الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب تحت كل شعرة جنابة
1 -
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا الحارث بن وجيه، ثنا مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ تحت كل شعرة جنابة، واغسلوا الشعر، وأنقوا البشر.
هذا حديث لما رواه أبو داود أتبعه: الحارث حديثه منكر، وهو ضعيف، كذا في كتاب اللؤلؤي، وابن العبد، وعند ابن داسة: هذا الحديث ضعيف، وقال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه غريب، لا نعرفه إلا من حديثه.
وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرّد بهذا الحارث عن مالك بن دينار، وقال الدارقطني: غريب من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، تفرد به مالك بن دينار، وقال في كتاب العلل: وغير الحارث يرويه عن مالك عن الحسن مُرسلا.
ورواه أبان العطار، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة قوله، ولا يصح مسندًا والحارث ضعيف.
وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث غريب الإسناد.
وقال ابن حزم: هذا خبر لا يصح.
ولما ذكره أبو الفرج في كتاب العلل قال: إنّما يروى عن أبي هريرة موقوفا.
وفي كتاب المعرفة لأبي بكر: وأما ما روي تحت كل شعرة جنابة، فقد حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل الأنف والفم، وضعّف الحديث في حكاية بعض أصحابنا عنه، وزعم أنه ليس بثابت، وهو كما قال: وقد أنكره البخاري.
قال البيهقي: وإنما يروى هذا المتن عن الحسن مرسلا.
وعنه عن أبي هريرة موقوفا، وسماعه من أبي هريرة لا يثبت.
وقال في الكبير: تفرد به الحارث، وقد تكلموا فيه، وقال في الخلافيات: وهذا المتن إنما يروى عن إبراهيم، قال: كان يقال: وقد كتبناه من حديث عائشة، وأنس مرفوعا بإسنادين لا يساويان ذكرهما، ضعيفان.
وحديث أبي هريرة ليس بثابت، وفي علل الخلال قال أبو عبد الله: الحارث بن وجيه لا أعرفه، وهذا حديث منكر، إنّما يروى عن الحسن مرسلا، وأما من حديث ابن سيرين، فلا أعلمه، ولماّ سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: هذا حديث منكر، والحارث ضعيف.
وفي كتاب الساجي: إنما روي هذا عن الحسن عن أبي هريرة من قوله، وروينا
عن أبي علي الطوسي أنه قال: يقال: هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث ابن وجيه، ويقال: ابن وجبة، وهو شيخ ليس بذاك.
وفي كتاب العقيلي، وذكر هذا الحديث: لا يتابع عليه، وله غير حديث منكر، ولهذا الحديث إسناد غير هذا فيه لين أيضا.
وقال البزار: لا نعلم أسند مالك عن ابن سيرين إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن مالك إلا ابن وجيه.
وقال الخطابي: هذا حديث ضعيف، والحارث مجهول، وقد يحتج به من يوجب الاستنشاق في الجنابة. . انتهى كلامه.
وفيه نظر في قوله: مجهول إن أراد العين، فمردود بما أسلفناه من قول الترمذي؛ روى عنه غير واحد من الأئمة، وإن أراد الحال، فكذلك أيضا لما أسلفناه قبل.
وفي كتاب البيهقي: والحسن لم يثبت سماعه من أبي هريرة نظر لما أسلفناه من ثبوت سماعه منه من قبل، والله تعالى أعلم.
2 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا يحيى بن حمزة، حدثني عتبة بن أبي حكيم، حدثني طلحة بن نافع، حدثني أبو أيوب الأنصاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة كفّارة لما بينها، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: غسل الجنابة؛ فإن تحت كلّ شعرة جنابة.
هذا حديث إسناده صحيح، عتبة شامي طبراني أردني. روى عنه جماعة منهم: عبد الله بن المبارك، وبقية بن الوليد، وصدقة بن خالد، ومحمد بن شعيب بن شابور، ومسلمة بن علي، وسعيد بن يزيد، وأيوب بن حسان، ومحمد بن
حرب الأبرش، وإسماعيل بن عياش، وأيوب بن سويد الرملي، وابن لهيعة، وإن كان قد ضعّفه محمد بن عوف الحمصي، وقال ابن حبان: يعتبر بحديثه من غير رواية بقية عنه، وقال السعدي: غير محمود في الحديث، وقال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: صالح لا بأس به، وقال مروان الطاطري، وأبو زرعة الدمشقي: كان ثقة، وقال أبو القاسم الطبراني: هو من ثقات المسلمين، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأبو سفيان: طلحة بن نافع، وإن كان قد تكلّم فيه بكلام مؤول، وهو قول الحربيِ، وذكره: غيره أوثق منه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: روى عنه الناس، قيل له: أبو الزبير أحب إليك، أو هو؟ قال: أبو الزبير أشهر، فعاوده بعض من حضر فيه فقال: أتريد أن أقول: هو ثقة؟ الثقة شعبة، وسفيان، فقد خرج مسلم - رحمه الله تعالى - حديثه في صحيحه محتجّا به، والبخاري مقرونا، وفي كتاب التهذيب روى له.
وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وقال - ابن معين في رواية: صالح.
وقال البزار: هو في نفسه ثقة، وباقي من في الإسناد لا يسأل عنه، وأما قول أبي حاتم: لم يسمع من أبي أيوب الأنصاري شيئا فمردود بحديث ابن ماجه المصرّح فيه بسماعه منه على لسان ثقة، والقاعدة أنّ المحدّث إذا صرح بالتحديث، أو بما يشبهه قبل، والله تعالى أعلم.
ومن شرط أبي داود أن يذكر في الباب أصح ما يجد، ولم يذكر في متن حديث أبي هريرة المتقدم غيره، وهذا بغير شك، ولا ارتياب خير ممّا ذكره في الباب، اللهمّ، إلا أن يكون ما أسنده، فلهذا ما أورده.
وروى البيهقي عن قريش بن حيان، ثنا سليمان بن فروخ أتيت أبا أيوب
الأنصاري، فصافحته فرأى في أظفاري طولا، فقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبر السماء فقال: يسأل أحدكم عن خبر السماء، وهو يدع أظفاره كأظفار الطير، يجمع فيها الجنابة والتفث.
قال: هكذا رواه جماعة عن قريش، ورواه أبو داود الطيالسي، عن وائل بن سليم قال: أتيت أبا أيوب الأزدي، فذكره، ثم قال: هذا مرسل، أبو أيوب الأزدي غير أبي أيوب الأنصاري.
3 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الأسود بن عامر، ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار.
قال علي: فمن ثم عاديت شعري، وكان يجزّه.
هذا حديث رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بلفظ: فمن ثم عاديت رأسي ثلاثا، وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ورواه عن محمد بن معمر، ثنا أبو الوليد، ثنا حماد بن سلمة، وفيه نظر؛ لما نذكره من أنّ له إسنادا غير إسناده المذكور عنده، وقال عبد الحق: يروى موقوفا على علي، وهو الأكثر، وفيه نظر؛ لما نذكره بعد.
قال أبو الحسن: أعرض أبو محمد فيه عمَّا هو في الحقيقة علته، وهي أنه من
رواية حماد بن سلمة، عن عطاء، وحمّاد إنما سمع منه بعد اختلاطه، وإنما يقبل من حديث عطاء ما كان قبل أن يختلط، وأبو محمد يعتبر هذا من حاله، وإنما ينبغي أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل: شعبة، وسفيان.
فأمّا جرير، وخالد بن عبد الله، وابن عليّة، وعلي بن عاصم، وحمّاد بن سلمة، وبالجملة أهل البصرة، فأحاديثهم عنه ممّا سمع منه بعد الاختلاط؛ لأنه قدم عليهم في آخر عمره، وقد نصّ العقيلي عن حمّاد بن سلمة أنّه ممن سمع منه بعد اختلاطه، وأما أبو عوانة فسمع منه الحالين، ولماّ أورد أبو أحمد في كتابه ما أنكر عليه من الحديث، أو ما خلط فيه، أو ما روي عنه بعد اختلاطه، أورد في جملة ذلك هذا الحديث. . انتهى كلامه.
وفيه نظر في موضعين:
الأوّل: في قوله: إنّ حماد بن سلمة سمع منه بعد اختلاطه لما رويناه عن البغوي: أن ابن معين قال: كلّ شيء من حديث عطاء ضعيف إلا ما كان من حديث شعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة.
فهذا ابن معين نصّ على ابن سلمة أنه سمع منه قديما، فهو صحيح.
الثاني: إن سلمنا له قوله؛ فقد وقع لنا هذا الحديث من غير رواية حماد، من طريق شعبة الذي نص على أنّه سمع منه قبل اختلاطه مطلقا، وفيه نظر؛ لأن يحيى بن سعيد قال: إنه سمع منه حديثين بعد اختلاطه عن زاذان، وإن كان شعبة بينهما، والطريق المشار إليها ذكرها أبو الحسن الدارقطني في علله إذ سئل عنها فقال: رواه عطاء عن زاذان حدّث به عنه ابن سلمة، وشعبة، وحفص بن عمر، ورواه عبد الله بن رشيد عن حفص بن غياث، عن الأعمش، وليث، عن زاذان، عن علي.
ورواه حماد بن زيد، عن عطاء، عن زاذان، عن علي موقوفا، وكذلك قال الأسود بن عامر: عن حماد بن سلمة. انتهى.
فهذا كما ترى شعبة: قد رواه عن عطاء، وهو ممن قال ابن القطان: إنهّ سمع منه قبل اختلاطه كما أسلفناه، ولم يبيّن أنّه سمعه منه بعد الاختلاط، كما قال محمد بن سعد، فدل ذلك على صحّته عنده، وأنه أخذه عنه قبل اختلاطه، إذ لو كان بعده لبيّنه، فإن الأعمش وليث بن أبي سليم تابعا عطاء عن زاذان، فصح إسناده، وذهب سناده، وذكر أبو القاسم في كتابه الأوسط، ثنا محمد بن الأعجم الصنعاني، ثنا حريز بن المسلم، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن عطاء، فذكره مرفوعا، وقال: لم يروه عن عبد العزيز إلا ابنه، تفرد به حريز بن المسلم.
فهذه الطريق لا بأس بها أيضا؛ لأنها من رواية المكيين عن عطاء، وهم ممن سمعوا منه قبل اختلاطه، وأما قول الدارقطني: وكذلك قال الأسود: عن حماد، يعني: موقوفا، ففيه نظر، لما في كتاب ابن ماجه من حديثه مرفوعا، وأما قول عبد الحق: يروى موقوفا على عليّ، وهو الأكثر، فقد أسلفنا خلاف ذلك، والله أعلم.
وفي الباب: حديث عائشة من عند البخاري: ثم يخلل بيده شق رأسه الأيمن، فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر بيده اليسرى كذلك، حتى يستبرئ البشرة، ثم يصب على رأسه.
وحديث أبي ذر المذكور في صحيح أبي حاتم مرفوعا: فإذا وجدت الماء، فأمسّه بشرتك، وقد تقدّم، وحديث عائشة قالت: أجمرت رأسي إجمارا شديدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، إنّ تحت كلّ شعرة جنابة.
رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية خصيف عن رجل غير مسمى عنها.
وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام: خلل أصول الشعر، وأنق البشرة، ذكره أبو محمد بن حزم من طريق يحيى بن عنبسة عن حميد عنه، قال: ويحيى مشهور برواية الكذب، فسقط يعني: هذا الحديث.
وفي كتاب ابن بنت منيع بإسناد صحيح عن حذيفة موقوفا أنه قال: تحت كل شعرة جنابة فما موقفها، فلذلك عاديت رأسي قال: ورأسه مجذوذ.
رواه عن ابن الجعد، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت أبا البختري يحدّث عن حذيفة، فذكره قوله.
قوله: (أنقوا البشرة): قال أبو زيد في كتاب الأسرار: وداخل الأنف شعرة ولداخلها بشرة، سمعت والدي عمر بن عيسى يحكي عن أبي عمر غلام ثعلب ببغداد يحكي عن ثعلب أنه قال: البشرة: الجلدة التي تقي اللحم عن الأذى، ولداخلها هذه الجلدة، انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأنّ المعروف عن ثعلب ما حكاه الخطابي، واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله: وأنقوا البشرة، وزعم أنّ داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة؛ لأن البشرة عندهم هي: ما ظهر من البدن، فباشره البصر من الناظر إليه، وأما داخل الفم والأنف فهو الأدمة؛ كذلك أخبرني أبو عمر عن أبي العباس
أحمد بن يحيى، وفي صحاح أبي نصر الجوهري والجمهرة لابن دريد: البشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان، زاد ابن سيده: ظاهره أعلا جلدة الرأس والوجه والجسد من الإنسان، وهي التي عليها الشعر، وقيل: هي التي تلي اللحم، وبشرة الأرض ما ظهر من نباتها (الاشتقاق).
وذكره أبو زيد، وفي كتاب الموضح للخطيب التبريزي: والبشرة: ظاهر الجلد، وقال قوم: يقال للباطنة: بشرة.
وقال السراج في كتاب الاشتقاق: وذكره أبو زيد وهو غلط، وفي كتاب أبي عبيد بن سلام: البشرة: ظاهر الجلد، والأدمة باطنه، وتبعه على هذا غير واحد من الأئمة، واحتج من أوجب المضمضة والاستنشاق في الاغتسال بحديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة.
رواه الدارقطني من جهة بركة بن محمد الحلبي، عن يوسف بن أسباط، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين عنه، وقال: هذا باطل، ولم يحدّث به غير بركة، وهو يضع الحديث، قال ابن عدي: ذكرت هذا الحديث لعبدان فقال: هات أحاديث المسلمين، أنا رأيت بركة بحلب، وتركته على عمد؛ لأنه كان يكذب، قال البيهقي: وقد اعترف بركة على نفسه بكونه منكرا؛ فإنه لما رواه قال: وأنا أتقيه، وهذا الحديث لم يروه متصلا غيره، وقد روي مرسلا عن ابن سيرين بغير هذا اللفظ بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: الاستنشاق في الجنابة ثلاثا.
وقال أبو الحسن في الأفراد: هذا غريب من حديث الثوري عن خالد، وإنما يعرف هذا من رواية همام بن
مسلم، تفرّد به عن الثوري، وتفرد به عنه سليمان بن الربيع، وذكره ابن الجوزي في (الموضوعات)، وقال: هو خلاف الإجماع؛ إذ إن من أوجبها لم يوجب ثلاثا، وحديث هشيم عن ابن أرطأة عن عائشة بنت عجرد، عن ابن عباس قال: إن كان من جنابة أعاد المضمضة والاستنشاق، واستأنف الصلاة.
رواه الدارقطني، وقال: ليس لعائشة إلا هذا الحديث، وكذا رواه الثوري، وأبو حنيفة - رحمهما الله تعالى - عن عثمان بن راشد عنها.
قال الشافعي: الذي يعتمد على عثمان عن عائشة، ويزعم أنّ هذا الأمر ثابت، فترك له القياس، وهما غير معروفين ببلدهما، فكيف يجوز لأحد يعلم أن يثبت حديثا ضعيفا مجهولا، ويوهن قويا معروفا يعني حديث بسرة.
وروينا في كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين، ثنا سفيان، ثنا خالد الحذاء قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستنشاق من الجنابة ثلاثا.
وحديث عائشة، وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة: يا عائشة، اغسلي يديك، ثم تمضمضي، واستنشقي، وانتثري، ثم اغسلي وجهك. . . الحديث.
ذكره ابن حزم، ورده، وذكر فيه ابن عمّار بانقطاع ما بين عبد الله بن عبيد بن
عمير، وعائشة، وفي كلامه في ابن عمار نظر؛ لما سنبيّنه بعد - إن شاء الله تعالى -، وذكره في الأسرار بلفظ: المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة، وقال: هو حديث غريب.
وفي المصنف من حديث ابن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا اغتسل من الجنابة، مضمض، واستنشق ثلاثا.
قال: وثنا محمد بن فضيل، عن العلاء بن المسيّب، عن فضيل بن عمرو قال: قال عمر: إذا اغتسلت من الجنابة فمضمض؛ فإنه أبلغ.
ثنا العقدي، ثنا الزبير بن عبد الله، حدثتني جدتي أن عثمان: كان إذا اغتسل من الجنابة، يشوص فاه بإصبعه ثلاث مرات.
ثنا عبد الله، عن أبان العطار، عن قتادة، عن حسان بن بلال قال: الاستنشاق من البول مرّة، ومن الغائط مرتين، ومن الجنابة ثلاثا.
ثنا معتمر، عن سالم، عن قتادة أنه كان يقول: فمضمض من الجنابة ثلاثا.
وبنحوه ذكره في المصنف، قال: ومدار هذه الكلمة على الطهور.
ثنا عبيد الله، عن شيبان، عن منصور، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يستنشقوا في الجنابة ثلاثا.
قال الدبوسي: ويدل ما ذهبنا إليه ما ذكرنا في القيء وأنّ للفم حكم الظاهر فيما بينه وبين الظاهر، وحكم الباطن فيما بينه وبين الباطن، حتى إذا دخل شيء فاه لم يفسد صومه، كأنه وجه، والله تعالى أعلم.
باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل
4 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال: إذا رأت الماء، فلتغتسل، فقلت: فضحت النساء، وهل تحتلم المرأة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها إذًا.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، ورواه مالك عن هشام، وأرسله عنه جماعة، لم يذكروا أم سلمة.
واختلف على ابن عيينة، وعلى يونس في وصله وإرساله، فأرسله حماد بن سلمة بأشخاص، وروح بن القاسم، ووصله بعضهم من حديثه، وأسنده يحيى بن سعيد، والطفاوي وغيرهما من البصريين، والكوفيين: ابن نمير، وابن بشر، ووكيع، وأبو معاوية، ذكره الإسماعيلي، وفي حديث النسائي: فضحكت أم سلمة، قال أبو عمر ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عن عروة أن أم سليم، وقال فيه ابن أبي أويس: عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أم سليم، وكل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة فيما علمت إلا ابن أبي الوزير، وعبد الله
ابن نافع، فإنهُمَا روياه عن عروة عن عائشة: أن أم سليم.
وقال الدارقطني: تابع ابن أبي الوزير على إسناده عن مالك: حباب بن جبلة، وعبد الملك بن الماجشون، ومعن بن عيسى فيما ذكره ابن رشدين في غرائب حديث مالك عن عبد الرحمن بن أبي يعقوب بن أبي عباد، عن معن، ولم يذكر أبو الحسن: ابن نافع، وقال في الاستذكار: الصحيح: عروة، عن زينب، عن أمّها، لا عن عائشة.
وفي التَّمْهِيدِ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ صَحِيح لابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أيضا، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَعْقُوبِ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا هِشَامُ، وَثَنَا عَلِيُّ بْنِ خشْرَمَ، أَنَا وَكِيعٌ، نا هِشَامٌ، وَثَنَا سَلَمُ بْنُ جُنَادَةَ، نا أبو معاوية (ح)، وثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهب، أنّ مالكا حدّثه كلهم عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، قالت: جاءت أم سليم إلى النبي عليه السلام، فسألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال: إذا رأت الماء فلتغتسل.
قالت: قلت: فضحت النساء، وهل تحتلم المرأة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها إذًا.
قال الشيخ: هذا حديث وكيع غير أنّ الدورقي لم يقل إذا وانتهى حديث مالك عند قوله: إذا رأت الماء، ولم يذكر ما بعده من الحديث.
ولفظ أبي عيسى: فهل على المرأة - تعني: غسلا - إذا رأت الماء في المنام مثل ما يرى الرجل؟! قال: نعم إذا هي رأت الماء.
وفي قول ابن خزيمة: إذ الدورقي يعقوب لم يقل به يعني: عن وكيع: إذا نظر؛ لأنّ أبا علي الطوسي روى في كتاب الأحكام تأليفه عنه، عن وكيع بلفظ: إذا ورواه ابن الجارود في منتقاه، عن زياد بن أيوب، عن وكيع بغير ذكر إذا ورواه ابن حزم.
5 -
حدثنا محمد بن المثنى، حدّثنا ابن أبي عدي، وعبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس أنّ أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأت الماء، فأنزلت، فعليها الغسل فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أيكون هذا؟ قال: نعم ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهّما سبق، أو علا أشبهه الولد.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، عن أنس، أن أم سليم حدّثت أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها. . . الحديث.
فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك، وهل يكون هذا؟!
قال الجياني: هكذا في أكثر النسخ، عن الجلودي، والكسائي فقالت أم سليم: وكذلك عند ابن ماهان، إلا أنه غير في بعض النسخ، فقالت أم سلمة: وهو المحفوظ، وفي لفظ له قال أنس: جاءت أم سليم فقالت له: -، وعائشة عنده -
يا رسول الله! الْمَرَأة ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه؟! فقالت عائشة: يا أم سليم، فضحت النساء، تربت يمينك، فقال لعائشة: بل أنت تربت يمينك، وألت، دعيها، وهل يكون الشبه إلا من مثل ذلك؟! إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه، وفي لفظ له عن عائشة: أنّ امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: نعم.
ولفظ أبي داود يا رسول الله، إنّ الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا؟ فقال: فلتغتسل إذا وجدت الماء قالت عائشة: فأقبلت عليها فقلت: أفٌّ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فأقبل عليٌّ النْبي صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه؟!.
وفي لفظ، عن عائشة قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلامًا؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم، ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه فقالت أم سليم: والمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟! قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال، وسيأتي ذكره عند ابن ماجه عن قريب - إن شاء الله تعالى -، وفي كتاب العلل لأبي حاتم وسأله ابنه عن حديث رواه عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق، عن أنس: جاءت أم سليم، وهي جدّة إسحاق فقالت، وفيه: المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، كأنّ زوجها يجامعها أتغتسل؟!. . . الحديث قال: وروى الأوزاعي، عن إسحاق، عن جدّته أم سليم أنها
دخلت على أم سلمة، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له أم سليم: أرأيت إذا رأت المرأة؟! فقال أبي: إسحاق بن عبد الله، عن أم سليم: مرسل، وعكرمة بن عمار روى عن إسحاق عن أنس أن أم سليم، وحديث الأوزاعي المرسل أشبه من الموصول.
وفي المصنف: نا جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء، وأبي سلمة، ومجاهد قالوا: إن أم سليم قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة ترى في منامها ما يرى الرجال أيجب عليها الغسل؟ قال: هل تجد شهوة؟ قالت: لعله، قال: هل تجد بللا؟ قالت: لعله، قال: فلتغتسل فلقيتها نسوة، فقلن لها: فضحتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا، أو في حرام، وفي الأوسط لأبي القاسم، ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا عبد الله بن عمران الأصبهاني، ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، أنبأ محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي أمامة بن سهل قال: حدّثتني أم سليم أم أنس من فيها إلى أذني، قالت: أتيت النبي عليه السلام وهو في بيت أمّ سلمة، فوجدت عنده رجالا، فجلست حتى قاموا، فدنوت منه. فقلت: يا رسول الله، أمر يقربني إلى الله أحببت أن أسألك عنه. قال: أصبت يا أم سليم، فقلت:. . . الحديث قال: لم يروه عن أبي أمامة إلا التيمي، ولا عن التيمي إلا ابن إسحاق، تفرد به ابن مغراء، قال: أنا موسى بن زكرياء، نا عقبة بن مكرم، نا عبد الله بن عيسى، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قال: لم يروه عن يونس إلا عبد الله تفرد به عقبة.
6 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، نا وكيع، عن سفيان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن خولة بنت حكيم، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: ليس عليها غسل حتى تنزل كما أنه ليس على الرجل غسل حتى ينزل.
هذا حديث إسناده ضعيف، لمكان علي بن زيد بن جدعان، وإن كان مسلم خرج حديثه مقرونا بثابت البناني، وصحح أبو عيسى حديثه، وكذلك أبو علي الطوسي والبغوي.
وقال الساجي: كان من أهل الصدق، وروى عن شعبة أحاديث صالحة، أسند منها بضعة عشر حديثا، وهو يحتمل في الرواية؛ لأنَّ الأجلّة من أهل العلم قد رووا عنه، وليس يجري مجرى من أجمع على ضعفه في الحديث، فقد قال فيه ابن عيينة: وهبت كتابه من ضعفه، وقال مرة أخرى: لا يعتمد على حديثه، ومرة قال: أثبت منه يعني كتابه وجمع يده، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: قال حماد بن زيد: ثنا علي بن زيد، وكان كثير التخليط، وقال غيره: عن حماد كان يقلب الأحاديث، وذكر شعبة أنه اختلط، وقال الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: ليس بشيء، وقال يحيى مرة: ضعيف في كل شيء، ومرة: ليس بذاك، ومرة: ليس بحجة، ومرة قال: ليس بذاك القوي، وقال أبو حاتم الحنظلي: لا يحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال ابن حبان: يهم ويخطئ فكثر ذلك، فاستحق الترك، وقال العجلي: يكتب حديثه، وليس بالقوي.
وقال السعدي: واهي الحديث ضعيف، وفيه ميل عن القصد، ولا يحتج بحديثه، وقال ابن أبي شيبة في تاريخه: سألت عليًّا عنه فقال: هو ضعيف عندنا، وقال البرقاني: وسألته يعني أبا الحسن، عن ابن زيد فقال: أنا أقف فيه لا يزال
عندي فيه لين، وقال ابن سعد: ولد أعمى، وفيه ضعف، ولا يحتج به، وفي كتاب الساجي: ثنا ابن المثنى قال: ما سمعت يحيى بن سعيد القطان يُحَدِّثُ عنه، وفي رواية عمرو بن علي، كان يحيى يتقي الحديث عنه، وقال شعبة: كان رفّاعا، قال أبو يحيى: أحسب شعبة نسبه إلى ذلك لما اختلف هو، ويونس بن عبيد في قوله تعالى:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} فأوقفه يونس على أبي هريرة ورفعه علي، وقال وهيب: كان لا يحفظ، وذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء، كذلك أبو القاسم البلخي: وفي كتاب الضعفاء لأبي العرب: هو مكفوف ضعيف الحديث، كان يتشيّع، يكتب حديثه، وقال البرقي: ليس بالقوي، وقال البيهقي في سننه: لا يحتج بحديثه وبنحوه قاله ابن طاهر: وأما الحافظ المنذري، فقد اضطرب حاله فيه: فتارة يرد حديثًا من روايته بقوله لا يحتج به وتارة يحسنه، وتارة يسكت عنه، موهما صحته، وكذلك فعل الترمذي وهو في هذا أعذر، فإن حاله عنده بحسب الشواهد وعدمها معتبرة بذلك، ولا عذر لأبي محمد، وأما تخريج مسلم له في المقرونات، فليس بمجد، ولا في المناظرات، وقد تكلّم في أبيه بعض أهل الأنساب بما استوجب ذكره في هذا الباب، وهو أن من ينسبه إلى تيم رهط الصديق، يقول: علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وقال بعضهم: علي بن عبد الله بن جدعان، وقال آخرون: علي بن زيد بن عبد الله زهير بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان كان عقيما، لا يولد له، فادعى رجلا سماه زهيرا، وكناه أبا مليكة.
فولده كلهم ينسبون إلى أبي مليكة، وفقد أبو مليكة، فلم يرجع، وكان عمل عصيدة، ثم خرج في حاجة، فلم يرجع، فقيل في المثل لا أفعل كذا حتى يرجع
أبو مليكة إلى عصيدته، وقال أحمد بن يحيى البلاذري في كتاب أنساب الأشراف وأخبارهم من تأليفه: قالوا: وكان عبد الله بن جدعان عقيما، وادعى بنوة رجل، فسماه زهيرا، وكناه أبا مليكة، فولده كلهم ينسبون إلى أبي مليكة، ويقال: أبو مليكة بن عبد الله بن جدعان، وبنحوه ذكره الهيثم بن عدي في تاريخه، وذكره الخرائطي في كتاب اعتلال القلوب تأليفه من حديث هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن المطلب بن أبي وداعة: كانت ضباعة ابنة عامر تحت عبد الله بن جدعان فمكثت عنده زمانا لا تلد، فقال لها هشام بن المغيرة المخزومي يوما في الطواف: ما تصنعين بهذا الذي لا يولد له؟ قولي له، فليطلقك، فذكر حديثا طويلا.
وبنحوه ذكره أبو الفرج الأصبهاني، وأبو عبيد الله المرزباني في الكتاب المستنير من تأليفه، والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص، وأبو محمد الرشاطي - رحمهم الله تعالى - ورواه أبو عبد الرحمن في سننه، وأخرج عاليا من سننه بمتابع صحّ به الإسناد، وبرد حرارة الأكباد، أنا به المسند الفقيه أبو محمد عبد القادر بن أبي بكر بن أيوب بقراءتي عليه، أنبأ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدسي، أنبأ هبة الله بن علي، أنبأ مرشد بن يحيى، أنبأ أبو الحسن محمد بن الحسين النيسابوري، أنبأ أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري قراءة عليه من لفظه، أنبأ النسائي، قال: أنبأ يوسف بن سعيد، ثنا حجاج، عن شعبة، سمعت عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيّب، عن خولة، فذكره.
ورواه أحمد بن منيع في مسنده، ثنا حجاج، حدثني شعبة، فبين سماع حجاج له من شعبة، وزال ما رماه به بعض العلماء المتأخرين من أنه يدّلس، ولعلّه لم يسمعه منه عطاء بن أبي مسلم، عبد الله، ويقال: ميسرة أبو أيوب الأزدي، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح البلخي الخراساني، خرج مسلم حديثه في صحيحه محتجا به، وروى عنه مالك فيما ذكره اللالكائي، وقال ابن معين، وأبو حاتم: ثقة، زاد أبو حاتم: يحتج بحديثه، وقال الدارقطني: ثقة في نفسه يهم، وبقية الرجال لا يسأل لهم عن حال، وذكر أبو الحسن في العلل: أنّ عبد الوارث رواه عن علي بن زيد، عن سعيد قال: سألت خالتي خولة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مرسل، وقال عبد الجبار بن عمر، عن عطاء: حدثتني خولة بنت حكيم، عن أم سليم الرميصاء، وهي أم أنس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الجبار ضعيف، ولا يصح قوله، والحديث صحيح لخولة بنت الحكيم.
وفي الأوسط من حديث علي بن سعيد، عن خولة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، فأرجأها فيمن أرجأ، فذكره، وقال أبو موسى المديني في كتاب الصحابة: هي غير خولة بنت حكيم، زوج عثمان بن مظعون، ثم قال: روى حديثها ابن عياش، عن عطاء، ورواه الثوري، عن علي بن زيد، وفي الباب: حديث ثوبان قال عليه السلام: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا علا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله رواه مسلم في صحيحه.
وحديث عمرو ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه، عن محمد بن بشر العبدي، ثنا عبد الله بن عامر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاءت امرأة يقال لها: بسرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إحدانا ترى أنها مع زوجها في المنام؟ فقال: إذا وجدت بللا فلتغتسل يا بسرة.
وحديث أبي هريرة قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فهل عليها غسل؟ قال: نعم، إذا وجدت الماء فلتغتسل.
رواه أبو القاسم في الأوسط، عن أحمد بن الحسين، نا سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل، نا محمد بن عبد الرحمن القشيري، عن مسعر، عن سعيد المقبري عنه، وحديث عائشة قالت: سألت امرأة النبي عليه السلام: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت، وأبصرت الماء؟ قال: نعم. . . الحديث.
ذكره أبو جعفر في المشكل، وقال: ليس بالقوي؛ لأنه إنّما روي من طريق مصعب بن شيبة، ليس هو عندهم بالقوي. . انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لأن مصعبا ممن وثقه غير واحد، وخرج له مسلم في صحيحه بطريق الاحتجاج.
وحديث سهلة بنت سهيل أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت المرأة إذا رأت في منامها الاحتلام، أتغتسل؟! فقال: إذا رأت الماء فلتغتسل.
وذكره في الأوسط، وقال: لم يروه عن سهلة إلا ابن هبيرة، يرويه ابن لهيعة.
وأما أمّ سليم، فاختلف في اسمهما اختلافا كثيرا، فمن ذلك ما ذكره الحافظ أبو
عبد الله محمد بن حسين الأنصاري المعروف بابن أبي أحد عشر في كتابه الجمع بين الصحيحين سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، وقيل: الغميصاء، وقيل: الرميصاء، زاد ابن سعد في طبقاته:(أنيقة)، وقال أبو داود السجستاني: الرميصاء، أخت أم سليم من الرضاعة، واسم أم سليم: مليكة، كذا قاله ابن سعد، وابن الكلبي وغيرهما، واختلف في إسلامها، فذكرها أبو نعيم الأصبهاني في كتاب الصحابة من تأليفه مستدلا بما في مسلم، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فذكر حديث الصلاة على الحصير، وخالفه غير واحد، وزعموا أن الضمير في (جدّته) يعود على إسحاق، لا على أنس، حتى ترجم أبو عمر في الاستيعاب باسم مليكة جدة إسحاق.
ولو استدل - رحمه الله تعالى - بما ذكره الحافظ أبو الشيخ ابن حيان في الحادي عشر من فوائد العراقيين، عن أبي بكر محمد بن جعفر الشعيري، ثنا مقدم بن محمد، ثنا عمي عن عبيد الله بن عمر، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: أرسلت جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها مليكة، فجاءنا، فحضرت الصلاة، فقمت إلى حصير لنا، فذكره، لكان أصرح دلالة من حديثه الذي ذكره، والله تعالى أعلم.
قال الطحاوي: ولا تعارض بين هذه الأحاديث، وبين قوله (يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم أربعين ليلة)؛ لأن ذاك يكون على المني قبل أن يكون نطفة مما قدره الله تعالى.
قال أبو عمر: فيه دليل أن النساء ليس كلهن يحتلمن، ولهذا أنكرت عائشة، وأم سلمة سؤال أم سليم، وقد يعدم الاحتلام في بعض الرجال، فالنساء أجدر أن يعدم ذلك فيهن، وقد قيل: إن إنكار عائشة لذلك إنما كان لصغر سنها، وكونها مع زوجها؛ لأنها لم تحض إلا عنده، ولم تفقده فقدا طويلا إلا بموته صلى الله عليه وسلم، فلذلك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأن الاحتلام لا يعرفه النساء، ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الجماع بعد المعرفة به، فإذا، فقد النساء أزواجهن احتلمن، والوجه الأوّل عندي أصحّ، وأولى؛ لأنّ أم سلمة فقدت زوجها، وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت، فدل ذلك على أن من النساء من لا تنزل الماء في غير الجماع الذي يكون في اليقظة. . انتهى.
ولقائل أن يقول: إن أم سلمة لم تمكث بعد زوجها زمانا يتأتى لها فيه طلب الرجال، لا سيما هي - رضي الله تعالى عنها - وشغلها بالعبادة والصوم، أو تكون قالته إنكارا على أم سليم كونها واجهت بهذا اللفظ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه: فقالت أم سليم: وغطت وجهها.
وفي قوله: (تربت يمينك) قولان:
قال أبو عمر: أحدهما: أن يكون أراد استغنت يداك، أو يمينك كأنه يعرض لها بالجهل لما أنكرت ما لا ينبغي أن تنكره، فخاطبها بضد المعنى تنبيها، وتأنيبا.
كما قيل في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وكما تقول لمن كفَّ عن السؤال عما جهله أما أنت فاستغنيت عن أن تسأل عن مثل هذا، أي: لو أنصفت نفسك، ونصحت لها لسألت.
وقال غيره: هو كما يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، وأخزاه الله، أجاد ومنه الحديث: ويل أمه، مسعر حرب وهو يريد مدحه.
وهذا كله عند قول من قال: هذا القول فرارا من الدعاء على زوجته عليه السلام تصريحا، وأن ذلك غير ممكن من النبي عليه السلام عندهم.
وأنكر أكثر أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء قالوا: ولو كانت بمعنى الاستغناء لقال: أتربت يمينك؛ لأن الفعل رباعي يقال: أترب الرجل إذا استغنى، وترب إذا افترقا، وقالوا: معنى قوله: (تربت يمينك) أي افتقرت من العلم بما سألت عنه أم سليم.
قال أبو عمر: أما (تربت يمينك) فمعلوم من دعاء العرب بعضهم على بعض، مثل: قاتله الله، وثكلته أمه، وعقرى، حلقى، ولليدين والفم، وغير هذا، والشبه لغتان. . انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث إن (أترب) يستعمل في الغنى، وليس كذلك، بل يستعمل في الفقر أيضا، حكاه كراع في المجرد، وابن سيده في المحكم، قال: أترب الرجل: إذا كثر ماله، وأترب أيضا: لصق بالتراب من الفقر، وكذا قاله الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب أدب الخواض تأليفه، وأبو العلاء المعري في كتاب الأيك
والغصون فيما رأيته بخط الشاطبي رحمه الله، والله تعالى أعلم.
قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم، أو جامع، ولم يجد بللا أَنْ لَا غسل عليه، واختلفوا فيمن رأى بللا، ولم يذكر احتلاما، فقالت طائفة: يغتسل روينا ذلك عن ابن عباس، والشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، وقال أحمد: أحب إلي أن يغتسل إلا رجل به أبردة، وقال إسحاق: يغتسل إذا كانت بَلة نطفة.
وروينا عن الحسن البصري أنّه قال: إذا كان انتشر إلى أهله من أوّل الليل فوجد من ذلك بلة؛، فلا غسل عليه، وإن لم يكن كذلك اغتسل، وفيه قول ثالث: وهو أن لا يغتسل حتى يوقن بالماء الدافق، هكذا قال مجاهد: وهو قول قتادة، وقال مالك، والشافعي، ويعقوب: يغتسل إذا علم بالماء الدّافق، والله تعالى أعلم، وسيأتي له زيادة أيضا فيما بعد إن شاء الله تعالى.
باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة
7 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي عليك من الماء، فتطهرين، أو قال: فإذا أنت قد طهرت.
هذا حديث رواه مسلم بلفظ: أفأنقضه للحيض والجنابة؟ فقال: لا، وفي لفظ: أفأحله، فَأَغْسِلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاودَ، عَنْ زُهَيْرِ بْن حرب، وابن سرح، نا ابن عيينة، وفيه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة أنّ امرأة من المسلمين.
وقال زهير: إِنَّمَا قَالَتِ. . . الْحَدِيثُ.
وفي لَفْظِ مِنْ حَديث المقبري، عن أم سلمة، واغمري قرونك عند كل حفنة، والمقبري لم يسمع من أم سلمة، بينهما ابن رافع ذكره أبو محمد الإشبيلي، وتتبع ذلك عليه أبو الحسن بأنه مع ذلك من رواية أسامة بن زيد الليثي، وهو مختلف فيه، فلو أسند لقيل في حديثه: حسن لا صحيح، ورواه أبو بكر محمد
ابن أحمد بن الجهم الوراق المالكي بهذا السند، ولفظه، عن أم سلمة: أنّ امرأة سألتها عن الغسل فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: امرأة تشد ضفر رأسها أفتنقضه لغسل الجنابة؟. مثله.
وذكره ابن وهب في مسنده، عن أسامة أن سعيد بن أبي سعيد حدّثه أنّه سمع أم سلمة، فذكره، وهذا يقتضي سماعه منها تصريحا، ويحمل ذكر الواسطة بينهما على أنه رواه مرة عنها ومرة عن ابن نافع عنها، والله تعالى أعلم.
ولفظ ابن خزيمة في صحيحه، وخرجه من حديث عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، فإذا أنت قد طهرت من غير شك.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسين بن حفص الأصبهاني، عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد المقبري، عن أبي رافع، عن أمّ سلمة. . . الحديث.
فقال: هذا خطأ إنما هو سعيد، عن عبد الله بن رافع عنها.
يعني حديث البزار، وفي كتاب الدلائل للسرقسطي، أنا محمد بن علي وهو الصائغ، عن سعيد بن منصور، عن الوليد: سمعت الحسن يقول: سألت أم سلمة: يا رسول الله، إني أمتشط فأخمر رأسي إخمارا شديدا فكيف أغتسل للجنابة والحيضة؟ فقال: تفيضين على رأسك ثلاث غرفات، وفي لفظ لأبي نعيم في المستخرج، عن أم سلمة: أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: لا.
وفي السنن الكبير للبيهقي من حديث ابن مهدي، عن بكار بن يحيى، عن جدته قالت: دخلت على أم سلمة، وأما الممتشطة، فكانت إحدانا تكون ممتشطة، فإذا اغتسلت، تنقض ذلك، ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل على أصول الشعر دلكته، ثم أفاضت على سائر جسدها.
وفي المصنف، نا أبو داود، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير: أن امرأة سألت أم سلمة، فقالت: صبي ثلاثا فقالت: إنّ شعري كثير فقالت: ضعي بعضه على بعض.
ولفظ أبي القاسم في الأوسط من حديث الحسن عنها: فكيف أغتسل من الجنابة والحيضة؟، وأما ما توهمه بعضهم من أن حديث أم سلمة مضطرب لكونه في رواية أنها سألت، وفي أخرى امرأة من المسلمين، وفي أخرى امرأة سألتها أن تسأل، فليس بشيء؛ لأن المرأة لما سألتها سألت هي لاشتراكهما في هذا، فسألت لنفسها، وهي امرأة من المسلمين أيضا، والله أعلم.
8 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أنا ورسول الله نغتسل من إناء واحد، فلا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.
هذا حديث رواه مسلم في صحيحه
ولفظ النسائي: لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا، وإذا تور موضوع مثل الصاع، أو دونه، فنشرع فيه جميعا، فأفيض على رأسي ثلاث مرات، وما أنقض لي شعرا.
ولفظ ابن خزيمة: يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن إذا اغتسلن من الجنابة، فقالت: يا عجباه لابن عمرو هذا!!! قد كلفهن تعبا، وفيه: فما أزيد على ثلاث حثيات، أو قال: ثلاث غرفات.
ولفظ مالك في الموطأ وبلغه عن عائشة، وسئلت عن غسل المرأة من الجنابة؟ فقال: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات، ولتضغث رأسها بيدها.
وفي حديث جميع بن عمير التيمي المذكور عند ابن ماجه عنها: وأما نحن، فإنا نغسل رؤوسنا خمس مرات من أجل الضفر.
وفي حديث عائشة بنت طلحة المذكور عند أبي داود بسند صحيح، ثنا نصر بن علي، ثنا عبد الله بن داود، عن عمر بن سويد، عنها أنّ عائشة قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات، ومحرمات.
وفي الباب: حديث رواه أبو داود فقال: نا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش، قال ابن عوف: وثنا محمد بن إسماعيل، عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: أفتاني جبير بن نفير، عن الغسل من الجنابة، أنّ ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: أمّا الرجل فلينثر رأسه، فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة، فلا عليها ألا تنقضه، لتغرف على رأسها
ثلاث غرفات وهو حديث في إسناده علل:
الأولى: ضعف محمد بن إسماعيل.
الثانية: انقطاع ما بينه وبين أبيه، نص على ذلك ابن أبي حاتم بقوله: سألت أبي عنه فقال: لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يُحدِّث فحدّث.
الثالثة: ضعف أبيه الذي سبق ذكرنا له، والله تعالى أعلم.
وحديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تغتسل من حيضة، أو جنابة لا تنقض شعرها ذكره أبو محمد الأموي في كتابه من حديث عبد الملك بن حبيب، عن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، ثم قال: وهذا حديث ساقط، ولو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة لكفى سقوطا. فكيف، وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك به؟، ولم يقل فيه أبو الزبير: حدثني جابر، أو سمعت جابرا وهو مدلس، وفي المصنف: ثنا وكيع، عن مسعر، عن عثمان بن موهب، عن امرأة شكت إلى عائشة الغسل من الجنابة. فقالت: صبي ثلاثا فما أصاب أصاب وما أخطأ أخطأ، نا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن الزهري، وعطاء أنهما قالا: لا ترخي شعرها، ولكن تصب ثلاث مرات، ثم تفركه.
ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن في المرأة تغتسل قال: يجزيها ثلاث حفنات، وإن شاءت لم تنقض شعرها.
نا غندر، نا شعبة؛ سألت حمادًا، عن المرأة إذا اغتسلت، فقال: إن كانت ترى أن الماء أصابه أجزأ عنها، وإن كانت ترى أن الماء لم يصبه فلتنقضه.
وقال الحكم: تبل أصوله، وأطرافه، ولا تنقضه.
ثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: الحائض والجنب يصبان الماء على رؤوسهما، ولا ينقضان.
ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع أنّ نساء ابن عمر، وأمهات أولاده كنّ يغتسلن من الجنابة والحيض، فلا ينقضن رؤوسهن، ولكن يبالغن في بلها.
ثنا خالد بن حيان، ثنا جعفر بن برقان، عن عكرمة أنه سئل عن امرأة تغتسل من الجنابة والحيض قال: ترخي الذوائب وتصب على رأسها الماء حتى يبل أصول الشعر، ولا تنقض لها رأسا.
ثنا أبو خالد، عن حجاج، عن فضيل، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: تخلله بأصابعها.
وقال عطاء مثله.
وفي الباب أحاديث تخالف ما تقدّم منها:
حديث عائشة الآتي من عند ابن ماجه بعد بسند صحيح.
نا علي، عن وكيع، عن هشام، عن أبيه عنها أن النبي عليه السلام قال لها في الحيض: انقضي رأسك واغتسلي.
وحديثها المخرج في الصحيحين قالت: أهللت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعمرة، فذكر الحديث في حيضها، فقالت يا رسول الله: هذا يوم عرفة، ولم أطهر بعد، وإنما كنت تمتّعت بالعمرة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج، وأمسكي عن عمرتك قالت: ففعلت. . . . الحديث.
قال أبو بكر البيهقي إثره: وهي إن اغتسلت للإهلال بالحج، فكان غسلا مسنونا، وقد أمرت فيه بنقض رأسها وامتشاط شعرها، وكأنها أمرت بذلك استحبابا، كما أمرت أسماء بنت عميس بالغسل للإهلال على النفاس استحبابا. . انتهى. ولقائل
أن يقول ليس ذلك على طريق الاستحباب، إنّما هو على طريق الوجوب، ويوضحه حديث أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها، وغسلت بالخطمي والأشنان، وإذا اغتسلت من الجنابة، لم تنقض رأسها، ولم تغسله بالخطمي والأشنان ذكره البيهقي في السنن الكبير، عن ابن البيع، أنبأ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمد بن يونس، ثنا مسلم بن صبيح، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت عنه، ورواه أبو الحسن في (الأفراد)، عن محمد بن إسماعيل الفارسي، عن عثمان بن خرزاد، نا مسلم، وأشار إلى تفرّده به عن حماد، وهو يكنى أبا عثمان بصري.
وفي المصنف، ثنا غندر، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم أنّه كان يقول: العروس تنقض شعرها إذا أرادت أن تغتسل.
نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة أنّه قال لامرأته: خللي رأسك بالماء لا تخلله نار قليل بقياها عليه، وهو مذهب أهل الظاهر، قال أبو محمد: ويلزم المرأة حل ضفائرها وناصيتها في غسل المحيض وغسل الجمعة، والغسل من غسل الميت، ومن النفاس، والأصل في الغسل الاستيعاب لجميع الشعر، وإيصال الماء البشرة بيقين خلاف المسح، فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص، وليس ذلك إلا في الجنابة فقط، وقد صح الإجماع: أنّ غسل النفاس كغسل الحيض، فإن قيل بحديث أم سلمة أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: لا. قلنا: نعم.
إلا أن حديث هشام الوارد بنقض ضفرها في الحيض زائد حكما، ومثبت
شرعا على حديث أم سلمة، والزيادة لا يجوز تركها. . انتهى.
ولقائل أن يقول: ليس بزيادة إنما هو تعارض، وإذا كان كذلك رجح حديث أم سلمة بالإجماع، وحمل حديث عائشة على الاستحباب لا على الوجوب.
وقال ابن حزم: فإن قيل: فإن عائشة قد أنكرت على ابن عمرو نقض الضفائر، قلنا: لا حجة علينا فيه لوجوه:
أحدها: أنّ عائشة لم تعن بهذا إلا غسل الجنابة فقط، وهكذا نقول، وبيان ذلك: إحالتها في آخر الحديث على غسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهذا إنما هو في غسل الجنابة لا الحيض. انتهى.
قد قدمنا مبينا من صحيح ابن خزيمة أنه من غسل الجنابة، فلا حاجة إلى التخرص، قال ابن حزم:
الثاني: أنه لو صحّ فيها أنها أرادت الحيض لما كان فيه علينا حجة؛ لأننا لم نؤمر بقبول رأيها، إنما أمرنا بقبول روايتها، انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث إنّ الصحابي إذا فسر حديثا، أو بين سببه قبل قوله إجماعا، قال أبو محمد:
الثالث: أنه قد خالفها عبد الله بن عمرو، وهو صاحب، وإذا وقع التنازع وجب الرد إلى القرآن والسنة لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر، والحمد لله وحده، ولقائل أن يقول: لعلّ ابن عمرو المخالف رجع إلى قولها لما بلغه، ولهذا عده بعض العلماء فيما أنكرته عائشة على الصحابة، وأنهم رجعوا إلى قولها. إمّا لنسخ لم يظهر لهم، أو لتخصيص، أو لنص مخالف، أو لرأيهم.
وأمّا الضفر: ففي الجامع ضفّرت الحبل أضفره ضفرا، وهو فتلك له وإدخال بعضه في بعض، ومنه أخذت الضفيرة المرأة، وهو ضفرها لشعرها، وقال أبو محمد بن السيد، في كتاب الفرق بين الأحرف المشكلة: الضفر فتل الشعر، أو نسجه.
وفي المغيث لأبي موسى:
والضفائر العقائص المضفرة، وإن رويته بفتح الفاء، فهو كالنقض بمعنى المنقوض، والسكب بمعنى المسكوب، وفي المطالع: هو ضم شديد.
باب الماء من الماء
9 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار، ثنا غندر محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن ذكوان، عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج، ورأسه تقطّر فقال: لعلنا أعجلناك، قال: نعم يا رسول الله، قال: إذا أعجلت، أو أقحطت، فلا غسل عليك، وعليك الوضوء.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، فرواه البخاري، عن إسحاق، أنبأ النضر، أنبأ شعبة، عن الحكم بلفظ: إذا أعجلت، أو أقحطت، فعليك الوضوء.
تابعه وهيب قال: ثنا شعبة، ولم يقل غندر ويحيى، عن شعبة: الوضوء.
ورواه الإسماعيلي في صحيحه، عن البغوي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وثنا القاسم بن زكريا، ثنا ابن مثنى، ومحمد بن بشار، نا ابن عبد الكريم، نا بندار، والبسري، وأخبرني الحسن، وعمران قالا: ثنا ابن بشار قالوا: ثنا محمد بن جعفر غندر، وثنا القاسم أيضا، نا ابن مثنى، نا ابن أبي عدي، عن شعبة، وقال غندر: ثنا شعبة، عن الحكم، وقال: قال أبو بكر: وهما عندنا، عن هؤلاء كلهم، عن غندر فيه الوضوء، والله تعالى أعلم.
ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، نا غندر، عن شعبة (ح)، وثنا ابن مثنى، وابن
بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، ولفظه: وعليك الوضوء.
واختلف في إسحاق هذا الذي رواه البخاري عنه من هو؟ فأبو نعيم في المستخرج: رواه من جهة إسحاق بن إبراهيم، وقال: رواه البخاري، عن إسحاق الكوسج يعني أن الاثنين روياه عن النضر، وفي كتاب الكلاباذي كلاهما روى عنه، وفي تقييد المهمل لأبي علي في نسخة أبي محمد الأصيلي: ثنا إسحاق ابن منصور، ثنا النضر، والذي في أصل شيخ شيوخنا ابن التدمري، ما وضح هذا وبيّنه، ولا يحتاج إلى التخرص والحسبان.
ثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي، فلا معدل إذا عن هذا، ولا مصرف، وفي لفظ مسلم، وخرجه من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصُرخ به، فخرج يجر إزاره. . . الحديث.
وفي مسند السراج، ثنا عبد الجبار، ثنا سفيان، عن عمرو، عن عروة بن عياض، قال: قدم علينا أبو سعيد الخدري قال: أرأيتم لو اغتسلت وأنا أعرف أنه كما يقولون؟ قالوا: لا حرج اخرج حتى لا يكون في نفسك حرج مما قضى الله ورسوله.
وفي لفظ: أرأيتم لو اغتسلت، وأنا أعرف أنه مما يقولون
وفي لفظ ابن شاهين من حديث عبد الرحمن، عن أبي سعيد قال: خرجت مع
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف على باب عتبان بن مالك، فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعزل عن امرأته، ولم يمن، وفي لفظ: إذا قحط أحدكم.
10 -
حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن السائب، عن عبد الرحمن بن سعاد، عن أبي أيوب قال النبي صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء.
هذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهالة بحال عبد الرحمن بن السائب، ويقال: ابن السائبة، كذا رويناه في أحكام أبي علي الطوسي - رحمه الله تعالى -، فإني لَمْ أَرَ عنه راويا غير عمرو بن دينار، وكذا ابن سعاد، ويقال: ابن سعاد، ولم يتعرض أحد لذكر حالهما فيما علمت، وأما ما ذكره الدارمي في مسنده عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب، عن عبد الرحمن بن سعاد، وكان مرضيا من أهل المدينة، فلا ندري من القائل ذلك أهو ابن السائب، أم عمرو؟!، فإن كان ابن السائب، فلا نقبل قوله؛ لأنه يحتاج إلى من يعدله.
وإن كان عمرو قاله، فلا ندري أراد ابن سعاد، أو ابن السائب، فلما أبهم الأمر سقط الاحتجاج به، وأيضا فهذه لفظة لا تعطي توثيقا؛ لاحتمال أن يكون مراده الدين، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة من هذين الرجلين، ذكرها البخاري في صحيحه، نا أبو معمر، نا أبو نعيم، نا عبد الوارث، عن الحسين بن ذكوان المعلم المكتب البصري، قال يحيى بن أبي كثير: وأخبرني أبو سلمة أنّ عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنّه سأل عثمان بن عفّان، فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته، فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبي بن كعب، فأمروه
بذلك، فأخبرني أبو سلمة: أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو الحسن الدارقطني في كتاب العلل: وفي هذا الموضع وهم؛ لأنّ أبا أيوب لم يسمع هذا من النبي عليه السلام، إنّما سمعه من أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ذلك هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب، عن أبي. . انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأنّ أبا أيوب قد قدمنا قوله: إنّه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على لسان أبي سلمة، عن عروة، وكونه رواه بواسطة في البخاري أيضا لا يؤثر فيما قلناه؛ ولأنه يحتمل أنّه سمعه من أبي، ثم سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن هذا لما جاز له أن يقول: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قول القاضي أبي بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - في حديث أبي أيوب هذا: والعجب من البخاري كيف ساوى بين حديث عائشة في إيجاب الغسل بالتقاء الختانين، وبين حديث عثمان، وأبي في نفي الغسل إلا بالإنزال، وحديث عثمان هذا ضعيف؛ لأنّ مرجعه إلى الحسين بن ذكوان، رواه عن يحيى بن أبي كثير، ثم قال: والحسين لم يسمعه من يحيى؛ وإنما نقله له يحيى؛ ولذلك أدخله البخاري عنه بصيغة المقطوع، وهذه علّة، وقد خولف حسين فيه عن يحيى، فرواه عنه غيره موقوفا على عثمان، ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه علّة ثانية، وقد خولف أيضا أبو سلمة، فرواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد أنه سأل خمسة، أو أربعة من الصحابة، فأمروه بذلك من غير رفع، قال: وهذه علة ثالثة، ففيه نظر:
أمّا العلة الأولى، فلأنّ البخاري رواه في موضع آخر عن سعد بن حفص، عن
شيبان، عن يحيى، وقال أبو الحسن الدارقطني: حدّث به عن يحيى: حسين المعلم، وشيبان، وهو صحيح عنهما.
ورواه ابن شاهين من حديث معاوية بن سلام، أنبأ يحيى به.
العلة الثانية: قوله: إنّ البخاري رواه بصيغة المقطوع، وليس كذلك؛ لأن العلماء قالوا: ليس في البخاري حديث منقطع شاهدا، أو متابعا، فكيف بما ذكره للاحتجاج؟ وقد نص العلماء على أن قال: وذكر من غير قول، أو قال لنا، وما أشبه ذلك من ألفاظ الرواية محمولة عندهم على السماع إذا عرف اللقاء والسماع، وحسين ممن عرف ذلك منه، والله أعلم.
ولذلك، فإن أصحاب الأطراف ذكروا موضع، قال يحيى (عن): وهي رواية إجماع، ولهذا ساغ لهم إخراجه في مسند أبي أيوب، ولذا خرجه مسلم، والإسماعيلي، وأبو نعيم بصيغة (عن)، وعلى رأي جماعة (عن) في صحيح مسلم متصلة، فلأنّ تكون عند البخاري بطريق الأولى، لما علم من شرطه، وقد وقع لنا حديث حسين المعلم هذا مصرّحا فيه بالسماع، من يحيى بن أبي كثير، أنبأ بذلك الإمام المسند أبو الفتح الجودري قراءة عليه وأنا أسمع عن عبد الله بن منصور، أنبأ الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الهمذاني، أنبأ أبو بكر محمد بن إبراهيم الطرقي، أنبأ يحيى بن عبد الوهاب، نا محمد بن أحمد بن محمد الكاتب، نا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله ابن
محمد بن ناجية، ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، حدثني أبي، ثنا حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة: أنّ عطاء بن يسار أخبره أنّ زيد ابن خالد أخبره أنه سأل عثمان قلت: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته، ولم يمن؟! فقال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وسألت عن ذلك علي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وأبيا، فأمروه بذلك، قال: وحدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وفي كتاب ابن شاهين، ثنا البغوي، ثنا هارون بن عبد الله، ثنا عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا حسين المعلم، نا ابن أبي كثير، فذكره.
وكذا ذكره البيهقي في السنن الكبير عن أبي بكر أحمد بن إسحاق، ثنا إبراهيم بن عبد الله، أنا محمد قال: ثنا الحسن بن عيسى البسطامي، ثنا عبد الصمد، نا أبي، نا حسين، حدثني يحيى به.
وإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة في صحيحه أيضا، وأما قول ابن جرير في تهذيب الآثار، وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علّة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه؛ لعدالة رواته، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلّتين:
إحداهما: أنّ المعروف من رواية الثقات عن عثمان أن الختان إذا مس الختان وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل.
والأخرى: أنّه خبر قد رواه بعضهم عن شيبان، عن يحيى، فجعله عن عطاء، عن عثمان لم يجعل بينهما أحدا.
والثالثة: أنّ يحيى كان عندهم مدّلسا، والمدلس لا يقبل عندهم من خبره إلا ما قال: ثنا، وشبهه بكلام لا يجزئ شيئا كما بيّناه.
الثالثة قوله: إنّ أبا سلمة خالفه زيد فغير ضار، ولا منافاة بين قولهما؛ لأن أبا سلمة إمام حافظ، زاد شيئا، فيقبّل منه بإجماع، ولأن الصحابة المذكورين أصحاب فتيا، فلما سئلوا أفتوا بما عندهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ مثل هذا لا يؤخذ بالأداء، ونشطوا مرّة أخرى، فتذكروا مستندهم، إن قيل لهم في ذلك، فذكروه، فصار جمعا بين الرواية والفتيا، والله أعلم.
ويوضح ذلك ما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار، قال أبو عمر: وقد تدبرت حديث عثمان الذي انفرد به يحيى، فليس فيه تصريح بمجاوزة الختان الختان، وإنما فيه جامع، ولم يمن، وفيه يقول: مجامعة، ولامس الختان الختان؛ لأنه لفظ مأخوذ من الاجتماع يكني عن الوطء، وإذا كان كذلك، فلا خلاف حينئذ، ولو ذكر ما ذكره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في جمعه لحديث يحيى بن أبي كثير كان أولى مما تقدّم، وهو قوله: قال أبو طالب: زيد بن أخزم سمعت يحيى بن سعيد القطّان، وسئل عن حديث أبي أيوب، فلم يحدث به، وقال: نهاني عنه عبد الرحمن، وقال أبو عمر في التمهيد: وحديث أبي سلمة هذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان، ولا علي، ولا من مذهب المهاجرين، انفرد به يحيى، وهو ثقة، إلا أنه جاء بما شذ به وأنكر عليه، ونكارته أنّه محال أن يكون عثمان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما يسقط الغسل من التقاء
الختانين، ثم يفتي بإيجاب الغسل.
وذلك في حديث مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد أن عمر، وعثمان، وعائشة كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان، فقد وجب الغسل. وهو صحيح، ولا أعلم أحدا قال: بأنّ الغسل من التقاء الختانين منسوخ، بل الجمهور أنّ الوضوء منه منسوخ بالغسل، ومن قال بالوضوء منه أجازه، وأجاز الغسل، ولم ينكره، وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني، وذكر حديث يحيى فقال: إسناده حسن، ولكنه حديث شاذ، وقال علي: وقد روي عن عثمان، وعلي، وأبي بأسانيد جياد أنهم أفتوا بخلافه، قال يعقوب: هو حديث منسوخ، وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير يعني هذا فيه علّة تدفعه بها؟ قال: نعم ما روي خلافه عنهم.
وقال أحمد: الذي أختار: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
قيل له: قد كنت تقول غير هذا؟ قال: ما أعلمني قلت غير هذا قط، قيل له: قد بلغنا ذلك عنك. قال: الله المستعان.
وفي صحيح الإسماعيلي، قال: ولم يذكر يعني الراوي عليا، ولم يقل أحد من الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم غير الحماني، إنما قالوا مثل ذلك، وليس الحماني من شرط هذا الكتاب، وفي الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الأنصار فأبطأ واحتبس فقال: ما حبسك؟ قال: كنت أصبت من أهلي، فلما جاءني رسولك اغتسلت، ثم لم أحدث شيئا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء، والغسل على من أنزل رواه أبو جعفر في شرح الآثار من جهة يزيد، عن العلاء بن محمد بن سيار، عن محمد بن عمرو، عن أبي
سلمة عنه، وقال أبو القاسم في الأوسط ورواه من حديث وقاء بن إياس الوالبي سمعت سهيل بن ذكوان أبي صالح يذكر عن أبيه، عن أبي هريرة: لم يروه عن وقاء إلا أبو زهير تفرّد به عبد الرحمن بن سلمة، وحديث رافع بن خديج قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي، فقمت، ولم أنزل، فاغتسلت، وخرجت، فأخبرته فقال: لا عليك، الماء من الماء قال رافع: ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل.
رواه أحمد في مسنده من حديث رشدين بن سعد، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن بعض ولد رافع، ولم يسمه، وقال الحازمي: هذا حديث حسن.
وفيه نظر؛ لأنّ راويه رشدين، وحديثه لا يحسن، وفيه رجل لم يسمه، فهو منقطع، وقد وقع لنا متابعا لرشدين، وهو ابن لهيعة فيما ذكره ابن شاهين عن موسى بن أيوب، وسمى الرجل المبهم سهلا؛ وكذا جاء في بعض الروايات مصرّحا باسمه عن رشدين، ذكر ذلك الحافظ أبو الطاهر البغوي فقال: أنبأ الرازي، عن أبي الحسن أحمد بن محمد الحكيمي سماعا، عن أبي بكر المهندس سماعا، ثنا محمد هو ابن زبان بن حبيب، ثنا أبو الطاهر، ثنا رشدين، عن موسى بن أيوب، عن سهل بن رافع بن خديج، عن أبيه، فذكره، فلو حسّنه الحازمي بهذه الأمور لساغ له ذلك، والله تعالى أعلم.
وحديث عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ولا يغتسل
وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر الناس بالغسل رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه، وسيأتي الكلام عليه بعد، وحديث جابر بن عبد الله قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم برجل من الأنصار فخرج ورأسه يقطر فقال: لعلنا أعجلناك؟ قال: أجل يا رسول الله.
قال: إذا عجل أحدكم، أو أقحط، فلا يغتسل رواه أبو حفص بن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ، عن أبيه، عن الباغندي، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو إسرائيل الملائي، عن الحكم، عن أبي صالح عنه.
وحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماء من الماء، رواه أيضا عن أحمد بن عمرو، ثنا عبد الله ابن أسامة الحلبي، ثنا يعقوب بن كعب، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم عنه، وحديث عبد الله بن عباس قال: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الأنصار، فأبطأ عليه، فقال: ما حبسك؟ قال: كنت على المرأة فقمت فاغتسلت فقال: وما عليك ألا تغتسل ما لم تنزل؟ قال: فكانت الأنصار تفعل ذلك.
رواه ابن أبي داود في كتاب الطهارة تأليفه، عن عبد الله بن سعيد، ثنا طلحة، عن أبي سعد، عن عكرمة عنه، وحديث زيد بن ثابت الآتي في الباب بعده، وكذلك حديث رفاعة، قال أبو عمر: قوله: إذا أعجل أحدكم، أو أقحط يقتضي أن يكون جوابا لمن أقحط، أو أعجل عن بلوغ التقاء الختانين، وكذلك حديث ابن شهاب، عن
أبي سلمة رواه أصحابه كذلك؛ لأن قوله الماء من الماء لا يدفع أن يكون الماء من التقاء الختانين، والله تعالى أعلم.
وحديث صالح السالمي الأنصاري، قلت للنبي عليه السلام: هتفت وأنا مع المرأة قد خالطتها، فلما أن سمعت صوتك أجبتك منها، فلما دخلت المسجد كرهت أن أدخله حتى اغتسلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء. رواه أبو موسى في كتاب الصحابة من جهة ابن إسحاق، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن جدّه أبي سعيد، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجد بني عمرو بن عوف، فمر بقرية بني سالم، فذكره.
ثم قال: رواه ذكوان، عن أبي سعيد، ولم يسم الرجل، وكذلك أبو هريرة، وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لم يسمياه.
وحديث عبد الله بن عتبان قال: قلت: يا رسول الله! إني كنت مع أهلي، فلما سمعت صوتك أعجلت، فاغتسلت فقال عليه السلام: الماء من الماء، رواه أيضا من حديث كثير بن زيد عن المطلب عنه، وحديث أبي عثمان الأنصاري قال: دق علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ألممت بالمرأة، فكرهت أن أخرج عليه حتى أغتسل، فأبطأت عليه، فلحقته فأخبرته، فقال: أكنت أنزلت قلت: لا. قال: أما إنه لم يكن عليك إلا الوضوء.
رواه أيضا من حديث عمر بن محمد بن الحسن، ثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي سلمة عنه، ومرسل عبد الله بن
عبد الله بن عقيل قال: سلم النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة ثلاثا، فلم يأذن له، كان على حاجة، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام سعد سريعا، فاغتسل، ثم تبعه فقال: يا رسول الله إني كنت على حاجة فقمت فاغتسلت، فقال صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء.
رواه معمر بن راشد في جامعه عنه.
باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان
11 -
حدثنا علي بن محمد، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قالا: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، أنبأ عبد الرحمن بن القاسم، أنبأ القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا.
هذا حديث خرجه أبو عيسى من حديث الوليد، ثم قال: ثنا هناد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن علي بن زيد، عن سعيد، عن عائشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
وقال: حديث عائشة حسن صحيح، وقال في العلل الكبير: سألت محمدا، عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث خطأ، إنما يرويه الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا، وروى الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة شيئا من قولها تأخذ الخرقة فتمسح بها الأذى، وقال أبو الزناد: سألت القاسم بن محمد، سمعت في هذا الباب شيئا؟ قال: لا، ورواه الشافعي، عن الثقة، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أو، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، قال البيهقي: كذا رواه الربيع بالشّك، ورواه المزني عنه، فقال عبد الرحمن بن القاسم: بلا شك، وكذلك قاله ابن خزيمة، عن المزني، ورواه حرملة، عن الشّافعي، عن الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، عن الأوزاعي، عن
عبد الرحمن بغير شك، وعاب أبو محمد الإشبيلي على الترمذي تصحيح حديث ابن زيد بقوله: وذكره الترمذي من حديث ابن زيد، وقال فيه: حسن صحيح، ولم يقل في علي شيئا، وأكثر الناس يضعفه، واعترض أبو الحسن عليه بأنه لم يصب في اعتراضه؛ لأن اعتلال البخاري عليه بأنه يروى مرسلا ليس بعلة فيه، ولا أيضا قول القاسم: إنه لم يسمع في هذا الباب شيئا؛ فإنه قد يعني به شيئا يناقض هذا الذي رويت، لا بد من حمله على ذلك لصحة الحديث المذكور عنه من رواية ابنه، وهو الثقة المأمون،، والوليد بن مسلم، وإن كان مدلسا ومسويا، فإنه قد قال فيه:(حدثنا) ذكر ذلك الدارقطني، وذكر أيضا طريقا آخر عن الأوزاعي هو منه صحيح أيضا، قال أبو الحسن، ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد، أنبأ أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن أبيه، عن عائشة: أنها سئلت عن الرجل يجامع المرأة، فلا ينزل؟ فقالت: فعلته أنا والنبي صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا جميعا.
قال الدارقطني: رفعه الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، ورواه بشر بن بكر، وأبو المغيرة، وعمرو بن أبي سلمة، ومحمد بن كثير المصيصي، ومحمد بن مصعب وغيرهم موقوفا. انتهى.
الوليد: ثقة من أكابر أصحاب الأوزاعي، وكان الأوزاعي يقول: عليكم به، فإن كتبه صحيحة، أو كلاما هذا بمعناه، وقال أيضا: ما عرض علي كتاب أصح من كتاب الوليد، وقال فيه دحيم: صالح الحديث
وابنه العباس ثقة صدوق، وقد ذكر جميعهم سماع بعضهم من بعض فصح الحديث، وإن كان حديث الترمذي معترضا عنده من طريق الوليد بن مسلم، فقد صح من طريق ابن مزيد - رحمه الله تعالى -. انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث إغفاله ما عابه على أبي عيسى من تصحيح حديث ابن جدعان على ما ذكر، ولهذا، فإن عبد الحق لما ذكره في أحكامه الكبرى أفرده من حديث الأوزاعي من عند النسائي مجتنبا تصحيح الترمذي لحديث ابن جدعان، وأبو عيسى في ذلك كما قيل: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها، العيب لأبي محمد في فهمه، لا للترمذي بزعمه؛ لأنه لم يصحح حديثه، كما صححه أبو علي الطوسي في أحكامه من غير متابع، ولا شاهد، وكذلك البغوي في شرح السنة، ولا قال ما يؤذن بذلك، إنما قال: حديث عائشة صحيح، وهذا ما لا خلاف فيه، ولو أراد هذا الحديث لأشار إليه كعادته، وقال:(هذا)، وإن شئت لم أقل ذلك أيضا في حديث الأوزاعي المبدأ بذكره عنده، لا من طريق غيره المصححة؛ لما نقله عن شيخه وهو في الغالب يتبع كلامه حذو القذة بالقذة، ولا يقال: لعله صحح حديث ابن جدعان هذا بما عضده من الشاهد قبله لتنصيصه على خطئه، والخطأ لا يصلح عنده للشواهد، وفي المعرفة: عورض الشافعي في هذه المسألة بطعن ابن جدعان، وأنّ حديثه هذا ليس مما يثبت أهل الحديث، فعارضهم برجوع أبي
وأنّ ذلك لا يكون إلا عن توقيف، وقال أبو بكر: والأمر على ما قالاه جميعا، غير أنّ حديث عائشة هذا ثابت من جهة أخرى، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي عاصم، عن عثمان بن مرة، عن السّائب، عن عروة عنها مرفوعا، قال: لم يروه عن عثمان إلا أبو عاصم، فهذا رجل رفعه عنها كرواية الوليدين، وأغفل ذكره الدارقطني، فلم يذكره حين عدّد الواقفين والرافعين، وأما قول الحافظ التستري: إنّ حديث الأوزاعي موقوف لم تسنده عائشة فغير صواب؛ لأنها قالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مرفوع إجماعا، ولهذا الحديث إسناد صحيح ذكره مسلم - رحمه الله تعالى - فقال: ثنا محمد بن مثنى، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا هشام بن حسان، ثنا حميد بن هلال، عن أبي بردة، عن أبي موسى، وثنا ابن مثنى، ثنا عبد الأعلى، وهذا حديثه، ثنا هشام بن حسان، عن حميد بن هلال، قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري.
قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق، أو من الماء.
وقال المهاجرون: بلى إذا خالط، فقد وجب الغسل.
قال: فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي، فقلت لها: يا أمّاه، أو يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحييك فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك
فإنّما أنا أمّك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل كذا خرجه مسلم في صحيحه بلفظ الشك، أعني في قوله: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة، ولم يذكر رواية الأنصاري: هل هي كهذه لفظا وشكا، أو ليست مثلها؟، فلما أردنا علم ذلك ليسلم الحديث من هذه الشائبة، وليعلم هل يخالف هذه فيما يؤثر أم لا؟ فوجدنا أبا بكر بن خزيمة خرجها بلفظ مسلم سواء، عن ابن مثنى عنه، وكذلك أبو العباس السراج في مسنده، وأبو نعيم الحافظ رحمه الله تعالى، والبيهقي في سننه ولفظه: فأتيت عائشة فقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان.
ولفظ أبو نعيم: إذا جلس بين شعبها الأربع، فقد وجب الغسل.
ورواه مسلم أيضا من طريق فيه لطيفة، وهي رواية صحابي، عن تابعية، فقال: ثنا هارون بن معروف، وهارون بن سعيد الأيلي، ثنا ابن وهب، أخبرني عياض بن عبد الله، عن أَبِي الزبير، عن جابر بن عبد الله عن أمّ كلثوم، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل هل عليهما الغسل؟، وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل.
وليس لقائل أن يقول: هو من رواية أبي الزبير، عن جابر من غير تصريح بالسماع، ولا هو من رواية الليث عنه، وذلك مشعر بالانقطاع، وإن كان عند مسلم، فإنه ينفع
في المناظرة، لا في النظر؛ لأنه وقع لنا طريق يصرح فيها بالسماع، ذكرها الحافظ أبو بكر الخطيب، فيما رويناه عنه في كتاب رواية الصحابة عن التابعين من حديث الإمام أحمد بن حنبل، ثنا موسى بن داود، ثنا عبد الله، عن أبي الزبير، أخبرني جابر به، وفي الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيّب أن أبا موسى أتى عائشة فقال: الرجل يصيب أهله، ثم يكسل، ولا ينزل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان؛ فقد وجب الغسل.
فقال أبو موسى: لا أسأل، عن هذا أحدا بعدك أبدا، كذا ذكره موقوفا، وقال في المعرفة: هذا إسناد صحيح، إلا أنه موقوف، ورواه أبو قرّة موسى بن طارق، عن مالك، عن يحيى مرفوعا.
قال أبو الحسن في الغرائب: لم يسنده، عن مالك غير أبي قرة، وفي مسند أبي قرة ذكر سفيان، عن محمد بن عجلان، عن أبي سلمة، عن عائشة مرفوعا مثله.
وقد وقع لنا ما يشعر بأن ابن المسيب رواه عن أبي موسى عنها، ذكر ذلك أبو جعفر الطحاوي من حديث أسد، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد قال: ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى الختانان أيوجب الغسل؟ فأتى أبو موسى عائشة، فذكره، وقال البيهقي: لم يروه مرفوعا غير ابن جدعان، وهو لا يحتج به، والله تعالى أعلم.
وقال أبو عمر في الاستذكار: وروى علي بن زيد، عن سعيد قال: نازع أبو موسى قوما من الأنصار فقالوا: الماء من الماء. فانطلقت أنا وهو حتى دخلنا على عائشة.
وروى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن عبد العزيز بن
النعمان عنها: كان عليه السلام إذا التقى الختانان اغتسل.
والأول، وإن لم يكن مسندا؛ فإنه يدخل في المسند بالمعنى والنظر.
وفي شرح السنة: هذا حديث حسن صحيح، لكن جريانه على ما توهمه كما بينا أنّ مثله لا يصح سنده، ورواه الحسن عن أمه من طريق لا بأس بها، فرفعه بنحوه، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن سالم الخياط، عن الحسن إلا الوليد بن مسلم.
وفي كتاب الطحاوي من حديثه، عن ابن أبي داود، عن عياش بن الوليد الرقام، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه قال: إني لجالس عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد بن ثابت يفتي النّاس في الغسل من الجنابة برأيه.
فقال عمر: أعجل علي به، فجاء زيد، فقال عمر: قد بلغ من أمرك أن تفتي الناس؟ فقال له زيد: ما أفتيت الناس برأيي، ولكن سمعت من أعمامي شيئا فقلت به.
فقال: من أي أعمامك؟ فقال: من أبي، وأبي أيوب، ورفاعة بن رافع.
فالتفت إلي عمر فقال: ما تقول في هذا؟ قال: فقلت: إنّا كنّا نفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا نغتسل.
قال: أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قلت: لا.
قال: علي بالناس فاتفق الناس أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا ما كان من علي، ومعاذ بن جبل، فقال علي: لا أجد أحدا أعلم بهذا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حفصة، فقالت:
لا علم لي. فأرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
فخطب عمر، وقال: لئن أخبرت بأحد يفعله، ثم لا يغتسل لأنهكنه عقوبة.
ورواه أيضا من حديث ابن لهيعة، عن يزيد، عن ابن أبي حبيبة قال: سمعت عبيد بن رفاعة يقول: كنا في مجلس عمر بغير ذكر أبيه، ورواه أيضا عن روح بن الفرج، عن يحيى بن بكير، عن الليث، حدثني معمر، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، فالله تعالى أعلم.
وذكر هذه القصة من حديث عبد الأعلى أيضاً الإمام أبو بكر محمد بن هارون الروياني في مسنده، عن يحيى بن إسحاق، ثنا ليث بن سعد، عن يزيد، عن معمر، وفيه فقال عمر: إنّ الأمر لا يصلح.
وقال معاذ: يا أمير المؤمنين: إن هذا الأمر لا يصلح، وذكره أحمد بن منيع في مسنده باختلاف قريب، وفيه: فجاء زيد، فلما رآه عمر قال: أي عدو نفسه، قد بلغت أن تفتي الناس برأيك، وفيه: قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأتنا من الله تحريم، ولم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك؟ قال: لا أدري، وهو معارض بما ذكره مالك، عن يحيى، عن عبد الله بن كعب، عن محمود بن لبيد أنه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله، ثم يكسل، فلا ينزل فقال زيد: يغتسل فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد بن ثابت: إن أبيا نزع عن ذلك قبل أن يموت، وسيأتي، وفي صحيح البستي: ثنا علي بن الحسين بن سليمان، ثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة، ثنا أبو حمزة قال: حدثنا الحسين بن
عمران، عن الزهري، سألت عروة في الذي يجامع، ولا ينزل؟ قال: على الناس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثتني عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر الناس بالاغتسال.
قال أبو حاتم: الحسين هذا هو ابن عمران من أهل البصرة، وسكن مرو، ثقة من الثقات. انتهى، وهو حديث لا حجة به لضعف راويه الحسين بن عمران، قال أبو جعفر العقيلي: سمعت آدم بن موسى، سمعت البخاري قال: لا يتابع على حديثه، ثم ذكر هذا الحديث، وقال: والحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل لالتقاء الختانين عن عائشة وغيرها، ولا يحفظ هذا اللفظ عن عائشة إلا في هذا الحديث، وقال أبو العرب الحافظ: قال ابن عدي: حسين بن عمران الجهني لا يتابع على حديثه.
وقال أبو بكر بن أبي حازم: حسين يأتي عن الزهري بالمناكير، وقد ضعفه غير واحد من أصحاب الحديث. . انتهى كلامه، ولم أر أحدا فيما أعلم أساء عليه الثناء غير من ذكرت، وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا الموسوم بـ نظم المرجان في الكلام على صحيح ابن حبان، وعلى الجملة، فهو حديث جيد حسن في باب الاستشهاد على النسخ، لأنها قد تمت القصتين، وفي الموطأ من حديث مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة أنه سأل عائشة: ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري يا أبا سلمة ما مثلك؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها، إذا جاوز
الختان الختان، فقد وجب الغسل.
وهو دليل على ما قاله أبو داود: من أن أبا سلمة كان يفعل ذلك، وأنه قلد من لا علم له، فعاتبته بذلك، لأنها كانت أعلم الناس بهذا المعنى، والله أعلم.
12 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا عثمان بن عمر، أنبأ يونس، عن الزهري قال: قال سهل بن سعد الساعدي: أنبأني أبي بن كعب، قال: إنما كانت رخصة في أول الإسلام، ثم أمر بالغسل بعد.
هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الطوسي في أحكامه، وأبو عيسى من حديث يونس عن الزهري عن سهل، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي ذلك نظر؛ لأن هذا الحديث منقطع فيما بين الزهري وسهل، بين ذلك أبو داود إذ رواه في سننه عن أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، قال: حدثني بعض من أرضى بأن سهل بن سعد، أخبره أن أبي بن كعب، فذكره.
فهذا كما ترى ابن شهاب صرح بعدم سماعه له من سهل، وإن كان معروفا بالسماع منه، قال البيهقي: هذا حديث لم يسمعه الزهري من سهل، وقال الحازمي: وقفه بعضهم على سهل، وروي بإسناد آخر موصول عن أبي حازم عن
سهل، ولم يجر فيه على الاصطلاح الحديثي، فإن قول سهل: كان القول في الماء من الماء رخصة في أول الإسلام داخل في المرفوع، ولهذا، فإن ابن خزيمة قال في حديث معمر نحوه، يعني نحو حديث يونس عن الزهري، وحكي ذلك عن أحمد بن منيع في مسنده.
وقوله: (من أرضى) ليس تعديلا للمحدث المبهم عند الجمهور إلا عند مقلدي القائل فقط، ولسنا من تقليد الزهري في إيراد، ولا صدور، اللهم إلا إذا بين اسمه، وعدله، فإنه مجمع على قبول هذه المسألة، وإذا أردت أن تعرف من المبهم المرضي لتصحيح قول من ذكرناه مع الترمذي، لأن الصحة لا تلتئم مع الانقطاع، فمتى شئت ذلك فسماع سماع:
قال الحافظ أبو بكر بن خزيمة: هذا الرجل الذي لم يسمه عمرو يشبه أن يكون أبا حازم سلمة بن دينار، لأن مبشر بن إسماعيل روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل عن أبي بن كعب، يعني بذلك ما ذكره أبو داود إثر الحديث المذكور.
نا محمد بن مهران الرازي، وأبو حاتم في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، عن ابن مهران قالا: ثنا مبشر الحلبي، عن محمد بن غسان، عن أبي حازم.
وقال البيهقي: إسناده صحيح موصول، جريا على طريقة الفقهاء في صحة السند، وهذا كان يصلح أن يكون دليلا لولا ما قاله ابن أبي حاتم وسأل أباه عنه
فقلت: تعرف هذا الحديث؟ فقال: ما يعرف أصلا، يعني -، والله تعالى أعلم -: هذه الرواية لا أصل الحديث، بدليل ما ذكره ابنه: سمعت أبي، وذكر الأحاديث المروية في الماء من الماء من حديث أبي أيوب، عن أبي، وأبي صالح عن أبي سعيد، فقال: هذا منسوخ بحديث سهل عن أبي.
وقال الحازمي: يشبه أن يكون الزهري أخذه عن أبي حازم.
وذكر البستي في صحيحه شيئا شفى به النفس، وأزال به اللبس: إن هذا الخبر رواه معمر، عن الزهري من حديث المنذر فقال: أخبرني سهل ورواه عمرو بن الحارث عن الزهري فقال: حدثني بعض من أرضى عن سهل، ويشبه أن يكون الزهري سمع الخبر من سهل كما قاله غندر، وسمعه عن بعض من يرضاه عن سهل فرواه مرة عن سهل، ومرة عن الذي رضيه عنه، وقد تتبعت طرق هذا الحديث على أن أجد أحدا رواه عن سهل، فلم أجد في الدنيا أحدا رواه عن سهل إلا أبا حازم فيشبه أن يكون المبهم هو، والله أعلم.
وقال موسى بن هارون: قد روى أبو حازم هذا الخبر عن سهل، وأظن ابن شهاب سمعه منه؛ لأنه لم يسمعه من سهل، وقد سمع من سهل أحاديث، فإن كان سمعه من أبي حازم، فإنه عدل مرضي، وبنحوه قاله البيهقي في المعرفة، وقال أبو عمر: إنما رواه ابن شهاب، عن أبي حازم، عن سهل، وهو حديث صحيح ثابت بنقل العدول الثقات له، ذكره في الاستذكار، ويفهم من كلام ابن حبان أن محمد بن جعفر تفرّد بقول الزهري: أخبرني سهل، وليس كذلك لما ذكره أبو حفص في كتابه الناسخ والمنسوخ، ثنا أحمد بن
يونس، ثنا محمد بن شاذان، ثنا معلى، ثنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، حدثني سهل، وكذا ذكره بقي بن مخلد، فقال: ثنا أبو كريب، ثنا ابن المبارك، عن يونس به، فيما ذكره أبو الحسن ابن القطان، وقال: إن صحّ ما ذكره كان متصلا.
وذكره الحافظ ضياء الدين في الأحاديث المختارة من حديث يونس، عن الزهري عنه، وذكر ابن الحصار في تقريب المدارك: أنّ أبا داود قال: النّاس كلّهم رووه عن الزهري، عن سهل إلا عمرو بن الحارث، فإنه أدخل بينهم رجلا، ويرون أنّ الرجل أبا حازم، وأما قول ابن حبان: لم أر أحدا في الدنيا رواه عن سهل إلا أبا حازم. فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه من تصريح الزهري بسماعه من سهل هذا الحديث، وفي لفظ للطحاوي بسنده إلى أبي: إنّما كان الماء من الماء في أول الإسلام، فلما أحكم الله الأمر نهى عنه، وقال ابن أبي حازم: وعلى الجملة الحديث محفوظ، عن سهل عن أبي، وقال البيهقي: أنبأ أبو علي ابن شاذان، أنبأ حمزة بن محمد بن العباس، ثنا الدوري، عن عثمان بن عمر، ثنا يونس الأيلي، عن الزهري أنّ رجالا من الأنصار فيهم أبو أيوب، وأبو سعيد كانوا يفتون الماء من الماء، وأنّه ليس على من أتى امرأته، فلم ينزل غسل، فلما ذكر ذلك لعمر ولابن عمر، وعائشة أنكروا ذلك، وقالوا: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل فقال سهل بن سعد -، وكان قد أدرك النبي عليه السلام وهو ابن خمس عشرة سنة -: حدثني أُبيِ بن كعب، فذكره، وقال الشّافعي: وإنما بدأت بحديث أبي؛ لأنّ فيه دلالة على أنّه سمع: (الماء من الماء) من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع خلافه فقال به، ثم لا أحسبه تركه، إلا أن النبي عليه السلام قال بعده ما نسخه، قال: وهذا أثبت إسنادا، ورواه ابن أبي
شيبة في مصنفه، عن سهل بن يوسف، نا شعبة، عن سيف بن وهب، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن عميرة بن يثرب، عن أبي بن كعب قال: إذا التقى ملتقاهما من وراء الختان وجب الغسل.
13 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل.
هذا حديث أخرجوه إلا الترمذي.
ولما رواه البخاري، عن معاذ بن فضالة، ثنا هشام ح، وثنا أبو نعيم، عن هشام قال: تابعه عمرو بن مرزوق، عن شعبة مثله - يعني: المخرج عند مسلم، عن محمد بن عمرو بن جبلة، عن ابن أبي عدي، وعن ابن المثنى، عن وهب بن جرير كلاهما، عن شعبة عنه.
قال البخاري: وقال موسى: ثنا أبان، ثنا قتادة، أنبأ الحسن مثله، يعني المخرج عند البيهقي من حديث عثمان وهمام بن يحيى عنه، ولفظه: ثم أجهد نفسه، فقد وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل.
وهو في مسلم من حديث مطر، عن قتادة، ولفظ أبي داود: وألزق الختان
الختان.
ولفظ أبي عبد الرحمن: بين شعبها.
ورواه أيضا من حديث أشعث، عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ، ثم اجتهد، وقال: هذا خطأ والصواب: أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة، وكذا قاله أبو حاتم لما سأله ابنه عن حديث رواه ابن شرحبيل عن عيسى بن يونس عن أشعث؟ فقال: هذا خطأ، قال: فقلت لأبي: ممن الخطأ؟ فقال: إما من ابن شرحبيل، وإما من عيسى، وقال أبو زرعة: لا أحفظ من حديث أشعث إلا هكذا، قلت: فيمكنك أن تقول خطأ؟ قال: لا، والذي عند أبي عبد الرحمن يبرئ ابن شرحبيل؛ لأنه خرجه عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن عبد الله بن يوسف عن عيسى، وذكر أبو الحسن في علله أنه يروى، وليس بمحفوظ عن ابن سيرين، ثم إنّ شعبة، وهشاما وأبان وهماما، وأبا عوانة رووه يعني كما تقدّم، وكذلك قاله يزيد بن زريع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، وخالفه عبد الأعلى، عن سعيد فأسقط أبا رافع، ووقفه.
ورواه الليث عن قتادة مرفوعا، لم يذكر أبا رافع وتابعه سعيد بن بشير، عن قتادة، ورواه حماد بن سلمة عن قتادة، وحبيب بن الشهيد وحميد الطويل، عن الحسن، عن أبي هريرة موقوفا، ورواه مطر عن الحسن عن أبي رافع مرفوعا لم يختلف عليه، واختلف عن يونس بن عبيد فرواه نصر بن علي، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن يونس مثل رواية مطر، وخالفه جميل بن الحسن، ومحمد بن مثنى فقالا: عن عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا؛ وكذلك رواه يزيد بن زريع، وأبو مروان الغساني يحيى بن أبي زكريا، وشعبة، تفرد به
النّضر بن محمد، عن شعبة، عن يونس مرفوعا، لم يذكروا أبا رافع، ولما ذكره ابن شاهين من هذه الطريق قال فيه: صحيح غريب، قال أبو الحسن: ورواه الثوري مرفوعا بإسقاط الحسن، ورواه جرير بن حازم عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا، وقال يحيى القطان، والنضر بن شميل، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا، وخالفهم عيسى بن يونس، فرواه عن أشعث عن ابن سيرين مرفوعا، ورواه عبد الأعلى عن هشام، عن الحسن، عن عائشة مرفوعا، وخالفه مخلد بن حسين فرواه عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، عن عائشة، وكلاهما وهم، والصحيح: عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، وفي لفظ عنده من طريق صحيحة رجحها ابن القطان على طريق مسلم؛ لأن طريقه فيها نظر، وهذه سالمة منه: إذا غشي الرجل المرأة، فكان بين شعبها الأربع، ثم اجتهد، فقد وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل، وفي كتاب الإسماعيلي، وقاسم بن أصبغ فيما ذكره عبد الحق في الكبرى: والتزق الختان بالختان، وفي لفظ لابن أبي شيبة في مصنفه: إذا جلس بين فروجها الأربع.
14 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى الختانان، وتوارت الحشفة؛ وجب الغسل.
هذا حديث لو قال قائل: إسناده جيّد لكان مصيبا؛ لما أسلفناه من حال، ولو صح ذلك ما ذكره ابن وهب في مسنده، أنبأ الحارث بن نبهان، عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بلفظ: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يوجب الغسل؟ فقال: إذا التقى الختانان، وغابت الحشفة؛ وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل فصار بهذا حديثا في غاية الضّعف؛ لما ذكرناه من حال العرزمي؛ ولهذا قال عبد الحق: وذكره من المدونة هذا إسناد ضعيف جدا، والصحيح حديث مسلم، وذكره الطبراني في الأوسط من حديثه عن عبد الله ابن محمد الصفار التستري، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا عبد الله بن بزيع، عن أبي حنيفة، عن عمرو به، وقال: لم يرفعه عن عمرو بن شعيب إلا أبو حنيفة، ولا عن أبي حنيفة إلا عبد الله بن بزيع، تفرّد به يحيى بن غيلان. . انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لما أسلفناه من غير أبي حنيفة رفعه -، والله تعالى أعلم -.
وفي الباب: حديث رافع بن خديج: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مر به فناداه؛ فخرج إليه فمشى معه حتى أتى المسجد، ثم انصرف، فاغتسل، ثم رجع فرآه النبي عليه السلام، وعليه أثر الغسل فسأله النبي عليه السلام عن غسله؟ فقال: سمعت نداءك وأنا أجامع امرأتي فقمت قبل أن أفرغ فاغتسلت، فقال النبي عليه السلام: إنّما الماء من الماء، ثم قال النبي عليه السلام بعد ذلك: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
رواه الطبراني في الكبير من حديث رشدين بن سعد، عن موسى ابن أيوب
عن سهل بن رافع بن خديج، عن أبيه به، وحديث معاذ قال عليه السلام: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
ذكره الشيرازي من حديث.، عن عبد القدوس بن الحجاج، أنبأ ابن أبي مريم، ثنا ضمرة بن حبيب عنه، وحديث بلال بن رباح أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إذا خالطت أهلي فاختلعنا، ولم أمن، أغتسل؟ قال: نعم ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن بلال إلا شرحبيل بن السمط، ولا عن شرحبيل إلا ابن محيريز، ولا عن ابن محيريز إلا علي بن أبي حملة تفرّد به ضمرة بن ربيعة، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة قال: إذا غابت المدورة، فقد وجب الغسل.
رواه في المصنف، عن ابن علية، عن حبيب بن شهاب، عن أبيه عنه، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: أمّا أنا، فإذا بلغت ذلك منها اغتسلت، ثنا وكيع، عن مسعر، عن معبد بن خالد، عن علي، وعن غالب أبي الهذيل، عن إبراهيم، عن علي قال: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل.
ثنا حفص، عن حجاج، عن أبي جعفر قال: اجتمع المهاجرون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أنّ ما أوجب الحدّ، أو الجلد، أو الرجم أوجب الغسل.
ثنا غندر، عن شعبة، عن أبي عبد الله الشامي، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول في الرجل إذا أكسل، فلم ينزل قال: يغتسل.
ثنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: أمّا أنا، فإذا خالطت أهلي اغتسلت.
قال الثوري: وعليه الجماعة، قال ابن المنذر: وبه قال شريح، وعبيدة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي ومن تبعهم، ولا أعلم اليوم فيه بين أهل العلم اختلافا وبه نقول.
قال أبو عمر: وقد قيل: معنى الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة؛ لأنّه لا يجب الغسل في الاحتلام إلا مع إنزال الماء، وهذا مجتمع عليه.
روى شريك، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الماء من الماء في الاحتلام.
قال أبو عمر: واختلف أصحاب داود في هذا، فمنهم من قال بما عليه الجمهور، ومنهم من قال: لا غسل إلا بإنزال الماء الدافق، وجعل في الإكسال الوضوء. . انتهى كلامه.
وفيه نظر لما ذكره عياض، ولا نعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا الأعمش، وداود بن علي الأصبهاني، فهذا يبين لك أنّ الخلاف ليس بين أصحاب داود.
وقال أبو محمد: الأشياء الموجبة غسل الجسد كله: إيلاج الحشفة، أو إيلاج مقدارها من الذكر الذاهب الحشفة والذاهب أكثر من الحشفة في فرج المرأة
الذي هو مخرج الولد منها بحرام، أو حلال، إذا كان تعمّد أزل، أو لم ينزل، وممن روي عنه الغسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن إنزال، فذكر الذين ذكرهم ابن المنذر، وزاد: الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وحمزة بن عمرو الأنصاري، وأنكر البغوي في شرح السنة ذهاب سعد بن أبي وقاص إلى الغسل، وقال: وكذلك أبو أيوب، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وفي صحيح الجعفي قال أبو عبد الله: الغسل أحوط، وذلك الآخر إنّما بيّنا اختلافهم.
قال ابن التين: رويناه بفتح الخاء وضبط في بعض الكتب بكسرها كأنه يقول: هذا الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم، فهو ناسخ لما قبله.
وقال القاضي أبو بكر في قول البخاري: والغسل أحوط: كأنّ البخاري يرى أنّ الغسل مستحب، وقال أبو الوليد بن رشد في كتاب القواعد: لما وقع الإجماع أنّ مجاوزة الختانين يوجب الحدّ وجب أن يكون هو الموجب للطهر، وحكوا أنّ هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الأربعة، وقال ابن القصار: أجمع التابعون، ومن بعدهم على الأخذ بحديث: إذا التقى الختانان. وإذا صحّ الإجماع بعد الخلاف كان مسقطا للخلاف قبله، ويصير ذلك إجماعا، وإجماع الأعصار حجة عندنا كإجماع الصحابة، قال النووي: ومنهم من حمل قوله: الماء من الماء على ما إذا باشرها دون الفرج، واختلف في الشعب الأربع، فقيل: هما اليدان والرجلان، وقيل: الرجلان والفخدان، وقيل: الرجلان والشفّران، واختار عياض نواحي الفرج.
قوله: ثم جهدها، قال ابن العربي: هو الجهد بفتح الجيم، قال الخطابي: يعني
حفرها، وقال غيره: بلغ مشقتها، وفي الإكمال: الأولى بلغ جهده في عمله فيها، وهو إشارة إلى الحركة، وقال ابن الأعرابي: الجهد من أسماء النكاح، وكذا ذكره ابن القطاع في كتاب أسماء النكاح من تأليفه.
قال القرطبي: وعلى هذا يكون جهدها أي: نكحها، وقوله: فلم يمن يقال: بضم الياء، وإسكان الميم، وهي اللغة الفصيحة، ويقال: بفتح الياء، وبضم الياء مع فتح الميم، وتشديد النون حكاه عياض، يقال: أمنى يمني: إذا أنزل المني قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} ، والله تعالى أعلم.
باب من احتلم، ولم ير بللا
15 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حماد بن خالد، عن العمري، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى بللا، ولم ير أنّه احتلم اغتسل، وإذا رأى أنه قد احتلم، ولم ير بللا، فلا غسل عليه.
هذا حديث خرجه أبو عيسى، عن أحمد بن منيع، ثنا حمّاد بن خالد بلفظ: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاما؟ قال: يغتسل.، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم، فلم يجد بللا؟ قال: لا غسل عليه، قالت أم سلمة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: نعم، إن النساء شقائق الرجال.
وقال: إنما روى هذا الحديث، وكذلك لما رواه أبو القاسم في الأوسط، من حديث مقدام بن داود، عن أبي الأسود، عن عروة والقاسم بن محمد عنها قال: لم يروه عن القاسم إلا عبيد الله بن عمر، وأبو الأسود تفرد به عن عبيد الله، أخوه عبد الله، وعن أبي الأسود ابن لهيعة. . انتهى. وهو كلام ملخص للترمذي؛ لأنّ بعضهم اعترض عليه برواية أبي الأسود، ولا يصلح ذلك؛ لأنّ قوله: تفرد به عبد الله
عن أخيه صحيح، ولو كان قال: تفرد به عبد الله مطلقا لجاز عليه الاعتراض بهذا، والله تعالى أعلم.
قال أبو عمر في الاستذكار: وقد روي هذا المعنى يعني: وجد الماء في النوم ملخصا من أخبار الآحاد العدول مرفوعا، رواه عبد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة بلفظ: إنما النساء شقائق الرجال.
ولما ذكره الإشبيلي ردّه بالعمري المتقدّم الذكر، ثم قال: وهذا اللفظ: إنّما النساء شقائق الرجال، قد روي من حديث أنس بن مالك بإسناد صحيح، وقرر ذلك أبو الحسن من فعله، وقال: والحديث المشار إليه ذكره البزار فقال: ثنا عمر بن الخطاب، ثنا محمد بن كثير، ثنا الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام؟! فقالت أم سلمة: فضحت النساء يا أم سليم فقال: إذا رأت ذلك فلتغتسل، فقالت أم سلمة: وهل للنساء من ماء؟ قال: نعم إنّما هن شقائق الرجال، قال: وهذا الحديث قد رواه جماعة، عن أنس، ولا نعلم أحدا جاء بلفظ إسحاق عن أنس، انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث تقريره كلام أبي محمد على صحة هذا الحديث، ولا صحة به؛ لأن راويه محمد بن كثير بن أبي عطاء الصنعاني الثقفي مولاهم المصيصي، قال أبو جعفر العقيلي: هو من ضعفاء دمشق، وقال أبو محمد بن الأكناني: هو من مصيصة دمشق، وأنكر ذلك بعض العلماء، وإن كان الحسن بن ربيع قال: هو اليوم أوثق الناس، وكان كتب عنه أبو إسحاق الفزاري، وكان يعرف بالخير، وسئل عنه ابن معين فقال: كان صدوقًا، وفي رواية: ثقة.
وقال ابن سعد: نشأ بالشّام ونزل المصيصة، وكان ثقة، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: يخطئ ويغرب.
وقال صالح بن محمد جزرة: هو صدوق كثير الخطأ، فقد قال فيه البخاري: لين جدا وضعّفه أحمد، وقال: بعث إلى اليمن وأتي بكتابه فرواه، وقال عبد الله بن أحمد: ذكره أبي فضعّفه جدا، وضعّف حديثه عن معمر جدا، وقال: هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة، وقال عبد الرحمن: سئل أبي عنه فقال: دفع إليه كتاب الأوزاعي من حديث كان مكتوبا، ثنا محمد ابن كثير فقرأه إلى آخره يقول: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، وهو محمد بن كثير المصيصي، وأنّه حدّثه عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر، وعمر. . . الحديث.
فقال: كنت أشتهي أن أرى هذا الشيخ، والآن لا أحب أن أراه؛ وكذلك قاله علي بن المديني في علله الكبرى، وقال ابن سعد: ويذكرون أنه اختلط في آخر عمره، وقال ابن عدي: له روايات عن معمر، والأوزاعي خاصة لا يتابعه عليها أحد، وقال العقيلي: وقد حدث عن معمر بمناكير لا يتابع منها على شيء، وذكره أبو العرب في كتابه الضعفاء له، وقال ابن سعد: توفي في أواخر سنة ست عشرة ومائتين في خلافة عبد الله بن هارون؛ وكذا قاله الحافظ أبو يعقوب القراب بعد تضعيفه، وزاد: لسبع عشرة مضت من ذي الحجة، زاد البخاري يوم السبت، وبنحوه ذكره ابن قانع في تاريخه ويعقوب بن سفيان، وخالف أبو داود فقال: فيما حكاه الآجري: مات سنة ثمان عشرة، أو سبع عشرة قال: ولم يكن يفهم الحديث، فتبيّن بهذا صحة
ما قلناه، والله تعالى أعلم.
قال أبو سليمان الخطابي: ظاهر الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى البلّة، وإن لم يتيقّن أنّها الماء الدافق، وروي هذا القول عن جماعة من التابعين منهم: عطاء، والشعبي، والنخعي، وقال أحمد بن حنبل: أعجب إلي أن يغتسل إلا رجل به أبردة، وقال أكثر أهل العلم: لا يجب عليه الاغتسال؛ حتى يعلم أنه بلل الماء الدافق، واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط، ولم يختلفوا أنّه إذا لم ير الماء، وإن كان قد رأى في النوم أنّه احتلم، فإنه لا يجب عليه الاغتسال.
وقوله: النساء شقائق الرجال أي نظائرهم، وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن يتفقن مع الرجال ولأن حواء خلقت من آدم عليه السلام.
وفيه من الفقه: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير.
وأنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء، وفيه ما دل على فساد قول أهل الظاهر: أنّ من أعتق شركا له في جارية بينه وبين شريكه، وكان موسرا؛ فإنه لا يقوم عليه نصيف شريكه، ولا تعتق الجارية؛ لأنّ الحديث إنّما ورد في العبد دون الأمة، والله تعالى أعلم.
باب ما جاء في الاستتار عند الغسل
16 -
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، وأبو حفص عمرو بن علي الفلاس، ومجاهد بن موسى، قالوا: أنبأ عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يحيى بن الوليد، أخبرني محل بن خليفة، حدثني أبو السمح قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل، قال: ولّني، فأولّيه قفاي، وأنشر الثّوب، فأستره به.
هذا حديث سبق الكلام على صحة سنده في باب بول الصبي الذي لم يطعم، وسبق أنّ البزار قال في ذاك: لا نعلم أبا السمح روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وذكر ابن ماجه بعده حديث أم هانئ في سبحة الضحى، وسيأتي ذكره في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
17 -
حدثنا محمد بن عبيد بن ثعلبة الحماني، ثنا عبد الحميد أبو يحيى الحماني، ثنا الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغتسلن أحدكم بأرض فلاة، ولا فوق سطح لا يواريه؛ فإن لم يكن يرى، فإنه يُرى.
هذا حديث جمع ضعفًا وانقطاعًا: عبد الحميد أبو يحيى الحماني، وإن وثّقه ابن معين، وخرج عند البخاري في صحيحه، وقال ابن عدي: يكتب حديثه، فقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل، وقال ابن سعد: كان ضعيفا، وشيخه الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي مولاهم أبو محمد الكوفي روى عن جماعة من التابعين، وروى عنه جماعة كثيرة، وإن كان عيسى بن يونس قال فيه: شيخ صالح، وقال الفلاس: رجل صالح، صدوق، وأثنى عليه يزيد بن هارون بما سنذكره بعد، فقد قال البخاري: قال لي أحمد بن سعيد: سمعت النضر بن شميل، عن شعبة قال: أفادني الحسن بن عمارة، عن الحكم، قال أحمد: أحسبه قال سبعين حديثا، فلم يكن لها أصل.
وقال لي عبد الله بن محمد: قيل لابن عيينة: أكان ابن عمارة يحفظ؟ فقال: كان له فضل، وغيره أحفظ منه، وسئل عنه عبد الله بن المبارك، فقيل: لم تركت حديثه؟ فقال: جرّحه عندي سفيان، وسفيان الثوري، وشعبة، فبقولهم: تركت حديثه، وفي تاريخ ابن المبارك: كان لا يحفظ، وفي لفظ: ما كنا نثق بحفظ الشيخ.
وقال أبو داود الطيالسي: قال لي شعبة: ائت جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن، فإنه يكذب، فقلت لشعبة: كيف ذاك؟ قال: ثنا عن الحسن بأشياء لم يكن لها أصل، ويحدّث بأحاديث وضعها.
وقال النضر بن شميل: قال الحسن: الناس كلّهم في حل إلا شعبة.
وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: هو متروك الحديث؛ أحاديثه موضوعة، لا يكتب حديثه، وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: لا يكتب حديثه، وقال ابن أبي خيثمة عنه: ليس حديثه بشيء، وفي رواية: يكذب.
وقال مكي بن عبدان: سمعت مسلما يقول: هو متروك الحديث، ومثله قاله الفسوي في تاريخه، وعلي بن الجنيد، والرازي، وقال عبد المؤمن بن خلف: سألت أبا علي صالح بن محمد عنه، فقال: لا يكتب حديثه.
وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: سمعت الحميدي يقول: دمر علي ابن عمارة.
وقال عبد الله بن علي بن المديني: سمعت أبي، وذكره فقال: ما أحتاج إلى شعبة فيه، أمره أبين من ذلك، فقيل له: كان يغلط؟ فقال: نعم، وذهب إلى أنه كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو أحمد: ما أقرب قصته
إلى ما قال عمرو بن علي: إنّه كثير الوهم والغلط، وقد قيل: إنّ الحسن كان صاحب مال، وتحول الحكم بن عتيبة إلى منزله، فخصه بما لم يخص به غيره، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وقال ابن حبان: كان يدلس عن الثقات بما يسمع من الضعفاء، ثم يسقط أسماء الضعفاء، ويروي عن الثقات.
وقال الساجي: ضعيف الحديث، متروك أجمعوا على ترك حديثه، سمعت ابن المثنى يقول: ما سمعت يحيى، ولا عبد الرحمن يحدثان عنه بشيء، ولما ولي المظالم قال الأعمش: ظالم ولي المظالم، فبعث إليه بأثواب ونفقة، فلما أصبح قال: هكذا ولي مظالمنا من يعرف حقوقنا، وقال ابن معين: كان ضعيفا في الحديث، وهو ممن لا يكتب حديثه، وقال الحربي: غيره أوثق منه، وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور: قال يزيد بن هارون: الويل لشعبة، والله إني لأخشى أن يكون قد لقي ذلا في الآخرة بما صنع بابن عمارة، وإن أهل بيت الحسن يدعون الله تعالى عليه حتى الساعة، وكان والله خيرا من شعبة، لو أني وجدت أعوانا لأسقطت شعبة، قال الحاكم: هذا كلام المشايخ الذين لا يعرفون الجرح والتعديل، فوالله إن شعبة كان على الحق في جرحه ابن عمارة، والحق معه، وشعبة إمام لا يسقط بكلام أحد من الناس، وهذا الكلام لا أعرف له راويا عن يزيد غير إبراهيم بن عبد الله الرباطي ويقال: الحمال، وقال الطحاوي: قال جرير بن عبد الحميد: ما ظننت أني أعيش إلى زمان يحدّث فيه عن محمد بن إسحاق، ويسكت فيه عن ابن عمارة، وقال البزار: سكت أهل العلم عن حديثه، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال الفلاس: كثير الخطأ والوهم متروك، وذكره أبو جعفر العقيلي في كتاب (الضعفاء)، وقال أبو بشر الدولابي: ثنا عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: كان وكيع إذا وقفه على حديث ابن عمارة قال: أجر عليه.
قال أبو بشر: وكان ابن عيينة يضعفه.
ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء قال: قال لي مالك بن عيسى: إنّ أبا الحسن الكوفي ضعف ابن عمارة وترك أن يحدّث عنه، وأما الانقطاع فهو فيما بين أبي عبيدة وأبيه، نصّ على ذلك شعبة، وعمرو بن مرّة، وأبو حاتم الرازي، وأحمد بن حنبل في رواية الحضرمي عن أبيه عنه، وقد تقدّم ذلك قبل، وفي الباب: حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل، ولا المرأة إلى عرية المرأة.
وحديث ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء وسترته فاغتسل. رواه أيضا مسلم، وحديث يعلى بن أمية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله جل وعز حيي ستير يحب الحياء والستر؛ فإذا اغتسل أحدكم، فليستتر.
روه أبو داود من جهة عبد الملك العرزمي، عن عطاء، عن صفوان، عن يعلى، عن أبيه، وعنه عن عطاء عن يعلى تاما.
وخرجه الإمام أحمد بلفظ: فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارى بشيء.
ولما سأل ابن أبي حاتم فقال: المتصل محفوظ؟ قال: ليس بذاك.
وفي كتاب الخلال، عن أحمد: هذا حديث منكر، وقال الدارقطني: أنا أنكره؛
لأنهم رووه، عن عطاء مرسلا، ووصله أسود، وحديث أبي هريرة قال عليه السلام: إذا اغتسل أحدكم بفضاء من الأرض، فمن استطاع أن لا يغتسل بفضاء من الأرض، فإن كان لا بد فاعلا فليخط خطا.
قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه من حديث الزهري عن أبي سلمة عنه، لا يروى هذا الحديث عن الزهري إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد المجيد بن أبي رواد يعني: عن مروان بن سالم، عن محمد بن عقيل، عن الزهري.
وحديث عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات، ثم رخّص للرجال أن يدخلوها في الميازر.
ورواه أبو داود بسند جيد، وإن خالف عبد الحق.
وحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها: الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر.
ذكره أيضا من حديث الإفريقي، عن عبد الرحمن بن رافع عنه، وحديث طاوس، عن ابن عباس قال عليه السلام: احذروا بيتا يقال له: الحمام، قالوا: يا رسول الله، ينقي الوسخ! قال: فاستتروا.
رواه البزار، وقال عبد الحق: هو أصح حديث في هذا الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس، وأما ما أخرجه أبو داود في هذا، فلا يصح منه شيء؛ لضعف إسناده.
وحديث ميمونة قالت: وضعت للنبي عليه السلام ماء فسترته فاغتسل ذكره السراج في مسنده بإسناد صحيح عن إسحاق بن إبراهيم، أنبأ موسى القارئ، ثنا
زائدة، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس عنها.
وحديث ابن عباس قال: كان عليه السلام يغتسل من وراء الحجرات فما رأى عورته أحد قط، وفي لفظ: إن الله نهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم: الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين: الغائط والجنابة والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء، فليستتر بثوبه، أو بجدر حائط.
رواه أيضا من حديث حفص بن سليمان المكتب عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد، وحديث أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم أن يدخل الماء لا يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء، رواه أحمد من حديث ابن جدعان عنه وهو معارض بقوله عليه السلام: لا تدخلوا الماء إلا بمئزر، فإن للماء عامرا ذكره أبو أحمد في كامله وضعفه، وروي عن ابن وهب، عن ابن مهدي، عن خالد بن حميد، عن بعض أهل الشّام أنّ ابن عباس لم يكن يغتسل في بحر، ولا نهر إلا وعليه إزار، فإذا سئل عن ذلك قال: إن له عامرا.
وحديث الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتسلوا في الصحراء، إلا أن لا تجدوا متوارى، فإن لم تجدوا فليخط أحدكم كالدائرة، ثم يسمي الله ويغتسل فيها رواه أبو داود في كتاب المراسيل، وبسنده أيضا قال عليه السلام: لا يغتسلن أحدكم إلا وقربه إنسان لا ينظر أحد وهو قريب منه يكلمه.
وحديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن
جده يرفعه: إذا اغتسل أحدكم، فليستتر بجذم حائط.
رواه السلمي في كتاب الطبقات من حديث الدوري، عن محمد بن يوسف الأشيب، نا عاصم، ثنا عبد السلام عنه.
وحديث برد عن مكحول، عن عطية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: من اغتسل بليل في فضاء فليحاذر على عورته، ومن لم يفعل فأصابه لمم، فلا يلومن إلا نفسه. ذكره ابن بطال.
وحديث أبي هريرة من عند الشيخين مرفوعا: وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده. . . الحديث، وفي موضع آخر: كان موسى عليه السلام حييا ستيرا لا يكاد أن يرى من جلده شيء.
ولقائل أن يقول: اغتسال موسى عليه السلام عريانا كان في خلوة تخفي عورته على بني إسرائيل حتى رأوه عريانا فبرأه الله مما قالوا، ويزيد وضوحا ما روى البخاري: أن أيوب عليه السلام كان يغتسل عريانا وهما من الذين أمر الله أن يقتدى بهم، فيجوز أن نغتسل عراة في خلوة لما ثبت في هذين الحديثين، وما أسلفناه من الأحاديث في أنه لا يغتسل عريانا في خلوة تحمل على الاستحباب، أو ترد لإرسالها وضعف سندها، وبهذا قال: مالك، والشافعي وجمهور العلماء إلا ابن أبي ليلى محتجا بما قدّمناه، كذا ذكره ابن بطال، وفيه نظر لما ذكره أبو البركات عبد
السلام بن تيمية: وقد نص أحمد على كراهية دخول الماء بغير إزار، قال إسحاق: والأزر أفضل لقول الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - وقد قيل لهما في دخولهما الماء وعليهما بردان، فقالا: إن للماء سكانا، قال إسحاق: وإن تجرّد رجونا ألا يكون إثما.
وحديث جابر، عن النبي عليه السلام: لا تدخلوا الحمام إلا بمئزر قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: الحسن بن بشر روى عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر حديثين منكرين ذكاة الجنين،، ولا تدخلوا الحمام إلا بمئزر فقلت له: هما عند حماد بن شعيب، عن أبي الزبير، فقال: حماد ضعيف.
وحديث حيان بن ضمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهينا أن نري عوراتنا.
ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث معاذ بن حسان، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن من حدّث سعدا عنه، ثم قال: أمّا هو حيان بن صخر صحف به عند عبدان وغيره.
باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي
18 -
حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أحدكم الغائط، وأقيمت الصلاة فليبدأ به.
هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه من حديث مالك، عن هشام بلفظ: إذا وُجِدَ الْغَائِطُ فَلْيَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وخرجهُ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ، عَنْ هِشَامٍ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ الشَّيْخِينِ، ولم يُخْرِجَاهُ وَلَهُ شُهُودٌ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، فذكر حَدِيثَ ثَوْرٍ، عَنْ يَزِيدِ بْنِ شُرَيْحٍ، عن أبي هريرة.
وحديث عائشة المذكور في الصحيح، ولا معنى لذكره عنده بإسناده، إلا أن يكون وَهِمَ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ التنبيه عليه لذكره مقطوعا كعادته، وقال في موضع آخر: هذا حديث صحيح من جملة ما قدّمت ذكره من تفرد التابعي عن الصحابة، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وقال في العلل: سألت محمدا عنه فقال: رواه وهب، عن هشام، عن أبيه، عن رجل، عن ابن الأرقم، فكان هذا أشبه عندي.
قال أبو عيسى: رواه مالك وغير واحد من الثقات عن هشام، عن أبيه، عن ابن الأرقم لم يذكروا فيه: عن رجل، وفي سنن أبي داود: روى وهيب بن خالد
وشعيب بن إسحاق، وأبو ضمرة هذا الحديث عن هشام، عن عروة، عن رجل حدّثه، عن ابن الأرقم، وأكثر الذين رووه، عن هشام قالوا كما قال زهير يعني: بسقوط الرجل، وقال أبو نعيم الحافظ: رواه السختياني، والثوري، وشعبة والحمادان، ومعمر، وابن عيينة، وابن إسحاق، وهمام، وزهير، وزائدة، ومرجى بن رجاء، وأبو معاوية، وحفص، وابن نمير، وأبو مسهر، ووكيع، وأبو أسامة، ومحمد بن بشر، وعبدة، وأبو ضمرة في آخرين مثله عن هشام، ورواه وهيب، وشعيب بن إسحاق، وابن جريج في بعض الروايات عنه فقالوا: عن رجل.
قال: ورواه أيضا أبو الأسود، عن عروة بلفظ: إذا حضرت الصلاة، وكان بأحدكم الغائط فليبدأ به، ثم ليصل بعد، ولا يأت الصلاة وهو يدافع.
رواه عن سليمان، نا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود به.
وخرجه إمام الأئمة في صحيحه من حديث أيوب، عن هشام بغير واسطة، ولفظه عن عبد الله بن أرقم، وكان يؤم قومه فجاء وقد أقيمت الصلاة، فقال: ليصل أحدكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حضرت الصلاة وحضر الغائط فابدءوا بالغائط.
ورواه أبو علي في أحكامه عن محمد بن عبد الله المقرئ، عن ابن عيينة بلفظ: وكان يؤم أصحابه في سفر إلى مكة فأقيمت الصلاة.
وصححه ورجحه أبو حاتم الرازي في كتاب العلل وصححه أيضا ابن حزم، وفي التمهيد لم يختلف عن مالك في إسناده ولفظه، واختلف فيه عن هشام وتابع مالكا جماعة، وقال البزار: لا نعلم ابن أرقم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا، ورواه بغير واسطة أبو القاسم في الأوسط من حديث زافر بن سليمان، عن الثوري، وقال: لم يروه عن
زافر إلا عبد الله بن أبي غسان، ومن حديث قيس بن سعد، عن هشام، وقال: لم يروه عن قيس إلا جرير بن حازم، ولا عن جرير إلا ابنه وهب تفرد به محمد بن عبد الحكيم العبدي، وأما ما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب الأطراف من قوله: رواه ابن ماجه في كتاب الصلاة عن محمد بن الصباح، أنبأ أبو يوسف، وقرره على ذلك المزي فيشبه أن يكون وهما منهما لما أسلفناه، ولأني لم أر لهذا في كتاب الصلاة ذكرا، والله تعالى أعلم.
19 -
حدثنا بشر بن آدم، ثنا زيد بن الحباب، نا معاوية بن صالح، عن السفر بن نسير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن.
هذا حديث إسناده صحيح على شرط ابن حبان، يزيد بن شريح روى عنه حبيب بن صالح، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وأبو الزاهرية، وثور بن يزيد الكلاعي، ويزيد بن أيهم الحمصي.
قال بقية بن الوليد: هو من صالحي أهل الشام، ووثقه ابن حبان، وقد تقدّم تصحيح الحاكم إسناد حديثه، ولفظه عند أبي الحسن: لا يدخل بيتا إلا بإذن، ولا يؤمن إمام فيخص نفسه بالدّعاء دونهم.
والراوي عنه أظن أن فيها سقط، فتحتاج إلى تحقيق روى عنه عبد الله بن رجاء الشيباني أيضا، وإن كان الدارقطني قال: لا يعتبر به، فقد وثّقه ابن حبان، وباقي من فيه حديثهم في الصحيح، وأما قول الدارقطني: وسئل عنه خالفه يعني السفر: ثور بن يزيد، فرواه عن يزيد بن شريح، عن أبي حي يعني المؤذّن عن ثوبان عن النبي عليه السلام، والله تعالى أعلم بالصواب، فليس ترجيحا لأحد القولين على الآخر، ولو رجّح أحدهما على الآخر قلنا: يحتمل أن يكون يريد عنده في هذا حديثان، وأما ترجيح أبي عيسى حديث أبي
حي على حديث السفر بقوله إثره: وقد روي هذا عن معاوية بن صالح، عن السفر، عن يزيد، عن أبي أمامة، وروي عن يزيد بن شريح، عن أبي هريرة، وحديثه عن أبي حي أجود إسنادا وأشهر، فليس حكما منه على حديث معاوية بضعف، ولا وهن كأنه قال: هما جيّدان، وأحدهما أجود من الآخر، هذا موضوع اللغة والعرف، ولكن لا جودة لإسناد الترمذي لكونه من حديث إسماعيل بن عياش، وإن كان من حديثه عن الشّاميين، وقد قدّمنا ذكر من جوّد هذا الحديث، وسيأتي تكملة إن شاء الله تعالى.
20 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن إدريس الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقوم أحدكم إلى الصلاة وبه أذى.
هذا حديث رواه أبو داود مطولا عن محمود بن خالد، ثنا أحمد بن علي، ثنا ثور، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفّف، قال: ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل، فقد خانهم.
وقال: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد.
وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث شعيب بن إسحاق، عن ثور، عن يزيد، عن أبي هريرة مختصرا، وصحح إسناده كما تقّدم، وفي الاستذكار زيادة وهو حاقن جدا.
قال أبو عمر: هو حديث ضعيف لضعف إسناده منهم من يجعله عن
أبي هريرة ومنهم من يجعله عن ثوبان، وأظن أبا عمر إنما رده للجهالة بحال أبي حي المؤذن، ويوضح ذلك ما قاله في التمهيد وروى يزيد بن شريح، عن أبي حي، عن أبي هريرة. . . الحديث.
وهو خبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث.
وحديث عبد الله المبدأ بذكره صحيح الإسناد على شرط الشيخين، والعجب من أبي عيسى كيف يحكم على حديث ابن عياش بالجودة على هذا؟! اللهم، إلا أن يريد حديث يزيد عن أبي حي وهو الأشبه، والله أعلم.
وفي الباب: حديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي وهو يجد في بطنه شيئا.
ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي معشر - يعني عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها - إلا محمد بن بكار بن الريان.
وحديث المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلين أحدكم وهو يجد من الأذى شيئا. يعني: الغائط والبول.
رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عنه قال: لم يروه عن الزهري إلا ابن أخيه محمد بن عبد الله تفرد به الواقدي.
وحديث أبي موسى موقوفا: لا يدافعن أحدكم الغائط والبول.
قال ابن أبي حاتم: أباه عنه، وأن أبا بكر بن عياش رواه عن سليمان التيمي، عن أسلم أبي مراية، قال: قعد أبو موسى يحدثنا، فذكره.
فقال: أبو بكر يخطئ في هذا الحديث، وإنما هو أسلم العجلي، عن أبي مراية قال: جعل أبو موسى يعلّم الناس سننهم ودينهم، فقال: ولا يدافعن أحدكم في بطنه غائطا، ولا بولا، فذكره مطولا.
أنبأ به الشيخان فخر الدين عثمان ونور الواني قراءة عليهما.
أنبأ عبد الرحمن بن مكي قراءة عليه، أنا جدي الحافظ قراءة عليه، أنا أبو القاسم محمد بن محمد بن مخلد قراءة عليه، أنبأ أبو علي الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا ابن علية، فذكره.
وحديث عمران القطان، عن هشام، عن أبيه قال: أقام عبد الله بن عمر ذات يوم الصلاة، فقال لرجل من القوم: تقدّم فصلّ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان بأحدكم رز فليتوضأ.
ذكره أيضا، وقال: لم يروه عن عمران إلا محمد بن بلال.
وحديث ثوبان عند أبي داود، من حديث حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي عنه بنحو حديث أبي هريرة، وقال فيه الترمذي: حسن.
وقال في كتاب التفرد: الذي تفرد من هذا الحديث أن يخص نفسه بالدعاء.
ورواه ثور، عن يزيد عن أبي حي، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام، ورواه معاوية بن صالح، عن السفر، عن يزيد، عن أبي أمامة.
وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصل أحدكم وهو يدافع الأخبثين.
وذكر أبو عمر في التمهيد: أنه روى عن مالك، عن الزهري عنه مناكير، وهو
حديث لا أصل له من حديث مالك وهو باطل موضوع الإسناد.
وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: من وجد في بطنه رزا فلينصرف حتى يفرغ من حاجته، ثم يعود إلى صلاته.
ذكره الإمام أحمد في مسنده، وقال أبو حاتم: أنا أرضى أن يكون هذا من كلام علي موقوف.
وقال أبو القاسم: لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد تفرّد به ابن لهيعة.
وحديث سلمان قال: من وجد في بطنه رزا من بول، أو غائط فلينصرف غير متكلم، ولا داع.
ذكره ابن أبي حاتم، عن أبيه، قال: وقال: هو إسناد مقلوب، قال أبو عمر: اختلف العلماء فيمن صلى وهو حاقن، فقال ابن القاسم عن مالك: إذا شغله ذلك فصلى كذلك، فإني أحبّ أن يعيد في الوقت وبعده.
وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وعبيد الله بن الحسن: يكره أن يصلي وهو حاقن، وصلاته مع ذلك جائزة، وإن لم يترك شيئا من فرائضها.
وقال الثوري: إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا، وانصرف.
وقال الطحاوي: لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم يستحب له الإعادة، وكذلك إذا شغله البول.
قال أبو عمر: أحسن شيء روي مسندا في هذا حديث ابن أرقم، وحديث عائشة يعني: لا يصلي أحدكم بحضرة طعام، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال: وحديث ابن حي المؤذن - إن صحّ - كان معناه حاقنا جدا لم يتهيأ له إكمال صلاته على وجهها. . انتهى، قد أسلفنا قبل من عنده لفظة:(حاقن جدا)، فلا حاجة إلى التخرص.
وعن ابن عباس قال: لأن أصلي وهو في ناحية ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه، ذكره الترمذي، وجاءت فيه رخصة عن النخعي وطاوس.
قال أبو عمر: الذي نقول به أنه لا ينبغي لأحد أن يفعله، فإن فعله، وسلمت له صلاته أجزأت عنه، وبئس ما صنع، والله تعالى أعلم.
باب ما جاء في المستحاضة التي قد
عدّت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم
21 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد قالا: ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة قالت: سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أستحاض، فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، ولكن دعي قدر الأيام والليالي التي كنت تحيضين قال أبو بكر في حديثه: وقدرهنّ من الشّهور، ثم اغتسلي، واستثفري بثوب وصلّي.
هذا حديث ظاهر إسناده صحيح لا علّة فيه، وذاك أوقع المنذري حتى سكت عنه، ولم يتكلّم إلا على رواية: إذا خلفت ذلك، وحضرت الصلاة فلتغتسل.
قال: وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول، وما علم غفر الله له، أن الحديث كله معلول بما رمى به هذه الرواية، لا سيما وهو على كتاب أبي داود يتكلم، وأبو داود هو المعلل للحديث نبيّن لك ذلك؛ بسوق لفظه، ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي.
ثنا قتيبة، ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب، ثنا الليث بن سعد، عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن رجلا أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم، فذكر معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل.
ثنا عبد الله بن سلمة، ثنا أنس يعني: ابن عياض، عن عبيد الله عن نافع، عن سليمان
ابن يسار، عن رجل من الأنصار: أن امرأة كانت تهراق الدم، فذكر معنى الليث قال: فإذا خلفتهن وحضرت الصلاة فلتغتسل. وساق معناه، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي، ثنا صخر بن جويرية، عن نافع بإسناد الليث بمعناه، قال: فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة: فلتغتسل، ولتستذفر بثوب، ثم تصلي.
ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ثنا أيوب، عن سليمان، عن أم سلمة بهذه القصة قال فيه: فلتدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك وتستذفر بثوب، وتصلي.
قال أبو داود: سمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد، عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش فهذا كما يرى أبو داود من أن الحديث من طرقه كلها منقطع فيما بين سليمان، وأم سلمة، وأنه لم يسمعه منها فتخصيص بعض ألفاظه بعلة هي شاملة له كله لا وجه له، والله أعلم.
وهذا هو الاصطلاح الحديثي، فإن الحكم للزائد؛ ولهذا، فإن أبا عمر لما ذكر حديث مالك قال: رواية الليث هي الصواب.
وقال البيهقي: هذا حديث مشهور أودعه مالك في الموطأ، إلا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة.
وقال الطحاوي: هو حديث فاسد الإسناد لم يسمعه سليمان من أم سلمة، إنما حدثه عنها به رجل مجهول.
وفي علل الدارقطني: رواه عبيد الله، ومالك، عن سليمان، عن أم سلمة، ورواه موسى بن عقبة، وابن أخيه، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن نافع عنه أن رجلا أخبره، عن أم سلمة، ورواه إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة عن نافع عنه، عن مرجانة، عن أم سلمة، وقال صخر بن جويرية، عن نافع عنه عمن لم يسمه، عن أم سلمة.
ورواه ابن أرطأة، عن نافع عنه مرسلا.
ورواه حماد بن زيد، وابن علية، عن أيوب عنه أنّ فاطمة لم تذكر أم سلمة.
ورواه قتادة عنه أن فاطمة بنت أبي حبيش أسنده عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سننه رواه عبد الوارث، عن أيوب عنه بغير واسطة قال: ورواه وهيب، عن أيوب كذلك، وكذا ذكره ابن الحصار في تقريب المدارك.
وأمّا قول الدارقطني: عن صخر عمن لم يسمه بعد قوله: ورواه ابن عقبة، وابن أخيه، عن رجل مميزا بين اللفظين، وإن كان لفظهما واحدا، فقد وقع لنا حديث صخر في كتاب مسائل عبد الله لأبيه أحمد، ثنا ابن مهدي، عن صخر بن جويرية، عن نافع، عن سليمان: أنه حدّثه رجل عن أم سلمة، فذكره، وبنحوه ذكره ابن الجارود.
وأما قوله: عن موسى أدخل في حديثه عن نافع رجلا، فقد أبى ذلك أبو العباس السراج، فذكره في مسنده عن إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي قرة: أذكر موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة الحديث فأقر به، وقال: نعم، كذا نقله من أصلنا الذي هو بخط ابن الحبال الحافظ واستظهرت مشيخة أخرى قديمة، والذي في سنن أبي قرة السكسكي كما قاله الدارقطني، والله تعالى أعلم.
قال البيهقي: وحديث هشام، عن أبيه، عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش أصح من هذا، يعني: قول أبي داود وسمى حماد المرأة فاطمة، قال البيهقي: وفيه دلالة على أنّ المرأة التي استفتت لها أم سلمة غيرها، ويحتمل إن كانت تسميتها صحيحة في حديث أم سلمة أنّها كانت لها حالتان في مدة استحاضتها حالة تميز فيها بين الدمين، وحالة لا تميز فيها بين الدمين، وروى أبو سلمة هذا الحديث عنها دون التسمية، أنبأ أبو عبد الله، ثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ إسماعيل بن إسحاق، ثنا
إسحاق بن محمد الفروي، ثنا عبد الله بن عمر، عن أبي النّضر، عن أبي سلمة عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المستحاضة: تنظر عدد الأيام التي كانت تحيضهن، ثم تغتسل، وتصلي.
وبنحوه قاله الخزرجي في كلامه على الموطأ، وذكر القشيري: أنّ أسد بن موسى رواه عن الليث كرواية مالك، ورواه أسد أيضا عن أبي خالد الأحمر، عن ابن أرطأة، عن نافع كذلك، وهو مخالف لما أسلفناه عن حجاج من عند الدارقطني، وأما اقتصار الدارقطني أنّ مالكا، وعبيد الله روياه عن نافع، عن سليمان عنها، فقد ذكر ابن الجارود: أنّ يحيى بن سعيد وغيره تابعوا مالكا، وعبيد الله، وذكر ابن وهب في مسنده: ثنا مالك، والليث بن سعد، وابن سمعان، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، فذكره، وذكر الحربي في علله: أنّ تسعة من أصحاب نافع رووه، فأدخل ليث وجويرية بن صخر، وموسى بن عقبة بين سليمان، وأم سلمة رجلا مجهولا، ولم يذكر هذا الرجل عبيد الله، ومالك وحجاج وجرير، ورواه أيوب عن سليمان ورواه عن أيوب خمس لم يقل عن أم سلمة - إلا وهب، وابن أبي عروبة - وأرسله الباقون، ولم يسمعه سليمان من أم سلمة بينهما رجل مجهول لم يسم، إلا أنهم ذكروا الأقراء، وجعلوه حيضا، وذكروا الأسفار، وأما قول ابن ماجه: وقال أبو بكر في حديثه إلى آخره، فقد أخلّ من حديثه بشيء وذلك أنه رواه في المصنف والمسند عن ابن نمير، وأبي أسامة، ثم قال: إلا ابن نمير، فإنه قال: إنّ أم سلمة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: امرأة تهراق الدم؟ فقال: تنظر قدر الأيام والليالي التي كانت تحيض، أو قدرهن من الشهر، ثم ذكر مثل حديث أبي أسامة.
22 -
حدثنا علي بن محمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي
حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: إنّما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فاجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي، وتوضئي لكل صلاة، وإن قطر الدّم على الحصير.
23 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسماعيل بن موسى، ثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن عديّ بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة، وتصوم، وتصلي.
هذان الحديثان لماّ خرجهما أبو داود قال: وحديث عدي، والأعمش، عن حبيب، وأيوب أبي العلاء يعني: عن ابن شبرمة، عن امرأة مسروق، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث حبيب كلها ضعيفة لا تصحّ، ودلّ على ضعف حديث الأعمش، عن حبيب؛ أنّ هذا الحديث أوقفه حفص بن غياث، وأنكر حفص بن غياث حديث مرفوعا، وأوقفه أيضا أسباط، عن الأعمش موقوفا على عائشة، ورواه أبو داود، عن الأعمش مرفوعا أوّله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كلّ صلاة، ودلّ على ضعف حديث حبيب هذا أنّ رواية الزهري عن عروة، عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة، وروى أبو اليقظان، عن عدي، عن أبيه، عن علي، وفي كتاب ابن العبد: ورواه أبو اليقظان عن أبيه وهو ضعيف جدا، وعمار مولى بني هاشم، عن ابن عباس، وروى عبد الملك بن ميسرة، وبيان، ومغيرة، وفراس، ومجالد عن الشعبي حديث قمير، عن عائشة: توضأ لكل صلاة. ورواه داود، وعاصم عن الشعبي، عن قمير، عن عائشة: تغتسل كل يوم.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وهذه الأحاديث كلها ضعيفة، زاد ابن العبد أحاديث الوضوء إلا حديث قمير، وحديث عمار مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة، عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس: الغسل، وفي موضع
آخر: قال يحيى بن سعيد لرجل: احك عني أنّ هذا الحديث لا شيء، يعني حديث حبيب، عن عروة، ولما خرج أبو عيسى حديث عدي، قال: هذا حديث تفرد به شريك، عن أبي اليقظان، وسألت محمدا عن هذا الحديث؟ فقلت: جدّ عدي ما اسمه، فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت له قول يحيى بن معين أنّ اسمه دينار، فلم يعبأ به، وقال في التاريخ الأوسط: حديث عدي، عن أبيه، عن جدّه، وعن أبيه، عن علي في المستحاضة لا يصح، وقال أبو زرعة النصري في تاريخ دمشق: عمرو بن أخطب هو جدّ عدي بن ثابت، ومحمد بن ثابت، وقال في العلل: سألت محمدا عنه؟ فقال: لا أعرفه إلا من هذا الوجه، وقلت: قال ابن معين: هو عدي بن ثابت بن دينار، فلم يعرفه، ولم يعدّه شيئا.
وفي كتاب الاستيعاب: دينار الأنصاري انفرد بالرواية عنه ثابت وهو جدّ عدي بن ثابت، حديثه في المستحاضة يضعفونه.
وفي كتاب الطوسي: جدّ عدي مجهول لا يعرف، ويقال اسمه دينار، ولم يصح، وقال الحافظ ضياء الدين: وقد ضعف غير واحد هذا الإسناد لأجل أبي اليقظان، وفي كتاب الطهارة لابن أبي داود: حديث عدي بن ثابت معلول، وفي أفراد الدارقطني: تفرد به شريك عنه، وفي إيضاح الأشكال لأبي الفضل المقدسي، أنبأ أبو سعد، أنبأ البرقاني، قال: قلت لأبي الحسن: شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه كيف هذا الإسناد؟ قال: ضعيف. قلت: من جهة من؟ قال: أبو اليقظان ضعيف، قلت: فيترك؟ قال: لا يخرج رواه الناس قديما، قلت له: عدي بن ثابت، ثابت ابن من؟ قال: قد قيل: ابن دينار.
وقيل: إنه يعني جدّه أبا أمّه عبد الله بن يزيد الخطمي، ولا يصح من هذا كلّه شيء، قلت: فيصح أنّ جدّه أبا أمّه هو عبد الله بن يزيد الخطمي؟ قال: كذا زعم ابن معين. . انتهى كلامه.
ويفهم منه تفرد ابن معين بما ذكره، وليس كذلك لمتابعته على قوله، فمن ذلك أنّ ابن حبان لما ذكره قال عدي بن ثابت الأنصاري: يروي عن البراء، وأبي أمه عبد الله بن يزيد، وقال ابن أبي حاتم: عدي بن ثابت الأنصاري وجده أبو أمّه عبد الله بن يزيد، ومعهما على ذلك غير واحد. منهم الباجي، والكلاباذي، وأما قول ابن الجنيد فيما ذكره أبو موسى المديني في كتاب الصحابة من تأليفه عندما ترجم لابن ثابت، وقال: هو عدي بن ثابت بن عازب ابن أخي البراء بن عازب، فلم يصنع شيئا؛ لأنه لم يجد له متابعا، ولأنّ جماعة كثيرة في بني ظفر من ولد قيس بن الخطيم الشّاعر كذا ذكره الكلبي، وأبو عبيد بن سلام، وابن حزم، وأبو عمر والمبرد، وغيرهم.
وزعم أبو نعيم الحافظ: أن اسم جده قيس الخطمي، وهو على مخالفة الجم الغفير، أقرب إلى الصواب، وأما ذكره الحافظ المنذري من أنّه لا يعلم جدّه قال: وكلام الأئمة يدل على ذلك فغير صواب.
وأمّا ما قاله الحافظ الدمياطي أنّ صوابه عدي بن أبان بن ثابت فلعمري يحتمل أن يكون جيدا لولا قول ابن سعد في كتاب الطبقات، وولد ثابت بن قيس بن الخطيم أبانا، وأمه أم ولد، وعمرا، ومحمدا، ويزيد قتلوا يوم الحرة جميعا، وليس لهم عقب، فهذا كما ترى ابن سعد جزم بأن أبانا لا عقب له، وبمثله ذكره ابن الكلبي في جمهرة الجمهرة، ثم ذكر ابن سعد عديًّا في طبقات الكوفيين، وسمى أباه ثابتا كالجماعة.
وخرج ابن ماجه حديثا في كتابه الصلاة، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه، وقال: أرجو أن يكون متصلا، وبهذا قال الحربي في كتاب العلل ليس لجد
عدي بن ثابت صحبة، وقال البرقي في تاريخه: لم نجد من يعرف جدّه معرفة صحيحه، ذكر بعضهم أنّه عدي بن ثابت بن قيس بن الخطمي، وقيس لا يعرف له إسلام، وقيل: إنّ جدّه لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي، كذا جاء في الحديث، ولا ينبغي أن ينسب إلى جدّه لأمّه، فينبغي أن يوقف وينسب ويترك الحديث على ما روي، والله تعالى أعلم.
ولا معدل عن هذه الأقوال إلا بقول مبين لا يتطرّق إليه الاحتمال، ويشبه أن يكون الموضح له روايته عن أبيه، عن جدّه، وجدّه على هذا يكون قيسا الشاعر، ولم يسلم وهو أيضا عدي، لكن يعارضه قول ابن سعد المذكور، وأبي عمر: لا أعلم لثابت هذا رواية، ويؤيّده عدم وجداني أبانا في كتاب من الكتب مذكورا، والذي يتجه من هذه الأقوال على ما فيه قول أبي نعيم، أو قول ابن معين كلاهما، ولأن قيسا الخطمي معروف في الصحابة ويعرف بجد عدي، وكذلك دينار فيما ذكره أبو عمر، وابن قانع، وابن أبي حاتم الرازي.
وفي كتاب الحيض لأحمد: أنبأ شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي، عن أبيه، عن علي مثله.
وكذا هو في كتاب المصنف، وفي سؤالات مهنأ: سألت أبا عبد الله عن حديث الأعمش، عن حبيب، عن عروة في المستحاضة، فقال: ليس بصحيح، قال قلت: من قبل من الخطأ؟ قال: من قبل الأعمش؛ لأن حبيبا لم يحدّث عن عروة بن الزبير بشيء.
قال: قلت لأحمد: قال يحيى بن سعيد هو شبه لا شيء، قال: نعم هو كذلك، وقال الدوري: سمعت يحيى قال أبو بكر بن عياش: ما بالكوفة إلا ثلاثة أنفس: حبيب، وحماد بن أبي سليمان قلت ليحيى: حبيب؟ قال: نعم. إنّما روى حديثين أظن يحيى يريد منكرين يعني المستحاضة والقبلة، وفي كتاب السنن الكبير للبيهقي، وأما رواية حبيب في شأن فاطمة، فإنها ضعيفة، وقال في
المعرفة: وهذا حديث ضعيف ضعّفه يحيى بن سعيد القطّان، وابن المديني، وابن معين، وسفيان الثوري، وحبيب لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا، وقد تقدم في باب القبلة من أمر هذا الحديث شيء كثير، وأنّ أبا داود أثبت لحبيب سماعا من عروة بن الزبير، ويزيد ذلك وضوحا أن البزار ذكر هذا والقبلة في باب عروة بن الزبير عن عائشة، وكذا نسبه وكيع عند ابن ماجه، عن الأعمش، وإن ثبت هذا فيكون إسناده صحيحا على شرط الشيخين، وأصله في الصحيحين بلفظ: إن فاطمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أستحاض، فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا إنّ ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي.
وفي لفظ: إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي.
وذكر الدارقطني أنّ محمد بن عمرو بن علقمة رواه عن الزهري، فأتى به بلفظ أغرب فيه، وهو قوله: إن دم الحيض دم أسود يعرف.
وفي كتاب المسائل لعبد الله قال: سمعت أبي يقول: كان ابن أبي عدي ثنا بهذا عن عائشة، ثم تركه بعد، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال أبو حاتم: لم يتابع ابن عمرو على هذه الرواية.
وقال ابن القطان: وهذا فيما أرى منقطع، وذلك أنه حديث انفرد بلفظه محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة عن فاطمة أنها كانت تستحاض. فهو على هذا
منقطع؛ لأنّه قد حدّث مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه، عن عائشة فيما بين عروة وفاطمة فاتصل، فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة، أعني أن يحدّث به من حفظه مرسلا ومن كتابه متصلا، فأمّا هكذا فهو موضع نظر، وأبو محمد إنّما ساق الرواية المنقطعة؛ فإنه ساقه عن فاطمة فالمتصلة إنما هو عن عائشة أنّ فاطمة، وإذا نظر في هذا في كتاب أبي داود تبيّن منه أنّ عروة إنّما أخذ ذلك عن عائشة لا من فاطمة هذا، ولو قدرنا أنّ عروة سمع من فاطمة، وقد يظن به السماع منها لحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن عبد الله عن المنذر، عن عروة أنّ فاطمة حدّثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها: إنما ذلك عرق. . . الحديث.
وهذا لا يصح منه سماعه منها؛ للجهل بحال المنذر، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: مجهول ليس بالمشهور، ذكره هكذا أبو داود وهو عند غيره معنعن لم يقل فيه إنّ فاطمة حدّثته، وكذلك حديث سهل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة قال: حدثتني فاطمة أنها أمرت أسماء، أو أسماء حدثتني أنها أمرت فاطمة. . . الحديث.
فإنه مشكوك في سماعه إياه من فاطمة، أو من أسماء، وفي متن الحديث ما أنكر على سهل وعد مما ساء فيه حفظه وظهر أثر تغيره عليه، وكان قد تغيّر وذلك أنه أحال على الأيام، وذلك أنّه قال: فأمرها أن تقعد التي كانت تقعد، والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم والقرء، وعن عروة فيه رواية أخرى لم يشك فيها بأن التي حدّثته هي أسماء رواها عليّ بن عاصم، عن سهيل عند الدارقطني فترى قصتها إنّما يرويها عروة إما عن عائشة وإمّا عن أسماء، وقد قلنا: إنه ولو صح أنّ عروة [سمع من فاطمة لم ينفع ذلك في الحديث الأول لإدخال عروة] بينها وبينه فيه عائشة، وزعم ابن حزم أنّ عروة أدرك فاطمة، ولم يستبعد أن يسمعه من خالته ومن
ابنة عمه، وهذا عندي غير صحيح، ويجب أن يزاد في البحث عنه، وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد،، وعروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، فهي في قعدد الزبير. . انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث عصبه الجناية برأس سهيل في الإحالة على الأيّام، وليس هو بمنفرد بذلك، لما في صحيح البخاري: ثنا أحمد بن أبي رجاء، ثنا أبو أسامة سمعت هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة أنّ فاطمة سألت، وفيه: فدعي الصلاة قدر الأيّام التي كنت تحيضين فيها. . . الحديث.
فهذا كما ترى الإحالة على الأيام من غير روايته، فلا تَدَخُّلٌ لسهيل في هذا السند، وأما مشاححته ابن حزم، فليست جيدة؛ لأنه لم يرد الحقيقة ليحررها والمجاز لا مشاحة فيه، والله تعالى أعلم.
وفي رواية عند أبي داود، عن أسماء قالت: قلت يا رسول الله: إنّ فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت. . . الحديث.
قال أبو داود: ورواه مجاهد، عن ابن عباس: لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين.
وفي سؤالات أبي طالب قال أحمد: وقيل له في حديث عائشة قال عليه السلام لفاطمة: دعي الصلاة أيّام أقرائك، فقال: هذا خطأ، كل من روى أيام أقرائك، فقد أخطأ، عائشة لم ترو عن النبي عليه السلام أقراءك، وتعني بأن الأقراء: الأطهار، وإنمَا روى علقمة على ما سمع من عمر وأهل الكوفة لا يعرفون إلا قول عبد الله فجعلوه الأقراء، والأعمش كان يضبط هذا كانّ الحيض عندهم الأقراء فرووه.، وأما
أهل المدينة، فلا يقولون الأقراء إّنما يقولون أيام حيضك، وما كانت تحبسك حيضتك؟.
وأمّا ما زعمه ابن عساكر ومن بعده كالمنذري والقشيري وغيرهما: من أنّ ابن ماجه خرج حديث عائشة هو والجماعة من حديث هشام، عن أبيه عنها في الطهارة، ففيه نظر؛ لأنّ ابن ماجه لم يخرج فيه إلا حديث حبيب، عن عروة المذكور قبل، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث أصح حديث روي في هذا الباب، وقاله أيضا أبو محمد الإشبيلي، وقال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من حديث مالك، عن هشام: هذا إسناد مجمع على صحته، قال: وهو حديث مشهور عن هشام صحيح رواه أيوب، والثوري، وشعبة، وزائدة، وابن نمير، وسعدان بن يحيى، وكلها مقبولة على رسم الجماعة، وقال أبو معاوية وحماد في حديثهما: قال عروة: تغتسل الغسل الأول، ثم تتوضأ لكل صلاة.
ولفظ أبي عوانة: فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم.
وفي لفظ لابن منده: اغتسلي وصلي.
وعند الترمذي قال أبو معاوية في حديثه، فقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وقال فيه: حسن صحيح، وعند الدارقطني: فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم اغتسلي.
زاد أبو معاوية قال هشام: قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وفي لفظ لأبي عبد الرحمن: فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي، فإنما ذلك عرق، وليست بالحيضة.
قيل له: فالغسل؟ قال: ذلك لا يشك فيه، وفي لفظ للبيهقي: فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي.
وضعف هذه اللفظة لمخالفة
سائر الرواة عن هشام قال: ولم يذكر أحد عن هشام وتوضئي إلا حماد بن زيد، وفي موضع آخر: ليست بمحفوظة، وفيه نظر لما ذكره ابن حبان في صحيحه من حديث أبي حمزة عن هشام به، ثم قال: ذكر خبر المدحض قول من زعم أن هذه اللفظة تفرد بها أبو حمزة، فذكر حديث أبي عوانة عنه بها، ورواه من حديث أبي حمزة السكري، عن هشام، عن أبيه مرسلا بلفظ فاغتسلي عند طهرك وتوضئي عند كل صلاة.
وروى الحسن بن زياد هذه اللفظة، عن أبي حنيفة، عن هشام مرفوعا.
قال البيهقي: واللالكائي فيما حكاه عنه ابن الجوزي في التحقيق، والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة مستدلين بقول هشام قال أبي، ثم تتوضأ، وليس ذلك بينّ في الإدراج لما أسلفنا قبل من حديث النسائي وغيره، ولما يأتي بعد من عند الدارمي أيضا، وعروة لا يمكن أن يقول هذا من نفسه، إذ لو قاله هو لكان لفظه: ثم تتوضأ لكل صلاة، ولم يقل: توضئي مشاكلا لما قبله، من لفظ الأمر، والله تعالى أعلم.
ويفهم من قول البيهقي وروى اللؤلؤي تفرده بذلك، وليس الأمر على ما يوهمه كلامه، فقد تابعه عن أبي حنيفة المقرئ، وأبو نعيم فيما ذكره الطحاوي بلفظ: فاغتسلي لطهرك، ثم توضئي عند كل صلاة.
وذكر ابن الهذيل فيما ذكره الحافظ أبو الشيخ في فوائد الأصبهانيين، عن سالم بن عصام، عن عمه عن محمد بن المغيرة، عن الحكم عن أيوب عنه، وتابع أبا حنيفة عليها أيضا يحيى بن هاشم، رواه الحارث بن أبي أسامة عنه، ثنا هشام، وقال أبو عمر في التمهيد: ورواية أبي حنيفة عن هشام، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا كرواية يحيى بن هاشم سواء، قال فيه: وتوضئي لكل صلاة، وكذلك رواه حماد بن سلمة
عن هشام أيضا بإسناده مثله، وحماد في هشام ثقة ثبت، وفي موضع آخر: وحديث فاطمة فيه ردّ على من أوجب الوضوء على المستحاضة، فإذا أحدثت المستحاضة حدثا معروفا معتادا لزمها له الوضوء، وأما دم استحاضتها، فلا يوجب وضوءا لأنه كدم الجرح السائل، وكيف يجب من أجله وضوء وهو لا ينقطع، ومن كانت هذه حاله من سلس البول والمذي لا يرتفع بوضوئه حدثا؛ لأنه لا يتمه إلا وقد حصل ذلك الحدث في الأغلب. . انتهى كلامه.
وفيه تناقض لما أسلفنا من قوله: إن الوضوء في حديث عائشة صحيح، وهو من أطراف حديث عائشة المذكور، فلا رد إذا على من قال به، والله تعالى أعلم.
وأمّا قول البيهقي: إنّ أبا حمزة السكري رواه عن هشام مرسلا فيشبه أن يكون وهمًّا؛ لأن البستي ذكره في صحيحه، فقال: ثنا محمد بن علي بن الحسن سمعت أبي، ثنا أبو حمزة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أنّ فاطمة بنت أبي حبيش، فذكره، وفيه فإذا أدبرت فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة.
ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنّ هذه اللفظة تفردّ بها أبو حمزة، وأبو حنيفة، أنبأ محمد بن أحمد بن النصر في عقب خبر أبي حمزة، ثنا محمد بن علي بن شقيق، سمعت أبي، ثنا أبو عوانة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة سئل عليه الصلاة والسلام عن المستحاضة؟
فقال: تدع الصلاة أيامها، ثم تغتسل غسلا واحدا، ثم تتوضأ عند كل صلاة.
وفي لفظ للإسماعيلي في صحيحه فإذا أقبلت الحيضة فلتدع الصلاة، وإذا أدبرت فلتغتسل ولتتوضأ لكل صلاة.
ولفظ الدارمي، وخرجه في مسنده، عن حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة: فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي.
قال هشام، وكان أبي يقول: تغتسل غسل الأوّل، ثم ما يكون بعد ذلك، فإنها تطهر، وتصلي.
وفي لفظ لأحمد: ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وصلي.
وأمّا قول الشّافعي ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ، ولو كان محفوظا كان أحب إلينا من القياس، ذكره البيهقي، وقال: هو كذلك، ففيه نظر لما أسلفناها ولما في الأوسط لأبي القاسم، نا محمد بن المرزبان، ثنا محمد بن حكيم الرازي، نا هشام بن عبيد الله السني، نا أبو معاذ خالد البلخي، عن محمد بن عجلان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قال عليه السلام: المستحاضة تغتسل مرة، ثم تتوضأ، يعني لكل صلاة، وقال: لم يروه عن ابن عجلان إلا أبو معاذ، تفرد به هشام.
قال أبو عمر: فيه دليل على أنّ المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بغيره، وردّ القول من رأى عليها الجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، والمغرب والعشاء بغسل واحد، وتغتسل للصبح؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك في هذا الحديث، وفيه ردّ لمن قال بالاستظهار يومين، أو ثلاثا
أو أقل، أو أكثر.
غريبه: أمّا القرء، فذكر الأصمعي أن الحجازيين من الفقهاء ذهبوا إلى أنه الطهر، وذهب العراقيون إلى أنه الحيض، ولكل واحد من القولين شاهد من الحديث واللغة، أمّا حجة الحجازيين من الحديث: فما روي عن عمر، وعثمان، وعائشة، وزيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهم - أنهم قالوا: الأقراء الأطهار، وأما حجتهم من اللغة فيقول ميمون:
أفي كل عام أنت جاشم غزوة
…
تُشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثه مالا، وفي الحي رفعة
…
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وأمّا حجة العراقيين من الحديث فقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: اقعدي عن الصلاة أيّام أقرائك.
وأما حجتهم من اللغة فقول الراجز:
يا رب ذي ضغن على فارض
…
له قروء كقروء الحائض
قال ابن السيد وحكى يعقوب بن السكيت وغيره من اللغويين أنّ العرب تقول: أقرأت المرأة إذا طهرت وأقرأت إذا حاضت، وذلك أنّ القرء في كلام العرب معناه الوقت، فلذلك صلح للطهر والحيض معا، ويدل على ذلك قول مالك بن خالد الهذلي:
شنئت العقر عقر بني شليل
…
إذا هبت لقارئها الرياح
وقد احتج بعض الحجازيين لقولهم بقول الله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فأثبت الهاء
في ثلاثة، فدل ذلك على أنّه أراد الأطهار، ولو أراد الحيض لقال ثلاث قروء، ولأن الحيض مؤنثة، وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر، إنما الحجة لهم فيما قدمناه، وإنما لم تكن فيه حجة؛ لأنه لا ينكر أن يكون القرء لفظا مذكرا يعنى به المؤنث، ويكون تذكير ثلاثة حملا على اللفظ دون المعنى، كما تقول العرب: جاءني ثلاثة أشخاص وهم يعنون نساء والعرب تحمل الكلام تارة على اللفظ، وتارة على المعنى، ألا ترى إلى قراءة القراء:{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} بكسر الكاف وفتحها، وفي كتاب الأضداد ليعقوب: وقال أبو عمرو الشيباني: يقال دفع فلان إلى فلان جاريته تقرئها مشدّد مهموز، يعني أن تحيض عنده، وتطهر للاستبراء، وجمعه: قروء، قال الأصمعي: ومنه يقال: أقرأت الريح: إذا جاءت لوقتها، وأهل الحجاز يقولون: ذهبت عنك القرة مخففة بغير همز، يريدون وقت المرض، قال: ومن جعله الطهر احتج بقول أبي عبيدة: أقرأت النجوم بالألف معناه: غابت، ومنه قرء المرأة فيمن زعم أنه طهرها لغيبة الدّم عند الطهر، لأنها خرجت من الحيض إلى الطهر، كما خرجت النجوم من الطلوع إلى المغيب، وقالوا: ما قرأت الناقة سلا قط مقصور بغير ألف، ومنه قول عمرو بن كلثوم التغلبي:
ذراعي حرة أدماء بكر
…
هجان اللون لم تقرأ جنينا
معناه: ما حملت، ولا غيبت في بطنها ولدا، ومن ذلك قراء المرأة فيمن زعم أنه طهرها، قال يعقوب: وسمعت أبا عمرو الشيباني يقول:
الإقراء: أن يقري الحية سمها، وذلك أنها تصونه، أي تجمعه شهرا، فإذا وفى لها شهرا أقرأت، ومجت سمها، ولو أنها لدغت شيئا في أقرائها لم تطنه، ولم ينج سليمها، ويقال: قد أقرأ سُمّها، إذا اجتمع.
وقوله: تستثفر، قال الجوهري:
استثفر الرجل بثوبه إذا ردّ طرفه بيّن رجليه إلى حجزته، واستثفر الكلب بذنبه:
أي جعله بين فخذيه، قال الزبرقان بن بدر:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
…
وتتقي مربض المستثفر الحامي
وقال الهروي: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق طرفيها في حقب، تشدّه على وسطها بعد أن تحشى كرسفا، فيمنع بذلك الدم، ويحتمل أن يكون مأخوذا من ثفر الدابة تشدّه كما يشدّ الثغر تحت الذنب، ويحتمل أن يكون مأخوذا من الثفر، يريد به فرجها، وإن كان أصله للسباع، فإنه استعير، والله تعالى أعلم، وفي الأساس: أثفر الدابة مثفار يرمي بسرجه إلى مؤخره، ومن المجاز استثفرت المستحاضة: تلجمت.
قال ابن عباس: والاستحاضة هو جريان الدم من الفرج في غير أوانه من عرق، يقال له: العاذل بخلاف الحيض لخروجه من قعر الرحم.
باب ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام حيضتها.
24 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش، وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، وإنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي.
قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة، ثم تصلي، وكانت تقعد في مركن لأختها زينب بنت جحش حتى إنّ حمرة الدم لتعلو الماء.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة، وفي كتاب الدارقطني، وقال الليث بن سعد، عن يونس، عن الزهري، عن عمرة، عن أم حبيبة: لم يذكر عائشة، وكذلك رواه معاوية عن يحيى، عن ابن شهاب، ورواه أبو داود الطيالسي، عن ابن أبي ذئب عنه بلفظ: إن زينب بنت جحش استحيضت، ووهم في قوله: زينب، ورواه إبراهيم بن نافع، وجعفر بن برقان، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس أنها استحيضت، وقال الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم الحربي: الصحيح قول من قال: أم حبيب بلا هاء، وأنّ اسمها حبيبة بنت جحش، ومن قال: أم حبيبة، أو زينب، فقد وهم، والحديث صحيح من حديث
الزهري، عن عروة، وعمرة، عن عائشة، وكذلك قاله أبو الحسن البغدادي الحافظ، وقبلهما قاله الواقدي: بعضهم يغلط فيروي أنّ المستحاضة حمنة بنت جحش، ويظن أنّ كنيتها أم حبيبة، وهي - يعني: المستحاضة - حبيبة أم حبيب بنت جحش، وفي صحيح الإسفرائيني: إنّ هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي، ثم صلّي، قالت عائشة: فكانت تغتسل عند كلّ صلاة، وكانت تقعد في مركن.
كذا أورده من حديث بشر بن بكر، عن الأوزاعي، وقال عقيبه: ثنا إسحاق الطحان، ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا الهيثم بن حميد، ثنا النعمان بن المنذر، والأوزاعي، وأبو معيد، عن الزهري بنحوه.
وفي كتاب أبي داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري بسنده: استحيضت أم حبيبة بنت جحش، وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي.
وقال أبو داود: لم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي، وقد رواه عن الزهري عمرو بن الحارث، والليث، ويونس، وابن أبيِ ذئب، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن كثير، وابن إسحاق، وابن عيينة لم يذكروا هذا الكلام، وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال: وزاد ابن عيينة فيه أيضا: أمرها أن تدع الصلاة أيّام أقرائها وهو وهم من ابن عيينة، وحديث محمد بن عمرو، عن الزهري فيه شيء من الذي، زاد الأوزاعي في حديثه، انتهى وتابعه على هذا البيهقي.
وفيما سقناه من عند أبي عوانة ما يرد قوله، وذلك أنّ النعمان وأبا معيد وافقا الأوزاعي، وإن لم يسق لفظهما؛ لأن قوله: ونحوه ليس صحيحا في ذلك فنظرنا، فإذا النسائي ذكر لفظ الهيثم، فقال: أخبرني النعمان، والأوزاعي، وأبو معيد وهو حفص بن غيلان، عن الزهري، أخبرني عروة، وعمرة، عن عائشة قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن، وهي أخت زينب بنت جحش فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال لها: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلي وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة، قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة، وتصلي، وكانت تغتسل أحيانا في مركن في حجرة أختها زينب، وهي عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء، ثم تخرج، فتصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعها ذلك من الصلاة.
وخرجه الطحاوي بنحوه، وزاد: ولكنه عرق فتقه إبليس.
وروى أبو داود من حديث عكرمة أن أم حبيبة بنت جحش: استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتصلي، فإن رأت شيئا من ذلك توضأت، وصلت.
قال أبو داود: وقال القاسم بن مبرور: وهو ابن أخي طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة، عن أم حبيبة بنت جحش، وكذلك روى معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، وربما قال معمر: عن عمرة، عن أم حبيبة بمعناه، وكذلك رواه إبراهيم بن سعد، وابن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة
وقال ابن عيينة في حديثه: لم يقل: إن النبي عليه السلام أمرها أن تغتسل، نا محمد بن إسحاق المسيبي، ثنا أبي عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة: أنّ أم حبيبة استحيضت سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة، وكذلك رواه الأوزاعي قال فيه: قالت عائشة: وكانت تغتسل لكل صلاة، ورواه ابن إسحاق، عن الزهري به: استحيضت أم حبيبة في عهد النبي عليه السلام فأمرها بالغسل لكل صلاة.
ورواه أبو الوليد الطيالسي، ولم أسمعه منه، عن سليمان بن كثير، عن الزهري به، فقال لها عليه السلام: اغتسلي لكل صلاة، ورواه عبد الصمد، عن سليمان قال: توضئي لكل صلاة.
قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول قول أبي الوليد، وفي المعرفة قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل، ولكنه شيء فعلته هي، قال الشّافعي: ورواه غير الزهري فرفعه، ولكنه عن عمرة، والزهري أحفظ، وقد روى فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط وهو تترك الصلاة قدر أقرائها، وعائشة تقول: الأقراء: الأطهار وقد تقدم معنى هذا عن أحمد قبل، وقال الحربي: روى هذا الحديث عن الزهري أحد عشر نفسا، وقالوا: ستة أقاويل:
الأول: قول ليث، وسليمان بن كثير، عن عروة، عن عائشة.
والثالث: قول ابن أبي ذئب: عروة، وعمرة.
والرابع: قول الأوزاعي: عروة عن عمرة، عن عائشة، وقد اختلف أصحاب الأوزاعي، فقال الوليد كما قال ليث، وقال أبو المغيرة: عروة
وعمرة كقول ابن أبي ذئب.
والخامس: قول معمر عمرة عن أم حبيبة.
والسادس: قول يونس، ومعاوية: عمرة عن أم حبيبة، وأرسله إبراهيم بن نافع وجعفر، واختلفوا في اسم هذه المرأة، فقال ليث: أم حبيبة، ووافقه الأوزاعي، ومعاوية، وإبراهيم، ويونس، وهؤلاء أوهموا عن الزهري، وقال سفيان: حبيبة، ووافقه إبراهيم بن سعد، وابن أبي ذئب، ومعمر، وهذا هو الصواب هي حبيبة بنت جحش تكنى أم حبيب أخت حمنة بنت جحش، وكان ممن أوهم في اسمها عراك، عن عروة، وقتادة عن عروة، وأبو بكر بن محمد عن عروة.
عراك، وقتادة، وهشام، فلم يختلف أصحاب عراك: يزيد بن أبي حبيب وجعفر وربيعة أنهما قالا: أم حبيبة، وكذا قاله قتادة، فأما هشام، فإن حماد بن سلمة، وشعيب بن إسحاق، وابن جريج، والمفضل اختلفوا عن هشام، فقال: شعيب وحماد، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت ابن عوف وزينب لم تكن تحته، إنّما كانت تحت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تستحض.
وقال ابن جريج: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن زينب أنها رأت زينب بنت جحش مثل قول شعيب، وحماد، زاد: عائشة، وقال المفضل، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أمها: أنّها رأت أم حبيبة بنت جحش فزاد: عن أمّها وأصاب في قوله أم حبيب، ورواه يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، فقال: ابن أبي حازم، عن أم حبيبة بنت جحش، فأوهم أيضا، وقال بكر بن مضر: عن أم حبيب، فأصاب، ووافقه ابن عمر وعكرمة اللهم، إلا أن يكون أم حبيبة، وأم حبيب كان عندهم سواء، والصواب من هذا كلّه قول من قال حبيبة أم حبيب، وهي زينب وحمنة المستحاضة أيضا، إلا أن أم حبيب حبيبة كانت لها أيّام معروفة، وحمنة أنسيت أيّامها، واختلف عليها.
وفي السنن للبيهقي، عن عكرمة، عن أم حبيبة أنها كانت تستحاض، وكان زوجها يغشاها، وعنه عن حمنة أنّها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها، ويذكر عن ابن عباس أنه أباح وطأها، وهو قول ابن المسيب، والحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير وغيرهم، وقال عبد الله: سئل أبي عن وطء المستحاضة، فقال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن غيلان.
(عن عبد الملك بن ميسرة عن الشعبي عن قمير عن عائشة قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها، قال أبي: ورأيت في كتاب الأشجعي كما رواه وكيع، ورواه غندر عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن الشعبي أنه قال: المستحاضة لا يغشاها زوجها، قال البيهقي: وقد رواه معاذ بن معاذ عن شعبة، ففصل قول الشعبي من قول عائشة ولفظه: عن عائشة: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها وحيضها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، قال: وقال الشعبي: لا تصوم، ولا يغشاها زوجها، فعاد الكلام في غشيانها إلى قول الشعبي كما قال أحمد).
باب ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها
25 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمّه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني استحضت حيضة منكرة شديدة قال لها: احتشي كرسفا قالت له: إنّه أشدّ من ذلك إنّي أثج ثجا؟ قال: تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام، أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا فصلي وصومي ثلاثة وعشرين، أو أربعة عشرين وأخرّي الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا، وأخري المغرب وعجلي العشاء، واغتسلي لهما غسلا، وهذا أحب الأمرين.
هذا حديث لما رواه أبو داود، عن زهير، ومحمد بن أبي سمينة وغيرهما، ثنا عبد الملك بن عمرو، عن ابن عقيل بلفظ: أو أربعا وعشرين وأيامها وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهنّ، وإن قويت على أن تؤخِّري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلي فتجمعي الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي.
قال: وروى هذا الحديث عمرو بن ثابت، عن ابن عقيل قال: قالت حمنة: فقلت: هذا أعجب الأمرين إلي، لم تجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت أحمد بن حنبل يقول:
في الحيض حديث ثالث في نفسي منه شيء يعني هذا،.
أنبأ أحمد بن صالح، عن عنبسة بن خالد، عن يونس، عن الزهري، عن عمرة، عن أم حبيبة بهذا الحديث، وهي حمنة، وعن زياد بن أيوب، وعن هشيم، عن أبي بشر، عن عكرمة أن أم حبيبة استحيضت بنحوه، ولما رواه أبو عيسى، عن ابن بشار، عن العقدي قال فيه: حسن صحيح، قال: ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج وشريك عن ابن عقيل، إلا أن ابن جريج كان يقول: عمر بن طلحة والصحيح عمران، وسألت محمدا عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح وهو معارض بما ذكرناه قبل، وفي العلل: قال محمد: إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم، ولا أدري سمع منه ابن عقيل أم لا؟
ولما سئل عنه الرازي وهنه، ولم يقو إسناده.
وخرجه الحاكم من حديث عبيد الله الرقي، وفيه: حتى إذا رأيت أنّك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي، وفيه قال عليه السلام: وهذا أعجب الأمرين إلي، ثم قال: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث المستحاضة عن
عائشة، وليس فيه هذه الألفاظ التي في حديث حمنة رواية ابن عقيل، وهو من أشراف قريش، وأكثرهم رواية غير أنهما لم يحتجا به وشواهده حديث الشعبي، عن قمير، عن عائشة، وحديث أبي عقيل، عن بهية عنها، وذكرهما في هذا الموضع يطول.
وخرجه أبو علي الطوسي في أحكامه من حديث شريك، وقال فيه: حسن صحيح، وقال أبو جعفر في المشكل: هو من أحسن الأحاديث المروية في هذا، وصححه أيضا أبو محمد الإشبيلي، وقال الخطابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك.
وقال أبو بكر البيهقي: تفرد به ابن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به، وقال ابن منده: وحديث حمنة (تحيضي في علم الله ستا، أو سبعا) لا يصح عندهم من وجه من الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لأن الترمذي ذكر أن الحميدي، وأحمد، وإسحاق كانوا يحتجون بحديثه، وأي إجماع مع مخالفتهم، وقد أسلفنا قول البخاري وغيره في تصحيح حديثه مع تفرده به، وليس لقائل أن يقول: كيف يحتج به أحمد، وقد قال: إن في قلبه من حديثه شيء؟ لأنه لم يرد إلا اختلاف الحكم لا النظر في الإسناد وإليه نحا ابن عبد البر، وأما قول البخاري: إبراهيم بن محمد قديم، ولا أدري سمع منه ابن عقيل أم لا؟ ففيه نظر؛ لأن ابن عقيل روى عن جماعة من الصحابة، وت، وفي سنة خمس وأربعين ومائة بعد سن عالية، وإبراهيم توفي سنة ست عشرة ومائة فيما حكاه غير واحد منهم: علي ابن المديني، وأبو عبيد بن سلام، وخليفة بن خياط، فبيّن وفاتيهما ما ترى من القرب المسوغ للرواية لا سيما وبلدهما المدينة
تجمعهما، والبخاري لم يقل لم يسمع منه خبر ما إنما هو استبعاد يقربه ما ذكرنا، وأما قول أبي عمر ابن عبد البر (والأحاديث في إيجاب الغسل على المستحاضة لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين، وفي الوضوء لكل صلاة مضطربة كلها)، فليس بشيء؛ لأن اضطرابها لا يضرّها لصحة سندها، والحديث إذا صح من طريق لا يؤثر في صحته اختلاف لفظ من طريق أخرى غير صحيحة، بل يكون الحكم للصحيحة على غيرها، والله تعالى أعلم.
وأما قول علي بن المديني: حمنة بنت جحش هي أم حبيبة تكنى بذاك حكاه عنه عثمان بن سعيد الدارمي تابعه عنه أكثرهم بقوله: (أحفظ أربع نسوه في هذا عن الزهري، وقد ركن النبي صلى الله عليه وسلم يتبين من نسائه أم حبيبة وزينب بنت جحش وتبين من ربيبته زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة، فقد خالفهما يحيى بن معين فزعم: أن المستحاضة المكناة أم حبيبة بنت جحش ليست بحمنة، وهذا أسلفناه عن الواقدي أنّ من قال: هذا غلط، وكذا قاله: أبو عمرو، وأما قول البيهقي: وحديث ابن عقيل يدلّ على أنّها غير أم حبيبة، وكان ابن عيينة ربما قال في حديث عائشة: حبيبة بنت جحش، وهو خطأ إنما هي أم حبيبة كذلك قاله أصحاب الزهري سواه فكذلك أيضا لما قدمناه من كلام الحربي وغيره، وأنّ الصواب ما خطأه هنا، وقد ذكر الحميدي عنه، وكذا قاله الطبراني في المعجم الكبير، وحمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله وأنها ولدت له محمدا، وعمران، قاله الزبير بن بكار، وليست أخت أم حبيبة قاله الحاكم في الإكليل، وبنحوه ذكره شباب في كتاب الطبقات، وأحمد بن يحيى البلاذري، وابن سعد، والكلبي، وأبو عبيد في كتاب النسب وغيرهم، وهو مما يصحح قول ابن عقيل، عن أمه حمنة، وأما قول
العسكري: حمنة بنت جحش هي أم حبيبة، وأخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الجهمي أن لها أختا أخرى، وهي أم حبيبة بنت جحش كانت تحت ابن عوف وأنّها هي التي استحيضت، وأصحاب الحديث على أنّ حمنة هي التي استحيضت، وهي أم حبيبة فيردّه ما حكاه عن الجهمي وهو دائبا يعتمده، وما أسلفناه، والله أعلم.
قال الشّافعي: وإن روي في المستحاضة حديث مُطلق فحديث حمنة يبين أنه اختيار، وأنّ غيره يجزئ منه، وفي باب الاستحاضة أحاديث، من ذلك: حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء عند كل صلاة قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن أبي أيوب الإفريقي، يعني عن ابن عقيل، إلا أبو يوسف القاضي، وحديث الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال النبي صلى الله عليه وسلم: المستحاضة تغتسل من قرء إلى قرء. قال: لم يروه عن الأوزاعي إلا سلمة بن كلثوم تفرد به عبيد بن جناد، وحديث فاطمة بنت قيس قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة؟ فقال: تعتد أيام أقرائها، ثم تغتسل لكل طهر، ثم تحتشي، وتصلي قال: لم يروه عن ابن جريج، يعني عن أبي الزبير، عن جابر عنها إلا جعفر بن سليمان، وقال: وهي فاطمة بنت أبي حبيش قيس.
قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: ليس هذا بشيء، وقال البيهقي: لا تقوم عليه الحجة، وتقدّم حديث عائشة أنّ فاطمة جاءت إليها، وقال فيه أبو عبد الله:
حديث صحيح، ولم يخرجاه، وحديث سودة بنت زمعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها، ثم تغتسل غسلا واحدا، ثم تتوضأ لكل صلاة قال: لم يروه عن الحكم يعني ابن عتيبة، عن أبي جعفر عنها إلا العلاء بن المسيب، ولا عن العلاء إلا حفص بن غياث تفرد به الحسن بن عيسى، وحديث أسماء ابنة مرشد الحارثية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: تنكرت حيضتي، قال: كيف؟ قالت: تأخذني، فإذا تطهرت منها عاودتني قال: إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا.
ذكره البيهقي من حديث، وفي رواية أبي بكر بن الجهم المالكي: جعله من مسند جابر بن عبد الله، وحديث زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة كانت تهراق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة، وتصلي خرجه أبو داود، عن أبي معمر، عن عبد الوارث، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي
كثير، عن أبي سلمة قال: أخبرتني زينب قال البيهقي: خالفه يعني: حسينا هشام الدستوائي، فأرسله عن يحيى عن أم سلمة أن أم حبيبة، ورواه الأوزاعي عن يحيى فجعل المستحاضة زينب، وأنّها كانت تعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تهريق الدم: قال: ويروى من وجه آخر عن عكرمة بخلاف هذا أنّ أمّ حبيبة، وهو منقطع.
وقال الرازي: وقال المعلم، عن يحيى عن أبي سلمة: أخبرتني زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة، وهو مرسل.
وفي المصنف: ثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة قالت: رأيت ابنة جحش، وكانت مستحاضة تخرج من المركن والدّم عاليه، ثم تصلي، وحديث زينب بنت جحش أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّها مستحاضة؟ فقال: تجلس أيّام أقرائها، وتغتسل، وتؤخر الظهر، وتعجل العصر، وتغتسل، وتصلي وتؤخر المغرب وتعجل العشاء، وتغتسل، وتصليهما جميعا، وتغتسل للفجر.
رواه النسائي، عن سويد، عن ابن المبارك، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عنها، ولما ذكره البيهقي أعلّه بامتناع عبد الرحمن من رفعه؛ وذلك أنه قيل له: عن النبي عليه السلام؟ قال: لا أحدثك عن النبي عليه السلام بشيء، قاله النضر بن شميل وغيره، عن شعبة. . انتهى.
وحديث النسائي المذكور يقضي على قوله.
وأمّا امتناع عبد الرحمن من رفعه؛ فلأنّه سمع: (فأمرت) فما بقي له بأن يقول: فأمرها النبي عليه السلام؛ لأنّ اللفظ الأول ليس بصريح في النسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مسند بطريق اجتهادي، فليس له أن ينقله إلى ما هو صريح، ولا يلزم من امتناعه من صريح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا يكون مرفوعا، على ما هو معروف من أنّ هذه الصيغة مرفوعة، وفي صحيح البخاري ما يوضحه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف واعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فرّبما وضعت الطست تحتها من الدم.
وكلام أبي داود يعطي أن هذه زينب بنت جحش رضي الله عنها.
وفي حديث العلاء بن ال سيب عن الحكم عن أبي جعفر أن سودة بنت زمعة استحيضت.
وفي الموطأ أن زينب بنت جحش التي كانت تحت ابن عوف استحيضت.
قال السهيلي: ولم تكن زينب قط عند عبد الرحمن، ولا قاله أحد، والغلط لا يسلم منه بشر، والتي كانت تحت عبد الرحمن أختها أم حبيب، ويقال: أم حبيبة غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرني أن أم حبيبة اسمها زينب، فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية.
قال السهيلي: فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم، ولا غلط، وكان اسم زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب، كره أن تزكي المرأة نفسها بذلك. . انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه عن جماعة من العلماء أن اسم أم حبيب:
حبيبة، ومن أن قول ابن نجاح لم نره، فهو قول شاذ لم يعزه لكتاب، ولا لعالم قديم قط، والله أعلم.
وحديث أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا فيه: ودم الحيض أسود خاثر، تعلوه حمرة، ودم المستحاضة أصفر رقيق، فإن غلبها فلتحتشي كرسفا، فإن غلبها فلتعلها بأخرى، فإن غلبها في الصلاة، فلا تقطع الصلاة، وإن قطر، ويأتيها زوجها، وتصوم، وتصلي، رواه البيهقي من حديث العلاء بن كثير، وهو ضعيف الحديث عن مكحول، ولم يسمع من أبي أمامة، وسيأتي التنبيه على وهم من وهم في نسبته.
وحديث أسماء بنت عميس قلت: يا رسول الله، إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا، فلم تصل، فقال عليه السلام: سبحان الله، هذا من الشيطان، لتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا، وتتوضأ فيما بين ذلك، رواه الحاكم، وقال فيه: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ.
وممن استحيض في زمانه عليه السلام: بادية بنت غيلان، روى حديثها القاسم بن محمد عن عائشة أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله لا أقدر على الطهر. . . الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن الزهري عن القاسم إلا محمد بن إسحاق، ولا عن ابن إسحاق إلا عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي، تفرد به عبد الرحمن بن صالح الأزدي، وسهلة بنت سهيل روى حديثها
أبو داود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها بالغسل عند كل صلاة، فلما شق عليها أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح، ولما رواه البيهقي قال: قال أبو بكر بن إسحاق: قال بعض مشائخنا: لم يسند هذا الخبر غير محمد بن إسحاق، وشعبة لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعا، وخطأه أيضا في تسمية المستحاضة، وقد اختلف الرواة في إسناده فرواه شعبة، وابن إسحاق كما مضى، ورواه ابن عيينة، فأرسله، إلا أنه وافق محمدا في رفعه. . انتهى كلامه، وفيه ما يحتاج إلى نظر.
وقال في الأوسط: لم يروه عن العلاء بن هارون، يعني عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها إلا أسباط بن عبد الواحد، تفرد به إدريس بن أبي الرباب، وروي عن أبي جعفر عن أسماء بنت عميس، يعني المذكور قبل.
قال أبو عمر: وهو إجماع من علماء المسلمين نقلته الكافة كما نقله الآحاد العدول، ولا مخالف فيه إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة، وأما علماء السلف والخلف قاطبة بالأمصار: فكلّهم على أن الحائض لا تصلّي، ولا تقضي الصلاة أيام حيضتها، إلا أن من السلف من كان يأمر الحائض بأن تتوضأ عند وقت الصلاة، وتذكر الله تعالى، وتستقبل القبلة ذاكرة لله جالسة، روي ذلك عن عقبة بن عامر، وقال: كان ذلك من هدي نساء المسلمين في حيضهن، وقال
عبد الرزاق: قال معمر: بلغني أنّ الحائض كانت تؤمر بذلك عند وقت كل صلاة، وابن جريج، عن عطاء لم يبلغني ذلك، وإنه لحسن، قال أبو عمر: وهو أمر متروك عند جماعة الفقهاء، بل يكرهونه، قال أبو قلابة: سألنا عنه، فلم نجد له أصلا، وقال سعيد بن عبد العزيز: ما نعرفه، وإنا لنكرهه.
قوله: فاغسلي عنك الدم: هو أن تغتسل عند إدبار حيضتها وإقبال استحاضتها كما تغتسل الحائض عند رؤية طهرها؛ لأنّ المستحاضة طاهر، ودمها دم عرق كدم الجرح السائل، وهذا إنّما يكون في امرأة تعرف دم حيضتها من دم استحاضتها.
قال أبو عمر: وكان مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يوجبه عليها، كما لا يوجبه من سلس البول، وممن أوجبه: الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والأوزاعي، وهؤلاء كلّهم، ومالك منهم لا يرون غسلا غير مرّة واحدة عند إدبار حيضتها وإقبال استحاضتها، ثم تغسل عنها الدم، وتصلي، ولا تتوضأ إلا عند الحدث، عند مالك، وهو قول عكرمة، وأيوب، وكذلك التي تقعد أيامها المعروفة، ثم تستطهر عند مالك، ولا تستطهر عند غيره، وتغتسل أيضا عند انقضاء أيامها واستطهارها، ولا شيء عليها، إلا أن تحدث حدثا يوجب الغسل، وأما عند الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري ومن ذكرنا معهم: فتتوضأ لكل صلاة على حسب ما ذكرنا، وذهبت طائفة من العلماء: إلى أن الغسل لكل صلاة واجب على المستحاضة للأحاديث السابقة؛ ولأنه لا يأتي عليها وقت صلاة إلا، وهي فيه شاكة: هل هي حائض، أو طاهر مستحاضة؟ أو هل طهرت في ذلك الوقت بانقطاع دم حيضتها أم لا؟ فواجب عليها الغسل للصلاة، ورووا هذا أيضا عن علي، وابن عبّاس، وابن الزبير
وسعيد بن جبير، وهو قول ابن علية، وقال آخرون: عليها أن تجمع بين كلّ صلاتين كما تقدم، وروي ذلك عن ابن عباس، وعلي، وهو قول النخعي، وعبد الله بن شدّاد وفرقة، وقال آخرون: تغتسل كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار، ورواه معقل الخثعمي، عن علي، وقال آخرون: تغتسل من طهر إلى طهر، رواه مالك في الموطأ عن ابن المسيب، وكان مالك يقول: ما أرى الذي حدثني به من طهر إلى طهر إلا قد وهم.
قال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك، ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر، وفيه نظر لما قال أبو عمر: ليس بوهم؛ لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، رواه عنه جماعة، وهو قول سالم، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وروي مثله عن ابن عمر، وأنس، ورواية عن عائشة، وقد روي عن سعيد بن المسيب في ذلك مثل قول مالك والفقهاء.
باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب
26 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي قالا: ثنا سفيان، عن ثابت بن هرمز أبي المقدام، عن عدي بن دينار، عن أم قيس بنت محصن قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: اغسليه بماء وسدر وحكيه ولو بضلع.
هذا حديث خرجه ابن خزيمة عن بندار، وأبو حاتم في صحيحه، عن محمد ابن عمر الهمداني عنه، وقال: قوله عليه السلام: اغسليه بالماء أمر فرض، وذكر السدر والحك بالضلع أمر ندب وإرشاد، وقال أبو الحسن ابن القطان: وهو حديث في غاية الصحة، وعاب على أبي مُحمد قوله: الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر، قال: وهو قد يفهم منه أنّ حديث أم قيس هذا يروى على وجهين:
أحدهما: فيه ذكر الضلع والسدر.
والآخر: لا يذكر ذلك فيه، وهي الطرق الصحيحة، والوجه الآخر: أنّ الأحاديث الصحاح من غير روايتها ليس فيها ذلك، فلو كان الأول كان متسسما للحديث بالاضطراب وترجيح إحدى روايتيه على الأخرى، وإذ كان الوجه الثاني فذلك لا يكون تضعيفا له إذا صح من طريقه، فاعلم الآن أنه إنما يعني هذا الوجه، أعني: أنّ غيره من الأحاديث كحديث أسماء ليس فيه ذلك، وحديث أم قيس المذكور مستتب اللفظ صحيح الإسناد، ولا أعلم له علّة، والعجب أنه أورد قبله حديث ابن إسحاق
عن فاطمة بنت المنذر، وهو عين ما أنكر عليه زوجها هشام، فلم يقل أبو محمد فيه شيئا، بل سكت عنه، ثم ذكر هذا بعده، وهو أحق بأن يصحح، فلم يباله، وقال فيه: ما ذكرناه، والله أعلم، ولما ذكره عبد الحق في الكبير أتبعه: عدي لا أعلم روى عنه إلا ثابت، وقد وثقة النسائي، فكان يلزم أبا الحسن ألا يصححه كما فعل في حديث عمرو بن بجدان ونظائره لكونهم لم يرو عنهم إلا واحد، وإن كان قد وثّق كما سبق، والله أعلم، ولفظ العسكري في كتاب الصحابة حكيه بضلع وأتبعيه ماء وسدرا، وفي لفظ: قال عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - الحك مثل الغسل.
.
27 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال: اقرصيه واغسليه وصلي فيه.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، ولفظ البخاري سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيض كيف تصنع؟ قال: إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه، ثم لتنضحه، ثم لتصل فيه.
ولفظ مسلم يصيب ثوبها من دم الحيضة قال: تحته، ثم لتقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه، وفي لفظ لأبي داود من حديث محمد بن إسحاق:
أتصلي فيه؟ قال: تنظر: فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه.
وفي لفظ حتيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه، وزعم في التفرد أنه حديث تفرد به أهل المدينة، وفي لفظ الترمذي: اقرصيه بماء، ثم رشيه ولفظ ابن خزيمة: كيف تصنع بثيابها التي كانت تلبس؟ فقال: إن رأيت فيها شيئا فلتحكه، ثم لتقرصه بشيء من ماء، وتنضح في سائر الثوب ماء، وتصلي فيه، وفي لفظ: إن رأيت ماء فحكِّيه، وفي لفظ: ثم رشي وصلي فيه، وفي لفظ: ثم تنضحيه، وتصلي فيه، ولفظ أبي نعيم: لتحته، ثم لتقرصه بالماء، ثم لتنضحه، ثم لتقرصه بالماء، ثم لتنضحه، ثم لتصل فيه.
.
28 -
حدثنا رملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن كانت إحدانا لتحيض، ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله، وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه.
هذا حديث تفرد به ابن ماجه موقوفا، وإسناده صحيح، وفي الصحيحين: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلّته بريقها، ثم
قصعته بظفرها، وفي كتاب أبي داود بسند فيه ضعف: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتقرصه بشيء من صفرة، قالت: كنت أحيض عند النبي ثلاث حيضات جميعا لا أغسل لي ثوبا.
ورواه الدارمي في مسنده بسند جيّد، وفي لفظ لأبي داود: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكساء فلبسه، ثم خرج يصلي الغداة، ثم جلس: فقال رجل: يا رسول الله هذه لمعة من الدم، فقبض إلى ما يليها فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام، فقال: اغسلي هذه، ثم أجفّيها، ثم أرسلي بها لي، ففعلت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار وهي عليه.
وحديث أبي هريرة: أنّ خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم، ثم صلى فيه، قالت يا رسول الله: إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء، ولا يضرك أثره.
رواه الإمام أحمد، وفي تاريخ ابن أبي خيثمة الأوسط: ثنا أبو داود، ثنا علي بن ثابت، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن خولة بنت يسار قالت: قلت: يا رسول الله. . . الحديث، جعله من مسندها، وفي كتاب الطبراني، عن الحسين بن إسحاق، عن عثمان بن أبي شيبة، ثنا علي بن ثابت
الجزري، عن الوازع، عن أبي سلمة، عن خولة بنت حكيم، فذكره، والله أعلم، والوازع تركه جماعة منهم النسائي، وحديث امرأة من غفار قالت: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال: ما لك لعلك نفست، قلت: نعم.
قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء، واطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك.
قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، رضخ لنا من الفيء، قالت: وكانت لا تطهر إلا جعلت في طهورها ملحًا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت.
أنبأ به أبو الحسن بن الصلاح رحمه الله تعالى بقراءتي عليه، ثنا الحافظ أبو علي البكري، أنبأ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم، أنبأ الشيوخ أبو طاهر روح، وأبو الفضل عباس، أنبأ أبو الرجاء الراراني، وأبو سعد محمد بن عبد الواحد الصائغ، قالوا: أنبأ الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده - رحمه الله تعالى - بجميع كتاب المردفين، قال: أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد السيرافي، ثنا القاضي أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان النهاوندي، ثنا محمد بن عبد الرزاق، نا سليمان، ثنا محمد بن عمرو الرازي، ثنا سلمة - يعني ابن فضيل - ثنا محمد يعني ابن إسحاق، عن سليمان بن سحيم، عن آمنة ابنة أبي الصلت عنها، قال ابن منده: وأنبأ محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، أنبأ عبد الله بن محمد المقري، ثنا ابن أبي عاصم، ثنا أحمد بن محمد بن نيزك، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي، ثنا
ابن إسحاق، عن سليمان بن سحيم، عن آمنة بنت أبي الصلت الغفارية قالت: أتيت النبي عليه السلام في نسوة من بني غفار فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا، وهو يسير إلى خيبر. فنداوي الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: على بركة الله فخرجنا معه، وكنت جارية حديثة السن، فأردفني عليه السلام على حقيبة راحلته،.
الخامس: ترك إعلاله بدخول أم علي بين سليمان، وأمه، إذ هي مجهولة العين والحال، وأظنّه إنما ترك ذاك لكونه جاء على لسان ابن أبي سبرة، وهو ممن لا يعتمد على قوله، ولو كان ثقة لكان إعلاله الحديث بهذه العلّة حسنا، وليس لقائل أن يقول: سليمان ثقة مجمع عليه، وروى عن أمه، وليس مدلسا، فلا اعتبار بمن أدخل
بينهما راويا، لاحتمال أن تكون ماتت وهو صغير كما جرى لأبي عبيدة بن عبد الله وغيره، أو يكون سمع منها، ولم يسمع هذا بعينه، فسمعه عنها، هذا إذا صرّح بالسماع منها، وهنا فلم يصرح به، والله أعلم.
السادس: قوله: إنّ الغفارية صاحبة القصة، وقد قدمنا عن ابن منده أنها هي صاحبتها لا غيرها، وهذا كلّه مشيا على مذهبه، وما استلزمه، وإلا فنحن في غنية عن هذا جميعه؛ لأنّ من كان مذكورا في كتب الصحابة كفينا مؤنته، سواء شهد له التابعي بالصحبة، أو لم يشهد له، وسواء روى عنه واحد، أو أكثر، هذا هو المعمول عليه والجادة، وأما إعراض المنذري عن كلّ من تقدّم ذكره وتضعيفه الحديث بمحمد بن إسحاق فغير حسن؛ لأنه ممن لا يضعف به الأحاديث، لا سيّما هو، فإنه فعل ذلك في غير ما حديث، صححه أو سكت عنه، وهو من روايته، وأحيانا ينبّه عليه، فما أدري ما يوجب ذلك؟ وليس لقائل أن يقول: لعله يصححه بما عضده من متابعات وشواهد؛ لأنّه لم يقل ذلك، ولو قاله ما قبل منه، إلا بابرازه ذكر ذلك، لكيما يعلم هل المتابع أهل لذلك أم لا؟ هذا هو الاصطلاح، ولسنا من تحسين الظن، أو التخرص في إيراد، ولا صدر، والله تعالى أعلم، وحديث الحسن، عن أبيه، عن أم سلمة: إنّ إحداهن تسبقها القطرة من الدم، فإذا أصاب إحداكن ذلك فلتقصعه بريقها.
رواه الدارمي من حديث أبي بكر الهذلي، وهو ضعيف، وفي الأوسط لأبي القاسم من حديثه، عن أحمد بن زهير، ثنا علي بن إشكاب، ثنا محمد بن ربيعة الكلابي، ثنا المنهال بن خليفة، عن خالد بن سلمة، عن مجاهد عنها قالت: كانت إحدانا تحيض في الثوب، فإذا كان يوم طهرها غسلت ما أصابه، ثم صلت فيه، وإن إحداكن اليوم تفرغ خادمها لغسل ثوبها يوم طهرها.
لم يروه عن مجاهد إلا خالد، تفرد به المنهال.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه، عن أحمد بن أبي سريج الرازي، أنبأ أبو أحمد، ثنا
المنهال بلفظ، وقيل لها: كيف كنتن تصنعن بثيابكن إذا طمثتن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إنّا كنا لنطمث في ثيابنا، أو في دروعنا، فما نغسل منه إلا أثر ما أصابه الدم. . . الحديث.
غريبه، قوله:(بضلع) بضاد معجمة، قال ابن الأعرابي: الضلع العود ها هنا، وقال الأزهري: الأصل فيه ضلع الجنب، ويقال للعود الذي فيه عرض واعوجاج: ضلع شبيها بالضلع، وفي ديوان الأدب، في باب فعل بكسر بالفاء، وفتح العين: الضلع: واحد الأضلاع، والضلع أيضا: الجبيل المنفرد، وأبى ابن سيده، فقال: هو الجبيل الصغير الذي ليس بالطويل، وقيل: هو جبل مستدق طويل، وقيل: هو الجبل مستدق ومنقاد، وأما قول القشيري في روايتنا: يخطئ من جهة ابن حيوة، عن النسائي بصلع الصاد المهملة، وفي الحاشية: الصلع بالصاد المهملة - المجرد وقع في مواضع بضاد معجمة، ولعلّه تصحيف؛ لأنه لا معنى يقتضي تخصيص الضلع، وأما الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة الوجود، واستعماله في الحك، فيشبه أن يكون وهما، انتهى، وما ذكرنا قبل يوضح ذلك، ويبين أنّه غير مصحف، والتصحيف وجده بخط غير معروف، ولعلّه إن صحّ كون الصلع بضم الصاد المهملة، وذلك أنّ أبا نصر حكى في صحاحه: والصلاع بالضم والتشديد: العريض من الصخر، الواحدة: صلاعة، وكذلك الصلع، لأنه مقصور منه، وقال الأصمعي: الصلع الذي لا ينبت، وأصله من صلع الرأس، وكذا ذكره ابن سيده في محكمه، وفي الجامع: والصلع: الحجر، والذي في الحديث وقاع بصلع، قيل: هو الحجر، وقيل: هو الأرض التي لا تنبت، فتبيّن أن الموقع للكاتب ما فسر به هذا الحديث هنا، فتوهمه هناك أيضا، وليس صحيحا؛ لأنّ عامة الأصول إنما فيها ضلع بالمعجمة كما سبق، وأنه ليس بالضلع الذي هو العظم، والله أعلم.
قوله: (اقرصيه)، قال أبو موسى المديني رحمه الله يعني: ادلكيه بأطراف أصابعك، وأظفارك مع صب الماء حتى يذهب أثره، وقرصته: إذا قبضته بإصبعك على جلده ولحمه فآلمته، وقرصته: شتمته، وتناولته باللسان، وقال الهروي: سألته امرأة عن دم الحيض قرصيه بالماء أي: قطعيه، قال المنذري: وقد روي مخففا، ومثقلا، ومعناهما واحد.
قوله: (حتيه) بتاء مثناة من فوق بمعنى: الحك والقشر.
والحيض: أصله عند اللغويين: السيلان، يقال: حاض الوادي: إذا سال، قال الأزهري وغيره: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة، يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها، ومخرجه قعر الرحم، يقال: حاضت المرأة، تحيض حيضا، ومحيضا ومحاضا: فهي حائض، كذا ذكره أبو العباس في فصيحه، وفي الصحاح: بالهاء، قال الشاعر:
كحائضة يزنى بها غير طاهر
وفي كتاب اللبلي عن كتاب الراعي: هو اجتماع فرج المرأة، وفي شرح الفصيح للتدمري: سمي بذلك تشبيها بالحيض، وهو ماء أحمر يخرج من شجر السمر، يقال عن ذاك حاضت السمرة، وفي المحكم: يجمع على حيض وحوائض، ويقال: امرأة طامث بالمثلثة والمثناة، وطامس، ودارس، وعارك، وفارك، وضاحك، وكابر، ومعصر، ونافس، وطامئ بالهمز بمعنى واحد، حكاه الهروي والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهما، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان: أنّ الأرنب تحيض، وكذلك الخفاش، واختلف النّاس في أول من حاض، فزعم بعضهم: أنّ أوّل ما كان على بني إسرائيل، ورد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، وقال تعالى:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} قال قتادة وغيره: حاضت.
باب الحائِض لا تقضي الصلاة
29 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة: أن امرأة سألتها: أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت لها عائشة: أحرورية أنت؟ قد كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نطهر، ولم يأمرنا بقضاء الصلاة.
هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة بلفظ: فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولم نؤمر بقضاء الصلاة، وفي كتاب البخاري: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا همام، ثنا قتادة قال: حدثتني معاذة، فهذا يوضح لك صحة سماع قتادة من معاذة، خلافا لمن أنكره، وهو شعبة، وأحمد، وابن معين كما أسلفناه قبل، وفي صحيح مسلم ما يوضح أنّ السائلة هي معاذة نفسها، وفي الباب: حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الصحيحين مرفوعا، وفيه: أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلنا: بلى، قال: فذاك من نقصان دينها.
وحديث ابن عمر مرفوعا من عند مسلم بنحوه، وفيه: وتمكث الليالي لا تصلي، وفي لفظ: في رمضان، وحديث أبي هريرة من عند أبي عيسى مرفوعا:(تمكث الثلاثة والأربع لا تصلي)، وقال فيه: حسن صحيح غريب.
قولها: أحرورية أنت؟ تعني: الخوارج، ويسمون: الشراة، والمحكمة، والمارقة، قال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق التستري في كتابه افتراق الأمة: وهي ترضى بجميع هذه الألقاب إلا بالمارقة، فإنها تأباه، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه بحروراء ممدودة، وحكى بعضهم القصر أيضا بعد مناظرة ابن عباس إيّاهم ورجوع ألفين، فقال: على ما نسميكم؟ قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحرورى.
قال أبو العباس في الكامل: والنسبة إلى مثل حروراء حروراوي فاعلم، وكذلك كل ما كان في آخره ألف التأنيث الممدودة، ولكنه ينسب إلى البلد بحذف الزوائد، فقيل: الحروري، قال الصلتان العبدي - يعني فيها:
أرى أمه شهرت سيفها
…
وقد زيد في سوطها الأصبحي
بنجدية وحرورية وأزرق
…
يدعو إلى أزرقي
فملتنا أننا مسلمون على
…
دين صديقنا والنبي
وذكر الشهرستاني أنهم كانوا بحروراء من ناحية الكوفة، ورأسهم عبد الله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبي،، وعروة بن جرير، ويزيد بن عاصم، وحرقوص بن زهير البجلي، وكذا ذكر جماعة من العلماء: أنّ حروراء قرب الكوفة منهم: أبو الحسن المدائني في كتاب أخبار الخوارج، وأبو جعفر الطبري، وابن أعثم في كتاب الفتوح تأليفه، وأبو محمد الرشاطي، وابن أبي حازم، وابن الخراز، وزاد السمعاني: على ميلين من الكوفة، وأما ما ذكره الإمام جمال الإسلام أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوراني في كتاب الفرق
بين الفرق من أنّ حروراء موضع بالشّام، فيشبه أن يكون وهما، لما أسلفنا من كلام الأئمة، ولتفرده فيما أعلم بهذا القول؛ ولأنّ عليا إنّما كان بالكوفة، وقتالهم له كان هناك، ولم يأت أنّه قاتلهم بالشام؛ ولا أنهم بعدوا عنه، إنّما كان يرسل إليهم رجلا بعد آخر، فيناظرهم على شبهتهم، والله أعلم.
وأمّا قول الشهرستاني: إن رأسهم كان ابن الكواء وعتاب فهو غير صواب، لما ذكره من أسلفنا قوله: كان رئيسهم ابن الكواء وحرقوص، وإنما الذين عددهم كانوا رؤوسا في قومهم كبارا، قال الشهرستاني: وكبار فرقهم ستة الأزارقة، والصفرية، والنجدات، والعجاردة، والإباضية، والثعالبة، والباقون فروع وهم: البيهسية، الصلتيّة، والميمونية، والحمزية، والخلفية، والأطرافيّة، والشّعيبية، والخازمية، والأخنسية، والمعبدية، والرشيدية، والشيبانية، والمكرمية، والمعلومية، والحفصية، والحارثية، واليزيدية، والزيادية، ويجمعهم القول، بالتبرئ من عثمان، وعلي، ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك، ويكفرون أصحاب الكبائر، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلا، وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون عبدا، أو حرا، أو نبطيا، أو قرشيا، وحكى القرطبي أنهم يرون على الحائض قضاء الصلاة إذ لم تسقط عنها في كتاب الله تعالى على أصلهم في ردّ السنة، على خلاف بينهم في هذه المسألة، وقد أجمع المسلمون على خلافهم، وأنه لا صلاة تلزمها، ولا قضاء عليها، وقيل: إنّ عائشة إنما قالت لها ذلك لمخالفتهم السنة، وخروجهم عن الجماعة، فخافت عليها عائشة، فقالت لها ذلك؛ لأنّ السنّة بخلاف ما سألت، وحكي عن سمرة أّنه كان يأمر أهله بقضاء الصلاة في الحيض، فأنكرت عليه أم سلمة، وذكر النووي رحمه الله أنّها لا تقضي في زمن الحيض شيئا إلا ركعتي الطواف.
باب الحائض تتناول الشيء من المسجد
30 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن البهي عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، فقال: ليست حيضتك في يدك.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه وخرّج أيضا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة ناوليني الخمرة. . . الحديث، وفي مسند أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها. . . الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث ثابت بن عبيد، عن القاسم عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ناوليني الخمرة.
قال: ورواه البهي، عن عائشة، فقال: حديث ثابت، عن القاسم أحب إلي، وذلك أن البهي يدخل بينه وبين عائشة عروة، وربما قال: حدّثتني عائشة،.
31 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، نا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني رأسه، وأنا حائض، وهو مجاور، تعني معتكفا، فأغسله، وأرجّله.
هذا حديث خرجه الجماعة في كتبهم من حديث الزهري، عن عروة
32 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنبأ سفيان، عن منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري، وأنا حائض، ويقرأ القرآن.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي الباب: حديث ميمونة بنت الحارث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا لخمرته إلى المسجد، فتبسطها وهي حائض.
رواه أبو عبد الرحمن من حديث سفيان، عن منبوذ بن أبي سليمان، ويقال: ابن سليمان الموثق عند ابن معين والبستي عن أمه، وهي مجهولة الحال، لم يرو عنها غير ابنها فيما أعلم.
ولفظ أبي قرة السكسكي في سننه: ذكر ابن جري في حديثه أخبرني منبوذ عن أمه أنها أخبرته عن ميمونة سمعتها تقول لابن عباس: أي بني، وأين الحيضة من اليد كانت إحدانا. . . الحديث.
وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، فقال: يا عائشة ناوليني الثوب، فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك.
ذكره في المحلى من حديث يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، وأبي حازم عنه وصححه، وحديث أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته: إنّ المسجد لا يحل لجنب، ولا حائض.
ذكره ابن ماجه بعد هذا في باب اجتناب الحائض المسجد، فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، ثنا ابن أبي غنية، عن أبي الخطاب الهجري، عن محدوج الهذلي، عن جسرة قالت: أخبرتني أم سلمة به، وذكرته هنا اختصارا، وهو حديث قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، وذكره بلفظ: لا يصلح هذا لجنب، ولا حائض، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، وعلي وفاطمة.
فقال: يقولون: عن جسرة، عن أم سلمة، والصحيح، عن عائشة، قال أبو محمد: وقد روى أفلت عن جسرة، عن عائشة غير أنه لم يذكر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، وقال البخاري في تاريخه: محدوج، عن جسرة فيه نظر، وقال ابن حزم: أما محدوج فساقط، يروي المعضلات عن جسرة، وأبو الخطاب مجهول، فسقط هذا الخبر، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، عن محمد بن يحيى، ثنا معلى بن أسد، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا الأفلت بن خليفة، حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة تقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي عليه السلام، فلم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب.
ولما رواه أبو داود قال: هو فليت العامري، ورواه محمد في تاريخه الكبير، عن موسى، ثنا عبد الواحد، عن فليت أبي حسان، عن جسرة بزيادة: إلا لمحمد وآل محمد، وقال يحيى بن سعيد: عن سفيان، عن فليت العامري، وقال ابن مهدي: عن سفيان، عن فليت سمع جسرة ودهثمة، وعند جسرة عجائب، وقال عروة وعباد عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: سدوا الأبواب إلا باب أبيِ بكر. وهذا أصح، وقال ابن حزم: أفلت غير مشهور، ولا معروف بالثقة، وفي موضع آخر: وحديثه - يعني هذا - باطل، وقال أبو سليمان الخطابي: وضعفوا هذا الحديث، فقالوا: فليت راويه مجهول، ولا يصح الاحتجاج بحديثه، وقال
البغوي في شرح السنة: ضعف أحمد هذا الحديث؛ لأن راويه أفلت، وهو مجهول. . انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لرواية الثوري، وعبد الواحد اللذين سبق ذكرهما عنه، وقال الإمام أحمد: ما أرى به بأسا، وهو معارض لما ذكره البغوي، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال البرقاني: وقلت له يعني الدارقطني: فليت بن خليفة، عن جسرة، قال: من أهل الكوفة، صالح، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات فهاتان الجهالتان الحال والعين قد زالتا، ولله الحمد، وقال أبو محمد الإشبيلي: وذكر حديث عائشة لا يثبت من قبل إسناده، قال ابن القطّان: ما أراه عنى في تضعيفه هذا الحديث إلا أفلت، وذكر بعض ما أسلفناه من تحسين حاله، وجسرة وثّقها الكوفي، فقال: تابعية ثقة، وقول البخاري:(عندها عجائب) لا يكفي لمن يسقط بها ما روت، ويجيء على نظر أبي محمد أن تكون مشهورة مقبولة لرواية اثنين عنها: فليت وقدامة بن عبد الله العامري الهذلي، ولم أقل فيه: صحيح، وإنما أقول: إنّه حسن، وكلامه يعطي أنّه ضعيف، فاعلمه. . انتهى.
وزاد عبد الغني بن سرور في الرواة عنها محدوجا، وذكرها ابن حبان في كتاب الثقات فهو إذا صحيح على شرطه أيضا، والله تعالى أعلم.
وأما قول البزار إثر حديث: إن تعذّبهم، فإنهم عبادك. من حديث قدامة العامري، عن جسرة، عن عائشة لا نعلم حدّث عن جسرة غير قدامة فمردود بما قدّمناه، ودجاجة بكسر الدال المهملة لا غير، قاله ابن حبيب في كتاب أفعل من كذا، والزمخشري في كتابه المستقصي في الأمثال، بخلاف الطائر، فإنه مثلث الدال، حكاه اللبلي، وحديث كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن لأحد أن يجلس في المسجد، ولا يمرّ فيه إذا كان جنبا.
ذكره ابن حزم، وضعّفه بمحمد بن الحسن بن زبالة وكثير
بقوله: هما مذكوران بالكذب، وليس كما زعم أبو محمد؛ لأنّ كثيرا ممن وثّقه أبو زكريا يحيى بن معين في رواية ابن أبي خيثمة، وفي رواية معاوية بن صالح عنه، وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة له حديثا في صحيحه، وكذلك الحاكم، وقال محمد بن عبد الله بن عمار: هو ثقة، وذكره البستي في الثقات، وخرّج له حديثا في صحيحه، وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ما أرى به بأسا، وقال أبو الحسن فيما نقله عنه أبو العرب: حجازي ثقة، ولم أر أحدا رماه بكذب، ولا شدد القول فيه، والّذي رمي به قول أبي عبد الرحمن في تمييزه، وذكره: هو ضعيف، وقال أبو زرعة: ليّن، وفي رواية عن ابن معين: ليس بشيء، وفي رواية: ليس بذاك القوي، وقال ابن جرير الطبري: هو عندهم لا يحتج بنقله، وحديث أنس ابن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم: سدوا هذه الأبواب، فإني لا أحل المسجد. . . الحديث، وفيه: فقال بعض الناس: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، فقال: إني رأيت على أبوابهم ظلمة، وعلى باب أبي بكر نورا، قال: فكانت الأخيرة أعظم عليهم من الأولى.
ذكره ابن عدي من حديث كاتب الليث، وهو منكر الحديث عنه، عن يحيى بن سعيد، عن أنس، وقد جاءت أحاديث تعارض هذه: منها: حديث عائشة: أن سعدا رمي في أكحله، فضرب له النبي عليه السلام خباء في المسجد ليعوده من قرب، وإن دمه سال من جرحه حتى دخل خباء القوم.
وحديثها عن وليدة كان لها في المسجد خباء، أو حفش وهما في الصحيح، وكذا حديث ابن عمر: كنت شابا عزبا، وكنت أبيت في المسجد في عهد النبي عليه السلام، وحديث عثمان بن أبي العاص: إنّ وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم المسجد حتى يكون أرق
لقلوبهم.
خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وكذا حديث جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .
إلا أن يكون عبدا، أو أحدا من أهل الذمة، وحديث عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال عليه الصلاة والسلام: لا يمنع القائلة في المسجد مقيما، ولا ضيفا.
ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب المساجد من تأليفه، وحديث: المؤمن لا ينجس، وحديث: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
وقد تقدم ذكرهما، وذكر زيد بن أسلم: أن الصحابة كانوا يجنبون في المسجد، ذكره ابن المنذر، وعن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوءهم للصلاة، وعن جابر قال: كان يمر أحدنا في المسجد جنبا مجتازا، ذكرهما سعيد بن منصور في سننه، وحديث ثمامة بن أثال: وربطه مشركا في المسجد، عند مسلم: وأنّ أهل الصفة كانوا يبيتون في المسجد، ولا شك أنّ فيهم من يحتلم، ولم يأت أنهم نهوا عن ذلك، وفي المصنف: ثنا هشيم، عن العوام: أنّ عليا كان يمِر في المسجد وهو جنب، وعن أبي عبيدة: يمِر، ولا يجلس فيه، ثم قرأ: ولا جنبا إلا عابري سبيل، وعن هشام: الجنب والحائض يمران في المسجد، وقال بكر: قلت للحسن: تصيبني
الجنابة، فأستطرق المسجد، وآخذ من قبل دار عبد الله بن عمر؟ قال: بل استطرق إذا كان أقرب، وفي الإشراف: ورخّص في المرور: ابن مسعود، وابن عبّاس، وابن المسيّب، وابن جبير، وهذا هو الملجئ لأهل الظاهر بأن جوّزوا لهما دخول المسجد، وكذلك النفساء، قال أبو محمد: لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك، وأما الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة: فمنعوهم مطلقا، قال أبو حنيفة: فإن اضطروا إلى ذلك تيمموا، ومروا، وقال أحمد، وإسحاق: الجنب إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد.
باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا
33 -
حدثنا عبد الله بن الجراح، ثنا أبو الأحوص، عن عبد الكريم، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي تأتزر في فور حيضها، ثم يباشرها، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه.
حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، وثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن منصور عن الشيباني جميعا عن عبد الرحمن بن الأسود، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا حاضت أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر بإزار، ثم يباشرها.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، ولفظ محمد: كنت أغتسل، أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، كلانا جنب، فكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه، وهو معتكف فأغسله وأنا حائض، في لفظ: أن تتزر في فور حيضها، ثم يباشرها، وفي لفظ أبي داود: ثم يضاجعها، ولما ذكره ابن عساكر أغفل ما صدر به ابن ماجه الباب، وذكر السندين بعده، وهو في جماعة من الأصول، كما تراه، والله تعالى أعلم، ولما أخرج أبو عبد الله في
مستدركه: وأيكم يملك إربه. . . الحديث من حديث عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن الشيباني، عن عبد الرحمن، عن أبيه قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ؛ إنما أخرجا في الباب حديث منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر، ثم يضاجعها، وما شعر أن مسلما روى هذا اللفظ من حديث علي بن مسهر، أنبأ أبو إسحاق، عن عبد الرحمن، به سواء، وفي كتاب ابن حزم عنها من طريق ضعيفة: كانت تنام مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وبينهما ثوب، وفي لفظ عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما يحل للرجل من امرأته؟ قال: ما فوق الإزار، ورواه أيضا في الأوسط من حديث قُرة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: طرقتني الحيضة، وأنا مع النبي على فراشه فانسللت حتى وقعت بالأرض، فقال: ما شأنك؟ فأخبرته أني حضت، فأمرني أن أشد علي إزاري إلى أنصاف فخذي وأن أرجع، وفيه من حديث ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق السرة، وقال: لم يروه عن ابن خيثم، يعني عن ابن أبي مليكة، إلا القاسم تفرد به مقدم بن محمد، وفي كتاب الدارمي من حديث يزيد بن بابنوس عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوشّحني وأنا حائض ويصيب من رأسي وبيني وبينه ثوب، وفي كتاب التمهيد من حديث ابن لهيعة أنّ قرط بن عوف سألها: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم إذا شددت علي إزاري، وذلك إذ لم يكن لنا إلا فراش واحد، فلما رزقنا الله تعالى فراشين اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لا يروى إلا من
طريق ابن لهيعة، وليس بحجة، وفي الموطأ عن ربيعة: أن عائشة كانت مضطجعة مع النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد، وأنها وثبت وثبة شديدة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ لعلك نفست. . . الحديث قال ابن الحصار: هذا مقطوع لا نقدر على إسناده من حديث عائشة فيما علمت، وفي لفظ للنسائي: تتزر بإزار واسع، ثم يلتزم صدرها وثدييها، وفي الأوسط: كنت أغطّي سفلي، ثم يباشرني، وقال: لم يروه عن نافع إلا ابن أرطأة، ولا عن حجاج إلا عمرو بن أبي قيس وحفص بن غياث، وفي حديث آخر يضاجعني وأنا حائض، ثم نغتسل جميعا من إناء واحد، وقال: لم يروه عن بحر السقاء إلا الحارث بن مسلم.
.
34 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا محمد بن عمرو، ثنا أبو سلمة عن أم سلمة قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحافه فوجدت ما يجد النساء من الحيضة فانسللت من اللحاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست؟ قلت: وجدت ما يجد النساء من الحيضة قال: ذاك ما كتب على بنات آدم، قالت: فانسللت فأصلحت من شأني، ثم رجعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالي فادخلي معي في اللحاف، قالت: فدخلت معه.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي كتاب الدارمي زيادة، وكانت هي
والنبي يغتسلان من الإناء الواحد من الجنابة، وكان يقبلها وهو صائم.
.
35 -
حدثنا الخليل بن عمرو، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حديج، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألتها كيف كنت تصنعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيض؟ قالت: كانت إحدانا في فورها أوّل ما تحيض تشدّ عليها إزارا إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث إسناده صحيح، وفي طريقه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، الخليل كتب عنه جماعة منهم: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن هارون الفلاس، وعلي بن إسحاق زاطيا، وقاسم بن زكرياء.
ومحمد بن سلمة حديثه في صحيح مسلم، وسويد بن قيس تقدّم ذِكْرنا له، وأن البستي وثقة.
وفي الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر المرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض، وقع لنا عاليا، أنبأ به الإمام تاج الدين بن دقيق العيد، أنبأ ابن الجميزي، أنبأ السلفي، أنبأ الثقفي، ثنا ابن بالويه، ثنا محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفان، نا أسباط بن محمد، عن
الشيباني، عن عبد الله بن شدّاد عنها، وهو مخرج في الصحيح، وفي كتاب النسائي من حديث ندبة، عن مولاتها ميمونة، وهي مرمية بالجهالة: إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين والركبتين تحتجز به، ولما ذكر الحافظ ضياء الدين حديث ميمونة هذا في أحكامه أشار إلى أنّه عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وكذلك المنذري وغفلا عمّا أسلفناه، وحديث عمير مولى عمر بن الخطاب قال: جاء نفر من أهل العراق إلى عمر، فقال لهم عمر: أبإذن جئتم قالوا: نعم قال: ما جاء بكم؟! قالوا: جئنا نسأل عن ثلاث، قال: وما هن؟ قالوا: صلاة الرجل في بيته تطوعا ما هي؟ وما يصلح للرجل من امرأته وهي حائض؟، وعن الغسل من الجنابة؟ فقال: لقد سألتموني عن ثلاثة أشياء ما سألني عنهن أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن، أما الحائض: فما فوق الإزار، وليس له ما تحته، وذكر باقي الحديث، وفي لفظ: لا يطلعن إلى ما تحته حتى تطهر، رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده وهو ضعيف، كذا قاله ابن حزم وهو غير صحيح؛ لأنه ممن وثقه العجلي، وأبو حاتم البستي، وصحح أبو عيسى له حديثا، وخرّج له ابن الجارود في منتقاه من طريق ضعيفة، ومن طريق أخرى منقطعة ضرب على ذلك ابن حزم.
وحديث حكيم بن حزام، عن عمه عبد الله بن سعد أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار ذكره أبو داود، وأصله عند ابن ماجه.
وحديث عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، رواه أبو داود بإسناد صحيح، عن موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أيوب عنه، وحديث عبد الله بن عباس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر أم سلمة وعلى قبلها ثوب، يعني وهي حائض، أنبأ به المسند المعمر أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف المصري، أنبأ أم أحمد زينب الحرانية قراءة عليها وأنا أسمع، أنبأ ابن طبرزد، أنبأ أبو غالب البناء، أنبأ أبو الغنائم بن المأمون، أنبأ أبو القاسم بن حبابة، أنبأ أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، ثنا هشام بن خالد، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة عنه، وذكره ابن حزم من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه سئل عما يحل من المرأة الحائض لزوجها؟ فقال: سمعنا، والله أعلم إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك يحل له ما فوق الإزار، ورده لعدم تحقيق ابن عباس إسناده، وما أسلفناه يقضي عليه، والله أعلم، وحديث معاذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أجل، رواه أبو داود من حديث بقية، عن سعد الأغطش، وقال: ليس بالقوي، وقال ابن حزم: هذا خبر لا يصح؛ لأنه عن بقية، وليس بالقوي عن الأغطش، وهو مجهول، ورواه أبو القاسم في الكبير من حديث إسماعيل بن عياش، قال حدثني سعيد بن عبد الله الخزاعي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ به، فخرجا من الإسناد، وحديث كريب مولى ابن عباس قال سمعت أم المؤمنين تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي، وأنا
حائض وبيني وبينه ثوب، ذكره ابن وهب في مسنده من حديث مخرمة، عن أبيه عنه، وحديث أبي ميسرة قال: قالت أم المؤمنين: كنت أتزر، وأنا حائض، ثم أدخل مع النبي عليه السلام في لحافه، رواه الدارمي في مسنده بإسناد صحيح، عن عبد الصمد، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق عنه، وحديث زيد بن أسلم أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها ذكره مالك في الموطأ، وقال أبو عمر في التمهيد: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث مسندا بهذا اللفظ، ومعناه صحيح ثابت، والله تعالى أعلم.
قوله: أنفست بفتح النون، يعني: حضت هكذا الرواية، قال الهروي: نفست المرأة، ونفست إذا ولدت، ونفست بالفتح أيضا لا غير: حاضت، وفي أفعال ابن طريف عكسه نفست المرأة بضم النون: إذا ولدت، ونُفِسَتْ وَنَفِسَتْ بضم النون وفتحها: إذا حاضت، وكذا حكاه ابن القوطية أيضا، وحكى الزمخشري أن اللحياني قال في نوادره: نفست المرأة تنفس بكسر الماضي والمستقبل مثل حسب يحسب وأخواته، وليس ذلك بمعروف، قال أبو علي الفارسي في التذكرة: وأصله من التشقق والانصداع، يقال: تنفست القوس: إذا تشققت، وقال ابن درستويه في شرحه للفصيح: إنمّا سُمّي الدم نفسا لنفاسته في البدن، وقوام الروح والبدن به، وحكى ابن عديس أنّ الحائض يقال لها نفساء، وبوّب البخاري على هذا: باب من سمّى النفاس حيضا ورد عليه، وقيل: الصواب أن نقول: باب من سمّى الحيض نفاسا، وكأنه أراد: حكم هذا هو كحكم هذا في منع الصلاة، أو لاشتراكهما لغة
كما تقدّم.
قولها: فانسللت، قيل: لأنها خافت وصول شيء من الدم إليه، أو تقذرت نفسها، ولم ترضها لمضاجعته عليه السلام، أو خافت نزول الوحي وشغله بحركتها عمّا هو فيه، فلهذا أخفت انسلالها.
والإرب فيه لغات: قال الجوهري: إرب، وإربة، وأرب، ومأربة، وهي: الحاجة، زاد القزاز والجمع: آراب ومآرب، ومنه قول عائشة: كان أملككم لإربه أي لحاجته، ولإربته، وهي الحاجة أيضا، زاد اللحياني في نوادره: والمأربة بفتح الراء وكسرها وضمها الحاجة.
اختلف العلماء في مباشرة الحائض، فأجاز مالك، وأبو حنيفة، والشافعي في أصح الأقوال ما فوق الإزار، وهو قول ابن المسيب، وسالم، والقاسم، وطاوس، وشريح، وقتادة، وسليمان بن يسار، والأوزاعي.
وقال أحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، وداود، وأصبغ، وبعض أصحاب الشافعي: يستمتع منها بما دون الفرج، وهو قول ابن عباس، والنخعي، والشعبي، والحسن، وعكرمة، والثوري تعلّقا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس الذي في الصحيح: اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
قال ابن حزم: وأما حديث عائشة: كنت إذا حضت نزلت عن المثال إلى الحصير، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدن مني حتى أطهر، فخبر ساقط وقوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} ، والمحيض في اللغة: قد يكون موضع الحيضة، وهو
الفرج، وهذا فصيح معروف، فتكون الآية حينئذ موافقة لخبر أنس، وهذا هو الذي صح عمن جاء عنه في ذلك شيء من الصحابة، قال مسروق: سألت عائشة: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قالت: كل شيء إلا الفرج، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} قال: اعتزلوا نكاح فروجهن، وهو قول أم سلمة، ومسروق، عطاء، وغيرهم، وأما مؤاكلة الحائض ومضاجعتها وقبلتها، فأمر مجمع عليه فيما حكاه محمد بن جرير في كتاب تهذيب الآثار إلا ما شهد به عبيدة السلماني.
باب النهي عن إتيان الحائض
36 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا حماد بن سلمة، عن حكم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث لما خرجه أبو عيسى قال: لا يعرف إلا من حديث حكيم، عن أبي تميمة، عن أبي هريرة، وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أتى حائضا فليتصدق بدينار، فلو كان إتيان الحائض كفرا لم يؤمر فيه بالكفارة، وضعّف محمد هذا الحديث من جهة إسناده، وقال في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، وضعف الحديث جدا، وقال البخاري في التاريخ الكبير، وذكر حكيما بهذا الحديث: وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة، وفي كتاب العقيلي: هذا رواه جماعة عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة موقوفا، وقال الطوسي في أحكامه: هذا حديث يضعف من قبل إسناده، وقال عبد الحق في الكبرى: لا يصح، وقال أبو أحمد بن عدي: حكيم يعرف بهذا الحديث، وليس له غيره إلا اليسير، وقال البزار: حكيم بصري، حدّث عنه عوف، وابن سلمة، ولكن في حديثه شيء؛ لأنه حدّث عنه حماد بحديث منكر، قال
ذلك: في مسند عياض بن حمار، وقال محمد بن يحيى: قلت لابن المديني: حكيم الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا، وفي رواية عنه: لا أدري من أين هو؟ روى عنه عوف الأعرابي، وسعيد بن عبد الرحمن، أخو أبي حرة، وفي كتاب ابن البرقي، عن ابن معين: ضعيف، وأبى ذلك البستي، فذكره في كتاب الثقات، وسمّى أباه أيضا حكيما، ونسبه بصريا، ووصفه بالرواية عن الحسن أيضا، وذكر حديثه في الصحيح، وكذلك ابن الجارود، وفي كتاب الآجري: سألت أبا داود عن حكيم الأثرم، فقال: ثقة، حدّث يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة عنه، وقال النسائي في كتاب التمييز: ليس به بأس، ولو سلم الحديث من شائبة الانقطاع لكان قول من صححه صحيحا، والله تعالى أعلم، على أنّ ابن سعد يؤخذ من كلامه اتصاله، وذلك أنه لماّ ذكر طريف بن مجالد في الطبقة الثانية من البصريين الذين رووا عن عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبي بن كعب، وأبي موسى وصفه بالثقة، وقال توفي سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك ومن أدرك مثل هؤلاء، فلا يبعد سماعه من أبي هريرة، على أنّ البخاري لم يجزم بعدم سماعه منه جريا منه على قاعدته، مع أنه ليس مدلسا، ولقيه له ممكن، فعنعنته تحمل على السماع حتى يأتي ما يمنع ذلك صريحا، والله تعالى أعلم، وسيأتي له إن شاء الله شواهد ومتابعات في كتاب النكاح، وكلام العقيلي لا يؤثر في صحة هذا الحديث، فإنه غيره.
باب في كفارة من أتى حائضا
37 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الذي يأتي امرأته وهي حائض؟ قال يتصدّق بدينار، أو بنصف دينار.
هذا حديث لما رواه أبو داود قال: هكذا الرواية الصحيحة: دينار، أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة، ثنا عبد السلام بن مطهر، نا جعفر - يعني ابن سليمان -، عن علي بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس قال: إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار، قال أبو داود، وكذلك قال ابن جريج، عن عبد الكريم، عن مقسم، وعنه من حديث شريك، عن خصيف، عن النبي عليه السلام: إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار، وكذا قال علي بن بذيمة، عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وروى الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آمره أن يتصدق بخمس دينار، يعني معضلا، ولما أخرجه النسائي في عشرة النساء فيما ذكره ابن عساكر، وتبعه المزي، ولم أره في المكان المذكور من المجتبى والكبير، قال: قال شعبة: أمّا حفظي فمرفوع، وقال: فلان وفلان: إنه لا يرفعه، وخرجه أيضا عن الحسن الزعفراني، عن محمد بن الصباح، عن إسماعيل بن زكريا، عن عمرو بن قيس، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: واقع رجل امرأته وهي حائض. . . الحديث.
وفي لفظ: إذا كان الدم عبيطا، وفي كتاب الحيض لأحمد: قال أبو
عبد الله: لم يرفعه عبد الرحمن، ولا بهز عن شعبة، وفي السنن للبيهقي عن أبي عبد الله: قال أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه: جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار، وعبد الحميد، وأبي أمية، وفيهم نظر، وأما قول البيهقي: وقيل: عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا، وإن كان محفوظا فهو من قول ابن عباس يصح، وفيه نظر؛ لأنّ إسناده عنده صحيح، رواه عن أبي بكر القاضي، عن أبي العباس الأصم، عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن أبي الجواب، عن الثوري عنه، وأبو الجواب حديثه في صحيح مسلم، وفي كتاب الجوزقاني، وذكره من حديث الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن علي بن بذيمة، سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: يعتق نسمة هذا حديث منكر. تفرد به عبد الرحمن وهو ضعيف جدا، وفي كتاب الخلال: قال أحمد: لو صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كُنّا نرى عليه الكفارة، قيل له: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم؛ لأنه من حديث فلان أظنه قال عبد الحميد: وقال عبد الرحمن ابن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونا فصححت، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عنه قال: اختلفت فيه الرواية، ولم يسمعه الحكم من مقسم، وسمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم قتادة روى عن عبد الحميد شيئا، ولا عن الحكم، وقال أبو سليمان الخطابي: وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه، وليستغفر الله، وزعموا: أنّ هذا الحديث مرسل، أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلا مرفوعا، والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بتشغيلها، وقال ابن المنذر:
هذا حديث في سنده اضطراب، فإن ثبت قلنا به، وإن لم يثبت لم نقل به، وقال عبد الحق في الكبرى: لا يصح، ولما ذكره في الوسطى عاب على أبي عيسى قوله: روي موقوفا على ابن عباس، ولم يتعرض لضعفه وهو لا يروى بإسناد يحتج به، وقد روي فيه: يتصدق بخمس دينار، وعند أبي داود: يعتق نسمة، قال: وقيمة النسمة يومئذ دينار، ولم يخص في إتيان الحائض دما من دم، ذكره النسائي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح في إتيان الحائض إلا التحريم، ولما ذكره أبو محمد من حديث مقسم، عن ابن عباس: إن كان الدم عبيطا فدينار، وإن كان فيه صفرة فنصف دينار ردّه؛ بأنّ مقسما ليس بالقوي، فسقط الاحتجاج به، ومن جهة شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: يتصدّق بنصف دينار، ثم قال: خصيف وشريك كلاهما ضعيف، ومن جهة الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مرسلا: يتصدّق بخمس دينار ردّه بالإرسال ورده البيهقي بالانقطاع، ومن جهة عبد الكريم بن أبي المخارق قال: وهو حديث باطل، ومن جهة عبد الملك بن حبيب، ثنا أصبغ بن الفرج، عن السبيعي، عن زيد بن عبد الحميد، عن أبيه أنّ عمر وطئ جارية له، فإذا بها حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بنصف دينار.
وحديث عبد الملك أيضا، عن المكفوف، عن أيوب بن خوط، عن قتادة، عن ابن عباس مرفوعا: فليتصدق بدينار، أو بنصف دينار، ثم قال: كفى بهذا سقوطا كونهما من رواية عبد الملك، كيف وفيهما غيره، أما الشعبي فيه تصحيف وهو: السبيعي وليس الشعبي، كما جاء عند ذكر سند الحديث فقال أصبغ بن الفرج عن السبيعي عن زيد، فلا يدرى من هو؟ ومع ذلك فهو مرسل، وأما المكفوف، فلا يعرف من هو؟ وابن خوط ساقط، ومن حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: يعتق نسمة، ورده بأن راويه عن
الوليد: موسى بن أيوب، وهو ضعيف، وكذلك ابن جابر، قال: فسقطت جميع الآثار في هذا الباب. . انتهى كلامه، وفيه نظر: من حيث فسر عبد الكريم بابن أبي المخارق، وإن كان له في ذلك سلف، وهو ما رواه روح بن عبادة عند الطبراني، عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم أبي أمية كما قاله أبو الوليد الفرضي وغيره من أنه الجزري لا ابن أبي المخارق، والله تعالى أعلم، وقال أبو عمر بن عبد البر: وهذا حديث مضطرب، ولا تقوم بمثله حجة، وقال الشافعي رحمه الله: فإن أتى رجل امرأته حائضا، أو بعد تولية الدم، ولم تغتسل، فليستغفر الله تعالى، ولا يعد، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتا أخذنا به، لكنه لا يثبت مثله، وفي المعرفة لأبي بكر، وذكر حديث مقسم فأعله بوقف شعبة له، ورواية شريك بقوله: وكان شريك يشكّ في رفعه، ورواية عبد الكريم أبي أمية تارة عن مقسم، وتارة عن عكرمة، وأبو أمية لا يحتج به، ورواه يعقوب بن عطاء، وهو لا يحتج، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعا، موقوفا: يتصدّق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار، وكذا رواه عليّ بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس، وضعّف ابن القطّان حديث خصيف به، ولما ذكر أبو الفرج: حديث ابن عباس في تحقيقه
ضعفه، وقال الغزالي: هو حديث ضعيف، وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى، وذكره: هذا حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، ولما ذكره أبو الحسن في كتاب الغرائب قال: غريب من حديث عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن عبد الحميد تفرد به عمر بن شبيب.
وقد روي عن جماعة من السلف ما يؤذن بأنه غير صحيح منهم: الشعبي، وسئل عن فاعل ذلك، فقال: ذنب أتاه، ليستغفر الله، ويتوب إليه، ولا يعود، وقال ابن جبير: ذنب أتاه، وليس عليه كفارة، وقال القاسم: يعتذر إلى الله، ويتوب، وقال عطاء: يستغفر الله، وليس عليه شيء، وكذا قاله ابن أبي مليكة، وعن أبي قلابة أن رجلا أتى أبا بكر، فقال: رأيت في المنام كأني أبول دما؟ قال: تأتي امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم قال: اتق الله، ولا تعد، وعن ابن سيرين، وسئل عن ذلك قال: يستغفر الله تعالى، وقاله إبراهيم، ذكره الدارمي في مسنده، قال ابن المنذر: وبه قال عطاء، ومكحول، والزهري، وأبو الزناد، وربيعة وحماد بن أبي سليمان، وأيوب، ومالك، والليث، والثوري، والنعمان، ويعقوب، وأما المصححون فالإمام أحمد بن حنبل في رواية أبي داود عنه أنه قال: ما أحسن حديث عبد الحميد في كفارة الحيض، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، وفي رواية الميموني عنه: عبد الحميد ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز والناس قديما قد
حملوا عنه، وليس به بأس، وقال الحربي: هذا الحديث اختلف فيه أصحاب شعبة، فرفعه يحيى، وغندر، ومعاذ، ووهيب، وابن أبي عدي، ووقفه وكيع، وابن مهدي، وحكى عنه ابن مهدي: كنت في رفعه كالمجنون، فصححت إنّي رجعت إلى إيقافه، فإن كان ذلك من قول شعبة صحيحا، فكأنه رجع عن رفعه وبعضهم يريد عبد الحميد رفعه، وخالف روح أيضا عبد الحميد، وأوقفه، وجعل مكان مقسم عكرمة، وعبد الحميد هو ابن أخي عمر بن الخطاب، أمّه: ميمونة بنت بشر، ولاه عمر بن عبد العزيز الكوفة، وكان أبو الزناد كاتبه، وكان من أحسن الناس وجها روى عنه بكير بن الأشج، وزيد بن أبي أنيسة وغيرهما.
وأمّا حديث حماد بن الجعد عن قتادة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، وحديث ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، لم يذكر عبد الحميد والحكم يوجب أن يكون القول قول حماد بن الجعد؛ لأنّه زاد، قال: واختلف أصحاب الحكم، فرفعه إسماعيل بن مسلم، وسفيان بن حسين، ورقبة، وأوقفه الأعمش، والمسعودي، وأبو عبد الله الشقري، وابن أبي ليلى، وخالد، وأرسله خصيف، فكان اتفاقه في هذا الحديث أثبت عندي، واختلف أصحاب خصيف، فرفعه شريك، وإسرائيل، وأوقفه ابن سعيد، ومعمر، وأرسله الثوري، وابن جريج، وقول حماد، عن عكرمة وهم بيّن، فالحكم يوجب أن يكون القول قول شريك، وإسرائيل، واختلف أصحاب عبد الكريم، فكان ممن رفعه ابن عيينة، وأبان، وحجاج، وابن جعفر، وابن جريج، وأرسله أبو الأحوص، فالقول قول من رفعه لكثرتهم، وعبد الكريم هذا غيره أوثق منه، وأما حديث علي بن الحكم، والثوري، عن علي بن بذيمة، عن مقسم، فأسنده علي بن الحكم، وأرسله الثوري، ولما ذكره أبو جعفر في شرح المشكل، وذكر بعده حديث عمر أنه كانت له امرأة تكره الجماع، فوقع عليها وهي حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بخمسي دينار
قال: والأحاديث الأول أولى من هذا لثبت رواتها ولتجاوزهم في المقدار، ولما ذكره الحاكم من حديث مسدد، ثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم مرفوعا ولفظه: بدينار، أو نصف دينار، قال: هذا حديث صحيح، فقد احتجا جميعا بمقسم، فأما عبد الحميد فمأمون ثقة، وشاهده ودليله بما ثناه علي بن حمشاذ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا عبد السلام بن مطهر، ثنا جعفر بن سليمان، عن علي بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس قال: إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.
قد أرسل هذا الحديث، وأوقف أيضا، ونحن على أصلنا الذي أصلناه أنّ القول قول الذي يسند، ويصل إذا كان ثقة، وذكره أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني الحافظ في باب صحاح الأحاديث ومشهورها، وكذلك ابن الجارود في منتقاه، وقال ابن أبي داود في كتاب الطهارة: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة، وعبد الحميد من ولد عمر بن الخطاب ثقة مأمون، وفي كتاب حرب الكرماني قيل لإسحاق، أو قال قائل: كيف يتصّدق بدينار، أو نصف دينار؟ قيل له: في ذلك في حديث ابن عيينة يبين ما سألت، حيث قال: إن كان الدم عبيطا فدينار، وإن كان فيه صفرة فنصف دينار، فخمس دينار، على قدر رقّة الدّم وغلظه، وقربّ طهارة من بعده، وفرق بينهما من لا يغلط، ولا يسهو، فمن رغب عن هذه السنة الصحيحة التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد زل وأخطأ، وينبغي للمسلم إذا جاءه مثل هذا وأشباهه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من سعده أن يقبله بقبول حسن، وقال الحافظ
أبو الحسن ابن القطان - رحمه الله تعالى -: وأما زعمهم أن متن الحديث بالجملة، لا بالنسبة إلى رواية راو بعينه مضطرب فذلك عندي خطأ من الإعلال، والصواب هو أن ننظر رواية كل راو بحسبها، ونعلم ما يخرج عنه فيها، فإن صح من طريق قبل، ولو كانت له طرق أخرى ضعيفة، وهم إذا قالوا: هذه روي فيه بدينار، وروي بنصف دينار فباعتبار صفات الدم، وروي دون اعتبارها، وروي باعتبار أوّل الحيض وآخره، وروي بخمسي دينار، وروي بعتق نسمة فأثبت من هذا في الذهن صورة سواء، وهو عند التبين والتحقيق لا يضرّه، ونحن نذكر الآن كيف هو صحيح بعد أن نقدم أن نقول يحتمل قوله:(دينار، أو نصف دينار) ثلاثة أمور.
أحدها: أن يكون تخييرا، ويبطل هذا بأن يقال: إنّما يصح التخيير بين شيئين، أمّا من فعل الشيء، أو بعضه فمحال إذ حكم التخيير أن يكون بين شيئين، أو أشياء حكمها واحد، فإذا خيرّ بين الشيء وبعضه كان بعض أحدهما متروكا بغير بدل.
والأمر الثاني: أن يكون شكا من الراوي.
والثالث: أن يكون باعتبار حالين، وهذا هو الذي يتعين منها، ونبينه بأن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم البخاري، ومسلم، ووثّقه النسائي، والكوفي، ويحق له، فقد كان محمود السيرة في إمارته على الكوفة لعمر ضابطا لما يرويه ومن دونه في السند لا يسأل عنهم، وسيتكرر على سمعك من بعض المحدّثين أنّ الحديث في كفارة من أتى حائضا لا يصح فليعلم أنّ لا عيب له عندهم إلا الاضطراب زعموا، فمِمّن صرح بذلك أبو علي بن السكن قال: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصح مرفوعا، لم يصححه البخاري، وهو صحيح من كلام ابن عباس. . انتهى، فنقول له: الرجال الذين رووه مرفوعا ثقات، وشعبة إمام أهل الحديث، قد ثبت في رفعه إيّاه، فممن
رواه عنه مرفوعا يحيى القطّان، وناهيك به، وغندر، وهو أخصّ النّاس به، ورواه سعيد بن عامر، عن شعبة، فقال: عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس قوله، وقال شعبة: أما حفظي فمرفوع، وقال: فلان، وفلان: إنه كان لا يرفعه، فقال له بعض القوم: يا أبا بسطام، ثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أني حدثت بهذا، أو سئلت، أو أني عمرت في الدنيا عمر نوح عليه السلام في قومه، فهذا غاية التثبت، وهبك أن أوثّق أهل الأرض خالفه فيه، فوقفه على ابن عباس، كان ماذا؟ أليس إذا روى الصحابي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له، بل يجب عليه أن يتقلّد بمقتضاه فيفتي به، هذا قوة للخبر، لا توهين له، فإن قلت: فكيف بما ذكر ابن السكن، ثنا يحيى، وعبد الله بن سليمان، وإبراهيم قالوا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا شعبة بالإسناد المتقدّم مثله موقوفا، وقال رجل: إنّك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونا فصححت؟
قلنا: نظن أنه لما أكثر عليه في رفعه إياه توقى رفعه، لا لأنه موقوف، لكن إبعادا للظنة عن نفسه، وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شك في رفعه في ثاني حال، فوقفه، فإن كان هذا، فلا نبالي أيضا، بل لو نسي الحديث بعد أن حدّث به لم يضرّه، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أنّ غيره من أهل الثقة والأمانة قد رواه عن الحكم مرفوعا، كما رواه شعبة فيما تقدّم، وهو عمرو بن قيس الملائي، قال فيه عن الحكم ما قال شعبة من رفعه إياه، إلا أن لفظه: فأمره أن يتصدّق بنصف دينار، ولم يذكر دينارا، وذلك لا يضرّه، فإنه إنّما حكى قصة معينة قال فيه: واقع رجل امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدّق بنصف دينار.
ذكره النسائي، فهذه حال يجب فيها نصف دينار، وهو مؤكد لما قلناه من أن دينارا، أو
نصف دينار إنما هو باعتبار حالين، لا تخيير وشك، ورواه أيضا مرفوعا هكذا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن: قتادة، وهو من هو، قال النسائي: أنا خشيش بن أصرم، ثنا روح، وعبد الله بن بكر، ثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد به مرفوعا، بدينار، أو بنصف دينار، إلا أن الأظهر في هذه الرواية أنه شك من الراوي في هذه القصة بعينها، فهذا شأن حديث مقسم، ولن نعدم عنه فيه وقفا وإرسالا وألفاظا أخر، لا يصح منها شيء غير ما ذكرناه، وأما ما روي من خمسي دينار، أو عتق نسمة، فما منها شيء يعول عليه، فلا يعتمد في نفسه، ولا يطعن به على حديث مقسم، والله أعلم. . انتهى كلامه.
وقول ابن حزم: مقسم ليس بالقوي، فسقط الاحتجاج به فيه نظر؛ لأنه ممن حديثه في الصحيحين على سبيل الاحتجاج وأثنى عليه غير واحد من الأئمة، وفي قول الدارقطني: تفرد به عمر بن شبيب، يعني عن الملائي نظر لما أسلفناه من كتاب النسائي، وأما قول ابن السكن فمردود؛ بأن البخاري لم يخرج، ولم يصحح كل حديث، وقال: انتقيت كتابي من مائة ألف حديث صحيحة، وإنما خرجت هنا ما أجمعوا عليه، فلا حجة إذا في عدم تصحيح البخاري له، وأما قول النووي فمردود بما قدّمناه أيضا، وأما ما أعله به أحمد فمعارض بما تقدم، ولعله ظهر لك ذاك بعد، وأما تضعيف الجوزقاني؛ فلرواية خاصة بدليل ما ذكره بعد، ويؤكد صحته قول جماعة من السلف به، منهم: الحسن قال: عليه عتق رقبة، أو عشرون صاعا لأربعين مسكينا، وقال عطاء: يتصدق بدينار، وفي رواية: بنصف دينار، وقال الأوزاعي: بخمس
دينار، ذكره الدارمي، زاد ابن المنذر: وقتادة، وإسحاق، والنخعي، وسعيد بن جبير، وهو قول محمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وفي كتاب الماوردي: قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حله صار كافرا مرتدا، فإن فعله ناسيا، أو جاهلا بتحريمه، أو بوجود الحيض، أو مكرها، فلا إثم عليه، ولا كفارة، وإن تعمّدا الوطأ عالما بما سبق، فقد ارتكب كبيرة يجب عليها التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي رحمه الله تعالى: ويشبه أن يكون خطر ذلك لما رواه الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال عليه السلام: من وطئ امرأة وهي حائض، فقضي بينهما ولد، فأتى به جذام، فلا يلومن إلا نفسه. قال أبو القاسم في الأوسط لم يروه عن الزهري إلا الحسن بن الصلت شيخ من أهل الشّام، تفرد به محمد بن أبي السري.
باب في الحائض كيف تغتسل
38 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها، وكانت حائضا: انقضي شعرك، واغتسلي، وقال علي في حديثه: انقضي رأسك.
هذا حديث تقدم ذكرنا له، وأن إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في مسند العدني مطولا: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة جميعا، قالت: فقدمت مكة، وأنا حائض، فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك. وهو في الصحيح أيضا.
39 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر سمعت صفية تحدّث عن عائشة أنّ أسماء سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من المحيض، فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها، فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة من مسكة، فتطهر بها، قالت أسماء: كيف أتطهر بها؟ قالت عائشة: كأنها تخفي ذلك، تتبعي بها آثار الدم. قالت: وسألت عن الغسل من الجنابة، فقال: تأخذ إحداكن ماءها، فتطهر، فتحسن الطهور، أو تبلغ في الطهور حتى تصب الماء على رأسها، فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض الماء على جسدها. فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدّين.
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي لفظ لمسلم: أن أسماء بنت شكل، وتبعه على ذلك غير واحد، منهم: أبو العباس الطرقي في أطرافه، وابن بشكوال، وأبو الفضل ابن طاهر في الإيضاح، وابن الأثير في استدراكه على أبي عمر، وابن فتحون، وأبو موسى المديني في معرفة الصحابة، ولماّ ذكرها ابن قرقول ضبط اسم أبيها بكاف ساكنة، وأكثر النّاس على فتحها، وأما ابن الجوزي، فإنه اضطرب كلامه، فذكر في مشكل الصحيحين: أنها ابنة شكل، وقال في التلقيح هي بنت يزيد بن السكن: وقال الخطيب أبو بكر: هي أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء، وتبعه على ذلك غير واحد، حتى قال الحافظ الدمياطي: هذا هو الصحيح؛ لأنه ليس في الأنصار من اسمه شكل مستدلا بقول البخاري في هذا الحديث أنّ امرأة من الأنصار، وهي شهادة على النفي؛ لأنّ مسلمًا أثبتها، وتبعه من أسلفناه، أو ظهر لهم ما ظهر له، فذكروه لا لمتابعته، وأيا ما كان، فلا يدفع إلا بدليل واضح، وكون الخطيب خالف ذلك لا يقتضي وهما لاحتمال أن تكونا امرأتين سألتا عن أمر واحد كما تقدّم نظائره، أو يكون الخطيب هو الواهم من اللام إلى النون في غير ذلك من الاحتمالات، ويوضحه أنّ ابن سعد والطبراني وغيرهما ذكروا ابنة يزيد بأحاديث ليس فيها هذا، وفرق ابن منده بين أسماء بنت يزيد وبين ابنة شكل، وكذا غيره، وذكر أبو موسى هذا الحديث في ترجمة ابنة شكل ويزيد ذلك وضوحا، ويبرئ مسلما من التفرد ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده، كرواية مسلم سواء، وفي كتاب المستخرج لأبي نعيم الحافظ كذلك عن أبي جعفر محمد بن محمد، ثنا الحسين بن محمد بن حاتم، ثنا الوليد بن شجاع، ثنا أبو الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية، عن عائشة، قالت: دخلت أسماء بنت شكل. . .
الحديث، قال أبو داود في كتاب التفرد، عن إبراهيم بن مهاجر: فرصة ممسكة، قال مسدد كان أبو عوانة يقول: فرصة، وكان أبو الأحوص يقول: قرصة. . انتهى، وقوله: فرصة يعني: بكسر الفاء وسكون الراء هذا هو المشهور، وهي القطعة من الصوف، أو غيره، يقال: فرصت الشيء بمعنى قطعته بالفراص، وأنكر أبو محمد بن قتيبة ذلك، وقال: إنما هي قرضة بالقاف والضاد المعجمة: وهي القطعة، وقال بعضهم: قرصة بفتح القاف وسكون الراء، ثم صاد مهملة، أي: شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين، وقوله من مسكة أي: من مسك، وهو دم الغزال المعروف، وقال بعضهم: من مسك بفتح الميم أي جلّد عليه شعر، قال عياض: وهي رواية الأكثرين، وأنكرهما ابن قتيبة، وقال: المسك لم يكن عندهم من السعة بحيث يمتهنونه في هذا، والجلد ليس فيه ما يتميّز من غيره، فيخص به، قال: وإنما أراد فرصة من شيء صوف، أو قطن، أو خرقة ونحوه، وقال بعضهم: أراد قطعة من جلد عليها صوف، والصواب: الأوّل، وتدلّ عليه الرواية الأخرى فرصة ممسكة بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد السين مع فتحها أي: قطعة من صوف ونحوها مطيبة بالمسك وروى بعضهم: ممسكة بضم الميم الأولى وسكون الثانية وسين مخففة مفتوحة، وقيل: مكسورة أي من الإمساك، وفي بعض الروايات: خذي فرصة ممسكة فتحملي بها، وقيل: أراد بالممسكة الخلق التي أمسكت كثيرا كأنه السك أن لا تستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به؛ ولأنّ الخلق أصلح لذلك، ووقع في كتاب عبد الرزاق: يعني بالفرصة السك
وقال بعضهم: هي الذريرة، وفي الأوسط لأبي القاسم: خذي سكيكتك، فقالت: أصنع بها ماذا؟
وقال: لم يروه عن عطاء بن السائب، يعني عكرمة عن عائشة، إلا حماد بن سلمة، تفرد به أبو عمر الضرير.
وزعم المحاملي الشافعي: أنه يستحب للمغتسلة من الحيض والنفاس أن تطيب جمع المواضع التي أصابها الدم من بدنها، والحكمة في ذلك: تطييب المحل ورفع الرائحة الكريهة، وقيل: لأنه أسرع إلى علوق الولد، واختلف في وقت استعمالها لذلك، فقال بعضهم: بعد الغسل، وقال آخرون: قبله.
وفي صفة الاغتسال أحاديث سبق ذكرها، ومنها حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سالم خادم النبي عليه السلام قال: كن أزواج النبي عليه السلام يجعلن رؤوسهن أربع قرون، فإذا اغتسلن جمعنهن على وسط رؤوسهن، ولم ينقضنهن.
رواه في الأوسط، وقال: لم يروه عن جعفر إلا عمر بن هارون، ولا يروى عن سالم إلا بهذا الإسناد.
باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها
40 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أتعرّق العظم، وأنا حائض، فيأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع فمه حيث كان فمي، وأشرب من الإناء، فيأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع فمه حيث كان فمي، وأنا حائض.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي لفظ للنسائي: يدعوني فآكل معه، وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فآخذه منه، ثم أضعه، فيأخذه، فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشّراب. . .، فذكر بقية ذلك.
.
41 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو الوليد، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن اليهود كانوا لا يجلسون مع الحائض في بيت، ولا يؤاكلوها، ولا يشاربوها قال: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا الجماع.
هذا حديث خرجه مسلم بزيادة، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله: إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن فتمعر وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما، وذكر الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في كتابه أسباب النزول الذي قرأته على أبي النون القاهري رحمه الله تعالى، عن ابن المقير، أنبأ أبو الفضل أحمد بن طاهر الميهني عنه قال: أنبأ أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنبأ أبو عمرو بن حمدان، أنبأ أبو عمران موسى بن العباس، ثنا محمد بن عبيد الله بن يزيد القردواني حدثني أبي، عن سابق بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} ، وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يساكنوها في بيت كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى الآية.
وفي الباب: حديث عبد الله بن سعد، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض، فقال: واكلها رواه ابن ماجه في موضع آخر، وقال فيه الطوسي: حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم، واختلفوا في فضل طهورها.
وأما العرق فهو: عظم عليه لحم، وقيل: العرق الذي قد أخذ أكثر لحمه، والعراق: العظم بغير لحم، والعرق الفدرة من اللحم، وجمعها عراق، وهو من الجمع العزيز، وله نظائر قد أحصيتها في المخصص، وحكى ابن الأعرابي في جمعه عراق بالكسر وهو أقيس، وأنشد:
يبيت ضيفي في عراق ملس
…
وفي شمول عرضت للنحس
أي ملس من الشحم، والنحس: الريح التي فيها غبرة وعرق العظم يعرقه عرقا، واعترقه أكل ما عليه، ذكره ابن سيّده، وفي الجمهرة: وعرقت العظم أعرقه وأعرقه، وفي الصحاح: والعرق بالفتح مصدر قولك: عرقت العظم أعرقه بالضم عرقا، ومعرقا إذا أكلت ما عليه من اللحم، وقال:
أكف لساني عن صديقي فإن أجأ
…
إليه فإني عارق كل معرق
وفي الجامع: عرقت العظم واللحم فأنا أعرقه عرقا، واعترقه اعتراقا مثله، وكذا تعرقته تعرقا، وأعرقت فلانا عرقا من لحم: أعطيته إيّاه، والعراق الذي قد أخذ عنه اللحم. هذا قول الخليل، وقال غيره: العراق: الفدرة من اللحم، وقيل: هو العظم الذي عليه اللحم، يقال له: عرق وعراق، وكذا قال اللحياني: من اللحم عرق وعراق، وقيل: العراق جمع العرق، كما قالوا: ظئر وظؤار، وهم يقولون: هذه ثريدة كثيرة العراق يريدون فدر اللحم. وهو غلط على قول من قال: العراق العظم بغير لحم، وقال بعضهم: إذا كان في القطعة عظم سميت عراقا، وإذا لم يكن فيها عظم فهي بضعة، وفي الحديث: دخل على أم سلمة فتناول عرقا. فدلّ على أنّ العرق عظم عليه لحم، ومما يدل على أنه يكون بغير لحم حديث جابر: فكأني أنظر إليه، وفي يده عرق يتمششه، فالعراق هنا العظم
وقد عرى من اللحم، وقالوا: يدلّ على أنّ العراق العظم بغير لحم، وقول الراجز: وهو يطير الطير عن زرع له:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها
…
ومن مطرادي الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها
…
حمراء تبري اللحم عن عراقها
والموت في عنقي وفي وأعناقها
فإنّما يريد: تبري اللحم عن عظامها.
والعرب تقول: هذا كلّه ثريد، تريد به مرّة اللحم بالعظم، ومرة العظم بغير لحم، كما تقول في العراق على ما قدمناه، وأكثر قولهم: إنّ العرق اللحم، والعراق العظم، والمعروق من العظام الذي أكل لحمه، ولذلك قال الشاعر:
ولا تهدي بمعروق العظام
وكذلك يقولون: رجل معروق ومعترق إذا لم يكن على قصبه لحم، ويقال ذلك للمهزول، ومنه قول رؤبة يذكر امرأة ورجلا: غول تصدى لسبنتي معترق، فمعترق: شديد القصب من اللحم، وتعرقت ما على العظم مثل عرق، وقال الهروي: تعرقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك، وأما السؤر: بالهمزة فهو ما بقي من الشراب، وغيره في الإناء، كذا ذكره ثعلب، وذكر ابن درستويه أنّ العامة لا تهمز، وتركها الهمز ليس بخطأ، ولكن الهمز أفصح.
وفي كتاب اللبلي: هو يستعمل في كل بقية، وأسأر فلان من الطعام: إذا أبقى منه.
ما جاء في الحائض ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر
42 -
حدثنا محمد بن يحيى، نا عبيد الله بن موسى، عن شيبان النحوي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم بكر أنها أخبرته أنّ عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال: إنّما هي عرق، أو عروق، قال محمد بن يحيى: يريد بعد الطهر: بعد الغسل.
هذا حديث لما ذكره الإسماعيلي الحافظ في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير، ورواه عن الحسن بن سفيان، وابن أبي حسان، ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عائشة به، قال: أدخل بعضهم في هذا الحديث بين أبي سلمة، وعائشة أم بكر. . انتهى، فلو صرح هنا بالسماع لكان الحديث صحيحا.
43 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أم عطية قالت: لم نكن نرى الصفرة والكدرة شيئا.
ثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا وهيب، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قالت: كنّا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا قال محمد بن يحيى: وهيب أولاهما عندنا بهذا.
هذا حديث رواه البخاري في صحيحه بالإسناد المتقدّم كما نراه موقوفا، وزاد
أبو داود: بعد الطهر، وهذه الزيادة لما خرّجها أبو عبد الله حكم بصحتها على شرط الشيخين، ولما ذكره أبو نعيم في مستخرجه عن أبي عمرو بن حمدان، عن الحسن بن سفيان، عن إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهيب، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قال: ورواه البخاري عن قتيبة، عن إسماعيل، عن أيوب موهما أن البخاري خرجه عن حفصة، كما خرجه هو، وليس كذلك، على أن له في ذلك سلفا، وهو أبو داود، فإنه لما ذكر حديث حفصة، وقال: محمد بن سيرين مثله، قال الأزدي: كذا قال مثله، ولم يذكر النص، والحديث معروف عن ابن سيرين، وليس فيه بعد الطهر، وهو الصحيح المشهور، وتكلف بعضهم الجواب عن عدم تخريج البخاري لحديث حفصة بما لا يجزئ شيئا قال: إمّا أن يكون لم تصل طريقه إليه من جهة يرضاها، أو لأنّ طريق محمد أصحّ عنده، وأما تخريج الحاكم حديث ابن سيرين بلفظ البخاري في مستدركه فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه، ولفظ الدارقطني في السنن: كنا لا نرى الترية بعد الطهر شيئا، وهي الصفرة، والكدرة، وفي كتاب ابن بطال بعد الغسل، وقال: رواه حماد بن سلمة، عن قتادة، عن حفصة عنها، وفي الباب حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها -: ما كنّا نعد الصفرة والكدرة شيئا، خرجه البيهقي في الكبير من حديث بحر بن كنيز، عن الزهري، عن عروة عنها، ثم قال: وهذا إسناد ضعيف لا يسوي ذكره، وروي بإسناد أمثل من ذلك، ثم ذكره من حديث أبي النضر، عن محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء عنها: إذا رأت المرأة الدم فلتمسك عن الصلاة حتى تراه أبيض كالقصة، فإذا رأت فلتغتسل
ولتصلي، فإذا رأت بعد ذلك صفرة، أو كدرة فلتتوضأ، ولتصلي، فإذا رأت ماء أحمر فلتغتسل، ولتصلي موقوف، وذكره ابن حزم من حديث قاسم بن أصبع. ثنا ابن وضاح، ثنا موسى بن معاوية، ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن معاذة عنها: ما كنا نعد الصفرة، والكدرة حيضا، وقال عبد الله بن أحمد حدثني أبي، ثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أم الهذيل، عن عائشة به، قال أبي: إنّما هو حفصة، عن أم عطية، وزعم بعض من ألّف شرط للبخاري أنّ أبا محمد بن حزم ذكره في كتابه محتجا به، وقال: هو في غاية الجلالة، ويشبه أن يكون وهما منه على أبي محمد، وأنى له الاحتجاج به، وراويه عنده، وإنما قال أبو محمد بن حزم ما نقله عنه في حديث أنس بن سيرين: استحيضت امرأة من آل أنس فأمروني فسألت ابن عباس، فقال: أما ما رأت الدم الحمراني، فلا تصلي، فإذا رأت الطّهر، ولو ساعة من نهار فلتغتسل، وتصلي، وحديث أبي بكر ذكره في معرض الخلاف لا الاحتجاج، وفي البخاري معلّقا: وكن النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرفس فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وفي
الموطأ بسند صحيح من رواية علقمة بن أبي علقمة بلال، عن أمه مولاة عائشة عنها، وأمه اسمها مرجانة، ذكرها أبو حاتم في كتاب الثقات، وأما قول النووي: هذا صحيح لكونه تعليقا عند البخاري فغير كاف لما للناس في التعليق من الخلاف، اللهم إلا أن يضم إليه ما ذكرنا من بيان سنده، وصحته، والله أعلم.
وأمّا قول صاحب تقريب المدارك إثر سند مالك هكذا خرجه البخاري يعني مسندا فوهم لما أسلفناه، وأما ابن حزم، فقال: قد خولفت أم علقمة في ذلك عن عائشة بما هو أقوى من روايتها، وفي الموطأ بسند صحيح، وهو عند البخاري معلّق أيضا، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته، عن ابنة زيد بن ثابت: أنّه بلغها أنّ نساء كَُّن يدعين بالمصابيح في جوف الليل، لينظرنّ إلى الطهر: فكانت تعيب ذلك عليهنّ وتقول: ما كان النِّساء يصنعن هذا، عمّة ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم، قال ابن الحذاء: وإن كانت عمّة جدّه فهي عمة له أيضا، ويشبه أن يكون لها صحبة، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا، وذكرها أبو عمر في الاستيعاب، وابنة زيد يشبه أن تكون أم سعد المذكورة عند ابن عبد البر في الصحابيات، وقد روى البيهقي ما يشدّه من جهة محمد بن سليمان بن خلف، عن علي بن حجر، عن إسماعيل، عن عبّاد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة: أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا في الحيض. . . الحديث، وهذان الأثران ذكرهما أبو
عمر كما في الموطأ، ولم يتعرض للكلام عليهما بشيء ألبتة، وحديث زينب: كنا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا، ذكره أبو حامد في وسيطه، قال أبو عمر: اختلف قول مالك في الصفرة، والكدرة، ففي المدونة إذا رأته في أيام حيضتها، أو في غير أيّام حيضتها فهو حيض، وإن لم تر مع ذلك دما، وفي المجموعة: إذا رأته في أيّام الحيض، أو في أيّام ال ستظهار فهو كالدّم، وما رأته بعد ذلك فهو استحاضة، وهذا قول صحيح، إلا أن الأوّل أشهر، وقال الشّافعي، والليث، وعبيد الله بن الحسن: هما في أيام الحيض حيض، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة في أيام الحيض حيضا إلا بأثر الدم، وهو قول داود: إن الصفرة والكدرة لا تعد حيضا إلا بعد الحيض لا قبله، قال البيهقي: وروينا عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك حتى ترين البياض خالصا، وهذا أولى مما روي عن أم عطية؛ لأنّ عائشة أعلم بذلك منها، ويحتمل أن يكون مراد أم عطية بذلك إذا، زادت على أكثر الحيض، انتهى.
قد روينا عن عائشة موافقتها لأم عطية، والله أعلم.
باب النفساء كم تجلس
44 -
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا شجاع بن الوليد، عن علي بن عبد الأعلى، عن أبي سهل، عن مُسة الأزدية، عن أم سلمة قالت: كانت تجلس النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف.
هذا حديث رواه أبو داود من حديث ابن المبارك، عن يونس بن نافع، عن كثير بن زياد، قال: حدثتني الأزدية قالت: حججت فدخلت على أم سلمة، فقالت: يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض، فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة، ولا يأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ بقضاء صلاة النفاس، قال محمد بن حاتم: اسمها مسّة، وتكنى أم بسة، وقال فيه أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث أبيِ سهل، عن مسّة الأزدية، عن أم سلمة، واسم أبي سهل كثير بن زياد، وقال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبيِ سهل، زاد في العلل: ولا أعرف لمسة غير هذا الحديث، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، ولا أعرف في معناه غير هذا، يعني حديث الأزدية قال: وشاهده ما ثناه أبو جعفر، فذكر حديث مسّة
وفي قوله: (ولا أعرف في معناه غيره) نظر إن أراد شيئا ما لما ذكره بعد هو من الأحاديث، وإن أراد الصحة فصحيح، والله تعالى أعلم.
وقال أبو علي الطوسي: لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل، ولما ذكره البيهقي أتبعه تحسينا بحاله، وكذلك الخطابي، وقال في الخلافيات: أبو سهل ليس له ذكر في الصحيحين، وذكره ابن حبان في المجروحين واستحب مجانبة ما انفرد به، وقال الأزدي: حديث مسة أحسنها يعني الأحاديث التي في الباب، وعاب ذلك عليه أبو الحسن ابن القطان بقوله: أم مسة لا يعرف حالها، ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث فخبرها هذا ضعيف الإسناد، وهي علّته، ومنكر المتن، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما منهنّ من كانت نفساء أيّام كنّ معه إلا خديجة وزوجيتها كانت قبل الهجرة، فإذن لا معنى لقولها: كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة، إلا أن تريد بنسائه غير أزواجه من بنات، وقريبات، وسريته مارية -. انتهى كلامه، وفيه نظر في مواضع:
الأوّل: قوله: إنّ مسّة لا تعرف عينها، وليس هو بابي عذرة هذا القول، فقد سبقه إليه أبو محمد ابن حزم، وهو قول مردود بقول ابن حبان روى عنها غير واحد منهم الحكم بن عتيبة، وفي الخلافيات: روى عنها العرزمي، وزيد بن علي بن الحسين.
الثاني: عصبه الجناية برأس مسّة، وسكوته عن غيرها، وهو أبو سهل، وإن كان ابن معين وثقه، وقال أبو حاتم: لا بأس به، فقد قال أبو حاتم بن حبان حين ذكره في كتابه يروي عن الحسن وأهل العراق مقلوبات.
الثالث: ما ادّعاه في متنها من النكارة مردود بمجيئه من غير طريقها كما سنذكره بعد - إن شاء الله تعالى -، وفي لفظ الدارقطني: إنّ أم سلمة سألته صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، رواه من حديث العرزمي عن الحكم، عن مسّة، ورواه ابن وهب في مسنده عن الحارث بن نبهان، عن محمد، عن أبي الحسن عنها، وفي كتاب الضعفاء لابن حبّان: روى كثير بن زياد، عن الحسن، عن أم سلمة: كان النساء يقعدن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد نفاسهن أربعين ليلة وأربعين يوما، وكنّا نطلي على وجوهنا بالورس من الكلف، وهو إسناد جيد، إن سلم من انقطاع ما بين الحسن، وأم سلمة، فإن أبا حاتم شكّ فيه، وكثير تقدم الكلام عليه.
45 -
حدثنا عبد الله بن سعيد، ثنا المحاربي، عن سلام بن سليم، عن حميد، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك.
هذا حديث رواه أبو أحمد بن عدي، عن سلام، وقال: هو متروك الحديث، وقال عبد الحق هو حديث معتل بسند متروك، وقال أبو الحسن الدارقطني في سننه: لم يروه عن حميد غير سلام، هذا وهو سلام الطويل، وهو ضعيف، يعني
سلام بن سلم، ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن سالم أبو عبد الله التميمي السعدي الخراساني الطويل ساكن المدائن، وإن كان أبو عبد الله قد قال فيه: ثقة، وصحح حديثه في مستدركه، فقد قال فيه يحيى: ضعيف لا يكتب حديثه، وقال مرّة: ليس بشيء، وفي رواية ابن أبي شيبة عنه له أحاديث مناكير، وضعفه ابن المديني جدا، وقال أحمد: منكر الحديث، وقال البخاري، والرازي: تركوه، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب، وقال النسائي، وعلي بن الجنيد، والأزدي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمّد لها، وفي كتاب أبي العرب: قال أبو الحسن: سلام ضعيف لا يكتب حديثه، وفي كتاب العقيلي، عن الأعين قال: سمعت أبا نعيم يضعفه، وذكره البرقي في كتاب الضعفاء، وكذلك الساجي، وأبو القاسم البلخي، وقال البيهقي: لا يحتج بحديثه، وقال الحربي: غيره أوثق منه، وذكره الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم، ولما ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في علله ردّه بسلام، وكذلك أبو الفضل بن طاهر في كتاب التذكرة، وفي الباب حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، ذكره أبو الفرج البغدادي في كتاب العلل من حديث حسين بن علوان، عن هشام، عن أبيه عنها، وقال: لا يصح، وقال ابن حبان: حسين يضع على هشام وغيره لا يحل كتب حديثه، وحديث عثمان بن أبي العاص قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في نفاسهن أربعين يوما ذكره أبو أحمد ابن عدي، وقال: لا يصح فيه أبو بلال، وعطاء بن عجلان، وهما متروكان، وذكره أبو الحسن الدارقطني من رواية عمر بن هارون، عن أبي بكر الحنفي، عن الحسن
أن امرأة عثمان لما تعلت من نفاسها تزيّنت، فقال عثمان: أخبرك أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرنا أن نعتزل النساء أربعين يوما. ثم قال: رفعه عمر بن هارون عنه، وخالفه وكيع، يعني: فرواه موقوفا، وكذلك رواه أشعت، ويونس بن عبيد، وهشام، واختلف عن هشام، ومبارك بن فضالة فرووه عن الحسن، عن عثمان موقوفا، وكذلك روي عن عمر وابن عباس، وأنس وغيرهم من قولهم، ولما ذكره ابن الجارود في منتقاه موقوفا قال: وأسنده أبو بكر الهذلي، عن الحسن، وقال الحاكم هذه سنة غريبة، فإن سلم هذا الإسناد من أبي بلال، فإنه مرسل صحيح، فإن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص، وله شاهد بإسناد مثله، وقال عبد الحق: حديث معتل بإسناد متروك، وحديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفاس دون أسبوعين، ولا نفاس فوق أربعين، فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت، وصلّت، ولا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين، خرجه أبو أحمد من حديث محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة، عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وقال الدارقطني: لم يروه غير ابن سعيد، وهو متروك الحديث يريد الدارقطني هذا المتن بطوله، وإلا، فقد رواه من طريق آخر مختصرا من غير روايته، ورواه
الحاكم من حديث عبد السلام بن محمد، ثنا بقية، أخبرني الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن نسي، عن ابن غنم به، ثم قال: قد استشهد مسلم ببقية، وأما الأسود، فإنه شامي معروف، والحديث غريب في الباب.
وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقّت للنفساء أربعين يوما، خرجه أحمد بن حنبل في كتاب الحيض، عن حبان بن علي، عن شيخ قد سمّاه، عن ابن أبي مليكة عنها، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنتظر النفساء أربعين يوما، فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر، فإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل، وتصلي، فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة،، وقال أبو محمد الأزدي حديث معتل بسندٍ متروكٍ، وحديث عائذ بن عمرو، وكان
ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة: أن امرأته نفست، وأنها رأت الطهر بعد عشرين ليلة، فتطهرّت، ثم أتت فراشه، فقال: ما شأنك؟ قالت: قد طهرت، قال: فضربها برجله، وقال: إليك فلست بالذي تغريني عن ديني حتى يمضي لك أربعون ليلة، ذكره الدارقطني من حديث الجلد بن أيوب، وهو ضعيف عن أبي إياس معاوية بن قرّة عنه، وحديث جابر بن عبد الله قال: وقت للنفساء أربعين يوما، ذكره أبو القاسم في الأوسط، عن أحمد بن خليد، ثنا عبيد بن جناد، ثنا سليمان بن حيان أبوّ خالد الأحمر، عن الأشعث بن سوار، عن أبي الزبير عنه، وقال: لم يروه عن أشعث إلا أبو خالد، وحديث عمر بن الخطاب بمثله،، وأثر عن ابن عباس قال: تنتظر النفساء أربعين يوما، أو نحوها، ذكره الدارمي في مسنده بسند صحيح عن أبي الوليد الطيالسي، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك عنه، وبنحوه ذكره ابن الجارود في منتقاه، وعن عطاء قال: إن كانت لها عادة وإلا جلست أربعين ليلة، وعن الحسن أنه قال: في النفساء ترى الدم تتربص أربعين ليلة، ثم تصلي، وفي أحكام أبي علي الطوسي أجمع أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ النفساء تدع الصلاة أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل، وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد
الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان، وابن المبارك، وأحمد، ويروى عن الحسن أنه قال: إنّها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تر الطهر، ويروى عن عطاء بن أبي رباح ستين يوما، وهو قول الشّافعي، وفي كتاب الإقناع لابن المنذر: وأكثر النفاس عند أصحابنا شهران، وإن طهرت ليوم، أو أقل من يوم اغتسلت وصلّت، وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النفساء إذا تطاول بها الدم تمسك أربعين، ثم تغتسل ذكره البيهقي في الخلافيات، وقال: إسناده ضعيف، وقال: وروي من وجه آخر ضعيف، وفي لفظ: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثر الحيض عشرة وأقلّه ثلاث، ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء، ورُدّه بالحسين بن علوان، وحديث زيد بن ثابت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكون الحيض أقل من ثلاثة، وأكثر من عشرة ذكره البيهقي في السنن الكبير، وقال لا يصح، وحديث معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حيض أقل من ثلاثة، ولا فوق عشرة ذكره العقيلي، وردّه بمحمد بن الحسن الصدفي بأنه مجهول، قال: وحديثه غير محفوظ، وذكره ابن عدي أيضا من حديث محمد بن سعيد المصلوب، وفي كتاب السنن الكبير للبيهقي من حديث الأسود، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ مرفوعا: إذا مضى للنفساء سبع، ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصلي، وفي رواية بقية، ثنا علي بن علي، عن الأسود، وهو أصح وإسناده ليس بالقوي، قال ابن منده: واستدل بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: تمكث نصف دهرها لا تصلي وهذا لا يثبت
من وجه من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ القشيري: وأما الذي يذكره الفقهاء من قعودها في رواية أبي سعيد الخدري: شطر عمرها، أو شطر دهرها لا تصلي، فقد طلبته كثيرا، فلم أجده في شيء من الكتب الحديثية، ولم أجد له إسنادا بحال، ولما ذكر ابن عدي حديث سليمان بن عمرو، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن مكحول: الحيض عشر، وحديثا آخر قبله، قال: وهذان الحديثان وضعهما سليمان بن عمرو، وإن كان إبراهيم بن زكريا راوي الحديث الثاني فيه ضعف، فإنه خير من سليمان بكثير، وحديث مكحول عن زيد بن ثابت يرفعه: لا يكون الحيض أقل من ثلاث، ولا أكثر من عشر، ذكره البيهقي في الخلافيات، وقال: وقيل: عن مكحول، وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحيض ثلاث وأربع ذكره سعيد بن عمرو البرذعي في سؤاله لأبي زرعة.
قلت: هارون بن زياد الفسوي، قال: لا أعرفه، قلت: روى عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، فذكر هذا الحديث، فقال: هذا باطل وزور، وحديث العلاء بن كثير، عن مكحول، عن أبي الدرداء، وأبي هريرة مرفوعا: تنتظر النفساء أربعين يوما، ذكره ابن عدي، وردّه بالإرسال، وحديث عبد الله ابن عمرو قال عليه السلام: الحائض تنظر ما بينها وبين عشر، فإن رأت الطهر، فهي طاهر، وإن جاوزت العشر؛ فهي مستحاضة: تغتسل، وتصلي.
ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن عبدة بن أبي لبابة يعني عن
عبد الله بن باباه، عن ابن عمرو إلا ابن علاثة، تفرد به عمرو بن حصين، وأما أقلّ الحيض، وأكثره، ففيه أحاديث منها: حديث مكحول عن أبي أمامة الباهلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكون الحيض للجارية والثيّب التي قد يئست من المحيض أقل من ثلاثة أيام، ولا أكثر من عشرة أيام، فإذا رأت الدم فوق عشرة أيام فهي مستحاضة، فما، زاد على أيام أقرائها قضت، ودم الحيض أسود خاثر، ودم المستحاضة أصفر رقيق، فإن غلبها فلتحشي كرسفا، رواه الدارقطني من حديث عبد الملك، عن العلاء بن كثير، وقال: عبد الملك مجهول، والعلاء ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا، وقال البخاري: العلاء، عن مكحول منكر الحديث، وفي المعرفة: وروي من أوجه كلّها ضعيفة، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن مكحول إلا العلاء، وحديث مكحول، عن واثلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام رواه أيضا، وقال: حماد بن المنهال يعني راويه مجهول، ومحمد بن أحمد بن أنس ضعيف، وحديث أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحيض ثلاثة أيام، وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، فإذا جاوزت العشر فهي مستحاضة،، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا حديث باطل، ورواه
الدارقطني في سننه من حديث الجلد بن أيوب موقوفا،، قوله: الثلاث والخمس إلى العشر، وفي سؤالات الميموني: قلت لأبي عبد الله: ثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الحيض عشرة أيام، أو خمسة عشر؟ قال: لا يثبت عنه، قلت: حديث أنس؟ قال: ليس بشيء، قال سفيان بن عيينة: حديث الجلد محدث، لا أصل له، وفي المعرفة للبيهقي، روي حديث الجلد من أوجه ضعيفة أخر: عن أنس مرفوعا وموقوفا، وليس له عن أنس أصل إلا من جهة الجلد، ومنه سرقه هؤلاء الضعفاء، وقال الشّافعي لمن يناظره: نحن وأنت لا نثبت مثل حديث الجلد، ونستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقلّ من هذا، وفي تاريخ أبي زرعة: أنّ أمّ ولد لأنس بن مالك استحيضت، قال أنس بن سيرين: فأمروني أن أسأل ابن عباس، قال أبو زرعة: فسمعت أحمد بن حنبل يحتج بهذه القصة، ويرد
بها ما يروى عن أنس مما رواه الجلد، وقال: ولو كان هذا صحيحا عن أنس لم يؤمر ابن سيرين أن يسأل ابن عباس، قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن حنبل فحديث معاوية بن قرة، عن أنس في الحيض صحيح، فلم يره صحيحا إذ ردّوا المسألة إلى ابن سيرين ليسأل ابن عباس، ولم يدفع لقاء أنس بن سيرين، وسؤاله ابن عباس، وفي كتاب الدارمي، ثنا محمد بن يوسف قال سفيان: بلغني عن أنس أنه قال: أدنى الحيض ثلاثة أيام سئل عبد الله تأخذ بهذا؟ قال: نعم إذا كان عادتها، وفي كتاب حرب قال إسحاق: معناه، وإن لم يكن الإسناد لما ضعفه حماد بن زيد وغيره، أنّه جعل الغالب من أقراء الحيض دون العشر، وسيرها مستحاضة بعد العشر، ولم يجعل أيضا الحيض عشرا، ولكن جعل ذلك اختيارا على معنى الاحتياط، وليس في حديث الجلد على ضعفه لا يكون الحيض أكثر من العشر، وأحسن الناس سياقة له ابن علية، فإنه قال: تغتسل، وتصلي بعد العشر، ولم يقل إنها بعد العشر غير حائض، ولا حائض، ولما ذكر ابن الجوزي في كتاب التحقيق حديث أنس بن مالك، وأبي أمامة، وواثلة، ومعاذ بن جبل قال: ليس فيها ما يصح، وحديث أبي سعيد، وعلي يرفعانه أقلّ الحيض ثلاث، وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر ذكرها الخطيب من حديث أنه قيل له: أي شيء تعرف في أقلِّ الحيض، وأكثره؟ وما بين الحيضتين من الطهر؟ فقال: الله أكبر حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، وثنا أبو طوالة، عن أبي سعيد، وجعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه.
وأما الورس فهو نبت يزرع باليمن زرعا، ولا يكون بغيرها، ولا يكون شيء منه بريًّا، ونباته مثل نبات السمسم، فإذا جف عِنْد إدراكه تفتقت سنابله، وهي خرائطه، وأمكنته فينتفض منه الورس، ويزرع سنة، فيجلس عشر سنين، أي يقيم في الأرض ينبت ويثمر، وأجوده حديثه، ويسمّى الباردة، وهي التي لم يعتق شجرها، والعتيقة منه: ما تقادم شجره قال الشاعر يصف القطا:
سماوية كدر كأن عيونها
…
يداس بها ورس حديث وكركم
فبين جودة حديثه، ومنه جنس يسمى الحبش، وفيه سواد، وهو آخر الورس، وللعرعرة ورس، ولا يكون إلا في عرعر جفت من ساقها، فتؤخذ بين لحائها وللصميم: ورس إذا فرك انفرك، ولا خير فيه، ولكنه يغش به الورس، وللرمث ورس، وذلك في آخر الصيف إذا. انتهى منتهاه اصفر صفرة شديدة حتى يصفر منه ما لابسه، فيقال: أورس الرمث فهو وارث، ولم يقولوا: ورس كما لم يقولوا: مورس، وكان المراد بوارس أنه ذو ورس كما قيل في ذي التمر تامر، وقد قيل: وريس كما قيل: وارس، قال الشاعر:
في مزبلات روحت صفرته
…
بنواضح يقطرن غير وريس
أي: غضة حديثة النبات، وإنما يورس إذا بلغ نهايته، وقال الأصمعي: أورس فهو وارس الشجر إذا أورق، وأثقل الموقع فهو ثاقل، ولم يعرف غيرهما، وزعم بعض الرواة أنه يقال: أورس فهو مورس، وهذا غير معروف إنّما هو قياس، وقال بعض الثقات: ورس فهو وارس، وقال أبو عبيدة: بلد عاشب، ولا يقولون الأعشب، وباقل الرمث، وقد أبقل، وأورس الرمث، وقد أورس فيقولون في النعت على فعل، وفي الفعل على أفعل، وهكذا تكلّمت به العرب قاله أبو حنيفة
وفيه نظر لما نذكره بعد ففي كتاب القانون للشيخ الرئيس: هو شيء أحمر قاني شبيه بسحيق الزعفران، وطبعه حار يابس ينفع من الكلف والنمش، وفي كتاب الجامع لابن البيطار، قال إسحاق بن عمران: هو صنفان حبشي وهندي، فالحبشي: أسود وهو مرذول، والهندي: أحمر قاني، ويقال: إن الكركم عروقه يؤتى بها من الصين، ومن بلاد اليمن، وله حب كحب الماش، وأجوده الأحمر الجيّد القليل الحب اللين في اليد القليل النخالة، وما كان على لون البنفسج الجيّد الخارج، عن الحمرة القليل شمه، والشّم: شيء دقيق ليّن يتعلّق باليد إذا دخلت في وعائه، وقال: غيره الورس: حار يابس في أوّل الثانية قابض له قوة صابغة، صبغه أصفر بحمرة، يجلو وينفع الكلف إذا طلي به ومن البهق الأبيض، وقال غيره: كأنه نشارة روس البابونج، لونه لون زهر العصفر، وأخبرني الثقة ممن سكن بلاد الحبشة أنه ينزل على نوع من الشجر لم يعرفه، ويجمعونه في أوانه لقطا، ويستعملونه، وليس بنبات مزروع كما زعم من زعم، والورس عندهم يأتي به الحبشان إلى مكة، ولا يعرفون الورس في بلاد المغرب ألبتة، وإن الذي يسمى بالورس ببلاد الأندلس وما والاها، فليس من الورس بسبب، ولا نسب، وإنما هو شيء يتكوّن من مرائر البقر.
باب في الصلاة في ثوب الحائض
46 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلي مرط لي، وعليه بعضه.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي حصين، عن أبي صالح الحنفي عنها بلفظ: يصلي وعليه طائفة من ثوبي وأنا حائض قال: لم يروه عن أبي حصين إلا قيس، وزائدة.
47 -
حدثنا سهل بن أبي سهل، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا الشيباني، عن عبد الله بن شدّاد، عن ميمونة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، وعليه مرط عليه، عليه بعضه، وعليها بعضه، وهي حائض.
هذا حديث له أصل في الصحيحين، وقد تقدّم الكلام عليهما قبل.
باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار
48 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن عمرو بن سعيد، عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فاختبأت مولاة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حاضت؟ فقالت: نعم. قال: فشق لها من عمامته، فقال: اختمري بهذا.
هذا حديث إسناده جيد، ولولا ما في عبد الكريم أبي أمية من الكلام، لكان صحيحا لتوثيق أبي حاتم البستي عمرا، والله أعلم، وقال ابن أبي حاتم: وسأل أبا زرعة، فقال: روى ابن أبي ليلى، عن عبد الكريم، عن سعيد بن عمرو، عن عائشة إذا حاضت، فقال أبو زرعة: ما يرويه الثوري أصح، وسألت أبي عنه، فقال: هو عمرو بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن المعلى، ولما ذكر ابن عساكر عمرا هذا نسبه إلى العاص، وتبعه على ذلك الشيخ جمال الدين، وكأنّ ما قاله أبو حاتم أشبه، وإن كان كما قاله فهو رجل مجهول لا تعرف حاله.
.
49 -
حدّثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو الوليد، ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار.
هذا حديث لما خرجه أبو عيسى بلفظ: الحائض المرأة البالغ قال: حديث
عائشة حسن، ولفظ ابن خزيمة، وخرجه في صحيحه: لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار، وخرجه ابن الجارود في منتقاه، وصححه ابن حزم، وخرجه ابن حبان باللفظين جميعا وحسنه الطوسي، وقال أبو داود: رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، زاد في كتاب التفرّد، وحديث ابن سيرين، عن عائشة، عن النبي عليه السلام بلفظ آخر، ولفظه، أعني الطوسي، عن محمد بن سيرين: أنّ عائشة نزلت على صفية أم طلحة الطلحات فرأت بنات لها، فقالت: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل وفي حجرتي جارية فألقى لي حقوه، فقال: شقّيه بشقّين فأعطى هذه نصفا والفتاة التي عند أم سلمة نصفا، فإني لا أراهما إلا قد حاضتا، أو إني لا أراهما إلا قد حاضتا، قال أبو داود: وكذلك رواه هشام، عن ابن سيرين. انتهى، ابن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا قاله ابن أبي حاتم، عن أبيه، وتبعه الدارقطني على ذلك ولما ذكر الأزدي حديث صفية قال: هكذا رواه حماد، ورواه شعبة، وسعيد بن بشير، عن قتادة موقوفا، وأما قول عبد الحق صفية بنت طلحة فخطأ، والصواب: أم طلحة، كذا هو في كتاب أبي داود الذي نقله منه رواية اللؤلؤي، وابن العبد، وابن داسة، وعاب أبو الحسن عليه سكوته عنه، قال: وقد يظن به أنه تبرأ من عهدته بعض التبري بابرازه سنده، وليس كذلك، وما ذكره إلا
ليستقيم له الإخبار عن عائشة، وفي لفظ للبيهقي عنها أنها قالت: ما ظهر منها الوجه والكفان، وفي الباب حديث رواه قيس بن الربيع، عن الأعمش، حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع، عن الحسن، عن أمّه أنها قالت: دخلت على أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي تصلي في درع وخمار، فلما أن صلّت قالت: هاتي الملحفة يا جارية قال أبو حاتم: هذا خطأ إنما هو دخلت على أم سلمة، وكانت خادما لها والخطأ ليس من قيس؛ لأنا لا نعلم أبا سفيان روى عن الحسن شيئا، وقصة أم حبيبة عندي أنّ الخطأ لعلّه من الأعمش، وفي الموطأ، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن أمه أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب، فقالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها، قال أبو عمر: هذا هو الصحيح من قول أم سلمة، وقد ذكره أبو داود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي قتادة قال عليه السلام: لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر رواه أبو القاسم في الأوسط، عن محمد بن أبيِ حرملة، ثنا إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، ثنا عمرو بن هاشم البيروتي، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وقال لم يروه عن الأوزاعي إلا عمرو بن هاشم تفرد به إسحا.
وحديث يحيى بن جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رؤوسهم، فذكر الحديث قال: وامرأة قامت إلى الصلاة وأذنها بادية ذكره أبو داود في
المراسيل، وحديث عبد الله بن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهنّ قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه، قال فيه الترمذي: حسن صحيح، وحديث عن ميمونة: أنها كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار، رواه مالك عن الثقة عنده، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله الخولاني، وكان في حجر ميمونة عنها، وزعم الدارقطني أنّ الثقة هذا هو ليث بن سعد، وقد أخطأ من رفعه، وحديث أسامة بن زيد: أنه كسا امرأته قبطية. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخشى أن تصف عظامها، ذكره البيهقي في المعرفة من حديث ابن عقيل، عن محمد بن أسامة، عن أبيه، وحديث عطاء قال: إذا صلّت الأمة غطت رأسها وعينيها بخرقة، أو خمار، كذلك كن يصنعن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره عبد الرزاق في مصنفه، عن ابن جريج عنه قال: ثنا الثوري، عن جابر به، وعن أم ثور، عن زوجها بشر قال: قلت لابن عباس: في كم تصلي المرأة من الثياب؟ قال: في درع وخمار، وعن الأوزاعي، عن مكحول عمن سأل عائشة في كم تصلي المرأة من الثياب؟ فقالت له: سل علي بن أبي طالب، ثم ارجع إلي فأخبرني فأتى عليا فسأله، فقال: في الخمار والدرع السابغ، فرجع إلى عائشة فأخبرها، فقالت:
صدق، وفي المصنف لأبي بكر، عن مجاهد: أيما امرأة صلّت، ولم تغط شعرها لم يقبل الله لها صلاة، وفي الاستذكار: لا تصلي المرأة في أقل من أربعة أثواب، وهذا لم يقله غيره فيما علمت، وعن ابن جريج قال: تقنع الأمة رأسها في الصلاة، وعن سليمان بن موسى إذا حاضت المرأة لم تقبل لها صلاة حتى تختمر وتواري رأسها، قال أبو عمر: وروي ذلك أيضا عن عروة، وعكرمة، وجابر بن زيد، وإبراهيم، والحكم، وحماد، وهو قول فقهاء الأمصار، قال ابن حزم: لم يخف علينا ما روي عن عمر رضي الله عنه في خلاف هذا، وعن غيره يعني من التفرقة بين الحرّة والأمة، ولكن لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تنازع السلف وجب الرد إلى ما افترض الله الرد إليه من القرآن والسنة. وليس فيهما فرق بينهما، والله أعلم، قال أبو عمر: والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق؛ أنّ على المرأة أن تغطي جسمها كلّه بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها، فإنها كلّها عورة إلا وجهها وكفيها [. انتهى، مستندهم فيما يظهر: حديث أسماء بنت عميس أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، وعندها أختها أسماء وعليها ثياب شامية واسعة الأكمة. . . الحديث، وفيه: ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هكذا، وأخذا عليه السلام كميه، فغطى بهما كفيه حتى لم يبد من كفيه إلا أصابعه، ونصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه، ذكره في الأوسط، وقال: لا يروى عن أسماء إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن لهيعة]، واختلفوا في ظهور
قدميها، فقال مالك، والليث بن سعد: تسترهما في الصلاة، قال مالك: فإن لم تفعل أعادت ما دامت في الوقت، وعند الليث بن سعد تعيد أبدا، وقال الشافعي: ما عدا وجهها وكفيها عورة، فإن انكشف ذلك منها في الصلاة أعادت، وقال أبو حنيفة: قدمها ليس بعورة، فإن صلت وقدمها مكشوفة لم تعد، وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها، وهو قول لا نعلمه قال به غيره إلا أحمد بن حنبل في رواية. . انتهى كلام أبي عمر، وفيما نقله عن الشافعي نظر؛ لما ذكره الترمذي عنه، قال الشافعي: وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة.
باب الحائض تختضب
50 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا حجاج، ثنا يزيد بن إبراهيم، ثنا أيوب، عن معاذة أن امرأة سألت عائشة قالت: تختضب الحائض؟ فقالت: قد كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نختضب، فلم يكن ينهانا عنه.
هذا حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين، وفي كتاب الحيض لأحمد بن حنبل بسند صحيح أيضا، ثنا عبد الرحمن، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، وعبيد الله عن نافع: أنّ نساء ابن عمر، وأولاده كن يختضبن وهنّ حيض.
باب المسح على الجبائر
51 -
حدثنا محمد بن أبان البلخي، ثنا عبد الرزاق، ثنا إسرائيل، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي قال: انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: فأمرني أن أمسح على الجبائر.
هذا حديث قال ابن حاتم: سألت أبي عنه، فقال: هذا حديث باطل لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث، وقال الْمَرْوَذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدَ اللَّهِ عَنِ هذا الْحَدِيثِ: عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، فقال: بَاطِلٌ، لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ مَنْ حَدَّثَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: ذَكَرُوهُ عَنْ صَاحِبِ الزُّهْرِيِّ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ بِكَلَامٍ غَلِيظٍ، وفي سُؤَالَاتِ عَبْدِ اللَّهِ: سمعت رجلا يقول ليحيى: تحفظ عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مسح على الجبائر. فقال: هذا حديث باطل، ما حدّث به معمر قط، وسمعت يحيى يقول: علي بدنة مجللة مقلّدة إن كان معمر حدّث بهذا هذا باطل، ولو حدّث بهذا عبد الرزاق كان حلال الدم. من حدّث بهذا عن عبد الرزاق؟ قالوا: محمد بن يحيى قال: لا والله ما حدّث به معمر، وعليه حجة من هذا يعني المسجد إلى مكة، إن كان معمر حدّث بهذا قط.
قال عبد الله: وهذا الحديث يرويه أيضا إسرائيل، عن عمرو بن خالد: وهو لا يسوي حديثه شيئا، وقال أبي: متروك، روى عن زيد مسح الجبائر، وقال العقيلي، وذكر هذا الحديث: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وفي تاريخ نيسابور: وقال
الغلابي: سئل ابن معين وأنا حاضر، أتحفظ عن معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي في المسح على الجبائر؟ فقال يحيى: لا والله الذي لا إله إلا هو ما حدّث معمر بهذا قط، فقال له الرجل: ثنا به محمد بن يحيى النيسابوري، ثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: فثبت يحيى على قوله، وقال الحاكم: ذكرت هذا على العجب، فإنا لا نعرفه من حديث محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، ولا يحفظ في الجبائر غير حديث عمرو بن خالد، عن زيد، عن آبائه، وفي الخلافيات: هذا حديث لا يثبت، وقال ابن حزم: هذا خبر لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه؛ لأنه انفرد به أبو خالد عمرو بن خالد، وهو مذكور بالكذب، وقال عبد الحق: هذا حديث لا يصح، قال أبو الحسن: لم يزد في تعليله على هذا، وإنه لكاف عند من يعلم حال عمرو، وإنما ذكرته الآن باعتبار حال من لا يعلمه، فاعلم أنّه أحد الكذابين، قال إسحاق بن راهويه: كان يضع الحديث، وقال ابن معين: هو كذّاب غير ثقة، ولا مأمون، يعني: أبا خالد القرشي الهاشمي مولاهم، أصله كوفي انتقل إلى واسط، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الإمام أحمد: متروك الحديث ليس بشيء، وفي رواية كذّاب، يروي عن زيد بن علي، عن آبائه نسخة موضوعة يكذب، وقال الدارقطني: كان كذابا، وفي رواية البرقاني عنه متروك، وقال وكيع: كان في جوارنا، يضع الحديث، فلما فطن له تحول إلى واسط، وقال أبو زرعة: كان وضّاعا، وفي كتاب الآجري: سألت أبا داود عن عمرو بن خالد، فقال: ليس بشيء، وقال الساجي: هو منكر الحديث، قال: كان يحيى بن سعيد قرب أمر الحسن بن ذكوان، قال: أظنّه ليس به بأس كأنه أتي من عمرو بن خالد، وفي كتاب العقيلي قال أبو عوانة: كان يشتري الكتب من الصيادلة، وقال
أبو عبد الرحمن النسائي: متروك الحديث ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
وفي الباب حديث رواه ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الجبائر ذكره الدارقطني من حديثه، عن أبي بكر الشّافعي، نا أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي، نا عبدوس بن مالك العطار، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عنه، ثم قال: ولا يصح مرفوعا، وأبو عمارة ضعيف جدا، وبنحوه قاله أبو الفرج في علله المتناهية، قال أبو حنيفة: المسح على الجبائر سنة، وقال أبو يوسف، ومحمد: فرض للحديث، ولأنه قد عفي عن غسل ما تحته لحرج يلحقه بنزع الجبائر فيتحول إليه حكمه، كما في الخف، إلا أن أبا حنيفة يقول: الوضوء ثابت بكتاب الله تعالى، ولا يمكن الزيادة عليه إلا بمثله؛ لأن الزيادة تجري مجرى النسخ عندنا، ولأنه يصير من الوضوء، والوضوء بنفسه ثابت متيقن، ولا يمكن إثبات شطر منه بخبر الواحد والقياس، وإنما أثبتنا الخف محلا للمسح بأخبار مشهورة قريبة من التواتر؛ وأبو حنيفة يأمر بالمسح على الجبائر عملا بخبر الواحد، ولكن لا يفسد بتركه لهذا، كالطواف بالبيت يؤمر فيه بالطهارة عملا بخبر الواحد، ولكن لا يفسد بدونها، ذكره أبو زيد في الأسرار، قال ابن المنذر: وهو قول ابن عمر، وعطاء، وعبد الملك بن عمير، والنخعي، والحسن، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والمزني.
باب اللعاب يصيب الثوب
52 -
حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي عليهما السلام على عاتقه، ولعابه يسيل عليه.
هذا حديث إسناده على رسم الصحيح، وفي الباب حديث أنس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه رواه البخاري، وحديثه أيضا: أنه عليه السلام رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه، ثم قال بطرف ثوبه فبصق فيه رواه أيضا، وحديث أبي هريرة: فتفل في ثوبه عليه السلام، ثم مسح بعضه على بعض رواه مسلم، وحديث عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، وهو على راحلة، وهي تقصع بجرّتها ولعابها يسيل بين كتفي. . . الحديث، رواه أبو عيسى وصححه، وحديث مروان بن الحكم والمسور: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الحديبية، فذكر الحديث، وفيه: وما تنخم صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وحديث أبي رافع، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه قال مهنأ: سألت أحمد عن القاسم بن مهران، فقال: ثقة، وما أعرف له غير حديث واحد عن أبي رافع، فذكره، قال: وهذا أبو رافع الصائغ
وحديث أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه، ثم دلكه. قال عبد الله عن أبيه: لم يرفعه إلا عبد الصمد بن عبد الوارث، وفي كتاب الميموني، عن أحمد، نحن لا نرى بالبزاق بأسا، هو نظيف. أليس يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم: بزق في ثوبه؟!، وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن حماد بن سلمة، يعني عن ثابت، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد إلا عبد الصمد، قال ابن بطال: هذا يدل على طهارة البزاق، والمخاط، وهو أمر مجمع عليه لا أعلم فيه اختلافا إلا ما روي عن سلمان الفارسي، وأنّ الحسن بن حي كرهه في الثوب، وفي كتاب الطحاوي: أن الأوزاعي كره أن يدخل سواكه في وضوئه. . انتهى، وحديث سلمان المشار إليه قال فيه الجوزجاني: باطل، وراويه عنه محمد بن عطية، لم يسمع منه شيئا، فعلى هذا لا ينسب إلى سلمان في نقل عنه. وما حكاه عن ابن حي يحمل على التقدير، وسيأتي لهذا زيادة أيضا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
باب المج في الإناء
53 -
حدثنا سويد بن سعيد، ثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر. ح، وثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا أبو أسامة، عن مسعر، عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدلو فمضمض منه، فمج فيه مسكا، أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو.
هذا حديث لولا انقطاعه لحكمنا بصحة إسناده على رسم الصحيح، فإن ابن معين قال: لم يسمع عبد الجبار من أبيه شيئا، وفي رواية: قيل: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وفي سؤالات الكناني لأبي حاتم: عبد الجبار سمع من أبيه شيئا؟ قال: لم يسمع من أبيه، وقال ابنه عنه في كتاب الجرح والتعديل: روي عن أبيه مرسلا، ولم يسمع منه، وهو مما استدركناه عليه في كتاب المراسيل تأليفه؛ لذكره له في موضعين، وأغفله في موضع هو أنسب منهما، وقال البخاري: قال لي محمد بن حجر: ولد بعد أبيه بستة أشهر، وقال فطر: والحسن بن عبيد الله عن عبد الجبار: سمعت أبي، ولا يصح سماعه من أبيه وهو في بطن أمه، ومات أبوه قبل أن يولد.
54 -
حدثنا أبو مروان، نا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن محمود بن الربيع: وكان قد عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دلو من بئرهم.
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه بزيادة: مجهّا في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.
وفي الباب: حديث أبي موسى عند البخاري: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء فغسل يديه، ووجهه فيه ومجّ فيه، ثم قال لهما: اشربا وأفرغا على وجوهكما ونحوركما
يعني: أبا موسى وبلالا، ففعلا، قال: فنادته أم سلمة من وراء الستر: (أفضلا لأمكما، فأفضلا لها)، وحديث السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح برأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ، فشربت من وضوئه، وحديث أبي جحيفة: توضأ عليه السلام، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به خرجهما البخاري، وفيه: وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضؤوا بفضل سواكه.
باب النهي أن يرى عورة أخيه
55 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان، ثنا زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا ينظر الرجل إلى عورة الرجل.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه بزيادة: ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد.
وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن ابن أسلم إلا الضحاك تفرد به ابن أبي فديك، وزيد بن حباب، ولا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد.
56 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن مولى لعائشة عن عائشة قالت: ما نظرت، أو ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط قال أبو بكر: كان أبو نعيم يقول عن مولاة لعائشة.
هذا حديث خرجه ابن ماجه أيضا في كتاب النكاح، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى هناك، ورواه الطبراني في الأوسط، عن أحمد بن زكريا شاذان، ثنا بركة بن محمد الحلبي، ثنا يوسف بن أسباط، ثنا الثوري، عن ابن جحادة، عن قتادة، عن أنس عنها به، وقال: لم يروه إلا بركة بن محمد، وفي الباب حديث بهز بن
حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد، فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيي منه خرجه أبو داود، وحديث أبي هريرة قال: رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما بردة وإما كساء، ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته خرجه البخاري، وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زوج أحدكم عبده أمته، أو أجيره، فلا ينظر إلى شيء من عورتها يريد الأمة خرجه أبو داود، وسيأتي لهذا الباب إن شاء الله تعالى زيادة في كتاب الصلاة.
باب من اغتسل من الجنابة، فبقي من جسده لمعة لم يصبها الماء
57 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن منصور قالا: ثنا يزيد بن هارون، أنبأ مستلم بن سعيد، عن أبي علي الرحبي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جنابة، فرأى لمعة لم يصبها الماء، فقال: بَجَمْتُهُ، فبلّها عليه، وقال إسحاق في حديثه: فعصر شعره عليها.
هذا حديث سأل الأثرم عنه أحمد، فقال: ذاك، ولم يُصحّحه، وسببه فيما أرى ضعف راويه أبي علي حسين بن قيس الملقب حنشا، وهو إن كان حصين بن نمير قال فيه: هو شيخ صدوق، وقال البزار: لين الحديث روى عنه سليمان التيمي، وقال: حنش عنده أحاديث صالحة عن عكرمة، عن ابن عباس، وخرج الحاكم حديثه في مستدركه، فقد قال الإمام أحمد: هو متروك الحديث ضعيفه، كذاب، وترك حديثه، وله حديث واحد حسن رواه عنه التيمي في قصة الشؤم، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال العقيلي: وله غير حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وفي كتاب ابن حزم: ضعيف متروك، وقال البخاري: أحاديثه منكرة جدًّا لا يكتب حديثه، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال في التمييز: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وقال الجوزجاني: أحاديثه منكرة جدًّا، وقال إسماعيل
القاضي، عن علي بن المديني: ليس هو عندي بالقوي، وذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء، وكذلك البلخي، وقال الساجي: ضعيف الحديث متروك، يحدّث بأحاديث بواطيل.
.
58 -
حدثنا سويد بن سعيد، ثنا أبو الأحوص، عن محمد بن عبيد الله، عن الحسن بن سعد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني اغتسلت من الجنابة، وصليت الفجر، ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك.
هذا حديث رجال إسناده كلهم في الصحيح إلا سعد بن معبد، فإن ابن حبان ذكره في الثقات، وقد سبق الكلام على هذا الباب قبل، والحمد لله وحده، وسيأتي له تكملة إن شاء الله تعالى.
باب من توضأ فترك موضعا لم يصبه الماء
59 -
حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، نا جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس، أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد توضأ وترك موضع الظفر لم يصبه الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فأحسن وضوءك.
هذا حديث لما ذكره أبو داود قال: وليس هذا الحديث بمعروف، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وفي كتاب ابن داسة: هذا الحديث ليس بمعروف، عن جرير بن حازم، ولم يروه إلا ابن وهب، وقال الدارقطني: تفرد به جرير، عن قتادة، ولم يروه عنه غير ابن وهب، وكذا قاله أبو القاسم في الأوسط، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا حديث إسناده صحيح، رواته كلّهم مجمع على عدالتهم، وبنحوه قاله عبد الحق، وذكره أبو عوانة في صحيحه، ولما ذكر ابن حزم حديث عمر في هذا الباب قال: لا يصح؛ لأنّ أبا قلابة لم يدرك عمر، وأبو سفيان ضعيف، وحديث أنس أحسن منه.
.
60 -
حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب (ح) وثنا ابن حميد، ثنا زيد بن الحباب قالا: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمر بن الخطاب قال:
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ، فْترك موضع الظفر على قدمه، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، قال: فرجع.
هذا حديث خرجه مسلم رحمه الله في صحيحه، عن سلمة بن شبيب، ثنا الحسن بن محمد بن أعين، ثنا معقل، عن أبي الزبير بلفظ: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع، ثم صلى، وفي كتاب الصحيح لأبي عوانة، وذكره: فيه بيان أنه رجع في وضوئه، ثم صلى، وفيه أيضا من حديث مغيرة بن سقلاب، عن الوازع بن نافع، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن أبي بكر الصديق قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل قد توضأ، وبقي على ظهر قَدَمِهِ مثل ظفر إبهامه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأتم وضوءك ففعل. . انتهى.
وقال عبد الحق عند ذكره غيره: وحديث عمر أصح إسنادا، وأجل، يعني من هذا، فدلّ أنّ الحديث إنّما رواه عمر عن أبي بكر، وقد جمع بينهما أحمد بن عبيد الصفّار في مسنده من حديث ابن عمر عنهما مرفوعا، ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لا يروى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث قراد أبي نوح، عن شعبة، عن إسماعيل، عن أبي المتوكل قال: توضأ عمر وبقي على ظهر رجله لمعة لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، فقال: أبو المتوكل لم يسمع من عمر، وإسماعيل هذا لا
بأس به، ولما ذكر في الخلافيات هذا المتن قال: إسناده جيد، وقد تقدّم كلام أبي محمد في حديث عمر، وقال الحافظ أبو الفضل الهروي: إنّما يعرف من حديث ابن لهيعة، عن أبي الزبير بهذا اللفظ، وابن لهيعة لا يحتج به، وهو خطأ عندي؛ لأن الأعمش رواه عن أبي سفيان، عن جابر فجعله من قول عمر، وقال البيهقي: ورواه أبو سفيان عن جابر بخلاف ما رواه أبو الزبير، ورواه سفيان عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمر مثله، وقد رُوي عن عمر ما دلّ على أنّ أمره بالوضوء كان على طريق الاستحباب، وإنما الواجب غسل تلك اللمعة فقط، وفي الباب حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة.
رواه أبو داود من حديث بقية، عن بحير عنه، وقال ابن حزم: لا يصح وهو مرسل، ورده أبو محمد الإشبيلي ببقية، واستدرك عليه ابن القطان الإرسال، وقال البيهقي: هو حديث مرسل، وأعلّه بعض الحفاظ من المتأخرين؛ بأنّ بقية وإن كان حديثه في الصحيح فعنعنته لا تقبل لتدليسه، وفي ذلك نظر لما قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: هذا - يعني حديث خالد - إسناد جيّد؟
قال: نعم. قلت لأبي عبد الله: إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمه، فالحديث صحيح؟ قال: نعم. . انتهى، والذي عليه المحدّثون قاطبة: أنّ جهالة اسم الصحابي غير قادحة في الإسناد، ولا سيما مع شهادة التابعي المعروف له بالصحبة، وهو قول مطابق لما تقدم من كلام ابن القطان، وذهل عنه في هذا الموضع، وأما من أعلّه بتدليس بقية فمردود؛ لتصريح أبي عبد الله الحاكم في مستدركه بقول بقية: ثنا بحير، فذكره، وفي مراسيل أبي داود من حديث العلاء بن زياد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه اغتسل، فرأى لمعة على منكبيه لم يصبها الماء فأخذ خصلة من شعر رأسه فعصرها على منكبه، ثم مسح يده على ذلك
المكان، قال ابن حزم، وأبو الفرج ابن الجوزي: وقد أسند عن العلاء عن رجل من الصحابة والصحيح مرسل أبي داود، وحديث حميد بن سعد، عن أبي سلمة، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنّ أهلي تغار علي إذا وطئت جواري، قال: ولم تعلمهن ذلك؟، قلت: من جهة الغسل، قال: وإذا كان ذلك منك فاغسل رأسك عند أهلك، وإذا حضرت الصلاة فاغسل سائر بدنك.
ذكره الإسماعيلي في جمعه لحديث مسعر من جهة عن مسعر عنه، ولما ذكره البيهقي في الخلافيات ردّه بضعف إسناده، وحديث ابن عمر: أنّه توضأ وبقي على رجله قطعة، لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء ذكره في الخلافيات وردّه بالانقطاع، قال: وقد روي عن ابن عمر نفسه موقوفا وإسناده جيّد، وحديث ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة، أو عن أخي أبي أمامة: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما على أعقاب أحدهم مثل موضع الدرهم، أو مثل موضع ظفر لم يصبه الماء. . . الحديث. ذكره البيهقي في سننه، وحديث ابن مسعود: أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغتسل من الجنابة، فيخطئ بعض جسده الماء؟ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يغسل ذلك المكان، ثم يصلي. ذكره البيهقي من رواية عاصم بن عبد العزيز الأشجعي، وهو ضعيف.
باب مواقيت الصلاة
61 -
حدثنا محمد بن الصباح، وأحمد بن سنان قالا: ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، أنبأ سفيان ح، وثنا علي بن ميمون الرقي، ثنا مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة؟ فقال: صل معنا هذين اليومين، فلما زالت الشّمس أمر بلالا، فأذّن، ثم أمره، فأقام الظهر، ثم أمره، فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره، فأقام المغرب حين غابت الشّمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره، فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان من اليوم الثاني أمره، فأذن الظّهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، ثم صلّى العصر والشّمس مرتفعة أخّرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر، فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة، فقال الرجل: أنا يا رسول الله قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم.
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وبنحوه قاله الطوسي في أحكامه، ويشبه أن تكون الغرابة جاءته من جهة تفرد علقمة عن سفيان به وهو الذي حكاه أبو عيسى في كتاب العلل عن
البخاري: حديث بريدة حسن، ولم يعرفه إلا من حديث سفيان، وقال البزار: لا نعلم روى هذا الحديث عن شعبة إلا حرمي، ولا عن الثوري إلا إسحاق بن يوسف، ففي هذا دلالة على أنّ شعبة رواه أيضا، وسيأتي متابعة الجراح لهما، ولما خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه قال: لم أجد في كتابي عن الزعفراني المغرب في اليوم الثاني، ثنا بندار، ثنا حرمي بن عمارة، ثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت لم يزدنا بندار على هذا، قال بندار: فذكرته لأبي داود، فقال: صاحب هذا الحديث ينبغي أن يكبر عليه، قال بندار: فمحوته من كتابي.
قال أبو بكر: ينبغي أن يكبر على أبي داود حيث غلط، وأن يضرب بندار عشرة حيث محا هذا الحديث من كتابه؛ لأنه صحيح على ما رواه الثوري أيضا، عن علقمة، ثنا عن حرمي محمد بن يحيى، ثنا علي بن عبد الله، ثنا حرمي بن عمارة، عن شعبة بالحديث بتمامه، وقال البزار: ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من طريق الجراح بن الضحاك، عن علقمة بن مرثد قال له ولأحاديث قبله: لم يرو هذه الأحاديث عن الجراح إلا علي بن أبي بكر تفرّد به نوح بن أنس.
62 -
حدثنا محمد بن رمح المصري، أنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب أنّه كان قاعدا على مياثر عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة، ومعه عروة بن الزبير، فأخرّ عمر العصر شيئا، فقال له عروة: أمّا إن جبريل نزل، فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة، قال: سمعت بشير بن أبي
مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبريل فأمّني فصلّيت معه، ثم صليت معه، ثم صليِت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات.
هذا حديث خرجه الشيِخان في صحيحيهما: بلفظ أن عمر أخّر الصلاة يوما، فدخل عليه عروة فأخبره أنّ المغيرة بن شعبة أخرّ الصلاة يوما وهو بالعراق، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت إنّ جبريل نزل، فصلّى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر خمسا، ثم قال: بهذا أمرت، فقال عمر لعروة: اعلم ما تحدّث به، أوإنّ جبريل هو أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مواقيت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير ابن أبي مسعود يحدّث عن أبيه، وفي لفظ لمسلم: أنّ عمر أَخَّرَ الصلاة لم يقل العصر، وفي حديث ابن ماجه تصريح بأن ابن شهاب شهد قصة عروة مع عمر، وبسماع عروة من بشير، وعندهما: ليس كذلك لقول ابن شهاب: إن عمر أخر، فدخل عليه عروة، فقال: كذلك كان بشير يحدّث عن أبيه، قال أبو عمر: وحديث ابن شهاب هذا متصل عند أهل العلم مسند صحيح؛ لأنّ مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض معلومة مشهورة، وإن كان ظاهر مساقه في رواية مالك يدلّ على الانقطاع، وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة عند عمر مع عروة في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب: معمر، والليث، وشعيب بن أبي حمزة، وابن جريج، وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري قال: كنّا مع عمر، فذكره بلفظ: إن جبرائيل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النّاس معه، وفيه: إن الصلاة التي أخرها المغيرة هي العصر أيضا، وفيه: إن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الخمس في أوقاتهن مرّة واحدة لا مرتين، فقال له عمر: انظر ما تقول يا عروة، أوإنّ جبريل
هو سنّ وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا. وفي لفظ للحاكم من حديث أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن عروة قال: سمعت بشيرا يحدّث عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم يسير الرجل حين ينصرف منها إلى ذي الحليفة، وهي على ستة أميال قبل غروب الشمس، ثم قال: قد اتفقا على حديث بشير في آخر حديث الزهري، عن عروة بغير هذا اللفظ، وفي كتاب الحازمي، وذكر هذه الزيادة: هذا إسناد رواته كلهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة، وفي مصنف أبي داود من حديث أسامة، عن الزهري بسنده، عن أبي مسعود سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: نزل جبرائيل عليه السلام، فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس، وربما أخّرها حين يشتد الحر، ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة، فينصرف الرجل من الصلاة، فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرّ حتى يجتمع النّاس، وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرّة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، لم يعد أن يسفر. ثم قال: روى هذا الحديث عن الزهري: معمر، ومالك، وابن عيينة، وشعيب، والليث بن سعد، وغيرهم لم يذكروا الوقت، الذي صلى فيه، ولم يفسروه.
قال الخزرجي: وهذا إسناد حسن، ولما خرجه أبو القاسم في الأوسط قال: لم
يرو هذا الحديث عن أسامة إلا يزيد بن أبي حبيب، تفرد به الليث، ولم يحد أحد ممن روى هذا الحديث عن الزهري المواقيت إلا أسامة، ولما خرجه ابن خزيمة في صحيحه قال: هذه الزيادة لم يقلها أحد غير أسامة بن زيد، وفي هذا الخبر كالدلالة على أنّ الشفق البياض لا الحمرة؛ لأن في الخبر، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وإنما يكون ذلك بعد ذهاب البياض الذي يكون بعد سقوط الحمرة، والواجب في النظر إذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الشفق: الحمرة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ أوّل وقت العشاء: إذا غاب الشفق أن لا يصلي العشاء حتى يذهب بياض الأفق؛ لأنّ ما كان معدوما فهو معدوم حتى يعلم كونه بيقين، وذكر الخطيب في كتاب الفصل: أنّ أسامة وهم فيه؛ لأنّ قصة المواقيت ليست من حديث أبي مسعود، ولما ذكر الدارقطني رواية أسامة هذا قال: أدرجه في حديث أبي مسعود، وخالفه يونس، وابن أخي الزهري، فروياه عن الزهري قال: بلغنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مواقيت الصلاة بغير إسناد، وقال: وحديثهما أولى بالصواب، ورواه هشام عن أبيه في رواية حماد، وأبي حمزة عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسمه، ورواه حبيب بن أبي مرزوق، وأبو بكر بن حزم، عن عروة، عن أبي مسعود، إلا أن أبا بكر قال فيه، عن عروة: حدثني أبو مسعود، أو بشير بن أبي مسعود، وكلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم في هذا القول، والصواب قول الزهري، عن عروة، عن بشير، ورواه أبو بكر بن حزم، عن أبي مسعود، وردّه بالانقطاع، قال أبو عمر: ورواية أبي بكر بن حزم فيها الصلاة لوقتين، وروي
ذلك من طريق علي بن عبد العزيز، قال أحمد بن يونس: نا أيوب بن عتبة، نا أبو بكر، وأما قول ابن خزيمة: لم يثبت أنّ الشفق الحمرة، فكأنه يشير إلى ما ذكره الدارقطني في سننه عن عبادة، وشداد بن أوس، وأبي هريرة، وابن عمر، وكلها ضعيفة، وأما قوله:(أو بشير بن أبي مسعود حديث، وكلاهما قد صحب) يشبه أن يكون أخذه من كتاب ابن حبان، فإنه لما ذكر حديث عروة قال: عن بشير: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، وفي الباب: حديث أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبرائيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس عن رأسه، قال: قم فصل الظهر أربعا، ثم أتاه حين كان ظلّ كلّ شيء مثله، فقال: قم فصل العصر أربعا، ثم أتاه حين غابت [الشمس، فقال: قم، فصل المغرب ثلاثا، ثم أتاه حين غاب] الشفق، فقال: قم، فصل، فقام، فصلى العشاء أربع ركعات، ثم أتاه حين برق الفجر، فقال: قم، فصل، فقام، فصلى الفجر ركعتين، ثم تركه حتى إذا كان الغد أتاه حين كان الظل مثله فقام، فصلى الظهر أربعا، ثم أتاه حين كان ظِلّه مثليه، فقال: قم، فصل، فقام، فصلى أربعا، ثم أتاه حين غابت الشمس، فقال: قم، فصل، فصلى المغرب ثلاثا، ثم تركه حين أظلم، ثم أتاه، فقال: قم، فصل، فقام، فصلى العشاء أربعا، ثم أتاه حين أسفر، فقال: قم، فصل الفجر ركعتين، ثم قال: ما بين هذه الصلوات وقت ذكره الدارقطني في كتاب العلل، عن علي بن الفضل البلخي، أنبأ محمد بن عامر قراءة عليه حدثكم معاذ، عن زفر، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عنهم، وحديث ثابت بن معدان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: أتاني جبريل مرتين، فصلى الظهر حين مالت الشمس قيد الشراك، فذكره ابن قتيبة في كتاب غريب أصناف الأحكام وما يتعلّق بها من الحلال والحرام، وحديث جابر بن عبد الله قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاء به للعصر، فقال: قم يا محمد، فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح، فقال: قم يا محمد، فصل، فقام، فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد فصل الظهر، ثم جاء حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد، فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه العشاء حين ذهب ثلث الليل، فقال: قم فصل، فصلّى العشاء، ثم جاءه الصبح حين أسفر جدا، فقال: قم، فصل، فصلى الصبح، ثم قال ما بين هذين وقت كلّه. رواه ابن خزيمة والبستي في صحيحيهما، وفي كتاب الترمذي: وحديث جابر ذلك قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير عن جابر نحو حديث وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث حسن صحيح غريب، وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر، وصححه أبو عبد الرحمن النسائي أيضا فيما ذكره ابن الحصار، ولما ذكره الطوسي في أحكامه من حديث الدوري، عن إبراهيم بن شماس، ثنا ابن المبارك، عن حسين بن علي حدثني وهب بن كيسان به قال: قال الدوري: أكثر أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن شماس، ولما ذكره أبو عمر قال: هو حديث
متصل حسن، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي سكت عنه مصححا له، وقال ابن القطّان: هو يجب أن يكون مرسلا؛ لأن جابرًا لم يذكر من حدّثه بذلك، وهو لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء، لماّ علم من أنه أنصاري إنّما صحب بالمدينة، وابن عباس، وأبو هريرة اللذان رويا أيضا قصة إمامة جبريل، فليس يلزم في حديثهما من الإرسال ما في رواية جابر؛ لأنهما قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك وقصه عليهما، وذكره الطبراني في الأوسط من حديث عطاء بلفظ: سأل رجل النبي عليه السلام عن وقت الصلاة، فلما زالت الشمس أذّن بلال الظهر. . . الحديث، وقال: لم يروه عن المطعم بن المقدام - يعني عن عطاء - إلا رباح بن الوليد تفرّد به مروان بن محمد، وذكره في موضع آخر عن عبد الله بن الحسن، ثنا محمد بن العلاء الهمداني، ثنا زيد بن حباب، ثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، قال: حدثني حسين بن بشير بن سلام، عن أبيه قال: دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر فقلت: صلِ بنا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقال: كان يصلي الظهر. . . الحديث، قال: ثم صلى من الغد الظهر.، فذكره مطولا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مشهور من حديث ابن المبارك، والشيخان لم يخرجاه ولعّله حديث الحسن بن علي الأصفر، وقد رواه عبد الرحمن بن أبي الموال وغيره، وله شاهدان مثل ألفاظه عن جابر، فذكر حديث برد بن سنان، عن عطاء بن أبي رباح، وحديث عبد الكريم عن أبي الزبير، وحديث ابن عباس أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به الصلوات وقتين إلا المغرب، قال أبو عبد الله إثر
تخريجه من حديث أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن الحارث، ومحمد بن عمرو، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير عنه: هذا حديث صحيح الإسناد، رواه الثوري، وعبد العزيز الدراوردي، عن عبد الرحمن بن الحارث، وهو من أشراف قريش المقبولين في الرواية، وحكيم بن حكيم هو ابن عباد بن حنيف، وكلاهما مدنيان، ولما خرجه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن ابن الحارث قال: أخبرني ابن عباس قال: حديث ابن عباس حسن صحيح، وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، وابن الجارود في منتقاه، وقال البغوي في شرحه: هذا حديث حسن، وابن حبان البستي، ولما خرجه الطوسي في أحكامه حسنه، وكذلك ابن عبد البر، زاد: هو متصل، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبيس بن مرحوم، عن حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمني جبريل، وذكرت لهما قصة المواقيت، فقال أبو زرعة: وهم عبيس في هذا الحديث، وقال أبي: أخشى أن يكون وهم فيه عبيس، فقلت لهما: فما علّته؟ قالا: رواه عدة من الحفاظ، عن حاتم، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم، عن نافع، عن ابن عباس، قالا: وهذا هو الصحيح، وسمعت أبي يقول مرّة أخرى: أخشى أن يكون هذا الحديث هذا الإسناد
موضوعا، وأما تصحيح الترمذي حديث ابن أبي الزناد، ففيه نظر؛ لما أسلفناه من ضعفه الذي سلم منه إسناد حديث الحاكم فمن بعده، وقال الدارقطني في الأفراد: تفرد به السدي عن عثمان بن الأسود، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم، عن نافع وهو مردود بما أسلفناه، وما رواه ابن إسحاق، عن عتبة بن مسلم مولى بني تيم، عن نافع بن جبير، وكان نافع كثير الرواية عن ابن عمر قال: لما فرضت الصلاة. . . الحديث، وزعم بعض العلماء من المتأخرين أنه منقطع قال: الاحتمال أن يكون نافع وصف بكثرة الرواية عن ابن عباس؛ لأنه رواه هنا عنه، وقد استوفينا ذكر ذلك في كتابنا المسمى بالزهر الباسم، وبينا أنه متصل، والله تعالى أعلم، وحديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل، فسأله عن مواقيت الصلاة؟، فلم يرد عليه شيئا، قال: فأقام الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخرّ الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخّر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخّر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشّمس، ثم أخرّ المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخرّ العشاء حتى كان ثلث الليل الأوّل، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: الوقت بين هذين، خرجه مسلم في صحيحه، وقال الترمذي عن البخاري: هو حديث حسن
وعند أبي داود: وصلى العصر، وقد اصفرت الشمس، أو قال: أمسى، وحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى له صلاة الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى له الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى له العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى له المغرب حين غربت الشمس، وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب شفق اللّيل، ثم جاءه الغد، فصلى له الصبح، فأسفر بها قليلا، ثم صلّى له الظهر حين كان الظلّ مثله، ثم صلى له العصر حين كان الظل مثليه، ثم صلى له المغرب بوقت واحد حين غربت الشمس، وحلّ فطر الصائم، ثم صلى له العشاء حين ذهب ساعة من الليل، ثم قال: الصلاة ما بين صلاتك أمس، وصلاتك اليوم، رواه النسائي بإسناد صحيح، ولما خرجه الحاكم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد قدمت له شاهدين، ووجدت له شاهدا آخر صحيحا على شرط مسلم، رواه أبو الموجه عن يوسف بن عيسى، نا الفضل بن موسى، نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، وحكى الترمذي، عن البخاري: أنّه حديث حسن، ورويناه في مسند السراج من حديث عبد الله بن حمزة الزبيري، ثنا عبد الله بن نافع، عن عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، عن محمد بن عمار، عنه، بزيادة: ثم صلّى بي الصبح حين أسفر، ثم قال: هذه صلاة النبيين من قبلك يا محمد، فالزم، ورواه ابن حبان في
صحيحه مختصرا من حديث الأعمش، عن أبي صالح عنه، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل: ثم انصرف بالفجر حين ما أرى من السماء نجما، ونسب عمر بن عبد الرحمن، فقال ابن زيد بن الخطاب: وحديث أنس بن مالك: أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الغداة، وفيه: ما بين هذين وقت، رواه السراج في مسنده بسند صحيح، وفي مراسيل أبي داود، عن الحسن في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: خلف جبرائيل وصلاة الناس خلف النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء وجهر في الصبح والأوليين من المغرب والأوليين من العشاء، ووصله الدارقطني من حديث أنس: أنّ جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فأمره أن يؤذّن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم، وذكر الإسرار في صلاة العصر، قال الإشبيلي: والمرسل أصح، قال أبو الحسن في كتاب الوهم والإيهام: لم يبيّن لحديث أنس علّة، وهو حديث يرويه، ويرويه عنه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء، ولا تعرف أيضا حاله، وحديث عبد الله بن ثعلبة الأنصاري، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الفجر يوما فغلس بها، ثم صلاها إثرها بعد، فأسفر بها، ثم قال: ما بينهما وقت، ذكره في الأوسط من حديث الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن ثعلبة، وقال: لم يروه عن الزهري إلا عبد الرحمن بن نمر اليحصبي، تفرد به
الوليد بن مسلم، وحديث مجمع بن جارية: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مواقيت الصلاة فقدم وأخر، وقال: بينهما وقت، رواه الدارقطني عن ابن مخلد، قال: ثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، ثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي، نا الوليد بن مسلم، ثنا ابن نمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عمّه مجمع به، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وعبيد الله هذا هو ابن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير العذري، وحديث ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام حين طلع الفجر، وذكر الحديث، وقال في وقت المغرب: ثم أتاني حين سقط القرص، فقال: قم، فصل، فصليت المغرب ثلاث ركعات، وذكر الحديث بطوله، رواه الدارقطني في كتاب السنن من طريق ضعيفة، عن ابن صاعد، والحسين بن إسماعيل، وأبي شيبة قالوا: ثنا حميد بن الربيع، ثنا محبوب بن الجهم بن واقد مولى حذيفة بن اليمان، نا عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه به، وأنا ابن الصواف، ثنا الحسين بن فهر بن حماد البزار، ثنا الحسن بن حماد سجادة، ثنا ابن علية، عن ابن إسحاق، عن عتبة بن مسلم، عن نافع عنه، قال: لما فرضت الصلاة نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به الظهر، وذكر المواقيت، وقال: فصلى به المغرب حين غابت الشّمس، وقال في اليوم الثاني: فصلى به المغرب حين غابت الشمس، وحديث أبي سعيد الخدري
ذكره أبو عمر في التمهيد وحسنه، وحديث عمرو بن حزم ذكره أبو علي الطوسي، وحديث البراء بن عازب ذكره أبو القاسم في الأوسط، عن أحمد الحلواني، نا الحسن بن إدريس، نا عبد الصمد بن عبد العزيز الداراني، عن عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن حفصة بنت عبيد، عن عمّها البراء قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فسأله عن وقت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا، فأمر بلالا، فأقام الصلاة بغلس، حتى إذا كان من الغد أخرها حتى أصبح جدا، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى، ثم قال أين السائل عن الوقت؟ صلّ ما بينهما، وقال: لا يروى هذا الحديث عن البراء إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن أبي ليلى، وحديث أبي بكر ابن حفص قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى بعث إلي جبرائيل عليه السلام يعلمني مواقيت الصلاة، فذكر مثل حديث ابن عباس، إلا أنه قال في الفجر في اليوم الثاني: فلما أضاء الفجر وعرف الناس بعضهم بعضا، أمرني بصلاة الفجر، ثم قال: يا نبي الله وقت الصلاة بين هذين، ذكره الفضل بن دكين في كتاب الصلاة، عن أبان، عن عبيد الله البجلي عنه، وحديث الحسن - يعني: ابن علي - أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بغلس، حتى إذا كان من الغد أسفر جدا، فقال: أين السائل، عن الصلاة، ما بين هذين صلاة، رواه أيضا عن أبي الأشهب عنه، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ذكره أبو عمر بن عبد البر، وحديث أبي مسعود: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين دلكت الشمس، يعني: زالت، ثم ذكر المواقيت، وقال: ثم أتاه جبرائيل حين غابت الشّمس، فقال: قم، فصل، وقال: ثم أتاه من الغد حيث غابت
الشمس وقتا واحدا، فقال: قم، فصل، فصلى، ذكره أبو الحسن في سننه، عن عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا أحمد بن علي الخزاز، ثنا سعيد بن سليمان بن سعدويه، ثنا أيوب بن عتبة، ثنا ابن عمرو بن حزم، عن عروة بن الزبير، عن ابن أبي مسعود، عن أبيه، إن شاء الله تعالى به، وقد تقدم كلام ابن عبد البر فيه قبل، وحديث بشر بن معاذ قال: صليت أنا وأبي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولي عشر سنين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إمامنا، وكان جبرائيل إمام النبي عليه السلام، والنبي عليه السلام ينظر إلى خيال جبرائيل عليه السلام، شبه ظل سحابة إذا تحرّك الخيال ركع النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث جابر بن عبد الله العقيلي عنه، وقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه من رواية أهل بلخ، ولم يكن عند بشر غير هذا.
غريبه: الوقت معروف، والميقات: الوقت المعروف للفعل والموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام: الموضع الذي يحرمون منه، وتقول: وقته فهو موقوت: إذا بين للفعل وقتا، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} .
أي: مفروضا في الأوقات، والتوقيت: تحديد الأوقات، تقول: وقته ليوم كذا مثل أجلته، وقرئ وإذا الرسل وقتت، ووقتت مخففة، وأقتت لغة مثل وجوه وأجوه، والموقت مفعل من الوقت، قال العجاج: والجامع الناس ليوم الموقت، قاله أبو نصر، زاد في الأساس: شيء موقت: محدد، والهلال ميقات الشهر، والآخرة ميقات الخلق، وفي الجامع: الوقت اسم واقع على الساعة من الزمان، والحين، والجمع: أوقات، وأنكر ابن التين على أبي عبد الله البخاري قوله: وقته عليهم، بأن قال: رويناه عنه بالتشديد، وإنما هو بالتخفيف، ويدل على صحته قوله تعالى {مَوْقُوتًا} إذ لو كان مشددا لكان موقتا.
وأمّا الشفق: فهو الحمرة التي ترى في السماء بعد غيوب الشّمس، وهما شفقان:
أحدهما الحمرة، والآخر البياض الذي يرى في المغرب، فآخر وقت العشاء الآخرة وقت مغيبه، قال تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} ، وقد ذكر بعض أهل اللغة: أن الشفق إنّما هو الحمرة واحتج بالاشتقاق؛ لأنّ العرب تقول: ثوب مشفق، إذا صبغ بالحمرة، قاله الفراء، وفي الصحاح: الشفق: بقية ضوء الشّمس وحمرتها في أوّل الليل إلى قريب من العتمة، وقال الخليل: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، وزعم أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى: أنّ الحمرة هو قول أكثر أهل اللغة، وفقهاء الحجاز، والبياض قول أهل العراق، وحكى مثله عن مالك، والأوّل هو المشهور من قوله، وقال بعض أهل اللغة: الشفق يطلق عليهما جميعا، وقال بعضهم: الحمرة غير القانية، والبياض غير الناصع، الاسم يتناولهما، ونفى الخلاف في الحكم بماذا يتعلّق الأول، أو بالثاني؟، وفي كتاب التلخيص لأبي هلال: والشفق حمرة وبياض ليس بمحكم، قال أبو عمر بن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أنّ الصلاة إنما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء، ولكنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت، فروي عن عائشة: أنّها فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر، فأكملت أربعا، وأقرت صلاة السفر على ركعتين، ومن رواة حديثها هذا من يقول: زيد فيها بالمدينة، وأقرت صلاة السفر على ركعتين، وهو أصح من حديث القشيري وغيره، وأصح من حديث ابن عباس. . انتهى.
وقال: وروي عن سلمان وغيره ما يوافق روايتها من ذلك حديث: فرضت الصلاة ركعتين، فصلاها عليه السلام بمكة حتى قدم المدينة، وصلاها بالمدينة كم شاء الله تعالى، وزيد في صلاة الحضر ركعتين، وتركت
صلاة السفر على حالها، ذكره في الأوسط، عن محمد بن أحمد بن أبي خيثمة قال: دفع إلي جعفر بن عياش كتابه فكتبت منه: ثنا عمرو بن عبد الغفار، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان عنه، وقال: لم يروه عن عاصم إلا عمرو، ولا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد، وفي المعجم الكبير: ثنا علي بن المبارك، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال، عن سعد بن سعيد، قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر، وقال أبو عمر: وبذلك قال الشعبي، وميمون بن مهران، والحسن في رواية، ومحمد بن إسحاق، وروي عن ابن عباس: أنها فرضت في الحضر أربعا، وفي السّفر ركعتين، فيما ذكره في الأوسط من طريق ابن أرطأة، عن يحيى بن عبيد أبي عمر البهراني عنه، وقال: لم يروه عن يحيى إلا الحجاج، ولا عن حجاج إلا عمران القطان، تفرد به محمد بن بلال، قال أبو عمر: كذلك قال نافع بن جبير، وكان أحد علماء قريش بالنسب وأيام العرب والفقه، وهو راوية حديث ابن عباس في إمامة جبريل: أنها فرضت أول ما فرضت أربعا إلا المغرب والصبح، وكذلك قال الحسن بن أبي الحسن في رواية: وهو قول ابن جريج، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث القشيري وغيره ما يوافق ذلك، وهو قوله: إن الله تعالى وضع على المسافر الصوم وشطر الصلاة، ووضع لا يكون إلا عن تمام قبله، وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر قال: فرضت الصلاة في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين.
قال: وسنده حسن، ولم يختلفوا أنّ جبريل
- عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيئتها، ثنا ابن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زهير، ثنا هدبة بن خالد، عن همام، عن قتادة، قال: فحدثنا الحسن أنه ذكر له: أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي إنّ الصلاة جامعة ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبرائيل محمدا، ويؤم محمد الناس يقتدي محمد صلى الله عليه وسلم بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم، لا يسمعهم فيهن قراءة، ثم سلّم جبريل على محمّد صلى الله عليه وسلم، وسلم محمد صلى الله عليه وسلم على النّاس، فلما سقطت الشّمس، نودي إنّ الصلاة جامعة، ففزع النّاس واجتمعوا إلى نبيّهم صلى الله عليه وسلم، فصلّى بهم العصر أربع ركعات لا يسمعهم فيهن قراءة، وهي أخفت، يؤم جبريل محمدا عليه السلام، ويؤم محمد صلى الله عليه وسلم الناس، يقتدي محمد صلى الله عليه وسلم بجبريل، ويقتدي النّاس بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم سلّم جبريل على محمد، وسلّم محمد صلى الله عليه وسلم على النّاس، فلما غابت الشمس نودي: الصلاة جامعة. . . الحديث، وقد تقدّمت الإشارة إليه، قال: ففي هذا أنّ جبريل لم يصل الصلوات الخمس بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، وهو وإن كان مرسلا، فإنه حديث حسن مهذب، وبه احتج من زعم: أن جبريل عليه السلام صلى في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء مرة واحدة للصلوات كلها، على هذا ظاهر حديث مالك في ذلك، واحتجوا أيضا بما ذكره عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه إلا جبريل بمنزله عليه السلام حين زاغت الشّمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر، فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي عليه السلام
وصلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالنّاس، وطوّل الركعتين الأوليين، ثم قصّر الباقيتين. . . الحديث، وفي كتاب الطبراني من حديث ياسين الزيّات، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة، وأبي سعيد قالا: أوّل صلاة فرضت على النبي الظّهر، وفي الدلائل للبيهقي، عن علي: أوّل صلاة ركعناها العصر، وهو معارض لما تقدّم لو صح إسناده، قال أبو عمر: قوله: الصلاة جامعة؛ لأنه لم يكن يومئذ أذان، وإنما كان الأذان بالمدينة بعد الهجرة بعام، أو نحوه، فقال من ذكرنا قوله حديث نافع بن جبير هذا مثل حديث الحسن، وهو ظاهر حديث مالك، والجواب عن ذلك ما تقدّم ذكرنا له من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين، وفيها زيادة يجب قبولها، والعمل بها لنقل العدل لها، وليس تقصير من قصر [عن حفظ ذلك وإتقانه، والإتيان به بحجة، وإنما الحجة في شهادة من شهد، لا في قول من قصر عن حفظ ذلك]، وأجمل، واختصر، على أنّ هذه الآثار منقطعة؛ وإنما ذكرناها لما وصفنا؛ لأن فيها أنّ الصلاة فرضت في الحضر أربعا، لا ركعتين، على خلاف ما زعمت عائشة، وقال بذلك جماعة، وردوا حديث عائشة، وإن كان إسناده صحيحا، بضروب من الاعتلال، ويجاب أنا لا حاجة لنا إلى أصل الفرض إلا من طريق القصر، ولا وجه لقول من قال: إنّ حديثهما يعارضه القرآن، وهو قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} .
وقد أجمع العلماء أنه لا يكون قصّر من ركعتين في شيء في السّفر في الأمن؛ لأن حديث عائشة قد أوضح أنّ الصلاة زيد فيها في الحضر، ومعلوم أنّ الفرض فيها كان بمكة شرفها الله تعالى، وعظّمها، وأنّ الزيادة كانت بالمدينة، وأنّ سورة النساء
متأخرة، فلم يكن القصر مباحا إلا بعد تمام الفرض، وذلك يعود إلى معنى واحد في أنّ القّصر إنّما ورد بعد تمام الصلاة أربعا، ولا حاجة بنا إلى أصل الفرض اليوم؛ لأنّ الإجماع منعقد بأنّ صلاة الحضر ثابت أربعا، وبالله التوفيق، انتهى.
وقد ذكر أبو زيد السهيلي رحمه الله تعالى لحديث عائشة وجها حسنا، وهو قوله: وذكر الحربي أنّ الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشّمس، وصلاة قبل طلوعها: قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} ، وقال يحيى بن سلام مثله، فعلى هذا: يحتمل قولها زيد في صلاة الحضر، أي زيد فيها حتى أكملت خمسا، فتكون الزيادة في الركعات، وفي عدد الصلوات، ويكون قولها: فرضت الصلاة ركعتين أي قبل الإسراء، وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم: ابن عباس. . انتهى، وبمثله ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفا بفضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، عن محمد بن أحمد بن البراء، ومقاتل بن سليمان، وأما قول أبي بشر الدولابي في تاريخه: وروي عن عائشة، وأكثر الفقهاء: أنّ الصلاة نزلت بتمامها فمحمول على إتمام العدد، لا الركعات، والله تعالى أعلم، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ما بين هذين وقت أراد به تعليم الأعرابي بأن الصلاة تجوز في آخر الوقت لمن نسي، أو كان له عذرٌ، أو خشي منه عليه السلام أن يظنّ أنّ الصلاة في آخر الوقت لا تجزئ، وزعم الأصيلي أنه قال: لم يصح عند مالك حديث الوقتين، وإنما قال بالوقتين بعمل أهل المدينة، وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: حديث الوقتين لم يخرّجه البخاري، وسأله الترمذي لِم لم تخرجه، وقد رواه قتيبة عن مالك؟!.
فقال البخاري: انفرد به قتيبة، قال أبو الحسن: أراد البخاري أن قتيبة غريب رحّال، يذكر عن الليث شيئا لم يذكره غيره، وأهل مصر أقعد بمالك، وأعلم بحديثه، ولم يوجد عندهم، فاستراب منه، وإلا فقتيبة ثقة حافظ، وذكر غيره أنّ مثل هذا لا يرد به خبره، لثقته. . انتهى، وقد بينا حديث الوقتين مصححا قبل، والله تعالى أعلم.
باب وقت صلاة الفجر
63 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان نساء المؤمنات يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم يرجعن إلى أهلهن، فلا يعرفهن أحد - تعني من الغلس.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم.
.
64 -
حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، ثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم عن عبد الله، والأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ، قال: تشهده ملائكة الليل والنهار.
هذا حديث لما رواه الترمذي عن عبيد، عن أبيه، عن الأعمش، وعن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن الأعمش، قال: وزاد ابن مسهر: وعن أبي سعيد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه الحاكم من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد مرفوعا، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وفي تفسير ابن أبي حاتم من جهة ابن إسحاق قال: وذكر الزهري، عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة يرفعه، قال: يجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الصبح، فإذا فرغ الإمام صعدت ملائكة الليل، وأقامت ملائكة النهار، وروي أيضا من
جهة ابن جريج، عن عطاء، قال: تشهده الملائكة والجن، وروى ابن المنذر بسنده إلى أبي عبيدة أنّ عبد الله كان يقول: تتداول الحرسان من ملائكة الله: حارس الليل، وحارس النهار عند طلوع الفجر: واقرءوا إن شئتم: و {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا ابن المقرئ، ثنا مروان، ثنا جوبير، عن الضحاك في هذه الآية قال: تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار الذين يشهدون أعمال بني آدم.
.
65 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا نهيك بن يريم الأوزاعي، ثنا مغيث بن سمي قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلما سلم أقبلت على ابن عمر، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاتنا، كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، فلما طعن عمر، أسفر بها عثمان، رضي الله تعالى عنهم.
هذا حديث إسناده صحيح، مغيث بن سمي أبو أيوب الشامي روى عنه جماعة، منهم: عطاء بن أبي رباح، وأبو بكر عمرو بن سعيد الأوزاعي، وزيد بن واقد، ومحمد بن يزيد الرحبي، والحضرمي بن لاحق، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر أدرك الناس ألفا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره هو عن نفسه، وقال الوليد: عن الأوزاعي، عن نهيك بن يريم: لا بأس به عن مغيث بن سمي، وهؤلاء رجال الشام ليس فيهم إلا ثقة، وقال ابن معين: كان صاحب كتب كأبي الجلد، ووهب بن منبه، وقال الآجري: سألت أبا داود عنه؟ فقال: دمشقي ثقة، وذكره البستي في كتاب الثقات وخرج حديثه في صحيحه، وكذا فعله.
.
66 -
حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان سمع
عاصم بن عمر بن قتادة، وجده بدري يخبر عن محمود بن الربيع، عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصبحوا بالصبح، فإنه أعظم للأجر، أو لأجركم.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: إذا رواه من حديث ابن إسحاق عن عاصم: حسن صحيح، وذكره البستي في صحيحه، وقال أبو علي الطوسي: يقال: هو حديث حسن صحيح، وقال البغوي: هو حديث حسن، ولفظ أبي داود: أسفروا بالصبح، وصححه الفارسي، وقال: محمود هو ابن الربيع بن لبيد، وهذا مردود إجماعا؛ لأنّ ابن الربيع غير ابن لبيد، وقال مهنأ: قلت لأبي عبد الله: حدثوني عن محمد بن بكار، عن حفص بن عمر، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر، فقال ليس بصحيح، إنما هو عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن رافع بن خديج، وقال أبو محمد الأزدي: هذا حديث يدور بهذا الإسناد فيما أعلم على عاصم، وهو ثقة عند أبي زرعة، وابن معين، وقد ضعّفه غيرهما، وقد روي بإسناد آخر إلى رافع، وحديث عاصم أصح، وروي عن غير رافع، وحديث رافع من طريق عاصم أحسن، قال ابن القطان: أمّا قوله: وضعفه غيرهما فأمر لم أعرفه، بل هو ثقة كما ذكر عن ابن معين، وأبي زرعة، وكذلك قال النسائي وغيره: ولا أعرف أحدا ضعفه، ولا ذكره في جملة الضعفاء، وقد ترك أن يبين أنه من رواية ابن إسحاق، وأن يورده من رواية ابن عجلان بدلا منه من عند أبي داود، وليس هو معنيه في قوله:
وقد روي بإسناد آخر إلى رافع، وإنما يعني بذلك إسنادا آخر ليس من طريق عاصم، وأما طريق عاصم هذا فصحيح، ولم يصححه بقوله:(أصح)، وإنما هو عنده حسن، فاعلمه. . انتهى، وممن وثقه أيضا: الشيخان بتخريج حديثه، وابن سعد بقوله: كان ثقة، كثير الحديث، عالما، وقال البزار: هو ثقة مشهور، وذكره البستي في كتاب الثقات، وقد جمع سفيان بين ابن عجلان وابن إسحاق في كتاب الطبراني الكبير، رواه عن إبراهيم بن نائلة، ثنا محمد بن المغيرة، ثنا النعمان، ثنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان به، ورواه عن عاصم أيضا عبد الحميد بن جعفر، قال الطبراني: نا محمد بن عبدوس بن كامل، نا إبراهيم بن راشد الأدمي، ثنا معلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد به، قال: وثنا أبو معن ثابت بن نعيم الهوجي، ثنا آدم بن أبي إياس، نا شعبة، عن أبي داود، عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد به، زاد في الأوسط: لم يروه عن شعبة إلا آدم وبقية، إلا أن بقية رواه عن شعبة، عن داود البصري، وقد قيل: إنه داود بن أبي هند، ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن هشام بن سعد حدثني زيد بن أسلم، عن محمود به، ورواه النسائي فيما ذكره بعضهم عن آدم، ولم أر هذا، والذي رأيت أنه قال في الكنى: أبو داود أيوب بن سعيد، عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قاله محمد بن يحيى، عن آدم، وفي السنن: ثنا الجوزجاني، نا ابن أبي مريم، ثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من الأنصار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . الحديث، وهو مما وقع لنا عاليا بدرجتين من كتاب
الطبراني لروايته له عن إسحاق بن إبراهيم القطان، عن سعيد بن أبي مريم، ورواه ابن عدي في الكامل من جهة رفاعة بن هرير بن عبد الرحمن بن رافع، عن أبيه، عن جدّه، وقال: لا يعرف رفاعة هذا إلا برواية محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عنه، وقال البخاري: فيه نظر، وقال عبد الرحمن: سألت أبي عن حديث رواه أبو نعيم، عن إبراهيم بن مجمع، عن هرير يعني هذا بزيادة: قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم، فقال أبي: ثنا هارون بن معروف وغيره عن أبي إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب عن هرير، وهو أشبه، وقال في موضع آخر: سمعت أبي، وذكر حديث إبراهيم بن سليمان المؤدب عن هرير، فقال: روى أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث عن أبي نعيم، عن ابن مجمع، وسمعنا كتاب إبراهيم بن إسماعيل كله عن أبي نعيم، فلم يكن لهذا فيه ذكر، وقد حدثنا غير واحد عن المؤدب، قلت لأبي: الخطأ من أبي نعيم، أو من أبي بكر؟ قال: أرى قد تابع أبا بكر رجل آخر، فعلى هذا الأولى أن الخطأ من أبي نعيم، أراد أبا إسماعيل المؤدب، فغلط في نسبته إلى ابن مجمع، وفيما أوردناه ردّ لما قاله الإشبيلي، وقد روي بإسناد آخر إلى رافع، ولتقرير أبي الحسن، ذلك، ويشبه أن يكون مستند الإشبيلي في تضعيف عاصم ما قيل: كلّ عاصم في حفظه شيء، ولئّن كان إيّاه فغير نافع له؛ لأن العمومات لا يستدل بها، لأنا رأينا من أطلق كابن معين، وغيره عاد، فوثّق الذي عمم فيه القول، والله تعالى أعلم، وفي الباب حديث بلال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر. رواه
البزار في مسنده من طريق أيوب بن سيار القائل فيه ابن معين: ليس بشيء عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن أبي بكر عنه، ورواه الطبراني في مسنده وبلفظ: يا بلال أصبحوا بالصبح، فإنه خير لكم، وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسفروا بصلاة الصبح، فإنه أعظم للأجر.
رواه أبو القاسم من حديث الثوري، وعن شعبة، عن زبيد، عن مرة عنه، وحديث جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر الفجر كاسمها، رواه الطحاوي من طريق يزيد بن سنان، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن ابن عقيل عنه، وحديث أبي طريف الهذلي: أنه كان يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف، فكان يصلي صلاة الفجر لو أن إنسانا رمى بنبله أبصر مواقع نبله، ذكره أيضا من حديث ذكره زكريا بن إسحاق، عن الوليد بن عبد الله بن أبي سميرة، كذا ذكره، ويشبه أن يكون وهما، لما رواه العسكري في معرفة الصحابة، عن ابن أبي داود، ثنا محمود بن آدم، ثنا بشر بن السري، نا زكريا بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا صلاة المغرب.
وكذا قال أبو عمر: حديثه
في صلاة المغرب، والله أعلم، وحديث زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسفروا بصلاة الصبح يغفر لكم، أخرجه الهروي في معجمه، ولفظه في الموضوعات: من نور بالفجر نور الله قلبه وقبره وقبلت صلاته. ورده بابي داود النخعي، وفي كتاب النسائي: سئل عليه السلام عن وقت صلاة الصبح فأمر بلالا حين طلع الفجر فأقام الصلاة، ثم أسفر الغد حتى أسفر كذا في م، ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة؟ ما بين هاتين، أو هذين وقت.
وحديث علي قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر يوما بغلس، وكان ربما يغلس ويسفر.، الحديث بطوله، وسأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: راويه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وهو ضعيف الحديث جدا، وكتاب أبي جعفر من طريق علي بن ربيعة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا قنبر أسفر أسفر، ومن حديث شجاع بن الوليد، عن داود الأودي، عن أبيه يزيد قال: كان علي بن أبي طالب يصلي بنا الفجر، ونحن نتوقى الشّمس مخافة أن تكون قد طلعت، وفي كتاب أبي نعيم، نا سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة سمعت عليا يقول: يا ابن التياح: أسفر أسفر بالفجر.
وثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن
جبير بن مطعم قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى أن صلّ الفجر إذا نوّر النور.
قال: وكان عمر بن مسلم يقول: كان سويد قال: كان علي يسفر حتى تكاد الشمس تطلع.
وكان سويد بن غفلة يسفر بالفجر إسفارا شديدا، وقال وقاء بن إياس: سمعت سعيد بن جبير يقول لمؤذّنه: نور نور، ونا سفيان، عن شيخ قال: كان الربيع بن خيثم يقول لمؤذنه: نور نور، قال أبو نعيم: ورأيت سفيان يسفر بصلاة الغداة، ومن حديث زهير بن حرب، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب قال: صلى بنا عمر صلاة الصبح، فقرأ بسورة بني إسرائيل والكهف، حتى جعلت أنظر إلى جدار المسجد هل طلعت الشمس؟.
ومن حديث عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع عبد الله بن مسعود، فكان يسفر بصلاة الصبح.
ومن حديث جبير بن نفير قال: صلى بنا معاوية بن أبي سفيان الصبح بغلس. فقال أبو الدرداء: أسفروا بهذه الصلاة، فإنه أفقه لكم إنّما تريدون أن تخلوا بحوائجكم، وثنا ابن خزيمة، عن القعنبي، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على التنوير، وحديث أبي شعبة الطحان جار الأعمش، عن أبي الربيع الحنظلي قال: كنت مع ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن إني أصلي معك الصبح، ثم ألتفت، فلا
أرى وجه جليسي، ثم أحيانا تسفر قال: كذلك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها، وحديث صفوان بن المعطل لما شكته زوجته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ما يصلي الصبح حتى تطلع الشمس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا استيقظت فصل وهو مخرج في الصحيح، وسيأتي، وحديث معاذ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: إذا كان الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق القوم، ولا تملّهم، وإذا كان الصيف فأسفروا بالفجر، فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا.
رواه البغوي في شرحه من حديث يوسف بن أسباط، عن المنهال بن جراح، عن عبادة، عن ابن غنم عنه، وفي كتاب الضعفاء لابن حبان: وروى سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة يرفعه: يا بلال أسفر بالصبح فإنه أعظم للأجر، ثم قال: وليس هذا من حديث ابن عون، ولا ابن سيرين، وإنما هذا المتن من حديث رافع فقط، وسعيد يروي عن ابن عون ما ليس من حديثه. . انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه، والله تعالى أعلم، وحديث أبي الدرداء يرفعه: أسفروا بالفجر تفقهوا.
ذكره الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد في مسند أبي الدرداء جمعه عن أبي زرعة، نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، نا محمد بن شعيب سمعت سعيد بن سنان يحدّث عن أبي الزاهرية به عنه، وتقدّم حديث ابن لبيد، عن رجال من
الأنصار، وحديث ابن عباس، وحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي على الفطرة ما أسفروا بالفجر ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبد العزيز بن رفيع، عن أبي سلمة عنه، وقال: لم يروه عن عبد العزيز إلا حفص بن سليمان، تفرد به عمرو بن عون، وسيأتي أيضا حديث أبي برزة الأسلمي.
غريبه: قوله: بغلس، يعني: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، وفي الصحاح: هو ظلمة آخر الليل، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
…
غلس الظلام من الرباب خيالا
وقوله: أسفر، قال أبو عمرو: يعني أضاء، قال ابن خالويه: وكذلك جشر وابتسم، وانفجر عمود الصبح وضحك، وهذه غير مستعملة، وحكى القزاز، وابن عديس في كتاب الصواب: سفر بغير ألف، وحكاه أيضا ابن القطاع بقوله: سفر الصبح وأسفر، وأبى الأصمعي إلا سفر قاله ابن درستويه، كل ذلك راجع إلى أصل واحد، وهو السفر، يقال: سفرت البيت: إذا كشفْته، أو كنسته سفرا، وسفرت الريح السحاب، وسفرت النّار الظلمة، وفي الصحاح: معنى: أسفروا بالفجر أي: صلوها مسفرين، ويقال: طولوها إلى الإسفار، وأسفر وجهه حسنا، أي: أشرق، والإسفار الانحسار، وحكى ابن القوطية: سفرت الشمس: طلعت والمرأة سفور كشفت وجهها، وأسفر الشيء: أضاء، والقوم صاروا في أسفار الصبح، زاد ابن طريف: وأسفر الليل انقضى وانكشفت ظلمته، قال بعض الخوارج:
إذا ما الليل أظلم كابدوه
…
فيسفر عنهم وهم ركوع
وفي الأساس في فصل الحقيقة: وخرجوا في السفر في بياض الفجر، ورح بنا
نسفر ببياض قبل الليل، وبقي عليك سفر من نهار، وفي المجاز: وجه مسفر، مشرق سرورا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} وفي الفصيح: وقد سفرت المرأة، إذا ألقت خمارها عن وجهها، والرجل عمامته، وهي سافر وأسفر وجهها إذا أضاء، وكذلك الصبح، وفي الغريبين قيل: للكاتب سافر؛ لأنه يبين الشيء ويوضحه، ومنه إسفار الصبح، وفي الكتاب المغيث لأبي موسى: أسفر الصبح انكشف، ومنه الحديث: أسفروا بالصبح.
قال الخطابي: يحتمل أنّه حين أمروا بالتغليس بالفجر كانوا يصلونها عند الفجر الأول رغبة في الأجر، فقيل أسفروا بها أي: أخروها إلى ما بعد الفجر الثاني، فإنه أعظم للأجر، قال أبو موسى: ويدلّ على صحة قول الخطابي حديث هرير بن عبد الرحمن بن رافع، عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم.
ويدل عليه أيضا فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يغلس بها إلا يوما واحدا على ما روي، فلو كان الإسفار أفضل لما كان يختار التغليس عليه، قاله الخطابي: فإن قيل: فإن صلاتهم قبل الوقت لا تجزئهم أصلا، قيل: كذلك هو، إلا أنّهم لا يفوتهم ثوابهم: كالحاكم إذا اجتهد فأخطأ كان له أجر، وإن أخطأ.
وقيل: إنّ الأمر بالإسفار إنّما جاء في الليالي المقمرة التي لا يبيّن فيها جيدا؛ فأمروا بزيادة تبيّن فيه، قاله أبو حاتم بن حبان. والله عز وجل أعلم.
وقد اختلف العلماء في وقت الفجر المختار، فذهب أبو حنيفة، وسفيان بن سعيد، وأكثر العراقيين: إلى أنّ الإسفار أفضل، قالوا: وهو قوة الضوء، قال في المحيط: إذا كانت السماء مصبحة فالإسفار أفضل إلا للحاج بمزدلفة، فهناك التغليس أفضل، وفي المبسوط: الإسفار بالفجر أفضل من التغليس سوى الأوقات كلّها، قال الطحاوي: إن كان من عزمه التطويل شرع بالتغليس ليخرج في الإسفار، قال: وهو
قول أبي حنيفة وصاحبيه، قال: وحديث الإسفار ناسخ لحديث التغليس، وقال الدبوسي: لا يدع التأخّر لمن ينام في بيته بعد الفجر، بل يحضر المسجد لأوّل الوقت، ثم ينتظر الصلاة ليكون له ثواب المصلي بانتظارها، ويكف عن الكلام بالكينونة في المسجد، ثم يصلي لآخر الوقت، ولو صلى لأوّل الوقت قبل ما يمكنه المكث والمقام إلى طلوع الشّمس، بل ينتشر بعد الفراغ لحديث الدنيا، وذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، والليث، والأوزاعي، وأبو ثور، وداود، ومالك في الصحيح عنه: إلى أنّ التغليس أفضل، قال ابن المنذر: وقد روينا عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي موسى، وابن الزبير، وابن عمر، وأبي هريرة أخبارا تدل على أنّ التغليس بالصلاة أفضل من تأخيرها. انتهى.
وقد ذكرنا عن علي ما يخالف هذا، وكذلك عن عمر بن الخطاب، وأما آخر وقتها، فمذهب الجمهور: أنه طلوع الشمس، قال القرطبي: وهو المشهور من مذهب مالك، قال: وعلى هذا لا يكون لها عنده وقت ضرورة، ولا يؤثم تارك الصلاة إلى ذلك الوقت متعمدا، وروى ابن القاسم، وابن عبد الحكم عنه أنّ آخر وقتها الإسفار الأعلى، فعلى هذا يكون ما بعد الإسفار وقت لأصحاب الأعذار، ويؤثم من أخرّها إلى ذلك الوقت، وعن أبي سعيد الإصطخري: من صلاها بعد الإسفار الشديد كان قاضيا لا مؤديا، وإن لم تطلع الشمس، وفي الإشراف أجمع أهل العلم على أنّ مصلي الصبح بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه مصليها في وقتها، وقال في الإقناع: أوّل وقت صلاة الصبح: طلوع الفجر الثاني المعترض المستطير، وآخر وقتها لغير المعذور: الإسفار. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث جعله في الأوّل وقتا مطلقا لغير المعذور، وللمعذور، وفي الثاني قيده بالمعذور وجعله إجماعا، وقد ذكرنا قبل أن لا إجماع، والله تعالى أعلم.
ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم: إنّ للصلاة أولا وآخرا، وإن أوّل وقت الظهر حين تزول الشّمس، وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أوّل وقت العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشّمس، وإن أوّل وقت المغرب حين تغرب الشّمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أوّل وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس رواه الترمذي، عن هناد، عن ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وقال: سمعت محمدا يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل.
ثنا هناد، ثنا أبو أسامة، عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد قال: كان يقال: إن للصلاة أولا وآخرا، فذكر نحو حديث محمد بن فضيل، وحكى عن الأعمش نحوه بمعناه، وقال في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: وهم ابن فضيل في حديثه، والصحيح هو حديث الأعمش، وكذا قال أبو حاتم لما سأله ابنه عنه: هذا خطأ، وهم فيه ابن فضيل يرويه أصحاب الأعمش عن الأعمش، عن مجاهد قوله، وقال الدارقطني: هذا لا يصح مسندا، وهم في سنده ابن فضيل، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا وهو أصح من قول ابن فضيل، وقال أبو علي الطوسي في أحكامه: يقال: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث ابن فضيل. انتهى.
ومحمد بن فضيل ممن خرج
حديثه في الصحيحين، فإذا رفع حديثا قبلت زيادته، لا سيّما مع عدم المخالفة، ولهذا، فإن ابن حزم لم يلتفت إلى توهيمه بغير مستند، بل صححه واستدل به، وقال ابن القطّان: لا يبعد أن يكون عند الأعمش في هذا عن مجاهد، أو غيره مثل الحديث المرفوع، والله أعلم، وله شاهد في كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم بن الفضل، عن المقبري، عن أبي هريرة قال عليه السلام: إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأوّل ما هو خير له من أهله وماله.
قال ابن الحصار: رجاله كلهم ثقات، وحديث ابن مسعود، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها.
رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن بندار، ثنا عثمان بن عمر، ثنا مالك بن مغول، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني عنه، وابن حبان في صحيحه، عن عمر بن محمد الهمداني، والحسن بن سفيان قالا: ثنا بندار، وقال: الصلاة في أول وقتها. تفرّد بها عثمان بن عمر وحدثنيه محمد بن أحمد بن زيد، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن عمر بإسناده مثله، ولما ذكره ابن حزم صححه واستدّل به، ولما خرجه الحاكم في مستدركه عن أبي عمرو بن السماك، ثنا الحسن بن مكرم، وثنا علي بن
عيسى، ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن عمر به، قال: هذا حديث يعرف بهذا اللفظ لمحمد بن بشار بندار، عن عثمان، وبندار من الحفاظ المتقنين الأثبات، ثناه علي بن عيسى في آخرين، قالوا: ثنا أبو بكر بن إسحاق، ثنا بندار، فذكره قال: فقد صحّت هذه اللفظة باتفاق المتقنين بندار، وابن مكرم على روايتهما عن عثمان، وهو صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله شواهد في هذا الباب منها: ما ثناه أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني، ثنا محمد بن الحسين بن مكرم، ثنا حجاج بن الشّاعر، ثنا علي بن حفص المدائني، ثنا شعبة، عن الوليد بن العيزار، سمعت أبا عمرو، أنبأ صاحب هذه الدار وأشار إلى دار ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها.
ثم قال: قد روى هذا الحديث جماعة، عن شعبة، ولم يذكر هذه اللفظة غير حجاج، عن عليّ بن حفص، وحجاج حافظ ثقة، وقد احتج مسلم بعلي بن حفص المدائني، وفي كتاب السنن للدارقطني من حديث حماد بن زيد، عن الحجاج، عن سليمان، وذكر أبو عمرو الشيباني أنه قال: حدثني صاحب هذه الدار بلفظ: الصلاة لميقاتها الأول.
قال الحاكم: ومنها، ثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن شبيب عن محمد بن مثنى، نا ابن جعفر، نا شعبة، أخبرني عبيد المكتب، سمعت أبا عمرو الشيباني يحدّث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، الرجل هو: ابن مسعود لإجماع الرواة فيه على أبي عمرو الشيباني.
ومنها ما أنبأ أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح
السهمي بمصر، ثنا علي بن معبد، ثنا يعقوب بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: خير الأعمال الصلاة في أول وقتها.
يعقوب بن الوليد هذا: شيخ من أهل المدينة سكن بغداد، وليس من شرط هذا الكتاب، إلا أن له شاهدا عن عبد الله.
حدثني أبو عمرو محمد بن أحمد بن إسحاق العدل النحوي، ثنا محمد بن علي بن الحسين الرقي، ثنا إبراهيم بن محمد بن صدقة العامري في كندة في مجلس الأشج، ثنا محمد بن حمير الحمصي، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر بمثله، ومنها ما ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الدوري، ثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي، ثنا عبد الله بن عمر العمري، عن القاسم بن غنام، عن جدّته الدنيا، عن جدّته أم فروة، وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من المهاجرات الأول، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وسئل عن أفضل الأعمال، فقال: الصلاة لأوّل وقتها.
هذا حديث رواه الليث بن سعد، والمعتمر بن سليمان، وقزعة بن سويد، ومحمد بن بشر العبدي، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، أما حديث الليث، فحدثناه أبو بكر بن داود بن سليمان الزاهد، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الحسن المعافري بمصر، ثنا علي بن عبد الرحمن علان، ثنا عمرو بن
الربيع بن طارق، ثنا الليث به، سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب، سمعت الدوري، سمعت يحيى بن معين يقول: قد روى عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام، ولم يرو عنه أخوه عبيد الله، وقال أبو عيسى: وحديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله العمري، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث، وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا قزعة بن سويد، وفيه نظر لما أسلفناه، ولما في سنن أبي داود، ثنا الخزاعي، والقعنبي عنه، وأما قول الحاكم: وعلي بن حفص ممن احتج به مسلم، وكذا قاله في المدخل، ففيه دلالة على تفرده به دون البخاري، وليس كذلك، بل قد احتجا به جميعا فيما ذكره الباجي، وابن سرور، وأبو إسحاق الصريفيني، وأبو إسحاق الحبال، ومن خطهما نقلته، وحديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله.
رواه أبو عيسى من حديث.
قال ابن عدي: كذا كان ابن حميد يقول: عن عبيد الله قال: والصواب ما نبأ به ابن صاعد، وابن أسباط على أنه باطل بهذا الإسناد، سواء قيل فيه عبد الله، أو عبيد الله، ويعقوب هذا عامة ما يرويه من هذا الطراز، فليست بمحفوظة، وهو بيّن الأمر في الضعف، وحديث جرير بن عبد الله قال عليه الصلاة والسلام: أوّل الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله.
رواه أبو الحسن في سننه من حديث الحسين بن حميد بن الربيع وهو متهم بالكذب، وحديث أبي الدرداء قال صلى الله عليه وسلم: إن تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من صفة الإيمان.
رواه ابن وهب في مسنده، عن الليث، عن عمر بن شيبة المدني، عن رجل حدُّثه عن أبي الدرداء به، وحديث علي مرفوعا: أوّل الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله.
ذكره أبو بكر في خبر المدينة من حديث موسى بن جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن جدّه عنه، وحديث أنس يرفعه أوّل الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله.
ذكره ابن عدي في الكامل، وزعم: أنّ بقية تفرد به، قال: وهو من الأحاديث التي يحدّث بها بقية عن المجهولين، زاد أبو الفرج في العلل المتناهية، وفيه مع ذلك عبد الله مولى عثمان، وعبد العزيز وهما لا يعرفان، ولفظ الطبراني في الأوسط: من صلى الصلاة لوقتها تقول: حفظك الله كما حفظتني، ومن صلاها لغير وقتها قالت: ضيعك الله كما ضيعتني.
رواه من حديث عباد بن كثير، عن أبي عبيدة يعني حميد الطويل عنه، وقال: لم يروه عن حميد إلا عبّاد تفرد به عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون العنسي، ولفظ إسماعيل بن زياد في مسنده، عن أبان بن أنس مرفوعا: فضل الوقت الأول من الصلاة على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا.
وحديث أبي محذورة قال صلى الله عليه وسلم: أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله ذكره ابن عدي من حديث إبراهيم بن زكريا، وهو يحدّث عن الثقات بالبواطيل، والحمل في هذا الحديث عليه، عن إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جدّه، وفي كتاب الميموني سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعرف شيئا يثبت في أوقات الصلاة: أولها كذا
وأوسطها كذا، يعني مغفرة ورضوانا، فقال له رجل: ما يروى أول الوقت كذا، وأوسطها كذا رضوان ومغفرة، فقال له أبو عبد الله: من يروي هذا؟ ليس هذا يثبت، وحديث عياض بن زيد العبدي سمع النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس عليكم بذكر ربكم عز وجل وصلوا صلاتكم في أوّل وقتكم، فإن الله تعالى يضاعف لكم.
رواه أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث سليمان بن داود المنقري، ثنا عثمان بن عمر، عن النهاس القيسي، عن أبي الشيخ الهنائي، عن رجل من عبد القيس اسمه عياض، فذكره، ويلتحق به أيضا ما خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام.
رواه عن محمد بن علي بن محرز، نبأ أبو أحمد الزبيري، نا سفيان عنه، وقال: في هذا الخبر دلالة على أنّ صلاة الفرض لا تجوز قبل دخول وقتها بقوله: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة يريد صلاة الصبح، وفجر تحرم فيه الصلاة يريد صلاة الصبح، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأوّل، وقوله ويحل فيه الطعام يريد الصيام، وحديث طلق بن علي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الفجر بالمستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر، حسنه أبو عيسى الترمذي، وحديث قيلة بنت مخرمة قالت: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالنّاس الغداة، وقد أقيمت حين شقّ الفجر والنجوم شابكة في السماء والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل.
الحديث بطوله ذكره أبو عيسى، عن عبد بن حميد، عن عفان بن مسلم، عن عبد الله بن حسان أنّ جدته صفية، ودحية حدّثتاه عنها، وقال: لا يعرف
إلا من حديث ابن حسان، ومرسل محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الفجر فجران فأمّا الذي يكون في الأفق كذنب السرطان، فلا يحل الصلاة، ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلا في الأفق، فإنه يحل الصلاة ويحرّم الطعام، وعن عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس من حديث مكحول عنها فيما ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه: الفجر فجران المستطيل والمعترض، فإذا انصدع المعترض حلّت الصلاة، وقد عبّر عنه الشاعر بقوله فيما أنشده الثقفي:
وحاكم من أعدل الحكام من بني سام وأخي
…
حام إذا تبدى فجر عن ابتسام
فرق بين الحلّال والحرام.
وقال آخر، وعبّر عن الفجر الصادق والكاذب:
قد سمي اثنان بنو شروان
…
ووصفا بالعدل في الزمان
والليل ما زال له فجران
…
وإنما الصادق منه الثاني
باب وقت صلاة الظهر
67 -
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيدِ، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا دحضت الشمس.
هذا حديث خرجه مسلم (رحمه الله تعالى) في صحيحه، وخرجه أبو داود بلفظ: إن بلالا كان يؤذّن الظهر إذا دحضت الشمس.
والنسائي بزيادة: وكان يقرأ بنحو من الليل إذا يغشى، وزعم ابن عساكر: أنّ أبا داود خرجه بهذه الزيادة، وأقرّه المزي على ذلك، وليس كما زعما، فإن لفظ أبي داود كما سقته لك في الروايات كلها، والله تعالى أعلم.
68 -
حدّثنا محمد بن بشّار، ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف بن أبي جميلة، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة نضلة الأسلمي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الهجير التي تدعونها الظهر إذا دحضت الشّمس.
هذا حديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، ولفظ البخاري، عن سيار قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة، فقال له أبي: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعوها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال
في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ فيها بالستين إلى المائة، وفي كتاب الإِسماعيلي، عن أبي المنهال قال: لما كان زمن أخرج ابن زياد، ووثب مروان بالشام انطلق بي أبي إلى أبي برزة، وانطلقت معه، فإذا هو قاعد في ظل علو له من قصب في يوم شديد الحر، فذكره، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عثمان بن عثمان الغطفاني، عن خالد الحذاء، عن المغيرة بن أبي برزة عن أبي برزة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوم قبل العشاء. . . الحديث، وروى عبد الوهاب الثقفي، عن خالد، عن أبي المنهال، عن أبي برزة. . . الحديث، فقال: حديث عبد الوهاب أشبه، ولا أعلم أحدا روى عن المغيرة عن أبي برزة إلا علي بن جدعان. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره هو في كتاب الجرح والتعديل من أنّ المغيرة روى عنه أيضا حماد بن سلمة، وكذا قاله أيضا أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، والبخاري في تاريخه، ولما ذكر أبو الحسن في علله حديث المغيرة بن أبي برزة قال: الصواب عن أبي المنهال، وحديث المغيرة عن أبيه إنما هو أسلم سالمها الله، وقال البزار حديث خالد عن المغيرة أحسب وهم فيه عثمان، والصواب خالد، عن أبي المنهال، وحديث عثمان الغطفاني ذكره الإِسماعيلي في صحيحه، أنبأ الحسن بن سفيان، ثنا ابن مثنى حدثني عثمان سمعت خالدا به.
69 -
حدثنا أبو كريب، ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن زيد بن جبير، عن
خشف بن مالك، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء، فلم يشكنا.
هذا حديث سأل الترمذي محمدا عنه، فقال: الصحيح هو عن ابن مسعود موقوف، وفي علل أبي الحسن اختلف على الثوري فرواه عن معاوية مرفوعا، ووهم فيه معاوية، وإنما روى الثوري، عن زيد بن جبير، عن خشف قال: كنا نصلي مع ابن مسعود الظهر والجنادب تنقز من شدة الحر. غير مرفوع، وليس لخشف إلا هذان الحديثان يعني هذا، وحديث جعل دية الخطأ أخماسا،
70 -
وحدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب العبدي، عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء، فلم يشكنا.
هذا حديث إسناده صحيح، ولكنه خطأ نصّ على ذلك ابن أبي حاتم إذ سأل أبا زرعة عنه، فقال: أخطأ فيه وكيع إنّما هو على ما رواه شعبة، وسفيان، عن
أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب، يعني بذلك: ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث زهير، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب، وفي آخره قال زهير: قلت لأبي إسحاق أفي الظهر، قال: نعم. قلت: أفي تعجيلها قال: نعم، ورواه ابن عيينة، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي معمر، عن خباب فأخطأ فيه، وقال أبو حاتم الرازي: ليس لهذا أصل ما ندري كيف أخطأ وما أراد، وقال أبو زرعة: إنّما أراد سفيان حديث الأعمش، عن عمارة، عن أبي معمر، عن خباب أنّه قيل له: كيف كنتم تعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: باضطراب لحيته. قال عبد الرحمن: قلت لأبي زرعة: عنده الحديثان جميعا؟ قال: أحدهما، والآخر خطأ، قال عبد الرحمن: ورواه شريك كرواية الأعمش قال أبي: الصحيح ما روى سفيان، وشعبة، وأما ابن عيينة فوهم، والصحيح من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة. انتهى كلامه.
وفيه نظر لما ذكره عن أبي زرعة قبل.
وفي كتاب الغرائب لأبي الحسن قال ابن صاعد: لم يرو هذا الإسناد غير ابن عيينة، قال الدارقطني: وهو غريب من حديث الأعمش، عن عمارة تفرد به ابن عيينة وهو غريب من حديث سفْيان، ورواه مسروق أيضا عن خباب، هو حديث تفرد به عيسى بن أبي حرب، عن يحيى بن أبي بكير، عن شعبة، عن حصين والأعمش، عن أبي الضحى عنه، وفي كتاب ابن المنذر الكبير، ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا خلاد بن
يحيى، ثنا يونس بن أبي إسحاق، ثنا ابن وهب عنه بلفظ: فما أشكانا، فقال: إذا زالت الشمس فصلوا، وهي زيادة صحيحة، خلاد حديثه في صحيح البخاري، ويونس شارك أباه في عدة من شيوخه، وقد صرح هنا بالتحديث فلعلّه حفظ ما نسيه أبوه، كذا ذكره أبو الحسن بن القطان وقد وقع لنا ذكر هذه الزيادة من حديث أبي إسحاق نفسه، فلا حاجة إلى غيره، قال الحافظ العلامة أبو منصور محمد بن سعد الباوردي في كتاب الصحابة تأليفه: ثنا محمد بن أيوب، أخبرني عبد السلام بن عاصم، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي، ثنا أبو جعفر، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء، فلم يشكنا، وقال: إذا زالت فصلُّوا، وفي كتاب الكجي: الرمضاء في صلاة الهجير، فلم يشكنا، ورواه أبو القاسم في الأوسط، عن أحمد بن زهير، ثنا محمد بن معمر البحراني، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن سعيد به، وقال: لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن أبي إسحاق، وإذا زالت الشمس فصلوا الظهر إلا يونس تفرد به أبو بكر واسمه عبد الكبير بن المجيد. انتهى، فتبين بهذا صحة هذه اللفظة، وأن أبا إسحاق رواها عنه اثنان، وأن ابنه أخذها عنه، وعن شيخه، والله أعلم، وفي الباب حديث جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدّة الحر.
رواه أبو داود بإسناد صحيح، عن أحمد
ومسدّد، ثنا عباد عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن الحارث به، ورواه ابن حبان في صحيحه، عن جعفر بن أحمد، ثنا الفلاس، ثنا عبد الوهاب الثقفي، نا محمد بن عمرو بزيادة فيجعلها في كفّه هذه، ثم كفه هذه، فإذا بردت سجد عليها.
وقال أبو عبد الله بن حنبل: رواه محمد بن بشر، ثنا محمد بن عمرو، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن جابر وأخطأ فيه، وجوده محمد بن بكار، فقال: أنبأ عباد بن عباد، نا محمد بن عمرو بن علقمة، عن سعيد بن الحارث بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري، عن جابر، وخالف ذلك الدارقطني بقوله: رواه جماعة عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن الحارث، وقال ابن بشر: سعيد بن أبي سعيد نسبه إلى جدّه أبي سعيد بن المعلى، وكلهم أتى بالصواب، وأما قول ابن عساكر: أراه عباد بن العوام فينظر وأقره على ذلك المزي فغير جيد لما سلف، ولفظ أبي القاسم في الأوسط: ورواه من حديث محمّد بن المنكدر عنه: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء، فلم يشكنا، وقال: لم يروه عن ابن المنكدر إلا بلهط بن عبّاد، ولا عن بلهط إلا عبد المجيد بن عبد العزيز تفرد به محمد بن أبي عمر، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد، ولا أسند بلهط غير هذا الحديث، وحديث عبد الله بن مسعود قال: كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام.
رواه النسائي، وقال أبو محمد الإشبيلي: في إسناده عبيدة بن حميد الحذاء، ولا يحتج به وبعض ذلك في الكبير وأحسن الثناء عليه
النسائي بقوله: قال أحمد بن صالح، وقال يحيى: ليس به بأس وهو الصواب؛ لأنه ممن قال فيه ابن المديني: ما رأيت أصح حديثا، ولا رجاّلا منه، وفي موضع آخر: أحاديثه صحاح، وقال أحمد: ما أحسن حديثه وأحسن الثناء عليه جدا ورفع قدره وصحة حديثه، قال أحمد: ما أدري ما للناس وله، قال: وكان قليل السقط، وأما التصحيف، فلا نجد عنده، وقال الساجي: صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات وخرج الشيخان حديثه على طريق الاحتجاج في كتابيهما، وكذلك ابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، وصحح حديثه فأي حجة أعظم من هؤلاء، ولم ينبه ابن القطان على هذا وهو لازم له، وحديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه.
رواه أبو عيسى، عن علي بن حجر، أنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة عنها، وقال: روي هذا الحديث عن ابن علية، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة عنها نحوه، وثنا بشر بن معاذ البصري، نا إسماعيل، عن ابن جريج بهذا الإِسناد نحوه وهذا أصح، وحديث حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا أشدّ تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أبي بكر، ولا من عمر.
رواه أيضا، وقال: حسن، وقال ابن المديني: قال يحيى بن سعيد: قد تكلم شعبة في حكيم من أجل حديثه الذي رواه عن ابن مسعود، عن النبي عليه السلام: من سأل الناس وله ما يغنيه.
قال يحيى: وروى له سفيان، وزائدة، ولم ير يحيى بحديثه بأسا، قال محمد: وقد روي عن حكيم، عن سعيد بن
جبير، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الظهر، وفي كتاب العلل قال محمد: وهو حديث فيه اضطراب، ولفظ الطوسي: ما استثنت أبا بكر، ولا عمر.
وقال هذا حديث حسن، وفي كتاب أبي نعيم قالت: ما صلى أحد يعني الظهر إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم من استعجاله لها، وحديث زيد بن ثابت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة.
ذكره الطبراني في الكبير، وسيأتي في الصلاة الوسطى، وحديث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر.
خرجه البخاري، وفي لفظ آخر: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر، وفي لفظ: كنا نصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدّة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، وفي كتاب الكجي: كان يصلي الظهر في الشتاء ما ندري ما مضى من النهار أكثر أم ما بقي، قال أبو عمر: موسى أبو العلاء راويه عن أنس كان يصلي عند الزوال، والزوال في الصيف إذا مالت الشمس عن كبد السماء نحو المغرب وصار الظل نحو المشرق، وأما الشتاء، فإذا وقفت الشمس فذاك حين انتصف النهار، فإذا رجع الظل نحو المشرق فهو أوّل الزوال، والشمس تقف في الشتاء إذا قصر النهار فانتهى، أو قارب ذلك على تسعة أقدام إذا طال النهار، ثم ترجع ويرجع الظل نحو المشرق، فإذا كان ذلك فهو أوّل الزوال في الشتاء، وحديث عمر موقوفا: إذا اشتد الحرّ والزحام، فلم يقدر أن يسجد على الأرض، فليسجد على ظهر الرجال.
قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: هذا خطأ يعني رواية الحجاج، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع
عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر عنه، قال: والصحيح حديث الحسن بن الربيع، نا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن المسيب، عن زيد بن وهب عنه، والله تعالى أعلم.
غريبه قوله: دحضت الشمس يعني تدحض دحضا ودحوضا: زالت عن وسط السماء، قاله ابن سيده، وأبو نصر، وابن القوطية وتلميذه ابن طريف، وابن فارس في مجمله، وابن قتيبة في غريبه، وأبو عبيد بن سلام، والسرقسطي، والفارابي، وابن دريد، وصاحب مجمع الرغائب، والخطابي، وأبو هلال في تلخيصه، والسكري في كتاب النقائض، والقزاز، زاد يعني: حين تزول، وجعلها تدحض؛ لأنها لا تزال ترتفع من لدن تطلع إلى أن تصير في كبد السماء، ثم تنحط عن الكبد للزوال، فكأنها تزلق، فلا تزال في انحطاط حتى تغرب، وأبو عبيد الهروي، وزاد فكأنها زلفت، ومنه قول معاوية لعبد الله بن عمرو، وقال له: سمعت النبي يقول: تقتل عمّارا الفئة الباغية. لا تزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك، ويروى بالصاد أي تفحص برجلك فيه، ولم يبيّنوا أحقيقة ذلك أم مجاز؟ سوى الزمخشري، فإنه زعم أن ذلك من المجاز لا من الحقيقة.
قوله حر الرمضاء، فالرمض: شدّة وقع الشّمس على الرّمل وغيره فالأرض رمضاء، وقال القزاز: هو حر الحجارة من شدّة حرّ الشمس، ورمض يومنا يرمض رمضا: إذا اشتد حره، ويقولون عودوا، فقد أرمضونا، أي قيلوا بنا، فقد اشتد حرنا وأرض رمضة الحجارة أي: شديدة حر الحجارة: قال غيلان:
معرور يا رمض الرضراض يركضه
…
والشمس حيرى لها في الجو تدويم.
وفي كتاب الهروي: الرمضاء شدّة الحر، وفي الحقيقة من كتاب الأساس:
الرمضاء هي الحجارة التي اشتدّ عليها وقع الشمس فحميت وقد رمضت رمضا، وأرض رمضة فيما حكاه الزاهد عن أستاذه الرمضاء: الرمل إذا استحرت عليه الشمس، ومنه سمي شهر رمضان لموافقته حين سمي ذلك الزمان، وأما الهجير، فذكر القزاز: أنّ الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار، وأهجر القوم: إذا دخلوا في الهاجرة، قال الشاعر في الهجر:
راح القطين بهجر بعدما ابتكروا
…
فما تواصله سلمى وما تذر
وهجروا إذا ساروا في الهاجرة، قال لبيد في التهجير:
وتهجير قذاف بأجرام نفسه
…
على الهول لاحته الهموم الأباعد
زاد الجوهري نصف النهار إذا اشتد الحر، قال ذو الرمة:
وبيداء مقفار يكاد ارتكاضها
…
بآلّ الضحى والهجر بالطرف يمصح
يقول منه هجر النهار، قال امرؤ القيس:
فدعها وسل الهم عنك بجسرة
…
ذمول إذا صام النهار وهجرا
ويقال أتينا أهلها مهجرين: كما يقال مؤصلين أي: في وقت الهاجرة، والأصيل، وفي الحقيقة: من الأساس، وتهجروا: ساروا في الهاجرة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في التهجير فمراده - والله تعالى أعلم - التبكير إلى كل صلاة، وروى النضر بن شميل، عن الخليل أنه قال: التهجير إلى الجمعة: التبكير لغة حجازية ذكره الهروي.
باب الإِبراد في الظهر في شدّة الحرّ
71 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا مالك بن أنس، نا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وفي لفظ: فأبردوا بالظهر.
هذا حديث مخرج في كتب الأئمة الستة، وفي لفظ للشيخين زيادة: واشتكت النّار إلى ربهّا، فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشدّ ما تجدون من الزمهرير، وفي لفظ لأبي داود والترمذي بالصلاة، وفي حديث عون بن عبد الله بن عتبة عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار.
قال في الأوسط: لم يروه عن عون إلا المقبري، ولا عن المقبري إلا يزيد بن أبي حبيب تفرد به ابن لهيعة.
72 -
حدثنا أبو كريب، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالظهر؛ فإن شدّة الحر من فيح جهنم.
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه من حديث الأعمش، وفي كتاب
الميموني، عن أحمد، عن يحيى بن سعيد عنه ولفظه: فوح جهنم.
قال أحمد: ما أعرف أحدا قال: فوح غير الأعمش.
73 -
حدثنا محمد بن رمح، نا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد ابن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر؛ فإن شدّة الحر من فيح جهنم.
74 -
حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي، ثنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم.
هذا حديث قال فيه البيهقي: قال أبو عيسى فيما بلغني عنه: سألت محمدا عن هذا الحديث فعدّه محفوظا، وقال الميموني: ذاكروا أبا عبد الله بأسانيد حديث المغيرة، فقال: أسانيد جياد، ثم قال: خباب يقول: فلم يشكنا، والمغيرة كما ترى يروي القصتين جميعا، وفي كتاب العلل للخلال: وكان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم الإبراد، ولما خرجه البستي في صحيحه قال: تفرّد به إسحاق الأزرق، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: رواه أبو عوانة، عن طارق، عن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب قوله: أبردوا بالصلاة قال أبي: أخاف أن يكون هذا الحديث يدفع ذاك قلت: فأيهما أثبت؟ قال: كأنه هذا يعني حديث عمر، ولو كان عند قيس، عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدّث عن عمر موقوفا. انتهى، ولقائل أن يقول - على طريقة الفقهاء - يحتمل أن يكون قيس
روى المسند والموقوف جميعا، أو تذكر المرفوع بعد رواية الموقوف، ويعضده ما ذكره هو في موضع آخر سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين فقلت له: ثنا أحمد بن حنبل، بحديث إسحاق الأزرق، عن شريك، عن بيان، فذكر حديث المغيرة، وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدّثنا به، وثنا أيضا عن إسحاق، عن شريك، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، فقال يحيى: ليس له أصل، أنا نظرت في كتاب إسحاق، فليس فيه هذا، قلت لأبي: فما قولك في حديث عمارة، عن أبي زرعة الذي أنكره يحيى؟ قال: هو عندي صحيح، وثنا أحمد بن حنبل بالحديثين جميعا، عن إسحاق الأزرق، قلت لأبي: فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق، فلم يجده؟ قال: كيف نظر في كتبه كلّها إنما نظر في بعض، وربما كان في موضع آخر.
75 -
حدثنا عبد الرحمن بن عمر، ثنا عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالظهر.
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، وفي الباب حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبردوا بالظهر في الحر.
ذكره أبو بكر بن خزيمة، عن القاسم بن محمد بن عبّاد بن عباد المهلبي، ثنا عبد الله - يعني:
ابن داود الخريبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها، وفي كتاب الكجي، ثنا مسدد، ثنا ابن داود، ثنا هشام، عن أبيه قال: أظُنّه عن عائشة، فذكره، وحديث أبي ذر قال: كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذّن للظهر، فقال صلى الله عليه وسلم: أبرد، ثم أراد أن يؤذّن، فقال له: أبرد حتى رأينا فيء التلول.
وفي رواية: حتى ساوى الفيء التلول، فقال عليه السلام: إن شدّة الحرّ من فيح جهنم، فإذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة.
خرّجاه في الصحيح، قال البيهقي: كذا قاله جماعة فأراد أن يؤذن، ورواه غندر، عن شعبة: أذّن للنبي عليه السلام الظهر، فقال له: أبرد، قال: وفي هذا كالدلالة على أنّ الأمر بالإبراد كان بعد التأذين، وحديث أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة خرجه البخاري وقد تقدم قبل ولفظ أحمد بن حنبل من حديث موسى أبي العلاء عنه، وفي لفظ بصلاة الجمعة: كان عليه السلام يصلي صلاة الظهر في أيام الشتاء وما يدري ما ذهب من النهار أكثر أم ما بقي منه، وحديث عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبردوا بصلاة الظهر، فإن شّدة الحرّ من فيح جهنم ذكره الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن أوفى عنه، وحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحوه يعني نحو حديث أبي سعيد المتقدّم، ذكره الميموني عن أحمد، فقال: روى غندر عن شعبة، عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي عنه قال أحمد: قد سمعته من غندر وأحسبه غلط، قال مهنأ: قلت لأحمد: أوكان غندر يغلط؟ قال: أليس هو من النّاس؟! قال أحمد: كان الحجاج أبوه من الصحابة، وقال الدارقطني غلط
غندر في أنه لم يذكر في الإِسناد والد الحجاج، ورواه يحيى القطّان ومعاذ وخالد بن الحارث وغيرهم، عن شعبة، عن الحجاج، عن أبيه، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرآه عبد الله بن مسعود، وحديث القاسم بن صفوان بن مخرمة الزهري، عن أبيه قال صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا بصلاة الظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم.
رواه ابن أبي شيبة في مسنده، عن مروان بن معاوية، عن بشير بن سليمان عنه، وهو إسناد صحيح؛ لذكر القاسم في ثقات ابن حبان، ولفظ أبي نعيم في كتاب الصلاة: من فور جهنم، وحديث ابن عباس يرفعه: الحمى من فيح جهنم. . . الحديث ذكره البخاري، وحديث عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ذكره أبو نعيم في كتاب الصلاة من حديث محمد بن الحسن، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه مرفوعا ذكره أبو عيسى، وقال: لا يصح، وبنحوه قاله الطوسي، وفي كتاب أبي نعيم بسند صحيح أن عمر كتب بذلك إلى أبي موسى يعني: موقوفا، وحديث أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من فيح جهنم.
رواه أبو عبد الرحمن بسند صحيح من حديث إبراهيم النخعي، عن يزيد بن أوس المذكور في ثقات التابعين لابن حبان، عن ثابت بن قيس عنه، وحديث أبي الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من حقيقة الإِيمان.
ذكره ابن وهب في مسنده، عن الليث، عن عمر بن شيبة المدني
عن رجل حدثه عنه، وحديث عبد الرحمن بن علقمة قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف، وفيه فجلس يحدثهم ويحدثونه فشغلوه عن صلاة الظهر ما صلاّها إلا مع العصر ذكره أبو نعيم في كتاب الصلاة في باب الإِبراد بالظهر من حديث أبي بكر بن عياش، ثنا يحيى بن هانئ، ثنا أبو حذيفة، عن عبد الملك بن محمد بن بشير عنه، وقال أبو نعيم الحافظ في معرفة الصحابة: عبد الرحمن بن علقمة الثقفي كوفي، ويقال: ابن أبي علقمة أحد من وفد من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثه عند عبد الملك بن محمد بن بشير ولفظه: يسألهم ويسألونه حتى لم يصل الظهر إّلا مع العصر رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن يونس، وأبو عبيد، ومحمد بن سعيد بن الأصبهاني في آخرين كلّهم عن أبي بكر بن عياش، ورواه بعض المتأخرين فوهم في ثلاثة مواضع في هذا الحديث: ذكر في الترجمة عبد الرحمن بن علقمة روى عنه عبد الله بن محمد بن بشير، وقال: رواه ابن عياش، عن يحيى بن هانئ، عن حذيفة، وإنما هو أبو حذيفة، وذكر في الحديث يحيى بن هانئ، عن أبي حويضة أصاب، ولا في أبي حذيفة، ولا في عبد الله بن محمد بن بشير، وذكر بعقبه رواه عمير بن عمران، عن الحارث بن عتبة، عن أبي حذيفة عبد الله بن محمد، عن عبد الله بن محمد العجلي، عن عبد الرحمن بن
علقمة، وفي كتاب رافع الارتياب للخطيب عبد الرحمن بن أبي علقمة وهو عبد الرحمن بن علقمة ذكره غير واحد في الصحابة، وفي كتاب أبي إسحاق الصريفيني، عبد الرحمن بن علقمة، ويقال: ابن علقمة أبو علقمة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين أحدهما: أن وفد ثقيف قدموا عليه، وفي سماعه منه نظر، وقال أبو حاتم: تابعي ليست له صحبة أدخله يونس بن حبيب في المسند، وقال: لا تصح صحبته، ولا يعرف أما ما حكاه عن أبي حاتم، فلم أره في كتابه، ونصه عبد الرحمن بن علقمة الثقفي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن وفد ثقيف قدموا عليه ومعهم هدية روى عنه عبد الملك بن محمد بن بشير، وقال في حرف العين: من أئمة التابعين عبد الرحمن ابن علقمة الثقفي، ويقال: ابن أبي علقمة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروى عن ابن مسعود، وعبد الرحمن بن أبي عقيل، روى عنه جامع بن شدّاد أبو صخرة وعون بن أبي جحيفة، وأبو حذيفة قلت: أدخله يونس بن حبيب في مسند الوحدان فأخبرت أبي بذلك، فقال: هو تابعي ليست له صحبة. انتهى، وكأن هذا هو الذي تمسك أبو إسحاق به، وهو كما ترى ليس رجلا واحدا، بل هما رجلان لا مرية في ذلك، ولكن البخاري جمع ذلك كله في ترجمة واحدة، وكذلك العسكري، وأما قوله: وقال غيره يريد أبا عمر، وأبو عمر ذكره في موضعين ليس فيهما ما قاله، الأول: وقد ذكر قوم عبد الرحمن بن علقمة في الصحابة، ولا تصح له صحبة، الثاني: وفي سماعه منه نظر. قال أبو بكر بن المنذر في كتاب الإجماع: أجمع أهل العلم على أن أول وقت
الظهر زوال الشمس، ودلّت السنة على أنّ آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وقال في كتاب الإِشراف: واختلفوا في آخر وقت الظهر، فقالت طائفة: إذا صار ظل كلّ شيء مثله بعد الزوال وجاوز ذلك، فقد خرج وقت الظهر، هذا قول مالك، والشافعي، والثوري، وأبي ثور، وقال يعقوب، ومحمد: وقت الظهر من حين زوال الشمس إلى أن يكون الظل قامة، وقال عطاء: لا يفوتك الظهر حتى تدخل الشمس الصفرة، وقال طاوس: لا يفوت الظهر والعصر حتى يدخل الليل، وقال قائل: إذا صار الظل قامتين فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر، وكذلك قال أبو حنيفة، قال أبو بكر: وبالقول الأوّل أقول، واختلفوا في التعجيل بالظهر في حال الحرّ فروينا عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن يصلي الظهر حين تزيغ الشمس وتزول، وصلى ابن مسعود حين زالت الشمس، وروينا عن ابن عباس أنه قال: الظهر كاسمها تصلى بالظهير، وقال مالك: يصلي إذا كان الظهر ذراعا، وفيه قول ثان: وهو استحباب تأخير الظهر في شدّة الحر، هذا قول أحمد، وإسحاق، وقال أصحاب الرأي: في الصيف يجب أن يبرد بها، وفيه قول ثالث: قاله الشّافعي: قال تعجيل الحاضر الظهر في شدّة الحر، فإذا اشتدّ الحر أبرد إمام الجماعة التي تنتاب من البعد حتى يبرد، فأمّا من صلّى في بيته، وفي جماعة بفناء بيته فيصليها في أوّل وقتها قال أبو بكر: خبر النبي صلى الله عليه وسلم على العموم، فلا سبيل إلى أن يستثنى من ذلك شيء، وفي كتاب ابن بزيزة: وكره مالك أن يصلي الظهر في أول الوقت، وكان يقول: هي صلاة الخوارج وأهل الأهواء، وخالف ذلك أبو الفرج فنقل عن مالك: أنّ أوّل الوقت
أفضل في كلّ صلاة إلا الظهر في شدّة الحر، واختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث، وحديث خباب، فقال بعضهم: الإِبراد رخصة والتقديم أفضل، وقال جماعة: حديث خباب منسوخ بأحاديث الإبراد، وحمل آخرون حديث خباب على أنهم أرادوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد، ذكر ذلك الأثرم، وأبو جعفر الطحاوي، وقال أبو عمر في قول خباب: فلم يشكنا يعني لم يحوجنا إلى الشكوى، وقيل: معناه ما أزال شكوانا ذكره ابن بزيزة، انتهى، وفيما قدّمناه بيان للمعنى من نفس الشّارع، فلا حاجة للتخرص، وذكر ابن الأنباري أنّ يونس، وأكثر النحويين زعم أنّ جهنم أعجمية لا تجر للتعريف والعجمة، وقيل: إنّه عربي، ولم يجر للتأنيث والتعريف، وكان رؤبة يقول ركية جهنام: بعيدة القعر، قال الأعشى:
دعوت خليلي مسحلا ودعوا له
…
جهنام جدعا للهجين المذمم
فترك صرفه يدل على أنه أعجمي معرب، وقال ابن عباس فيما ذكره ابن بزيزة: خلق الله تعالى النّار على أربعة أقسام: فنار تأكل وتشرب، وهي التي خلقت منها الملائكة، ونار لا تأكل، ولا تشرب، وهي التي في الحجارة، ويقال: هي التي رفعت لموسى عليه السلام ليلة المناجاة، ونار تشرب، ولا تأكل، وهي نار الدنيا، ونار جهنم تأكل لحومهم وعظامهم، ولا تشرب دموعهم، ولا دماءهم، ولا أقياحهم، بل يسيل ذلك إلى عين الخبال فيشرب ذلك أهل النار، ونار تشرب، ولا تأكل، وهي النّار التي في البحر وقيل: النّار التي خلقت منها الشمس.
باب وقت صلاة العصر
76 -
حدثنا محمد بن رمح، أنبأ الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة.
هذا حديث خرجاه في الصحيح، وفي رواية لهما إلى قباء، وفي رواية البخاري وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال، أو نحوه، وفي لفظ أنّ أبا أمامة قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم دخلنا على أنس فوجدناه يصلي العصر، وقال: هذه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كنّا نصلي معه، وفي لفظ لمسلم: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا.
وفي لفظ: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال يا رسول الله: إنّا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحب أن تحضرها، فانطلق وانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت، ثم قطعت، ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس.
وفي لفظ لأحمد من طريق أبي الأبيض عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي
العصر والشمس بيضاء محلقة قال أبو القاسم: لم يروه عن الأعمش إلا عبد العزيز بن عبيد الله، ولا عن عبد العزيز إّلا إسماعيل بن عياش تفرد به سليمان بن عبد الرحمن، وفي لفظ لابن خزيمة: إن صلاة المنافق ينتظر حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني الشيطان نقرها أربعا، وفي لفظ للدارقطني: فآتي عشيرتي وهم جلوس فأقول ما يجلسكم صلوا، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ وهم في ناحية المدينة جلوس ما صلوا، في لفظ الحاكم: صحيح إسناده كان أبعد رجلين من الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم دارا: أبو لبابة، وأبو عبس بن جبر ومسكنه في بني حارثة، فكانا يصليان مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، ثم يأتيان قومهما وما صلوا؛ لتعجيله عليه السلام بها، وفي لفظ للدارقطني: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي العصر ويسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشمس، وفي لفظ للسراج في مسنده: يسير الراكب إلى قباء، وفي كتاب أبي نعيم الفضل موقوفا: إذا صليتم العصر، ثم سرت ستة أميال حتى أتى غروب الشمس فذلك وقتها ولفظ الطبراني في
الأوسط: عن يحيى بن سعيد، قال قلت لأنس: متى كنتم تصلون العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: والشمس بيضاء نقية، وقال لم يروه عن يحيى إلا عبد الله بن ميمون القداح.
77 -
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر والشمس في حجرتي لم يظهر الفيء بعد.
هذا حديث روياه أيضا، وفي الباب حديث رافع بن خديج عندهما، وإن كان الجوزقاني حسنه فغير صواب من فعله قال: كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ننحر الجزور فيقسم عشرة قسم، ثم يطبخ فنأكل نضيجا قبل مغيب الشمس، وحديث بريدة قال صلى الله عليه وسلم: بكروا لصلاة العصر في يوم غيم؛ فإنه من ترك صلاة العصر حبط عمله رواه البخاري، وحديث عبد الله بن عمرو يرفعه: ووقت العصر ما لم تغرب الشمس رواه أبو الوليد الطيالسي، هشام بن عبد الملك، ثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي أيوب المراغي المخرج حديثه عند الشيخين عنه، وحديث أبي أروى الدوسي قال: كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر بالمدينة، ثم أمشي إلى ذي الحليفة فآتيهم قبل أن تغيب الشمس ذكره العسكري في كتاب
الصحابة، عن محمد بن هارون الحضرمي، ثنا عمرو بن علي، ثنا معلى بن أسد، نا وهيب، عن أبي واقد الليثي قال: حدثني أبو أروى به، وقال: أبو أروى لا يعرف اسمه، وذكر بعضهم أنّ اسمه ربيعة، ويقال: عبيد بن الحارث. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لأنّ أبا أروى المسمى ربيعة بن الحارث هاشمي جدّه عبد المطلب بن هاشم، مات قديما في خلافة عمر سنة ثلاث عشرة نصّ على ذلك ابن سعد وغيره،، وحديث جابر ذكره أبو القاسم في معجمه الكبير، وحديث أبي مسعود تقدّم ذكره، وكذلك حديث أبي برزة، قال ابن المنذر: واختلفوا في أوّل وقت العصر؛ فكان مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله، واختلفوا بعد، فقال بعضهم: آخر وقت
الظهر أوّل وقت العصر، فلو أنّ رجلين صلى أحدهما الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل شيء مثله لكانا مصليين في وقتهما، قائل هذا إسحاق، وذكر عن ابن المبارك، وأما الشافعي، فكان يقول: أوّل وقت العصر إذا جاوز ظل كلّ شيء مثله، متى ما كان وذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر، وقد حكي عن ربيعة قول ثالث، وهو أنّ وقت الظهر في السفر والحضر: إذا زالت الشمس، وفيه قول رابع: وهو أنّ وقت العصر أن يصير الظل قامتين بعد الزوال، ومن صلى قبل ذلك لم يجزه، هذا قول النعمان، وفي ذلك أخبار ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه، وفيه نظر في قوله، هذا قول النعمان يعني: وحده وأغفل كونه مرويا عن الإِمام أحمد أيضا فيما ذكره أصحابه، وأما الأحاديث التي استدل بها أبو حنيفة فكثيرة، من ذلك حديث رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يأمر بتأخير هذه الصلاة، ذكره الدارقطني في سننه، عن أبي بكر النيسابوري، ثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو عاصم، وثنا الحسين بن إسماعيل، وأحمد بن علي بن العلاء، ثنا أبو الأشعث، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الواحد بن نافع قال: دخلت مسجد المدينة فأذّن مؤذن بالعصر قال: وشيخ جالس فلامه، وقال: إنّ أبي أخبرني، فذكره، قال: فسألت عنه، فقالوا: هذا.
النظر الرابع: قوله: ولا يصح عن أحد من الصحابة مردود؛ لما ذكره الحاكم، ثنا محمد بن أحمد بالويه، ثنا محمد بن شاذان الجوهري، ثنا المعلى بن منصور، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن العباس بن ذريح، عن زياد بن عبد الله النخعي قال: كنّا جلوساً مع علي رضي الله عنه في المسجد الأعظم فجاء المؤذن والكوفة يومئذ أخصاص، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين للعصر، فقال: اجلس فجلس، ثم عاد، فقال ذلك، فقال علي: هذا الكلب يعلمنا بالسنة فقام علي فصلى بنا العصر، ثم انصرفنا، فرجعنا إلى المكان الذي كنا فيه جلوسا فجثونا للركب لنزول الشمس بالمغرب نتراءاها، هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بعد احتجاجهما برواته، انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث إن زيادا، وابن ذريح المنفرد عنه بالرواية والمعلى لم يحتجا، ولا أحدهما بواحد منهم ومع ذلك فهم ثقات، فلو قال: صحيح الإسناد وسكت لكان صواباً، وفي مسند ابن أبي شيبة أنّ عليَا كان يؤخر العَصر، وما أسلفناه من عند أبي عيسى أنا علي بن حجر، أنبأ ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه.
وما في الصحيح: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، وفيه يقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، وهو يدل على فعل العصر آخر الوقت حتى تعرج الملائكة وهم يصلون، ومفهوم حديث بريدة المتقدّم: بكروا بالصلاة في يوم الغيم، عدم التبكير في الصحو، وهذا المفهوم حجّة عند الشّافعي - رحمه الله تعالى - وبما ذكره عبد الرزاق، وإن كان منقطعَا، فإنه لا بأس بالحجة به عند أبي حنيفة، قال سليمان بن موسى: نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلوا صلاة العصر بقدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة ستة أميال وبما في صحيح مسلم، عن عمارة بن رؤيبة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني: الفجر والعصر، وبما سلف من حديث ابن عمرو وغيره، وكلها صحاح، وما روي مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا العصر إلى اشتباك النجوم قال ابن حزم: لم
يسند إلا من طريق، وقد ذكره هو صحيحا عن الحسن، وابن سيرين، وأبي قلابة أنهم كانوا يمسون بالعصر، ومن حديث ابن شبرمة قال محمد بن الحنفية: إنّما سميت بالعصر لتعصر، ومن حديث مصعب بن محمد، عن رجل قال: أخر طاوس العصر جدًا، فقيل له في ذلك، فقال: إنّما سميت العصر، ومن حديث وكيع، ثنا إسرائيل، وعلي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يؤخر العصر، قال ابن المنذر: وروي ذلك عن أبي هريرة، وابن شبرمة، وذكر أبو جعفر الطحاوي أنّ الصحابة أجمعت على ذلك، واستدلّ أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار لأبي حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم: مثلكم ومثل الأمم من قبلكم كمثل رجل استأجر قوما، وفيه: ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى المغرب بقيراطين، فعملتم أنتم فكنتم أقلّ عملا، وأكثر أجرًا فضرب قصر المدّة لقلّة العمل مثلًا قال: فجاء من هذا لأن مدّة العصر أقصر، وإنما تكون أقصر إذا كان الجواب كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وبما رواه أبو داود، عن محمد بن عبد الرحمن العنبري، عن إبراهيم بن أبي الوزير، عن محمد بن يزيد اليمامي، عن يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه، عن جدّه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، وأما آخر وقت العصر، فقال أكثر العلماء: غروب الشمس، وقال الحسن بن زياد: تغير الشمس إلى الصفرة، في ما قال الإصطخري: إذا صار ظلّ كل شيء مثله خرج وقت العصر، وزعم الثوري أنّ العصر خمسة أوقات: فضيلة، واختيار، وجواز بلا
كراهة، وجواز مع كراهة، ووقت عذر، وفي المرغيناني والتأخير إلى تغير القرص مكروه، والفعل فيه ليس بمكروه، وأما الفيء فما كان بالعشي، وأما الظلّ فهو للشجرة وغيرها بالغداة قال الشّاعر، يعني حميد بن ثور الهلالي:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
…
ولا الفيء من برد العشي تذوق
وقال يعقوب: الفيء ما نسخ الشمس، وذكر أبو علي القالي: أنا أبو بكر بن حبيب السهمي كان فصيحا فبينا هو قاعد في ظل قصر، أو في غدوة قال رجل: ما أطيب هذا الفيء، فقال أبو بكر: ليس هذا بفيء إنّما الفيء بالعشي، وبنحوه قاله ابن دريد في الجمهرة، زاد لأن الفيء ما نسخ الشمس، وقال ثعلب وسترت، وعن أبي عبيدة، قال رؤبة بن الحجاج: كل ما كانت عليه الشّمس فزالت فهو فيء وظل، وما لم تكن عليه شمس فهو ظل، قال اللبلي: أمّا الحكاية عن رؤبة فقدر على أنّ كل ما طلعت عليه الشمس، ثم زالت عنه يسُمّى ظلا، وفيئا، ويسمى الظل قبل نصف النهار على هذا فيئا. لأن الشمس تطلع عليه، ثم تزول عنه وما لم تطلع عليه الشمس نحو ظل الليل وظل الشجر وما تحت سقف ظل، فليس بفيء لأنّ الشمس لا تطلع عليه ومن هذا ظل الجنة. لأنه ظل لا تطلع عليه الشمس، وقد جعله بعضهم فيئا غير أنه قيّده بالظّل، قال النابغة الجعدي يصف حال أهل الجنة:
فسلام الإله يغدو عليهم
…
وفيء الفردوس ذاتّ الظلال
والمفيؤة والمفيوءة والمفيئة موضع الفيء، قال ابن سيده في المخصص والجمع: أفياء، وفيوء، وأنشد:
لعمري لأنّت البيت أكرم أهله
…
وأقعد في أفيائه بالأصائل
وقال ابن قتيبة: والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما كان قبله فيء، وإنما سُمّي بالعشي فيئا لأنه ظلّ فاء عن جانب إلى جانب أي رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفيء هو الرجوع، قال الله تبارك وتعالى:{حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وفي شرح أدب الكتاب لأبي جعفر أحمد بن داود الساعي عن كيسان: المعروف أنّ الفيء والظل واحد، وأما العصر فيراد به الغدو والعشي سميت الصلاة بذلك، قال القزاز: لأنها تصلى في أحدهما وهو آخر النهار وهم يقولون: صلاة العصر والعصر محركَا، وأما العصر الذي هو الدهر فمثلث عَصر وعُصر عِصر، ومن العصر الذي هو العشي قول الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القناص
…
عصرَا وقد دنا الإمساء
والعرب تسمي الليل والنهار عصرين قال الشّاعر:
وأمطله العصرين حتى يملني
…
ويرضى بنصف الدّين والأنف راغم
وفي الصحاح قال الكسائي يقال: جاء فلان عصرَا أي: بطيئَا، حكاه عنه أبو عبيد رحمه الله تعالى.
باب المحافظة على صلاة العصر
78 -
حدثنا أحمد بن عبدة، أنبأ حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى.
هذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا، أو قال قبورهم، وبطونهم، وفي لفظ آخر: كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، وفي لفظ مسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء، وفي حديث زاذان عن علي: أوّل صلاة ركعنا فيها العصر. فقلت يا رسول الله: ما هذا؟ قال: بهذا أمرت قال الطبراني: لم يروه عن أبي الجحاف، عن أبي عبد الرحيم الزمن عنه إلا سليمان بن قرم تفرد به حسين بن محمد المروزي، ولفظ عبد الله بن أحمد فيما، زاده في المسند، عن أبي إسحاق الترمذي: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبيدة، عن علي قال: كنا نراها الفجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي صلاة العصر يعني الصلاة الوسطى.
ورواه السراج في مسنده، عن هناد، وغيره نا وكيع، عن سفيان بلفظ: أن زراً قال لعبيدة: سل
عليَا عن الصلاة الوسطى، فقال: كنّا نراها الصبح، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر
…
الحديث، ورواه الدارقطني، عن أبي يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، أنبأ محمد بن كثير الكوفي، ثنا الأجلح بن عبد الله عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: أربع حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة الوسطى هي العصر، وأنّ الحج الأًكبر يوم النحر، وأنّ أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأنّ إدبار النجوم الركعتان قبل الفجر.
وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث رواه شعبة، عن قتادة، عن أبي حسان، عن عبيدة، عن رجل عن علي، قال أبي: الصحيح حديث شعبة، وحماد لم يضبط.
.
79 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إٍن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله.
هذا حديث خرجاه في الصحيح، زاد الكجي في سننه بعد وماله: وهو قاعد، رواه من جهة حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، وأغفل الحافظ المنذري كونه مخرجًا عند النسائي من حديث سفيان آنفاً، ورواه الوليد، عن الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر قال عليه السلام: من فاتته صلاة العصر وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله.
قاله أبو حاتم في كتاب العلل: التفسير من قبل نافع.
80 -
حدّثنا حفص بن عمرو، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وثنا يحيى بن حكيم، ثنا يزيد بن هارون قالا: ثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال:
حبس المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فقال: حبسونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا.
هذا حديث خرجه مسلم رحمه الله في صحيحه، ولفظ أبي داود الطيالسي والسراج في مسنده عن محمد بن طلحة، عن زبيد، قال عليه السلام: صلاة الوسطى صلاة العصر، وقال الترمذي لما خرجه: حسن صحيح، وفي الباب أحاديث منها حديث أبي يونس مولى عائشة قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} .
قال: فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين.
قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجه مسلم، وفي كتاب المصاحف لابن أبي داود، عن أحمد بن حباب، نا مكي، نا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن قبيصة بن ذؤيب قال: في مصحف عائشة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر، وفي كتاب ابن حزم روينا من طريق ابن مهدي، عن أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري، عن القاسم عنها، فذكره بغير واو، وقال أبو محمد: فهذه أصح رواية عن عائشة، وأبو سهل ثقة، وفي هذا ردّ لما قاله أبو عمر: لم يختلف في حديث
عائشة في ثبوت الواو، وعلى تقدير صحته يجاب عنه بأشياء، منها: أنه من أفراد مسلم، وحديث علي متفق عليه.
الثاني: أن من أثبت الواو امرأة ويسقطها جماعة كثيرة.
الثالث: موافقة مذهبها لسقوط الواو.
الرابع: مخالفة الواو للتلاوة، وحديث علي موافق.
الخامس: حديث علي يمكن فيه الجمع، وحديثها لا يمكن فيه الجمع إلا بترك غيره.
السادس: معارضة روايتها برواية زيد الآتي بعد.
السابع: أن تكون الواو زائدة كما زيدت عند بعضهم في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ} .
وفي قوله: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} .
وفي قوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وفي قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً} .
وقال الأخفش في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . إنّ الأبواب فتحت، ومنه قول حندج:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
…
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
وزعم بعض محققي النحاة: أنّ العطف هنا من باب التخصيص والتفضيل والتنويه كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} .
وكقوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} .
وكقوله تّعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} .
فإن قيل قد حصل التخصيص فَيَ العطف، وهو قوله تعالى:{وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فوجب أن يكون العطف الثاني، وهو قوله تعالى: وصلاة العصر مغايرا له فيجاب بأِنّ العطف الأوّل كما قلتم، والثَّاني: للتأكيد، والبيان لما اختلف اللفظان كما تقول: جاءني زيد
الكريم والعاقل، فتعطف إحدى الصفتين على الأخرى، والله تعالى أعلم، وفي كتاب مسلم من حديث شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، فقال رجل كان جالسا عند شقيق له: هي إذًا صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم قال مسلَم: ورواه الأشجعي، عن الثوري، عن الأسود بن قيس، عن شقيق، عن البراء قال: قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم زمانا بمثل حديث فضيل بن مرزوق. يعني المذكور، وفي المزكيات، نا ابن عبدوس، نا عثمان بن سعيد، نا إبراهيم بن أبي الليث، نا الأشجعي ولفظه: قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا: حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، ثم قرأنا: حافظوا على الصلوات وصلاة الوسطى، فلا أدري أهي هي أم لا.
قال الشيخ المجد: وهو دليل على كونها العصر لأنه خصها ونص عليها في الأمر بالمحافظة، ثم جاء الناسخ في التلاوة متيقّنا، وهو في المعنى مشكوك فيه فيستصحبّ التيقّن السابق، وهكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم أمر فواتها تخصيصًا، وحديث الحسن، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة الوسطى: صلاة العصر.
رواه أبو عيسى، وقال: قال محمد: قال علي بن المدينْي: حديث الحسن عن سمرة صحيح، وقد سمع منه، قال الترمذي: وحديث سمرة في الصلاة الوسطى حديث حسن، كذا رأيته في عدة من نسخه، وحكى الشيخ المجد عنه أنه قال: حسن صحيح، والله أعلم، ولفظ الإِمام أحمد في مسنده: صلاة الوسطى صلاة العصر، وفي لفظ له أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الوسطى؟ قال: هي العصر، وفي آخر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وسمّاها لنا أنها هي صلاة العصر.
ولفظ أبي نعيم في كتاب الصحابة أنه قال في: صلاة الوسطى هي صلاة العصر، ويشده ما خرجه الحاكم في كتابه، عن أحمد بن زياد، ثنا عبد الله بن أيوب، ثنا مروان بن جعفر، عن محمد بن إبراهيم بن خبيب، عن جعفر بن سعيد، عن خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة، قال: وهذه وصية سمرة إلى بنيه، فذكرها إلى أن قال: أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا، فذكر أموراً منها: وأمرنا أن نحافظ على الصلوات كلّهن، وأوصى بالصلاة الوسطى، ونبأنا أنها صلاة العصر، ثم قال: هذه وصية حسنة جامعة من سمرة إلى بنيه، رواها بعضهم عن بعض، واعترض أبو الحسن بن القطّان على هذا الإِسناد بجهالة رواته، وقد بيّنا في غير موضع أنّ الأمر ليس كما قال وأنهم معروفون، وأما احتجاج الترمذي على سماع الحسن بن سمرة بحديث قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممّن سمع حديث العقيقة، فقال: من سمرة وهو وإن كان في صحيح البخاري، فقد خالفه في ذلك البرديجي، فذكر في كتاب المراسيل من تأليفه: الحسن عن سمرة ليس بصحاح إلا من كتاب، ولا نحفظ عن الحسن، عن سمرة حديثا يقول فيه سمعت سمرة إلا حديثاً واحدًا وهو حديث العقيقة، ولم يثبت، رواه قريش بن أنس، ولم يروه غيره وهو وهم. انتهى كلامه، وفيه نظر: من حيث إنّ أبا حرّة رواه عن الحسن كذلك ذكره أبو القاسم في الكبير عن أسلم بن سهل، ثنا طلق بن محمد بن السكن، ثنا حفص بن عمر النجار عنه، وحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها -
ذكره أبو عمر في التمهيد بسند صحيح، وقال في الاستذكار: اختلف في رفعه، وفي ثبوت الواو فيه: أنها أمرت كاتبها بكتب مصحف، فإذا بلغ هذه الآية يستأذنها، فلما بلغها أمرته بكتب: حافظوا على الصلاة الوسطى وصلاة العصر، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ورواه هشام، عن جعفر بن إياس، عن رجل حدّثه عن سالم عنها، ولم يثبت الواو وقال: والصلاة الوسطى صلاة العصر، وحديث أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص. وقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين.
أنبأ به الإِمام العلامة القدوة موسى بن علي بن يوسف القطبي الحنفي رحمه الله تعالى قراءة عليه، وأنا أسمع، أنا مسند وقته عبد اللطيف بن القبيطي، عن أبي الحسن الجمال، أنا أبو الحسن بن أحمد، أنبأ الحافظ أحمد بن عبد الله، ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا قتيبة، نا ليث، عن خير بن نعيم، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني عنه، ورواه مسلم في صحيحه عن قتيبة على الموافقة كما رويناه، ورواه أيضا عن زهير، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن خير، فنزل ثلاث درجات، فكأني من طريق زهير سمعته من أبي عبد الله الفراوي رحمه الله تعالى، وبين وفاته ومولدي مائة وتسع وخمسون سنة ولله الحمد على ذلك، وإذا رويته بالإجازة فكأني سمعت من عبد الغافر الفارسي وبين وفاتيهما اثنتان وثمانون سنة، وحديث حذيفة بن اليمان المذكور عند الطبري في ذكر الصلاة الوسطى بسند صحيح عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن زر عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: شغلونا عن صلاة
العصر، ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم، وقلوبهم ناراً. وحديث ابن عباس المذكور عند أبي القاسم بن مطير، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، نا محمد بن عمران بن أبي ليلى، نا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم عن مقسم، وسعيد بن جبير عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً، زاد في الأوسط اللهم من شغلنا عن الصلاة الوسطى، وكان قد نظر فإذا صلاة العصر قد أمسى، فصلى بها، فلما فرغ قال
…
الحديث، ثم رواه عن أحمد بن عمرو القطراني، نا عبد الواحد بن غياث، نا أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن عكرمة عنه، ورواه ابن حزم مصححَا له موقوفا على ابن عباس: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. بلا واو، وفي رواية لأحمد قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم عدوا، فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال: اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارَا وقبورهم نارَا.
وفي تفسير الطبري، نا علي بن مسلم الطوسي، ثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة له فحبسه المشركون عن صلاة العصر، حتى مسى بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى.
وفي لفظ، قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس. وفي كتاب
المصاحف لابن أبي داود، عن أبي إسحاق: سمع هبيرة بن يريم سمع ابن عباس قراءة هذا الحرف: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وفي كتاب ابن حزم من هذه الطريق بغير واو، ثم قال: كذا قاله وكيع، وحديث ابن عمر المذكور عند أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني، عن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم، نا أبي، نا يعقوب القمي، عن عنبسة بن سعيد الرازي، عن ابن أبي ليلى، وليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الموتور أهله وماله من وتر صلاة الوسطى في جماعة، وهي صلاة العصر.
وفي تفسير أبي جعفر، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، نا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث عن يزيد بن الهاد، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أنه كان يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ويرى أنها الصلاة الوسطى، وكذا قاله ابن شهاب عنه، وقد تقدّم طرف منه قبل، وسيأتي عنه خلافه، وحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الوسطى صلاة العصر. ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وأبو جعفر عن أحمد بن منيع، نا عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان
التيمي، عن أبي صالح عنه، وحديث أبي هاشم بن عتبة رواه، الطبري عن المثنى، نا سليمان بن أحمد الواسطي، ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني صدقة بن خالد، نا خالد بن دهقان، عن خالد سبلان، عن كهيل بن حرملة، قال سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك، فقام، فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، ثم خرج إلينا، فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر، ولما ذكر أبو موسى في كتاب الصحابة أبا هاشم هذا، قال: عن عبدان، له حديثان حسنان، وواحد منكر. انتهى، ويشبه أن يكون الحديث المنكر قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على شاربه. وقال: لا تأخذه حتى تلقاني، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم من سرية، فكان يقول: لا آخذه حتى ألقاه، والله تعالى أعلم، وحديث أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس.
قال أبو جعفر: ثنا به ابن المثنى، عن ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل عنها، وحديث رجل من الصحابة قال: أرسلني أبو بكر، وعمر وأنا غلام صغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الصلاة الوسطى؟ فأخذ إصبعي الصغيرة، فقال: (هذا الفجر، وقبض
التي تليها، فقال: هذه الظهر، ثم قبض الإِبهام، فقال: هذه المغرب، ثم قبض التي تليها، فقال: هذه العشاء، ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى، فقال: أي الصلاة بقيت؟ قلت: العصر، قال: هي العصر.
رواه أبو جعفر، عن أحمد بن إسحاق، ثنا أبو أحمد، نا عبد السلام مولى أبي نصير، حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بن مروان، فقال: يا فلان اذهب إلى فلان، فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى، فقال رجل جالس: أرسلني، فذكره، وحديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
قال أبو جعفر: حدثني محمد بن عوف الطائي، ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد عنه، وحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب يكتب لها مصحفًا: إذا كتبت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فاكتبها العصر. أنبأ به العلامة أبو محمد النصري، أنبأ الإمام شمس الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن ملاعب، أنبأ القاضي أبو الفضل محمد بن عمر الأرموي، أنبأ أبو جعفر بن المسلمة، أنبأ أبو عمرو عثمان الآدمي، ثنا الإِمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا سعد بن الصلت، ثنا عمرو بن ميمون بن مهران الجزري، عن أبيه، قال: قالت أم سلمة، فذكره، وذكره ابن حزم من طريق وكيع، عن داود بن
قيس، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة بغير واو، وفي كتاب المصاحف ذكره أيضًا بلفظ حديث عائشة وحفصة، عن عبد الله بن رافع أيضا، وحديث أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شغلونا عن صلاة العصر التي غفل عنها سليمان بن داود عليهما السلام حتى توارت بالحجاب، أشعل الله قلوبهم وبيوتهم وقبورهم نارا، وفي لفظ قال عليه السلام: من ضيع وقت العصر فكأنما وتر أهله وماله، وفي لفظ: فقد برئت منه الذمّة ذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره، أنبأ أبان، عن أنس به، وفي تفسير النقاش: عندما اختلفوا يعني الصحابة ي شيء ما اختلفوا في الصلاة الوسطى، وشبّك بين أصابعه، وفي كتاب ابن حزم من طريق إسماعيل بن إسحاق، عن محمد بن أبي بكر، عن محبوب أبي جعفر، عن الحذاء، عن أبي قلابة في قراءة أبي بن كعب: صلاة الوسطى صلاة العصر. قال: وليست هذه الرواية بدون تلك يعني فيها الواو، فقد اختلف على أبي بن كعب أيضا، ومرسل الحسن قال: قال صلى الله عليه وسلم: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى. وهي العصر، رواه أبو جعفر، عن يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، عن يونس عنه، ومرسل الربيع، قال: ذكر لنا أنّ المشركين شغلوهم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشّمس، فقال عليه السلام: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس، قال أبو جعفر: حدثت عن عمّار بن الحسن، ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، فذكره، وبه قال أبو هريرة، وابن عمر بن الخطاب، وعائشة، وعلي بن أبي
طالب، وأم سلمة، وابن عباس، وأبي بن كعب، وروي أيضا عن أبي أيوب الأنصاري، ويونس، والحسن ابن أبي الحسن، وقتادة، والزهري، وعبيدة السلماني، وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، وأحمد، والشافعي، وأصحابهم، فيما حكاه ابن عبد البر، وعبد الله ابن عباس على اختلاف عنه، وداود، وجميع أصحابهم، وهو قول إسحاق بن راهويه ومشهور أهل الحديث، قال ابن حزم: ولا يصح عن علي، ولا عن عائشة غير هذا أصلا، زاد ابن المنذر: وزيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري، والضحاك ابن مزاحم، والسائب بن يزيد، ذكره المحاملي في أماليه، وابن مسعود، وابن عمرو، وسمرة، والنخعي، هبيرة بن يريم، وزر بن حبيش، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير، ومحمد بن السائب الكلبي، ومقاتل وتلا:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} .
ذكره الطبري والثعلبي، قال أبو الحسن الماوردي: وهو مذهب جمهور التابعين، وقال أبو عمر، والبغوي: وهو قول أكثر أهل الأثر، وفي كتاب ابن عطية: وعلى هذا القول جمهور الناس، والله أعلم، وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار من أنها العصر، ومنهم من قال: هي صلاة الظهر جانحاً إلى حديث زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وقال: إنّ قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
رواه أبو داود من حديث شعبة، عن عمرو بن أبي حكيم، سمعت الزبرقان يحدّث عن عروة عنه، وقال البيهقي في المعرفة: إسناده
مختلف فيه، وأبى ذلك ابن حزم فصحّح إسناده، ورواه أبو جعفر، عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، نا عبد الصمد، نا شعبة، عن عمر بن سليمان، عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد في حديث رفعه قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر، وأما قول الترمذي: إنّ في الباب يعني العصر حديث زيد بن ثابت، ثم قال: وقال زيد بن ثابت، وعائشة: هي الظهر فيشبه أن يكون وهما؟ لأنّ حديثه وفتياه أنها الظهر فقط، ولم أرَ له غير ذلك، والله تعالى أعلم، وحديث أسامة بن زيد: روى الزبرقان بن عمرو بن أمية: أن رهطا من قريش من بينهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: هي الظهر، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، ولا يكون وراءه إلا الصف والصفّان والنّاس في قائلتهم، وفي تجارتهم، فأنزل الله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهيّن رجال، أو لأحرّقن بيوتهم رواه أحمد، والزبرقان لم يلق أسامة، وحديث عبد الله بن عمر، قال الطبري: ثنا ابن البرقي، ثنا ابن أبي مريم، أنبأ نافع بن يزيد، حدثني الوليد بن أبي الوليد أن مسلم بن أبي مريم حدّثه أنّ نفرا من
قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى، فقال له: هي التي على إثر الضحى، فقالوا له: ارجع فسله، فما زادنا إّلا عياء بها، فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر، فأرسلوه إليه أيضا، فقال: هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، وزاد في الأوسط من حديث الوليد، عن عبد الرحمن بن أفلح: أنّ نفرا من الصحابة أرسلوني إلى ابن عمر، فذكره، وقال: لا يروى عن ابن أفلح، عن ابن عمر إّلا بهذا الإِسناد، تفرد به موسى بن ربيعة الجمحي، وحديث أبي بن كعب المستنبط رفعه، وكذا الذي قبله ذكره ابن حزم، فقال: ثنا ابن بشار، ثنا عثمان بن عمر، ثنا أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قيس، عن ابن أبي رافع، عن أبيه، وكان مولى لحفصة، قال: استكتبتني حفصة مصحفَا، وقالت: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرأنيها صلى الله عليه وسلم، فلما أتيت على هذه الآية أتيتها، فقالت: اكتب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، فلقيت أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر إنّ حفصة قالت: كذا وكذا، قال: هو كما قالت: أو ليس أشغل ما يكون عند صلاة الظهر في نواضحنا وغنمنا، وبه قال أبو سعيد الخدري، وابن عمر على اختلاف عنهما فيما حكاه الطبري، وزيد بن ثابت في قول، قال ابن عبد البرّ: وهو أصح ما روي عنه في ذلك، وبنحوه ذكره ابن حزم، زاد ابن المنذر: وعائشة في
قول، وعبد الله بن شدّاد، وأسامة بن زيد، وعروة بن الزبير، ويروى عن أبي حنيفة أيضَا.
ومنهم من قال: هي صلاة المغرب، رواه أبو جعفر من حديث إسحاق بن أبي فروة، عن رجل، عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب. ألا ترى أنها ليست بأقلها، ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها، ولم يعجلها، قال أبو جعفر: وجه قوله إنه يريد التوسّط الذي هو يكون صفة للشيء الذي يكون عدلا بين الأمرين كالرجل المعتدل القامة، ومنهم من قال: هي صلاة الغداة، رواه النسائي من حديث جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: أدلج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عرّس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى، وهي صلاة الوسطى، وفي حديث صالح أبي الخليل، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس أنه قال: صلاة الوسطى صلاة الفجر، وعن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة فقنت بنا قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى قال الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ، وفي لفظ: صلى بنا ابن عباس الفجر، فلما فرغ قال: إن الله قال في كتابه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فهذه الصلاة الوسطى، وبمثله رواه أبو العالية عنه، وطريق خلاس بن عمرو صحيحة ذكرها أبو جعفر، وعن أبي العالية أيضا بطريق صحيحة قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة زمن عمر صلاة الغداة، فقلت لرجل من الصحابة إلى جنبي ما الصلاة الوسطى، قال: هذه الصلاة، قال أبو جعفر: حدثت عن عمار بن الحسن، ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما أن فرغوا قال لهم: أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا التي صليتها قبل، ثنا ابن
بشار بن عثمة، نا سعيد بن بشير، ثنا قتادة، عن جابر بن عبد الله قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، ثنا مجاهد بن موسى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ عبد الملك بن أبي سليمان قال: كان عطاء يرى أنها صلاة الغداة، وبمثله قاله عكرمة، ومجاهد بن جبر، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد، والربيع بن أنس، قال أبو جعفر: وعلتهم أنّ الله تعالى قال إثر ذكر الوسطى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} بمعنى: قوموا لله فيها قانتين. قالوا: فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح، وبه قال عمر وابنه، وأبو موسى، ومعاذ فيما ذكره البغوي، وعلي بن أبي طالب، قال أبو عمر: ولم يصح عنه وصح عن ابن عباس، قال الشّافعي: وإلى هذا نذهب، قال مالك: وذلك رأيي، قال أبو عمر: وتبعه أصحابه ومنهم من قال: هي إحدى الصلوات الخمس، ولا نعرفها بعينها، روي ذلك عن ابن عمر من طريق صحيحة، قال نافع: سأل ابن عمر رجل عن الصلاة الوسطى فقال: هي فيهن فحافظوا عليهن كلهن، وبنحوه قاله الربيع بن خثيم، وزيد بن ثابت في رواية، وقال سعيد بن المسيب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مختلفين، يعني: في الصلاة الوسطى وشبّك بين أصابعه، وبنحوه قاله شريح، ونافع، وقال النقاش: قالت طائفة: هي الخمس، ولم يبيّن أي صلاة هي، قال أبو عمر: وكل واحدة من الخمس وسطى لأنّ قبل كلّ واحدة صلاتين وبعدها صلاتين، كما قال زيد بن ثابت: والمحافظة على جميعهن واجب، ومنهم من قال هي
الخمس إذ هي الوسطى من الدين، كما قال عليه السلام بني الإِسلام على خمس.
قالوا: فهي الوسطى من الخمس روي ذلك عن معاذ، وعبد الرحمن بن غنم فيما ذكره النقاش، وفي كتاب الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل: قيل ذلك لأنها وسط الإِسلام أي خياره، وكذلك قال عمر، وفي كتاب التفسير لابن أبي حاتم: ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا المحاربي، وابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه قال: الوسطى هي المحافظة على وقتها يعني الصلوات، وقال مقاتل بن حيان: مواقيتها، ووضوؤها وتلاوة القرآن فيها، والتكبير والركوع والسجود والتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك، فقد أتمها وحافظ عليها، أنبأ به محمد بن الفضل، نا محمد بن علي بن شقيق، أنبأ محمد بن مزاحم، عن بكير بن معروف عنه به، وذكر أبو الليث في تفسيره عن ابن عباس نحوه، وقال المازري: هي صلاة عشاء الآخرة، وذهب البغوي في شرح السنة: إلى أنّ السلف لم ينقل عنهم، ولا عن أحد منهم هذا القول، وقال: وقد ذكره بعض المتأخرين، وسيأتي قول أبي الدرداء به، وناهيك به سلفًا، وذهب آخرون: إلى أنها الجمعة خاصة، حكاه أبو الحسن الماوردي وغيره لما اختصت به دون غيرها، قال أبو الحسن فيما ذكره في المحكم. لأنها أفضل
الصلوات، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ، إلا أن يقوله برواية مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنها الجمعة يوم الجمعة، وفي سائر الأيام الظهر، حكاه أبو جعفر محمد بن مقسم في تفسيره، قال: وقيل: هي صلاتان العشاء والصبح، وعزاه لأبي الدرداء لقوله: لو يعلمون ما في العتمة والصبح.
وذهب الإِمام أبو بكر المالكي الأبهري إلى أنها صلاة العصر والصبح، وقيل: إنها الجماعة في جميع الصلوات حكاه الماوردي، وأما العلامة أبو الحسن علي بن محمد السخاوي فاختار أنها الوتر، وقيل: إنها صلاة الضحى، قال الحافظ أبو محمد الدمياطي: ذاكرت فيها أحد شيوخي الفضلاء، فقال: أظنني وقفت على قول من ذهب إلى ذلك، ثم تردّد فيه، وقيل: إنها صلاة العيدين، حكاه لنا من وقف عليه في بعض الشروح المطولة، وذهب آخرون إلى أنها صلاة عيد الفطر، حكاه المشار إليه أيضا، وقوله صلى الله عليه وسلم وتر أهله وماله يعني نقص، قال ابن الأنباري: يقال: وترته أي: نقصته، وقيل: إنّ الوتر أصله الجناية التي يجنيها الرجل على من قتله حميمه وأخذه ماله فشبه ما يلحق هذا الذي تفوته العصر بما يلحق الموتور من قتل حميمه أو أخذ ماله، وزعم جار الله في أساسه: أن ذلك من باب المجاز، وقال الداودي: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجّه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة، وقيل: معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله، وقال أبو عمر: معناه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يصير بها وتراً، قال الشيخ محيي الدين: ورواه بعضهم مفتوح اللام معناه وتر في أهله وماله، وفسّره مالك بمعنى فقد أهله وماله.
وأما الوسطى فهي الخيار، قال الزمخشري: ومن المجاز هو وسط في قومه،
ووسيط فيهم وقد وسط وساطة، وقوم وسط، وأوساط: خيار: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} .
قال زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
…
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
وهو من واسطة قومه، وهو أوسط قومهم حسبًا واكتريت من أعرابي، فقال: أعطني من وسطانيته أراد من خيار الدنانير.
باب وقت صلاة المغرب
81 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا أبو النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: كنا نصلي المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه لينظر إلى مواقع نبله.
هذا حديث خرجاه في الصحيح.
82 -
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب.
هذا حديث خرجاه أيضًا، ولفظ الطوسي في أحكامه وصححه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغيب الشمس إذا غاب حاجبها.
.
83 -
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا إبراهيم بن موسى، نا عباد بن العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم.
هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه، عن أبي زرعة، نا إبراهيم بن موسى، نا عباد بن العوام، عن محمد بن إبراهيم به، ويشبه أن يكون تصحيفًا من الكاتب، وصوابه عمر بن إبراهيم كما في كتاب ابن ماجه وغيره، وقال الحاكم: هذا
حديث صحيح الإِسناد، لما أخرجه من حديث أبي بكر بن إسحاق، ثنا الحسن بن علي بن زياد، أنبأ إبراهيم بن موسى، أنبأ عباد، عن عمر بن إبراهيم، ومعمر، عن قتادة، وقال الترمذي: قد روي عنه مرفوعا وهو أصحّ، ولما سأل مهنأ أبا عبد الله عن هذا الحديث قال: هذا حديث منكر، وإبراهيم بن موسى من أهل الري لم يزد شيئا في تعليله، وهو إذا حقق لم يحقق لأمرين:
الأوّل: أنه متن معروف بهذا اللفظ رواه جماعة من الصحابة.
الثاني: إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان التميمي الرازي أبو إسحاق الفراء الصغير لا يصلح أن يكون علّة، ولا يسأل عن حاله فإنه ممّن خرّج الشيخان حديثه في صحيحيهما على سبيل الاحتجاج، وكان أحمد نفسه ينكر على من يقول له الصغير، ويقول: هو كبير في العلم والجلالة، وقال أبو زرعة: هو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصحّ حديثا منه. لا يحدّث إّلا من كتابه لا أعلم أني كتبت عنه خمسين حديثا من حفظه، وكتب عنه مائة ألف حديث، وهو أتقن وأحفظ من صفوان بن صالح، وقال أبو حاتم: من الثقات وهو أتقن من أبي جعفر الجمال، وقال الخليلي: ومن الجهابذة الحفاظ الكبار العلماء الذين كانوا بالريّ ويقرنون بأحمد ويحيى، وأقرانهما: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الفراء ارتحل إلى العراق واليمن والشّام أثنى عليه أحمد بن حنبل، ولما ذكره أبو عبد الله في تاريخه قال: ثقة مأمون، ووثَّقه النسائي وغيره، وقد أوضح ابن ماجه أمر هذا الحديث بقوله: سمعت محمد بن يحيى يقول: اضطرب النّاس في هذا الحديث
ببغداد، فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عبّاد بن العوام، فأخرج إلينا أصل أبيه، فإذا الحديث فيه، وليس لقائل أن يقول: لعلّ أحمد إنما أعله بكون عمر بن إبراهيم قال فيه أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال أبو أحمد بن عديّ: يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها، وقال ابن حبان حين ذكره في كتاب الثقات: يخطئ ويخالف، لأنه ممن قال فيه هو نفسه: ثقة لا أعلم إلا خيراً، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال مرة: صالح، وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: ثقة، وفوق الثقة، وقال الدارقطني: لا يترك، ولأنا أسلفنا متابعًا له وهو معمر، فلا حاجة لنا إلى النظر في حاله لو كان ضعيفاً، وأما ما وقع في أصل ابن ماجه: عمرو بن إبراهيم، وكذا هو في مسند الدارمي فغير صحيح والصواب عمر، والله أعلم، وفي الباب غير ما حديث، من ذلك حديث أنس بن مالك قال: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله.
رواه أبو داود بإسناد صحيح، عن داود بن شبيب، عن حماد عن ثابت عنه، ولفظ ابن وهب في مسنده، عن عمرو بن الحارث، ويونس، وابن سمعان، عن ابن شهاب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب.
وزعم بعضهم: أنه معارض بما رواه ابن البيع في تاريخ نيسابور، عن أبي الطيب محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا أحمد بن معاذ السلمي، نا إسماعيل بن الفضل قاضي جرجان، ثنا يحيى، عن عقبة بن أبي العيزار، عن محمد بن جحادة عنه بلفظ: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب قط حتى يفطر. وليس كذلك، لأنه محمول على شرب الماء، أو أكل تمرة وذلك لا يكون مؤخرًا للصلاة بحال، وحديث مرثد بن عبد الله قال: قدم علينا أبو أيوب غازيًا وعقبة بن عامر يومئذ
على مصر، فأخر المغرب، فقام إليه أبو أيوب، فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة قال: شُغلنا، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال أمتي بخير، أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم.
رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه من حديث ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب عنه، وفي لفظ: أما والله ما بي إلا أن يظن الناس أنك رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال أمتي بخير ولما خرج الحاكم هذا اللفظ قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة، فقال: خولف ابن إسحاق في هذا: فرواه حيوة، وابن لهيعة، عن يزيد، عن أسلم أبي عمران التجيبي، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم.
قال أبو زرعة: حديث حيوة أصح، وحديث كعب بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، ثم يرجع الناس إلى أهليهم بني سلمة وهم يبصرون موقع النبل حين يرمى بها.
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، وقال: لم يروه عن إسحاق إّلا ابن أعين، ورواه في موضع آخر من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، وقال: لم يروه عن يحيى إّلا عمر بن حبيب القاضي تفرّد به أبو زائدة زكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أحمد بن عثمان الأودي، نا بكر بن عبد الرحمن، نا عيسى بن المختار، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه سأل أباه عنه، فقال: هذا خطأ إّنما يروى عن الزهري،
عن ابن كعب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وحديث أبي طريف قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أنّ رجلاً رمى بسهم لرأى موضع نبله.
قال الميموني: رواه أحمد، عن أزهر بن القاسم الراسبي، ثنا زكريا بن إسحاق، عن الوليد بن عبد الله بن أبي شميلة قال أحمد، وقال غيره: ابن سميرة، عن أبي طريف به، قال أحمد: صلاة البصر صلاة المغرب، وقال مهنأ: قلت لأحمد: حدثوني عن عبد الأعلى، عن زكريا بن إسحاق، عن الوليد بن عبد الله بن أبي سميرة، فقال أحمد: ما علمت أحدًا قال شميرة، وبلغني عن بشر بن السري أنه قال: سميرة وكفاك به. يعني: بشر، أرسله عن عبد الأعلى، فقال: قد لقيناه وبشر بن السري أثبت منه، وحديث جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم نأتي بني سلمة ونحن نبصر مواقع النبل.
رواه أحمد، وفي كتاب الدارقطني من
حديث حاتم بن عباد، ثنا طلحة بن زيد، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه بلفظ: كان عليه السلام لا يلهيه عن صلاة المغرب طعام، ولا غيره.
نا محمد بن القاسم بن زكريا، ثنا أبو كريب، نا محمد بن ميمون الزعفراني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: ذكرت لجابر تأخير المغرب من أجل عشائه، فقال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليؤخر صلاة لطعام، ولا غيره.
وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن جعفر إلا محمد ابن ميمون، وفيما أسلفناه ردّ عليه، وقال ابن شاهين: هذا حديث غريب، ومحمد هذا أبو حمزة السكري، وحديث السائب بن يزيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم.
رواه الدارقطني أيضًا عن هارون بن معروف، أنبأ ابن وهب، حدثني عبد الله بن الأسود القرشي أنّ يزيد بن خصيفة حدّثه عنه، وحديث رجل من الصحابة من أسلم أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهليهم أقصى المدينة، ثم يرمون فيبصرون مواقع نبلهم.
رواه النسائي بإسناد صحيح عن ابن بشار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر قال: سمعت حسان بن بلال يعني: الموثق، عند ابن المديني وغيره فذكر عنه، وحديث زيد بن خالد الجهني قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم ينصرف حتى يأتي السوق، وإنه ليرى مواقع نبله.
رواه الطبراني في معجمه
الكبير من حديث صالح مولى التوءمة عنه، وحديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال أمتي بخير، أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم.
رواه أبو داود، كذا قاله المجد في أحكامه ويشبه أن يكون وهما؛ لأن أبا داود لم يرو حديث عقبة منفردا ولعله استنبطه من حديث أبي أيوب، وقوله: أما سمعت النبي عليه السلام، فقال: نعم، وقد تقدم، وحديث أم حبيبة بنت أبي سفيان بنحوه ذكره أبو علي الطوسي الحافظ (رحمه الله تعالى)، وهذه الأحاديث تدلّ على استحباب تعجيل صلاة المغرب، ولا خلاف بين العلماء في ذلك إلا ما حكي عن الشيعة، وهو شيء لا يلتفت إليه، ولا أصل له إلا ما لعله يكون مأخوذا من حديث معاذ المخرج عند ابن حبان أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.
ومن حديث أبي بصرة المذكور قبل من عند مسلم، وذكر العصر، ثم قال: ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم، وهذان الحديثان يدلان على الجواز لا على الفضيلة، ولا خلاف في ذلك، وأما حديث عبد العزيز بن رفيع المذكور في مراسيل أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلوا بصلاة النهار في يوم الغيم وأخروا المغرب. فمراده، والله أعلم استبانة غيبوبة الشّمس حتى يتمكَّن الوقت لا نهايته، ولهذا قال البغوي: أصح الأقوال: أنّ لها وقتين، وآخر وقتها: إلى آخر غيبوبة الشّفق، ومذهب أبي
حنيفة: أنّ وقتها ممتد إلى أن يغيب الشفق، احتجاجا بحديث عبد الله بن عمرو، والمغرب ما لم يسقط ثور الشّفق، وفي رواية: نور، وبحديث أبي هريرة: وأول وقت المغرب حين تغيب الشمس وآخرها حين يغيب الشفق.
وبحديث الأعرابي الذي أمره النبي عليه السلام بالصلاة معه يومين، وأنه صلى المغرب في اليوم الثاني حين كاد الشفق يغيب، إلى غير ذلك من الأحاديث، قال الدارقطني: اعتبرت الأحاديث في المواقيت عن ذكر للمغرب الوقت الواحد، فبإمامة جبرائيل عليه السلام، وأبو موسى وبريدة وغيرهما يحكون الوقتين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: فصار متأخرا فيجب الأخذ به، وفي كتاب الإقناع لابن المنذر: آخر وقتها أن يغيب الشّفق، لقوله عليه السلام: لا تفوت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى، وقال في الإشراف: اختلفوا في وقت المغرب، فكان مالك، والأوزاعي، والشافعي يقولون: لا وقت للمغرب إّلا وقتا واحدا إذا غابت الشمس، وفيه: قول يأتي، وهو أنّ وقت المغرب إلى أن يغيب الشّفق، هذا قول الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وقد روينا عن طاوس أنه قال: لا يفوت المغرب والعشاء حتى الفجر، وروينا عن عطاء أنه قال: لا يفوت المغرب والعشاء حتى النّهار، والله أعلم، وأما الرافضة فمذهبهم: تأخيرها حتى تشتبك النجوم قاله الشعبي وقال: وهي نزعة يهودية.
باب وقت صلاة العشاء
84 -
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمّتي لأمرتهم بتأخير العشاء، وفي حديث سعيد بن أبي سعيد عنه قال صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأخّرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، أو نصف الليل.
هذا حديث قال فيه أبو عيسى، وأبو علي الطوسي: حسن صحيح، وخرجاه من حديث سعيد عنه، ولفظ ابن حبان في صحيحه: لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل، ولفظ أحمد بن حنبل: لأخرت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأوّل، ورجّحه ابن أبي حاتم بقوله: سمعت أبي، وذكر حديثا رواه مروان الفزاري، عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران، عن سعيد المقبري، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل.
قال أبي: إنَما هو عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ففي كتاب أبي جعفر الطبري المسمى بالتهذيب ما يشعر بانقطاع حديث سعيد وأنه لم يأخذه عن أبي هريرة، إنَما أخذه عن عطاء عنه، وأنه رواه بسند صحيح عن أحمد بن منصور، ثنا يعقوب بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشقَ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاة، ولأخَّرت العشاء إلى ثلث الليل الأول، فإذا مضى ثلث الليل الأول هبط الرب جل ثناؤه إلى سماء الدنيا، فلم يزل هنالك حتى يطلع الفجر يقول: ألا قائل، ألا سائل يعطى؟ ألا داع يستجاب له؟ ألا سقيم يستشفي فيشفى؟ ألا مذنب يستغفر فيغفر له؟.
وخرج ابن حبان في صحيحه قطعة منه، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث إسحاق بن أبي فروة، عن صفوان بن سليم، عن حميد بن عبد الرحمن عنه، وقال: لم يروه عن صفوان إلا إسحاق،.
85 -
حدثنا محمد بن المثنى، نا خالد بن الحارث، ثنا حميد قال: سئل أنس بن مالك: هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما؟ قال: نعم، أخر ليلة صلاة العشاء إلى قريب من شطر الليل، فلما صلى أقبل علينا بوجهه، فقال: إنَ الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، قال أنس: كأني أنظر إلى بياض خاتمه صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث خرَجاه في الصحيح، ولفظ أبي القاسم في الأوسط، وخرجه من حديث إبراهيم بن ذي حماية، عن حميد: فلما فرغ خطبنا، فقال: إن الناس قد صلوا ورقدوا وأنتم في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ثم قال: لم يروه عن إبراهيم إَلا
الجراح بن مليح. تفرد به محمد بن عبيدة.
.
86 -
حدثنا عمران بن موسى الليثي، ثنا عبد الوارث بن سعيد، ثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل، فخرج فصلَى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا وأنتم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا الضعيف والسقيم لأحببت أن أؤخر هذه الصلاة إلى شطر الليل.
هذا حديث خرجه أبو داود عن مسدد، نا بشر بن المفضل، ثنا داود بلفظ: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة، فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل، فقال: خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا، فقال. . . الحديث، ولفظ ابن خزيمة في صحيحه - وخرجه من حديث بندار - ثنا ابن أبي عدي، عن داود ح، ثنا عمران بن موسى، نا عبد الوارث، نا داود ح، وثنا إسحاق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، نا عبد الأعلى، عن داود: (خذوا مقاعدكم، فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم، فإنكم لن تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل. هذا حديث بندار.
وفي الباب حديث أم أنس الأنصارية، وليست بأم أنس بن مالك، قلت: يا رسول الله إن عيني تغلبني عن عشاء الآخرة، فقال عليه السلام: عجليها يا أم أنس إذا ملأ الليل بطن كل واد، فقد جاء وقت الصلاة فصلي، ولا إثم عليك. ذكره أبو موسى في معرفة الصحابة، وحديث النعمان بن بشير أنه قال: (أنا أعلم
الناس بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء الآخرة كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة.
رواه الحاكم من حديث هشيم، عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم عنه، ثم قال: تابعه رقبة، عن أبي بشر هكذا، زاد الدارقطني: وسفيان بن حسين، قال الحاكم: وهو إسناد صحيح، وخالفهما شعبة، وأبو عوانة، فقالا: عن أبي بشر عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، ولما ذكر الترمذي حديث أبي عوانة أتبعه: نا محمد بن أبان، نا ابن مهدي، عن أبي عوانة بهذا الإِسناد نحوه، وحديث أبي عوانة أصح من حديث هشيم؛ لأنّ يزيد بن هارون روى عن شعبة، عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة، وفي كتاب الطوسي: ثنا محمد بن يحيى الذهلي، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ شعبة، عن أبي بشر، عن بشير، عن حبيب عنه بلفظ: كان يصليها بمقدار ما يغيب القمر الليلة الرابعة.
قال يزيد: فقلت له: إن هشيمًا يقول لليلة الثالثة فشك شعبة، فقال: رابعة، أو ثالثة، وهذا حديث حسن، وصحح أبو محمد الإشبيلي حديث أبي عوانة في أحكامه الكبرى، وقال مهنأ: قال لي أحمد: يجتر شعبة يرد على هشيم، فسألت أحمد: من أخطأ في الحديث؟ قال: شعبة حين يقول ليلة رابعة، وقال أحمد أيضا فيما ذكره الخلال في علله: فتضعضع لها شعبة، ولما سئل أبو زرعة عنه قال: حديث بشير بن ثابت أصح، قال ابن أبي حاتم في علله، وفق أبو زرعة لما قال، وحكم لمسدد بما أتى عن أبي عوانة بزيادة رجل في الإسناد، وزعم بعضهم: أنه معارض لما ذكره ابن أبي حاتم في موضع آخر:
سمَعت أبي وذكر حديثا: ثنا المقدمي، عن يحيى بن سعيد القطان، ثنا سفيان، عن أبي يعفور، عن أبيه، عن النعمان بن بشير، أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم لا يلبث إلا يسيرا حتى يصلي العشاء، قال لي: أخطأ فيه المقدمي ليس فيه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو: كنا نصلي مع النعمان بن بشير. والله أعلم.
وحديث جابر بن عبد الله، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وأصحابه ينتظرونه لصلاة العشاء، فقال: نام النّاس ورقدوا وأنتم تنتظرون الصلاة أما إنَّكم في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وكبر الكبير لأخّرت هذه الصلاة إلى شطر الّليل، قال أبو زرعة: وسأله ابن أبي حاتم عنه، فقال: هذا حديث وهم فيه أبو معاوية - يعني: إذ رواه عن داود، عن أبي نضرة، عن جابر - قلت: لم يبين ما هو والذي عندي أن الصحيح ما رواه وهيب وخالد الواسطي، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث عبد الله بن عمر قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل، أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهله، أو غير ذلك، فقال حين خرج: إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن أثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى رواه مسلم، وروى البخاري نحوه، وليس فيه: لصليت بهم هذه الساعة، وفي معجم ابن جميع: أخّر صلاة العشاء حين نام النائم
واستيقظ وتهجد المتهّجد، ثم خرج فأقيمت الصلاة فصلاها، وقال: لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هذا الوقت وهذا الحين.
ولفظ أبي القاسم في الأوسط: حتى صلى المصلي، واستيقظ المستيقظ ونام القائمون وتهجد المتهجدون، وحديث ابن عباس قال: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء، حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: (الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه يقطر رأسه ماء واضعَا يده على رأسه، فقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا. رواه أيضا، وحديث عائشة قالت: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء والصبيان، فخرج، فقال: ما ينتظرها من أهل الإِسلام أحد غيركم. ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة قال: (وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثْلث الليل الأول.
رواه البخاري وهذا لفظه، وفي لفظ له: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل المسجد، ثم خرج، فصلى، فقال: إنه لوقتها لولا أن أشقْ على أمتي، ولم يذكر مسلم: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.
وروى النسائي الحديث، وعنده بعد قوله بالمدينة، ثم قال: صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل، وفي لفظ: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، ثم قال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي، وفي الأوسط من حديث محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب
عنها قالت: سئل عليه السلام عن وقت العشاء قال: إذا ملأ الليل بطن كل واد، وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إّلا جعفر بن سليمان الضبعي.
وحديث جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر عشاء الآخرة.
رواه مسلم، وفي مسند مسدد: كان عليه السلام يصلي الصلوات نحوَا من صلاتكم، وكان يؤخر صلاة العتمة بعد صلاتكم شيئا، وكان يخفف الصلاة، وفي لفظ: كان عليه السلام يؤخر صلاة العشاء الآخرة، وحديث علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخّرت العشاء إلى ثلث الليل الأوّل.
رواه أبو جعفر في تهذيب الآثار بسند صحيح، عن أحمد بن منصور، نا يعقوب بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق، حدثني عمي عبد الرحمن بن يسار، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه عنه ولما رواه البزار من حديث ابن إسحاق، قال: وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، ولا نعلمه روي عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلّا من هذا الوجه بهذا الإِسناد، قال الطبري: وروى شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقت العشاء إلى نصف الليل، وفي كتاب النسائي: أنبأ عمرو بن علي، ثنا أبو داود، نا شعبة، عن قتادة، سمعت أبا أيوب الأزدي يحدّث عن ابن عمرو، فذكره مطولا، وفيه قال
شعبة: كان قتادة يرفعه أحيانا، وأحيانا لا يرفعه.
وحديث معاذ: قال أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة، فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول: صلّى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي عليه السلام، فقالوا له كما قالوا، فقال: أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضّلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم.
رواه أبو داود من حديث حريز، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني عنه وسكت عنه الإشبيلي مصححًا له، وعاب ذلك عليه ابن القطان، وزعم:، وتقدّم حديث أبي برزة: كان لا يبالي بعض تأخيرها، قال: يعني العشاء إلى نصف الليل، وحديث محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه خرج ذات ليلة، وقد أخّر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنية، أو ساعة، والناس ينتظرونه في المسجد، فقال: ما تنتظرون؟
…
الحديث.
رواه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن محمد بن سوقة إلّا عبد الله بن عمرو بن مرة. تفرد به القاسم بن الحكم العرني، وحديث زيد بن خالد الجهني. ذكره الترمذي - رحمه الله تعالى -، واختلف العلماء في وقت العشاء المستحب، وغيره، فروي عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة: أن آخر وقتها إلى ثلث الليل كأنه يعني الفاضل، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب مالك لغير أصحاب الضرورات، واستحب لمساجد الجماعات ألا يعجلوها في أوّل وقتها إذا كان ذلك غير مضر بالناس، وذهب أبو حنيفة: إلى أنّ آخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثاني، قال ابن رشد: وهو قول داود أخذًا بحديث أبي قتادة إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى، قالوا: وهو عام ومتأخَر عن حديث إمامة جبرائيل، فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخًا لحصل التعارض، قال في المبسوط: وهو إجماع لم يخالف فيه غير الإصطخري؛ فإنه قال: آخر وقتها إلى الثلث، وفي النصف يخرج الوقت وتكون الصلاة بعده قضاء، وقال ابن حبيب: آخر وقتها النصف الأوَل، ومشهور مذهب مالك: أنه آخَر الثلث الأول، وفي رواية ابن وهب عنه كمذهب أبي حنيفة وهو المروي عن ابن عباس، وذهب النخعي إلى أنه آخَر الربع الأوَل، وأنكر القرطبي أن يكون له مستندا في ذلك، وفي كتاب الإشراف لأبي بكر: وكان النخعي يقول: آخر وقتها إلى نصف الليل، وبه قال الثوري، وابن
المبارك، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وأبو ثور، قال: واختلفوا في التعجيل بها، فروينا عن ابن عباس أنه قال: تأخيرها أفضل ويقرأ: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ، وعن ابن مسعود: أنه كان يؤخر العشاء، وهو قول ابن جبير، وعمر في رواية، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال قائلون: تعجيلها أفضل استدلالا بالأخبار التي فيها تعجيل الصلاة في أوائل وقتها، وممن قال بذلك: عمر بن الخطاب، ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة عنه قال: وثنا الوصافي، عن حسين بن عطية قال: دخلت أنا وابن عمر المسجد حين تعشى، فقال: ما منعه أن يأمر مؤذنه أن يقيم الصلاة؟ قلت: الساعة الآن؟ قال: نعم. كان إذا تعشى صلى.
وثنا سفيان، عن ثور، عن مكحول قال: كان عبادة بن الصامت وشدَاد بن أوس إذا غابت الحمرة ببيت المقدس صلَيا العشاء والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب ميقات الصلاة في الغيم
87 -
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ومحمد بن الصباح، قالا: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن بريدة الأسلمي قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. فقال: بكروا بالصلاة في اليوم الغيم، فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله.
هذا حديث أخرجه البخاري في صحيحه عن مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر. . . الحديث، وكذا قاله النسائي، عن عبيد الله ابن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، وأحمد، عن يحيى بن سعيد، والإسماعيلي، عن ابن ناجية، عن الفلاس، وعن القاسم بن زكريا، عن ابن مثنى، كَلاهما عن يحيى، وعن المنيعي، وابن ناجية، عن أبي الأشعث، عن يزيد بن زريع، وقال يحيى، وابن أبي عدي ويزيد: ثنا هشام، عن يحيى، وأبو مسلم الكجي، عن مسلم بن إبراهيم، نا هشام به، وابن خزيمة، عن أحمد بن عبدة، نا أبو داود، نا هشام، وثنا الحسين من حريث أبو عمار، ثنا النضر بن شميل، عن هشام، فذكره، قال ابن عساكر: كذا قال الأوزاعي، عن أبي المهاجر - يعني: أنّ المحفوظ في هذا أبو المهلب -، كذا نصّ عليه غير واحد من الأئمة حتى قال البستي: وهم الأوزاعي في صحيفته عن يحيى، فقال: عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة الجرمي،
وذكر الحافظ ضياء الدين المقدسي أنّ ابن حبان وهم أيضا في هذا، وقال: والصواب: أبو المليح، عن بريدة -، والله أعلم -، قال المهلب بن أبي صفرة: معنى هذا: من فاتته فوات مضيع لها، متهاون بفضل وقتها مع قدرته على أدائها فحبط عمله في الصلاة خاصة، أي: لا يحصل له أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة، وقال غيره: معناه تركها جاحداً، فإذا فعل ذلك فقد كفر وحبط عمله، ورد: بأن ذلك يقال في سائر الصلوات، فلا مزية لها إذَا، وقال ابن بزيزة: هذا على وجه التغليظ، وقال ابن التين: معناه: كاد أن يحبط، والترك المشار إليه محمول على التأخير، ويجوز أن يراد به: لا يصليها مطلقَا تهاونًا بها، والله أعلم.
باب من نام عن الصلاة أو نسيها
88 -
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حجاج، ثنا قتادة، عن أنس بن مالك قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغفل عن الصلاة، أو يرقد عنها، قال: يصليها إذا ذكرها، ثم علاه درجة من طريق غير صحيحة، فقال:
89 -
ثنا جبارة بن المغلس، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها.
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، زاد الشيخان: لا كفارة لها إلا ذلك، أقم الصلاة لذكري، وفي لفظ لمسلم: إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها. فإن الله تعالى يقول:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ، ولفظ أبي داود للذكرى، وفي لفظ للنسائي أو يغفل عنها، قال: كفارتها أن يصليها إذا ذكرها.
وفي حديث محمد بن جعفر بن الحسن بن المستفاض أبي الحسن الفريابي زيادة: أو إذا استيقظ، رواها عن محمد بن أحمد بن الجنيد، ثنا عبد الله يعني ابن يزيد المقرئ، نا أبو عوانة، وأبو جزي نصر بن طريف وحمّاد بن سلمة وهمّام بن يحيى في آخرين، عن قتادة: إذا ذكرها، أو إذا استيقظ، أنبأ بذلك المسند المعمر أمين الدين أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد بن محمد قراءة عليه، وأنا أسمع، أنبأ الإِمام أبو خالد، أنبأ القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي
الفضل، أنبأ أبو الحسن علي بن المسلم السلمي، ثنا أبو نصر الحسين بن محمد ابن أحمد بن الحسين بن طلاب، أنبأ أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني عنه، وزعم بعض من يتكلم في العلل من المتأخرين: أن قتادة مدلس، ولم يصرح هنا بالسماع، وذلك غير مقبول منه إلا إذا صرح، قال: ولا التفات إلى قول من قال: إذا كانت العنعنة من مدلس في الصحيح قبلت لاحتمال اتصالها من طريق أخرى، ويجاب عن ذلك بأنه قد صرح بسماعه إياه من طريق صحيحة ذكرها الإِسماعيلي في صحيحه عن محمد بن عمران، وأبي عبد الله الصوفي، ثنا علي بن الجعد، أخبرني همام، عن قتادة، عن أنس، وقال الصوفي: سمعت أنسا، وفي البخاري معناه، وقال حبان: نا همام، نا قتادة، ثنا أنس نحوه، وقال الحافظ أبو العباس الطرقي: إيراد الآية عن قتادة فيما ذكره هدبة عنه، وفي حديث الشعبي عنه قال: من يكلؤنا الليلة، فقلت: أنا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام الناس ونمت، فلم أستيقظ إلا بحر الشمس، فقال عليه السلام: يا أيها الناس إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد يقبضها الله إذا شاء ويرسلها إذا شاء فاقضوا حوائجكم على رسلكم، فقضينا حوائجنا على رسلنا وتوضأنا وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صلى ركعتي الفجر قبل الصلاة، ثم صلى بنا، أنبأ به المسند شرف الدين يحيى بن المقدسي قراءة عليه، عن الإِمام بهاء الدين الشافعي، أنبأ شهدة قراءة عليها، أنبأ أبو منصور بن هريسة، أنبأ البرقاني، أنبأ الإِسماعيلي، أنبأ محمد بن الحسن النخاس، ثنا عمر بن محمد بن الحسن، أنبأ أبي، ثنا عتبة عنه، فذكره.
90 -
حدثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، ثنا يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرس، وقال لبلال: اكْلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فلم تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظَا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلال؟ فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بابي أًنت، وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شيئَا، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: أقم الصلاة لذكري، قال: وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى.
هذا حديث خرجه مسلم، بزيادة: ليأخذ كل واحد منكم برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى بهم الغداة؛ وفي لفظ لأبي داود، عن موسى بن إسماعيل، ثنا أبان، نا معمر، عن الزهري في هذا الخبر قال: فقال صلى الله عليه وسلم: تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة قال: فأمر بلالا فأذّن فأقام وصلى.
قال أبو داود: رواه مالك، وابن عيينة، والأوزاعي، وعبد الرزاق، عن معمر، وابن إسحاق لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم أحد إَلا الأوزاعي وأبان العطار، عن معمر، وزاد في رواية أبي الطيب الأشناني: ثنا مؤمل، ثنا الوليد، عن
الأوزاعي، يعني عن الزهري به، ولما رواه أبو عيسى، عن محمود بن غيلان، عن النضر بن شميل، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري بلفظ: فأقام الصلاة، ثم صلى على صلاته للوقت، ثم مكث، ثم قال: أقم الصلاة لذكري.
قال: هذا حديث غير محفوظ رواه غير واحد من الحفاظ عن الزهري، عن سعيد أنَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة، وذكر أبو الحسن في علله أنَ الأوزاعي رواه مرفوعا من رواية هشام بن خالد، عن الوليد بن مسلم عنه، وكذلك ابن عيينة في رواية عبد الجبار بن العلاء عنه، عن الزهري، ومالك الإِمام فيما رواه القدامي، وابن أخي ابن وهب، عن عمه عنه، قال: والمحفوظ هو المرسل وبنحوه ذكره في غرائب مالك، والله أعلم، وأما قول أبي داود: لم يسنده أحد منهم يعني المسمين إلا الأوزاعي وأبان فمردود بقول أبي عمر: وقد وصله محمد بن إسحاق، وفي قول الدارقطني: وابن أخي ابن وهب، عن عمه إشعار أنه منفرد بذلك، وهو إن كان حديثه في صحيح البخاري، فقد تكلم فيه غير واحد بكلام فيه إقذاع، فقد قدمنا إسناده من حديث حرملة عنه، وخرجه مسلم من حديث أحمد بن صالح عنه أيضًا، فهذا كما ترى غير واحد من الثقات وصله فترجح لذلك قول مسلم، والله تعالى أعلم، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق لا بأس به، يشهد لمن وصله لا ذكر فيها للزهري، ولا لسعيد، أنبأ بها المسند المعمر محمد بن محمد بن أبي بكر رحمه الله تعالى قراءة عليه، أنبأ سيدة بنت الماراني قراءة عليها، عن الإِمام أبي سعد بن الصفار وزينب ابنة عبد الرحمن الشعرية، أنبأ وجيه بن طاهر قراءة عليه، أنبأ الأستاذ أبو القاسم القشيري قراءة عليه، ثنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف، أنبأ أبو العباس محمد ابن إسحاق
ابن مهران السراج، أنبأ حفص بن عبد الله أبو عمر الحلواني، نا مروان، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته، فإن هذا مكان حضر فيه الشيطان، فسار غير بعيد، ثم نزل، قال أبو العباس: وثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا يزيد به، وزاد قال: فسرنا ساعة، ثم دعا بماء فتوضأ، ثم ركع ركعتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة، وفي كتاب المعرفة للبيهقي: فوقتها إذا ذكرها، وضعف هذه الزيادة بحفص بن العطاف، وابن أبي العطاف يشبه أن يكون غير المذكور عند السراج؛ لأني لم أر أحدا نسبه كما نسبه هو، ولا جمع بين النسبتين، والله أعلم.
.
91 -
حدثنا أحمد بن عبدة، أنبأ حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: ذكروا تفريطهم في النوم، فقال: ناموا حتى طلعت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد.
قال عبد الله بن رباح: فسمعني عمران بن الحصين أحدث بالحديث، فقال: يا فتى انظر كيف تحدث، فإني شاهد للحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فما أنكر من حديثه شيئا.
هذا حديث خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، عن هارون بن إسحاق، نا ابن
فضيل، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وعن محمد بن أبي صفوان الثقفي، نا بهز يعني ابن أسد، نا حماد بن سلمة، أنبأ ثابت البناني به، ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ، ثنا سليمان يعني ابن المغيرة، نا ثابت بلفظ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله تعالى غدًا فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل، وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال على راحلته فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر، مال ميلة هي أشد من الميلتين حتى كاد ينجفل فأتيته فدعمته فرفع رأسه قال: من هذا؟ قلت أبو قتادة. قال: متى كان هذا مسيرك مني قال: قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال: حفظك الله بما حفظت نبيك، ثم قال: هل ترانا نخفى على الناس، ثم قال: هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب - قال: فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه، ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم، وقال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا. قال: أما لكم في أسوة،
ثم قال: إنه ليس في النوم تفريط، إنّما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال ما ترون الناس صنعوا. قال: ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر، وعمر يرشدوا. قال: فانتهينا إلى النّاس حتى امتدّ النهار وحمي كلّ شيء وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا عطشَا. فقال لا هلك عليكم. ثم قال: أطلقوا لي غمري. قال: ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب، وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء الميضأة تكابوا عليه، فقال عليه السلام: أحسنوا الملء كلكم سيروى قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري، وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم صبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: اشرب فقلت لا حتى تشرب يا رسول الله قال: إن ساقي القوم آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأتى الناس الماء جامين روآءَ قال عبد الله: إني لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث، فإني أحد الركب تلك الليلة. قال: فقلت فأنت أعلم بالحديث قال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار قال: حدّث فأنت أعلم بحديثكم، قال: فحدّثت القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أنّ أحدَا حفظه كما حفظته، وخرج البخاري قطعة منه في كتاب التوحيد، عن ابن سلام، ثنا هشيم، عن حصين، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وعمران بن ميسرة، ثنا محمد بن فضيل، ثنا حصين بلفظ: (فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله؟ قال أخاف أن تناموا عن الصلاة، فقال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند هو ظهره لراحلته فغلبته عيناه فنام فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب
الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط قال: إنّ الله قبض أرواحكم حين شاء ورّدها عليكم حين شاء، قم يا بلال فأذّن بالناس بالصلاة، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى.
وفي سنن الكجي، فقال عمران: أي بني احفظ، فإني شاهد القوم، وفي لفظ لأبي داود: ثنا علي بن نصر، ثنا وهب بن جرير، ثنا الأسود بن شيبان، ثنا خالد بن سمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح، فحدثنا قال: ثنا أبو قتادة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء بهذه القصة يعني حديث حماد، عن ثابت قال: فلم يوقظنا إلا الشَّمس طالعة، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(رويدَا رويدَا) حتى إذا تعالت الشمس قال: من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما فركعهما، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة فنودي بها، فصلى بنا، فلما انصرف قال: (ألا إنا نحمد الله أنا لم نكن في شيء من أمر الدنيا شغلنا عن صلاتنا، ولكن أرواحنا كانت بيد الله تبارك وتعالى، فأرسلها متى شاء فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صبحا فليقض معها مثلها.
ثنا عمرو بن عوف، ثنا خالد، عن حصين، عن ابن أبي قتادة، عن أبيه في هذا الخبر، قال: فقال: إن الله قبض أرواحكم حيث شاء، وردها حيث شاء، قم فأذّن بالصلاة فقاموا وتطهروا حتى إذا ارتفعت الشَمس قام فصلى بالناس، ثنا هناد، ثنا عبثر، عن حصين، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: فتوضأ حين ارتفعت الشمس فصلى بهم.
ثنا العباس العنبري، ثنا سليمان بن داود، نا سليمان يعني ابن المغيرة، عن ثابت، عن ابن رباح، عن أبي قتادة قال عليه السلام: ليس في النوم تفريط إنَما التفريط في
اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى، وفي حديث يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن ابن رباح زيادة: فقلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء، فقال: فأتني بها فأتيته بها، فقال مسوا منها فتوضأ القوم، وبقي في الميضأة جرعة، وفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي، وفيه: فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها، وفيه: وبقي من الميضأة نحو ممَا كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة، قال حماد: وثنا حميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن رباح، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد فيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، وإذا عرس قرب الصباح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده.
أنبأ بذلك الإِمام العلامة المسند شمس الدين محمد بن الحسن بن علي بن محمد الشافعي رحمه الله قراءة عليه، وأنا أسمع، ثنا المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم قراءة عليه، عن أبي محمد المبارك بن الطباخ، أنبأ الشيخ السديد أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد قراءة عليه، أنبأ جدي الإِمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قراءة عليه، أنبأ عليَ بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، أنبأ أبو جعفر محمد بن عمرو بن البحتري الرزاز؛ ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد، ثنا يزيد بن هارون، فذكره، وفي مسند السراج: إذا عرس بليل توسد لبنة، وإذا عرس عند الصبح نصب ساعده نصبا وعمد بها
الأرض، ووضع رأسه على كفه.
ولما أخرجه أبو عبد الله في مستدركه، قال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه، وفيه نظر؛ لأن ابن سلمة ليس على شرط البخاري، وفي الباب حديث عمران بن حصين المخرج في الصحيحين قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا، فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس. قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر، وكنّا لا نوقظ النبي عليه السلام من منامه إذا نام حتى يستيقظ، ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه فرأى الشمس قد بزغت. قال: ارتحلوا، فسار بنا حتى ابيضت الشمس، فنزل فصلَى الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي معنا، قال: يا نبي الله أصابتني جنابة فأمره بالتيمم فصلى، ثم عجلني في ركب بين يديه نطلب الماء، فذكر قصة المرأة التي معها مزادتان، وفي المستدرك من حديث الحسن عنه: نمنا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، فأمر المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أقام المؤذَن فصلى الفجر. وقال صحيح على ما قدمنا ذكره من صحة سماع الحسن من عمران، وإعادته الركعتين، ولم يخرجاه وله شاهد بإسناد صحيح، فذكر حديث جدَ يحيى بن سعيد حين صلى ركعتي الفجر بعد الصلاة وإقراره عليه السلام على ذلك، وفي لفظ للدارقطني من حديث الحسن: فصلى ركعتي الفجر حتى إذا أمكنتنا الصلاة صلينا، وفي لفظ لأحمد: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في آخر الليل
عرسنا، فلم نستيقظ حتى أيقظتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشا إلى طهوره. قال: فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكنوا، ثم ارتحلوا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ، ثم أمر بلالا فأذّن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أقام فصلينا، فقالوا يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ هشام عن الحسن عنه بزيادة: إنّما التفريط في اليقظة، وفي هذا دليل لما قاله البخاري فيما حكاه عنه الترمذي لا يتابع ابن رباح على هذا يعني قوله فليقض معها مثلها، لأنّ عمران كان حاضرا، ولم يذكرها، وقال ابن رباح، عن أبي قتادة في إعادة الصلاة، وفي تاريخ البخاري الصغير: لا يتابع ابن رباح في قوله ولوقتها من الغد، قال: وخالف فيه سليمان بن المغيرة، عن ثابت، فقال: ليس التفريط لمن لم يصل حتى يجيء وقت صلاة أخرى، ولا يصح هذا الخبر عند أهل البصرة، ورواه حميد ومبارك، عن بكر، عن ابن رباح، عن أبي قتادة: ليس في النوم تفريط، كما قدمناه من عند ابن ماجه، وإن كان ابن عساكر ومن بعده أغفلاه فغير صواب، وزعم البيهقي في المعرفة: أن هذه اللفظة تفرد بها الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، عن ابن رباح، قال: ولم يتابعه على هذه الرواية ثقة، والصواب حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن ابن رباح يعني المتقدم، فحمله خالد: على الوهم، وقد صرّح في حديث عمران بذلك، وفي حديث ابن رباح وسوقه له عند عمران دلالة على كون القصتين واحدة، والله أعلم، وقال أبو عمر: وقول خالد في هذا: جيش الأمراء وهم عند الجميع؛ لأنه كان في مؤتة، وهي سرية لم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن حزم: وقد خالف خالداً من هو أحفظ منه، وحديث عقبة بن
عامر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فاسترقد لما كان منها على ليلة، فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح، فقال: ألم أقل لك يا بلال، وفي آخره: فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك المنزل غير بعيد، ثم صلى، ثم سار بقية يومه وليلته، فأصبح بتبوك، رواه البيهقي في الدلائل من حديث عبد الله بن مصعب ابن منظور، عن أبيه عنه، وحديث ابن مسعود قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا، فنزلنا دهاسا من الأرض، فقال: من يكلؤنا؟ قال بلال: أنا. قال: إذا ننام قال: لا، فنام حتى طلعت الشمس، فاستيقظ فلان وفلان منهم عمر. فقال: اهضبوا. فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون، فلما فعلوا. قال: هكذا فافعلوا لمن نام، أو نسي.
رواه أبو داود بسند صحيح، عن ابن مثنى، عن ابن جعفر، عن جامع بن شدَاد قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة قال: سمعت ابن مسعود به، وخرجه الكجي، عن عمرو بن مرزوق أنبأ المسعودي، عن جامع بلفظ: لما رجع من الحديبية قال: من يحرسنا؟ فقال عبد الله: أنا، قال إنك تنام مرتين، أو ثلاثة. قال: بت فحرست حتى كان في وجه الصبح فأدركني ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقمت
…
الحديث، وحديث عمرو بن أمية الضمري قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: تنحوا عن هذا المكان، قال: ثم أمر بلالًا فأذن، ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح.
خرجه أبو داود بسند صحيح من حديث عبد الله بن يزيد، عن حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس أن كليب بن صبح حدثه أن الزبرقان حدّثه، عن عمّه عمرو، فذكره، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن، ثنا حجاج يعني ابن محمد، نا حريز، وثنا عبيد بن أبي الوزير ثنا مبشر الحلبي ثنا حريز بن عثمان حدثني يزيد بن صليح، عن ذي مخبر، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قال: فتوضأ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا لم يَلِت منه التراب، ثم أمر بلالًا فأذّن، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين غير عجّل، ثم قال لبلال أقم الصلاة، ثم صلى وهو غير عجل. قال: عن حجاج، عن يزيد بن صليح حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة،، قال ابن عساكر، والصريفيني: وهو الصواب عند أبي حاتم البستي رحمه الله تعالى، ولفظ الطبراني في الأوسط: كنا مع النبي في سرية فتقدم الناس، فقال: هل لكم أن نهجع هجعة، فقالوا: نعم. فقال: من يكلؤنا الليلة قال ذو مخبر: أنا، فأعطاه خطام ناقته، وقال: لا تكن لكع قال: فانطلقت غير بعيد فأرسلتها مع ناقتي يرعيان فغلبتني عيني، فما أيقظني ألا حر الشمس على وجهي، فنظرت يمينا وشمالاً فزعًا، وإذا أنا بالراحلتين غير بعيد فأخذتهما، ثم جئت أدنى القوم فأيقظته، ثم سألته أصليتم؟ فقال: لا، وأيقظ الناس بعضهم بعضاً حتى استيقظ النبي عليه السلام.
رواه عن أبي زرعة، ثنا علي بن عياش الحمصي، ثنا حريز به،
وحديث ابن عباس قال: أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى، وقد تقدم في ذكر الصلاة الوسطى، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبيدة ابن حميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن تميم بن سلمة، عن مسروق، عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأعرس من الليل فرقد، فلم يستيقظ إلا بالشمس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن، ثم صلى الركعتين. فقالا: هذا خطأ أخطأ فيه عبيدة، ورواه جماعة، فقالوا: عن تميم بن سلمة، عن مسروق مرسل فقط، قلت لهما: الوهم ممن هو؟ قالا: من عبيدة، وحديث سمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام أحدنا عن الصلاة، أو نسيها حتى يذهب حينها الذي تصلى فيه أن يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة، رواه أبو بكر البزار من حديث يوسف بن خالد السمتي، وهو ذاهب الحديث، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده، ومرسل عمرو بن علي الثقفي قال: لما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الغداة، استيقظ، فقال: لنغيظن الشيطان كما
أغاظنا فصلى يومئذ بسورة المائدة في صلاة الفجر.
وحديث أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأذن وتوضؤوا وصلوا الركعتين، ثم أقام بلال، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حدثنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه.
رواه الطبراني في الكبير، عن طالب بن قرة الأذني، نبأ محمد بن عيسى الطبّاع ثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن يزيد بن أبي مريم، عن أبيه به، ونبأ محمد بن إسحاق بن إبراهيم، ثنا به أبي، وثنا الحسن بن إسحاق التستري، نبأ عثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا جرير، عن عطاء به، وحديث جبير بن مطعم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقال: من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الفجر، فقال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشمس فضرب على آذانهم حتى أيقظهم حرّ الشمس، ثم قاموا فقادوا ركابهم، ثم توضؤوا وأذّن بلال، ثم صلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر.
رواه أيضا عن علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن منهال، وابن عائشة، ونبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا هدبة بن خالد قالوا: ثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه به، وحديث أبي جحيفة السوائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه أو طلعت الشمس. فقال: إنكم كنتم أمواتا، فرد الله تعالى إليكم أرواحكم، فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ، ومن نسي صلاة فليصلها إذا ذكر.
رواه أبو بكر بن أبي
شيبة في مسنده عن الفضل بن دكين، عن عبد الجبار، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه به، ومرسل زيد بن أسلم قال: عرَس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة فرقد بلال ورقدوا حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس
…
الحديث رواه مالك في الموطأ ومرسل عطاء بن أبي رباح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام ليلة التعريس واستيقظ صلى ركعتين في معرسه، ثم ساروا.
رواه ابن أبي شيبة، وفي كتاب عبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار: أنّ التعريس كان في غزوة تبوك وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذّن في مضجعه ذلك بالأول، ثم مشوا قليلاً، ثم أقاموا فصلوا الصبح، وحديث بلال قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنام حتى طلعت الشمس فأمر بلالاً فأذن، ثم توضأ فصلوا ركعتين، ثم صلوا الغداة.
رواه الدارقطني في سننه عن الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم، نا عبد الصمد بن النعمان، نا أبو جعفر الرازي، ثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم، نا عبد الصمد بن النعمان، نا أبو جعفر الرازي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عنه، وفيه انقطاع بينهما،
بين بلال، وسعيد، والله تعالى أعلم، وحديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي ينسى الصلاة قال: يصلي إذا ذكر خرجه في الأوسط، عن موسى بن هارون، نا إسحاق بن راهويه، أنبأ معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن عامر الأحول، عن الحسن عنه، وقال: لم يروه عن عامر إّلا هشام تفرد به معاذ، وحديث ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله أفتنا عن رجل نسي الصلاة حتى طلعت الشمس، أو غربت، ما كفارتها؟ قال: إذا ذكرها فليصلها وليحسن صلاته وليتوضأ وليحسن وضوءه فذلك كفارة.
رواه أبو القاسم من حديث عبد الحميد بن يزيد، عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز عنها.
غريبه: التعريس: النزول في المعهد أي حين كان من ليل، أو نهار، وقال زهير:
وعرسوا ساعة في كثب أسمنة
…
ومنهم بالقسوميات معترك
ويروى:
ضحوا قليلا قفا كثبان أسنمة
والمعرس: الذي يسير نهاره، ويعرس أي: ينزل أول الليل، وقيل: التعريس النزول في آخر الليل، وعرّس المسافر: نزل في وجه السحر ذكره ابن سيّده، زاد في الصحاح: وأعرسوا لغة فيه قليلة والموضع: معرس ومعرس، والقفل، يقال: قفل الجند من الغزو إلى أوطانهم قفلاً وقفولًا، وهذا وقت القفل، ورأيت القفل أي: القفال. كما يقال القفل للقاعدين عن الغزو وأقلفهم الأمير ذكره في باب الحقيقة من كتاب الأساس، وفي الجامع: يقفلون ويقفلون فهم قفال جمع: قافل، ولا يكون القافل إلا الراجع إلى منزله، ووطنه وقول امرئ القيس:
نظرت إليها والنجوم كأنها
…
مصابيح رهبان تشب لقفال
إّنما يريد نظرت إلى نارها تشب لقفال والنجوم كأنها مصابيح رهبان وذلك آخر
الليل، فإذا كانت النار تشب في هذا الوقت دلّ على كثرتها في أوّل الليل، وسموا القافلة من ذلك، لأنهم يرجعون إلى أوطأنهم، ولا يسمون عند الذهاب قافلة، وإنما ذلك اسم عند الرجوع على ما ذكرنا، وفي شرح الفصيح لابن هشام، فإن كانت خارجة فهي الصائبة سميت بذلك على وجه القفال، وفي الاصطلاح: قفلوا هم قفولًا وقفلاً، وحكى مكي، عن الخليل: قفلت الجند بغير ألف، قال أبو عمر بن عبد البر: في هذه الأخبار ما يدلّ أن نومه كان مرة واحدة، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ثلاث مرات، وقال القاضي أبو الفضل: حديث أبي قتادة غير حديث أبي هريرة، وكذلك حديث عمران، ومن الدليل على أنّ ذلك وقع مرتين؛ لأنه قد روي أنّ ذلك كان زمن الحديبية، وفي رواية بطريق مكة، والحديبية كانت في السنة السادسة، وإسلام عمران، وأبي هريرة الراوي حديث قفوله من خيبر كان في السنة السابعة بعد الحديبية، وهما كانا حاضرين الواقعة، ولو احتج محتج لترجيح قول من زاد على الثلاث لو قال به قائل لكان مصيباً. لأنّ في حديث أبي هريرة حين قفل من غزوة حنين بالحاء المهملة كذا نص عليه الأصيلي، وغلط من قاله بالمعجمة، وحديث أبي قتادة قال أبو الوليد الباجي: يدلّ أنه كان زمن خيبر، وصرح في حديث ابن مسعود بأنه كان بالحديبية، وحديث عقبة، وعطاء مصرّح بتبوك، وحديث ذي مخبر مصرح بأنه في سرية مبهمة، وكذلك اختلاف أسماء الكالئين، والمستيقظين قرأت على المسند بقية المشايخ أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد القوي الأنصاري - رحمه الله تعالى - أخبرنا شيخ الإِسلام مفتي المسلمين أبو الحسن علي بن القدوة أبي العباس أحمد بن علي، أنبأ أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير، عن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله التميمي، أنبأ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض سماعًا، قال: فإن قلت فما تقول في نومه صلى الله عليه وسلم يوم الوادي وقد قال: إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي فاعلم أنّ للعلماء عن ذلك أجوبة: منها: أنّ المراد
بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما ندر من غيره بخلاف عادته، ويصحح هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: إن الله قبض أرواحنا، وقول بلال فيه: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنّما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم، وتأسيس سنة، وإظهار شرع، وكما قال في الحديث الآخر: لوَ شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم.
الثاني: أنّ قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه؛ لما روي: أنه كان محروساً، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع خطيطه، ثم يصلي، ولا يتوضأ، وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوؤه عند قيامه من نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرّد النوم، إذ لعل ذلك لملامسته الأهل، أو لحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه: ثم نام حتى سمعت خطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلَى، ولم يتوضأ، وقيل لا ينام قلبه من أجل الوحي، وأنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس، وليس هذا من فعل القلب، وقد قال عليه السلام: إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإن قيل: فلولا عادته من استغراق النوم؛ لما قال لبلال: اكلأ لنا الصبح، فقيل الجواب: إنه كان من شأنه عليه السلام التغليس بالصبح، ومراعاة أوَل الفجر لا تصح ممن نامت عينه، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالاً بمراعاة أوّله؛ ليعلمه بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته، وزعم بعضهم أن قوله عليه السلام: ارتحلوا، وأخَر الصلاة، معارض بقوله فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، ويجاب بأنَ الارتحال إَنما كان بسبب
الشيطان الذي كان بذاك الوادي، وهذا من المغيبات التي لا يطلع عليها إلا الأنبياء عليهم السلام، وقيل إن الأمر بالارتحال منسوخ بقوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} كذا قاله ابن حزم، وهو قول غير صحيح؟ لأن الآية مكيّة فكيف يتجه النسخ بها هنا، والنسخ لا يصح قبل وروده، وتعلَق الحنفيون به على أن الصلاة لا تقضى عند طلوع الشمس، وأجيب بأجوبة أحدها: قوله: فلم يوقظهم إلا حر الشمس، وهذا وقت مسوغ للصلاة إجماعًا.
الثاني: إنما كان ارتحالهم لأجل الشيطان، أو لأجل الغفلة كما أسلفناه كما نهى عليه السلام عن الوضوء من بئر ثمود، وكنهيه عن الصلاة بأرض بابل.
الثالث: روى عطاء بن أبي رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم: ركع ركعتين في معرسه، ثم سار وبنحوه ذكره ذو مخبر فيما أسلفناه، والوقت الجائز فيه صلاة النافلة تجوز فيه الفريضة إجماعًا، وقال ابن حزم: واستشكل بعضهم قوله: فليقض معها مثلها وليصلها من الغد لوقتها، أو فليصلها إذا ذكرها، ومن الغد للوقت، وأنهم قالوا: يا رسول الله، أنقضيها لميقاتها من الغد ونصلي كذا، وكذا صلاة؟ قال: لا. وليس كذلك، بل هو صحيح متفق المعنى، وإنما يشكل من هذه الألفاظ قوله: مثلها، وإذا تؤمل، فلا إشكال فيه؟ لأن الضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور إلا بدليل فالضمير في معها راجع إلى الغداة لا للصلاة، أي: فليقض مع الغداة مثل هذه الصلاة التي يصلي بلا زيادة عليها، أي: فليؤد ما عليه من الصلاة مثل ما يفعل كل يوم، فتتفق الألفاظ كلها على معنى واحد. انتهى، قال ابن عبد البر: قد اختلف العلماء في النفس والروح هل هما شيء واحد، أو شيئان؟ لأنه قد جاء في الحديث: إن الله قبض أرواحنا، وفي حديث سعيد قال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال جماعة من العلماء: هما شيء واحد، ومن حجتهم قوله
تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} الآية، وذكر نفر عن ابن عباس، وسعيد بن جبير في هذه الآية أنهما قالا: تقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا يتعارف ما شاء الله أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مُسمى، نفس الآية كما ترى، فقالا بقبض الأرواح، وقد جاءت بلفظ الأنفس، وقال آخرون: النفس غير الروح، واحتجوا بأن النفس مخاطبة منهية مأمورة، واستدلوا بقوله تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا} قالوا: والروح لا تخاطب، ولا تؤمر، ولم ينه في شيء من القرآن، وتأولوا قول بلال: أخذ بنفسي، أي أخذ بنفسي من النوم ما أخذ بنفسك في تفسير سنيد، عن ابن جريج في قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} قال: في جوف الإنسان روح ونفس وبينهما في الجوف مثل شعاع الشمس، فإذا توفى الله تعالى النفس كانت الروح في جوف الإِنسان، فإذا أمسك الله نفسه أخرج الروح من جوفه، وإن لم يمته أرسل نفسه إليه فرجعت إلى مكانها قبل أن يستيقظ، قال ابن جريج: وأخبرت عن ابن عباس نحو هذا الخبر، وقال وهب: إنّ أنفس الآدميين كأنفس الدواب التي تشتهي وتدعو إلى الشر، ومسكن النفس البطن، إلا أن الإنسان فُضِّل بالروح، ومسكنه الدماغ، فإذا انحدر الروح إلى النّفس، والَتقيا نامّ الإنسان، فإذا استيقظ رجع الروح إلى مكانه، ويعتبر ذلك بأنك إذا كنت نائَماً، فاستيقظت، كان كلّ شيء يبدو إلى رأسك، وعن عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك: النفس جسد مجسد كخلق الإنسان، والروح كالماء الجاري واحتج بقوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} قَال: ألا ترى أنّ النّائم قد توفى الله نفسه وروحه
صاعد ونازل وأنفاسه قيام، والنفس تسرح في كل واد، وترى ما تراه من الرؤيا، فإذا أذن الله في ردها إلى الجسد عادت واستيقظ بعودتها جميع أعضاء الجسد وحرّك السمع والبصر وغيرهما من الأعضاء، قال: والنفس غير الروح، والروح كالماء الجاري في الجنان، فإذا أراد الله إفساد ذلك البستان منع منه الماء الجاري فيه فماتت حياته، كذلك الإنسان، قال أبو عمر، والله أعلم بالصحيح، وما ذكرناه من الحجج فليس بحَجة واضحة، ولا هو مما يقطع بصحته، لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العذر، ويوجب الحجة، ولا هو مما يدرك بقياس، ولا استنباط، بل العقول تعجز عن علم ذلك، وقد تضع العرب النفس موضع الروح، والروح موضع النفس، فيقولون: خرجت نفسه وفاضت نفسه، وخرجت روحه، إما لأنهما شيء واحد، أو لأنهما شيئان متصلان لا يقوم أحدهما دون الآخر، وقد يسمون الجسد نفساً، ويسمون الدم نفساً، ويسمون الدم جسداً، قال النابغة:
وما أريق على الأنصاب من جسد
يريد من دم.
وقال ذو الرمة، فجعل الجسد نفسًا:
يا قابض الأرواح من نفس إذا احتضرت
…
وغافر الذنب زحزحني عن النار
وقال آخر:
تسيل على حدّ الظبات نفوسنا
…
وليست على غير السيوف تسيل
ويقال للنفس نسمة قال عليه السلام إنّما نسمة المؤمن طائر يعني روحه، وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده في كتاب معرفة الروح، والنفس، تأليفه: إنّ بعضهم قال: أرواح الخلق كلّها مخلوقة، وهو مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة، وقال بعضهم:
الأرواح أمر من أمره تعالى أخفى الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجوا بقوله تعالى:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وقال بعضهم الأرواح نور من نور الله تعالى، وحياة من حياته، واحتجوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم نورًا من نوره، ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت؟ فقالت طائفة: الأرواح لا تموت، ولا تبلى واحتجوا بقوله عليه السلام: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر.
وقال بعضهم: الأرواح تموت، ولا تبلى وتبلى الأبدان، واحتجوا بحديث الصور، وقالت جماعة: الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع، وقال بعضهم: الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام، واحتجوا بقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} وقالت طائفة: تعذب الأرواح والأبدان جميعًا، وكذلك تنعم، وقالت طائفة: تبعث الأرواح؟ لأنها من حكم السماء، ولا تبعث الأبدان لأنها من حكم الأرض، وهذا كلام مستحيل، وقال بعضهم: تبعث الأرواح ويخلق الله لها أجساماً من الجنة، وهو مثل الذي قبله، وقالت طائفة: للمؤمن ثلاثة أرواح، وللكافر والمنافق روح واحدة، وقال بعضهم: للصديقين خمسة أرواح، وقال بعضهم: الروح روحانية خلقت من الملكوت، فإذا صفَّت رجعت إلى الملكوت، وقال بعضهم: الروح روحان روح اللاهوتية، وروح الناسوتية، وقال بعضهم: الأرواح نورية وروحانية ملكوتية إذا كانت صافية، وقال بعضهم: الروح لاهوتية، والنفس أرضية طينية نارية، وقال بعضهم: الأرواح تتناسخ، وتنتقل من جسم إلى جسم، وهذا شر الأقاويل وأبعدها من الأثر، وقالت طائفة: وهم أهل الأثر: الروح غير النفس، وقوام النفس بالروح، ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، لأنها لا تريد إلا الدنيا، والروح عكسها، وقد جعل الهوى والشيطان تبعا للنفس،
والهوى والملك مع العقل والروح، وذكر ابن الحباب في كتاب معرفة الروح عن ابن عباس مرفوعا: واستغربه أن للبهائم، والكفار ثلاثة أرواح: روح الشهوة، وروح القوة، وروح البدن، والمؤمن يزيد عليهم بروح الإِيمان.
قال ابن المنذر: من نام عن صلاة، أو نسيها، صلاها متى استيقظ، أو ذكر، روي ذلك عن علي وروي معنى ذلك عن غير واحدة من الصحابة، وبه قال النخعي، وأبو العالية، والشعبي، والحكم، وحماد، ومالك، والأوزاعي، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور رضي الله عنهم أجمعين -.
قال القرطبي: في الحديث دليل على وجوب القضاء على النائم كثرت الصلاة، أو قلت، وهذا مذهب العلماء كافة، وقد حكي خلاف شاذ عن بعضهم فيمن زاد على خمس صلوات أنه لا يلزم قضاء، وأما من تركها عامداً، فالجمهور وجوب القضاء، وفيه خلاف عن داود وأبي عبد الرحمن الأشعري، وقال النووي: وهو قول شذ به بعض أهل الظاهر، وفي كلامه نظر؛ لأن داود فمن بعده قالوا به.
الثاني: أن أبا محمد بن حزم ذكر أنه أيضا قول عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان، وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد، وبديل العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم فأيّ شذوذ مع هؤلاء؟، وفي صحيح ابن خزيمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة تلك الصلاة التي قد نيم عنها، أو نسيها من الغد لوقتها بعد قضائها عند الاستيقاظ، أو عند ذكرها أمر فضيلة لا أمر عزيمة، وفريضة إذ النبي عليه السلام قد أعلم أنّ كفارة نسيان الصلاة، أو النوم عنها أن يصليها النائم عند
الاستيقاظ، وأمر النسيان إذا ذكرها، وأعلم أن لا كفارة لها إّلا ذلك، وأما الحديث الذي ذكره الجوزقاني من طريق أبي عاصم، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: دخل شاب من أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني أضعت صلاتي فما حيلتي؟ قال: من صلى ليلة الجمعة ثمان ركعات، قرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وخمس وعشرين مرة قل هو الله أحد، فإذا سلمت صل على النبي الأمي ألف مرة، فإن الله يجعل ذلك كفارة لصلاتك، ولو تركت صلاة مائتي سنة وغفر الله لك الذنوب كلها، الحديث بطوله فحديث باطل نص عليه في الموضوعات وهو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: لا كفارة إّلا ذلك، ولحديث جابر بن عبد الله: أن رجلًا قال يا رسول الله: إني تركت صلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقض ما تركت، فقال كيف أقضي؟ قال: صل مع كل صلاة صلاة مثلها، قال يا رسول الله قبل أم بعد؟ قال: بل قبل.
هذا حديث غريب لم نكتبه إلا بهذا الإِسناد يعني قوله: ثنا أحمد بن نصر، ثنا عبيد الله بن أبي عبد الله بن منده، أنبأ أبو الميمون محمد بن عبد الله بن أحمد بن مطرف المديني نزيل عسقلان، ثنا أبو ذهل عبد الله بن محمد الغازي بعسقلان، أبنا أبو محمد سلم بن عبد الله الزاهد بعسقلان، أنبأ القاسم بن معين، ثنا ابن المسيب، ثنا عطاء بن أبي
رباح، فذكره، وذكر الدبوسي عن محمد بن الحسن في الأصل أن النبي عليه السلام أذَّن للفجر وأقام ليلة التعريس قال: ومن روى خلافه يحمل على أنّ الراوي لم يحضر الأذان، وروى أبو يوسف بسنده أن النبي عليه السلام أذّن وأقام لقضاء ما فاته يوم، وفي حديث مالك بن الحويرث أنه قال له ولصاحب له: إذا سافرتما فأذنا وأقيما، والمسافر مستغن عن إعلام الناس ودعائهم في موضع لا قوم به، والله تعالى أعلم، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.