والصواب: مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وحديث أبي هريرة رواه الدارقطني في كتاب السنن
فقال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا حسن بن سلام السواق، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، حتى لا يكون بينه وبينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصلاة، قال الخلال: أنا عبد الله، نا أبي، ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك، يعني النوفلي، ثنا أبي، ذكره عن سعيد بن أبي سعيد، أنه أخبره عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أفضى بيده إلى ذكره وليس عليه ستر فقد وجب عليه الوضوء.
أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قال: يزيد بن عبد الملك مدني ليس به خير. وقال غيره: وضع فيه. وقال ابن وضاح: هذا حديث لا يصح وضعّفه الطحاوي وأبو عمر بيزيد النوفلي.
وقال الشّافعي: روى حديث يزيد عدد، منهم: سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله بن دينار عنه، لا يذكرون أبا موسى الحناط، وقد سمع يزيد من سعيد المقبري، كذا ذكره عنه البيهقي في المعرفة، ثم قال: وروى عبد الرحمن بن القاسم ومعن بن عيسى وإسحاق الفروي وغيرهم، عن يزيد بن سعيد، كما قال الشّافعي.
وفي سؤالات مضر: قلت له، يعني ابن معين: فحديث أبي هريرة؟
قال: رواه يزيد بن عبد الملك عن سعيد، وقد أدخلوا فيها رجلا مجهولا، ولما ذكره أبو بكر البزار في مسنده، عن سعيد بن بحر القراطيسي، عن معن بن عيسى، عن يزيد، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، ويزيد بن عبد الملك لين الحديث، كذا ذكره.
وفيه نظر؛ لما ذكره الحازمي: وقد روي عن نافع بن عمر الجمحي، عن سعيد المقبري، كما رواه يزيد بن عبد الملك، وإذا اجتمعت هذه الطرق دلتنا على أن هذا الحديث له أصل من رواية أبي هريرة، ولما أنبأ أبو البركات محمد بن عثمان الصوفي رحمه الله بقراءتي عليه، أخبركم أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن، وعبد العزيز الحراني، قال الأول: أنبأنا أسعد بن سعيد الأصبهاني وأم هانئ عفيفة الفارقانية وعائشة بنت معمر بن عبد الواحد.
وقال الحراني: أنبأتنا عفيفة، قالوا: أنبأ فاطمة الجوزدانية، أنا ابن ريذة، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، أنا أحمد بن عبد الله بن العباس الطائي البغدادي، ثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء.
قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا عبد الرحمن بن القاسم الفقيه المصري، ولا عن عبد الرحمن إلا أصبغ، تفرد به أحمد بن سعيد.
وفيما قاله نظر؛ لما يذكره الحاكم بعد، وخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه من جهة نافع ويزيد كما قدمناه، ثم قال: اعتمادنا إنما هو على نافع، فأما يزيد فقد تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء، وذكر أبو عمر أن ابن السكن قال: هو أجود ما روي في هذا الباب لرواية أصبغ، عن ابن القاسم صاحب مالك، عن نافع ويزيد، جميعا عن سعيد، عن أبي هريرة، وأصبع وابن القاسم فقيهان
ثقتان، فصح الحديث بنقل العدل عن العدل، على ما ذكر ابن السكن، إلا أن الإِمام أحمد كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه ابن معين فقال: هو ثقة.
ورواه أبو عبد الله في مستدركه فقال: أنا أبو الحسين محمد بن الحافظ، عن علي بن أحمد بن سليمان، علان، عن محمد بن أصبغ، حدّثني أبي، ثنا نافع بن أبي نعيم، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ. وقال: هذا صحيح، شاهده الحديث المشهور، عن يزيد بن عبد الملك، عن سعيد.
ولما ذكره أبو القاسم بن مطير في الأوسط: ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، نا محمد بن خلف العسقلاني، ثنا حبيب كاتب مالك، ثنا شبل بن عباد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ، ثم قال: لم يروه عن شبل إلا حبيب.
وحديث عائشة رضي الله عنها قال الدارقطني في السنن: ثنا محمد بن مخلد، ثنا حمزة بن العباس المروزي، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا يحيى بن مُعلى، نا عتيق بن يعقوب، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون، قالت عائشة: بأبي أنت وأمي هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة ثم قال: عبد الرحمن العمري ضعيف.
وفي كتاب الكنى للنسائي: ثنا محمود بن خالد، نا الوليد، ثنا صدقة أبو معاوية، وحديثه عن ابن وهب، عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة مرفوعا: توضئوا من مس الذكر.
ورواه ابن شاهين من جهة إبراهيم بن إسماعيل
ابن أبي حبيِبة، عن عمرو بن شريح، عن الزهري، عن عروة عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ، قال: وقال الأموي: ذكره، ثنا سعيد بن نفيس الصواف، ثنا جامع بن سوادة، ثنا زياد بن يونس الحضرمي، ثنا يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ.
ثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، ثنا علي بن سعيد بن النعمان النسائي، نا عبد الصمد بن عبد الوارث حدّثني أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الوضوء في مجلس، فسألوه عن ذلك فقال: إني حككت ذكري.
ولما سئل البخاري عنه بقول الترمذي: قلت له: فحديث عروة عن عائشة، وعروة عن أروى؟ فقال: ما يصنع بهذا؟ هذا مما لا يشتغل به، ولم يعبأ بهما.
وفي علل ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه حسن الحلواني، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن حسين، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي عليه السلام: من مس ذكره فليتوضأ.
ورواه شعيب بن إسحاق، عن هشام، عن يحيى، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، قال أبي: هذا حديث ضعيف لم يسمعه يحيى من الزهري، وأدخل بينهما رجلا ليس بالمشهور، ولا أعلم أحدا روى عنه إلا يحيى، وإنما يرويه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، ولو أن عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحد، وهذا يدل على وهن الحديث.
وقد ذكر أبو نعيم الحافظ في هذا الحديث علة أخرى، وهي أن الزهري لم يسمعه من عروة، فقال في تاريخ أصبهان: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا
عامر بن أحمد الفرائضي، ثنا إبراهيم بن فهد، ثنا أحمد بن شبيب، ثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عمرو بن شعيب، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ.
وقال مهنأ: سألت أبا عبد الله عن حديث عبد العزيز، عن الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عروة، عن عائشة في مس الذكر، فقال: ليس بصحيح، إنما كان يحدث به الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن عائشة، قال الخلال: وقال غير مهنأ، يعني عنه: لو كان عنده - يعني عروة - صحيحا، عن عائشة لم يحتج أن يجادل مروان، إنما الحديث حديث بسرة، ورده أبو جعفر الطحاوي بنحو من هذا وبعمر بن شريح.
وقال ابن وضاح: ليس بصحيح. وأشار في المعرفة إلى أنه خطأ.
وفي المستدرك لأبي عبد الله: وقد صحت الرواية عن عائشة بنت الصديق رضي الله عنها أنها قالت: إذا مست المرأة فرجها توضأت.
وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يناقض ذلك، وحديث عبد الله بن العباس خرجه أبو أحمد بن عدي في كامله من جهة الضحاك بن حجوة، قال: وليس بشيء، كل رواياته مناكير، إما متنا وإما إسنادا، عن الهيثم عن الراسبي، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر عنه مرفوعا: من مس ذكره فليتوضأ.
ولما ذكره البيهقي في الخلافيات ضعفه بالضحاك هذا، وأجدر به أن تضعف به الأحاديث؛ لأنه ممن قال فيه ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الدارقطني: يضع الحديث، والله أعلم.
وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ذكره ابن شاهين، فقال: ثنا الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق، ثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي، ثنا عمرو بن أبي
سلمة، ثنا صدقة بن عبد الله الدمشقي، ثنا هاشم بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ.
ثنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني، ثنا القاسم بن هاشم، ثنا يحيى بن صالح، ثنا العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ.
ورواه الحاكم في تاريخ نيسابور، عن أبي زكريا يحيى بن محمد، ثنا إبراهيم بن أبي طالب، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا عمرو بن أبي سلمة بلفظ: من مس ذكره فليتوضأ.
ورواه أيضا عن الأصم، ثنا أبو الحسن الشعراني، ثنا السري بن خزيمة الثقة وفوق الثقة، ثنا سعيد بن هبيرة، ثنا جويرية، عن نافع.
ورواه أيضا فيما قاله البيهقي، عن أبي بكر بن أبي العوام الرياحي، عن عبد العزيز بن أبان، عن الثوري، عن أيوب، عن ابن سيرين عنه.
وقال: تفرّد به أبو بكر، عن عبد العزيز بن أبان.
ورواه البيهقي أيضا من جهة عمرو بن خالد، عن العلاء بن سليمان، عن الزهري. وقال: هذا ضعيف، والحمل فيه على العلاء فيما أظن.
ورواه أيضا من جهة ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب. وقال: ابن لهيعة لا يحتج به.
قال: ورواه الشافعي في القديم، عن الزنجي، عن ابن جريج، عن عبد الواحد بن قيس، وعن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب عنه، وكلاهما منقطع.
وفي سؤالات مضر: قلت: وحديث ابن عمر؟ قال: الصحيح منه غير مرفوع وضعّفه الطحاوي بصدقة وبالعلاء.
وقال الخليلي: هذا منكر بهذا الإِسناد، لا يصح من حديث أيوب، يعني عن ابن سيرين عنه، ولا من حديث الثوري، والحمل فيه على عبد العزيز بن أبان الكوفي، فإنهم ضعفّوه.