المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وحديث أروى ابنة أنيس ذكره الحافظ أبو زكريا، وقد تقدّم - شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي - ت أبو العينين - جـ ٢

[علاء الدين مغلطاي]

فهرس الكتاب

وحديث أروى ابنة أنيس ذكره الحافظ أبو زكريا، وقد تقدّم تضعيف البخاري له من كتاب العلل الكبير للترمذي، وكلام البيهقي في المعرفة أيضا.

وحديث يحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ.

رواه الشافعي عن مسلم، وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن يحيى به، وإسناده صحيح عند جماعة لتوثيقهم يحيى.

وفي المعرفة للحافظ أبي بكر: أنبأنا أبو عبد الرحمن السُّلمي، أنّ أبا الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح أخبرهم، أنبأنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، أنا إسحاق الحنظلي، أنا محمد بن بكر البرساني، ثنا ابن جُريج، قال: وقال يحيى بن أبي كثير عن رجل من الأنصار: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، ثم عاد في مجلسه فتوضأ، ثم أعاد الصلاة، فقال: إنّي كنت مسست ذكري فنسيت.

وهو حديث ضعيف لضعف السلمي.

وحديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه السلام، ذكرهما أبو عبد الله الحاكم في كتاب المستدرك.

وحديث قيس بن طلق عن أبيه، ذكره الطبراني، وسيأتي.

ص: 5

وفي حديث عبد الله بن عمر وسعد وأم سلمة والرجال والرجل من الأنصار وطلق وابن عباس - وإن كان ظاهرها الإرسال - ردّ لما أغفله الترمذي حين تعداده الرواة.

‌باب الرخصة في ذلك

1 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا محمد بن جابر، قال: سمعت قيس بن طلق الحنفي، عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر، فقال: ليس فيه وضوء، إنما هو منك.

هذا حديث ضعيف بهذا الإسناد؛ لأن محمد بن جابر بن سيار بن طلق أبا عبد الله اليمامي الحنفي السحميي أخا أيوب بن جابر، قال فيه يحيى بن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء.

وفي رواية عباس: أنه كان أعمى واختلط عليه حديثه، وكان كوفيا ثم انتقل إلى اليمامة، وقال أحمد: لا يحدث عنه إلا من هو شرّ منه.

وفي تاريخ ابن المبارك: قاله عبد الله: مررت بمحمد بن جابر هذا، وهو يحدث الناس، فرأيته لا يحفظ حديثه، فقلت له: أيّها الشيخ، إنك حدثتني بكذا وكذا، قال: فوثب أولئك عَلَيَّ .... ، قال: فكفّهم محمّد عني، قال: ثم جاءني محمد إلى رحلي ومعه كتابه، فقال: انظر، فنظرت، فإذا هو صحيح على ما حدثني، فقلت: رحمك الله، لا تحدِّث إلا من كتابك.

ولفظ أبي داود في كتاب التفرد عن محمد بن جابر، قال: في الصّلاة، كذا رواه الثوري وشعبة وهشام بن حسان وابن عيينة وجرير عن ابن جابر، وقال

ص: 6

البخاري: ليس بالقوي، يتكلمون فيه، وقال الرازي: ذهبت كتبه في آخر عمره وساء حفظه، وكان يلقن، وقال ابن حبان: كان أعمى، يلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به فيحدث به.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كان محمد رُبّما ألحق في كتابه أو يلحق في كتابه - يعني الحديث -[قلت لأبي: لوين حدثنا عن محمد بن جابر عن حديث الغامدية، قال: كان محمد بن جابر]، وربما ألحق في كتابه الحديث، وهذا حديث ليس بصحيح، وهو كذب، [وسألت أبي عن ابن جابر فغلظ فيه، وفي تاريخ نيسابور: حديث محمد بن يحيى عن عبد الله بن الزبير عن ابن جابر، فسئل عن محمد بن جابر، فقال: لا بأس به].

وفي كتاب العقيلي عن عبد الله: وقال الفلاس: صدوق، كثير الوهم، متروك الحديث، وكان ابن مهدي يحدث عنه ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسّماع، جيِّد اللقاء، وفي كتابه لحق، وحديثه عن حمّاد فيه اضطراب.

وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: ولمحمد بن جابر من الحديث غير ما ذكرت، وعند إسحاق بن أبي إسرائيل عنه أحاديث صالحة، وكان - يعني ابن أبي إسرائيل - يفضله على جماعة شيوخ هم أفضل منه وأوثق.

وقد روى عنه من الكبار: أيوب، وابن عون، وهشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وغيرهم، ولولا أن محمد بن جابر في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خالف في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه.

ص: 7

وفي سؤالات الآجري: سألت أبا داود عن محمد بن جابر اليمامي، فقال: ليس بشيء، وفي موضع آخر: سمعت أبا داود يقول: روى شعبة وسفيان عن محمد بن جابر ذاك الحديث، سفيان أظنّه كتب به إليه، وقال الدولابي في كتاب الكنى: ضعيف، وقال العجلي: ضعيف، وذكر أبو العرب عن ابن مهدي، وذكر محمد بن جابر فجعل يضعفه.

وقال محمد بن عيسى: قال لي أخي - يعني إسحاق الطباع -: حدث محمد بن جابر بن نمير بحديث لشريك عن أبي إسحاق، قال: فرأيته في كتابه قد ألحقه بين سطرين من كتابه طري، قرأت على أبي الفنون وأبي الحسن بن أبي بكر الضرير - رحمهما الله تعالى - قلت للأول: أنبأك المقدسي عن الميهني، وابن ناصر قال: الميهني.

وقال ابن ناصر: أنبأنا ابن خلف، والثاني: أنبأك الحافظ البكري، أنا القاسم بن عبد الله الصفّار، أنبأتنا عمة والدي عائشة بنت أحمد، عن أبي بكر بن خلف، قال: أنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، أنا أبو بكر بن إسحاق الإمام، أنا أبو مسلم عبد الله بن رجاء، ثنا همام، عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه: أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو سأله رجل - فقال: بينا أنا في الصلاة ذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري، فقال: هل هو إلا بضعة منك؟.

قال الحاكم: هذا حديث رواه جماعة من التابعين عن محمد بن جابر، فلم يذكر الزيادة في حك الفخذ غير عبد الله بن رجاء عن همام بن يحيى، وهما ثقتان، وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم من حديث ابن جابر: إنما هو بضعة منك، فأنى تعزله؟.

ص: 8

وقال ابن شاهين: هذا حديث اشتهر به محمد بن جابر، ورواه عنه الأكابر ممن هم أسنّ منه وأقدم موتا؛ منهم: أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وسفيان الثوري، وهشام بن حسان، وقيس بن الربيع، وهمام بن يحيى، وصالح المري، وحّماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ووكيع، وابن فضيل، والمفضل بن صدقة، وأخوه أيوب بن جابر، وجماعة ذكرتهم في الأكابر عن الأصاغر.

وذكر الحافظ أبو القاسم الطبراني لمحمد بن جابر متابعا؛ وهو أيوب بن عتبة عن قيس، بلفظ: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إذا مس أحدنا ذكره يتوضأ؟! قال: لا، إنما هو بضعة منك، [رواه عن علي بن عبد العزيز، عن أحمد بن يونس، عنه].

وفي لفظ: سأله عن مس فرجه. وأيوب هو: أيوب بن عتبة شر من محمد، فإنّه قال فيه يحيى: ليس بشيء، وفي رواية: ليس بالقوي، وقال مرّة: ضعيف الحديث، وكذلك قاله مسلم وأبو زرعة، وقال النسائي: مضطرب الحديث.

وقال علي بن الجنيد: شبه المتروك، وقال البخاري: لا أحدث عنه، كان لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه، قال الترمذي: وضعّفه محمد جدا.

وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال السعدي: ضعيف.

ولما ذكره الساجي في كتاب الضعفاء قال: قال العلاء: وضعّفه يحيى، وليس هو ساقط الحديث، وقال أحمد: ضعيف الحديث.

وفي كتاب أبي العرب: قال ابن البرقي: أيوب بن النجار اليمامي وأيوب بن عتبة ممن نسب إلى الضعف، واحتملت روايتهما.

ص: 9

وذكر البيهقي أنّ أيوب ومحمدا ضعيفان، وكذا قاله الحازمي وابن طاهر وابن الجوزي في العلل المتناهية، ورواه أيضا رجل آخر يسمى أيوب بن محمد عن قيس بن طلق.

قال الحربي في كتاب العلل: قول عبد الحميد بن جعفر عن أيوب بن محمد عن قيس بن طلق في مس الذكر لا أعرفه، بل أعرف لأبي داود شيخا يقال له: أيوب بن محمد عجلي، روى عن بشير بن علي وطيسلة بن علي، وأيوب بن محمد شيخ مصري يلقب أبا الجمل، ثنا عنه عبد الله بن صالح بحديث عن أيوب بن موسى عن يحيى بن أبي كثير، فلعل عبد الحميد أراد هذا، أو أراد أيوب أخا محمد بن جابر، فقال: ابن محمد، أو أراد يقول: أيوب بن عتبة، وكان هذا أشبه من روى الحديث ممن يقال له: أيوب، تسعون رجلا، وضعف هذا الحديث أيضا يقتضى من طلق الراوي له عن أبيه.

[وفي تاريخ أبي زرعة: كان أحمد يضعف رواية أيوب عن يحيى بن أبي كثيِر، قال:] ذكر ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه في مس الذكر، فلم يثبتاه، وقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة، ووهّناه. وفي كتاب العلل للخلال: قيل له - يعني للإِمام أحمد -: حديث قيس بن طلق عن أبيه، قال: قد روى، وغيره أثبت منه.

وقال الشافعي في القديم: وزعم بعض من خالفنا أن قاضي اليمامة - يعني: أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر - ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدلّ على ألا وضوء منه.

ص: 10

قال الشّافعي: قد سألنا عن قيس، فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا ثقته ورجاحته في الحديث وتثبته.

وقال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنّه لا يحتج بحديثه، وأُعلّ أيضا باختلاف الرواة في ألفاظه، فيما ذكره الحازمي.

وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من هؤلاء الضعفاء، حكم بصحتها جماعة؛ منهم: الإمام أبو حاتم البستي، فإنه ذكره في كتابه الصحيح: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا نصر بن علي، ثنا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدْر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل، فقال: يا نبي الله، الحديث. ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر ما رواه ثقة عن قيس بن طلق خلا ملازم بن عمرو، وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري - بمكة -، ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، نا حسين بن الوليد، عن عكرمة بن عمار، عن قيس بن طلق، عن أبيه: أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره، فقال: لا بأس، إنه كبعض جسدك.

ولما ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور: ثنا محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا الفراء، قال: تفّرد به الحسين بن الوليد الثقة المأمون عن عكرمة، ومنهم الحافظ أبو محمد الفارسي في كتابه المحلّى، ورجحه ابن منده على حديث بسرة، وحكى نحو ذلك عن الفلاس وابن المديني.

وقال أبو عيسى عندما رواه في جامعه من حديث ابن بدر عن قيس: وهذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر، وقد تكلّم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة،

ص: 11

وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن، وأمّا قول أبي عمر: وملازم بن عمرو ثقة، وعلى حديثه عوّل أبو داود والنسائي، وكل من خرج في الصحيح ذكر حديث بسرة في هذا الباب وحديث طلق بن علي إلا البخاري، فإنهما عنده متعارضان معلولان، وعند غيره هما صحيحان، ففيه نظر؛ لأنّ مسلما لم يخرّج واحدا منهما، وكذا ابن خزيمة لم يخرّج حديث طلق، وهما ممن يخرج في الصحيح.

وأمّا قول البيهقي في المعرفة والخلافيات: حديث عكرمة بن عمار عن قيس منقطع؛ لأنه قال عن قيس: إن طلقا سأل، وقيس لم يشهد سؤال طلق، وعكرمة بن عمّار أقوى من رواه عنْ قيس، وإن كان هو أيضا مختلفا في عدالته؛ فاحتج به مسلم في غير هذا الحديث وتركه البخاري، وتبعه على ذلك الحازمي فغير صواب منهما؛ لما قدّمناه من عند ابن حبان من أنّ روايته متصلة لا شكّ فيها، وإذا صحّ للحديث طريق وسلم من شوائب الطعن تعين المصير إليه، ولا عبرة باختلاف الباقين.

ورجحه أيضا محمد بن يحيى الذهلي، بقوله: نرى الوضوء من مس الذكر استحبابا لا إيجابا؛ لحديث عبد الله بن بدْر عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حكاه الحافظ ابن خزيمة في صحيحه، وذكره أيضا ابن الجارود في كتاب المنتقى، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل، وسكت عنه أبو محمد الأزدي،

ص: 12

وذلك مشعر بصحّته عنده، وتتبع ذلك أبو الحسن عليه، وقال: هو حسن لا صحيح. وقال أبو عمر بن عبد البر: أحسن أسانيده من جهة ملازم، وأشار الطبراني - رحمه الله تعالى - إلى صحته.

وأما تضعيف من ضعفه بقيس فغير صحيح؛ لأنه ممن ذكره غير واحد في جملة الصحابة، وعلى تقدير ألا يكون صحابيّا فقد وثقة ابن معين فيما حكاه ابن الجنيد وغيره، ولا معارضة بينه وبين ما حكيناه عنه من أنّه لا يحتج به؛ لاحتمال أن يكون أحد الأمرين قبل الآخر، أو يكون الحجة عنده فوق الثقة، ووثقه أيضا أحمد بن عبد الله العجلي الحافظ، وذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، وروى عنه جماعة؛ منهم: عبد الله بن بدْر، ومحمد بن جابر، وعبد الله بن النعمان السّحيمي، وابن أخيه عجيبة بن عبد الحميد بن طلق، وابنه هوذة بن قيس، وعكرمة بن عمار، وأيوب بن عتبة، وأيوب بن محمد، وموسى بن عُمير الثمالي، وسراج بن عقبة، وعيسى بن خيثم، وفي ذلك رد لقول من قال: قد سألنا عنه فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره؛ لأنّ هؤلاء عرفوه فرووا عنه، وأولئك عرفوا حاله فأخبروا عنها، ولولا عرفانها لما جاز لهم تصحيح خبره، والله أعلم.

ومن كان بما وصفناه كان حديثه صحيحا لا علّة فيه، حسنا بغير شبهة تعتريه؛ أمّا الصحة فقد تقدّم سببها، وأمّا الحسن فلعرفان مخرجه بما يأتي بعد، إن شاء الله تعالى.

2 -

حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، ثنا مروان بن معاوية، عن جعْفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس

ص: 13

الذكر، فقال: إنما هو جزء منك.

وفي مصنف وكيع بن الجرّاح: إنما هو جِذْوةٌ منك.

هذا حديث معلّل بأمرين:

الأول: جعفر بن الزبير الدمشقي الباهلي، وقيل: الحنفي العابد الشامي.

قال علي ابن المديني: سمعت يحيى وذكره، فقال: لو شئت أن أكتب عنه ألفا لكتبت، كان يروي عن ابن المسيب نحوا من أربعين حديثا، وضعفه يحيى جدا، وقال يزيد بن هارون: كان جعفر بن الزبير وعمران بن حدير في مسجد واحد، وكان الزحام على جعفر، وليس عند عمران أحد، فكان شعبة يمرّ بهما، فيقول: عجبا! الناس اجتمعوا على أكذب الناس، وتركوا أصدق الناس، قال يزيد: فما أتى علينا إلا القليل حتى رأيت ذلك الزِّحام على عمران، وتركوا جعفرا ليس عنده أحد. وقال غندر: رأيت شعبة راكبا على حمار، قيل له: أين تريد يا أبا بسطام؟ فقال: أذهب وأستعدي على هذا - يعني: جعفرا - وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث كذب.

وقال يحيى بن معين: جعفر ضعيف، وفي رواية: ليس بثقة.

وقال الفلاس: متروك الحديث، كثير الوهم، [وقال أبو حاتم: كان واهي الحديث، لا أرى أن أحدث عنه، وهو متروك الحديث]. وقال أبو زرعة: اضربوا على حديثه، لا أحدّث عنه بشيء، وقال السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري: متروك الحديث، وفي التاريخ الأوسط: أدركه وكيع ثم تركه، وقال النسائي والدارقطني وعلي بن الجنيد والأزدي: متروك الحديث، وقال أبو أحمد: وعامة أحاديثه لا يتابع عليها، والضعف على حديثه بيّن، وتركه الإمام أحمد، وفي موضع

ص: 14

آخر: ضرب على حديثه، وفي كتاب العلل عنه: أن اضرب على رواية جعفر بن الزبير؛ لأنه إنّما كانت رواية عن القاسم، وذكره القيرواني في كتاب الضعفاء، وذكر العقيلي عن محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن حدثا عنه شيئا قط.

الثاني: أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن الشامي مولى خالد بن يزيد بن معاوية، ويقال: مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد، ويقال: مولى جويرية بنت أبي سفيان، قال أبو زرعة الدمشقي: وهو أحبّ القولين إلي.

وقال الطبراني: مولى معاوية بن أبي سفيان، وإن كان قد وثقه يعقوب بن سفيان وابن معين والترمذي ويعقوب بن شيبة والحربي، وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما رأيت أحدا أفضل منه.

وقال الجوزجاني: كان خيارا فاضلا، فقد قال الإمام أحمد، وذكره، فحمل عليه، وقال: يروي عنه علي بن يزيد أعاجيب، وتكّلم فيها، وقال: ما أرى هذا الأمر إلا من قبل القاسم، وهو منكر الحديث، وفي كتاب العقيلي: هذه الأحاديث المناكير يقولون: من قبل القاسم، وسئل عنه أبو حاتم، فقال: حديث الثقات عنه مستقيم، لا بأس به، وإنمّا ينكر عليه الضعفاء.

وقال ابن حبان: كان يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات، وقال الكوفي: يكتب حديثه، ول س بالقوي، وقال إبراهيم بن الجنيد: سمعت ابن معين يقول: القاسم ثقة إذا روى عنه الثقات، أرسلوا ما رفع هؤلاء.

ص: 15

وفي رواية البرقي عنه: ضعيف، ذكرها أبو العرب، وفي الأوسط للبخاري: وروى عنه العلاء بن الحارث وكثير بن الحارث وسليمان بن عبد الرحمن ويحيى بن الحارث، وابن جابر أحاديثه مقاربة.

وأمّا من يتكلّم فيه مثل جعفر بن الزبير وعلي بن يزيد وبشر بن نمير ونحوهم، ففي حديثهم مناكير واضطراب. وفي كتاب العقيلي: لما حدّث بشر بن نمير عن القاسم قال شعبة: ألحقوه به، وقال أبو داود: هو أبو عبد الرحمن، ومولى عبد الرحمن، وأهل الشام ينكرون أن يكون ابن عبد الرحمن، ويقولون: هو سبي، قال أبو داود: وهم أعلم به.

قال الآجري: وسمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد بن صالح يقول: إنما هو القاسم عن مولى أدخل بينه وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا أمامة وعمرو بن عبسة وعليا وجماعة لا أعرفهم، فضعف لحال هذا، والله أعلم.

وذكره الساجي والبلخي في كتاب الضعفاء، وفي الباب غير ما حديث بخلاف ما يوهمه كلام أبي عيسى؛ من ذلك: حديث عمر بن الخطاب وعصمة بن مالك الخطمي - وكان من الصحابة - أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنِّي احتككت في الصلاة، فأصابت يدي فرجي، فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا أفعل ذلك.

رواه الدارقطني عن محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، قال: ثنا أحمد بن محمد بن رشدين، عن ابن عفير، عن الفضل بن المختار، عن الصلت

ص: 16

ابن دينار، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب، وعن عبيد الله بن موهب، عن عصمة.

والصلت، قال أحمد وعمرو بن علي وعلي بن عمر: ليس بالقوي، وفي رواية عن أحمد: ترك الناس حديثه، وقال علي بن الجنيد: متروك.

والفضل بن المختار، قال ابن عدي: أحاديثه منكرة، وعامتها لا يتابع عليها، وقال أبو حاتم الرازي: مجهول، وأحاديثه مُنكرة، يُحدثُ بالأباطيل، وقال الأزدي: منكر الحديث جدا، ولما ذكرها البيهقي في الخلافيات ضعفهما بنحو ما قدمناه بعد فصْله بينهما.

وحديث جري الحنفي: أن رجلا أتى رسول صلى الله عليه وسلم، فقال:[إني ربما أكون في الصلاة، فتقع يدي على فرجي]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنّا ربما كان ذلك، امض في صلاتك.

رواه الحافظ محمد بن إسحاق بن منده في كتاب معرفة الصحابة، عن عبدوس بن الحسين النيسابوري، عن محمد بن المغيرة الهمداني، عن القاسم بن الحكم العرني، عن سلام الطويل، عن إسماعيل بن رافع، عن حكيم بن سلمة، عنه.

وسلام بن سلم، وقيل: ابن سليمان، وقيل: ابن سالم، أبو عبد الله السعدي الخراساني، سكن المدائن، قال فيه يحيى: ضعيف، لا يكتب حديثه، وقال مرّة: ليس بشيء، وضعفه ابن المديني جدا، وقال الإمام أحمد: منكر الحديث،

ص: 17

وقال البخاري والرازي: تركوه، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب، وقال النسائي وعلي بن الجنيد والأزدي والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المتعّمد لها.

وإسماعيل بن رافع أبو رافع مات بالمدينة قديما، وكان كثير الحديث ضعيفا، وهو الذي روى حديث الصور بطوله، قاله ابن سعْد.

وقال أحمد ويحيى: ضعيف الحديث، وفي رواية عن يحيى: ليس بشيء.

وقال الفلاس: منكر الحديث، وقال النسائي وعلي بن الجنيد: متروك الحديث، انتهى.

ويشبه أن يكون حديثه عن الصحابة منقطعا؛ لأني لم أر أحدا ذكر أنه سمع من صحابي، إنما وصف بالرواية عن التابعين، ولما ذكره البيهقي في الخلافيات عن رجل من بني حنيفة ولم يسمه، قال: هذا منقطع، والله أعلم.

وحديث مرثد بن الصلت عن أبيه، أنّه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن مس الذكر، فقال: إنما هو بضعة منك.

رواه ابن بنت منيع الحافظ في معجمه عن محمد بن خلف المقرئ: ثنا أحمد بن محمد بن شماس، ثنا عبد الرحمن بن عمرو، قال: سمعت عبد الرحمن بن مرثد الجعْفي يحّدث عن أبيه مرثْد بن الصلت، ثم قال: وهذا حديث منكر، والذي حدث به عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، وهو ضعيف الحديث جدا.

وحديث أبي أيوب الأنصاري، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: مسست ذكري وأنا في الصلاة، فقال: لا بأس.

ذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار بغير إسناد، ويشبه أن يكون

ص: 18

ضعيفا؛ لأنا قدمنا ضعفه قبل.

وحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مسّ الذكر، فقال: ما أبالي مسسته، أو مسست أنفي، ذكره البيهقي في الخلافيات، وقال: هذا حديث منكر، روينا خلافه عنها، وحديث رجل من بني حنيفة بنحوه، ذكره أيضا ورماه بالانقطاع.

وحديث أبي ليلى ذكره البيهقي في السنن الكبير عن أبي بكر القاضي وأبي سعيد بن أبي عمرو، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن عمران، حدّثني ابن أبي ليلى، عن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ليلى، قال: كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الحسن، فأقبل يتمرغ عليه، فرفع عن قميصه وقبل زبيبته.

ذكره إثر حديث طلق، ثم قال: هذا إسناد غير قوي، وليس فيه: أنه مسّه بيده ثم صلى ولم يتوضأ.

اختلف أهل العلم في هذا الباب، فذهب بعضهم إلى هذه الأحاديث، ورأوا ترك الوضوء من مسّ الذكر.

روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء، وسعد بن أبي وقّاص - في إحدى الروايتين -، وعمر بن الخطاب في رواية، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمر، وأبي بكر الصديق، وأبي

ص: 19

هريرة - في إحدى الروايتين عنه - وأبي أيوب، وعائشة - في إحدى الروايتين عنهما.

قال أبو عمر بن عبد البر: والأسانيد عن الصحابة في إسقاط الوضوء منه أسانيد صحاح من نقل الثقات، انتهى كلامه.

وفيه نظر إن أراد هؤلاء المسمين؛ لأن حديث ابن مسعود تقدّم ردّه بأبي قيس الأودي، وحديث ابن عمر وعائشة تقدّم الكلام عليهما قبل، وحديث حذيفة أعلّه أبو حاتم الرازي فيما حكاه عنه ابنه، وكذلك حديث أبي أيوب وعمر بن الخطاب تقدم ذكرهما، وحديث عمران مشكوك في اتصاله؛ لأنه من رواية الحسن عنه، وغير واحد يزعم أنه منقطع.

وقال به أيضا ابن المسيب، والشعبي، وإبراهيم، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وعكرمة، وقتادة، وطاوس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والضحاك، ومكحول، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وشريك، والحسن بن حر، وعبيد الله بن الحسن، قال أبو عمر: جمهور العلماء العراقيين، مضى على ذلك أسلافُهم، ويحيى بن معين وابن المبارك.

وخالفهم في ذلك آخرون؛ فذهبوا إلى إيجاب الوضوء من مسّ الذكر، فممن روي عنه ذلك: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبو أيوب، وزيد بن خالد، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأم حبيبة، وبُسرة بنت صفوان، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، وأبان بن عثمان، وجابر بن زيد، والزهري،

ص: 20

ومصعب بن سعد، ويحيى بن أبي كثير، وسعيد بن المسيب، قال الحازمي في أصّح الروايتين عنه: وهشام بن عروة، والأوزاعي، وأكثر أهل الحديث، وجماعة أهل الشام والمغرب، والشّافعي، وأحمد، وإسحاق، والمشهور من قول مالك، ومجاهد، وعبد الرحمن بن القاسم، وحُميد الطويل، وسليمان التيمي، وأبو العالية، والشعبي.

قال أبو عمر بن عبد البر، عن الثوري، قال: دعاني وابن جريج بعض الأمراء، فسألنا عن مسّ الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ من مسّ الذكر، وقلت أنا: لا وضوء على من مسّ ذكره، فلما اختلفنا قلت لابن جُريج: أرأيت لو أنّ رجلا وضع يده في مني؟ قال: يغسل يده، فأيما أنجس المني أم الذكر؟ قال: المني، قلت: فكيف هذا؟ قال: ما ألقاها على لسانك إلا شيطان.

قال أبو عمر: يقول الثوري: إذا لم يجب الوضوء من مس المني فأجدر أن لا يجب من مس الذكر، وإذا لم يجب من النجس فأحرى ألا يجب من الطاهر، وإنما ساغت المناظرة، وصارت المعارضة عنده في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم في ذلك، ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن فيه لسلّم الجميع له وقالوا به.

قال أبو بكر بن حازم: ومن ذهب إلى إيجاب الوضوء ادّعى أنّ حديث طلق [على تقدير ثبوته] منسوخ، وناسخه حديث بُسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو؛ لتأخّرهم في الإسلام. وقال بعض من ذهب إلى الرخصة: المصير إلى حديث طلق أولى لأسباب؛ منها: اشتهار طلق بالصحبة،

ص: 21

ومنها: طول صحبته وكثرة روايته، ثم لو سلمنا ثبوت حديث بُسرة، فمن أين لكم ادعاء النسخ في ذلك؛ إذ ليس في حديث بُسرة ما يدل على النسخ؟ بل أولى الطرق أن يجمع بين الحديثين، كما حكاه لوين عن ابن عيينة، فإنه قال: تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من مس ذكره فليتوضأ، معناه: أن يغسل يده إذا مسّه، وردّ ذلك ابن حزْم، فقال: هذا باطل، لم يقل أحدٌ: إنّ غسل اليد واجب أو مستحب من مس الفرج، لا المتأولون لهذا التأويل الفاسد ولا غيرهم، ويقال لهم: إن كان كما تقولون فأنتم أول مخالفين للأمر، وأيضا فإنه لا يطلق الوضوء في الشّريعة إّلا لوضوء الصلاة، وقد أنكر عليه السلام إيقاع هذه اللفظة على غير الوضوء للصلاة، لما أتى من الغائط فأتي بطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصل فأتوضأ، وقد جاء مبينا في حديث بُسّرة: فليتوضأ وضوءه للصلاة، وقال ابن حبّان: خبر طلق منسوخ؛ لأن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضُوء من مسّ الذكر، وأبو هريرة أسلم سنة سبْع، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بسبع سنين، ثم قال: ذكر الخبر المصّرح برجوع طلق إلى بلده بعد قدمته تلك.

قال: أنا أبو خليفة، نا مسدد، ثنا ملازم، نا عبد الله، عن قيس، عن أبيه، قال: خرجنا سنة وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من بني حنيفة، ورجل من بني ضبيعة بن ربيعة، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وجلسنا معه، وأخبرناه بأن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض، وصبّ لنا في إداوة، ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها من هذا

ص: 22

الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا: يا رسول الله، البلد بعيد، والماء ينشف، قال: فأمدوه من الماء، فإنّه لا يزيده إلا طيبا، فخرجنا، فتشاححنا على حمل الإداوة، أيّنا يحملها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نوبا، لكل رجل يوما وليلة، فخرجنا بها، حتى قدمنا بلدنا، فعلمنا الذي أمرنا، وراهب ذلك القوم رجل من طيء فنادينا بالصلاة، فقال الراهب: دعوة حق، ثم ذهب فلم ير بعد.

قال أبو حاتم: في هذا الخبر بيان واضح أن طلقا رجع إلى بلده بعد القدْمة التي ذكرنا، قال: ثم لا يُعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك، فمن ادعّى رجوعه بعد ذلك فعليه أن يأتي ببينة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك.

وبنحوه قاله البيهقي والبغوي في شرح السنة، وفيه نظر لما ذكره أبو القاسم الطبراني: نا الحسن بن علي الفسوي، ثنا حماد بن محمد الحنفي، نا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من مس فرجه فليتوضأ.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، يشبه أن يكون سمع الحديث الأوّل من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة وغيرها، فسمع الناسخ والمنسوخ، انتهى.

وفيه إشعار برجوعه مرة أخرى، فإن الإيجاب وعدمه لا يتأتى في أيام قليلة غالبا، لما قيل عنه، من أنّ مقامه بالمدينة كان قليلا، نص على ذلك الأئمة.

وأيضا فقد قيل: إن بسرة من مسلمة الفتح، وإذا كان كذلك كان حديثها ظاهرا في النسخ، ولا احتياج إلى حديث أبي هريرة لتقدّمها عليه، وممن قال ذلك:

ص: 23

إسماعيل بن سعيد الفقيه، والاحتياط في ذلك أبلغ، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، أنه: نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه، أفلا ترون أن الذكر لا يشبه سائر الجسد، ولو كان ذلك بمنزلة الإِبهام والأنف والأذن وما هو منّا لكان لا بأس علينا أن نمسّه بأيماننا، فكيف يشبه الذكر بما وصفوا من الإبهام وغير ذلك؟! فلو كان شرعا سواء لكان سبيله في المسّ سبيل ما سمّينا، ولكن هاهنا علّة قد غابت عنا معرفتها، ولعل ذلك أن يكون عقوبة؛ لكي يترك الناس مس الذكر، فيصير من ذلك إلى الاحتياط، انتهى كلامه.

وفي استدلاله بحديث مسّ الذكر باليمين نظر؛ لإغفاله قوله صلى الله عليه وسلم: وهو يبول؛ لما فيه من الاستهانة باليمين وخشية الاستنجاء بها، والله أعلم.

وقال أبو محمد بن حزْم: خبر طلق صحيح إلا أنه لا حجة فيه لوجوه؛ أحدها: أنّ هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مسّ الفرج، هذا ما لا شك فيه، وهو كذلك، فحكمه منسوخ يقينا، حين أمر عليه السلام بالوضوء منه، ولا يحل ترك ما يتيقّن أنه ناسخ، والأخذ بما تيقّن أنّه منسوخ.

وثانيهما: أن كلامه عليه السلام: هل هو إلا بضعة منك؟! دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام؛ بل كان يبيّن على أنّ الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا، وأنّه كسائر الأعضاء.

وقال الخطابي: وترك خبر طلق على أنه أراد اللمس، ودونه جائز، واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبة وابن عيينة: أنّه سأله عن مسّه في الصلاة، والمصلي لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه، انتهى.

ص: 24

وفي قوله: والمصلي لا يمس فرجه من غير حائل نظر؛ لما ذكره أبو عمر من حديث أبي الوليد الطيالسي، نا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، عن عمر بن الخطاب: أنه صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه فأشار إليهم كما أنتم، فخرج فتوضأ ثم رجع إليهم فأعاد.

وفي الإسرار: ومطلق اللمس: اسم للمس بلا حائل، وهذه المسألة وقعت في زمن عبد الملك بن مروان، فشاور الصحابة، فأجمع من بقي من الصحابة أنه لا وضوء فيها، وقالوا: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبيّنا لقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت، يعْنُون بُسرة.

ومعنى قولهم: كتاب ربنا: بين الأحداث في كتابه، وكانت نجسة: من دم حيض ومني وغائط، وشرع الاستنجاء بالماء بقوله:{رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} .

فكانوا يتبعون الحجارة بالماء والاستنجاء بالماء، لا يتصور إلا بمس الفرجين جميعا، فلما ثبت بالنص أنه من التطهير لم يجز أن يجعل حدثا بخبر غريب تعم به البلوى، فسقط على ما هو الأصل في خبر الواحد؛ ولأنه ورد بخلاف القياس، وقد ثبت من مذهب أبي هريرة ما يذكر أنه ليس بحديث، والراوي إذا ذهب إلى خلاف ما روى دل على زيافة الحديث ما عرف في موضعه.

قال أبو محمد بن حزْم: وقول من قال: تعظم به البلوى، ولو كان لما جهله ابن مسعود ولا غيره حماقة قد غاب عن جمهور الصحابة الغسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى.

وقد رأى أبو حنيفة الوضوء من الرعاف، وهو مما تكثر به البلوى، ولم يعلم ذلك جمهور العلماء، ورأى الوضوء من ملء الفم من القلس، ولم يره في أقل من

ص: 25

ذلك، وهذا تعظم به البلوى، ولم يعلم ذلك قبله أحدٌ من ولد آدم عليه السلام والله أعلم.

وأما الوضوء من مسّ الإبط، فقد جاء في حديث رواه الزهري، عن عبيد الله بن عتبة، عن عمر: أنه أمر رجلا يتوضأ من مسّ الإبط.

قال البيهقي: هذا مرسل، وقد أنكره الزهري بعد ما حدث به، ويمكن أن يكون أمره بغسل اليد تنظفا.

وروى أبو الحسن من حديث ابن عرفة: ثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر: إذا توضأ الرجل ومس إبطه أعاد الوضوء.

قال: وعن ابن عباس: ليس عليه إعادة، وروى البيهقي أن ابن عمر أدخل يده في إبطه وهو في الصلاة ثم مضى.

وأما الوضُوء من مسّ الصنم: فذكر المدائني في سيره، من حديث محمد بن الوليد، عن يعلى بن عبيد، عن صالح بن حيان، عن ابن بُريدْة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريدة - وقد مس صنما - فتوضأ.

وفي مصنف عبد الرزاق، عن سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن أبي عمرو

ص: 26

الشيباني: أن علي بن أبي طالب لما استتاب المستورد العجلي مسّ صليبا كان في عُنقه، فلما دخل في الصلاة قدم رجلا، ثم أخبر الناس أنه لم يفعل ذلك لحدثٍ أحدثه، ولكنّه من مس هذه الأجداث، فأحببت أن أحدث وضوءا.

وفي الأوسط للطبراني: نا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، نا معاوية بن هشام، ثنا شيبان أبو معاوية، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: كنا نتوضأ من الأبرص إذا مسسناه.

لا يروى هذا الحديث عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن نُمير، ولم نكتبه إلا عن الحضرمي، وكتبه عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل.

ومن حديث بقية، عن عمرو بن أبي عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: الحدث حدثان؛ حدث اللسان وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج، ومنهما الوضُوءُ.

وقد روي عن ابن عباس موقوفا، وروى داود بن المحبّر القائل فيه ابن المديني: ذهب حديثه عن شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتوضأ من الحدث، وأذى المسلم، وقالت عائشة: يتوضأ أحدكم من الطعام الطّيب، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها لأخيه؟!.

وعن إبراهيم النخعي: إني لأصلّي الظهر والعصر والمغرب بوضُوء واحد إلا أن أحدث، أو أقول منكرا، الوضوء من الحدث وأذى المسلم،

ص: 27

وعن عبيدة السلماني نحوه.

وفي كتاب الترهيب لأبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني: ثنا محمد بن سعيد الشافعي، عن محمد بن عامر، عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر، ثنا عثمان بن مظفر، عن أبي عبيدة، عن علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه. وعن ابن مسعود: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إليّ من أن أتوضأ من الطعام الطيب.

ذكره ابن حزم، وعلّل الجميع، قال: وقد أوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة إبراهيم النخعي، وأوجب الوضوء في الإنعاظ والتذكر والمس على الثوب بشهوة بعض المتأخرين.

وروينا إيجاب الغسل من نتف الإبط عن علي وعبد الله بن عمرو، وعن مجاهد الوضوء من تنقية الأنف، وقد صح عن عروة: الوضوء من مس الأنثيين، وروينا عن علي بن أبي طالب ومجاهد وذر والد عُمر بن ذر إيجاب الوضوء من قص الأظفار وقص الشعر، والله تعالى أعلم.

قال ابن المنذر: وبه قال الحكم وحمّاد، ومن ارتد ثم رجع إلى الإِسلام كان الأوزاعي يقول: يستأنف الوضوء.

ص: 28

‌باب الوضُوءِ مما غيرت النّار

3 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما غيرت النار، فقال ابن عباس: أتوضأ من الحميم؟ فقال: يا ابن أخي، إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلا تضرب له الأمثال.

هذا حديث روى مسلم في صحيحه مرفوعه من حديث ابن شهاب.

أخبرني عمر بن عبد العزيز، أنّ عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أخبره: أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا مما مست النار.

ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة فذكره، وفيه: فقال ابن عباس: أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من اللحم؟! ولم يحكم عليه بشيء، والذي رأيت في مسند ابن أبي عمر: ثنا الدراوردي وابن عيينة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئوا مّما مست النار، ولو من أثوار أقط، فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة، أنتوضأ من الحميم؟ فقال له أبو هريرة، الحديث.

وفي مسند أبي العباس السراج من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، قال: اجتمع أبو هريرة وابن عباس، فقال ابن عباس: ليس في طعام وضوُء، وقال: أكل ابن عباس طعاما ولم يتوضأ، قال: فتناول أبو هريرة كفا من حصباء، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد هذه الحصباء، يقول: توضئوا مما غيرت النار، وفي لفظ:

ص: 29

ولو من ثور أقط، وفي لفظ: مما أنضجت النار، وفي لفظ: قال ابن عباس: أتوضأ من طعام أجده حلالا في كتاب الله عز وجل؛ لأن النار محشته؟!.

وقال البيهقي في كتاب السنن الكبير: وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث أبي هريرة - يعني هذا - معلول بفتواه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بألا وضوء منه، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما علم من مذاهب المحدثين بأنّ العبرة بما روى لا بما رأى، خلافا للحنفيين.

4 -

حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أنا يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئوا مما مسست النار.

هذا حديث لم يسمعه ابن شهاب من عروة، بيان ذلك في كتاب مسلم وغيره: قال مسلم: ثنا عبد الملك بن شعيب، حدثني أبي، عن جدّي، حدّثني عقيل بن خالد، قال: قال ابن شهاب: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن خارجة بن زيد الأنصاري أخبره أن أباه زيد بن ثابت قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوضوء مما مست النار.

قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن عبد العزيز أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، أخبره أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا مما مست النار.

قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، وأنا أحدثه هذا

ص: 30

الحديث، أنه سأل عروة بن الزبير عن الوضوء مما مست النار، فقال عروة: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئوا مما مست النار.

وفي مسند السراج: ثنا محمد بن يحيى، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب: أن سعيد بن خالد أخبره أن عروة أخبره، فذكر الحديث.

وفي كتاب ابن شاهين من حديث ثواب بن يحيى: ثنا أبي، عن الزهري، عن القاسم، سمعتُ عائشة تقول: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار حتى قبض.

قال محمد بن عمر الحافظ: وروي عن الزهري عن عروة عن عائشة، وقيل: عن الزهري عن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان عن عروة عنها، وقيل: عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: عن الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ذكر الحربي حديث الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر عن خارجة بن زيد عن أبيه، قال: إن كان معمر يقول: لم يزل عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن يقول: إنه رواه في كتابه، وقد وافقه صالح، وابن أبي ذئب، ويونس، وشعيب، وعقيل، وعبد الرحمن بن خالد. وأما قول ابن لهيعة: عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه، فالقول قول ليث؛ لأنه رواه كما رووه.

5 -

حدثنا هشام بن خالد الأزرق، ثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: كان يضع يديه على أذنيه، ويقول: صُمَّتا، إن لم أكن سمعت

ص: 31

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا مما مست النار.

هذا حديث قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن يزيد - يعني: عن أنس - إلا ابنه خالد بن يزيد، انتهى [وهو مع الغرابة إسناده ضعيف لضعف راويه: وذلك أن هماما رواه عن مطر عن الحسن عن أنس عن أبي طلحة، قال عليه الصلاة والسلام: الوضُوء مما غيرت النار لونه.

أنا بذلك الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف المنبجي رحمه الله بقراءتي عليه، أخبرتكم المسندة أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحرانية، أنا أبو حفص بن طبرزد، أنا أبو غالب بن البناء، أنا أبو الغنائم بن المأمون، أنا أبو القاسم بن حبابة، أنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني الحافظ، قال: أنا محمد بن المؤمل، ثنا بشر

ص: 32

ابن عمر، ثنا همام، فذكره، وإسناده صحيح.

ورواه السراج في مسنده عن إسحاق بن إبراهيم، ثنا بشر، فذكره، [رواه كذلك عن عبد الله بن عمر، ورواه النسائي في كتاب الكنى عن عبيد الله بن سعيد، ثنا حرمي بن عمارة، ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، سمعت يحيى بن جعدة، ورواه أحمد بن منيع في مسنده بسند صحيح عن إسماعيل، ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، فذكره] ورواه أبو عبد الرحمن، وفي الباب غير ما حديث؛ من ذلك: حديث زيد بن ثابت، خرجه مسلم في صحيحه، وقد تقّدم ذكره، وحديث أم حبيبة، وشرب عندها ابن أختها أبو سفيان بن سعيد سويقا: يا ابن أختي توضأ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما مست النار.

خرجه أبو داود، وإسناده صحيح، وقال الحربي: رواه عن الزهري ثلاثة عشر، وقالوا أربعة أقاويل؛ فقال يزيد بن زريع عن معمر: دخل عليها سعيد بن سفيان بن المغيرة، وهذا مما أوهم فيه معمر بالبصرة.

وقال عبد الرزاق عنه: فدخل عليها أبو سفيان بن المغيرة ولم يصب أيضا، إنما هو أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس، وأسقط عثمان بن حكيم أبا سلمة بن عبد الرحمن - يعني: شيخ الزهري -. وقال الماجشون عن عبيد الله: وهذا وهم منه لا شك فيه، وليس كقول من قال: عن أبي سلمة، عن أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة، وفي الأوسط: لم يروه عن بكر إلا جعفر بن ربيعة، وذكر عن الزهري أنّ أبا

ص: 33

سفيان ابن أخت أم حبيبة.

وحديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري، خرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وإسناده جيِّد، وصححه ابن حزْم.

وحديث عبد الله بن عمر، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، يرفعه: توضئوا مما مست النار، فقال أبي: هذا خطأ، ولم يبيِّن الصواب ما هو وما علّة ذلك، والصحيح ما رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه موقوف، ورواه شعيب بن أبي حمزة وابن أبي ذئب وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن ابن قارظ عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد توبع عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم، ذكر القشيري في تاريخ الرقة: ثنا هلال، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا العلاء بن سليمان الرقي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، مرفوعا.

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث عقيل عن ابن شهاب، وقال: لم يروه عن عقيل إلا خال أبي الطاهر، واسمه موسى بن ربيعة.

وحديث سلمة بن سلامة

ص: 34

وكان آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون أنس بن مالك، فإنه قد بقي بعده، أنهما دخلا وليمة، وسلمة على وضوءٍ، فأكلوا ثم خرجوا، فتوضأ سلمة، فقال له جبيرة: ألم تكن على وضُوء؟ قال: بلى، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا من دعوة دعينا لها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على وضُوء، فأكل ثم توضأ، فقلنا له: ألم تكن على وضوء يا رسول الله؟ قال: بلى، ولكن الأمر يحدث، وهذا مما حدث.

خرجه الحافظ أبو بكر ن أبي داود في سننه: عن عبد الملك بن شُعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، حدثني زيد بن جُبيرة بن محمود بن أبي جُبيرة الأنصاري ثم الأشهلي، عن أبيه جبيرة بن محمود، عنه.

وحديث عبد الله بن زيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وضوء إلا مما مست النار، أو حدث، أو ريح.

رواه ابن شاهين عن الحسين بن أحمد بن صدقة، نا أحمد بن سعيد، ثنا يوسف بن عدي، ثنا ابن المبارك، عن محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه، فذكره، ورواه أبو حاتم.

ورواه أبو القاسم في الأوسط عن أحمد بن رشدين، ثنا يوسف بن عدي، ثم قال: لا يروي هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن أبي حفصة، تفّرد به ابن المبارك. وحديث زيد بن ثابت مرفوعا: توضئوا مما مست النار.

قال الدارقطني: ورواه في الأفراد.

ص: 35

تفرد به المنذر بن محمد، عن أبيه، عن جنادة بن سلم، عن عبيد الله، عن الزهري، عن حمران بن أبان، عنه.

وحديث بسرة بنت صفوان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما أنضجت النار.

وذكره ابن عدي في كامله، من طريق أحمد بن عبد الله بن ميسرة، عن سليمان بن داود الرقي، عن الزهري، عن ابن المسيب، عنها، وضعفه بأحمد وسليمان، وقال: إسناد غير محفوظ.

وحديث رجل من الصحابة، قال: كنا نتوضأ ممّا غيرت النار، ونتمضمض من اللبن، ولا نمضمض من التمر.

رواه الكجي في سننه عن حجاج، ثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عنه.

وحديث أبي سعيد الخير الأنصاري، ذكره الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم [في تاريخه، فقال: ثنا دحيم]، ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب، ثنا فراس الشعباني، سمعت أبا سعيد الخير، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوضوء مما مسته النار، وغلت المراجل.

وحديث أبي موسى الأشعري، ذكره حرب في مسائله.

وحديث أم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئوا مما مست

ص: 36

النار.

رواه الكجي في سننه: ثنا أبو عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن عبد الله بن عبد الله، وهو مشكل بما نذكره عنها بعد - إن شاء الله تعالى - أو يكون قد روت الأمرين الناسخ والمنسوخ جميعا، والله تعالى أعلم.

ص: 37

‌باب الرخصة في ذلك

6 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أكل نبي الله صلى الله عليه وسلم كتفا، ثم مسح يده بمسح كان تحته، ثم قام إلى الصلاة فصلى.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.

وخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس، ثم قال: خبر حماد بن زيد غير متصل الإسناد، غلطنا في إخراجه، فإن بين هشام بن عروة وبين محمد بن عمرو وهب بن كيسان، كذلك رواه يحيى بن سعيد وعبدة بن سليمان، ورواه وهب عن محمد بن عمرو، ولفظه: ويتمضمض، ولم يمس ماء.

وقال ابن عبد البر: وعند عطاء في هذا الباب أيضا حديث أم سلمة، أنّها أخبرته: أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا، فأكل ثم صلى، ولم يتوضأ.

قال: وليس هذا باختلاف على عطاء في إسناده، وهما حديثان صحيحان مسندان.

وفي مسند السراج عن قتيبة عن الدراوردي عن زيد بزيادة: ولم يتمضمض.

ص: 38

ولما خرج أبو عيسى حديث عطاء من جهة ابن جريج، قال: حسن صحيح، قال ابن عساكر: كذا رواه روح عن ابن جريج، ورواه خالد بن الحارث وأبو عاصم عن ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان - يعني: ابن يسار -.

قال أبو عيسى: رواه ابن سيرين، وعلي بن عبد الله بن عباس، وعطاء، وعكرمة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغير واحد عن ابن عباس.

وفي مسند الإمام أحمد: ثنا حفص بن عمر، عن همام، عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف، ثم صلى، ولم يتوضأ.

ورواه أيضا عن يحيى عن ابن جريج حدثني سعيد بن الحويرث.

وفي كتاب السراج: ثنا زياد بن أيوب، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا هُشيم، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، كلهم عن ابن عباس بنحوه، وفي المصنف من حديث محمد بن عمرو بن عطاء: أكل من عظم، أو تعرق من ضلع.

وفي حديث أبي جعفر: مر بقدر تفور فأخذ منها عرقا - أو كتفا - فأكله، ثم تمضمض، ولم يتوضأ.

وفي سنن أبي داود: قال ابن عباس: فرأيته يسيل على لحيته أمشاج من دم وماء، ثم قام إلى الصلاة.

ص: 39

وفي مسند ابن عباس، تصنيف القاضي إسماعيل بن إسحاق من حديث حجاج، عن سعد بن إبراهيم، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه: أن النبي عليه السلام أكل في بيت ضباعة بنت الحارث كتفا.

وقال: هكذا رواه أبو معاوية عن حجاج، وخالفه يزيد بن هارون، فرواه عن حجاج: دخل على ضباعة بنت الزبير، فأكل عندها كتفا من لحم، الحديث.

وفي تاريخ بحْشل من حديث سعيد بن جبير: أكل ابن عباس لحما، ثم صلى ولم يتوضأ، ولم يثن من البساط شيئا.

7 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر خبزا ولحما ولم يتوضئوا.

هذا حديث رواه الترمذي عن ابن أبي عمر، ثنا ابن عيينة، ثنا ابن عقيل، سمع جابرا، قال سفيان: ثنا ابن المنكدر، عن جابر، قال: خرج النبي عليه السلام وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف، فأتته بعُلالة من علالة الشاة فأكل، ثم صلى العصر، ولم يتوضأ.

ولم يحكم عليه بشيء، وفيه نقص عما رواه له شيخه، والذي في مسنده: ففرشت لنا تحت صوْر لها - والصوْر: النخلات المجتمعات - وفي آخره: وشهدت أبا بكر دخل على أهله، فقال: هل من طعام؟ قالوا: لا، قال: فأين شاتكم الوالد؟ فأتي بها فحلبها، ثم

ص: 40

أمر بلبانها فطبخ فأكل منه، ثم صلى ولم يتوضأ، وشهدت عمر بن الخطاب، وأتي بجفنتين، فوضعت إحداهما بين يديه والأخرى من خلفه، فأكل وأكلنا معه، ثم صلى ولم يتوضأ.

وقال فيه الجوزقاني: حديث صحيح.

رواه عن ابن المنكدر جماعة، وخرجه أبو حاتم البُستي في صحيحه، عن عبد الله بن محمد الأزدي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا أبو علق ة عبد الله بن محمد بن أبي فروة، حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: رأيت النبي عليه السلام أكل طعاما مما مسته النار، ثم صلى قبل أن يتوضأ، ثم رأيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أكل طعاما مما مسته النار، ثم صلى قبل أن يتوضأ، ثم رأيت بعد أبي بكر عمر أكل طعاما مما مسته النار، ثم صلى قبل أن يتوضأ، وفي لفظ: دعت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل هو وأصحابه، وحضرت، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى، ثم عاد إلى بقيتها فأكلوا، فحضرت العصر فلم يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: أكل النبي صلى الله عليه وسلم لحما ومعه أبو بكر وعمر، ثم قاموا إلى العصر فصلوا ولم يتوضئوا.

وفي صحيح ابن خزيمة: ثنا موسى بن سهْل الرملي، ثنا علي بن عياش، ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال: آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار.

ص: 41

ولما خرجه ابن حبان في صحيحه عنه، قال: هذا خبر مختصر من حديث طويل، اختصره شُعيب متوهما لنسخ إيجاب الوضوء مما مست النار مطلقا، إنما هو نسخ لإيجاب الوضوءِ مما مست النار خلا الجزور فقط.

وقال أبو داود عند تخريجه: هذا اختصار من الحديث الأول، ولفظ الحاكم في التاريخ عن ابن عقيل عنه: أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم من شاة صنعت له قبل العصر، فحضرت الصلاة، فصلى ولم يمس ماء، ثم حضرت عمر في ولايته، فأتي بجفنة فيها ثريد ولحم، فأكلها مع ناس من المهاجرين، وحضرت الصلاة ولم يمس عمر ولا أحد ممن أكل معه ماء.

وقال الدارقطني في الأفراد: تفرد به شعيب، ولا أعلم رواه عنه غير علي بن عياش، ورواه في موضع آخر منه بلفظ: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فأكل مما مست النار.

هذا حديث غريب من حديث ابن عيينة عن الثوري.

تفرد به طاهر بن الفضل الحلبي عن ابن عيينة.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه علي بن عياش: كان آخر الأمرين؟ فقال: هذا حديث مضطرب المتن، إنّما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفا ولم يتوضأ.

كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر، ويمكن أن يكون شعيب حدّث به من حفظه فوهم فيه، وقال في موضع آخر: إنّما هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفا، ثم صلى ولم يتوضأ.

ص: 42

ولقائل أن يقول: الذي سلف من عند أبي داود وابن حبان أقرب مما ذكره الرازي؛ لتباعد لفظ المتنين، ولعدم جواز التعبير بأحدهما عن الآخر، والانتقال من أحدهما إلى الآخر إنما يكون عن غفلة شديدة يبعد عنها شعيب، وقول أبي داود أقرب؛ لأنّه يمكن أن يعبر بهذه العبارة عن معنى الرواية الأولى، ولقائل أن يقول أيضا: المراد بآخر الأمرين ما ذكره جابر أولا، من أنه أكل لحما وخبزا، ثم توضأ، ثم أكل فضل طعامه وصلى، ثم لم يتوضأ، فكان الآخر من الفعل الأول ترك الوضوء، فصحّ إذا الاختصار، كان جائزا فهم من التابع الراوي عنه أنّه عرف روايته للحديث الأوّل، فعبر له بعبارة موجزة يفهمها السامع، والله أعلم.

وعلى هذا لا تعلق لمن ادّعى النسخ بقوله: آخر الأمرين.

وأمّا ابن حزم فزعم بعد تصحيحه حديث آخر الأمرين أنّ من قال: إنّه مختصر من الأول، قول بالظن، والظن أكذب الحديث، بل هما حديثان اثنان كما وردا؛ حديث ابن المنكدر وحده، ولفظ ابن أبي داود في كتاب الطهارة: أن امرأة اشترت حائطا، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه ويدعو فيه بالبركة

الحديث.

وفي لفظ: كنّا زمان النبي صلى الله عليه وسلم وما نجد من الطعام إلا قليلا، فإذا نحن وجدنا لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ.

وفي سنن الكجي: جئنا امرأة من الأشراف، وهي جدة خارجة بن زيد بن ثابت، وفيه عنه أن النبي أخذ بكفه جرعة فمضمض من غبر الطعام، انتهى.

وفي الحديث علّة خفيت على من صححه، ذكرها البخاري في التاريخ الأوسط، فقال: ثنا علي، قلت لسفيان: إن أبا علقمة الفروي قال عن ابن المنكدر، عن جابر: أكل النبي

ص: 43

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتوضأ، فقال: أحسبني سمعت ابن المنكدر قال: أخبرني من سمع جابرا: أكل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم عن ابن المنكدر: سمعت جابرا، ولا يصح، فهذا حكم منه بعدم صحته متصلا، وإن كان قد صرح في التاريخ الكبير بسماعه من جابر، ولا منافاة بين القولين؛ لاحتمال أن يكون ظهر له أنه لم يسمع منه هذا بخصوصه، وإن كان قد سمع منه غيره؛ كما قاله لما سأله الترمذي عن حديث ابن عباس: الشاهد واليمين.

قال: لم يسمع عمرو هذا الحديث عندي من ابن عباس، مع تصريحه في صحيحه بسماعه من ابن عباس غير ما حديث، وما ذكره الشافعي إثر رواية له في سنن حرملة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج مختصرا، قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، إنّما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر.

قال البيهقي: وهذا الذي قاله الشافعي محتمل؛ وذلك لأنّ أصحاب صاحب الصحيح لم يخرجا هذا الحديث من جهة ابن المنكدر عن جابر في الصحيح، مع كون إسناده من شرطهما، ولأنّ ابن عقيل قد رواه أيضا عن جابر، ورواه عنه جماعة، إلا أنّه قد روي عن حجاج بن محمد وعبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج عن ابن المنكدر، قال: سمعت جابرا، فذكروا هذا الحديث.

فإن لم يكن ذكر السماع فيه وهما من ابن جريج فالحديث صحيح على شرط

ص: 44

صاحبي الصحيح - والله أعلم - انتهى كلامه.

وفيه عدم رجوع لما قاله الشافعي، وركون إلى قول من صرح بالسماع، وذهول عن قول الجعفي - رحمهم الله تعالى - ويزيده وضوحا أيضا: رجوع ابن المنكدر عن هذا الرأي إلى غيره.

ذكر أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن شعيب بن أبي حمزة: أنّ الزهري ناظر ابن المنكدر، فاحتج ابن المنكدر بحديث جابر، واحتج الزهري بحديث عمرو بن أميّة في الوضوء مما مست النار، قال: فرجع ابن المنكدر عن مذهبه إلى مذهب الزهري، انتهى.

ولقائل أن يقول: لو أخذه ابن المنكدر عن جابر شفاها لما رجع عنه، ولا ساغ له ذلك، ولكن لما أخذه عنه بواسطة ضعيف رجع عنه مسرعا، وقد رواه عن جابر أبو الزبير ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.

ذكر ذلك الحاكم في تاريخ نيسابور، فقال: ثنا أبو حامد الحافظ، أنا أبو حاتم، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا الجارود بن يزيد عن عبد الله بن زياد بن سمعان، حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي الزبير، عن جابر، بلفظ، قال لنا: يأتيكم رجل من أهل الجنة، [فجاء أبو بكر، ثم قال: يأتيكم رجل من أهل الجنة] فجاء عمر، ثم قال: ليأتينكم رجل من أهل الجنّة، اللهم إن شئت جعلته عليا، فجاء علي.

ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان، ثنا بشر بن محمد القارئ، ثنا ابن المبارك، ثنا الأوزاعي، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

وقد تقدم حديث ابن عقيل عنه، ورأيت بخط سعْد الخير: أنا ابن فراس، أنا ابن بشران، ثنا الحسين بن صفوان، ثنا ابن أبي الدنيا، عن محمد بن موسى بن الصباح، ثنا رشدين بن سعْد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أربع عشرة، في كلها أقول: يا رسول الله، ثنا ابن شهاب عنك: أن توضئوا مما غيرت النار، فيقول لي: لا يا رشدين.

ص: 45

8 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا الزهري، قال: حضرت عشاء الوليد أو عبد الملك، فلما حضرت الصلاة قمت لأتوضأ، فقال جعفر بن عمرو بن أمية: أشهد على أبي أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل طعاما مما غيرت النار، ثم صلّى ولم يتوضأ. وقال علي بن عبد الله بن عباس: وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وخرج البخاري حديث عمرو فقط، وفي كتاب ابن أبي داود إثره: ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر أزواجه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما غيرت النار.

قال ابن أبي داود: فوهنت تلك في الناس قول الزهري: رواه عن عمرو بن عثمان، ثنا شعيب عنه.

9 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف فأكل منه وصلى، ولم يمس ماء.

هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر في صحيحه، ورواه النسائي في الكبير من حديث ابن جُريج: حدثني محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، قال: دخلت على أم سلمة، فحدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير احتلام، ثم يصوم.

وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته أنها قربت، الحديث.

وأنبأ ابن المثنى، ثنا يحيى، ثنا جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، ولفظه: أكل كتفا فجاء بلالُ فخرج

ص: 46

إلى الصلاة، ولم يمس ماء، وقد تقدّم كلام أبي عمر بأن سنده صحيح، وتقدّم أيضا ما يعارضه.

10 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، ثنا سويد بن النعمان الأنصاري: أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا بالصهباءِ صلى العصر، ثم دعا بأطعمة، فلم يؤت إلا بسويق فأكلوا وشربوا، ثم دعا بماء فمضمض فاه، ثم قام فصلى بنا المغرب.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه من حديث مالك عن يحيى ابن سعيد، وقال مسلم في الوحدان: لم يرو عن سويد غير بشير.

11 -

حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا سُهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة فمضمض، وغسل يديه، وصلى.

هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز - يعني: الدراوردي - عن سُهيل، عن أبيه، ولفظه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

وهو مشكل لما أنا به الإمام العلامة محمد بن محمد المغربي رحمه الله أنبأتنا أم محمد سيدة، عن أبي روح، وابن الصفار، وإسماعيل القارئ، وزينب الشعرية، وغيرهم، قال أبو روح وزينب: أنبأنا العسكري في كتابه من حديث الجعيد بن عبد الرحمن عن الحسن بن

ص: 47

عبد الله بن عُبيد الله عنه.

وحديث عمة هند ابنة سعيد بن أبي سعيد الخدري، وقيل: بنت أبي سعيد، وقيل: تكنى أم عبد الرحمن: أن النبي صلى الله عليه وسلم زارهم، فأكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

ذكره المديني من حديث يعقوب بن حميد، عن الدراوردي، عن محمد بن أبي حميد، عن هند، عنها.

وحديث عمرو بن عبيد الله، قال: رأيت النبي أكل كتفا، وصلى ولم يتوضأ.

رواه زاهر، وابن الصفار، والفارسي.

أنبأنا المسند وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي، قراءة عليه، ونحن نسمع، أنبأنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، قراءة عليه، أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف، قراءة عليه، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهدي بن مهران الثقفي السراج، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا وكيع، ثنا سفيان أبو عون الثقفي، عن عبد الله بن شداد، قال: شهدت أبا هريرة يقول لمروان: توضئوا مما مست النار، فأرسل مروان إلى أم سلمة رسولا فسألها، فقالت: نهش رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي من كتف، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، انتهى.

وهو سند صحيح، وبيان إشكاله: كيف يأمر بالوضوء بعد موته عليه السلام مع ما شاهده من فعله الذي رآه؟! وقد تقدّم كلام البيهقي في ذلك، والله أعلم.

ص: 48

وقد روى الرخصة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غير من تقدم؛ منهم: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: وضع لنا طعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة فأكلنا، ثم أقيمت الصلاة، فصلينا ولم نتوضأ.

وهو حديث ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرجه أبو ذر الهروي في كتابه، وقال ابن منده: تفرد به المصريون، وخرجه ابن حبان أيضا في صحيحه، ورواه أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير عن عمر بن عبد العزيز بن مقلاص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة، عن عقبة بن مسلم، عنه، وقال في الأوسط: لم يروه عن عقبة إلا حيوة بن شريح.

ولفظ أبي داود: لقد رأيتني سابع سبعة - أو سادس ستة - مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار رجل، فمرّ بلال، فناداه بالصلاة، فخرجنا فمررنا برجل وبرمته على النار، فقال النبي عليه السلام: أطابت برمتك؟! فقال: نعم بأ ي أنت وأمي، فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه.

رواه عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا عبد الملك بن أبي كُريمة، حدثني عُبيد بن ثمامة عنه، وبنحوه ذكره أبو زكريا بن منده في كتاب آخر من مات من الصحابة، وفيه رد لما قاله أبو القاسم الطبراني، والله تعالى أعلم؛ لأن الحديث واحد، وإن اختلفت ألفاظه، فكله يدور على معنى واحد؛ وهو اصطلاح المخرجين، وعائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل خبزا وكتفا، فأقام المؤذن للصلاة، فأراد القيام، فقلت له: ألا تتوضأ يا رسول الله؟ قال: من الأطيبين

ص: 49

أتوضأ؟ ثم قام فصلى، ولم يتوضأ.

رواه الحافظ أبو العباس السراج في مسنده بإسناد صحيح.

وأبو رافع قال: أشْهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن شْاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

رواه مسلم في صحيحه، ولفظ السراج في مسنده، قال: ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، وأمرني فطبخت له من بطنها، فأكل منه، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ.

في سنده عباد من ولد أبي رافع - وهو مجهول - ولما رواه ابن الأشعث من حديث سلمة بن الفضل، ثنا أبو جعفر الرازي، عن داود بن أبي هند، عن شرحبيل، عن أبي رافع مطولا، قال: هذا حديث غريب، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه روى حديثه ابن أبي داود، عن عمرو بن عثمان، ثنا عقبة بن علقمة، عن الأوزاعي، قال: كان مكحول يتوضأ مما مست النار، حتى أتى عطاء بن أبي رباح، فأخبره عن جابر بن عبد الله: أن أبا بكر أكل ذراعا - أو كتفا -، ثم صلى ولم يتوضأ، فقيل له: أتركت الوضوء؟ فقال: لأن يقع أبو بكر من السماء فيتقطع أحب إليه من أن يخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ عن مكحول: أخبرني ثقة عن جابر: رأيت أبا بكر أتي بطعام مسته النار قبل صلاة المغرب، فأكل، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ.

وفيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عام الأول في مثل هذا اليوم أكل في مثل هذا الموضع مما مست النار قبل صلاة المغرب، ثم صلى ولم يتوضأ، ففعلت كما فعل.

قال زيد بن واقد: فقلت: أخبرك ثقة؟ قال: نعم.

ولما رواه البزار من حديث أسيد الجمال، ثنا عمرو بن أبي المقدام، ثنا عمران بن أبي مسلم، عن ابن غفلة، عن بلال، قال: حدثني مولاي أبو بكر، قال: سمعت النبي

ص: 50

يقول: لا يتوضأ رجل من طعام أكله حل له أكله.

قال: لا نعلمه يروى عن النبي بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وعمرو بن أبي المقدام هو ابن ثابت، حدث عنه أبو داود وجماعة من أهل العلم على تشيعه، ولم يترك حديثه لذلك، وأسيد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وإنما ذكرنا هذا الحديث لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه بهذا الإِسناد فذكرناه، وبينا العلة فيه - والله أعلم -، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل من حديث الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن جابر، عن أبي بكر: أنه أكل مع النبي لحما، ثم صلى ولم يتوضأ.

قال: سمعت محمد بن عوف يقول: هذا خطأ، إنما يرويه الناس عن عطاء، عن جابر، عن أبي بكر، موقوف، انتهى كلامه.

وفيه إشعار بأن عطاء حفظه، وفي هذا رد لما قاله أبو عيسى: حديث أبي بكر لا يصح من قبل إسناده؛ إنمّا رواه حسام بن مصك، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر، والصحيح إنما هو عن ابن عباس عن النبي.

هكذا رواه الحفاظ، وروي من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس، ورواه عطاء بن يسار، وعكرمة، ومحمد بن عمرو، وعلي بن عبد الله بن عباس، وغير واحد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه: عن أبي بكر، وهذا أصح، وكثير رجل من الصحابة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع لنا طعام فأكلنا، ثم أقيمت الصلاة، فقمنا فصلينا، ولم نتوضأ.

ص: 51

رواه الحافظ أبو بكر بن الأشعث في سننه عن أحمد بن صالح، وأحمد بن عمرو بن السّرح، ثنا ابن وهب، سمعت حيوة بن شُريح، سألت عقبة بن مسلم التجيبي عن الوضُوء مما مست النار؟ فقال: إن كثيرا وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.

وأبو سعيد: روى حديثه ابن أبي داود، عن أيوب بن محمد الوزان، نا مروان، نا هلال بن ميمون، ثنا عطاء بن يزيد، قال: وأراه عن أبي سعيد، قال: تعرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم عظما، ثم صلى، ولم يتوضأ.

ورواه أبو الشيخ في فوائد الأصبهانيين، من حديث الحكم بن يوسف، عن زفر، عن أبي حنيفة، عن داود بن عبد الرحمن، عن شرحبيل، عنه.

وفي كتاب العلل للحربي: وذكر حديث محمد بن أبي حميد عن هند بنت سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد به، فقال إبراهيم في هذا الحديث: ابن أبي حميد، وهند هذه لم تدرك أبا سعيد، والصواب ما قال عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ، ومحمد بن كعب عن عمتها، وعمتها أيضا أخت أبي سعيد لم تدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعرفها أنها حدثت عن أحد، وإن كان الحديث عن عمة أبيها أخت أبي سعيد فهي الفارعة، ولها صحبة.

وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى، ولم يتوضأ.

وعثمان بن عفان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزا ولحما، وصلى ولم يتوضأ.

رواه البزار عن محمد بن عبد الرحيم، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا عبد السلام، عن إسحاق بن عبد الله، عن محمد بن أبي أمامة، عن أبان، عن عثمان، ثم قال: وهذا الحديث فيه إسحاق بن عبد الله، وسائر أسانيده فحسن.

ص: 52

ورواه أحمد بن علي القاضي في مسند عثمان عن أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا معلى بن منصور، ثنا شعيب بن زريق، عن عطاء الخراساني، عن ابن المسيب: أن عثمان قعد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بخبز ولحم فأكل، ثم صلى ولم يتوضأ، وقال: قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبنحوه رواه النسائي في كتاب الكُنى عن إسحاق بن موسى، ثنا الوليد، عن شعيب أبي شيبة، وابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم، ثم يقوم إلى الصلاة، ولا يمس ماء.

أنبأنا بحديثه أبو النون القاهري، قراءة عليه، وأنا أسمع، أنبأكم ابن المقير، عن الحافظ السلامي، أنبأ أبو منصور المعمري، أنا القاضي أبو بكر بن أبي حُصين، ثنا عمر بن عثمان، أنا عبد الله بن محمد، ثنا يحيى بن أيوب، وعبد الله بن مطيع، قالا: ثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبيد الله وحمزة ابني عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود.

ومحمد بن مسلمة الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل آخر أمره لحما، ثم صلى ولم يتوضأ.

رواه أبو القاسم عن عباس الأسفاطي، ثنا عبد الرحمن بن المبارك، ثنا قريش بن حيان، عن يونس بن أبي خِلْدة، عنه، والمغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاما وأقيمت الصلاة فقام، وقد كان يتوضأ قبل ذلك، فأتيته بماء ليتوضأ فانتهرني، وقال لي: وراءك، فساءني ذلك، ثم صلى، فشكوت ذلك إلى عمر بن

ص: 53

الخطاب، فقال: يا رسول الله، إن المغيرة بن شعبة قد شق عليه انتهارك إياه، خشي أن يكون في نفسك عليه شيء، فقال: ليس في نفسي عليه شيء إلا خير، ولكنّه أتاني بماء لأتوضأ، وإنما أكلت طعاما، ولو فعلت ذلك فعل الناس ذلك بعدي.

أنا بذلك المسند فتح الدين العسقلاني رحمه الله، قراءة عليه، وأنا أسمع، أنبأكم الأخوان أبو المكارم عبد الله وأبو عبد الله الحسين، أنبأنا الحسن بن منصور، وقال الأول: أنبأ، وقال الثاني: ثنا الحافظ العلامة أبو بكر محمد بن موسى الهمداني، قال: قرأت على محمد بن أبي الأزهر بواسط بالعراق: أخبرك أبو طاهر القارئ في كتابه، أنا الحسن بن أحمد، أنا دعْلج، أنا محمد بن علي، ثنا سعيد، ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن سويد بن سرحان، عن المغيرة، وقال: هذا حديث يروى عن سُويد من غير وجه، فمنهم من يقول فيه: كان يتوضأ قبل ذلك، ومنهم من يقول: كان توضأ قبل ذلك. ورواه أبو داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري، ثنا وكيع، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن شعبة، قال: ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأمر بجنْب فشوي، وأخذ شفرته، فجعل يحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصّلاة، فألقى الشفرة، وقال: ما له، تربت يداه؟ وقام يصلي.

وزاد الأنباري: وكان شاربي وفيا، فقال: أقصه لك على سواك، أو قصه لي على سواك، وسيأتي بعد - إن شاء الله تعالى - في كتاب الوليمة.

ورافع بن خديج قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ذراعا، فلما فرغ أمر أصابعهُ على الجدار، ثم صلى العصر والمغرب، ولم يتوضأ.

رواه أبو القاسم في المعجم الكبير، عن الحسين بن إسحاق التستري، ثنا هشام بن

ص: 54

عمار، ثنا صدقة بن خالد، عن عمر بن قيس، عن إبراهيم بن محمد بن خالد، عن ابن المسيب، عنه.

وإحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلّ ليلة يأتينا إلا قلينا جنة تكون في المدينة، فيأكل منها، فيصلي ولا يتوضأ.

رواه الكجي عن حجاج، ثنا عمارة، عن محمد بن المنكدر، قال: دخلت على إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألا تحدثيني، فقالت، الحديث.

وعكراش بن ذؤيب: أنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد، ثم أتي بماء، فغسل يده وفمهُ، ومسح وجههُ، وقال لي: يا عكراش، هذا الوُضُوءُ مما مست النار.

رواه أبو حفص في كتابه عن هارون بن أحمد، ثنا النضر بن طاهر، ثنا عبيد الله بن عكراش، عن أبيه.

ومعاذ بن جبل، وقيل له: إنّ ناسا يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مما مست النار، فقال: إنّ قوما سمعوا ولم يعُوا، كنا نُسمّي غسل اليد والفمِ وضوءا، وليس بواجب، إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههُم مما مسّتِ النارُ، وليس بواجب.

ورواه البيهقي في كتاب السنن، ثم قال: فيه مطرف بن مازن، وفيه كلام، ورواه البزار في مسنده مرفوعا: إذا أكل أحدنا طعاما غيرت النّار غسل يده وفاه

ص: 55

ثلاثا، نعد هذا وضوءا. من حديث الحسن بن يحيى الخشني، وحاله مختلف فيها؛ فابن معين يوثقه، والنسائي يأبى ذلك.

وأم عامر قالت: رأيت النبي وهو في مسجد بني عبد الأشهل، أتي بعرق فتعرقه، ثم صلى ولم يتوضأ.

ذكره ابن شبة في كتاب أخبار المدينة، فقال: ثنا محمد بن خالد، ثنا إبراهيم بن أبي حبيبة، عن داود، وعبد الرحمن بن عبد الرحمن عنها، وعبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذا اللحم شيئا فليغسل يديه.

رواه القاسم في الأوسط من حديث الوازع بن نافع عن سالم عنه، وقال: لم يروه عن سالم إلا الوازع.

تفرّد به المغيرة بن سقلاب.

وأم هانئ: إنه - تعني: النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفا، وصلى ولم يتوضأ.

رواه أيضا فيه عن أحمد بن علي الأبار، نا أميّة، عن يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، قال: زعمت أم هانئ، فذكره.

وضباعة: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفا، ثم قام إلى الصلاة، ولم يتوضأ.

رواه أيضا فيه من جهة موسى بن خلف، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أم عطية، عن أختها ضباعة، وقال: لم يروه عن قتادة إلا موسى بن خلف.

تفرد به ابنه

ص: 56

خلف العمي، وإسحاق الذي روى عنه قتادة هو ابن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وضباعة هي ابنة الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما ذكره أبو إسحاق الحربي في كتاب العلل، رواه قتادة عن أبي الخليل، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، [تابعوا ابن أبي عدي، وخالد، ويزيد بن هارون، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث]، وقال يزيد بن زريع: عن أبي الخليل، وإسحاق، عن عبد الله بن الحارث، وكان ينبغي أن يقول: عن أبي الخليل.

وعبد الله بن الحارث، وإسحاق عن أم حكيم، وليست هي أم حكيم، إنما هي أم الحكم، وأختها ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب، وهذه جدّته من قبل أمه، والتي من قِبل أبيه، فأم عبد الله بن الحارث هذه بنت أبي سفيان بن حرب، وأمّها صفية بنت أبي عمرو بن أمّية، ولو قال عن أخته أم الحكم كان أشبه؛ لأنه كان لإسحاق أختا لأبيه وأمّه، يقال لها: أم الحكم، ولدت لمحمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس ابنه يحيى بن محمد، وقول سعيد بن بشير عن جدّته وهم؛ لأنّ أمه أم عبد الله بنت عياش بن أبي ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأمها زينب بنت عمرو بن ربيعة. وقال التستري، عن إسحاق: وأحسن في قوله أم الحكم، فأمّا همام فقد أحسن في قوله: أم الحكم، وأساء في موافقته سعيد بن بشير أنها جدّته، أمّا موسى بن خلف، فقال: عن أم عطية، وإنمّا أراد أن يقول: عن أم الحكم عن ضباعة، وكان للزبير ابنة، يقال لها: أم عطية، إنّما كان له ابنتان ضباعة وأم الحكم، فكيف يقول موسى: أم عطية عن أختها ضباعة.

وصفية: أنها قرّبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتفا - يعني: فأكل - ولم يتوضأ؟! رواه داود بن أبي هند، عن إسحاق الهاشمي، عنها.

قال الحربي: صفية هذه ليست ابنة حُيي؛ [لأن إسحاق بن عبد الله بن الحارث

ص: 57

هذا الذي روى عنه داود لم يحدث عن ابنة حيي]، ولكنها صفية بنت أبي عمرو بن أمّية؛ لأنها جدّته من قبل أبيه.

وحديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يأكل الثريد ويشرب اللبن ويصلي ولا يتوضأ.

رواه الطبري في كتاب تهذيب الآثار، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا أبو أحمد الزبيري، عن عبد الأعلى، عن محمد بن علي، عنه.

وأم حكيم بنت الزبير: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير، فأكل عندها كتفا من لحم، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.

رواه البغوي في الكبير عن يزيد، أنا ابن أبي عروبة، أنا قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث عنها، ورواه الخطابي في غريبه من جهة يحيى بن حكيم، ثنا محبوب بن الحسن، عن داود بن أبي هند، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عنها، ولفظه: أنّها أتته بكتف، فجعلت له فأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ.

وأخت أبي سعيد قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدا لأبي سعيد، فقدمنا إليه ذراع شاة، فأكل منها، وحضرت الصلاة، فدعا بماء فمضمض، وقام فصلى.

رواه النسائي في كتاب الكنى عن عبيد الله بن عبد الكريم، ثنا سعيد بن محمد الجرمي، ثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ الأنصاري أبو محمد، ثتنا هند بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري عن عمتها فذكرته، ثم قال: رواه عبيد الله عن سعيد،

ص: 58

وقد تقدّم ما قاله الحربي في هذا الحديث قبل.

والبراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم: أكل خبزا ولحما، وصلى ولم يتوضأ.

رواه أبو عبد الله في تاريخ نيسابور عن محمد بن حامد البزار، ثنا مكي بن عبدان، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا سعيد بن الصباح، ثنا مالك بن مغول، عن أبي السفر عنه.

ومعاوية بن أبي سفيان، أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ألبأ فصلى ولم يتوضأ.

ذكره عبد الغني بن سعيد في كتاب إيضاح الإشكال، رواه عن أبي الطاهر، ثنا ابن ناجية، ثنا يوسف بن واضح، ثنا الحسن بن ندبة، نا روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن رجل، عن معاوية.

وقال الحربي: قول من قال: أكل ألبأ خطأ، إنما أراد أن يقول: لبأ بغير ألف قبل اللام، وهو حديث أبيض مثل الحمص ويطبخ، يقال للمرأة: بيضاء كأنها لبأ، وكان ينبغي أن يقول في الحديث أيضا مطبوخا أو مسلوقا، حتى يكون مما مست النار، فأما ما لم تمسّه النار فلا معنى للحديث.

وأمّ سُليم، أن النبي صلى الله عليه وسلم: أكل جنبا مشويا، ثم صلى ولم يتوضأ.

رواه ابن عون عن محمد بن يوسف عنها، قال الحربي: إِنما أراد أن يقول: أم سلمة؛ لأن هذا الكلام بعينه رواه ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار عن أم سلمة، وابن يوسف هذا مولى عمرو بن عثمان بن عفان، حدث عنه بكير بن الأشج وابن عجلان، قال ابن المنذر: ممن روى عنه أنه توضأ مما مسته النار، وأمر بالوضُوء منه:

ص: 59

ابن عمر، وأبو طلحة، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وأبي مجلز، وأبي قلابة، ويحيى بن يعمر، والحسن بن أبي الحسن، والزهري.

وكان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وأبّي بن كعب وأبو الدرداء ومالك، وأهل المدينة والثوري، وأهل الكوفة والأوزاعي، وأهل الشّام والشّافعي، وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وأصحاب الرأي لا يرون منه وضوءا، وكذلك نقول.

وذكر البيهقي عن أبي عبد الله الشّافعي: وإنّما قلنا: لا يتوضأ منه؛ لأنه عندنا منسوخ؛ ألا ترى أنّ عبد الله بن عبّاس، وإِنّما صحبه عليه السلام بعد الفتح، روي عنه: أنه رآه يأكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ، وأن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عنه عليه السلام أنه لم يتوضأ منه، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما تقدّم من حديث عائشة المتقدم: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار حتى قبض.

[ولفظ أبي عمر في التمهيد عنها وعن أم حبيبة: كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار. قال أبو عمر: وقد روي عن أم سلمة في ذلك خلاف ما روي عنهما].

قال عثمان بن سعيد الدارمي: لما رأينا هذه الأحاديث قد اختلف فيها عن النبي

ص: 60

صلى الله عليه وسلم، فلم نقف على الناسخ منها، فنظرنا إلى ما أجمع عليه الخلفاء الراشدون والأعلام من الصحابة، فأخذنا بإجماعهم في الرخصة فيه.

قال الحازمي: وأكثر الناس يُطلقُون القول بأن الوضُوء منه منسوُخ، ثم اجتماع الخلفاءِ الراشدين، وإجماع أئمة الأمصار بعدهم يدل على صحّة النسخ، وحديث المغيرة - يعني المتقدّم - يدل على أنّ الرخصة كانت غير مرّة، وقال البغوي في شرح السنّة: هو منسوخ عند أهل العلم.

وقال ابن عبد البر: أعلم مالك الناظر في موطئه أنّ عمل الخلفاءِ الراشدين بترك الوضُوء منه دليلٌ على أنّه منسوخٌ، وأنّ الآثار الوارِدة بأن لا وضُوء على من أكل شيئا مسته النار ناسخة للآثار الموجبة له، وقد جاء هذا المعنى عن مالك نصا، روى محمد بن الحسن أنه سمع مالكا يقول: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر، في ذلك دلالة على أن الحق فيما عملا به.

وكتب عياش بن عباس إلى يحيى بن سعيد يسأله: هل نتوضأ مما مسته النار؟ فكتب إليه: هذا مما يختلف فيه، وقد بلغنا عن أبي بكر وعمر أنهما أكلا مما مسّت النار، ثم صليا ولم يتوضآ.

وفي التمهيد: الأمر بالوضُوء منسُوخ عند أكثر العلماءِ وجماعة أئمة الفقهاءِ، وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة، ولم يقفوا على

ص: 61

الناسخ في ذلك من المنسُوخ.

وفي مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني: ثنا عمرو بن عثمان، ثنا سويد بن عبد العزيز، عن الأوزاعي، قال: سألت الزهري عن الوضوء مما غيرت النار، فقال: توضأ، قلت: عمن؟ قال: عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وأنس، وعائشة، وأم سلمة، قلت: فأبو بكر؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعمر؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعلي؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فابن مسعود؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فهات رجالا مثل رجالي، قال: إذا لأتيتك.

وفي كتاب الكنى لأبي عبد الرحمن: سئل سعيد بن المسيب عن الوضوء مما مست النار، فقال: اغسل يدك وفمك.

ص: 62

‌باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

12 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس وأبو معاوية، قالا: حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها.

هذا حديث قال عبد الله: سألت أبي عن الوضوء للصلاة من لحوم الإبل، فقال: حديث البراء وجابر بن سمرة صحيحان - إن شاء الله تعالى - وقال الأثرم عنه نحوه، وخرجه ابن الجارود في كتابه، وقال الحافظ أبو بكر بن خزيمة إثر تخريجه إياه: لم نر خلافا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه، حكاه البيهقي عنه.

وخرجه الحافظ البستي في صحيحه من حديث إسحاق عن عبد الرزاق، أنبأنا الثوري، عن الأعمش، والحافظ ضياء الدين في صحيحه، وقال البيهقي في المعرفة: هو صحيح عند أكثر أهل العلم، وقد أقام الأعمش

ص: 63

إسناده، وأفسده الحجاج بن أرطاة وعبيدة الضبي، وهما ضعيفان، وقال ابن المنذر: ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا من لحوم الإبل، وصححه أيضا أبو حاتم الرازي فيما حكاه عنه ابنه، ورواه أبو داود عن عثمان، ثنا أبو معاوية عن الأعمش بزيادة: وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها، فإنها بركة.

ولما رواه الترمذي مختصرا عن هناد، ثنا أبو معاوية، قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير، وقد رواه حجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد، والصحيح من حديث ابن أبي ليلى عن البراء، وروى عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن عن ذي الغرة، ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج فأخطأ فيه، فقال: عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أسيد، والصحيح الأول روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وتفرّد بروايته عبد الله الرازي، واختلف على عبد الله فيه؛ فرواه عبيدة الضبي، فلم يسم ذا الغرّة، ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الرازي، وقيل: بل رواه عن أخيه عيسى، فقال: عن عبد الرحمن عن يعيش الجهني - وهو ذو الغرّة - وخالفه الأعمش؛ فرواه عن الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، وقال بعض أهل العلم: إنّ البراء هو ذو الغرّة؛ سُمي بذلك لبياض كان في وجهه، ورواه أبو معمر عن عباد عن حجاج عن الرازي، فقال: عن أسيد بن حضير أو عن البراء - شكّ في ذلك -، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقال: عن السليل أو السليك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما ذكر ابن أبي داود حديث ذي الغرّة في سننه قال: هذه سنة تفرّد بها أهل الكوفة.

الثاني: قوله: وفي الباب عن جابر وأسيد، وليس كذلك، بل في الباب غير هذين الحديثين، سنذكرهما بعد - إن شاء الله تعالى - وأما ما ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش: سمعت عبد الله مولى قريش عن ابن أبي ليلى به، فيريد بمولى قريش عبد الله بن عبد الله، لا غيره، والله تعالى أعلم.

ص: 64

13 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا زائدة وإسرائيل، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحُوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي عوانة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ.

قال: أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال: أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أأصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.

رواه عن أبي كامل الجحدري عنه، وأتبعه برواية زائدة عن سماك، ورواية شيبان عن ابن موهب وأشعث، كلّهم عن جعفر بمثل حديث أبي كامل عن أبي عوانة.

قال: وقد روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أنبأني من سمع جابر بن سمرة يقول: كنا نمضمض من ألبان الإبل، ولا نمضمض من ألبان الغنم، وكنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم.

وفي مستخرج أبي نعيم عن أشعث، وفي المعرفة من حديث زائدة عن سماك، كلاهما عن جعفر عن جابر، قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا عنده، فقال: يا رسول الله، أتطهر من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتطهر، وإن شئت فدع. قال: أفأصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أتطهر من لحوم الإبل؟ قال: نعم. قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.

وأخرجه ابن منده، وقال: هذا إسناد

ص: 67

صحيح، أخرجه الجماعة إلا البخاري لجعفر بن أبي ثور، وفي قوله ذلك نظر؛ لأن هذا الحديث ليس في كتب الجماعة - خلا القشيري وابن ماجه - وقال البيهقي في المعرفة: هو صحيح عند أكثر أهل العلم، وأمّا البخاري فإنّه لم يخرجه، ولعله إنّما لم يخرج حديث ابن موهب وأشعث لاختلاف وقع في! وفي تاريخ محمد الأوسط: جعفر بن أبي ثور بن جابر السوائي، قال سفيان وزكريا وزائدة: عن سماك عن جعفر بن أبي ثور بن جابر عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في لحوم الغنم، وقال حماد بن سلمة: عن سماك عن جعفر بن أبي ثور عن جدّه جابر، وقال النضر عن شعبة عن سماك:

ص: 68

سمعت أبا ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة عن جابر، قال محمد: هذا كلّه وهم إلا ما قال سفيان وزائدة: جعفر بن أبي ثور.

وقال أهل النسب: ولد جابر بن سمرة: خالد، وطلحة، ومسلمة، وهو أبو ثور، وروى عن جعفر محمد بن قيس الأسدي وابن موهب، ثنا عبد الرحمن بن أبي شيبة، ثنا أبو نباتة عن ابن موهب عن عمه عثمان بن عبد الله بن موهب، عن رجل بالكوفة سماه لي فلم أحفظه، كان أبوُه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن أباه أخبره، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من الغنم؟ قال: لا.

ثنا موسى، ثنا أبو عوانة، ثنا عثمان بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر مثله، وبنحوه ذكره في الكبير، وقال أبو حاتم: اسم أبي ثور: مسلم، وقال بعضهم: مسلمة، وحكى مسلم وعبد الله في علله عن الإِمام أحمد: جابر جده من قبل أمه، وقال اللالكائي: نافع بن سفيان، وهو ابن معاوية، وكذلك روى عثمان بن موهب، وروى عنه أبو عوانة وشيبان بن عبد الرحمن مثله، ووافقه محمد بن قيس وأشعث، وقال أبو أحمد الحاكم: قول شعبة غلط بكل حال، ومن قال: أبو ثور، فهو مخطئ، وزعم مسلم في كتاب الكنى أن محمد بن إسماعيل قال: اسم أبي ثور الذي روى عن جابر بن سمرة: اسمه مسلم، وتبعه على ذلك أبو عمر، ولا أدري كيف هذا، ولا كيف يتجه هذا القول مع ما تقدم من كتابيه؟! ولما ذكره أبو حاتم في كتاب الثقات، قال: جعفر بن أبي ثور، وهو أبو ثور بن عكرمة، فمن لم يحكم صناعة الحديث يتوهم أنهما رجلان مجهولان - والله أعلم -.

ورواه أبو الحسن في الأفراد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جابر، وقال: تفرد به عيسى بن يونس عن الأعمش، وأسنده عن جابر، وغيره يرويه عن

ص: 69

الأعمش، ويسنده عن البراء، وفيه خلاف على عبد الله الرازي عن ابن أبي ليلى.

14 -

حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، ثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عبد الله بن عبد الله - مولى بني هاشم - وكان ثقة، وكان الحكم يأخذ عنه، ثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتوضئوا من ألبان الغنم، وتوضئوا من ألبان الإبل.

هذا حديث تقدم كلام أبي عيسى عليه، وقال أبو حاتم: ليس بصحيح، وأهمل ذكره الحافظان الدمشقيان - ابن عساكر وأبو الحجاج - فلم يذكراه في كتاب الأطراف، وهو ثابت في نسخ ابن ماجه كما ترى.

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث عمران القطان عن الحجاج، ولفظه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: توضئوا من لحوم الإبل، ولا تصلوا في مناخها، ولا توضئوا من لحوم الغنم، وصلوا في مرابضها.

وقال: لم يروه عن عمران إلا أبو عمرو بن عاصم الكلابي، وهو حديث ضعيف؛ لضعف راويه أبي أرطاة الحجاج بن أرطاة بن ثور بن هبيرة بن شراحبيل بن كعب بن سلامان بن عامر بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع، وإن كان الثوري قد قال فيه: عليكم به، فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه، وقال ابن أبي نجيح: ما جاءنا مثله، وقال حماد بن زيد: كان عندنا

ص: 70

أفهم لحديثه من الثوري.

وزاد الدولابي: قال الحسن: قلت ليزيد بن هارون: أكان الثوري أحفظ من الحجاج وأثبت؟ قال: لم يكن بأثبت منه، ولكن كان أرضى منه، وقال العجلي: كان فقيها أحد مفتي الكوفة، وكان فيه تيه، وكان يقول: أهلكني حب الشرف، وولي الشرطة وقضاء البصرة، وكان جائز الحديث إلا أنّه صاحب إرسال، وإنما يعيب الناس منه التدليس، وقال الإمام أحمد: كان من الحفاظ، وفي حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة، وقال ابن معين: صدوق، ليس بالقوي، يدلس عن العرزمي عن عمرو بن شعيب، وفي رواية معاوية بن صالح عنه: ثقة، وقال أبو زرعة: صدوق مدلس، وقال أبو حاتم: صدوق يدلس عن الضعفاء، يكتب حديثه، فإذا قال: ثنا، فهو صالح، لا يرتاب في صدقه وحفظه إذا بين السماع، وقال حماد بن زيد: قدم علينا جرير بن حازم، فقال: ثنا قيس بن سعد عن ابن أرطاة، فلبثنا ما شاء الله، ثم قدم علينا الحجاج ابن ثلاثين - أو إحدى وثلاثين - فرأيت عليه من الزحام ما لم أر على حماد بن أبي سليمان، ورأيت عنده مطرا الوراق وداود بن أبي هند جثاة على أرجلهم، يقولون: يا أبا أرطاة، ما تقول في كذا؟ وقال هشيم: سمعته يقول: استفتيت وأنا ابن ست عشرة.

وقال ابن عدي: إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وعن غيره، وربما أخطأ في بعض الروايات؛ فأما أن يتعمد الكذب فلا، وهو ممن يكتب حديثه، وقال الخطيب: كان أحد العلماء بالحديث والحفاظ له، وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: وثقه شعبة وغيره من الأئمة، وأكثر ما عيب فيه التدليس، والكلام فيه يطول.

وقال أبو حاتم البستي في ترجمة سليمان الأسدي: سيد شباب أهل العراق ابن أرطاة، وخرج حديثه مسلم في صحيحه مقرونا بابن أبي غنية، والبخاري في كتاب الأدب.

وقال أبو الحسن: لا بأس به، فقد قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: يروي عمن لم يلقه، لا يحتج بحديثه، وقال يحيى: ضعيف، وقال مرة: لا يحتج به، وقال يحيى

ص: 71

ابن سعيد القطان: هو وابن إسحاق عندي سواء - يعني: في الضعف - فلا أحدّث عنهما، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري في التاريخ الأوسط: متروك لا نقربه، وقال الساجي: متكلّم فيه، وذكر عن ابن خزيمة: لا أحتج به إلا فيما قال: حدثنا، أو سمعت.

وفي الذخيرة لابن طاهر: حجاج متروك الحديث، وقال ابن حبان: تركه ابن المبارك ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد، وفي كتاب العقيلي: عن يحيى بن الحارث المحاربي، قال: أمرنا زائدة أن نترك ابن أرطاة، وقال ابن إدريس: كنت آتيه فأجلس على بابه حتى تطلع الشمس، فلا يخرج إلى صلاة جماعة فتركته، ولما ذكره أبو العرب في كتابه الضعفاء قال: كان يقول: ترك الصلاة في الجماعة من المروءة، قال أبو العرب: وهذا من مثالبه، وقال ابن سعد: كان شريفا مريا، توفي في خلافة جعفر، وكان ضعيفا في الحديث، وبنحوه ذكره يعقوب بن سفيان في تاريخه، وابن أبي خيثمة في الأوسط، والبلخي في كتاب الضعفاء.

الثاني: إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي، وإن كان ابن معين قال: لا بأس به، وقال صالح بن محمد: صدوق، وقال الدارقطني: ثقة ثبت، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، فقد قال فيه أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي، وهما تلميذاه، وأعرف به ممن سواهما، والله تعالى أعلم.

ص: 72

15 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا بقية، عن خالد بن يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، عن عطاء بن السائب: سمعت محارب بن دثار، سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا من لحوم الإبل، ولا توضئوا من لحوم الغنم، وتوضئوا من ألبان الإبل، ولا توضئوا من ألبان الغنم، وصلوا في مراح الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل.

هذا حديث قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه أحمد بن عبدة عن يحيى بن كثير عن عطاء بن السائب عن محارب، الحديث، فقال: إني كنت أنكر هذا الحديث لتفرده، فوجدت له أصلا: ثنا ابن المصفى عن بقية، حدثني فلان - سمّاه - عن عطاء عن محارب بنحوه، قال: وحدثني عبيد الله بن سعد الزهري، حدثني عمي يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق، حدثني عطاء بن السائب أنّه سمع محاربا يذكر عن ابن عمر بنحو هذا، ولم يرفعه، قال أبي: حديث ابن إسحاق الموقوف أشبه، انتهى.

وفي الباب حديث آخر من رواية جابر بن يزيد الجعفي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن أبي ليلى، عن سليك الغطفاني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الوضوء من لحوم الإبل.

ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وأشار إلى ضعفه لتفرد ابن يزيد به، وتقدّم ذكره قبل.

قال ابن المنذر: قال بالوضوء منه جابر بن سمرة، ومحمد بن إسحاق - صاحب المغازي - وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو خيثمة، ويحيى بن يحيى، وكان مالك والثوري والشافعي والنعمان لا يوجبون منه وضوءا، قال أبو بكر: وبالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نقول، وفي كتاب المعرفة: قال الشافعي في

ص: 73

بعض كتبه: إن صح الحديث في الوضوء من لحوم الإبل قلت به، وقال علي بن الحسين الأفطس: رأيت محمد بن الحسن يتوضأ من لحوم الإبل، وقال أبو محمد بن حزم: وأكل لحوم الإبل عمدا نيئة أو مطبوخة أو مشوية وهو يدري أنه لحم جمل أو ناقة ينقض الوضوء، ولا ينقضه أكل شحومها محضة، ولا أكل شيء منها غير لحمها، فإن كان يقع على بطونها أو رءوسها أو أرجلها اسم اللحم عند العرب نقض الوضوء وإلا فلا. وبهذا القول يقول أبو موسى الأشعري، زاد أبو عمر في الاستذكار: وأبو ثور رحمهم الله أجمعين -، قال الخطابي: ذهب عامة أهل الحديث إلى إيجاب الوضوء منه، وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأوّل على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة، كما روي: توضئوا من اللبن، فإن له دسما.

كما قال: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل.

وليس ذلك من أجل أن بين الأمرين فرقا في باب الطهارة والنجاسة؛ لأن الناس إما قائل يرى نجاسة الأبوال كلها، أو قائل يرى طهارتها، والغنم والإِبل سواء عند الفريقين، وإنما نهي عن ذلك لنفارها، وذلك مأمون في الغنم، ومعلوم أن في لحمها من الحرارة والزهومة ما ليس في لحم الغنم، انتهى كلامه.

ولقائل أن يقول: إنما نهي عن الصلاة في أعطان الإبل لما يخالطها من الشياطين، وذلك بين في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي: ولا تصلوا في معاطن الإبل؛ على ظهر كل بعير شيطان، فإذا ركبتموهم فسموا الله، ولا تقصروا عن حاجتكم.

وفي حديث عبد الله بن مغفل: ولا تصلوا في معاطن الإبل؛ فإنها خلقت من الشياطين.

ذكرهما أبو القاسم في معجمه، ويكون ذلك لنهيه عليه السلام عن الصلاة في الوادي من أجل الشيطان

ص: 74

الذي به، والله تعالى أعلم.

الإبل: جماعة لا واحد لها من لفظها، وكذلك الغنم، قاله في التلخيص، وفي كتاب الصحاح: وهي مؤنثة؛ لأن اسم الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، وإذا صغرتها دخلتها الهاء، فقلت: أبيلة وغنيمة ونحو ذلك، وربما قالوا للإبل: إِبْل - بتسكين الباء - للتخفيف، والجمع آبال، فإذا قالوا: إبلال وغنمان، فإنما يريدون قطيعين من الإبل، وأرض مأبلة أي: ذات إبل، والنسبة إلى الإبل إبلي، يفتحون الباء استيحاشا لتوالي الكسرات.

والمراح - بالضم - حيث تأوي إليه الإِبل والغنم بالليل، وبالفتح: الموضع الذي يروح منه القوم أو يروحون إليه، كالمغدي للموضع الذي يغدى منه، حكاه المنذري. والعطن، وجمعه أعطان: مبرك الإبل حول الماء، ذكره أبو عبيد.

وفي كتاب الصحاح: العطن والمعطن واحد الأعطان، والمعاطن: وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل، فإذا استوفت ردت إلى المراعي والأظماء، وعطنت الإبل بالفتح تعطن عطونا: إذا رويت، ثم تركت، فهي إبل عاطنة وعواطن، وقد ضربت بعطن أي: بركت، وكذلك تقول: هذا عطن الغنم، ومعطنها لمرابطها حول الماء، والله تعالى أعلم.

ص: 75

‌باب المضمضة من شرب اللبن

16 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تمضمضوا من اللبن؛ فإن له دسما.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم بغير لفظ الأمر، وإن كان المنذري قد أطلق ذلك ولم يبينه، فيشبه أن يكون وهما؛ ولما ذكره الطبري في شرح الآثار من حديث ليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال: هذا خبر عندنا صحيح، وإن كان عند غيرنا فيه نظر لاضطراب ناقليه في سنده، فمن قائل عن الزهري عن ابن عباس من غير إدخال عبيد الله بينهما، ومن قائل عن الزهري عن عبيد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب لبنا من غير ذكر ابن عباس بعد، فليس في مضمضته عليه السلام من اللبن وجوب مضمضة ولا وضوء على شارب من شربه؛ إذ كانت أفعاله غير لازمة لأمته العمل بها، إذا لم يكن بيانا عن جملة فرض في تنزيله، انتهى كلامه.

وفيه نظر من حيث ذكره لفظ الأمر لا الفعل - والله أعلم - لكنه يشكل ما ذكره البيهقي عن ابن عباس راوي الأمر: لولا التلمظ ما باليت ألا أمضمض.

17 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 76

قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شربتم اللبن فمضمضوا؛ فإن له دسما.

هذا حديث إسناده صحيح، موسى بن يعقوب الزمعي الأسدي أبو محمد المدني، روى عنه جماعة؛ منهم: معن بن عيسى، وابن أبي فديك، ومحمد بن عثمة، وسعيد بن أبي مريم، وثقه ابن معين، ولما ذكر حديثه هذا أبو عبد الرحمن في كتاب الكنى أتبعه التوثيق، ووثقه أيضا أبو محمد الرشاطي، قال: ووقع في كتاب ابن أبي حاتم أنه قرشي زهري، وهو وهم، اللهم إلا أن يكون زهريا من قبل أمّه أو بوجه آخر - والله أعلم - انتهى كلامه.

وكما نسبه ابن أبي حاتم نسبه البخاري في تاريخه الكبير، وأما أبو عبيدة الذي ذكر أبو عمر أنهم اتفقوا على أنه لا اسم له فحديثه في صحيح مسلم، وأبوه عبد الله بن زمعة له صحبة فيما ذكره ابن حبان.

18 -

حدثنا أبو مصعب، ثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مضمضوا من اللبن؛ فإن له دسما.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف عبد المهيمن المذكور قبل في باب التسمية في الوضوء.

19 -

حدثنا إسحاق بن إبراهيم السواق، ثنا الضحاك بن مخلد، ثنا زمعة بن صالح، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: حلب رسول الله شاة، وشرب من لبنها، ثم دعا بماء فمضمض فاه، وقال: إن له دسما.

هذا حديث قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا زرعة، وانتهى في القراءة إلى حديث حدثنا به عن عبيد بن يعيش، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أنس بن مالك: شرب عليه السلام لبنا، ثم قال: هاتوا ماء،

ص: 77

فمضمض.

هذا وهم، إنما هو ما ثنا ابن أبي شيبة، ثنا ابن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن النبي عليه السلام بنحوه، مرسل.

.

قال زيد: دلني شعبة على هذا الشيخ. ولما ذكره ابن صخر في فوائده، قال: قال لنا أبو محمد:

ص: 78

وهذا غريب من حديث توبة عن أنس، لا أعلم رواه إلا زيد بن الحباب عن، وتوبة حديثه في صحيح البخاري، ويشيده ما ذكره أحمد بن منيع في مسنده: ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس: أنه كان يمضمض من اللبن ثلاثا.

وذكر أبو عيسى أن في الباب إثر حديث ابن عباس وحديث سهل بن سعد وأم سلمة، وأغفل حديث أنس وحديث جابر بن عبد الله المذكور عند ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ من حديث أبي عامر العقدي، ثنا أيوب بن سيار، وهو ممن اتهمه يحيى بالكذب عن محمد بن المنكدر عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا، فمضمض من دسمه.

قال الطبري: ثنا ابن حميد، ثنا جرير، عن عطاء، قال: أتي عبد الرحمن بلبن فشرب، فحضرت الصلاة، فقيل له: ألا تمضمض؟! فقال: من أي شيء؟ من اللبن الخالص الطيب؟ ثم صلى، ولم يمضمض.

قال أبو جعفر: وبذلك قال جماعة علماء الأمصار والسلف رضي الله عنهم أجمعين -.

ص: 79

‌باب الوضوء من القُبلة

20 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت.

هذا حديث لما رواه أبو داود عن عثمان: ثنا وكيع قال: وكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن الأعمش، ثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، ثنا عبد الرحمن بن مغراء، ثنا الأعمش، ثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة بهذا الحديث.

قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد لرجل: احك عني أن هذين الحديثين - يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة - قال: احك عني أنهما شبه لا شيء. وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني - يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء -، وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثا، زاد ابن العبد واللؤلئي: صحيحا، انتهى كلامه.

ولقائل أن يقول: قول الأعمش، ثنا أصحاب لنا: لا يقدح في الإسناد الأول؛ لأمرين:

الأول: عبد الرحمن بن مغراء لا يقاوم زائدة والحماني ووكيعا.

الثاني: يحتمل أن أصحابه رووه له كما رواه له حبيب، ويكون لحبيب في هذا شيخان إذا قلنا بصحة إسناد الثاني، وقول الثوري: لم يحدثنا حبيب عن ابن الزبير، لا يؤثر في صحة هذا الحديث؛ لأن الشيخ غالبا لا يروي لأصحابه عن جميع مشايخه،

ص: 80

وقد يخص قوما دون آخرين، وقال أبو عيسى: سمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت: لم يسمع من عروة، وقد روى عن التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضا، ولا نعرف لإبراهيم سماعا من عائشة، وليس يصح في هذا الباب شيء، قال أبو عيسى: وسمعت أبا بكر العطار يذكر عن ابن المديني، قال: ضعف يحيى بن سعيد هذا الحديث جدا، قال أبو عيسى: وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد، وذكر الدارقطني عن يحيى بن سعيد أنه قال: إنما كان الثوري أعلم الناس بهذا، وزعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا، وبنحوه ذكره الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والحافظان؛ أبو بكر البيهقي، وأبو الحسن بن القطان، وأبو الفرج بن الجوزي، وابن سرور المقدسي، وأشار ابن حزم إلى عدم صحته، [وفي كتاب الخلال: سئل أبو عبد الله عن حديث عائشة في القبلة؛ فقال: هو غلط، وفي كتاب الميموني: قال أبو عبد الله: هذا الحديث مقلوب على حديث عائشة: قبل وهو صائم، وهو هذا الحديث بعينه، يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قلت: فمن أين؟ أليس حبيب صالح الحديث؟! قال: بلى، ولكن لا أعلم أحدا روى عن حبيب عن عروة شيئا إلا هذا الحديث، وحديث آخر يرويه الأعمش، وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: وسمعت أبي يقول: لم يصح حديث عائشة في ترك الوضوء من القبلة - يعني: حديث الأعمش عن حبيب عن عروة - وسئل أبو زرعة عن الوضوء من القبلة؛ فقال: إن لم يصح حديث عائشة قلت به، وأشار البغوي في شرح السنة إلى ضعفه.

وقال الشافعي: ليس بمحفوظ من قبل أن عروة إنما روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها صائما.

وقال البيهقي في المعرفة: والصحيح رواية عروة، والقاسم بن محمد، وعلي،

ص: 81

ابن الحسين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن ميمون، عن عائشة: كان عليه السلام يقبل وهو صائم، وحديث حبيب معلول.

وقال في الخلافيات: اشتبه فساده على كثير ممن ليس الحديث من شأنه، ويراهُ إسنادا صحيحا، وهو فاسد من وجهين:

الأول: الانقطاع.

والثاني: عروة ليس بابن الزبير، إنما هو شيخ مجهول يعرف بالمزني

وأما قوله: ومنهم من قال: ليس هو عروة بن الزبير ففيه نظر؛ لما أسلفناه من رواية وكيع المصرح فيها بنسبه عند ابن ماجه والدارقطني، وأيضا فلا أحد من الغرباء يتجاسر على أم المؤمنين بقوله: من هي إلا أنت؟ ويحكي ضحكها غالبا إلا من كان ذا محرم منها، ويزيده وضوحا رواية هشام له عن أبيه كرواية حبيب.

ذكر ذلك الدارقطني في كتاب السنن من رواية حاجب بن سليمان عن وكيع عنه، وقال: وليس كذلك لمتابعة ذكر ذلك أبو الحسن في كتابه عن الحسين بن إسماعيل عن علي بن عبد العزيز الوراق - يعني: المصنف المشهور - عنه عن أبي أويس، قال: حدثني هشام، فذكره، ثم قال: لا أعلم حدث به عن عاصم غير علي بن عبد العزيز، ورواه أيضا من جهة شيبان بن عبد الرحمن، عن الحسن بن دينار، عن هشام، عن أبيه عروة بن الزبير: أن رجلا قال: سألت عائشة، الحديث. ومن جهة محمد بن جابر عن هشام، ومن جهة عبد الملك بن محمد عن هشام، ورواه عن عروة كروايتهما الزهري. قال أبو الحسن: ثنا ابن قانع، عن إسماعيل بن الفضل، عن محمد بن عيسى بن يزيد الطرطوسي، عن سليمان بن عمر بن سيار، عن أبيه، عن ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة به.

وقال البيهقي حين ذكره: رواته إلى ابن أخي الزهري أكثرهم مجهولون، ولا يجوز الاحتجاج بأخبار ترويها المجاهيل، ورواه الدارقطني أيضا من جهة إسماعيل بن

ص: 82

موسى، ثنا عيسى بن يونس عن معمر، فأدخل بين الزهري وعروة رجلا - وهو أبو سلمة - ثم قال: هذا خطأ من وجوه.

قال البيهقي: إنما أراد الخطأ في متنه وإسناده جميعا؛ حيث أدخل أبا سلمة، وزاد في متنه: ثم صلى ولم يتوضأ، والمحفوظ ما سبق، والحمل فيه على من دون عيسى، وكيف يكون ذلك من جهة الزهري صحيحا، ومذهبه بخلافه، ورواه عن عروة أيضا محمد بن عمرو، وذكره عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن معبد بن نباتة عن محمد عن عروة به، وذكر الزعفراني عن الشافعي، قال: إن ثبت حديث معبد في القبلة لم أر به بأسا، ولا في اللمس، وزاد أن محمد بن عمرو لم يثبت له عن عروة شيء، انتهى.

فقد تبين لك أن عروة هذا هو ابن الزبير لا المزني لكونه مجهولا، ولم يرو عنه إلا ابن أبي ثابت، أخذا من إسناد حديثه المذكور عند أبي داود، ولو روى عنه من وصفناه لخرج عن الجهالة التي لم تزايله، فيما ذكره غير واحد من المؤرخين، والله تعالى أعلم.

وأيضا فقد رواه عن عائشة جماعة غير عروة، نذكر منه ما تيسر؛ فمن ذلك: رواية عطاء عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ.

رواه البزار في مسنده عن إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، ثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثني أبي، عن عبد الكريم الجزري عنه، وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من

ص: 85

رواية عائشة، ولا نعلمه يروى عن عائشة إلا من حديث حبيب عن عروة، ومن حديث عبد الكريم عن عطاء عنها، وقال في موضع آخر: وهذا الحديث إسناده إسناد حسن، وهو معروف من حديث عبد الكريم، ومحمد بن موسى ليس به بأس، قد احتمل حديثه أهل العلم، ولا نعلم فيه مطعنا يوجب التوقف عن حديثه، وسائر الرجال يستغنى بشهرتهم عن صفاتهم، وإسماعيل بن صبيح رجل ثقة مشهور، وقد رواه خطاب بن القاسم قاضي حران، وكان مشهورا أيضا عن عبد الكريم، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما نذكره بعد - إن شاء الله تعالى -، ولما ذكر أبو محمد الإشبيلي هذا الحديث، قال: موسى بن أعين ثقة مشهور، وابنه مشهور، روى له البخاري، ولا أعلم لهذا الحديث علّة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول يحيى بن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديء؛ لأنه غير محفوظ.

قال أبو محمد: وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية، وإما أن تكون الملامسة الجماع كما قال ابن عباس، ولما رواه الدارقطني من جهة جندل بن والق، ثنا عبيد الله بن عمرو عن غالب عن عطاء، قال: غالب هو ابن عبيد الله، متروك.

وقال صاحب الذخيرة: هذا حديث لا يصح؛ لأنّ غالبا يتهم بالوضع، قال أبو الحسن: ثنا عثمان بن أحمد الدقّاق، ثنا محمد بن غالب، ثنا الوليد بن صالح، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري بمثله، ثم قال: يقال إن الوليد وهم في قوله: عبد الكريم، إنما هو حديث غالب، ورواه الثوري عن عبد الكريم عن عطاء من قوله، وهو الصواب.

ولما ذكر أبو بكر هذا الحديث في كتاب الخلافيات لم يتكلم على الوليد بشيء إلا بقول عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: لِمَ لم تكتب عن الوليد؟ فقال: رأيته يصلي في المسجد الجامع، ويسيء صلاته،

ص: 86

وفي موضع آخر قال: ورواه سلمة بن صالح منفردا به ولم يتابع عليه، قال الحاكم: عن محمد بن عبد الرحمن الكوفي عن عطاء عن عائشة، وروى عن عبد الكريم عن عائشة مرفوعا، وهو وهم، والصحيح: عن عطاء من قوله، انتهى.

والذي يشبه أن يكون ابن معين أراد الطريق التي أسلفناها من عند الدارقطني أولا، يؤيد ذلك قول ابن عدي: والحديث الذي ذكره أبو زكريا هو ما روى عبيد الله بن عمرو عنه عن عطاء، فذكر حديث القبلة، ثم قال: إنما أراد ابن معين هذا الحديث؛ لأنه غير محفوظ، ثم قال: ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة، يرويها عن قوم ثقات، وإذا روى عنه الثقات فحديثه مستقيم، وقول الدارقطني: يقال: إن الوليد وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ فقد ينازع في ذلك على طريقة معلومة لمتأخري المحدثين والفقهاء إذا كان ثقة، ويطالب قائل ذلك بالدليل على ما حكم به من الوهم، وما تقدّم من متابعة ابن أعين تضعف قوله، وتقتضي أن للحديث أصلا من رواية عبد الكريم، وقال ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك: وقد طعنوا على عبد الكريم؛ لانفراده برفع هذا الحديث، وليس ذلك مطعنا، وانفراد الثقة برفع الحديث لا يقدح فيه، وحديثه هذا مسند صحيح.

وأمّا رواية الثوري له موقوفا فهي مسألة مشهورة عند الفقهاء والأصوليين فيما إذا وقف ثقة ورفع ثقة، وعبيد الله بن عمرو من الثقات المخرج حديثهم في الصحيحين، وأيضا فعطاء صاحب فتوى معروف بذلك، فيجوز أن يكون أفتى بما روى، كما نقل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، فلا يقوي القرينة في غلط من رفع كلّ القوة،

ص: 87

وأما ما ذكره البيهقي عن الوليد فليس عيبا ترد به أحاديثه؛ لاحتمال أن يكون يرى رأي العراقيين، وصلاة بعضهم عند أحمد غير صحيحة، ولئن سلمنا له الطعن فيه؛ فحديث البزار المذكور ليس فيه الوليد، والله أعلم.

ومن ذلك: رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها: أنا بها القدوة المعمر أبو الفتح نصر بن سليمان بن عمر المنبجي، بقراءتي عليه: أخبركم أبو إسحاق إبراهيم بن خليل بن عبد الله الدمشقي، قراءة عليه، يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وستمائة، بجامع حلب، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي المعروف بابن الخرقي، بقراءة أخي، سنة ست وثمانين وخمسمائة، أنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي، في ربيع الأول سنة ست وعشرين وخمسمائة، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الصوفي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة، سنة أربعين وثلاثمائة، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، عن سعيد بن بشير، عن منصور بن زاذان، حدثه عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الصلاة، ثم يقبلني ولا يتوضأ.

قال أبو القاسم في معجمه الأوسط، ورواه من حديث سعيد: لم يروه عن الزهري إلا منصور، ومن ذلك: زينب السهمية الآتي حديثها بعد، ومن ذلك: إبراهيم التيمي عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّلها، ولم يتوضأ.

رواه أبو داود عن محمد بن بشار، ثنا يحيى وعبد الرحمن، ثنا سفيان، عن أبي

ص: 88

روق عنه، وقال: هذا مرسل؛ التيمي لم يسمع من عائشة، وقد سبق كلام البخاري فيه، وقال الدارقطني: لم يروه عن إبراهيم غير أبي روق عطية بن الحارث، ولا نعلم حدث به غير الثوري وأبي حنيفة من حديث يحيى بن نصر بن حاجب عنه.

واختلف فيه، فأسنده الثوري عن عائشة، وأبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله، وإبراهيم لم يسمع من عائشة ولا من حفصة، ولا أدرك زمانهما، وفيه نظر؛ لما علم أن مولده - على ما ذكره البيهقي - سنة خمسين، وتوفيت حفصة سنة إحدى وأربعين - على ما قاله أبو معشر وابن أبي خيثمة -، وعائشة كانت وفاتها سنة سبع - أو ثمان - وخمسين، والله أعلم.

وأما إجماعهم على إرساله فليس كذلك؛ لما ذكره أبو الحسن في سننه مسندا من طريق صحيحة، فقال: ورواه معاوية بن هشام - يعني: المخرج حديثه في صحيح مسلم - عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم عن أبيه - يعني: المخرج حديثه في الصحيحين - عنها، فوصل إسناده، واختلف عنه في لفظه؛ فقال عثمان بن أبي شيبة - فيما ثناه البغوي عنه بهذا الإسناد -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وقال غيره: كان يقبل ولا يتوضأ.

ولما ذكر البيهقي هذا في المعرفة قال: معاوية ليس قويا، لم يزد على ذلك، وليس بعلة يرد بها حديثه لما أسلفناه، والله تعالى أعلم.

21 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا محمد بن فضيل، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ثم يقبل، ويصلي ولا يتوضأ، وربما فعله بي.

هذا حديث قال فيه ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه، فقالا: الحجاج يدلس في حديث الضعفاء، ولا يحتج بحديثه، وقال أبو الحسن: زينب هذه مجهولة، ولا تقوم بها حجة، ونحوه قاله أبو عمر في الاستذكار، وقال الحاكم أبو عبد الله - فيما ذكره عنه البيهقي في الخلافيات -: هذا الإسناد لا تقوم به حجة؛ حجاج - على جلالة قدره - غير مذكور في الصحيح، وزينب ليس لها ذكر في حديث آخر، قال أبو بكر:

ص: 90

وقد رواه الأوزاعي عن عمرو عنها، وقد قيل: عن عمرو، عن أبيه، عن جدّه مرفوعا: كان يقبل ولا يحدث وضوءا.

رواه العرزمي عنه، وهو متروك، انتهى كلامه.

وفيه بيان لصحة الحديث المذكور؛ حيث قال: ورواه الأوزاعي عن عمرو، ويخرج حجّاج من أن يكون علة له على قول من أعلّه به، [وعلى تقدير أن يكون ثقة، كان حديثه عن عمرو منقطعا، قال ذلك ابن المبارك، ولم يبق إلا النظر في حال زينب فقط؛ هل كما قيل: مجهولة، أم لا؟ فنظرنا فإذا أبو حاتم البستي ذكرها في كتاب الثقات؛ فزال عنها - بحمد الله - اسم الجهالة، وصح حديثها على هذا، لما أسلفناه من متابعات وشواهد، والله تعالى أعلم].

وأما قول البزّار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن غير عائشة، ففيه نظر؛ لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي علي الحنفي، عن زفر بن الهذيل، عن ليث بن أبي سليم، عن ثابت بن عبيد، عن أبي مسعود الأنصاري: أن رجلا أقبل إلى الصلاة، فاستقبلته امرأته، فأكبّ عليها فتناولها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فلم يأمره بالوضوء، وقال: لم يروه عن زفر إلا أبو علي.

ولما ذكره أبو الفرج في كتاب العلل من حديث ركن بن عبد الله الشامي - القائل فيه ابن حبان: يروي عن مكحول نسخة أكثرها موضوع، ولا يحل الاحتجاج به - عن مكحول، عن أبي أمامة، أنه قال: قلت: يا رسول الله، يتوضأ للصلاة، ثم يقبل المرأة أو يلاعبها، أينقض ذلك وضوءه؟ قال: لا.

ولما ذكره الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن

ص: 92

أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ثم لا يفطر، ولا يحدث وضوءا.

رواه من جهة ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط، قال: لم يروه عن الأوزاعي إلا يزيد بن سنان.

تفرد به سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه.

وقد تقدم حديث حفصة من كتاب الدارقطني، وحديث عمرو بن العاص من عند البيهقي، وفي قوله: ولا نعلمه يروى عن عائشة من حديث حبيب وعبد الكريم أيضا نظر؛ لما أسلفناه، والله تعالى أعلم.

وفي كتاب التمهيد: روي عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح ثابت: أنه كان يقبل امرأته، ويصلي قبل أن يتوضأ.

وروى الدراوردي عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: أن عمر قال: القبلة من اللمم فتوضأ منها، وهو وهم عندهم وخطأ؛ لأن حفاظ أصحاب ابن شهاب يجعلونه عن ابن عمر لا عن عمر، وذكر إسماعيل بن إسحاق أن مذهب عمر بن الخطاب في الجنب: لا يتيمم.

فدل على أنه كان يرى الملامسة ما دون الجماع كمذهب ابن مسعود، قال أبو عمر: فإن صح عن عمر ما قاله إسماعيل ثبت الخلاف في القبلة عنه - والله تعالى أعلم -، وصحح الحاكم ذلك عن عمر في مستدركه، والبيهقي في كتاب الخلافيات، قال أبو عمر: وأما ابن مسعود فلم يختلف عنه أن اللمس ما دون الجماع، وأن الوضوء واجب على من قبّل امرأته كمذهب ابن عمر سواء، وهو ثابت عن ابن عمر من وجوه، وممن رأى الوضوء في القبلة من التابعين: عبيدة السلماني، وابن

ص: 93

المسيب، والشعبي، وحماد.

وقال البيهقي في المعرفة: وعن ابن مسعود أيضا، من طريق شعبة عن مخارق عن طارق بن شهاب عنه، قال: هذا الإسناد صحيح موصول.

قال أبو عمر: والنخعي، ومكحول، والدمشقي، وابن شهاب، وزيد بن أسلم، وسعيد بن عبد العزيز، ويحيى الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك وأصحابه، وهو قول جمهور أهل المدينة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق؛ وأما الذين ذهبوا إلى أن اللمس هو الجماع فعبد الله بن عباس، وعائشة - فيما ذكره في الإشراف - ومسروق، والحسن، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس اليماني، وعبيد بن عمير، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وسائر الكوفيين إلا ابن حي، ورووا عن علي بن أبي طالب مثل ذلك، واختلف في ذلك عن الأوزاعي، والحجة لأصحابنا أن إطلاق الملامسة لا تعرف العرب منها إلا اللمس باليد، قال الله تعالى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} .

وقال صلى الله عليه وسلم: اليدان تزنيان، وزناهما اللمس، ومنه بيع الملامسة، وهو لمس الثوب باليد، وحديث ابن عباس: لعلك مسست، وفي المستدرك عن عائشة: كان يقبّل ما دون الوقاع.

قال أبو عمر: وقد قرئت الآية: (أو لامستم النساء) وذلك يفيد اللمس باليد، وحمل الظاهر والعموم على التصريح أولى من حمله على الكناية، وقد روى عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ، قال: أتى رجل النبي

ص: 94

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن رجل أتى امرأة لا تحل له، فأصاب منها ما يصيب الرجل من امرأته إلا الجماع، فقال عليه السلام: توضأ وضوءا حسنا.

فأمره بالوضوء لما نال منها ما دون الجماع - والله أعلم - انتهى كلامه.

وفي استدلاله بحديث معاذ نظر؛ لأن آخره يبين أن المقصود بالوضوء الصلاة لأجل التكفير لا لأجل اللمس، يتبين ذلك بسوقه من كتابي الدارقطني والبيهقي، وزعم أنه في كتاب المستدرك، وهو منقطع فيما بين عبد الرحمن بن أبي ليلى ومعاذ أن رجلا قال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: توضأ وضوءا حسنا، ثم قم فصل، فأنزل الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ، فقال معاذ: أهي خاصة له أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل للمسلمين عامة.

وأما قوله: إطلاق الملامسة لا تعرف العرب منها إلا اللمس باليد ففيه نظر؛ لما عليه أئمة اللغة: أبو عمرو بن العلاء، وابن السكيت، والفارابي، وابن دريد، والجوهري، والبطليوسي، والمبرد، وصاعد بن القوطية، وابن القطاع، وابن سيده، والفراء، وابن الأعرابي، وثعلب، وابن الأنباري، وأبو عبيد بن سلام، والعسكري، والخطابي، والأزهري، والهروي، وابن جني، وابن قتيبة، والقزاز، والتبريزي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وغيرهم.

وفي كتاب الإشراف: وقال عطاء: إن قبل حلالا فلا إعادة عليه، وإن قبل حراما أعاد الوضوء، ولما ذكر ابن حزم حديث عائشة قال: لو صح لما كان لهم فيه حجة؛ لأن معناه منسوخ بيقين؛ لأنه موافق لما كان عليه الناس من قبل نزول الآية، ووردت الآية بشرع زائد، ولا يجوز تركه ولا تخصيصه، فإن احتجوا بحديثها

ص: 95

الصحيح: التمست النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، فوقعت يدي على باطن قدمه وهو ساجد.

فلا حجة لهم فيه؛ لأن الوضوء إنما هو على القاصد إلى اللمس، لا على الملموس من دون أن يقصد هو إلى فعل الملامسة؛ لأنه لم يلامس، وأيضا فليس فيه أنه كان في صلاة، وقد يسجد المسلم في غير صلاة، وحتى لو صحّ أنه كان في صلاة، وهذا ما لا يصح فليس في الخبر أنه لم ينتقض وضوءه، ولا أنّه صلى صلاة مستأنفة دون تجديد وضوء، ثم لو صح أنه كان في صلاة وصح تماديه عليها، وأنه صلى غيرها دون تجديد وضوء - وهذا كله لا يصح أبدا - فإنه كان يكون في الخبر موافقا للحال التي كان الناس عليها قبل الآية بلا شك، وكذا حديث صلاته وهو حامل أمامة؛ لأنه ليس فيه نص أن يديها ورجليها مست شيئا من بشرته عليه السلام إذ قد تكون موشحة برداء أو بقفازين أو جوربين، أو يكون ثوبها سابغا، وهو الأولى أن يظن بمثلها بحضرة الرجال، وإذا لم يكن ما ذكرنا في الحديث فلا يحل لأحد أن يزيد فيه ما ليس منه؛ فيكون كاذبا، وإذا كان ما ظنوا ليس في الخبر وما قلنا ممكنا، والذي لا يمكن غيره بطل تعلّقهم به، والله تعالى أعلم.

ص: 96

‌باب الوضوء من المذي

22 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: فيه الوضوء، وفي المني الغسل.

هذا حديث أصله في الصحيحين من حديث ابن الحنفية عن أبيه، وخرجه أبو عيسى عن محمد بن عمرو السواق البلخي، ثنا هشيم، وثنا محمود بن غيلان، ثنا حسين الجعفي عن زائدة، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الطبراني في الأوسط من حديث إسماعيل بن عمرو: ثنا زائدة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن حصين بن قبيصة، عن علي: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لم يروه عن حصين إلا زائدة، تفرد به إسماعيل، ومن طريق زائدة رواه أبو عبد الرحمن، قال أبو القاسم: ورواه غير إسماعيل عن أبي حصين عن حصين بن قبيصة، وخرجه أبو داود والحافظان ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث عبيدة بن حميد عن الركين بن الربيع عن حصين عنه، بلفظ: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكر له.

وتفرد ابن حبان بحديث أبي عبد الرحمن عن علي: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا رأيت الماء فاغسل ذكرك، الحديث.

ولما ذكر المنذري حديث أبي داود أتبعه قول الترمذي: حسن صحيح.

ص: 97

وقد قدمنا ذلك في حديث الترمذي، قال ذلك في حديث يزيد لا هذا، ولم يخرجه في كتابه، إنما هو من عند أبي عبد الرحمن وأبي داود فقط، وأغفل ذكر ابن ماجه، ولا ينبغي له ذلك، ولما ذكر الإشبيلي حديث حصين سكت عنه إلا ما أبرز من ذكر حصين، وتعقب ذلك ابن القطان عليه بقوله: حصين من أهل الكوفة، روى عن علي وابن مسعود، وروى عنه الركين والقاسم بن عبد الرحمن، ولا تعرف حاله، وأعرض فيه عن عبيدة بن حميد فلم يعله فيه به، ولا بين كونه من روايته، وأصاب في ذلك، وإنما أخطأ حين ضعف من أجله حديث ابن مسعود: كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، الحديث.

وعلى تضعيفه ذلك من أجل عبيدة كان يلزمه في هذا أن ينبه على كونه من روايته، وإذ لم يفعل فقد أخطأ - والله أعلم - انتهى.

حصين روى عنه أيضا حصين وأبو حصين المذكوران آنفا، ووثقه ابن حبان بذكره له في كتاب الثقات، وبما أسلفناه من توثيقه عند من صحح حديثه.

وقال ابن سعد: هو من أسد بني خزيمة بن مدركة، وروى أيضا عن سلمان؛ فزال - بحمد الله - ما أعله به أبو الحسن.

قال الدارقطني: ورواه عبيدة أيضا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علي، ولم يتابع على هذا القول، وهو من الحفاظ.

ص: 98

وقال في الأفراد: غريب من حديث الحجاج بن الحجاج عن الأعمش.

تفرد به إبراهيم بن طهمان عنه، ومن قال في هذا الحديث: عن الحجاج عن سليمان بن المنذر، فقد وهم وهما قبيحا، وأمّا تصحيح الترمذي حديث يزيد ففيه نظر؛ لما علم من اختلاف نظره فيه؛ فتارة يصحح حديثه، وتارة يحسنه، وتارة يُضعفه، وإذا صحح حديثا استدركه عليه، اللهم إلا أن يكون تصحيحه حديثه بالنظر لما عضده من متابعات وشواهد وغير ذلك، وقد تقدم ما للناس من الكلام في يزيد.

23 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا عثمان بن عمر، ثنا مالك بن أنس، عن سالم أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدنو من امرأته فلا ينزل، قال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، يعني: يغسله ويتوضأ.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، فقال: ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، ولفظه: يسأل عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أستحيي أن أسأله، قال المقداد: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة.

وبنحوه ذكره ابن الجارود في منتقاه، وابن حبان في صحيحه، وقال إثره: مات بالجرف سنة ثلاث وثلاثين، ومات سليمان بن يسار سنة تسع وتسعين، وقد سمع سليمان من المقداد، وهو ابن دون عشر سنين.

وقال أبو عمر: ورواه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه

ص: 99

سمع عليا بالكوفة، قال: وقد خولف في ذلك عمرو، والحديث صحيح ثابت عند أهل العلم، وله طرق شتى عن علي والمقداد وعمار، وكلّها صحاح حسان، أحسنها ما ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: قيل لعطاء: أرأيت المذي، أكنت ماسحه مسحا؟ قال: لا، المذي أشد من البول.

أخبرني عايش بن أنس أخو بني سعد بن ليث، قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي، فقال علي: إني رجل مذاء، فسلا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال عايش: فسأله أحد الرجلين - عمار أو المقداد - وقال عطاء: قد سماه عايش ونسيته، وذكره ابن حزم مصححا له - أعني الحديث الأول -.

وأبى ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي بقوله: هكذا رواه أبو النضر عن سليمان، ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان عن ابن عباس موصولا، أنبأ به أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا أحمد بن عيسى، ثنا ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، فذكره، انتهى كلامه.

وفيه نظر في موضعين:

، وقد انتقد الحافظ أبو الحسن البغدادي على مسلم إخراجه هذه الترجمة، والله أعلم.

الثاني: ما ذكر من انقطاع حديث سليمان، وليس هو بأبي عذرة هذا القول، لتقدم الإمام الشافعي بذلك بقوله: سليمان عن المقداد مرسل، لا نعلم سمع منه شيئا، وتبعه على ذلك الحافظ أبو الوليد الدمشقي وغيره، فغير صحيح؛ لما أسلفناه قبل، والمثبت مقدم على النافي؛ لا سيما مع بيان وجه ذلك وسببه، وأما قول أبي عمر: رواية يحيى عن مالك في هذا الحديث: فلينضح فرجه وليتوضأ.

وفي رواية ابن بكير والقعنبي وابن وهب وسائرهم: فليغسل فرجه وليتوضأ وضوءه للصل ة.

وهذا هو الصحيح، وقد رواه عبد الرزاق عن مالك، كما رواه يحيى: ولينضح فرجه.

ولو صحت رواية يحيى ومن تابعه كانت مجملة يفسرها رواية غيره؛ لأن النّضح يكون في لسان العرب مرة الغسل، ومرة الرش، انتهى ما ذكره.

وفيه نظر؛ لما تقدم من حديث الباب عن عثمان بن عمر عن مالك، بلفظ: ولينضح فرجه، وكذلك رواه أبو داود في سننه من حديث القعنبي، وذكر الدارقطني في كتاب أحاديث الموطأ: أن أبا مصعب وأحمد بن إسماعيل المدني وابن وهب ومعنا القزاز وعبد الله بن يوسف ويحيى بن بكير الشافعي وابن القاسم وعتبة بن

ص: 100

عبد الله وأبا علي الحنفي وإسحاق بن عيسى والقاسم بن يزيد رووه عن مالك، بلفظ: فلينضح، إلا ابن وهب؛ فإن في بعض ألفاظه: فليغسل، فلو عكس أبو عمر قوله لكان مصيبا، والله تعالى أعلم.

وفي مسند أحمد من حديث هانئ بن هانئ عن علي: كنت رجلا مذاء، فأمرت المقداد، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك، وقال: فيه وضوء. وفي رواية لأبي داود من طريق ابن العبد، نا القعنبي، ثنا أبي، عن هشام بن عروة [عن أبيه، عن حديث حدثه عن علي، قال: قلت للمقداد: قال أبو داود: ورواه المفضل] بن فضالة، والثوري، وابن عيينة، عن هشام، عن أبيه، عن علي.

ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، عن هشام، عن أبيه: أن عليا، قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام، عن أبيه، عن المقداد، عن علي، وفيه: فليغسل ذكره وأنثييه.

ورد أبو محمد المنذري هذا الحديث بقوله: قال أبو حاتم: عروة عن علي مرسل، وفيه نظر في موضعين:

الأول: أن هذا بعينه ذكره أبو داود نفسه في كتاب التفرّد، بقوله: وحديث هشام عن أبيه عن علي ليس بمتصل، إلا أن ابن إسحاق قال: عن عروة عن المقداد عن علي، انتهى.

فإن كان لم يسمعه من علي كان متصلا بوساطة المقداد، كما ذكره أبو داود.

الثاني: لا حاجة بنا إلى ذكر قول أبي حاتم: عن عروة عن علي مرسل؛ لكونه صرح في نفس السند بالانقطاع بقوله: حدثه عن علي، وخرجه الكجي عن حجاج. ثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن المقداد: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: كل فحل يمذي، وليس فيه إلا الطهور.

ص: 102

وقد اختلفت ألفاظ حديث علي رضي الله عنه فذكر ابن حبان بعد تصحيحه حديث المقداد وعمار أنّ عليا أمرهما، وحديث أبي عبد الرحمن أنه هو السائل، قد يتوهم بعض المستمعين لهذه الأخبار أن بينها تضادا أو تهاترا، وليس كذلك؛ لأنّه يحتمل أن يكون علي أمر عمارا أن يسأل فسأله، ثم أمر المقداد أن يسأل فسأله، ثم سأل هو بنفسه، والدليل على صحة ما ذكرت أن متن كل خبر بخلاف متن الخبر الآخر؛ ففي خبر أبي عبد الرحمن: إذا رأيت الماء فاغسل ذكرك وتوضأ؛ وإذا رأيت المني فاغتسل، وفي خبر إياس بن خليفة عن عمار: يغسل مذاكيره ويتوضأ، وليس فيه ذكر المني، وخبر المقداد مستأنف، فينبئك أنه ليس بالسؤالين اللذين ذكرناهما؛ لأن فيه: سأل عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإنّ عندي ابنته، فذلك ما وصفنا على أن هذه أسئلة متباينة في مواضع مختلفة لعلل موجودة - والله أعلم - انتهى الذي قاله بطريق الاحتمال.

وتقدم من عند أبي عمر مبينا، وقد ورد في بعض الألفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو السائل له.

جاء ذلك مبينا في حديث حسن الإسناد رواية عن المسند المعمر أبي زكريا يحيى بن يوسف المقدسي، قال: حدثني ابن رواح، أخبرنا الحافظ أبو طاهر البغوي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، في رمضان سنة أربع وسبعين وخمسمائة، أنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار، قراءة عليه وأنا أسمع، ثنا أبو الحسن الفالي، أخبرنا القاضي أبو عبد الله بن خربان، أنا القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، ثنا الحسن بن علي قاضي الأهواز، نا محمد بن علي الوراق، ثنا أبو نعيم، ثنا رزام الضبي، قال: سألت جوابا التيمي عن المذي، فقال: سألت عنه أبا إبراهيم يزيد بن

ص: 103

شريك، فألجأ الحديث إلى علي، وألجأ علي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد شحبت، فقال لي: يا علي، لقد شحبت، قلت: شحبت من اغتسال الماء، وأنا رجل مذاء، فإذا رأيت منه شيئا اغتسلت، قال: لا تغتسل منه يا علي، الحديث.

فعلى هذا يحمل ما في مسند أحمد عن عبد الله، قال: حدثني أبو محمد شيبان، ثنا عبد العزيز بن مسلم، نا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، قال: كنت رجلا مذاء، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: في المذي الوضوء، وفي المني الغسل. ويحتمل أن يكون لما بعث علي من بعث ليسأل رآه عليه السلام شاحبا، ونزل علي رضي الله عنه جوابه عن ذلك بمنزلة السؤال ابتداء على طريق التجوز، والله تعالى أعلم.

وأما رواية سعيد بن بشير عن محمد بن عبد الرحمن عن الأعمش عن يحيى بن الجزار عن علي: أمر المقداد؛ فخطأ.

قال ذلك ابن أبي حاتم عن أبيه.

وفي السنن الكبير، من جهة ابن جريج عن عطاء: أنّ عليّا كان يدخل في إحليله الفتيلة من كثرة المذي.

24 -

حدثنا أبو كريب، ثنا عبد الله بن المبارك، وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، ثنا سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة، فأكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما

ص: 104

يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي؟ قال: إنما يكفيك كف من ماء، فتنضح به من ثوبك حيث ترى أنه أصابه.

هذا حديث خرجه الحافظ البستي في صحيحه عن أبي يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا ابن إسحاق.

وخرجه ابن خزيمة عن يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، وثنا محمد بن أبان، ثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق، وخرجه ابن حزم مصححا له، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، ولا نعرفه مثل هذا إلا من حديث ابن إسحاق، وفي مسائل حرب: أرأيت ما يصيب ثيابي منه؟ قال: تعمد إلى كف من ماء، وفي كتاب الأثرم: كنت ألقى من المذي عناء، فقال: يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء، فترش عليه، وقال: قلت لأبي عبد الله: ما تقول فيه: قال: لا أعلم شيئا يخالفه، وأخبرنا محمد بن شداد أنه سمع أبا عبد الله يقول: لو كان غير ابن إسحاق، وقال صالح: قال أبي: حديث ابن إسحاق، لا أعرفه عن غيره، ولا أحكم لابن إسحاق، وفي كتاب الخلال: سئل أبو عبد الله عن المذي يصيب الثوب، كيف العمل فيه؟ قال: الغسل ليس في القلب منه شيء، حديث محمد بن إسحاق ربما تهيبته، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث إدريس بن محمد بن أبي الرباب الرملي، ثنا أسباط بن عبد الواحد، عن العلاء بن هارون - يعني: الموثق عند أبي زرعة وابن حبان - ثنا سعيد به، وقال: لم يروه عن العلاء إلا أسباط.

تفرد به إدريس.

ص: 105

25 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، عن مصعب بن شيبة، عن أبي حبيب بن يعلى بن منية، عن ابن عباس: أنّه أتى أبي بن كعب، ومعه عمر، فخرج عليهما، فقال: إني وجدت مذيا فغسلت ذكري وتوضأت، فقال عمر: أويجزئ ذلك؟ قال: نعم، قال: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

هذا حديث قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن مسعر عن مصعب إلا محمد بن بشر - يعني: العبدي المخرج حديثه في الصحيحين - وأبو حبيب ذكره أبو حاتم في كتاب الثقات، فصح على هذا إسناده؛ ولهذا ساغ للشيخ ضياء الدين تخريجه في المختارة، والله أعلم.

وفي الباب غير ما حديث؛ فمن ذلك: حديث عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فاغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة.

رواه أبو داود، عن إبراهيم بن موسى، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد به، ولما ذكره في التفرد مطولا قال: الذي تفرد به منه قوله: وأنثييك. وروى ابن ماجه عن العلاء بن الحارث عن حرام بهذا السند قصة مؤاكلة الحائض في موضعين، ليس فيها ذكر المذي، وكذلك الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وفي بعض النسخ: حسن غريب، وخرجه ابن الجارود في منتقاه،

ص: 106

واعترض الإشبيلي حين ذكره من عند أبي داود، بقوله: لا يصح غسل الأنثيين، ولا نحتج بهذا الإسناد، يعني: متابعة لابن حزم؛ حيث قال فيه: غريب، وحرام ضعيف.

قاله من عند نفسه ولم يعزه، وقال ابن القطان: هو كما قال، ولكن بقي عليه أن يُبيّن منه موضع العلة، وهو الجهل بحال حرام بن حكيم الدمشقي، وإذا جعلناه علة للخبر فقد تناقض فيه؛ وذلك أن أبا محمد لا يزال يقبل أحاديث المساتير الذين يروي عن أحدهم أكثر من واحد، وحرام هذا يروي عنه مع العلاء: عبد الله بن العلاء، وزيد بن واقد.

قاله أبو حاتم، وترجمه باسم ابنه أبو محمد بعد ترجمة أخرى، ذكر فيها حرام بن معاوية، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروي عن عمر، فروى معمر عن زيد بن رفيع عنه، وروى عبيد الله بن عمرو عن زيد بن رفيع، فقال: عن حرام بن حكيم بن حرام، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك، فجعلهما كما ترى رجلين، وتبع في ذلك البخاري، وزعم الخطيب أنّ البخاري وهم في ذلك، وبين أنه رجل واحد يختلف على معاوية بن صالح في اسم أبيه، وممن عمل فيه عمل البخاري وابن أبي حاتم الدارقطني - رحمهم الله تعالى - انتهى كلامه.

وفيه نظر في موضعين:

الثاني: متابعة عبد الحق في قوله: لا يصح غسل الأنثيين، وذلك أنا قدّمنا قبل من عند أبي داود فأدخلها في لفظه على غيره، وإن كان المنذري والخزرجي في تقريبه قد ذكرا انقطاعه فقد قدّمنا إبطاله، وأيضا ففي حديث سليمان بن حيان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي، وفيه: فقال عليه السلام: يغسل أنثييه وذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة.

ذكره الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق رحمه الله والحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحيهما، وفيه رد لما قاله الإِمام أحمد لما سأله أبو داود: ما قال غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة في حديثه، وأما الأحاديث كلها فليس فيها ذا.

وحديث حسان بن عبد الرحمن الضبعي، قال عليه السلام: لو اغتسلتم من المذي كان أشد عليكم من الحيض.

ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة بسند جيد.

وحديث رافع بن خديج: أنّ عليا أمر عمارا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، وقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ.

ذكره ابن حبان في صحيحه، وإن كان الإِمام أحمد قال - فيما ذكره البيهقي في المعرفة - حديث المقداد أصح، فليس فيه تضعيفه - والله أعلم -.

وحديث ابن عباس: أن رجلا قال: يا رسول الله، إني كلما توضأت سال، فقال: إذا توضأت فسال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك.

ذكره الدارقطني، وقال: لا يصح، ومن حديث أبي بن كعب مرفوعا - في غسل الفرج من المذي.

ذكره أبو القاسم في

ص: 107

الأوسط، وقال: لم يروه عن مسعر - يعني: عن مصعب بن شيبة، عن أبي حبيب بن يعلى بن منية، عن ابن عباس - إلا محمد بن بشر.

الغريب: قال الأموي: مذيت وأمذيت، وهو المذي والمني والودي مشدّدات، قال أبو عبيد وغيره: يخفف المذي والودي، قال: والصواب عندنا أن المني وحده بالتشديد، والآخران بالتخفيف، قال ابن دريد: هو ما يخرج عند الإنعاظ، وربما شدد، واختلفت النسخ من كتاب العين في الودي، ففي بعضهما مشدد، وفي بعضها مخفف، وقال صاحب الصحاح: المذي بالتسكين، فقال: كل ذكر يمذي، وكل أنثى تقذي، وبنحوه ذكره الفراء، وقال: لم يسمع في المني - يعني اللغتين - قال أبو الحسن: الصواب عندي أن يكون المني وحده مشدّدا، والأخريان مخففتين، وفي الحديث: المذاء من النفاق، هو أن يكون الرجل يجمع الرجال والنساء فيماذي بعضهم مذاء ومماذاة، وأمذيت فرسي: وهو أن يخليه يرعى، فيجوز أن يكون المذاء من هذا، كأنه تخلية الرجل امرأته لما تريد في الحرام، قال الهروي: هو أرق ما يكون من النطفة، وفي الاستذكار عن مالك: وهو عندنا أشد من الودي؛ لأنّ الفرج يغسل من المذي، والودي عندنا بمنزلة البول، قال: وليس على الرجل أن يغسل منه أنثييه إلا أن يظن أنه قد أصابهما منه شيء، قال: والودي يكون من الحمام، يأتي إثر البول أبيض خاثرا، وقال: والمذي يكون معه شهوة، وهو رقيق إلى الصفرة، يكون عند الملاعبة وعند حدوث الشهوة، انتهى.

قد أسلفنا أن حديث غسل الأنثيين صحيح، والنضح هنا المراد به الرش.

جاء ذلك مبيّنا فيما أسلفناه من حديث سهل، والله أعلم.

قال ابن المنذر: وأوجب غسله من البدن جماعة من الصحابة، وهو مذهب مالك والشافعي وكثير من أهل العلم

ص: 109

غير أحمد بن حنبل، فإنه قال: أرجو أن يجزئه النضح، والغسل أحب إليّ.

وقال أبو جعفر في بيان المشكل: إنما أمر بغسل المذاكير ليتقلص المذي بذلك، فلا يخرج؛ لأنّ الماء يقطعه كما أمر من ساق بدنة - ولها لبن - أن ينضح ضرعها بالماء حتى لا يسيل؛ لا أن ذلك واجب كوجوب وضوء الصلاة، والدليل عليه: ما توافر من قوله: فيه الوضوء، فأخبر بالواجب فيه، والله تعالى أعلم.

ص: 110

‌باب وضوء النوم

26 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، قال: سمعت سفيان يقول لزائدة بن قدامة: يا أبا الصلت، هل سمعت في هذا شيئا؟ قال: ثنا سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل، فدخل الخلاء فقضى حاجته، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام.

ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا شعبة، ثنا سلمة بن كهيل، أنا بكير، عن كريب، قال: فلقيت كريبا، فحدثني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، هذا حديث خرجاه في صحيحيهما مطولا ومختصرا.

ص: 111

‌باب الوضوء لكل صلاة، والصلوات كلها بوضوء واحد

27 -

حدثنا سويد بن سعيد، ثنا شريك، عن عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكُنّا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، وقال فيه أبو عيسى: حديث حسن صحيح، وزاد: ما لم يحدث.

ورواه أيضا عن محمد بن حميد الرازي، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن حميد، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر، قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءا واحدا، وقال: حديث حميد عن أنس حديث حسن غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر، وقال في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا أدري ما سلمة هذا، كان إسحاق يتكلم فيه، ما أروي عنه، ولم يعرف محمد هذا من حديث حميد، وأمّا تحسين الحازمي حديث عمرو بن عامر وعزْوِهِ إياه إلى أصحاب السنن فذهول شديد عن ذكره من كتاب البخاري.

28 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها بوضوء واحد.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى إثر روايته له عن ابن بشار، ثنا ابن مهدي عن سفيان

ص: 112

عن علقمة عن سليمان: هذا حديث حسن صحيح، وروى هذا الحديث علي بن قادم عن الثوري، وزاد فيه: فتوضأ مرة مرة، وروى الثوري هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، رواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، وروى عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهذا أصح من حديث وكيع، وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو نعيم عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى خمس صلوات بوضوء واحد، ورواه وكيع - يعني: مسندا - فقال أبو زرعة: حديث أبي نعيم أصح، انتهى.

وفيه أن وكيعا تفرد برفعه إثر روايته عن سلمة بن شبيب، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه عن ابن نمير، ثنا أبي، ثنا سفيان، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، قال: عمدا صنعته يا عمر.

قال البزار: ثنا علي بن الحسين الدرهمي، ثنا المعتمر بن سليمان، ثنا سفيان، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال الحافظ أبو علي الجياني رحمه الله في كتابه تقييد المهمل: وروى هذا الحديث وكيع ومعتمر وغيرهما عن الثوري عن محارب عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه علقمة بن مرثد، والله أعلم.

وأما قول الحاكم في المستدرك: اتفقا على حديث علقمة عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فقول لا أعلم له فيه سلفا، ولا رأيت أحدا، قال: إن سليمان اتفقا على حديثه، وممن نص على أنه من أفراد مسلم

ص: 113

هو في كتاب المدخل، قال: ذكر من اتفقا عليه ممن اسمه سليمان، فذكر جماعة، ثم قال: وأخرج مسلم وحده سليمان بن بريدة، ثم ذكر جماعة - والله أعلم - اللهم إلا لو قال: اتفقا على حديث علقمة عن ابن بريدة، لكان صوابا للاختلاف الآتي بعد في ابن بريدة هذا من هو؟ وأن بعضهم سماه عبد الله.

29 -

حدثنا إسماعيل بن توبة، ثنا زياد بن عبد الله، ثنا الفضل بن مبشر، قال: رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد، فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا، فأنا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا حديث ذكره الثعلبي بزيادة: فإن بال أو أحدث توضأ، ومسح بفضل طهوره الخفين، فقلت: الحديث، وإسناده صحيح على رأي أبي حاتم بن حبان لتوثيقه الفضل، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وزياد خرج حديثه في الصحيح، وإسماعيل قال أبو حاتم الرازي: صدوق. وفي الباب غير ما حديث؛ منها: حديث عبد الله بن حنطلة بن أبي عامر الغسيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، فكان ابن عمر يرى أن به قوة على ذلك، ففعله حتى مات.

رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن منصور أبي جعفر ومحمد بن شوكة البغداديين، قال: ثنا يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد - ثنا أبي، عن ابن إسحاق، ثنا محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري، ثم المازني - مازن بني النجار - عن عبيد الله بن عمر، ح. وثنا محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، ح. وثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن خالد الوهبي، ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلت له: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر؟ عن من هو؟ فقال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة، فذكره، وفي آخره: هذا حديث

ص: 114

يعقوب بن إبراهيم غير أن محمد بن منصور قال: فكان يفعله حتى مات، ولما رواه أبو داود عن أحمد بن خالد، ثنا ابن إسحاق به، قال إبراهيم بن سعد: رواه عن ابن إسحاق، فقال: عبيد الله بن عبد الله، انتهى. ولما ذكره ابن أبي حازم في كتابه حسنه.

وهو مع ذلك منقطع فيما بين محمد بن إسحاق ومحمد بن يحيى بن حبان.

نص على ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر - رحمه الله تعالى - بقوله إثر قول أبي داود المتقدم: كذا رواه علي بن مجاهد وسلمة بن الفضل، وأدخلا بينه وبين محمد بن طلحة، يعني ابن يزيد بن ركانة بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي الموثق عند ابن معين وغيره - والله تعالى أعلم -.

وحديث عبد الله بن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، حتى كان يوم الفتح، فإنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد.

رواه عبد الغني في إيضاح الإِشكال من حديث وهب بن بقية عن الحكم بن ظهير عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عنه، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك. رواه الإِمام أحمد في مسنده.

قال أبو جعفر الطحاوي: فذهب قوم أن الحاضرين يجب عليهم الوضوء لكل

ص: 115

صلاة، واحتجوا في ذلك بحديث بريدة: كان يتوضأ لكل صلاة، وخالفهم في ذلك أكثر العلماء، فقالوا: لا يجب الوضوء إلا من حدث، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم محمول على التماس الفضل لا على الوجوب، ويحتمل أن يكون هذا لما خص به عليه السلام دون أمته، فإن قيل: وهل وجدتم في ذلك دليلا؟ قلنا: نعم؛ حديث أنس - يعني: المتقدم - قال: فهذا أنس قد علم ما ذكرنا من فعله عليه السلام، ولم ير ذلك فرضا على غيره، قال: وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وهو واجب، ثم نسخ؛ يدل عليه حديث عبد الله بن حنظلة، وحديث بريدة: وصلى عليه السلام يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد.

وقال ابن شاهين: ولم يبلغنا أن أحدا من الصحابة والتابعين كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة، والله تعالى أعلم.

ص: 116

‌باب الوضوء على الطهارة

30 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي غطيف الهذلي، سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب في مجلسه في المسجد، فلما حضرت الصلاة قام فتوضأ فصلى، ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت العصر قام فتوضأ فصلى، ثم عاد إلى مجلسه، فلما حضرت المغرب قام فتوضأ، ثم صلى المغرب، ثم عاد إلى مجلسه، فقلت: أصلحك الله، أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة؟ قال: أوفطنت إلي وإلى هذا مني؟ فقلت: نعم، فقال: لا، لو توضأت لصلاة الصبح لصليت به الصلوات كلها ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ على طهر فله عشر حسنات، وإنما رغبت في الحسنات.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: شاذ ضعيف، وقال في كتاب العلل: ورأيت محمدا أثنى على الإفريقي خيرا ويقوي أمره، وفي موضع آخر: هو مقارب الحديث، وذكر بعض الحفاظ المتأخرين أن البخاري قال: هذا حديث منكر، فالله أعلم.

وقال ابن المديني فيما ذكره العقيلي: قال يحيى القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث، فقال: هذا إسناد مشرقي، وفي موضع آخر: هذا إسناد ضعيف، وفي موضع آخر: دعنا منه، حديثه حديث مشرقي، قاله لما سأله يحيى عن الإفريقي فيما ذكره أبو أحمد، وبنحوه قاله في

ص: 117

شرح السنة، وفي العلل المتناهية، وسبب ذلك ما تكلم به في حق الإفريقي: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن ذري بن معد يكرب بن أسلم بن منبه بن التمادة بن حيويل بن عمرو بن أشواط بن سعد بن ذي شعبين بن يعفر بن ضبع بن شعبان بن عمرو بن معاوية بن قيس الشعباني المعافري أبي أيوب، ويقال: أبو خالد قاضي إفريقية، وأول مولود في الإسلام بها، قال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد وابن مهدي لا يحدثان عنه إلا أنّي سمعت عبد الرحمن مرة يقول: ثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري، والإفريقي جمعهما في حديث، قال: وهو مليح الحديث، ليس مثل غيره في الضعف، وقال ابن عدي: ضعفه يحيى بن سعيد، وقال: قد كتبت عنه بالكوفة كتابا، وقال ابن مهدي: أمّا الإفريقي فما ينبغي أن يروى عنه حديث.

وقال الخليلي في الإرشاد: منهم من يضعفه، ومنهم من يلينه، ويتفرد بأحاديث الزهاد، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن المديني: كان أصحابنا يضعفونه، وأنكروا عليه أحاديث تفرّد بها لا تعرف، وقال يحيى بن معين: ضعيف، يكتب حديثه، وإنما أنكر عليه الغرائب التي كان يجيء بها، وقال الساجي: فيه ضعف، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه ولا يحتج به، قال: وسألت أبي وأبا زرعة عن ابن لهيعة والإفريقي، أيهما أحب إليكما؟ قالا: جميعا ضعيفين، وأشبههما الإفريقي، وبين الإفريقي وبين ابن لهيعة كثير؛ أمّا الإفريقي فإن أحاديثه التي تنكر عن شيوخ لا نعرفهم وعن أهل بلده، فيحتمل أن يكون منهم، ويحتمل أن لا يكون، وقال الترمذي: هو ضعيف، ضعّفه القطان

ص: 118

وغيره، وقال الإمام أحمد: لا أكتب حديثه، وفي رواية أبي طالب عنه: ليس بشيء، وفي رواية المروذي: منكر الحديث.

قال المفضل بن غسان الغلابي: ابن أنعم يضعفونه، ويكتب حديثه، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: وعامة حديثه لا يتابع عليه، وأروى النّاس عنه المقرئ، وقال الحربي في علله: غيره أوثق منه، وقال النسائي: هو واهٍ عندهم، وقال أبو الحسن بن القطان: كان من أهل العلم والزهد بلا خلاف بين الناس، ومن الناس من يوثقه، ويربأ به عن حضيض ردّ الرواية، والحق فيه أنّه ضعيف بكثرة رواياته المنكرات، وهو أمر يعتري الصالحين.

وقال أبو العرب: أنكروا عليه ستة أحاديث، ذكرها بهلول بن راشد.

قال: سمعت الثوري يقول: جاءنا ابن أنعم بستة أحاديث مرفوعة، لم أسمع أحدا من العلماء يرفعها: حديث أمهات الأولاد، وحديث الصدائي، وحديث: إذا رفع الرجل رأسه من آخر السجدة فقد تمت صلاته وإن أحدث، وحديث: لا خير فيمن لم يكن عالما أو متعلما، وحديث: اغد عالما أو متعلّما، ولا تكن الثالث فتهلك، وحديث: العلم ثلاثة.

قال أبو العرب: فلهذه الغرائب ضعف ابن معين حديثه، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب، وسئل عنه صالح بن محمد فيما ذكره عنه الخطيب في تاريخه، فقال: منكر الحديث، ولكنه كان رجلا صالحا، قال عبد الرحمن بن يوسف: متروك، وفي كتاب العقيلي عن ابن معين: سألت يحيى بن سعيد عنه، فقال: لا أسقط حديثه، وهو ضعيف.

وقال أبو إسحاق الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وكان صادقا خشنا، وأبى ذلك غيرهم فوثقوه، وأحسنوا الثناء عليه؛ فمنهم

ص: 119

يحيى بن سعيد القطان الذي تقدم أنّه ضعّفه.

ذكر الجرجاني في كتابه: ثنا أحمد بن عمر، عن بسطام، ثنا ابن قهزاذ، سمعت إسحاق بن راهويه، سمعت يحيى بن سعيد يقول: ابن أنعم ثقة، فلعلّه ظهر له أحد الأمرين بعد الآخر، وقال ابن معين فيما رواه عنه الدوري: ليس به بأس، وفيه ضعف، وهو أحب إلي من أبي بكر بن أبي مريم، وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم، قلت: هو صحيح الكتاب؟ قال: نعم.

وقال أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشدين: قلت لأحمد بن صالح: حيي يجري عندك مجرى ابن أنعم في الثقة؟ قال: قال: نعم، وابن أنعم عندي أكبر من حيي، ورفع بابن أنعم في الثقة. قلت لأحمد: فمن يتكلم فيه عندك جاهل؟ قال: من يتكلم في ابن أنعم ليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات. وقال يعقوب بن شيبة: ابن أنعم ضعيف، وهو ثقة صدوق، رجل صالح، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو عبد الرحمن المقري، ثنا عبد الرحمن بن زياد: ليس به بأس، وقد بيّن الحافظ أبو بكر بن أبي داود رحمه الله السبب الموجب للكلام فيه، بقوله: إنما تكلم الناس في ابن أنعم وضعّفوه؛ لأنه روى عن مسلم بن يسار، فقيل له: أين رأيت مسلم بن يسار؟ فقال: بإفريقية، فكذّبه الناس، وضعفوه، وقالوا: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط - يعنون البصري -، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر، يقال له: أبو عثمان الطنبذي، وطنبذ بطن من اليمن، وعنه روى، وكان الإفريقي رجلا صالحا، وبنحوه ذكره أبو العرب في كتاب الطبقات رادا قول فرات، ويزيده

ص: 120

وضوحا ما ذكره عبد الله بن أحمد في مسائله: سمعت أبي يقول: الإفريقي عن مسلم بن يسار ليس هو البصري، هذا رجل أراه من ناحية إفريقية، يحدّث عن ابن المسيب، وسفيان بن وهب الخولاني، والبصري يحدث عنه ابن سيرين وقتادة، وابنه عبد الله بن مسلم، هذا غير ذاك، وبنحوه ذكره ابن معين فيما ذكره عنه محمد بن أحمد بن تميم القيرواني، قال الخطيب في كتابه المتفق والمفترق، في قول أحمد: يحدّث عن ابن المسيب، نظر، وما أرى الذي يروي عن ابن المسيب إلا مسلم بن أبي مريم، انتهى كلامه.

وفي قول ابن أبي داود: وطنبذ بطن من اليمن، نظر، إنما هي قرية من قرى مصر من عمل البهنسا، قاله السمعاني والرشاطي وغيرهما، ويزيده وضوحا ذكر ابن يونس وغيره إياه في أهل مصر، وقال الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي في كتابه رياض النفوس: كان الإفريقي من جلة المحدّثين منسوبا إلى الزهد والورع، صلبا في دينه، متفننا في علوم شتّى، مشهورا، أدخله المؤلفون في كتبهم، وكان سفيان الثوري يعظمه ويعرف حقّه، وزار مكة، ولما ولي القضاء سار بالعدل، ولم يقبل من أحد صلة ولا هدية، نزه عن ذلك نفسه، فرفع الله قدره، وأعلى مناره، حتى عزل نفسه عن القضاء، وذلك هو الصحيح، وقيل: مات وهو على القضاء، وقال العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد في كتابه التعريف بصحيح التاريخ: وفي سنة إحدى وستين ومائة توفي أبو خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وكان قد ولي قضاء إفريقية، فكان عدلا في قضائه، وسمع من جلة التابعين، وقال الحافظ أبو العرب في كتابه طبقات القيروان: وحدثني عيسى بن مسكين عن محمد بن سحنون، قال: قلت لسحنون: إن الفلاس قال: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن ابن أنعم، فقال سحنون: لم يصنعا شيئا، عبد الرحمن ثقة، قال سحنون: وكان من يعرف العلم يبقى في صدره، ولا يسألونه - يعنى: أهل إفريقية - فيموت به مثل ابن أنعم بقي

ص: 121

العلم في صدره لم ينتشر عنه ولا يعرف، قال أبو العرب: إنما وجدنا عنه كتابين فقط، سمع من أجلة التابعين، عدلا في قضائه، صلبا، وفي كتاب الساجي: كان عبد الله بن وهب يطري الإفريقي، وكان أحمد بن صالح يوثقه وينكر على من تكلّم فيه، واختلف في وقت وفاته؛ فالذي ذكره الحافظان أبو بكر البغدادي وابن قانع: ست وخمسين، وقبلهما قاله ابن يونس، وأبى ذلك ابن أبي خالد المذكور قبل وأبو العرب وأبو بكر القيروانيون، فقالوا: سنة إحدى وستين، وزاد أبو العرب: في رمضان وهم بأهل بلدهم أخبر - والله أعلم - فقد تبين بمجموع ما تقدّم رجحان قول من وثقه على قول من ضعّفه، وأن العلّة التي ضعف بها حديثه زالت عنه، وأما الأحاديث التي قيل: إنه تفرّد برفعها، فلعلنا نجد فراغا نتبع فيه من تابعه على ذلك، والله تعالى أعلم.

وأما أبو غطيف: فاختلف فيه على ألوان؛ فمنهم من كنّاه كما كنّاه ابن ماجه، ومنهم من قال: عن غطيف، وهو أبو داود، ومنهم من قال: عن ابن غطيف، ويقال: غضيف بضاد معجمة، ذكره الثعلبي.

ولم يختلفوا أنه من هذيل، ولم أر له راويا غير الإفريقي إلا ما ذكره ابن يونس في تاريخه: أبو غطيف الهذلي يروي حاطب بن أبي بلتعة عن عمر في الفتن، وعن عبيد بن رفيع عن عمر، روى عنه بكر بن سوادة، فلا أدري أهما اثنان أم واحد؟ وسبب ذلك أنّ أبا حاتم وغيره لم يذكروا من يكنى بهذه الكنية غيره، فإن كان واحدا - وهو اللائق بحالهما؛ لكونهما مصريين - فالحديث جيّد الإسناد لصيرورته في عداد من روى عنه اثنان، فيخرج بذلك من حد الجهالة العينية إلى الجهالة الحالية، وهي لا تضر مع جودة الإسناد وحسنه، لما

ص: 122

تقدّم من شواهده، وليس فيه من الكلام شيء يرد به حديثه، وعدم معرفة أبي زرعة باسمه لا يضره، فعلى هذا لا يتسارع إلى تضعيف هذا الحديث ولا تصحيحه إلا بعد المعرفة بحال أبي غطيف، والله تعالى أعلم.

ص: 123

‌باب لا وضوء إلا من حدث

31 -

حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، وعباد بن تميم، عن عمّه، قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا، حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا.

هذا حديث خرجاه في الصحيح.

32 -

حدثنا أبو كريب، ثنا المحاربي، عن معمر بن راشد، عن الزهري، أنبأ سعيد بن المسيّب، عن أبي سعيد الخدري، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه في الصلاة؟ فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.

هذا حديث خرجه الحافظ البستي في صحيحه عن الحسن بن سفيان.

حدثنا محمد بن المنهال الضرير، ثنا يزيد بن زريع، ثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عياض، عن أبي سعيد، قال صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا، فليسجد سجدتين وهو جالس، وإذا أتى أحدكم الشيطان، فقال: إنّك قد أحدثت، فليقل: كذبت، إلا ما سمع صوته بأذنه، أو وجد ريحه بأنفه.

أنبأ إسحاق بن إبراهيم، ثنا الحلواني، ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن يحيى، عن عياض، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدكم الشيطان، فقال: إنّك قد أحدثت، فليقل في نفسه: كذبت

الحديث.

وخرجه الحافظ ابن خزيمة من حديث يحيى، بلفظ: إن الشيطان يأتي أحدكم في

ص: 124

صلاته، وقال: قوله: فليقل: كذبت، أراد فليقل: كذبت بضميره، لا ينطق لسانه؛ إذ المصلي غير جائز له أن يقول: كذبت نطقا باللسان، انتهى ما قاله تفقها، وقد أوردناه نصا، والله تعالى أعلم.

وقال أبو عبد الله الحاكم: وخرجه من حديث حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عياض، قال: سألت أبا سعيد الخدري، فقلت: أحدنا يصلي فلا يدري كم صلى؟ قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى، فليسجد سجدتين وهو جالس، وإذا جاء أحدكم الشيطان، فقال: إنك أحدثت، فليقل: كذبت، إلا ما وجد ريحا بأنفه، أو سمع صوتا بأذنه.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فإنّ عياضا هذا هو ابن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقد احتجا جميعا به، ولم يخرجا هذا الحديث لخلاف من أبان بن يزيد العطار فيه على ابن أبي كثير، فإنه لم يحفظه، فقال: عن يحيى عن هلال بن عياض أو عياض بن هلال، وهذا لا يعلله لإجماع أصحاب يحيى على إقامة هذا الإسناد عنه، ومتابعة حرب بن شداد فيه؛ كذلك رواه هشام الدستوائي وعلي بن المبارك ومعمر بن راشد وغيرهم، فقالوا: عن يحيى عن عياض، والله تعالى أعلم.

33 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع ح، وثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن، قالا: ثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وضوء إلا من صوت أو ريح.

هذا حديث خرجه أبو عيسى عن قتيبة وهناد، ثنا وكيع، ثم قال: هو حسن صحيح، وخرجه مسلم عن زهير بن حرب، ثنا جرير عن سهيل، ولفظه: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى

ص: 125

يسمع صوتا أو يجد ريحا، وفي لفظ لأبي عيسى: إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحا بين أليتيه فلا يخرج

الحديث.

قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي، وذكر حديث شعبة - يعني: المخرج في منتقى ابن الجارود - عن سهيل - يعنى: هذا - فقال: هذا وهم، اختصر شعبة متن هذا الحديث، ورواه أصحاب سهيل: إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد ريحا من نفسه، فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث يحيى بن السكن عن شعبة، ثنا إدريس الكوفي عن سهيل، وقال: لم يدخل ممن روى هذا الحديث عن شعبة إدريس الكوفي إلا ابن السكن.

وقال في موضع آخر: ورواه من جهة أبي بلال الأشعري، ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن سهيل: لم يروه عن أبي كدينة إلا أبو بلال، ورواه أبو عبيد في الطهور من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد عنه، ولفْظه: في الرجل يجد في مقعدته الشيء، قال: لا يتوضأ إلا أن يجد ريحا يعرفها، أو صوتا يسمعه، والله أعلم.

34 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: رأيت السائب بن يزيد يشم ثوبه

ص: 126

قلت: مم ذاك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا وضوء إلا من ريح أو سماع.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف رواته.

الأول: إسماعيل بن عياش بن سليم الشامي الحمصي أبو عتبة العنسي، وإن كان ابن معين قال: هو ثقة، وكان أحبّ إلى أهل الشّام من بقية، وفي رواية ابن أبي خيثمة عنه: هو ثقة، والعراقيون يكرهون حديثه، وبنحوه ذكره البرقي، وقال البخاري: ما روى عن الشاميين أصحّ، وقال الفلاس: إذا حدّث عن أهل بلاده فصحيح، وإذا حدّث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد وسهيل فليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن إسماعيل وبقية، فقال: بقية أحبّ إلي، نظرت في كتاب إسماعيل عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وفي المصنف أحاديث مضطربة، وكان حافظا، وفي رواية المروذي عنه: هو أصلح من بقية، وقال يعقوب بن سفيان: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل، والوليد بن مسلم، قال يعقوب: وتكلّم فيه قوم، وهو ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشّام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلّموا قالوا: يغرب عن ثقات المكيين والمدنيين، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه، ما أدري ما الثوري؟ وقال الهيثم بن خارجة: لم يكن بالشّام أحد أحفظ من إسماعيل، ولا الأوزاعي بعلم الشّاميين، وسئل عنه أبو زرعة، فقال: صدوق، إلا أنّه غلط في حديث الحجازيين والعراقيين، وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي وكيع: يروون عندكم عن إسماعيل؟ فقلت: أمّا الوليد ومروان فيرويان عنه، وأمّا الهيثم بن خارجة ومحمد بن إياس فكأنهما، قال: وأي شيء الهيثم وابن إياس، إنّما أصحاب البلد الوليد ومروان، وقال أبو أحمد الجرجاني: إذا روى عن يحيى بن سعيد

ص: 127

ومحمد بن عمرو بن علقمة، وهشام بن عروة، وابن جريج، وعمر بن محمد، وعبيد الله الوصافي، وإن حدّث عن غيرهم فلا يخلو من غلط يغلط فيه، وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة فهو مستقيم، وفي الجملة: هو ممن يكتب حديثه، ويحتج به في حديث الشّاميين خاصة.

وقال فيه النسائي: هو ضعيف، وفي حديث الشّاميين صالح، فقد قال أحمد: روى عن كلّ ضرب.

وقال ابن حبان: لماّ كبر تغيّر حفظه، فكثر الخطأ في حديثه وهو لا يعلم، فخرج عن حد الاحتجاج به، وكان عبد الله بن المبارك ينكر عليه حديثه، وفي موضع آخر: إذا اجتمع هو وبقية في حديث فبقية أحب إلي.

وقال أبو حاتم الرازي: هو لين، يكتب حديثه، ولا أعلم أحدا كف عنه إلا أبا إسحاق الفزاري، وقال أبو إسحاق: لا تكتب عنه ما روى عن المعروفين ولا غيرهم.

وفي كتاب العقيلي: قال أبو صالح الفراء: قلت لأبي إسحاق: إني أريد حمص، وثم رجل يقال له: إسماعيل فأسمع منه؟ قال: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه، قال أبو صالح: وكان أبو إسحاق روى عنه، ثم تركه.

وقال الفلاس: كان عبد الرحمن لا يحدّث عنه، فقال له الرجل مرة: ثنا أبو داود عن أبي عتبة، فقال له عبد الرحمن: هذا ابن عياش، فقال له الرجل: لو كان ابن عياش ما أكتبه، وذكر عبد الله لأبيه حديثا من حديث إسماعيل، فقال: هذا باطل، قال العقيلي: يعني أنه وهم من إسماعيل.

وفي كتاب الساجي: قال ابن معين: كان إسماعيل من أجل الشّاميين، إلا أنّه كان يضع.

ص: 128

قال الساجي: يعني أظنّه حيث انفرد.

وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: ابن عياش بقية يتقدّمه، وذكره في الضعفاء أبو العرب وأبو القاسم البلخي، وضعف به الإشبيلي والبيهقي وابن القطان وابن طاهر غير ما حديث.

الثاني: عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب، وإن كان الإمام أحمد قال: كنت أظن أنه مجهول حتى سألت عنه بحمص، فإذا هو عندهم معروف، قال: قالوا: هو من ولد صهيب، ولم يرو عنه غير إسماعيل.

قال ابن أبي حاتم عن ابن معين: ضعيف، وفي كتاب الآجري عن أبي داود عنه: ليس بشيء.

زاد ابن أبي حاتم: لم يحدث عنه إلا إسماعيل بن عياش.

قال: وسألت أبي عنه، فقال: يروي عن أهل الكوفة وأهل المدينة، ولم يرو عنه أحد غير إسماعيل، وهو عندي عجيب ضعيف الحديث، منكر الحديث، لا يكتب حديثه، يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حسانا.

قال: وسألت أبا زرعة عنه، فقال: مضطرب الحديث، واهي الحديث.

وقال السعدي: كان غير محمود في الحديث، ورواه أبو عبيد من حديث ابن أبي مريم وأبي الأسود عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عمرو.

واختلف في راوي هذا الحديث، فقال الحافظ عبد الغني بن سرور: هو السائب بن خباب لا السائب بن يزيد، وزعم أنّ ذلك وهم فيه ابن عساكر، وتبعه على ذلك الحافظ المزي، بقوله: هو في الأصل غير منسوب، يعني: أن صاحب

ص: 129

الأطراف نسبه من عنده، وليس كذلك؛ بل الوهم منتف عن ابن عساكر لازم لهما؛ لكونه في عدة من الأصول بخط الحافظ منسوبا كما قاله ابن عساكر، والله أعلم.

اللهم إلا لو قالا: إن ابن ماجه هو الواهم في نسبته لكان قولا صحيحا، وعدم نسبته إلى ابن يزيد هو الصواب؛ لكونه ليس موجودا من حديثه، إنما هو من حديث ابن خباب.

نص على ذلك الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده، والحافظان الفسوي وابن البرقي في تاريخيهما، وأبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير، وأبو الحسين بن قانع رحمه الله وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده، وأبو عبيد في أحد قوليه.

والثاني: السائب بن خلاد.

وفي الباب سوى ما تقدّم غير ما حديث؛ من ذلك: علي بن طلق، ذكره أبو داود.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن مسلم مرسلا، عن عيسى بن حطان، عن علي بن طلق، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا فسا أحدكم فليتوضأ.

قال مهنأ: قال أبو عبد الله: عاصم الأحول يخطئ في هذا الحديث، يقول: علي بن طلق، وإنما هو طلق بن علي.

وذكره في مسنده من حديث عبد الرزاق وابن جعفر عن شعبة وأبي معاوية عن عاصم بزيادة: ولا تأتوا النساء في أستاههن. وأبى ذلك الحافظ أبو عبد الله فيما حكاه عنه الترمذي في كتاب العلل بقوله: ثنا قتيبة وهناد، قالا: ثنا وكيع عن

ص: 130

عبد الملك بن مسلم، عن أبيه، عن علي بن طلق، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نكون بالبادية، ويكون من أحدنا الرويحة، فقال: إن الله لا يستحيي من الحق، إذا فسا أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أدبارهم، سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي غير هذا الحديث، وهو عندي غير طلق بن علي، ولا يعرف هذا من حديث طلق بن علي.

ثنا هناد وأحمد بن منيع، ثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم مرسلا، عن علي بن طلق به.

قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: علي بن طلق هذا أراه غير طلق بن علي، ولا أعرف لعلي بن طلق إلا هذا الحديث، وعيسى بن حطان الذي روى عنه هذا الحديث رجل مجهول.

فقلت له: أتعرف هذا الحديث الذي روى علي بن طلق من حديث طلق بن علي؟ فقال: لا.

وقال في الجامع، وذكره من مسند علي بن طلق: هو حديث حسن، وسمعت محمدا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق هذا غير هذا الحديث، ولا أعرف هذا إلا من حديث طلق بن علي، فكأنه رأى أنّ هذا رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي كتاب الطهور لأبي عبيد، قال: علي هذا لا أراه علي بن أبي طالب، إنما هو عندنا علي بن طلق؛ لأنه حديثه المعروف عنه، وكان رجلا من بني حنيفة من اليمامة، وأحسبه والد طلق بن علي الذي سأل عن مسّ الذكر، انتهى كلامه.

وفيه ردّ لما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - وتبعه على ذلك

ص: 131

الحافظ البستي بذكره له في صحيحه مسند علي بن طلق، بلفظ: إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، ثم ليتوضأ وليعد صلاته، ولا تأتوا النساء في أدبارهن.

قال أبو حاتم: لم يقل: وليعد صلاته إلا جرير بن عبد الحميد، ولفظ أبي معاوية عن عاصم، أنه يخرج من أحدنا الرويحة وفي الماء قلة، وخالف البخاري في عيسى؛ فزعم أنه ثقة، وقال غيره: روى عنه أيضا محمد بن جحادة، وزيد بن عياض، وعلي بن زيد، وعبد الملك بن مسلم الحنفي، فقد انتفت عنه الجهالتان العينية والحالية، والله أعلم.

ولما ذكر أبو جعفر بن منيع هذا في مسند علي بن طلق فصل بينهما، فجعلهما حديثين، وممن ذكره أيضا في مسند علي بن طلق اليمامي؛ أبو عبد الرحمن النسائي، وأبو مسلم الكجي في سننه، وأبو الحسين بن قانع - رحمهم الله تعالى - وحديث عمر بن الخطاب، ذكر مهنأ أنه سأل أبا عبد الله عن قوم كانوا جلوسا فوجدوا ريحا، فقال: كان عمر جالسا في أصحابه ومعه الناس فتنفس بعض القوم - يعني: أحدث - فأمرهم عمر أن يعيدوا الوضوء، فقلت له: إنهم يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، قال: ليقم صاحب هذه الريح، فتلكأ القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا كلكم فتوضئوا.

فقال أحمد: ليس هذا صحيحا، إنما يرويه الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد، وواصل هذا ليس معروفا، إنما روى عنه الأوزاعي.

وحديث علي بن أبي طالب: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نكون بالبادية فتخرج من أحدنا الرويحة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يستحيي من الحق،

ص: 132

إذا فعل أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أعجازهن.

رواه أحمد في مسنده عن وكيع؛ حدثنا عبد الملك بن مسلم الحنفي عن أبيه عنه.

وحديث عائشة قالت: جاءت سلمى امرأة أبي رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعديه على أبي رافع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا رافع مالك ولها؟ قال: يا رسول الله، إنها تؤذيني، فقال عليه السلام: بما آذيته؟ قالت: يا رسول الله، إنما قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضئوا للصلاة، فقام يضربني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها لم تأمرك إلا بخير.

رواه الترمذي في العلل عن عبد الله بن أبي زياد، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها، وقال: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث محمد بن إسحاق عن هشام، وسألت أبا زرعة، فقال مثله، وذكره الإمام أحمد في مسنده، فجعله من مسند سلمى، والله أعلم.

وحديث صفوان بن عسال، قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: للمسافر ثلاثا، إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو ريح. رواه البيهقي في السنن الكبير، وقال الدارقطني في السنن: لم يقل في هذا الحديث: أو ريح غير وكيع عن مسعر.

وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، وسأله محمد بن عبيد: لِم ترك الشيخان حديث صفوان بن عسال؟ فقال: لفساد الطريق إليه، والله أعلم.

ص: 133

وحديث عبيدة بن حسان وحمزة بن يسار مرفوعا عند أبي عبيد: يعاد الوضوء.

وزعم بعضهم أنّ هذه الأحاديث معارضة لما رواه أنس: قال صلى الله عليه وسلم: لا ينقض الوضوء أن يصيبك قذر، ولكن ينقضه الفواحش.

ذكره أبو زكريا في طبقات الموصل من حديث إبراهيم بن سعد، ثنا غسان، ثنا أبو عمران، أنّه سمع أن أنسا يذكره وليس كذلك؛ لأنّ القذر لم يقل أحد: إنه ينقض الوضوء، وكذا لم يقل بأنّ الفواحش تنقضه.

ص: 134

‌باب مقدار الماء الذي لا ينجس من سبع كان أو حدث

35 -

حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يزيد بن هارون، نا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء.

ثنا عمرو بن رافع، ثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

36 -

ثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، نا حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء.

هذا حديث اختلف في إسناده ومتنه اختلافا كثيرا، ملخصه أن أشهر رواياته من ثلاثة أوجه:

أحدها: رواية ابن إسحاق المبدأ بذكرها، وقد أخرجها أبو عيسى أيضا، ولم يحكم عليها بشيء، وخرجها أبو جعفر بن منيع في مسنده عن أبي معاوية: ثنا ابن إسحاق عن رجل أخبره عن عبيد الله، بلفظ: إنهم قالوا: يا رسول الله، إن بئر بضاعة يلقى فيها المحايض والجيف، الحديث.

ورواه عبيد الله بن محمد ابن عائشة، عن حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة، وترده السباع والكلاب.

قال البيهقي: كذا قال: والكلاب، وهو غريب، وكذلك قاله موسى بن

ص: 135

إسماعيل عن حماد، وقال إسماعيل بن عياش: الكلاب والدواب، إلا أن ابن عياش اختلف عليه في إسناده، يعني بذلك ما ذكره الدارقطني من أن المحفوظ عنه عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه.

ورواه محمد بن وهب السلمي، عن ابن عياش، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن القليب، يلقى فيه الحيض، وتشرب منه الكلاب والدواب؟ قال: ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء.

ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد بن خزيمة، عن علي بن سلمة اللبقي، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: ورواه المغيرة بن سقلاب، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر.

الثاني: رواية حماد عن عاصم بن المنذر القائل فيه أبو بكر البزار: ليس به بأس، قال: ولا روى عنه غير الحمادين، ولا نعلمه حدث بغير هذا الحديث، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما نذكره بعد من رواية ابن علية عنه أيضا، وروى عنه هشام بن عروة، ووثقه أبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال ابن منده: يعتبر بحديثه، وقد اختلف في إسنادها ولفظها، أما لفظها، فرواية وكيع المذكورة في الباب تقدمت، ورواها موسى بن إسماعيل عند أبي داود عنه: إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس.

واختلف على يزيد بن هارون عن حماد، فقال الحسن بن الصباح عنه: عن حماد عن عاصم، قال: قال: دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بستانا فيه مقرى ماء فيه جلد بعير ميت، فتوضأ منه، فقلت: أتتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه

ص: 136

عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء، قال الدارقطني: ورواه أبو مسعود الرازي عن يزيد، فلم يقل: أو ثلاثا، قال: وكذلك رواه إبراهيم بن الحجاج، وهدبة بن خالد، وكامل بن طلحة عن حماد، قالوا فيه: إذا بلغ قلتين أو ثلاثا، قال: ورواه عفان، ويعقوب الحضرمي، وبشر بن السري، والعلاء بن عبد الجبار المكي، وموسى بن إسماعيل، وعبيد الله العيشي عن حماد بهذا الإسناد، ولم يقولوا: ثلاثا.

وأما الاختلاف في مقدار القلال وعددها، فسيأتي - إن شاء الله تعالى -، وأما الاختلاف في إسنادها فهو أن حماد بن زيد رواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله موقوفا، غير مرفوع.

قال الدارقطني: وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن عاصم عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفا أيضا، قال: ورواه إبراهيم - يعني ابن أبي يحيى - عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، فذكره مرفوعا بنحوه.

ورواه عبد الله بن الحسين بن جابر عن محمد بن كثير المصيصي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر، فذكره مرفوعا بنحوه، رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي عن ابن الحسين، وقال: رفعه هذا الشيخ عن محمد بن كثير المصيصي عن زائدة، ورواه معاوية بن عمرو عن زائدة موقوفا، وهو الصواب.

وسئل ابن معين عن حديث حماد هذا، فقال: جيد الإسناد، فقيل له: فإن ابن

ص: 137

علية لم يرفعه، قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث حديث جيد الإسناد.

الثالث: رواية الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير، أنّ عبد الله بن عبد الله بن عمر حدّثهم أنّ أباه عبد الله بن عمر حدّثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء.

رواه الحافظ البستي في صحيحه عن الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا الوليد به، ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي، وموسى بن عبد الرحمن المسروقي، وأبي الأزهر حوثرة بن محمد البصري، قالوا: ثنا أبو أسامة، ولفظه: لم يحمل الخبث.

وقال: هذا حديث حوثرة، وقال موسى بن عبد الرحمن: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقال أيضا: لم ينجسه شيء.

وأما المخزومي، فإنه قال: ثنا مختصرا، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث.

ولم يذكر مسألة النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، وقال أبو الحسن الدارقطني: ورواه أيضا عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله جماعة؛ منهم: إسحاق بن راهويه، وأحمد بن جعفر الوكيعي، وأبو عبيدة بن أبي السفر، ومحمد بن عبادة، وحاجب بن سليمان، وهناد بن السري، والحسين بن حريث، وروى عن أبيه أسامة عن الوليد عن محمد بن عبّاد بن جعفر.

قاله أبو مسعود الرازي الحافظ وعثمان بن أبي شيبة من رواية أبي داود وعبد الله بن الزبير الحميدي ومحمد بن حسان الأزرق ويعيش بن الجهم وغيرهم، وتابعهم الشّافعي عن الثقة عنده عن الوليد عن محمد بن عباد، وذكر ابن منده أنّ أبا ثور رواه عن الشّافعي

ص: 138

عن عبد الله بن الحارث المخزومي عن الوليد بن كثير، قال: رواه موسى بن أبي الجارود عن البويطي عن الشافعي عن أبي أسامة وغيره عن الوليد، فدلت روايته على أن الشافعي سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث - وهو من الحجازيين - ومن أبي أسامة - وهو من الكوفيين - جميعا عن الوليد بن كثير، وذكر أبو داود أن حديث محمد بن جعفر هو الصواب.

وفي كتاب العلل لعبد الرحمن بن أبي حاتم: محمد بن عباد ومحمد بن جعفر ثقتان، والحديث لمحمد بن جعفر أشبه.

وقال ابن منده: واختلف على أبي أسامة، ومحمد بن جعفر هو الصواب؛ لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد عن محمد بن عباد، وقال مرة: عن محمد بن جعفر، قال: ورواية عيسى أشبه؛ لأن هذا الحديث رواه ابن المبارك وغيره عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه مثل رواية عيسى بن يونس عن الوليد، قال: فهذا إسناد صحيح على شرط مسلم في عبيد الله بن عبد الله، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن إسحاق، والوليد بن كثير.

قال: ورواه حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه، ورواه ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل عن ابن عمر، فهذا ابن إسحاق وافق عيسى بن يونس عن الوليد بن كثير في ذكر محمد بن جعفر وعبيد الله، وروايتهما توافق رواية حماد بن سلمة وغيره عن عاصم في ذكر عبيد الله بن عبد الله، فثبت هذا الحديث باتفاق أهل المدينة والكوفة والبصرة على حديث عبيد الله بن عبد الله، وباتفاق ابن إسحاق والوليد على روايتهما عن محمد بن جعفر، وعبيد الله وعبد الله مقبولان بإجماع من الجماعة في كتبهم، وكذلك محمد بن جعفر ومحمد

ص: 139

ابن عباد بن جعفر، والوليد بن كثير في كتاب مسلم، وأبي داود والنسائي، وعاصم بن المنذر استشهد به البخاري في مواضع، وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: لما اختلف على أبي أسامة أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب، فنظرنا في ذلك، فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة عن الوليد على الوجهين جميعا عن محمد بن جعفر، وعن محمد بن عباد، فصح القولان جميعا عن أبي أسامة، وصح أن الوليد رواه عن محمد بن جعفر وعن محمد بن عباد جميعا، فكان أبو أسامة يحدّث به الوليد عن محمد بن جعفر، ومرّة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد، وحكى البيهقي في المعرفة عن أستاذه أبي عبد الله، أنه كان يقول: الحديث محفْوظ عنهما جميعا - أعني: عن عبيد الله وعبد الله، كلاهما عن أبيه - قال: وإليه ذهب كثير من أهل الرواية، وهو خلاف ما يقتضيه كلام أبي زرعة فيما حكاه عنه عبد الرحمن، حين قال في العلل: سألت أبا زرعة عن حديث ابن إسحاق عن ابن جعفر، قلت: إنه يقول: عبيد الله بن عبد الله، ورواه الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله، فقال: ابن إسحاق ليس يمكن أن نقضي له، فقلت: ما حال محمد بن جعفر؟ قال: صدوق، وإلى هذا نحا البزار بذكره في ترجمته فقط، وخالف ذلك إسحاق بن إبراهيم فيما حكاه أبو بكر في المعرفة عنه: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنّما هو عبيد الله بن عبد الله، ولما خرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا

ص: 140

جميعا بجميع رواته، ولم يخرجاه، وأظنهما - والله أعلم - لم يخرجاه لخلاف فيه عن أبي أسامة، فذكر حديثه عن الوليد عن محمد بن عباد، قال: وهكذا رواه الشّافعي في المبسوط عن الثقة، وهو أبو أسامة بلا شك فيه، وهذا خلاف لا يوهن هذا الحديث، وإنّما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر، ثم حدّث به مرة عن هذا ومرّة عن هذا، والدّليل عليه حديث شعيب بن أيوب: ثنا أبو أسامة، ثنا الوليد عن محمد بن جعفر ومحمد بن عباد به، فقد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أنّ أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعا، فإنّ شعيب بن أيوب ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه، وقد تابع الوليد على روايته عن محمد بن جعفر محمد بن إسحاق، قال: وهكذا رواه الثوري، وزائدة بن قدامة، وحماد بن سلمة، وإبراهيم بن سعد، وابن المبارك، ويزيد بن زريع، وسعيد بن زيد - أخو حماد بن زيد - وأبو معاوية، وعبدة. ثم ما ذكر ما قاله البيهقي عنه، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول، وصححه أيضا الحافظ الفارسي، وخرجه ابن الجارود في منتقاه من حديث عباد ومحمد بن جعفر وعبد الله بن عبد الله وعبيد الله بن عبد الله، وقال أبو سليمان الخطابي - رحمه الله تعالى -: وطعن بعض أهل العلم في إسناده من قبل أن بعض رواته قال: عن عبد الله بن عبد الله، وقال بعضهم: عبيد الله، وليس هذا مما يوهنه؛ لأنّ الحديث قد روياه معا، وكفى شاهدا على حجته أنّ نجوم أهل الحديث صححوه وقالوا به، وهم القدوة، وعليهم المعول في هذا الباب، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي قال فيه: صحيح، وقال الجوزقاني:

ص: 141

حسن، وأبى ذلك الإمام أبو عمر؛ فذكر في كتاب التمهيد ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين، فمذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت في الأثر؛ لأنه قد تكلّم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل، وقال في الاستذكار: هو حديث معلول، وقال الدبوسي: هو خبر ضعيف ومعل بمن لم يقبله؛ لأنّ الصحابة والتابعين لم يعملوا به، ولم يصنعا شيئا - رحمهما الله - لما أسلفناه من بيان صحته وزوال علته، والله تعالى أعلم.

ومن أغرب ما رأيت، أن صاحب الهداية قال: هذا حديث ضعفه أبو داود، انتهى.

ولم أر ما قاله في كتابه قط، وأمّا ما ورد من الاختلاف في عدد القلال ومقدارها فلا يؤثر في ضعفه إذا صحت طريقه، وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني في سننه من حديث القاسم بن عبد الله العمري - المتهم بالوضع عند أحمد وغيره - عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء أربعين قلة لا يحمل الخبث.

قال: كذا رواه القاسم عن ابن المنكدر عن جابر، ووهم في إسناده، وقال الجوزقاني نحوه، وقال ابن الجوزي: لا يرويه مرفوعا غيره، قال الدارقطني: وخالفه روح بن القاسم والثوري ومعمر بن راشد، فرووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمرو موقوفا، ورواه أيوب السختياني عن ابن المنكدر، من قوله: لم يجاوز به.

ص: 142

ثنا أحمد بن محمد بن زياد، نا إبراهيم الحربي، ثنا هارون بن معروف، ثنا بشر بن السري، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن عبد الرحمن بن أبي هريرة، عن أبيه، قال: إذا كان الماء قدر أربعين قلة لم يحمل خبثا.

كذا قال، وخالفه غير واحد، فقالوا: عن أبي هريرة: أربعين غربا، ومنهم من قال: أربعين دلوا.

ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا أبو حميد المصيصي، ثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني محمد أنّ يحيى بن عقيل أخبره أنّ يحيى بن يعمر أخبره أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ولا بأسا، فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ قال: قلال هجر، فأظنّ أن كل قلة تأخذ فرقين، قال ابن جريج: وأخبرني لوط، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، أن ابن عباس قال: إذا كان الماء قلتين فصاعدا لم ينجسه شيء.

وفي كتاب المعرفة لأبي بكر الحافظ: قال ابن جريج: قد رأيت قلال هجر، القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا.

قال الشّافعي: قرب الحجاز قديما وحديثا كبار لعزة الماء بها، فإذا كان الماء خمس قرب كبار لم يحمل نجسا، وذلك قلتان بقلال هجر، وقال الإمام أحمد: وقلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز، ولشهرتها شبه صلى الله عليه وسلم نبق السدرة بقلالها، قال أبو بكر بن المنذر: قال أحمد مرة: القلة تسع قرب، وقال مرة: القلتين خمس قرب، ولم يقل بأي قرب، وقال إسحاق: نحو ست قرب، وقال أبو ثور: خمس قرب، ليس بأكبر القرب ولا

ص: 143

بأصغرها، قال أبو بكر: وقد يقال للكوز قلة، ذكر قبيصة أن الثوري صلى خلفه في رمضان، ثم أخذ نعله وقلّة معه، ثم خرج، وقيل: إن القلة مأخوذة من استقل فلان يحمله إذا أطاقه وحمله، قال: وإنما سميت الكيزان قلالا؛ لأنها تقل بالأيدي وتحمل ويشرب فيها.

قال هذا بعض أهل اللغة، وفي كتاب الأسرار لأبي زيد: القلتان أعلى الشيء، فمعنى القلتين هنا القامتان، وقيل: أعلى الجبل، وفي المحلى: وقال وكيع ويحيى بن آدم: القلة الجرة، وهو قول الحسن البصري، أي جرة كانت، وهو قول مجاهد وأبي عبيد - رحمهم الله تعالى - والله أعلم.

ص: 144

‌باب الحياض

37 -

حدثنا أبو مصعب المدني، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر، وعن الطهارة منها؟ فقال: لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهور.

هذا حديث ذكره الدارقطني من مسند أبي هريرة في كتاب السنن، وقال فيه الحافظ أبو جعفر الطحاوي في كتاب المشكل: ليس من الأحاديث التي يحتج بها؛ لأنه إنما دار على عبد الرحمن بن زيد، وحديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف.

كذا قاله، وقد أبى ذلك عليه الحافظ ابن البيع، فصحح في مستدركه إسناد حديث من روايته في فضل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال الحافظ أبو أحمد الجرجاني: له أحاديث حسان، وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه، ولكنه معارض بحديث غسل الإناء من ولوغ الكلب، وإن كان قد روي حديث أبي سعيد من غير وجه يشد بها حديث ابن زيد؛ من ذلك: ما ذكره أبو عيسى الترمذي عن هناد بن السرى والحسن بن علي وغير واحد، قالوا: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد، قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء.

وقال: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث، ولم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، وقال أبو داود: قال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع.

ص: 145

ثنا أحمد بن أبي شعيب وعبد العزيز بن يحيى الحرانيان، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري، ثم العدوي، عن أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقال له: إنه يستقى لك من بئر بضاعة، وهي تلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعذر الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور، لا ينجسه شيء.

قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها، قال: أكثر ما يكون فيها، قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة.

قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماء متغيّر اللون، وفي علل الخلال: ثنا أبو الحارث، أنه سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث، فقال: حديث بئر بضاعة صحيح، وحديث أبي هريرة: لا يُبال في الماء الدائم أثبت وأصح إسنادا، قال: وبئر بضاعة عند سقيفة بني ساعدة.

وقال أبو عمر في الاستذكار: بئر بضاعة محفوظ من حديث أبي سعيد، ولما خرج أبو عبد الله بن منده هذا الحديث من رواية محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع قال: هذا إسناد مشهور، أخرجه أبو داود والنسائي، وتركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده، ورواه ابن أبي ذئب عن الثقة عنده عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي سعيد، ثم ذكر رواية مطرف بن طريف عن خالد بن أبي نوف عن سليط عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، وقال: فإن

ص: 146

كان عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع هذا هو الأنصاري الذي روى عن جابر بن عبد الله،، وعبد الله بن رافع بن خديج مشهور، وعبيد الله ابنه مجهول، فهذا حديث معلول برواية عبيد الله بن عبد الله.

وفي كتاب الإيضاح لعبد الغني: رواه مطرف بن عبد الله عن خالد عن سليط عن ابن أبي سعيد عن أبيه.

وفي بيان الوهم والإيهام: وأمر هذا الحديث إذا بين تبين منه ضعفه، وذلك أنّ مداره على أبي أسامة عن محمد بن كعب.

ثم اختلف على أبي أسامة في الواسطة الذي بين محمد بن كعب وأبي سعيد، فقوم يقولون: عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الله بن رافع، وله طريق آخر من رواية ابن إسحاق عن سليط، واختلف على ابن إسحاق في الواسطة الذي بين سليط وأبي سعيد، فقوم يقولون: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وقوم يقولون: عن عبد الرحمن بن رافع، فتحصل في هذا الرجل الراوي عن أبي سعيد خمسة أقوال، وكيف ما كان فهو ممن لا تعرف حاله ولا عينه، والأسانيد بما ذكرنا في كتب الحديث معروفة، انتهى كلامه.

وفي حديث ابن إسحاق عن سليط انقطاع، نص على ذلك أبو محمد في كتاب المراسيل، وفي قول ابن منده: إنّ ابن أبي ذئب رواه عن الثقة عنده عن عبيد الله نظر؛ لما ذكره الشافعي: أنبأ الثقة عن ابن أبي ذئب عن الثقة عنده عمن حدثه أو عن عبد الله.

قال أبو الحسن بن القطان: ولحديث بئر بضاعة طريق صحيحة من رواية سهل بن

ص: 147

سعد، قال قاسم بن أصبغ: ثنا ابن وضاح، ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قالوا: يا رسول الله، إنّك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس والمحايض والخبث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء.

قال قاسم: هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة، وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن: ثنا ابن وضاح، فذكره أيضا بإسناده ومتنه، قال أبو محمد بن حزم في كتاب الإيصال: عبد الصمد بن أبي سكينة ثقة مشهور، وذكره مصححا له، وقال ابن وضاح: لقيته بحلب، ويروى عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها - والله تعالى أعلم - انتهى.

ولما خرج أبو عمر هذا في الاستذكار عن عبد الوارث عن قاسم، قال: هذا اللفظ غريب في حديث سهل، ومحفوظ من حديث أبي سعيد، ورواه الدارقطني من حديث فضيل بن سليمان المخرج حديثه في الصحيحين عن أبي حازم عن سهل مرفوعا: الماء لا ينجسه شيء.

وعن فضيل عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه، قال: سمعت سهلا يقول: شرب النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن موسى بن سهل بن أبي عمران الجوني عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل

ص: 148

عن محمد بن أبي يحيى، عن أبيه، قال: دخلنا على سهل في بيته، فقال: لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم، وقال: وقد - والله - سقيت منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي.

زاد عمر بن شبة في كتاب أخبار المدينة تأليفه: وإن النبي صلى الله عليه وسلم بصق فيها.

38 -

حدثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، ثنا شريك، عن طريف بن شهاب، قال: قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن جابر بن عبد الله، قال: انتهينا إلى غدير، فإذا فيه جيفة حمار، قال: فكففنا عنه، حتى انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء، فاستقينا وأروينا وحملنا.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف راويه أبي سفيان طريف بن شهاب السعدي الأشل، وقال البخاري: العطاردي، وقال أيضا: وقال أبو معاوية: طريف بن سعد، ويقال: طريف بن سفيان، قال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال عمرو بن علي: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن أبي سفيان العطاردي بشيء قط، وقال الإمام أحمد: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وفي رواية: ضعيف، وكذلك قاله أبو حاتم الرازي، زاد: ليس بقوي، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: روى عنه الثقات، وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال الحربي: بصري، ليس هو أوثق النّاس، وقال ابن حبّان: كان مغفلا، يهم في الأخبار حتى يقلبها، ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وقال أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب الاستغناء: أجمعوا على أنه

ص: 149

ضعيف الحديث، وذكره في كتاب الضعفاء: الساجي، وأبو العرب، والعقيلي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، ورواه الساجي في كتاب الضعفاء عن الربيع: ثنا الشافعي، ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا داود بن حصين، عن أبيه، عن جابر: سئل صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع، وثنا الربيع، أنا الشافعي: ثنا سعيد بن سالم، عن ابن أبي حبيبة، عن داود، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، ولم يقل عن أبيه.

39 -

حدثنا محمود بن خالد والعباس بن الوليد الدمشقيان، قالا: ثنا مروان بن محمد، ثنا رشدين، أنبأ معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة الباهلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف راويه أبي الحجاج رشدين بن سعد بن مفلح بن هلال المهري، وهو رشدين بن أبي رشدين القائل فيه الإمام أحمد بن حنبل: ليس يبالي عمن روى، لكنه رجل صالح، قال الميموني: فوثقه هيثم بن خارجة، وكان في المجلس فتبسم أبو عبد الله، ثم قال أبو عبد الله: ليس به بأس في أحاديث الرقاق، وفي رواية حرب: وسأله عنه فضعّفه، وقدم ابن لهيعة، وقال ابن أبي خيثمة عنه: لا يكتب حديثه، وفي رواية البغوي عنه: أرجو أن يكون صالح الحديث، وفي رواية عبد الله عنه رشدين كذا وكذا، وسئل عنه أبو زكريا، فقال: ليس من جمال المحامل، وفي رواية أحمد بن محمد بن حرب عنه: رشدينان ليس برشيدين؛ ابن كريب وابن سعد، وفي رواية ابن الجنيد

ص: 150

والدوري عنه: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث وفيه غفلة، ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث، ما أقربه من داود بن المحبر، وابن لهيعة أستر، ورشدين أضعف، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، [وقال الفلاس: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث]، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، وقال البخاري عن قتيبة: كان لا يبالي ما دفع إليه فيقرؤه، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه ممن يكتب حديثه، وقد خصّ نسله بالضّعف: حجاج ابنه، ومحمد بن حجاج، وأحمد بن محمد، وقال السعدي: هو بعد ابن لهيعة، عنده معاضيل، ومناكير كثيرة، قال: وسمعت ابن أبي مريم يثني عليه في دينه، فأمّا حديثه ففيه ما فيه، وفي رواية الدولابي: ففيه ما قلت، وقال أبو سعيد بن يونس: ولد سنة عشر ومائة، ومات سنة ثمان وثمانين، وكان رجلا صالحا، لا يشك في صلاحه وفضله، وأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث، وقال البستي: كان يقرأ كل ما دفع إليه سواء كان من حديثه أو لم يكن، ولما ذكره الساجي في كتاب الضعفاء ذكر عن ابن مثنى أنه كانت عنده مناكير: حدثني أحمد بن محمد، ثنا الهيثم بن خالد، قال: كنت مع رشدين في غرفة له، وكان لها منظرة إلى بعد، فأقبل شاب، فقال رشدين: ترى هذا المقبل؟ قلت: نعم، قال: هذا ابني، وهو أعلم الناس بلعب الشطرنج ما يلاعبه أحد، قال: فرأيته فرحا بذلك، ولما ذكر أبو حاتم هذا في كتاب العلل قال: يوصله رشدين وليس بقوي، والصحيح: مرسل، وقال الخليلي: ضعفوه ولم يتفقوا عليه، وابنه حجاج أمثل منه، وذكره في

ص: 151

الضعفاء أبو العرب والعقيلي والبلخي، وقال الحربي: غيره أوثق منه، وقال البزار: لم يكن بالمعتمد، وقال عبد الحق: هو ضعيف عندهم، وقال أبو الحسن الدارقطني: إنما يصح هذا من قول راشد بن سعد. وقال في موضع آخر: لم يرفعه غير رشدين، وفي ما قاله نظر؛ لأنه روي عن راشد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا بسند جيد.

ثنا بذلك الإمام أبو المحاسن بن محمد الكردي، أنبأ ابن خليل أبو إسحاق إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن المسلم، ثنا علي بن الحسن الموازيني، ثنا أبو عبد الله محمد بن سلوان، أنبأ أبو القاسم الفضل بن جعفر المؤذن، ثنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي، ثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، ثنا عيسى بن يونس، ثنا الأحوص، عن راشد بن سعد، قال صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه.

وفي المعرفة: قال الشافعي: وما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه، لا يثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة، لا أعلم عنهم فيه خلافا، وقال أبو القاسم في المعجم الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن صالح إلا رشدين.

تفرد به محمد بن يوسف، وفيه نظر؛ لما تقدّم من رواية مروان عنه، ورواه البيهقي عن أستاذه ابن البيع، عن أبي الوليد الفقيه، عن جعفر الحافظ، عن أبي الأزهر، عن مروان بسنده، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه، وقال: كذا وجدته، ولفظ القلتين فيه غريب، ورواه أيضا أستاذه عن أبي الوليد، عن الشاماتي، عن عطية بن بقية بن الوليد، عن أبيه، عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد به، بزيادة:

ص: 152

طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيها، ثم قال: والحديث غير قوي إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغيّر بالنجاسة خلافا.

ولما ذكره ابن عدي في كامله من طريق أحمد بن عمير، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، عن حفص بن عمر، ثنا ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، قال: هذا ليس يرويه عن ثور إلا حفص بن عمر، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما أسلفناه من طريق عطية عن أبيه عن ثور، وفيها أيضا ردّ لقول أبي الحسن والرازي: لم يرفعه غير رشْدين، وفي الباب غير ما حديث؛ من ذلك حديث ثوبان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه. رواه الدارقطني من حديث رشدين بن سعد.

وحديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الماء لا ينجسه شيء.

رواه أيضا عن محمد بن الحسين الحراني، ثنا علي بن أحمد الجرجاني، ثنا محمد بن موسى الحرشي، ثنا فضيل بن سليمان النميري، عن أبي حازم عنه، وقد تقدّم طرف منه.

وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماء لا ينجسه شيء.

رواه أبو القاسم في معجمه الأوسط عن أحمد بن زهير، ثنا أبو الربيع، عن عبيد الله بن محمد الحارثي،

ص: 153

عن أبي أحمد الزبيري، ثنا شريك، عن المقدام بن شُريح، عن أبيه عنها، وقال: لم يروه عن المقدام إلا شريك، قال بعض الحفاظ من مشايخنا - رحمهم الله تعالى -: ومن غريب ما يستدل به في هذا المعنى حديث أبي ثعلبة الخشني في الأمر بغسل أواني المشركين قبل الأكل فيها، مع حديث عمران بن حصين في وضوئه صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة؛ فإن الأول يدل على نجاسة الإناء، والثاني يدل على طهارة الماء وطهوريته، وفي القديم للشافعي: ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضا، فقال عُمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنّا نرد على السباع وترد علينا.

أنبأ ابن عيينة، عن عمرو بن دينار: أن عمر بن الخطاب ورد حوض مجنة، فقيل له: إنما ولغ الكلب فيه آنفا، فقال عمر: إنما ولغ الكلب بلسان، فشرب وتوضأ.

وزعم أبو جعفر الطحاوي أن الواقدي قال: إن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين، فكان الماء لا يستقر فيها، وردّ ذلك أبو بكر في المعرفة بما لا يصلح أن يكون ردّا، وهو الطعن على الواقدي بالضعف، وهو لم يذكره رواية، إنما ذكره عن مشاهدة، وإن كان كذلك فلخصمه المعارضة بالتوثيق، قال محمد بن إسحاق الصغاني: وذكر من فضله وحسن أحاديثه، أما أنا فلا أحتشم أن أروي عنه، والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، حدث عنه أربعة أئمة: أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيد، وأبو خيثمة، ورجل آخر، وقيل للدراوردي: ما تقول فيه؟ فقال: سله عني،

ص: 154

وفي لفظ: ذاك أمير المؤمنين في الحديث، وكذلك قال أبو عامر العقدي لما سئل عنه، ولما سئل عنه معن بن عيسى قال: نحن نسأل عنه؟! إنما يُسأل هو عنّا، وقال الزبيري والمسيبي وأبو يحيى الزهري: محمد بن عمر ثقة مأمون، وقال ابن نمير: حديثه عنّا مستوي، وقال يزيد بن هارون: هو ثقة، وقال عباس بن عبد العظيم: هو أحبّ إلي من عبد الرزاق، وقال أبو عبيد بن سلام: هو ثقة، وقال أبو داود: كان أحمد ينظر في كتبه كثيرا، ولم ينكر عليه أحد سوى جمعه الأسانيد ومجيئه بالمتن واحدا، قال أبو إسحاق الحربي: وذكر له هذا القول، هذا ليس بعيب، وقال محمد بن إسحاق في كتاب الفهرست: كان حسن المذهب - رحمه الله تعالى - وأمّا ما ذكره بعض المتأخرين من أنّه مجمع على ضعفه؛ ففي بعض ما تقدّم ردّ عليه - والله أعلم - ثم ننزل معه بأن يلغى قوله، وينظر هل قال ذلك غيره ممن تقدّمه، فإذا عائشة رضي الله عنها وهي من أفقه الصحابة، قالت: كان بئر بضاعة قناة، وكان لها منفذ إلى بساتينهم.

ذكر ذلك صاحب الأسرار من غير رواية الواقدي، والعقل يشهد له؛ لأنها متى لم تكن قناة تغيرت بالجيف لا محالة، قال: وروي عن محمد بن الفضل البلخي أنه قال: مسحت بئر بضاعة، فوجدتها ثمانية في ثمانية، وقد روي عن محمد بن الحسن أنه حدّد الكثرة بهذا، والله أعلم.

ص: 155

‌باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم

40 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن أبي المخارق، عن لبابة بنت الحارث، قالت: بال الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول، أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره، فقال: إنما ينضح من بول الذكر، ويغسل من بول الأنثى.

هذا حديث خرجه ابن ماجه أيضا في كتاب الرؤيا، بزيادة: يا رسول الله، رأيت كأن في حجري عضوا من أعضائك، وإسناده صحيح لذكر ابن أبي المخارق في كتاب الثقات لأبي حاتم البستي، ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه حكم بصحته، ولما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن نصر بن مرزوق، ثنا أسد - يعني: ابن موسى - ح، وثنا محمد بن عمرو بن تمام المصري، ثنا علي بن معبد، ثنا أبو الأحوص، بلفظ: فقلت: هات ثوبك حتى أغسله، ثم قال: إنما يغسل بول الأنثى وينضح بول الذكر، قال: وفي حديث أسد بن موسى: كان الحسين في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فبال عليه، فقلت: البس ثوبا وأعطني ثوبك حتى أغسله، وقال الدارقطني في كتاب العلل: عن سماك عن قابوس عن أبيه عنها: قال ذلك عثمان بن سعيد، وقيل: عن عثمان عن مسعر عن سماك، قال: وقال معاوية بن هشام: عن علي بن صالح عن سماك عن قابوس مرسلا، وروي عن داود بن أبي هند عن سماك مرسلا عن أم الفضل، والصواب: قول من قال: عن سماك عن قابوس عن أم الفضل.

كذا ذكره عن علي، والذي رواه البزار في مسنده يخالف ما قاله، ذلك أنه رواه عن إبراهيم بن الجنيد، ثنا عثمان بن سعيد، ثنا علي بن صالح، عن سماك، عن قابوس عنها

ص: 156

بلفظ: فأخذته فاطمة بيدها، فقال: أوجعت ابني رحمك الله، الحديث.

ورواه الطبراني أيضا من حديث محمد بن مصعب القرقساني، ثنا الأوزاعي، عن شداد أبي عمار عنها، بلفظ: دعي ابني، فإن ابني ليس بنجس، ثم دعا بماء فصبه عليه، ورواه الخلال في كتاب العلل عن عبد الله بن أحمد: أنبأ أبي، ثنا عفان وبهز، قالا: ثنا حماد بن سلمة، أنبأ عطاء الخراساني عن لبابة، بلفظ: فرأيت البول يسيل على بطنه، فقمت إلى قربة لأصبها عليه.

وفي الباب عن الكجي: ثنا حجاج، ثنا حماد، عن عطاء الخراساني، عن لبابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع على مكان مرشوش، فوضع الحسن والحسين جميعا على بطنه، فبالا على بطنه، فرأيت البول يسيل على بطنه، فقمت إلى القربة لأصبها عليه، فقال: يا أم الفضل، بول الغلام يصب عليه ما لم يطعم، وبول الجارية يغسل غسلا.

وفي الباب للدارقطني من حديث إبراهيم بن محمد، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس في بول الصبي، قال: يصب عليه مثله من الماء؛ كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببول حسين بن علي، وفي مسند أحمد بن منيع، ثنا ابن علية، ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز، عن حسن بن علي، قال: حدثتنا امرأة من أهلنا: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره يلاعب صبيا على صدره، فبال، فقامت لتأخذه وتضربه، فقال: دعيه، ائتوني بكوز ماء، فنضح الماء على البول حتى تفايض الماء على البول، فقال: هكذا يصنع بالبول؛ ينضح من الذكر، ويغسل من الأنثى.

ص: 157

41 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال عليه، فأتبعه الماء، ولم يغسله.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولفظ مسلم: كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم، فأتي بصبي، وفي لفظ: صبي يرضع، وفي لفظ لأبي نعيم في مستخرجه: فربما أتي بالصبي فيبول عليه، فيدعو بماء فيتبعه إياه، وذكر أبو الحسن الدارقطني من رواية حجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن عائشة: أن هذا الصبي ابن الزبير، قالت: فأخذنه أخذا عنيفا، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لم يأكل الطعام، فلا تضربوه، وفي لفظ: فإنه لم يطعم، فلا يقذر بوله، وفي المسند من رواية أبي معاوية عن هشام به، ولفظه: صبوا عليه الماء صبا.

42 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أم قيس بنت محصن، قالت: دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء، فرش عليه.

هذا حديث خرجاه في الصحيح، ولفظ مسلم: فدعا بماء، فنضحه على ثوبه، ولم يغسله غسلا.

ص: 158

43 -

حدثنا حوثرة بن محمد ومحمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم، قالا: ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن أبيه، عن علي: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في بول الرضيع: ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية.

هذا حديث لما خرجه الحاكم عن أبي عمرو بن السماك، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ثنا معاذ، قال: هذا حديث صحيح، فإن أبا الأسود الديلمي صحيح سماعه من علي، وهو على شرطهما صحيح، ولم يخرجاه، وله شاهدان صحيحان: حديث قابوس عن لبابة، وحديث محل عن أبي السمح، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لأنّ أبا حرب عند مسلم فقط، ولما خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه أتبعه: حدثنا أبو موسى - يعني: عن معاذ - بمثله، وزاد: قال قتادة: هذا ما لم يطعم الطعام، فإذا طعم الطعام غسلا جميعا، وخرجه أيضا البستي في صحيحه، ولما خرجه الترمذي قال فيه: حسن صحيح، وقال في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: شعبة لا يرفعه، وهشام الدستوائي حافظ، ورواه يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة عن قتادة فلم يرفعه، وقال البزار: وقد روى هذا الفعل عائشة وأبو ليلى وزينب بنت جحش، وأحسنها إسنادا حديث علي وحديث أم قيس، وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإنما أسنده معاذ عن أبيه، وقد رواه غير معاذ عن

ص: 159

هشام عن قتادة عن أبي حرب عن أبيه عن علي موقوفا.

حدثنا أحمد بن موسى بن معقل، ثنا أبو اليمان المصري، قال: سألت الشافعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، والماءان جميعا واحد، قال: لأنّ بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدّم، ثم قال لي: فهمت؟ قلت: بقيت، قال: قلت: لا. قال: إن الله لما خلق آدم، خلقت حواء من ضلعه الأيسر، فصار بول الغلام من الماء والطين، وصار بول الجارية من اللحم والدم، قال: قال لي: فهمت؟ قلت: نعم، قال: نفعك الله. هكذا هذا ثابت في نسختي التي بخط المرادي، وفي نسخة أخرى علم الحافظ المنذري عليها لا إلى وكأنه أشبه، والله تعالى أعلم.

44 -

حدثنا عمرو بن علي، ومجاهد بن موسى، والعباس بن عبد العظيم، قالوا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يحيى بن الوليد، أنبأ محل بن خليفة، أنبأ أبو السمح، قال: كنت خادم النبي صلى الله عليه وسلم فجيء بالحسن - أو الحسين - فبال على صدره، فأرادوا أن يغسلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رشه، فإنه يغسل بول الجارية، ويرش من بول الغلام.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث عباس العنبري، ولفظه: رشوه رشا، وقد أسلفنا عن أبي عبد الله الحاكم تصحيحه في الشواهد، وقال البزار وأبو السمح: لا نعلم حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الحديث، ولا لهذا

ص: 160

الحديث إسناد إلا هذا، ولا يحفظ هذا الحديث إلا من حديث ابن مهدي، وصححه أبو محمد بن حزم والإشبيلي بسكوته عنه، وخرجه أبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة، وشرطه في ذلك معروف، وفي التمهيد: حديث المحل هو: محل بن خليفة لا تقوم به حجة، والمحل ضعيف، ويشبه أن يكون أبا عذرة هذا القول؛ لأني لم أره لغيره، وذلك أنه ممن خرج حديثه البخاري في صحيحه محتجّا به في الزكاة وعلامات النبوة، وقال فيه أبو زرعة الرازي: ثقة صدوق، وقال أبو زكريا يحيى بن معين: هو ثقة، وذكره البستي في كتاب الثقات، وسيأتي ذكره. وفي كتاب الإشراف: وقال أبو ثور: يغسل بول الغلام والجارية، وإن ثبت حديث الرش عن النبي صلى الله عليه وسلم كان الرش جائزا في بول الغلام، ولفظ أبي داود: كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يغتسل قال: ولني، فأوليه قفاه، فأستره به، وفيه: فجئت أغسله، ولفظ الدولابي في كتاب الكنى: وأنشر الثوب، وفيه: ويغسل من بول النساءِ.

45 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أم كرز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل.

هذا حديث قال فيه مهنأ: سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر بن أبي كثير حدثوني عنه، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أم كرز: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بغلام .. الحديث، فقال أحمد: هو معروف الحديث صحيحه، وهو أخو إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة لم يزد على ذلك، ولم يتعرض للانقطاع فيما بين

ص: 161

عمرو وأم كرز، المنصوص عليه في كتاب تهذيب الكمال في غير ما موضع، وأخذا أيضا بعموم قول أبي بكر النقاش: عمرو ليس تابعيا، وقد روى عنه جماعة من التابعين.

ذكر ذلك عنه الدارقطني، ولو سلم من هذه العلة لكان إسناده صحيحا؛ لما أسلفناه قبل في ترجمة عمرو - والله أعلم - ورواه أبو القاسم في الكبير عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن الحنفي، بلفظ: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بغلام، فبال عليه، فأمر به فنضح، وأتي بجارية فبالت فأمر به فغسل، وفي الباب حديث آخر رواه أبو جعفر البغوي عن ابن علية: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز، عن حسن بن علي - أو حسين -: حدثتنا امرأة من أهلنا، قالت: بينا النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره، يُلاعب صبيا على صدره؛ إذ بال، فقامت لتأخذه وتضربه، فقال: دعيه، ائتوني بكوز من ماء، فنضح الماء على البول، حتى تفايض الماء على البول، فقال: هكذا يصنع بالبول؛ ينضح من الذكر، ويغسل من الأنثى.

وحديث عبد الله بن عباس، قال: أصاب النبي صلى الله عليه وسلم أو جلده بول صبي وهو صغير، فصب عليه من الماءِ بقدر البول.

رواه الدارقطني من حديث الواقدي عن خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت القائل فيه يحيى: ليس به بأس، وكذلك قال ابن عدي، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات عن داود بن حصين عن عكرمة عنه، ورواه أيضا من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بهذا الإسناد.

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: أتي بصبي، فبال عليه فنضحه، وأتي بجارية، فبالت عليه فغسله.

رواه أبو القاسم في الأوسط عن أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا عبد الله بن مُوسى، عن أسامة بن زيد، عن عمرو، وقال: لم يروه عن عمرو عن أبيه عن جده إلا أسامة، تفرد به

ص: 162

عبد الله بن موسى.

وحديث أم سلمة: قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان الغلام لم يطعم الطعام صب على بوله، وإذا كانت الجارية غسله.

قال فيه أبو القاسم: لم يروه عن الحسن عن أمه إلا إسماعيل بن مسلم.

تفرد به عبد الرحيم بن سليمان، ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن عن أمه، بلفظ: ويصب عليه الماء صبا ما لم يطعم، وبول الجارية يغسل غسلا طعم أو لم تطعم، وفيه رد لما قاله الطبراني.

ورواه أبو القاسم في الأوسط: ثنا من حديث هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن أمه عنها، أنّ الحسن - أو الحسين - بال على بطن النبي صلى الله عليه وسلم فذهبوا ليأخذوه، فقال: لا تزرموا ابني - أو لا تعجلوه - فتركوه حتى قضى بوله، فدعا بماء فصبّه عليه. وقال: لم يروه عن يونس إلا هشيم، تفرد به محمد بن ماهان.

وحديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين.

ذكره في الأوسط من حديث هشام عن أمه عنها، وقال: لم يروه عن هشام إلا بزيع أبو الخليل.

وحديث قابوس بن المخارق، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يغسل بول

ص: 163

الجارية، وينضح على بول الغلام.

كما رواه سماك عنه، ورواه شريك عن سماك عنه عن أم الفضل، ورواه أبو الأحوص عنه عن قابوس عن لبابة بنت الحارث، ورواه علي بن صالح عن سماك عن قابوس، فلم يقل: عن أبيه، قال الدارقطني في العلل: والمرسل أصح، قال عبد الحق: ولا تصح هذه الصفة في بول الصبي، ولا يصح أيضا فيه ما لم يأكل الطعام، إنّما يصح من قول علي وقتادة وأم سلمة وغيرهم.

وقال أبو محمد الفارسي: وتطهير بول الذكر أي ذكر كان في أي شيء كان، فبأن يرش عليه الماء رشا يزيل أثره، وليس تحديده بأكل الصبي الطعام من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وممن فرق بين بول الغلام والجارية أم سلمة، وعلي بن أبي طالب، ولا مخالف لهما من الصحابة، وبه يقول قتادة والزهري، وقال: مضت السنة بذلك، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود بن علي، وابن وهب، وغيرهم، إلا أنّه قد روي عن الحسن وسفيان التسوية بين بول الغلام والجارية في الرش عليهما جميعا، وقال أبو حنيفة ومالك وابن حي: يغسل بول الصبي كبول الصبيّة، وما نعلم لهم متعلقا إلا ما ذكره بعض المتأخرين عن النخعي، والمشهور عنه خلاف ذلك.

وفي كتاب التمهيد: أجمع المسلمون أن بول كل آدمي يأكل الطعام نجس، وقال الشّافعي: بول الصبي ليس بنجس، ولا يتبين لي فرق ما بينه وبين الصبية، ولو غسل كان أحبّ إلي، قال أبو عمر: احتج من ذهب مذهب الشافعي بحديث هذا الباب - يعني: حديث أم قيس - ولا حجة فيه؛ لأنّ النضح يحتمل أن يكون أراد به صب

ص: 164

الماء، ولم يُرد به الرشّ، وهو الظاهر من معنى هذا الحديث؛ لأنّ الرش لا يزيد النجاسة إلا شرا، ومن الدليل على أنّ النضح قد يكون صب الماء والغسل من غير عرك: قول العرب: غسلتني السماء، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم أرضا يقال لها: عمان، ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر.

والقياس: ألا فرق بين بول الغلام والجارية، كما أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة إلا أن هذه الآثار - إن صحت - ولم يعارضها مثلها وجب القول بها، إلا أنّ رواية من روى الصبّ على بول الصبي وإتباعه بالماء أصح وأولى، وأحسن شيء عندي في هذا الباب ما قالته أم سلمة: بول الغلام يصب عليه الماء صبّا، وبول الجارية يغسل طعمت أو لم تطعم.

ذكره البغوي، وهو حديث مفسر للأحاديث كلها، مستعمل لها حاشا حديث المحل بن خليفة، ولا تقوم به حجة، وقال في الاستذكار: وقال بعض شيوخنا: قوله في حديث أم قيس: ولم يغسله، ليس في الحديث، وزعم أنّ آخر الحديث: فنضحه. قال أبو عمر: ولا يتبين عندي ما قاله؛ لصحة رواية مالك هذه، ولمتابعته على ذلك، وأمّا أبو السمح فاسمه إياد، قال أبو عمر: قيل: كان خادما، وقيل: مولى، ذهب فلا يدرى خبره، لم يرو عنه - فيما علمت - غير المحل، وكذا ذكره أبو الفتح الأزدي في الكتاب المخزون، وخدامه عليه السلام جماعة ذكرناهم في كتابنا الزهر الباسم، والإشارة؛ فمنهم هند وأسماء ابنا حارثة الأسلميان، ذكرهما ابن سعد وربيعة بن كعب

ص: 165

الأسلمي وذو مخمر ابن أخي النجاشي.

ذكرهما الإمام أحمد، وأيمن بن عبيد، ذكره ابن إسحاق، وعبد الله بن مسعود، ونعيم بن ربيعة بن كعب الأسلمي، ذكرهما أبو نعيم وعقبة بن عامر الجهني ذكره النسائي، وبلال بن رباح ذكره في الإكليل، وسعد مولى أبي بكر الصديق، والأسود بن مالك الأسدي، وأخوه الحدرجان، وابنه جزء بن الحدرجان، وثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري، ذكرهم ابن منده، وسالم ذكره أبو أحمد العسكري وبكير بن شدّاخ الليثي، ويقال: بكر، وأبو الحمراء هلال بن الحارث.

ذكرهما ابن عساكر وأسلع بن شريك الأعرجي وسابق، وقيل: هو أبو سلام الهاشمي، وخولة جدة حفص بن سعيد، ورزينة أمّ عليلة، وسلمى أمّ رافع، ومارية جدة المثنى

ص: 166

ابن صالح. ذكرهم ابن عبد البر، وميمونة بنت سعد ذكرهما الترمذي، وأربد ذكره أبو موسى المديني، وسلمى ومهاجر مولى أم سلمة، وأمة الله بنت رزينة ومارية أم الرباب وأم عياش ذكرهم ابن الأثير، وأبو عبيد ذكره البرقي وأبو ذر الغفاري ذكره ابن سرور، وغلام من الأنصار نحو أنس جاء ذكره في الصحيح، وأمّا الموالي فسنذكرهم - إن شاء الله تعالى - في الموضع اللائق بذكرهم رضي الله عنهم أجمعين - وأما الصبي فهو: الغلام، والجمع صبية وصبيان، وهو من الواو، ولم يقولوا: أصبية، استغناء بصبية، كما لم يقولوا: أغلمة استغناء بغلمة، ويصغر صُبيّة في القياس، أصيبية، كأنه تصغير أصبية، قال الشاعر:

ارحم أصيبيتي الذين كأنهم

حجلي تدرج في الشربة وقع

ويقال: صبي بين الصبا والصباء، إذا فتحت الصاد مددت، وإذا كسرت قصرت، والجارية صبية، والجمع صبايا، مثل: مطية ومطايا، ذكره الجوهري، وقال الأجدائي: فإذا ولد فهو صبي إلى أن يفطم، فإذا فطم سُمّي غلاما إلى

ص: 167

سبع سنين، ثم يصير يافعا إلى عشر حجج، وكذا ذكره ابن سيدة عن ثابت.

قال الزمخشري: الغلام الصغير إلى حد الالتحاء، فإن أجري عليه بعد ما صار ملتحيا اسم الغلام فهو مجاز، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض أراجيزه:

أنا الغلام الهاشمي المكي

، وقالت ليلى الأخيلية في كلمة لها تمدح الحجاج:

شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هز القناة ثناها

فقال لها الحجاج: لا تقولي غلام، ولكن قولي: همام، قال: جاء والله، وقال بعضهم: يستحق هذا الاسم إذا ترعرع، وبلغ الاحتلام بشهوة النكاح، كأنه يشتهيه ذلك الوقت، ويسمى غلاما أولا، فقالا: وبعد ذلك مجازا، وقال ابن سيده عن الأصمعي: هو غلام إذا طر شاربه. وفي الفصيح: غلام من الغلومة والغلومية، وقال ابن دريد: وربما سميت الجارية غلامة، وأنشد:

ومركضة صريحي أبُوها

تهان لها الغلامة والغلام

وقال أبو إسحاق الحربي: لا يقال للأنثى إلا في كلام قد ذهب من ألسن الناس، قال عبد الحق: قد جاء ذلك في الحديث والشعر، وأنشد:

فلم أر عاما كان أكثر هالكا

ووجه غلام يشتري وغلامة

وقال النّضر بن شميل: هو غلام أول ما يولد حتى يشيب.

ص: 168

‌باب الأرض يُصيبُها البول كيف تُغسل

46 -

حدثنا أحمد بن عبدة، أنبأنا حماد بن زيد، ثنا ثابت، عن أنس: أن أعرابيا بال في المسجد، فوثب إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، ثم دعا بدلو من ماء، فصّب عليه.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وسماه أبو موسى في كتاب الصحابة ذا الخويصرة اليماني، وساقه في أعلام النبوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه مقبلا قال: هذا الرجل الذي بال في المسجد، فلم ينشب أن بال.

47 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: دخل أعرابي المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد، ولا تغفر لأحد معنا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لقد احتظرت واسعا، ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول، فقال الأعرابي بعد أن فقه، فقام إلي: بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤنب، ولم يسُبّ، فقال: إنّ هذا المسجد لا يبال فيه، وإنّما بني لذكر الله وللصلاة، ثم أمر بسجل من ماء، فأفرغ على بوله.

هذا حديث رواه أبو داود والترمذي من حديث الزهري عن سعيد، وقال في آخره: قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس نحو هذا، وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، وأصله في صحيح الجعفي، بلفظ: قام أعرابي في

ص: 169

المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء - أو ذنوبا من ماء -، فإنّما بعثتم مبشرين، ولم تبعثوا معسرين. وفي لفظ: قام النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد تحجرت واسعا.

وروى ابن صاعد، عن عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس: أنّ أعرابيا بال في المسجد، فقال عليه السلام: احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء. قال أبو الحسن البغدادي الحافظ - رحمه الله تعالى -: وهم عبد الجبار على ابن عيينة؛ لأنّ أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عن يحيى بن سعيد، فلم يذكر أحد منهم الحفر، وإنّما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار، عن طاوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احفروا مكانه، فاختلط على عبد الجبار المتنان،، وذكر الدارقطني أنه يقال

ص: 170

فيه أيضا: ابن سمعان، أن أبا بكر بن عياش قال: ثنا المعلى المالكي، فذكر غير اللفظ الأول عن شقيق عن عبد الله: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير، فقال: يا محمد متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من كبير صلاة ولا صيام، إلا أنّي أحب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، قال: فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد، فمر عليه الناس فأقاموه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، عسى أن يكون من أهل الجنة، فصبوا على بوله الماء.

رواه عن المحاملي، ثنا يوسف بن موسى، ثنا أحمد بن عبد الله، ثنا ابن عياش به.

وقال الخطابي: وليس في حديث أبي هريرة ولا في خبر متصل ذكر لحفر المكان، ولا لنقل التراب، ولو سلم الحنفيون للإمام أحمد وغيره قوله، فإن لهم حديثا إسناده على رسم الشيخين، رواه أبو داود في كتاب السنن، فقال: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا جرير بن حازم، قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن، قال: قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد فانكشف فبال فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء.

قال: هذا مرسل، وابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأبى ذلك عليه الحافظ ابن فتحون، فذكر أنّه له صحبة في كتابه المستدرك على ابن عبد البر، ولئن سلمنا لأبي داود قوله، وألقينا قول ابن فتحون فيكون مرسلا صحيحا، والمرسل معمول به عندهم، والله أعلم.

وذكره عبد الرزاق عن طاوس، وقد تقدّم كلام أبي الحسن عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلا مثله، فالاصطلاح: إذا عارض مرسلان صحيحان

ص: 171

حديثا صحيحا مسندا كان العمل بالمرسل أولى، فكيف مع عدم المعارضة؟.

48 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن عبد الله، عن عبيد الله الهذلي، قال محمد بن يحيى: هو عندنا ابن أبي حميد، أنبأنا أبو المليح الهذلي، عن واثلة بن الأسقع، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا، فقال: لقد حظرت واسعا، ويحك - أو ويلك -. قال: فشبح يبول، فقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه، فدعا بسجل من ماء فصبه عليه.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف راويه عبيد الله بن أبي حميد غالب بن أبي الخطاب الهذلي الكوفي، فإنه ممن قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: رجل ترك الناس حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وفي علل أبي عيسى عنه: ضعيف ذاهب الحديث، لا أروي عنه شيئا، وقال أبو عبد الرحمن: متروك الحديث، وقال ابن معين والدارقطني: ضعيف الحديث، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد فاستحق الترك، وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث ضعيف الحديث، وفي الكامل لابن عدي عن ابن مثنى، أنه قال: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدّثان عنه بشيء قط، قال أبو أحمد: وعامة روايته عن أبي المليح، وقال أبو زكريا الساجي: هو ضعيف، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وكذلك البلخي، وفي الإشراف: اختلفوا في موضع البول تصبه الشمس أو يجف، فكان الشافعي وأحمد وأبو ثور يقولون: لا يطهره إلا الماء، وفيه قول ثان، وهو أن يصلي عليه إذا جفّ وذهب أثره، ولا يصلي عليه إن لم يذهب أثره، ولا يجزئه أن يصلي على بساط أصابه بول وإن ذهب أثره، هذا قول النعمان ومحمد، وقالا: الشمس تزيل

ص: 172

النجاسة إذا ذهب الأثر عن الأرض، وروينا عن أبي قلابة، أنه قال: جفوف الأرض طهورها، وبالقول الأول أقول، وفي الأسرار: إذا أصابتها نجاسة فيبست وذهب أثرها جازت الصلاة عليها، وقال أبو سليمان رحمه الله تعالى: فيه دليل على أنّ الماء إذا ورد على النجاسة على سبيل المكاثرة والغلبة طهرها، وأن غُسالات النجاسة طاهرة ما لم يبن للنجاسة فيها لون أو ريح، ولو لم يكن ذلك الماء طاهرا لكان المصبوب منه على البول أكثر تنجيسا للمسجد من البول نفسه، فدلّ على طهارته، قال: وإذا أصابت الأرض نجاسة ومطرت مطرا عاما كان ذلك مطهرا لها، وكانت في معنى صبّ الذنوب وأكثر، والله أعلم.

وفي قوله: (إنّما بعثتم مبشرين) دليل على أن أمر الماء التيسير والسعة في إزالة النجاسات منه، والله أعلم.

وأما قوله: لا تزرموه أي: لا تقطعوا عليه، قال ابن دريد: الزرم: القطع، قال الشاعر:

فقلت لها تسعى من تحت لبتها

لا تحطمنك إن البيع قد زرما

وقال الجوهري: زرم البول بالكسر إذا انقطع، وكذلك كل شيء ولى، وأزرمه غيره، وفي الجامع: يقال: زرمه يزرمه زرما إذا قطعه، وكذا أزرمه إزراما: إذا فعل به ذلك، وزرم الشيء في نفسه إذا انقطع، وإذا انقطع بول الرجل قلت: زرم بوله، وأزرمه هو إذا قطعه، وقد ازرأم الرجل: إذا غضب، وازرأم الشيء إذا انقطع، وازرأم الشاعر ازرئماما إذا انقطع شعره، وازرأم إذا سكت، وازرأم إذا انقبض، ومنه قول الشاعر:

تمذي إذا امتحنت من قبل أدرعها

وتزرئم إذا ما مسه المطر

ومن السكوت قول الراجز:

ص: 173

ألفيته غضبان مزرئما

لا سبط الكف ولا خضما

وبقوله: لعن الله أما زرمت به: أي ولدته، وكذلك قال الشاعر:

ألا لعن الله التي زرمت به

فقد ولدت ذا نملة وغوائل

ويقال: زرم السنور وغيره: إذا بقي جعره في دبره، وبه سمي السنور أزرم، ويقال: أزرمت السوق: إذا انقطعت، وزرم كلامه: إذا قطعه، فهو زرم الكلام أي: قليله، وكذلك قال الأخطل:

والشافعون مغيبون وجوههم

زرموا المقالة بالسوا الأبصار

.

أي: قد قطعوا الكلام، والمزرم: المضيق عليه، ويقال: زرم فلان بأمره إذا ضاق به، فلم يدر ما يصنع.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لقد احتظرت واسعا على الحظر: الحجر، قاله الجوهري؛ قال: وهو ضد الإباحة، والمحظور المحرم، وفي أساس الزمخشري: حظر عليه كذا حيل بينه وبينه، {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} ، وهذا محظور غير مباح، وقال ابن دريد: حظرت الشيء أحظره حظرا فهو محظور: إذا حزته، والحظار: ما حظرته على غنم أو غيرها بأغصان الشجر أو بما كان، وهو الحظر أيضا، قال الشاعر:

ترى حظرا أذوي به الحي عاضد

.

وقال في كتاب الاشتقاق: لما أغار امرؤ القيس بن المنذر عم النعمان بن المنذر على النمير بن واسط فسبى سبيا، فأتى بهم الحيرة، فحظر لهم حظائر وهم بإحراقهم، فكلمه فيهم أبو حوط أخو المنذر بن امرئ القيس لأمه، واسمه مالك بن ربيعة، فوهبهم له، فسمي ذا الحظائر. وزعم ابن ماكولا في كتاب الإكمال: أنه بخاء معجمة مضمومة، قال: ذكره ابن دريد، ويشبه أن يكون وهما منه على ابن دريد؛ اللهم إلا أن يريد بذكر ابن دريد شيئا من الحروف لا الضبط، وذلك أنّ الذي

ص: 174

ذكره به وعزاه له هو في كتاب الوشاح من تأليفه في باب الراء، ولم يضبطه كعادته في ذلك الكتاب، وذكره في كتاب الجمهرة في باب الحاء المهملة والظاء والراء، وبنحوه قاله في كتاب الاشتقاق، وابن سيده في كتاب المحكم، والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص، وسمّاه كعب بن الحارث بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الصحبان بن سعد بن الخزرج ونصر بن مزروع في كتاب العقماء من الأشراف، وسمّاه الحارث بن زيد مناة، وقد استوفينا ذلك بشواهده في كتاب الإيصال، وفي رواية: لقد تحجرت واسعا، قال الخطابي: أصل الحجر المنع، ومنه الحجر على السفيه، وهو منعه من التصرف في ماله، وقبض يده عنه: يقول له: قد ضيقت من رحمة الله ما وسعه، ومنعت منها ما أباحه.

والسجل: مذكر وهي الدلو إذا كان فيه ماء قلّ أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة: سجل ولا ذنوب، والجمع: سجال، والسجيلة: الدلو الضخمة، قال الراجز:

خذها وأعط عمك السجيلة

إن لم يكن عمك ذا حليلة

.

وسجلت الماء فانسجل أي: صببته فانصب، وأسجلت الحوض ثلاثة، قال:

وغادر الأخذ والأوجاذ مترعة

وأسجل الماء أنهاء وغدرانا

.

وفي الجمهرة: والجمع: سجول، وفي الكناية: وقيل: لا تسمى سجلا حتى تكون مملوءة ماء.

وقال أبو منصور النيسابوري: حتى يكون فيها ماء قلّ أو كثر، ولا يقال لها: ذنوب إلا ما دامت ملأى، كما أنه لا يقال: كأس إلا إذا كان فيها شراب، وإلا فهي زجاجة، وفي الألفاظ ليعقوب: الكأس الإناء، والكأس: ما فيه من الشراب، ولا يقال:

ص: 175

مائدة إلا إذا كان عليها طعام، وإلا فهو خوان، ولا يقال: كوز إلا كان له عروة، وإلا فهو كوب، ولا يقال: قلم إلا إذا كان مبريا وإلا فهو أنبوبة، ولا يقال: خاتم إلا إذا كان فيه فص وإلا فهو فتخة، ولا يقال: فرو إلا إذا كان عليه صوف وإلا فهو جلد، ولا يقال: ريطة إلا إذا لم يكن لفقين وإلا فهي ملاءة، ولا يقال: أريكة إلا إذا كانت عليها حجلة وإلا فهي سرير، ولا يقال: لطيمة إلا إذا كان عليها طيب وإلا فهي عنبر، ولا يقال: نفق إلا إذا كان له منفذ وإلا فهو سرب، ولا يقال: عهن إلا إذا كان مصبوغا وإلا فهو صوف، ولا يقال: لحم قديد إلا إذا كان معالجا بتوابل وإلا فهو طبيخ، ولا يقال: خدر إلا إذا كان مشتملا على جارية وإلا فهو ستر، ولا يقال: ركية إلا إذا كان فيها ماء قلّ أو كثر وإلا فهي بئر، وإلا يقال: محجن إلا إذا كان في طرفه عقافة وإلا فهو عصا، ولا يقال: وقود إلا إذا أوقدت فيه النار وإلا فهو حطب، ولا يقال: عويل إلا إذا كان قد رفع صوت وإلا فهو بكاء، ولا يقال: مور للغبار إلا إذا كان بالريح وإلا فهو وهج، ولا مغول إلا إذا كان في جوف سوط وإلا فهو مشمل، ولا يقال للطين: سياع إلا إذا كان فيه تبن وإلا فهو طين، ولا يقال: ثرى إلا إذا كان نديا وإلا فهو تراب، ولا يقال: مأزق ومأقط إلا في الحرب وإلا فهو مضيق، ولا يقال: مغلغلة إلا إذا كانت محمولة من بلد إلى بلد وإلا فهي رسالة، ولا يقال: قراح إلا إذا كانت مهيأة للزرع وإلا فهي براح، ولا يقال للعبد: آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد عمل وإلا فهو هارب، ولا يقال لما في الفم: رضاب إلا ما دام في الفم، فإذا فارقه فهو بزاق، ولا يقال للشجاع: كمي إلا إذا كان شاك السلاح وإلا فهو بطل، ولا يقال للطبق: مهدى إلا ما دامت على الهدية، ولا يقال للبعير: راوية إلا ما دام عليه الماء، ولا يقال للمرأة: ظعينة إلا ما دامت راكبة في هودجها، ولا يقال للسرجين: فرث إلا ما

ص: 176

دام في الكرش، ولا يقال للسرير: نعش إلا ما دام عليه الميت، ولا يقال للعظم: عرق إلا ما دام عليه لحم، ولا يقال للخيط: سمط إلا ما دام فيه خرز، ولا يقال للثوب: حلة إلا أن يكون ثوبين اثنين من جنس واحد، ولا يقال للحبل: قرن إلا إذا قرن فيه بعيران، ولا يقال للقوم: رفقة إلا ما داموا منضمين في مجلس واحد ومسير واحد، فإذا تفرقوا ذهب عنهم اسم الرفقة، ولم يذهب عنهم اسم الرفيق، ولا يقال للبطيخ: حدج إلا ما كانوا صغارا خضرا، ولا يقال للذهب: تبر إلا إذا ما دام غير مصوغ.

ولا يقال للحجارة: رضف إلا إذا كانت محماة بالشمس أو بالنّار، ولا يقال للشمس: الغزالة إلا عند ارتفاع درجة النهار.

ولا يقال للثوب: مطرف إلا إذا كان في طرفيه علمان، ولا يقال للمجلس: النادي إلا ما دام فيه أهله، ولا يقال للريح: بليل إلا إذا كانت باردة ومعها ندى، ولا يقال للمرأة: عاتق إلا ما دامت في بيت أبويها، ولا يقال للبخيل: شحيح إلا إذا كان مع بخله حريصا، ولا يقال للذي يجد البرد: خرص إلا إذا كان مع ذلك جائعا، ولا يقال للماء الملح: أجاج إلا إذا كان مع ملوحته مرا، ولا يقال للإسراع في السير: إهطاع إلا إذا كان معه خوف، ولا إهراع إلا إذا كان معه رعدة، وقد نطق القرآن بهما، ولا يقال للجبان: كع إلا إذا كان مع جبنه ضعيفا، ولا يقال للمقيم: متلوم إلا إذا كان على انتظار، ولا يقال للفرس: محجل إلا إذا كان البياض في قوائمه الأربع أو ثلاث، ولا يقال: ذود إلا للقليل من إناث الإبل، ذكره ابن الجوزي في تقويم اللسان، والله تعالى أعلم.

ص: 177

‌باب الأرض تطهر بعضها بعضا

49 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا مالك بن أنس، ثنا محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده.

هذا حديث لما خرجه أبو عيسى قال آخره: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو وهم، وليس لعبد الرحمن بن عوف ولد يقال له: هود، وإنّما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو الصحيح.

ورواه أبو قرة في سننه، ثنا أبو خيثمة، ثنا أبو قرة ذكر مالك، ورواه أبو داود والكجي في سننه وابن وهب في مسنده عن القعنبي عن مالك، فقال: عن أم ولد لإبراهيم، وذكره ابن الجارود في منتقاه، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا عبد الله بن إدريس، ثنا محمد بن عمارة كرواية سليمان بن الأشعث.

فتبّين بما ذكرناه صحة قول أبي عيسى وضعف قول من خالفه، ولما ذكره أبو محمد في مسنده، قيل له: أبا محمد، أتأخذ بهذا الحديث؟ قال: لا أدري،

ص: 178

وقال أبو سليمان الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال؛ أم ولد إبراهيم مجهولة، لا يعرف حالها في الثقة والعدالة، وبنحوه قال الخزرجي في تقريبه.

50 -

حدثنا أبو كريب، ثنا إبراهيم بن إسماعيل اليشكري، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله، إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهر بعضها بعضا.

هذا حديث معلل بأمور:

الأول: الاختلاف في حال ابن أبي حبيبة، فإن ابن عدي ذكر هذا الحديث في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة في جملة أحاديث أنكرت عليه، ثم قال: وابن أبي حبيبة صالح في باب الرواية، يكتب حديثه مع ضعفه، كما حكي عن ابن معين، ولفظه: الطرق تطهر بعضها بعضا.

وقال الإمام أحمد: كان ثقة، وقال ابن سعد: كان مصليا عابدا، صام ستين سنة، وكان قليل الحديث، وقال العجلي: حجازي ثقة، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو عبد الرحمن: مدني ضعيف، وقال أبو الحسن: متروك، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال عثمان بن سعيد عنه: صالح، ولا يحتج به.

وقال أبو إسحاق الحربي: كان شيخا صالحا، وله فضل، ولا أحسبه حافظا، وقال أبو داود فيما حكاه الآجري عنه - يعني عن ابن معين -: ضعيف، وفي رواية معاوية بن صالح عنه: عن عبد الله بن عامر الأسلمي، وخالد بن إلياس، وابن أبي حبيبة: كلّ هؤلاء ليسوا بشيء. قلت: ابن أبي حبيبة مثلهم؟ قال: هو أصلح منهم، وقال الساجي: في حديثه لين.

وقال أبو جعفر العقيلي: له غير حديث، لا يتابع على شيء منه، وذكره الحافظ أبو العرب في كتاب الضعفاء.

ص: 179

الثاني: أبو سليمان داود بن الحصين الأموي، وإن كان قد خرجا حديثه في صحيحيهما، فقد قال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أنّ مالكا روى حديثه لترك حديثه.

وقال أبو أحمد الجرجاني: صالح الحديث إذا روى عنه ثقة؛ إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون البلاء منه؛ مثل ابن أبي حبيبة وابن أبي يحيى.

وقال ابن حبان: حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، يجب مجانبة روايته، وقال أبو زرعة الرازي: لين.

وقال الآجري: سألت أبا داود عنه، فقال: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وأحاديثه عن شيوخه مستوفية.

وفي كتاب العقيلي: ثنا محمد بن زكريا البلخي، ثنا الحسن بن شجاع، قال: سمعت علي ابن المديني يقول: مرسل الشعبي وسعيد بن المسيب أحب إلي من داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس.

وقال الحافظ أبو زكريا الساجي: كان متهما برأي الخوارج، منكر الحديث، وأبوه حصين روى عن جابر وأبي رافع، وحديثه ليس بالقائم.

حدثني أحمد بن محمد، قال: سمعت المعيطي يقول لخلف المخرمي ويحيى بن معين وابن أبي شيبة وهم قعود: كان مالك بن أنس يتكلم في سعد بن إبراهيم سيّد من سادات قريش، ويروي عن داود بن حصين وثور الديلي، وكانا صاحبي

ص: 180

حصين، فما تكلم أحد منهم بشيء، وقال أبو عمر بن عبد البر: كان متهما بالقدر وقد احتمل، وقال البرقي في كتاب الطبقات، باب من تكلم فيه من الثقات لمذهبه من أهل المدينة ممن كان يرمى منهم بالقدر: داود بن حصين.

الثالث: إبراهيم اليشكري، لم أر أحدا عرف حاله، ولا ذكره بأكثر مما في هذا السند، ولا ذكر عنه راويا غير محمد بن العلاء، والله أعلم.

51 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن امرأة من بني عبد الأشهل، قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن بيني وبين المسجد طريقا قذرا، قال: فبعدها طريق أنظف منها؟ قلت: نعم، قال: هذه بهذه.

هذا حديث رواه أبو داود عن النفيلي، وأحمد بن يونس، قالا: ثنا زهير، حدثنا عبد الله بن عيسى، ولفظه: إن لنا طريقا إلى المسجد منتنا، كيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه. وإسناده صحيح، وخرجه الحافظ أبو محمد في منتقاه عن محمد بن يحيى، ثنا أبو داود، ثنا زهير وشريك عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بلفظ: إن لنا طريقا منتنا.

ولما ذكره الإشبيلي لم يزد على أن أبرز من سنده موسى والأشهلية، كذا هو في الأحكام، وحكى أبو الحسن بن الحصار تلميذه أنّه صحّحه، وتتبع الحافظ ابن القطان عليه سكوته عن عبد الله بن عيسى راويه، بأنه لا يعرف، قال: وليس بابن أبي ليلى فاعلمه، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث زعمُه بغير دليل أنّ

ص: 181

ابن عيسى هذا ليس معروفا، قال: وليس بابن أبي ليلى، وليس كما زعم لما أسلفناه قبل، ولأنا لم نر من روى عنه شريك، وروى عن موسى بن عبد الله غير ابن أبي ليلى المخرج حديثه في الصحيح، ولا في هذه الطبقة شريكا له فيما ذكره البخاري، وأبو محمد بن أبي حاتم، وأبو حاتم البستي؛ وأما الجماعيلي فإنّه نص عليه، وعينه في بابه وباب شيخه، وهو الصواب، وأمّا قول أبي سليمان الخطابي: في إسناده مقال، لكونه عن امرأة من بني عبد الأشهل مجهولة، والمجهول لا تقوم به حجة في الحديث، فمردود لما عليه جماعة المحدثين من أنّ جهالة اسم الصحابي غير مؤثرة في صحة الحديث، قال أبو سليمان: قوله: يطهره ما بعده كان الشّافعي يقول: إنّما هذا فيما جر على ما كان يابسا، لا يعلّق بالثّوب منه شيء، فأمّا إذا جر على رطب فلا يطهره إلا الغسل.

وقال الإمام أحمد: ليس معناه: إذا أصابه بول مر بعده على الأرض أنها تطهره، ولكنه يمر بالمكان فيقذره، ثم يمرّ بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك، ليس على أنّه يصيبه منه شيء.

وقال مالك: إنّما هو أن يطأ الأرض القذرة، ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة، فإنّ بعضها يطهر بعضا، فأماّ النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد، فإنّ ذلك لا يطهره إلا الغسل. قال: وهذا إجماع الأمة، والله تعالى أعلم.

ص: 182

‌بابُ مُصافحة الجُنب

52 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن علية، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله، لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا ينجس.

هذا حديث أجمع على تخريج أصله الأئمة الستة - رحمهم الله تعالى - إلا أن مسلما رواه مقطوعا. قرأت على الإِمام بدر الدين يوسف بن عمر، أخبركم الحافظ رشيد الدين، قراءة عليه، قال: وقع في مسلم إسناد هذا الحديث فيما رأيته من النسخ مقطوعا؛ حميد عن أبي رافع، قال: وكذلك هو في روايتنا من طريق الجلودي، وقد سقط من إسناده رجل بين حميد وأبي رافع؛ هو بكر بن عبد الله المزني، فإن حميدا إنّما يروي هذا الحديث عن بكر عن أبي رافع، كذلك أخرجه البخاري وأبو داود فمن بعده في سننهم بلا خلاف أعلمه بينهم في ذلك، وكذلك رويناه في مسند ابن أبي شيبة، وكذلك هو في مسند الإِمام أحمد، وقد ذكر أبو مسعود وخلف الواسطي أنّ مسلما أخرجه أيضا كذلك، إلا أني لم أره في جميع النسخ التي رأيتها من كتاب مسلم إلا مقطوعا، وكذلك قال الحافظ أبو علي

ص: 183

الجياني أنه وقع إسناد هذا الحديث في النسخ كلها: حميد عن أبي رافع، قال: وفي هذه الرواية انقطاع، إنما يرويه حميد عن بكر عنه، وقال أبو الحسن في كتاب الوهم والإِيهام: وكذلك رواه ابن السكن من رواية عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى بن سعيد عن حميد عن بكر، قال: فإذن إنما قصر به عن يحيى بن سعيد، زهير بن حرب أسقط منه بكرا من بينهما، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث زعم أنّ المقصر به هو ابن حرب - يعني وحده -، وليس كذلك؛ بل المقصر به مسلم أيضا عن شيخه الذي رواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة، فإن أبا بكر رواه متصلا كرواية الجماعة، كما تقدم من عند ابن ماجه، ومسلم قصر به عنه على هذا، والله أعلم.

وأمّا إنكار العطار قول أبي مسعود وخلف، فكذلك هو فيما رأيت من النسخ، ولكن يشبه أن يكون قولهما صحيحا لما ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب المستخرج: حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا يحيى بن سعيد ح، وثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء، ثنا علي ابن المديني، ثنا يحيى بن سعيد ح، وثنا محمد بن إبراهيم بن علي وعبد الله بن محمد بن جعفر، قالا: ثنا أحمد بن علي، ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن سعيد ح، وثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن علية، عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أنه لقيه صلى الله عليه وسلم في طريق، الحديث.

ص: 184

قال: رواه مسلم عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد، وعن أبي بكر عن إسماعيل بن علية جميعا عن حميد، فلعل من ذكرناه رأى ذلك في نسخة لم تقع لغيره - والله أعلم -، وكذا فعله البغوي في شرح السنة لما رواه عن عياش، ثنا عبد الأعلى، ثنا حميد، عن بكر - هو ابن عبد الله المزني -، عن أبي رافع، فقال: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن علية، عن حميد، والله أعلم.

أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، ثنا أبو الحارث الطاهري، أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم، ثنا أبو الموجه، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا ابن علية، ثنا حميد، عن بكر، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.

قال: هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم عن أبي بكر عن إسماعيل عن حميد.

53 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع ح، وثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا يحيى بن سعيد جميعا، عن مسعر، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فلقيني وأنا جنب، فحدت عنه فاغتسلت، ثم جئت، قال: ما لك؟ قال: كنت جنبا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم لا ينجس.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، ولفظ ابن حبان في صحيحه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له، قال: فرأيته يوما بكرة فحدت عنه، ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني .... الحديث. وفي الباب حديث ابن مسعود رواه أبو عبد الرحمن بإسناد صحيح عن إسحاق بن منصور،

ص: 185

أنبأنا يحيى، ثنا مسعر، حدثني واصل، عن أبي وا ل، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إلي، فقلت: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس.

وهو حديث ثابت في سائر نسخ النسائي، ولم يذكره صاحبا الأطراف ابن عساكر والمزي.

وقال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عباس، فلعل ظانا أن عبد الله هذا هو ابن عباس، وليس بابن مسعود، فليعلم أن شقيقا لم يرو عن ابن عباس شيئا في كتب الأئمة، والله أعلم.

ولم نر لابن عباس حديثا - فيما نعلم - إلا ما ذكره البخاري معلّقا عنه: المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه، قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وروى الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: سألت عائشة: عن الرجل يأتي أهله، ثم يلبس الثوب فيعرق فيه، أنجس ذلك؟ فقالت: قد كانت المرأة تعدّ خرقة أو خرقا، فإذا كان ذلك مسح بها الرّجل الأذى عنه، ولم نر أن ذلك لا ينجسه، وفي حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، قالت: ثم صليا في ثوبيهما. وسيأتي حديث معاوية عن أخته، عن أم حبيبة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه.

قرأت على شيخنا العلامة أبي الحسن المكي - رحمه الله تعالى - أخبركم علامة دهره وفريد عصره شمس بن الخرقي، بقراءتكم عليه، في رجب سنة تسع وستين وست مائة، أنبأنا الفقيه رشيد الدين زاهد بن محمد بن

ص: 186

أحمد بن وكيع المروروذي، أنبأنا الإمام شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله المروروذي، أنبأنا محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود، قال: معنى قول ابن عباس: أربع لا يجنبن؛ الإنسان، والثوب، والماء، والأرض: يريد الإنسان لا يجنب بمماسة الجنب، ولا الثوب إذا لبسه الجنب، ولا الأرض إذا أفضى إليها الجنب، ولا الماء إذا غمس الجنب يده فيه. وفي كتاب الدارقطني من حديث المتوكل بن فضيل عن أم القلوص الغاضرية، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى على الثوب جنابة، ولا على الأرض جنابة، ولا يجنب الرجل الرجل. وقال عطاء: يحتجم الجنب، ويقلِّم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ. وقال الحافظ رشيد الدين: قول أبي هريرة: فانخنست منه، فيه أربع روايات:

فانبجست بنون ثم باء معجمة بواحدة بعدها جيم، ومعناه اندفعت منه، وقال الترمذي: معناه تنحيت عنه.

الثانية: فانخنست منه بنون بعدها خاء معجمة ثم نون، ومعناها انقبضت وتأخرت عنه.

الثالثة: فاختنست بتقّدم الخاء المعجمة وبعدها تاء معجمة باثنتين من فوقها ثم نون، ومعناها معنى التي قبلها.

الرابعة: فانتجست بنون ثم تاء معجمة باثنتين من فوقها ثم جيم، ومعناها: اعتقدت نفسي نجسا، لا أصلح لمجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على تلك الحالة، وقد ذكر في هذه الكلمة قول خامس؛ وهو فانبخست بنون ثم باء معجمة بواحدة

ص: 187

بعدها خاء من النخس، وهو النقص، فإن صحت هذه الرواية فقد ذكر بعض العلماء أنّ معناها أنّه ظهر له نقصانه عن مماشاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما اعتقده في نفسه من النجاسة، فرأى أنّه لا يقارنه ما دام في تلك الحال.

وقال الحافظ: ومعنى هذه الأقوال يرجع إلى شيء واحد، وهو الانفصال والمزايلة على وجه التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وسلم، وذكر الحافظ أبو محمد المنذري فيه قولا سادسا؛ وهو فانتجشت بنون وتاء ثالث الحروف وشين معجمة، من النجش، وهو الإسراع. قال الزمخشري: والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان، وفي الحديث: نهى عن النجش: وهو تنفير النّاس من شيء إلى غيره، وذكر بعضهم قولا سابعا؛ وهو: فاحتبست بحاء مهملة وبعد التاء ثالث الحروف باء وسين مهملة من الاحتباس، والله أعلم.

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر، وثبت عن ابن عمرو وابن عباس وعائشة أنهم قالوا ذلك، وهو مذهب الشافعي والنعمان، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهما.

قال أبو بكر: وعرق اليهودي والنصراني والمجوسي عندي طاهر، وخالف قوله هذا أبو محمد بن حزم، فزعم أنّه منهم نجس تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا ينجس، وبقوله سبحانه:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ، والله أعلم.

واستنبط أبو حاتم البستي من حديث أبي هريرة أنّ الجنب إذا وقع في البئر، وهو ينوي الاغتسال، لا ينجس ماء البئر، خلافا لمن قال ذلك.

وقوله: سبحان الله، قال أبو بكر بن الأنباري في الكتاب الزاهر: معنى سبحانك: تنزيها لك يا ربنا من الأولاد والصاحبة والشركاء؛ أي نزهناك من ذلك، قال الأعشى:

أقول لما جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر

.

ص: 188

أراد: تنزيها لله من فخر علقمة، وفي كتاب الاشتقاق للنحاس يعجب الأعشى بالتسبيح من فخره، كما يقول القائل إذا تعجب: سبحان الله، وقال القزاز: معناه: براءة الله من السوء، قال الجوهري: إنّما لم ينون؛ لأنه معرفة عندهم، وفيه شبه التأنيث. قال ابن الأنباري: ويكون التسبيح الاستثناء، من ذلك قوله تعالى:{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} ، معناه: قال: أعدلهم قولا: هلا تستثنون، ويكون التسبيح الصلاة، من ذلك ما روي عن الحسن أنه كان إذا فرغ من سبحته، قال: معناه: إذا فرغ من صلاته، ومنه قوله تعالى:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} . قال أبو عبيدة: معنى نسبح لك: نحمدك ونصلي لك. ويكون التسبيح النور، من ذلك الحديث: لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء. ويكون من التنزيه؛ قال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا} .

وقال الفراء: {سُبْحَانَكَ} منصوب على المصدر، كأنك قلت: سبحت الله تسبيحا، فجعل السبحان في موضع التسبيح، كما تقول: كفّرت عن يميني تكفيرا، ثم تجعل الكفران في موضع التكفير، فتقول: كفرت عن يميني كفرانا، قال زيد بن عمرو بن نفيل، أو ورقة بن نوفل:

سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له

رب البرية فرد واحد صمد

سبحانه ثم سبحانا يعود له

وقبلنا سبح الجودي والجمد

.

وفي الأساس: سبّحت الله وسبّحت له وكثرت تسبيحاته وتسابيحه، ومن المجاز:

وسبحى في ثلاث تعجب

واسلك بسبحات وجهك

.

وقال أبو موسى الحافظ في كتابه المغيث: سبحان الله قائم مقام الفعل؛ أي: أسبحه، وسبحت أي: لفظت بسبحان الله، وقيل: معنى سبحان الله: التسرع إليه،

ص: 189

والخفة في طاعته، من قولهم: فرس سابح، وذكر النضر بن شميل أنّ معناه: السرعة إلى هذه اللفظة؛ لأن الإنسان يبدأ فيقول: سبحان الله، وذكر أنه سأل في المنام عن هذا ففسّر له هكذا.

وقوله: إنّ المؤمن لا ينجس، قال أبو نصر: يقال: نجس الشيء ينجس نجسا، فهو نجس ونجس أيضا. وقال الفراء: إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إيّاه، قالوا: رجس نجس بالكسر، وأنجسه غيره ونجسه بمعنى.

وقال القزاز: النجس فيه ثلاث لغات: النجس بكسر النون وبفتحها، وبفتحها وفتح الجيم، وكل شيء قذر فهو نجس، والجمع أنجاس، تقول: هو نجس، وهم أنجاس، وفي بعض اللغات يقال للواحد: نجس، وللجمع نجس، وذلك إذا لم يكن على طهارة من الجنابة، وفي كتاب ابن القوطية: وعلى فعِل وفَعُل: نجس الشيء ونجُس نجسا، ونجاسة ضد طهر، وفي كتاب المطالع: نجُس بضم الجيم وفتحها، يقال: ثوب نجَس ونجِس، وكذلك في التثنية والجمع، والذكر والأنثي، قاله الكسائي، وقال غيره: إنما يقال بفتحهما، فإذا أتبعه الرجس كسرت النون.

ص: 190

‌باب المني يُصيب الثوب

54 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبدة بن سليمان، عن عمرو بن ميمون، سألت سليمان بن يسار عن الثوب يصيبه المني أنغسله، أو نغسل الثوب كله؟ قال سليمان: قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب ثوبه، فيغسله من ثوبه، ثم يخرج في ثوبه إلى الصلاة، وأنا أرى أثر الغسل فيه.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، وفي لفظ للبخاري: كنت أغسل الجنابة، وفي لفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل موضع المني، وفي لفظ: إن كنت لأغسله من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي صحيح الإسماعيلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابه مني غسله، ثم يخرج إلى الصلاة، وأنا أنظر إلى بقعة من أثر الغسل في ثوبه.

وفي صحيح الجوقاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب ثوبه المني غسل ما أصاب منه ثوبه، ثم خرج إلى الصلاة، وأنا أنظر إلى البقع في ثوبه ذلك في موضع الغسل، وفي سنن أبي الحسن: إن كنت لأتبعه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فأغسله، وفي لفظ أبي داود: ثم أراه فيه بقعة أو بُقعا، وفي البزار: إنما يروى الغسل عن عائشة من وجه واحد، وبنحوه قاله الإمام أحمد، قال البزار: رواه عمرو بن

ص: 191

ميمون عن سليمان بن يسار عنها، ولم يسمع سليمان من عائشة، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عبد الواحد عن عمرو عن سليمان، قال: سألت عائشة عن المني يصيب الثوب، وفي رواية محمد بن بشر عن مسلم عن عمرو بن ميمون، قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب الثوب، فقال: حدثتني عائشة .... الحديث.

وأما إنكارهما الغسل إلا من وجه واحد ففيه نظر أيضا؛ لما ذكره الدارقطني بإسناد صحيح، فقال: ثنا محمد بن مخلد، ثنا أبو إسماعيل الترمذي، ثنا الحميدي، ثنا بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة عنها، قالت: كنت أفرك المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يابسا، وأغسله إن كان رطبا. وخرجه أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن إدريس وراق الحميدي والصائغ وأيوب بن إسحاق عن الحميدي، وفيه: فأمسحه أو أغسله - شك الحميدي - إذا كان رطبا، وفي صحيح ابن خزيمة: وفي حديث ابن هارون، أنبأنا عمرو عن سليمان، قال: أخبرتني عائشة، فذكره.

وذكر البزار من حديث عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني من الماء الأعظم والدم والقيء، قال: لا نعلم روى ثابت إلا هذا الحديث، وقال أبو القاسم في الأوسط: لا يروي هذا الحديث عن ابن المسيب إلا علي بن زيد. تفرّد به ثابت بن حمّاد، ولا يروى عن عمار إلا

ص: 192

بهذا الإسناد.

وليس معارضا لهذه الأحاديث؛ يعني: حديث الفرك حديث سليمان عنها.

‌باب فرك المني من الثوب

55 -

حدثنا محمد بن طريف، ثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ربما فركته من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم بيدي.

56 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: نزل بعائشة ضيف، فأمرت له بملحفة لها صفراء، فاحتلم فيها، فاستحيى أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لِم أفْسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعي.

هذا حديث خرّج مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه أصله، وفي لفظ له من حديث شبيب بن غرقدة عن عبد الله بن شهاب الخولاني، قال: كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي، فغمستها فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها فبعثت إلي عائشة، فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك؟

الحديث. وفي لفظ: لقد رأيتني وإنّي لأحكّه من الثوب للنبي صلى الله عليه وسلم بظفري.

57 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه.

ص: 193

هذا حديث خرجه مسلم أيضا، وقال البزار: وحديث إبراهيم عن الأسود عن عائشة قد روي من وجوه: فرواه مغيرة والأعمش وأبو معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ورواه منصور والحكم عن إبراهيم عن همام عنها، ورواه ابن أبي نجيح وحميد الأعرج عن مجاهد عنها، ورواه الزهري عن عروة عنها، ورواه يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم عنها، ورواه عنها غير من ذكرنا، وفي الكامل من رواية أحمد بن أبي أوفى عن عباد بن منصور عن عطاء عنها: لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوبه صلى الله عليه وسلم، ثم لا أغسل مكانه، وقال: هذا حديث مستقيم، وإنما أنكر - يعني على أحمد بن أبي أوفى - مخالفته أصحاب شعبة، وقد وجدناه من غير طريق أحمد، فسلم من المخالفة كما زعم، قال أحمد بن منيع في مسنده: ثنا أبو قطن، ثنا عباد بن منصور، فذكره، وذكره أبو جعفر الطحاوي في شرح الآثار من حديث الأوزاعي عن عطاء عنها.

وذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث ابن جبير عنها، وقال: لم يروه عن سعيد إلا جعفر بن أبي المغيرة، ولا عن جعفر إلا مندل، تفرد به عون بن سلام، ورواه أيضا عن أبي سفانة النخعي عنها، وقال: لم يروه عن أبي سفانة إلا برد بن أبي زياد، تفرد به عبثر بن القاسم، ورواه أيضا من حديث أبي العنبس سعيد بن كثير، قال: حدثني أبي عنها، ومن حديث عائشة بنت طلحة، بلفظ: ربما حككت المني.

ص: 194

وقال: لم يروه عن طلحة إلا كامل أبو العلاء ولا عنه إلا خالد بن يزيد، تفرد به العباس بن محمد، ولفظه: أفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم تعني: المني -.

ومن حديث أبي مجلز عن الحارث بن نوفل عنها بمثله، وفي لفظ عنده: كنت أفركه من مرط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مروطنا يومئذ الصوف.

وقال البيهقي في المعرفة: بين عائشة ومحارب منقطع، ولفظه عنده: من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وقال الخلال: سئل أحمد عن حديث جعفر عن الزهري عن عروة عن عائشة: كنا نراه في مرط إحدانا ثم نفركه، فقال أبو عبد الله: ما أنكره، وفي لفظ لابن خزيمة في صحيحه من حديث الأسود عنها: كنت أحك الجنابة من ثوبه كالنخامة، وفي حديث محارب بن دثار عنها: أنها كانت تحتّ المني من ثوبه صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، وذكر الكلام في كتاب الخلال عن أحمد، زاد حماد بن سلمة فيه زيادة حسنة: فكان يُصلِّي فيه، وقال مهنأ: قلت لأحمد: أي شيء تنكر من حديث عباد بن منصور؟ قال: كان يحدث عن القاسم عن عائشة: كنت أفرك المني من ثوبه صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا منكر؟ قال: نعم، من وجه القاسم.

وفي كتاب ابن حزم: روينا من طريق أبي حذيفة عن سفيان، فمرة قال: عن الأعمش، ومرة قال: عن منصور، ثم استمر عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة في المني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بحتّه، قال: تفرّد به أبو حذيفة موسى بن مسعود البصري، وهو ضعيف مصحف، كثير الخطأ، يروي عن سفيان البواطيل، قال الإمام أحمد: هو شبه لا شيء، كأن سفيان الثوري الذي يحدّث عنه أبو

ص: 195

حذيفة ليس بسفيان الذي يحدّث عنه الناس.

قال ابن المنذر: اختلفوا في طهارة المني، فممن غسله من ثوبه عمر بن الخطاب، وأمر بغسله جابر بن سمرة وابن عمر وعائشة وابن المسيب، وقال مالك: غسل الاحتلام من الثوب أمر واجب مجمع عليه عندنا، وعلى هذا مذهب الأوزاعي والثوري، غير أنّ الثوري يقدره بالدرهم، وفيه قول ثان: وهو أنّه طاهر يفرك من الثوب. وممن رأى أنه يفرك من الثوب: سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وقال ابن عباس: امسحه بأذخرة أو خرقة، ولا تغسله إن شئت. وقال ابن المسيب: إذا صلى فيه لم يعد، والمني عند الشّافعي وأبي ثور ليس بنجس. وقال أحمد: يفركه. وقال أصحاب الرأي: إذا جف يحته بخرقة. قال أبو بكر: والمني طاهر، واختلفوا في المني يصيب الثوب يخفى مكانه، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يغسل ما رأى، وينضح ما لم ير، وقال ابن عباس: ينضح الثوب. وبه قال النخعي وحماد. وقال عطاء: ارششه. وقالت عائشة: إن رأيته فاغسله، وإن لم تره فانضحه.

وفي مسند ابن منيع الكبير: ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا محمد بن قيس، عن محارب عنها، أنّها كانت تحت المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة.

وكان ابن عمر وأبو هريرة والحسن يقولون: إذا خفي مكانه غسل الثوب كله. وفيه قول ثالث: وهو أنّ الفرك يجزئه، فإن كان لا يدري مكانه فرك الثوب كلّه، هذا قول إسحاق.

وفيه قول رابع: وهو أنه طاهر؛ هذا قول الشّافعي وأبي ثور، فعلى هذا القول يجزئه إن لم يفركه، وقال أبو محمد بن حزم: والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب، ولا تجب إزالته والبصاق بمثله ولا فرق، وقد كذب من تخرص بلا علم، فإن قال: كانت عائشة تفركه بالماء لقولها: كنت أفركه يابسا بظفري، قال أبو سليمان الخطابي: في قول عائشة: كنت أفرك المني، دليل على طهارته، ولو كانت عينه نجسة لما طهر يابسه بالفرك كالعذرة، والله تعالى أعلم.

ص: 196

‌باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه

58 -

حدثنا محمد بن رمح، أنبأنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذى.

هذا حديث إسناده صحيح؛ سويد بن قيس التجيبي المصري الأبذوي، وإن كان لم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب، فقد قال أبو سعيد بن يونس: كانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة، وكان يرسله في أموره، وذكر من ذلك أنه أرسله إلى ابن عمر بجائزة وكتاب، وذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات؛ فلذلك ساغ لابن الجارود ذكره في منتقاه، وسكت عنه أبو داود عندما رواه، ولفظ أبي جعفر بن منيع، فقالت: نعم، إذا علم أنه لم يصبه أذى، وفي لفظ للطبراني: إذا لم ير فيه أذى.

وفي لفظ له: أنه دخل على أم حبيبة، قال: فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد، عاقده على قفاه، فقلت لأم حبيبة: أيصلي النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد؟ قالت: نعم، وهو الذي كان فيه ما كان. وقال: لم يروه عن سعيد بن مسلم بن بانك - يعني: عن أبيه - عن معاوية بن أبي سفيان إلا خالد بن يزيد العمري، وذكره أيضا في موضع آخر من رواية عنبسة عن أم حبيبة، وقال: لم يروه عن عنبسة إلا ضمرة بن حبيب، تفرد به معاوية بن صالح، والله أعلم.

ص: 197

59 -

حدثنا هشام بن خالد الأزرق، ثنا الحسن بن يحيى الخشني، ثنا زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يقطر ماء، فصلى بنا في ثوب واحد متوشحا به، قد خالف بين طرفيه، فلما انصرف قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، تصلي بنا في ثوب واحد؟ قال: نعم، أصلي فيه، وفيه؛ أي قد جامعت فيه.

هذا حديث إسناده لا بأس به، ولو صحح لكان بذلك جديرا لما عضده من الشواهد، وأما ما ذكره أبو محمد الإشبيلي إثر تخريجه: خرجه البزار، وفي إسناده الحسن بن يحيى الخشني، وهو ضعيف جدا، ففيه نظر في موضعين:

الأول: ما عزاه لمسند البزار لم أره فيه، فلعله يكون مخرجا في كتاب السنن أو الأمالي، وليس اصطلاح أبي محمد، والله أعلم.

ولم ينبه أبو الحسن بن القطان على ذلك، فعلى هذا يكون لازما لهما.

الثاني: رده الحديث بالحسن أبي عبد الملك، ويقال: أبو خالد الدمشقي البلاطي، والبلاط: قرية على نحو فرسخ من دمشق، أصله خراساني، ذكره الإمام أحمد بن حنبل، فقال: ليس بحديثه بأس، حكاه عنه أبو داود في كتاب الآجري، وسئل عنه دحيم، فقال: لا بأس به، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، سيئ الحفظ، وقال أبو أحمد بن عدي: هو ممن تحتمل رواياته، وقال ابن معين في رواية: ثقة، وقال أبو داود: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا الحسن بن يحيى الخشني، وكان ثقة، وتكلم فيه غير هؤلاء بكلام مؤول، قال أبو عبد الرحمن النسائي: ليس

ص: 198

بثقة. وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن معين في رواية: ليس بثقة، وفي كتاب أبي العرب عنه: ليس بشيء. وقال عبد الغني بن سعيد المصري: ليس بشيء. وذكره أبو جعفر العقيلي، فلم يزد على نقله كلام ابن معين فيه، وأبو زكريا في كتاب الضعفاء كذلك، ثم ذكر الساجي بعد حكاية كلام ابن معين كلام أبي داود عن سليمان، والله أعلم، وبقية من في الإسناد حديثهم في الصحيح؛ إلا الأزرق مفتي أهل الشام، فيما قاله أبو زرعة النصري؛ فإن أبا حاتم الرازي روى عنه في آخرين، وقال: صدوق.

60 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا يحيى بن يوسف الزمي ح، وثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، ثنا سليمان بن عبيد الله الرقي، قالا: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يصلي في الثوب الذي يأتي أهله فيه؟ قال: نعم، إلا أن يرى به بأسا فيغسله.

هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه عن أبي يعلى، ثنا مخلد بن أبي زميل وعبد الجبار بن عاصم، قالا: ثنا عبيد الله به، وخالفه أبو الحسن البغدادي، فإنه لما سئل عنه قال: يرويه عبيد الله بن عمرو مرفوعا. وقيل: عن ابن عيينة، ولا يصح، والصحيح ما رواه أبو عوانة وأسباط بن محمد وعبد الحكم بن منصور، وغيرهم عن عبد الملك بن عمير عن جابر موقوفا من قوله، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كذا رواه - يعني سليمان الرقي - عن عبيد الله مرفوعا، وإنمّا هو موقوف، انتهى.

، فزيادته مقبولة إجماعا، وتعلق بعضهم بأنه معارض بحديث عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعارنا أو لحفنا. المذكور عند أبي محمد الإشبيلي صحيحا، قال في آخره:

ص: 199

شك معاذ بن معاذ راوي هذا الحديث، وعليه فيه استدراكان:

الأول: ذكره الشكّ متبعا قوله رواية عند أبي داود، وهو ليس ثابتا في كثير من طرق الحديث، هذا أبو عيسى رواه ولم يذكر شكا، وقال فيه: حسن صحيح، وكذلك النسائي، لكنهما لم يذكرا الشعر، ذكرا اللحف فقط، وأما ابن حبان فإنّه ذكره في صحيحه بهما، وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ثنا القواريري، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن محمد - يعني ابن سيرين -، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا، ولا لحفنا.

الثاني: تصحيحه الحديث، وهو في كتاب أبي داود الذي نقله من عنده معللا بما أتبعه به، وهو ثنا الحسن بن علي بن سليمان، ثنا حرب، ثنا حماد، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفْنا.

قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة، قال: سألت محمدا عنه فلم يحدثني به، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أم لا، فسلوه عنه.

وفي كتاب الخلال عن عبد الله: قال أبِي: ما سمعت عن أشعث أنكر من هذا، قال عبد الله: وأنكره - يعني: أباه - إنكارا شديدا، وهذان الاستدراكان واردان على أبي الحسن بن القطان أيضا بسكوته وإقراره، ولئن سلمنا صحته فليس معارضا لما تقدّم؛ لأنّ الصلاة في ثوب الرجل غير صلاته في ثوب زوجته؛ لأن الرجل يتحرز مما لا تتحرز منه المرأة، ولئن سلمنا ذلك فيكون مبسوطا بما في حديث ميمونة وعائشة، أو لعذر أوجب له ذلك، أو لبيان الجواز، والله أعلم.

ص: 200

‌باب ما جاء في المسح على الخفين

61 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: بال جرير بن عبد الله، ثم توضأ، ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل؟ قال: وما يمنعني، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

قال إبراهيم: كان يعجبهم حديث جرير؛ لأنّ إسلامه بعد نزول المائدة.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة - رحمهم الله تعالى -.

وفي مسلم: قال الأعمش: قال إبراهيم: ولفظ أبي داود: وما منعني أن أمسح وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، قال: إنمّا كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة، وفي كتاب المنتقى: فعاب عليه قوم، وقالوا: إنمّا كان هذا قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد ما أنزلت، وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح إلا بعد ما نزلت، وخرجه ابن ماجه بنحوه.

وفي المعجم الكبير للطبراني من حديثه عن أسلم بن سهل الواسطي، ثنا محمد بن حسان، ثنا محمد بن يزيد الواسطي، ثنا جعفر بن الحارث عن سليمان، عن إبراهيم، عن همام، قال: قال جرير: ثم مسح، فقلت له: أتفعل هذا، وقد قلت الحديث؟ وفي الأوسط له من حديث عبد الرزاق عن ياسين الزيات، عن حماد بن أبي سليمان، عن ربعي بن حراش عنه، قال: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه بعد ما نزلت سورة المائدة، رواه عن الدبري عن عبد الرزاق، وقال: لم يروه عن حماد

ص: 201

عن ربعي إلا ياسين الزيات، تفرد به عبد الرزاق، ورواه أيضا عن محمد بن نوح بن حرب، عن شيبان بن فروخ، عن حرب بن سريج، عن خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين عنه: أنّه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يتبرّز، فرجع فتوضأ ومسح على خفيه، وقال: لم يروه عن ابن سرين إلا الحذّاء، ولا عن خالد إلا حرب بن سريج، تفرد به شيبان.

ومن حديث عبد الكريم الجزري عن مجاهد عنه، وفيه: ما أسلمت إلا بعد نزول سورة المائدة، وفي كتاب الترمذي عن شهر بن حوشب، قال: رأيت جريرا توضّأ ومسح على خُفيه، فقلت له في ذلك: فقال له: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له: أقبل المائدة أو بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.

قال الدارقطني في الأفراد: هذا حديث غريب من حديث مقاتل بن حيان عن شهر. تفرّد به إبراهيم بن أدهم عنه، وعنه بقية بن الوليد.

قال البيهقي: وكان إبراهيم بن أدهم يقول: ما سمعت بحديث في المسح أحسن من هذا، وفي سنن الدارقطني من حديث ضمرة بن حبيب عنه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة، فرأيته يمسح الخفين. وفي لفظ: توضأ من مطهرة ومسح على خفيه. وسئل أبو زرعة عن حديث له رواه عبد الله بن الأجلح عن الأعمش، عن

ص: 202

إبراهيم، عن الحارث بن سويد، قال: بال جرير ومسح. فقال: هذا الحديث وهم فيه ابن الأجلح، وسئل عن حديث رواه أبو نعيم عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه. ورواه ابن الأصبهاني عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبيه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه. فقال أبو زرعة: الحديث حديث أبي نعيم، وإبراهيم هو ابن جرير ولم يلحق أباه، وفي كتاب الطبراني من حديث ابن عياش عن حميد بن مالك اللّخمي عن إبراهيم بن جرير عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح في نزول المائدة. وقال في الأوسط: لم يروه عن حميد إلا ابن عيّاش، وقد جاء في بعض ألفاظه ذكر التوقيت بسند حسن، أنبأنا به المسند المعمر تقي الدين الهمداني، قراءة عليه وأنا أسمع: أنبأنا أبو طاهر إسماعيل بن عبد القوي، أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير، أنبأتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا أبو القاسم، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني عبد الله بن عمر بن أبان، ثنا عبيدة بن الأسود، ثنا القاسم بن الوليد، عن طلحة بن مصرف، عن إبراهيم التيمي، عن همام بن الحارث، عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاث - أو ثلاثا -، وللمقيم يوم في المسح على الخفين. وفي سنن الطوسي: قال جرير: ومسح على خفيه - أو قال: جوربيه -. قال عيسى - يعني ابن يونس -، أنا - شك -، وقال بعده: يقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه شهر وقرة.

62 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، وثنا أبو همام الوليد، أنبأنا أبي، وابن عيينة، وابن أبي زائدة جميعا، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه.

ص: 203

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه الثوري وشعبة وجرير بن حازم وأبو معاوية ويحيى القطان وابن عيينة وجماعة عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة في المسح على الخفين، ورواه أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش، وعاصم عن أبي وائل عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأيهما الصحيح من حديث الأعمش؟ قال أبي: الصحيح حديث هؤلاء النفر عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة، وهم في هذا الحديث: أبو بكر بن عياش؛ إنما أراد الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن المغيرة، ولم يميز حديث أبي وائل من حديث مسلم،، ورواه الإسماعيلي في جمعه لحديث الأعمش من حديث عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن الأعمش عن أبي وائل، لم يقل: بالمدينة، ورواه عن قريب من ثلاثين نفسا عن الأعمش، لم يروه بالمدينة إلا من حديث محمد بن طلحة في رواية عنه.

وقال أبو عمر بن عبد البر بعد أن ذكر أن عيسى بن يونس انفرد عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بقوله: كنت أمشي مع النبي بالمدينة، فأتى سباطة قوم فبال، ثم توضأ ومسح على خفيه. قال: ولم يقل فيه أحد بالمدينة غير عيسى بن يونس، وهو ثقة حافظ، إلا أنه خولف في ذلك عن الأعمش، وسائر من رواه عن الأعمش لا يقوله، وفيه: بالمدينة، انتهى.

وما قدمناه عن محمد بن طلحة يردّ قوله، وفي

ص: 204

المعجم الصغير لأبي القاسم من حديث أحمد بن سليم، ثنا عيسى بن يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن شقيق عن حذيفة، قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة قوم، فبال قائما ومسح. رواه عن القاسم بن عفان عن عّمه أحمد بن سليم، وقال: لم يروه عن الشعبي إلا زكريا، ولا عنه إلا عيسى. تفرد به أحمد بن سليم، وفي مسند أحمد: ثنا أبو الوليد، ثنا أبو عوانة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين، فسألوا هؤلاء الذين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح قبل نزول المائدة أو بعد المائدة، والله ما مسح بعد المائدة؛ ولأن أمسح على ظهر عابر بالفلاة أحبّ إليّ من أن أمسح عليهما، والله أعلم.

63 -

حدثنا محمد بن رمح، أنبأنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّه خرج لحاجته، فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، حتى فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين.

هذا حديث مخرج كالذي قبله، وفي كتاب العلل لعبد الرحمن: سمعت أبي يقول: سألنا إبراهيم بن موسى: أي حديث في المسح على الخفين أصح؟ فسكتنا، فقال: هو حديث الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن المغيرة. فقلت أنا: له عندنا حديث حجازي؟ قال: ما هو؟ قلت: حديث يحيى بن سعيد عن سعد بن

ص: 205

إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه؟ فسكت، ثم قال أبي: الآن أقول حديث الزهري عن عباد بن زياد وإسماعيل بن محمد بن سعد عن عروة وحمزة ابني المغيرة عن أبيها.

وفي كتاب البخاري عن أبي نعيم، ومسلم عن ابن نمير عن أبيه، قالا: ثنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي، عن عروة، عن أبيه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر، فقال: أمعك ماء؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء، فأفرغت عليه ماء من إداوة، فغسل يديه ووجهه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث موسى بن أعين عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به، ولفظه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ليلا، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا المغيرة. فقال: أمسك، فأمسكت له ناقته، وانطلق حتى ما رأيته، ثم جاء، فذكره، وقال: لم يجوده عن إسماعيل إلا ابن أعين. تفرد به المعافى بن سليمان، ورواه المعافى أيضا عن القاسم بن معن عن إسماعيل عن الشعبي، وقال الدارقطني: ورواه عبثر بن القاسم، وزفر بن الهذيل، وخالد بن عبد الله الواسطي، وسليمان بن كثير، عن حصين، عن الشعبي

ص: 206

وسعد بن عبيدة عن المغيرة، ورواه إبراهيم بن طهمان، ومحمد بن فضيل، وورقاء، وسويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي وحده، عن المغيرة.

وخالفهم ابن عيينة، فرواه عن حصين عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وقال الحميدي والقاسم بن بشر عن ابن عيينة عن حصين، وزكريا ويونس بن أبي إسحاق عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وكذلك رواه عيسى بن يونس وشبابة، وأبو نعيم والفريابي وأبو قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وكذلك رواه زكريا بن أبي زائدة من رواية أبي نعيم، وجعفر بن عون وابن عيينة ويحيى بن سعيد الأموي عنه عن الشعبي، عن عروة عن أبيه، وكذلك رواه عبد الله بن أبي السفر وعمر بن أبي زائدة وداود بن يزيد الأودي وسليم مولى الشعبي عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه، وكذلك رواه أبو إسحاق السبيعي من رواية إسرائيل عنه، ورواه أيوب بن جابر عن أبي إسحاق عن عروة، لم يذكر فيه الشعبي، ورواه عبد الله بن عون عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه، واختلف عنه، فقال أبو جابر: عن ابن عون عن الشّعبي وابن سيرين عن ابن المغيرة عن أبيه، ووهم، وإنّما روى هذا الحديث ابن عون عن الشعبي عن عروة وحده، وعن ابن سيرين عن عمرو بن وهب عن المغيرة، واختلف على إسماعيل بن أبي خالد، فرواه موسى بن أعين عن إسماعيل عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وخالفهم القاسم بن معن؛ فرواه عن إسماعيل عن الشعبي عن المغيرة، لم يذكر بينهما أحدا، وكذلك رواه الهيثم بن حبيب الصيرفي ومجالد بن سعيد، وأبو إسحاق الشيباني عن الشعبي عن المغيرة، زاد أبو إسحاق الشيباني عن الشعبي، قال: قيل للمغيرة: ومن أين كان للنبي صلى الله عليه وسلم خفان؟ فقال: أهداهما له دحية بن خليفة الكلبي، وخالفه الجعفي في هذا اللفظ، فرواه عن الشعبي عن دحية، ولم يذكر فيه المغيرة، ورواه

ص: 207

حريث بن أبي مطر عن الشعبي عن مسروق بن الأجدع عن المغيرة، وتابعه زكريا بن أبي زائدة من رواية سعيد الأموي عن أبيه عن زكريا عن الشعبي عن مسروق عن المغيرة، وقيل: إنّ ابن الأموي اختلطت عليه أحاديث أبيه عن زكريا بأحاديث حريث بن أبي مطر، وهذا يشبه أن يكون منها، ورواه حماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر وجابر الجعفي والسري بن إسماعيل عن الشعبي عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن المغيرة، وأحسنها إسنادا حديث الشعبي عن عروة عن أبيه.

وأبى ذلك أبو محمد بن أبي حاتم، فقال: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن فضيل عن حصين عن الشعبي عن عروة عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، ورواه ابن عيينة عن حصين عن الشّعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه زائدة بن قدامة عن حصين عن سعد بن عبيدة سمع المغيرة، وقال غيره: عن حصين عن أبي سفيان عن المغيرة، ورواه عبثر عن حصين عن الشعبي، وسعد بن عبيدة عن المغيرة بلا عروة، قال أبي: وليس لأبي سفيان معنى، قال أبي: ورواه هشيم عن حصين عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان سمعا المغيرة، قلت لأبي زرعة: فأيهما الصحيح عندك؟ قال: أنا إلى حديث الشعبي بلا عروة أميل؛ إذ كان للشعبي أصل في المسح، قال: وسئل أبو زرعة عن حديث رواه سليمان بن عبد الرحمن الدّمشقي عن إسماعيل بن عياش، عن أبي شيبة يحيى بن يزيد الرهاوي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن حماد، عن عامر الشّعبي، عن إبراهيم بن أبي موسى، عن المغيرة في المسح، قال أبو زرعة: وهم فيه حماد، وخالفه السبيعي وابن أبي خالد وحصين، قال أبو محمد: يعني أنّهم رووا الحديث عن الشعبي عن عروة،

ص: 208

وليس لإِبراهيم بن أبي موسى هنا معنى، والله تعالى أعلم.

ولفظ أبي داود: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ركبه ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل، فتلقيته بالإداوة، قال: فأهرقت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه، وعليه جبة من صوف من جباب الروم، وفيه: دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما.

قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ مسلم: عن ابن مثني، ثنا عبد الوهاب، سمعت يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، وقال: فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ولفظ مسروق عن المغيرة بعد: ثم مسح على خفيه، ثم صلى بنا، وفي حديث حميد الطويل: ثنا بكر بن عبد الله المزني، عن عروة، عن أبيه: ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه، ثم ركب وركبنا، فانتهينا إلى القوم وقد قاموا إلى الصلاة، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر، فأومأ إليه فصلى بهم، فلمّا سلّم قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا. وفي رواية المعتمر عن أبيه حدّثني بكر: مسح على الخفين، ومقدّم رأسه، وعلى عمامته. وثنا محمد بن الأعلى ثنا المعتمر عن أبيه عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وثنا ابن بشار ومحمد بن حاتم جميعا عن يحيى القطّان، قال ابن حاتم: ثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة:

ص: 209

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلي الخفين. وقال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة: ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة، ولم يذكر بعضهم الناصية، سمعت أحمد بن الحسن، سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، قال: وحديث المغيرة حسن صحيح، واختلف في ابن المغيرة هذا من هو؟ ففي كتاب التتبع لأبي الحسن: وأخرج مسلم عن ابن بزيع - يعني: عن يزيد بن زريع - عن حميد، ثنا بكر عن عروة، قال: وخالفه غيره عن يزيد، فرواه عنه على الصواب عن حمزة بن المغيرة، رواه كذلك حميد بن مسعدة وعمرو بن علي، وكذا قال ابن أبي عدي عن حميد، وفي صحيح أبي عوانة: أنبأنا يوسف القاضي، أنبأنا مسدد، أنبأنا يزيد به، وكلام الدارقطني يقتضي نسبة الوهم فيه إلى محمد بن بزيع، وأبو مسعود الدمشقي يخالفه، ويقول: هكذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع عن يزيد عن عروة، وخالفه النّاس، فقالوا: حمزة بدل عروة، حكاه أبو علي في التقييد، وقال أبو الحسن في العلل: يرويه بكر، واختلف عنه، فرواه حميد عن بكر عن حمزة، وقال سليمان التيمي: عن بكر عن ابن المغيرة: قال ذلك خالد الواسطي، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، واختلف عن معتمر؛ فقال نصر بن علي وأبو نعيم الحلبي: عن معتمر عن أبيه عن بكر عن ابن المغيرة، وكذلك قال علي بن الحسين الدرهمي: عن معتمر؛ إلا أنه قال: عن حمزة بن المغيرة، وقال أبو الأشعث: عن معتمر عن أبيه عن بكر والحسن عن ابن المغيرة عن أبيه، وقال الثوري: عن

ص: 210

التيمي عن بكر عن الحسن، عن ابن المغيرة عن المغيرة، قال ذلك عبد الكريم بن روح عن الثوري، ورواه عاصم الأحول عن بكر مرسلا عن المغيرة، وقيل: عن علي بن مسهر، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن بكر، وهو وهم، وإنما رواه ابن مسهر، عن ابن أبي عروبة عن عاصم الأحول عن بكر، واختلف عن ابن أبي عروبة، فرواه زفر عنه عن قتادة عن بكر عن المغيرة، وخالفه منيع بن عبد الرحمن، فرواه عن سعيد عن مطر عن بكر عن المغيرة، وكلاهما وهم؛ لأن هذا الحديث سمعه ابن أبي عروبة من بكر، ليس بينهما فيه قتادة ولا مطر. قال ذلك ابن زريع وغندر وابن مسهر، وروي عن داود بن أبي هند عن بكر عن المغيرة مرسلا أيضا، ورواه الحسن البصري عن المغيرة حدّث به قتادة، واختلف عنه، فرواه عمر بن عامر عن قتادة عن الحسن ومحمد عن المغيرة، وقال هدبة بن خالد: عن همام عن قتادة عن الحسن، وزرارة بن أوفى عن المغيرة، ورواه الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن خالد بن كثير عن أبي حفص العمري عن الحسن عن المغيرة، والحسن لم يسمعه من المغيرة، وإنّما سمعه من حمزة ابنه، وذلك بّين في رواية القطّان عن التيمي، وروي أيضا عن عبيد الله بن عمر عن حمزة بن المغيرة، قاله عبد الله بن نافع الصائغ عن أبي معشر عنه، وخالفه يحيى بن عبد الله بن سالم، فرواه عن عبيد الله عن حميد الطويل عن ابن المغيرة عن أبيه، وحميد لم يسمعه من ابن المغيرة؛ وإنّما رواه عن بكر عنه، ولفظ أبي داود: ثم ذكر فوق العمامة، قال عن المعتمر، وفي لفظ: قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى الركعة التي سبق بها، ولم يزد عليها شيئا، قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو، وفي لفظ يونس عن ابن

ص: 211

شهاب، حدثني عبّاد بن زياد: أنّ عروة بن المغيرة سمع أباه، وفيه: قد ركع بهم - يعني ابن عوف - ركعة من صلاة الفجر، وفيه: ثم سلّم عبد الرحمن، فقام النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، ففرغ المسلمون فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا سلّم النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم، أو قد أحسنتم. ولفظ النسائي في كتاب شيوخ الزهري في غزوة تبوك، وذكره مالك في موطئه بما استوجب رده، أنبأنا بذلك المسند المعمر شرف الدين بن أبي الفتوح الشّامي - رحمه الله تعالى - أنبأنا ابن رواح، أنبأنا الحافظ البغوي رحمه الله في خامس عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين، أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار، بقراءتي عليه ببغداد، في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وأربع مائة، أنبأنا أبو طالب محمد بن علي الحربي الزاهد، أنبأنا الحافظ أبو الحسن علي بن مهدي في كتابه، قال: روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة، فذكر قصة المسح، قال: وخالفه صالح بن كيسان، ومعمر، وابن جريج، ويونس، وعمرو بن الحارث، وعقيل بن خالد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وغيرهم، فرووه عن الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن أبيه، فزادوا على مالك في الإسناد عروة بن المغيرة، وبعضهم قال: عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن عروة وحمزة ابني المغيرة عن أبيهما، قال ذلك عقيل، وعبد الرحمن بن خالد، ويونس بن يزيد من رواية الليث عنه، ولم ينسب أحد منهم عبادا إلى المغيرة بن شعبة، وهو عباد بن زياد بن أبي سفيان. قال ذلك مصعب الزبيري، وقاله علي ابن المديني ويحيى بن معين وغيرهم، فخولف مالك - رحمه الله تعالى - في إسناده في موضعين:

أحدهما: قوله: عباد بن زياد من ولد المغيرة.

والآخر: إسقاطه من الإسناد عروة وحمزة بن المغيرة، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب العلل: وهم مالك في هذا الحديث في

ص: 212

نسب عباد، فزعم أنه من ولد المغيرة، وإنّما هو ابن زياد بن أبي سفيان، وقال عن المغيرة: وإنّما هو عن عروة وحمزة ابني المغيرة عن أبيهما - والله تعالى أعلم - وبنحوه قاله الشّافعي فيما حكاه البيهقي عنه، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وقال ابن أبي حاتم في موضع آخر: سألت أبي عن حديث ثنا به محمد بن عوف الحمصي عن أبي تقي عبد الحميد بن إبراهيم عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة، أن محمد بن إسماعيل أخبره عن حمزة بن المغيرة .... الحديث، فقال أبي: هذا خطأ؛ إنّما هو إسماعيل بن محمد بن سعد، بدل محمد بن إسماعيل، وزعم ابن عقدة أنه حديث تفرّد به أهل الكوفة، وفيه نظر، وفي لفظ له عند أبي داود من حديث بكير بن عامر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عن المغيرة، فقلت: يا رسول الله، نسيت؟ قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي، ولما ذكر أبو القاسم هذا في معجمه الكبير عن علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا بكير، قال: زعم ابن أبي نعم أن المغيرة حدثه: أنه مشى مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فأتى بعض الأودية فدخلها، فقضى حاجته، ثم خرج فتوضأ وخلع الخفين، فلما لبس خفيه وجد بعد ذلك ريحا فعاد، ثم خرج

ص: 213

فتوضأ ومسح على الخفين، فقلت: أنسيت يا رسول الله؟ فقال: بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي عز وجل.

قال الحافظ القشيري: وبلغني أنّ أحمد بن خالد الأندلسي الحافظ رواه عن علي، وقال بعد تمامه: ما أحسنه، وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث الحسن بن صالح عن بكير، وقال: إسناده صحيح، وقال أبو الحسن في كتاب العلل: يرويه بكير البجلي عن عبد الرحمن، حدّث به عن الحسن بن صالح ووكيع والفضل بن موسى وعبيد الله بن موسى وعبد الله بن داود وعلي بن غراب، ورواه عامر بن مدرك عن الحسن بن صالح، فقال: عن أكيل عن ابن أبي نعم، وإنّما أراد بكير بن عامر. ورواه عيسى بن المسيب، فقال: عن أبي بكير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المغيرة، حدّث به كذلك بكر بن خداش، ووهم فيه في موضعين:

في قوله عن أبي بكير، وفي قوله: عن ابن أبي ليلى، وإنما أراد ابن أبي نعم حدثناه المحاملي، ثنا عبدان الأهوازي، ثنا معمر بن سهل، ثنا عامر بن مدرك، عن الحسن بن صالح به، ورواه عن المغيرة أيضا عمرو بن وهب الثقفي، قال أبو الحسن: يرويه محمد بن سيرين، واختلف عنه، فرواه أيوب السختياني، وقتادة وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، وعوف الأعرابي، وأشعث بن عبد الملك، وأبو حرّة عنه عن عمرو عن المغيرة، واختلف عن يونس بن عبيد، فرواه هشيم

ص: 214

عن يونس عن ابن سيرين عن عمرو عن المغيرة، وتابعه الفريابي عن الثوري، فقال: عن يونس، وخالفهما قبيصة عن الثوري، فقال: عن يونس عن ابن سيرين عن المغيرة، أسقط عمرا، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن رجل كناه أبا عبد الله عن عمرو بن وهب، وتابعه جرير بن حازم في ذكره رجلا بين ابن سيرين وبين عمرو بن وهب إلا أنه لم يُكنِّه. وقال يزيد التستري عن ابن سيرين عن بعض أصحابه عن المغيرة: وقال حسام بن المصك، وأبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري، وعبد الأعلى بن أبي المساور عن ابن سيرين عن المغيرة، لم يذكر بينهما عمرا، فالقول قول أيوب وقتادة، ومن تابعهما، وأبى ذلك عليه أبو زرعة، بقوله: ورواه بعض أصحاب ابن عون عن ابن عون عن محمد عن عمرو بن وهب عن رجل عن آخر عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت لأبي زرعة: أيهما الصحيح؟ قال: عمرو عن رجل عن آخر عن المغيرة.

ذكره ابن أبي حاتم في العلل، ورواه أبو وائل عن المغيرة. قال أبو الحسن: يرويه عاصم بن أبي النجود، وحماد بن أبي سليمان عنه عن المغيرة، ووهما فيه على أبي وائل، ورواه الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن حذيفة؛ وهو الصواب، وسئل عن حديث أبي وائل عن المغيرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على النعلين، فقال: يرويه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور، وحصين عن أبي وائل عن المغيرة، وخالفه هشيم في إسناده ومتنه، فرواه عن حصين عن سالم بن أبي الجعد، وأبي سفيان عن المغيرة، وقال فيه: ومسح على خفيه، ولم

ص: 215

يذكر النعلين، وخالفه زائدة بن قدامة، فرواه عن حصين عن سعد بن عبيدة عن المغيرة، ورواه عبثر بن القاسم، وزفر، وخالد الواسطي، وسليمان بن كثير عن حصين عن الشعبي، وسعد بن عبيدة عن المغيرة، ورواه الأسود بن يزيد عن المغيرة، قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن حماد عن إبراهيم عن الأسود إلا عبد الله بن حدير، ورواه عبد الله بن بريدة عن المغيرة: أنه توضأ ومسح على الخفين وصلى بنا، فأقامني عن يمينه.

قال أبو القاسم في الأوسط أيضا: لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن المغيرة: وصلى بنا فأقامني عن يمينه، إلا ابن بريدة. تفرد به عنه عبد المؤمن بن خالد، ورواه أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن المغيرة بزيادة: وفي الإداوة ماء عذب، قاله القشيري.

64 -

حدثنا عمران بن موسى الليثي، ثنا محمد بن سواء، أنبأنا سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر: أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين، فقال: إنكم لتفعلون ذلك؟ فاجتمعنا عند عمر، فقال سعد لعمر: أفت ابن أخي في المسح على الخفين، فقال عمر: كنّا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا، لا نرى بذلك بأسا، فقال ابن عمر: وإن جاء من الغائط؟ قال: نعم.

هذا حديث رواه البخاري من حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن

ص: 216

ذلك، فقال: نعم، إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره.

قال البخاري: وقال موسى بن عقبة: أخبرني أبو النضر أنّ أبا سلمة أخبره أن سعدا قال عمر لعبد الله بنحوه، وأشار البخاري إلى رواية أبي سلمة عن سعد، وقال الترمذي في العلل: قال محمد: حديث أبي سلمة عن ابن عمر في المسح صحيح، وحديث محمد بن سعد في المسح أرجو أن يكون صحيحا.

ورواه الإسماعيلي في مستخرجه من حديث الفضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة، أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وعنده أيضا من رواية عبد العزيز بن المختار عن ابن عقبة، قال: حدثني أبو النضر عن أبي سلمة عن سعد حديثا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء على الخفين: أنه لا بأس بالوضوء على الخفين. قال: وحدث أبو سلمة أن عبد الله بن عمر حدثه سعد أن عمر قال لعبد الله: كأنه يلومه إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا.

وفي تاريخ ابن أبي خيثمة من حديث عاصم عن سالم عن ابن عمر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين بالماء في السفر. وفي كتاب الأبواب لأبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، ثنا أحمد بن شيبان، ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار، سمعت ابن عمر، سألت عمر بن الخطاب: أيتوضأ أحدنا ورجلاه في الخفين؟ قال: نعم، إذا أدخلهما وهما طاهرتان.

وفي حديث سالم عن ابن عمر أن سعدا سأل عمر عن المسح، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالمسح على ظهر الخف للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة. وفي مسند مسدد، ثنا خالد بن عبد الله، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عاصم بن عبيد الله، عن

ص: 217

أبيه أو عمه عن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحدث توضأ ومسح على الخفين.

زاد النيسابوري من حديث الزهري عن حميد عن ابن عمر قال: قدمت الكوفة، فرأيت سعدا يتوضأ على الخفين فنهيته عن ذلك، فقال: إذا رجعت إلى أمير المؤمنين فسله عن ذلك، قال: فسألته عن ذلك حين قدم سعد حاجا، فقال عمر: نعم، وإن جئت من الغائط. ولفظ شيبان عن يحيى عن أبي سلمة: إذا توضأ أحدكم، ثم تخفف فليمسح على الخفين، وإن جاء من الغائط، ولفظ النعمان بن سالم: أصاب سعد، وفي حديث أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن عمر قال لابنه: فإنه - يعني سعدا - قد أصاب وأخطأت، قال: قلت له: ولج الدار، قال: قد أصاب وأخطأت، وإن رغم أنفك؛ من لبس خفيه ورجلاه طاهرتان فله يوم إلى الليل حتى ينزعهما على فراشه، وللمسافر ثلاثة أيام. وفي لفظ: فقال عمر: عمك أعلم بالسنة منك، وفي لفظ: سعد يا فتى أفقه منك. وقال أبو الحسن الدارقطني: وسئل عنه، فقال: هو حديث رواه أبو النضر عن أبي سلمة، واختلف عنه، فرواه أبو أيوب الإفريقي وابن لهيعة عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن ابن عمر، وأسنداه عن عمر وسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر عن سعد وحده أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ ابن عمر سأل أباه، فقال: إذا حدثك سعد فلا تسأل عنه غيره. ورواه موسى بن عقبة، واختلف عنه، فقال: عبد العزيز بن المختار، وعبد العزيز بن أبي حازم عن موسى بن عقبة عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف على ابن أبي حازم، فقال: سهل بن صقير عنه عن موسى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال ابن لهيعة عن أبي النضر، وقال وهيب: وفضيل بن سليمان، وإسماعيل بن جعفر، والدراوردي عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن سعد، ولم يذكروا ابن عمر، وقال الحماني عن الدراوردي عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن بسر بن سعيد عن سعد، ووهم في ذكر بسر، وقال كديم بن موسى عن فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن أبي النّضر عن عامر بن سعد عن أبيه،

ص: 218

ووهم في ذكر عامر بن سعد، والصواب من ذلك قول عمرو بن الحارث، ومن تابعه عن أبي النّضر.

قال: ورواه عن ابن عمر جماعة، فرفعه بعضهم ووقفه آخرون، فرواه نافع عن ابن عمر؛ فممن رفعه عنه أيوب من رواية ابن أبي عروبة، ومعمر، وعبد الله بن الزبير الباهلي، ووقفه غيرهم عن أيوب، ورواه شريك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدّث به عبد العزيز بن أبان عن شريك، ولم يأت به غيره، وأسنده أيضا عكرمة بن عمار عن نافع من رواية عنبسة بن عبد الواحد عنه، وخالفه النّضر بن محمد، فرواه عن عكرمة بن عمار، ولم يصرّح برفعه، وقال فيه: فإنه من السنة، ورواه عبد الله بن عمر العمري وأيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر مرفوعا، وتابعهم محمد بن أبي حميد المدني عن نافع، فرفعه أيضا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو بكر بن أبي الجهم عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدّث به أبو حنيفة عنه وأبو بكر النهشلي، ورواه سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حدّث به عنه كذلك عاصم بن عبيد الله بن عمر. قال ذلك الحسن بن صالح عن عاصم، وخالفه يزيد بن أبي زياد، واختلف عن يزيد، فقال خالد بن عبد الله الواسطي عنه عن عاصم بن عبيد الله عن أبيه عن جدّه عن عمر، قال ابن فضيل: عن يزيد بن أبي زياد عن عاصم عن أبيه عن جدّه عمر، وقال شريك: عن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، أو عن عمر.

واختلف عن شريك، فقال عنه أبو داود الطيالسي قولا آخر: عن عاصم عن أبيه

ص: 219

عن عمر، والاضطراب في هذا من عاصم؛ لأنه كان سيئ الحفظ، ورواه أشرس بن عبيد عن سالم عن أبيه عن عمر موقوفا غير مرفوع، ورواه خالد بن أبي بكر بن عبيد بن عبد الله بن عمر عن سالم عن أبيه عن عمر، وأغرب فيه بألفاظ لم يأت بها غيره: ذكر فيه المسح، وقال فيه: على ظهر الخف، وذكر فيه التوقيت: ثلاثا للمسافر، ويوما وليلة للمقيم،، قاله زيد بن الحباب عنه، وفي علل الخلال: سأل علي بن حجر أحمد بن حنبل عن المسح على أعلى الخف وأسفله، فقال - يعني: نوح بن حبيب - لأحمد: لعلك تأخذ بحديث عمر؟ قال: أي حديث هو؟ قلت: ثنا زيد بن الحباب عن خالد بن أبي بكر، وذكرت هذا الحديث، فضحك - يعني: أبا عبد الله -، ثم قال: أعد، فأعدت، فقال: أعد، وقال: لم أسمع أنا هذا الحديث. وقال زياد بن أيوب: سألت أحمد عن المسح على الخفين، فقال: إنما هو أعلاه، وأكثر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على أعلاه، ورواه بعض التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح أعلاه وأسفله، وليس ذلك بثابت عنه، قال الدارقطني: ولفظه في الأفراد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يمسح على الخفين، وذكر شراك النعل. وقال: تفرد به معاوية بن عطاء عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود، يعني عن ابن عمر عنه، ورواه حصين بن عبد الرحمن عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله سويد بن عبد العزيز عن حصين، وخالفه هشيم، فرواه عن حصين موقوفا، ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر، واختلف عنه فرواه أبو النضر سالم عن أبي سلمة عن ابن عمر عن عمر، وسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ذلك أبو أيوب الإفريقي، وابن لهيعة عن أبي النّضر، ورواه ابن عقبة عن أبي النّضر، واختلف عنه، فقال: عبد العزيز بن المختار عن موسى، عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عمر عن عمر موقوفا.

ص: 220

وقال وهيب: عن موسى عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن ابن عمر، قال: قال عمر: إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تشكّ فيه. وقال الفضيل بن سليمان: عن موسى عن أبي النّضر عن أبي سلمة، قال: حدث سعد، ولم يذكر فيه ابن عمر، وقال عمرو بن الحارث، وابن لهيعة: عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن ابن عمر عن سعد، وقيل: عن ابن لهيعة عن أبي النّضر عن بسر بن سعيد، وقال أبو إسحاق السبيعي: عن أبي سلمة عن ابن عمر عن عمر وسعد، موقوفا عليهما غير مرفوع. قال ذلك يونس بن أبي إسحاق وأبو الأحوص، وقال شعبة: عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن ابن عمر قوله لم يجاوز به ابن عمر، ورواه الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وسالم بن عبد الله عن ابن عمر عن عمر وسعد قولهما غير مرفوع، ورواه عبد الله بن دينار وأصحاب نافع غير من تقدّم ذكره، والحكم بن الأعرج، وأبو حازم الأشجعي عن الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، والنعمان بن سالم، وميمون بن مهران عن ابن عمر عن عمر وسعد قولهما غير مرفوع، والله تعالى أعلم.

65 -

حدثنا أبو مصعب المدني، ثنا عبد المهيمن بن العباس بن سهل الساعدي، عن أبيه، عن جدّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وأمرنا بالمسح على الخفين.

هذا حديث إسناده ضعيف بعبد المهيمن المذكور قبل، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة، ذكرها الحافظ أبو علي بن السكن، فقال: ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن محمد بن بدر، والحسين بن محمد، قالوا: ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، قال: رأيت سهل بن سعد يبول بول الشيخ الكبير، يكاد أن يسبقه قائما، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقلت: ألا تنزع هذا؟! فقال: لا، رأيت خيرا مني ومنك يفعل

ص: 221

هذا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، ومن طريق أخرى جيّدة ذكرها القاضي أبو الطاهر الذهلي في التاسع عشر من حديثه، فقال: ثنا موسى بن هارون عن قتيبة عن يعقوب عن أبي حازم، أنه رأى سهل بن سعد، فذكر الحديث.

وطريق أخرى ذكرها أبو جعفر البغوي في مسنده عن حسين بن محمد عن أبي غسان عن أبي حازم، أنه نظر إلى سهل بن سعد يبول قائما، فمسح على خفيه

الحديث، ورواه أيضا الطبراني من حديث عبد الله بن عمر بن أبان ويحيى الحماني، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، سمعت أبي يقول: رأيت سهلا فذكره، رواه عن الفضل بن أبي روح عن ابن أبان، وعن أبي حصين القاضي عن الحماني، ورواه أبو بكر النيسابوري في كتاب الأموات عن أحمد بن منصور، ثنا ابن أبي مريم وابن الصباح، قالا: ثنا سعيد بن عبد الرحمن، حدّثني أبو حازم قال: رأيت سهل بن سعد يبول قائما، وقد كان كبيرا حتى لا يكاد ذاك يبعد منه، قال: ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه. قال: قلت: ألا تنزع خفيك؟! قال: قد رأيت من هو خير منك يصنع ذلك، واللفظ لابن أبي مريم، وثنا أحمد، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عبد الحميد بن سليمان، سمعت أبا حازم، ولفظه: من هو خير مني ومنك يصنع.

66 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد الطنافسي، ثنا عمر بن المثني، عن عطاء الخراساني، عن أنس بن مالك، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: هل من ماء؟ فتوضأ ومسح على خفيه، ثم لحق بالجيش فأمهم.

هذا حديث في إسناده ثلاث علل:

ص: 222

الأولى: ضعف راويه أبي أيوب، يقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح، ويقال: أبو سعيد عطاء بن أبي مسلم عبد الله، ويقال: ميسرة الخراساني الأزدي البلخي الشامي المهلبي نسبة لولاء ابن أبي صفرة، وهو وإن كان مسلم قد روى حديثه، ووثقه ابن معين، وأبو حاتم الرازي، والدارقطني، فقد كذبه سعيد بن المسيب، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، يخطئ ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به، وذكره الساجي والعقيلي في كتاب الضعفاء.

الثانية: انقطاع ما بين عطاء وأنس بن مالك، نص على ذلك أبو زرعة الرازي فيما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل، وقيل لابن معين: لقي عطاء أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أعلمه.

الثالثة: الجهالة بحال عمر بن مثنى؛ فإني لم أر أحدا ذكرها، والله أعلم.

وقد وقع لنا هذا الحديث بإسناد صحيح، لا مطعن في أحد من رجاله؛ ذكره أبو عبد الرحمن النسائي، فقال: أنبأنا قتيبة، أنبأنا أبو عوانة، عن أبي يعفور، أنبأنا أنس بن مالك، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا نعيم بن الهيصم، ثنا أبو عوانة عن أبي يعفور، فذكره مرفوعا، قال: سألت أنسا عن المسح على الخفين، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عليهما.

ورواه أبو القاسم في الأوسط بإسناد لا بأس به، ولما ذكره البزار، قال: لا نعلم روى أبو يعفور عن أنس غير هذا الحديث، وأما قول البخاري: وسأله عنه الترمذي، أخطأ فيه، والصحيح عن أنس موقوف، وقد وجدنا لقتيبة متابعا، ولحديثه شاهدا، وهو ما ذكره بحشل في تاريخه: ثنا علي بن يونس، ثنا عبد المجيد بن أبي رواد، ثنا

ص: 223

يس الزيات عن الأعمش عن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين. عن أبي زرعة، ثنا علي بن عياش، ثنا علي بن الفضل بن عبد العزيز، ثنا سليمان التيمي عن أنس: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر، فمسح على الخفين والعمامة، وقال: لم يروه عن سليمان إلا علي، ورواه النيسابوري في كتاب الأموات عن محمد بن أحمد بن الجنيد، ثنا العلاء بن عبد الجبار، ثنا وهيب، ثنا يحيى به، وثنا أحمد بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا مروان بن معاوية، ورواه ابن نظيف في السادس من فوائده الجدد، تخريج أبي نصر الوائلي من طريق العباس بن محمد بن العباس المصري، ثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن محمد، ثنا إسماعيل بن ثابت بن مجمع، عن يحيى بن سعيد، عن أنس: أنه مسح على الخفين، وذكر أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، قال الوائلي: وهذا غريب جدا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس، لم يسنده فيما قيل غير إسماعيل هذا، وأبى ذلك الحافظ أبو بكر البزار؛ فإنّه لما رواه عن أحمد بن الوليد البزار، أنبأنا يحيى بن محمد الجاري، ثنا يعقوب بن إسماعيل، عن يحيى بن سعيد، عن أنس، قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه غير يحيى بن سعيد عن أنس إلا يعقوب، ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن رقيش عن أنس، والله أعلم.

ورواه أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في مسنده عن مروان بن معاوية الفزاري، ثنا زياد بن عبيدة، ثنا أنس بن مالك، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم أسير في غلس، فقال لي: هل في إداوتك من ماء؟ فقلت: نعم. قال: فتنحّى عن الطريق، ثم توضأ ومسح على خفيه، فلما أراد أن يمسح عليهما طأطأت رأسي لأنظر، فقال:

ص: 224

هو ما ترى، ومسح على خفّيه. وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل -: حدثوني عن الحسن بن الربيع عن أبي شهاب الحناط عن عاصم الأحول عن أنس، قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين؟ فقال: ليس بصحيح، إنّما هو عن أنس أنّه كان يمسح، وكان يقول: ثنا أصحابنا، وقال: هو عن عاصم عن أنس موقوفا. قلت: يخاف أن يكون من الحسن بن الربيع؟ قال: نعم. قلت: أبو شهاب؟ قال: ثبت، وليس هذا من أبي شهاب. قلت لأحمد: ثنا شاذان، ثنا زهير أبو خيثمة عن وهب بن عقبة عن محمد بن سعد الأنص ري عن أبيه: أنّ أنسا أتى المهراس فبال قائما، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم توجه إلى الصلاة أو إلى المسجد، فقلت: فعلت شيئا منكرا؟ فقال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين يفعل ذلك. فقال أحمد: ليس بصحيح، وهذا كذب، وسألته عن وهب بن عقبة، فقال: ليس به بأس، وسألته عن محمد بن سعد الأنصاري، فقال: لا يعرف.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن الربيع عن أبي شهاب عن عاصم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح، فقال: هذا خطأ؛ إنّما هو عاصم عن راشد بن نجيح، قال: رأيت أنسا مسح على الخفين: فعله، انتهي.

ورواه مالك في موطئه عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، قال: رأيت أنسا، فذكره من فعله، غير مرفوع.

ورواه سعيد بن ميسرة البكري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاث، وللمقيم يوم وليلة.

أنبأنا بذلك الإمام المسند المعمر أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إبراهيم، قراءة

ص: 225

عليه وأنا أسمع، أنبأنا الإمام الحافظ أبو الحسين يحيى بن عبد الله القرشي، أنبأنا أبو الطاهر إسماعيل بن صالح بن ياسين الشفيقي، قراءة عليه، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الشافعي، قراءة عليه، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن الناصح، ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا سعيد بن ميسرة، فذكره، ورواه حميد عن أنس من جهة عنبس بن ميمون، قال الحربي: غيره أوثق منه، وحديثه هذا منكر.

67 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا دلهم بن صالح الكندي، عن حجير بن عبد الله الكندي، عن ابن بريدة، عن أبيه: أنّ النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خفين ساذجين أسودين، فلبسهما، ثم مسح عليهما.

هذا حديث خرجه ابن ماجه أيضا في كتاب اللباس، وقد سبق ذكرنا له، وهو في مسلم في باب الصلاة بوضوء واحد، من حديث سفيان عن سليمان عن أبيه، وأنّ ابن منده قال: هذا إسناد صحيح على رسم الجماعة إلا البخاري لسليمان، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث أنّ ابن بريدة هذا قيل: إنّه عبد الله، ولما رواه أبو داود من حديث مسدد وأحمد بن أبي شعيب، ثنا وكيع، ثنا دلهم به، قال: هذا مما تفرد به أهل البصرة بإسناده، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، إنّما نعرفه من حديث دلهم، ورواه محمد بن ربيعة عن دلهم.

ص: 226

وخرّجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، وخالف ذلك حين سأله الميموني عنه، فقال: هذا حديث منكر، قال: وحجير بن عبد الله: لا أعرفه في غير هذا، ودلهم بن صالح كوفي منكر الحديث، وقال: يقول في حديث ابن بريدة: حجر، ثم قال: حجير.

وقال أبو الحسن الدارقطني حين ذكره في باب عبد الله: تفرد به حجير بن عبد الله عن ابن بريدة، ولم يروه عنهم غير دلهم، وفي بابه خرجه أبو القاسم بن عساكر، وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي له شاهدا من حديث المغيرة بن شعبة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقال له رجل: يا مغيرة، ومن أين كان للنبي صلى الله عليه وسلم خفان؟ فقال المغيرة: أهداهما له النجاشي.

وفي علل الدارقطني دحية بن خليفة، وسيأتي الكلام عليه مطولا في كتاب اللباس، إن شاء الله تعالى.

وقول الإمام أبي عيسى: ورواه محمد بن ربيعة عن دلهم - يعني: بذلك ما أنبأنا به الإمام المسند أحمد بن منصور بن إبراهيم - أنبأنا العلامة أبو العباس بن شيبان الشيباني وغيره، أنبأنا المعمر عمر بن معمر، أنبأنا أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد الصائغ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن الخلال، قال: قرئ على أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن الصيدلاني، أخبركم أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري - رحمه الله تعالى -، ثنا علي بن إشكاب، ثنا محمد بن ربيعة، ثنا دلهم بن صالح عن حجير، فذكره بزيادة: ومسح عليها وصلى، وقال النيسابوري: وثنا محمد بن علي الوراق، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا دلهم بن صالح به.

ص: 227

‌باب في مسح أعلى الخف وأسفله

68 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله.

هذا حديث قال أبو داود إثر تخريجه: وبلغني أنّه - وفي كتاب ابن داسة: ويروى أن ثورا - لم يسمع هذا الحديث من رجاء، وقال أبو عيسى في كتاب العلل: وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا يصح هذا، روي عن ابن المبارك عن ثور بن يزيد، قال: حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وضعف هذا، وسألت أبا زرعة، فقال نحوا مما قال محمد، وقال في الجامع: هذا حديث معلول، لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم، وكذلك ذكره الإمام أحمد فيما حكاه عنه الأثرم، قال: وسمعت أبا عبد الله يضعفه، وذكر أنه ذكره لابن مهدي، فذكره كذلك مفسدا من وجهين: حدثت عن رجاء، وأرسله فلم يسنده.

قال: وقد كان نعيم بن حماد حدثني بهذا عن ابن المبارك حدث به الوليد، فقال: عن ثور، عن رجاء، عن كاتب المغيرة عنه، فقلت له: إنما يقول الوليد هذا، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة؟ فقال: هذا حديثي الذي أسأل عنه، وأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، وإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة، فوقفْته عليه، وأخبرته بأن هذه زيادة في الإِسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد: اضربوا على هذا الحديث.

وقال أبو الحسن: وحديث رجاء الذي ذكر فيه أعلى الخف وأسفله لا يثبت؛ لأنّ

ص: 228

ابن المبارك رواه عن ثور مرسلا.

وضعّف الإمام الشّافعي هذا الحديث فيما حكاه في المعرفة بكون رجاء لم يسم كاتب المغيرة.

قال البيهقي: وفيه نوع آخر من التضعيف، وهو أنّ الحفاظ يقولون: لم يسمع ثور هذا من رجاء، وفي رواية محمد بن العباس الغساني عنه: لم يلق رجاء ورادا.

وقال أبو علي الطوسي في الأحكام: يقال: هذا حديث لا يصح، وقال البخاري في الأوسط: وراد كاتب المغيرة، يقال: مولاه، ثنا إبراهيم بن موسى عن الوليد عن ثور عن رجاء عن كاتب المغيرة عن المغيرة، وقال أحمد بن حنبل: أنبأنا ابن مهدي، ثنا ابن المبارك عن ثور: حديث عن رجاء عن كاتب المغيرة - ليس فيه المغيرة -، ثنا محمد بن الصباح، ثنا ابن أبي زياد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه ظاهرهما، وهذا أصح، ولما ذكره أبو محمد بن حزم ضعفه، وقال: أخطأ فيه الوليد في موضعين، ثم ذكر ما تقدّم من كلام الأئمة، ثم قال: فصح أن ثورا لم يسمعه عن رجاء، وأنه مرسل، لم يذكر فيه المغيرة، وقال أبو عمر بن عبد البرّ: لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء، وأشار ابن الجوزي في كتاب التحقيق إلى أن الوليد دلّسه، هذا مجموع ما أعلّ به، ولقائل أن يقول: الحديث الذي ذكره الدارقطني يرد قول من قال عن ثور: حدثت عن رجاء؛ لكونه صرح - وهو ثقة - بسماعه لهذا الحديث من رجاء، وهو قوله: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا داود بن رشيد، عن الوليد، عن ثور، ثنا رجاء به، وبما عضده

ص: 229

من قول العلماء أنه سمع منه، وأمّا من أعله بالتدليس، فقوله مردود بما رواه أبو داود في سننه: ثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي المعنى، قالا: ثنا الوليد، قال محمود: أنبأنا ثور بن يزيد عن رجاء به، وكذا صرّح به أيضا الترمذي في كتاب العلل، وأمّا من أعله بالجهالة بكاتب المغيرة واسمه فليس بشيء أيضا؛ لما في كتاب ابن ماجه من تصريحه باسمه، ولما أسلفناه من عند البخاري، وأيضا فليس معروفا بكاتبه غيره، وهو ممن لا يسأل عن حاله.

وأمّا قول الحافظ القشيري بأنّ هذه العلّة أثارها بعض المتأخرين، فيشبه أنه لم ير كلام الشّافعي؛ لأن أبا نعيم ذكره في بابه ومن أسلفناه من المتقدمين، والله أعلم، فعلى هذا يكون حديثا لا بأس به؛ بل لو صحح إسناده لكان بذلك جديرا، على أنا قد رأينا لنا في ذلك سلفا وقدوة، وهو أبو محمد بن الجارود بذكره له في منتقاه، وقد ذكر الشيخ جمال الدين المزي له إسنادا آخر، فقال: ورواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن وراد.

وفي باب كيفية مسح الخفين غير ما أحاديث؛ فمن ذلك حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يمسح على ظهر الخفين.

ذكره الترمذي وحسنه، وفي حديث علي: لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه، ذكره ابن حزم محتجا به، وحديث عمر مرفوعا: أمر بالمسح على ظهر الخفين إذا لبسا وهما طاهرتان.

ذكره أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناد حسن، وحديث المغيرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم جاء حتى توضأ، ومسح على

ص: 230

خفيه، ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أصابعه على الخفين.

ذكره البيهقي من حديث أبي أسامة عن أشعث عن الحسن عنه. وحديث جابر: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ، وهو يغسل خفّه، فنخسه بيده، وقال: إنما أمرنا بهذا، ثم أراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق، وفرّج بين أصابعه، ذكره الطبراني في الأوسط من حديث بقية عن جرير بن يزيد الكندي عن محمد بن المنكدر عنه، وقال: لا يروى هذا عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به بقية، انتهى.

وفيه نظر؛ لما ذكره حرب في سؤالاته لأحمد: ثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الجزري، ثنا زياد بن عبد الله، عن الفضل بن مبشر، قال: رأيت جابرا، فذكره.

وحديث أبي أمامة الباهلي وعبادة بن الصامت: أنهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أسفل الخفين وأعلاهما. ذكره ابن وهب في مسنده عن رجل عن آخر عن رجل من رعين عن أشياخ لهم عنهما، وفي باب مسح الخفين غير ما حديث، حتى قال الإمام أحمد في رواية الميموني عنه: فيه سبعة وثلاثون حديثا.

وفي رواية الحسن بن محمد عنه: ليس في باب مثل المسح شيء: فيه أربعون حديثا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما رفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما وقفوا، وقال ابن أبي حاتم: روى المسح على الخفين أحد وأربعون صحابيا، وفي كتاب ابن المنذر: روينا عن الحسن قال: حدثني سبعون صحابيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، انتهى كلامه، وفيه نظر. وقال البزار: أربعون صحابيا، من ذلك حديث عمرو بن أمية الضمري المذكور عند البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن

ص: 231

جعفر بن عمرو عن أبيه، أنه أخبره: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.

وحديث جابر بن عبد الله المذكور عند أبي عيسى من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: سألت جابرا عن المسح على الخفين، فقال: السنة يا ابن أخي، وسألته عن المسح على العمامة، فقال: أمس الشعر، وخرجه أبو القاسم في الأوسط من حديث بقية عن جرير بن يزيد الكندي عنه، بلفظ: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ، وهو يغسل خفيه، فنخسه بيده، وقال: إنما أمرنا بهذا، ثم أراه بيده من مقدم الخف إلى أصل الساق، وقال: لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإِسناد عن جابر.

تفرد به بقية، وقد سبق التنبيه عليه قبل، والله تعالى أعلم.

وحديث أسامة بن شريك، قال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنكون معه ثلاثة أيام ولياليها لا ننزع خفافنا، ليس من جنابة، ونكون معه في الحضر يوما وليلة ونمسح خفافنا.

رواه القاضي أبو الطاهر الذهلي عن محمد بن عبدوس عن ابن حميد عن الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جده، وعن زياد بن علاقة عنه، وسيأتي أيضا في باب التوقيت.

وحديث سلمان الفارسي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين والعمامة.

خرجه الحافظ أبو حاتم البستي في صحيحه عن عبد الله بن أحمد بن موسى عن زيد بن الحريش الأهوازي، ثنا عبد الله بن الزبير بن معبد، ثنا أيوب السختياني عن داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد عن أبي شريح عن أبي مسلم عنه، وأنبأنا أبو خليفة، أنبأنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد عن أبي شريح، عن أبي مسلم مولى زيد بن صوحان، قال: كنت مع سلمان، فرأى رجلا قد أحدث، وهو يريد

ص: 232

أن ينزع خُفيه للوضوء، فقال له سلمان: امسح عليهما وعلى عمامتك، فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على خماره وعلى خفيه، ثم قال: في هذا دحض لقول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عمرو الضمري، وسأل أبو عيسى محمدا عن هذا الحديث، قلت: أبو شريح ما اسمه؟ قالا: لا أدري، لا أعرف اسمه، ولا أعرف اسم أبي مسلم مولى زيد بن صوحان، ولا أعرف له غير هذا الحديث.

ورواه عبد السلام بن حرب عن سعيد عن قتادة، وقلبه، فقال: عن أبي مسلم، عن أبي شريح، وبنحوه قال أبو زرعة فيما حكاه ابن أبي حاتم عنه، ولفظه في المصنف: امسح على خفيك، وعلى خمارك، وبناصيتك.

وأما ما زعمه المزي من أن ابن ماجه خرج هذا الحديث في سننه، فيشبه أن يكون وهما، لأني لم أره فيما رأيت من النسخ، والله تعالى أعلم.

وحديث عبد الله بن عمر: أنه كان يمسح على الخفين، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.

رواه أبو القاسم في معجمه الأوسط بإسناد صحيح عن محمد بن عبد الرحمن بن الأزرق، ثنا محمد بن محمد بن إدريس الشّافعي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن الزهري عن سالم عنه، وقال: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا معمر، ولا عن معمر إلا عبد الرزاق.

تفرد به محمد بن محمد بن إدريس، وقال أبو عيسى في كتاب العلل: ثنا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، عن فرات بن أحنف، عن عقبة بن حريث، قال: سأل رجل ابن عمر عن المسح على الخفين، فقال: امسح، فكان ذلك ثقل على الرجل، فقال: وإن بال، وإن ضرب الخلاء؟ قال: نعم، ورفعه ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه، وقال

ص: 233

الميموني: قلت - يعني: لأبي عبد الله -: حدثني عن سويد بن عبد العزيز عن حصين عن محارب بن دثار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح، فقال: ليس بصحيح، ابن عمر ينكر على سعد المسح على الخفين، ولا يعرف من حديث حصين، هذا من قبل سويد بن عبد العزيز، قلت: حدثوني عن الحسن بن صالح عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقال: ليس بصحيح، هذا من قبل عاصم، ورواه أبو بكر النيسابوري في كتاب الأبواب موقوفا عليه من طريق صحيحة، ثنا الجرجاني، ثنا الربيع، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة عن نافع أنّ عبد الله بن عمر قال: المسح على الخفين ظاهرهما وباطنهما بمسحة واحدة.

ثنا الجرجاني، ثنا عبد الرزاق، أنبأ ابن جريج، قال: قال لي نافع: رأيت عبد الله بن عمر مسح عليهما بواحدة مسحة بيديه كلتيهما بطونهما وظهورهما، وقد أهراق قبل ذلك الماء فتوضأ هكذا لجنازة دعي إليها، وهو في الموطأ من رواية مالك عن نافع عنه، وحديث البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يمسح قبل نزول المائدة وبعدها حتى قبضه الله تعالى.

رواه أبو القاسم في الأوسط عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسحاق بن إبراهيم الصيني، ثنا سوار بن مصعب، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم عنه، وقال: لم يروه عن مطرف إلا سوار، ذكر أيضا حديث أبي أمامة الباهلي بنحوه، وقال: لم يروه عن سليم بن عامِر إلا عفير بن معدان.

تفرد به أبو جعفر النفيلي، وسيأتي ذكره أيضا في التوقيت عن محمد بن إسحاق، ثنا أبو ياسر عمار بن نصر، حدثني أبو الأسود شيخ من أهل خراسان عن عبد المؤمن - يعني: ابن خالد - عن أبي سهل - يعني عبد الله بن بريدة - عن ابن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، وحديث عبادة بن الصامت قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم

ص: 234

توضأ، ومسح على خفيه.

رواه أبو القاسم في المعجم الكبير عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن أحمد بن راشد عن عبثر بن القاسم عن عبيدة بن أبي عتبة عن الحسن عنه، والحسن لم يسمع من عبادة.

ذكر ذلك عبد الله بن المبارك في تاريخه الذي قرأته على ابن أبي الفتوح المصري رحمه الله عن ابن الحميري، أنبأنا السلفي الحافظ، أنبأنا الشيخ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصوفي، بقراءتي عليه ببغداد، أنبأنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد العدل، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المقرئ النقاش، أنبأنا أبو العباس أحمد بن الخضر المروزي، ثنا أحمد بن عبدة، ثنا أبو عبد الله وهب بن زمعة، أنبأنا سفيان بن عبد الله، قال: قال عبد الله: وجاءني المعلم الذي كان في مسجد البصريين الحفيف الشعر بكتاب، فإذا فيه حديث يبلغ به الحسن عن تسعة من الصحابة منهم: عبادة، قال عبد الله: ومتى لقي الحسن عبادة؟ فعلمت أنّه باطل، وذكره عبد الله بن وهب في مسنده عن رجل عن رجل عن آخر عن أشياخ لهم عن أبي أمامة الباهلي وعبادة: أنهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم مسح أسفل الخف وأعلاه، وحديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه ذكره أبو بكر بن زياد النيسابوري في كتاب الأبواب، فقال: ثنا أحمد بن منصور، ثنا محمد بن عبيد، ثنا الأعمش، عن علي بن مدرك، عن المسيب بن رافع، قال: رأيت أبا أيوب ينزع خفيه فنظروا إليه، فقال: أمّا إني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عليهما، ولكن حُبب إلي الوضوء.

هذا إسناد ظاهره صحيح، ورواه بعضهم عن الأعمش عن المسيب عن علي بن مدرك، قال: رأيت أبا أيوب، وليس بشيء؛ لأن عليا لم يحك أحد رؤيته للصحابة المتأخرين، فضلا عن غيرهم، ولهذا فإنّ في بعض النسخ علامة التقديم على المسّيب، والتأخير على ابن مدرك، ورواه يحيى بن عيسى الرملي عن

ص: 235

الأعمش عن المسيب عن علي بن الصلت، قال: رأيت أبا أيوب، وكأنه اشتبه بعلي بن مدرك، ولئن كان صحيحا فحبذا بعلي بن الصلت المذكور عند البستي في كتاب الثقات، ورواه ابن زياد أيضا عن سعدان بن نصر، نا يزيد بن هارون، أنبأ هشام بن حسان، نا أشعث بن سوار، عن محمد بن سيرين: أن أبا أيوب كان يأمر بالمسح على الخفين ويخلع، فقيل له: تأمر بالمسح على الخفين، وتخلع أنت؟ فقال: لو كان به بأس لم آمركم به، فيكون لكم المهيأ وعلي المأثم، ولكن حُبب إلي الطهور، هذا وإن كان موقوفا ففيه علتان:

الأولى: ضعف ابن سوار.

والثانية: انقطاع ما بين ابن سيرين وأبي أيوب، نص على ذلك هشيم، فرواه عن منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن أفلح مولى أبي أيوب عنه، وزاد عبدان علّة أخرى، فرواه عن المسيب عن المعتمر بن سليمان عن أبي شعيب - يعني: الصلت بن دينار المجنون المتروك الحديث - عن ابن سيرين: ثنا أفلح، وحديث سعيد بن أبي مريم عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه، ثم يبدو له فينزعهما، قال: يغسل قدميه.

رواه البيهقي من حديث الدالاني عن يحيى بن إسحاق عن سعيد، وقال البخاري: ولا يعرف أن يحيى بن إسحاق سمع من سعيد أم لا، ولا سعيد من صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن الحارث بن جزء، ذكرهم البيهقي رحمه الله، كذا

ص: 236

وحديث أبي مسعود الأنصاري: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح، فقيل له: أقبل نزول المائدة أو بعده؟ فسكت أبو مسعود، وحديث بديل بن ورقاء، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.

ذكره العسكري في كتاب الصحابة من حديث رشدين عن موسى بن علي عن أبيه عنه، وقال: لا أدري أهو بديل الخزاعي أو غيره، وحديث عثمان بن عفان، وأبي عبيدة بن الجراح، وابن عوف، وأبي الدرداء، ويزيد بن ثابت، وفضالة بن عبيد، ذكرهم ابن عبد البر، وحديث عبد الرحمن بن خالد بن سعيد بن العاص مرفوعا، ذكره النيسابوري في الأبواب.

وحديث عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعا رواه في الأوسط، وقال: لم يروه عن القاسم بن الوليد ومجالد إلا عبيدة بن الأسود، تفرد به عبد الله بن عمر بن أبان، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح منذ أنزلت عليه سورة المائدة حتى لحق بالله عز وجل، ذكره الدارقطني في سننه عن الحسين، ثنا ابن حنان، ثنا بقية، ثنا أبو بكر بن أبي مريم، ثنا عبدة بن أبي لبابة عن محمد الخزاعي عنها، ورواه النيسابوري في كتابه عن أحمد بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرحمن - يعني: المخرج حديثه في الصحيح - عن أبي بكر بن أبي مريم، وأمّا كراهتها لذلك فحديث لا أصل له باطل، قاله الجوزقاني وغيره.

وحديث أم سعد بنت زيد بن ثابت، قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فمسح على خفيه، فقلت: نسيت يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن أمرني ربي عز وجل بذلك.

أنبأنا به الإمام المسند المعمر أبو العباس بن إبراهيم، أنبأنا ابن شيبان - رحمه الله تعالى -، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أبو الحسن الصائغ، أنبأنا أبو القاسم

ص: 237

الجلال، أنبأنا أبو القاسم الصيدلاني، أخبركم أبو عبد الله محمد بن زياد النيسابوري - رحمه الله تعالى -، ثنا أحمد بن ملاعب، ثنا خالد بن يزيد القرني، ثنا الصباح بن بسطام، عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عنها، وبه إلى النيسابوري، قال: حدثنا الزعفراني، ثنا سعيد بن زكريا المدائني عن عنبسة به.

وفي كتاب ابن الأثير: ابن زاذان لم يسمع منها، بينهما عبد الله بن خارجة، وحديث عبد الله بن رواحة وأسامة بن زيد: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الخفين.

خرجه أبو القاسم في الأكبر من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عنهما.

وخرجه ابن قانع في معجم الصحابة عن إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا أبو مصعب عن عبد الرحمن بن زيد عن زيد عن عطاء عن أسامة وابن رواحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل دار جمل هو وبلال، فخرج إليهما بلال، فأخبرهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين، وذكره تمام بن محمد في فوائده عن أحمد بن سليمان بن حذلم وأبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب عن أبي علي الحسن بن جرير الصوري عن يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: سمعت عبد الرحمن، فذكره عن عطاء عن أسامة عن بلال وعبد الله بزيادة: والخمار، وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله: حدثوني

ص: 238

عن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء عن أسامة؛ فذكر المسح، فقال: ليس بصحيح، ولم يكن عبد الرحمن بصحيح الأحاديث، وهو متروك الحديث.

وخرج الحافظ أبو بكر بن خزيمة عن ابن نافع عبد الله عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أسامة: دخل صلى الله عليه وسلم الأسواق، فذهب لحاجته، ثم خرج، قال أسامة: فسألت بلالا: ما صنع عليه السلام؟ قال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم صلى، قال: الأسواق: حائط من حيطان المدينة، قال: وسمعت يونس يقول: ليس عن النبي خبر أنه مسح على الخفين في الحضر غير هذا.

ولما خرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث داود بن قيس ومالك، قال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفيه فائدة كبيرة، وهي أنهما لم يخرجا حديث صفوان في المسح في الحضر وذكر التوقيت فيه، والحديث مشهور بداود بن قيس، وهو ممن احتج به مسلم، وحديث عوف ابن مالك قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح.

ذكره أبو عيسى في كتاب العلل، فقال: سألته - يعني: محمدا - عن حديث هشيم عن داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عنه، فقال: هذا حديث حسن.

ص: 239

وحديث أبي برزة ذكره ابن زياد النيسابوري، ثنا الدقيقي، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عبد السلام بن صالح بن كثير الدارمي أبو عمرو، قال: ثنا الأزرق بن قيس الحارثي، أنّه كان على شاطئ نهر بالأهواز في زمرة من قومه قعودا، فيهم رجل يرمونه برأي الخوارج، قال: فجاء رجل عليه قباء وموزجان، حتى دخل بين حرفين من شاطئ النهر، فدخل النهر، فتوضأ، ومسح على موزجيه، قال: فسبه ذلك الرجل الذي كان فينا، والخوارج لا يرون المسح، فقلنا: ويلك ويحك، سمعت الرجل، آذيت الرجل، فخرج فقام يصلي ومعه برذونة، قال: فرجعت البرذونة، فرجع يمشي على عقبه حتى حبس البرذونة، فلما رأى صاحبنا ذلك ازداد له سبا، قال: فقلنا له: ويحك، آذيت الرجل، أسمعت الرجل؟ ونحن لا نعرفه، فإذا هو أبو برزة الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء حتى قام علينا، فسلم علينا، فقال: إنِّي سمعت ما قال هذا الرجل، ثم حدثنا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة في المسح على الخفين، وذكر حديثا طويلا، وحديث أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، فقال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم، فشربها.

قال أبو غالب: ورأيت أبا أمامة يمسح على العمامة والخفين، ذكره في الأبواب أيضا: ثنا زاج، ثنا الحسين بن واقد، ثنا أبو غالب به، وحدثنا الرمادي، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا سليم بن حيان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: رأيته يمسح على الجوربين والعمامة.

ص: 240

وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح.

ذكر الميموني أنه سأل أبا عبد الله، فقلت: حدثوني عن عتاب بن بشير عن خصيف عن سعيد بن جبير، فقال: ليس بصحيح؛ إنما روى هذا خصيف عن مقسم عن ابن عباس، قال: مسح عليه السلام، ولا أدري قبل المائدة أو بعدها.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة وأبي عن حديث رواه عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح، فقالا: هو خطأ؛ إنما هو عن موسى بن سلمة عن ابن عباس موقوف.

وقال أبو الحسن في الأفراد: تفرد به محمد بن مشكان عن إبراهيم بن الحسن المقسمي عن حجاج عن عطاء عنه، وفيما أوردناه قبل رد قوله، اللهم إلا إن أراد التفرد بالنسبة إلى طريق عطاء.

وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، ذكر الميموني: أنه سأل أبا عبد الله، فقلت: حدثوني عن الحسن بن عمارة عن عطية عنه، فقال: وينبغي لأحد أن يحدّث عن الحسن بن عمارة، ليس بصحيح.

وحديث مسلم أبي عوسجة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه.

رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة عن سليمان بن أحمد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر الوركاني، ثنا أبو الأحوص عن سليمان

ص: 241

ابن قرم عن عوسجة بن مسلم عن أبيه، ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن إسحاق، ثنا مهدي بن حفص، ثنا أبو الأحوص، ولفظه: قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يمسح على الخفين.

قال البزار: وهذا الحديث إنما يروى عن عوسجة عن أبيه عن علي، قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأخطأ فيه مهدي، فجعله: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّما سافر معه علي، انتهى.

وما أسلفناه من عند أبي نعيم يبرئ مهديا، والله أعلم.

وحديث أبي هريرة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: وضئني، فأتيته بوضوء فاستنجى، ثم أدخل يده في التراب فمسحها به، ثم غسلها، ثم توضأ، ومسح على خُفيه، فقلت: يا رسول الله، رجليك لم تغسلهما؟ قال: إني أدخلتهما وهما طاهرتان.

رواه ابن زياد النيسابوري عن الرمادي وابن الجنيد، قالا: ثنا أبو أحمد، ثنا أبان بن عبد الله البجلي، حدثني مولى لأبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة فذكره، ثنا علي بن سهل، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا الزنجي بن خالد عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مختصرا، وقال مسلم في كتاب التمييز: وهذه الرواية عنه ليست بمحفوظة، وذلك لأن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم لثبوت الرواية عنه بإنكار المسح على الخفين، وفي موضع آخر: فقد صح عنه إنكار المسح من رواية

ص: 242

أبي زرعة وأبي رزين عنه، وأنّ من أسند ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واهي الرواية، أخطأ فيه، إما سهو وإما تعمد.

وحديث شبيب بن غالب الكندي ذكره أبو نعيم في كتاب الصحابة تأليفه.

وحديث أبي العشراء الدارمي رواه ابنه، قال: ثم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

ذكره ابن عساكر في ترجمة علي بن أحمد من حديث محمد بن عبد الله السوسي بحلب، ثنا أبو عمر الضرير، ثنا حماد بن سلمة عنه، قال أبو عمر: روي عن أبي هريرة إنكار المسح، قال: وقد جاء عنه بإسناد حسن خلاف ذلك، وموافقة غيره.

قال ابن المنذر عن ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عندنا خلاف، وإنّ الرجل ليسألني عن المسح فأرتاب منه أن يكون صاحب هوى.

قال أبو بكر: وذلك أن كل من روي عنه من الصحابة كراهة المسح فقد روي عنه غير ذلك.

قال البيهقي: وإنما بلغنا كراهة ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة، فأمّا الرواية عن علي: سبق الكتاب المسح على الخفين، فلم يرو ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله، وأمّا عائشة؛ فإنها كرهت ذلك، ثم ثبت عنها أنّها أحالت بعلم ذلك على علي، فأخبر علي بالرخصة في ذلك، وأمّا ابن عباس؛ فإنما كرهه حين لم يثبت مسح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة، فلما ثبت له رجع إليه، انتهى كلامه.

وقد أسلفنا عن أبي هريرة أيضا إنكاره، وأما ما روي عن عائشة فضعيف أيضا في غاية الضعف، نص عليه ابن الجوزي في كتاب العلل المتناهية في الأخبار

ص: 243

الواهية، قال أبو عمر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكا، والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك، وقال الدبوسي: المسح جائز عند جمهور العلماء، وقال بعض الناس: لا يجوز؛ لأنّ الله تعالى ذكر الأرجل دون الخفاف، فلا يزاد على الكتاب بخبر الواحد.

ونحن نقول: إنّما زدنا بسنة جاءت كضوء الشمس، كذلك قاله أبو حنيفة، قال: وهي مشتهرة مثل التواتر، وفي نسخة أخرى: قريبة من التواتر، حتى قال أبو يوسف: يجوز نسخ القرآن بمثل خبر المسح على الخفين، ولكنّا لم ننقلها؛ لأنّ الإجماع المنعقد اليوم أغنانا عن الاحتجاج بالأخبار، وأمّا قول أبي عمر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكا؛ ففيه نظر إن أراد من كان فقيها من التابعين فمن بعدهم؛ لما ذكره ابن أبي شيبة من أنّ مجاهدا كان يكره ذلك، وسعيد بن جبير، وعكرمة.

وفي كتاب الآجري عن أبي داود: جاء زيد بن أسلم إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال: أمسح على الجوربين؟ فقال ربيعة: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين يلفّ على خرقتين.

ومن آداب لبس الخف نفضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفه حتى ينفضه.

ذكره النيسابوري في كتاب شرف المصطفى، وقال: إنّما قال ذلك لأنه دعا بخفه ليلبسه، فلبس أحدهما، ثم جاء غراب فاحتمل الآخر، فخرجت منه حّية،، ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عكرمة عن ابن

ص: 244

عباس، قال: لم يروه عن عكرمة إلا سعيد بن طريف الإسكاف.

تفرد به حبان بن علي، ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد.

وكان له صلى الله عليه وسلم أربعة أزواج خفاف، أصابها من خيبر، ذكره نعيم بن حماد، وخفان ساذجان أهداهما له النجاشي، كما تقدّم.

ص: 245

‌باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر

69 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت عليا، فإنه أعلم بذلك مني، فأتيت عليا رضي الله عنه فسألته عن المسح، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام.

هذا حديث رواه مسلم في صحيحه مرفوعا، ورواه أبو عبد الرحمن النسائي موقوفا عن يعقوب بن إبراهيم، ثنا شعبة عن الحكم به، قال: فسألته، فقال: ثلاث ليال للمسافر، ويوما وليله للمقيم، ولما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن يحيى بن سعيد، حدثني أبي حدثني شعبة به مرفوعا، قال: ما رفعه عن شعبة إلا القطان وأبو الوليد الطيالسي، وخرجه ابن منده من حديث أبي معاوية عن الأعمش، وفيه: فقال: كان النبي يأمرنا أن نمسح.

ورواه البيهقي من جهته أيضا، وفيه: كنا نمسح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد وقع لنا حديث أبي معاوية عاليا: أنبأنا الإمام تاج الدين أحمد بن علي القشيري - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا الإمام أبو الحسن علي بن هبة الله، أنبأنا الإِمام الحافظ أبو طاهر السلفي قراءة عليه، أنبأنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل، ثنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي، ثنا محمد بن يعقوب الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو معاوية به مرفوعا.

ص: 246

وقال ابن منده: هذا حديث مشهور عن الأعمش، ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم ويحيى بن سعيد عن شعبة جميعا عن الحكم بإسناده نحوه مرفوعا.

وأخرجه مسلم والجماعة، وتركه البخاري، وقد روي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن القاسم مرفوعا وموقوفا، وقد رفعه جماعة منهم سوى من تقدّم، وفي علل الخلال: قيل لغندر: كان شعبة رفعه؟ وقال: كان يرى أنّه مرفوع، ولكنه كان يهابه.

وقال يحيى: حديث القاسم في المسح صحيح، وهو ثقة شامي، وشريح ثقة كوفي، انتقل إلى الشام، ولما ذكر الحربي الاختلاف في رفعه ووقفه، قال: والقول قول شعبة والأعمش ومن وافقهما، وروي من حديث أبي ظبيان عن علي مرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، رواه تمام بن محمد الرازي في فوائده من حديث يسرة بن صفوان، ثنا أبو عمرو البزار حفص بن سليمان عن أبي حصين عن أبي ظبيان عنه، وقال الحافظ أبو الحسن في كتاب العلل: وسئل عنه، فقال: يرويه القاسم والمقدام بن شريح كلاهما عن شريح، فأمّا القاسم؛ فرواه عنه الحكم، واختلف عنه فأسنده عنه عمرو بن قيس الملائي، وزيد بن أبي أنيسة، وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية، وأبو خالد الدالاني، والقاسم بن الوليد الهمداني، وإدريس بن يزيد الأودي، واختلف عن الأعمش؛ فرواه أبو معاوية الضرير، وعمرو بن عبد الغفار عن الأعمش عن الحكم، ورفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفهما زائدة بن قدامة، وعلي بن غراب، وأحمد بن بشير عن الأعمش، فوقفوه على علي ولم يرفعوه، وروي عن أزهر السّمّان عن ابن عون، وعن سليمان التيمي عن الأعمش مرسلا وموقوفا

ص: 247

أيضا، ورواه ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وحجاج بن أرطاة عن الحكم، رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الأجلح ومالك بن مغول وأبو حنيفة عن الحكم موقوفا، واختلف عن شعبة؛ فرواه يحيى بن سعيد القطان عنه مرفوعا، وتابعه أبو الوليد من رواية أبي خليفة عنه، وقال غندر عن شعبة: إنه كان يرفعه، ثم شك فيه، وأما أصحاب شعبة الباقون، فرووه عن شعبة موقوفا، ورواه ليث بن أبي سليم عن الحكم، فأسقط منه القاسم بن مخيمرة، واختلف عن ليث؛ فرواه شيبان عنه عن الحكم عن شريح عن عليّ عن بلال، وخالفه معتمر؛ فرواه ليث عن الحكم، وحبيب عن شريح عن بلال لم يذكر عليا، وذكر بلال في حديث شريح وهم من ليث باتفاق أصحاب الحكم على ترك ذكره، ولموافقة أصحاب شريح لترك ذكره، وروى هذا الحديث أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه؛ فرواه الثوري عن أبي إسحاق عن القاسم عن شريح عن علي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعه حماد بن شعيب عن أبي إسحاق،، فرووه عن مالك بن مغول وإسرائيل وزهير وأبي عوانة عن أبي إسحاق، فرفعه أيضا، وخالفه أصحاب زهير وإسرائيل فرووه عنهما عن أبي إسحاق موقوفا، وكذلك رواه أبو الأحوص ويونس بن أبي إسحاق والحسن بن صالح ويزيد بن أبي زياد عن أبي إسحاق موقوفا، وقد سمعه أيضا يزيد بن أبي زياد من القاسم بن مخيمرة موقوفا أيضا، ورفعه ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد، ووقفه غيره أيضا عنه، ورواه الحسن بن الحر عن القاسم، فرفعه عنه محمد بن أبان.

ووقفه زهير، ورواه عبدة بن أبي لبابة عن القاسم عن شريح عن علي موقوفا، ورواه المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن علي، فاختلف عنه فرفعه عنه شريك وشعبة من رواية أبي قتادة الحراني وحده عنه، ووثقه عنه مسعر، ورواه عبد الملك

ص: 248

ابن أبي سليمان عن ابن شريح بن هانئ، ولم يسمعه عن أبيه عن علي مرفوعا، وقيل: إن الذي روى عنه عبد الملك هو محمد بن شريح بن هانئ أخو المقدام، ورواه العباس بن ذريح عن شريح عن علي موقوفا أيضا، ورفعه صحيح؛ لاتفاق أصحاب الحكم الحفاظ الذين قدمنا ذكرهم من الحكم على رفعه، والله تعالى أعلم.

70 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون، عن خزيمة بن ثابت، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثا، ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا.

71 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت إبراهيم التيمي يحدّث عن الحارث بن سويد عن عمرو بن ميمون، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أيام - أحسبه قال: - ولياليهن للمسافر في المسح على الخفين.

هذا حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، ثنا أبو خيثمة عن جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عمرو، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة، قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح ثلاثا، ولو استزدناه لزادنا.

وفي حديث أبي نعيم، ثنا سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم: جعل عليه الصلاة والسلام المسح على الخفّين ثلاثة أيام للمسافر، ويوما وليلة للمقيم، ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا.

وفي حديث أبي عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم: أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح، فقال: للمسافر ثلاثا، وللمقيم يوما وليلة.

ص: 249

وفي مسند البغوي الكبير، ثنا أبو معاوية، ثنا الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن هرم - أو قال: هرمي - عن خزيمة العنسي، مرفوعا: يمسح المسافر على خفيه ثلاثة أيام، والمقيم يوما وليلة.

ولما رواه أبو الحسن في الأفراد من حديث أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة، قال: غريب من حديث أبي بشر جعفر بن إياس عن أبي معشر.

تفرد به روح بن عطاء بن أبي ميمونة، وغريب من حديث القاسم بن الوليد عن الحارث.

تفرد به عبيدة بن الأسود بن سعيد عنه، ورواه الشعبي، وتفرد به أبو حاتم سويد بن إبراهيم عن حماد عنه، وتفرد به الكرماني بن عمرو عنه، وغيره يرويه عن حماد عن إبراهيم، وله أصل عن الشعبي، ورواه ذؤاد بن علبة عن مطرف عن الشعبي عنه، وتفرّد به ذؤاد عن مطرف، ورواه عمرو بن صالح عن حماد، وهو غريب من حديث هشام بن حسان عنه.

تفرّد به عنه عمرو بن حمدان، ورواه عمرو بن ميمون عن الجدلي، وتفرّد به ابن عينية عن عمر بن سعيد الثوري عن أبيه سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو، ورواه حماد عن إبراهيم، وتفرّد به أبو حمزة السكري عن رقبة عنه، ورواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة من حديث الحكم عنه، وهو غريب من حديثه.

تفرّد به عبد العزيز بن المطلب عن ابن أبي ليلى عن الحكم عنه، وقال أبو عيسى: وخرجه من حديث أبي عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم: هذا حديث حسن صحيح، وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة في المسح، قال: وروى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة، ولا يصح.

قال ابن المديني: قال يحيى: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم من أبي عبد الله

ص: 250

الجدلي حديث المسح، وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي، فحدّثنا التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح، وقال في كتاب العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا يصح عندي حديث خزيمة في المسح؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة بن ثابت، وحديث عمرو بن ميمون عن الجدلي هو أصح وأحسن.

ثنا القاسم أبو محمد، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا ذؤاد بن علبة عن مطرف عن الشعبي عن الجدلي عن خزيمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.

سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: إنّما روى هذا الحديث ذؤاد عن مطرف عن الشّعبي، ولا أرى هذا الحديث محفوظا، ولم يعرفْه إلا من هذا الوجه.

ورواه الإِمام أحمد عن وكيع عن سفيان عن حماد، ومنصور عن إبراهيم عن الجدلي عن خزيمة، قال عبد الله: قال أبي: هذا خطأ؛ كأنه أراد الخطأ في رواية منصور عن إبراهيم على هذا الوجه، لا في رواية حماد؛ فإن الصحيح في حديث منصور رواية عمرو بن ميمون - يعني: ما قدّمناه - زاد الخلال: قال أبو عبد الله: فلم يستزيدوه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزد.

وخرّجه ابن الجارود في كتاب المنتقى من حديث الحكم وحماد عن إبراهيم، وقال الطوسي في كتاب الأحكام: ورواه من حديث المبارك بن سعيد أخي سفيان عن إبراهيم عن أبي عبد الله، فقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأعلّ ابن حزم خبر خزيمة بالجدلي، قال: كان حامل راية المختار، ولا يعتمد على روايته، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أباح

ص: 251

المسح أكثر من ثلاث، ولكن في الخبر من قول الراوي: ولو تمادى السائل لزادنا، ولم يتماد فلم يزدهم شيئا، وبنحوه قال البيهقي والخطابي، وفي موضع آخر قال البيهقي: إسناده مضطرب، وفي علل ابن أبي حاتم: رواه سعيد بن مسروق، وسلمة بن كهيل، ومنصور، والحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن عمرو بن ميمون. ورواه الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وأبو معشر، وشعيب بن الحبحاب، والحارث العكلي عن النخعي عن الجدلي، فقال أبو زرعة: الصحيح من حديث إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي، والصحيح من حديث النخعي عن الجدلي بلا عمرو بن ميمون.

وفي معجم الطبراني الأصغر ما يعكر على هذا القول، وذلك أنه رواه من حديث أسيد بن عاصم، ثنا عبد الله بن رجاء الغداني، ثنا شعبة عن الحكم، وحماد ومغيرة، ومنصور عن إبراهيم النخعي عن الجدلي، وقال: لم يروه - يعني: هكذا - إلا ابن رجاء، تفرد به أسيد.

وفي كتاب الأحاديث المعللة لعلي ابن المديني رواية الباغندي: ثنا سفيان، ثنا منصور، عن إبراهيم التيمي، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.

قال علي: ذهب عني هذه المرة رفع هذا الحديث، ولكن سفيان قال فيه: ثنا منصور، قال علي: قيل لسفيان فيه: والمقيم يوم وليلة؟ قال: هكذا أنبأنا منصور، قال علي: فروى هذا الحديث سفيان وجرير وعبد العزيز، كلهم عن منصور عن

ص: 252

إبراهيم، فأسندوا إسنادا واحدا، وتابع سعيد بن مسروق منصورا على إسناده، وزاد فيه: وللمقيم يوما وليلة، قاله سلمة بن كهيل عن إبراهيم، فأدخل بين عمرو وإبراهيم الحارث بن سويد، وترك بين عمرو وبين خزيمة أبا عبد الله الجدلي، وروى سفيان هذا الحديث عن سلمة بن كهيل، فخالف شعبة، وإسناد منصور وسعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل عن التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله، قال: يمسح المسافر ثلاثا. وقال الحارث بن سويد: ما أخلع حتى آتي فِراشي.

قال علي: وزاد الأعمش كلام الحارث هذا، فأخره في آخر الحديث: ثنا حماد بن أسامة، قال الأعمش عن إبراهيم: سألت الحارث بن سويد عن المسح على الخفين، فقال: امسح، قال: قلت: وإن دخل الخلاء؟ قال: وإن دخل الخلاء في يوم عشر مرات.

؛ فحدثنا يحيى بن آدم، ثنا يزيد بن عبد العزيز، ثنا إبراهيم، قال: سمعت الحارث، قال علي: وروى هذا الحديث يزيد بن أبي زياد، فخالفهم فيه جميعا، انتهى.

وكذا قاله الطبراني في الأوسط والبيهقي، وهو إسناد مضطرب رجع، نا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عمر، قال: يمسح المسافر على الخفين ثلاثا.

قال علي: فلما اضطرب هذا الحديث من حديث التيمي، واختلفوا عنه في إسناد أردت أن أعلم من رواه من طريق خزيمة؛ لأنه أصل من الأصول.

ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان، حدثني حماد عن إبراهيم عن الجدلي عنه؛ فلما روى هذا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي، وسقط على منصور والأعمش، وهما صاحبا إبراهيم، فأحببت أن أعلم هل وعاه أحد من إبراهيم

ص: 253

النخعي، فوجدته عن الحكم بن عتيبة وأبي معشر، ووجدناه من حديث الشّعبي عن الجدلي، ثنا به شهاب بن عباد، ثنا ذؤاد بن علبة عن مطرف عنه، ورواه أبو بكر وعثمان، ابنا أبي شيبة عن وكيع، ثنا سفيان عن منصور والأعمش ومغيرة عن إبراهيم عن الجدلي عن خزيمة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على خفيه.

وفي حديث الملائي عن حماد: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين، ثم نظرنا، فإذا هشام بن حسان يحدّث به عن عمرو بن صالح عن حماد عن إبراهيم عن الجدلي، ثم نظرنا فإذا علي بن الحكم يُحدِّث به عن حمّاد، ثم نظرنا فإذا هشام يحدث به عن شعيب بن الحبحاب عن إبراهيم، ثم نظرنا، فإذا قتادة يحدّث به عن الجدلي، وأنكرنا أن يكون قتادة سمع من الجدلي، ثناه محمد بن مرزوق، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة عن الجدلي، وحدثني محمد بن حرب، ثنا عاصم بن علي، ثنا همام عن قتادة، أن الجدلي حدّث عن خزيمة، فعلمنا أنّ قتادة لم يسمع من الجدلي؛ لأن هماما قال عن قتادة أن الجدلي: ثم أحببت أن أعلم أن قتادة حدّث به عن أحد، فنظرنا، فإذا قتادة يحدّث به عن أبي معشر عن إبراهيم، ثم أحببت أن أعلم أنّ أحدا وافق عمرو بن عاصم عن همام، فنظرنا فإذا ابن أبي عروبة قد وافقه، وأحببت أن أعلم هل أحد رواه عن أبي معشر عن قتادة، فنظرنا، فإذا قد رواه أبو بشر عن أبي معشر عن إبراهيم، ثم نظرنا، فإذا الحارث العكلي يحدّث عن إبراهيم عن الجدلي، انتهى.

ص: 254

وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن العكلي إلا القاسم بن الوليد، ولا عن القاسم إلا عبيدة.

تفرد به عبد الله بن عمر بن أبان رجع، ثم نظرنا فإذا سفيان قد حدّث به عن منصور عن إبراهيم، وإنما حدِّث به عن سفيان عن أبيه، ثم نظرنا، فإذا الحسن بن عبيد الله يحدّث به عن التيمي عن عمرو عن الجدلي، ثم نظرنا، فإذا عمرو بن ميمون يحدّث عن أبي بردة، ثنا علي بن مسلم المؤدب، ثنا يحيى بن يعلى المحاربي، ثنا زائدة، قال منصور: كنّا في حجرة إبراهيم ومعنا التيمي، فذكرنا المسح على الخفين، فقال التيمي: ثنا عمرو بن ميمون عن أبي بردة بهذا الحديث عن أبيه، قال: جعل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ولو استزدناه لزادنا، ثم نظرنا، فإذا عمرو بن ميمون يحدّث به عن علي بن ربيعة الأسدي عن الجدلي، ثم نظرنا، فإذا الحكم يحدّث به عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة: ثنا عبد الله بن سعد بن إبراهيم الزهري، ثنا عمي يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا عبد العزيز بن المطلب عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن به، فأحببت أن أعلم أن أحدا روى عن عبد العزيز بن المطلب غير يعقوب، فنظرنا فإذا سليمان بن بلال يحدّث به عن عبد العزيز، وكفى بسليمان بن بلال، قال - يعني: الباغندي -: حدّثني محمد بن المطلب بن عبد الله بن سالم، ثنا أحمد بن خضر، ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن صالح عن حماد عن إبراهيم عن الجدلي، حدثني محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا أيوب بن سليمان بن بلال، ثنا أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد العزيز بن المطلب عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة، قال - يعني: ابن المديني -: ثم أحببت أن أعلم عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدّث عن خزيمة بن ثابت بشيء، فنظرنا فإذا السدي قد حدّث عن عبد الرحمن عن خزيمة، قال - يعني: الباغندي -، ثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ثنا عمر بن طلحة القناد، ثنا أسباط بن نصر السدي عن

ص: 255

عبد الرحمن، قال: كنت بصفين، فرأيت رجلا راكبا متلثما، قد أخرج لحيته من تحت عمامته، فرأيته يقاتل الناس قتالا شديدا يمينا وشمالا، فقلت: يا شيخ، تقاتل الناس يمينا وشمالا، فحسر عن عمامته، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل مع من قاتل عليا.

وأنا خزيمة بن ثابت، ورواه النيسابوري في الأبواب عن أحمد بن منصور، ثنا يزيد بن أبي حكيم عن سفيان عن سلمة عن التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود، قال: ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم.

ورواه في الأوسط من حديث جعفر بن أبي وحشية عن أبي معشر، عن إبراهيم، وقال: لم يروه عن أبي معشر إلا روح بن عطاء بن أبي ميمونة، تفرّد به أزهر بن مروان.

ومن حديث عمرو بن عبيد عن أبي معشر عن إبراهيم، وقال: لم يروه عن عمرو إلا عمر بن أبي عثمان الواسطي.

وروى الحسن بن رشيق عن علي بن سعيد، عن أبي كريب، عن بكر بن عبد الرحمن بن عيسى بن المختار، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن

ص: 256

جابر، عن خزيمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح: إذا أدخل قدميه وهما طاهرتان.

وقال في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي إلا عمار بن رزيق، ورواه الثوري وأخوه عمر بن سعيد وأبو عوانة وأبو الأحوص وغيرهم عن سعيد بن مسروق عن عمرو بن ميمون عن الجدلي، انتهى.

أمّا ما أعلّه به أبو محمد بن حزم فليس بعلّة؛ لأنّ أبا عبد الله الجدلي معروف بالثقة والعدالة، فممن وثّقه الإِمام أحمد وابن معين والبستي، ولم أر فيه طعنا لمتقدم، وكونه كان حاملا راية المختار لا ضرر عليه فيه؛ لأنه قد ذكر مثل ذلك عن أبي الطفيل، ولم يضره أيضا، وسببه أنّ المختار كان أوّل خروجه يظهر الأخذ بثأر الحسين رضي الله عنه فلهذا تبعه من تبعه من القراء الكبار، وقد حكى الطبري أن من جملة من كان قائما بأمره أخته صفية زوج عبد الله بن عمر، وأن عبد الله كان يشفع له عند الأمراء، وكذلك الشعبي، وأما زيادة من زاد: عمرو بن ميمون، والحارث بن سويد، فالحكم لهم.

وأمّا سقوطهما فلا يضر أيضا لمعرفتنا بأنهما هما؛ لثقتهما وعدالتهما؛ لأنّ مقتضى المشهور من حكم المحدّثين أن يحكم بالزيادة، ويجعل ما بين إبراهيم وعمرو منقطعا؛ لأن الظّاهر أنّ الإنسان لا يروي حديثا عن رجل عن ثالث، وقد رواه عن ذلك الثالث لقدرته على إسقاط الواسطة، لكن إذا عارض هذا الظاهر دليل أقوى منه عمل به، كما فعل في أحاديث حكم فيها بأنّ الراوي علا، ونزل في حديث واحد، فرواه على الوجهين، وفي هذا الحديث قد ذكرنا زيادة زائدة، وهي أنّ التيمي قال: ثنا عمرو بن ميمون، فصرح بالتحدّيث، فمقتضى هذا التصريح لقائل أن يقول: لعلّ إبراهيم سمعه من عمرو، ومن الحارث بن سويد عنه، ووجه أخر: وهو أن يقال: إن كان متصلا فيما بين التيمي وعمرو فذاك، وإن كان منقطعا فقد

ص: 257

تبيّن الواسطة، وهو من أكابر الثقات، وأمّا من أعله برواية يزيد بن أبي زياد فتعليل ضعيف؛ لأنه إنّما تعلل روايةٌ روايةً إذا اتحدا في الصحة، وحديث يزيد ليس كذلك، وأمّا تعليل البخاري الحديث بانقطاع ما بين أبي عبد الله وخزيمة؛ فهي طريقة له مشهورة، هي ثبوت السماع للراوي من المروي عنه ولو مرة. وقد أطنب مسلم في ردِّ هذه المقالة، واكتفى بإمكان اللقاء، وإلى هذا نحا البستي ومن تابعه في تصحيحه، وذلك أنّ خزيمة توفي بصفين، وسن الجدلي إذ ذاك سن الرجال على ما ذكره الطبري وغيره، ولما عضد حديث التيمي عن الحارث بن سويد من شواهد ومتابعات، والله أعلم.

من ذلك: حديث عوف بن مالك الأشجعي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيّام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم.

أنبأنا به ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا العلامة أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي، أنبأنا الحافظ أبو طاهر السلفي، قراءة عليه، أنبأنا الرئيس أبو عبد الله، ثنا هلال بن محمد بن جعفر، ببغداد، ثنا الحسين بن يحيى بن عياش، ثنا إبراهيم بن محشر، ثنا هشيم عن داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس، ثنا عوف بن مالك به، قال عبد الله: سمعت أبي حين حدّث بحديث عوف: هذا من أجود حديث في المسح على الخفين؛ لأنه في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وآخر فعله، وسبق تحسين البخاري له.

وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن عوف إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشيم.

وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: في المسح على الخفين: للمسافر ثلاثة أيام

ص: 258

ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة.

رواه أبو عيسى في كتاب العلل عن محمد بن حميد، ثنا زيد بن حباب عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، وقال: سألت محمدا عنه، فقال: عمر بن أبي خثعم منكر الحديث ذاهب، وضعف حديث أبي هريرة في المسح.

وقد تقدّم ذكره في الباب قبل، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: ثنا وكيع عن جرير بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو عنه، ولفظه: إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاثا للمسافر، ويوما للمقيم، وجرير متروك الحديث منكره، وحديث عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالمسح على الخفين: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة.

رواه أبو يعلى الموصلي عن أبي كريب، ثنا زيد بن حباب، ثنا خالد بن أبي بكر - هو العمري -، ثنا سالم عن ابن عمر عنه، وبنحوه رواه الدارقطني.

وحديث أبي بكرة نفيع عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنّه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوما وليلة، إذا تطّهر ولبس خفيه فليمسح عليهما.

رواه ابن الجارود في منتقاه، وابن حبان في صحيحه عن الخليل بن محمد الواسطي، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا المهاجر بن مخلد، عن عبد الرحمن بن أبي

ص: 259

بكرة عن أبيه، وقال الترمذي، عن محمد: وحديث أبي بكرة حسن، وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن صحيح.

وخرجه البيهقي في سننه عن أبي عبد الله الحافظ، وأبي سعيد بن أبي عمرو، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عفان، عن زيد بن حباب، عن عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وهو أجل إسنادا من سند ابن حبان، لمكان الحذاء بدل المهاجر إلا أنّ البيهقي قال: وهذا الحديث رواه جماعة عن عبد الوهاب الثقفي عن المهاجر، ورواه زيد بن حباب عنه عن خالد؛ فإمّا أن يكون غلطا منه أو من الحسن بن علي، وإمّا أن يكون عبد الوهاب رواه على الوجهين جميعا، ورواية الجماعة أولى أن تكون محفوظة، وحديث صفوان بن عسال المرادي: قال ابن حبان: أنبأنا محمد بن إسحاق بن خزيمة بخبر غريب، ثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع، قالا: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن عاصم عن زر، قال: أتيت صفوان بن عسال، فقال: ما جاء بك؟ فقلت: أنبط العلم.

قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضى بما صنع، قال: جئت أسألك عن المسح على الخفين، قال: نعم، كنا في الجيش الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول.

وفي كتاب الأفراد، وذكره مُطوّلا، ولفظه: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على جيش، فأمرني أن

ص: 260

أجعل للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.

وفي الرابع من انتقاء الدارقطني على أبي الطاهر الذهلي، ثنا أبو أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو موسى الهروي، ثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد، ثنا أبي، عن جدّي، عن زر، فذكره بلفظ: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة من نوم أو غائط أو بول إلا من جنابة.

وقال أبو علي الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي في كتاب الأحكام من تأليفه، فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال أبو نعيم: ورواه من حديث أبي جناب الكلبي عن طلحة بن مصرف، أنّ زِر بن حبيش أتى صفوان، فقال: ما غدا بك؟ الحديث، رواه الجم الغفير عن عاصم عن زر، وحديث طلحة تفرّد به يحيى بن فضيل عن الحسن بن صالح.

وقال الدارقطني في كتاب السنن: ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا، قال: وحدثني علي بن إبراهيم بن عيسى، سمعت ابن خزيمة يقول: ذكرت للمزني خبر عبد الرزاق هذا، فقال: حدث به أصحابنا؛ فإنه ليس للشافعي حجة أقوى من هذا، يعني: قوله: أدخلناهما على طهر.

وقال الترمذي: سألت محمدا، فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح؟ قال: حديث صفوان.

وأشار أبو عمر بن عبد البرّ إلى حسنه، ورواه النيسابوري عن محمد، ثنا عفان، ثنا عبد الواحد،

ص: 261

وثنا محمد، ثنا عبيد الله ابن عائشة، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا أبو روق عطية بن الحارث، ثنا أبو الغريف عبيد الله بن خليفة عن صفوان به، وثنا محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة، ثنا أبو أسامة، ثنا أبو روق به.

وذكر ابن السكن أن الصعق بن حزن رواه عن علي بن الحكم عن المنهال بن عمرو عن زر عن ابن مسعود، قال: جاء رجل من مراد، يقال له: صفوان، وذكر هذا الحديث، ولم يتابع عليه، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث عمرو بن مرة عن صفوان، ثم قال: لم يروه عن عمرو إلا أبو كيران الحسن بن عقبة المرادي، تفردّ به عبد الحميد، ومن حديث حذيفة بن أبي حذيفة الأزدي عن صفوان، وقال: لم يروه عن حذيفة إلا الوليد بن عقبة بن نزار العبسي. تفردّ به زيد بن الحباب.

وحديث ابن عباس ذكره النيسابوري في كتاب الأبواب، ثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا شعبة، ثنا قتادة، عن موسى بن سلمة، قال: سألت ابن عباس، قلت: أكون بمكة، كم أصلي؟ قال: ركعتين، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وسألته عن صيام ثلاثة أيام كل شهر، فقال: البيض، كان عمر يصومها، وسألته عن المسح على الخفين، فقال: ثلاثة أيام للمسافر، ويوم للمقيم، فذكرت ذلك لعكرمة، فقلت: إنا نصيب السبايا، أفأعتق عن أمي؟ فقال: نعم. قال: فسألته عن ماء البحر، فقال: هو أحد البحرين.

قال النيسابوري: هذا حديث تام حسن، أنبأنا محمد بن إسماعيل الصائغ، ثنا مكي بن إبراهيم، ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، فذكر المسح، وقد سبق ذكره مرفوعا في الباب

ص: 262

قبله، وتقدّم أيضا في باب الوضوء بماء البحر، وأن الحاكم صححه، وقال الدارقطني: وقفه الصواب.

وحديث يعلى بن مرّة، قال: كنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ننزع خفافنا ثلاثا، وإذا أقمنا يوم وليلة.

رواه ابن زياد عن أحمد بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل، ثنا مروان بن معاوية، ثنا عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جدّه، ورواه الطبراني في الكبير عن عبدان عن عمرو بن عثمان الحمصي عن مروان، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة الثقفي عن أبيه عن جدّه به، وقال عقبة: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا سهل بن زنجلة، ثنا الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه، وعن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسح على الخفين: للمسافر ثلاثا، وللمقيم يوم وليلة.

ولفظ عبد الغني بن سعيد في كتاب الإيضاح: كُنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ننزع خفافنا ثلاثا، فإذا شهدنا فيوم وليلة. وحديث عمرو الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسح على الخفين: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة.

ذكره صاحب الأبواب عن محمد بن إسحاق الصغاني، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا قدامة بن موسى عن الزبرقان عن عبد الله بن عمرو بن أمية عن أبيه، وقد تقدّم من حديثه في الصحيح من غير ذكر التوقيت.

وحديث ابن عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.

رواه أبو القاسم في الأوسط عن عبدان بن محمد المروزي، ثنا قتيبة بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن عن الحسن القصاب عن نافع عنه، وقال: لم يروه عن نافع إلا الحسن، وحديث البراء بن

ص: 263

عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين.

أنبأنا به المشائخ المسندون أبو عبد الله محمد بن عبد الحميد وأبو بكر عبد الله بن علي، وأبو العباس أحمد بن عبد المحسن العدوي، قال الأولان: أنبأنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن داود، وقال الآخر: أخبرنا، قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير، أنبأتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا أبو القاسم، أنبأنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا موسى بن الحسين السلولي، ثنا الصبي بن الأشعث عن أبي إسحاق عنه.

ولما خرجه الطبراني في الأوسط قال: لم يروه عن أبي إسحاق إلا الصبي بن الأشعث، تفرد به السلولي. وحديث أبي مريم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، وقال: للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوما وليلة.

رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة عن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن محمد بن المسيب عن عاصم بن المغيرة عن عبد الرحمن بن عمرو - يعني ابن جبلة - عن خالد بن عاصم، ثنا بريد بن أبي مريم عن أبيه، ثم قال: مالك بن ربيعة السلولي، يكنى أبا مريم والد بريد شهد الشجرة، وسكن الكوفة.

وحديث مالك بن سعد، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام ليلته، وسألته عن المسح على الخفين، فقال: ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم.

رواه أبو نعيم عن محمد بن سعد البارودي، ثنا عبد الله بن محمد البصري

ص: 264

الجمري، ثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، حدثتنا مليكة بنت الحارث المالكية من بني مالك بن سعد، قالت: حدثني أبي عن جدّي مالك بن سعد، وقال أبو نعيم: مالك مجهول، وعداده في أعراب البصرة.

وحديث يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم: رخص للمسافر في المسح على الخفين والعمامة: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام، وأنه نهى عن الصرف.

ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، فقال: سألت أبي عن حديث رواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن الهيثم بن قيس عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه عن جدّه، فقال أبي: هذا منكر، ثنا به قرة بن حبيب، فلم يذكر العمامة، وليس ليسار صحبة.

وحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاث، وللمقيم يوم وليلة، أنبأنا به الإمام المسند المعمر أبو الحسن علي بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا الإمام العلامة أبو الحسين المقرئ، أنبأنا أبو الطاهر الشفيقي، قراءة عليه، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الشافعي، قراءة عليه، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن عليّ الفارسي، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن الناصح، ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا سعيد بن ميسرة به، وأنبأنا به المسند المعمر عبد المحسن بن الصابوني - رحمه الله تعالى - قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا جدي أبو حامد، أنبأنا أبو القاسم الأنصاري، أنبأنا أبو الحسن علي بن المسلم، أنبأنا أبو نصر بن طلاب، أنبأنا ابن جميع الغساني، أنبأنا عدي الأذني بن أحمد، أنبأنا عمي يحيى بن عبد الباقي، ثنا العباس

ص: 265

ابن أبي طالب، ثنا حفص بن عمر، ثنا مالك عن الزهري عنه به، وفي كتاب طبقات الموصل من حديث غسّان بن الربيع، ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء وعليه خفان أبيضان من جلود الظباء فتوضأ، ومسح عليهما، والله أعلم.

وحديث ابن مسعود: ما زلنا نمسح مع النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة. رواه البزار مرفوعا من حديث سليمان بن يسير، وفيه ضعف.

ورواه ابن أبي شيبة موقوفا بإسناد صحيح عن ابن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عنه به، وحديث المغيرة بن شعبة قال: آخر غزاة غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نمسح على خفافنا: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، ما لم نخلع.

رواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي بن إبراهيم بن مهدي المصيصي عن عمر بن رديح عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي بردة عنه.

وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: وسألت أبي عن حديث رواه هشيم عن داود بن عمرو، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال بتبوك: المسح للمسافر ثلاثا، وللمقيم يوما وليلة.

ورواه الوليد بن مسلم عن إسحاق بن يسار، عن يونس بن حلبس، عن أبي

ص: 266

إدريس، قال: سألت المغيرة عما حضر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: حضرته ومسح على خفيه، قال أبي: داود بن عمر ليس بالمشهور، وكذلك إسحاق، ولم يرو عنه غير الوليد، ولا نعلم روى أبو إدريس عن المغيرة شيئا سوى هذا الحديث.

ويحتمل أن يكون سمع من عوف ومن المغيرة، فإنّه من قدماء تابعي أهل الشّام، وله إدراك حسن.

وحديث أبي زيد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده لا بأس به، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: يمسح المسافر على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، أنبأتنا به المسندة المعمرة أم عبد الرحمن رقية ابنة القشيري الحافظ، أنبأنا عبد العزيز عن أبي محمد عبد البر بن الحافظ أبي العلاء الهمذاني، أنبأنا أبي، قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا أبو حفص الخطابي، أنبأنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن عنه.

وحديث جابر بن سمرة قال: ما أبالي لو لم أنزع خفي ثلاثا.

رواه هكذا موقوفا ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي داود عن شعبة عن سماك، قال: سمعت جابرا، وذكره البيهقي مسندا. وحديث أبي مسعود البدري وعمار ذكرهما البيهقي وأبو عمر بن عبد البر.

ص: 267

‌باب ما جاء في المسح بغير توقيت

72 -

حدثنا حرملة بن يحيى، وعمرو بن سواد المصريان، قالا: ثنا عبد الله بن وهب، أنبأنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن أيوب بن قطن، عن عبادة بن نسي، عن أبي بن عمارة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى في بيته القبلتين كلتيهما، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يومين، قال: وثلاثا حتى بلغ سبعا، قال له: وما بدا لك.

هذا حديث لما رواه أبو داود عن يحيى بن معين، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا يحيى بن أيوب، عن ابن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب، عن أبي بلفظ: أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوما؟ قال: يومين؟ قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت، قال: ورواه ابن أبي مريم عن يحيى بن عبد الرحمن عن محمد عن عبادة عنه، قال فيه: حتى بلغ سبعا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما بدا لك.

قال: وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي، كذا هو في روايتنا من طريق اللؤلئي، وفي كتاب ابن العبد: وقد اختلف على يحيى بن أيوب، فذكره، ومعناه قاله البخاري، وفي موضع آخر: إسناده ليس بالقوي.

وفي كتاب العلل للخلال: قال أبو زرعة: سألت أحمد عن هذا الحديث: أيجب العمل به؟ قال: يعني: رجاله لا يعرفون، وفي تاريخ دمشق للنصري: سمعت أبا عبد الله يقول: حديث أبي بن عمارة ليس بمعروف الإسناد، قال أبو زرعة: فناظرت أبا عبد الله في حديثه - يعني: حديث أبي - فلم يقنع به، وقال ابن حبان - وذكر أبيا -: إلا أني لست أعتمد على إسناد خبره.

ص: 268

وقال أبو الفتح الأزدي: لا يحفظ أن أحدا روى عن أبي إلا أيوب بن قطن، وحديثه ليس بالقائم، وفي متنه نظر، وفي إسناده نظر، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما يأتي من أنّ عبادة بن نسي روى عنه أيضا، وقال ابن بنت منيع - وذكر هذا الحديث -: لا أعلمه روى غيره، وقال غير ابن أبي مريم: ابن عبادة، وقال في موضع آخر: وقد اختلف في اسمه، وقال أبو الحسن الدارقطني: وهذا إسناد لا يثبت، وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا، وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد وأيوب مجهولون كلهم، وقد بينته في موضع آخر، وذلك الموضع لم أر له ذكرا في العلل، وذكره في كتاب المختلف، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت عمارة القبلتين.

وقال أبو محمد بن حزم: هذا خبر ساقط لا يصح، فيه يحيى بن أيوب الكوفي وآخر، وهما مجهولان، ولا يصح خلاف التوقيت أيضا عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط، وقال أبو الفرج في العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح، وقال ابن الأثير: لأبي حديث واحد، وهو معلول، وفي إسناده اضطراب، وهو غير مشهور، وقال عبد الغني بن سرور: في إسناد حديثه جهالة واضطراب، وقد اختلف في اسم أبيه، فقيل: عَمارة، وقيل: عِمارة، وقيل: عُبادة، وعداده في المدنيين، سكن مصر، ولما ذكره الجوزقاني قال: هذا حديث باطل منكر، ومداره على يحيى بن أيوب، ولما ذكره أبو الحسن بن القطان قال: علّته هي أنّ هؤلاء الثلاثة - يعني: عبد الرحمن بن رزين، فمن بعده - مجهولون، وقال الموصلي أيضا: أيوب بن قطن

ص: 269

مجهول، وذكر حديثه هذا والاختلاف فيه، وقال: كلّ لا يصح، ومحمد بن يزيد هو ابن أبي زياد صاحب حديث الصور، وقال فيه أبو حاتم: مجهول، وعبد الرحمن أيضا لا تعرف له حال، فهو مجهول، ويحيى مختلف فيه، وهو ممن عيب على مسلم إخراج حديثه.

وأما الاختلاف عليه الذي أشار إليه أبو داود والدارقطني، فيتحصل عنه أربعة أقوال نذكرها مجملة، وذلك أنه روي عنه عن ابن رزين عن محمد عن أيوب عن أبي، ويروى عنه عن ابن رزين عن محمد عن عبادة عن أبي، ويروى عنه عن ابن رزين عن محمد عن أيوب عن عبادة عن أبي، ويروى عنه هكذا إلى عبادة بن نسي، ثم لا يذكر أبيا؛ لكن يرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قول خامس، لكنه لم يتصل لي سنده، فلم أجعله ممّا تحصّل فيه، وهو ما أشار إليه ابن السكن، ولم يوصل به إسناده، إنما قال: ويقال أيضا: عن يحيى عن عبد الرحمن عن محمد عن وهب بن قطن عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

وقال ابن عبد البر في كتاب الاستذكار: حديث أبي لا يثبت، وليس له إسناد قائم، ورواه أبو أحمد العسكري عن علي بن سعدان، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا يحيى بن معين، ثنا عمرو بن الربيع، أنبأنا يحيى بن أيوب، ثنا ابن رزين الغافقي، عن محمد بن زيد أو يزيد، فذكره، ثم قال: وقال بعضهم: ليس تصح له صحبة، وقال الطحاوي: والآثار قد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتوقيت في المسح، فليس ينبغي لأحد أن يترك مثل هذه الآثار المتواترة إلى مثل حديث أبي بن عمارة، وقال الخزرجي في كتابه التقريب: في إسناده اختلاف واضطراب، وقال أبو القاسم ابن عساكر: ورواه يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب مثل رواية عمرو بن الربيع،

ص: 270

وقال: أيوب بن قطن الكندي، ورواه سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب مثل رواية ابن وهب، ورواه إسحاق بن الفرات عن يحيى بن أيوب عن وهب بن قطن عن أبي، انتهى.

وهو قول سادس لم يذكره ابن القطان، وأما قول الطبراني في الأوسط: رواه جماعة عن يحيى بن أيوب، فلم يذكر عبادة بن نسي إلا سعيد بن عفير، فإنه جوده، ففيه نظر لما أسلفناه من رواية غيره كروايته، وزعم ابن عقدة في كتاب التفرد أنه مما تفرّد به أهل مصر.

وأبى ذلك الحافظ ابن يونس بقوله في تاريخه: ليس له في أهل مصر حديث، ويشبه أن يكون وهما، لما ذكره الإمام العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر من تأليفه في باب من دخل مصر من الصحابة، ممن روى عنه أهلها: أبي بن عمارة، ولهم عنه حديث واحد، وهو يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عنه، فذكر لفظ حديث أبي داود، ثم قال: ثناه سعيد بن عفير، وثناه عمرو بن سواد عن ابن وهب عن يحيى عن عبد الرحمن عن محمد عن أيوب عن عبادة عنه، ولم يذكر ابن عفير عبادة، وأما ما ذكره أبو الحسن بن القطان من أن مسلما عيب عليه إخراج حديث يحيى بن أيوب، فكلام يفهم منه تفرده بحديثه دون شيخه البخاري، وليس كذلك؛ لأن أبا الوليد الباجي ذكره في كتاب التعديل والتجريح، فقال: أخرج البخاري في الصلاة وتفسير سورة الأحزاب عن ابن جريج، وسعيد بن أبي مريم عنه، عن حميد ويزيد بن أبي حبيب، ثم قال: وقال أبو عبد الله: هو البخاري في الاستشهاد، ولمسلم في الرواية، انتهى.

وبنحو ما قاله أبو عبد الله: ذكره الكلاباذي في كتاب الإرشاد، ولئن كان كذلك فهو في اصطلاح الحاكم في المستدرك، وغيره يصدق عليه التخريج عنه لا سيّما لغة، وأما قوله: إنّ عبد الرحمن فمن بعده مجهول، فيشبه أن يكون وهما، وذلك

ص: 271

أنّ عبد الرحمن بن رزين، ويقال: ابن يزيد بن عبد الله الغافقي مولى قريش، روى عنه يحيى بن أيوب، وعبد الله بن المبارك، وابن وهب، ونافع بن يزيد، وعبد الله بن يحيى البرلسي.

ذكره ابن يونس في كتاب الغرباء، وقال: توفي في خمس وخمسين ومائة، وقال ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن رزين مولى قريش، روى عن سلمة بن الأكوع، قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه العطاف بن خالد ويحيى بن أيوب، وروى عن محمد بن يزيد صاحب حديث الصور، ولما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، قال: عداده في أهل الشام، روى عنه أهله، والعطاف.

وقال الحاكم: لم ينسب إلى ضعف، وعلى شرط أبي أحمد الجرجاني يكون ثقة، لكونه لم يذكره في كامله، ومحمد بن يزيد لم أر أحدا نسبه إلى ضعف، كما قاله أبو عبد الله بن البيع، وغاية ما قال فيه البخاري: روى عنه إسماعيل بن رافع حديث الصور مرسل، ولم يصح، وقال ابن يونس في الغرباء: روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وكان يجالسه، وحرملة بن عمران، ومن أهل الكوفة أبو بكر بن عيّاش، فهذا كما ترى قد خرج من الجهالة العينية، وأما الجهالة الحالية فيمكن أن تكون منفية بما ذكره الحاكم، فإنّه لما خرج هذا الحديث قال فيه: صحيح، ولم يخرجاه، وأبي صحابي معروف، وهو إسناد مصري، ولم ينسب واحد من رواته إلى جرح، وأمّا أيوب بن قطن فذكر عبد الرحمن أنه ابن ابن امرأة عبادة بن الصامت، أبو أبي ابن أم حرام، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقد أسلفنا رواية سادسة زائدة على ما ذكره ابن القطان، وسابعة ذكرها النيسابوري عن محمد عن أيوب عن ابن عبادة الأنصاري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت جدّه القبلتين، وبنحوه ذكره في المصنف.

ص: 272

وقد ورد لهذا الحديث شواهد تشده؛ فمن ذلك: حديث عقبة بن عامر، قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة، فدخلت المدينة يوم الجمعة، فدخلت على عمر، فقال لي: متى أولجت خفّك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا. قال: أصبت السنة.

خرّجه أبو الحسن الدارقطني، وهو في معنى المرفوع، لا سيّما من أبي حفص الفاروق، وقال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث غريب، وقال الدارقطني: وهو غريب صحيح الإسناد، وقال في العلل: وخالفهم عمرو بن الحارث والليث بن سعد ويحيى بن أيوب، فقالوا فيه: قال عمر: أصبت، ولم يقولوا: السنة، كما قال من تقدّمهم، وهو المحفوظ. ولما خرجه ابن البيّع في مستدركه، فذكر: السنّة، قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وله شاهد، وقال ابن منده: رواه أبو شُجاع وعمرو بن الحارث، فلم يذكرا السنة، وقوله: أصبت السنة زيادة مقبولة؛ لأنّ حيوة والفضل مقبولان عند الجماعة.

قال: وقد روي من جهة موسى بن علي عن أبيه نحوه، وقال: أصبت السنة، قال: فهذا موافق لرواية من تقدّم، وسبيله سبيل الصحة، قال الدارقطني: ورواه أيضا من طريق أسد بن موسى، ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن زبيد بن الصلت سمعت عمر يقول: إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة.

قال: وثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر، وثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال ابن صاعد: ما علمت

ص: 273

أحدا جاء به إلا أسد بن موسى، ولما خرجه الحاكم في مستدركه قال: وقد روي عن أنس مرفوعا بإسناد صحيح، رواته عن آخرهم ثقات، إلا أنه شاذ بمرة، وهو على شرط مسلم.

ثم ذكره من جهة المقدام بن داود الرعيني عن عبد الغفار بن داود الحراني عن حمّاد،،، وقوله: لم يروه أحد من ثقات أصحاب حماد، نظر؛ لما أسلفناه من حديث عبد الغفار، وأمّا قول المزِّي أنّ ابن ماجه خرّج حديثه عقب هذا في كتاب الطهارة عن أحمد بن يوسف عن أبي عاصم عن حيوة عن يزيد عن الحكم بن عبد الله البلوي عن علي بن رياح، فيشبه أن يكون وهما؛ لأنّي نظرت عدة نسخ من كتاب السنن، فلم أره، والله أعلم.

وكذا قول الحافظ القشيري بأن النسائي خرجه، قال: وهو حجة لمذهب مالك، فإني لم أره في كتاب السنن الكبير ولا الصغير، فلينظر، وزاد الجوزقاني، بأن قال: هذا حديث باطل منكر، وليس يصح عن عمر، والصحيح عن عمر مرفوعا: التوقيت.

ص: 274

وحديث ميمونة، وسألها عطاء عن المسح، فقالت: قلت: يا رسول الله، كل ساعة يمسح الإنسان على الخفين ولا يخلعها؟ قال: نعم.

رواه الدارقطني بإسناد صحيح لا علة فيه عن محمد بن مخلد، ثنا جعفر بن مكرم، ثنا أبو بكر الحنفي، وثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا الحنفي أبو بكر، ثنا عمر بن إسحاق بن يسار أخو محمد بن إسحاق، قال: قرأت كتابا لعطاء مع عطاء بن يسار، قال: سألت ميمونة، وفي هذا ردّ لما قاله أبو زرعة الدمشقي، قلت له - يعني: لأحمد -: فحديث عطاء بن يسار عن ميمونة؟ قال: من كتاب لتصريحه بقراءة الكتاب معه، فدلّ على سماعه له منه، والله أعلم.

وذكر أبو عمر بن عبد البر أنّ أبا حنيفة وأصحابه، وسفيان، والأوزاعي، والشافعي وأصحابه، وأحمد، وداود، والطبري، قالوا بالتوقيت، وقد روي عن مالك التوقيت في رسالته لبعض الخلفاء، وأنكر ذلك أصحابه، وروي التوقيت في المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، وروي عن عمر من طرق أكثرها من حديث أهل العراق بأسانيد حسان، وثبت ذلك عن علي، وابن مسعود، وسعد، على اختلاف عنه، وعمار، وأبي مسعود، والمغيرة، وغيرهم، وعليه جمهور التابعين وأكثر الفقهاء، وهو الاحتياط عندي.

وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون عمر قال ذلك؛ لأنه علم أنّ طريق عقبة الذي جاء منها طريق لا ماء فيها، فكان حكمها أن يتيمم، فسأله: متى عهدك بخلع خفيك إذا كان حكمك هو التيمم؟ فأخبره بما أخبره، وهذا الوجه أولى ما يحمل عليه هذا الحديث؛ ليوافق ما روي عن عمر بالأخبار المتواترة ولا يضاده، وقد روينا عن

ص: 275

غير عمر ما يوافق ما قلنا، قال أبو محمد بن حزم: وتعلّق مقلّدو مالك بأخبار ساقطة، لا يصح منها شيء، وبآثار عن الصحابة لا يصح منها أثر، ولا يصح خلاف التوقيت فيه عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط، ولا حجة فيه؛ لأن ابن عمر لم يكن عنده المسح ولا عرفه؛ بل أنكره حتى أعلمه به سعد، فلم يكن في علم المسح كغيره، وعلى ذلك فقد روي عنه التوقيت، انتهى كلامه. وقد أسلفنا قبل ما صح في الباب من الحديث وغيره، والله أعلم.

وبما يحتج به المالكيون قول الحسن، وقيل له: إن يزيد سار إلى السند، فلم يخلع له خفا حتى قدمها، فلم ير به بأسا، ذكره النيسابوري في الأبواب عن أبي الأزهر، ثنا روح، ثنا أشعث عنه، ثم قال: ثنا أبو الأزهر، ثنا روح، ثنا أشعث، عن الحسن، قال: المقيم والمسافر في المسح سواء، وعن الشعبي أنه كان لا يوقِّت في ذلك وقتا، وعن سعد بن أبي وقاص أنّه كان لا يُوقِّت، فيما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه، وكذلك أبو سلمة.

ص: 276

‌باب المسح على الجوربين والنّعلين

73 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.

هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه، فمن المصححين له: أبو حاتم البستي بذكره له في كتابه الصحيح، وأبو عيسى الترمذي بقوله: هو حسن صحيح، وذكره ابن حزم مصححا له ومحتجا به، وكذلك أبو الفرج في كتاب التحقيق، وقال الطوسي في أحكامه: يقال: هذا حديث حسن صحيح.

ومن المضعفين أبو داود؛ فإنّه قال إثر روايته: وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدّث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وروي هذا الحديث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بالمتصل ولا بالقوي، ومسح على الجوربين: علي، وابن مسعود، والبراء، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدّث أبي بهذا الحديث، فقال: ليس يروى إلا من حديث أبي قيس وأبي عبد الرحمن بن مهدي أن يحدّث به، يقول: هذا حديث منكر.

وقال مهنأ: سألت أحمد عن حديث سفيان عن أبي قيس عبد الرحمن بن

ص: 277

ثروان عن هزيل، فقال: أحاديث أبي قيس ليست صحيحة، المعروف عن المغيرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

وفي كتاب العلل للخلال: أنبأنا المروذي أنّ أبا عبد الله ذكر أبا قيس، فقال: ليس به بأس، قد أنكروا عليه حديثين؛ أحدهما: حديث المغيرة في المسح، فأمّا ابن مهدي فأبى أن يحدّثناه، وأمّا وكيع فحدّث به.

وفي كتاب التمييز لمسلم: ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن: ثنا يحيى بن يحيى، ثنا وكيع، فذكره، ثم ذكر الذين رووا عن المغيرة مسح الخفين، ثم قال: قد بيّنا من ذكر أسانيد المغيرة في المسح بخلاف ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة ما قد اقتصصناه، وهم من التابعين الجلة، وكلّهم قد اتفق على خلاف رواية أبي قيس، ومن خالف بعض هؤلاء بين لأهل الفهم والحفظ في نقل هذا الخبر، والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل؛ لأنّ أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارا غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى.

قال مسلم: وأخبرني محمد بن عبد الله بن قهزاذ عن علي بن الحسن بن شقيق، قال: قال عبد الله بن المبارك: عرضت هذا الحديث - يعني: حديث المغيرة من رواية أبي قيس - على الثوري، فقال: لم يجئ به غيره، فعسى أن يكون وهما.

وفي كتاب السنن للبيهقي: قال أبو محمد - يعني: يحيى بن منصور -: ورأيت مسلم بن الحجاج ضعّف هذا الخبر، وقال: أبو قيس وهزيل لا يحتملان هذا، مع مخالفتهما للأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: يمسح على الخفين، وقالوا: لا نترك ظاهر الكتاب لمثل أبي قيس وهزيل، فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس الدغولي، فسمعته يقول: سمعت علي بن محمد بن شيبان: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال ابن مهدي: قلت للثوري: لو حدثتني

ص: 278

بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف - أو قال كلمة نحوها - وقال علي ابن المديني: خالف هزيل الناس، وكذلك قاله ابن معين.

وقال أبو بكر البيهقي: هذا حديث منكر، ضعيف، ضعّفه الثوري، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المديني، ومسلم، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين.

وسئل عنه الدارقطني، فقال: يرويه الثوري عن أبي قيس عن هزيل، ورواه كليب بن وائل عن أبي قيس عمن أخبره عن المغيرة، وهو هزيل، ولكنه لم يسمّه، ولم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه؛ لأنّ المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين، ولما ذكر العقيلي هذا الحديث فيما أنكر على أبي قيس قال: الرواية في الجوربين فيها لين.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: لم يتابع هزيل على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة مسح على الخفين، وقال ابن الجباب في كلامه على الموطأ: اضطرابه لا ينكر، قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه مسح على النعلين وعلى القدمين، ولقائل أن يقول: أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وهزيل حديثهما في صحيح

ص: 279

البخاري، ووثّقهما غير واحد، وما روياه هنا ليس مخالفا لرواية الجمهور عن المغيرة مخالفة معارضة؛ بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه؛ لكونه طريقا مستقلا على حدة لم يشارك المشهورين في سندها، فيترجح قول المصححين لهذه العلة، والله أعلم.

وأمّا قول أبي داود: وروي هذا الحديث عن أبي موسى إلى آخره - يعني: المخرج عند ابن ماجه - في رواية الأسد أباذي عن المقومي، وليس ثابتا في روايتنا، وهو كما قال: ضعيف ومنقطع، فيفهم منه ألا مشارك له، وليس كذلك، لما ذكره الطبراني في المعجم الكبير من حديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والجوربين.

ولما ذكره الحربي في كتاب العلل من حديث أنس بن مالك: أنه توضأ ومسح على جوربيه ونعليه، ثنا علي بن مسلم، ثنا محمد بن القاسم، ثنا أبو طاهر، قال: رأيت أنسا، قال الحربي: أبو طاهر رجل مولى الحسن حدّث عنه شهر بحديث منكر، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق جيدة، رواها النسائي في كتاب الكنى عن عمرو بن علي، ثنا سهل بن زياد أبو زياد الطحان، ثنا الأزرق بن قيس، قال: رأيت أنسا، فذكره، فسلم مما أعلّه به الحربي. وحديث جرير بن عبد الله، وقد تقدّم ذكره.

وحديث أبي موسى ذكره في الأوسط، وقال: لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى بن سنان.

وقال البيهقي في سننه، وذكر حديث أنس: وقد رفعه بعض الضعفاء، وليس بشيء، وأما تعداده الصحابة فقد أغفل ابن عمر وأبا مسعود وسعد بن أبي وقاص، ذكرهم ابن حزم، وقال: لا نعلم لهم مخالفا.

قال: وهو قول ابن المسيب،

ص: 280

وعطاء، والنخعي، والأعمش، والحسن، وخلاس، زاد في المصنف: وإبراهيم، والضحاك، وسعيد بن جبير، ونافع، وفي كتاب الإشراف: وابن المبارك، وزفر، والثوري، والحسن بن صالح، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وداود بن علي، وغيرهم.

وقال أبو حنيفة: لا يمسح عليهما، وقال مالك: لا يمسح عليهما إلا أن يكون مجلدين، انتهى كلامه.

وفيما حكاه عن أبي حنيفة نظر؛ لأن مذهبه جواز المسح عليهما إذا كانا مجلدين ومنعلين، كذا هو في المنافع وغيره، وحكى أبو عيسى في جامعه عن صالح بن محمد الترمذي: سمعت أبا مقاتل السمرقن ي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه، فدعا بماء فتوضأ، وعليه جوربان، فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئا لم أكن أفعله، مسحت على الجوربين، وهما غير منعلين، قال أبو عيسى: وبه يقول الشافعي، انتهى كلامه.

والحنفيون يذكرون أنّ الشّافعي لا يجوز المسح عليهما، وكذا ذكره أبو سليمان الخطابي، قال: إلا أن يكونا منعلين يمكن متابعة المشي عليهما.

وقال ابن المنذر: وكره المسح عليهما: مالك والشافعي، وروي إباحته عن تسعة من الصحابة: علي، وعمار، وابن مسعود، وابن عمر، وأنس، والبراء، وبلال، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري، وبه قال عطاء، والحسن، وابن المسيب، والنخعي، وابن جبير، والأعمش، والثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وزفر، وأما صاحبا أبي حنيفة، فقالا: يمسح عليهما إذا كانا ثخينين، لا يشفّان.

والجورب: قال أبو نصر: معرب، لفافة الرجل، والجمع جواربة، والهاء

ص: 281

للعجمة. ويقال: الجوارب أيضا، كما قالوا في جمع الكيلج: الكيالج، وتقول: جوربه فتجورب؛ أي: ألبسه الجورب فلبسه، وقال الجواليقي: كثر حتى صار كالعربي، قال رجل من بني تميم لعمر بن عبيد الله بن معمر، وكانت تحته رملة أخت طلحة الطلحات وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله:

انبذ برملة نبذ الجورب الخلق

وعش بعيشة عيشا ذي رنق

.

وضرب العرب المثل بعائشة، وقال نافع بن لقيط الأسدي:

ومأولق أنصجت كية رأسه

فتركته دفرا كنتن الجورب

.

وقال مسكين الدارمي:

أثني علي بما علمت فإنني

مثن عليك بمثل ريح الجورب

.

وأما الأحاديث الواردة في المسح على النعلين؛ فمنها: ما رواه أبو داود عن أوس بن أبي أوس الثقفي: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على نعليه وقدميه.

وقال الجوزقاني: هذا حديث منكر، ولما ذكره عبد الحق سكت عنه - يعني: مصححا له - وتبع ذلك الخزرجي،،، وفي أنّه أوس بن أوس أو ابن أبي أوس خلاف معروف، واختصاره هو أنه رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أحاديث؛ أحدها هذا.

والثاني: من غسل واغتسل يرويه أبو الأشعث عن أوس بن أوس.

والثالث: تحزيب القرآن، يرويه عثمان بن عبد الله بن أوس عن جدّه أوس بن حذيفة.

والرابع: في الصوم، فقيل في هذا كلّه: إنّه واحد، هو أوس بن أوس، وابن أبي أوس، وابن حذيفة، وذكر أبو عمر ابن عبد البر قول ابن معين: أوس بن أوس وأوس بن أبي أوس واحد، فخطأه فيه، وقال: إنّ أوس بن أبي أوس هو ابن حذيفة، جدّ عثمان بن عبد الله بن أوس، وله أحاديث منها: في المسح على القدمين، وفي إسناده ضعف، يعني: حديث المبدى بذكره، قال: ورواه الطحاوي فأسقط عطاء والد يعلى، وجعله من حديث يعلى عن أوس، وهو غير صواب، انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:

الأوّل: قوله معترضا على أبي محمد: وما مثله صحيح، وأبو محمد رحمه الله ليس هو بأبي عذرة تصحيحه، فقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو بكر الحازمي، بقوله: لا يعرف مجردا متّصلا إلا من حديث يعلى، وعلى تقدير ثبوته ذهب بعضهم إلى

ص: 282

نسخه، وهذا وإن كان لا يعطي تصحيحا فقد، ثم قال: وهذا من الأخبار التي رويت مجملة، وتفسيرها في أخبار أخر، ثم قال: ذكر البيان بأن مسح المصطفى على النعلين كان ذلك في وضوء النفل دون الوضوء الذي يجب من حدث معلوم، فذكر حديث النزال عن علي، فذكر وضوءه: فمضمض واستنشق، ومسح وجهه وذراعيه، ومسح رأسه، ومسح رجليه، ثم قام فشرب فضل مائه، ثم قال لي: حدثت أنّ رجالا يكرهون أن يشرب أحدهم وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، وهذا وضوء من لم يحدث.

وفي الأوسط عن علي بنحوه، رواه عن ابن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، ثنا مالك بن سعير، ثنا فرات بن أحنف، حدثني أبي عن ربعي عنه، وقال: لم يروه عن ربعي إلا أحنف أبو فرات، تفرّد به أبو عبيدة بن عياض.

وفي كلام ابن حبان نظر؛ من حيث إنّ عليا صلى بهذا الوضوء إماما، ذكر ذلك البيهقي من حديث سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب.

ومن حديث ابن نمير عن سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان، قال: رأيت عليا بالرحبة بال قائما حتى أرغى، فأتي بكوز من ماء، ثم أخذ كفا من ماء، فوصف وضوءه، ثم قال: ومسح على نعليه، ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه، ثم تقدّم فأمّ الناس.

قال الأعمش: فحدثت إبراهيم به، فقال: إذا رأيت أبا ظبيان فأخبرني،

ص: 284

فرأيته قائما في الكناسة، فقلت: هذا أبو ظبيان، فأتاه، فسأله عن الحديث، وقال: حديث أبي ظبيان ثابت.

زاد في كتاب الأبواب أنّ عليا مسح عليهما، ثم خلعهما، فجعلهما في كمّه، ثم صلى بهم الفريضة.

وذكره عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن يزيد بن أبي زياد عن أبي ظبيان به، قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل صنيع علي هذا.

قال البيهقي: ورواه الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان، وعبد العزيز بن رفيع، وسلمة بن كهيل، والزبير بن عدي، وورقاء بن إياس، كلّهم عن أبي ظبيان به.

الثاني قوله: إنّ الطحاوي رواه عن أوس بن أوس، فأسقط عطاء، فكذلك هو، ولكن الخرائطي ذكره في كتاب اعتلال القلوب، بثبوته في هذه الرواية من حديث عمر بن شبة، ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن يعلى عن عطاء عن أبيه عن أوس بن أوس عن أبيه، وكذا رواه أبو القاسم الطبراني من حديث يحيى بن سعيد، عن شعبة، ولما رواه بحشل في تاريخه عن هشيم وإسحاق، ثنا شريك عن يعلى عن أوس به، قال: هذا غلط. وحديث هشيم - يعني الذي فيه: عن أبيه - أصح، والله أعلم.

ص: 285

الثالث: سكوته عن علة ذكرها الإمام أحمد، فهي أولى بالذكر مما تقدم، وهو قوله: لم يسمع هشيم هذا الحديث من يعلى،، فلعله سمعه من بعض الضعفاء، ثم أسقطه، فلئن كان ما قالاه صحيحا فهو أجدر بأن يكون علّة، لا سيما على ما ناقش به أبا محمد من كونه يقبل أخبار المدلسين وإن لم يصرحوا بالسماع، وليس لقائل أن يقول: لعلّه لم يعتد بهذه علّة؛ لأنه لو كان كذلك لنبه كعادته، والله أعلم.

ثم نظرنا هل هو كذلك أم لا، فوجدنا هشيما صرح فيه بالتحديث المزيل للشبهة المذكورة: أنبأنا المسند المعمر فتح الدين الجودري، قراءة عليه وأنا أسمع، عن أبي الحسن البغدادي، أنبأنا الحافظ السلامي، أنبأنا الإمام أبو منصور محمد بن أحمد بن علي المعمري، أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر، أنبأنا الحافظ أبو حفص بن شاهين، ثنا أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا بشر بن موسى، ثنا سعيد بن منصور، ثنا هشيم، أنبأنا يعلى بن عطاء عن أبيه أخبرني أوس به، ثم قال هشيم: هذا كان في مبدأ الإسلام، وأنبأنا الشيخ أبو الفتح القاهري رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنبأنا الأخوان أبو المكارم عبد الله وأبو عبد الله الحسين، أبنا الحسن بن منصور، قال الأول: أنبأ، وقال الثاني: أنا الحافظ أبو بكر محمد بن حازم الهمداني، قرأت على محمد بن أحمد بن القاضي: أخبرك أبو طاهر أحمد بن الحسن الكرجي في كتابه، أنبأنا الحسن بن أحمد، أنبأ دعلج بن أحمد، أنبأ محمد بن علي، ثنا سعيد بن منصور، ثنا هشيم، أنبأنا يعلى بن عطاء عن أبيه، فذكره، وعن علّة أخرى ذكرها الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ: حديث يعلى متزلزل؛ لأنّ بعضهم رواه عنه عن أوس، ولم يقل: عن أبيه، وقال بعضهم: عن رجل - يعني: مجهولا - والله أعلم.

ص: 286

وأما تخطئة أبي عمر ابن معين فغير جيد؛ لأنه قول قاله جماعة من العلماء، منهم: أبو جعفر بن منيع، وعبد الله بن محمد البغويان، وأبو بكر أحمد بن عبد الله البرقي في تاريخه، وأبو إسحاق الحربي في كتاب العلل، وأبو القاسم الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو حاتم البستي في كتاب الصحابة، قال: وهو ابن حذيفة أيضا، وأبو عيسى الترمذي في كتاب التاريخ، وأبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين - وأبو داود الطيالسي - رحمه الله تعالى -، وفي تاريخ الجعفي الكبير: أوس بن حذيفة والد عمرو بن أوس، ويقال: أوس بن أبي أوس، ويقال: أوس بن أوس، وله صحبة، وفي معجم ابن قانع: أوس بن أوس بن ربيعة بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، روى عنه عبد الملك بن المغيرة، وأبو الأشعث، وعبادة بن نسي، وابن عمرو بن أوس عنه، فقالوا: ابن أوس، ومن قال: ابن أبي أوس: النعمان بن سالم، قال: سمعت رجلا، وفي رواية أخرى: اسمه عمرو، جدّه أوس بن أبي أوس، وفي رواية: أبوه ويعلى بن عطاء، وفي كتاب الصحابة لأبي مُوسى: اسم أبي أوس هذا جابر بن عوف الثقفي، وروى حديثه هذا من طريق محمد بن إدريس عن غسان عن حماد بن سلمة عن يعلى عن أبيه عن أوس بن أبي أوس واسمه جابر، ثم قال: وكذلك رواه حجاج عن حماد إلا أنه لم يسمه جابرا، قال: ولأبيه أيضا صحبة، وهو جد عمرو بن أوس، ذكره أبو عثمان سعيد السراج القرشي الأصبهاني في الأفراد، وكتبه عنه عبد الله بن مردويه - رحمهم الله تعالى -.

وحديث ابن عمر أنّه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، رواه البزار عن إبراهيم بن سعيد، ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع عنه، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن نافع إلا ابن أبي ذئب، ولا نعلم رواه عنه إلا روح بن عبادة، وإنما كان يمسح عليهما؛ لأنه توضأ من غير حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث، فهذا معناه عندنا، انتهى.

ص: 287

وفيه نظر؛ لأنّ ابن عمر - وإن كان مذهبه الوضوء لكلّ صلاة - فليس ذلك من مذهبه صلى الله عليه وسلم.

وقد قال كذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل على ضعفه؛ لأنه حديث منكر الإسناد، والخبر مجهول، وخرّجه البيهقي من حديث روح، ولما ذكره أبو الحسن بن القطان صححه، وحديث ابن عباس، وتوضأ وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: ثم قبض قبضة من الماء، فرشّ على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيده؛ يد فوق القدم، ويد تحت القدم، ثم صنع باليسرى مثل ذلك، خرّجه أبو داود من رواية هشام بن سعد، وحديثه في صحيح مسلم، وتكلّم فيه بعضهم، وفي لفظ عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه.

ذكره الحربي من حديث عبد الرزاق عن معمر، قال: لو شئت حدثتكم أنّ زيد بن أسلم حدثني عن عطاء عن ابن عباس، فذكره، ثم قال: الحمد لله الذي لم يقدر على لسان معمر أن يحدث ابن الجراح عن سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء عنه.

وقال: هكذا رواه رواد، وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة، وقد روي عن زيد بن الحباب عن سفيان هكذا، وليس بمحفوظ، والصحيح رواية الجماعة، ورواه الدراوردي وهشام بن سعد عن زيد، فحكى في الحديث: ورشّ على

ص: 288

الرجل، وفيها النعل.

قال: وذلك يحتمل أن يكون غسلها في النعل، فقد رواه سليمان بن بلال، وابن عجلان، وورقاء، ومحمد بن جعفر، وابن أبي كثير عن زيد بن أسلم، فحكوا في الحديث غسله رجليه، والحديث واحد، والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير، مع فضل حفظ من حفظ فيه الغسل بعد الرش على من لم يحفظه، انتهى كلامه.

وفيه نظر من وجوه:

.

الثاني: قوله: ليس بمحفوظ يشعر أنه لم يأت به غيره، وقد سبق مجيئه من حديث.

وفي مصنف عبد الرزاق بسند كالشمس على شرط الشيخين، وذكره ابن خزيمة في صحيحه من حديث سفيان عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس.

وقال بعده: والدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان في وضوء تطوع، لا

ص: 289

في وضوء واجب عليه، ثم ذكر حديث سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي، وفيه: هكذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث، وخرجه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده بزيادة: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحدث، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال: الذي تفرد به في هذا الحديث مسح باطن الأذنين مع الوجه وظاهرهما مع الرأس. وقال: حديث عبد خير عن علي ليس بالبين. وقد أسلفنا ما يدفع هذا قبل، والله أعلم.

وقد أسلفنا لخبر زيد بن حباب شواهد ومتابعات دلّت على أنّ لحديثه أصلا، وأنّ الثقات رووه عن سفيان بهذه اللفظة، لا كما زعم.

الثالث: قوله: فأما المسح على الرجلين فهو محمول على غسلهما؛ لأنّ المسح سنة لمن تغطت رجلاه بالخفين، فلا يعدى بها موضوعها، والأصل وجوب غسل الرجلين إلا ما خصّته سنة ثابتة أو إجماع لا يختلف فيه، وليس على النعلين ولا على الجوربين واحد منهما، انتهى.

وعليه فيه اعتراضات:

الأول: مقتضى صناعة الحديث النظر في الإسناد بصحة أو غيره، وأمّا التأويلات وغيرها فمن نظر الفقيه.

الثاني: قوله: وليس عليهما سنة ثابتة، وقد أسلفنا أحاديث صحيحة وحسنة في هذا الباب وغيره، ولله الحمد والمنة.

ص: 290

‌باب المسح على العمامة

74 -

حدثنا هشام بن عمّار، ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار.

هذا حديث خرجه مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه، وقال ابن حزم: لا مطعن فيه، وفيما قاله نظر؛ لما ذكره الحافظ أبو الفضل الهروي في كتاب العلل رادا على مسلم إخراجه من حديث سليمان، هو حديث قد اختلف فيه على الأعمش، فرواه أبو معاوية، وعيسى، وابن فضيل، وعلي بن مسهر، وجماعة هكذا، ورواه زائدة بن قدامة، وعمار بن رزيق عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن بلال، وزائدة ثبت متقن.

ورواه الثوري عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن عن بلال، لم يذكر بينهما لا كعبا ولا البراء، وروايته أثبت الروايات، وقد رواه عن الحكم غير الأعمش: شعبة، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وجماعة عن الحكم عن عبد الرحمن عن بلال، كما رواه الثوري عن الأعمش.

وحديث الثوري عندنا أصح من حديث غيره، وابن أبي ليلى لم يلق بلالا، وإلى هذا نحا الإمام أحمد، وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أي شيء أثبت فيه؟ قال: فيه أحاديث، فبدأ بحديث بلال. قلت: حديث كعب بن عجرة عن بلال؟ قال: رواه شعبة وزيد بن أبي أنيسة وغير واحد، ليس فيه كعب، والأعمش يختلف عنه: زائدة يقول عن

ص: 291

البراء عن بلال، وغيره يقول: كعب بن عجرة عن بلال، وفي سؤالات مهنأ: قال أبو عبد الله: أظنّ الأعمش غلط فيه، إنما قال الناس: عن ابن أبي ليلى عن بلال، زاد الأعمش: كعبا، ولفظ أحمد في مسنده: مسح على خفيه، وعلى خمار العمامة، وفي رواية: فيمسح على العمامة، وعلى الخفين.

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: امسحوا على الخفين، والخمار.

وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار.

ورواه ابن عيينة عن ابن أبي ليلى، وأبان بن تغلب عن الحكم، فيما رواه الكجي في سننه عن الرمادي كرواية الثوري.

وقال أبو علي الجياني: هو حديث مختلف فيه من رواية الأعمش عن الحكم، ويقال: إن ابن أبي ليلى لم يسمع من بلال، فهو مرسل، والله أعلم.

قال الحربي: وأجمع شعبة ومنصور وحجاج وأبان بن تغلب وابن أبي ليلى أنه عن ابن أبي ليلى عن بلال، واختلف أصحاب الأعمش، فقائل: عن ابن أبي ليلى عن كعب عن بلال، ومن قائل: عن البراء عن بلال، وقال سفيان: عن ابن أبي ليلى عن بلال، كما قاله شعبة وأصحابه، وهذا عندي - والله أعلم - هو القول لعلم شعبة بحديث الحكم وكثرة مجالسته إياه وتثبت منصور، وقلة الاختلاف عنه، ولكثرة من وافقهما؛ ولأنه لم يوافق الأعمش من ينتفع به، ثم اختلف أصحابه، فكان ما روى سفْيان أحب إلي، وليس من قال: كعب بن عجرة بأثبت ممن قال البراء، ومن سفيان حين لم يذكر كعبا ولا البراء.

وأما رواية ليث عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب عن بلال، فأحسبه سمعه

ص: 292

من الأعمش موافقا لرواية عيسى بن فضيل، وقال غير أبي المحياة، وهو معتمر: عن ليث عن الحكم عن حبيب عن شريح عن بلال، فلو اتفق أصحاب ليث لجاز أن يكون هذا حديثا آخر، لكن شيبان رواه عن الحكم عن شريح عن بلال، فنقص منه، وزاد: وما أقف على ما زاد، وأرسله ابن أبي غنية وبلا حجة عليه ولا له.

ورواه عن بلال جماعة؛ منهم: علي بن أبي طالب، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ليث بن أبي سليم عن الحكم عن شريح بن هانئ عنه، قال: زعم بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار، وأبو سعيد الخدري بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه: امسح على الخفين والخمار.

ورواه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، ونعيم بن همار من حديث محمد بن راشد عن مكحول عنه عن بلال، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: امسحوا على الخفين والخمار.

وشريح بن هانئ من حديث ابن أبي سليم عن الحكم عن حبيب بن أبي ثابت عنه عن بلال، وقال في الأوسط: لم يروه عن حبيب بن أبي ثابت إلا ابن أبي سليم، تفرد به معتمر بن سليمان، وعبد الرحمن بن عوف من حديث أبي عبد الله مولى بني تميم عنه، بلفظ: الخمار، والموقين.

ص: 293

قال أبو داود: هو أبو عبد الله مولى بني تميم بن مرّة، وزعم الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أن أبا داود تفرد به، وكذلك الحافظ المنذري تبعه، والشيخ جمال الدين المزي، وليس كما زعموا لثبوته في كتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي، رواه عن أبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا، ثنا عمرو بن علي، ثنا محمد، ثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي عبد الله، فذكره، قال ابن عساكر: ورواه أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي بكر بن حفص عن أبي عبد الرحمن عن أبي عبد الله: نعليه، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستغناء: هذا إسناد مضطرب مقلوب، مرة يقولون:، والعجب أنّه من حديث شعبة، وهو إمام عن، انتهى كلامه، وهو مردود بما ذكره أبو عبد الله في مستدركه، وخرجه من حديث شعبة عن أبي بكر، سمع أبا عبد الله يُحدِّث عن أبي عبد الرحمن، وقال: هذا حديث صحيح، فإن أبا عبد الله مولى التميميين معروف بالصحة والقبول، وهو موافق لما ذكره أبو داود، والله أعلم.

ويؤيده ما ذكره الدارقطني في كتاب العلل: ورواه عبد الملك بن أبجر، عن أبي بكر بن حفص عن أبي عبد الرحمن مسلم بن يسار، فذكره، قيل له: أبو عبد الرحمن عن أبي عبد الله، من هما؟ فقال: ما سماهما أحد إلا ابن أبجر، وليس عندي كما قال، انتهى.

فيشبه أن يكون الحاكم اعتمد هذه التسمية، ولهذا نبه على أبي عبد الله، وأعرض

ص: 294

عن أبي عبد الرحمن لجلالته وثقته، وفي كتاب الكنى للنسائي عن أبي جندل بن سهيل والحارث بن معاوية، قالا: مر بنا بلال، فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، كيف سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في نزع الخفين؟ الحديث.

وحكيم بن حزام عنه أنه توضأ ومسح على خماره، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ هكذا، ذكره النيسابوري في كتاب الأبواب، ثنا يزيد بن سنان، ثنا أبو عاصم عن ابن جريج، أخبرني أبو بكر بن عبد الله عن عبد الملك بن سعيد عنه، والحكم بن ميناء قال: رأيت بلالا يتوضأ، ومسح على الخفين والخمار.

رواه أيضا عن علي بن حرب، ثنا زيد بن حباب، حدثني الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن شبيب بن الحكم عن أبيه به، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو من حديث يحيى بن حمزة عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن الحارث بن معاوية عنه، والحارث بن معاوية من حديث مكحول عنه، وأبو إدريس الخولاني من حديث أبي قلابة عنه، وقيل: عن أبي قلابة عن بلال بإسقاط عائذ الله.

وزعم البخاري أن حماد بن سلمة أخطأ فيه؛ لأن أصحاب أبي قلابة رووه عن بلال، لم يذكروا فيه: عن أبي إدريس، وأبى ذلك أبو محمد الفارسي، فصحح حديث أبي إدريس، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه زهير عن حميد

ص: 295

الطويل عن أبي رجاء عن عمه أبي إدريس عن بلال في المسح، فقال أبي: هذا خطأ، إنما هو حميد عن أبي رجاء مولى لأبي قلابة عن أبي قلابة عن أبي إدريس، قلت: الخطأ ممن هو؟ قال: لا يدرى، قال: ورواه الحذاء عن أبي قلابة عن أبي إدريس، ولا أعلم: عن أبي إدريس، ولا أعلم أحدا تابع خالدا، ويروونه عن أبي قلابة عن بلال مرسلا، وأبو الأشعث الصنعاني من حديث الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن مطر عن أبي قلابة عنه، وفي كتاب أبي الحسن البغدادي: ورواه عنه أيضا سويد بن غفلة والحسن وابن سيرين ومكحول مرسلا وأسامة بن زيد، ولفظ سعيد بن منصور في سننه: قال عليه السلام: امسحوا على النصيف والخمار.

وفي المصنف لابن أبي شيبة: ثنا يحيى بن يعلى، عن ليث، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب، عن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمسحون على الخفين والخمار.

وقد وقع لنا في هذا الباب أحاديث؛ منها حديث ثوبان، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.

خرجه الحاكم من حديث ثور عن راشد بن سعد عنه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنّما اتفقا على المسح على العمامة بغير هذا اللفظ، وله شاهد فاشتد،

ص: 296

انتهى كلامه.

وليس بوارد عنه عليه قول الإمام أحمد فيما رواه عنه المروذي، وخرجه في تاريخ بلده من حديث خارجة عن يزيد عن راشد عنه، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثا فقدموا عليه، فشكوا إليه ما أصابهم من شدّة البرد، فقال لهم: إذا أصابكم البرد فامسحوا، الحديث. لا ينبغي أن يسمع من ثوبان؛ لأنه مات قديما، وبنحوه قاله عنه ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل، وقال الحربي في كتاب العلل: راشد لم يسمع من ثوبان؛ لأنّ ثوبان توفي سنة أربع وخمسين، وراشد توفي سنة ثلاث عشرة ومائة، وبين موتهما تسع وخمسون سنة، لأمرين:

الأول: لتصريح الجعفي بسماع راشد منه، وهو مثبت مقدّم على النافي.

الثاني: إذا نظرنا في مولده ووفاة ثوبان وجدنا الأمر ما قاله البخاري، لا ما قاله أحمد، وذلك أنّه ممن شهد صفين، وبها ذهبت عينه، فيما ذكره غير واحد من الأئمة، وثوبان توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: أربع وخمسين، فسماعه على هذا ممكن لا شك فيه، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد، وأمّا قول أبي إسحاق؛ فقد كفانا مؤنة الردّ عليه بردّه هو على نفسه، ورواه أبو القاسم في كتابه الكبير عن بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن عتبة بن أبي أمية الدمشقي عن أبي سلام الأسود عنه، وهو في المسند للبغوي الكبير من حديث الليث - يعني: ابن سعد - عن معاوية، ولفظ أبي بكر بن زياد، وخرجه من حديث معاوية

ص: 297

ابن أبي أمية الدمشقي عن أبي سلام: رأيته صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ويمسح على الخفين والخمار؛ يعني: العمامة.

وحديث سلمان المذكور قبل من صحيح ابن حبان، وحديث عمرو بن أمية الضمري، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة.

رواه البخاري في صحيحه من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه، وقد سبق ذكره في كتاب علل الخلال، قال محمد بن عوف الحمصي: وكان أبو المغيرة، ثنا به عن يحيى بن أبي قلابة، عن جعفر بن عمرو، فردّه أحمد بن حنبل، ورواه محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي، فأسقط جعفرا فيما ذكر ابن أبي حاتم، قال ابن بطال: لم يسمع أبو سلمة من عمرو، وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن معين، أنّ حديث عمرو بن أمية مرسل، وأبى ذلك الحافظ أبو محمد الفارسي بقوله: هذا قوة للخبر؛ لأن أبا سلمة سمعه من عمرو سماعا، وسمع أيضا من جعفر أنه عنه، وقال الأصيلي: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأنّ شيبان رواه عن يحيى، ولم يذكر العمامة.

وتابعه حرب بن شدّاد وأبان العطار، فهؤلاء ثلاثة خالفوه، فوجب تغليب الجماعة على الواحد، وأما متابعة معمر له فمرسلة، وليس فيها ذكر العمامة، ورواه عبد الرزاق: مسح على خفيه، ولم يذكر العمامة.

وحديث أنس بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار.

ذكره أبو بكر الحافظ في سننه بإسناد صحيح من حديثه عن علي بن عبد العزيز رحمه الله، ثنا الحسن بن الربيع عن أبي شهاب الحناط عن عاصم الأحول عنه.

ص: 298

ورواه أبو القاسم في الأوسط عن أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا الفيض بن وثيق، ثنا عيسى بن ميمون عن حميد عنه، بلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين.

وقد تقدم ذكره من عنده أيضا في باب المسح بأنّ ذلك قبل موته عليه السلام بشهر، وحديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن الهيثم بن قيس، عن عبد الله بن مسلم بن يسار، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رخص للمسافر في المسح على الخفين والعمامة، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام.

ذكر ابن أبي حاتم أنّه سأل أباه عنه، فقال: هذا حديث منكر، ثنا به قرة، ولم يذكر فيه العمامة، وليس ليسار صحبة.

وحديث المغيرة بن شعبة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، ومقدم رأسه، وعلى عمامته.

وفي رواية: ومسح بناصيته، وعلى العمامة، رواه مسلم في صحيحه، وقد تقدم طرف منه.

وفي كتاب الطوسي: أنه صبّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قضى الحاجة وغسل يديه، قال: وأحسبه بالتراب فتوضأ، ومسح على ناصيته والعمامة، ومسح على الخفين، ثم قال: يقال: حديث المغيرة حسن صحيح.

وحديث أبي أمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمسح المسافر على الخفين والخمار ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة.

رواه أحمد فيما ذكره حرب بن إسماعيل عن محمد بن أبي بكر، ثنا عبد الصمد، ثنا مروان أبو سلمة، ثنا شهر عنه، وقال مهنأ: سألت أحمد عن حديث يحيى بن أبي

ص: 299

سحينة، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا مروان أبو سلمة، عن شهر بن حوشب عنه، فقال: ليس بصحيح.

وحديث أبي ذر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الموقين والخمار.

ذكره ابن حزم مصححا له من طريق مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت عنه.

وحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار - يعني: العمامة -.

ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبد الحميد بن جعفر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، وقال: لم يروه عن عبد الحميد إلا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي.

وحديث أبي طلحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الخفين والخمار.

أنبأنا به الشيخ الإمام شمس الدين أبو البركات محمد الشرابيشي رحمه الله أنبأنا الإمامان أبو محمد السكري وعبد العزيز الحراني، قالا: أنبأتنا أم هانئ الفارقانية، أنبأتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله، أنبأنا الإمام أبو القاسم اللخمي، قال: أنبأنا علي بن عبد العزيز، أنبأنا عمر بن شبة النميري، أنبأنا حرمي بن عمارة عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ عنه، وقال: لم يروه عن شعبة إلا حرمي، تفرد به عمر بن شبة، وحديث كعب بن عجرة ذكره أبو محمد الأموي مصححا له.

ص: 300

قال: وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وسواء في ذلك الرجل أو المرأة، لعلّة أو لغير علّة، وسواء أكان على خمار، أو قلنسوة، أو بيضة، أو مغفر، أو غير ذلك؛ فإنّه يجزئ.

وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة، وبه نقول، واختلفوا في المسح عليها، فممن مسح: أبو بكر، وعمر، وأنس، وأبو أمامة، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: وممن كان لا يرى المسح عليها: علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وبه قال عروة، والنخعي، والشعبي، والقاسم، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.

واختلفوا في مسح المرأة على خمارها، فممن قال: تمسح على رأسها، ولا تمسح على خمارها: نافع، والنخعي، وابن أبي ليلى، وبه قال أحمد، وابن أبي سليمان، ومالك، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، والشافعي.

وقد روينا عن أم سلمة أنها كانت تمسح على الخمار، وروي ذلك عن الحسن، وهو قول أبي ثور.

وروينا عن أنس: أنه مسح على قلنسوته، ولا يعلم أحدا قال به، وكان الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي والنعمان وإسحاق لا يرون ذلك،

ص: 301

وإن مسح على عمامته، ثم نزعها ففي قول الأوزاعي يمسح على رأسه.

وقال أحمد: يعيد الوضوء، وقياس قول من يقول: إذا خلع خفيه أنه على طهارته أن يكون كذلك من نزع عمامته، وقال مكحول: المسح على الخفين والعمامة سواء إذا مسح عليهما، ثم نزعهما، فعليه إعادة الوضوء، انتهى.

وفي قوله: عن أنس، ولا نعلم أحدا، قال: فيه نظر إن أراد متابعته؛ لما ذكره أبو بكر في مصنفه عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة عن أشعث عن أبيه أنّ أبا موسى خرج من الخلاء، فمسح على قلنسوته، وإن أراد الفقهاء غير ما أسلفناه عن ابن حزم.

قال: وهو قول الثوري، وأمّا ما حكاه عن علي، فيردّه ما حكاه أبو محمد مستدلا به أنّ عليا سئل عن المسح على الخفين، فقال: نعم، وعلى النعلين والخمار.

وروى ابن زياد عن ابن إشكاب، ثنا محمد بن ربيعة، ثنا ابن جريج، عن عطاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فحسر العمامة، ومسح مقدّم رأسه.

ثنا أبو الأزهر، ثنا روح، ثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: هل بلغك من رخصة في المسح على العمامة؟ قال: لم أسمعه من أحد إلا من أبي سعد الأعمى، قال ابن جريج: وأنا أيضا قد سمعته من أبي سعد، قال أبو سليمان: وشرط من جوّز المسح على العمامة أن يعتم الماسح عليها بعد كمال الطهارة، كما يفعله من يريد المسح على الخفين، ومن أبى من المسح رأى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس، فلا يمسحه كلّه مقدّمه ومؤخّره، ولا ينزع عمامته عن رأسه، ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة كالمفسر؛ حيث قال: مسح ناصيته وعلى عمامته، فوصل مسح الناصية بالعمامة، وإنّما وقع إذا الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية؛ إذ هي جزء من

ص: 302

الرأس، وصارت العمامة تبعا له، كما روي أنه مسح أسفل الخف وأعلاه، ثم كان الواجب في ذلك مسح أعلاه، وصار مسح أسفله كالتبع له، [والأصل أن الله سبحانه فرض مسح الرأس، وحديث ثوبان محتمل للتأويل فلا يترك] الأصل المتيقّن وجوبه بالحديث المحتمل، وبنحوه قاله الثقفي في نصرة الصحاح، إلا أنه قال: خبر علي بدل المغيرة، وقال: والترك بالإجماع ثبت عندنا أكثر من ثبوته بالراوية؛ إمّا لأنه فعل في حال ضرورة أو من طريق النسخ، وقد أجمع الفقهاء على تركه، ولم يختلفوا في المسح على الخفين، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما أسلفنا قول من قال به من الفقهاء.

قال أبو سليمان: ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد؛ لأنّ الخفّ يشق نزعه، ونزع العمامة لا يشق، ويشهد لنا فصلهم في حديث ثوبان، وفي حديث أنس: فأدخل يده من تحت العمامة، انتهى.

وفي قوله: وشرط من جوز المسح الطهارة، يردُّه قول أبي محمد: وسواء لبسهما على طهارة أو غير طهارة، وبه قال أصحابنا، قال: ولا توقيت في المسح عليها، وقد جاء التوقيت في ذلك ثابتا عن عمر، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى كلامه.

وليس بوارد عليه ما تقدّم من الحديثين اللذين فيهما التوقيت للطعن في سندهما، والله أعلم.

قال: فلو كان تحت ما لبس على الرأس خضاب أو دواء جاز المسح عليهما متعمدا كان أو غير متعمد، وقولنا: بالمسح في الوضوء خاصة، وأما في كل غسل واجب فلا، ولا بُدّ من غسل الرأس، والله تعالى أعلم.

ص: 303

‌التيمّم

75 -

حدثنا محمد بن رمح، ثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار بن ياسر، أنه قال: سقط عقد لعائشة، فتخلّفت لالتماسه، فانطلق أبو بكر إلى عائشة، فتغيظ عليها في حبسها الناس، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم، قال: فمسحنا يومئذ إلى المناكب، قال: فانطلق أبو بكر إلى عائشة، فقال: ما علمت، إنك لمباركة.

هذا حديث إسناده منقطع؛ لأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك عمارا، يدل عليه ما رواه ابن ماجه بعد هذا:

76 -

ثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان عن عمرو، عن الزهري عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب.

وفي كتاب المعرفة لأبي بكر: رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري، ثم سمعه من الزهري، فرواه عنه، فكان يقول أحيانا: عن أبيه عن عمار، وأحيانا لا يقول: عن أبيه. قال علي ابن المديني: قلت لسفيان: عن أبيه عن عمار؟ قال: أشكّ في أبيه، قال علي: كان إذا حدثنا لم يجعل: عن أبيه.

ورواه الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري، فذكر أباه، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر فلم يذكره، واختلف فيه على الزهري، فقيل: عنه عن أبيه، وقيل: عنه دون ذكر أبيه، ورواه صالح بن كيسان عند أبي داود عن الزهري، حدثني عبيد الله عن ابن عباس عن عمار: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة، فانقطع عقد لها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك، حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر، وقد حبست الناس، وليس معهم ماء؛ فأنزل الله

ص: 304

تعالى رخصة التطهير بالصعيد الطيّب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم، ولم ينفضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط.

قال أبو داود: زاد ابن يحيى في حديثه: عن ابن شهاب، ولا يعتبر الناس بهذا، قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق - يعني: عن الزهري - قال فيه: عن ابن عباس، وذكر ضربتين، كما ذكره يونس، ورواه معمر: ضربتين، وقال مالك: عن الزهري عن عبيد الله عن أبيه عن عمار، وكذلك قال أبو أويس، وشك فيه ابن عيينة، قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، أو عن عبد الله بن عباس: اضطرب فيه. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس، اضطرب فيه، وفي سماعه من الزهري شك، ولم يذكر أحد منهم الضربتين [إلا من سميت، وذكره ابن ماجه أيضا] من جهة يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عمار، بلفظ: فأمر المسلمين، فضربوا أكفهم بالتراب، ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا، فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا أيديهم.

وفي قول أبي داود: ولم يذكر أحد منهم - يعني: من الرواة عن الزهري - إلا من سميت نظر؛ لأن ابن أبي ذئب رواه عنه كذلك، أنبأنا بحديثه أبو العباس أحمد بن وهب الشافعي، أنبأنا أبو الحسن بن سلامة، أنبأنا أحمد بن محمد البغوي، أنبأنا القاسم بن أحمد الأصبهاني، أنبأنا الحافظ أبو بكر بن مردويه، ثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، ثنا أحمد بن ملاعب، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا ابن أبي ذئب به، وفي كتاب الكجي: قال سفيان: فرأيت إسماعيل بن أمية جاء إلى الزهري، فسأله عن

ص: 305

هذا الحديث، فأبى أن يحدثه، وقال: لم أسمعه إلا من عبيد الله بن عبد الله، فانظروا هل تجدونه من جانب آخر.

ولما سأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار في التيمم، فقالا: هذا خطأ، رواه مالك وابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أبيه عن عمار وهو الصحيح، وهما أحفظ، قلت: قد رواه يونس وعقيل وابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله عن عمار، وهم أصحاب الكتب، فقالا: مالك صاحب كتاب وصاحب حفظ، وأما ما زعمه ابن عساكر والمزي من أن ابن ماجه خرج في سننه عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن أنس عن عمّار به فغير صحيح؛ لأني لم أجده في كتابه، وفي التمهيد: كل ما يروى عن عمّار في هذا مضطرب مختلف فيه، وأكثر الآثار المرفوعة عنه ضربه واحدة للوجه واليدين.

وفي سؤالات أحمد بن أبي عبدة: قال أحمد في حديث عمّار هذا: هذا أثبت عندي، وقال عبد الحق: الصحيح المشهور في صفة التيمم من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إنّما هو للوجه والكفين، وأقرّه على ذلك أبو الحسن؛ بل نظر فيه، وكذا قاله ابن الحصار في المدارك.

ص: 306

وقال إسحاق فيما ذكره أبو عيسى: حديث عمار للوجه والكفين حديث صحيح، وحديثه: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط، ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأنّ عمارا لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما علمه صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام الشّافعي: ولا يجوز على عمار إذا ذكر تيممهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب، إن كان عن أمره عليه السلام إلا أنه منسوخ عنده؛ إذ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتيمم على الوجه والكفين، أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا، فاختلف رواته عنه، فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت، وإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق لكتاب الله تعالى من الروايتين اللتين روينا مختلفتين، أو يكون إنما سمعوا آية التيمّم عند حضور الصلاة فتيمموا، فاحتاطوا، وأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأنّ ذلك لا يضرهم، كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء، فلما صاروا إلى سؤاله عليه السلام أخبرهم أنّهم يجزيهم من التيمم أقلّ مما فعلوا.

وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث عمار بما وصف من الدلائل، والله تعالى أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن اختلاف حديث عمار في التيمم، وما الصحيح منها؟ فقال: رواه الثوري عن سلمة عن أبي مالك الغفاري عن عبد الرحمن بن أبزى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه شعبة عن الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن

ص: 307

أبيه عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن عن أبيه عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه حصين عن أبي مالك: سمعت عمارا يذكر التيمم موقوفا، قال أبي: الثوري أحفظ من شعبة، قلت لأبي: فحديث حصين عن أبي مالك؟ قال: الثوري أحفظ، ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمّار كلاما غير مرفوع، وسمع مرفوعا من عبد الرحمن بن أبزى عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم القصة، وفي كتاب ابن أبي حازم: حديث عمار لا يخلو إمّا أن يكون عن أمره عليه السلام أو لا، فإن لم يكن عن أمره فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، ولا حجة لأحد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والحق أحق أن يتبع، وإن كان عن أمره فهو منسوخ، وناسخه أيضا حديث عمار - يعني: المذكور في الصحيح - مرفوعا: إنما كان يجزيك، وضرب صلى الله عليه وسلم بيده الأرض إلى التراب، ثم قال: هكذا، فنفخ فيها، فمسح وجهه ويديه إلى المفصل، وليس فيه الذراعان، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ لتأخّره عن الحديث الأوّل، فإن قيل: فلو كان عمار حفظ التيمم في أوّل الأمر، وكان الثّاني بعد الأوّل كما زعمتم لما اضطر عمار إلى التمرغ في التراب، قلت: إنّما أشكل الأمر على عمر وعمار لحصول الجنابة، فاعتزل عمر، وتمعك عمار ظنّا منه أنّ حالة الجنابة تخالف حالة الحدث الأصغر؛ إذ ليس في الحديث الأوّل ما يدلّ على أنّ القوم كانوا قد أصابتهم جنابة، وهم على غير ماء، فاحتاجوا إلى الوضوء، فأمروا بالوضوء.

ولفظ الدارقطني في حديثه: إذ سأل النبي صلى الله عليه وسلم لما تمرغ في الصعيد كالدابة،

ص: 308

وضرب بكفه إلى الأرض، ثم نفضها، وقال: تمسح بها وجهك وكفيك إلى الرسغين، وقال: لم يروه عن حصين مرفوعا غير إبراهيم بن طهمان، وأوقفه شعبة وزائدة وغيرهما، ورواه أبو بكر الأثرم: ثم تمسح بوجهك وكفيك إلى الرسغة من رواية إبراهيم عن حصين، وفي لفظ لمسلم: ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.

وفي لفظ لابن ماجه: فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصّعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم.

وفي لفظ لأبي داود: ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعد، ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة.

وفي رواية: شكّ سلمة بن كهيل، فقال: لا أدري فيه: إلى المرفقين، يعني: أو إلى الكعبين.

وقال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ فإنّه لا يذكر الذراعين غيرك.

وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن الحكم بن عتيبة إلا سليمان بن أبي داود.

تفرد به محمد بن سليمان، فرجع إلى أبي داود، وفي رواية: إلا أنه لم ينفخ، وفي رواية: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم، فأمرني به واحدة للوجه والكفين.

ص: 309

وفي كتاب الدارقطني: إلى المرفقين، قال الحربي: فذكرته لأحمد بن حنبل فعجب منه، وقال: ما أحسنه!.

وفي رواية لأبي داود: قال: إلى المرفقين، وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن أبان بن يزيد العطار إلا عفّان، وقال أبو محمد بن حزم: والأخبار الثابتة كلها عن عمار بخلاف هذا، فسقط الخبر.

وفي لفظ للنسائي: ثم ضرب بيده على الأرض ضربة واحدة فمسح كفيه، ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله، على وجهه وكفيه.

وفي المعرفة: قال الشافعي: ولو أعلمه ثابتا - يعني: الوجه والكفين - لم أعده، ولم أشك فيه، وفي الأوسط لابن مطير: ثنا محمد بن نوح بن حرب، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، أنه أصابته جنابة وليس معه ماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يكفيك أن تمسح وجهك وكفيك بالتراب، ضربة للوجه وضربة للكفين.

وقال: لم يروه عن أبي عميس عتبة بن عبد الله إلا إبراهيم بن محمد، وفي

ص: 310

المعجم الكبير له: وضربة لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا، وفي لفظ: ومن بطون أيديهم إلى الآباط، وفي لفظ: إلى المناكب والآباط، وفي لفظ: إنما كان يكفيك من ذلك التيمم، فإذا قدرت على الماء اغتسلت.

وفي لفظ: عزبت في الإبل، فأجنبت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتيمّم، وكنت تمعكت في التراب حين أجنبت.

رواه عن أحمد بن الخضر المروزي، ثنا محمد بن عبدة المروزي، ثنا أبو معاذ النحوي الفضل بن خالد، ثنا أبو حمزة السكري، عن رقبة، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب عنه، وهو غير حديثه الذي في الصحيح؛ لأنّ ذلك وهو في غزاة، والله أعلم.

وفي كتاب الكنى للنسائي، أنه قال لعمر: أما تذكر أنا كنّا نتناوب رعية الإبل فأجنبت، الحديث.

وفي كتاب البيهقي: أجنبت في الرمل فتمعكت، الحديث.

وفي حديث عبد الله بن عمر: سلّم رجل على النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك، وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد أن يتوارى ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام.

رواه أبو داود من حديث محمد بن ثابت العبدي عن نافع عنه، وقال في كتاب التفرّد: لم يتابع أحد محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر، ورواية أبي الجهم نحو حديث ابن الهاد عن نافع عن ابن عمر، ورواه أيوب بن مالك، وعبيد الله، وقيس بن سعد، ويونس،

ص: 311

وابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر: أنه تيمم ضربتين للوجه، قال أبو داود: جعلوه فعل ابن عمر، وسمعت أحمد يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث إنّ حديث ابن أبي داود مرفوع لا موقوف، ذكره الشيرازي في الألقاب، فقال: ثنا أبو عمرو، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا موسى بن سعيد بن النعمان بن حبان الدنداني، ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، عن ابن رواد به، بلفظ: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه بهذا التمام عن نافع إلا العبدي.

وقال أبو أحمد بن عدي: خالف العبدي عبيد الله وأيوب والناس، فقالوا: عن نافع عن ابن عمر فعله.

وقال الخطابي: هذا حديث لا يصح؛ لأن محمدا ضعيف جدا، لا يحتج بحديثه.

وقال أبو بكر في كتاب المعرفة: رواه جماعة من الأئمة عن العبدي؛ منهم: يحيى بن يحيى، ومعلى بن منصور، وسعيد بن منصور، وغيرهم.

وقال مسلم بن إبراهيم في رواية موسى بن الحسن بن عباد عنه: ثنا، وأنكر البخاري رفع هذا الحديث، ورفعه غير منكر، فقد روى الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر - يعني: الذي في صحيح مسلم - قصة السلام مرفوعة إلا أنه قصر بها، فلم يذكر التيمم.

ورواه يزيد بن عبد الله بن الهاد عن نافع عن ابن عمر، فذكر قصة السلام، وذكر

ص: 312

قصة التيمم، إلا أنّه قال: ثم مسح وجهه ويديه، كما روى يحيى بن بكير عن الليث في حديث ابن الصمة، وإنّما تفرد العبدي من هذا الحديث بذكر الذراعين فيه دون غيره، وتيمم ابن عمر، وفتواه بذلك تؤكد رواية العبدي، وتشهد له بالصحة، فقد صار بهذه الشواهد معلوما أنه روى قصة السلام والتيمم، وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه، فتيمّمه على الوجه والذراعين إلى المرفقين يدلّ على أنّه حفظه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ العبدي حفظه من نافع.

أنبأ أبو سعيد، أنبأنا أبو العباس، أنبأنا الربيع، أنبأنا الشافعي، أنبأنا مالك عن نافع، أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف، حتى إذا كان بالمربد نزل فتيمّم صعيدا، فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى.

وروى عُبيد الله ويونس عن نافع عن ابن عمر، أنّه كان يقول: التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة للكفين إلى المرفقين.

قال: ورويناه أيضا عن جابر مرفوعا: التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، انتهى كلامه.

وفيه نظر من وجوه:

وقال أبو زرعة: هذا حديث باطل.

الثاني: قوله: إنما ينفرد العبدي من هذا الحديث - يعني: حديث ابن عمر - بذكر الذراعين غير صحيح، لما نذكره بعد من رواية الشافعي من شرح السنة للبغوي، ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه شاهدا: ثنا أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم، ثنا الهيثم بن خالد، ثنا أبو نعيم، ثنا سليمان بن الأرقم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب، ثم نفضنا أيدينا، فمسحنا بها وجوهنا، ثم ضربنا ضربة أخرى، ثم نفضنا أيدينا، فمسحنا بأيدينا من المرفق إلى الكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن،

ص: 313

ثم قال: هذا حديث مفسر، وإنما ذكرته شاهدا؛ لأن سليمان ليس من شرط هذا الكتاب، وقد اشترطنا إخراج مثله في الشواهد، ولفظ الدارقطني في سننه: وضربة للذراعين إلى المرفقين.

قال الحاكم: أنبأنا حمزة بن العباس العقبي ببغداد، ثنا محمد بن عيسى المدائني، ثنا شبابة بن سوار، ثنا سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ونافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين. سليمان بن أبي داود، إنّما ذكرنا في الشواهد.

ثنا علي بن عيسى بن عمرو الحرشي، ثنا محمد بن يحيى، ثنا علي بن ظبيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

قد اتفق الشيخان على حديث الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمر في التيمم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولا أعلم أحدا أسنده عن عبيد الله غير.

الثالث: قوله: ورويناه أيضا عن جابر من غير تعرّض للكلام عليه كعادته، حتى

ص: 315

ننظر من سبب ضعفه، وعدم بلوغه مرتبة حديث العبدي، لا سيّما وذكر بعده، ولو صدر بذكره لكان أولى من حديث العبدي لصحته وعدالة رواته، رواه الحاكم في مستدركه عن ابن حمشاذ وابن بالويه، ثنا ابن إسحاق الحربي، ثنا أبو نعيم، ثنا عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أصابتني جنابة، وإني تمعكت في التراب، فقال: اضرب، فضرب بيديه الأرض، فمسح وجهه، ثم ضرب بيديه، فمسح بهما إلى المرفقين.

وثنا ابن حمشاذ وابن بالويه، ثنا الحربي، ثنا عثمان بن محمد الأنماطي، ثنا حرمي بن عمارة عن عزرة بن ثابت، بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

قال: هذا إسناد صحيح، ورواه أبو بكر في مصنفه عن وكيع عن عزرة موقوفا، وأتبع ما ذكره عن ابن عمر موقوفا، ووقع ذكره عنده في موضع آخر مرفوعا، وقال أبو عبد الله النيسابوري: ورواه عن محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن سنان القزاز، ثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين، ثنا هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بموضع، يقال له: مربد النعم يتيمم، وهو يرى بيوت المدينة.

قال: هذا حديث تفرد به ابن أبي رزين، وهو صدوق، ولم يخرجاه، وقد أوقفه الأنصاري، وغيره عن نافع عن ابن عمر، وأما قول أبي القاسم الطبراني: لم يروه بهذا التمام غير العبدي، ففيه نظر؛ لما أسلفناه من أنّ يزيد بن الهاد ذكره كذلك، وكذا رواه أبو الحسن، وفي الباب غير حديث؛ من ذلك: حديث أبي هريرة: أن

ص: 316

ناسا من أهل البادية أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة، ويكون فينا الحائض والجنب والنفساء، ولسنا نجد الماء، فقال: عليكم بالأرض.

رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث المثنى بن الصباح عن الزهري عن سعيد عنه، وقال: لم يروه عن الزهري إلا المثنى، ولا رواه عن المثنى إلا حفص.

تفرّد به إبراهيم الشافعي، ورواه الثوري وعبد الرزاق وغيرهما عن المثنى عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب، وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: ورواه عن شيخه أحمد بن محمد البزار، ثنا الحسن بن حمّاد، ثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن سعيد به: لا نعلم للأحول عن سعيد غير هذا، ولم يروه إلا وكيع عن إبراهيم بن يزيد، وقال البيهقي: هذا حديث يعرف بالمثنى عن عمرو، والمثنى غير قوي، وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو، إلا أنه خالفه في الإسناد، فرواه عن عمرو عن أبيه عن جدّه، واختصر المتن، فجعل السؤال عن الرجل لا يقدر على الماء، أيجامع أهله؟ قال: نعم.

ورواه أبو الربيع السمان عن عمرو بن دينار عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن أعرابا، وأبو الربيع ضعيف.

قال ابن المديني: قلت لسفيان: إنّ أبا الربيع روى عن عمرو عن سعيد عن أبي هريرة: يعزب في إبله؟ فقال سفيان: إنما جاء بهذا المثنى عن عمرو بن شعيب، وإنّما قال عمرو بن

ص: 317

دينار: سمعت جابر بن زيد يقوله، قال علي: قلت لسفيان: إنّ شعبة رواه هكذا عن جابر، فقال: كان شعبة من أهل الحفظ والصدق، ولم يكن ممن يريد الباطل.

وقد روي عن ابن أبي عروبة عن عمرو، وابن أبي عروبة إنّما سمعه من أبي الربيع عن عمرو، وروي من وجه آخر ضعيف من حديث عبد الله بن سلمة الأفطس عن الأعمش عن عمرو، والأفطس ضعيف، ولفظ أبي الفرج في التحقيق: ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة، ثم ضرب ضربة أخرى، فمسح على يديه إلى المرفقين.

وهو معارض بما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن عباد بن العوّام عن برد عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة، قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجده، فانطلقت أطلبه، فلما رآني عرف الذي جئت له، فبال، ثم ضرب بيديه الأرض، فمسح بهما وجهه وكفيه.

وحديث الربيع بن بدر عليلة، عن أبيه، عن جده، عن الأسلع، ووصف كيف علمه النبي صلى الله عليه وسلم التيمم، قال: فضرب بكفيه الأرض، ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه، ثم أمر على لحيته، ثم أعادها إلى الأرض، فمسح بهما الأرض، ثم دلك إحداهما على الأرض، ثم مسح ذراعيه.

ذكره أبو الحسن المقرئ في سننه، وضعفه أبو حاتم الرازي في كتاب العلل، ذكر الباوردي أن بسببه نزلت آية التيمم، وقال ابن حزم: هذا الحديث في غاية السقوط، وفيه إشكال؛ لأن التيمم نزل قبل

ص: 318

إسلامه، وفي تاريخ البرقي: أصابتني جنابة، فنزل عليه جبريل بالتيمم، فذكره، وهو مشكل أيضا.

وحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: في التيمم ضربة للوجه، وأخرى للذراعين.

ذكره عبد الله بن وهب في مسنده عن محمد بن عمرو اليافعي عن رجل حدثه عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عنه، قال ابن حزم: فيه علّتان:

إحداهما: ضعف القاسم.

الثانية: أن محمد بن عمرو لم يسم من أخبره عن جعفر، وقد دلسه بعض الناس عليه، فقال: عن محمد بن عمرو عن جعفر، ومحمد لم يدرك جعفرا فسقط هذا الخبر.

وحديث أبي ذر، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه على الأرض، ثم نفضهما، ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين.

ذكره أبو محمد الفارسي من طريق ابن جريج عن عطاء، حدثني رجل أنّ أبا ذر به، وقال: هذا خبر ساقط، قال ابن حزم: وقد روي من حديث عائشة وابن عمر، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تيمم للوجه والكفين بضربتين، وليسا صحيحين:

أمّا الأول: فرواه الحريش بن الخريت، وهو ضعيف.

والثاني: فيه سليمان بن أبي داود الحراني، وهو مثله.

ص: 319

وحديث ابن الصمة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تيمم، فمسح بوجهه وذراعيه.

رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن عبد الرحمن بن معاوية عن الأعرج عنه.

قال البيهقي: هو منقطع، الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة، إنّما سمعه من عمير مولى ابن عباس.

وحديث ابن أبي الحمامة السلمي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في المسجد، فوضع يده على حائط المسجد، فمسح به وجهه وذراعيه، ثم دخل.

رواه أبو القاسم البغوي عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الحارث بن عبد الرحمن بن هشام عن أبيه، قال: أتى ابن أبي الحمامة، فذكره. وحديث عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إلى المرفقين.

ذكره البيهقي من حديث قتادة، قال: حدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عنه، والله أعلم.

77 -

حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم وثنا أبو إسحاق الهروي، ثنا إسماعيل بن جعفر، جميعا عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.

ص: 320

هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.

ورواه الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، قال: ثم جلست إلى سفيان، فذكر هذا الحديث، فقال الزهري: عن أبي سلمة - أو سعيد - عن أبي هريرة، ولفظ ابن الجارود، وخرجه من حديث أنس بن مالك: جعلت لي من كل أرض طيبة مسجدا وطهورا، فرواه عن محمد بن يحيى، ثنا حجاج الأنماطي، ثنا حماد عن ثابت وحميد عنه، وفي البخاري من حديث جابر: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، الحديث.

أنبأنا الإمام تاج الدين أحمد بن علي بن وهب القشيري رحمه الله أنبأنا ابن بنت الحميري، قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا الحافظ أبو طاهر، أنبأنا أبو عبد الله الثقفي، أنبأنا أبو الفتح هلال بن محمد، ثنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى القطان، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا يزيد بن زريع، ثنا سليمان التيمي، عن يسار، عن أبي أمامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى قد فضلني على الأنبياء - أو قال: أمتي - على الأمم بأربع: أرسلني إلى الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا، فأينما أدركت الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر، فقذف في قلوب أعدائي، وأحلّت لي الغنائم.

وفي كتاب أبي نعيم الأصبهاني رحمه الله قال: كنا نحرس النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فجئت ذات ليلة إلى المكان الذي يكون فيه، فلم أجده في مضجعه،

ص: 321

فعلمت أنه إِنما أقامته الصلاة، ورميت ببصري يمينا وشمالا، فإذا به قائما يصلي إلى شجرة، فهويت نحوه، فإذا رجل قبلي أخرجه الذي أخرجني، فقمت أنا وهو خلف النبي صلى الله عليه وسلم نصلي بصلاته، فصلى ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان بين ظهري صلاته سجد سجدة، فظننت أن قد قبض فيها فابتدرناه، فجلسنا بين يديه، أنا وصاحبي، فسألناه، فقال: هل أنكرتم من صلاتي الليلة شيئا؟ قلنا: نعم، سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة حتى ظننا أنّك قد قبضت فيها، فقال: إني أعطيت فيها خمسا لم يعطهن نبي قبلي، فذكر الحديث، وفيه: وأعطيت دعوة ادخرتها شفاعة لأمتي، رواه من حديث حازم بن خزيمة عن مجاهد عنه، قال: وتابعه على هذا مزاحم بن زفر عن مجاهد عنه مختصرا، ورواه أيضا من حديث مزاحم بن زفر عن مجاهد عن أبي سعيد بنحوه مختصرا، وذكر أيضا حديث حذيفة، قال صلى الله عليه وسلم: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا، رواه مسلم في صحيحه، وحديث ابن عباس، ولفظه: وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأوتيت الكوثر، رواه أبو داود، وذكر أيضا حديث ابن عمر بنحوه، ذكره أبو نعيم.

وحديث علي، قال صلى الله عليه وسلم: أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا: ما هو يا رسول الله؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهورا، وجُعلت أمتي خير الأمم.

ذكره أحمد في مسنده من حديث ابن عقيل عن محمد بن علي عنه.

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي، فذكر حديثا، فيه: لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد كان قبلي، فذكر حديثا، وفيه: وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تمسّحت وصلّيت.

ورواه أحمد بن حنبل في

ص: 322

مسنده، وكذلك حديث أبي موسى بنحوه أيضا، وحديث ابن مسعود عند البيهقي بنحوه.

وفي حديث عائشة المذكور عند ابن ماجه بعد، وهو مخرج عند الشيخين: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي.

وفيه: فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، وفي لفظ: جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة.

وفي كتاب التفرّد لأبي داود: فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك، فأنزلت آية التيمم، قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث أنّهم لم يتركوا الصلاة حين لم يجدوا الماء، فصلُّوا بغير وضوء؛ لأنّ بعض الناس يقول: إذا لم تجد الماء لا تصل، قال أبو عمر: وهو أصح حديث روي في هذا الباب، قال: والسفر المذكور، يقال: إنه كان في غزوة بني المصطلق، وتسمى: المريسيع، وهو ماء لخزاعة، قال الواقدي: كانت سنة خمس، وقال ابن إسحاق: سنة ست، وقال ابن عقبة: أربع من الهجرة، وكذا ذكره ابن الجوزي عن أبي مخنف. ورواه هشام عن أبيه عند النسائي عن عائشة: أنها استعارت قلادة من أسماء، فانسلّت منها، وكان ذلك المكان، يقال له: الضلضل، كذا ضبطه البكري بضادين معجمتين، قال: وهو الصحيح، وزعم الجوهري إنه بالمهملتين، فأباه أبو عبيد.

ص: 323

وفي رواية هشام: قلادة، وقد سبق أنه عقد لها.

وفي كتاب الترمذي عن الحميدي عن سفيان، ثنا هشام به، وفيه: أنّ القلادة سقطت ليلة الأبواء، وفي معجم الطبراني بإسناد لا بأس به؛ بل لو حسن لم ينكر ذلك، ما يدلّ على أنّ عقدها سقط مرّتين، وأنّ التيمم نزل بعد الإفك، وكان الأول في سنة خمس، فيترجح قول من قال: كان التيمم سنة ست، وفيه بيان لقول أسيد: ما هي بأوّل بركتكم.

قال: ثنا القاسم بن عباد، ثنا محمد بن حميد الرازي، ثنا سلمة بن الفضل، وإبراهيم بن المختار عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة، قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، وطلع الفجر، فلقيت من أبي بكر ما شاء الله، وقال: يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء، ليس مع الناس ماء، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: يا بنية، إنك ما علمت لمباركة.

وذكر الإمام أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره، أنّ القائل لها: ما أنزل بلاء بك النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الباب أحاديث منها: حديث عبد الله بن أبي أوفى.

ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل.

وحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تمسحوا بالأرض، فإنها بكم برة.

قال الطبراني في الأصغر: لم يروه عن الثوري عن عوف عن أبي عثمان إلا الفريابي، وقال البيهقي في السنن: هذا حديث غريب الإسناد والمتن.

وحديث معاذ: بال النبي صلى الله عليه وسلم، فتيمم بالصعيد، فلم أره يمسح يديه ووجهه إلا مرّة. وأخرجه الطبراني في الكبير

ص: 324

من حديث محمد بن سعيد المصلوب.

التيمم في اللغة: القصد، قال القزاز: قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} معناه: لا تقصدوا، ومنه قول الشاعر - يعني جندبا -:

تيممتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي

.

يريد: قصدتها، ويروى: تنورتها؛ أي: نظرت إلى نارها، وهو أصوب.

وقال خفاف:

فإن تك خيلى قد أصيب صميمها

فعمدا على عيني تيمّمت مالكا

.

أي: قصدته، وقال تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} قالوا: معناه: اقصدوا الصعيد بالتمسح، وقال الخليل: التيمم يجري مجرى التوخي، يقول: تيمم أطيب ما عندك، فأطعمنا منه؛ أي: توخاه، وعلى هذا فسّر ما ذكرنا، وأجاز أن يكون التيمم: التعمد والقصد، وكثر هذا الاسم حتى صار اسما للتمسح بالتراب، والعرب تقول: تيممت الشيء تيمما، وتيممه تيمما، وأممته أما، قال الفراء: ولم أسمع فيها يممت بالتخفيف، ويقولون: يممت فلانا سيفي ورمحي: قصدته وتوخيته دون من سواه، وأنشد الخليل:

يممت بالرمح شزرا ثم قلت له

هذي لا لعب الزحاليق

.

قال: ومن أنشده: أممت، فقد أخطأ؛ لأنه قال: شزرا، والشزر لا يكون إلا من ناحية، ولم يقصد به أمامه، وفي الصحاح: تيممتك وتأممتك، وأنشد أبو بكر في الكتاب الزاهر:

وفي الأظعان آنسة لعوب

تيمم أهلها بلدا فساروا

.

وقال أمية بن أبي الصلت:

ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن

تيمم البحر للأعداء أحوالا

.

ص: 325

وقال تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} ومعناه: ولا قاصدين، قال الشاعر:

إني كذلك إذا ما ساءني بلد

يممت صدر بعيري غيره بلدا

.

وقال غيره:

سل الربع أني يممت أم طارق

وهل عادة للربع أن يتكلّما

.

وقال الجاحظ في كتاب المردان تأليفه، ومنهم: عمرو بن الأعرج الأسلع الذي كان يرجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له يوما: إني جنب، وليس عندي ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم، انتهى. وهو قول غريب.

وأما قول ابن الجوزي: ظاهر حديث عائشة يدل على أنهما كانا مرتين؛ حيث قالت: سقط عقدي، وفي الآخر لأسماء، وليس كذلك، وهو معارض ما أسلفناه من عند الطبراني: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي، الحديث.

قال القاضي أبو بكر: قول عائشة: فنزلت آية التيمم، لا أدري أي آية أرادت؛ لأن في المائدة آية، وفي النساء آية.

وقال القرطبي: أولاها التي في النساء؛ لأن آيتها لا ذكر فيها للوضوء، والتي في المائدة ذكر فيها الوضوء.

وفي كتاب الحميدي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، فنزلت:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} .

وقال المازري - رحمه الله تعالى -: قال بعض أصحابنا: يباح السفر للتجارة، وإن أدى إلى التيمم، ويحتج له بهذا الحديث؛ لأنّ إقامتهم على التماس العقد ضرب من مصلحة المال وتنميته، وقال أبو عمر في كتاب التمهيد: فيه من الفقه خروج النساء

ص: 326

مع الرجال في الأسفار، وفي الغزوات، وذلك مباح إذا كان العسكر كثيرا، يؤمن عليه الغلبة، روى أبو داود عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج بأم سليم ونسوة من الأنصار يسقين الجرحى.

وأجمع علماء الأمصار بالمشرق والمغرب - فيما علمت - أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور لكل مسلم مريض أو مسافر، وسواء كان جُنبا أو على غير وضوء، لا يختلفون في ذلك، وقد كان عمر بن الخطاب وابن مسعود يقولان: الجنب لا يطهره إلا الماء، ولا يستبيح بالتيمم صلاة؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} ، وقوله:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} .

وذهبا إلى أن الجنب لم يدخل في المعنى المراد بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} .

ولم يتعلّق بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار، انتهى كلامه.

وفي شرح المهذب للنووي: قد ذكروا رجوع عمر وابن مسعود عن ذلك.

قال أبو عمر: واختلف العلماء في كيفية التيمم، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وابن أبي سلمة والليث: ضربتان للوجه، وضربة يمسح بهما إلى المرفقين، يمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى، والفرض عند مالك إلى الكوعين والاختيار إلى المرفقين، وسائر من ذكرنا معه يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا، وقال الأوزاعي: التيمم ضربتان؛ ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين، وهما الرسغان، وروي ذلك عن علي، وقد روي عن

ص: 327

الأوزاعي، وهو أشهر أنّ التيمم ضربة واحدة يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين، وهو قول عطاء والشعبي في رواية، وبه قال أحمد وإسحاق وداود بن علي والطبري، وهو أثبت ما روي في ذلك عن عمّار، رواه شقيق عن أبي موسى عن عمار، ولم يختلف في حديث أبي وائل هذا.

وسائر أحاديث عمار مختلف فيها، وقال الحسن بن حي وابن أبي ليلى: التيمم ضربتان، يمسح بكلّ ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه. ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم غيرهما في علمي. وقال الزهري: يبلغ بالتيمم الآباط، ولم يقله غيره.

وفي بعض ألفاظ أبي داود: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح إلى أنصاف ذراعيه.

قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت. وفي شرح الأحكام لابن بزيزة: وقالت طائفة من العلماء: أربع ضربات؛ ضربتان للوجه، وضربتان لليدين، قال: وليس له أصل من السنة.

قال: وقال بعض العلماء: تيمم الجنب إلى المنكب وغيره إلى الكوعين، قال: وهو قول ضعيف.

وفي كتاب ابن رشد: رواية عن مالك الاستحباب إلى المرفقين، والفرض الكفان.

قال أبو عمر: واختلفوا في الصعيد، فقال مالك وأصحابه: الصعيد وجه الأرض.

قال ابن خويز بنداد: الصعيد عندنا وجه الأرض، وكل أرض جائز التيمم عليها صحراء كانت، أو معدنا، أو ترابا، قال: وبذلك قال أبو حنيفة والأوزاعي والطبري، قال: ويجوز عند مالك على الحشيش إذا كان دون الأرض، واختلفت الرواية عنه في التيمم على الثلح، فأجازه مرة ومنعه أخرى، قال: وكل ما صعد على وجه الأرض فهو صعيد، والحجة في ذلك قوله تعالى:{صَعِيدًا جُرُزًا} يعني: أرضا غليظة لا تنبت شيئا، و {صَعِيدًا زَلَقًا} .

وقال صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على صعيد واحد أي: أرض واحدة، وفي الصحاح: الصعيد: التراب.

وقال ثعلب: وجه الأرض، والجمع صُعُد وصعدات.

وفي الجمهرة: هو التراب

ص: 328

الذي لا يخالطه رمل ولا سبخ، هذا قول أبي عبيدة.

وقيل: هو الظاهر من وجه الأرض، وكذا فسّر قوله:{صَعِيدًا طَيِّبًا} .

وفي الجامع: جمع الصعيد: صعد، وجمع الصعد: صعدات، وفي الزاهر لمحمد بن القاسم: الصعيد وجه الأرض، قال الشاعر:

قتلى حنوطهم الصعيد وغسلهم

نجع الترائب والرءوس تقطف

.

وقال الشافعي وأبو يوسف وداود فيما ذكره أبو عمر: الصعيد: التراب؛ ولا يجزئ عندهم التيمّم بغيره، قال الشّافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي غبار، فأمّا الصحراء الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ، فلا يقع عليه اسم صعيد، انتهى. وما أسلفناه يرد هذا.

قال: وأجمع العلماء على أنّ التيمم بالتراب ذي الغبار جائز، وقال صلى الله عليه وسلم في الأرض: وتربتها لنا طهور، وهو مخرج في صحيح أبي عوانة الإسفرائيني، وهو يقضي على قوله: مسجدا وطهورا ويفسره، وسُئل ابن عباس: أي الصعيد أطيب؟ فقال: الحرث، وجماعة العلماء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق، انتهى.

وهو محجوج بما نذكره من عند ابن خزيمة بعد، قال أبو عمر: وقال الثوري وأحمد: يجوز التيمم بغبار اللبد والثوب خلافا لمالك.

وفي تفسير النقاش: جوّز ابن علية وابن كيسان التيمم بالمسك والزعفران.

وفي حلية الشّاشي: ولا يجوز

ص: 329

التيمم بتراب خالطه دقيق أو جص.

وقيل: يجوز إذا كان التراب غالبا.

وأجمع العلماء على أنّ التيمّم لا يرفع الجنابة، ولا الحدث إذا وجد الماء، وأنّ المتيمّم للجنابة أو للحدث إذا وجد الماء عاد جنبا أو محدثا كما كان، واختلفوا إذا رأى الماء بعد دخوله في الصلاة، فقال مالك: يتمادى في صلاته، وقال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والمزني وغيرهم: يقطع تلك الصلاة، ويخرج إلى استعمال الماء، واختلفوا في التيمم في الحضر، فذهب مالك وأصحابه إلى أنّ التيمم في الحضر والسفر سواء إذا عدم الماء أو تعذّر استعماله، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال الشّافعي: لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف، وبه قال الطبري، وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر لا لمرض ولا لخوف خروج الوقت.

وقال عطاء: لا يتيمّم المريض ولا غير المريض إذا وجد الماء؛ لأنّ الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فلم يبح التيمم إلا عند فقد الماء.

قال أبو عمر: ولولا قول الجمهور وما روي من الأثر لكان قوله صحيحا، واختلفوا أيضا في التيمم: هل تصلى به الصلوات، أم يلزم التيمم لكل صلاة فرض؟ فقال شريك القاضي: يتيمم لكل صلاة نافلة وفريضة، ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن تيمم لصلاة فصلاها، فلما سلم منها ذكر صلاة نسيها أنّه يتيمّم لها.

واختلفوا فيمن صلى صلاتي فرض بتيمم واحد، فروى يحيى عن ابن القاسم فيمن صلى صلوات كثيرة بتيمم واحد، أنه يعيد الصلاة على ما زاد على واحدة في الوقت، واستحب أن يعيد أبدا.

وروى ابن أبي زيد عنه أنه يعيد أبدا، وقال أصبغ: إن جمع بين صلاتين بتيمم واحد، نظر فإن كانتا مشتركتين [في الوقت أعاد الآخرة، وإن كانتا غير

ص: 330

مشتركتين] أعاد الثانية أبدا.

وقال أبو حنيفة والثوري والليث والحسن بن حي وداود: يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث ما لم يجد الماء، وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه، والله تعالى أعلم.

ص: 331

‌باب في المجرُوح تصيبه الجنابة، فيخاف على نفسه إن اغتسل

78 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، ثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، سمعت ابن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام، فأمر بالاغتسال، فاغتسل فكز فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قتلوه، قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال.

قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجراح.

هذا حديث خرجه أبو داود، فبين أنه منقطع عن نصر بن عاصم، ثنا محمد بن شعيب، أنبأنا الأوزاعي، أنه بلغه عن عطاء، أنه سمع ابن عباس به.

وقال عبد الرحمن: سألت أبي وأبا زرعة عنه، فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء، وأفسد الحديث.

وخرجه أبو الحسن عن الفارسي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، ثنا الأوزاعي عن رجل عن عطاء.

وقال عبد الحق: ولا يروى من وجه قوي، وسيأتي خلاف قوله، وأما قول الحافظ المنذري أخرجه - يعني: أبا داود - منقطعا، وابن ماجه موصولا، فلم يصنع شيئا، كلاهما منقطع، لكن أحدهما قال: بلغه، والآخر قال: عن، فلو كان في ابن ماجه تحديث أو شبهه كما سنذكره بعد، لساغ له قوله، والله تعالى يغفر له،

ص: 332

لكن المتصل ما ذكره الحافظان أبو بكر بن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، وابن الجارود في منتقاه من حديث الذهلي، ثنا عمر بن حفص بن غياث، ثنا أبي، أخبرني الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، أن عطاء حدثه عن ابن عباس، بلفظ: قتلهم الله ثلاثا، قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورا.

قال: شكّ ابن عباس، ثم أثبته بعد، قال أبو بكر: ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رفعه في قوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، قال: إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح أو الجدري، فيجنب، فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم.

وخرجه ابن الجارود أيضا، وفي ذلك نظر؛ لما ذكره أبو أحمد، من أنّ جريرا سمع من عطاء بعد الاختلاط، ولما خرج أبو عبد الله في مستدركه حديث الوليد، قال: هذا حديث صحيح، فإن الوليد بن عبيد الله هذا ابن أخي عطاء بن أبي رباح، وهو قليل الحديث جدا، وقد رواه الأوزاعي عن عطاء وخرج بعد، وله شاهد آخر عن ابن عباس، فذكر الحديث الذي أسلفناه من عند ابن خزيمة، ثم ذكر حديث محمد بن يعقوب، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي، ثنا بشر بن بكر، حدثني الأوزاعي، ثنا عطاء، فذكره، قال: بشر بن بكر ثقة مأمون، وقد أقام إسناده، وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وحدثناه أبو العباس، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد، أنبأنا أبي، سمعت يقول: بلغني عن

ص: 333

عطاء، ورواه أيضا الهقل بن زياد، وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي، فلم يذكر سماع الأوزاعي من عطاء، إنّما قال: قال عطاء عن ابن عباس، ورواه أيضا محمد بن كثير المصيصي، فقال: ثنا الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح، أنبأنا بذلك الإمام ضياء الدين موسى القطبي - رحمه الله تعالى -، أنبأنا عبد اللطيف البغدادي، قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا الشيخان اللبان والجمال، أنبأنا أبو علي، أنبأنا الحافظ أبو نعيم، ثنا محمد بن أحمد بن علي، ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا محمد بن كثير، فذكره، وقال: هذا حديث غريب، لا تحفظ هذه اللفظة - يعني: ألم يكن شفاء العي السؤال - عن أحد من الصحابة إلا من حديث ابن عباس، ولا عنه إلا من رواية عطاء، حدث به الوليد بن مسلم والأعلام عن الأوزاعي، وقال ابن عساكر: ورواه أيوب بن سويد عن الأوزاعي كرواية ابن أبي العشرين، ولما خرّج البيهقي حديث الوليد قال: هذا حديث موصول، وتمام هذه القصة في الحديث الذي أرسله الأوزاعي عن عطاء.

ومن أوجب الجمع بينهما يقول: لا تنافي بين الروايتين، إلا أنّ إحداهما مرسلة، وبنحوه ذكره قاسم في الدلائل، فكأن أبا عبد الله لم يعد هذا علّة؛ إذ صحت له طريقه، فكأنه يقول: سمعه أولا عنه، ثم سمعه عن آخر عنه، ورواه أيضا في تاريخ نيسابور بإسناد ضعيف عن أبي الفضل المسلمي، ثنا محمد بن حاتم بن يونس، ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن الأشعث، ثنا بشر بن يحيى من ثقات أصحاب عبد الله، ثنا أبو عصمة عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن ابن عباس، ورواه أيضا عن عطاء عن جابر بن عبد الله، قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجل معنا حجر، فشجّه في رأسه، فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد

ص: 334

لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات.

فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال: قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر - أو يعصب، شك الراوي - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده.

رواه أبو داود من جهة الزبير بن خريق، وقال أبو بكر بن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل مكة، وحملها أهل الجزيرة، ولم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير، وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي، فرواه عن عطاء عن ابن عباس، واختلف عن الأوزاعي، فقيل: عنه عن عطاء، وقيل: عنه بلغني عن عطاء، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب.

وقال البيهقي في الخلافيات: هذا إسناد مختلف فيه، وصحّ عن ابن عمر، أنّه: كان يمسح على العصابة. وقال في السنن الكبير: هذه رواية موصولة.

وفي مسند الدارمي: قال عطاء: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل بعد ذلك؟ فقال: لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجروح.

وقال عبد الحق: لم يروه عن عطاء غيره، وليس بالقوي، ورواه الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس، واختلف على الأوزاعي، ولا يروى الحديث من وجه قوي، وتتبع ذلك عليه أبو الحسن بقوله: هكذا ساقه في التيمم، وهذا لا يحتمل إلا أنّ التيمم في حق المريض من رواية ابن عباس أيضا، كما هو من رواية جابر، وذلك باطل، وإنّما اعتراه هذا من كتاب الدارقطني الذي نقله منه؛ فإنّه أجمل القول

ص: 335

كما ذكر، ثم فسره بإيراد الأحاديث، فتخلص، فكتب أبو محمد الإجمال، ولم يكتب التفسير، فوقع الخطأ.

وحديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم، ولا يعرف ذكر التيمم فيها إلا من رواية ابن خريق، كما تقدّم أو من رواية أبي سعيد الخدري بإسناد بالغ إلى الغاية في الضعف، رواه ابن عدي عن محمد بن الحسن بن موسى الكوفي بمصر، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن حماد، ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد عن عمرو بن شمر عمرو بن أنس عن عطية عن أبي سعيد، قال: أجنب رجل مريض في يوم بارد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فغسله أصحابه فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لهم قتلوه، قتلهم الله، إنما كان يجزئ من ذلك التيمم انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث زعمه أنّ حديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم؛ لما أسلفناه قبل من كتاب ابن حبان وابن خزيمة، ولما في كتاب العلل لعبد الرحمن: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: المجدور أو المريض إذا خاف على نفسه تيمم، قال أبو زرعة: ورواه جرير أيضا؛ فقال: عن عطاء به مرفوعا في المجدور وهو خطأ، أخطأ فيه علي بن عاصم، ورواه أبو عوانة وورقاء وغيرهما عن عطاء بن السائب عن سعيد عن ابن عباس موقوفا، وهو الصحيح، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث إغفاله أيضا على متابعة جرير، وإن كان سماعه منه بأخرة فلابدّ من ذكره بهذين الأمرين أو بأحدهما، وفي كتاب الدارقطني: ثنا بدر بن الهيثم، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن عاصم الأحول عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس، قال:

ص: 336

رخص للمريض التيمم بالصعيد، فهذا كما ترى في كتاب الدارقطني الذي زعم أنّه بخصوصه ليس فيه ذكر التيمم في حديث ابن عباس، اللهم إلا أن يحمل كلامه على المرفوع، فيجاب بأمرين: الأول: قوله رخص - بضم الراء - غالبا، إنما يعزى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كقوله: أمر بلال؛ لأنه ليس لأحد أن يسن أو يرخص غيره، وعلى تقدير المشاححة في هذه اللفظة، فيقال له: قد قال أبو الحسن بعده: رواه علي بن عاصم عن عطاء، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما اعتذارك عن هذا يا أبا الحسن، وأظن الموقع له في هذا عدم رؤيته إيّاه في سننه، وليس بين الموضعين إلا يسير، وقد وقع لنا حديث عبد الحميد متصلا، فقال: ثنا الأوزاعي، ثنا عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت ابن عباس، فذكره، ذكره أبو عمر في جامع بيان العلم، والله أعلم.

وأمّا تيمم الجنب ففيه أحاديث منها: حديث عمران بن حصين: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا معتزلا لم يصل مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء؟ قال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك. خرجاه في كتابيهما.

وحديث أبي ذر: كانت تصيبني الجنابة - يعني: وهو بالبربذة - فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبو ذر؟، فسكت، فقال: ثكلتك أمك أبا ذر، فدعا لي بجارية سوداء، وفيه: الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين.

خرجه أبو عيسى، وقال: حسن صحيح، وخرجه البستي في صحيحه من

ص: 337

حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان، سمعت أبا ذر به، ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنّ هذا الخبر تفرد به خالد، فذكر حديث الثوري عن أيوب وخالد به، ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه قال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه؛ إذ لم نجد لعمرو راويا غير أبي قلابة، وهذا مما شرطت فيه، وثبت أنهما قد أخرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين، ولما ذكره الجوزقاني قال: هذا حديث صحيح، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال: الذي تفرد به من هذا الحديث: أنه رخص أن يصيب أهله، ورواه حماد بن زيد فلم يذكر أبوالها، ولما ذكره الإشبيلي أتبعه قول الترمذي فيه: حسن، وتتبع ذلك عليه أبو الحسن بقوله: فهو عنده غير صحيح، ولم يبين لم لا يصح؛ وذلك لأنه لا يعرف لابن بجدان هذا حال، وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه فخالد الحذاء يقول: عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف عن خالد في ذلك، فأما أيوب؛ فإنّه رواه عن أبي قلابة، فاختلف عليه، فمنهم من يقول فيه: عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر. ومنهم من يقول: عن رجل فقط. ومنهم من يقول: عن رجاء بن عامر. ومنهم من يقول: عن عمرو بن بجدان، كقول خالد. ومنهم من يقول: عن أبي المهلب. ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا، فيجعله عن أبي قلابة عن أبي ذر. ومنهم من يقول: عن أبي قلابة أنّ رجلا من بني قشير قال: يا نبي الله، وهو حديث ضعيف، لا شك فيه؛ لأنّه لابد فيه من عمرو بن بجدان، ولهذا المعنى إسناد صحيح من رواية أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: الصعيد وضوء المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين.

رواه البزار عن مقدم بن محمد، ثنا عمي

ص: 338

القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم، ثنا هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه، انتهى كلامه.

وفيه نظر من وجوه: الأول: تقريره قول أبي محمد عن الترمذي: حسن، والذي رأيت في عدّة من نسخه: حسن صحيح، كما قدمته أولا، وكذا ذكره ابن عساكر في الأطراف، والشيخان ضياء الديّن المقدسي في أحكامه والمنذري في مختصره.

الثاني: الثالث: ما ذكره من الاختلاف في اسمه، ونسبه كلّه يرجع إلى شيء واحد - والله أعلم -، وفيه أيضا خلاف لم يذكره، وهو عمرو بن محجن - أو محجن - وقيل: عن محجن أو أبي محجن، فيما ذكره الخطيب في كتاب الفصل للوصل.

وأما من قال: عن أبي المهلب، فجوابه لو كان صحيحا لكان الآتي به هو مُوسى بن خلف أبو خلف العمي القائل فيه أبو حاتم: كثرت روايته للمناكير، فاستحق الترك، ولما روى أبو القاسم حديث مقدم في الأوسط، قال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا هشام، ولا عن هشام إلا القاسم بن يحيى - تفرد به مقدم - وحديث حكيم بن معاوية عن عمه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّي أعزب عن الماء، ومعي

ص: 339

أهلي، أفأصيب منهم؟ قال: نعم، قال: إني أغيب شهرا؟ قال: وإن مكثت ثلاث سنين.

ذكره البرقي في تاريخه من جهة بقية، ثنا سعيد بن بشير، ثنا قتادة عن معاوية بن حكيم أو حكيم بن معاوية عن عمه.

ورواه الوليد عن سعيد، فقال: عن معاوية بن حكيم، ولم يشكّ، وعمه عبد الله بن سعد، ولما ذكره البيهقي في السنن الكبير من حديث معاوية بن حكيم، قال: يقال: عمه حكيم بن معاوية النميري.

وحديث زيد بن أبي أنيسة: أنّ رجلا أجنب فغسل فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو يمموه، قتلهم الله!. قال النعمان: فحدثت به الزهري، فرأيته بعد يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: من حدثك؟ فقال: أنت حدثتني، عمن حدثك؟ قلت: عن رجل من أهل الكوفة، قال: أفسدته، في حديث الكوفة دغل كثير، ذكره البخاري في الأوسط.

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرجل يغيب لا يقدر على الماء، أيجامع أهله؟ قال: نعم.

رواه الإمام أحمد من حديث ابن أرطاة، وفي السنن لأبي داود من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،

ص: 340

فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إنِّي سمعت الله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئا.

رواه عن ابن مثنى، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنيس عن عبد الرحمن بن جبير، ثم قال: ابن جبير هذا مصري مولى خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير.

ثنا محمد بن سلمة، ثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد عن عمران عن ابن جبير عن أبي قيس مولى عمر: أن عمرا كان على سرية، وذكر الحديث نحوه، قال: فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم.

قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية، قال فيه: فتيمم، وبنحوه ذكره في كتاب التفرد.

ولما ذكره أبو عبد الله من حديث أبي قيس، بلفظ: إنّ عمرا كان على سرية، وإنهم أصابهم برد شديد لم ير مثله، فخرج لصلاة الصبح، فقال: والله لقد احتلمت البارحة، ولكني والله ما رأيت بردا مثل هذا، هل مر على وجوهكم مثله؟ قالوا: لا، فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سأل: كيف وجدتم عمرا وصحابته؟ فأثنوا عليه خيرا، وقالوا: يا رسول الله، صلى بنا وهو جنب، فأرسل إلى عمرو، فسأله، فأخبره بذلك، وبالذي لقي من البرد، فقال: يا رسول الله، إن الله قال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ولو اغتسلت مت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو.

وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما عللاه بحديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب، ثم ذكر الحديث المتقدّم، وقال: حديث جرير لا يعلّل حديث عمرو الذي فيه ذكر أبي قيس؛ فإن أهل مصر

ص: 341

أعرف بحديثهم من أهل البصرة.

ولما ذكره البيهقي قال: يحتمل أن يكون عمرو فعل ما قيل في الروايتين جميعا: غسل ما قدر على غسله، وتيمم للباقي.

وقال أبو طالب: سألت الإمام أحمد عن الجنب يؤم المتوضئين؟ قال: نعم، قد أم ابن عباس - يعني: أصحابه - وهو جن فتيمم، وعمرو بن العاص صلى بأصحابه وهو جنب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم.

قلت: حسان بن عطية سمع من عمرو؟ قال: لا، ولكن يقوى بحديث ابن عباس، وقال: نقل عنه أنه ذكر ما روي عن عمرو، فقال: ليس بمتصل الإسناد، قال: وذكرت له عن علي: لا يؤم المتيمم المتوضئين فلم يعرفه، انتهى.

إنّما أنكره؛ لأنه من رواية الحارث عنه فيما ذكره البيهقي.

ولما ذكره عبد الحق الإشبيلي - رحمه الله تعالى - في الأحكام الكبير، قال: هذا الإسناد أعلى من الأول، عمرو بن الحارث لا يقاس بيحيى بن أيوب، وعبد الرحمن بن جبير المصري أدرك عمرو بن العاص، وعمران بن أبي أنس ثقة مشهور.

وأمّا قول أبي الحسن بن القطان: وزاد - يعني: الإشبيلي - فيه لفظا آخر من رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو، ثم قال: هذا أوصل من الأوّل.

كأنه يفهم أنّ الأول أيضا موصول، وليس كذلك؛ بل معنى قوله: أوصل: أنّ هذا متصل دون الأوّل، فإنه منقطع، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛

ص: 342

من حيث إن عبد الحق لم يقل: جبير بن نفير كما قاله عنه، ونص ما عنده: هذا أوصل من الأول؛ لأنه عبد الرحمن بن جبير المصري عن أبي قيس وأبي يسوغ لأبي محمد هذا القول، ومن عند أبي داود نقل الحديث، وأبو داود قد نص على أنه ليس بابن جبير بن نفير، ولكن قوله هذا يتجه على ما ذكره في الكبرى من أنه أدرك عمرا، فصار بهذا موصولا أيضا، فينازع في الاتصال، وأصله في تعليق البخاري، بلفظ: أنه أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنّفه.

ووقع في أنساب بني سهم: أصابني جنابة وأنا مريض شديد المرض، فتخوفت إن اغتسلت أن أقتل نفسي، الحديث.

وحديث أبي هريرة المتقدم، وقد تقدّم. وحديث طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أجنبت فلم أصل، قال: أحسنت، وجاءه آخر، فقال: إني أجنبت فتيممت وصليت، قال: أصبت.

ذكره أبو محمد الأموي، وصححه بعد شهادته لطارق بصحبة صحيحة، وفي سنن البيهقي: وأمّا فعل ابن عمر قال البيهقي: محمول على الاستحباب، وحديث جابر مرفوعا: لا يؤم المتيمم المتوضئين: إسناده ضعيف فيما قاله الدارقطني.

وحديث الزهري عن سعيد عن عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤم المتيمم المتوضئين.

ص: 343

ذكره ابن شاهين، وذكر بعده حديث عمرو بن العاص، ثم قال: يحتمل أن يكون هذا الحديث ناسخا للأول، وهذا الحديث أجود إسنادا من حديث الزهري، فإن صحّ فيحتمل أن يكون النهي في ذلك لضرورة وقعت مع وجود الماء، فإن قال قائل: فيجوز أن يكون هذا رخصة لعمرو؛ إذ لم ينهه ولم يأمره بالإعادة، قيل: لو كان رخصة له دون غيره لم يقل له: أحسنت، وضحك في وجهه، ولقال له كما قال لأبي بردة بن نيار وغيره، والله أعلم.

وأمّا إذا تيمم الرجل وصلّى، ثم وجد الماء، ففيه حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد، قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، وأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين.

ذكره أبو عبد الله في مستدركه من حديث ابن نافع عن الليث عن بكر عنه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، قال ابن نافع: ثقة.

وقد وصل هذا الإسناد عن الليث، وقد أرسله غيره، أنبأناه أبو بكر بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث بن سعد، عن عميرة بن أبي ناجية، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما ذكره أبو داود من أنّ ذكر أبي سعيد في هذا الحديث وهم، وليس محفوظ، وهو مرسل، ثنا القعنبي، ثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن

ص: 344

يسار أنّ رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، وقال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث الليث عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبي سعيد، قال: لم يروه عن الليث متصلا إلا عبد الله بن نافع، تفرد به المسيبي. وقال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن نافع عن الليث بهذا الإسناد متصلا، وخالفه ابن المبارك وغيره، فلم يذكروا أبا سعيد.

وعاب أبو الحسن على الإشبيلي كونه رماه بالإرسال، وأغفل كونه منقطعا فيما بين الليث وبكر، قال: قلت: هو قد منع به مرسلا، والمرسل متصل إلى عطاء بزيادة عميرة، فلعله الذي أورد، وإيّاه قصد، فالجواب أن نقول: هو إذن قد ترك أن يبيّن أنه مرسل في إسناده رجل مجهول، وذلك أنّ عميرة بن أبي ناجية مجهول الحال، فإذ لم يبيِّن ذلك فقد أوهم أنه لا عيب له إلا الإرسال، والأظهر أنه لم يرد شيئا من ذلك، ولا اعتقد فيه إلا أنه إذا سقط منه ذكر أبي سعيد - يعني: من رواية الليث - عن بكر عن عطاء مرسلا، على نحو ما رواه ابن المبارك عن الليث، ذكر روايته الدارقطني، فقال: ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق عن ابن المبارك عن ليث عن بكر عن عطاء: أن رجلين أصابتهما جنابة فتيمما نحوه، وإذا كان هذا هو الذي اعتقد، فلم يعتمد إلا منقطعا فيما بين ليث وبكر، ولكنه لم يبيّنه، ولا أيضا تبين له على نحو ينفعه؛ فإنّ المنقطع الذي اعتمد إنما وصّله أبو داود عن رجل مجهول وهو عميرة، وأقول بعد هذا: إنّه قد جاء من رواية أبي الوليد الطيالسي، ثنا الليث عن عمرو بن الحارث وعميرة عن بكر عن عطاء عن أبي سعيد، ذكره أبو علي بن السكن، فقال: ثنا أبو بكر الواسطي، ثنا عباس بن محمد، ثنا أبو الوليد فذكره.

وأمّا الانقطاع الذي زاده ابن لهيعة فيما بين بكر وعطاء فلا يلتفت إليه؛ لضعف ابن لهيعة، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث عصبه الجناية

ص: 345

برأس عميرة، وأظنّه أبا عذرة هذا القول، وليس كما زعم، فإنه ممن قال فيه الحافظ أبو سعيد بن يونس: هو مولى حجر من بني رعين، ثم لبني بدر يكنى أبا يحيى، وكان ناسكا متعبدا، يقال: إن أباه أبا ناجية كان روميا، يدعى حريثا، روى عنه عبد الرحمن بن شريح، وحيوة بن شريح، والليث، وبكر بن مضر، ويحيى بن أيوب، ورشدين بن سعد، وعبد الله بن وهب، قال ابن وزير: توفي سنة ثلاثٍ وخمسين ومائة ببحر منصرفا من الحج، وكانت له عبادة وفضل، وقال أحمد بن وزير: سمعت ابن وهب يقول: كان عميرة من العباد، وكان بمنزلة النائحة إذا قرأ يبكي، وإذا سجد يبكي، وإذا سكت عن القراءة وفرغ من الصلاة جلس يبكي، وكان يزيد بن حاتم الأمير يسأل عنه، فيقول: ما فعلت الثكلى؟ وقال أبو نصر بن ماكولا: روى عن يزيد بن أبي حبيب، وأبي الأسود، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقال النسائي: وابن بكير كان ثقة.

وقال المحالي عن أحمد بن محمد بن رشدين: سمعت أحمد بن صالح، وسئل عن عميرة وأبي شريح، فقال: هما متقاربان في الفضل.

وذكره البستي في كتاب الثقات، وقال: توفي سنة إحدى وخمسين، وكذلك ذكره ابن نافع.

وأمّا التيمم لردّ السلام، ففيه: حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة، قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلّم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم ردّ عليه السلام.

أنبأنا به المسند المعمر أبو الحسن بن الصلاح رحمه الله، أنبأنا العلامة أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكري، وأبو عبد الله المرسي، قالا: أنبأنا المؤيد

ص: 346

الطوسي، أنبأنا الفراوي، أنبأنا الفارسي، أنبأنا أبو أحمد بن عمرويه، ثنا أبو إسحاق بن سفيان، سمعت أبا الحسين القشيري، قال: وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس، أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم، فقال

الحديث.

كذا ذكره مسلم بن الحجاج في صحيحه مقطوعا، وفيه مع ذلك وهم: وهو قوله: عبد الرحمن بن يسار، وقد ذكره أبو عبد الله في صحيحه متصلا سالما من هذا الوهم، أنبأنا بذلك مسند وقته الشيخ أبو العباس الصالحي رحمه الله أنبأنا ابن الزبيدي، أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا الداودي، أنبأنا السرخسي، أنبأنا الفربري، أنبأنا محمد بن إسماعيل رحمه الله، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج، قال: سمعت عميرا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم، فذكره ورواه أبو داود وأبو عبد الرحمن من رواية شعيب بن الليث عن أبيه، فثبت اتصاله وصح الاحتجاج به، ووقع في هذا الحديث زيادة حسنة، أنبأنا بها المسند المعمر علي بن موسى الحجازي، أنبأنا شيخ الإسلام شمس الدين الخرقي، قراءة عليه في شهور سنة تسع وستين وستمائة، أنبأنا الفقيه رشيد الدين زاهد بن محمد المروروذي، أنبأنا شيخ

ص: 347

الإسلام أبو محمد النيهي، أنبأنا الحافظ أبو محمد الحسين بن مسعود، أنبأنا عبد الوهاب بن محمد الكناني، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، ثنا أبو العباس الأصم، قال البغوي: وأنبأنا أحمد بن عبد الله الصالحي ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنبأنا أبو بكر الحيري، ثنا الأصم، أنبأنا الربيع، أنبأنا الشّافعي، أنبأنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة، قال: مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يردّ علي حتى قام إلى جدار، فحته بعصا كانت معه، ثم وضع يده على الجدار، فمسح وجهه وذارعيه، ثم ردّ علي.

قال: هذا حديث حسن، وفيه فوائد منها: وجوب مسح اليدين إلى المرفقين، ومنها: أنّ التيمم لا يصح ما لم يعلق باليد غبار التراب؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حت الجدار بالعصا، ولو كان مجرد الضرب كافيا لكان لا يحته.

وحديث أبي هريرة تقدّم ذكره من عند ابن ماجه، وحديث عبد الله بن عمر تقدم أيضا. وحديث عبد الله بن حنظلة بن الراهب: أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال، فلم يرد عليه، حتى قال بيده إلى الحائط - يعني: أنه تيمم -. رواه أحمد في مسنده، وفي طريقه رجل لم يسم.

وحديث سليمان بن يسار أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر جمل لحاجته، ثم أقبل، فسلم عليه رجل، فلم يرد عليه حتى مسح يديه بجدار، ثم رد عليه السلام. ذكره أبو بكر في كتاب المعرفة.

وأما التيمم بالسباخ ففيه: حديث عائشة: قال صلى الله عليه وسلم: قد أريت هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل، الحديث، خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وقال فيه: إن التيمم بالسباخ جائز، وأما التيمم للجنازة ففيه

ص: 348

حديث رواه ابن عدي من جهة مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا فجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم. قال ابن عدي: هذا غير محفوظ، وإنما هو موقوف عن ابن عباس.

وفي كتاب العلل لعبد الله بن أحمد: وروى الليث عن نافع عن ابن عمر، أنه قال: لا يصلي على الجنازة إلا وهو طاهر. قال البيهقي: وكذلك رواه مالك عن نافع. والذي روي عنه في التيمم لصلاة الجنازة يحتمل أن يكون في السفر عند عدم الماء، وفي إِسناد حديث ابن عمر في التيمم ضعف، وأما التيمم لكل فريضة فقد صح عن ابن عمر، وروي عن علي وعمرو بن العاص وابن عباس فيما قاله البيهقي، واستدل على حد طلب الماء بحديث ابن عمر: أنه تيمم بمربد النعم وصلى، وبينه وبين المدينة ثلاثة أميال، وبحديثه أيضا: أنه كان يكون في السفر، فتحضره الصلاة، والماء منه على غلوة أو غلوتين، ونحو ذلك، ثم لا يعدل إليه، وسئل ابن المسيب عن راع في غنمه أو راع تصيبه الجنابة، وبينه وبين الماء ميلان أو ثلاثة، قال: يتيمم صعيدا طيبا.

وعن علي: اطلب الماء حتى يكون آخر الوقت، فإذا لم تجد ماء تيمم، ثم صل. قال أبو بكر: وهذا لم يصح عن علي، وبالثابت عن ابن عمر نقول، ومعه طاهر القرآن، والله تعالى أعلم.

ص: 349

‌باب ما جاء في الغسل من الجنابة

79 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب مولى ابن عباس، ثنا ابن عباس عن خالته ميمونة، قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا، فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفاض على فرجه، ثم دلك يده بالأرض، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى، فغسل رجليه.

هذا حديث خرجه أصحاب الكتب الستة، وفي لفظ للبخاري: ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكا شديدا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات، ملء كفيه، وفي آخره: ثم أتيته بالمنديل، فرده.

وفي رواية: وجعل يقول بالماء هكذا - ينفضه -، وفي لفظ: ثم غسل فرجه، ثم قال بيده إلى الأرض فمسحهما بالتراب ثم غسلهما، وفي لفظ: فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا، وفي لفظ لمسلم: يغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح يده بالحائط أو الأرض.

وفي صحيح الإسماعيلي: مسح يده في الجدار، وحين قضى غسله غسل رجليه.

ص: 350

وفي لفظ: فلما فرغ من غسل فرجه دلك يده بالحائط، ثم غسلهما، فلما فرغ من غسلهما غسل قدميه، وفي لفظ للبخاري: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا، فسترته بثوب.

وفي لفظ: فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا، ثم غسل فرجه، ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا، وفي لفظ: ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، وفيه: ثم غسل رأسه ثلاثا.

وفي لفظ: فلما فرغ من غسله غسل رجليه، لم يزِد. قال الإسماعيلي: قد بين زائدة أن قوله: من الجنابة ليس من قول ميمونة، ولا عن ابن عباس، وإنّما هو عن سالم، وفي صحيح ابن خزيمة: ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه، وفي لفظ: فأتي بمنديل، فأبى أن يقبله، وجعل ينفض الماء عنه.

ولفظ أبي علي الطوسي في أحكامه، وحكم عليه بالصحة: فأتيته بثوب، فقال بيده هكذا، وعند الدارقطني: ثم غسل سائر جسده بملء كفيه. وفي مسند الدارمي: فأعطيته ملحفة فأبى. ولما ذكر بعده حديث عائشة قال: هذا أحب إلي من حديث سالم - يعني: حديث ميمونة - وقد أشرنا إلى هذا قبل.

80 -

حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا صدقة بن سعيد الحنفي، ثنا جميع بن عمير التيمي، قال: انطلقت مع عمتي وخالتي، فدخلنا على عائشة، فسألناها: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع عند غسله من الجنابة؟ قالت: كان يفيض على كفّيه ثلاث مرات، ثم يدخلها الإناء، ثم

ص: 351

يغسل رأسه ثلاث مرّات، ثم يفيض على جسده، ثم يقوم إلى الصلاة، وأما نحن فإنا نغسل رءوسنا خمس مرات من أجل الضفر.

هذا حديث رواه البيهقي في الكبير، بلفظ: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون

الحديث.

ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي سكت عنه، إلا أنّه أبرز من إسناده جميعا، وذلك مشعر بصحته عنده، وتتبع ذلك عليه ابن القطان؛ لكونه طوى ذكر راويه عن جميع، والله أعلم.

فظهر من هذا أنّ سكوت أبي محمد عن ذكر صدقة كان صوابا؛ لكونه ممن ذكره البستي في كتاب الثقات، ولما ذكر ابن القطان من عدم ثبوت جرح مفسر فيه.

وأمّا إبرازه جمعيا فليس لقائل أن يقول: إنما أبرزه لطعن فيه سبق ذكره أو ليكل الناظر فيه إلى علمه؛ لأنه لم يتقدم له فيه ما يشعر بذلك كعادته في الحوالة أو يقول: كتبته حتى أنظره، وأمّا كلام الدارقطني إذ سئل عن هذا الحديث: خالف الدقيقي العلاء بن صالح، فرواه عن جميع بن عمير عن عائشة موقوفا.

وحديث صدقة أشبه بالصواب، فليس فيه تعرض للتصحيح وعدمه، إنّما فيه ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى على ما فيهما، وأظن المستغرب في هذا الحديث هو قولها: فأمّا نحن فنغسل رءوسنا خمس مرار من أجل الضفر، لما ثبت في صحيح البخاري عنها أنها قالت: كنا إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيدها ثلاثا فوق رأسها.

وفي صحيح مسلم: وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.

وفي صحيح ابن خزيمة: ثلاث حثيات، أو قال: ثلاث غرفات، وفي الموطأ: إن مالكا بلغه أن عائشة

ص: 352

سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، [فقالت: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات]، ولتضغث رأسها بيدها، يعني: تضمه وتجمعه وتغمره بيدها؛ ليدخله الماء، ويس لقائل أن يقول: لعلّ الحديث الأوّل يكون محمولا على أنّ شعرها كان مضفورا، والثاني: غير مضفور، لما ذكره أبو عبد الرحمن النسائي عنها: فأفيض على رأسي ثلاث مرات، وما أنقض لي شعرا، وفي حديث جبير بن نفير عن ثوبان عند أبي داود: وأمّا المرأة فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها، وزعم بعضهم أن هذا معارض لقوله عليه السلام لعائشة في حجة الوداع: انقضي رأسك، وامتشطي، وامسكي عن عمرتك، وهو مخرج في الصحيح.

وفي كتاب الأفراد لأبي الحسن من حديث مسلم بن صبيح عن حماد عن ثابت عن أنس، قال عليه السلام: إذا اغتسلت المرأة من حيضتها نقضت شعرها نقضا، وغسلته بخطمي وأشنان، فإذا اغتسلت من الجنابة صبّت على رأسها الماء وعصرته، وبه أخذ أهل الظاهر.

وحديث جابر مرفوعا: في المرأة تغتسل من حيضة أو جنابة لا تنقض شعرها، ذكره أبو محمد بن حزم، وضعفه بابن حبيب وابن لهيعة، وقد وقع لنا من غير حديثهما، رواه ابن أبي داود عن أحمد بن حنبل، ثنا

ص: 354

أبو بكر الحنفي، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير عنه، وهو سند صحيح، وقد جاء في كيفية غسله صلى الله عليه وسلم أحاديث؛ منها: حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ ثلاثة أكف، فيفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده.

خرجاه في الصحيح من حديث أبي جعفر محمد بن علي عنه، ورواه أبو سفيان عنه: أنّ وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن أرضنا باردة، فكيف نفعل بالغسل؟ فقال: أمّا أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا.

أنبأنا به المسند المعمر أبو زكريا المقدسي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع: عن الفقيه بهاء الدين المقرئ، أنبأتنا شهدة الإبرية، قراءة عليها، أنبأنا أبو منصور، قراءة عليه، أنبأنا الحافظ أبو بكر الخوارزمي، ثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، ثنا طلحة بن أبي طلحة كتبت عنه وأنا صغير وهو مغموز عليه، لم أخرج عليه فيما صنفت شيئا، أنبأنا يحيى بن يحيى، أنبأنا هشيم عن أبي بشر عن أبي سفيان به.

وحديث جبير بن مطعم عند البخاري: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا، وأشار بيديه كلتيهما، وخرجه مسلم، ولم يذكر الإشارة.

وقال ابن أبي حاتم في علله عن أبي زرعة: الصحيح موقوف.

وفي مسند أحمد: فآخذ ملء كفي ثلاثا، فأصب على رأسي، ثم أفيض بعد على سائر جسدي.

وحديث أبي هريرة عند أحمد: كان صلى الله عليه وسلم يصب بيده على رأسه ثلاثا.

ص: 355

وحديث ثوبان عند أبي داود: أما الرجل فلينشر رأسه، فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر.

وحديث ابن عباس أنه: كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة.

قال شعبة مولاه: فسألني: كم أفرغت؟ قلت: لا أدري، قال: لا أم لك، وما يمنعك أن تدري؟ ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر.

رواه أبو داود من حديث شعبة، وفيه كلام، وخرج أيضا حديث ابن عصم عن ابن عمر: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة.

. وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن ابن عمر إلا ابن عصم، تفرد به أيوب.

وحديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ، فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه.

رواه في الصحيح، وفي لفظ: دعا

ص: 356

بشيء مثل الحلاب، زاد البزار من حديث الطفاوي عن أيوب عن هشام عن أبيه عنها: كان يخلل رأسه مرتين في غسل الجنابة.

وفي سنن أبي داود من حديث رجل من سواءة عنها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه بالخطمي، وهو جنب يجتزئ بذلك، ولا يصب عليه الماء.

وفي لفظ: حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة - أو أنقى البشرة - أفرغ على رأسه ثلاثا، وإذا فضلت فضلة صبها عليه.

وفي أحكام الطوسي، وصححه: ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات.

وفي لفظ: ثم غسل مرافقه، وأفاض عليه الماء، وإذا أنقاهما أهوى إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ثم يفيض الماء على رأسه.

وفي لفظ: قالت عائشة: إن شئتم لأريتكم أثر يد النبي صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة.

وفي الأوسط لأبي القاسم: ثنا إبراهيم بن أحمد، ثنا أبي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، وعلي بن زيد عن أبي سلمة عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا اغتسل من جنابة غسل كفيه ثلاثا، ووصفت المضمضة والاستنشاق، وغسل الوجه والذراعين ثلاثا ثلاثا، ثم يصب الماء على رأسه واحدا واحدا، فإذا فرغ من مغتسله غسل يديه. قال: لم يروه عن حماد عن عطاء عن أبي عبد الرحمن إلا مؤمل.

وحديث عمر مرفوعا: تفرغ بيمينك على شمالك، ثم تدخل يدك في الإناء، فتغسل فرجك وما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات، تدلك رأسك كل مرّة.

ذكره الطبراني في الأوسط مطولا من حديث أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر عنه. غريبه: قال أبو زيد الأنصاري: الغسل بالفتح: الاسم، وبالضم: اسم الماء، وقيل:

ص: 357

فيهما معا اسم الفعل، وهو قول ابن قريب.

وفي الجمهرة: الغسل: مصدر غسلت الشيء أغسله غسلا، والغُسل: الاسم، والغِسل: ما غسلت به رأسك، وبنحوه قاله في الصحاح والجامع، وفي المغيث: المُغتَسل، والغَسُول: اسم الماء الذي يغتسل به، والمغتسل: مصدر اغتسل؛ لأنّ مصدر افتعل مفتعل، فيحتمل أن يكون إنّما سُمِّي بالمصدر، والمغتسل: الموضع الذي يغتسل فيه، وفي الصحيح: وضعت له غسلا من الجنابة، بضم الغين، وهو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل.

ص: 358

‌باب في الوضوء بعد الغسل

81 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن عامر بن زرارة، وإسماعيل بن موسى السدّي، قالوا: أنبأنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة.

هذا حديث لما خرجه أبو عيسى من حديث شريك قال فيه: صحيح،.

قال: وطريقه الجيدة ما ذكرها النسائي: عن أحمد بن عثمان بن حكيم، ثنا أبي، ثنا حسن بن صالح بن حي عن أبي إسحاق، وكأنه ترك طريق أبي داود لأجل زهير؛ فإنّ أبا محمد وأبا الحسن يضعفان حديثه، وخرجه ابن شاهين من حديث حبان العنزي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود.

ولفظ أبي داود، وخرجه من حديث زهير، ثنا أبو إسحاق، بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين صلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءا بعد الغسل.

ولما خرجه أبو عبد الله من حديثه أيضا قال فيه: صحيح على شرط الشيخين،

ص: 359

ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم ملخص مفسر، ولم يشك فيه الراوي، فذكر حديث شريك المتقدّم، ثم قال: وله شاهد صحيح عن ابن عمر حدثناه عمر بن جعفر البصري، ثنا محمد بن الحسين بن مكرم، ثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، ثنا عبد الأعلى، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء بعد الغسل، فقال: وأي وضوء أفضل من الغسل؟.

محمد بن بزيع ثقة، وقد أوقفه غيره، وفي الأوسط لأبي القاسم: ثنا أسلم بن سهل الواسطي، ثنا سليمان بن أحمد، نا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ بعد الغسل فليس منا. وقال: لم يروه عن أبان إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا الوليد.

.

وروى ابن أبي شيبة عن علقمة، وقيل له: إن فلانة توضأت بعد الغسل، فقال: أما إنها لو كانت عندنا لم تفعل ذلك، وأي وضوء أعم من الغسل.

وروي نحوه عن جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وحذيفة، وإبراهيم، وعبد الله بن مسعود.

وأما ما روي عن علي: أنه كان يتوضأ بعد الغسل، فمن طريق أبي البختري

ص: 360

عنه، ولم يسمع منه شيئا، ولو ثبت كان محمولا عن انتقاض عارض، كما حكي عن ابن عمر: أنه توضأ بعد الغسل، فسئل، فقال: خيل إلي أنه خرج من ذكري شيء، فتوضأت لذلك، أو يكون متعلقا بحديث قتادة عن عروة عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة.

قال ابن شاهين: وهو حديث غريب صحيح، ولقائل أن يقول: هذا محمول على الوضوء المسنون عند الاغتسال لا بعده، كما في حديث ميمونة وغيرها.

ويحتمل أنه منسوخ كما ذكره ابن شاهين، ويحتمل أن يكون محمولا على أنه لا يجزئ الغسل فقط، ولا ينوب عن الوضوء، ويحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا، أي: ليس مثلنا، إلا أن يحدث بعد الغسل حادث، يوجب الوضوء كما قدّمناه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

ص: 361

‌باب في الجنب يستدفئ بامرأته قبل أن تغتسل

82 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن حريث، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة، ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل.

هذا حديث رواه أبو عيسى: عن هناد، ثنا وكيع، عن حريث، بلفظ: ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، ثم جاء، فاستدفأ بي، فضممته إلي، ولم أغتسل، وقال: ليس بإسناده بأس، ولما ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه عن القاسم بن يزيد الوراق، ثنا وكيع، ثنا حريث بن أبي مطر، وثنا يعقوب الدورقي، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثني حريث، وهذا حديثه: ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم باشرني قبل أن أغتسل أدفئه، ثم قال: يقال في هذا الحديث: إنه ليس بإسناده بأس، ولفظ ابن وهب في مسنده: ثم يأتي وأنا جنب فيستدفئ بي.

ولما خرجه أبو عبد الله الحاكم من حديث شريك وإسماعيل بن زكريا، ثنا حريث، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدفئ بها بعد الغسل.

قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وشواهده عن سعيد بن المسيب، وعروة عن عائشة، والطريق إليها فاسد، انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ من حيث ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لم يروه عن الشعبي إلا ابن أبي مطر، وكلامه أوضح من كلام البيهقي؛ لأنّ كلامه يقتضي تفرّد حريث بالحديث نفسه، وليس كذلك لما أسلفناه من كتاب المستدرك، وكأن أبا عبد الله لمح كون شريك في الإسناد، وأنه ممن يخرج مسلم حديثه فاعتمده، وسها عمن عداه، وممن كان يستدفئ بزوجته عمر بن الخطاب من رواية النخعي عنه، وأبو الدرداء من رواية عطاء الخراساني عن أم الدرداء، وعبد الله بن عمر من حديث مسعر عن جبلة، وابن عباس من حديث إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن شدّاد، وأبو هريرة والأسود وعلقمة وعلي بن أبي طالب من حديث أبي إسحاق عن الحارث، وسعيد بن المسيب والحسن البصري، ذكر ذلك في مصنفه ابن أبي شيبة، قال: وكرهه حماد، حتى يجف، رواه عن وكيع عن مسعر.

وفي كتاب أبي داود من حديث الإفريقي عن عمارة بن غراب، أن عمّة له حدّثته أنها سألت عائشة؛ فذكرت حديثا فيه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده.

قال أبو داود: تعني: مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال: ادني منّي، فقلت: إني حائض،

ص: 362

فقال: وإن، اكشفي عن فخذيك، فكشفت فخذي، فوضع خدّه وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام صلى الله عليه وسلم.

ويعارض هذا على تقدير صحته ما في التمهيد من حديث ابن لهيعة، قال أبو عمر: ولا يعرف إلا من طريقه أن قرط بن عيوق سأل عائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم، إذا شددت على إزاري، وذلك إذ لم يكن لنا إلا فراش واحد، فلما رزقنا فراشين اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم.

وما في السنن أيضا عن أبي اليمان عن أم ذرة - وهي مجهولة فيما قاله ابن حزم - عن عائشة، أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر.

الغريب: قال ابن القطاع: يقال: دفئ، دِفّا، ودُفًا، ودِفئا، ودُفئا، ودفاءة، ذهب عنه البرد.

وقال ابن درستويه: والمصدر الدفاء ممدود، والدفاءة، ومنه: رجل دفآن وامرأة دفأى، إذا كان سخنا من حرارة أو مرض أو عليل القلب من الحب.

وفي نوادر الترمذي: دفؤ دفاءة مثل وضؤ وضاءة، ودفأ يدفؤ دفأ، وفي شرح الدميري: وقوله - يعني: ثعلبا -: دفئ الرجل فهو دفآن، وامرأة دفأى أي: كثر لحمها وسمنها.

وقال ابن قريب: يقال: رجل دِفاء بكسر الدال مع الهمز، وكذلك للنساء، وقال ابن سيده: أما إذا استدفئ فيدفئ مكسور لا غير، ورجل دفآن، وبلدة دفيئة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

ص: 364

‌باب في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء

83 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب، ثم ينام ولا يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل.

84 -

وذكره أيضا من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق، بلفظ: إن كانت له حاجة إلى أهله قضاها، ثم ينام كهيئته لا يمس ماء.

85 -

ومن حديث سفيان عنه، بلفظ: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يجنب، ثم ينام كهيئته لا يمس ماء.

قال سفيان: فذكرت الحديث يوما، فقال لي إسماعيل: يا فتى، يشدّ هذا الحديث بشيء؟.

هذا حديث اختلف فيه، فصححه قوم وضعفه آخرون، فمن المضعفين يزيد بن هارون، قال أبو داود: ثنا الحسن بن علي الواسطي، سمعت يزيد بن هارون يقول هذا الحديث وهم - يعني: حديث أبي إسحاق -، وفي كتاب ابن العبد: ليس بصحيح، وفي موضع آخر: وهم أبو إسحاق في هذا الحديث، وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال شعبة: قد سمعت حديث أبي إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبا، ولكني أتقيه.

وقال مهنأ: سألت أبا عبد الله عنه، فقال: ليس صحيحا، قلت: لم؟ قال: لأن شعبة روى عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة.

قلت: من قبل من جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق، قال: وسمعت يزيد بن هارون يقول: وهم أبو إسحاق

ص: 365

في هذا الحديث، ثم قال: وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث، فقال: لا يحل أن يروى هذا الحديث.

قال أبو عبد الله: الحكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق، ليس عن الأسود: الجنب يأكل.

ورواه في مسنده بألفاظ منها: إذا كانت له إلى أهله حاجة أتاهم، ثم يعود ولا يمس ماء.

وفي لفظ: كان يصيب أهله من أول الليل، ثم ينام ولا يمس ماء، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد إلى أهله واغتسل، ولفظه في الأوسط.

ورواه من حديث حمزة الزيات عن أبي إسحاق: كان يجامع المرأة من نسائه، ولا يمس ماء، فإن أصبح فأراد أن يعاودها عاود، وإن لم يرد اغتسل.

وقال: لم يروه عن حمزة إلا زياد أبو حمزة.

تفرد به عامر بن إبراهيم، وفي كتاب الأثرم: فلو لم يخالف أبا إسحاق في هذا الباب إلا إبراهيم وحده كان أثبت وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيم عبد الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما رواه أبو سلمة وعروة عن عائشة، ثم وافق ما صح من ذلك عن عائشة رواية ابن عمر عن عمر، وما روي عن عمار وأبي سعيد، فتبين أنّ حديث أبي إسحاق إنّما هو وهم، وروى هشيم عن عبد الملك - يعني: ابن عمير - عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما رواه أبو إسحاق عن الأسود، قال: ورواية عطاء عن عائشة ما لا يحتج به إلا أن يقول: سمعت، ولو قال في هذا: سمعت، كانت تلك الأحاديث أقوى، وقال أبو عيسى: وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنّه كان يتوضأ قبل أن ينام.

وهذا أصح من حديث أبي إسحاق، قال: وكانوا يرون أن هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال القشيري في كتاب التمييز: ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها: ثنا أحمد بن

ص: 366

يونس، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق به، قال: فهذه الرواية عن أبي إسحاق خاطئة، وقد جاء النخعي وعبد الرحمن بخلاف ذلك، وقال الطوسي في الأحكام: وحديث: كان يتوضأ قبل أن ينام، أصح من حديث السبيعي، وقد رواه عنه شعبة والثوري وغير واحد، ويرون هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك: هذا مما يكاد يتفق عليه المحدثون إلا القليل - يعني: أنّ أبا إسحاق غلط - وقال عبد الحق: وحديث أبي إسحاق عندهم غلط.

وقال أبو عمر: حديث الثوري، عن أبي إسحاق: لم يمس ما خطأ، ونحن نقول به.

قال الحربي: لم يزل المتفقهة من أصحاب الحديث يتكلم في حديث أبي إسحاق يقولون: كيف حكى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته من أهله، ثم ينام ولا يمس ماء؟! قال: وإبراهيم وعبد الرحمن بن الأسود يحكون عنه عن عائشة: كان يتوضأ وضوءه للصلاة، ووافق إبراهيم وعبد الرحمن على روايتهما أبو سلمة، وعروة، وأبو عمرو ذكوان، وقوى هذا القول عمر فيما سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو سعيد، وعمار، وابن عباس، وجابر، وأم سلمة، وكان أحسن الوجوه في ذلك إن صح حديث أبي إسحاق فيما رواه، ووافقه عطاء، والقاسم، وكريب، والسوائي أن تكون عائشة أخرت الأسود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما توضأ، وربما أخّر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم: أنّه كان يتوضأ.

وأخبر أبا إسحاق أنه كان يؤخر الغسل.

وقد حكى مثل ذلك غضيف عن عائشة، وعبد الله بن أبي قيس، ويحيى بن يعمر، والصنابحي، وهذا أحسن وجوهه، والله أعلم.

وأمّا المصححون: فأبو الحسن الدارقطني بقوله: يشبه أن يكون الخبران صحيحين؛ لأن عائشة قالت: ربما كان النبي صلى الله عليه وسلم قدم الغسل، وربما أخّره، كما

ص: 367

حكى ذلك غضيف، وعبد الله بن أبي قيس، وغيرهما عن عائشة، وأن الأسود حفظ ذلك عنها، فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عبد الرحمن وإبراهيم تقديم الوضوء على الغسل.

ولما ذكر أبو بكر البيهقي في سننه حديث أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد وكان لي جارا وصديقا عما حدّثته عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى حاجته، ثم نام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأوّل قالت: وثب، فلا والله ما قالت: قام، وأخذ الماء، ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد، وإن لم يكن له حاجة توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى ركعتين.

أخرجه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى، وأحمد بن يونس، ثنا زهير، عن أبي إسحاق دون قوله: قبل أن يمس ماء؛ وذاك لأنّ الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأنّ أبا إسحاق رّبما دلس، فرواها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية النخعي وعبد الرحمن بن الأسود بخلاف رواية إسحاق، قال: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية؛ وذلك أنّه بيّن فيه سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة، فلا وجه لردّه، ووجه الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقد جمع بينهما أبو العباس بن سريج، فأحسن الجمع، وذلك فيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال: سألت أبا الوليد الفقيه، فقلت: أيّها الإسناد قد صح عندنا حديث الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود: كان ينام ولا يمس ماء. وكذلك صح حديث نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر: يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ.

فقال ابن الوليد: سألت ابن سريج عن الحديثين، فقال: الحكم لهما

ص: 368

جمعيا، أم حديث عائشة فإنّما أرادت أنّه كان لا يمس ماء للغسل.

وأمّا حديث عمر فمفسّر ذكر فيه الوضوء، وبه نأخذ انتهى كلامه.

ولو حمل الأمر على الاستحباب والفعل على الجواز لكان حسنا، إذ الفعل لا يدلّ على الوجوب بمجرده، ويمكن أنّ يكون الأمران جميعا وقعا، فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز، وقد صرّح ابن قتيبة في كتاب مختلف الحديث به في قوله: إنّ هذا كلّه جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع، ثم ينام، ومن شاء غسل يديه وذكره، ثم نام، ومن شاء نام من غير أن يمس ماء، غير أنّ الوضوء أفضل، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرّة، وهذا مرّة ليدلّ على الفضيلة، وهذا مرة، ليدل على الرخصة، واستعمل النّاس ذلك، فمن أحبّ أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحبّ أن يأخذ بالرخصة أخذ.

ولماّ ذكره أبو محمد بن حزم مصححا له من حديث سفيان عنه قال: هذا لفظ يدل على مداومته عليه الصلاة والسلام لذلك، وهي أحدث الناس عهدا بمبيته ونومه جنبا، وطاهرا، فإن قيل: إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأنّ زهيرا خالفه فيه قلنا:

بل أخطأ بلا شك من خطأ سفيان بالدعوى بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك، وقد تابع سفيان على روايتهما أبو الأحوص والأعمش من حديث أبي بكر بن عياش عنه، ولفظهما: كان يجنب، ثم ينام، ولا يمس ماء.

وإسماعيل بن أبي خالد من حديث هشيم عنه، ذكره الطحاوي في (شرح الآثار)، وحمزة الزيات، ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن حمزة

ص: 369

إلا زياد أبو حمزة.

تفرد به عامر بن إبراهيم، وقال الخزرجي في كلامه على الموطأ: وقد رواه عن أبي إسحاق أئمة عدول، وهذه رخصة ورفق من الله تعالى، لا ينبغي أن يطرح مثل هذا الحديث؛ لأجل انفراد روايه العدل برواية لا تعارض زيادة من زاد عن الأسود ذكر الوضوء؛ إذ قد يصح أن يفعل الأمرين في وقتين، والله أعلم.

وفي كتاب ابن شاهين: يجامع، ثم يعود، ولا يتوضأ، وينام، ولا يغتسل، وسيأتي ذكره، فنبيّن بمجموع ما سبق تكافؤ القولين: المضعف والمصحح، ولم يبق إلا الترجيح بأمر زائد على ما تنوزع فيه، وهو متابعة عطاء المذكورة عند الأثرم، وما ذكره الحربي عن التابعين، وليس لتضعيفه رواية عن عائشة وجه لأمرين:

الأول: تصريح جماعة العلماء بسماعه منها، وقد خرج الشيخان في صحيحيهما أربعة أحاديث رواها عنها، صرّح في بعضها بالسماع.

الثاني: لم يك مدلسا حتى يتوقّف في روايته إذا لم يبيّن سماعه، وقد وجدنا أيضا له شاهدا من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيّد، خرجه الإمام أحمد في مسنده، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجنب، ثم ينام، ثم ينتبه، ثم ينام.

وحديث ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فأتي بطعام، فقالوا: ألا نأتيك بطهر؟ فقال: أأصلي فأتطهر؟ وبعضهم يقول فيه: ألا تتوضأ؟ قال: ما أردت الصلاة فأتوضأ، ثم تناول عرقا فأكل منه، ولم يمسّ ماء.

قال أبو عمر:

ص: 370

هو حديث صحيح، وفيه دلالة أنّ الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة، وذلك رفع للوضوء عند النوم والأكل.

وحديث يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر المصحح عند الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ.

قال أبو عمر: احتج به الكوفيون على أن الجنب لا بأس أن ينام قبل أن يتوضأ.

قالوا: ومعناه أن لا يتوضأ؛ لأنه في ذلك وردت الرخصة.

قال أبو عمر: وهو محتمل للتأويل، ولا حجة فيه.

وحديث غضيف، وعبد الله بن أبي قيس، عن عائشة: رّبما اغتسل من أوّل الليل، وربما اغتسل في آخره. وهو مصحح عند أبي عبد الله في مستدركه.

وفي فوائد ابن صخر: هذا حديث شامي الطريق، المحفوظ من حديث برد بن سنان عال من حديث قيس بن المفضل من هذا الوجه عن برد، وهو غريب في الأصل، قال الحاكم: تابعه - يعني: سفيان - كهمس بن الحسن عن برد. انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لأنّ جماعة قالوا: الصواب كهمس بن المنهال، منهم المزي وغيره، والله تعالى أعلم.

وصح عن حذيفة أنه قال: نومة قبل الغسل أوعب لخروجه، وفي لفظ: نومة بعد الجنابة أوعب للغسل، ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه، ثم قال: ثنا شريك، عن إبراهيم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إذا جامع الرجل، ثم أراد أن يعود، فلا بأس

ص: 371

أن يؤخّر الغسل.

وحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد. خرجه مسلم، وفيه دلالة على تأخير استعمال الماء.

وحديث عمر حين سأل عن نوم الجنب، فقال عليه السلام: يتوضأ إن شاء.

وحديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم: نام على إثر جنابة حتى أصبح، ذكره ابن أبي داود في كتاب السنن، وقال: فيه رواد بن الجراح، وإنما هو عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة. انتهى.

ولقائل أن يقول: رواد ثقة، والمتنان متباينان لفظا وإسنادٍا، فلا يشتبهان إلا على مغفل، والله أعلم، اللهم لو رده بضعف راويه الحارث، وبانقطاع ما بين أبي إسحاق وبينه لكان صوابا، والله أعلم بالصواب.

ص: 372

‌باب من قال: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة

86 -

حدثنا محمد بن رمح المصري، أنبأنا الليث بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة.

هذا حديث خرجه البخاري بلفظ: غسل فرجه وتوضأ.

ولمسلم: إذا كان جنبا، فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه.

ولم يذكر المنذري أن البخاري رواه، ويشبه أن يكون وهما، ولفظ الحاكم في تاريخ بلده، ورواه من جهة يحيى بن أبي كثير، عن الزهري، عن أبي سلمة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقد وهو جنب ويتوضأ وضوءه للصلاة، وفي سنن الكجي: يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يرقد.

وفي الأوسط من حديث بقية عن إسماعيل بن عياش عن هشام عن أبيه عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا واقع بعض أهله، فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط، فتيمم.

وقال: لم يروه عن هشام إلا إسماعيل.

وفي كتاب البيهقي من حديث أبي أسامة الكلبي، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا عثام بن علي، عن هشام بلفظ: فأراد أن ينام توضأ أو تيمم.

ورواه أبو القاسم أيضا في الأوسط من حديث أبي حمزة، عن إبراهيم، عن الأسود، وقال: لم يروه عن أبي حمزة إلا ابن علية.

تفرّد به إبراهيم بن زياد سبلان.

87 -

حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا عبد الأعلى، ثنا عبيد الله بن عمر، عن

ص: 373

نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي أردفه برواية الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قوله صلى الله عليه وسلم: إنه يغسل ذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة.

ذكره أبو عمر، وعاب ابن القطان ذلك عليه بقوله: هو في كتاب البزار من حديث ابن عمر من ثلاثة طرق:

أحدها: من رواية معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ وضوءه للصلاة.

قال: وهو من أحسن ما يروى عن عمر من الطرق.

والثاني، والثالث من رواية وهيب، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، وفي مسند الحميدي بسند صحيح عن سفيان، ثنا عبد الله بن دينار سمع ابن عمر: سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا، وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ، ويطعم إن شاء.

وهو في صحيح ابن حبان بمعناه.

وفي صحيح ابن خزيمة: ويتوضأ إن شاء.

وفي كتاب رواة الموطأ للدارقطني: رواه أبو مصعب، ومعن، وخالد بن مخلد، وعبد الله بن يوسف، والقعنبي، وروح، ويحيى بن يحيى، وابن بكير، وأيوب بن صالح، وابن القاسم، وصفوان بن سليم، وعبد الله بن حسين بن عطاء بن يسار، عن مالك بلفظ: توضأ، ثم اغسل ذكرك، ونم.

وقال خالد بن مخلد: قصة الجنابة،

ص: 374

فقال: توضأ، ثم اغسل ذكرك، ثم نم.

وفي التمهيد: وكذا رواه الثوري وشعبة عن ابن دينار.

وقال ابن أبي داود في كتاب السنن: وأما كيفية الوضوء فهو ما ذكره مالك في الموطأ عن نافع: أن ابن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم طعم أو نام.

ورواه من حديث مروان، أنبأنا مالك، حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر: لم يرو هذا عن مالك إلا مروان، ثنا عمرو بن علي، ثنا عبد الرحمن بن عثمان أبو بحر، ثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر، فذكره.

وقال: لم يقل في هذا الحديث: عن عمر، إلا أبو بحر.

88 -

حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري: أنه كان تصيبه الجنابة بالليل، فيريد أن ينام، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ، ثم ينام.

هذا حديث رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنّه تصيبه الجنابة، فيريد أن ينام، فأمره أن يتوضأ، ثم ينام.

ولفظ الطحاوي: توضأ، وارقد.

وإسناده صحيح وأبو مروان محمد بن عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان الأموي، وروى عنه أبو حاتم الرازي، وقال: ثقة، وسئل عنه صالح بن محمد، فقال: هو ثقة، صدوق، إلا أنه يروي عن أبيه المناكير، ورجاله الباقون حديثهم في الصحيح، ولما ذكره البزار في مسنده لم يرد على قوله: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، وقد وردت في هذا الباب أحاديث منها: حديث ابن عباس المذكور عند ابن حبان، وقد تقدّم طرف منه، قال: جئت عند ميمونة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم غسل وجهه وكفّيه، ثم

ص: 375

نام، ولفظ أبي القاسم في الأوسط: ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والكافر، والمتضمخ بالزعفران.

وحديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: لا أحب أن يبيت المسلم وهو جنب، أخاف أن يموت، ولا تحضره الملائكة.

ذكره ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عن البغوي، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا يزيد بن عياض بن جعدبة، عن الأعرج عنه.

وحديث عمار بن ياسر قال: قدمت من سفر، فضمخني أهلي بصفرة، قال: ثم جئت فسلّمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وعليك السلام، اذهب، فاغتسل، قال: فذهبت، فاغتسلت، ثم رجعت، وبي صفرة، فقلت: السلام عليكم، فقال: وعليك السلام، اذهب فاغتسل، فذهبت، فأخذت نشفة، فدلّكت بها جلدي، حتى ظننت أني قد أنقيت، ثم أتيته، فقلت: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، اجلس، ثم قال: إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر نجس، ولا جنبا حتى يغتسل، أو يتوضأ وضوءه للصلاة، ولا مُتضمخا بصفرة.

رواه الطحاوي في شرحه من جهة حماد بن سلمة عن عطاء.

ورواه الكجي في سننه من طريق حماد بزيادة: قدمت على أهلي من سفر، وقد تشققت يدي، فخلقوني بزعفران، وذكره قاسم بن أصبغ، فلم يقل: للصلاة، وذكره عبد الرزاق كذلك منقطعا من غير قوله: رخص فما بعده، ورواه أبو عيسى الترمذي في جامعه مختصرا، وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك

ص: 376

أنّ الصحة ملازمة للاتصال، وهذا الحديث عدمها، ذكر ذلك أبو داود إثر تخريجه، فقال: بين يحيى وعمار في هذا الحديث رجل، وتبعه على ذلك الإشبيلي.

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث شعبة، عن إسحاق بن سويد، عن رجل يقال له: حبيب عن رجل أحسبه عمارا، وقال: لم يروه عن شعبة إلا مؤمل.

تفرّد به أحمد بن عمر، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

89 -

حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عاصم الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه فمن بعده، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان، عن عاصم بزيادة: إذا أراد أن يعود فليتوضأ وضوءه للصلاة.

ومن جهة شعبة، عن عاصم: إذا أراد أحدكم العود فليتوضأ، فإنه أنشط له في العود.

وبنحوه أخرجه أبو حاتم في صحيحه، وأبو عوانة، وخرج الحاكم هذه الزيادة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا

ص: 377

اللفظ، وهذه لفظة تفرد بها شعبة عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عندهما، ولما ذكره أبو محمد الفارسي مصحّحا له من جهة حفص بن غياث: إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعاود.

هذا لفظ حفص ولفظ ابن عيينة: إذا أراد أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ، ثم قال: لم نجد هذا الخبر ما يخصصه ولا ما يخرجه إلى الندب إلا خبرا ضعيفا من رواية يحيى بن أيوب - يعني: المخرج عند ابن شاهين - عن موسى بن عقبة، وأبي حنيفة، عن أبي إسحاق، عن الأسود عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع، ثم يعود، ولا يتوضأ، وينام، ولا يغتسل.

قال: وبإيجاب الوضوء يقول عطاء وعكرمة وإبراهيم والحسن وابن سيرين. انتهى كلامه.

وفي قوله: هذا لفظ حفص نظر؛ فإنّ أبا داود رواه عن عمرو بن عون، أنبأنا حفص بن غياث، ولفظه: إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا.

وعند الترمذي عنه: ثم أراد أن يعود فليتوضأ، وعند مسلم: ثم أراد أن يعود.

وما حكاه من الوجوب فمردود بقول أبي عمر: وما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر، وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه، وأكثرهم يأمرون به، ويِستحبونه بخلاف الحائض، والذي يشبه أن يكون أبو محمد اختلط عليه الوضوء المطلق الجنب بهذا، والله أعلم.

وقال أبو عوانة في صحيحه: يعارض هذه الأخبار في إيجاب الوضوء حديث أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فأتي بطعام، فقيل

ص: 378

له: ألا تتوضأ؟ قال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة.

إن كان صحيحا عند أهل التمييز، وقال ابن المنذر: إن توضأ فحسن، وليس ذلك بواجب. انتهى.

وفي الباب حديث ذكره في كتاب العلل عن عبد الرحمن: سألت أبي عن حديث رواه ليث بن أبي سليم، عن عاصم، عن أبي المستهل، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أتى أحدكم امرأته، فأراد أن يعود فليغسل فرجه.

قال أبي: هذا يرون أنّه عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، وهو أشبه.

وفي كتاب العلل لأبي عيسى، ثنا عبد الله بن الصباح الهاشمي البصري، ثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي عن عاصم عن أبي المستهل عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله. . . الحديث.

سألت محمدا عن هذا الحديث؟ فقال: هو خطأ ولا أدرى من أبو المستهل، وإنما روى عاصم عن أبي عثمان عن سليمان بن ربيعة عن عمر قوله، وهو الصحيح، قال البيهقي: هذا كله جائز مشروع، من شاء أخذ بالأول، ومن شاء أخذ بهذا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة ليدلّ على الفضيلة، وهذا مرة ليدلّ على الرخصة.

ص: 379

‌باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلا واحدا

90 -

حدثنا محمد بن مثنى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد، عن سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي صحيح ابن إسماعيل: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة.

قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدّث أنّه أعطي قوة ثلاثين، وفي لفظ: تسع نسوة.

وفي صحيح ابن حبان: حكى أنس هذا الفعل منه عليه السلام في أوّل قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة؛ لأنّ هذا الفعل منه عليه السلام كان مرارا، إلا مرة واحدة، ولا نعلم أنه تزوج نساءه كلهن في وقت واحد، ولا يستقيم هذا إلا في آخر أمره، حيث اجتمع عنده تسع نسوة، وجاريتان: ريحانة، ومارية، فإنا لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج، فإنّه دخل بإحدى عشرة، أولهن خديجة، ولم يتزوج بغيرها حتى ماتت.

وفي سنن السجستاني: هكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، ومعمر عن قتادة عن أنس، وصالح بن أبي الأخضر: عن الزهري كلّهم عن أنس، ورواه أيضا ثابت عن أنس، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن معمر عن ثابت إلا ابن عينية، ورواه الثوري والناس عن معمر عن قتادة.

ورواه أيضا من جهة مصعب بن المقدام، وقال: لم يروه عن الثوري عن معمر

ص: 380

عن الزهري إلا مصعب، زاد في الأصغر: تفرد به عبد الله بن أبي غسان، وكان ثقة، وقال ابن خزيمة: لم يقل أحد من أصحاب قتادة: إحدى عشرة، إلا معاذ بن هشام عن أبيه، ثم رواه من جهة سفيان، عن معمر، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف، وفي لفظ: يطيف على نسائه في غسل واحد، وقال: هذا حديث غريب، والمشهور: معمر عن قتادة، ورواه الإسماعيلي في صحيحه من جهة معاذ بن هشام، وفيه: قوة أربعين، ولما رواه ابن أبي داود في سننه من حديث بقية، عن شعبة، حدثني عاصم بن زيد بن أنس قال: سمعت أنسا فذكره، قال: لم يرو هذا الحديث، عن شعبة إلا بقية، ومسكين بن بكير، ورواه أيضا من جهة ابن جحادة، عن قتادة، عن أنس بلفظ: يطوف على نسائه بغسل واحد، هذه، ثم هذه، ثم هذه، وقال: هذه سنة تفرد بها أهل البصرة، ولم يروه عن سفيان إلا يوسف بن أسباط، وكذا قاله أبو نعيم في الحلية، قال ابن أبي داود: والناس يخالفونه عن سفيان، يقولون: عن معمر، عن قتادة، ومن جهة حبان: عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح.

وقال الترمذي: وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان، فقال: عن أبي عروة، عن أبي الخطاب، عن أنس. وأبو عروة معمر، وأبو الخطاب قتادة، ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف، عن أبي عزرة عن أبي الخطاب، وهو خطأ، والصحيح أبي عروة، وفي الباب عن أبي رافع. انتهى.

وفيه نظر؛ لأن حديث أبي رافع لفظه: يغتسل عند هذه، وعند هذه، وسيأتي، وهو مخالف لما رواه قبل عن أنس، والله أعلم.

ص: 381

‌باب فيمن يغتسل عند كل واحدة غسلا

91 -

حدثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا عبد الصمد، ثنا حماد، ثنا عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع: أنّ النبيِ صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة، وكان يغتسل عند كل واحدة منهن، فقيل له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلها واحدا؟ فقال: هو أزكى، وأطيب، وأطهر.

هذا حديث لما خرجه أبو داود قال: حديث أنس أصح من هذا، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي من عند النسائي سكت عنه، وتتبع ذلك أبو الحسن عليه بقوله: لا يصح، فإنّه من رواية حماد أنبأنا عبد الرحمن بن فلان بن أبي رافع عن عمته سلمى، ويختلف في عبد الرحمن هذا، فمنهم من يقول ما ذكرناه، ومنهم من يقول: عبد الرحمن بن أبي رافع، كذلك ذكره أبو داود من رواية موسى بن إسماعيل، عن حماد، وموسى أصحب الناس لحماد، وأعرفهم بحديثه، وهكذا ذكره البخاري في تاريخه قال: عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته، عن أبي رافع: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة.

قاله شهاب عن حماد بن سلمة، وقال عبد الله بن محمد، عن عارم، عن حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبى رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع قال النبي صلى الله عليه وسلم: ناوليني الذراع.

وقاّل عفان، ويزيد بن هارون، عن حماد، ثنا ابن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه، حديثه في البصريين، وقال ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن أبي رافع روى عن عبد الله بن جعفر، وعن عمته سلمى، روى عنه حماد بن سلمة، ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين قال: عبد

ص: 382

الرحمن بن أبي رافع الذي يروي عنه حماد صالح، فإن كان الأمر هكذا، أعني أنّه عبد الرحمن بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عفان ويزيد فإن عمته سلمى أخت لأبي رافع، وهي لا تعرف له، وإن كانت غيرها فحالها لا يعرف، وإن كان الأمر على ما وقع في السند عند النسائي من أنّه حفيد لأبي رافع فسلمى بنت لأبي رافع، ويكون حالها حينئذ أخفى، وما من ذلك شيء يعرف، فإنّ أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم احتوشته امرأتان كلّ واحدة منهما اسمها: سلمى، إحداهما أمه، والأخرى زوجه، فأُمّه سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم: بيت لا تمر فيه، يرويه حارثة بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن جدّته، وكانت خادما للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكرها بهذا ابن السكن، وأمّا زوجه فسلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن أبي خيثمة: زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم مولاته، وشهدت سلمى هذه خيبر، وولدت له عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي، فما من هاتين من تكون عمّة لعبد الرحمن بن أبي رافع، ولا لحفيد أبي رافع، إذ إحداهما أم لأبي رافع، والأخرى زوجه، وقد كنت أظنّ أن أبا محمد عثر في هذا على مزيد، حتى رأيته كتب في كتابه الكبير بخطّه أثر هذا الحديث بعد أن أورده من عند النسائي: سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، فتبين بذلك أنه ظن خطأ، ولا يصح أن تكون عمة لأحد من ولد أبي رافع؛ بل إما أما، وأما جدّة، انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:

الأوّل: قوله في أبي رافع: احتوشته امرأتان، وأغفل ثالثة، ذكرها أبو حاتم البستي في كتاب الثقات من التابعين، روى عنها القعقاع بن حكيم، وقال: هي امرأة أبي رافع، روت عن أبي رافع.

ص: 383

الثاني: قوله: لا يصح مردود بتصحيح ابن حزم له من الطريق التي خرجها أبو داود.

الثالث: ما ذكره عن أبي محمد أنه اتبعه بخطّه في الكبير لم أره، ولا شيئا منه في الكتاب المشار إليه، والله تعالى أعلم.

وفي كتاب البيهقي طاف على نسائه أجمع في ليلة يغتسل لكل واحدة منهن غسلا.

وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي: ليس بين هذا الحديث وحديث أنس اختلاف؛ بل كان يفعل هذا مرّة، وذلك أخرى، والله أعلم.

ص: 384

‌باب الجنب يأكل ويشرب

92 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن علية، وغندر، ووكيع، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب توضأ.

هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه من حديث يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة بلفظ: إذا رأى أن يطعم وهو جنب غسل يديه.

وصححه أيضا أبو محمد الفارسي، ولفظ ابن حبان في صحيحه: إذا أراد أن ينام وهو جنب لم ينم حتى يتوضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه وأكل.

ولما ذكر البيهقي أن الليث رواه كرواية ابن وهب، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، قالت عائشة: وإذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه، يعني: من قولها، قال: وقد قيل في هذا الإسناد عن هذا.

وحديث الأسود عن عائشة أصح، وقال أبو داود: رواه ابن وهب، عن يونس، فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصورا، ورواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، كما قال ابن المبارك، يعني: عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة إلا أنه قال: عن عروة، أو عن أبي سلمة، ورواه الأوزاعي، عن يونس، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن المبارك، وفي كتاب العلل للخلال عن أحمد: قال يحيى بن سعيد: رجع شعبة عن هذا الحديث عن قوله: أن يأكل، قال أحمد بن القاسم: وسمعت أبا عبد الله يقول: إذا أراد أن ينام فليتوضأ وضوءه للصلاة، على الحديث، ثم ينام، فأمّا إذا أراد أن يطعم فليغسل يديه، ويمضمض، وليطعم؛ لأنّ الأحاديث في الوضوء لمن أراد النوم، قال: وبلغني أنّ شعبة ترك حديث الحكم

ص: 385

بأخرة، فلم يحدّث به فيمن أراد أن يطعم؛ وذلك لأنه ليس بقوله غيره، إنّما هو في النوم، ولفظ الدارقطني: وإذا أراد أن يأكل غسل كفيه، ثم أكل، وفي لفظ: غسل كفّيه، ومضمض فاه، وفي لفظ للنسائي: وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب.

93 -

حدثنا محمد بن عمر بن هياج، ثنا إسماعيل بن صبيح، أنبأنا أبو أويس، عن شرحبيل بن سعد، عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنب: هل ينام أو يأكل أو يشرب؟ قال: نعم، إذا توضأ وضوءه للصلاة.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وفي الباب أحاديث منها: حديث عبد الله بن مالك الغافقي قال: أكل النبي صلى الله عليه وسلم يوما طعاما، ثم قال: استر علي حتى أغتسل، فقلت له: أنت جنب؟ قال: نعم، فأخبرت بذلك عمر بن الخطاب، فخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّ هذا يزعم أنك أكلت وأنت جنب، قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت، ولا أقرأ حتى أغتسل.

وفي لفظ: ولا أصلي حتى أغتسل.

رواه الدارقطني عن ابن مخلد، ثنا الصاغاني، ثنا أبو الأسود، ثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن سليمان عنه.

وحديث بشير بن نهيك، عن أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا، وأراد أن

ص: 386

يأكل أو ينام توضأ.

ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن قتادة عن بشير إلا شعبة، ولا عن شعبة إلا حجاج.

تفرد به إسحاق بن إبراهيم القرقساني.

وحديث عمار بن ياسر مرفوعا: رخص النبي صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن ينام، أو يأكل، أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة، ذكره ابن أبي شيبة، وقد تقدّم ذكره، قال أبو بكر بن المنذر: وممن قال هذا الحديث: علي، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وروينا عن ابن عمر قولا ثانيا، وهو أنه يتوضأ وضوءه للصلاة إلا غسل القدمين.

وقال مجاهد والزهري: يغسل كفيه ويمضمض، ثم يأكل.

وقال مالك: يغسل يديه إذا كان الأذى قد أصابهما.

وقال أحمد وإسحاق: يغسل يديه وفاه.

وقال أصحاب الرأي: يغسل يديه ويمضمض، ثم يأكل، ولا يضره.

قال أبو بكر: إذا أراد أن يطعم توضأ، فإن اقتصر على غسل فرجه، ومضمض كفاهُ، زاد ابن أبي شيبة، وعائشة، وأبو الضحى، وشداد بن أوس، وقال: إنه نصف الجنابة، وابن سيرين، ومحمد بن علي، والنخعي، وأما قول ابن المنذر، عن مجاهد، والزهري: يغسل كفيّه، ويمضمض، فلعله في رواية عنهما، وإلا ففي المصنف بسند صحيح: ثنا وكيع، عن سفيان، عن زبيد، عن مجاهد في الجنب يأكل؟ قال: يغسل يديه، ويأكل، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: الجنب إذا أراد أن يأكل غسل يديه.

وأما سعيد بن المسيب فإنه قال: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ.

وقال إبراهيم في رواية مغيرة عنه: يشرب الجنب قبل أن يتوضأ.

ص: 387

‌باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة

94 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء، فيقضي الحاجة، ثم يخرج، فيأكل معنا الخبز واللحم، ويقرأ القرآن، ولا يحجبه - وربما قال: لا يحجزه - عن القرآن شيء إلا الجنابة.

هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه، فأما أبو داود فإنه سكت عنه، لما رواه مطولا بلفظ: دخلت على علي، أنا ورجلان، رجل منّا، ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي وجها، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام، فدخل المخرج، ثم خرج، فدعا بماء، فأخذ منه حفنة، فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال الحديث، ولما خرجه أبو عيسى قال فيه: حسن صحيح، وخرجه في الصحيح أبو بكر بن خزيمة، وابن الجارود في منتقاه، وأبو حاتم البستي، وقال أبو عبد الله بن البيع: هذا الحديث صحيح الإسناد، والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة، ومدار الحديث عليه، وهو غير مطعون فيه، وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث صحيح، وفي الكامل: قال سفيان: قال شعبة: لم يرو عمرو أحسن من هذا الحديث، وقال شعبة: لا أروي أحسن منه عن عمرو، وكان شعبة يقول: هذا ثلث رأس مالي، وقد روى ابن سلمة عن علي

ص: 388

وحذيفة وغيرهما غير هذا الحديث، وأرجو أنه لا بأس به، وفي سؤالات الميموني لأحمد: قال شعبة: لست أحدث بحديث أجود من ذا، وفي فوائد ابن صخر: ورواه عن طريق يحيى بن أبي بكير، عن أبي جعفر الرازي، عن الأعمش، عن عمرو، عن أبي البختري، عن علي قال صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن على كل حال، ما لم تكن جنبا.

هذا حديث غريب جدا، إن كان محفوظا، لم يروه غير يحيى عن أبي جعفر، والمشهور عن الأعمش وغيره عن عمرو عن ابن سلمة، وصححه أبو محمد الإشبيلي، وقال أبو علي الطوسي: يقال: حديث علي حديث حسن صحيح.

وقال أبو الحسن: رواه أبو جعفر الرازي، وجنادة، ومحمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عمرو، عن أبي البختري، عن علي، إلا أن ابن فضيل وقفه، والآخران رفعاه، وخالفهم أبو الأحوص، فقال: عن الأعمش، عن عمرو بن علي مرسلا موقوفا، ورواه ابن أبي ليلى، عن عمرو على الصواب عن ابن سلمة، ورواه جماعة من الثقات عن ابن أبي ليلى كذلك، وخالفهم يحيى بن عيسى الرملي، فرواه عنه، عن سلمة بن كهيل، عن ابن سلمة، ووهم، والصواب عن عمرو بن مرّة، والقول قول من قال: عمرو عن ابن سلمة عن علي. انتهى كلامه.

وفيه رد لما ذكره الحاكم فيما أسلفناه، ولما في الكامل: ثنا ابن أبي عصمة، ثنا أبو طالب، قال أحمد لم يرو أحد: لا يقرأ الجنب.

غير شعبة، عن عمرو، عن ابن سلمة، عن علي، ولما ذكره أيضا البزار إثر حديث ابن سلمة: لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو عن ابن سلمة، وكذا ما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث النعمان بن راشد، عن أبي إسحاق

ص: 389

عن الحارث، عن علي: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة وأنا جنب، ولا أقول: نهاكم، وقال: لم يروه عن النعمان إلا أبو الجراح.

تفرد به رباح بن زيد، وقال ابن أبي داود في سننه: هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة.

وأما المضعّفون: فالإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فإنه كان يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، ذكره عنه الخطابي، وقال الشّافعي: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه.

قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوته؛ لأنّ مداره على ابن سلمة، وكان قد كبر، وأنكر من حديثه، وعقله بعض النكرة، وإنّما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة، وفي تاريخ الجعفي الكبير عن عمرو بن مرة قال: كان عبد الله - يعني: ابن سلمة - يحدثنا، فنعرف، وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه، وفي الأوسط: سألت أحمد: ابن سلمة من روى عنه غير عمرو؟ فقال: روى عنه أبو إسحاق الهمداني.

قوله: وفي لفظ: لا أعرف روى عنه غيرهما، وقال ابن نمير: هذا ليس هو ذاك صاحب عمرو بن مرة، لم يرو عنه إلا عمرو، والذي قال ابن معين أصح من الذي قال: أبو إسحاق هو الهمداني، والذي روى عنه عمرو بن مرّة هو من رهط عمرو بن مرة الجملي المرادي، ويقال: الجهني، وقد روى أبو إسحاق، عن عبد الله بن سلمة أبي العالية الهمداني، وقال بعض الكوفيين: هذا غير الذي روى عنه عمرو بن

ص: 390

مرة، وبمثله قاله يحيى بن معين، وأبو نصر ابن ماكولا، وأبو الحسن في كتاب المختلف والمؤتلف، قرأت على المسند المعمر محمد بن عبد الحميد أخبركم أبو الحسن بن عبد الواحد، أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا أبو البركات، أنبأنا أبو القاسم بن حبابة، أنبأنا أبو القاسم بن بنت منيع، أنبأنا علي، ثنا أبو داود قال: كان شعبة يقول: هو ذا أنزعه من عنقي، وأضعه في أعناقكم، قد سمعت عمرا يقول: كان ابن سلمة قد كبر، فكان يحدثنا، فنعرف، وننكر، وأشار أبو محمد الفارسي إلى ضعف هذا الحديث.

وقال أبو حاتم: في كتاب الثقات - وذكر ابن سلمة -: كان يخطئ، وقال أبو عبد الرحمن: نعرف وننكر.

وقال الساجي: كان يهم، ولقائل أن يقول في هذا الكلام ردّ على الحاكم لزعمه ألا طعن فيه، ويجاب بأن الحاكم أراد طعنا موجبا لردّ حديثه، وأمّا الخرف فذا لا طعن، والله أعلم.

ولولا قول من قال: أنّ عمرا أخذ عنه هذا الحديث بعد الكبر لكان قول من صحح على قول المضعف أرجح، ويؤيده ما رواه الدارقطني موقوفا من حديث أبي الغريف قال: كنّا مع عليّ في الرحبة، فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدري أبولا أحدث أم غائطا، ثم جاء، فدعا بكوز من ماء، فغسل كفيه، ثم قبضهما إليه، ثم قرأ صدرا من القرآن، ثم قال: اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة، فإن

ص: 391

أصابته جنابة فلا ولا حرفا.

رواه عن أبي بكر النيسابوري، وأبي علي الصفّار، ثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي، ثنا يزيد بن هارون، ثنا عامر بن السمط، ثنا أبو الغريف به.

وفي سنن البيهقي من حديث عاصم البجلي عن أبي داود الطهوي عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن: سئل علي عن الجنب يقرأ؟ قال: لا، ولا حرف.

فهذا مما يؤكد قول من صحح الحديث، ويدلّ أن له أصلا عن عليّ، والله تعالى أعلم.

قال البستي: وقد توهم غير المتبحِّر في الحديث أنّ حديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه يعارض هذا، وليس كذلك؛ لأنها أرادت الذكر الذي هو غير القرآن، إذ القرآن يجوز أن يُسمى ذكرا، وكان لا يقرؤه وهو جنب، ويقرأه في سائر الأحوال، انتهى الذي قاله تفقها.

وقع لنا في حديث عائشة ما رواه وكيع عن سفيان عن هشام عن أبيه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن.

رواه أبو عبد الله في تاريخه عن أحمد بن هارون الفقيه، ثنا جعفر بن سهل، ثنا الحسين بن يونس، ثنا وكيع به، وقال ابن حزم: وحديث علي لها حجة فيه لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي عن القراءة، وإنما هو فعل منه، لا يلزم، ولا بيّن صلى الله عليه وسلم أنه إنما يمتنع من ذلك لأجل الجنابة، وقال: جاءت آثار في نهي الجنب ومن ليس على طهر عن أن يقرأ شيئا من القرآن، ولا يصح منها شيء، ولو صحت

ص: 392

كانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة - يعني: مالكا - أو بعض الآية - يعني: أبا حنيفة - لأنها كلها نهي عن القراءة للجنب جملة.

95 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقرأ القرآن الجنب والحائض.

هذا حديث إسناده ضعيف لما أسلفناه في إسماعيل، لا سيّما وروايته هنا عن المدنيين.

96 -

ورواه أبو الحسن القطان عن أبيِ حاتم، ثنا هشام به، زاد: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن.

وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وسمعت محمدا يقول: أن إسماعيل يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كأنه ضعف روايته عنهم، فيما ينفرد به، وقال في العلل: قال محمد: لا أعرفه من حديث ابن عقبة، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن موسى بن عقبة إلا ابن عياش، ولا نعلم يروى عن ابن عمر من وجه إلا من هذا الوجه، ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض إلا من هذا الوجه، وفي علل الرازي: سمعت أبي وذكره يعني هذا الحديث، فقال: هذا خطأ، إنما هو عن ابن عمر قوله، وفي كتاب المعرفة: وهذا حديث تفرد به إسماعيل، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة، لا يحتج بها أهل العلم بالحديث.

وفي السنن الكبير: رواه غيره عن موسى بن عقبة ولا يصح، وفيه ردّ لما قاله

ص: 393

في المعرفة قبل، وفي موضع آخر: ليس هذا بالقوي، وفي كتاب الخلال عن عبد الله، وذكر هذا الحديث، قال أبي: هذا باطل أنكر على إسماعيل - يعني: أنه وهم من إسماعيل -، ولما رواه أبو أحمد من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن العلاء الزبيدي الحمصي عرف بابن زبريق، عن ابن عياش، عن عبيد الله - يعني: العمري - وموسى بن عقبة قال: ليس لهذا الحديث أصل من حديث عبيد الله. انتهى كلامه.

وفيه نظر من حيث إن سعيد بن يعقوب الطالقاني يعني الموثق عند أبي حاتم وغيره رواه عن ابن عياش كرواية إبراهيم ابن العلاء فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات، ورواه أبو الحسن في سننه عن إبراهيم بن محمد، ثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي، ثنا سعيد به، ثم قال: تابعه إبراهيم بن العلاء عن إسماعيل، وأمّا قول من قال: لا يروى عن موسى إلا من حديث إسماعيل، ولا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، ففيه نظر؛ لما ذكره الدارقطني في كتاب السنن: ثنا محمد بن حمدويه المروزي، ثنا عبد الله بن حماد الآملي، ثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: لا يقرأ الجنب شيئا من القرآن.

، ثنا محمد بن مخلد، ثنا محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئا.

وقال ابن عبد الواحد: روى بعض الحفاظ هذا الحديث من غير طريق إسماعيل بإسناد لا بأس به، وكأنه - والله أعلم - يريد طريق المغيرة المذكورة آنفا، وأبى ذلك عبد الحق والبيهقي بقولهما: روي عن غيره، ولا يصح، وأمّا

ص: 394

قول البزار: ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض إلا من هذا الوجه، ففيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث عائشة قبل، والله أعلم، ولم نذكره من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقرأ الحيض ولا الجنب ولا النفساء من القرآن شيئا.

رواه الدارقطني عن أحمد بن محمد أبي سهل، أنبأنا أحمد بن علي الأبار، ثنا أبو الشعثاء علي بن الحسن الواسطي، ثنا سليمان أبو خالد، عن يحيى، عن أبي الزبير عنه، وفيه ردّ لما ذكره أبو أحمد: هذا تفرد به محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك عند الجميع، والله أعلم.

وفي هذا الباب، والذي قبله أحاديث منها: حديث عبد الله بن رواحة، وكان مضطجعا إلى جنب امرأته، فقام إلى جارية في ناحية الحجرة، فوقع عليها، وفرغت امرأته، فلم تجده في مضجعه، فقامت فخرجت، فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت، فأخذت الشفرة، ثم خرجت، وفزع فقام فلقيها تحمل الشفرة، قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية، فقال: ما رأيتني، وقال: قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب، قالت: فاقرأ، فقال:

أتانا رسول الله يتلو كتابه

كما لاح مشهور من الفجر ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

فقالت: آمنت بالله، وكذبت البصر، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فضحك حتى بدت نواجذه.

رواه الدارقطني عن ابن مخلد، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا إبراهيم بن دبيس بن أحمد الحداد، ثنا محمد بن سليمان الواسطي، ثنا أبو نعيم، نا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة قال: كان ابن رواحة فذكره، وثنا ابن مخلد، ثنا الهيثم بن

ص: 395

خلف، ثنا ابن عمار الموصلي، ثنا عمرو بن رزيق، عن زمعة، عن سلمة، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه، هذا متصل، لولا ضعف زمعة لكان إسناده لا بأس به، على أنّ ابن معين قال فيه: صويلح، ومن هذه الطريق ذكره ابن زكريا في طبقات الموصل، وقال البيهقي: وروي عن ابن عياش، عن زمعة كذلك موصولا، وليس بالقوي.

قال: وعن عكرمة، عن ابن رواحة، وليس بالقوي، وقال عبد الحق: ولا يروى من وجه صحيح يحتج به؛ لأنه منقطع وضعيف، وفي الاستيعاب: أنشدها حين قالت له: إن الجنب لا يقرأ القرآن، فاقرأ:

شهدت بأن وعد الله حق

وأنّ النّار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش رب العالمينا

فقالت له: صدق الله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن، قال أبو عمر: روينا هذه القصة من وجوه صحاح، زاد غيره:

وتحمله ملائكة غلاظ

ملائكة الإله مسومينا

وحديث عبد الله بن مالك الغافقي المذكور قبل قال: أكل النبي صلى الله عليه وسلم يوما طعاما، ثم قال لي: استر علي، فاغتسل، فقلت له: أكنت جنبا يا رسول الله؟ قال: نعم، فأخبرت بذلك عمر، فجاء، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا زعم أنك أكلت وأنت جنب؟ قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت، ولا أصلي ولا أقرأ القرآن حتى أغتسل.

رواه البيهقي من حديث محمد بن عمر، عن عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة

ص: 396

عن ثعلبة بن أبي الكنود، عن عبد الله بن مالك به، ثم قال: تابعه ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان.

وحديث ابن لهيعة المشار إليه خرجه الطبراني في الكبير، وابن قانع في معجمه، وعبد الله بن وهب في مسنده.

وفي كتاب البيهقي من حديث الأعمش، عن شقيق، عن عبيدة قال: كان عمر يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب قال: وهو إسناد صحيح في الخلافيات، ومن حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم: أن عمر كان يكره أن يقرأ الجنب.

قال شعبة: وحديث في صحيفتي: والحائض.

وحديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي إني أرضى لك ما أرضاه لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنب، ولا أنت راكع، ولا أنت ساجد، ولا تصل وأنت عاقص شعرك، ولا تذبح تذبيح الحمار.

رواه الدارقطني من حديث أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين أخبرني عاصم بن كليب الجرمي عن أبي بردة عن أبي موسى.

وحديث علقمة قال: كنا مع سلمان الخير رضي الله عنه في سفر، فقضى حاجته، فقلنا له: توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن، فقال: سلوني، إني لست أمسه:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فقرأ علينا ما أردنا.

خرجه أبو عبد الله في

ص: 397

مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه لتوقيفه، وقد رواه أيضا جماعة من الثقات، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان، وذكر ابن الجوزي أن بعضهم رفعه، ولا يصح.

وحديث أنس قال: خرج عمر متقلدا السيف، فقيل له: إن ختنك أو أختك قد صبوا، فأتاهما عمر، وعندهما رجل من المهاجرين، يقال له: خباب، وكانوا يقرءون سورة طه، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم، فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت له أخته: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر وتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ طه.

ذكره ابن سعد في الطبقات عن إسحاق الأزرق، ورواه الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن غيلان، ثنا الحسن بن الجنيد، وثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي، ثنا ابن المنادي قالا: ثنا إسحاق الأزرق، ثنا القاسم بن عثمان البصري، عن أنس به.

ولما ذكره أبو زيد السهيلي في روضه أشار إلى أنه من أحاديث السير.

وقال القشيري: وذكر ابن إسحاق في قصة إسلام عمر بن الخطاب أن أخته قالت له: إنك جنب ولا يمسه إلا المطهرون، وهو هكذا معضل، وأظنّه في ذلك تبع ابن عبد البر، كأنما لم ينظرا كتاب أبي الحسن، وابن سعد بقصة اغتساله، وكونه بسند صحيح؛ لأنّ ابن عثمان وثّقه أبو حاتم، وباقي من فيه لا يسأل عنه، وفي كتاب المعانقة لمرتضى بن حاتم: ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن

ص: 398

حصين مشافهة قال: أذن لي أبو الفتح محمد بن عبد الله عرف بابن النحاس أنبأنا أبو الفرج أحمد بن محمد بن أبي ذهبة، ثنا أبو الحسين محمد بن الحسين ابن الترجمان، ثنا أبو بكر محمد بن بكران، ثنا يحيى بن عبيد الله، ثنا الفضل بن عبيد الله الهاشمي، ثنا يوسف بن محمد البغدادي، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبيدة بن حزور، حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأسدي، ثنا هص بن سلام، ثنا محمد بن سيرين، ومحمد بن كعب القرظي، ثنا أبو العباس عبد الله بن العباس، وذكر إسلام عمر مطولا، وفي كتاب الدلائل للبيهقي من حديث أسامة بن زيد عن أبيه عن جدّه أسلم قال: قال لنا عمر: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدو إسلامي؟ الحديث، رواه عن الحمامي، ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا محمد بن أحمد بن برد، ثنا إسحاق الحنيني قال: ذكره أسامة أنّ الصحيفة كان فيها: سبح لله ما في السموات وما في الأرض، وقد استوفينا ذلك في كتابنا المسمى بالزهر الباسم في سير أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.

وحديث حكيم بن حزام قال: لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر.

رواه أبو القاسم في الكبير عن بكر بن مقبل، ثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب القوهي، سمعت أبي، ثنا سويد أبو حاتم، ثنا مطر الوراق، عن حسان بن بلال عنه.

ولما خرجه أبو الحسن قال: قال لنا ابن مخلد: سمعت جعفرا يقول: سمع

ص: 399

حسان من عائشة، وعمار، قيل له: سمع مطر من حسان؟ فقال: نعم.

وحديث ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمس القرآن إلا طاهر، والعمرة الحج الأصغر، وعمرة خير من الدنيا وما فيها.

ذكره ابن القطان من رواية علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا مسعدة البصري، عن خصيب بن جحدر، عن النضر بن شفي، عن أبي أسماء الرحبي عنه قال: وهو إسناد في غاية الضعف.

وحديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمس القرآن إلا طاهر.

رواه أبو الحسن عن الحسين بن إسماعيل، ثنا سعيد بن محمد بن ثواب، ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، عن سليمان بن موسى قال: سمعت سالما يحدث عن أبيه فذكره، وهو سند صحيح، وذلك أن أبا الحسن ذكر حديثا من رواية سعيد هذا في كتاب الصيام، وقال: إسناده صحيح، وذكر الخطيب أنه روى عنه إسماعيل بن الفضل البلخي، ابن ياسين، وابن صاعد، ومحمد بن أحمد البوراني، ولما ذكره الجوزقاني في كتابه قال: هذا حديث مشهور حسن، وقال الطبراني في الصغير: لم يروه عن سليمان بن موسى إلا ابن جريج، ولا عنه إلا أبو عاصم.

تفرد به سعيد، والله أعلم.

وحديث أبي بكر إسحاق الحنيني، قال: ذكره أسامة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا، فكان فيه: لا يمس القرآن إلا طاهرا.

رواه

ص: 400

الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري، ثنا محمد بن يحيى، وثنا الحسن بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، حدثني الزهري عن أبي بكر، ومن هذه الطريق خرّجه الطبراني، وابن عبد البر، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: ألا يمس القرآن إلا طاهر.

ورواه أبو الحسن في الغرائب من جهة إسحاق الطباع، ومبشر بن إسماعيل، عن مالك مسندا، ورواه في الخلافيات عن أبي بكر بن الحارث، عن ابن حيان، عن محمد بن سهل، عن أبي مسعود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده قال: كذا في كتابي: عن جده، ولم يذكره غيره عن عبد الرزاق، ومن حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي عبد الله ومحمد ابني أبي بكر يخبرانه عن أبيهما عن جدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.

وهو حديث لو صحح إسناده لكان بذلك جديرا؛ فإن سليمان بن داود هو أبو داود الخولاني الدمشقي حاجب عمر بن عبد العزيز، وكان متقدما عنده، قال ابن حبان: كان ثقة مأمونا، وقال الدارقطني: لا بأس به، وقال البيهقي: أثنى عليه أبو زرعة، وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، وأبو بكر معروف بالسماع من أبيه، وأبوه محمد معروف بالسماع من عمرو، وذكره بعضهم في الصحابة لمولده سنة عشر، ويفهم من حمل قوله: عن جده أنه هو، فإن كان صحيحا فيكون فيه شائبة الاتصالِ، ومنهم من حمله على جده الأعلى، وهو الصحيح؛ لأنّ في الحديث كان فما أخذ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث، والله أعلم.

ص: 401

وحديث إسحاق بن عيسى الطباع يعضده، وإسناده أيضا صحيح، لتخريج مسلم حديثه، ولمتابعة مبشر له، ويزيد ذلك وضوحا قول عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: سمعت أبا عبد الله، وسئل عن حديث الصدقات أصحيح هو؟ قال: أرجو أن يكون صحيحا، وقال أبو عمر بن عبد البر: كتاب عمرو بن حزم كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد فيه؛ لأنه أشبه التواتر في مجيئه، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة، وما فيه متفق عليه إلا قليلا.

ومما يدل على شهرة كتاب عمرو وصحته ما ذكره ابن وهب عن مالك، والليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر، فصار القضاء في الأصابع إلى عشر عشر.

وقال أبو أحمد: وأما حديث الصدقات فله أصل في بعض ما رواه معمر عن الزهري عن أبي بكر، وأفسد إسناده، وحديث سليمان بن داود مجود الإسناد.

وقال البيهقي: والحديث الذي رواه - يعني: سليمان - في الصدقات موصول الإسناد حسن، وقال السهيلي: قد أسند من طرق حسان، أقواها رواية أبي داود عن الزهري، وأبي ذلك جماعة من الحفاظ، قال الدارقطني: فإنه لما ذكر حديث سليمان، عن الزهري قال: لا يثبت عنه، وقال غير الحكم بن موسى: إنه سليمان بن أرقم، ولما روى النسائي هذا الحديث من طريق يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، ثم رواه من حديث يحيى، عن سليمان بن أرقم قال: هذا أشبه بالصواب.

وإن كان ما قالوه عن سليمان صحيح فطريق إسحاق يقضي على قولهم، ويوهنه، والله أعلم.

وحديث معاذ بن جبل قال: قلنا: يا رسول الله، أيمس القرآن من غير وضوء؟ قال: نعم، إلا أن يكون على الجنابة. قال: قلت يا رسول الله، فقوله: لا يمسه إلا المطهرون.

قال: يعني: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون، قال: قلنا: فقوله: كتاب مكنون؟ قال: مكنون من الشرك، ومن الشياطين.

ذكره أبو أحمد بن عدي من حديث إسماعيل بن زياد الموصلي، ويقال: ابن أبي زياد، قال: وهو منكر الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد.

وقال الجوزقاني: هذا حديث باطل، لا أصل له.

وذكره ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وقال: لا بارك الله فيمن وضعها، ما

ص: 402

أقبح هذا الوضع.

وحديث عثمان بن أبي العاص قال: كان فيما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تمس المصحف وأنت غير طاهر.

ذكره ابن أبي داود في كتابه عن أحمد بن الحباب الحميري، ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الخاشتي، ثنا محمد بن راشد، عن إسماعيل المكي، عن القاسم بن أبي بزة عنه، ومحمد بن راشد وشيخه هو: إسماعيل المكي متكلم فيهما.

قال أبو محمد الفارسي: وقراءة القرآن والسجود فيه، ومس المصحف، وذكر الله جائز كل ذلك بوضوء، وبلا وضوء، وللجنب والحائض، برهان ذلك أن هذه أفعال خير مندوب إليها، مأجور فاعلها، فمن ادعى المنع منها في بعض الأحوال كلف أن يأتي بالبرهان، وهو قول ربيعة، وابن المسيب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وقول داود وجمع أصحابنا.

وأما مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه، فإنه لا يصح منها شيء؛ لأنها إما مرسلة وإما صحيفة لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف، والصحيح حديث ابن عباس، عن أبي سفيان أنه كان عند هرقل، فجيء بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فإن عليكم إثم الأريثيين، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث كتاب فيه قرآن إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب، فإن ذكروا حديث ابن عمر: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو، فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس

ص: 404

المصحف جنب ولا كافر، وإنما فيه أن لا ينال أهل الحرب القرآن فقط، فإن قالوا: إنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل بآية واحدة، قيل لهم: ولم يمنع عليه السلام من غيرها، وأنتم أهل قياس، فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها، فإن ذكروا قوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، فلا حجة فيه؛ لأنه ليس أمرا، وإنما هو خبر، والرب تعالى لا يقول إلا حقا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي، أو إجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعِنِ المصحف، وإنما عنى كتابا آخر، وكما جاء عن سعيد بن جبير في قوله:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} قال: الملائكة الذين في السماء، وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا، فنسخه له، وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته، وغير المتوضئ عندهم كذلك، وأبى ذلك مالك إلا إن كان في خرج أو تابوت، قال: فلا بأس أن يحمله اليهودي، والنصراني، والجنب، وغير الطاهر.

قال أبو محمد: وهذه تفاريق لا دليل على صحتها، والله أعلم.

وقد أسلفنا ما يرد هذا القول، وأن المرسل أسند، والضعيف قوي، والحمد لله وحده.

وفي المحيط: يكره للجنب مس كتب التفسير، والسنن، والفقه، لعدم خلوها عن آيات من القرآن، وفي فتاوى السمرقندي: يكره للجنب والحائض أن يكتبا كتابا فيه آية، لأنه مس القرآن.

وفي مسند الدارمي: أنبأنا عبيد الله بن موسى، وأبو نعيم قالا: حدثنا ابن عمر، عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها: كانت ترقي أسماء، وهي عارك، وفي تفسير عبد بن حميد، ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، قال: الملائكة هم

ص: 405

المطهرون من الذنوب، ثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، قال: ذاكم عند رب العالمين، لا يمسه إلا المطهرون الملائكة، فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس، والمنافق الرجس، وفي الروض: المطهرون في هذه الآية هم الملائكة، وهو قول مالك في الموطأ، واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس، ولكنهم وإن كانوا الملائكة ففي وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر المس يقتضي ألا يمسه إلا طاهر، اقتداء بالملائكة المطهرين، فقد تعلق الحكم بصفة التطهر، ولكنّه حكم مندوب إليه، وليس محمولا على الفرض، وكذلك ما كتب به النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ليس على الفرض أيضا، وإن كان الفرض فيه أولى منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ النهي، عن مسه على غير طهارة، ولكنه في كتابه إلى هرقل دليل على ما قلناه، وقد خالف أبو ثور وطائفة ممن سلف منهم ابن عيينة وابن أبي سليمان إلى إباحة مسه على غير طهارة، ومما يقوي أن المطهرين في الآية هم الملائكة أنه لم يقل: المتطهرون، إنما قال: المطهرون، وفرق ما بين المتطهر والمطهر، وذلك أن المتطهر: من فعل الطهور، وأدخل نفسه فيه، كالمتفقه الذي يدخل نفسه في الفقه، وكذلك المتفعل في أكثر الكلام، أنشد سيبويه:

وقيس بن عيلان ومن تقيسا

.

فالآدميون متطهرون إذا تطهروا، والملائكة مطهرون خلقة، والآدميات إذا طهرن متطهرات، قال تعالى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ، والحور العين مطهرات قال تعالى:{فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهذا فرق بيّن، والمصطفي صلى الله عليه وسلم متطهر ومطهر، ولله الحمد والمنة.

قال ابن المنذر: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مسّ المصحف، والدنانير، والدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قال: ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 406

قال: المؤمن لا ينجس.

وفي كتاب المعرفة: قال مجاهد وأنس بن مالك: المطهرون: الملائكة.

وقال أبو عبد الله الحليمي: إنما وصلت الملائكة إلى مسّ ذلك الكتاب؛ لأنهم مطهرون، والمطهر: هو الميسّر للعبادة والمرضي لها، فثبت أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف، والمحدث ليس كذلك؛ لأنه ممنوع من الصلاة والطواف، والجنب والحائض ممنوعان منهما، ومن قراءة القرآن؛ فلم يكن لهم حمْل المصحف ولا مسّه، وفي شرح السنة قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم: لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة القرآن، وهو قول الحسن، وبه قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وجوّز عكرمة للجنب قراءة القرآن، وجوّز مالك للحائض قراءة القرآن، لأنّ زمن حيضها قد يطول، فتنسى القرآن.

وقال مالك: لا يحمل المحدث المصحف بعلاقته، ولا على وسادة إلا وهو طاهر، وجوز الحكم، وحماد، وأبو حنيفة حمله ومسه، وقال أبو حنيفة: لا يمس الموضع المكتوب.

وكان أبو وائل يرسل جاريته وهي حائض إلى بيت أبي رزين لتأتيه بالمصحف، فتمسكه بعلاقته، وكذلك رأى الشعبي.

والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

ص: 407