المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم رب يا كريم يسر، واختم بخير   ‌ ‌باب الصلاة - شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي - ت أبو العينين - جـ ٥

[علاء الدين مغلطاي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يا كريم يسر، واختم بخير

‌باب الصلاة في أعطان الإِبل

1 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، وثنا أبو بشر بكر بن خلف، ثنا يزيد بن زريع، قالا: ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدوا إلّا مرابض الغنم، وأعطان الإِبل، فصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإِبل.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح.

وخرجه ابن حبان في صحيحه، عن أبي يعلى، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا ابن زريع، وثنا إسحاق، ثنا سويد بن نصر، أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن هشام، عن ابن سيرين عنه.

زاد أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث أبي حيان، عن أبي زرعة عنه مرفوعا: الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها وصلّوا في مرابضها.

وفي كتاب البزار: أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى، فإنّها من دواب الجنة.

قال البيهقي: روي عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا، وهو أصح.

ص: 5

2 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل المزني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلّوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإِبل فإنها خلقت من الشياطين. هذا حديث إسناده صحيح متصل.

قال البيهقي: كذا رواه جماعة عن يونس بن عبيد.

وقال يزيد بن زريع، عن يونس: كذا روي، لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه النسائي، عن عمرو، عن يحيى، عن أشعث، عن الحسن مرفوعا.

وفي حديث ابن كريز، عن الحسن عند البيهقي مرفوعا: إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها، فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإِبل فاخرجوا منها، فإنها جنّ من جنّ خلقت، ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها؟.

ورواه أبو نعيم الفضل عن المبارك بن فضالة، عن الحسن مرفوعا.

وفي مسند ابن وهب بسند منقطع: نهي أن يصلى في معاطن الإِبل. زاد: وأن يصلى في مراح البقر والغنم.

.

3 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا عبد الملك بن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني قال: أخبرني أبي، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلى في أعطان الإِبل، ويصلى في مراح الغنم.

هذا حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد تقدّم في كتاب الطهارة جملة من معنى هذا الحديث، وكذا حديث أنس في بنيان المسجد، وفيه: كان يصلي في

ص: 6

مرابض الغنم في كتاب الصلاة، وحديث عقبة بن عامر يرفعه: صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل.

قال أبو القاسم: لا يروى عن عقبة إلّا بهذا الإِسناد، تفرد به ابن وهب، يعني: عن عاصم بن حكيم، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبيه عنه، وحديث ابن عمرو يرفعه: لا تصلوا في أعطان الإبل وصلوا في مراح الغنم وقال: لم يروه عن هشام بن عروة - يعني: عن أبيه - إلّا يونس بن بكير.

قال الشّافعي، رحمه الله: يجوز الصلاة في الموضع الذي يقع عليها اسم مراحها الذي لا بعر فيه ولا بول، وأكره له الصلاة في أعطان الإِبل، وإن لم يكن فيها قذر، فإن صلّى أجزأه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد لسانه على يده، ولم يفسد ذلك صلاته، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعير، وهذا وإن لم يكن صلاة في موضع الإِبل فهي صلاة بقرب الإِبل، وكانت جائزة لطهارة المكان كما كره الصلاة قرب الشيطان في موضع ومر به الشيطان في حين آخر فلم تفسد صلاته، وزعم القرطبي: أنّ الصلاة كرهت في المعاطن، وهي موضع إقامتها عند الماء واستيطانها لشدة نفورها، أو لأنهم كانوا يختلفون بينها مستترين بها أو لخوف نفارها فيذهب خشوع المصلي، وزعم ابن حزم أن الصلاة في المعاطن لا تحل، فإن كان لرأس أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنّما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، قال ابن سيده: العطن للإبل كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض، والجمع أعطان، وعطنت الإبل: تَعْطِن، وَتَعْطُن عطونا،

ص: 7

فهي عواطن وعطون، ولا يقال: إبل عُطّان، وأعطنها: حبسها عند الماء فبركت بعد الوِرْد، قال لبيد:

عافتا الماء فلم نعطنهما إنّما يعطن أصحاب العلل

والاسم: العَطِنة، وأعطن القوم: عطنت إبلهم، وقوم عطَّان، وعطون، وعَطَنَةٌ: نزلوا في أعطان الإبل، وقول أبي محمد الحَذلمي:

وعطّن الذبّان في قمقامها لم يفسره ثعلب

وقد يجوز أن يكون عطّن: اتخذ عطنا، كقولك عشّش الطائر: إذا اتّخذ عشا.

وفي الجامع: قال الخليل: العَطَن: ما حول البئر والحوض من مبارك الإبل ومناخ القوم، وقالوا: كل مبرك يكون مألفا للإبل فهو عطن، وقال بعضهم: لا تكون الأعطان إلّا على الماء. وفي غيره: المأوى والمراح.

ص: 8

‌الدعاء عند دخول المسجد

4 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم وأبو معاوية، عن ليث، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك.

هذا حديث لما رواه أبو عيسى، عن علي بن حجر، عن إسماعيل بلفظ: إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، قال: وقال ابن حجر: قال إسماعيل: فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة فسألته، عن هذا الحديث فحدثني به فقال: كان إذا دخل قال: رب افتح لي باب رحمتك، وإذا خرج قال: رب افتح لي باب فضلك قال: وحديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة ابنة الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنّما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهرًا، وذكر الإسماعيلي في كتاب مسند فاطمة رضي الله عنها أنّ سعير بن الخمس رواه عن عبد الله بن الحسن بلفظ: إذا دخل المسجد حمد الله، وسمى وقال: الحمد لله.

قال: رواه عنه أيضًا قيس بن الربيع، وعاصم بن سليمان بلفظ: إذا دخل المسجد قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رزقك.

والدراوردي فأرسله عن فاطمة بنت حسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله، والحمد لله، اللهم اغفر لي ذنوبي وسهّل لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت فقولي: بسم الله، والحمد لله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رزقك.

قال الإسماعيلي: قال شيخنا المنيعي: رواه صالح بن موسى الطلحي، عن

ص: 9

عبد الله بن حسن، عن أمّه فاطمة، عن أمها عن علي. ورواه روح بن القاسم، عن عبد الرحمن بن الحسن، عن أمه فاطمة مرسلا.

وفي كتاب العلل، عن أحمد، قال عبد الله: حدثنا أبي بحديث حسان بن إبراهيم الكرماني، عن عاصم، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت حسين بن علي، عن أمها فاطمة ..... الحديث، فقال أبي: ليس هذا من حديث عاصم، هذا من حديث ليث. وقال الدارقطني في كتاب العلل: وحدّثنا به ابن صاعد، ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا سعير بن الخمس، عن عبد الله بن الحسن فذكره.

5 -

حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وعبد الوهاب بن الضّحاك قالا: ثنا إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري، عن أبي حميد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إنِّي أسألك من فضلك.

هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف ابن عياش، وهو في صحيح مسلم، عن يحيى بن يحيى، ثنا سليمان، عن ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي حميد، أو عن أبي أسيد، إلا أنه لم يقل: فليسلم، وعن حامد بن عمر، عن بشر بن المفضل، ثنا عمارة فذكر فيه الشك والسلام.

ورواه الدراوردي عند أبي داود، عن ربيعة، عن عبد الملك قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد، ولما سئل أبو زرعة عنه قال:

ص: 10

اختلف على ربيعة؛ فروى بشر بن المفضل، عن عمارة بن غزية، عن أبي حميد، عن أبي أسيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه سليمان بن بلال، عن ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي حميد، وأبي أسيد، قال أبو زرعة: عن أبي حميد، وأبي أسيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلاهما أصح، قال ابن أبي حاتم: لم يكن أخرج أبو زرعة من خالف بشرًا، عن عمارة، وأحسب أنه لم يكن وقع عنده، أنبأنا يونس قراءة عليه، عن ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عمارة، عن ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي حميد، وأبي أسيد، كما رواه سليمان فدلّ أنّ الخطأ من بشر بن المفضل، والله أعلم.

ويشبه أن يكون الملجئ لابن ماجه أن يرويه عن إسماعيل سلامة روايته من الشك، والله أعلم.

6 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم.

هذا حديث خرجه الحافظان ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

زاد البزار في آخره: وليقل: اللهم اعصمني من السوء.

ولفظ الحاكم: اللهم أجرني من الشيطان وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليتعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم.

ص: 11

رواه أبو داود بسند صحيح، عن إسماعيل بن بشر، ثنا ابن مهدي، عن ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم عنه.

وفي كتاب الفضل بن دكين: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن ذي حدان قال: قلت لعلقمة: ما يقول الرجل إذا دخل المسجد؟ قال: يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله وملائكته على محمد.

ص: 12

‌باب المشي إلى الصلاة

7 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه.

هذا حديث رواه مسلم في صحيحه بلفظ: من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله عز وجل كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة.

وعند الشيخين عنه مرفوعا: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلًا كلما غدا أو راح.

وفي لفظ: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقة خمسا وعشرين درجة، وذلك أنّ أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة.

وفي آخره: والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه.

وعند النسائي بسند جيد من حديث محصن بن علي الفهري، عن عوف بن الحارث عنه: ثم خرج عامدا إلى المسجد، فوجد النّاس قد صلوا كتب الله له مثل أجر من قد حضرها، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.

وفي كتاب الأحكام للحافظ أبي علي الطوسي، وحسنه: من حين يخرج أحدكم

ص: 13

من بيته إلى مسجده، فرجل تكتب درجة وأخرى تمحو سيئة.

ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث أبي معشر، عن سهيل، عن أبي هريرة - يعني: هذا الحديث - فقال: هذا خطأ، ليس هو عن سهيل.

وفي كتاب الثواب لآدم: حتى يدخل المسجد.

وفي لفظ: فرجل تكتب حسناته ورجل تمحو سيئاته.

وفي كتاب ابن زنجويه: من حديث الحارث بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا: ما من أحد يغدو أو يروح إلى المسجد ويؤثره على ما سواه إلّا وله عند الله نزل يعده له في الجنة كلما غدا أو راح، كما لو أنّ أحدكم زاره من يحب زيارته إلّا اجتهد له في كرامته، ومن حديث سهيل، عن أبيه عنه: إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم، فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة ينظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، أو نحو هذا، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب. ومن حديث العلاء، عن أبيه: ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد.

8 -

حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان، ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا

ص: 14

أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم. وفي لفظ عندهما: وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا.

وفي لفظ لمسلم: صل ما أدركت واقض ما سبقك.

ورواه أحمد، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة بلفظ: وما فاتكم فاقضوا.

ورواه مسلم، عن ابن أبي شيبة، والناقد، وزهير، عن ابن عيينة مدرجا فيما قبله على لفظ يونس بن يزيد، عن الزهري، ولم يذكر لفظة: واقضوا.

ورواه أبو داود من طريق سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة: فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم قال أبو داود: كذا قال ابن سيرين، عن أبي هريرة: وليقض وكذا قال أبو رافع عنه، وأبو ذر روى عنه: فأتمُّوا واقضوا اختلف عنه.

قال الدارقطني: وهم محمد بن مصعب فيه، فرواه عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أنس.

ورواه أبو ثور، عن زكريا بن عدي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، ولم يتابع عليه.

ورواه خلاد بن يحيى، عن سفيان، عن الأعمش، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:

ص: 15

وذكر الأعمش فيه وهم، ويشبه أن يكون سعد بن إبراهيم حفظه، عن أبي سلمة وعن عمر ابنه.

ولفظ شعبة عند البيهقي، عن سعد، عن أبي سلمة: واقضوا ما سبقكم قال: ورواية ابنه عنه مع متابعة الزهري إياه أصح. وكذلك رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة.

وقال ابن الجوزي: أكثر طرقه: فأتموا، كذا رواه الزبيري، وإبراهيم، وابن أبي ذئب، ومعمر، عن الزهري، وأما شعيب عنه ففي رواية كما سبق.

وفي أخرى: فاقضوا.

وكذلك رواه ابن سيرين، وأبو رافع، عن أبي هريرة.

وقال ابن عيينة، عن الزهري: فاقضوا وقال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة، وجعفر بن ربيعة، عن الأعرج: فأتموا وابن مسعود، وأبو قتادة، وأنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قال: فأتموا.

وفي كتاب التمييز لمسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، وكذا ذكره عنه البيهقي، وفيه نظر؛ من حيث إن مسلما خرج في صحيحه: واقض ما سبقك وقد وجدنا لابن عيينة، عن الزهري متابعا على هذه اللفظة أيضا، وهو ما رواه أبو نعيم، عن عبد الله بن جعفر، ثنا يونس، ثنا أبو داود، ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري ولفظه: فاقضوا.

وفي مسند أبي قرة ذكر ابن جريج: أخبرت عن الزهري، عن أبي سلمة عنه بلفظ: وما فاتكم فاقضوا قال: وذكر سفيان عن سعد بن إبراهيم، حدثني عمر بن أبي سلمة، عن أبي سلمة عنه، ولفظه: وليقض ما سبقه.

ورواه ابن عيينة عند الدارمي وغيره: فأتموا فخرج بهذا من أن يغلط.

9 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زهير بن محمد عن

ص: 16

عبد الله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أدلكم على ما يكفِّر الله به الخطايا، ويزيد في الحسنات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

هذا حديث في إسناده ضعف؛ للاختلاف في حال ابن عقيل.

ولفظ ابن عدي في كامله: وخرجه من حديث محمد بن مصعب القرقساني عن أبي الأشهب عن أبي الصديق عنه: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام وقال محمد: هذا ضعيف، وذكره أيضا في ترجمة عبد الحكم بن عبد الله القسملي، عن الناجي، وزعم أن عبد الحكم منكر الحديث.

ولفظ أبي يعلى عنه: بالنُّور التام يوم القيامة.

10 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: من سره أن يلقى الله عز وجل مسلما فليحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهنّ من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، ولعمري لو أنّ ذلكم صلّى في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلّا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يدخل في الصف، وما من رجل يتطهَّر فيحسن الطهور فيعمد إلى المسجد فيصلي فيه فما يخطو خطوة إلّا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة.

ص: 17

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف راويه أبي إسحاق إبراهيم بن مسلم العبدي الكوفي، ثم الهجري نسبة إلى هجر، ومعنى الهجرية: القرية، والقصور الملتفة، وهي قرية مأرب القديمة. كذا ذكره ابن أبي الدمية. وقال اليعقوبي: هي مدينة البحرين، وقال القالي: قال بعضهم: الهاجري نسبة إلى هجر بالألف واللام، قال الرشاطي: وليس هذا القول بمرضي، قال البكري: سميت بهجر بنت مكنف من العماليق.

وقال الزجاجي في مختصر الكت اب الزاهر: وكانت بيتها.

وفي كتاب البلدان للكلبي: كانت هجر من العرب المتعربة، وهي زوج محكم بن عبد الله صاحب النهر الذي بالبحرين الذي يقال له: نهر محكم.

وقال الحازمي: هي قصبة بلاد البحرين بينها وبين سيرين سبعة أيام.

وقال ياقوت: هجر اسم يشمل جميع نواحي البحرين كما يقال: الشّام والعراق، وهي أيضا قرية كانت قرب المدينة، وهي أيضا قرية باليمن بينها وبين عثر يوم وليلة.

وفي كتاب البلدان للزمخشري: هجر من البحرين بغير ألف وتصرف ولا تصرف، والهجر أيضا: موضع بالألف واللام.

وفي كتاب ابن سيده: هجر مدينة تصرف ولا تصرف، قال سيبويه: سمعنا من العرب من يقول: كجالب التمر إلى هجر يا فتى، والنسب إليه هجري على القياس، وهاجري على غير قياس، قال:

وربت غارة أوضعت فيها كسح الهاجري جريم تمر

وفي الصحاح: هجر اسم بلد مذكر مصروف، والنسبة إليه هاجري على غير قياس، وفيه قيل للبناء: هاجري. وقال القزاز: هو معرفة لا يدخله الألف واللام،

ص: 18

وإياه أراد الشاعر:

مثل القنافذ هداجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر

فإنّه وإن كان الحاكم قد قال: لم ينقم عليه بحجة، وليس بالمتروك إلا أن الشيخين لم يحتجا به.

وقال الأزدي: كان صدوقا، ولكنه رفاع كثير الوهم.

وقال ابن عدي: وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، هو عندي ممن يكتب حديثه، وخرج الحافظ أبو بكر بن خزيمة حديثا له في صحيحه، فقد قال فيه النسائي: ضعيف.

وقال يحيى بن معين: ضعيف، ليس بشيء.

وفي كتاب ابن أبي خيثمة: ليس حديثه بشيء.

وقال ابن المديني، عن أبيه: قال سفيان: كان الهجري يحفظ حديثين على ما هو فيه، قال: وسمعت أبي يقول: لا أُحدث عن الهجري بشيء كان رفاعا وضعفه.

وقال مرة، عن ابن عيينة: كان الهجري يسوق الحديث سياقة جيدة على ما فيه.

وقال الرمادي عنه أي: سفيان ابن عيينة: رأيته، وقد أقاموه في الشّمس يستخرج منه شيء وكان يلعب بالشطرنج.

وقال المسندي عنه أي: سفيان ابن عيينة: كان إبراهيم ضعيفا، وقال عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عنه أي: سفيان ابن عيينة: أتيته فدفع إلي عامة كتبه فرحمت الشيخ فأصلحت له كتابه، قلت: هذا عن عبد الله، وهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عن عمرو.

وقال أبو حاتم الرازي: لين الحديث ليس بقوي.

وقال أبو بكر الرازي: رفع أحاديث أوقفها غيره.

وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.

وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى يحدث عن سفيان عن الهجري، وكان عبد الرحمن يحدث عن سفيان عنه.

وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث.

وقال الحربي في علله: فيه ضعف، وأستغفر الله تعالى من ذلك.

وقال علي بن الجنيد: متروك، وذكره أبو عبد الله الجعفي في كتاب الضعفاء تأليفه.

وكذلك العقيلي، وسئل عنه أحمد: يحدث عنه؟ قال: قد روى عنه شعبة.

وقال البرقي في كتاب الطبقات: كان ضعيفا، ولما ذكره أبو العربي في كتاب الضعفاء قال: قال

ص: 19

أبو الحسن: هو كوفي يكتب حديثه وفيه ضعف.

وفي موضع آخر: هو ضعيف، وقال أبو داود: قال يحيى بن سعيد: كان الهجري يسوق الحديث سياقة جيّدة، وذكره يعقوب في جملة من يرغب عن الرواية عنهم، وردّ به البيهقي وأبو عمر، وابن حزم، والحافظ ضياء الدين المقدسي، وابن طاهر في التذكرة، وأبو الفرج في التحقيق، وأبو محمد الإشبيلي، وأبو الحسن بن القطان غير حديث، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة من مضعف، رواها مسلم في صحيحه، عن أبي بكر، حدّثنا محمد بن بشر، ثنا زكرياء بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص، وعن أبي بكر، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو العميس، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص بزيادة: ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنة نبيكم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمنا سنن الهدى، وإنّ من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذِّن فيه.

وعند أبي داود: ما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته وفيه: ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم.

وفي كتاب النسائي: وإني لا أحسب منكم أحدا إلّا له مسجد يصلي فيه في بيته وفيه: ولقد رأيتنا نقارب بين الخطا وفيه: ويرفع له بها درجة من غير شك والله تعالى أعلم.

11 -

حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري، ثنا الفضل بن الموفق أبو الجهم، ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء، ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه،

ص: 20

واستغفر له سبعون ألف ملك.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف راويه أبي الحسن عطية بن سعد بن جنادة الجدلي القيسي الكوفي العوفي، وإن كان الترمذي حسّن له أحاديث. وقال ابن معين في رواية عنه: صالح، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، فقد قال فيه الإمام أحمد: ضعيف الحديث، بلغني أَنه كان يأتي الكلبي ويسأله التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يتكلم فيه، وقال أبو زرعة: ليّن.

وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعد من شيعة أهل الكوفة.

وقال السعدي: كان مائلا، وضعّفه الثوري.

وقال الكوفي: تابعي وليس بالقوي، ولما ذكره الأصمعي في حكاياته المجموعة عنه قال: هو من عدوان بن عمرو بن قيس غيلان بن مضر كان يتشيع، ومات زمن الحجاج، وخالف ذلك المستملي؛ فذكر أنه توفي سنة إحدى عشرة ومائة.

وقال النسائي: هو ضعيف.

وقال ابن حبان: سمع من الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفظ ذلك ورواه عنه، وكنّاه أبا سعيد، فيظن أنه أراد الخدري وإنما أراد الكلبي لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.

وقال يحيى بن سعيد: هو وأبو هارون، وبشر بن حرب عندي سواء، وقال أبو خالد الأحمر: قال لي الكلبي: قال لي عطية: كنيتك أبا سعيد فأنا أقول: ثنا أبو سعيد.

وقال البزار: كان يغلو في التشيع، روى عنه جلّة الناس نحو من أربعين رجلا منهم نحو ثلاثين جليل.

وقال الحربي: غيره أوثق منه.

وقال الساجي: ليس حديثه بحجة، كان يقدم عليا على الكل.

وقال العقيلي: كان ضعيفَا.

وقال ابن معين: هو ضعيف، وأما الفضل بن الموفق فهو، وإن كان الرازي قال فيه: كان شيخًا صالحا ضعيف الحديث، فقد وثقه البستي.

ورواه أبو نعيم الفضل في كتاب الصلاة، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: حدثني أبو سعيد

ص: 21

الخدري فذكره موقوفًا، وذكره أبو الفرج في علله من حديث عبد الحكم السدوسي، عن أبي الصديق عنه، وضعفه بالسدوسي.

12 -

حدثنا راشد بن سعيد بن راشد الرملي، ثنا الوليد بن مسلم، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المشاؤون إلى المساجد في الظلم أولئك الخواضون في رحمة الله تعالى.

هذا حديث ضعيف الإسناد، لضعف أبي رافع الأنصاري القاص المزني البصري، فإنه وإن قال فيه البخاري: ثقة مقارب الحديث.

وقال عبد الله بن المبارك فيما حكاه عنه سفيان بن عبد الملك: ليس به بأس، ولكنه وإبراهيم بن عيينة يحمل، عن هذا، وعن هذا ويقول: بلغني، ونحو ذلك، وصحح الحاكم حديثه.

وقال الساجي: صدوق لين في الحديث، يهم، فقد قال أبو طالب: سألت الإمام أحمد عنه، فقال: ضعيف الحديث.

وفي رواية حنبل عنه هو: الإمام أحمد بن حنبل: منكر الحديث في حديثه ضعف، لم أسمع يحيى ولا عبد للرحمن حدثا عنه بشيء قط، وقال الترمذي: ضعفه بعض أهل العلم. وقال الفلاس: منكر الحديث. وفي موضع آخر: في حديثه ضعف.

وقال النسائي: متروك الحديث. وفي موضع آخر: ضعيف. وفي آخر: ليس بثقة. وفي آخر: ليس بشيء،

وقال ابن خراش والدارقطني: متروك.

وقال يحيى بن معين في رواية عباس: ليس بشيء.

وفي رواية ابن الجنيد، ومعاوية بن صالح، وإسحاق بن منصور: ضعيف.

وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء، وذكره الفسوي في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم: إسماعيل بن رافع، وابن أبي الأخضر، وطلحة بن عمر، وليسوا بمتروكين، ولا يقوم حديثهم مقام الحجة.

وقال ابن سعد: مات بالمدينة قديما، وكان كثير الحديث ضعيفا، وهو الذي روى حديث الصور.

وقال علي بن الجنيد: متروك الحديث.

وقال العقيلي: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازي: هو منكر الحديث. وفي موضع آخر: ضعيف. وقال أبو عمر في

ص: 22

كتاب الاستغناء: هو ضعيف عندهم جدا، منكر الحديث ليس بشيء، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء ذكر أن أبا الحسن قال فيه: ضعيف الحديث.

وقال الحربي: غيره أوثق منه.

وقال الآجري: سألت أبا داود عنه، فقال: ليس بشيء، قال أبو داود: سمع من الزهري فذهبت كتبه، فكان إذا روى كتابا قال: هذا قد سمعته.

وقال أبو محمد بن حزم: لا يحتج به.

وقال أبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى: ليس بالقوي عندهم.

وقال محمد بن أحمد بن محمد المقدمي فيما حكاه ابن عساكر: أبو رافع ليس بالقوي.

وقال أبو بكر الخطيب: كان ضعيفا.

وقال البزار: لم يكن بثقة ولا حجة.

وقال ابن القطان: تركه جماعة من أهل العلم.

13 -

حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي، ثنا يحيى بن الحارث الشيرازي، ثنا زهير بن محمد التميمي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبشّر المشاؤون في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة.

هذا حديث إسناده صحيح.

وخرجه الحاكم في مستدركه ولم يحكم عليه بشيء ولا التفات إلى قول ابن الجوزي إذ رده بزهير المخرَج حديثه عند الشيخين، وأما إبراهيم فوثقه ابن حبان ويحيى، قال الحاكم: كان ثقة، وكان عبد الله بن داود يثني عليه، والباقون فلا تسأل عنهم.

14 -

حدثنا مجزأة بن سفيان بن أسيد مولى ثابت البناني، ثنا سليمان بن داود الصائغ، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشر المشائين في الظلم بالنور التام يو القيامة.

هذا حديث لا بأس بسنده، وذكره ابن الجوزي في علله من حديث مجزأة بن

ص: 23

سفيان، وسليمان بن داود الصائغ قال: وهما مجهولان، وذكره آدم، عن روح، عن أبان بن أبي عياش عنه بلفظ: من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات.

وفي الباب أحاديث منها حديث بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة. رواه الترمذي وقال: حديث غريب من هذا الوجه، مرفوع صحيح، وموقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان الضبي الكحال، عن عبد الله بن أوس، وكذا قاله الطبراني.

وقال ابن الجوزي: فيه مجاهيل.

، وصححه الإشبيلي بسكوته عنه، واعترض عليه ابن القطان بأن في سنده عبد الله بن أوس، وهو مجهول، لا يعرف روى عنه غير الكحال، ولا يعرف له رواية عن غير بريدة لهذا الحديث خاصة، وحديث عمر بن الخطاب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقصروا خطاكم، واقصروا من أقدامكم، فوالذي نفسي بيده لا يتوضأ عبد فيحسن الوضوء، ثم خرج يريد ما نعت الله تعالى في كتابه إلا كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحى عنه بكل خطوة سيئة، ورفع له بكل خطوة درجة ذكره آدم بن أبي إياس العسقلاني في كتاب الثواب من تأليفه، عن بكير بن عبد الله، عن مكحول عنه، وحديث أنس بن مالك مرفوعا: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم

ص: 24

القيامة.

قال الطبراني في الأوسط: لم يروه، عن ثابت البناني إلا داود بن سليمان تفرد به ابنه سليمان مؤذن مسجد ثابت، وحديث حطيم الحداني قال عليه السلام: بشر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ذكره أبو موسى من حديث خالد بن يزيد الهدادي، ثنا أشعث الحداني عنه، وقال: ذكره ابن أبي علي في الحاء، وأورده غيره في الخاء المعجمة.

وحديث أبي أمامة يرفعه: ليبشر المدلجون في الظلم إلى المساجد بمنابر من نور يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: إنما هو سلمة القيسي عمن حدثه، عن أبي أمامة، وبعضهم يقول: عن رجال من أهل بيته، عن أبي أمامة.

ورواه ابن زنجويه من حديث مسلم البجلي قال: قلت يا أبا أمامة: لقيت رجلًا فحدثني عنك أنك حدثته أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يمشي إلى صلاة جماعة إلا غفر الله له ذلك اليوم، ما مشت رجلاه وقبضت عليه يداه، واستمعت إليه أذناه، ونظرت إليه عيناه، ونطق به لسانه، وحدثته به نفسه من السوء، أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه رواه ابن زنجويه، عن أبي نعيم، ثنا أبان بن عبد الله عنه، وعن أبي داود من حديث الهيثم بن حميد، عن يحيى بن الحارث الذماري، عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا: من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم وحديث علي يرفعه: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا.

خرجه ابن زنجويه من حديث الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي العباس، عن

ص: 25

ابن المسيب عنه.

وحديث سليمان بن أحمد الواسطي، عن الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه يرفعه: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد.

الحديث، قال ابن عدي: لم أسمع أحدا يذكره غير سليمان غير عبدان.

وقال البخاري: في سليمان نظر، وحديث سليمان يرفعه: من غدا إلى صلاة الصبح أعطي ربع الإِيمان سأل عبد الله أباه عنه فقال: هذا حديث منكر.

وقال الدارقطني: رواه عبيس، وهو متروك ذاهب الحديث، وحديث عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام، إلا غفر له ذنبه.

رواه ابن زنجويه من حديث ابن لهيعة، عن ابن أبي حبيب، عن نافع بن جبير بن مطعم، وعبد الله بن أبي سلمة، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن حمران عنه، وحديث عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه أو كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلِّين من حين يخرج من بيته حتى يرجع.

قال الحاكم عند تخريجه: صحيح على شرط مسلم. وخرجه الخلال في علله من حديث

ص: 26

ابن لهيعة، عن أبي قبيل عنه يرفعه: هلاك أمتي في اللبن، قيل: يا رسول الله، وما اللبن؟ قال تحبون اللبن، وتدعون الجماعات والجمع، وتبدون. قال أبو قبيل: لم أسمع من عقبة إلا هذا الحديث، قال أبو عبد الرحمن: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بمثله، وحديث معاذ مرفوعا: ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامنا على الله عز وجل قال الحاكم بعد تخريجه: هذا حديث رواته مصريون ثقات، ولم يخرجاه، وحديث عائشة مرفوعا: بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام رواه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن عطاء، عن عائشة إلا الحسن بن علي الشروي، تفرد به قتادة بن الفضيل بن قتادة، وحديث سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار قال: سمعت رسول الله يقول: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد يصلي في جماعة المسلمين لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يضع رجله الشمال إلا حط الله عنه بها خطيئة فليقرب أو ليبعد، وإذا صلى بصلاة الإمام انصرف وقد غفر له، قال: فإن هو أدرك بعضًا وفاته بعض كان كذلك، وإن أدرَك الصلاة، وقد صليت فأتمّ صلاته ركوعها وسجودها كان كذلك.

رواه ابن زنجويه، وخرجه أبو داود من حديث معبد بن هرمز، وهو مجهول الحال لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء فيما رأيت. انتهى.

ص: 27

رويناه في كتاب الثواب لآدم موصولًا من حديثه، عن روح، ثنا أبان بن أبي عياش عنه. ولفظه: من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات وحديث عمر بن الخطاب قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بشِّر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة. ذكره عبدان من حديث علي بن ثابت، عن الوازع بن نافع وهما ضعيفان، وحديث أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد أتاه الله نورًا يوم القيامة. ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور من حديث زيد بن أبي أنيسة، وهو ضعيف، قال أبو القاسم في الأوسط: تفرد به زيد. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره هو بعد.

حدّثنا أبو زرعة؛ ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن جنادة بن أبي خالد، عن مكحول، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء قال عليه السلام: من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد أتاه الله تعالى نورًا يوم القيامة.

ومن حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يكن المسجد بيته ضمن الله له الروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة وقال: لم يروه، عن إسماعيل إلا عمرو بن جرير.

ورواه أبو نعيم في كتاب المساجد من حديث إسرائيل، عن عبد الله بن المختار، عن ابن واسع، عن ابن أبي الدرداء عنه، قال: واسم ابنه بلال، قال: وروى قتادة وإسماعيل، عن رجل، عن أبي الدرداء.

وفي كتاب الثواب لآدم، ثنا أبو بكر، عن أبي حفص، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد عنه موقوفا: من لم يعد الغدو والرواح إلى المساجد في سبيل الله فقد قبل عمله.

وفي العلل المتناهية: المساجد بيوت الله في الأرض.

الحديث.

ص: 28

وقال: المحفوظ مرسل، وحديث أبي أمامة الباهلي يرفعه: من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين.

قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه الهيثم بن حميد، عن يحيى بن الحارث عن القاسم عنه: لم يروه عن يحيى بهذا التمام إلا الهيثم.

وذكره ابن زنجويه في كتابه موقوفا بلفظ: أقسمت لكم بالله إنّ من خير أعمالكم الغدو والرواح إلى المساجد.

وحديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقارب بين الخطا إلى المساجد وقال: إنما فعلته لتكثر خطاي.

قال الرازي في علله: رواه جماعة، عن ثابت، عن أنس، عن زيد فلم يوصله أحد إلا الضحاك بن نبراس، وهو لين الحديث، وتابعه محمد بن ثابت العبدي وليس بقوي، والصحيح موقوف. انتهى.

ورويناه في كتاب الثواب لآدم موصولا من حديثه، عن روح، ثنا أبان بن أبي عياش عنه، ولفظه: من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات.

قال أبو عيسى: اختلف الناس في المشي إلى المسجد، فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلىَ الصلاة، ومنهم من كره الإسراع، وبه قال أحمد وإسحاق.

قال إسحاق: إن خاف فوت التكبيرة الأولىَ فلا بأس أن يسرع في المشي.

ص: 29

‌باب الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا

15 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن بن مهران، عن عبد الرحمن بن سعد، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا.

هذا حديث خرجه أبو عبد الله من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب ثم قال: صحيح، رواته مدنيون، ويحيى هو الإمام في انتقاد الرجال، ولم يخرجاه إذ لم يرياه بغير هذا الإسناد. ورواه أحمد في مسنده، وشرطه معروف. وفي البخاري تعليقاً. وقال أبو هريرة: إن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قيل: يا أبا هريرة، لِمَ؟ قال: لأجل كثرة الخطا.

16 -

حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا عباد بن عباد المهلبي، ثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي بن كعب قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة وكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوجعت له، فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حماراً يقيك الرمضاء، ويرفعك من الوقع، ويقيك هوام الأرض، فقال: والله ما أحب أن بيتي بطُنُب بيت محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فحملت به حملًا حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فدعاه فسأله، فذكر له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو في أثره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لك ما احتسبت.

هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد

ص: 30

ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال عليه السلام: قد جمع الله لك ذلك كله. ولفظ أبي داود والدارمي: أنطاك الله ما احتسبت كله أجمع.

17 -

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا خالد بن الحارث، ثنا حميد، عن أنس بن مالك قال: أرادت بنو سلمة أن تتحول من ديارهم إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْروا المدينة فقال: يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه. ولفظه عند الرازي: يعروا المسجد وضعفه، وقال: الصواب المدينة.

18 -

حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يقتربوا، فنزلت:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قال: فثبتوا.

هذا حديث مسند في الاصطلاح الحديثي، وسنده صحيح. زاد عبد بن حميد في تفسيره: فقالوا: بل نثبت مكاننا وقد رواه أيضًا أبو سعيد الخدري بلفظ: شكت بنو سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى:

ص: 31

{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: منازلكم فإنّها تكتب آثاركم أخبرنا به المسند الفقيه فتح الدين الجودري رحمه الله عن أبي الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن رحمه الله عن أبي الفضل الميهني، عن أبي الحسن علي بن أحمد المفسر أنبأنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري أنبأنا جدي أنبأنا عبد الله بن محمد بن الشرقي، ثنا عبد الرحمن بن بشر، ثنا عبد الرزاق أنبأنا الثوري، عن طريف بن شهاب، عن أبي نضرة عنه.

وقال أبو عيسى: ورواه، عن محمد بن وزير عن إسحاق الأزرق، عن الثوري: هذا حديث حسن غريب.

ورواه الكشي في تفسيره فقال: عاينت فيه ضعف طريف وأنه لم يضبط: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن طريف، عن أبيِ نضرة، عن أبي سعيد:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قال: الخطا وآثارهم. فلو كان أبو سعيد رواه، عن النبي لما وسعه خلافه، والله أعلم.

ولفظ البزار: فقال لهم النبي: أحسبه قال: منازلكم منها تكتب آثاركم. رواه عن ابن وزير كالترمذي.

وفي البخاري، عن أبي موسى قال عليه السلام: أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم ممشى.

وفي الأوسط، عن ابن عمر: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجد قد عُطِّلت فقال: من عمر ميسرة المسجد كان له كفلان من الأجر وقال: لم يروه، عن نافع إلا ليث بن أبي سليم، ولا عن ليث إلا عبيد الله بن عمرو. وتفرد به عمرو بن عثمان.

وفي كتاب الثواب لآدم، عن الحسن قال: أرادت بنو سلمة أن ينقلهم النبي. الحديث مرسل، رواه عن المبارك بن فضالة عنه، وثنا المسعودي، عن عون بن

ص: 32

عبد الله، قال عليه السلام: قد كنت هممت أن أحول رجالا ممن يلي المسجد ممن لا يشهد الصلاة، ثم نظرت في ذلك إلى ديار قوم أبعد منهم ممن لا يشهد الصلاة، فرأيت الأبعد فالأبعد أعظمهم أجرا فتركتهم.

وفي صحيح مسلم عن جابر قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم.

وفي لفظ: قال جابر: كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنّ لكم بكل خطوة درجة.

غريبه: الوقع، قال الهروي: هو أن يصيب الحجارة القدم فيوهنها، يقال: وقعت أوقع وقعًا. وفي المثل: كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع. وفي المحكم: وقع الرجل والفرس وقعًا فهو وقع: حفي من الحجارة أو الشوك، وقد وقعه الحجر، وحافر وقيع: وقعته الحجارة، فغضت منه، وقدم موقوعة: غليظة شديدة، وطريق موقع: مذلل، ورجل موقع: قد أصابته البلايا. وفي الصحاح: الوقع بالتسكين: المكان المرتفع من الجبل.

عن أبي عمرو: والوقع بالتحريك: الحجارة واحدتها: وقعة، والوقع أيضا: الحصى. وفي الجامع: حفي من مشيه على الحجارة، وقيل: هو أن يشتكي لحم رجليه من الحفاء.

والطنب: حبل الخباء، والجمع: أطناب يقال: خباء مطنب، ورواق مطنب أي مشدود بالأطناب، قال أبو نصر: وفي المحكم: هو حبل طويل يشد به البيت والسرادق بين الأرض والطرائق، وقيل: هو الوتد، والجمع: طنبة، قال القزاز: يري ما أحب أن يكون بيتي مشدودا قريبا من بيته، قال: والطنب: طنب الخباء

ص: 33

وغيره: وهو الحبل يُشدّ إلى وتد.

وسلمة: واحدة السلم، وهي شجر العضاه، قال أبو حنيفة: هو سلب العيدان طولا، يشبه القضبان، ليس له خشب وإن عظم، وله شوك دُقاق طوال حاد إذا أصاب رجل الإِنسان، وله برمة أي: زهرة صفراء، وكلّ شيء منها مر، وورقتها مرّة يدبغ بها.

وفي السلم ضرب هذا المثل: لأعصبنكم عصب السلمة وليس في العضاه أصلب عيدانا منها، ومنه يقتطعون العصي، والغُبُط، والأوتاد، والمبارم، وهو مغزل ضخم.

وقال غير أبي زياد: السلمة: أطيب العضاه ريحا.

وقال أعرابي: ليس شجرة أردى من سلمة، قال: ولم يوجد في ذرى سلمة صرد قط، ويجمع أيضًا أسلاما، قال رؤبة:

كأنما حين أطلقا من ذات أسلام عصيا شققا

وقال بعض الرواة: أرض مسلوماء: إذا كانت كثيرة السلم.

وفي كتاب اقتباس الأنوار: سلمة من السلام وهي الحجارة.

وفي كتاب الصحاح: وسلمة بكسر اللام: اسم رجل، وبنو سلمة: بطن من الأنصار، وليس في العرب سلمة غيرهم. انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لما ذكره ابن حبيب في كتابه: المؤتلف والمختلف والوزير أبو القاسم المغربي، وابن ماكولا: سلمة في الأنصار، وسلمة بن عمرو بن ذهل بن مران بن جعفي، وسلمة بن نصر بن غطفان بن قيس من جهينة، كل سلماتهم بالكسر.

وفي كتاب النوادر لأبي علي هارون بن زكريا الهجري من فصائل عمير بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم: سلمة بجر اللام، مثل الذي في الأنصار، ولا

ص: 34

يزيدون على أربعة وعشرين رجلا، وسلمة بجيلة من كهلان.

ذكره أبو عبد الله الأزدي في كتاب الترقيص، عن الكلبي بكسر اللام، وسلمة في كندة وهو ابن الحارث، قال الأزدي: ذكر الباهلي أنّه سمع أبا عبيدة يقول في هذا: سلمة بكسر اللام.

قال القرطبي: وهذه الأحاديث تدل على أن البعد من المسجد أفضل، فلو كان بجوار المسجد هل له أن يجاوزه للأبعد؟ اختلف فيه، فذكر عن الحسن أنه كرهه، قال: وهو مذهبنا. وفي تخطي مسجده إلى المسجد الأعظم قولان.

وقال أبو عبد الله ابن لبابة: لا يدع مسجده، وإنّما فضل الجامع في صلاة الجمعة فقط، وذكر عن ابن وهب أنه يمضي إلى الجامع وإن بعد موضعه.

وروي عن أنس أنه كان يتجاوز المساجد المحدثة إلى القديمة، وفعله مجاهد، وأبو وائل، ويرد هذا ما ذكره أبو القاسم من حديث عبادة بن زياد الأسدي، ثنا زهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال عليه السلام: ليصل أحدكم في مسجده ولا يتتبع المساجد.

وقال: لم يروه عن زهير إلا عبادة، وذكره أبو أحمد من حديث مجاشع بن عمرو، عن عبيد الله، وقال: كذا رواه كثير بن عبيد، وابن مصفى، عن بقية، عن مجاشع، عن عبيد الله، وغيرهما جعل بين مجاشع وعبيد الله منصور بن أبيِ الأسود، ومجاشع صالح الحديث.

ص: 35

‌باب فضل الصلاة في جماعة

19 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة.

20 -

ومن حديث ابن المسيب عنه أخرجه أيضا: فضل الصلاة على صلاة أحدكم وحده خمسا وعشرين جزءًا.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى إذ رواه عن مسدّد، عن أبي معاوية: حسن صحيح.

ولفظ الشيخين: صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلّا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.

وفي لفظ للسراج: بخمس وعشرين درجة. وفي لفظ: تعدل خمسة وعشرين صلاة من صلاة الفذ.

وفي لفظ: تزيد على صلاة الفذ خمسًا وعشرين درجة.

وفي لفظ: بضعة وعشرين جزءا.

وفي لفظ: خير من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة.

وفي لفظ: صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين يصليها وحده. وفي كتاب ابن حزم: روى ابن عمر وأبو هريرة كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة وهما صحيحان.

ص: 36

قال الدارقطني: ورواه يزيد بن زريع وعبد الأعلى وأشعث ويزيد بن هارون، عن داود، عن سعيد موقوفا.

وقال الربيع عن حماد، عن داود، عن سعيد، والشعبي، ويحيى بن أبي زائدة، وشعبة، وداود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا. وكذا قاله خالد الواسطي. ورواه بشر بن المفضل، عن داود، عن الشعبي، عن أبي هريرة موقوفا.

وقال حماد بن زيد: عن داود، عن سعيد والشعبي موقوفا.

وقال أبو الربيع: عن حماد بن زيد، عن سعيد، والشعبي أو أحدهما موقوفا، وقال سليمان بن حرب: عن حماد، عن داود، عن سعيد موقوفا، وروى ابن سلمة من رواية التبوذكي مثل قول سليمان بن حرب.

وقال حجاج بن منهال: عن حماد، عن داود، عن سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

والصحيح قول يزيد بن زريع، ومن تابعه.

وفي كتاب الكشي: ثنا حجاج، ثنا حماد، عن محمد، عن أبي سلمة عنه بلفظ: صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ. ولفظ أبي قرة في سننه: صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده.

21 -

حدثنا أبو كريب، ثنا أبو معاوية، عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته خمسَا وعشرين درجة.

هذا حديث خرجه البخاري من حديث يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب عنه بلفظ: صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة.

وخرجه الحافظ أبو حاتم في صحيحه، عن أبي يعلى: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، ثنا هلال بلفظ: تزيد على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة، فإن صلَّاها

ص: 37

بأرض قي فأتمَّ وضوءها وركوعها وسجودها تكتب صلاته بخمسين درجة.

ولفظ أبي داود: الصلاة في جماعة تعدل خمسَا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها، وسجودها بلغت خمسين صلاة وقال: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة

الحديث. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث إن حديث عبد الواحد لم أر أحدا ذكره في طرق حديث أبي سعيد فيما علمت، إنما رأيته مذكورا عند البخاري: ثنا موسى، ثنا عبد الواحد ثنا الأعمش سمعت أبا صالح، سمعت أبا هريرة يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تضعف

الحديث.

ورواه البزار، عن أبي كريب وعمرو بن علي ثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، وقال: لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إّلا بهذا الإسناد، وهلال بن ميمون فلسطيني، روى عنه مروان، وأبو معاوية، وفيه نظر لمَا قدّمناه قبل من عند البخاري.

وخرجه الحاكم عن أبي بكر الفقيه، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو معاوية بلفظ أبي داود، وقال: صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال بن أبي هلال، ويقال: ابن أبي ميمونة، ويقال: ابن أسامة وكلّه واحد. انتهى كلامه.

وفيه نظر من حيث إنّ هلال بن أبي ميمونة ليس هو المذكور في متن هذا الحديث، إنّما هو ابن ميمون كما في نفس المتن.

وعند أبي داود، وكنيته أبو المغيرة الرملي الفلسطيني.

وقال ابن أبي حاتم: روى عن ابن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي، ويعلى بن شدّاد بن أوس، روى عنه مروان بن معاوية، وأبو معاوية، ووكيع، سمعت أبي يقول

ص: 38

ذلك، وفرق بينه وبين أبي ميمونة المدني قال: ويقال: ابن علي، ويقال: ابن أسامة، روى عن عطاء بن يسار، وأبي ميمونة روى عنه يحيى بن أبي كثير، وزياد بن سعد ومالك وأسامة بن زيد ومحمد بن حمران، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال البخاري في تاريخه الكبير: ابن أبي ميمونة، وهو ابن علي. وقال مالك بن أنس: هو ابن أسامة إنّما سمع عطاء بن يسار، ورأى أنسا، ولما ذكر ابن ميمونة كناه أبا المغيرة ونسبه جهنيا، ورمليا، وقال: روى عن عطاء بن يزيد، روى عنه مروان.

وفي كتاب الثقات لأبي حاتم البستي في الطبقة الثالثة: هلال بن ميمون أبو المغيرة الجهني، وقد قيل: كنيته أبو علي من أهل الرملة، يروي عن عطاء بن يزيد، وابن المسيب، ويعلى، روى عنه مروان وأبو معاوية، وقال في الطبقة الثانية: هلال بن أبي ميمونة، واسم أبي ميمونة أسامة الفهري، وهو الذي يقال له: ابن علي العامري، يروي عن أنس بن مالك، وكان راوياً لعطاء بن يسار، روى عنه يحيى بن أبي كثير، وفليح، مات في آخر ولاية هشام بن عبد الملك، وكذا نقله ابن سرور، والصريفيني ومن بعدهما، وزعموا أن ابن أبي ميمونة حديثه عند الجماعة، وابن ميمون عند أبي داود وابن ماجه، فتبين لك بهذا أن المذكور في المتن ليس كما قاله الحاكم، وأنّ ابن أبي ميمونة غير ابن ميمون، وأن ابن ميمون الذي روى عن عطاء بن يزيد المذكورين في نفس الحديث، غير ابن أبي ميمونة

ص: 39

الراوي، عن عطاء بن يسار.

ويؤيّد ما قلناه ما ذكره أبو محمد الإشبيلي إثر تخريجه له من عند أبي داود: هلال بن ميمون: ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن معين.

ولما ذكره الحافظ ضياء الدين في أحكامه قال: قال ابن عدي: هلال بن ميمون، عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه.

وقال الحافظ المنذري إثره: في إسناده هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة، قال ابن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه، فإذا كان كذلك فقد تداخل على الحاكم ترجمة في أخرى؛ فلقائل أن يقول: فإذا تبينت التفرقة فما حال الحديث؟ قلنا: صحيح كما أسلفناه من عند أبي حاتم، ولأن ابن ميمون لم يتكلّم فيه بقادح ترد به روايته بل بكلام محتمل مع ما تقدّم من الثناء عليه.

22 -

حدثنا عبد الرحمن بن عمر رسته، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة.

هذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.

وقال أبو عيسى: هكذا روي عن نافع، عن مولاه: بسبع وعشرين درجة.

ص: 40

وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قالوا: خمسا وعشرين. انتهى كلامه.

وفيه نظر لما أسلفناه من حديث أبي هريرة من عند ابن حزم: سبعا وعشرين درجة؛ ولما جاء في حديث ابن مسعود، ولما ذكره أبو نعيم: ثنا سعيد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن سيرين أنّ زيد بن ثابت مولاه صلى وحده فقال: قد صليت وحدي، وقد علمت أن الجماعة تفضل على صلاة المصلي وحده بسبع وعشرين درجة.

وقد وجدنا نافعا رواه عن مولاه، كذا رواية الجماعة، لكنه شك.

قال أبو نعيم: ثنا العمري عن نافع ولفظه: بسبعة وعشرين، أو خمسة وعشرين ووجدنا له أيضًا متابعا عند أبي القاسم؛ رواه عن محمد بن أحمد بن روح، ثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، ثنا أبو سعد الأشهلي، ثنا محمد بن عجلان، عن نعيم المجمر، عن ابن عمر يرفعه: فضل الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.

وقال: لم يروه عن ابن عجلان إلا أبو سعد محمد بن سعد.

23 -

حدّثنا محمد بن معمر، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أبيه، عن أبي بن كعب قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعا وعشرين، أو خمسا وعشرين درجة.

هذا حديث خرجه ابن حبان من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي بصير، عن أُبي بلفظ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح، فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: أشاهد فلان؟ لنفر من المنافقين قالوا: لا.

قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما

ص: 41

لأتيتموهما ولو حبوا على الركب - يعني صلاة العشاء والصبح - وإنّ الصف الأوّل على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، فإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين، وما كثر فهو أحبّ إلى اللَّه عز وجل.

وكذلك خرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هكذا رواه الطبقة الأولى من أصحاب شعبة: يزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد، وابن مهدي، ومحمد بن جعفر، وسعيد بن عامر، ومحمد بن كثير، وعبد الله بن رجاء وأقرانهم، وكذا رواه سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق بنحو حديث شعبة، وكذا رواه زهير بن معاوية، ورقبة بن مصقلة، وإبراهيم بن طهمان، ومطرف بن طريف، وغيرهم عن أبي إسحاق.

زاد ابن عساكر في كتاب الأطراف: وأبو بكر بن عياش وجرير بن حازم.

قال الحاكم: ورواه ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بصير، عن أبي، وكذا قال إسرائيل، وأبو حمزة السكري، وعبد الرحمن المسعودي، وجرير بن حازم، عن أبي إسحاق، عن أبي بصير، عن أبي، وكذا قاله أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، فاختلفوا في هذا على أبي إسحاق من أربعة أوجه، والرواية فيها عن أبي بصير وابنه عبد اللَّه كلها صحيحة، والدليل على ذلك رواية خالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ العنبري، ويحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أبيه، قال شعبة: قال أبو إسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه عن أبي بن كعب، وقد حكم أئمة الحديث: يحيى بن معين، وابن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهم لهذا الحديث بالصحة سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت ابن معين يقول: حديث أبي إسحاق، عن أبي بصير عن أبي، هكذا يقوله زهير، وشعبة يقول: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أبيه، عن أبي.

ص: 42

ورواه أبو إسحاق، عن شيخ لم يسمع منه غير هذا، وهو عبد اللَّه. وقد قال شعبة عن أبي إسحاق: إنّه سمع من أبيه، ومنه، وقال أبو الأحوص: عن أبي إسحاق، عن العيزار: وما أرى الحديث إلا صحيحًا، سمعت أبا بكر الفقيه، سمعت الحربي سمعت ابن المديني يقول: قد سمع أبو إسحاق من ابن أبي بصير وأبيه، ثنا أبو بكر بن إسحاق سمعت عبد اللَّه بن محمد المديني سمعت محمد بن يحيى يقول: رواية يحيى بن سعيد، وخالد بن الحارث، عن شعبة، وقول أبي الأحوص عن العيزار، كلّها محفوظة، فقد ظهر بأقاويل أئمة الحديث صحته، وأما الشيخان فلم يخرجاه لهذا الخلاف. انتهى كلامه.

وفيه نظر؛ لأن البيهقي ذكر عن محمد بن يحيى هذه الروايات كلّها محفوظة خلا حديث أبي الأحوص، لا أدري كيف هو.

ولفظ الطبراني في الأوسط: والصف المقدم. وقال: لم يروه، عن أيوب السختياني، عن شعبة إلّا وهيب بن خالد، ولا عن وهيب بن خالد إلّا سعيد بن واصل. تفرد به محمد بن سفيان بن أبي الرزْد الأيلي. ورواه في موضع آخر من حديث ابن جريج، عن قيس، عن أبي إسحاق، أخبرني عبد اللَّه بن أبي سفيان عن أبي سفيان، كذا ذكره، وقال: لم يروه عن ابن جريج إّلا أبو قرة، وقيس هو ابن الربيع.

وفي موضع آخر: لم يروه، عن خالد بن ميمون إلّا سعيد بن أبي عروبة، تفرد به عبد الأعلى وابن شوذب، عن سعيد.

وفي علل أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال: أنبأنا الدوري سمعت

ص: 43

يحيى يقول: القول قول شعبة: هو أثبت من زهير.

قال أبو بكر: ورواه عثمان بن أبي شيبة، ووكيع، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي بصير، عن أبيه. ورواه أبو إسحاق الفزاري، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن العيزار. ورواه معمر الرقي، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن أبي ضمرة، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أبيه.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أقام إسناده شعبة، والثوري، وإسرائيل في آخرين، وذكره الحافظ ابن عبد الواحد في الأحاديث المختارة.

وذكره الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده الصحيح من حديث شعبة، وزهير، وخالد بن ميمون عن أبي إسحاق، وقال: قال ابن أبي بصير: حدثني أبي، عن أُبي، وسمعته من أُبي بن كعب، وخالف ذلك أبو عمر بن عبد البر، فقال: هذا حديث ليس بالقوي، ولا يحتج بمثله.

وفي موضع آخر: وقد رويت آثار مرفوعة، منها حديث أبي، وغيره: أنّ صلاة الرجل مع الرجلين أفضل من صلاته وحده، وهي آثار كلّها ليست في القوة والثبوت والصحة كآثار هذا الباب، يعني حديث: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ. ولفظ أبي قرّة: ولو سحبا عليكم بالصفّ الأوّل.

ولما ذكره أبو محمد عبد الحق في أحكامه الكبرى من عند أبي داود قال: عبد الله بن أبي بصير لا أعلم روى عنه إّلا أبو إسحاق، وهذا منه - رحمه الله تعالى - تضعيف

ص: 44

للحديث على قاعدته؛ لأن الإِنسان إذا لم يوثق ولم يرو غير واحد عنه فهو مجهول العين والحال.

ولو رأى ما أسلفناه من توثيقه، عن أبي حاتم البستي، وقول العجلي فيه وذكره ابن خليفة. وفي الباب مع إخراج حديثه في الصحيح لما اتجه له ذكر هذا التجريح مع ما تقدّم من رواية أبي ضمرة عنه من عند الخلال، ورواية العيزار مع أن حكاية التفرد ليس هو بأبي عذرتها، قد سبق إلى ذلك غير واحد من الأعلام فذهبت عنه الجهالتان، والسلام.

وفي الباب أحاديث منها: حديث ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الجميع تفضل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفا؛ كلها مثل صلاته خرجه أحمد في مسنده بسند جيّد. وخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، عن محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عنه بلفظ: تفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده بضع وعشرون درجة.

ورواه السراج في مسنده من حديث همام، ثنا قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص بلفظ: تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة. وفي لفظ: تزيد خمسًا وعشرين.

وخرجه في الأوسط من حديث أبي الأحوص بلفظ: لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي الجمعة بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عنها بيوتهم.

وقال: لم يروه عن الرحيل بن معاوية إلا زياد البكائي، تفرد به أحمد بن

ص: 45

عبدة الضبي.

ورواه أبو نعيم عن أبي الأحوص: عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه بلفظ: خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين. ولفظ أبي القاسم في الأوسط: بضعا وعشرين وقال: لم يروه، عن أبي حصين - يعني عن أبي الأحوص - إلّا قيس بن الربيع، ولا، عن قيس إّلا محمد بن الصلت. تفرد به أحمد بن الحجاج بن الصلت.

وقال الرازي: رواه القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن عقبة بن وساج، عن أبي الأحوص. ورواه سعيد بن بشير، وغيره، عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص، وشعبة أحفظ، قال: ورواه أبان عن قتادة، عن أبي الأحوص.

وحديث قباث بن أشيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من أربعة تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى.

رواه البخاري في التاريخ، فقال: قال عبد الله بن يوسف: حدثني الوليد بن مسلم أخبرني ثور، عن يونس بن سيف، عن عبد الرحمن بن زياد عنه.

وحديث أنس قال عليه السلام: الاثنان جماعة والثلاثة جماعة الحديث، ذكره أبو أحمد من حديث سعيد بن زربي وهو ضعيف.

ص: 46

ورواه السراج، عن جعفر الصائغ، ثنا عبيد الله بن محمد بن حفص، ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أنس موقوف: تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل بضعا وعشرين صلاة.

ورواه الكشي، عن حجاج، ثنا حماد، عن عاصم، عن أنس مرفوعا: تفضل صلاة الجميع وثنا حجاج، ثنا حماد، عن أبان عنه مرفوعا: تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بأربع وعشرين صلاة، وهي الخامسة وحديث عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمسة وعشرين رواه النسائي بسند صحيح.

ولفظ السراج: تفضل على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة روياه من حديث يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن عمار، عن القاسم عنهما.

وفي لفظ: صلاة الرجل في الجميع وحديث زيد بن ثابت: قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن ثابت بن عبيد قال: دخلنا على زيد وهو يصلي على حصير يسجد عليه فقال: قال عليه السلام: فضل صلاة الجماعة على صلاة الوحدة خمسا وعشرين درجة.

قال: وأنبأنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس نحوه. ثم قال: فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال: نعم، وإن كانوا أربعين ألفا.

وحديث معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمس وعشرون.

رواه أبو القاسم في المعجم الكبير، عن محمد بن عبدوس السراج، ثنا محمد بن

ص: 47

بكار، ثنا عبد الحكيم بن منصور، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه.

وحديث عبد الله بن زيد مرفوعًا: ما بين الفذ والجماعة خمس وعشرون درجة. رواه أيضا من حديث موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن حزم، عن عباد بن تميم عنه، وقال: لا يروى هذا الحديث، عن ابن زيد إلا بهذا الإسناد. تفرد به محمد بن الزبرقان، يعني عن موسى.

وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام: صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة.

الحديث رواه ابن زنجويه من حديث أبي الخطاب الدمشقي، عن زريق أبي عبد الله الألهاني عنه.

قال ابن الأثير: إنما قال: درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظًا ولا شيئًا من أمثال ذلك؛ لأنّه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، وإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة، لأن الدرجات إلى جهة فوق.

وقد اختلف العلماء في الجمع بين سبع وعشرين درجة، وبين قوله: خمس وعشرين درجة، أو جزءا أو ضعفا، فقيل: إن الدرجة أصغر من الجزء، فكان الخمسة والعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعا وعشرين درجة، وردَّ هذا بما أسلفناه في الصحيح: سبعا وعشرين درجة. وقيل: السبع متأخرة، عن الخمس فكأنّ الله تعالى أخبره بخمس، ثم زاده بعد، ورد هذا بتعذّر التاريخ، وردّ هذا القول الآخر بأن الفضائل لا تنسخ، وهذه فضيلة لمحمد صلى الله عليه وسلم فلا يطرأ عليها نسخ. وقيل: إن صلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ في المسجد بخمس وعشرين

ص: 48

درجة، وصلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ في بيته بسبع وعشرين درجة، وردّ بقوله: وصلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه بخمس وعشرين ضعفَا وقيل: إن الصلاة التي لم يكن فيها فضيلة الخطا إلى الصلاة ولا فضيلة انتظارها تفضل بخمس، والتي فيها ذلك تفضل بسبع، وقيل: إن ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة، فمن أكملها وحافظ عليها فوق من أخل بشيء من ذلك.

وقيل: إنّ الزيادة لصلاتين: العشاء والصبح لاجتماع ملائكة النهار والليل فيهما، يؤيّده حديث أبي هريرة المتقدّم: تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا، ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر.

فذكر اجتماع الملائكة بواو فاصلة واستأنف الكلام وقطعه من الجملة المتقدّمة. وقال بعضهم: لا منافاة بين الحديثين؛ لأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، ومفهوم العدد باطل عند جمهور الأصوليين، واستدل بعض المالكية بهذه الأحاديث على أن صلاة الجماعة لا يفضل بعضها على بعض بكثرة الجماعة؛ لأنه لم يذكر جماعة كثيرة دون جماعة قليلة، ورد بما تقدّم في حديث قباث وغيره من أن الكثرة مطلوبة مرغّب فيها كما ذهب إليه الشافعي وابن حبيب من المالكية.

وأنبأنا غير واحد من شيوخنا، عن الإِمام العلامة أبي بكر محمد بن أحمد بن القسطلاني رحمه الله أنه قال: يحتمل أن يكون الدرجة في الجنة، والجزء في الدنيا، واستدلّ ابن القصار لمذهبه ولأبي حنيفة بأنه لا يجوز أن يصلّي متنفّل بمفترض قال: لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعلمنا أن للجماعة أن تجتمع على صلاة واحدة، فيجب لها التضعيف لذلك فلا يخلو أن يكون التضعيف للإِمام أو للمأموم، فإن كانت المضاعفة صلاة المأمومين فلا يصح؛ لأنهم لا إمام لهم فيها، فهم كالمنفردين، وإن كانت المضاعفة له فلا يصح، لأن حكمه حكم المنفرد، وإنّما يقع لجماعتهم

ص: 49

إذا كانوا في صلاة واحدة، وهو معنى قوله: صلاة الجماعة، فذكر صلاة واحدة مضافة إليهم جميعا، ولم يقل صلاة الجميع، ورد بما أسلفناه من عند السراج وغيره: صلاة الجميع، وأمّا تخصيص العدد فقد استخرجه شيخنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة فيما أذن لنا أن نرويه عنه، وإن كان العلامة أبو الفرج ابن الجوزي ذكر أنّ جماعة تكلّفت تعليل ذلك، وما جاءوا بطائل فقال:

الأوّل: قصد إقامة الصلاة في جماعة.

الثاني: إجابة الداعي.

الثالث: ظهور الشعائر.

الرابع: متابعة السنة بحضورها.

الخامس: إحياء السنة بدوام إقامة السنن.

السادس: زيارة بيت الله تعالى.

السابع: عمارة المساجد.

الثامن: نشاط المتكاسل على الجماعة.

التاسع: السلام على الإخوان.

العاشر: التعاون على الطاعة.

الحادي عشر: إظهار تآلف القلوب.

الثاني عشر: الاجتماع بأهل الخير من الملائكة وغيرهم.

الثالث عشر: الاعتكاف.

الرابع عشر: الاجتماع على الذكر.

الخامس عشر: فراغ القلب للذكر.

السادس عشر: الاهتمام بإيقاع الصلاة أوّل الوقت.

السابع عشر: المسير إلى الجماعة بالمسجد.

الثامن عشر: إيقاع العبادة في ذلك المكان.

التاسع عشر: التحرز بالصلاة في جماعة من بطر وسهو وتسلط شيطان.

العشرون: إقامة الصفوف وتسويتها في الصلاة.

الحادي والعشرون: متابعة الإمام في أفعاله.

الثاني والعشرون: التحرز من

ص: 50

إساءة الظن به بترك الصلاة.

الثالث والعشرون: الدعاء عند الدخول إلى المسجد وعند الخروج.

الرابع وال شرون، والخامس والعشرون: سماع قراءة الإِمام والتأمين إذا جهر.

السادس والعشرون: مصاحبة الملائكة عليهم السلام ومرافقتهم في الصلاة والتأمين.

السابع والعشرون: انتظار الصلاة قبل إقامتها وذلك عبادة.

قال: فيجوز أن تكون الدرجات بسبب هذه القربات.

وقد ذكر ابن المنير وابن بطال مناسبات هذه أجمع - والله أعلم -.

وأما قوله: أشاهد فلان؟ فيريد ابن أبي المنافق وأشياعه.

ص: 51

‌باب التغليظ في التخلّف عن الجماعة

24 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار.

هذا حديث خرجاه في الصحيح. زاد البخاري: والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. وفي لفظ: إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا.

وفي لفظ للإمام أحمد بن حنبل: لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار.

وعند أبي داود: ثم آتي قوما ما يصلون في بيوتهم ليست بهم علّة فأحرقها عليهم. قال يزيد بن جابر: قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف الجمعة عنى أو غيرها؟ فقال: صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره ما ذكر جمعة ولا غيرها.

وفي مسند السراج: آمر فتيتي إذا سمعوا الإقامة، من تخلف أن يحرقوا عليهم إنكم لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا. وفي لفظ: أخّر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء حتى تهور الليل، وذهب ثلثه - أو نحوه - ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس عزون، وإذا هم قليل، فغضب غضبا شديدًا لا

ص: 52

أعلم أنِّي رأيته غضب غضبا أشدّ منه، ثم قال: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أتتبع هذه الدور التي تخلَّف أهلوها عن هذه الصلاة؛ فأضرمها عليهم بالنيران. ولفظ الطوسي: ثم آتي قوما يتخلفون عن هذه الصلاة، فأحرق عليهم، يعني صلاة العشاء وصححه.

وفي كتاب ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن عجلان عنه: لينتهين رجال من حول المسجد لا يشهدون العشاء، أو لأحرقنَّ بيوتهم.

وفي كتاب ابن زنجويه: آمر رجالا في أيديهم حزم حطب لا يؤتى رجل في بيته سمع الإقامة، لم يشهد الصلاة، إلَّا أضرم عليه بيته.

وفي كتاب أبي القاسم الأَوسط: آمر رجالا إذا أقيمت الصلاة أن يتخلَّفوا دور من لا يشهد الصلاة، فيضرموا عليهم بيوتهم. قال: ولو أنَّ رجلًا آذن النَّاس إلى طعام لأتوه، والصلاة ينادى بها فلا يأتوها. وقال: لم يروه، عن الأعمش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح إلا سليمان بن أبي داود.

تفرد به محمد بن سليمان بن أبي داود.

ورواه من حديث عاصم، عن أبي رزين، عن أبي هريرة وقال: لم يروه، عن عاصم، عن أبي رزين إلا عمرو بن قيس.

تفرد به الحكم بن بشير ورواه الناس عن عاصم، عن أبي صالح، وروي عن عاصم، عن زر عن عبد الله.

وفي الصغير: ثم أنظر فمن لم يشهد المسجد فأحرق عليه بيته. وأشار إلى أن علي بن بكار تفرد به، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سعيد بن أشوع، عن

ص: 53

ابن أبي ليلى عنه، وثنا زياد بن أيوب، ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد شك محمد

الحديث.

وفي كتاب الترغيب لأبي موسى المديني: تهور الليل، فذهب ثلثه - أو قرابه - ثم قال: لو أن رجلًا نادى الناس إلى عرق، أو مرماتين أتوه لذلك، وهم يتخلفون، عن هذه الصلاة

الحديث. وفي مسنده: لو كان عرقًا سمينًا، أو معرقين لشهدوها.

وفي مصنف عبد الرزاق بسند صحيح: أنبأنا معمر، عن جعفر بن برقان، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن آمر فتياني أن يجمعوا لي حزمًا من حطب؛ ثم أنطلق فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون الجمعة.

ولما رواه البيهقي في الكبير، عن أبي محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري: أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق قال: كذا قال: الجمعة.

وكذلك روي عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، والذي تدلّ عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة. انتهى كلامه. ويزيده وضوحًا ما ذكره أبو القاسم في معجمه الأوسط: ثنا أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا مقدم بن محمد، ثنا عمي القاسم، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود يرفعه: لقد هممت أن آمر بلالًا فيقيم الصلاة، ثم أنصرف إلى قوم سمعوا النداء فلم يجيبوا، فأحرق عليهم بيوتهم.

وقال: لم يروه عن أبي حمزة إلا القاسم. تفرد به مقدم.

وفي كتاب السراج: ما يرده وهو ما رواه، عن أبي يحيى وغيره، عن الأشيب، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون، عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلًا

ص: 54

يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلَّفون، عن الجمعة بيوتهم ولما رواه الحاكم في مستدركه من حديث عمرو بن خالد الحراني: ثنا زهير عن أبي إسحاق به، قال: هكذا رواه أبو داود الطيالسي، عن زهير، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه هكذا، إنما خرجاه بذكر العتمة، وسائر الصلوات.

25 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن عاصم عن رزين، عن ابن أم مكتوم، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّي كبير ضرير شاسع الدار، وليس لي قائد يلاومني، فهل تجد لي من رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال: تسمع النداء؟ قلت: نعم. قال: ما أجد لك رخصة.

هذا حديث إسناده صحيح على رسم مسلم. وخرجه أبو عبد الله شاهدًا، ولم يحكم عليه بشيء، لحديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس، عن ابن أم مكتوم قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، قال: تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فحي هلا.

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إن كان ابن عابس سمع من ابن أم مكتوم، وله شاهد بإسناد صحيح، فذكر حديث أبي جعفر الرازي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شدّاد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: لقد هممت أن آتي هؤلاء الذين يتخلفون، عن هذه الصلاة فأحرق عليهم. قال: فقلت: يا رسول الله، لقد علمت ما بي .... الحديث.

وخرجه البيهقي في الكبير من حديث سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم عن أبي رزين أن ابن أم مكتوم سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ورواه أبو سنان، عن عمرو بن مرّة، عن أبي رزين، عن أبي هريرة.

ص: 55

وفي كتاب المغازي من حديث سعيد بن سليمان: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرّة عن أبي رزين، عن ابن أم مكتوم فذكره.

ولفظ الإمام أحمد في مسنده عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد، فوجد في القوم رقّة فقال: إنِّي لأهم أن أجعل للناس إمامًا، ثم أخرج فلا أقدر على إنسان تخلّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه. فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إنّ بيني وبين المسجد نخلًا وشجرًا، ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع الإِقامة؟ قال: نعم. قال: فأتها. وعاب ابن القطان سكوت أبي محمد عنه، إذ أورده من حديث أبي رزين وابن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم، قال: وكلتا الروايتين مشكوك في اتصالهما؛ وأبو رزين أعلى ما له الرواية عن علي، ويقال: إنّه حضر صفين، وابن أم مكتوم قتل بالقادسية أيّام عمر، وانقطاع ما بينهما إن لم يكن معلومًا، لأنا لا نعرف سنه، فإن اتصال ما بينهما ليس معلومًا أيضًا، فهو مشكوك فيه، وأمّا ابن أبي ليلى فمولده لست بقين من خلافة عمر، فسنه لا يقتضي السماع. انتهى كلامه وفيه نظر في مواضع:

الأول: قوله: أمّا سنه فإنّا لا نعرفه فليس بشيء، لأنّ ابن حبان وغيره نصوا على أنّه كان أكبر من أبي وائل شقيق، وشقيق ممن قيل: إنه أدرك النبي عليه السلام فعلى هذا لا تنكر روايته، عن ابن أم مكتوم.

الثاني: قوله: وأعلى ما له الرواية عن علي مردود بقول ابن سعد: روى عن ابن مسعود.

الثالث: قوله: إن ابن أم مكتوم قتل بالقادسية مردود بقول ابن حبان وغيره: شهد

ص: 56

القادسية، ثم رجع إلى المدينة، فمات بها في خلافة عمر. ولفظ ابن سعد: شهد القادسية ثم رجع إلى المدينة ولم يسمع له بذكر بعد عمر.

الرابع: قوله: إن سنّ ابن أبي ليلى لا يقتضي له السماع من عمر مردود بقول أبي حاتم الرازي، وسأله ابنه: هل سمع من بلال؟ فقال: بلال خرج إلى الشَّام قديمًا في خلافة عمر، فإن كان رآه صغيرا. فهذا أبو حاتم لم ينكر سماعه من بلال المتوفى سنة عشرين، ويقال: سبع عشرة أو ثمان عشرة، ويقال: سنة إحدى وعشرين، بل جوَّزه.

وفي كتاب البيهقي من حديث أبي شهاب الحناط، عن العلاء بن المسيب، عن ابن أم مكتوم قلت: يا رسول الله إن لي قائدًا لا يلاومني في هاتين الصلاتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو يعلم القاعدون عنهما ما فيهما، لأتوهما ولو حبوا.

ولفظ أبي القاسم في الأوسط، عن ماهان، عن البراء بن عازب أن ابن أم مكتوم أتى النبي عليه السلام فشكى إليه وسأله أن يرخص له في صلاة العشاء والفجر، وقال: إن بيني وبينك أشيب، فقال عليه السلام: هل تسمع الأذان؟ قال: نعم - مرة أو مرتين - فلم يرخص له في ذلك. وقال: لم يروه عن ماهان - وهو أبو صالح - إلا زهير بن الأقمر الذي روى عنه عمرو بن مرة، ولا رواه عن زهير إلا عذرة بن الحارث، تفرد به العوام بن حوشب.

وفيه أيضا من حديث عدي بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن

ص: 57

عجرة قال: جاء رجل ضرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أسمع النداء، فلعلي لا أجد قائدا، ويشق علي، أفأتخذ مسجدا في بيتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أيبلغك النداء؟ قال: نعم. قال: فإذا سمعت، فأجب.

وقال: لم يروه عن عدي إلا زيد بن أبي أنيسة. وقال الرازي: هذا حديث منكر، وقال - البيهقي: خالفه أبو عبد الرحمن فرواه عن ابن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن مغفل. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال فأجب.

وخرجه السراج في مسنده من حديث زيد بن أبي أنيسة عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال ابن أم مكتوم الأعمى للنبي، فقال:

الحديث.

26 -

حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي، ثنا هشيم، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر.

هذا حديث خرجه البستي في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، ثنا زكريا بن يحيى وعبد الحميد بن بيان السكري بلفظ: من سمع النداء فلم يجب.

وخرجه أبو داود من حديث أبي جناب، عن مغراء عن عدي بلفظ: قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، لم تقبل له الصلاة التي صلى.

ص: 58

ورواه في الأوسط ثم قال: لم يروه، عن مغراء إلا أبو جناب، ولا عن أبي جناب إلّا جرير. تفرد به أبو معمر، وفيه نظر لما نذكره بعد.

ورواه أبو عبد الله من حديث عبد الرحمن بن غزوان وهشيم عن شعبة ثم قال: هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم وقراد أبو نوح ثقتان، فإذا وصلاه فالقول فيه قولهما، وله غير شاهد فذكر حديث سعيد بن عامر وأبي سليمان داود بن الحكم، عن شعبة مرفوعًا، قال: ولشعبة متابعان مغراء العبدي عن عدي بلفظ: قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض.

وأبو جناب من حديث سليمان بن قرم بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء ينادى صحيحًا فلم يأته من غير عذر لم يقبل الله صلاة غيرها. قيل: وما العذر؟ قال: المرض والخوف.

وفي كتاب العلل للخلال: ثنا محمد بن الحسين، ثنا الفضل قال: قلت لأحمد: شعبة عن عدي فذكره، قال: أخطأ فيه هشيم مرّة رفعه وهذا موقوف. قلت: كيف؟ قال: غْندر وغيره لا يرفعه.

وقال أبو الحسن الدارقطني: تابع هشيما على رفعه قراد، ورواه جرير عن أبي جناب رفعه، ووقفه يوسف القطّان عن جرير. ورواه ابن قرم، عن أبي جناب عن مغراء عن عدي مرفوعا. وقال أبو أحمد: ورواه جرير. وتفرد به عن أبي جناب، عن مغراء. وقال ابن قرم عن أبي جناب، عن عدي وكأنه اختلط على الناسخ لا على أبي أحمد. وقال الإشبيلي حين ذكره من عند

ص: 59

أبي داود: هذا يرويه مغراء العبدي، وقد روى عنه أبو إسحاق، والصحيح: موقوف على ابن عباس، وتتبع ابن القطان عليه أمرين:

الأول: إعلاله إيّاه بمغراء أبي المخارق، قال: وليس بصواب؛ لأنه روى عنه جماعة، وذكر أبو العرب عن الكوفي وليس في كتابه أنه لا بأس به.

الثاني: قوله: على أنّ قاسما ذكره في كتابه عن إسماعيل: ثنا سليمان بن حرب، ثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد، عن ابن عباس، قال عليه السلام: من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة إّلا من عذر. قال أبو محمد: وحسبك بهذا الإسناد صحة، قال أبو الحسن: ليس في كتاب قاسم: إلّا من عذر في الحديث المرفوع، إنّما هو في الموقوف، فلم يتثبت أبو محمد، فأورده هكذا، وإنّما نقله من كتابه بواسطة ابن حزم أو غيره، وهذا مما نقله من عند ابن حزم، وهو جاء به مفسرا بزيادة: إلّا من عذر في المرفوع؛ فتبين لك أنّ الصواب فيه بإيراد الواقع في كتاب قاسم بنصّه، قال قاسم: ومن كتابه نقلت: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا حفص بن عمر، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر.

قال إسماعيل: وبهذا الإسناد روى الناس عن شعبة، وثنا به أيضا عن شعبة بإسناد آخر، ثنا سليمان، ثنا شعبة، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له. ثنا بهذا سليمان مرفوعا، وثنا بالأول موقوفًا على ابن عباس، هذا نص ما عنده، فالمرفوع عنده إنما هو من رواية شعبة عن حبيب لا عن

ص: 60

عدي، وليس فيه زيادة: إلا من عذر وإنما تكون هذه الزيادة في حديث عدي إلّا أنها عند قاسم موقوفة، فحمل المرفوع على الموقوف في أن هذه الزيادة فيه، ونسبته ذلك إلى قاسم خطأ، نعم هي في الحديث المرفوع من رواية عدي، لكن عند غير قاسم، رواه هشيم، عن شعبة عند بقي بن مخلد وأبي القاسم ابن بنت منيع، وابن المنذر، والدارقطني. انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث قال: إن أبا محمد أعلّه بمغراء، وأبو محمد لم يعله به؛ إنما قال: ما أسلفناه عنه، وذلك لا يقتضي إعلالًا؛ بل ترجيحا لكونه ذكر له روايتين مخرجين له عن الجهالة، ولم يسبق له فيه كلام، أحال عليه.

27 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا أبو أسامة عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن ميناء، قال: أخبرني ابن عباس، وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواده: لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

هذا حديث في سنده انقطاع فيما بين يحيى والحكم، وإن كان قد سمع منه، فقد ورد هذا الحديث مبينا فيه عدم سماعه منه بين ذلك أبو عبد الرحمن إذ رواه في سننه، عن محمد بن معمر، عن حبان بن هلال، عن أبان، عن يحيى، عن الحضرمي بن لاحق، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن الحكم بلفظ: ودعهم الجماعات.

قال: وأنبأنا إبراهيم بن يعقوب، ثنا سعيد بن الربيع، ثنا علي بن المبارك، عن يحيى عن

ص: 61

زيد، عن أبي سلام، عن الحكم، عن ابن عمر وابن عباس، قال علي: ثم كتب به إلي، عن ابن عمر وأبي هريرة فذكره.

وذكره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مجموع حديثه من حديث هشام بن عمار: ثنا الوليد، ثنا معاوية بن سلام سمع يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني الحكم بن ميناء يقول: سمعت ابن عمر وأبا هريرة يقولان: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره، وهو يقول: لينتهين أقوام، عن تركهم الجماعات .... الحديث.

ومن حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن يحيى يرده إلى ابن عمر وابن عباس ولفظه: الجماعات ومن حديث زياد بن أيوب: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن يحيى عمن حدثه عنهما. وفي كتاب الثواب لآدم بن أبي إياس: ثنا بكر بن خنيس، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: تدارأنا أهل حضرة المسجد، وأهل العوالي من الأنصار؛ فقال أهل حضرة المسجد: نحن أعظم أجرًا منكم، لقربنا من النبي صلى الله عليه وسلم لا تفوتنا معه صلاة، ونحن محدثوه، وقالت الأنصار من أهل العوالي: نحن أعظم أجرًا منكم لبعد منازلنا من المسجد، ولا يرغبنا إليه إلا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة معه وحديثه، نأتيه في الحر والبرد فبينما هم يتدارءون إذ طلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليهم فقصوا عليه القصة، فقال: الأبعد فالأبعد أعظم أجرا، وذلك أن الرجل إذا توضأ في بيته وأحسن الوضوء وأكمله ثم خرج إلى المسجد لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، وإذا دخل المسجد لم يزل في صلاة حتى يخرج أو يحدث.

أنبأنا به الشيخ المسند الفقيه أبو النون بن عبد القوي قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمود المحمودي أنبأنا الحافظ أبو طاهر البغوي قراءة عليه أنبأنا أبو مسعود

ص: 62

محمد بن عبد الله السوذرجاني أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الحبال أنبأنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن إبراهيم قراءة عليه أنبأنا أبو موسى عيسى بن إبراهيم ثنا آدم، وحديث ابن عمر يرفعه: لأنا على أمتي في غير الخمر أخوف عليهم من الخمر، سكن البادية، وترك المساجد، والذكر.

ذكره ابن يونس في تاريخه، عن عاصم بن رازح، ثنا زكريا بن يحيى بن أبان، ثنا مسكين بن عبد الرحمن وخالد بن حميد، عن أبي مالك يحيى عن واهب بن عبد الله المعافري عنه، قال: ورواه محمد بن المغيرة، عن واهب موقوفًا على ابن عمر.

ورواه مسلم في صحيحه، عن الحلواني، عن أبي توبة، ثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد سمع أبا سلام حدثني الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدّثاه. فذكره بلفظ: الجمعات.

قال البيهقي: ورواه أبان، عن يحيى، عن زيد بن سلام، عن الحضرمي، عن الحكم وخالفه الدستوائي فرواه عن يحيى أن أبا سلام حدّثه، عن الحكم أنه حدثه، قال: ورواية معاوية، عن أخيه زيد أولى أن تكون محفوظة. انتهى كلامه.

يفهم منه أن أبان بن يزيد رواه بلفظ: الجمعات بالإسناد المذكور عنده، وليس كذلك لما ذكره أبو بكر الإسماعيلي أنبأنا الفاريابي أنبأنا عمران بن موسى، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عفان وأنبأنا أبو يعلى، ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن إسحاق البجلي، ثنا عمرو بن محمد، ثنا عفان قال: أنبأنا أبان بن يزيد العطار، لفظ الفريابي، ثنا يحيى، عن زيد، عن أبي سلام، عن الحكم عنهما، أعني: ابن عمر وابن عباس بلفظ: الجماعات وقال أبو حاتم في علله: والحضرمي رجل من أهل المدينة وليس

ص: 63

لرواية أبي سلام عنه معنى، وإنما يشبه أن يكون يحيى لم يسمعه من زيد، فرواه عن الحضرمي عن زيد، فوهم الذي حدث به.

28 -

حدثنا عثمان بن إسماعيل الهذلي الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذئب، عن الزبرقان بن عمرو الضمري، عن أسامة بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين رجال عن ترك الجماعة أو لأحرقن بيوتهم.

هذا حديث إسناده منقطع فيما بين أسامة والزبرقان. قاله أبو القاسم بن عساكر والشيخ ضياء الدين في أحكامه، ويوضحه ما في تاريخ البخاري الكبير: زبرقان بن عمرو بن أمية الضمري، روى عنه ابن أبي ذئب، قال جعفر بن ربيعة: الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية، عن أبيه. وقال لي إسحاق: أنبأنا عبد الصمد، ثنا شعبة، عن عمرو سمع الزبرقان سمع عروة عن زيد بن ثابت، وعن أبي داود عن ابن أبي ذئب، عن زبرقان، عن زهرة: كنّا عند زيد، فقال: هي الظهر - يعني الصلاة الوسطى - فأرسلوني إلى أسامة بن زيد فقال: هي الظهر. وقال هشام:

حدّثنا صدقة، عن ابن أبي ذئب، عن الزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري، عن زيد بن ثابت وأسامة نحوه. وقال آدم: ثنا ابن أبي ذئب، ثنا زبرقان الضمري نحوه، وروى يحيى بن أبي بكير، عن ابن أبي ذئب نحوه.

وفي الباب حديث أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن رجلًا دعا النّاس إلى عرق أو مرماتين لأجابوه، وهم يدعون إلى هذه الصلاة في جماعة فلا يأتوها، لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس في جماعة فأضرمها عليهم نارًا، فإنه لا يتخلف

ص: 64

عنها إلا منافق.

قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه عن إبراهيم بن هاشم، ثنا حوثرة بن أشرس، ثنا حماد عن ثابت عنه: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا حماد بن سلمة.

وحديث أبي الدرداء من عند أبي داود مرفوعًا: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو ولا تقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية.

وحديث ابن عمرو يرفعه: الجماعة على من سمع الأذان. ذكره ابن عدي من حديث محمد بن سعيد المصلوب، وهو هالك.

وفي كتاب البيهقي من حديث أبي إسحاق، عن الحارث عن علي: من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلم يجب فلا صلاة له.

قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر مرفوعًا وهو ضعيف.

وحديث أبي موسى قال عليه السلام: من سمع النداء فلم يجب من غير عذر، فلا صلاة له. رواه أبو نعيم، عن يحيى بن عبد الحميد، ثنا قيس عن أبي حصين، عن أبي بردة عنه خرجه الحاكم مصححًا له.

وحديث عمر بن الخطاب وأبي بن كعب مرفوعا: إن الله تعالى يتعجب من الصلاة في الجميع. ذكره ابن عدي، وضعفه بحماد بن قيراط وغيره.

ص: 65

وحديث حارثة بن النعمان من عند الكشي من طريق مولى غفرة يرفعه: يخرج الرجل في غنيمة فلا يشهد الصلاة حتى يطبع على قلبه وذكر حديثَا طويلا.

وحديث ابن زرارة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء ثلاثَا فلم يجب كتب من المنافقين. ذكره أبو يعلى، عن أبي خيثمة، ثنا يحيى بن إسحاق، ثنا أبان، عن يحيى بن أبي ذئب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه.

وحديث أبي الزبير، عن جابر قال صلى الله عليه وسلم: لولا شيء لآمر رجلا يصلي بالنّاس ثم لحرقت بيوتا على ما فيها. ذكره أبو جعفر الطحاوي في شرح المشكل.

وحديث أبي هريرة يرفعه: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر. ذكره الحافظ أبو أحمد في كامله من حديث سليمان بن داود قال: وليس بشيء عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عنه.

قال أبو سليمان الخطابي: قوله: لا يلاومني هكذا يروى في الحديث، والصواب: لا يلائمني أي: لا يوافقني ولا يساعدني على حضور الجماعة، قال أبو ذؤيب:

أما لجنبك لا يلائم مضجعا

إلا أقض عليك ذاك المضجع

فأمّا الملاومة فإنها مفاعلة

من اللوم وليس هذا موضعه

.

ص: 66

قال الله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ}

وقال أبو موسى: أصله الهمز لا يلائمني. وقال السكري: يلائم: يوافق، ويلازق، يقال: التأم الجرح، ويقال: التأم أمر بني فلان، قال الحطيئة:

وهم جبروني بعد فقر وعسرة

كما لأم العظم الكسير جبائر

وفي الصحاح: لا يقال: يلاومني.

والرُّخْصة والرُّخُصة: لغتان حكاهما ابن سيده في محكمه، قال: رخّص له في الأمر أذن له فيه بعد النهي عنه، ولما شرح كتاب الإصلاح لأبي يوسف بن السكيت حكى عنه صاحب العين: الرخصة: ترخيص الله للعباد: أي تسهيله في أشياء خفَّفها عليهم، يقول: رخصت له في كذا: أي أذنت له فيه بعد نهيي إيّاه عنه، قال: والودع: الترك، وقد ودعه ووادعه.

وقال شمر: زعمت النحوية أنّ العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه، قال الهروي: والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح.

قال أبو محمد بن حزم: ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام، فإن تعمّد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته، وإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد فصاعدا ولا بد فإن لم يفعل فلا صلاة له، إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ إلا من له عذر.

وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم، عن أبي موسى: من سمع النداء فلم يجب فارغا صحيحا فلا صلاة له، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: جار المسجد إذا سمع وليس له علة، ثم لم يجب فلا صلاة له، وعن عائشة: من سمع المنادي ثم لم يجبه، فلم

ص: 67

يرد خيرا، ولم يرد به.

وفي كتاب ابن زنجويه، عن معاذ: لأن أصلّي في جماعة أحبّ إلي من أن أصلّي الدّهر وحدي، وذكر صاحب التحفة الحنفي، عن محمد بن الحسن: الجماعة واجبة، وقد سمّاها بعض أصحابنا سنة مؤكّدة؛ وهما سواء. وفي المفيد: هي واجبة، وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة.

وفي البدائع: تجب على الرجال البالغين، العقلاء، الأحرار، القادرين عليها من غير حرج فإذا فاتته لا يجب عليه الطلب في مسجد آخر بلا خلاف بين أصحابنا؛ لكن إن أتى مسجدًا يرجو إدراكها فيه فحسن، وإن صلّى في مسجد حيّه فحسن، وذكر شرف الأئمة: إن تركها لغير عذر يوجب التعزير ويأثم الجيران لسكوتهم عنه.

زاد شمس الأئمة السرخسي: ولا تقبل شهادته وإن اشتغل بتكرار اللغة حتى فاتته لا يعذر، وبتكرار الفقه ومطالعة كتبه يعذر، والأكثر أنها سنة مؤكدة، ولو تركها أهل ناحية أثموا، ووجب قتالهم بالسلاح، وفي شرح جواهر زاده: هي سنة مؤكدة غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وبه قال الطحاوي والكرخي وغيرهما.

وقال الإِمام أحمد: هي واجبة وليست بشرط. وفي كتاب الجواهر، عن مالك: هي سنة مؤكّدة وليست بواجبة إلا في الجمعة، وحكى القاضيان أبو الوليد وأبو بكر، عن بعض شيوخهم أنّها فرض كفاية، وحكى الإِمام الشافعي في كتاب الأم أنها فرض كفاية، وحكى الرافعي أنها فرض عين لكن ليست شرطًا لصحّة الفرض، وبه قال ابن خزيمة وأبو بكر بن المنذر، قال النووي رحمه الله: وقيل: إنه قول الشّافعي، وهو الصحيح من قول أحمد، والقول الآخر: لا تصح الصلاة بتركها فإن ذكر حديث: تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ، وصيغة أفضل تقتضي الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، وما لا يصح لا فضل فيه ولا يجوز أن يقال: قد يستعمل بمعنى الفاضل لما عرف في كتب النحو أن ذلك على سبيل الندور عند الإطلاق لا عند التفاضل بزيادة عدد، ويؤيّده ما في بعض طرقه: تزيد أو تضاعف على صلاته وحده فإنّ ذلك يقتضي ثبوت صلاة يزاد عليها، ولا يقال: إن ذلك محمول على صلاة المعذور فذّا؛ لأنه

ص: 68

ذكر الفذّ بالألف واللام المقيدة للعموم، فيدخل تحته كل فذّ من معذور وغيره، يؤيّده قوله: أو في سوقه؛ إذ العليل لا يكون في السوق غالبا، وعلى تقدير ذلك فصلاة المعذور أجرها كصلاة الصحيح قال عليه السلام: إذا كان العبد يعمل عملًا ثم مرض أمر الله ملائكته أن تكتب له أجر عمله في صحته، ذكره البخاري: أجيب بأن المفاضلة لا تمنع أن تقع في الواجبات أنفسها؛ أي أنّ صلاة الجماعة في حق من فرضه صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد في حق من سقط عنه وجوب صلاة الجماعة لمكان العذر بتلك الدرجات المذكورة، وهذا الجواب سبق ردّه ولله الحمد.

وزعم المهلب أن التحريق أريد به المنافقين، وإليهم يوجّه الوعيد محتجا بقوله: لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقًا، قال: وليس هذا من صفات المؤمن، وبنحوه قاله البيهقي، عن الشافعي. رأى ذلك ابن حزم وابن بطال، واستدل بعضهم به على أنّ الجماعة ليست فرض عين، ولو كانت فرضًا لما تركهم، وزعم بعضهم أنّ هذا كان أوّل الإِسلام حيث كانت العقوبة في المال.

وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف، عن الصلاة والغال في الغنيمة، وجوزوا به أخذ أهل الجرائم على غرة، وفيه دليل على أنّ تارك الصلاة متهاونًا يقتل على قول من يقول: إنَّ الخطاب للمؤمن.

وأمّا حديث ابن أم مكتوم فزعم بعضهم أنه كان مؤذنا ومستخلفا على غيره، ولأنه رخّص لغيره ولم يرخّص له؛ قلنا: قد تأوّله أبو بكر بن خزيمة والحاكم والبيهقي وأبو بكر بن إسحاق الفقيه وأبو سليمان - رحمهم الله تعالى - على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضل الجماعة وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال.

ص: 69

وقال المنذري: يحتمل أنه كان في الجمعة لا في الجماعة، وقيل: كان ذلك في أول الإسلام حين الترغيب في الجماعة وسد الباب على المنافقين في ترك حضورها، وقيل: لعلّه كان ممن ينصرف في أمر دنياه دون قائد ككثير من العميان. انتهى.

أمّا قوله في الجمعة فغير شيء؛ لأن من قدر على الجماعة لا يعذر على الجمعة بطريق الأولى، وأما قوله: لعله ممن كان ينصرف في أمر دنياه فكذلك أيضًا؛ لأنّ من استطاع المجيء في الليل قبل الناس ليؤذِّن دليل على كثرة تصرفه، والذي يظهر من هذا أنه رجل من المهاجرين الفقراء الذين لم يألفوا المدينة ولا أمكنتها فتوهم أن ذلك يكون عذرًا له في التخلّف عن الجماعة، فلما استقر قراره وألِف أمكنتها صار متصرفا بنفسه ومؤذنَا لا يحتاج إلى قائد ولا غيره.

وأمّا ترخيصه لعتبان فظاهره أنّه بعد هذا وأنّ له أعذارا منها السمن المفرط والسيل والريح الذي ابن أم مكتوم غير ملتبس بها، والله تعالى أعلم.

وفي المشكل للطحاوي: اختلف أهل العلم؛ فقالت طائفة منهم بوجوب حضور الجماعة على الضرير كوجوبها على الصحيح، وجعلوه كمن لا يعرف الطريق فلم يعذر بجهله، وعذره آخرون، وقد روي القولان جميعَا، عن أبي حنيفة؛ غير أنّ الصحيح عندنا عنه هو وجوب حضورها عليه وإلى ذلك كان يذهب محمد، ولا يحكي فيه خلافَا بينه وبين أحد من أصحابه.

ص: 70

‌باب صلاة العشاء والفجر في جماعة

29 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الأوزاعي، ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عيسى بن طلحة حدثتني عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء، وصلاة الفجر، لأتوهما ولو حبواً.

هذا حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين، وإن كان ابن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المتخلفون

الحديث. قال أبي: رواه أبان وشيبان، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو زرعة: أشبه عندي عن يحنس، وأخاف أنّ عيسى إنما صحّف فيه وأراد يحنس، قلت لأبي زرعة: إنّ مسلم بن إبراهيم روى عن أبان، عن يحيى، عن محمد، عن عيسى. قال: أخاف أن يكون غلط مسلم، ثنا أبو سلمة عن أبان، عن يحيى، عن محمد، عن يحنس، وهذا أصح من حديث مسلم. انتهى.

إذا سلم له بقوله فغير ضار؛ لأنّ يحنس بن أبي موسى المدني الداخل بينهما يخرج مسلم حديثه في صحيحه فلا ضرر في دخوله وإبداله بعيسى لكونهما ثقتين، فأيا ما كان صحّ بها الحديث، لكنّه يتعرضه علّة أخرى؛ وهي ما ذكره أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن الأوزاعي، قال: رفع إلى يحيى بن أبي كثير صحيفة وقال: اروها عني، فينظر.

ص: 71

30 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.

31 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة، لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء، كتب الله له عتقًا من النّار.

هذا حديث في سنده ضعف؛ لمكان ابن عياش؛ ولأن شيخه هنا ليس شاميا، ومن طريقه رواه سعيد بن منصور في سننه.

قال الضياء: غير أنّ النسخة التي عندنا: الظهر.

وفي كتاب العلل لأبي الحسن: من صلى في مسجدي جماعة أربعين يومًا لا تفوته الركعة الأولى من صلاة الصبح.

قال أبو الحسن: وعمارة لا نعلم له سماعًا من أنس، وتابع ابن عياش محمد بن إسحاق. ورواه يحيى بن أيوب، عن عمارة، عن رجل، عن أنس.

وفي الأوسط من حديث الحكم بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن نبيط بن عمر، عن أنس بلفظ: من صلى في مسجدي أربعين يوما لا تفوته صلاة كتب له براءة من النار ونجاة من العذاب. وقال: لم يروه، عن أنس إلا نبيط.

تفرد به ابن أبي الرجال. انتهى كلامه. وفيه نظر إن أراد أصل الحديث؛ لما

ص: 72

ذكرناه ولما يأتي بعد، وإن أراد اللفظ فغريب.

وفي كتاب المروذي: ألقيت على أبي عبد الله: يعلى عن سفيان، عن عاصم، عن أنس مرفوعا: من صلى أربعين صلاة مكتوبة يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام كتب له براءة من الشرك وبراءة من النار فأنكره، وقال: هذا من قبل يعلى، ما أكثر ما كان يغلط على سفيان، ولما ذكره الحافظ أبو سعيد محمد بن علي بن مهدي النقاش في كتاب المرفوعات من حديث إسحاق بن يزيد القرشي، عن سفيان، عن خالد بن عمير، عن أنس بلفظ: من لم تفته الركعة الأولى من صلاة الغداة أربعين ليلة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.

قال: إسحاق بن يزيد مجهول لا أدري أهو رفعه أم غيره.

وزعم الدارقطني أن أبا العلاء خالد بن طهمان الكوفي رواه، عن حبيب بن أبي عميرة الإسكاف، عن أنس، واختلف، عن أبي العلاء؛ فقيل: عنه عن حبيب بن أبي ثابت، ومن قال ذلك عنه فقد وهم. كذا قاله قيس بن الربيع وعطاء بن مسلم وهما في نسب حبيب.

وفي سؤالات عبد الله: سألت أبي، عن حديث حدّثناه خلف بن هشام البزار، ثنا عبيس بن ميمون، عن عون بن أبي شدّاد، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من غدا إلى صلاة الصبح أعطي ربع الإيمان

الحديث، فقال: هذا حديث منكر.

وفي كتاب ابن زنجويه: ثنا الخضر بن محمد حدثني هشيم أنبأنا أبو بشر حدثني أبو عمير بن أنس قال: حدثتني عمومة لي من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن

ص: 73

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ما شاهدهما منافق يعني: العشاء والفجر.

وفي صحيح مسلم عن جندب يرفعه: من صلى الصبح فهو في ذمة اللَّه، فانظر يا ابن آدم لا يطالبنك اللَّه من ذمته بشيء.

وفي كتاب السنن للبيهقي، عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما وعن ابن عمر قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والفجر أسأنا به الظن وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في شهود العتمة ليلة الأربعاء لأتوها ولو حبوا. رواه في الأوسط، وقال: لم يروه، عن هشام إلا زكريا بن منظور. تفرد به عتيق بن يعقوب الزبيري، وعن أبي الدرداء مرفوعًا: من استطاع منكم أن يشهد الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل.

رواه أبو القاسم في الكبير من حديث رجل من النخع عنه.

ص: 74

‌باب لزوم الجماعة وانتظار الصلاة

32 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا دخل المسجد، كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه.

هذا حديث اتفقا على تخريجه. وفي لفظ لمسلم: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.

وفي لفظ: لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، حتى ينصرف أو يحدث. وفي لفظ: أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة في صلاة ما لم يحدث.

وفي لفظ للسراج: ما لم يحدث أو يخرج من المسجد. وفي لفظ: من انتظر صلاة فهو في صلاة حتى يصليها.

33 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة ثنا ابن أبي ذئب عن المقبري، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر، إلا تبشبش اللَّه إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم.

هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه، عن عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عثمان بن عمر، ثنا ابن أبي ذئب وقال يريد: نظر اللَّه إليه بالرأفة

ص: 75

والمحبة لذلك الفعل.

وصححه أيضًا أبو محمد الإشبيلي، وخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن ابن أبي ذئب بلفظ: لا يوطن عبد المسجد للصلاة والذكر إلا تبشبش اللَّه به إذا خرج من أهله.

ولفظ أبي بكر بن أبي شيبة في مسنده: ما يوطي رجل بالياء كذا رأيته في غير ما نسخة. ورواه الحاكم في مستدركه، عن عبدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن ابن يسار وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد خالف الليث بن سعد ابنَ أبي ذئب؛ فرواه عن المقبري، عن أبي عبيدة عن سعيد بن يسار بلفظ: لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه

الحديث.

34 -

حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا النضر بن شميل، ثنا حماد، عن ثابت، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو قال: صلينا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا، قد حفزه النفس، قد حسر عن ركبتيه فقال: أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء، ويباهي بكم الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى.

هذا حديث إسناده صحيح على رسم الجماعة.

35 -

حدثنا أبو كريب، ثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد

ص: 76

المساجد، فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية.

هذا حديث ضعيف الإسناد براويه رشدين المذكور قبل، وبه رده أبو أحمد بن عدي لما ذكره في كامله. ورواه البغوي في مسنده بسند ضعيف أخرج به رشدين بن سعد منه، وخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، عن أبي خيثمة، ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن مطرف بن عبد الله أن نوفا وعبد الله بن عمرو اجتمعا، فقال نوف: أجد في التوراة: لو أن السماوات والأرض وما فيهن وضعن في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن، ولو أن السماوات والأرضين السبع وما فيهن كن في طبق من حديد، وقال عبد: لا إله إلا الله كن فيهن حتى يصير إلى اللَّه تعالى فقال ابن عمرو: أنا أحدّثك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: صلينا معه ذات ليلة المغرب، فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء قبل أن يثوب الناس لصلاة العشاء الآخرة، وقد حفزه النفس، وقد عقد تسعَا وعشرين وأشار بإصبعه السبابة إلى السماء وهو يقول: أبشروا يا معشر المسلمين، هذا ربكم فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي هؤلاء

الحديث.

ولفظ الطبراني في الأوسط وخرجه من حديث ابن لهيعة، عن دراج، قال عليه السلام: من ألف المسجد ألفه اللَّه تعالى.

وقال: لم يروه عن دراج إلّا ابن لهيعة، تفرد به عمرو بن خالد الحراني، وخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود، عن محمد بن الحسن بن أبي

ص: 77

يزيد الهمداني، عن ابن لهيعة عن دراج به. ورواه الترمذي، عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، وقال: حديث حسن غريب. كذا قاله، والمعهود منه تصحيح هذا الإسناد؛ فإنّه لما ذكر حديث:{وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} من حديث سويد عن ابن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن دراج، عن أبي الهيثم قال: حسن صحيح غريب.

وممن يصحح هذا السند: ابن معين وابن خزيمة، وأمّا ابن حبان فإنه خرجه في صحيحه، عن عبد الله بن محمد بن سلم، ثنا حرملة بن يحيى، عن ابن وهب. وخرجه الحاكم في مستدركه، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر قرئ على ابن وهب أخبرك عمرو به، وقال: هذه ترجمة المصريين، لم يختلفوا في صحتها، وصدقوا في روايتها؛ غير أن شيخي الصحيح لم يخرّجاه، وقد سقت القول في صحته فيما بعد، ولفظ الإمام أحمد، وخرجه عن سريج أنبأنا ابن وهب، عن عمرو: فاشهدوا عليه بالإيمان.

وفي الباب حديث أنس من عند البخاري: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه بعد ما صلى فقال: لم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها. وفي لفظ عند البيهقي من حديث صالح المري، عن ثابت، عن أنس مرفوعَا: إنّ عمار بيوت اللَّه هم أهل اللَّه عز وجل. وحديث طارق بن شهاب يرفعه: وأما الكفارات: فإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام

ص: 78

إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلوات. رواه في الأوسط، وقال: لم يروه، عن أبي سعد البقال - يعني، عن قيس بن مسلم - عنه إلّا القاسم بن مالك المزني. تفرد به فروة بن أبي المغراء.

وحديث أبي موسى مرفوعا من عند مسلم: والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام في جماعة أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام.

وحديث علي بن أبي طالب قال صلى الله عليه وسلم: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا. رواه ابن زنجويه من حديث الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن أبي العباس، عن ابن المسيب عنه.

وقال الدارقطني: ورواه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن ابن المسيب، فأسنده عن أبي سعيد الخدري، وكلاهما ضعيفان.

وقال البزار: هكذا رواه صفوان، عن الحارث، عن سعيد.

. وحديث عبد اللَّه بن حبيب: حدّثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.

ص: 79

رواه ابن زنجويه بسند صحيح من حديث ابن السائب عنه.

وحديث عبد الله بن عمر مرفوعا من جملة حديث طويل: فأمّا الكفّارات فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجمعات. قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن سعيد بن جبير إلّا عطاء بن دينار، ولا عن عطاء إلّا ابن لهيعة. تفرد به الوليد بن عبد الواحد التميمي، ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد.

وحديث المنكدر قال: أَخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة هنيهة ثم خرج علينا فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: الصلاة، قال: أما إنكم لن تزالوا فيها ما انتظرتموها.

رواه أبو القاسم في الصغير من حديث القاسم بن الحكم العرني، عن عبد الله بن عمرو بن مرّة، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر عنه، وقال: لم يروه عن ابن سوقة إلا عبد الله بن عمرو، تفرد به القاسم بن الحكم.

وحديث خولة ابنة قهد زوج حمزة بن عبد المطلب، قال عليه السلام: ألا أنبئكم بكفارات الخطايا؟ فقلت: بلى، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

ذكره ابن المديني في كتاب الصحابة من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج، عن الضحاك بن عبد الله القرشي، عن محمود بن لبيد عنها.

وفي كتاب الجامع لمعمر عن عطاء الخراساني رفع الحديث: إن للمساجد أوتادا، جلساؤهم الملائكة يتفقدونهم فإن كانوا في حاجة أعانوهم، وإن مرضوا

ص: 80

عادوهم، وإن غابوا افتقدوهم، وإن حضروا قالوا: اذكروا ذكركم الله تعالى.

وحديث عقبة بن عامر الجهني قال صلى الله عليه وسلم: القاعد في المسجد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه. رواه البستي في صحيحه عن عبد الله بن سلم، ثنا حرملة.

وفي لفظ: إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه أو كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات.

وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى عن عقبة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن الحارث؛ رواه عن زغبة، ثنا ابن أبي مريم أنبأنا يحيى بن أيوب عنه، وفيه نظر لما أسلفناه، ولما في كتاب الثواب لآدم، ثنا عياش، ثنا ابن وهب به.

وحديث ابن مسعود يرفعه: من أتى المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة ما لم يحدث. خرجه أبو نعيم الحافظ في كتاب المساجد من حديث أبي إسحاق عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عنه. وقال أبو حاتم في العلل: الصحيح عندي، عن عمرو قوله: وعجب ممن أدخل فيه عبد الله.

وحديث سهل بن سعد يرفعه: من كان في مسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة.

رواه أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في مسنده، عن قتيبة، وابن حبان عن ابن الجنيد عن قتيبة عنه، حدثنا بكر بن مضر، عن عياش بن عقبة أن يحيى بن ميمون حدّثه عنه، وحديث عبد الله بن سلام يرفعه: من جلس مجلسا ينتظر الصلاة، فهو

ص: 81

في صلاة حتى يصلي. رواه مسلم.

وحديث عثمان بن مظعون قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّي أردت أن أترهب، قال: لا تفعل فإن ترهب أمتي القعود في المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.

ذكره أبو سعيد النقاش في كتابه وقال: لا أعرف في إسناده واحدا منهم، وحديث أبي سعيد مرفوعا: ألا أدلكم على شيء يكفر الخطايا، ويزيد في الحسنات: إسباغ الوضوء على المكاره

الحديث.

قال عبد الله، عن أبيه في كتاب العلل: هذا باطل، يعني من حديث عبد اللَّه بن أبي بكر، عن ابن المسيب عنه، إنما هو من حديث ابن عقيل، وأنكره أيضا أشد الإنكار، وقال: ليس بشيء - يعني ابن عقيل.

قال ابن سيده: البش: اللطف في المسألة والإقبال على الرجل، وقيل: هو أن يضحك إليه ويلقاه لقاء جميلا، والمعنيان مقتربان، رجل بش وباش، وقد بششت به وبشاشة قال:

لا يعدم السائل منه وقرا

وقلبه بشاشة وبشرا

وروي بيت ذي الرمة:

ألم تعلمي أَنا نبش إذا دنت

بأهلك منا طِيّه وحلول

بكسر الباء فأمّا أن يكون بششت مقولة، وإمّا أن يكون مما جاء على فعل يفعل، والبشيش كالبشاشة، قال رؤبة:

وأرى الزناد مسفر البشبش

وتبشش به وتبشبش مفكوك من تبشش. وقال أبو نصر: البشاشة: طلاقة الوجه. وقال يعقوب: لقيته فتبشبش بي وأصلها

ص: 82

تبشش فأبدلوا من الشين الوسطى ياء، كما قالوا: تجفف، وقال الفراء: بش الرجل بصاحبه بشا وبشاشة: إذا ضحك إليه واستبشر به ولقيه بأحسن أخلاقه، وبشّ الرجل يبش: إذا برق، والبشاشة: النضرة.

ومنه قول الشاعر:

ذهبت بشاشته وأصبح واضحا

حرق المفارق كالبراء الأعفر

وقال آخر:

ورأت بأنّ الشيب جانبه البشاشة والبشارة

وقال ابن طريف، وابن نفطويه: بششت بالشيء: أقبلت عليه وضحكت إليه، وكل هذا متعذّر في حقّ الباري عز وجل وقد أحسن الهروي إذ قال: هذا مثل ضربه الله لتلقيه إياه ببره وإكرامه

ص: 83

وتقريبه، وقال ابن الأعرابي: البش: فرح الصديق بالصديق، وقال ابن الأنباري: التبشبش من الله: الرضا، يقال: تبشبش فلان بفلان: إذا وانسه.

وقال ابن بطال: معنى قوله: ما لم يحدث دليل على أنّ الحدث في المسجد خطيئة يحرم به استغفار الملائكة ودعاؤهم له، قيل: ومن أراد أن يحط الله عنه ذنوبه فليلازم مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من استغفارهم له.

وشبه عليه السلام المنتظر للصلاة بالزائر، وقد فسّر أبو هريرة الحدث بأنه فساء أو ضراط.

وذكر ابن حبيب النخعي، عن عبد الله بن أبي أوفى أنّه قال: هو حدث الإثم، وكان أبو الدرداء وعلي بن أبي طالب والنخعي وعطاء وسعيد بن جبير: يجوزون للمحدث الجلوس في المسجد، وكرهه الحسن وابن المسيب. وقال الداودي: من رواه بالتخفيف دل على جواز الحدث في المسجد، ومن رواه بالتشديد أراد الحدث بغير ذكر اللَّه تعالى. قال ابن التين: لم يذكر أحد التشديد وقد جاء حديث صححه الحاكم وظاهره يعارض الإيطان، وهو نهيه عليه السلام عن إيطان المساجد كما يوطنه البعير، وليس كذلك؛ لأنه محمول على تحجير مكان في المسجد من أن يصلي فيه غيره كما يفعله كثير ممن يدّعي الرئاسة، وأمَّا من صلى في المسجد دائبا أي فرجة أو مكان صلى فيه، فذاك هو المتبشبش به، والله تعالى أعلم.

ص: 84

‌باب إقامة الصلاة والسنة فيها

‌باب افتتاح الصلاة

36 -

حدثني علي بن محمد الطنافسي، ثنا أبو أسامة حدثني عبد الحميد بن جعفر، ثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي يقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: اللَّه أكبر.

هذا حديث خرجه ابن ماجه في مواضع من كتاب الصلاة أتمها عن ابن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الحميد بن جعفر، ثنا محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن ربعي قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان عليه السلام إذا قام في الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي بها منكبيه ثم قال: الله أكبر، وإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ورفع يديه اعتدل، فإذا قام من الثنتين كبّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.

ثنا ابن بشار ثنا أبو عامر، ثنا فليح، ثنا عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد الساعدي وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللَّه، إن النبي عليه السلام قام فكبّر، ورفع يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه واستوى، حتى رجع كل عظم إلى موضعه.

وخرجه أبو حاتم البستي في صحيحه من رواية عمرو بن علي، عن يحيى بن

ص: 85

سعيد، عن عبد الحميد مطولَا.

ورواه ابن خزيمة أيضا من حديث سهل بن سعد وأبي حميد وأبي أسيد الساعدي، ومن حديث عبد الحميد، وفيه: فيهم أبو قتادة.

وذكر ابن عساكر في كتاب كريب المقبري: حدّثني الشيخ أبو عبد الله طرخان ابن ماضي المقرئ الفقيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وسأله عن حديث أبي حميد في كيفية الصلاة، فقال: صدق أبو حميد، وأثنى عليه.

ورواه أبو داود من حديث عبد الحميد بلفظ: قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فلم؟ فواللُّه ما كنت بأكثرنا له تبعة، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان إذا قام إلى الصلاة، يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر حتى يقر كلّ عظم في موضعه معتدلا، ثم يقرأ: ثم يكبّر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا يصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ثم يقول: اللَّه أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبّر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متورّكَا على شقّه الأيسر، قالوا: صدقت هكذا

ص: 86

كان يصلي صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو العامري: فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه، ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده، وقال: وإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة.

وفي حديث ليث عن يزيد: فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة.

وفي حديث عباس بن سهل: ثم رفع رأسه - يعني من الركوع - فقال: سمع اللَّه لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد، ورفع يديه ثم قال: اللَّه أكبر، فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه، وهو ساجد ثم كبّر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى، ثم كبّر فسجد ثم كبّر، فقام ولم يتورك، قال: ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هوى أراد أن ينهض للقيام قام بتكبيرة ثم ركع الركعتين الأخريين، ولم يذكر التورك في التشهد.

وفي لفظ: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليه ووتر يديه فتجافى عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحا يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كلّ عظم في موضعه حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجله - يعني اليسرى - فأقبل بصدر اليمنى على قبلته، فوضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفّه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه.

ص: 87

قال أبو داود: روى هذا الحديث عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل فلم يذكر التورك، وذكر حديث فليح، وذكر الحسن بن الحر نحو جلسة حديث فليح وعتبة قال: وإذا سجد فرَج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه.

وزعم الدارقطني في كتاب الأفراد والغرائب أنّ زهير بن معاوية تفرد به عن الحسن، ولم أره إلّا عند أبي بدر شجاع بن الوليد عنه.

وقال أبو بكر البزار في كتاب السنن من تأليفه: وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن زهير عن الحسن إلا شجاع بن الوليد، وهو في صحيح البخاري من حديث الليث، عن خالد بن سعيد، عن محمد بن عمرو بن عطاء ح، وحدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو أنه كان جالسًا مع نفر من الصحابة فذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد بلفظ: رأيته إذا كبّر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كلّ فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الآخرة قدّم رجله اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مقعدته

الحديث.

قال: وقال أبو صالح عن الليث: فقار ظهره، وقال ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب عن ابن أبي حبيب أن محمد بن عمرو بن حلحلة قال: كلّ فقار.

ولما ذكر ابن حبان في صحيحه حديث سهل بن سعد، عن أحمد بن يحيى، ثنا ابن بشار، عن العقدي ثنا فليح بلفظ: ثم عاد من الركعة الأخيرة، وكبر كذلك، ثم جلس

ص: 88

بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام كبر، ثم ركع الركعتين الأخريين، فلمّا سلّم، سلم على يمينه: سلام عليكم ورحمة الله، سلم عن يساره: سلام عليكم ورحمة الله قال: سمع هذا الخبر محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد، وسمع من عباس بن سهل، عن أبيه، قال: فالطريقان جميعًا محفوظان، ومتناهما متباينان، وقد يتوهّم غير المتبحر في صناعة الحديث أنّ خبر أبي حميد معلول وليس كذلك، وعاب ابن القطان على أبي محمد إيراده حديث محمد بن عمرو في عشرة من الصحابة فيهم أبو قتادة.

قال: وهذا يجب فيه التثبّت، فإن أبا قتادة توفي زمن علي بن أبي طالب، وهو صلى عليه، وكان ممن قتل معه، وسنُّ محمد بن عمرو مقصرة عن إدراك ذلك، وقد قيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك: من أنه توفي سنة أربع وخمسين، وليس ذلك بصحيح، بل الصحيح ما ذكرناه، وقتل علي سنة أربعين.

وقد ذكر هذا الذي قلناه الطحاوي، قال: والذي رواه محمد بن عمرو غير معروف ولا متصل؛ لأن في حديثه أنه حضر أبا حميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قتل مع علي فأين سن محمد من هذا.

ويزيد هذا المعنى تأكيدا أن عطاف بن خالد روى هذا الحديث فقال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء قال: حدثني رجل أنه وجد عشرة من الصحابة جلوسا فذكر نحو حديث أبي عاصم، وعطاف بن خالد أبو صفوان القرشي مدني ليس بدون عبد الحميد، وإن كان البخاري حكى أن مالكًا لم يحمده، فإن ذلك لا يضره إذ لم يكن من مالك بأمر مفسر يجب لأجله ترك روايته.

ص: 89

وقد اعترض مالكًا في ذلك الطبري بما ذكرناه من عدم تفسيره، وبأمر آخر لا نراه صوابًا؛ وهو أن قال: وحتى لو كان مالك قد فسّر لم يجب أن نترك بتجريحه رواية عطاف حتى يكون معه مجرح آخر.

قال: وإنّما لم نر هذا صوابا لوجهين:

أحدهما: أنّ هذا المذهب ليس بصحيح؛ بل إذا جرح واحد بما هو جرحة قبل.

الثاني: هو أن غير مالك قد وجد عنه أيضا مثل ما ذهب إليه مالك، وهو ابن مهدي؛ فإنّه ذهب إليه فلم يرضه، وغير هذين يوثقه.

وقول أبي حاتم فيه: ليس بذاك يعني: ليس بأعلى ما يكون.

قال ابن القطان: ولعلّه أحسن حالا من عبد الحميد بن جعفر وهو قد بيّن أنّ بين ابن عمرو وبين أولئك الصحابة رجلًا، وقد تقدم عدم تعاصر ابن عمرو وأبي قتادة، وجاءت رواية عطاف عاضدة لما قد صحّ وفرغ منه.

وقد رواه عيسى بن عبد الله بن مالك الدار، عن محمد بن عمرو، عن عياش أو عباس بن سهل، وعيسى حاله مجهولة. انتهى كلامه. وفيه نظر من وجوه:

الأول: ليست حال عيسى مجهولة، وإن كان ابن المديني قال: لم يرو عنه إلا ابن إسحاق فهو مجهول.

وقال البيهقي في المعرفة: ليس مشهورا، وقد اختلف في اسمه فقيل: عيسى بن عبد اللَّه، وقيل: ابن عبد الرحيم، وقيل: عبد الله بن عيسى فغير صواب؛ لأنه ممن روى عنه ابن لهيعة والحسن بن الحرّ، ووثقه ابن حبان وخرّج حديثه في صحيحه.

ص: 90

الثاني: تصحيحه وفاة أبي قتادة زمن علي، وتضعيف غيره وليس هو بأبي عذرة ذلك؛ لتقدّم أبي عمر به في موضع.

وقال في كتاب الاستغناء بمعرفة الكنى: مات سنة أربع وخمسين، ويقال في خلافة علي جعله قولًا مرجّحًا، وهو الصواب لما ذكره البخاري من أنّ مروان بن الحكم لما كان على المدينة أرسل إلى أبي قتادة ليريه مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الحديث ذكره في تاريخه الكبير تعليقا.

وقال في الأوسط: وذكره في فصل من مات بعد الخمسين إلى الستين.

حدثني إبراهيم بن حمزة، ثنا موسى بن شيبة من ولد كعب بن مالك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن مروان

الحديث.

وثنا أحمد بن أبيِ بكر، عن موسى بن شيبة، بن عمرو بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أمه، عن جدّته خالدة بنت عبد اللَّه بن أنيس أنَّ أباها توفي بعد أبي قتادة بنصف شهر. انتهى.

مروان إنّما كان على المدينة في أيام معاوية بعد قتل علي بدهر، وإلى هذا القول مال يحيى بن بكير: فقال: توفي سنة أربع وخمسين، وكذا قال أيضَا خليفة بن خياط المعروف بشباب في تاريخه الكبير، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن نمير، والباوردي، في كتاب الصحابة تأليفه، وابن حبان والحاكم أبو أحمد، وأبو عبد الله ابن منده، وأبو عيسى الترمذي، وأبو جعفر الطبري في مذيله، وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب. وقال ابن سعد في

ص: 91

الطبقات الكبير: أنبأنا محمد بن عمر، حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن أبي قتادة قال: توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة.

قال محمد بن عمر: ولم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافًا أنّ أبا قتادة توفي بالمدينة، وروى أهل الكوفة: أنّه توفي بالكوفة، وصلّى عليه علي، واللَّه أعلم.

وجزم أبو القاسم بن منيع بصحة هذه الرواية ووهى غيرها، وكذا قاله أيضًا عبد الغني بن سرور المقدسي.

قال البيهقي في المعرفة، واستشهاد أبي جعفر على انقطاع الحديث بوفاة أبي قتادة قبله خطأ، فإنّه إنّما رواه موسى بن عبد اللَّه بن يزيد أن عليًا صلى على أبي قتادة وكان بدريًا.

ورواه أيضًا الشعبي منقطعًا، وهو غلط لإجماع أهل التواريخ على أنَّه بقي إلى سنة أربع وخمسين، وقيل: بعدها، والذي يدلّ على هذا أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن وعبد اللَّه بن أبي قتادة وعمرو بن سليم الزرقي وعبد الله بن رباح الأنصاري سمعوا من أبي قتادة، وإنّما حملوا العلم بعد أيّام علي، ولم يثبت لهم عن أحد ممن توفي أيام علي سماع.

وروينا عن ابن عقيل أنَّ معاوية لما قدم المدينة في خلافته تلقته الأنصار وتخلّف أبو قتادة، وروينا من طريق صحيحة أنَّ أم كلثوم ابنة علي امرأة عمر بن الخطاب لماَّ توفيت هي وأمها، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس يومئذ أبو هريرة وأبو قتادة وابن عباس.

وعلى تقدير صحَّة دعوى أبي جعفر، فالحجة قائمة بروايته، عن أبي حميد التي لا شك فيها، وقد وافق ابن حلحلة عبد الحميد.

ص: 92

ومذهب اشّافعي متابعة السنة إذا ثبتت، وقد قال في حديث أبي حميد: وبهذا نقول، وقال ابن حزم في محلاه: من زعم أنّ أبا قتادة توفي زمن علي وهم، وإنّ ذلك قول الرافضة، والقصاص، ومن لا يعتمد عليه.

الثالث: ما ذكر من انقطاع ما بين محمد بن عمرو وأبي قتادة مردود بما أسلفناه، وبتصريحه هو بسماعه منه عند أبي حاتم بن حبان في صحيحه الذي زعم أنه لا يخرج فيه إلّا حديثا متصلا، إذ رواه عن محمد بن إسحاق مولى ثقيف، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الحميد، ثنا محمد بن عمرو قال: سمعت أبا حميد في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم: أبو قتادة، وثنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر، وكان أسود من رأيت، ثنا ابن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الحميد بن جعفر فذكره، ثم قال: عبد الحميد هذا أحد الثقات المتقنين قد سبرت أخباره فلم أره تفرد بحديث منكر لم يشارك فيه، وقد وافق فليحا وعيسى بن عبد اللَّه، عن محمد بن عمرو عبد الحميد في هذا الحديث، وعند الحافظ ابن خزيمة في صحيحه، عن بندار ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الحميد، حدّثني محمد بن عمرو، عن أبي حميد الساعدي قال: سمعته في عشرة من الصحابة أحدهم أبو قتادة قال: كان عليه السلام إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخَّر رجله اليسرى، وقعد

ص: 93

على شقّه متوركا، ثم سلّم. وفي خبر أبي عاصم: أخّر رجله اليسرى وجلس على شقّه الأيسر متورّكا.

وقال البزار: ثنا يحيى بن حكيم، ثنا القطان، ثنا عبد الحميد، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي حميد قال: سمعته يقول: وهو في عشرة من الصحابة أحدهم أبو قتادة فذكره، قال: وثنا محمد بن مثنى، ثنا أبو عامر، ثنا فليح، ثنا العباس، عن أبي حميد في عشرة من الصحابة فذكره بنحوه ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي حميد بأحسن من هذين الإسنادين، وخرّجه الدارمي في مسنده، عن أبي عاصم.

وقد خرج البخاري في تاريخه بسماعه من أبي قتادة وغيره.

وقال البيهقي: ما ذكره الطحاوي من عدم سماعه منه ليس كذلك.

ولما ذكره ابن سرور: جزم بسماعه منه ولم يعهد من محمد تدليس، ولو صحَّ عنه لدفع بتصريحه بالسّماع على لسان ثقة، ولم أر أحدا أنكر سماعه منه إلا الطحاوي بما استدلّ به، وقد بينا عدم صوابه.

الرابع: الإسناد الموصل إلى عطاف لم يذكره حتى يعرف صحة الطريق إليه أو عدمها، ولا أعرف موضعه الآن إلّا قول البيهقي: وأمّا إدخال من أدخل بين محمد وأبي حميد رجلا فإنّه لا يوهنه؛ لأنّ الذي فعل ذلك رجلان أحدهما: عطاف، وكان مالك لا يحمده، والثاني: عيسى بن عبد الله، فروى عن الحسن بن الحر، عن عيسى، عن محمد بن عمرو عن عياش - أو عباس - بن سهل، عن أبي حميد. انتهى كلامه، وليس فيه ما يتعرّف به طريقهما

ص: 94

على أنّ ما أسلفناه من عند أبي داود يرد هذا، والله أعلم.

الخامس: قوله: وغير مالك وابن مهدي يوثقّه غير صواب؛ لقول أبي حاتم ابن حبان فيه: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به إلّا فيما يوافق الثقات.

وفي مكان آخر: كان منكر الحديث، روى عن نافع، عن ابن عمر ما ليس من حديثهما. وقال البزار: حدّث عن نافع بأحاديث لم يتابع عليها، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء: حكى عن ابن عبد الرحيم أنه قال: عطاف بن خالد ليس بالقوي.

السادس: قوله: إنّ مالكًا لم يجرحه بجرح مفسّر مردود؛ بما ذكره الحافظ ابن تميم مؤرّخ القيروان عن عباس بن محمد، حدثني من سمع عمر بن سليمان يحدّث عن عبد اللَّه بن أحمد بن شبويه قال: سمعت مطرف بن عبد الله يقول: سمعت مالكًا يقول: ويكتب عن مثل عطاف، لقد أدركت في هذا البلد سبعين شيخًا كلّهم خير من عطاف ما كتبت عنهم، وإنما يكتب العلم عن قوم جرى فيهم العلم مثل عبيد الله بن عمر.

وقال عبد الملك بن عبد الرحمن الحزامي: قيل لمالك: حدّث عطاف، قال: أو قد فعل؟ ليس هو من إبل القباب.

وقال محمد بن سليمان عن مطرف قال: قال مالك: عطاف يحدّث؟ قلت: نعم، قال: فأعظم ذلك إعظاما شديدا.

السابع: قوله في عطاف: ولعلّه أحسن حالا من عبد الحميد غير صحيح؛ لأنّ عبد الحميد خرج حديثه الشيخان في صحيحيهما على سبيل الاحتجاج، وعطاف لم يخرّج له أحد اشترط صحة فيما رأيت واللَّه تعالى أعلم.

ص: 95

ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث عبد الحميد هذا، قال: أصله صحيح، ورواية العباس بن سهل عن أبي حميد مرسلة.

37 -

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدثني جعفر بن سليمان الضبعي حدثني علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك.

هذا حديث رواه أبو عيسى بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبّر، ثم يقول، وفي آخره: الله أكبر كبيرًا، ثم يقول: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم قال: قد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وكذا ذكره السعدي عن أحمد وفيه نظر؛ لأنه مخرّج في مسنده، وهو لا يخرج غير صحيح عنده كما أسلفناه من كلام أبي موسى، فقال: حدّثنا ابن آتش، عن جعفر بزيادة: ويقول: لا إله إلا اللَّه ثلاثًا، ويقول: الله أكبر ثلاثًا، ويقول: أعوذ بالله السميع العليم؛ ولأنّ ابنه عبد اللَّه والمروذي لما سألاه عن هذا الحديث أجاب بغير ما ذكره لفظًا، ومعنى الترمذي، يتبيّن ذلك بإيراد كلاميهما.

قال عبد اللَّه بن أحمد: سألت أبي عن حديث أبي سعيد حديث علي بن علي، فلم يحمد أبي إسناده.

قال عبد اللَّه: لم يروه عنه إلا جعفر بن سليمان.

وفي سؤالات المروذي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك: حديث حارثة، وحديث

ص: 96

أبي سعيد حديث علي بن علي، وذكر له حديث جبير بن مطعم، فقال: ما أدفع من هذا شيئًا، وسأل حرب الكرماني أحمد عن علي بن علي؟ فقال: لم يكن به بأس، وينظر في كلام الترمذي أيضًا في قوله: إنّ يحيى بن سعيد كان يتكلّم في علي، فإني لم أره عند غيره، وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة ووكيع والنسائي ومحمد بن عمار، وأثنى عليه شعبة وأبو داود وأبو نعيم وعفّان. وقال ابن خزيمة: لا نعلم في هذا خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المعرفة بالحديث، وأحسن إسناد نعلمه روي في هذا خبر أبي المتوكل عن أبي سعيد، ثم ذكره بلفظ: كبر ثلاثا ولا إله إلا الله ثلاثا، قال: ولم نسمع عالماً في الدنيا في قديم الدهر، وحديثه استعمله على وجهه، ولا حكى لنا عمن لم يشاهده. وقال أبو علي الطوسي الحافظ: حديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب. ورواه الدارقطني في سننه بما بيّن أنّ علّته ليست من علي بن علي إنما هي الانقطاع، فقال: حدّثنا إسماعيل بن يونس بن ياسين ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا علي بن علي الرفاعي: قال: ثنا إسحاق وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد به، كذا هو في نسختي التي هي بخط المبارك بن كامل الخفاف الحافظ، وأصل سماعه واستظهرت بنسختين صحيحتين فقط، والمعروف أنّ عليًا هو المشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلعلّ إسحاق بن أبي إسرائيل هو القائل في علي ذلك، ولكنها في هذه الأصول: ثنا إسحاق كما بينته لك، واللَّه أعلم.

ص: 97

وذكر أبو داود علّة ثانية إثر تخريجه إيّاه بزيادة قوله بعد: ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلّا الله ثلاثا. وفي آخره: ثم نقرأ، يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن، والوهم من جعفر.

وقال أبو محمد الإشبيلي: هذا أشهر حديث في هذا الباب على أنهم يرسلونه عن علي، عن أبي المتوكل، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الحسن بن القطان: هذا خطأ من القول ولا يعرف هكذا، وإنّما هو إمَّا مسند عن أبي سعيد، وإمَّا مرسل كما قاله أبو داود، وإما عن أبي المتوكل فلا أعلمه.

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا رواه عن أبي المتوكل إلّا علي بن علي، وهو بصري ليس به بأس، روى عنه غير واحد.

ولما ذكره ابن طاهر في كتاب التذكرة رده بأنّ عليا كان ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، ويشبه أن يكون مراد أحمد في قوله: لا يصح يعني الزيادة التي فيه يدلّ عليه قول الترمذي:

وأمّا أكثر أهل العلم فقالوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك.

38 -

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد ثنا محمد بن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت

ص: 98

بين التكبيرة والقراءة قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كالثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد.

هذا حديث اتفقا على تخريجه، وفي كتاب الميموني عن أحمد، وسأله عن حديث أبي هريرة في الاستفتاح، قال: هذا إسناد جيد، وما أحسن حديث أبي هريرة في الاستفتاح إلّا أنّ عليا يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح شيئا حسنا بإسناد حسن.

39 -

حدّثنا علي بن محمد وعبد اللَّه بن عمران ثنا أبو معاوية، ثنا حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك.

هذا حديث قال فيه الإمام أحمد وسأله عنه أبو طالب: حارثة هو: حارثة بن أبي الرجال ضعيف ليس بشيء.

وقال الشافعي: إنّ أول ما نبدأ بقوله وفعله ما كان في كتاب الله تعالى وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: قد رويت هذا القول عن النبي من حديث بعض أهل مدينتكم، قلنا له ولبعض من حضره: أحافظ من رويت عنه هذا القول، ويحتج بحديثه؟ فقال عامّة من حضره: لا، ليس بحافظ، قال: فقلت: كيف يجوز أن يعارض برواية من لا يحفظ ولا يقبل حديث مثله على الانفراد برواية من يحفظ ويثبت حديثه.

قال البيهقي في المعرفة: إنما أراد أبو عبد اللَّه حديث حارثة، عن عائشة.

ص: 99

وقال الحافظ أبو علي الطوسي في أحكامه وأبو عيسى: لا نعرفه من حديث عائشة إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلّم فيه من قبل حفظه. انتهى كلاميهما، وفيه نظر؛ لما ذكره أبو الحسن، ثنا ابن صاعد، ثنا أبو الأزهر، ثنا سهل ابن عامر أبو عامر البجلي، ثنا مالك بن مغول، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد ابن عمير على عائشة، فسألناها عن افتتاح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وفيه أيضًا نظر؛ لما تقدّم من عند ابن ماجه، ولما ذكره أبو داود عن حسين بن عيسى، ثنا طلق بن غنام، ثنا عبد السلام بن حرب، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة به، ثم قال: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام لم يروه إلا طلق، وقد روى قصة الصلاة جماعة عن بديل لم يذكروا فيه شيئَا من هذا، كذا هو في رواية اللؤلؤي وابن العبد، وابن داسة: جماعة غير واحد.

وذكر الدارقطني عنه زيادة: وليس هذا الحديث بقوي.

وقال البيهقي في المعرفة: ليس بمحفوظ، وخالف ذلك الحاكم، فقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح الإسناد فذكر حديث حارثة وقال: إن لم يكن مالك يرضاه، فقد رضيه أقرانه من الأئمة، ولا أحفظ في

ص: 100

قوله: سبحانك اللهم وبحمدك أصح من هذين الحديثين.

وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي: رواته ما علمت فيهم مجروحًا،، والثقة تقبل زيادته وما ينفرد به. انتهى كلامهما. وفيه نظر؛ لخفاء علّته الحقيقية عليهما، وهي انقطاع ما بين أبي الجوزاء أوس بن عبد الله وعائشة، فإنّه لم يسمع منها شيئَا، نص على ذلك أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب التمهيد والإنصاف، وسيأتي لذلك زيادة بعد.

وفي كتاب الكشي عن حجاج، ثنا همام، عن أبان بن أبي عياش، ثنا أبو الجوزاء بلفظ: وأدخل في الصلاة قال: اللَّه أكبر، قال: ونحن نقول: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، فذكره، وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت وعليك توكلت، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض. فذكر حديثا طويلا نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وفي كتاب أبي الحسن: ثنا محمد بن عمرو بن البختري، ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية، عن حارثة بزيادة: ورفع يديه حذو منكبيه، ثم قال الحديث. وفي الباب غير ما حديث من ذلك: حديث جابر بن عبد الله أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كان إذا استفتح الصلّاة كبر ثم قال: إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للَّه رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلّا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق، لا يقي سيئها إلّا أنت.

رواه أبو عبد الرحمن بإسناد صحيح، عن عمرو بن عثمان، ثنا شريح بن يزيد الحضرمي - يعني الموثق عند ابن حبان - أخبرني شعيب، حدّثني ابن المنكدر عنه، ثم

ص: 101

قال أبو عبد الرحمن: هو حديث حمصي رجع إلى المدينة ثم إلى مكة.

وفي السنن للبيهقي: ورواه عبد اللَّه بن عامر الأسلمي: وهو ضعيف عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب كذا قاله.

وفي كتاب ابن عدي: رواه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ليس بشيء عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، وكذا ذكره أبو الفضل بن طاهر في كتاب التذكرة تأليفه، ولعلّه أشبه مما قاله البيهقي.

وفي كتاب الدارقطني من حديث يزيد بن عبد ربه عن شريح: ومحياي ومماتي وقال: وأنا أوّل المسلمين.

قال شعيب: قال لي ابن المنكدر وغيره من فقهاء أهل المدينة: إن قلت أنت هذا فقل: وأنا من المسلمين.

وحديث أبي أمامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرّات ثم قال: لا إله إلا اللَّه ثلاث مرات وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات ثم قال: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

رواه أحمد في مسنده من حديث يعلى بن عطاء عن رجل.

وفي رواية: عن شيخ من أهل دمشق أنه سمع أبا أمامة. ورواه أبو نعيم، عن شريك، عن يعلى، حدثني شيخ بالمزابلة عنه.

ص: 102

وحديث أنس: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبّر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ثم يقول: سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك. رواه الدارقطني بإسناد صحيح، عن ابن صاعد، ثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي، ثنا محمد بن الصلت، ثنا أبو خالد الأحمر، عن حميد عنه.

وقال ابن الجوزي: رجال إسناده كلّهم ثقات، وكذلك قاله الشيخ موفق الدين بن قدامة، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عنه قال: هذا حديث كذب لا أصل له ومحمد بن الصلت لا بأس به، كتبت عنه.

وحديث عمر بن الخطاب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبّر للصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك، فإذا تعوذ قال: أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه.

رواه الدارقطني، عن عثمان بن جعفر بن محمد الأحول، ثنا محمد بن نصر المروزي، ثنا عبد الله بن شبيب، ثنا إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة، عن أبيه، عن نافع، والمحفوظ، عن عمر من قوله: يعني المخرج عند مسلم من حديث عبدة عنه وهو منقطع؛ لأنّ عبدة لم يسمع من عمر فيما قاله أبو علي الجياني. وقال الحاكم: صح عن عمر، وقد أسند، ولا يصح.

وقال الدارقطني:

ص: 103

كذلك رواه إبراهيم، عن علقمة، والأسود عن عمر. وكذلك رواه يحيى بن أيوب، عن عمرو بن شيبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر من قوله، وهو الصواب، كذا هو في سننه.

وفي العلل ذكر أنّ إسماعيل بن عياش رواه، عن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود عن عمر مرفوعًا، ولقائل أن يقول: الذي رفعه ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة؛ لأنه ممن خرج حديثه أبو عبد اللَّه البخاري في صحيحه فيما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي، ويؤيده قول المروذي: سألت أبا عبد اللَّه عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، فهذا ترجيح من أحمد له، إذ الحديث عرفًا لا ينطلق غالبا إلّا على مرفوع.

ورواية ابن عياش عن شيخه، وليس مدنيا فصلح أن يكون شاهدا واللَّه أعلم، ويؤيده ما ذكره في الأوسط:

حدّثنا أحمد بن داود، ثنا ثوبان بن سعيد بن عروة البصري، ثنا علي بن عابس، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا استفتحنا الصلاة أن نقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وكان عمر بن الخطاب يفعل ذلك، وكان عمر يعلمنا ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله: لم يروه عن أبي إسحاق إلّا علي بن عابس، ولا يروى عن عمر إلّا بهذا

ص: 104

السند، ولا يعترض بما ذكره الشّافعي، وقال: من خالفنا افتتح بسبحانك اللهم وبحمدك. ورواه عن بعض الصحابة، وأصل ما نذهب نحن إليه: ما كان في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه واللَّه أعلم لم يبلغه رفعه، ولا رفع هذه اللفظة إلّا على لسان ضعيف، ولو بلغه ما تقدّم لم يقل هذا، والله تعالى أعلم، وكذا قول البيهقي في الكبير: وأصحّ ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر سمّاه أثرا، وقول ابن خزيمة صحّ عن عمر لا عن النبي عليه السلام، وحديث خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا: إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن يصدّ عني وجهك يوم القيامة، اللهم نقّني من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مسلمًا وأمتني مسلمًا. ذكره البزار في مسنده، وقد سبق توثيق خبيب وأبيه.

وقال الإشبيلي: الصحيح في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا أمره، قال أبو الحسن: لم يبيّن أبو محمد علّة هذا الحديث، وهي الجهل بحال خبيب وأبيه، وضعف خبيب عنده، وحديث أنس المذكور عند مسلم: أيضًا أن رجلًا جاء إلى الصلاة، وقد حفزه النّفس، فقال: اللَّه أكبر، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبا مباركًا فيه، فلما قضى

ص: 105

النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟ فإنه لم يقل بأسا فقال الرجل: أنا، فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيّهم يرفعها.

وهو غير حديث رفاعة المذكور عند البخاري؛ لأن ذاك إنّما قال هذا لما رفع رأسه من الركوع، وفيه: رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول.

وحديث ابن مسعود: كان عليه السلام يستفتح الصلاة بسبحانك اللهم وبحمدك. ذكره البيهقي من حديث ليث عن أبي عبيدة عنه، وقال: ليس بالقوي، وذكره في الأوسط من حديث خصيف عن أبي عبيدة، وقال: لم يروه عن خصيف إلّا عتاب بن بشير، تفرد به يوسف بن يونس الأفطس.

وحديث محمد بن مسلمة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام إلى الصلاة قال: اللَّه أكبر، وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض .... إلى آخر الآية.

قال أبو حاتم: هذا من حديث إسحاق بن أبي فروة ذكره في العلل.

وحديث حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي من الليل فكبّر، فقال: الله أكبر ذا الملك والملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة. رواه الكجي في سننه من حديث رجل من عبس عنه، وذكره أبو نعيم في كتاب الصلاة بسند صحيح على شرط البخاري، عن إبراهيم، عن العلاء بن المسيب، عن طلحة بن يزيد الأنصاري، عن حذيفة: وحديث ابن عمر المذكور في مسند السراج بسند صحيح قال حذيفة:

ص: 106

كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل، فدخل في الصلاة فقال: اللَّه أكبر كبيرا والحمد للَّه كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: من صاحب كلام كذا وكذا فقال الرجل: أنا، فقال: عجبت لها، فتحت لها أبواب السماوات.

قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

زاد أبو نعيم في كتاب الصلاة بسند صحيح على رسم البستي عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الهيثم بن حنش عنه موقوفَا: اللهم اجعلك أحب شيء إلي، وأخشى شيء عندي.

ولما ذكر الحاكم في العلوم من حديث ابن عمر من طريق المنذر بن عبد اللَّه الحزامي، عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عنه قال: لهذا الحديث علّة صحيحة، والمنذر أخذ طريق المجرّة فيه، وذكر حديثا عن مالك أبي غسان، عن عبد العزيز ثنا عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن علي قال: وهذا مخرّج في مسلم ومرسل عطاء قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك.

ص: 107

رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن أبي الأحوص، عن الحسن بن عبد الملك عنه، ومرسل محمد بن المنكدر قال: كان عليه السلام إذا قام إلى الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك، لا حول ولا قوة إلّا بك، إنِّي وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. رواه أيضًا عن عبد الله بن عامر عنه.

ومرسل موسى بن أبي عائشة قال: كان عليه السلام إذا افتتح الصلاة قال: الله أكبر ذا الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.

رواه عن حسن بن صالح عنه، وحديث الحكم بن عمير قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا: إذا قمتم إلى الصلاة فكبّروا، وارفعوا أيديكم لا تجاوزا آذانكم، وقولوا: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك. ذكره الباوردي في كتاب الصحابة من حديث يحيى بن يعلى الأسلمي، عن موسى بن أبي حبيب عنه، يحيى وثقه ابن معين، وموسى روى عنه جماعة، وحديث عنبس البلوي أنه صلى، فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، عملت سوءا، وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم، فقال عليه السلام: ما خرج آخرها من فيك، حتى نظرت إلى اثني عشر ملكًا يبتدرونها. ذكره أبو موسى في الصحابة من حديث يزيد بن محمد بن يزيد حدثني أبي، عن أبيه، عن الأوزاعي، حدّثني حماد بن أبي سليمان أنّ الحسن حدّثه حدثني ابن لأبي ثعلبة: أنّ أباه أخبره به، وحديث أبي سعيد الآتي بعد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك

الحديث.

ص: 108

وحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل نائي ونحن في الصلاة، فدخل في الصف، فقال: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فرفع المسلمون رؤوسهم واستنكروا الرجل، وقالوا: من هذا الذي رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هذا العالي الصوت؟ فقيل: هو هذا، فقال: والله لقد رأيت كلامه يصعد في السماء حتى فتح بابًا منها فدخل أظنّه فيها.

رواه أبو نعيم أيضًا بسند صحيح على رسم ابن حبان، عن عبيد الله بن إياد بن لقيط، ثنا إياد عن عبد الله بن سعيد عنه، وموقوف أبيِ بكر الصديق، قال ابن أبي شيبة: حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان قال: بلغني عن أبي بكر أنه كان يستفتح بـ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك. وبنحوه ذكره سعيد بن منصور في سننه وموقوف عمر، ذكره الدارقطني بسند صحيح: أنه كان إذا افتتح الصلاة قال: فذكره وفي آخره يسمعنا ذلك. وقال الضحاك في تفسير قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قال: حين تقوم إلى الصلاة، فتقول: سبحانك اللهم وبحمدك .. إلى آخره.

قال أبو عيسى: وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم.

وقال عبد الله عن أبيه أحمد: الذي تعلمنا حديث عمر، وقال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. وقال الشيخ المجدّ: هذا اختيار الجمهور.

ص: 109

وكان أبو يوسف يجمع بين قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، وبين قوله: وجّهت وجهي وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي حامد الشافعيين، واستحب الشّافعي حديث علي الآتي بعد. وفي كتاب القواعد لابن رشد: ذهب قوم إلى أنّ التوجيه مستحب لا واجب.

قال البغوي في أحاديث الاستفتاح: بأيها استفتح حصل له سنة الاستفتاح، قال: والأفضل عند الشافعي حديث علي، فإن كان إماما لم يزد عليه.

وفي المصنف، عن ابن مسعود: أحب الكلام إلى اللَّه تعالى ما قاله أبونا حين اقترب: سبحانك الله وبحمدك .... إلى آخره.

وفي لفظ: أحب الكلام إلى اللَّه أن يقول الرجل ذلك وفيه زيادة: ربّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت. وقوله: إسكاتة زنة إفعالة من السكوت.

قال ابن التين: معناه سكوت يقتضي بعده كلامًا، أو قراءة مع قصر المدة وهي مكروهة عند مالك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علّم الأعرابي قال: كبّر ثم اقرأ، ثم اركع. وقال أنس: كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله. وذكر القاضي بن العربي، عن مالك أنّه كان يقول كلمات عمر بعد التكبير، ومعنى قوله: بالماء والثلج والبرد أنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنّما أراد التأكيد في التطهير.

ويستدلّ به لمن ذهب إلى المنع من الماء المستعمل؛ لأنه يقول: إنّ منزلة الخطايا المغسولة بالماء بمنزلة الأوضار الحالة في الماء، والمغسولات المانعة من التطهير، ذكره الخطابي.

وفي حديث أبي حميد: رد لما قاله ابن حزم من أنه لم يرد لفظ: اللَّه أكبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني صحيحة؛ لأنه قد صحح هذا الإسناد فيلزمه العمل به، وفيه أيضًا دلالة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام.

ص: 110

قال ابن المنذر: وهو إجماع، ونقل العبدري، عن الزيدية أنه لا ترفع ولا يعتد بخلافهم، ونقل المتولي عن بعض العلماء وجوبه.

وفي فتاوى القفال عن أبي الحسن أحمد بن سيار المروزي مثله، وقال ابن حزم بفرضيته ونقل إيجابه عن الأوزاعي، وفي القواعد: ومنهم من أوجبه عند الاستفتاح. وعند الركوع، وعند الارتفاع، ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين، وعند السجود، بحسب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها.

قال الطحاوي: يرفع ناشرا أصابعه مستقبلًا بباطن كفيه القبلة مستدلًا بما رواه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن حرب، ثنا عمير بن عمران، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر يرفعه: إذا استفتح أحدكم، فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة فإنّ اللَّه تعالى أمامه.

وفي المحيط: ولا يفرج بين الأصابع تفريجا، وفي الحاوي للماوردي: يجعل بطن كلّ كف إلى الأخرى، وعن سحنون: ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض. وقال القابسي: يقيمهما منحنيتين شيئًا يسيرًا.

وفي المهذب: يستحب تفريق الأصابع، ونقله المحاملي عن أصحابهم مطلقا.

وقال الغزالي: لا يتكلف ضما ولا تفريقا بل يتركهما على هيئتهما.

وقال الرافعي: يفرق تفريقًا وسطًا. وقال ابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه ويضم بعضها إلى بعض. وفي كتاب الذخيرة: يرفع ثم يكبّر.

قال في المبسوط: عليه أكثر مشائخنا، وقال خواهر زاده: يرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك.

ص: 111

وقال النووي: الصحيح أن يكون ابتداء الرفع من ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه، وهو المنصوص، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يكبّر ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير، وهذا مصحح عند البغوي، وقيل: يبتدئ بهما معًا، وينتهي التكبير مع انتهاء الإرسال، وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء، وهذا مصحح عند الرافعي. وزعم ابن بطال أن رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: حكمته أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، والتكبير أن يسمعه الأعمى، فيعلم بالدخول في الصلاة، وقيل: انقياد، وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بالكلية إلى الصلاة، ويكبّر مرة واحدة.

وقالت الرافضة: ثلاًثا، واختلف في المكان الذي يصلى فيه برفع يديه.

فذكر ابن عبد البر أن الآثار اختلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في كيفية الرفع، فروي عنه الرفع مدًا فوق الأذنين مع الرأس، وروي أنه كان يرفع يديه حذو أذنيه، وروي أنه كان يرفعهما حذو منكبيه، وروي أنه كان يرفعهما إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة، وفي هذا دلالة على التوسعة. وقال صاحب المحيط: حذا أذنه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتيهما، وبرؤوس أصابعه فروع أذنيه.

وقال الشافعي في الأم، والإمام أحمد، ومالك، وإسحاق: حذو منكبيه.

وقال النواوي: يريد تحاذي راحتاه منكبيه، وهكذا قاله المتولي والبغوي وغيرهما، وأمّا قول الغزالي: فيه ثلاثة أقوال، فلا يعرف لغيره، ونقل إمام الحرمين قولين آخرين: الأول: يرفع يديه حذو المنكبين. والثاني: حذو الأذنين وفيه غرابة. وقال ابن قدامة: هو مخيّر في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه.

وفي كتاب أبي داود بسند ضعيف، عن طاوس: كان يرفع يديه حتى يجاوز بهما

ص: 112

رأسه، وقال: رأيت ابن عباس يصنعه ولا أعلم إلا أنّه قال: كان عليه السلام يصنعه.

قوله: ولا يقنع، أي: لا يرفع رأسه حتى يكون أعلا من ظهره، وقد أقنعته يقنعه إقناعًا، ومنه قوله تعالى:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي: رافعي رؤوسهم.

وقال نفطويه: يقال: أقنع برأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالًا، وجعل طرفه موازيا لما بين يديه، وقوله: يفتخ بالخاء المعجمة، أي: ينصبها، ويغمز موضع المفاصل منها، ويثنيها إلى باطن الرجل فيوجهها نحو القبلة.

وقال الأصمعي: أصل الفتخ اللين، ومنه قيل العقارب: فتخاء لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها.

وقال أبو العباس: فتخ أصابعه أي ثناها، وقوله: هصر ظهره، أي: ثناه وعطفه للركوع، وأصل الهصر: أن يأخذ برأس العود فيثنيه لليد ويعطفه.

وقوله: صافح بخده، أي: غير مبرز صفحة خدّه ولا مائل في أحد الشقين.

ص: 113

‌باب الاستعاذة في الصلاة

40 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال: اللَّه أكبر كبيرًا ثلاثا، الحمد للَّه كثيرًا، سبحان اللَّه بكرة وأصيلًا ثلاث مرات، اللهم إنّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه. قال عمرو: همزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر.

هذا حديث خرجه أبو داود، عن ابن جبير بلفظ قال عمرو: لا أدري أي صلاة هي. وفي رواية مسعر، عن عمرو عن رجل، عن نافع بن جبير، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع نحوه، كذا هو في رواية اللؤلؤي وابن داسة وابن العبد، وذكره ابن عساكر في كتاب الإشراف في ترجمة محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، وليس الحديث عند غير من ذكرناه إنما هو عند أبي داود وابن ماجه، وليس فيهما إلّا ما ذكر آنفا، وكذا ذكره أحمد في مسنده كذا: رواه عن يحيى بن سعيد، عن مسعر، حدثني عمرو، عن رجل، عن نافع، عن أبيه وعن وكيع، ثنا مسعر، عن عمرو، عن رجل من عنزة، عن نافع بن جبير فذكره، ولما ذكره البزار في كتاب السنن تأليفه، عن ابن مثنى وعمرو بن علي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير، وثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا حصين، عن عمرو، عن عباد بن عاصم العنزي، عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلّا جبير بن مطعم. ولا نعلم له طريقا إلّا هذا الطريق. وقد اختلفوا في اسم العنزي الذي رواه، عن نافع فقال شعبة: عن عمرو

ص: 114

عن عاصم. وقال ابن فضيل: عن حصين، عن عمرو، عن عباد بن عاصم، وقال زائدة: عن حصين عن عمرو عن عمار بن عاصم، والرجل ليس بمعروف، وإنما ذكرناه؛ لأنه لا يروي هذا الكلام غيره، عن نافع بن جبير، عن أبيه، ولا عن غيره يروى أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال البغوي: ثنا يزيد أنبأنا شعبة، عن عمرو، عن عاصم، عن نافع بن جبير به، وثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمار بن عاصم، عن نافع، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح صلاة الصبح قال

الحديث، وكذا ذكره البيهقي وأبو القاسم الطبراني وغيرهم، ولو قدرنا أن واحدا من الأئمة ذكره في ترجمة محمد لما كان مخلصًا له؛ لأنه لا يذكر شيئًا من خارج إلّا أن يكون مستدركًا فيبيّنه، والله أعلم.

وذكره أبو محمد في كتابه المحلى مصححًا له من حديث نافع عن أبيه، وذكره أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه، عن عمر بن محمد الهمداني، ثنا ابن بشار ثنا ابن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير، وفرق في كتاب الثقات بين عاصم بن عمير العنزي الراوي عن أنس، والراوي عنه محمد بن أبي إسماعيل وعمرو بن مرّة، وبين عاصم العنزي المذكور في الطبقة الثانية

ص: 115

الراوي، عن نافع بن جبير، فقال عاصم العنزي عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة قال: الله أكبر. قال شعبة: عن عمرو عن عاصم العنزي. وقال مسعر: عن عمرو، عن رجل من بني عنزة.

وقال ابن إدريس: عن حصين عن عمرو، عن عباد بن عاصم، عن نافع، وقال عباد بن العوام: عن حصين، عن عمرو، عن عامر بن عاصم، عن نافع، وهو عند ابن عياش: عن عبد الله بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب، عن عبد الرحمن بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه بطوله. وفي نسخة: وهو عندي عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب. وخرجه ابن الجارود في منتقاه.

وقال ابن خزيمة: وقد روي عن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا افتتح الصلاة .... الحديث. إلا أنهم قد اختلفوا في إسناد خبر جبير، وعاصم العنزي، وعباد بن عاصم مجهولان، لا يدرى من هما، ولا نعلم الصحيح ما روى حصين أو شعبة.

وقال الحاكم: وذكره من حديث وهب عن نافع، حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ص: 116

41 -

حدّثنا علي بن المنذر، ثنا ابن فضيل، ثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إنّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه. قال: همزه: الموتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، عن يوسف بن عيسى المروزي، ثنا ابن فضيل، ولما رواه البيهقي قال: قال عطاء: فهمزه: الموتة

إلى آخره، ولما رواه الحاكم عن عبد اللَّه بن محمد بن موسى، ثنا محمد بن أيوب أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد استشهد البخاري بعطاء وكذا قاله في المدخل: روى هشيم عنه، عن سعيد بن جبير في أول ذكر الحوض، والذي يقوله الكلاباذي أنّ البخاري ذكره مقرونا.

وقال ابن سرور: روى له محمد ومسلم في المتابعات.

وفي كتاب أبي داود من حديث حميد الأعرج: عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكرت حديث الإفك قالت: فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكشف وجهه وقال: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}

الآية ثم قال: هذا حديث منكر، قد روى هذا الحديث، عن الزهري جماعة لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد. وفي كتاب البيهقي من حديث ابن أبي يحيى: أنّ أبا هريرة أمّ الناس، فرفع صوته: ربنا إنّا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في المكتوبة إذا فرغ من أمّ القرآن.

قال الشافعي: في روايتنا عن أبي سعيد: وكان ابن عمر يتعوّذ في نفسه، وأيهما

ص: 117

فعل أجزأه، وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أمّ القرآن، وبذلك أقول. وأحب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به أجزأه، قال: ويقوله في أول ركعة. وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل أمّ القرآن فحسن، ولا آمر به في شيء من الصلاة أمري به في أوّل ركعة.

قال البيهقي: وروينا عن الحسن، وعطاء وإبراهيم: يقوله في أول ركعة. وعن ابن سيرين أنه كان يستعيذ في كل ركعة. زاد ابن حزم: لا نعلم لهؤلاء التابعين مخالفًا، وأبو حنيفة يستحبها في أوّل ركعة فقط. وقال مهنأ عن أحمد: ثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي قال: ليس على من خلف الإمام استعاذة، فقال أحمد: لا نعرف هذا عن الشعبي، ولم يسمعه هشيم من ابن أبي ليلى.

وأما الموتة - بلا همز - فزعم ثعلب أنها ضرب من الجنون.

وفي الكتاب الواعي: هي شيء يأخذ الإنسان شبه السبات وليس يمحق صاحبه.

وقال القزاز: الموتة والموتان: الجنون.

وقال اللحياني في نوادره: هي الفشي. زاد ابن سيده: لأنه يحدث عنه سكوت كالموت. وقال أبو نصر: ضرب من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد له كمال عقله كالنائم والسكران، واللَّه أعلم.

ولما ذكر البزار حديث ابن عباس بمثل حديث جبير من طريق رشدين، قال: أما همزه: فالذي يوسوسه في الصلاة، وأمّا نفثه فالشعر، وأمّا نفخه فالذي يلقنه من الشبه يعني في الصلاة، ليقطع عليه صلاته، أو على الإنسان صلاته، قال عبد اللطيف بن يوسف: معنى أعوذ بالله: ألجأ إلى اللَّه وألتزم بالله، وأصل

ص: 118

عاذ: لزم والتجأ، ومنه قيل للحم الذي يلزق بالعظم ويلزمه: عوذ، وهو جمع عائذ مثل صائم وصوم، وقيل معناه: طلبت الإعاذة. ذكره في كتابه تفسير الفاتحة.

ص: 119

‌باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة

42 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمّنا فيأخذ شماله بيمينه.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، ورأى بعضهم وضعها فوق السرة، ورأى بعضهم وضعها تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم.

وفي كتاب أبي علي الطوسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن عقبه عن يمينه وعن يساره، ويضع يده اليمنى على اليسرى.

قال: ويقال: حديث هلب حسن صحيح.

وذكر ابن حبان في صحيحه، عن أبي خليفة: ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، أنبأني سماك، فذكر قصة الانصراف فقط المذكورة عند ابن ماجه بعد هذا: وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن.

وقال الحافظ الصريفيني: هو حديث صحيح، وقال ابن عبد البر: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فيها آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: حديث هلب. وفي موضع آخر: هو حديث صحيح،. وفي مسند الإمام أحمد: يضع هذه على صدره ووصف يحيى بن سعيد اليمنى على اليسرى فوق المفصل.

وفي كتاب العسكري: يضع إحدى يديه على الأخرى يعني: في الصلاة.

وفي رواية عن قبيصة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض بيمينه على يساره في الصلاة وينصرف مرة عن يمينه، ومرة عن شماله وهذه اللفظة عند الطبراني مرفوعة.

وفي رواية: فرأيته حين وضع إحدى يديه على الأخرى اليمنى على الشمال وعند البغوي: يأخذ إحدى يديه بالأخرى في الصلاة. قال أبو حاتم الرازي: ومن قال في هذا الحديث يسلم عن يمينه وعن يساره فغير صواب؛ إنّما هو ينفتل.

43 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا عبد الله بن إدريس، وثنا بشر بن معاذ الضرير، ثنا بشر بن المفضل قالا: ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيأخذ شماله بيمينه.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه بلفظ: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وصفهما حيال أذنيه، ثم التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما، ثم كبّر فركع

ص: 120

فلما قال: (سمع الله لمن حمده) رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه.

وعند أبي داود: وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه وقال: روى هذا الحديث همام عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود، وعنده: ثم وضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرِّك أيديهم تحت الثياب وسيأتي الكلام مع أبي داود، إن شاء اللَّه تعالى.

وفي صحيح ابن خزيمة: ثم ضرب بيمينه على شماله فأمسكها وفي رواية: ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. وفي رواية: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. وعند البيهقي: والرسغ في الساعد. وفي رواية: قبض بيمينه على شماله ووثق رواته.

وعند البزار: ثم وضع يمينه على يساره عند صدره من حديث محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل، عن أمه، ومحمد ضعيف، وأمه مجهولة فيما ذكره ابن القطان.

وعند البيهقي: وروينا في بعض طرق حديث عاصم، عن أبيه، عن وائل، عن

ص: 122

النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعهما على صدره. وهذه متابعة لمحمد صحيحة، واللَّه أعلم.

44 -

حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد اللَّه بن حاتم، أنبأنا هشيم، أنبأنا الحجاج بن أبي زينب السلمي، عن أبي عثمان النهدي، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا واضع يدي اليسرى على اليمنى، فأخذ بيدي اليمنى فوضعها على اليسرى.

هذا حديث قال أبو عمر في الاستذكار: هو حديث ثابت، وذكره الأثرم محتجا به، ولما خرجه النسائي قال: غير هشيم أرسل هذا الحديث. وقال مهنأ: سألت أحمد عن الحجاج بن أبي زينب، فقال: منكر الحديث، يحدّث عن أبي عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود فذكره، قلت: وهذا منكر؟! قال: نعم. ولما ذكره العقيلي قال: لا يتابع على هذا. وقال الساجي: وذكره في كتاب الضعفاء، وحدّث عن أبي عثمان النهدي حديثا لا يتابع عليه، كذا ذكره عنه ابن حزم، والذي هو ثابت في كتابه، عن أحمد أخشى أن يكون ضعيف الحديث، وذكر هذا الحديث، ثم قال: روى عنه الثوري. وفي العلل لابن عدي: وقد روى محمد بن الحسن الواسطي عنه، عن أبي سفيان، عن جابر: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد وضع شماله على يمينه مثله. وكلام الفسوي يفهم منه التفرد وليس جيدا؛ لأن أبا الحسن رواه عن ابن صاعد، ثنا عمار بن خالد، ثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الحجاج، عن أبي عثمان عن ابن مسعود موصولا.

ص: 123

قال ابن القطان عائبا على أبي محمد تضعيفه إيَّاه بأنَّ الحجاج ممن خرج له مسلم معتمدا روايته، وقال أبو أحمد بعد تصفح رواياته: أرجو أنّه لا بأس به.

وأمّا قول أبي محمد فيه: ليس بقوي، فهو كلام النسائي وقد علم معنى النسائي في ذلك أنه ليس بأقوى ما يكون، فلا شك أن الثقات متفاوتون وروى عن أحمد أنه قال: أخشى أن يكون ضعيف الحديث، وهذا أيضا ليس بتضعيف.

وأما قول العقيلي فيعني به أن الحديث مرسل.

وأمّا حديث جابر، فلم يقل أبو محمد إثره شيئا يعتمد فيه حين ذكره، ومحمد بن الحسن الواسطي أحد الثقات، روى هذا الحديث عنه ابن معين.

قال أبو أحمد ثنا ابن صاعد الفضل بن سهل، ثنا ابن معين فذكره.

وقال الدارقطني: ثنا أحمد بن محمد بن جعفر، ثنا مضر بن محمد، ثنا ابن معين به، فالحديث إذن صحيح أو حسن من الطريقين جميعًا، أعني طريق أبي عثمان عن ابن مسعود، وطريق أبي سفيان، عن جابر فاعلمه. انتهى كلامه وفيه نظر لما أسلفناه من عند أحمد في حجاج.

وقال ابن عدي فيما حكاه ابن الجوزي: ضعيف، وقال ابن المديني: شيخ من أهل واسط ضعيف، ورواه غير أبي عثمان، عن ابن مسعود.

قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد، ثنا علي بن مسلم، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، حدثني مندل، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة.

وأما قول أبي القاسم في الأوسط، وذكر حديث جابر: لم يروه عن أبي سفيان إلا

ص: 124

الحجاج، ولا عن الحجاج إلا محمد بن الحسن.

تفرد به وهب بن بقية، ورواه هشيم عن الحجاج، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة، فيشبه أن يكون وهمًا لمتابعة ابن معين وهبا كما تقدّم.

وفي الباب: حديث الحارث بن عضيف - أو غضيف بن الحارث وله صحبة قال: ما نسيت من الأشياء، فلم أنس أني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة. ذكره الحافظ أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي في كتاب الصحابة الذين نزلوا حمص الشام.

وقال الخلال في علله: عن عصمة، ثنا حنبل، ثنا أبو عبد الله، ثنا عبد الرحمن، ثنا معاوية - يعني: ابن صالح - عن يونس بن سيف عنه قال: وقال أبو عبد الله: هذا إسناد شامي.

قال الدارقطني: يعني أحمد بهذا أنه لم يرض إسناده؛ لأن الحارث لا يعرف إلّا بهذا الحديث، ولا نعلم يونس بن سيف سمع منه أو لا.

وفي تاريخ البخاري ما يدل على أنّه ليس بصحابي، فإنه قال: غضيف بن الحارث أبو أسماء السكوني. قال عيسى بن يونس: عن أبي بكر بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف الثمالي، ويقال: بقية الثمالي.

وقال ابن صالح، عن معاوية عن أزهر بن سعد: سأل عبد الملك غضيفا، وقال

ص: 125

إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم أنه سأل عبد الملك غضيف بن الحارث الثمالي. وقال معن: عن معاوية عن يونس بن سيف، عن غضيف أو الحارث بن غضيف السكوني، وقال عبد الوارث: عن برد بن سنان عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث سمع عمر وعائشة. وقال الثوري ومعتمر عن برد، عن عبادة بن نسي، عن غضيف عن أبي عبيدة، وقال بشار: عن الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غضيف، عن أبي عبيدة.

وقال الزبيدي: عن سليم بن عامر عمن سمع غضيف بن الحارث عن أبي عبيدة، وفرق أبو عمر في الاستيعاب بين غضيف بن الحارث، وبين غطيف الكندي، وبين غضيف بن الحارث الثمالي، وزعم أن الاضطراب في الأول والذي بعده كثير جدا، ومع ذلك فقد زعم في الاستذكار أن حديثه ثابت، ويشبه أن يكون مستنده قول أبي حاتم وأبي زرعة، فإنهما ذكرا أنّ له صحبة، وأبى ذلك غيرهما، فإن ابن سعد لما ذكره في التابعين وصفه بالثقة.

وقال العجلي: هو تابعي ثقة. وقال عبد الرحمن بن خراش: لا بأس به، وقال الدارقطني: ثقة من أهل الشام، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال أبو إسحاق الصريفيني: أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ويختلف في صحبته.

روى عن عمر وبلال وأبي ذر وأبي الدرداء وعائشة وأبي حمصية المزني، روى عنه ابنه عبد الرحمن، وعبادة ومكحول وابن سيف.

وحديث عبد اللَّه بن عمر أنه مر برجل في صلاته قد وضع يده اليسرى في الصلاة

ص: 126

على يمينه، فقال له: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا تفعل فعل قوم قد عذبوا. رواه أبو القاسم في معجمه، وقال: لم يروه عن ابن عجلان - يعني: عن نافع - إلّا إبراهيم بن إسماعيل، تفرد به فضالة بن يعقوب. وفي موضع آخر مرفوعًا: إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.

رواه من حديث يحيى بن سعيد بن سالم القداح، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد، عن أبيه، عن نافع عنه.

وقال: لا يروى عن ابن عمر إلّا من هذا الوجه. وقال في الصغير: لم يروه عن نافع إلّا ابن أبي رواد، ولا عنه إلّا ابنه. تفرد به القداح، وحديث أبي إسحاق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وسمَّاه في موضع آخر: القيل، كأنه لقبه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على شماله في الصلاة قال أبو القاسم: لم يروه عن أبي إسحاق إلا يوسف بن أبي إسحاق، ولا عن يوسف إلا إبراهيم بن يوسف - تفرد به شريح بن مسلمة - وحديث عائشة قالت: ثلاثة من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. رواه الدارقطني من حديث شجاع بن مخلد، ثنا هشيم، عن منصور أنبأنا محمد بن أبان الأنصاري عنها.

ص: 127

وحديث أبي هريرة، قال عليه السلام: أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجِّل الإفطار، ونؤخر سحورنا، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة.

رواه من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عنه، ومن حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن سيار بن الحكم عن أبي وائل عنه بلفظ: وضع الكف على الكف في الصلاة من السنة. ومن هذه الطريق ذكره أبو داود في رواية ابن العبد، وقال: روي حديث علي عن سعيد بن جبير: فوق السرة. وقال أبو مجلز: تحت السرة، وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي.

وحديث ابن عباس يرفعه: إنَّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر السحور، ونعجل الإفطار، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا. رواه ابن السكن، ثنا عبد الحميد بن محمد، ثنا مخلد بن يزيد، ثنا طلحة عن عطاء عنه. ورواه البيهقي من طريق عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عنه، وقال: تفرد به عبد المجيد، عن عطاء عن ابن عباس، ومرة عن أبي هريرة. ورواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح، عن أحمد بن طاهر بن حرملة، ثنا حرملة ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث سمعت عطاء به، وقال: لم يروه عن عمرو إلّا ابن وهب، تفرد به حرملة. ورواه في الكبير من حديث ابن عيينة عن عمرو، عن طاوس عنه.

وحديث أبي حميد الساعدي عند ابن حزم، ووصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فرفع

ص: 128

يديه إلى وجهه، ووضع يمينه على شماله. وحديث علي قال: إن من السنة في الصلاة وضع اليمين على الشمال تحت السرة.

.

وقال البيهقي: لم يثبت إسناده، تفرد به.

ورواه أبو داود من رواية ابن العبد عنه بلفظ: السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة. وفي كتاب ثواب القرآن لأبي بكر بن أبي شيبة:

حدثنا وكيع عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. زاد الدارقطني: تحت الصدر.

وفي الاستذكار: أن عليا كان إذا قام إلى الصلاة وضع يمينه على رسغه، فلا يزال كذلك حتى يركع أو يصلح ثوبه أو يحك جسده.

ص: 129

ورواه البخاري في تاريخه من حديث غزوان بن جرير عن أبيه.

وعند البيهقي من حديث عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر، وعن علي: عقبة بن صهبان، قاله ابن الجحدري، وابن ظبيان قاله ابن سلمة، وفي تفسير الجوزي أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل: ضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة.

وحديث أنس: من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة.

ذكره ابن حزم، ثم قال: وحديث وائل، وابن مسعود، وعلي، وعائشة، وأنس، وسهل راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة إن لم يكن مسندا، وفيه نظر إن أراد جملة الأحاديث التي عددها، وإن أراد بعضها فيمكن.

وحديث العلاء بن صالح، عن زرعة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين، ووضع اليد على اليد من السنة، رواه أبو داود.

وحديث أبي الدرداء: من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة، ذكره الطبراني في الكبير من حديث إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق، عنه، ومن حديث سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن علي بن أبي العالية، عن مورق، عن أبي الدرداء رفعه: ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة.

ص: 130

وموقوف أبي بكر المذكور عنده أيضا من حديثه، عن يحيى بن سعيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد مولى ابن دراج قال: ما رأيت، فنسيت، فإني لم أنس أن أبا بكر كان إذا أقام الصلاة قال: هكذا، ووضع اليمنى على اليسرى.

وفي سؤالات مهنأ: قلت لأحمد: ثنا خالد بن خداش، ثنا مهدي بن ميمون، عن عبيد الله بن العيزار قال: كنت أطوف مع سعيد بن جبير، وكان مهيبا، فرأى رجلا يصلي قد وضع إحدى يديه على الأخرى، فضرب يده، فقال: إنما رآه قد وضع إحدى يديه على الأخرى، وجعلهما عند صدره؛ لأن ذلك شبه التكفير، وسألته عن ابن العيزار؟ فقال: بخ بخ بصري ثقة، وحديث طرفة والد تميم، قال أبو موسى المديني أورده سهل بن سعد عند البخاري: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.

قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وعند البيهقي: ينمي ذلك، أو كلمة تشبهها.

وقال العلامة أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في كتابه أطراف الموطأ: هذا حديث معلول؛ لأنه ظن وحسبان.

وفي تقريب المدارك لابن الحصار: هذا يدخل في المسند وإن بقي في النفس منه شيء فيستند مما تقدم.

ص: 131

وذكر الدارقطني في أحاديث الموطأ أن لفظ ابن مهدي، عن مالك: إذا صلوا، وقال ابن وهب: لا أعلمه إلا أنه قال: ينمى ذلك، يعني: يرفع.

وقال يوسف: قال مالك: يرفع ذلك، وقال معن وروح: قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الغرائب: وكذا قاله سويد بن سعيد، وفي هذا رد لما قاله أبو عمر، وقول أبي حازم: ينمي ذلك يعني يرفعه، لقول أبي حازم ذلك والله أعلم.

وفي كتاب الصلاة للخفاف، عن عمرو بن زرارة، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل: أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة.

قال ابن حزم: وروينا فعل ذلك عن أبي مجلز والنخعي وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون وابن سيرين وأيوب السختياني وحماد بن سلمة، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأصحابنا، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، والطبري، وداود.

وقال ابن الجوزي: هو مستحب عندنا، ولمالك روايتان: إحداهما كقولنا. والثانية: أنه غير مستحب، إنما هو مباح. وفي المدونة: يكره فعله في الفرض، ولا بأس به في النافلة إذا طال القيام، وقال أبو عمر: رواية ابن القاسم عنه إرسال اليدين، وهو قول الليث، قال ابن بطال: ورأى ذلك ابن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير.

قال أبو عمر: وروى ابن ن فع وعبد الملك ومطرف، عن مالك: توضع اليمنى على اليسرى في الفريضة. قال أبو عمر: وهو قول المدنيين، وأشهب، وابن وهب، وابن عبد الحكم. وقال الأوزاعي: من شاء فعله، ومن شاء تركه، وهو قول

ص: 132

عطاء.

وقال ابن القصار: وجه الكراهة أنّه عمل في الصلاة، وربما شغل صاحبه، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي فلم يأمره بذلك. وقيل: خشية أن يظهر بجوارحه من الخشوع ما لم يضمره، قال ابن بطال: وربما دخله ضرب من الرياء. وأمّا كيفية الوضع، فذكر أبو موسى الحنفي: يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وقيل: ذراعه الأيسر، والأصح: وضعها على المفصل.

وفي الإسبيجابي: قال أبو يوسف: يقبض بيده اليمنى رسغ اليسرى.

وقال محمد: كذلك، ويكون الرسغ وسط الكف.

وقال ابن قدامة: يضعها على كوعه وما يقاربه.

وقال القفال: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها وساعدها، وهو مخيّر بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد، وأما حين وضعهما، ففي المحيط: كما فرغ من التكبير. وعند محمد: بعد الثناء.

وقال أبو القاسم الصفار: يرسل إلى أن يفرغ من الثناء والتسبيح، واختيار الطحاوي: يضعهما كما يفرغ من التكبير، وفي صلاة الجنازة والقنوت قال: يضعهما تحت سرته، وبه قال أحمد، وعنه: فوق السرة، وعنه: هو مخير.

وفي الحاوي للماوردي والوسيط: تحت الصدر.

قال النووي: فوق السرة، هذا هو الصحيح المنصوص، وعن أبي إسحاق: تحت السرة والمذهب الأول. وفي كتاب أبي عيسى والطوسي، وقبلهما البخاري، وابن دريد في كتاب الاشتقاق الكبير، والشيرازي في الألقاب، وأبو عبيد الله المرزباني، وابن حبان في كتاب الصحابة، وخليفة في كتاب الطبقات، واسم هلب: يزيد بن قنافة الطائي، كذا قالوه. وقال العسكري وابن عبد البرّ في

ص: 133

أحد قوليه، وابن عساكر وابن حزم في الجمهرة، والطبري في المذيل: يزيد بن عدي بن قنافة بن عدي بن عبد شمس بن عدي بن أخزم، قال: وقيل: قناف، وزعم بعضهم أن اسمه سلامة بن يزيد، ذكر الكلبي: أن ابنه سلامة بن يزيد هو الهلب، وهو الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ومسح برأسه، والأوّل أصح، وكان وفد وهو أقرع فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فنبتت شعره، فسمّي الهلب، كذا رواه الرواة، وزعم أهل اللغة أنه الهلب.

قال الكلبي في الجامع لأنساب العرب: وفيه قال الشاعر: كان وما في رأسه تارة فأصبح الأقرع وافي الشكير

وفيه يقول عويج بن ضريس النبهاني:

أنا عويج ومعي سيف الهلب أنا الذي أشجع من معدي كرب

وكما سمّاه الكلبي سمّاه ابن سعد لم يذكر غيره، والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص، وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم.

زاد الوزير: والتشديد فيه واقع على الباء.

ص: 134

‌باب افتتاح القراءة

45 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، عن حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة بالحمد للَّه رب العالمين.

هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: استفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك فذكر حديثًا مطولًا.

وقال أبو عمر في كتاب الإنصاف: هو حديث انفرد به بديل، عن أبي الجوزاء، ليس له إسناد غيره، وهما ثقتان لا يختلف فيهما إلا أنهم يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها إرسال، وكذا قاله في التمهيد. انتهى.

أما سماعه منها فممكن جائز لكونهما كانا في عصر واحد.

وقد روى البخاري في تاريخه عن مسدد، عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس من القرآن آية إلا سألتهما عنها.

قال البخاري: في إسناده نظر.

وفي كتاب الصلاة لأبي بكر الفريابي: ثنا مزاحم بن سعيد أنبأنا ابن المبارك، ثنا ابن طهمان، ثنا بديل عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولًا إلى عائشة أسألها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يفتتح

الحديث. وفي هذا تأييد لمن يقول بالمعاصرة ولمن يقول بالانقطاع.

ص: 135

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث عبد الرحمن بن بديل، عن أبيه وقال: لم يروه عن عبد الرحمن إلّا أبو داود الطيالسي.

46 -

حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان، عن أيوب عن قتادة، وثنا جبارة بن المغلس، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد للَّه رب العالمين.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، وفي لفظ عند الشيخين: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها.

ولفظ البخاري: كانوا يفتتحون الصلاة قال الإسماعيلي: إنما هو القراءة، والقراءة تسمى صلاة، قال تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}

ولفظ ابن حبان: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يكونوا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وكانوا يجهرون بالحمد لله رب العالمين.

وعند النسائي من حديث منصور بن زاذان عن أنس: فلم يسمعنا قراءة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما، وفي لفظ من حديث شعبة، وشيبان عن قتادة وهي عند ابن خزيمة وعن شعبة عن ثابت، عن

ص: 136

أنس، وإن كان ابن عبد البر قال: لا يصح لشعبة عن ثابت، وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: هذا خطأ أخطأ فيه الأعمش، إنما هو شعبة عن قتادة، عن أنس، كذا هو المعروف.

وقال أبو عيسى في كتاب العلل الكبير: هذا وهم، والأصح شعبة عن قتادة، عن أنس. وفي لفظ: فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ: فافتتحوا بالحمد، وعند البيهقي: لا يقرؤون يعني: لا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، قال: كذا قال أبو نعامة عن أنس - وهو ثقة - رواه غيره، فقال: لا يجهرون.

قال: وقوله: كانوا يستفتحون القراءة بالحمد أولى، فقد رواه أصحاب قتادة عنه بهذا، منهم: حميد الطويل، وأيوب، والدستوائي، وابن أبي عروبة، وأبان العطار، وحماد بن سلمة. قال الدارقطني: وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس، وكذا قاله الخطيب في كتاب الجهر بها، قال: ووضح بأنّ ما عداه من ذكر التسمية غير ثابت.

وعند الطبراني: ثنا عبد اللَّه بن وهيب الغزي، ثنا محمد بن أبي السري، ثنا معتمر،

ص: 137

عن أبيه، عن الحسن، وهو عند ابن خزيمة من حديث عمران القصير، عن أنس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم وأبو بكر وعمر، رضي الله عنهما وقال الحافظ ضياء الدين: رواه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزناني قال: الراوي عنه الثقة المأمون، عن عبد الله بن وهيب بإسناده مثله.

وفي سنن أبي قرة، عن سفيان، عن أبان بن أبي عياش عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون بالحمد قلت لأنس: بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: خلفها. وفي كتاب الصلاة لأبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الخفاف النيسابوري الحافظ بسند صحيح عن يعقوب بن إبراهيم، ثنا وكيع، ثنا شعبة، عن قتادة بلفظ: فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم. وفي لفظ: يفتتحون القراءة في الصلاة بالحمد للَّه. وفي الأوسط للطبراني من حديث إبراهيم التيمي، عن أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض، وخلف أبي بكر وعمر حتى قبضا، فما سمعت أحدا منهم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وكانوا يفتتحون بالحمد.

وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا العوام بن حوشب، تفرد به عبد اللَّه بن حراش. وفي قول البيهقي:(وسعيد بن أبي عروبة)، نظر؛ لما رواه ابن خزيمة من حديث ابن إدريس: سمعت ابن أبي عروبة عن قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر ببسم الله

ص: 138

الرحمن الرحيم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان.

وفي الأوسط من حديث مالك بن دينار، عن أنس: فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله، وكانوا يقرءون: مالك يوم الدين وقال: لم يروه عن مالك إلا أبو إسحاق الحميسي خازم، ومن حديث عائذ بن شريح عنه: فلم يجهروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم. قال أبو عمر: وسئل عن ذلك؟ قال: كبرت ونسيت.

وعند الدارقطني بإسناد صححه عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنسا: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة في الصلاة ببسم الله أو بالحمد لله؟ فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد. قال أبو عمر: الذي عندي أن من حفظ حجة على من سأله في حال نسيانه - واللَّه الموفق -.

قال الخطيب: هذا الحديث صحيح الإسناد، ثبت الرجال، لا علة فيه، ولا مطعن عليه، وقال ابن طاهر المقدسي في كتابه تصحيح التعليل: هو إسناد صحيح متصل، لكن هذه الزيادة في متنه منكرة موضوعة، وقد تبع الدارقطني في تصحيحه غير واحد؛ وذلك أنّ أبا مسلمة رواه عن أنس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعله؟ فقال: نعم لم يجاوز هذا اللفظ. كذا رواه غير واحد من الأئمة، فدل أنّ رواية العباس عن غسان غير ثابتة، وأن الثقات رووه عن غسان كرواية الأئمة والعباس لا يجوز قبول المروي منه إنّما تقبل عند أهل الفن من الثقة المجمع عليه.

ص: 139

وفي البخاري: سئل أنس عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم ويمد الرحمن ويمد الرحيم.

وعند مسلم عنه: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسِّما فقلنا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: نزلت علي سورة آنفا فقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} .

ومن حديث شريك عند الحاكم، وقال: رواته عن آخرهم ثقات، عن أنس: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم.

ومن حديث محمد بن المتوكل بن أبي السري، وقال: رواته ثقات، قال: صليت خلف المعتمر من الصلوات ما لا أحصيها الصبح والمغرب؛ فكان يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وعزا ذلك لأبيه، وأبوه لأنس، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم الطائي، ثنا إبراهيم التيمي، وهو منكر الحديث، عن المعتمر بنحوه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم. ومن حديث أبي جابر

ص: 140

سيف بن عمرو: ثنا محمد بن أبي السري، ثنا إسماعيل بن أبي أويس عنه، ثنا مالك، عن حميد عنه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي، فكانوا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم. قال الحاكم: إنما ذكرت هذا الحديث شاهدا. وفي هذه الأخبار التي ذكرتها معارضة لحديث قتادة الذي يرويه أئمتنا عنه.

وقد بقي في الباب عن أميري المؤمنين - علي وعثمان - وطلحة بن عبيد اللَّه، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر والحكم الثمالي، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، وبريدة الأسلمي، وعائشة، كلها مخرجة عندي لكني تركتها إيثارا للتخفيف، واختصرت منها ما يليق بهذا الباب، وكذلك قد ذكرت في الباب من جهر بالبسملة من الصحابة والتابعين وأتباعهم رضي الله عنهم.

وفي كتاب الخطيب من حديث إسماعيل المكي، عن قتادة، عن أنس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم. وفي هذا ردّ لما قاله الحاكم، وإن كان المكي ضعيفا فليس مطرحا بالجملة.

قال الخطيب: ثبت أن أنسا لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، والتيمي لم ينص على

ص: 141

سماعه ذلك فيه كما قاله المكي؛ بل أطلق، فيحتمل أن يكون قد سمعه أنس من بعض الصحابة فرواه عنه رواية مرسلة، ومرسل الصحابة حجة.

47 -

حدثنا نصر بن علي الجهضمي وبكر بن خلف وعقبة بن مكرم قالوا: حدثنا صفوان بن عيسى، ثنا بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين.

هذا حديث قال فيه أبو عمر في كتاب الإنصاف: بشر بن رافع عندهم منكر الحديث قد اتفقوا على إنكار حديثه، وطرح ما رواه وترك الاحتجاج به، ولا يختلف علماء أهل الحديث في ذلك، والذين يروون عن بشر: حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق وصفوان بن عيسى، ولو صح حديثه احتمل من التأويل أنه كان يفتتح بها دون غيرها من السور ولم يقل دون البسملة؛ لأن البسملة في أوّل كل سورة مثبتة في المصحف.

ورواه عبد الواحد بن زياد - يعني: من عند مسلم - وهو منقطع، فإنّ مسلما قال في أوّله: حدثت عن يحيى بن حسان ويونس بن محمد المؤدب وغيرهما قالوا: أنبأنا عبد الواحد به، ووصله البزار فقال: ثنا محمد بن مسكين اليمامي، عن يحيى بن حسان، وقال أبو نعيم: ثنا أبو بكر الطلحي ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا ابن عسكر ثنا يحيى بن حسان ثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا نهض في الثانية استفتح القراءة بالحمد لله، ولم يسكت قال أبو عمر: وهذه رواية يغني ظاهرها عن الكلام فيها. انتهى كلامه وفيه نظر في مواضع:

الأوّل: قوله: ولا يختلف علماء أهل الحديث في ذلك ليس جيدا؛ لأنه ممن

ص: 142

قال فيه أبو زكريا يحيى بن معين فيما رواه عباس: لا بأس به.

وقال أبو أحمد بن عدي: لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثًا منكرًا.

وقال أبو بكر البزار: ليّن الحديث، وقد احتمل حديثه وخرج له الحاكم في الشواهد، وقال: ليس بالمتروك وإن لم يخرّجاه.

الثاني: روى عنه غير من ذكر؛ وهو عبد الوهاب بن همام أخو عبد الرزاق ويحيى بن أبي كثير، وهو من شيوخه.

الثالث: وجدنا لهذا الحديث طريقًا على رسم الشيخين:

قال الطبراني: ثنا محمد بن العباس الأخرم، ثنا أبو حفص عمرو بن علي، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن سمعت الأعرج يحدّث عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا افتتح الصلاة قال: الحمد لله رب العالمين ثم يسكت هنيهة ثم قال: لم يروه عن شعبة إلا أبو داود، ورواه أبو الحسن عن ابن صاعد، ثنا عمرو بن علي، ثنا أبو داود عن شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة سمعت الأعرج به، وقال: لم يرفعه غير أبي داود عن شعبة، ووقفه غيره من فعل أبي هريرة، وحديث العلاء بن عبد الرحمن المذكور عند مسلم قال أبو عمر بن عبد البر: وهو أصح حديث روي في سقوط البسملة منْ أوّل الفاتحة، رواه مالك، عن العلاء، عن أبي السائب مولى هشام، سمعت أبا هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال العبد: الحمد للَّه رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي

الحديث.

ص: 143

ورواه ابن جريج، عن العلاء كرواية مالك سواء، ورواه شعبة والثوري وابن عيينة عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، ولم يذكروا أبا السائب؛ فمن أهل العلم بالحديث من جعل هذا اضطرابًا يوجب التوقف، عن العمل بحديث العلاء، ومنهم من قال: ليس هذا باضطراب؛ لأن العلاء روى هذا الحديث عن أبيه، وعن أبي السائب جمعيا كذا رواه أبو أويس عنه، والقول عندي في ذلك أن مثل هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن أباه وأبا السائب من الثقات؛ فعن أيهما كان فهو من أخبار العدول التي يجب الحكم بها.

وفي حديث منصور بن أبي مزاحم - وهو من أهل الصدق عندهم -، ثنا أبو أويس عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبو عمر: تعضد هذه الرواية رواية مالك وغيره: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. ورواه الدارقطني من حديث يوسف بن يعقوب بن البهلول حدثني جدي، ثنا أبي، ثنا ابن سمعان (عبد الله بن زياد بن سمعان، وهو متروك الحديث) عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال اللَّه: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي الحديث. ثم قال: رواه جماعة من الثقات عن العلاء منهم: مالك وابن جريج، وروح بن القاسم وابن عيينة وابن عجلان والحسن بن الحر، وأبو أويس، وغيرهم على اختلاف منهم في الإسناد، واتفاق منهم على المتن، فلم يذكر أحد منهم في حديثه: بسم الله الرحمن الرحيم، واتفاقهم على خلاف ما رواه ابن سمعان أولى بالصواب، وقال البيهقي: وابن سمعان ضعيف، لا يفرح بما ينفرد به - والله

ص: 144

أعلم - وقال الملاحي الغافقي الحافظ: تفرد آدم بن أبي إياس عن ابن سمعان بذكر البسملة، وآدم من شرط الشيخين ومذهبهما أن الزيادة عندهما من الثقة مقبولة. انتهى كلامه، وقد أسلفناه من غير حديث آدم، والله أعلم.

48 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، عن الجريري، عن قيس بن عباية، قال: حدثني ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه قال: قلّ ما رأيت رجلا أشد عليه في الإسلام حدثا منه، فسمعني وأنا في الصلاة أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أي بني إياك والحدث فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع رجلا منهم يقوله؛ فإذا قرأت فقل: الحمد للَّه رب العالمين.

هذا حديث قال فيه الترمذي والطوسي: حسن بلفظ: فلا تقلها إذا أنت صليت فقل، زاد أبو عيسى: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين؛ وبه يقول الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق.

وفي مسند أحمد: فكانوا لا يستفتحون القراءة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم. وفي لفظ: كان أبونا إذا سمع أحدنا يقول: بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال: أهي؟ أهي؟ صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

وقال البيهقي: تفرد به أبو نعامة، واختلف عليه في لفظه، وابن عبد اللَّه بن مغفل وأبو نعامة لم يحتج بهما صاحبا الصحيح، وقد قيل: عن أبي

ص: 145

نعامة عن أنس، وعارضه الشافعي بحديث أنس عن معاوية - يعني: الآتي بعد.

وقال الخطيب: قد طعن بعض الفقهاء في سنده، وقال: قيس غير ثابت الرواية، قال: وقيس لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته، ولكن ابن عبد الله مجهول، ولو صح حديثه لم يكن مؤثرا في حديث أبي هريرة؛ لصغره وكبر أبي هريرة، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: ليليني منكم أُولو الأحلام والنهى.

وقال ابن خزيمة في كتاب البسملة: مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول. وقال النووي: نسب جماعة الترمذي في تحسينه إلى التساهل، وقالوا: هو حديث ضعيف، وعلى فرض الصحة فلا يلزم من عدم السماع عدم القراءة بها سرا.

وقال أبو عمر: وقد زعم قوم أن الجريري انفرد به، وليس هو عندي كذلك؛ لأنه قد رواه غيره عن قيس، والمنفرد به قيس، وهو ثقة عند جميعهم، وأما ابن عبد الله فلم يرو عنه إلا قيس فيما علمت، ولم يرو عنه إلا واحدًا فهو مجهول عندهم، والمجهول لا تقوم به حجة. ورواه معمر عن الجريري قال: أخبرني من سمع ابن عبد اللَّه بن مغفل. ورواه إسماعيل بن مسعود عن عثمان بن غياث، عن أبي نعامة لم يذكر الجريري، فالحديث إنما يدور على ابن عبد اللَّه، وقد تقدّم الخبر عنه.

وفي لفظ لعثمان بن غياث: كان إذا سمع أحدا يقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. انتهى. وفيما تقدم من الكلام جميعه نظر؛ لما نذكره بعد من أن الصواب قول من حسنه، وأنّ أبا نعامة لم ينفرد به، وأنّ ابن عبد الله بن مغفل ليس مجهولا. وقول البيهقي: لم يحتجا به غير مؤثر في عدالته؛ لأنهما لم يشترطا الإخراج عن كل ثقة ولا التزماه، ولو اشترطاه لما أطاقاه.

وأما قول من زعم أن ابن مغفل صغير فصواب؛ لأنه ممن بايع تحت الشجرة، ومن البكائين، ومن الفقهاء الذين أرسلهم عمر ليفقهوا أهل البصرة، فعلى هذا يكون سنه من سن أبي هريرة قرينه، مع فقهه وقلة روايته وفيهما ترجيح

ص: 146

والله أعلم.

أما ابن عبد الله بن مغفل: فيه ذكر اسمه والرواية عنه.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه: رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب ومن خطه نقلته ذكر من طريق زفر عنه، عن أبي سفيان، عن عبد الله بن يزيد بن مغفل، عن أبيه أنه صلى خلف إمام، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهكذا رواه محمد بن الحسن، وأبو يحيى الحماني، واللؤلؤي، عن أبي حنيفة، والصواب، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، عن أبيه، أنبأناه الخلال أنبأنا ابن المظفر، ثنا ابن صاعد، ثنا أبو الخطاب زياد الحساني، ثنا بكر بن بكار، ثنا حمزة الزيات، عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، عن أبيه أنه صلى خلف إمام فجهر بالبسملة، فلما فرغ من صلاته، قال: يا هذا غير عنا هذه التي أراك تجهر بها، قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر، فلم يجهروا بها.

وزعم ابن الجوزي أن البخاري ذكره في تاريخه، ورأيت حاشية بخط شيخنا الحافظ الدمياطي، عن زيد، ورأيت في بعض نسخ الترمذي، عن قيس، عن عتبة بن عبد الله بن مغفل، ويشبه أن يكون وهما.

وفي قول أبي عمر والبيهقي: إن قيسا تفرد به، وإن ابن مغفل لم يرو عنه غيره، نظر، لما ذكرناه من كتاب الخطيب، ولما في كتاب أبي القاسم الكبير، وذكر ترجمة يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا محمد بن النضر الأزدي، ثنا شهاب بن عباد، قالا: ثنا خالد بن عبد الله، عن الجريري، عن قيس بن عباية، عن ابن لعبد الله بن مغفل، عن أبيه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وقال مسدد في حديثه: كانوا يستفتحون بالحمد لله، وث اابن محمد الجذوعي القاضي، حدثنا عقبة بن مكرم العمي، ثنا سالم بن نوح، عن الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فتبين لك أن قيسا لم ينفرد، وأن ابن مغفل روى عنه ثلاثة، فخرج بذلك عن الجهالة، والله أعلم.

ص: 147

وفي الباب: حديث أبي السائب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا صلى والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلما قضى صلاته، قال: ارجع فصل ثلاثا، فقال: ابدأ، فكبر، وتحمد الله، وتقرأ أم القرآن

الحديث، ذكره البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، عن يحيى بن بكير، عن عبد الله بن سويد، عن عياش، عن بكر بن عبد الله، عن علي بن يحيى عنه، وسيأتي لهذا زيادة في باب القراءة إن شاء الله تعالى.

وحديث أبي بن كعب، قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، ثم قال: قال ربكم: ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات، ثلاث لي، وثلاث لك، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: فالحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والتي بيني وبينك: إياك نعبد، وإياك نستعين منك العبادة وعلي العون لك.

وأما التي لك: فاهدنا الصراط المستقيم، هذه لك، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم: اليهود، ولا الضالين: النصارى.

رواه أبو القاسم في الأوسط بسند ضعيف من حديث سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه.

وقال: لم يروه عن الزهري إلا ابن أرقم.

وحديث أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر، ثم يبتدئ بالحمد، ذكره عبد اللطيف بن يوسف البغدادي في كتاب الواضحة في الكلام على الفاتحة وحديث جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن

ص: 148

الرحيم، قال: أثنى علي عبدي

الحديث رواه في كتاب معجم الإسماعيلي بسند صحيح.

وقد وردت أحاديث معارضة لما تقدم منها: حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم.

رواه أبو عيسى من حديث المعتمر، عن إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن أبي خالد الوالبي هرمز عنه، وقال: ليس إسناده بذاك، وقال أبو عمر: الصحيح في هذا الحديث أنه روي عن ابن عباس فعله، لا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عليه أيضا، والأكثر والأشهر أنه كان يجهر بها، وأنها أول آية في الفاتحة، وعليه جماعة أصحابه، ورواه ابن جميع في معجمه من حديث أحمد بن محمد بن عمارة عنه مرفوعا، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة، ذكرها الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن حسان، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير عنه، وقال: قد احتج البخاري بسالم هذا، وهو ابن عجلان الأفطس، واحتج مسلم بشريك، وهذا إسناد صحيح، ليست له علة، ولم يخرجاه.

وقال ابن دحية: هذا حديث حسن غريب، وهو صالح الإسناد، مستقيمه، ورواه

ص: 149

أيضا من عند الطبراني من حديث سعيد بن خثيم عن الأوقص، عن عطاء عنه، وقال: هذا حديث حسن غريب، وفي مشيخة ابن كليب بسند لا بأس به أن ابن عباس لما تلا:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}

قال: هي الحمد، وعد البسملة آية منها.

وفي كتاب الدارقطني بإسناد حكم هو عليه بالصحة في بعض النسخ من حديث أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، حدثني أبي، عن أبيه قال: صلى بنا المهدي المغرب، فجهر بالبسملة، فسألته، فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالبسملة، قال: قلت: فآثره عنك؟ قال: نعم، ومن حديث جعفر بن عنبسة، عن عمر بن حفص المكي، حدثنا ابن جريج، عن عطاء عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر في السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض، المكي مذكور في الثقات، وجعفر جهله ابن القطان، ورد به الحديث الإشبيلي، وفي المستدرك من حديث المعتمر، عن مثنى بن الصباح، عن عمرو بن دينار، عن سعيد عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم علم أنها سورة، قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ومن حديث القاسم بن زكريا، ثنا الحسن بن الصباح البزار، ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن جبير عنه: كان صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، ومن حديث الوليد بن مسلم، ثنا ابن جريج، ثنا عمرو، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ص: 150

وقال الخطيب في نهج الصواب: هذا حديث محفوظ، غير أنه مختلف في وصله وإرساله، وأما قول أبي العباس بن ياسين في كتاب إيضاح الدلالة والبرهان على أن البسملة آية من القرآن: لا أعلم لروايتها أثرا إلا حديث ابن عباس فغير صواب لما يأتي بعد.

وفي الإنصاف: روى سعيد بن جبير عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وكان المشركون يقولون: نراه يدعو إلى إله اليمامة، يعنون مسيلمة، فنزلت:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم بعد.

قال أبو عمر: هذه الرواية الضعيفة في تأويل هذه الآية لم يتابع عليها الذي جاء بها، وفي المعرفة للبيهقي: وحديث ابن عباس عنه، وعن أصحابه مثل: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة مشهور، وفيه دلالة على خطأ وقع في رواية عبد الملك بن أبي بشير، عن عكرمة، عنه، قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، قراءة الأعراب، قال ابن خزيمة: أراد بذلك والله أعلم أن الأعراب لا يخفى عليهم أن بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن وأنه يجهر بها، فكيف العلماء وأهل الحضر، وفي نهج الصواب للخطيب من حديث بحر السقاء، عن الزهري، عن عبيد الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، ويقول: من تركها فقد ترك آية من كتاب الله تعالى من أفضلها.

وحديث نعيم المجمر قال: كنت وراء أبي هريرة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى بلغ:{وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، ويقول الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده، إني

ص: 151

لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن نعيم، وقال في كتاب البسملة تأليفه: عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بها بإسناد ثابت لا ارتياب في صحته، فذكر حديث أبي هريرة هنا، وقال أبو عمر: هذا حديث محفوظ من حديث الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، وهما جميعا من ثقات المصريين، وأما الليث فإمام أهل بلده، وقد رواه غير الليث وقد تابع المقرئ، ومولى التوأمة نعيما.

وقال الدارقطني: رواته ثقات، وذكره ابن حبان في صحيحه أيضا، وابن الجارود في منتقاه، وقال البيهقي: إسناده صحيح، وفي موضع آخر: رواته ثقات مجمع على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح، وكذا قاله أبو محمد الإشبيلي.

وقال الخطيب في كتاب الجهر: هذا حديث ثابت صحيح، لا يتوجه عليه تعليل لاتصال إسناده، وثقة رجاله، وصححه أيضا أبو شامة، وغيره، ورواه أبو عبد الله، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الحكم، ثنا أبي، وشعيب بن الليث، ثنا الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال عنه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وشاهده ما حدثناه أبو محمد عبد الله بن إسحاق العدل ببغداد، ثنا إبراهيم بن إسحاق السراج، ثنا عقبة بن مكرم الضبي، ثنا

ص: 152

يونس بن بكير، ثنا مسعر، عن محمد بن قيس، عن أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

وفي كتاب الدارقطني وذكر حديث محمد بن قيس: الصواب أبو معشر، وفيه أيضا، ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا عبد الله بن صالح، ويحيى بن بكير، وثنا أبو بكر، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا ابن أبي مريم قالوا: ثنا الليث، عن خالد بن يزيد بهذا الإسناد نحوه، وكذلك رواه حيوة بن شريح المصري، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال بهذا الإسناد نحوه، وفيه أيضا بسند صحيح من حديث منصور بن أبي مزاحم، ثنا أبو أويس، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم.

قال أبو هريرة: هي آية من كتاب الله، اقرؤوا إن شئتم فاتحة القرآن، فإنها الآية السابعة، وثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج، ثنا عمر بن شبة، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا خالد بن إياس (يعني القائل فيه البخاري وغيره: ليس بشيء، وإن كان ابن عدي قال: مع ضعفه يكتب حديثه، وخرج له الحاكم في مستدركه) عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: علمني جبريل الصلاة، فقام، فكبر، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة وفي لفظ: أمني جبريل، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، هو فيه بسند صحيح، وقال ابن عبد البر: مما يشهد لصحة حديث ابن أبي هلال، عن نعيم ما رواه المقبري، وصالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: ورواه إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي كان إذا افتتح الصلاة جهر فيها ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه عن

ص: 153

أبي أويس عبد الله كما رواه ابنه، ورواه الحاكم في الإكليل من حديث إسحاق بن عبد الواحد القرشي، ثنا المعافى بن عمران، عن نوح بن أبي بلال، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله رب العالمين سبع آيات، أولهن بسم الله الرحمن الرحيم، وهي السبع المثاني ومن حديث أبي بكر الحنفي ثنا عبد الحميد بن جعفر، أخبرني نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد، عنه قال عليه السلام: إذا قرأتم: الحمد لله، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم آخر آياتها.

قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحا، فحدثني عن سعيد، عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه، وفي هذا رد لما قاله أبو القاسم في الأوسط، ورواه من حديث علي بن ثابت الجزري، عن نوح بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحمد لله رب العالمين سبع آيات، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم، وهي السبع المثاني، وهي أم القرآن وفاتحة الكتاب لم يروه عن نوح إلا عبد الحميد، تفرد به علي بن ثابت، وذكره عبد الحق في كتابه مصححا له، وعاب ذلك عليه ابن القطان بأن الحنفي رواه له سعيد موقوفا بخلاف ما رواه له عبد الحميد، فصارت المسألة مسألة ما إذا روي عن رجل حديث، وأنكر أن يكون حدث به، أو يكون مسألة رجل مضعف اختلف عليه، انتهى.

عبد الحميد حديثه عند الشيخين فإذا رفع شيئا قبل منه، والله أعلم.

وفي كتاب نهج الصواب في أن البسملة آية من فاتحة الكتاب.

ورواه المعافى بن عمران الموصلي، عن عبد الحميد، عن نوح، عن أبي سعيد، ولعل نوحا سمعه منهما، ورواه عنهما، ويصح القولان معا.

ص: 154

وحديث أنس عن معاوية بن أبي سفيان وصلى بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعدها حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمعه من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك: قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوي ساجدا.

رواه الحاكم من حديث الشافعي، عن عبد المجيد، عن ابن جريج، أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره عنه، وقال: صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز، وسائر الرواة فيه متفق على عدالتهم، وهو علة لحديث شعبة وغيره، عن قتادة، عن أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قتادة على علو قدره يدلس، ويأخذ عن كل أحد، وإن كان قد أدخل في الصحيح حديث قتادة، فإن في ضده شواهد؛ يعني المذكورة قبل: البسملة آية من فاتحة الكتاب، ورواه المعافى بن عمران الموصلي، عن عبد الحميد.

وقال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله: رجاله كلهم ثقات، وهو مخالف لما قاله عمر بن بدر الموصلي: قال أبو الحسن الدارقطني: لا يصح في الجهر بالبسملة شيء، وقال أبو عمر، وابن دحية في كتاب الانتصار وذكر حديث معاوية: رواه الثقات، وبمعناه ذكره أبو شامة، وعند الدارقطني بهذا الإسناد: فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولا للسورة التي بعدها، ولم يكبر

ص: 155

حين يهوي، وفيه، قال: فلم يصل بعد ذلك إلا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكبر.

ومن حديث إسماعيل بن عياش، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن جده: أن معاوية قدم المدينة حاجا أو معتمرا، فصلى بالناس، فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين افتتح القرآن، وقرأ بأم الكتاب

الحديث، وذكره الشافعي، عن يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد به، وقال: أحسب هذا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول، قال البيهقي: أراد بذلك أن اثنين روياه عن ابن خثيم، عن إسماعيل، إلا أنه قال: عن إسماعيل بن عبيد، عن أبيه، عن جده.

ورواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، كما رواه عبد المجيد، وابن جريج حافظ إلا أن الذين خالفوه عن ابن خثيم وإن كانوا غير أقوياء فهم عدد، ويحتمل أن يكون ابن خثيم سمعه من الوجهين، والله أعلم.

قال الخطيب: يحصل من هذا الحديث خاصة أن الجهر بالتسمية مذهب لمن كان بالمدينة من الصحابة، أجمعوا عليه، والإجماع عند مالك إجماع أهل المدينة، وفي كتاب الإنصاف: أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ قال: وذكر هذا الخبر عبد الرزاق وغيره، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر.

وحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم، فعدها آية، الحمد لله رب العالمين آيتين، الرحمن الرحيم ثلاث آيات، مالك يوم الدين أربع آيات، وقال: هكذا إياك نعبد وإياك نستعين، وجمع خمس أصابعه، رواه ابن خزيمة في صحيحه وكتاب البسملة عن أبي بكر بن إسحاق

ص: 156

الصغاني، ثنا خالد بن خداش، ثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة عنها، وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث خالد بن خداش، ثم قال: عمر بن هارون أصل في السنة، وإنما خرجته شاهدا، وذكر أبو شامة في كتاب البسملة أنه حديث صحيح، وتبعه غيره من المتأخرين.

وفي سنن الدارقطني من حديث محمد بن سعيد الأصبهاني، عن عمر بن هارون بلفظ: قطعها آية آية، وعدها عد الأعراب، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية، وفي كتاب أبي عبيد بن سلام، ثنا يحيى بن سعيد الأموي، ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة بلفظ: يقطع قراءته آية آية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، عن ابن جريج بلفظ: يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حرفا حرفا، وفي كتاب زكريا الساجي: ثنا محمد بن موسى الحرشي، ثنا عمر بن محمد المقدمي، ثنا نافع بن عمر الجمحي: سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن أم المؤمنين أنها سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أوتقدرون على ذلك؟ كان يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يرتل آية آية.

ص: 157

ولما رواه أبو عيسى، عن علي بن حجر، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج من غير ذكر التسمية قال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل، لأن الليث روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة، أنها وصفت قراءة النبي حرفا حرفا، وحديث الليث أصح.

.

قد ذكرنا من رواه غيره قبل، ولكن علة الانقطاع هي الموجبة للرد، وأما عمر فقد قال فيه أبو عاصم: كان أحسن أخذا للحديث من ابن المبارك، وقال أحمد: ما أقدر أتعلق عليه بشيء، وقال البخاري: هو مقارب الحديث، لا أعرف له حديثا ليس له أصل إلا حديثا واحدا، وقال أحمد بن سيار: كانت مرجئة بلخ يقعون فيه، وكان قتيبة يطريه، ويوثقه، وقال وكيع: كان يعرف بالحفظ، وكان أعلم الناس بالقرآن، وقيل لابن مهدي: بلغنا أنك تذكره، فقال: أعوذ بالله، ما قلت فيه إلا خيرا، ولئن سلمنا الانقطاع الذي حكاه أبو عيسى، وإن كان لم يجزم به، فالواسطة ثقة عند ابن حبان، فغير ضار للحديث، على أن ابن أبي مليكة قد روى وسمع ممن هو أقدم موتا من أم سلمة، وهو معاصرها وقطين بلدها، وهذا كاف عند كثير من العلماء إذ لم ينص عليه أحد، والله أعلم.

ص: 158

وحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم.

ذكره أبو القاسم في الأوسط بسند واه، وقال: لم يروه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع إلا ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، تفرد به عتيق بن يعقوب الزبيري، وفي موضع آخر: بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن، وفي السورة التي تليها، ويذكر أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بلده، عن أحمد بن محمد بن رزق، أنبأنا أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم بن حمي، وجعفر بن محمد ابن بنت حاتم، ثنا أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا عتيق فذكره.

قال: محمد بن حمي ما علمت من حاله إلا خيرا.

وفي العلل للدارقطني: وقد جاء من رواية معتمر، وعقبة بن تمام، وأبي حمزة، عن عبد الله بن عمر، يعني العمري مرفوعا ورواه أيوب السختياني، وابن عون، والحسن بن الحر، والضحاك بن عثمان، ويزيد بن عياض، وعطاف، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، ورواه في السنن بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا أحمد بن رشدين بن خثيم الهلالي، ثنا عمي سعيد بن خثيم، ثنا حنظلة بن أبي سفيان

ص: 159

عن سالم عنه، أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها. ورواه أيضا بسند ضعيف من حديث جعفر بن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى، ثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع عنه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه في الإكليل بسند أوهى من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي، حدثني داود بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن نافع عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان جبريل عليه السلام إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي بسم الله الرحمن الرحيم، ولما ذكره أبو عمر من حديث علي ابن حجر، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري، عن أبي الزبير مرفوعا عنه قال: قد رفعه غيره أيضا عن ابن عمر، ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف، كذلك رواه سالم ونافع انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه مرفوعا عن هذين، والله أعلم.

، عن سالم، عن أبيه بلفظ ابن أبي فديك، وزعم الشيخ أبو عمرو عثمان بن دحية أخو الحافظ أبي الخطاب في كتاب الانتصار لما صح في البسملة من الأخبار أن حديث أبي الطاهر، عن ابن أبي فديك صحيح، لا مطعن في رجاله لأحد، وجميع رواته ثقات حفاظ أثبات، وهو على شرط الأئمة الملتزمين لتخريج الصحيح، وهو حديث عزيز الوجود، يلزمهم إخراجه لصحته، واستواء طريقه في العدالة والحفظ الجلالة، وهو يساوي رحلة، ولو ضربت أكباد الإبل في طلبه إلى برك الغماد لكان قليلا، وقد خرج جماعة من الحفاظ في البسملة أجزاء لا تساوي هباء.

ولابن عبد البر في ذلك كتاب سماه بالإنصاف هو أجودها، إلا أنه ما عثر على

ص: 160

هذا الحديث، ولا اهتدى إليه، ولا وقف كما لم يقف غيره من المتعصبين للشافعي، انتهى كلامه، وهو لا يساوي فلسا، لأن أبا الطاهر قال فيه الدارقطني وغيره: كذاب، ولو هداه الله لما هدانا إليه لم يتبجح بحديث مطعون عليه، والظاهر أنه ما نظر في سنن أبي الحسن، إذ لو نظرها لاعتمد حديث سالم لسلامته من الشوائب، والله أعلم.

ولهذا فإن الخطيب لما ذكر هذه الطريق قال: هذه أوضح طريقا من حديث سالم كان لا يجهر.

وحديث جابر بن عبد الله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟ قلت: أقرأ الحمد لله رب العالمين. قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم.

رواه في الإكليل بسند جيد من حديث عبد الله بن نافع الصائغ، وحديثه عند مسلم، عن جهم بن عثمان، وحديثه مصحح عند الحاكم في مستدركه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عنه.

وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته، رواه أيضا بسند لا بأس به، وقال أبو شامة: هو صحيح عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن عن أبيه، عن جده عبد الله بن الحسن بن حسن، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن علي، ورواه أيضا بسند ضعيف من حديث عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا بلفظ يجهر في السورتين جميعا.

ومن حديث جعفر بن محمد وقبله مجهولون، عن أبيه عن أبيه، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟ قلت: الحمد لله رب العالمين، قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم.

ص: 161

ومن حديث، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي، وعمار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه أيضا من حديث ابن حسان العبدي، عن الجعفي بنحوه.

ورواه أبو عمرو بن دحية من جهة الطبراني من حديث، عن محمد بن حسان العبدي، عن جابر، ثم قال: هذا حديث غريب، وهو صالح الإسناد إن شاء الله تعالى، انتهى كلامه.

وما أدري من أي أمريه أعجب؟! أمن استغرابه مع ما أسلفناه من المتابعات والشواهد؟ أم من صلاحية إسناده، وفيه إبراهيم وجابر، ولا صلاح مع وجودهما، والله أعلم.

وفي نهج الصواب لأبي بكر: وقد صحت الرواية عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة، أنهم عدوا البسملة آية من الفاتحة.

وحديث بريدة بن الحصيب قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قال: قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: هي هي.

رواه أيضا بسند فيه إبراهيم بن مجشر، وأبو خالد الدالاني، وعبد الكريم أبو أمية، وهم ضعفاء، ومن طريق مثلها عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

قال عبد الله: وكان ابن عمر يجهر بها، وابن عباس، وابن الحنفية.

وفي نهج الصواب للخطيب من حديث يزيد أبي خالد عن سليمان بن بريدة، عن

ص: 162

أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان وغيري، وهي بسم الله الرحمن الرحيم قال: ورواه سلمة بن صالح الأحمر، عن يزيد، عن عبد الكريم أبي أمية، عن سليمان.

وحديث الحكم بن عمير، وكان بدريا، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل، وفي صلاة الغداة، وصلاة الجمعة، رواه أيضا عن الحسن بن بشر، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار، ثنا إبراهيم بن حبيب، ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي عنه، قال الخطيب: كان شهد إملاك الحسن بن علي بن أبي طالب.

وقال أبو عمر في كتاب الاستيعاب: الحكم بن عمير الثمالي، شهد بدرا، رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح.

وقال أبو حاتم: الحكم بن عمير لا يذكر سماعا ولا لقاء، روى عنه ابن أخيه موسى بن أبي حبيب نسخة منكرة، وهو ضعيف الحديث، وبنحوه قاله العسكري في كتاب الصحابة، وفي كلاميهما نظر، لما تقدم من شهوده بدرا عند الدارقطني، وابن منده، ولما ذكره ابن أبي عاصم في معرفة الصحابة وصفه بأنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بقي بن مخلد فيما ذكره ابن حزم وغيره.

وحديث طلحة بن عبيد الله قال صلى الله عليه وسلم: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله وقد عدها علي فيما عد من أم الكتاب: بسم الله

ص: 163

الرحمن الرحيم.

ذكره الخطيب في نهج الصواب من حديث محمد بن يونس بن موسى، ثنا غانم بن الحسن بن صالح السعدي، ثنا سليمان بن مسلم المكي، ثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة عنه، وذكره الحاكم في الإكليل من حديث سليمان بن مسلم بلفظ: من ترك من أم الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم.

وحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

رواه أيضا بسند واه من حديث الحكم بن عبد الله بن سعد، عن القاسم عنها، ومن حديث محمد بن أبي الخصيب الأنطاكي، ثنا عبد الجبار بن الورد سمعت ابن أبي مليكة، سمعت عائشة وسئلت عن آية؟ فقالت: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم.

وحديث ابن أبي أوفى: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا، فعلمني ما يجزيني منه، قال: بسم الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر .... الحديث، رواه أيضا بسند فيه ضعف، وسيأتي الكلام عليه بعد، ومن صححه بغير هذه الزيادة.

ومرسل عكرمة المذكور عند أبي داود: إن الله أوحى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أني قد أنزلت عليك آية الإيمان، وهي بسم الله الرحمن الرحيم، فلتكن افتتاح قراءتك وصلاتك، فإنه من جعلها في افتتاح قراءته وصلاته إذا مات على ذلك لم يروعه منكر ونكير

الحديث بطوله.

ص: 164

وحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن إسرافيل، عن رب العزة: من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب في صلاته غفرت ذنوبه.

ذكره الحافظ أبو القاسم محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم الملاحي الغافقي الأندلسي بسند فيه مجاهيل، زاد الحافظ أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي في كتاب رغائب القرآن تأليفه، عن أبي بكر قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله رب العالمين سبع آيات، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم، وهي السبع المثاني.

ويؤيده أن أبا بكر رضي الله عنه مذهبه الجهر بها فيما حكاه البيهقي في المعرفة، وذكره أبو مروان المعروف بابن أبي الغصن اللخمي في الأربعين التي خرجها في التعوذ بإسناد مسلسل بقوله: بالله العظيم لقد حدثني.

وحديث سمرة الآتي بعد عند ابن ماجه بسند صحيح، وقال أبو شامة: هو صحيح، قال الدارقطني والبيهقي: إسناده ثقات، ولفظه: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سكتات: سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وحديث النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمني جبريل عليه السلام عند البيت، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

ذكره الخطيب في كتاب الجهر بها عن أحمد بن محمد بن الصلت ثنا ابن عقدة، ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي، ثنا أحمد بن حماد الهمداني، عن فطر، عن أبي الضحى عنه، وحديث مجالد بن ثور، وبشر، وقيل: بشر بن معاوية، وكانا من الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهما: يس، وقراءة الحمد لله رب العالمين، والمعوذات الثلاث، وعلمهما الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم، والجهر بها في حال الصلاة، ذكره أيضا بسند فيه مجهولان

ص: 165

وحديث حسين بن عرفطة الأسدي قال أبو موسى في كتاب الصحابة تأليفه كان اسمه حسيلا باللام، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم حسينا، ثم ذكر بسند فيه مجاهيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إذا قمت إلى الصلاة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حتى تختمها، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد إلى آخرها قال أبو عمر: وممن كان يجهر بها: عمر بن الخطاب، وعلي، وعمار والطرق عنهم ليست بالقوية، وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يقرأها، وروي أنه كان يسر بها، وكذلك اختلف عن أبي هريرة، وابن عباس، زاد البيهقي: وهو مذهب أهل البيت، زاد الخطيب: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والحسين بن علي، وأبا قتادة، وأبا سعيد الخدري، وابن أبي أوفى، والمعتمر ونافعا، وابن المسيب، وأبا بكر بن محمد، وعمرا، وأبا وائل، وابن سيرين، وابن المنكدر، والأزرق ابن قيس، وعلي بن عبد الله بن عباس، وزيد بن أسلم، وأشعث بن أبي الشعثاء، وعبد الله بن مغفل بن قرن، وعبيد الله العمري، ومكحولا، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وابن أبي ذئب، وأبا سنان ضرار بن مرة الشيباني، والليث بن سعد، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن جبير، وابن عمر وشداد بن أوس بلا خلاف، وهو قول عطاء، ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي قلابة، وعطاء الخراساني، وهو أحد قولي ابن وهب، وكان مالك يرى قراءتها في النوافل في الفاتحة وفي سائر السور، وهو قول محمد بن الحسن، وكان الشافعي يرى قراءتها في المكتوبات والنوافل فرضا، ومن أسقط منها حرفا واحدا لم تجزئ صلاته.

ص: 166

وذكر أبو عمرو بن دحية، عن القاضي أبي بكر بن الطيب القطع على وهم الشافعي في البسملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه أن يعلم أمته، وأمره الله تعالى بالتبليغ، وخمس صلوات يصليها في كل يوم، فيكف لم يبلغ؟ قال ابن دحية: وللشافعي فيها قولان: أحدهما أنها آية من فاتحة الكتاب دون غيرها، والآخر: هي آية من كل سورة.

قال ابن عبد البر: ومذهب الإمام أحمد الإسرار بها كمذهب الكوفيين، قال: لا يجهر بها أحد إلا في قيام رمضان في غير فاتحة الكتاب من السورتين، فإنه من فعل ذلك فلا شيء عليه.

وروى ابن نافع عن مالك لا بأس بقراءتها في الفريضة والنافلة، قال: ولا يصح هذا عن مالك، وإنما هو صحيح عن ابن نافع، وقد روي عن ابن مسعود يعني: خلاف ذلك: ثلاث يخفيهن الإمام: الاستعاذة، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، وروي عن علي، والحسن، وابن سيرين، وأبي جعفر، والثوري، والنخعي، وسائر الكوفيين.

وحكى أبو نعيم بن دكين، عن إبراهيم: الجهر بها بدعة، وفي لفظ: ما أدركنا أحدا يجهر بها، وفي لفظ: افتتح الصلاة، وتعوذ، واقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وتقول ذا في نفسك، وذكر ابن بدر الموصلي في كتابه المغني: لم يصح شيء في كون البسملة آية من كل سورة.

وفي الواضحة، قال علي بن عيسى: معظم الفقهاء على أنها في الحمد ليس من السورة، وأنها آية مفردة، والإجماع على أنها لا تعد في أوائل آية من السور، بل آية من القرآن مفردة.

وقال أبو بكر الرازي الحنفي: هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة، وليست من السور، بل هي قرآن مستقل، كسورة قصيرة، وحكي هذا عن داود وأصحابه، وهي رواية عن أحمد، وقال محمد بن الحسن: ما بين دفتي المصحف

ص: 167

قرآن، وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها، لاختلاف العلماء فيها، وذكر الإمام أبو زكريا يحيى بن علي بن عبد الرحمن القيسي إمام مسجد العيثم بمصر في كتابه التفسير أن الفاتحة سبع آيات بغير البسملة، لما في الحديث في قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها ثلاث آيات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: هؤلاء بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فقال: هؤلاء، وأقل الجمع ثلاثة.

وفي المعرفة للبيهقي: وذهب بعض أهل العلم إلى أنهم كانوا قد يجهرون بها وقد لا يجهرون، والرواية فيهما صحيحة من طريق الإسناد.

وذكر أبو نعيم في كتاب الصلاة، عن يعقوب بن عطاء، قال: صليت خلف عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والأمر فيه واسع، فإن شاء جهر، وإن شاء أسر، إلا أنه لا بد من قراءتها، وإنما اختلافهم في الجهر دون القراءة، ومن قال: لم يقرأ أراد لم يجهر، وكذا الجواب عن حديث ابن المغفل، والله تعالى أعلم.

قال عبد اللطيف بن يوسف: ومن أسماء الفاتحة: أم الكتاب، والسبع المثاني، والوافية، وسورة الصلاة، وسورة الشفاء، والشافية، وسورة الكنز، والواقية.

ص: 168

‌باب القراءة في صلاة الفجر

49 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك، وسفيان بن عيينة، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}

ذا حديث رواه مسلم بلفظ: وربما قال: قاف.

وفي كتاب النسائي: قال شعبة: فلقيته في السوق، يعني: زياد بن علاقة في الزحام، فقال: ق.

ورواه أبو القاسم في الصغير من حديث ابن عيينة بلفظ: باصقات، بالصاد، وقال: لم يروه عن ابن عيينة إلا هشام بن يونس اللؤلؤي.

50 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، ثنا أصبغ مولى عمرو بن حريث، عن عمرو بن حريث، قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقرأ في الفجر، فكأني أسمع قراءته:{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}

ذا حديث رواه مسلم أيضا، وحديث أبي برزة المذكور بعد هذا خرجاه في صحيحيهما، وحديث ابن السائب كذلك إلا أن محمدا ذكره بغير إسناده.

ص: 169

51 -

حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، ثنا ابن أبي عدي، عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، وعن أبي سلمة عن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيطيل في الركعة الأولى، ويقصر في الثانية، وكذلك في الصبح.

ذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: يصلي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وفي لفظ عند البخاري: وكان يطول الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية، وفي لفظ لأبي داود قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى.

وفي الباب: حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور المذكور عند البخاري، وسيأتي، وحديث أبي هريرة من عنده أيضا في باب القراءة في الفجر قال: في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، زاد في الأوسط: في كل صلاة قراءة، لو بفاتحة الكتاب.

وقال: لم يروه عن إبراهيم بن ميمون الصائغ، يعني عن عطاء بن أبي رباح عنه إلا

ص: 170

داود بن أبي الفرات، وعون بن معمر، وفي المنتقى من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء فسمعته يقول: لا صلاة إلا بقراءة.

ولفظ مسلم قال صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بقراءة، فما أعلن النبي أعلناه.

قال الدارقطني في التتبع: الصواب من قول أبي هريرة، وهو محفوظ، عن أبي أسامة على الصواب.

قال الحافظ أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي في رده على الدارقطني: لعل الوهم فيه من مسلم، أو من ابن نمير، أو من أبي أسامة.

فأما من يلزم مسلما فيه الوهم من بينهم فلا، حتى يوجد من غير حديث مسلم، عن ابن نمير على الصواب، فحينئذ يلزمه الوهم وإلا فلا.

وحديث عقبة الجهني قال: كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، قال: فقال لي: ألا أعلمك سورتين لم يقرأ بمثلهما؟ قلت: بلى، فعلمني: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فلم يرني أعجبت بهما، فلما نزل الصبح قرأ بهما، ثم قال لي: كيف رأيت يا عقبة؟.

رواه الإمام أحمد في مسنده، وعند ابن حبان من حديث يزيد، عن أسلم أبي عمران عنه: إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله، ولا أبلغ عنده من أن تقرأ: قل أعوذ

ص: 171

برب الفلق، فإن استطعت أن لا تفوتك في صلاة فافعل.

وفي تاريخ العلامة أبي زرعة النصري الدمشقي: قلت له (يعني لأحمد بن صالح): فإن الثوري يحدث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} فقال: ليس هذا من حديث معاوية، عن عبد الرحمن، إنما روى هذا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة، قال أبو زرعة: وهاتان الروايتان عندي صحيحتان، لهما جميعا أصل بالشام عن جبير بن نفير، عن عقبة، وعن القاسم، عن عقبة،، ورواه ابن مهدي، وزيد بن حباب عن معاوية بإسناد آخر، فقالا: عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية، عن عقبة بلفظ: ألا أعلمك خير سورتين؟ وهو لا يعلل الأول، فإن هذا إسناد لمتن آخر.

وفي التمييز لمسلم: ذكر وهم إسناد لسفيان الثوري: أبو أسامة، ثنا سفيان، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عقبة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين؟ قال: فأمنا بهما النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر، عبد الرحمن، ثنا معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى عقبة بن عقبة، وابن وهب، والثوري وهم حيث قال: عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه.

ص: 172

وحديث معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني، عن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسي أم قرأ ذلك عمدا؟.

رواه أبو داود بسند صحيح، عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال عنه، ورواه في المراسيل من حديث سعد بن سعيد، وفيه ضعف، عن معاذ بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر، فقرأ في الركعة الأولى بإذا زلزلت، ثم قام في الثانية، فأعادها، وحديث أبي معبد: إن كانت الصلاة لتقام، فينطلق أحدنا إلى حاجته في البقيع، فيتوضأ، ثم يرجع، وإنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم لفي الركعة الأولى.

ذكره السراج في باب القراءة في صلاة الفجر، وسيأتي ذكره في الباب بعد هذا، وحديث جابر بن سمرة من عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد، وكانت قراءته بعدُ تخفيفا، وفي لفظ: كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الصبح بأطول من ذلك، وفي كتاب أبي داود: والصبح كان يطيلها، وفي كتاب ابن خزيمة: كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الظهر والعصر بالليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، ونحوهما، ويقرأ في الصبح بأطول من ذلك.

ص: 173

وفي مسند السراج بسند صحيح بقاف ونحوها، وفي لفظ: وأشباهها، وفي الأوسط عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بياسين، وقال: لم يروه عن سماك إلا شعبة، وأيوب بن جابر، ولا رواه عنهما إلا أبو داود الطيالسي، تفرد به عبد الله بن عمران الأصبهاني، وفيه أيضا عنه: كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في صلاة الصبح بالواقعة، ونحوها من السور، وقال: لم يروه عن سماك إلا إسرائيل، ولا عن إسرائيل إلا سلمة بن رجاء، تفرد به يعقوب بن حميد بن كاسب.

وحديث أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بأقصر سورتين من القرآن، فلما قضى صلاته أقبل علينا بوجهه، وقال: إنما أسرعت، أو عجلت لفرغ الأم إلى صبيها، وسمع صوت صبي.

رواه في الأوسط بسند صحيح، عن مقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا أبو الربيع السمان، عن عبد العزيز بن صهيب عنه، وقال: لم يروه عن أبي الربيع إلا أسد بن موسى، ورواه السراج، عن أحمد بن منصور، ثنا حسن بن الربيع، حدثني جعفر بن سليمان، عن ثابت عنه بلفظ: قرأ بالسورة الخفيفة، أو السورة القصيرة، شك جعفر، وحديث رفاعة بن رافع الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ في صلاة الصبح بأقل من عشرين آية، ولا يقرأ في صلاة العشاء دون عشر آيات.

رواه أيضا، وقال: لا يروى هذا الحديث عن رفاعة إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة، يعني عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن بكير بن الأشج، عن سالم بن خلاد عنه، وحديث عبد الملك بن عمير، عن شبيب أبي روح، عن رجل من أصحاب

ص: 174

النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الصبح، فقرأ الروم، والتبس عليه، فلما صلى قال: ما بال أقوام يصلون معنا، لا يحسنون الطهور، فإنما يلبس علينا القرآن أولئك.

رواه النسائي عن ابن بشار عن ابن مهدي، عن سفيان عنه، وقال الحافظ أبو منصور الباوردي في كتاب معرف الصحابة: أنبأنا موسى بن هارون بن عبد الله، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا شعبة، عن عبد الملك، عن شبيب، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: الأغر، فذكره، ثم قال:، قال أبو منصور: وما أقرب ما قال موسى، ونسبه أبو نعيم في معرفة الصحابة، فقال: الأغر بن يسار الجهني، وذكر له هذا الحديث، وهو إسناد صحيح، وإن أبى ذلك عبد الحق الإشبيلي،.

وحديث أم هشام بنت حارثة قالت: ما أخذت ق إلا من وراء النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصلي بها الصبح.

ص: 175

ذكره النسائي، وسيأتي، وذكره البخاري في التاريخ الصغير، عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة، عن امرأة منهم، وفي موضع آخر، عن بنت النعمان بنحوه، وحديث ابن عباس عند الشيخين سمع الجن النبي صلى الله عليه وسلم بسوق عكاظ في صلاة الصبح يقرأ، فأتوا قومهم، فقالوا .... الحديث.

وذكر القرطبي، عن عكرمة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وذكر النووي أنه كان يقرأ: قل أوحي، وهذا فيه نظر؛ لأن هذا السورة إنما نزلت بعد سماع الجن القرآن.

وحديث ابن عمر قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمنا بالصافات في الفجر.

ذكره أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح، عن يزيد بن هارون، ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن سالم عنه.

وحديث البراء قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن.

رواه السراج بسند صحيح، عن أحمد بن يحيى، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن شعبة عن عدي بن ثابت عنه.

وحديث أبي سعيد: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بأقصر سورتين.

ص: 176

رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة، عن سفيان، عن أبي هارون عنه، وثنا سفيان، عن أبي السوداء النهدي، عن ابن سابط قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر في أول ركعة ستين آية، فلما قام سمع صوت صبي قرأ ثلاث آيات.

وحديث عمرو الجني المذكور عند أبي موسى في كتاب الصحابة قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح، وقرأ بسورة الحج يسجد فيها سجدتين.

وفي علل ابن أبي حاتم: سألت أبي، عن حديث حدثناه محمد بن إسماعيل، ثنا أحمد بن يونس، ثنا مندل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة بالناس في سفر، فقرأ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن، وربعه.

فقال: ليس هذا جعفر بن محمد بن علي بن حسين، هذا شيخ ضعيف.

وفي السنن للبيهقي: أن أبا بكر الصديق قرأ في صلاة الصبح بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما، وعن الفرافصة بن عمير قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في صلاة الصبح من كثرة ما كان يرددها.

وفي الموطأ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح، فقرأ بسورة يوسف، وسورة الحج قراءة بطيئة، وفي السنن الكبير عن

ص: 177

المعرور بن سويد، قال: صلى بنا عمر، فقرأ: ألم تر، ولإيلاف قريش، وعن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل، في كل ركعة بأم القرآن وسورة، ومن حديث خثيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يعني لغزوة، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، قال أبو هريرة: وقدمت المدينة مهاجرا، فصليت الصبح وراء سباع، فقرأ في السجدة الأولى: سورة مريم، وفي الأخرى: ويل للمطففين، وذكره ابن حبان في صحيحه، ولم يسم الرجل، وعن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر لما طعن قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم الفجر، فقرأ: إذا جاء نصر الله، وإنا أعطيناك الكوثر، وفي شرح ابن بطال: وذكر ابن عمر قرأ في الصبح بيونس وبهود، وقرأ عثمان بيوسف والكهف، وقرأ علي بالأنبياء، وقرأ عبد الله بسورتين إحداهما بنو إسرائيل، وقرأ معاذ بالنساء، وقرأ عبيدة بالرحمن، وقرأ إبراهيم بياسين، وقرأ عمر بن عبد العزيز بسورتين من طوال المفصل.

وفي كتاب أبي نعيم، عن الحارث بن فضيل قال: مررت على ابن شهاب، فأقمت عنده عشر أبكار يقرأ في صلاة الفجر تبارك، وقل هو الله أحد.

وقال أبو داود الأودي: كنت أصلي وراء علي الغداة، فكان يقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، ونحو ذلك من السور.

وفي شرح السنة: وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره.

ص: 178

وحديث أم سلمة لما طافت في الصبح، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور، ذكره البخاري، قال البغوي: والأحسن أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، وبه قال الشافعي، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، ورأى بعضهم أن القراءة في العصر كنحو القراءة في المغرب، يقرأ بقصار المفصل، يروى ذلك عن النخعي، وقال: تضاعف صلاة الظهر على صلاة العصر في القراءة أربع مرات.

غريبه: الخنس: الكواكب الدراري الخمسة: زحل، والمشترى، والمريخ، والزهرة، وعطارد، قال ابن سيده: لأنها تخنس أحيانا حتى تخفى تحت ضوء الشمس، وخنوسها استخفاؤها بالنهار، بينا تراها في آخر البرج كرت راجعة إلى أوله، وذكر أبو حنيفة في كتاب الأنواء الكبير تأليفه: قيل في قوله: فلا أقسم بالخنس: إنها النجوم الخمسة، جاء ذلك في بعض التفسير، وقيل: لأنها تسير في الفلك، وتخنس أي: تستتر، وقيل: ترجع، وذلك أن لها استقامة في رأي العين، رجوعا بينا، وكذلك سماها النجامون: الكواكب المتحيرة.

وفي كتاب الهروي: الخنس: جمع خانس وخانسة، قال الزجاج: وخنوسها: أنها تغيب، وتكنس، قال أبو موسى المديني: الكنس: النجوم التي تجري، وتستتر؛ إما بالنهار، وإما بالغيم، وقيل: هي التي تكنس في المغيب، وقيل: لأنها في بروجها كالظباء الكنس، وقال أبو نصر: الخنس: الكواكب كلها، لأنها تخنس في المغيب، أو لأنها تخفى نهارا، ويقال: هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة، وقيل: سميت خنسا لتأخرها، وفي تفسير عبد بن حميد، عن عبد الله: فلا أقسم بالخنس قال: بقر الوحش، وقال أبو ميسرة، والحسن بن أبي الحسن، ومجاهد،

ص: 179

وإبراهيم كذلك، والله أعلم.

وأما الباسق: فهو الطويل، قال ابن سيده: بسق الشيء يبسق بسوقا: تم طوله، وبسق على قومه: علاهم.

ص: 180

‌باب القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة

52 -

حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن مخول، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: ألم تنزيل، وهل أتى على الإنسان.

ذا حديث خرجه مسلم في صحيحه بزيادة: وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين.

وزعم ابن عساكر أن النسائي رواه عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن مخول بهما، وتبعه على ذلك المنذري والمزي، ولم أره فيما نظرت من كتاب النسائي الكبير والصغير، والله أعلم، ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث قتادة، عن عروة، عن ابن جبير، قال: لم يروه عن قتادة إلا همام ابن يحيى، ورواه أيضا من حديث شعبة عن الحكم، عن البطين، وقال: لم يروه عن شعبة، عن الحكم إلا محمد بن يزيد الواسطي، تفرد به محمد بن حسان الواسطي، ورواه من حديث مغيرة، عن مخول، وقال: لم يروه عن مغيرة إلا زائدة، ولا عنه إلا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي، تفرد به علي بن

ص: 181

مسلم المؤدب.

وفي كتاب شريعة المقارئ لابن أبي داود، ثنا عمي، ثنا حجاج، ثنا حماد، عن أبان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة من المئين في الركعة الأولى فيها سجدة، فسجد، ثم غدوت عليه في الغد، فقرأ في الركعة الآخرة سورة من المئين فيها سجدة، فسجد، قال ابن القطان: أبان إن كان ابن أبي عياش فهو متروك، وإن كان غيره فمجهول.

وفي المعجم الكبير لأبي القاسم من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في فجر يوم الجمعة بألم تنزيل، وسورة من المفصل، وربما قال: هل أتى.

53 -

حدثنا أزهر بن مروان، ثنا الحارث بن نبهان، ثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر: ألم تنزيل، وهل أتى على الإنسان.

ذا حديث ضعيف، لضعف الحارث بن نبهان المذكور قبل.

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى، عن سعد إلا من هذا الوجه، والحارث قد تقدم ذكرنا له، وقد خالفه الحسين بن واقد، وعبد الملك بن الوليد بن معدان فروياه، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، وهو عندي الصواب.

ص: 182

54 -

حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا إسحاق بن سليمان، أنبأنا عمرو بن أبي قيس، عن أبي فروة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: ألم تنزيل، وهل أتى على الإنسان.

قال إسحاق بن سليمان: هكذا أنبأنا عمرو عن عبد الله، لا أشك فيه.

هذا حديث إسناده صحيح، وتقدم كلام البزار، ثم رواه أيضا، عن القاسم بن محمد المروزي، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا الحسين بن واقد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله فذكره، ولما رواه الطبراني في معجمه الأصغر من حديث مسعر، عن أبي فروة، قال: لم يروه عن مسعر إلا أبو إسحاق الفزاري، تفرد به عبد الله بن سليمان العبدي، ورواه أيضا بسند صحيح، عن محمد بن بشر، ثنا دحيم، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني ثور بن يزيد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عنه بزيادة:(يديم ذلك) وقال: لم يروه عن عمرو إلا ثور، ولا عن ثور إلا الوليد، تفرد به دحيم، ولا كتبناه إلا عن ابن بشر.

وفي الباب: حديث أبي هريرة من عند الشيخين قال: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة: الم تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان.

ص: 183

وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة في الركعة الأولى بألم تنزيل السجدة، وفي الركعة الثانية هل أتى على الإنسان، أنبأنا به المسند أبو البركات محمد بن العلامة أبي عمرو بن محمد بن عثمان الصوفي رحمه الله تعالى، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن السكري، عن أسعد بن سعيد، وأم هانئ عفيفة الفارقانية، وأم حبيبة عائشة بنت معمر قالوا: أنبأتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، ثنا إسماعيل بن نميل الخلال البغدادي، ثنا محمد بن بكار بن الريان، ثنا حفص بن سليمان الغاضري، عن منصور بن حيان، عن أبي هياج الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي عنه، وقال: لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن بكار، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره هو بعد بنحو من عشرين ورقة، ثنا سعيد ابن محمد الذارع، ثنا أبو حفص عمرو بن علي، ثنا معتمر بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح بتنزيل السجدة، وقال: لم يروه عن عمرو إلا ليث، ولا عنه إلا معتمر، تفرد به عمرو بن علي ولم يرو عمرو بن مرة عن الحارث إلا هذا الحديث، وكذا ذكره أيضا في الأوسط، وقال الدارقطني: أسنده عمرو بن علي وحده عن معتمر، وغيره يرويه موقوفا، وهو الصواب.

قال ابن بطال: ذهب أكثر العلماء إلى القول بهذا الحديث، روي ذلك عن علي، وابن عباس، وأجازوا أن يقرأ سورة فيها سجدة في الفجر يوم الجمعة، استحبه النخعي، وابن سيرين، وهو قول الكوفيين، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،

ص: 184

وقالوا: هو سنة، واختلف قول مالك في ذلك، فروى ابن وهب عنه أنه لا بأس أن يقرأ الإمام بالسجدة في الفريضة.

وروى عنه أشهب أنه كره للإمام ذلك إلا أن يكون من خلفه قليل، لا يخاف أن تخلط عليهم، انتهى كلامه، وفي الذي نقله عن الكوفيين نظر، لما في المرغيناني: ويكره أن يوقت شيء من القرآن لشيء من الصلوات، وأن تقرأ سورة السجدة، وهل أتى على الإنسان في الفجر في كل جمعة.

وفي الطحاوي: معناه إذا رآه حتما واجبا لا يجزئ غيره، أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا، أو تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو لأجل التيسير فلا كراهة، زاد في المحيط: بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا؛ لئلا يظن الجاهل أنه لا يجوز غيره، وفي الأحوذي: خرج البخاري قراءة الصبح، عن سعد بن إبراهيم بلفظ:(كان) المقتضية المداومة، وهو مضعف عند مالك وغيره، وقد جاءت الرواية أيضا من غير طريقه، ولكنه أمر لم يعلم بالمدينة، والله أعلم من قطعه، فينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدوة، ويقطع أحيانا، انتهى كلامه.

وفي قوله: إن كانت تقتضي المداومة نظر؛ لما عليه جماعة من العلماء أنها لا تقتضيه، ولهم استدلالات تأتي في موضعها من كتاب الحج إن شاء الله تعالى.

ص: 185

‌باب القراءة في الظهر والعصر

55 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن حباب، ثنا معاوية بن صالح، ثنا ربيعة بن يزيد، عن قزعة قال: سألت أبا سعيد الخدري عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لك في ذلك خير، قلت له: بين رحمك الله، قال كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فيخرج أحدنا إلى البقيع، فيقضي حاجته، ويجيء، فيتوضأ، فيجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى من الظهر.

هذا حديث رواه مسلم في صحيحه، وقد سبق ذكر السراج له في الصبح.

56 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر قال: قلنا لخباب: بأي شيء كنتم تعرفون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر؟ قال: باضطراب لحيته.

هذا حديث خرجه البخاري بلفظ: قلت لخباب: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم قلت: بأي شيء ..... الحديث.

وعند ابن خزيمة: أبو أسامة، وابن عيينة، وأبو معاوية يقولون: عن الأعمش: لحييه، والدورقي، والمخزومي، وأبو كريب:(لحيته).

57 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، حدثني الضحاك بن عثمان حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال: كان يطيل الأوليين من

ص: 186

الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر.

هذا حديث إسناده صحيح، لما رواه النسائي زاد: ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي لفظ عن سليمان قال: صلينا وراء ذلك الإنسان، فكان يطول الأوليين من الظهر، ويخفف في الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاها، وأشباهها، ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين.

58 -

حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا المسعودي، ثنا زيد العمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يجهر فيه من الصلاة، فما اختلف منهم رجلان، فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر بقدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك، وقاسوا ذلك في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر.

هذا حديث ضعيف براويه زيد بن الحواري أبي الحواري البصري العمي، نسبة إلى بني العم، وهم مرة بن وائل بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران، قال أبو عبيد بن سلام: هذا نسبهم، ثم قالوا: مرة بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مر، وقال أبو الفرج الأصفهاني: أصل بني العم كالمدفوع، يقال: إنهم نزلوا في بني تميم بالبصرة أيام عمر بن الخطاب، وأسلموا، وغزوا مع المسلمين، وحمد بلاؤهم، فقيل: أنتم وإن لم تكونوا من العرب الإخوان، فبنو العم، فلقبوا بذلك، وكذلك قال كعب بن معدان الأشقري:

وجدنا أل سامة في قريش

كمثل العم بين بني تميم

ويروى عن سلفي تميم، يعني بني ناحية، كذا ذكره الرشاطي، وأنشد المبرد

ص: 187

لجرير:

سيروا بني العم فالأهواز منزلكم

ونهر تيرى فما تعرفكم العرب

وزعم ابن أبي حاتم، وبعده ابن عبد البر، وابن السمعاني أن زيدا قيل له ذلك؛ لأنه كان كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عمي، وهو إن قال فيه الإمام أحمد: صالح، وهو فوق يزيد الرقاشي، وفضل بن عيسى، وفي رواية إسحاق، عن يحيى: صالح، وقال أبو إسحاق الجوزجاني: متماسك، وسأل الآجري أبا داود عنه، فقلت: كيف هو؟ قال: ما سمعت إلا خيرا، وقال الحسن بن سفيان: ثقة، وروى له الحاكم في مستدركه فيما حكاه الصريفيني، وقال الدارقطني: صالح، وقد سأل ابن أبي شيبة علي ابن المديني عنه، فقال: كان ضعيفا عندنا، وقال ابن معين في رواية: لا شيء، وفي رواية ابن أبي الجارود عنه هو: ابن معين: أبو المتوكل، وزيد يكتب حديثهما، وهما ضعيفان، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وكان شعبة لا يحمد حفظه، قال ابنه: وسمعت أبي يقول: هو ليس بقوي، واهي الحديث، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيفه.

وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو أحمد: وعامة ما يرويه ومن روى عنه ضعفاء، وهو على أن شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه، وقال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يجوز الاحتجاج بخبره.

وقال أبو الحسن: ضعيف الحديث، ليس بشيء، وذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء، وكذلك أبو القاسم البلخي، ولما ذكره أبو جعفر في كتاب الضعفاء حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال فيه: ليس بشيء، وقال أبو إسحاق الحربي: غيره أوثق منه، وقال أبو عمر في كتاب الاستغناء: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، ورواه أبو قرة في سننه، عن سفيان، عن زيد العمي، عن أبي العالية

ص: 188

قال: اجتمع الصحابة، فحزروا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قدر ألم تنزيل السجدة، وقد وجدنا لحديثه هذا أصلا صحيحا عند مسلم.

قال أبو سعيد: كنا نحزر قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ألم تنزيل السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك.

وفي رواية: بدل تنزيل قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة: قدر خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك.

ولما ذكره البزار في سننه بلفظ: كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي العصر على النصف من ذلك قال: وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلا عن أبي سعيد بهذا الإسناد، والإسناد فلا أعلم به بأسا.

وفي الباب: حديث أنس بن مالك قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، رواه النسائي بسند فيه رجل مجهول، ورواه ابن حبان، عن ابن قحطبة، ثنا محمد بن معمر، ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، وثابت، وحميد، عن أنس.

وفي الكامل لابن عدي بسند ضعيف عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الهاجرة، فرفع صوته، فقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فقال أبي: يا رسول الله أمرت في هذه الصلاة بشيء؟ قال: لا، ولكن أردت أن أوقت لكم.

ص: 189

وفي الأوسط للطبراني بسند حسن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى من حديث عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن أبي عبيدة عنه، وقال: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به عباد.

وفي موضع آخر من حديث عبد العزيز أبي سكين قال: أتيت أنسا، فقلت: أخبرني عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فصلى بنا الظهر، وقرأ قراءة بالمرسلات، والنازعات، وعم يتساءلون، ونحوها من السور، وقال: لم يروه عن أبي سكين إلا المثنى الأحمر العطار، تفرد به سكين بن عبد العزيز.

وفي صحيح ابن خزيمة: ثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي، عن روح بن عبادة، ثنا حماد بن سلمة، ثنا قتادة، وثابت، وحميد عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.

هذا حديث غريب غريب، ولفظ البزار في كتاب السنن تأليفه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وقال: هذا الحديث لا نعلم أحدا أسنده عن حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، وقتادة، عن أنس إلا روح، وقد روى حديث حميد، عن أنس سفيان بن حسين، فقال: حدثني أبو عبيدة، عن أنس بنحو حديث حماد، وأبو عبيدة هو حميد الطويل، انتهى كلامه. وفيه نظر، لما ذكره ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه روح، وعارم، ويحيى بن إسحاق السيلحيني عن حماد بن سلمة، عن ثابت،

ص: 190

وقتادة: وحميد، والبتي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر .... الحديث. ورواه أبو سلمة عنهم، عن أنس موقوف، فقال أبي: موقوف أصح، لا يجيء مثل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتبين لك أن غير روح رواه عن حماد مسندا، وهما عارم والسيلحيني، والله أعلم.

وفي كتاب القراءة للبخاري: ثنا عفان، ثنا سكين بن عبد العزيز، حدثني المثنى الأحمر، حدثني عبد العزيز بن قيس: أتينا أنسا، فسألناه عن مقدار صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النضر بن أنس أو أحد بنيه، فصلى بنا الظهر والعصر، فقرأ (المرسلات) و (عم يتساءلون).

وحديث عدي بن حاتم أنه صلى الظهر، فقرأ بالنجم، والسماء والطارق، ثم قال: ما آلو أن أصلي بكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره أيضا عن علي بن أبي هاشم، ثنا أيوب بن جابر، عن بلال بن المنذر عنه.

وحديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، رواه أيضا بسند صحيح، وقال: لم يروه عن سماك إلا حماد بن سلمة، ولا عن حماد إلا أبو داود، تفرد به عبد الله بن عمران، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وفي لفظ

ص: 191

عند مسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك، وقد تقدم، وعند أبي علي الطوسي: السماء ذات البروج، والسماء والطارق، وشبههما، وقال عفان في حديثه: لم يذكر هذا عن ابن سمرة إلا حماد، وهو حديث غريب، وفي قول أبي القاسم نظر؛ لأن البزار رواه في سننه، عن ابن مثنى، ثنا ابن مهدي، ثنا حماد فذكره، وقال: لا نعلم رواه عن سماك إلا حماد بن سلمة، ورواه ابن حبان في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو داود.

وحديث ابن مسعود قال: لقد علمت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بهن: الذاريات، والطور، والنجم، واقتربت، والرحمن، والواقعة، ونون، والحاقة، وسأل سائل، والمزمل، ولا أقسم بيوم القيامة، وهل أتى على الإنسان، والمرسلات، وعم يتساءلون، والنازعات، وعبس، وويل للمطففين، وإذا الشمس كورت.

رواه أيضا من حديث سلمة بن كهيل، عن أبي وائل، وقال: لم يروه عن سلمة إلا ابناه محمد ويحيى، تفرد به عن محمد: حسان بن إبراهيم، وهو في الصحيح من غير تعيين السور.

وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الظهر، ثم قام، فركع، فرأينا أنه قرأ (تنزيل السجدة).

ص: 192

رواه أبو داود بسند ضعيف عن محمد بن عيسى، ثنا المعتمر، ويزيد بن هارون، وهشيم، عن سليمان التيمي، عن أمية، عن أبي مجلز عنه.

قال ابن عيسى: لم يذكر أمية أحد إلا معتمر، كذا في كتاب ابن العبد، واللؤلؤي، وابن داسة، وابن الأعرابي، وفي رواية أبي عيسى الرملي، عن أبي داود أنه قال بإثره: أمية هذا لا يعرف، وقال ابن عساكر: رواه عبثر بن القاسم وغيره، عن سليمان، وليس فيه (أمية). انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لأن سليمان صرح في الرواية، ولم يسمعه من أبي مجلز، فرواية أبيه عنه هي الصحيحة، ذكر ذلك أبو جعفر الطحاوي في شرحه من حديث يزيد بن هارون عنه، عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: ولم أسمعه منه.

وحديث عبد الوارث عن موسى بن سالم، ثنا عبد الله بن عبيد الله قال: دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم، فقلنا لشباب منا: سل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا، فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه؟ فقال: خمسا، هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به، وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمار على الفرس.

رواه مسدد بن مسرهد في مسنده الكبير الذي هو خمسة عشر جزءا عنه، وهو سند صحيح، ويؤيده ما ذكره أبو داود بسند صحيح عن زياد بن أيوب، ثنا هشيم، ثنا حصين، عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر

ص: 193

والعصر أم لا؟

وفي حديث حنظلة بن عبد الله السدوسي ما يبينه عن عكرمة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لم يقرأ فيها إلا بفاتحة الكتاب، ذكره ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي معمر، عن عبد الرزاق عنه.

وفي لفظ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب لم يزد على ذلك شيئا، ولما ذكر أبو أحمد اللفظ الأول رده بحنظلة، وقال: كان قد اختلط، وبه، فزال ما توهمه، والله تعالى أعلم.

وحديث عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم.

رواه أبو داود من رواية رجل لم يسم عنه.

قال الحافظ ضياء الدين: وقد سمى بعض الرواة هذا الرجل طرفة الحضرمي، انتهى كلامه، وطرفة هذا لم أجده فيما رأيت من الكتب مذكورا، وحديثه هذا يعضده حديث أبي سعيد المذكور أول الباب.

وحديث أبي مالك الأشعري، وقال لقومه: اجتمعوا حتى أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا، فصلى بهم صلاة الظهر، فقرأ في الركعتين الأوليين

ص: 194

بفاتحة الكتاب، وأسمع ذلك من يليه.

ذكره أبو جعفر الطبري في كتاب تهذيب الآثار من حديث قتادة عن شهر بن حوشب عنه.

وحديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بإذا السماء انشقت ونحوها، ذكره ابن خزيمة في صحيحه.

وحديث زيد بن ثابت ذكره البزار في كتاب السنن تأليفه إثر حديث خباب وحكمه على حديثه بصحة إسناده، قال: وقد روي عن زيد بن ثابت بنحو ما رواه خباب، وقال البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام: ثنا علي، ثنا أبو بكر الحنفي أنبأنا كثير بن زيد، عن المطلب، عن خارجة بن زيد، حدثني زيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يطيل القراءة في الظهر، ويحرك شفتيه، فقد أعلم أنه لا يحرك شفتيه إلا وهو يقرأ.

وفي كتاب الصلاة للفضل بن دكين: قرأ إبراهيم في الظهر بالصافات والواقعة. وفي لفظ: بالطور، وعنه قال: تضاعف الظهر أربعة أضعاف على العصر.

وحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر، فقرأ: سبح اسم ربك الأعلى، فلما فرغ قال: أيكم قرأ معي؟ فقال رجل: أنا، قال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها.

ذكره أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف النيسابوري في كتاب الصلاة تأليفه بسند صحيح، عن إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى عنه، وهو في صحيح مسلم بغير هذا اللفظ: أن

ص: 195

نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فلما انفتل قال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ .... الحديث.

ص: 196

‌الجهر بالآية أحيانا في صلاة الظهر والعصر

59 -

حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا يزيد بن زريع، ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بنا في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، ويسمعنا الآية أحيانا.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب، وعند البخاري: فكان يطول الأولى من صلاة الظهر، ويقصر في الثانية، وفي أبي داود قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى، وقال البزار في سننه: وهذا اللفظ لا نعلم رواه إلا أبو قتادة.

وزعم الدارقطني في علله أن حجاجا الصواف رواه عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي قتادة، انتهى كلامه، وفيه نظر، لما ذكره الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى أنبأنا أبو يحيى الروياني، ثنا إبراهيم هو الفراء، أنبأنا عيسى، ثنا الحجاج بن أبي عثمان، وأنبأنا ابن ناجية، ثنا بندار، ثنا ابن أبي عدي، أنبأنا حجاج وأخبرني ابن الجعد، ثنا عبد الله بن عمر، ثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن حجاج الصواف، لفظ عيسى، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين ....... الحديث.

ص: 197

وقال ابن أبي عدي: عن عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة، عن أبي قتادة، وفي لفظ عنده: كان يسمعنا الآية في الظهر والعصر أحيانا، وكان يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني، وفي لفظ: ولا يزال، وفي لفظ: أنه كان لا يزال يسمعهم الآية فقط، وفي لفظ: يطيل في الظهر لكي يدرك الناس.

فتبين لك أن حجاجا رواه كرواية غيره، وبعضهم رواه عنه كما قال الدارقطني، فليس ينبغي له أن يعمم قوله: بل يفصله، ويبين أنه اختلف عليه كاختلافهم على شيخه، والله أعلم.

وقال ابن خزيمة: قد كنت أحسب زمانا أن هذا الخبر في ذكر قراءة فاتحة الكتاب في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر لم يروها غير أبان وهمام بن يحيى على ما كنت أسمع أصحابنا من أهل الآثار يقولونه، فإذا الأوزاعي مع جلالته قد ذكر في خبره هذه الزيادة، عن يحيى، وفي لفظ عنده: ويطول في الركعة الأولى من صلاة العصر.

60 -

حدثنا عقبة بن مكرم، ثنا سلم بن قتيبة، عن هاشم بن البريد، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات.

هذا حديث لما ذكره البزار في كتاب السنن بلفظ: وربما يسمعنا النغمة من سورة لقمان.

قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا البراء، ولا حدث به، عن أبي إسحاق إلا هاشم بن البريد، وهو كوفي روى عنه ابنه علي، وعيسى بن يونس، وعبد الله

ص: 198

ابن داود، وأبو قتيبة، وغيرهم.

وفي الأوسط للطبراني من حديث عبد الله بن حمزة الزبيري، ثنا عبد الله بن نافع، عن عثمان بن الضحاك، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله قال: سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة، وفي الأخريين بأم القرآن، لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن مقسم.

وفي الصحيحين: قال سعد: أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: ذاك الظن بك، أو ذاك ظني بك.

ذكر صاحب المحيط: إن قرأ المصلي بعض سورة في ركعة، وبعضها في الثانية الصحيح أنه لا يكره، وقيل: يكره، ولا ينبغي أن يقرأ في الركعتين من وسط السورة ومن آخرها، فإن فعل فلا بأس به.

وفي المغني لابن قدامة: ولا يكره قراءة آخر السور وأوساطها في إحدى الروايتين نقلها عن أحمد جماعة، والرواية الثانية: يكره ذلك.

نقل المروذي عن أحمد أنه كان يكره أن يقرأ في صلاة الفرض بآخر السورة، وقال: سورة أعجب إلي، وفي قوله: يطول في الأولى، ويقصر في الثانية.

قال النووي: اختلف العلماء في العمل بظاهره، وهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما: لا يطول، وتؤول الحديث على أنه طول بدعاء الاستفتاح والتعوذ أو لسماع دخول داخل ونحوه.

والثاني: يستحب تطويل القراءة في الأولى قصدا، وهو الصحيح المختار.

ص: 199

وقال السروجي: اتفق أصحابنا على إطالة الركعة الأولى على الثانية في الفجر، وكذا في سائر الصلوات عند محمد، وبه قال الثوري وأحمد وعندهما لا يطيل الركعة الأولى على الثانية إلا في الفجر، واتفقوا على كراهة إطالة الثانية على الأولى إلا مالكا فإنه قال: لا بأس أن يطيل الثانية على الأولى.

ومذهب أبي حنيفة سجود السهو إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر، وعن أبي يوسف: إن جهر بحرف سجد، والصحيح إذا جهر بمقدار ما تجوز به الصلاة.

قال النووي: وفي حديث أبي قتادة بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر.

قال ابن أبي شيبة: وممن كان يجهر بالقراءة في الظهر والعصر: خباب، وسعيد بن جبير، وكان الأسود وعلقمة يجهران فيهما، ولا يسجدان.

وعن جابر قال: سألت الشعبي، وسالما، وقاسما، والحكم، ومجاهدا، وعطاء عن الرجل يجهر في الظهر والعصر؟ قالوا: ليس عليه سهو.

وعن قتادة أن أنسا جهر فيهما، فلم يسجد وكذا فعله سعيد بن العاص إذ كان بالمدينة أميرا، وقد وردت أحاديث تخالف ذلك.

روى ابن شاهين من حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر وهو حديث ضعيف.

ص: 200

وعن ابن عباس مرفوعا: صلاة النهار عجماء.

قال النووي: هذا باطل، لا أصل له، وفي المصنف، عن يحيى بن أبي كثير قالوا: يا رسول الله، إن هنا قوما يجهرون بالقراءة بالنهار؟ فقال: ارموهم بالبعر، وعن الحسن: صلاة النهار عجماء، وصلاة الليل تسمع أذنيك، وعن أبي عبيدة مثله، وسمع ابن عمر رجلا يجهر بالقراءة نهارا، فقال له: إن صلاة النهار لا يجهر فيها بالقراءة، فأسر قراءتك.

وفي السنن للكجي من حديث عبد الله بن المؤمل، وفيه كلام عن عبد الله بن أبي حسين، عن أبي هريرة قال: جهر النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء، وفي صلاة الفجر، ولم يجهر في الظهر، ولا في العصر، وهو يريد حديث ابن عباس المذكور قبله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 201

‌باب القراءة في صلاة المغرب

61 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أمه، قال أبو بكر: هي لبابة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا.

هذا حديث أجمعوا على تخريجه ولفظ مسلم: أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: والمرسلات عرفا، فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.

وفي الأوسط: ثنا محمد بن علي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن أبي رشدين، عن أم الفضل بنت الحارث: أنها كانت إذا سمعت أحدا يقرأ: والمرسلات، قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالمرسلات، ثم لم يصل لنا عشاء حتى قبض.

وقال: لم يروه عن الزهري، عن أبي رشدين وهو كريب إلا أسامة بن زيد، ورواه الناس عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن أمه.

وفي كتاب الترمذي صحيحا: خرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ بالمرسلات فما صلى بعدها حتى لقي الله.

وفي النسائي: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته المغرب، فقرأ بالمرسلات، ما صلى

ص: 202

بعدها صلاة حتى قبض.

حدثنا محمد بن الصباح، أنبأنا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال جبير في غير هذا الحديث: فلما سمعته يقرأ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} إلى قوله: {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} كاد قلبي يطير.

هذا حديث خرجاه بغير هذه الزيادة، وفي لفظ للبخاري: قرأ في المغرب بـ الطور، ولما رواه البزار بزيادة: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أهل بدر، فسمعته يقرأ في المغرب وهو يؤم الناس بـ الطور وكتاب مسطور، قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا جبير بن مطعم، ولا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه أنه قرأ في المغرب بالطور إلا في هذا الحديث، انتهى كلامه، وفيه نظر، لما ذكره أبو موسى المديني في كتاب المعرفة تأليفه من حديث المستغفري عن الخليل بن أحمد، أنبأنا ابن زيرك، ثنا يحيى بن يونس، ثنا الحسن أبو علي البصري، ثنا الفضل بن موسى، ثنا ابن أخي سعد بن إبراهيم، عن الزهري قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج، سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل، يقول: آخر صلاة صليتها مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، فقرأ في الأولى بـ الطور، وفي الثانية بـ قل يا أيها الكافرون.

وفي كتاب الطحاوي: يجوز أن يكون يريد بقوله: قرأ بالطور قرأ ببعضها، وذلك جائز في اللغة، يقال: فلان يقرأ القرآن، إذا قرأ بعضه.

قال: والدليل على صحة ذلك ما روى هشيم، عن الزهري، عن محمد بن جبير

ص: 203

ابن مطعم، عن أبيه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فانتهيت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب، فسمعته يقول:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} فكأنما صدع قلبي.

قال أبو جعفر: فبين هشيم القصة على وجهها، وأخبر أن الذي سمعه:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} لا أنه سمع الطور كلها، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما تقدم من عند ابن ماجه، ولما في مسند السراج بسند صحيح: يقرأ في المغرب: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} ، قال: فأخذني من قراءته كالكرب، وكان ذلك أول ما سمعت من أمر الإسلام.

وفي قوله: هشيم عن الزهري، نظر، لما ذكره أبو القاسم في الصغير: ثنا يعقوب بن غيلان العماني، ثنا سعيد بن عروة الربعي البصري، ثنا هشيم، أنبأنا إبراهيم بن محمد ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده فذكره، وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا هشيم، تفرد به سعيد بن عروة، وهو ثقة، ولا نحفظ لإبراهيم بن محمد حديثا مسندا غير هذا، وفي قوله:(فأتيت إليه وهو يصلي) نظر أيضا لما في كتاب ابن سعد من حديث نافع ابنه عنه قال: قدمت في فدي أسرى بدر، فاضطجعت في المسجد بعد العصر، وقد أصابني الكرى، فنمت، فأقيمت صلاة المغرب، فقمت فزعا بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب:{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد، وكان يومئذ أول ما دخل الإسلام قلبي.

وفي رواية شعبة، عن سعد بن إبراهيم سمعت بعض إخوتي، عن أبي، عن جبير: فقرأ بالطور، فكأنما صدع عن قلبي، وفي لفظ: صدع قلبي.

ص: 204

وفي كتاب الاستيعاب: روى جماعة من أصحاب ابن شهاب عنه، عن محمد بن جبير، عن أبيه المغرب أو العشاء.

قال الدارقطني: رواه محمد بن علقمة، عن الزهري، عن نافع بن جبير، ووهم في ذكره نافعا.

62 -

حدثنا أحمد بن بديل، ثنا حفص بن غياث، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.

هذا حديث إسناده صحيح، وفي الأوسط من حديثه، عن أحمد الجوهري، ثنا الحسين بن حريث المروزي، ثنا أبو معاوية، ثنا عبيد الله، عن نافع عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهم في المغرب بـ {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} .

وقال: لم يروه عن عبيد الله إلا أبو معاوية، تفرد به الحسين، انتهى. ليس تفرد الحسين بعلة لكونه خرج حديثه في الصحيحين، وبقية من في الإسناد لا يسأل عنهم، فهو إذا صحيح، ولهذا خرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن أبي عون، عن ابن حريث.

وزعم ابن بطال أن الشعبي روى عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالتين والزيتون.

وفي الباب حديث مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار السور - يعني المفصل - وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين.

ص: 205

رواه البخاري.

زاد ابن حبان: ما لك تقرأ في المغرب بقل هو اللَّه أحد، وإنا أعطيناك الكوثر، فقال زيد: فحلف باللَّه لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم

الحديث.

وسئل ابن أبي مليكة: ما طولى الطوليين؟ فقال من قبل نفسه: المائدة والأعراف، وفي النسائي من حديث أبي الأسود أنه سمع عروة يُحدّث عن زيد أنّه قال لمروان: أبا عبد الملك أتقرأ في المغرب بقل هو اللَّه أحد، وإنّا أعطيناك الكوثر؟ فقال: نعم.

قال: فمحلوفه لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين المص.

وفي البيهقي: ورواه محاضر بن المورع عن هشام، عن أبيه، عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، والصحيح الأول يعني رواية البخاري.

وفي العلل الكبير للترمذي: سألت محمدا عن حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب وزيد بن ثابت قالا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من المغرب بالأعراف فقال: الصحيح عن هشام عن أبيه، عن أبي أيوب أو زيد، هشام بن عروة يشك في هذا الحديث. قال أبو عيسى: وصحح هذا الحديث عن زيد بن ثابت: رواه ابن أبي مليكة عن عروة، عن مروان عن زيد. انتهى.

رواه وكيع في مصنفه، عن هشام على الشك، وذكر هو المعنى عند البخاري - واللَّه أعلم - وفي مسند السراج: ثنا أبو همام، ثنا محاضر، ثنا هشام، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، عن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف في

ص: 206

الركعتين كلتيهما في المكتوبة وفيه ردّ لما ذكره الحاكم، وهو حكمه على حديث عروة عن زيد بالصحة على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسال، ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنّما اتفقا على حديث مروان عن زيد، وحديث محاضر هذا مفسر ملخص، وقد اتفقا على الاحتجاج به.

وفي سنن البيهقي: قلت لابن أبي مليكة: ما طولى الطوليين؟ قال: الأنعام والأعراف.

وفي الأطراف لابن عساكر: قيل لعروة: ما هما؟ قال: الأعراف ويونس.

وفي كتاب أبي عبد الرحمن النسائي، عن عمرو بن عثمان: ثنا بقية وأبو حيوة، عن ابن أبي حمزة، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين وهو سند ظاهره الصحة، لولا ما ذكر ابن أبي حاتم سمعت أبي، وحدثنا عن هشام بن عمار، عن الدراوردي، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة به.

فقال: هذا خطأ؛ إنّما هو عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

ولقائل أن يقول: شعيب بن أبي حمزة والدراوردي ثقتان تواردا على رفعه، والزيادة من الثقة مقبولة، فالحديث على هذا صحيح - والله أعلم -.

وحديث عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالدخان رواه أيضا بسند صحيح عن محمد بن عبد الله بن يزيد، ثنا أبي، ثنا حيوة ورجل آخر قالا: ثنا جعفر بن ربيعة أن عبد الرحمن بن هرمز حدّثه أنَّ معاوية بن

ص: 207

عبد اللَّه بن جعفر حدثه عنه.

وحديث أبي عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة سورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي تكاد تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن، وهذه الآية:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} رواه مالك في موطئه عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي، عن قيس بن الحارث عنه.

وحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: قل يا أيها الكافرون، وقل هو اللَّه أحد.

ذكره الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتاب أولاد المحدثين تأليفه بسند حسن من حديث أبي قلابة الرقاشي، عن أبيه أنبأنا سعيد بن سماك عن أبيه عنه، ولما ذكر ابن حبان سعيدًا في الثقات قال: روى عن أبيه أنّه قال: لا أعلمه إلا عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.

ثنا به جماعة من شيوخنا عن أبي قلابة، ثنا سعيد بن سماك، والمحفوظ عن سماك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه نظر؛ لما ذكره بعد في صحيحه: أنبأنا يعقوب بن يوسف بن عاصم، ثنا أبو قلابة، ثنا أبي ثنا سعيد بن سماك حدثني أبي قال: لا أعلمه إلّا عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بـ قل يا أيها الكافرون، وقل هو اللَّه أحد ويقرأ في العشاء الآخرة ليلة الجمعة: الجمعة والمنافقين.

ص: 208

وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا: أنبأنا به أبو علي الحسن بن عمر بن خليل قراءة علينا من لفظه أنبأنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن اللتي قراءة عليه وأنا أنصت أنبأنا أبو المعالي اللحاس أنبأنا أبو عبد اللَّه بن السراج أنبأنا أبو علي بن شاذان أنبأنا أبو عمرو الدّقاق أنبأنا أبو قلابة فذكره مطولًا، فذكر الصلاتين.

وذكر الإمام أبو عبد الله مالك بن يحيى بن أحمد الإشبيلي في كتابه اختصار التمهيد لأبي عمر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ في المغرب بالصافات وبالمعوذتين.

وحديث معاوية بن عبد اللَّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب: حم التي فيها الدخان. ذكره ابن المديني في كتاب المستفاد في الصحابة من حديث جعفر بن ربيعة، عن الأعرج عنه، وهو سند صحيح.

وحديث أبي هريرة، وقد تقدَّم ذكره في باب ما يقرأ في الظهر والعصر، وخرّج أبو داود في سننه في هذا الباب حديث ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول اللَّه يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة.

قال صاحب تقريب المدارك: هذا حديث مسند صحيح عند البخاري وغيره، وحديث هشام بن عروة أن أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو مما يقرءون العاديات ونحوها من السور، وأتبعه في إثره، قال أبو داود: هذا يدل على أنّ ذاك منسوخ وحديث قرة عن النزال بن عمار، عن أبي عثمان أنه صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ قل هو اللَّه أحد رواهما أبو داود، وحديث بريدة: كان النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 209

يقرأ في المغرب والعشاء: والليل إذا يغشى والضحى، وكان يقرأ في الظهر والعصر بـ سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.

رواه البزار بسند صحيح عن عبدة بن عبد اللَّه وبشر بن آدم، ثنا زيد بن حباب، أنبأنا الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة عنه.

وعند الترمذي بهذا السند: كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور وقال: حديث بريدة حديث حسن، وحديث البراء بن عازب قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، فقرأ بـ التين والزيتون. رواه السراج في مسنده بسند صحيح، عن قتيبة، ثنا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن عدي بن ثابت عنه، كذا في نسختي وهي أم، كتبها ابن النجار المؤرّخ، وضبطها وقرأها، وهي أصل جماعة من الحفاظ وعلى المغرب ليس بصحيح؛ لأن المحفوظ عن البراء أن هذه القراءة كانت في العشاء، وسيأتي ذكره - إن شاء الله تعالى - وحديث جابر: أنّه كان رجل من الأنصار يعمل على ناضحين له، فجاء مبادرًا إلى صلاة المغرب فصلى مع معاذ، فقرأ سورة البقرة فصلى الرجل في ناحية المسجد ثم انصرف، فقال صلى الله عليه وسلم: أفتَّان يا معاذ؟ ثلاث مرات، لولا قرأت: والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، ونحوهما.

ذكره السكسكي في مسنده بسند صحيح، فقال: ذكر سفيان عن محارب بن دثار عنه، كذا قال: المغرب، وسيأتي ذكره، ويؤيّده ما ذكره النسائي في الكبير: وترجم القراءة في المغرب بسبح اسم ربك الأعلى.

أنبأنا محمد بن بشار، ثنا

ص: 210

عبد الرحمن ثنا سفيان عن محارب فذكره مثله.

ويوضحه ما في صحيح البستي: ذكر الخبر الدال على أن المغرب ليس لها وقت واحد: أنبأنا ابن الجنيد، ثنا قتيبة، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن جابر: أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم. ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط قال: لم يروه، عن محمد بن قيس - يعني: عن محارب - إلّا وهب بن إسماعيل الأسدي.

وفي موضع آخر: فلما أقيمت صلاة المغرب أتى المسجد فوجد معاذا افتتح بسورة البقرة. وقال: لم يروه عن الشيباني، عن محارب إلا خالد بن عبد الله. قال الطحاوي: ذهب قوم إلى الأخذ بحديث أم الفضل وجبير، وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا ينبغي أن يقرأ في المغرب إلا بقصار المفصل، دليلهم ما رواه أبو الزبير، عن جابر: أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون.

وروى حماد عن ثابت، عن أنس: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرمي أحدنا فيرى مواقع نبله وقد أنكر على معاذ تطويل العشاء مع سعة وقتها فالمغرب أحرى بذلك، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي وجمهور العلماء.

قوله: والمرسلات عرفا، قال الفراء: هي الملائكة ترسل بالعرف.

وفي تفسير ابن عباس: يعني الرسل من الملائكة ومن الإنس؛ أرسلوا بكل معروف وخير وبركة. وفي تفسير عبد بن حميد الكشي، عن عبد الله بن مسعود وقتادة قالا: هي الريح، وأما الطور: فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوف أهل

ص: 211

مكة العذاب فلم يؤمنوا ولم يصدقوا، فأنزل الله تعالى يقسم بستة أشياء أن العذاب نازل بهم، والطور: الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام لغة سريانية، كذا ذكره، ولم يبين أي طور المقسم به لكونهم سبعة جبال، يقال لكلّ واحد منهما الطور:

الأول: طور زيتا جبل بقرب رأس عين.

الثاني: طور زيتا أيضا: جبل بالمقدس به مات سبعون ألف نبي، قتلهم الجوع.

الثالث: علم لجبل مطل على طبرية.

الرابع: جبل في مصر وفاران.

الخامس: طور سيناء، وهذا هو المقسم به - والله أعلم - جبل بأيلة، وقيل: بالشام.

السادس: طور عبدين متصل بالجودي.

السابع: طور هارون عليه السلام جبل في قبلي البيت المقدس، والله أعلم.

ص: 212

‌باب القراءة في صلاة العشاء

63 -

حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة، وثنا عبد اللَّه بن عامر بن زرارة، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة جميعًا، عن يحيى بن سعيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب أنه - صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، قال: فسمعته يقرأ بالتين والزيتون.

64 -

وفي لفظ: فما سمعت إنسانًا أحسن صوتًا أو قراءة منه. هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.

وعند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وقد تقدم ذكره قبل، وفي سنن النسائي: فقرأ في الركعة الأولى بـ التين والزيتون.

65 -

حدثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر: أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فطول عليهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ بالشمس وضحاها، وبسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، واقرأ باسم ربك.

هذا حديث خرجاه بلفظ: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمّهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبره فأتى ر ول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتانا فافتتح البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: يا معاذ أفتان أنت؟! اقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل

ص: 213

إذا يغشى.

وفي صحيح ابن حبان: اقرأ بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج. وفي كتاب النسائي: وإذا السماء انفطرت.

وفي سنن البيهقي: لم يقل أحد: فسلم إلّا محمد بن عباد المكي عن سفيان.

وفي كتاب أبي قرّة: والضحى، وهذا النحو. وفي كتاب أبي القاسم الأوسط: وسبح اسم ربك الأعلى. وفي كتاب السراج: والفجر. وفي كتاب مسند ابن وهب: خفّف على الناس ولا تشق عليهم.

وفي كتاب أبي داود بسند حسن، عن حزم بن أبي بن كعب أنه أتى معاذًا وهو يصلي بقوم صلاة المغرب.

في هذا الخبر قال: فقال عليه السلام: يا معاذ لا تكن فتانًا، فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة والمسافر.

رواه عن موسى بن إسماعيل، ثنا طالب بن حبيب قال: سمعت عبد الرحمن بن جابر يحدث عنه.

ص: 214

وفي كتاب المستفاد بالنظر والكتابة من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر: أن معاذا صلى بالأنصار المغرب، وأن حازمًا الأنصاري لم يصبر لذلك فغضب عليه معاذ

الحديث.

وفي مسند أحمد: ثنا عفان، ثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن معاذ بن رفاعة أنّ رجلًا من بني سلمة يقال له: سليم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذًا يأتينا بعد ما ننام، ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة، فنخرج إليه فيطول علينا في الصلاة، فقال عليه السلام: يا معاذ إمَّا أن تخفّف بقومك، وإمَّا أن تجعل صلاتك معي.

قال ابن حزم: هذا منقطع؛ لأنّ هذا الشاكي قتل يوم أحد، وكذا ذكره البزار، وفي الأحكام لأبي علي الطوسي: ثنا المؤمل بن هشام، ثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: أنّ معاذا كان يؤم قومه فدخل حرام المسجد يصلي مع القوم، فلما رآه طول تجوّز في صلاته، ولحق بنخله يسقيه

الحديث.

وقال: يقال: هذا حديث حسن، وفي مسند أحمد بسند صحيح عن بريدة أن معاذا صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى، وذهب فقال له معاذ قولا شديدا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمعاذ: صل بـ الشَّمس وضحاها ونحوها من السور.

وفي مسند الشافعي: فقرأ بسورة البقرة والنساء كذا رأيته بخط شيخنا أبي

ص: 215

محمد المنبجي - رحمه اللَّه تعالى -.

وفي سنن أبي الحسن بسند صحيح ما يبين أن الصلاة التي صلاها معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت فرضا لا نافلة، خلافا لحديث معاذ بن رفاعة، ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار أخبرني جابر بن عبد اللَّه أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، هي له تطوع ولهم فريضة. ثنا أبو بكر، ثنا عبد الرحمن بن بشر وأبو الأزهر، ثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أخبرني جابر مثله.

وفي مسند الشافعي أنبأنا عبد المجيد، عن ابن جريج، قال الربيع: قيل لي: هو، عن ابن جريج، ولم يكن عندي ابن جريج عن عمرو عن جابر به.

قال البيهقي: وكذلك رواه حرملة عن الشافعي بغير شك.

قال الشافعي: وهو حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحدة أثبت من هذا ولا أوثق رجالًا.

قال البيهقي: وكذلك رواه أبو عاصم وعبد الرزاق، عن ابن جريج بهذه الزيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وقد رويت هذه الزيادة من وجه آخر عن جابر.

قال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر به، ولفظه: فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة.

قال البيهقي: والأصل أن ما كان موصولا بالحديث يكون منه، وخاصة إذا روي من وجهين إلَّا أن تقوم دلالة على التمييز، والظاهر أنَّ هذه الزيادة من قول جابر، وكان الصحابة أخشى للَّه من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم، ومن زعم أنّ ذلك كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ببطن النخل حين كان يفعل الفرض مرتين في اليوم ثم نسخ فقد

ص: 216

ادعى ما لا يعرف.

وحديث عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر مرفوعًا: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين لا يثبت بثبوت حديث معاذ للاختلاف في الاحتجاج بروايات عمرو وانفراده به، والاتفاق على الاحتجاج بروايات رواة معاذ، ثم ليس فيه دلالة على كونه شرعًا ثابتًا ثم نسخ، فقد كان عليه السلام يرغبهم في إعادة الصلاة بالجماعة، ويحتمل أن يكون قال ذلك حين لم يسن إعادة الصلاة بالجماعة لإدراك فضيلتها، وقد وقع الإجماع على بعض الصلوات أنها تعاد.

قال أبو جعفر: قد روى ابن عيينة عن عمرو حديث جابر هذا ولم يذكر هذه الزيادة، قال: ويجوز أن يكون ذلك من قول ابن جريج، أو من قول عمرو، أو من قول جابر، بناء على الظن والاجتهاد لا بجزم. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره الشيخ موفّق الدّين من أنّ الإمام أحمد بن حنبل سئل عن هذه الزيادة، فقال: أخشى أن لا تكون محفوظة؛ لأن ابن عيينة يزيد فيها كلامًا لا يقوله أحد، وقد روى هذا الحديث منصور وشعبة ولم يقولا ما قال ابن عيينة، قال الموفق: يعني زيادة هي له تطوع ولهم فريضة، وقال ابن الجوزي: هذا لا يصح ولو صح كان ظنًّا من جابر.

وفي المعارضة: ليس في الحديث كيفية صلاة معاذ، وقول جابر: هي له تطوع إخبار عن أمر غائب، ومن أين لجابر بما كان ينويه معاذ، ولقائل أن يقول: هذه الزيادة لم ينفرد بها؛ بل يؤكده ما خرجه الشيخان، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه

ص: 217

بطائفة منهم ركعتين ثم تأخروا وصلى بالأخرى ركعتين.

قال البيهقي: وفي حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه بطائفة منهم ركعتين ثم سلَّم، ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم. قال: وكذلك رواه يونس بن عبيد، عن الحسن، عن جابر. وثبت معناه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر، ومن حديث الحسن، عن أبي بكرة عند أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهؤلاء ركعتين وبهؤلاء ركعتين فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربعا، ولأصحابه ركعتان ركعتان.

قال الشافعي: والآخرة من هاتين للنبي عليه السلام نافلة وللآخرين فريضة.

وأنبأنا مسلم عن ابن جريج أنَّ عطاء كان تفوته العتمة فيأتي والناس في القيام فيصلي معهم ركعتين ثم يثني عليهما ركعتين، وأنه رآه فعل ذلك ويعتد به العتمة.

قال الشافعي: وكان وهب بن منبه، والحسن، وأبو رجاء - يعني: يفعلون ذلك -، ويروى عن عمر بن الخطاب وعن رجل أو اثنين من الأنصار مثل هذا المعنى، ويروى عن أبي الدرداء، وابن عباس قريب منه وطاوس، والزنجي، وابن مهدي، ويحيى بن سعيد، واحتج بقوله عليه السلام: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟! وهو حديث صحيح، قال في المعرفة: وروى ابن عائذ عن نفر من الصحابة أنهم فعلوا ذلك، زاد ابن بطال وابن المنذر: وسليمان بن حرب وأبو ثور وداود، ورواية عن أحمد، ومنع من ذلك أبو حنيفة ومالك، ورواية أبي الحارث عن أحمد.

ص: 218

قال ابن قدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا، وهو قول الحسن، وابن المسيب، والنخعي، وأبي قلابة، وربيعة، وابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومجاهد مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: فلا تختلفوا عليه ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات، وبقوله عليه السلام: الإمام ضامن يعني: يضمنها صحة وفسادا والفرض ليس مضمونا في النفل، وبقوله: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة مفهومه: أنه لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهو منتفي مع الاتفاق من الجمهور على جواز صلاة المتنفل مع الفرض، ولو تناوله النهي لما جاز مطلقا؛ فعلم أن المراد الانفراد عن الإمام بما يشوش عليه.

قال ابن العربي: وقوله: لا يظن بمعاذ تفويت صلاة الفرض خلفه عليه السلام قلنا: سائر أئمة مساجد المدينة أليس كانت الفضيلة تفوتهم معه عليه السلام وامتثال أمره عليه السلام في إمامة قومه زيادة طاعة، أو يحتمل أن يكون معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النهار، ومع قومه صلاة الليل أو يحتمل على أنها حكاية حال لم تعلم كيفيتها فلا يعمل بها.

وزعم المهلب أنّ ذلك يحتمل أن يكون في أوّل الإسلام وقت عدم القراء، ووقت لا عوض لهم من معاذ فكانت حال ضرورة فلا تجعل أصلا يقاس عليه. انتهى. يؤيّد قوله ما أسلفناه في حديث ابن رفاعة، وأنّ ذلك كان قبل أحد، ثم إن اختلاف أسماء المصلين، وما يصلي به، والصلاة فيه دلالة على تعدّد ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 219

‌باب القراءة خلف الإمام

66 -

حدثنا هشام بن عمار وسهل بن أبي سهل وإسحاق بن إسماعيل قالوا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم. زاد أبو داود وأبو عبد الرحمن فصاعدًا، قال ابن عيينة: لمن يصلي وحده قال البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام: وقال معمر عن الزهري فصاعدًا، في قوله: فصاعدًا، مع أنه قد أثبت الفاتحة، وقوله: فصاعدًا، غير معروف ما أراد به حرفًا أو أكثر من ذلك، إلا أن يكون كقوله: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا فقد تقطع اليد في دينار وأكثر من دينار، وأنّ عبد الرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره، ولا يعلم أنّ هذا من صحيح حديثه أم لا. وثنا عبد الله ثنا الليث حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني محمود عن عبادة قال عليه السلام: - لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن. وسألته عن رجل نسي القراءة في الصلاة فقال: أرى أن يعود لصلاته وإن ذكر ذلك في الركعة الثانية، ولا أرى أن لا يعود لصلاته. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره الدارقطني أنّه حدّث ابن عيينة عن الزهري: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب. ثنا ابن صاعد، ثنا الربيع، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب حدثني محمود عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهذا صحيح أيضًا، وكذلك رواه

ص: 220

صالح بن كيسان ومعمر والأوزاعي وعبد الرحمن بن إسحاق وغيرهم، عن الزهري، فظاهره يقتضي أنّ معمرًا وابن إسحاق ومن ذكر رووه كرواية ابن عيينة بغير تلك الزيادة، وإن كانوا ذكروها فهو نقض لما قاله البخاري من التفرد - والله أعلم - وفي صحيح الإسماعيلي: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب.

وخرجه الدارقطني أيضًا وقال: هذا إسناد صحيح. وفي لفظ لأبي داود: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فالتبست عليه القراءة فلما انصرف أقبل علينا بوجهه وقال: هل تقرؤون إذا جهرت؟ فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلّا بأم القرآن.

وعند الترمذي محسنا: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.

وقال أبو طَالب: قلت لأبي عبد اللَّه: ما تقول في القراءة خلف الإمام؟ قال: لا يقرأ والإمام يقرأ، قلت: أليس قال عليه السلام: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قال: ذاك للإمام، قلت: فمحمود بن الربيع صلى إلى جنب عبادة فجعل يقرأ والإمام يقرأ فقال: أبا الوليد تقرأ والإمام يقرأ؟! قال: نعم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. قال: ذاك يقوله محمد بن إسحاق، وأما غيره فيقول: لا صلاة لمن لم يقرأ، وقد قال الزهري: ذلك للإمام، وقد قاله بعضهم عن أبي هريرة ولكنه خطأ، قلت: فإنهم قالوا: لا صلاة لمن لم يقرأ، قال: فغضب، ثم قال: ما قال هذا أحد من أهل الإسلام، هذا النبي عليه السلام وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، ما قالوا لرجل صلى خلف

ص: 221

الإمام قرأ إمامه، ولم يقرأ هو صلاته باطلة، قلت: يا أبا عبد اللَّه يقولون: الشّافعي؟ قال: فقال: ما تستحيي يا أبا طالب، ثم قال: فنبي الله صلى الله عليه وسلم أليس هو يعلمنا؟ أو ليس حديث أبي موسى: فبيّن لنا سُننا، وعلمنا صلاتنا يدل على هذا في أول الإسلام؟ وقال لهم: لا تكبروا حتى يكبر إمامكم، وقال لهم: إذا قرأت أنصتوا، قلت: يا أبا عبد اللَّه التيمي وحده: إذا قرأت أنصتوا، فقال لي: رواه أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا قلت: يقولون: أخطأ أبو خالد، قال: فرواه سليمان التيمي، عن قتادة، عن أبي غلاب، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى قال عليه السلام: إذا قرأ الإمام فأنصتوا، قال: قلت: يقولون: أخطأ سليمان، قال: من قال أخطأ سليمان فقد بهته.

وفي كتاب أبي القاسم الأوسط من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبادة يرفعه: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وآيتين معها.

وقال: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن عبد العزيز إلا الحسن بن يحيى الخشني، وفي كتاب التمهيد: وفي حديث زياد بن يونس: من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج، قال أبو عمر: وهو وهم وغلط؛ لإدخال لفظ حديث أبي هريرة في هذا الحديث، وإنما لفظ حديث عبادة: لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، على أنه غريب جدا من حديث مالك، ومحفوظ لابن عيينة وجماعة عن الزهري.

وفي كتاب الصلاة لجعفر بن محمد الفريابي: قال ابن عون: فكان يقال لرجاء: أفرأيت إن كان خلف الإمام فجهر؟ قال: إن جهر وإن لم يجهر لا بد من قراءة أم القرآن.

وفي كتاب الدارقطني بسند حسن مرفوعا: أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا منها.

ص: 222

قال: تفرد به محمد بن خلاد، عن أشهب، عن ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن محمود عنه، وصححه الحاكم في مستدركه.

67 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، عن ابن جريج، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أن أبا السائب أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، غير تمام، قلت: يا أبا هريرة فإني أكون أحيانا وراء الإمام؟ فغمز ذراعي، وقال: يا فارسي، اقرأ بها في نفسك.

هذا حديث رواه مسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عنه بزيادة: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.

قال سفيان: حدثني به العلاء دخلت عليه وهو مريض في بيته، فسألته أنا عنه، ثنا قتيبة، عن مالك، عن العلاء، عن أبي السائب، مثل حديث سفيان، وحدثني المعقري، ثنا النضر بن محمد، ثنا أبو أويس، أنبأنا العلاء سمعت من أبي ومن أبي

ص: 223

السائب، وكانا جليسي أبي هريرة.

وفي العلل الكبير للترمذي: ذكر حديث إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه عن العلاء، عن أبيه، وأبي السائب، فقال: وروى ابن جريج، ومالك، وغير واحد عن العلاء عن أبيه، وسمعت أبا زرعة يقول: كلاهما صحيح، واحتج بحديث إسماعيل.

وفي سنن البزار: تابع مالكا على هذا الإسناد جماعة، فذكر ابن إسحاق، وشعبة، وقد تابع شعبة غير واحد على مثل روايته عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة، وقد رواه أبو أويس عن العلاء عن أبيه، وعن أبي السائب، عن أبي هريرة يتقاربون في ألفاظهم أنّه قال: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام.

قال أبو عمر بن عبد البر: ليس هذا الحديث في الموطأ إلا عن العلاء عند جميع الرواة، وقد انفرد به مطرف عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي السائب مولى هشام، عن أبي هريرة بهذا الحديث، وساقه كما في الموطأ سواء، ولا يحفظ لمالك عن ابن شهاب، وإنما يحفظ لمالك عن العلاء.

وقال الدارقطني في كتاب الغرائب تأليفه: هو غريب من حديث مالك عن ابن شهاب، لم يروه غير مطرف، تفرد به عنه ابن سبرة بن عبد الله المدني، وهو صحيح من حديث الزهري حدّث به عنه عقيل هكذا، عن أبي السائب عن

ص: 224

أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر هذا الحديث قبل في كتاب افتتاح القراءة. وفي لفظ للفريابي في كتاب الصلاة: فأوّلها وأوسطها بيني وبين عبدي وآخرها لعبدي، وله ما سأل، فإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: أخلص عبدي العبادة لي واستعان بي عليها. وفي لفظ: فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مدحني عبدي، وما بقي فهو له.

وفي مسند السراج: ولعبدي ما صنع. وفي لفظ: أيما رجل صلى صلاة بغير قراءة فهي خداج، غير تمام. وفي صحيح ابن خزيمة: فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج.

68 -

حدثنا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، وثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر، جميعا عن أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة: الحمد وسورة، في فريضة أو غيرها.

هذا حديث إسناده ضعيف براويه أبي سفيان طريف المذكور، قبل. ورواه أبو داود في سننه بسند صحيح، عن أبي الوليد الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة بلفظ: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر.

ولفظ البزار: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي نضرة عن أبي سعيد إلا همام، وكذا ذكره البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن أبي الوليد، ثنا همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم

ص: 225

فذكره، أنا بذلك المسند المعمر نجم الدين عبد الله بن علي بن عمر - رحمه الله تعالى - بقراءتي عليه، أنا أبو بكر محمد بن الحافظ تقي الدين إسماعيل بن الأنماطي قراءة عليه، أنا أبو البركات داود بن ملاعب، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عمر ابن يوسف قراءة عليه، أنبأنا الشريف أبو الغنائم بن المأمون قراءة عليه، أنبأنا أبو نصر محمد بن أحمد بن موسى الملاحمي قراءة عليه، أنبأنا أبو إسحاق محمود بن إسحاق بن محمود الخزاعي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي - رحمه الله تعالى - به.

وفي الأوسط من حديث سعيد بن عامر، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي نضرة بلفظ: في كلِّ صلاة قراءة بفاتحة الكتاب، وما تيسر، ومن لم يقرأ فهي خداج.

وقال: لم يروه عن سعيد بهذا اللفظ إلا سعيد بن عامر، تفرد به محمد بن أبي صفوان الثقفي.

وفي كتاب الصلاة للفريابي: ثنا ابن بشار، ثنا ابن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: في كلِّ الصلاة قراءة بأم القرآن فما زاد وثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا بشر بن المفضل، ثنا خالد، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد: في كل الصلاة قراءة بفاتحة الكتاب فما زاد.

69 -

حدثنا الفضل بن يعقوب الجزري، ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج.

ص: 226

هذا حديث إسناده صحيح، ورواه البخاري في القراءة عن محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا يزيد بن زريع، نا ابن إسحاق بلفظ: كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج قال البخاري: وزاد يزيد بن هارون: بفاتحة الكتاب. ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن هشام، عن أبيه عنها بلفظ: فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج وقال: لم يروه عن عمارة إلا ابن لهيعة، تفرد به محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن أبيه.

وفي كتاب الكامل لابن عدي من حديث جبارة بن مغلس، عن شبيب بن شيبة الحبطي - وهما ضعيفان - عن هشام به بلفظ: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج.

70 -

حدثنا الوليد بن عمرو بن سكين، ثنا يوسف بن يعقوب السلعي، ثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج.

هذا حديث إسناده صحيح على ما قررناه من حال عمرو وصحيفته، ورواه البخاري في القراءة عن هلال بن بشر، عن السلعي، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث سعيد بن سليمان النشيطي، ثنا أبان بن يزيد عن عاصم الأحول، عن عمرو بلفظ: كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فخدجة فخدجة فخدجة وقال: لم يروه عن عاصم إلا أبان، تفرد به سعيد. انتهى كلامه، وفيه نظر لما ذكره

ص: 227

الفريابي أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن في كتاب الصلاة تأليفه: ثنا موسى بن السندي الجرجاني، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي عن عاصم، فذكره بلفظ: كل صَلاة ليس فيها قراءة مخدجة مخدجة مخدجة.

وفي كتاب الدارقطني من حديث محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عمرو مرفوعا: من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعا فليقرأ فيها بأم الكتاب وسورة معها، فإن انتهى إلى أم الكتاب فقد أجزأه ومن صلى صلاة مع إمام يجهر، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام.

قال أبو الحسن: محمد ضعيف.

71 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء قال: سأله رجل فقال: أقرأ والإمام يقرأ؟ فقال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أفي كل صلاة قراءة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال رجل من القوم: وجب هذا.

هذا حديث قال فيه النسائي فيما ذكره الضياء: هذا خطأ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول أبي الدرداء، والذي رأيت وذكره من حديث زيد بن حباب، ثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء بلفظ: فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه، قال: فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقرب القوم منه، فقال: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم.

قال أبو عبد الرحمن: خولف زيد في قوله: فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي.

وقال الدارقطني في العلل: هو من قول أبي الدرداء، ومن جعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء فقد وهم.

ص: 228

ورواه البخاري في كتاب القراءة، عن عبد الله بن محمد، ثنا بشر بن السري، ثنا معاوية، وثنا علي، ثنا زيد، ثنا معاوية به مرفوعًا من غير ذكر الالتفات، ولما ذكر الإشبيلي حديث النسائي قال: اختلف في إسناد هذا الحديث ولا يثبت، قال ابن القطان: قوله يوهم في الحديث علّة لا يقبله معها أحد، وليس كذلك؛ بل هو موضع نظر، فإنه حديث رواه النسائي من طريق زيد بن حباب عن معاوية، وكذا ذكره الدارقطني، وأتبعه أن قال: الصواب أنه من قول أبي الدرداء، فرأى أبو محمد هذا فاعتمده ولم يجاوزه، ورأيته في كتابه الكبير لم يزد فيما علله به أن قال: خولف في هذا زيد، والصواب: أنه من قول أبي الدرداء. ذكر ذلك الدارقطني في سننه لم يزد، وكرر الدارقطني ذكره في موضع آخر من الكتاب المذكور؛ فجاء به من رواية ابن وهب عن معاوية بن صالح فجعله من كلام أبي الدرداء، ثم قال: رواه ابن حباب مرفوعًا، ووهم فيه، والصواب: قول ابن وهب. انتهى قوله.

فإذن ليس فيه أكثر من أن ابن وهب وقفه وابن حباب رفعه وهو أحد الثقات، ولو خالفه في رفعه جماعة ثقات فوقفته ما انبغى أن يحكم عليه في رفعه بالخطأ، فكيف ولم يخالفه إلا واحد، وأوقع ما يعتل به عليه مرفوعًا بالشك الذي في قوله: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم فإن هذا يستبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان من مجتهداته، والأظهر أنَّه من كلام أبي الدرداء، انتهى كلامه.

ص: 229

قد أسلفنا قبل من تابع زيدًا على رفعه الحديث صحيحًا، وأنَّ زيدًا نفسه اختلف عليه؛ فرواه علي عنه عند البخاري كرواية بشر بن السري. ورواه هارون بن عبد اللَّه عند النسائي كما تقدم، وكذلك عثمان بن أبي شيبة عند الفريابي في كتاب الصلاة، وأبو علي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني عند أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد في مسند أبي الدرداء جمعه، وقد وقع لنا متابعا لزيد على رفعه.

قال الطبراني في الكبير: ثنا عبدان بن أحمد، ثنا زيد بن الحريش، ثنا عمرو بن الوليد الأغضف ح، وثنا محمد بن عبد اللَّه الحضرمي، نا أحمد بن بديل ح، وثنا الحسين التستري، ثنا يحيى الحماني قالا: ثنا إسحاق بن سليمان كلاهما عن معاوية، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس عن أبي الدرداء: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفي كل صلاة قراءة؟ قال: نعم قال رجل من القوم: وجب هذا، فقال عليه السلام: ما أرى الإمام إذا قرأ إلا كان كافيًا وأما قوله عن الدارقطني: إنه قال: الصواب أنه من قول أبي الدرداء؛ فكذلك هو معنى لا لفظًا، والذي في كتابه: كذا قال، والصواب فقال أبو الدرداء: ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم.

وفي قوله: إن ابن وهب وحده وقفه نظر؛ لما ذكره الفريابي في كتاب الصلاة: ثنا ابن راهويه ثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء أن رجلًا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل صلاة قرآن؟ قال: نعم فقال رجل: قد وجبت هذه، فقال أبو الدرداء: يا كثير ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم.

ص: 230

وفي قوله عن الكتاب الكبير: لم يزد أن قال: خولف في هذا زيد، والصواب أنَّه من قول أبي الدرداء، ذكره الدارقطني في سننه نظر لما في الكبير، وقد خولف زيد في هذا، والصواب أنه من قول أبي الدرداء: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم. ذكر ذلك الدارقطني في سننه، وإنَّما حجته في هذا وشبهه لقوله لم يزد، واللَّه أعلم.

72 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا سعيد بن عامر ثنا شعبة، عن مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

هذا موقوف بسند صحيح، رواه الفريابي في كتاب الصلاة، عن الفلاس، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا مسعر بلفظ: نقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وكنا نتحدث أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذلك أو أكثر ومعناه يستمد من حديث أبي قتادة المذكور قبل عند البخاري: وفي الركعتين الأخيرتين بأمِّ الكتاب وبحديث جابر قال عليه السلام: الإمام ضامن، فما صنع فاصنعوا.

رواه الرازي عن الحميدي، ثنا موسى بن شيبة، عن محمد بن كليب وهو ابن جابر عنه ثم قال: هذا تصحيح لمن قال بالقراءة خلف الإمام، وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في الأخيرتين بفاتحة الكتاب ذكره في الأوسط من حديث أشعث بن عبد الملك، عن الحسن وابن سيرين عنها، وقال: لم يروه عن أشعث إلَّا سنان بن هارون.

وفي الباب: حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ رواه أبو داود بسند صحيح عن وهب بن بقية، عن خالد يعني:

ص: 231

ابن عبد الله الواسطي، عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد عنه، وحديث أبي هريرة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة اكتاب فما زاد.

ذكره أبو عيسى في كتابه بغير إسناد، قال: وروى أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة فذكره، ورواه ابن الجارود في منتقاه، عن عبد اللَّه بن هاشم وأبو داود، عن ابن بشار قالا: ثنا يحيى القطان، عن جعفر بن ميمون، عن أبي عثمان، ولما ذكره البزار في مسنده قال: وهذا الإسناد إسناد مستقيم، يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون، وجعفر قد روى عنه يحيى بن سعيد، ومحمد بن أبي عدي وجماعة، وما فوقه من الإسناد تغني شهرتهم عن صفتهم.

وذكره الحافظ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف في كتاب الصلاة تأليفه عن محمد بن رافع، ثنا أبو أسامة أخبرني جعفر بلفظ: لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد.

وفي كتاب الصلاة للفريابي بهذا الإسناد أنادي بالمدينة: لا صلاة إلا بقراءة أو بفاتحة الكتاب.

وقال البيهقي في المعرفة: وأما حديث وهب وغيره عن جعفر بن ميمون: ألَّا صلاة إلا بقراءة.

وقال بعضهم: إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب؛ فقد خالفهم الثوري فقال: إلا بقراءة بفاتحة الكتاب فما زاد وكذا رواه يحيى بن سعيد، ورواه

ص: 232

أبو القاسم في الأوسط من حديث حجاج بن أرطأة، عن عبد الكريم، عن أبي عثمان بلفظ: في كلّ صلاة قراءة، ولو بفاتحة الكتاب وقال: لم يروه عن حجاج إلا إبراهيم بن طهمان.

وحديث عمر بن يزيد المدائني، عن عطاء، عن ابن عمر قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا.

قال ابن عدي: هذا حديث غير محفوظ، وعمر منكر الحديث.

وحديث مهران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لم يقرأ بأم الكتاب في صلاته فهي خداج، ذكره في الأوسط من حديث سليمان بن عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن سوار، نا عمرو بن ميمون بن مهران، حدثني أبي ميمون بن مهران، عن أبيه فذكره، وقال: لا يروى عن مهران إلا بهذا الإسناد، تفرد به سليمان بن عبد الرحمن.

وحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل على القوم، فقال: أتقرؤون والإمام يقرأ؟ فسكتوا، ثم قالها ثلاثا، فقال قائلون: إنا لنفعل، فقال: فلا تفعلوا، ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه.

رواه أيضا من حديث عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن أبي قلابة عنه، وقال: لم يروه عن أيوب إلا ابن عمرو.

وحديث ابن عباس، وقال لأبي الجوزاء: ألا أتحفك؟ قلت: بلى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى أربع ركعات بأم القرآن وسورة .... الحديث، رواه أيضا من حديث ابن جحادة، عن أبي الجوزاء.

وقال: لم يروه عن ابن جحادة إلا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار.

ص: 233

تفرد به محرز بن عون.

وحديث عمر بن الخطاب، وذكر خبرا طويلا فيه ذكر الضب وشهادته للنبي عليه السلام بالرسالة، وفيه قال عليه السلام: هذا الذي يعلو ولا يعلى، ولا يقبله الله تعالى إلا بصلاة، ولا يقبل الصلاة إلا بقرآن .... الحديث رواه أيضا بسند صحيح من حديث محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر، ثنا كهمس، نا داود بن أبي هند، عن الشعبي، ثنا عبد الله بن عمر، عن أبيه، وقال: لم يروه بهذا التمام إلا كهمس، ولا عن كهمس إلا المعتمر، تفرد به محمد بن عبد الأعلى، وحديث ابن عباس المذكور قبل من عند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء، فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما بأم الكتاب.

غريبه: الخداج: قال ابن سيده: خدجت الناقة، وكل ذات ظلف وحافر: تخدج خداجا، وهي خدوج، وخدجت، وخدجت كلاهما: ألقت ولدها لغير تمام الأخيرة، عن ابن الأعرابي، وأنشد لابن مطير:

لما لقحن لماء الفحل أعجلها

وقت النتاج فلم يتممن تخديج

وقد يكون الخداج لغير الناقة، أنشد ثعلب:

يوم ترى مرضعة خلوجا

وكل أنثى حملت خدوجا

أفلا تراه كيف عم به.

وفي الحديث: فهي خداج، أي: نقصان، والولد خديج، وشاة خدوج، وجمعها: خدج، وخداج، وخدائج، وأخدجت فهي مخدجة ومخدج: جاءت به

ص: 234

ناقص الخلق، وقد تم وقت حملها، والولد خدج، وخدج، ومخدج، وخديج، ومنه قول علي في ذي الثدية: مخدج اليد: ناقص اليد، وقيل: إذا ألقت ولدها تام الخلق قبل وقت النتاج، قيل: أخدجت، وهي مخدج، فإن رمته ناقصا قبل الوقت، قيل: خدجت، وهي خادج، فإن كان عادة لها فهي مخداج فيهما.

وقوم يجعلون الخداج ما كان دما، وبعضهم يجعله ما كان أملط لم يثبت عليه شعر، وحكى ثابت جميع ذلك في الإنسان.

وقال أبو بكر: قوله: (فهي خداج): أي ذات خداج، فحذف ذات، وأقيم الخداج مقامه على مذهبهم في الاختصار، ويجوز أن يكون المعنى مخدجة أي ناقصة، وأحل المصدر محل الفعل، كما قالوا: عبد الله إقبال وإدبار، وهم يريدون: مقبل مدبر. وفي المشكل للطحاوي: قد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى صلاة أخرى خداجاً لمعنى غير المعنى الذي يسمى به هذه الصلاة خداجا، وهو ما روى المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصلاة مثنى مثنى وتشهد في كل ركعتين، وتبأس، وتقنع وتمسكن بيديك، وتقول: اللهم اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج.

وروي عن الفضل بن عباس بمثله غير أنه قال: وتقنع بيديك، يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل مستقبلًا ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب، فمن لم يفعل ذلك لدي ولدي، يعني: فهي خداج.

قال أبو جعفر: وفي الحديث الذي قبله وصف تيك أنها خداج، فقال قوم: إنّ من صلى ولم يقرأ في صلاته في كل ركعة منها فاتحة الكتاب لم تجزه، وجعلوا النقص الذي دخلها يبطلها، وقد خالفهم في ذلك قوم؛ منهم: أبو حنيفة وأصحابه فجعلوها جازية مخدجة بترك مصليها قراءة الفاتحة فيها، وذهبوا إلى أن الخداج لا

ص: 235

يذهب به الشيء الذي يُسمَّى به؛ لأنها لم تكن بنقصانها معدومة، ولكنها ناقصة موجودة وليس كل من نقصت صلاته بمعنى تركه منها يجب فسادها، قد رأيناه يترك تمام ركوعها وإتمام سجودها فيكون ذلك نقصانها، ولا تكون فاسدة يجب إعادتها، فلا ينكر أن يكون بترك قراءة فاتحة الكتاب فيها ناقصة نقصاً لا يجب معه إعادتها، وقد وجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على ذلك؛ وهو ما روي عنه أنه لما خرج في مرضه الذي توفي فيه، وأبو بكر يصلي بالناس فذهب أبو بكر يتأخر وأشار إليه مكانك، فاستتم النبي عليه السلام من حيث انتهى أبو بكر من القراءة، وأبو بكر قائم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فائتم أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وائتم الناس بأبي بكر، فلا تخلو إذا استتم النبي عليه السلام القراءة من حيث انتهى أبو بكر من أن يكون أبو بكر قد قرأ الفاتحة أو شيئاً منها، فلم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ما سبقه به من ذلك أبو بكر، وأجزأته صلاته فكان في ذلك دليل على أن ترك قراءة الفاتحة أو بعضها لا تفسد به الصلاة، والله تعالى أعلم.

ص: 236

‌باب سكتتي الإِمام

73 -

حدثنا جميل بن الحسن بن جميل العتكي، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر ذلك عمران بن حصين فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أن سمرة قد حفظه، قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة حتى يتراد إليه نفسه.

74 -

وثنا محمد بن خالد بن خداش، وعلي بن الحسين بن أشكاب، ثنا إسماعيل ابن علية، عن يونس، عن الحسن فذكره.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن.

ولفظ البزار عن سمرة: سكتتان: سكتة إذا ابتدأ الصلاة، وسكتة إذا فرغ من قراءته وعند أبي داود: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من: ولا الضالين؛ وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولا يتوهم متوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة، فإنّه سمع منه، وله شاهد بإسناد صحيح عن أبي هريرة: ثلاثا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلهن، تركهن الناس، يرفع يديه مدا، ويسكت بعد القراءة هنية يسأل الله من فضله.

وقال الدارمي: كان قتادة يقول: ثلاث سكتات، وفي الحديث المرفوع:

ص: 237

سكتتان، واحتج به البخاري في كتاب القراءة خلف الإِمام.

وقال أبو علي الطوسي: يقال: هو أحسن حديث وأصحه، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي سكت عنه سكوت مصحح له،؟ وفيه نظر في موضعين:

الأول: إسماعيل رواه عن يونس كما هو مذكور عند ابن ماجه، فسلم الإسناد من الاعتراض بسعيد، وكذا رواه خالد بن الحارث عن أشعث، عن الحسن عن أبي داود، وهشيم عن منصور، ويونس عن الحسن فيما ذكره عبد الله بن أحمد عن أبيه في كتاب العلل، قال أحمد: وثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا يونس به.

ورواه الدارمي عن عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن فذكره.

الثاني: إغفاله انقطاع ما بين الحسن وسمرة المشهور على الألسنة وإن كنت لا أراه لما أسلفناه؛ ولما ذكره عبد الله بن أحمد، ثنا أبو خيثمة، ثنا قريش بن أنس، ثنا حبيب بن الشهيد قال: قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة؟ فقال: سمعته من سمرة، ولا يعترض على هذا بقول أبي بكر البرديجي الحافظ في كتاب المراسيل تأليفه: الحسن عن سمرة ليست بصحاح إلا من كتاب،: نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وحديث العقيقة، وحديث: جار الدار أحق بدار الجار وحديث: إذا أتى أحدكم على ماشية وحديث: اقتلوا شيوخ المشركين وحديث: لا تلاعنوا بلعنة الله وحديث: الحسب والمال وحديث: الصلاة الوسطى صلاة العصر وأبو حاتم البستي بتخريجه حديثه عنه في صحيحه: من صلى الغداة

ص: 238

فهو في ذمة الله وإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة بتخريجه حديث العقيقة في صحيحه.

ص: 240

‌باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا

75 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإِمام ليؤتم به؛ فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا.

هذا حديث سئل مسلم بن الحجاج عنه: أهو صحيح؟ قال: هو عندي صحيح، فقيل له: لم لم تضعه هاهنا - يعني: في كتابه؟ فقال: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.

وقال أبو محمد بن حزم: هذا عندنا صحيح، وقال البخاري في كتاب القراءة: رواه الأحمر عن ابن عجلان عن زيد أو غيره، ولا نعرف هذا من صحيح حديث الأحمر، قال أحمد: أراه كان يدلس، قال محمد: ولم يتابع أبو خالد في زيادته. انتهى

ص: 241

كلامهم، وفيه نظر؛ لأنا قد وجدنا لأبي خالد متابعا؛ وهو ما رواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن سعد يعني: الموثق عنده، وعند يحيى، وعند المخرمي عن ابن عجلان به. وقال في آخره: لا نعلم أن أحدا تابع ابن عجلان على قوله: فأنصتوا.

وآخر رواه الدارقطني، عن محمد ابن جعفر، ثنا أحمد بن حازم، ثنا إسماعيل بن أبان الغنوي، ثنا محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم ومصعب بن شرحبيل، عن أبي صالح بزيادة: فلا تختلفوا عليه. وقال: إسماعيل ضعيف، ثنا عبد الملك بن أحمد، ثنا محمود بن خداش، ثنا أبو سعد الصاغاني محمد بن ميسر، ثنا ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، الصاغاني ضعيف.

وفي قول النسائي: (لم يتابع ابن عجلان) نظر؛ لما ذكره أبو الحسن عن محمد بن عثمان، ثنا محمد بن يونس، يعني: الكديمي، ثنا عمرو بن عاصم، ثنا معتمر سمعت أبي يحدّث عن الأعمش، عن أبي صالح بلفظ: إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فأنصتوا قال: الصحيح المعروف: إذا قال الإِمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين واعترض ابن القطان على هذا الإِسناد وضعفه.

76 -

حدثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة، عن أبي غلاب، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ الإمام فأنصتوا، فإذا كان عند القعدة فليكن أول ذكر أحدكم التشهد.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه من حديث جرير، وفي آخره: قال

ص: 242

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث: أي طعن فيه؟ فقال مسلم: أتريد أحفظ من سليمان؟ وأشار أبو طالب في سؤالات أحمد إلى أنه قال بها.

وقال أبو الحسن الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان فيها عن قتادة، وخالفه الحفاظ فلم يذكروها قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه، ولعلّه شبه عليه لكثرة من خالفه من الثقات.

وقال في موضع آخر: ورواه سالم بن نوح العطار، عن عمر بن عامر وابن أبي عروبة، عن قتادة بهذه الزيادة لم يزد.

ومن هذه الطريق رواه البزار عن محمد بن يحيى القطعي عن سالم، وهو سند صحيح على شرط مسلم.

وقال الأثرم في سؤال أحمد قال لي: وقد زعموا أن المعتمر رواه.

قلت: نعم، قد رواه المعتمر، قال: فأي شيء تريد؟ انتهى.

حديث المعتمر رواه أبو عوانة الإسفرائيني في صحيحه عن سليمان بن الأشعث السجستاني، ثنا عاصم بن النضر ثنا المعتمر، ثنا أبي ثنا قتادة بهذه الزيادة قال: وثنا الصائغ بمكة، ثنا علي بن عبد الله ثنا جرير عن سليمان فذكره، وثنا سهل بن بحر الجنديسابوري، ثنا عبد الله بن رشيد، ثنا أبو عبيدة عن قتادة فذكره.

ص: 243

فهذا كما ترى قد سلم الحديث من التفرد الذي أشار إليه هؤلاء الحفاظ، وعجز عن الجواب عنه مسلم وغيره. وقد وجدنا متابعا آخر ذكره أبو مسعود الدمشقي في جوابه للدارقطني وهو الثوري قال: رواه عن سليمان كما رواه جرير.

وقال البخاري في كتاب القراءة: لم يذكر التيمي في هذه الزيادة سماعا من قتادة ولا قتادة من يونس بن جبير، ولو صح لكان يحتمل أن يكون سوى الفاتحة، وقال البيهقي: وقد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث: وأنها ليست محفوظة: ابن معين وأبو داود وأبو حاتم وأبو علي وعلي بن عمر، والحاكم. انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه من تصحيحه عند جماعة من الحفاظ.

77 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أكيمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة نظنّ أنها الصبح فقال: هل قرأ منكم من أحد؟ قال رجل: أنا، قال: إنِّي أقول: ما لي أنازع القرآن؟

78 -

وذكره من طريق أخرى بزيادة، قال: فسكتوا بعد فيما جهر فيه الإمام.

هذا حديث خرجه مالك في الموطأ وأبو عيسى بزيادة: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه من الصلاة بالقراءة حين سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن كذا في أكثر النسخ وفي بعضها صحيح.

ص: 244

وقال الحافظ أبو علي الطوسي في كتاب الأحكام من تأليفه: هذا حديث حسن. واختلف في قائل هذه الزيادة؛ فأبو داود يُرجِّح أنها قول الزهري، وحكى ذلك عن الذهلي، وجزم به البخاري في الكبير، وفي كتاب القراءة خلف الإمام وابن حزم الفارسي، وصححه أبو بكر الخطيب في كتابه المدرج، وجزم به الترمذي والطوسي.

وفي كتاب أحاديث الموطأ للدارقطني رواه عن مالك: عبد الله بن عون الخراز.

وفي آخره قال أبو هريرة، فذكره ورجحه في تقريب المدارك. وفي حديث مسدد عن أبي داود عن معمر: فانتهى الناس جعله من كلام معمر. وفي كتاب الفصل: سفيان عن معمر، عن الزهري، عن ابن أكيمة به.

قال الخطيب: ورواه الأوزاعي عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة ووهم، وسببه أنه سمع الزهري يقول: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيدا، والصحيح رواية مالك عن الزهري، عن ابن أكيمة، وكذا صححه البخاري وأبو علي صالح بن محمد، ولما ذكره ابن حزم رده بتفرد ابن أكيمة قال: وقالوا: هو مجهول.

وفي التمييز لمسلم: ورواه ابن أخت ابن شهاب، عن عمِّه، عن الأعرج، عن ابن بحينة - وهو خطأ لا شك فيه - وزعم في كتاب التفرد أن الزهري تفرد عن ابن أكيمة، ولم يرو عنه غيره، وكذا قاله أبو عمر بن عبد البر، وقال ابن سعد: روى عنه الزهري

ص: 245

حديثا واحدا، ومنهم من لا يحتج به؛ يقول: هو شيخ مجهول، وكذا قاله البيهقي، زاد: ولم يحدث إلا بهذا الحديث وحده، وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة؟ ويأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به، وفيما خافت! وأبى ذلك الحافظ أبو حاتم ابن حبان؛ فذكَره في الثقات، وقال: روى عنه الزهري وسعيد بن أبي هلال وابن ابنه عمرو بن مسلم، وسماه عمارة، وهذا هو المرجح عند الذهلي، وابن سعد وابن أبي حاتم، والبخاري وغيرهم؛ بل المجزوم به عندهم، قال ابن سعد: توفي سنة إحدى ومائة، وله تسع وسبعون سنة.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صحيح الحديث، وحديثه مقبول، وخرّج الحاكم حديثه في صحيحه فيما قاله بعض الحفاظ، وصحّحه أيضا أبو محمد الإِشبيلي وابن القطان بسكوتهما عنه. وقيل: عمار، وقال البخاري: يعد من أهل الحجاز، كنيته أبو الوليد، وقال البرقي في كتاب الطبقات: باب من لم يشتهر عنه الرواية من أهل المدينة، واحتملت روايته لرواية الثقات عنه: ولم يغمز ابن أكيمة الليثي. قال يحيى بن معين: كفاك قول الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث عن ابن المسيب، وقد روى عنه غير الزهري: محمد بن عمرو وغيره.

قال البرقي: وروى الزهري عن ابن أكيمة حديثين؛ أحدهما مشهور في القراءة خلف الإمام، والآخر في المغازي.

وقال أبو عمر: كان ابن أكيمة يحدث في مجلس سعيد، فيصغي إلى حديثه، وحسبك بهذا فخرا وثناء، وسماه يحيى بن معين: عمرو بن أكيمة فيما حكاه عنه عباس، وقال: هو ثقة، قال أبو عمر: وقيل في اسمه: عمر، وقيل: عامر، وهو ليثي من أنفسهم، وذكره، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: وهو من مشاهير التابعين

ص: 246

بالمدينة، وقد وجدنا لحديثه متابعاً بسند مستقيم، قاله الحاكم إذ خرجه من حديث فيض بن إسحاق الرقي، ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد، عن عمير الليثي، عن عطاء، عن أبي هريرة يرفعه: من صلى صلاة مَكتوبة مع الإِمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته، ومن انتهى إلى أم الكتاب فقد أجزأه وآخر رواه الدارقطني من حديث، وتفرد به فيما قاله أبو الحسن، ثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن ابن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة، فلما قضاها قال: هل قرأ أحد منكم معي شيء من القرآن؟ فقال رجل من القوم: أنا، فقال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأن أحد معي.

وآخر رواه من حديث عبد الله بن عامر - وهو ضعيف - حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة: نزلت هذه الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} في رفع الأصوات، وهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وشاهدا رواه أيضا، وحكم عليه بالاستقامة، وقبله، رواه أبو داود من حديث إسماعيل ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: إني لأراكم من وراء إمامكم قلنا: أجل والله يا رسول الله هذّا.

قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها. قال أحمد: كذا يقوله ابن إسحاق، وأما غيره فيقول: لا صلاة لمن لم يقرأ وقد قال الزهري: ذاك

ص: 247

للإمام، وقد قاله بعضهم عن أبي هريرة، ولكنه خطأ، قال الحاكم: وقد أدخل بين محمود وعبادة: وهب بن كيسان، رواه الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن محمود، ورواه أيضا إسحاق بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو بن الحارث عن محمود.

وقد بين الدارقطني في سننه من رواية التنيسي، عن الهيثم بن حميد، أنبأنا زيد بن واقد عن مكحول أن دخول وهب هنا؛ لأنه كان المؤذن وعبادة الإمام وأن محمودا ووهبًا صليا خلفه يوما، ولفظه: هل تقرؤون إذا جهرَت بالقراءة؟ فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن وقال: رجاله كلهم ثقات.

ومن حديث زيد عن حرام بن حكيم ومكحول بنحوه، وقال: هذا إسناد حسن، ورجاله ثقات كلهم، ومن حديث ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود، عن عبادة، وقال: إسناد حسن، وكذا قاله البغوي، وآخرون أيضا من حديث ابن أرطأة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: من الذي يخالجني سورتي؟ فنهاهم عن القراءة خلف الإِمام.

ورواه مسلم بلفظ: أيكم قرأ بسبح اسم ربك؟ قال رجل: أنا، فقال عليه السلام: قد

ص: 248

عرفت أنَّ رجلا خالجنيها.

قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؟ فقال: لو كرهه لنهى عنه.

وآخر رواه الدارقطني من حديث محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: وهو ضعيف، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعا فليقرأ فيها بأمّ القرآن وسورة معها، فإن انتهى إلى أم الكتاب فقد أجزأه، ومن صلى صلاة مع إمام يجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام.

رواه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن شجاع بن الوليد، ثنا النضر ثنا عكرمة حدثني عمرو بن سعد عن عمرو، وآخر رواه أيضا بسند صحيح، قاله البيهقي في المعرفة عن عبدان أنبأنا ابن زريع، ثنا خالد، عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عمن شهد ذاك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته قال: أتقرؤون والإمام يقرأ؟! قالوا: إنا لنفعل، قال: فلا تفعلوا إلَّا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتَاب في نفسه وآخر من رواية عبد الله بن عمرو: قرأ رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يقرأن أحدكم والإِمام يقرأ إلا بأم القرآن ذكره البخاري، وأشار إلى ضعفه.

79 -

حدثنا علي بن محمد ثنا عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن صالح عن

ص: 249

جابر عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام كان قراءة الإِمام له قراءة.

هذا حديث ضعيف لضعف أبي عبد الله، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، وهو إن كان الثوري قال فيه: ما رأيت أورع منه في الحديث، وقال شعبة: هو صدوق في الحديث، وفي موضع آخر: إذا قال: حدثنا أو سمعت فهو من أوثق الناس.

وفي موضع آخر: كان لا يكذب، وقال زهير بن معاوية: إذا قال: سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أنّ جابراً ثقة.

وقال ابن معين: لم يدعه ممن رآه إلَّا زائدة.

وقال ابن عدي: له حديث صالح، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في الضعف والإِنكار، وقد احتمله الناس، وعامة ما قذفوه به الإيمان بالرجعة، ولم يتخلف أحد عن الرواية عنه، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق.

وقال الميموني: قلت لخلف: قعد أحد عن الرواية عنه؟ فقال: لا أعلمه، كان ابن عيينة من أشدهم قولاً فيه، وقد حدّث عنه وإنما كانت عنده ثلاثة أحاديث، قلت: صح عنه شيء أنه يؤمن بالرجعة؟ قال: لا، ولكنه من شيعة عليِ، وقال أبو داود عن أحمد: لم يتكلم فيه من أجل حديثه؛ إنما تكلم فيه لرأيه، وقال أبو نعيم لأبي بكر بن أبي شيبة: لم يختلف عليه إلَّا في حديثين من حديثه، وفي كتاب الصقلي: سئل شريك عنه فقال: ما له العدل الرضي؟ ما له العدل الرضي؟ ومدَّ بها صوته، وذكره أبو حفص ابن شاهين في كتاب الثقات، ثم ذكره في

ص: 250

المختلف فيهم، فقد قال فيه ابن سعد: كان ضعيفاً جدا في رأيه وروايته، وقال أبو جعفر في كتابه المسمى التعريف بصحيح التاريخ: كان ضعيفاً من الشيعة الغالين في الدين.

وقال البلخي: ليس بشيء، وسئل أحمد بن خداش عنه: كان يتشيع؟ قال: نعم، قيل: اتهم في حديثه بالكذب، فقال: من طعن فيه فإنما يطعن لما يخاف من الكذب، قلت: أكان يكذب؟ قال: إي والله، وذاك في حديثه بين، وقال ابن معين والشعبي وسعيد بن جبير: كان كذابا.

وقال البخاري: تركه ابن مهدي، وقال يحيى بن سعيد: تركناه.

وقال الفلاس: كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدّثان عنه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه على الاعتبار ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ليّن. وقال العجلي: ضعيف. وقال ابن حزم: كذاب. وقال ابن قتيبة: كان يؤمن بالرجعة، وكان صاحب شبه ونيرنجات، وكذا قاله ابن أبي شيبة، وذكره البرقي في الضعفاء، وقال: كان رافضيا. وقال أبو داود: ليس هو عندي بقوي، وقال النسائي: متروك. وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه. وقال جرير: لا أستحل أن أروي عنه، وقد روى هذا الحديث الدارقطني من حديث أبي حنيفة وابن عمارة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن جابر، وقال: لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة. ورواه جماعة من الثقات، عن عبد الله بن شداد مرسلا، وهو الصواب.

ص: 251

وكذا قاله يحيى فيما حكاه الخلال في كتاب العلل. وقال البخاري: هذا خبر لا يثبت عند أهل العلم بالحجاز والعراق وغيرهم لإرساله وانقطاعه.

ورواه أحمد بسند ضعيف عن نجيح بن إبراهيم الزهري، ثنا إبراهيم بن الحسن التغلبي عن يحيى بن يعلى عن عمر بن موسى، عن أبي الزبير.

وذكر البخاري علّة ثانية في حديث ابن ماجه؛ وهي قوله: ولا يدرى أسمع جابر من أبي الزبير أم لا؟ ورواه الدارقطني بسند حسن من حديث الحسن بن صالح، عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزبير فذكره مرفوعا لثقة ليث على ما بيّناه قبل ولاتصاله؛ ولأنّ لحديثه شواهد منها ما خرجه مالك في الموطأ: عن وهب بن كيسان قال: سمعت جابرا يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام.

ورفعه عنه، قال الدارقطني: والصواب موقوف، ولفظه: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.

وحديث ابن عباس يرفعه: يكفيك قراءة الإمام خافت أو قرأ.

رواه الدارقطني من حديث عن ابن مخلد، ثنا علي بن زكريا التمار، عن أبي موسى الأنصاري، عن عاصم بن عبد العزيز، عن أبي سهل، عن عون عنه: وثنا ابن مخلد، ثنا أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان، ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، ثنا عاصم

ص: 252

به، وقال: عاصم ليس بالقوي، ورفعه وهم.

وقال أبو موسى: قلت لأحمد بن حنبل فيما ذكره الخلال في حديث ابن عباس: هذا في القراءة؟ فقال: هذا منكر.

وحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام فقراءته له قراءة رواه الدارقطني من حديث محمد بن عباد الرازي، ثنا أبو يحيى التيمي، قال: وهما ضعيفان عن سهيل عن أبيه عنه.

وحديث أبي الدرداء: سئل النبي صلى الله عليه وسلم؛ أفي كلِّ صلاة قراءة؟ قال: نعم فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي وكنت أقرب القوم إليه: ما أرى الإِمام إذا أمّ القوم إلَّا قد كفاهم.

رواه النسائي بسند صحيح عن هارون بن عبد الله عن زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرَة عنه.

قال أبو عبد الرحمن: خولف زيد بن حباب في قوله: فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الدارقطني: الصواب: فقال أبو الدرداء: ما أرى الإِمام إلَّا كفاهم.

وقال الإشبيلي في الأحكام الكبرى: خولف زيد في هذا، والصواب أنه من قول أبي الدرداء. وقال في الوسطى: اختلف في إسناد هذا الحديث، ولا يثبت؛ واعترض عليه ابن القطان بأن قوله هذا يوهم في الحديث علّة لا يقبله معها أحد، وليس كذلك؛ فإنّه حديث رواه ابن الحباب مرفوعاً وابن وهب موقوفاً

ص: 253

ليس فيه أكثر من هذا، وزيد أحد الثقات، ولو خالفه في رفعه جماعة ثقات ما انبغى أن يحكم عليه في رفعه إيّاه بالخطأ، فكيف ولم يخالفه إلا واحد؟ وأوقع ما يعتل به عليه مرفوعا الشك الذي في قوله:(ما أرى الإمام)، فإنَّ هذا يستبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كان من مجتهداته، والأظهر أنه من كلام أبي الدرداء، والله أعلم.

وموقوف زيد بن ثابت من عند مسلم، وسأله عطاء عن القراءة مع الإِمام، فقال: لا قراءة مع الإِمام في شيء.

قال البخاري: ورواه عمر بن محمد عن موسى بن سعد عن زيد قال: من قرأ خلف الإِمام فلا صلاة له. قال: ولا يعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض، ولا يصح مثله. وقال أبو عمر: هو منكر لا يصح، وموقوف عبد الله بن عمر أنه كان إذا سئل: هل يقرأ أحد خلف الإِمام؟ قال: إذا صلى أحدكم خلف الإِمام فحسبه قراءة الإِمام، وإذا صلى وحده فليقرأ.

قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإِمام. رواه مالك عنه وأسنده الدارقطني من حديث سليمان بن الفضل، ثنا محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك عن أبيه، عن سالم عنه بلفظ: من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة. ثم قال: رفعه

ص: 254

وهم، ومرسل الشعبي، قال صلى الله عليه وسلم: لا قراءة خلف الإِمام. رواه أبو الحسن من حديث علي بن عاصم، عن محمد بن سالم عنه، وحديث الحارث، عن علي قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أقرأ خلف الإِمام؟ أو أنصت؟ قال: بل أنصت فإنه يكفيك.

قال الدارقطني: تفرد به غسان بن الربيع وهو ضعيف.

ورواه أيضا من حديث علي بن صالح، عن ابن الأصبهاني، عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى عن أبيه، قال علي: من قرأ خلف الإِمام فقد أخطأ الفطرة.

وقال: لا يصح إسناده، زاد البخاري: المختار لا يعرف ولا يدرى أنه سمع من أبيه، ولا أبوه من علي، ولا يحتج أهل الحديث بمثله.

ومن طريق عن علي أيضا عند ابن حزم أن رجلا جاءه فقال: إني صلَّيت ولم أقرأ، قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم، قال: قد تمت صلاتك، ما كل أحد يحسن يقرأ.

وذكر البيهقي عن أبي وائل أن رجلا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام، فقال: أنصت للقرآن، فإن في الصلاة شغلا، وسيكفيك ذاك الإِمام وذكره البخاري من حديث أبي حباب عن ابن كهيل، عن إبراهيم عنه بلفظ: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه نتنا، وقال: هذا مرسل لا يحتج به، وخالفه ابن

ص: 255

عون عن إبراهيم، عن الأسود وقال: رضفا، وذكر أيضا: وروى داود بن قيس عن ابن نجاد رجل من ولد سعد، عن سعد: وددت أنّ الذي يقرأ خلف الإِمام في فيه جمر، قال: وهذا مرسل، وابن نجاد لم يعرف ولا سمي، وذكر ابن حزم أن عمر بن الخطاب قال:(وقد صلى المغرب بالنّاس ولم يقرأ شيئا): أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، فلم يعد الصلاة من طريق حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة عنه، ولم يتعرض للكلام عليه؛ بل ذكره في معرض الاحتجاج.

وذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتاب العلل المتناهية.

قال البيهقي في المعرفة: سئل أبو موسى الرازي وكان أحفظ أصحاب الرأي على أديم الأرض في وقته عن قوله عليه السلام: من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة. فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنمّا اعتمد فيه مشائخنا على الروايات عن علي وابن مسعود والصحابة.

قال البيهقي: وقد روينا عن علي من طريق صحيحة أنه أمر بالقراءة خلف الإِمام، وروينا ذلك عن ابن مسعود، وجابر، وأبي الدرداء، وعبادة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وابن مغفل، وأبي هريرة، وأنس، وعمران بن حصين، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وهشام، وابن عمر في رواية، وعروة، وسعيد بن جبير، ومكحول.

وقال البخاري: وكان ابن المسيب وعروة والشعبي، وعبيد الله بن عبد الله،

ص: 256

ونافع بن جبير، وأبو المليح، والقاسم بن محمد، وأبو مجلز، ومكحول ومالك وابن عون وابن أبي عروبة يرون القراءة.

وسئل عمر: أقرأ خلف الإِمام؟ قال: نعم، قيل: وإن قرأت أنت؟ قال: وإن قرأت وقال حذيفة: يقرأ. وقال ابن علية عن ليث، عن مجاهد: إذا نسي الفاتحة فلا يعتد بتلك الركعة، قال أبو عبد الله: فإن اعتل معتل، فقال: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولم يقل في كل ركعة، قيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين حين قال: اقرأ، ثم اركع ثم ارفع ثم اسجد ثم ارفع، فإنك إن أتممت صلاتك على هذا فقد تمت، وهذا حديث مفسر للصلاة كلها لا للركعة. وقال أبو قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأربع كلها.

فإن احتج بحديث عمر أنَّه نسي القراءة في ركعة فقرأ في الثانية الفاتحة مرتين، قيل له: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أفسر حين قال: اقرأ، ثم اركع، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم القراءة قبل الركوع، فليس لأحد أن يجعل القراءة بعده.

قال أبو عمر: وقال بعض الكوفيين قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ خاص أريد به من صلى وحده أو كان إماماً، وكذلك فسره ابن عيينة، وأمّا من صلى وراء إمام فإن قراءته له قراءة محتجين بأن جمهور العلماء أجمعوا على أن الإِمام إذا لم يقرأ وقرأ من خلفه لم تنفعهم قراءتهم، فدلّ أن قراءة الإِمام هي التي تراعى، وأنَّها كما جاء في الحديث: قراءة لمن خلفه.

ص: 257

قوله صلى الله عليه وسلم: ما لي أنازع القرآن!.

قال الباجي في كتابه المنتقى: قد يقال مثل هذه اللفظة لمعان: أحدها: أنّ يعاتب المرء نفسه، فيقول: ما لي فعلت كذا وكذا؟ وقد يقول ذلك لمعنى التثريب واللوم لمن فعل ما لا يجب: مالي؟ أو ذا مالي أمنع حقي، وقد يقول ذلك إذا أنكر أمراً غاب عنه سببه، فيقول الإنسان: ما لي لم أدرك أمر كذا؟! وما لي توقف علي أمر كذا؟ ومعنى ذلك هنا الذي ظهر من إباحتي لكم القراءة معي في الصلاة فتنازعوني القراءة فيها.

ومعنى منازعتهم له ألا يفردوه بالقراءة ويقرءون معه.

ص: 258

‌باب الجهر بآمين

80 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن القارئ فأمِّنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

81 -

ورواه أيضا من حديث سعيد، وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم، بزيادة قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين.

قال أبو عمر: ورواه حفص بن عمر العدني، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، ولا يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد.

وفي كتاب النسائي: إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فقولوا: (آمين) فإن الملائكة تقول: (آمين) وإن الإمام يقول: (آمين) فمن وافق تأمينه ....... الحديث.

وعند الدارقطني من حديث محمد بن يونس الكديمي، وهو ضعيف، ثنا عمرو بن عاصم، ثنا معتمر، سمعت أبي عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فأنصتوا.

ص: 259

82 -

حدثنا محمد بن بشار عن صفوان بن عيسى، ثنا بشر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال: ترك الناس التأمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد.

هذا حديث مضعف بأمرين:

الأول: بشر بن رافع النجراني، أبو الأسباط الحارثي.

فإن البخاري قال: لا يتابع في حديثه. وقال ابن معين: حاتم بن إسماعيل روى عن أبي الأسباط شيخ كوفي ثقة، قيل له: هو ثقة، قال يحيى: يحدّث بمناكير، وفي رواية: ليس به بأس. وقال النسائي: هو ضعيف. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال الترمذي: يضعف في الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف منكر الحديث، لا نرى له حديثا قائما. وقال ابن عدي: مقارب الحديث لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثا منكرا، وعند البخاري أن بشر بن رافع هذا أبو الأسباط الحارثي، وعند يحيى أن أبا الأسباط شيخ كوفي، ولكن قد ذكر يوسف بن سليمان عن حاتم عن أبي الأسباط الحارثي اليمامي.

وعند النسائي أن بشر بن رافع غير أبي الأسباط، وما قاله كل واحد منهم محتمل وإن كانا اثنين، فكأنّ أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي الأسباط. وقال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، ضعيف الحديث. وقال ابن حبان: يروي أشياء موضوعة كأنه المتعمد لها، وذكره الساجي والبلخي وأبو العرب في جملة الضعفاء. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال الحاكم: وخرّج حديثه في الشواهد: ليس بالمتروك، وقال البزار: لين الحديث، وقد احتمل حديثه.

ص: 260

وقال العقيلي: له مناكير، وبه ردّ الإشبيلي هذا الحديث، وقال ابن القطان: ضعيف.

الثاني: أبو عبد الله ابن عم أبي هريرة، فإنه مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله، ولا روى عنه غير بشر، وبه ردّ أبو الحسن بن القطان هذا الحديث، والله تعالى أعلم.

ولقد ذكرنا في الإكمال لتهذيب الكمال اسمه، ومن وثقه وذكره بخير، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من هذين، ذكرها الدارقطني من حديث الزبيدي، عن الزهري عن أبي سلمة، وسعد عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: آمين.

رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحارث، حدثني عبد الله بن سالم، وقال: هذا إسناد حسن، وذكره ابن حبان أيضًا في صحيحه من حديث الزبيدي.

ولما خرجه الحاكم قال فيه: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، واتفقا على تأمين الإمام وتأمين المأموم، وإن أخفاه الإِمام، واختاره أحمد في جماعة من أهل الحديث بأن التأمين للمأموم لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا قال الإِمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين.

وفي كتاب الصلاة للفضل بن دكين: ثنا هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أنه كان يؤذِّن بالبحرين فاشترط عَليهم ألاّ يسبقوه بآمين.

ص: 261

83 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حميد بن عبد الرحمن، ثنا ابن أبي ليلى، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن علّي بن أبي طالب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين.

هذا حديث مضعف بأمرين:

الأول: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار أبو عبد الرحمن قاضي الكوفة وفقيهها، فإن شعبة قال فيه: ما رأيت أسوأ حفظاً منه، وأفادني أحاديث فإذا هي مقلوبة، وترك زائدة حديثه وكان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أحمد: هو سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، ضعيف. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث. وقال الدارقطني: رديء الحفظ، كثير الوهم. وقال العجلي: فقيه، صاحب سنة، صدوق، جائز الحديث، قارئ للقرآن، عالم به، وكان من أحسب النّاس، وأنقط الناس للمصحف وأحظه بقلم.

وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه التذكرة: أجمعوا على ضعفه.

وقال أبو حاتم: شغل بالقضاء، فساء حفظه، ولا يتهم بشيء من الكذب، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، فلا يحتج به. وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى.

الثاني: حجية بن عدي الكندي الكوفي، وإن كان العجلي وابن حبان وثقاه، وقال أبو الحسن بن القطَّان: روى عنه أبو إسحاق السبيعي عدّة أحاديث، وهو فيها مستقيم، لم يعهد منه خطأ ولا اختلاط ولا نكارة، ولما صحح الحاكم حديثه قال: لم يحتجا به، وهو من كبار أصحاب علي، فقد قال أبو حاتم الرازي: شيخ لا يحتج بحديثه، شبيه بالمجهول، شبيه بشريح بن النعمان العابدي، وهبيرة

ص: 262

ابن يريم. وقال علي بن المديني: لا أعلم روى عنه إلّا سلمة بن كهيل، وفيه نظر، لما أسلفناه. وقال ابن سعد: كان معروفا، وليس بذاك.

ورواه الطبري في كتاب التهذيب عن أبي هشام الرفاعي، ثنا المطلب بن زياد، عن ابن أبي ليلى، عن عديّ بن ثابت، وربما قال: عن رجل من الأنصار، عن ذرّ، عن علي بلفظ: إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، ويمد بها صوته ثم قال: وقد علل هذا الحديث بأن عدي بن ثابت ممن يجب التثبت في قوله، وراويه عنه ابن أبي ليلى، وهو عندهم ممن لا يحتج به، وأيضا فإنّ المعروف عن علي العمل بخلافه، ولو صح عنه لم يكن ليخالفه إلى غيره.

ولما ذكر أبو حاتم الرازي حديث المطلب قال: هذا خطأ، فذكر له حديث حجية قال: وهذا أيضا عندي خطأ، إنَّما هو سلمة عن حجر، عن وائل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابنه فقلت: حديث المطلب ما حاله؟ قال: لم يروه غيره، ولا أدري ما هو؟ وهذا من ابن أبي ليلى؛ فإنه كان سيئ الحفظ.

وفي الأوسط: لم يروه عن عدي بن ثابت إلا ابن أبي ليلى، ولا عنه إلا المطلب. تفرد به ضرار بن صرد.

84 -

حدثنا محمد بن الصباح، وعمار بن خالد الواسطي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، فسمعناها منه.

هذا حديث إسناده منقطع فيما بين عبد الجبار وأبيه.

قال مهنأ: قال أحمد بن حنبل: وروي لنا هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش

ص: 263

يقول ناس: لم يسمع عبد الجبار من أبيه شيئا.

وقال الدوري: سمعت يحيى يقول: عبد الجبار ثبت، ولم يسمع من أبيه شيئا إنما كان يحدث عن أهل بيته، ويقولون: إن أباه مات، وهو حمل، أي: أمه حبلى به، وفي موضع آخر: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وقال فطر: والحسن بن عبيد الله عن عبد الجبار: سمعت أبي، ولا يصح سماعه من أبيه وهو في بطن أمه، ومات أبوه قبل أن يولد.

ولما ذكر الترمذي: خرجت امرأة فتجللها رجل

الحديث من حديثه عن أبيه.

قال: غريب وليس إسناده بمتصل، وسمعت محمدا يقول: لم يسمع عبد الجبار من أبيه ولا أدركه، وقال: ثنا بندار عن يحيى، وعبد الرحمن عن سفيان، عن سلمة، عن حجر بن عنبس، عن وائل، فأخرج عبد الجبار من السند، وقال: حسن. زاد في العلل الكبير: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث الثوري عن سلمة بن كهيل في هذا الباب أصح من حديث شعبة، وشعبة أخطأ في هذا الحديث في مواضع، قال:

عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس، وإنما هو ابن عنبس، وكنيته أبو السكن، وزاد فيه:(عن علقمة بن وائل) وإنما هو حجر عن وائل ليس فيه علقمة، وقال: وخفض بها صوته، والصحيح أنّه جهر بها.

وسألت أبا زرعة؟ فقال: حديث سفيان أصح من حديث شعبة، وقد رواه العلاء بن صالح، وفي المعرفة للبيهقي: أجمع الحفاظ على أنَّ شعبة أخطأ في ذلك، وقد رواه العلاء ومحمد بن سلمة بن كهيل، عن سلمة بمعنى رواية سفيان، ورواه

ص: 264

شريك أيضا عن أبي إسحاق عن علقمة بن وائل عن أبيه.

وقد رويناه بإسناد صحيح عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة، كما رواه الثوري من أوجه أخر، انتهى.

هو في مسند أبي داود عن شعبة أخبرني سلمة سمعت حجرا قال: سمعت علقمة فذكره، وعاب أبو الحسن على عبد الحق رضاه بقول الترمذي فيه: حسن، وعدم بيان المانع من صحته، قال: وهذا الحديث فيه أمور:

أحدها: اختلاف شعبة وسفيان.

الثاني:.

الثاني: عيبه إياه بدخول علقمة بينهما، وليس بعيب على ما ذكره الكجي في سننه، فإنه لما ذكر رواية حجر عن علقمة قال: وقد سمعه أيضاً حجر من وائل.

الثالث: إغفاله اضطرابا آخر لم يذكره، وهو قول أبي بكر الأثرم: اضطرب شعبة في هذا، فقال مرة: عن سلمة عن حجر عن وائل، وقال مرّة: عن سلمة عن حجر عن علقمة، أو عن وائل، ورواه سفيان فلم يضطرب في إسناده ولا في الكلام، قال سلمة عن حجر، عن وائل مرفوعا: إنه كان يجهر بها، وروي ذلك عن وائل من وجه آخر: ثنا أبو عبد الله، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا أبو إسحاق عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه فذكره، ثم قال: فقد صح الجهر بالتأمين من وجوه، ولم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غيره.

85 -

حدّثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين.

هذا حديث إسناده صحيح على رسم مسلم.

وفي كتاب البيهقي من حديث عمرو بن قيس عن محمد بن الأشعث قال:

ص: 265

حدثتني عائشة قالت: بينا أنا قاعدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ثلاثة نفر من اليهود فذكرت حديثا فيه: فقال صلى الله عليه وسلم: حسدونا على القبلة التي هدينا لها وضَلُّوا عنها، وعلى الجمعة، وعلى قولنا خلف الإِمام: آمين وفي لفظ: حسدونا بثلاث: التسليم والتأمين واللهم ربنا ولك الحمد.

وعند أحمد: إنهم لن يحسدونا - يعني: اليهود - على شيء كما يحسدونا على الجمعة

الحديث.

86 -

حدثنا العباس بن الوليد الخلال الدمشقي، ثنا مروان بن محمد وأبو مسهر قالا: ثنا خالد بن يزيد بن صبيح المري، ثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين، فأكثروا من قول آمين.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف راويه طلحة بن عمرو الحضرمي المكي، فإن البخاري قال فيه: ليس بشيء، وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وفي موضع آخر: متروك الحديث، وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال الإِمام أحمد: لا شيء، متروك الحديث.

وقال ابن معين: لي بشيء. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، لين عندهم.

وقال الجوزجاني: غير مرضي في حديثه، وقال ابن عدي: قد حدث عنه قوم ثقات أحاديث صالحة، وعامة ما يروى عنه لا يتابعونه عليه.

وعن عبد الرزاق قال: اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريج فقدم علينا شيخ، فأملى علينا أربعة آلاف حديث عن ظهر قلب، فما أخطأ إلا في موضعين لم

ص: 267

يكن الخطأ منه من فوق، وكان الرجل طلحة بن عمرو، والكاتب شعبة، وقال أبو أحمد الحاكم: يكنى أبا عمران، وليس بالقوي عندهم. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفا جدا، وقد رووا عنه. وقال البزار في كتاب السنن تأليفه: لم يكن بالحافظ. وقال في المسند: طلحة وعقبة الأصم غير حافظين، وإن كان قد روى عنهما جماعة فليسا بالقويين، وقال العجلي: ضعيف، وقال حمزة: سئل عنه الدارقطني، فقال: لين، وفي موضع آخر: ضعيف، وقال البيهقي في المعرفة: ليس بالقوي.

وفي كتاب ابن الجارود وبيان الوهم والإِيهام: ليس بشيء، وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ولا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه إلّا على جهة التعجب، وقال علي بن الجنيد: متروك، وقال أبو زرعة الرازي: ضعيف، وذكره الساجي والعقيلي وأبو العرب وغيرهم في جملة الضعفاء.

وفي الباب غير ما حديث؛ من ذلك: حديث أبي عثمان النهدي، عن بلال أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين رواه أبو داود، قال الدارقطني: وروي عن أبي عثمان قال: قال بلال للنبي صلى الله عليه وسلم: مرسلا.

ولما ذكره أبو حاتم في كتاب العلل مسندا قال: هذا خطأ رواه الثقات عن عاصم عن أبي عثمان مرسل، ورواه البيهقي من حديث عبد الرزاق مرسلا، ومن حديث وكيع وشعبة مسندا، ثم قال: ورواية عبد الرزاق أصح، قال: وفي رواية محمد بن فضيل عن عاصم عن أبي عثمان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين، قال: فكأن بلالا كان يؤمن قبل تأمين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تسبقني بآمين.

ص: 268

ولما خرجه الحاكم من حديث عاصم، عن أبي عثمان قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وفي المعرفة للبيهقي: وقيل: عن أبي عثمان، عن سلمان قال: قال بلال، وهو ضعيف ليس بشيء، وإن كان محفوظا فيرجع إلى ما روي في الحديث الثابت عن أبي هريرة: إذا أمن الإِمام فأمنوا، والله أعلم.

وفي الأوسط: لم يروه عن القاسم بن معن يعني عاصم إلا عثمان بن سعيد، تفرد به أبو كريب.

وفي الأحكام للشيخ الضياء: قيل: إنَّ أبا عثمان لم يدرك بلالا.

وحديث أبي زهير النميري من عنده أيضا، وسنده صحيح قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نمشي، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب فانصرف الرجل السائل، فأتى الرجل فقال: يا بلال اختم بآمين وأبشر، وذكره أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب، فقال: إسناده ليس بالقائم.

وحديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى أعطى أمتي ثلاثاً لم يعط أحد قبلهم: السلام، وصفوف الملائكة، وآمين، إلا ما كان من موسى وهارون عليهما السلام.

ص: 269

ذكره أبو عبد الله الترمذي في نوادره بسند ضعيف، فقال: ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، عن أبيه، ثنا زربي مؤذن مسجد هشام بن حسان، ثنا أنس به، ثم قال: معناه: أن موسى دعا وهارون أمن، قال: فقال: قد أجيبت دعوتكما.

وحديث أبي موسى الأشعري من عند مسلم يرفعه: وإذا قال، يعني الإِمام:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، يجبكم الله.

وحديث ابن أم الحصين، عن أمه: أنها صلَّت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: آمين، وهي في صف النساء.

ذكره أبو بكر في كتاب المعرفة، قال: وروينا عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا كان وراء الإِمام، وقرأ الإِمام بفاتحة الكتاب، قال الناس: آمين؛ أمَّن معهم، ورأى ذلك من السنة.

وفي المحلى من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه ألا يسبقه بآمين، وفي كتاب الصلاة للفضل بن دكين، عن إبراهيم قال: كان يستحب إذا قال الإِمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أن يقول الرجل: اللهم اغفر لي، آمين. وعن عكرمة: كنا نكره إذا قال الإِمام: ولا الضالين أن نسبقه بآمين.

وعن أبي إسحاق أنَّ معاذ بن جبل: كان إذا فرغ من وانصرنا على القوم الكفرين قال: آمين وعن ابن عباس: إذا قال الإِمام: ولا الضالين فسل توجبه، وقل: آمين.

ص: 270

غريبه: ذكر ابن بزيزة أن ابن عباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن معنى آمين، فقال: كذلك تكون، وعن هلال بن يساف: هي اسم من أسَماء الله تعالى.

وقال عطية العوفي: هي كلمة عبرانية أو سريانية، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي كنز من كنوز العرش لا يعلمه إلا الله تعالى، وقيل: هي خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين، وفي بسيط الواحدي: عن جعفر بن محمد الصادق: معناها: قصدي إليك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا.

وعن ابن الأنباري: اللهم استجب.

وفي البخاري: عن عطاء: هي دعاء، وفي الفصيح لأبي العباس: مدّ الألف وقصرها قال: ولا تشدّد الميم، فإنّه خطأ، وكذا ذكره يعقوب وغيره.

وذكر ابن عديس في كتاب المُثنّى: التشديد لغة شاذة.

وفي كتاب شرح الفصيح لابن درستويه: هي كلمة عبرانية معربة، مبنية على الفتح للياء التي قبل نونها، وقال ابن قتيبة: معناها يا آمين، أي: يا الله، وأضمر في نفسه استجب لي، وهذا كقولهم: أزيد أقبل، معناه: يا زيد أقبل، قال ابن الأنباري: هذا خطأ؛ لأنه لو كان منادى، لقيل: آمين بالضم؛ لأن نداء المعرفة مفهوم بغير تنوين، قال ابن خالويه: ولا يلزمه الذي قال؛ لأن (آمين) وإن كان موضوعا موضع الاسم فلا يجب إعرابه، وتصرّفه كتصرف الأسماء في الإعراب، والتثنية، والجمع، كما تقول: صه في معنى اسكت، وأنت لا تعرفه، ولا تثنيه، ولا تجمعه، قال: وقال ابن قتيبة: قال بعضهم: الأصل فيها القصر، وإنما مدّت ليرتفع الصوت بالدعاء، وأبى ذلك ابن درستويه، فقال: ليس قصر الهمزة معروفا بالاستعمال، وإنما قصره الشاعر ضرورة إن كان قصره، وذلك أن البيت الذي أنشده

ص: 271

ثعلب، وفيه قصرها، وهو: آمين، فزاد الله ما بيننا بعدا.

قد روي على غير ما رواه، وهو: فآمين زاد الله ما بيننا بعداً، وهذا ممدود لا ضرورة فيه، وهو المعروف، ولم يروه أحد عن الصحابة الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: آمين بالقصر، ولكن ممدودا، وهو الأصل الصحيح، وفي المحكم: قال الفارسي: هي جملة مركبة من فعل واسم، معناه: استجب لي.

وزعم ابن الأثير: أنه لا خلاف بين أهل الإِسلام أنها ليست من القرآن ولم يكتبها أحد في المصحف.

وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: لا يقولها الإِمام، إنما يقولها من خلفه.

وكذا روي عن مالك في المدونة، وفي العارضة عنه: لا يؤمن الإمام في صلاة الجهر وقال ابن حبيب: يؤمِّن. وقال ابن بكير: هو بالخيار، وفي كتاب السفاقسي: زعمت طائفة من المبتدعة الأفضلية فيها، قال: وذكر القزويني عن قوم أنها تفسد الصلاة، وقال ابن حزم: يقولها الإمام سنة وندبا، والمأموم فرضا.

وفي صحيح ابن حبان في قوله: فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة أي: وافقهم في الخشوع والإخلاص، وفي كتاب النووي: معناه: وافقهم في وقت التأمين، وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: وقالت الملائكة في السماء: آمين.

وكذا قوله: فمن وافق قوله قول الملائكة، وقيل: وافق الملائكة عليهم السلام في استجابة الدعاء، وقيل: في لفظ الدعاء، وقيل: الملائكة هؤلاء هم الحفظة.

وفي كتاب ابن بزيزة: المتعاقبون، قال: ويجهر بها المأموم عند أحمد،

ص: 272

وإسحاق، وداود، وقال جماعة: يخفيها، وهو قول أبي حنيفة والكوفيين، وأحد قولي مالك والشافعي، زاد في الأم: لو قال: آمين رب العالمين، وغير ذلك من ذكر الله تعالى كان حسنًا.

وفي قوله: غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن بزيزة: أشار إلى الصغائر، وما لا يكاد ينفك عنه في الغالب من اللمم.

ص: 273

‌باب رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع

87 -

حدثنا علي بن محمد، وهشام بن عمار، وأبو عمر الضرير قالوا: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وعند أبي داود: وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ويرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود: الصحيح قول ابن عمر، ليس بمرفوع، ورواه الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع أوقفه على ابن عمر، وقال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه وهذا الصحيح، ورواه الليث، ومالك، وأيوب، وابن جريج موقوفا، وأسنده حماد بن سلمة وحده، عن أيوب، لم يذكر أيوب، ومالك، الرفع إذا قام من السجدتين، وذكره الليث في حديثه.

وفي المعرفة: كان عبد الله إذا رأى رجلا لا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع، ورفع رأسه حصبه، وفي الأوسط مرفوعا عنه: يرفع يديه عند التكبير في كل صلاة، وفي الجنائز.

رواه عن موسى بن عيسى، ثنا صهيب بن محمد، ثنا عباد بن صهيب، ثنا عبد الله بن محرر عن نافع عنه.

ص: 274

88 -

حدثنا حميد بن مسعدة، ثنا يزيد بن زريع، ثنا هشام ثنا قتادة عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريبا من أذنيه، وإذا ركع صنع مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك.

هذا حديث خرجاه أيضا، وعند مسلم: حتى يحاذي بهما فروع أذنيه وذكر ابن ماجه هنا حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة، وقد ذكرناه قبل، وفيه: رفع اليدين عن العشرة من عند ابن أبي حاتم.

89 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار قالا: ثنا إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد.

هذا حديث في سنده ضعف؛ لما أسلفناه من حال إسماعيل، وفي علل ابن أبي حاتم: سمعت أبي وثنا عن وهب بن بيان، عن حفص بن النجار، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: كان أبو هريرة يصلِّي بنا، فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فإذا سلم التفت إلينا، وقال: إني أشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال: هذا خطأ، إنما يروى هذا الحديث أنه كان يكبر فقط، ليس فيه

ص: 275

رفع اليدين.

90 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا رفدة بن قضاعة الغساني، ثنا الأوزاعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب الليثي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.

هذا حديث في سنده ضعف؛ لضعف رفدة بن قضاعة مولى غسان، فإنه وإن قال فيه هشام بن عمار تلميذه:

كان ثقة، فإنّ الساجي قال: في حديثه مناكير، وذكر حديثه هذا في كتاب الموضوعات تأليفه.

وقال الجوزقاني: كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عن الأثبات بالأشياء المناكير؟ وكذا قاله ابن حبان، وزاد: روى عن الأوزاعي أنَ النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في كل خفض ورفع. قال أبو حاتم: وهذا خبر إسناده مقلوب، ومتنه منكر؛ ما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في كل خفض ورفع قط، وأخبار الزهري عن سالم عن أبيه تصرح بضده، وأنه لم يكن يفعل ذلك بين السجدتين، وقال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، ولم أر له إلا حديثا يسيرا، وحديث الرفع يعرف به، وقد روى عن أحمد بن أبي روح البغدادي، وكان يسكن جرجان عن محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث.

وقال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع، وقال مهنا: سألت أحمد ويحيى عن حديثه هذا، فقال: ليس بصحيح، ولا يعرف عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئا، ولا عن

ص: 276

جده، ولا يعرف رفدة، وقال عن رفدة: قد سمعت به، وهو شيخ ضعيف، ولو كان جاء بهذا رجل معروف مثل هقل كان عسى.

91 -

حدثنا العباس بن عبد العظيم، ثنا سليمان بن داود أبو أيوب الهاشمي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب قال: كان النبي إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع فعل مثل ذَلك.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف المذكور قبل، ومن طريقه رواه أبو داود بلفظٍ: ويفعل مثل ذلك إذا قضى قراءته، وإذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر وهذا هو المذهب الموجب لتضعيف الطحاوي له، ورواه الترمذي عن محمود: ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قال: حدثني عمي عن الأعرج بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد.

وقال: حديث علي حديث حسن صحيح، ورواه مطولاً ابن خزيمة في صحيحه، ورواه البزار في مسنده مطولا ثم قال: وهذا الكلام روى نحوه وقريبًا منه محمد بن مسلمة وأبو رافع، وجابر، وأتمهم لهذا الحديث كلاماً وأصحه إسنادا حديث علي، وإنما احتمله الناس على صلاة الليل - يعني: الدعوات التي فيه -.

ص: 277

وفي كتاب الخلال عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي: سئل أبو عبد الله، عن حديث علي مرفوعاً في الرفع، فقال: صحيح.

وفي التمهيد: روى عبد الرحمن بن خالد بن نجيح عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن علي، ولا يصح فيه عن مالك إلا إرساله.

ولما ذكر الدارمي حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن علي أنه كان يرفع في التكبيرة الأولى ثم لا يرفع في شيء منها، رده بضعف أبي بكر النهشلي الرازي عن عاصم، وبأنّ علياً لا يجوز له ترك فعل النبي صلى الله عليه وسلم ويفعل غيره.

وفي سنن البيهقي من حديث عيسى بن موسى عمن حدثه، عن مقاتل بن حيان عن الأصبع بن نباتة عن علي قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال لجبريل: ما هذه النحيرة؟! فقال: إنها ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة.

وقال صلى الله عليه وسلم: رفع الأيدي من الاستكانة التي قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}

92 -

حدثنا أيوب بن محمد الهاشمي ثنا عمر بن رياح عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة.

ص: 278

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف عمر بن أبي رياح أبي حفص الضرير البصري؛ فإن أبا حفص الفلاس قال: هو دجال.

وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. وقال النسائي والدارقطني: متروك، وفي كتاب أبي داود من حديث النضر بن كثير السعدي قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك، فقال: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، ولا أعلمه إلّا أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه.

صححه ابن القطان، وقال أبو أحمد النيسابوري: هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس، وعند أبي داود أيضا من حديث ابن لهيعة عن ميمون المكي: أنه رأى عبد الله بن الزبير، وصلى بهم يشير بكفيه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام فيقوم فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عباس فوصفت له هذه الإِشارة، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة ابن الزبير.

93 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب، ثنا حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع.

هذا حديث قال البيهقي: سنده صحيح، محتج به، وكأنه لم ير ما قاله ابن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديثاً رواه محمد بن الصلت، عن أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع .... الحديث.

فقال: هذا حديث كذب لا أصل له،، وقال الدارقطني: لم يروه عن حميد مرفوعا غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس، وقال الترمذي في العلل الكبير: ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب الثقفي به، فسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: ثنا به محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي، ثنا عبد الوهاب قال محمد: وعبد الوهاب صدوق صاحب كتاب، وقال غير واحد من أصحاب حميد، عن حميد، عن أنس فعله، ولما خرجه البيهقي من حديث محمد بن يحيى بن فياض، عن عبد الوهاب زاد: وإذا رفع رأسه من الركوع.

وفي كتاب أبي قرة بسند صحيح عن سفيان، عن عبد الرحمن بن الأصم، أنه سمع أنساً يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يتمون التكبير في الصلوات كلها كلما خفضوا للسجود، وكلما رفعوا، وإذا قاموا من الجلوس للركعتين.

وفي الأوسط من حديث ليث قال: حدثني عبد الرحمن بن الأسود، ثنا أنس قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، فكلهم كان يرفع يديه .. الحديث، وقال: لم يروه عن عبد الرحمن إلا ليث، تفرد به إبراهيم بن محمد الأسلمي، ومن حديث العرزمي عن قتادة قال: قلت لأنس: أرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان يرفع يديه مع كل تكبيرة.

وقال: لم يروه عن قتادة إلا العرزمي.

ص: 279

ولما ذكر الطحاوي حديث أنس في الآثار قال: هم يزعمون أنه أخطأ والحفاظ يوقفونه على أنس.

94 -

حدثنا بشر بن معاذ الضرير، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل قال: قلت: لأنظرنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ فقام فاستقبل القبلة ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، فلما ركع رفعهما مثل ذلك، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك.

هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه عن سعيد بن عبد الرحمن، ثنا سفيان عن عاصم بلفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس، وخرجه ابن حبان عن الفضل بن الحباب، ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا زائدة بن قدامة، ثنا عاصم فذكره مطولًا.

ولما ذكره أبو عمر في التمهيد قال فيه: وإذا رفع رأسه من السجود رفع يديه، فلم يزل يفعله كذلك حتى فرغَ من صلاته.

قال أبو عمر: عارض هذا الحديث حديث ابن عمر: كان لا يرفع بين السجدتين ووائل صحب النبي صلى الله عليه وسلم أياماً قلائل، وابن عمر صحبه حتى توفي، فحديثه أولى أن يؤخذ به ويتبع. انتهى.

قد روى أبو داود والنسائي هذه اللفظة من حديث مالك بن الحويرث.

وقال ابن القطان: لا معارضة بينهما على الموطن الذي هو ما بين السجدتين.

ص: 281

95 -

حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو حذيفة، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر أنه: كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك، ورفع إبراهيم يديه إلى أذنيه.

هذا حديث إسناده صحيح محتج به، قال البيهقي: ولو لم يقله لقلناه.

واسم أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي، خرج البخاري حديثه في صحيحه.

وفي الباب: حديث أبي هريرة: أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، وقال: إني لأعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه كانت صلاته.

ذكره أبو قرة في مسنده بسند صحيح عن مالك عن الزهري، عن أبي سلمة عنه، في صحيح ابن خزيمة، ومن حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان مولى الأزرقيين عنه أنه قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن فتركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله تعالى من فضله، وكان يكبر في الصلاة كلما سجد ورفع.

ولما ذكر الإشبيلي حديث محمد بن مصعب القرقساني عن مالك عن ابن شهاب قال: الصحيح من رواية الثقات الحفاظ عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه: كان يصلي لهم، فيكبر في كل خفض ورفع، ولا يعرف غير هذا، وابن مصعب كانت فيه غفلة، وحديثه هذا ذكره أبو نصر المروزي والدارقطني وغيرهما، وذكره أبو عمر في التمهيد بلفظ: وكان لا يرفع اليدين إلا حين يفتتح الصلاة، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 282

وحديث عمر بن الخطاب من عند الدارقطني: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

وحديث أبي موسى قال: هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكبر ورفع يديه، ثم كبر ورفع يديه للركوع، ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه، ثم قال: هكذا فاصنعوا، ولا يرفع بين السجدتين.

رواه أبو الحسن في كتاب السنن بسند صحيح من حديث النضر بن شميل، وزيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن حطان بن عبد الله عنه، وقال: رفعه هذان عن حماد، ووقفه غيرهما عنه.

وحديث عبد الله بن مسعود المصحح عند الترمذي، والطوسي قال: أنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كلّ خفض ورفع، وقيام وقعود، وأبا بكر وعمر - رضى الله عنهما - وحديث عطاء بن أبي رباح قال: صليت خلف عبد الله بن الزبير، وقال عبد الله: صليت خلف أبي بكر الصديق.

وقال أبو بكر: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قال البيهقي وخرجه في سننه: رواته ثقات، ومرسل سليمان بن يسار رواه الشافعي عمن يثق به، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حين يكبر للافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يرفع رأسه من الركوع ومالك في موطئه، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم، ثنا [5/ 284] يحيى بن سعيد فذكره.

وحديث رواه أبو نعيم بن دكين في كتاب الصلاة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: حدثني من سمع الأعرابي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتى بلغ أو حاذى بهما فروع أذنيه، كأنهما مروحتان وثنا إسماعيل بن مسلم، حدثني الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أراد أن يكبر رفع يديه لا يجاوز أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، لا يجاوز أذنيه ومرسل قتادة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع.

رواه عبد الرزاق في الجامع، قال البخاري: وقد روي عن تسعة عشر نفرا من الصحابة: أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم: أبو قتادة، وأبو أسيد الساعدي، ومحمد بن مسلمة، وسهل بن سعد، وعبد الله بن عمر وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن الزبير، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حميد الساعدي، زاد ابن الأثير في شرح المسند: أبا سعيد الخدري، وزاد البيهقي: أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن جابر البياضي.

وقال الحاكم أبو عبد الله: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخلفاء الأربعة، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة.

قال البيهقي: وهو كما قال شيخنا، فقد رويت هذه السنة عن أبي بكر، وعمر،

ص: 283

وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة، ومالك بن الحويرث، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأبي موسى، وابن عباس، والحسين بن علي، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأبي قتادة، وسلمان الفارسي، وعقبة بن عامر، وبريدة، وابن عمر، وأبي هريرة، وعمار، وأبي أمامة، وعمير بن قتادة الليثي، وأبي مسعود، وعائشة، وأعرابي له صحبة، وقال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: رفع اليدين قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم عن الصحابة والتّابعين.

وقال القاضي أبو الطيب: قال أبو علي: روى الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم نيف وثلاثون صحابيا، زاد ابن حزم: أم الدرداء، والنعمان بن عياش، وجملة الصحابة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يرفع يديه إلّا في تكبيرة الإحرام خاصة، وبه قال الثوري، وابن أبي ليلى.

قال ابن شداد في الدلائل: وبه قال النخعي، والشعبي، وهو المشهور، والمعمول به عند مالك في رواية ابن القاسم.

وفي كتاب ابن حزم: الرفع رواية أشهب، وابن وهب، وأبي المصعب وغيرهم عن مالك أنه كان يفعله ويفتي به، وقال الخطابي: قال به مالك في آخر أمره، واستدلّ لأبي حنيفة بما رواه وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلى؛ فلم يرفع يديه إلَّا في أول مرة.

ص: 285

قال الترمذي وأبو علي الطوسي: حديث ابن مسعود حديث حسن، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان، وأهل الكوفة. انتهى.

واعترض على هذا بما ذكره أبو داود في رواية ابن العبد قال: هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس بصحيح على هذا اللفظ، وبما قاله أبو حاتم في كتاب العلل: هذا خطأ، يقال: وهم فيه الثوري، وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق ولم يقل أحد ما روى الثوري، وبما ذكره الترمذي:

قال عبد الله بن المبارك: وقد ثبت حديث من يرفع، وذكر حديث سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: لَم يرفع إلَّا في أول مرة، وبما ذكره البيهقي عن الحاكم: أنَّ عاصم بن كليب لم يخرج له حديث في الصحيح، وبما قاله المنذري: وقال غيره: يعني غير الحاكم: لم يسمع عبد الرحمن من علقمة، ويجاب عن الأول أنه لم يصرح بضعفه، إنما تعرض للفظه.

وعن الثاني أنّ عدم ثبوته عند ابن المبارك لا يمنع من اعتبار رجاله، والنظر في أمره، والحديث يدور على.

الثاني: تصريح الخطيب في كتاب المتفق والمفترق بسماعه من علقمة، ويؤيده قول ابن حبان: سنه سن إبراهيم النخعي، ولأنا لم نر مخالفاً لذلك، فعلى هذا يكون حديثاً صحيحاً لا حسناً.

وفي كتاب ابن عدي من حديث محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله فذكره، وقال: لم يوصله عن حماد غير.

وفي كتاب البيهقي: رواه حماد بن سلمة عن حماد، عن إبراهيم عن عبد الله مرسلا، قال الحاكم: هذا هو المحفوظ، وإبراهيم لم ير ابن مسعود، فالحديث منقطع، ومحمد بن جابر تكلّم فيه أئمة الحديث، وقال الدارقطني: تفرد به ابن

ص: 286

جابر وكان ضعيفاً، عن حماد وغيره يرويه عن إبراهيم عن عبد الله من فعله غير مرفوع، وهو الصواب، وفي العلل لعبد الله بن أحمد: ذكرت لأبي حديث ابن جابر - يعني: هذا -، فقال: هذا حديث منكر، وأنكره جداً، قال: وذكرت لأبي حديث الثوري عن حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه كان يرفع يديه في أوّل الصلاة ثم لا يعود، فقال: ثناه هشيم عن حصين عن إبراهيم، لم يجز به إبراهيم، وهشيم أعلم بحديث حصين، وفي كتاب الخلال: قيل لأبي عبد الله: أثبت عن ابن مسعود بإسناد موصول؟ قال: لا، إنما هو إبراهيم عن عبد الله. وفي المصنف: عن وكيع، عن شريك، عن جابر، عن الأسود، وعلقمة أنهما كانا يرفعان أيديهما إذا افتتحا ثم لا يعودان. انتهى.

ذكر الطحاوي في المشكل عن الأعمش أن إبراهيم قال له: إذا قلت: قال عبد الله: فلم أقل ذلك حتى يحدثني به جماعة، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني.

وفي شرح الآثار للطحاوي من حديثه عن ابن أبي داود، عن نعيم بن حماد، عن وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله مرفوعًا: ثم لا يعود قال: ثنا محمد بن النعمان، ثنا يحيى بن محمد، ثنا وكيع فذكره، وبحديث رواه شريك عند أبي داود عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد

ص: 288

الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود.

ورواه من حديث سفيان عن يزيد نحو حديث شريك، لم يقل: ثم لا يعود. قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعد: ثم لا يعود.

قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم، وخالد، وابن عيينة، وابن إدريس عن يزيد: لم يذكروا: ثم لا يعود، ولما ذكر الشافعي قول سفيان، قال: ذهب سفيان إلى تغليط يزيد، وفي كتاب ابن عساكر في ترجمة الأوزاعي: حديث يزيد في رفع اليدين مخالف للسنة.

وفي التمهيد: قال أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث تفرد به يزيد، ورواه عنه الحفاظ، لم يذكر واحد منهم فيه قوله: ثم لا يعود وقال البزار: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين قوله: ثم لا يعود.

وفي كتاب الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد.

وفي كتاب البيهقي عن الإِمام أحمد: هذا حديث واهٍ، قد كان يزيد يحدّث به، لا يذكر: ثم لا يعود فلما لقن أخذه، فكان يذكره فيه، وذكره الدارقطني عن يزيد، عن عدي بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهذا هو الصواب، وفي موضع آخر: عن يزيد عن عبد الرحمن: سمعت البراء يحدث قوما منهم: كعب بن عجرة فذكره، وفي لفظ عن علي بن عاصم قال: سألت يزيد فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت:

ص: 289

ثم لم يعد! قال: لا أحفظ هذا، فعاودته فقال: ما أحفظ هذا.

رواه الدارقطني عن أبي بكر الآدمي عن عبد الله بن محمد بن أيوب عنه.

وقال الخطابي: لم يقل أحد في هذا: ثم لا يعود غير شريك. انتهى.

يخدش في هذا الاعتراض ما رواه البيهقي في الخلافيات من طريق النضر بن شميل، عن إسرائيل، عن يزيد حفظ: ورفع يديه حذو أذنيه ولم يعد فهذه متابعة لشريك صحيحة، ورواه الدارقطني من طريق إسماعيل بن زكريا، عن يزيد مثله، والطبراني في الأوسط من حديث حفص بن عمر الثقفي، ثنا حمزة الزيات عنه بنحوه، وقال: لم يروه عنه إلّا حفص، تفرد به محمد بن حرب، ثم نظرنا بعد في حال يزيد، فوجدنا العجلي قال: هو جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: يزيد وإن كان قد تكلّم فيه لتغيّره فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور والأعمش، فهو مقبول القول عدل ثقة.

وقال أبو داود: ثَبت لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحبّ إلي منه.

وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه، إلّا أنه اختلط في آخر عمره، ولما ذكره ابن شاهين في الثقات قال: قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة، ولا يعجبني قول من تكلّم فيه، ولما خرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه قال: في القلب منه.

وقال الساجي: صدوق، وقال ابن حبان: كان صدوقا، إلا أنه لما كبر تغيّر، فسماع من سمع منه قبل التغيّر صحيح، وذكره مسلم فيمن شمله اسم الستر والصدق وتعاطى العلم، وخرّج حديثه على ما في الكمال وغيره في الأصول.

وذكره البخاري في كتاب اللباس في قوله: قال جرير عن يزيد: القسية:

ص: 290

ثياب، فلما كانت حاله بهذه المثابة جاز أن يحمل أمره على أنه حدّث ببعض الحديث تارة وبجملته أخرى، أو يكون قد نسي أولا ثم تذكر آخِرا.

فإن قيل: مما يدل على أنه لم يحفظ ما رواه إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان عن يزيد عن عبد الرحمن، عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قال الحاكم أبو عبد الله: لا أعلم ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن ابن عيينة غير الرمادي وهو ثقة، قيل له: إبراهيم بن بشار وصف بالوهم فجائز أن يكون وهم في هذا، بيان ذلك ما قال فيه أبو محمد بن الجارود: هو صدوق، وربما وهم في الشيء بعد الشيء.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه فلم يعجبه، وقال: كان يكون عند ابن عيينة فيقوم فيجيء إليه الخراسانية فيملي عليهم ما لم يقل ابن عيينة فقلت له: أما تتقي الله؟ أما تراقب الله؟ وأنكر عليه البخاري في تاريخه حديثا، وكذلك غيره، وقد وجدنا ليزيد متابعا عن عبد الرحمن من رواية وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى، عن الحكم عنه عن البراء بلفظ: رفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف.

ذكره أبو داود وقال: ليس بصحيح، يعني: لأن في سنده -.

ومن حديث محمد بن جابر عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند التكبيرة الأولى قال إسحاق بن أبي إسرائيل: وبه نأخذ في الصلاة كلّها.

قال الدارقطني: تفرد به، وغير حماد يرويه عن إبراهيم عن عبد الله مرسلا، عن عبد الله من فعله غير مرفوع، وهو الصواب.

وفي المصنف: عن وكيع عن مسعر، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عبد الله: أنه كان يرفع يديه في أوَّل ما يفتتح ثم لا يرفعهما.

وعن وكيع وأبي أسامة عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب علي لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة، قال وكيع: ثم لا يعودون.

وبحديث ذكره البيهقي من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين.

ص: 291

واعترض عليه بأمور:

الأول: تفرد ابن أبي ليلى به.

الثاني: رواية وكيع عنه موقوفة.

الثالث: رواية جماعة من التابعين عنهما أنهما كانا يرفعان عند الركوع وبعد رفع الرأس منه.

الرابع: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها، يؤيده ما رواه ابن جريج حدث عن مقسم.

الخامس: أنّ جميع الروايات: ترفع الأيدي، وليس في رواية منها: لا ترفع إلّا في سبع.

قال الحاكم: وقد تواترت الأخبار بأن الأيدي ترفع في غير ذلك، منها: الاستسقاء، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لدوس، وفي القنوت وفي الدعاء في الصلوات، وفي الوتر، وبحديث لا بأس بسنده، ذكره البيهقي في الخلافيات من حديث محمد بن غالب، ثنا أحمد بن محمد البراثي ثنا عبد الله بن عون الخراز، ثنا مالك عن الزهري عن سالم، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود. انتهى. ولما لم ير الحاكم ما يدفعه به قال: هذا باطل، فقد روينا بالأسانيد، عن مالك خلاف هذا.

وفي المعرفة للبيهقي ما يشده بسند صحيح، وهو قوله: ثنا الحاكم، أنبأنا أبو بكر مكرم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح الصلاة.

ص: 293

قال الطحاوي: فحديث الرفع منسوخ على هذا، قال البيهقي: وقد تكلم محمد بن إسماعيل وغيره من الحفاظ في حديث أبي بكر ما لو علمه يعني الطحاوي لم يحتج به على الثابت عن غيره.

قال البخاري: والذي قاله أبو بكر في ذلك قد خولف فيه عن مجاهد.

قال وكيع عن الربيع بن صبيح: رأيت مجاهدا يرفع يديه، وقال ابن مهدي، عن الربيع: رأيت مجاهدا يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وقال جرير، عن ليث، عن مجاهد أنه كان يرفع يديه، وهذا أحفظ عند أهل العلم، قال: وقال صدقة: إن الذي روى حديث مجاهد لم يرفع الأيدي إلا في أول التكبيرة كان صاحبه قد تغير بأخرة، يريد أبا بكر بن عياش.

قال البخاري: الذي رواه الربيع، وليث أولى مع رواية طاوس، وسالم، ونافع، وأبي الزبير، ومحارب بن دثار، وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع.

، فروى ما قد خولف فيه، فكيف يجوز دعوى النسخ في حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف؟ وقد يمكن الجمع بينهما أن لو كان ما رواه ثابتا بأنه غفل عنه، فلم يره، وغيره رآه، أو غفل عنه ابن عمر فلم يفعله مرة أو مرات إذ كان يجوز تركه، وأصحابه الملازمون له رأوه فعله مرات، وفعله يدل على أنه سنة، وتركه يدل به على أنه ليس بواجب، وصاحب هذا الدعوى حكى عن مخالفيه أنهم أوجبوا الرفع عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند النهوض إلى القيام من القعود، ثم روى هذا عن ابن عمر، واستدل بذلك على أنه علم في حديثه نسخا حتى تركه، وهذا عن ابن عمر

ص: 294

ضعيف ولا نعلم أحدا يوجب الرفع حتى يدل تركه على ما ادعاه، انتهى كلامه.

أما الربيع بن صبيح وليث بن أبي سليم فلا يرد بروايتهما ما رواه أبو بكر الثقة المخرج حديثه في الصحيحين، والقائل فيه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو داود، وأحمد بن صالح العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان، وابن شاهين، وابن خلفون في جملة الثقات، وأثنى عليه ابن المبارك وغيره، والربيع يقول فيه عفان: أحاديثه كلها مقلوبة.

وقال يحيى بن معين، والنسائي، وأحمد بن حنبل: ضعيف.

وقال الفلاس: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لم يكن الحديث من صناعته، فوقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر، وليث تكلم فيه غير واحد من الأئمة، ولم يخرج لهما ولا لواحد منهما أحد في الصحيح على سبيل الاحتجاج، فكيف يرد ما رواه ابن عياش برواية هذين؟ أو يعتمد فيه على قول صدقة السمين، القائل فيه البخاري نفسه: ضعيف جدا، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال أحمد: ضعيف جدا، أحاديثه مناكير، ليس يسوي حديثه شيئا، وتكلم فيه غير هؤلاء، فلو قاله نقلا بأنه لم يروه إلا بعد سوء حفظه، لما قبل منه، فكيف ولم ينقله؟ وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح على شرط مسلم:

ثنا يحيى بن آدم عن حسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم عن الأسود قال: صليت مع عمر بن الخطاب، فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة.

، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه: هل هو صحيح أو يدفعه حديث الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه، فقالا: سفيان أحفظ، وقال أبو زرعة: هذا أصح يعني حديث سفيان.

وقال ابن أبي شيبة: قال عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة.

وعن وكيع عن أبي بكر بن عبد الله بن قطاف النهشلي وفيه كلام عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود.

وفي الخلافيات للبيهقي من حديث حفص بن غياث عن أبي يحيى محمد قال: صليت إلى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير، فجعلت أرفع يدي في كل رفع ووضع، فقال: يا ابن أخي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة ثم لم يعد في شيء حتى فرغ.

قال أبو بكر: هذا حجة عند من يقول بالمرسل.

وقال ابن أبي شيبة: ثنا ابن المبارك عن أشعث عن الشعبي أنه كان يرفع يديه في أول التكبير ثم لا يرفعهما.

ص: 295

وعن حجاج عن طلحة عن خيثمة وإبراهيم أنهما كانا لا يرفعان أيديهما إلا في بدء الصلاة.

وعن يحيى بن سعيد عن إسماعيل قال: كان قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة ثم لا يرفعهما.

وعن هشيم، ثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم أنه كان يقول: إذا كبرت للصلاة فارفع يديك ثم لا ترفعهما فيما بقي؛ وفي لفظ: لا ترفع يديك في شيء من الصلاة إلا في الافتتاحة الأولى وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل: ثنَا حسن بن صالح، عن وقاء: كان سعيد بن جبير لا يرفع يديه في الركوع.

وفي شرح الطحاوي لما ذكر لإبراهيم حديث وائل في الرفع قال: أترى وائل بن حجر أعلم من علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود؟! لعله فعل ذلك مرّة واحدة ثم تركه.

وفي لفظ: إن كان وائل رآه مرّة فقد رآه عبد الله خمسين مرة. وفي القديم للشافعي: قال قائل: رويتم قولكم عن ابن عمر، والمثبت عن علي وابن مسعود أنهما كانا لا يرفعان أيديهما في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح وهما أعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن عمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ومكان ابن عمر خلف ذلك، قال الشافعي: ما قاله لا يثبت عن علي وابن مسعود، وإنما رواه عن عاصم عن أبيه عن علي فأخذ بها وترك رواية عاصم عن أبيه أيضا، عن وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه كما روى ابن عمر، ولو كان هذا ثابتا عنهما كان يشبه أن يكون رآهما مرة أغفلا فيه رفع اليدين.

ولو قال قائل: ذهب عنهما حفظ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لكانت له حجة؛ لأن

ص: 297

الضحاك بن سفيان قد حفظ على المهاجرين والأنصار، وغيره أولى بالحفظ منه، والقول قول الذي قال رأيته فعل؛ لأنه شاهد ولا حجة في قول الذي قال لم يره، وهذا هو مذهب من خالفنا في ذلك.

ولقد كان ابن عمر عندنا من ذوي الأحلام والنهى، ولو كان فوق ذلك منزلة كان أهلها، وأصل قولنا: إن إبراهيم لو روى عن علي، وعبد الله لم يقبل منه؛ لأنه لم يلق واحدا منهما. انتهى.

وأما استدلال بعض الحنفية بحديث جابر بن سمرة من عند مسلم: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ فليس بصحيح؛ لأنهم إنَّما كان ذلك حالة السلام فيما ذكره البخاري وغيره.

وفي كتاب المعرفة: عن عقبة بن عامر: إذا رفع يديه عند الركوع، وعند رفع رأسه، فله بكل إشارة عشر حسنات.

غريبه: المنكب من الإنسان وغيره: مجتمع رأس الكتف والعضد، مذكر لا غير، حكاه اللحياني.

وفي صحيح البخاري في كتاب البيوع فيما رأيت من النسخ: فوضع يده على إحدى منكبي، وقال سيبويه فيما ذكره ابن سيده هو: اسم للعضو ليس على المصدر ولا المكان؛ لأن فعله نكب ينكب، يعني أنه لو كان عليه لقال: منكب، ولا يحمل على باب مطلع؛ لأنه نادر، أعني: باب مطلع.

ص: 298

‌باب الركوع في الصلاة

96 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، عن حسين المعلم، عن بديل، عن أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يفترش رجله اليسرى.

هذا حديث سبق التنبيه على إسناده في باب الافتتاح.

97 -

حدثنا علي بن محمد، وعمرو بن عبد الله قالا: ثنا وكيع، ثنا الأعمش عن عمارة، عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود.

هذا حديث خرجه إمام الأئمة في صحيحه، وقال فيه الترمذي، وخرجه عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية، عن الأعمش، وأبو علي الطوسي. وخرجه عن زياد بن أيوب، ثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة، وفي كتاب أبي داود: ظَهْرُهُ، وخَرجه البستي في صحيحه من حديث شعبة عن سليمان. وقال البيهقي في المعرفة: إسناده صحيح.

ص: 299

وقال الدارقطني والفاسي: هذا إسناد ثابت صحيح. وخرجه ابن الجارود في المنتقى، وفي الأوسط من حديث فضل بن مهلهل عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد قال: سألنا عقبة بن عمرو عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع يديه على ركبتيه، وأصابعه أسفل من ذلك وجافى بإبطيه، فركع حتى استقر كل شيء منه، ثم قام حتى استقر كل شيء منه

الحديث، وفي آخره: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وقال: لم يروه عن مفضل إلا يحيى بن آدم، وفي موضع آخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع عدل ظهره حتى لو صبّ على ظهره ماء ركد وقال: لم يروه عن عبد الملك بن عمير يعني: عن أبي عبد اللَّه البراد عنه: إلا عبد الملك بن حسين النخعي.

98 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ملازم بن عمرو عن عبد اللَّه بن بدر أخبرني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه علي بن شيبان، وكان من الوفد قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبايعنا وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلاته - يعني: صلبه - في الركوع والسجود، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.

هذا حديث خرجه ابن حبان في صحيحه عن الفضل بن الحباب، ثنا مسدد، ثنا ملازم به، وابن خزيمة من حديثه عن أبي موسى، وأحمد بن المقدام عن ملازم.

99 -

حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، ثنا عبد اللَّه بن عثمان ابن عطاء، ثنا طلحة بن زيد عن راشد قال: سمعت وابصة بن معبد يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع سوَّى ظهره، حتى لو صبّ عليه الماء لاستقر.

ص: 300

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف طلحة بن زيد أبي سكين، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو سليمان الرقي، فإن صاحب تاريخها ذكر أنه روى عن الأوزاعي مناكير، قال: وهو منكر الحديث، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير، وقال أبو نعيم الحافظ: لا شيء.

وقال الساجي والبخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود والإمام أحمد وابن المديني: يضع الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، لا يعجبني حديثه.

وقال ابن حبان: منكر الحديث جدَا لا يحل الاحتجاج بخبره، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال صالح بن محمد: لا يكتب حديثه، وضعف إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، فإن أبا الفتح الأزدي قال: هو ساقط، ولأن عبد الله بن عثمان مُس بشيء من الضعف أيضَا، والله تعالى أعلم.

وفي الباب حديث المسيء صلاته، وفيه: ثم اركع حتى تطمئن راكعَا وسيأتي، وحديث علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه: أن رجلَا دخل المسجد فذكر نحو حديث المسيء وفيه: ثم يركع حتى تطمئن مفاصله وسيأتي أيضا، وعند البخاري: رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود، فقال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم.

وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا: لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ومن حديث أبي قتادة عند الطبراني، وقال: لم يروه عن الأوزاعي يعني عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة عنه إلا الوليد، ولا عنه إلا الحكم بن موسى، وسليمان بن أحمد الواسطي، قال صلى الله عليه وسلم: أسوأ الناس سرقة الذي

ص: 301

يسرق من صلاته قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟! قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها.

وفي صحيح ابن خزيمة من حديث خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان مرفوعًا: إنّما مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده، كالجائع لا يأكل إلّا تمرة أو تمرتين، فما تغنيان عنه؛ فأتموا الركوع والسجود.

وفي كتاب البيهقي من حديث جابر بن عبد الله مرفوعَا: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود وقال: تفرد به يحيى بن أبي بكير، وفي كتاب الطبراني من حديث بلال: وأبصر رجلا يصلي لا يتم الركوع، ولا السجود فقال: لو مات هذا مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم وقال: لم يروه عن مفضل بن مهلهل - يعني: عن بيان عن قيس عنه إلّا يحيى بن آدم، ومن حديث الحسن عن ابن مغفل قال النبي صلى الله عليه وسلم: أسرق الناس من سرق من صلاته قيل: وكيف يسرق؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها لم يروه عن ابن مغفل إلا الحسن، ولا عن الحسن إلا عوف، ولا عن عوف إلا عثمان بن الهيثم، تفرد به زيد بن الحريش، ومن حديث أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فرأى في المسجد رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال: لا تقبل صلاة رجل لا يتم الركوع والسجود وقال: لم يروه عن الربيع بن أنس - يعني: عن أنس - إلا أبو جعفر الرازي، ولا عنه إلا يحيى بن أبي بكير.

ص: 302

قال الثوري والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن وهب وداود: الطمأنينة فرض، وقال أبو يوسف: الفرض المكث بمقدار تسبيحة واحدة، وقال أبو حنيفة: يكفيه في الركوع أدنى انحناء، ولا تجب الطمأنينة في شيء من هذه الأركان، واحتج بقوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} وزعم السروجي في الغاية أنّ الطمأنينة في الركوع، والقومة، والسجود، والجلسة بين السجدتين عند أبي حنيفة ومحمد: سنة في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي: واجبة، يجب سجود السهو بتركها، وقال في الجواهر: لو لم يرفع في ركوعه وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم، ولم تجب في رواية علي بن زياد، ولابن القاسم فيمن رفع من الركوع والسجود ولم يعتدل يجزئه، ويستغفر الله، ولا يعود، ولأشهب: لا يجزئه.

ص: 303

‌باب وضع اليدين على الركبتين

100 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا محمد بن بشر، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد قال: ركعت إلى جنب أبي فطبَّقت فضرب يدي وقال: قد كنّا نفعل هذا ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي المستدرك: لما بلغ سعدًا فِعْلُ ابن مسعود فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا، يعني الإمساك بالركب، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي الأوسط لأبي القاسم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم: إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه وقال: لم يروه عن عبد الله بن عمير - يعني عن مصعب - إلّا عكرمة بن إبراهيم.

101 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبدة بن سليمان عن حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع فيضع يديه على ركبتيه ويجافي بعضديه.

هذا حديث سنده ضعيف لضعف حارثة بن أبي الرجال محمد المذكور قبل: وفي الباب حديث أبي حميد الساعدي المذكور قبل، وفيه: وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه وحديث أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر بن الخطاب: إن الركب قد سُنّت لكم، فخذوا بالركب خرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم لا اختلاف بينهم في

ص: 304

هذا إلّا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون، وفي الأوسط من حديث قيس بن الربيع عن عاصم بن كليب عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين ركع وضع يديه على ركبتيه وفرَق أصابعه، لم يقل في هذا الحديث عن عاصم: وفرق أصابعه إلّا ابن الربيع، ولما خرّجه الحاكم قال: صحيح على شرط الشيخين، وعن أبي مسعود ووصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، ثم جافى مرفقيه، ثم قال: هكذا رأيته يصلي، وقال: صحيح الإسناد، وفيه ألفاظ عزيزة، ولم يخرجاه، وفي كتاب الحازمي من حديث حصين بن عبد الرحمن، عن خيثمة قال: قدمت المدينة فكنت أركع كما يركع أصحاب عبد الله، أطبق، فقال لي رجل من المهاجرين: ما حملك على هذا؟ فقلت: كان عبد الله يفعله وحدث أنّ رسول اللَه صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فقال: صدق، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما صنع الأمر ثم تركه، فانظر ما أجمع عليه المسلمون، فافعله. أنبأ به المسند المعمر فتح الدين الجودري قراءة عليه، وأنا أسمع عن أبي المكارم عبد اللَه وأبي عبد اللَّه الحسين بن الحسن بن منصور، عن الحافظ أبي بكر محمد بن موسى، قال الأول: سماعا؛ وقال الثاني: إجازة.

قال: وقال أبو بكر: محمد بن الفضل الفقيه، ثنا هارون بن عبد الله البزاز، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام عنه، ومن حديث إسحاق الأزرق عن ابن عون عن ابن سيرين: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ركع فطبّق قال ابن عون: فسمعت نافعَا يحدّث عن ابن عمر

ص: 305

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنّما فعله مرّة واحدة، قال الحازمي: هذا حديث غريب يعد في أفراد عمرو بن محمد النّاقد عن الأزرق.

وذكر الخلال أنّ يحيى بن معين قال: هذان ليسا بشيء، وقال أبو قرة: قال ابن جريج أخبرت عن سمي أنّ النعمان بن أبي عياش الزرقي قال: شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الاعتماد في السجود فقال صلى الله عليه وسلم: استعينوا بأيديكم على ركبكم وعند الشافعي من حديث إبراهيم بن محمد، عن ابن عجلان عن علي بن يحيى عن رفاعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: إذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك.

ص: 306

‌باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

102 -

حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: ربنا ولك الحمد.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.

103 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن الزهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإِمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد.

هذا حديث خرج في الصحيح مطولًا بذكر سقوطه صلى الله عليه وسلم عن فرسه فجحش شقُّهُ.

104 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد.

هذا حديث سبق التنبيه على الخلاف في ابن عقيل راويه، وفي مسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض

الحديث، وفي صحيح ابن خزيمة: ولك الحمد وذكره في الأوسط مطولًا، وقال: لا يروى عن أبي سعيد إلا من حديث قزعة بن يحيى.

ص: 307

105 -

حدثنا محمد بن نمير، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن عبيد بن الحسن، عن ابن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

106 -

حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، ثنا شريك عن أبي عمر قال: سمعت أبا جحيفة يقول: ذكرت الجدود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فقال رجل: جد فلان في الخيل، وقال آخر: جد فلان في الإبل، وقال آخر: جد فلان في الغنم، وقال آخر: جد فلان في الرقيق، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ورفع رأسه من آخر الركعة قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وطول رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون.

هذا حديث يتوقف في صحة سنده؛ للجهالة بحال أبي عمر المنبهي وعينه، فإني لم أر من عرف بهما. وفي الباب حديث علي بن أبي طالب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وحديث ابن عباس من عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما وفي الأوسط: وملء ما شئت من شيء بعد وحديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع

ص: 308

رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد وحديث رفاعة بن رافع الزرقي عند البخاري قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده.

وعند مسلم من حديث أبي موسى قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتنا

وفيه: وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد وعند النسائي من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا فيه: وإذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. ومن حديث جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ومن حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد. وعند مسلم من حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ يتأول القرآن وفي سنن الدارقطني من حديث عمرو بن شمر عن الجعفي، وهما ضعيفان -، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع، فقل: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.

مذهب أبي حنيفة حذف الواو من قوله: ولك الحمد. وفي المحيط: اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة البناء، وعن أبي حفص: لا فرق بين لك ولك، ويقتصر الإِمام على (سمع الله لمن حمده) فقط، والمأموم على (ربنا لك الحمد)، قال ابن

ص: 309

المنذر: وبه قال ابن مسعود، وأبو هريرة، والشعبي، ومالك، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وفي رواية عن أحمد يجمع بين الذكرين، وكذلك الشافعي، قال: وبه أقول، ومذهب الشافعي الإتيان بالواو، ولو أسقطها جاز، قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن واو ولك الحمد فقال: هي زائدة، وزعم بعضهم أنها عاطفة على محذوف أي: ربنا أطعناك أو حمدناك ولك الحمد، وفي المعرفة للبيهقي: كان عطاء بن أبيِ رباح يقول: يجمعهما الإِمام والمأموم أحب إلي، وبه قال ابن سيرين وأبو بردة، وكان أبو هريرة يجمع بينهما، وهو إمام، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنّ المأموم يقتصر على الحمد، روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمرو، وأبي هريرة، والشعبي، ومالك، وأحمد، رحمهم الله تعالى.

ص: 310

‌باب السجود

107 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عمه - يزيد بن الأصم - عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى يديه، فلو أن بهمة أرادت أن تمر بين يديه لمرت.

هذا حديث رواه مسلم. وفي لفظ: خوى بيديه يعني: جنح حتى يرى وضح إبطيه من ورائه، وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.

108 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن داود بن قيس، عن عبد الله بن عبيد الله بن أقرم الخزاعي عن أبيه قال: كنت مع أبي بالقاع من نمرة فمرّ بنا ركب فأناخوا بناحية الطريق، فقال لي أبي: كن في بهمك حتى آتي هؤلاء القوم فأسألهم، قال: فخرج، قال: وجئت، يعني دنوت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فصليت معهم وكنت أنظر إلى عفرتي إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما سجد قال ابن ماجه: الناس يقولون: عبيد الله بن عبد الله، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: يقول الناس: عبد الله بن عبيد الله، ثم ذكر ابن ماجه سنده بذلك.

هذا حديث قال فيه الترمذي: حسن، لا نعرفه إلا من حديث داود بن قيس، ولا نعرف لابن أقرم عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، والعمل عليه عند أهل العلم، ولما ذكره الحاكم في مستدركه قال: هذا حديث صحيح على ما أصلته من تفرد الابن

ص: 311

بالرواية عن أبيه، ولما ذكره أبو علي بن السكن في كتابه معرفة الصحابة قال: له رواية ثابتة، وفي المعرفة للبيهقي: كان يعقوب بن سفيان يذهب إلى أنّ الصحيح في هذا ثمرة بالثاء، أخبرنا بذلك أبو الحسين بن الفضل: أنّ ابن درستويه أخبرهم عنه، وفي قول الترمذي: له حديث واحد نظر؛ لما ذكره البغوي في كتابه معرفة الصحابة من حديث عبد الرحمن بن محمد، عن الوليد بن سعيد قال: سمعت عبد الله بن أقرم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: يساقط عليك رُطَبًا جَنِيا

الحديث، قال البغوي: هذا حديث غريب، وفي إسناده لين.

109 -

حدثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا قام من السجود رفع يديه قبل ركبتيه.

هذا حديث قال النسائي: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون، وقال الترمذي: قال الحسن بن علي: قال يزيد بن هارون: لم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن لا نعرف أحدا روى مثل هذا الحديث غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وروى همام عن عاصم هذا مرسلا لم يذكر فيه وائل بن حجر. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث إنّ هماما لم يشافه فيه عاصما بالرواية؛ إنّما رواه عن شقيق أبي الليث، ثنا عاصم

ص: 312

فذكره، كذا هو في كتاب المراسيل لأبي داود وغيره، وشقيق هذا قال ابن القطان: لا يعرف بغير رواية همام عنه، وفي أحكام الطوسي: هذا حديث غريب، وقال الدارقطني: قال ابن أبي داود: وضع ركبتيه قبل يديه، تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدّث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به.

وقال البيهقي: ورواه من حديث حجاج بن منهال عن همام، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه بلفظ: وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه.

وعن عفان ثنا حجاج عن همام، ثنا شقيق أبو الليث، حدثني عاصم بن كليب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عفان: وهذا الحديث غريب، قال البيهقي: هذا حديث يعد في أفراد شريك، وإنّما تابعه همام مرسلا؛ كذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدّمين، وهو المحفوظ.

وقال الخطابي: حديث وائل أثبت من حديث تقديم اليدين، وهو أرفق بالمصلّي، وقال الحازمي: رواه همام عن شقيق - يعني: أبا الليث - عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو المحفوظ.

110 -

حدثنا بشر بن معاذ الضرير، ثنا أبو عوانة، وحماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.

111 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أسجد على سبع، ولا أكف شعرا ولا ثوبا قال ابن طاوس: فكان أبي يقول اليدين والركبتين والقدمين، وكان يعد الجبهة والأنف واحدا.

ص: 313

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: وأشار بيده إلى أنفه، واليدين والركبتين وأطراف القدمين، ولا يكف الثياب والشعر.

112 -

حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه.

هذا حديث رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه.

113 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا عباد بن راشد، عن الحسن، ثنا أحمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كنا لنأوي للنبي صلى الله عليه وسلم مما يجافي بيديه عن جنبيه إذا سجد.

هذا حديث ألزم الدارقطني البخاري تخريجه، قال: لأنه قد أخرج عن عباد بن راشد، عن الحسن، عن معقل أن أخته طلّقت، وخرجه الحافظ الضياء في مستخرجه من طريق عباد، وإن كان قد قال النسائي، والبرقي: ليس هو بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال ابن المديني: لا يعرف حاله، وقال الأزدي: تركه يحيى بن سعيد، وقال ابن خلفون: يقال: إنه كان يرى القدر، وقال ابن معين: ضعيف، وكذا قاله أبو داود: وقال البخاري: روى عنه عبد الرحمن وتركه يحيى، وأدخله في كتاب الضعفاء، فأنكره أبو حاتم، وقال: يحول من هناك، فقد وثقه غير هؤلاء أحمد بن حنبل، فقال: هو ثقة، ورفع أمره، وقال: ما كان أروى ابن مهدي عنه، وقال الساجي

ص: 314

والأزدي: صدوق.

وقال العجلي والبزار: ثقة، وقد تابعه على روايته عن الحسن: عطاء بن عجلان فيما ذكره أبو القاسم بن عساكر في كتاب الأطراف.

وفي الباب حديث عبد الله بن بحينة في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه وحديث ابن عباس من عند الحاكم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه.

رواه من حديث أبي إسحاق السبيعي عن التميمي الذي يحدث بالتفسير عن ابن عباس، وحديث أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد رؤي وضح إبطيه قال فيه الحاكم: صحيح على شرطهما، وفي المعرفة من حديث صالح مولى التوأمة: يرى بياض إبطيه مما يجافي يديه وقد تقدّم حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة، وفيه: إذا سجد جافى بين يديه وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه رواه ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو زرعة: هو صحيح، وفي الأوسط: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد: منصور عن سالم عنه.

وفي سؤالات مهنأ: سألت أحمد ويحيى عنه، فقالا: ليس بصحيح، فقلت لأحمد: كيف لم يقل لعبد الرزاق - يعني: شيخه - فيه أنّه ليس بصحيح؟ فقال: لم أعلم به يومئذ، قلت: فكيف حدثت به؟ قال: لم أعلم إلا بعد ذا، قال: فقلت: كيف علمته؟ فقال: ثنا ابن مهدي عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 315

كان إذا سجد جافى. وقال أبو عبد الله: كنت تركت هذا الحديث حتى ذكر لي أن فضيل بن عياض روى عن منصور مثل هذا - يعني: مثل رواية عبد الرزاق - وعن عدي بن عميرة الحضرمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطيه خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وقالَ الإسماعيلي في معجمه: ثنا عبد الله بن حفص بن عمر الوكيل، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى جخى وخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه، وقال: قال النَّضر بن شميل: جخ: لا يتمدّد في ركوعه ولا سجوده، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وهو معدود في أفراد النضر بن شميل، وحديث أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحطَّ بالتكبير، فسبقت ركبتاه يديه رواه الدارقطني، وقال: تفرد به العلاء بن إسماعيل العطار، وزعم النووي أنّ البيهقي أشار إلى ضعفه، وأما ابن حزم فأشار إلى صحته، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علّة.

وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الجمل قال البيهقي: ورواه من حديث، وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل عنه، والذي يعارضه ينفرد به محمد بن عبد الله بن الحسن، وعنه الدراوردي عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا

ص: 316

يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه،، قال: ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا، وقال ابن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة، ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول أصحاب الحديث: وضع اليدين قبل الركبتين، قال الدارقطني: وهذا حديث تفرد به الدراوردي عن عبيد الله بن عمر، وفي موضع آخر: تفرّد به أصبغ بن الفرج عن الدراوردي، ولما خرجه الحاكم عن أبي عبد الله بن بطة، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا محرز بن سلمة، ثنا الدراوردي قال: صحيح على شرط مسلم، وله معارض من حديث أنس بن مالك - يعني: المذكور قبل - ورواه البيهقي أيضًا من حديث عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل وليضع يديه على ركبتيه.

قال البيهقي: كذا قال: على ركبتيه، فإن كان محفوظا كان دليلًا على أنه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود، قال: ورواه - يعني اللفظ المتقدم - عبد العزيز عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، والمحفوظ عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه.

ولما خرجه الحاكم قال:

ص: 317

صحيح على شرط الشيخين، وخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه، وفي مسند ابن أبي شيبة عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه وفي تعليق البخاري: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه ولما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين عند السجود منسوخ، وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ، وروى من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن سلمة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين.

وفي كتاب الحازمي: أما حديث سعد ففي سنده مقال، ولو كان محفوظا لدل على النسخ، وفي الباب أحاديث تشيده، وفي كتاب البيهقي: المشهور في هذا عن مصعب، عن أبيه نسخ التطبيق، وفي المغني لابن قدامة - رحمه الله تعالى - ما يشد قول ابن خزيمة: روي عن أبي سعيد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين وفي المصنف لابن أبي شيبة من حديث إبراهيم عن الأسود، عن عمر: أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه وعن عبد الله بن مسلم بن يسار، عن أبيه أنه كان إذا سجد تقع ركبتاه ثم يداه ثم رأسه، وسئل إبراهيم عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه فكره ذلك، وقال: هل يفعله إلا مجنون؟! وعن خالد قال: رأيت أبا

ص: 318

قلابة إذا سجد بدأ فوضع ركبتيه، قال: ورأيت الحسن يخر فيبدأ بيديه، وعن مهدي بن ميمون قال: رأيت ابن سيرين يضع ركبتيه قبل يديه، وعن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت ركبهم قبل أيديهم، وسئل قتادة عن الرجل إذا انصب من الركوع يبدأ بيديه؟ فقال: يضع أهون ذلك عنه، وفي المستدرك: قال أبو عبد الله: والقلب في هذا إلى حديث ابن عمر أميل؛ لكثرة من روي ذلك عنه من الصحابة والتابعين، وفي الأوسط من حديث سعيد عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السجود على سبعة أعضاء وقال: لم يروه عن سعيد إلا أبو أمية بن يعلى، تفرد به حجاج بن نصير، وذكر الإسبيجاني عن أبي حنيفة من آداب الصلاة وضع الركبتين قبل اليدين، واليدين قبل الجبهة، والجبهة قبل الأنف، وقيل: الأنف قبل الجبهة، وتقدم اليد اليمنى على اليسرى، ففي الوضع تقدم الأقرب إلى الأرض، وفي الرفع تقدّم الأقرب إلى السماء: الوجه، ثم اليدان ثم الركبتان، وإن كان ذا خف يضع يديه أولًا للتعذر، وحكاه القاضي أبو الطيب - أعني: وضع الركبتين - عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والثوري وأحمد وإسحاق قال: وبه أقول، زاد البيهقي: ابن مسعود، ونقله ابن بطال، عن ابن وهب، وذكر أنه أيضًا رواه ابن شعبان، عن مالك، وفي كتاب النووي: وقال الأوزاعي، ومالك: يقدّم يديه على ركبتيه، وهي رواية عن أحمد، وبه قال أبو محمد بن حزم.

غريبه: البهمة: الصغير من أولاد الغنم: الضأن، والمعز، والبقر، من الوحش وغيرها الذكر والأنثى في ذلك سواء، قال ابن سيده: وقيل هو بهمة إذا شبّ،

ص: 319

والجمع: بَهْم، وبَهَم، وبِهام، وبِهامات، جمع الجمع، وفي نوادر ثعلب: البهم: صغار المعز، وبه فسر قول الشاعر:

عداني أن أزورك أن بهمي

عجايا كلها إلّا قليلا

وفي كتاب أبي موسى المديني الحافظ: البهمة: السخلة، وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للراعي: ما ولدت؟ قال: بهمة، قال: اذبح مكانها شاه، فلو أنّ البهمة اسم لجنس خاص لما كان في سؤاله صلى الله عليه وسلم الراعي وإجابته عنه ببهمة كبير فائدة، إذ يعرف ما تلد الشاة إنما يكون ذكرًا أو أنثى، فلما أجاب عنه ببهمة، فقال: اذبح مكانها شاه ذكرا على أنه اسم للأنثى دون الذكر، أي دع هذه الأنثى في الغنم للنسل، واذبح مكانها ذكرًا، والله تعالى أعلم.

وعفرة إبطه صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته؛ لأن النَّاس آباطهم غير إبطه صلى الله عليه وسلم بيضاء، قاله أبو نعيم، وقال الأصمعي: هو البياض، وليس بالناصع، ولكنه لون الأرض، ومنه قيل للظباء: عفر، شبهت بعفر الأرض، وهو وجهها، وقال شمر: هو بياض إلى الحمرة قليلا، ذكره الهروي.

وفي المحكم: ماعزة عفراء: خالصة البياض، وأرض عفراء: بيضاء لم توطأ، ويريد أعفر: مبيض متنه، والجبهة: موضع السجود، وقيل: هي مستوي ما بين الحاجبين إلى الناصية، قال ابن سيده: ووجدت بخط علي بن حمزة في المصنف: فإذا انحسر الشعر عن جانب جبهته، ولا أدري كيف هذا إلّا أن يريد الجانبين، وفي الغريبين: نأوي له أي: نرثي له، ونرق، ويقال: أويت إليه أوية، وأية، ومأوية.

والآراب: الأعضاء، واحدها أرب، ذكره الهروي، ونمرة: جبل عن يمينك، وأنت بعلمي عرفة، به عيران، قاله أبو علي الهجري في نوادره، وزعم أبو عبيد البكري في معجمه: أنه موضع بعرفة معلوم، وفي كتاب الحازمي: وياقوت: ناحية بعرفة نزلها

ص: 320

رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وقيل: الحرم من طريق الطائف على طرفه عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا.

ص: 321

‌باب التسبيح في الركوع والسجود

114 -

حدثنا عمرو بن رافع البجلي، ثنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن أيوب الغافقي قال: سمعت عمي إياس بن عامر يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم.

هذا حديث رواه أبو داود، وفي لفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا وقال: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة،، وقال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث حجازي صحيح الإِسناد، وقد اتفقا على الاحتجاج برواته، غير، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه أيضا.

115 -

حدثنا محمد بن رمح المصري أنبأنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي الأزهر عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات.

هذا حديث سنده ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة المتقدّم ذكره قبل، ولأن أبا الأزهر أيضًا حاله مجهولة، ورواه الدارقطني في سننه من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي

ص: 322

ليلى عن الشعبي عن صلة عنه، وهو في صحيح مسلم بلفظ: ركع - يعني النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، وسجد، فقال: سبحان ربي الأعلى.

وعند أبي داود من حديث أبي حمزة عن رجل من بني عبس عن حذيفة: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى.

116 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا جرير عن منصور، عن أبي الضحى عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوّل القرآن.

هذا حديث خرجاه في صحيحهما، وفي لفظ عند مسلم: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت.

117 -

حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، فإذا فعل ذلك فقد تم ركوعه، وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا، فإذا فعل ذلك فقد تم سجوده وذلك أدناه.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود.

وقال البخاري في تاريخه، وأبو داود والطوسي في سننهما والإِمام أحمد

ص: 323

ابن حنبل فيما حكاه الخلال: هو مرسل، عون لم يلق ابن مسعود. وفي كتاب الدارقطني من حديث السري بن إسماعيل وهو متروك، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله: من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده.

ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن إسحاق، عن عون بن عبد الله بن عتبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث، وقال: إن كان هذا ثابتا فإنما يعني - والله أعلم - أدنى ما ينسب إلى كمال الفرض، والاختيار معًا لا كمال الفرض وحده.

وفي مسند أحمد من حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود، ولم يسمع منه: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاء نصر الله، كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الرحيم ثلاثا.

وفي الباب: حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والرو خرجه مسلم، وحديث عوف بن مالك من عند أبي داود بسند صحيح وصف صلاته صلى الله عليه وسلم، وفيه يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وقال في سجوده مثل ذلك.

وحديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام يصلي تطوعا يقول: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، وعليك توكلت أنت ربي خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعصبي لله رب العالمين.

ص: 324

وحديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت ولك أسلمت فذكر مثله، رواهما النسائي بسند حسن، وحديث علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت

الحديث، وقد تقدم في دعاء الاستفتاح، وحديث جبير بن مطعم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات رواه الدارقطني من جهة إسماعيل بن عياش.

وحديث عبد الله بن أقرم المذكور عنده أيضًا قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا وقد تقدمت الإشارة إليه، وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ركع أحدكَم فسبح ثلاث مرات، فإنه يسبح لله من جسده ثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عظم، وثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عرق، رواه أيضًا من حديث إبراهيم بن الفضل، وهو متروك، وفي صحيح ابن خزيمة من حديث عن أبي صالح عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجلّه وأوّله وآخره علانيته وسره.

وفي كتاب الميموني: روى سمي عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم.

وحديث ابن عباس من عند مسلم قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: فأما الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم قال الميموني: قلت - يعني: لأبي عبد الله -:

ص: 325

فحديث ابن عباس: فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم قال: ليس له ذلك الإِسناد، وروى في مسنده في بياته عند خالته، قال: فرأيته يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وقال البيهقي في المعرفة: ادعى الطحاوي - رحمه الله تعالى - نسخ الأحاديث: بحديث عقبة، قال: يجوز أن يكون {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} أنزلت عليه بعد ذلك عند وفاته، ولم يعلم أن هذا القول - يعني: حديث ابن عباس - صدر منه صلى الله عليه وسلم غداة يوم الإثنين، والناس خلف أبي بكر في صلاة الصبح، وهو اليوم الذي توفي فيه، وروينا في الحديث الثابت عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك وفي هذا دلالة على أن {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} كان نزولها قبل ذلك بزمان كثير، وروينا عن الحسن البصري، وعكرمة وغيرهما أنها نزلت بمكة.

وحديث سعيد الجريري من عند أبي داود بسند صحيح عن السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثا.

وأعله ابن القطان بالسعدي وأبيه وعمه، فقال: ما منهم من يعرف، ولا من ذكر بغير هذا. انتهى.

أما الجهالة باسم الصحابي فغير ضارة،. وحديث وهب بن مانوس قال: سمعت سعيد بن جبير سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى - يعني: عمر بن عبد العزيز - فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات ذكره أبو داود، وقال: قال أحمد بن صالح: قلت لعبد الله: مانوس، أو

ص: 326

مابوس؟ قال: أما حفظي فمانوس، وأما عبد الرزاق فحفظه مابوس، وفي علل الخلال: وقال يحيى: عبد الرزاق يقول: مأنوس، وأما يحيى بن معين فقال: ماهنوس، وزعم ابن القطان أن وهبا هذا مجهول الحال، وإن كان روى عنه جماعة، وزعم أبو الفضل بن طاهر في كتابه ذخيرة الحفاظ أنَّ ابن لهيعة رواه أيضًا عن أبي النضر عن أنس، وحديث أبي بكرة من عند البزار بسند حسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا.

اختلف العلماء في التسبيح، وسائر الأذكار في الركوع والسجود، وقول: سمع الله لمن حمده، فقال الشَّافعي: كل ذلك سنة ليس بواجب، فلو تركه عمدًا لم يأثم، وصلاته صحيحة سواء تركه عمدا أو سهوا لكن يكره تركه عمدا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء.

وقال إسحاق بن راهويه: التسبيح واجب، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن نسيه لم تبطل، وقال ابن حزم: ولا تجزئ صلاة أحد بأن يدع شيئا من هذا كله عامدا فإن لم يأت به ناسيًا وأتى به كما أمر ثم يسجد للسهو، فإن عجز عن ذلك لجهل أو عذر مانع سقط عنه، وتمت صلاته.

وقال أحمد: التسبيح في الركوع والسجود، وقول: سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد، والذكر بين السجدتين، وجميع التكبيرات واجبة، فإن ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته، فإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو، هذا هو الصحيح من مذهبه، وفي رواية عنه أنه سنة، وزعم ابن بطال أنّ العلماء اختلفوا فيما يدعى به في الركوع والسجود، فقالت طائفة: لا بأس أن يدعو الرجل ما أحب، وليس عندهم في ذلك شيء مؤقت، قال: ومالك كره الدعاء في الركوع، ولم يكرهه في السجود، واقتصر في الركوع على تعظيم الله تعالى والبناء عليه، وفي الحاوي الكبير للماوردي: ولو سبح

ص: 327

مرة واحدة حصل التسبيح، وأدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة، وفي شرح الهداية للقاضي شمس الدين: لو ترك التسبيح أصلا أو أتى به مرة فقد روي عن محمد أنه يكره.

وفي الذخيرة: إذا زاد على الثلاث فهو أفضل بعد أن يكون الختم على وتر، وفي الغزنوي: إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتي عشرة فهو أفضل عند الإمام، وعند صاحبيه إلى سبع، وعند الشافعي: عشرة، وقال عامة أهل العلم: يسبح ثلاثا، وذلك أدنى الكمال.

وفي شرح الطحاوي: قيل: يقول الإمام ثلاثا، وقيل: أربعا ليتمكن المقتدي من ثلاث، وقال القاضي حسين: ولو سبح خمسًا أو سبعا أو تسعا أو إحدى عشرة كان أفضل وأكمل، ولكنه إذا كان إماما استحب أن يزيد على ثلاث.

ص: 328

‌باب الاعتدال في السجود

118 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى وأبو علي الطوسي: حسن صحيح، وفي كتاب المراسيل لابن أبي حاتم: قال شعبة: حديث أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر إنما هي صحيفة، قال: وقال أبي: شعبة سمع من جابر أربعة أحاديث، ويقال: إنّ أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن صحيفة سليمان اليشكري.

وفي علل ابن المديني الكبرى: لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث، وقال أبو زرعة: أبو سفيان عن عمر مرسل، وهو عن جابر أصح، وقال أبو بشر فيما ذكره بحشل في تاريخ واسط: قلت لأبي سفيان: ما لك لا تحدّث عن جابر كما يحدث عنه صاحبنا سليمان اليشكري؟ فقال: إنّ سليمان كان يكتب وكنت لا أكتب.

119 -

حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعتدلوا في السجود، ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه كالكلب.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي الباب: حديث عائشة من عند مسلم مطولا، وفيه: وينهى - يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وسيأتي في الباب بعد، وحديث أبي هريرة من عند ابن خزيمة من حديث دراج عن ابن حجيرة عنه يرفعه: إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم

ص: 329

فخذيه وحديث البراء من عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك.

وحديث عبد الرحمن بن شبل قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان قال الحاكم: هذا حديث صحيح لما قدمت ذكره من التفرد عن الصحابة بالرواية، وخرجه ابن خزيمة أيضًا في صحيحه، ويعارض هذا ما خرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: شكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب قال ابن عجلان: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيى.

وفي لفظ قالوا: يا رسول الله إن تفريج الأيدي في الصلاة يشق علينا، فأمرهم أن يستعينوا بالركب وقال الحاكم لما خرجه: صحيح على شرط مسلم، وزعم أبو داود في كتاب السنن أنَّ هذا كان رخصة، وقال الترمذي، وذكره في باب ما جاء في الاعتماد إذا أطال في السجود: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الليث عن ابن عجلان، وقد روى هذا الحديث ابن عيينة وغير واحد عن سمي عن النعمان بن أبي عياش، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وكأنّ رواية هؤلاء أصح من رواية الليث، وقال أبو

ص: 330

حاتم الرازي: الصحيح النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

وفي الأوسط من حديث سعيد بن جبير عن أبي هريرة: أوصاني خليلي بثلاث، ونهاني عن ثلاث فذكر حديثا فيه: ونهاني إذا سجدت أن أقعي إقعاء القرد، أو أنقر نقرة الغراب، أو ألتفت التفات الثعلب وقال: لم يروه عن سعيد إلا حبيب بن أبي ثابت، ولا عن حبيب إلا ليث بن أبي سليم، ولا عنه إلا موسى بن أعين، تفرد به المعافى بن سليمان، وفي علل الخلال عن ابن مسعود قال: هوت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا، حتى سجدوا على المرافق، قال أحمد: قد تركه الناس، وزعم القرطبي أن افتراش السبع لا شك في كراهة هذه الهيئة، واستحباب نقيضها وهو التجنيح المذكور في الأحاديث، والحكمة في كراهة تلك واستحباب هذه أنه إذا جنح كان اعتماده على يديه فيخفّ اعتماده على وجهه، ولا يتأثر أنفه ولا جبينه، ولا يتأذّى بملاقاة الأرض، ولا يتشوش في الصلاة بخِلاف ما إذا بسط يديه فإنه يكون اعتماده على وجهه، فحينئذ يتأذى بملاقاة الأرض، ويخاف عليه التشويش، وفي شرح النووي: وروي تنبسط بزيادة التاء المثناة من فوق، والله أعلم.

ص: 331

‌باب الجلوس بين السجدتين

120 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، عن حسين المعلم، عن بديل، عن أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، وإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يفترش رجله اليسرى.

هذا حديث خرجه مسلم، وقد سبقت الإِشارة إليه.

121 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُقْعِ بين السجدتين.

122 -

وفي لفظ عنده من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي موسى وأبي إسحاق: لا تُقْعِ إقعاء الكلب.

هذا حديث خرجه الترمذي بلفظ: يا علي أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي وقال: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وقد، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، يكرهون الإقعاء. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما سقناه من عند ابن ماجه من أنّ أبا موسى رواه أيضًا عن الحارث ثم إنَّا عهدناه يحسن حديث الحارث عن علي، فمن ذلك حديث: كان إذا عاد مريضا قال: أذهب البأس رب الناس.

ص: 332

وحديث: للمسلم على المسلم ست بالمعروف ولفظ الطوسي في كتاب الأحكام: لا تُقْعِ على عقبك في الصلاة وعند العقيلي بسند ضعيف عن الأصبغ قال: سمعت عليًا يقول: إذا رفع أحدكم رأسه من السجدة الثانية فليلزق أليته بالأرض، ولا يفعل كما تفعل الإبل، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك توقير الصلاة.

123 -

حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا يزيد بن هارون أنبأنا العلاء أبو محمد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رفعت رأسك من الركوع فلا تُقْعِ كما يقعي الكلب، ضع أليتيك بين قدميك، وألزق ظاهر قدميك بالأرض.

هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف أبي محمد العلاء بن زيدل، ويقال: ابن زيدله الثقفي، البصري الأيلي، فإنّ ابن المديني قال: كان يضع الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث، متروك الحديث، كان أحمد يتكلم فيه، وقال أبو داود: متروك الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال البخاري: منكر الحديث، زاد أبو جعفر: ونسبه أبو داود إلى الكذب، وقال ابن حبان: يروي عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلّا تعجبا، وقال النسائي: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش: يروي عن أنس أحاديث موضوعة، وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم، وذكره غير واحد في جملة الضعفاء والمتروكين، ولم أر من أثنى عليه، والله أعلم.

وذكره البيهقي بلفظ: نهى عن الإقعاء والتورك، وفي الباب: حديث سمرة من عند الحاكم أبي عبد الله قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتدل في السجود وأن لا

ص: 333

نستوفز وقال: صحيح على شرط البخاري، وقد ورد في إباحته حديث، ولفظ البيهقي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الإقعاء في الصلاة وفي المصنف من حديث الحارث عن علي: أنه كره الإقعاء في الصلاة، وعن إبراهيم: أنه كره الإقعاء والتورك وكره الإقعاء أيضًا: الحسن، وابن سيرين، وعامر.

وحديث أبي هريرة قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب رواه الإمام أحمد والبيهقي من رواية ليث بن أبي سليم، وعنده: وإقعاء كإقعاء القرد، وفي كتاب الترمذي: باب الرخصة في الإقعاء: ثنا يحيى بن موسى، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: هي من السنة، فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل، فقال: بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من الصحابة، لا يرون بالإقعاء بأسا، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم، وخرجه مسلم أيضا في صحيحه، وفي المشكل لأبي جعفر: اختلف أهل العلم في الإقعاء المنهي عنه، فذهب أبو حنيفة وجماعة سواه على أنَّه جلوس الرجل على عقبيه في صلاته، لا على أليتيه، محتجين بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ: لا تقع على عقبيك في الصلاة وبحديث أبي هريرة: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقعي في صلاتي إقعاء الذئب على العقبين قال أبو جعفر: قوله: على العقبين راجع إلى أبي هريرة؛ لأن

ص: 334

الذئب لا عقبان له، فإن قال قائل: قد روى عطية العوفي قال: رأيت العبادلة يقعون في الصلاة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ويراهم الصحابة فلا ينكرونه، فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة على خلقه، أو يكونوا لم يبلغهم النهي، والله تعالى أعلم.

وفي المصنف: باب من رخص في الإقعاء، فذكر جابرا وأبا سعيد وطاوسا ومجاهدا وأبا جعفر.

وفي كتاب البيهقي: عن أبي عبيدة معمر بن المثنى: الإقعاء: هو أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، وفي موضع آخر: الإقعاء: جلوس الإنسان على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، وفي الغريبين: وذكره في المعتل بالياء: قال أبو عبيدة: تفسيره عند الفقهاء: أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل مقعيا وقال النَّضر بن شميل: الإقعاء أن يجلس على وركيه، وهو الاحتفاز والاستيفاز، وفي المحكم، وذكره في المعتل بالواو: وأقعى الرجل في جلوسه: تساند إلى ما وراءه، وأقعى الكلب والسبع جلس على استه.

ص: 335

‌باب ما يقول بين السجدتين

124 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا حفص بن غياث، ثنا العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرّة، عن طلحة بن يزيد، عن حذيفة ح، وثنا علي بن محمد، ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة، عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي.

هذا حديث إسناده صحيح، وله أصل في صحيح ابن خزيمة عن مؤمل بن هشام، وسلم بن جنادة قالا: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد، عن المستورد، عن صلة، عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، قال ابن خزيمة: وذكر الحديث.

125 -

حدثنا أبو كريب ثنا إسماعيل بن صبيح عن كامل أبي العلاء قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يحدّث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين في صلاة الليل: رب اغفر لي وارحمني واجبرني، وارزقني، وارفعني.

هذا حديث قال فيه الترمذي وأبو علي الطوسي: غريب، وهكذا روي عن علي، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، يرون هذا جائزًا في المكتوبة والتطوع، وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا. انتهى. إسماعيل وثقه ابن حبان، وكامل وثقه ابن معين وغيره، وقال البزار: مشهور من أهل الكوفة، روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه؛ فلهذا سكت عنه الإشبيلي سكوت مصحح

ص: 336

له.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وكامل ممن يجمع حديثه.

ص: 337

‌باب ما جاء في التشهد

126 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، ثنا الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود ح، وثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا الأعمش، ثنا شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل وعلى فلان وفلان، يعنون الملائكة عليهم الصلاة والسلام، فسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو السلام، فإذا جلستم فقولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هذا حديث خرجه الأئمة الستة.

وفي المنتقى لابن الجارود: السلام على إسرافيل وفي المصنف: ما كنا نكتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث إلّا التشهد والاستخارة، وقال الترمذي: هو أصح

ص: 338

حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الخطابي: أصح الروايات وأشهرها رجالا تشهد ابن مسعود، وقال ابن المنذر والطوسي: قد روي حديث ابن مسعود من غير وجه وهو أصح حديث روي في التشهد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبد البر: بتشهد ابن مسعود أخذ أكثر أهل العلم؛ لثبوت نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال علي ابن المديني: لم يصح في التشهد إلا ما نقله أهل الكوفة عن عبد الله، وأهل البصرة عن أبي موسى، وبنحوه قاله ابن طاهر. وقال النووي: أشدّها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود، ثم حديث ابن عباس، وعند البخاري: ثم ليتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به وعند مسلم: كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا ذات يوم: إن الله هو السلام.

وفي الأوسط للطبراني: ثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعي، ثنا أبي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا مفضل بن مهلهل عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: كان ابن مسعود يعلم رجلا التشهد، فقال عبد الله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقال الرجل: وحده لا شريك له، فقال عبد الله: هو كذلك، ولكن ننتهي إلى ما عُلِّمناه وقال: لم يروه عن العلاء إلا المفضل، تفرد به يحيى بن آدم.

وفي مسند البزار: أنّ عبد الله كان يعلم رجلا التشهد: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقال الرجل: وأن محمدا عبده ورسوله، فأعادها عبد الله عليه مرات كلّ ذلك يقول: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقال عبد الله: هكذا عُلِّمنا وهذا الحديث إنما أدخلته المسند؛ لأنه

ص: 339

قال: هكذا عُلِّمنا.

وعند الطبراني من حديث أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عنه: كان النبيِ صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، ويقول: تعلموا، فإنه لا صلاة إلا بتشهد وقال: لم يروه عن أبي حمزة إلا صغدي بن سنان، وعند أبي داود من حديث أبي الأحوص عنه: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قْد علم، وعن أبي وائل عنه من عند الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وله شاهد من حديث ابن جريج عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل: وكان يعلمنا - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كلمات ولم يكن يعلمناهن، كما يعلمنا التشهد: اللهم ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك، قابلين لها وأتمها علينا.

ومن حديث زهير ثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عند أبي داود: أن عبد الله أخذ بيده، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله، فعلمه التشهد فذكر مثل حديث الأعمش المذكور، وفيه: إذا قلت هذا، أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد.

قال الدارقطني: رواه زهير بن معاوية عن ابن الحرّ، فزاد في آخره كلامًا - يعني: هذا - وأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن

ص: 340

كذلك وجعل آخره من قول عبد الله، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن على ترك ذكره في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وغيره عن عبد الله على ذلك.

وقال البيهقي: ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم من قول ابن مسعود أدرج في الحديث، وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كان قبل أن ينزل التسليم، وقال الخطيب في كتابه الفصل للوصل المدرج في النقل: قوله: إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك

إلى آخره، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّما هو قول ابن مسعود، أدرج في الحديث، وقد بينه شبابة بن سوار في رواية عن زهير بن معاوية، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحرّ مُفصلًا مبينًا، وقال الخطابي: قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من كلام ابن مسعود أو من قوله صلى الله عليه وسلم، فإن صح رفعه ففيه دلالة على أنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة، وقوله: قد قضيت صلاتك يريد معظم الصلاة من القرآن، والذكر والرفع والخفض، وإنّما بقي عليه الخروج منها بالسلام فكنى عن التسليم بالقيام إذ كان القيام إنّما يقع عقيبه، ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم؛ لأنه يبطل صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم وقال الإشبيلي: الصحيح في هذه الزيادة أنها من قول عبد الله، وعند النسائي بسند جيد عن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا في كل جلسة: التحيات.

ص: 341

وفي مسند البزار من حديث محبوب بن الحسن عن عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة إلا بتشهد ثم قال: لا نعلمه يروى من حديث أبي حمزة عن إبراهيم إلا من هذا الوجه بهذا السند، وفي الأوسط: لم يروه عن ميمون إلا صغدي بن سنان، كذا قالاه، وفيه نظر؛ لما أسلفناه من عندهما.

وفي مشكل الطحاوي: لم يقل أحد من رواة هذا الحديث عن عبد الله: فلما فرض التشهد قال لنا غير ابن عيينة، قال أبو جعفر: يحتمل أن يراد بالفرض هنا العطية من الله، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} وفي حديث أبي معمر عن عبد الله: كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم بيننا: السلام عليك أيها النبي، فلما قبض قلنا: السلام على النبي، قال أبو جعفر: وإنما جاء الغلط في هذا ممن دون أبي معمر؛ لأنه جليل المقدار، وذكر المديني في كتاب الترغيب والترهيب عن سعد بن إسحاق بن كعب قال: كان الصحابة يقولون إذا سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا السلام عليّ وأنا حي، فإذا مت فقولوا: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته.

وفي مسند أحمد من حديث أبي عبيدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد، وأمره أن يعلمه الناس.

وزعم بعض الحنفية أن هذا الحديث بزيادة: إن شئت أن تقوم، رواه أبو داود الطيالسي، وموسى بن داود الضبي، وهاشم بن القاسم، ويحيى بن أبي بكير، ويحيى

ص: 342

ابن يحيى النيسابوري وغيرهم متصلا، ورواية من رواه منفصلًا، لا تقطع بكونه مدرجًا لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره فسمعه هؤلاء متصلًا، وهذا منفصلًا أو أفتى به؛ إذ عادة ابن مسعود الفُتيا والله أعلم.

وفي التمهيد: وفي أكثر طرق عبد الله: ورحمة الله وبركاته وأنكر ذلك الطحاوي، وفي مسنده أبي قرة بسند صحيح: فإذا قالها أصابت كل ملك مقرب، وكل نبي مرسل، وكل عبد صالح.

وفي سنن الدارقطني بسند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف، فذكر التشهد وفيه: اللهم صل على محمد، وعلى آل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل علينا معهم، اللهم بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إيراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علينا معهم صلوات الله وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمي السلام عليك، ورحمة الله وبركاته قال: وكان مجاهد يقول: إذا سلم فبلغ: وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلّم على أهل السماء وأهل الأرض وفي صحيح ابن خزيمة: ثم يسلم وينصرف وفي لفظ: علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة، وفي آخرها، فإن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم.

ومن حديث أبي عبيدة، عن أبيه من عند الترمذي، وقال: حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قال: قلنا حتى يقوم؟ قال: حتى يقوم

ص: 343

وعنده أيضًا عن عبد الله قال عليه السلام: من السنة أن يخفي التشهد وقال: حسن غريب، وخرج الحاكم في المستدرك من حديث ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله قال: من السنة أن يخفي التشهد وقال: صحيح على شرط مسلم، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وزاد: عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} .

وفي النسائي من حديث الإفريقي، فيه كلام عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا جلس - يعني الرجل - في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته وفي أبي داود: تمت، وفي البيهقي من حديث عاصم، عن علي مثله، وزعم أبو حاتم الرازي أنه حديث منكر، قال: ولا أعلم روى الحكم عن عاصم شيئا.

127 -

حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، وطاوس، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ص: 344

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي النسائي: سلام عليك، سلام علينا بغير ألف ولام، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال الطحاوي: رواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا، والذي رفعه أبو الزبير وحده، ولا يكافئ الأعمش، ولا منصورا، ولا المغيرة وشبههم ممن روى حديث ابن مسعود، ولا قتادة في حديث أبي موسى، ولا أبا بشر في حديث ابن عمر، وفي المصنف: عن معاذ، عن حبيب بن الشهيد عن محمد عنه بزيادة: البركات.

128 -

حدثنا جميل بن الحسن، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة، ح وثنا عبد الرحمن بن عمر، ثنا ابن أبي عدي، ثنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، وهذا حديث عبد الرحمن، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، وبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فكان عند القعدة، فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سبع كلمات هن تحية الصلاة.

ذا حديث خرجه مسلم مطولا بصفة الصلاة، وعند النسائي: وحده لا شريك له.

ص: 345

129 -

حدثنا الحسن بن زياد، ثنا المعتمر، وثنا يحيى بن حكيم، ثنا محمد بن بكر قالا: ثنا أيمن بن نابل، ثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن: باسم الله وبالله، التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار.

ذا حديث قال فيه الحاكم لما خرجه في مستدركه: صحيح على شرط البخاري ومسلم؛ لأن أيمن احتج به محمد،، وقال حمزة الكناني في رواية سنن النسائي: قوله: عن جابر خطأ، والصواب: أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، وطاوس عن ابن عباس، هكذا رواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير مثل ما روى الليث، وقال الترمذي في الجامع، وأبو علي الطوسي في الأحكام: حديث أيمن غير محفوظ، وقال الشيرازي في المهذب: ذكر التسمية غير صحيح عند أصحاب الحديث، وكذا قاله البغوي في شرح السنة، وقال أبو القاسم ابن عساكر: رأيت بخط النسائي: لا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث، وخالفه الليث بن سعد، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وقال أبو الحسن الدارقطني: أيمن خالف الناس لو لم يكن إلا حديث التشهد، وقال أبو الوليد الباجي في كتاب الجرح والتعديل: غمزه غير يحيى لحديثه عن أبي الزبير في التشهد، ولما ذكره

ص: 346

الإشبيلي لم يعبه إلّا بتدليس أبي الزبير، وبكونه لم يبيّن سماعه من جابر فيه، وقال الشَّافعي: وقد روي عن ابن مسعود وجابر وأبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد أحاديث كلَّها يخالف بعضها بعضًا، واختلافها إنما هو اختلاف في زيادة حرف أو نقصه، وإنما أخذنا بهذا؛ لأنا رأيناه أجمعها وهو أحبها إلينا؛ لأنّه أكملها، زاد في كتاب اختلاف الحديث: واحتمل أن يكون كلَّها ثابتة، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الجماعة والمنفردين التشهد فيحفظه أحدهم على لفظ، ويحفظه الآخر على لفظ يخالفه، لا يختلفان في معنى أنه أريد به تعظيم الله تعالى، وذكر أبو الفضل بن طاهر في كتابه أطراف الغرائب أنّ أبا عاصم رواه عن عزرة بن ثابت - أو ابن جريج - عن أبي الزبير عن جابر، وقال: حديث غريب، تفرد به حميد بن الربيع عن أبي عاصم. انتهى.

وقد وجدنا لحديث أيمن في التسمية متابعا من حديث علي الآتي بعد، وموقوف عمر، وحديث عائشة، وفي الباب: حديث رواه أمية بن خالد، ثنا شعبة عن خالد الحذاء قال: أنا علمت ابن سيرين التشهد، حدثته عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بتشهدي، وترك تشهده.

قال الطبراني في الأوسط: لم يروه إلّا أمية، ولا رواه عن أمية إلا أمية بن بسطام، وموسى بن محمد بن حيان، وإبراهيم بن هاشم، وفي المصنف: ثنا ابن علية، عن خالد، عن أبي المتوكل: سألنا أبا سعيد عن التشهد فقال: التحيات لله مثل حديث ابن مسعود لم يذكر: وبركاته، وفي آخره: قال أبو سعيد: كنا لا نكتب شيئا سوى القرآن

ص: 347

والتشهد.

وحديث أبي الحسن علي بن أبي طالب: التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات السابغات الطاهرات لله، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن عبد الله بن عطاء، يعني عن البهزي قال: سألت الحسين عن تشهد علي فقال: هو تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره إلا عمرو بن هاشم.

وفي البيهقي من طريق سعدان بن نصر، ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي أنه كان إذا تشهد قال: بسم الله، قال البيهقي: وروي عن وكيع والأعمش عن أبي إسحاق عن الحارث، عن علي مثله، وزاد: وبالله، وفي الأوسط من حديث عامر بن إبراهيم قال: تفرد به عن نهشل بن سعيد الترمذي عن الضحاك بن مزاحم، عن الحارث عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن لا تشهد له.

وفي الاستذكار: روي عن علي تشهد هو أكمل هذه الروايات كلها، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: روى أبو عوانة عن الحكم عن عاصم، عن علي: إذا قعد المصلي قدر التشهد، فقد تمت صلاته قال أبي: هذا حديث منكر لا أعلم روى الحكم عن عاصم شيئا، وقد أنكر شعبة على أبي عوانة روايته عن الحكم فقال: لم يكن ذلك الذي لقيه الحكم، قال أبي: ولا يشبه هذا الحديث حديث الحكم.

وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه: التحيات الصلوات الطيبات المباركات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

قال أبو

ص: 348

القاسم في الأوسط: لا يروى عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمر إلّا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة،.

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري: أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال أبو عمر في الاستذكار: لما علم مالك أنّ التشهد لا يكون إلا توقيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم اختار تشهد عمر؛ لأنه كان يعلّمه الناس وهو على المنبر من غير نكير من أحد من الصحابة، وكانوا متوافرين في زمانه، ولم يأت عن أحد منهم أنه قال: ليس كما وصفت، وفي تسليمهم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على الإِباحة والتوسعة فيما جاء عنه في ذلك صلى الله عليه وسلم، مع أنه أمر متقارب كلّه قريب المعنى، بعضه من بعض، إنما فيه كلمة زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة، وقال السفاقسي: هو خبر يجري مجرى التواتر؛ لأن الصحابة أقروه عليه، ولو كان غيره يجري مجراه لقال له الصحابة: ضيقت واسعا، وقال ابن حزم: اختار مالك تشهد عمر الموقوف، وقد خالف عمر فيه ابنه وفي سنن البيهقي من حديث الدراوردي عن هشام، عن أبيه أن عمر كان يعلم الناس التشهد في الصلاة وهو يخطب على المنبر فيقول: إذا تشهد أحدكم فليقل: بسم الله خير الأسماء، التحيات الزاكيات فذكره، وفيه: قال عمر: ابدؤوا بأنفسكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا على عباد الله الصالحين، قال البيهقي: ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري وهشام، عن عبد الرحمن بن عبد عن عمر، وذكر

ص: 349

فيه التسمية: بسم الله خير الأسماء، وزاد وقدم وأخر ورواه مالك ومعمر ويونس وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب لم يذكروا فيه التسمية وقدموا كلمتي التسليم على كلمتي الشهادة، زاد معمر: وكان الزهري يأخذ به ويقول: علمه الناس على المنبر والصحابة متوافرون ولا ينكرونه، قال معمر: وأنا آخذ به، وذكر الحاكم التسمية فيه من رواية القعنبي عن الدراوردي عن هشام، عن أبيه، وقال: صحيح على شرط مسلم، وإنما ذكرته لأن له شاهدا على ما شرطنا في الشواهد، ورواه في المصنف عن حاتم بن إسماعيل، عن هشام به، وثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن الحارث، عن علي أنه كان يقول إذا تشهد: بسم الله خير الأسماء اسم الله، وحديث عائشة: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله

الحديث، قال البيهقي: والرواية الصحيحة عن عبد الرحمن بن القاسم، ويحيى ابن سعيد عن القاسم عن عائشة، ليس فيها ذكر التسمية إلّا ما انفرد بها محمد بن إسحاق، يعني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، قال البيهقي: وروي عن محمد بن صالح بن دينار عن القاسم بن محمد مرفوعا بلفظ: هذا تشهد النبي صلى الله عليه وسلم: التحيات لله

إلى آخره.

وفي آخره: قال محمد بن صالح: قلت: بسم الله، فقال القاسم: بسم الله كل ساعة والصحيح موقوف، وكذا قاله الدارقطني أيضا، ورواه مالك موقوفا فيه: وحده لا شريك له وحديث سمرة بن جندب من عند أبي داود بسند صحيح على شرط ابن حبان قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدؤوا قبل السلام فقولوا: التحيات الطيبات والصلوات والملك لله، ثم سلموا

ص: 350

على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم.

وفي المصنف: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن ابن عمر: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنهما كان يعلمهم التشهد على المنبر، كما يُعلم الصبيان في الكتاب: التحيات لله والصلوات والطيبات

الحديث.

وحدثنا ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قال ابن عمر: وزدت فيها: وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رواه أبو داود بسند صحيح عن نصر بن علي، عن أبيه عن شعبة، عن أبي بشر قال: قال سمعت مجاهدا فذكره، وذكره مالك موقوفا في الموطأ عن نافع عنه، ولفظه: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات الله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله، فإذا أراد أن يسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم.

وفي المصنف: ثنا هشيم، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب، عن ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد في الصلاة كما يعلم المكتب الوالدان ورواه أبو القاسم من حديث قتادة عنه - يعني: مرفوعا - وقال: لم يروه عن قتادة إلّا أبان بن يزيد، وقد تفرد به سهل بن بكار، ولما رواه الدارقطني، عن ابن أبي داود، ثنا نصر قال: هذا

ص: 351

إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما، ومن حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: التحيات، الطيبات، الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي العلل الكبير للترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: روى شعبة عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عمر، وروى سيف عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، وهو المحفوظ عندي، قلت: كأنه يروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى عن ابن عمر عن أبي بكر، قال: يحتمل هذا، وهذا، قال محمد: وعبد الرحمن بن إسحاق الذي روى عن وأوقفه ابن أبي عدي. انتهى.

وقد تقدّم من عند الدارقطني أن ابن أبي عدي رفعه، فالله أعلم، وحديث أبي هريرة مرفوعًا؛ كحديث ابن مسعود ذكره ابن بطال في شرح البخاري.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري، وإسحاق وأبو ثور وابن المبارك فيما حكاه ابن الأثير في شرح المسند، وداود وأصحابه إلى تشهد ابن مسعود، واستدلّ لهم أيضا بأن حديث ابن عباس الذي اعتمده الشافعي قد وقف، كما تقدَّم وبأنه مضطرب، وذلك أنّ الشافعي وأحمد روياه منكر السلام.

ورواه أحمد في موضع آخر من مسنده بتعريفه، وعندهما: وأنَّ محمدًا، لم يذكرا: وأشهد، وفي ابن ماجه: وأشهد كما تقدّم، وعند النسائي كمسلم إلا أنه منكر السلام، وقال: وأن محمدًا عبده ورسوله، وفي رواية عند مسلم وأن محمدًا رسول الله وهو عنده معرف السلام في

ص: 352

المكانين، وهو مذهب الشافعي بتنكيره، ويرجح تشهد ابن مسعود على حديث ابن عباس بأمور: منها:

الأول: أنّه في الكتب الستة وذاك في مسلم.

الثاني: أن جماعة من الصحابة وافقوه على روايته.

الثالث: حديث أبي بكر كحديث ابن مسعود: وعلمه أبو بكر للناس على المنبر كتعليم الصبيان.

الرابع: حديث ابن مسعود ليس فيه اضطراب ولا وقف.

الخامس: أن أكثر العلماء والمحدثين قالوا به، واختاروه حتى قال الخطابي: والعجب من الشَافعي كيف اعتمد حديث ابن عباس وترك حديث عبد الله بن مسعود.

والسادس: أنّه بواو العطف في مقامين، والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فيكون ثناء مستقلا بفائدته، وإذا سقطت واو العطف كان ما عدا اللفظ الأول صفة له، فيكون جملة واحدة في الثناء، والأوّل أبلغ فكان أقوى وأولى، يدلّ على صحة هذا قوله في الجامع: لو قال: والله والرحمن والرحيم كانت أيمانا ثلاثة، ولو قال: والله الرحمن الرحيم كانت يمينا واحدة، يلزمه به كفارة واحدة.

السابع: أن السلام فيه معرف في الموضعين، وهو يفيد الاستغراق والعموم.

الثامن: فيه زيادة أمره أن يعلّم الناس، والأمر للوجوب، وإذا لم يجب ففيه زيادة استحباب وتأكيد، وليس ذلك في حديث ابن عباس.

التاسع: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كف ابن مسعود بين كفيه، ففيه زيادة استيثاق واهتمام.

العاشر: تشديد ابن مسعود على أصحابه حين أخذ عليهم فيه، وفي المبسوط: عن خصيف قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: كثر الاختلاف في التشهد، فماذا

ص: 353

تأمرني؟ قال: بتشهد ابن مسعود.

وقال الخطابي: فيه إيجاب التشهد، وإليه ذهب الشافعي خلافًا لأبي حنيفة ومالك؛ لأن الأمر للوجوب، روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: من لم يتشهد فلا صلاة له، وبه قال الحسن بن أبي الحسن، وقال الزهري وقتادة وحماد: إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته، وقال أصحاب الرأي: التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحب، والقعود قدر التشهد واجب.

غريبه: التحيات جمع تحية، وهي السلامة من جميع الآفات، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وفي المحكم: التحية: السلام.

وقال الخطابي: روي عن أنس في تفسيرها: هي أسماء الله: السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، الأحد، الصمد، قال: التحيات لله تعالى بهذه الأسماء، وهي الطيبات لا يحيا بها غيره.

وقال ابن الأثير: قيل: التحيات: كلمات مخصوصة كانت العرب تحيي بها الملوك كقولهم: أبيت اللعن، وأنعم صباحا، وعم ظلاما، وكقول العجم: ذه هزار سال أي: تعيش عشرة آلاف سنة، وكلها لا يصلح شيء منها للثناء على الله فتركت واستعمل معنى التعظيم، فقيل: قولوا: التحيات لله، أي: الثناء، والعظمة، والتمجيد كما يستحقه ويجب له، وقوله: لله اللام في لله لام الملك والتخصيص، وهي للأول أبلغ، وللثاني أحسن.

وقال القرطبي: فيه تنبيه على أن الإخلاص في العبادات والأعمال لا يفعل إلا لله تعالى، ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن ملك ذلك كله لله تعالى، وقوله: والصلوات، قيل: أراد الصلوات الخمس، وقيل: النوافل، قال ابن الأثير: والأول أقوى، وقال الأزهري: العبادات، وفي المنافع: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية، وقوله: السلام علينا، أراد الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة وغيرهم.

ص: 354

وقوله: الصالحين: جمع صالح، قال الزجاج: وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، قال القرطبي: فيه تنبيه على أنّ الدعاء يصل من الأحياء إلى الأموات، وعن الحربي: معنى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم اسم الله عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات، وسلمت من المكاره والمذام والآفات، وإذا قلنا: اللهم سلم على محمد، إنما نريد: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص.

ص: 355

‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

130 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، وثنا ابن المثنى، ثنا أبو عامر قالا: ثنا عبد الله بن جعفر عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه بزيادة: وقال أبو صالح عن الليث: وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم وفي حديث دراج، عن أبي الهيثم عنه مرفوعا: أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة ذكره أبو موسى.

131 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا شعبة ح، وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.

هذا حديث خرجاه في الصحيح.

ص: 356

وفي الأوسط من حديث أبي فروة مسلم بن سالم، ثنا عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة ولفظه: كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّا قد علمنا كيف نسلم؟

الحديث، وقال: لم يروه عن أبي فروة إلا عبد الواحد بن زياد، ولا رواه عن عبد الله بن عيسى إلا أبو فروة، ومن حديث يزيد بن أبي زياد عند أبي موسى المديني عن ابن أبي ليلى عن كعب: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم.

وكان ابن أبي ليلى يقول: - وعلينا معهم، وكذلك في رواية الحسن عن أبي هريرة، ومن حديث يزيد أيضًا، عن ابن أبي ليلى عند إسماعيل بن إسحاق القاضي قال كعب: لما نزلت الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة؟ فقال: الحديث.

وحديث الشَافعي عن إبراهيم، ثنا سعد بن إسحاق، عن عبد الرحمن، عن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

132 -

حدثنا عمار بن طالوت، ثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، عن عمرو بن سليم

ص: 357

الزرقي عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا بالصلاة عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد، وأزواجه، وذريته كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن عبد الله غير مالك وحده، وعند القاضي إسماعيل: كما صليت على آل إبراهيم، وكما باركت على آل إيراهيم وفي كتاب أبي موسى: قال أبو بكر بن أبي عاصم: لم يذكر أزواجه وذريته إلا في هذا الحديث فيما أعلم، وكذا ذكره الطحاوي في المشكل، قال: وإنما مداره على عبد الله بن أبي بكر حدّث به عن أبيه، وروى ابن طاوس هذا الحديث عن أبي بكر كما رواه عنه ابنه عبد الله إلا أنه زاد فيه: وعلى أهل بيته قال أبو موسى المديني: قد ذكره محمد بن علي الهاشمي عن المجمر، عن أبي هريرة زاد: وأهل بيته يعني: الحديث الآتي بعد من عند أبي داود.

133 -

حدثنا الحسين بن بيان، ثنا زياد بن عبد الله، ثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قال: فقالوا له: فعلّمنا، قال: قولوا: اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين: محمد عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد

ص: 358

الخير ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

هذا موقوف، إسناده صحيح، وقد أسنده أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، عن دحيم قال: ثنا مروان بن معاوية، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن عون بن عبد الله أو غيره، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قلنا: يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك

إلى قوله: يغبطه الأولون والآخرون وزاد: اللهم صل على محمد، وأبلغه الدرجة الوسيلة من الجنة، اللهم اجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي الأعلين ذكره، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد

حديث.

وقال أبو موسى في كتاب الترغيب والترهيب: هذا حديث مختلف في إسناده، ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم، عن المسعودي عن عون، عن أبي فاختة، عن الأسود، وكذلك رواه سليمان عن المسعودي، ورواه الثوري عن عمرو بن مرة، عن عون، عن الأسود - أو رجل من أصحاب عبد الله - عن عبد الله، وقال الدارقطني في كتاب العلل: وقول المسعودي أصح، وحديث الأعمش عنه غريب.

134 -

حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، عن عاصم بن عبيد الله سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يصلي علي إلَا صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلّ العبد من ذلك أو ليكثر.

ص: 359

هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، فإن مالكا قال: عجبا من شعبة هذا الذي ينتقي الرجال، وهو يحدّث عن عاصم بن عبيد الله، وقال يحيى: ضعيف، وحديثه ليس بحجة، وفي الطبقات لابن سعد: لا يحتج به، وقال شعبة: لو قيل لعاصم: من بنى مسجد البصرة لقال: فلان، عن فلان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: لا نعلم مالكا روى عن إنسان مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله، فإنه روى عنه حديثا، وعن عمرو بن أبي عمرو، وهو أصلح من عاصم، وذكر آخرين.

وقال ابن حبان: كان سيئ الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ، يترك، ويجب التنكب عن حديثه، وقال الجوزجاني: ضعيفٌ، غمز ابن عيينة في حفظه، وفي كتاب المروذي: قال لي أبو عبد الله: كان المشائخ يهابون حديثه، وقال عبد الحق: ضعفه أحمد وابن مهدي والنسائي الرازيان ويحيى بن سعيد.

وقال ابن الجارود: ضعيف، وقال البزار: في حديثه لين، وقال الساجي: مضطرب الحديث، وقال العجلي: مدني لا بأس به، وقال البرقي وأبو العرب: ضعيف، وقال ابن خزيمة: لست أحتج به لسوء حفظه، وقال الدارقطني: مديني، يترك وهو مغفل.

135 -

حدثنا جبارة بن المغلس، ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار، عن جابر بن يزيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نسي الصلاة عليَ خطئ طريق الجنة.

هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف راويه جبارة، وجابر المذكور قبل، وخرجه إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن إسماعيل بن أبي

ص: 360

أويس، ثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .... الحديث.

وثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهيب عن جعفر، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد خطئ طريق الجنة.

وقال أبو موسى في كتاب الترغيب والترهيب: أخبرنا أبو علي، ثنا الفضل بن سعيد، ثنا أبو الشيخ، ثنا إسحاق بن أحمد الفارسي، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا عمر بن حفص بن غياث، ثنا أبي، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذكرت عنده فلم يصل علي خطئ طريق الجنة. ثم قال: هذا الحديث يروى عن جماعة منهم: علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو أمامة وأم سلمة رضي الله عنهم وألفاظهم: من نسي الصلاة علي

وفي الباب أحاديث كثيرة جدا يقتصر منها على مشهورها؛ من ذلك:

حديث أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم رواه مسلم في صحيحه.

زاد أبو حاتم بن حبان وأستاذه إمام الأئمة في صحيحيهما من حديث محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده - فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت حتى أحببنا أنّ الرجل لم يسأله ثم قال: إذا

ص: 361

أنتم صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد

الحديث، ولما ذكره الدارقطني قال: هذا إسناد حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال البيهقي في المعرفة: هذا إسناد صحيح، وفيه بيان موضع هذه الصلاة من الشريعة، وعند الدارقطني من جهة جابر الجعفي عن أبي جعفر، عن أبي مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم تقبل منه قال أبو الحسن: وقد اختلف على جابر؛ فرواه إسرائيل عنه عن أبي مسعود، وقال: لو صليت صلاة لم أصل فيها على آل محمد ما رأيت أن صلاتي تتم.

وفي رواية زهير عنه: لم أصل على محمد قال: والصواب أنه من قول أبي مسعود، وأخرجه الإشبيلي مصححا له بالسكوت عنه، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أمرنا أن نصلي عليك ونسلم، وفي بعض ما ذكرنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: والسلام كما قد علمتم قال: وبه احتج الشافعي فقال: التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فرض، وهو في التشهد فرض، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ - يعني: في الصلاة -، قال: تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون علي رواه الشافعي في مسنده عن إبراهيم بن محمد أخبرني صفوان عنه، وعند أبي داود بسند رجاله مستورون عن أبي هريرة

ص: 362

يرفعه: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وفي كتاب إسماعيل القاضي: صلوا علي، فإن صلاتكم علي زكاة لكم، وصلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني.

وحديث فضالة بن عبيد قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله تعالى، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ثم يدعو ما شاء قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال الحاكم أبو عبد الله: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا نعرف له علّة، وله شاهد صحيح على شرطهما.

أنبأناه أبو بكر بن دارم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الكندي، ثنا عون عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لنفسه، وقد أسند هذا عن ابن مسعود بإسناد صحيح.

ثناه أبو بكر بن إسحاق أنبأ أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن السباق رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد

ص: 363

وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وأكثر الشواهد لهذه القاعدة لفروض الصلاة.

ثنا أبو عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسن بن علي بن بحر، ثنا أبي، ثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل سمعت أبي يحدّث عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضَوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على نبي الله في صلاته. لم يخرج هذا الحديث على شرطهما، فإنهما لم يخرجا عن عبد المهيمن، ولما خرجه الدارقطني قال: عبد المهيمن ليس بالقوي، وخرجه أبو موسى من حديث أبي بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جدّه، وأبي أثنى عليه جماعة، وخرج البخاري حديثه في صحيحه، فصحَّ الحديث على هذا، والله الموفق.

وحديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة علي، فإنّها زكاة الصلاة، وسلِّم على جميع أنبيائه ورسله، وسلِّم على عباد الله الصالحين رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شمر، قال: وهو ضعيف، ولفظ البزار: إذا جلست في صلاتك فلا تتركن التشهد: لا إله إلا الله وأنّى رسول الله والصلاة علي .. الحديث من رواية العرزمي، وجابر بن يزيد الجعفي، وهما ضعيفان.

وحديث عائشة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة إلّا بطهور وبالصلاة علي رواه أيضًا، وضعفه بابن شمر وبالجعفي، وحديث زيد بن حارثة

ص: 364

الأنصاري قال: قلت: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: صلوا علي، وقولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه القاضي إسماعيل بسند صحيح عن علي بن عبد الله، ثنا مروان بن معاوية، ثنا عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة، عن موسى بن طلحة عنه، وحديث سلامة الكندي قال: كان علي بن أبي طالب يعلّم الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم داحي المدحوات، وباري السماوات، وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك تحيتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما أُغلق والمعان بالحقِّ والدافع.

وفي رواية: الدامغ جيشات الأباطيل كما حمل، فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك بغير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، راعيا لحرمتك راعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورَى قبسا لقابس بأسبابه هديت القلوب بعد خوضان الفتن والإثم بموضحات الأعلام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة، اللهم افسح له في عونك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، له مهنئات غير مكدرات من فوز ثوابك المعلوم وجزيل عطائك المجلول، اللهم علِ على بناء الناس بناه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتم له نوره، واجزه من ابتغائك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وحجة وبرهان عظيم.

ص: 365

ذكره أيضا، وقال: حديث غريب يعرف بنوح بن قيس، ومن حديث الحسين بن علي المسلسل بعدهن في يدي عن علي، وعدهن في يدي قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدهن في يدي قال: عدهن جبريل في يدي، وقال: هكذا نزلت من عند رب العزة:

اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وتحنن على محمد وعلى آل محمد، كما تحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ذكره الحاكم في علوم الحديث أيضا من رواية عمرو بن خالد قال: وهو متروك، وحديث هارون بن يحيى الحاطبي عن زكريا بن إسماعيل الزيدي من ولد زيد بن ثابت، عن أبيه إسماعيل بن عبد الله، عن عمه سليمان بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت من عنده أيضا قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقفنا في مجمع طرق فطلع أعرابي، فقال: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فقال له: وعليك السلام، أي شيء قلت حين جئتني؟ قال: قلت: اللهم صل على محمد حتى لا تبقى صلاة، اللهم بارك على محمد حتى لا تبقى بركة، اللهم سلم على محمد حتى لا يبقى سلام، وارحم محمدًا حتى لا تبقى رحمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أرى الملائكة قد سدُّوا الأفق وموقوف عبد الله بن عمرو أو ابن عمر ذكره إسماعيل القاضي من حديث يونس مولى بني هاشم قال: قلت له: كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك، ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين: محمد

ص: 366

عبدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، اللهم ابعثه يوم القيامة مقامًا محمودًا يغبطه الأولون والآخرون، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وكذا مرسل إبراهيم النخعي قال: قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك عليه وأهل بيته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.

ومرسل الشعبي من عند البيهقي أنّه قال: من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته، أو قال: لا تجزئ صلاته وكذا مرسل الحسن قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد علمنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد ذكره القاضي إسماعيل.

وحديث عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله قال: قلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى عن طلحة إلا من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب، ولا رواه عن عثمان إلا إسرائيل وشريك، حدثناه أبو مسلم، ثنا الحكم بن مروان عنه. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث قوله: ولا رواه عن عثمان إلا إسرائيل وشريك، وذلك أنَّ القاضي إسماعيل رواه عن علي بن عبد الله، ثنا محمد بن بشر، ثنا مجمع بن

ص: 367

يحيى عن عثمان بن عبد الله بن موهب

فذكره، ولما ذكره البزار في مسنده قال: رواه غير الحكم بن مروان عن إسرائيل عن عثمان عن موسى بن طلحة ولم يقل: عن أبيه، ووافقه شريك على توصيله.

وحديث أبي طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي واحدة صلى الله عليه وآله وسلم عشرًا، فليكثر من ذلك أو ليقل وفي لفظ: أتاني الآن آت من ربي، فأخبرني أنه لن يصلي على أحد من أمتي إلا ردّها الله - تعالى - عليه عشر أمثالها وفي لفظ: ولا يسلم عليك إلا سلّمت عليه عشرًا ذكره إسماعيل بسندِ صحيح، وخرجه النسائي أيضًا، وسنده جيد، وقال المديني: اختلف في سنده؛ فرواه سليمان بن بلال منفردا عن عبيد الله العمري عن ثابت عن أنس، عن أبي طلحة تابعه سلام بن أبي الصهباء وصالح وجسر بن فرقد عن ثابت، وقال الدارقطني: كلها وهم، والصواب رواية حماد بن سلمة، يعني: أنه أدخل بين ثابت وأنس فيه سليمان مولى الحسن بن علي، ورواه جماعة عن أنس، عن أبي طلحة، وجماعة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن أبي طلحة من غير هذين الوجهين.

وحديث أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرًا، ورفعه عشر درجات خرجه القاضي من حديث سلمة بن وردان، عن أنس، وفيه ضعف، ولما ذكره ابن شاهين في الثقات قال: قال أحمد بن صالح - يعني: المصري - هو عندي ثقة حسن الحديث.

ورواه

ص: 368

سلمة أيضًا عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب، زاد أبو موسى في حديث أنس من حديث عبد العزيز بن قيس عن حميد: ومن صلى علي عشرًا صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة كتبت بين عينيه براءة من النفاق، وأسكنه الجبار يوم القيامة الجنان مع الشهداء. وفي لفظ: صلوا عليَ، فإن الصلاة علي درجة لكم رواه من حديث محمد بن سوار عن مغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق عنه، زاد أبو موسى بسند برئ من عهدته: من صلى علي صلاة جاءني بها ملك، فأقول: أبلغه عني عشرًا، وقل له: لو كانت من هذه العشر واحدة لدخلت معي الجنة كالسبابة والوسطى، وحلت لك شفاعتي ثم يصعد الملك حتى ينتهي إلى الرب فيقول: إن فلان بن فلان صلى على نبيك مرّة واحدة فيقول تبارك وتعالى: أبلغه عني عشرًا، وقل له: لو كانت من هذه العشر واحدة لما مستك النار، ثم يقول: عظموا صلاة عبدي واجعلوها في عليين، ثم يخلق من صلاته لكل حرف ملكا له ثلاثة وستون رأسا

الحديث، وعنده أيضًا بسند لا بأس به: ومن صلى علي عشرًا صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفًا، ومن زاد صبابة وشوقا كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة وحديث عبد الرحمن بن عوف مثله بزيادة: ومن سلَّم عليك سلمت عليه وفي لفظ: كتب الله له بها عشر حسنات رواه إسماعيل أيضًا بسند جيد وحديث أبي هريرة رواه أيضًا مثله بسند صحيح، وفي لفظ: كتب الله له عشر حسنات.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص: من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، صلى الله وملائكته عليه سبعين صلاة رواه ابن لهيعة عند المديني، ولفظ حديث أبي بردة بن نيار من عنده أيضا: ما صلى عبد علي من أمتي صلاة

ص: 369

صادقا بها من نفسه إلّا صلى الله تعالى عليه بها عشر صلوات، وكتب له بها عشر حسنات، ورفع له بها عشر درجات، ومحى عنه بها عشر سيئات، رواه موسى بن إسحاق عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثت عن أبي أسامة، ورواه أبو كريب عن أبي أسامة مثله، ورواه وكيع عن سعيد بن سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه وكان بدريًّا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث مولى البراء بن عازب عنه مرفوعا: من صلى علي كتب الله له بها عشر حسنات، ومحى عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات، وكنّ له عدل عشر رقاب.

وحديث أبي منصور عن أبي معاذ عن أبي كاهل قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعلم يا أبا كاهل أنه من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حُبا - أو شوقًا إلي - كان حقًا على الله عز وجل أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم.

قال ابن عباس في قوله تعالى: {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قال: يبركون على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إن الله يترحم على النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ: صلاة الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم هي مغفرته، وأما صلاة الناس عليه فهي الاستغفار له وعن ابن جبير: أن الله يغفر للنبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي العالية: صلوات الله ثناؤه عند الملائكة وصلاة الملائكة: الدعاء له، قال أبو موسى المديني: وقد قيل في معنى صلاة الخلق على النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى أوجبها له، كما روي أنه قيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ إنه إذا صلى عليه أحد فاستجيب له فيه أن يزاد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، ويثاب المصلي عليه على ذلك، فلذلك كانت الصلاة عليه مما يقضى به حقّه ويتقرّب بإكثارها إلى الله تعالى، ولما آثر الله تعالى عباده بالصلاة عليه لم يبلغوا كنه فضيلته، ولا

ص: 370

حقيقة مراد الله تعالى فيه فأحالوا ذلك على الله تعالى؛ لأنه المحيط بجميع ذلك فقالوا: اللهم صل على محمد لأنك أعلم بما يليق به وأعرف بما أراده له، وعن الحليمي: الصلاة في اللغة: التعظيم، وتوسعوا فسموا كل دعاء صلاة، إذ كان الدعاء تعظيما للمدعو، فمعناه على هذا: اللهم عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتعظيم أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة الأنبياء في اليوم المشهود، وهذه الأمور وإن كان الله تعالى قد أوجبها له فإذا دعا له أحد من أمّته فاستجيب دعاؤه فيه، أن يزاد النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء مما سمينا رتبة ودرجة، وقيل: الأصل في الصلاة: اللزوم، فكأن العبد لزم هذه العبادة لاستنجاح طلبه من الله تعالى.

وقال الخطابي: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التعظيم والتكريم، وهي خصيصة له لا شرك فيها، وعن الفخر الفارسي الخبري: قال بعض العلماء: ينبغي أن ينوي المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه أن صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان امتثالا لأمر الله تعالى حيث أمرني بالصلاة عليه.

الثاني: ينوي موافقة الله وملائكته.

الثالث: ينوي امتثال أمر الله تعالى في ذكره حيث قال: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} الرابع: ينوي أن هذا ذكر حبيب الله وذكر الحبيب موجب لرضا المحب.

الخامس: ينوي أن الله تعالى أمره بالدعاء وأنا اخترت هذا الدعاء.

السادس: ينوي طلب الزيادة للنبي صلى الله عليه وسلم لقيام حقوقه الواجبة عليه.

السابع: ينوي إظهار محبته؛ لأن من أحبّ شيئا أكثر من ذكره.

الثامن: ينوي تعظيمه.

التاسع: ينوي ذكر آله وتعظيم آله.

ص: 371

العاشر: ينوي ارتجاء الشفاعة والزلفة، وفي المحكم: الصلاة والاستغفار صلى دعا، قال الأعشى:

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا

وقد اختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: فمذهب الشافعي أنها فرض في التشهد الآخر، قال النووي: ونقله أصحابنا عن عمر بن الخطاب وابنه، ونقله الشيخ أبو حامد، عن ابن مسعود وأبي مسعود البدري، وقد أسلفناه أيضا عن الشعبي، وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وقال إسحاق: إن تركها عمدا لم تصح صلاته وإن تركها سهوا رجوت أن تجزئه، وقال ابن أبي زيد: عن ابن المواز: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فريضة، قال أبو محمد: يريد ليست من فرائض الصلاة، وحكى ابن القطان وعبد الوهاب أنّ ابن المواز يراها فريضة في الصلاة، وقال أبو حنيفة ومالك وأكثر العلماء: هي مستحبة.

وقال ابن حزم: فإن قائل يقول: لم لم تجعلوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في إثر التشهد فرضا كما يقول الشافعي؟ قلنا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن هذا القول فرض في الصلاة، ونحن نقول: إنَّه فرض على كل مسلم أن يقوله مرَّة في الدهر، وزعم محمد بن جرير، والطحاوي أنّه لا سلف للشافعي في هذا القول ولا سنة يتبعها، وما أسلفناه من الأخبار يرد قولهما، ويوضح صحة ما ذهب إليه الشافعي، وأما الطحاوي فإنه أوجب الصلاة كلما ذكر عليه الصلاة والسلام.

ص: 372

‌باب ما يقال عند التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

136 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، حدثني محمد بن أبي عائشة، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

هذا حديث روياه في صحيحيهما، ولفظ البخاري: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهمَ إني أعوذ بك من عذاب القبر إلى آخره.

137 -

حدثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ! فقال: حولها ندندن وخرجه أيضًا في الدعوات بنحوه.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه عن يوسف بن موسى بلفظه، وزاد الدندنة: الكلام الذي لا يفهم، وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي الباب أحاديث لا تحصى كثرة؛ منها: حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وحديث عائشة رضي الله عنها:

ص: 373

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم.

وفي لفظ: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلّا يقول فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي خرجاهما في صحيحيهما.

وحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات خرجه مسلم.

وحديث عائشة، وقال لها فروة بن نوفل: حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته، فقالت: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل رواه النسائي، وهو في مسلم من غير ذكر: الصلاة.

وحديث محجن بن الأدرع قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته، وهو يتشهد وهو يقول: اللهم إني أسألك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: قد غفر له ثلاثا.

رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الصمد عن أبيه عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن حنظلة بن علي عنه، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال أبو القاسم ابن عساكر في كتاب الأطراف: رواه مالك بن مغول، عن ابن بريدة، عن أبيه.

وحديث شداد

ص: 374

بن أوس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأستغفرك لما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم رواه أحمد في مسنده عن رجل من بني حنظلة قال: صحبت شدادا فذكره، ولفظ النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: رواه بإسقاط الحنظلي.

وحديث عمار بن ياسر: وصلى صلاة، فأوجز فيها فأنكروا ذلك، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، قال: أما إني دعوت فيها بدعاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، ومن فتنة مضلّة، اللهم زينا بزينة الإِيمان، واجعلنا هداة مهتدين رواه النسائي من حديث عطاء بن السائب، عن أبيه عنه، وحديث ثوبان الآتي بعد من عند ابن ماجه.

وحديث أبي طلحة قال: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي، قال: تسبحي الله عشرًا، واحمديه عشرًا وكبّريه عشرا، ثم سليه حاجتك يقل: نعم خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وقال الحاكم وخرجه من حديث أنس أن أم سليم به: صحيح على شرط مسلم، وحديث عبيد بن القعقاع قال: رمق

ص: 375

رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فجعل يقول في صلاته: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني رواه الإِمام أحمد في مسنده، أما الحديث الأول فقال بوجوبه ابن حزم وغيره، وفيه إثبات عذاب القبر، وهو مذهب أهل الحق أجمعين، وقد أسلفنا بطلان قول من زعم أن المعتزلة خالفت في ذلك، وقوله: من فتنة المحيا والممات أي الحياة والموت، ويحتمل زمان ذلك، ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاحتضار والمساءلة في القبر، فكأنه استعاذ من فتنة هذين المقامين سأل الثبات فيهما، وأراد أن يقتدي به أمته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم معافى من جميع ذلك.

وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون تعوذ من ذلك لأمته، وزعم أبو الخطاب ابن دحية رحمه الله تعالى أن المسيح الدجال مشتق من الكذب، وقيل: من طلي البعير بالقطران، سمي بذلك لتغطيته الحق، وقيل: لضربه نواحي الأرض، وقيل: لوطئه جميع البلاد إلا ما خصّ بالحديث، وقيل: لأنه يغير الناس بشره، وقيل: لأنه يحرق، وقيل: لأنه يموه، وقيل: مأخوذ من ماء الذهب الذي يطلى به الشيء، فيحسن ظاهره بخلاف باطنه، وقيل: الدجال فريد السيف، وسمي مسيحا لأنه ممسوح العين، وقيل: لجولانه في الأرض، قال: ومنهم من يقرأه بكسر الميم وتثقيل السين، وحكى الأزهري: مِسِّيح بالتّشديد على وزن فِعِّيل وعن أبي عمرو: منهم من قاله بالخاء المعجمة وذلك كله عند أهل العلم خطأ، وقيل عنه: مسيحا: لا عين له ولا حاجب، قيل: سمي الدجال مسيحا شبه بالدرهم الأطلس الذي لا نقش عليه، والله تعالى أعلم، وقد ذهب أبو حنيفة وأحمد - رحمهما الله تعالى - إلى أنّه لا يجوز أن يدعو في الصلاة، إلا بالأدعية المأثورة لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن وبالقياس على ردّ السلام وتشميت

ص: 376

العاطس، ويردّه ما في سنن النسائي وغيره مما أسلفناه مرفوعا ثم ليدعو لنفسه بما بدا له، وهذا هو مذهب الشافعي ومالك والثوري وأبي ثور، وإسحاق، رحمهم الله تعالى.

ص: 377

‌باب الإِشارة في التشهد

138 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن عصام بن قدامة، عن مالك بن نمير الخزاعي، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى في الصلاة، ويشير بإصبعه.

هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه بلفظ: رافعا أصبعه قد حناها شيئا وابن خزيمة أيضا ولفظه: واضعًا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعا أصبعه السبابة قد حناها شيئًا وهو يدعو وعاب القطان على أبي محمد سكوته عنه، وقال: ما مثله صحيح، فإنه لا يروي عن نمير إلا ابنه مالك، ومالك لا تعرف له حال ولا نعلم روى عنه غير عصام بن قدامة، ولا نعرف لنمير هذا إلا هذا الحديث ولا عرفت صحبته من قول غيره.

139 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد حلّق بالإِبهام والوسطى، ويرفع التي تليهما يدعو بها في التشهد.

هذا حديث خرجه ابن حبان في صحيحه، وكذا ابن خزيمة بإسناده مطولًا، وقد تقدّم بعضه.

ص: 378

140 -

حدثنا محمد بن يحيى، والحسن بن علي، وإسحاق بن منصور، ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فيدعو بها واليسرى على ركبته باسطها عليها.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وعند أحمد من حديث كثير بن زيد وفيه ضعف، عن نافع عنه: أنه كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبعه، وأتبعها بصره، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: هي أشد على الشيطان من الحديد يعني: السبابة.

وعند البخاري: السنة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى فقيل له: إنك تفعل ذلك - يعني: التربع - فقال: إن رجلي لا تحملاني.

وعند النسائي بسند صحيح قال: وأشار - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه اليمنى التي تلي الإبهام في القبلة ورمى ببصره إليها أو نحوها.

وفي الأوسط: نصب يديه على رَكبتيه ثم يرفع أصبعه السبابة، وباقي أصابعه على يمينه مقبوضة كما هي وقال: لم يروه عن عبيد الله بن عمر، عن ابن دينار إلّا هشام بن يوسف.

وفي الباب: حديث عبد الله بن الزبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى رواه مسلم، زاد ابن خزيمة: لا يجاوز بصره إشارته وعند النسائي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الثنتين، أو في الأربع يضع يديه على ركبتيه ثم أشار

ص: 379

بأصبعه.

وعند أحمد: لم يجاوز بصره وعند أبي داود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها وفي لفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى وعند أبي نعيم الحافظ: ثم أشار بأصبعه يدعو ربه ويسأله، فإذا سلّم قال: لا إله إلا الله وحده .... الحديث، وحديث خفاف بن إيماء بن رحضة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى نصب أصبعه السبابة يوحّد بها ربه تعالى رواه الإمام أحمد من حديث رجل مجهول عنه.

وحديث أبي قتادة من عنده أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يده على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه.

وحديث أبي حميد المذكور قبل من ابن خزيمة بلفظ: ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها، وقال: لم يقل يحركها غير زائدة، وحديث أبي هريرة: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يشير بإصبعيه فقال: أحد أحد قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين إلا مخلد بن حسين، تفرد به مسلم الجرمي.

وحديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هكذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام، وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه، وهذا الابتهال فرفع يديه مدًا رواه أبو داود مرفوعا، وموقوفا، قال الخطابي: في هذا إثبات الإشارة بالسبابة، وكان بعض أهل العراق لا يرى ذلك، وفيه إثبات التحليق بالإبهام والوسطى، وكان بعض أهل المدينة لا يرى ذاك، وقال: يقبض

ص: 380

أصابعه الثلاث ويشير بالسبابة، وكان بعضهم يرى أن يحلِّق فيضع أنمله الوسطى بين عقدي الإبهام، وإنّما السنة أن يحلِّق برؤوس الأنامل من الإبهام والوسطى حتى يكون كالحلقة المستديرة، لا يفصل بين جوانبها شيء، انتهى، قد تقدَّم من عند مسلم خلاف ما ذكره، وهو معتمد أبي حنيفة، رحمه الله تعالى.

ص: 381

‌باب التسليم

141 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه، وعن شماله حتى يُرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله.

هذا حديث خرجه أبو علي الطوسي، والترمذي وقالا: حسن صحيح، والعمل عليه، وهو قول سفيان بن سعيد، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث عمر بن عبيد، وفي مسلم من حديث أبي معمر: أنّ أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين، فقال ابن مسعود: أنّى علقها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

وفي الأوسط من حديث الدالاني عن الحكم، عن أبي معمر عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه، وعن يساره حتى يرى بياض خديه وقال: لم يروه عن الحكم إلا الدالاني، تفرد به عبد السلام بن حرب.

وفي سنن الدارقطني من حديث زهير عن أبي إسحاق: ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك، وعند أبي قرة يقول: السلام عليكم من كلا الجانبين، وكان ابن مسعود يفعل ذلك.

142 -

حدثنا محمود بن غيلان، ثنا بشر بن السري عن مصعب بن ثابت ابن عبد الله بن الزبير، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن عامر بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يسلم عن يمينه وعن يساره.

ص: 382

هذا حديث خرجه مسلم بزيادة: حتى أرى بياض خدّه زاد ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما لما خرجاه: قال الزهري: لم أسمع هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إسماعيل بن محمد: أكل حديث النبي صلى الله عليه وسلم سمعته؟ قال: لا، قال: فالثلثين؟ قال: لا، قال: فالنصف؟ قال: لا، قال: فهو من النصف الذي لم تسمع.

وعند الدارقطني: يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده وقال: هذا إسناد صحيح، وقال أبو عمر في الاستذكار: رواه الدراوردي عن مصعب عن إسماعيل بن محمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة وقد أخطأ فيه إذ رواه على غير ما رواه الناس، وهو وهم عند أهل العلم بالحديث وغلط.

143 -

حدثنا عليّ بن محمد، ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه، وعن يساره حتى يرى بياض خدَّه: السلام عليكم ورحمة الله.

هذا حديث إسناده صحيح، وقال الترمذي في كتاب العلل الكبير: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: الصحيح: عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، عن عمار فعله قلت له: فحديث أبي بكر بن عياش هذا؟ قال: كان ذاك البائس يحيى الحماني يروي هذا عن أبي بكر بن عياش، انتهى، وابن ماجه عنده: يحيى بن آدم عن ابن عياش، والدارقطني، والطبراني: محمد بن أبان الواسطي، وسعيد بن سليمان، والترمذي: فضالة بن المفضل عنه، والله تعالى أعلم، وكان في الأصل المنقول منه:

ص: 383

صلة عن عمار، فكشط وجعل حذيفة اتباعا لما ذكره ابن عساكر ومن بعده، وكأنه غير جيّد، وذلك أنّ الدارقطني ذكر هذا الحديث بعينه كما أسلفناه من حديث فضالة في مسند عمار، ولم يذكر حديث حذيفة، وكذا فعله الترمذي، والطوسي لما عدّوا رواة حديث الباب ذكرا عمارًا ولم يذكرا حذيفة، والله أعلم، وقد سبق ذكره عن البخاري، وممن نصّ عليه أيضًا أبو محمد بن حزم وأبو عمر في الاستذكار وغيرهما، وممن ذكره أيضًا في مسند عمار الطبراني في معجمه، وابن منيع وغيرهما ممن لا يحصى كثرة.

144 -

حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم، عن أبي موسى قال: صلى بنا علي يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن نكون نسيناها، وإما أن نكون تركناها؛ يسلم عن يمينه وعن شماله.

هذا حديث إسناده صحيح، وفي الباب: حديث أشعث بن شعبة، عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال: صلى بنا أبو رمثة فقال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثم سلم عن يمينه، وعن يساره حتى رأينا وضح خديه، ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى هذا الحديث عن أبي رمثة إلا بهذا الإسناد، تفرد به أشعث.

وحديث وائل بن حجر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلِّم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رواه أبو داود بسند صحيح.

وحديث واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى خداه وحديث سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن يمينه وعن يساره رواهما الشافعي من

ص: 384

حديث إبراهيم بن محمد، وعنده أيضًا: أنبأ الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني، عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع قال مرة: عن ابن عمر، ومرة: عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره. ولما ذكر أبو عمر حديث واسع عن ابن عمر في الاستذكار قال: هذا إسناد مدني صحيح، وحديث جابر بن سمرة مرفوعا من عند مسلم مطولا، وفيه: إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه على فخذيه، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله.

وحديث البراء بن عازب ذكره وكيع عن حريث، عن الشعبي عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين رواه الدارقطني عن ابن أبي داود: ثنا عمرو بن علي، ثنا عبد الله بن داود، عن حريث وفيه كلام شديد.

وحديث أبي مالك الأشعري وقال: لأصلين بكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، قال الطبراني: لم يروه عن قرة بن خالد - يعني: عن بديل بن ميسرة - عن شهر بن حوشب عنه إلا عبد الأعلى، انفرد به عياش الرقام.

ص: 385

‌باب من يسلم تسليمة واحدة

145 -

حدثنا أبو مصعب المديني أحمد بن أبي بكر، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جدّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف عبد المهيمن المذكور قبل، وعند الدارقطني: عن يمينه لا يزيد عليها.

146 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني، ثنا زهير بن محمد عن هشام، عن أبيه عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

هذا حديث قال فيه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقد روى وهيب بن خالد عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة: أنها كانت تسلم تسليمة واحدة وذكر ابن خزيمة في صحيحه حديث عائشة المرفوع بزيادة: يميل إلى الشق الأيمن قليلا والموقوف بزيادة: لا تلتفت عن يمينها، ولا عن شمالها وذكر من حديث وهيب أيضا عن هشام، عن أبيه: كان يسلم واحدة: السلام وقال الترمذي: حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق عنه أشبه.

ص: 386

وقال أحمد بن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع عندهم ليس هو هذا الذي يروي عنه أهل العراق، كأنه رجل آخر، قلبوا اسمه، وأصح الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمتين في الصلاة، وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ورأى قوم من الصحابة وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة، قال الشافعي: إن شاء سلّم تسليمة واحدة، وإن شاء سلم تسليمتين، وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه.

وقال ابن حزم: أما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأخبار في ذلك إنّما هي من طريق محمد بن الفرج، عن محمد بن يونس، وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن أو من طريق.

وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبيه: هذا حديث منكر، إنّما هو عن عائشة موقوف.

وقال أبو عمر ابن عبد البر: حديث عائشة لم يرفعه إلّا زهير بن محمد وحده، وزهير ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به، وذكر ليحيى بن معين هذا الحديث، فقال: عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان، لا حجة فيهما، وأقرّه على هذا أبو محمد وأبو الحسن وابن المواق، وكأنه غير جيّد في موضعين:

الأول: قوله: لم يرفعه غير زهير لما ذكر الحافظ ضياء الدين المقدسي في باب من روى تسليمة: عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويكبّره ثم ينهض، ولا يسلّم، ثم يصلي التاسعة فيجلس، فيذكر الله عز وجل ويدعو ويسلم تسليمة يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي السابعة ثم يسلم تسليمة. ورواه الإِمام أحمد والنسائي وهذا لفظه، زاد أحمد: ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا ورواه النسائي عن

ص: 387

إسماعيل بن مسعود: ثنا خالد، ثنا شعبة، ثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام عنها.

الثاني: قوله: وهو ضعيف عند الجميع، كثير الخطأ، لا يحتج به، ليس كذلك لما ذكره الحاكم في تاريخ بلده: قال عيسى بن يونس: ثنا زهير بن محمد وكان ثقة، وقال العجلي: لا بأس به، وذكره ابن حبان، وابن شاهِين في الثقات، وقال عثمان بن سعيد الدارمي، وصالح بن محمد: ثقة صدوق، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال موسى بن هارون: أرجو أنه صدوق.

147 -

حدثنا محمد بن الحارث المصري، ثنا يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم مرة واحدة.

هذا حديث إسناده صحيح، وإن كان يحيى بن راشد المازني البصري البراء، وفي نسخة: البكاء قد مس، فقد قال فيه البخاري في تاريخه الكبير: ثقة، وقال أحمد بن صالح العجلي: ثقة، صاحب حديث، وذكره البستي في الثقات، وخرج الحاكم حديثه - في مستدركه، وقال الدارقطني: صويلح، يعتبر به.

وفي الباب: حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة يعني: في الصلاة المكتوبة، رواه الحاكم في تاريخ بلده من جهة أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا يونس بن محمد، ثنا جرير بن حازم عن أيوب عنه، وقال أبو عمر في الاستذكار: حديث أنس لم يأت إلّا من طريق أيوب، عن أنس، ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئًا، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما رواه أبو القاسم في الأوسط بسند صحيح متصل على رسم البخاري من حديث عبد الله

ص: 388

ابن عبد الوهاب الحجبي: ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن حميد، عن أنس، وقال: لم يرفع هذا الحديث، عن حميد إلا عبد الوهاب، تفرد به الحجبي.

وحديث الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ذكره أبو أحمد الجرجاني، وردّه بروح بن عطاء بن أبي ميمونة، ورواه أيضًا الكجي في سننه عن الشاذكوني عن روح، عن أبيه عنه، وقال مهنأ: سألت أبا عبد الله عن التسليم في الصلاة واحدة فقلت: أتعرف فيه شيئا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: حديث حدثني به سليمان بن داود الهاشمي، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن عمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم واحدة قلت: أكان هذا عند يعقوب عن أبيه؟ قال: لا، قال أبو عمر: قد روي من مرسل الحسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة ذكره وكيع عن الربيع عنه، وروي عن عثمان وعلي وابن عمر وابن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وشقيق بن سلمة، ويحيى بن وثاب، وعمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، والحسن، وأبي العالية، وسويد بن غفلة، وأبي رجاء، وقيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة، وقد اختلف عن أكثرهم، فروي عنه التسليمتان كما روينا الواحدة، والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة، وهو عمل توارثه أهل المدينة كابرا عن كابر، ومثله يصح به الاحتجاج بالعمل في كلّ بلد، وكذلك العمل بالكوفة مستفيض عندهم بالتسليمتين كما روينا أيضًا، وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلاف في المباح، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: السلام ليس بفرض، قالوا: ويخرج من الصلاة بما شاء من الكلام وغيره، وهو قول النخعي، وقال مالك، والليث، والحسن

ص: 389

ابن صالح، والشافعي: السلام فرض، وتركه يفسد الصلاة، إلا أن ابن حي أوجب التسليمتين معًا، وقال الطحاوي: لم يجد هذا القول عن غيره.

ص: 390

‌باب رد السلام على الإمام

148 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا أبو بكر الهذلي، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سلم الإِمام فردوا عليه ثم قال: ثنا عبدة بن عبد الله، ثنا علي بن القاسم أنبأ همام عن قتادة بلفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا، وأن يسلم بعضنا على بعض.

هذا حديث في سنده الأول ضعيفان:

الأول: ابن عياش المذكور قبل.

والثاني: أبو بكر الهذلي سلمى بن عبد الله بن سلمى، وسيأتي ذكره أيضا.

والإسناد الثاني فيه وهم، وهو قوله: علي بن القاسم كذا هو في أصول ابن ماجه، وهو رجل لم يوجد في شيء من التواريخ فيما رأيت، وصوابه الذي ذكره البزار في مسنده: ثنا عمرو بن علي، ثنا عبد الأعلى بن القاسم، ثنا همام فذكره بلفظ: وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة وكذا ذكره الشاشي، وابن منيع والعدني وغيرهم، فعلى هذا يكون السند صحيحا على ما ذكره ابن القطان وغيره، لولا ما قيل في سماع الحسن من سمرة، فإن ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وبهزا، ويحيى بن سعيد القطان، وابن حبان، والبرديجي، والإِدريسي في تاريخ سمرقند قالوا: لم يسمع منه شيئا، ومنهم من قال: إلا حديث العقيقة، وأمّا ابن المديني وغيره: فأثبتوا سماعه منه، فعلى هذا القول يكون حديثه هذا صحيح الإِسناد، متصلا، والله تعالى أعلم، وكذلك اعتمده ابن خزيمة حيث خرجه في صحيحه من حديث سعيد بن بشير، عن

ص: 391

قتادة، عن الحسن عنه.

وعند أبي داود بسند صحيح من حديث سليمان بن سمرة عن أبيه مرفوعا: ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم.

ص: 392

‌باب لا يخص الإِمام نفسه بالدعاء

149 -

حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، ثنا بقية بن الوليد، ثنا حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤم عبد فيخصّ نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم.

هذا حديث سبق ذكره في كتاب الطهارة، وقال الترمذي: هو حديث حسن، وقد روي هذا عن معاوية بن صالح، عن السفر بن نسير عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن يزيد عن أبي هريرة، وحديثه عن أبي حي أجود إسنادا وأشهر، والله تعالى أعلم.

ص: 393

‌باب ما يقال بعد التسليم

150 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، وثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد قال: ثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإِكرام.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وقال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن تفسير الحديث: لا يجلس بعد التسليم إلا قدر ما يقول: أنت السلام ومنك السلام يعني: في مقعده حتى ينحرف، قال: لا أدري؛ وفي الأوسط عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: اللهم .... الحديث، وقال: لم يروه عن المقدام بن شريح يعني عن أبيه عنها إلا قيس بن الربيع، تفرد به يحيى بن إسحاق السيلحيني.

وفي موضع آخر من حديث فليت عن جسرة بنت دجاجة عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل أعذني من حرِّ النار، وعذاب القبر وقال: لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد عن فليت إلا الصباح بن محارب، تفرد به الحسين بن عيسى بن ميسرة الرازي.

151 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة، ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة، عن مولى لأم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا.

هذا حديث خرجه النسائي من جهة موسى عن مولى لأم سلمة، وذكره عبد الله في كتاب العلل عن أبيه: ثنا وكيع ثنا سفيان عن موسى، وفي مسند أحمد عنها أن

ص: 394

النبي صلى الله عليه وسلم لما شكت له فاطمة الرحى قال: إذا صليت الصبح فقولي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كلّ واحدة منهن تكتب عشر حسنات، وتحط عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كسب ذلك اليوم أن يدركه إلّا أن يكون الشرك، وهو حرسك ما بين أن تقوليه غدوة إلى أن تقوليه عشية من كل شيطان ومن كل سوء.

152 -

حدثنا أبو كريب، ثنا إسماعيل ابن علية ومحمد بن فضيل، وأبو يحيى التيمي، وابن الأجلح، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويكبر عشرًا، ويحمده عشرًا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد، وكبَّر مائة فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة؟ قالوا: وكيف لا يحصيهما؟ قال: يأتي أحدكم الشيطان وهو في الصلاة فيقول: اذكر كذا وكذا حتى ينفك العبد لا يعقل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام.

هذا حديث قال فيه الترمذي والطوسي: حسن صحيح، وزعم النووي - رحمه الله تعالى - في كتاب الأذكار أن أيوب السختياني أشار إلى صحته، وخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، ثنا أبو خيثمة، ثنا جرير وابن علية عن عطاء به.

وقال

ص: 395

الحاكم: رواه الأعمش عن عطاء بن السائب، وأغفل أبو القاسم ابن عساكر، ومن بعده من أصحاب الأطراف عزوه إلى ابن ماجه، إنما عزوه إلى أبي داود والنسائي والترمذي، وهو في جميع أصول ابن ماجه كما سبق، والله تعالى أعلم.

153 -

حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، ثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن عاصم، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم، وربما قال سفيان: قلت يا رسول الله ذهب أهل الأموال والدثور بالأجر، يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق، قال: ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفُتم من بعدكم؟ تحمدون الله في دبر كل صلاة، وتسبحون، وتكبرون ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين قال سفيان: لا أدري أيتهن أربع.

هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وسيأتي له أصل في الصحيحين، وعند الترمذي، وقال: حسن غريب: من قال دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجله قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كلّه في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولا ينبغي للذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله وخرجه في الأوسط من حديث أبي هريرة عن أبي ذر.

ص: 396

154 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار، ثنا أبو أسماء الرحبي، حدثني ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، زاد ابن خزيمة في صحيحه: قال عمرو بن هاشم البيروتي عن الأوزاعي: يقال هذا الدعاء قبل السلام، قال ابن خزيمة: فإن كان عمرو بن هاشم ومحمد بن ميمون لم يغلطا في هذه اللفظة، أعني قوله: قبل السلام، فإن هذا الباب يردّ إلى الاستغفار قبل السلام، ولفظه: كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته.

وفي الباب: حديث محمد بن حمير حدثني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت قال الطبراني في المعجم الكبير: تفرد به ابن حمير، يعني: المخرج حديثه في صحيح البخاري، وكذا قاله الدارقطني في العاشر من فوائده، وفي قولهما نظر، وذلك أن ابن السني رواه من حديث إسماعيل بن عياش، عن داود بن إبراهيم الذهلي عن أبي أمامة، وعند أبي نعيم الحافظ زيادة: وكان الربّ الذي يتولى قبض روحه، وكان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله حتى يستشهد.

وحديث المغيرة بن شعبة مرفوعا: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة ما بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت ذكره أبو نعيم الحافظ في كتاب الحلية، وقال: غريب من حديث محمد بن كعب القرظي عن المغيرة، تفرد به

ص: 397

هاشم بن هاشم عن عمر عن محمد، ما كتبناه عاليا إلّا من حديث مكي.

وحديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وآيتين من آل عمران قال الله تعالى: فبي حلفت لا يقرأهن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلّا جعلت الجنة مثواه رويناه في جزء ابن عبدكويه، عن محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، ثنا محمد بن أبي الأزهر، ثنا الحارث بن عمير، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه عنه.

ورواه الحاكم في تاريخ بلده من حديث نهشل بن سعيد، عن أبي حية عن عليّ، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث حسن بن حسن، عن أبيه عن جدّه بمعناه.

وحديث أنس بن مالك وجابر أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى صلى الله عليه وسلم: من داوم على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته أجر المتقين وأعمال الصديقين رواه الثعلبي من حديث محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن أبي مالك، عن الحوشبي عنهما.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، رواه أيضَا من حديث ابن لهيعة عن أبيِ قبيل عنه.

وحديث جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من جاء بهن مع الإِيمان دخل من أيِّ أبواب الجنة شاء، وزوِّج من الحور العين حيث شاء: من عفا عن قاتله، وأدَّى دينا خفيًا، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات: قل هو الله أحد، فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: أو إحداهن رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث عمر بن نبهان وفيه كلام.

وعند أبي نعيم الحافظ من حديث

ص: 398

العرزمي عن أبي يزيد مولى جابر عنه: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة أعطي قلوب الشاكرين، وأعمال الصديقين، وبسط الله عليه يمينه برحمته، ولم يمنعه من دخول الجنة إلّا الموت.

وحديث عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وخرجه ابن حبان في صحيحه، وكذلك ابن خزيمة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا المعوذات في دبر كل صلاة والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي الكبير: قلت لأحمد بن صالح: فإنّ سفيان الثوري يحدث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة: قل أعوذ برب الفلق، قال: ليس هذا من حديث معاوية عن عبد الرحمن، إنّما روى هذا معاوية عن العلاء بن الحارث، عن القاسم، عن عقبة، قال أبو زرعة: وهاتان الروايتان عندي صحيحتان، لهما جميعا أصل بالشام عن جبير بن نفير عن عقبة، وعن القاسم عن عقبة.

وحديث أبي موسى الأشعري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح رفع صوته حتى يسمع أصحابه يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة ثلاث مرات، اللهم أصلح لي دنياي الذي جعلت فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي جعلت إليها مرجعي، اللهم أعوذ برضاك من سخطك، اللهم أعوذ بعفوك من نقمتك، اللهم إني أعوذ بك منك، ثلاث مرات في كلها، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي بردة - يعني: عن أبيه - إلا إسحاق بن يحيى بن طلحة، تفرد به يزيد

ص: 399

ابن عياض - وحديث زيد بن ثابت قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ونحمد ثلاثا وثلاثين تحميدة، ونكبّر أربعًا وثلاثين تكبيرة قال: فرأى في المنام، فقال: أمرتم بثلاث وثلاثين تسبيحة، وثلاث وثلاثين تحميدة، وأربع وثلاثين تكبيرة، قال: نعم، قال: فلو جعلتم فيها التهليل، فجعلتموها خمسًا وعشرين، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: قد رأيتم فافعلوا، أو نحو ذلك.

وخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، وحديث ابن عمر بمثله رواه النسائي.

وحديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول في دبر الصلاة: اللهم إنِّي أعوذ بك من الفقر، ومن عذاب القبر خرجه أيضًا، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وحديث ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الصلاة لا يجلس إلّا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإِكرام خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما: أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ولهَ الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلّا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم.

وعند ابن خزيمة: إذا سلم في دبر الصلاة يقول: لا إله إلا الله لا نعبد إلا

ص: 400

إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن

الحديث.

وحديث أبي أيوب قال: ما صليت وراء نبيكم إلا سمعته حين ينصرف يقول: اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها، اللهم انعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت قال الطبراني في الأوسط: لا يروى عن أبي أيوب إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن الصلت يعني عمر بن مسكين، عن نافع، عن ابن عمر عنه، وحديث أبي هريرة من عند الشيخين قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون قال: ألا أحدثكم بشيء إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين

الحديث.

وعند البخاري: تسبحون في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا وعند مسلم: من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر.

وحديث ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد

ص: 401

خرجاه أيضًا.

وحديث سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر رواه البخاري.

وفي اليوم والليلة للنسائي: ما يمنع أحدكم أن يسبح دبر كل صلاة عشرًا ويكبر عشرًا، ويحمد عشرًا، فذلك في خمس صلوات خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان.

وحديث كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة رواه مسلم.

وحديث علي بن أبي طالب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدّم وأنت المؤخرّ، لا إله إلّا أنت وقال أبو صالح: لا إله إلا أنت رواه ابن خزيمة هكذا، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد أسلفنا من عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله بين التشهد والتسليم.

وحديث زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمدا عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب، الله

ص: 402

أكبر الأكبر، الله نور السماوات والأرض، الله أكبر الأَكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الأكبر خرجه أبو داود، وفي سنده:، وقال الدارقطني: تفرد به معتمر بن سليمان عن داود عن أبي مسلم البجلي، عن زيد.

وحديث ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعنّي، ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني، ويسر هداي إلي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكرا ذاكرا لك راهبًا لك مطواعًا إليك مخبتا أو منيبًا، ربّ تقبَل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي رواه أبو داود وخرجه في باب ما يقول الرجل إذا سلم، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وفي لفظ عنده، وقال فيه: حسن غريب: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي .... فذكر الحديث وفيه قال: فقولوا: سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر أربعا وثلاثين، ولا إله إلا الله عشرًا.

وحديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه ابن خزيمة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وفي كتاب عمل يوم وليلة لأبي نعيم: من قال حين ينصرف من صلاة الغداة قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، أعطي بهن سبع خصال،

ص: 403

وكتب له بهن عشر حسنات، ومحي عنه بهن عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجات، وكن له عدل عشر نسمات، وكن له عصمة من الشيطان، وحرزا من المكروه، ولم يلحقه في يومه ذلك ذنب إلا الشرك بالله، ومن قالهن حين ينصرف من صلاة المغرب أعطي مثل ذلك ليلته.

وفي لفظ: من قال بعد الفجر ثلاث مرات، وبعد العصر ثلاث مرات: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، وأتوب إليه، كفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.

وحديث أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي، وقال: حسن.

وعند أبي نعيم الحافظ من حديث القاسم عنه قال: ما دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم في دبر صلاة مكتوبة، ولا تطوع إلا سمعته يقول: اللهم اغفر لي خطاياي كلها، اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئها إلا أنت.

وفي معجم الطبراني: من قال في دبر صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير مائة مرّة قبل أن يثني رجله كان يومئذ أفضل أهل الأرض، إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال وقال: لم يروه عن أبي غالب يعني عنه إلّا آدم بن الحكم، ولا رواه عن آدم إلا عبد الصمد بن عبد الوارث.

وحديث صهيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا انصرف من صلاته: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا

ص: 404

معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد خرجه ابن خزيمة، وعند أبي نعيم الحافظ في كتاب عمل يوم وليلة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بشيء إذا صلى الغداة، فقلنا: يا رسول الله نراك تحرّك شفتيك بعد صلاة الغداة، وكنت لا تفعله فقال: أقول: اللهم بك أحاول، وبك أطاول، وبك أقاتل.

وحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وحديث أبي الدرداء قيل: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدنيا والآخرة فذكر مثل حديث أبي هريرة، قال البخاري: رواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح عنه.

وفي الأوسط من حديث ابن أبي عبلة عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قال بعد صلاة الصبح، وهو ثاني رجله قبل أن يتكلَّم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كن له في يومه ذلك حرزا من الشيطان ومن كل مكروه وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلّا هانئ بن عبد الرحمن ورديح بن عطية، تفرد به موسى بن محمد البلقاوي.

وحديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في إثر صلاته عند انصرافه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم، عن أبي

ص: 405

هارون عنه.

وعند أبي نعيم الحافظ: لا يجلس بعد أن ينصرف من الصلاة إلا قدر ما يقول: .... الحديث.

وحديث مسلم بن الحارث قال: أسر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرني من النّار سبع مرات، فإنك إذا فعلت ذلك ثم مت من ليلتك كتب لك جوار من النار، وإذا صليت الصبح، فقل كذلك، فإنك إن مت من يومك كتب لك جوار منها رواه أبو نعيم الحافظ من حديث هشام بن حسان عن الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم.

وحديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: مرحبًا بالنهار الجديد، واليوم السعيد، وبالكرام الكاتبين، يحصون أعمالنا، ويكتبون كلامنا، اكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك بأني أشهد أنّك الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن كلّ معبود من لدن عرشك إلى قرار أرضك باطل، لا إله إلا الله، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير .... الحديث بطوله، رواه أبو نعيم الحافظ من حديث طريف بن سليمان، وفيه كلام، ومن حديث زيد العمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى، ثم يقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الغم والحزن ومن حديث أبي الزهراء خادم أنس عنه: من قال حين ينصرف من صلاته: سبحان الله العظيم وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثلاث مرات قام مغفورا له ومن حديث أبي المحجل عن ابن أخي أنس عنه قال: كان مقامي بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم فكان

ص: 406

إذا سلم قال: اللهم اجعل خير عمري آخره، اللهم اجعل خواتيم عملي رضوانك، اللهم اجعل خير أيّامي يوم ألقاك قال: وكان مقامي بين كتفي أبي بكر وعمر، فكانا إذا سلما قالاهن، ومن حديث أبان بن أبي عياش عنه عند أبي القاسم في الأوسط: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلوات: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، اللهم إني أعوذ بك من أولئك الأربع وفي موضع آخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته وسلَّم مسح جبهته اليمنى ثم يقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الغم والحزن وقال: لم يروه عن معاوية بن قرة، عن أنس إلا زيد العمي تفرد به سلام الطويل.

وحديث مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن ابن زمل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح وهو ثاني رجله قال: سبحان الله وبحمده وأستغفر الله، إن الله كان توابا، سبعين مرة، ثم يقول: سبعين بسبعمائة.

وحديث سعيد بن راشد عن الحسن بن ذكوان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استغفر الله في دبر كلّ صلاة ثلاث مرات، فقال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت له ذنوبه وإن كان فرّ من الزحف.

وحديث إسرائيل عن أبي سنان، عن أبي الأحوص، عن أبي مسعود قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه، وإن كان فر من الزحف ذكرها أبو نعيم

ص: 407

الحافظ، وفي لفظ عند غيره: من قال بعد كل صلاة.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خصلتان لا يحافظ عليهما عبد في يومه وليلته إلا أدخله الله الجنة، وهما يسيران، وقليل من يحافظ عليهما، قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: تسبيح العبد في دبر كل صلاة عشرًا ويحمد عشرًا، ويهلل عشرًا

الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عنه، وقال: لم يروه عن زياد بن سعد، عن أبان، عن عطاء إلا زمعة، تفرد به أبو قرة موسى بن طارق.

وحديث عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه كالقمر ليلة البدر ويقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والهرم، والذل، والصغار، والفواحش ما ظهر منها وما بطن رواه أبو نعيم بسند صحيح من حديث يحيى بن عمر الفراء، أنبأ أبو الأحوص عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة عنه.

وحديث ابن عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة، فذكر حديثا فيه: ويقول حين يصلي الفجر: سبحان الله العظيم وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثلاث مرات، يدفع الله عنك أربع: ثلاثا عظاما من البرص، والجنون، والعمى، والجذام، والفالج الحديث رواه أيضًا بسند فيه زافر بن سليمان وهو ضعيف.

غريبه: الدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير لا يثنى ولا يجمع، وقيل بكسر الدال والباء الموحدة، والدثر يعني بفتح الدال، وهو المال الكثير الذي لا يحصى كثرة، يقال: مال دثر، ومالان دثر وأموال دثر، هذا الأعرف، وقد كسر على دثور، وحكى أبو عمر المطرز أن الدثر بالثاء يثنى ويجمع، وزعم ابن قرقول: أنه وقع في رواية المروذي أهل الدور، وهو تصحيف.

ص: 408

‌باب الانصراف من الصلاة

155 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص عن سماك عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: أمّنا النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ينصرف عن جانبيه جميعا.

هذا حديث قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل، عن أبيه: ورواه عمرو بن أبي قيس، عن سماك بلفظ: كان يسلم عن يمينه، وعن يساره ولم يتابع عليه، إنَّما كان ينفتل عن يمينه، وعن شماله، وقد سبق في باب وضع اليمين على الشمال، وأنَ جماعة صححوه.

156 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع ح، وثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا يحيى بن سعيد قالا: ثنا الأعمش عن عمارة، عن الأسود قال: قال عبد الله: لا يجعلن أحدكم للشيطان في نفسه جزءا، يرى أنّ حقًا لله عليه أن لا ينصرف إلّا عن يمينه، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر انصرافه عن يساره.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.

157 -

حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا يزيد بن زريع عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة.

هذا حديث إسناده صحيح إلى عمرو، وقد تقدَّم الخلاف في الاحتجاج بعمرو في أوائل الصلاة.

ص: 409

158 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ثم يلبث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، وفي لفظ عنده: كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الباب حديث أنس بن مالك من عند مسلم قال: أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وفي لفظ: لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي قال مالك: لا يثبت الإمام بعد سلامه، وقال أشهب: له أن ينتقل من موضعه، وقال أبو حنيفة: كل صلاة ينتقل بعدها يقوم، وما لا نافلة بعده كالعصر والصبح لا يقوم، وقال محمد: ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو، وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعة.

ص: 410

‌باب إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء

159 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء.

هذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم وعند البستي: إذا قرب العشاء وأحدكم صائم فليبدأ به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم وفي لفظ: فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولما ذكره الدارقطني قال: ولو لم تصح هذه الزيادة لكان معلوما من قاعدة الشرع الأمر بحضور القلب في الصلاة والإقبال عليها، وفي الأوسط: لم يقل فيه أحد: وأحدكم صائم إلا عمرو بن الحارث، تفرد به موسى بن أعين.

160 -

حدثنا أزهر بن مروان، ثنا عبد الوارث، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء.

قال: فتعشى ابن عمر ليلة وهو يسمع الإقامة.

هذا حديث خرجاه أيضًا بلفظ: ولا يعجل حتى يفرغ منه وفي لفظ عند البخاري: إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة.

ص: 411

161 -

حدثنا سهل بن أبي سهل، ثنا ابن عيينة وثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضر العشاء، وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء.

هذا حديث خرجاه أيضا في صحيحيهما، وفي البخاري: وقال أبو الدرداء: من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ وفي الأوسط للطبراني عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالطعام وقال: لم يروه عن سهيل، عن أبيه إلا زهير، تفرد به إسماعيل بن عمرو، وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن ابن علية، عن ابن إسحاق: ثنا عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر العَشاء وحضرت العِشاء فابدؤوا بالعَشاء.

وعن هاشم بن قاسم، عن أيوب بن عتبة، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدؤوا بالعشاء وقال الطبراني: لا يروى عن سلمة إلّا بهذا الإسناد، تفرد به أيوب.

وفي المصنف عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وعن وكيع، عن مسعر، عن أبي عاصم، عن يسار بن نمير قال: قال عمر بن الخطاب: إذا وضع العشاء، وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء.

ص: 412

قال ابن المنذر: قال بظاهر هذا ابن عمر والثوري وأحمد وإسحاق، زاد القرطبي: أبا الدرداء وابن حبيب المالكي، وزعم الثوري أنَّ هذه الكراهة عند جمهور العلماء إذا صلى كذلك، وفي الوقت سعة، فإن خاف بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت، ولا يجوز تأخيرها، وحكى المتولي وجها أنه لا يصلي بحال، بل يأكل وإن خرج الوقت، وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور، ولكن يستحب إعادتها ولا تجب.

وقال ابن الجوزي: وهذا إنما ورد في حق الجائع الذي قد تاقت نفسه إلى الطعام، وقد ظنّ قوم أن هذا من باب تقديم حظ العبد على حق الحق تعالى، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العباد في العبادة بقلوب غير مشغولة؛ وعن ابن المنذر: قال مالك: يبدأ بالصلاة إلّا أن يكون طعامًا خفيفًا.

وقال ابن حزم: فرض على العبد البداءة بالأكل ولو خشي فوات الوقت، وزعم ابن حبان: أنه من الأعذار التي يباح فيها ترك حضور الجماعة، فإن قيل: قد روى أبو داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره قيل له: هذا حديث ضعيف؛ لأن في سنده محمد بن ميمون الزعفراني ومعلى بن منصور وهما ضعيفان، وقال ابن شاهين: كل منهما له معنى: إذا وجبت لا تؤخر، وإذا كان الوقت مبقى بدأ بالعشاء.

ص: 413

‌باب الجماعة في الليلة المطيرة

- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد الحذاء، عن أبي المليح قال: خرجت في ليلة مطيرة، فلما رجعت استفتحت فقال لي: من هذا؟ قال: أبو المليح، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا في رحالكم.

هذا حديث خرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه، وكذلك ابن خزيمة، وفي لفظ عند ابن خزيمة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم حنين في يوم مطير

الحديث.

وفي الأوسط: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا في سنة ثمان من رمضان فوافق يوم الجمعة يوم مطير فأمر المنادي .... الحديث، وقال: لم يروه عن أبي معاوية العباداني يعني عن أبي المليح إلا علي بن الجعد، ومن حديث أشعث بن سوار عن الحذاء عن أبي المليح عن أبيه: لقد رأيتني مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الحديبية

الحديث، وقال: لم يروه عن أشعث إلّا عبد الرحيم بن سليمان، ولم يذكر أشعث في حديثٍ أبا قلابة، ورواه الثوري عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن أبيه.

162 -

حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان بن عيينة عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح: صلوا في رحالكم.

ص: 414

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وعن ابن القطان بسند صححه: إذا كانت الليلة الباردة أو المطيرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه بأن ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا جماعة، صلوا في الرحال صلوا في الرحال وعند ابن خزيمة: فكانت ليلة ظلماء أو مطيرة، وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا سافر.

163 -

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب، ثنا الضحاك بن مخلد، عن عباد بن منصور سمعت عطاء يحدّث عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال في يوم جمعة مطيرة: صلوا في رحالكم.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا؟ قد فعل هذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم، فتمشوا في الطين والدحض، وهو عند ابن ماجه أيضًا بنحوه من حديثه عن أحمد بن عبدة، ثنا عباد المهلبي، ثنا عاصم، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عنه، وفي لفظ: قد فعله من هو خير مني، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عند مسلم: أذّن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير وفي الباب: حديث جابر بن عبد الله من عند مسلم: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال: ليصل من شاء منكم في رحله.

وحديث

ص: 415

نعيم النحام قال: سمعت مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة، وأنا في لحافي فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم، فلما بلغ حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم ثم سألت عنها فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره بذلك.

وحديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: الصلاة في الرحال رواهما أحمد في مسنده، وحديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذَّن الأذان الأول، فإذا فرغ نادى الصلاة في الرحال أو في رحالكم رواه أبو أحمد بن عدي من جهة محمد بن جابر وفيه ضعف.

وحديث أبي سعيد الخدري من عند ابن خزيمة في حديث طويل، ذكره في باب الأعذار عن التخلف عن الجماعة، فيه قال: ثم هاجت السماء في تلك الليلة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان قال: ما السرى يا قتادة؟ قال: علمت يا رسول الله أنَّ شاهد الصلاة الليلة قليل، فأحببت أن أشهدها

الحديث.

وحديث عتبان بن مالك وكان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه فقال: أين تحب أن أصلي

الحديث، ذكره البخاري في باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله، وذكر ابن بطال وغيره: أن فيه إباحة التخلّف عن الجماعة في شدة الظلمة والمطر وشبهه، وهذا إجماع، وفيه دلالة أنّ الجماعة سنة والله تعالى أعلم.

ص: 416

‌باب ما يستر المصلي

164 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد، عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: كنا نصلي، والدواب تمر بين أيدينا فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم، فلا يضرّه من مرّ بين يديه.

هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مرّ وراء ذلك وفي العلل لعبد الرحمن: قال أبو زرعة: رواه إسحاق الأزرق عن شريك، عن عثمان بن موهب، عن موسى قال: وحديث سماك أشبه من حديث عثمان إلا أن يكون رواه عنهما جميعًا.

165 -

حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ عبد الله بن رجاء المكي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج له حربة في السفر فينصبها فيصلي إليها.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بزيادة: والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يعرض راحلته فيصلي إليها قيل لابن عمر: أفرأيت إذا هبت الركاب؟، قال: كان يأخذ الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته، وكان ابن عمر يفعله.

165 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، عن عبيد الله بن عمر حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل يصلي إليه.

ص: 417

هذا حديث خرجاه أيضًا في كتابيهما، وعند النسائي بسند صحيح: سئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، عن سترة المصلي فقال: مثل مؤخرة الرحل.

166 -

حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا حميد بن الأسود، ثنا إسماعيل بن أمية ح وثنا عمار بن خالد، ثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث، عن جدّه حريث بن سليم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يجد فليخط خطًا، ثم لا يضره من مرَ بين يديه.

هذا حديث خرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه، وصححه أيضًا الإِمام أحمد بن حنبل وابن المديني فيما ذكره عبد الحق، ويشبه أن يكون وهما لما ذكره الخلال في علله، قال أحمد: الخط ضعيف، وأنا أرى من صلى في فضاء أجزأه، قيل له: بأي حديث؟ قال: بحديث ليس بذاك: شعبة عن الحكم، عن يحيى بن الجزار عن صهيب - رجل من أهل البصرة - عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه سترة ورواه الحكم عن يحيى، عن ابن عباس لم يذكر صهيبا، وقال أبو حاتم في العلل: هذا زاد رجلا، وهذا ينقص رجلا، وكلاهما صحيح، وزعم الدارقطني أنه روي عن أبي هريرة من طرق، قال: ولا يصح، ولا يثبت، وقال ابن عيينة: لم نجد شيئًا نشد به هذا الحديث ولم يجئ إلا من هذا الوجه، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث به قال: عندكم شيء تشدونه به؟ وقد أشار الشَافعي إلى ضعفه بقوله في سنن

ص: 418

حرملة: ولا يخط المصلي بين يديه خطا إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت يتبع، قال البيهقي: وإنما توقف الشَّافعي في صحة الحديث لاختلاف الرواة على إسماعيل في أبي محمد بن عمرو بن حريث، قيل: هكذا، وقيل: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جدّه، وقيل: عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، وقيل غير ذلك، قال البيهقي: ولا بأس به في مثل هذا الحكم، وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة، فقال: هكذا عرضا مثل الهلال، قال أبو داود: سمعت مسددا يقول: قال ابن داود: الخط بالطول.

وقال ابن عيينة: رأيت شريكا صلى بنا في جنازة العصر فوضع قلنسوته بين يديه يعني في فريضة حضرت، وقال سفيان: قدم هنا رجل بعدما مات إسماعيل فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده فسأله عنه فخلط عليه، وقيل لسفيان: إنّهم يختلفون فيه؟ ففكر ساعة، ثم قال: ما أحفظ إلّا أبا محمد ابن عمرو.

وقال أبو بكر ابن العربي: وقال قوم رأسهم أحمد بحديث أبي هريرة في الخط، واختلفوا في صورة الخط، فمنهم من قال: يكون متقوسا كهيئة محاربنا، ومنهم من قال: يكون طولًا من المشرق إلى المغرب، ومنهم من قال: من الشمال إلى الجنوب، وهذا الحديث لو صحّ لقلنا به، إلَّا أنه معلول فلا معنى للنصب فيه، وقال لي أبو الوفا بن عقيل، وأبو سعد البرداني شيخا مذهب أحمد: كان أحمد يرى أنّ ضعيف الأثر خير من قوي النظر، انتهى.

وممن قال به أيضًا: الأوزاعي، وسعيد بن جبير، وأبو ثور، ومسدد، وقال الطحاوي: أبو عمرو وجده مجهولان، وفي كتاب التمهيد: قال مالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه: الخط ليس بشيء، وهو باطل.

ص: 419

وفي الباب: حديث سبرة بن معبد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته ولو بسهم ذكره الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم،.

وحديث سهل بن أبي حثمة من عند أبي داود: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته وقال: رواه واقد بن محمد عن صفوان، عن محمد بن سهل، عن أبيه أو عن محمد بن سهل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: عن نافع بن جبير، عن سهل بن سعد: وقد اختلف في إسناده، وفي لفظ عنده عن سهل: كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنزة.

وعند الحاكم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا: يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة وسيأتي ذكره من عند مسلم أيضا إن شاء الله تعالى.

وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل: ثنا مسعر عن الوليد بن أبي مالك، عن أبي عبيد انتهى به إلى أبي هريرة قال: يستر المصلي مثل مؤخرة الرحل في مثل جلة السوط، قال أبو بكر: جلة السوط غلظه، وثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: أخبرني المهلب بن أبي صفرة قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان بينك وبين الطريق مثل مؤخرة الرحل لم يضرّك من مر بين يديك وثنا أبو خلدة، قال: قلت لأبي العالية: ما يسترني قال: طول الرحل، والعرض ما أعرض أحب إلي.

وحديث أبي جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء، وبين يديه عنزة الظهر والعصر ركعتين تمر بين يديه المرأة والحمار.

رواه الشيخان في صحيحيهما.

وقال مالك: يجزئ المصلي من السترة غلظ الرمح والعصا وارتفاع ذلك قدر عظم

ص: 420

الذراع، ولا تفسد صلاة من صلى إلى غير سترة، وإن كان مكروهًا وهو قول الشَافعي، وقال أبو حنيفة، والثوري: أقل السترة قدر مؤخرة الرحل، ويكون ارتفاعها ذراعا، وهو قول عطاء، قال أبو عمر: وقال قتادة: ذراع وشبر، وكان الشافعي بالعراق يقول: بالخط، وأبى ذلك بمصر قال: إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع، والله أعلم.

ص: 421

‌باب المرور بين يدي المصلي

167 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي، فأخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يقوم أربعين خير له من أن يمر بين يديه قال سفيان: فلا أدري أربعين سنة، أو شهرا، أو صباحا، أو ساعة.

هذا حديث قال أبو عمر في التمهيد: رواه ابن عيينة مقلوبا فجعل في موضع زيد أبا جهيم، وفي موضع أبي جهيم زيدا، والقول عندنا قول مالك، وقد تابعه الثوري وغيره، ولما ذكر ابن القطان رواية البزار عن بسر، قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله عن المار، قال: خطئ فيه ابن عيينة، وليس خطؤه بمتعين لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد، وزيد بعثه إلى أبي جهيم يسأله فيما عنده، وأخبر كلِّ واحد منهما بمحفوظه فشك أحدهما، وجزم الآخر بأربعين خريفَا - يعني الذي في حديث البزار - واجتمع ذلك كلّه عند أبي النضر، قال ابن ماجه:

168 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا سفيان عن سالم، عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسل إلى أبي جهيم يسأله: ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمر بين يدي الرجل وهو يصلي فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو يعلم أحدكم ما له أن يمر بين يدي أخيه، وهو يصلي كان لأن يقف أربعين، قال: لا أدري أربعين عاما، أو أربعين شهرا، أو أربعين يومَا، خير له من ذلك.

ص: 422

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم.

169 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم أحدكم ما له من أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطاها.

هذا حديث إسناده صحيح على رسم البستي، وعمه عبيد الله بن عبد الله بن موهب أبو يحيى التيمي، ذكره ابن حبان البستي في كتاب الثقات، وزعم الطحاوي: أن حديث أبي هريرة هذا متأخّر عن حديث أبي جهيم، قال: وأولى الأشياء بنا أن نظنه بالله تعالى الزيادة في الوعيد للعاصي المار بين المصلي لا التخفيف.

وفي الباب: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي يمر بين يدي المصلي عمدا يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن وهب، يعني عن عبد الله بن عياش، عن أبي رزين الغافقي عنه.

وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم: ثنا سليمان أظنه عن حميد بن هلال قال: قال عمر بن الخطاب: لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته، ما صلى أحدكم إلا إلى شيء يستره من الناس وفي المصنف عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد العزيز،

ص: 423

قال عليه السلام: لو يعلم المار بين يدي المصلي لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه وعن ابن مسعود: المار بين يدي المصلي أنقص من الممر عليه، وكان إذا مر أحد بين يديه وهو يصلي التزمه حتى يرده ويقول له: ليقطع نصف صلاة المرء مرور المرء بين يديه.

قسم بعض الفقهاء المرور بين يدي المصلي على أربع صور:

الأول: أن يكون للمار مندوحة من أن يمر بين يدي المصلي، ولم يتعرض المصلي كذلك فالإثم في هذا خاص بالمار.

الثاني: يكون المصلي قد تعرض للمرور، والمار ليس له مندوحة عن المرور، فالإثم خاص في هذا بالمصلي.

الثالث: أن يتعرض المصلي للمرور، ويكون للمار مندوحة فيأثمان.

الرابع: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة فلا إثم عليهما، وهذا كله إنّما يأثم مرتكبه مع العلم بالنهي لقوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار.

ص: 424

‌باب ما يقطع الصلاة

170 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعرفة فجئت أنا والفضل على أتان، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا عنها وتركناها ثم دخلنا في الصف.

هذا حديث خرجه الستة، وعند أبي داود عن ابن عباس بسند صحيح: جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فنزلنا وتركنا الحمار أمام الصف فما بالاه، وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا، فأخذهما فنزع إحديهما من الأخرى فما بالا ذلك.

وعند النسائي: فأخذتا بركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ففرع بينهما ولم ينصرف وفي لفظ: فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وفي لفظ لمسلم: بمنى وفي لفظ آخر: في حجة الوداع أو يوم الفتح.

وعند البخاري: إلى غير جدار وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال: كان الفضل أكبر مني، فكان يردفني فأكون بين يديه، فارتدفت أنا وأخي على حمارة، فانتهينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس بعرفة، فنزلنا بين يديه فصلينا، وتركناه يرعى بين يديه فلم يقطع صلاته وقال: لم يروه عن الحكم عن مجاهد إلا إسماعيل بن مسلم، وعنده أيضًا: ربما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، والحمر تعترك بين يديه وقال:

ص: 425

لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس، وروي عنه من غير وجه بألفاظ مختلفة، وعند ابن خزيمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا ففرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، ثم ما بالى ذلك.

171 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن أسامة بن زيد، عن محمد بن قيس - هو قاص عمر بن عبد العزيز - عن أمه، عن أم سلمة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة أم سلمة، فمرَّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال بيده فرجع، فمرَّت زينب بنت أم سلمة، فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هن أغلب.

هذا حديث قال ابن الحصار في كتابه تقريب المدارك: صححه شيخنا أبو محمد عبد الحق، وعاب أبو الحسن بن القطان عليه سكوته عنه، لما أورده من مصنف وكيع، وقال: أم محمد لا تعرف ألبتة، فأمّا ابنها فإني لا أعرف من هو من جماعة مسمين بهذا الاسم، وفي هذه الطبقة فالحديث على هذا ضعيف، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث قوله في محمد: لا أعرف من هو؛ لما بيّنه ابن ماجه من أنّه قاص عمر بن عبد العزيز أبو عثمان، وقيل: أبو نعيم، وقيل: أبو أيوب الزيات المدني مولى يعقوب القطيعي، ووالد يحيى المكنى بأبي زكير، روى عن جماعة من الصحابة وغيرهم، وروى عنه حميد الطويل، وابن إسحاق، وسليمان التيمي، والليث بن سعد، وابنه يحيى بن محمد، وجرير بن قيس، وعثمان بن عمر بن فارس، وأبو عامر العقدي، وحماد بن سلمة، وزيد بن حباب، والحكم بن عبد الله الأيلي، وأبو معشر، وسندل،

ص: 426

وعبد العزيز بن عياش، وسعيد بن عبد الرحمن وغيرهم، وقال يعقوب بن سفيان: هو عندي ثقة، متقن، روى له مسلم في صحيحه، واستشهد به البخاري.

172 -

حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا شعبة عن قتادة، ثنا جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة: الكلب الأسود والمرأة الحائض.

هذا حديث، وقال أبو داود: رفعه شعبة، ووقفه سعيد وهشام، وهمام، عن قتادة، عن ابن عباس انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره أبو محمد بن حزم: وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، ثنا شعبة، عن قتادة سمعت جابر بن زيد قال: قال ابن عباس: يقطع الصلاة

فذكره موقوفا، ومن طريق الحجاج بن المنهال، أنبأ ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس به موقوفَا أيضَا، وقال: وهذان إسنادان لا يوجد أصح منهما.

وعند أبي داود: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضاء ليس بين يديه شيء وعنده أيضا من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه عن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم إلى غير سترة، فإنه يقطع صلاته: الحمار، والخنزير، واليهودي، والمجوسي، والمرأة، ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر قال أبو داود: وفي نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره، فلم أر أحدا جاء به عن هشام، ولا يرفعه، ولم أر أحدا يحدّث به عن هشام وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة، والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه على قذفة بحجر، وذكر الخنزير وفيه نكارة ولم أسمع هذا

ص: 427

الحديث إلا من ابن أبي سمينة وأحسبه وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه، ورواه بهز وعفان عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي خليل، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، انتهى، وهو غير مؤثر في الانقطاع؛ لأن ابن ماجه ذكر عن قتادة تصريحه بسماعه له من جابر، فيحمل هذا على أنّه سمعه عنه أولا ثم سمعه منه، والله أعلم، وزعم ابن القطان: أن علّته بادية، وهي الشكّ في رفعه، فلا يجوز أن يقال: إنّه مرفوع وراويه قد بين ذلك، وأمَّا سنده فليس فيه متكلم فيه، وقد جاء هذا الخبر بذكر أربعة فقط عن ابن عباس موقوفا بسند جيّد.

قال البزار: ثنا ابن مثنى ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة قال: قلت لجابر بن زيد: ما يقطع الصلاة؟ قال: قال ابن عباس: الكلب الأسود، والمرأة الحائض قال: قلت: قد كان يذكر الثالث، قال: ما هو؟ قلت: الحمار، قال: رويدك، الحمار؟ قال: قلت: قد كان يذكر الرابع، قال: ما هو؟ قال: العلج الكافر، قال: إن استطعت ألَّا يمرّ بين يديك كافر ولا مسلم فافعل، انتهى كلامه، ولقائل أن يقول باللفظ الثاني ليس فيه ما يدل أن جابرًا رواه له عن عبد الله كالذين قبل، إنما قال: رويدك، يعني: اصبر لسد الذريعة، وحسم المادة، وقتادة إنما قاله بلفظ: قد كان يذكر، ولو كانت الياء مفتوحة، لكان أيضا منقطعا؛ لعدم اتصال ما بينه وبين عبد الله، وفي ذكر الحمار أيضا في هذا الموقوف نظر؛ لأن جابرا لم يقل له: بلى، بالتصريح، إنما قال له: رويدك، يعني اصبر، وهو أصلها، ولم يبيِّن له بعد الصبر ما الأمر، والله تعالى أعلم.

وفي العلل لعبد الرحمن: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيس بن ميمون عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقطع الصلاة: الكلب، والحمار، والمرأة، واليهودي، والنصراني، والمجوسي، والخنزير فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، وعبيس شيخ ضعيف الحديث.

ص: 428

173 -

حدثنا زيد بن أخزم الطائي أبو طالب، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار.

هذا حديث خرجه مسلم بزيادة: ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.

174 -

حدثنا جميل بن الحسن، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة: المرأة والكلب، والحمار.

هذا حديث إسناده صحيح متصل.

175 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة إذا لم يكن بين يدي الرجل مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود شيطان قال: قلت: ما بال الأسود من الأحمر؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان.

هذا حديث رواه مسلم في صحيحه، وقال الشافعي في الجواب عن هذا فيما حكاه البيهقي: لا يجوز إذا روي حديث واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة .. فذكره، وكان مخالفًا هذه الأحاديث، وكان كلّ واحد منها أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن أن يترك إن كان ثابتًا إلّا بأن يكون منسوخًا حتى نعلم، ونحن لا نعلم المنسوخ الآخر، ولسنا نعلم الآخر، أو يرد بأن يكون محفوظا، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة بينه وبين القبلة، وصلى وهو حامل أمامة، ولو كان ذلك يقطع الصلاة لم يفعل واحدًا من الأمرين، وصلى إلى غير سترة، وكل واحد من هذين

ص: 429

الحديثين يرد ذلك الحديث، وقد قضى الله تعالى أنه لا تزر وازرة وزر أخرى والله أعلم.

يدل على أنَّه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعي كل لنفسه، وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره، قال البيهقي: حديث أبي ذر صحيح إسناده، ونحن نحتج بأمثاله في الفقهيات، وإن كان البخاري لا يحتج به، وله شواهد عن أبي هريرة وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اشتغل - يعني: الشافعي - بتأويله في رواية حرملة وهو منه أحسن، فقال في حديث: يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار قال: يقطع عن الذكر الشغل بها، والالتفات إليها؛ لا أنها تفسد الصلاة، وذكر معناه في سنن حرملة، وقواه واحتج بحديث عائشة، وابن عباس والذي يدلّ على صحة هذا التأويل؛ أنَّ ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة، بذلك روي عنه أنه حمله على الكراهة، وذلك فيما رواه سماك عن عكرمة: قيل لابن عباس: أيقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار؟ فقال:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فما يقطع هذا؟ ولكن يكره.

وفي كتاب أبي نعيم الفضل: ثنا ابن عيينة عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: ادرؤوا عن صلاتكم ما استطعتم، وأشد ما يتقى عليها الكلاب.

وثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة وعن ابن طاوس قال: كان أبي يشدد في الكلاب، ثنا ابن عيينة عن أيوب عن بكر المزني أنّ ابن عمر أعاد ركعة من جرو مر بين يديه قال البيهقي: وروينا عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وعائشة وغيرهم: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي. انتهى، في كتاب أبي نعيم عن سعد بن أبي وقاص كذلك، وكذلك هو أيضا عن الحسن، وحذيفة بن اليمان، وعطاء، وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن

ص: 430

العاص، والشعبي، قال: وثنا يونس عن مجاهد عن عائشة أنها قالت: لا يقطع صلاة المسلم إلا الهر الأسود، والكلب البهيم. انتهى، وفي هذا ردّ لما ذكره البيهقي، وقال الطحاوي: أجمعوا أن مرور بني آدم بعضهم ببعض لا يقطع الصلاة، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه من حديث عائشة، وأم سلمة، وميمونة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وكلّ واحدة منهن معترضة بينه وبين القبلة وكلها ثابتة، وقد أفتى ابن عمر: أنّ الصلاة لا يقطعها شيء.

وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم درء المصلي من مر بين يديه قال أبو جعفر: فدلّ ذلك على ثبوت نسخ عنه عليه الصلاة والسلام وأنه على وجه الكراهة، وقال في المشكل: وأما حديث المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والنَّاس يمرون بين يديه، وليس بينه وبين الطواف سترة فليس مخالفا لما روي من النهي عن المرور بين يدي المصلي؛ لأنّه إنما هو في الصلاة إلى الكعبة ومعاينتها، والنهي عن المرور بين يدي المصلي إنّما هو فيمن يتحرى الصلاة في الكعبة إذا غاب عنها، وبينهما فرق، وزعم ابن شاهين: أنه ناسخ لحديث النهي.

وفي كتاب النسائي بسند منقطع عن العباس (1) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعًا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ليس بينه وبين الطواف أحد.

قوله على أتان وهي الأنثى من الحمر، وفي رواية: على حمار أتان، ضبطه الأصيلي على النعت أو البدل منونين، وقال ابن سراج: أتان: وصف الحمار، ومعناه: صلب قوي مأخوذ من الأتن وهي الحجارة الصلبة، والحمار يشمل الذكر والأنثى كالبعير، وقد يكون على الإضافة أي: على حمار أنثى، وكذا وجد في بعض الأصول، وفي مختصر السنن: عن يونس وغيره، أتان، وأتانة، وعجوزة، وفرسة،

ص: 431

وعقربة، ودمشقة في دمشق، وزعم ابن الأثير: أنَّ مراده تعيين الأتان، ليعلم أن الأنثى من الحمر لا يقطع الصلاة فكذلك المرأة، ولا يقال: أتانة، وإن كان قد ورد في بعض الأحاديث، وفي المحكم: الجمع: أَتُن وأُتُن وأُتْن، والمأتونا اسم للجمع، واستأتن الحمار صار أتانا، واستأتن أتانا اتخذها، وبوب البخاري لحديث ابن عباس: سترة الإمام سترة من خلفه وقال الأبهري: سترة المأموم سترة إمامه؛ لأن المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه، ولا يعارضه ما رواه أبو داود، عن مولى ليزيد، عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال: مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال: قطع علينا صلاتنا، قطع الله أثره، فما مشيت عليها بعد.

وعن سعيد بن غزوان عن أبيه أنّه قال: نزلت بتبوك وأنا حاج، فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا فلا تحدّث به ما سمعت أني حي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: هذه قبلتنا ثم صلى إليها فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: قطع صلاتنا، قطع الله أثره فما قمت عليها إلى يومي هذا؛ لأن الأول في سنده رجل مجهول، والثاني: في غاية الضعف، قاله ابن القطان وغيره، ونكارة المتن فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم لمن ليس له بأهل إنما هو زكاة ورحمة، وفي كتاب الحازمي: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء، وقال جماعة منهم: هذه الأحاديث وإن حملناها على ظواهرها فهي منسوخة بحديث ابن عباس؛ لأنه في حجة الوداع، فيكون بعد حديث ابن نمران بمدّة، وممن ذهب إلى هذا القول: عثمان، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وابن المسيب، والشعبي، وعبيدة، وعروة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وسفيان، وأهل الكوفة، ومالك، وأهل المدينة، والشافعي، وأصحابه، وأكثر أهل الحجاز، انتهى كلامه، حكى الخطابي: أن عائشة ذهبت إلى أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، وبه قال أحمد وإسحاق، وروى أبو داود، عن الفضل بن عباس: أتانا

ص: 432

رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالا ذلك قال الخطابي: في سنده مقال، وضعفه أيضًا غير واحد منهم: الإشبيلي وابن القطان، وعند الدارقطني: فصلى لنا العصر فما بالى بهما، ولا ردَّهما وروى أيضًا من حديث عمر بن عبد العزيز، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي زمعة: سبحان الله سبحان الله، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المسبح آنفا؟ قال: أنا يا رسول الله: إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، فقال: لا يقطع الصلاة شيء وقال: اختلف في إسناده، والصواب: عن عمر مرسل، وروى الأشيب، عن شعبة، عن عبيد الله، عن سالم، عن أبيه أنه قال: كان يقال: لا يقطع صلاة المسلم شيء.

وعند الحاكم: وزعم أنه على شرط مسلم لاستشهاده بعبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي هريرة مرفوعا: الهرة لا تقطع الصلاة، إنها من متاع البيت وفي سنن أبي الحسن من حديث عفير بن معدان، وهو ضعيف، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة يرفعه: لا يقطع الصلاة شيء وفي الأوسط من حديث علي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقطع الصلاة شيء إلا الحدث وقال: لم يروه عن حضين بن المنذر إلا أبو سنان ضرار بن مرة، والله تعالى أعلم بالصواب.

(1)

كذا في المطبوع، والظاهر أن المصنف تبع في ذلك عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى 1/ 344 وقد تعقب عبدَ الحق في ذلك ابنُ القطان في بيان الوهم والإيهام 5/ 539 وما بعدها فقال: هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ خطأ لَا شكّ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب

إلخ أ. هـ إلى أن قال في بيان الانقطاع المقصود: قَالَ سُفْيَان: كَانَ ابْن جريح أخبرنَا عَنهُ، قَالَ: حَدثنَا كثير عَن أَبِيه، فَسَأَلته، فَقَالَ: فَلَيْسَ من أبي سمعته، وَلَكِن من بعض أَهلِي عَن جدي انْتهى مَا ذكر أَبُو دَاوُد. وَفِيه بَيَان الِانْقِطَاع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي كِتَابه الْكَبِير [أي عبد الحق في الأحكام الكبرى] من عِنْد أبي دَاوُد، وَتبين مِنْهُ أَن رِوَايَة ابْن جريح مُنْقَطِعَة، فَإِنَّهُ ذكر أَن سُفْيَان رَاجع كثيرا وَسَأَلَهُ مِمَّن سَمعه، فَأخْبر أَنه لم يسمعهُ من أَبِيه، وَإِنَّمَا حَدثهُ بِهِ بعض أَهله. أ. هـ والله أعلم

ص: 433

‌باب ادرأ ما استطعت

176 -

حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا حماد بن زيد، ثنا يحيى أبو المعلى، عن الحسن العرني قال: ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة فذكروا: الكلب، والحمار، والمرأة، فقال: ما تقولون في الجدي؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي يوما، فذهب جدي يمر بين يديه فبادره رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة.

هذا حديث في سنده انقطاع فيما بين الحسن بن عبد الله وابن عباس، قاله يحيى بن معين، والإِمام أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، زاد: ولم يدركه، وفي صحيح ابن حبان في باب الإباحة: للمرء أن يمنع الشاة إذا أرادت المرور بين يديه وهو يصلي، وخرجه أيضًا الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه من حديث عكرمة بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فمرت شاة بين يديه فساعاها إلى القبلة حتى ألصق بطنه بالقبلة.

وفي مسند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن يحيى بن الجزار، عن أبي الصهباء عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل يتقيه وفي لفظ: فجعل يتقدم ويتأخر حتى نزا الجدي وفي أبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جدار، فجاءت بهيمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه.

وفي الأوسط من حديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي فذهبت شاة تمر بين يديه

ص: 434

فساعاها حتى ألزقها بالحائط ثم قال عليه الصلاة والسلام: لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم وقال: لم يروه عن محمد بن المنكدر إلا جرير بن حازم، تفرد به يحيى بن ميمون، وفيه: من حديث مندل بن علي عن سليمان التيمي، عن أنس قال: بادر النبي صلى الله عليه وسلم هرة أن تمر بين يديه في الصلاة وقال: لم يروه عن التيمي إلا مندل، وفي كتاب أبي نعيم: ثنا حفص عن ليث عن الحكم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأرادت شاة أن تمرّ بين يديه فحال بينها وبين القبلة.

177 -

حدثنا أبو كريب، ثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإنْ أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان.

وفي لفظ لمسلم: فليدفع في نحره وفي لفظ: وليدرأ بما استطاع وفي لفظ للبخاري: إذا مرّ بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله وفي لفظ: إنَّ أبا سعيد كان يصلي يوم جمعة فأراد شاب من بني أبي معيط أن يمرّ بين يديه وعند أبي نعيم في كتاب الصلاة: فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فأراد أن يمر بين يديه فدفعه ولطمه.

وفي المصنف: فجاء

ص: 435

عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه فدفعه وطرحه وقال: لو أبى إلا أن آخذ بشعره لأخذت وعند النسائي: فأراد ابن لمروان يمرّ بين يديه ورواه عن أبي سعيد أيضا عطاء فيما ذكره أبو عمر قال: وحديثه عنه بهذا معروف، وحديث عبد الرحمن أشهر، وزعم ابن الجوزي في التاريخ: أنَّه داود بن مروان بن الحكم.

وقال أبو حاتم في كتاب العلل: حديث عطاء خطأ، وقال أبو زرعة: حديث زيد صحيح، وحديث عطاء بن يسار: لا أدري أي شيء هو؟ وبنحوه ذكره الدارقطني وغيره، وفي أبي داود من حديث مجالد عن أبي الوداك، عن أبي سعيد يرفعه: لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان.

وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال أبي: حديث أبي ذر: يقطع الصلاة الكلب الأسود: أصح من حديث أبي سعيد، يعني: هذا، وفي صحيح ابن حبان: فليدن منها، فإن الشيطان يمر بينه وبينها وفي الأوسط: فليجاهده وقال: تفرد به القاسم بن مالك المزني.

178 -

حدثنا هارون بن عبد الله الحمال والحسن بن داود المنكدري قالا: ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن صدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين وقال المنكدري: فإن معه العُزَّى.

ص: 436

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، ولفظه في الأوسط: إذا كنت تصلي، فأراد رجل أن يمر بين يديك فردّه، فإن عاد فردّه، فإن عاد فردّه، فإن عاد الرابعة فقاتله، فإنما هو الشيطان وقال: لم يروه عن قتادة - يعني: عن نافع - إلّا ابن أبي عروبة تفرد به النضر بن كثير، وفي كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم بن يزيد، عن سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا: لا يقطع صلاة المسلم شيء، فادرءوا ما استطعتم وفي المستدرك: وزعم أنّه على شرط مسلم: لا تصلوا إلا إلى سترة، ولا تدع أحدَا يمر بين يديك

الحديث.

وعند الدارقطني من حديث، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعا: لا يقطع الصلاة كلب، ولا حمار، ولا امرأة، وادرأ ما مرَّ أمامك.

وفي مراسيل أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب أن قطا أراد أن يمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فحبسه برجله ولما ذكره ابن القطان أعلّه براويه عبد الله بن أبي مريم، قال: لأنّ حاله مجهولة، وفي كتاب أبي نعيم: ثنا زهير عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر هرة أن تمرّ بين يديه وهو يصلي وثنا أبو خالد به، قلت لأبي العالية: أصلي فيمر السنور بين يدي، فهل يقطع الصلاة؟ فقال: إذا صليت ما أحب أن يمر بين يدي شيء ولا فأرة، إن الإِنسان إذا صلى بين يديه ملك يكتب ما يقول.

وفي مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب، عن عبد الله

ص: 437

ابن عمرو قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض أعلى الوادي نريد أن نصلي قد قام، وقمنا إذ خرج حمار من شعب أبي دب، شعيب أبي موسى، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكبر، وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى ردّه.

وفي كتاب الصلاة للدكيني: ثنا بشير بن مهاجر قال: رأيت أنسا وهو جالس في صلاته لم ينصرف، فجاء رجل يريد أن يمر بينه وبين السارية فأماطه.

وثنا جعفر بن برقان عن يزيد الفقير قال: كنت أصلي إلى جنب ابن عمر فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه، وفي رواية صالح بن كيسان عنه: فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادر برده قال عياض رحمه الله تعالى: أجمعوا على أنّه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا ما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم لا؟ هذا فيه مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك، وفي كتاب ابن التين: قال ابن شعبان: عليه الدية كاملة في ماله، وقيل: الديّة على عاقلته، قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه لرده، وإنّما يدافعه ويردّه من موقفه؛ لأنّ مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنّما أبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنّما يردّه إذا كان بعيدا منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يردّه لئلا يضيف مرورًا ثانيا إلا شيئا روي عن بعض السلف: أنَّه يردّه، واختلفوا إذا جاز بين يديه وأدركه هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يرده، ويروى ذلك عن سالم والحسن، وقال أشهب: يردّه بإشارة، ولا يمشي إليه؛ لأن مشيه أشد من مروره بين يديه، فإن مشى إليه ورده لم تفسد صلاته، وزعم ابن العربي أنّ بعض الناس غلط فقال: إذا صلى إلى غير سترة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه بمقدار رمية سهم، وقيل: رمية حجر، وقيل: رمية رمح، وقيل: بمقدار المطاعنة، وقيل: بمقدار المضاربة بالسيف،

ص: 438

وحريم المصلي سواء وضع بين يديه سترة أو لم يضعها بمقدار ما يشتغل قائمًا وراكعا وساجدًا لا يستحق من الأرض كلّها سواها وسائر ذلك لغيره.

وفي كتاب المنذري: يحتمل أن يكون قوله: فليقاتله، يعني فليلعنه، وقد جاءت المقاتلة بمعنى اللعن قال تعالى:{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وإلى هذا نحا غيره من الأئمة.

وفي كتاب ابن التين قيل: معناه: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويؤنبه، وقيل: يدفعه دفعا أشدّ من الردّ منكرا عليه، وحكي عن أبي حنيفة: إذا دفع المار بطلت صلاته، وهو قول الشافعي في القديم، وفي التمهيد: العمل القليل في الصلاة جائز نحو: قتل البرغوث، وحكّ الجسد، وقتل العقرب بما خف من الضرب ما لم تكن المتابعة والطول، والمشي إلى الفرج إذا كان ذلك قريبًا، ودرء المار بين يدي المصلي، وهذا كله بما لم يكثر، فإن كثر أفسد، وضمن عمر بن عبد العزيز رجلًا دفع آخر، وهو يصلي، فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه، والصحيح عندنا: أنّ الصلاة لا يقطعها ما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه، ولو كان خنزيرًا، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره مما جاءت الشريعة به، وقال الثوري: يمر الرجل بين يديّ يتبختر فأمنعه ويمر الضعيف فلا أمنعه.

ص: 439

‌باب من صلى وبينه وبين القبلة شيء

179 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة، ثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة، وفي لفظ عند الشيخين: ذكر عندها - يعني: عائشة - ما يقطع الصلاة، فذكر: الكلب، والحمار، والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب! لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من قبل رجليه.

وفي لفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.

وفي لفظ: كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل، فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما فسجد.

وفي لفظ: وأنا معترضة أمامه في القبلة على الفراش الذي يرقد عليه هو وأهله فيما بينه وبين القبلة وفي مسند أحمد بن حنبل: عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح من الليل، وعائشة معترضة بينه وبين القبلة.

وفي لفظ عن حذيفة: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي وفي كتاب أبي داود: قال

ص: 440

شعبة: أحسبها قالت: وأنا حائض.

وفي لفظ: كنت وأنا معترضة في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي وأنا أمامه، فإذا أراد أن يوتر غمزني وفي لفظ: تنحى.

180 -

حدثنا بكر بن خلف، وسويد بن سعيد قالا: ثنا يزيد بن زريع، ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت: كان فراشها بحيال مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا حديث إسناده صحيح على رسم الشيخين، وقد تقدّم تصحيح الطحاوي له في ما أظن، والله أعلم.

181 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عباد بن العوام، عن الشيباني عن عبد الله بن شداد قال: حدثتني ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا بحذائه، وربما أصابني ثوبه إذا سجد.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولفظ البخاري: أنها تكون حائضا لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على خمرته، إذا سجد أصابني بعض ثوبه.

182 -

حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة، ثنا زيد بن حبان حدثني أبو المقدام، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى خلف المتحدّث أو النائم.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف راويه أبي المقدام هشام بن زياد بن هشام الأموي، مولاهم البصري أخي الوليد، فإن ابن المبارك ترك حديثه، وقال في موضع

ص: 441

آخر: ارم به، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي، ضعيف الحديث، وكان جارًا لأبي الوليد الطيالسي، وكان لا يرضاه ولم يرو عنه، وعنده عن الحسن أحاديث منكرة وهو منكر الحديث؛ وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.

وقال أبو عيسى، والطوسي: يضعف في الحديث، وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وفي موضع آخر: ضعيف وحدّث عنه ابن مهدي ثم تركه، وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه، وقال ابن عدي: وأحاديثه يشبه بعضها بعضًا، والضعف بيّن على رواياته.

وقال العجلي: ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث، ولما ذكره البجلي في جملة الضعفاء، قال: قال أحمد بن حنبل: ليس حديثه بشيء، وفي موضع آخر: ليس بثقة.

وفي كتاب الجرح والتعديل للنسائي: ليس بشيء مدني سكن البصرة، ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث، وكذا قاله ابن الجنيد والأزدي، وفي كتاب الضعفاء لابن الجارود: ليس بشيء، وذكره البرقي في جملة من ترك حديثه، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: ضعيف، والله أعلم، ولما رواه أبو داود عن القعنبي، ثنا عبد الملك بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمّن حدّثه، عن محمد بن كعب القرظي قال: قلت له - يعني: لعمر بن عبد العزيز -: حدثني ابن عباس به، قال.

وقال الخطابي: هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لضعف سنده، وعبد الله بن يعقوب لم يبين من حدّثه عن ابن كعب، وإنّما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون تكلمّ فيهما يحيى والبخاري.

ورواه أيضًا عبد الكريم أبو أمية وهو متروك الحديث عن مجاهد، عن ابن عباس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة وفي النسائي الكبير من حديث حارثة بن مضرب عن علي قال:

ص: 442

لقد رأيتنا ليلة بدر، وما فينا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة .... الحديث، فأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها أحمد، والشافعي، وذلك أن كلامهم يشغل المصلي عن صلاته: وكان ابن عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة وقال عبد الحق: خرجه - يعني: أبا داود - بسند منقطع ولا يصح بغيره أيضا،.

وفي مراسيل أبي داود من حديث، عن خير بن نعيم عن ابن الحجاج الطائي وحاله مجهولة فيما ذكره ابن القطان قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدث الرجلان، وبينهما أحد يصلي، ومن حديث، عن محمد بن الحنفية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي إلى رجل، فأمره أن يعيد الصلاة قال: لم يا رسول الله، إني قد أتممت الصلاة؟ فقال: إنك صليت وأنت تنظر إليه مستقبله.

وقال الدارقطني في العلل: رفعه عبد الأعلى عن ابن الحنفية عن علي، وعبد الأعلى مضطرب الحديث، وقد روي مرسلًا وهو أشبه بالصواب.

وفي الذخيرة للمقدسي من حديث أبان بن سفيان - وهو متهم بالوضع - عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإِنسان إلى نائم أو متحدث قال: هذا خبر موضوع، وفي الأوسط من

ص: 443

حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه: نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا شجاع بن الوليد، تفرد به سهل بن صالح الأنطاكي.

وفي البخاري: وَكَرِهَ عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي، قال البخاري: وإنما هذا إذا اشتغل به، فأمّا إذا لم يشتغل فقد قال زيد بن ثابت: ما باليت إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل، وفي سرح ابن بطال: ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرجل يستر الرجل إذا صلى إلّا أن أكثرهم كره أن يستقبله بوجهه، قال النخعي، وقتادة: يستر الرجل الرجل إذا كان جالسا، وعن الحسن: يستر المصلي ولم يشترط الجلوس ولا تولية الظهر، وعن نافع: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية المسجد قال لي: ولّني ظهرك، وهو قول مالك، وروى أشهب عنه: لا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل، فأما إلى جنبه فلا، وأجاز أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، الصلاة خلف المتحدثين وكرهه ابن مسعود، وعن سعيد بن جبير: إذا كانوا يتحدثون بذكر الله تعالى فلا بأس، وقال ابن سيرين: لا يكون الرجل سترة للمصلي، وعن مالك: لا يصلي إلى المتحلقين؛ لأن بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعا.

وفي كتاب ابن التين ذكر ابن البحر في مسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني نهيت أن أصلي إلى النائم والمتحدثين وبه قال طاوس، وقال مجاهد: أصلي وراء قاعد أحبّ إلي أن أصلي وراء نائم، قال ابن بطال: والقول قول من أجاز ذلك للسنة الثابتة، وعند السفاقسي: كره كثير من العلماء أن يستتر الرجل بالمرأة، وإن كانت أمه أو أخته لما يخشى عليه من الفتنة المضادة لخشوع الصلاة، وانفصل بعضهم عن حديث عائشة بأنه صلى الله عليه وسلم يملك إربه.

ص: 444

الجنازة: ذكرها ثعلب في باب المكسور أوله، وحكى في نوادره عن أبي زيد: الجنازة مكسورة الجيم لا تفتح الميت نفسه، وحكى المطرز عن الأصمعي: الجِنازة والجنَازة لغتان بمعنى واحد، وكذا قاله يعقوب في الإصلاح، قال ابن سيده في العويص: يعني بهما النعش وعليه الميت إذا ستر به الكفن، قال: والمختار الكسر، وعن الفارسي: هو الجنازة، والنعش والسرير، ولا يكون جنازة إلا حين يكون عليه ميت فأما اسم السرير والنعش فلازمان له.

وفي اللبلي: النعش: للمرأة، والسرير للرجل، وعن الفراء: جنزوه: حملوه على الجنازة.

وفي المحكم: جَنَزَ الشيء يجنزه جنزًا: ستره، وذكروا أن النوار لما احتضرت أوصت أن يصلي عليها الحسن، فقال: إذا جنزتموها فآذنوني، والجنِازة والجنَازة: الميت، قال ابن دريد: زعم قوم أن اشتقاقه من ذلك، قال: ولا أدري ما صحته، وقد قيل: هو نبطي، ووري في جنازته: أي مات، وفي الغريبين عن ابن الأعرابي: أنّ الجنازة بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت، ومرّ أعرابي بامرأة ثكلى فقال: أثكلتها الجنائز، يعني: الموت.

ص: 445

‌باب النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود

183 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن لا نبادر الإمام بالركوع، وإذا كبّر فكبّروا، وإذا سجد فاسجدوا.

هذا حديث رواه مسلم في صحيحه.

184 -

حدثنا حميد بن مسعدة وسويد بن سعيد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ألا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار؟.

هذا حديث خرجه الستة في كتبهم بزيادة: أو يجعل الله صورته صورة حمار.

وفي لفظ عند مسلم: لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد وفي مصنف أبي بكر من حديث مليح السعدي قال: قال أبو هريرة: إن الذي يخفض ويرفع رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ومن حديث ليث عن طلحة قال: قال سلمان: من رفع رأسه قبل الإمام ووضع رأسه قبل الإمام، فناصيته بيد الشيطان يرفعها ويضعها.

ونظر ابن مسعود إلى من سبق إمامه فقال: لا وحدك صليت ولا

ص: 446

بإمامك اقتديت وفي البخاري تعليقا عنه: إذا رفع قبل الإمام يعود فيمكث بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام وقال الحسن فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود: يسجد للركعة الآخرة سجدتين، ثم يقضي الركعة الأولى بسجودها، وفيمن نسي سجدة حتى قام يسجد.

وفي البيهقي من حديث الحارث بن مخلد عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إذا رفع أحدكم رأسه وظن أن الإمام قد رفع فليعد رأسه، وإذا رفع رأسه فليمكث بقدر ما ترك قال البيهقي: وروينا عن إبراهيم النخعي والشعبي: أنه يعود فيسجد.

185 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، عن زياد ابن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن دارم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد بدنت فإذا ركعت فاركعوا، وإذا رفعت فارفعوا، وإذا سجدت فاسجدوا، ولا ألفين رجلا سبقني إلى الركوع ولا إلى السجود.

هذا حديث منقطع فيما بين سعيد وجدّه أبي موسى، نص على ذلك غير واحد؛ منهم: أبو حاتم الرازي، وابن عساكر.

186 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن ابن عجلان، وثنا أبو بشر بكر بن خلف، ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود، فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت، إني قد بدنت.

ص: 447

هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه عن أبي خليفة، ثنا أبو الوليد، ثنا ليث بن سعد، عن ابن عجلان، وفي الصحيحين عن البراء: أنهم كانوا إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع مع النبي صلى الله عليه وسلم قاموا قياما، فإذا رأوه قد سجد سجدوا وعند مسلم: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحنو أحد منا ظهره حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم يضع.

وفي لفظ: كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته بالأرض ثم يتبعونه صلى الله عليه وسلم.

وعند أبي داود من حديث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة.

وقوله: بدنت مشدّدة الدال، معناه: كبر السن، وفي المحكم: بدن الرجل: أسن وضعف، قال الشاعر:

وكنت خلت الهم والتبدينا

والشيب مما يذهل القرينا

ورجل بدن: مسن، قال الأسود بن يعفر:

هل لشاب فات من مطلب

أم ما بكاء البدن الأشيب

وفي الغريبين: رواه بعضهم: إني قد بدنت، وليس بمعني، لأنه خلاف صفته صلى الله عليه وسلم ومعناه: كثير اللحم.

ص: 448

‌باب ما يكره فعله في الصلاة

187 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا ابن أبي فديك، حدثني هارون بن هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته.

هذا حديث في سنده ضعف، لضعف هارون بن هارون بن عبد الله بن محرز ابن الهدير التيمي أبي محرز، فإن أبا حاتم الرازي قال: هو منكر الحديث ليس بالقوي.

وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، وفي موضع آخر: ليس بذاك، وقال النسائي، والدارقطني: ضعيف.

وقال ابن حبان: كان يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به.

وقال ابن ماكولا: منكر الحديث، وقال الساجي: ليس بذاك، وذكره العقيلي وابن الجارود في جملة الضعفاء، ولما ذكره البيهقي في المعرفة من حديث ابن بريدة عن ابن مسعود من قوله، ومرة عن أبيه مرفوعًا: أربع من الجفاء؛ فذكر منهن: مسح الرجل التراب عن وجهه في صلاته، قال: وروي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا، ولم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا حديث أبي سعيد الذي احتج به الحميدي: أبصرت عيناي النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين في أن لا يمسح المصلي الجبهة في الصلاة، وعن ابن عباس: لا يمسح المصلي وجهه من التراب حتى يتشهد ويسلم وبه أخذ ابن أبي ليلى، وذكر أبو حنيفة عن حماد، عن إبراهيم: أنَّه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم، وكان أبو حنيفة لا يرى بذلك بأسا، قال الشافعي: ولو ترك المصلي مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان أحب إلي، وحمل ابن جبير قوله:{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} على ندى الطهور وثرى الأرض، وأنكر ابن عمر، وأبو الدرداء، والسائب بن يزيد الذي يكون بالجبهة من شدة

ص: 449

مسحها بالأرض، وكرهوا ذلك - والله تعالى أعلم - وفي صحيح البستي عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلام يقال له: رباح: يا رباح ترب وجهك وسماه الترمذي في جامعه: أفلح.

188 -

حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو قتيبة، ثنا يونس بن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف الحارث المذكور قبل، وفي مسند أحمد من حديث ابن لهيعة عن زبان بن فائد، وفيهما كلام، عن سعد بن معاذ عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: إنّ الضاحك في الصلاة، والملتفت، والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة ورواه البيهقي من حديث الليث عن زبان فأخرج منه ابن لهيعة.

189 -

حدثنا أبو سعيد سفيان بن زياد المؤدب، ثنا محمد بن راشد، عن الحسن بن ذكوان عن عطاء، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه في الصلاة.

هذا حديث إسناده صحيح، وضعفه بعضهم بالحسن بن ذكوان، وهو غير جيد لثبوت حديثه في صحيح البخاري.

ص: 450

190 -

حدثنا علقمة بن عمرو الدارمي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن كعب بن عجرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.

هذا حديث لما رواه الترمذي من حديث الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن رجل، عن كعب قال: حديث كعب رواه غير واحد، عن ابن عجلان مثل حديث الليث، وروى شريك، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وحديث شريك غير محفوظ ولما خرجه الحاكم من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: إذا توضأت ثم دخلت المسجد فلا تشبكن بين أصابعك قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه شريك بن عبد الله عن ابن عجلان فوهم في إسناده، فقال: عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنت في المسجد فلا تجعل أصابعك هكذا يعني: تشبكها.

وخرجه أيضًا من حديث إسماعيل بن أمية، عن سعيد، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يقل هكذا: وشبك بين أصابعه وقال حديث صحيح على شرط الشيخين.

وفي صحيح ابن خزيمة من حديث أبي ثمامة قال: لقيني كعب، وأنا أريد الجمعة، وقد شبكت

الحديث ثم قال: رواه ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن رجل من بني سالم، عن أبيه، عن جدّه كعب.

ورواه الأحمر عن ابن عجلان، عن ابن المسيب، عن أبي سعيد، ولا أحل لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلّا على هذه الصفة فإنه إسناد مقلوب، ويشبه أن يكون الصحيح حديث أبي ثمامة،

ص: 451

وأما ابن عجلان فوهم في السند وخلط فيه، فمرّة يقول: عن أبيه عن أبي هريرة، ومرة يرسله، ومرة يقول: عن أبيه، عن أبي هريرة، وابن أبي ذئب قد بين أنّ سعيدا إّنما رواه عن رجل وهو عندي سعد بن إسحاق إلّا أنّه غلط فيمن فوق سعد فقال: عن أبيه، عن جده كعب.

ولفظ حديث أبي هريرة عنده: إذا كنت في المسجد فلا تجعلن أصابعك هكذا، تشبكها ولما رواه في الأوسط قال: لم يروه عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة إلا الدراوردي، ورواه الناس عن ابن عجلان، عن سعيد عن كعب ورواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي عروبة، ثنا محمد بن معدان، ثنا سليمان بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت من المسجد فلا تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة، وأنبأ أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا أبو عامر، ثنا داود بن قيس عن سعد بن إسحاق حدثني أبو ثمامة الحناط أن كعبا حدّثه به، وعند أحمد بن حنبل: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وقد شبكت بين أصابعي فقال لي: يا كعب إذا كنت في المسجد، فلا تشبك بين أصابعك فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة.

وعند ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه، عن مولى لأبي سعيد: أنه كان مع أبي سعيد، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا في المسجد شبَّك بين أصابعه فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفطن فالتفت إلى أبي سعيد، فقال: إذا كان

ص: 452

أحدكم في الصلاة فلا يشبكن، فإن التشبيك من الشيطان وزعم ابن بطال: ليس هذا الحديث بثابت، فإن قيل: فقد ورد في الصحيح في يوم ذي اليدين: فوضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، قيل له: هذا كان بعد فراغه من الصلاة فلا معارضة، والله أعلم.

وأما حديث ابن عمر، أو ابن عمرو من عند البخاري: شبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه وحديث أبي موسى من عنده أيضا مرفوعا: إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه فخارج الصلاة، وقد اختلف العلماء في التشبيك في الصلاة؛ فزعم ابن الجوزي: أنه ورد النهي عن ذلك في آثار مرسلة عن سعيد بن المسيب معارضة لما ذكره البخاري، وليست كذلك؛ لأنها غير مقاومة لها في الصحة، وكره إبراهيم تشبيك الأصابع في الصلاة وهو قول مالك، ورخص في ذلك ابن عمر وسالم ابنه، فكانا يشبكان في الصلاة، وكذلك الحسن، قال مالك: إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة.

191 -

حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ حفص بن غياث عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، ولا يعوي، فإن الشيطان يضحك في فيه.

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف راويه عبد الله بن سعيد ونكارة حديثه، وسيأتي ذكره بعد، وقد وجدنا لحديثه هذا أصلا عند مسلم بلفظ: التثاؤب من

ص: 453

الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وعند مسلم أيضا من حديث أبي سعيد: إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل.

192 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الفضل بن دكين، عن شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البزاق، والمخاط والحيض، والنعاس في الصلاة من الشيطان.

هذا حديث أسلفنا الكلام على من ضعّفه بثابت أبي عدي وغيره.

التثاؤب: ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهم من فتح الفم والتمطي، عن ابن درستويه، وقال الترمذي: هي من جهة الرسم: انفتاح الفم بريح يخرج من المعدة لعرض من الأعراض يحدث فيها فيوجب فيها ذاك، ومن أمثالهم: أعدى من الثوباء: يريدون إذا تثاءب الإنسان تثاءب من بحضرته، وقال ابن درستويه: العامة تقوله بالواو ولا تهمزه تثاوب، ويتثاوب تثاوبًا، وهو خطأ، وفي الحديث: إذا تثاءب أحدكم فلا يقل: هاه هاه، فإنه اسم شيطان وفي اللبلي: تثاءب بمد الهمزة، وعن أبي عبيد: الثؤباء، بسكون الهمزة.

ص: 454

‌باب من أمَّ قوما، وهم له كارهون

193 -

حدثنا أبو كريب، ثنا عبدة بن سليمان وجعفر بن عون عن الإفريقي، عن عمران عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تقبل لهم صلاة: رجل يؤم القوم وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة إلا دبارا - يعني: بعد ما يفوته الوقت - ومن اعتبد محررًا.

هذا حديث في سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد تقدَّم الاختلاف فيه.

194 -

حدثنا محمد بن عمر بن هياج، ثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، حدثني عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان.

هذا حديث إسناده لا بأس به، محمد قال أبو حاتم: لا أرى في حديثه إنكارًا، ويروي عن عبيدة أحاديث غرائب، وقال ابن نمير: لا بأس به، وقال الدارقطني: صالح يعتبر به، وعبيدة قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، والقاسم وثقه العجلي وغيره، والمنهال خرج البخاري حديثه في صحيحه، وفي معجم الطبراني الكبير: ثنا يحيى بن عثمان، ثنا سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجل أم قوما وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنه وذكره أيضًا الشيخ ضياء الدين في صحيحه - والله أعلم -، وعند الترمذي عن

ص: 455

أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام أمَّ قومًا وهم له كارهون وقال: حديث حسن غريب، وفي المعرفة: وروي من وجه آخر من حديث قتادة، قال: لا أعلمه إلا رفعه، قال: وهذا منقطع، ورواه إسماعيل أظنه ابن عياش، عن الحجاج بن أرطأة، عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وعن عطاء، عن أبي نضرة عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا، وهذا إسناد ضعيف، وروي حديث الحسن موصولًا بذكر أنس فيه، وليس بشيء، تفرد به محمد بن القاسم الأسدي عن الفضل بن دلهم عنه، ومن حديث يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد، عن أنس يرفعه، وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

وقال الشافعي: لم أحفظه من وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله، قال: ومعناه الرجل غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للإمام. انتهى.

هذا الوعيد في الرجل ليس من أهل الإمامة فيتغلب عليها حتى يكَره الناس إمامته، فأمَّا المستحق للإمامة فاللوم على من كرهه.

وقوله: دبارا: هو أن يكون قد اتخذه عادة حتى يَكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس، وقيل: أن يأتيها بعدما يفوت وقتها أو يأتيها حين أدبر وقتها.

وقوله: (اعتبد محرره) أي: اتخذه عبدًا، وهو أن يعتقه ويكرهه أو يعتقله بعد العتق، فيستخدمه كرهًا، أو يأخذ حرا فيدعيه عبدًا أو يتملكه، وإطلاق محرره على الصورة الأخيرة فيه، وقد روي اعتيد محررًا، فيتخرج عليه هذه الصورة الأخيرة، والله أعلم.

ص: 456

‌باب الاثنان جماعة

195 -

حدثنا هشام بن عمار أنبأ الربيع بن بدر، عن أبيه عن جدّه عمرو بن جراد، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنان فما فوقهما جماعة.

هذا حديث قال فيه أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام: هذا خبر ساقط، وكأنه - والله أعلم - يعني بذلك ضعف راويه الربيع بن بدر، والملقب عليلة، فإن يحيى بن معين قال: هو ليس بشيء، وفي رواية: كان ضعيفا، وقال أبو حاتم: لا يشتغل به ولا بروايته، فإنه ضعيف الحديث ذاهب الحديث.

وقال يعقوب بن سفيان: لا يكتب حديثه، وقال مرة أخرى: ضعيف، متروك، وقال أبو داود: ضعيف الحديث، وفي موضع آخر: لا يكتب حديثه، وقال ابن خراش: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وعامة رواياته مما لا يتابعه عليه أحد.

وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وفي موضع آخر: متروك الحديث، وكذا قاله الأزدي والدارقطني، وقال الساجي: فيه ضعف، وكان أحمد بن حنبل إذا ذكره تبسم: يروي عن الأعمش حديثا منكرا؛ وقال العجلي: ضعيف الحديث؛ وقال عثمان بن أبي شيبة، وابنه محمد بن عثمان: ضعيف.

وقال الحاكم لما سأله عنه مسعود: يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات المقلوبات، وعن الضعفاء الموضوعات، وقال ابن الجارود: ليس بشيء، وقال البخاري: يخالف في حديثه، وقال السعدي: واهي الحديث؛ وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات المقلوبات، وعن الضعفاء الموضوعات.

ورواه البيهقي من جهة سعيد بن زربي، وهو ضعيف، قال: ثنا ثابت عن أنس فذكره بمثله، وفي الأحكام لابن حزم: وقال: لا يصح من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا: اثنان فما

ص: 457

فوقهما جماعة وفي الكامل من حديث الحكم بن عمير مرفوعا: اثنان فما فوقهما جماعة فيه عيسى بن طهمان، وهو ضعيف الحديث منكره.

196 -

حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامني عن يمينه.

هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم.

197 -

حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، ثنا شرحبيل قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت عن يساره، فأقامني عن يمينه.

هذا حديث في إسناده ضعف لضعف شرحبيل بن سعد أبي سعد الأنصاري الخطمي المدني، فإنّه وإن كان ابن حبان قد ذكره في الثقات، وفي رواية مضر عن يحيى: ثقة وخرج ابن خزيمة وابن حبان والحاكم حديثه، زاد الحاكم: روى عنه مالك بعد أن كان سيئ الرأي فيه، وقال البرقي: روى عنه مالك حديث النهش، وحدَث عنه يحيى بن سعيد، وقال أبو زرعة: فيه لين، فقد قال ابن أبي ذئب: ثنا شرحبيل بن سعد، وكان متّهمَا.

وقال علي ابن المديني: اتهم وترك، وقال الساجي: فيه ضعف، وليس بذاك؛ وفي موضع آخر: ضعيف، وذكره البرقي في باب من كان الأغلب عليه الضعف في حديثه، وقد ترك بعض أهل العلم بالحديث الرواية عنه، وذكره أبو العرب، والمنتجيلي، وابن السكن والبلخي، والعقيلي في جملة الضعفاء، وقال بشر بن عمر:

ص: 458

قال مالك: ليس بثقة، وقال النسائي: ضعيف، وكذا قاله ابن معين في رواية عباس، زاد: وليس هو بشيء، وقيل لابن إسحاق: كيف حديثه؟ فقال: وأحد يحدّث عنه؟، وقال ابن عديّ: له أحاديث، وليست بالكثيرة، وفي عامة ما يرويه إنكار على أنه قد حدّث عنه جماعة، وهو إلى الضعف أقرب، والله تعالى أعلم.

198 -

حدثنا نصر بن علي، ثنا أبي، ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أنس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من أهله وبي، فأقامني عن يمينه، وصلَّت خلفنا المرأة.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي أبي داود ما يبين أن هذه المرأة من أهل أنس، لا من أهل النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح ابن حبان من حديث شعبة عن ابن المختار، عن موسى عن أنس أنه كان هو، والنبي صلى الله عليه وسلم وأمه وخالته، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أنسا عن يمينه وأمه وخالته خلفهما.

وفي البخاري من حديث مالك بن الحويرث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وليؤمكما أكبركما وحديث: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وحديث: من يتصدق على هذا فيصلي معه رواه أبو سعيد عند ابن حبان، والله تعالى أعلم.

ص: 459

‌باب من يستحب أن يلي الإمام

199 -

حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان بن عيينة عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما فيما قاله الحاكم، وعنده أيضا: ليلني منكم الذين يأخذون عني، يعني: الصلاة وقال: هذه الزيادة بإسناد صحيح على شرطهما، وفي علل الخلال: قال حنبل: ثنا أبو عبد الله، ثنا يونس، ثنا يزيد بن زريع، ثنا خالد عن أبي معشر، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله يرفعه: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى قال أحمد: هذا حديث منكر، قال أبو الحسن: لم يروه عن إبراهيم إلّا أبو معشر، وهو مخرج في صحيح مسلم بزيادة: وإياكم وهيشات الأسواق وقال فيه الترمذي: حسن غريب، وعند ابن خزيمة من حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني.

200 -

حدثنا نصر بن علي، ثنا عبد الوهاب، ثنا حميد عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار، ليأخذوا عنه.

ص: 460

هذا حديث إسناده صحيح، ولفظ أحمد في مسنده: ليحفظوا عنه.

201 -

حدثنا أبو كريب، ثنا ابن أبي زائدة عن أبي الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا، فقال: تقدَّموا فأتموا بيِ، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخِّرهم الله عز وجل.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي سنن أبي داود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى في النار قال المنذري: قال هذا صلى الله عليه وسلم في المنافقين، ويحتمل أن يكون تأخرهم في العلم أو في السبق والمنزلة عنده صلى الله عليه وسلم، وفي سنن الدارقطني من حديث عبيد الله بن سعيد، عن الليث، عن مجاهد، عن ابن عباس يرفعه: لا يتقدّم الصف الأول أعرابي، ولا أعجمي، ولا غلام لم يحتلم.

المنكب من الإنسان وغيره: مجتمع رأس الكتف والعضد، مذكر لا غير حكى ذلك اللحياني، وفي صحيح البخاري في كتاب البيوع في عامة ما رأيت من الأصول، فوضع يده على إحدى منكبي.

والأحلام: الحلومْ، جَمْعُ: حلم، وهو: الأناة والعقل، قال الله تعالى:{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} وقال جرير بن الخطفي فيما ذكره ابن سيده:

هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ما جرب الناس من عضي وتضريسي

وهذا أحد ما جمع من المصادر، ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء.

ص: 461

والنهى: العقل يكون واحدًا وجمعًا، وهو جمع: نُهية، والنهاية والمنهاة: العقل كالنهية، ورجل منهاة: عاقل، حسن الرأي، عن أبي العميثل، وفي الغريبين: لأنه ينتهي بها عن القبائح، وقيل: لأنه ينتهى إلى رأيه، واختياراته لعقله، وخصهم بذلك لاستخلافه إن احتاج، أو لتبليغ ما يسمعونه منه، وضبط ما يحدث عنه والتنبيه على سهو إن وقع؛ ولأنهم أحق بالتقدم، وليقتدي بهم من بعدهم، والله أعلم.

ص: 462

‌باب من أحق بالإِمامة

202 -

حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الانصراف قال لنا: إذا حضرت الصلاة فأذّنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.

203 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاء سمعت أوس بن ضمعج قال: سمعت أبا مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، وإن كانت الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنّا، ولا يؤم الرجل في أهله ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذن أو بإذنه.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

وفي الباب: حديث أبي سعيد الخدري من عنده أيضا مرفوعا: إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم وحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤمَكم أقرؤكم وإن كان ولد زنا ذكره ابن حزم في كتاب الأعراب من حديث محمد بن الفضل بن عطية - وهو متروك - وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم، وإن كان أصغركم، وإذا أمكم فهو أميركم رواه البزار، وقال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية أبي

ص: 463

هريرة بهذا الإسناد، وعند الدارقطني من حديث خالد بن إسماعيل المخزومي - وهو متروك - مرفوعًا: إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدّموا خياركم ومن حديث عبد الله بن محمد بن يحيى، وهو ضعيف: سيليكم بعدي أمراء، فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا وصلوا وراءهم.

وحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أم قوما وفيهم من هو أقرأ منه لكتاب الله وأعلم، لم يزل في سفال إلى يوم القيامة، وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسين بن علي بن يزيد الصدائي، يعني عن أبيه عن حفص بن سليمان عن الهيثم، وفيه: من حديث عبد الله بن حنظلة الغسيل مرفوعًا: الرجل أحق بصدر دابته، وأن يؤم في رحله وقال: لم يروه عن المسيب بن رافع، ومعبد بن خالد إلا إسحاق بن يحيى بن طلحة، ولا يروى عن عبد الله بن حنظلة إلّا بهذا الإسناد.

وعند الدارقطني من حديث عمر بن يزيد - وهو منكر الحديث - مرفوعا: اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله عز وجل.

ومن حديث خالد بن إسماعيل أيضًا: صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله وحديث عمرو بن سلمة من عند البخاري مرفوعًا: فإذا أحضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا وحديث جابر مرفوعا: ألا

ص: 464

لا يؤمن رجلا امرأة، ولا يؤمن أعرابي مهاجرا، ولا يؤمن فاجر برَا إلّا أن يكون ذا سلطان.

وحديث ابن عباس: ليؤذن لكم خياركم، ويؤمكم قراؤكم تقدم من عند ابن ماجه.

وحديث عائشة من كتاب الخلال، وقيل لها: من يؤمنا؟ قالت: أقرؤكم للقرآن، فإن لم يكن فأصبحكم وجهًا قال أحمد، ويحيى بن معين: هذا حديث سوء وليس بصحيح، وسئل أحمد عن حديث فرقد السبخي، عن مرة عن عمر: لا يؤم المقيد المطلقين فلم يعجبه، قيل له: تعرف في المقيد يؤم المطلقين قال: لا أعرف فيه شيئًا يصح.

ص: 465

‌باب ما يجب على الإمام

204 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، ثنا أبو حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه، يصلون بهم فقيل له: تفعل هذا، ولك من القدم ما لَكَ؟! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإِمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء -يعني - فعليه ولا عليهم.

هذا حديث قال فيه الحاكم وخرجه من حديث سريج بن النعمان، عن عبد الحميد: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وكأنه - رحمه الله تعالى - لم يعتد بما قيل في راويه.

205 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن أم غراب، عن امرأة يقال لها: عقيلة، عن سلامة بنت الحر أخت خرشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إماما يصلي بهم.

هذا حديث في سنده امرأتان مجهولتان: الأولى أم غراب طلحة، وإن كان قد روى عنها أيضًا مروان بن معاوية الفزاري، وفي الكمال: وهارون بن عباد، فيشبه أن يكون وهمًا، وذلك أنّ ابن عباد إنّما روى عن مروان عنها، نص على ذلك أبو داود وغيره، فإني لم أر من تعرض لمعرفة حالها، وأما عقيلة فلم أر من ذكر عنها راويًا غير أم غراب، ولا تعرض لحالها على أن أبا داود لما روى حديثها سكت عنه، وتبعه على ذلك المنذري وغيره، وليس كافيا، ولفظه: من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماما يصلي بهم.

وفي كتاب الخلال من حديث عبد الرزاق، عن أبيه: أن قومًا تدافعوا الإمامة فخسف بهم، قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: سمعته من عبد الرزاق، وليس له إسناد.

206 -

حدثنا محرز بن سلمة العدني، ثنا ابن أبي حازم، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي علي الهمداني: أنه خرج في سفر فيه عقبة بن عامر الجهني، فحانت صلاة من الصلوات فأمرناه أن يؤمنا، وقلنا له: إنَّك أحقنا بذلك أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أم الناس فأصاب، فالصلاة له ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم.

ص: 466

هذا حديث صححه الإشبيلي بسكوته عنه، وأبى ذلك عليه أبو الحسن، وضعفه، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي: عن الربيع بن سليمان قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير، ثنا يحيى بن أيوب، عن حرملة بن عمران، عن أبي علي الهمداني سمعت عقبة قال: أهل العلم بالحديث يقولون: الصواب في إسناد هذا الحديث:، ولما خرجه الحاكم من جهة يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي علي، قال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث إن يحيى بن أيوب الغافقي ممن اتفقا على تخريج حديثه، وعبد الرحمن بن حرملة، تفرد بحديثه مسلم.

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم وتقدم حديثه أيضًا: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن وما فيه من العلل القادحة وغير القادحة.

وعند الدارقطني بسند لا بأس به عن جابر يرفعه: الإمام ضامن، فما صنع فاصنعوا قال أبو حاتم: هذا تصحيح لمن قال بالقراءة خلف الإمام، وفي كتاب أبي داود بسند حسن من حديث قبيصة بن وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم.

وقال المهلب: في حديث أبي هريرة جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه، وفيه أن الإمام إذا نقص ركوعه وسجوده لا تفسد صلاة من خلفه إلا أن ينقص فرضا من فروضها، فلا يجوز اتباعه إلّا أن يخاف منه.

ص: 468

‌باب من أمّ قومًا فليخفف

207 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي ثنا إسماعيل عن قيس، عن أبي مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، إني لأتأخَّر في صلاة الغداة من أجل فلان لما يطيل بنا فيها، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب قط في موعظة أشدّ غضبًا منه يومئذ، فقال: يا أيها الناس إنّ منكم منفرين، فأيّكم ما صلى بالناس فليجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي لفظ عند البخاري: فإن فيهم المريض والضعيف.

ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي الجواب، عن عمار بن رزيق عن أبي إسحاق، عن قيس بن أبي حازم عنه، وقال: المشهور من حديث إسماعيل عن قيس.

208 -

حدثنا أحمد بن عبدة وحميد بن مسعدة قالا: ثنا حماد بن زيد، ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجز، ويتم الصلاة.

هذا حديث خرجاه أيضًا.

209 -

حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: صلى معاذ بن جبل بأصحابه صلاة العشاء، فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 469

فأخبره ما قال معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تكون فتانًا يا معاذ؟ إذا صليت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، واقرأ باسم ربك.

هذا حديث خرجاه أيضًا من حديث عمرو بن دينار: سمعت جابرًا بلفظ: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي فتركها وأقبل إلى معاذ فقرأ سورة البقرة

الحديث، وفيه: أفاتن أنت ثلاث مرار.

وفي مسند أحمد بن حنبل بسند صحيح عن بريدة الأسلمي: أنَّ معاذًا صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، فقام رجل فصلى وذهب .... الحديث، وفيه أيضًا بسند صحيح عن أنس بن مالك: كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام - يعني: ابن ملحان: وهو يريد أن يسقي نخله المسجد، فلما رأى معاذًا طوَل، تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه.

وعنده أيضًا من حديث معاذ بن رفاعة، عن سليم رجل من بني سلمة: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذَا

الحديث، وذلك قبل أُحد فدلّ أن الحديث منقطع؛ لأن معاذ بن رفاعة ليس صحابيا، قال ذلك ابن حزم وغيره.

وفي سنن أبي داود عن موسى بن إسماعيل، عن طالب بن حبيب، سمعت عبد الرحمن بن جابر يحدّث عن حزم بن أبي كعب الأنصاري: أنه أتى معاذًا وهو يصلي بقومه صلاة المغرب

الحديث.

وفي صحيح البستي عن جابر: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم فأخرّ النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة فصلى معه معاذ ثم رجع إلينا فتقدّم ليؤمنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأى رجل منّا .... الحديث، وفيه:

ص: 470

قال عمرو: وأمره بسور قصار لا أحفظها، قال سفيان: فقلنا لعمرو: إنّ أبا الزبير قال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى قال عمرو: نحو هذا، وفي لفظ: ثم ينصرف إلى قومه فيصليها لهم، وكان إمامهم قال أبو حاتم: في هذا دحض لقول من زعم أنه لم يكن يصلي بهم الفرض، وإن الفرض أدّاه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ذكر الخبر الدال على أنَّ المغرب ليس له وقت واحد: أنبأ ابن الجنيد، ثنا قتيبة، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو سمع جابرا: إن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم.

وفي شرح مسلم للنووي - رحمه الله تعالى - باب القراءة في العشاء فيه حديث البراء بن عازب: أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيؤمهم

الحديث. انتهى. ينبغي أن يتثبت في هذا، فإني لم أجده في مسلم، ولا في كتاب من الكتب الستة.

وفي سنن الدارقطني بسند صحيح عن أبي بكر النيسابوري: ثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو، عن جابر: أنَ معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، هي له تطوع ولهم فريضة.

وثنا أبو بكر، ثنا عبد الرحمن بن بشر وأبو الأزهر قالا: ثنا عبد الرزاق، أنبأ ابن جريج أخبرني عمرو أخبرني جابر الحديث بلفظ: فيصلي بهم تلك الصلاة، هي له نافلة، ولهم فريضة ورواه الشافعي في مسنده عن عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عمرو به.

وقال البيهقي: هذا حديث ثابت، لا أعلم حديثا يروى من طريق واحدة أثبت من هذا، ولا أوثق رجالا، قال البيهقي: وكذلك رواه النبيل وعبد الرزاق، عن ابن جريج،

ص: 471

بذكر هذه الزيادة، وقد رويت هذه الزيادة من وجه آخر عن جابر، رواها الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بلفظ: فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة قال الطحاوي: قد روى ابن عيينة عن عمرو حديث جابر هذا، فلم يذكر هذه الزيادة، فيجوز أن يكون من قول ابن جريج، أو من قول عمرو، أو من قول جابر بناء على ظنّ واجتهاد لا بجزم، وذكر أبو البركات ابن تيمية أنَ الإمام أحمد ضَعف هذه الزيادة وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة؛ لأن ابن عيينة يزيد فيها كلاما لا يقوله أحد.

زاد ابن قدامة في المغني عنه: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة فلم يقولا ما قاله سفيان. انتهى، قد سبق من عند الدارقطني وغيره أن هذه الزيادة جاءت من قبل ابن جريج، ومن عند الطحاوي أنّ ابن عيينة لم يأت بها فينظر.

وفي كتاب ابن الجوزي: فإن قالوا فقد روي عن جابر أنّه قال: يكون له تطوّعًا، قلنا: هذا لا يصح، ولو صح كان ظنا من جابر، وبنحوه ذكر القاضي أبو بكر في العارضة وفي كتاب ابن بشكوال: اسم الرجل المنصرف حازم.

وفي مسند الشافعي: فقرأ بسورة البقرة والنساء قال البيهقي: الأصل أن ما كان موصولا بالحديث يكون منه، وخاصة إذا روي من وجهين إلا أن تقوم دلالة على التمييز، فالظاهر أن قوله: هي له تطوع، وهي لهم مكتوبة من قول جابر، وكان الصحابة أعلم بالله وأخشى له من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم.

وحديث عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين لا يثبت ثبوت حديث معاذ للاختلاف في الاحتجاج بروايات عمرو وانفراده به، والاتفاق على الاحتجاج بروايات رواة معاذ: وصلى النبي صلى الله عليه وسلم أي صلاة الخوف ببطن نخلة بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم

ص: 472

سلم قال الشافعي: أنبأ به الثقة ابن عيينة أو غيره عن يونس، عن الحسن، عن جابر فذكره: وقال: فالآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، وللآخرين فريضة، وعن عطاء: إن أدركت العصر ولم تصل الظهر فاجعل الذي صليت مع الإمام الظهر، وصل العصر بعد ذلك، قال الشافعي: ويروى عن عمر بن الخطاب وعن رجل من الأنصار مثل هذا المعنى، ويروى عن أبي الدرداء وابن عباس قريب منه، وكان وهب بن منبه وأبو رجاء العطاردي والحسن وابن مهدي ومسلم بن خالد ويحيى بن سعيد وغيرهم يقولون بهذا، وعن ابن جريج قال إنسان لطاوس: وجدت الناس في القيام فجعلتها العشاء الآخرة، قال: أصبت، وهي رواية عن أحمد، وبه قال سليمان بن حرب وابن المنذر وأبو ثور وداود، قال البيهقي: واحتج الشافعي بقوله: من يتصدق على هذا فيصلي معه.

وعن الأوزاعي قال: دخل ثلاثة نفر من الصحابة في صلاة العصر ولم يكونوا صلوا الظهر، فلما سلم الإمام قال بعضهم لبعض: كيف صنعت؟ قال أحدهم: أما أنا، فجعلت صلاتي مع الإمام صلاة الظهر ثم صليت العصر، وقال الآخر: أنا جعلت صلاتي مع الإمام العصر، ثم صليت الظهر، وقال الآخر: أما أنا فجعلت صلاتي مع الإمام سبحة، واستقبلت الظهر ثم العصر فلم يعب أحدهم على صاحبه، قال: وروينا هذا عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ قال: دخل ثلاثة نفر

الحديث، وزعم المهلب: أنَّ حديث معاذ يحتمل أن يكون أوّل الإسلام وقت عدم القراء ووقت لا عوض للقوم من معاذ، فكانت حال ضرورة لا تجعل أصلا يقاس عليه. انتهى.

قد أسلفنا أنَّ هذا كان قبل أُحد، فلا حاجة بنا إلى هذا التجوز، وقد ورد حديث يشدّ قول من ذهب إلى أنّ معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرض، ذكره الإسماعيلي: ثنا إبراهيم بن السري

ص: 473

ابن يحيى ابن أخي هناد بن السري، ثنا محمد بن إسحاق العامري، ثنا عبيد الله عن أبي الأحوص عن المغيرة عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا ومنع أبو حنيفة وأصحابه من صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو قول الزهري، ورواية عن الحسن بن أبي الحسن، وقول سعيد بن المسيب، والنخعي، وأبي قلابة وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، ورواية أبي الحارث عن أحمد بن حنبل، زاد الطحاوي: مجاهدا، واستدل بالحديث الصحيح: إنما جعل الإمام ليؤتّم به، فلا تختلفوا عليه.

قال ابن بطال: ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات، ولأنه لو جازينا المفترض على صلاة المتنفل لما شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها، وارتكاب الأعمال التي لا تصح الصلاة معها في غير الخوف؛ لأنَه كان يمكنه صلى الله عليه وسلم أن يصلي مع كل طائفة جميع صلاته، وتكون الثَّانية له نافلة، وللطائفة الثانية فريضة. انتهى.

قد أسلفنا ما قاله في الحديث، فلا حاجة به إلى إحالته لوقوعه ولكونه حديثا جيدا، قال الطحاوي: ويحتمل أن يكون حديث معاذ وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإنَّ ذلك قد كان يفعل في أوّل الإسلام حتى نهي عنه، وبنحوه ذكره ابن التين وابن بطال.

210 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: كان آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم حين أمرني على الطائف قال لي: عثمان، تجاوز في الصلاة واقدر الناس بأضعفهم، فإنَّ فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة.

ص: 474

هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: فمن أمّ الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء.

وفي لفظ: إذا أممت الناس فأخفَّ بهم الصلاة وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء.

211 -

حدثنا علي بن إسماعيل ثنا عمر بن علي ثنا يحيى ثنا شعبة ثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب قال عثمان بن أبي العاص: إنَ آخر ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أممت قوما فأخف بهم.

وعند النسائي من حديث ابن عمر بسند صحيح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويأمنا بالصافات وفي مسند الشافعي من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن نافع بن سرجس قال: عدنا أبا واقد فسمعته يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة على الناس وأطول صلاة لنفسه.

وفي مصنف أبي بكر: عن المنذر بن أبي أسيد قال: كان أبي يصلي خلفي، فربما قال لي: يا بني طولت بنا اليوم.

وعند الطبراني من حديث إبراهيم التيمي عن أبيه سمعت عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وقال: لم يروه عن عمار الدهني، عن إبراهيم إلا عبد الجبار بن العباس تفرد به، والله تعالى أعلم.

ص: 475

‌باب الإمام يخفف الصلاة إذا حدث أمر

212 -

حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم لوجد أمّه ببكائه.

هذا حديث اتفقا على تخريجه، وفي لفظ عند البخاري: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه.

213 -

حدثنا إسماعيل بن أبي كريمة الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن عبد الله بن علاثة عن هشام بن حسان، عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأسمع بكاء الصبي فأتجوز في الصلاة.

هذا حديث في سنده انقطاع فيما بين الحسن وعثمان، نص على ذلك أبو عبد الله الحاكم في مستدركه، وذلك أنه لما ذكر حديثه عنه: تمكث النساء أربعين يوما قال: فليعلم طالب الحديث أن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص شيئا، وضعف بسبب ابن علاثة، وإن كان يحيى وثقه، وكذلك ابن سعد.

وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وهو حسن الحديث، وقال أبو زرعة: صالح، فقد قال البخاري: في حديثه نظر، قال أبو الفتح الأزدي: لسنا نقنع من البخاري بهذا، ابن علاثة حديثه يدل على كذبه وكان أحد العضل في التزيد عن الأوزاعي، قال الخطيب: قد أفرط أبو الفتح في الميل على ابن علاثة، وأحسبه وقعت إليه روايات لعمرو بن حصين عنه، فنسبه إلى الكذب لأجلها، والعلة في تلك من جهة عمرو، فإنه كان كذابا، وأمّا محمد فقد وثقه

ص: 476

يحيى، ولا أحفظ لأحد من الأئمة فيه خلاف ما وصفه به يحيى، انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره أبو بكر بن بشران، عن الدارقطني: ابن علاثة ضعيف، متروك، وقال النقاش: وقبله أبو عبد الله الحاكم، روى عن الأوزاعي، وخصيف والنَّضْر بن عربي أحاديث موضوعة، زاد الحاكم: ومدار حديثه على عمرو بن الحصين، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال أبو حاتم بن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل ذكره إلّا على جهة القدح فيه.

214 -

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا عمر بن عبد الواحد، وبشر بن بكر عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأقوم في الصلاة، وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز كراهية أن أشق على أمه.

هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، وعند ابن أبيِ شيبة: ثنا وكيع عن سفيان، عن أبي الحويرث الزرقي عن عليّ بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأسمع بكاء الصبي خلفي، فأخفف شفقة أن أفتن أمه.

وثنا وكيع عن سفيان، عن أبي السوداء النهدي، عن ابن سابط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة نحو من ستين آية، فسمع بكاء صبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات وثنا شريك عن أبي هارون، عن أبي سعيد فيما نعلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأكون في الصلاة، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف مخافة أن أشق على أمه، أو قال: أن تفتن أمه.

التجوز: عبارة عن تقليل القراءة؛ لحديث ابن سابط وغيره، وقال بعض العلماء: يستدل بهذا على أنّ الإمام إذا كان راكعَا فأحس بداخل للصلاة ينتظره، قال القرطبي: ولا حجة فيه؛ لأن هذه الزيادة عمل في الصلاة بخلاف الحذف.

وقال ابن

ص: 477

بطال: أجازه الشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والحسن، وقال بعضهم: ينتظر ما لم يشق على أصحابه، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقال: مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي: ينتظر، وقال سحنون: صلاتهم باطلة.

والوَجْد: الحزن، قال ابن سيده: وجد الرجل وَجْدا ووُجْدا كلاهما عن اللحياني: حزن، وفي النوادر للهجري:

فواكبداه مما وجدت من الأسى لذي وسمة بين الطويل المشذب

وحكى وُجد: بالضم القزاز عن الفراء، وأبو عبيد في المصنف، وابن القطاع في الأفعال، والسيرافي في كتابه الإقناع والجوهري، وغيرهم، زاد ابن سيده: ووجد به وجدًا في الحب لا غير، وأنشد:

لقد زادنا وجدًا ببقعاء أننا وجدنا مطايانا بلينة ظلعا

وقال ابن حصن في وصف عجوز: ما بطنها بوالد ولا زوجها بواجد، يعني محبا، وقال ابن قرقول: من موجدة أمه، أي من حبها إيّاه، وحزنها لبكائه، والله تعالى أعلم.

ص: 478

‌باب إقامة الصفوف

215 -

حدثنا عليّ بن محمد، ثنا وكيع عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قال: قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه مطولًا.

216 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة ح، وثنا نصر بن علي، ثنا أبي وبشر بن عمر قالا: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولفظ الحاكم، وزعم أنه على شرط الشيخين: من حسن الصلاة إقامة الصف.

217 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصف حتى يجعله مثل الرمح أو القدح، قال: فرأى صدر رجل ناتئا فقال صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم.

ص: 479

هذا حديث خرجاه أيضًا، وفي لفظ عند مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا، كأنما يسوي بها القدح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا، فقام حتى كاد أن يُكبر، فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم.

وعند أبي داود: أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه وفي كتاب الخلال: لما ذكر لأحمد حديث النعمان من رواية زيد بن حباب، عن حسين بن واقد عن سماك قال: هذا خطأ، قال أبو الحسن: تفرد به حسين عن سماك.

218 -

حدثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سدَّ فرجة رفعه الله تعالى بها درجة.

هذا حديث مختلف في إسناده، للاختلاف في حال إسماعيل المتقدم الذكر، ورواه ابن شاهين في مسنده بسند صحيح على رسم مسلم، فقال: أخبرني أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة بلفظ: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف وسيأتي عند ابن ماجه بهذا اللفظ، وشواهده: حديث ابن عمر يرفعه: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف قال فيه الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وفي لفظ: أقيموا الصفوف،

ص: 480

وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله رواه أبو داود بسند صحيح عن عيسى بن إبراهيم، عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرّة عنه به، وعنده أيضا عن قتيبة، عن الليث، عن معاوية، عن أبي الزاهرية، عن أبي شجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ابن عمر، عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة.

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إنّي لأرى الشيطان يدخل في خلل الصف كأنها الخذف وفي لفظ عن محمد بن مسلم صاحب المقصورة قال: صليت إلى جنب أنس فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع عليه يده، فيقول: استووا وعدلوا صفوفكم وعند الحاكم، وزعم أنه على شرط الشيخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثم التفت فقال: اعتدلوا سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره فقال: اعتدلوا سووا صفوفكم.

وعند الطبراني في الأوسط من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة يرفعه: إنَّ الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ولا يصل عبد صفا إلّا رفعه الله به درجة وذرت عليه الملائكة من البر وقال: لم يرو غانم بن الأحوص عن أبي صالح غير هذا الحديث، تفرد به ابن أبي أويس، ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتموا الصف المقدم،

ص: 481

ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر.

ذكر الخلال أن أحمد بن حنبل لماَّ ذكر له هذا الحديث أعجبه واستحسنه من حديث الأنصاري، وفي الأوسط من حديث عمرو بن مرّة، عن أبي معمر عن عقبة بن عمرو قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: سووا المناكب وأقيموا الصفوف، ولا تختلفوا فيختلف بكم وقال: لم يروه عن عمرو إلا محمد بن جابر، تفرد به إسحاق بن إسرائيل عن أبيه، وهو في صحيح مسلم.

قال أبو محمد بن حزم: قوله: أو ليخالفن الله بين وجوهكم، هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة، وقوله: فإن تسوية الصف من تمام الصلاة إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض.

وعند أبي حنيفة والشافعي ومالك: هو من سنة الصلاة، وقوله: أو ليخالفن الله بين وجوهكم، قال النووي: الأظهر معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال: تغير وجه فلان علي: أي ظهر لي من وجهه كراهة في، وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن، وكان لعمر وعثمان رجال، وكلهم بتسوية الصفوف.

ص: 482

‌باب فضل الصف المقدم

219 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن عرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثًا والثاني مرة.

هذا حديث خرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه من حديث يحيى عن محمد بن إبراهيم عنه، عن جبير بن نفير، عن عرباض بلفظ: كان يصلي على الصف الأول ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنّ محمدا لم يسمع هذا الخبر عن ابن معدان، فذكر حديثا صرح فيه بسماعه من خالد، قال: حدثني جبير أن العرباض حدثه .... ، فذكره، ولما خرجه الحاكم، قال: صحيح الإسناد على الوجوه كلها.

220 -

حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت طلحة بن مصرف يقول: سمعت عبد الرحمن بن عوسجة يقول: سمعت البراء بن عازب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول.

هذا حديث خرجه البستي أيضًا من حديث منصور، عن طلحة بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة.

ولفظ الحاكم: تراصوا في الصفوف لا يتخللكم أولاد الخذف، قلت: يا رسول الله ما أولاد الخذف؟ قال: ضأن جرد سود تكون بأرض اليمن وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ.

ص: 483

221 -

حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد، ثنا أبو قطن، ثنا شعبة، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي لفظ عند مسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها.

222 -

حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، ثنا أنس بن عياض، حدثني محمد بن عمرو بن علقمة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول.

هذا حديث قال الدارقطني: تفرد به محمد بن مصفى عن أنس، ووهم فيه، ومن حديث أبي سعيد يرفعه: وإن خير الصفوف صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر وعن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى.

وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه قال: استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصف الأول ثلاث مرات، وللثاني مرتين، وللثالث مرة وقال: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة إلا أيوب بن عتبة، ومن حديث أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة، وإياكم والصف والسواري وقال: لم يروه عن أبي يزيد إلا إسماعيل بن مسلم المكي، تفرد به ابن المبارك.

ص: 484

قال القرطبي: اختلف في الصف الأول: هل هو الذي يلي الإِمام أو المبكر، والصحيح الأول.

وفي شرح ابن التين: روى نوح بن أبي مريم، عن زيد العمي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلما أضعف الله له الأجر.

وفي المحكم: القرعة: السهمة، وقد اقترع القوم وتقارعوا، وقارع بينهم وأقرع، وهي أعلى، وقارعه فقرعه يقرعه، أي: أصابته القرعة دونه، وقول خداش بن زهير أنشده ابن الأعرابي:

إذا اصطادوا بغاثا شيطوه فكان وفاء شاتهم القروع

فسره فقال: القروع: المقارعة.

ص: 485

‌باب صفوف النساء

223 -

حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

224 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال مقدمها، وشرها مؤخرها، وخير صفوف النساء مؤخرها، وشرها مقدمها.

هذا حديث تقدم الكلام عن راويه ابن عقيل.

ص: 486

‌باب الصلاة بين السواري في الصف

225 -

حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب، ثنا أبو داود وأبو قتيبة قالا: ثنا هارون بن مسلم، عن قتادة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا.

هذا حديث إسناده صحيح على شرط ابن حبان لتوثيقه هارون بن مسلم راويه، ولما رواه البزار في مسنده عن عمرو بن علي، ثنا أبو داود قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة إلا هارون، ولا نعلم أسند قتادة عن معاوية، عن أبيه غير هذا الحديث.

وقال فيه الحاكم: صحيح الإسناد، وعند الترمذي محسنًا، والحاكم مصحح الإسناد من حديث عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخّرنا، فقال أنس: كنا نتّقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما ذكره الإشبيلي أعلّه، وعند أبي أحمد ابن عدي من حديث أبي سفيان طريف بن شهاب السعدي، وهو ضعيف عن ثمامة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الصلاة بين الأسطوانة وفي نسخة: الأسطوانتين وقد تقدم حديث ابن عباس أيضًا، قال الترمذي: كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه يقول أحمد وإسحاق، وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك،

ص: 487

ويشبه أن يكون مستندهم في ذلك ما في الصحيحين عن ابن عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة قال: سألت بلالا حين خرج: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة.

ذكر الخطابي أن كراهة الصلاة بين السواري لأجل انقطاع الصفوف أو لأنه موضع جمع النعال، والأول أشبه، لأن الثاني محدث، ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فمكروه.

ص: 488

‌باب صلاة الرجل خلف الصفوف وحده

226 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر، حدثني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه، وكان من الوفد قال: خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه ثم قال: صلينا وراءه أخرى، فقضى الصلاة، فرأى رجلا فردا يصلي خلف الصف قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف ثم قال: استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة للذي خلف الصف.

هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه، عن الفضل بن حباب، ثنا مسدد، ثنا ملازم بلفظ: فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف وفي لفظ: نظر إلى رجل خلف الصف وحده، فقال له صلى الله عليه وسلم: هكذا صليت؟ قال: نعم، قال: فأعد صلاتك، فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف وحده ولما ذكره الإشبيلي قال عبد الرحمن: لم أسمع فيه بتعديل ولا بجرح أكثر من أنه لم يرو عنه إلا ابن بدر، وهو علّة في الراوي عند بعضهم أو أكثرهم حتى يروي عنه اثنان. انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث إنه روى عنه أيضا ابنه محمد بن عبد الرحمن ووعلة بن عبد الرحمن بن وثاب، وذكره في جملة الثقات، ولما ذكره ابن حزم محتجا به، قال عبد الرحمن: ما نعلم أحدا عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه غير عبد الله بن بدر، وذلك ليس بجرحة، وكأن هذا هو شبهة الإشبيلي، والله تعالى أعلم.

ص: 489

227 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف قال: أخذ بيدي زياد بن أبي الجعد فأوقفني على شيخ بالرّقة يقال له: وابصة بن معبد، فقال: صلى رجل خلف الصف وحده، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى الترمذي وأبو علي الطوسي: حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم أن يصلي الرجل خلف الصف وحده، وقالوا: يعيد، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال قوم: يجزئه، وهو قول الثوري، وابن المبارك والشافعي، وذهب قوم من أهل الكوفة إلى حديث وابصة منهم: حماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى ووكيع.

وفي حديث حصين ما يدل على أنّ هلالا أدرك وابصة، واختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرّة عن هلال، عن عمرو بن راشد، عن وابصة أصح؛ وقال بعضهم: حديث حصين عن هلال، عن زياد، عن وابصة أصح، قال: وهذا عندنا أصح من حديث عمرو؛ لأنه قد روي من غير حديث هلال، عن زياد، عن وابصة.

وقال الشافعي: سمعت بعض أهل العلم بالحديث يذكر أنّ بعض المحدثين يدخل بين هلال ووابصة رجلًا، ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه، وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفت.

وقال البيهقي: لم يخرجه الشيخان لما حكاه الشافعي من الاختلاف في سنده، ولما في حديث علي بن شيبان من أنّ رجاله غير مشهورين.

وقال الشافعي في موضع آخر: لو ثبت الحديث لقلت به، ولما خرج الحاكم لوابصة حديثا في مستدركه، قال: صحيح على شرط الشيخين، غير أنهما لم يخرجا لوابصة شيئا لفساد الطريق إليه، وقال ابن المنذر: حديث وابصة ثبته أحمد وإسحاق، وصححه أيضا ابن حزم واستدل به؛ وقال أبو عمر بن عبد البر: في حديث وابصة اضطراب، وأثبته جماعة، وقال أبو محمد الإشبيلي: وغير أبي عمر

ص: 490

يقول: الحديث صحيح؛ لأن حصينا ثقة وهلالا ثقة وزيادا ثقة، وقد أسندوا الحديث، والاختلاف الذي فيه لا يضرّه،، ثم قال: سمع هذا الخبر هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة وسمعه من زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، فالطريقان جميعا محفوظان، ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به هلال بن يساف، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ وكيع ثنا يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عمه عبيد بن أبي الجعد، عن أبيه زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد

، فذكره.

وفي المعجم الكبير لأبي القاسم من حديث شمر بن عطية، عن هلال، عن وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل عن رجل يصلي خلف الصف وحده فقال: يعيد ورواه أيضا من حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن عبيد بن أبي الجعد، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة به، ومن حديث أبي خالد الأحمر والمحاربي عن محمد بن سالم عن سالم بن أبي الجعد، عن وابصة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صفا وحدي، فلما انصرف قال: أعد الصلاة.

ومن حديث سهل بن عامر، ثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عنه: صلى رجل خلف الصف ومن حديث مالك بن سعير، ثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عنه: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا

ص: 491

يصلي خلف الصف وحده فقال: أيها المصلي وحده، ألا تكون وصلت صفًا، فدخلت معهم أو اجتررت في صلاتك رجلًا، إن كان ضاق بك المكان أعد صلاتك فإنه لا صلاة لك.

ومن حديث أشعث بن سوار عن بكير بن الأخنس، عن حنش بن المعتمر، عن وابصة بالأول، وفي العلل للخلال: قال إسحاق بن إبراهيم: سألت أبا عبد الله، عن حديث الحماني، عن النضر أبي عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فقال: هذا منكر أو باطل وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أي شيء أحسنها إسنادا؟ قال: حديث شعبة عن عمرو بن راشد عن وابصة.

وفي الأوسط: قال أبو القاسم: لا يروى عن ابن عباس إلّا بهذا الإسناد، تفرد به الحماني.

ومن حديث عبد الله بن محمد بن القاسم العبادي البصري: ثنا يزيد بن هارون أنبأ ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة: رأى النبي صَ َّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يصلي خلف الصفوف وحده، فقال: أعد الصلاة لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا السند، تفرد به العبادي.

وفي كتاب الخطابي: اختلف أهل العلم فيمن صلى خلف الصف وحده، فقالت طائفة: صلاته فاسدة على ظاهر الحديث، هذا قول النخعي وأحمد وإسحاق، وحكوا عن أحمد أو عن بعض أصحابه أنه إذا افتتح صلاته منفردًا خلف الإمام فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنه لا صلاة له، ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم فاسدة وإن كانوا مائة أو أكثر.

وقال مالك، والأوزاعي، والشافعي: صلاة المنفرد خلف الإمام جائزة، وهو قول أبي حنيفة وتأولوا أمره إياه بالإعادة على الاستحباب دون الإيجاب.

وفي حديث أبي بكرة، وركوعه دون الصف دلالة أنّ صلاة المنفرد خلف الصف جائزة؛ لأن جزءا

ص: 492

من الصلاة إذا جاز على حال الانفراد جاز سائر أجزائها، وقوله: لا تعد، إرشاد له في المستقبل إلى ما هو أفضل، ولو لم يكن مجزئا لأمره بالإعادة، ويدل على ذلك حديث المرأة المصلية خلفه في حديث أنس منفردة، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحد. انتهى.

ويؤيّد هذا التأويل ما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث إسماعيل بن مسلم، ثنا يونس بن عبيد، عن ثابت البناني، عن أنس أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ووراءه امرأة حتى جاء الناس بعد وقال: لم يروه عن يونس إلا إسماعيل.

ومن حديث ابن جريج عن عطاء سمع ابن الزبير على المنبر يقول: إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة قال عطاء: وقد رأيته يصنع ذلك، لم يروه عن ابن جريج إلّا ابن وهب، تفرد به حرملة، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد، وليس لقائل أن يقول: ليس حكم المرأة في هذا كالرجل لما روي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة وحدها صف؛ لأنه خبر موضوع فيما ذكره أبو عمر في التمهيد، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الآتي، وقد تمت الصفوف بأن يجذب إليه رجلا يقيمه إلى جنبه، رواه الطبراني في الأوسط من حديث بشر بن إبراهيم، ثنا الحجاج بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرد به بشر.

وفي كتاب أبي داود وغيره مرفوعا: لينوا بأيدي إخوانكم وقوله عليه الصلاة والسلام أيضَا: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة وقد تقدم، والله تعالى أعلم.

ص: 493

‌باب فضل ميمنة الصف

228 -

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشام، ثنا سفيان عن أسامة بن زيد، عن عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف.

هذا حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد تقدم أنَّ ابن وهب رواه في مسنده عن أسامة بلفظ: إنَّ الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف.

229 -

حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن مسعر، عن ثابت بن عبيد، عن ابن البراء، عن البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مسعر: مما نحب أو مما أحب أن نقوم عن يمينه.

هذا حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، وابن البراء اسمه عبيد.

230 -

حدثنا محمد بن أبي الحسين أبو جعفر، ثنا عمرو بن عثمان الكلابي، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن ليث بن أبي سليم، عن نافع، عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ ميسرة المسجد تعطلت، فقال: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر.

هذا حديث تقدم التنبيه على الاختلاف في حال راويه ليث.

وفي الباب: حديث عمران بن خالد الخزاعي قال: ثنا مولى لنا يقال له: العلاء بن علي، عن أبيه، عن أبي برزة الأسلمي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن استطعت أن تكون خلف الإمام، وإلّا فعن يمينه.

قال أبو القاسم في الأوسط: لا يروى عن أبي برزة إلّا بهذا الإسناد، تفرد به عمران.

ص: 494

‌باب القبلة

231 -

حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أنه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من طواف البيت أتى مقام إبراهيم، فقال عمر: يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال الوليد: فقلت لمالك: أهكذا قرأ: {وَاتَّخِذُوا} ؟ قال: نعم.

هذا حديث قال فيه الطوسي والترمذي: حسن صحيح، ثم ذكر ابن ماجه:.

232 -

حديث هشيم عن حميد، عن أنس قال: قال عمر: قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى مختصرا.

وهو حديث خرجاه في صحيحيهما مطولا بلفظ: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} فنزلت هذه الآية.

وفي مسلم: بدل التخيير أسارى بدر، وفي مسلم أيضَا موافقته في منع الصلاة على المنافقين، ومن حديث علي بن زيد عن أنس عنه عند أبي داود الطيالسي: لما نزلت: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت هذه الآية.

وفي كتاب النووي:

ص: 495

وجاءت موافقته أيضا في تحريم الخمر، وفي كتاب ابن العربي: وقد بيّنا في الكتاب الكبير أنه وافق ربه تلاوة ومعنى في نحو أحد عشر موضعًا، وقال في كتابه التبرين بفوائد المشرقين والمغربين نحوه، انتهى، شاهده ما خرجه أبو عيسى عن ابن عمر مصححا: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا تنزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر.

وعند ابن خزيمة من حديث أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج منه، فلما خرج صلى ركعتين في قبل الكعبة، وقال: هذه القبلة.

233 -

حدثنا علقمة بن عمرو الدارمي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء، وعلم الله من قلب نبيّه صلى الله عليه وسلم أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض، ينظر ما يأتيه به، فأنزل الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فأتانا آت فقال: إن القبلة قد صرفت إلى الكعبة، وقد صلينا ركعتين إلى بيت المقدس، ونحن ركوع فتحولنا فبنينا على ما مضى من صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}

هذا حديث اتفقا على تخريج أصله بلفظ: صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرَا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه أول صلاة

ص: 496

صلاها العصر.

ولفظ ابن خزيمة: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ثم صرفنا نحو الكعبة قال البراء: والشطر فينا قبلة، وقال ابن عباس: أنلزمكموها من شطر أنفسنا، قال: من تلقاء أنفسنا.

234 -

حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا هاشم بن القاسم، وثنا محمد بن يحيى النيسابوري، ثنا عاصم بن علي قالا: ثنا أبو معشر، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة.

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وقد روي عن غير واحد من الصحابة: ما بين المشرق والمغرب قبلة منهم: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس، وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن شمالك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة وقال ابن المبارك: ما بين المشرق والمغرب قبلة هذا لأهل المشرق، واختار عبد الله التياسر لأهل مرو.

وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا أبو معشر.

وفي الباب: حديث عبد الله بن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة قال البيهقي: والمشهور عن ابن عمر عن عمر من قوله، وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة وليس له إسناد يعني حديث عثمان الأخنسي عن المقبري، عن أبيِ هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن عثمان في حديثه نكارة.

وقال مهنأ: قلت لأحمد: إنك تقول هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة ليس بالقوي، قال: نعم، ولكن هو صحيح.

ثنا حماد بن مسعدة، عن عبيد الله، عن نافع، عن

ص: 497

ابن عمر يرفعه: ما بين المشرق والمغرب قبلة إلا عند البيت فسألته عن حماد، فقال: بصري راوي هذا الحديث عنه عن عبيد الله عنه، ولكن لم يقل عند البيت إلا هو، قال عبد الله ثنا نصر بن علي، ثنا معتمر أنبأ محمد بن فضالة عن أبيه، عن جدّه قال: أتيت عثمان وسألته: كيف يخطئ الرجل الصلاة، وما بين المشرق والمغرب قبلة إذا لم يتحر المشرق عمدًا؟ قال عبد الله: فحدثت أبيِ بهذا الحديث فأعجبه، وقال: لم أسمع هذا من المعتمر، وقد أسنده، وكذلك محمد بن عبد الرحمن، وأوقفه جماعة عن عبيد الله.

وفي كتاب الصلاة للدكيني بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة وخرج ابن ماجه بعد هذا حديث عامر بن ربيعة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلَّى كل واحد منّا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قال أبو عيسى لما خرجه: إسناده ليس بذاك.

وعند الحاكم من حديث جابر: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة

فذكر مثله، وزاد: فلم يأمرنا بالإِعادة، وقال: قد أجزت صلاتكم.

قال الحاكم: هذا حديث محتج برواته كلهم غير محمد بن سالم فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح.

وقال العرزمي: عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنها نزلت في التطوع خاصة حيث توجه بك بعيرك، وقال البيهقي في المعرفة: والذي روي مرفوعا: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض: حديث ضعيف لا

ص: 498

يحتج به، وكذلك ما روي عن جابر وغيره في صلاتهم في ليلة مظلمة حديث ضعيف لا يثبت فيه إسناد، وقد روينا عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في فرض الصلاة إلى بيت المقدس، ثم نسخت حين حولت القبلة إلى الكعبة، وفي الأوسط من حديث إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبيه، عن معاذ قال: صلينا في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة، فلما قضى الصلاة وسلم تجلت الشمس فقلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صلينا إلى غير القبلة، فقال: قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله تعالى لم يروه عن إبراهيم إلا إسماعيل بن عبد الله السكوني، ولا عنه إلا أبو داود الطيالسي، تفرد به هشام بن سلام البصري، وثناه أحمد بن رشدين.

وعند مسلم من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد حولت فمالوا نحو القبلة زاد ابن خزيمة: واعتدوا بما مضى من صلاتهم.

وفي الأوسط من حديث زيد بن حباب، عن جميل بن عبيد، ثنا ثمامة، عن أنس: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: إن القبلة قد حولت إلى البيت الحرام، وقد صلى الإمام ركعتين، فاستداروا وصلوا الركعتين الباقيتين نحو البيت الحرام وقال: لم يروه عن ثمامة إلا جميل، تفرد به زيد بن حباب.

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت وهم في صلاة الفجر

الحديث.

قال أبو داود: وكذلك قال سهل بن سعد أنها صلاة الغداة، ذكره في كتاب الناسخ والمنسوخ، وعند ابن عدي في كامله عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارهقوا

ص: 499

القبلة وإن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم العمل أن يتقنه تفرد به مصعب بن ثابت، وهو ضعيف، وعند البخاري من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقها وحسابهم على الله.

وعند الترمذي صحيحا: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا.

وعند أحمد بن حنبل من حديث ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة.

وعند أبي عبد الله الشافعي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين وفي المعرفة لأبي بكر بسند جيد من حديث عطاء عن ابن عباس: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا - والله أعلم - شأن القبلة، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، فقال تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} يعنون بيت المقدس فنسخها، وصرفه الله تعالى إلى البيت العتيق، فقال:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

وفي كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي داود من حديث يزيد النحوي، عن عكرمة عنه: كان محمد صلى الله عليه وسلم يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا فقال

ص: 500

عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وقال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} وعن أبي العالية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل عليه الصلاة والسلام: وددت أن الله تعالى صرفني، عن قبلة اليهود إلى غيرها فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك فادع ربك عز وجل وسله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل فأنزل الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ}

وعن سعيد بن عبد العزيز: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة، وفي كتاب ابن سعد: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة، فاستداروا إلى الكعبة واستقبل الميزاب، فسمي المسجد مسجد القبلتين، وذلك يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرَا، قال محمد بن عمر: وهذا الثبت عندنا، وزعم ابن حبيب في كتابه المحبر أنّها حولت في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان في الركعة الثالثة.

وفي موضع آخر: العصر وزعم سنيد عن حجاج، عن ابن جريج: أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى المقدس فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه بثلاث.

وفي كتاب الحافظ الدمياطي: صرفت يوم الاثنين نصف رجب بعد خمسة عشر شهرًا ونصف.

وفي كتاب النحاس عن ابن زيد: بضعة عشر شهرًا، قال: وروى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: صرف صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة في جمادى، قال أبو جعفر: وهو أولى الأقوال بالصواب، وقال أبو البقاء: حولت بعد ثلاثة عشر شهرًا من مقدمه المدينة، وقيل: بعد عشرة، وقيل: تسعة أشهر.

وفي كتاب الحازمي: اختلف الناس في المنسوخ: هل كان ثابتا بنص الكتاب أو بالسنة؟ فذهبت طائفة إلى أن المنسوخ كان ثابتا بالسنة، ثم نسخ بالكتاب، وذهبت طائفة ممن يعتبر التجانس في

ص: 501

الناسخ والمنسوخ إلى أن الحكم الأول كان ثابتا بالقرآن ثم نسخ بالقرآن إذ القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وكذلك السنة، ثم إن استقبال القبلة شرط لصحة صلاة الفرض والواجب إلّا في حالة الخوف، قال في المحيط: التوجه شرط زائد بدليل صحة صلاة النافلة بدونه فجاز أن يقام مقام غير القبلة مقامها عند التعذر.

وفي كتاب النووي: لتعلم أدلة القبلة ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه فرض كفاية.

الثاني: فرض عين.

الثالث: فرض كفاية إلا أن يريد سفرا.

ولا يصح قول من قال: فرض عين، إذ لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من السلف إلزام آحاد الناس بعلم أدلة القبلة في حق مقيم ولا مسافر، بخلاف أركان الصلاة وشروطها، ثم من كان بمكة، فالفرض في حقه إصابة عين الكعبة سواء كان بين المصلي وبينها حائل بجدار أو لم يكن حتى لو اجتهد وصلى فبان خطؤه، قال الرازي الحنفي: يعيد، وعن محمد بن الحسن: لا يعيد إذا بان له ذلك بمكة أو المدينة.

وفي كتاب أبي البقاء: وضع جبريل محراب النبي صلى الله عليه وسلم مساميا للكعبة، وقيل: كان ذلك بالمعاينة، وأما من كان غائبَا عن الكعبة ففرضه جهتها لا عينها، وهو قول عامة مشايخ الحنفية، وقال الجرجاني: شيخ القدوري: الفرض إصابة عينها في حق الحاضر والغائب، وعند الشافعي: فرض المجتهد مطلوبه عينها في أصح القولين، والله أعلم.

ص: 502

‌باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع

235 -

حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: ثنا ابن أبي فديك، عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين.

هذا حديث إسناده حسن للاختلاف في حال كثير راويه، ورواه أبو قرة بسند صحيح عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه عنه؛ وفي الأوسط من حديث زكريا بن حكيم الحِبطي البصري عن الحسن، عن سليك الغطفاني، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ دخلت المسجد فجلست، فقال: ركعت الركعتين؟ قلت: لا. قال: فقم فاركعهما لم يروه عن زكريا إلا داود بن منصور القاضي.

ومن حديث ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد عن صفوان بن سليم، عن أبي صالح، عن أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل ركعت؟ قال: لا، قال: فقم فاركع، وعند ابن عدي زيادة: وإذا دخل بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين، فإن الله عز وجل

ص: 503

جاعل له من ركعته في بيته خيرا، ثم قال: إسناد منكر، وعزى الإشبيلي إلى البخاري أنه قال: هذه الزيادة لا أصل لها، وأنكر ذلك ابن القطان.

236 -

حدثنا العباس بن عثمان، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد، فليصل ركعتين قبل أن يجلس.

هذا حديث اتفقا على تخريجه، ولما ذكره ابن حبان في صحيحه، زاد: قبل أن يجلس أو يستخبر، وعند ابن القطان بسند عنه مرفوع عند ابن أبي شيبة: أعطوا المساجد حقها قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: ركعتين قبل أن تجلس وقال الترمذي: روى سهيل هذا الحديث عن عامر عن عمرو، عن جابر، وهو غير محفوظ، وقال ابن المديني: حديث سهيل خطأ، وقال ابن ماجه في بعض النسخ: رواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عامر، عن أبي قتادة وهو وهم، وذكر البيهقي أنّ الشافعي قال: ذلك على سبيل الاختيار لا الفرض، قال: ولم أعلم مخالفا أن من تركها لم يقضهما، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قدم من سفر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا في المسجد فقصد إليه ليخبره عن عمرو بن العاص، وكان معه في جيش قال: فأتيته ولم أركع، ثم دخل عمرو فركع قبل أن يأتيه، فظننت أو علمت أنه سيظفر، قال: ولم يحك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يقضي، تركه أن يبدأ بالنافلة.

وحكى عياض

ص: 504

عن داود وأصحابه وجوبها، وقال النووي: هي سنة بإجماع، فإن دخل وقت كراهة فكره أبو حنيفة والليث والأوزاعي صلاتهما خلافا للشافعي، وحكي عنه أيضَا الكراهة، والله تعالى أعلم.

ص: 505

‌باب من أكل الثوم فلا يقربن المسجد

237 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب قام يوم الجمعة خطيبَا أو خطب يوم الجمعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا الثوم وهذا البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوجد ريحه منه فيؤخذ بيده حتى يخرج إلى البقيع، فَمن كان آكلها فليمتها طبخا.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

238 -

حدثنا أبو مروان العثماني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة - يعني: الثوم - فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا قال إبراهيم: وكان أبي يزيدُ فيه: الكراث والبصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أنه يزيد على حديث أبي هريرة في الثوم.

هذا حديث خرجه أيضَا بلفظ: فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم.

239 -

حدثنا محمد بن الصباح، ثنا عبد الله بن رجاء المكي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يأتين المسجد.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، ولفظ مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة - يعني: الثوم - فلا يأتين المساجد وفي لفظ

ص: 506

للبخاري: فلا يقربن مسجدنا وفي الأوسط: حتى يذهب ريحها منه ذكره من حديث رشدين بن سعد، وتفرد به.

وفي الباب: حديث جابر بن عبد الله عندهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وإنه أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها إلى بعض أصحابه، فلما رآه كره أكلها قال: كُلْ، فإني أناجي من لا تناجي.

وفي لفظ لمسلم: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

وفي الأوسط: من حديث هشام بن حسان، عن أبي الزبير عنه مرفوعا: من أكل من الخضراوات: البصل والثوم والكراث والفجل

الحديث، وقال: لم يروه عن هشام إلا يحيى بن راشد البراء، تفرد به سعيد بن عفير، ثنا به أحمد بن حماد بن زغبة.

وفي مسند الحميدي بسند على شرط الشيخين: سئل جابر عن الثوم، فقال: ما كان بأرضنا يومئذ ثوم، إنما الذي نهي عنه البصل والكراث وفي سيرة ابن إسحاق عن أبي أيوب الأنصاري: وقال محمد بن جرير في كتاب التهذيب، وروى المعافى بن عمران عن الربيع بن صبيح عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل البصل والكراث وروى حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن أكل البصل والكراث والثوم، فقلنا: حرام هو؟ قال: لا.

وفي الأوسط: اجتنبوا هذه الشجرة المنكرة، من أكلها فلا يقربن مسجدنا وفي لفظ: حتى يذهب ريحه قال

ص: 507

الطبراني: وثنا عمرو بن علي، ثنا معاذ، ثنا خالد بن ميسرة، ثنا معاوية بن قرة، عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل هاتين الشجرتين الخبيثتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، يعني: البصل والثوم، فإن كنتم لا بد آكليها فأميتوهما طبخا.

وعند ابن حبان في صحيحه من حديث حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا قال إسحاق: يعني الثوم.

وعند الطبراني في الأوسط من حديث عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا - يعني: الثوم - وقال: لم يروه عن الزهري عن عباد إلا إبراهيم بن سعد، تفرد به معن القزاز.

ومن حديث بقية عن بحير عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي ثعلبة الخشني قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصبنا بصلًا وثومًا فأكلوا منه والقوم جياع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا في مسجدنا وعند الشيخين من حديث أنس، وسئل عن الثوم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصل معنا وقد وردت أحاديث ظاهرها معارض لما تقدم، منها ما روينا في الغيلانيات، عن يحيى بن عبد الباقي، ثنا لوين، ثنا زافر بن سليمان، عن إسرائيل، عن مسلم، عن حبة، عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل الثوم فلولا أني أناجي الملك لأكلته ورويناه في كتاب الحلية لأبي نعيم قال: ثنا فاروق، ثنا الكجي أن عبد الله بن رجاء قال: ثنا إسرائيل عن

ص: 508

مسلم الأعور بلفظ: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الثوم وفي التهذيب لابن جرير: ثنا أبو عامر السكري، ثنا يحيى بن صالح، ثنا إسماعيل بن سعد، ثنا خالد بن معدان، عن خيار بن سلمة أنه سأل عائشة عن البصل فقالت: إن آخر طعام أكله النبي صلى الله عليه وسلم طعام فيه بصل.

ولما رواه في الأوسط من حديث بقية عن بحير بن سعد، عن ابن معدان، عن جبير بن نفير قال: لا يروى هذا الحديث عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به بحير، انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما أسلفناه.

وفي صحيح البستي عن المغيرة بن شعبة قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد مني ريح الثوم، فقال: من أكل الثوم؟ قال: فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبا فقال: إن لك عذرا ولفظ أبي داود: أكلت ثوما وأتيت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقت بركعة، فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريح الثوم، فلما قضى صلاته قال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها أو ريحه فلما قضيت الصلاة جئت إليه فقلت: يا رسول الله، لتعطيني يدك، قال: فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر، فقال: إنَّ لك عذرا وفي الأوسط: فقلت: اشتكيت صدري فأكلته فلم يعنفه. جماعة العلماء قالوا: هو صريح في نهي من أكل من هذه الشجرة أن يدخل المسجد إلا ما حكاه عياض عن بعضهم أنه خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حلال بإجماع إلا شيئا حكاه بعضهم عن أهل الظاهر بأنها حرام؛ لأنها تمنع من حضور الجماعة، وهي فرض عين عندهم، قال القاضي: ويلحق به أكل الفجل، انتهى، قد أسلفنا ذكر الفجل

ص: 509

في حديث مرفوع فلا حاجة بنا إلى قياسه على غيره، وقال ابن المرابط: ويلحق به أيضًا الأبخر، والذي لجرحه رائحة كريهة، قال القرطبي: استدل بعضهم على أنّ من يتكلم في الناس، ويؤذيهم بلسانه في المسجد أنه يخرج منه ويبعد عنها.

ص: 510

‌باب المصلي يسلم عليه كيف يرد؟.

240 -

حدثنا علي بن محمد الطنافسي، ثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء يصلي فيه فجاءت رجال من الأنصار يسلمون عليه فسألت صهيبا، وكان معه كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم؟ قال: كان يشير بيده.

هذا حديث لما خرجه أبو داود وأحمد في مسنده، والترمذي بلفظ: فقلت لبلال: كيف كان يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول: هكذا وبسط جعفر - يعني: ابن عون - كفه، وجعل بطنه إلى أسفل وظهره إلى فوق قال: هذا حديث حسن صحيح، وخرج حديث صهيب بلفظ: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة.

وقال الراوي: لا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه، قال: هذا حديث حسن، قال: وكلا الحديثين عندي صحيح، لأن قصة صهيب غير قصة حديث بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعا، زاد في العلل: ورواه زيد بن أسلم عن ابن عمر، عن بلال.

.

241 -

حدثنا محمد بن رمح المصري، أنبأ الليث بن سعد عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم أدركته وهو يصلي، فسلَّمت عليه، فأشار إلي فلما فرغ دعاني فقال: إنك سلمت علي آنفا، وأنا أصلي.

هذا حديث خرجه مسلم بزيادة: وهو موجه حينئذ قبل المشرق.

ص: 511

242 -

حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: ثنا النضر بن شميل، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: كنا نسلم في الصلاة فقيل لنا: إن في الصلاة لشغلا.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وعند البيهقي: لما قدمت من الحبشة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فأومأ برأسه وعند الدارقطني من حديث أبي غطفان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته وقال: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: كان يشير في الصلاة.

وحديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة رواه أبو داود بسند جيد، وفي الأوسط: ورواه عن الأوزاعي عن الزهري عن أنس: لم يروه عن الأوزاعي إلا يزيد بن السمط، تفرد به سلامة بن بشر.

وفي الصحيح حديث أم سلمة في الركعتين بعد العصر وإشارته عليه الصلاة والسلام لجاريتها وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وحديث أبي سعيد: أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فردّ عليه إشارة فلما سلم قال: كنا نرد السلام في الصلاة فنهينا عن ذلك.

قال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث ابن عجلان عن زيد بن أسلم، عن عطاء عنه: لم يروه عن ابن عجلان إلا الليث، حدثني به مطلب بن شعيب، عن عبد الله بن صالح كاتبه. وفي البخاري حديث أسماء: وسألت عائشة، فأشارت بيدها نحو السماء، فقلت: آية، فأشارت: أن نعم

الحديث بطوله، وسيأتي.

‌باب من صلى لغير القبلة وهو لا يعلم

243 -

حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا، وأعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا لغير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .

ص: 512

‌باب المصلي يتنخم

244 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صليت فلا تبزقن بين يديك، ولا عن يمينك، ولكن ابزق عن يسارك أو تحت قدمك.

هذا حديث قال فيه الترمذي والطوسي: حسن صحيح، وقال الحاكم لما خرجه بلفظ: ولكن ابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا أو تحت قدمك وقال برجله كأنه يحكه بقدمه: هذا حديث صحيح على ما أصلته من تفرد التابعي عن الصحابي. انتهى.

ربعي لم ينفرد عن طارق، قد روى عنه أيضا جامع بن شداد المحاربي، وألزم الدارقطني الشيخين تخريج حديث طارق لصحة الطريق إليه، ولما رواه عبد الله عن أبيه، ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان بزيادة: وابزق خلفك قال: قال أبي: لم يقل وكيع ولا عبد الرزاق: وابزق خلفك، وقالا: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني: وهم يحيى في قوله: خلفك، وخالفه الحفاظ من أصحاب الثوري: وكيع، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن، والفريابي وغيرهم، ورواه أصحاب منصور عن منصور، لم يقل أحد منهم: وابزق خلفك، وهذا مما يعتد به على يحيى، وفي الأوسط: ولكن ابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا أو تحت قدمك، وقال: لم يروه عن غيلان بن جامع - يعني: عن منصور - إلّا يعلى بن الحارث المحاربي.

.

245 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل ابن علية، عن القاسم بن مهران، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على

ص: 514

الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم مستقبله - يعني ربه - فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ إذا بزق أحدكم فليبزق عن شماله أو ليقل هكذا في ثوبه ثم أراني إسماعيل يبزق في ثوبه، ثم يدلكه، هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

ولفظ البخاري: إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله عز وجل ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها.

وفي العلل للخلال: قال مهنأ: سألت أبا عبد الله عن ابن مهران فقال: ثقة، وما أعرف له غير حديث واحد، يعني هذا، قلت: من أبو رافع؟ قال: الصائغ الذي يحدث عن عمر في القبور، وعند أبي القاسم من حديث عبد الرحمن بن أبي حدرد عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من دخل المسجد فبصق فليحفر له، وليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم يخرج به وقال: لم يروه عن عبد الرحمن إلا أبو مودود.

.

246 -

حدثنا هناد بن السري وعبد الله بن عامر بن زرارة قالا: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى شبث بن ربعي بزق بين يديه فقال: يا شبث لا تبزق بين يديك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك، وقال: إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء.

هذا حديث إسناده صحيح، وخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، عن يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه.

ص: 515

247 -

حدثنا زيد بن أخزم وعبدة بن عبد الله قالا: ثنا عبد الصمد حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه وهو في الصلاة ثم دلكه.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه.

وفي الباب: حديث ابن عمر: رأى النبي صلى الله عليه وسلم بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبزق قبل وجهه؛ فإن الله عز وجل قبل وجهه إذا صلى.

وحديث أبي سعيد الخدري من عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فحكّها بحصاة ثم نهى أن يبصق الرجل عن يمينه أو أمامه، ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى.

وخرجه الحاكم بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه العراجين أن يمسكها بيده فدخل المسجد ذات يوم وفي يده واحد منها، فرأى نخامات في قبلة المسجد فحتهن حتى أنقاهن، ثم أقبل على الناس مغضبا، فقال: أيحب أحدكم أن يستقبله رجل فيبصق في وجهه، إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه، والملك عن يمينه فلا يبصق بين يديه، ولا عن يمينه، وليبصق تحت قدمه اليسرى، أو عن يساره، وإن عجلت به بادرة فليقل هكذا في طرف ثوبه ورد بعضه على بعض: هذا حديث صحيح مفسر في هذا الباب على شرط مسلم.

وحديث عبد الله بن الشخير من عند مسلم: أنّه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: فتنخع فدلكها بنعله اليسرى.

ومن حديث الصلت بن دينار عن يزيد بن

ص: 516

عبد الله بن الشخير، عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على البلاط وعليه نعلاه فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكها بالأرض.

وقال الطبراني: لم يروه عن الصلت إلا سعيد بن سالم، تفرد به عبد الله بن عمر بن أبان.

وحديث داود بن علي عن أبيه، عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه قال الطبراني: لم يروه عن داود إلا ابن أبي ليلى، ولا عن ابن أبي ليلى إلا النضر بن إسماعيل، تفرد به الشاذكوني.

وحديث السائب بن خلاد من عند أبي داود أن رجلا أم قومه فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلما فرغ قال: لا يصلي لكم فمنعوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، وحسبت قال: آذيت الله ورسوله.

ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلّا بهذا الإسناد، تفرَّد به عمرو بن الحارث.

وحديث أبي سعد قال: رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري ثم مسحه بنعله ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وحديث عائشة: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكه خرجاه في الصحيح.

وحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن أخرجه مسلم.

وحديث جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده عرجون فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه ثلاثا؟ قلنا: لا أينا

ص: 517

يا رسول الله، قال: إن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تعالى قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت قدمه اليسرى

الحديث، رواه أيضا.

غريبه: يقال: نخم الرجل نَخَما ونَخْما، وتنخم دفع بشيء من صدره أو أنفه، قال ابن سيده: واسم ذلك الشيء: النخامة والنخاعة: ما تفله الإنسان كالنخامة، وتنخع الرجل: رمى بنخاعته.

وقال أبو موسى الحافظ، والمطرزي في المغرب: النخامة ما يخرج من الخيشوم، وزعم ابن قرقول أنها من الصدور، وهي البلغم اللزج، وقال ابن الأثير: هي البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل: النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ليبزق تحت قدمه وعن يساره؛ قال النووي: هذا في غير المسجد، وأما المصلي في المسجد فلا يبزق إلّا في ثوبه، وهو دليل على طهارته إجماعا إلا ما حكى الخطابي عن النخعي أنه نجس، قالوا: وليس بصحيح عنه، وحكي ذلك أيضَا عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وزعم عياض: أن البزاق في المسجد ليس بخطيئة إلّا في حقّ من لم يدفنه، وأمّا من أراد دفنه فليس بخطيئة إذا دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاه إن كان فيه وإلا فيخرجها، وحكى الروياني: المراد بذلك إخراجها مطلقَا، فإن لم تكن المساجد تربة وكانت ذات حصر فلا يجوز احتراما للمالية، والله أعلم.

ص: 518

‌باب مسح الحصى في الصلاة

248 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس الحصى فقد لغا.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما مطولا، وسيأتي في باب الجمعة إن شاء الله تعالى.

249 -

حدثنا محمد بن الصباح وعبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة حدثني معيقيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسح الحصى في الصلاة: إن كنت فاعلا فمرّة واحدة.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد وفي لفظ لمسلم: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح في الصلاة فقال: واحدة وفي الأوسط: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيسوي الرجل الحصى وهو يصلي؟ قال: إن كان لا بد فمرة واحدة.

.

250 -

حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي الأحوص الليثي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى.

ص: 519

هذا حديث خرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه، عن ابن أبي الدميك، ثنا إبراهيم بن زياد، ثنا سفيان به، وقال أبو القاسم ابن عساكر: أبو الأحوص لا يعرف له اسم، ولم يرو عنه غير الزهري.

وفي مسند ابن عيينة: فلا يمسح إلا مرة وفي لفظ للإمام أحمد: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال: واحدة أو دع وعنده أيضَا من حديث جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يمسك أحدكم يده عن الحصى خير له من مائة ناقة كلها سود الحدقة، فإن غلب أحدكم الشيطان فليمسح مسحة واحدة. وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يمسحون الحصير لموضع سجودهم مرة واحدة، وكرهوا ما زاد عليها، يرون ذلك من العمل القليل المعفو عنه، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة، وبه يقول الأوزاعي وأهل الكوفة، والله تعالى أعلم.

ص: 520

‌باب الصلاة على الخمرة

251 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عباد بن العوام عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد قال: حدثتني ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة.

هذا حديث خرجاه في صحيحيهما مطولًا، وقد تقدم طرف منه.

252 -

حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أبي سعيد قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير.

هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه.

.

253 -

حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب حدثني زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار قال: صلى ابن عباس وهو بالبصرة على بساط ثم حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على بساط.

هذا حديث في سنده زمعة، وقد أسلفنا الكلام عليه بأنه ضعيف ومنهم من قال: هو متماسك، والله أعلم؛ وفي الترمذي من حديث سماك عن عكرمة عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة وقال فيه: حسن صحيح.

وفي الباب: حديث أنس عند الشيخين، وفيه: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه

الحديث.

وعند البخاري من حديثه أيضًا: قال رجل من الأنصار، وكان ضخما

ص: 521

للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعاه إلى بيته ونضح له طرف حصير بماء، فصلى عليه ركعتين وعند الطبراني في الأوسط من حديث أبي إسحاق عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة لم يروه عن أبي إسحاق إلا شريك، تفرد به محمد بن حسان السمتي؛ وفي لفظ: يسجد عليها وفي لفظ: صلى على حصير تطوعا، شكرا.

وحديث أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخمرة رواه أحمد في مسنده.

وعند أبي القاسم في الأوسط: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير وخمرة يصلي عليها وقال: لا يروى عن سعيد بن المسيب إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسن بن داود المنكدري، ثنا ابن أبي فديك، ثنا عمران بن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه، عن جده.

وعند أبي داود بسند فيه ضعف عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة.

وقال ابن أبي شيبة: ثنا يزيد بن المقدام وفيه ضعف، ومنهم من يكتب حديثه، عن المقدام عن أبيه شريح أنه سأل عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير؟ فإني سمعت في كتاب الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} قالت: لا، لم يكن يصلي عليه.

وعند أبي داود من حديث مقاتل بن بشير عن شريح بن هانئ، عن عائشة أنها قالت: لقد مطرنا ليلة، فطرحنا للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء، وما رأيته متقيًا الأرض بشيء قط من ثيابه كذا رواه عن محمد بن

ص: 522

رافع، عن زيد بن حباب عن مالك بن مغول عن مقاتل، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن مالك، عن مقاتل به، قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتقي الأرض بشيء إلا مرة، فإنه أصابه مطر، فجلس على خلق بناء

الحديث.

غريبه: الخمرة: حصير ينسج من السعف أصغر من المصلى، وقيل: الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه؛ وقال المطرزي: هي السجادة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه حر وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص، وزعم ابن الأثير أنها نسيجة من خوص أو نبات ولا يكون خمرة إلا هذا المقدار، يعني مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه، سميت بذلك لأن خيوطها مستورة بسعفها، وقيل: لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض أي: تستره، ويلتحق في هذا الباب ما في تعليق البخاري: ولم ير الحسن بأسا أن يصلي على الجمد والقناطر، وإن جرى تحتها بول أو فوقها أو أمامها، إذا كان بينهما سترة، وصلى ابن عمر على الثلج، وصلى جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري في السفينة. وقال الحسن: تصلي قائما ما لم تشق على أصحابك تدور معها، وإلا فقاعدا، وصلى أنس على فراشه، وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الفراش الذي ينامان عليه وعن أنس قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحرّ في مكان السجود وسيأتي، وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كميه، وزعم عياض وغيره أن الإجماع على جواز السجود على سائر ما تنبته الأرض إلا شيئا حكي عن عمر بن عبد العزيز.

ص: 523

‌باب السجود في الثياب في الحر والبرد

253 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعًا يديه على ثوبه إذا سجد.

هذا حديث قال أبو القاسم ابن عساكر: هو وهم، وإنما يرويه عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده ثابت الأنصاري. انتهى، وقد ذكره ابن ماجه أيضًا فيما بعد على الصواب.

254 -

عن جعفر بن مسافر، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به، يضع يديه عليه، يقيه برد الحصى.

ويشبه أن يكون الوهم فيه من الدراوردي، لأن الطبراني رواه عن علي بن المبارك، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، وثنا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن محمد قالا: ثنا ابن أبي حبيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن صامت، عن أبيه، عن جده، والبزار في مسنده عن رزق الله بن موسى، ثنا معن بن عيسى، ثنا ابن أبي حبيبة فذكره، وقال: لا نعلم روى ثابت بن الصامت إلا هذا الحديث بهذا الإسناد.

ص: 524

255 -

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، ثنا بشر بن المفضل، عن غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدّة الحر، فإذا لم يقدر أحدنا أن يمكن جبهته بسط ثوبه فسجد عليه.

هذا حديث سبق التنبيه عليه بأنه في الصحيح، وقد اختلف العلماء في السجود على الثوب من شدة الحر والبرد، فرخص في ذلك: عمر بن الخطاب، وعطاء، وطاوس، والنخعي والحسن، والشعبي، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبى ذلك الشافعي إلّا لعذر، ورخص في وضع اليدين على الثوب من شدّة الحر والبرد، واختلفوا في السجود على كور العمامة، فرخص فيه ابن أبي أوفى والحسن، ومكحول، وسعيد بن المسيب، والزهري، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي، وكرهه مالك، وقال ابن حبيب: هذا فيما خفّ من طبقاتها، فأما ما كثر فهو كمن لم يسجد، وكره علي وابن عمر وعبادة السجود عليها، وكذلك ابن سيرين، والنخعي، وعبيدة، وهو قول الشافعي، وقال أحمد: لا يعجبني ذلك إلا في حر أو برد، وأجمعوا على جواز السجود واليدان في الثياب، وكره ذلك ابن عمر وابنه وبعض التابعين، رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 525

‌باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء

256 -

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.

هذا حديث خرجاه في الصحيح، وعند البيهقي: إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق.

وفي الأوسط: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإذن في الصلاة

الحديث، وفي كتاب الحجج لعيسى بن أبان بن صدقة الحنفي حدثنا هشيم، ثنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم والرجال صفان والنساء صف: إن نسيت شيئًا من صلاتي فليسبح الرجال ولتصفق النساء.

وفي علل الترمذي: ثنا الحسن بن الصباح، ثنا شبابة عن المغيرة بن مسلم، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة، فأقام بلال الصلاة وفيه: فلما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم قال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه وجعل يستحسنه، وقال: المشهور عن أبي حازم عن سهل.

257 -

حدثنا هشام بن عمار وسهل بن أبي سهل قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.

ص: 526

هذا حديث خرجاه أيضا ولفظ ابن خزيمة: النساء وفي لفظ: من نابه في صلاته شيء فليقل: سبحان الله، إنما هذا للنساء، يعني: التصفيق.

258 -

حدثنا سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله، عن نافع أنه كان يقول: قال ابن عمر: ذرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في التصفيق وللرجال في التسبيح.

هذا حديث سنده صحيح على شرط مسلم، وسيأتي حديث علي عند ابن ماجه: كانت لي ساعة أدخل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان قائما يصلي سبح لي، فكان ذلك إذنه.

وفي الأوسط لأبي القاسم من حديث عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التسبيح في الصلاة للرجال، والتصفيق للنساء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

تم الجزء المبارك بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وصلى الله على نبيه محمد، خير خلقه، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعي التابعين بإحسان لهم إلى يوم الدين، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

ص: 527