المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌ترجمة المصنف اسمه ونسبه: هو: الإِمام الحافظ علاء الدين - شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي - ت عويضة - جـ ١

[علاء الدين مغلطاي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌ترجمة المصنف

اسمه ونسبه:

هو: الإِمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحنفي، ولد

سنة تسع وثمانين وستمائة من هجرة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وسمع من الدبوسي

والختني وخلائق، وولي تدريس الحديث بالظاهرية بعد ابن سيّد الناس

وغيرها، وله مآخذ على المحدثين وأهل اللغة. ولد سنة تسع وثمانين وستمائة.

نشأتَه وطلبه للعلم:

نشأ مغلطاي- رحمه الله تعالى- في بيت علم وفضل؛ فنشأ نشأة دينية

طاهرة، وتلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته،

فحفظ القرآن الكريم وجوّده.

وكان- يرحمه الله- كثير الاشتغال بمطالعة كتب الحديث والتاريخ

والأدب، وهو لا يزال مشتغلا بحفظ القرآن الكريم.

وممّا ساعد مغلطاي على طلب العلم والنبوغ المبكّر: وجوده وتربيته في بيت

العلم والفضل، كما أنّ أكثر أهل بلده كانوا- كذلك- من أهل العلم

والفضل.

واستطاع مغلطاي أن يستفيد من علماء عصره، وما أكثرهم، فأخذ

يطلب العلم بجميع فنونه على مشايخ عصره، وظلّ ينتقل بين العلماء، يتلقَّى

عليهم، ويستفيد منهم، حتى صار إماما يشار إليه بالبنان، ورأسا يرحل إليه؛

فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه، من اليمن، والهند، وغيرهما حتى

صار صيته في جميع البلاد، وانتفع بعلمه كثير من النّاس.

ص: 5

ثناء العلماء عليه

صفاته الخلقية كثيرة مشهورة، ومناقبه جمّة، فقد بدأ حياته منقبضا عن

النّاس، لا يتصل بأحد منهم، إلا في طلب العلم ونشره، وكان يرسل

فتاواه ويصدر أحكامه دون أن يتقاضى عليها أجرَا.

والشّيخ لم تكن الدُّنيا أكبر همّه؛ لأنه كان يعلم أنّ عرضها الزائل لم

يكن يشغله عن الهدف الأسمى الذي وضعه لنفسه؛ وهو نشر دين الله

تعالى، وإحقاق الحقّ.

ولذلك كان يقدّر أهل العلم والفضل، الذين لا يتكالبون على جمع

حطام الدُّنيا، والتقرّب إلى الحكّام، وكان يعش حياة بسيطة مقشفة، فلم

يسمع منه أحد من تلامذته كلمة مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطالب الدُّنيا، لا

تصريحَا ولا تلويحَا.

وكان- رحمه الله تعالى- بارَا بشيوخه وتلاميذه، فتح أمامهم أبواب

العمل، ودافع عنهم، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه.

وبالرغم من حدة ذكائه، وجودة ذهنه، فكانت قسوته على الأفكار لا

على الأشخاص؛ لأنه كان يدرك أنه سبق جيله بأجيال، فترك ثروته الفكرية

والعلمية لتتفاعل مع الزمن، يكشف عن وجهها ما تبديه قرائح العلماء.

مصنفاته

كان الإمام مغلطاي عارفَا بالأنساب معرفة جيّدة، وأمّا غبرها من متعلّقات

الحديث فلهَ بها خبرة متوسطة، وتصانيفه أكثر من مائة منها:

1-

شرح البخاري- لم يكمل.

2-

شرح أبي داود- ولم يتمه وجمع.

3-

أوهام الأطراف.

4-

ذيل على التهذيب.

5-

ذيل على المؤتلف والمختلف- لابن نقطة.

ص: 6

6-

الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم.

7-

رتب المبهمات على الأبواب.

8-

رتب بيان الوهم لابن القطّان.

9-

تخريج زوائد ابن حبان على الصحيحين، وكانت وفاته في رابع

عشري شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة من هجرة أبي القاسم صلى الله عليه

وسلّم.

ص: 7

‌مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين، قيوم السموات والأرضين، مُدبِّر الخلائق أجمعين،

باعث الرسل- صلواته وسلامه عليهم- إلى المكلَّفين؛ لهدايتهم وبيان شرائع

الدِّين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين. أحمده على جميع نعمه،

وأسأله المزيدَ من فضله وكَرَمه. وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهَّار،

الكريمُ الغفَّار.

وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين

المكرَّم بالقرآن العزيز، المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة

للمسترشدين، المخصوص بجوامع الكلم وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه

عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وآل كل وسائر الصالحين.

أما بعد: فقد يسَّر الله بفضله وكرمه، مكتبة نزار الباز بمكة المكرمة

وفروعها المختلفة بالمملكة، نعمة خدمة كتب السنن، وتقديمها للناس بهذا

التحقيق، والتخريج المفيد، والتعليق النافع، والطبع الأنيق، والفهرسة المعُينة

الميسَّرة، التي تساعد القارئ على استعمال الكتاب، والحصول على جوهرة

العلم الثَّمين في أيسر وقت؛ ليجلى ضالّته التي اختفت عليه في طيَّات

صفحات عديدة، ومجلَّدات كثيرة، يصعب عليه فرزها لحصوله على ما خفي

عليه. وجزى بالخير الأخ الأستاذ نزار مصطفى الباز صاحب هذه المكتبة على

ما قدّم من خدمة السُّنة المطهرة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة

والتابعين والعلماء والمفتن، وكلّ من نهج نهجهم إلى هذا العصر الذي أرسل

الله فيه رجالا تحفظ دينه وتنشر سنة نبيّه صلى الله عليه وسلم.

واليوم تقدّم مكتبة نزار الباز:"شرح سنن ابن ماجة"لأحد حفاظ عصره:

الإمام علاء الدّين مغلطاي الحنفي، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنَّاته مع

النبيين والصديقين والشهداء، ومن نهج نهجهم بصالح الأعمال إلى يوم يبعث

الله العباد ليوم الميعاد.

ص: 9

وهذا الكتاب"السنن"، أحد المصادر المعتبرة التي جمعت الكلام النبوي

الشّريف، والسنّة المطهرة، باتباع منهج سليم واضح، بعيد عن الهوى

والتعصّب، الذي سار عليه بعض أهل الزيغ من الذين وضعوا نصب أعينهم

الفكرة المسبقة؛ فهم يجمعون ويصححون تبعا للمذهبية والتقليد. وقد قام

الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بشرح سن ابن ماجة، إلَّا أن المنية اخترمته

قبَل أن يتمّه. وهذا الشّرح الوافر الذي قام به مغلطاي، وضع قواعده على

"سنن ابن ماجة"التي ضمّت صحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود

والترمذي والنسائي والدرامي، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وصحيح ابن

خزيمة، والمختارة، وما يماثلها من الكتب التي اعتمدت المنهجية والأمانة والدّقة

في نقل الأحاديث.

واليوم أيها المسلم الكريم، نضع بين يديك الطاهرتين:"شرح سنن ابن

ماجة"لعلاء الدين مغلطاي بما فيه من أحاديث مصححة ومضعفة، أشار إليها

الشّارح بسلسلة طويلة في الجرح والتعديل لسلسلة الإِسناد، وقد قمنا- بفضل

الله تعالى- بوضع حكم الصحة أو الحسن أو غيرهما لنضع الحكم النهائي

على الحديث بتخريج وتعديل العلماء كل على حسب جهده، وقد اعتمدنا

في ذلك على كتب الجرح والتعديل مثل"التهذيب"و"التقريب"

و"الثقات"و"الجرح والتعديل"و"الميزان"و"لسان الميزان " و"الضعفاء

الكبير " و"الفوائد"و"اللآلئ"و"الموضوعات"و"المجروحين"و"المغني

في الضعفاء"وغيرهم من الكتب.

ثم نضع حكم"الشّيخ الألباني "، إلا أننا وجدنا بعض الاختلافات في

الحكم على الحديث بين مغلطاي والألباني، تنبهّنا من هذا الاختلاف أنّ

مغلطاي لم يعتمد على قاعدة ابن حبّان في الجرح والتعديل، حيث يخلط

أحيانا في الجرح والتعديل للعلم الواحد، وهذا وجهة الخلاف بينهما- نسأل

الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الزيغ، ويغفر لنا ذنوبنا، ويرحمنا رحمة

واسعة من عنده، ويغفر لصاحب المكتبة التجارية الذي يأتي لنا بكلّ نادر

عزيز، وأن يبارك الله له في نفسه وأهله والعاملين معه، وصلى الله على سيّدنا

محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 10

‌عملنا في الكتاب ووصف المخطوط

(1)

قمنا بنسخ الخطوط، ووضع خطّة التحقيق أثناء النسخ، حيث الإمام علاء

الدين مغلطاي كان واسع الاطلاع، متنّوع الثقافة، متبحرا في سائر

العلوم النقلية والعقلية، والمطلع في كتابه يدرك تنوّع الكتب والمصادر التي

أخذ"مغلطاي " منها شرحه هذا، كما يدرك سعة اطلاعه، حيث

يحيط بالمسائل الأصولية من جميع جوانبها، بالرجوع إلى كتب اللغة،

والحديث، والتفسير، علاوة على أمهات كتب الأصول، الأمر الذي

جعل كتابه هذا موسوعة علمية لا يستغني عنها أي باحث.

(2)

وقد اعتمدنا في النسخ على مخطوطتين، الأولى: مخطوط دار الكتب

المصرية- مكونة من"155"لوحة، مقياس 18* 27 سم. وينتهي

هذا المخطوط ب"باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة- وهذا

المخطوط برقم"2750"حديث. والمخطوط الثاني: هو مخطوط"حيدر

آباد " بالهند- وفد بدأ بـ " باب تحت كلّ شعرة جنابة"إلى آخر الكتاب

- ويقع تحت رقم"1200"حديث، أسطره"17"، مقاسه 40* 20

سم.

(3)

بعد نسخ المخطوط، قسّمنا الكتاب إلى جمل وفقرات، وصحّحنا ما فيه

من اللغة؛ لكي يستطيع أن يستوعبها القارئ العادي.

(4)

قمنا بتخريج الآيات من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للشيخ

محمد فؤاد عبد الباقي.

(5)

قمنا بتخريج الأحاديث من المعاجم والموسوعات المختلفة، والحكم على

الحديث بالصحة أو الضعف بتصحيح سند الحديث، ووضع حكم الشّيخ

الألباني كلّما أمكن ذلك.

ص: 11

(6)

وقمنا بوضع مفردات اللغة التي تساعد القارئ على فهم الكتاب، وذكر

الفوائد المشتملة عليها.

وأخيرا.....

أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا

لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح

ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.

***

ص: 12

‌صور المخطوط

ص: 13

لوحة الغلاف للجزء الثاني من المخطوطة الأولى

ص: 14

اللوحة الأولى من الجزء الرابع من المخطوطة الثانية

ص: 15

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

/وصلى (2) الله على سيدنا محمد (3) وآله (4) وصحبه وسلَّم، قال الإمام

العلامة أبو عبد الله بن ماجة رحمه الله تعالى:

(1) قوله:"بسم الله الرحمن الرحيم"، اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من كل

سورة افتتحت بها، أو هي آية مستقلة أنزلت للفصل بها بين السور، وللتبرك بالابتداء بها،

والمختار القول الثاني.

واتفقوا على أنها جزء آية من سورة النمل، وعلى تركها في أول سورة براءة؛ لأنها جعلت هي

والأنفال كسورة واحدة.

وابتدأ بها المصنف لقوله:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فْهو أبتر"وفي رواية:

"أجذم"، إتحاف (3/466) وكنز (2511) وتذكرة (80) .

(2)

قوله:"وصلى الله"، الصلاة في اللغة: الدعاء، قال تعالى:"وصل عليهم إن صلاتك

سكن لهم"، وأصح ما قيل في صلاة الله على رسوله هو ما ذكره البخاري في صحيحه، عن

أبي العالية قال:"صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة"، والمشهور أن الصلاة من

الملائكة الاستغفار كما في الحديث الصحيح"والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه

الذي فيه"يقولون: اللهم اغفر له اللهم ارحمه"، ومن الآدميين: التضرع والدعاء. (شرح

العقيدة الواسطية لهراس: ص/12) .

(3)

قوله:"محمد"، قيل لجده عبد المطلب لِتم سميته محمد وليس من أسماء أبائك ولا

قومك؟ فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، وقد حقق الله رجاءه، وإنما خصه

بالذكر دون غيره من أسمائه صلى الله عليه وسلم لشهرته وذكره في القرآن أكثر من غيره. (حامدي على الكفراوي)

(4)

قوله:"وآله"، آل النبي صلى الله عليه وسلم عند الإمام الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب

لحديث مسلم في الصدقة:"إنها لا تحلَ لمحمد، ولا لآل محمد"، وقال في حديث رواه

الطبراني:"إن لكم في الخمس ما يكفيكم، أو يغنيكم"وقد قسم صلى الله عليه وسلم الخمس على بني

هاشم والمطلب تاركا أخويهم بني نوفل، وعبد شمس مع سؤالهم له. (تدريب الراوي: 1/60)

ص: 17

‌كتاب الطهارة

‌1 - باب ما جاء في مقدار الوضوء

والغسل من الجنابة

- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي ريحانة، عن

سفينة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع"هذا

حديث رواه مسلم (1) في صحيحه، وخرجه هو والدارمي في مسنده (2)

بسماع إسماعيل بن أبي ريحانة. وفي بعض طرقه:"أو قال يطهره المد"،

قال: وقد كان كبر وقال: أبي يحدثه، ولفظ العسكري:"كان النبي صلى الله عليه وسلم

يغسله الصاع من الجنابة ويوضيه المد" (3).

وقال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وبنحوه قاله أبو علي الطوسي في

أحكامه، وفيه علة خفيت على من صححه، وهي الانقطاع المنافي للصحة

فيما بين أبي ريحانة وسفينة. نص على ذلك أبو حاتم البستي، فإنه لما ذكره

في الثقات تردد في سماعه من سفينة بعد وصفه إياه بالخطأ!

وبنحوه ذكره الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل فإن محمد بن موسى لما

سأله عنه قال: ما أعَلم إلا خيرا، قلت: سمع من سفينة! قال: ينبغي هو قديم

سمع من ابن عمر، فهذا من أبي عبد الله ظن وحسبان لا قطع ببرهان ولا

كل من سمع من شخص ينبغي له السّماع من قرينه، هذا الزهري سمع من

(1، 2) صحيح. رواه مسلم في الحيض باب:"10"رقم"51"والترمذي (56، 609)

وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (المياه باب:"14") وابن ماجة (ح/267،

268، 269) وفي أحمد (6/ 121، 133) والبيهقي (1/ 194، 195) والطبراني (7/ 96)

والقرطبي (5/ 214) ومعاني (2/ 50) وأصفهان (1/ 270) والدارمي (ح 688) وبلفظ:

"كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل بالصاع".

(3)

بنحوه صحيح. رواه مسلم في (الحيض باب"10"رقم"52"وإتحاف (4/ 55) ومعاني

(2/ 50).

قلت:"إلا أن السند المذكور أعله الشارح بالانقطاع".

ص: 19

جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر، ولم يسمع من بعض التابعين، والحسن

سمع من علي وأبي عثمان، ولم يسمع ممن توفى بعدهما بنحو من ثلاثين سنة

والله أعلم، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث مرجا بن رجاء بن

ريحانة ثم قال: ولم يروه عن مرجا إلا يعقوب بن إسحاق الحضرمي حديث

أبو بكر بن شيبة عن يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة

عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع".

هذا حديث إسناده صحيح متصل، وإلى هذا سار أبو عيسى، وفي كتاب

أبي داود: رواه أبان عن قتادة قال: سمعت صفية، يعني بذلك ما رواه أبو

ذكر البيهقي في السن الكبير/، ثنا أبو الحسن علي بن أحمد المقري، نا

أحمد بن سليمان، نا جعفر وسالم، نا عفان، نا أبان به في سن الدارقطني

بنحو المد وبنحو الصاع، وقال في العلل، رواه عن قتادة: الدستوائي وابن

عروة وعمران القطان والجماعة وابن الزبير، وقيل عن شعبة كلّهم عن قتادة

عن شعبة، وقال عمرو بن عامر: عن قتادة عن ابن المسيب عن عائشة، وقال

حماد بن سلمة: عن قتادة عن معاذة عن عائشة، وقال شيبان: عن قتادة عن

الحسن عن أمه عن عائشة، وأصحها قول من قال قتادة عن صفية، ورواه أبو

حصين وإبراهيم بن المهاجر عن صفية، قال: وهو غريب بهذا الإِسناد.

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب التمييز بإسناد صحيح عن محمد

ابن عبيد، نا يحيى بن زكريا عن موسى بن عبد الله الجهني، وكان ثقة، قال

لي مجاهد: بقدح حررته ثمانية أرطال، وقال: أخبرتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان يغتسل بمثل هذا في مسند أحمد بن منيع البغوي حررته ثمانية أو تسعة

أو عشرة أرطال، وفي هذا الحديث بيان لصحة سماع مجاهد من عائشة،

وسيأتي بيان ذلك بعد إن شاء الله تعالى في قول الدارقطني: وقال حماد عن

قتادة عن معاذة عن عائشة نظرا لما قال. رواه الكيني في سننه عن أبي عمر ثنا

حماد عن قتادة عن صفية أو معاذة- شَك حماد- عن عائشة فهذا كما ترى

3-

حماد لم ينقل عن واحدة منهما خبرا ما والله أعلم. حدثنا هشام بن عمار،

نا الربيع ابن بدر، نا ابن الزبير بن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان يتوضأ

ص: 20

بالمد ويغتسل بالصاع"هذا حديث في إسناده علّتان، الأولى: ضعف الربيع (1)

ابن بدر الملقب عليلة، فإن أبا إسحاق الجوزجاني وهاه، وقال أبو حاتم الرازي:

ذاهب الحديث، وقال النسائي والأزدي والدارقطني، متروك الحديث، وقال

البستي: كان يقلب الأسانيد ويروى عن الثقات المعلومات، وعن الضعفاء

الموضوعات، وقال أبو داود: لا يكتب حديثه، وقال يعقوب بن سفيان

الفسوي في تاريخه الكبير: لا يُكتب حديثه، وقال في موضع آخر: ضعيف

متروك، وقال البخاري في الأوسط: مخالف، وذكره الساجي والعقيلي

والبلخي وأبو أحمد بن عدي وأبو العرب القيرواني وأبو إسحاق الحربي/في

الضعفاء، الثانية: الاختلاف في سماع محمد' بن مسلم بن بدر بن أبي الزبير

عن جابر، حتى قال أبو الحسن القطان وغيره: كما لم يصرح فيه بالسماع،

ولم يكن من رواية الليث عنه منقطع، ورواه أبو القاسم في الأوسط من

حديث الربيع بن صباح عن أبي الزبير وقال: لم يروه عن الربيع إلا الوليد بن

مسلم. تفرد به محمد بن أبي التبري، ومن حديث أبي جَص محمد بن

علي بن الحسين عن جابر بمثله، وقال: لم يروه عن شعبة- يعني عن مخول بن

راشد- عن جعفر عنه إّلا سعد بن عامر الضبعي: ولفظه عن جابر في المعجم

الكبير:"يجزئ من الغسل صاع ومن الوضوء مد"(2) وأرسله ابن أبي شيبة

في المصنف. رواه عن عبد الرحمن بن سليمان عن الحجاج عن أبي جعفر به،

وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق صحيحة سوى ما أسلفناه، ذكرها أبو

عبد الله في مستدركه عن أبي بكر بن إسحاق، نا محمد بن عبد الله

الحضرمي، نا هارون بن إسحاق، نا محمد بن فضيل عن حُصَير عن سالم عن

سالم بن أبي الجعد عن جابر وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه

(1) الربيع بن بَدر عُلَيلَة السعدي، عن ثابت. قال الدارقطني وغيره:"متروك". وضعْفه أبو

داود. روى له الترمذي وابن ماجة. (المغني في الضعفاء: 1/227/2087) .

(2)

مرسل. رواه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(1/65) وابن خزيمة في"صحيحه"(117)

وأحمد في"المسند"(3/370) . والبيهقي في"الكبرى"(1/195) .

ص: 21

بهذا اللفظ، ولما ذكره أبو داود في سننه من حديث أحمد نا هشيم نا

يزيد بن أبي زياد عن سالم به، ضعفه أبو محمد المنذري يزيد بقوله: لا يحتج

به، وفيه نظر في موضعين، الأول: اضطرابه في يزيد؛ فتارة يحسن حديثا هو

فيه، وتارة يضعفه كما فعل هذا، وتارة يسكت عنه موهما صحته، وسنبيّنه،

إن شاء الله تعالى- في أليق المواضع به، وليس لقائل أن يقول فعله ذلك لما

يقصده من متابع أو شاهد أو عدمهما، لما أسلفناه من متابعة الربيعين وابن

الحسن وحصين، الثاني: محمد بن فضيل الثقة العدل رواه عن يزيد وحصن

عن سالم فسلم الحديث من طعن إن كان في يزيد. ذكر ذلك أبو بكر

البيهقي عن الحاكم، نا أبو العباس، نا أحمد بن عبد الجبار نا بن فضيل به،

وعلى البيهقي في هذا الإسناد استدراك؛ لأجل ضعف أحمد بن عبد الجبار

وعدوله عن حديث الحاكم المذكور إلى هذا، ورويناه في كتاب الحافظ أبي

بكر بن خزيمة عن هارون بن إسحاق الهمداني في كتابه، نا ابن فضيل عنهما/

يذكره حدثنا محمد بن الصباح وعباد بن الوليد قالا: حدثنا بكر بن يحيى بن

زيان، نا حبان بن علي عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن

عقيل بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يجزي من

الوضوء مد ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزينا فقال: من كان يجزئ

من هو خير منك وأكثر شعرا، يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه

وسلم" (1) هذا حديث في إسناده ضعفان. الأول: حبان (2) بن علي العنزي بن

علي الكوفي- رحمه الله وغفر له- روى عن التابعين، قال فيه حجر بن عبد

الجبار: ما رأى فقيها بالكوفة أفضل منه، وقال يحيى بن معين: صدوق، وفي

(1) ضعيف الإسناد. رواه ابن ماجه: (ح/270) . وفي الزوائد: إسناده ضعيف لضعف

حبان بن يزيد. قلت: ولكن الحديث له طرق صحيحة. صححها الشيخ الألباني في صحيح

ابن ماجة.

(2)

حبان بن علي العَنزِي، عن التابعين، ضعفه النسائي وجماعة، ولم يترك. وقال ابن

حجر: ضعيف من الثامنة، وكان له فقه وفضل. روى له ابن ماجة) المغني في الضعفاء

للذهبي: 1/145/1277) .

ص: 22

رواية: ليس حديثه بشيء، وقال ابن نميرة: في حديثه وحديث أخيه مندل

بعض الغلط، وقال أبو زرعة: ليّن، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج

به، وسئل عنه ابن المديني فضعفه، وقال الدارقطني: متروك رموه، قال،

ضعيف ويخرج حديثه، وقال أبو الحسان الزيادي توفى سنة اثنتين وسبعين

ومائة، ويقال سنة إحدى فإن مولده سنة إحدى عشرة، وقال البخاري: ليس

هو عندهم بالقوي: وقال النسائي: ضعيف، وكذلك قاله ابن سعيد، وقال

العجلي: صدوق، وقال الخطيب: كان رجلا صالحا دينا، وقال أبو داود: لا

أحدّث عنه، وقال المرزباني قال حبان لأخيه مندل وكان يسمى عمرا:

عجبا يا عمرو من غفلتنا

والمنايا مقبلات عنفا

قاصدات نحونا مسرعة

تتخللن إلينا الطرقا

وإذا أذكر فقدان أخي

أتقلب في فراشي أرقا

وأخي ابن أخ مثل أخي

قد جرى في كل خير سبقا

وقال ابن قانع: ضعيف، وبنحوه قاله ابن طاهرٍ.

الثاني: يزيد (1) بن أبي زياد، وقد اختلف فيه فأمّا البخاري في الأوسط

فإنه قال: ابن زياد أو ابن أبي زياد عن الزهري منكر الحديث، وتتبع ذلك

عليه أبو محمد بن أبي حاتم فقال: قال أبو زرعة: إنّما هو يزيد بن أبي زياد،

وسمعت أبي يقول كما قال انتهى. فعلى ما أسلفناه في التاريخ الأوسط لا

وهم عليه،/وكذا فرّق النسائي بين ابن زياد وابن أبي زياد وقال في ابن زياد:

متروك الحديث، وقال الآجري: سألت أبا داود عن ابن أبي زياد فقال: ثبت لا

أعلم أحدا يترك حديثه وغيره أحب إليّ منه، وقال ابن سعد: كان ثقة في

نفسه إلا أنّه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب، وقال ابن المديني وابن

معين: ضعيف الحديث لا نحتج به، وقال ابن المبارك: أرْمَ به، وقال أبو حاتم

الرازي: ضعيف الحديث، كل أحاديثه موضوعة وباطلة، وقال ابن حبان: كان

(1) يزيد بن أبي زياد، ويقال ابن زياد الشامي، عن الزهري. قال البخاري:"منكر

الحديث". وقال النسائي:"متروك". (المغني في الضعفاء للذهبي: 2/749/7102) .

ص: 23

صدوفا إّلا انه لما كبر ساء حفظه وتغيّر، وكان يلقّن ما لقن فوقعت المناكير في

حديثه فسماع من سمع منه قبل التغيّر صحيح، وبنحوه ذكره الساجي، وذكر

ابن الجوزي يزيد بن زياد ويقال ابن أبي زياد ويقال أبو زياد اسمه، واسم ابنه:

ميسرة في ترجمة واحدة وبنحوه ذكره ابن سرور المقدسي وذكر أنّ مسلما

روى له وقال ابن نمير: ليس بشيء، وقال الترمذي: ضعيف في الحديث،

الثالث: عبد الله (1) بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أبو محمد الهاشمي

المدني سمع جماعة من الصحابة، كان أحمد بن حنبل وإسحاق يحتجان

بحديثه، ولكن ليس بالمتين عنهما. قاله الحاكم، وقال ابن سعد: منكر

الحديث لا يحتج بحديثه، وكان كثبر العلم، ومات سنة خمس وأربعين ومائة.

وقال أبو معمر: كان ابن عيينة (2) لا يحمد حفظه، وقال ابن معين: ليس

بذاك، وفي رواية: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليّن الحديث ليس ممن يحتج بحديثه

ونكتب حديثه، وهو أحب إلينا من تمام بن نجيج، وسئل عنه أبو زرعة فقال:

يختلف عليه في الأسانيد، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال الترمذي:

صدوق لكن تكلّم فيه بعضهم من قبل حفظه، وقال الفسوي: صدوق وفي

حديثه ضعف، وقال ابن عدي: نكتب حديثه وقال ابن حبان: كان رديء

الحفظ يحدث على التوّهم فيجئ بالخبر على غير سننه فوجب مجانبة أخباره،

وأما الحاكم فإنه صحّح حديثه في مستدركه، وذكره أبو عبد الله البرقي في

كتاب الطبقات، في باب من ينسب إلى الضعف ممن يُكتب حديثه، وروى لنا

عن القطان أنه قال: عاصم عندي/نحو ابن عقيل في الضعف، الرابع: أبو

عبد الله بن محمد عقيل وهو مجهول لا يُعرف حاله، ولا نعرف بأي من

(1) عبد الله بن محمد بن عقيل، ابن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، المدني، أمه زينب

بنتُ عَلي، صدوق، في حديثه لين، ويقال تغبر بآخره، من الرابعة، مات بعد الأربعين.

روى له البخاري وا بو داود والترمذي وابن ماجة. (تقريب: 1/447/607) .

(2)

سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي الأعور. أحد أئمة

الإسلام. قال ابن المديني: ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة. وقال الشافعي: لولا

ماَلك وسفيان لذهب علم الحجاز. مات بمكة أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة.

) طبقات الحفاظ: ص/119) .

ص: 24

روايته عن أبيه ورواية ابنه عنه والله أعلم، ومع هذا فباعتبار مجموع

الأحاديث المتقدّمة يكون حسنا؛ لما أسلفناه من الاختلاف في حال إسناده،

وفيه زيادة على ما قاله الترمذي: أنّ حديث سفينة في الباب المتقدّم عن عائشة

وجابر وأنس بن مالك، وأغفل أيضَا حديث أم سلمة من رواية الحسن عن أمه

عنها. ذكره الطبراني في الأوسط، وقال: لم يروه عن أشعث بن عبد المالك-

يعني عن الحسن- إلا سيف بن محمد. تفرد به جمهور بن منصور،

وحديث أنس عند البخاري:"يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمدّ"

وحديث ابن عباس من عنده أيضا مرفوعا:"يجزئ في الوضوء مد وفي

الغسل صاع" (1) .

وقال: لم يروه غير حصين عن عكرمة عنه إلا عبد العزيز بن عبد الرحمن

الباسلي. تفرّد به، وذكره أبو الحسن الدارقطني في كتابه الأفراد من حديث

إسرائيل عن مسلم الأعور عن مجاهد وإسناده عالي. تفرّد إسرائيل به،

وحديث أبي عمارة عن أبي داود"يرفعه قدر ثلثي المد" وإسناده صحيح،

وحديث زينب بنت أبي سلمة سمعناه. ذكره القشيري، وحديث أبي أمامة.

ذكره الطبراني في المعجم الكبير وابن عدي في الكامل من حديث الصلت بن

دينار عن شهر بن حوشب، وضعفه بهما، وخرجه ابن أبي سعيد مرفوعَا من

مسند ابن أبي أسامة من حديث عطية عنه، وكان الشافعي وأحمد يقولان:

ليس معنى هذا الحديث على الترتيب أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه؛ بل

هو قدر ما يكفي، والله أعلم:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور"(2) نا

محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد، نا محمد بن جعفر ح، ونا بكر بن خلف

أبو بشر ختر المقري، نا يزيد بن بريع بالراء، نا شعبة عن قتادة عن أبي المليح بن

أسامة عن ابنه أسامة عن عمير الهذلي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله

(1) ضعيف. وتقدم روايته عند ابن ماجة (ح/270) .

(2)

حسن. رواه أبو داود (ح/59) والنسائي في (الطهارة، باب"103"وفي الزكاة باب

489" (وللترمذي (ح/1) وقال: هذا حديث حسن. وأحمد في"المسند" (2/20، 39،

51، 57، 53) والدارمي (1/175) . وحسنه الشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/267) .

ص: 25

صلاة من غير طهور، ولا يقبل صدقة من غلول"نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا

عبيد بن سعيد وسرابة بن سوار عن شعبة نحوه في مسند أبي داود الطيالسي،

ثنا/شعبة عن قتادة قال أبا المليح يحدث عن أبيه فذكره. هذا حديث صحيح

خرجه ابن حبان (1) في كتابه من جهة قتادة، وقال البغوي فيما رويناه عنه

في شرح السنة: هذا حديث صحيح ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرّجه

الإسفرايني في صحيحه في كتاب البيهقي أن الله لا يقبل. وأبو المليح اسمه:

عامر بن أسامة بن عمير بن عباس بن أقيش، واسمه عمِر خرجا حديثه في

صحيحيهما، قال ابن شعبة: توفى سنة ثنتي عشرة ومائة، وقال الفلاس: توفى

سنة ثمان وتسعين. ذكر مسلم في كتاب الوحدات والعسكري والطبري في

المزيل: أنه لم يرد عن أبيه غيره، وكذلك قال ابن بنت منيع في معاوية وابن

عبد البر، نا على بن محمد، نا وكيع، نا إسرائيل عن سماك ح، وحدّثنا

محمد بن يحيى، نا وهب بن جرير، نا شعبة عن سماك بن جرير عن

مصعب بن سعد عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة إلا

بطهور، ولا صدقة من غلول" في كتاب مسلم عن سماك عن مصعب: دخل

ابن عمر على ابن عباس- يعني عبد الله- يعوده وهو مريض فقال: ألا تدعو

الله لي يا ابن عمر فقال لي: سمعت النبي- عليه السلام يقول: فذكره،

وفي آخره وكنت على البصرة، وفي صحيح ابن خزيمة عنه: فجعلوا يبنون عليه

وابن عمر ساكت، فقال: أما إني لست باعثهم لك ولكن النبي- عليه

السلام- قال: فذكره، ولما ذكره الترمذي قال: هذا الحديث أصح شيء في

هذا الباب وأحسن شيء ذكره أبو القاسم، في الأوسط من حديث مندل عن

عبد الله بن عمر عن نافع عنه بلفظ: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة

لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، وإنما موضع الصلاة من الدين

كموضع الدائر من الحد " (2) لم يروه عن ابن عمر إّلا مندل، ولا عن مندل

(1) صحيح. رواه ابن حبان: (ح/145) .

(2)

حسن. رواه أحمد في"سنده"(3/135، 154، 210، 251) والطبراني في"الكبير"

(8/230، 10/280) وابن أبي شيبة في"المصنف"(11/11) والمجمع (1/292) وعزاه

إلى الطبراني في"الأوسط"و"الصغير"من حديث ابن عمر، وقال: تفرد به الحسين بن

ص: 26

إّلا حسن أبو زهير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أني حبيب عن سنان بن

سعد عن أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يقبل الله/صلاة

بغير طهور، ولا صدقة من غلول"وهذا حديث أخرجه أبو عوانة (1) في

صحيحه، من حديث سهل بن أبي سهل واسمه، زنجلة، روى عنه جماعة،

وقال أبو حاتم: صدوق وأبو زهير بن عبد الرحمن بن مغر بن الحرث بن

عبد الله بن وهب الكوفي قاضي الأردن، سئل عنه وكيع فقال: طلب الحديث

قبلنا وبعدنا. وكان أبو خالد الأحمر يحسن إلينا عليه، وقال أبو زرعة:

صدوق، وتكلّم ابن المديني في روايته عن الأعمش وسنان بن سعد لما ذكره

ابن حبان في كتاب الثقات قال: حدّث عنه المصريون وهم يختلفون فيه،

فيقولون سنان بن سعد وسعد بن سنان، وأرجو أن يكون سنان بن سعد، وقد

اعتبرت حديثه فرأيت ما روى عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات ما

روى عن سعد بن سنان فيه المناكير، فكأنهما- والله أعلم- اثنان، وصحح

البخاري قول من قال سنان وكذلك ابن يونس وسئل عنه ابن معين فقال:

ثقة، وكذلك قاله الدارقطني. قال النسائي في كتاب التمييز: ضعيف وبنحوه

قال الإِمام أحمد.

وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: سنان بن سعد سمع أنسا! فغضب

من إجلاله له، وقال العجلي: سعد بن سنان مصري تابعي ثقة نا محمد بن

عقيل نا الخليل بن زكريا، نا هشام بن حسان عن الحسن عن أبي بكرة، نا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول"

هذا حديث قال ابن عدي: رواه الخليل بن زكريا عن هشام عن الحسن، ورواه

عن الحسن أيضا المنهال بن حسن وبه يعرف، والخليل أضعف من منهال،

وذكره في باب محمد بن عبد العزيز الزبيري عن منهال وقال: هذا بهذا

الإِسناد باطل فذكر محمد عن منهال، ورواه الخليل، والمنهال خير من الخليل،

الحكم الجبري. والتمهيد (9/255) وشرح السنة (1/75) والمشكاة (35) والكنز

(5501)

والحلية (3/220) وابن عدي في"الكامل"(3/1112، 6/2221) والخفاء

(2/485) . قلت: وللحديث طرق وشواهد أخرى يرتقى بها تفرد الهيثمي إلى درجة الحسن.

(1)

صحيح. رواه أبو عوانة (1/236) . وللحديث متابعات صحيحة بنحوه.

ص: 27

ولما ذكره أبو نعيم في كتابه فقال: هذا حديث مشهور (1) لا يعرف الأمر

حديث ابن عقيل بهذا اللفظ من حديث علي. انتهى.

وهو معلَل بأشياء منها: محمد بن عقيل، وإن كان الحاكم قال فيه: هو

من الثقات مات سنة سبع وخمسين ومائتين، فقد ذكر أنه أنكر عليه حديثان،

والخليل وإن قال فيه جعفر/الصائغ (2) : كان ثقة مأمونا، فقد كذبه القاسم بن

زكريا: وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، وقال العقيلي: يحدث

بالبواطيل، وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث، وسماع الحسن بن أبي

بكرة مختلف فيه، فمن أنكره أبو الحسن الدارقطني قال: هو عن أبي بكرة

مرسل لم يسمع منه، ذكره في سؤالات الحاكم له، وفي صحيح البخاري في

كتاب الفتن، قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: فذكر حديثا وفي

كتاب الصلح أيضا قال: سمعت أبا بكرة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"إن ابني هذا سيد وسيصلح اللَه به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"(3) قال

أبو عبد اللَه: قال ابن المديني: إنما يثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا

الحديث، وفي كتاب ابن بطال: وزعم الداودي أنّ راوي هذا عن أبي بكرة

(1) الحديث المشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر ولم يبلغ حد التواتر، مثاله. قوله صلى الله عليه وسلم:"المسلم من سلم

المسلمون من لسانه ودمه". صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/9، 8/127) ومسلم في الإِيمان (ح/

65) والترمذي (ح/2627) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (ح/2481) والنسائي (8/

105) وأحمد في"المسند"(2/163، 192، 195، 203، 205، 209) والدارمي (2/300)

والبيهقي في"الكبرى"(10/187) والحاكم في"المستدرك"(1/10، 3/517) وابن حبان في

صحيحه (26) والطبراني (1/356، 18/309، 19/176) والحميدي (595) والمشكاة (6/33)

والبغوي (1/27) وللترغيب (3/522) والمغني عن حمل الأسفار للعراقي (2/191) والحلية لأني نْعيم

(4/333) والخطيب في"تاريخه"(5/139، 11/416) .

(2)

جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، أبو محمد البغدادي، ثقة، عارف بالحديث، من

الحادية عشرة، مات في آخر سنة تسع وسبعين، وله تسعون سنة. روى له أبو داود.

أتقريب: 1/96/132) .

(3)

صحيح. رواه البخاري"تعليقا"في: الصلح، باب"9"، وأبو داود (ح/4662)

والترمذي (ح/3773) والنسائي في (الجمعة، باب"26") والجوامع (6058) وابن عساكر

في"التاريخ"(4/226) وأذكار النووي (321) والنبوة للبيهقي (6/442) والمشكاة (5/

617) والقرطبي في"تفسيره"(4/77، 104، 7/32) وشرح السنة للبغوي (14/136) .

ص: 28

إنما هو الحسن بن علي ابن أبي طالب- رضى الله عنهم- وفي كتاب

المراسيل لابن أبي حاتم: عن بهز سمع الحسن من أبي بكرة شيئا قال: لا، قال

الباجي في إسناد رجال البخاري: أخرج البخاري حديثا فيه، قال الحسن:

سمعت أبا بكرة فأولّه الدارقطني وغيره من الحفاظ على أنه الحسن بن علي؛

لأن الحسن البصري عندهم لم يسمع من أبي بكرة، ولما ذكره الحاكم في

التاريخ رواه عن محمد بن علي بن عمر بن محمد بن عقيل، نا الخليل به،

وزاد بعد قوله:"ولا صدقة من غلول، وابدأ بمن تعول"وفيه ردّ لما قاله

الترمذي وزيادة علَّته وكذا حديث عمران بن حصين قال: قال عليه الصلاة

والسلام:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول"رواه

الحاكم في تاريخ بلده عن أبي الفضل محمد بن أحمد القاضي، نا أبو سعيد

عبد الرحمن بن الحسين، نا أحمد بن عبيد الله، نا زيد بن حباب عن شعبة

عن قتادة عن أبي البرار عنه، وحدّث علي نحوه، ذكره ابن أبي عروة في

مسنده، وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه، ذكره الحافظ أبو بكر بن حزم-

رحمه الله تعالى- فيما رويناه عنه في صحيحه فقال: نا ابن عمار الحسين بن

حريث، نا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير وهو زيد- عن الوليد- وهو

ابن رباح- عن أبي هريرة، فذكره، ولما ذكر ابن عدي هذا الحديث من جهة

ابن سلمة وابن سيرين قال: لا أعلم مربعه إلَّا/غسّان بن عبيد الموصلي،

ورواه عثمان بن أبي حنيفة مرفوعا، وغيرهما أوقفه، وهذا بهذا الإِسناد باطل.

انتهى. وما أسلفناه من عند ابن حرمة يرد قوله، ولما ذكره الطبراني في

الأوسط قال: لم يروه عن الأعمش يعني عن أبي مسافع عنه إلا أبو مريم وابن

فضل وابن عاصم، وأغفل أيضا حديث جابر بن عبد الله، ذكره الطبراني في

المعجم الأوسط من حديث سليمان بن قدم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد

عنه مرفوعا، نا المصري الصالح موسى الحنفي الكردي- رحمه الله أبو نصر

نا زنجويه نا محمد بن أسلم، نا يعلي بن عبيد، نا يحيى بن عبيد الله عن أبيه

عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا

صدقة من غلول"ورواه ابن المنذر في كتاب الإقناع عن الربيع أنبأ ابن

وهب، أخبرني سليمان بن بلال، أخبرني ابن عبد اللَه بن عمير عنه وحدّثه أبو

ص: 29

عوانة في صحيحه، وحديث أبي سعيد الخدري مرفوعَا:"لا يقبل الله صدقة

من غلول، ولا صلاة بغير طهور"ورواه الأسفرايني في صحيحه وأبو القاسم

في الأوسط من حديث مكحول عن رجاء بن حيوة عنه وقال: لم يروه عن

مكحول إلا محمد بن سليمان بن أني داود، تفرد به محمد بن عبيد الله بن

يزيد القردواني عن أبيه، ورواه ابن أبي أسد في مسنده عن محمد بن فضيل

عن أبي سُفيان السعدي عن أبي نضرة عنه ولفظه:"مفتاح الصلاة الطهور،

وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" (1) ، وفي كل ركعتين تسليمة، ولا صلاة

لكل من لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في الفريضة وغيرها، وحديث

أبي بكر الصديق، قال عليه السلام:"لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا

صلاة بغير طهور، وابدأ بمن تعول"ذكره أبو عوانة في صحيحه، وحديث

عبد الله بن عباس ذكره أيضا من حديث نافع مولى يوسف السلمي عن عطاء

بن عباس يرفعه، وقال: لم يروه عن عطاء غير نافع، ولا عن نافع إّلا سعيد أنّ

ابن يحيى تفرد به سليمان بن عبد الرحمن ولا يروى عن ابن عباس إّلا بهذا

الإِسناد. انتهى كلامه، وفيه نظر لما ذكره الحاكم في تاريخ بلده أبو بكر

الجوزي، نا إبراهيم بن محمد بن يزيد السكري، نا عبد العزيز بن زينب

المروذي، نا إسحاق بن عبد الله بن أبان عن عكرمة فذكره، ولما ذكره ابن

أبي شيبة أيضا في مصنفه في ابن خالد الأحمر عن ابن كرب عن أبيه عن

ابن عباس/مرفوعا، وحديث الزبير بن العوام عنده أيضا وقال: لم يروه عن

الليث بن سعد، يعني عن هشام عن أبيه عن الزبير إلا أبو قتادة الحراني ولا

يروى عن الزبير إلا بهذا الإِسناد، وقال القزاز: سمى بذلك لأن الرجل كان

إذا أخذ منه شيئَا ستره في متاعه، فقيل للخائن: غال ومغل من هذا يعني

قوله على الماء والسيل: يغل غللا وغلولا إذا جرى من الشجر، وغللت الشيء

(1) صحيح. رواه أبو داود في (الطهارة، باب"31"، ح/61) والترمذي (ح/3، 238) وقال: هذا

الحديث أصح شيء في هذا للباب وأحسن. والدارس (1/175) وابن أفط شيبة في"مصنفه"(1/229)

الدارقطني في"السنن (1/359، 379) وعبد الرزاق في"مصنْفه" (2539) والمجمع (2/104)

رابن عدي في"الكامل"(4/1448، 6/2405) والتمهيد (9/185) وإتحاف (2/303، 3/41)

وتلخيص (1/216) . وصححه الشيخ الألباني. (الإرواء: 2/9) .

ص: 30

أغلّه غلا: سترته، والطهور بالفتح: الماء الذي يتطهر به، وبالضم: الفعل، وقال

سيبويه: بالفتح يقع على الماء والمصدر معَا، وقال الخليل: الفتح في الفعل والماء

ولم يعرف الضم وحكى الضم فيهما جميعَا مفتاح الصلاة الطهور أنبأ على بن

محمد، نا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن

الحنفية عن أبيه- رضى الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الصلاة

الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"هذا حديث خرجه الترمذي من

حديث سفيان عن ابن عقيل وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب

وأحسن، وابن عقيل صدوق، وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.

انتهى. وقد تقدّم الكلام في ابن عقيل قبل وذكر حديثه هذا الحافظ ضياء

الدين المقدسي في الأحاديث المختارة من حديث وكيع عن سفيان عنه وخرّجه

الإِمام أحمد بن حنبل في مسنده عن وكيع وشرطه معروف، وقال ابن العربي

في الأجودي: إسناد أبي داود أصح من مسند الترمذي ولا وجه لما قاله؛ لأن

مداره على ابن عقيل، وقد جاء التكبير في غير ما حديث عن أبي هريرة في

الصحيحين:"كان النبي- عليه السلام إذا أقام إلى الصلاة يكبر حين

يقوم" (1) وفي حديث المسيء صلاته:"إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء

ثم استقبل القبلة فكبر" (2) وحديث عمران بن حصين وابن عباس، وكلهم في

الصحيح، وابن عمر عند الفسوي وابن مسعود، صححه الترمذي، والتسليم

كذلك. رواه ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص، وهما في الصحيح، وسهل بن

سعد عند أحمد ووائل بن حجر وحذيفة وغيرهم، وسيأتي الكلام على ذلك

(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/200) ومسلم في (الصلاة باب"10"رقم "28،

29") والنسائي (2/233) وأحمد في"المسند" (4/45) والبيهقي في"الكبرى" (2/

67، 93، 127) وإتحاف (5/94) وشرح السنة (3/91) وصححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (8/69، 169) ومسلم في (الصلاة، ح/45،

46) وابن ماجة (ح/447، 1060) والبيهقي في"الكبرى"(2/15، 126، 372، 373)

وابن خزيمة في"صحيحه"(454) وشرح السنة (3/3) والمشكاة (790) والترغيب (1/

340) وتلخيص (1/218) وابن أبي شيبة في"مصنفه"(1/288) . وصححه الشيخ

الألباني. (الإِرواء: 1/321) .

ص: 31

في موضعه- إن شاء الله تعالى- ولفظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان"مفتاح

الصلاة الوضوء" (1) ثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر/عن أبي سفيان بن

سعيد طريف السعدي ح ونا أبو كريب، نا أبو معاوية عن أبي سفيان السعدي

عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الصلاة

الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". وخرجه الترمذي بزيادة:"ولا

صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة (2) أو غيرها"هذا حديث رواه

بحشل في تاريخ واسط عن محمد بن حسان البرجلاني، نا محمد بن يزيد،

نا أبو شيبة إيراهيم بن عثمان بن أبي سفيان ولفظه:"مفتاح الصلاة الوضوء،

وتحريمها التكبير، وأدائها التسليم""ولا يجزى صلاة لا يقرأ فيها بأم

القرآن" (3) وبغيرها من القرآن، وإذا ركع فليضع يده على ركبتيه وليس

ظهره، ولا يذبح بذبيح الحمار، وحديث علي أجود إسنادا وأصح من

حديث أبي سعيد، وخالف ذلك الحاكم لما ذكره من جهة الثوري عن أبي

سفيان عن أبي نضرة به، هذا حديث صحيح الإِسناد على شرط مسلم ولم

يخرجاه عن أبي سفيان عن أبي نضرة كبرة فقد رواه أبو حنيفة وحمزة

الزيات وأبو مالك النخعي، وأشهر إسنادا فيه حديث ابن عقيل. انتهى. وفيما

قاله نظر، وذلك أن أبا طريف لم يخرج مسلم له شيئا، وسيأتي الكلام على

ضعفه، ورواه البزار في مسنده عن علي بن المنذر، نا محمد بن فضيل أبو

سفيان أنه زاد في كل ركعة قراءة بفاتحة الكتاب وسورة، قال: وهذا الكلام

لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا أبو سعيد بهذا الإِسناد، وإن كان همّام قد

(1) حسن. رواه الترمذي (ح/4) وأحمد في "المستدرك"(1/129) والبيهقي في "الكبرى" (2/

180، 380) وابن عدي في"الكامل"(2/783، 784) والحاكم في"المستدرك"(1/132)

وصححه. وشفع (193) وأصفهان لأني نعيم (176، 275) والعقيلي (2/137) .

(2)

حسن. رواه الترمذي (ح/238) ونصب الراية (1/363) .

(3)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/192) ومسلم في (الصلاة باب"11 دارقم 34،

36) وأبو داود في (الاستفتاح باب"22") والترمذي (ح/247، 311) وصححه. وأحمد

في"المسند"(5/322) والبيهقي في الكبرى" (2/374) والدارقطني في"سننه" (1/

322) وعبد الرزاق في"مصنفه"(2623) ونصب الراية (1/338) والكنز (19664) وأبو

عوانة في"صحيحه"(2/124، 125) .

ص: 32

روى عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي عليه الصلاة والسلام:

"أمر أن يقرأ في الصلاة بفاتحة الكتاب وما تيسر"(1) .

فحديث همام يؤيّد حديث أبي سفيان وإن كان بغير لفظه. انتهى. وخرّجه

الدارقطني (2) بلفظ:"مفتاح الصلاة الوضوء"، أبو سفيان اسمه طريف بن

شهاب الأشبل، وقال البخاري: كان عطارديا، وقال أيضا أبو معاوية طريف

بن سعد ويقال: طريف بن سفيان، وجمع أبو عمر بين السعدي والعطاردي،

وهو الصحيح؛ لأن عطارد وهو من عواد بن كعب بن سور بن زيد مناه بن

تميم، وقال: أجمعوا على أنّه ضعيف الحديث. انتهى. أبو إسحاق الحربي يفهم

من كلامه غير ما قاله أبو عمرو ذلك أنه لما/ذكره في كتاب العلل قال: ليس

هو أوثق الناس، وتقدّم تصحيح الحاكم حديثه، وقال ابن عدي: أسانيده

مستقيمة، وفي كتاب الدارقطني حديث عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد عن

النبي- عليه السلام مثل حديث ابن عقيل، وإسناده لا بأس به، وذلك أنه

رواه عن محمد بن عمر وابن البحيري، قال الخطيب: كان ثقة ثبتا عن

أحمد بن الخليل، وقد وثّقه النسائي والحاكم محمد بن نعمان الضبيّ عن

الواقدي ومحمد بن عمر، وقد أثنى عليه مالك ووثقه غيره من الأئمة، وسيأتي

الكلام عليه مستوفي- إن شاء الله تعالى- عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي

صعصعة- وهو مذكور في كتاب الثقات- لابن حبان عن عباد بن تميم عن

عمه عبد الله بن يزيد، ورواه البيهقي في كتاب السن الكبير عن أبي عبد الله

(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/192) ومسلم في (الصلاة، باب"11"رقم

"34") وأبو داود (ح/822) والترمذي (ح/247، 311) وصححه. والنسائي (2/137،

138) وأحمد في"المسند"(5/314) والبيهقي في"الكبرى"(2/38، 61، 164، 375)

وابن أبي شيبة في"مصنفه"(1/360) والدارقطني في"سننه"(1/321، 322) وتغليق

(1904)

وا بو عوانة (2/124) والمشكل (822) وشرح السنة للبغوي (3/83) ونصب الراية

(1/365) . وصححه الشيخ الألباني. (الإرواء: 2/10، 11) .

(2)

صحيح. رواه الدارقطني في"سننه"(1/359) والشافعي في"مسنده"(ح/34)

وشرح السنة للبغوي (3/17) .

ص: 33

الحافظ، نا أبو بكر بن إسحاق، نا الحسن بن علي بن زياد، نا إبراهيم بن

موسى الرازي، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: نا شعبة عن حبيب ابن زيد

عن عباد بن تميم، وقال أبو زرعة الرازي: يسند متابع لما تقدّم، ولما ذكره أبو

القاسم في الأوسط قال: تفرّد به الواقدي ولا يروى عن ابن زيد إّلا بهذا

الإِسناد، حديث ابن عمارة أصح، يعني الحديث المذكور من عند أبي داود

قبل والله أعلم، وخالف في ذلك الحافظ أبو بكر بن خزيمة؛ فرواه في

صحيحه عن أبي كريب، نا يحيى فذكره بلفظ أتى بثلثي مد فتوضأ فجعل

بذلك ذراعه، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفيه

رد لما ذكره أبو عيسى من أن حديث علي أصح شيء في هذا الباب، لكنه ردّ

عليه أيضَا في قوله، وفي الباب عن علي وعائشة وكذا حديث جابر بن

عبد الله المذكور عند أبو القاسم في الأوسط من حديث سلمان بن قرمز عن

أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه يرفعه:"ومفتاح الصلاة الوضوء "،

وحديث ابن عباس مرفوعَا:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير،

وتحليلها التسليم " المذكور عنده من حديث نافع مولى يوسف السلمي عن

عطاء عنه، وقال: لم يروه عن عطاء إّلا نافع، ولا عن نافع إّلا سعد أن ابن

يحيى تفرّد به سليمان بن عبد الرحمن، ولا يروى عن ابن عباس إلّا بهذا

الإِسناد، وأما الصحابة فقد/روى عن جماعة منهم ذلك موقوفا، منهم ابن

مسعود وابن عباس وإسناد حديثهما وعائشة، قال الطحاوي: ذهب قوم إلى

أنّ الرجل إذا انصرف من صلاته بغير تسليم فصلاته باطلة، وخالفهم في ذلك

آخرون، وافترقوا على قولن؛ فمنهم من قال: إذا قعد قدر التشهد فقد تمّت

صلاته وإنْ لم يسلم، ومنهم من قال: إذا رفع رأسه من أخر سجدة من

صلاته فقد تمت صلاته وإن لم يتشهّد ولم يسلم، فكان من الحجة للفريقين

على أهل المقالة الأولى ما روى عن النبي- عليه السلام: لا تحليلها

التسليم، إنما روى عن على وقد روى عنه من رأيه في مثل ذلك، ما يدل

على أن معنى ذلك عنده على غير ما حمله عليه أهل المقالة الأولى وهو ما

ص: 34

رواه أبو عوانة عن الحكم عن عاصم عن علي قال:"إذا رفع رأسه من أخر

سجدة فقد تمت صلاته".

وقد روى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن

سوادة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رفع رأسه من أخر السجود فقد

مضت صلاته إذا هو أحدث" (1) وفي بعض ألفاظه:"إذا قضى الإِمام

الصلاة فقعد فأحدث هو أو أحد ممن أتمّ معه الصلاة قبل أن يسلم الإِمام، فقد

تمّت صلاته، فلا يعود فيها" (2) قال أبو جعفر: فهذا معناه غير معنى الحديث

الأوّل، وقد روى بلفظ أخر: اإذا رفع المصلي رأسه من آخر الصلاة وقضى

تشهده ثم أحدث، فقد تمت صلاته فلا يعود" (3) واحتج الذين قالوا: لا تتم

الصلاة حتى تقعد قدر التشهد، نا فهد، نا أبو نعيم وأبو غسان قالا: نا زهير

عن الحسن بن الحرجة ابن القاسم بن مخيمر قال: أخذ علقمة بيدي فحدّثني

أنَّ ابن مسعود أخذ بيده"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلّمه التشّهد"(4)

وفال فيه: فإذا فعلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك، إنْ شئت أن تقم

فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنَّ ترك

التسليم غير مفسد للصلاة وهو أنه صلى الله عليه وسلم:"صلى الظهر خمسَا، فلما ختم

ثنى رجله فسجد سجدتن" (5) فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في الصلاة أمه/من

(1) المنحة: (468) .

(2)

حسن. رواه أبو داود (617) والبيهقي في"الكبير"(2/167) والدارقطني في"سننه

(1/379) و"شرح السنة للبغوي (3/276) ونصب الراية (2/63) والكنز (19900) .

(3)

انظر: الحاشية رقم"1".

(4)

صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الاستئذان، باب 27، 28) ومسلم في (الصلاة،

ح 59. 60، 61) ورواه النسائي في (التطبيق، باب (100، 103، 104"، والسهو باب

"42، 45"(وابن ماجة (ح/899) وأحمد في"المسند" (1/292، 394، 413، 414،

422، 450، 459، 5/363) .

(5)

صحيح. رواه البخاري في (السهو باب"3" (والنسائي في (الإمامة، باب"17" (

وابن ماجة (ح/1205) وأحمد في (المسند" (1/463، 2/499، 3/237، 4/59،

ص: 35

غيرها قبل السلام ولم ير ذلك مفسد للصلاة، ولو رأى ذلك منه مفسدا لها

لأعادها لا عادها فلما لم يعدها، وقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم؛ دَلَّ

ذلك على أن السلام ليس من حلتها، ألا ترى أنّه لو كان جاء بالخامسة وقد

بقى عليه مما قبلها سجدة كان ذلك مفسدا للأربع؛ لأنه خلطهن بما ليس

منهن، ولو كان السلام واجبَا كوجوب السجود لكان حكمه أيضا كذلك،

ولكنّه بخلافه فهو سنّة. انتهى. وعليه فيه مآخذ، الأول، قوله: إنما روى عن

علي يريد انه لم يروه غيره وقد قدمنا حديثين منها غير روايته أحدهما صحيح،

والثاني: ردّه المرفوع بالموقوف (1) الذي هو من رواية عاصم بن ضمرة وهو

متكلّم فيه حتى قال ابن عدي: ينفرد عن علي بأحاديث باطلة لا تتابعه الرواة

عليها والعلية منه، وقال ابن حسان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ يرفع عن

علي قوله كثيرا، فلما فحش ذلك منه استحق الترك، وعلى تقدير صحته يكون

العمل بروايته لا برأيه هذا هو مذهب أكثر العلماء، الثالث: ابن أنعم وابن

رافع ضعيفان، وحديث عبد الرحمن عن ابن عمرو منقطع (2) فيما ذكره ابن

أبي حاتم مع ضعفه ونكارة حديثه فيما قاله البخاري، وبكر بن سوادة- وإن

كان ثقة- فحديثه عن ابن عمرو لم أر أحدا صرح به ولا ذكر له رواية عنه

فيما أعلم، والذي وصفه به ابن يونس: روى عن سهل بن سعد والتابعين،

الرابع: حديث ابن مسعود:"فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك"وهي زيادة

ذكر الخطيب وغيره أنها مدرجة وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

60، 288، 413، 5/112، 6/10) وابن أبي شيبة في"المصنف"(4/164) .

(1)

الحديث الموقوف: وهو المروي عن الصحابة قولا لهم أوْ فعلا أو نحوه مُتصلا كان أو

منقطعا، ويستعمل في غيرهم مقيدا، فيقال: وقفه فلان على الزهري ونحوه، وعند فقهاء

خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر، وعند المحدثين: كل هذا يُسمى أثرا. (تدريب

الراوي: 1/184- 185) .

(2)

الحد المنقطع: ما حذف من أثناء سنده راويان وقد يراد به: كل ما لم يتصل سنده فيشمل الأقسام

الأربعة كلها- منها المعضل، والمرسل، والمعلق-. (مصطلح الحديث لابن عثيمين: ص/14) .

ص: 36

المحافظة على الوضوء

نا على بن محمد، نا وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي

الجعد عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استقيموا ولا تحصوا، واعلموا أن

خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (1) . هذا حديث

قال فيه أبو عبد الله النيسابوري لما خرّجه من حديث منصور عن سالم ومن

حديث الأعمش عن سالم بلفظ:"واعلموا أن خير دينكم الصلاة "،

صحيح على شرط الشيخين./ولم أعرف علة من العلل يُعَلَّل مثلها هذا

الحديث، إلَّا وهم من وهم أبي بلال الأشعري؛ فإنه وهم فيه على أبي معاوية

فيما حدثناه أبو بكر بن إسحاق الفقيه، نا الحسن بن بشار الخياط، نا أبو بلال

الأشعري، نا أبو حازم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"استقيموا ولا تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يواظب على

الوضوء إّلا مؤمن". انتهى كلامه، وليس كما قال: فإن هذا حديث منقطع،

والمنقطع ليس صحيحا، وممن صرح بذلك الإِمام أحمد قائله قال: سالم بن أبي

الجعد لم يسمع من ثوبان، بينهما معدان بن أبي طلحة، وقال أبو حاتم

الرازي: لم يدركه، وبنحوه قاله ابن حبان، وأما تحسين الترمذي حديثه عن

ثوبان يرفعه والذين يكنزون الذهب والفضة، فالكلام معه كالكلام مع

الحاكم، وقد وضع أيضا حديث ثوبان متصل سند صحيح، ذكره أبو حاتم بن

حبّان في كتابه الصحيح فقال: نا أبو يعلي، نا شريح بن يونس وأبو خيثمة

قالا: نا الوليد بن مسلم، نا ابن ثوبان، نا حسان بن عطية أن أبا البشر

السلولي حدّثه أنّه سمع ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سددوا وقاربوا واعلموا

(1) ضعيف الإسناد. رواه ابن ماجة (ح/277، 278) وأحمد في"المسند" (5/277،

282) والدارمي (1/168) والبيهقي في"الكبرى"(1/82، 457) والحاكم في"المستدرك"

(1/30) والموطأ (34) والطبراني (2/98، 7/28) وفي"الصغير"(1/11، 2/88)

والمشكاة (292) وابن كثير (5/458) والخطيب في"تاريخه"(1/293) والمنحة (46)

والترغيب (1/162، 557) وكشاف (95) والعقيلي (4/168) . فلت: ولكن الحديث قد

صحح إسناده من قبل الشيخ الألباني.

ص: 37

أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (1) قال أبو

حاتم: خبر سالم عن ثوبان منقطع فلذلك كتباه، وفي مسند الطيالسي إشارة

إلى حديث ابن حبان هذا، وأله لما ذكر خبر سالم قال: ويروى هذا الحديث

عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن ثابت عن حسان عن أبي كبشة عن

ثوبان عن النبي- عليه السلام ورواه الدرامي عن يحيى بن بشر، نا الوليد

فذكره، نا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، نا المعتمر بن سليمان عن ليث عن

مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استقيموا، ولن تحصوا،

واعلموا أن من أفضل أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا

مؤمن" (2) . هذا الإِسناد لا بأس به؛ لأن إسحاق هذا قال فيه أحمد: صدوق،

وقال الدارقطني فيه: مأمون وتابعه على ذلك الحسين بن علي عند ابن أبي

شيبة في مسنده عن زائدة عن ليث ومحمد بن أبي شيبة عند ابن طاهر في

كتاب صفة التصوف، وليث (3) ابن أبي سليمان حاله في الضعف مشهورة،

ومع ذلك قال عبد الغني: خرّج حديثه الشيخان ومجاهد، فمنصوص على

سماعه من ابن عمرو، والله أعلم.

/ثنا محمد بن يحيى، نا ابن أبي مريم، نا يحيى بن أيوب، حدثني

إسحاق بن أسيد عن أبي حفص الدمشقي عن أبي أمامة يرفع الحديث قال

صلى الله عليه وسلم:"استقيموا، ونعما إذا استطعتم، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ

على الوضوء إلّا مؤمن " (4) . إسحاق بن أسيد وإن كان مذكورا في كتاب

الثّقات لابن حبان، فقد وصفه بالخطأ معِ ذلك، وقال ابن حبان: ليس

(1) صحيح. رواه الترمذي في الترغيب (1/162) والكنز (5399) وابن حبان (164)

وأحمد (3/362) . وصححه السيوطي في"الجامع الصغير"(1/37) .

(2)

تقدم ص 37.

(3)

انظر ترجمته في:"المغني للضعفاء للذهبي: 2/536/5126".

(4)

ضعيف. رواه ابن ماجة: (ح/279) . في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف التابع.

وضعّفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/57) ، والإرواء (2/137) ، والروض

(177)

ص: 38

بالمشهور ولا يشتغل به، وقال أبو أحمد بن عدي: هو مجهول- يعني بذلك

جهالة الحال لا العين. وذلك أنه روى عن جماعة منهم حيوة بن شريح،

والليث بن سعد بن سعيد بن أبي أيوب، وعقبة بن نافع، ويحيى بن أيوب،

ذكر أبو محمد بن سرور أنّ جماعة رووا حديثه إلَّا مسلفا، وروى ذلك أبو

الحسن بن القطان فقال: هو ممن يجب على مسلم إخراج حديثه، وأيضا

فالبخاري لم يخرج حديثا صحيحا به إنّما روى عنه تعليقا. بَيَّنَ ذلك أبو نصر

الكلاباذي- رحمهم الله تعالى-. أبو حفص الدمشقي لم يذكره ابن أبي

حاتم ولا البخاري، وذكر أبو عمر في كتاب الاستفتاء: أنّه روى عن مكحول

قال: وروى عنه إسحاق بَن أسيد حديثا منكرا، وقد قيل: انّه عثمان بن أبي

العاتكة وليس ممن تقوم به حجة. انتهى. فعلى هذا تكون روايته عن أبي أمامة

منقطعة مع ضعفها، قال أبو عمر: يعني استقيموا على الطريقة الهجة؛ التي

نهجت لكم، وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطبقوا الإِحاطة في أعمال البر، ولابدّ

للمخلوق من ملال وتقصير في الأعمال، فإن قاربتم ووفقتم كنتم أجدر أن

تبلغوا ما يراد منكم.

ص: 39

‌2- باب الوضوء شطر الإِيمان

نا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا محمد بن شعيب بن شابور، أخبرني

معاوية بن سلام عن أخيه أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن

غنم عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إسباغ الوضوء شطر

الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، والتسبيح والتكبير ملء السموات، والأرض،

والَصلاة فور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك وعليك، كلّ

الناس تغدوا فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها"خرجه/مسلم (1) عن إسحاق بن

منصور، نا حيان بن هلال، نا أبان، نا يحيى أن زيدا حدّثه أن أبا سلام حدّثه

عن أبي مالك به، وتتبع ذلك الدارقطني عليه، وزعم أن الصواب ما قاله

معاوية بن سلام، يعني بذلك المذكور عند ابن ماجة والفسوي، والترمذي، قال

المازري: يحتمل قوله:"الطهر شطر الإِيمان"وجهين، الأول: أنه يحتمل

تضعيف الأجر به إلى نصف أجر الإيمان من غير تضعيف، وهذا إلى حد

التأويلات في قوله عليه السلام أن:"قَل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن"(2) ،

الثاني: أن يكون معناه أن الإِيمان يجب ما قبله من الآثام، وقد أخبر عليه

السلام أن الوضوء أيضا يذهب عن الإنسان الخطايا إلا أنه قد قام الدليل أنَّ

الوضوء لا يصح الانتفاع به إلا مع مضَامة الإيمان له، فكأنه لم يحصل به رفع

إلا مع مضامة شيء ثان، ولما كان الإيمان مَحو الآثام المتقدّمة عليه بانفراده

صار الطهور في التشبيه كاله على الشَطر منه، وفي هذا الحديث حجة على

هن يرى أن الوضوء لا يفتقر إلى نية.

(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة ح لم 41) قوله:"كل الناس يغدوا إلخ"فمعناه: كل

إنسان يسعى بنفسه. فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها

للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها، أي يهلكها.

(2)

صحيح. رواه مسلم في (صلاة المسافرين، باب"45"رقم"295") والترمذي (ح/

2894، 2899) والنسائي (2/172، 250) وابن ماجة (ح/3787، 3788) وأحمد في

"المسند"(3/23، 4/122، 5/418، 6/404) والطبراني في"الكبرى" (4/198، 10/

172، 12/82، 405) وعبد الرزاق في"الصنف (6003) ، ومشكل الآثار (2/82)

والمشكاة (2169) وابن كثير في"تفسيره"(8/480، 541) .

ص: 40

‌3- باب ثواب الطهور

نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي

هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى

المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط

عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد " أخرجاه في الصحيح بلفظ:"صلاة

الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين

درجة، وذلك أنَّ أحدكمَ إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا

الصلاة ولا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحطَّ

عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما

كانت الصلاة في حبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه

الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، اللهم ما

لم يزد فيه أو يحدث فيه " (1) قوله ينهزه: أي لا يبغته ولا يشخصه وبه

انتهاء الغرمة وهو الانبعاث لها والمبادرة، وهي بفتح الياء نهز الرجل/ينهز،

وحُكى فيه ضم الياء ومنه أنّ هذه المعاني أسباب الدرجات، وأضيف إلى ذلك

أمور أخر وردت في ذلك من الدعاء عند دخول المسجد، والخروج منه،

والسلام على أهل المسجد وتحمِته، وغير ذلك نقل أن التضعيف لمجرّد الجماعة

وهي كلّها زيادة على الدرجات. نا سويد بن سعيد، نا حفص بن ميسرة،

حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي عن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ فتمضمض واستنشق خرجت خطاياه من فيه

وأنفه، وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار

عينيه، فإذا غسل يديه خرجت خطاياه من يديه، فإذا مسح برأسه خرجت

(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/166) ومسلم في (المساجد، باب"49"رقم

"272") وأبو داود في (الصلاة، باب"49") وابن ماجة (ح 786، 787، 790)

والدرامي (1/192) والطبراني في"الكبير"(8/41) وابن حبان (431) وإتحاف (3/14)

وابن كثير في تفسيره (6/69) والقرطبي في "تفسيره"(1/250، 12/276) والكنز

ص: 41

خطاياه من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من

رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد

نافلة" (1) . هذا حديث مختلف في إرساله، وقد خرج مسلم معناه من

حديث عمرو بن عنبسة، وفيه طول، وفي آخره: وحدَّث عمرو بهذا الحديث،

أما أمامة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نا عمرو بن عنبسة: انظر ما تقول في مقام

واحد يعظم هذا الرجل، فقال عمرو: لقد كبر سني ورقّ عظمي، وكما رواه

حفص هنا رواه عن مالك في الموطأ يحيى بن يحيى والقعنبي وجمهور الرواة،

وقالت طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع: عن مالك عن زيد عن

عطاء عن أبي عبد الله الصنابحي، واختلف عن زيد بن أسلم في ذلك،

فقالت طائفة: عنه كما قال مالك في أكثر الروايات عنه: وقالت طائفة أخرى:

عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي، قال أبو عمر: ما أظن هذا

الاضطراب جاء إلا من زيد بن أسلم، والصواب فول من قال: فيه أبو عبد

الله وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ليست له صحبة، وروى زهر بن

محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال: سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر قوله:"إنّ الشّمس تطلع ومعها قرن الشيطان لما الحديث،

وهو خطأ عند أهل العلم، والصنابحي لم/يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وزهير بن

محمد لا يحتج به إذا خالفه نميزة، وقد روى عن ابن معين أنه يسأل عن

عبد الله الصنابحي يروى عنه المدنيون فقال: يشبه أن يكون له صحبة، وأصح

من هذا عن ابن معين أنه سئل عن أحاديث الصنابحي عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال

لمن سأله: ليست له صحبة، وبنحوه قال الترمذي في كتاب العلل الكبير عن

البخاري- رحمهما الله تعالى-، وأما قول أبي عمر أن زهير بن محمد لا

يحتج به، فليس ذلك؛ لأنه ممن خرج حديثه الشيخان في صحيحيهما، ومن

كانت هذه حاله لا يقال فيه ما ذكره لا سيما مع عدم الحالة المصرَح بها، بل

(1) صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب"84") وابن ماجة (ح/282) ومالك في

الموطأ (طهارة/ح/30) وأحمد في"المسند"(1/348، 349) . وصححه الشيخ الألباني.

كما في صحيح ابن ماجة.

ص: 42

هو في المعنى متابعة مالك، وفي ذلك عتبة، والله أعلم، قال أبو عمر: صدق

ابن معين ليس في الصحابة أحد يقال له: عبد الله الصنابحي وإنما فيهم

الصنابحي بن الأعسر الأحمسي، كوفي روى عنه قيس بن أبي حازم أحاديث،

وفي الباب أيضَا أحد يقال له عبد الله الصنابحي، مشهور في التابعين، كبير

من كبرائهم واسمه عبد الرحمن بن غسيلهَ، وهو جليل، كان عبادة بن

الصامت يقول: من سره أن ينظر إلى رجل كأنه رفع فوق السموات ثم ردّ

يعمل على ما رأى فلينظر إلى عبد الله الصنابحي، قال ابن إسحاق: عن

يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الرحمن بن غسيلة

قال: لم يكن بيني وبين وفَاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا خمس ليال، توفى وأنا بالجحفة،

كذا زعم ابن عمر أن الذي يروى عنه مرثد هو الذي يروى عن عطاء، وأبو

حاتم يخالف ذلك، ذكر ابنه في كتاب المراسيل سمعت أبي يقول: الصنابحي

هم ثلاثة: الذي يروى عنه عطاء بن يسار وهو عبد الله الصنابحي، لم تصح

صحبته، والذي يروى أبو الخير فهو عبد الرحمن بن غسيلة الصنابحي روى

عن أبي بكر، والصنابحي بن الأعسر له صحبة، وفي هذا أيضَا يوهم من ادّعى

أن مالكا وهم في تسميته عبد الله، وقد قيل ذلك له فلم يرجع؛ بل أصر

عليه، وزعم أن لذلك حفظ فوجده كذلك في كتابه، ففي هذا دلالة انه لم

يرجع إلى ما قيل له لعلّة أنّه غير صواب إذ لو كان صوابَا لكان أسرع الناس

رجوعَا إليه مع تسليمه أنّ الخطأ لا يسلم أحد منه بذكر لم البلل رأسه.

فهؤلاء كلهم اختاروا الوضوء بالماء المستعمل، وأما مالك والشّافعي وأبو

حنيفة ومن قال بقولهم، فلا يجوز ذلك عندهم، ولو فعل لم يجزه، وكان

عليه الإعادة لكلّ ما صلى بذلك الوضوء لأنه قد أدّى به فرض فلا يؤدي به

فرض أخَر كالحمار وشبهها قال أبو عمر: الحمار مختلف فيه، وقال بعض

المفتين من آل العلم من أهل عصرنا: إنَّ الكبائر والصغائر يكفرها الطهارة

والصلاة، واحتج بطاهر حديث الصنابحي وبمثله من الآثار وبقوله:"فما ترون

ذلك يبقى من دونه، وهذا جهل بيّن وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز لذي

لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى: {يا أيها

ص: 43

الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} (1) وقوله تبارك وتعالى: {وتوبوا

إلى الله جميعا أيّهَ المؤمنون لعلكم تفلحون} (2) في آيات كثيرة، ولو كانت

الطهارة والصلاة وأعمال البرّ مكفرة للكبائر، والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه

ولا قَاصد إليه ولا حضره في حينه ذلك الندم عليه لما كان لأمر الله عليه

بالتوبة معنى، ولكان كلّ من يتوضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من

صلاته، وإن ارتكب مثلها ما شاء من المرتكبات الكبائر، وهذا لا يقوله أحد

ممن له فهم صحيح، وقد أجمع المسلمون أنَّ التوبة على المذنب فرض،

والفروض لا يصح أداء شيء منها إّلا بقصد ونية، وقال عليه السلام:"الندم

توبة (3) وقال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى

رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" (4) وهذا يبيّن لك ما ذكرنا

(1) سورة التحريم آية: 8.

(2)

سورة النور آية: 31.

(3)

صحيح. رواه ابن ماجة (ح/4252) وأحمد في"المسند"(1/376، 423، 433)

والبيهقي في الكبرى" (10/154) والحاكم في"المستدرك" (4/243) والحميدي (105)

والفتح (11/103) والطبراني في"الصغير"(1/33) والتمهيد (4/45) والترغيب (4/

97، 98) وشرح السنة (5/91) ومشكل الآثار (2/199) وآمالي الشجري (1/195،

196) والحلية لأبي نعيم (8/51، 312،، 10/398) وابن عساكر في"التاريخ" (3/

314) وابن عدي في"الكامل" (1/203، 4/1329، 1381، 1364، 1499، 7/

2668) . وكذا صححه الشْيخ الألباني.

(4)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة ح/14، 15، 16) وابن ماجة (ح/598) والترمذي

(ح/214) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (رقم 1029 ج 2 ص 484) . ورواه

مسلم أيضا من طريق ابن وهب عن أبي صخر حميد بن زياد عن عمر بن إسحاق مولى زائدة

عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه أحمد أيضا مختصرا من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد،

وصالح المعلم، وحميد، ويونس عن الحسن عن أبي هريرة (رقم 9345. ح 2، ص 414) .

والطبراني (4/185) ومطالب (581) والتمهيد (4/45، 46، 50) وأبو عوانة (2/20)

وشرح السنة (2/177) وللكنز (18894) والمغني عن حمل الأسفار (1/146، 4/16)

والمجمع (1/298، 300) والبغوي (1/515، 3/257) وابن خزيمة (314، 1814)

واستذكار (1/254) والمشكاة (564) والطبري (1/386) .

ص: 44

ويوضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات لمن اجتنب الكبائر، فيكون على هذا

المعنى قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم} (1)

الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض وإن لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا

منها، لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات، وهذا كله قتل

الموت، وبهذا قال جماعة المسلمين، وجاعت بها الآثار الصحاح ولو تدبر هذا

القائل الحديث الذي فيه ذكر خروج الخطايا من فيه ويديه ورأسه ورجليه؛ لعلم

أنّها الصغائر في الأغلب، ولعلم ألها معفو عنها بترك الكبائر، دليله قوله عليه

السلام:"العينان يزنيان،/- والفم يزني، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه"(2)

يريد- والله أعلم- أن الفرج بعمله يوجب الهلكة وما لم يكن كذلك

وأعمال البر تغسل ذلك كلّه والله أعلم. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة

ومحمد بن يسار قالا: نا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن يعلي عن عطاء

عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن السلماني عن عمرو بن عنبسة قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا توضأ فغسل يديه خرت خطاياه من يديه،

فإذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه، فإذا غسل ذراعيه ومسح برأسه

خرت خطاياه من ذراعيه ورأسه، فإذا غسل رجليه خرت خطاياه من

رجليه" (3) هذا الحديث أخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث عبد

العزيز بن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى عن أبي عبيد

مولى سلمان بن عبد المالك عن ابن عنبسة وقال فيه: صحيح الإِسناد على

شرطهما ولم يخرجاه، وأبو عبيد تابعي، إذ لا شك في سماعه من عمرو،

وفي الحديث صحة سماعه، وله شاهد على شرط مسلم عن عمرو بن عنبسة،

(1) سورة النساء آية: 31.

(2)

صحيح. رواه أحمد في"المسند"(2/372، 411، 528. 535) والطبراني في"الكبير"

(10/192) والمجمع (6/256) وعزاه إلى أحمد وأبي يعلي والبزار والطبراني وإسنادهما جيد.

وتلخيص (3/225) ونصب الراية (4/248) وابن حبيب (2/55) وإتحاف (5/321، 7/

434) والكنز (13062) والخفاء (2/100) .

(3)

صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك"(1/129) . ووافقه الذهبي.

ص: 45

وأما حديث ابن ماجة ففي إسناده ضعف، وقد تقدَّم معناه من كتاب مسلم،

وسبب ضعفه عبد الرحمن (1) بن البيلماني الأنهاري- والبيلمان هي خرق

تعمل منها القلوع- وقال الرشاطي: بيلمان من بلاد السند، قال فيه أبو حيان

الرازي والدارقطني: ضعيف لا يقوم به حجة، وإذا وصل الحديث فكيف ما

يرسله، قال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث روى عن ابن عمر بواطيل، ولما

ذكره أبو حبان في كتاب الثقات قال: لا يجب أن نعمر بشيء من حديثه،

وإذا كان من رواية ابنه؛ لأن ابنه يضع على أبيه العجائب، وممن ضعفه أيضا:

يعقوب بن طاهر.

وذكر الحاكم في كتاب المدخل: أن الشيخين اتفقا على تخريج حديث

عمرو بن عنبسة، ولم يرد ذلك، وعبد الغني بن سعيد فيما ردّه فكأنه قرّره

وتتبع ذلك عليهما الحافظ ابن محمد بن يربوع الشنتمدي، فزعم أن مسلما

يرد لحديثه دون البخاري والله أعلم. حدثنا محمد بن يحيى بن هشام بن عبد

الملك، نا حماد بن عاصم عن رزين بن حبيش أنّ عبد الله بن مسعود قال:

قيل: يا رسول الله كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قال:"غر محجلون

بلق من آثار الطهور" خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه (2) .

/عن أبي يعلي، نا كامل بن طلحة، نا حماد به، ولفظ أحمد في

مسنده (3) :"من آثار الوضوء"وفي الأوسط عن أبي إسرائيل الملائي عن

عطية عن أبي سعيد قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك؟

فقال ح: لم يروه عن أبي إسرائيل إلا حسن بن حسين العرفي، وفيه حديث

جابر بن عبد الله أيضا، أو قال: لم يروه عن الأعمش- يعني عن أبي

مسلم- عن جابر إّلا يحيى بن يمان.

(1) عبد الرحمن بن البيلماني، تابع مشهور. قال أبو حاتم:"لين"، وذكره ابن حبان في

الثقات. وقال الدارقطني:"ضعيف". (المغني في الضعفاء: 2/277/3536) .

(2)

صحيح. رواه ابن حبان في"صحيحه": (9/183) .

(3)

صحيح. رواه أحمد في"المسند": (1/282، 296، 403، 452، 453، 30012،

334، 362، 400، 408، 523، 3/431، 4/207، 5/199، 262) .

ص: 46

وفي صحيح مسلم حديث أدي هريرة يرفعه:"أرأيت لو أنَّ رجلا له خيل

محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله،

قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض" (1)

الحديث، وفي كتاب الترمذي بيان الغرّة م هي، إذ هي في الأحاديث

السابقة مجملة، عن عبد الله بن بشر مرفوعا:"أمتي يوم القيامة غر من

السجود، محجلون من الوضوء" (2) وقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا

الوجه. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا الوليد بن مسلم، نا الأوزاعي،

حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم، حدثني شفيق بن

سلمة، حدثني حمران مولى عثمان فْال:"رأيت عثمان بن عفان قاعدا في

القاعد، فدعا بوضوءٍ فتوضأ، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا غفر له ما

تقدم من ذنبه" (3) وقال رسول اللَه صلى الله عليه وسلم:"ولا تغتروا"حدّثنا هشام بن

عمار، نا عبد الحميد بن حبيب، نا الأوزاعي، نا يحيى، حدّثني محمد بن

إبراهيم، حدثني عِيسى بن طلحة، حدثني حمران عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه. هذا حديث إسناده صحيح؟ لأن الوليد إنما يحذر منه التدليس أو

التشويه وهنا أمِنا ذلك لسرعته بسماعه، وسماع شيخه ومتابعة عبد الحميد له

(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الرقاق، باب (53"، والفتن، باب"1" (ومسلم في

) الطهارة، ح/39، والإمارة، ح/10، والفضائل، ح/25، 26، 29- 32، 44، 45) وابن ماجة في

) الزهد، باب"36" (وأَحمد في"المسند" (1/257، 384، 402، 4056، 407، 2/408، 3/18،

62، 166، 5/41، 86، 88، 89، 339، 393، 412) .

(2)

صحيح. رواه الترمذي (607) والجوامع (4387) والكنز (34450) . وقد ورد هذا المعنى

في أحاديث أخر في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، وعند ابن ماجة وابن حبان

من حديث ابن مسعود، وعند أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة، وعند أحمد من حديث

أبي الدرداء، وانظر الترغيب (1/92- 94) . وصححه الشيخ الألباني.

(3)

صحيح. رواه احمد في"مسند"(1/64، 66) والترغيب (1/152) ومشكل (3/199)

وفي لفظه:"من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتن لها يحدث فيها نفسه، غفر الله له ما تقدْم

من ذنبه".

ورواه أبو داود (ح/106) والنسائي (1/64، 65، 80) وإتحاف (2/373) والمشكاة

(387)

والكنز (18951) والعلل (444) بلفظ:"من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى

ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر الله له".

ص: 47

وإن كان قد أتى بعيسى مكان شقيق وهما ببيان، فلا يضر ذلك الحديث،

ويكون محمد سمع منهما، أو يكون القول في ذلك قول الوليد ليفسد به

على عبد الحميد، فإن بعضهم- وهو ابن أبي حاتم- يزعم أنَّه ليس بصاحب

حديث، وقال النسائي: ليس بالقوي ويكون أراد ذكر شقيق فوهم إلى

عيسى، والله تعالى أعلم، وتبع ذلك فله أصل في الصحيحين من حديث

الزهري عن عفان بن زيد عن حمران من غير زيادة"ولا تفتروا"وهي في/

صحيح أبي حاتم البستي وقال: نا ابن مسلم، نا عبد الرحمن بعد ولفظه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من توضأ مثل وضوئي هذا غفر له ما تقدم من

ذنبه" (1) ثم قال عليه السلام:"ولا تغتروا"وفي حديث مسلم:"وكانت

صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة" (2) فوله: واستنشق يعني حر الماء يزيح

الأنف قال الفراء: النشق مصدر نشقت الشيء النشقة بشيقاء إذا أشممته

واسم ما يستنشقه النشوق، والشيء يستنشق وتقول: نشق الرجل بمعنى

استنشق؛ ولذلك قال الملتمس: ولو أن محموما بخيبر مدنفا تنشق رياها لأقلع

صالبه أي: وجد ريحها، وتقول للرجل: استنشق يا فلان هذه الريح، وهذه

ريح مكروهة النشق أي الرائحة ومنه فول رؤبة:

كأنها مستنشق من العزقِ

حرا من الخردل مكروه النشق

وفي الغريبين أي ببلغ الماء خياشيمه، وذكر ابن قتيبة أنّ الاستنشاق

والاستنثار سواء، مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف، ويشبه أن يكون وهم؛

لأنّ أهل اللغة فرّقوا بينهما، وفي نفس الحديث:"فليجعل في أنفه ثم لينثر"

فدلَّ على أنَّ النثر طرح الماء بريح الأنف متبددا وقد أنكر ذلك عليه غير واحد

من الأمة. قوله: إشفار عينيه يعني حروف أشفاره واحدها شفر بضم الشين من

لذا ذكره ثعلب، وذكر ابن قتيبة فتح الشين في أدب الكاتب، وفي الجامع مع

شفير كلّ شيء حدّه، وفي المحكم وشافره أيضا فحكى فيه الضم وأنكره

(1) تقدم ص 47.

(2)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة ح/13) والنسائي في الصغرى (2/112) والبيهقي

في"الكبرى (1/82) والمنذري في"الترغيب" (1/239) وأبو عوانة في"صحيحه" (2/

79) والكنز (18953) .

ص: 48

بعضهم قوله: خرت خطاياه، قال في الجمهرة: خر يخز خرَا إذا هوى من علو

إلى أسفل، وكل واقع من حائط وغيره فقد خرّ يخر خرّا، وكذلك الرجل إذا

سقط وهو قائم على وجهه، وقال الهروي: سقط مخرور خرورَا بضم الخاء،

وبنحوه قال الجوهري: قوله خرب البياض في الوجه: والغرَّة بياض في جبهة

الفرس تفوق الدرهم، يقال فرس أغر، والأغر الأبيض، وقوم غران قال امرؤ

القيس: ثياب بني عوف طهادي نقبه ووجوههم عند المشاهد غرّان، ورجل

أغر أي شريف وفلان غُرةُ قومه أي سيدهم وغُرَّةُ كل شيء أوّله/وأكرمه

ذكره صاحب الصحاح، وفي الجمهرة وكلِّ شيء بذاك من ضوءٍ أو صباح

فقد بدت لك غزَته، وقال القزاز: الأغر والغراء الأبيض والبيضاء ومنه قول

الأعشى:

غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل

وقيل: الغراء الواسعة الجبهة، وقمِل: هي البيضاء النقية العرض، وقالت

العرب: هي التي تتسع جبهتها وسلاح ما بين عينها وتباعد قضبتها من جبينها،

وقيل: هي البيضاء العينين، وهذا أمير أغز محجّل أي رامج، ولذلك قال

الشاعر:

ألا حبّبا ليلى وقولا لها هلا لقد ركبت أمرا أغر محجلا

وفي كتاب النبات لأبي حنيفة:"الغراء من نبات البدو لها زهرة بيضاء

شديدة البياض ناصعة، وقال أبو نصر: الغراء تمرة بيضاء يعنى بالتمرة الزهرة،

قال أبو حنيفة: ونباتها مثل نبات الجذر وحبّها كحبّه" (1) ، وهي طيبة الريح

أنشد أبو العباس للفلاح بقوله لإِبراهيم بن النعمان بن بشير لما زوج أخته من

يحصي بن أبي حفصة مولى عثمان:

لله درّ جياد أنت قائدها برد منها وبها التحجيل والغرار

وفي الكتابة وإذا كان بوجه الفرس بياض يسير بقدر الدرهم فما دون ذلك

فذلك الفرس أفرج، فإذا جاور ذلك فهو الغزة، فإن كانت قوائمه الأربع بيضَا

(1) سقط"بالأصل"لا يغير سياق الكلام.

ص: 49

لا يبلغ البياض منها الركبتين فهو المحجل، فإن كان البياض بيديه دون رجليه

فهو أعظم، وذكر الأصمعي: أنه الذي يرتفع البياض إلى موضع القيد، قال:

ومنه الحجل، وفي الصحاح: التحجيل بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث بها

أو في رجليه، قلّ أو كثر بعد أن تجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين

والعرقوبين فإذا كان في قوائمه الأربع فهو محجل أربع، وإن كان قْي الرجلين

جميعا فهو محجل الرجلين، فإن كان بأحد رجليه وجاوز الأرساغ فهو محجّل

الرجل اليمنى أو اليسرى، فإن كان البياض في ثلاث قوائم دون رجل أو دون

يد فهو محجل ثلاث مطلق يد أو رجل، فلا يكون/التحجيل واقعا بيد أو

جدين ما لم يكن معها أو معهما رجل أو رجلان، فإن كان محجلا يد ورجل

من شق فهو ممسك الأيامن مطلق الأياسر، أو ممسك الأياسر مطلق الأيامن من

ولعا المقاعد فذكر القاضي، والمشارق أنَّها موضع عند باب المسجد، وقيل

مصاطب حوله، وقيل: هي دكاكين عند دار عثمان، وقال الداوودي: هي

الدرج، وفي سن الدارقطني، هي حيث مصلّى الجنائز عند المسجد.

ص: 50

‌4- باب السواك

نا محمد بن عبد الله بن نمير، نا أبو معاوية وأبي عن الأعمش ح، ثنا

علي بن محمد، نا وكيع عن سفيان عن منصور بن حصن عن أبي وائل عن

حذيفة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد يشوص فاه

بالسواك"أخرجاه في صحيحيهما (1) ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو

أسامة وعبد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقري

عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم

بالسواك عند كلّ صلاة"أخرجاه في الصحيح (2) . حدثنا سفيان بن وكيع، نا

عثمان بن علي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن

ابن عباس:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ركعتين ركعتين ثم

ينصرف فيستاك"رواه النسائي (3) في الصلاة عن قتيبة عن عثام، وبذلك صح

إسناده؛ لأن سفيان ضعيف، ومنهم من اتهمه بالكذب، وهو أبو زرعة الرازي،

وقال البخاري: يتكلمون فيه لأشياء لفتوه إيها، وقال النسائي ليس بشيء

وقال ابن حبان: قيل له في أشياء لفتها فلم يرجع عنها فاستحق الترك

لإِصراره، وقال ابن عدي: كان إذا لقن وبنحوه قال أبو حاتم الرازي وعثام

(1) صحيح. رواه البخاري (2/64) ومسلم في (الطهارة باب"5 ا"رقم"46" (وأحمد

(5/402) وأبو عوانة (1/193) .

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (2/5، 3/40، 9/106) ومسلم في (الطهارة باب

"15"رقم"42"(وأبو داود (46، 47) والترمذي (22، 23) وقال: هذا حديث حسن

صحيح. والنسائي (1/12) وابن ماجة (287) وأحمد (1/221، 326، 2/245، 250،

287) والمجمع (1/221، 2/97، 98) والبيهقي (1/35، 36، 37) وحبيب (2211،

46) وإتحاف (2/348، 350، 351) والمشكاة (390) والترغيب (1/164) . وصححه

الشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/108، 109، 2/197) .

(3)

صحيح. رواه النسائي في:) قيام الليل، باب"10" (بلفظ:"كان إذا قام من الليل

يشوص فاه بالسواك".

ص: 51

ممن احتج به في الصحيح، ووصف مع ذلك بالثقة والصدق، وزعم أبو

القاسم ابن عساكر- رحمه الله في كتاب الأطراف أنّ ابن ماجة خرّج

هذا الحديث بهذا الإِسناد في كتاب السنة، وتبعه على ذلك الحافظ المزني، وما

قدّمناه يقضي على قولهما وقد استظهرت/بنسخ من السن فوجدته كذلك،

وقال الحاكم عندما أخرجه من حديث محمد بن حسان نا عثام هذا حديث

صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وليس كما زعم لكونه على شرط

البخاري وحده لمفرّده بعثمان فيما ذكره ابن سرور وغيره عندما رواه عن

محمد بن عبد الله بن بزيع، نا عثام فذكره مختصرَا، وهذا الحديث لا نعلم

أحدَا رواه عن الأعمش إلَّا عثمان بن علي، وهو ثقة. حدّثنا هشام بن عمار، نا

محمد بن شعيب نا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن

أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم،

مرضاة للربِّ، ما جاءني جبريل إّلا وصاني بالسّواك حتى خشيت أن يفرض

علي وعلى أمتي ولولا أن أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وأني لأستاك

حتى أني لقد خشيت أن أخفي مقادم فمي" (1) هذا حديث إسناده معلل

بأشياء منها: عثمان بن أبي العاتكة سليمان بن حفص الأزدي الدمشقي

القاضي قال فيه ابن معن ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو احمد

الحاكم، هو مع ضعفه نكتب حديثه مع أن دحيمَا كان يثني عليه وينسبه إلى

الصدق ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد إلا من قبل علي، وقال أبو

حاتم: لا بأس به، فكتبه من كثرة روايته عن علي، وأما ما روى عن عليّ

فمقارب" (2) ، ومنها علي بن زيد أبو عبد الملك الألهاني الدمشقي قال فيه

البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حاتم الرازي: ضعيف الحديث، أحاديثه

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (289) والفتح (2/376) والترغيب (1/166) والمنثور (1/

113) وكحال (2/117) وابن عساكر (4/464) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني في

"ضعيف ابن ماجة". ارجع لرقم"298"فيه.

(2)

قلت: هذا باب من أبواب الضعف.

ص: 52

منكرة، وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك، وقال يعقوب بن شيبة:

واهي الحديث، وقال أحمد: هو ضعيف، ولما ذكره أبو مسهر قال: ما أعلم إلا

خيرا وذكر أبو عبد الله في مستدركه حديثا من رواية يحيى بن أيوب عن

عبيد الله بن خير عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا:"إن

أغبط الناس عندي المؤمن خفيف الحاد" (1) ثم قال إسناده للشامين صحيح

عندهم ولم يخرجاه- يعني الشيخين- وليس كما/ترجمه لما أسلفناه، ولما

قاله ابن حسان وغبره من أنّ هؤلاء إذا اجتمعوا في إسناد كان ذلك الحديث

من عمل أيديهم، وإنه اعتمد على قول أبي مسهر في علي والبخاري في ابن

زحر والله أعلم، ومنها القاسم بن عبد الرحمن مولى خالد بن يزيد بن

معاوية، وهو- وإن قال فيه الكوفي- شامي تابعي نكتب حديثه وليس

بالقويّ، وقال إبراهيم بن الحسين عن ابن معين: هو ثقة إذا روى عن الثقات،

وقال الحربي في كتاب العلل من ثقات المسلمين: توفى سنة ثنتي عشرة ومائة،

وقال الجوزجاني في تاريخه: كان خيارا فاضلا، وقال المزي: ثقة، وسئل عنه

أبو حاتم فقال: حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإنما ينكر عليه من قبل

الضعفاء، فقد قال فيه الإِمام أحمد بن حنبل: منكر الحديث، حدث عنه

علي بن يزيد بأعاجيب وما أراها إلا من قبله، وقال أبو حاتم البستي: كان

يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات، وفي سؤالات الآجري عن

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (4117) وأحمد (5/255) والحاكم (4/123) والطبراني (8/

242) وخمر (11) والكنز (5928) . وفي الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف أيوب بن

سليمان. قال فيه أبو حاتم: مجهول. وتبعه على ذلك الذهبي في الطبقات وغيرها. وصدقه

ابن عبد الله متفق على تضعيفه. ا. هـ كلام الزوائد. وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف

ابن ماجة، والمشكاة (5189)(ح/897) .

قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي: حديث أبي أمامة، رواه الترمذي بزيادة، بإسناد آخر قد

حشنه.

قلت: والزيادة التي رواها الترمذي من طريق آخر لا تُزيل علّة الضعف، إذا كان الطريقان كلْ

له راو يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يتبين علة ضعف الطريق الآخر التي حكم بها وجزم عليها

الشّيخ الألباني بضعفه.

ص: 53

أحمد بن صالح تضعيفه، وفي الأوسط للبخاري روى عنه المعلى وغيره

أحاديث متقاربة، وأما من يتكلم فيه مثل علي بن يزيد ونحوه؛ ففي حديثه

مناكير واضطراب، ومع ذلك ففي سننه أشياء لها أصول صحيحة وشواهد

حسنة: أما قوله:"السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"(1) فهو في حديث

عائشة عند ابن خزيمة والحاكم وابن حبان، وذكره البخاري تعليقا، وقال

البغوي في شرح السنة: هذا حديث حسن، وعند ابن حبان أيضا من حديث

أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرث"(2)

وعند القاضي أبي بكر أحمد بن علي المروزي في مسند أبي بكر الصديق من

حديثه عن أبي حنيفة، نا يونس بن عمر، نا حماد عن أبي عتيق عن أبيه عن

أبي بكر سمعت النبي لم صلى الله عليه وسلم يقول:"السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"(3)

وسنده صحيح، وحدثنا ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالسواك فإنه

مطهرة للفم، مرضاة للرب" (4) ، طبقات الموصلي من حديث ابن لهيعة عن

عبد الله بن أبي جعفر عن نافع عنه، وقوله:"ما جاءني جبريل- عليه

السلام- إلا أوصاني بالسواك، السواك واجب، السواك واجب " شاهده

عند ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن حنظلة:"كان عليه السلام أمر

بالوضوء لكل صلاة طاهرَا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم

أمر بالسواك عند كل صلاة " (6) وقوله:"ولقد خشيت أن يفرض علي " (7)

(1) حسن. رواه ابن خزيمة في"صحيحه"(135) وابن حبان في"صحيحه"(143) والحاكم

في"مستدركه"وصححاه. وللبخا ري"تعليقا"(3/40) .

(2)

ضعيف رواه ابن حبان (144) وابن أبي شيبة (2/96) والترغيب (1/166) والفتح (2/

376) وإتحاف (5/267، 349، 351) والمغني عن حمل الأسفار (1/132) وأصفهان (2/

26) وابن عدي (3/929) والمجمع (1/220) وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.

(3، 4، 5) تقدمت قريبَا في الهوامش السابقة.

(6)

بنحوه. رواه احمد في"المسند"(1/282) والبيهقي في"الكبير"(1/42) والشمائل

للترمذي (95) ولفظه:"أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة".

(7)

ضعيف. رواه أحمد في"مسند"(3/490) والجوامع (4423، 4430، 4436)

والمنذري في"الترغيب"(1/166) والمجمع (2/98) .

ص: 54

شاهده ما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس، قال عليه السلام:

"ولقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه سينزل علي قرآن أو وحي"(1) وعنده

أيضا عن واثلة، قال عليه السلام:"أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب

علي"وذكر أبو نعيم من جهة محمد بن مسلمة أن عبد العزيز بن عبد

الرحمن بن صهيب قال: سمعت عبد الله بن عمر بن خلخلة، ورافع بن

خديج قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"السواك واجب، السواك واجب"(2)

وقوله:"لفرضته" شاهده حديث تمام بن عباس- رضى الله عنهما- قال عليه

السلام:"مالي أراكم تأتون قلحا استاكوا، لولا أن أشقَّ على أمتي لفرضت

عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء" (3) . رواه أحمد. وعلّله ابن

القطان، وفيما أعلَّه به نظر، ولما رواه في الأفراد من حديث جعفر تمام بن

عباس عن أبيه عن العباس قال: هذا حديث غريب من حديث الثوري عن

منصور تفرد أبو خالد عبد العزيز بن أبان عنه، ولا نعلم حدّث به عنه غير

الحسن بن ملزم، وحديث أبي هريرة:"لولا أن أشق على أمتي لفرضت

عليهم السواك مع الوضوء" (4) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على

شرطهما، وفي الدلائل لابن عدي قال/عليه السلام:"لولا أن أشق على

أمتي لجعلت السواك عليهم عزيمة"، وفي الصحيح:"لولا أن أشق على أمتي

لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"وقوله:"حتى لقد خشيت أن أخفي

مقاديم فمي"شاهده حديث عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن

عباس، قال عليه السلام:"لقد أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني"(5)

(1) صحيح. رواه أحمد في "المسند"(1/237، 337) وفي المجمع أورده الهيثمي (2/98)

وعزاه لأبي يعلي.

(2)

1لمنثور (1/114) وإتحاف (2/350) .

(3)

ضعيف. أبو حنيفة: (24) ورواه أحمد في"المسند"(3/442) .

(4)

تقدم قبل حواش قليلة.

(5)

ضعيف. أورده الهيثمي في"المجمع"(2/98) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط".

ص: 55

قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن عطاء إلا الحسين بن واقد، وحديث

جرير تطهر مرفوعا:"لقد أمرت بالسواك، حتى لقد خشيت أن يدردنى"(1)

فقد طهر لك بمجموع ما ذكر صحة المتن، وعرفان مخرجه، وضعف الإِسناد،

وفي صحيح الإِسناد، وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك لأبي

عبد الله:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل

صلاة". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك عن المقدام بن شريج بن

هانئ عن أليه عن عائشة قالت: قلت: أخبرني بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ

إذا دخل عليك؟ قالت:"كان إذا دخل يبدأ السواك"رواه مسلم (2) في

صحيحه، وذكر ابن عبد الله بن منده الإِجماع على صحته، وفيما قاله نظر

لأمرين، الأول: إن أراد إجماع أهل العلم قاطبة فمتعدد، وإن أراد إجماع

الأئمة المتعاصرين أصحاب الليث- وهو الأشبه بمصطلحه؛ لا بين في غير

موضع أنه يريد ذلك- فغير صواب أيضا؛ لأنه لم يخرجه أحد منهم زيادة

على ما ذكرناه غير النسائي والسجستاني في رواية ابن داست فقط، فأي

إجماع مع مخالفة البخاري والترمذي!، وعند ابن خزيمة وأبي عوانة، وسيأتي

له تتمة عند أحمد- رحمه الله تعالى- إذا دخل بيته، حدثنا محمد بن عبد

العزيز، نا مسلم بن إبراهيم، نا بحر بن كثير عن عثمان بن ساج عن

سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب- رضى الله عنه- قال:"إن

أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك" (3) هذا أبر إسناده ضعيف لضعف بحر

وفيه عطاء بن السائب.

فلت: فيه اختلاف لاختلاطه في آخره.

(1)

صحيح. المصدر السابق (2/99) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"ورجاله رجال

للصحيح.

(2)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، باب"15"، ح/44) وأحمد (6/188) والكنز

(17859)

.

(3)

ضعيف. إتحاف (2/340) والكنز (2751) والحلية (4/296) والجوامع (6249)

وتلخيص (1/70) والمنثور (1/113) والمغني عن حمل الأسفار (1/131) .

ص: 56

رواية مولى بأهله السقا، قال فيه يزيد بن زريع: لا شيء، وقال يحيى: ليس

بشيء، ولا كتب حديثه/كل الناس أحب إلي منه، وقال النسائي وابن الجنيد

والدارقطني: ليس ثقة، ولا نكتب حديثه، وقال الحربي في العلل: ضعيف،

وفي كتاب الآجري: سمل أبو داود عنه فقال: ضعيف، وسئل عنه مرة أخرى

وعن عمران فقال عمر: فوق مجر متروك، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال أبو

أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن سعد: مات سنة ستين ومائة،

وكان ضعيفا، وقال البخاري في التاريخ: ليس عندهم بالقوى، الثاني: الجهالة

بحال عثمان وإن كان ابن أبي حاتم قد وصفه بالرواية عن خصيف وبرواية

المعتمر بن سليمان، نا محمد بن يزيد بن سنان عنه وضعفه البخاري بأنه من

الجزيرة فلم أر أحدا تعرّض للمعرفة بحاله، وهو وبحر مما يستدرك ذكرهما علي

بن سرور، الثالث: وكذلك يستدرك الحديث وزعم بعض المتأخرين أنّ

عثمان بن ساج هذا هو عثمان بن عمرو بن ساج، نسب إلى جدّه أخذا من

طبقات الجزر لأبي عروبة، وبها علم أن أبا محمد بن أبي حاتم فرّق بينهما ولا

يعدل عن كلامه، إّلا بيان واضح.

الثالث: نا محمد بن عبد العزيز أيضا لا يدري من هو؛ لأنَّ ابن سرور

ذكر فيمن روي عنه ابن ماجة اثنين يقال لكل منهما محمد بن عبد العزيز:

الأول المعروف بابن أبي رزمة، والثاني لم يصفه، قال من رواية ابن ماجة عنه

فالله أعلم أيهما هذا أبي رزمة، وما أخاله فهو مشهور بالثقة، وإن كان الآخر

فهو مجهول وبنحو ما ذكرهما به ذكره الشيخ جمال الدين ولم يذكر أحدا

منهما برواية عن مسلم بن إبراهيم، وكذلك الخطيب في تاريخه على كثرة

تعدادهما للمشايخ، الرابع: انقطاع ما بن سعيد وعلي؛ فإن ابن أبي حاتم

ذكر في كتاب المراسيل: سئل أبو زرعة عن سعيد بن حر عن علي فقال:

مرسل، وفي التاريخ الأوسط عن أبي معشر عن سعيد بن جبير قال: رأيت

عقبة بن عمرو، نا أبو معمر، نا عبد الوارث نحوه، نا يحيى قال: مات

أبو مسعود أيام علي،/ولا أحسبه حفظ؛ لأن سعيد بن حر لم يدرك أيام

علي. انتهى. قول البخاري: ولا أحسبه حفظ؛ يعني وفاة ابن مسعود؛ لأنه

ص: 57

هو صرح في ذلك بسماع سعيد منه، ويكون مولد سعيد على ما ذكره هو

وغيره بعد موت علي- رضى الله عنه- سنة ستين؛ لأنه قيل سنة خمس

وتسعين وهو ابن تسع وأربعين والله أعلم، وقد وقع لنا هذا الحديث مرفوعا

من طريق سالمة من المذكورين نا بها المعتمر أبو التقي صالح بن مختار- رحمه

الله تعالى- قرأه عليه وأنا أسمع، نا المسند أبو العباس بن عبد الدايم بقراءة

والدي عليه، نا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي قرأه عليه، نا أبو القاسم

الجوزي أبو الحسن، نا الربيع نا عمر بن نعيم وكل المتقى من أصل سماعه نا

حمدون بن الحرث بن ميمون المقري، نا العباس بن الوليد بن عبد الرحمن

الجارودي شعبة عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد

الرحمن السلمي عن علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا قام يصلي

وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه، ولا يخرج منه شيء إّلا دخل جوف الملك،

فطهروا أفواهكم بالسواك" (1) . أخبرنا المسند المعمر أبو زكريا يحيى المقدسي-

رحمه الله عن العلامة ابن بنت الحميري، نا بشهدة، نا أبو عبد الله

الحسين بن طلحة، نا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله، نا

القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، نا عبيد الله بن سعد الزهري، نا

عمي، نا أبي عن ابن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن

سالم بن عبد الله عن أبي الجراح مولى أم حبيبة أنها حدثت أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما

يتوضئون"وروى مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر، قال عليه

السلام:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليغسل يده من الغمر، ما قام عبد إلى

الصلاة قط إلا التقم ملك فاه فلا يخرج من بداية إلا في فم الملك " (2) ذكره

البيهقي يحيى عن أبي الرضا في كتاب نمرة الصحاح من تأليفه/وفي مجموع

(1) صحيح. رواه البزار في"مسنده") ص. 6) وقال:"لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا

الإِسناد". وإسناده جيَد، رجاله رجال البخاري، وفي الفضيل كلام لا يضرَ، وقد قال

المنذري في"الترغيب"(1/102) :"رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به، وروى ابن ماجة

بعضه موقوفا، ولعله أشبه".

(2)

راجع:"الكنز، ح/20105) .

ص: 58

الزغايب لابن عساكر عن أبي هريرة:"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسواكهم

خلف آذانهم يستنون لكل صلاة. السواك"والمسواك ما يدلك به الأسنان من

العيدان. قال القزاز: استعمل منه سكت الشيء أسوكه سوكَا إذا دلكته،

ومنه اشتقاق السواك يقول: ساك فمه يسوكه سوكَا إذا دلكه بالمسواك، فإذا

قلت استاك لم يذكر الفم، والمسواك يذكر ويؤنث، والتذكير أكثر وهو نفس

العود الذي استاك به، وأصله للشيء الضعيف، يقال: جاءت الغنم والإِبل

تستاك هنا لا أدري ما تحرك رؤوسها، وقد تساوكت الإبل وغيرها: أصابها

الهزال، قال عبيد الله بن الحر الجعفي.. إلى الله أشكوا مَا أرى بجياد تساوك

هذا لا مخمن قليل.. والسواك متن الجائع، وفي الصحاح ويجمع على سوك،

مثل كتاب وكتب قال الشاعر:

أغر الثنايا أحمر اللثات تمنحه سوك الأسجل

وشرع السواك لتعظيم شأن العبادة وشأن المناجي؛ ليكون على كمال من

الطهارة والنظافة؛ لأنه مزيل القلح، مضعف للأجر، مطيب للنكهة، مكره

للصداع، مذهب لوجع الأضراس، يزيد صاحبه فصاحة، مذهب البلغم، مجلي

للبصر. جاء ذلك في آثار مرسلة ذكرها أبو نعيم والطبراني، ومذهب الجمهور

عدم وجوبه للصلاة خلافَا لإسحاق بن راهويه وداود إذ أوجباه، وبالغ إسحاق

وأبطل الصلاة بتعمد تركَه، قال أبو عمر: فضل السواك مجمع عليه لا

اختلاف فيه، والصلاة عند الجميع بسواك أفضل منها بغير سواك، حتى قال

الأوزاعي: هو شطر الوضوء وقتادة عند إرادة طلبه الصلاة وعند الوضوء وقراءة

القرآن والاستيقاظ من النوم وعند تغيّر الفم، ويستحب بين كل ركعتين من

صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وعند الأكل، وفي السحر،

والأولى الاستياك من شجر الزيتون في حديث معاذ مرفوعَا:"نعم السواك/

(1) إبراهيم بن أبي عَبلة، بسكون الموحدة، واسمه شمر: بكسر المعجمة ابن يقظان الشامي، يكنى

أبا إسماعيل، ثقة من الخامسة، مات سنة اثنتين وخمسين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود

والنسائي وابن ماجة. (تقريب: 1/39/239) . والحديث ضعيف. أورده الهيثمي في

المجمع (2/100) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"وفيه معلل بن محمد ولم أجد من ذكره.

ص: 59

الزيتون، من شجرة مباركة، تطيب الفم، وتذهب الحفر، وهو سواكي وسواك

الأنبياء قبلي"ذكره الطبراني في الأوسط من حديث إبراهيم (1) بن أبي عبلة

عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وقال ابن برون عن

إيراهيم إلا إيراهيم بن محصن، ثم بكل ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ

ولون خلا الريحان والقصب، واستضعف ابن العربي الأول، وقاسه على

الكحل، وحمل بعض الحنفية السواك للصلاة على صلاة المتيمم، أو من لم

يجد ماءَ ولا ترابَا حتى لا يخلو المصلي من سواك، إن لم يكن عند الوضوء

فعند الصلاة جمعَا بين الأحاديث، أو يحمل على ما في حديث يوسف

السمتي عن الأعمش عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك بفضل

وضوئه" (1) وحمل بعض العلماء:"يشوص على ذلك السن بالأصابع " وهو

في حديث ضعفه البيهقي عن أنس مرفوعَا:"يجزئ من السواك الأصابع"(2)

وفي حديث لم ير عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جدَّه، قال عليه

السلام:"الأصابع تجزئ مجزئ السواك إذا لم يكن سواك "(3) قال ابن

القاسم في كتابه الأوسط: لم يروه عن أبي إلا أبو غزنة محمد بن موسى،

تفرد به هارون بن موسى القروي، وبعضهم يزعم أنّه الدلك عرضَا، وقال

بعضهم: هو الغسل وقيل: التقية. قاله أبو عبيد، وقيل: هو الحك. قاله ابن

عبد البر، ويستحب الاستياك طولا لحديث أبي موسى عند أحمد:"دخلت

على النبي- عليه السلام وهو يستاك وهو رافع طرف السواك على لسانه

يستن إلى فوق" (4) قال حماد ووضعه لنا غيلان كأنه يستن طولا، وحديث

(1) ضعيف جدا. رواه الدارقطني في"سننه "(1/40) و"المطالب العالية"لابن حجر (70)

والكنز (17860) وابن عساكر في"التاريخ"(2/246) والخطيب في"تاريخه"(11/16) .

وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 657 ح 4551) 0 انظر: (الضعيفة: ح/4268) .

(2)

ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (5/1971) .

وأورده الألباني في"ضعيف الجامع: ص 930 ح/6415) وعزاه إلى"الضياء"من حديث

أنى. وانظر:) الإِرواء: ح 69) .

(3)

ضعيف. أورده الهيثم في"مجمع الزوائد"(2/100) وعزاه إلى الطبراني في

"الأوسط"وكثير ضعيف وقد حسن الترمذي حديثه.

(4)

صحيح. رواه أحمد: (4/417) .

ص: 60

بهز وربيعة بن الشمر وعطاء بن أبي رباح:"كان عليه السلام يستاك

عرضا، (1) ضعَّفه البيهقي، وحديث عائشة مرفوعا:"كان يستاك عرضا ولا

يستاك طولا" (2) ، ذكره وهو ضعيف، وزعم بعضهم أنه من حديث أبي

موسى ومن ذكرناه تعارض، فإن حديث أبي موسى يدل على أن تسوك

اللسان والحلق طولا، وحديث بهز يوضحه ومن تابعه يكون في الأسنان عرضا

وفي قوله عليه السلام/:"لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، يقتضي جواز

الاستياك للصائم أخذا بعموم اللفظ، يوضحه حديث عامر بن ربيعة:"رأيت

النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصى يتسوك وهو صائم" (3) قال فيه الترمذي: حسن،

وحديث عائشة ترفعه:"من خير خصال الصائم السواك"(4) وحديث أنس:

"لا بأس بالسواك للصائم"(5)، وحديث ابن عمر:"كان عليه السلام

يستاك آخر النهار وهو صائم" (6) ذكره ابن طاهر في التذكرة، وضعفه على

معارضة غيرهم لهم في ذلك، وسيأتي في موضعه- إن شاء الله تعالى-،

(1) ضعيف. أورده الهيثمي في المجمع (2/100) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير' وفيه

بنيت بن كثير وهو ضعيف. والتمهيد (1/394، 395) وإتحاف (7/124) والكنز

(17861)

والخفاء (1/134، 296) والفوائد (11) .

وضعفه الشيخ الألباني. (الضعيفة: ح/942) .

(2)

انظر: الحاشية السابقة.

(3)

حسن. رواه أبو داود (ح/2364) والترمذي (ح/725) . وقال الترمذي: حديث

عامر بن ربيعة حديث حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم. لا يرون بالسواك للصائم

بأسا. إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب، وكرهوا له السواك آخر

النهار. ولم ير الشافعي بالسواك باسا أول النهار ولا آخره. وكره أحمد وإسحاق السواك آخر

النهار.

(4)

ضعيف. رواه البيهقي في"الكبرى"(4/272) والكنز (23861) وضعفه الشيخ الألباني.

) ضعيف الجامع: ص 472 ح/2908) 0 انظر:) الضعيفة: ح 3574، وابن ماجة

1677) .

(5)

قوله:"للصائم"غير واضحة"با لأصل"، وكذا أثبتناه.

(6)

باطل. أورده الألباني في"الضعيفة: ح/402) . وقال: أخرجه ابن حبان في"كتاب

الضعفاء"عن أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني عن شجاع بن الوليد عن عبيد الله بن عمر

عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

ص: 61

وما قدمناه أحسن دلالة ممن قال ذلك يؤخذ من قول عائشة:"بأي شيء

كان عليه السلام يبدأ إذا دخل عليك بيتك؟ فالت: بالسواك" (5) لأن

الحديث إنما جاء في دخوله البيت ليلَا؛ فلا حجة فيه، بيانه رواية شريح قلت

لعائشة:"بأي شيء كان يبدأ عليه السلام إذا دخل عليك بيتك؟ قالت:

يبدأ بالسواك، ونختم بركعتي الفجر"ذكره الإِمام أبو حاتم في صحيحه.

وأعلَه ابن حبان بابن ميسرة وقال: لا يحتج به، ورفعه باطل، والصحيح عن ابن عمر

من فعله، كذا في نصب الراية (2/460) .

ص: 62

‌5- باب الفطرة

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن

المسيب عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الفطرة خمس- أو خمس من

الفطرة- الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط، وقص

الشارب " (1) خرجاه في صحيحيهما وأما سعيد بن أبي سعيد، فرواه عنه

مالك في موطئه عن أبي هريرة موقوفا له، ورواه أكثر رواة الموطأ إلا بسر بن

عمر، فإنه رواه عنه موقِوفا وبلفظ ابن حبان قال:"من فطرة الإِسلام:

الغسل يوم الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى فإن ألمجوس تحفي

شواربها وتحفي لحاها، فخالفوهم، خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم" (2) حدثنا أبو

بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، نا زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن

طلق بن صا عن ابن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عشر

من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص

الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإِبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء " يعني:

الاستنجاء. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون

المضمضة، رواه مسلم (3) في صحيحه لم والترمذي، وقال: حسن، وقد

(1) صحيح. رواه البخاري في (اللباس، باب قص الشارب، وتقليم الأظافر) ومسلم في (الطهارة، باب

خصال الفطرة) وأبو داود في (الترجل، باب "16") والترمذي (ح/2756) وقال: هذا حديث حسن

صحيح. والنسائي (1/14، 7/129، 181) وابن ماجة (ح/292) وأحمد في"المسند" (2/229،

239، 283، 410، 489) والبيهقي في"الكبير"(1/149) والحميدي (936) وعبد الرزاق

(20234)

وابن أني شيبة في"مصنفه"(1/195، 9/58) والقرطبي في"تفسيره (14/25)

الخطيب في"تاريخه"(5/438) والموطأ (921) .

(2)

انظر: الحاشية السابقة.

(3)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/56) وأبو داود (ح/53) والترمذي في (ح/

2757) وحسنه. وابن ماجه (ح/293) والنسائي في (الزينة باب"1") وأحمد في "المسند"

(6/137) والبيهقي في"للكبرى"(1/36، 52، 53. 300) وأبو عوانة (1/191) وابن

أبي شيبة (1/195) وتلخيص (1/66) ومشكل (1/297) والمشكاة (379، 380) وشرح

السنة (1/398) وإتحاف (2/350، 427) والدارقطني في"سننه"(1/95) ونصب الراية

(1/76) . قوله:"البراجم"هي غصون الأصابع من أسفل.

ص: 63

اختلف في رفعه ووقفه؛ فرواه مرفوعا مصعب منفردا به عن طلق ورواه سلمان

التيمي بن جعفر بن إياس عن طلق قال: كان يقال عشر من الفطرة، كذا في

كتاب الفسوي، ورواية الرفع انفرد بها ابن زائدة عن مصعب، واختلف في

تصحيحه؛ فأباه الإِمام أحمد بن حنبل فقال: مصعب بن شيبة أحاديثه

مناكير، منها عشر من الفطرة، والنسائي وقال: حديث التميمي أشبه بالصواب

من حديث مصعب، ومصعب منكر الحديث، وفي موضع آخر: وحديث

التيمي، وأبي بشر، أولى حيث قال التيمي: وابن إياس أثبت منه وأصح حديثا

وأبو عبد الله بن منده الأصبهاني حيث قال: خرجه مسلم وتركه البخاري

وهو حديث معلوم، رواه التيمي عن طلق مرسلا، وقيل: الرفع صحيح اعتبارا

بتوثيق مصعب عن ابن معين والعجلي وأبن خزيمة لذكره، حديثه هذا في

صحيحه من حديث محمد بن بشر، نا زكريا، نا مصعب وحديث محمد بن

رافع، نا ابن نمير عن زكريا لم يذكر العاشرة، لا يتيقن ولا يشك، وفي

حديث عنده العاشرة لا أدري ما هي إلَّا أن تكون المضمضة، ومذهب

مسلم بن حجاج وغيرهما وسيأتي أحاديث متابعة عطاء، وشاهده: حدّثنا

سهل بن أبي سهل، ومحمد بن يحمى قالا: نا أبو الوليد، نا حماد عن علي بن

زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن عمار بن ياسر أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال:"من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب،

وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح،

والاختتان" (1) هذا حديث معلول، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة قال:

هذا حديث ضعيف، ولم يبيّن سبب ذلك، وهو ما ذكره أبو داود حين خرجه

عن موسى بن إسماعيل، وداود بن شيب قالا: نا حماد عَن علي بن زيد عن

سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن عمار بن ياسر أن رسول الله/صلى الله عليه وسلم

قال:"من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب،

وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح،

والاختتان"هذا حديث معلول، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة قال: هذا

حديث ضعيف ولم يبين سبب ذلك وهو ما ذكره أبو داود حين خرجه عن

(1) قوله:"هذا"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه 0

ص: 64

موسى بن إسماعيل، قال موسى: عن أبيه، وقال داود: عن عمار، فعلى قول

موسى يكون الحديث مرسلا (1) ؛ لأن أباه لم يذكر أحد أن له صحبة، وعلى

قول داود يكون منقطعا؛ لأن حديثه عن جدّه قال ابن معين: مرسل، وقال

البخاري: لا يعرف أنّه سمع منه، وقال عنه: لم يره ومع ذلك فحاله مجهولة

لا نعرف أحدا تعرض لذكرها، دان كان أبوه قد ذكره ابن حبان في كتاب

الثقات، وقد تابع داود حجاج بن منهال وابن عمر الضرير وهدية بن خالد

فيما ذكره الطبراني في المعجم الكبير، فهذا كما ترى متابع لحديث طلق،

ومنه ما ذكره أبو داود فيما رواه عنه ابن العَثد قال: روى نحوه عن ابن

عباس قال:"خمس كلها في الرأس، منها العزق". ولم يذكر إعفاء

اللحية، وعن إبراهيم النخعي نحوه ذكر إعفاء اللحية، والختان، ولفظ الطيالسي

عن حماد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الفطرة

"فذكره وفي حديث يعلي بن

الأشدق عن عبد الله بن حراد- وهو مختلف في صحبته- قال عليه السلام:

"السواك من الفطرة"(2) وفي حديث ابن عباس المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"أنّ جبريل أبطأ عنه، فذكر ذلك له فقال: كيف لا نبطئ عنكم وأنتم حولي

لا تستنون ولَا تقَلِّمون أظفاركم ولا تحفون من حواجبكم" (3) حدثنا شمر بن

هلال الصواف، نا جعفر بن سلمان عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك

قال:"وقّت لنا في قصّ الشارب، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم

الأظافر، لا نترك أكثر من أربعن ليلة" (4) . حدثنا/جعفر بن أحَمد بن عمر،

نا عفان بن مسلم، نا حماد بن سلمة عن علي بن زيد مثله، هذا حديث

صحيح رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة كلاهما عن جعفر به، قال ابن

منده عند تخريجه إياه من حديث جعفر: وهذا حديث صحيح أخرجه

مسلم (5) ، وتركه البخاري من هذا الوجه، ورواه هشيم وغيره عن صدقة

(1) قلت: هذه فقرة كررها الشارح.

(2)

قلت: هو طرف من حديث صحيح سابق لفظه:"الفطرة عشر.. ط ذكر منها السواك.

(3)

صحيح. رواه أحمد في"مسنده: (1/243) .

(4)

صحيح. رواه أبو داود (ح/4200) والبيهقي في"الكبرى"(1/150) .

(5)

انظر: الحاشية السابقة.

ص: 65

الدقيقي عن أبي عمران عن أنس قال:"وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص

الشارب

"الحديث، وقال: هذا حديث صحيح على رسم البخاري.

انتهى. وفيِما قاله نظر، وذلك أن صدقة بن موسى أبو المغيرة، ويقال: أبو

محمد السلمي الدقيقي البصري ليس من شرط البخاري في شيء وأتى ذلك

مع قول ابن معين: ليس بشيء وفي موضع آخر: ضعيف، وبنحوه قاله

النسائي، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مما يتابع عليه وبعضها مما لا يتابع

عليه وهو ضعيف، وقال ابن حبان: كان شيخا صالحَا إلَّا أنّ الحديث لم يكن

صناعته؛ فكان إذا روى قلب الأخبار فخرج عن حد الاحتجاج به، ولما خرّج

الترمذي حديثه هذا، خرج بعده حديث جعفر، وقال: هذا، أصح من الأول،

وهو في ذلك كما قيل حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا خراش، وبعض الشواهد

من بعض؛ لأن جعفر بن سلمان تكلّم فمِه غير واحد وإن كان مسلم قد خرج

حديثه منفردا به، منهم سليمان بن حرب وابن المديني وابن سعد وابن عدي

ويحيى بن سعيد وغيرهم، والله أعلم، ولما ذكره البزار من جهة جعفر قال:

لا نعلم أحدا مشهورا رواه عن أنس إلا الجوني، وصدقة ليس عندهم بالحافظ،

ولا نعلم رواه عن النبي- عليه السلام إلَّا أنس بن مالك. الأصل في

الفطرة: الفطر، وهو المصدر مفتوح الفاء وهو الابتداء والاختراع، يقال: فطره

الله تعالى: أي ابدأه واخترعه، وكذلك افتطر فيما ذكره الزمخشري في

أساس البلاغة. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض،

حتى أتاني/إعرابيان مختصمان، فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها، وهي

لفظة يقال بالإِشراك على الفطرة والجبلة التي خلق الله تعالى الخلقَ عليها، وفي

الحديث:"كل مولود يولد على الفطرة"(1) قيل: على نوع من الجبلة

(1) صحيح. رواه البخاري (2/125) وا بو داود (ح/4714، 4716) والترمذي (ح/

2138) وا حمد في "المسند"(2/233، 275، 282، 393، 410، 481، 3/353)

والحميدي (1113) وتجريد (258) وحنيفة (6) وإتحاف (2/218، 7/233، 234، 8/

567) وابن كثير في"تفسيره (2/368، 3/386، 5/53، 6/321، 8/311، 400،

434، 449، 500) والقرطبي في"تفسيره"(5/395، 14/26، 18/133) وأبو نعيم في

"الحلية"(9/228) وأخبار أصفهان (2/226) والموطأ (241) .

ص: 66

والطبع المنتهي لقبول الدين، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها وعلى معرفة

الله- تعالى- والإقرار به أي: يولد لما كان أقربه لما خرج من ظهر آدم.

حكى ذلك القزاز في تفسير غريب البخاري، وزعم أنّ الأول أولى

الوجوه فيها، وقال الخطابي: فسّره أكثر العلماء بالسنة، وقد جاء في صحيح

البخاري من حديث ابن عمر مرفوعا:"من السنة: قص الشارب، ونتف

الإِبط، وتقليم الأظفار " (1) وفي صحيح ابن حبان من حديث زيد بن أرقم

مرفوعا:"من السنة: قص الشارب؛ من لم يأخذ من شاربه فليس منا"(2)

وفسرها آخرون بالدين، منهم الماوردي، ويدلّ عليه وروده صريحا في بعض

الروايات، وأما إعفاء اللحية فهو توفيرها، قال الجوهري: عفا الشعر وأنتف

وغيرهما أكثر زاد ابن سيّده في المحكم وطال قال الجوهري، ومنه قوله حتى

إذا عفوا أي كثر، وعفوته وعفيته: لغتان، والعافي: الطويل الشعر، وفي كتاب

الأضداد لابن السكيت: عفا الشعر إذا وفا، وعفا إذا درس، قال الهروي: ومنه

قوله عليه السلام:"فعلى الدنيا العفا"(3) أي الدروس، كره لنا أن نعفها

كفعل بعض الأعاجم، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وأما الأظفار،

فهو جمع ظفر مضموم الظاء والفاء، وبضم الظاء وإسكان الفاء وبكسر الظاء

وسكون الفاء وأظافير جمع أظفور لغة في الظفر، ورجل أظفر: طويل الأظفار

عريضها، وظفر الجديد الظفر. قاله في الأساس، والبراجم واحدها برجمة بضم

الباء وهي عقد الأصابع ومفاصِلها، وبه سميت البراجم من تميم وعبد

القيس،/وقال أبو عبيد: البراجم والرواجب جميعا: مفاصل الأصابع وألى ذلك

غيره؛ فقال: الرواجب هي ما بين العقد من داخل واحدها راجبة، والبراجم:

من ظهور الأصابع، والإِبط، باطن المنكب يذكر ويؤنث، والتذكير أعلا،

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/2761) والنسائي (1/15، 8/129) وأحمد في"المسند" (4/

366، 368) والطبراني في"الكبير"(5/208) وابن عدي في"الكامل"(6/2360) وإتحاف

السادة المتقين (2/411، 413) وشرح السنة (12/108) والمشكاة (4438) ومشكل (2/

138) والكنز (17242) والخفاء (2/430) والطبراني في"الصغير"(1/100) .

(2)

انظر: الحاشية السابقة.

(3)

/أقف إلا في' الإِتحاف: 8/160"بلفظ:"على الدنيا وأهلها منط المّمار".

ص: 67

والجمع إباط، قال الجواليقي وبعض المتحذلقين يقوله بكسر الباء والصواب

سكونها. انتهى. يشهد لقائل ذلك فول الراجز مما أنشده الهذاز:

كان هوى في خوا إبطه ليس يمهل البروك فرشطه

وأما المبرد فزعم أن ذلك للاتباع كقول عبد مناف بن ربع الهذلي:

إذا تأوب نوح وأساء معه ضربا أليما بسبب بلعج الجلدا

والعانة: النابت من الشعر حول القبل، وقيل: نبت الشعر هناك، وتصغيرها

عوينة، وانتقاص الماء بقاف وصاد مهملة وفُسر بالاستنجاء ويؤيّده ورود ذلك

صريحا في الموقوف عن ابن عباس، والحديثان بيان واحد في تعداد خصال

الفطرة، والمعنى انقطاع البول بالماء عند الغسل. قاله أبو عبيد، وقيل: الماء

يذهب الماء وزعم ابن الأثير أنّ الصواب بفاءٍ وصاد مهملة، فالمراد نضحه

على الذكر من قولهم: ليصح الدّم الغليل نقصه وجمعها نقص والأول أعرف،

والختان: قال الأزهري: أصله انقطع ويطلق على قطع الغُلفَة من العتل تارة،

وعلى موضع القطع أخرى، والمراد: الأول، ويقال: فيه الختانة. قاله الجوهري

يقال: ختن " (1) الغلام والجارية يختنهما ويختنهما ختنا وختانا فيما قال أبو

زيد: وقال: الختن للرجال، والخفض للنساء، والختين المجنون والمجنونة، الذكر

والأنثى في ذلك سواء، وحكم ذلك يذكر في بابه إن شاء الله تعالى، وفي

قوله: إلا أن تكون المضمضة، قال عياض- رحمه الله ولقبها اللسان، وهو

أولى لأنه في حديث أبي هريرة مذكور، واستضعف ذلك لوجهن، أحدهما:

أنّ خصال الفطرة لم ترد على جهة الحصر، ولهذا/أختلف تعدادها في

الأحاديث، وجاءت بصيغة التعديد بالنص على شيء منها في حديث الخمس

لا يدل على فرد معنى لسببه رواه من حديث العشر الثاني ما رجّح بعينه

بوروده في حديث أبي هريرة معارض بوروده في حديث أبيِ هريرة معارض

بورود ما تقدّم في حديث عمار وعبد الله بن عباس، ويرجّح ذلك لأمرين:

أحدهما: في حديث عمار وابن عباس مع حديث عائشة كالمتن الواحد من

جهة تعداد العشر، فما قصد في ضبطه بعض رواته بقرب إتمامه من ضبط

(1) كذا"بالأصل""حين"، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 68

الأخر؛ ولهذا أوردهما ابن ماجة في باب واحد، وكذلك غيره، الثاني:

المضمضة والاستنشاق قريبان؛ فورود المضمضة يقرب ورود الآخر، واختلف في

الناس لذلك؛ فعند وكيع عن زكريا أنه مصعب، كما في الكتاب، وقال

يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه أنه هو، وروى ذلك مسلم في

صحيحه، وقيل غير ذلك كما أسلفناه من صحيح ابن خزيمة.

ص: 69

‌6- باب ما يقول إذا دخل الخلاء

حدثنا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، قالا:

حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم:"إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم فليقل اللهم إني أعوذ

بك من الخبث والخبائث" (1) حدثنا جميل بن الحسن العتكي، نا عبد

الأعلى بن عبد الأعلى، نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ح، ونا هارون بن

إسحاق عبده عن سعيد عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن

أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

فذكر الحديث، هذا حديث أخرجه ابن

خزيمة في صحيحه (2) عن محمد بن بشار بن محمد بن عبد الأعلى، نا خالد

يعني ابن الحرث، نا شعبة، ونا يحمى بن حكيم، نا ابن أبي عون، نا شعبة، ونا

يحيى بن حكيم، نا أبو داود، نا شعبة، فذكره، وقال: هذا حديث بندار غير

أنّه/قال عن النّضر بن أنس وكذا قال يحيى بن حكيم في حديث ابن أبي

عدي عن النضر بن أنس، قال أبو عيسى في كتاب الجامع: في إسناده

اضطراب (3) فذكر ما تقدّم وزاد، وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه، زاد

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/6) وابن ماجة (ح/296) وأحمد في"المسند" (4/369،

373) والبيهقي في"الكبرى"(1/96) والحاكم في"المستدرك"(1/187) وصححاه

والمشكاة (357) والطبراني في"الكبير"(5/232، 236) وإتحاف (2/339) وابن أبي شيبة

(1/11، 453) وابن حبان في"صحيحه"(126) وتلخيص (1/105) .

وصححه الشيخ الألباني. (الصحيحة: ح/1070) .

قوله:"الحشوش"واحد الحش وهي الكنف، وأصله جماعة النخل الكثيف وكانوا يقضون

حوائجهم إليها قبل اتخاذ الكنف في البيوت.

(2)

رواه ابن خزيمة: (ح/99) .

(3)

قلت: الحديث أشار إليه الترمذي (1/11) وأعلَه بقوله:"في إسناده اضطراب"، روى

هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة، فقال سعيد: عن القاسم بن عوت الشيباني

عن زيد بن أرقم، وقال هشام الدستواثي: عن قتادة عن زيد بن أرقم، ورواه شعبة عن قتادة

عن النضر بن أنس عن أليه عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال الترمذي: سألت محمدا- يعني البخاري- عن هذا فقال: يحتمل أن يكون قتادة،

ص: 70

البزار: وقال بسام بن مصل عن قتادة عن القاسم بن ربيعة بن زيد، قال:

وهذا الحديث قد اختلفوا في إسناده عن قتادة، وفي كتاب العلل للترمذي،

وسألت محمدَا عنه وقلت له: أي الروايات عندك أصح؟ فقال: لعلّ محمد

اتبع منها جميعَا عن زيد، ولم يقض في هذا الشيء، وفي قوله عن زيد إشارة

إلى عدم صحة حديث النضر عن أبيه، وقدّمنا ذلك مصرحَا به من كلام

الإِمام أحمد فيما ذكره البيهقي، وإنّ تعليل الحديث بالاضطراب على قتادة

ليس فيه، لاحتمال سماعه منهما كما قال البخاري، وهما تقيان فسواء كان

عنهما أو عن أحدهما، وإلى كونه صحيحَا عنهما قال أبو حاتم البستي: فرواه

في صحيحه من جهة عيسى بن يونس عن شعبة عن قتادة عن القاسم، وقال:

هذا الحديث مشهور عن شعبة وسعيد جميعَا مما تفرد به قتادة، نا عمر بن

محمد بن عبد الأعلى، نا خالد بن الحرث عن شعبة عن قتادة، سمعت

النضر بن أنس يحدث عن زيد

فذكره، ورواه الحاكم (1) من جهة عمر بن

روق، نا شعبة عن قتادة عن النضَّر عن زيد بلفظ:"فإذا دخل أحدكم

الغائط فليقل أعوذ بالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم" (2) ثم قال: قد

احتج مسلم بحديث لقتادة عن النضر عن زيد، واحتج البخاري بعمرو بن

مرزوق، وهذا الحديث مختلف فيه عن قتادة، ورواه شعبة عنه عن القاسم عن

زيد وكلا الإسنادين من شرط الصحيح ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وزعم

الأشبل أنه اخَتلف في إسناده، قال: والذي أسنده ثقة؛ وفيما قاله نظر؛ لأن

روى عنهما جميعا.

وهذا الذي ذكره البخاري- رحمه الله هو الذي نجزم به مطمئنين، قتادة رواه عن النضر بن

أنس، وعن القاسم بن عوف الشيباني، كلاهما عن زيد بن أرقم، وذلك لأنَ قتادة ثقة حافظ ثبت،

فمثله جائز أن يكون له في الحديث إسنادان فأكثر، فإذا كان الا مر كذلك فلا نرى إعلال الحديث

بأمر جائز الوقوع، بل هو واقع في كثير من الأحاديث، كما يشهد بذلك من له ممارسة بهذا الشأن.

(1)

صحيح. رواه الحاكم: (1/187) من الوجهين عن شعبة وعن سعيد، ثم قال: كلا

الإِسناد من شرط الصحيح، ووافقه الذهبي.

(2)

ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل"(5/1825/والميزان (5966) ترجمة: علي بن

يزيد الا لهاني الشامي. قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو

زرعة: ليس بقوي، وقال الدارقطني: متروك.

ص: 71

الحديث لم يرم بالإِرسال حتى يكون الحكم للثقة المسند، إنما رمي ما ذكرناه

آنفا والله أعلم. حدثنا محمد بن حميد، نا الحكم بن بشر بن سليمان خالد

الصَّفَّار عن الحكم البصري/عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"ستر ما بين الجن وعورات بني آدم: إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم

الله" (1) هذا حديث قال فيه أبو علي الطوسي: غريب ولا نعرفه إلَّا من هذا

الوجه، وقد روى في هذا الباب يعني التسمية عند دخول الخلاء حديث،

وليس إسناده بذاك وقال الترمذي: عندما خرج عن محمد بن (2) حميد غريب

لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بالقوي، ولا أدري ما الموجب

لذلك؛ لأن جميع من في إسناده غير مطعون عليه بوجه من الوجوه فيما

رأيت، بل لو قال فيه قائل إنّ إسناده صحيح لكان مصيبا، وبيان ذلك أنَّ

محمد بن حميد قال فيه يحيى: ليس به بأس كيس، وقال جعفر بن أبي

عثمان الطيالسي: ثقة، وسئل عنه الذهلي؟ فقال: ألا ترى أني هو ذا أحدث

عنه، وفيل الصنعاني. يحدّث عن ابن حميد فقال: وما لي لا أحدّث عنه،

وفد حدّث عنه الإمام أحمد وابن معين، وأما الحكم فروى عنه إبراهيم بن

موسى، وزرع ومحمد بن بهران الجمال، ويحيى بن أبي المغيرة، وعمرو بن

رافع، وأبنه عبد الرحمن بن الحكم، وقال أبو حاتم الرازي: هو صدوق، وأما

خالد الصَّفّار أبو مسلم الكوفي فروى عنه عمرو بن محمد وحسين الجعفي،

وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، والحكم بن عبد الله البصري حديثه في

صحيح مسلم، ووصف مع ذلك بالثقة. حدثنا عمرو بن نافع، نا إسماعيل بن

علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في:) كتاب الطهارة، ح/297) . قلت: وعلْته محمد بن

حميد. انظر: ضعيف ابن ماجة للشيخ الألباني"برقم"الحديث السابق. تجده قد صحّحه

بطريقة غاير فيها مغلطاي كما أشرت في مقدمة الكتاب. قلت: وقد رأيت تضعيف مغلطاي

أرجح من تصحيح الألباني لهذا الحديث.

(2)

محمد بن حُميد الرازي الحافظ، عن يعقوب العمي وجرير وابن المبارك، ضعيف لا من

قبل الحفظ. قال يعقوب بن شيبة:"كثير المناكير". وقال البخاري:"فيه نظر". وقال أبو

زرعة:"يكذب". وقال النسائي:"ليس بثقة". وقال صالح جزرة:"ما رأيت أحذق

بالكذب منه، ومن ابن المسائط كوني". (المغني في الضعفاء: 2/573/5449) .

ص: 72

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "أخرجه

الجماعة (1) في كتبهم، وذكره البزار في مسنده من حديث إسماعيل (2) ، بن

مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس أن النبي- عليه السلام قال:"إذا دخل

أحدكم الخلاء فليفل"الحديث. وإسماعيل ضعيف، وفي كتاب أبي داود

من طريق ابن العبد: أنه حدّث عبد العزيز وقال وهب فيتعوذ بالله تعالى، وقال

فيه الترمذي: هو أصح شيء في هذا الباب/وأحسن، وفي كتاب الذخيرة

لابن طاهر بزيادة عن أنس:"كان عليه السلام إذا دخل الكنيف قال بسم

الله، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك"فال: رواه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف

عن أبي طلحة عنه، وفيهَ ردّ لما ذكره الإِمام أحمد بن حنبل ما سأله ههنا عن

هذا الحديث تعرفه عن أحد من غير وجه عبد العزيز؟ قال: لا، ويقال بعبد

العزيز بن صهيب فإنه ثقة ثبت بصري قال: نعم هو في كتاب الإِفراد لأبي

الحسن، رواه عدي بن أبي عمارة عن قتادة عن أنس، وهو غريب من حديث

قتادة تفرد به عدي عنه ورواه الطبراني في الأوسط من حديث صالح بن أبي

الأخضر عن الزهري عنه، وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح، تفرد به

إبراهيم بن حميد الطويل، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي مريم، نا يحيى بن

أيوب عن عبيد الله بن زجر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللَّهم إني

أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث الشيطان الرجيم " (3) قال أبو الحسن

(1) صحيح. رواه البخاري (1/48، 8/88) وأبو داود (ح/4) والنسائي في (الطهارة،

باب"18" والترمذي (5/6) والبيهقي في الكبرى" (1/95) وإتحاف السادة المتقين (2/

339) وأبو عوانة في"صحيحه (1/216) والكنز (17877) وابن السني في عمل اليوم

والليلة (16، 24) . وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/90) .

(2)

له ترجمة في:"الضعفاء الكبير: 1/87.

(3)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب"9"، (ح/299) .

في الزوائد: إسناده ضعيف. قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد خبرٍ عبيدُ الله بن زَحْر

وعلي بن يزيد والقاسم، فذاك مما عملته أيديهم أ. هـ وكذا ضعفه الشيخ الألباني كما

"وجدناه"في"ضعيف سنن ابن ماجة"برقمه السّابق. (ح/59/299) . وانظر: الضعيفة (ح/

4189) ، وضعيف الجامع (ح/6354) .

ص: 73

القطان: نا أبو حاتم، نا ابن أبي مريم، فذكره ولم يقل في حديثه:"الرجس

النجس"وإنّما قال:"من الخبيث المخنث الشيطان الرجيم"هذا الحديث إسناده

ضعيف لضعف روايته، وقد تقدم ذكره قريبا، وفي الباب حديث رواه أبو

عبد الرحمن عبد الله بن مسعود، نا به المسند شرف الدين المصري، نا الإِمام

بهاء الدين إجازة، الأمر به قراءة عليه، نا ابن خزيمة، نا النبهاني، نا إسماعيل

ابن نصر بن عبد الله بن محمد، وكان صاحب حديث، نا إسماعيل بن عبد

الجبار السكوني، نا أبو يوسف القاضي عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي

الأحوص عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال: " أعوذ بالله

من الخبث والخبائث " (1) وأشار اليزيدي إلى حديث جابر، واعتل حديث أبي

أمامة هذا وحديث اليزيدي من عند ابن عدي في كامله، وضعفه بحسن بن

عمر، قال ابن سليمان الخطابي: الخبث بضم الباء: جماعة الخبث، والخبائث:

جمع الخبيثة يزيد ذكر أن الشياطين وإناثهم، وعامة أصحاب الحديث يقولون:/

الخبث مسكنة والصواب مضمومة الباء، وفيما قاله نظر؛ لأنّ الذي أنكره هو

الذي حكاه أبو عبيد بن سلام والداراني في كتاب ديوان الأدب، فلا إنكار

على المحدثين إذا والله أعلم، وأيضا ففعل- بضم الفاء والعين- تسكن عينه

قياسا، فلعل من سكنها سلك ذلك المسلك، وأمّا معناه فذكر ابن الأعرابي أنَّ

أصله في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو ألستم، وإن كان من

الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو

الضار، قال ابن الأنباري: الخبث الكفر، والخبائث الشياطين، وقال غيره:

الخبث الشيطان، والخبائث المعاصي، وزاد بعض المتأخرين على ابن الأعرابي،

وقيل: الخبائث الأفعال المذمومة، والخصال الرديئة، وليس ذلك بزيادة لدخوله

في معنى كلامه، وقوله إذا دخل الخلاء، يريد به إذا أراد دخول الخلاء، كما

في صحيح البخاري وكقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} ويحتمل أن

(1) ضعيف. رواه ابن السني في"عمل اليوم والليلة"(17) والكنز (17875، 27220)

والخطب في"التاريخ"(4/262، 8/62) .

وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 637، ح/4392) 0 انظر: (الضعيفة: ح/

4189) .

ص: 74

يراد به ابتداء الدخول، وينبني عليه من دخل ونسى التعوذ هل يتعوذ أم لا؟

كرهه ابن عباس وغيره، وأجازه جماعة منهم ابن عمر، أخذا بقول عائشة

رضى الله عنها- فالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يذكر الله على كل إجابة،

وقد نقل القولان عن مالك. هذا كله في الكنف المتخذة في البيوت لا في

الصحراء، وهو ظاهر في لفظة دخل والحش، والحش البستان والجمع حشان

نصف ونصفان، والحَشِّ والحُشِّ المخرج أيضا؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم

في البساتين، والجمع حشوش، والمحشة- بالفتح- الدبر، ونهى عن إتيان

النساء في محاشهن، وربما جاء بالسين من الصحاح وفي الجمهرة، ويسمى

أيضا الحاتش، قال الشاعر:

ثعلب أتل زل عن جلاجل أو مثمر من حاتش حلاحل

وفي المغيث: واحد الحشوش حش، ويجمع على حشان، كبطن وبطان،

فإذا استعمل في الكنيف فبالفتح لا غير، سمى للجمع فيه، وكل شيء جمعته

فقد حششته، وزعم الخطابي أنه يفتح ويضم كما تقدم من كلام الجوهري،

وكلامه على أبي موسى- والله أعلم- وهو صريح في الردة.

ص: 75

7-

باب ما يقول إذا خرج من المخرج

/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا يحيى بن أبي بكر، نا إسرائيل، نا يوسف

ابن أبي بردة، سمعت أبي يقول: دخلت على عائشة فسمعتها تقول:"كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا خرج من الغائط: غفرانك" (1) ، قال أبو الحسن بن

سلمة: نا أبو حاتم، نا أبو غسان النهدي، نا إسرائيل نحوه، أخرجه

الترمذي (2) وقال: هذا حديث غريب حسن لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل

عن يوسف، ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم،

وفيما قاله نظر من وجوه، الأول: قوله: لا يعرف في هذا الباب إلا حديث

عائشة، إن أراد مطلق القول عند الخروج ففي الباب أحاديث عدّة؛ منها

حديث أنس الآتي في هذا الباب عند ابن ماجة، وحديث أبي ذر:"كان

عليه السلام إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب علي الأذى

وعافاني" (3) من عند النسائي، وذكر فيه خلاه وذكره أبو حاتم في كتاب

العلل وضعفه، وحديث ابن عمر يرفعه:"الحمد لله الذي أذاقني لذّته، وأبقى

فيّ قوته، وأذهب عني أذاه" (4)

وحديث طاوس من سنن الدارقطني (5) عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/30) وابن ماجة (ح/300) والبيهقي في"الكبرى"(1/97)

والكنز (17869، 17871، 27211) وابن أبي شيبة في"مصنفه "(1/2) وابن السني في

"عمل اليوم والليلة"(23) .

(2)

راجع سنن الترمذي: 5- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، (ح/7) - من أبواب الطهارة.

(3)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 10- باب ما يقول إذا خرج من

الخلاء، (ح/301) .

قال محققه:"عن إسماعيل بن مسلم"في الزوائد: هو متفق على تضعيفه. والحديث بهذا

اللفظ غير ثابت أ. هـ وضعْفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/60) والمشكاة

(374)

والإرواء (53) .

(4)

رواه الزبيدي في"إتحاف السادة المتقين"(2/340) والكنز (17877) وأذكار النووي (29) .

(5)

رواه الدارقطني في"سننه"(1/57) والبيهقي في"الكبرى"(3/111) .

ص: 76

"فليقل الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني"،

وحديث سهل بن أبي خيثمة بنحوه ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية، وإن

أراد قول غير فيتجه له قوله، الثاني: استقراء به إيَّاه من غير تصحيح، وإن

كانت الغرابة لا تنافي الصحة، ولذلك لم يلتفت ابن خزيمة إلى ذلك، بل

ذكره في صحيحه، وكذلك ابن حبان والحاكم، وخرجه ابن الجارود في

المنتقى، وقال أبو حاتم الرازي: هو أصح شيء في هذا الباب، وإن كانت هذه

اللفظة لا تعطي تصحيحا مطلقا، وتشعر بأن في الباب غيره، بخلاف ما قاله

الترمذي، الثالث: الجمعِ بين قوله: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث

إسرائيل، وبين قوله: لا يعرف في هذا الباب إلَّا حديث عائشة، فإنه أثبت له

غرابة السند بتفرد إسرائيل بمن قرنه وغرابة المتن بكونه لا يعرف غيره، ثم

وصفه بعد ذلك بالحسن/ولو لم تكن إلا الغرابة الراجعة إلى الإسناد لما

عارضت في ذلك، وأما أن لا يعرف في الباب إلَّا هو مع قوله في الَحسن أنه

يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر؛ فهذا الحديث قد يوهم منا

فالأحسن الذي وصفه به على شرطه، فيحتاج الجواب على ذلك فنقول: لا

يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي نحتاج فيه إلى أن نروي

نحوه من وجه أخر هو من كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته

ولا ارتقى إلى أن يدخل في الصحيح مع متابعة روايته، فهناك يحتاج إلى

تقويته بالمتابعات والشواهد ليصل لمجموع ذلك إلى الدرجة، وأما هذا فقد كان

من شأنه أن يكون من الصحيح فإن إسرائيل المنفرد به متفق على إخراج حديثه

عند الشيخين، والثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه الأثر ارتقى إلى درجة

الصحيح، حتى يكون مع الثقة في المرتبة العليا من الحفظ والإتقان، وإن لم

يتجاوز الثقة فحديثه هناك حسن، كما أن المستور مع التفرد لا يرتقي إلى

درجة الحسن؛ بل تفرده مردود، فكذلك هذا الحديث، لو وجد شاهد كما

وصف عند مرتبة الحسن وربما لم يقف عندها لما بينا من تصحيح من

صححه، أو يكون الترمذي لما شرط الحسن وتقويته بالمتابعات عرف بنوع منه

وهو أكثر وقوعا عنده لا بكل أنواعه، وهذا نوع آخر منه مستفاد من كلامه

وكلام الخليل والحاكم وغيرهم من الحفاظ؛ فعلى هذين القولين تسنى كلام

ص: 77

الترمذي أو تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث؛ إذ الغرابة والحسن

في المتن لا يجتمعان، وذكر بعض الحفاظ أن جمهور الروايات على لفظ

الخلاء بدلا من الغائط ولفظ الغائط تفرد بها هاشم بن القاسم عن إسرائيل،

وحديث ابن ماجة المذكور يقضي على قوله؛ لأن يحيى قال ذلك عنه بما

ينفي التفرد، والله أعلم. حدثنا هارون بن إسحاق، نا عبد الرحمن المجاري عن

إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك:/"كان النبي صلى الله عليه وسلم

إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" (1) هذا

حديث ضعيف؛ لضعف رواية إسماعيل بن مسلم المخزومي المكي أبي ربيعة،

قال فيه سفيان: كان يخطئ في الحديث، وضعفه ابن المبارك، وقال فيه أحمد:

منكر الحديث، وقال يحيى بن سعيد القطان: لم يزل مختلطا، وليس بشيء،

كان يحدّث بالحديث على ثلاثة ضروب، وقال ابن المديني: ضعيف لا نكتب

حديثه، أجمع أصحابنا على ترك حديثه، وقال النسائي وابن الجنيد: متروك

الحديث، وقال الحربي: في حديثه شيء، وقال السعدي: واهي الحديث جدا،

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مختلط، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال

البخاري: تركه ابن المبارك، وربما روى عنه، وتركه يحيى وابن المهدي، وقال

الفلاس: كان يري القدر وهو ضعيف يحدث عن الحسن وقتادة بأحاديث

بواطيل، وهو متروك الحديث، وقد اجتمع أهل العلم على ترك حديثه، وإنّما

يحدّث عنه من لا يبصر الرجال، وقال يعقوب وابن معين: لا شيء، وقال ابن

عدي: أحاديثه غير محفوظة عن أهل الحجاز والكوفة والبصرة إلَّا أنه ممن

نكتب حديثه، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: وحمله من يحيى في الحديث

إسماعيل بن مسلم خمسة، هذا أحدهم، والثاني أبو محمد العبدي سمع أبا

المتوكل والحسن، والثالث: مولى بنى مخزوم يروى عن ابن جبير، والرابع ابن

أبي الفداك دينار مولى بني الدبل، والخامس: مولى رفاعة الزرقي يروي عن

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب"10"، (ح/301) وعلته:

إسماعيل بن مسلم.

ضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف سنن ابن ماجة. (ح/60) والمشكاة (374) والإرواء

ص: 78

محمد بن كعب، لم نعلم في أحد منهم طعنا إلَّا في الأول. انتهى كلامه،

وقد اغفل إسماعيل بن مسلم السكوني شامي، قال فيه الدارقطني يضع

الحديث، وإسماعيل بن مسلم اليشكري حدّث عن ابن عوف حديثا منكرا

ذكره العقيلي، وإنما ذكرت ذلك انتصارا لابن عدي؛ لأنه ذكر في كامله أنهم

ثلاثة، فزاد أبو الفرج اثنين، ولو تتبعنا ذلك حق التتبع لألفينا أكثر من ذلك

ولله الحمد، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من إسماعيل هذا،

ذكرها الحاكم في تاريخ بلده فقال: نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعد أبو

بكر محمد بن ياسين: نا أبي: نا عبد السلام بن نهيك عن أبيه عن قرّة عن

الحسن عن أنس قال:"كان/النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: بسم الله

اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبث الشيطان الرجيم، وإذا خرج

قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني (1) وأما الغفران، فمصدر

كالمغفرة قال الخطابي: نصبه بإضمار الطلب، وقيل في تأويل قوله ذلك

قولان:

الأول: أنه استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدّة لبثه في الخلاء.

الثاني: قيل معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه فأطعمه ثمٍ

هضمه، ويحتمل أن يكون فعله عليه السلام ذلك للتشريع والتعليم فحق من خرج سالما

معاذا مما استعاذ من الخبث والخبائث أن يؤدي شكر نعمة الله عليه في إعادته وإجابة

سؤاله، وأن يستغفر الله خوفا أن لا يؤدي شكر تلك النعمة، وهو قريب من حمد

العاطس على سلامته، ويحتمل أن يكون حاله التخلي لما كان محظورا فيها الذكر

والتوجه إلى الله- تعالى- حسن أن يكون الذكر والاستغفار أوّل ما يصدر منه عند

الخروج، كما كان أخر ما ختم به عند الدخول، كقول الشاعر:

وآخر شيء أنت أول هجعة وأول شيء أنت عند هبوبي

ونص جماعة من الفقهاء منهم أحمد على أنه ليس قول ذلك إذا خرج

المتخلي، وعند غيرهم من الآداب، والله- تعالى- أعلم.

(1) تقدم في أول الباب ص 76.

ص: 79

‌8- باب ذكر الله على الخلاء

والخاتم في الخلاء

حدثنا سويد بن سعيد، نا يحيى بن زكريا عن أبي زائدة عن أبيه عن

خالد بن سلمة عن عبد الله البهي عن عروة عن عائشة:"أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه" (1) رواه الترمذي عن أبي كريب

ومحمد بن عبيد، نا يحيى عن أبيه، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من

حديث زائدة، وزعم بعض المتأخرين من العلماء أن في كلام الترمذي ما

يقتضي أن يحيى بن زكريا تفرد به عن أبيه، وليس كذلك؛ لأن إسحاق بن

يوسف الأزرق رواه عن زكريا أيضا، قال: ولكنه يتخلى شهر. انتهى كلامه،

وفيه نظر من حيث أن الترمذي لم يتبيّن أي بني زائدة تفرّد به./

ويحيى وأبوه يصدق على كل منهما ابن أبي زائدة؛ فيحتمل أن يكون

المعنى به عنده بالتفرد زكريا لا ابنه، ويحتمل الآخر، وإذا كان كذلك فليس

لنا أن نقول: أراد وأحلّ العينة إذ لم يبيّن هو نفسه ذلك، وإذا تطرق الاحتمال

سقط الاستدلال، وفي قول الترمذي حسن غريب، يريد بذلك تفرد به ابن

أبي زائدة، وكان ينبغي أن يكون على رأيه صحيحا لا حسنا؛ لأن تفرد أبي

زائدة لا نحطه عن درجة الصحيح؛ ولذلك لم يعتمده مسلم؛ بل خرجه في

صحيحه، وأيضا فرجاله عند الترمذي ممن يصح أحاديثهم دائما. حدثنا نصر بن

علي الجهضمي، نا أبو بكر الحنفي، نا همام بن يحيى عن ابن جريج عن

الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان إذا دخل الخلاء وضع

(1) صحيح، متفق عليه. رواه الترمذي (ح/3384) والبخاري (1/83، 163) ومسلم في

(الحيض، باب"30"رقم"117") وأبو داود (ح/18) وابن ماجة (ح/302) وأحمد في

"المسند"(6/70، 153، 278) وإتحاف (6/287، 7/110) وكنز (17980) والسنة

للبغوي (2/44) والقرطبي في"تفسيره"(4/310) والمشكاة (456) وتغليق (172، 173)

ومعاني (1/88، 91) .

وصححه الشيخ الألباني. الإِرواء (2/244) والصحيحة (ح/406) .

ص: 80

خاتمه" (1) هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه، صححه أبو حاتم

البستي في صحيحه، والترمذي وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم وقال:

صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إنما أخرجا حديث نقش الخاتم فقط،

وزعم أبو عبد الرحمن النسائي أنه غير محفوظ، وقال أبو داود: هذا حديث

منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن

النبي صلى الله عليه وسلم: " اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه"(2) والوهم فيه من همام، ولم

يرق إلا همتكم زاد في التفرد، يخاف أن يكون هذا الحديث ليس بمحفوظ،

وفيه نظر من وجوه:

الأول: قوله هذا حديث منكر، وهو مردود بما أسلفناه.

الثاني: قوله لم يروه إلا همام مردود برواته يحيى بن المتوكل. ذكره

الحاكم عن علي بن حماد (3) ثنا عبيد بن عبد الواحد، ثنا يعقوب بن كعب

الأنطاكي، ثنا يحمى بن المتوكل البصري عن ابن جريج عن الزهري به، ورواه

أبو نعيم في تاريخ بلده من حديث عثمان بن أبي شيبة عن يحيى به، وقال

الحاكم، صحيح الإسناد وفيما قاله نظر، وذلك أن يحيى قال فيه:/أحمد

واهي الحديث، وقالَ يحيى: ليس بشيء، وقال مرة: ضعيف، وكذلك قال ابن

المديني وعمرو بن علي والرازي والنسائي، وقال ابن حبان: ينفرد بأشياء ليس

لها أصول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرتاب المنمعر في الصناعة أنها

معمولة، وأطن- والله أعلم- أن تضعيف يحيى هو الذي ألجأ البغوي إلى أن

قال فيه حين رواه في شرحه من جهة إسحاق بن الخليل عنه، هذا حديث

غريب، والبيهقي في فوله: هذا شاهد ضعيف.

(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/19) وابن ماجة (ح/303) والبيهقي في"الكبرى"(1/95)

والقرطبي (10/88) والكنز (17872)، وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 636

ح/4389) 0 انظر: (الضعيفة: ح/4188) . وضعيف ابن ماجة (ح/61) وضعيف أبى

داود (ح/4) ومختصر الشمائل (ح/75) .

(2)

انظر: رواية أبو داود في"الحاشية السابقة".

(3)

قوله: "حَماد" وردت "بالأصل""حمشاد" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه

ص: 81

الثالث: على صحة ما يقوله من تفرد بهمام يوهم ضعفا فيه، وليس

كذلك؛ لاحتجاج الشيخين به في صحيحيهما، ولقول يزيد بن هارون: كان

همام قويا في الحديث، وقول أحمد: همام ثبت في كلّ المشايخ، وقول ابن

معين وأبي حاتم وأبي سعد فيه: ثقة؛ فظهر مجموع ما تقدّم ترجيح قول من

صحّحه على من ضعفه وأن ضعفه، يشبه أنَّ يكون ذلك عنده لتفرّد همام،

وقد بينا ذلك في قول الترمذي: حسن يوضح كذا لا تفرد والله أعلم، أو

يكون ظنا منهما أن الحديثين اللذين أشار إليهما أبو داود أساسهما على همام،

وليس بثقة؛ لأن ذلك إنما يتأتى من سوء الحفظ وليس همام، كذلك لما بين

الحديثين من التباين، وفي مسند أنس بن مالك لأبي علي إسماعيل بن قراط

العذري: قالوا لابن جريج فقال: قال طارئ: إنما لبسَه يوما واحدا، والخاتم

فيه لغات: فتح التاء، وكسرها بالألف بعدها، ومن آخر الحروف قبلها عوضَا

عن الألف مع فتح الخاء، وختام وختم، وعلى هذا قول الأعشى وصهباء طاف

يهوديها وأبرزها وعليها ختم، قال الليلي: فأمّا الذي يختم به فبالكسر لا غير،

وجمعه خياتيم على إبدال الياء من الواو، والحديث أصل في استحباب رفع

ما فيه اسم الله تعالى عند الخلاء؛ لأن:"خاتمه عليه السلام كان نقشه؛

محمد رسول اللَّه " (1) وعلى ذلك ففيها الإِمصار، واختلفوا في الاستصحاب؛

فأباحه مالك وأحمد بشرط الستر إن كان خاتما فبإدارته قصد إلى الكف، وإن

كان درهما فبصيرة هذا الحديث/العذري هو نافع عن ابن عمر:"كان عليه

السلام يتختم في خنصره الأيمن فإذا دخل الخلاء جعل الكتاب مما يلي كفه،

وإن كان في اليسرى جعله في اليمنى" (2) وفد جاء ذلك مصرحا أيضا في

(1) صحيح. رواه ابن سعد في "الطبقات": (1/2/164، 165) ولفظه: "كأن نقش

خاتم رسول الله: محمد رسول الله". ورواه الترمذي في: 25- كتاب اللباس، باب"17"،

(ح/1747) . وقال:"حديث حسن صحيح غريب".

(2)

صحيح. وبنحوه. رواه أبو داود (ح/4226) والترمذي (ح/1744) وابن ماجة (ح/

3647) والنسائي في (الزينة، باب"45") وأحمد في"المسند"(1/204، 205)

والطبراني في"الكبير"(8/291) والمجمع (5/153) وإتحاف (7/129) وابن أبي شيبة في

"مصنفه"(8/286) والمشكاة (4391، 4392) والشمائل (48) والفتح (10/326) وابن

سعد (1/2/166) وشرح السنة (12/67، 68) والكنز (17400، 17402)

ص: 82

حديث رواه علي بن أبي طالب عند ابن طاهر، وقال فيه الجوزجاني: حديث

منكر، رفعت أيضا حديث ابن عمر وأبو حنيفة والشافعي قالا بكراهة

الاستصحاب تنزيها، والله أعلم.

وأخلاق (124، 125، 126، 129) وهامش المواهب (68، 69) والإِرواء (3/299،

301، 303) ، وكذا صححه الشيخ الألباني.

ص: 83

كراهية البول في المغتسل

حدثنا محمد بن يحيى عبد الرزاق، نا معمر عن أشعب بن عبد الله عن

الحسن عن عبد الله بن مغفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يبولن أحدكم في

مستحمه، فإنّ عامة الوسواس منه" (1) هذا حديث صحيح خرجه أبو حاتم

البستي في صحيحه (2) بلفظ:"فإن عامة الوسواس تكون منه"وقال

البخاري في تاريخه الصغير: رواه- يعني الحديث- ابن المبارك عن أشعث بن

عبد الله ورواه بعضهم عن أشعث بن جابر. انتهى. وهو يقتضي التفرقة

بينهما وليس كذلك للتذكرة بعد، وقال الحاكم (3) : صحيح على شرط

الشيخين ولم يخرجاه وفيما قاله نظر؛ لأن أشعث بن عبد الله بن جابر أبو

عبد الله الأعمى الجداني البصري الأزدي الجملي لم يخرجا له شيئا في

صحيحيهما ولا أحدهما إلا البخاري تعليقا، وسبب ذلك: الاختلاف في

حاله فابن معين وابن حبان والنسائي وغيرهم يوثقونه، وقال العقيلي: في

حديثه وهم، ذكر البرقاني قلت لم يعن الدارقطني أشعث عن الحسن قال:

هم ثلاثة يحدثون جميعا عن الحسن: أحدهم الحمراني، منسوب إلى حمران

مولى عثمان، بصري ثقة، وأشعث بن عبد الله الجداني يعتبر به، يروى عن

الحسن، وأشعث بن سوار الكوفي، يعتبر به، وهو أضعفهم، وذكره ابن

الجارود في كتاب المنتفى، وأحمد بلفظ:"ثم يتوضأ فيه"وعلل برواية شعبة

عن قتادة عن ابن مغفل موقوفا:"البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس"،

وفي لفظ: أنّ ابن مغفل سُئِلَ عن الرجل يبول في مغتسله فقال: يخاف منه

الوسواس؛/ولذلك قال بعض الحفاظ: الوقف أصح، وكذلك رواه يزيد بن

إبراهيم التستري عن قتادة عن الحسن عن ابن مغفل، أنه كان يكره البول في

(1، 2) صحيح. رواه ابن ماجة (304) وأبو داود (27) والنسائي (1/34) واحمد (5/

56) والبيهقي (1/98) وعبد الرزاق (978) والمشكاة (353) وإتحاف (2/338) وموضح

(1/240) والفتح (8/588) وابن حبان (1/274- 276) ولفظ ابن حبان:"لا يبولن

أحدكم في الماء الدائم"من حديث أبي هريرة.

(3)

صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك"(1/167، 185) وصححه.

ص: 84

المغتسل، وقال: إنه منه الوسواس، وقال الإمام أحمد فيما حكاه عنه الخلال:

إنما يروى عن الحسن مرسلا، ويشبه أن يكوَن هذا مستند بن عيسى البُوْعي في

قوله: هذا حديث أشعث وليس ذلك بعلّة؛ لأن أشعث يحتمل رفعه الحديث،

تابعه عليه غيره خلافا له وللبخاري وأحمد في قولهما لا نعرف هذا الحديث

إلا من هذا الوجه، وهو ما رواه الحاكم، وزعم أنّه على شرطهما. عن أبي

بكر بن إسحاق أبو المثنى، نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع عن سعيد بن

أبي عروبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن مغفل قال:"نهى-

أو زجر- أن يبال في المغتسل" (1) وصيغة نهي أو زجر من الصحابي محمولة

على الرفع كما هو مقرر في هذا الفن، وما ذكره أبو القاسم الكبير في

معجمه بسند لا بأس به عن الحسين بن إسحاق القشيري عن سهل بن عثمان

عن عليّ بن هاشم أولى من النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم، وأمّا

ما ذكره البيهقي من أن البخاري يروى أن أشعث هذا هو ابن جابر الجداني،

وقال معمر: أشعث بن عبد الله، قال: وقيل: هو أشعث بن عبد الله بن

جابر؛ فهذا اختلاف يدل على اضطراب الحفظ وعدم الضبط فكلام لا حاصل

تحته؛ لأن عبد الغني بن سعيد المصري قال: أشعث بن جابر الجدَّاني

البصري، وأشعث بن عبد الله البصري، وأشعث بن عبد الله بن جابر،

وأشعث الأعمى، والأشعث الأزدي، والأشعث الحميلي وأحد، وفي كلام

البيهقي المذكور آنفا أشعثان ببعض ذلك؛ فهو تارة ينسبه الراوي عنه إلى أبيه،

وتارة إلى جدّه، وتارة إلى لقبه، وتارة إلى قبيلته، وتارة إلى غير ذلك، وما

هذا سبيله فليس من الاضطراب في شيء، وأيضا فهذا اختلاف في نسبه ليس

في نفسه ولا حاله، ولو كان مثل ذلك صار لكان الذهلي وغيره أجدر بهذا،

وأيضا فقوله: فهذا الاختلاف يدل على اضطراب الحفظ، إن أراد حفظ الذين

سموه/بذلك فليس بشيء؛ لأن معمرا وابن المبارك لا يحسن فيهما هذا، وإن

أراد حفظه هو فليس بشيء أيضا لأنه هو لا يتهم في تسبب نفسه فلا يَنسبُّ

ذلك الاضطراب إليه، وسبب ذلك- والله أعلم- أنهم كانوا يحفظون ولا

(1) صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك"(1/185) وصححاه. والبيهقي في"الكبرى (1/98) .

ص: 85

يكتبون، فتارة ينشط الراوي بنسب شيخه، وتارة يقتصر على بعض نسبه، أو

يكون كثير الرواية عنه فيبدثه أو غير ذلك من الأغراض، ومثل ذلك لا يعد

اضطرابَا ولئن عددناه اضطرابَا؛ فبالنسبة إلى من أدَّى وأرَّخ لا إليه، والله أعلم،

وأمّا ما ذكره عبد الحق الأشبيلي من أنّ هذا الحديث أرسله الأشعث عن

الحسن ولم يسمعه منه ما ذكره العقيلي عن القطان قال: قيل للأشعث:

أسمعته من الحسن؟ قال: لا نوهم منه على العقيلي لم يقله، والذي فيه رواه

ابن المديني عن يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان عن الحسن: قيل لابن

ذكوان: أسمعته من الحسن؟ قال: لا، قال العقيلي: لعله سمعه من الأشعث

عنه. وابن ذكوان لا مدخل له فيما نحن بصدده وأمّا ما ذكره أبو القاسم في

الأوسط من أنّه لم يروه عن الأشعث إلَّا معمر؛ فحبذا معمر وما رواه، وهذا

هو الذي سيّره عند الترمذي غريبَا، والله أعلم، وقد روى عن جماعة من

الصحابة نحوه، منهم عمران بن حصين وعائشة وابن مسعود وأبو بكرة ورجل

له صحبة وحديثه عند أبي داود إسناده صحيح، وإن كان قد جعله بعضهم ما

لا يقدح فيه، والله أعلم، وعبد الله بن سرجس، وحديثه عندنا عن النسوي

وابن عمر وحديثه في تاريخ الموصل وسيأتي في حديث ابن يزيد الجهني:

"نهى النبي أن يبال في الماء المجتمع المستنقع"(1) ذكره أبو موسى من حديث

بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن الحرث بن زياد عنه، المستحم

المغتسل مشتق من الحميم وهو الماء المسخن لملازمة المغتسل له غالبَا، وحكى

الأزهري عن ابن الأعرابي إطلاق الحميم على البارد، فهو من الأضداد، وفي

الصحاح: الغسول الماء الذي يغتسل به وكذلك قال الله تعالى: {هذا

مغتسل بارد وشراب} (2) والمغتسل: المكان الذي يغتسل فيه، وهو المراد هنا

وعامة يعبر بها عن الجميع، وتستعمل في الأكثر توسعَا، والوسواس بالفتح،

(1) بنحوه. رواه أحمد في فالمسند" (2/288، 492، 532، 350الخطيب (4/252،

278، 9/193، 14/278) والعقيلي (1/242) ترجمة الحسن بن محمدالبلخي، قال

العقيلي: منكر الحديث، يروى الموضوعات والأحاديث المقلوبة عن الثقات، وكل أحاديثه

مناكير، الميزان (1/519)، والمجروحين (1/238) . ولفظه:"نهى النبي- عليه السلام أن

يبال في الماء الراكد"قلت: والحديث على هذا النحو ضعيف جدا.

(2)

صورة ص: آية: 42.

ص: 86

حديث النفس، فَال في المطالع هو ما/يلقيه الشيطان في القلب، وفَد يطلق

ويراد به الشيطان، وبالكسر المصدر، سمعت محمد بن يزيد سمعت علي بن

محمد الطنافسي يقول: إنّما هذا في الحفرة فأمّا القوم فلمغتسلاتهم الجصّ

والصاروج والقير، فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس به، الجص بكسر الجيم،

حكاه ثعلب، وحكى ابن عبيد في الغريب ويعقوب في الاصطلاح فتح الجيم

أيضا، وكذلك المطرز قال: ويقال له أيضا: الصُّرّاج والقَصة، زاد ابن هشام،

والفَصّ والصاروج بصاد مهملة وجيم، قال القزاز: هو الجير الذي تعمل به

الحمامات، قال الجواليقي: هو البؤرة وأخلاطها التي تصرّج بها الحياض وهو

فارسي معرب، وكذلك كله فيما حكاه وجيم؛ لأنهما لا يجتمعان في كلمة

واحدة من كلام العرب. قاله الجوهري وصاحب الجمهرة وآنفا قال أبو حنيفة:

هو شجر مرٌ قال بشر بن أبي حازم: يسومون الصلاح بذات كهف وما فيها

هم سلعٌ ونار، وقال ابن الأعرابي: يقال هذا أقير منه إذا كان أمر، وفي

الجامع القار والقير لغتان، وهو الذي يطلى به السفن، وبنحوه قاله في

الصحاح، وبنحوه ما قاله الطنافسي: قاله أبو سليمان الخطابي وأحمد بن

حنبل، وقال الترمذي: ورخص فيه، يعني إطلاق البول في المغتسل سواء كان

حدد أو غيره: ابن سيرين والقاسم بن محمد.

ص: 87

ما جاء في البول قائما

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا شريك وهشيم ووكيع عن الأعمش عن

أبي وائل عن حذيفة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها "(1)

فإنما أخرجوه في كتبهم بزيادة فدعاني، حتى كنت عند عقبة: رواه الطبراني

في الأوسط من جهة زكريا عن الشعبي عن شقيق عنه وزاد:"لم ينحت (2) ،

ثم أتى بماء فتوضأ ومسح على حقبه " وقال: لم يروه عن الشعبي إلا زكريا،

ولا عن زكريا إلَّا عيسى بن يونس، تفرد به أحمد بن سليمان الفروبي، وفي

مسند المجري تصريح الأعمش بسماعه إياه من أبي وائل، وأما قول القاسم

عبيد الله/ابن أحمد بن محمود البلخي في كتابه المسمى بـ "قبول الأخبار

معرفة الرجال " أن حديث حذيفة فاحش منكر لا نراه الأمر قبل بعض الزيادة

فيه كلام سوءٍ دليل من قائله على تحامل أو جهل، والله تعالى أعلم، ورواه في

الأوسط أحمد بن سليمان الغواري، حدثنا إسحاق بن منصور، نا أبو داود، نا

شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن الغيرة بن شعبة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى

سباطة قوم فبال قائما "قال شعبة: قال عاصم: يومئذ، وهذا الأعمش يرويه

عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، فسألت عنه منصور فحديثه عن أبي وائل

عن حذيفة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما"هذا حديث أخرجه

الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عبد الله المحرمي، نا

يونس بن محمد، نا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان وعاصم ابن

بهدله عن أبي وائل فذكره بلفظ "ففج رجليه"، وحديث أبي وائل عن

حذيفة أصح. كذا ذكره في الجامع، وفي العلل الكبير نحوه، وفيه تصريح

(1) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة باب (12) البول قائما، (ح/23) .

وابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، (13) باب"ما جاء في البول قائما، (ح/306) .

وصححه الشيخ الألباني.

قوله:"سباطة"أي كناسة.

(2)

كذا في"الأصل""ينحت".

ص: 88

بسماع قاسم من أبي وائل، قال الدارقطني: حديث أبي وائل عن المغيرة خطأ،

وبنحوه قاله البرنقي، ويشبه أن يكون قول خزيمة أولاهما وأقربهما إلى الصواب

لصحة إسناده وعدالة راويه، وأنّه لا بُعد في أن يكون أبو وائل رواه عن اثنين،

وأن الاثنين رأيا ما شاهداه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّ أبا وائل أدَّى الخبرين

عنهما فسمعه منه جماعة فإذا كل ما سمعه وقْد روى فعله ذاك صلى الله عليه وسلم جماعة

غير من تقدّم، منهم سهل بن سعد الساعدي، وحديثه عند ابن خزيمة في

صحيحه، وأبو هريرة، وفي حديثه بيان لسبب ذلك؛ وهو خرج بما نصه عند

الحاكم، وقال: رواته كلّهم ثقات، وقال البيهقي: هذا حديث صحيح./وفيما

قالاه نظر؛ لأنّ حماد بن غسان الجعفي راويه عن معن بن عيسى عن مالك

ضعف به الدارقطني هذا الحديث وكذلك البيهقي، وقال: إسناده لا يثبت،

وأبو القاسم بن عساكر في كتابه المسمّى مجموع الرغائب في أحاديث مالك

العرايب وثبت عن عمر وابنه وزيد أنّهم فعلوا ذلك. قاله ابن المنذر، وقيل

أيضا عن علي وسعيد بن عبادة وأنس، وأما قول ابن عساكر في كتاب

الأطراف: رواه ابن ماجه في الطهارة عن إسحاق عن أبي داود عن شعبة عن

عاصم عن أبي وائل وعن إسحاق بن منصور عن أبي داود عن سفيان عن

عاصم عن المغيرة به ولم يذكر أبا وائل، وتبعه على ذلك الحافظ المزني؛ فلم

أر ذلك في عدّة من نسخ ابن ماجة، وليس فيها إلا ما أسلفناه، قال الخطابي:

فعل عليه السلام ذلك ة لأنه لم يجد للقعود مكانا، وعن الشّافعي: كانت

العرب تستشفي لموضع الصلب بالبول قائما، فيرى أنه كان به إذ ذاك، وقال

عياض: كان ذلك لشغله بأمور المسلمين فلعلّه طال عليه المجلس حين حضره

البول ولم يمكنه التباعد كعادته، فأتى السباطة لدمتها، وأقام حذيفة يستره عن

الناس، وفي المعلم: كان ذلك لأنها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل

الآخر، بخلاف القعود، ومنه قول عمر: البول قائما أحصن للدبر الجلوس،

ويحتمل أنه عليه السلام فعل ذلك لبيان الجواز ورفع الحرج، وأما قول

المنذري: أو لعله كان فيها نجاستان رطبة وهي رخوة فخشى أن تتطاير عليه،

فليس ظاهر الكون قائم أجدر بهذه الخشية من القاعد، وقول حذيفة: دعاني،

ظاهر في جواز التكلم على قضاء الحاجة، وزعم بعضهم أن كلامه له

ص: 89

الإشارة لا باللفظ، اعتمادا على ما في البخاري، فأشار إلى طريق الجمع أن

قولَه/دعاني يعني بالإِشارة، وكذا قوله: لم ينجس إن كانت صحيحة فيكون

إنكارَا بالإِشارة أيضَا، أو يقول أنه جعل الإِشارة تأكيدَا للفظ والسباطة الموضع

الذي يرمى فيه التراب، ويكون بالأبنية مرففا وقيل: السباطة الكناسة نفسها،

وكانت بالمدينة، جاء ذلك، في حديث محمد بن طلحة بن مصرف عن

الأعمش، وهو مضعف لقول من قال: أن المسح على الخف لا يكون إلَّا في

سفر، وعلى ذلك بكونها للناس عامة أو لأنها كانت مواتَا مباحة، وأضيفت

للقوم على سبيل الاختصاص لا الملك، أو لأن هذا كان خاصَا به لعدم كراهية

الناس، لذلك قال الطحاوي: وقيل: إنّه فعل ذلك مرة. روى وكيع عن زائدة

عن عبد العزيز بن عبد الله عن مجاهد قال: ما قال عليه السلام في كتيب

أعجبه. انتهى حديث حذيفة، والمغيرة يردّه، ويوضح أنّه ليس في كتيب، فدلّ

على العداد.

* * *

ص: 90

‌9- باب في البول قاعدا

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى

السدي، قالوا: نا شريك عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة

قالت:"من حدّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقه، أنا رأيته يبول

قاعدا " (1) هذا حديث لما أخرجه الترمذي، فال فيه: هذا الحديث أحسن شيء

في هذا الباب وأصح، وأبو حاتم وابن حبان (2) ذكره في صحيحه بلفظ:"من

حدثكم أنه كان يبول قائما

، وكذلك أبو عوانة (3) الإِسفرايني، وأخرجه

الحاكم (4) في مستدركه من جهة سفيان عن المقدام عن أبيه:"سمعت

عائشة تقسم بالله ما رأى أحد النبي- عليه السلام يبول قائما منذ أنزل

عليه القرآن"وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي

أنهما لما اتفقا على حديث حذيفة:/"أتى سباطة قوم فبال قائما"، وجدا

حديث عائشة معارضا له، فتركاه والله أعلم. انتهى. وفيه نظر من حيث أنّ

شأن المحدث النظر إلى الإِسناد وصحته، والمتن وكونه محفوظا، وأما التعارض

فليس من شأنه، ذاك من شأن الفقهاء، ولئن سلمنا أن ذلك من شأنهم؛ فلا

تعارض بين الحديثين؛ لأنّ عائشة- رضى الله عنها- أخبرت عمّا شاهدت

من فعله عليه السلام في بيته، والبيت ليس محلا للأعداد المذكورة قبل، وعلى

رواية أبي عوانة يكون النفي ورد على صيغة الاستمرار في الأغلب، وحديث

حذيفة ليس فيه) كاف (؛ فلا يدلّ إّلا على مطلق الفعل، ولا مخالفة، والله

(1) صحيح. رواه الترمذي (12) وفي"مسند"أحمد (4/196) وكذلك رواه ابن ماجة

(ح/307) وأبو داود وقال الحافظ في الفتح (1/282) :" هو حديث صحيح، صححه

الدارقطني وغيره".

(2)

صحيح. رواه ابن حبان: (2/350) .

(3، 4) رواه أبو عوانة في"صحيحه"(1/198) والحاكم في"المستدرك"(1/181)

والبيهقي في"الكبرى"(1/1101) وأحمد في"المسند"(1/136، 192، 213) من طريق

عن سفيان به، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وفيه نظر،

فإن المقدام بن شريح وأباه لم يحتج لهما البخاري فهو على شرط مسلم وحده، وقال الذهبي

في"المهذب"(1/2/22) :"سنده صحيح".

ص: 91

أعلم. وفي قولها:"أنا رأيته " وهي لفظة تفرد بها شريك، وزعم بعضهم أيضا

أنها غير محفوظة ولئن كانت صحيحة؛ فتكون على معنى الإخبار عن الحال

المستمرة في روايتها وعلمها، ولم تطلع على ما اطلع عليهَ غيرها؛ ولهذا

عذلت مسبّبة إنكارها بروايتها، ومع ذلك فهي نافية وغيرها مثبت، وإذا تعارضا

فالمثبت مقدم، ويؤيّده ما ذكره ابن ماجة عن سفيان الثوري: الرجل أعلم بهذا

من المرأة، وأيضا فحديث عائشة إنّما جاء من جهة المقدام عن أبيه، وهما ليسا

من شرط البخاري؛ فلذلك أضرب عن ذكره، فلو قال على شرط مسلم لكان

صوابا من قوله، والله أعلم. وحدّثه سالم من ابن بنت السدي الذي في هذا

الباب، وقد رمى بالغلو في التشيّع ومنهم من ضعّفه، حدّثنا محمد بن يحيى،

ثنا عبد الرزاق، نا ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمنة عن نافع عن ابن عمر

قال:"رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال: يا عمر لا تبل قائما، فما

بلت قائما بعد هذا " (1) قال ابن حبان عند تخريج هذا الحديث في صحيحه:

عن أبي جابر بن زيد بن عبد العزيز بن درهم بن إسماعيل الجوهري، نا

إبراهيم بن موسى/الفراء ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن نافع قال:

قال عليه السلام: الحديث، أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمع من نافع هذا

الخبر. انتهى. إذا شككت في اتصاله فلا نحكم بصحته؛ لأنّ الاتصال شرط

في الصحة، والله أعلم، وحديث ابن ماجة يوضح ما شكّ فيه أبو حاتم،

وبذلك لم يصح، وكذا ذكره الكرابيسي في كتاب المدلّسين، ولفظ البزار:

"أتى وأنا أبول قائما؛ فقال: مه! قال عمر: فما بلت قائما بعدها، وقال

الترمذي: رفع هذا الحديث عبد الكريم، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه

أبو أيوب السختياني، وتكلّم فيه، وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال

عمر:"ما بلت قائما منذ أسلمت "(2) وهذا أصح من حديث عبد الكريم،

وبنحوه قاله الكرابيسي، وفي قوله: ضعفه أيوب نظر؛ وذلك أنّ المعروف

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب للطهارة، 14- باب في البول قاعدا،) رقم:

308) . في الزوائد: عبد الكريم متفق على تضعيفه. وكذا ضعفه الشيخ الألباني. كما في

ضعيف ابن ماجة. (ح/63) والمشكاة (363) والضعيفة (ح/934) .

(2)

صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك"(1/182) وصححه. وأورده الهيثمي في=

ص: 92

حاله، أنّ أيوب رماه بالكذب وقال: أحمد اشتهر به، وضربت على حديثه،

وهو سببه المتروك، وقال يحيى: ليس بشيء، قال السعدي: غير ثقة، وقال ابن

حبان: كثير الوهم فاحش الخطأ، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به، وقال

النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو داود: لم يحدث بذلك عن

أحمد أضعف من عبد الكريم، وقال الحربي: كان يتفقه ويرى الإرجاء وغيره

أوثق منه، وفي تاريخ البخاري الأوسط: قال علي: عن سفيان لم أر مثل عبد

الكريم، إن شئت قلت عن أبي، إنّما يقول سمعت، وقال ابن أبي حاتم: كان

يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وقال أبي: ضعيف الحديث: وقال أبو

زرعة: لن، وروى الأعمش عن زيد بن وهب:"أنه رأى عمر بن الخطاب

يبول قائما " (1) مخالفا لرواية الحجازيين له. قاله ابن عبدة في كتاب التفرد،

حدثنا يحيى بن الفضل، نا أبو عامر، نا عدي بن الفضل عن علي بن الحكم

عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن

يبول قائما" (2) هذا حديث ضعيف؛ لضعف/رواية عدي بن الفضل أبي

حاتم البصري مولى بني تميم، قال فيه يحيى: ليس بشيء، وسئل مرّة أخرى

أنكتب حديثه؟ قال: لا ولإِكرامه قال أبو حاتم الرازي والنسائي: متروك

الحديث، وسأل ابن أبي شيبة ابن المديني عنه فقال: كان ضعيفا وقال ابن

حسان: ظهرت المقال في حديثه بروايته؛ فبطل الاحتجاج بروايته، وترك أبو

زرعة حديثه وقال: ليس بالقوي وقال الدارقطني: متروك وقال الآجري: سئل

أبو داود عن عدي بن الفضل للقال: ضعيف، وفي موضع آخر: لا نكتب

حديثه، وأمّا قول الترمذي وفي الباب عن عمر بن بريدة قال: وحديث بريدة

في هذا غير محفوظ ففيه نظر من وجهين، الأول: إغفاله حديث جابر

وحديث أبي موسى الأشعري المذكور في تاريخ واسط من حديث علي بن

= "مجمع الزوائد"(1/206) وعزاه إلى البزار، ورجاله ثقات.

(1)

الذي وجدناه في"الكامل"لابن عدي:"5/2001" لفظه:"رأيت عمر بن الخطاب

بال ثم مسح بالتراب".

(2)

ضعيف. رواه البيهقي (1/102) وابن عدي في"الكامل"(5/2013) .

ص: 93

عاصم، نا خالد الحذاء عن ثوبة العنبري أبي المودع عن أبي بردة عن أبي

موسى قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يبول جالسا"(1) وقد جافى بين فخذيه حتى

أنّي لا أرى له من طول الجلوس، ثم قام قابضا على ثلاث وستين فقال: صب

فصاحب بني إسرائيل كان في البول أشدّ منكم، كان إذا أصاب جسده شيء

من قوله برأه" (2) وفي الباب عن عمر وبريدة، قال: وحديث بريدة في هذا

غير محفوظ ففيه نظر من وجهن:

الأول: إغفاله حديث جابر الذي حدثت به عائشة وحديث أبي هريرة:

"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما " ذكره أبو سعيد الحسن بن الحسين

السجزي المعول في فوائده نا أبو وهب جعفر بن محمد النيسابوري عبد

الله بن عمير، نا حماد بن سلمة عن أيوب عن علي عنه، الثاني: قوله في

حديث بريدة: غير محفوظ ففيه نظر من وجهين، وليس بصحيح ة لأن البزار

رواه في مسنده من طرق صحيحة: فقال: نا نصر بن علي، نا عبد الله بن

داود، نا سعيد بن عبد الله، نا عبد الله بن يريدة عن أبيه وقال: لا أعلم رواه

عن أبي بريدة إلَّا سعيد بن عبيد الله، قال الثَّقفي:/معنى قول عائشة:"ما

بال عليه السلام قائما في منزله".

* * *

(1) بنحوه. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب (14) ، (ح/309) ضعيف.

لاتفاقهم على ضعف عدي بن الفضل. قلت: والحديث ضعيف جدا. ضعفه الشيخ الألباني.

انظر: ابن ماجة (ح/309) والضعيفة (ح/938) .

(2)

ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/209) من حديث أبي موسى، وعزاه

إلى الطبراني في"الكبير"وفيه علي بن عاصم، وكان كثير الخطا والغلط، وينبه على غلطه

فلا يرجع، ويحتقر الحفاظ.

ص: 94

كراهة مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين

حدثنا هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن حبيب بن أبيِ العشرين الأوزاعي

عن يحيى بن أبي كثير حدّثني عبد الله بن أبي قتادة، أخبرني أبي أنه سمع

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح

بيمينه" (1) نا عبد الرحمن بن عمر، نا الوليد، نا الأوزاعي بإسناده نحوه. هذا

حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم من غير هذه الطريق، وهذه الطريق

حسنه للاختلاف في ابنَ أبي العشرين، وقد تقدّم ذكره قبل، والإِسناد الثاني

صحيح، وذكر ابن منده أن إسناده مجمع على صحته، ورواه أبان عن يحيى

منفردا"وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا"(2) حدثنا عليَ بن محمد، نا

وكيع، نا الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان قال: سمعت عثمان بن

عفان يقول:"ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم" (3) هذا أثر ضعيف رواه الصلت بن دينار أبي شعيب

البصري الأزدي المجنون، ويقال: الهنائي، كذا قاله عبد الغني كلاهما أنّ

الأزدي وهُناه غير مجتمعين، وليس كذلك؛ لأن هناه مجلز من الأزد، قال فيه

يحيى بن معن، ليس بشيء، وقال أحمد: متروك الحديث ترك الناس حديثه،

وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، قال: وهو كثير الغلط

متروك الحديث، وقال السعدي: ليس بقوي في الحديث، وقال ابن عدي: عامة

ما يرويه لا يبايعه الناس عليه، وكان شعبة يتكلم فيه، وقال علي بن الجنيد:

(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب"18"والأشربة باب"25" (

ومسلم في (الطهارة، ح/63) وأبو داود (ح/31) وابن ماجة (ح/310) والنسائي في

) الطهارة، باب"41"(وأحمد في"المسند" (4/383، 5/296، 309، 310، 311) .

(2)

ضعيف جدا. إتحاف السادة المتقين (7/125) والفوائد (185) والمغني عن حمل الأسفار

(2/371) وتذكرة (146) .

(3)

ضعيف جدا. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 5 ا- باب كراهة مس الذكر

باليمين والاستنجاء باليمين (ح/311) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني. كما وجدته في"ضعيف

ابن ماجة". (ح/311) وأشار إليه بالضعف.

ص: 95

متروك، وسئل عنه أبو داود فقال: ضعيف، ورواه ابن يونس في تاريخ مصر

عن العباس بن محمد البصري، نا جعفر بن مسافر، نا عبد الله بن يوسف، نا

ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المغافري أنه سمع أبا ثور الفهمي يقول: قدمت

على عثمان فذكر الحديث وفيه:"إني اختبأت عند ربي عشرا/: إنِّي لرابع

أربعة في الإِسلام، ولقد ائتمنني النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ووالله ما زنيت ولا

سرقت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا تغنّيت ولا تمنَّيت ولا مسست فرجي

بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد ختمت القرآن على عهد رسول الله

صلى الله عليه وسلم، ولا مضت لي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة منذ أسلمت، إلا أن لا

أجد في تلك الجمعة فأعتق لما بعد"وفي الأوسط: نا أحمد بن يحيى

الحلواني، نا سعيد بن سليمان عن عبد الأعلى بن أبي المساور، حدثني

محمد بن إبراهيم بن حاطب عن عبد الرحمن بن محيرز عن زيد بن أرقم

قال:"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر

"فذكر حديثا طويلا فيه أنه بعثه

إلى عثمان، وأنّ عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن زيد أتاني

فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء

شديد وأي بلاء يصيبني يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما تغنيّت ولا

تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فقال: هو ذاك " ثم قال: لا

يروى هذا الحديث عن زيد إلا بهذا الإِسناد يرويه ابن أبي المساور، ولما

ذكر ابن الحرث هذا الحديث في علله قال: ابن أبي المساور- رحمنا الله

وإيّاه- وإبراهيم بن محمد بن حاطب رجل معروف، حدّثنا يعقوب بن

حميد بن كاسب، نا المغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن رجاء المكي عن

محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه، ليستنج

بشماله " (1) هذا الحديث قطعة من الحديث الذي في الباب بعده. كذا قاله

ابن عساكر في كتاب الأطراف وغيره، وفي ذلك نظر- والله أعلم- اليمين

فعيل من اليمن، وقيل من القوّة، قال تعالى:{لأخذنا مضه باليمين} (2)

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/312) وابن عساكر في"التاريخ"(3/378) وجامع

المسانيد (2/690) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

سورة الحاقة آية: 45.

ص: 96

وقال تعطونه أي: لأخذنا بيمينه فمعناه من التصرف، وعلى الوجه الأولى قال

الشماخ: إذا ما غاية رفعت لمجد تلقاها عن آية باليمين/قال الجوهري:

وتصغيرها يميِّن بالتشديد بلا هاء، وفي الجمهرة: والجمع أيمن فيه دلالة على

المنع من مس الذكر باليمين حالة الاستنجاء ويؤخذ من مفهومه: إذا بال

أحدكم جواز مس الذكر باليمين فصاعدا حال التحلي، فإن وجد ما يقتضى

المنع منه قبل ولا فجواز المس باق بحاله، وقول عثمان- رضى الله عنه-

ليس من هذه البَينة العلة، وفيه المنع من الاستنجاء باليمين، فمن العلماء من

حمله على التنزيه ويحتاج إلى دليل، ومنهم من حمله على التحريم، وهو

الصحيح، وبه قال أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعين، وأهل الظاهر.

ص: 97

‌10- باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة

حدثنا محمد بن الصباح، نا سفيان بن عيينة عن ابن عجلان عن

القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما

أنا لكم مثل الوالد، أعلمكم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها،

وأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة، ونهى أن يستطيب:-، الرجل

بيمينه" (1) هذا حديث خرجه أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه من حديث

ابن عيينة، روى مسلم (2) في صحيحه منه قطعة عن أحمد بن الحسن بن

خراش، نا عمر بن عبد الوهاب، نا يزيد بن زريع، نا روح عن سهيل عن

القعقاع:"إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها"

وتتبع ذلك عليه أبو الفضل الهروي الحافظ فزعم أن هذا الحديث أخطأ فيه

عمر بن عبد الوهاب على يزيد؛ لأنه حديث يعرف نا ابن عجلان عن

القعقاع، وليصر لسهيل في هذا الإِسناد أصل، ورواه ابن بسطام عن يزيد على

الصواب عن روح عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح بطوله، وحديث

عمر مختصر، وبنحوه قاله أبو الحسن الدارقطني في كتاب البيع، وقال في

موضع آخر: وكان في الكتاب مما تركه عن عمر الرياحي/عن يزيد بن رُوج

عن روح بن القاسم عن سهيل عن القعقاع

الحديث، وهو مما وهم فيه

الرياحي، وخالفه أمية فرواه عن يزيد عن روح عن ابن عجلان وهو الصواب،

قال ابن مسعود: إذا لم يروه عن كتابه بحال فلا معنى لنسبته إلى الوهم، وفي

ذلك نظر من حيث الموجودين كتاب مسلم لم يتركه بحال، وأخرجه أبو

حاتم بن حبان في صحيحه، كما رواه ابن ماجة مطولا عن أبي يعلي، نا

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/7) والنسائي في"الصغرى"(1/38) وابن ماجة (ح/313)

والدارمي (1/173) وللبيهقي (1/91، 102، 112) وابن خزيمة (80) وابن حبان (128)

وشفيع (53) وتلخيص (1/102) والمشكاة (347) وإتحاف (1/336، 8/593، 9/94)

وحبيب (1/29) ومعاني (4/223) والكنز (272027) وابن عساكر في"التاريخ" (3/

378) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/60) ونصب الراية (2/102) .

98

ص: 98

إبراهيم بن الحجاج السامري، نا وهيب وأبو يعلي، نا محمد بن يحيى بن

سعيد العلاف، حدثني أبي، ونا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا الوليد بن

شجاع، نا ابن وهب، أخبرني حيوة والليث كلهم عن ابن عجلان، وكلهم

وفي مسند الحميدي، التصريح بسماع ابن عيينة من ابن عجلان، ورواه ابن

خزيمة في صحيحه عن بندار، نا يحيى بن سعيد، نا ابن عجلان به مطولا،

ورواه الدارقطني بلفظ:"نهى أن يستنجى بروث أو عظم"(1) وقال: إنهما

لا يطهران، ثم قال: إسناده صحيح، وفيه نظر؛ لأن في إسناده بن رجاء، وقد

أثبتنا عليه الثناء غير واحد، حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، نا يحيى بن سعيد

القطان عن زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن

عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود عن عبد الله بن مسعود:"أتى رسول

الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ

الحجرين وألقى الروثة وقال: هي رجس"هذا حديث خرجه البخاري (2) عن

أبي نعيم: نا زهرة

فذكره وقد ردّ بكونه مدلسا؛ لأنّ الشعبي من العلماء

لم يصرح إسماعه أو لم يأتيه ضيع ذلك المعتبرة، ذكر الحاكم أن علي بن

المديني قال: كان هو وإسرائيل قولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول ليس أبو

عبيدة حدّثنا، ولكن الحديث في الاستنجاء بالأحجار، قال ابن الشاذكوني: ما

سمعت بتدليس قط لم أعجب من هذا ولا أخفى، قال أبو عبيدة: لم يحدثني

ذلك عبد الرحمن عن الأسود عن فلان ولم يقل حدثني فجاز الحديث وسار،

ولما ذكره الإِسماعيلي في صحيحه قال: كان يحيى بن سعيد لا يرضى أن

نأخذ عن زهير عن أبي إسحاق ما ليس بسماع لأبي إسحاق، ففي هذا

إشعار، بل تصريح الحديث ويزيد ذلك وضوحا ما علّقه البخاري بصيغة الجزم

في بعض النسخ المعتبرة حديث أبي نعيم فقال: وقال إبراهيم بن يوسف عن

(1) صحيح. رواه الدارقطني (1/56) وفتح الباري (1/256) . وكذا أسنده الحافظ ابن

حجر.

(2)

صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب (21") وابن ماجة (ح/314) وأحمد في

"المسند"(1/427) وابن خزيمة (70) ومعاني الآثار (1/122) والطبراني في"الكبير" (10/

74-

76) والعقيلي (214) والترمذي (ح/17) .

ص: 99

أبيه عن إسحاق: عن أبي إسحاق: حدثني عبد الرحمن مُدَّةَ ويوسف معروف

بالسماع من جدّه أبي إسحاق، وإن كان البيهقي أبَى ذلك فم كتاب

الخلافيات فغير مسلم له، ويؤيّده ما ذكره الكرابيسي في كتاب المدلسين أبو

إسحاق يقول في هذا مرة: حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله، ومرّة:

حدثني علقمة عن عبد الله ومرة: حدثني أبو عبيدة، ومرة يقول: ابن أبو

عبيدة حدثنى جدي عبد الرحمن بن الأسود عن عبد الله وأما ابن أبي حاتم

فذكر عن أبى زرعة أنهم اختلفوا في هذا والصحيح عندي حديث أبى

عبيدة، وأما الترمذي فإنه ذكر أن أصح الروايات في هذا عنده حديث

إسرائيل، وبنَّ ابن أبي الربيع عن أبي عبيدة عن عبد الله فال: لأن إسرائيل

أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس وزهير

عن أبي إسحاق: ليس بذاك لأن سماعه منه بآخره سمعت أحمد بن الحسن

سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي

أن لا تسمعه من غيرهما إلَّا حديث إسحاق، ورواه زكريا عن أبي زائدة عن

أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله، وهذا حديث به

اضطراب، قال: وسألت الدارمي أي الروايات في هذا عن أبي إسحاق أصح

فلم يقضِ فيه بشيء، وسألت محمد عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه

رأى حديث زهير أشبه فوضعه في جامعه، وأبو عبيدة لم يسمع من ثانية، ولا

زهير يعرف اسمه، وفيما قاله نظر من تأخره الأول:/بترجيحه حديث إسرائيل

على حديث زهير،/وهو معارض بما حكاه الإِسماعيلي عن القطان وما حكاه

الآجري، وسألت أبا داود عن زهير وإسماعيل عن أبي إسحاق فقال: زهير

فوق إسرائيل بكثير، وهذا يصلح أن يكون تامَا في الردّ على الترمذي؛ لتقديمه

إسرائيل على زهير في أبي إسحاق، ورأيت جماعة بايعوا زهيرَا فيما حكاه

الدارقطني، وهم: أبو حماد الحنفي وأبو مريم وشريك وزكريا ابن أبي زائدة في

رواية، وربما تقدم من متابعة يوسف له أيضَا من عند البخاري المصرّح فيها

بسماع أبي إسحاق من عبد الرحمن، وبأن زهيرا لم يختلف عليه، وبأن

إسرائيل بايع زهيرا كما أسلفناه.

ص: 100

الثاني: اعتماده على متابعة من ابن الربيع، وهي كل شيء لسنده ما يرمى

به من الضعف ومكاره الحديث، وإضرابه عن متابعة الثوري ويونس وهما هما.

الثالث: قوله أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، وإذا كان كذلك فكيف

يرجح على حديث متصل؟ الظاهر على انه قد قيل إنه سمع من أبيه فيما ذكر

صالح بن أحمد: نا ابن المديني، سمعت سلم بن قتيبة قال: قلت لشعبة: إن

البُري يحدثنا عن أبي إسحاق أنه سمع أبا عبيدة يحدّث أنه سمع ابن مسعود

فقال: أوَكان أبو عبيدة ابن سبع سنين، وجعل يقرب جهته. انتهى أن سمع

فلا ينكر سماعه من الغرباء جماعة المحدثين، فكيف من الآباء، وذكر ابن أبي

حاتم أنه سأل أباه عن أبي عبيدة هل سمع من أبيه؟ قال: فقال أنه لم يسمع

منه بل كان عبد الرحمن بن زياد يروى عن أبي مالك الأشجعي عن عبد

الله بن أبي هند عن أبي عبيدة، قال: خرجت مع أبي لصلاة الصبح، قال

أبي: ما أدري ما هذا، وما أدري ابن أبي هند من هو، وفي المعجم الأوسط

للطبراني من حديث زياد بن سعيد عن أبي الزبير: حدثني يوسف بن غياث

الكوفي، سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول:"أنه كان

مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر إلى مكة،/وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى الغائط

أبعد" (1) وسيأتي ذكره عن قريب.

الرابع: قوله في أبي عبيدة: ولا يعرف اسمه، وفي العلل الكبير عزا ذلك

إلى البخاري ولير كذلك؛ لأن مسلم بن الحجاج سماه في كتاب الكنى

عامرا.

الخامس: إخراجه عن الحديث المتصل إلى منقطع على زعمه، وهو ما رواه

الدارقطني عن حماد بن أحمد الدقاق، نا محمد بق عيسى بن حبان، نا

الحسن بن قيعة، نا يونس ابن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الأحوص عن

ابن مسعود

فذكره.

السادس: اقتصاره على ما ذكر من التعليل والاضطراب، وأضرب عن

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، (ح/333) . وكذا صححه للشْيخ

الألباني.

ص: 101

أشياء لان كان ذلك غير لازم له، وإنما ذكرناه تبرعا وإعلاما إذا تم غير ما ذكر

من غير أتباع تتبع، بل ليستدل على عرضنا في ذلك فمن ذلك ما رواه حماد

بن زريق وورقاء ومعمر وسليمان بن قدم وإبراهيم الصانع وعبد الكبير بن دينار

وأبو شيبة ومحمد بن جابر وشعبة بن الحجاج وصياح بن يحيى المزني وروح بن

مسافر عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبيد الله، قال أبو الحسن الدارقطني

وكذلك قال إسحاق الأزرق عن شريك، وروى عن علي بن صالح بن حي بن

مالك بن مغول، ويوسف بن أبي إسحاق بن خديج بن معاوية، وشريك عن

أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله، ورواه أبو سنان عن أبي إسحاق عن

هبيرة ابن مريم عن عبد الله بزيادة"فتوضأ"ولم يمسّ بما قال الطبراني في

الأوسط: لم يروه عن أبي إسحاق عن هبيرة إلَّا أبو سنان، تفرد به الصباح بن

محارب ولفظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان:"لا تستنجوا بالعظام والروث"(1)

ورواه من حديث أبي كريب، نا حفص، نا داود عن الشعبي عن علقمة

السابع قوله: رواه زكريا إلى آخره جازما بذلك، وليس هو كذلك، بل روى

عنه على وجوه، فمنها برواية عبد الرحمن والأزرق وإسماعيل بن أبان، وهي

المذكورة عند الترمذي، ومنها رواية سهيل عن يحمى عنه عن أبي إسحاق عن

عبد الرحمن/ولم ينسه، قال منجاب: عن يحيى عنه عن أبيه عن أبي

إسحاق عن الأسود، لم يذكر بين أبي إسحاق والأسود أحدا.

الثامن: رواية إسرائيل المرجحة عنده مضطربة أيضا بما ذكره عباد القطراني

وخالد العبد عنه عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، ورواه الحميدي عن

ابن عيينة عنه عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد، وإنما منعنا من

استقصاء الخلاف على أبي إسحاق في هذا قول الدارقطني: اختلف عنه فيه

اختلافا شديدا- والله تعالى أعلم- والذي يظهر من ذلك أنّ أبا إسحاق

سمعه من جماعة، ولكنه كان غالبا إنّما يحدثهم به عن أبي عبيدة، فلما نشط

قال: ليس أبو عبيدة الذي هو في ذهنكم أبي حدّثكم عنه حدّثني وحده،

ولكن عبد الرحمن، يؤيد ذلك مجيئه عنه أيضا عن غير المذكورين أو يكون

(1) تاريخ أصبهان: (2/349) .

ص: 102

من باب السلب والإيجاب نفي حديث أبي عبيدة، وثبت حديث عبد الرحمن

وهذا امتد على الترمذي لكونه نفي لحديث ابنه هو، ولعلّ البخاري لم ير ذلك

متعارضا وجعلهما إسنادين، وأسانيدهما قدّمناه، وروى الدارقطني في سننه

هذا الحديث من جهة أبي إسحاق عن علقمة، وفي أخره"ائتني بحجر"وفي

لفظ"ائتني"بغيرها، وهو منقطع فيما بين أبي إسحاق وعلقمة، ورواه ابن

خزيمة في صحيحه من طريق سالم بن أبي إسحاق وأبي عبيدة وزهير بزيادة

تستفاد، فقال: نا سعيد عبد الله بن سعيد الأشج زياد بن الحسن بن فرات عن

أبيه عن جدّه عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبيد الله، قال:

"أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز، فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فوجدت له حجر ورثة

حمار فأمسك الحجرين وطرح الروثة وقال: هي رجس".

قال الإمام أبو بكر: فيه بيان على أن أرواث الحمر نجسة، وإذا كانت

أرواث الحمَر نجسة بحكم النبي- عليه السلام كان حكم جميع أرواث ما

لا يؤكل لحومها من ذوات الأربع مثل أرواث الحمر. حدثنا محمد بن

الصباح، نا سفيان بن عيينة، ونا علي بن محمد، نا وكيع جميعا عن هشام/

بن عروة عن ابن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت، قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم:"في الاستنجاء ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع"(1) كذا صرّح به

ابن المديني في الأحاديث المعلّلة التي رواها عنه الباغندي. ذكره البستي في

كتاب الثقات، وعمارة روى أيضَا الزهري وأبو جعفر الحمصي ومحمد بن

زرارة، وغيرهم، ذكره العجلي فقال: تابعي ثقة، ولما ذكر البستي الثقات قال:

توفى بالرقة سنة خمس ومائة، وهو ابن خصر وسبعين سنة، ووثقه النسائي

أيضا، قال ابن سعد: توفى بالمدينة، وفي أوّل كلام الواقدي عبد المالك،

وكان ثقة قليل الحديث، ومع ذلك فقد علل بالاضطراب والاختلاف في

إسناده، وذلك أنّ الجمع الغفير رووه عن هشام، تقدّم منهم عبيدة بن سليمان

وابن نمير وأبو أسامة ومحمد بن بشر العبدي وعبد الرحمن بن سليمان

وعلي بن مسهر والمفضل بن فضالة، واختلف على ابن عيينة؛ فرواه كرواية

(1) صحيح، شرح المعاني (1/121) واستذكار (1/230) .

ص: 103

الجماعة أولا، وقيل: عنه عن هشام عن أبيِ وجزة عن عمارة، ورواه أبو

معاوية الضرير عن هشام عن عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن خزيمة،

ورواه إسماعيل بن عياش عن هشام عن أبيه عن عمارة، وهشام من أهل

الحجاز؛ فرواية إسماعيل عنه غير معتبرة والصواب الأول. قاله ابن المديني،

والبخاري، وأبو زرعة الرازي. حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن

الأعمش، وثنا محمد بن بشار، نا عبد الرحمن، نا سفيان عن منصور،

والأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سليمان قال: قال له

بعض المشركين وهم يستهزؤون به: إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى

المخراة قال: أجل:"أمرنا أن لا نستقبل القبلة، وأن لا نستنجي بأيماننا، ولا

ينبغي بدون ثلاثة أحجار" (1) وفي حديث ابن رياح عنه:"نهى أن نستنجي

بعظم حائل، أو روثة أو جمجمة " (2) قال الدارقطني: علي لا يثبت سماعه

من ابن مسعود، وعن ابن مسعود، أن النبي- عليه السلام/قال:"ائتني

أتمسح به، ولا تقربني حائلا ولا رجيعا" (3) وفي إسناده ليث (4) بن أبي سليم

ليس فيها رجيع ولا عظم، ورواه مسلم (5) في صحيحه بلفظ:"لقد نهانا أن

نستقبل القبلة بغائط وبول"وقال فيه الترمذي (6) : حسن صحيح، وذكر

الحربي في كتاب العلل: كان سفيان إذا حكى عن اثنين حكى أصح الروايتين،

وإنهما قد فعل ذلك في غير حديث منها عن الأعمش ومنصور عن إبراهيم،

فذكر حديث سليمان فقال: عن سليمان، وأما منصور كان يقول: عن رجل

من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كذا حكاه عن منصور وجرير وشعبة وزائدة وإسرائيل

(1) حسن. رواه أبو داود (ح/10) وابن ماجة (ح/319، 325) وأحمد في"المسند" (4/

210) وابن عدي في"الكامل"(1/247) والفتح (1/246) وابن أبي شيبة (1/151) .

قلت: والحديث حسن لتعدد طرقه، وقد حسنه الترمذي في"سننه: ح/16".

(2)

رواه الدارقطني: (1/56) .

(3)

رواه أحمد (1/426) والطبراني (10/75) .

(4)

ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته في"المغنى للضعفاء للإمام الذهبي".

(5، 6) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/57) والترمذي (ح/16) وقال:"هذا حديث حسن

صحيح"وأبو داود (ح/7) والنسائي في"الصغرى" (1/38) ومعاني (4/232) .

ص: 104

وفضيل، فلما جمع سفيان بين الأعمش ومنصور استحيا أن يقول عن سليمان،

وزعم أبو عيسى أن في الباب عن عائشة وخزيمة وجابر وخلاد بن السائب عن

أبيه، وفي ذلك نظر؛ لإِغفاله حديث أبي هريرة المتقدم أيضا، وحديث سعد

المتقدّم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أو لا يجبر أحدكم حجرين للمسربة"(1) رواه

الدارقطني وقال: إسناده حسن، وحديث ابن عباس مرفوعا:"ثم استطب

بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاثة حفنات من تراب" (2) رواه الدارقطني

وضعفه، وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام:"الاستنجاء بثلاثة أحجار"

ذكره البيهقي (3) ، وضعفه بعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، وحديث أبي

أيوب من عند ابن عبد البر مرفوعا:"إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة

أحجار، فإن ذلك مطهرة" (4) وحديث أبي أمامة من عند أبي أحمد مرفوعا:

"يطهر المؤمن بثلاثة أحجار"(5) وضعفه، وحديث الزبير بن العوام، نا أبو بكر

المقدسي ابن الحمدي إجازة، نا شهدة، نا ابن خزيمة نا البزار، نا الإِسماعيلي،

أخبرني موسى بن جعفر بن محمد بن التاجر، نا يعقوب بن سفيان، نا

سليمان بن سلمة، نا معه ابن نمير معروف بن حذاء الخبري عن أبيه عن عمه

ابن ربيعة، نا الزبير بن العوام قال:"صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم/صلاة الصبح في

مسجد المدينة، فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلي وفد الجن الليلة" (6) فذكر

الحديث، وفيه:"فأخذ عطفا وروثة فضمّ إحداهما بالأخرى"، وروى فيه:

"فملهما ثم قال:"هذا طعام الجن"قال الزبير: فلا يحل لأحد سمع هذا

(1) حسن. رواه الدارقطني في"سننه": (1/56) .

(2)

ضعيف. المصدر السابق.

(3)

ضعيف. شفع (54) والحلية (5/150) وابن أبي شيبة في"مصنفه"(1/154) .

(4)

صحيح. الجوامع: (1521) والمجمع (1/211) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"

و"الأوسط"ورجاله موثوقون، إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلا ولا جرحا.

وأ حمد (3/336) وأزهر (31) .

(5)

ضعيف. رواه الطبراني في"الكبير"(8/248) والميزان (5359) .

قلت: وضعفه لضعف عبيد الله بن زحر.

(6)

رواه أحمد: (1/449) . قلت: ولقد رأيته موضوعا في"لسان الميزان"ولم أجد له أصلا.

ص: 105

الحديث أن يستنجى بعظم ولا روثة ولا بغير حديث عقبة بن عامر:"نهى

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي" (1) .

وكان ابن جص في الحنتم، وكان إذا اكتحل اكتحل وبزاد إذا استنجى

استجمر وندا رواه أحمد بن جابر بن أبي عبيدة في مسند عقبة من حديث

تراجعه عن الحرث بن يزيد عن عبد الرحمن بن يزيد عنه، وحديث خلاد بن

السائب الذي أشار إليه، ذكره ابن زبير في معجمه عن البغوي، نا هدبة نا

حماد بن الجعد، نا قتادة، نا خلاد، ويتحقق بهذا: الاستنجاء بالتراب، وهو

في حديث رواه عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:"رأيت

عمر بن الخطاب، قال: فمسح ذكره بالتراب ثم التفت إلينا وقال: هكذا

علمناه ذكره أبِو القاسم في الأوسط وقال: لم يروه عن أبي ليلى إلا عطاء

ولا عن عطاء الأروح بن جناح. تفرد به الوليد بن مسلم.

وفي حديث أبي الدرداء:"أن النبي صلى الله عليه وسلم مال إلى راحلته، ثم أخذ نواة

فوضعها على ذكره ثلاث مرات" (2) ذكره الخطيب أبو بكر بسند ضعيف،

وحديث ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة يرفعه: " يطهر

المؤمن ثلاثة أحجار والماء والطين" (3) وحديث جابر بن عبد الله مرفوعا:

"نهانا أن نمسح بحطم أو بحرة"(4) وحديث ابن عمر عن ابن يونس من

جهة ابن لهيعة عن عبد الله بن زهرة عن عبد الله بن معيب عنه مرفوعا:

"إذا بال الرجل ومسح ذكره، فإن خرج منه شيء فلا وضوء عليه، (5) قال

أبو سعيد: الصحيح من هذا موقوف على ابن عمر وهو/في جامع عبد

الرزاق مسندا، والله أعلم، وحديث سراقة بن مالك بن جعشم وقال له رجل:

(1) حسن. رواه أبو داود (ح/3865) وأحمد في"المسند"(4/156، 430، 444، 446)

والتمهيد (5/273) وذهبي في"الطب"(126) والحاكم في"المستدرك"(4/213، 416)

وصححاه والطبراني (17/338، 18/122، 127، 141، 149، 152، 207) ومعاني

(4/321) وكحال (1/150) .

(2)

حديث ضعيف كما ذكر السارح.

(3، 4) تقدَما في هذا الباب.

(5)

موقوف على ابن عمر- من مسند عبد الرزاق كما ذكر الشّارح.

ص: 106

ما بقى إلا أن نعلمكم التغوط فقال

الحديث. ذكره أبو القاسم في الأوسط

من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني، نا رباح بن زيد عن معمر عن

سليمان بن الفضل بن رشدين عنه، وحديث رويفع من حديث يرفعه:"من

استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا منه برئ"رواه أبو داود (1) زاد في

التفرد: نا ابن وهب نا الفضل بن عياش أنّ شنتمر بن بيان أخبره بهذا الحديث

أيضا عن سالم الجيشاني أنه سمع عبد الله بن عمرو يذكر ذلك، وهو معه

بواسط يحضر باب اليون قوله:"نهى عليه السلام أن يستطيب بيمينه"(2)

قال الخطابي: أي لا يستنج بها، وسمى الاستنجاء استطابة لما فيه من إزالة

النجاسة، يقال: استطاب الرجل إذا استنجى، فهو مستطيب، وأطاب فهو

مطبب، ومعنى الطب هنا الطهارة، ومنه قوله تعالى:{سلام عليكم طبتم}

ونهى عليه السلام أن تسمى المدينة يثرب، قال الهروي: لأن الثرب فساد،

وأمر أن تسمى طائة يعني طيبة. ذكره بعض العلماء، ولا أدري من الهروي ا

إن كان اللغوي فليس هذا منه، ولعله بعض الفقهاء أصحاب الهروي، قال

الخطابي: يعني طهارة التربة؛ فدلّ ذلك على جواز التيمم بالسباخ، وقيل:

معناه الطهارة من النفاق، وأصل الاستنجاء: الذهاب إلى النجوة من الأرض

الساجة، وهي المرتفعة، كانوا يسترون بها إذا قعدوا للتخلي فقيل من هذا

استنجى الرجل: أي أزال النجو عن بدنه، والنجو كناية عن الحدث كما كنى

عنه بالغائط، وقيل: أصله نزع الشيء من موضعه وتخليه منه، وقال المديني:

يقال أنجى إذا أزال النجو وهو الغدرة عن مقعدته يقال شرب دواء ما أنجاه أي

ما أسهل بطنه ونجا ينجو استطلق بطنه ونجا وأنجا قضى حاجته من النجو،

وقيل: الاستنجاء: الاستخراج؛ لنجو البطن وهو ما يخرج منه، وقيل: هو/من

نجوت الشجر وأنجيتها إذا قطعتها كاله قطع الأذى عن نفسه بالحجارة، وقال

(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 19- باب ما ينهى عنه أن يستنجى

به، (ح/36) ولفظه:"يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي؛ فأخبر الناس أنه من عقد

لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة! أو عظم، فإنَ محمدا صلى الله عليه وسلم منه برئ".

(2)

صحيح. رواه الهروي: (1/180) .

قلت: وللحديث طرق صحيحة، ومتابعات بنحوه يرقى به الحديث إلى درجة الصحيح.

ص: 107

القزّاز: نجا ينجو إذا حدث وحكى أن فلان أنجا من الغائط وهو المطمئن من

الأرض، والغوط أشد انخفاضا من الغائط، والجمع أغواط، وهذا غوط بطين

أي بعيد، ويجمع على غيطان أيضا، قال أبو سليمان: وفي نهيه عليه السلام

عن الروث والرمة دليل على أن أغبان الحجارة غير مختص بهذا المعنى، دون

غيرها من الأشياء التي تعمل عمل الحجارة وذلك أنه لما أمر بالأحجار ثم

أستثنى الروث والرمة فخصهما بالنهي؛ دلّ على أنّ ماعدا الروث والرمة دخل

في الإِباحة، وأنّ الاستنجاء به جائز، خلافا لأهل الطاهر، وفيه نظر؛ لأن في

حديث أبي هريرة مرفوعا:"نهي أن نستنجي بعظم أو روث، وقال إنهما لا

يطهران" (1) قال القزاز مسلم عند تحريمه: إسناده صحيح، والرمة العظام البالية،

وقد جاء مصرحا به في حديث ابن مسعود من كتاب الدارقطني، ويقال إنها

سميت بذلك لأنّ الإِبل ترمها أي تأكلها، قال القزاز: تتلمح بها قال لبيد:

والنمس أن تعرمني ثقة خلفا بعد الممات فإني كنت أَنيرُ، قال الجوهري:

والجمع رمم ورمامة، تقول: رم العظم يرم بالكسر رمة أي بلى فهو رميم،

وفي الأساس الرم الرمامة يرون الرفات فال: ظلّت عليه تعلك الرمَامَاه أي:

تتملح به، والرجيع الروث، وهو اسم يقع على كلِّ حدث، وسمى بذلك لأنه

رجع عن الحالة الأولى، وكذا كلّ شيء حدث أو فعل إذا ردّد فهو رجيع،

فعيل بمعنى مفعول، قال الشاعر:

وفلاة كأنها طهر ترس ليس إلَّا الرجيع فيها علاق

وذكر الزمخشري الرجيع في ثلث المجاز، وبنحوه قال ابن دريد، وذكر

الزمخشري بيت الأعشى المستشهد به دليلا على وسع البعير رجيعه أي جرّته.

قال ابن سليمان الخراءة مكسورة الخاء ممدودة الألف، أدب التخَلِي/القعود

عند الحاجة، وأكثر الرواة يفتحون الخاء ولا يمدون الألف فيعمش معناه، وقد

اختلف، فعند مالك وأبي حنيفة هو سنة، وقال الشافعي وأحمد: هو فرض،

واختلفوا في العدد، فأبو حنيفة ومالك إلى الإنقاء، والشافعي وأحمد لا يجوز

عندهما الاقتصار على ما دون الثلاثة، وإن حصل الانفكاك بدونها، وأجاز

(1) صحيح. رواه الدارقطني في"سننه": (1/56) .

ص: 108

الطبري الاستنجاء بكل طاهر ونجس، وكره الاستنجاء بأشياء، منها: العظم

والرجيع والروث والطعام والفحم والزجاج والورق والخزف وورق الشجر

والشعر والجلد؛ لمجيء ذلك في الحديث.

ص: 109

‌11- باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول

حدثنا محمد بن رمح المصري، نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب

سمع عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي يقول: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم

يقول:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم مستقبل القبلة"وأنا أول من حدث

الناس بذلك (1) هذا حديث ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرجه ابن

حبان في صحيحه (2) عن أبي خليفة، نا أبو الوليد، نا عوف ابن أبي سليمان

عن زياد المصري، نا أبي قال: دخلنا على عبد الله بن الحرث بن جن في يوم

جمعة، فدعا بطست وقال للجارية: استريني فسترته، فبال فيه ثم قال:

"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي أن يبول أحدكم فيها مستقبل القبلة" وأشار

الطبراني في الأوسط (3) إلى أنه لم يروه عن غوث إلا ابن الوليد، وفي مسند

ابن وهب: أخبرني الليث وعمرو بن الحرث وابن لهيعة عن يزيد، قال لي

الليث، وحدثني به سهل بن ثعلبة عنه قال ابن لهيعة: وحدثنيه سليمان بن

يزيد الحضرمي عنه. انتهى حديثه عن سليمان. ذكره أبو جعفر أحمد بن منيع

المروزودي في مسنده عن الحسن بن موسى عنه مختصرا، ولما ذكره ابن

يونس في تاريخه من جهة نا محمد بن حمد أبو قرّة الدعيني، نا عثمان بن

صالح، نا ابن لهيعة عن يزيد عن جبلة بن نافع الفهمي من بني شبابة،/

سمعت عبد الله بن الحرث يذكره قال: وهو حديث معلول. انتهى. وفيه نظر؛

وذلك أنه إذا أراد سنده ساقه فهو بلا شك معلول، نا ابن لهيعة، وإن أراد علّة

أخرى فكان ينبغي له بيانها مع خلو الباب من علّة ظاهرة، وإن أراد كون

الليث اختلف عليه فيه بأن رواه عن قول اللخمي، نا أبو الوليد ليث، نا يزيد

وسهل بن ثعلبة، وتارة أفرده فرواه عن سهل عن عبد الله كما أسلفناه؛ فليس

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/317) وأحمد في فالمسند" (4/191) وابن أبي شيبة في

"المصنف"(1/151) ونصب الراية (2/103) والحلية (7/326) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. رواه ابن حبان: (1/274- 276) .

(3)

صحيح. رواه الطبراني ومعاني (4/223) . وللحديث متابعة صحيحه رواه أبو داود في

"سننه"من حديث ابن عمر.

ص: 110

بعلّة أيضا لمتابعة عمرو بن الحرث له على تصريح يزيد، فسمّاه وناهيك به

جلالة ونبلا، وذكره أبو القاسم في الكبير وفي الأوسط، زاد الحسن بن

ثوبان: وقال لم يروه عن الحسن إلّا رشدين بن سعيد، وأيضا فذكر اللخمي

في مسنده، نا أبو الوليد، نا ليث، نا يزيد وثعلبة جميعا، فيشبه أن يكون

تصحف على الناسخ، والنسخة التي نقلت منها في غاية الجودة، فالله أعلم،

فليس ما أورده قادحا في إسناد حديث الباب إذ فيه دخول جبلة بن يزيد

وعبد الله لتصريح يزيد فيه بالسماع من عبد الله، ويكون على هذا سمعه منه

وعنه؛ فأولا سمعه من جبلة فحدّث به، ثم أنّه رأى عبد الله فسأله عما سمعه

عنه فحدّثه به؛ فحصل لهْ نزول ثم علّق، وهذا شأن جماعة من العلماء. حدثنا

أبو الطاهر أحمد بن عمر بن السرح، نا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن

ابن شهاب عن عطاء بن يزيد أنّه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول:"نهى

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل الذي يذهب الغائط القبلة، وقال: شرقوا أو غربوا "

هذا حديث أخرجه الأئمة الستة (1) في كتبهم بزيادة:"فقدمنا الشام فوجدنا

مراحيض قد بنيت قبل الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل"وفي

مسلم: " ببول أو غائط " وفي النسائي من حديث مالك عن إسحاق عن

رافع بن إسحاق سمع أبا أيوب وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع

بهذه الكرابيس وقد قال عليه السلام

الحديث، ولعل قائلا يقول: سفيان

والزهري يدلسان، ولم يصرحا هنا بالسماع فلعلّ ذلك يكون علّة، فيقال له:

ليس كما توهمت؛ لأن كلا من المذكورين صرح بسماعه؛ ففي البخاري: نا

مسند الحميدي بتصريح الزهري بسماعه إياه من عطاء، وكذا عن أبي أيوب،

وفي مسلم: عن يحيى قلت/لابن عيينة: سمعت الزهري يذكر عن عطاء

الحديث فقال: نعم، وقال الترمذي: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا

الباب وأصح، وفي بعض النسخ: وأصح صحيح وقد رواه عن أبي أيوب غير

عطاء جماعة منهم عمر بن نافع وثابت ابن إسحاق وأبو الأحوص وعبد

(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/144، 394) ومسلم في (الطهارة، ح/59)

وأبو داود (ح/9) والترمذي (ح/8) وقال الترمذي: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا

الباب وأصح. والنسائي في (الطهارة باب"19، 60") وابن ماجة (ح/318) .

ص: 111

الرحمن بن يزيد بن حارثة، وعن الزهري جماعة منهم: ابن أبي ذئب، ومعمر،

ويونس، وابن أخي الزهري، والنعمان بن راشد، وسليمان بن كثير، وعبد

الرحمن بن إسحاق، وأبو سعيد الجزيئي، ومحمد بن أبي حفصة، ويزيد بن

أبي حبيب، وعقيل، واختلف عنه؛ فرواه سلامة ورشدين عنه عن الزهري عن

أبيّ بن كعب، ووهم، والصواب أبي أيوب وإبراهيم بن سعد رواه عن الزهري

عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة عن أبي أيوب، وقيل: عن إبراهيم عن

الزهري عن رجل عن أبي أيوب، وأرسله نافع عن ابن عمر الجمحي عن رجل

عن الزهري عن النبي- عليه السلام قال الشيخ أبو الحسن: والقول قول ابن

عيينة ومن تابعه، قال الحميدي في مسنده أن نافعا الجمحي لا يسنده، فقال

لكن احفظه واسنده كما قلت لك، ثم قال إن المكين إنما أخذوا كتابا جاء

به حميد الأعرج من الشام قد كتب عن الزهري، فوقع إلى ابن جُرحة، فكان

المكيون يعرضون ذلك الكتاب على ابن شهاب؛ فا ما نحن فإنما كنا نسمع من

فيه. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال،

حدثني عمر بن يحيى المازني عن أبي زيد مولى الثّعلبيين عن معقل بن أبي

معقل الأسدي وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

نستقبل القبلة ببول أو غالط" (1) وهذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهل بحال

راوية- أي زيد- فإنه لم يروه عنه غير عمرو، وينضم إلى جهالته انقطاع

حديثه فيما ذكره العسكري من أن معقلا مات في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان

كذلك فيكون حديثه عنه منقطعا؛ لا نه ليس صحابيا، ولا ذكره منهم أحد؛

فتعيّن انقطاع حديثه هذا على قول ابن سرور يكون متصلا؛/لأنه قال أف

توفى على عهد معاوية والقلبُ إلى قولنا أميل؛ لأن الطبراني ذكر عن عمرو بن

يحيى أن معقلا حدّثه مصرّحا بذلك صريح ما قاله من وفاته زمن معاوية،

والله أعلم.

قاله مسلم في كتاب الوجدان من تأليفه، وفيه نظر من حيث أن يحيى بن

عمرو حدّث عنه فيما ذكره الطبراني في الكبير، ولم أر أحدا فيما اعلم تعرّض

(1) تقدَم في هذا الباب.

ص: 112

لمعرفة حاله، وسمّاه أبو داود: الوليد. وذكره أبو عمرو في كتاب الاستغناء، في

القسم الذين تعرف أسماؤهم، ولم يسمه، ويشبه أن يكون ذلك وهما من فعله

وليس بكاف سكوت أبي داود عنه، وقوله: أبو زيد مولى ثعلبة، وكذا سكوت

المنذري عنه، وأما قول ابن نافع عن معقل بن أبي الهيثم الأسدي، كذا وقع

وأما هو معقل بن أبي معقل؛ فليس بشيء؛ لأنه معقل بن الهيثم، وابن أبي

معقل، وابن أبي الهيثم، وابن أم معقل، وكلّه واحد.

كذا ذكره ابن عبد البر وابن بنت منيع وغيرهما، وعند ابن سعد علّة

ثالثة؛ وهي أنّ الحديث من رواية معقل عن أبي الهيثم لا عن معقل، بيان ذلك

قوله: نا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، نا مسلم، حدثني عبد الرحيم بن

عمرو عن عمرو بن يحيى عن أبي زيد عن معقل عن أبيِ الهيثم الأسدي-

حليف لهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى أن تستقبل

القبلة ببول وغائط".

قال مسلم: ثم لقيت عمرو بن يحيى فحدثني هذا الحديث عن معقل عن

أبي الهيثم، فهذا كما ترى معقل هنا، وإن كانت له صحبة ولأبيه، فهو هنا

بمنزلة تابع، والله أعلم. حدثنا أبو العباس بن الوليد الدمشقي، نا مروان بن

محمد، نا ابن لهيعة عن أبي الزهير عن جابر بن عبد الله قال: حدّثني أبو

سعيد الخدري:"أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تستقبل القبلة

بغائط أو بول ".

حدثنا أبو سعد عمير بن مرداس البُزونفي، نا عبد الرحمن بن إبراهيم أبو

عيسى لم المقري، نا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر سمع أبا سعيد يقول:

" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن أشرب قائما، أو أبول مستقبل القبلة (1) كذا هو

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/3717) والترمذي (ح/1879) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأحمد في"المسند"(2/327، 3/45، 118، 214) وشرح السنة (11/380) والمشكاة (4266)

وكحال (1/110) وأصفهان (2/346) والعقيلي (1/152) ترجمة: بكر ابن بكار أبو عمرو القرشي.

قال العقيلي:"هذا حديث يحيى بن سعيد القطان، حدثناه عبد بن أحمد عن أبيه عن يحيى، لم يأت به

غيره ولا يحفظ عن شعبة إلا عنه؛ والحديث فما نفسه صحيح".

ص: 113

في عدة نسخ، وفي بعض النسخ هذه زيادة من القطان، ويشتبه أن يكون

صحيحا؛ لأني لم أر هذا الحديث مذكورا في شيء من كتب الأطراف، ولا

رأيت عمرا مذكورا في شرح ابن ماجة، وكذا المقري، والله أعلم.

هذا حديث إسناده ضعيف بابن لهيعة؛ فإنه ممن تكلّم فيه جماعة من

العلماء فيهم كثرة، ومع ذلك فقد قال فيه الثوري: عنده الأصول وعندنا

الفروع، وقال ابن مهدي: وددت أنّي سمعت منه خمس مائة حديث، وأنّي

غرمت مالي، وحدث ابن وهب بحديث فقال: من حدثك هذا؟ فقال:

حدّثني به والله الصادق البار ابن لهيعة، وروى البخاري في صحيحه:

حدّثنا

قال فيه: عن ابن فلان ولم يُسَمِّه فذكر أبو نعيم الحافظ والإِسماعيلي

وصاحب الأطراف أنّه ابن لهيعة، وفي الروض الأنف أبي زيد- رحمه الله

تعالى- كان مالك يحسن القول فيه ويقول: إن الذي رَوَّى عنه حديث

العريان في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب بن لهيعة ويقال: بل

الثقة ابن وهب حدّثه به عن ابن لهيعة، وذكر الآجري عن أبي داود: سمعت

أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة مصر في كثرة حديثه وضبطه

وإتقانه، وحدّث عنه أحمد، يحدّث كثيرا، وإنّما ذكرت هذا؛ لأنّ، البيهقي

في كتاب السنن الكبير أهل الحديث أجمعوا على ضعفه وأي إجماع مع

مخالفة هؤلاء فتأمّله، والله أعلم، وفي حديث الدُوْنَقِي بضم الدال وبعد

الساكنة نون بعدها قاف، نسبة إلى دونق: قرية من بناوند شيء ليس في

الحديث الأول، على تقدير أن يكون من الأصل، أو كان من غيره فلا ضير

والله أعلم، وذلك أن عمرو بن علي قال عن ابن لهيعة: احترقت كتبه؛ فمن

كتب عنه/قبل ذلك مثل ابن المبارك والمصري أصح ممن كتب عنه بعد

الاحتراق، وبنحوه قاله ابن سعد، وهذه كتب من حديث المقري، والله أعلم،

وخرجه الترمذي في العلل من حديث ابن لهيعة عن أبي الزببر عن جابر عن

ص: 114

أبي قتادة:"أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة"(1)، وقال: حديث

جابر عن قتادة غير محفوظ، وفيه ردّ لما قاله أبو عيسى أثر حديث أبي أيوب،

وفي الباب عن عبد الله بن الحرث ومعقل وأبي أمامة وأبي هريرة وسهل بن

حنيف، وكذا حديث أبي سعيد المتقدّم، وحديث عبد الله بن مسعود المذكور

عند ابن عدي، وحديث ابن عباس المذكور عند الدارقطني، وضعفه، وقد تقدّم

فريبا، وحديث سراقة بن مالك بن جعشم سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فضعفه

ولفظه:"إذا أتى أحدكم البراز"قليل من قبله لديه، وحديث عمرو بن

العجلان عن ابن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى أن يستقبل شيء من الغائط

والبول"ولفظ البرقي في تاريخه: " نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول "

وضعفه بعبد الله بن نافع، وحديث رجل من الأنصار ذكره ابن زهير في

مسنده ففَال: أخبرني مالك وابن سمعان عن نافع عن رجل من الأنصار عن

أبيه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

"الحديث، وفي السنن لأبي قرّة ذكر مالك

عن نافع أنَّ رجلا من الأنصار أخبره وحديث أنس بن مالك:"نهى رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل مستقبل القبلة" رواه أبو زكريا الموصلي في تاريخه

عن سليمان بن عرَّام الحناط ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقا، ثنا ضمرة بن

ربيعة عن عباد بن كثبِر الثقفي عن الأعرج عنه، أمّا حديث أبي هريرة فذكره

أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمهَ

عنه إلَّا إبراهيم، ولا عن إبراهيم إلَّا القاسم/تفرد به أحمد بن حرب،

وحديث زيد بن العجلان: " سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهي أن يبال مستقبل القبلة".

(1) بنحوه. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 3- باب ما يقول الرجل إذا دخل

الخلاء، (ح/11) ولفظه:

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان، عن مروان

الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أنَاخَ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا ابا

عبد الرحمن، أليس قد نُهِي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نُهِي عن ذلك في الفضاء، فإذا

ص: 115

ذكره المنذر بن حرب بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه قال:

سمعت عبد الله بن زيد يحدّث عبد الله بن عمر عن أبيه أبي العجلان

فذكره والرخصة في ذلك في الكنيف، وإباحته دون الصحاري، وحدّثنا

هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن حبيب، نا الأوزاعي، حدثني يحيى بن

سعيد الأنصاري، ثنا أبو بكر بن خلاف، ثنا محمد بن يحيى قالا: نا يزيد بن

هارون، أنا يحيى بن سعيد أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره أن عمّه بن

حبان أخبره أن عبد الله بن عمر قال: يقول أناس: إذا قعدت للغائط فلا

تستقبل القبلة، لقد ظهرت يوما من الأيام على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله

صلى الله عليه وسلم قاعدا على لبنتين مستقبل بيت المقدس، هذا حديث يزيد بن هارون خرج

هذا الحديث الا لمة الستة (1) في كتبهم، وفي حديث البخاري:"فلا تستقبل

القبلة، ولا بيت المقدس"وفي حديث أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن

ابن عجلان عن محمد بن يحيى عبيد الله بن موسى عن عيسى الخياط عن

نافع عن ابن عمر قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنيف مستقبل القبلة"(2)

قال عيسى: فقلت ذلك للشعبي فقال: صدق ابن عمر، وصدق أبو هريرة؛

أما قول أبي هريرة فقال في الصحراء، وأما قوله:"لا تستقبلوا القبلة ولا

تستدبروها" (3) وا ما قول ابن عمر: فإن الكنيف ليس فيه قبلة، فاستقبل حيث

شئت، وفي رواية أبي حاتم عن عبيد الله فإنه كيف صنع للنبي صلى الله عليه وسلم

كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.

قلت: والحديث حسن على قاعدة أبي داود.

(1)

صحيح، رواه البخاري في (الوضوء باب"1") والترمذي (9) وحسنه ومسلم في

(الطهارة ح/59) وابن ماجة (319) والدارمي في الوضوء باب"6"ومالك في (القبلة،

ح/2) وأحمد (3/12،6/406) .

(2)

صحيح. رواه ابن عبد البر في"التمهيد"(1/308) والخطب في"الفقيه والمتفقه"(1/223) .

(3)

ضعيف. رواه الزبيدي في"إتحاف السادة المتقين"(6/447) 0 انظر: طرقه في الضعيفة

(ح/944) .

ص: 116

لأقبله ونستقبل به حيث شئت. هذا حديث ضعفه الدارقطني لما أخرجه لقيس

الخياط ولفظه:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فلما دخلت إليه إذا هو في

المخرج على لبنتين مستقبل القبلة" (1) وقال البزار:/لا نعلم أحدا رواه عن

نافع الأعمشي، وهو عيسى بن أبي بسرة الخياط بخاء مهملة وبخاء معجمة

وبالتاء المثناة والمرصدة، وفرق البخاري بينهما، فقال عيسى: ميسرة، وبعده

قال: عيسى بن أبي عيسى، والصواب الأول وعلى ذلك قالا أبو عبد الرحمن

وأبو الحسن فيه أحمد: لا يساوي شيئا، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال

النسائي: متروك، وفال ابن حبان: كان سيئ الحفظ والفهم واستحق الترك،

وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يحتج به، وقال الحربي: كان به

ضعف، وقال البخاري: ضعفه علي، وقال الفلاس: متروك الحديث وأحاديثه

منكرة، وقال ابن عدي: أحاديثه لا يتابع عليها متنا ولا إسنادا، وبنحوه قاله

ابن طاهر، وقال يعقوب الفسوي: يرغب عنه، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة

وعلي بن محمد وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي

الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة، قالت:"ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوا استقبلوا

بفروجكم القبلة (2) ". هذا حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه وإرساله

ووصله، أما إسناده فصحيح ظاهر الاتصال؛ لأنّ خالد بن أبي الصلت عامل

عمر بن عبد العزيز روى عنه أيضا المنزل بن فضالة وسلم بن حسين وواصل

مولى أبي عيينة وذكره ابن حبان في كتاب"الثقات"وذكر بحشل في

تاريخ واسط عن سفيان بن حسن، نا خالد بن أبي الصلت، وكان عينا

لعمر بن عبد العزيز بواسط، وكان له غبة فأتيناه يوما وقد مرض وإذا بحته

(1) ضعيف. كما هو ظاهر في كلام السارح.

(2)

بنحوه. رواه ابن السني في"عمل اليوم والليلة"(1/151) .

ص: 117

شاذ كونية خلفه من متاع ربّ فعلنا له في ذلك فقال: إنكم كنتم تأتون وأنا

في حال دنيا، وأنكم الآن أتيتموني وأنا في حال الآخرة، ثم ذكر روايته عن

جماعة من الأئمة، وليس في الإِسنادين سماع، وأما عِرَاك فظاهر حديثه

الاتصال؛ لأن مسلما وأبا حاتم البستي خرجاه في صحيحيهما/وهو منهما

محمول على السماع حتى يقوم الدليل على خلافه، دليلهما قول الإِمام أحمد

عند تخريجه حديث عائشة: أحسن ما روى في الرخصة حديث عراك وإن

كان مرسلا، فإن مخرجه حسن، كذا ذكره في المسند، وفال ابن أبي حاتم

في المراسيل: كتب إلي علي بن أبي طاهر، نا أحمد بن محمد بن هانئ

سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد- يعني هذا- فقال مرسل، فقلت

له: عراك بن مالك، قال: سمعت عائشة فأنكره، وقال عراك: من أين

سمع عائشة؟ ما له ولعائشة؟ إنّما يروى عن عروة هذا خطأ، قال لي: من

روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال غير واحد عن

خالد ليس فيه سمعت، وقال غير وأحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه

سمعت، فليس فيه تصريح بعدم سماعه منها، إنّما فيه أنّه روى عن عروة عنها،

وذلك لا يدل على عدم سماعه منها، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد وعصر

واحد، فسماعه منها ممكن جائز، وقد صرح بذلك بعض الأئمة، وهو ابن

سرور- رحمه الله تعالى- وقد تابع حماد ابن سلمة على قوله عن عراك:

سمعت عائشة علي بن عاصم عند الدارقطني، وأما قول الترمذي في العلل

الكبير: حدّثنا علي بن حَشْرَمْ، ثنا عيسى بن يرمز عن أبي عبد الله عن الحذاء

عن عراك به، ثم قال: رواه حماد بن سلمة عن خالد عن ابن أبي الصلت

قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة فقال عراك

الحديث، فسألت محمد عن هذا الحديث فقال: هذا حديث فيه اضطراب،

والصحيح عن عائشة قولها، وقال أبو محمد بن حزم، هذا حديث ساقط؛

ص: 118

لأن راوية خالد بن أبي الصلت، وهو مجهول لا يدري من هو، وأخطأ فيه

عبد الرزاق فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن أبي الصلت، وهذا أبطل

وأبطل؛ لأن الحذاء لم يدرك كثيرا، وفيه نظر من وجوه، الأول: الاضطراب

المشار إليه، لم يشبه أن يكون قول حماد ولعلي بن عاصم أولى؛ لكونهم أثبتوا

زيادة أحل بها أبو عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب، والزيادة من الثقة

مقبولة، والمثبت أولى من النافي.

الثاني: قول أبي محِمد أنّ خالد بن أبي الصلت مجهول لا يدري من

هو، قد بينا قبل حاله، وأنها غير مجهولة.

الثالث: قوله كثير بن أبي الصلت، لم يذكره الحذاء وهو لا شيء؛ لأنّ

البخاري وابن أبي حاتم ومن بعدهم كابن عبد البر وغيره أما سموه كثير بن

الصلت لا ابن أبي الصلت، فإن كان ذلك من خطأ ابن عبد الرزاق فكان

ينبغي أن ينبّه عليه، وما أظنّ ذلك؛ لتقريره له وعدم إنكاره عليه ذلك، أو لعلّه

يكون تصحف على الناسخ.

الرابع: إنكاره سماع خالد منه إن كان ذلك بتوقيت فسمعا وطاعة، ولكنه لم

أر أحدا قاله غيره، وإن كان استبعادا لذلك من حيث أنّ كثيرا ولد في زمنه عليه

السلام، فغير مستبعد بسماعه منه لرؤيته أنس بن مالك، وبذلك نا تابعياً، حدّثنا

محمد بن بشار، نا وهب بن جرير، نا أبي، سمعنا محمد بن إسحاق يحدّث عن

أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل القبلة

ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" (1) ثنا محمد بن بشار عن وهب به

ولفظه:"نهاني أن أستقبل القبلة"(2) الحديث، هذا حديث خرجه ابن

خزيمة عن ابن بشار شيخ أبي عبد الله وخرجه أيضا الحاكم، وزعم أنه صحيح

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/13) والترمذي (ح/9) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وابن ماجة (325) . ورواه البزار والحاكم وابن الجارود وابن خزيمة، وحسنه البزار، وصححه

ابن السكن، كما نقله الشوكاني.

(2)

انظر:"الحاشية السابقة".

ص: 119

على شرط مسلم، وليس كما زعم، فإن أبان بن صالح لم يخرج مسلم له شيئاً،

وأخرجه ابن حبان في كتابه الصحيح وفيه فأنكره تصريح ابن إسحاق بسماعه

وأبان فقال: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عمرو الناقد، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا

أبي عن ابن إسحاق، حدثني أبان

فذكره وقال/الترمذي: هذا حديث

حسن غريب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة:"أنه

رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة"ثنا بذلك قتيبة، ثنا ابن لهيعة بهذا،

وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة، ولما رواه البزار في

مسنده عن محمد بن المثنى، نا وهب قال: وهذا حديث لا نعلمه يروى عن

جابر بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإِسناد.

وذكر الترمذي في كتاب الخلافيات، وأبو الحسن الخزرجي في تقريب

المدارك، وعبد الحق الأشبيلي أنّ الترمذي سأل البخاري عن حديث أبي

إسحاق هذا فقال: هذا حديث صحيح، كذا ذكروه عنه، والذي في نسختي

من كتاب العلل: سألت محمد عن هذا الحديث فقال: رواه غير واحد عن

ابن إسحاق فقط، فلعله سقط منها شيء، والله أعلم، وأما قول ابن حزم حين

أراد ردّه: حديث جابر رواه أبان بن صالح، وليس بالمشهور، فقول مردود لما

أسلفنا من توثيقه عند من صحح حديثه؛ ولقول ابن معين وأبي زرعة وابن أبي

حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي فيه ثقة، وقال النسائي: كان حاكمَا بالمدينة

وليس به بأس، روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وأسامة بن زيد، وابن جريج،

وإسحاق بن أبي فروة، وعقيل، ومحمد الجندي، وابن عجلان، وموسى بن

عبيدة، والحرث بن يعقوب والد عمرو، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وسعد بن

كعب بن عجرة، وعبد الله بن أبي جعفر، وهو مرسي جَدّ مَشْكَدْ- أنّه

استشهد به محمد في باب عمرة القضاء من كتاب المغازي، وفال ابن سعد:

ولد سنة ستين ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومائة،/زاد يعقوب الفسوي

في تاريخه: وهو ابن خمس وخمسين سنة، فأي شهرة أرفع من هذه وأعلى

وأما قول أبي عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: ردّ أحمد بن حنبل حديث

جابر، قال أبو عمرو وليس حديث جابر بصحيح، فيعرج عليه؛ لأنّ أبان بن

صالح راويه ضعيف ففيه نظر من وجهين: الأول: قوله ردّه أحمد، إن أراد الردّ

ص: 120

الصناعي فغير صحيح؛ لثبوته في مسنده، لم يضرب عليه ولم ننزعه منه

كعادته فيما ليس بصحيح عنده أو مردود. بين ذلك أبو موسى المديني عنه

الباني تضعيفه الحديث بأبان، وهو قول لا سلف له فيما أعلم، وقد عارضه

قول من أسلفناه، وقول الترمذي حسن غريب وهما لفظان متغايران، اللهم إلَّا

أن يكون بعض رواته تفرد به، وإن كان كذلك فما أظنه غير أبان، والله تعالى

أعلم، وفي كتاب الطبراني لذلك حديث عمار، ثنا محمد بن الفضل

السقطي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس عن جعفر بن الزبير عن

القاسم بن عثمان قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي عن

الغائط أو بول"ولما ذكر الترمذي الأحاديث التي في الباب أغفل حديث ابن

عمر:"إنّما نهى عن ذلك في الفضاء؛ فإذا كان بينك وبين القبلة شيء

يسترك فلا بأس"رواه أبو داود (1) ؛ وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط

البخاري، وأما قول ابن حزم: النهي عن ذلك يعني عن استقبال القدس لن

يصح، فمردود أسلفناه من عند البخاري، فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس،

البيت جمعه بيوت وأبيات. وأبابيت عن سيبويه، مثل فول وأقاويل، وتصغيره

بييت ويبيت أيضا بكسر أوله، والعامة تقول وبت. قاله الجوهري: وقوله:

طهرت بمعنى علوت، وفي بعض الروايات: رقيت بمعنى صعدت، وهو العلو،

قال تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه} وقال: {ومعارج عليها

يظهرون} أي: يعلون قال النابغة:

بلغنا السماء بابَا وجدودتا وأنّا لنبغي فوق ذلك مطهرا

وأما اللبن مثل كلم، فواحدة لبنة ككلمة، ويقال: لبنة ولبن مثل لبدة

ولبد، قال القزاز: وهو المضروب مرتعَا وكل شيء ربعته فقد لبنته، والملبن هو

الفاعل، وهو الذي يضرب به، وأما الكنيف فهو البناء الذي انتزع من الدور

لقضاء الحاجة، وأصله، الشيء الساتر؛ لأنه يستر ويغطى، أو لأنه كنف في

أستر النواحي؛ ولذلك قالوا للترس كنيفَا، قال لبيدو لا الحجف الكنيف،

ولحظيرة الإِبل كذلك حديث:"أن أبا بكر- رضى الله عنه- أشرف من

(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب"4"، (ح/11) .

ص: 121

كيف" (1) أي ستر، قال القزاز: ومنه قولهم: اذهب في كف الله أي ستره

وحياطته واختلف الناس في تأويل ما اختلف من الأخبار في استقبال القبلة

واستدبارها؛ فذهب أبو أيوب إلى تعميم النهي والتسوية في ذلك بين

الصحاري والأبنية، وهو مذهب الثوري والكوفي وأحمد وأبي ثور، واحتجوا

بحديث أبي أيوب وغيره من الأحاديث الواردة في النهي، وفيها كثرة، وقال

آخرون: جائز استقبال القبلة وبيت المقدس على كلّ حال، واستدبارهما في

الصحاري والبيوت، قال الخطابي. وذهب ابن عمر إلى أنّ النهي إنّما جاء في

الصحاري؛ ولذلك قاله الشعبي، وإليه ذهب مالك والشافعي، وقد قيل أن

المعنى في ذلك هو أنَّ الفضاء من الأرض موضع للصلاة، ومتعبد للملائكة

والإنس والجن؛ ففاعل ذلك مستهدف الأمصار وهو في الأبنية مأمون، وفي

قولَ ابن عمر جمع بين الأخبار والله أعلم.

(1) قوله:"كيف"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

ص: 122

‌12- الاستبراء بعد البول

/حدثنا علي بن محمد، نا وكيع ح، ونا محمد بن يحيى، نا أبو نعيم

قالا: ثنا ربيعة بن صالح عن عيسى بن يزداد اليماني عن أبيه قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم:"إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرّات"(1) ثنا علي بن عبد

العزيز، نا أبو نعيم، ثنا ربيعة، فذكر نحوه، هذا حديث اختلف في اتصاله

وإرساله وضعفه؛ فمن قال أنه مرسل أبو حاتم الرازي، قال: ليس ليزداد

صحبة، وقال في موضع أَخر: لا يصح حديثه وليس لأبيه صحبة، ومنهم من

يدخله في المسند، وهو وأبوه مجهولان، وفي الاستيعاب: يزداد والد عيسى،

فقال: له صحبة وأكثرهم لا يعرفون ولم يرو عنه غير ابنه عيسى، وهو حديث

يدور على ربيعة، وقال البخاري: ليس حديثه بالقائم، وقال يحيى بن معين:

لا تعرف عيسى هذا ولا أبوه، وقال أبو عمرو: هو تحامل، وفيما قاله نظر؛ لأن

أبا حاتم ذكر ذلك أيضا كما قدمنا فذهب ما توهمه، وذكره أبو داود في

المراسيل، وقال ابن عساكر: يزداد ويقال ازداد مولى يحمر بن زيان اليماني عن

النبي صلى الله عليه وسلم ويقال هو مرسل، وبنحوه قاله عبد الحق، وزاد: لا يصح حديثه،

وقرر ذلك أبو الحسن بن القطان، وأما قول أبي عمر: لم يرو عنه غير ابنه

عيسى فغير صحيح؛ وذلك أن البخاري ذكر أن عكرمة روى عنه أيضا، وقال:

ويزداد صاحب عدن، وأما الإِمام أحمد فإنه ذكر حديثه في مسنده اعتمادا

على أنّ له صحبة، وأن حاله جيدة عنده، وكذلك العسكري قال: وهو من

أهل اليمامة ذكر بعضهم في حديثه أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أيضا أن

يحيى بن العلاء قال ذلك، وكذلك ذكره البغوي في معجم الصحابة، وابن

حبان البستي قال سأله فقال له صحبة: إلا أني لست احتج بحديثه بخبر

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/326) وأحمد في"المسند"(4/347) والمجمع (1/207)

وعزاه إلى أحمد، وفيه عيسى بن يزداد تكلم فيه انه مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات.

وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص ح/413) .

انظر: (الضعيفة: ح/1621) .

ص: 123

ربيعة بن صالح. كذا قال في ربيعة، وهو جند يماني روى عنه جماعة، وقال

فيه ابن معين: صويلح الحديث، وقال الفلاس: جائز الحديث مع الضعف الذي

فيه وقال السعدي: هما مثله، وقال ابن عدي: رّبما يهم في بعض/ما يرويه،

وأرجو أنَّ حديثه صالح لا بأس به، وروى مسلم له مقرونا عن محمد بن أبي

حفصة، وتكلّم فيه غير واحد، قال ابن عساكر: رواه جماعة عن ربيعة، يعني

حديث يزداد- منهم عيسى بن يونس، وابن عيينة، والمعتمر بن سليمان، وأبو

أحمد التبريزي، وإسماعيل بن عباس، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق، وابن

أبى عاصم وروح بن عبادة، وفي كتاب العسكري، وابن هراشة، ووكيع

وزكريا بن إسحاق، ثنا يحيى بن علي، ثنا نصر بن داود، نا أبو نعيم، نا

زمعة، عن عيسى بن يزداد عن أبيه قال:"كان النبي- عليه السلام إذا

بال نثر ذكره ثلاث مرات" (1) قال العسكري: كذا جعله من فعله عليه

السلام، وغيره يجعله من قوله، وفي حديث قرة بن خالد ويحيى بن العلاء

عنه:"إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرات فإن ذلك يكفيه"، وهذا

يدل على اضطراب وعدم ضبط، وأما قول ابن معين في عيسى: لا يعرف، إن

أراد عيينة فمردود برواية رفعة وزكريا ابن إسحاق المكي عنه، وإن أراد حاله،

فكذلك لذكره في كتاب الثقات؛ لابن حبان والنثر بالياء المثناه: جذب في

جفوة. قاله في الصحاح من قال ولم تمسّ. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو

أسامة عن عبد الله بن يحيى التوأم عن ابن أبي مليكة عن أمه عن عائشة

قالت:"انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يبول فاتبعه عمر بماء فقال: ما هذا يا عمر؟

قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة" (2) بوّب أبو

داود على هذا الحديث باب في الاستبراء، ورده الشيخ زكي الدين بقوله: التي

روته عن عائشة مجهولة، وليس ذلك بشيء لأمرين؛ الأول: ليس كما زعم

في أم ابن أبي مليكة غير أنهَّا مجهولة، بل معروفة الاسم والحال والنسب،

(1) قوله:"قال"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 2- باب من بال ولم يمس ماء،

(ح/327) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر له: ضعيف ابن ماجة. (ح/70) ، والمشكاة

(368)

، وضعيف أبي داود (ح/9) .

ص: 124

ذكرها الزبير وابن حبان في كتاب الثقات أن اسمها ميمونة بنت الوليد بن

أبي حسين بن الحرث بن عامر بن يزيد/بن عبد مناف، روى عنها ابنها عن

عائشة- يعني هذا الحديث- نا محمد بن إسحاق بن خزيمة نا قتيبة بن

سعيد، نا التوأم به، وفي كتاب الوجدان للقشتري: وابن أبي مليكة تفرد عن

أمه وعنه التوأم، وخالفه أيوب السختياني.

والثاني: إغفاله النظر في حال التوأم، وهو مختلف، وابن معين يضعفه، وكذلك

النسائي، وابن حبان يوثقه، ولذلك قال فيه بعض الحفاظ، هذا حديث غريب، وفي

الباب حديث ابن مسعود:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ولم يمس ماء"رواه الطبراني في

الأوسط من حديث أبي إسحاق عن هبيرة بن مريم عنه، وقال: لم يروه عن أبي إسحاق

إلا أبو سنان. تفرد به الصباح بن محارب، وأما حديث الباب يدل على إتيان عمر بالماء

كان لقصد أن يستعمله عليه السلام، مع الحجارة علما من عمر لطلوبيّه ذلك، وإنما يتم

كون هذا المعنى مرادا في الخبر حمل الوضوء منه غلى الغسل لغة، وعلى هذا يكون الخبر

دليلا على استحباب الجمع بين الماء والحجر، ووبخه الدلالة قوله عليه السلام:"ما أمرت

كلما بلت أن أتوضأ" (1) فيقتض فعل الوضوء المذكور في بعض الحالات بطريق

المفهوم، وذلك مفيد للندب، وقد يدلّ على الجمع حديث أورده البزار في مسنده من

رواية محمد بن عبد العزيز الزهري، وهو ضعيف لا يحتج به.

عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله-عن ابن عباس نزلت هذه الآية في

أهل قباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّا

نتبع الحجارة الماء " (2) وقد وردت أحاديث مخالفة الظاهر لحديث الباب تأتي

بعد، وفيه دليل على أن مداومته عليه السلام على الفعل يقتضي وجوب ذلك

الفعل علينا، ما لم يقم دليل على عدم الوجوب والله أعلم.

(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/42) وابن ماجة (ح/327) وأحمد في"المسند"(6/95)

وابن أبي شيبة في"مصنفه (1/54) والمجمع (1/242) والمشكاة (368) وإتحاف (2/

348) . وانظر: مصادر الشيخ الألباني في الحديث السابق.

(2)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 22- باب في الاستنجاء بالماء، (ح/

44) . قلت: وحسنه على القاعدة الأصولية التي صنف عليها أبو داود كتابهَ"السنن".

ص: 125

‌13- النهي عن الخلاء على قارعة الطريق

حدثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، أخبرني نافع بن يزيد/عن

حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه قال: كان معاذ بن جبل يتحدّث

ما لم يسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما يسمعوه فبلغ عبد الله بن

عمرو ما يتحدّث به، فقال: والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا،

وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء، فبلغ ذلك معاذ، فقال معاذ: يا أبا

عبد الله بن عمرو إنّ التكذيب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يفاق بما من قاله، لقد

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد،

والظل، وقارعة الطريق" (1) هذا حديث خرجه أبو عبد الله في مسنده من

رواية سعيد بن الحكم عن نافع، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه إنّما تفرد

مسلم بحديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة:"اتقوا الملاعن"(2) وفيما قاله

نظر ذلك أنّ هذا حديث منقطع، فيه رجل مجهول، بيانه: ما ذكره أبو داود

عن إسحاق بن سويد وعمر بن الخطاب عن سعيد بن الحكم، نا نافع

فذكره مختصرا. كذا هو في رواية اللؤلؤي، وابن داسر وفي رواية ابن العبد

في كتاب التفرد له زيادة عليهما، وهي قال أبو داود: ليس هذا بمتصل- يعني

بذلك انقطاع ما بين أبي سعيد ومعاذ- وبنحوه قال الأشبيلي أيضا وابن

القطان، وهو رجل مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله ولا من روى عنه غير

حيوة، ولا روى هو عن غير معاذ ولا رواه عن حيوة غير نافع ومع ذلك فله

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/26) وابن ماجة (ح/328) وأحمد في"المسند" (1/

299) وللترغيب (8/134) والمجمع (1/204) وعزاه إلى أحمد، وفيه ابن لهيعة ورجل لم

يسم. والحاكم في"المستدرك"(1/167) وتلخيص (1/105) والمشكاة (355) وصححه

للشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/100، 101) .

(2)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 14- باب المواضع التي نهى النبي

صلى الله عليه وسلم عن البول فيها، (ح/25)

قوله:"الملاعن"جمع ملعنة، وهي المفعلة التي يلعن بها فاعلها، كأنها مظنة اللعن، ومحل

ص: 126

شاهد جيّد من حديث سراقة بن مالك أورده حرب بن إسماعيل الكرماني في

مسائله عن عباس العنبري، أورد عبد الرزاق: نا معمر عن سفيان بن الفضل

عن أبي رشد بن الجندي أنّ سراقة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا

أتى أحدكم من الغائط/فليكرم قبلة الله ولا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس

اللعن: الطل والماء وقارعة الطريق

" (1) الحديث.

أبو رشد بن زياد وثقَهُ ابن حبان وسماك، ووثقه النسائي والبستي ووثقه من

في الإِسناد والبستي وثقة ومن في الإِسناد لا يسأل عنهم قال: ورواه حبان بن

موسى عن ابن المبارك عنَ معمر موقوفا، وشاهده ذكره عبد الله بن زهير في

مسنده عن ابن لهيعة عن عبد الله بن لهيعة السبائي: أخبرني من سمع ابن

عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: وما

الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في

طريق، أو نقع ماء"وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده من حديث ابن المبارك

عن ابن لهيعة قال: حدّث ابن هبيرة، وهو: وإن كان مرسلا لإيهام الراوي

عن ابن عباس؛ فإنّ الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كلَ وجه، وابن

لهيعة مختلف في حاله كما أسلفناه، وقد زال تدليسه بتصريحه بالسماع،

وأيضا فابن المبارك حمل عنه قبل احتراق كتبه، وكان يتبع أصوله، وشاهد آخر

ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث ميمون بن مهران عن ابن عمر:

"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة"ا (2) "ونهى أن يتخلى

(1) نصب الراية: (2/103) .

وبنحوه. أورده الا لباني فما"ضعيف الجامع: ص 40 ح 277- 86) وعزاه إلى ابن عدي

في"الكامل" و"البيهقي"في"المعرفة"من حديث طاوس مرسلا.

وقالا:"ضعيف".

وتمام لفظه:"إذا أتى أحدكم البراز، فليكرم قبلة الله، فلا يستقبلها ولا يستدبرها، ثُمَ

ليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أوْ ثلاث حثيات من تراب، ثم ليقل: الحمد لله

الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعُني".

(2)

ضعيف جدا. رواه أبو نعيم في:"الحلية": (4/93) والعقيلي في"الضعفاء"(3/458) .

وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 866، ح/6007) .

ص: 127

على ضفة نهر جاري" (1) قال: لم يروه عن ميمون إلا قراب بن السائب،

تفرد به الحكم بن مروان الكوفي قراب. قال البخاري فيه: منكر الحديث،

تركوه. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير قال: قال

سالم: سمعت الحسن يقول: جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إياكم والتعريس على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات

والسباع"./وقضاء الحاجة عليها فإنها من الملاعن"(2) ، هذا حديث معلل

بأمرين:

الأول: ضعف عمرو بن أبي سلمة؛ فإنه ممن قال فيه ابن أبي حاتم: لا

يحتج به، وقال يحيى: ضعيف.

الثاني: انقطاع ما بين الحسن وجابر فممن ذكر ذلك ابن المديني وبهز وأبو

زرعة وأبو حاتم والبزار، وفي حديث الباب تصريح بسماعه منه لو كانت

الطريق سالمة من عمرو، على أنه قد توبع على ذلك فيما ذكر ابن أبي حاتم

عن أبيه هشام بن حسان يقول عن الحسن ثنا جابر بن عبد الله، وأنا أنكر

هذا، وروى شريك عن أشعب عن الحسن. سألت جابرا فال أبو داود: لا

يصح، ولو رأينا الحديث الذي في مسند أحمد من تتبع لأذعنا له سمعا وطاعة

قال: حدّثنا يزيد- يعني ابن هارون ثنا أحمد الطويل، قال: حدثنا الحسن

(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/1672) والعقيلي (3/458) .

فلت:"والحديثان كما وضْحت أوردهما العقيلي في الضعفاء الكبير"ترجمة: الفرات بن

السائب: قال البخاري: منكر الحديث، متروك. تاريخ ابن معين (2/471) ، والتاريخ

الكبير (1/4/130) ، والجرح لم/2/80) ، والمجروحين (2/207) ، والميزان (3/341) .

وأوردهما الشيخ الألباني في"متن واحد".

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/329) في للزوائد: إسناده ضعيف. والجوامع (9355)

والكنز (17504) . وكذا ضعْفه للشيخ الألباني. انظر ضعيف ابن ماجة (ح/71) قلت: وقد

علْق للشْيخ الألباني عليه فقال: حسن- دون"والصلاة عليها"الإرواء1/101، والصحيحة

2433، وللتعليق الرغيب 1/83.

قوله:"التعريس"نزول للمسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. و"جواد الطريق": جمع جادة،

وهي وسط الطريق، والطريق الأعظم الذي يجمع الطرق.

ص: 128

إحدى صلاتي العشاء، فأطال، فرأيت اضطراب لحيته، فلما انصرف قلت:

أكنت تقرأ؟ فقال لي عامته تسبيح ودعاء، ثم قال: " جابر بن عبد الله قال:

"كنا ندعوا قياما وقعودا وركوعا وسجودا"(1) .

فهذا كما ترى بسند كالشمس فيه تصريح بسماعه منه، ولا مطعن في

سماعه بعد هذا، وإذا أثبت هذا فقد وقع لنا هذا الحديث مختصرا بإسناد

صحيح على شرط مسلم، ذكره المروروذي في مسنده فقال: حدّثنا إسحاق

الأزرق عن هشام عن الحسن عن جابر قال:"نهى عن الصلاة على جواد

الطريق" (2) .

والصحابي إذا قال نهى أو أمر كان محمولاً على الاتصال كما تقدم قبل،

ورواه يزيد بن هارون عن هشام مرفوعا مطولاً، قال: وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا كنتم في الخصب فامنحوا الركاب حقها- أو كلمة نحوها ولا تعدوا

المنازل، وإذا كنتم في الجدب فعليكم بالدلجة؛ فإن الأرض تطوى بالليل، وإذا

تقولت/لكم الغيلان فبادروا بالأذان، ولا تصلوا على قارعة الطريق تبدلوا عليها

فإنها مأوى الحيّات والسباع، ولا تقضوا عليها الحاجات فإنها ملاعن"رواه

البزار (3) عن محمد بن معمر عن يزيد وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى

عن جابر إلا بهذا الإِسناد، وهم يتكلمون في سماع الحسن من جابر، وفيما

قاله نظر؛ لأن حديث الباب بغير هذا الإِسناد، والله أعلم، وله شاهد من

(1) الكنز: (ح/22663) .

(2)

هذا طريق من حديث ضعيف. كما ذكر الشارح.

رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 21- باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق،

(ح/329) وتمام لفظه:"إياكم والتعريس على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى

الحيات والسباع. وقضاء الحاجة عليها، فإنها من الملاعن".

في الزوائد: إسناده ضعيف. وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر ضعيف ابن ماجة (ح/71) ز

قلت: وقد سبق أن بيتَا تحسين الشيخ الألباني لهذا الحديث، وبينا سبب الضعف.

(3)

صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(3/213) وقال: رواه أبو داود وغيره

باختصار كثير، ورواه ابو يعلي، ورجاله رجال الصحيح.

ص: 129

حديث أبي هريرة مرفوعا:"اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟

قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"رواه مسلم (1) في

صحيحه، ومن حديثه أيضا عند ابن عدي مرفوعا:"نهى أن يتغوط الرجل

في الفرع، قيل: وما الفرع؟ قال: أن يأتي أحدكم الأرض فيها النبات كأنما

قمت قمامته، فتلك مساكن أخوانكم من الجن" (2) وفي بعض الروايات:

"فإنه مصلى الخافين- يعني الجن"رواه أبو أحمد من طريق سلام بن سليم

الطويل، وهو متروك. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن خالد، ثنا لهيعة

عن قرة عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى أن يصلي

على قارعة الطريق، أو يضرب الخلاء عليها، أو يبال عليها" (3) ابن لهيعة تقدم

ذكره، وقرة هو ابن عبد الرحمن بن حَيُوئل اسمه يحيى، قال ابن حبان: من

ثقات أهل مصر، وخرّج حديثه في صحيحه، ومسلم فرنه بغيره، وأبو عيسى

يصحح حديثه، وكذلك الحاكم، وقال الأوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري منه،

وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به، وخالف

ذلك أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن القطان/وعمرو بن خالد

القرشي الأعشى القاسمي، مولاهم وأصله كوفي، قال فيه البخاري: منكر

الحديث، وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث ليس بشيء، وقال أحمد بن

محمد قال أبو عبد الله: لعله ابن خالد الواسطي، كذاب يروي عن زيد بن

علي عن أبانة نسخة موضوعة بكذب، وكذلك قاله وكيع وإسحاق بن زاهر

وأبو زرعة، وقال ابن معين: كذاب، وقال أبو داود ويعقوب بن سفيان: لا

شيء وقد وردت أحاديث تدلّ على المنع من البول في مواضع:"لا يبولن

(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/68) .

(2)

ضعيف جد. رواه ابن عدي في"الكامل"وفيه سلام بن سليم الطويل أحد المتروكين.

(3)

ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/330) والطبراني (12/281) .

قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد: إسناده ضعيف، ولكن المتن له شواهد صحيحة،

وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف بن ماجة (ح/72) والإرواء (1/101- 102،

319) .

ص: 130

أحدكم في حجر" (1) من عند النسوي وإسناده صحيح وإن كان ابن عروة

ذكر أن أهل البصرة تفردوا به، ولا بأس بذلك، وحديث ابن عمر قال عليه

السلام:"لا تبولوا في الماء الناقع"(2) ذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان من

حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن نافع، عنه، ومن مراسيل أبي

داود عن أبي مجلز:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن ينهي أن يبال في قبلة

المسجد" (3) وفيه عن مكحول:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال بأبواب

المساجد " وعند العقيلي عن أبي هريرة:"كان عليه السلام يكره البول في

الهواء" (4) وضعفه بأبي الفيض يوسف بن السفر، وحديث ابن معقل:"لا

يبولن أحدكم في مستحمه" (5) وقد تقدم وحديث رجل من الصحابة:

"نهى عليه السلام أن يتمشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله"عند أبي

داود (6) ، الموارد جمع مورد، وهو مفعل من الورود أي: الحضور، قال

الجوهري: ورد فلان، ويردوا حضروا، وأورده غير أحضره، والمورد مقول على

طريق الماء على منهل الماء، والأول المراد في الحديث على ما قاله جماعة من

العلماء، والظاهر أن المراد هو الثاني؛ وذلك أن الحديث رواه ابن عباس كما

مر، وفيه:"أو نقع الماء"وفي حديث سراقة:"والماء"وفيها للبيان/لمحمل

(1) ضعيف جدا. رواه النسائي (1/33) والمشكاة (354) . وضعفه الشيخ الألباني.

(ضعيف الجامع: ص 912 ح/6324- 1132) .

انظر: ضعيف أبي داود لها والإِرواء 55.

(2)

صحيح. تاريخ أصفهان: (2/258) . قلت: وللحديث متابعة صحيحة كقول:"نهى

أن يبول في الماء الراكد".

(3)

ضعيف. أورده الألباني في"ضعيف الجامع: ص 866 ح/6005) . وعزاه إلى أبي

داود في"مراسيله"عن أني مجلز مرسلا.

(4)

موضوع. أورده ابن القيسراني في الموضوعات: (557) .

(5)

حسن. رواه الترمذي (21) وأحمد في' المسند" (5/56) وأبو داود (27) . وسكت

عنه المنذري أيضا.

(6)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب"15"، (ح/28) .

فلت: وتحسينه- كما ترى- على قاعدة أبي داود الذي صنف عليها كتابه "السنن".

ص: 131

المورود؛ فوجب المصير إليه؛ ولأن الحديث يفسر بعضه بعضَا، وإذا انفرد هذا

فالذي يظهر تخصيصه بالماء الراكد لتقيد الإِطلاق بنقع الماء في حديث ابن

عباس، ولأن ما كثر وجرى لا تأثير للأخبثين فيه، وقارعة الطريق هي الجادة،

واشتُقت من القرع أي الضرب فهي مقروعة بالقدم وغيره، وذلك من باب

تسمية المفعول بالفاعل، وفيه منع التخلي بفعل الأشجار المثمرة صونَا لشرائط

الثمر عن التنجس، والفقهاء يختلفون في المنع؛ فمنهم من يطرده في جميع

الزمان، ومنهم من يخصه بزمن الثمار لحديث ابن عمر مرفوعَا:"نهى أن

يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة، أو ضفة نهر جاري" (1) وفي معناه تحريم

التخلي فيما ينقع من الأمكنة، كالنيل والمربد ويحتمل التعميم، وفي معنى

الظل: الشمس في السماء؛ فإنها تعضد لمنع البرد، كما أن الظل يقصده

المسافر للقيلولة، يدل عليه ما رواه أبو خيثمة عن أبي قطن لم يرو عن فلان،

قال: رأيته حرَا في الشمس، فيحمل ما قلناه أو على كشف عورته وقت

ذاك، والظل على ما حكاه يقلب للشجرة وغيرها بالغداة والفيء بالعشي، قال

الشاعر:

فلا الظل في وقت الضحى يستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق

قال: وأخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة بن العجاج: كلما كانت

عليه الشمس فهو طل، قال ابن سيدة: وجمعه أظلال وظلال وظلول. وهو

التباعد للبراز في الخلاء، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية

عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال:"كان النبي

صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد " خرجه الترمذي (2) . وقال فيه حسن صحيح،

(1) تقدم من أحاديث الباب.

(2)

صحيح. رواه الترمذي (20) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/248)

والبيهقي (1/93) وأبو داود (1) والنسائي في (الطهارة باب"16"وابن ماجة (331) وابن

خزيمة (50) والكنز (17879)

وصححه الشيخ الألباني. (الصحيحة: ح/1159) .

ص: 132

وخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن علي بن حجر، نا إسماعيل بن جعفر، نا

محمد بن عمرو

فذكره، وفي الصحيحين (1) عنه:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم

في سفر/فقال: يا مغيرة خذ الأداوة فأخذتها، فانطلق حتى توارى عني فقضى

حاجته"وذكر الدارقطني أن محمد بن عمرو رواه عنه عن المغيرة إسماعيل،

وأسباط بن محمد، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وخالفهم عبدة بن سليمان

فقال عن ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والصحيح الأول، وفي

الأوسط، وذكره من حديث ابن سيرين عن عمرو بن وهب عنه، ولم يروه

عن ابن سيرين إلا جرير بن حازم. تفرد به علي بن عبد المجيد المعني. حدثنا

محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد عن عمر بن المثنى عن عطاء

الخراساني عن أنس قال:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتنحى لحاجته، ثم

جاء فتوضأ" (2) هذا الحديث فيه علل ثلاث:

الأولى: الجهالة بحال عمر بن المثنى؛ فإني لم أره في تاريخ البخاري ولا

ابن أبي حاتم ولا البستي، ولما ذكره ابن سرور قال: سمع عطاء ببيت

المقدس، روى عنه عمر بن عبيد الطنافسي، والعلاء بن هلال الباهلي، روى

له ابن ماجة، لم يزد على ذلك، وليس بكاف في معرفة حاله، وذكره أبو

عروة في الطبقة الثانية والثالثة من أهل الجزيرة، وبنحوه ذكره السيّد جمال

الدين ولم يزد.

الثانية: ضعف عطاء بن أبي مسلم عبد الله، ويقال ميسرة أبو أيوب

الخراساني الأزدي البلخي الشامي، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال

أبو صالح مولى المهلب، وإن كان مسلم خرّج حديثه في صحيحه فقد كذّبه

سعيد بن المسيب، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ مخطئ ولا يعلم؛ فبطل

الاحتجاج به.

(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/101) ومسلم (229) وأحمد (4/250) وأبو

عوانة (1/194، 257) وابن أبي شيبة (1/107، 176) والبيهقي (2/412) .

(2)

ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل"، (5/1998) .

انظر: تعليقات مغلطاي على إسناده.

ص: 133

الثالثة: انقطاع ما بينه وبين أنس بن مالك. نص على ذلك أبو زكريا

يحيى بن معين، وأبو زرعة الرازي وغيرهما. حدثنا يعقوب بن حميد بن

كاسب، نا يحيى بن سليمان عن ابن جشم عن يونس بن خباب عن يعلي بن

مرة أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد"(1) هذا حديث معلل

بثلاثة أشياء:/

الأول: ضعف يعقوب بن حميد المدني، قال أبو حاتم: ضعيف. وسئل

عنه أبو زرعة فحرك رأسه، فقيل: صدوق؟ فقال: لهذا شروط، وقال مرة

أخرى: قلبي لا يسكن إليه، وقال العنبري: يوصل الحديث، وقال يحيى

والنسوي: ليس بشيء.

الثاني: يونس بن خباب أبو حمزة ويقال: أبو الجهم، كوفي، قال

يحيى بن سعيد فيه: ما تعجبنا الرواية عنه، كان كذابا، وقال أحمد: كان

عبد الرحمن لا يحدّث عنه، وقال ابن معين: هو لا شيء، رجل سوء، وقال

مرة أخرى: ضعيف، وكذلك قاله النسائي الفسوي في تاريخه، وقال أبو حاتم:

مضطرب الحديث ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، وقال

الدارقطني: كان رجل سيء فيه شيعة مفرطة، وكان يسب عثمان، وقال عبّاد

ابن العوام سمعه بحديث القبر وزاد فيه:"ويسأل عن علي"قال: فقلت له:

لم نسمع بهذا"قال: أنت من هؤلاء الذين يحبون عثمان الذي قتل ابنتي

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت له قتل واحدة فزوَّجه الأخرى، وقال أبو داود:

كان له رأي سوء في حديث القبر على رأي تام لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو

داود: وحدثني ابن شمعة قال: لا أحدث عنه حتى أتوصد يميني، قال أبو

داود: وقد رأيت أحاديث شعبة عنه مستقيمة وليست الرافضة كذلك، وقال

العجلي: كوفي شيعي خبيث.

الثالث: انقطاع ما بينه وبين يعلي أن جمع من نظر في كلامه، لما ذكر

ترجمته لم يذكر في أشياخه صحابيا كبيرا ولا صغيرا، إنّما يذكر في أشياخه

التابعين كمجاهد وطاوس وغيرهما، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق ليس

(1) تقدم قبل ذلك في أحاديث الباب ص 132. وبنحوه الحديث السابق.

ص: 134

فيها إلا علّة واحدة، وعلى قول بعضهم تكون صحيحة لا علة فيها، وهي

مذكورة في كتاب البغوي عن داود بن رشيد ثنا إسماعيل بن عياش، حدثني

عبد الله/بن عثمان بن جشم عن سعيد بن راشد عن يعلي بن مرّة قال:

"كان النبي- عليه السلام إذا خرج إلى الخلاء استبعد وتوارى"رواه ابن

نافع عن إبراهيم البلدي، نا أدم بن أبي إياس نا إسماعيل به، ورواه الخطابي

في كتاب الغريب عن محمد بن العباس المكتب، نا إسحاق بن إبراهيم بن

إسماعيل، نا هارون بن إسحاق الهمداني، ثنا مطلب بن زياد عن عمر عن

عبد الله عن حليمة- امرأة يعلي- عن يعلي- ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه

انطلق للبراز، فقال لرجل كان معه: سر لي بما بين الأنبياء بين فعل أصحابي

جمعاء، فاجتمعا فقضى حاجته"إسماعيل وثقة ابن معين ويعقوب بن سفيان

مطلقا، وقال ابن عدي: وفي الجملة هو ممن نكتب حديثه، وكذا قاله أبو

حاتم: وأكثر العلماء ضعفه، وسعيد حديثه في الصحيح، وفي كتاب

الاستيعاب: يعلي بن مرة بن وهب، واسم أمه شبابة فربما نسب إليها فقيل:

يعلي بن شبابة، يكنى أبا المرزام كوفي، وقيل أن له دار بالبصرة، شهد مع

النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية وخيبر والفتح وحنينا والطائف. كذا ذكر نسبه، وغالبا إنما

يذكر النسب من كتاب المذيل للطبري، وعندي نسخته التي عليها مواضع

بخطه، وليست على ما ذكره، إنما هو يعلي بن مرة بن عباب بن مالك بن

كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، والنسب الذي ذكره أبو عمر

ذكره ابن سعد وابن بنت منيع وأبو أحمد العسكري وابن قانع، وفي جمع

أبي عمر بيَّن أن شبابة أمه، وابن منده نظر، وإن كان ابن سعد قد ذكر ذلك

وقال: هي أمه أوجدّته، فقد أنكر ذلك ابن حبان في قوله: يعلي بن مرّة

الثقفي العامري، ومن قال انه ابن شبابة فقد وهم، وكذا فرّق بينهما

العسكري حاتم الرازي، وجملة وذكر نسب كلّ واحد منهما على خلاف ما

ذكره الآخر، فأما ابن مرّة فذكره كما تقدّم، وأما ابن شبابة فقال: شبابة ابن

عثمان بن جري بن ربيعة بن سعيد بن أبي عتبة بن مالك بن كعب بن

عمرو/بن سعد بن عوف بن نسي وهو بستي، ثم أعاد ذكر ابن مرة في

ساكن البصرة كما تقدّم وحده، والطبراني في الكبير فرق بينهما، بين ابن

ص: 135

مرة العامري، وابن مرة الثقفي، وابن أمية، وابن شبابة على قول أبي القاسم

الاعتماد؛ لان تعيّنا لا تجتمع مع عامر بحال إلا مختلف أو نزول أو غير ذلك،

وأما الترمذي فإٍنه لم يذكر في تاريخه غير ابن مرة الثقفي، وكذا يعقوب

الحموي. حدثنا ابو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار وقالا: نا يحيى بن

سعيد القطان عن أبي جعفر الخطمي- واسمه عمير بن يزيد- عن عمارة بن

خزيمة والحرث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي فزاد قال:"حججنا مع

النبي صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته فا بعد"هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه

عن بندار ثنا يحيى بن سعيد به، ولفظ النسائي:"خرجت مع النبي- عليه

السلام-...... (1) فكان إذا أراد الحاجة أبعد" ولما رواه البزار عن عمرو بن

علي، نا يحيى به، قال: لا يعلم روى عبد الرحمن عن النبي هذا الحديث،

وقد زاد فيه غير يحيى كلاما، وكذا قاله ابن بنت منيع في معجمه، وخالف

ذلك أبو عمرو بن عبد البر فقال: له حديث آخر في الوضوء، وله أحاديث

بعد في أهل الحجاز وأما ما ذكره ابن نافع من أنَّ عمارة روى هذا الحديث

عن الحرث بن عبد بن عمرو، فيشبه أن يكون وهفا، ولعلّه من الناسخ،

ولفظه:"فرأيته خرج من الخلاء فاتبعته بأداوة وجلست له على الطريق،

وكان إذا أتى الحاجة أبعد"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبيد الله بن

موسى، نا إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال:"خرجنا مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلام لا يأتي البراز حتى يتغيّب فلا يرى"هذا

حديث إسناده ضعيف، لضعف رواته إسماعيل بن عبد الملك (2) ابن رفيع بن

أخي عبد العزيز أبو عبد الملك، وهو ابن أُبي الصُّغير المكي، روى عنه الثوري،

وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، وعبد الواحد/ابن زياد، قال القطان: تركته ثم

كتبت عن سفيان عنه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث وليس حده

(1) شطب' بالأصل".

(2)

إسماعيل بن عبد الملك بن أبى الصغير عن عطاء، وعِدة، وفاه ابن مهدي. وقال ابن

معين وغيره:"ليس بالقوي"ومشاه بعضهم. وقال ابن حجر: صدوق كثير الوهم، من

السادسة. روى له الدارس وأبو داود والترمذي وابن ماجة. (المغني في الضعفاء: 1/84/

686) .

ص: 136

الترك، قال ابنه: يكون مثل أشعث بن سوار في الضعف؟ قال: نعم،

وقال ابن معين والنسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري: نكتب حديثه، وقال

ابن حبان: تعلت ما روى، وقال ابن مهدي: أضرب على حديثه وذكر ابن

عدي حديثه هذا فما أنكر عليه، ثم قال: وهو ممن يكتب حديثه، وقال

الآجري: سألت عنه أبا داود، فقال: ضعيف، وفي موضع آخر: ليس بذاك،

وسيأتي ما للناس في حديث عن أبي الزبير عن جابر من الضعف، وغير ذلك

عن قريب- إن شاء الله تعالى-، وأمّا قول الحاكم إثر حديث المغيرة المتقدّم:

شاهده حديث إسماعيل بن عبد المالك عن أبي الزبير بالشواهد، لا يلتزم فيها

الصحة من كلّ وجه. حدثَنا العباس بن عبد العظيم العنبري، نا عبد الله بن

كثير عن جعفر نا عوف المزني عن أبيه عن جدّه عن بلال بن الحرث المزني أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان إذا أراد الحاجة أبعد"زاد العسكري:"خرجنا مع

النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فخرج لحاجته، وكان إذا خرج يبعد"ورواه في

الأفراد مطولا، فذكر الشجرتين اللتين سترتاه عليه السلام، وقال: غريب من

حديث جابر، تفرد به إسماعيل منه. هذا حديث ضعيف لضعف رواية كثير

بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني؛ وذلك لأن الإِمام أحمد قال: لا

تحدّث عنه، وقال مرة: منكر الحديث ليس بشيء، وقال مرة: لا يساوي

شيئاً، وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث به، قال يحيى: ليس

حديثه بشيء ولا يكتب، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو

زرعة: واهي الحديث، وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب، وقال ابن

حبان: يروي عن أبيه بنسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية

عنه إلَّا على جهة التعجب،/وقال أبو أحمد: عامة ما يرويه لا يتابع عليه،

وقال ابن السكن: جدّه عمر وله صحبة يروي عنه بهذا الإسناد أحاديث فيها

نظر، وقال أبو داود: كان أحد الكذابين، وقال أبو عمر: َ كثير مجتمع على

ضعفه، لا يحتج بمثله، وفيه نظر؛ لأنّ الترمذي خرج في جامعه حديث عمر بن

شعيب عن أبيه عن جدّه في تكبير العيد سبعا، وحديث كثير هذا، وقال هذا

حديث حسن، وهو أحسن شيء في الباب، وقال في العلل الكبير: سألت

محمدا عن هذا الحديث- يعني المذكور في العيد من رواية عمرو- فقال:

ص: 137

صحيح، وعن حديث كثير منه أيضا فقال: هو أصح شيء في الباب وبه

أقول، وذكر له حديثا آخر: في الجمعة ساعة، وقال فيه حديث غريب، وحدّثنا

به الصلح جابر بن المسلم وقال فيه: حسن صحيح وحدثنا منه:"من أحيا

سنني" (1) قال: فيه حسن، وفي الإيمان قال فيه: حسن، فأين الإِجماع مع

مخالفة أبي عبد الله وأبي عيسى اوأَما أبوه عبد الله فتفرد عنه بالرواية أبيه

مكين، فيما رواه البخاري وأبو حاتم والبستي في كتاب الثقات، ومقدار إبعاده

عليه السلام غير مبين فيما مضى من الأحاديث، وفي الباب غير ما حدث،

من ذلك حديث زياد ابن سعد عن أبي الزبير جبر بن يونس بن حبان

الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول:"كان

النبي- صلى الله عليه وسلم وأنا معه مسافرين إلى مكة فكان إذا خرج إلى الغائط أبعد

حتى لا يراه أحد، قال: فيصر بشجرتين متباعدتين فقال: يا ابن مسعود اذهب

إليهما فقل لهما أنّ النبي يأمركما أن تجتمعا فيتوارى بكما"الحديث.

قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن زياد إلا ربيعة بن صالح، تفرد

به أبو قرّة، وقد جاء مقدار ذلك البعد مصرحا به في حديث عبد الله بن

عمر. ذكره الطبري في تهذيب الآثار قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب

إلى حاجته إلى المغمس" (2) قال نافع عن ابن عمر: نحو ميلين من مكة، وفي

(1) حسن. رواه الترمذي (ح/2677) والمشكاة (ح/168، 169) وإتحاف السادة المتقين

(1/118) والكنز (933) والعقيلي في"الضعفاء"(2/3، 3/1350) .

قلت: وإن كان للحديث طرق ضعيفة، إِلا أن الحديث حسن، وعلامة حسنه ظاهرة.

(2)

صحيح. رواه الطبراني في"الكبير"(12/451) والمجمع (1/203) والمطالب العالية

(34)

وأبو نعيم في"الحلية"(3/353) .

ورواه السراج في"الثاني"من"الأول"من"مسنده"(2/20) : حدثنا محمد بن سهل بن

عسكر، ثنا ابن أبي مريم، ثنا نافع بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأورده عبد الحق الإشبيلي في"كتأب التهجد"(1/3)

وقال:"وهو حديث صحيح ذكره أبو جعفر الطبري، وسكَت عليه في"الأحكام الكبرى" (رقم

159) ، ورواه ابن السكن أيضا في"سننه"، كما في"معجم البلدان"وذكر أن"المغمس"على

ثلثي فرسخ من مكة، وا نه كان مستور، إما بهضاب، وإما بعضاه.

ص: 138

مسند السراج: عن واثلة، وحديث ابن عمر هذا ويعلي وأنس بن مالك/

مستدرك ذكرهم على الترمذي في قوله: وفي الباب عن أبي قتادة وعبد

الرحمن بن أبي فزاد، ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس

وبلال بن الحرث وجابر فيه دليل على الأبعاد إذا كان في صراح من الأرض،

ويدخل في معناه ضرب الحجب وإرخاء الستور وأعماق الآبار والحفائر، ونحو

ذلك من الأمور الساترة للعورات، وذلك من آداب التخلي، وكذلك لا يرفع

ثوبه حتى يدنو من الأرض (1) ، والالتفات يمينه وشماله، وتغطية الرأس وترك

الكلام، والاستنجاء باليسار، وغسل اليد بعد الفراغ بالتراب، والاستجمار

بثلاث، وأن يجتنب الروثَ والرمة، وأن لا يتوضأ في المغتسل، ونزع الخاتم إذا

كان فيه اسم الله تعالى وما في معناه، وارتياد الموضع الرمث. وأن لا يستقبل

الشمس والقمر والقبلة ولا يستدبرها في البيوت، وأن لا يبول قائما، ولا في

طريق الناس وظلّهم، والماء الراكد ومساقط الثمار وضفة الأنهار، وأن يتكئ

على رجله اليسرى، ويتنحنح، وينثر ذكره ثلاثا، قال الخطابي: البراز بفتح الباء

اسم للفضاء الواسع من الأرض، كَنَوا به عن حاجة الإنسان كما كنوا بالخلاء

عنه، يقال: تبرز الرجل إذا تغوط، وهو أن يخرج إلىَ البراز، كما يقال تخلى

إذا صار إلى الخلاء، وأكثر الرواة يقولون البراز بكسر الباء وهو غلط، وإنما

البراز مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازا. انتهى ما أنكره غير منكر،

ولا مردود لذكره في كتاب الصحاح وغيره من كتب اللغة، والله أعلم.

وصححه الشيخ الألباني: (الصحيحة: ح/1072) .

(1)

ودليل ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(1/107) الخطيب في"تاريخه" (14/

208) ولفظه:' كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض".

ص: 139

‌14- الارتياد للغائط والبول

حدّثنا محمد بن بشار، نا عبد الملك بن الصباح نا ثور بن يزيد عن

حصن الحميدي عن أبي سعد الخير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من

استجمر فليوتر" (1) من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن تحلل

فليفض، ومن لاك فليبتلع من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى

الخلاء فليستتر، فإن لم يجد إلا كثيب رملٍ/فليمره عليه، فإن الشيطان يلعب

بمقاعد بني آدم فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه حدّثنا عبد

الرحمن بن عمر، ثنا عبد الملك الصباح بإسناده نحوه، وزاد فيه:"ومن

اكتحل فليوتر، فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه" (2) . هذا حديث

خرجه أبو حاتم (3) في صحيحه عن محمد بن عبد الله بن عبد السلام

مكحول قال: نا سليمان بن سيف، نا أبو عاصم، نا أبو زيد، ورواه البخاري

في التاريخ الكبير عن عاصم مختصرا، والإِمام أحمد في مسنده، وقال:

وكان من أصحاب عمر بن الخطاب، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث

أبي عامر الخزاز عن عطاء عنه مختصرا، وقال: لم يروه عن أبي عامر إلّا

(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/52) ومسلم في (الطهارة، ح/22) وأبو داود

في (الطهارة، باب"19") والنسائي في (الطهارة باب"71"مختصرا) وابن ماجة (ح/

337، 409) وأحمد في"المسند"(2/236، 278، 371، 401، 463) والبيهقي في

"الكبرى"(1/49، 104) وابن خزيمة (75) وأبو عوانة (1/247) وابن حبيب (1/22)

وابن أبي شيبة (1/27) وتلخيص (1/110) وإتحاف السادة المتَقين (2/342 مكرر) .

ونصب الراية (1/217) .

(2)

ضعيف. رواه أبو داود في (الطهارة، باب"15") وابن ماجة (ح/338، 2496)

وأحمد في فالمسند" (2/371) والدارمي (1/170) وكحال (2/47) ومشكل (1/42)

والمشكاة (352) وشرح السنة (12/118) والكنز (41641) ومعاني الآثار (1/122)

وضعفه الشيخ الألباني (ضعيف الجامع: ص 788 ح/5468) .

انظر: (الضعيفة 1028، وضعيف أبي داود ح/8) .

(3)

قوله:"أبو حاتم"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

ص: 140

روح بن عبادة. تفرد به إبراهيم بن بسطام، وخرجه من حديث ابن شهاب،

قال: سمعت أبا إدريس يخبر عن أبي هريرة مختصرا، ورواه أيضا من جهة

الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي سعد الخير، وقال: لم يروه مرفوعا

عن الأوزاعي إلَّا الصقل. تفرد به عمرو بن هاشم وأبي ذلك عمر بن عبد

البر، وقال: ليس إسناده بالقائم، فيه مجهولان، وأبو محمد بن حزم وأبو

بكر البيهقي وأبو محمد الأشبيلي، ويشبه أن يكون قول أبي حاتم أقرب إلى

الصواب؛ وذلك أن العلّة عند من ضعفه إنّما هي الجهل بحال حصين وأبي

سعد، أما حصين فهو أبوِ سعيد حصين بن عبد الله الحبرانِي، ويقال:

الحميري، ونسبه بعضهم حبرا نيا ولعلّه تصحيف الحمراني وحبران قيل من

حمير وحمران ليست منهم بحال. ذكره البستي في كتاب الثقات، وقال ابن

أبي حاتم: سألت أبا زرعة وعنه فقال: شيخ، وقال أبو زرعة: الدمشقي شيخ

معروف، وقال يعقوب: لا أعلم إلَّا خيرا، وهو مما استدرك على ابن عساكر

العلل في التاريخ الكبير حمصا، وأما أبو سعد فاختلف فيه؛ فقال جماعة: أبو

سعد كما تقدّم، وقال بعضهم: أبو سعيد، قال الدارقطني: والصواب

الأول، وقد اختلف في صحبته فممن/ذكره في الصحابة أبو داود قال: لما

خرج حديثه هذا في رواية ابن داست: أبو سعد الخير، هو من أصحاب

النبي- عليه السلام، وقال أبو عمر: أبو سعيد الخير، ويقال: أبو سعد

الخير الإِنماري، له صحبة، قيل اسمه عامر بن سعد، وقيل: عمرو بن سعد،

سكن الشام، له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث يسيرة، وأمّا ابن عساكر فزعم أن

الصحابي الملقب أبا سعد الإِنماري المسمى بهذين الاسمين، هو المكنى أيضَا أبا

البشر، فالله أعلم، وبنحوه ما ذكره أبو عمر ذكره يعقوب وابن منيع وغيره،

وأما ابن أبي حاتم ذكره في كتابه سألت أبا زرعة عنه فقال: لا أعرفه،

فقلت: لقى أبا هريرة؟ فقال: على هذا يرفع، وذلك ليس بمؤثر في عدم

المعرفة بحاله، على تقدير أن يكون تابعيا؛ لأن ابن حبان البستي عرفهم؛

فلذلك أدخله في كتاب الثقات، وإن كان صحابيا كما تقدم فلا يطرد في

حاله، وقول أحمد: كان من أصحاب عمر لا ينافي صحبته؛ لأن الصحابة

ص: 141

كلهم من أصحابه، وإن كان العرف يقضي على ذلك؛ فظهر بمجموع ما

أسلفناه ترجيح قول من رجح الحديث على قول من ضعفه؛ لأن من علم،

حجة على من لم يعلم ومن أثبت حجة على من نَفَى، وفي رواية الطحاوي

تصريح بسماع ثور من حصين بن حصين بن أبي سعد، وزعم بعض العلماء

أنه لا يعرف اسمه، وليس كما زعم لما تقدّم، وزاد بعض مشايخنا زيادة: ولا

أعلم له منه سلفا. حدّثنا علي بن محمد، نا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن

عمرو عن يعلي بن مرّة عن أبيه قال:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فإذا

أراد أن يقضي حاجته فقال: ائت تلك الأشياء تين"قال وكيع:"يعني النخل

الصغار""فقل لهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا، فاجتمعا، فاستقر

بهما يقضي حاجته ثم قال لي، زينهما فقل لهما/ترجع كل واحدة منكما

إلى مكانها، فقلت لهما فرجعتا" (1) هذا حديث إسناده صحيح، واختلف

على وكيع فيه، فتارة رواه كما تقدّم، وتارة عن يعلي من غير ذكر أبيه. ذكره

عنه ابن أبي شيبة في مسنده وهو الصحيح. والأول وهم. نص على ذلك

البخاري وابن عساكر. انتهى. قد وجد متابعَا لوكيع على رواية بعضهم، وهو

محاض بن الروع فيما ذكره البغوي عن هارون بن عبد الله عنه، ورواه

أحمد بن منيع في مسنده من غير طريق وكيع بزيادات يستفدن في أعلام

النبوة. عن حسين بن محمد، نا المسعودي عن يونس بن خباب عن أبي

يعلي بن مرّة عن يعلي بن مرّة أنه قال:"شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدَا لم

يشهده غيري، نزلت معه في سفر فقال لي: يعلي بن مرّة هل ترى شيئاً

يواريني؟ وأراد الحاجة، فقلت والله يا رسول الله ما أرى شيئَا يواريك إلا

شجرتين لعلهما إن اجتمعتا، قال: فقل لهما فليجتمعا يإذن الله تعالى، فأتت

إحداهما إلى الأخرى، فلما قضى حاجته قال: قل لهما فلترجع كل واحدة

منهما إلى مكانها، ثم إن امرأة عرضت له بابن لها فقالت: يا رسول الله هذا

ابني قد أصابه لمم فتفل عليه السلام في فيه، ثم قال: باسم الله، محمد رسول

الله، أخس عدو الله، فلما رجعنا من سفرنا إذا تهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخبره

(1) صحيح. الشفاء: (1/574) . وتقدْم بتخريج مطول؛ فارجع إليه.

ص: 142

أنه لم يصبه شيء منذ فارقهما، فلما أتينا المدينة إذا بعير قد وضع جرانه

مهملات عيينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخبرني أنه نضح على أهله كذا وكذا، ثم

أرادوا أن ينحروه فالتمسوا صاحبه، فلما جاء صاحبه قال: يعني بعيرك هذا،/

قال: هو لك، قال: فاجعله في إبلك وأحسن إليه".

وروى بعضه الحاكم في مستدركه (1) حدثنا محمد بن يحيى، نا أبو

النعمان، نا مهدي بن ميمون محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن

عبد الله بن جعفر قال: كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو

جائش نخل" (2) .

هذا حديث صحيح خرجه مسلم (3) بن حجاج في صحيحه عن شيبان بن

عبد الله بن محمد بن إسحاق، ثنا مهدي بلفظ:"أردفني النبي صلى الله عليه وسلم ذات

يوم، فأسرّ إلي حديثا لا أحدثه أحدا من الناس

"الحديث. حدثنا محمد بن

عقيل بن خويلد، نا حفص بن عبد الله، حدّثني إبراهيم بن طهمان عن

محمد بن ذكران عن يعلي بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

"عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعب، فبال حتى أني لا أرى له من فكِّ وركيه

حين بال" (4) . هذا حديث إسناده ضعيف وذلك أنّ راويه محمد بن عقيل

ابن خويلد بن معاوية بن أسد بن يزيد الخزاعي، كان من أعيان علماء نيسابور،

قال فيه الحاكم أبو محمد: حدَّث عن حفص بن عبد الله بحديثين لم يتابع

(1) رواه الحاكم، والقاضي عياض في"الشفاء":(1/576) .

(2، 3) صحيحان. إتحاف (7/181) وسنة (1/384) وابن عساكر في"التاريخ" (7/

328) والبيهقي (1/94) وبداية (6/157) والكنز (17882) وأبو عوانة (1/197) ومسلم

في (الحيض، ح/79) وابن ماجة (ح/340) .

قوله:"الجائش"أي: الملتف من النخل.

(4)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 23- باب الارتياد للغائط والبول،

(ح/341) .

في الزوائد: إسناده ضعيف. قال البخاري: محمد بن ذكوان منكر الحديث. وذكره ابن

حبان في الثقات، ثم أعاده في الضعفاء. وقال: سقط الاحتجاج به، وضعفه النسائي،

والدارقطني، وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/75) .

ص: 143

عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء. انتهى

حديثه المذكور هنا، هو عن حفص تعجيل أن يكون أحد الحديثين المذكورين

والله أعلم. وأمّا محمد بن ذكوان البطاحي الأزدي الجهضمي مولاهم، فهو

خال ولد حماد بن زيد، ذكره البخاري في التاريخ الأوسط، فقال: هو منكر

الحديث، وكذلك قال فيه أبو حاتم الرازي والنسائي، وقال الدارقطني:

ضعيف، وقال ابن حبان: سقط الاحتجاج به، الاستجمار عبارة عن تنح/

الخارج المعتاد من السبيلين بالأحجار، وأسبق من الجمار، وهي الأحجار الصغار

يرمى الجمار في الحج، وسئل ابن عيينة عن معنى هذا فسكت، فقيل له:

أترمني بما قال مالك؟ قال: وما قال مالك؟ قال: الاستجمار الاستطابة،

فقال ابن عيينة: تقل بمثل مالك كما قال الأول: وابن اللبُون إذا ما لُنّ في قرن

لم يستطع مِؤلَه الئزْلِ الفَنا عنْس. حكاه الدارقطني والخطابي، وفيه ردّ لمن قيل

أنّ مالكَا- رحمه الله تعالى- حمل الاستنجاء هنا على استعمال البخور،

مشتقَا ذلك من التجمير وهو التبخير، وليس بشيء؛ لأنّ الحديث أماسِيُون (1)

الاستطابة لا في التبخير ولن يصح ذلك عن مالك فقد سبقه أبو عبد الرحمن

عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضى الله عنهما- ومثل ما قاله مالك أولَا

قاله أصحاب اللغة سرهم فيما أعلم، وزعم الزمخشري أنّ ذلك حقيقة فيها،

والله أعلم قوله فليلفظ معناه فليقذف، ومضارعه مكسور الفاء، قال الجوهري:

وذلك الشيء لفاظة وفي الحبا مع (2) كل ما تركته من يدلّ فقد لفظته، فهو

لفاظ ولفيظ وملفوظ، واسم ذلك الشيء الملفوظ اللفظ، ولا يقال لفظته بكسر

الفاء. قوله ما لاك يعني: أدراه في فيه، ولاك الفرس اللجام يلوكه لوكا إذا

أدراه في فيه، وكلّ شيء لكته فقد مضغته لوكَا، وفلان يلوك أعراض الناس

إذا كان يقع فيهم. قاله القزاز والجوهري بنحوه، وأمّا الشيطان فذكر ابن

الأنباري في اشتقاقه قولين: الأوّل لتباعده من الخير أحدَا من قول العرب

(1) في"الأصل"قال مغلطاي"أماسيون"ورجما أراد بها"المصنف":"لأنْ الحديث إنما ورد

في الاستطابة".

(2)

كذا ورد هذا السياق"بالأصل".

ص: 144

دارشطون ونوى بشطوان أبي بعيدة قال نابغة بني شيبان: فأضحت بعدما

وصلت بدار شطون لا نعاد ولا نفود.

الثاني: لغيه وهلاكه أخذا من قولهم: قد شاط الرجل يشيط إذا هلك،

قال الأعشى: قد تطعن الغير في مكنون قائله وقد شط على أرماحنا البطل لم

فإذا ارتفعت عن الأيدي فهي جبارة، ثم رَقْلَةٌ ثم سحوق، وذكر العسكري في

كتاب التلخيص: أنها التي لا تحتمل، وقيل: هي التي ثبت من عراس ويقال له

بالفارسية خدود، قال أبو حنيفة: هي بين شواب النخل وصغاره حين

نهضت، والجمع أشاءات، أشاء، وفي الصحاح: الآشاء بالفتح والمد، والواحدة

أشاءة، والهمزة فيه منقلبة من الباء؛ لأن تصغيرها أشيء، قال الشاعر:

وحبذا حين تمشي الريح باردة

وادي أشي وفتيان به هضم

يا ليت شعري عن جنبي مُلَسحَة

وحيث تبني من الحياة الألم

عن الأشاءة هل زالت مخارمها

وهل تغيّر من أرامها أرم

ولو كانت الهمزة أصلية لقال أشيئ، والهدف القطعة من الجبل أو الحائط،

والجمع أهداف، وهو أيضا حبل مشرف من الرمل. ذكر ذلك القزاز، وفي

الصحاح: هو كلّ شيء مرتفع، وفي الغريب المصنف عن الأصمعي تقييده

بالعظم والحائش جماعة النخل، لا واحد له، كما قالوا لجماعة البقر ديرب قال

الأخطل:

وكان طعن الحي جائش قربة وإنّ جناه طيب الأثمار

فأصل الحائش المجتمع من الشَّجر نخلا كان أو غبره يقال: حائش الطرفا.

ذكره أبو نصر بن حماد، وفي كتاب الهروي. هو جماعة النخل، ومثله الصور

والغيطل والأيكة والرعل والغيل والغريف والشعراء والرازة والأباه والخيش

والأشب، والشِّعْب بالكسر الطريق في الجبل، والجمع الشعاب. قاله الجوهري،

وفي الجامع: ما انفرج بين الجبلين، ومعنى أوى أرق وأرثى له، يقال أو بن

قصة لفلان وأنا أوى له أويه، بقلب الواو بالكسرة ما قبلها وتدغم وماو به وما

واه من كتاب الصحاح، قال الشاعر:

.............../ولو أنني استأويته ما أوى ليا

ص: 145

النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده

حدّثنا محمد بن يحيى، نا عبد الله بن رجاء، نا عكرمة بن عمار عن

يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: " لا يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كلّ واحد منهما إلى عورة

صاحبه، فإن الله تعالى يمقت ذلك " (1) حدّثنا محمد بن يحيى، نا سالم بن

إبراهيم الوراق، نا عكرمة عن يحيى عن عياض بن هلال قال: محمد بن

يحيى، وهو الصواب نا محمد بن حميد، نا علي لن أبي بكر عن سفيان

الثوري عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن عياض بن عبد الله نحوه، هذا

حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ فممّن ضعَّفه أبو داود- رحمه الله

فإنه قال: لم يسنده إلا عكرمة، وفي كتاب ابن داسة عنه: هو من حديث

المدنين، وفي كتاب ابن العبد عنه، هو مرسل عندهم، وفي كتاب ابن

الأعرابي وأبي عمرو أحمد بن علي البصري عنه: وعكرمة في يحيى ليس

بذاك. نا أبو سلمة نا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم.. نحو

حديث عكرمة. انتهي. وفي قوله: هو من حديث المدنين نظر؛ لأنه من

مفردات أهل اليمامة. كذا ذكره غير واحد منهم ابن عقدة في كتاب المفردات

من تأليفه، وقال عبد الحق نحوه، زاد: وقد اضطرب فيه، قال أبو الحسن بن

القطان عليه حقيقة الجهل بحال رواته عن أبي سعيد، وهو هلال بن عياض.

كذا رواه به عن يحيى أبان بن يزيد- يعني كما رواه عكرمة- وروته جماعة

عن يحيى فقالت: عياض بن هلال. كذا رواه عن هشام الدستوائي وعلي ابن

المبارك وحرب بن شدّاد كلّهم عكس ما قاله عكرمة وأبان فقالوا: عياض بن

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 24- باب النهي عن الاجتماع على

الخلاء والحديث عنده، رقم:(342) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.

(ح/76) كما أورده في " ضعيف ابن ماجة " والمشكاة (356) وضعيف أبى داود (ح/3)

والتعليق الرغيب (1/85) وتمام المنة (2) . قلت: وقد اختلف العلماء في تصحيح وتضعيف هذا

الحديث. وقد وجدت بنحوه صحيح كما في " صحيح الجامع الصغير "(ح/6013) عن ابن

عمر، وجابر. قوله:" يمقت " أي: يبغض.

ص: 146

هلال. انتهى كلامه، ورواه الترمذي ابن مهدي عند أبي نعيم في الحلية عن

يحيى خبر ابن هلال بن أبي عياض. كذا في أصل سماعنا/، قال ابن

القطان: ورواه الأوزاعي عن يحيى فقال: نا عياض بن أبي زهرة، وهذا كلّه

اضطراب، ولكنه عن يحيى لا عن عكرمة، فيحتمل أن يكون ذلك من يحيى

نفسه، ويحتمل أن يكون من أصحابه، يقول لي محمد لم يسنده إلَّا عكرمة،

وقد اضطرب فيه، ينبغي أن يكون ضبطه اضطراب مبيّنا لما لم يسم، فإنّه إن

أسند الفعل إلى عكرمة كان خطأ، ويحيى أحد الأئمة ولكن هذا الرجل الذي

أخذ عنه هذا الحديث هو من لا يعرف، ولا نحصل من أمره شيء، وهكذا

هو عند مصنفي الرواة، لم يعرفوا من أمره زيادة على هذا. للحديث مع هذا

علّة أخرى؛ وهي اضطراب منه، وبيان ذلك هو أنّ ابن مهدي رواه عن عكرمة

فقال: ما تقدّم جعل المقت على التكشف والتحدّث في حال قضاء الحاجة،

ورواه بعضهم فجعل المقت على التحدّث كذلك فقط، ورواه بعضهم فجعل

المقت على الكشف والنظر ولم يذكر التحدّث، وهذا قد كان يتكلّف جمعه

لو كان راويه معتمدا، واضطرابه دليل سر حال راويه وقلة تحصيله، فكيف وهو

من لا يعرف! والآن فقد بلغنا الغرض المقصود، وهو أنّ للحديث طريقا جيدا

غير هذا، قال أبو علي بن السكن: نا يحيى بن محمد بن صاعد، نا الحسن

بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن يحيى

عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا

تغوط الرجلان فيتوارى كلّ واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدّثا على طوافهما

فإن الله يمقت على ذلك " (1) . قال ابن السكن: رواه عكرمة عن يحيى عن

هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري، وأرجو أن يكونا صحيحين. انتهى.

وليس فيه تصحيح حديث أبي سعيد الذي فرغنا من تعليله، وإنّما يعني أن

القولين عن يحيى صحيحان، وصدق في ذلك، وصحّ عن يحيى أنّه قال: عن

محمد بن عبد الرحمن بن لم جابر أنه قال عن عياض وعن عبد الرحمن عن

أبي سعيد، ولم يقض على حديث أبي سعيد بالصحة أصلا، ولو فعل كان

مخطئا، فإن الأمر به على ما بينا؛ فأمّا حديث جابر هذا فصحيح، ومحمد بن

(1) صحيح. رواه الخطيب: (12/122) .

ص: 147

عبد الرحمن ثقة، وفد صح سماعه من جابر، ومسكين بن بكير أبو عبد

الرحمن الحذاء لا باًس به. قاله ابن معين، وكذا أيضا قال فيه أبو حاتم،

والحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم: صدوق لا بأس به، وسائر من في

الإِسناد لا يسأل عنه، وعن يحيى في هذا المعنى غير هذا مما ذكره الدارقطني

في علله، إلَّا أنه لم يوصل به إليه الأسانيد. انتهى ما ذكره، وفيه نظر من

وجوه، الأول: كونه عصب الجنابة برأس الراوي عن أبي سعيد، وحكم عليه

بالجهالة؛ ولذلك صح له تضعيف حديثه، وليس كذلك، فإنه ممن وثقة

الحافظان أبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم البستي، قال أبو حاتم: عياض بن هلال

الأنصاري، ومن زعم أنّه هلال بن عياض فقد وهم، قال ابن أبي حاتم:

وعياض بن هلال أشبه، ورجّحه البخاري ومسلم بن الحجاج في الوجدان،

والدارقطني، وذكر البخاري في شواهد صحّ فيه الحديث، وفي مسلم معناه:

" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل "(1) ولما ذكر الترمذي في جامعه حديث:

" إذا لم يدرك أحدكم كم صلى "(2) من رواته عياض هذا عن أبيِ سعيد،

قال فيه: حسن، ولما خرج ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى، نا ابن

مهدي، نا عكرمة عن يحيى عن هلال بن عياض، حدثني أبو سعيد

فذكره، اتبعه قول: نا محمد بن يحيى، نا مسلم بن إبراهيم- يعني الوراق-

نا عكرمة بن عمار عن يحيى عن عياض بهذا الإِسناد نحوه قال: وهذا هو

الصحيح، هذا الشيخ هو عياض بن هلال، روى عنه يحيى بن أبيِ كثير غير

حديث، وأحسب الوهم من عكرمة حين قال: عن هلال، ورواه ابن حبان

في صحيحه/عن أبي يعلي، نا محمد بن أبي بكر المقدسي، نا إسماعيل بن

(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 17 "، ح/74) وأبو داود في (الحمام، باب

" 3 ") والترمذي (ح/2793) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. والبيهقي (7/98)

وابن أبي شيبة (1/106) والحاكم (1/158) وصححاه. وشرح (9/20) والمشكاة

(3100)

وابن خزيمة (72) وابن عدي في " للكامل "(2/745) . وصححه الشيخ الألباني.

(الإرواء: 6/211) .

(2)

صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (2/87) ومسلم في (المساجد، ح/83)

والدارقطني في " سننه "(1/371) والدرامي في " سننه "(1/351) والتمهيد لابن عبد البر

(5/21 والترمذي (ح/396) .

ص: 148

سنان، نا عكرمة يحيى بن عياض بن هلال

فذكره، ولفظه: " لا يقعد

الرجلان على الغائط يتحدثان يرى كل واحد منهما عورة صاحبه، فإن الله

يمقت على ذلك ".

الثاني: قوله في الحسن بن أحمد: صدوق لا بأس به، ففيه أيضا نظر؛

وذلك أنه ممن شرح مسلم حديثه في صحيحه وقال فيه: علي بن الحسن ثقة

مأمون، وقال الخطيب نحوه، فعلى هذا لا يقال فيه صدوق لا بأس به مكتفيا

بذلك عرفا.

الثالث: في تصحيحه هذا الحديث نظر، وذلك أن الذي نقل أبو الحسن

كلامه ذكر طريق مسكين هذه ولم يصححها، وزعم أن أشبه الأقوال

بالصواب حديث عياض بن هلال، فعلى هذا لا يكتفي بجودة الطرائق إذ ثبت

عند الدارقطني تقليله، اللهم إلَّا لو لم تكن مذكورة عنده كأن يقال أنه لم

يروها فأما عند الرواية فلا، والله أعلم.

الرابع: قد وجدنا لهذا الحديث طريقا جيّدة لا مطعن فيها، ذكرها أبو

القاسم الطبراني في الأوسط، فقال: حدّثنا أحمد بن محمد بن صدقة، نا

محمد بن عبد الله محمد بن عبيد بن عقيل المصري، نا جدي عبيد بن

عقيل، نا عكرمة بن عمار عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال عليه

السلام: " لا يخرج الرجلان

" الحديث. قال عكرمة: يعني هكذا إلا

عبيد بن عقيل. انتهى. هذا عبيد روى عنه جماعة، وقال فيه أبو حاتم

الرازي: صدوق، وقال يعقوب: لا أعلم إلَا خيرا، وابن ابنه روى عنه جماعة

أيضا، منهم النسائي، وقال: لا بأس به، ولم أر أحدا من الأئمة تفرض

لتقليلها، والله أعلم.

الخامس: ضبطه اضطراب- بضم الهمزة- فغير صواب؛ لأنّ عكرمة

يضعفه اضطراب فيه كيحيى، لما تقدّم من كلام أبي داود عن ابن خزيمة وأبي

القاسم- رحمهم الله تعالى-.

السادس: عيبه على أبي محمد قوله: لم يسنده إلا عكرمة، فليس بشيء؛

ص: 149

لأنّ عبد الحق خرّج الحديث/من عند أبي داود وهو قائل ذاك كما تقدّم فهو

في ذلك متقلّد لأبي داود، فإن كان عيب فلأبي داود، لا له.

السابع: هو دائمًا يعيب على الإشبيلي أبعاده النجعة، وهنا استعملها لأنّ

الحديث عند أبي الحسن في كتاب العلل كما قدمناه، فذكره من عند ابن

السكن أبعاد للنجعة، ولو كان سبقًا، ولعل قائلًا يقول: إنما ذكره من عنده

لتصحيحه إياه، وليس كذلك؛ لأن أبا علي لم يصححه، إذ لو صححه لكان

مصححًا حديث أبي سعيد، وابن القطّان أبي ذلك؛ ولهذا ذكر حال رجال

إسناده، ويشبه أن يكون عذره في ذلك كون الدارقطني ذكره منقطعًا بلا

إسناد موصل إليه، ومع ذلك فلا عذر له في تركه كلام الدارقطني مع رؤيته

له، والله أعلم، وقد ذكره أيضًا الإِسماعيلي من حديث يحيى بن أبي كثير،

ذكرنا ذلك استظهارًا، ولا يطالبه به، وفي قول أبي داود: هو مرسل إشعار بأن

وصله غير صواب عنده، وإلَّا فالطريق المذكور عنده لا خلاف في رفعها

ووصلها، وأمّا قوله أنّ عكرمة في يحيى ليس بذاك، فقد خالفه في ذلك

الإمام أبو الحسين حيث خرج له عنه في صحيحه- حدّثنا بذلك- واستشهد

البَخاري بحديثه عنه أيضًا في صحيحه، وأما فول من قال: عياض بن عبد

الله، وفي تاريخ البخاري عياض بن أبي زهير، فيشبه أن يكون شيبان؛ لما رواه

عن يحيى نسى اسم أبيه فسمّاه عبد الله، والخلق كلهم عبيد الله، وقول

الأوزاعي: ابن أبي زهير يحتمل أن يكون كنية أبيه، وبهذا وبما أسلفناه تجتمع

الأقوال، ويصير مذهب التهاون والاختلال.

ص: 150

النهي عن البول في الماء الراكد

حدثنا محمد بن رمح، نا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: " نهى أن يبال في الماء الراكد " هذا حديث خرجه

مسلم (1) في صحيحه من حديث الليث/، وكان لا يقبل من حديث أبي

الزبير إلَّا ما كان مسموعا له، فيما ذكره ابن القطان عنه، وذكره الحاكم في

تاريخ نيسابور من حديث سفيان عنه، أنا جابر به، ورواه أبو نعيم من حديث

عباد بن كثير عن أبي الزبير بلفظ: " لا يبولن أحدكم في الماء الراكد الدائم

ثم يتوضأ منه " أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو خالد الأحمر عن ابن

عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبولن أحدكم في

الماء الراكد " وهذا اجتمع على تخرج أصله الأئمة الستة من حديث أبي

هريرة، وحديث الباب أخرجه ابن حبان في صحيحه، ورواه أبو داود عن

مسدد ثنا يحيى عن محمد بن عجلان، فخالف أبا خالد في لفظه، وصرح

بسماعه من أبيه، وسماع أبيه من أبي هريرة، ولفظه: " لا يبولن أحدكم في

الماء الدائم، ولا يغتسل به من الجنابة " (2) . وفي لفظ البخاري: " ثم يتوضأ

منه " وفي لفظ: " نهى أو نهي أن يبول الرجل في الماء الدائم أو الراكد، ثم

يتوضأ فيه أو يغتسل منه " (3) وفي رواية: " أو يشرب منه " وأعاد ابن

(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/94) والترمذي (ح/68) وقال: هذا حديث

حسن صحيح بلفظ: " نهي اًن يبال في الماء الدائم ثم يتوضأ منه "، والنسائي في (الطهارة،

باب " 30، 139 ") واًحمد في " المسند "(2/288، 492، 532، 3/350) الخطيب في

" تاريخه "(4/252، 193/9278، 14/278) وابن ماجة (ح/343) .

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/69) ومسلم في (الطهارة باب " 28 "، ح/95)

وأبو داود (ح/69) والنسائي (1/49) وابن عدي في " الكامل "(3/111) والحميدي (ح/

969) ومعاني (1/14، 15) والشافعي في " المسند "(ح/165) واستذكار (1/253) .

(3)

تقدم من أحاديث الباب، وقد رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 17- باب ما جاء في

كراهية البول في المغتسل، (ح/21) بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في

مستحمه، وقال: إن عامة الوسواس منه ".

ص: 151

ماجة (1) ذكره في باب: الجنب ينغمس في الماء الدائم: حدثنا بلفظ: " لا

يغتسل أحدكم في الماء الدائم " حدثنا محمد بن يحيى، نا محمد بن المبارك،

نا يحيى بن حمزة، نا ابن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبولن أحدكم في الماء الناقع "(2) هذا حديث ضعيف

الإِسناد برواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن

سوارة، ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: كيسان أبو سليمان

القرشي البلوى، ضعيف، ذاهب الحديث، وسيأتي ذكره بعد في باب الوضوء

من سنن البزار- إن شاء الله تعالى- الماء الراكد. هو الدائم الذي لا يجري،

يقال: ركد الماء ركودًا، وركدت الريح سكنت، وركد الميزان إذا استوى،

والناقع المجتمع في فزارة. ذكره الهروي.

قال: وفي الباب عند رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه

مرفوعَا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له: أشعث الأعمى.

(1)

صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 109- باب الجنب ينغمس في الماء

الدائم أيجزئه، (ح/605) . وكذا صححه الشيخ الألباني.

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة وسننها، (ح/345) .

في الزوائد: إسناده ضعيف، ابن أبي فروة اسمه إسحاق، متفق على تركه، وأصله في

الصحيحين، بلفظ:" الماء الدائم ".

قلت: والحديث صحيح بلفظ: " لا يتبُولن أحدكُم في الماء الناقع ". انظر: صحيح أبي داود

(ح/62) والضعيفة (ح/4814) .

ص: 152

التشديد في البول

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب لم

عن عبد الرحمن بن حسنة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده الدرقة

فوضعها، ثم جلس فبال إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبول كما تبول

المرأة، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ويحك أما علمت ما أصاب صاحب بني

إسرائيل؛ كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم، فعذب في

قبره " (1) ، هذا حديث قال فيه الحاكم لما خرجه من حديث سفيان وعبيد

الله بن موسى وزائدة وعبد الواحد بن زياد قالوا: حدثنا الأعمش بلفظ:

" انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ومعه درقة

" (2)

الحديث: هذا حديث صحيح الإِسناد، ومن شرط الشيخين إلى أن يبلغ: تفرد

زيد بن وهب بالرواية عن ابن حسنة، ولم يخرجا هذا اللفظ، وفيما قاله نظر،

بل هو على شرطهما، ولا نظر إلى تفرد زيد؛ لأنهما رويا عن جماعة لم يرو

عن أحدهم إلَّا شخص واحد، وهذا مما وهم عليهما فيه، وقد بيّنا ذلك في

أوهامه في كتاب علوم الحديث، ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلي،

نا أبو حاتم، نا خيثمة، ثنا محمد بن حازم كحديث الباب لا ذكر لعمرو فيه،

وزيد المشار إليه هو ابن وهب الجهني أبو سالم الكوفي، رحل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا

فَقُبِض وهو في الطريق؛ فلذلك عُد من المخضرمين، وإن كان مسلم لم يذكره

فيهم، وزعم ابن منجويه أنه من همدان، وجمع الكلاباذي بين النسبين، ولا

جمع إلَّا أن يكون بخلف أو شبهة، قال أبو سعد: زيد جهني أحد بني

حسل بن نضر بن مالك بن عدي بن الطول بن عوف بن عطفان بن يثرب بن

جهينة بن قضاعة- وبنحوه ذكره الكلبي في الجامع وغيره، حديثه في

الصحيحين، وعبد الرحمن بن حسنة- وهي أمه- وأبو عبد الله بن المطاع بن

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/346) وأحمد في " المسند "(4/196) . وكذا صححه

الشَيخ الألباني.

(2)

قلت: والحديث صحيح بلفظه الثاني: " كما في رواية الحاكم " في " مستدركه ".

و" الدرقة " الترس إذا كان من جلد وليس فيه خشب ولا عصب.

ص: 153

الغطريف بن عبد العزي بن جثامة بن مالك بن ملازم بن مالك بن رُهم بن

سكر بن ميسر، رواه كما رواه منصور، فظهر بذلك ترجيح حديثه على غيره،

ابن العزيز مراجي بن مُرّ/ويقال كان ويقال أنه كان من كندة، وهو أخو

شرحبيل بن حسنة. كذا ذكره البخاري وأبو داود السجستاني في كتاب

الأخوة وأبو زرعة الدمشقي في كتاب الأخوة أيضًا، وأنكر ذلك ابن أبي

خيثمة وبعده اليشكري، وكانت أمه مولاة لعمر بن حبيب بن وهب بن

حذاقة بن جمح، وهاجرت إلى الحبشة؛ فلذلك عدّه ابن شهاب في خلفاء بني

جمح، وقيل: إنّها ليست أمه بل تبنَّته، ونسبه البخاري قرشيًا، ولا منافاة بينه

وبين ما تقدّم؛ لأنه قرشي بالخلف في زهرة، أو بالولاء في جمح، وأمّا من

قال: كندي فبالنسبة إلى نسب أمه، فإنّها منهم، والله أعلم، واختلف في

القائل: " انظروا إليه يبول كما تبول المرأة " فعند أبي داود والعسكري أن

عمرًا وابن حسنة قالا ذلك، وفي كتاب البغوي: فقال بعضنا لبعض، وعند

النسائي: بعض القوم لبعض، وكل ذلك قريب، وفي حديث البغوي والطبراني

زيادة تبيّن معنى الإنكار على أي وجه كان، وهو قوله: " انظروا إليه يبول كما

تبول المرأة " وفيَ لفظة: " إما أن يكون سمع وإما أن يكون أخبر " فإن

الأحاديث المتقدّمة موهمة أنّ ذلك للاستتار أو للجلوس. حدثنا أبو بكر بن أبي

شيبة، نا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس

قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين جديدين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان

في كبير؛ أمّا أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي

بالنميمة " (1) وفي صحيح ابن حبان حديث أبي هريرة بمثل حديث ابن عباس

مطولًا. هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة في كتبهم، وقال

الترمذي: حديث صحيح، وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن

(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 55، 56 "، والجنائز، باب

" 89 "، والأدب باب " 46، 49 ") ومسلم في (الطهارة، ح/111) وأبو داود (ح/20)

والترمذي (ح/70) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (الطهارة، باب " 26،

116 ") وابن ماجة (ح/347) وأبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة (ح/د 2646) .

وشعبة حجة كبير، فروايته تؤيد أن الأعمش رواه على الوجهين معا. ورواه أحمد في " مسنده "

(1/225، 5/35، 39) والدارمي (الوضوء، باب " 61 ") .

ص: 154

عباس، ولم يذكر فيه طاوسا، ورواية الأعمش أصح، وكذا ذكره البخاري

في كتاب العلل، وخالف وأبى ذلك في جامعه الصحيح، فذكر حديث

منصور أثر حديث الأعمش؛ فيحتاج إلى تأويل ذلك بأن يكون ظهر له

ترجيحه بوجه من الوجوه،/وأظن ذلك؛ لأن شعبة روى عن الأعمش كما

رواه منصور. ذكر ذلك أبو موسى المدني في كتاب الترغيب من حديث أبي

داود الطيالسي، نا شعبة به، ولفظه: " أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس،

وأما الآخر فكان صاحب نميمة " (1) وقال أخره: كذا قال عن الأعمش عن

مجاهد عن ابن عباس، والمحفوظ من حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس،

وفي حديث الأعمش الإسماعيلي من طريق شعبة عنه: ثنا مجاهد قال شعبة:

وأخبرني به منصور مثلَ إسناد سليمان وحديثه، فلم أنكره منه، فهذا الأعمش

رواه كما رواه منصور؛ فظهر بذلك ترجيح حديث على غيره، وأما أبو حاتم

البستي فذكر في صحيحه الحديثين جمعيا، وقال: سمع مجاهد هذا الخبر عن

ابن عباس، وسمعه عن طاوس؛ فالطريقان جمعيا محفوظان، ففي هذا شفاء

للنفس وإزالة للبس بتصريحه بسماع مجاهد هذا الحديث من ابن عباس-

رضى الله عنهما- ولولا ذلك لكان لقائل أن يقول أن مجاهدا مدلس، فلو

عدى عنه ذلك أو صرّح بالسماع كنّا نقول: رواه عنهما، وأما ما في هذه

الحالة فنجزم بالانقطاع، وعلى تقدير صحة ذلك لم يكن حديث الأعمش

أصح، إنما يكونا صحيحين، وفي لفظ البخاري: " ثم أخذ جريدة رطبة

فشقّها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟

قال: لعله يخفّف عنهما ما لم ييبسا " (2) . وفي رواية: " وما يعذبان في

كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما " (3) وفي لفظ مسلم: " لا يستنزه عن

البول- أو من البول- " مع لفظ لأبي داود و" يستتر " مكان يستنزه، وفي

لفظ للبخاري: " يستبرئ " زاد ابن الجوزي في قصة يوسف- عليه السلام

فأورق كل واحد من الفصين واخضر وأورق من ساعته، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم

وقال: " رفع عنهما العذاب بشفاعتي "(4) .

(1) انظر: الحاشية السابقة ص 154.

(2- 4) انظر: الحاشية قبل السابقة.

ص: 155

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عفان، نا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي

هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثر عذاب/القبر من البول "(1) هذا حديث صحيح

الإسناد، قال الشيخ ضياء الدين المقدسي لما ذكره: إسناده حسن، وما أعلم بأن الحاكم

حَكم بصحته على شرط الشيخين، قال: ولا أعرف له علّة، وله شاهد من حديث أبي

يحيى: " عامة عذاب القبر من البول "(2) ، وصححه أيضًا البخاري- رحمه الله،

حدّثنا أبو بكر بن شيبة، نا وكيع، نا الأسود بن شيبان، حدثني ابن مرّار عن جدّه أبي

بكرة قال: " مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبر فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما

فيعذب في البول، وأما الآخر فيعذَّب في الغيبة " هذا حديث معلّل (3) بأمرين:

الأول: الاختلاف في حال ابن مرّار، واسمه بحر بن مرار بن عبد

الرحمن بن أبي بكرة، يكنى أبا معاذ، ثقفي بصري، روى عنه الأسود

ويحيى بن سعيد القطان وأثنى عليه خيرَا، وكذا قاله ابن بشر، وسيأتي عن

ابن حبان وغيره عكسه، والله أعلم، وروى عنه أيضا شعبة وحماد بن زيد،

وقال فيه ابن معين وابن ماكولا وقال البزار: مصري معروف، وقال النسائي

في التمييز: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: تغير، وقال ابن حبان: اختلط

بآخره حتى كان لا يدري ما يحدث، فاختلط حديثه الأخير بالقديم، ولم

يتميز ذكره يحيى بن سعيد القطان في تاريخ البخاري عن القطان رأيت بحرا

اختلط بآخره حتى كان لا يدري ما يقول يحدّث، فاختلط حديثه الأخير

بالقديم ولم يتميز. ذكره يحيى بن سعيد القطان.

الثاني: انقطاع ما بين بحر وجدِّ أبيه فإنه لم يسمع منه شيئا ولا أدركه

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/348) في الزوائد: إسناده صحيح، وله شواهد. والحاكم

في " المستدرك "(1/183) وصححاه. والدارقطني (1/128) بإسناد صحيح، والترغيب (1/

139) ونصب الراية (1/128) والفتح (1/318) والخفاء (1/201) وأبن أبي شيبة في

" مصنفه "(1/122) . وصححه الشْيخ الألباني

(2)

ضعيف. رواه الحاكم (1/184) والمجمع (1/207) وعزاه إلى " البزار " و" الطبراني في

الكبير " وفيه أبو يحيى الفتات ، وثقة يحيى بن معين في رواية، وضعفه الباقون. قلت: وعلى

قول الهيثمي فالحديث ضعيف.

(3)

انظر: العلل: (ح/1081) . ولمعرفة علْة الضعف، انظر: كلام المصنف.

ص: 156

إنّما يروي عن جدّه عبد الرحمن بن أبي بكرة كذا ذكره البزار وغيره، ولو

سكت أبو عبد الله ابن ماجة عن تغير الجدّ لحمل على عبد الرحمن وكان

الحديث مرسلا، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق متصلة وقال ابن معِين

ومن تابعه تكون صحيحة، ذكرها البخاري في تاريخه الكبير فقال: نا مسلم،

نا الأسود بن شيبان، نا بحر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: حدّث أبو

بكرة/قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " صاحبا القبر يُعذّبان بلا كبير: الغيبة

والبول ". نا الجعفي، نا عبد الصمد، نا الأسود، نا بحر عن عبد الرحمن بن

أبي بكرة، ونا إسحاق قال: نا عبد الصمد، نا الأسود، نا بحر بن مرار

يحدّث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: " كنت مع النبي- عليه

السلام

" الحديث. وبنحوه ذكره الطبري في الكبير (1) وابن رافع

والعسكري، فهذا كما ترى مصرح فيه بالسماع عن جدّه عن أبيه، والله تعالى

أعلم، ولماّ ذكره الدارقطني في العلل قال: الصواب قول من قال: عن عبد

الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي بكرة يعني عن أبي بكرة- وقال

الترمذي- (2) أثر حديث ابن عباس وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة

وأبي هريرة وأبي موسى وابن حسنة، واغفل حديث عائشة المذكور عند

الدارقطني، وحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا:" أني أظن منه عذاب القبر "

يعني البول. ذكره البزار (3) ، وحديث يعلي بن شبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم " مرّ بقبر

يعذّب صاحبه فقال: إنَّ هذا القبر يعذب صاحبه في غير كبير " ذكره

الطبراني (4) واين أبي شيبة الحديث، وحديث أبي أمامة الباهلي وأبي رافع.

(1) قوله: " الكبير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(2)

سنن الترمذي: (1/103) تحت (ح/70) ، 53- باب ما جاء في التشديد في البول،

من أبواب الطهارة.

(3)

ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/208) وعزاه إلى " البزار " وفيه

يوسف بن خالد السمتي، ونسب إلى الكذب.

(4)

ضعيف جدًا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/207) بنحوه من حديث عائشة.

وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " ورجاله موثوقون إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن

جعفر الوكيعي المصري، فإني لم أعرفه.

ص: 157

ذكرهما أبو موسى المصري في كتاب الترغيب والترهيب، وحديث ميمونة.

ذكره أبو القاسم في الأوسط، وحديث جابر بن عبد الله. ذكره بحشل في

تاريخه من حديث الأعمش عن أبي سفيان عنه: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطَا

لأمه ميسرة، وإذا بقبرين، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين، ثم وضع واحدة

على أحد القبرين والأخرى على الآخر، ثم قال: لا يرفعان عنهما العذاب حتى

يجفّا، فقيل: يا رسول الله في أي شيء يعذبان؟ فقال: أما أحدهما فكان

يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول " (1) رواه عن موسى بن

شبيب. نا عبد الله بن موسى، نا أبو إسرائيل عن الأعمش، وحديث أنس بن

مالك: " مرّ النبي- عليه السلام بقبرين من بني النجّار يعذبان في النميمة

والبول، فأخذ سعفة رطبة فشقها نصفين، فجعل على ذا القبر نصفَا، وعلى ذا

القبر شقا، وقال: لا يزال يخفف عنهما العذاب/ما داما رطبتين " (2) ، نا به

المسند المعمر حسن بن عمر بن خليل، قرأة علينا من لفظه، نا ابن الليث، قرأة

عليه وأنا حاضر في الرابعة، نا ابن النحاس، نا السراج، قرأة عليه، نا ابن

شبادان قرأة عليه نا أبو عمر وعثمان بن أحمد الدقاق، قرأة عليه، نا حسين بن

حميد بن الربيع، ثنا عبيد بن عبد الرحمن، نا عيسى بن طهمان عن أنس

فذكره، وحديث ميمونة راويه ليس بثقة: " أشدّ عذاب القبر في الغيبة

والبول " ذكره ابن المنذر، وحديث عائشة: " مرّ النبي- عليه السلام

بقبرين يعذّبان، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، كان أحدهما لا

يستنزه من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة

"

الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبيدة بن حميد عن منصور

= قلت: ولقد بحثت عن محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري في التاريخ الكبير

للبخاري فلم أجده، وكذلك في الثقات لابن حبان، وكذلك في الجرح والتعديل للرازي، فلم

أقف له على ترجمة، قلت: فلعله مجهول، ولم نعرف له إلا اّنه كان شيخا للطبراني.

(1)

قلت: " ألفاظ هذا الحديث غير واضحة "" من نسخة الأصل " وأثبتنا بعضه من " مجمع

الزوائد " (1/208) . قلت: ولعله صحيحا، بل هو حسن، وإسناده ضعيف.

(2)

ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(2/208) وعزاه إلى أحمد والطبراني في

" الأوسط " وفيه عبيد بن عبد الرحمن، وهو ضعيف.

ص: 158

عن أبي وائل عن مسروق عنها، وقال: لم بروه عن منصور إلا عشرة. تفرّد

به علي بن جعفر الأحمر- يعني شيخ شيخه موسى بن أحمد الكوكبي-

وحديث عبد الله بن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور ومعه جريدة رطبة

فشقها باثنين، ووضع واحدة على قبر والأخرى على قبر آخر، ثم مضى، قلنا:

يا رسول الله لم فعلت ذلك؟ فقال: أما أحدهما فكان يعذب في النميمة، وأما

الآخر فكان لا يقي البول، ولن يعذبا ما دامت هذه رطبة " (1) ذكره أبو

القاسم في الأوسط من حديث غسان بن الربيع، نا جعفر بن ميسرة عن أبيه

عنه قال: لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإِسناد، والقبر جمعه

قبور في الكثرة، وفي القلة أقبر، واستعمل مصدرًا، قالوا: قبرته أقبرة قبرًا وفي

الغريبين قبرته ودفنته وأقبرته: جعلت له قبرًا، وقال القزاز: موضع قبر، ومن

أسمائه أيضًا فيما ذكره ابن السكيت في كتاب الألفاظ، وأبو هلال العسكري

في التلخيص: أنجدت والمنهال والجدف والرمس والرَمس والجباب والقريح

واللحد، وفي هذه الأحاديث وغيرها إثبات عذاب القبر على ما هو المعروف

عند أهل السنة، واشتهرت به الأخبار، ولم تخالف في ذلك إلا المعتزلة، كذا

رأيت جماعة من العلماء ذكروا/عند كلامهم على هذا الحديث وشبهه،

ويشبه أن يكون ذلك وهمًا منهم على المعتزلة؛ لما ذكره القاضي عبد الجبار له

عن المعتزلة، ومصنفهم في كتاب الطبقات من تأليفه إن قيل: إنّ مذهبكم

أدَّاكم إلى إنكار عذاب القبر وهو قد أتفّقت (2) عليه الأمة، وظهر فيه الآثار

والدلائل قيل أن هذا الأمر إنّما أنكره أولًا ضرار بن عمرو، ولما كان من

أصحاب واصل ظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك بل

المعتزلة رجلان: أحدهما يجوز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني يقطع

بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك إنّما ينكرون قول طائفة من الجهلة أنّهم

يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك، وبنحوه قاله أبو عبد الله

المرزباني في كتاب الطبقات أيضًا، واختلف في فتنة القبر؛ هل هي للمسلمين

(1) منكر. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1 لم 208) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "

وفيه جعفر بن ميسرة، وهو منكر الحديث.

(2)

قوله: " اتفقت " وردت " بالأصل "" أطبقت " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 159

أو للكافرين! فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أن لا تكون إلا لمؤمن أو منافق

من أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه، وبنحوه قاله الحكيم أبو عبد الله

الترمذي في نوادر الأصول، وخالفهم أبو محمد الإشبيلي فزعم أنها تعم المؤمن

والمنافق والكافر، واختاره القرطبي في التذكرة قال: وقد اختلف في هذين

المعذبين- أعني اللذين في حديث ابن عباس- هل كانا من أهل القبلة أم لا،

فقال: إن كانا منها فالمرجو لهما بذلك تخفيف العذاب عنهما مطلقا، وإن

كانا كافرين فالمرجو تخفيف العذاب المطلق بهذين الديتين المذكورين، أما

قوله: إن كانا كافرين إلى آخره، فهو طريق الشكّ، وهو قول مسنده فيما

أظن، والله أعلم. حديث رواه أبو موسى المدني في كتاب الترغيب والترهيب

من حديث ابن لهيعة عن أسامة بن زيد عن أبي الزبير عن جابر قال: " مر

نبي الله صلى الله عليه وسلم على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية،/فسمعها، يعذبان

في البول والنميمة " (1) . كذا قال: هذا حديث حسن وإن كان إسناده ليس

بالقوي؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته لهما إلى أن ييبسا معنى،

ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز من عطفه ولطفه صلى الله عليه وسلم حرمهما من ذلك

فشفع لهما إلى المدّة المذكورة، والله أعلم وقد نا بحديث أبي الحسن

البغدادي، أنا شهرة قرأه عليه وأنا أسمع، نا الحسن بن طلحة الثعالبي قرأه عليه

ونحن نسمع، نا أبو القاسم الحسن بن الحسن المسندي، أنا أبو علي البردعي،

نا أبو بكر بن أبي الدنيا محمد بن علي، نا النضر بن شميل، نا أبو الغرام-

واسمه عبد العزيز بن ربيع الباهلي- نا أبو الزبير عن جابر، ولفظه غير اللفظ

الذي ساقه أبو موسى قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرنا، فأتى على قبرين

يعذب صاحباهما فقال: إنهما لا يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يغتاب

الناس، وأمّا الآخر فكان لا يتبارى من بوله، ودعا بجريدة

" الحديث.

ولفظ أبي القاسم في الأوسط أخرجه من حديث ابن لهيعة عن أسامة بن زيد

عن أبي الزبير عن جابر: " مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبور نساء من بني النجار

هلكن في الجاهلية، في. فسمعهن يعذبن في النميمة، فأتى بجريدة " (1) عن

(1) تقدم في أحاديث الباب.

ص: 160

أسامة، إلا أنّ ابن لهيعة ولئن كان كذلك فهو تصريح لا شك فيه، ولكن يعلو

عليه ما جاء في حديث ابن عباس في بعض ألفاظه: " من مر بقبر من قبور

الأنصار، وبنو النجار من الأنصار " فيحتمل أن يكون الراوي قاله بالمعنى

الأول، والأنصار لفظة إسلامية لم يعرف بها مُسمى في الجاهلية؛ ولذلك قال

النعمان بن بشير الأنصاري- رضى الله عنهما- يخاطب عمرو بن العاص./

يا عم ولا تعد الدعاء فما لنا نسب يحدث فيه سوى الأنصار نسب تخيره إلَا

له لصحبنا أثقل به نسبًا على الكفار، وحديث القبرين الجديدين وفي حديث

مسلم: " فأحببت بشفاعتي أن تخفف ذلك عنهما "، والشفاعة لا تكون إلا

لمؤمن وفي الصحيحة، كونهما جديدين، وأما رواية: " من رفيق المدينة أو

مكة وهو البخاري في الصحيح، فيحتمل أن يكون سهوا من أحد الرواة،

وقد استدرك ذلك أبو عبد الله؛ فذكره في كتاب الأدب على الصواب المدينة،

وقوله: وما يعذبان في كبير تحمل معنيين، والذي يجب أن يحمل عليه منهما

أنَّهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز عنه، وأنه سهل يسير على

من يريد التوفي منه، ولا يراد بذلك أنه صغير من الذنوب؛ لأنه ورد في

الصحيح وإنه لكبير، قال الماوردي: والنميمة قد تكون من الكبائر؛ فيحتمل

على أنه يريد به في كثير علمهم تركه- وإن كان كبيرًا عند الله تعالى- ولا

شك أن النميمة كبيرة، قال: المنهي عنه على ثلاثة أنحاء؛ منه ما يشق تركه

على الطباع، كالبلاد المنهي عنها، ومنه ما ينبو عنه الطبع ولا تدعو إليه،

كالنهي عن قتل نفسه وغيره، ومنه ما لا مشقة فيه على النفس في تركه، فهذا

القسم مما يقال فيه ليس بكثير على الإنسان تركه، وقال عياض: قوله وما

يعذبان في كبير إذا كبير عندكم، كقولهَ تعالى: (وتحسبونه هينًا وهو مند

الله عظيم) (2) أو سبب ذلك أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان

الصلاة، وتركها كبيرة، وأما النميمة فقد تكون كبيرة، ولا سيما إذا تكررت،

وبذلك أشعر قوله: كان يمشي بالنميمة، وفي كتاب الإحياء للشيخ أبي

حامد- رحمه الله تعالى- إنما تطلق في الأكثر على من يتم قول الغير إلى

(1) تقدم ذكره في: " الحاشية السابقة ".

(2)

سورة النور آية: 15.

ص: 161

المقول فيه، كما يقول: فلان يتكلّم فيك بكذا، وليست النميمة مخصوصة

هذا بل؛ حدّ النميمة/: كشف ما يكره/كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو

المنقول إليه، وسواء أكان ذلك بالكتابة أو الرمز أو الإِيماء، فحقيقة النميمة

إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه؛ فلو رآه يخبئ مالا لنفسه فذكره

فهو نميمة، وكلّ من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك أو يفعل

فيك كذا فعليه ستة أمور:

الأول: أن لا يصدقه؛ لأن النمّام فاسق.

الثاني: ينهاه عن ذلك.

الثالث: يبغضه في الله.

الرابع: لا يظن بأخيه الغائب سوغا.

الخامس: لا يحمله ما حكاه له على التجسس والبحث عن ذلك.

السادس: لا يرضى لنفسه ما نهى عنه النّمام، فلا يحكي بنميمة عمه

فيقول: فلان حكى كذا؛ فيصير نمّاما؛ لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك

إذا فعلت عظيم، فإن كانت النميمة في مصلحة، فلا مانع منها وذلك كما

إذا أخبره أن إنسانا يريد الفتك به أو بأهله أو ماله، أو أخبر الإمام أو من له

ولاية أنّ إنسانًا يسعى بما فيه مفسدة؛ فيجب على صاحب الولايةَ الكشف عن

ذلك وإزالته، فكلّ هذا وشبهه ليس بحرام، وقد يكون بعضه واجبًا وبعضه

مستحبا على حسب المواطن. انتهى. أهل اللغة يفرقون نميت- مخففة-

ونميت- مشدّدة- فالأول إذا بلغته على وجه الإصلاح، والخبر الثاني على

وجه الإِفساد، ولم يبين الشيخ أبو حامد ذلك فيَ كلامه، فليس على من لا

يعرف اشتقاق التمهيد، والله أعلم.

وأما حديث أبي بكرة: " فيعذّب في الغيبة " فالغيبة مخالفة للتمهيد؛ إذ هي

ذكر المرء بسوء فيه من رواية، وفي قول الشيخ أبي حامد: النميمة هتك الستر

معنى من معاني الغيبة؛ لأنك إذا ذكرنه بسوءٍ فقد هتكت ستره بذكرك ذلك،

وإذا كان كذلك كانا بمعنى واحد، ويكون الراوي يمح في هذا المعنى، وقوله:

ص: 162

" من البول " يؤخذ منه نجاسة/الأبوال مطلقَا، قليلها وكثيرها، إلا ما عفا عنه

الشّارع- صلوات الله عليه وسلامه- وأما لعلّ فهو حرف لتوقع مرجو أو

مخوِّف، وفيها لغات: لعلّ وعن ولعنّ وأنّ ولأنّ، وفيه دليل على انتفاع الميت

بتلاوة القرآن العظيم أخذًا من غرز العسيب، فإذا انتفع بتسبيح النبات فقراءة

القرآن من الإِنسان أولى، وفي الصحيح للبخاري (1) : " أوصى بريرة أن

يجعل في قبره جريدتان تبركًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك " واختلف فْي وصول

ثواب القرآن العظيم للميت؛ فمذهبنا ومذهب أحمد وصول ذلك إليه، وأبي

ذلك جماعة من العلماء مستدليّن بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلَّا ما

سعى) (2) وبقوله عليه السلام: " إذا مات المرء انقطع عمله

" (3) والكلام

في ذلك يأتي بعد في كتاب الجنائز- إن شاء الله تعالى.

وأمّا الدرقة، فهي ضرب من الترسة تتخذ من جلود دواب تكون في بلاد

الحبشة، والجمع درق وأدراق. قاله القزاز، وفي الصحاح: هي الجحفة إذا

كانت من جلود ليس فيها خشب ولا عقب، وأما بنو إسرائيل فهم أولاد

يعقوب- عليه السلام وهو اسم عبراني، وفيه لغات: إسرائيل بكسر أوله

والمدّ والباء بعد الراء والهمزة، وقيل كذلك إلَّا أنّه بغير همز وبيائين، وقيل:

بفتح أوله مع الوجوه الثلاثة وقيل: إسرائيل بغير مدّ ولا ياء بكسر أوّله وقد

يفتح، وقيل: بكسر الهمزتين بغير ألف بعد الراء، وقيل كذلك إلا أنه بياء من

غير همز، وقيل: بدلا عن إعلام على الوجوه كلها، وقيل غير ذلك. ولا

خلاف أن " إِيْل " هو اسم الله تعالى في اللغة العبرية.

(1) صحيح- رواه البخاري: في: كتاب الجنائز، بأب (82) .

(2)

سورة النجم آية: 39.

(3)

صحيح. رواه مسلم في (الوصية، ح/14) وأبو داود (ح/2880) والترمذي (ح/

1376) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ونصب الراية (3/159) وإتحاف (1/114، 5/

22، 9/87) وابن كثير (6/551، 7/409) والبغوي (1/220) والترغيب (1/99،

110، 118) وتلخيص (6813) والمغني عن حمل الأسفار (1/12، 2/23) والخفاء (1/

105) والبداية (11/27) .

ص: 163

واختلف في " إسراء " فزعم السهيلي أنله عبد، وقيل: صفوة، وقيل: هو

مركب من عجمي وعربي معناه: أسرى إلى الله، وذلك أن يعقوب- عليه

السلام- أسرى ليلة في الهجرة إلى الربّ- سبحانه/وتعالى- فسمى إسرائيل

بذلك، والله أعلم.

***

ص: 164

الرجل يسلم عليه وهو يبول

حدّثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، نا روح بن عبادة عن سعيد عن قتادة

عن الحسن عن حصين بن المنذر بن الحرث بن وعلة عن ساسان الرقاشي عن

المهاجر بن منقذ بن عمير بن جدعان قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ

فسلّمت عليه، فلم يرد علي، فلما فرغ من وضوئه قال: إنه لم يمنعني من أن

أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء " (1) هذا حديث قال فيه الحاكم لما

أخرجه في مستدركه من حديث عبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الله بن

خيران قالا: نا سعيد به هذا حديث: صحيح على شرط الشيخين ولم

يخرجاه بهذا اللفظ وفيه نظر من، وجهين:

الأول: حصين من أفراد مسلم، لم يخرج له البخاري شيئًا.

الثاني: ينظر في سعيد؛ فإنه ممن اختلط اختلاطًا قبيحًا ولا نعلم من سمع

منه أخيرًا، ولم يذكر الحديث من رواية غيره ليكون ضائعًا له، والله أعلم.

وذكره ابن حبان في صحيحه عن ابن خزيمة: نا محمد بن المثنى، نا عبد

الأعلى به، ورواه أبو أحمد العسكري من حديث مكي بن إبراهيم عن

سعيد، وزاد: " ولا تسلم علي وأنا في مثل هذه الحالة، فإنّك إن سلّمت علي

لم أرد عليك " (2) وذكر البغوي في معجمه أن معاذ بن معاذ رواه عن قتادة

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في (ح/350) وأحمد في " المسند "(4/345، 5/80) والحاكم

وصححه. وأبو داود (331) : حدثنا جعفر بن مسافر، ثنا عبد الله بن يحيى البرلسي، ثنا حيوة بن

شريح، عن ابن الهاد، أن نافعا حدّثه عر. ابن عمر قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط فلقيه رجل

عند بئر جمل، فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على

الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام. قلت: والحديث صحيح لوجود

المتابعات.

(2)

صحيح وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 37 "(ح/352) .

في الزوائد: إسناده واه فإن سويد لم يتفرد به. وتمام لفظه: " أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم

وهو يبول؛ فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم

علي،. فإنك إن فعلت في ذلك، لم أرُد عليك ".

ص: 165

عن حصين من غير ذكر، قال: ورواه الخفاف، فأثبت فيه الحسن. كذا قال

البزار، وذكر رواية معاذ عن ابن مثنى عنه بثبوت الحسن، وكذلك ذكر أبو

القاسم في الكبير من حديث معاذ بن هشام، فالله أعلم، وهذا الحديث

معدود مما جرّده قتادة، ورواه عنه شعبة والدستوائي مما رواه ابن أبي عروبة

وذهب ما كنا نخشاه من اختلاطه فكأنه غير موجود، والله أعلم، وقد روي

عن الحسن عن مهاجر من أسلافهما. ذكره الطبراني، قال ذلك عنه حميد

ويونس وعبيد الله بن المختار وزياد الأعلم وأبو عبيدة بن مجاعة والحسن بن

دينار فيما ذكره ابن قانع ولفظه: " فقمت مهمومًا " /. فدعا بوضوءٍ فتوضَّأ

ورد عليّ وقال: " إني كرهت أن أذكر الله تعالى وأنا على غير وضوء " رواه

أبو عبيدة (1) الناجي وهو ليِّن الحديث عن الحسن عن البراء مخالفا لرواية

الجميع، وحصين هذا بضاد معجمة اسم مفرد فيما قاله البرذكي، وقيل فيه

بضاد مهملة، وهو قليل، كنيته أبو محمد، ولقبه أبو ساسان فيما ذكره الحاكم

وأبو حاتم والسراج قْي مسنده، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي، وفيه

يقول: وكنت رأيته بمكة وعليه راية سوداء يخفق طلها إذا قيل قدمها حضين

تقدّما، وأما المهاجر فاسمه عمرو، قال العسكري: سُمّي بذلك لما قَدم على

النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال عليه السلام:" هذا المهاجر حقًا " وبنحوه قاله

ابن سعد بن منقذ، واسمه خلف، قال الطبراني: يقال له: سارب الذهب

أيضًا ابن عمير بن جدعان. حدّثنا هشام بن عمار، نا مسلم بن علي، نا

الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " مرّ

رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلّم عليه فلم يرد، فلما فرغ ضرب بكفيه

الأرض فتيمم ثم ردّ عليه السلام " (2) هذا حديث قال فيه أبو القاسم الطبراني

وفي " صحيح ابن ماجة " أورده الشيخ الألباني بعدما صحح إسناده.

(1)

أبو عبيدة الناجي، ضعفه أبو داود، وهو بكر بن الأسود، روى عن الحسن وابن سيرين.

فال النسائي: " ليس بثقة ". وقال ابن معين: " كذاب " وقال مرَة: " ضعيف " (المغني:

1/112/965) . وفي اللسان: ضعيف، لا يستحق التكذيب.

(2)

ضعيف. ج، رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 27 "(ح/351) .

في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف مسلمة بن عليَ، وقال البخاري وأبو زرعة:

ص: 166

لما ذكره في الأوسط من حديث هشام: لم يروه عن الأوزاعي إلا مسلمة.

تفرّد به هشام، ومسلمة الخشني الدمشقي كان يسكن البلاط، روى عنه

جماعة كثيرة، قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال الدارقطني والنسائي

والأزدي: متروك الحديث، وفي موضع آخر قال النسائي: ليس بثقة، وقال

دحيم وابن معين: ليس بشيء، وقال يعقوب بن سفيان: لا ينبغي لأهل العلم

أن يشغلوا أنفسهم بحديثه، وفي موضع آخر: ضعيف الحديث، وقال

الحاكم: أبو أحمد ذاهب الحديث، وقال ابن يونس قدم مصر وسكنها

وحدّث بها ولم يكن عندهم بذلك في الحديث وتوفى بها سنة تسعين ومائة،

وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا نشتغل به، وقال ابن حبان:

يقلب الأسانيد، وروى/عن الثقات ما ليس من حديثهم توهما، فلما فحش

ذلك مه بطل الاحتجاج به، وقال الآجري عن أبي، داود: غير ثقة ولا مأمون،

والله أعلم. حدّثنا سويد بن سعيد، نا عيسى بن يونس عن هاشم بن البريد

عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن لمجد الله: " أنّ رجلا مرّ على

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتني على

مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أردّ عليك " (1) . هذا

حديث إسناده لا بأس به. هاشم وثقة ابن معين وابن حبان، وقال الإِمام

أحمد: لا بأس به، وابن عقيل، تقدّم ذكره، وأن جماعة كانوا يحتجون

بحديثهم منهم: أحمد، وإسحاق، مع ما عضد حديثه من المتابعات في

الشواهد، والله أعلم. حدّثنا عبد الله بن سعيد والحسين بن أبي السري

منكر الحديث، وقال الحاكم: يروي عن الأوزاعيَ وغيره المنكرات والموضوعات.

وقال السدي: لكن الحديث جاء من رواية أبي الجهيم وابن عمر. رواه أبو داود في باب

التيمم. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/276) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "

و" الكبير " وقال: تفرد به الفضل بن أبي حسان، قلت: ولم أجد من ذكره.

قلت: والحديث صحيح بلفظ: " الجدار " مكان " الأرض'. انظر: صحيح أبي داود للشيخ

الألباني، 256: ق.

(1)

صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 27 "، (ح/352) .

في الزوائد: إسناده واه- فإن سويدا لم ينفرد به. قلت: وللحديث تابع صحيح ارتقى به

الحديث إلى درجة الصحة. انظر: صحيح ابن ماجة للشيخ الألباني.

ص: 167

العسقلاني قالا: حدّثنا أبو داود عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع بن

عمر: " مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه "

هذا حديث أخرجه مسلم (1) في صحيحه، وقال فيه الترمذي:(2) صحيح، وهو

أحسن شيء في الباب، وقال ابن مندة: هذا إسناد صحيح أخرجه الجماعة إلا

البخاري للضحاك بن عثمان، وأخرجه أيضًا أبو عوانة في صحيحه، وقال أبو

داود: فإنّه أخرجه وروى عن ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: " تيمّم ثم ردّ

على الرجل السلام " (3) وفي الأوسط لأبي القاسم ما يدل على أن الضحاك

رواه عن نافع مختصرًا، وهو ما رواه من حديث محمد بن ثابت عن نافع

قال: " انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر

حاجته من ابن عباس، وكان حديثه يومئذ أن قال: مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم

وهو في سكة من السكك وقد خرج من بول أو غائط، فسلّم عليه ولم يرد

عليه السلام، حتى إذا كان الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على

الحائط فمسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى/بيده على الحائط فمسح ذراعيه

ثم رد على الرجل السلام، وقال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن

على طهر " (4)، وقال: لم يروه بهذا التمام عن نافع إلا محمد بن ثابت،

وسيأتي له مزيد بيان في كتاب التيمم، وأن أبا داود أخرجه، ورواه الإِمام

الشافعي- رضى الله عنه- في مسنده (5) عن إبراهيم عن محمد: أخبرني أبو

بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر: " أن رجلًا مر على

(1، 2) تقدّم من أحاديث هذا الباب. ص 165.

وفي لفظ مسلم (المساجد، ح/37، 38) : " إنه لمَ يمنعني أن أكلمك إلا إني كنت أُصَلي ".

(3)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب للطهارة، باب " 123 "، (ح/331) .

(4)

حسن. رواه أبو داود (ح/330) والبيهقي في " الكبرى " (1/90، 206 قال أبو داود:

لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه فعل ابن عمر.

والمشكاة (ح/466) والنشور (1/306، 307) وشرح السنة للبغوي (2/116) والكنز

(25317)

الخطيب في " تاريخه "(13/136) والدارقطني في " سننه "(1/177، 397) .

(5)

صحيح. رواه الشافعي (ح/11) والشفع (60) .

قلت: وللحديث طرق وشواهد صحيحة إذا كان قد أبرم المصنف صحته لضعف إسناده.

ص: 168

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه الرجل، فرد عليه السلام فلما جاوزه نادوا

النبي عليه السلام فقال: إنما حملني على الردّ عليك خشية أن تقول أني

سلّمت على النبي- عليه السلام فلم برد علي، فإذا رأيتني على هذه الحال

فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أردّ عليك " وهذا لو صح إسناده وسلم من

إبراهيم لكان مخالفًا للأول، ولَكنّه عديم الصحة، وفد وقع لنا من طريق سالما

به من إبراهيم ذكرها البزار في مسنده، فقال: نا سعيد بن سلمة، نا أبو بكر،

فصح الحديث والمخالفة؛ ولهذا قال عبد الحق أثر هذا أبو بكر هذا فيما أعلم،

وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، روى عنه مالك وغيره،

وهو لا بأس به، ولكن حديث مسلم أصح، ولعلّه كان ذلك في موطنين، وإّنما

قال ذلك لأجل المعارضة الظاهرة، واعترض عليه أبو الحسن بن القطان بأن

قال ما قاله عبد الحق تصحيح للخبر مطلقا نطقا لا سكوتا، وإن كان رجح

عليه حديث مسلم، فقد يُرجح في ذلك، والتمس له مخرجًا تجعله إيّاه في

موطن آخر وقصة أخرى، وهذا الذي ذكره في أبي بكر ينبغي أن يتوقف فيه،

فإنه لا يعلم منه أكثر من أنه من ولد عبد الله بن عمر؛ فمن أين له هدْا

النسب؟ وأنّه الذي روى عنه مالك، وقد كان مانعا له من أن يقول ذلك لو

ثبت أنَّ الذي في الإِسناد يروى عن نافع، والذي توهمه أنه معلوم الرواية عن

ابن عمر، روى عنه مالك ابن طهمان وإسحاق بن شارقي وعبد الله بن عمر.

انتهى كلامه، وفيه نظر، وذلك أنَّ عبد الحق- رحمه الله تعالى- احترز

بقوله: فيما أعلم، فعلم من هذا الإِيراد لكونه لم يجزم به، وعلى ذلك فهو

كما قاله./صرّح بذلك الإِمام الشافعي كما سبق، وناهيك به جلالة ونُبلا،

ولعل قائلا يقول: إنّما ساق نسبه إبراهيم، وهو ضعيف لا يحتج به، فلو

استظهرت على ذلك بكلام عنه لثلج بذلك الصدر، فيقال له. قد ذكر ذلك

غير واحد في مصنفه؛ منهم ابن الجارود في كتاب المنتقى، فقال: نا محمد بن

يحيى، نا عبد الله بن رجاء، نا سعيد- يعني ابن سلمة- حدّثني أبو بكر بن

عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب

فذكره، وكذلك أبو

العباس السراج في مسنده، فقال،: نا محمد بن إدريس، نا ابن رجاء نا سعيد

نا أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن

ص: 169

نافع

فذكره فذهب بحمد الله ما توهمه على ابني محمد، وصحَّ بما

ذكرناه الحديث؛ لأن سعيدا وأبا بكر حديثهما في الصحيح، والله أعلم. وأما

المعارضة فيحتمل أن يكون الرد كان بعد التيمم، كما جاء في رواية غير أبي

بكر عن نافع، وزعم الطحاوي في شرح الإمام أن حديث المنع من رد السلام

منسوخ بآية الوضوء، وقيل بحديث عائشة: " كان يذكر الله تعالى على كل

أحيانه " (1) .

وقد جاء ذلك مصرحا به في حديث رواه جابر الجعفي عن عبد الله بن

محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الغفراء عن أبيه قال:

" كان النبي- عليه السلام إذا أراد الماء نكلّمه فلا يكلّمنا، ونسلم عليه فلا

يسلم علينا، حتى نزلت آية الرخصة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى

الصلاة

" (2) .

وزعم الحسن أنه ليس منسوخا، وتمسك بمقتضاه فأوجب الطهارة للذكر

ومنعه للحدث، ثم ناقض بإيجابه للتسمية للطهارتين، فإنه مستلزم لإيقاع الذكر

حالة الحديث، وروى عن عمر إيجابه الطهارة للذكر، وقيل: يتأوّل الخبر عني

الاستحباب؛ لأن ابن عمر راويه رأى ذلك، والصحابي الراوي أعلم بالمقصود،

وهو حسن إن لم يثبت حديث جابر الجعفي لتضمنه الجمع بين الأدلة، وفي

حديث جابر بن سمرة ذكر الوضوء لا التيمم. ذكره أبو القاسم في الأوسط

من حديث الفضل بن أبي حسان، نا عمرو بن حماد بن طلحة العناد، نا

(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/83، 163) ومسلم في (الحيض باب " 30 " رقم

" 117 "(وأبو داود (18) والترمذي (ح/3384) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من

حديث يحيى بن زكريا بن زائدة، وابن ماجة (ح/302) وأحمد في " المسند " (6/70،

153، 278) والبيهقي في " الكبرى "(1/90) وأبو عوانة (1/217) وإتحاف (6/287، 7/

110) والكنز (17980) وشرح السنة (2/44) والفتح (2/114) والقرطبي (4/310)

والمشكاة (456) وتغليق (172، 173، 269) والمعاني (1/مه، 91) . وصححه الشيخ

الألباني (الإرواء: 2/244) .

(2)

سورة المائدة آية: 6 راجع تفسير القرطبي: (4/2088) طبعة الريان. قلت: وهذا إسناد

ضعيف؛ لضعف جابر الجعفي.

ص: 170

أسباط بن نصر عن سماك/بن حرب عن جابر بن سمرة قال: " دخلت على

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يردّ علي، ثم دخل إلى بيته فتوضأ ثم

خرج فقال: وعليك السلام " (1) قال: لم يرو عن جابر إلا هذا الإِسناد. تفرد

به الفضل.

وذكر الخطابي أن السلام الذي يحيّا به الناس اسم من أسماء الله تعالى.

جاء ذلك في حديث رواه أبو هريرة مرفوعا: " السلام اسم من أسماء الله

تعالى، فأفشوه بينكم " (2) .

كذا ذكره، والذي رأيت في حديث أبي هريرة: " السلام اسم من أسماء

الله تعالى، وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا، وأمانًا لأهل ذمتنا " قال فيه

الطبراني في الأوسط: لم يروه عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا يحيى عن

المسيب عن أبي هريرة إلا عقبة بن محمد الأنصاري، تفرد به محمد بن يحيى

الأنيسي، وذكر الحليمي في المنهاج معنى السلام: السالم من المعايب إذ هي

غير جائزة على القديم، فإن جوازها على المصنوعات لأنّها أحداث، وقد اتبع

فكما جاز أن يوجد وأبعد إن لم يكونوا موجودين جاز أن يعدموا بعدما

وجدوا، القديم لا علّة لوجوده، فلا يجوز التغيّر عليه، ولا يمكن أن يعارضه

نقص أو شيء، أو يكون له صفة تخالف الفضل والكمال، وفي كتاب القزاز:

وقول القائل: السلام عليكم يريد اسم الله عليكم، قال لبيد يخاطب ابنته إلى

الحول ثم اسم السلام عليكم ومن ينكحو لا كاملا فقد اعتذر يريد اسم الله

(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/276) وعزاه إلى الطبراني في

" الأوسط " و" الكبير " وقال تفرد به الفضل بن أبي حسان، نلت ولم أجد من ذكره.

(2)

صحيح. رواه البزار برقم (1999) من ثلاث طرق موقوفة، فأسنده ورقاء وشريك

وأيوب بن جابر. والثاني: إسناده ضعيف، لسوء حفظ شريك- وهو ابن عبد الله القاضي-

وابنه. قال الحافظ في الأدب: " صدوق يخطن كثيرا، تغير حفظه منذ ولي الفْضاء ". وقال

في الأدب: " صدوق يخطئ ". لكنهما فد توبعا كما في الإسناد الأول، وقد أخرجه

الطبراني في " المعجم الكبير "(رقم 10392) من هذا الوجه وإَسناده جيد، رجاله ثقات

رجال مسلم، غير الفضل بن سهل، قال الحافظ:" صدوق ". ولفظه: " السلام اسم من

أسماء الله وضعه في الأرض

" الحديث.

ص: 171

عليكم، وقيل السلام عليك: أي سلمت مني لا أنالك بيدي ولا لساني،

وقيل: معناه السلامة من الله وقيل: هو الرحمة وقيل: هو الإيمان، وقيل:

الصلح.

قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنه يتيمم لغير مرض ولا حرج، وإليه

ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف أن يغتسل قبل أن تطلع الشمس، قال:

يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت، وبه قال مالك في بعض الروايات، ومذهبنا

أن ذلك في الجنائز والعيدين، قال أبو سليمان: وفيه حجة للشّافعي فيمن كان

محبوسًا في حَش أو نحوه فلم يقدر على الطهارة بالماء أنه يتيمم ويصلي على

حسب الإِمكان، إلَّا أنه لا يرى عليه/الإعادة إذا قدر عليها، وكذلك قال في

المصلوب، وفيمن لا يجد ماءً ولا تراباً، إلَّا أنه يعيد، وفيه المنع من ذكر الله

تعالى على الخلا، ولو نسب كالعطاس والموافقة في الأذان، وهو مذهبنا

ومذهب الشّافعي وأحمد، خلافًا لقوم من السلف ومالك في حمد العاطس.

ص: 172

الاستنجاء بالماء

حدثنا هناد بن السرى، نا أبو الأحوص عن منصور عن إِبراهيم عن الأسود عن

عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قطّ إلا مس ماءً "(1)

هذا حديث أخرجه أبو حاتم البستي في صحيحه (2) كما قدمناه، فقال: نا

الحسن بن سفيان، نا يحيى بن طلحة اليربوعي، نا أبو الأحوص بزيادة: " ما

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط، ولا خرج من الخلاء إلا مس ماء "

ولما ذكره البزار (3) في مسنده حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها:

" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العشر قط " عن ابن المثنى وعمر بن علي

قالا: نا أبو معاوية عن الأعمش قال: وهذا الحديث لا يعلم له طريقًا عن

عائشة إلا هذا الطريق، وقد تابع الأعمش الحسن بن عبد الله عن إبراهيم.

انتهى، وفيما قاله نظر؛ لما أسلفناه عند ابن حبان، والله أعلم. حدّثنا هشام بن

عمار، نا صدقة بن خالد، نا عتبة بن أبي حاتم، حدثني طلحة بن نافع، أخبرني أبو

أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، قال لما نزلت: (فيه رجال

يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرّين) (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر

الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا نتوضأ للصلاة

ونغتسل للجنابة ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك فعليكموه هذا " (5) معلل

بأشياء: الأول: ضعف عتبة (6) بن أبي حكيم الهمداني أبا العباس الشامي

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 28- باب الاستنجاء بالماء، (ح/

354) . وصححه الشيخ الألباني (2) صحيح. رواه ابن حبان: (5/247) .

(3)

صحيح. رواه البزار. وابن ماجة (1729) ، وأبو داود (2439) .

(4)

سورة التوبة آية: 108.

(5، 6) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه أبن ماجة (355) والبيهقي (1/105) والحاكم

والدارقطني (1/62) والكنز (33709) ونصب الراية (1/219) والمشكاة (369) والمنثور

(3/278) والقرطبي (8/260) .

في الزوائد: عتبة بن أبي حكيم: ضعيف، وطلحة لم يدرك أبا أيوب. وكذا صححه الشيخ

الألباني: راجع صحيح أبن ماجة.

ص: 173

الطبراني الأزدي، فيما قاله أبو عبد الرحمن النسائي وابن معين، وفي كتاب

الآجري قال أبو داود: سألت ابن معين عنه فقال: والله الذي لا إله إلا هو أنه

لمنكر الحديث، وكان الإِمام أحمد يوهِّنه قليلًا،/وقال ابن عدي: أرجوا أنّه لا

بأس به، وقال السعدي: كان غير محمود في الحديث وقال محمد بن عوض

الحمصي: ضعيف الحديث، ومع ذلك فقد وثقة مروان الظاهري وأبو زرعة

الدمشقي وأبو القاسم الطبراني، وقال أبو حاتم: لا بأس به.

الثاني: يوسف بن طلحة بن نافع- وإن كان مسلم خرج حديثه- فقد

تكلّم فيه غير واحد، منهم ابن معين بقوله: ليس بشيء، ويعقوب بن سفيان

والحربي وأبو محمد بن حزم والأشبيلي وغيرهم.

الثالث: انقطاع حديثه؛ وذلك أن ابن أبي حاتم ذكر في كتاب المراسيل:

سمعت أبي يقول

وذكر حديثا رواه عنه ابن أبي حكيم عن أبي سفيان،

قال: حدثني أبو أيوب وجابر وأنس عن النبي- عليه السلام فقال لي: لم

يسمع أبو سفيان من أبي أيوب، فأما جابر قال شعبة: يقول سمع أبو سفيان

من جابر أربعة أحاديث، قال أبي: وأما أنس فإنه يحتمل أن يقال: إنّ أبا

سفيان أخذ صحيفة جابر وصحيفة سليمان اليشكري، وقال وكيع عن شعبة

حديثه عن جابر صحيفة، وبمثله قاله سفيان بن عيينة، وقول الأعمش عنه:

جاورت جابرًا ستّة أشهر، ليس صريحًا في السماع، فكم من مجاور لا يعرف

حال جاره، وآخر مسافر مطلع على أسراره، وقال البستي في كتاب الثقات:

وحديث الثقات يقضي له بالسماع منهم، لكنه على لسان ضعيف؛ فلهذا لم

يعتبره أبو حاتم، والله أعلم. وقد روى عن أنس ولم يرو المقاطيع، ولما أخرجه

الحاكم من حديث محمد بن شعيب بن شابور، حدّثني عتبة به قال: هذا

حديث صحيح كبير في كتاب الطهارة، فإنّ محمد بن شعيب وعتبة بن أبي

حكيم من أئمة أهل الشام، والشيخان إنّما أخذا مخ الروايات، ومثل هذا لا

يترك، قال إبراهيم بن يعقوب: محمد بن شعيب أعرف الناس بحديث

الشاميين، وله شاهد بإسناد صحيح. أحمد بن سليمان. نا إسماعيل بن إسحاق

القاضي، نا إسماعيل بن أبي أويس، نا أبي عن شرحبيل بن سعد عن عويمر بن

ساعدة الأنصاري ثم العجلاني أن النبي- عليه السلام قال لأهل قباء: " إن

ص: 174

الله قد أحسن الثناء عليكم/في الطهور وقال: (فيه رجال يحبون أن

يتطهروا

) حتى انقضت الآية " (1) فقال لهم: ما هذا الطهور؟

"

الحديث. قال أبو العباس: نا محمد بن خالد عن مجاهد عن ابن عباس:

(فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال لما في نزلت هذه الآية بعث النبي صلى الله عليه وسلم

إلى عويمر فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به، قال: يا نبي الله ما

خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره- أو قال مقعدته- فقال

عليه السلام: ففي هذا قال " (2) هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد

حدث به سلمة بن الفضل هكذا عن ابن إسحاق، ولما ذكره الطبراني في

الأوسط من حديث إسماعيل بن صبيح، نا أبو أويس به، قال: لم يروه عن

عويمر إلا بهذا الإِسناد، فيحتمل أن يكون أراد إسماعيل فمن بعده، فإن كان

كذلك فهذا يرُدّ عليه، وإن أراد أنه لم يقع إلا بهذا الإسناد فقريب، والله

أعلم. قال الحاكم: وحديث أبي أيوب شاهده نا أبوَ بكر بن إسحاق، نا

محمد بن أيوب، وأخبرني عبد الله بن محمد بن موسى، نا إسماعيل بن

قتيبة، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان عن رَجُلَين السائب

الرقاشي عن عطاء بن أبي رباح وابن سَروة عن عمه أبي أيوب قال: قالوا يا

رسول الله: من هؤلاء الذين نزل منهم: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "

الحديث. انتهى ما ذكر، وقد تقدّم في حديث طلحة ما فيه كفاية، وأما

تصحيحه حديث سهيل بن سعد، وكذلك ابن خزيمة لما رواه في صحيحه عن

محمد بن يحيى، نا إسماعيل بن أبي أويس به فيه نظر؛ وذلك أنه ممن وصفه

ابن سعد بالاختلاط وعدم الاحتجاج به، وقال ابن إسحاق بن يسار: نحن لا

نروي عنه شيئا، وكان منهما وقال سفيان: احتاج فكأنهم اتهموه، وكانوا

(1) ضعيف. رواه أحمد في " المسند "(3/422) والحاكم في " المستدرك "(1/155) وابن خزيمة (83)

والمجمع (1/212) وعزاه إلى " أحمد " والطبراني في الثلاثة " وفيه شرحبيل بن سعد، ضعفه مالك وابن

معين وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان. والكنز (4417) والطبري في " تفسيره "(11/22) والقرطبي (8/

259) ولبن كثير في " تفسيره "(4/151) وبداية (3/209) .

(2)

ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد"(1/212) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "

وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.

ص: 175

يخالفون إذا جاء الرجل وطلب منه شيء إذا لم يعضده أن يقول: لم يشهد

أبوك بدينار، وقال ابن أبي ذئب: أما شرحبيل فهو شرحبيل وقد بينّا لكم-

يعني، أمره- وكان متهمًا، وقال أبو زرعة: فيه لين، وقال مالك:/ليس

بثقة، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن معين: ليس هو بشيء، ضعيف،

وقال الدارقطني: يعتبر به، وهو ضعيف، وقال ابن عدي: وفي عامة ما يرويه

إنكار، الثاني: انقطاع حديثه، وذلك أن عويمرًا توفى في حياة النبي- عليه

السلام- يقبل في خلافة عمرو أيامًا كان فمتعذر سماعه منه؛ لأني لم أر له

شيخًا مذكورًا في العلماء أقدم موتًا من زيد بن ثابت- رضى الله عنه-

وكانت وفاته أيام معاوية. حدّثنا علي بن محمد، نا وكيع عن شريك عن

جابر عن زيد العمي عن أبي بكر الصديق الناجي عن عائشة: " أن النبي

صلى الله عليه وسلم كان يغسل مقعدته ثلاثًا، قال ابن عمر: فعلناه فوجدناه دواءً وطهورًا " (1)

هذا حديث قال فيه الطبراني في الأوسط: لم بروه عن أبي الصديق الناجي

عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا العمي، ولا عنه إلَّا جابر. تفرد به وأخرجه في موضع آخر

بلفظ: قال عليه السلام: " استنجوا بالماء البارد، فإنه مصحة للبواسير "(2)

رواه عن عبد الوارث بن إبراهيم، نا عمار بن هارون أبو الربيع السمار عن

هشام عن أمه عنها، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا أبو الربيع. تفرد به عمار-

يعني المخرج حديثه في صحيح عبد الله- ولما ذكره أبو حاتم في الثقات قال:

رّبما أخطأ، فهذا- والله أعلم- أصح من حديث ابن ماجة معلل مع التفرد

بأشياء:

الأول: جابر بن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية بن

قائل بن مراي بن جعفر بن سعد العشيرة بن عبد الله، ويقال: أبو يزيد،

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 28- باب الاستنجاء بالماء، (ح/356) . في

الزوائد: إسناده ضعيف لضعف زيد العمي. وجابر الجعفي، وإن وثقة شعبة وسفيان الثوري، فقد كذبه

أيوب السختياني. وكذا ضعْفه الشيخ الألباني ضعيف ابن ماجة (ح/79) .

(2)

ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(5 /100) وعزاه إلى الطبراني في

" الأوسط " وفيه عمار بن هارون، وهو متروك.

وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص 119 ح/830) .

ص: 176

ويقال: أبو محمد الكوفي التابعي، وإن وثقة سفيان الثوري وشعبة، فقد قال

فيه أيوب السختياني وابن معين: كان كذابًا، وفي موضع آخر: لا نكتب

حديثه ولا كرامة، وقال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر لا

تموت حتى تكذب على النبي- عليه السلام قال إسماعيل: ما مضى الأيام

والليالي حتى اتّهم بالكذب، وقال البخاري: تركه ابن مهدي، وابن سعيد

قال تركناه قبل/أن يقدم علينا الثوري، وقال زائدة: كان- والله- كذابًا

يدين بالرجعة، وقال الإِمام أبو حنيفة: ما لقيت فيمن أكذب من جابر، ما أتيته

بشيء من رأي إلا جاءني فيه بأثر، وقال فيه النسائي: متروك الحديث، وقال

ابن عدي: حديثه صالح، روى عنه الثوري الكثير، وشعبة أقل رواية عنه من

الثوري، وقد احتمله الناس ورووا عنه وغاية ما قدموه أنّه كان يرى بالرجعة،

ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وهو مع هذا كلّه أقرب إلى الضعف منه إلى

الصدق. انتهى كلامه، وفيه نظر في قوله: لم يختلف أحد في الرواية عنه؛ لما

أسلفناه من كلام جرير وابن مهدي ويحيى بن سعيد وغيرهم، وفي قول

أحمد: لم يتكلم أحد في حديثه أيضَا لما تقدّم عند ابن سعد وغيره.

الثاني: زيد بن الحواري قاضي هراة أيام قتيبة بن مسلم، قال ابن أبي

حاتم: قيل له ذلك لأنه كان كلّما سئل عن شيء قال: حتى أسئل عمي،

قال يحيى: لا شيء، وفي موضع آخر: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف

الحديث، نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي

الحديث، ضعيف، وقال النسائي: ضعيف، نا الشيخ الإمام نور الدين يوسف بن

عمر الحنفي بقراءتي عليه قال: أنبأنا الإمامان الحافظ زكَي الدين المنذري، نا أبو

محمد العثماني قراءة عليه، نا السلفيَ، وأبو التقا صالح بن شجاع إذنًا- إن

لم يكن سماعًا- عن السلفي ناهية الله بن أحمد الأكفاني، نا أبو محمد عبد

العزيز الكناني، نا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني، نا أبو هاشم عبد

الجبار بن عبد الصمد السلمي نا أبو بكر القاسم بن عيسى العصار نا أبو

إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الحافظ المعروف بالسعدي بجمع كتاب

الضعفاء من تأليفه، قال: ويزيد بن الحواري متماسك، وقال الدارقطني:

صالح، وقال أبو أحمد: وعامة ما يرويه ويروى عنه ضعفاء، على أن شعبة قد

ص: 177

روى عنه، ولعلّ شعبة لم/يرو عن أضعف منه، وقال أحمد بن صالح: وقال

ابن أبي شيبة: سألت أبن المديني عنه فقال: كان ضعيفَا عندنا، وقال ابن

حبان: يروى عن أنمى أشياء موضوعة، لا يجوز الاحتجاج بخبره.

الثالث: ما يوهم من انقطاع ما بين أبي بكر الصديق وعائشة، فإني لم أر

أحدَا ذكر ذلك حين عددت مشايخه، ولم يأت هنا ما يدلّ على سماعه

منها، فيتوقف فيه إلى أن تظهر ذلك، والله أعلم. حدّثنا أبو كريب: نا

معاوية بن هشام عن يونس بن الحرث عن إبراهيم بن أبي مَصْونة عن أبي

صالح عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نزلت في أهل قباء: (فيه

رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) قال: كانوا يستنجون بالماء

فنزلت فيهم هذه الآية " (1) هذا حديث قال فيه الترمذي عند تخريجه غريب

من هذا الوجه، ولما ذكره أبو داود سكت عنه، وكذلك عبد الحق، وتعقب

عليه أبو الحسن ابن القطان بأن قال: احتمل أن يكون من قاسم ما يتسمح فيه

وهو حديث إنّما يرويه إبراهيم بن أبي ميمونة، وهو مجهول الحال

لا يعرف

روى عنه غير يونس بن الحرث الطالقي وهو ضعيف، قال فيه ابن معين: لا

شي وقال فيه أحمد: مضطرب الحديث، وحكى أبو أحمد عن ابن معين

أنه قال: فيه ضعيف، وعنه قول أخر أنّه ليس به بأس، نكتب حديثه، وقال

النسائي: ليس بالقوي، وعندي أنه لم تثبت عدالته وليس له من الحديث إلا

اليسير. قاله ابن عدي: والجهل بحال إبراهيم كاف في تعليل الخبر، والله تعالى

أعلم. انتهى قوله، وفيه نظر لكونه قد عصب الجناية برأس إبراهيم، وليس

كذلك فإنّه ممن ذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، فذهب ما يوهمه من

جهالة حاله، والله أعلم، فيشبه أن يكون سكوت أبي محمد تابعَا لسكوت

أبي داود والترمذي، فلم نقض عليه بشيء، إذ الغرابة تكون في الحديث

الصحيح، وقول ابن معين: لا بأس به نكتب حديثه، توثيق، وكذا قاله ابن

عدي، لم وقال أبو داود: مشهور، روى عنه غير واحد، ومع ذلك فمنه معروف

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/357) وأبو داود (ح/44) ورواه الترمذي في التفسير. وقد

نبه علي ذلك صاحب الزوائد. وصححه الشيخ الألباني.

ص: 178

في غير ما حدّث، وأما قول الترمذي: وفي الباب عن أبي أيوب وأنس وابن

سلام ففيه نظر؛ لإِغفاله حديث جابر بن عبد الله، وحديث جابر عويمر وابن

عباس المذكورين قبل، وحديث عمر بن الحطاب، قال فيهما: ذكرت لأحمد بن

عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عمر بن الخطاب قال: فمسح ذكره

بالأرض، ثم توضأ، ثم التفت إلي فقال: هكذا علمنا، قال أحمد: ليس

بصحيح، قال شعبة: قال الحاكم: أما كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى حين قتل

عمر ست أو سبع سنين شعبة! عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: كان لعمر

مكان يتبول فيه، لم يذكر. رأيت عمر، وحديث محمد بن عبد الله بن سلام

ذكر للفدائي عن مالك بن معول: سمعت سالما أبا الحكم يذكر عن مسهر عن

محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله

أثنى عليكم في الطهور، قال رجال يحبون أن يتطهروا، ألا تخبروني! قالوا: يا

رسول الله إنا نخبره مكتوبًا علينا في التوراة أن نستنجي بالماء ". ذكره البرقي

في تاريخه، والله تعالى أعلم. وفي كتاب ابن حبان والترمذي من حديث أبي

عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة، أنها قالت: " مُزن أزواجكن أن يغسلوا

أثر الغائط والبول بالماء؛ فإن النبي- عليه السلام كان يفعله " (1) وقال فيه

الترمذي: حسن صحيح، وفي لفظ لأحمد:(2) وهو " شفاء من الناسور "

كذا هو في المسند، ولما سئل عنه فما ذكره حرب الكرماني، قال: لم يصح

في الاستنجاء بالماء حديث، قال: فحديث عائشة! قال: لا يصح؛ لأنّ غير

قتادة لم برفعه، وفي كلامه نظر؛ لأن الحربيِ ذكر في كتاب العلل من تأليفه:

هذا الحديث واختلف فيه أصحاب معاذة؛ فرفعه قتادة، وليس منتشرا عنه،

وأوقفه يزيد الرشك واتفق على ذلك أصحابه، إلَّا ابن شوذب فإنه رفعه،

(1) صحيح رواه البيهقي في " الكبرى "(1/106) والترمذي (ح/19) بلفظ: " مرن أزواجكن أن

يستطيبوا بالماء، فإني أستحيهم، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله " وقال:" هذا حديث حسن صحيح ".

(2)

صحيح. رواه أحمد في " المسند ": (6/93) . قلت: وفد روى مرفوعا وموقوفا. قلت:

والحديث صحيح في المسند بمتابعاته، ولما أخطأ فيه حرب الكرماني بقوله: لم يصح في

الاستنجاء بالماء حديث. فقد روى أبو عوانة في صحيحه: " إذا تبرز لحاجته آتيته بالماء فتغسل

به ". وهذه متابعة صحيحة.

ص: 179

والوهم في ذلك منه أو من ضمرة،/والصواب ما أجمع عليه شعبة وابن علية

وحماد بن زيد وعبد الوارث وجعفر بن سليمان ورواه أبو قلابة أيضَا فأوقفه،

ولم أسمعه عنه إلا من حديث أيوب، ولم يختلف أصحاب أيوب إلا ابن

طهمان، فإنه رفعه ورواه عاصم الأحول فأوقفه، إلَّا أن أبا زيد قد رفعه عنه،

وعاصم أحفظ من أبي زيد- إن شاء الله- ورواه إسحاق بن سويد وعائشة

ابنة عزار فأوقفاه، والحديث عندي، والله أعلم- موقوف لكثرة من أجمع على

ذلك ممن تقدّم ذكره، فهذا كما نرى غير قتادة رفعه، ووهم ابن شوذب عن

يزيد وابن طهمان وأبو زيد عن أيوب، وفي كلام أبي إسحاق الحربي نظر،

وذلك في قوله وفي حديث عائشة ابنة عزار وإسحاق بن سويد: موقوف، ولما

ذكره الطبراني في الأوسط، فإنه لما ذكر حديث عائشة مرفوعَا، قال: لم

يروه عنها إلَّا هشام بن حسان. تفرد به عمر بن المغيرة، وقال في حديث

إسحاق حين رواه كذلك: لم يروه عنه إلَّا إبراهيم بن يزيد العدوي تفرد به

جوهرة ابن أشرس، ولئن سلمنا لهم أن غير قتادة لم يرويه، وأنه منفرد بذلك،

فلا يضر ذلك الحديث؛ لاعنه مع علمه وحفظه إذا رفع حديثَا خالفه فيه غيره

قبل قوله وهو الصحيح؛ لكوخها زيادة من حافظ، والله تعالى أعلم، وفي

حديث معاذة المذكور علة أغفلاها، عن الإِمامين أحمد والحربي، وهي انقطاع

ما بين قتادة ومعاذة. ذكر ذلك يحيى بن معين فيما حكاه عنه ابن أبي حاتم،

وفي كتاب البلخي: قال شعبة: كنت إذا قدمت المدينة يسألني الأعمش عن

حديث قتادة، فقلت له يومَا: نا قتادة عن معاذة فقال: عن امرأة أعزب، وفي

قول الإِمام أحمد: لم يصح في الاستنجاء حديث نظرَا لما في الصحيح من

حديث أنس: كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة ماء فيستنجي بالماء، ولفظ

أبي عوانة/في صحيحه (1) يرد ما قاله فخرج عليها: وقد استنجى بالماء وفي

لفظ له: " إذا تبرز لحاجته آتيته بالماء فتغسل به " لو سلم من كلام قاله

الأصيلي: وهو القائل فيستنجي بالماء هو أبو الوليد هشام بن الوليد، وفي

الصحيح: وانتقاص الماء هو فسد بالاستنجاء، وقد تقدم وجه حديث عائشة

المذكور عند ابن ماجة. وابن حبان، وحديث جرير الآتي بعد: " فأتيته بماء

(1) رواه أبو عوانة في " صحيحه ": (1/221) .

ص: 180

فاستنجى به " وهو مصحح وغير ذلك، وٍ حديث معاذة مذكور في مسنده،

وهو قد أخبر عن نفسه أنَه لا يقع فيه إلا ما صحَ عنده، أنا بذلك الشيخ

الإِمام كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن ضرغام- رحمه الله

تعالى- عليه، نا الإمام نجيب الدين الحراني عن الحافظ- أي محمد عبد

الغني المقدسي- قالَ: قرأت على الإمام الحافظ محيي السنة أبي موسى

المقدسي في كتاب خصائص المسند تألَيفه فذكره، فلا عدول عنه على هذا،

والله أعلم، وطريق الجمع بين هذه الأخبار وحديث عمر: " ما أمرت كلما

بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة " (1) الحمل على النّدب لا الوجوب،

استدامة للطهارة لما تقدّم في استحباب الجمع، وقد يروى في فضل ذلك

حديث رواه بريدة مرفوعا، قولها:" يغسل مقعدته "(2) يعني دبره، ومن

أسمائها: العجز والعجيزة والسد والمؤخر والإلية والكفل والبوص والمعرض

والسند والوجعاء والصحاري والجهوة والذعرة وَالوباعة وأم سويد وأم خبور وأم

النعمة وأم عزم وأم عزمة وأم عزيمة وأم عرمل وأم سكين وأم تسعين وأم

كيسان، لخصت ذلك من كتاب العرب المصنف، وجامع القرآن، والتلخيص

لأبي هلال العسكري، والآباء والأمهات لعيسى بن إبراهيم العيسى، وكتاب

البنت والبنات لأبي السرى عبد الرحيم بن محمد/بن أحمد، وأعرضت عما

ذكره النباشي في كتاب فصل الخطاب، يكون معظمه لم تتكلم به العرب،

وأما قباء فهو فيما ذكره البكري في كتاب معجم ما استعجم: ممدود على

وزن فعال، من العرب من تذكره وتصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه، وهما

موضعان موضع في طريق مكة من البصرة وبالمدينة، وقال ابن الأنباري في

(1) صحيح، وإسناده ضعيف. وتقدم. رواه أبو داود (ح/42) وابن ماجة (ح/327)

وأحمد في " المسند "(6/95) وابن أبي شيبة في " المصنف (1/45) والمجمع (1/241)

وعزاه إلى أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن أمه، ولم أر من ترجمتها، وروى أبو يعلي عن ابن

أبي مليكة عن أبيه عن عائشة. والمشكاة (386) والميزان (9662)

(2)

تقدم من أحاديث الباب ص 176، وهو ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة،

28-

باب الاستنجاء بالماء، (ح/356) . وضعَفه الشيخ الألباني: ضعيف ابن ماجة (ح/79) .

وفي الزوائد: إسناده ضعيف لضعف زيد العمي، وجابر الجعفي، وإن وثقة شعبة وسفيان

الثوري، فقد كذبه أيوب السختياني.

ص: 181

كتاب للتذكير وا لتأنيث، وقاسم في الدلائل: وقد جاءت قباء مقصورًا وأنشد

فلا يغنيكم قبا وعوارضًا ولا قبلن الخيل لأنه ضَرعد وهذا وهم منهما؛ لأنّ

الذي في البيت إنّما هو قنا بفتح القاف بعدها نون، وهو جبل في ديار بني

ديبان، وهو الذي يصلح أن يقرن ذكره بعوارض، وكذلك انشده جميع الرواة

الموثوق بروايتهم ونقلهم في هذا البيت، وقال الهمداني: القباء اسم للأرض

للغة حمير. انتهى كلامه، وفيه نظر في موضوعين:

الأول: في قوله: وهما موضعان، يفهم من كلامه أنه ليس غيرهما، وليس

كذلك، فإنّ ياقوت زاد ثالثا قال: وهي قرية في أول أرض اليمن من عمل

الكور، ورابعا بلدة كبيرة هن نواحي فرغانة قرب الشاش، ينسب إليها أبو

المكارم رزق الله بن محمد بن أبي الحسن القباني، سكن بخارى، وكان أديبا

فاضلًا، سمع منه أبو سعد وغيره.

والثاني: قوله: موضع في طريق مكة إلى آخره؛ لأن الحنفي زعم أنه

منهل، وكذا ذكره أبو حاتم السجستاني- رحمهما الله- إن كانت اللغة لا

تمنع من تسمية للنهل موضعا، فإن العرب يقضى عليها، والله أعلم.

من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: نا وكيع عن شريك

عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن عمر بن حزم عن أبي هريرة. " أن

النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى من تور ثم دلك يده بالأرض " (1) هذا

حديث أخرجه/أبو حاتم البستي في صحيحه (2)، فقال: نا إسحاق بن

إبراهيم وإسماعيل بن مبشر قالا: نا محمد بن آدم بن أبيِ إياس، نا شريك،

نا إبرا هيم، وقال في الأوسط: لم يروه عن أبي زرعة إلَا إبراهيم. تفرد به

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 29- باب من دلك يده بالأرض

بعد الاستنجاء، (ح/358) . وكذا صحّحه الشيخ الألباني

قوله: " تور " إناء من صفر أو حجارة.

(2)

قوله: " صحيحة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 182

شريك، وسكت عنه الإشبيلي، واعترض عليه ابن القطان فقال: لا يصلح

لعلتين:

إحداهما: شريك، فإنه سيء الحفظ، مشهور بالتدليس، وهو في سوء

الحفظ مثل ابن أبي ليلى ونضر بن الربيع، وكلهم اعتراهم سوء الحفظ لما ولوا

أمر القضاء.

والثانية: إبراهيم، فإنه لا يعرف حاله. وهو كوفي يروى عن أبيه مرسلًا،

ومنهم من يقول: حدّثني أبي. انتهى كلامه وعلّهُ فيه مآخذ: منها تدليس

شريك المخوف زال بحديثَ آدم عنه المصرح فيه بحدّثنا إبراهيم من عند ابن

حبان، ومنها تسويته بين شريك وقليس ومحمد في سوء الحفظ، وليس

كذلك؛ لأنه ممن خرج مسلم حديثه في صحيحه، وقال فيه ابن معين: ثقة

وهو أحب إلي من أبي الأحوص وجرير وليس يقاس هؤلاء به وفي رواته ثقة

إلَا أنه لا ينفذ ويغلط ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة، قال فيه الإمام

أحمد نحو ذلك وزاد، وهو في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل، وخالف

في ذلك ابن أبي داود، وسيأتي كلامه، وقال وكيع: لم نر أحدًا من

الكوفيين مثل شريك، وحدث عنه ابن مهدي، وقال العجلي: ثقة حسن

الحديث، وقال ابن عدي: والغالب على حالته الصحة والاستواء، وقال أبو

داود: ثقة يخطئ على الأعمش زهير، وإسرائيل قرنه، وقال الآجري:

وسمعت أبا داود يقول: إسرائيل أصح حديثًا من شريك، وسمعت أبا داود

يقول: أبو بكر بن عياش بعد شريك، قال الآجري: سمعت أحمد بن

عمار بن خالد، سمعت سعدويه يقول لإبراهيم بن محمد بن عرعرة: أدوا

هذا لنا، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: شريك أعلم بحديث الكوفة من

سفيان، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، كتب الحديث وكان يغلط، توفى

في ذي القعدة سنة سبع/وسبعين ومائة، ولما ذكره الحربي في كتاب العلل

قال: كان ثقة، وكذلك الفسوي في تاريخه، ثقة صدوق، صحيح الكتاب،

رديء الحفظ مضطربة، وقال النسائي في التمييز: ليس به بأس، فكيف يشبه

من يكون هذه حالته بابن أبي ليلى القائل فيه شعبة بن الحجاج: ما رأيت أسوأ

حفظًا منه، قال أحمد: سيء الحفظ، مضطرب في الحديث، وكذلك قاله

ص: 183

يحيى بن سعيد زاد حدا، وقال أبو حاتم: شغل بالقضاء فساء حفظه، وقال

ابن حبان: كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه،

فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى وكذلك زائدة، وقال الدارقطني: هو رديء

الحفظ، كثير الوهم، وقال ابن طاهر في كتاب التذكرة: أجمعوا على ضعفه،

وليس كما ذكر؛ لأنّ العجلي ذكره في تاريخه فقال: كان صدوفا جائز

الحديث، صاحب سنة، فلا إجماع إذا- والله تعالى أعلم- وأما قيس بن

الربيع فقال فيه أحمد لما سئل عنه: لم يترك الناس حديثه فقال: كان يتشيع

ويخطئ في الحديث ويروى أحاديث منكرة، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال

أبو داود: إنما أتى من قبل ابن له، كان يدخل أحاديث الناس في شرح كتابه،

ولا يعرف الشيخ ذلك، وقال الأزدي: كان يعلّق النساء بثديهن ويرسل

عليهن الزنا بيد فتكلم فيه غير هؤلاء، ومنها قوله: إبراهيم لا يعرف حاله،

وليس كما قال: فإنه ممن روى عنه أبان بن عبد الله العجلي، وحميد بن مالك

اللخمي، وداود بن عبد الجبار، وزياد بن أبي سفيان، وقيس بن مسلم،

وشريك، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات، وقال ابن عدي: لم يضعفه في

نفسه، وإنما قيل: لم يسمع من أبيه شيئا، وأحاديثه. مستقيمة تكتب، ومنها

قوله: ومنهم من يقول: حدثني أبي وذلك لا يستقيم، وأني له بالسّماع من

أبيه مع قول ابن سعيد فيه: مولده بعد موت أبيه، وكذلك قال الحربي في

كتاب العلل، وبنحوه ذكره الآجري، ومنها إغفاله علّة هي في الحقيقة لم إن

صحت علة الخبر لا ما ذكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل حسن سؤال حنبل

له عنه، هذا حديث قيل: وأشد من هذا ما ذكر أبو داود من رواية ابن العبد

عنه: نا محمد بن عبد الله المخزومي، نا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير

عن المغيرة عن أبي زرعة عن أبي هريرة، فهذا كما ترى إبراهيم صرح بأنه لم

(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 23- باب الرجل يدلك يده بالأرض

إذا استنجى، (ح/45) . قلت: وحسنه على قاعدة أبي داود، الذي صنف عليها كتابه

" السنن ".

(2)

صحيح. رواه النسائي في " الصغرى ": 1- كتاب الطهارة، 40- باب الاستنجاء

بالماء (1/42) .

ص: 184

يسمعه من أبي زرعة، أما سمعه من المغيرة عنه، ولو كان أتى بلفظ يشعر

بسماعه منه لكنا نقول: سمعه منه وعنه، فلما لم يأت بذلك، إنما قاله معنعنا؛

دلنا ذلك عن انقطاع حديثه له لروايتنا واسطة بينهما، ولا أدري من هو في

جماعة مسمين بهذا الاسم، وفي هذه الطبقة، ولفظ أبي داود: " كان عليه

السلام إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة، فاستنجى ثم مسح يده على

الأرض، ثم أتيته بإناء آخر يتوضأ " (1) ولما ذكر الحافظان أبو محمد المنذري

وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتابيهما، فالا: أخرجه أبو داود وابن

ماجة تبعا في ذلك الحافظ أبا القاسم ابن عساكر، وهو وهم منه؛ لأنّه ثابت

في كتاب السنن للنسائي المجتبي والكبير، ولفظه: " فتوضأ، فلما استنجى

دلك يده بالأرض " (2) رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك، نا وكيع عن

شريك وأشار الطبراني في الأوسط إلى إبراهيم تفرّد به وعنه شريك، وأما قول

من قال من العلماء المتأخرين: إن ابن خزيمة أخرجه في صحيحه فيشبه أن

يكون وهم؛ لأنّي نظرت كتاب ابن خزيمة فلم أجد ذلك فيه، إنّما فيه حديثه-

أعني إبراهيم- عن أبيه الآتي بعد، فلعله اشتبه عليه، والله أعلم، ورواه أبان بن

عبد الله عن مولى لأبي هريرة عن أبي هريرة، قال عليه السلام: " ائتني

بوضوء، ثم دخل غيضة فأتيته بماء؛ فاستنجى ثم مسح يده بالتراب، ثم غسل

يده " ذكره الدارمي (1) في مسنده عن محمد بن يوسف عنه، وأبو يوسف

اختلف في اسمه، فذكر الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي/في كتاب الأسماء

والكنى من تأليفه أنَّ اسمه عمرو بن عمرو بن محيرز بن عبد الله، نا

محمد بن عيسى، سمعت عباسًا، سمعت يحيى يقول: اسم أبي زرعة بن

عمرو بن جرير: عمرو بن عمرو بن جرير، وفرَق بينه وبين أبي زرعة هَرِم،

وقال عن علي هرم أبو زرعة ليس هو ابن عمرو بن جرير، إنما هو آخر، ثم في

(1) حسن. رواه الدارمي (ح/678) وأبو داود (ح/45) والنسائي (كتاب الطهارة، باب

دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء1/45) .

قلت: وفي سنده عند أبي داود والنسائي شريك القاضي، وفيه مقال. وعند الدارمي فيه رجل

لم يسم، ولكن حسنه لشواهده.

(2)

صحيح. رواه ابن خزيمة في: كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء.

ص: 185

الطبقات لابن سعد: كان لجرير ابن يقال له عمرو، وبه كان يكنى، هلك في

إمارة عثمان، فولد له ابن فسماه جرير بن عبد الله باسم أبيه، وغلبه عليه أبو

زرعة، وأبي ذلك أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات، وأبو عمر بن عبد البر

في كتاب الاستذكار فلم يذكرا غيره، زاد أبو حاتم: وقد قيل اسمه كنيته،

وأما أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة فسمّاه عبد الرحمن، وأما مسلم فاختلف

قوله، فسماه في الطبقات عبد الله وفي الكُنى هرما. حدثنا محمد بن يحيى

أبو نعيم، نا أبان بن عبد الله حدّثني إبراهيم بن جرير عن أبيه: " أن نبي الله

صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته، وأتاه جرير بإداوة من ماءٍ، فاستنجى بها

ومسح يده بالتراب " (2) هذا حديث رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في

صحيحه عن محمد بن يحيى، كما رواه أبو عبد الله، ولما أخرجه أبو عبد

الرحمن النسائي إثر حديث شريك المتقدم قال: هذا أشبه بالصواب من

حديث شريك، ومع ذلك ففيه علّتان لضعف الحديث بواحدة منها.

الأولى: ما أسلفناه من أن جريرًا توفى قبل ولادة ابنه إبراهيم، وقال أبو

حاتم: لم يسمع من أبيه، وكذلك قاله يعقوب، ولما ذكر الدارقطني حديثه

عن أبيه في المسح على الخفين، ومن رواه عنه كذلك قال: خالفهما شريك؛

فرواه عن إبراهيم عن قيس بن أبي حازم عن جرير، وهو أشبه، والله تعالى

أعلم. وذكر بعضهم أنه أحد قوله حدثني أبي إلا داود بن عبد الجبار وهو

متهم بالكذب.

الثانية: أبان بن عبد الله البجلي المعروف بابن أبي حازم- وإن كان قد

وثق- فقد قال فيه ابن حبان: كان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير ولم

يحدث عنه يحيى بشيء، وقد روى نحوهما عن عائشة، التور بالتاء: إناء

يشرب فيه. ذكره الجوهري، وفي الجمهرة لابن دريد: التور عربي معروف،

هكذا يقول قوم، وقال آخرون: هو دخل فأمّا التور الرسول فعربي صحيح،

وقال الجواليقي هو إناء معروف يذكره العرب، قال أبو عبيد عن أبي عبيدة:

ومما دخل في كلام العرب. الطست والتور والطاجن، وهي فارسية كلها، وقال

الزمخشري في الأساس: هو إناء صغير مذكر عند أهل اللغة، ومررت بباب

ص: 186

العمرة على امرأة تقول لجارتها: أعيريني تويرتك، وسُمي بذلك لأنه يتعاور،

سمى بالتور وهو الرسول الذي يدور من العساب، ومأخذه من الترة؛ لأنه تارة

عند هذا، وتارة عند هذا، وذكر أبو موسى في المغيث أنّه إناء يشبه الإِجانة من

صفر أو حجارة، يتوضأ فيه ويؤكل، والجمع والغيضة الأجمة، وهي مغيض ماء

يجتمع فينبت فيه الشجر، والجمع غياض وأغياض، وغيض الأسد أي ألف

الغيضة. ذكره في الصحاح، وقال أبو موسى: هو شجر ملتف، وفي الجامع:

يقال لما كثر من الطرفا والإِبل وما أشبهه: غيض، وقال أبو حنيفة: الغيضة ما

كان من العرب خاصة، والِذي جاءت به الأشعار خلاف هذا قال رؤبة:

في غيضه شجراء لم تمعَّر

من خُشْب عاش وغاب مثمر

فجعلها من المثمر وغير المثمر، وجعلها أيَضَا غابة وأي عَرب بنجد بلى

غُرب الأرياف إذا اجتمعت فهي عياض، وكذلك إن كانت من غير العرب

بعد أن تجتمع وتلتف، قال الطرماح: ومخاريج من شعار وغيل وغماليل

مُدجنات الغياض،/والغلول: بطن من الأرض غامض ذو شجر الغال نحو منه

ذكر. ذلك أبو عمرو فجعلها غياضا وهي ألفاف من الشجر، وليست منابت

غرب، وشبيه به الغيل والغيلة والغابة، وفي الغريب المصنف: ونحو منه السرداج

والخبراء والسَّلان والعقرة، وفي كتاب أسماء الشجر لأبي زيد سعيد بن أوس

الأنصاري، ومثله الحرجة والنوطة والفرش والوهط والسليل والرحبلة وقصيمة،

والآبار والعصل والشجر والأجمة والخميلة.

تغطية الإِناء

حدّثنا محمد بن يحيى بن يعلي بن عبيد، نا عبد المالك بن أبي سليمان

عن أبي الزبير عن جابر قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نوكي أسقيتنا ونغطي

آنيتنا " هذا حديث لما أخرجه الترمذي (1) قال فيه: حسن صحيح، وأخرجه

(1) صحيح. رواه الترمذي في: 26- كتاب الأطعمة، باب " 15 "، (ح/1812) وقال:

" هذا حديث حسن صحيح ".

ص: 187

ابن خزيمة (1) في صحيحه، وقال ابن منده: إسناده صحيح على رسم الجماعة،

إلا البخاري لأبي الزبير، وسعيد ذكره مطولا في كتاب الأشربة حيث أعاد

أبو عبد الله، ذكره فيه- إن شاء الله تعالى- حدثنا عصمة بن الفضل

ويحيى بن حكيم قالا: حدّثنا حرمي بن عمارة بن أبي خصيمة، نا حريش بن

خربت، نا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: " كنت أضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ثلاثة آنية من الليل مخمرة؛ إناء لطهورها وإناء لسواكه، وإناء لشربه " (2) هذا

حديث إسناده ضعيف لضعف رواته حريش (3) أخي الزبير بن خريت، وإن

كان قد روى عنه حرمي ومسلم بن إبراهيم والمؤرج بن عمرو السدوسي، فقد

قال فيه البخاري: فيه نظر، وهو إذ قال هذا اللفظ بريد أنه لا يحمل هكذا

أُخبر عن اصطلاحه فيما ذكره الذلال عنه، وقال أبو زرعة: واهي الحديث،

وقال الرازي: لا يحتج بحديثه، وقال الدارقطني:/يعتبر به، وقال ابن عدي:

ولا أعرف له كثير حديث فأعتبر حديثه فأعرف ضعفه من صدقه، ولما رواه

البزار من حديث جرمي قال: وهذا الحديث لا نعلمه بروى إلا عن عائشة،

ولا نعلم له إسنادً اعن عائشة إلا هذا الإِسناد، قال أبو القاسم في الأوسط:

لم يروه عن ابن أبي مليكة إلا الحريش. لفرد به جرمي، حدّثنا أبو بدر عباد بن

الوليد، نا مطهر بن الهيثم، نا علقمة بن أبي جمرة عن ابن عباس قال: " كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدّق بها،

ويكون هو الذي يتولاها بنفسه " (4) هذا حديث معلل بأمرين:

(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (132) وأحمد (3/301) والكنز (41264) وبداية (1/62) .

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب تغطية الإِناء، (ح/361) .

وكذا ضعْفه الشيخ الألباني. أنظر: ضعيف ابن ماجة (ح/80) .

قوله: " مخمرة " أي مغطاة، وجاء الأمر بتغطية أواني الطْعام والشراب غير هذا، والخُمرة: قطعة

صغيرة من القماش أو الخوص، وقد يُصلى عليها، وتكون محل السجود.

(3)

حدثني بن الخريت، أخو للزبير بن خريت. قال البخاري:" فيه نظر ". (روى عنه

مسلم بن إبراهيم) . قال أبو زرعة: واهي الحديث.

(4)

ضعيف جدْا. رواه ابن ماجة (ح/362) في الزوائد: إسناده ضعيف. لضعف مطهر بن

ص: 188

الأول: الجهالة بحال علقمة هذا، فإني لم أر أحدًا ذكره ولا ذكر له راويا

غير ما في هذا الإِسناد بغير زائد عليه.

الثاني: مطهر بن الهيثم- وإن كان قد روى عنه جماعة- فقد قال فيه

ابن يونس: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى عن موسى بن علي ما لا

يتابع عليه وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات، وقد وقع لنا هذا

الحديث يعلو درجتين فإني سمعته من طريق ابن ماجة من المسند (1) المعمر بدر

الدين التركي بقراءتي عليه، أنبأكم ابن رواح عن أبي الطاهر، نا أبو القاسم

الأرخى أبو الحسن الدارقطنِي بكتاب المعلين من أبناء المكذبين، نا محمد بن

مخلد، نا أبو بدر فذكر، وفي كتاب البغوي الكبير: نا أبو العلاء، نا الليث عن

معاوية بن صالح أن أبا جمرة حدّثه عن عائشة فذكرت حديثًا فيه: " ولا

رأيت النبي- عليه السلام وكل وضوءه إلى غير نفسه، حتى يكون هو

الذي يأتي وضوءه لنفسه حتى يقوم من الليل " وأما الوكاء، فذكر ابن دريد

في الجمهرة أنه كل خيط شدّدت به وعاءً متحفظا له، وفي الجامع تقييده

بالمدّ وبكلّ حبل وخيط، وفي الصحاح تقييده بالذي يشدّ به رأس القربة.

وذكره/الزمخشري في باب الحقيقة، وأما السقا، فذكر ابن دريد أنه القربة

الصغيرة، والجمع أسقية، وفي الجامع تقييده بالمدّ، وفي الصحاح يكون في اللبن

والماء والجمع أسقية وأسقيات، والكثير أساق

الهيثم، وإتحاف (4/171) والكنز (17845) والمغني عن حمل الأسفار (1/227) .

وكذا ضعْفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف سنن ابن ماجة (ح/81) ، والضعيفة (ح/4250) .

(1)

" بالأصل " وردت " تركية " ليس لها أهمية للقارئ.

ص: 189

غسل الإِناء من ولوغ الكلب

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين قال:

رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول: يا أهل العراق ألم تزعمون أتي

أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم الهناء وعلي الإِثم؟ أشهد لسمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع

مرات " (1) ثنا محمد بن يحيى، نا روح بن عبادة مالك بن أنس عن أبي زياد

عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ولغ الكلب في

إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " هذا حديث اجتمع على تخريج أصله الأئمة

الستة، وفي مسلم (2) : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع

مرات أولهن بالتراب " وفي الترمذي (3) : " أولاهن أو أخراهن، وإذا ولغت فيه

الهرة غسل مرة "، وقال: حسن صحيح، وفي مسلم (4) من حديث الأعمش

عن أبي رزين بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعَا: " فليتربه وليغسله سبعَا،

زاد ابن خزيمة من حديث علي بن حجر عن علي بن مسهر عن الأعمش ":

" يصلحه " وزعم النسائي أن هذه ألم بالصحة الزيادة لم يتابع ابن حجر عليها

أحدَا عن قوله: " وإذا انقطع شسع أحدكم فلا مشي فيه "(5) . وفي

الصحيح: " إذا شرب " من حديث مالك، وكذا هو في الموطأ، قال أبو

(1- 3) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/93) وأبو داود (ح/73) والنسائي (1/

54، 177) والدارمي (1/188) والبيهقي في " الكبرى "(1/18، 241، 242، 251)

والدارقطني في " سننه "(1/64، 65) وعبد الرزاق في " مصنفه "(33) وابن خزيمة (98)

ونصب الراية (1/131، 133) والمجمع (1/287) وابن ماجة (363- 366) وتلخيص

(39، 238) والترمذي (ح/91) وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".

(4)

انظر: الحاشية السابقة.

(5)

صحيح. رواه مسلم في (اللباس، ح/69، 71) وأبو داود في (اللباس، باب " 43 "،

والنسائي (8/118) وأحمد (2/314) وعبد الرزاق (20216) والطبراني (7/337) وشرح

السنة (2/77) والبخاري في " الأدب المفرد "(ح/956) ومشكل (2/142) والكنز

(41601)

ومطالب (3352) والمجمع (5/139) وصفة (2/331) .

ص: 190

عمر بن عبد البرهان: أقال مالك: إذا شرب، وغيره من رواة حديث أبي هريرة

يقول: " إذا ولغ ". وهو الذي يعرفه أهل اللغة، وتابعه على ذلك الإِسماعيلي

وابن مندة وليس كما قالوا/لأمرين:

الأول: مالك- رحمه الله لم ينفرد بهذه اللفظة، بل تابعه عليها غيره

عن الأعرج- وهو المغيرة بن عبد الرحمن- وورقاء، فيما ذكره الجوزقي

وغيره، ووقعت هذه اللفظة أيضا من رواية أبي هشام محمد بن الزبرقان قال:

نا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة.

الثاني: في قوله: أبي: عمر هكذا قال مالك: يقتضي ظاهره اتفاق الرواة

عنه على ذلك، فإنهم لو اختلفوا كان القول منسوبا إلى رواة هذه اللفظة عنه

دون غيرهم، وقد رواه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان عن أبي

عبيد القاسم بن سلام عن عمر بن مالك بإسناده سواء، ولفظه:" إذا ولغ "

وذكر الدارقطني- رحمه الله أنَّ أبا علي الحنفي رواه عن مالك، وأنه مما

عرِف به- والله تعالى أعلم- وفي كتاب أبي الشيخ الأصبهاني: " فليمضه

بالماء سبعا " وفي الأوسط للطبراني من رواية هشام بن حسان وموسى بن عبيد

عن ابن سيرين: " أولاهن بالتراب " ورواه أبان عن قتادة عن: " السابعة

بالتراب " ورواه خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة: " أولاهن " قال

البيهقي: غريب إن كان حفظه معا- يعني عن أبيه عن قتادة عن خلاس-

فهو حسن؛ لأن التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غير ابن سيرين عن أبي

هريرة، وإنما رووه عن هشام عن أبي قتادة عن ابن سيرين، ورواه ابن أبي

عروبة عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة: " أولاهن " وفي رواية أبان وغيره

عن قتادة عن السابعة، وفي رواية يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين " إحداهن "

انتهى، وفي قوله لم يروه عن أبي هريرة ثقة غير ابن سيرين نظر؛ لما أورده أبو

الحسن الدارقطني في كتاب السنن بإسناد حسن فقال: نا أبو بكر النيسابوري،

نا يزيد بن سنان، نا خالد بن يحيى الهلالي، نا سعيد عن قتادة عن الحسن

عن أبي هريرة عن النبي-/عليه السلام: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ

الكلب فيه يغسل سبع مرات الأولى بالتراب " الحسن أنكر سماعه عن أبي

هريرة جماعة، وفي كتاب الطبراني الأوسط ما يوضح لك أنّ ذلك ليس

ص: 191

بصواب، وأن الصواب عكسه، قال أبو القاسم: نا محمد بن زياد الأنزاري،

نا عبد الأعلى بن حماد، نا أبو عاصم العباداني، نا الفضل بن عيسى الرقاشي

عن الحسن قال: خطبنا أبو هريرة فذكر حديثًا طويلًا قال في آخره: لا

يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا هذا الإِسناد. تفرّد به عبد الأعلى، وهذا

الحديث يؤيد قول من قال أن الحسن سمع من أبي هريرة بالمدينة، وقد رأى

الحسن عثمان يخطب على المنبر- والله أعلم- وفي المعجم الصغير له قال:

وقال بعض أهل العلم أنه سمع منه، وفي كتاب أبي موسى المدني المسمّى

بالترغيب والترهيب من حديث عمرو بن عدي عن صالح بن محمد بن سلمة

الكندي عن حماد بن عبد الله سمعت الحسن يقول: سمعت أبا هريرة

يقول

فذكر الحديث، وفي كتاب النصيحة للآجري، وتفسير القرآن العظيم

للثعلبي: لا يحضرني الآن ذكره، وفي كتاب المناهي تأليف أبي القاسم عبد

العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي: نا أبو بكر محمد بن أحمد

المقيد، نا أحمد بن محمد الغساني، نا مهدي بن جعفر الرملي، نا أبو الجليل

العباس بن الجليل الطائي الحمصي، نا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير

الحمصي، قال حدثنا ضمرة بن ربيعة: نا عباد بن كثير بن قيس الثقفي، نا

عثمان بن الفرح عن الحسن بن أبي الحسن قال: حدّثني سبعة رهط من

الصحابة- عبد الله بن عمر وأبو هريرة الدوسي وجابر بن عبد الله وعمران بن

حصين ومعقل بن يسار وأنس- عن النبي صلى الله عليه وسلم

فذكر حديثًا مطولًا. عن

الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن قصور الجنة فقالا: على

الخبر بها سقط الحديث، وفي مسند أبي داود الطيالسي بإسناده على شرط/

الشيخين: نا عباد بن راشد، نا الحسن، نا أبو هريرة ونحن إذ ذاك بالمدينة قال:

" يحيى الإِسلام يوم القيامة "(1) الحديث. نا أبو الأشهب عن الحسن قال:

" قدم رجل من أهل المدينة فلقى أبا هريرة " فذكر حديثًا طويلًا، في آخره

قال أبو داود: سمعت شيخنا في المسجد الحرام يحدّث بهذا الحديث، قال:

وقال الحسن وهو في مجلس أبي هريرة لما حدث هذا الحديث

فذكر

كلامًا، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شاهين: نا عبد الله بن سليمان بن

(1) قوله: " للقيامة " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.

ص: 192

الأشعث وما كتبه إلَا عنه، نا أحمد بن محمد التمامي، نا النَّضر بن محمد،

نا شعبة عن موسى بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة قال عليه السلام: " إذا

أراد أحدكم أن يغشى المرأة " (1) الحديث. قال هذا صحيح غريب، ما كتبناه

عن أحد إلَّا عن عبد الله بن سليمان، وقال الدارقطني في كتاب العلل: نا

دعلج قال: سمعت موسى بن هارون يقول: سمع الحسن من أبي هريرة، إلَا

أنّه لم يسمع منه عن النبي- كليه السلام-: " إذا قعد بيْ شعبها الأربع

بينهما " (2) أبا رافع ولما خرج الترمذي (3) حديث: " لعن عبد الدينار

والدرهم " وحديث موسي عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا، قال فيه: حسن

غريب، وقال في حديث أبي هريرة أن موسى كان يُحدِّث عن عبد بن حميد

عن روح بن عبادة عن عوف عن الحسن بن محمد بن خلاس عنه، قال: هذا

حديث حسن صحيح، ولما خرج ابن حبان في صحيحه حديث الإِسراء من

جهة همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة، قال في

وسطه: قال قتادة: ونا الحسن عن أبي هريرة عن النبي- عليه السلام: " أنه

رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون منه " ثم رجع

إلى حديث أنس فذكره، وأما ما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم: نا علي بن

الحسن الهسجاني، نا إبراهيم بن عبد الله الهروي، نا إسماعيل بن علية عن

(1) ضعيف. رواه أحمد في " المسند ": (3/28)

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري في (الغسل، باب " 28 ") ومسلم في) الحيض، ح/87، 88)

وأبو داود (ح/216) والنسائي في) الطهارة، باب " 12 "(وابن ماجة (ح/610) والداري في

(الوضوء، باب " 75 " (وأحمد في " المسند " (2/234، 393، 347، 471، 520، 6/47، 112)

والبيهقي في " الكبير "(1/163) والدارقطني في " سننه "(1/113) الخطيب في " تاريخه " (12/

381، 384) والحلية (8/294، 1295) .

وصححه الشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/163) .

(3)

حسن. رواه الترمذي في: 37- كتاب الزهد، باب " 42 "، (ح/2375) . وقال:

" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه، عن

أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أتم هن هذا وأطول ".

قلت: وقد زالت غرابة ضعف الحديث، لما ذكر الترمذي شاهد الحديث من الوجه الثاني؟ وعلى

هذا فالحديث حسن.

ص: 193

شعبة عن قتادة قال: قال الحسن إنا والله- ما أدركنا إلا وقد مضى صدر من

أصحاب محمد/صلى الله عليه وسلم الأول، قال قتادة: إنما أخذ الحسن عن أبي هريرة، قلت

له: زعم زياد الأعلم أنَ الحسن لم يلق أبا هريرة قال: لا أدري، فظاهره

يحتمل إنكار قول زياد وعدم رجوع قتادة إليه، وأنه أخبر بالواقع الذي عنده،

وأنَه يصوب لا أدري منكما بقول زياد- والله تعالى أعلم- فقد ظهر من

مجموع ما ذكرنا صحة قول من قال أنه سمع من أبي هريرة، وفساد قول من

خالف ذلك، وفي كتاب البزار عن يونس عن ابن سيرين: " أو لهن أو

أخراهن "، وفي رواية عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا: " إذا ولغ الكلب في إناء

أحدكم، فلا يجعل فيه شيئًا حتى يغسله سبع مرات ". قال في الأوسط: لم

يروه عن صفوان بن سليمان غير عطاء إلا إبراهيم بن محمد. تفرد به

إسماعيل بن عباس، وفي نسخة ابن المثنى: " إذا ولغ الكلب في الإِناء غسل

سبع مرات أولهن بالتراب، وإذا ولغ الهر غسل مرة " وسيأتي الأصلان في

ولوغ الهر، وفي تاريخ أبي عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني، ومن

خطه نقلت: نا الحسن بن عبد الله، نا الربيع بن سليمان الخبري، نا سعيد بن

عقير، نا يحيى بن أيوب عن ابن جريح عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن

أبي هريرة قال: " يغسل الإِناء من الخمر كما يغسل من الكلاب " قال أبو

عبد الله: تفرد به يحيى بن أيوب. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: نا شبابة، نا

شعبة عن أبي الرياح، سمعت مطرفًا يحدث عن عبد الله بن المغفل أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ولغ الكلب في الإِناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه

الثامنة بالتراب " (1) هذا حديث أخرجه مسلم في صحيحه بزيادة: " أمر النبي

صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ورخص في كلب الصيد

وكلب الغنم وقال: إذا ولغ

" الحديث. حدثنا محمد بن يحيى، نا ابن أبي

مريم، نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا

ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " هذا حديث ظاهر إسناده

صحيح على شرط الشيخين، وليس كذلك/لقول ابن عساكر في كتاب

(1) تقدْم من أحاديث الباب. ص 190.

ص: 194

الأطراف: وفي نسخة عبد الله وهو أشبه، ولما ذكر ابن سرور ومشايخ سعيد بن

الحكم بن أبي مريم، لم يذكر عبيد الله فيهم، إنما ذكر عبد الله، وبذلك يخرج

الإِسناد من الصحة إلى الضعف؛ إنما قيل في عبد الله بن عمر بن حفص بن

عاصم بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن، ويقال: أبو القاسم القرشي

العدوي أخي عبيد الله، قال: دخلت وإن كان مسلم قد خرج حديثه معروفا،

قال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدّث عنه، وسئل عنه ابن المديني فقال:

ضعيف، وقيل لأحمد: كيف حديثه؟ فقال: كان في قرية في الأسانيد، وكان

رجلا صالحا، وقال أبو حاتِم: نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال ابن معين:

ضعيف، وفي رواية ليس به بأس نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال منصور بن

إسحاق، صويلح وقال صالح بن محمد، لين مختلط الحديث، وقال ابن

عدي: لا بأس به في رواياته: صدق وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال

العجلي: لا بأس به، وقال البخاري: ذاهب لا أروى عنه شيء، وقال ابن

سعد: كان كثير الحديث مستضعف، وقال ابن حبان: غلب عليه التعبّد حتى

غفل عن حفظ الأخبار أجودة الحفظ، فوقعت المناكير في روايته، فلما فحش

خطأه استحق الترك، وفيه ردّ لما قال الترمذي إثر حديث أبي هريرة: وفي

الباب عن ابن معقل، وأغفل أيضا حديث علي بن أبي طالب من الدارقطني

يرفعه: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن

بالبطحاء " وإسناده لا بأس به، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط (1) مطولا قال:

لم يروه عن أبي إسحاق- يعني عن هبيرة بن مريم عن علي- إلا إسرائيل،

ولا عنه إلَّا الجارود بن يزيد، ولا يروى عن علي إلَّا هذا الإِسناد. قوله: " إذا

ولغ " الولغ من الكلاب والسباع كلها هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من

كل تتابع، فيحركه فيه عن بعد تحريكًا قليلا أو كثيرًا. قاله المطرد، وقال

مكي في شرحه: فإن كان غير مائع قيل: لعقه ولحسه، قال المطرز فإن كان

الإِناء فارغا/يقال: لحس معاً: وإن كان فيه شيء قيل: ولغ، وقال البيلي: هذا

(1) ضعيف جدا، أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/286) وعزاه إلى الطبراني في

" الأوسط " من طريق الجارود عن إسرائيل، والجارود لم أعرفه. وضعفه الشيخ الألباني.

(ضعيف الجامع: ص 105 ح 733) .

ص: 195

يقتضي أنه إذا كان في الإِناء شيء مائعَا كان أو غير مائع فإنه يقال فيه ولغ،

وهو خلاف ما تقدّم. قيل عنه وعن غيره، وقال ابن درستويه: معنى ولغ لطعه

بلسان، شرب فيه أو لم يشرب، كانّ فيه ماء أو لم يكن، وفي الصحاح ولغ

الكلب لشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا، وقال المطرز: ولا يقال ولغ في شيء

من جوارحه سوى لسانه، وقال ابن جنِّي في شرحه شعر المتنبي: أصل الولع:

شرب السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار للشرب مطلقًا، وعن ثعلب:

سمعت ابن الأعرابي وقد سئل أيكون الولوغ للطير؟ قال: لا يكون إلَّا في

باب وحده، وتبعه على ذلك المطرز في كتاب الياقوت، والجوهري، وغيرهما،

أنشد المطرز:

ندب عنه كف بها رمق

طير عكوفًا كزور العرس

عما قليل خلس مهجته

فهن من والغ ومنتهس

وفي كتاب الفصيح: ولغ- يعني بفتح اللام- الكلب في الإناء يلغ ويولغ،

إذا أولغه صاحبه، وينشد هذا البيت:

ما مر يوم إلَّا وعندهما

لحم رجال أو يولغان وما

وذكر عنه المطرز انه يقال فيه: ولغ بكسر اللام، ولكنّها لغة غير فصيحة،

وتبعه على ذلك أبو علي وابن القطاع وابن سيده في المحكم وأبو حاتم

السجستاني في تقويم المفسد، زاد: وسكن بعضهم اللام فقال: ولغ قال ابن

جني: مستقبله يلغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولغ بالكسر يلغ بالفتح،

زاد ابن القطاع: ويلغ بكسر اللام كما في الماضي، وقد جاء في بعض ألفاظ

حديث أبي هريرة مرفوعًا: " يغسله بالماء ثلاثًا أو سبعًا "، ولكن في الطريق

إسماعيل بن عباس، وهو ضعيف، وعنه عبد الوهاب بن الضحاك، قال

الدارقطني: تفرّد به وهو متروك/الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا

الإسناد فاغسلوه تتبعًا، وهو الصواب، ومن طريق عبد المالك عن عطاء: " إذا

ولغَ الكلب في الإناء فأهرقه ثم أغسله ثلاث مرات " (1) قال الدارقطني: هذا

موقوف، ولم يروه هكذا غير عبد المالك عن عطاء، هذا تعلّق الحنفيون اعتمادًا

(1) ضعيف جدا. رواه الدارقطني في " سنه ": (1/64، 65) .

ص: 196

منهم أن أبا هريرة لا يخالف ما روى إلا لأمر مثبت عنده في روايته، وغيرهم

يقول: الحجة في روايته لا في رأيه، وهو الصواب وعليه أكثر المحدثين وقال

الحرريان: حديث الثلاث منكر، والأصل فيه موقوف ليس منه: فليرقه وليغسله

ثلاث مرات.

الوضوء لسؤر الهرة والرخصة في ذلك

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا زيد بن الحباب، نا مالك بن أنس، أخبرني

إسحاق بن عبد الله بن طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رافع عن كبشة بنت

كعب- وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة- أنها صبت لأبي قتادة ماءَ يتوضأ

به، فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء، فجعلت أنظر إليه فقال: يا بنت

أخي أتعجبين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها ليست بنجس، هي من الطوافين

والطوافات " (1) هذا حديث قال فيه الترمذي لما أخرجه: حسن صحيح، وهذا

أحسن شيء في الباب، وقد جرد مالك هذا الحديث عن إسحاق، ولم يأت

به أحدَا آمّ من مالك، وقال البخاري: جوّد مالك هذا الحديث، وروايته أصح

من رواية غيره، وأخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، وأبو حاتم في

صحيحه أيضَا، وقال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه على أنهما

فيها صلاة لا يعذران في تركه إذ هما قد شهدا جميعَا الملك بأنه الحكم في

حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صححه واحتج به في الموطأ، ولما ذكره ابن

المنذر وحكم بثبوته، وصححه أيضَا أبو بحمد بن حزم، وأبو عمر بن عبد

البر، وأبو محمد الإشبيلي، وخالف ذلك " لحافظ ابن مندة بقوله: أم يحيى

اسمها حميدة، وخالتها هي كبشة، لا يعرف لهما رواية/إلا في هذا الحديث،

ومحلهما محل الجهالة، لا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، وسبيله سبيل

المعلول، وليس معلول علي، وله ما تقدّم من إخراج مالك وغيرهما حدّثهما

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/92) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (ح/

75) والنسائي (1/55، 178) وابن ماجة (ح/367) والدارمي (1/188 والحاكم في

" المستدرك "(1/159) وصححاه. ومشكل (3/270) وابن حبان (121) وتجريد (22)

والدارقطني في " سننه "(1/69، 70) والموطأ (23) وأحمد في " المسند "(5/296) والبيهقي

في " الكبرى "(1/245، 247) والمشكاة (482، 483) . وصححه الشّيخ الألباني.

ص: 197

ويوثق من وثقهما، وقول الإِمام أحمد بن حنبل: إذا روى مالك عن رجل لا

يعرف فهو حجة، وقد روى عن إسحاق لرواية مالك جماعة منهم: همام بن

حيي، وحسين المعلم، وابن عيينة، وهشام، وإن كانا لم يتما إسناده وكلّهم

يقول في الحديث: عن النبي- عليه السلام أنه قال: " إنها ليست بنجس "

ومن أسقط ذلك فلم يحفظه لثبوته في رواية الحفاظ، قال أبو عمرو: رواه

يحيى بن يحيى عن حميدة بنت أبي عبيد، والصواب بنت عبيد بن رفاعة بن

رافع الأنصاري، وقال: عن خالتها، وسائر رواة الموطأ لا يذكرون ذلك،

واختلف في رفع الحاء ونصبها من حميدة، والضم أكثر، وتكنى أم يحيى، قال

امرأة إسحاق. ذكر ذلك القطان عن مالك وكذلك قال فيه ابن المبارك، إلَّا أنه

قال كبشة امرأة أبي قتادة، وهو وهم. انتهى كلامه، وفيه نظر، وذلك أن

ابن المبارك رواه على الصواب، فلعلّ الاختلاف كان عليه لا منه. ذكر ذلك

ابن أبي شيبة في مصنفه فقال: نا وكيع، نا هشام وابن المبارك عن إسحاق عن

حميدة عن امرأة عبد الله بن أبي قتادة عنه

فذكره، ولئن كان ابن المبارك

تفرد بهذه اللفظة- كما قال أبو عمر- فقد توبع عليها، قال النسائي في

كتاب مسند مالك: نا قتيبة وعتبة بن عبد الله عن مالك عن إسحاق عن

حميدة عن كبشة وكانت تحت قتادة

الحديث، وفي كتاب الدارقطني،

وكذا قاله البستي وعبد الرزاق نحو مالك، وفي مسند الشافعي نحوه وكذا

رواه زهير بن الحباب عن مالك عند الحاكم، وهو خلاف ما عند ابن ماجة

في الباب، قال. أبو عمرو روى مرسلا ومرفوعا، وهو الصحيح، ولعل من وثقة

لم يسأل أبا قتادة نقل عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر أم لا؛ لأنهم حلوا فْعلى أبي

قتادة/كتب أحسنهما إسنادا ما رواه مالك، فحفظ أسماء النسوة وأنسابهن،

وجود ذلك ورفعه، والله أعلم. حدّثنا أبو عمر بن رافع وإسماعيل بن توبة

قالا: ثنا زكريا يحيى بن أبي زائدة عن حارثة عن حمزة عن عائشة قالت:

" كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصاب منه الهرة قبل

ذلك " (1) هذا حديث معلل بأمرين:

(1) ضعيف. رواه الدارقطني في " سننه "(1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه "(356) .

ص: 198

الأول: ضعف حارثة بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن

عبد الله بن حارثة بن النعمان المدني؛ فإن الإِمام أحمد لما سئل عنه قال:

ضعيف ليس بشيء، وسئل عنه أبو زرعة فقال: واهي الحديث ضعيف، وقال

عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث، ضعيف، وقال ابن عدي:

عامة ما يرويه منكر، وقال النسائي: متروك الحديث، وفي موضع آخر: ليس

بثقة ولا نكتب حديثه، وقال عيسى بكلام فيه من قبل حفظه، وقال ابن معين:

ليس بثقة ولا نكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال علي بن

الجنيد: متروك الحديث، وقال ابن حبان، فحش خطأه وكثر وهمه؛ فترك

حديثه أحمد ويحيى، ولما ذكره أبو جعفر في كتاب المشكل قال: إنّما يرويه

حارثة، وهو ممن تكلم في حديثه، وضعفهْ غاية الضعف.

الثاني: انقطاع ما بين حارثة وجدته عمرة وأنه جاء عنه أنه روى الحديث

عن أمّه عنها، فيما رواه الطحاوي، وأمه مجهولة العين فضلًا عن الحال، وإنّ

معروف السماع من جدّته فهذا أورثنا شبهة من كونه لم يصرح بالسماع، إنما

أتى بلفظه على ذلك، وقال الساجي: منكر الحديث، وقال أبو داود: ليس

بشيء، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق صحيحة لها ذكر لحارثة فيها، قال

الحاكم. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي ببخاري، أنا

محمد بن أيوب، نا محمد، نا أيوب، نا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر

الرازي، نا سليمان بن شافع بن شيبة الحجي قال. سمعت منصور/بن صفية

بنت شيبة يحدّث عن أمه صفية عن عائشة فذكره، وقال فيه إسناده صحيح،

وله في كتاب أبي داود طريق أخرى جيفة قال: نا عبد الله بن سلمة، نا

عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار اليمان عن أمه: " أن مولاتها أرسلتها

بهدية إلى عائشة " الحديث. قال الدارقطني في السنن: تفرد به عبد العزيز

عن داود بن صالح عن أمه هذه الألفاظ، وبنحوه قاله الطبراني في الأوسط.

انتهى. داود هذا قال فيه الإمام أحمد: لا أعلم به بأسًا، وذكره ابن حبان في

الثقات، وروى حديثها أيضًاَ المغربي في معجمه عن أشعث بن عبد الرحمن بن

زيد الإِمامي، نا أبو عباد عبد الله بن سعيد عن أبيه، حدّثنا محمد بن يسار

عبيد الله بن عبد المجيد، نا عبد الرحمن بن عبد الزيادي عن أبيه عن أبي

ص: 199

سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الهرة لا تقطع الصلاة؛ لأنها من

متاع البيت " (1) هذا حديث إسناده جيد لا بأس به، وعلى رأي أبي عبد الله

بن الربيع يكون صحيحا، وذلك أنه لما خرج حديث وسيلة آدم بالمصطفى

صلى الله عليه وسلم قال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو حديث صحيح عن عبد

الرحمن، ولها في ذلك سلف صالح، وهو قول مالك بن معين فيه: هو من

أثبت الناس في هشام بن عروة، وخرج البخاري حديثه في صحيحه على

طريق الاستشهاد، وقال ابن مهدي: حديثه بالمدينة حديث مقارن، وما حدّث

بالعراق فهو مضطرب، وكذلك قاله الساجي، وقال أبو حاتم: نكتب حديثه

ولا نحتج به، فهذا كما ترى ثناء الناس عليه وعلى حديثه المدني، وحديثه هذا

منه لا سيما مع ما تقدّم من شواهده، وقد تابعه الحكم بن أبان فيما ذكره

ابن خزيمة في صحيحه فقال محمد بن يحيى: نا إبراهيم ابن الحكم بن أبان

قال: حدثني أبي عن عكرمة قال: قال أبو هريرة، قال النبي- عليه السلام

: " الهرة من متاع البيت " وأما قول الترمذي أنّه حديث أبي قتادة/وفي

الباب عن عائشة وأبي هريرة ففيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث أبي سعيد

الخدري، ولما في الأوسط للطبراني من حديث أبي جعفر بن محمد عن أبيه

عن جدّه علي بن الحسن عن أنس قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة

يقال لها بطحان، فقال: يا أنس اسكب لي وضوءا، فسكبت له، فلما قضى

حاجته أقبل إلى الإناء وفداني هو، فولغ في الإناء، فوقف له النبي صلى الله عليه وسلم وقفة

حتى شرب الهر ثم توضأ، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الهر؟ فقال: الهر من

متاع البيت لن يقدر شيء ولم ينجسه " قال: لم يروه عن جعفر إلَّا عمر بن

حفص ولا روى علي بن الحسين عن أنس حديثا غير هذا، قال الحاكم وقد

(1) ضعيف الإسناد والمتن صحيح. رواه ابن ماجة (ح/369) والحاكم (1/255) وصححه.

وابن عدي (4/1586) .

في الزوائد: رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك من حديث بندار وهو محمد

بن بشار. وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/82) . وقد أعله ابن خزيمة

بالوقف- تعليق الشيخ الألباني على ابن خزيمة (828، 829) ، والضعيف (ح/1512) .

وضعيف الجامع (ح/1512) . وضعيف الجامع (ح/6106) .

ص: 200

صح على شرط الشيخين في الهرة ضد هذا ولم يخرجاه، ثم ذكر من

حديث أبي بكرة عن أبي عاصم عن قرد بن خالد عن ابن سيرين عن أبي

هريرة: " طهور أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن

بالتراب، والهر مثل ذلك " (1) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعلى شرط

الشيخين، فإن أبا بكرة ثقة مأمون، ومن توهم أن أبا بكرَة تفرّد به عن أبي

عاصم فهو وهم، فقد حدث به غيره عن أبي عاصم ولئن تفرد به فهو حجة.

نا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد

الفقيه، نا بكار بن قتيبة وحماد بن الحسن بن عنبسة، قال أبو عاصم فذكره،

وقد تتبعا على ابن نصر عن قرة في بيان هذه اللفظة. نا أبو محمد المزني، نا

أبو معشر، نا الحسن بن سليمان الدارمي، نا نصر بن علي، نا أبي، نا قرة بن

خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " طهور إناء

أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب ".

ثم ذكر أبو هريرة الهر لا أدري قال مرة أو مرتين، قال نصر: وجدته في

كتاب أبي في موضع آخر في الكلب مسندًا وفي الهر موقوفًا، تابعه في توقيف

ذكر الهر مسلم بن إبراهيم، فقد ثبت الرجوع في حكم الشريعة إلى حديث

مالك في طهارة المهر. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:

الأول:/إذا كان الحديث قد صح عندك وقفه فلأي شيء حكمت بصحة

رفعه مع وجود هذه العلّة عندك.

الثاني: على أن الطحاوي لم يعتد بذلك، ولم يجعله علّة؛ لأن ابن سيرين

كان يقول: كلما أحدث به أبي هريرة فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في حديث

بكار: صحيح على شرط الشيخين،، ليس كما زعم؛ فإنه لم يخرج له

(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/91، 92) وأبو داود (ح/71) وأحمد في

" المسند "(2/427) والبيهقي في "الكبرى "(1/240، 247) والحاكم في " المستدرك " (1/

160 وابن خزيمة (95، 16) والدارقطني في " سننه "(1/64، 68) والمشكاة (490) وأبو

عوانة في " صحيحه "(208) ومشكل (3803) .

ص: 201

الشيخان في صحيحيهما شيئًا، ولا يمكن ذلك، ولو خرجه من جهة البزار

لصح له قوله، فإن البزار رواه عن عمرو بن علي، نا أبو عاصم، نا قرة فذكره.

الثالث: أنت قد صححت حديث الهرة سبع من حديث عيسى بن

المسيب، وقال: تفرّد به أبي زرعة إلا أنه صدوق لم يخرج قط، إلا أنّا سلمنا

لك ذلك خلقًا بل أن يقول: إذا كانت من السباع كان سؤرها غير طاهر؛

لأنّ أسار السباع كذلك.

وقد جاء ذلك في حديث تقدّم ذكره بإسناد صحيح أيضًا، وذكره

الدارقطني- رحمه الله تعالى- من عند الحكم من حديث يحيى بن أيوب-

يعني الغافقي المصري- وحديثه في الصحيح عن ابن جريح عن عمرو بن

دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: " يغسل الإِناء من الهر كما

يغسل من الكلب " (1) وروى عن أبي هريرة موقوفًا من غير وجه، وكذلك

عن غير من التابعين، وحديث ابن عمر: سئل عن الماء وما ينوبه من السباع

والدواب فقال: " إذا كان الماء قلتين فلن يحمل الخبث "(2) وأما حديث:

" لها ما في بطنها، وما بقى فهو لنا طهور "(3) ففيه كلام، ولا يصح فيها

ذكره. الطحاوي فحصل بذلك التعارض، لا كما زعم، والله أعلم.

الرابع: قوله في عيسى بن المسيب: لم يخرج قط، فليس كما زعم فإنه

ممن قال فيه يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف، وقال يحيى مرة: ليس

بشيء، وقال الرازي وأبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار

(1) رواه البيهقي في "الكبرى "(1/248) .

وبلفظ: " يغسل الإناء إذا الهر

".

رواه الدارقطني في " سننه "(1/68) والقرطبي في " تفسيره "(13/48) .

(2)

صحيح. شرح السنة (2/58) . وبلفظ: " إذا كان الماء قلتين لم تلحقه نجاسة ".

التمهيد (1/328) واستذكار (1/203) وأبو داود (63) والدارس (1/187) والترمذي

(67)

والبيهقي (1/259، 260، 261، 262، 263) والحاكم (1/133) والمشكاة

(4177)

ونصب الراية (1/104، 105) ومشكل (3/366) وإتحاف (2/325) .

(3)

ضعيف. مشكل: 31/267) .

ص: 202

ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم حتى خرج عن حدّ الاحتجاج، فلذلك ذكر ابن

الجوزي حديثه هذا في كتاب العلل المتناهية، قال الخطابي: الطوافون هم الذين

يريدون الأجر والمواساة، وقال ابن عبد البر/هم الذين تداخلوا ما قال تعالى:

(يطوف عليهم ولدان مخلدون)(1) وفيه أن خبر الواحد النساء والرجال

فيه سواء، وفيه إباحة اتخاذ الهر وما أبيح اتخاذه، للانتفاع جاز بيعه وأكل

ثمنه إلا أن تحصى شيئًا من ذلك دليل فيخرجه عق أصله وفيه أن سؤره طاهر

وهو قول هالك والشافعي وأبي يوسف، وفيه دليل على أن ما أبيح اتخاذه

فسؤره طاهر لأنه من الطوافين علينا، وطهارة الهر تدل على طهارة الكلب

وأن ليس في حي نجاسة إلا الخنزير، لأن الكلب من الطوافين علينا ومما أبيح

اتخاذه لأمور وإذا كان حكمه كذلك في تلك المواضع فمعلوم أن سؤره في

غير تلك المواضع لسؤره فيها لأن عينه لا تنتقل، ودلّ على ما ذكرنا أن ما

جاء في الكلب من غسل الإناء سبعًا أنه تعبد واستحباب، ولا لْعلم أحدًا من

الصحابة روى عنه في الهرَ أنه لا يتوضأ بسؤره، إلا أبا هريرة على اختلاف

عنه، وسائر التابعين بالحجاز والعراق يقولون في الهر أنه طاهر لا بأس بالوضوء

في سؤره إلا عطاء وابن المسيب والحسن، والحجة عند التنازع سنة المصطفى

صلى الله عليه وسلم ولا أعلم حجة لمن كره الوضوء بسؤره أحسن من أنه لم يبلغه حديث

أبي قتادة، وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاسه عليه وقد فرقت السنة

بينهما في باب التعبد وجمعت بينهما على ما قدمنا كلامه، وفيه نظر من

وجوه:-

الأول: قوله: ولا نعلم أحدًا من الصحابة روى عنه في الهر إلا أبا هريرة

وليس كما قال: بل قد قال منهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن

الخطاب رضى الله عنهما.

الثاني. قوله. إلا عطاء وابن المسيب والحسن، وليس كذلك؛ بل قد قاله

غير هؤلاء وهم ابن أبي ليلى وحيي بن لسيد الأنصاري وطاوس بالغ إلى أن

قال يغسل سبعًا بمنزلة الكلب ذكر ذلك ابن المنذر في كتاب الأشراف.

(1) سورة الواقعة آية: 17.

ص: 203

الثالث: قوله لأن الكلب من الطوافين علينا أي أخره ليس كذلك، ولا

تابعه على ذلك العلماء، والكلام معه ومع غيره مستوفى في كتب الفقهاء،

أول/ب] ولا يليق ذكره هذا التحضير/تشعب الكلام فيه.

الرابع: قوله: وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر عليه، وليس

كذلك؛ بل يكون بلغة حديث أبي هريرة المتقدّم من عند الحاكم والدارقطني

المصرّح فيه بالغسل من سؤر الهرة سبعا، فأي حاجة للقياس مع هذا النص

الصريح، والله تعالى أعلم. وأما السؤر- مهموز- فهو مما بقى من الشراب

وغيره في الإناء وغيرها فيما ذكره أبو العباس أحمد بن يحيى في كتاب

الفصيح، قالَ ابن درسه: والعامة لا يهمن، وتركها الهمزاني بخطأ، وقال

الليلي: يستعمل في كل ثقبة قال: ويسار فلان من الطعام إذا بقى منه، من

أسماء الهر: الخيطل والسنور والابوسنورة والضيون، ولفظ السنور مؤنث

ولصوته الهواء ما يمؤمؤا. قاله العسكري في كتاب التلخيص، وفيه نظر من

حيث جعله الوبر ولد القط وذلك أن الوبر رأيتها دويبة أرض الشام، لا سيما

بالغور صغيرة برية، لا يزيد مقدارها على القطاط بل هي أصغر من السنانير،

وبهذه الصفة محكاة عن غير واحد من اللغوين، قال الأجداني: هي دويبة

تعرب من السؤر، ولها بول يختر ويبس يتداوي الناس به يسمى الصن، وقال

القزاز: الوبر بسكون الباء دويبة أصغر من السنور، طحل اللون، لا ذنب لها،

وبنحوه قاله في الصحاح والجمهرة وفي الغريب المصنف: جمع الهر هررة،

وجمع الهرة هرر، والله أعلم.

ص: 204

الرخصة بفضل وضوء المرأة

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن

عكرمة عن ابن عباس قال: " اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء

النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل أو يتوضأ، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبا، فقال: إن

الماء لا يجنب " (1) هذا حديث اختلف في تصحيحه؛ فممن صححه أبو

عيسى فإنّه قال فيه: حسن صحيح، وأخرجه أبو حاتم في صحيحه عن عمر بن

إسماعيل/الثقفي ببغداد، نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو الأحوص عن سماك،

نا أبو يعلي أبو معمر القطيعي، نا أبو الأحوص، نا الحرث بن سفيان، نا

حيان بن موسى، نا عبد الله عن سفْيان، نا شهر فذكره مختصرا، قال: ولم

يقل أحد عن سماك في حسنه غير أبيِ الأحوص، ولما خرجه ابن خزيمة من

حديث محمد بن يحيى وأحمد بن المقدام قال: نا محمد بن بكر، نا شعبة

عن سماك به ولفظه: " الماء لا ينجسه شيء "(2) قال: هذا حديث أحمد بن

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/370) وأحمد في " المسند "(6/129، 157) والترمذي

(ح/65) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي والحاكم (1/195) في

طريق الثوري وشعبة عن سماك بن حرب. وقال: هذا حديث صحيح في الطهارة ولم

يخرَجاه، ولا يحفظ له عفة. ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في الفتح (1/260) : وقد أعله قوم بسماك بن حرب، لأنه كان يقبل التلقين،

لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحتمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم ". قلت: وقد

صححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. رواه النسائي في " الصغرى "(1/174) وأحمد في فالمسند " (1/235، 308)

والبيهقي في " الكبرى "(1/265، 266، 279) والحاكم في " المستدرك "(1/159)

وصححاه. وابن حبان (116) والطبراني في " الكبير "(8/123) وابن خزيمة (91، 901)

والدارقطني في " سننه "(1/59، 52) والمطالب لابن حجر (1) والمجمع (1 أ 213) وعزاه إلى

أحمد، ورجاله ثقات. وفي (ص 214 ج ا) من حديث ميمونة عزاه إلى الطبراني في " الكبير "

ورجاله موثوقون. ونصب الراية (1/984، 95) واستذكار (1/205، 206، 211)

والتمهيد (1/332، 333) والقرطبي (13/50، 51) والمعاني (1/12، 16) وأصفهان (2/

344) الخطيب (423) وابن عدي في " الكامل "(2/459، 6/4231) .

ص: 205

المقدام، وأخرجه الحاكم من حديث سفيان وشعبة عن سماك، وقال: قد

احتج البخاري بأحاديث علي به، ومسلم بسماك، وهذا حديث صحيح ولم

يخرجاه ولا يحفظ له علّة وفي الحلافيات، وروى مرسلًا، ومن أسند أحفظ،

وروى مسلم معناه في صحيحه من حديث عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يغتسل بفضل وضوء ميمونة "(1) وفي

بعض طرقه عن عمر البرعلي، والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني

عن ابن عباس، وذلك يوجب تعليله- والله أعلم- لكن ذكر أبو عمر أنه في

صحيحه، نا عمرو، نا جابر أبو الشعثاء سمع ابن عباس، فرواه وقال: قال

سفيان: هذا الإسناد كان يعجب به شعبة. أخبرني شعبة فإنّه إّنما يوصله؛

فزالت تلك العَلّة، والله أعلم، ولما أخرجه البزار من طريقيهما قال: وهذا

الحديث لا نعلم أحدا أسنده عن شعبة إلَّا محمد بن بكر، ورواه غيره مرسلا،

وقد رواه جماعة عن سماك: واقتصرنا على هذين، ولا نعلمه يروى عن ابن

عباس إلَّا من هذا الوجه، وأخرجه ابن الجارود في المنتقى من حديث سفيان،

وممن ضعفه الإِمام أحمد بن حنبل بقوله: هذا حديث مضطرب. ذكره عنه

الأثرم في سؤالاته، وقال ابن حزم: لا يصح لأن سماك كان يقبل التلقين،

شهد عليه بذلك شعبة وغيره وهذه أخرجه ظاهره (2) ، وذكره ابن ماجة في

موضع آخر، والدارقطني في سننه من حديث شريك/عن سماك فجعله في

مسند ميمونة، قال ابن القطان: فعلى هذا يجب أن يكون راوية غيره مرسلة،

وتبين برواية شريك أن ابن عباس لم يشهد ذلك إنّما تلقاه من خالته ميمونة.

انتهى. ويجاب عن الاضطراب بأن ذلك لا يقدح إلا مع التساوي، ولا

تساوي هنا؛ لأنّ من أرسله لا يقاوم من رفعه، ويجاب عن قول ابن حزم بأن

شعبة أي شهد على سماك بالتلقين، وفي رواية الميموني عنه لم يجئ بحديث

(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 10 " رقم " 48 ") وأحمد (1/366) والبيهقي

(1/188) وعبد الرزاق (1037) والكنز (27506) والقرطبي (13/55) والدارقطني (1/

35) .

(2)

كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

ص: 206

سماك غيره، والمعروف أنهما اغتسلا جميعَا، وقال أبو طالب: قال أحمد: هذا

فيه اختلاف شديد؛ وبعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه، وأكثر أصحاب النبي

صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا خلت فلا يتوضأ منه، ويجاب عن قول ابن القطان بأمرين:

الأول: شريك لا يقاس بشعبة والثوري.

الثاني: على تقدير صحة حديثه فكان ماذا قصاراه (1) أن يقول: هو

مرسل صحابي ولين، كان ذلك فلا ضير لكونه مسندَا على الصحيح، ومن

المعلوم أنّ ابن عباس لم يكن ليشهد مثل هذا من المصطفى صلى الله عليه وسلم لكونه غير

جائز له- والله أعلم- فيتبين من مجموع ما تقدم أن قول من صححه راجح

على قول من ضعفه؛ بل هو الصواب، والله أعلم، وأما قول ابن حبان: لم

يقل أحد عن سماك في حقّه غير أبي الأحوص؛ فيشبه أن يكون ليس كذلك؛

لاًنّ الدارمي ذكر في مسنده يحيى بن حسان عن يزيد بن عطاء عن سماك

عن عكرمة به، وفيه ذكر الجفنة ثم قال: ونا عبيد الله عن سفيان عن سماك

بنحوه، اللهم إلَّا أن يكون أراد بالغير ثقة، فلا يردّ عليه حديث يزيد هذا

لضعفه، والله أعلم.

النهي عن ذلك

حدثنا محمد بن يسار، نا أبو داود، نا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي

حاجب عن الحكم بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهى أن يتوضأ الرجل

بفضل وضوء المرأة " (2) هذا حديث اختلف في! فصححه جماعة وضعفه

(1) نفس كلام الحاشية السابقة.

(2)

صحيح. رواه أبو داود (ح/82) والترمذي (ح/64) وقال. هذا حديث حسن. وابن

ماجة (ح/373) وأحمد في " المسند "(4/213) وفي لفظهم " طهور " بدل " وضوء ".

ورواية أحمد من عبد الصمد ابن عبد الوارث عن شعبة، على الشك. ورواه أيضا (4/213)

عن وهب بن جرير عن شعبة، فقال:" نهى أن يتوضأ الرجل من سور المرأة " والمفهوم من

الروايات أن المراد بالسؤر هو فضل الطهور، لا فضل الشراب، فإن أصل السؤر هو البقية من

كل شيء. ورواه النسائي (1/179) وابن ماجة (373) .

قال الحافظ في (الفتح: 1/260) : " أخرجه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي، وصححه

ص: 207

آخرون، فمن المصححين له/أبو محمد بن حزم، ولما ذكر ابن ماجة حديث

ابن سرجس بعده قال: الصحيح الأول، والثاني وهم، وأخرجه أبو حاتم البستي

من حديث أبي داود عن شعبة عن عاصم: سمعت أبا حاجب يحدّث فذكره،

ولما أخرجه أبو عيسى في جامعه قال فيه: حديث حسن. ومن المضعفين له أبو

عبد الله البخاري فإن الترمذي سأله عنه فقال: ليس بصحيح. كذا في كتاب

العلل، وفي التاريخ الكبير: قال سواء بن عاصم أبو حاجب العنبري يعد في

البصريين، ويقال الغفاري، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو، وهذا الكلام

لا يعطي الحديث على صراحة- الحديث تضعيفًا ولا تصحيحًا، وإن كان

المنذري قد ذكره في معرض ردّ الحديث لاحتمال أن يكون لفظ الصحة فيه

عائدة إلى نسبه إلى غفار، وذلك لا يوجب تضعيفًا، لكن تضمنه ما في العلل

تبيّن الضعف، ولا يخلص ذلك المنذري؛ لأنه لم ير ما في العلل فلذلك لم

يحكه، والذي حكاه في التاريخ لا يوضح بقصده- والله تعالى أعلم- وقد

يكون عائدًا على الانقطاع فيما بين أبي حاجب والحكم ولئن كان كذلك

فليس بشيء أيضًا؛ لما صحّ عن أبي حاجب أنه سمعه منه فْيما تبينّ ذلك بعد،

وذكر ابن منده أنه لا يثبت من جهة السند، ولما ذكر أبو عمر حديث الحكم

هذا قال: الآثار في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة، وذكر الميموني أنه

سأل أبا عبد الله عنه فقلت: يسنده أحد غير عاصم قال: لا، ويضطربون فيه

عن شعبة، وليس هو في كتاب غندر، وبعضهم يقول عن فضل سؤر المرأة،

وبعضهم يقول فضل وضوء المرأة ولا يتفقون عليه، ورواه التيمي، إلَّا أنه لم

يسمه، قال: عن رجل من الصحابة، والآثار الصحاح واردة بالإِباحة، وقال

الدارقطني: اختلف عنه- يعني أبا حاجب- فرواه عمران ابن جدير وغزوان بن

حجين السدوسي عنه موقوفًا من قول الحكم، ورواه أبو كدينة عن سليمان عن

أبي حاجب عن أبي هريرة-/وهو وهم- انتهى. ويشبه أن يكون قول من

صحح أرجح من قول من ضعف: وذلك أن الإِسناد ظاهره السلامة من

مضعف وانقطاع، وذلك يرد قول ابن منده أمّا الأول؛ فلأنّ أبا حاجب

سوادة بن عاصم روى عنه جماعة منهم سليمان التيمي وعاصم وعمران بن

ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه ".

ص: 208

حدير وشعبة، ووثقه ابن معين وغبره، وخرَج حديثه مسلم في صحيحه على

ما قاله الألكاني، وأبو إسحاق الحبال وغيرهما، ومن مثله في الإِسناد لا يسأل

عنه الثاني: تدليس عاصم المخوف زال بما ذكره ابن حبان وسوادة صرّح

بسماعه من الحكم ابن أبي شيبة في المصنف بقول سوادة: انتهيت إلى

الحكم بن عمرو بالمربد وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة فقلت: ألا حبذا

صفرة ذراعيها، إلا حبذا كذا، فأخذ شيئًا فرمى نحوي وقال لك ولأصحابك،

ويجاب عن قول البخاري المذكور في التاريخ بما تقدّم، والقول المذكور في

العلل بخلاف الترمذي له حين حسنه، ولولا ظهور ترجيح لما جاز له الإقدام

على خلافه، أو يحمل على أنه لم يصح صحة المجمع عليه من الأحاديثَ، إذ

الصحة تتفاوت عنده وعند غيره، أو يكون قوله صحيحًا لا يتبع الحسن،

ويجاب عن قول أحمد، بأن تفرد عاصم بالرفع لا يؤثر في صحة الحديث إذا

رفعه ثقة غيره؛ بل يكون ذلك مقبولًا، وكونه ليس في كتاب غندر ليس

قادحا أيضًا؛ لأنّ ابن جعفر لم يدع الإِحاطة بجميع حديث شعبة، وقد رواه

عن شعبة كرواية أبي داود مواسيًا له، الربيع بن يحيى الإِشناني فيما ذكره

الطبراني في الكبير وعبد الصمد بن عبد الوارث ابن بنت منيع في معجمه،

وتقوى الرفع بزيادة: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت "(1) . /

ولم أر فيه مع سؤر المرأة، ويجاب عن الاضطراب بأن معنى ما روى يرجع

إلى شيء واحد- وهو البقيّة- إذ الرواية بالمعنى جائزة، يقول من روى: فضل

طهور المرأة وسؤر المرأة واحد وذلك يريبه البقّة، وقد جاء مصرحًا به في

كتاب الطبراني الكبير بفضل وضوء المرأة وإذا كان كذلك فلا خلاف،

ويجاب عن إيهام اسم الصحابي بأن ذلك لا يضر إذ كلّهم عدول، فسواء

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/1868) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/

305) وأحمد في " المسند "(4/87، 5/57) والبيهقي في " الكبرى " (8/293، 308،

309) والتاريخ الكبير (4/185، 5/92، 7/59) والخطيب (11/333، 12/45)

والمعاني (4/223، 225، 226) وابن ماجة (ح/3404) . وصححه الشيخ الألباني

الدباء: الظرف المتخذ من الدباء، وهو القرع الحنتم: هي الجرة المدهونة، تحمل الخمر فيها.

المزفت: المطي بالزفت.

ص: 209

أبرز اسمه التابعي أو أبهمه، لكن بعد أن يشهد له بالصحبة كما يشترطه أبو

الحسن بن القطان- رحمه الله تعالى- وأيضًا ففي الطبراني الكبير: المسمّى

عن رجل من غفار، والحكم غفاري، فعلى هذا لا فرق بين القولين إذَا قول من

قال عمّن قيل منه الحكم وقول من قال رجل غفاري له صحبة، ولأنّ المسمى

روى عنه أيضًا غير هذا الحديث مصرحَا باسمه، فمحى ذلك هن كتاب

البساط وعدمه- والله تعالى أعلم- ويجاب عن قول من وفَّقه بأمرين: الأول

لسببين، الثاني يجعل ذلك من قبيل الفتيا لا من قبيل التعارض في الرواية،

وأما من نسب الحكم غفاريًا يعني بذلك أن قبيلته منهم، فيشبه أن يكون ليس

كذلك، وممن نسبه غفاريا أبو عبد الله البخاري في تاريخه الكبير، وأبو حاتم

الرازي، وأبو عيسى الترمذي في كتابه الجامع والتاريخ، ومسلم في كتاب

الطبقات وأبو بكر بن أبي شيبة في كتابه المصنف والمسند، وغيرهم، وليس

كما زعموا بل هو من نفيلة، وحي غُفار من مُلَيل بن ضمرة بن بكر بن عبد

مناة نسب غفاريَا لدخوله فيهم. نص على ذلك ابن الكلبي وابن سعد وأبو

أحمد العسكري وأبو حاتم بن حبان والطبري في المزيل والأمير أبو نصر

والبغوي في معجمه وابن قانع، قالوا: هو الحكم بن مجدع بن حذيم بن

الحرث بن مغيلة بن مليل، إلَّا العسكري فانَّه قال: مغيلة بن حدي بن مُليل، لم

وفي كتاب خليفة جدثم بن خلوان بن الحرث، والصواب الأول، توفى سنة

خمس وأربعين، ويقال خمسين ويقال إحدى وخمسين، وحدّثنا محمد بن

يحيى، نا المعلي بن أسد، نا عبد العزيز بن المختار، نا عاصم الأحول عن عبد

الله بن سرجس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء

المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل " (1) ولكن يشرعان جمعيا، هذا الحديث

اختلف في رفعه ووقفه؛ فأما البخاري فذكر عنه أبو عيسى في كتاب العلل أنّ

هذا حديث موقوف، ومن رفعه فهو خطأ، وقد تقدم كلام ابن ماجة فيه، ولما

رواه في الأوسط قال: لم يروه عن عاصم عن ابن سرجس غير عبد العزيز.

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/374) والدارقطني في " سننه "(1/117) ومعاني) .

والراويان الأخيران بلفظ: " نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل

"

الحديث. وصححه الشّيخ الألباني.

ص: 210

تفرد به يعلي بن أسيد، ورواه غبره عن عاصم الأحول عن سوادة بن عمر عن

الحكم الغفاري، ولما ذكره الدارقطني قال: خالفه شعبة فوقفه، وهو أولى،

وقال البزار: لا نعلم أحدًا أسنده عن عاصم عن ابن سرجس إلَّا عبد العزيز،

وخالف ذلك أبو محمد بن حزم فصححه مرفوعًا، وذكر عبد الحق أنَّ النسائي

أخرجه، ووهم ذلك فيما بينه أبو الحسن، قال أبو الحسن عبد العزيز بن

المختار: قد رجحه وهو ثقة ولا يضره وقف من وقفه، وتوقف في تصحيحه؛

لأنه لم يروه إلا في كتاب الدارقطني، وشيخ الدارقطني فيه لم يعرف حاله،

ولو رأه هنا لما توقف؛ لأن رجاله كلهم حديثهم في الصحيحين، وفي قول

أبي عيسى إثر حديث الحكم وفي الباب عن ابن سرجس نظر من حيث إغفاله

حديث أبي داود من جهة داود الأودي عنه حميد الحميري قال: لقيت رجلًا

صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا "

وهو حديث صحيح الإسناد، وممن صححه أيضًا ابن مفوز وابن القطان وقال

أحمد: إسناده حسن وَلا التفات إلى قول ابن حزم/عندما أراد تضعيفه، إن

كان داود هو عم عبد الله بن إدريس فهو ضعيف، وإن لم يكن أباه فهو

مجهول، وقد كتب الحميدي إلى ابن حزم من العراق يخبره بصحة هذا الخبر،

وبين له أمر داود هذا بأنه داود بن عبد الله الزعافري الأزدي أبو العلاء الكوفي

روى عنه ووثقه الإِمام أحمد وغيره، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال:

الذي تفرد به هن هذا الحديث قوله: " نهي أن يغتسل " قال ابن يعقوب:

لا أدري رجع عن قوله أم لا، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة، قال: هو

منقطع، وداود بن عبد الله ينفرد به، وقْال في السنن الكبير: رواته ثقات إلَّا

أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدّثه، فهو معنى المرسل، إلا أنه مرسل

جيّد، لولا مخالفة الأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود لم يحتج به

الشيخان. انتهى.

وعلته فيه مأخذ الأول: قوله أنه بمعنى إن أراد أنه يشبهه في أنّه لم يسم

الصحابي فصحيح لكنه لا يسمع خصمه من الاحتجاج ذاهبًا إلى أنّه لا حاجة

إلى تسمية الصحابي بعد أن حكم الصحابي بكونه صحابيًا وإن أراد أنه في

ص: 211

معناه من أنه لا يحتج به قوم كما لا يحتجون بمرسل التابعي فغير صحيح لما

تقدم.

الثاني: قوله: مرسل جيّد غير جيّد بل هو مسند على الصحيح من قول

العلماء.

الثالث: قوله: لولا مخالفة الأحاديث الثابتة- يعني بذلك ما تقدّم-

فليس بجيّد أيضًا لأمرين:

الأول: شأن المحدّث الإعراض عن المعارضة كما قررناه في غير موضع.

الثاني: على تقدير تسليمنا ذلك، يجاب عنه بأنه لا بأس أن يتوضأ أو

يغتسلا جميعًا من إناء واحد يتنازعه على حديث عائشة وميمونة وأنس وابن

عمر وأم هانئ وأم سلمة وأم حبيبة وغيرهن، وعلي إذ لا يتوضأ الرجل بفضل

طهور المرأة على حديث الحكم، ولأن الأحاديث التي وردت بعد في الكراهة

عن الصحابة والتابعين لم يكن في شيء منهما أنَّ الكراهة في ذلك للرجل أن

يتطهر بفضل طهور/المرأة، ولتلك الأحاديث علل، ذكر ذلك أبو بكر الأثرم

في كتاب الناسخ والمنسوخ.

الرابع: قوله: وداود لم يحتج به الشيخان، وفيه نظر لأمرين:

الأول: إن أراد عيبه بذلك فليس ذلك. بعيب عند المحدثين قاطبة؛ لأنهما

لم يلتن بالإِخراج عن كل ثقة ولو التزماه ما أطاقاه.

الثاني: إن كان بريد بهذا الكلام ردّ الحديث- وهو الأقرب- يضمنه

كلامه على انقطاعه وغيره، فهو كلام متناقض، ولا حاصل تحته لما سلف من

توثيقه برجاله.

الخامس: قوله: منقطع لما يريد به الإرسال الذي أشار إليه في السنْن

الكبير، لا الانقطاع الصناعي- والله أعلم- وزعم أبو عمر بن عبد البر أن أبا

عوانة رواه عن داود عن حميد عن أبي هريرة فأخطأ فيه، وزعم أبو الحسن

القطان أنَّ المبهم هنا قيل: هو عبد الله بن مغفل، وقيل: ابن سرجس، وقطع

أبو محمد بن حزم بأن حكم الإباحة منسوخ، وهذا الباب وما فيه من

ص: 212

الأحاديث ناسخ، وأبي ذلك ابن العربي فزعم أنّ الناسخ حديث ميمونة؛ بدليل

أنّه عليه السلام لما أراد أن يغتسل قالت له: إني توضأت به، وهذا يدّل على

تقدّم النهي من تاريخه، وبنحوه قاله الخطابي: واعمَلّ أيضَا- أعني الترمذي-

حديث أبي إسحاق عن الحرث عن رجل: " كان نبي الله- عليه السلام

وأهله يغتسلون من إناء واحد، لا يغتسل أحد مما يفضل صاحبه " قال أبو بكر

الأثرم: لم يسمعه أبو إسحاق من الحرث، وحديث عائشة: " سئل عليه السلام

عن فضل وضوء المرأة فقال: لا بأس به ما لم تخل به، فإذا خلت به فلا

يتوضأ بفضل وضوءها " ذكره أبن عدي وأعلّه بعمر بن صالح، وحديث أبي

ذر وأبي هريرة ذكرهما ابن منده وأشار إلى أنهما لا يثبتان من قبل سندهما،

وقد سبق الإِشارة إلى حديث أبي هريرة أيضَا.

ص: 213

الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد

حدثنا محمد بن رمح/، نا الليث بن سعد عن ابن شهاب، ح ونا أبو

بكر بن أبي شيبة، نا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:

" كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد " هذا الحديث اتفقا على

تخريجه بزيادة تختلف فيه أيدينا، زاد ابن عوانة (1) في صحيحه وتلتقي. رواه

عن عائشة جماعة. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا ابن عيينة عن عمرو بن

دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: " كنت

أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد " هذا حديث أخرجه مسلم (2) في

صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة، والبخاري عن أبي نعيم عن ابن عيينة عن

عمرو عن جابر عن ابن عباس لم قال: كان ابن عيينة أخيرا يقول عن ابن

عباس عن ميمونة، والصحيح ما رواه أبو نعيم، وقد تقدم التنبيه على طرق

منه، قيل- والله أعلم- وأخرجه الترمذي كما تقدم وقال: حسن صحيح،

(1) صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/45) والبخاري في (الغسل، باب

" 9 ") وأبو داود (ح/77) وابن ماجة (ح/376) وأحمد في " المسند "(6/366، 367)

وللدارقطني في " سننه "(1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه "(356) وابن عدي في " الكامل "

(7/5218) والكنز (27511، 27512، 28513) وشرح السنة (2/23) وأبو عوانة (1/

295) والتمهيد (8/100) ومعاني (1/25، 26، 49) والترمذي (65) وقال: " هذا

حديث حسن صحيح ".

ورواه الحاكم في المستدرك (1/159) من طريق الثوري عن شعبة عن سماك بن حرب.

وقال: " هذا حديث صحيح في الطهارة ولم يخرجاه، ولا يحفظ له علة ". ووقفه قوم

بسماك بن حرب، لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن

مشايخه إلا صحيح حديثهم ".

(2)

صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/45) والبخاري في (الغسل، باب

" 9 ") وأبو داود (ح/77) وابن ماجة (ح/376) وأحمد في " المسند "(6/366، 367)

والدارقطني في " سننه "(1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه "(356) وابن عدي في " الكامل "

(7/5218) وللكنز (27511، 27512، 28513) وشرح السنة (2/23) وأبو عوانة (1/

295) والتمهيد (8/100) ومعاني (1/25، 26، 49) والترمذي (65) وقال: " هذا

حديث حسن صحيح ".

ص: 214

وكذا الإِسماعيلي أن المقدمي وابن أبي شيبة والترسى وإسحاق الطالقاني وأبو

خيثمة وابن أبي عمرو شريج وابن منيع والمخزومي وعثمان بن أبي شيبة وعبد

الجبار وابن همام وأبو موسى الأنصاري وابن وكيع الأحمسي، كلّهم عن

سفيان في هذا الحديث عن ميمونة قال: وهكذا يقول ابن مهدي، وقال

الدارقطني: خالف ابن عيينة ابن جريح فرواه عن عمرو عن جابر عن ابن

عباس أن النبي- عليه السلام: " كان يغتسل بفضل ميمونة "(1) قال:

وقوله: ابن جريج أشبه. حدثنا أبو عامر الأشعري عبد الله بن عامر، ثنا

يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم

هانئ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وميمونة من إناءٍ واحد، في قصعة فيها أثر

العجين ".

هذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهل بحال أبي عامر عبد الله بن عامر بن

مراد بن يوسف بن أبي يردة، قال الحافظ: الذي ظنّ أنه ابن مراد، يعني الذي

حديثه في الصحيح، وليس كذلك، ولم يذكر أحدًا/من أصحاب الكتب

روى عن هذا إلا ابن ماجة فقط، ولم يعرف بشيء من حاله، ولم أر قبله

أحدًا عرف بحاله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة عن

أبي عامر، هكذا ذكرها الحافظ النسائي فقال: نا محمد بن بشار، حدّثني ابن

نافع فذكره. حذثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية عن هشام

الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أم سلمة أنها:

" كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد "(2) .

هذا حديث أخرجه البخاري في صحيحه عن سعيد بن حفص، نا سفيان

عن يحيى به كذا ذكره خلف في أطرافه، وزعم الشيخ ضياء الدين: أنهما

اتفقا عليه- والله أعلم- ورواية ابن ماجة عن ابن أبي شيبة فيها تقصير منه؛

(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 10 " رقم " 48 ") وأحمد في " المسند " (1/

366) والبيهقي في " الكبرى "(1/188) وعبد الرزاق في " المصنف "(1037) والكنز

(27506)

والقرطبي في " تفسيره "(13/55) والدارقطني في " سننه "(1/35) .

(2)

تقدَم من أحاديث الباب.

ص: 215

لأن ابن أبي شيبة روى هذا الحديث في مسنده عن إسماعيل: " وكان يقبلها

وهو صائم " (1) ورواه كرواية ابن ماجة عثمان بن أبي شيبة عند الطبراني،

وعند أحمد بن منيع عنبسة بن عمار القزازي، نا يحيى فذكره، وتابعه عمار

الذهلي عند الطبراني، ورواه عن أم سلمة أيضًا عنده سليمان مولاها، ولفظه:

" من إناء واحد نحو نصف الفرق " فيبادر أن الغسل جميعًا يبدأ بتلى وخيرة أم

الحسن البصري بزيادة فأقول أترك وعبيد بن عمير لفظه: " يأخذ كل منّا على

حدة " وعبد الله بن رافع، وقد روى عن علي بن أبي طالب نحوه مرفوعًا.

ذكره أحمد بن حنبل ومطين في مسندهما، وفي البخاري من حديث أنس

نحوه: " الرجل والمرأة يتوضاءن من إناء واحد "، حدّثنا هشام بن عمار، نا

مالك بن أنس، حدّثني نافع عن ابن عمر قال: " كان الرجال والنساء

يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد " هذا حديث أخرجه

البخاري (2) في صحيحه، ولفظه ولفظ أبي حاتم من الإناء الواحد جميعًا، وفي

لفظ له: " كنا نتوضأ نحن والنساء/من إناء واحدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

ندلي فيه أيدينا " (3) وفي لفظ: " من الميضأة " حدّثنا عبد الرحمن بن

إبراهيم الدمشقي، ثنا أنس بن عياض، ثنا أسامة بن زيد عن سالم بن

النعمان- وهو ابن شرح- عن أم صبية الجهنية قالت: " ربما اختلفت يدي

ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد " (4) قال أبو عبد الله: سمعت

محمدًا يقول: أم صبية: هي خولة بنت قيس، فذكرته لأبي زرعة: فقال:

صدق هذا حديث حسن الإِسناد للاختلاف في حال أسامة، ولولا ذلك لكان

(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/88) ومسلم في المقدمة، باب " 6 " رقم " 32 " (

وأبو داود (ح/2386) وأحمد في " المسند " (6/39، 123، 234، 280، 291، 310،

318) وأبو عوانة في " صحيحه "(1/310) والدارقطني في " سننه "(1/142) والحميدي

(197)

وشفع (688) وسنة (6/278) والتمهيد (5/123) والمشكاة (2005) والمعاني (2/

90، 91) والطبراني (5/68) وابن كثير في " تفسيره "(2/278) وابن عساكر في " التاريخ "

(2/82، 299) .

(2)

صحيح. رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل، باب " 9 "، (ح/264) .

(3)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 38 "، (ح/80) .

(4)

صحيح. رواه أبو داود (ح/78) وابن ماجة (ح/382) . وصححه الشيخ الألباني.

ص: 216

صحيحَا، وأمّا سالم بن شرح أبو النعمان ويقال: ابن خربزد، قال الحاكم: من

قال ابن شرح غَرّبَهُ، ومن قال خَربزد: أراد به الأكاف بالفارسيَّة، وقال

الدارقطني: شرح يعرف بخربزد، ووهم وكيع فقال: عن أسامة عن النعمان بن

خربزد. قاله البخاري، قال: والصواب سالم بن خربزد أي: النعمان. روى

عنه آنفًا خارجة بن عبد الله بن الحجاج، قال فيه ابن معين: شيحْ مشهور ثقة،

وذكره البستي في الثقات، وفي كتاب العلل الكبير للترمذي تصريح سالم

بسماعه من خولة هذا الحديث، وكانت من المبايعات، وروت عن النبي- عليه

الصلاة والسلام- أحاديث، وهي جدّة خارجة، ومولاة سالم. قاله ابن سعد

وغيره، وفرق ابن حبان بينها وبين خولة الأنصارية امرأة حمزة بن عبد

المطلب، واعترض بعضهم على صحة هذا الحديث بكونه عليه السلام لم يمس

امرأة لا تحل له، قال: وخولة هذه لم يأت في خبر صحيح ولا غيره أنها

كانت بهذه الصفة، وفي الذي قاله نظر، وذلك من قولها، تختلف؛ لأن

الاختلاف لا يوجب مسًا.

الثاني: لا برفع صحة الحديث لتخيّل معارضة إذا عُدلت رواته وسَلِمَ من

شائبة/الانقطاع، والله تعالى أعلم.

حدّثنا محمد بن يحيى، نا داود بن شهيب، نا حبيب بن أبي حبيب عن

عمرو بن هرم عن عكرمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنهما كانا يتوضأن

جميعًا للصلاة " (1) . هذا حديث صحيح الإِسناد متصلة، وإن كان ابن أبي

حاتم في كتاب المراسيل خالف ذلك بقوله: سمعت أبي يقول: عكرمة لم

يسمع من عائشة، فغير صواب لبغضه ذلك في كتابه الجرح والتعديل، قيل

لأبي أسمع عكرمة من عائشة فقال: نعم، وكذلك قاله البخاري وخرج

(1) قلت: هذا حديث علق عليه الشارح وإن كنا قد أثبتناه من النسخة الثانية.

والحديث رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 36- باب الرجل والمرأة يتوضآن من إناء

واحد، (ح/383) .

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. ورأيته في " صحيح ابن ماجة " للشَيخ

الألباني.

ص: 217

حديثه عنها في صحيحه، وكذلك الترمذي وصححه، وقال الآجري:

سمعت أبا داود يقول: سمع عكرمة من عائشة، ورواه عن عائشة- رضى

الله عنها- جماعة منهم أبو سلمة ومعاذة وحفصة عند مسلم، وعطاء عد

عبد الرزاق، وعبيد بن عمير عند الدارقطني، ومسروق وأم منصور بن عبد

الرحمن عند الطحاوي، وابن المسيب عند ابن عبد البر، وإبراهيم- على

انقطاعه- عند ابن أبي شيبة، وأبو أمامة الأنصاري بحديثه الإِمام تاج الدين أبو

العباس أحمد بن علي بن وهب القشيري- المعروف بابن دقيق العيد- قرأه

عليه وأنا أسمع، نا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني قراءة عليه في

سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، نا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ،

نا أحمد بن محمد بن زياد القطان، نا علي بن إبراهيم الواسطي، نا يزيد بن

هارون جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن عائشة قالت: " لقد

كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف أيدينا في الإِناء الواحد في الغسل من

الجنابة " (1) والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وفي حديثه زيادات، ثنا به جماعة

من شيوخنا بقراءتنا وقراءة عليهم وأنا أسمع قالوا: ثنا جماعة منهم ابن

خطيب المرة وأبو بكر المقدسي والشريف عماد الدين وابن أبي حباب، ثنا ابن

خربزد وأنبأنا به- رحمه الله/الإِمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد

الواحد المقدسي عرف بابن البخاري أبو حفص عمر بن محمد بن معمر

الدارقري، نا أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني، نا أبو طالب محمد بن

إبراهيم البزار، نا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، نا جعفر بن

محمد أبو بكر القاضي، نا محمد بن عثمان العثماني، نا إبراهيم بن سعيد عن

ابن شهاب عن القاسم عن عائشة بمثله، يعني حدّثنا قبله مه: " كنت أغتسل

(1) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 38 "، (ح/77) .

ورواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 35 "، (ح/376) .

ولم يذكر فيه قوله: في الغسل من الجنابة.

ص: 218

معه عليه السلام من إناء واحد " قال داود في حديثه: هو الفرق، قال ابن

شهاب: الفرق خمسة أقساط وبه قال الشافعي. قال: نا عبد الرحمن بن

إسحاق الدمشقي، نا محمد، نا ابن لهيعة، نا عطاء بن خباب المكي عن

القاسم عن عائشة قالت: " كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد،

فإن سبقني لم أقربه وإن سبقته لم يقربه " وبه قال يوسف بن يعقوب، نا

محمد بن أبي بكر ونصر بن علي قالا: نا عبد العزيز بن عبد الصمد عن

عباد بن منصور عن القاسم عن عائشة قالت: " كنت أغتسل أنا والنبي-

عليه السلام من إناءٍ واحد، غير أنه يبدأ قبلي " وحديث عبد الرحمن بن

القاسم عنه أن ليس بالكثير الماء، قال أبو عمر بن عبد البرّ: في هذه المسألة

خمسة أقوال:

الأول: قال ابن عمر: لا بأس أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ما لم تكن

حائضا أو جنبا.

الثاني: الكراهة أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل.

الثالث: الكراهة في أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، والترخيص أن

تتطهر المرأة بفضل وضوء الرجل.

الرابع: أنّهما إذا شرعا جمعيا في التطهير فلا بأس به، وإذا خلت المرأة

بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها، وهو قول أحمد بن حنبل.

الخامس. لا بأس أن يتوضأ كل واحد منهما بفضل طهور الآخر/شرعا،

جمعيا أو خلا كل واحد منهما به، وعليه فقهاء الأمصار والآثار في معناه

متواترة، وذكر ابن المنذر معناها وقال: وبه نقول.

الوضوء بالنبيذ

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: نا وكيع عن أبيه وثنا

محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق عن سفيان عن أبي فزارة العبسي عن أبي زيد

مولى عمرو بن حريث عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة

ص: 219

الجن: " عندك طهور؟ قالا: لا، إلّا شيء من نبيذ في إداوة، قال: تمرة طيبة

وماء طهور فتوضأ " (1) ، نا العباس بن الوليد الدمشقي، نا مروان بن محمد

بن لهيعة، نا قيس بن الحجاج عن حفص الصنعاني عن عبد الله بن عباس أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود ليلة الجن: " أمعك ماء؟ قال: لا، إلا

نبيذ في سطيحة، فقال عليه الصلاة والسلام: تمرة طيبة وماء طهور، صب

علي، قال: فصببت عليه " هذا حديث قال فيه الحافظ أبو الحسن علي بن

الفضل المقدسي: نقلته من خطّ ابن سالس البرزالي حديث صحيح، وما

تركوه إلا بسبب أبي فزارة، وأبي زيد؛ لأنهما غير معروفين، وأبو فزارة اسمه

راشد بن كيسان، وأبو زيد مولى عمرو بن حريث. انتهى كلامه. وهو حديث

معلل بأمور:

الأولى: جهالة حال أبي زيد وضعف حديثه، فقد قال الترمذي عند

تخريجه: إنّما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي- عليه

(1) باطل. رواه أبو داود (ح/84) والترمذي (ح/88) وأحمد في " المسند "(1/42، 450) .

قلت: وأبو زيد رجل عند أهل الحديث مجهول لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، ويقال:

أبو زيد إنه المخزومي مولى عمرو بن حريث، ولا يعرف اسمه. وقال أبو داود: كان أبو زيد

نباذا بالكوفة.

ونقل الزيلعي في نصب الراية (1/72) عن كتاب الضعفاء لابن حبان قال: " أبو زيد شيخ

يروى عن أبن مسعود، وليس يدري من هو، ولا يعرف ولا بلده، ومن كان هذا النعت ثم

روى خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإِجماع والقياس: استحق مجانبة ما رواه ".

ونقل عن ابن عدي عن البخاري قال: " أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء

بالنبيذ: مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو

خلاف القرآن ".

ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب قال: " أبو زبد مولى عمرو بن حريث مجهول عندهم، ولا

يعرف بغير رواية أبي فزارة، وحديثه عد ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له، ولا

رواه من يوثق به، ولا يثبت.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (رقم 14 ج 1 ص 17) : " سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي

فزارة ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول ".

وقْد ضعف الطحاوي في معاني الآثار أسانيد حديث ابن مسعود في هذا كلها، واختار اَنه لا

يجوز الوضوء به في حال من الأحوال. انظر شرح معاني الآثار (1/57- 58) .

ص: 220

السلام- وأبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم لا يعرف له رواية غير هذا

الحديث. انتهى، وفيه نظر من حيث زعمه أن أبا زيد تفرّد به عن ابن

مسعود؛ لرواية جماعة نحوه عنه منهم عمرو التعالى الصحابي. ذكره الحاكم

أبو أحمد في كتاب الكنى، فقال: نا أبو القاسم البغوي، نا عبد الأعلى بن

حماد البُرسي معتمر سليمان عن أبيه، أخبرني أبو تميمة/عن عمرو- لعلّه قد

قال البقال- عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم قال

فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا

" فذكر حديث ليلة الجن ومنهم أبو

رافع. ذكر حديثه أبو عبد الله الحاكم من جهة أبي سعيد مولى أبي هشام عن

حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة

الجن: " أمعك ماء؟ قال: لا، قال: أمعك نبيذ؟ قال: نعم، قال: فتوضأ به "

قال الجوزجاني: هذا حديث باطل، وقال أبو عبد الله: تفرد به أبو سعيد عن

حماد، وفيما قاله نظر؛ وذلك أن الدارقطني لما ذكره من جهة أبي سعيد قال:

علي ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وليس هذا الحديث

في مصنفات حماد، وقد رواه أيضًا عبد العزيز بن أبي زرعة- وليس هو

بقوي- عن حماد مثله، فهذا عبد العزيز قد بايع آراء سعيد، وفي قول أبي

الحسن وأبو رافع: لم يثبت سماعه من ابن مسعود نظر من حيث كونه جاهليا

من كتاب التابعين، قال أبو عمر: روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود، فمن

كان بهذه المتابعة لا ينكر سماعه من ابن مسعود، لا سيما وقد جمعهما

العصر والبلد، وفي قوله: لم يثبت، إشعار بعدم النفي، إذ لو كان ثابتا عنده

لجزم به كعادته، ويشبه أن يكون روايته عنه إنّما جاءت على لسان متكلّم فيه؛

فلذلك قال: لم يشا، وفي كلامه أيضا إشعار بترجيح مذهب من يشترط أنّه

لابُدّ من أن يعرف سماعه من المروى عنه ولئن كان كذلك فهو مذهب

مرجوح، أطنب مسلم- رحمه الله تعالى- في الردّ على قائله، وفي قوله

أيضا: وليس هذا الحديث من مصنفات حماد نظر؛ لأن المصنف الكبير لا

يذكر في جميعه جميع روايته إمّا بعدم استحضاره له، أو لكونه لم يرفضه،

وقد يحتمل أن يكون ذكره في مصنف لم يره الدارقطني،/وذلك مأخوذ من

ص: 221

قوله: مصنفاته بغير إله الحضر لماّ نظر وحكاه غاليا- والله أعلم- فعلى ما تقرر

شبه أن يكون أمثل أسانيد هذا الحديث ومنهم: أبو عبيدة بن عبد الله بن

مسعود وأبو الأحوص، نا بذلك الشيخ المسند المعمر حسن بن عمر بن

عيسى بن خليل الكردي من لفظه، قال: نا أبو المنجا عبد الله الدقّاق، قال:

نا محمد بن عيسى المدائني، نا الحسن بن قتيبة بن يونس بن أبي إسحاق عن

أبي إسحاق عن أبي عبدة، وأبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: " مر

بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: خذ الإداوة منّى ثم انطلق وأنا معه قال:

ثم خطّ على خطا ثم قال: لا تخرج من هذا الخط قال: ثم مضى عليه

السلام فسمعت، لغطا شديدا خطّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أحفظ لرسوله

مني فإذا هم وفد الجن، فلما انصرف النبي- عليه السلام قال: فأتاني

فقلت: يا رسول الله: سمعت لغطا شديدا قال: هذا. وفد أهل نصيبين من

الجن أتوتي قال: فلما قمت تبعوني يسألوني الرزق فأمرت لهم بالعظام

والروث قال: ثم تبرز ثم جاء فقال: ناولني ثلاثة أحجار فناولته حجرين وروثه

قال: فرمى بالروثة وقال: هذا ركس أو رجس قال: فلما أفرغت عليه من

الإِداوة إذا هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ فقال: تمرة حلوة

وماء عذب " (1) ولما ذكره الحاكم قال: لم نكتبه إلا بهذا الإِسناد؛ والحمل فيه

على محمد بن عيسى المدائني، وهو واهي الحديث، وذكره البيهقي في

الخلافيات نحوا من الذي يقدم، وزاد، والحديث باطل بالمرة، وفيما قاله نظر؛

لأن الخطيب ذكر في تاريخه: سمعت البرقاني يقول (2) ...... وسأله عنه مرة

(1) تقدم. ورواه أبو داود (ح/84) والترمذي (ح/مه) وابن ماجة (ح/384، 385)

والحاكم. وأحمد في " المسند "(1/449، 450، 458) وعبد الرزاق في " المصنف (693)

وابن أبي شيبة في " المصنف "(1/26) والكنز (15233، 27498) وابن كثير في " تفسيره "

(7/277) والقرطبي في " تفسيره "(13/52، 16/212) والدارقطني في " سننه "(1/78)

والبيهقي (1/10) . قلت: وهذا حديث ضعيف. ضعفه الشيخ الألباني ومن قبله إلى داود كما

في إسناد حديثه. انظر للشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/84، 85) وضعيف أبي داود (ح/

10) والمشكاة (480) .

(2)

بياض " بالأصل ".

ص: 222

أخرى فقال: لا بأس به، وسألت اللالكائي عنه فقال: صالح ليس يدفع عن

السماع لكن كان الغالب عليه؛ لكونه جعله جاما لترجمته وذلك عادته فيما

ذكره عن نفسه، وأما/الدارقطني فقال: تفرد به الحسن بن قتيبة عن يونس بن

أبي إسحاق، والحسن ومحمد بن عيسى المتقدم ضعيفان، وفيما قاله نظر لما

أسلفنا من حال محمد، والحسن ممن قال فيه ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به،

قاله يعقوب بن سفيان، ومن كان بهذه المثابة لا يقال فيه: ضعيف ليُردّ

حديثه، وإّنما الموثق ما ذكره البخاري في الصغير قال عمرو: قلت لأبي عبيدة

أكان أبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: وذكره البخاري في الأوسط

والصغير فقال: لا يصح ومنهم عبد الله بن سلمة ذكره الحافظ أبو الحسن بن

المظفر في كتاب غرائب حديث شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن

سلمة عنه، وذكره البخاري في الأوسط والصغير فقال: لا يصح ومنهم

قابوس بن أبي طبيان عن أبيه نا ابن مسعود نحوه ومنهم عبد الله بن عمرو بن

غيلان الثقفي ذكره الإِسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عنه،

وذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل وأعله بجهالة حال ابن غيلان هذا،

وقال الدارقطني: يقال: اسمه عمرو ونيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان، وفي

الخلافيات قيل: عن فلان عن ابن غيلان وبنحوه قاله الجوزجاني ومنهم

علاء بن رباح ولم يسمع به ولم يره ولم تبلغه سنة ذكره البيهقي في

الخلافيات، ومنهم عبد الله بن عباس من طريق ابن لهيعة عن حنش الصنعاني

ذكره ابن ماجة ثنا وقال البيهقي: تفرّد بها ابن لهيعة ومنهم أبو وائل شقيق ابن

سلمة. ذكره الدارقطني من جهة الحسين بن عبد الله العجلي وقال: كان

وضاعًا، قال الحاكم أبو عبد الله فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات: ومنهم

ابن لعبد الله، روى أبو عبيدة بن عبد الله عن طلحة بن عبد الله عنه أن أباه

حدثه، قال البخاري في التاريخ الأوسط: ولا نعرف لطلحة سماعًا من ابن

عبد الله، وأما حديث أبي عثمان النهدي عن عبد الله حين خرج مع النبي،

فسنده صحيح، ورواه الدارقطني في مسند عبد الله بن زيد عن أبي هارون، نا

إبراهيم التيمي عن أبي عثمان،/وأما حديث أبي تميمة العُجيمي وعمرو البكالي

ص: 223

عن ابن مسعود، وليس في حديث واحد منهما ذكر نبيذ التمر، إنّما ذكر

خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللّيلة على اضطراب في إسناد حديثهما، وعلى

هذا فلا تقوم بهما حجة، وأبو عثمان بن شيبة ذكره ابن شاهين في كتاب

الناسخ والمنسوخ من طريق ضعيف، كذا ذكره البيهقي، وفيه نظر؛ لأنّ حديث

عمرو سنده صحيح، ورواه الدارقطني عن غيلان المعمر قال: قال أبي: حدّثني

عمرو البكالي فذكره، فقد ثبت بمجموع ما تقدّم أنله لم يروه أبو زيد عن ابن

مسعود وحده، كما يفهم من كلام الترمذي المنكر، والله أعلم.

رجعنا إلى ذكر أبي زيد ومن جهله، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة

يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيح- يعني في الوضوء بالنبيذ- وأبو زيد

مجهول وذكر في العلل نحو من هذا، وقال أبو عبد الله البخاري أبو زيد

رجل مجهول لا يعرف أبوه ولا بلده، قال أبو أحمد الحاكم: هو رجل

مجهول لا يوقف على صحة كنيته واسمه، ولا يعرف راويًا عن أبي فزارة ولا

رواية من وجه ثابت إلا حديث النبيذ، وقال البخاري في كتاب الناسخ

والمنسوخ: وأبو زيد لا يعرف وما يدري أين هو؟ وقال الجورباني: منهم من

سمّاه ومنهم من كنّاه، ولكنه رجل مجهول، وقال أبو عمر في كتاب

الاستغناء: هو عند أهل الحديث رجل مجهول، روى عن ابن مسعود حديثًا

منكرًا لم يتابع عليه، ولم يرو عنه غير أبي فزارة، ولا يصح حديث أبي زيد

هذا عند أهل الحديث، ولا قال به أحد من أهل الحجاز، ولا رواه من يوثق

به ولا يثبت، وقال أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي في

مسند عبد الله بن مسعود- تأليف أحمد بن إبراهيم الدورقي وهذا الحديث

يدخله شيئان، أحدهما: أن يكون هذا من قبل حفظ الباطن، والوجه الآخر:

أن يكون قوله: ما رأيت مثلهم إلا ليلة الجن حين رأى ناسًا من الزط يعني:

ما علمت إلَّا ما علمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم/؛ لأن الصحيح عن ابن مسعود

أنه قال: " ما كنت ليلتئذ مع النبي- عليه السلام " وقال أبو أحمد

الكرابيسي: وفي هذا الخبر إبطال كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى قال:

ص: 224

(فلم تجدوا فتيمموا صعيدا طيبا)(1) وقال عليه السلام لعمار: " إن لم

تجد الماء فعليك بالصعيد " (2) وقد اجتمعت الأمة أنه لا يتوضأ بغير الماء، ولا

يغتسل به من الجنابة مثل الخل ونبيذ التمر والعسل وماء العصفر يومًا أشبه

ذلك، ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث، بل الأخبار الصحيحة

عن ابن مسعود ناطقة بخلافه، وقال أبو جعفر الطحاوي: هذه الطرق لا تقوم

بها الحجة عند من يقبل خبر الواحد، وقال أبو بكر بن المنذر: حديث ليس

بثابت، وقال ابن عدي: ولا يصح هذا الحديث عن النبي- عليه السلام

وهو خلاف القرآن، وبنحوه قاله الترمذي، وفي علل الحربي: وأبو زيد رجل

مجهول، وقد روى حديثه هذا عن أبي فزارة سبعة أنفس، وقالوا خمسة

أقاويل: فقال إسرائيل ووكيع وشريك وسفيان: عن أبيِ زيد، وقال أبو العميس:

عن زيد، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عبد الله بن يزيد بن الأصم،

وقال ليث: عن رجل، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عبد الله بن

يزيد بن الأصم، وقال ليث: عن رجل، وقال أبو عبد الله الشهري: عن شريك

أنه حدّثه عن أبي زائدة خلاف ما حكاه عن سعدونة، والقول قول من قال

عن أبي زيد.

الثاني: التردد، في أبي فزارة، هل هو راشد بن كيسان أم لا؟ فالذي

يظهر من كلام أحمد أنهما رجلان، فإنه قال: أبو فزارة في حديث ابن

مسعود رجل مجهول، وكذلك ذكره البخاري، ولكنه جعل راوي حديث

النبيذ راشد بن كيسان، ولما ذكر بحشل في تاريخ واسط حديث أبي فزارة

قال: سألت أنسًا عن الركعتين قبل المغرب، قال: ليس هذا أبو فزارة

(1) سورة النساء آية: 43.

(2)

حسن. رواه أبو داود في: ا- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/318) . ولفظه: " حدثنا

أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة حدثه عن

عمار بن ياسر أًنه كان يُحدث أًهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا

بأكفهم للصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى

فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.

ص: 225

الكوفي، ذاك راشد بن كيسان، وقال ابن عدي: مداره على أبي فزارة، وهو

مشهور، واسمه راشد، وكذا سمّاه الدارقطني وأبو عمر وقال: روى عنه

الثوري وعلي بن عباس وجعفر بن ريّان/وشريك، وهو ثقة عندهم، ليس به

بأس، وذكر إسحاق بن منصور عن ابن معين: أبو فزارة ثقة، وقال في موضع

آخر: أبو فزارة العبسي كوفي، روى عن مصقلة بن مالك: روى عنه الثوري،

فلا أدري أهما اثنان أم واحد، وقد خرج عبد الرزاق في أماليه التي رواها عنه

الرمادي، فقال: أخبرني الثوري عن أبي فزارة العبسي، وأما النسائي فلم يذكر

في كتاب الكني غير راشد، فعلى قول البخاري ومن بعده يكون قول من قال

فيه مجهول غير جيد، لا سيما على قول الحربي من أن سبعة رووه عنه،

وذكر جماعة من العلماء، فأين مطلق الجهالة مع هذا؟ والله أعلم. وأما قول

ابن الجوزي في كتاب التحقيق: فإن قيل أبو فزارة اسمه راشد بن كيسان

أخرج عنه مسلم؛ فلذلك قال الدارقطني: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه

راشد، فجوابه من وجهين أحدهما أنهما اثنان؛ والمجهول هو الذي في هذا

الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود مجهول،

فاعلم أنه غير المعروف. الثاني. أن معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة فيه

نظرًا لما أسلفناه.

الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود- رضى الله عنه- وغيره شهد ليلة

الجن، وقد أسلفنا ما يدلّ على أنّه هو حضرها، ولما رأى قومًا من الزطّ قال:

هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن، وأنكر ذلك علقمة فيما ذكره مسلم في

صحيحه وأبو عبيدة ابنه فيما ذكره البخاري في الأوسط، ولما ذكره أبو جعفر

الطحاوي رجّحه مع علمه بانقطاعه قال: لأنّ الله يعلم حال أبيه وإبراهيم

النخعي فيما ذكره البيهقي، وقال في التحقيق عن اللالكائي. أحاديث الوضوء

بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية، ويجاب عن

إنكار أبي عبيدة بأمرين:

الأول: ضعف الإِسناد الموصل إليه.

الثاني: ما أسلفناه من روايته عكس ذلك، وعن قول إبراهيم بانقطاعه

ص: 226

ويشبه أنّه إنّما أخذه عن علقمة، وعن قول علقمة بأن عبد الله لم يشهد الجن،

وما قالوا وصدق/في ذلك كان في الخط الذي خطه له المصطفى صلى الله عليه وسلم ولهذا

إنك لا تجد رواية ضعيفة ولا صحيحة أنه شهد الجن، إنما يقولوا: ليلة الجن،

وذلك بيّن في حديث أبي الأحوص المتقدّم، وأن الوضوء بالنبيذ كان بعد

مجيئه عليه السلام من عند الجن، ومال الطحاوي- رحمه الله إلى أن ابن

مسعود لم يحضرها، ويزيد ذلك وضوحَا ما ذكره الكرابيسي في كتاب

المدلّسين من تأليفه: أخبرني من سمع عبد الرزاق يحدّث عن أبيه عن ميناء

عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: " يا عبد الله نعيت إلى نفسي "

الحديث في ذكر الخلافة، وحديث التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد

الله: " أنّه رأى ناسَا من الزطّ فقال: ما رأيت شبههم إلا ليلة الجن مع

النبي- عليه السلام " وأمّا قول اللالكائي فظاهر في التعصب، والله أعلم.

ويزيد ذلك وضوحا حضور الزبير بن العوام ليلة الجنّ. روى ذلك الإِسماعيلي

عن موسى ابن جعفر بن يعقوب بن سفيان، نا سليمان، نا أبو محمد الفقيه بن

الوليد، حدّثني نمير بن يزيد الحمصي- معروف حسن الحديث- عن أبيه عن

عمه مجاهد ابن ربيعة، نا الزبير بن العوام قال: " صلى بنا النبي- عليه

السلام- صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلى وفد

الجن الليلة " (1) الحديث. وأيما مر رجل فلم يجزم بعدم حضوره، لكنه تردد،

قال الأثرم: سألت أبا عبد الله الذي يصح عندك أن النبي- عليه السلام

صحبه عبد الله ليلة الجن؟ فقال: لا أدري، وقال ابن السند في كتاب

استيعاب الخلاف: أما أوجبت التعارض أن الذي روى الحديث الأول- يعني

حديث عبد الله- أسقط منه كلمة، وإنّما الحديث ما شهدها أحد غيري،

ومال الطحاوي- رحمه الله إلى أن ابن مسعود لم يحضرها فقال: فهذا

الباب إن كان من طريق الإِسناد؛ فهذا الحديث الذي فيه الإِنكار أولى- يعني

حديث علقمة- لاستقامة طريقه ومتنه وثبت/رواته، وإن كان من طريق النظر

فإنا قد رأينا الأصل المتفق عليه، أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب ولا بالخل، فكان

(1) أثبتنا تمام لفظ الحديث من " الثانية ".

ص: 227

النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضًا كذلك، وقد أجمع العلماء أن نبيذ

التمر إذا كان موجودا في حال وجود الماء أنّه لا يتوضأ به؛ لأنه له ليس ماءً

فكما كان خارجًا عن حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في

عدم الماء، وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو غير مسافر، فلو ثبت هذا الأثر أنّ النبيذ

يجوز التوضيء به في البوادي والأمصار، ثبت أنّه يجوز التوضيء به في حال

وجود الماء وعدمه، فلما أجمعوا على ترك ذلك والعمل بضدّه ثبت بذلك

تركهم الحديث، وخرج حكم ذلك النبيذ من حكم سائر المياه، وثبت بذلك

ألَّا يجوز التوضيء به في حال من الأحوال، وهو قول أبي يوسف وهو النظر

عندنا، والأول قول أبي حنيفة، وفي تاريخ الموصلي من حديث شريك عن

أبي فزارة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قد أمرت أن أتلوا على إخوانكم الجن فليقم

معي من ليس في قلبه مثقال خردلة من غش "، وفى سنن الدارقطني من جهة

المسيب بن واضح، نا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي عن يحيى بن

أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النبيذ وضوء من

لم يجد الماء " قال: ووهم فيه في موضعين: في ذكره ابن عباس، وفي ذكره

النبي- عليه السلام، والمحفوظ في قول عكرمة غير مرفوع إلى النبي- عليه

السلام- ولا إلى ابن عباس والمسيب ضعيف، وقد رواه جماعة، وهو ضعيف

عن أبان، وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، ولما ذكره الجوزجاني

قال: هذا حديث باطل، والصحيح رأى عكرمة غير مرفوع، ولما ذكره البيهقي

في الخلافيات قال: هذا الحديث واهي، وروى أبو إسحاق السبيعي عن الحرث

ومزيدة بن جابر عن علي أنه كان لا يرى بالوضوء به بأسًا، قال ابن المنذر:

وهو قول الحسن البصري والأوزاعي، قال الدارقطني: وبه قال/ابن عباس

وعكرمة، قال الترمذي: وبه قال الثوري: وروى عن أبي العالية نحوه، وذهب

بعضهم إلى أنّه لو صح لكان منسوخَا؛ لأنه كان بمكة في صدر الإسلام وقوله

تعالى: (فلم تجدوا ماءً) نزل في غزوة المريسيع، وممن قالَ ذلك ابن

القصار من المالكية وغيره، وأما قول أبي حنيفة: لا يجوز الوضوء بشيء من

الأنبذة إلا نبيذ التمر، ففيه نظر؛ لما روى الدارقطني عن أبي العالية أما كان

ذلك ريب وما واصل النبيذ الطرح والرفض قال الله تعالى: (فنبذوه وراء

ص: 228

ظهورهم) (1) وإذا أردت عمله لتطهير قلت: نبذت النبيذ بغير إلف. ذكره

ثعلب وكراع وابن السكيت القزاز، وأما ما ذكره ابن درستويه من أن قول

العامة: أنبذت خطأ، فيشبه أن يكون وهم؛ لأنّ جماعة من اللغوين ذكروا

ذلك فلا عيب على العامة، قال اللحيائي في نوادره: وأنبذت لغة ولكنّها

قليلة، وبنحوه ذكره ثعلب في كتاب فعلت وأفعلت، وابن سيدة في المحكم،

قال: والانتباذ قيل: هو المعالجة أو الوضوء بماء البحر. حدّثنا هشام بن

عمار، نا مالك بن أنس، حدّثني صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة- هو

من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة- وهو من بني عبد الدار- حدّثه

أنه سمع أبا هريرة يقول: ْ " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا

نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء

البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته "(2) . هذا

الحديث قال فيه أبو عيسى لما أخرجه: هذا حديث حسن صحيح، قال:

وسألت محمدًا عنه فقال: هو حديث صحيح، قال أبو عمر بن عبد البر: ما

أدري ما هذا من البخاري، فإن أهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناد هذا

الحديث، ولو كان صحيحًا عنده لوضعه في كتابه، والحديث عندي صحيح؛

لأن العلماء تلقوه بالقبول وحاصل ما يعبد به على هذا الحديث أربعة أوجه:

أحدها: الجهالة بشعبة بن سلمة والمغيرة،/وادعى أنه لم يرو عن سعيد غير

صفوان، ولا عن المغيرة غير سعيد، وفي موضع آخر: وليس إسناده مما يقوم به

حجة رجلان غير معروفين يحمل العلم. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:

الأول: قوله: ولو كان صحيحًا لوضعه في كتابه، وذلك أنه هو قد أخبر

(1) سورة آل عمران آية: 187.

(2)

صحيح. رواه أبو داود (ح/83) والترمذي (ح/69) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

والنسائي (1/50، 176) وابن ماجة (ح/386، 387، 388) وأحمد في " المسند " (2/

237، 361، 3/373، 5/365) والدارمي (1/286، 2/91) والبيهقي في " الكبرى "

(1/3، 4/254، 9/252، 256) والموطأ (22، 495) والحاكم في " المستدرك " (1/

141، 142، 143) وابن أبي شيبة في " مصنفه "(1/130) وابن حبان في " صحيحه "

(199، 120) والطبراني في " الكبير "(2/203) . وكذا صححه الشيخ الألباني.

ص: 229

عن نفسه أنه خرج كتابه هذا من مائة ألف حديث صحيحة قال: ولم أخرج

هنا إلا ما أجمعوا عليه، فهذا صحيح غير مجمع عليه.

الثاني: ما ادّعا أنّه لم يرو عن سعيد غير صفوان، وليس كذلك بل يروي

عنه أيضًا الجلاخ أبو كثير فيما ذكره النسائي في كتاب السنن، والحاكم في

المستدرك، والبيهقي في كتاب السنن الكبير بلفظ: " كا عند النبي صلى الله عليه وسلم يومَا

فجاء صيّاد فقال: يا رسوَل الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد فيحمل معه

أحدنا الإداوه وهو يرجو أن يأخذ الصيد حتى يبلغ من البحر مكان لم يظن أن

يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ نفذ الماء، فلعل أحدنا يهلكه

العطش فهل ترى في ماء البحر أن يغتسل منه أو يتوضأ به إذا خفنا ذلك؟

فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " اغتسلوا به وتوضؤوا منه فإنه الطهور ماؤه

الحل ميتته ".

الثالث: المغيرة روى عنه غير سعيد، وهو يحيى بن سعيد ويزيد بن محمد

القرشي. فيما ذكره البيهقي وعبد الله بن أبي صالح من رواية ابن وهب عنه.

ذكره أبو بكر في رياض السوس، والحرث بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وعبد

العزيز بن صالح وأبو مرزوق التجيبي وموسى بن الأشعث البلوي وغيرهم. فيما

ذكره ابن يونس، وقال عبد الغني وصفوان بن سليمان وعبد الله ابنه فيما

ذكره أبو حصن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد في كتابه التعريف تصريح

التاريخ.

الرابع: جهالة سعيد مرتفعه، فذكره عند من خرّج حديثه مصححًا له ممن

أسلفناه، وممن نذكره بعد حتى قال ابن مندة واتفاق صفوان والجلاخ مما

يوجب شهادة سعيد والنسائي، قال: هو ثقة.

الخامس:/جهالة حال المغيرة مرتفعة بما ذكرنا في سعيد، ويقول ابن منده

اتفاق يحيى وسعيد على المغيرة مما يوجب شهرته، وبنحوه قال في المستدرك،

ولما سئل عنه أبو داود: قال هو معروف من آل الأزرق، ولما ذكره ابن حبان

في كتاب الثقات قال: ومن أدخل بينه وبين أبي هريرة أبَا فقد وهم، وقال

ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر: لما قيل يزيد بن مسلم بإفريقية اجتمع

ص: 230

الناس على رجل يقوم بأمرهم إلى أن يأتي يزيد بن عبد المالك، فرضوا بالمغيرة

فخوف فلم يرض، فاجتمعوا على محمد بن أوس فلما سمع الخليفة بذلك

قال: أما كان بالبلدين من قريش أحد؟ قيل: بلى المغيرة بن أبي بردة،

قال: قد عرفته قال: فما باله لم يقم؟ قيل أبي ذلك وأحب العزلة، وقال أبو

بكر عبد الله بن محمد المالكي في كتاب طبقات علماء القيروان: كان المغيرة

قد حالف بني عبد الدار، من أهل الفضل، كثير الصدقة، لا برد سائلًا يسأله

غزا، وهو أبو عبد الله بن المغيرة قاضي القيروان لعمر بن عبد العزيز سنة تسع

وتسعين، وكان زاهدا دينا عادلا ورعًا فاضلا تابعيا أيضا، وذكره أبو العرب

فيمن دخل إفريقية من أجلًه التابعين، وقال ابن يونس في تاريخ علماء مصر:

ولى غزو البحر لسليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين، والبعث من مصر

لعمر بن عبد العزيز سنة مائة، وولده بإفريقية إلى اليوم، قال ابن أبي خلف:

شهد قتل أصحاب يزيد بن المهلب، وممن صححه أيضًا أبو حاتم البستي، ثم

قال: وذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذه الستة تفرد بها سعيد بن

سلمة، فذكر حديث جابر الآتي بعد، ورجّح ابن منده صحته، وقال ابن

المنذر: ثبت أن النبي- عليه السلام قال في البحر: " هو الطهور ماؤه "

وقال البيهقي: هو حديث صحيح، وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح

لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة، وذكره الجارود في

المنتقى. نا النسخ المسند المعمر مجد الدين إبراهيم بن علي بقراءتي عليه،

أخبركم الإِمام الرحّال صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد

/البكري إجازة- إن لم يكن سماعا- نا أبو روح عبد المعز محمد بن أبي

الفضل الهروي قراءة عليه، أخبركم أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد

السحامي قراءة عليه وأنت تسمع، نا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن

الجندرودسي، نا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة بن

المغيرة بن صالح السلمي النيسابوري، حدثني الإِمام أبو بكر بجمع كتاب

الصحيح من تأليفه قال: نا يونس بن عبد الأعلى الصفدي، نا ابن وهب أنّ

مالكًا حدثه يحيى بن حكيم، نا بشر يعني ابن عمر الزهراني، نا مالك، نا

صفوان عن سعيد بن سلمة فذكره قال: هذا حديث يونس، وقال يحيى: عن

ص: 231

صفوان، ولم يقل من آل ابن الأزرق ولا من بني عبد الدار، وقال: نركب

البحر أزمانًا، والحاكم في المستدرك، ومع ذلك فقد أعل بأمور منها:

الاختلاف في سعيد بن سلمة، فيما ذكره البيهقي في السنن الكبير، فقيل: عن

سلمة بن سعيد وقيل: عن عبد الله بن سعيد المخزومي، وقيل: من آل ابن

الأزرق، وقيل: من آل بني الأزرق، ومنها: الإِرسال فيما ذكره أبو عمر من أن

ابن عمير الحميدي والمخزومي رووه عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن

رجل من أهل المغرب يقال له المغيرة إن أناسًا من بني مدلج أتو النبي صلى الله عليه وسلم

فقالوا: الحديث بمعنى حدّث مالك، قال: ويحيى بن سعيد أحفظ من

صفوان، وأمّا عن سعيد بن سلمة، ومنها: الاضطراب واختلاف الروايات. قاله

ابن إسحاق، فرواه عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاخ عن عبد الله بن سعيد

المخزومي عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة قال: " أتى رجال من بني مدلج "

وفي رواية عن ابن إسحاق سلمة بن سعيد عن المغيرة حليف بني عبد الدار

عن أبي هريرة. ذكره السراج في مسنده وفي البيهقي، واختلف في رواية

يحيى بن سعيد اختلافًا كثيرًا، فقيل: عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة عن

رجل من بني مدلج عن النبي صلى الله عليه وسلم/هذه رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن

هشيم عنه، ورواه بعضهم عن هشيم فقال: عن المغيرة بن أبي برزة- وهو

وهم- وحمل أبو عيسى الوهم فيه عن هشيم. انتهى كلامه، وفيه نظر من

حيث ألزم الوهم هشيم، أو ليس بالذم له إذا اتفق الرواة عنه في ذلك فأما وقد

اختلف عليه فلا، وقد تقدّمت رواية أبي عبيد عنه على الصواب، والله أعلم.

قال البيهقي: ورواه سفيان عن يحيى فقال: عن المغيرة بن عبد الله بن

عبدان- رجل من بني مدلج- ورواه سليمان بن بلال عن يحيى عن عبد

الله بن المغيرة الكندي عن رجل من مدلج، وقيل: عن المغيرة بن عبد الله عن

أبيه قال البيهقي في معرفة السنن: وهذه الاختلافات تدل على أنه لم يحفظه

كما ينبغي، والجواب عن ذلك أنّ من لم يحفظ لا يكون حجة على من

حفظ، وذلك أن ابن يوسف جوده عن ذلك. فيما ذكره الحافظ ابن عساكر-

رحمه الله في كتابه مجموع الرغائب، قال وقد جوده عبد الله بن يوسف

عن مالك عن صفوان عن سعيد، سمع المغيرة أبا هريرة، وفي كتاب التاريخ

ص: 232

للبخاري، وحديث مالك أصح، قال البيهقي: وقد تابعه الليث وعمرو بن

الحرث، كلاهما عن سعيد بن سلمة عن يزيد بن محمد عن المغيرة، أمّا

الاختلاف في نسبة المغيرة فكلّه متفاوت غير ضار. قاله أبو عمر، وأمّا رواية

ابن إسحاق فقد خالفه في ذلك الليث، حيث رواه كمالك، والليث لا يقاربه

ابن إسحاق، وقد وقع لنا حديث أبي هريرة- رحمه الله من غير طريق

المغيرة، من جهة الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، نا بذلك

أبو النون يونس بن إبراهيم الكناني إذنًا ومناولة عن ابن الكناني المغيرة قال: نا

أبو الكرم الشهرزوري قال: أبو الحسن بن المهتدي في كتابه عن أبي الحسن

علي بن مهدي البغدادي الحافظ، نا يحيى بن إسماعيل، نا محمد بن عبد

الله بن منصور، نا أبو أبوب سليمان بن عبد الرحمن، نا محمد بن غزوان، نا

الأوزاعي به، ومن جهة ابن المسيب عن أبي هريرة ذكره ابن حبان في

الضعفاء من طريق عبد الله بن محمد القدلعي، نا إبراهيم بن سعد عن الزهري

عنه، ومن جهة الأعرج عن أبي هريرة ذكره ابن منده وأشار إلى عدم ثبوته في

المستدرك، وقد روى هذا، قال مالك في طريق هذا الحديث من ثلاثة أسماء

من شرط هذا الكتاب، وهم: عبد الرحمن بن إسحاق، والقداس، والحرث بن

إبرا هيم المزني، وإنّما حملني على ذلك أن نعرف العالمين أن هذه المتابعات

والشواهد لهذا الأصل الذي صدّر به مالك كتاب الموطأ، وتداوله فقهاء

الأمصار من عصره إلى وقتنا هذا " لا يرد بجهالة سعيد والمغيرة، على أنّ اسم

الجهالة مرفوع عنهما بهذه المتابعات، ورواه الدارقطني من حديث إبراهيم بن

المختار عن عبد العزيز بن عمر بن سعيد بن شهاب عن أبي هند عن أبي هريرة

ولفظه: " من لم يطهره ماء البحر فلا طهّره الله "(1) حدّثنا سهل بن أبي

سهل، نا يحيى بن أبي بكر، حدّثني الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن

بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد،

وكانت لي قربة أجعل فيها ماءً وإني توضأت بماء البحر، فذكرت ذلك لرسول

الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " هذا حديث سأل الترمذي

(1)

ضعيف. رواه الدارقطني: (1/396) .

وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 843 ح 5843) .

ص: 233

البخاري عنه فقال: هو مرسل، ابن الفراسي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه له

صحبة، وقَال الإشبيلي: لمِ يروه فيما أعلم إلا ابن مخشي (1) وابن مخشي لم

يروه- فيما أعلم- عنه إلّا بكر بن سوادة، هذا نص ما ذكر، وخفي عليه

انقطاع حديثه، وذلك أنه من عد ابن عبد البر، ونص ما عده عن مسلم أنّ

الفراسي قال: كنت أجيد الحديث وناقض ذلك الإشبيلي حين ذكر حديث

" إذا كنت سائلَا فسل الصالحين " بقوله: ابن الفراسي لم يرو عنه إلا مسلم،

وقال أبو الحسن بن القطان: فتبيّن من هناك أن مسلما لا يروى عن الفراسي

إلا بوساطة ابنه، وليست لابنه صحبة. انتهى كلامه. وقال أبو عمر: إسناده

ليس بالقائم، وقد وقع لنا/هذا الحديث من طريق متصلة صحيحة، ذكرها أبو

بكر بن أبي شيبة في مسند قتيبة: نا ليث عن جعفر عن بكر عن مسلم بن

مخشي عن ابن الفراس أن الفراسي قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر

الحديث، فهذا كما ترى أنّ الفراسي رواه عن أبيه، فذهب ما توهم البخاري

وغيره من انقطاعه، على أن البخاري قد خولف في ذلك فذكر ابن بنت منيع

في معجمه أنّ ابن الفراسي له صحبة أيضَا، وزعم ابن الأثير أنَّ ابن الفراسي

والفراسي واحد، ويشبه أن يكون وهمَا، والله أعلم، وأما بكر بن سوادة أبو

ثمامة المصري الفقيه المفتي، فروى عن سهل بن سعد الساعدي وغيره من

الصحابة، وروى عنه جماعة منهم: عمرو بن الحرث وعبد الرحمن بن زياد

والليث ابن سعد قال ابن سعد: كان ثقة- إن شاء الله تعالى- وروى له

مسلم في صحيحه، واستشهد به البخاري، وبكر بن سوادة وثقة أبو حاتم

البستي- رحمه الله فصح بذلك الحديث، والله تعالى أعلم، ويقال في

الفراسي ولم يذكر البخاري في الكبير غيره وهو من فراس بن مالك بن كنانة

حديثه عند أهل مصر ومخرج حديثه عنهم. كذا ذكره ابن عمرو وفيه نظر؛

لأن فراسَا ليس هو ابن مالك إنما هو ابن عثمان بن ثعلبة بن مالك، قال أبو

محمد الرشاطي: وثبوتهما هو الصواب. حدّثنا محمد بن يحيى، نا أحمد بن

حنبل أبو القاسم بن أبي الزياد، حدّثني إسحاق بن حازم عن ابن مقسم

(1) قوله: " مخشي " وقع في " بعض النسخ ": " يخنس "، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 234

عبيد الله عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه

الحل ميتته " هذا حديث ذكره الشيخ تقي الدين أن ابن السكن وأخرجه في

مصنفه وقال: هو أصح ما روى في هذا الباب وخالفه ابن منده في هذا

فقال: روى هذا الحديث عبيد الله بن مقسم عن جابر وعن الأعرج عن أبي

هريرة، ولا يثبت والظاهر أن القول كما قاله ابن السكن وذلك أنّ رجال

إسناده/ثقات بيانه أن أبا القاسم بن أبي الزياد لما سئل عنه أبو زرعة فقال أبيه

كيته لا يعرف له اسم وتبعه على ذلك الحافظان مسلم بن الحجاج وأبو عمرو

عنهما من المتأخرين، وخالف ذلك أبو عمرو بن الصلاح فذكر أن اسمه مبررَا

بذلك قاضي قضاة بدر الدين ابن جماعة فقال قاضي القضاه تقي الدين ابن

رزين بن الصلاح وأنبأنا به جماعة من شيوخنا الشاميين عنه به، وقال

العباس بن محمد سئل عنه يحيى بن معين فقال: ليس به بأس قد سمع منه

أحمد، قرأة على الشيخ المعمر أبي بكر المقدسي أخبركم ابن رواح إجازة أن

لم يكن سماعَا- نا الحافظ أبو طاهر قراءة عليه وأنا أسمع بثغر الإسكندرية

في يوم الأحد العشرين من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، نا

الشيخ أبو القاسم محمود بن سعادة بن أحمد بن يوسف بن عمران الهلالي

بثغر سلماس من أصل سماعه سنة ست وخمس مائة، نا أبو يعلي الخليل بن

عبد الله القزويني قدم علينا سنة اثنين وعشرين وأربع مائة، ثنا أبي عن علي بن

إبراهيم بن سلمة القطان، نا علي بن أحمد بن الصباح، نا أبو بكر أحمد بن

محمد بن هانئ- رحمه الله قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل

ذكر أبا القاسم بن أبي الزياد فأنني عليه وقال: كتبنا عنه وهو شاب فأمّا

إسحاق بن حازم. وقيل: ابن أبي حازم المديني فروى عنه عبد الله بن وهب

وعبد الله بن نافع وخالد بن مخلد ومعن بن عيسى قال فيه (1) ابن معين: ثقة،

وكذلك قاله أحمد بن حنبل، وقال أبو حاتم الرازي: صحيح الإِسناد،

وأخرجه الحاكم في مستدرك علي بن قانع. نا محمد بن علي بن شعيب، نا

الحسن بن بشر، نا الماعي بن عمران عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر،

(1)" بالأصل " وردت كلمتان زائدتان.

ص: 235

ورواه الدارقطني عن علي بن الفضل، نا أحمد بن أبي عمران، نا سهل بن

تمام نا مبارك بن فضالة عن أبي الزبير به، قال: وخالفه عبد العزيز بن عمران،

وليس بالقوي./وأسنده عن أبي بكر الصديق، وجعله عن وهب عن ابن

كيسان عن جابر، ولما ذكره في العلل قال: تفرد به عبد العزيز، وهو مدني

ضعيف الحديث، وقد روى عن أبي بكر من قوله غير مرفوع من رواية

صحيحة من حديث عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عنه، ورواه ابن راطا (1)

عن شيخ له من حديث عبد الله بن عمرو عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل

عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في رفعه، والموقوف أصح، ولما ذكره ابن

صخر في فرائدة قال: قال لنا أبو محمد الحسن بن علي: هذا حديث غريب

من حديث أبي بكر عن النبي، انفرد بروايته بهذا الإِسناد محمد بن يحيى

المدني، وما كتبناه إلَّا من حديث عمر بن شبه، وقد حدّث به الزنادي فقال:

حدّثني أبو زيد النحوي- يعني ابن شيبة- نا محمد بن يحيى، حدّثني عبد

العزيز فذكره، وقال صاحب كتاب الوقوف على معرفة الموقوف: الصحيح

موقوف على أبي بكر، وفي هذا ردّ لما ذكره أبو عيسى، وفي الباب عن جابر

والفراسي، وفيه أيضا حديث عن ابن عباس أخرجه الحاكم في مستدركه من

حديث حماد بن سلمة عن أبي التياح عن موسى بن سلمة عنه، وقال: هذا

حديث صحيح على شرط مسلم، وشواهده، كثيرة ولم يخرجاه، وأبى ذلك

الدارقطني، وزعم أن وقفه هو الصواب، وفيه أيضا حديث عليّ بن أبي طالب.

أخرجه الحاكم من حديث محمد بن الحسين بن علي، حدّثني أبي عن أبيه

عن جدّه عنه، وفيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه

الحاكم من حديث الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه

عن جدّه، وفيه أيضَا حديث أنس بن مالك به يونس بن إبراهيم إذنَا ومناولة

عن ابن المقبرّ فقال: أنا أبو الكرم الشهرزوري، نا محمد بن علي في كتابه، نا

علي بن عمر قال: نا علي بن مبشر، نا محمد بن حرب، نا محمد بن يزيد

عن أبان عن أنس به قال أبان: هو ابن أبي شيبة، وهو متروك الحديث، وفيه

(1) كذا في " الأصل ": " راطا ".

ص: 236

أيضا حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. ذكره الدارقطني، وقال:/باطل

هذا الإسناد، مقلوب، وفيه أيضَا حديث العركي، أنابه الإِمام تاج الدين ابن

دقيق العيد- رحمه الله إجازة عن الفقيه أبي الحسن بن الحميري، قال: ثنا

الحافظ أبو الظاهر بن سلفة قال: نا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن

إبراهيم الرازي قراءة عليه وأنا أسمع بمصر قال: نا القاضي أبو الفضل محمد بن

أحمد بن عيسى السعدي قال: نا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن

حمدان العكبري، قال: قرأ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد

العزيز، نا عثمان بن أبي شيبة، نا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن

عياش بن عباس عن عبد الله بن جرير عن العركي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: " يا رسول الله: إنا نركب الإِرمات فتبعد في البحر ومعنا ماء لسقاؤنا "

الحديث. قال أبو القاسم: هكذا نا عثمان عن حاتم عن حميد بن صخر وهو

وعمرو إنما هو حميد بن زياد أبو صخر المدني، وهو صالح الحديث، قال:

والعركي بلغني اسمه عندما رواه ابن قتيبة في غريبه عن القرشي، نا محمد بن

عتاب المكي، نا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن عبد الرحيم عن عبد

الله ابن ذر بن الغافقي عن العركي به، وأما البحر فمختلف فيه؛ فزعم بعضهم

أن ذلك يعم العذب والملح، وقال بعضهم: بل ذلك مخصوص بالملح فقط،

ممن قال ذلك القزاز فإنه ذكر أنه سمى بذلك لسعته من قولهم: تبحر الرجل

في العلم إذا اتسع فيه، وإذا اجتمع الملح من الماء والعذب سموهما باسم الملح،

قال تعالى: (مرج البحرين يلتقيان)(1) فجعل الماء العذب بحرًا المقارنة

الملح، قال الشاعر:

وقد عاد عذب الماء بحرًا فزاد بي

على مرضي أن أهجر المشرب العذب

انتهى كلامه، وفيه تصريح بأن البحر يطلق على الملح لا العذب، وإن

أطلق فعلى سبيل المجاز، وكذا ذكره ابن فارس في محكمه بقوله: ماء بحر أي

ملح يقال: أبحر الماء إذا أملح، وفي الغريب المصنف عن الأموي

والأصمعي:/البحر هو: الملح، يقال منه قد أبحر الماء أي صار ملحَا، وكذا

(1) سورة الرحمن آية: 19.

ص: 237

ذكره الزمخشري في أساس البلاغة بقوله: وما بحر وصف به لملوحته، وقد

أبحر المشرب العذب، قال ذو الرمة: بأرض هجان الترب وسميه الثرى غداة

فأت عنها الملوحة والبحر، وفي كلام الجوهري ما يفهم منه خلاف ذلك

لقوله: البحر خلاف البر، سمى بذلك لعمقه واتساعه، والجمع أبحر وبحار

وبحور، وكل نهر عظيم بحر، قال عدي: سره ماله وكثرة ما يملك والبحر

مُعْرضًا والسرير يعق الفرات، وقال الشافعي- رحمه الله تعالى- في كتاب

المناسك وغيره: والبحر الماء العذب والملح، وإليه نجا أبو محمد بن بري في

كتابه المسمى بالتنبيه والإِفصاح عمّا وقع في كتاب الصحاح، الذي أنا بجميعه

الشيخ تاج الدين أحمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد، إذنًا عن

الفقيه هاء الدين عنه قال: كان الأموي يجعل البحر من الماء الملح فقط،

قال: وسمّى بحرًا لملوحته، يقال: ماء بحر أي ملح، وأما غيره فقال: إنما

سمي بحرًا لسعته وانبساطه، ومنه قولهم: أنّ فلانًا كالبحر أي: واسع

المعروف، فعلى هذا يكون البحر للملح والعذب، وشاهد العذب قول ابن

مقبل: ونحن منا لبحر أن تشربوا به، وقد كان منكم ماؤه بمكان، وقال

جرير أعطوا هتيده بحذوها ثمانية ما في عطائهم من ولا شرف كومًا هارس

مثل الهضب لو وردت ما أنقرأت لكاد ينير (1)، وقال الكميت إناس: إذا

وردت نحوهم سوادي الغرائب لم يضرب، وقد أجمع أهل اللغة أن اليم هو

البحر، وجاء في التنزيل (فألقيه في اليم) قال أهل التفسير: هو نيل مصر،

وفي كتاب الجمهرة لابن دريد: والعرب تسمى الماء الملح والعذب بحرًا إذا

كثر، وفي التنزيل:(مرج / البحرين يلتقيان) يعني الملح والعذب وفي

كتاب الغريب لابن قتيبة، سئل ابن عباس عن الوضوء بماء البحر فقال. هما

البحران لا تبالي بأيهما توضأت، والله أعلم، وكذا ذكره الأحداني في كتاب

الكفاية التي قرأتها على غلامه، وفيه شيخ مشايخ البلاد أبي حيان عن طهر

قلب في مجلس واحد، وأخبر بها عن الشيخ الصالح المقري سيّد الدين عبد

النصير بن علي الهمداني وغيره، عن أبي الفضل جعفر بن أبي البركات،

(1) قوله: " ينير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 238

وأنبأني بها جماعة من أصحاب جعفر عن أبي الصالح رضوان بن مخلوف

عن أبي الحسن علي بن الحسن بن حفص القرشي سماعًا من والده وعن أبي

محمد بن عبد الله بن المؤلف لها، أي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن

أحمد بن عبد الله الطرابلسي، كلاهما عن مؤلّفها أبي إسحاق، قال: والبحر

الماء الكثير المتسع، عذبًا كان أو ملحا، وإنما سمي بحرا لكثرته، ومن أسمائه:

اليم وإلزاما والمهرقا وحضارة، والقاموس: وسطة وغواريه: أمواجه، والحال: طيبة

وترابه، والعبر: ساحل البحر وهو الشّط والشاطئ والسيف والصيف والضفة

والجد والجدة والغبقة، ويقال: ماء رَعْرَبَ وماء تليذم وماء خضرم إذا كان كثيرا

متسعًا، وفي الغريب المصنف: والبلالق الماء الكثير، وفي كتاب الألفاظ لابن

السكيت: ماء سُعر وسعبت وطنيس وطيسل وزينب وجوار على فعال أي

كثير، وفي كتاب السيف اللسان للحميري: ولا يقولون بحر إلَّا بما كان ملحًا

خاصة، والبحر يقع على الملح والعذب. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث

عيبه على من يقول ذلك من الناس، ولا غيب عليهم لما أسلفناه من قول

جماعة من أهل العلم باللغة، والله أعلم.

وأما السائل فزعم السمعاني أنه العركي قال: وهو اسم يشبه النسبة-

والله أعلم- انتهى، وفيه نظر من حيث جعله اسما، وليس كذلك بل هو

نعت لمن كان صيادًا، وقد سبق بيان ذلك في الكتاب الموسوم برفع الارتياب/

في الكلام على اللباب، وملخصه ما ذكره القزاز وغيره، والعرولث الصيادون،

والواحد عركي قال زهير: يغشى الحذأة تبارعث الكثيب كما يغشى السَّفين

موج اللجة العرك، وكتب المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوم من اليهود: إنّ عليكم ربع ما

أخرجت نخلكم وربع ما صاد عروككم، ويزيد ذلك وضوحا قول البغوي:

قيل: اسمه عبد كما أسلفناه.

واختلف في الوضوء من ماء البحر؛ فكره الوضوء منه جماعة، منهم: أبو

هريرة وعبد الله بن عمر وأبو العالية. فيما ذكره ابن أبي شيبة في المصنف،

وفي الأشراف عن ابن المسيب: إذا لجُئت إليه تقوض منه، وقد انعقد الإِجماع

على جواز الوضوء منه فيما حكاه ابن عبد البر، وإنما كره الوضوء منه من

كرهه لما روى في بعض الأحاديث من أنّ الله تعالى يسقط فيه الكواكب يوم

ص: 239

القيامة ويصيره نارًا، وفي حديث يعلي من تاريخ محمد بن إسماعيل مرفوعًا:

" البحر من جهنم، أحاط هم سرادقها، والله لا أدخله حتى أعرض على الله

تعالى " (1) وكنت لم أسمع هذا الحديث، فلما سافرت إلى الشام سنة تسع

وسبع مائة في شوال، نزلنا منزلة العريش على شاطئ البحر يوم الثلاثاء تاسعة،

وجب علي غسل، فلما أردت أن أغتسل من البحر وجدت ناسا كثيرًا مختفين

بالشاطئ فبصر فاستوضؤا، فقمت وقت القائلة فرأبت في منامي برية واسعة

ملئ جمر الهبة الكرس إذا وقد عليه، فجعلت أفكر فيه فسمعت قائلا يقول:

هذا البحر الملح صيره- أو يصيره- الله نارًا يوم القيامة، ولا تقربه فاستيقظت

فزعًا ولم أقربه ولا ماءه، فلما قدمنا من الشام ومرت علينا أعوام رأيت هذا

الحديث في كتب المسانيد، فحمدت الله تعالى الذي وفاتي سره وصدق

رؤياي الرّجل يستعين علي وضوءه فنصب عليه./حدّثنا هشام بن عمار، نا

عيسى بن يونس، نا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن المغيرة بن

شعبة قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته، فلما رجع تلقيته بالإِداوة،

فصببت عليه فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب يغسل ذراعيه، فضاقت

الجبة فأخرجهما من تحت الجبة فغسلها ومسح على جبهته ثم صلى بنا " (2)

هذا حديث أخرجه الشيخان " في صحيحيهما حدّثنا محمد بن يحيى، نا

الهيثم بن حميلي، نا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت

معوذ قالت: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال: اسكبي، فسكبت فغسل وجهه

وذراعيه، وأخذ ماءً جديدا فمسح به رأسه مقدّمه ومؤخّره، وغسل قدميه ثلاثًا

ثلاثًا " (3) هذا حديث قال فيه أبو عيسى حين خرجه: هذا حديث حسن،

(1) ضيف. الجوامع (10275) والكنز (35341) والتاريخ الكبير للبخاري (1/70، 8/

وضعفه الشيخ الألباني. (ضيف الجامع: ص 350 ح 2366) .

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (ح لم 203) ومسلم في (الطهارة، ح / 78) النسائي

في (الطهارة، باب " 95') وابن ماجة (ح/381) وأحمد في " المسند " (1 / 33، 3/421،

443، 4/23، 224، 237، 5/20) .

(3)

ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/390) وأبو داود (ح/126) ، وأحمد في " المسند "(6/461) .-

ص: 240

وحديث ابن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا، وفي موضع آخر قال:

وحديث الربيع حديث حسن صحيح- يعني بذلك نفس حديثها في

الوضوء- يدلّ على ذلك قوله: حديث الربيع ولم يقل هذا حديث صحيح

كعادته، وسبب ذلك الاختلاف في حال ابن عقيل فهو بحسب المتابعات

والشواهد صحيح، ومع تعذّر ذلك حسن، ولما ذكره الحاكم في المستدرك

قال: لم يحتجا بابن عقيل، وهو مستقيم الحديث مقدم في الشرف، والله

أعلم. حدّثنا بشر بن آدم حدّثنى زيد بن الحباب، حدّثني الوليد بن عقبة

حدّثني حذيفة بن أبي حذيفة الأزدي عن صفوان بن عسال قال: " صببت

على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في السفر والحضر في الوضوء " (1) هذا حديث إسناده

صحيح على شرط أبي حاتم البستي، أبو ربيعة رواية الوليد وحذيفة، أما حذيفة

فإن عبد الغني لم يذكره جملة، واستدركه عليه الحافظ المزني، ولم يعرف

بحاله مع كثرة نظره ونقله في كتاب الثقات لابن حبّان، حدّثنا كردوس بن

أبي عبد الله الواسطي، ثنا عبد الكريم بن روح أخو روح بن عنسبة بن سعيد

عن جدّته أم أبيه أم عياش فكانت أمة لرقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:

" كنت/أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائمة وهو قاعد "(2) هذا حديث معلل

بأمور:

الأول: عبد الكريم بن روح، فإنه ممن قال فيه أبو حاتم: بن روح رآه

عمر بن رافع، وقال: دخلت عليه بالبصرة ولم أسمع منه، وهو مجهول، ويقال

قوله: " الميضأة " مطهرة يتوضأ منها. وزنها مفعلة ومفعالة. والميم زائدة.

وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/86) . قلت: والحديث حسن- دون

" الماء الجديد ". انظر: صحيح أبي داود. (ح/117- 122) .

(1)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 39- باب الرجل يستعين على

وضوئه فيصب عليه، (ح/391) . وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/87) .

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 39- باب الرجل يستعين على

وضوئه فيصب عليه، (ح/392) في للزوائد: إسناد مجهول. و" عبد الكريم " مختلف فيه.

قلت: وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/88) .

ص: 241

أنه متروك الحديث، سمعت أبي يقول: ذلك وقال فيه الدارقطني: ضعيف،

وقال ابن حبان يخطئ ويخالف لما ذكره في الثقات.

الثاني: جهالة حال روح بن غنية فإني لم أجد له ذكرًا في شيء من

كتب الأئمة: البخاري وابن أبي حاتم وابن سعد وابن حبان، والساجي،

والنسائي، وغيرهم، وإنما ذكره من المتأخرين بما في هذا الإِسناد لم يزد، والله

أعلم، وكذلك عنبسة أيضا لم أجده في الكتب المذكورة، ولم يزد من ذكره

على ما في نفس الإِسناد. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، نا الوليد بن

مسلم، نا الأوزاعي، حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد

الرحمن أيضا، حدثاه عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها

مرتين أو ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " (1) هذا حديث أخرجه

الترمذي وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك أنه رواه عن أبي

الوليد أحمد بن عبد الرحمن ابن بكار البشري الدمشقي البغدادي عن الوليد بن

مسلم ولم يسمع منه فيما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه وقال:

قرأت في كتاب علي بن أحمد بن أبي الفوارس: نا أبي، نا الباغندي قال:

سمعت أبا عبد الله- يعني إسماعيل بن عبد الله اليشكري- يقول: كأن لم

يسمع الوليد من الوليد بن مسلم شيئًا قط، ولم أره عند الوليد قط، وقد أقمت

تسع سنين والوليد حي، ما رأيته قط؛ فعلى هذا يكون حديثه المذكور عنده/

منقطعا، ويكون حديث الباب أصح إسنادا منه؛ لسلامته من هذه الوصمة،

ولتصريح كل منهم بسماعه من الآخر، وهو في الصحيح بلفظ: " حتى

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/24) وقال: حديث حسن صحيح. ومسلم في (الطهارة،

ح/87) وأبو داود (ح/105) وابن ماجة (ح/394) وأحمد في " المسند " (2/241، 455،

471، 507) والبيهقي في " الكبرى "(1/45- 49، 118، 244) والدارقطني في " سننه "

(1/49، 50) وابن خزيمة (145، 146) وشرح السنة (1/407) ونصب الراية (1/2)

وإتحاف (2/353) وتلخيص (1/73، 344) والمجمع (1/220) وابن كثير (3/43) .

ص: 242

يغسلهما ثلاثا " وفي لفظ للبخاري (1) : " إذا استيقظ أحدكم من نومه "

وفي لفظ عند مسلم: " فليفرغ على يده ثلاث مرات "، وفي لفظ: " إذا

كان أحدكم نائما ثم استيقظ فأراد الوضوء، فلا يضع يده في الإِناء حتى

يصب على يده، فإنه لا يدري أين باتت يده " (2) وعند أبي داود: " إذا قام

أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها ثلاث مرات " (3)

وعند البخاري: " فلا يغمس يده في الوضوء " وعند الدارقطني: " في

إنائه " أو " في وضوءه " وفي رواية ابن ثابت: " تطوف يده " وفي الأوسط

عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج بزيادة: " ويسمى قبل أن

يدخلها "، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا عبد الله بن محمد بن يحيى بن

عروة. تفرد به إبراهيم بن المنذر إلَّا وقال أحمد: ممن رواه عن أبي الزناد

ويسمى هشام، ولفظ ابن وهب في جامعه: " حتى يغسل يده- أو يفرغ

فيها- فإنه لا يدري حيث باتت يده "، وفي علل الرازي: " فليغرف على

يده ثلاث غرفات " مع لفظ: " ثم ليغترف بيمينه من إنائه " وعند البيهقي:

" أين باتت يده منه ". وقال: قوله: تفرد بها محمد بن الوليد البُشرِي، وفيما

قاله نظر لما ذكره ابن منده عن عبد الله بن شقيق من رواية خالد الحذاء عنه

قال: " فإنه لا يدري أين باتت يده منه "، قال: وكذلك رواه محمد بن

الوليد عن غندر ومحمد بن يحيى عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة

عن الحذاء عن ابن شقيق عن أبي هريرة، وقال فيه: " فإنه لا يدري أين باتت

يده منه " وقال: ما أراهما محفوظين بهذه الزيادة، إلَّا أن رواة هذه الزيادة

(1) صحيح. رواه البخاري (1/52) وأحمد في " المسند "(2/465) والدارس (1/196)

وشرح السنة (1/406) وشفع (64) والبيهقي في " الكبرى "(1/45) والموطأ (21) .

(2)

رواه أحمد (2/271) والبيهقي (1/256) وابن عدي (7/2752) .

(3)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 48- باب التسمية على الوضوء، (ح/

103) .

قلت: وتحسين الحديث على قاعدة أبي داود التي بنى عليها كتابه " السنن ".

ص: 243

ثقات معتدلون، وبنحوه قاله الدارقطني، فهذا كما ترى غير اليسرى رواة

كرواته، ورواه الحسن عن أبي هريرة عند ابن عدي قال: غمس يده قبل أن

يغسلها، فليرق ذلك الماء وفي كتاب الكجي حتى يصب عليها صبة أو

صبتين

/ وفي رواية: " على من باتت يده " وفي المصنف لابن أبي شيبة: " كان

أصحاب عبد الله إذا ذكر عندهم حديث أبي هريرة قالوا: كيف يصنع أبو

هريرة بالمهراس الذي في المدينة " ورواه عن أبي هريرة من غير ذكر العدد

جماعة، منهم: همام وعبد الرحمن بن يعقوب وثابت مولى عبد بن زيد

وعمار بن أبي عمار وابن سيرين، قال أبو عمرو: رواه جماعة، منهم: جابر بن

عبد الله الصحابي وابن المسيب وأبو سلمة وعبد الله بن شقيق وأبو صالح وأبو

رزين وأبو مريم الأنصاري. انتهى، وفيما قاله نظر، لما ذكره أبو نعيم في

مستخرجه أنّ المقدمي روى عن زياد بن ثابت ذكر العدد.

حدّثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، أخبرني ابن لهيعة ابن

إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإِناء حتى يغسلها " هذا

حديث إسناده صحيح على رسم مسلم (1) ؛ لتفرد جابر بن إسماعيل الحضرمي

أبي عباد البصري في كتاب العلل لأبي عيسى بقوله، وذلك أنّه ذكر عن

سفيان بن وكيع: نا عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم

عن أبيه مرفوعا: " إذا قمت من منامك فلا تضع يدك في الإناء حتى تفرغ

عليها ثلاث مرات " وقال: سألت محمدا عن هذا الحديث فقَال: وهم فيه،

إنما روى وهب هذا عن جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم

عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه من حديث

ابن أخي وهب عن عمّه عنهما بلفظ: " حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا

يدري أين باتت يده. أو أين طافت يده " فقال له رجل: أرأيت إن كان

حوضًا فحصبه ابن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول إن كان

حوضًا

" (2) قال: إسناد حسن، وبنحوه قاله أبو بكر البيهقي. حدّثنا

(1) راجع: قبل ذلك بثلاث حواش. (2) بنحوه. رواه البيهقي: (1/47) .

ص: 244

إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما

ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه من حديث ابن وهب عن عمّه عنهما

بلفظ: " حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده- أو أين

طافت- يده " فقال له رجل: إن كان حوضًا قال: إسناد حسن، وبنحوه قاله

أبو بكر البيهقي (1) . حدّثنا إسماعيل بن تومة، نا زيد بن عبد الله البكالي عن

عبد الله بن سليمان عن أبي الزبير عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام

أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها؛ فإنه

لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها " (2) هذا حديث قال فيه

الدارقطني لما رواه من حديث محمد بن نوح عن زياد: إسناد حسن، وفي

قول أبي القاسم في الأوسط: لم يروه عن عبد الملك بن زياد: تفرّد به

موسى بن يحيى المروزي، ولا يروى عن جابر إلَّا بهذا الإِسناد، وفيه نظر لما

تقدّم عند ابن ماجة والدارقطني من عدم تفرد موسى به. حدّثنا أبو بكر بن

أبي شيبة، نا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحرث قال. " دعا

علي- عليه السلام بماء فغسل يديه قبل أن يدخلها الإناء، ثم قال: هكذا

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " (3) هذا حديث جمع ضعفًا وانقطاَعًا.

الأول: الحرث بن عبد الله أبو زهير الأعور الهمداني الخارقي الكوفي،

ويقال: الحرث بن عبيد الله، قال أبو بكر بن عياش: لم يكن الحرث

أرضاهم، كان غيره أرضى منه، وكانوا يقولون أنّه صاحب كتب، وكان ابن

مهدي قد ترك حديثه، وقال ابن أبي خيثمة سمعت أبي يقول: هو كذاب

وقال بندار: أخذ عني وعبد الرحمن العلم من يدي قصر بأعلى نحو أربعين

حديثًا من حديث الحرث عن علي، وقال الشعبي: نا الحرث وأشهد أنه أحد

(1) انظر: المصدر السابق.

(2)

صحيح رواه ابن ماجة (ح/395) . بدون قوله: " ولا على ما وضعها ". قلت: وهذا

اللفظ الذي أورده المصنف، فالحديث منكر، وهو في " صحيح مسلم " بدونها. انظر: صحيح

أبي داود (ح/93) .

(3)

صحيح. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، باب (40) ، (ح/396) .

قلت: وكذا صححه الشيخ الألباني.

ص: 245

الكذاب، وقال أبو إسحاق السبيعي: زعم الحارث الأعور، وكان كذابًا، وقال

أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي ولا يحتج بحديثه،

وقال أبو حمزة الزيات: سمع مُرّة الهمداني من الحارث/شيئًا فأنكره فقال:

أقعد حتى أخرج! إليك فدخل مرة واشتمل على سيفه، وأحس الحارث بالشر

فذهب، وقال ابن المديني: الحارث كذاب، وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة

أصحابنا يرويه عنهما- يعني عليًا وابن مسعود- غير محفوظ، وقال أبو

بكر بن أبي داود: كان الحارث حُوتيًا من حوت- بطن من همدان- وفي

كتاب الدوري عن ابن معين عن عون أنّه ليس من همدان، يقولون أنه من

الابنا (1)، وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو إسحاق: الحسن البغدادي

ضعيف، وذكر ابن الجنيد جماعة ضعفاء ثم قال: وأضعف القوم الحرث عن

علي، وقال ابن سعد: كان له رأي سوء وهو ضعيف في رأيه، توفى بالكوفة

أيّام عبد الله بن الزبير.

الثاني: انقطاع ما بين أبي إسحاق والحارث، وبين الحارث وعلي فإن ابن

نمير قال: لم يسمع السبيعي من الحارث إلَّا أربعة أحاديث، وإنما أخذ حديثه

من صحيفة، وفي تاريخ السعدي ثلاثة أحاديث، وقال ابن المديني في كتاب

العلل الصغير الذي قرأته على المسند المعمر أبي الحسن بن الصلاح عن ابن

رواح عن السلفي: نا أبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي من أصل سماعه

وأبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي بمصر قالا: نا أبو إسحاق

إبراهيم بن سعيد الحافظ المصري، نا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد

المعروف بابن النحاس المعدل، قرأه عليه بمصر في المحرم سنة سبع وأربع مائة أبو

محمد دعلج بن أحمد بن عبد الرحمن السجزي، وقدم علينا سنة سبع

وثلاثين وثلاثمائة (2) ، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء في ربيع الأول

سنة ثمان وثمانين ومائتين قال: نا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن

نجيح السعدي المعروف بابن المديني: سمع أبو إسحاق من الحرث أربعة

(1) كذا ورد " بالأصل ".

(2)

قوله: " ثلاثمائة " وردت " بالأصل "" ثلثمائة " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 246

أحاديث ثم قال: وإنما علمت الحرث روى عن علي حديثين يختلف عنه في

أحدهما، وذلك في العلل الكبير. ذلك عن شعبة بن الحجاج، قال: وكان ابن

سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي باطل. قرأت على الإمام المعمر أبي

العباس أحمد بن محمد بن علي بن شجاع/الهاشمي: أخبرَكم أبو محمد

عبد الوهاب المصري إجازة، نا أبو الظاهر الشعري قراءة عليه وأنا أسمع، نا

الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيري من أصيلة، نا أبو محمد

الحسن بن علي بن محمد الجوهري بقراءة مسعود بن ناصر السجزي، نا أبو

عمر محمد بن العباس بن حيوة فيما أذن لي أبو الطيب محمد بن القاسم بن

جعفر الكوكبي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: الحرث

الأعور أحاديثه عن علي بن أبي طالب أخذها من كتاب، وقد وقع لنا معنى

حديث علي هذا من طريق صحيحة، ذكرها أبو داود من حديث عبد خير

عن علي: " أخذ بيمينه فألقاه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده

اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرات " وفي

آخره: " من سرّه أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا "(1) وسيأتي

طرف منه في موضعه- إن شاء الله- قدر ذلك ومعناه، وفي الباب حديث

آخر عن عائشة. ذكره ابن وهب في جامعه قال: أخبرني ابن ذئب عمن

سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول: حدّثتني عائشة عن رسول

الله صلى الله عليه وسلم مثله- يعني حديث أبي هريرة- قال: إلَّا أنه قال: " فليغرف على

يديه ثلاث غرف قبل أن يدخلها في وضوءه " ذهب عامة أهل العلم إلى أنّ

ذلك على الاستحباب، وله أن يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، فإن الماء

طاهر ما لم يتيقن نجاسة يده، وذهب أبو داود والَطبري إلى إيجاب ذلك، وأن

الماء ينجس به إن لم تكن اليد مغسولة، وفرق أحمد وبعض الظاهرية بين نوم

النهار والليل؛ لأنّ الحديث جاء في نوم الليل وكان الإنسان لا ينكشف لنوم

النهار وينكشف لليل غالبا، وأبي دْلك الحسن البصرَي وإسحاق حين قال

الحسن: ما رأيته فيما حكاه ابن المنذر، وفي تاريخ أبي زرعة عنه وسأله عن

(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 49 "، (ح/111) - ورواه

النسائي (1/1/68) .

ص: 247

التسمية على الوضوء فقال: فيها أحاديث ليست بذلك: (يأيها الذين آمنوا

إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (1) الآية فلا أوجب عليه، وفيه/دليل على

أن الماء القليل إذا وردت عليه النجاسة- وإن قلت- غيرت حكمه.

(1) سورة المائدة آية: 6.

ص: 248

‌15- باب ما جاء في التسمية في الوضوء

حدّثنا أبو كريب محمد بن العلاء، نا زيد بن الحباب، ح ونا محمد بن

بشار، نا أبو عامر العقدي، ح وثنا أحمد بن منيع، نا أبو أحمد الزهري قالوا:

نا كثير بن زيد عن رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي عن أبي سعيد

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " هذا حديث

ذكره الحاكم في مستدركه (1) .مستشهدا به وذكر عن أحمد أنه أحسن ما

يروى في هذا، ولما ذكره ص المروزي عن أحمد قال: لم يصححه وقال: ليس

فيه شيء يثبت، وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي عنه، وسأله عن التسمية على

الوضوء فقال: فيها أحاديث ليست بذاك، قال الله تعالى: (يا أيها الذين

آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) الآية فلا أوجبه عليه، وقال الأثرم:

سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يتوضأ ولم يسم قال: ليس في هذا

حديث يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيد، وفي كتاب العلل للخلال:

ذكر أبو عبد الله ربيحًا فقال: ليس بمعروف، وفي مسائل أبي عمر خطاب بن

بشر الوراق للإِمام أحمد: وسألته عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا وضوء لمن لم

يسم الله " فقال: ليس الخبر بصحيح، روى عن رجل ليس بالمشهور-

واسمه رُبيح: وهذا لا يناقض كلامه الأول؛ لأنه حسّنه على علّاته ولما ذكره

البزار في كتاب من تضعيفه الذي رويناه عن جماعة من شيوخنا عن ملكهم

من أصحاب أبي طاهر عنه، نا أبو الفتح أحمد بن محمد بن سعيد الحداد

سماعًا، نا أبو الفتح عبد الغفار بن إبراهيم، نا أبو الفتح محمد بن حيان عنه

قال: لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإِسناد.

(1) حسن. رواه الحاكم في " المستدرك "(4/60) وأبو داود (ح/101) والترمذي (ح/25،

26) وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وابن ماجة

(ح/397) في الزوائد: هذا حديث إسناد حسن. وأحمد في " المسد " (2/418، 3/41،

4/70، 6/397) والدارمي (1/176) والبيهقي (1/41، 43، 2/379) والدارقطني (1/

71، 73، 79) وابن أبي شيبة (1/3) ونصب الراية (1/426) والمشكاة (402، 403)

والمجمع (1/228) وابن السني (25) والتركيب (1/164) وأذكار (29) وأصفهان (1/

306) وابن عدي (3/1034) .

ص: 249

وكثير، قد روى عنه جماعة من أهل العلم، فاحتملوا حديثه، وربيح روى

عنه فليح والدراوردي/وكثير بن عبد الله بن عمرو، وكثير بن زيد يتابع على

هذا الحديث عن أبي سعيد، ولما ذكره في مسنده قال: لا نعلمه يروى عن

أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد، وكثير صالح الحديث، قد روى

عنه سليمان بن بلال وعبد العزيز بن أَبي حازم والدراوردي وسفيان بن حمزة

وأبو أحمد وأبو عامر وزيد بن الحباب، وأما قول ابن عدي: لم يروه عن ربيح

غير كثير، ولا عن كثير غير زيد فليس بشيء لما تقدّم من عند ابن ماجة،

وكلام البزار يدور على نجيح كثير، وإغفال ذكر ربيح وأحمد قد تقدّم كلامه

فيه، وقال فيه البخاري منكر الحديث. ذكره عنه الترمذي في كتاب العلل

الكبير عند إعلاله هذا الحديث.

وخالف ذلك ابن حبان فذكره له في كتاب الثقات، وقال أبو زرعة فيه:

شيخ، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وكثير ابن زيد وثقة ابن عمار

وابن معين في رواية، وقال أبو حاتم: صالح، وقال ابن سعد: كان كثير

الحديث، وخرج ابن خزيمة له حديثَا في صحيحه؛ فعلى هذا يكون حديثَا

حسنَا باعتبار سنده، وبما يشهد له من الشواهد والله أعلم.

ورواه الحافظ عبد الرحمن في مسنده في كتاب الوضوء من تصنيفه عن

عمر بن أحمد بن عمر الصفار: نا الطبراني الحضرمي، نا الحمامي، نا قيس ابن

الربيع عن أبي هاشم عن قيس بن عباد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" من قال إذا توضأ: بسم الله، وإذا فرغ قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد

أن لا إله إلا الله

" (1) الحديث، وسيأتي بعد- إن شاء الله تعالى- حدّثنا

الحسن بن على الخلال، نا يزيد بن هارون، نا يزيد بن عياض، نا أبو ثفال عن

رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان أنه سمع جدّنه بنت سعيد بن زيد تحدّث

أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن

لا وضوء له، ولا وضوء لمن يذكر اسم الله عليه " (1) هذا حديث اختلف في

تحسينه/وتضعيفه؛ فممن حسنه أبو عبد الله البخاري بقوله فيما حكاه عنه أبو

(1) إتحاف: (2/368) .

ص: 250

عيسى: هو أحسن شيء في هذا الباب عندي، ولما ذكره البزار: قال وحديث

ابن حرملة رواه جماعة ثقات، وأبو ثفال مشهور، ورباح وجدّته لا تعلمهما

رويا إلَّا هذا الحديث، ولما سئل عنه أبو الحسن البغدادي قال: رواه عبد

الرحمن بن حرملة عن أبي ثقال، واختلف عنه وهيب وبشر ومن تابعهما،

وذكره الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختلفة من طريق عفان عن

وهيب بزيادة: " ولا يؤمن بالله ولا يؤمن بي ولا يؤمن لي من لا يحب

الأنصار "، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل قال: ذكرته لأبي وأبي

زرعة فقالا: ليس عندنا بذاك، الصحيح أبو ثقال مجهول وأبو رباح مجهول،

ولما ذكره ابن القطان قال: إن كان يعني عبد الحق اعتمد قول البخاري، فقد

توهم أنه حسن، وليس كذلك، وما هو إلَّا ضعيف جدَا؛ لأنّ في إسناده ثلاثة

مجاهيل الأحوال، أولهم: جدّة رباح فإنها لا تعرف بغير هذا ولا يعرف لها

اسم ولا حال، وغاية ما تعرفنا هذا أنها ابنة لسعيد.

الثاني: رباح فهو مجهول الحال كذلك، ولم يعرف ابن أبي حاتم من

حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإِسناد.

الثالث: أبو ثقال مجهول كذلك، وهو أشهرهم؛ لرواية جماعة عنه، منهم

ابن حرملة وسليمان بن بلال وصدقة مولى الزبير والدراوردي والحسن ابن أبي

جعفر وعبد الله بن عبد العزيز. قاله أبو حاتم، وفيما قاله نظر من وجوه:

(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/101) وابن ماجة (ح/398، 400) وسكت ابن ماجة عن

الحديث الأول. وعن الثاني علق عليه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي قال: في الزوائد:

ضعيف؛ لا تفاقهم على ضعف عبد المهيمن، وقال السدي: لكن لم ينفرد به عبد المهيمن،

فقد تابعه عليه ابن أخي عبد المهيمن. رواه الطبراني في المعجم الكبير. ورواه أحمد في

" المسند "(2/418، 4/70، 5/382، 6/383) والبيهقي في " الكبرى " (1/41، 43، 2/

379) والحاكم في " المستدرك "(1/146، 147، 269، 4/60) والطبراني (6/148)

والدارقطني (1/73، 79) وابن أبي شيبة (1/3، 5) وتلخيص (1/72) ونصب الراية (1/

3، 426) والمشكاة (404) وإتحاف (8/160) والترغيب (1/164) وشرح السنة (1/

409) وابن حبيب (1/23) والمجمع (1/228) وابن عساكر في " التاريخ "(5/298)

وأصفهان (1/306) وابن عدي في " الكامل "(5/1883) وأسرار (480) والمتناهية (1/

337) والعقيلي (1/1/177) .

ص: 251

الأول: ما ذكره من جهالة حال أبي ثقال، وليست كذلك فإنه مما قاله

فيه البخاري: في حديثه نظر، والبخاري إذا قال ذلك يكون غير محتمل

عنده، وقد أسلفنا فيه ذكر من حسن حديثه، وما ذاك إلا بعد تحسين حاله،

وسيأتي كلام ابن حبان فيه.

الثاني: ابنة سعيد بن زيد، اسمها أسماء، سماها بذلك البيهقي في كتاب

السنن الكبير، وقوله أنها مجهولة الحال ليست كذلك؛ بل معروفة، ذكرها ابن

حبان/في كتاب الثقات، وقال: لا أدري ما أسمها، روى عنها رباح بن عبد

الرحمن إلا أن لست بالمعتمد على ما انفرد به أبو ثقال تمامة المزي.

الثالث: قوله في رباح أنله مجهول الحال ليس كذلك، فإنه ممن ذكره ابن

حبان في كتاب الثقات أيضًا، قال المقدسي، وروى عنه حديثه غير منسوب

والحكم بن القاسم الأوسي، فعلى هذا لولا أن أبا ثقال في السند لكان

الحديث صحيحَا على رسم ابن حبان، ولكان قول القاسم في كتاب

الطهور أقرب إلى الصواب، وذلك أنه لما ذكره وذكر حديثه أبي سعيد قال:

فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسنادهما، لمكان المرأة المجهولة في

الأول، ولما في الأخرى ذكر الرجل ليس يروي عنه كثير، فإن كانا مجهولين

فإنما يوجهان على ما ذكر الله تعالى عند الطهور من الفضيلة والثواب. حدثنا

أبو كريب وعبد الرحمن بن إبراهيم قالا: نا ابن أبي فديك، نا محمد بن

موسى بن أبي عبد الله عن يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم

الله عليه " هذا حديث اختلف فيه، فمنهم من أعله ومنهم من صححه؛ فأما

المعلل فالبخاري لما سأله عنه الترمذي فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس

به متقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني، لا يعرف له سماع من أبيه،

ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة، والعجب من المنذري في إيراده لكلام

البخاري هذا ثم قال: وهذا الحديث أمثل الأحاديث الواردة إسنادا، وقد

أسلفنا ذكر أحاديث متصلة حسنة الإِسناد، ولا تقاس بهذا، وأمّا المصحح

فالحاكم لما ذكره في مستدركه من حديث قتيبة بن سعيد، نا محمد بن

موسى يعقوب ابن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال

ص: 252

الحديث ثم قال: رواه ابن أبي فديك عن محمد بن موسى المخزومي، أخبرناه

أبو الحسن أحمد ابن محمد بن عبدوس، نا عثمان بن سعيد نا أحمد بن

صالح،/نا ابن أبي فديك قال: وهذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج

مسلم بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سَلمة: دينار، ولم

يخرجاه. انتهى كلامه، وعليه فيه مآخذ الأول: حكمه عليه بالصحة، وهو

عدمها لأمرين:

الأوّل: ما ذكره البخاري، الثاني: جهالة حال يعقوب وأبيه سلمة، فإني

لم أر أحدا لعرّض لذكر جالهما، وأما ذكره ابن سرور في باب سلمة من

قوله: روى عنه ابنه يعقوب، نا محمد بن موسى الفطري وأبو عقيل يحيى بن

المتوكل توهم منه ذكره في باب يعقوب على الصواب، ولو كان ما قاله

صحيحا لخرج سلمة، وجهالة العين برواية جماعة عنه، وليس كذلك، وإنّما تبع

عبد الغني في ذلك ابن أبي حاتم حيث قال: سلمة الليثي روى عن أبي هريرة

روى عنه أبيه يعقوب روى عنه محمد بن موسى وأبو عقيل، فاعتقد أنّ

الضمير في محمد بن موسى عائد على سلمة، وإنما هو يرجع إلى يعقوب.

يفهم ذلك من قوله روى مرتين على أنّ هذا لابد فيه من أضيف إذ الاصطلاح

غيره، وأما البخاري فذكره في الكبير على الصواب، وتبعه على ذلك غير

واحد من المتأخرين.

الثالث: قوله: يعقوب بن أبي سلمة، وليس صحيحا إذ لو كان ابن أبي

سلمة لكان صحيحا كما زعم، ولكنه ليس به، والترمذي لم يقل أحد ما قاله

غيره بغير متابع له عليه، وممن رواه كرواية ابن ماجة والترمذي في العلل، وأبو

داود والدارقطني والإِمام أحمد بن حنبل والطبراني في المعجم الكبير وفي

الأوسط وقال: لم يروه عن يعقوب إلا الفطري، وغيرهم، ويشبه أن يكون

وقع ذلك منه لاعتماده على حفظه، إن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أجود

على الذهن مق يعقوب بن سلمة، فانتقل عنه مق هذا إلى هذا وأكّده بذكر

أخيه، والله تعالى أعلم.

الرابع: لو سلم له قوله أنّه ابن سلمة لكان يحتاج إلى معرفة حال أبيه

ص: 253

دينار (1) ، وهي غير معروفة، بل لم يذكره في الرواة أحد من أصحاب التاريخ

فيما أعلم، ورواه أيوب بن النجار عن يحيى بن أبيِ كثير بن أبي سلمة عن

أبي هريرة/مرفوعًا بلفظ: " ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه " ذكره

الدارقطني (2) في الأول من فوائده رواية ابن معروف عنه، ولما ذكره الحافظ أبو

بكر في سننه قال: وهذا الحديث لا يعرف من حديث يحيى عن أبي سلمة

إلا من هذا الوجه، وكان ابن النجار يقول: لم أسمع من يحيى إلَّا حديثًا

واحدًا التقى آدم وموسى. ذكره ابن معين فحديثه على هذا لا يكون منقطعًا،

وروى من حديث إبراهيم بن المنذر، نا عبد الله بن محمد بن هشام بن عروة

عن أبيِ الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحوها قال أبو نصر الوابلى: هذا

حديث غريب من حديث هشام عن أبي الزناد وهو من المذبح، وفي كتاب

أبي الحسن من حديث مجاهد عن أبي هريرة نحوه، وفيه جماعة مجاهيل،

ورواه أبو القاسم في الأصغر من حديث علي بن ثابت عن محمد عنه يرفعه.

" إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك

حسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء " (3) وقال: لم يروه عن علي بن ثابت

أخي عروة ابن ثابت إلَّا إبراهيم بن محمد البصري. تفرد به عمرو بن أبي

سلمة، وفي كتاب الشيرازي من حديث الحسين بن علوان: " من سمى على

وضوئه لم يزل كاتباه يكتبان له الحسنات حتى يحدث من ذلك الوضوء.

حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا ابن أبي فديك عن عبد الرحمن بن عباس بن

سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة

(1) قوله: " دينار " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(2)

ضعيف جدا. رواه الدارقطني في " سننه "(1/71) والبيهقي في " الكبرى "(1/44)

ونصب الراية (1/4) والميزان (8370) ولسان (6/7) .

وفي " الميزان " أورده الحافظ الذهبي في ترجمة: محمود بن محمد الظفري. قال الدارقطني:

ليس بالقوي، فيه نظر، وقال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان ": للحديث علَة أخرى لابن

معين قال عن أيوب بن النجار: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا.

قلت: فالحديث به علتان: الأولى: الضعف، والثانية: الانقطاع.

(3)

رواه الطبراني في " الصغير "(1/73) والفوائد (12) وتذكرة (31) .

ص: 254

لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم

يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار " (1) هدْا حديث

أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: لم يخرج على شرطهما، وإسناده ضعيف

لضعف رواية عبد المهيمن، فإنه ممن قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقاك

ابن الجنيد وابن معين: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال

ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته: بطل الاحتجاج به، وقال الدارقطني:

ليس بالقوي، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال الحربي في كتاب العلل:

غيره أوثق منه،/وأما حديث عائشة مرفوعًا: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم

الله " فإن الحربي ذكر في كتاب العلل أنَّ إسحاق بن راهويه عمل مختصر

سنن، فجاء به علي بن الجهم إلى أحمد بن حنبل، فأول حديث فيه حديث

حارثة عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

الحديث، قال: فرمى أحمد

بالكتاب من يده وقال: هذا يزعم أنّه اختار أصح شيء في هذا أضعف

حديث في الباب، حديث ربيح وحديث سعيد بن زيد أصح من هذا؛ ولهذا

إنّ البزار لما ذكره في مسنده ضعفه بحارثة وقال: قد حدّث عنه جماعة

وعنده أحاديث لم يتابع عليها، وكلما روى في ذلك فليس بالقوي الإِسناد،

وإن ما يثبت هذه الأسانيد، ولفظ الدارقطني: " إذا مس طهورًا يسمى الله

تعالى " (2) وفي لفظ: " إذا قام إلى الوضوء يسمى الله تعالى " ولما قال

الترمذي: وفي الباب عن أنس، فيشبه أن يريد بذلك الحديث الذي أخرجه

الإمام أبو الحق بن الخيمي بقراءتي عليه، أخبركم الحافظ البكري إجازة إن لم

يكَن سماعًا- نا أبو روح الهروي قراءة عليه، نا أبو القاسم زاهر السحامي

قراءة عليه، نا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الخبرروذي، نا أبو طاهر

(1) رواه الحاكم (1/146، 147، 269، 4/60) وقال: لم يخرج على شرطهما، وإسناده

ضعيف لضعف رواية عبد المهيمن. ممن رواه ابن ماجة (400) في الزوائد: ضعيف،

لاتفاقهم على ضعف عبد المهيمن. وقال السدي: لكن لم ينفرد به عبد المهيمن، فقد تابعه

عليه ابن أخي عبد المهيمن. ورواه الطبراني في الكبير. وفي " ضعيف " ابن ماجة (ح/90) :

قال الشيخ الألباني: متكرر بالشطر الثاني. انظر: الضعيفة (ح/2166، 4806) .

(2)

قلت: وقد أثبتنا صحة متن هذا الحديث هن النسخة الثانية.

ص: 255

محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، نا جدي الإِمام أبو بكر

محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه الصحيح، نا محمد بن يحيى وعبد

الرحمن بن بشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن ثابت وقتادة

عن أنس قال: " نظر بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءَا فلم يجدوا،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاهنا ماء، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإِناء

الذي فيه الماء ثم قال: توضئوا بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه

والقوم يتوضؤون حتى توضئوا عن آخرهم " (1) قال ثابت: قلت لأنس: كم

تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين، وأخرجه النسائي أيضًا وأصله متفق

عليه، وفي الباب مما لم يدر الترمذي حديث جابر، وفيه طول، وفي آخره:

" فقلت/إلا وضوء وفيه قال: حدثنا جابر: " فصب علي وقل بسم الله،

فصببت عليه وقلت بسم الله " (2) رواه مسلم في صحيحه، وهو أصرح من

حديث أنس؛ إذ لقائل أن يقول: أراد بسم الله الإذن لا التسمية، وفيه رد

لقول من زعم ليس في الباب حديثًا له إسناد جيد كَما قدمناه، وفي حديث

ندع العنزي عن جابر عند أحمد: " فوضع النبي كفه في الماء والقدح ثم

قال: بسم الله ثم قال: أسبغوا الوضوء " (3) وفي حديث سالم عن أبي الجعد

عنه عنده أيضًا: " فوضع يده في تور من ماءٍ بين يديه فجعل يفور من خلال

(1) صحيح. رواه عبد الرزق في " المصنف "(20535، 20536) وابن عبد البر في " التمهيد "

(1/211) والدارقطني في " السنن "(1/71) .

(2)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/77، 78، 81) ، والطبراني (7/89) والمجمع

(1/251) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه داود بن يزيد الأودي وقد ضعفوها إلا ابن

عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا جاوز الحد إذا روى عنه ثقة، وإن كان ليس بالقوي في

الحديث، فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة، وهذا روى عنه مكي بن إبراهيم- وهو من

رجال الصحيح- فهو مقبول على ما قاله ابن عدي، والله أعلم.

(3)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/26) وأبو داود في (للطهارة، باب " 46 ")

والنسائي في (الطهارة باب " 105 ") وابن ماجة (ح/450) وأحمد في " المسند " (2/164،

169، 193) والبيهقي في " الكبرى "(1/69، 2/89) وإتحاف (2/208، 7/172) وابن

عساكر في " التاريخ "(3/17) الخطيب (4/6) .

وصححه الشيخ الألباني.

ص: 256

أصابعه كأنها عيون ثم قال: خذوا بسم الله، حتى وسعنا وكفانا " وروى

البخاري (1) ومسلم هذا الحديث من رواية سالم عن جابر بغير ذكر التسمية،

وإسناد أحمد فيه على رسم الصحيح، وحديث أبي سبرة ذكره ابن بنت منيع

في معجمه عن صلت ابن مسعود الخدري، نا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن

عبد الله بن أنيس، حدثني عيسى بن سبرة عن أبيه عن جدّه أبي سبرة

مرفوعا

الحديث، ولما رواه الطبراني في الأوسط قال: لم يرو هذا الحديث

عن أبي سبرة إلَّا بهذا الإِسناد، ويشبه أن يكون لما رواه ابن أبي عاصم في

كتاب الآحاد، والثاني عن الصلت نا يحيى بن أنس بن سبرة عن مولى لقريش

عن أبيه عن جده زاد الموَلى، وليس عبده، والله أعلم، وفي حديث عبد

الله بن مسعود مرفوعا، وحديث خصيف عن النبي صلى الله عليه وسلم مقطوع ومعضل.

ذكره أبو بكر البيهقي في كتاب السنن وضعفه، وحديث علي بن أبي طالب.

ذكره أبو أحمد بن عدي وضعفه، وحديث عبد الله بن عمر. ذكره الدارقطني

وضعفه بالداهري، وحديث ابن سبرة: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا

وضوء لمن لم يذكر الله، ولا يؤمن به من لا يحب الأنصار " ذكره أبو موسى

وقال: قال جعفر: في إسناده نظر، وحديث ذكره ابن أبي شيبة، فوقفه به

عبد المحسن المصري قراءة عليه، نا جدي القاضي أبو القاسم عبد الصمد، نا

ابن أبي الفتح السلمي، نا الشريف/الحسين بن محمد الخطيب، نا أبو الحسن

العلمي، نا طلحة بن عبد الله بن موسى ابن إسحاق، نا جدّي، نا يحيى بن

هشام، نا الأعمق عن سفيان عنه، ونا أعلى من هذا بدرجة قاضي القضاة

كمال الدين بن محمد بن سليمان- رحمه الله تعالى- قرأة عليه وأنا أسمع،

نا أبو حفص البغدادي، نا أبو القاسم بن الحصين، نا أبو طالب محمد بن

إبراهيم، نا أبو بكر الشافعي، نا محمد بن غالب، نا يحيى بن هاشم الأعمش

عن أبي وائل عن عبد الله به، واختلف في وجوب التسمية عند الوضوء؛

فاستحب كثير منهم أن يسمى، وقال قوم: إن تركه عامدًا فلا شيء عليه،

كذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال إسحاق: إذا تركه ساهيًا فلا

(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المغازي، باب " 35 ") ومسلم في-

(الزهد، ح/74) وأحمد في " المسند "(3/165، 329) .

ص: 257

شيء عليه، وإذا تعمد ذلك أعاد، قال ابن المنذر: وعندي لا شيء عليه، قال

ربيعة بن أبي عبد الرحمن في تفسير: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "

أنه الذي يتوضأ ويغتسل، ولا ينوي وضوءً للصلاة ولا غسلا للجنابة، وقال

أبو عبيد بن سلام: وأنا لا أرى لبشر أن يدع ذكر الله تعالى عند طهوره وإني

ما تركته ساهيا حتى يمضي بعض وضوئي، فأعيده من أوّله بالتسمية، وهذا

اختيار مني لنفسي آخذها به وأراه لمن قبل رأبي من غير أن أوجبه، ولا أفسد

بتركه صلاة من صلى ولا طهوره.

ص: 258

‌16- باب اللمس في الوضوء

حدّثنا هناد بن السرى، نا أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه

عن مسروق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان يحب التيمن في الطهور

إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتقاله إذا انتقل " (1) هذا حديث اتفقا

على تخريجه، حدّثنا محمد بن يحيى، نا أبو جعفر النفيلي، نا زهير بن معاوية

عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله لم صلى الله عليه وسلم: " إذا

توضأتم فابدؤوا بيمناكم " (2) هذا حديث إسناده صحيح، وخرج ابن خزيمة

وابن حبان في صحيحيهما قطعة منه على نصر بن علي، نا عبد الصمد، نا

شعبة عن الأعمش به: إذا ألبس قميصًا بدأ يمينًا منه، وفي موضع آخر: " إذا

لبستم أو توضأتم " (3) ورواه أيضًا الترمذي عن نصر، وقال: قد روى هذا غير

واحد عن شعبة عن الأعمش بهذا الإِسناد، ولما ذكره في الأوسط أشار إلى

تفرد زهير به عن الأعمش عن أبي هريرة موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعه عن عبد

الصمد عن شعبة، وفي مسلم (4) عن أبي هريرة مرفوعًا: " إذا انتقل أحدكم

فليبدأ باليمين " وله شاهد في صحيح ابن حبان من حديث ابن عمر: " نهى

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/608) وابن ماجة (ح/401) والبيهقي في " الكبرى " (1/

86) والمجمع (5/71) والكنز (42037) والفتح (10/309) وأحمد في " المسند " (6/94،

" 1637 "، (147) وأبو عوانة في " صحيحه "(1/222) ومسلم في (الطهارة، باب " 9 ا " رقم

(2)

صحيح. رواه ابن ماجة (ح/402) وأحمد في " المسند "(2/354) ونصب الراية (1/

34) وابن السني (15) وتلخيص (1/88) وإتحاف (2/361) . وصححه الشيخ الألباني.

(3)

حسن. رواه البيهقي (3/86) وشرح السنة (1/423) وأبو داود (4141) والمشكاة

(401)

ونصب الراية (1/34) وابن حبان (147، 1452) والكنز (41096) .

(4)

صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (اللباس، ح/67) والبخاري (7/199) وأبو داود

(ح/4139) والترمذي (ح/1779) وصححه ابن ماجة (ح/3616) وأحمد في " المسند "

(2/233، 245، 265، 283، 340، 477) والبيهقي في " الكبرى "(2/432) وعبد

الرزاق في " المصنف "(20215) والطبراني في " الصغير "(1/25) وشرح السنة (12/75)

والمشكاة (4410) والكنز (31604) وابن حبيب (2/70) والشمائل (43) والحلية (6/

132) وهامش المواهب (63) والموطأ (916) .

ص: 259

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى أحدنا شيئًا بشماله " (1) وفي كتاب الأشراف " أن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن ما استطاع " (2) وقد اجمعوا على أنه لا إعادة

على من بدأ بيساره في الوضوء قبل يمينه، وروينا عن علي وابن مسعود أنهما

قالا: " فلا يبالي بأيهما بدأت " زاد الدارقطني أبا هريرة.

(1) بنحوه. رواه أحمد في " المسند "(3/202، 254، 293، 344، 387) والخطيب في

" تاريخه "(1/319) وحبيب (2/304) وابن عدي في " الكامل "(7/250) ولفظه:

" نهي أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله

" الحديث.

(2)

صحيح. رواه البخاري (7/211) والفتح (10/368) وأحمد (6/188) والبيهقي

(1/86، 216) .

ص: 260

‌17- باب المضمضة: والاستنشاق عن كف واحد

حدّثنا عبد الله بن الجراح وأبو بكر بن خلاد، نا عبد العزيز بن محمد عن

زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

تمضمض واستنشق من غرفة واحدة " هذا حديث أخرجه ابن ماجة (1) في

موضعين آخرين، وهو قطعة من حديث مطول رواه البخاري (2) في صحيحه،

والحاكم (3) في مستدركه وِلفظه: " وجمع بين المضمضة والاستنشاق "

وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ، والحافظ أبو بكر في

صحيحه، وجوده الإِمام أحمد فيما حكاه الخلال، ولما أخرجه أبو عيسى (4)

قال: حديث/ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن

سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أمه

عن عمر بن الخطاب: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مَرةًّ مرة "(5) وليس هذا بشيء،

والصحيح ما روى هشام بن سعد والثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد عن

عطاء، وبنحوه قاله أبو حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث رواه ابن لهيعة

عن الضحاك هذا. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا شريك عن خالد عن علقمة

عن عبد خير عن علي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ،:فمضمض ثلاثًا

واستنشق ثلاثًا من كف واحد " (6) هذا حديث أخرجه الحافظان أبو بكر بن

خزيمة وأبو حاتم البستي في صحيحيهما من حديث خالد بن علقمة الهمداني

عن عبد خير مطولًا، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح، ولما ذكره البغوي

في شرح السنة قال: حديث عبد خير صحيح حسن. نا بذلك العلامة أبو

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/403، 404) . وصححه الشيخ الألباني.

(2، 3) صحيح رواه البخاري في: الوضوء، باب " 41 "، (ح/191) .

(4)

صحيح رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب " 21 "، (ح/27) . وقال: هذا حديث

حسن صحيح والنسائي في الطهارة، باب " 83 ")

(5)

سبق في بابه أكثر من هرة.

(6)

انظر: الحاشية رقم (1) .

ص: 261

الحسن ابن موسى الحجازي بقراءتي عليه في شهور سنة إحدى عشرة وسبع

مائة، جميع كتاب الطهارة منه والزكاة والحج ومناولة لباقي ذلك، وأخبرني

أنه سمع بعضه من لفظ شيخه شيخ الإِسلام شمر الدين زكي بن الحسن

وبقيته قراءة عليه وأنا اسمع بلغة عدن في شهور سنة تسع وستين وستمائة

قال: أخبرني الفقيه رشيد الدين زاهد بن محمد بن أحمد بن وكيع، نا شيخ

الإسلام عماد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله المروزي قال: نا

البَغوي، فذكره، ورواه النسائي (1) في مسند علي مطولًا: " فملأ فمه فمضمض

واستنشق ونثر بيده اليسرى، يفعل هذا مرارًا " في الحديث ثلاث مرات، وكذا

ذكره أحمد بن سنان القطان في مسنده، ورواه شعبة فقال: عن مالك بن

عرفطة، ووهمه في ذلك أبو داود والنسائي والإمام أحمد ومسلم في كتاب

شرح شعبة من تأليفه والبزار، وقال: قد رواه غيَر واحد عن خالد بن علقمة،

ورواه سفيان موقوفًا، ولا نعلم أحدًا حسن له سياقًا ولا أتم كلامًا من زائدة،

ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبي زرعة قال: وهم فيه شعبة،

إنما أراد خالد بن علقمة، ورواه سفيان موقوفًا، لم يرفعه، وفي ذلك نظر؛ لأن

الدارقطني ذكر رواية الثوري هذا الحديث مرفوعًا ثم قال: وخالف الجماعة

الحجاج بن أرطأة، فجعله عن خالد عن عمرو ذي مر ووهم في ذلك،

والصواب قول من قال: عبد خير عن علي، انتهى، وفي توهم الجماعة شعبة

وعقبهم الجنابة برأس تعسّف لأمرين، الأوّل: لروايته ذلك كرواية الجماعة

سفيان وشريك وأبو عوانة وأبو الأشهب، وغيرهم. نص على ذلك أبو الحسن

البغدادي.

الثاني: متابعة أبي عوانة له على ذلك مطلقًا من عْير تقييد أبو داود في

رواية ابن العبد، والترمذي في جامعه، وأبو حاتم كما أسلفناه، والدارقطني وعن

الإِمام أحمد أنله رجع عن ذلك لما قيل له: إن شعبة وهم، وقَال ما يدرين؟ أنا

سمعته وهو يخالفني في اسمه فقلت: لعله أعلم فاتبعته ويتم أبو عبد الله عند

هذا، وقال خالد بن علقمة: كوفي ثقة، وحكى الدارقطني: روى عن أبي

(1) صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب " 73 ".

ص: 262

سفيان عن جابر يروي عنه، وأصل مولى أبي عيينة. ذكره ابن حبان في كتاب

الثقات وفي مسند الدارمي: فبايع له، وهو حسن بن عقبة المرادي المذكور في

كتاب البستي حدّثنا علي بن محمد، نا أبو الحسن العكلي عن خالد بن

عبد الله عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال:

" أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا وضوءًا، فأتيته بماء فمضمض واستنشق من كف

واحد " (1) وأما ما ذكره خالد بن عبد الله- وهو ثقة- هذا حديث أصله في

الصحيحين، وقال فيه أبو عيسى: حسن غريب، وقد روى مالك وابن عيينة

وغير واحد هذا الحديث عن هجر، ولم يذكروا هنا الكف والغرف من كف

واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وهو معه/حافظ عند أهل الحديث.

انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين، الأول: قوله: عن مالك وغيره، لم

يذكروا من كف واحد، إن أراد اللفظ فكذلك هو، وإن أراد المعنى فليس

كذلك؛ لأن لفظ حديث مالك وغيره: " فمضمض واستنشق ثلاث مرات من

غرفة واحدة "، وفي لفظ: " ثلاث مرات من ثلاث غرفات " وفي رواية:

" من ثلاث حصيات " وفي رواية: " فمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات

من ماء " فهذا كما ترى مالك وغيره ذكروا معنى ما ذكره خالد، والله أعلم.

الثاني: تحسيه الحديث مع شهادته للمتفرد به بالحفظ، والحافظ إذا تفرد

بحديث عنده كان صحيحًا، لا سيما إذا عضده متابع وشاهد كهذا مع قطع

النظر عمن صححه قبل، وذكر أبو عبيد في كتاب الطهور: وجدنا الآثار عن

النبي صلى الله عليه وسلم مثبتة، فبعضها معناه إنهما كانا بغرفة واحدة، وفي بعضها جدد

لكل واحد منها غرفة، ففي هذا شاهد أنّ الأمرين جميعًا واسعان وأنهما من

سنته، وقد علمت العلماء بالرخصة منهما المبالغة.

(1) صحيح. رواه النسائي في: الطهارة، باب " 74 ". ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة،

باب " 22 "، (ح/28) .

قال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كفْ واحد يجزئ، وقال بعضهم: تفريقهما أحب

إلينا. وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحل! فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا.

ص: 263

في الاستنشاق والاستتار

حدّثنا أحمد بن عبده، نا أحمد بن زيد عن منصور، ح ونا أبو بكر بن

أبي شيبة نا أبو الأحوص عن منصور عن هلال بن يسار عن سلمة بن قيس،

قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر "(1)

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وذكره ابن حزم صحيحا به،

وألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، ولما ذكره أبو ذر الهروي في مستخرجه زاد:

" إلَّا وإنما هن أربع؛ ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا

بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا " وفي لفظ: " أربع ما أنا بأشح بهن مني يوم

سمعتهن " وفي لفظ كان ذلك في حجة الوداع، وأمّا النسائي والطبراني

وغيرهما فجعلوهما حديثين، ولفظ ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط وابن

قانع والطبراني: " إذا استنشقت " وقد وقع لنا هذا الحديث يعلو ثلاث

درجات على طريق ابن ماجة./نا المسند المعمر يحيى لن أبي محمد الدمشقي

بقراءتي عليه من مفتي المسلمين علي بن هبة الله، أخبرتنا شهرة، نا الحسن بن

علي، نا عبد الله بن يحيى فروى علي بن إسماعيل بن أحمد، نا أبو عيينة بن

منصور، فذكره، وقال الدارقطني في الأفراد: ورواه من حديث موسى بن

مطهر، هذا غريب من حديث موسى عن منصور، حدّثنا أبو بكر بن أبي

شيبة، نا يحيى بن سليمان الطائفي عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن

لقيط بن صبرة عن أبهِ قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال:

" أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق، إلَّا أن تكون صائما "(2) هذا حديث

رواه أبو داود (3) مطولا بلفظ: " كنت وأفد بني المصطلق أو في وفد بني

(1) صحيح. رواه الترمذي (27) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/67) وابن ماجة

(406)

وأحمد (4/313، 339، 340) والطبراني (7/41) والمنحة (145، 170) الخطيب (1/

286) . قوله: " فانثر " يقال: نثر وانتثر إذا حرك طرف أنفه لإِخراج ما فيه من الأذى، بعد الاستنشاق.

(2)

صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب " 7 ") وابن ماجة (407) واستذكار (1/

172) . وصححه الشيخ الألباني.

(3)

حسن. رواه أبو داود (142) والحاكم في " المستدرك "(4/110، 160) وابن حبان في

" صحيحه "(159) .

ص: 264

المصطلق فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم لم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة قال:

فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا قال: وأتينا بقناع، ولم يُقم قتيبة القناع الطبق

فيه تمر ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أوامر لكم بشيء؟

قال: قلنا: نعم يا رسول الله قال: فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا

إذ رفع الراعي غنمه إلى المراع ومعه سخلة يطعمها فقال: ما ولدت يا فلان؟

قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة ثم قال لا تحسبن ولم يقل ولا

تحسين أنا من أجلك ذبحناها! لنا غنم مائة، لا يزيد إن تزيد فإذا وأد الراعي

بهمة ذبحنا مكانها شاة قلت: يا رسول الله إن لي امرأة، وإن في لسانها

شيئا- يعني البلدا- قال: فطلقها إذا قلت: يا رسول الله إنّ لها صحبة ولي

منها ولد قال: فمرها يقول عظها فإن يك فيها خير فستفعل ولا تضرب

ظعينتك كضربك أُميّتك قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال:

أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما "

نا عقبة عن مكرم، نا يحيى بن سعيد، نا ابن جريج، حدّثني إسماعيل، فذكر

معناه، قال: فلم ننشب أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم يتكفأ ينقلع وقال عصيدة مكان

جريدة. نا محمد بن يحيى بن فارس، نا أبو عاصم، نا ابن جريج بهذا

الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " والترمذي مختصرا، وقال فيه:

حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه من حديث شريح عن الطائفي/

مطولا، والحافظ أبو بكر بن خزيمة عن الحسن بن محمد الزعفراني، وزياد بن

يحيى الحساني، وإسحاق بن حاتم المدائني وجماعة قالوا: نا يحيى بن سليم

بمثل حديث ابن ماجة وابن الجارود في كتاب المنتقى، وصححه أيضا البغوي

في شرح السنة، وأبو محمد الإشبيلي، وصحح إسناده الطبري وأبو الحسن

ابن القطان وأبو بشر الدولابي في جمعه حديث الثوري، ورجحه أبو القاسم

في الأوسط، وذلك لما رواه من حديث قرة بن خالد عن إسماعيل قال: لم

يروه عن قرّة إلا الحسن بن سعيد. تفرّد به علي بن حسان، فإن كان علي

قَوله: " الخزيرة " لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وقيل: إذا كان

من نخالة فهو خزيرة. و' السخلة " بفتح السين وسكون الخاء المعجمة- ولد الشاة من الضأن والمز حين يولد

ذكرا كان أو أنثى، وقل: يختص بأولاد المعز، وبهذا جزم صاحب النهاية.

ص: 265

القطان حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن علي رواه عن يحيى بن سعيد

عن ابن جريح عن إسماعيل، ورواه أيضَا من حديث محمد بن طارق عن أبيه

عن لقيط بلفظ: " إذا كنت صائمَا فاستيسر " وقال: لم يرو هذا الحديث

عن محمد بن طارق إلَّا بشر بن رافع. تفرد به حسن بن عيسى وقال الحاكم:

هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، وهو جملة ما قلنا إنّهما اعرضا عن

الصحابي (1) الذي لا يروى عنه غير الواحد، وقد اجتمعا جميعًا ببعض هذا

الحديث بعينه. قاله شاهد من حديث ابن عباس- يعني الأتيِ بعد- وفيما قاله

نظر من وجهين: الأول: قوله أنّهما أعرضا عن الصحابي الذي لا يروى عنه

غير الواحد، وليس كما زعم بعدم اشتراطهما ذلك، ولما في كتابيهما من

أحاديث جماعة بهذه المثابة، منهم: المسيب بن حرث، وأبو قيس بن أبي

حازم، ومرداس الأسلمي، وربيعة بن كعب الأسلمي، وغيرهم.

الثاني: لو سلمنا له قوله كان لفظ هذا خارجًا عن ذلك؛ لرواية جماعة

منهم ابن أخيه وكيع بن حرش وابنه عاصم وعمرو بن أوس. فيما ذكره ابن

سعد وأبو عمر قال: ومنهم من يجعل لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله

ابن المنتفق بن عامر بن عقيل المكني أبا رزين غير لقيط بن صبرة، وليس بشيء

بل هما واحد، نسب إلى جدّه، وكذلك قاله البخاري وأبو حاتم الرازي وأبو

أحمد العسكري والفسوي في تاريخه وابن حبان وعبد الغني بن سعيد،

وغيرهم، وأما ما ذكره الخلال في كتاب العلل عن الإِمام أحمد بن حنبل:

عاصم لم يسمع غير مكي رواية- أي ليس/بمشهور في الرواية عنه-

فمردود، بما أسلفنا ذكره عند من صحح حديثه، وما ذكره العسكري والطبري

في الأوسط: ولفظ فاستروا يداه من جهة بشر بن رافع عن محمد بن طارق

عن أبيه عن لقيط قال: لم يروه عن ابن طارق إلَّا بشر بن رافْع. تفرد به

صفوان بن عيسى من جهة القطان عن قرّة بن خالد عن إسماعيل قال: لم

يروه عن قرّة إلَّا يحيى بن سعيد. تفرد به علي بن حسّان القطان، فإن بان

على حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن غير ابن حبان رواه عن محمد بن

(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

ص: 266

سعيد عن ابن جريج عن إسماعيل، ولما ذكره الخطيب في تاريخه من رواية

وكيع عن مسعر قال: تفرد به وكيع عنه، وحبذا بوكيع، وكذا قول عبدان

الذي حكاه العسكري: أتيت سفيان الثوري فلمّا قدمت على شعبة قال لي:

ما سمعت من سفيان؟ فقلت: حدّثني سفيان عن إسماعيل بن كثير عن

عاصم

الحديث فقال: آوه منعتني لو جئت به عن غير سفْيان لقلت فيه؛

لأنه عديم المحاباه، فلو تجد له قول فيه لقال وحمل على أنه قاله مداعبة،

ولفظها السفيان، والله أعلم، وكذا ذكره أبو العباس أحمد بن محمد بن

سعيد، الذي نابه المسند المعمر يوسف الحنفي عن عبد الوهاب المصري، نا

أحمد بن محمد الإسكندري المبارك ابن عبد الجبار، نا أبو يعلي أحمد بن عبد

الواحد، نا أبو الحسنَ أحمد بن الفرج عنه أنه حديث تفرد به أهل الطائف عن

غيرهم من البلاد؛ لأنّ هذا التفرد لا يوجب ضعفًا كما توهمه بعض الناس

فيه. وقد رواه الحاكم في تاريخ بلده من غير طريق إسماعيل قال: نا أبو

بكر البوشنجي، نا إبراهيم الحزامي، نا أبو إسحاق نا عبد الرحمن بن المغيرة بن

عبد الله الحزامي حدّثني عبد الرحمن بن عباس الأنصاري عن دلهم بن

الأسود عن عبد الله بن حاجب بن عاصم بن المنتفق العضلي عن جدّه عبد

الله عن عمه لقيط قال دلهم- وحديثه أيضا إلى الأسود عن عاصم بن لقيط

به مطولا- قال عبد الله: سمعت أبا بكر يقول: سمعت أبا عبد الله يقول:

هذا حديث إبراهيم كتبه عنه ابن معين وابن حبان وحفّاظ الحديث ببغداد،

ولم يرو عبد الرحمن غير هذا الحديث، ولا كتبناه عن أحد إلا عن الحزامى

وهو من قرية لا من مخزوم بن عبد الله/هذا هو الحارثي، حدّثنا أبو بكر بن

أبي شيبة، نا إسحاق بن سليمان، ح وثنا علي بن محمد، نا وكيع عن أبي

ذئب عن قارط ابن شيبة عن أبي غطفان المزي عن ابن عباس قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: " استعيدوا مرتين بالعين أو ثلاثًا " هذا حديث ذكره أبو عبد الله

مستشهدا به كما وصفنا، والجارود في منتقاة، نا المسند المعمر أبو محمد

عيسى بن عبد الرحمن بن معالي المقدسي فيما أجزناه غير مرة، نا جعفر بن

أبي البركات، نا الحافظ أبو طاهر الأصفهاني، نا الشيخان المبرك بن عبد الجبار

وأبو طالب عبد القادر بن محمد، نا أبو إسحاق إيراهيم بن أحمد البرمكي، نا

ص: 267

أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن مطة، حدّثني أبو القاسم

علي بن يعقوب بن أبي العقب، نا أبو زرعة البصري قال: سألت أبا عبد الله

أحمد بن محمد ابن حبان عن أي الحديثين أوكد: حديث ابن عباس أم

حديث أبي هريرة قال: هما جميعا الاستنثار أشد تأكيدا أو ذكر حديث

ابن أبي ذئب عن قامط رأسه (1) بن عم كانه حديث يعمل عليه- وفي

كتاب الخلال- قيل لأحمد- قال عليه السلام: " ثنتين بالغتين " قال: ذاك

في إسناده شيء. انتهى. ولا معارضة بين القولين، والله أعلم، ولما ذكره

الأسلمي قال: قارط هو ابن شيبة، وهو لا بأس به، والصحيح ما تقدّم من

الأمر بالوتر والاستنثار، قال أبو الحسن بن القطان: لم يعتل على هذا الحديث

بأكثر من هذا وحكمه على قارط بأنه لا بأس به، وعلى الحديث بالضعيف؛

لتضعيفه أبا غطفان لإِبراره إياه، وأبو غطفان- وهو من طريق ابن مالك

المري- يروي عن أبي هريرة وابن عباس، روى عنه داود بن حصين وقارط

وكانت له بالمدينة دار عند دار عمر بن عبد العزيز، أخرج له مسلم، وقال

الأودي عن ابن معين فيه: ثقة، وقارط بن شيبة هو أخو عمر بن شيبة من بني

ليث بن كنانة، خلفاء قريش، قال النسائي: لا بأس به، فإنه في خلافة

سليمان بن عبد الملك بالمدينة. قاله أبو حاتم، ولقيه من في الإِسناد لا يسئل

عنهم وإنّهم أئمة، ووظيفة المحدّث النظر في الأسانيد من حيث الرواة

والاتصال/والانقطاع، فأما معارضة هذا المتن ذاك الآخر وأشباه ذلك فليس من

نظره. انتهى كلامه، ويشبه أن يكون لكلام أبي محمد وجفا، وذلك أن

الدارقطني ذكر عن أبي داود: أبو غطفان رجل مجهول، فيحتمل أن يكون

ذلك هو الذي اعتل به على الحديث، وكلام أبي الحسن يفهم منه أنّ أبا

غطفان الرازي عن ابن عباس وأبي هريرة واحد، وذاك هو المحكي له نقل كلام

من وثقة، وليس هو بأبيِ عذرة ذلك، وقد قاله قبله ابن أبي حاتم وأبو عمرو

عنهما، وأما الحافظ أبو بكر البزار فإنه فرق بينهما، وزعم أن المري روى عن

أبي هريرة وأبا غطفان عن ابن عباس، ويرجح ذلك قول ابن معين أبو غطفان

(1) كذا ورد " بالأصل ".

ص: 268

الذي روى عنه داود بن حصين، فيحتمل أن عبد الحق لما رأى ذلك وما

أسلفناه، ورأى حديثه مخالفا لحديث غيره من الثقات، توهمه المجهول لا

الموثق، والله أعلم، ولما أخرجه أبو نعيم من حديث الربيع بن بدر عن ابن

جريج عن عطاء عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تمضمضوا واستنشقوا،

والأذنان من الرأس " (1) قال: هذا غريب من حديث ابن جريج في

المضمضة والاستنشاق، لا أعلم رواه عنه إلا الربيع. حدّثنا أبو بكر بن أبي

شيبة، نا زيد بن الحباب وداود بن عبد الله، نا مالك بن أنس عن ابن شهاب

عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ

فليستنثر، ومن استجمر فليَوتر " (2) هذا حديث اتفقا على تخريجه وفي الباب

من الفقه أن الاستنشاق في الوضوء غير واجب، ولو كان فرضًا لكان على

الصائم كما هو على المفطر، وهذه مسألة اختلف فيها؛ فكان عطاء والزهري

وابن أبي ليلى وحماد وإسحاق يقولون: يعيد إذا تركها في الوضوء، وقال

الحسن وعطاء آخر قولته والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري

ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والشّافعي: لا يعيد، وقال أحمد: يعيد في

(1) حديث [الأذنان من الرأس] حديث صحيح.

رواه د (ح/134) - ت (ح/37) وقال: هذا حديث حسن ص (443، 444، 445) -

حم في " المسند "(5: 258- 264- 268 هق في " الكبرى " (1: 67266) - عب في

" المصنف (23- طب في " الكبير " (10: 391) - مشكاة 416- نصب: 1: 18، 19

تلخيص 1: 101 طبري 6: 101- طبري 6: 72- خط 4: 161، 6: 384، 7: 406-

صنف 1: 231 سن 1: 17- مجمع 1: 234- إتحاف 2: 364- غليل 1: 124- كنز

26809-

حبيب 1: 28224- عقيلي 1: 32، 113- قط 1: 97- ميزان 1133،

83161936-

لسان 2: 1039، 5: 1180، 1403- علل 133- خفا 1:96. قلت:

وقد روى ابن ماجة هذا الحديث من ثلاث طرق:

الأول: من طريق عباد بن تميم، وإسناده حسن.

الثاني: من طريق شهر بن حوشب، وإسناده جيد.

الثالث: من طريق سعيد بن المسيب، وإسناده ضعيف؛ لضعف عمرو بن الحصين ومحمد بن

عبد الله.

(2)

صحيح بشواهده. رواه أحمد في " المسند "(2/236، 401، 518) وابن أبي شيبة في

" المصنف (1/27) بلفظ: " من توضأ فليستنثر وهن استجمر فليوتر ".

ص: 269

الاستنشاق خاصة، ولا يعيد من ترك المضمضة، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور،

وقال أبو حنيفة/والثوري: يعيد إن تركها في الجنابة، ولا يعيد في الوضوء.

وحديث وائل بن حجر من عند البزار مرفوعًا: " فمضمض واستنشق

ثلاثًا " وسيأتي له زيادة (1) في باب الغسل، قال ابن المنذر: يقول أحمد:

أقول وفي المحلي لأبي محمد، وذكر قول أحمد، وهذا هو الحق؛ لأن

المضمضة ليست فرضًا، وإن تركها فوضوءه تام وصلاته تامة عمدًا تركها أو

نسيانًا؛ لأنه لم يصح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر، وإنما هي فعل فعله عليه السلام،

وأفعاله ليست فرضًا، وإنما فيها ألا ينشأ به عليه السلام. انتهى كلامه، وفيه

نظر؛ لأن الأمر بالمضمضة صحيح، لا كما زعمه لما أسلفناه في حديث لقيط

المذكور عند أبي داود (2) عن ابن فارس، نا أبو عاصم عن ابن جريج بهذا

الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " فهذا أثر ظاهر صحيح الإِسناد

على ما سنشرح آنفًا، نا المسند المعمر أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد-

رحمه الله في المعجم الأوسط من حديث يزيد بن عبد الملك النوفلي عن

أبي موسى الخياط عن ابن المنذر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأ

أحدكم فليمضمض ثلاثا " (3) الحديث.

قال: لم يروه عن ابن المنكدر إلا أبو موسى. تفرد به النوفلي، وذكر أيضا

من حديث إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: " إذا

توضأ أحدكم فليمضمض " (4) ثم قال: لم يروه عن عطاء إلا إسماعيل. تفرد

به علي بن هاشم ابن البريد قرأه عليه وأنا أسمع عن جدّي الحافظ أبو حامد

أن القاضي أبو القاسم الأنصاري، ثنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن

(1) يأتي كما ذكر المصنف.

(2)

حسن. د (ح/44) هق في " الكبرى "(1: 52) ونصب (1: 16) .

(3)

ضعيف جدا. رواه قط في " سننه "(1: 101) مجمع (1: 233) وفيه أبو موسى الحناط،

وهو متروك.

(4)

رواه قط (1: 101) مجمع (1: 233) كما في المصدر السابق.

ص: 270

أبي الفتح، ثنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد، ثنا أبو الحسين محمد بن

أحمد الغساني، ثنا محمد بن جعفر عن الحافظ، ثنا الحُسين بن محمد بن

أحمد بن المعمر، ثنا هدية بن كنانة، ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي

هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمر بالمضمضة والاستنشاق "(1) .

ولما ذكره البيهقي من طريق هديه صحّح إسناده ثم قال: وقال مرّة أخرى

مرسلا لم يقل عن أبي هريرة، وداود بن مخبر عن حماد في رحله، قال

البيهقي / وغيرهما يرويه مرسلًا.

وخالفه إبراهيم بن سليمان الخلال شيخ يعقوب بن سفيان فقال: عن

حماد عن ابن عباس، كلاهما عن محفوظ- والله أعلم- وقد وردت

أحاديث شاهدة لهما، وفي إسنادها مقال فمنها ما ذكره أبو القاسم في سنن

البيهقي من حديث عصام بن يوسف عن ابن جريج عن سليمان بن موسى

عن الزهري عن عروة عن عائشة ترفعه: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء

الذي لابد منه " (2) .

ورواه إسماعيل بن أسد عن عصام بنحوه، إلَّا أنه قال: " من الوضوء الذي

لا تتم الصلاة إلَّا به " قال الدارقطني: تفرد به عصام ووهم فيه، والصواب:

ابن جريج عن سليمان مرسلا، ورواه محمد بن الأغر، وهو ضعيف عن

الشيباني عن ابن جريج بإسناد عصام، ومتن الجماعة:" فليمضمض " وهو خطأ،

والصواب مرسل زاد في السن من تأليفه، وأحسب عصامًا حدث به من

حفظه فاختلط عليه، واشتبه بإسناد حديث رسمه ابن جريج عن سليمان عن

(1) صحيح رواه. م (الطهارة (20، 21 ود (ح/1: 140) والنسائي (1/66) وحم (2:

242) وهق (1: 49) وسنة (1: 412) و (نصب 1: 2) و (تجريد 272) وفتح (1: 262)

وكثير (3: 44) " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر

الحديث ".

(2)

رواه ابن عدي في " الكامل "(3: 1116) وقط في " سننه "(1: 284، 600) ونصب

(3)

رواه حميدي 228- ك (2: 168) - مجمع (4: 285) وعزاه إلى الطبراني في

" الأوسط " وفيه يعقوب غير مسمى، فإذا كان هو التوم فقد وثقة ابن حبان، وضعفه

ص: 271

الزهري: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها " 31) وفي الأفراد: هذا غريب من

حديث الزهري عن عروة عنه، وانفرد به سليمان بن موسى الدمشقي عنه،

ولم يروه عنه غير ابن جريج، وهو غريب من حديث ابن المبارك عن ابن

جريج تفرد به عنه عصام، وذكر من حديث الربيع بن بدر- وهو متروك-

عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وضعفها كلها- والله أعلم- فسند

ما تقدم من الأحاديث الصحيحة، وغيرها صحة ما استدللنا عليه، والله الموفق.

ابن معين، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. قلت: وعلى قول الهيثمي

فالحديث ضعيف.

ص: 272

‌18- باب ما جاء في الوضوء مرةً مرةً

حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا شريك عن ثابت بن أبي صفيَّة

الثمالي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام قلت له: حدثت عن جابر

ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم " توضأ مرة مرة؟ قال: نعم. ومرتين مرتين؟ قال:

نعم، وثلاثَا ثلاثا؟ قال: نعم " (1) هذا حديث قال فيه البزار: لا نعلمه يُروى

عن جابر إلا هذا الإِسناد، ولا رواه عن محمد بن علي إلا أبو حمزة الثمالي،

وفيما قاله نظر؟ لما ثنا به الإمام المسند المعمر عن أبي الفتح المقدسي، فزاد عليه

وأنا أسمع عن العلامة الخطيب أي: الحسن اللخمي/ثنا شهرة قراءةَ عليها وأنا

أسمع، ثنا أبو منصور محمد بن الحسين قراءة عليه، ثنا الحافظ أحمد بن

غالب، ثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني، ثنا محمد بن علي بن

حفص- عُرف بحيدرة-، ثنا عبد الله بن هاشم الطبري، ثنا الحرث بن

عمران الجعفري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فذكره، ورواه أيضا

ابن البيّع في تاريخ نيسابور من حديث الحرث بن عمران، ورواه الترمذي من

حديث شريك ثم قال: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت، قلت لأبي

جعفر: حدَّثك جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة " وهذا أصح من

حديث شريك؛ لأنه رُوى عن غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع،

وشريك كثير الغلط، وذكر في كناب العلل أنه سأل محمدا عن الحديثين فقال:

الصحيح ما رواه وكيع عن أبي حمزة، وحديث شريك ليس بصحيح، ولما

سئل هنا الإمام أحمد عن الوضوء مرة مرة قال: الأحاديث ضعيفة، ثم ذكر

حديث جابَر هذا في الأحاديث الضعاف، وسيأتي الكلام مع أحمد في

موضعه عند ذكر حديث ابن عباس المخرج في صحيح البخاري- إن شاء الله

(1) أورده الهيثمي في " مجمع "(1: 232) وعزاه إلى " البزار " والطبراني في " الأوسط "،

وزاد ثم قام فصلى، وفيه مندل بن علي ضعفه أحمد وابن المديني وابن معين في رواية، ووثقه

في أخرى.

قلت: وعلى قول الهيثمي فالحديث حسن.

ص: 273

تعالى- وثابت هذا هو ابن دينار، ويقال: ابن حمزة أبو حمزة، وروي عن

جماعة من التابعين، قال العقيلي: عن مسرور بن هارون كان يؤمن بالرجعة،

وثابت هذا هو ابن دينار، وروى عن جماعة من التابعين قال فيه أبو حاتم:

نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو زرعة: ليّن،

وقال ابن حنبل: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال الجوزجاني: واهي

الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وضعفه بيَّن على

رواياته، وهو إلى الضعف أقرب، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا، وقال ابن

الجنُيد: متروك، وقال الآجري عن أبي داود. جاءه ابن المبارك فرفع له صحيفة

فيها حديث سُوْء في عثمان، فردّ الصحيفة على الجارية وقال: قولي له: قبحك

الله وقبح صحيفتك، وذكره الفسوي في جملة من يرغب عن الرواية عنهم،

وقال التاجي: هو ضعيف من أهل الصدق، يقدّم عليًّا على عثمان، فلا/

يحدث عنه يحيى ولا ابن مهدي، وذكره الغساني في كتاب الضعفاء من

تأليفه، وزعم شيخنا العلامة المزي أن ابن ماجة وأبا داود لم يخرجا حديثه،

وحديث البزار كان في الردّ عليه حدّثنا أبو كريب، ثنا رشدين بن سعد، ثنا

الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عمر قال: " رأيت رسول الله

صلى الله عليه وسلم في غزوة توضأ مرة مرة " هذا حديث سبق فيه كلام الترمذي وأبي حاتم

في باب المضمضة والاستنشاق، وقال البزار: هذا حديث- يعني حديث ابن

عباس المتقدّم- وافقهم جماعة وخالفهم الضحاك، فرواه عن عمر وأغفل في

إسناده قصد الصواب، قال: وقد تابعه ابن لهيعة وخالفها من سمينا من

الثقات، وما أتى هذا إلَّا من الضحاك بن شرحبيل. انتهى، وفي عَصْبه الجنابة

برأس الضحاك نظر؛ لأنه ممن قال فيه أبو زرعة: صدوق لا بأس به، وذكره

الحافظ البستي في كتاب الثقات وقال: كان أصله من عكا ثم انتقل إلى

مصر، وروى عن ابن عمر، وفيما قاله نظر؛ لأن البخاري وابن يونس وابن أبي

حاتم لم يذكروا له رواية عن الصحابة، إنّما هي عن التابعين وأتباعهم، وفي

علل أبي الحسن: وخالف الضحاك عبد الله بن سنان، فرواه عن زيد بن أسلم

عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكلاهما وهم، ولما ذكره ابن أبي حاتم في

كتاب العلل بيّن الغزوة المبهمة بأنها الحديبيَّة، وفي الباب حديث أبي رافع

ص: 274

مرفوعا قال البخاري: فيه اضطراب، ورواه البزار من جهة الدراوردي عن

عمر بن أبي عمرو عن أبي رافع عن أبيه، وقال: لا نعلم يروي هذا الحديث

عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد، ولما ذكره أبو عبيد بن سلام من جهة عمرو

قال: عبد العزيز لست أَسميه عن عُبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، قال أبو

عبيدة: ففي غير حديث تسمية هذا الرجل أنله عبيد الله بن عبد الله بن أبي

رافع عن أبيه عن جدّه، ففي هذا كما ترى زيادة رجل لم تكن في إسناد

حديث البزار، وفيه بيان اسم الابن المبهم عنده، ويشبه أن يكون هذا هو

الاضطراب/المشار إليه عند البخاري، ولئِن كان إيَّاه فلا ضرر فيه؛ لأن المبهم

وغير المبهم من رجاله حديثهم في الصحيح، والله أعلم، ورواه أبو عبيد أيضًا

من جهة عمرو عن يعقوب بن خالد عن أبي رافع، وقال أبو الحسن المقبري

في كتاب العلل: ورواه الدراوردي أيضًا عن محمد بن عمارة ويعقوب بن

المسيب، وأشبه بالصواب حديث عمرو بن عبد الله بن عبيد الله عرام عن

حرمة فسر- بما ذكرنا- فساد قول من زعم أنه لا يروى عن أبي رافع إلا

بهذا الإسناد، وقال الساجي عنه: فيه ضعف، وذكره ابن حبان في كتاب

الثقات، َ ولما سُئل عنه أبو داود قَال: قال أبو نعيم: ما بقى أحد كان مختلف

إلى سفيان غيره، وحديث بريدة ذكره البزار فقال: أبو كُريب، ثنا علي بن

آدم، ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي بريدة عن أبيه وهو سلمان بن

يزيدة، قال: هذا الحديث لا نعلم رواه عن الثوري عن علقمة عن أبي بريدة

عن أبيه- وهو سلمان بن بريدة- إلا أن قادم أنهى ابن قادم- وإن كان أبو

حاتم قال فيه: محلّه الصرف- فقد قَال ابن سعد-: كان متهمًا منكر الحديث

شديد التشَّيع، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن عدي: نقمت عليه

أحاديث رواها عن الثوري غير محفوظة، وقال ابن القطان: مستضعف وذكره

العتكي في الضعفاء حديث عبيد المذكور، ولما ذكر بعض الحفاظ حديث يزيد

هذا، قال: إسناده جيّد، وحكى عن ابن قَادم ما قاله أبو حاتم فقط أخذًا

لذلك من كتاب العمال لابن سرور، وفيما قاله نظر لما أسلفناه، وحديث عبد

الله بن عمر قال فيه البزار لما رواه من طريق مندل بن أبي نجيح، وهذا الحديث

لا نعلمه. رواه عن ابن عمر إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح،

ص: 275

وفي الأوسط: لم يروه عن ابن أبي نجيح إلَّا مندل. تفرد به بكير بن يحيى بن

زيات، وحديث ابن المسيّبِ عن زيد بن ثابت: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة

مرة " رواه الدارقطني في الأفراد وقال: تفرد به علي بن الحسن (1) الشامي

عن مالك عن ربيعة الرأي عنه، وحديث عمرو بن أبي الحسن الأنصاري:

" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم/توضأ فمضمض واستنشق مرة واحدة " ذكره المديني من

جهة حديث محمد بن هلال المزي، عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن عمه،

وحديث ابن العالة- واسمه سبرة- ثنا ح حديثه المسند المعمر يحيى بن أبي

محمد الناصري عن مفتي المسلمين أبي الحسن المعمري عن أبي الطاهر

العمري، ثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي، ثنا القاضي أبو الفضل

محمد بن أحمد السعدي قرأة عليه، ثنا عبيد الله بن محمد العكبري قرأة عليه

قال: قرأت على أبي القاسم عبد الله: ثنا عبد الله بن محمد البغوي وأنا

أسمع، ثنا علي بن الجعد، ثنا عدي بن الفضل عن أبي جعفر عن عمارة بن

خزيمة بن ثابت عن ابن العالة قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة "(2)

وحديث معاذ وحديث ابن عباس مخرج في الصحيح، وسيأتي ذكره في باب

الانفتاح، ذكره الخلال في علله عن علي بن سعيد أنّه قال: فقلت له: يعني

الإِمام أحمد بن حنبل- فحديث معاذ في الوضوء مرة مرة، فلم يعرفه، وقال:

من رواه؟ قلت: ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد- يعني الإفريقي- عن

عتبة بن حميد الضبّي قال: فجعل يتعجّب وقال: أخاف أن يكَون هذا مثل

(1) الحسن بن عتبة الشامي، مجهول، كذا بيض له ابن أبي حاتم. (المغني في الضعفاء:

1/162/1427) .

(2)

أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/232) وعزاه إلى " البزار " والطبراني في

" الأوسط " وزاد " ثم قام فصلى " وفيه مندل بن علي ضعفَه أحمد وابن المديني وابن معين

في رواية ووثقه في أخرى. قلت: وعلى قول الهيثمي فالحديث ضعيف.

وفي صحيح البخاري: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن

عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: " توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة ".

4-

كتاب الوضوء، 22- باب الوضوء مرة مرة، (ح/157) .

قلت: ولكن للحديث شاهد صحيح من رواية البخاري، وعلى هذا فالحديث يرتقى من رواية

الضعف إلى رواية الصحيح. وهذا الحديث يختلف في معناه عن الحديث السابق له مباشرة.

ص: 276

حديث قصة محمد بن سعيد؛ الذي يروى فيه المنديل عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحن

لا نروي عن الإفريقي، وحديث عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن

عمر، قال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب موقوف، وحديث القيس. ذكره

ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وحديث عائشة. ذكره ابن عدي، وضعفه

بيحي بن ميمون، وحديث عبد الرحمن بن أبي قراد ذكره البخاري في التاريخ

الكبير، وحديث أبي هريرة ذكره ابن عساكر في التاريخ الكبير.

ص: 277

‌19- باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم الدمشقي عن ابن

ثوبان عن عَبدة بن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة قال: " رأيت عثمان وعليًّا

يتوضآن ثلاثا، ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله/صلى الله عليه وسلم " (1) .

هذا حديث إسناده صحيح، ومعناه في الصحيح من حديث عثمان أيضا،

ولما ذكر أبو عيسى في علله حديث فليح عن سعيد بن الحرث بن خارجة بن

زيد بن ثابت عن زيد أن عثمان توضأ ثلاثا، وقال: هكذا رأيت النبي يتوضأ،

قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، قال: هو حديث حسن، قال أبو

عيسى: وهو غريب من هذا الوجه، وذكر أبو جعفر بن مُنيع في مسنده من

طريق ابن لهيعة، ثنا أبو النصر عثمان عمن رأى عثمان دعا بوضوء، وعنده

الزبير وسعد بن أبي وقاص، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون

أن النبي كان يتوضأ كما توضأت؟ قالوا: نعم، وفي كتاب أبي عبيد:

وعنده علي وطلحة والزبير وسعد

الحديث، ولما ذكر حديث ابن ماجة هذا

بعض الحفاظ المبرزين قال: رواه ابن ماجة (2) عن محمود بن خالد عن الوليد

(1) صحيح. رواه ابن عدي (4/1592) بلفظ " رأيت عليا وعثمان

الحديث " وفي

صحيح البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن

شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أنْ حُمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان ابن عفان دعا بإناء

فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل

وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثُمً مسح برأَسه ثم غسل رجيه ثلاث مرار إلى

الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا

يُحدْث فيهما نفسه، غفر له ما تقدّم من ذنبه ".

4-

كتاب الوضوء، 24- باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، (ح/159) .

أطرافه في: [1601، 164، 1934، 6433،]

قلت: وكفى برواية البخاري شاهدا صحيحا لما رواه ابن عدي في " الكامل ".

(2)

صحيح. رواه ابن ماجة في 10- كتاب الطهارة، 46- باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، (ح/

413) . حدْثنا محمود بن خالد الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم الدمشقي، عن ابن ثوبان، عن

عبدة بن أبي لبابة، عن شقيق بن سلمة؛ قال: رأيت عثمان وعليا يتوضآن ثلاثا

ص: 278

عن ابن ثوبان عن عبدة عن شقيق، قال: بمعنى أبيِ حاتم، عن أبي نعيم ثنا

عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فذكر نحوه، ويشبه أن يكون ذلك وهمًا؛

لأن القائل ثنا أبو حاتم إلى آخره، إنما هو أبو الحسن بن سلمة القطان الرازي

عن ابن ماجة ليعني أن الحديث عنده عال من غير طريق ابن ماجة فعل ذلك

في غير حديث، ورأيته مفصولًا في نسخة، ويؤيد ما قلناه إعراض أصحاب

الأطراف عن ذكره، والله أعلم. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا

الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن ابن

عمر: " أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم " هذا حديث قال:

ذكره ابن حبان في صحيحه (1) عن الحسن بن سفيان، ثنا حبان بن عبد الله،

ثنا المطلب، فذكره، وصححه ابن حزم أيضًا، واحتج به، ومع ذلك فهو معلّل

بأمرين:

الأول: الانقطاع، قال ابن عساكر في كتاب الأطراف، تابعه بشر بن

بُكير، ورواهما وليد بن مزيد، فجعله عن ابن عباس، والمطلب قيل لم يسمع

من ابن عمر،/وقال ابن حاتم: عامة رواته يعني المطلب- مرسلة-، وروي

عن ابن عمر وابن عباس، ولا ندري أنه سمع منهما أم لا، وفي كتابه الجرح

والتعديل: مطلب عن ابن عباس وابن عمر مرسل لم يتردّد.

الثاني: ضعف المطلب، وإن كان أبو زرعة والفسوي والدارقطني وثقوه،

فقد قال فيه ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل

عن النبي كثيرًا، وليس له لقى، وعامة أصحابه يدلّسون، وذكر الخلال حديثه

هذا في علله، وفي المسند زيادة: وأنّ ابن عباس: " كان يتوضأ مرّة مرّة "،

= ثلاثا ويقولان: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الحسن بن سلمة: حدثناه أبو حاتم،. ثنا أبو نعيم، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان.

فذكر نحوه. وصححه الشيخ الألباني.

(1)

صحيح. رواه ابن حبان: (2/205، ح/1076) . أخبرنا الحسن بن سفيان قال:

حدثنا حبان ابن موسى قال: أخبرنا زائدة بن قدامة قال: حدثنا ابن علقمة الهمداني قال: حدثنا

عبد نمير قال: " دخل علي- رضوان الله عليه- الرحبة بعدما صلى الفجر، فجلس في الرحبة

ثم قال للغلام: ائتني بطهور، فأتاه الغلام لإناء فيه ماء وطست

" الحديث.

ص: 279

ويسند ذلك إلى النبي- عليه السلام " (1) . حدثنا أبو كريب، ثنا خالد بن

حبان عن سالم أبي المهاجر عن ميمون بن مهران عن عائشة وأبي هريرة أن

النبي صلى الله عليه وسلم: " توضأ ثلاثا ثلاثا "(2) هذا حديث معلّل بأمرين: الأول:

انقطاع ما بين ميمون وشيخيه، أما عائشة فذكر الكناني: قلت له- يعني أبا

حاتم الرازي- ميمون، هل سمع من عائشة شيئًا؟ قال: لا، وأما أبو هريرة

فذكر ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: ثنا رحمونة سمعت أبا طالب قال:

قلت لأحمد بن حنبل: ميمون سمع عن بن حزام؟ قال: لا، من أين لقيه؟ لم

يرو إلا عن ابن عباس وابن عمر، فهذا حكم من أحمد على عدم سماعه من

صحابي غير هذين ولم تركته مخالفا نرجع إلى قوله، الثاني: الاختلاف في

حال خالد بن حبان أبي يزيد الرقي الكندي مولاهم الخراز، فأمّا ابن عمَار

وابن معين وابن سعد فذكروا أنه ثقة، وأمّا الإِمام أحمد فقال: لم يكن به

بأس، كان يروي عن جعفر غرائب وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث،

وقال يعقوب: أنكرت عليه أحاديث تفرد بها، وسئل عنه علي بن ميمون

فقال: كان منكرًا- يعني في الضبط والحفظ- وشكّ التقوى والتحرز. انتهى

كلامه، وفيه نظر، إذ لقائل أن يقول: لو لم يكن فيه إلَّا قول من وثقة لكان

ما ذكرته حسنًا، ولكن لما روى مضعفًا راويًا للغرائب جوز حمله على نكارة

الحديث/لا غيرها اصطلاحًا ولغة، وقد وقع لنا حديث أبي هريرة من طريق

صحيحة، ومسند البزار رواها عن كرشي عن الحجاج بن منهال عن هاشم عن

همام عن عامر الأحول عن عطاء بن أبي رباح عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: " توضأ

ثلاثًا ثلاثًا " (3)، وقال: هذا الحديث لم نعلمه روى عن أبي هريرة بأصح من

هذا الإِسناد، وحديث عائشة من طريق متصلة، وصحح الطْبري إسناده في

تهذيب الآثار. ذكرها أبو عبد الرحمن البزار في كتاب الكنى فقال: حدّثنا

الحسين بن حريث، ثنا الفضل بن موسى عن جُنيد بن عبد الرحمن، أخبرني

(1) تقدم في أحاديث الباب.

(2)

تقدم في أحاديث الباب.

(3)

تقدم في أحاديث الباب.

ص: 280

عبد الملك بن مروان بن الحرث ابن أبي ذئاب، أخبرني سالم سيلان قال:

" أرتني عائشة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ قال: يتمضمض ثلاثَا "

الحديث. حدّثنا سفيان بن وكيع، ثنا عيسى بن موسى عق فائد أبي الورقاء

وعبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" يتوضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه مرة "(1) هذا حديث إسناده ضعيف؛

لضعف سفيان بن وكيع المتقدّم الذكر، ونكارة حديث فائد، وإن كان ليس

من نظير ما ذكره لمتابعة أبي يعقوب عبد الرحمن عبيد بن نسطاس الثقة الثبت

له، فكأنه ليس بموجود في هذا الحديث فلم يبق إلَّا تعليله بسفيان، وإن كان

ليس علّة له فقد وقع لنا من طريق سالمة منه، ثناها الشيخ الإِمام المسند المعمر

أبو بكر بن عمر الحميدي، ثنا عبد الهادي عن فاطمة قالت: ثنا فاطمة، ثنا

ابن زيدة، ثنا أبو القاسم، ثنا الحسن بن إسحاق، ثنا عليِ بن يحيى، أخبرني

عيسى بن يونس عن فائد: سمعت ابن أبي حاتم أوفى يقول: " رأيت النبي

صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه مرّة " (2) وبه إلى أبي القاسم، ثنا عليّ بن

عبد العزيز، ثنا محمد بن يحيى المروزي، ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا

مروان بن معاوية عن أبي الورقاء عق عبد الله بن أبي أوفى أنه: " توضأ ثلاثا

ثلاثا فخلّل لحيته "، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفْعل هذا "(3) فصح إسناده/

على هذا، والله تعالى أعلم. ولما ذكر أبو القاسم بن عساكر هذا الحديث، لم

يذكره من رواية عبد الرحمن عن أبي أوفى، ولما ذكر لمن اسمه برواية عنه

استظهرت على ذلك بعده بنسخ أما ذكره من حديث فائد فقط، وعزاه لابن

ماجة وبايعه على ذلك جماعة من المتأخرين، منهم ابن سرور والحافظ المزّي

في كتابيه، وحديث ابن ماجة يرد قولهم، وممن نبه (4) على أنّ عبد الرحمن

هذا هو أبو يعقوب الصغير أبو عبد الرحمن بن حبّان، وأبو نعيم الأصفهاني

(1) تقدم في أحاديث الباب.

(2)

تقدم في أحاديث الباب.

(3)

تقدم في أحاديث الباب.

(4)

كذا وردت " بالأصل ".

ص: 281

وأبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة من تأليفهما، وقبلهم الحميدي في

مسنده. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ليث

عن شهر بن حوشب عن أبي مالك الأشعري قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا

يتوضأ ثلاثًا ثلاثَا " (1) هذا حديث إسناده جيّد، ولولا الاختلاف في حال

رواته لقيل فيه صحيحا، لما عضده من الشواهد والمتابعات، ولأنه لم يتكلم

فيها بقادح بُرّد به حديثهما وللعرفان بحال الواسطة ونفيه، أما ليث؛ فهو ابن

أبي سليم أنس. كذا ذكره ابن الجوزي، ويشبه أن يكون وهم؛ لأن العقيلي

فرق بين ابن أبي سليم زياد، وبين ليث بن أنس بن الليثي الراوي عن ابن

إسرائيل- يكنى أبا بكر، ويقال بكير- كوفي، وإن كان ابن سرور ذكر أنّ

الشيخين رووا له، فيشبه أن يكون وهما؛ وذلك أن الكلاباذي والحاكم

اللالكائي والخيال والباجي لم يذكره أحد منهم في كتابه، اللهم إلَّا لو قال

أنّ محمدَا استشهد به، ويروي له في رفع اليدين، وقرنه مسلم بابن إسحاق

الشيباني لكان صوابًا، وكذلك قاله ابن معين، زاد أبو الحسن: سئل وكيع عن

حديث من حديثه فقال: ليث لين وقال: كان سفيان لا يسمى لينَا، وقال

البخاري: كان صدوقًا، وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، وروى عنه شعبة

والثوري وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضعفاء الذي/فيه فكتب حديثه، فقد

قال أبو النصر معْمر: كان ابن عيينة لا يحمد حفظه، وفي رواية: ضعيف،

وقال ابن مهدي: ليث وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم

عندي، وقال جرير: كان ليث أكثرهم تخليطًا، وقال عيسى بن يونس:

كان قد اختلط كان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن، وقال أحمد بن حنبل:

هو مضطرب الحديث، ولكن: حدث الناس عنه، وفي علل الترمذي عنه: لا

نفرح بحديثه وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لا نشتغل به، مضطرب الحديث، زاد

أبو حاتم: هو أحب إلي من يزيد بن أبي زياد، وقال الفلاس: كان يحيى لا

(1) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/417) وأحمد في " المسد " (1/125، 2/

8) وابن أبي شيبة في " المصنف "(1/15) والكنز (26893، 26952) .

وفي الزوائد: هذا الإسناد ضعيف، وليث: هو ابن أبي صيف. وقال السديَ: وشهر قد

تكلَموا فيه. قلت: وصححه الشيخ الألباني. انظر: صحيح ابن ماجة.

ص: 282

يحدّث عنه، وكان ابن مهدي يحدّث عنه، وقال الدارقطني: صاحب سنة،

وكذلك قاله ابن معين، زاد أبو الحسن: نخرج حديثه، إنّما أنكروا عليه الجمع

بين عطاء وطاوس ومجاهد فحسب، وقال يحيى لأحمد: حديثه ذكره عنه

الحاكم، وقال ابن سعد: كان رجلَا صالحا عابدَا ضعيفَا في الحديث، يقال

كان يساًل عطاء، وقال الساجي: صدوق فيه ضعف، كان سيء الحفظ كثير

الغلط، وكان أبو داود لا يدخل حديثه في كتاب السنن الذي صنفه، وفيما

قاله نظر من حيث إنّ أبا داود إذا أطلق كان في العرف محمولَا على

السجستاني، فإن كان عناه فهو ثقة، خرج حديثه في كتابه، وإن كان غيره

فيلزمه بيانه، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ضعيف، وقال ابن طاهر مثله، زاد

خيرَا فقال: كان يسأل عطاء وطاوسَا ومجاهدَا عن الشيء يختلفون فيه،

فيروى أنّهم اتفقوا من غير تعمّد لذلك، وفي تاريخ ابن أبي خيثمة: قال ابن

معين: ليس بذاك، وفي كتاب الآجري قال يحيى: ليس به بأس، وفي كتاب

العقيلي عنه: هو أضعف من يزيد بن برقوقة، وفي رواية ضعيف: إلَّا أنله كان

يُكتب حديثه، ليث/أضعف العالمين، وقال السعدي: نضعّف حديثه، ليس

بثبت، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد، ويرفع

المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه القطان وابن مهدي

وأحمد وابن معين. انتهى كلامه، وفي إطلاقه ذلك نظر؛ لانا أسلفنا عن

الفلاس بحديث القطان عنه، وثنا أحمد عليه، وكذلك ابن معين، والصواب

في ذلك قول الساجي: كان يحيى القطان بآخره لا يحدّث عنه، ففي هذا

جمع بين قول يحيى والفلاس، وأما ابن معين فلا وجه لما حكاه عنه، وقال ابن

المديني: مجاهد أحبّ إلي منه، وقال العجلي: كوفي جائز الحديث، وفي

كتاب الآجري قال أبو داود أحمد بن يونس. سمعت أبا داود يقول: سمعت

يحيى يقول: عامة شيوخه لا يعرفون، الثاني: شهر بن حوشب أبو سعيد،

ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو الجعد الأشعري

الحمصي، ويقال: الدمشقي، وإن كان مسلم قد خرج حديثه، وحسّن

الترمذي والبخاري حديثه، وروى له في كتاب الأدب، وقال أحمد: ما

أحسن حديثه، ووثّقه، وفي رواية: هو حسن الحديث، وقوى أمره، قال: وإنما

ص: 283

يتكلم فيه ابن عون، يعني بقوله: تركوه، وفي رواية: لا بأس به، وفي رواية:

ثبت وقال العجلي: ثقة، وكذلك قاله ابن معين، وقال أبو أحمد الحاكم:

ليس بالقوي عندهم، وقال موسى بن هارون: ضعيف، وبمثله قاله ابن سَعْد،

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن المديني يقول: وقد قيل له ترضى حديث

شهر فقال: أنا ما أحدّث عنه قال: فأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمع

عليه يحيى وعبد الرحمن- يعني على تركه- قال يعقوب: وهو ثقة على أنّ

بعضهم قد طعن فيه، وقال الفسوي في تاريخه: وإن كان ابن عون تركوه فهو

ثقة لم وفي هذا رّد لما ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور: وثقة ابن معين وأبو

زرعة الرازي، وشذّ عنه سائر المشايخ، والله أعلم، وقال أبو حاتم: هو أحبّ (1)

إلي من أبي هارون وبشر بن حرب، وليس يرون أبي الزبير، ولا نحتج به،

وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال محمد بن عبد الله ابن عمّار: روى عنه

النّاس، وما أعلم أحدًا قال فيه غير شعبة قال: يكون حديثه حجة؟ قال: لا،

وقال صالح بن محمد: لم نقف منه على كذب، وكان رجلًا ينسك، إلَّا أنه

روى أحاديث تفرّد بها لم يشركه فيها أحد، فقد تركه شعبة، ولم يحدّث عنه

ابن مهدي، وقال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي، زاد ابن عدي. ولا نحتج

بحديثه، وقال ابن حبان: كان يروى عن الثقات المعضلات، قابل عبّاد بن

منصور في الحج فسرق عبيته فهو القائل:

لقد باع شهر دِينَهُ بخريطةٍ

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

كذا شهر، ذكره ويشبه أن يكون وهمًا؛ لأنّ المعروف أنّ الخريطة إنمّا

كانت من بيت المال حين ذكره ليزيد بن المهُلب وقال الهذلي: كان على

خزائن يزيد، فلما سأله عنها أتاه بها، فدعا يزيد الذي وقع فيه فشهد، وقال

لشهر: هي لك فقال: لا حاجة لي فيها، فقال القطامي الكلبي: عن شهر بن

حَوْشَبٍ قال: يقال في الحسن بن سعد حربلة؟ قلت: نعم، فقال: يا

هؤلاء إنّه قد وثقة، ويقال: سنان بن مُكْمل النميري البيت، وبعده أخذت له

شيئًا طفيفًا، وبعته من ابن خزنبيداد هذا هو الغَدْرُ، وصحَّف بعض حفّاظ

(1) قوله: " هو أخت " وردت بالأصل " مواجب " وهو تحريف، وللصحيح ما أثبتناه.

ص: 284

عصرنا هذا البيت فقال: من ابن جرير أنّ هذا هو الغَدْرُ، ويقال: الشرفي

المسمّى الوليد بن العطامي وهو الحسين بن جمال النسابة وقال مرة النخعي

لشهر: يا ابن المهلب ما أردت إلى امرءا لولاك كان كصالح القراء؛ فتبيّن مما

ذكرناه فساد قول من عَزَا ذلك لعبّاد- يعني الشعر والخريطة-/اللهم إلا لو.

ذكر خيانته له لكان صوابا من فعله؛ لأن شعبة شهد عليه أنّه رافق رجلا من

أهل الشام فخانه. فيما ذكر؟ الساجي، ثم ذكر قصته في بيت المال بعد،

فجعلهما مرّتين، وهو الأشبه، والله أعلم، وفي كتاب الترمذي عن النضر شهر

تركوه، ويشبه أن يكون وهما وذلك أنّ الساجي والعقيلي والسعدي وغيرهم

إنما ذكروا روايته عن ابن عون، لا عن نفسه، وقال العيني: ضعيف، وفي

تاريخ ابن أبي خيثمة عن ابن معين عن مسلم عن رجل ذهب على يحيى

اسمه قال: كنت مع شهر في طريق مكة فكنّا إذا نزلنا منزلا قال: هاتوا

عبوديا سووا طنبوريا، فإنا إنّما جمل خبزنا- يعني الحديث- وفي كتاب العقل

نحوه وعن قتادة قال: جاء شهر يستأذن على الأمير، قال: فخرج الإِذن

فقال: إن الأمير يقول: لا تأذن له فإنه سيأتي قال: فقلت إنّ خادم البيت

يخبرك بما في أنفسهم قال: ثمّ قال قتادة: لا غفر الله لمن لا يستغفر لهما-

يعني عليا وعثمان- رضى الله عنهما- وقال الساجي: فيه ضعف وليس

الحافظ، وقال السعدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث النّاس، وذكره مسلم في

مقدمته بالضعف، وكذلك الرازي فسير مجموع ما ذكر أنّ لا قادح فيها،

وذلك إن يشأ غالب ما رمى به الجمع والاختلاط، أمّا الأول فهذا الحديث

عارضه، وأمّا الثاني فقد رمى جماعة من المجمع على عدالتهم، وهذا إنما كان

اختلاط في أمر غيره، وسفيان ممن أخذ عنه قديما، وأما ذمية الاختلاط وسُوْء

الحفظ فقد أسلفنا له متابعان وشواهد من ذاك معها، وأمّا شهر؛ فمعظم ما

رمى به إّنما أتى على لسان شاعر مرمى بالكذب متعرّض، لا يدري أمحقِّ أم

مبطل ولئن كان محقا قول علي أنّ له حقًا في بيت المال أخذ بعضه، وهذا

لاقدح فيه وأمّا خيانته لعباد إن بعثت فيحتمل أن يكون من جاء أو ظفرا أو

ص: 285

لأنه يرى اختلاف الآراء يوجب إباحة الأموال، وذلك أن عبادًا رماه ابن حبان

بالدعاء/إلى القدر، فإن كان هذه المثابة كان عند بعضهم كافرًا، وأما تسويته

الطنبور فهو قول مردود بما ذكره عثمان بن بريدة عنه قال: " دُعى شَهْر إلى

وليمة وأنا معه، فدخلنا فأصبنا من الطعام، فلما سمع شهر المزمار وضع أصبعيه

في أذنيه وخرج حتى لا يسمعه " وعلى تقدير صحته، فهو مذهب لأهل

المدينة مشهور لا عيب فيه على من تعاطاه ممن يراه، وأمّا رميه بأنه سيأتي فإنما

جاء على لسان من لا يعرف اسمه ولا حاله ولا غبنه، ومثل هذا لا يقبل

خبره فكيف تفرده بما لم يأت به غيره من الأئمة؟ ولئن كان ما قاله صحيحًا

فلا عيب فيه على من لا يدعو إليه، وأما ترك شعبة له فإنّما هو بسبب خيانته

لعباد كما تقدّم مبينًا، وأما قول ابن عون فيه: تركوه فقد قيل فيه بالنون

والزاي بمعنى طعنوه وهو الصحيح؛ لانا أسلفنا كلام الأئمة، وليس فيهم أحد

تركه ولا صَرحَّ بذلك فبقى محمولًا على الطعن الذي بيّناه الذي لم يسلم

غالبًا منه أحد، وأمّا قول السعدي فحمل على بغضه للشيعة وتعصّبه عليهم

لفرط نَصبه، والله أعلم، وبنحو ما قلناه ذكره ابن القطان في كتاب الوهم

والإِيهام فقال: لم أسمع لمضعفه حجة، وما ذكروه من تزينه بزي الجند

وسماعه القنا بالآلات وفرقه بأخذ خريطة، فكذب عليه إما لا يصح وإما

خارج مخرج لا يضره، وشر ما قيل فيه إنه يروي منكرات عن ثقات، وهذا

إذا كثرت منه سقطت الرواية به، والله أعلم، وأما قول ابن دحية في كتابه

العلم المشهور وأعظم جرحه أنه كان شرطيًا للحجاج، وليس كذلك ولئن كان

إنّما كان عاملًا لابن المهلب ولئن عمل للحجاج حمل على جبره له كما جبر

غيره، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق ليس فيها ليث، مشعرة بانقطاع

ما بين شهر وأبي ملك بدخول واسطة بينهما، ولكنه غير ضار لثقته وعدالته

رواها ابن أبي شيبة في مسنده عن محمد بن بشر عن سعيد عن قتادة عن

شهر عن عبد الرحمن/بن عمر أنَّ أبا مالك جمع قومه، فذكره مطولًا. حدثنا

أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن سفيان عن عبد

ص: 286

الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

توضأ ثلاثا ثلاثًا " (1) هذا حديث مختلف في صحته وضعفه للاختلاف في

حال ابن عقيل المذكور قبل، وقال الترمذي فيه: حسن، وفي حديث الزبير

وسعد وطلحة والمطلب بن أبي أوفى وأبي مالك الأشعري المذكورين قبل رد لا

أغفله الترمذي، حين تعداده الصحابة الذين رووا هذا المعنى، وكذا حديث

المقدام بن معد يكرب (2) وابن عباس المذكورين عند أبي داود، والله أعلم،

وحديث دليل بن حجر المذكور عند البزار- رحمه الله وعبد الله بن جعفر

المذكور عند الطبراني في-الأوسط، وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا قتادة. تفرّد

به الزبير، وحديث ذكره إبراهيم بن محمد بن عبيد في مسنده عن سهل بن

إسماعيل النصبي، ثنا سهل بن رعلة الرازي، ثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، ثنا

تمام بن نحيح عن الحسن عنه: " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يده ثلاثا؛

وتمضمض ثلاثًا " (3) الحديث. وحديث المغيرة بن شعبة عند الطبري في

التهذيب. رواه عن أحمد بن محمد الطوسي، ثنا يعقوب بن محمد، ثنا أبيِ

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 16- باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، (ح/

418)

ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 34- باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا، (ح/44) .

من حديث علي.

قال الترمذي: وفي الباب عن عثمان، وعائشة، والربيع، وابن عمر، وأبي أمامة، وعبد الله بن

عمرو، ومعاوية، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الله بن زيد، وأبي بن كعب، وقال: حديث علي

أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنه قد رُوى هن غير وجه عن علي- رضوان الله عليه- والعمل

على هذا عند عامة أهل العلم: أن الوضوء يُجزئ هرة هرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس

بعده شيء.

وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم.

وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى.

(2)

قوله: " يكرب " وردت " بالأصل ": " كرب " والصحيح ما أثبتناه.

(3)

صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/230) من حديث البراء بن عازب

نحوه، وعزاه إلى " أحمد " ورجاله موثقون.

ص: 287

عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب، حدثني عباد بن زياد عن عروة بن

المغيرة عن أبيه، وحديث علي من طريق ابن إسحاق عن الحرث عنه، وحديث

أبي أمامة من طريق سنان بن شعبة عن شهر عنه، وروى البغوي في حديث

أبي أمامة أيضًا عن يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن شهر

سمع عنه، وحديث معاوية بن أبي سفيان قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا

ثلاًثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي " (1) ثنا به المسند أبو

محمد البصري- رحمه الله أنا أحمد بن عبد الله القدوة، ثنا يوسف بن

عبد الدمشقي، ثنا أبو طاهر الخشوعي، ثنا أبو القاسم عامر بن محمد بن

عبد الله الرازي الحافظ قال: حدّثني أبو الحسن لم علي بن الحسن بن غيلان،

ثنا أبو علي أحمد بن الحسن بن عبد الله المقري، ثنا عليّ بن محمد بن أبان

المصري، حدّثني أبي عن علي بن حملة عن أبيه عبد الملك بن مروان، حدّثني

أبو خالد حدثنى أمير المؤمنين معاوية به، وحديث أنس بن مالك قال: " رأيت

النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وخلّل لحيته مرتين أو ثلاثا ثم قال: هكذا أمرني

ربي " (2) ثنا به المسند العلامة أبو الفرح المقري- رحمه الله تعالى- ثنا أبو

الفضل الموصلي، ثنا عمر بن طراد، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، ثنا

عمر بن إبراهيم الخفاف، ثنا أبو الحسن محمد بن المظفر الحافظ البزار، ثنا أبو

عبد الله أحمد بن الحسين عن يزيد الرقاشي عنه، ولما ذكره في الأوسط من

حديث الزبير بن محمد، ثنا قتادة بن الفضيل الرهاوي، ثنا إبراهيم بن أبي

عبلة عن أنس بن مالك، قال: لم يروه عن إبراهيم إلا قتادة. تفرد به الزببر،

وبنحوه قاله أبو الحسن في الأفراد، وحديث زيد بن ثابت، ثنا به المشايخ

المسندون له، وعبد الله محمد بن إبراهيم وأبو يوسف يعقوب بن عوض بن

عبد الله بن إبراهيم بن إسماعيل الشطبوقي قراءة عليه، ونحن نستمع، ثنا به

(1) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/231) من حديث بريدة بنحوها وعزاه إلى الطبراني

في " الأوسط " وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. قلت: وعلى قول الهيثمي فالحديث ضعيف.

(2)

رواه ابن عدي (2: 561) بلفظ: " رأيت النبي توضأ وخلل لحيته

".

ص: 288

ثابت قراءة عليه، ثنا أبو الحسن المبارك بن الحسين المقري قراءة عليه، ثنا الحافظ

أبو محمد الحسني بن محمد الخلال إملاءً، ثنا أبو يوسف القواس ثنا محمد بن

إبراهيم بن فيروز الأنماطي، ثنا محمد بن عمر بن نافع، ثنا علي بن الحسين،

ثنا مالك عن ربيعة عن ابن المسيب عن زيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: " دعا

بماء فتوضأ مرة مرة فقال: هذا الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين

مرتين وقال: هذا يضاعف الله الأجر مرتين، وثلاثاً ثلاثا وقال: هذا وضوئي

ووضوء الأنبياء من قبلي " (1) إن الشيخ الزاهد ضياء الدين الزرزاري المقري-

رحمه الله قرأه عليه وأنا أسمع، ثنا الشيخ نجيب الدين قرأه عليه عن اللبان

والجمال، ثنا أبو علي، ثنا إيراهيم، ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا

أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا أحمد بن حنبل سنة ثمان وعشرين/في المحرم،

ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا شعبة الحريري عن أبي عائد يوسف السعدي،

وأثنى عليه خيرًا عن يزيد بن البراء بن عازب: " قال وكان أميرًا لعمان وكان

خير الأمراء قال: قال لي اجتمعوا فلأريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ

وكيف كان يصلي، فإني لا أدري ما قدر صحبة إياكم، فجمع بنيه وأهله،

فدعا بوضوء فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل هذه اليد-

يعني اليمنى- ثلاثاً، وغسل هذه- يعني اليسرى- ثلاثا، ثم مسح برأسه

وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل هذه الرجل- يعني اليمنى- ثلاثا وغسل

هذه الرجل ثلاثاً- يعني اليسرى- ثم قال: هكذا أردت أن أريكم كيف كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ " (2) ثم دخل بيته فذكر صفة الصلاة، وحديث معاذ بن

جبل قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ واحدة واحدة، واثنتين اثنتين، وثلاثًا

ثلاثاً، وغسل رجله غسلًا " (3) ذكره ابن شاهين عن عبد الله بن أحمد بن

(1) رواه ابن عدي (3: 146، 1147) بلفظ: " دعا النبي بماء فتوضأ واحدة واحدة

".

(2)

صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/230) وعزاه إلى احمد، ورجاله موثقون.

(3)

أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/233) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه

محمد بن سعيد المصلوب وهو ضعيف. والكنز (ح/17857) . قلت: وهو ضعيف.

ص: 289

إبراهيم المارستاني، ثنا روح بن عبد الرحمن البوشنجي، ثنا الهيثم بن ربيع أبو،

المثنى العقيلي، ثنا الأصبع بن زيد عن سليمان بن الحكم عن موسى بن سعيد

عن عبادة بن نستي عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وحديث أبي أمامة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضأ ثلاثَا ثلاًثا، ومسح الساقين "(1) ، ورواه قاسم في

كتاب الدلائل عن موسى بن هارون: نا يحيى الجمل، ثنا حماد بن زيد عن

سنان بن ربيعة عن شهر عنه، وحديث أبي رافع. ذكره في الأوسط بلفظ:

" ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثًا "(2) وقال: لا يروى عن أبي رافع

إلا بهذا الإِسناد، تفرد به الدراوردي- يعني عن عمرو- وثنا عمرو عن عبد

الله بن عبد الله بن أبي رافع عنه.

***

(1)

حسن أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/230) وعزاه إلى الطبراني في' الكبير "

من طريق سمع عنه، وإسناده حسن، وسمع ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: لا أدري من

هو، ولا من أين هو، والظاهر أًله اعتمد في توثيقه على غيره.

(2)

صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/231) وعزاه إلى " البزار " والطبراني

في " الأوسط " وله في " الكبير ": " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومرتين مرتين،

ومرة مرة " ورجالهما رجال الصحيح. قلت: وللحديث شواهد صحيحة سبق أن ذكرناها،

رواها البخاري في " صحيحه "، وابن عدي في " كامله ".

ص: 290

ما جاء في الوضُوءِ هرةً ومرتين وثلاثًا

ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدّثني مرحوم بن عبد العزيز العطار، حدّثني عبد

الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن معاوية بن قرة عن ابن عمر قال: " توضأ / رسول

الله صلى الله عليه وسلم واحدة واحدة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به، ثم

توضأ اثنتين ثنتين، فقال: هذا وضوء العدد من الوضوء، وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال:

هذا أسبغ الوضوء، وهو وضُوءئي ووضوء خليل الله إبراهيم، ومن توضأ هكذا ثم

قال عند فراغه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدَا عبده ورسوله، فتح له

أبواب الجنة يدخل من أيها شاء " (1) هذا حديث جمع ضعفَا وانقطاعَا؛ أما

الأولى: فأبو زيد عبد الرحيم بن زيد، قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال

مرة أخرى: كذاب، وقال البخاري: يكره، وقال أبو داود والسمعاني:

ضعيف، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الجوزجاني: هو غير ثقة، وفي

موضع آخر: متروك، وقال ابن عدي: يروى عن أبيه غير حديث منكر، وله

أحاديث لا يتابعه الثقات عليها، وقال أبو حاتم الرازي: ترك حديثه، وفي

العلل: متروك الحديث، وكذا قاله الدارقطني، وقال أبو زرعة: وله وأبوه

زيد بن الحواري أبو الحواري، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، نكتب حديثه

ولا نحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، واهي الحديث، ضعيف، وقال

النسائي: ضعيف، وقال ابن معين: نكتب حديثه على ضعفه، وفي رواية:

ليس بشيء، وقال الجُوزجاني: متماسك، وقال الدارقطني وأحمد: صالح، وقال

(1) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 17- باب ما جاء في الوضوء

مرة ومرتين وثلاثا، (ح/419) . وفي الزوائد: في الإسناد، زيد العمي وهو ضعيف. وعبد

الرحيم متروك؛ بل كذاب، ومعاوية بن قرة لم يلق ابنَ عمر. قاله أبو حاتم في العلل، وصرح

به الحاكم في المستدرك.

ورواه ابن عدي في " الكامل ": (3/146، 1147) قوله: " أسبغ الوضوء " أي: أكمل

جنس الوضوء.

انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/92) ، والضعيفة (ح/4735) ، والإرواء (ح/85) ، والتعليق

والرغيب (1/98) .

ص: 291

ابن عدي: وعامة ما يرويه ويروى عنه ضعفاء، وهو علي بن شعبة، قد روى عنه،

ولعلّ شعبة لم يرو عن أضعف منه، ولما سأل ابن أبي شيبة عليًّا عنه قال: كان

ضعيفًا عندنا، ولما ذكر الحديث ابن طاهر في ذخيرة الحفاظ ضعفه هما، وذكره

البيهقي في الخلافيات وقال: حديث غير ثابت، وقال أبو حاتم البستي: يروى

عن أنس أشياء موضوعة، لا يجوز الاحتجاج بخبره، وقال الرشاطي: كان واهي

الحديث، وأما الانقطاع فذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل: أنه سأل أباه عن هذا

الحديث فقال: لا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسئل أبو زرعة عنه فقال: هو

عندي/حديث واه ومعاوية بن قرة لم يلحق ابن عمر، قلت لأبي: فاٍن الربيع

بن سليمان ثنا هذا الحديث من أسد بن موسى عن سلَّام بن سليمان عن زيد

عن معاوية بن قرّة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سلام الطويل، وهو

متروك الحديث، وزيد هذا هو القمي، وهو ضعيف الحديث، وفي علل

الدارقطني: رواه سلام، ثنا محمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن عن زيد

عن معاوية عن ابن عمر، ورواه أبو إسرائيل الملائي عن العمي عن نافع عن ابن

عمر، ووهم فيه، والصواب قول من قال: عن معاوية بن قرّة، وقال فيه ابن

حزم العطار: عن عبد الرحيم بن زيد عن أبيه عن معاوية بين قرّة مرسلًا، كذا

ذكره، وحديث ابن ماجة يرد قوله- والله أعلم- وقد وقع لنا هذا الحديث

من طريق سالمة من هذين الضعيفين. ذكرها عبد الغني بن سعيد في كتاب

إيضاح الإشكال فقال: ثنا أبو يعقوب يوسف الصنعاني بن محمد بن إبراهيم

الديلي حدّثهم، ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر الكلبي عن مسعد بن

إبراهيم عن معاوية فذكره، ولما ذكر الحاكم حديث أبي هريرة مرفوعًا: " توضأ

مرتين مرتين " (1) قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشاهده الحديث

المرسل المشهور عن معاوية بن قرة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: " توضأ مرة

مرة

" (2) الحديث بطوله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق حسنة: ثنا

(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 51- باب الوضوء مرتين، (ح/

136) . قلت: وحسنه على قاعدة أبي داود التي صنف عليها كتابه " السنن ".

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 17- باب ما جاء في الوضوء مرة

ومرتين وثلاثا (ح/420) .-

ص: 292

جماعة من شيوخنا إجازة عن يوسف بن خليل، ثنا خليل بن أبي البرازتي (1)

بقراءتي عليه، أخبركم أبو علي الحداد، ثنا الإِمام أبو نعيم بجميع كتاب

حديث عبد الله بن دمن من الثقة، ثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن

بن سفيان، ثنا المسيب بن واضح، وثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبدان، وثنا

أبو أحمد الحافظ، ثنا أبو عروبة الحزاني، وثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو عروبة

قالوا: ثنا المسيب بن واضح، ثنا جعفر بن ميسرة عن عبد الله بن دينار عن

ابن عمر. المسيب روى عنه/جماعة منهم الروايات، وابن أبي داود وأبو عروبة

والباغندي وتقي ابن مخلد سُئل عنه ابن أبي حاتم فقال: هارون كان يخطئ

كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل، وقال أبو عروبة: كان لا يحدث إلا بشيء نعرفه

نقف عليه، وقال أبو نصر هبة الله بن عبد الجبار بن فاخر بن معاذ الهجري:

كان شيخًا جليلًا ثقة مرتفع الاتباع، وكان يخطئ، وقيل لعبدان: أيهما أحب

إليك المسيب، أو إسماعيل بن عياش؟ فقال: كلاهما سواء، وكان عبد

الرحمن النسائي حسن الرأي فيه، ويقول الناس: تفرّد وينافيه أي يتكلمون

فيه، وقال ابن عدي: وهو ممن نكتب حديثه، وهو لا بأس به، ولما روى

الدارقطني حديثه هذا عن دعلج عن الحسن قال: تفرد به عن جعفر المسيب،

وهو ضعيف ولما ذكره البيهقي قال: وهذا الحديث من هذا الوجه ينفرّد به

المسيب وليس بالقوي، وقال في المعرفة: المسيب غير محتج به، وروى من

أوجه كلها ضعيفة، وقال الساجي: تكلّموا أنّ في أحاديثه مناكير؛ فلزم من

مجموع ما تقدم ألا عيب فيه إلا الخطأ، وذلك مرفوع هنا لما سلف من

متابعيه. حدّثنا جعفر بن مسافر، ثنا إسماعيل بن مَعْيبَ أبو بشر، ثنا عبد الله بن

عَرَادة الشهيالي عن زيد بن الحَواري، عن معاوية بن قرة عن عبيد بن عمر عن

أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعا بماء فتوضأ مرةً مرةً فقال: هذا وظيفة

في الزوائد: في إسناده يزيد، وهو العمي، ضعيف، ورواه الإِمام أحمد في مسنده عن

أبي إسرائيل عن يزيد العمي عن نافع عن ابن عمر.

قلت: وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/93) ، والإرواء (ح/85) .

(1)

قوله: " البزاراتي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه. كما وردت " بالأصل ".

ص: 293

الوضوء وقال: وضوء، من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين

ثم قال: هذا وضوء من توضأ أعطاه الله كفلِن من الأجر، ثم توضأ ثلاثَا ثلاثَا

فقال: هذا وضوئي ووضُوء المرسلين قبلي " (1) هذا حديث قال فيه أبو الحسن

الدارقطني في كتاب العلل الكبير: لم يتابع ابن غزوان عليه وأغض عن ذكره

في سننه ولا إعضالَا به ممن قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري:

منكر الحديث وقال النسائي: ضعيف، وقال الحربي/في كتاب العلل: ابن

عواده غير معروف، وقال ابن عدي: ما يرويه لا يتابع عليه، وقال ابن حبان:

كان يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به.

وفي الباب أحاديث غير هذين؛ منها: حديث عائشة. ذكره ابن أبي حاتم

في كتاب العلل من تأليفه، فقال: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عياش

النوسي عن يحيى بن ميمون عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة عن النبي-

عليه السلام في صفة الوضوء مرة مرة فقال: لا هذا الذي افترض الله

عليكم، ثم توضأ مرتين مرتين فقال: من ضعف ضعف الله له، ثم أعادها

الثالث فقال: هذا وضوؤنا معشر الأنبياء: قال أبو زرعة: هذا حديث واهي

منكر ضعيف، وفي موضع آخر:" فمن زاد على ذلك فقد أساء " وقال أبو

زرعة: ليس هذا أصل، وامتنع من قراءته علينا.

ومنها حديث عكراش بن دلب اليمني الذي شهد مع عائشة الجمل فقال

الأحنف: كأنكم به قد أتي به قتيلَا أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت، فقرب

ضربه على أنفه، فعاش بعدها مائة سنة وأثر الغربة به. ذكر ذلك في الإِسعاف

الكبير؛ فعلى هذا يكون قول من قال: إن أبا الطفيل آخر من مات من

الصحابة غير صواب؛ لتأخّر عكراش عن ذلك، قال الخطيب في ترجمة عبد

الوهاب بن أبي عصمة: ثنا النضر بن طاهر، ثنا عبد الله بن عكراش، حدثني

(1) انظر: تخريج الحديث السابق ص 293.

ص: 294

أبي قال: قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل

الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وسط من الوضوء " (1) .

ولما ذكر ابن حبان عكراشا في كتاب الصحابة قال: غير أتي: لست

بالمعتمد على إسناد خبره، والله أعلم، ومنها حديث أبي رافع المتقدم الذكر،

ومنها حديث بريدة بن الخصيب ذكره الطبراني في الأوسط مرة حديث ابن

لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن ابن بريدة عن أبيه: " دعا عليه السلام

بوضوء فتوضأ واحدة واحدة، وقال: هذا هو الوضوء الذي لا يقبل/الله

الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين

" (2) الحديث. ثم قال: لا يُروى عن

ابن بريدة إلا هذا الإِسناد. تفرد به محمد بن أبي السدي، وحديث زيد بن

ثابت وأبي هريرة مرفوعَا، المذكورين عند ابن عساكر في مجموع الرغايب

وقال: تفرد به علي بن الحسن الشّامي عن مالك، وحديث عبد الله بن زيد

المذكور عند البغوي الكبير: " توضأ النبي مرتين مرتين " وروى عن شريح: ثنا

فليح عن عبد الله ابن أبي بكر عن عبادة عنه، وحديث حسين بن زيد، قال

عليه السلام: " الوضوء واحدة واحدة وثنتان وثلاثة، لا يحل زيادة، ولا

تنقص من واحدة " (3) ذكره المديني من حديث عبد الرحمن بن حسلة عن

حسين بن زيد الكندي عن ابن حبيب عن أبيه حبيب

***

(1)

رواه ابن عدي في " الكاهل ": (3/1102) . وتقدم في أكثر من موضع.

(2)

صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/226) وعزاه إلى " أحمد " ورجاله

رجال الصحيح.

(3)

صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب " 34 "، (ح/44) .

وقد سبق التعليق عليه.

ص: 295

‌20- باب ما جاء في الفقه بلا توضؤ وكراهة التعدي فيه

حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو داود، ثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن

عبيد عن الحسن عن يحيى بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب، قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: " إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان، فاتقوا وسواس الماءِ "(1) هذا

حديث مختلف فيه؛ فممن صححه: الحافظ أبو بكر بن خزيمة وأبو عبد الله

محمد بن عبد الله بن محمد الواحدي المقدسي؛ فذكر أنه من الأحاديث

المختارة، وأبو عبد الله بن الربيع فذكر له شاهد ونبه على تفرد خارجة به،

وكذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، لا نعلم أحدًا

أسنده غير خارجة، وقد رُوى هذا الحديث من غير وجه عن الحسن في

مستدركه، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس

بالقوي عند أصحابنا، وقد ضعَّفه ابن المبارك، وبنحوه قاله ابن الجوزي وفي

العلل لابن أبي حاتم عن أبيه، كذا رواه خارجة وأخطأ فيه، ورواه النووي عن

يونس عن الحسن، ورواه غير الثوري عن يونس/عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

منكر وقال في موضع آخر: هو عندي منكر، وفي كتاب التاريخ لأبي حاتم

وقال له الكَناني: روى هذا الحديث غير خارجة؟ فقال خارجة من رواة هذا

(1)

ضعيف جدا. رواه أبن ماجة (421) . ورواه الترمذي بهذا الإسناد، وقال: حديث

غريب، ليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث؛ لانَا لا نعلم أحدا أسنَده عن خارجة، وليس

هو بالقوي عند أصحابنا. وضعفه ابن المبارك. وروى هذا الحديث من غير وجه عن الحسن.

ورواه البيهقي في " الكبرى "(1/197) وابن خزيمة (122) وتلخيص (1/101) والمشكاة

(419)

وإتحاف (7/288) والمغني عن حمل الأسفار (3/37) والميزان (2397) والمتناهية

(1/346) .

وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 285 ح 1970) .

قوله: " ولهان " مصدر " وله ". إذا تحيَر الشيطان لإلقاء الناس في التخير سُمى بهذا

الاسم. و" وسواس الماء " أي: وسواس يفض إلى كثرة إراَقة الماء حاله الوضوء والاستنجاء،

والمراد: التردد في طهارة الماء ونجاسته بلا ظهور علامات النجاسة.

ص: 296

الحديث، وهو متروك الحديث، ولا يرويه عن يونس غيره، وفيما قالوه نظر؛ لانا

رأينا غير خارجة رواه أحمضا وأسنده؛ وهو محمد بن دينار الثقة برفع الباًس عنه

عند ابن معين وأبي حاتم، الصدوق عند أبي زرعة، الحسن الحديث عند ابن

عدي، قال الهيثم بن كليب في مسنده: ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، ثنا

موسى بن إسماعيل المقري عن محمد بن دينار عن يونس

فذكره مرفوعًا،

ولنذكر من حال أبي الحجاج خارجة بن مصعب الضبعي الخراساني ما يبين

أمره ويوضحه، وذلك أنه ممن ذكر البخاري أنّ وكيعًا تركه قال: وكان يدلس

على غياث بن إبراهيم، ولا نعرف صحيح حديثه من سقيمه، وسئِل عنه ابن

معين فقال: ليس نشئ، وقال مرة: ليس بثقة وقال أبو حاتم: مضطرب

الحديث، ليس بقوي، نكتب حديثه ولا نحتج به مثل سلم بن خالد، لم يكن

مخلّد محل الكذب، وقال أحمد: لا نكتب حديثه، وفي كتاب المروزي:

سئل عنه فضعفه وقال: ما روى عنه ابن المبارك شيمًا في كتبه، فقال له ابن

أبي ذر: حدّثنا حديثًا واحدًا، قال: وقد قالوا لابن المبارك فيه فقال: كيف

أخذت عن رجل حدث بكذا لحديث منكر، وقال يحيى بن يحيى: هو

مستقيم عندنا ولا ننكر من حديثه إلا ما كان يُدلس عن غياث، وإنّا كنّا

نعرف تلك الأحاديث، وقال النسائي وابن خراش: متروك الحديث، وقال

الدارقطني: هو وأخوه علي ضعيفان، وقال ابن عدي: وهو ممن نكتب حديثه،

وعندي أنّه إذا خالف في الإسناد أو المتن فإنّه يغلط ولا يتعمّد الكذب، وإذا

روى حديثًا منكرًا فيكون دلَيلًا ممن روى عنه، فيكون ضعيفًا، وقال ابن أبي

شيبة: سألت عليًا عنه فقال: هو عندنا ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحل

الاحتجاج به،/وفي كتاب الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ضعيف،

وفي موضع آخر: سألت أبا داود عنه فقال: ليس بشيء، وذكره العُقيلي

والبلخي ويعقوب بن سفيان في الضعفاء، وقال الساجي: كان مذهبه الإرجاء،

تركه وكيع فتبيّن بمجموع ما ذكر أنّ الصواب قول من ضعف الَحديث

بخارجة وممن صححّه بوجوه وتفرده على ما زعم لا عذر له، وأنّ الحديث

الذي أورده الهيثم صحيح الإِسناد، والله أعلم. حدّثنا علي بن محمد، ثنا

خالي يَعْلِي عن سفيان عن شيخي موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب

ص: 297

عن أبيه عن جذه قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء

فأراه ثلاثَا ثلاثَا ثم قال: هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء- أو

تعدى أو ظلم- " (1) أخرجه أبو داود في باب: ما تفرد به أهل الطائف

بلفظ: " أن رجلَا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا

بماء في إناء فغسل كفّيه ثلاثَا، ثم غسل وجهه ثلاثَا، ثم غسل ذراعيه ثلاثَا ثم

مسح برأسه وأدخل أصبعيه السبابتين في أذنيه ماسح بإبهامه ظاهر أذنيه

وبالسبابتين باطن أُذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثَا، ثم قال: هكذا الوضوء " (2)

هذا حديث أخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة (3) في صحيحه عن يعقوب بن

إبراهيم الدوري، ثنا الأشجعي عن سفيان ثم قال: لم يوصل هذا الخبر غير

الأشجعي ويعلي، وأخرجه أيضَا ابن الجارود في المنتقى، وإسناده صحيح إلى

عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبي إبراهيم،

وحاله مختلف فيها على أربعة: هل هو ثقة أم لا؟ وهل حديثه متصل أم لا؟

فأما الأول: فذكر ابن معين أنه ثقة في نفسه بما يلي بكتاب أبيه عن جدّه،

وقال أبو الفتح الأزدي: سمعت عدة من أهل العلم بالحديث يذكرون أنّ

عمرَا فيما روى عن ابن المسيب وغيره فهو صدوق، وما رواه عن أبيه عن

جدّه يجب التوقّف فيه وقال النسائي: سمعت ابن راهويه يقول:/عمرو بن

شعيب عن أبيه عن جده عندنا عدل، إنما دخل حديثه الوهن لرواية الضعفاء

عنه، وقد روى عنه جماعة من الأئمة، قال أبو عبد الرحمن: وهو لا بأس به

وسئل أبو حاتم عمرو أحب إليك أو بهز عن أبيه عن جدّه، قال: عمرو عن

أبيه عن جده أحب، إلي، وسأله الكناني عن حديث عمرو عن أبيه عن جده

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهور، 18- باب ما جاء في القصد في

الوضوء وكراهية التعدي فيه، (ح/422) . وكذا صححه الشّيخ الألباني

(2)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 50- باب " الوضوء ثلاثا ثلاثا، (ح/

135) .

(3)

صحيح. رواه النسائي (1/ول) وابن خزيمة. والمجمع (1/231) وعزاه إلى الطبراني في

" الكبير " وله في الصحيح حديث غير هذا، وفيه سويد بن عبد العزيز، ضعفه أحمد ويحيى

وجماعة ووثقه دحيم. والبيهقي (1/79) وشرح السنة (1/445) والمعاني (1/36) . فلت:

وما ذكره الهيثمي شاهد صحيح لرواية النسائي؟ فعلى هذا فالحديث صحيح.

ص: 298

فقال: يكُتب ما روى عنه الثقات، ولا نحتج به، وفي رواية: وسئل عنه أيضَا

فقال: ما شأنه؟ وغضب وقال: ما أقول فيه؟ روى عنه الأئمة، وفي رواية

يحيى بن منصور: نكتب حديثه، وفي كتاب الطبقات لمحمد بن عبد الله

البرقي: قال لي ابن معين: كان عمرو ثبتَا وقال العجلي: هو ثقة، وقال

البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحميدي وإسحاق بن

إبراهيم وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو عن أبيه عن جده،

وقال أحمد بن تميم: قلت لمن يتكلم فيه: تقول ماذا؟ قال: يقولون عما كثر

أو نحو هذا، وقال الدارقطني: لم يترك حديثه أحد من الأئمة، إذا بين جدّه

فهو صحيح، وقال أبو زرعة: مكي كانه ثقة في نفسه، إنّما تكلم فيه بسبب

كتاب كان عند النسائي، قال أبو أيوب السختياني: كنت إذا أتيته غطيت

رأسي حياء من الناس، وقال الليث: عليك بطاوس ومجاهد ودعني من

حواليك عمرو بن شعيب وبلال ومالك، روى عن رجل عنه، وفي سؤالات

الميموني سمعت أحمد يقول: عمرو له أشياء مثال، وإّنما نكتب حديثه ليعتبر

أن يكون حجة فلا، وقال يحيى بن سعيد: حديثه عندنا واهٍ، وقال أحمد:

وأنا أكتب حديثه، وربّما احتججنا به، ورّبما وقع في القلب منه شيء، وله

مناكير، وفي رواية: ليس بحجة، وفي هذا معارضة لما ذكره البخاري، قيل:

وقال أبو حاتم: ليس بقوي، نكتب حديثه، وما روى عنه الثقات فيذاكر به،

وفي رواية ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ليس بذاك، وقال الآجري:

سألت أبا داود: عمرو عندك حجة: قال: لا، ولا نصف حجة، ومن موضع

آخر قال أبو داود عن أحمد: أصحاب الحديث إذ شاءوا./احتجوا بحديث

عمرو عن أبيه عن جدّها وإذا شاءوا تركوه، وقال ابن عدي: أحاديثه عن أبيه

عن جدّه احتمله الناس مع احتمالهم إيّاه، ولم يدخلوه في صحيح خرجوه

وقالوا: هي صحيفة، ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال: قال

سفيان بن عيينة: غيره خير منه، وفي كتاب ابن أبي حاتم عنه: وكان حديثه

عند الناس فيه شيء، وقال أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة وعمرو بن شعيب

لا يُعاب عليهما شيء إلا أنّهما كانا لا يسمعان شيئَا إلَّا حدّثا به، وفى كتاب

الساجي: ثنا ابن المثنى، ثنا حماد بن سلمة عن حمير قال: الناس يتهمون

ص: 299

عمرًا في حديث رواه عن أبيه عن جدّه عن عمر بن الخطاب أن النبي- عليه

السلام-: " قضى في موالي المرأة لعصبتها دون ابنها "(1) وذكره البرقي في

كتاب الطبقات في باب من ينسب من الثقات إلى الضعف.

الثالث: قال البخاري في تاريخه الكبير: شعيب بن محمد سمع

عبد الله بن عمرو سمع منه ابنه عمرو، وقال أبو عاصم: عن حَيوة عن زياد بن

عمرو سمع شعيب بن محمد سمع عبد الله بن عمرو، قال البخاري: إنّما

أردنا هذا أن شعيبًا سمع من عبد الله، وقال أبو صغير أحمد بن سعيد

الدارمي عمرو ثقة، روى عنه الذين نظروا في الرجال، واحتج أصحابنا

بحديثه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو، وقال أبو الحسن البغدادي، رأى

شعيب عبد الله وقال في كتاب السنن قال محمد بن علي الوراق: قلت

لأحمد بن حنبل: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئًا؟ قال: يقول حدّثني

أبي قلت فأبوه سمع من ابن عمرو، قال: نعم أرَاهُ قد سمع منه، قال:

وسمعت أبا بكر النيسابوري، يقول: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد

الله بن عمرو ابن العاص، وقد صح سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع

شعيب من جدّه عبد الله، وبنحوه قاله ابن سرور، وأمّا قول البيهقي في

المعرفة: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في سماع عمرو من أبيه، وإنّما الخلاف

في سماع جدّه عبد الله، وقد ذكرنا في مسألة (2) الجماع في ما دلّ على

أبيه، سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، وما يذكره بعد من الخلاف/، رد عليه

قوله، والحمد لله وحده.

الرابع: ذكر العقيلي عن يحيى حديث عمرو كتاب، إنما هو عمرو ابن

شعيب بن محمد بن عبد الله وهو يقول: أبي عن جدّي عن النبي فمن هنا

ضُعّف أو نحو هذا، وقال الدارمي عنه: إذا حدّث عمرو عن أبيه فهو كتاب

وفي كتاب الطبقات للبرقي: كانوا يرون ما روى عن أبيه عن جدّه، وقال أبو

(1) ضعيف. رواه البيهقي في " الكبرى ": (7/264) .

(2)

قوله: " مسألة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 300

زرعة: إنّما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده، وكان مغيرة بن مقسم لا

يعباً بصحيفة عمرو، وقال: ما يسرني أن صحيفته عندي بتمرتين أو بفلسين،

وفي كتاب الساجي، عن أبيه عن جده لا حجة فيه، وليس هو بمتصل، وهو

ضعيف من قبل أنه مرسل، وجدّ شعيب كتب عبد الله بن عمرو فكان يروى

عن جدّه إرسالًا، وهي صحاح عن ابن عمرو، غير أنه لم يسمعها، وفي

تاريخ ابن أبي خيثمة الأوسط: سئل يحيى عن حديث عمرو عن أبيه عن جدّه

فقال: ليس بذاك قال: وسمعت هارون بن معروف يقول: لم يسمع عمرو

من أبيه شيئًا إنما وجده في كتاب، وبنحوه قاله الترمذي: وقال الترمذي: وقال

ابن حازم في كتاب الثقات: شعيب يروى عن ابن عباس، روى عنه ابنه

عمرو، ويُقال أنه سمع جدّه عبد الله، وليس ذلك بصحيح عندي. حدثنا أبو

إسحاق الشّافعي إبراهيم بن محمد بن العباس، ثنا سفيان عن عمرو سمع

كريبًا سمعت ابن عباس يقول: " بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم

فتوضأ من سنة وضوءً أتعلله، فقمت فصنعت كما صنع " هذا حديث أخرجه

الشيخان (1) في صحيحيهما مطولًا بذكر العدل وغيرها، وسيأتي طرف منه

بعد- إن شاء الله تعالى- وميمونَةُ هي بنت الحرث بن حَزْن بن بحير بن

الهُزَم بن رُوبية بن عبد الله بن هلال أخت لبابة الكبرى أم ابن عباس، ولبابة

الصغرى أم خالد وعَصْماء وعن هُزَيلة لأب وأم، وأخواتها لأمها أسماء

وسلمى وسلامة بنات عُمَيس، تزوجها- عليه السلام بسرف وهو محرم،

وقيل. وهو حلال في شوال سنة سبع وبنى بها به وتوفّيت به سنة/ثلاث

وقيل. ست وستين وقيل: إحدى وخمسين وقيل: اثنين وخمسين، وضعفها

ابن عساكر خلا الحادي والخمسين، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، ذكره البكري

(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (العلم، باب " 41 " والوضوء باب " 5 " والأذان باب " 57،

59، 161 "، وتفسير صورة 3/17، 18، واللباس باب " 71 " والأدب باب " 118 "، والتوحيد باب

" 27 "، ومسلم في) المسافرين، ح / 181، 182، 184، 189، 192، 193) والنسائي في (الإمامة،

باب " 22 "(، والتطبيق باب " 63 ") وابن ماجة 3 / 423) :

ص: 301

أبو عُبيد، وهي آخر زوجة تزوجها صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن المصفي الحمصي،

ثنا بقية عن محمد بن الفضل عن أبيه عن سالم عن ابن عمر قال: " رأى

رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأ فقال: لا تسرف لا تغرف " (1) هذا حديث

إسناده معلل بأمور؛ منها بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن جرير الكلاعي

الحميدي المتيَّمي، وإن كان مسلم قد خرج له حديثًا في صحيحه واحدًا في

كتاب النكاح، واستشهد به البخاري في باب: من أخف الصلاة، وصحح له

الترمذي أحاديث، وقال ابن المبارك في خارجة: كان صدوقًا، ولكنه كان

يكتب عمن أقبل وأدبر، وقال ابن معين: كان شعبة مبجلا لبقية حيث قدم

بغداد، وقال أبو زرعة: ما له عيب إلَا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق

فلا يؤتى من الصدق، إِذا حدّث عن الثقات فهو ثقة، وقال يعقوب: هو ثقة

إذا حدث عن المعروفين، وحدّث عن قوم متروكي الحديث وعن الضعفاء

ويحيل عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم ويحدث عمن هو

أصغر منه، وقال محمد بن سَعْد: كان ثقة في روايته عن الثقات، ضعيفَا في

روايته عن الضعفاء، وقال النسائي: إذا قال: ثنا فهو ثقة، وإذا قال عن فلان

فلا يؤخذ عنه لأنه لا يدري عمن أخذه، وقال العجلي: هو ثقة فيما روى عن

المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء، وعن عبد الله بن أحمد قال:

سمعت عطية يقول: أنا عطية بن بقية أحاديث بقية، فإذا مات عطية ذهب

حديث بقية، وذكر الحازمي أنه ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج

به، فقد قال ابن عيينة: وسئل عن حديث فقال: أنا أبو العجب أنا بقية ابن

(1) صحيح وإسناده ضعيف. رواه عقيلي (4 / 16) بلفظ " رأى النبي يتوضأ فأنكر ذلك

"

ورواه ابن ماجة (406) في الزوائد: إسناده ضعيف. بقية مدلّس. وهو أحد الأئمة الحفاظ،

يروى عمن دب ودرج، وله غرائب تستنكر أيضا عن الثقات لكثرة حديثه. قال ابن خزيمة:

لا أحتج ببقية، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير عن الثقات. وقال ابن عدي: لبقية أحاديث

صالحة، ويخالف الثقات واذا روى عن غير الشاميين خلط كما يفعل إسماعيل بن عياش.

وقال كير واحد: كان يدلس عن قوم متروكين.

قلت: وللحديث شاهد صحيح، وطرق رفعت درجة الحديث إلى الصحيح مع ضعف إسناده.

ص: 302

الوليد، ثم قال: لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنة، واسمعوا منه ما كان

في ثواب وغيره، وقال/أبو مسهر: بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على

تقية، وقال أحمد بن حنبل: إذا حدّث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه،

وقال أبو حاتم: نكتب حديثه ولا نحتج به، وفي سؤالات السلمي للدارقطني:

وأخرج البخاري عن بقية، وبهز اعتبارا قال: لأن بقية يحدث عن الضعفاء

وبهز متوسط، وقال ابن عدي: يخالف في بعض رواياته الثقات، وإذا روى

عن أهل الشام فهو ثبت، وإذا روى عن غيرهم خلط، وإذا روى عن المجهولين

فالعهدة منه لا منهم، وهوْ صاحب حديث، وفي الخلافيات لأبي بكر في أثناء

كلام له: كيف وقد أجمعوا على أن بقية ليس بحجة؟ انتهى. وهو كلام

يحتاج إلى تأويل وصرف عن ظاهره، وقال أبو حاتم ابن حبان: سمع من شعبة

ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين عن شعبة ومالك

فروى عن الثقات بالتدليس ما سمع من الضعفاء، وكان أصحابه يفعلون ذلك،

ولا نحتج به، وفي كتاب العقيلي عن بقية قال: ذاكرت حماد بن زيد

بأحاديث فقال: ما أجود أحاديثك لو كان لها أجنحة، يعني: أسانيد، وقال

وكيع: ما سمعت أحدا أجرأ على أن يقول: قال النبي- عليه السلام من

بقية، وقال أبو عبد الله: وما سمعته يتناول أحدا إلا بقية، ولما ذكره الساجي

في كتاب الضعفاء قال: فيه اختلاف.

الثاني: محمد بن الفضل بن عطية العَبسي أبو عبد الله المروزي، قال فيه

ابن معين: ليس بشيء، ولا نكتب حديثه، وفي رواية: أنه كان له أبا، وفي

رواية: حديثه حديث أهل الكذب، وقال الجوزجاني: كان كذابا، سألت ابن

حنبل عنه فقال: ذاك عجب يأتي بالطّامات، ولم يرضه، وهو صاحب حديث

ناقة (1) ثمود، وبلال المؤذن، وقال ابن المديني: روى عجائب، وضعفه، وقال

النسائي ومسلم: متروك الحديث، وقال صالح بن محمد: كان يضع الحديث،

وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: متروك الحديث، وقال مرة:

(1) قوله: " ناقة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 303

كذاب، وقال أبو بكر: قلت له- يعني الدارقطني- عنه قال: متروك، وقال

ابن أبي حاتم: ثنا محمد بن يحيى، أخبرني صالح بن الضريس يقول لعمر بن

عيسى وحدث عن محمد بن الفضل فقال الحراء: نهيت عن هذا الكذاب/

وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه فقال: ليس بشيء، وقال الآجريّ:

سألت أبا داود عنه فوهاه، وقال عمرو بن علي: متروك الحديث كذاب، وقال

ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ذاهب الحديث، ترك حديثه، وقال عبد

السلام بن عاصم: سمعت إسحاق ابن سليمان يسأل عن حديث من حديثه

فقال: تسألوني عن حديث الكذابين؟ وقال ابن راهوية: قال ليحيى بن يحيى:

كتبت عن محمد بن الفضل ثم مزّقته، قلت: كان أصلهُ، قال إسحاق:

وكان أبوه ثقة، وقال ابن عدي: وله غير ما ذكرت من الحديث، وعامة حديثه

ما لا يتابعه عليه الثقات، وقال أبو موسى المديني: ومحمد هذا ممن لا يُرتاب

في تركه، وكان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه، وقال ابن حبان: يروى

الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، وقال

الدارقطني: ضعيف، ونحوه. وقاله الفسوي في تاريخه الثالث: أبوه فضل بن

عطية، وإن كان ابن حبان وابن معين قالا فيه: ليس به بأس قال أبو زرعة:

ووثقه أبو داود لما سأله عنه الآجري، وابن حبان ذكره في كتاب الثقات، فقد

قال فيه: يعتبر حديثه من عند رواية ابنه عنه؛ لأن ابنه في الحديث ليس

بشيء، وقال عمرو بن علي وأبو أحمد بن عدي: ضعيف، ذكره في كامله من

حديث ابن الفضل عن ابنه عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان

يتعوذ بالله من وسوسة الوضوء " (1) فخالف هذه الرواية في الإسناد واللفظ.

حدّثنا محمد بن حيي، ثنا قتيبة بن لهيعة عن جرير بن عبد اللَه المغافري عن

أبي عبد الرحمن الحلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مرّ على

سعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف قال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم،

وإن كنت على نهر جار " (2) هذا حديث إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة

(1) راجع: (ح/421) من سنن ابن ماجه، والحديث ضعيف جدا. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/94) .

(2)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 48- باب ما جاء في القصد في

الوضوء وكراهية التعدي فيه، (ح/425) . وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة

(ح/96) ، والإرواء (ح/140) ، والمشكاة (ح/427) والرد على بليق (ح/98) .

ص: 304

وحسين بن عبد الله- أي عبد الله المغافري/المصري- قال فيه أحمد بن

حنبل: أحاديثه مناكير، وقال البخاري: فيه نظر، ولما ذكره ابن عدي قال: أرجو

أنه لا بأس به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء،

ولما ذكره الساجي قال: عنده مناكير، وقال ابن معين: لا بأس به، وذكره ابن

حبان في كتاب الثقات، وفي هذا المعنى حديث إسناده صحيح رواه أبو حاتم

البُستي في صحيحه من حد الجريري عن أبي الولاء قال: سمع عبد الله بن

مغفل ابنا له وهو يقول: " اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا

دخلتها فقال: يا بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النّار، فإني سمعت النبي-

عليه السلام يقول: إنه سيكون في هذه الأمهَ قوم يعتدون في الطهور في

الدعاء " (1) ثم قال: سمع هذا الخبر الجريري عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير

وأبي نعامة العدوي، فالطريقان جمعيا محفوظان، وحديث أبي نعامة المشار إليه،

روى ابن ماجة حديثه في كتاب الدعاء مقتصرا على ذلك، ورواه أبو داود

مطولا في كتاب الطهارة، وحديث عمران بن الحصين. ذكره البيهقي في

كتاب السن، وحديث ذي مخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم: " توضأ وضوء لم يلبث منه

التراب " (2) ، ذكره البرقي في تاريخه، ورواه آدم عن ابن جرير، ثنا يزيد بن

صالح عنه، وحديث أبي كاهل: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا كاهل ضع

الوضوء منك مواضعه وأبق فضل وضوئك لأهلك لا تعطش أهلك ولا تشق

على خادمك " (3) . رواه أيضا عن آدم، ثنا الهيثم بن عمار عن أبي كبير عنه،

وحديث أبي الدرداء. ذكره أبو عبيد في كتاب الطهور فقال: ثنا أبو أيوب

ونعيم بن حماد عن وابصة، ثنا أبو بكر بن أبي مريم قال: قال أبو أيوب عن

شريح بن عبيد، وقال نعيم عن حبيب عن ابن أبي عبيد عن أبي الدرداء عن

النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه مر بنهر فنزل وأخذ شنًا فملأه من الماء يريحا/عنه، فتوضأ

= وفما الزوائد: إسناده ضعيف، فيه حمي بن عبد الله وابن لهيعة.

(1)

رواه ابن حبان: (8/269) .

(2)

قوله: " ذكره " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(3)

ضعيف جدا، أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/233) وعزاه الطبراني في " الكبير "

وفيه الهيثم بن جماز وهو متروك. ولفظه: " يا كاهل ضع الطهور مواضعه وأبق فضل طهورك

لأهلك لا تعطش أهلك ولا تشق على خدمك ".

ص: 305

ففضل من ذلك الماء، فرده إلى النهر وقال: يبلغه الله- عز وجل أنسانا أو

دابة وأشباهه ينفعهم الله تعالى " (1) وذكره أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن

عُبيد في مسند أبي الدرداء ولما ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في العلل قال:

قال ابن حبيب عن أبي الدرداء مرسل، وحديث أنس بن مالك قال عليه

السلام: " لا خير في صب الماء " وقال: " إنه من الشيطان " يعني صب الماء،

ذكره أبو نعيم في تاريخه (2) من حديث محمد بن جعفر الزركاني، ثنا سعد بن

ميسرة. الشيطان اشتقاقه من قولهم: دار شطون، ونوى شطون أي بعيدة، قال

نابغة بني شيبان:

فأصبحت بعد ما وصلت

بدارٍ شَطُون لا تُقاد ولا تعودُ

معنى تباعده من الخير وتكون لغيه وهلاكه، أخذ من قولهم: قد شاط

الرجل يشيط إذا هلك قال الأعشى:

قد تطعن العير في مكنون قابله

وقد يشيط على أرماحنا البطل

أرادوا: قد هلك على أرماحنا. ذكره ابن الأنباري وأبو القاسم الزجاجي،

وقوله: ثنا- أي في الأدب- بتركه السنة والتأدب بآداب الشّرع، وظلم نفسه

بما نقصها من الثواب بتردد المَرات في الوضوء، وقيل: ظلم، جاوز الحد

وتعمد يحتمل أن يزيد من نقصان العضو، والشنّة كل وعاءٍ من أدم خلق،

والجمع الشنان وقد تشأن إذا أخلق، قال أبو عمر: الشنن قطران الماء من الشنن

شيء يعني وهو الشنتين قال الشاعر:

يا من له مع دائم الشنن

وفي الصحيح تقييده الشنة بالصغيرة

(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/220) مختصرا من حديث أبي

الدرداء، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه أبو بكر بن أبي هريم، وهو ضعيف.

والمجروحين (3/147) . قلت: والشن: الوعاء هن الجلد.

(2)

ضعيف رواه أبو نعيم في: " أخبار أصفهان "(2/92) وابن عدي في " الكاهل " (3/

ص: 306

‌21- باب ما جاء في إسباغ الوضوءِ

حدّثنا أحمد بن عَبدة، ثنا حمّاد بن زيد، ثنا موسى بن جهضم، ثنا

عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم

بإسباغ الوضوء " (1) هذا/حديث وهم ابن ماجة في موضعين منه:

الأول: قوله: موسى بن جَهْضَم، وإنّما هو موسى بن سالم.

الثاني: قوله: موسى بن عبيد الله بن عبد الله، وإنما هو عبد الله بن

عبيد الله وذكر ذلك أبو عيسى حين أخرجه عن أبي كريب: ثنا إسماعيل بن

إبراهيم، ثنا موسى بن سالم- أبو جهضم- عن عبد الله بن عبيد الله بن

عباس عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبدا مأمورًا، ما اختصّنا

دون الناس بشيء إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا ناكل الصدقة،

وأن لا نترى حمارا على فرس " (2) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن

صحيح، وروى سفيان الثوري عن أبي جَهْضَم: فقال عن عبيد الله بن

عبد الله بن عباس، وسمعت محمدا يقول: حديث الثوري غير محفوظ،

وهم فيه الثوري، والصحيح ما روى إسماعيل ابن علية وعبد الوارث. عن أبي

جَهْضَم عن عَبد الله بن عُبَيد الله وكذا سمّاه النسائي في كتاب الكنى: عن

قرّة بن خالد وأبو بشر الدولابي ومسلم بن الحجاج وأبو حاتم الرازي وأبو

عمر بن عبد البر في كتاب الاستغفار، وقال ابن عساكر: قال ابن ماجة:

(1) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/237) من حديث ابن مسعود، وعزاه إلى

الطبراني في " الأوسط " وفيه عثمان بن صفوان وتقدم في موضع قبل ذلك بلفظ: " أسبغوا

الوضوء " والحديث صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/26) وأبو داود في (الطهارة،

باب " 46 ") والنسائي في (الطهارة باب " 105 ") وابن ماجة (450) وأحمد (2/164،

169، 193) والبيهقي (1/69، 2/89) وإتحاف (2/4) والتاريخ الكبير للبخاري (4/

248) وابن كثير (3/50) والطبري (6/85) وابن أبي شيبة في " مصنفه "(1/26) .

(2)

صحيح. رواه أبو داود (في الصلاة، باب " 127 ") والترمذي (ح/1701) وقال: هذا

حديث حسن صحيح. والنسائي في (الخيل، باب " 10 "، والطهارة باب " 105 ") وأحمد

في " المسند "(1/225، 232، 249) .

ص: 307

موسى بن جهضم، وهو وهم، وأخرجه في ترجمة عبد الله بن عبيد الله،

وأخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن ابن عبدة- شيخ ابن

ماجة- قال: ثنا حماد بن زيد عن موسى بن سالم عن أبي الجَهْضم قال:

حدثني عبد الله بن عبيد الله، ثم أخرجه ابن علية عن موسى بن سالم عن

عبد الله بمثله، وزاد، قال موسى: يلقب عبد الله بن حسن، فقلت: إن

عبد الله بن عبيد الله حدّثني بكذا وكذا فقال: إن الخيل كانت في بني

هاشم قليلة، فأحب أن تكثر فيهم، فسنن بمجموع ما أسلفناه أن الوهم من

صاحب الكتاب لا من غيره من شيوخه، وإن كان ابن أبي حاتم ذكر في

كتاب العلل عن أبيه إنما هو عبد الله بن عبيد الله أخطأ فيه حماد قال: وقالا

جمعيا: رواه حماد بن زيد وعبد الوارث ومرجا/ فقالوا كلهم: عن أبي

جهضم عن عبد الله بن عبيد الله، وهو الصحيح، فقد بينّا رواته حماد وابن

عبدة على الصواب، وأن الراوي رواه عن مسرد عن حماد فقال عبيد الله بن

عبد الله، ورواه الترمذي أيضًا من حديث أيوب عن أبي قلابة عنه مطولًا ثم

قال: وقد ذكروا بين أبي قلابة وابن عباس في هذا الحديث رجلًا، وهو

جلد بن الجلاح، قال: وهو حديث حسن غريب. حدثنا أبو شيبة، ثنا

محيى بن أبي بكير، ثنا زُهير بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن

سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا

أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات، قالوا: بلى يا

رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد،

وانتظار الصلاة بعد الصلاة " (1) هذا حديث إسناده ضعيف بعبد الله بن عقيل

المتقدم الذكر. حدّثنا يعقوب بن حميد بن حاسب، ثنا سفيان بن حمزة عن

كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفارات

الخطايا: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد " (2) هذا

(1) صحيح، وإسناده ضعيف. هـ (427، 776) - حم في " المسند "(2: 277، 3: 3) -

والدارمي (1: 177) - ك (1: 191) - مجمع (2: 36، 292، 133) - كنز (43200،

43292، 43325) ، خزيمة (177، 307) - ترغيب (1: 285- طب 162) .

(2)

صحيح وإسناده ضعيف. قلت: وقد صححه الشيخ الألباني في " الإرواء " =

ص: 308

حديث إسناده حسن؛ للاختلاف في حال كثير؛ فإنه ممن صحح له الترمذي

حديثا، ورواه أبو عاصم النيل عن الثوري عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن

المسيب عن أبي سعيد برفعه: " ألا أدلكم على شيء يكفر الخطايا ويزيد في

الحسنات

" (1) فذكره، وفيه: " إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم " (2)

وعاصم بن عدي أبو الدرّاج، وفي الحديث زيادة: " وسدوا الفُرج، وإذا قال

الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، آخر صفوف الرجال

المقَدم " وفيه: " يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاخفضن أبصاركن " قال ابن

أبي حاتم في كتاب العلل: قال أبي: هذا وهم، إنما هو الثوري عن ابن عقيل،

وليس لعبد الله بن أبي بكر معنى، وخرَج ابن خزيمة له حديثًا في صحيحه،

وقال ابن معين: ثقة، ومرة: ليس بشيء، ومرة/: ليس بذاك القوي، ومرّة:

صالح، وقال محمد بن عبد الله بن عمار: ثقة، وذكره النسائي في الثقات،

وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو زرعة: لين، وأمّا الوليد بن رباح بن

عاصم بن عدي أبو البراح الدوسي المديني مولى ابن أبي ذئاب، فقال عبد

الرحمن: سئل أبي عنه، فقال: صالح، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات،

وسفيان، ووصفه أبو زرعة الصدق، وقال أبو حاتم: وأغفل ذكره ابن سرور،

ولا ينبغي له ذلك، وهو في صحيح مسلم عن مالك عن العلاء بن عبد

الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم بما

يمحُ اللهُ به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة

الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم

الرباط" (3) ولما ذكره ابن منده في صحيحه قال: هذا صحيح على شرط

= (ح/428) - مجمع (2: 37) وعزاه إلى أحمد، ورجاله فيهم من له يسم.

(1)

رواه ابن حبان (417) عقيلي (ط: 223) .

(2)

صحيح. رواه النسائي (3/42) ونصب الراية (1/313) والمنثور (5/294) وابن حبان

(417)

والكنز (20607) وابن أبي شيبة (1/379) .

(3)

صحيح. ن الطهارة ب 106- حم 2: 303- هق 1: 82- تجويد 348- منثور 3:

114 كثير 2: 170- سنة 1: 320- بغوي 1: 472- مسير 1: 533 إتحاف 2: 374-

حبيب ا: 24- أبو عوانة 1: 231.

وروى الحديث بلفظ: " ألا أدلكم ما يمحو الله به

".

ص: 309

الجماعة، إلا البخاري؛ فإنه لم يخرج في كتابه عن العلاء إلا استشهادا، وقد

روى هذا الحديث عن العلاء جماعة؛ منهم: شعبة ومحمد وإسماعيل بن جعفر

والدراوردي ونَهْر بن حمد وحفص بن ميسرة وسعيد بن سلمة بن أبي

الجشام، وكل مقبول عندهم. انتهى. وما ذكره فيه فعلى من حيث زعم أنّ

البخاري استشهد له، وذلك قول لم أره لغيره، والله أعلم، وفي المستدرك من

حديث صفوان بن عيسى: ثنا الحرث بن أبي ذئب عن ابن المسيب عن علي،

قال عليه السلام: " إسباغ الوضوء على المكاره وإعمال الإِقدام إلى المساجد،

وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا " (1) . قال: هذا حديث

صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وذكر في الأوسط من حديث علي بن

زيد عن المسيب عنه: " من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر

كِفْلان " (2) وقال: لم يروه عن علي / إلا أبو حفص العبدي- واسمه عمر بن

حفص- وفي كتاب النحوي للخطيب البغدادي من حديث عبد الله بن

موسى عن الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد المالك عن أبيه عنه: " نهاني

النبي صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم، وأمرني بإسباغ الوضوء " (3) ومن حديث

المقدسي: ثنا هارون بن مسلم، ثنا القسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن

محمد بن علي عن أبيه عن علي بنحو هذا، وفى صحيح ابن خزيمة: ثنا

محمد بن عبد الله بن أبي صفوان، حدّثني أبي، ثنا سفيان عن سماك عن

عبد الرحمن بن عبد الله- وهو ابن مسعود- عن أبيه قال: " الصفقة

بالصفقة ربا، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء " (4) ولما رواه رسول الله

(1) صحيح حم (3/30) .

(2)

ضعيف. ترغيب (1: 158) - مجمع الزوائد (1: 237) خط في " تاريخه "(5: 191) -

الضعيفة (839، 84) .

(3)

ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/236) من حديث علي. قال: رواه

عبد الله في زيادته في المسند عن أبيه، وروى أبو داود منه: إتراء الحمر على الخيل، وفيه

القاسم بن عبد الرحمن، وفيه ضعف. وتمام لفظه: " يا علي أسبغ الوضوء وإن شقْ عليك ولا

تأكل الصدقة، ولا تنزي الحمر على الخيل، ولا تجالس أصحاب النجوم ".

(4)

ضعيف عقيلي (3: 288) بلفظ " الصفقتان ربا..... الحديث ".

ص: 310

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث سفيان إسناد إلى تفرد ابن صفوان به عن أبيه عن سفيان،

وفي تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث نظر؛ لأن عبد الرحمن أنكر سماعه من

أبيه، واختلف قول البخاري في ذلك عند أبي حاتم، ففي كتاب الجرح

والتعديل: سمع أباه، وفي كتاب التاريخ: يدخل في المسند ولا يصح سماعه

من أبيه، واختلف قول البخاري في ذلك أيضًا؛ فذكر في التاريخ الكبير أنّه

سمع من أبيه، وفي الأوسط: قال محمد بن شعبة: لم يسمع عبد الرحمن

من أبيه، ويجمع بما قاله ابن المديني في كتاب العلل، ولعل عمل لهما سمع

من أبيه حديثين: حديث الضب، وحديث: كنت مع أبي فأخر ابن عقبة

الصلاة، قرأت على المسند البقية شرف الدين المقدسي- رحمه الله عن أبي

محمد القرشي، ثنا العلامة أبو طاهر الإِسكندري، قرأت على أبي الحسين بن

عبد الجبار بن أحمد، سمعت أبا مسلم عمر بن علي بن الليث يقول

للبخاري: سمعت أبا الحسن علي بن أبي بكر الحافظ الجرجاني بنيسابور،

سمعت مسعود بن علي السجزي، سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول

وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود/فقال: اتفق مشايخ الحديث على

أنه لم يسمع من أبيه، وفي مسند البزار: ثنا خالد بن يوسف- يعني السمتي-

عن أبيه، ثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن أخي عبادة بن الصامت

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطيئة، ويمحو به

الذنوب؟ قالوا: نعم، قال: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى

المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط " (1) وفي

معرفة الصحابة لأبي نعيم الحافظ: عن امرأة من المبايعات قالت: " جاءنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سَلمة، فقربنا له طعامًا، فأكل ومعه أصحابه، ثم قرب

إليه وضوءً فتوضأ ثم أقبل على أصحابه فقال: ألا أخبركم بمكفرات الخطايا؟

(1) صحيح. رواه هـ (ح/427، 576) حم في " المسند "(2: 277، 3: 3) مى (1:

177-

ك 1: 191) مجمع (2: 92236، 133) وعزاه إلى البزار، وعاصم بن بهدلة لم يسمع

من أنس، وبقية رجاله ثقات. كنز (43200، 43292، 43325) خزيمة 177- 307

ترغيب (1: 285) حب (162) . وصححه الشيخ الألباني.

ص: 311

قالوا: بلى، قال: إسباغ الوضوء " (1) الحديث. وفي مسند أبي يعلي

الموصلي عن عُبيدة بن عمرو الخلال قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأسبغ

الوضوء، وفي سنن الكجي عن ربيعة بنت أبي عياض الكلابية قالت: حدّثني

ربيعة الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأسبغ الوضوء وفي كتاب

أبي موسى المديني من حديث عبد الله بن عمرو الكلبي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم

توضأ فأسبغ الوضوء، وفي لفظ: فأسبغ الوضوء. رواه من حديث سعيد بن

خيثم عن ربيعة بنت عياض الكلابية قالت. حدثني ربيعة، وفي موضع آخر:

حدّثني جدّي عبيدة، قال ابن موسى: وهو الصواب، وفي تاريخ الموصلي: ثنا

علي بن جابر، ثنا أبو العباس محمد بن عمارة القرشي، ثنا الثوري عن آدم بن

علي عن ابن عمر عن النبي- عليه السلام: " يُدعا يوم القيامة قوم يقال

لهم المنقوصون، قيل: يا رسول الله وما المنقصون؟ /قال: الذين لا يتمون

وضوءهم ويلتفتون في صلاتهم " وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا

حديث حسن صحيح، وفي كتاب الترمذي- رحمة الله عليه- عن معاذ بن

جبل ولفظه: " وإسباغ الوضوء حين الكرهات "(2)، وقال: حديث حسن

صحيح، وهو أصح من حديث الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن

جابر، ثنا خالد بن الجلاح، حدّثني عبد الرحمن بن عائش الحضري قالي:

سمعت النبي- عليه السلام فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ كذا ذكر

الوليد في حديثه من عبد الرحمن بن عايش: سمعت النبي، وروى بسر بن

بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإِسناد عن ابن

عابس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح، وابن عايش لم يسمع من النبي- عليه

السلام- وذكر ابن الجوزي في علله هذا الحديث من عدّة طرق، وفي كتاب

الكامل لأبي أحمد من حديث أشعث بن نزار: ثنا ثابت عن أنس قال عليه

(1) حسن. أورده الهيثمي في " مجمع للزوائد "(1/236) وعزاه إلى أحمد والطبراني في

" الكبير " وإسناده محتمل. قلت: وتحسينه لاحتمال إسناده عند الهيثمي.

(2)

صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب " 39 "، (ح/51) . وقال: " هذا

حديث حسن صحيح.

ص: 312

السلام: " يا أنس أسبغ الوضوء يُزَد في عمرك "(1) وقال ابن أبي حاتم في

كتاب العلل: سألت أبي وأبا زرعة عن أحاديث تروى عن أنس مرفوعا في

إسباغ الوضوء، وذكرت لهما الأسانيد المروية في ذلك فضعفاها كلها، وقالا:

ليس في إسباغ الوضوء زيد في العمر الحديث صحيح، وقال: سألت أبا زرعة

عن حديث رواه عبد الوهاب بن بحيرة الجُرطي عن إسماعيل بن عياش عن

حبيب بن صالح عن ثابت بن أبي ثابت عن عبد الله بن حانق الدمشقي عن

عبد الرحمن بن غنم الدمشقي الأشعري عن أبي عامر الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: " إسباغ الوضوء نصف الإِيمان "(2) فقال: عبد الوهاب شيخ صالح من

حَوْط من مرجح، وأبو عامر اسمه عبيد، قتل بخيبر وإنما هو عن أبي مالك

الأشعري، وهو أشبه؛ لأن الشيخ قال أبو عامر من حديث لقيط بق صَبرة.

تقدم ذكره وفي المعجم الأوسط عن أنس: قال عليه الصلاة والسلام: " أسبغ

الوضوء يزد في عمرك

" (3) الحديث بطوله،/وقال: لم يروه على التمام

بهذا السند عن ابن المسيب إلا علي بق يزيد بق جدعان، ولا عن علي إلا

عبد الله اليمني. تفرد به مسلم بن حاتم عن الأنصاري عن أبيه، وتفرّد به

محمد بن الحسن عن ابن أبي يزيد عن عباد المنقري.

(12) ضعيف. عدي 1: 367، 409، 3: 1201- كر 3: 145- لسان 105101،

1405: 01168 إتحاف 6: 274- كنز 43571- طص 2: 20- عر 2: 200- كثير 6:

95 ميزان 3181، 6526- لئ 2: 205- تناهيه 1: 351.

(2)

صحيح. رواه ن (5: 5) - هـ (280) - حب (2336) بلفظ: إسباغ الوضوء شطر

الإِيمان.

31) رواه ابن عدي (1/367، 409، 3/1201) وابن عساكر في " التاريخ " (3/145 "،

ولسان (1/1051، 1405، 4/1168) وإتحاف (6/274) والكنز (43571) والطبراني

في " الصغير "(2/20) والمغني عن حمل الأسفار (2/200) وابن كثير (6/95) .

ص: 313

‌22- باب ما جاء في تخليل اللحية

حدّثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان عن عبد الكريم أبي أمية عن

حسان بن بلال عن عمار بن ياسر، وثنا ابن أبي عمر قال: ثنا سفيان عن

سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر قال:

" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته "(1) هذا حديث حرف ابن ماجة ألفاظه،

وذلك أن ابن أبي شيبة لم يروه وإنما قال في مسنده: ثنا سفيان عن عبد

الملك بن أبي المخارق عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر قال: " رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته " (2) ثنا سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة

عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر عن النبي- عليه السلام مثله. هذا

نص ما في مسنده، وكذلك رواه عنه الترمذي لا يغادر حرفًا، فقد سرد لك

تحريف فعله وانتقاله من التصريح بالسماع والرواية، إلى الفقيه المشعرة (3) لعلّة

الاتصال، لا سيما من كوفي، وقد كنت قديمًا رأيت من تكلم في هذا

الحديث بنحو من هذه العلة فقط، وهو أبو محمد بن حزم، قال حسان بن

بلال: محمول، وأيضا فلا نعرف له رواية عن عمار، وفيما قاله نظر؛ لأن ابن

حبّان قد سبقه بقوله: روى عن عمار إن كان قد سمع منه حين ذكره

الثقات، لما تقدم من تصريحه بالرواية والسماع عند ابن ماجة والمكي وابن

(1) عدى (2: 561) بلفظ " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته ".

(2)

صحيح ش (14: 261) بلفظ: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضعه [لخليل اللحية] قلت: وقد

روى الحديث ابن ماجة بثلاثة ألفاظ:

الأول: (ح/429) وهو عن عمار بن ياسر قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته ".

(وهو صحيح) .

الثاني: (ح/430) وهو عن أبي وائل قال: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَأ فخلل لحيته ". (وهو

صحيح) .

الثالث: (ح/431) وهو عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل

لحيته ". (وهو ضعيف) .

(3)

كذا ورد في هذا للسياق " بالأصل ".

ص: 314

منده في كتاب الوضوء من مصنفه، ولأنه قد روى عنه جماعة منهم، وفي

رواية: ليس بشيء، قد ضربت على حديثه، وهو شبيه المتروك، والذي يظهر

من العذر لابن ماجة، أنه عدل عن حديث عبد الكريم بن مخارق/قيس-

ويقال: طارق- أبي أمية البصري فقد قال فيه أيوب أنه غير ثقة، سألني عن

حديثه لعكرمة، فحدثته ثم قال: حدثني عكرمة، وذكر ابن أبي زرعة أنّه

اتهمه بالكذب، وإن كان مسلم قد خرج له في صحيحه. كذا ذكره ابن

مسرور، وأظنّه وهم؛ لأني لم أر ذلك لغيره، خرّج له البخاري مستشهدًا في

باب التهجد بقوله: قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية، ولا حول ولا قوة

إلا بالله، ومسلم إنما خرج له في المتابعات، ولهذا قال أبو محمد بن يربوع:

أمّا مسلم فقد خرج في صدر كتابه، وأمّا البخاري فلم ينبه من أمره على

شيء؛ فدل أنه عندي على الاحتمال؛ لأنه قد قال في التاريخ: كل من لم

أسم فيه جرحه فهو على الاحتمال، وإذا قلت: فيه نظر فلا يحتمل وقال:

قد تركت فيهم- يعني أبا أمية- قال أحمد: كان يوافقه على الإِرجاء،

وكان ابن عيينة يستضعفه، وقال أحمد: هو ضعيف، وفي رواية: ليس بشيء

قد ضربت على حديثه، وهو شبيه بالمتروك، وفي إطلاق ذلك نظر لما ذكره

ابن أبي حاتم عنه، وذكروا مرة عند يحيى يوم الجمعة في مسجد الجامع قال

عمرو وأنا شاهد التراويح في الصلاة فقال: يذكرون عن مسلم بن يسار وأبي

العالية، فقال له عفان من حديث من قال فيما بينه وبينه وأنا أسمع: نا هشام

عن عبد الكريم المعلم عن عمير بن أبي يزيد، وأما عبد الرحمن فإني سألته

فيما بيني وبينه فقال: فأين البغوي؟ انتهى. فهذا يحيى قد حدّث عنه، وقال

الفلاس (1) : كان ابن محيي ومهدي لا يحدثان عنه، وقال ابن عدي:

والضعف من على كل ما يرويه، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: هو

ضعيف، وقال السعدي: غير ثقة، وقال ابن حبان: كثير الوهم فاحش الخطأ،

فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به، وقال النسائي وأبو الحسن والدارقطني:

متروك، وقال الحربي في كتاب العلل من تأليفه: ويرى الإرجاء، غيره أوثق

منه، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: لم يحدث/مالك عن أحد

(1) قوله: " الفلاس " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 315

أضعف من عبد الكريم، وسمعه يقول: مرجئة البصرة ثلاثة: عبد الكريم،

وعثمان بن عتاب، والقاسم بن الفضل، وقال أبو عمر- في التمهيد يعني-

ضعيف متروك، مجتمع على ضعفه، لقيه مالك بمكة فروى عنه، ولم يكن

عرفه قبل، وفي موضع آخر: عبد الكريم ضعيف لا يختلف العلماء في ضعفه،

إلَا أنّ منّهم من قبله في غير الأحكام خاصة، ولا نحتج به على كل حال من

أجل من جرحه، وطرحه أبو العالية وأيوب مع ورعه، ثم شعبة ويحيى القطان

وأحمد وابن المديني وابن معين، وكان مؤدب كتاب غز ملكًا منه سَمْته (1) ولم

يكن من أهل بلده، لم يخرج عنه في موطأه به حكمًا، إنما ذكر عنه فيه ترغيبًا

وفضلًا، ولقائل أن يقول: إنّ ذلك ليس كما زعم بل روى عنه حكمًا وهو

قوله: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما

شئت " (2) " ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، وتعجيل الفطر

وتأخير السحور " (3) فهذه الأحاديث لا شك أنها أحكام- والله أعلم- ولما

ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال: ثنا أحمد بن محمود، ثنا عثمان بن

سعيد قال: سمعت الحسن يقول: عبد الكريم ابن أبي المخارق ليس بشيء،

وقال الساجي: فيه ضعف ليس بحجة في الأحكام، وذكره البلخي في

الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان، وضعف به ابن طاهر غير حديث، وسئل

عنه أبو حاتم فقال: ضعيف، وسئل أبو زرعة فقال: ليّن، وأما ابن راهويه فإن

حَرَما لما سأله عن الجليل قال: سنة، وذكر له حديثه في معرض الاحتجاج

(1) كذا ورد " بالأصل ".

(2)

ضعيف جدا العلل (2538) وتلخيص (4 لم 200) والميزان (7972) ترجمة: محمد بن

علي القاضي، أبو الحسين البصري شيخ المعتزلة. قال الذهبي: ليس بأهل للرواية. قال

الخطيب: كان يروي حديثا واحدا حدْثنيه من حفظه. أخبرنا هلال بن محمد، أخبرنا

الكجي، وجماعة، قالوا: أخبرنا القعنبي عن شعبة بحديث: " إذا لم تستح فاصنع "

والخطيب (12/136) وابن عساكر في " التاريخ "(4/362) والدرر (35) والبداية (12 /

54) والطبراني (17/236، 237، 238) .

(3)

اللفظ الأول من الحديث: رواه مسلم في: الصيام، باب " 9 "، (ح/49، 50) . بلفظ:

" كان يعجل الإِفطار ويعجل الصلاة " المغرب والإفطار ".

ص: 316

بسماعه له من عمار، وهو فيه تجريح حسان ردّ على من نفاه إلى حديث أبي

عروبة العدالة رواية وتفهيم، وذلك هو المحوج لأبي عبد الله الحاكم إلى

تصحيحه، ولعمري لو كان ذلك عذرا لوضحّ، لكن مهنأ ذكر عن أحمد عن

ابن المديني أنه قال أنّ قتادة لم يسمع هذا الحديث إلَّا من عبد الكريم فلا عدد

إذا، والله أعلم، وفيه تصريح بسماع سفيان من سعيد، وقال البخاري في

الكبير: إنّ ابن عيينة/قال مرّة: عن سعيد عن قتادة عن حسان، ولا يصح

سعيد، ومع ضعفه حديث عبد الكريم فيه انقطاع أيضَا فيما بينه وبن حسان،

قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور، سمعت أحمد بن حنبل قال: قال

ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان حديث التخليل (1) ، وكذا ذكره

البخاري في التاريخ، فهاتان علّتان كافيتان في عدم الاحتجاج بالحديث، ولو

كانت واحدة لكانت كافية، وأمّا ما ذكره منها قلت لأحمد: حدّثوني عن

الحميدي عن سفيان ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن

بلال عن هنّاد

الحديث فقال أبو عبد الله: إمَّا أن يكون الحميدي اختلط

وإمّا أن يكون الذي حدّث عنه خلط، قلت: كيف؟ فحدثني أحمد قال: ثنا

سفيان عن عبد الكريم عن حسان بن بلال عن عمار. انتهى. وفي عصْبة

الجنابة برأس الحميري أو الراوي عنه نظر لما أسلفناه من عند ابن أبي عمر،

وهو كاف في الردّ عليه، وأما قول ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي

عن حديث رواه ابن عيينة عن سعيد- يعني هذا- فقال: لم يحدث بهذا

أحد سوى ابن عيينة عن أبي عروبة فقلت هو صحيح فقال: لو كان صحيحَا

لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث-

يعني سماعا- وهذا أيضَا مما يوهنه فليس كما زعم، لما أسلفناه من عند

الحاكم لم يحدّث بالسماع لهذا الحديث من سعيد، فزال ما يخشى من

تدليسه، وأمّا كونه ليس في كتبه فليس بشيء أيضَا، إذ العالم قد يشذ عنه

عند التصنيف الكثير من روايته، وأمّا قول الطبراني في المعجم الصغير: لم يرو

هذا الحديث عن قتادة إلَّا سعيد. تفرد به ابن عيينة، فليس يوهن له أدنى

الصحيح الكبير من إفراد الثقات، فكيف الحفاظ!

(1) قوله: " التخليل " وردت " بالأصل " الخليل وهو تحريف، والصحيح الأول.

ص: 317

ورواه أبو القاسم في الكبير عن إيراهيم بن موسى، ثنا صالح بن قطان، ثنا

محمد بن عثمان بن محمد بن عمّار، حدثني أبي عن جدي عن عمار قال:

" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل لحيته "(1) . حدثنا محمد بن أبي خلف، نا

عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق الأسدي لم، عن أبي وائل كنى

عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضأ فخلل لحيته "(2) . هذا حديث أخرجه ابن

حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن

معمر، ثنا إسرائيل وقال فيه الترمذي: حسن صحيح، وقال في العلل: قال

محمد: أصح شيء عدي في التخليل حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون

في هذا الحديث قال: هو حسن ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه وابن

الجارود في منتقاه عن إسحاق بن منصور، ثنا ابن مهدي، ثنا إسرائيل عن

عامر بن شقيق ابن سلمة قال: " رأيت عثمان توضأ فغسل كفيه ثلاثًا

ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما ثلاثًا

وغسل رجليه ثلاثاً وخلّل أصابعه وخلل لحيته حتى غسل وجهه ثلاثًا وقال:

هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كما رأيتموني فعلت " (3) . وقال الحاكم:

قد اتفق الشيخان على إخراج طرق حديث عثمان، ولم يذكرا في روايتهما

تخليل اللحية وهذا إسناده صحيح وقد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق

ولا أعلم فيه طعنًا بوجه من الوجوه، وله في تخليل اللحية شاهد صحيح عن

عمار وأنس وعائشة- رضى الله عنهم- وقال أحمد فيما ذكره عن الخلال:

ليس يثبت في التخليل حديث، وأحسن شيء فيه حديث شقيق عن عثمان،

وأما ما اعتل به ابن حزم حيث قال: هذا حديث لا يصح؛ لأنّ إسرائيل ليس

بالقوي عن عامر بن شقيق وليس مشهورًا بقوة النقل فليس بشيء؛ لأن

(1) صحيح. رواه ابن عدي في الكامل: (2 / 561) .

قوله: " خلْل " التخليل تفريق شعر اللحية وغيرها. وأصله إدخال شيء في خلال شيء آخر.

(2)

صحيح. عدي (2: 561) وابن ماجة (430) . وصححه الشيخ الألباني.

(3)

ضعيف. والمتن صحيح. مجمع 1: 229 بلفظ: " رأيت عثمان بن عفان دعا بوضوء

"

وعزاه إلى " أبي يعلي " وأبو النضر لم يسمع من أحد من العشرة، وفيه غسان بن الربيع ضعْفه

الدارقطني.

ص: 318

إسرائيل لا يحتاج إلى تعريف حاله؛ لأنه ممّن خرج له الشيخان في

صحيحيهما ووثّقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وابن

سفيان وابن حبان وأبو داود وابن سعد وغيرهم، وأما عامر فروى عنه جماعة

منهم الثوري وابن عيينة ومسعر وشريك وذكره أبو حاتم في كتاب المروروذي

وذكره يعني: أحمد فلم يتكلّم فيه بشيء، وقال النسائي: لا بأس به فإنه

بهذه أكثر من يده، وأمّا قول ابن معين فيه ضعيف فليس يعارض ما أسلفناه

من توثيقه عند من صحح حديثه أو حسنه ويكون ضعيفَا بالنسبة إلى غيره من

الثقات/وكذا ذكره ابن أبي حاتم الرازي وقال: ليس بقوي، وقال: معنى

ذلك أبو الحسن بن القطان ولما ذكره الدارقطني في كتاب السنن من حديث

أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن نمير عن إسرائيل بلفظ: " رأيت عثمان يتوضأ

فغسل يديه ثلاثَا وغسل وجهه ثلاثَا ومضمض ثلاثَا واستنشق ثلاثَا " (1)

الحديث.

قال: قال موسى بن هارون: في هذا الحديث موضع وهم عندنا؛ لأن فيه

ابتدأ بغسل الوجه قبل المضمضة والاستنشاق، وقد رواه ابن مهدي وأبو غسان

على الصواب وبنحوه ذكره في العلل لم يزد على ذلك شيئَا والله أعلم، وأما

قول البزار: وهذا الحديث الا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه عن عثمان يشبه

أن يكون وهمَا لما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عطا الخراساني عن

ابن المسيب: " رأيت عثمانَ توضأ فخلل لحيته ثم قال: رأيت النبي عليه

السلام توضأ فخلل لحيته " (2) . وقال: لم يروه عن عطاء إلا شعيب بن زريق،

وقال أبو نعيم: لما رواه أيضَا يحيى من حديث عطاء تفرّد به شعيب وفي

كتاب العلل للرازي: سألت أبي عن حديث رواه ثقة عن أبي سفيان الأنصاري

عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن المسيب عن عمّار الحديث؟ فقال: هو

(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(2/229) من حديث حمران، وعزاه إلى

" أحمد " وهو في الصحيح باختصار ورجاله موثقون.

(2)

صحيح. وبنحوه: رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 50- باب ما جاء في

تخليل اللحية، (ح/430) . وصححه الشيخ الألباني.

ص: 319

حديث موضوع، وأبو سفيان مجهول، حدّثنا محمد بن عبد الله بن حفص

ابن هشام بن زيد بن أنس بن ملك بن محي بن كثير أبو النصر صاحب

البصري عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين " (1) . هذا حديث لما ذكره الدارقطني

في الإِفراد حال تفرّد به محمد بن جرير عن سلمة بن القزاز عن موسى بن

أبي عائشة عنه، ولم يروه عنه غير عيسى بن المنذر الحمصي، وما أسلفناه من

عند ابن ماجة يرد عليه، وعلى هذا فإسناده في غاية الضعف أما شيخ ابن

ماجة فحاله جهولة، وأما يحيى بن كثير فقال فيه الرازيان وابن معين:

ضعيف. زاد أبو حاتم: ذاهب الحديث جدًا، وقال الدارقطني: متروك الحديث.

وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم لا يجوز الاحتجاج به

فيما انفرد به، وقال الفلاس: لا يتعمد الكذب ويكثر الغلط، وقال العُقيلي:/

منكر الحديث لا يتابع على حديثه، وقال الساجي: يعرف وفي التشييع كان

ضعيف الحديث جدًا متروك، يحدّث عن الثقات بأحاديث بواطيل ذكره

يعقوب في باب من يُرغب عن الرواية عنهم، وأمّا يزيد بن أبان أبو عمرو

فكان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه وكان عبد الرحمن يحدّث عنه فيما قاله

عمرو بن علي، وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: يزيد لم يترك

حديثه هوى كان فيه. قال: لا ولكن كان منكر الحديث. وقال عبد الله:

سمعت أبي يقول: هو فوق أبان ابن عباس، وكان شعبة يشبهه بابان. وفي

رواية قال أحمد: لا يكتب عنه شيء كان منكر الحديث وقال ابن معين:

ضعيف، وفي رواية خير من أبان وفي رواية: لا شي، وفي رواية: هو رجل

صالح وليس حديثه بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال التيمي: ليس

بثقة وقال الفسوي: فيه ضعف، وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به لرواية

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 50- باب ما جاء في تخليل اللحية،

(ح/431) .

في الزوائد: في إسناد حديث أنس عبد الواحد، وهو مختلف فيه.

قلت: والحديث صحيح- دون المرتين. انظر: الإرواء (ح/92) ، وصحيح أبي داود (ح/

133) .

ص: 320

الثقات عنه، وثنا ابن أبي شيبة سألت ابن المديني عن يزيد؟ فقال: كان ضعيفًا

وقال الدارقطني: مثله وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله من البكائين

بالليل، لكنه غفل عن حفظ الحديث شغلًا بالعبادة حتى كان يقلب كلام

الحسن فجعله عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة

التعجب، وفي كتاب الساجي: كان رجلًا صالحًا يتم ولا يحفظ ويحتمل

حديثه لصدقه وصلاحه وفضله، وفي كتاب العقيلي قال شعبة: لأن أذني

أحب إلي من أن أروى عن زيد وقد وقع لنا هذا الحديث بزيادة: " كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يقول بيده في ذقنه يخلل يفعل ذلك مرتين وربما

فعله ثلاثًا أو أكثر من مرتين " (1) . نا المعمر أبو الفضل الصابوني- رحمة الله

عليه- قراءة عليه وأنا أسمع ثنا جدي قراءة عليه ثنا ابن الخرستاني ثنا السلم

قراءة عليه ثنا ابن طلاب ثنا ابن جميع ثنا زكريا بن أحمد بمصر، ثنا أبو

غسان، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ثنا الرجيل بن مطرية عن الرقاشي فذكره

وقد وقع لنا أيضًا من طريق صالحة من هؤلاء الضعفاء حسّنه بل صححه لما

حضرها من الشواهد/احتمل قول الله عز وجل: (فامسحوا برؤوسكم)

بعض الرأس ومسح جميعه فدلت السنة أن مَسح بعضه يجزي، وقال في

موضع: فإن قيل فقد قال الله عز وجل: في التيمم فامسحوا بوجوهكم أيجزي

بعض الوجه في التيمم؟ قيل لمه مسح التيمم في الوجه يدلّ على عموم غسله،

ولابُدّ أن يأني بالمسح على جمع موضع الغسل منه ومسح الرأس أصل فهذا

فرق ما بينهما، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنْ مسح المتوضئ ربع رأسه أجزاء

ويبدأ بمقدم رأسه إلى مؤخره، قال الدبوسي: وإن كرر إقبالًا وإدبارًا لم يكن

به بأس وأخذ الماء لكلِّ مرّة بدعة، واختلف أصحاب داود فقال بعضهم

كقول مالك، وقال بعضهم: المسح ليس شأنه في اللسان الاستيعاب والبعض

يجزئ وقال الثوري: والأوزاعي والليث: يجزئ مسح بعض الرأس ويمسح

(1) ضعيف. أورده العقيلي في " الضعفاء الكبير " وبلفظ آخر رواه ابن ماجة في: 1-

كتاب الطهارة، باب " 50 "، (ح/432) .

وضعف هذا اللفظ الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص/633، ح/4363) .

" كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض للعراة، ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها ".

ص: 321

المقدم وهو قول أحمد، وقال أبو حنيفة: إن مسح رأسه أو بعضه ثلاثة أصابع

فما زاد أجزأه وإن مسح رأسه أو بعضه بثلاثة أصابع فما زاد أجزأه وإن مسح

بأقل من ذلك لم يجزه والمراد عند جميع العلماء في مسح رأسها كالرجل

سواء واتفق مالك والشّافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: أنّ الرأس لا يجزئ مسحه

إلا بماء جديد، ومن مسح رأسه بماء فضل من البلل في يديه من غسل ذراعيه

لم يجزه، وقال جماعة والأوزاعي: يجزي انتهى كلامه، وفي تضعيفه الرواية

عن ابن عمر إذا بدأ بوسط رأسه نظر؛ لما ذكره ابن حزم محتجا به، ولا يحتج

بضعيف وروينا عن عمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يدخل يده

في الوضوء فيمسح به مسحة واحدة اليافوخ فقط ورويناه أيضا من طريق عبيد

الله بن عمر عن نافع عنه قال: ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف لما

رويناه في ذلك والله أعلم. وفي حديث أبي هريرة المذكور عند ابن نافع

تقوية لذلك.

***

ص: 322

‌23- باب ما جاء في مسح الأُذُنين

/حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس عن ابن عجلان عن

زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح

أذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما

وباطنهما " (1) . هذا حديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن

سعيد الأشج عن ابن إدريس ولفظه: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ

:فمضمض واستنشق ثم غَرف فغسل وجهه ثم غَرف غَرفة فغسل يده اليمنى

وغرف غرفة فغسل يده اليسرى وغرف غَرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه

ظاهرهما وأدخل أصبعيه فيهما وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى وغَرف غَرفة

فغسل رجله اليسرى " (2) . وأخرجه ابن منده أيضًا وابن حبان عن أبي يعلي،

ثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا ابن إدريس مطولًا ولما أخرجه الترمذي قال:

حديث حسن صحيح وصححه الطبري في مسنده تهذيب الآثار، حدّثنا أبو

بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ثنا وكيع عن الحسن بن صالح عن

عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معود بن عفراء: " أن النبي صلى الله عليه وسلم

توضأ فأدخل أصبعيه في حجري أذنيه " (3) . هذا حديث تقدّم الكلام على

سنده وأن ابن القطان رحجه على حديث المقدام وسكت عنه أبو محمد حين

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 52- باب ما جاء في مسح الأذنين،

(ح/439) . وصححه الشيخ الألباني

(2)

صحيح. رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء، 7- باب غسل الوجه باليدين في

غرفة واحدة، (ح/140) ولفظه: " أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء فمضمض ما

واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعلها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فنسل هما وجهه،

ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم

مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى

فغسل بها رجله- يعني اليسرى- ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ".

(3)

صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كناب الطهارة، 52- باب ما جاء في مسح الأذنين،

(ح/441) . قوله: " حجري أذنيه " الحجر باطن الأذن. وصححه الشْيخ الألباني.

ص: 323

إيراده وذكره بحشل في تاريخه من حديث ليث بن أبي سليمان عن

النعمان بن سالم عنها، ولفظها فغسل أذنيه ظاهرهما وباطنهما حدثنا هشام بن

عمار، ثنا الوليد بن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن

معد يكرب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح برأسه وأذنيه/ظاهرهما

وباطنهما " (1) .

هذا حديث لما ذكره أبو محمد الإشبيلي من عند أبي داود سكت عنه

وعاب ذلك عليه أبو الحسن بن القطان فقال: رواه الوليد بن مسلم عن جرير

عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام وعبد الرحمن هذا مجهول، كان لا

يعرف روى عنه الآخرون وإلى ذلك فإن جريرًا كان له فيما زعموا رأي سيء

في بعض الصحابة، والوليد بن مسلم كان يدلس ويسوي ولم يقل في هذا

الحديث، ثنا ولا أنبأنا ولا سمعت ولا ذكر أنه قال ذلك فمن حيث هو

مدلس يمكن أن يكون قد أسقط بينه وبن جرير وعبد الرحمن بن ميسرة

واسطة، وقد زعم الدارقطني أنه كان يفعل ذلك قْي حديث الأوزاعي يعمد

إلى أحاديث رواها الأوزاعي عن أشياخ له ضعفاء عن أشياخ له ثقات فأسقط

الضعفاء من الوسط وتركها عن الأوزاعي عن أشياخ له الثقات كانه سمعها

منهم، وهذا هو التسوية (2) بإسقاط الضعفاء وهو أقبح التسوية فإنها على

قسمين إما بإسقاط الثقات وإما بإسقاط الضعفاء، كما أن التدليس أيضًا إمَّا

بإسقاط الثقات وإما بإسقاط الضعفاء فما كان من التدليس والتسوية بإسقاط

الضعفاء ينقسم قسمين: قسم هو إسقاط قوم ضعفاء عند غيره ثقات عنده

وهو لا يكون به مجرحًا، ومن هذا القبيل هو قول الدارقطني المحكي عن الوليد

أعني: أن يكون يُسقط من بين الأوزاعي وبن أشياخه الثقات قومًا روى عنهم

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 52- باب ما جاء في مسح الأذنين،

(ح/442) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

انظر: شرح الموقظة للذهبي. تحقيق للشيخ- كامل عويضة. المطبوعة في دار الكلمة بمصر.

وهى من الكتب التي سردت التسوية بأمثلة متنوعة.

ص: 324

الأوزاعي وهم عند الوليد ثقات، وكان غيره يضعفهم فلا يكون يعلمه المذكور

مضعفَا والله أعلم.

انتهى كلامه وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله: الوليد لم يَنْقل في هذا

الحديث ثنا ولا ذكر عن جرير أنّه قال ذلك، وهو ذهول شديد عن الكتاب

الذي نقل منه أعني: كتاب السنن فإنّ لفظه ثنا محمود بن خالد ويعقوب بن

كعب الأنطاكي عن الوليد عن جرير ثم رواه بمدّ عني محمود وهشام بن

خالد قالا: ثنا الوليد بهذا الإِسناد، قال: ومسح بأذنيه./فأحال أبو داود

على الإسناد الأول وقد صَرح محمود فيه يقول الوليد: أخبرني جرير وروى

أبو المغيَرة عن جرير قال: حدّثني عبد الرحمن بن ميسرة قال: سمعت

المقدام يذكره وفيه ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما فعلى هذا الحديث

إسناده واحد اختلف في بعض ألفاظه، وفي اختصاره وإكماله فإذا كان واحدَا

فبرواته محمود عن الوليد بزول التدليس، ويُروى أنه أتى المغيرة عن جرير تزول

التسوية، ولذلك رواه أبو جعفر الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن ميمون

البغدادي قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا جرير بن عثمان وكذا أسلفناه

من عند ابن مليكة.

الثاني: عتبة بن الوليد بالتدليس والتسوية وهو كما قال، ولكن وقع لنا من

غير رواية ذكرها أبو داود، هذا الحديث أيضَا من حديث الإمام أحمد بن

حنبل ثنا أبو المغيرة ثنا جرير قال: حدّثني عبد الرحمن سمعتَ المقدام يذكره

بلفظ: " فمسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما فهذا أبو المغيرة عبد

القدوس بن الحجاج الخولاني الثقة الثبت المخرج حديثه عند الأئمة الستة تابع

الوليد على روايته، وكأنّ روايته لم تكن فإن اعترض معترض بأنّ حديث الوليد

فيه ذكر الصحاح، وهذا لها ذكر له فيه فالجواب ما أسلفناه من أنّه حديث

واحد اختلف في اختصاره وإكماله، وأنه روى بالمعنى وإدخال أصبعه لمسح

باطن الأذن هو معنى نوله وادخل أصابعه في صماخ أذنيه، ويوضح ذلك قول

الطبراني في الكبير أثر حديث أبي المغيرة ثنا هاشم بن مرثد ثنا صفوان بن

ص: 325

صالح ثنا الوليد عن جرير عن ابن مَيسرة عن المقدام مثله، ويؤيد حديث

الربيع وأدخل أصبعيه في حجري أذنيه.

الثالث: قوله: وعبد الرحمن هذا مجهول الحال، وليس كما زعم؛ لأن

العجلي لما ذكره في كتابه قال: هو شامي تابعي ثقة، ولما ذكره البُستي في

كتاب الثقات عرفه بروايته عن أبي أمامة والمقدام قال: وهو حضرمي وقال/

ابن سرور: عن أبي الحبراني وجبير بن نفير.

الرابع: قوله في جرير كان له رأي سيء في بعض الصحابة لم يزد على

ذلك مزيدًا به والله أعلم. عيبَهُ ولا عيب عليه في أمر كان منه ورجع عنه في

فيما حكاه علي بن عياش حكى ذلك ابن حبان، وفي كتاب الغسل على

علي بن حبان سمعت جَريرًا يقول لرجل: ويحك تزعم أني أشتم عليَا والله ما

شتمته قط، وذكر ابن عدي عنه أنه قال: والله ما شتمت عليَا قط، وقال أبو

حاتم: حسن الحديث ولا يصح عندي في رواية ما، يقال في رأيه ولا أعلم

بالشام أثبت منه وهو ثقة متقن، وفي رواية البخاري عن أبي اليمان يتناول

من رجل ثم نزل ذلك الفعل، وقال أبو بكر الخطيب كان ثقة، وحكى عنه

من سوء المذهب والاعتقاد ما لم يثبت عليه، وقال العقيلي محمد بن

إسماعيل ثنا الحسن بن علي الحلواني ثنا شبابة قال: سمعت جريرًا قال له

رجل: نا أبو عمر وبلغني عنك أنك لا ترخم على علي، فقال له: أسكت

ما أنت وهذا ثم التفت إلي فقال رحمه الله مائة مرة، وقال ابن سرور: روى

له الجماعة إلا النسائي وتتبع ذلك عليه الشيخ جمال الدين فزعم أن الجماعة

رووا حديثه إلا مسلم بن الحجاج وأتى ذلك الحافظان اللالكائي والحبال فزعما

أنه خرج حديثه والله أعلم.

الخامس: سكوته عن علة إن صحت كانت فادحة بخلاف ما ذكره من

العلل ذكرها العسكري أبو أحمد عن هشام بن محمد السائب العلي أن

المقدام بن معد يكرب وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأقام بالمدينة أربعين يوما ثم هلك،

فعلى هذا يكون حديث عبد الرحمن بن ميسرة عنه منقطعًا؛ لأنه ليس

ص: 326

صحابيًا، وإما وفدت الوفود سنة تسع والله أعلم، ولما ذكر أبو عدي حديث

ابن عباس قال: وفي الباب عن الربيع واغفل حديث الباب وحديثًا ذكره ابن

وهب في مسنده فقال: ثنا أسامة بن زيد الليثي عن عطاء بن أبي رباح: " أنّ

عثمان مسح على ظاهر أذنيه وباطنهما وقال: هكذا رأيت النبي- عليه

السلام- يتوضأ " (1) .

وذكره أيضًا القاضي أبو أحمد في/مسنده، وهو قطعة من حديث تقدم

الكلام عليه قبلَ من هذه الطريق المنقطعة، ومن حديث عامر بن شقيق عن أبي

وائل عنه، وحديثًا عند أبي عوانة من جهة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:

" أنّ رجلَا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف الطهور؟ فدعى بماء فتوضأ فأدخل

أصبعيه السبابتين بين أذنيه فمسح بإبهاميه باطن أذنيه وبالسبابتين ظاهر

أذنيه " (2) . وحديثا في المستدرك ذكره في الشواهد الصحاح، وصححه

الطبراني أيضَا في مسنده من جهة حميد عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ

فمسح ظاهر أذنيه وباطنهما ".

ثم قال ذلك: ابن قدامة ثقة مأمون، وقد أسنده عن الثوري، وخالفه

البيهقي وحديثًا عند البغوي من جهة عمرة قالت: سألت عائشة عن الأذنين

قالت-: هما من الرأس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أذنيه ظاهرهما

وباطنهما إذا توضأ " (3) . رواه عن طالوت ثنا اليمان أبو حذيفة عنها، ولما

ذكره الدارقطني أعله بقوله اليمان ضعيف، ورواه النسائي في كتاب الكُنى من

حديث سالم بن سلام عنها راوية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ومسحت رأسها

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 51 "، (ح/435) .

وصححه الشيخ الألباني

(1)

أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/231) وعزا هـ إلى الطبراني في " الكبير " وله في

الصحيح حديث غير هذا، وفيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد ويحيى وجماعة ووثقه دحيم.

قلت: وهذا حديث صحيح بشاهده.

(3)

صحيح. رواه للدارقطني: (1/105) ولفظه: " كان يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ".

ص: 327

مسحة واحدة الوضوء مرة أو مرتين ثم مرت بيديها بأذنيها ثم مرتين على

الجلد، وعند البزار من جهة أبي الخافش محمد بن حجر وهو ضعيف، عن

سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه عن أمه عن وائل بن حجر قال: " رأيت

النبي- عليه السلام وأتى بإناء فيه ماء فذكر وضوءه ثم قال: وغسل باطن

أذنيه وأدخل أصبعيه في باطن أذنيه " (1) .

***

(1)

صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(1/232) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "

و" البزار " وفيه سعيد بن عبد الجبار، قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في

الثقات وفي سند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف. قلت: وهو حديث ضعيف

بكلام الهيثمي. ولكن للحديث شواهد صحيحة بمعناه فالحديث إذن صحيح.

ص: 328

‌24- باب الأذنان من الرأس

حدّثنا سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن شعبة، عن

حبيب بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأذنان من الرأس "(1) . هذا حديث

أخرجه أبو حاتم في صحيحه ولم يلتفت إلى ما أعل به؛ وذلك أن سويدًا

خرج له مسلم في صحيحه حديثه محتجًا به ووثقه غير واحد؛/ورمى

بالتدليس وهو هنا مأمون (2) وبالاختلاط لما عمى والتلقين وهو هنا معدوم؛ لأن

ابن ماجة أخذ عنه قديمًا وقول البيهقي في الخلافيات: إثر حديث خالف

الشّافعي اختلط بعد أن كتب عنه مسلم، ولعلّه لو عرف تغيّره ما روى عنه

في الصحيح، فكلام لا معنى له، ولعل الملجئ له إلى ذلك التعصب؛ لأنه طال

ما صحح أحاديث من روايته غير مُبيّن منها سماعًا ولا تحدَّثنا ولا حال لا بل

يحيل على من وثقة، وخرج مسلم حديثه، وقد بين الدارقطني حاله بيانا شافيًا

حين سأله حمزة عنه فقال: تكلّم فيه ابن معين، وقال: حدث عن أبي

معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن

والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (3) . قال يحيى: وهذا حديث باطل عن أبي

معاوية لم يروه غير سويد، وجرح سويدًا لروايته هذا الحديث قال أبو الحسن:

(1) تقدم تخريجه موصولا، وهو في: سنن ابن ماجة: 1- كتاب الطهارة، باب " 53 "،

(ح/443) . قلت: والحديث صحيح، صححه الشيخ الألباني.

(2)

كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

(3)

صحيح. ت (3768)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. خط 11: 90- حم 3: 3،

62، 64، 82، ك 3: 196، 167- طب 3: 25، 28، 29: 272- مجمع 9: 187،

182: 183، 184- حب 2228- ومشكل 2: 393- منثور 4: 262، كنز 17795-

34246، 34259- 34260، 34282، 34285، 34682- ش 12: 96، 97- سنن

14: 138- بدا ية 2: 51، 8: 35- صحيح 796- حلية 4: 939، 140، 5: 58، 71-

شج ا: 44- 2: 235- كر 2: 59، 4: 209، 255، 317، 7: 368، أصفهان 1:

342-

خط 1: 140، 2: 185، 4: 207، 6: 371، 9: 231- خصائص 62، 67

وحرجان (395) وابن عدي (2/638، 768، 02، 3/1270، 1370، 5/1959، 6/

2378، 7/2738) والخفاء (1/429) وتذكرة (98) والدرر (71) .

ص: 329

فلم نزل نظن ما قاله حتى دخلت مصر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فوجدت

هذا الحديث في مسند أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، وكان ثقة

ودلس عن أبى كريب قال: عن ابن لهيعة معاوية كما قال: سويد سواء

وتخلص سويد.

وصح الحديث عن أبي معاوية، ثنا بذلك المسند المعمر أبو الحسن الصوفي

بقراءتي عليه يوم الأربعاء سابع عشرين جمادي الأولى سنة سبع عشرة وسبع

مائة أخبركم الإمام أبو محمد بن ظافر المصري أجازة إن لم يكن سماعًا عن

الحافظ السلفيَ قال: سمعت المؤتمن الساجي يقول: سمعت إسماعيل بن

مسعدة يقول: فذكره وقد أشبع الكلام فيه في كتاب الواضح المبيّن في ذكر

من مات من المحبين.

وأما قول أبي عيسى الترمذي، قلت: للبخاري فإنهم يذكرون عن

سويد بن سعيد عن ابن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد فذكر كلامًا

وكان بعده ما صورته وضعف جدًا، وقال: كلما لقّن شيئًا تلفته وضَعَّف أمره

فإنما يريد سويدًا لا الحديث؛ لأنّ مذهبه في سويد معلوم، وحبيب بن زيد بن

خلَّاد حفيد عبد الله بن زيد، وثقة/النسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم

الحنظلي: صالح وباقي من في الإِسناد لا يقال عن حالهم، حدّثنا محمد بن

زياد، ثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس، وكان يمسح رأسه مرة وكان

يمسح المأقين" (1) . هذا حديث مختلف في وقفه ورفعه وتحسينه وضعفه.

فأمّا أبو داود فذكر في كتاب التفرد عن سليمان بن حرب بقول أبو أمامة

يعني الأذنين، أمّا الترمذي فإنه لما ذكره قال: الإسناد ليس بذلك القائم وقال

الدارقطني رفعه وهم، والصواب أنه موقوف، ثم ذَكر من تابع شهر على رفعه

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب (53)، (ح/444) . والمأق:

طرف العين الذي يلي الأنف.

قلت: والحديث صحيح دون"مسح المأقين". انظر: صحيح أبى داود ح/123، والمشكاة

416، والصحيحة ح/36.

ص: 330

وهو راشد بن سعد من طريق أبي صريح وهو ضعيف، والقاسم من طريق

جعفر بن الزبير وهو متروك، ولما ذكر ابن عدي راشد هذه قال: هذا يعرف

من طريق حماد بن زيد عن عبد الله بن أحمد بن عيسى يوسف عن

عيسى بن يونس عن ابن أبي مريم هكذا، وأسجل منه عليه، وقال قتيبة: قال

حماد لا أدري هو من قول النبي عليه السلام أو أبي أمامة- يعني قصة

الأذنين- وقال في الخلافيات: ما منها حديث- يعني الأذنان من الرأس- إلا

وله عفة وقال البيهقي في السنن الكبير: روى حديث الأذنان من الرأس

بأسانيد ضعاف أشهرها حديث شهر، وهو معلل من وجهين: الأول: ضعف

بعض رواته والآخر: الشك في رفعه، وبنحوه قال الدارقطني، وفيما قالاه

نظر؛ لأن حديث ابن زيد المذكور أصح من حديث شَهْر وأَشْهر، ولما سئل

موسى بن هارون عن حديث أبي أمامة قال: ليس بشيء فيه شَهْر والحديث

في رفعه شك، وقال سليمان بن حريث الأذنان من الرأس، إنّما هو من قول

أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدل أو كله، قالها سليمان أي أخطأ، ولما

ذكره الدارقطني في سننه قال شهر: ليس بالقوي، وقد وقفه ابن حُريث عن

حماد وهو ثقة ثبت، ولما ذكره الإشبيلي / أبرز من إسناده شهرا فقط، قال ابن

القطان: ليم يتقدّم له ذكر شهر قبل هذا فهو إذا لن يعتمد فيه مقدما قدمه،

وشهر قد وثقة قوم وضعفه آخرون وجنح إلى توثيقه كما أسلفناه قبل، ويرويه

عنه أبو ربيعة سنان ابن ربيعة قال فيه أبو حاتم: شيخ مضطرب الحديث، وقال

ابن معين ليس بالقوي وقد أخرج له البخاري، فهذا الذي فسرناه من عفة هذا

الخبر وهو الذي لا يسمح من أجله عنده. والله أعلم، وفي كتاب العلل

للحنظلي: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن سنان بن ربيعة عن

أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم:"كان إذا توضأ غسل ما في عينيه"(1) قال أبي: يعني

عن حماد بن زيد عن سنان عن شَهْر عن أبي أمامة عن النبي وحماد بن زيد

أحفظ وأثبت من ابن سلمة، وسنان مضطرب الحديث، حدّثنا محمد بن

يحيى، ثنا عمرو بن الحصين، ثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة عن عبد الكريم

(1) رواه قط: (1/104) . وقد تقدم في أكثر من موضع.

ص: 331

الجزري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الأذنان من الرأس"(1) هذا حديث. قال أبو محمد الأشبيلي: لا يصح ولم

يبيّن ذلك، وهو حديث معلل بأمرين:

الأول: عمرو بن الحصنين البصري العقيلي قال ابن أبي حاتم: سمع منه

أبي وقال: تركت الرواية عنه ولم يُحدّثنا بحديثه وقال: هو ذاهب الحديث

ليس بشيء، أخرج أوّل الشيء أحاديث مشبهة حسانا، ثم أخرج بعد لابن

عُلاثة أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه فترك حديثه، وسئل أبو

زرعة عنه عندما امتنع عن التحدث عنه فقال: ليس هو في موضع من تحدث

عنه هو واهي الحديث، وقال أبو الفتح: لا أدري ضعيف جدا يتكلّمون فيه،

وفال ابن عدي: حدث عن الثقات بغير حديث منكر وهو متروك الحديث،

وقال الدارقطني: متروك وقال في السنن: لما ذكر الحديث عمرو بن عُلاثة

ضعيفان. ثم ذكره من رواية/جماعة وضعفها كلّها وأغفل ذكره الحافظ

المقدسي في كماله ولا ينبغي ذاك.

الثاني: أبو اليُسر محمد بن عبد الله بن عُلاثة العقيلي قاض بغداد لمحمد

أبي جعفر، ويُعرف بقاضي الجن وإن كان ابن معين وثقة، وقال ابن أبي شيبة:

كان ثقة إن شاء الله تعالى، وقال أبو زرعة: صالح فقد قال أبو حاتم الرازي:

نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال أبو الفتح

الأزدي: أقنع من البخاري بهذا حديثه يدل على كذبه، وكان أحد العُضل

في التزيد، وفي موضع آخر كان واهي الحديث لا يحل كتب حديثه عن

الأوزاعي وحديثه يدل على كذبه، قال أبو بكر الخطيب: قد أفرط الموصلي

في أصل علي بن علاثة، وأحسبه وقعت إليه روايات لعمرو بن الحصين عن

ابن علاثة فنسبه إلى الكذب لأجلها، والعلة في تلك من جهة عمرو؛ فإنّه

كان كذابا وأمّا ابن عُلاثة فقد وصفه ابن معين بالثقة، ولم أحفظ لأحد من

الأئمة فيه خلاف ما وصفه عنه يحيى. انتهى كلامه، وما ذكرناه من كلام

الأئمة يرد قوله وقال ابن عدي: ابن عُلَاثة حسن، وأرجوا انه لا بأس به،

(1) تقدم قريبا ص 330.

ص: 332

وقال الدارقطني: عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان، وقال ابن

حبان: يروى الموضوعات عن الثقات لا يحل ذكره إلا على جهة القدح فيه،

ورّد به ابن القطّان حديثًا وكذلك ابن طاهر وردّ حديثه ما عظمت نعمة الله

على عبد بقوله ليس بحجة، ولما ذكر أبو عيسى حديث شَهْر قال: وفي

الباب عن أنس لم يرد شيئًا، وقد تقدّم حديث عبد الله بن زيد وأبو هريرة،

وفيهما رّد لما ذكروا وكذا حديث عبد الله بن عباس القائل فيه عبد الحق وهو

ضعيف، وأنكر ذلك أبو الحسن فقال: هو عندي ليس كذلك، بل إما

صحيح وإما حسن وبيانه هو ما ذكره الدارقطني، ثنا محمد بن عبد الله بن

زكريا النيسابوري بمصر، ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ثنا أبو كامل،/ثنا

غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان

من الرأس" (1) حدّثني به أبي قال: ثنا الباغندي، ثنا أبو كامل مثله هذا

الإِسناد ثقة رواته، واتصاله، وإنما أعلّه الدارقطني بالاضطراب في إسناده فتبعه

أبو محمد علي ذلك، وهو ليس أصل فيه، والذي قال فيه الدارقطني: هو أن

أبا كامل تفرّد به من عنده ووهم فيه عليه، هذا ما قال ولم يؤيّده بشيء ولا

عضده بحجة، غير أنّه ذكر أنّ ابن جريج الذي دار الحديث عليه يُروى عنه

عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وما أدري ما الذي يمنع أن

يكون عنده في ذلك حديثان مسند ومرسل. انتهى كلامه، وفي قول ابن

القطان عن الدارقطني تفرّد به أبو كامل عن غندر فقط، نطر لإِغفاله قوله

وتابعه الربيع بن بدر وهو متروك عن ابن جريج وكذا ذكره أبو أحمد

الجرجاني من رواته الربيع بن بدر عن ابن جريج، ولا يرد به عند عليلة، وعند

صاحب شعبة وهو من حديث عبد، وليس بمحفوظ والربيع بن بدر متروك،

وحديثه عن غندر أبو كامل والمعمري ففي قوله والمعمري رّد لما قاله الدارقطني

من تفرّد أبي كامل به عن غدر، ورواه أيضًا من جهة محمد بن زياد الطحان

عن ميمون بن زيد عن ابن عباس:"سئل عليه السلام عن الأذنين"الحديث

وحديث سلمة بن قيس الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا توضأت فانشر

(1) تقدّم قريبا ص 330.

ص: 333

وإذا استجمرت فأوتر والأذنان من الرأس" (1) . ذكره أبو بكر الحافظ في

كتاب المدرج من الأحاديث من حديث حيينة بن سليمان عن زرين القاسم

الجبلي عن آدم عن شعبة عن منصور عن هلال بن سنان وعنه قال: قوله في

هذا الحديث:"الأذنان من الرأس"خطأ فظيع ووهم، وذلك أنّ المثنى

المرفوع/آخره فأوله وحسب لا زيادة عليه، والوهم في هذا الحديث مردود به

وهمه على احتراز من جهة وهمه، وروا الحديث في كتاب آدم ممن تبعه آخره

فأوتر، وبعده في أثره روى بإسناد آخر عن عبد الله بن عمر:"الأذنان من

الرأس"فأسقط الناقل بحديث سلمة ما بعده من إسناد حديث ابن عمر

ووصل منه بلفظ حديث سلمة، وقد روى معمر والثوري وزائدة وموسى بن

مطير وقيس بن سلمة هذا الحديث فلم يزيدوا على ما قلت لك، وكذا رواه

أبو الوليد عن شعبة عن منصور، وروى إبراهيم بن القاسم البلدي عن آدم عن

شعبة حديث سلمة هذا، وأتبعه بحديث ابن عمر، وميّز كل واحد منها عن

صاحبه وحديث عبد الله بن عمر ذكره ابن عدي الحافظ من رواية زيد العمي

عن نافع عنه وعن زيد بن محمد بن الفضل بن عقبة قال: ولعلّ البلاء منه،

وأنّه أضعف من زيد، وذكره أيضا في ترجمة إسماعيل بن عياش عن

يحيى بن سعيد عن نافع عنه قال: وهذا الحديث لم يحدث به عن إسماعيل

غير ضمرة ولا عن يحيى غير إسماعيل، وقال الدارقطني: رفعه وهم

والصواب موقوف، وحديث أبي موسى الأشعري ذكره أبو القاسم في الأوسط

من حديث علي بن سعد الرازي، ثنا الأحمر وقال: لم يروه عن الأشعث إلا

علي بن شهر تفرّد به علي بن زياد، ولا يروى عن أبي موسى إلا بهذا

الإِسناد، وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سمعت أبي وذكر حديث

علي بن جعفر الأحمر عن عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن أبي ذاكرت

أبا زرعة بهذا الحديث فقال: حدّثنا إبراهيم بن موسى عن عبد الرحيم فقال

عن أبي موسى موقوف، ولما ذكره ابن عدي قال: لا أعلم أحدا رفعه عن

عبد الرحيم غير علي الأحمر، حديث عائشة قال فيه الدارقطني: إرساله أصح

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب"44"، (ح/409) من حديث

أني هريرة. وليس فيه"والأذنان من الرأس". وصححه الشيخ الألباني.

ص: 334

وحديث علي ذكره الدبوسي في الأسرار،/وحديث جابر بن عبد الله

وسمرة بن خروف ذكرهما البيهقي في كتاب الخلافيات، وأعلهما وعمر أبو

محمد بن حزم بضعف الأحاديث الّتي في الباب ووهاها، وفيه نظر لما أسلفناه

قال أبو عمر في كتاب التمهيد: قال مالك فيما روى عنه ابن وهب وابن

القاسم وأشهب وغيرهم:"الأذنان من الرأس"قال: يستأنف لهما ماءا

جديدا سوى الماء الذي مسح به الرأس، فوافق الشافعي في هذا لأن الشافعي

قال: يمسح الأذنين بماء جديد كما قال مالك، ولكنه قال: هما سنة على

حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس أقبح بحديث ابن جدعان، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم

أخذ لهما ماء جديدا وكذلك روى أنه عليه السلام:"مسح مسند مسحتيه

لأذنيه"وذكر ذلك أبو زيد وفي حديث عبد الله بن زيد المصحح إسناده عند

البيهقي دلالة واضحة للشّافعي وهو واحد لأذنيه ما خلاف الماء الذي أخذ

لرأسه، وذكره أبو عبد الله بن البيع في النوع الخامس والعشرين من علوم

الحديث بسند صحيح، ثنا بذلك المسند المعمر أبو المزن الدبوسي بقراءتي عليه

عن ابن المقر، ثنا أبو علي الحافظ، ثنا أبو الطاهر المديني بمصر، ثنا جبريل بن

يحيى، ثنا بن وهب، ثنا عمرو بن الحرث عن حيان بن واسع عن أبيه عن

عبد الله بن زيد فذكره، وقال: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، ولم

يشركهم فيها أحد. ورواه الترمذي بهذا الإسناد بلفظ:"مسح رأسه بماء غير

فضل يديه" (1) وقال فيه صحيح كذا قالَ: مسح رأسه ولم يذكر الأذنين،

(1) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 27- باب ما جاء اَنه يأخذ لرأسه ماءا

جديدا، (ح/35) . وقال:"هذا حديث حسن صحيح". ورواه مسلم مطولا (1/83)

من طريق ابن وهب، ورواه أبو داود من طريقه مختصر (1/46- 47) . وروا 5 الدرامي في

سننه (1/180) قال:"حدثنا يحيى بن حسان ثنا ابن لهيعة ثنا حبان بن واسع عن أبيه عن

عبد الله بن زيد المازني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالجحفة، فتمضمض واستنشق، ثم

غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه ثلاثا، ثم مسح رأسه، وغسل رجليه حتى أنقاهما، ثم

مسح رأسه بماء غير فضل يديه.

ورواه أحمد في المسند مرتين (4/39، 40) عن موسى بن داود عن ابن لهيعة، وفيه:

"بماء غير فضل يديه"ورواه أيضا مرة ثالثة (ص 42) عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة،

قريبا من رواية الدرامي، ورواه مرة رابعة (ص 41- 42) عن علي بن إسحاق وعتاب عن ابن

المبارك عن ابن لهيعة، وفيه:"بماء هن غير فضل يده ".

ص: 335

وكذا حديث مالك عن ابن عمر أنه:"كان إذا توضأ يعيد أصبعيه في الماء

فيمسح بهما أذنيه"وقال عبد الحق: روى هذا بن حارثة عن أبيه عن النبي

صلى الله عليه وسلم:"تجريد الماء للأذنين"، وهو ضعيف، وزعم ابن القطان أنه حديث لا

وجود له أصلًا، وقال أبو عمر: وقول أبي ثور في ذلك كقوله سواء، وقال

أحمد بن حنبل كقول/مالك، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه:"الأذنان

من الرأس يمسحان مع الرأس بماء واحد"وروى عن جماعة من السلف من

الصحابة والتابعين مثل هذا القول، وقال ابن شهاب: الأذنان من الوجه،

وقال الشعبي: ما أقبل منهما من الوجه وظاهرهما من الرأس، وبه قال

الحسن بن يحيى وابن راهويه وحكى ابن راهويه هذا القول عن الشافعي،

والمشهور ما تقدّم ذكره رواه عنه المزني والربيع والبويطي والزعفراني وغيرهم،

وقد روى عن أحمد مثل قول الشعبي وإسحاق، وقال داود: إن مسح أذنيه

فحسن، وإن لم يمسح فلا شيء عليه، وأهل العلم يكرهون للمتوضئ ترك

مسح أذنيه ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجبون عليه إعادة،

إلا إسحاق فإنّه قال: إن ترك مسح أذنيه عمدَا لم يجزه، وقال أحمد: إنّ

تركهما عمدًا أحببت أن يعيد، وقد كان علي بن زياد صاحب مالك يقول:

من ترك سنة من سنن الوضوء أو الصلاة عامدًا عاد، وهذا عند الفقهاء ضعيف

وليس يقابله نص ولا له حظ من النظر ولو كان كذلك لم يُعرق الغرض

الواجب مرة غيره، واحتج مالك والشافعي في أخذهما للأذنين ماء جديدَا؛

لأنّ ابن عمر كان يفعل ذلك وحجة أبي حنيفة حديث زيد بن أسلم عن

عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وحديث الصنابحي حيث

قال عليه السلام:"فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه"كما قال في

الوجه:"من أشفار عينيه"وفي اليدين:"من تحت أظفاره"ومن المعلوم أن

العمل في ذلك واحد بماء واحد، واحتجوا أيضَا بما رواه أبو داود عن ابن

عباس، ومسح برأسه مسحة واحدة وأكثر الآثار على هذا، وحجة من قال:

يغسل ظاهرهما مع الوجه، ويمسح باطنهما مع الرأس أن الله عز وجل قد أمر

بغسل الوجه، وهو مأخوذ من المواجهة فكل ما وقع عليه اسم وجه وجب

غسله، وأمر عز وجل بمسح الرأس وما لم يواجهك من الأذنين فمن الرأس؛

ص: 336

لأنهما في الرأس فوجب/المسح على ما لم يوجه منها مع الرأس، وهو قول

ترده الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:"كان يمسح ظهور أذنيه وبطونهما"(1)

من حديث علي وابن عباس وغيرهما ومجد بن شهاب أنهما من الوجه؛ لأنه

لم يكن قفا والله تعالى قد أمر بغسل الوجه أمرًا مطلقًا وفي حديث عثمان:

"فأخذ ماء فمسح يرأسه وأذنيه فغسل ظواهرهما وبطنهما"(2) ومن الحجة له

أيضًا ما صح عنه عليه السلام أنّه:"كان يقول في سجوده سجد وجهي

للذي خلقه فشق سمعه وبصره" (3) فأضاف السمع والبصر إلى الوجه،

وحجة الشافعي في قوله: إن مسحهما سنة على حبالهما، اجتماع العلماء على

أنّ الذي يجب عليه حلق رأسه في الحج ليس عليه أن يأخذ ماء على أذنيه من

الشعر، قال أبو أحمد: ولا يختلف أحد في أنّ البياض الذي بين منابت

الشّعر من الأذنين ليس هو من الرأس في حكم الوضوء، فمن المحال أن يكون

بين أجزاء رأس الحي عضو ليس من الرأس، وأن يكون بعض رأس الحي مباينًا

لسائر رأسه، وأيضًا لو كان من الرأس لأجزأ أن يمسحا عن مسح الرأس، وهذا

لا يقول به أحد، وحكى الخطابي أن قوله عليه السلام:"الأذنان من الرأس"

له تأويلان أحدهما يمسحان مع الرأس تبعًا، والآخر إنهما يمسحان كما يمسح

الرأس ولا يُغسلان كالوجه وإضافتها إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة

تخفيف، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم أي في حكم

النصر مولد ولاه دون حك النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني

هاشم لم يعط مواليهم ومولى اليهودي لا يؤخذ بَالجزية، وفائدة الكلام ومعناه

عنهم إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل وقطع الشبه فيها لما بينهما من

(1) صحيح. رواه القرطبي في"تفسيره": (6/91) .

(2)

صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/229) من حديث حمران، وعزاه إلى

" أحمد"وهو في الصحيح باختصار ورجاله موثقون.

(3)

صحيح. رواه مسلم في (المسافرين، باب"26"، ح/201، 201) والترمذي (ح/

580، 3421، 3423، 3425) والنسائي في (الافتتاح، باب"15"، والقرآن باب"10")

والحاكم في"المستدرك"(1/220) وصححاه. والطبراني في"الكبير"(19/232) وابن أبي

شيبة في"المصنف"(2/20) والقرطبي في"تفسيره"(4/45، 6/91) وأحمد في' المسند"

(6/30) .

ص: 337

الشبه في الصورة، وذلك إنما وجدا في أصل الخلقة بلا شعر، وجُعلا محلَا

لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محلها الوجه فقيل: الأذنان/من الرأس

ليعلم أنهما ليسا من الوجه.

***

ص: 338

‌25- باب تخليل الأصابع

حدثنا محمد بن المصفي الحمصي، ثنا محمد بن حمير عن أبي لهيعة،

حدّثني يزيد بن عمرو المغافري عن أبيِ عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن

شداد قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره"(1) .

هذا حديث قال فيه أبو عيسى: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة

ولفظه ذلك أصابع رجليه بخنصره، وقال البزار: لا نعلم أحدا يرويه بهذا

اللفظ إلا بهذا الإسناد عن المستورد، وقد روى نحو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من

غير وجه بغير هذَا اللفظ وفيما قالاه نظر لما سنذكره بعد، وذكره العسكري

في معين الصحابة وشرطه أن يذكر حسن ما روى ذلك الصحابي ما عرفه،

ولما ذكره المسندي وعبد الحق وغيرهما ضعفوه بابن لهيعة وتتبع ذلك أبو

الحسن علي بن أبي أحمد فقال: رواه غيره فصح وهو ما ذكره ابن أبي

حاتم، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي وهب قال: سمعت عمي، سمعت

مالك يسأل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، قال: ليس ذلك على

الناس، قال: فتركته حتى خف الناس فقلت له: عندنا في ذلك شنة، قال:

ما هي؟ قلت: ثنا الليث وابن لهيعة وعمرو بن الحرث عن يزيد بن عمرو

المغافري عن أبي عبد الرحمن فذكره، فقال: إن هذا الحديث حسن ما

(1) صحيح. مجمع (1: 34) بلفظ:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فبدأ بغسل"، ورواه

ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 54- باب: تخليل الأصابع، (ح/446) .

ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب"30"، (ح/38) وقال: هذا حديث حسن

صحيح.

ورواه أحمد (4/33) عن وكيع. ورواه أبو داود مطولا (1/54- 55) . ورواه النسائي (1/

30-

31) بلفظ:"أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع"ورواه الحاكم (1/147- 148)

مطولا بأسانيد متعددة وصحيحة، ورواه مختصرا (1/182) .

ورواه ابن الجارود (ص 46) والبيهقي (1/51، 76) . ورواه ابن حجر في"الإصابة"في

"ترجمة لقيط"(6/8) بإسناده من طريق الفضل بن دكين عن الثوري، وقَال:"هذا

حديث صحيح".

ص: 339

سمعته قط إلا الساعة ثم سمعت بعد ذلك سأل، فأمر بتخليل الأصابع

أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قد وثقة أهل زمانه، قال ابن أبي حاتم:

سألت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عنه، فقال: ثقة ما رأينا إلا افتراء

قلت: سمع من عمه، قال: أي والله، وقال ابن أبي حاتم: سمعت عبد

الملك بن شعيب ابن الليث يقول: ابن أخي ابن وهب ثقة ما رأينا افتراء،

قلت: سمعت من عمه، قال: أي والله، وقال أبو حاتم: وقد أخرج له

مسلم/وأما ما آثار عليه بعض من تأخر من أحاديث رواها بآخره عن عمه،

وهذا لا يغبّره إذ هو ثقة أن ينفرد بأحاديث ما لم يكن ذلك الغالب عليه، وإنما

الذي يجب أن يتفقّد من أمر هذا الحديث قول ابن أبي حاتم، نا أحمد بن

عبد الرحمن فإني أظنّه يعني في الإجازة فإنه لما ذكره في بابه قال: إذْ أَنَّ أبا

زرعة أدركه ولم يكتب عنه وإن إياه قال: لا أدركته، وكتبت عنه فظاهر هذا

انه هو لم يسمع منه فإنّه لم يقل: كتبت عنه مع أبي لعادته أن يقول: فيمن

يشترك مع أبيه، والحديث المذكور وقع له في آخر المقدمة في ذكره مالك بن

أنس انتهى كلامه بنصه، وفيما قاله نظر من وجوه:

الأول: قوله: وقد أخرج له مسلم مقتصرا على ذلك في مَعْرَض مدحه

ولو قال والبخاري لكان أمدح، وممن نقل على أنّ البخاري خرج حديثه في

صحيحه من غير أن ينسبه أبو أحمد الحاكم الحافظ فيما ذكره عنه الكلاباذي

وأبو علي الحبائي في تقييد المهمل، وابن عساكر في النبل وصاحب زهرة

المتعلمين في أسامي مجاهير المحدّثين.

الثاني: قوله: وإنّما أنكر عليه بعض من تأخر موهما أنّ القدماء أثنوا عليه

والمتأخرون وحدهم أساءُوا في الثناء عليه، وليس كذلك؛ لأنا رأينا جماعة من

القدماء تكلموا فيه منهم أبو حاتم الرازي حيث قال: كتبنا عنه وأمره مستقيم

ثم خلط ثم يأتي خبره أنه رجع عن التخليط، ولما بلغ أبو زرعة رجوعه قال:

هذا نحس حاله، ولا نبلغ به المنزلة التي كان من قبل قال: وأدركناه ولم

نكتب عنه، وقال ابن عدي: رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين

على ضعفه، وقال أبو سعيد بن يونس: لا تقوم بحديثه حجة، وقال عبد

الرحمن الشيباني: كان كذابا.

ص: 340

الثالث: ما ذكرهَ من تفقد سماع ابن أبي حاتم من أحمد بن عبد الرحمن

مردود بأمرين:

الأول: أنّ ابن أبي حاتم ليس مدلسا وقد صرح بالتحديث المشعر

بالسماع وذلك مقبول إجماعًا من المدلسين فكيف من غيره؛ ولإن سلمنا له

ما/قاله: من أنه روى عنه بالإجازة كان أيضًا متصلًا عند جماهير أهل العلم

من المحدثين وعنهم حتى قالَ أبو الوليد الباجي: لا خلاف في جواز الرواية

بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها وادّعى الإِجماع من غير تفصيل،

وحَكى الخلاف في العمل ورد عليه ادعاء الإِجماع برواية عن الشافعي رواها

عنه الربيع بن سليمان ثم قال: وأنا أخالفه في ذلك، وتبع الشافعي القاضي

حسين والماوردي والإِمام أبو إسحاق الحربي وأبو الشيخ وأبو نصر إلى مجزي

وعنهم النسائي فجئ هذا الحديث بغية من غير روايته من طريق صحيحة

ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب غرائب حديث مالك عن أبي جعفر

الأسواني عن أبي بشر محمد بن أحمد الدولابيِ قال: ثنا أحمد بن عبد

الرحمن بن وهب قال: سمعت عمن يذكره، وذكره أبو عبد الله محمد بن

الربيع بنت سليمان الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة مر، جهة

جماعة عن ابن لهيعة منهم عبد الله بن عبد الحكم وابن وهب، وفي روايتها

عنده ذكر سماع يزيد ابن أبي عبد الرحمن وسماع أبي عبد الرحمن من

المستورد وكذا ذكره ابن وهب في مسنده وأبو عبيد في كتاب الطبري،، وأما

أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الجبُلي المعافري فمنسوب إلى جُبل أخي مُقْرًا

بخبر سبيع بن الحرث بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن

مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد

شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن غريب بن رهَيد بن المزبن هميسع بن

حمير بن سبأ كذا ساق نسبه ابن الكلبي في جامعه وجمهرة الجمهرة

والجمهرة وأبو عبيد بن سلام وغيرهما من البساتين، وخالف في ذالك أبو

سعد السمعاني فزعم أنه منسوب إلى بني الحُبلي سالم بن غانم بن عوف بن

الخزرْج بن حارب وكذا قاله أبو زيد السهيلي، وهو وهم منها يثبت ذلك في

كتابي المسمى بالزهر الباسم بشواهده فأعني عن إعادته/هنا والله اعلم،

ص: 341

حدَثنا ابن إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر عن

أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مَولى التوأمة عن ابن عباس قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل لما بين أصابع

يديك ورجليك" (1) .

هذا حديث قال فيه الترمذي حين رواه من حديث عبد الرحمن بن أبي

الزياد عن موسى: هذا حديث حسن غريب، وقال في العلل الكبير: سألت

محمدَا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن وموسى بن عقبة سمع من

صالح قديمَا، وكان أحمد يقول: من سمع من صالح قديمَا فسماعه حسن،

ومن سمع منه خبرَا فكأنه يضعف سماعه، فال محمد وابن أبي ذئب: سماعه

منه أخيرَا، وقد روى ذلك عنه مناكير، ولما ذكر أبو عبد الله في مستدركه عن

صالح عن ابن عباس به، قال صالح: هذا أظنّه مولى التوأمة وإن كان أبان

فليس من شرط هذا الكتاب، وإنَما أخرجه شاهدَا، وأمَا قول الترمذي حسن

غريب فيعني ذلك حسن المتن؛ لأنه روى نحوه من غير وجه، والغرابة في

الإسناد وهي تفرد ابن أبي الزياد به وهو ممن ذكر قبل ما للناس فيه من

الكَلام، وأمّا سعيد بن عبد الحميد فذكر في النص الأنصار يدّعى انه سمع

عرض ابن مالك، قال أحمد: والناس ينكرون عليه ذلك هو هنا ببغداد لم

يحج كيف سمع عرض مالك وذكر منها انه سأل أحمد وابن معين وأبا

خيثمة عن كيف هو؟ فقالوا: كان هاهنا، وأمّا صالح بن نبهان فهو ممن قال

فيه مالك بن أنس: ليس بثقة فلا يأخذون عنه شيئَا، وقال أبو زرعة: ضعيف

وفال أبو حاتم: ليس بالقوي، وكان شعبة لا يروي عنه، وينهي عنه، واختلف

قول يحيى عنه فمرة قال: ثقة حجة، ومرة قال: لم يكن ثقة، وقال ابن

حبان: تغيّر سنة خصر وعشرين وما به، وجعل يأتي بالأشياء التي تشبه

(1) صحيح متفق عليه. خ 8: 69، 169- م صلاة 45، 46 هـ 447، 1060- هق 2:

15، 372126، 373- خزيمة 454- سنة 3: 3- مشكاة 790- ترغيب ا: 340

تلخيص 1: 218- فتح 11: 36، 549- غليل 1: 321- كد ابن عساكر 19626- سن

1: 288 والترمذي. وقال:"هذا حديث حسن غريب".

ص: 342

الموضوعات من الثقات فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم/ولم يميز فاستحق

الترك، وفال ابن سَعْد: رأيتهم يهابون حديثه، وقال ابن معين: لقيه مالك بعد

ما كبَّر وخرف وكذلك الثوري ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف،

وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء، ابن أبي ذئب وابن جريج

وزياد بن سَعْد وغيرهم، ومن سمع منه بآخره وهو مختلط مثل مالك

والثوري فغير شيء.

وفيما قالاه نظر مخالف لما ذكره البخاري من أنّ ابن أبي ذئب سمع منه

بآخره وذكر العقيلي والساجي ويعقوب في الضعفاء وكذا أحمد في مسنده

وخرجه عن سليمان بن داود الهاشمي، ثنا عبد الرحمن بن أبى الزياد عن

موسى بن عقبة عن صالح سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"خلل أصابع يديك ورجليك"(1) .

يعني: إسباغ الوضوء وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك حتى تطمئن

وإذا سجدت فلتمكن جسمك من الأرض حتى تجد حجر الأرض، حدّثنا أبو

بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن كعب عن

لقيط بن صَبرة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسبغ الوضوء وخلل بين

الأصابع" (2) .

هذا حديث تقدم الكلام عليه في باب المبالغة في المضمضة مستوفيا

هناك. ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا معَمَّر بن محمد عن عبيد الله بن

(1) صحيح. رواه أحمد (1/278) من طريق موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة قال:

سمعت ابن عباس يقول: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة؟ فقال له رسول الله

صلى الله عليه وسلم

فذكره. ورجاله موثقون، إلا أن صالحا هذا وهو ابن نبهان كان اختلط، لكنهم قد

ذكروا ابن أبي ذئب، وغيره من القدماء قد روى عه قبل الاختلاط 0

(2)

صحيح. رواه أبو داود (ح/2366) والترمذي (ح/788) وقال: هذا حديث حسن

صحيح. والنسائي في (الطهارة، باب"57"وابن ماجة (ح/448) والبيهقي في"الكبرى"

(1/52) وابن أبي شيبة في"المصنف"(1/11) وابن كثير في"تفسيره"(3/52) .

ص: 343

أبي رافع حدثني أبي عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كان إذا توضأ حرك خاتمه"(1) .

هذا حديث ذكره أبو أحمد وضعفه وكذلك أبو الحسن البيهقي وتبعهم

على تضعيفه أبو محمد الإشبيلي وأبو الحسن بن القطان ومحمد بن طاهر وأبو

الفرج البغدادي ويحيى بن عبد الواحد المقدسي بقوله: رواه معمر بن محمد بن

عبيد الله بن أبي رافع، قال البخاري: هو منكر الحديث وفيما قاله نظر؛ لأن

القائل فيه البخاري هذا القول هو أبوه لا هو، كذا هو في كتاب الإشبيلي

وابن الجوزي وغيرهما، وقال عنه يحيى: ليس بشيء، وقال الرازي: ذاهب،

وقال الدارقطني: ضعيف/الحديث، منكر الحديث جدًا ذاهب، وقال أبو

أحمد كوفي في عداد شيعة الكوفة ويروى من الفضائل أشياء لا يتابع عليها،

وذكره أبو جعفر في كتاب الضعفاء وكذلك يعقوب ابن سفيان، وقال

الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير وابنه معمر، قال ابن معين: ما كان

ثقة ولا مأمونًا، وقال أبو حاتم: رأيته ولم أكتب عنه في سنة ثلاث عشرة

وما يتبين فخرج علينا وهو مخضوب الرأس واللحية فلم أسأله عن شيء فدخل

فرأى بعض أصحاب الحديث وأنا قاعد فقال: ما يقعد؟ فقلت: انتظر

الشيخ أن يخرج، قال: هذا كذاب. وقال ابن عدي: ومقدار ما يرويه لا

يتابع عليه، وقال صالح بن محمد: ليس بشيء، وقال ابن حبان: ينفرد عن

أبيه بنسخة أكثرها مقلوب لا يجوز الاحتجاج به، وفال العقيلي: لا يتابع

على حديثه ولا يعرف إلا به وعبد المالك بن محمد أبو قلابة الرقاشي الضرير

الرجل الصالح وإن كان أبو داود قال فيه: رجل صدوق أمين، فقد قال

الدارقطني: صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، وكان يحدث من حفظه

فكثرت الأوهام منه، ولما ذكر البيهقي هذا الحديث قال: والاعتماد في هذا

الباب على الأثر عن علي وغيره ثم روى أثرَا عن علي من جهة سمير (2) عن

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (449) في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف معمر وأبيه

محمد بن عبيد الله. والبيهقي (1/57) والدارقطني (1/83) . والمشكاة (429) . وضعفه

الشيخ الألباني. أنظر: ضعيف ابن ماجة (ح/100) .

(2)

كذا ورد"بالأصل".

ص: 344

أبيه قال:"وضأت عليا فكان إذا توضأ حرك خاتمه". ومن جهة الأزرق بن

قيس قال:"رأيت ابن عمر إذا توضأ حرك خاتمه". وروى ابن أبي خيثمة

عن يحيى بن عبد الحميد، ثنا عبيد بن هاشم عن عُبَيدة ابنة نائِل قالت:

"رأيت عائشة ابنة سَعْد وفي يدها خاتمان فكانت إذا توضأت حركتهما".

وفي غريب الحديث لابن قتيبة من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن الحرث عن

عقبة بن مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبُلي عن الصنابحي أن أبا بكر- رضى

الله عه- رأى رجلًا يتوضأ فقال: عليك بالمغْفَلة والمنشلة" (1) . قالوا: المغْفلة

العنقفة سميت بذلك؛ لأن كثيرا من الناس يغفل عنها وعما تحتها، والمنْشَلَة:

موضع/الخاتم من الخنصر ولا أحسبه سمى بذلك إلا أنه إذا أراد غسله نشل

الخاتم من ذلك الموضع أي: اقتلعه منها ثم غسله ورد الخاتم وذكر الحديث في

كتاب الترغيب عن مبرور الشيخي أنه قال: رأيت في المنام إصبعي الصغرى

تكلمني، فقالت: ما لي من بين أصابعك أُعذب؟ قلت: ولم ذاك؟ قالت:

إنك إذا توضأت لا تحرك خاتمك، قال أبو موسى وقد ثبت عن النبي عليه

السلام أنه قال:"ويل للأعقاب من النار ومن ترك شعرة لم يصبها الماء من

الجنابة فعل الله به كذا وكذا في النار" (2) . قال علي:"فلذلك عادت

رأسي" (3) وخللوا أصابعكم بالماء قبل أن يخللها نيران جهنم في غير ذلك،

ومن الأحاديث في كتاب تخليل الأصابع غير حديث سوى ما ذكره أبو عبد

الله فمن ذلك حديث أبي هريرة رواه الدارقطني من حديث يحيى بن

(1) قوله:"المنشلة"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/23، 35، 52، 53) ومسلم في (الطهارة، ح/

25، 38، 30) والترمذي (ح/41) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (ح/97)

والنسائي في (الطهارة، باب"88" (وابن ماجة (ح/450، 451، 453، 455) وأحمد

في"المسند"(2/193، 205، 211، 226، 282) وا لموطأ (20) وا لدرامي (1/179)

والبيهقي في"الكبرى"(1/69، 84) والدارقطني في"سنه"(1/95، 108) وشفع (75)

وابن خزيمة (162، 166) وابن أبى شيبة (1/26) والحميدي (161) وأبو عوانة (1/229،

250) وموصح (1/291، 292) واستذكار (1/176) .

(3)

كذا"بالأصل".

ص: 345

ميمون بن عطاء وكان له فيما ذكره ابن أبى حاتم عن ليث عن عقبة عن

مجاهد عنه قال عليه السلام:"خللوا أصابعكم لا يخللها الله يوم القيامة في

النار" (1) . وحديث عائشة رواه أيضًا من حديث سَنْدل وهو متروك الحديث،

قال ذلك أبو حاتم وغيره عن ابن شهاب عن عروة عنها قالت:"كان النبي

صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويخلل بين أصابعه ويدلك عقبيه ويقول: خللوا أصابعكم لا يخلل

الله بينهما في النار" (2) .

وحديث ابن مسعود ذكره ابن أبي حاتم فقال: سألت أبي عن حديث

رواه زيد بن الزرقا عن الثوري عن مسكين عن هزيل بن شرحبيل عن ابن

مسعود قال عليه السلام:"ليخللن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكها النار"(3) .

فقال أبي رفعة منكر وحديث أبي أيوب أخرجه أبو عبد الله الحسين بن

إسماعيل المحاملي في إملائه سنة ثلثين وثلثمائة من رواية ابن الربيع عنه من

حديث رباح بن عمرو/بن يحيى الرقاشي ابن أخي أبي أيوب عنه قال: خرج

علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"حبذا المتخللون بالوضُوء والطعام"(4) . وذكره

عبد الحميد في مسنده أنَّ يزيد بن هارون ثنا رباح وحديث عثمان الذي عند

الدارقطني تقدم تصحيحه عن جماعة في باب تخليل اللحية أنه:"توضأ

فخلل أصابع قدميه وقال: رأيت النبي- عليه السلام فعل كما فعلت" (5) .

(1) ضعيف جدا. نصب الراية (1/26) والدارقطني في"سننه "(1/95) والخفاء (1/459)

والفوائد (11) .

وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع: (ح/2846) .

(2)

أورده الألباني في"ضعيف الجامع") ص 419، ح/2845) . وعزاه إلى الدارقطني من

حديث عائشة وقال: ضعيف.

(3)

منكر. كما ذكر الشارح.

(4)

ضعيف. رواه أحمد في"المسند"(5/416) والطبراني في"الكبير"(4/212) والمطالب لابن حجر

(92)

وابن عدي في"الكامل"(7/2547) والخفاء (1/412) وابن أني شيبة (1/12) والمجمع (1/

235) وعزاه إلى أحمد والطبراني في"الكبير"وفي إسنادهما واصل الرقاشي وهو ضعيف.

(5)

صحيح. المجمع (2/130) وا لصحيحة (1349) وا لخفاء (1/459) وأحمد (1/287)

ولفظه:"خلل أصابع ديك ورجليك

"الحديث.

ص: 346

وحديث أبي الدرداء وذكر وضوئه عليه السلام وخلل ما بين أصابع رجليه

سرس (1) إلى الكعبين ذكره أبو إسحاق بن عبيد في مسنده فقال: حدّثني

سهل بن إسماعيل، ثنا سهل بن زنجلة، ثنا مبشر الحلبي، ثنا ثابت بن نجيح عن

الحسن عنه وحديث الربيع ووصفها وضوءه عليه السلام قالت: ويغسل رجليه

ثلاثًا فخلل بين أصابعه، ذكره أبو القاسم في الأوسط وقال: لم يروه عن

النعمان بن سالم يعني عنها إلا ابن أبي سليم وعن ابن أبي سليم إلا يزيد ابن

إبراهيم القشيري ولا عن يزيد إلا حجاج بن منهال تفرد به أبيه عبيد الله ابن

حجاج، وحديث أنس مرفوعًا:"حبذا المتخللون من الوضوء"انتهى.

ذكره في تاريخ الموصل من حديثه عن أحمد بن علي ثنا ابن عمار ثنا

عفيف بن سالم عن محمد بن أبي جعفر العطار عن رقية عنه وفي حديث أبي

هريرة وعائشة وابن مسعود وعثمان وأنس وأبي الربط والربيع وحماد ردّه لما

ذكره الترمذي وأغفله حنِن تعداده أصحابه والله أعلم، وكان ابن سيرين

وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن عيينة وأبو ثور يحرّكون

خاتمهم في الوضوء ورخص فيه مالك والأوزاعي ويعني ذلك عن سالم، وقال

عبد العزيز بن أبي سلمة وأحمد بن حنبل: إن كان ضعيفًا يحيله ويدعه إن

كان سليمًا قال أبو بكر: وبذلك أقول.

***

(1) كذا ورد"بالأصل".

ص: 347

‌26- باب غسل العراقيب

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع عن سفيان عن

منصور عن هلال بن سيار عن أبي يحيى عن عبيد الله بن عمرو قال:"أتى/

رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يتوضئون وأعقابهم تارخ فقال: ويل للأعقاب من النار

وأسبغوا الوضوء" (1) . هذا حديث خرجاه في الصحيحين، ولفظ البخاري:

"تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه فأدركنا وقد أرهقنا الصلاة صلاة

العصر". وفي لفظ لمسلم:"رجعنا مع النبي عينا من مكة إلى المدينة".

وفي مستخرج أبي نعيم وصحح ابن ماجة وابن خزيمة:"بيض تلوح لم يمسها

الماء". حدثنا أبو جابر ثنا عبد المؤمن بن علي ثنا عبد السلام بن حرب عن

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويل

للأعقاب من النار" (2) . وأخرجه أيضَا من حديث سعيد بن عجلان عن

سعيد بن أبي سعيد عن أبيِ سلمة عنها قال:"رَأَيَت عائشة عبد الرحمن

وهو يتوضأ الحديث بلفظ:"العراقيب"(3) هذا حديث رواه مسلم في

صحيحه من حديث عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، ثنا أبو سلمة

حدّثني سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة يوم توفى سعد بن أبي

وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها فقالت يا عبد الرحمن:

"أسبغ الوُضوء". الحديث. وحديث أبي سلمة عنها، وفي علل أبي عيسى

قال محمد: حديث أبي سلمة عنها يعني عائشة حديث حسن، وحدثنا

سالم عنها حديث حسن، وقال أبو زرعة في كتاب العلل: وهم شيبان

النحوي فأدخل بين سالم وعائشة أبا هريرة، والصحيح حديث الأوزاعي عن

يحيى عن حسين المعلم عن يحيى عن سالم عنها، ولما ذكره الحافظ أبو الفضل

الهروي في علله قال: هذا حديث، قد خالف أصحاب يحيى عكرمة فرواه

(1، 2) تقديم الحديث قريبا ص 345.

(3)

صحيح. رواه ابن ماجة (ح/452) . وصححه الشيخ الألباني.

ص: 348

علي بن المبارك وحرب بن شداد والأوزاعي عن يحيى قال: حدّثني سالم،

وقد قيل في هذا الحديث: حدّثني أبو سالم وليس بمحفوظ، وذكر أبو سلمة

في حديث يحيى غيره محفوظ وقد روى عن أبي سلمة وعائشة من غير رواية

يحيى ومن غير ذكر سالم انتهى، وفي كلامه استشعار،/فإن عكرمة هو

المخالف لا غيره، وليس كذلك لما ذكره الطبراني في الأوسط من حديث أبي

عبيد بن سلام، ثنا عمر بن يونس البخاري عن عبد الرحمن بن حرب عن أبيه

عنها وقال: لم يروه عن هشام إلا عبد السلام تفرّد به عبد الرحمن بن علي،

ورواه أيضًا من حديث عكرمة عن يحيى حدّثني أبو أسامة حدّثني سالم أو

قال أبو سلام به قال: لم يدخل في إسناد هذا الحديث بين يحيى وسالم أبا

سلمة ولا عكرمة ولا غير عكرمة إلا عمر بن يونس تفّرد به أبو عبيدة، وفي

كتاب الطيالسي:"ويل للأعقاب من النار يوم القيامة"(1) . حدّثنا محمد بن

عبد المالك بن أبي الشوارب ثنا عبد العزيز بن النجار، ثنا سهل عن أبيه عن

أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ويل للأعقاب من النار". هذا حديث

أخرجاه في صحيحيهما، ولما رواه البخاري بلفظ:"ويل للعقب من النار".

قال: هذا أعجب إلي من حديث عبد الله بن عمر، وهذا حديث إسناده

صحيح على شرط الشيخين إلا سعيد بن أبي كريب ويقال: كرب، والأول

أصح فيما ذكره الدارقطني والبزار وإن كان لم يرو عنه غير أبي إسحاق، فقد

قال فيه أبو زرعة: كوفي ثقة، وذكره أبو حاتم البُستي في كتاب الثقات،

وأخرجه في الحلية من حديث سليمان ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا

ابن مهدي ثنا سفيان عن أبي إسحاق، وقال: غريب من حديث الثوري

(1) صحيح. رواه الطبراني في الكبير والطيالسي وابن خزيمة في صحيحه والأول والثالث من

حديث عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي مرفوعا، ورواه أحمد موقوفا عليه". وكذلك

نسبه الهيثمي في"المجمع"(1/240) إلى الطبراني مرفوعا وأحمد موقوفا. ولكن الحديث في

مسند أحمد في موضعين (4/191) من طريق ابن لهيعة عن حيوة بن شريح عن عقبة بن

مسلم عن عبد الله بن الحرث، وإسناده صحيح، وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/

70) من طريق يحيى بن بكير عن الليث عن حيوة عن عقبة بن مسلم، وكذلك رواه ابن عبد

الحكم في فتوح مصر) ص 299) من طريق الليث بن سعد وابن لهيعة ونافع بن يزيد كلهم عن

حيوة عن عقبة. وهذه أسانيد صحاح كلها.

ص: 349

تفرّد به ابن مهدي وأخرجه أبو القاسم في الأوسط من طريق عمرو بن أبي

زائدة عن أبى إسحاق عن سعيد وقال: لم يروه عن عمرو إلا أبو عبيدة

الحدّاد ذكره البزار أيضًا من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن

النبي- عليه السلام رواه عن عمرو بن علي عن أبي معاوية عنه قاله في

معرض سعيد أبي إسحاق المتقدّم عنه، ولا يعتلى لأمرين:

الأول: ما أسلفناه من يوثق سعيد أنه محتاج إلى غيره وفي هذا أيضًا رد

عليه حيث قال: إنما ثبت مثالًا/لحفظه من غيره، وهذا قد حفظه هو عن غيره

فلم أثبته هنا والله أعلم.

الثاني: حديث الأعمش عن أبي سفيان منقطع، والمنقطع ضعيف لا يشهد

حديث صحيح، وممن نصّ على انقطاع ما بيتهما أبو بكر البزار ثقة قال: وقد

روى عنه نحوا من مائة حديث، وإنما من حديث ما لا يحفظه من غيره لهذه

العلة، وقال في موضع آخر: إنما هي صحيفة عُرضت عليه. وفي موضع آخر

وذكر حدثنا عن الناس ثنا يحيى بن سعيد ثنا الأعمش قال: حدّثني أبو

سفيان يعني: طلحة بن نافع فذكر حدّثنا قال في أثره: كان يحيى يذكر

أحاديث الأخبار وربما حدّث بها غيره فيدخل منها رجلًا فعلى هذا لا يتبع

فيه، وقال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث أبي الأسباط ثنا عبد

الرحمن بن أبي حماد المقري عن الحسن بن صالح وعمّار بن زريق عن أبي

إسحاق لم يرو هذا الحديث عن الحسن بن صالح إلا عبد الرحمن تفرد به أبو

الأسباط والله أعلم، وذكر ابن شاهين حديث جابر في كتاب الناسخ

والمنسوخ من جهة العزرمي عن عطاء عنه قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

توضأنا أن نغسل أرجلنا". حدّثنا العباس بن عثمان وعثمان بن إسماعيل

الدمشقيان قالا: ثنا الوليد بن مسلم ثنا شيبة بن الأحنف عن أبي سلام

الأسود عن أبي صالح الأشعري قال: ثنا أبو عبد الله الأشعري عن خالد بن

الوليد وابن يزيد أبي عن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص

كل هؤلاء سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتموا الوضوء ويل للأعقاب من

ص: 350

النار" (1) . هذا حديث قال فيه الترمذي في العلل عن البخاري: هذا حديث

حسن. ولما سأل ابن أبي الغنايم أبا زرعة عنه، قال: أبو صالح وأبو عبد الله

لا يعرف أسماؤهم، ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن إسماعيل بن

إسحاق الكوفي قال: ثنا سفيان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا شيبة عن

أبي سلام عن أبي صالح حدّثني أبو عبد الله الأشعري قال صلى الله عليه وسلم/ثم جلس

في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل لا يركع وينقر في سجوه

والنبي- عليه السلام ينظر إليه فقال:"أترون هذا لو مات على هذا لمات

على غير ملة محمد؛ فينقر في صلاته كما ينقر الغراب الدم مثل الذي يصلي

ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين فما يغنيان عنه

فأسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار، وأتموا الركوع والسجود" (2) . قال أبو

صالح الأشعري: فقلت لأبّي عبد الله الأشعري: من حدثك هذا الحديث؟

قال: أمر الأجناد: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان

وشرحبيل بن حسنة كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الباب غير

حديث من ذلك حديث عبد الله بن جَزْء ذكره الحافظ أبو بكر بن خزيمة وأبو

عبد الله، وذكره ابن أبي حاتم في علله من حديث علي بن يزيد عن

عبيد الله بن زجر عن أبي القاسم عنه وزعم أن أبا زرعة ضعّفه، رواه الحاكم

من حديث الليث بن سعد عن وجوه عن شريح عن عقبة، وحديث أبي أمامة

ذكره الطبراني وحديث أخي أبي أمامة ذكره أيضَا أبو القاسم من حديث جرير

عن ليث عن ابن سابط عن أخي أبي أمامة قال:"رأى النبي- عليه

السلام- قومَا يتوضئون فبقى على أقدامهم قدر الدرهم لم يُصِبه الماءُ فقال:

(1) أورده الألباني في"الصحيحة: ح/872) وقال: أخرجه ابن ماجة (1/170) هن طريق الوليد بن

مسلم. وقال: وهذا إسناد رجاله ثقات غير شيبة الأخنف وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال البوصيري في الزوائد (ق 2/34) :"هذا إسناد حسن، ما علمت في رجاله ضعفا".

(2)

صحيح. رواه ابن ماجة مختصرا في: 1- كتاب الطهارة، باب (55/ح/455) .

في الزوائد: إسناده حسن. ما علمت في رجاله ضعفا. وصححه الشيخ الألباني.

ص: 351

ويل للأعقاب من النار" (1) ورواه الدارقطني (2) في سننه من حديث عبد

الواحد بن زياد، ثنا ليث ثنا ابن سابط عن أبي أمامة أو عن أخي أبي أمامة قد

ذكره وفيه فكان أحدهم ينظر فإذا رأى موضعَا لم يصبه الماء أعاد الوضوء،

وفي الأوسط لأبي القاسم من حديث سويد بن سعد ثنا علي بن مُسهر وقال

عن أبي أمامة وأخيه: جمع بينهما من غير شكّ ولا ترّدد في أحدهما، وكذا

ذكره المديني في حديث الصحابة عنهما، ولما سئل أبو زرعة عن هذا الحديث

قال: أخو أبو أمامة لا أعرف اسمه. وحديث أبي ذر خرجه ولم يسمع

الكجي في سننه من حديث ابن عيينة عن عبد الكريم أبي أمية عن مجاهد

عنه ولم يسمع منه قال: أشرف علينا النبي- عليه السلام ونحن نتوضأ

فقال:"ويل للأعقاب من النار"./

وحديث مُعَيقِب رواه البزار عن عمرو بن علي عن أبي داود ثنا أترب بن عتبة

عن يحيى بن أبي بكر عن أبي سلمة عنه قال- عليه السلام:"ويل للأعقاب

من النار" (3) . وقال: لا نعلمه يروى عن مُعيقب إلا بهذا الإِسناد. وقال الترمذي

في كتاب العلل: قال البخاري: وحديث أني سلمة عن مُعَيقب ليس بشيء كان

أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه؛ فلا أحدّث عنه، وضعّفه جدَا. ولما سأل

ابن أني حاتم أباه عن هذا الحديث قال: إنّما هو عن يحيى عن سالم وعن عائشة

ومنهم من يقول: يحيى عن أبي سلمة عن سالم عن عائشة وحديث الأعمى ذكره

الشّافعي في مسنده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعمى يتوضأ:"بطن القدم فجعل

الأعمى يغسل بطن القدم ولا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم فَسُمِّى البصير" (4) وفي تفسير

(1) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/240) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"

من طرق: ففي بعضها عن أبي أمامة وأخيه وفي بعضها عن أني أمامة. ومدار طرفه على ليث

بن أبي سليم وهو ضعيف.

(2)

رواه الدارقطني في"سننه": (1/95، 108) . وانظر: المجمع (1 لم 240) .

(3)

تقدم تخريجه في أكثر من موضع من هذا الباب. وأقربه الحاشية رقم (1) .

(4)

ضعيف. رواه عبد الرزاق في"المصنف"(75) والترغيب (1/170) والمجمع (1/240)

وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وبكسر بن سوادة ما أظنه سمع=

ص: 352

الثعلبي سمَّى أبا بصير غسِيلُ ورواه أبو موسى في معرفة الصحابة من حديث

محمد بن محمود وله صحبة، وحديث أبي سعيد الخدري ذكر5 أبو إسحاق

الشيرازي في كتاب غسل الرجلين؛ الذي قرأته على الشيخ المسند المعمر

علي بن الصلاح رحمة الله عليه. أخبركم الحافظ صدر الدين إجازة إن لم

يكن سماعًا عن أبي القاسم عبد المحسن بن عبد الله الحافظ الخطيب الطبري

ثنا والدي أن الإمام أبو إسحاق وثنا به عاليا أبو البدر عن ابن الموعن أبي

الكريم عنه، ويشَبه أن يكون في كلامه نظر؛ لأنّ حديث أبي سعيد ذكره

الدرامي، وليس فيه إلَّا إسباغ الوضوء ولا ذكر للأعقاب فيه والله أعلم. وفي

حديث أبي أمامة وأخيه وأبي ذر وأبي سعيد والأعمى ردّ على أبي عيسى إذا

أعضلهم والله أعلم. العُرقوب موصل القدمين بالساق من الإِنسان قاله البزار،

وقال الجوهري: هو العصب الغليظ الموتر فوق عَقب الإِنسان وعرقوب الدابة

في رجلها بمنزلة الركبة في يدها، قال أبو داود: حديث الطرق والمنكب

والعرقوب والقلب، قال الأصمعي: كل ذي أربع عرقوباه في رجليه وركبتاه

في يديه، قال أبو جعفر: العزب تقول: الكعبان هما العرقوبان، والعقب

بكسر القاف/مؤخر القدم وهي مؤنثة، وحكى بعضهم سكونها قال: أراد

صاحبها فحذف المضاف وقوله: أنهما الصّلاة أي: أخرناها حتى كادت تدنو

من الأخرى، وقال الخليل: أرهقنا أستأخرنا عنها. وقال أبو زيد: أرهقنا عن

الصلاة أخرناها ورهقنا حانت، وقال النَّضر: أرهقت الشيء غشيته ورهقتني

دنا منّي، وقال الأعرابي رهقته وأرهقته بمعنى دنوت منه، وأرهق الحلم دنا مه

قال عياض: ويكون أرهقنا بمعنى أعجلتنا لضيق وقتها ويقال: أرهقته أعجلته،

ومنه المراهق فالحج بالفتح ويقال بالكسر الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف،

وقيل: الوقوف بعرفة.

***

= أبا الهيثم، والله أعلم.

ص: 353

‌27- باب ما جاء في غسل القدمين

ذكر فيه حديث لأبي حية عن علي الوايلي فيه الجوربان صحيح، وحديث

المقدام بن معد يكرب (1) وحديث الربيع، وقد تقدّم ذكر هؤلاء، وأغفل

حديث عمرو بن عنبسة الطويل من عند مسلم، وفيه كما أمره الله وحديث

جابر عند الدارقطني قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا للصلاة أن

نغسل أرجلنا" (2) . وحديث أنس المذكور عنده:"أن رجلًا توضأ وترك على

قدميه مثل الظفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحسن وضوءك" (3) .

وحديث خالد بن مَعْدان عن بعض الصحابة عند أبي داود أن رجلا صلى

وفي ظهر قدميه لمعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعد الوضوء والصلاة" (4) .

وحديث عثمان بن عيدان أخرجه وفيه فغسل قدميه، وحديث أبي بكير:

"بينا أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل قد توضأ وبقى على ظهر قدميه

مثل الظفر" (5) . ذكره الدارقطني في كتاب الإِفراد والغرائب وقال: غريب

من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جدّه عن أبي تفرّد به

الوازع بن نافع عنه وتفرّد به الربيعة بن سقلاب عن الوازع، وذكر أنّ ابن

شاهين من جهة الوازع بن نافع عن سالم عن ابن عمر عن أبي بكر وعمر/

بنحوه وحديث محمد بن محمود:"رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعمى يتوضأ فقال:

اغسل باطن قدميك فجعل يغسل باطن قدميه" (6) .

***

(1)

قوله:"يكرب"وردت"بالأصل""كرب"، والصحيح ما أثبتناه.

(2)

صحيح. رواه الدارقطني: (1/107) . وابن أبي شيبة في"المصنف"(1/41) .

(3)

صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/31) وأبو داود (173) وأحمد (1/21، 23،

3/146) .

(4)

حسن. الكشاف: (52) وأبو داود في (الطهارة، باب"66"، (ح/175) .

(5)

ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/241) وعزاه إلى الطبراني في

"الأوسط"و"الصغير"وفيه الوازع بن نافع وهو مجمع على ضعفه.

(6)

تقدّم في أحاديث الباب ص 352.

ص: 354

ذكره المديني في كتاب العلل من حديث عبدان عن الأشج، ثنا أبو خالد

ثنا يحيى بن سعد عنه وحديث أبي الهيثم:"رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ

فقال اغسل بطن القدم يا أبا الهيثم". ذكره الطبراني وحديث ابن هيثم عن

بكر بن سوادة عنه، قال أبو إسحاق الفرضي: في الرجلين في الوضوء الغسل

إلى الكعبين: وهما العظمان النابتان في مفصل الساق والقدم. هذا مذهب

الشافعي، وبه قال من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود

وابن عباس وابن عمر وحذيفة وأنس بن مالك وأبو هريرة وتميم الداري

وسلمة بن الأكوع وعائشة، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحابه

على غسل القدمين وقد لقى عبد الرحمن مائة وعشرين صحابيَا، وقال

عطاء بن أبي رباح لم أدرك أحدَا منهم يمسح على القدمين، وقد لقى عطاء

عشرة من الصحابة، وهو مذهب الشعبي والحسن وابن سيرين والزهري

وعكرمة ومحمد بن علي بن الحسين وجعفر بن محمد وعطاء الخراساني، وهو

قول مالك والليث والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق

وأبي ثور وأبي عُبيد والحسن بن صالح وداود بن علي، وذهب الإِمامية من

الشيعة إلى أنّ الواجب هو السح على ظهر القدم من الأصابع إلى الكعبين،

والكعب عندهم في ظهر القدم ووافقهم على الكعب محمد بن الحسن ولكن

لم يوافقهم في المسح، وقال بعض أهل الطاهر: يجب الجمع بين المسح

والغسل، وقال ابن حزم: هو بالخيار بين المسح والغسل، والدليل على فساد ما

ذهبوا إليه أنّ الأخبار تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى قوم وضوءه، وروى

قوم أمره، وروى قوم الوعيد في ترك غسل الأعقاب، وأمّا ما ذهبوا إليه من

أنّ هذه الأحبار آحاد فلا نقبلها ولا نعمل بها فيجاب بأنّ هذا ليس بآحاد؛

لأنّ مجموعها تواتر معناها، وأما قراءة من قرءوا رجلكم بالخفض فمعارضة بمن

نصبها، وهو نافع وابن عباس وعلي بن حمزة وهو أحد/الروايتين عن عاصم

فلا حجة إذا الوجود المعارضة فإن قيل: نحن نحمل قرأه النصب على أنّها

محمولة على المخل؛ لأن محل الرأس النصب وإنّما انخفض بدخول الباء فيكون

ص: 355

نصب الأرجل على العطف على المحل، وإذا حملناه على ذلك لم يكن منهما

تعارض بل يكون معناهما المسح وإن اختلف اللفظ فيها، ومتى أمكن الجمع

لم يجز الحمل على التعارض والأحكام والدليل على جواز العطف على المحل

قوله تبارك وتعالى:) واتقوا الله الذي تساءلون * به والأرحام ((1)

وقول الشاعر:

الاخى ندماني عُمَير بن عامرٍ

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدًا

فنصب غدا على المحل وقول الشاعر:

مَعَاوِي إننا بَشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

فنصب الحديد على المحل، وقال جندح: كبير أناس في بحادٍ مُزَمَّلُ، وقال

ضعيف سواءٍ! قَدير مُعَجَّل وقال زهير:

لعب الزمان بها وغمَّرها

بعدي سَوَاء في المودِ والفطر

وقال النابغة:

لم يبق إلَّا يسير غير منقلب أو

موثق في حبال القدّ مَسلُوبُ

وقال جرير:

فما أتت إن ماتت إن تك داخل

إلى أنّ بسطام بن قيسٍ تحاطب

وقال آخر:

حي دارًا أعلامها بالجناب

مثل ما لاح في الأديم الكتاب

وقال دوَيْد:

فجئت إليه والرماحُ تتوشُه

كوقع الصباحي في النسيج الممدَّد

فدافعت عنه الخيل حتى تبدّدت

وحتَّى علا ذلك من اللّون أسود

وقال آخر:

كأنما مددت قدام أعينهما قطنًا

بمستحصل الأوتاد محلوج

(1) سورة النساء آية: 1.

ص: 356

ويجاب بأنّ العطف على المحلّ خلاف يشبه، وإجماع الصحابة فإنّما الشبه

فحديث عمرو بن عَنْبَسَة يعني المتقدم الذكر، وأما الإِجماع فهو ما روى

عاصم عن أبي عبد الرحمن السلّمي قال:"بينما (1) أنا يوم والحسن نقرأ وإن

رجلكم على علي، وجليس قاعد إلى علي/رضى الله عنه محادثه فسمع نفرَا،

وأرجلكم ففتح عليه الجليس الخفض فقال: علي وزجره إنّما هو فاغسلوا

وجوهكم واغسلوا أرجلكم من تقديم القرآن وتأخيره، وروى عن ابن مسعود

أنه قرأ وأرجلكم وقال: رجع الأمر إلى الغسل، وعن ابن عباس نحوه عن عروة

ومجاهد وعكرمة والحسن ومحمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن الأعرج

والضحاك وعبد الله بن عمرو بن غيلان، زاد البيهقي وعطاء ويعقوب

الحضرمي وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبي بكر بن عياش، وأمّا قول أبي إسحاق

هو مذهب الشعبي وعكرمة والحسن ففيه نظر لما ذكره ابن أبي شيبة في

مصنفه بأسانيد صحيحة عنهم بالمسح، وأمّا ما قاله علي وابن عباس فقد ردّه

أبو محمد بن خزيمة، وذكر ألهما قالا به، وأما ما ذكره عن محمد بن الحسن

بأنّ الكعب عنده في طهر القدم فكذلك، ولكن بزيادة في كلّ رجل كعبان

في القدم كعب، وفي السارق كعب حكى ذلك أبو جعفر هو الرائد مغرز،

الساق وهو مجمع العروق من ظهر القدم إلى العراقيب، وأمّا ما ذكره من

الإجماع فلا دليل عليه قوله، ولم يذكر هو سببَا من ذلك، ولا يكفي في

الإَجماع أنَّ عليا وابن مسعود وابن عمر قالوا به: لأنّ عليًا لم يقل شيئًا

مخالفا فيه ابن مسعود فكيف يتجّه قوله على هذا فانظر فيه والله أعلم، وأمّا

قوله أنّ عطاء لقى عشرة من الصحابة في معرض مدحه وذلك مشعر بالَّا

زيادة على ذلك، وليس كذلك لما ذكره الحافظ ابن سرور من أنّه رأى عقيل بن

أبي طالب وأبا الدرداء، وسمع ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وجابر وأبا

هريرة ورافع بن حديج ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن خالد وجابر بن عُمر

الأنصاري وأبا سعيد الخدري وعائشة انتهى كلامه. وفيه نظر لما ذكره، هو

أنّ عطاء وكذا في آخر خلافة عثمان وأبو الدرداء توفى سنة إحدى أو ست

(1) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/241) وعزاه إلى الطبراني في

"الأوسط"و"الصفير"وفيه الوازع بن نافع وهو مجمع على ضعفه.

ص: 357

فلأتبين، فكيف نتصوّر روايته لأبيِ الدرداء وهذا لا يمكن أصلًا، وقد وردت

أحاديث/لابد من تأويلها أو ردَّها وهو رفاعة بن رافع سمع النبي عليه الصلاة

والسلام يقول: فدّل حديثَا فيه ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، وسيأتي

ذكره في الباب الذي تعدّها، وحديث على كنت أرى أنَّ باطن القدم أدقّ

بالمسح حتى رأيت النبي يمسح رأيت النبي يمسح ظاهرهما، وقد تقدّم طرق

منه، وهذان الحديثان إلى من قال: من أهل الطاهر بالجمع وإن كان ابن

شاهين ذكر أن هشيمًا قال: كان هذا في مبدأ الإِسلام، وكذا حديث

أوس بن أبي أوس والله أعلم وحديث عبد الله بن زيد:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم

يتوضأ فمسح بالماء على رجليه"ذكره ابن أبي شيبة في مسنده (1) عن أبي

عبد الرحمن المولى عن سعيد بن أبي أيوب حدّثني أبو الأسود عن عبّاد بن

تميم، به وأبو الأسود هذا لا أدري من هو، وقال الجوزجاني: هذا حديث

منكر، وحديث ابن عباس عند أبي داود (2) مرفوعًا:"فقبض قبضة من الماء

ورشَّ على رجليه اليمني". وفيها النعل قد مسحها بيده فوق القدم، ويد تحت

النعل ثم صنع باليسرى مثل ذلك، وفي إسناده هشام بن سعد وهو ضعيف

عند ابن معين وابن سعيد وغيرهما، وحديث علي بن أبيِ طالب كذلك

ذكره أيضًا وإسناده لا بأس به ولفظه قال: قلت وفي النعلين قلنا: وحديث

عثمان:"مسح رأسه وظهر قدميه، وفيه أن النبي توضأ نحو وضوءه"(3) هذا

ذكره أحمد بن علي القاضي في مسند عثمان عن القواريري ثنا يزيد بن زريع

ثنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسير عن حمران فذكره وسنده صحيح،

وحديث عباد بن تميم عن أبيه:"رأيت النبي يمسح ثلاثًا على رجليه"(4)

(1) قوله:"بينما"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(2)

منكر. كما ذكر الشْارح.

(3)

ضعيف. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 51- باب الوضوء مرتين، (ح/

قلت: والحديث ضعيف لضعف هشام بن سعد.

(4)

ضعيف أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/229) وعزاه إلى"أبي يعلي"وأبو النضر

لم يسمع من أحد من العشرة، وفيه أيضا غسان بن الربيع ضعفه الدارقطني مرة وقال مرة=

ص: 358

رواه البخاري في تاريخه عن رجاء وإبراهيم بن شهاب عن أبيه عن سعيد بن

أيوب بن إسحاق حدّثني أبو الأسود عنه قال: عبد الحق أبو الأسود لا أدري

من هو وقال ابن الحضان أهو تميم بن عروة؟ وحديث عمر:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم

توضأ ومسح على القدم مرة" (1) ذكره ابن شاهين من حديث ابن لهيعة عن

أبي الأسود عن عباد بن تميم عنه، وحديث جابر:"خرج عليه السلام إلى

نقيع الغَرقد فتوضأ وغسل وجهه ويديه/ومسح رأسه، وتناول الماء بيده اليمنى

فرش على قدميه فغسلهما"رواه أبو القاسم في الأوسط (2) وقال: لم يروه

عن سلمة بن عبد الله بن الحضر إلا ابن لهيعة قالا ابن جرير: بعد ذكر

حديث عبد الله بن عمر، وما أشبهه فأمر عليه السلام بإسباغ الوضوء في

الرجلين وتوعد بالنار على ترك الأعقاب، وكان هذا الخبر زائد على ما في

الآية وعلى الأخبار التي رويناها يعني حديث رفاعة وعلي وناسخًا لما فيها ولما

في الآية والأخذ بالزائد واجب، ولقد كان يلزم من يقول بترك الأخبار للقرآن

أن يترك هذا الخبر للآية؛ لانا وجدنا الرجلين يسقط حكمهما في التيمم كما

يسقط حكم الرأس فكان حملهما على ما يسقطان بسقوطه ويثنان بثنائه أولى

من حملهما على ما لا يثبتان بثباته، وأيضًا فالرجلان مذكوران مع الرأس

فكان حملهما على ما ذكر معه أولى من حملهما على ما لا يذكر من

مسحُهما بيده معه، وأيضًا فالرأس طرف والرجلان طرف والرجلان تعرف،

وكان قياس الطرق على الطرق أولى من قياس الطرق على الوسط، وأيضًا

فإنهم يقولون: بالمسح على الخفين فكان تعويض المسح أولى من يغوص المسح

= صالح، وذكره ابن حبان في الثقات.

(1)

الذي عثرنا عليه:

الأول: بلفظ:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح خفيه، ظاهرهما

". المغيرة بن شعبة: (1/

328) من التاريخ الصغير.

والثاني بلفظ:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفَين

". أنس: (2/4/100) من

التاريخ الكبير.

(2)

قلت: وفي"النسخة الأولى"سقطت بعض الكلمات من هذا الحديث، وكذا أثبتناها

من"الثانية".

ص: 359

من الغسل، وأيضًا فإنّه لما جاز المسح على سائر الرجلين، ولم يجز على سائر

دون الوجه والذراعين حل على أصول أصحاب القياس أنّ أمر الرجلين أخف

وأقيس من أمر الوجه والذراعين كان ذلك كذلك فليس إلا المسح، ولابدّ فهذا

أصح قياس في الأرض لو كان القياس حقًا والله أعلم، وأمّا قوله وذهبت

الإِمامية من الشيعة فكلام مجمل يحتاج إلى بيان، وذلك أنّ الإِمامية أصلهم

على ما ذكر السمعاني من قال بإمامة علي بعد النبي عليه السلام أيضًا ظاهرًا،

وهذا قول يعم جميع الشيعة، ولهذا أطلق الفقهاء من غير تقييد بأنه مذهب

الشيعة، قال المسعودي وفراق الإِمامية يعني الشيعة كانوا على ما ذكر من

السلف من أصحاب الكتب ثلاثًا وثلاثين فرقة ثم يتنازعوا ويتباينوا حتى بلغوا

ثلاثًا وسبعين فرقة، وفي كتاب الشهرستاني ثم أن الإِمامية لم يثبتوا في تعيين

الأئمة/بعد الحسن والحسين على رأي واحد، بل اختلافاتهم أكثر من

اختلافات الفرق كلها حتى قال بعضهم: إنَّ نيفًا وسبعين فرقة من الفرق

المذكورين في الخبر هو من الإِمامية خاصة، ومن عداهم فخارجون عن الملّة،

والإِمامة بعضها معتزلة أما وعيدية وإما تفصيلية وبَعْضها إجبارية إمّا مشبهة داما

من أنّ الكعب في ظهر القدم فكان ينبغي له ردّه بما لا طاقة لهم به، وهو

قول إمام اللغة عبد الملك بن حرث فإنه أنكر ذلك القول على قائله، وأبو

عبيدة وغيرهما، دان كان قد ذكر أبو إسحاق ذلك أخيرًا فذكره هنا أولى،

قال أبو موسى المديني: ذهب عامة الصحابة والتابعين إلى أن الملتصق بالساق

المحادي للعقب وليس بالظاهر في ظهر القدم، وقال أبو بكر بن خزيمة في

مسنده الصحيح أنه حديث عثمان الذي فيه، وغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث

هرات واليسرى مثل ذلك الكعبان هما العظمان النائيان في جانبي القدم، إذ لو

كان العظم الثَّاني على ظهر القدم لكان للرجل لليمنى كعب لا كعبان ثم

ذكر حديث طارق الذي فيه ورجل خلفه الذي يرميه بالحجارة، وقد أرمى

كعبه وعرقوبيه فقال: وهذا دلالة على أن الكعب هو العظم النائي في جانبي

القدم إذا الرمية إذا جاءت من وراء الماشي لا تكاد تصيب القدم، إذ الساق

مانع أن تصيب الرمية طهر القدم ذكر حديث النعمان فرأيت الرجل يلزق

كعبه بكعب صاحبه وركبته صاحبه، أما قوله أنّ عبد الرحمن أدرك عشرين

ص: 360

ومائة فيحتاج إلى زيادة بيان، وذلك أنّ عطاء بن السائب روى عنه أدركت

عشرين ومائة من الصحابة كلّهم من الأنصار فهذا هو أخبر عن نفسه إدراكه

هؤلاء الأنصار فكيف بمن تعدّيتم من بقية الصحابة غيرهم والله أعلم، وزعم

ابن حزم أنّ القرآن نزل بالمسح، وسواء ترى بفتح اللام وتخفيفها هي على كلِّ

حال عطف على الرأس أمّا على اللفظ/وأمّا على الموضع لا يجوز غير ذلك؛

لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه ببعضه مبتدأه، وهكذا

جاء عن ابن عباس، وفي أمالي ابن الحاجب الصواب انه نصب على

الاستئناف والله أعلم.

***

ص: 361

‌28- باب ما جاء في الوضوء على أمر الله تعالى

حدّثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن جامع بن شداد

أبي صخرة قال: سمعت حمران يحدث أبا بردة في المسجد انه سمع عثمان

يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أتمّ الوضوء كما أمره الله فالصلوات

المكتوبة كفارات لما بينهن" (1) . هذا حديث رواه مسلم في صحيحه عن

عبيد الله بن معاذ ثنا أبي وثنا محمد بن مثنى وابن يسار قالا: ثنا محمد بن

جعفر وقالا جميعًا ثنا شعبة عن جامع كما ذكره ابن ماجة، ومثل هذا حديث

ابن معاذ، وليس في حديث غندر في أبيك سمعت عثمان يحدّث أبا بردة في

إمارة بشر أن عثمان فذكره، ولا ذكر المكتوبات، وفي لفظ النسائي

فالصلوات الخمس، حدّثنا محمد بن محي ثنا حجاج ثنا همام ثنا إسحاق بن

عبد الله بن أبي طلحة حدّثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه

رفاعة ابن رافع: أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إنها لا تتم صلاة

لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين،

ويمسح يرأسه ورجليه إلى الكعبين" (2) . هذا حديث لما رواه الترمذي (3) عن

علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن محيى بن خلاد بن

رافع الزرقي عن جدّه عن رفاعة بن رافع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينما هو

جالس في المسجد يومًا قال رفاعة ونحن معه: إذا جاءه رجل كالبدوي فصلى

فأخذ صلاته ثم انحرف فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي: وعليك فارجع

(1) ضعيف أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(2/233) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"

وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.

(2)

صحيح مسلم (208) صحيح. ن 9111 حم: 56، 66، 69 أبو عوانة: 228 سنة

327، كنز 18959- كر 4: 438 وابن ماجة (ح/459) والترغيب (1/159) . وصححه

الشيخ الألباني.

(3)

رواه الطبراني (5/29) وتلخيص (1/59، 217) وإتحاف (2/381) والمنثور (2/

263) والتاريخ الكبير (0/323) .

ص: 362

فصل فإنّك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء/فسلم عليه فقال وعليك فارجع

فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم

فيسلم فيقول: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبُر عليهم

أنّ يكون من أخف صلاته فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنّما أنا

بشر أصيب وأخطأُ فقال: أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به

ثم تشهد فأقم الصلاة فإن كان معك قرآن فأقرأه وإلا فاحمد الله وكبره وهلله

ثم اركع فاطمئن راكعًا ثم اعتدل قائمًا ثم اسجد فاعتدل ساجدًا ثم اجلس

فاطمئن جالسًا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك وإن انتقصت منه

شيئا انتقصت من صلاتك"قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول إنه من

انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته ولم تذهب كلّها قال: هذا حديث

حسن، وقد روى عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه، ورواه أبو داود مطولًا

من حديث إسحاق عن علي بن محيي بن محمد بلفظ:"أنه لا تتم صلاة

لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء يعني مواضعه ثم يكبر ويحمد الله

عز وجل ويثنى عليه، ويقرأ ما شئت من القرآن ثم يقول الله أكبر ثم تركع

حتى تطمئن مفاصله ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يستوي قائما ثم

يقول: الله أكير يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبّر فإذا فعل

ذلك تمت صلاته"وعن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن

عمه فذكر لفظ ابن ماجه، ولما ذكر المفاصل أراد حتى يسترخي ثم يكبّر

فيستوي قاعدًا على مقعده، ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات

(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/192، 193، 6918، 169) ومسلم في (الصلاة،

ح/45) وأبو داود في (استفتاح الصلاة، باب"33"والترمذي (303) وصححه. والنسائي

(3/59. 60) وابن ماجة (1060) وأحمد (2/437، 0/394) . والبيهقي (2/15، 37،

62، 101، 122، 126، 345، 372) والحاكم (1/241) والدارقطني (1/96) وعبد

الرزاق (3739) وابن خزيمة (ح/461، 590) ومناقب (2/37) والحلية (9/78) والترغيب

(0/341) وإتحاف (3/422) والكنز (28338) والتمهيد (7/51، 9/182، 183)

والطبراني (5/30، 36) . قلت: وفى المصطلح الاعتبار أولا برواية الترمذي كما أشار مغلطاي؛

ولكنى وضعت في أول الحديث رواية الشيخين تأكيدا على صحة الحديث المتفق عليه.

ص: 363

حتى فرغ لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك. نا واهب ابن نجية عن خاله

عن محمد بن عمر وعن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع بهذه القصّة قال:

إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ آية من القرآن أو ما شاء الله أن تقرأ

وإذا ركعت/فضع راحتيك على ركبتيك وأمدد ظهرك، قال: وإذا سجدت

فمكّن سجودك، وإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى" (1) وفي حديث

محمد بن إسحق حدّثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه

بهذه القصة فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش اليسرى ثم تشهد

ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ، ولفظ النسائي (2) عن عمر له وروى فيه

حتى كان عند الثالثة أو الرابعة قال:"والذي أنزل عليك الكتاب لقد

جَهدت وحَرصت فأرني وعلمني فذكره"روى معنى الحديث أبي عيسى

وذكره الحافظ أبو حاتم في صحيحه من حديث محمد بن عمرو، وفي معجم

الطبراني (3) الكبير: " صلى صلاة خفيفة لا يتم ركوعها ولا سجودها وفيه

فإذا لم يفعل ذلك فلا تتم صلاته وفيه أنه كان من الأنصار"وذكره أيضا أبو

محمد بن حزم مصححا، ولما ذكره البزار (4) بلفظ:"ما أدري ما تعيد علي

من صلاتي وما الوتر فقال عليه السلام:"أنه لا تتم صلاة أحدكم حتى

يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل يديه ووجهه ويديه إلى المرفقين

ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين"ثم ذكره وقال: هذا الحديث لا نعلم

أحدا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رفاعة وأبو هريرة، وحديث رفاعة ثم

حديث أبي هريرة وهو حديث حسن انتهى كلامه وفيه نظر لما ذكره الترمذي

(1) حسن. رواه أبو داود (859) والبيهقي (2/334) ونصب الراية (1/364، 366)

والفتح (2/243) .

(2)

رواه النسائي: (3/59، 60) .

(3)

رواه الطبراني: (0/35، 36) .

(4)

رواه الطبراني (5/29) وتلخيص (1/59، 217) والبزار وإتحاف (2/381) والمنثور (2/

263) والتاريخ الكبير (0/323) .

ص: 364

من أنّ عمارا روى ذلك أيضا، وعاب أبو الحسن على أبي محمد عبد الخالق

سكوته عنه، وأعلّه بيحيى بن علي بن خلاد فإنه لا يعرف له حال، وليس فيه

مزيد على الإِسناد انتهى كلامه وفيه نظر لما أسلفنا ذكره عند من صححّ

حديثه، وذلك لا يكون إلَّا بعد معرفة حاله خصوصًا ابن حبان فإنه ذكره في

كتاب الثقات.

***

ص: 365

‌29- باب في النضح في بعد الوضوء

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا زكريا بن أبي زائدة

قال:/نا منصور وثنا مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي أنه رأى رسول الله

صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه" (1) . هذا حديث اختلف في

تصحيحه وضعفه وإرساله ووصله؛ فممن حكم باتصاله: أبو زرعة فيما حكاه

عنه عبد الرحمن حين قال: سمعت أبا زرعة يقول: رواه جرير عن منصور

عن مجاهد بن الحكم بن سفيان أو أبي الحكم بن سفيان ورواه الثوري عن

منصور فقال: عن الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم ورواه وهب عن

الحكم عن أبيه، ورواه ابن عيينة عن منصور وابن أبي نُجيح عن مجاهد عن

رجل من ثقيف عن أبيه، وقال: والصحيح مجاهد عن الحكم بن سفيان وله

صحبة والنسائي (2) حين رواه في سننه عن الحكم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كما

عند ابن ماجة وكذلك ذكره ابن ماجة، ولما أخرجه أبو عبد الله في مستدركه

من طريق سفيان عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم، أو الحكم بن

سفيان قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما تركاه للشك فيه،

وليس ذلك مما يوهنه، وقد رواه جماعة عن منصور عن مجاهد عن الحكم

ابن سفيان قال في كتاب المري: رواه عن منصور ثنا به عشرة رجالي وقالوا:

في إسناده شبه أقاويل، قال سلام بن أبي مطيع وزكريا وإسرائيل الحكم ابن

سفيان وقال سفيان وزائدة ومعمر وهو من سفيان بن الحكم أو الحكم بن

سفيان وقال أبو عوانة وجرير وأبو عبيدة وقيس بن شيبان وأبو المجباه وحسن

عن الحكم أو ابن الحكم، وقال شعبة ووهب عن الحكم أو أبي الحكم عن

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب ما جاء في النضح بعد

الوضوء، (ح/461) قوله:"فنضح به فرجه"أي رشْه عليه لنفي الوسوسة.

وصححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. رواه النسائي في: الغسل، باب"49"، ومسلم في (الحيض، ح/19)

وأحمد (1/104) والبيهقي (1/115) وابن خزيمة (22) وأبو عوانة (1/273) بلفظ:

"توضأ وانضح فرجك".

ص: 366

أبيه وقال ابن عيينة: عن رجل عن أبيه وأرسله مسعود، والذي عندي أنه

الحكم ابن سفيان رجل من ثقيف له صحبة، نزل الطائف فسمع منه مجاهد

بمكة وقال ابن حبان في كتاب الصحابة: الحكم بن سفيان عن عثمان بن

عامر بن مغيث الثقفي من أهل الحجاز هو الذي/يقال له: سفيان بن الحكم

يخطئ الرواة في اسمه واسم أبيه، وأم الحكم عائشة بنت أبي عقيل بن

مسعود بن عامر بن معتب.

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وابن الجويني في كتاب الصحابة:

الحكم بن سفيان وسفيان بن الحكم، وقيل ابن أبي سفيان وقيل أبو الحكم

الثقفي واحد، وذكره في الصحابة أيضًا ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط

وأبو القاسم الطبراني وأبو جعفر الطبري في المذيل، وأبو إسحاق الجرمي في

كتاب العلل وقال: نزل الطائف فسمع منه مجاهد وأبو أحمد العسكري وأبو

نعيم، وقال ابن عبد البر: سماعه عندي صحيح يعني من النبي صلى الله عليه وسلم،

وخالف ذلك البخاري في التاريخ الكبير بعد ذكره اختلاف ألفاظ الرواة فقال:

وقال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي عليه السلام، وزاد

الترمذي في العلل: لم يروه، وفي كتاب العلل قال أبي يعني- أبا حاتم

الرازي-: الصحيح الحكم عن أبيه ولأبيه صحبة، وخالف ذلك في كتاب

الجرح والتعديل فذكر في باب الحكم أنّه رأى النبي- عليه السلام وبنحو ما

قاله البخاري قاله أحمد في كتاب العلل وابن بنت منيع في معجمه عن ابن

عيينة.

وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور قال محمد بن يحيى الذهلي: قلت لابن

المديني الصحيح عندك عن الحكم أو عن أبيه فقالا: عن أبيه: كذا يقول شعبة

ولما ذكره الأشبيلي قال: اختلف في إسناد هذا الحديث، وفي اسم الصاحب

وأصح/الأسانيد فيه إسناد النسائي الحكم عن أبيه كذا قال الترمذي عن

البخاري حين رواه عن أبي عمر عن ابن عيينة عن منصور، وابن أبي نجيح عن

مجاهد رجل من ثقيف عن أبيه قال: وقال بعضهم: الحكم بن سفيان،

وقال بعضهم: سفيان بن الحكم واضطربوا في هذا الحديث، وفي هذا ردًا

على ابن عساكر في إغفاله ذكر الترمذي، وربيعة على ذلك المنذري وهو غير

ص: 367

صواب منها وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب جدًا، وكذا قاله العسكري

قال أبو الحسن بن القطان: كلامه يوهم صحة الحديث من وجهين: أحدهما:

سكوته عن إعلاله، والأخرى: قوله إن هذه الطريق أصخ، وهو قد عدم

الصحة لوجوه:

أحدها: الاضطراب.

والثاني: الجهل بحال الحكم بن سفيان، فإنه غير معروف، ولا سيما على

ما ارتضى أبو محمد من النسائي بأن يكون تابعًا.

والثالث: أبوه المذكور لا تعرف صحبته، ولا روايته لشيء غير هذا.

والرابع: تهافت لفظ الحديث المذكور المجتمع من روايات رواته، وشرح

ذلك أن مداره عَلَى ابن منصور، وهو قد تلوث وتلوث عليهم ألوانًا فرواية

شعبة عن الحكم عن أبيه، وفي رواية أخرى الحكم وأبو الحكم عن أبيه، وفي

أخرى الحكم أو أبو الحكم أنه رأى النبي وهو خطأ؛ لأن الرجل الذي لا

يعرف إذا قال عن نفسه أنه ثقة فذلك غير مقبول منه، وأما قوله: كان فيبعد

أن يكون على ظاهره، ولو أطلق ألزم الناس للنبي- عليه السلام وكلام

البخاري لا يعطي حكمًا بصحة الحديث إنّما هو كما يقال: هذا المرسل أصح

فلا تخرج من شيء من ذلك تصحح ما رواه ضعيف أو متروك أو ما روى

مرسلًا، وأيضا فالبخاري لم يقل ذلك إنما سألَهُ الترمذي عنه فقال الصحيح:

ما رواه شعبة وَوَهبْ وقال عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث عن

أبيه فما هذا عن البخاري أنه قال: هو أصح الأسانيد، وإنما قال: الصحيح

زيادة من زاد على أبيه، وتعين أن ننظر في حالة تكوينه تابعيًا وعدالته، وهي لم

تثبت، ولعل قائلًا يقول: فلعلّه أيضًا قد رأى النبي- عليه السلام كما رآه

أبوه أخذًا من رواية من لم يقل عن أبيه فيقول: ما في هذا أكثر من إنهما

ادّعيا إنهما رأيا وسمعا فإذا لم يعرفا بالعدالة لم يقبل منهما، وأيضًا فقد نص

ص: 368

العلماء على أن الحكم لم يدرك النبي قال ذلك البخاري. فكلام ابن عبد البر

حيث قال: سماعه من النبي- عليه السلام عندي صحيح يعد (1) لأنه قلد

الثقات منهم الثوري ولم يخالفه من هو مثله كذا قاله وهو غير صحيح، قال

/الثوري: كان رواه عن منصور فلم يقل عن أبيه فشعبة قال ذلك ووهب

ووهما، فإن قيل قد اختلف على شعبة فلم يذكر النضر عنه قوله عن أبيه قلنا:

والثوري عنه في هذا أقوال منها: قول محمد بن بشر عنه سفيان بن الحكم

أو الحكم عن سفيان كان النبي، فإن احتج أبو عمر بهذه الرواية حيث لم يقل

فيها عن أبيه قلنا هي محتملة أن يكون شاكَا في اسم الرجل الذي قال إنّه

رأى النبي، أو أن يكون شكّا في انه الأب أو الابن فهي بهذا الاحتمال الثاني

متردد فيها الإِرسال والانقطاع كانه يقول: لا أدري أعن سفيان بن الحكم

فيكون مرسلَا أو عن أبيه الحكم بن سفيان فيكون منقطعًا، ولم يذكر فيه

الرواية والسماع فيقطع النزاع ويرتفع الاحتمال؛ إنما فيها لفظة كان فيها وما

فيها، ورواه أيضَا كذلك عن سفيان بغير زيادة عن أبيه عن أبي، والشك في

الحكم أو سفيان بن مهدي ولفظه أحسن ولفظ محمد بن كثير قال:"رأيت

النبي عليه السلام بال فتوضأ" (2) ذكر ذلك ابن السكن ولفظه، ورواه كذلك

معمر ممن رواه عن سفيان بغير زيادة عن أبيه دون شك في الأب والابن

محمد بن يوسف وهي التي يمكن أن يحتج بها ابن عبد البر لما ذهب إليه من

تصحيح صحة الحكم قال فيه عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن

سفيان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك عنه البخاري في التاريخ، ويمنعه من

الاحتجاج به رواية من رواه عنه بالشك كما قدمناه، وقد رواه عن منصور

(1) قوله:"يعد"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(2)

ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/256) من حديث عوسجة بن مسلم

عن أبيه، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"وعوسجة بن مسلم لم أجد من ذكره إلا الذهبي.

قال عوسجة بن أقرم روى عن يحيى بن عوسجة حديثه في المسح على الخفين لم يصح- قاله

البخاري.

ص: 369

هذا بغير شك ولا زيادة عمار عن أبيه عمار بن رُزيق وجرير بن عبد الحميد

بغير لفظه كان إما أخبر عن فعله واحدة، ورواه كذلك زكريا والذي يقوله: لا

يترك رواية من زاد عن أبيه لترك من يترك ذلك، وأمر الحفظ حجة على من لم

يحفظ، وإذا لم يكن بدا من زيادته فالحكم تابعي فيحتاج أن تعرف من عدالته

ما يلزمنا به قبول روايته، وإن لم يثبت ذلك لم تصح عندنا روايته/ونسأل من

صححها عمّا علم من حاله وليس بمعين لها فيما أعلم. والله تعالى أعلم انتهى

كلامه، وفيه نظر من وجوه:

الأول: تفرقته بين الاضطراب والتهافت ثم جمع بينهما حين بيّنت

التهافت فذكر لفظ الاضطراب سواء بغير زيادة ولو أراد التهافت الاصطلاح

الذي هو السقوط لما ساعده.

الثاني: قوله: أن الراوي شكّ فقال سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان

فقد أسلفنا قول ابن حبان وغيره في ذلك.

الثالث: قوله: كان بعيدًا أن يكون على ظاهره أو ما علم أنّ لفظة كان

لا يُقتضى الدوام والاستمرار، ويؤيّد ذلك ما ذكره البيهقي في الكبير رواه

إسرائيل وسلام بن أبىَ مطيع، وذكرنا فقالوا عن الحكم: بغير شك وهؤلاء

حفاظ أثبات جزموا ما يثبت لديهم، قالت عائشة:"كنت أقتل قلائد هدي

النبي عليه السلام" (1) ومن المعلوم أنّ ذلك إنما كان مرة.

الرابعُ: على تقدير صحة ما يرجحه من ذكره من اقتضاء التكرار فحديث

ابن ماجة سالم من ذلك.

الخامس: قوله: وأن يكون شكُّا في كونه الأب أو الابن إلى آخره، فقول

لم يقله أحدًا غيره، وإنما يحتمل ما قاله إذا ثبت إن للحكم ولدًا يقال له

سفيان فأما إن ثبت له ولدًا بالوهم فالاحتمال، ويركب عليه التردّد فما أظنّه

يستقيم.

(1) صحيح. رواه النسائي (1/156، 171، 173، 174) وابن خزيمة (2573) والحميدي

(208، 209، 218) والتمهيد (2/264) وابن عدي (3/1032) .

ص: 370

السادس: قوله: وتعين أمّا ننظر في حاله لكونه تابعيًا غير مستقيم؛ لأنّ

كلّ من روى حديثًا غير صحابي لا يكون تابعيا؛ لأنَ الصحابة يروي بعضهم

عن بعض، ولئن أثبتنا روايته لهذا الحديث عن أبيه فيكون عند من أسقطها من

مراسيل الصحابة، وذلك مقبول عند الجماهير.

السابع: تطرقّه إلى أبيه سفيان لعدم قبول روايته وهو في ذلك غير

منصف؛ لأنّ سفيان أباه ذكره في الصحابة أبو أحمد العسكري، وذكر عنده

جماعة رووا عنه عدَة أحاديث فصح بهذا المجموع قول الحاكم وغيره.

الثامن: إغفاله ما ذكره أبو إسحاق من اله يقال له: أيضا الحكم والله

تعالى أعلم.

لم حدّثنا إبراهيم بن محمد العبراني، حدّثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن

لهيعة عن عُقيل عن الزهري عن عروة، ثنا أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن

حارثة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت

ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء" (1) .

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، ولما سئل عنه أبو حاتم

الرازي قال: هذا حديث كذب باطل قال ابنه: وقد كان أبو زرعة يضعفه

أيضا وضعفه أيضا ابن عدي وابن طاهر، وأبو الفرج أخرج هذا الحديث في

كتاب المختصر عن ابن أبي شيبة عن الأشيب عن ابن لهيعة فظننت أنه قديما

للمعرفة وحاله يقرب من حال ابن لهيعة.

ورواه أحمد في مسنده من جهة رشد بن سعد عن عقيل بحذف زيد أبي

أسامة، ولما ذكر الإشبيلي حديث زيد بن حارثة المتقدّم من عند البزار قال:

هذا يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف عندهم، وقد رُوى أيضًا من طريق رشدين

(1) ضعيف ومتنه صحيح. رواه هـ 462- إتحاف 2: 429- صحيحة 2: 520 قلت:

وعلته ضعف ابن لهيعة. وضعفه الشيخ الألباني) ضعيف الجامع. ص 545) .

قلعت والحديث حسن. دون الأمر- المشكاة 336، والضعيفة 1312، وصحيح أبي داود

159.

ص: 371

أسنده إلى زيد بن حارثة وهو ضعيف عندهم لذلك، وهو غير صواب من فعله

لأن حديث رشدين لا ذكر فيه لزيد كما سقته لكم أولا فاعلمه وقد وقع لنا

هذا الحديث من طريق جبيرة لا ذكر فيها لابن لهيعة ولا لرشدين ذكرها أبو

القاسم في معجمه الأوسط من حديث سعد بن شرحبيل، ثنا الليث بن سعد

عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة عن أبيه زيد. الحديث فال: لم

يروه عن الليث إلا سعد بن سهل، والمشهور من حديث ابن لهيعة، حدثنا

الحرث بن سلمة أحمدي، ثنا سلمة بن قتيبة، ثنا الحسن بن علي الهاشمي عن

عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا توضأت

فانضج" (1) هذا حديث قال فيه أبو عيسى: هذا حديث/غريب وسمعت

محمدًا يقول: الحسن بن علي منكر الحديث، وقال ابن حبان هذا حديث

باطل، ولما ذكره البغوي في شرح السنة قال: إسناده غريب، وذكره ابن عدي

فيما أنكره من حديث الهاشمي، ولما ذكره العقيلي وحديثا آخر قال: لا يُتابع

عليه من هذا الوجه، فأمّا الإِيضاح فقد روى بغير هذا الإِسناد بإسناد صالح،

وأمّا الثاني: فلا يحفظ إلَّا عنه، وقال الدارقطني: كان يروى عن الأعرج عن

أبي هريرة مناكير، الحديث وأخرجه الحافظ أبو نعيم من حديث ابن قتيبة:

حدّثني الحسن الهاشمي قال: قلت لابن لهيعة قال عادلته إلى مصر وكان

مولى لنا، عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قال لي جبريل: إذا توضأت

فانضح"حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عاصم بن علي، ثنا قيس عن ابن أبي

ليلى عن أبي الزبير عن جابر قال:"توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه"

هذا حديث إسناده ضعيف لضعف رواته الأول: عاصم بن علي أبو الحسين

الواسطي وإن كان البخاري قد خرج حديثه وأثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل

فقد قال فيه يحيى بن معين: لا يساوي شيئًا، وفى رواته كَذابّ بن كذاب.

الثاني: قيس بن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي وإن أبو حفص وشعبة

أثنى عليه فقد وثّقه أبو الوليد الطيالسي، وكذا قاله أبو عفان والثوري وشعبة

(1) ضعيف. ومتنه صحيح. هـ463- إتحاف 2: 429.

وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/103) ، والضعيفة (ح/1312)

وا لصحيحة (2/519- 520) ، والمشكاة (ح/367) .

ص: 372

فقد قال عمرو بن علي كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدّثان عنه، وكان عبد

الرحمن ثنا عنه قبل ذلك ثم تركه وقال عفان: كان ربما أدخل حديث مغيرة

في حديث منصور، وسئل عنه أحمد فلينه وقيل له مرة أخرى لم ترك الناس

حديثه قال: كان يتشيّع، وكان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث

منكرة، وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه وكان وكيع إذا ذكره قال: الله

المستعان، وسئل عنه ابن معين فقال ليس بشيء وقال مرة: ضعيف، وقال

ابن نمير وأبو داود: كان له ابن هو آفته،/وقد رواه أصحاب الحديث في

كتبهم فأنكروا حديثه فطنوا أنه قد غيرها، وقال ابن عدي وغالب رواياته

مستقيمة، والقول فيه ما قال شعبة: كان لا بأس به، وقال ابن سعد أبو

محمد بن قيس بن الربيع الجوَّال توفي بالكوفة سنة ثمان وستين ومائة، وكان

كثير الحديث ضعيفًا فيه، وقال السعدي: ساقط، وقال الدارقطني: ضعيف

الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان تتبعت حديثه

فرأيته صادقا إلَّا أنه لما كبر ساء حفظه فيدخل عليه فختم فيه ثقة ما ثقة

فوقعت المناكير في روايته واستحق المجانبة، وقال أبو الفتح الأزدي: ثنا ابن

سبع، ثنا محمود بن غيلان قال لي محمد بن عُبيد: كان قيس بن الربيع

استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلّق النساء بأثدائهن ويرسل عليهن أناس،

وقال ابن القطان: إنما ساء حفظه بعد ولايته القضاء فهو مثل شريك وابن أبي

ليلى، وذكره الساجي والعقيلي في كتاب الضعفاء وضعّف به ابن طاهر غير

ما حديث.

الثالث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بيسار وقيل: داود الأنصاري

الفقيه القاضي قال سعيد ما رأيت أسوأ حفظًا منه أفادني أحاديث فإذا هي

مقلوبة، وقال أحمد بن يونس كان زائدة لا يروى عنه، وكان قد ترك

حديثه، وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعفه وفي رواية سيء الحفظ،

وقال أحمد: هو سيء الحفظ مضطرب الحديث وكان فقيه أحب إلي من

حديثه، فيه اضطراب جدَا وفي موضع آخر ضعيف، وعن عطاء أكثر خطأ

إنّما دخل عليه وهو ضعيف، وقال مرة: ضعيف الحديث، وقال يحيى: ليس

بذلك، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: كان فقيها صاحب سنة،

ص: 373

وكان قارئا للقرآن عالما به، قرأ حمزة عليه وكان حمزة يقول: إنما تعلمنا

جَودة القراءة عند ابن أبي ليلى، وكان من أحسن الناس وأحفظهم للمصحف

وأخطهم قلمًا وكان جميلا نبيلًا، وأؤل من استقضاه على الكوفة/يوسف بن

عمر الثقفي، وكان يرزقه في كل شهر مائة درهم، وفي موضع آخر كان

كوفيا صدوفا، قال أبو حاتم الرازي: شُغل بالقضاء فساءَ حفظه ولا يتهم

بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ فلا تصح به، وقال ابن حبان:

كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه فاستحق الترك،

تركه أحمد ويحيى وقال الدارقطني: وهو رديء الحفظ كثير الوهم، وقال ابن

طاهر في كتاب التذكرة: أجمعوا على تركه، وفيما قاله نظر لما أسلفناه من

عند العجلي، وذكره أبو جعفر العضلي وأبو القاسم البلخي في كتاب

الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان، وضعف به أبو أحمد والإشبيلي وابن

القطان ومحمد بن عبد الواحد المقدسي وأبو محمد بن حزم وأبو عمر بن عبد

البر في كتاب التمهيد، وأبو الفرج في العلل المتناهية والتعليق، وللبيهقي

الخلافيات والكبير والمعرفة غير ما حديث، ولما ذكره الساجي في كتاب

الضعفاء قال: كان صاحب فقه ورأي وكان سيء الحفظ لا يتعمد الكذب،

وكان يُمتدح في فقهه وقضائه، فأما في الحديث فلم يكن بحجة، وقد ذكر

الدارمي في مسنده: حدثنا إسناده صحيح هو أولى بالذكر مما تقدم من

الأحاديث، رواه عن قَبيصة، ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم:"توضأ مرةً مرة ونضح"(1) وهو في صحيح

البخاري بغير هذه الزيادة، وقال الإِمام أحمد فيما حكاه عنه البيهقي: قوله

ونضح تفرد بها قبيصة عن سفيان، وقد رواه جماعة عن سفيان بدون هذه

الزيادة، وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس من حديث الحسين بن علي

عن يزيد الصرائي عن إبراهيم بن فروخ مولى عمر بن الخطاب عن أبيه عن ابن

عباس مطولا فذكر نومه عند ميمونة، قال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي

فقال: هذا حديث منكر وإبراهيم عنه مجهول، ورواه الحافظ أبو الشيخ في

فوائد الأصفهانيين عن/عبيد الله بن محمد زكريا عن. حمد بكير عن

(1) تقدْم في بابه.

ص: 374

مَحيّرز بن مَحْرز عن إبراهيم بن عبد الله بن فرح عن أبيه عن ابن عباس

ولفظه:"توضأ ونضح فرجه"وقال: هذا حديث لم يروه إلا محيّرز بن

محرز تفرد به، وفيما أسلفناه من عند الدارمي ردّ عليه كاف والله أعلم،

وروى أبو الحسن في غرائب حديث مالك من حديث القاسم بن عبد الله إلا

حميمي عن سحرم بن عبد الله القيرواني عنه عن الزهري عن أنس أن النبي

صلى الله عليه وسلم:"كان إذا توضأ نضح عانته"ثم قال: هذا باطل عن ذاك ولا يصح،

وحديث عمار بن ياسر المتقدم عند ابن ماجة في خصال الفطرة وفيه

الانتضاح، وذكر الحافظ أبو بكر الإِسماعيلي في جمعه"مسند الحسن أبو

القاسم البغوي، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا عبد الله بن محمد بن سالم،

حدّثني حسين بن زيد بن علي بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي أن

النبي صلى الله عليه وسلم:"كان إذا توضأ أفضل لموضع سجوده ماءً حتى يسيله على

موضع السجود" (1) ولما ذكره أبو جعفر الطبري في كتاب تهذيب الآثار عن

ابن حازم، قال: وهذا عندنا خبر صحيح إسناده وقد يحب أن تكون على

مذهب الآَخرين سقيما لعلتين: إحداهما: أنه خبر لا يُعرف له مخرج يصح عن

النبي عليه السلام إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به منفرد وجب التثبت

فيه، والثانية: أن ذلك لا يعرفه العامة وهو عمل من أعمال الطهارة ولو كان

صحيحَا عن النبي عليه السلام لم تجهله العامة، كذا قال أبو جعفر: ولم أجد

في تاريخ محمد بن إسماعيل، ولا في كتاب ابن أبي حاتم سماعَا ولا رواية

لزيد بن الحسن عن أبيه إنّما ذكر روايته عن ابن عباس أنه تطيب بالمسك لم

يذكروا له رواية عن غيره، وقال ابن عدي: الحسن بن زيد بن الحسن بن

علي بن أبي طالب روى عن أبيه وعكرمة أحاديث مُفضلة، وروايته عن أبيه

أنكرها عن عكرمة، وفي حديث جابرا وابن عباس وأنس بن مالك والحسن

وعمار ردٌ لما أغفله الترمذي. النضح: الرش، نضحت البيت- بالفتحة

وبالكسر- وهو أيضا الشرب دون الذي ذكره الجوهري، وفي الحديث

الصحيح: النضح من النضْح يريدُ من أصابه نَضحٌ من البول فعليه أن ينضحه

(1) صحيح. كما في تهذيب الآثار.

ص: 375

بالماء، والنضح دون النضح وفي المغيث هما متقاربان في المعنى، وقيل بالخاء

ما بقى له أثر، وقيل: ما كان على اعتاد، وبالحاء بخلافهما وقيل بالمهملة أدق

ومعناه إذا توضأت فصبّ الماء على العضو صبًا، ولا يقتصر على مسحه فأنه لا

يجزئ فيه إلَّا الغسل، وقيل: استبراء الماءِ بالنثر والتنحنح يقال: نضحت أسلت

وانتضحت تعاطيت الإسالة، وقيل: رش الإزار الذي على الفرج بالماء ليكون

أذهب للوسواس وقيلَ: معناه الاستنجاءَ بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين

الأحجار، وفي المحكم قال أبو علي: النضح ما كان من علو إلى سُفل.

***

ص: 376

‌30- باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل

حدّثنا محمد بن رمح، ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن

سعد ابن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل حدثه أنّ أمّ هانئ بنت أبي طالب

حدّثته:"أنه لما كان عام الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه

فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به" (1) هذا حديث اتفقا على تخريجه وذكر أبو

عمر بن عبد البر من حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبي مرّة عنها قالت:

"أتاني يوم حمران فأجرتهما فجاء علي يريد قتلهما فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو

بالأبطح بأعلى مكة وقد ذكرت غسله ثم قالت: قلت يا رسول الله إني

أجرت حمو بن أبي وإن ابن أمي عليًا أراد قتلهما فقال عليه السلام: ليس له

ذلك قد أجرنا من أجرت" (2) قال أبو عمر: الذي أجارته هو ولد هبيرة بن أبي

وهب المخزومي واحدا كان واثنين، لأن في حديث ابن أبى النضر ما يدلُّ على أنه

كان واحدا وفي حديث لم المقبري. اثنان وهبيرة زوجها وولده حمولها، وقيل: إنّ

الذي أجارته الحرث ابن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة المخزوميان، وأمّا قول من قال

أنه جعدة بن هبيرة فما أدري ما هذا؛ لأنّ جَعْدة ابنها لا حموها، ولم يذكر أهل

النسب ابنَا لهبيرة يسمّى جَعْدَة من غير أم هانئ. والله أعلم، حدّثنا علي بن

محمد، ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن محمد بن عبد الأكمل بن سعد بن زرارة

عن محمد بن شرحبيل عن قيس بن سَعْد قال:"أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماءً

فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه" (3) .

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء وبعد

الغسل، (ح/465) . وصححه الشيخ الألباني.

قوله:"إلى غسله"بفتح الغين، أي اغتساله. وبضمها إلى الماء. و"فالتحف به"أي

اشتمل به. فصار الثوب للبدن كالمنديل الذي ينشف به أثر الماء.

(2)

صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/100، 4/122، 8/46) ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/

82) وأبو داود (ح/2763) وأحمد في"المسند"(6/341، 342، 343، 423، 424، 425)

والبيهقي في"الكبرى"(9/95) والحاكم في"المستدرك"(4/45، 53) ومنصور (2612) والموطأ

(152)

والنبوة (5/81) وتجريد (147) ومعاني (3/223، 323) والمنتقى (1055) .

(3)

ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء-

ص: 377

هذا حديث إسناده ضعيف بابن أبي ليلى المتقدّم ذكره، ورواه أبو

محمد بن حزم في كتابه مصححَا له من طريق آخر مختصرَا، وفي تصحيحه

له نظر، وذلك أنّ أبا داود رواه في سننه عن هشام وابن مثنى قالا: ثنا الوليد

ابن مسلم، ثنا الأوزاعي، سمعت يحيى بن أبي كثير، حدّثني محمد بن عبد

الرحمن عن قيس قال:"زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام

عليكم ورحمة الله، قال قيس: فرد سعد ردًّا خفيًا قال قيس: فقلت ألا تأذن

لرسول الله قال: ذره يكثر علينا من السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم

ورحمة الله، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني

كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردًا خفيًا لتكثر علينا من السلام، قال:

فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر له سَعْد فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة

زعفران فناوله فاشتمل ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول:"اللهم اجعل

صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عُبادة، قال: ثم أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من

الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارًا قد وطيء عليه بقبطيتة،

فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم/: فقال سعد: يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال

قيس: فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اركب فأبيت فقال: إما أن تركب وإما أن

تنصرف، قال: فانصرفت" (1) .

قال أبو داود: رواه عمر بن عبد الواحد وأبن سماعة عن الأوزاعي مرسلا

ولم يذكرا قيسا، فهذا كما ترى سقط من هذه الطريق محمد بن شرحبيل

الذي لم يتصل والله أعلم، ورواه النسائي (2) من طريق ابن أبيِ ليلى فقال

= وبعد الغسل، (ح/466) في طريق قولع:"ورسية"مصبوغة بالورس. وهو نبت أصفر

يصبغ به.

وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/104) . وتتمة لفظه:"على عكنه"

قلت: والعكنة: البطن في البان من السمن.

(1)

الكنز (33772) وابن السني (657) ومنثور (0/273) والجوامع (9917) وابن أبي شيبة

(12/156) والطبراني (18/350) . لتعدد طرقه الضعيفة. وله طريق حسن لذاته دون الذي

في إسناده ابن أبي ليلى.

(2)

قوله:"النسائي"سقط من"الأصل"وأثبتناه من"المطبوع".

ص: 378

عمرو بن شرحبيل عن قيس بنحوه، وعن محمد بن حاتم عن حبان عن ابن

المبارك عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن النبي-

عليه السلام مرسل- زاد البراء فقال:"اللهم صلِ على الأنصار وعلى ذرية

الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار، ثم أوقف سعد حمارًا له عليه قطيفة فقال لابنه:

اذهب فرد الحمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب على صدر حمارك فأبك ربه،

فقال: هو لك يا رسول الله" (1) وذكر حديث ميمونة في اغتساله من الجنابة

وسيأتي ذكره، وفي معناه حديث وائل بن عبد الجبار بن وائل عن سعد بن عبد

الجبار عن وائل عن أبيه عن جدّه عنه مرفوعا فترك الوضوء وفيه ولم أراه تنشف،

وحديث عبد الله بن جعفر: ذهب عليه السلام إلى الحائط فتوضأ بعد أن قضى

حاجته فأقبل والماء يقطر من لحيته على صدره. ذكرهما أبو علي الحسن بن علي بن

شبيب العمري في كتاب ما ينبغي للرجل أن يستعمله في يومه وليلته، حدّثنا

العباس بن الوليد وأحمد بن الأزهر قالا: حدّثنا مروان بن محمد، ثنا يزيد بن

السمط، ثنا الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن سليمان الفارسي: " أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جُبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه" (2) هذا

حديث قال عنه أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن الوضين إلا ابن السمَطَ،/

تفرّد به مروان الظاهري بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي، أبا

كنانة الدمشقي وإن كان قد قال فيه أحمد بن حنبل: هو ثقة وفي موضع: ما كان

به بأس، كان يرى القدر، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وكذلك قاله

دُحَيم، وفال أبو داود: صالح الحديث قيل له هو ثقة قال: وهو ثقة وتكلّم فيه

السعدي بقوله: واهي الحديث، وقال المزني: غيره أوثق منه، وقال ابن سعد: كان

ضعيفًا في الحديث، ولما ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء قال أحمد بن محصي: ثنا

الهيثم بن خارجة، ثنا الوليد بن مسلم قال: مات الوليد حتى كان صاحب خُطب

(1) صحيح. بشواهده. الكنز (33772) وا بن السني (657) ومنثور (0/273) والجوامع

(9917)

وابن أبي شيبة (12/156) والطبراني (18/350) .

(2)

صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب المنديل بعد الوضوء وبعد

الغسل، (ح/468) . في الزوائد: إسناده صحيح، ورواته ثقات، وفي سماع محفوظ من

سليمان، نطر. وصححه الشيخ الألباني.

ص: 379

ولم يكن في حديثه بذاك، وذكره الساجي في كتاب الضعفاء، وزعم أنّ عنده

حديثًا منكرًا وهو:"وكاءَ السه العينان"(1) ، ورد ابن عدي هذا الحديث وقال ابن

عدي: القول فيه قول دحيم؟ لأنه أعرف به، وضعفه أبو الحسن القطان، وما أرى

بحديثه بأسا، وكذا ضعفه البلخي، ولما ذكر الترَمذي حديث عائشة عن سفيان بن

وكيع، ثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حبان عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة

عنها قالت:"كان للنبي- عليه السلام خرقة يتنشف بها بعد الوضوء"(2) قال:

وفي الباب عن معاذ ثنا قتيبة، ثنا رشدين عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن

عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ قال:"رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" (3) قال أبو عيسى: هذا حديث

غريب وإسناده ضعيف، ورشدين وابن أنعم يضعفانه في الحديث، وقال ابن القسم

في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن معاذ إلا بهذا الإِسناد تفرّد به رشدين، قال

أبو عيسى: وحديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب

شيء/وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث.

انتهى كلامه وفيه نظر من وجوه:

الأول: أبو معاذ يقولون هو ابن أرقم يعني تحرّصًا لا يقينًا، وقد أتى ذلك

الإِمام أحمد بن حنبل حين سأله مهنأ عنه فقال: هو حديث منكر وأبو معاذ

ياسين بن معاذ وهو ضعيف وهو أقوى من سليمان بن أرقم، وأما عبد الله

الحاكم فأنه لما ذكر 5 في مستدركه قال أبو معاذ: هو الفضل بن ميسرة روى

عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، وهذا حديث صحيح وقد روى عن أنس

وغيره ولم يخرجاه فليس قوله بأولى من قوليهما.

(1) حسن. رواه أبو داود (ح/203) وشرح السنة (1/337) قوله:"الوكاء"ما تشد به

القربة ونحوها من الأوعية، والسه- بفتح السين تاء محذوفة- اسم من أسماء الدبر.

قلت: وحسنه على قاعدة الشيخ أبي داود الذي صنف عليها كتابه السنن.

(2)

ضعيف جدا وعلامات النكارة عليه واضحة. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 40-

باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء، (ح/53) قال أبو عيسى:"حديث عائشة ليس

بالقائم. ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء".

(3)

الكنز: (17843) .

ص: 380

الثاني: قوله ولم يصحّ عن النبي- عليه السلام في هذا الباب شيء

مردود بحديث أم هانئ لو لم يكن في الباب غيره على رأي من لم يفرق بين

التنشُّف من الغسل والتنشُّف من الوضوء.

الثالث: اقتصاره على ذكر حديث معاذ وأغفل ما أسلفناه، وكذا حديث

أبي بكر رضى الله عنه أن النبي عليه السلام:"كانت له خرقة يتنشف بها

بعد الوضوء"قال: قال البيهقي إسناده غير قوي، قال: وإنما رواه أبو

عمرو بن العلاء عن إياس بن جعفر أن رجلا حدّثه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت

له خرقة أو منديل يتنشف بها بعد الوضوء"وهو المحفوظ، وقال الدارقطني في

كتاب الإفراد والغرائب: هكذا رواه الصولي عن أبي العلاء عن أبي سعيد بن

أوس عنَ أبي عمرو بن العلاء عن أنس بن خالد عنه، ورواه عون بن عمارة

عن أبي عمرو بن إياس بن صالح عن رجل:"أن النبي- عليه السلام

كانت له خرقة أو منديل"وقال: غيره عن أبي عمرو عن إياس بن جعفر

عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أنس بن مالك قال البيهقي: ثنا أبو

الحسين بن يسر أنّ ابن السماك ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا أبو معمر عبد الله بن

عمرو قال: سألت عبد الوارث (1) عن حديث عبد العزيز بن صهيب عن

أنس:"أن النبي عليه السلام كان له خرقة/أو منديل فإذا توضأ مسح

وجهه، فقال: كان في قطنية فأخذه ابن علية فلست أرويه، قال الشّيخ: وهذا

لو رواه عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس وكان سندا صحيحا إلَّا أنه امتنع

من روايته، ويحتمل أنه كان عند الإسناد الأوّل- يعني إسناد حديث أبي عنه

ابن العلاء المتقدّم له المستور لما سئَل أبو حاتم عنه قال: رأيته في بعض

الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس خرقة، والموقوف أشبه ولا يحمل أن

يكون مسندا وحذف إسناده الأودي، ثنا به المسند المعمر أبو بكر بن علي

الحميدي بقرأتي عليه، أخبركم المشايخ أبو المفاخر المخزومي وابن الشمعة

وغيرهما، ثنا عبد العزيز بن عمر، ثنا أبو زرعة، ثنا والدي الحافظ محمد بن

طاهر المقدسي، ثنا الخسر بن أحمد السمرقندي، ثنا أبو العباس جعفر بن

(1) قوله:"عبد الوارث"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

ص: 381

محمد، ثنا الخليل بن أحمد، ثنا زيد، ثنا يحيى بن يونس، حدثني أبو الحسن

سئل النسائي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن التيمي، ثنا عتبة بن حماد بن

الحكم، ثنا مُنِيبْ بن مدرك الأودي عن أبيه عن جده قال:"رأيت رسول

الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يدعو الناس إلى التوحيد والإِيمان وهم يردون عليه

ويلقون التراب على وجهه حتى تعالى النهار، فأقبلت جارية تحمل قدحا

ومنديلًا فأخذ النبي- عليه السلام القدح فغسل وجهه- يعني توضأ-

ومسح بالمنديل وجهه ثم قال: يابنية" (1) فذكر حديثًا طويلا قال ابن طاهر:

رواه أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي عن سليمان التيمي مختصرًا،

وعلونا فيه إليه. وحديث أبي مريم إياس بن جعفر بن الصلت عن فلان- رجل

من الصحابة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان له منديل أو خرقة يمسح بها

وجهه إذا توضأ"رواه النسائي في كتابه الكبير عن إبراهيم بن يعقوب

وسهل بن حماد، ثنا أبو عمرو، ثنا العلاء فأخبرني أبو مريم فذكره، وروى

مَشعَر عن سويد مولى عمرو بن حُريث"أن عليًا اغتسل فأتى بثوب/فدخل

فيه يعني تنشف به، وهذه رواية وكيع عن مسعود"ورواه أبو نعيم عن سُوَيد

مولى عمرو بن حُريث عن عمرو بن حُريث أنه:"أتى عليًا وقد اغتسل

فأخذ ثوبًا فلبسه أو قال دخل فيه"ذكرهما أبو بكر الإِسماعيلي في جَمعه

حديث مُسعَر، وقد اختلف الناس في التمندل: فأمّا ابن المنذر فذكر أنه أخذ

المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس بن مالك وبشير بن أبي

مسعود، ورخّص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك،

وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأس،

وروينا عن جابر أنه:"كان إذا توضّأ لا يتمندل"وكره ذلك عبد الرحمن بن

أبي ليلى وابن المسيب والنخعي ومجاهد وأبو العالية وعن ابن عباس كراهيته

في الوضوء دون الغسل من الجنابة، ورخص فيها آخرون قال أبو بكر: ذلك

كلّه مباح، قال أبو عيسى: إنما كرهه من كرهه من قبل أنه قيل إن الوضوء

يوزن. روى ذلك عن ابن المسيب والزهري، ثنا محمد بن حميد، ثنا جرير،

هـ

(1)

صحيح. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 21/61) وعزاه إلى"الطبراني"ورجاله ثقات.

ص: 382

حدّثنا علي بن مجاهد وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما كره

المنديل بعد الغسل والوضوء؛ لأن الوضوء يوزن، وأما المنديل فنونه وياؤه

زائدتان وميمه مكسورة قاله الجوهري: تقول منه مندلت بالمنديل وتمندلت

وأنكرها الكسائي، وفي تاريخ الموصل: ثنا العلاء بن أيوب، ثنا سليمان بن

محمد بن حبان، ثنا يحيى بن عيينة عن حميد عن أنس فال عليه الصلاة

والسلام:"لا يتوضأ أحدكم موضع استنجائه فإن الوضوء يوضع مع

الحسنات" (1) .

وذهب أبو محمد إلى أنه يكره للمغتسل أن يتنشف في ثوب غير ثوبه،

ولا يكره ذلك في الوضوء، وتمندل بالمنديل لغة في مندل وتمدل تمدلت؛ لأن

المنديل مفعيل من مدلت يده يدك إذا أغمرت، فقيل: منديل لأنه يسمح به

ذلك ويقال: مندل في معنى منديل، وحكى ابن محيى فتح الميم قال:

واشتقاقه من الندم وهو الحرب، وأبو مرة اسمه زيد لزم عقلًا فنسب إليه وإنما

هو/مولى أم هانئ واسمها فاختة وصححه الكلاباذي، وقيل هند وقال

بعضهم: جمانة، قال أبو الحداد وهو خطأ إنما جمانة أمها، وهي شقيقة علي،

وفي ذلك نظر لأنّ أم علي لا خلاف في أن اسمها فاطمة إلَّا أن يكون

جمانة لقبًا، والله أعلم.

***

(1) رواه ابن عدي في"الكامل": (7/2709) .

ص: 383

‌31- باب ما يقال بعد الوضوء

حدّثنا موسى بن عبد الرحمن، ثنا الحسن بن علي وزيد بن الحبُاب، ح

وثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم، وثنا إبراهيم بن نصر، ثنا أبو نعيم، ثنا زيد

العُمي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ فأحسن الوضوء

ليشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويشهد أن محمدًا رسول الله؛

فتح الله له ثمانية أبواب الجنة من أيّها شاء دخل" (1) . هذا حديث إسناده

ضعيف لضعف رواته زيد العمي المتقدّم الذكر، ولما ذكره البخاري الحاكم

شاهدًا ضعفه، وكذلك ابن أبي حاتم في علله حتى سأله أبا زرعة عنه وخرجه

ابن منده في كتاب الوضوء من تأليفه من حديث عمرو بن عبيد الله بن

موهب عن زيد حدّثنا علقمة بن عمرو الرواسي، ثنا أبو بكر بن عباس عن أبي

إسحاق عن عبد الله بن عطاء البجلي عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن

الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم

يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له ثمانية

أبواب الجنة يدخل من أيها باب شاء" (2) هذا حديث خرجه أبو عيسى من

(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 60- باب ما يقال بعد الوضوء،

(ح/469) .

في الزوائد: في إسناده زيد العمي وهو ضعيف.

قال السندي: قلت لكن أصل الحديث صحيح من حديث عمر بن الخطاب. رواه مسلم وأبو

داود والترمذي. كما رواه المصنف من رواية عمر أيضا. ولا عبرة بتضعيف الترمذي الحديث

في رواية عمر، كما نبه عليه، والعجب من صاحب الزوائد أنه اقتصر على كلام الترمذي مع

ثبوت الحديث في صحيح مسلم.

راجع: إتحاف (2/368) واللآليء (2/118) والحاوي (2/197) وأذكار (30) .

وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/105) ، والضعيفة (ح/4578) .

(2)

ضعيف. رواه الترمذي (ح/55) من حديث عمر. وقال أبو عيسى: حديث عمر قد

خُولف زيد بن حُباب في هذا الحديث. قال: وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن

صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر، وعن ربيعة عن=

ص: 384

حديث أبي إدريس وأبي عثمان عن عمرو قال: هذا حديث في إسناده

اضطراب، قال الدارقطني: ورواه عبد الله بن عطاء وقيل: عن ابن عطاء عن

سَعْد بن إبراهيم عن زياد بن مخراق عن شَهْر بن حَوشب ففسّر الحديث عند

شعبة لما فحص عنه، وفي كتاب العلل للحربي: ثنا المثنى عن معاذ قال: قلت

لأبي لم نهيت عن حديث عقبة بن عامر هذا من كتاب شعبة؟ فقال: سل

أنس بن النضر عنه، فسألته فقال: ثنا شعبة قلت لأبي إسحاق: ممن سمعت

حديث/عقبة هذا قال: من الأسود الذي يجالسنا، وذكر أسود ليس بشيء،

فسألت أسود فقال: سمعته من ابن المنكدر، فلقيت ابن المنكدر في الحج

فسألته فقال: حدّثني به زياد بن مخراق، فرجعت إلى البصرة فسألته فقال:

بلغني عن شهر ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، وفيما

قاله نظر، لأنّ مسلفا- رحمه الله تعالى- ذكر في صحيحه: حدّثني

محمد بن حاتم، ثنا ابن مهدي، ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة- يعني ابن

يزيد- عن أبي إدريس الخولاني- عن عقبة بن عامر، وحدّثني أبو عثمان عن

جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإِبل فجاءت نوبتي

فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمَا يحدّث الناس فأدركت من

قوله:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقول:

فيصلى ركعتين

فيقبل عليها بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة" (1) قال: فقلت من الذي جوّد

هذه فإذا قال بين يدي يقول التي خلفها أجود، فنظرت فإذا عمر قال لي: قد

رأيتك أجبت آنفا، قال: ما منكم قال:"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ-

أو يسبغ وضوءه- ثم يقول: أشهد أن لا أنه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله

= أبي عثمان عن جُبير بن نفير عن عمر.

وهذا حديث في إسناده اضطراب. ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء.

قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا.

قلت: وحديث أنس رواه ابن ماجة (1/89- 90) وأحمد في المسند (رقم 1328 ص 265)

وفي إسناده زيد العمي وهو صدوق تكلموا في حفظه.

(1)

رواه أحمد في"المسند"(4/153) والكنز (18978) .

ص: 385

إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". وثناه أبو بكر بن أبي

شيبة، ثنا زيد بن حُباب، ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي

إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبريل بن نُفير عن عقبة به، ولما أخرجه أبو

عوانة في صحيحه بين أنّ معاوية بن صالح هو القائل وحدّثني ربيعة بن يزيد،

ولما أخرجه ابن منده قال: هذا حديث مشهور من طرق وعن عقبة وعن

عمر، والعجب من أبي عيسى في إخراجه حديث أبي إدريس وتركه حديث

غيره وهو قد سأل البخاري في كتاب العلل عن حديث أبي إدريس فقال:

هذا خطأ إنّما هو معاوية بن صالح عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة عن عمر

ومعونة عن ربيعة عن عثمان عن جبير بن نفير عن عمرو وليس لابن إدريس

سماع من عمر، قلت: من أبو عثمان هذا؟ قال شيخ: لم أعرف/اسمه

فالذي يصححه يجد رواية أبي إدريس وأبي عثمان مرسله، ويأخذ بالزيادة في

إثبات عقبة بن عامر من أبي إدريس بن عمرو إثبات جبير بن نفير بين أبي

عثمان وعمر، فإن الأخذ بالزائد أولى، وفي علل أبيِ الحسن رواه عن عقبة

عن عمر أبو إدريس وجبير وليث بن سليمان الجهني وابن عمر زهير بن مَعْبد

ومحمد بن ثابت القرشي، وممطور والقاسم أبو عبد الرحمن وأبو الأحوص

حكم بن عُمير وحمير بن هلال وإن سمع من عقبة، وأحسن أسانيده ما رواه

معاوية عن ربيعة عن أبي إدريس وأبي عثمان من جبير عن عقبة وحديث

يحيى بن حمزة عن يزيد بن أبي مريم عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة

ليس به بأس أيضًا، ورواه يزيد بن أبي منصور عن دحيم أبي الهيثم عن عقبة

عن أبي بكر الصديق، وذكره ابن أبي عروة في مسند عقبة من تأليفه عن أبي

نعيم، ثنا خالد بن إياس عن صالح بن محمد بن زائدة عن عقبة، وذكره أبو

جعفر أحمد بن سنان في مسنده عن يعقوب بن محمد الزهري، ثنا إبراهيم بن

محمد بن ثابت، حدّثني أبي عن عقبة قال: وذكره أبو القاسم في الأوسط

بغير اللفظ الذي سقناه مطولًا من عقبة قال: جئت في اثني عشر راكبًا حتى

حللنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال أصحابي من يرعى إبلنا وننطلق نحن نقتبس من النبي

صلى الله عليه وسلم، فإذا راح اقتبسنا ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنا، ثم قلت في نفسي:

ص: 386

لعلي مغبون يسمع أصحابي ما لم أسمع، فحضرت يوما فسمعت رجلا يقول:

قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"من توضأ وضوءَا كاملا ثم قام إلى صلاته قام من

خطيئته كيوم ولدته أمه""(1) فتعجبت من ذلك فقال عمر بن الخطاب: فكيف

لو سمعت الكلام الآخر كنت أشدّ عجبًا، فقلت أزد علي جعلني الله فداك، فقال

عمر: إن نبي الله قال:"من مات لا يشرك بالله شيئًا فتحت له أبواب الجنة

الثمانية يدخل من أيها شاء"أو لها ثمانية أبواب؟ فخرج علينا نبي الله صلى الله عليه وسلم

فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ثلاًثا، فلما كانت/الرابعة قلت: يا نبي الله

بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني، فأقبل علي فقال: أو أحدٌ أحب إليك أو

اثنا عشر، مرتين أو ثلاثًا، فلما رأيت ذلك إلى أصحابي" (2) فال أبو القاسم: لم

يروه عن الوضين- يعني: عن القسم أبي عبد الرحمن عن عقبة- إلا يحيى بن

حمزة، وأما قول الترمذي وفي الباب عن أنس وعقبة فقد أغفل حديثًا رواه ثوبان

مرفوعًا:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال. أشهد أن لا

أنه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب

الجنة الثمانية فيدخل من أيّها شاء" (3) وفي الباب عن أنس وعقبة ذكره البزار في

كتاب السنن عن ابن مثنى عن شجاع بن الوليد، ثنا أبو سعد عن أبي سلمة عنه

وقال: لا يعلمه يروى عن ثوبان إلا من هذا الوجه، وفيما قاله نظر لما ذكره أنه

القاسم في الأوسط من حديث مسور بن دورع العنبري ثنا الأعمش عن سالم أبي

الجعد، عن ثوبان مرفوعًا بلفظ:"فساعة يفرغ من وضوءه يقول: أشهد أن لا أنه

إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من

المتطهرين" (4) الحديث. وهم، ولم يروه عن الأعمش إلا مسور، وحديثًا ذكره

(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في المجمع (1/234) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"وفي

إسناده القاسم أبو عبد الرحمن وهو متروك.

(2)

ضعيف جدا. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/23) وعزاه إلى الطبراني في

"الأوسط"وفي إسناده القسم أبو عبد الرحمن وهو متروك.

(3)

صحيح. إتحاف (2/375) وبلفظ:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء"

إتحاف (2/367، 368) واللآلئ (2/33) والحاوي (2/191) والمغني عن حمل الأسفار (1/

135) وابن السني (29) . وصححه الشيخ الألباني في: الإرواء (1/135) بشواهده.

(4)

صحيح. تقدم. ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب"41"، (ح/55) .=

ص: 387

النسائي في كتاب اليوم والليلة من حديث يحيى بن أبي كثير أن غسان عن شعبة

عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري عن النبي

صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا أنه إلا أنت

أستغفرك وأتوب إليك؛ كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة" (1)

ثم رواه عن ابن بشار عن محمد بن شعبة عن أبي هاشم سمعت أبا مجلز يُحدث

عن قيس بن عباد عن أبي سعيد قال: ما من مسلم موقوفا، وفي مسائل أخرى

يحدث، ثنا شعبة عن منصور، ثنا هشيم عن أبي هاشم فذكره مرفوعا بلفظ:"من

توضأ فقال عند فراغه

ثم قال: طبع على قلبه، فيرفع تحت العَرش فلا يقضي إلى

يوم القيامة"وقال: لم يرو هذا/الحديث مرفوعا عن شعبة إلا يحيى، وفي فوائد

المزكي تخريج الدارقطني حدث روح بن القاسم عن أبي هاشم مرفوعا بلفظ:"من

توضأ ففرغ من وضوءه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك"الحديث. قال: غريب

عن روح تفرد به عيسى بن شعيب عن روح، وفيه رواه ابن منده في كتاب الوضوء

بزيادة البسملة في أوله، وقد تقدّم ذكره، وحديث ذكره الإِسماعيلي في جمعه

حديث الأعمش من حديث سعيد بن عثمان قال: حدّثني عمرو بن شمر عن

سليمان عن شقيق عن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا فرغ أحدكم من

طهوره فليشهد أن لا أنه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي علي فأنه إذا فعل

ذلك فتحت له أبواب الجنة السبعة"ورواه أيضا أبو نعيم الحافظ في تاريخه (2) من

حديث يحيى بن هاشم الغساني وهو متروك، ثنا الأعمش بزيادة:"إذا تطهر

أحدكم فليذكر الله؛ فأنه يطهر جسده كلّه فإن لم يذكر أحدكم اسم الله على

طهره لم يطهر إلا ما مرّ عليه وإذا فرغ

" (3) الحديث. ولما ذكره أبو موسى في

= قال الترمذي:"وهذا حديث في إسناده اضطراب. ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا

الباب شيء. قلت: وصحة هذا الحديث بشواهده. انظر: الإرواء (1/135) .

(1)

صحيح. أورده ابن حجر في تلخيص الحبير (1/101) والترغيب (1/172) والمجمع (1/

239) وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه

في اليوم والليلة: هذا خطأ والصواب موقوفا، ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفا.

(2)

ضعيف جدا. تاريخ أصفهان: (1/198) .

(3)

ضعيف جدا. رواه البيهقي في"الكبرى"(1/44) والدارقطني في"سننه"(1/73) ونصب

الراية (1/7) وإتحاف (2/369) .

ص: 388

كتاب الترغيب والترهيب قال: هذا حديث مشهور له طرق عن عمر وعقبة وثوبان

وأنس، وليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية، وحديث ذكره أبو

الحسن البغدادي من حديث صالح بن عبد الجبار ثنا ابن السلماني عن أبيه عبد

الرحمن بن السلماني عن عثمان بن عفان يرفعه:"من توضأ فقال هكذا"ولم

يتكلم ثم فال: أشهد أن لا أنه إلا الله" (1) الحديث وفيه"غفر الله له ما بين

الوضوءين". وفي مسند عثمان للقاضي أحمد بن علي:"من توضأ فغسل يديه

ثلاثًا ثم تمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثا وغسل يديه ثلاثًا إلى المرفقين ثلاثا ومسح

رأسه ثم غسل رجليه" (2) الحديث رواه عن القواريري ثنا محمد بن الحرب الحارس

عبيد بن محمد بن عبد الرحمن السلماني، وأما الدعاء عند غسل كل عضو

فمروى عن علي عن النبي من طرق وفي كلّها ضعفاء ومجاهيل، وفي بعضها مع/

ذلك انقطاع. ذكر منها ابن عساكر طرفا في أماليه وابن الجوزي والله أعلم، ولما

دخلت حمص سنة تسع وسبع مائة أفادني بعض الفضلاء جزءًا من الحديث لا

أدري الآن من مخرّجه ولا ما سنده فيقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان يقرأ بعد فراغه

من وضوءه سورة القدر ثم يرفع رأسه فيقول: أشهد أن لا أنه إلا الله" (3) الحديث.

***

(1)

ضعيف. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/239) وعزاه إلى"أبى يعلي"وفيه

محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو مجمع على ضعفه.

(2)

ضعيف. المسانيد، (2/12) والترغيب (1/872) والكنز (1/1999) والمجمع (1/239)

وعلقنا عليه في الحاشية السابقة.

(3)

سقطت بعض ألفاظ هذا الحديث من"الأولى"وأثبتناها في"الثانية". [

ص: 389

‌32- باب الوضوء في الصفر

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن الماجشون

ثنا عمرو بن محيى عن أمه عن عبيد الله بن زيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في ثور من صُفر فتوضأ به"هذا

حديث خرجه البخاري (1) وخرج مسلم أصله ولم يذكر الثور. حدثنا يعقوب

ابن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر

عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش عن أبيه عن زينب بنت جحش

أنه كان لها مُخضَبٌ من صُفر قالت:"كنت أرجل رأس رسول الله

صلى الله عليه وسلم" (2) هذا حديث إسناده صحيح إبراهيم وثقة ابن حبان وأبوه محمد روى

عنه أيضًا مولاه أبو كبير، وقال ابن أبي حاتم له صحبة، قتل أبوه يوم أحد

وهو غير مطابق لما ترجم له أبو عبد الله، والذي رواه أحمد في مسنده مطابق

فكان أولى بالذكر قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ في مخضب من صفر"(3)

لفظه في الإِفراد:"توضأ النبي في مخضبي هذا مخضب من صفْر"ورواه

من حديث الدراوردي عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عنها وعن الدراوردي

عن إبراهيم بن عبد الله بن جحش عنها، وفال: اختلفنا في إسناده وهو

حديث غريب تفرد به الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ولفظه عند أبي عبيد:

"أن زينب كانت تغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم في مخضب من صفر"قال/

العمري: وقد رأيت ذلك المخضب. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن

محمد قالا: ثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة بن

(1) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب"45") وابن ماجة (471) .

وذكره الشيخ الألباني في"صحيح ابن ماجة".

(2)

صحيح. رواه مسلم في (اللباس، ح/76) والفتح (1/401، 10/368) وأبو عوانة

(1/312) والكنز (27456) وتمام لفظه:

"كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض".

(3)

ضعيف. رواه أحمد (6/324) والتاريخ الكبير (1/320) .

ص: 390

عمرو بن جرير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم:"توضأ في ثور"(1) هذا

حديث إسناده صحيح، وهو غير مطابق؛ إذ الثور يكون من غير الصفر والله

أعلم، وفي الباب أيضا حديث عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله

صلى الله عليه وسلم في ثور من شبّه" (2) ذكره أبو داود وفي صحيح ابن خزيمة من حديثها

أيضًا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه:"صبوا علي

من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة من

نحاس وسكبنا عليه الماء" (3) الحديث. وقال: ثنا محمد بن يحيى سمعت

عبد الرزاق يذكر عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة نحوه غير أنه لم

يقل من نحاس حين حمل الحديث عن عروة، ولا شك. وفي كتاب البيهقي

عن عائشة من طريق فيها ضعف ولكنها متصلة قالت:"كنت أغتسل أنا

والنبي صلى الله عليه وسلم في ثور من شبه"وذكره أبو داود من طريق منقطعة وفي الأوسط

عن جابر:"توضأ عليه السلام في طست فأخذته فصببته في زير لنا"وقال:

لا يروي عن جابر إلا بهذا الإِسناد أبن المبارك، أنا عمر بن سمكة بن أبي

مزيد المديني عن أبيه عن جابر تفرّد به ابن المبارك وأخرجه الحاكم، وقال:

صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد بن

سلام: نا ابن أبي عدي عن ابن عون عن ابن سيرين قال:"كانت الخلفاء

(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/251) وعزاه إلى"البزار"وهو في

الصحيح خلا قوله:"ثم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ"ورجاله رجال الصحيح خلا

شيخ البزار.

ورواية الصحيح: له شواهد صحيحة بنحوه.

ورواه مسلم في (الحيض، ح/90) والترمذي (79) والنسائي في (الطهارة، باب"121")

وأحمد (1/366، 2/265، 389، 427، 479، 503) .

(2)

صحيح. رواه الحاكم في"المستدرك": (1/169) . وصححه الشيخ الألباني.

(3)

صحيح. رواه أحمد (6/151، 228) والبيهقي (1/31) وإتحاف (10/287) وابن

خزيمة (258) والفتح (10/240) وعبد الرزاق (179) والكنز (18842، 32195) والمغنى

عن حمل الأسفار (1/262) وابن عدي (6/2438) والمجمع (9/42) وإسناده حسن. وعزاه

الطبراني في"الأوسط"و"الكبير"باختصار.

ص: 391

يتوضئون في طست في المسجد"وعن الحسن قال:"رأيت عثمان يصب

عليه من إبريق"وعن عبد الرحمن بن أبي الموالي قال: حدّثني حسن بن

علي بن محمد بن علي ورأيته يتوضأ في ثور فذكر وضوؤه، ثم قال: أخبرني

أبي عن أبيه: أنّ عليَا كان يتوضأ، هكذا قال أبو عبيد وعلى هذا أمر الناس

في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر يروي

عن ابن عمر من الكراهة،/ثنا حجاج عن شعبة عن عبد الله بن جبر

الأنصاري قال: جاء ابن عمر إلى بني عبد الأشهل فطلب وضوءا فأتيته بثور

من ماء فقال: رده وأتني به في قصعة أو ركوة، وفي كتاب الأشراف: توضأ

أنى بن مالك في طست، ورخص كثير من أهل العلم في ذلك، وبه قال

الثوري وابن المبارك والشافعي، وما علمت أبي رأيت أحدًا من أهل العلم كره

الوضوء في آنية الصفر وكذا الرصاص والنحاس وما أشبهه، وبه نقول،

والأشياء على الإِباحة، وليس يحرم فا هو مباح. موقوف على ابن عمر.

وكان الشافعي وإسحاق وأبو ثور يكرهون الوضوء في آنية الذهب والفضة وبه

نقول، ولو توضأ فيه متوضئ أجزأه وقد أساء، وحكى عن أبي حنيفة أنه كان

يكره فيها الأكل والشرب في آنية الفضة، وكان لا يرى بأسًا بالمفضّض، وكان

لا يرى بالوضوء منه بأسًا، وفي قوله: ما علمت أحدًا كره الوضوء في آنية

الصفر والنحاس وآلات الصفر هو النحاس، وفى قول أبي عبيدة ثنا علي بن

إبراهيم عن ابن عمر نظر لما ذكره في الأشراف عن معاوية أيضا، وأمّا الصّفر:

فهو النحاس بالضم حكاه ثعلب في فصيحه، وروى المطرّز عنه: النّاس كلّهم

يقولون صفر وأبو عبيدة يكسره يعني الصاد وقال ابن درستويه: سُمّى النحاس

صفرا لصفرته، والذي يصنع بالنوشادر ويقال له الشبه؛ لأنه يشبه الذهب. وفي

الجامع هو النحاس الجيد والمخصب المزكن وهي الإِجانة التي يغسل فيها

الثياب. كذا في الصحاح وفى الغريب شبه المزكن، والله أعلم.

ص: 392

‌33- باب الوضوء من النوم

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع ثنا، الأعمش عن

إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ

ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ" (1) قال الطنافسي: قال وكيع: تعني وهو ساجد،

هذا حديث إسناده على شرط الشيخين،/حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا

يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن حجاج عن فضل بن عمرو عن إبراهيم عن

علقمة عن عبد الله:! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفح ثم قام فصلى"هذا

حديث إسناده صحيح على شرط مسلم، ولفظ أبي عبيد الله أحمد بن إبراهيم

الدورقي في مسند ابن مسعود:"كان عليه السلام ينام وهو ساجد، وكنا

نعرف ذلك بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته" (2) ورواه محمد بن

الصلت بن منصور بن أبي الأسود عن الأعمى عن إبراهيم، ثنا سعيد بن

سليمان، ثنا ابن أبي زائدة بن حجاج عن فضل- يعني العصبي- عن إبراهيم

نحوه، قال حجاج: فسألت عطاء فقال النبي- عليه السلام:أليس

كغيره"ولما ذكره في الأوسط وقال: لم يروه عن الأعمى إلا منصور، وفي

إسناد الدارقطني علي أبي محمد السمعي، ثنا أحمد بن الحسن، ثنا عبد

الجبار، ثنا أبو خيثمة عن محمد بن حازم عن حجاج عن حماد عن إبراهيم

عن علقمة عن عبيد الله:"كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيًا حتى ينفخ ثم يقوم

فيصلي ولا يتوضأ" (3) . حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا ابن أبيِ زائدة

عن حريث بن أبي مطر عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري عن سعيد بن

جبير عن أبن عباس قال: كان نومه ذلك وهو جالس، كذا فيما رأيت من

النسخ، وفي الأطراف لأبي القاسم زيادة من نفس السنن- يعني النوم الذي

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/474) وأحمد في"المسند"(6/135) وابن أبي شيبة في

"المصنف"(1/132) والكنز (17852) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

ضعيف. رواه ابن أبي شيبة في"المصنف"(1/133) والكنز (27137، 27177) .

(3)

صحيح. رواه أحمد (1/426) والمجمع (8/266) وعزاه إلى"أبي يعلي"و"البزار"،

ورجال أبي يعلي رجال الصحيح.

ص: 393

لم يتوضأ منه- ولما رواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي هريرة عن ابن

المسيب عن أبن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو قاعد ثم قام فصلى ولم

يتوضأ"قال: لم يروه عن أشعث عن أبي هريرة عن سعيد إلا شريك 0

ورواه غيره عن أشعث عن أبي هريرة عن ابن جبير، وفي موضع آخر

"فأخر العشاء حتى نام القوم واستيقظوا وهو ساجد، ثم ناموا واستيقظوا فصلى

بهم ولم يذكر أنهم توضئوا" (1) وقال: لم يروه عن يونس بن عبيد/العمي

عن عطاء عنه إلا حماد بن مسلمة تفرّد به يونس المؤذن وابن عائشة، رواه عن

محمد بن الصلت ثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمى عن إبراهيم ثنا

سعيد بن سليمان، ثنا ابن أبي زائدة، ثنا حجاج عن فضيل- يعني الفقيمي-

عن إبراهيم نحوه قال: حجاج فسألت عطاء فقال النبي عليه السلام ليس

كغيره. وفي الدارقطني على أبي محمد السمعي، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد

الجبار، ثنا أبو خيثمةْ عن محمد بن حازم عن حجاج عن حماد عن إبراهيم

عن علقمة عن عبد الله بن دينار:"كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيًا حتى ينفخ

ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ" (2) وهو حديث ضعيف لضعف رواته، وحريث

أبي عمر أحد الحفاظ فأنه ممن قال فيه البخاري، فيه نظر وفي رواته عنه ليس

عندهم بالقوي، وقال عمرو ابن علي: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن

يحدثان عنه ابني قط وهو حديث ابن عمرو وهو ضعيف الحديث بأبي عبيدة

الضبي وعبد الأعلى الجرار وانظاره وبنحوه، قال أبو حاتم الرازي وابن عدي:

وفي مسند الإِمام أحمد بن حنبل ثنا حميد عن عبد الله بن عبيد عن رجل

قال:"رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ"(3)

(1) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 57- باب ما جاء في الوضوء من النوم، (ح/57) .

قال: وفي الباب عن عائشة، وا بن مسعود، وأبو هريرة. ورواه أحمد (رقم 2315 ج 1 ص 256) وأبو

داود (1/80) والبيهقي (1/121) كلهم من طريق عبد السلام بن حرب.

قلت: ولم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من صحة أو ضعف.

(2)

تقدم وهو حديث ضعيف. ص 393

(3)

صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(8/266) وعزاه إلى "أحمد"وإسناده

جيد.

ص: 394

وسئل عمن نام وهو جالس فقال: يعيد وضوءه، ذكره في تاريخ الموصل من

جهة المغيرة بن زياد عن أبي رباح عنه، وقال يحيى بن معين: لا شيء، وفى

رواية ضعيف، وقال النسائي: متروك الحديث، وكذا قاله علي بن الجنيد

وقال الحربي في كتاب العلل: ليس هو حجة، وذكره العقيلي في كتاب

الضعفاء، وقال الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير، ومَعْنى حديثه هذا في

صحيح مسلم بل هو واضح في الدلالة من حديث ابن عباس قال:"بت

عند خالتي ميمونة فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فقام رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن، فجعلت

إذا أغفيت يأخذ سخمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أجبني

حتى أني لأسمع نفسه زائدًا، فلما/تبيّن له الفجر فصلى ركعتين خفيفين" (1)

وقد ورد في نوم القاعد غير ما حديث، من ذلك حديث ابن المبارك: ثنا معمّر

عن قتادة عن أنس قال:"لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون

للصلاة حتى أني لأسمع غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون" (2) قال

ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس: قال الحافظ البيهقي: وعلى هذا جملة

عبد الرحمن ومهدي والشّافعي، وهو محتمل لما قالوه، لكن وردت زيادة تمنع

من هذا التأويل، ويردّه على من أوله ذكرها أبو محمد بن حزم مصححًا لها،

وذكرها أيضًا أبو الحسن ابن القطان من رواته يحيى بن سعد القطان عن سعيد

عن قتادة عن أنس:"أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون

(1) حسن. رواه أبو داود في: كتاب الصلاة، 27- باب في صلاة الليل، (ح/1374) .

ولفظه:

"بت عنده ليلة وهو عند ميمونة فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ فقام إلى شن

فيه ماء فتوضأ وتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره فجعلني على يمينه، ثم وضع

يده على رأسي كأنه يمس أذني كأنه يوقظني، فصلّى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن

في كل ركعة، ثم سلْم، ثم صلْى حتى صلّى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام، فأتاه بلال

فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام فركع ركعتين، ثم صلى بالناس".

انظر، الصحيحة:(2/498) .

ورواه الترمذي: (ح/78) وقال:"هذا حديث حسن صحيح".

(2)

قوله:"ولا يتوضؤن "سقطت من"الأصل"وكذا أثبتناه.

ص: 395

جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة " قال قاسم بن أصبغ: ثنا

محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد فذكره، وهو

كما نرى صحيح من رواية إمام عن سعيد فأعلَّه. ورواه البزار (1) من حديث

أبو عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس:" أنّ أصحاب النبي- عليه

السلام- كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ"وقال

ابن المنذر: حديث ابن عباس يعني هذا لا يثبت، وفي كتاب ابن عدي من

حديث محمد بن مسلم الطائفي عن قتادة عن أنس قال:"كنا ننام في

مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا نُحْدِثُ لذلك وضوءَا" (2) وقد أكد حديث سعيد ما

في الصحيح من حديث ابن عباس ونومه عند النبي عليه السلام قال:"ثم

اضطجع فنام حتى نفخ"ولكن قد قال هو:"إنّ عيني تنامان ولا ينام

قلبي" (3) وقال سفيان: هذا للنبي خاصة أو كذا قاله عكرمة فعلى هذا لا

حجة فيه على التأكيد، وقد روى ذلك عن عائشة وأنس وجابر وأبو هريرة،

وقد روى يزيد بن أبي زيادة وهو منكر الحديث عن مقسم عن ابن عباس

قال: وجب الوضوء على كلّ نائم إلا من خفق خفقة برأسه، قال البيهقي:

هكذا رواه جماعة عن يزيد موقوفَا، وروى ذلك مرفوعا ولا يثبت رفعه/. وقال

ابن المنذر: حديث ابن عباس هذا لا يثبت، قال الأثرم: قال أبو عبد الله

عند ذكر حديث عبد الأعلى يضعون جنوبهم ما في هذا أحسن من حديث

أنس:"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون"

هكذا قال شعبة، وقال هشام: يخفقون برؤوسهم، وقال ابن أبي عروبة:

فيضعون جنوبهم وتبسم أبو عبد الله ثم قال: هذا مرّة يضعون جنوبهم، وفي

(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/248) من حديث أنس، وعزاه إلى

"البزار"ورجاله رجال صحيح.

(2)

ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/2219) .

(3)

صحيح. متفق عليهِ. رواه البخاري (2/67) ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/125)

والنسائي (3/234) والترمذي (439) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/106)

وابن خزيمة (49) وتلخيص (3/135) ومشكل (4/353) واستذكار (1/99) والشمائل

(144)

والشفا (1/189، 2/349، 409) والتمهيد (5/208، 209، 6/392، 393) .

ص: 396

السنن أيضًا من حديث أبي الجعد: ثنا شعبة عن الجُريري عن خالد بن علاثة

عن أبي هريرة قال:"من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء"(1) وفي

لفظ:"فسألناه عن استحقاق النومْ فقال: هو أن يضع جنبه"قال البيهقي.

وروى ذلك مرفوعا ولا يصح، وفي كتاب أبي داود عن أنس قال:" كان

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم

يصلون ولا يتوضئون" (2) قال أبو داود: وزاد فيه سعيد عن قتادة قال: على

عهد النبي- عليه السلام وفي رواية معمر عن قتادة:"حتى أني أسمع

لأحدهم غطيطًا"وفي رواية كتاب الترمذي من حديث عبد السلام بن حرب

عن خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس:"أنه رأى رسول

الله صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غطّ أو نفخ ثم قام فصلى، فقلت: يا رسول

الله، إنك قد نمت، قال: إنّ الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا فأنه

إذا اضطجع استرخت مفاصله" (3)، قال أبو عيسى: رواه سعيد عن أبي

عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، ولما

ذكره دعلج في مسند ابن عباس من تأليفه، قال: سمعت موسى بن هارون

(1) شاذ لا يصح."غرائبً شعبة"(2/148) والبغوي في"الجعديات"(7/1/69) ومن

طريقه البيهقي (1/119) . وعلي بن الجعد ثقة ثبت، وقد تابعه ثقات، فقال ابن أبي شيبة في

"المصنف"(1/2/39) : حدثنا هُشيم وابن عُلَية عن الجريري عن خالد بن غِلاف القيسي عن

أبى هريرة قال: فذكره موقوفا عليه. ولعله الصواب. وزاد ابن علية، قال الجريري: فسألنا

عن استحقاق النوم؟ فقالوا:"إذا وضع جنبه".

انظر: الضعيفة (ح/954) .

(2)

حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 79- باب الوضوء من النوم، (ح/

قوله:"تخفق"خفق يخفق- من باب ضرب يضررب- يقال: خفق برأسه، إذا أخذته

سنة من النعاس فمال برأسه دون جسده.

(3)

منكر. رواه الترمذي (ح/77) وأبو داود (ح/202) قلت: وقد سبق أن وضحنا أن

الترمذي لم يعلّق على هذا الحديث بالحسن أو غيره. ولكن قال أبو داود عقب حديثه:

"الوضوء على من نام مضطجعا"هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن

قتادة. وقال: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له، وقال:

ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث.

ص: 397

يقول: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه إلا الدالانى؛ ولما رواه أبو داود

قال: قوله:"الوضوء على من نام مضطجعَا"هو منكر لم يروه إلا الدالاني

عن قتادة، وروى له جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئا من هذا، وكان

النبي- عليه السلام محفوظًا في نومه، وقال شعبة: إنّما سمع قتادة من أبي

العالية أربعة أحاديث/بحديث يونس بن مَتَّى، وحديث ابن عمر في الصلاة

وحديث:"القضاة ثلاثة

" (1)، وحديث ابن عباس قال: وذكرت

حديث يزيد للإِمام أحمد فقال: ما للدلاني يدخل على أصحاب قتادة، بهذا

الحديث، قال البيهقي: يعني به أحمد ما ذكره، وقاله في التفرّد وقال أبو

داود: لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ولم يجئ به إلا يزيد، قال

البيهقي: يعني به أحمد ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد بسماع

من قتادة، ولما ذكره أبن أبي داود في كتاب الطهارة من السنن قال: هذا

حديث معلول لم يسمع قتادة من أبي العالية إلَّا أربع أحاديث معروفة ليس

هذا منها وهذا مرسل من قتادة، وأبى العالية يحتاج وصل آخر، وهذه سنة

تفرد بها أهل البصرة وحفظها أهل الكوفة من صحة، وفي كتاب العلل لأبي

عيسى الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء رواه ابن

أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا نعرف

لأبي خالد سماعَا من قتادة، وفال الدارقطني: تفرّد به الدالاني ولا يصح،

وقال البيهقي: وأمّا هذا الحديث فقد أنكره على ابن أبي خالد جميع الحفاظ،

وقال الخزرجي في كتاب تقريب المدارك: حديث أبي العالية هذا منكر، وليس

بمتصل الإسناد وأما ردّ ابن حزم هذا الحديث بعبد السلام بن جرير فغير

صواب؛ لأنه ممن زيَّفه جماعة، وخرج الشيخان حديثه في صحيحيهما، وقول

(1) صحيح. رواه البيهقي في"الكبرى"(10/116، 117) والمجمع (4/193، 195) وعزاه

إلى الطبراني في"الأوسط"و"الكبير"ولفظه:"قاض قضى بالهوى فهو في النار، وقاض

قضى بغير علم فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة".

وشرح السنة (10/94) والترغيب (3/155) والفتح (13/319) والمشكاة (3735) وتلخيص

(4/185) وابن عساكر في"التاريخ"(7/309) والخفاء (2/144) . وتمام لفظ الحديث:

"عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القضاة ثلاثة: واحد

ناج واثنان في النار من قضى بالجور أو بالهوى هلك، ومن قضى بالحق نجا".

ص: 398

من قال أنه تفرّد بهذا اللفظ- أعني الدالاني- نظرا لما يذكره من متابعة

يعقوب بن مقاتل له بعد. والله أعلم، وفي الاستذكار حديث أبي خالد هذا

عند أهل الحديث منكر لم يروه غير أبي خالد عن قتادة؛ ولما ذكر ابن الجوزي

في التحقيق كلام الدارقطني، قال: قد ذكرنا مذهب المحققين أثناء قول أنَّى

وقف الحديث احتياطا وليس هذا. بشيء، وقول الدارقطني: لا يصح لأنه

دعوى بلا دليل وقد ذكرت هذا الحديث مستوفيا العلل في كتابي المسمى

بالسنن في الكلام على أحاديث السنن ولله الحمد والمنّة.

/وفي كتاب الدارقطني من حديث يعقوب بن عطاء. وهو ضعيف عند

أحمد وابن معين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال:"من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء"(1)

وذكره ابن عدي في كامله من حديث مقاتل بن سليمان المتهم بالوضع عند

النسائي عنه، وفي التاريخ نيسابور من حديث الجارود بن يزيد عن أبي زيد

عن الزهري عن ابن المسيب عنه يرفعه:"الوضوء من سبعة أقطار: البول

والدم السائل والقئ، ومن دسعه علا بها الفم والنوم المضطجع والرجل

في الصلاة، ومن خروج الدم" (2) وفي الكاهل أيضا من حديث معاوية بن

يحيى وهو واهي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة:"إذا وضع

أحدكم جنْبه فليتوضأ" (3)، قال الجوني: هذا حديث هو منكر وفيه من

حديث فرعة ابن سويد عن يحيى بن كثير وهو منكر الحديث عن ميمون

الحفاظ عن أبي عياض عن حذيفة بن اليمان قال."كنت في مسجد المدينة

جالسا أخفق واحتضنني رجل من خلفي فالتفت فإذا النبي- عليه السلام

فقلت: يا رسول الله هل وجب علي وضوء قال: لا حتى تضجع جنبك" (4)

(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في (الكامل" (6/2431) والدارقطني (1/161) والقرطبي

(5/223) . (2)"الكامل"لابن عدي: (6/2431) .

(3)

منكر. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/2396) .

(4)

ضعيف جدا. العقيلي: (2/75) . وأورده الهيثمي في ترجمة: زيد بن عياض أبو عياض

البصري. قال العقيلي: هذا حديث غير محفوظ.

ص: 399

قال البيهقي تفرّد به بحر السقا وفيه أيضًا حديث ابن عباس مرفوعًا:"وجب

الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين" (1) قال

الدارقطني: إنما يروى عن ابن عباس من قوله قد تقدّم: حدّثنا محمد بن

المصفى الحمصي، ثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن

عبد الله بن عائذ الأودي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ"(2) هذا حديث لما ذكره الساجي في

كتاب الضعفاء في ترجمة الوضين قال: عنده حديث واحد منكر وذكر هذا

ثم قال: ورأيت أبا داود يدخل هذا الحديث في كتاب السنن ولا أراه وضعه

إلا وهو صحيح عنده، ولما سئل أحمد عن هذا الحديث وحديث معاوية قال:

حديث علي أثبت وأقوى، وفي الخلافيات نحوه، ولما ذكره أبو محمد

الفارسي قال: هذا أثر ساقط،/قال أبو الأشبل: حديث علي ليس بمتصل،

وقال ابن القطان: هو كما قال ليس بمتصل، ولكن بقى عليه أن يبيّن أنه من

رواية بقية وهو ضعيف عن الوضين وهو واهي، وقد أنكر عليه هذا الحديث

نفسه عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ وهو مجهول الحال عن

علي، ولم يسمع منه فهذه ثلاث علل سوى الإِرسال كل واحدة تمنع من

تصححه مسندًا كان أو مرسلًا، وفيما قاله نظر حيث قال: عن ابن عائذ

مجهول الحال وليس كذلك؛ فأنه لا يحتاج إلى معرفة حاله ولا الكشف عنها

لكونه صحابيًا مشهورًا بذلك قد ذكره في الصحابة جماعة منهم البغوي بن

بنت منيع وأبو نعيم الأصفهاني والعسكري، وقال: كان من أصحاب

النبي- عليه السلام وأصحاب أصحابه، وكان من حملة العلم، وذكر له

حديثًا فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لو حلفت يمينًا لبَررْت أنه لا يدخل

(1) رواه الطبراني (8/290) بلفظ:"الوضوء على من نام". واستذكار (1/190) بلفظ:

"الوضوء على من نام مضطجعا".

(2)

ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (7/2551) . وأدخله أبو داود في كتابه

"السنن" ولم يضعف إسناده. وفي"الخلافيات"بنحوه. ولكن وهى إسناده بالانقطاع غير

واحد، وبه بقية وهو ضعيف. قلت: بالإضافة إلى علة الإرسال.

ص: 400

الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي قبل خمسة عشر إلا إبراهيم وإسماعيل

وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وموسى ومريم ابنة عمران" (1) ، وقال أبو

عمر بن عبد الله، ويقال عبد بن عبد أبو الحجاج اليماني، ويقال عبد الله بن

عائذ من الأزد يُعدّ في الشاميين حديثه عند بقية بن الوليد، لما ذكره ابن

حبان في كتاب الثقات قال.: يقال أن له صحبة، قاله صفوان بن عمرو

السكسكي وفي قول الأشبيلي حديث على ليس بمتصل فيه نظر إن أراد

الحديث الذي من رواية عبد الرحمن، فمسلم على أن ابن حبان ذكر أنه روى

عن علي قال: وقد قيل أنه لقى عليا روى عنه أهل الشام وإن أراد نفس

الحديث فغير مسلم لما أسلفناه من رواية غير عبد الرحمن والله أعلم، وفي

رواية البيهقي من حديث بقية عن أبي بكر بن أبي مريم في عطية بن قيس عن

معاوية قال عليه السلام:"العين وكان السه، فإذا نامت العين استطلق

الوكاء" (2) قال: ورواه مروان بن جناح والوليد بن مسلم عن عطية عن

معاوية موقوفا والوليد ومروان/ْ أثبت من أبي مريم، وبمثله قاله ابن عدي في

الكامل، ولما ذكره في الخلافيات من حديث ابن عباس وأبي هريرة قال:

حديث علي الذي يرويه الوضين أثبت منه في هذا الباب وقال: أبو عمر بن

عبد البرّ وأبو محمد حديث علي ومعاوية ضعيفان، زاد أبو عمر: ولا حجة

فيهما من جهة النقل، ولما رواه عبد الله بن أحمد وجاده في كتاب أبيه

بخط يده قال: كان في المحنة، وقد ضرب على هذا الحديث في كتابه، ولما

سأل ابن أبي حاتم إياه وأبا زرعة عن حديث علي ومعاوية قالا: ليسا بقويين

ولما ذكره ابن أني داود في سننه من حديث الوليد بن أني مريم عن عطية قال:

هذه سنة تفرد بها أهل حمص، قال ابن الجوزي: فيهما مقال. حدّثنا أبو

(1) المنثور: (1/140) .

(2)

صحيح. رواه ابن ماجة (ح/477) والبيهقي في"الكبرى"(1/118) ونصب الراية (1/

46) والدارقطني في"سننه"(0/161) وابن عساكر في"تاريخه"(4/288، 6/237) والحلية

(5/154) وابن عدي في"الكامل"(2/471) .

وصححه الشيخ الألباني (الإرواء: 1/148) .

ص: 401

بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان عن عيينة عن عاصم عن زر عن صفوان بن

عسال قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من

جنابة. لكن من غائط وبول ونوم"هذا حديث رواه ابن ماجة (1) في موضع

آخر، ورواه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان مطولًا بلفظ:"أتيت صفوان

ابن عسال أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ قلنا: تبعَا

للعلم، فقال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضَا بما يطلب قلت:

أنه حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءَا من

أصحاب النبي- عليه السلام فجئت أسأل هل سمعت في ذلك شيئًا؟ قال:

نعم، كان يأمرنا إذا كنَّا سفرَا- أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا بعد ثلاثة

أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم قال: قلت: هل سمعته

يذكر في النجوى شيئَا قال: نعم كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فبينا نحن

عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد. فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم

بصوت على نحو من صوته: هاؤم قلنا: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند

النبي- عليه السلام وقد نهيت عن هذا، فقال: والله لا أغضض، قال/

الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم قال النبي: المرءُ مع من أحب يوم

القيامة، فما زال يحدّثنا حتى ذكر بابَا من قبل المغرب مسيرة عرضه- أو يسير

الراكب في عرضه- أربعين أو سبعين عامًا () قال سفيان:"قبل الشام خلقه

الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحًا يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع

الشمس منه"ورواه الترمذي (2) عن أحمد بن عبدة ثنا حماد بن زيد عن

(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 62- باب الوضوء من النوم، (ح/

478) . وصححه الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 71- باب المسح على الخفين للمسافر

والمقيم، (ح/96) . وقال:"هذا حديث حسن صحيح"قلت: والحديث نسبه ابن حجر في

"التلخيص (ص 85) "إلى الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان

والدارقطني والبيهقي. ورواه أيضا الخطابي بإٍسناده في معالم السنن (1/60-62) مطولا،

وشرحه شرحا جيدا. قلت: ورواه الترمذي أيضَا: (ح/3535) والنسائي (1/84) . واْحمد

في"المسند"(4/240) والبيهقي (1/114، 118، 276) والحميدي (881) وشرح=

ص: 402

عاصم، وقال: حسن صحيح، وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه

عن أحمد بن عبدة، ثنا حماد وعن علي بن خشرم ثنا ابن عيينة والحافظ أبو

حاتم البستي عن الحسين بن محمود بن. أبي معشر، ثنا عبد الرحمن بن عمرو

البجلي، ثنا زهير بن معاوية عن عاصم، وثنا أبو يعلي، ثنا هارون بن معروف،

ثنا سفيان، وثنا عبد الله بن محمد الأزدي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد

الرزاق، ثنا معمر عن عاصم، وثنا ابن خزيمة، ثنا محمد بن يحيى وابن رافع،

ثنا عبد الرزاق فذكره، ولما ذكره الحاكم في مستدركه قال: صحيح على

شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه ابن الجارود في منتقاه عن محمد بن

عبد الله بن يزيد، ثنا سفيان وصححه أبو محمد بن حزم، وفي كتاب ابن

السكن ما يرد على الحاكم قوله، وهو: وقال الصعق بن حزن عن علي بن

الحكم عن المنهال بن عمرو عن زر عن بن مسعود قال: جاء رجل من مراد

يقال له صفوان فذكر هذا الحديث، وفي معجم الطبراني (1) من جهة عبد

الكريم بن أبي المخارق عن حبيب بن أبي ثابت عن زر بقصة المسح. والله

أعلم.

أما حديث أبي هريرة قال عليه السلام:"من وضع جنبه فنام

فليتوضأ" (2)، فإن الحربي لما ذكره في علله قال: هذا منكر لم يروه عن

الزهري إلا معاوية بن يحيي السَّه: اسم من أسماء الدبر، وقيل: هي حلقة

الدبر فيما ذكره الهروي، والوكاء: الحبل الذي يشد فوهة القربة قال:

ولا القرب وكاء الزاد أحسبه لقد علمت بأن الزاد مأكول

وفي بعض الأمالي: حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء قال أبو بكر بن المنذر

في كتاب الأشراف: واختلفوا في الوضوء من النوم فكان الحسن لم يقول: إذا

= السنة (1/335) والطبراني (8/72) والشافعي (18) وابن عساكر في"تاريخه"(5/378)

والإرواء (1/140) . وقد جاء أيضا في الزهد لابن ماجة ببعضه (ح/2388) .

(1)

رواه الطبراني في"الكبير": (8/72) .

(2)

تقدم من أحاديث الباب ص 399.

ص: 403

خالط النوم قلب أحدكم فليتوضأ وهو قول سعيد بن المسيب وإسحاق بن أبي

عُبيد، وروينا معناه عن أبي هريرة وابن عباس وأنس وقال الزهري وربيعة

ومالك: إن نام قليلًا قاعدًا لم ينتقض وضوءه، وإن تطاول ذلك توضأ، وقال

الأوزاعي معنا ذلك، وبه قال أحمد وكان حماد بن أبي سليمان والحكم

وسفيان وأصحاب الرأي يقولون: إنّ من نام قائمًا أو قاعدًا فلا ينتقض وضوءه،

وإذا نام مضطجعًا أو متكئًا انتقض وضوءه، واحتجوا بحديث عن ابن عباس

ولا يثبت وفيه قول رابع: وهو من نام ساجدًا في صلاة فليس عليه وضوء،

فإن نام ساجدًا في غير صلاة توضأ، وإن تعمّد النوم ساجدًا في الصلاة فعليه

الوضوء وهو قول ابن المبارك.

وفيه قول خامس: وهو أن من زاد عن حدّ الاستواء قاعدًا أو نام قائمًا أو

راكعًا أو ساجدًا أو مضطجعًا فعليه الوضوء وهو قول الشافعي.

وفيه قول سادس: وهو أن الوضوء لا يجب من النوم على أي حال كان

حتى يحدث حدثًا غير النوم، روى معنى هذا القول عن أبي موسى الأشعري

قال: في شرح السنة- وهو فول الأعرج-: قال أبن المنذر وعن ابن المسيب

أنه كان ينام مرارًا مضطجعًا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، قال

أبو بكر: والقول الأول أقوى استدلالًا بالسنة وبإجماعهم على أنّ من زال

عقله بغير النوم فعليه الوضوء، والنائم زائل العقل أو في معناه، وقال ابن

حزم: والنوم في ذاته حدث ينتقض الوضوء سواء قلّ أو كثر، قاعدًا أو قائمًا،

في صلاة أو غيرها، أو راكعًا أو ساجدًا، ومتكئًا أو مضطجعًا أيقن من حواليه

أنه لم يحدث أو لم يوقنوا، برهان ذلك حديث صفوان يعم عليه السلام، كل

نوم ولم يخص قليله من كثيره ولا حالًا من حال وسوى بينه وبين الغائط

والبول، وهذا قول أبي هريرة،/وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن

وابن المسيَّب وعكرمة والزهري وغيرهم، وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا

ينقض كيف كان لما أسلفناه من عند ابن المنذر وهو قول صحيح عن جماعة

من الصحابة، وعن ابن عمر ومكحول وعبيدة وذكر حديث:"فيضعون

جنوبهم"، وحديث:"ينامون ثم يصلون"، قال: لو جاز القطع بالإِجماع

فيما لا يتيقن أده يشذ عنه أحد؛ لكان هذا يجب أن يقطع فيه أنه إجماع لا

ص: 404

تلك الدعاوي التي يدعونها وذهب داود بن علي إلى أنّ النوم لا ينقض

الوضوء؛ إلا نوم المضطجع فقط وهو قول روى عن عمر بن الحطاب وابن

عباس ولم يصح عنهما وعن ابن عمر، وصح عن النخعي وعطاء والليث

والثوري والحسن بن يحمى، وذهب أبو حنيفة إلى قول يعني ما تقدم لا نعلمه

عن أحد من المتقدّمين إلَّا أن بعضهم ذكر ذلك عن أبي سليمان والحكم، ولا

يعلم كيف قالا، وأمّا قول الشّافعي: فما نعلم تقسيمه يصح عن أحد من

المتقدّمين، إلا أنّ بعض الناس ذكر ذلك عن طاووس وابن سيرين ولا يحفظ

وانتهى كلامه، وفيما حكاه عن أنه رواه البيهقي من جهة يزيد بن أبي زيادة

قال: وقد روى مرفوعا، والمرسل إذا عُضِّد بمرسل آخر أو قول صحابي كان

عند جماهير المحدثين أقوى من مسندٍ لو عارضه. والله أعلم.

***

ص: 405

‌34- باب الوضوء من مس الذكر

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن عروة

عن أليه، عن مروان بن الحكم، عن بُسرة بن صفوان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ"(1) . هذا حديث احترت في تصحيحه

وتضعيفه؛ فأما أبو عيسى الترمذي فأنه لما رواه من جهة يحيى بن سعيد عن

هشام أخبرني أبي عن بسرة فال فيه: حسن صحيح. قال: وهكذا روى

غير/واحد مثل هذا عن هشام عن أبيه عن بُسرة، وفد روى أبو أسامة الزياد

عن عروة عن بُسرة، ولما سأل البخاري عنه في كتاب العلل؟ قال: أصح

(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/479) والنسائي (0/101) وأحمد في"المسند"(6/407)

والبيهقي في"الكبرى"(1/128) والحاكم في"المستدرك"(1/138) وصححاه. والدارقطني

(1/146، 147، 148) وعبد الرزاق (412) وابن خزيمة (33) وشرح السنة (1/340)

والخفاء (1/106) والمطالب (139، 141) والموطأً (42) وشفع (90) والبغوي (1/535) وا بن

حبان (214) وابن عساكر في التاريخ (1/403) والشافعي (12) والحلية (7/159) والخطيب

(4/311) والترمذي (82) وقال:"هذا حديث حسن صحيح". قلت: وأصل الحديث رواية

مالك في الموطأ:"عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن خزام: أنه سمع عروة بن

الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذاكرنا ما يكون عنه من الوضوء، فقال مروان:

ومن سق الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة

بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ".

ورواية أحمد والنسائي من طريق شعيب عن الزهري قال:"أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن

حزم الأنصاري أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من

مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك عليه، فقلت: لا وضوء على من مسه،

فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما يتوضأ منه،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من س الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا

رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها عما حدثت من ذلك؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي

حدثني عنها مروان".

ثم أخذ عروة بن الزبير بهذا الحديث وصار يفتي به ويناظر عليه، فروى ابن الجارود في المنتقى

(ص 19) من طريق سفيان بن عيينة:"عن عبد الله بن أبي بكر قال: تذاكر أبي وعروة وما

يتوضأ منه، فذكر عروهَ وذكر، حتى ذكر الوضوء من مس الذكر".

ص: 406

شيء عندي في مس الذكر حديث بسرة، والصحيح عروة عن مروان عن بسرة،

وذكر البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: سمعت ابن المديني يقول: وذكر

حديث شعيب بن إسحاق عن هشام الذي يذكر فيه سماع عروة من بسرة

فقال: على هذا مما يدّلك أنّ يحيى بن سعيد قد حفظ عن هشام عن أبيه

أخبرني بسرة، وقال ابن عدي في كامله: إنّما رواه عروة عن بسرة ولما سأل

داود عبد الرحمن أبا عبد الله أحمد بن حنبل؟ قلت: حديث بسرة ليس

بصحيح في مسّ الذكر، قال: بلى هو الصحيح؛ وذلك أنّ مروان حدثهم

ثم جاءهم الرسول عنها بذلك، وروى يعقوب بن حبان عن أحمد أنه سئل

عن حديث بسرة فقال: هو صحيح، وأنا أذهب إليه قيل له: على الاختيار أو

على الوجوب، قال: على الاختيار، وفي كتاب الميموني قلت: لابن معين

أي حديث عن النبي- عليه السلام أثبت في الوضوء من مسّ الذكر قال:

حديث بسرة من أثبتها، وإنّما يطعن عليه من لا يذهب إليه، قلت: فلما لا

تتوضأ أنت منه؟! قال: لأنيْ رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعضهم.

قلت: فإذا اختلف الصحابة في شيء وأنت تجده عن النبي- عليه السلام

تدعه، ولما سأله مضر بن محمد قال: ما صح فيه شيء، إلا حديث بسرة

وحديث بسرة فيه شيء ولما خرجه الحافظ أبو بكر بن إسحاق السلمي في

صحيحه من حديث هشام عن أبيه عن مروان عنها قال: سمعت يونس بن

عبد الأًعلى يقول: نا ابن وهب عن مالك قال:"أرى الوضوء من مس

الذكر استحبابًا لا أوجبه، وكان الشّافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعا

لخبر بسرة لا بأس، قال أبو بكر: ويقول الشافعي: أقول: لأنّ عروة قد سمع خبر

بسرة منها لا كما يوهمه بعض الناس من أنّ الخبر واهي بضعفه في مروان، ولما

ذكره ابن حبان في صحيحه من جهة/عروة سمعت بُسرة قال: معاذ الله أن

نحتج بمروان وخرجه ابن الجارود في منتقاه من حديث عروة عن مروان وفي

آخره قال عروة: فسألت بسرة فصدقته ولما ذكره في المعرفة قال: إذا ثبت

سؤال عروة بسرة له كان صحيحًا على البخاري ومسلم جميعًا، ولما خرجه

ابن الربيع في مستدركه من جهة خلف عن حماد بن زيد عن هشام أنّ عروة

ص: 407

كان عند مروان فسئل عن مس الذكر؟ فقال عروة: إن بسرة حدّثني أنّ النبي-

عليه السلام قال:"إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ"(1) .

فبعث مروان حرسيا الحديث قال: هكذا ساق ابن زيد هذا الحديث وذكر فيه

سماع عروة من بسره وخلف بن هشام ثقة وهو أحد أئمة القراء، ومما يدل

على صحة روايته رواية الجمهور من أصحاب هشام عن أبيه عن بسرة منهم

أيوب السختياني وقيس بن سعد المكي وابن جريج وابن عيينة، وعبد العزيز بن

أبي حازم ومحيى بن سعد ومحيى بن سلمة ومعمر وهشام بن حسان وعبد

الله بن محمد أبو علقمة وعاصم بن هلال، ويحيى بن ثعلبة المازني وسعيد بن

عبد الرحمن. الجمحي وعلي بن المبارك وأبان بن العطار ومحمد بن عبد

الرحمن. الطقاوي وعبد الرحمن بن جعفر الأنصاري، والدراوردي ويزيد بن

سنان وعبد الرحمن بن أبي الزياد وعبد الرحمن بن أبي عبد العزيز، وحامد بن

هرم الفقيمي وأبو مَعْشر وعباد بن مُهَيب وغيرهم، وقد خالفهم فيه جماعة

فرواه عن هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة منهم الثوري ورواية عن هشام بن

حسان ورواية عن حماد بن سلمة ومالك ووهب بن خالد وسلام بن أبي مطبع

وعمر بن علي المقدسي وعبد الله بن إدريس وعلي بن مُسهر وأبو أسامة وغيرهم،

وقد ظهر الخلاف فيه على هشام من أصحابه فنظر، فإذا القوم من الذين أثبتوا

سماع عروة عن بسرة أكثر وبعضهم أحفظ من الذين جعلوه عن مروان، إلا

أنّ جماعة من الأئمة الحفاظ ذكروا عن مروان منهم مالك والثوري ونظرا

وبها، فنظر جماعة ممن لم يمعن النظر في هذا الاختلاف أنّ الخبر واهي، لطعن

أئمة الحديث على مروان فنظرنا فوجدنا جماعة من الثقات/الحفاظ رووا عن

هشام عن أبيه عن مروان عن بسرة ثم ذكروا في رواياتهم أنّ عروة قال: ثم

لقيت بعد ذلك بسرة فحدّثني بالحديث كما حدّثني مروان عنها؛ فدّلنا ذلك

على صحة الحديث وثبوته على شرط الشيخين وزال عنه الخلاف والشبهة

(1) ضعيف. رواه الحاكم (1/136) والمشكاة (321، 322) والشفع (91، 92) . وفي

شرح السنة (1/341) بلفظ:"إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه

"الحديث.

قلت: وعلته مروان، فقد طُعن من أئمة الحديث.

ص: 408

وثبت سماع عروة من بسرة فممن (1) ذكرنا من سماع عروة منهم شعيب بن

إسحاق الدمشقي وربيعة بن عثمان التيمي والمنذر بن عبد الله الحرامي،

وعنبسة بن عبد الواحد القرشي وأبو الأسود حميد بن الأسود الثقة المأمون،

وقد رواه عن عروة جماعة منهم عبد الله بن أبي بكر وابن شهاب وأبو الزياد

ومحمد بن عروة ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن عبد الحميد بن حزم

الأنصاري، والحسن بن مسلم بن يقاق وغيرهم من التابعين وأتباعهم، ورواه

عن بسرة جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن عمرو بن العاص،

وسعيد بن المسيب، وابن أبي مليكة، وعمرة بنت عبد الرحمن، وسليمان بن

موسى، ولما سئل أبو داود عن حديث في مسّ الذكر؟ قال: حديث أبي بكر عن

عروة عن بسرة، ولما ذكره أبو محمد الفارسي في كتابه مصححا به قال: فإن

قيل: إن هذا رواه الزهري عن عروة وعن عبد الله بن أبي بكر عن عروة. قلنا:

مرحبا بهذا عبد الله ثقة والزهري لا خلاف أنه سمع من عروة وجالسه، فهذا

قوة للخبر والحمد لله تعالى، ولما ذكره الأشبيلي صححه وكذلك ابن الحصار

في كتابه: تقريب المدارك، وقال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن،

وقال أبو بكر الحازمي: حديث بسرة- وإن لم يخرجاه- لا خلاف يقع في سماع

عروة؛ إذ هو عن مروان عنها فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه

وكلامه يقتضي أنهما خرجا لمروان وليس كذلك؛ لأنه معدود في إفراد

البخاري وبنحو ما قلنا نبّه عليه البيهقي في المعرفة وصححه أيضا ابن وضاح،

وأما الذين ضعّفوه ابن السكن وأبو عمر والدارقطني وقال ابن الجوزي في

التحقيق: هذا السند مطعن فيه، ولما ذكره في كتاب العلل قال بعد كلامه:

فلما ورد الاختلاف على هشام أشكل أمر هذا/الحديث، وطن كثير من الناس

ممن لم يمعن النظر في الاختلاف أن هذا الحديث غير ثابت؛ لاختلافهم فيدلان

الواجب في الحكم أن يكون القول قول من أراد في الإِسناد؛ لأنهم ثقات

والثقات زياداتهم مقبولة فحكم حديث قيس عندنا أثبت من حديث بسرة،

وقال ابن معين: أي حديث بسرة لولا أن قابل طلحة في الطريق وكان ابن

(1) في"الأصل"ورد"من ما"وليس لها محل في سياق الكلام.

ص: 409

المديني يقول نحو ذلك وفي كتاب الدبوسي، قال ابن معين: ثلاثة أخبار لا تصح

عن النبي- عليه السلام منها حديث:"من مس ذكره فليتوضأ"، قال الحربي

في كتاب العلل: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي عن امرأة، وهو يخالف لما

قدمناه عن ابن معين، وروى الدارقطني في سننه، ثنا محمد بن الحسن النقاش ثنا

عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، ثنا رجاء بن مرجأ الحافظ قال: اجتمعنا في

مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين فتناظروا في

مسّ الذكر فقال يحيى: يتوضأ منه، وقال علي: يقول الكوفيون ونقله قولهم،

واحتج ابن معين بحديث بسرة، واحتج علي بحديث قيس بن طلق وقال ليحيى:

كيف نحتج بتقلّد إسناد بسرة؟ ومروان أرسل شرطيًا حتى ردّ جوابها إليه فقال

يحمى: وقد أكمر النّاس في قيس بن طلق ولا نحتجّ بحديثه، فقال أحمد: كلا

الحديثين على ما قلتما. فقال يحيى عن نافع عن ابن عمر:"أنه توضأ من مس

الذكر". فقال علي: كان ابن مسعود لا يتوضأ منه، إنما هو بضعة من جسدك،

فقال يحيى: من قال سفيان عن أبي قيس عن هُزيل عن عبد الله فإذا اجتمع ابن

مسعود وابن عمر واختلفا فابن مسعود أولى أن يتبع فقال له أحمد نعم، ولكن أبو

قيس لا نحتج بحديثه فقال: حدّثني أبو نعيم حدّثنا مُشعَر عن عمر بن سعيد عن

عمار بن ياسر فقال: ما أبالي مسسناه وأنفى، قال أحمد: ابن عمر وعمارًا سويا

فمن شاء أخذ بهذا، ومن شاء أخذ بهذا، وذكر الخطابي أنّ هذه المناظرة كانت بين

أحمد ويحيى وأنّ أحمد احتج بحديث ابن عمر ولم يدفعه يحيى فلعلّهما واقعتان،

ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي في شرحه من جهة عبد الرزاق عن عمر عن الزهري

عن عروة بلفظ فأرسل إليها مروان شرطيا قال: هذا عروة لم يرفع بحديث بسرة

رأسا وذلك بأنها عنده في حال من لا يؤخذ ذلك لم عنها ففي تضعيف من هو أقل

من عروة ليس ما يسقط به حديثها، وقد تابعه على ذلك ربيعة بن عبد الرحمن

وقال: لو وضعت يدي في دم أو حيض ما نقض وضوئي، فمس الذكر أيسر أم

الدم، وكان يقول لهم ويحكي مثل هذا يؤخذ به ويعمل بحديث بسرة، والله لو

أن بسرة شهدت على هذا الفعل لما أجزت، فلم يكن في الصحابة من يقيم هذا

الدين إلا بسرة قال ابن يزيد: على هذا أدركا مشيختنا ما منهم أحد يرى في مس

ص: 410

الذكر وضوءا، وإن كان إنما ترك أن يرفع بذلك رأسا؛ لأنّ مروان ليس عنده في

حال من يجب القبول من مثله، فإنّ خبر شرطي من مروان عن بسرة دون خبره

عنها، فإن كان خبر مروان في نفسه عند عروة غير مقبول فخبر شرطية إيّاه عنها

بذلك أحرى أن لا يكون مقبولا، وأيضا فهذا الحديث لم يسمعه الزهري من عروة

إنّما دلّس به عن عبد الله بن أبي بكر عنه، وهذا الأمر وإنما هو عند الزهري عن عبد

الله بن عروة فقد خطّ بذلك درجة؛ لأنّ عبد الله ليس في حديثه عن عروة

كحديث الزهري عن عروة ولا عبد الرحمن في حديثه عنهم بالمتقن بعد،

حدّثني يحيى بن عثمان، ثنا ابن وزير سمعت الشّافعي سمعت ابن عيينة

يقول: كنّا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من نفر سماهم منهم عبد

الله بن أبي بكر سخرنا به؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث وأنهم قد يضعون

الحديث ما هو مثل هذا، ثنا من كلام ابن عيينة، وقال آخرون: الذي بين

الزهري وعروة في هذا الحديث أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإن

قالوا: فقد روى هذا الحديث فشام عن أبيه فليس ممن تكلّم في روايته بشيء

قيل له: إنّ هشاما لم يسمع هذا من أبيه، إنما أخذه من أبي بكر أيضًا فدلس

به عن أبيه، ثنا بذلك سليمان بن شعيب، ثنا الخصيب ثنا همام عن هشام

قال: حدّثني أبو بكر بن محمد عن عروة، فإن قالوا: فقد رواه عن عروة

غير الزهري وهشام وهو ما رواه ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود عن عروة قيل لهم:

كيف تحتجون في هذا بابن لهيعة وأنتم لا تجعلونه حجة لخصمكم فيما يحتج

به عليكم؟ ولم أرد بشيء من ذلك الطعن على عبد الله بن أبي بكر ولا ابن

لهيعة ولا عنهما، ولكن أردت إتيان ظلم الخصم فثبت بها حديث الزهري/

بالذي دخل بيته، وعن عروة وبها حديث الزهري أيضا وهشام بالذي بين

عروة وبسرة؛ لأن عروة لم يقبل ذلك، ولم يرفع به رأسا وبه يسقط الحديث

بأقل من ذلك، فإن احتجوا في ذلك بحديث يحيى ابن أبي كثير أنه سمع

رجلا يحدّث في مسجد النبي- عليه السلام بحديث عمرو بن شعيب عن

أبيه عن جدّه أن بسرة سألت النبي- عليه السلام الحديث؟ قيل لهم: أنتم

تزعمون أنّ عمرا لم يسمع من أبيه شيئا، إّنما حدّثه صحيفة فهذا على قولكم

ص: 411

منقطع والمنقطع لا يجب به عندكم حجة انتهى قوله، وعليه فيه مآخذ الأول:

قوله: إنّ عروة لم يرفع بحديث بسرة رأسًا، وذلك أنها عنده في حال من لا يؤخذ

عنها ففي الصحيح لكونها صحابية معروفة الصحبة، ومن كانت بهذه المثابة فأجدر

بأن يرفع لحديثها الرؤوس، قال الحاكم: هي من سيدات قريش قال فيها مالك بن

أنس: أنه دوّن من هي جدّة عبد الملك أم أمه فاعرفوا هذا، وذكر مُصْعب الزبيري

أنها من المبايعات وورقة بن نوفل عمّها وليس لصفوان بن نوفل عقب الأمر قبلها

وهي زوج المغيرة بن أبي العاص روى عنها جماعة، وروينا لها عن النبي صلى الله عليه وسلم

خمسة أحاديث غير هذا الحديث، فقد ثبت مما ذكرنا أخبارها وأنّ اسم الجهالة

مرتفع عنها بهذه الروايات، وذكر الشّافعي أنّ لها سابقة وهجرة قديمة وصحبة

بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: وفد حدثت بهذا الحديث في دار المهاجرين والأنصار

وهم متوافرون، فلم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها

منهم عروة بعد إنكاره ذلك وعبد الله ابن عمر بن الخطاب، وفي الاستيعاب

ولدت للمغيرة معاوية وعائشة وكانت عائشة أخت مروان، وفي كتاب الزبير بن

أبي بكر هي أم معاوية وجدّة عائشة بنت معاوية وعائشة هي أم عبد الملك وكانت

من المبايعات، وبنحوه ذكره ابن الكلبي في جامعه، وزعم أنها من كنانة قال ابن

عمر: وليس ذلك بشيء، والصواب أنها من بني أسد بن عبد العزي انتهى كلامه

وفيه نظر؛ لأنّ أسد بن عبد العزي لا مخرج له عن نسب كنانة فكان البر في

نسبها إلى الجذم لا إلى الفضيلة والله أعلم، ولما ذكرها ابن سعد قال: بسرة

بنت صفوان بن نوفل بن عبد العزي اابن قُصي أمهَّا سالمة بنت أمية بن حارثة

الأوقص بن مرّة بن هلال بن فالج بن ذكّوان بن ثعلبة بن بُهثه بن سُلَيم

وأخوها لأمها عقبة بن أبي معيط وابنها معاوية قتل منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من

أحد وهو جدّ عبد الملك، وقال ابن حبان: هي من المهاجرات وخديجة أم

المهاجرات وخديجة أم المؤمنين عمة ابنها.

وقال أبو محمد الأموي: وصح أن بسرة صحابية مشهورة. وابن أبي شيبة

في كتاب أخبار المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قال محمد: يعني ابن

طلحة الطويل التيمي:"صلى عليه الصلاة والسلام في دار بسرة بنت

ص: 412

صفوان" رضى الله عنها وأما ما قاله الحافظ بن سرور: من أنها خالة مروان

"فسيء"(1) لم أعرفه لغيره وأيضًا فقد أسلفنا أنه أخذ عنها هذا الحديث نفسه،

وحدث به عنها بغير واسطة كما سبق فدل أنها عنده أهل وموضع للرواية لا

كما زعم لا سيما عمل به رواته ورجوعه إليه بعد إنكاره ذلك.

الثاني: قوله: إن هشامًا لم يسمعه من أبيه، ولعمري لقد قال ذلك قبله

شعبة فيما حكاه عنه الإمام أحمد في تاريخه الذي رواه عن أبيه أبي بكر

الحضرمي قال شعبة: لمَ يسمع هشام حديث مس الذكر من أبيه قال يحيى:

فسألت هشامًا؟ فقال: أخبرني أبي ثم رواه في مسنده أخبرني يحيى عن هشام

قال: حدثني أني أن بُسرة حدّثته فذكر الحديث.

وقد أسلفنا قول ابن المديني في ذلك أيضًا، وشبه أن يكون مستند من قال

ذلك: رواية داود العطار عنه ووهم في ذلك، قال الحاكم: أبو عبد الله وروى

داود العطار عن هشام عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة حديث بسرة وهو

وهم، وقال في موضع آخر: ما. روى من وجه يعتمد وفيما قاله نظر؛ لما رواه

أبو القاسم في الأوسط عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن

همام بن يحيى عن هشام عن عبد الله بن أبي بكر به وهؤلاء كلّهم ثقات

ويحمل ذلك على أنه سمعه عنه أولًا، ثم شافهه آخر الصحة الروايتين عنه

بذاك ولإن كان ما قاله أبو جعفر صحيحًا فلا وجه على الحرث فيه؛ لأن

عبد الله ممن خرج الشيخان حديثه في صحيحيهما، وقال مالك: النجم فيه

كان رجل صدق، وقال أحمد بن حنبل: حديثه شفاء، وقال ابن سعد: كان

ثقة كثير الحديث عالماً، ووثقه ابن معين وأبو حاتم الرازي/وابن حبان والعجلي

والبرقي وغيرهم، فعلى هذا يتناول ما نقله عن ابن عيينة، وأنه ليس بطعن يردّ

به حديثه فسواء برز أو لم يُبرز لعدالته وثقته ولعدم افتقارنا إلى وجوده، ولما

ذكرنا من سماع هشام له من أبيه وسماع الزهري من عروة كما سبق بيانه

من عند ابن حزم وغيره.

الثالث: قوله: لأن مروان عنده ليس في حال من يجب القبول من مثله

(1) كذا ورد"بالأصل".

ص: 413

إلى آخره. قد بيتا أنّ مروان ليس له ولا لشرطه في هذا الحديث مدخل،

ولسنا ممن نعتمد على قول البيهقي في المعرفة، ولولا ثقة الحربي عند عروة لما

قبله من أن عروة مشي إلى بسرة فشافهته به فذكر أولئك ضرب من التشعيب

الذي لا طائل تحته، ولئن سلمنا إلى ما قاله فمروان ليس ممن تفرد به

الأحاديث؛ لأنه ممن ذكره في الصحابة جماعة من الأئمة، وروى له البخاري

في صحيحة حديث محتجًا به عن علي بن أبي طالب وفاطمة وآخر مقرونًا

بالمسوَر بن مخرمة وأما ما قُرن به من قبل طلحة منّي لم يثبت عليه، ولم يأت

إلَّا على لسان مؤرخ مقدوح في عدالته كأني مختف وهشام وغيرهما والله

أعلم، وسيأتي ذكر من سمّاه المهاجرين علي بعد إن شاء الله تعالى.

الرابع: ما حكاه عن ربيعة مردود بما سنذكره بعد من رواية جماعة من

الصحابة لذلك كروايتها.

الخامس: ذكره حديث عروة بن شعيب وادّعاؤه فيه الانقطاع مردودًا بما

أسلفناه قبل من اتصاله عند جماعة من العلماء ولكن منعنا من أن يحتج به

جهالة حال المحدّث بهن أبي كثير؛ لأنا لا نقبل ذلك إلا بعد معرفة عينه وحاله

أو ما يقوى مقامهما كما بيناه.

السادس: وقوله: إنّ أبا الأسود رواه أيضًا عن عروة لكن من طريق ابن

لهيعة يفهم أن غيره لم يروه كروايته عنه وهو غير صحيح؟ لما ذكره أبو عبد

الله بن الربيع من أن محمد بن عبد الله بن عروة رواه عن عروة، وكذلك

محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وعبد الحميد بن حزم والحسن بن نياق، وفي

الترمذي ثنا علي، ثنا بن حجر ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد عن أبيه عن

عروة عن بسرة ومنهم/من عابه بالاختلاف في إسناده وألفاظه؛ وذلك أنه

مروى من جهة الزهري ومالك وهشام بن عروة، فأمّا الزهري فقد اختلف عليه

على وجوه أحدها عنه عن عروة عن مروان عن بسرة، وهذه رواية الطبراني أن

عبد الرزاق عن معمر عن عروة قال: قد أكثر هو ومروان الوضوء من مس

الفرج، فقال مروان: حدّثتني بسرة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضُوء من

ص: 414

مس الفرج، فكان عروة لم يرفع بحديثه فأرسل مروان إليها شرطيا فرجع

فأخبرهم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الفرج.

وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمير اليحصبي عن الزهري عن عروة أنه

سمع مروان قال: أخبرتني بسرة الحديث أخرجها الطبراني عن أحمد بن

معلي الدمشقي عن هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن

نمير الثاني عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ثم اختلفوا فقيل: عن

أبي بكر عن عروة عن بسرة، وهذه رواية يحيى بن عبد الله البابلتي عن

الأوزاعي عن الزهري بلفظ:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يتوضأ الرجل من

مس الذكر" (1) .

وكذلك رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي بكر عن

عروة عن بسرة من جهة دحيم عن أبيه عن الوليد وقيل: عن أبي بكر عن

مروان عن بسرة، وهذه رواية إسحاق بن راشد عن الزهري قال فيها: عن أبي

بكر أنَّ عروة حدَّثه أنَّ مروان في كر أن بسرة قالت: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم

يقول:"من مس فرجه فليتوضأ () . وهذه الرواية شاهدا من حديث سعيد بن

سفيان الجحدري عن سعيد عن أبي بكر سمعت عروة يقول: أرسل مروان إلى

بسرة فسألها عنه؟ فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مس أحدكم ذكره

فليتوضأ".

أخرجها أبو بكر ثم اختلفوا فقيل: عروة عن مروان عن بسرة وهذا من

جهة الليث بن سعد عن الزهري من رواية سعيد بن يحيى وعبد الله بن صالح

(1) صحيح. رواه أبو داود في: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/181) .

والترمذي في: أبواب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/82-84) .

ورواه النسائي (1/100- من كتاب الطهارة) ، باب الوضوء من مس الذكر، (ح/749) .

ورواه الدارمي في: كتاب الطهارة، 50- باب الوضوء من مس الذكر، (ح/725) .

ورواه مالك في: كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج، (ح/58) .

ورواه أحمد: (م/223، 5/194، 6/406-407) .

والحاكم في المستدرك. قال البخاري: هو اْصح شيء في هذا الباب. وقال الألباني في

صحيح الجامع (5/359) :"صحيح"ا. هـ.

ص: 415

عن الليث، وكذلك رواية ابن أبي ذئيب عن الزهري رواها الطبراني عن

إبراهيم بن محمد بن غرق بن عمرو بن عثمان عن عبد الملك بن محمد

الصنعاني عن زهر بن محمد/عن ابن أبي ذئيب، وكذلك رواية شعيب عن

الزهري ذكرها النسائي وكذلك رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب

من رواية عبد الله بن صالح عن الليث عنه، وكذلك رواية الليث عن يونس

عن ابن شهاب، ورواية عبد الله بن صالح وقيل: عن الزهري عن عبد الله ابن

أبي بكر عن عروة عن بسرة أو زيد بن خالد رواها الطبراني عن الزبيري عن

عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب.

وأمّا مالك فالصحيح عنه ما أسلفناه وقيل عنه: عن هشام عن أبيه عن

بسرة رواها الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلاد عن إبراهيم بن المنذر عن أبي

علقمة القروي وقيل: عن نافع عن ابن عمر عن بُسرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم

يقول:"الوضوء من مس الذكر"(1) .

ورواها أبو الحسن البغدادي في غرائب مالك، وقال: هذا الحديث

معروض بحفص بن عمر العدوي عن مالك وحفص ليس بقوي في الحديث،

وهذا في الموطأ من فعل ابن عمر غير مرفوع وهو الصواب، وروى عن أبي

مُصْعب عن مالك كرواية حفص، ولا يصح عن أبي مصعب ثم قال: حدّثني

إبراهيم بن محمد وعمر بن أحمد بن عثمان، ثنا الحسن بن مهدي بن عبدة

المروزي، ثنا محمد بن علي بن المنذر أبو عبد الله، ثنا أبو مصعب المدني، ثنا

مالك عن نافع عن ابن عمر عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مس فرجه

فليتوضأ".

وقال ابن عدي: هذا ليس يرويه عن مالك إلا حفص، وهذا الحديث في

الموطأ عن مالك عن ابن عمر موقوف وفي حديث ابن صاعد بيان ذلك،

وأما قوله: عن بسرة فهو باطل انتهى ما قدّمناه من عند الدارقطني، تفرّد قوله:

ورواه ابن مانع بلفظ آخر من جهة ابن مصعب عن حفص بلفظ قال عليه

(1) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل": (2/793) .

ص: 416

السلام:"من مس فرجه فليتوضأ"(1) . وأما هشام فقيل عنه: عن أبيه عن

بسرة وهذه رواية الترمذي ولفظه:"من مس ذكره فلا يصلي حتى

يتوضأ" (2) . وقال: حسن صحيح، وقال: هكذا رواه عن واحد عن هشام،

وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن مروان ولفظ

الدارقطني:"وضوءه للصلاة"، وروى إسماعيل بن عباس عن هشام زاد:

"إذا مست المحاه قبلها فليتوضأ".

وضعف هذه الرواية وقيل عنه: عن أبي بكر بن محمد عن/عروة عن

بسرة أخرجها الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن

همام بن محيي عنه عن أمه عائشة وقيل: عنه عن عبد الله بن أبي بكر عن

عروة وقيل: عنه عن أبيه وفي كتاب الطبراني من قول عمرو بن شعيب عن

أبيه عن جدّه عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تقرب بيدها فت فتصيب

فرجها؟ قال: تتوضأ يا بسرة. أخرجه عن حفص بن سليمان النوفلي عن

إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عن عبد الله بن الموصل عنه، وقد أسلفنا

حمدًا لله تعالى الجواب عن جميع ما ذكر من الاختلاف، وإن ذلك ليس لما

في التعليل بما تقدَم والله تعالى أعلم.

(1) صحيح وإسناده ضعيف. رواه النسائي (1/216) وابن ماجة (ح/481، 482)

والحديث قال عنه في الزوائد: في الإِسناد مقال: ففيه مكحول الدمشقي، وهو مدلس.

وقد رواه بالعنعنة فوجب ترك حديثه. لا سيما وقد قال فيه البخاري وأبو زُرعة: أنه لم

يسمع من عنيسة بن أبي سفيان. فالإِسناد منقطع.

والثاني: في إسناده إسحاق بن أبي فروة. اتفقوا على ضعفه. وابن عدي في"الكامل"

(1/196، 2/793، 6/2125) وأحمد في"المسند"(6/406) والبيهقي في"الكبرى" (1/

130) والدارمي (1/185) والحاكم (1/137، 138) والطبراني (5/279) وابن حبان

(211)

والدارقطني (1/146) وابن أبي شيبة (1/163) واللآلئ (2/118) ونصب الراية (1/

56، 57. 60) والعقيلي (2/144، 3/163) وابن القيسراني (891) . راجع الارواء:

(1/150) .

قلت: وصحح إسناده الشيخ الألباني.

(2)

صحيح. تقدم. ورواه الترمذي (82- 84) والنسائي (1/216) وأحمد (6/407)

والحاكم (1/137) والصحيحة (3/237) .

ص: 417

حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا معن بن عيسى ح، حدثنا عبد

الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا عبد الله بن نافع جميعَا عن أبي ذئب عن

عقبة بن عبد الرحمن عنه، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن

عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء".

هذا حديث قال فيه ابن شاهين: غريب لا أعلم جودته إلا دحيم وأحمد

ابن صالح، وحدث بن محمد بن محمس النيسابوري قال محمد بن عوف: ثنا

الحسن بن محمد الزعفراني والعباس بن محمد جميعَا عن دحيم ولما ذكره أبو

عمر قال: هذا إسناده صالح كلّ مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن

عبد الرحمن فأنه ليس بالمشهور بالعلم، فقال: هو عقبة بن عبد الرحمن بن

معمر ويقال عقبة بن عبد الرحمن بن جابر ويقال عقبة بن عبد الرحمن بن

معمر أبي عمر وانتهى كلامه أو يحتمل على أنه تارة ينسب لجده الأعلى،

وتارة للأدنى، ويكون أبوه يكنى: أبا عمرو؛ وذلك لا يتأتى إلَّا بعد معرفة

خالد فنظرنا فإذا أبو حاتم البستي ذكره في كتاب الثقات نحو ما قلناه فقال

عقبة بن عبد الرحمن: من أهل المدينة ويعرف بابن أبي عمرو، ولما ذكره

الحافظ قال: ما أعلم بحديث جابر بأسا وأتى ذلك البخاري فقال: ما ذكره

عقبة روى عنه ابن أبي ذئب مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم في مس الذكر ورآه عبد

الله بن نافع عن جابر ولا يصح وقال الشّافعي- رحمه (1) الله تعالى-:/

وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه لم يذكروا جابرا، وفال أبو داود:

وسئل أحمد عن حديث ابن أبي ذئيب يعني هذا فقال: هذا من ابن نافع

عبد الله بن نافع قال أبو داود: يريد أن قوله عن جابر وهم، وان الحديث عن

محمد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وقال أبو طالب: سألت أبا

عبد الله عن حديث عبد الله بن نافع هذا فأنكره إنكارا شديدَا، وقال: هذا

ليس يرفع وعبد الله بن نافع منكر الحديث، وقد رأيته وجالسته، وكان من

المعدودين من أصحاب مالك وأعلمهم بقوله وكان يفتي بالمدينة وكان رجلا

(1) قوله:"رحمة"وردت"بالأصل""نعمة"وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

ص: 418

صالحَا قلت له: فما له لم يكن صاحب حديث ولا يعرفه أحاديثه منكره،

وقال أبو حاتم: سألت أبي عن حديث رواه دَحَيم يعني هذا فقال لي: هذا

خطأ الناس يروونه عن ابن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلَا لا يذكرون جابراَ،

وإلى هذا مال الطحاوي وذكر مضر عن أبي زكريا قلت له: فحديث جابر،

قال: نعم رواه ابن أبي ذئيب وليس بصحيح، ولقائل أن يقول: قد تبيّن

بمجموع ما تقدم ضعف قول أبي عمرو المقدسي؛ لأنه أتى بأثر أشدّ من قول

محمد بن إسماعيل البخاري في عبد الله بن نافع الصائغ هذا في حفظه شيء

يعرف وينكر في حفظه وكتابه، وقول أحمد المتقدّم فيه وقال ابن عدي:

روى عن مالك غرائب وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وكذلك يعقوب بن

سفيان الفسوي والبلخي فيقال له: على طريقة معلومة الرفع بزيادة وهي من

الثقة مقبولة وابن نافع قال فيه: أبو زكريا بابن معين ثقة، وقال العجلي: ثقة

مرمى متعبد، وقال ابن عدي: هو مستقيم بالحديث وأنا يعني عنه سئل

عبد الوهاب بن يحيى يكون ذلك دليلًا على جلالته وقال محمد بن سعد:

كان يلزم لزومَا شديدًا، وكان لا يقدم عليه أحدَا وهو دون معنى وقال

سحنون: لزم مالكًا أربعين سنة حكاه الشيرازي، وقال أبو الفرج ابن الجوزي:

لم أرى عنه طعنًا يعني قادحًا وإلا فمن المعلوم أنه رأى بعض ما تقدّم، وإّنما

ذكر/العقيلي والبلخي وابن عدي له في كتاب الضعفاء فأنه لما ذكروا فيه

كلام البخاري وكلامه يُتئوّل؛ لعدم صراحته بالضعف، وكذلك كلام أحمد،

ولئن سلمنا ضعفه ووهمه فنحن عنه غير محتاجين لمتابعة معزلة كما سبق في

الباب والله أعلم، وفي قول البيهقي: روى يعني حديث جابر دحيم موصولًا

إشعار بمفرّده بذلك، وليس كما قال لما ذكره أبو نعيم الحافظ في تاريخ بلده،

ثنا أبي، ثنا الفضل بن الحصيب بن نصر، ثنا النضر بن سلمة، ثنا شاذان

المروزي، ثنا عبد الله بن نافع، ثنا ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرحمن عن

ابن ثوبان عن جابر الحديث مرفوعَا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المعلي بن

منصور، وثنا عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان الدمشقي، ثنا مروان بن

محمد قالا: ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحرث عن مكحول عن

ص: 419

عنبسة بن أبيِ سفيان عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من مس فرجه فليتوضأ". هذا حديث قال فيه علي بن سعد: سألت أبا

عبد الله عما يروي في مس الذكر أيّها أصح عندك؟ قال: حديث أم حبيبة،

وقال أبو طالب: قلت لأحمد: حديث أم حبيبة أصحها، قال: نعم هو

أصحها، وقال محمد بن عوف: قال لي أحمد: حديثك انتهى. أسمعه

حديث عنبسة وقال مهنأ: سالمت أحمد عن الهيثم بن حميد؟ فقال: لا بأس

به قلت: إنّ الهيثم بن خارجة قال: هو متروك الحديث، قال: لم يكن به

بأس، ولكنه كان يرى القدر وسألت أحمد عن العلاء بن الحرث؟ فقال: هو

من أصحاب مكحول، وفي الاستذكار حديث أم حبيبة صحيح لا أدفعه،

وفي التمهيد كان أحمد يقول: في مسّ الذكر حديث حسن ثابت وهو

حديث أم حبيبة وقال أبو زرعة: كتب إلى أحمد بن حنبل لأكتب بحديثه

في مسّ الفرج من جهة بن محمود عن أبي مسهر أخبرني محمد بن مهاجر

أنه يعرف الهيثم يطلب العلم قال أبو زرعة: قلت: فأعلم أهل/دمشق

بحديث مكحول وأتبعه فقال الهيثم: ومحيى ابن حمزة وقد ذكره أبو القاسم

في الأوسط، فإذا لم يروه عن مكحول إلَّا العلاء ولا يروى عن أم حبيبة إلا

بهذا، ولما سأل أبو عيسى في كتاب العلل الكبير أبا زرعة عنه استحسنه قال:

ورأيته كأنه يعدّه محفوظا، وفي موضع آخر قال: هو صحيح عَنْ شاذ، وقال

أبو عمر في التمهيد: قد صحّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة ذكره

ذلك دَحيم وغيره، وذكره البيهقي في الخلافيات عن إسناده ابن عبد الله هذا

حديث حدّث به الإِمام أحمد ويحيى بن معين ثبت بسماع مكحول، قال:

يعني الحاكم فإذا ثبت سماعه منه فهو أصح حديث في الباب، وقال الخلال

في كتاب العلل: قال أبو زرعة عبد الرحمن وعمرو الثغري: حدّثني محمد بن

زرعة الرعيشي قال: سألت داود بن محمد عن مكحول سمع من عنبسة فلم

ينكر ذاك قال الخلال: ولو لم يكن عند أبي عبد الله أنّ مكحولا سمع من

عنبسة لم ينوا بدعة، والرواية تصحح حديث أم حبيبة، وقال ابن السكن: ولا

أعلم في حديث أم حبيبة علّة إلا أنه قيل: أنه لم يسمع من عنبسة، وإلى ذلك

ص: 420

ذهب الحافظ البخاري لما سأله عنه الترمذي يقول مكحول: لم يسمع من

عنبسة روى عن رجل عن عنبسة عن أم حبيبة:"من صلى في يوم وليلة

ثنتي عشرة ركعة" (1) . وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحا وفي مراسيل ابن

أبي حاتم، وسئل أبو زرعة عن أم حبيبة في مس الفرج فقال مكحول: لم

يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئَا؛ ولذا ذكره أبو عبد الرحمن النسائي،

وفي كتاب العلل للرازي قلت لأبي: حديث أم حبيبة فيمن مسّ ذكره فقال:

روى ابن لهيعة في هذا الحديث مما يوهن الحديث، قال أبو محمد: أي تدل

روايته إن مكحولَا قد دخل بينه وبين عنبسة رجل، وفي الاستذكار لم يسمع

مكحولا من عنبسة حديث أم حبيبة في مسّ الذكر، وفي موضع آخر منه

مكحول لم يسمع عنبسة، وذكر أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار: وكان

أحمد يقول: يصح هذا الحديث ثم وجده مرسلَا أنّ مكحولَا لم يلق/عنبسة،

وفي سؤالات مضر بن محمد سألت يحيى بن معين عن قول أحمد أصحّ

حديث في مسّ الفرج قاله مكحول عن عنبسة فقال يحيى: هذا لضعيف

قلت: وكيف قال مكحول: لم يسمع من عنبسة شيئَا؟ وفي كتاب التمهيد

عنه قلت: فإن أحمد يدرك أصحّ حديث من حديث الهيثم عن العلاء عن

مكحول فسكت، قال الطحاوي: حديث أم حبيبة منقطع وضعفه ابن وضاح

أيضَا مما زاده في الضعف وكيع بن الجراح بن مليح، والذي يرجح من هذه

الأقوال قول أحمد، وذلك أنّ المضعَّف إّنما ضعَّفوه بسبب، وقد بيتا من أثبت

سماع مكحول من عنبسة والمثبت مقدم على المنفي، وقد ذكر الدارقطني في

علله ما يسدّ ذلك، وقد رواه يحيى من حديث أم حبيبة في التطوع، حدّثنا

النعمان عن مكحول عن عنبسة أخبر عن أم حبيبة فذكره، وأما قول أبي

زرعة: أن حمل عليه بعد فعنده صحيح.

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/41هـ) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/

263) وأحمد (4/413، 6/326) وشرح السنة (3/443) والكنز (21363) والمغني عن

حمل الأسفار (1/149) وابن ماجة (1141) وابن أبي شيبة (2/203) والمجمع (2/231)

والمشكاة (11هـ9) والخطيب (هـ/81) .

ص: 421

حدثنا سفيان بن وكيع نا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة

عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن أبي أيوب قال: سمعت

رسول الله/صلى الله عليه وسلم يقول:"من مش فرجه فليتوضأ"(1) . هذا حديث رواه ابن

شاهين في الناسخ عن البغوي عن عبد الله بن عمر الكوفي عن أبي غسان عن

عبد السلام سالما من ابن وكيع ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يتوضأ من مس

الذكر" (2) . وربما قال:"من مس ذكره فليتوضأ". وفي رواية الأبواب عن

عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا أحمد بن ملاعب، ثنا أبي غسان، وثنا علي بن

محمد المصري ثنا يحيى بن أيوب، حدثني سعيد بن غفير، ثنا ابن لهيعة عن

عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عروة عن بُسرة وأبي أيوب الأنصاري

ولفظه:"إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ"(3) . وقال البيهقي

في الخلافيات: هذا حديث غير محفوظ بهذا الإسناد، وقال ابن وضاح: هو

غير صحيح وأجدر به أن يكون كذلك لما يذكَره بعد في الباب الذي بعد

هذا ورواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن

سوارة ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: ليان القرشي الأموي

أخي إسماعيل وصالح وعبد الأعلى وعبد الحكم وعمار بن ياسر ويونس

ومحمد فأنه ممن قال فيه أبو عيسى: تركه بعض أهل العلم منهم الإمام أحمد،

وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: لا تحل الرواية عنه، فقلَت: يا أبا

عبد الله لا تحل. قال: عندي، وقال أبو حاتم والفلاس والنسائي وعلي بن

الجنيد والدارقطني: زاد الفلاس منكر الحديث، وقال البخاري: قد تركوه، وقال

أبو زرعة: ذاهب الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء لا نكتب حديثه، وفي

رواية: كذاب وسئل سعدون عن حديث يعلي بن ثابت عن الوازع بن نافع؟

(1) تقدم أكثر من مرة، وكذا رقم"2"، وكذا رقم"3".

(2)

صحيح. رواه النسائي (1/100) وابن ماجة (ح/479) وأحمد في"المسند"(6/407)

والبيهقي في"الكبرى"(1/128) والحاكم في"المستدرك"(1/138) والدارقطني (1/146-

148) والموطأ (42) .

(3)

صحيح. بشواهده. رواه البيهقي في"الكبرى"(1/128، 129، 130، 2666) ومعاني

الآثار (1/73) وبلفظ فيه"فرجه"رواه ابن حبان (214) والخطيب (1/29) .

ص: 422

فقال: لا يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل الوزاع، وسئل عن

حديث إسحاق بن أبي فروة؟ فقال: شرَا مما قال في التواريخ، وقال ابن

المديني: هو منكر الحديث، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يروي أحاديث

منكرة ولا يحتجون بحديثه وكان يرى رأي الخوارج، وقال الساجي:

ضعيف الحديث ليس بحجة وكان له أخ/يقال له: الحكم ضعيف مثله،

وكان أبو فروة يسمى كيسان وكان حفَّارَا من رقيق الإِمارة الذين يحفرون

القبور، وفي كتاب العقيلي جلس إسحاق في مسجد المدينة بحديث والزهري

إلى جانبه فجعل يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أكثر قال الزهري: قاتلك

الله يا ابن أبي فروة ما أجرأك على الله ألا نستر، حديثك إنّك تتحدّث

بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمّة، وقال محمد بن عاصم: كان من أهل

الصدق قدمت المدينة ومالك حي فلم أر أهل المدينة يشكون أن إسحاق بن

أبي فروة متَّهم على الدين، وقال أبو غسان: جاءني ابن المديني يكتب عن

عبد السلام أحاديث ابن أبي فروة فقلت: أي شيء نصنع بها؟ فقال: أعرفها

لئلا تقلب، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء زاد أنّ النسائي قال: ليس

بثقة ولا نكتب حديثه، وقال ابن البرقي: هو ممن ترك حديثه واتهم في روايته

وفي سؤالات الآجري: سمعت أبا داود يقول: إسحاق بن أبي فروة مولى

عثمان قتلته الخوارج ودفن في المسجد وقال ابن نافع ضعيف، وقال البزار:

ليّن الحديث وضعفه أيضَا الفسوي وضعّف به ابن الجوزي غير حديث وكذلك

ابن طاهر في كتابيه الذخيرة والتذكرة، وفي الباب غير ما حديث عكس ما

يوهمه كلام ربيعة الرازي بقوله: أما كان في الصحابة من يحمل هذا الدين

إلا بُشرة من ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ثنا به أبو النون

العسقلاني- رحمه الله قرأه عليه وأنا أسمع بن المقر عن ابن ناصر، ثنا أبو

منصور محمد بن أحمد المعمري- رحمة الله عليه- وأنبأ الإِمام بدر الدين

محمد بن خالد بقراءتي عليه أخبركم ابن الغراب قرأه عليه عن فاطمة بنت

سعد، ثنا أبي ثنا المعمري، ثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن أبي حفص،

ثنا الحافظ أبو جعفر بن شاهين قال عبد بن سليمان بن الأشعث، ثنا هشام بن

عبد الملك ثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا محمد بن سليمان الباهلي قالا:

ص: 423

ثنا أحمد بن الفرح الحمصي ثنا بقية ثنا الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن أبيه

عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم/من حديث (1) سعيد بن المسيب عنها أنها

قالت: " يا رسول الله، كيف تتوضأ إحدانا أتمس فرجها بعد أن تتوضأ؟

فقال: من مسّ فرجه فليتوضأ ". ومن حديث ابن عمر عنها أيضا، ولما ذكره

أيضا في حديث عائشة من طريق ابن أبي شريح الرجال والنساء سواء، ولما

ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده

عن بسرة: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تدخل يدها في فرجها؟ فقال: عليها

الوضوء ". قال: لم يرو عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان إلا يحيى بن

أسد تفرد به سليمان بن داود، ولم يأت بعد في حديث عائشة- رضى الله

عنها- وفي كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي قال: محمد وحديث

عبد الله بن عمرو بن العاص في مس الذكر هو عندي صحيح، وفي كتاب

المعرفة للبيهقي ورواه عن عمرو كذلك يعني موصولا عن عبد الله بن المؤمل

المخزومي وثابت بن ثوبان، وفي كتاب السنن الكبير وهو غير ثابت غرسه.

قال: وخالفهم المثنى بن الصباح عن عمرو في إسناده وليس بالقوي، وخرجه

ابن الجارود في المنتقى وأبي ذلك الإمام أحمد بن حنبل حين سُئل عنه فقال:

ليس بذاك كأنه ضعفه، ذكره الخلال في علله وفيه إشكال من حيث تخريجه

في مسنده أو لا يخرج فيه إلا ما صح عنده، كذا ذكر أبو موسى الحديثى

فيما رويناه عنه، وقال ابن وضاح: هو غير صحيح فصرح بذلك الطحاوي.

والقول والقلب إلى ما قاله البخاري: ومن تابعه أميل. والله أعلم، وحديث

زيد بن خالد الجهني- رضى الله عنه- ذكره أحمد بن أبي عزرة في مسنده

عن الحسن بن الرسخ، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام عن ابن

إسحاق، رواه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ عن الحسن بن حبيب

الدمشقي، ثنا أحمد بن عبد الرحيم العراقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا

صدقة (2) بن عبد الله عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن زيد بن

خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا البغوي،

(1) هنا بياض بالأصل غير واضح تماما.

(2)

قوله: " صدقة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 424

ثنا ابن هانئ، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أحمد بن يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي

عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم / الزهري فذكره وقال مهنأ سألت أبا

عبد الله في حديث ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن زيد بن خالد في

مس الذكر فقال: ليس بصحيح الحديث حديث بسرة فقلت: من قبِل منْ

جاء خطاؤه؟ قال: من قبل ابن إسحاق أخطأ فيه، قلت: وكان ابن إسحاق

يخطئ في مثل هذا؟ قال: نعم له غير شيء، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي

قال: نفس هذا الحديث منكر وأخلق به أن يكون غلطا، وذلك أن عروة

أنكره لما سأله مروان بن الحكم عن مس الفرج فأجابه برأيه إلا وضوء فيه، فلما

قال له: مروان بن بسرة ما قال، قال عروة: ما سمعت به وذلك بعد موت

زيد بن خالد، فكيف يجوز أن ينكر ما حدّثه إياه زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورد

ذلك عليه الحافظ البيهقي بقوله: وأما ما قال من تقديم موت زيد بن خالد

فهذا منه توهم ولا ينبغي لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهم، فقد بقى

زيد إلى سنة ثمان وسبعين، ومات مروان سنة خمس وستين كذا ذكره أهل

العلم بالتواريخ يجوز أن يكون عروة لم يسمع من أحد حين سأله مروان، ثم

سمعه من بسرة ثم سمعه بعد ذلك من زيد، فرجع إلى رأيها وحديثها، وفي

سؤالات مُضر قلت له- يعني يحيى بن معين- فحديث زيد بن خالد قال:

خطأ أخطأ فيه ابن إسحاق، وقال لابن عبد البر: هو خطأ لا شك فيه،

ويقول يعقوب بن إسحاق: سفيان، وقال ابن المنذر: لا أعلم لابن إسحاق إلا

حديثين منكرين نافع عن ابن عمر مرفوعا: " إذا نعس أحدكم يوم

الجمعة " (1) ، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد: " إذا مس أحدكم فرجه "

كذا ذكره البيهقي في الخلافيات، وفي كتاب العقيلي لم ينكر على أبي

إسحاق إلا حديث نافع إذا نعس أحدكم لم يذكر الثاني، وفي كتاب العلل

الترمذي قلت له- يعني البخاري-: فحديث محمد بن إسحاق عن الزهري

(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/526) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والبيهقي في

" الكبرى "(3/238) وشرح السنة (4/269) والمشكاة (1394) والخطيب (1/229) وابن

حبان (57) والكنز (21162) وابن أبي شيبة (2/120) والمجمع (2/180) وعزا هـ إلى " البزار "

و" الطبراني في الكبير " وفيه إسماعيل في الجامع الصغير أيضا لأحمد.

ص: 425

عن عروة عنها عن زيد قال: إنما روى هذا الزهري عن عبد الله بن أبي بكر

عن عروة عن بُسرة، ولم يعد حديث زيد بن خالد محفوظا، وقال ابن وضاح

هذا حديث لا يصح. انتهى، والكل عصبوا الجناية برأس ابن إسحاق، وقد

بويع ابن إسحاق على ذلك فسلم الحديث/وهو من الحجاز، وذكر ابن أبي

حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق وأبو قرة

موسى بن طارق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن

عروة عن بُسرة وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مس الذكر فقال لي: أخشى

أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا

جعفر ثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريج يكتب

مثل هذا خفض يده اليسرى ورفع يده اليمني مقدار بضعة عشر حرفا فقال:

أروي هذا عنك، فقال: نعم، وفي كتاب المعرفة لأبي بكر الحافظ- رحمه

الله- وهذا الحديث إنما ذكره صاحبنا الشافعي من جهة ابن جريج عن ابن

شهاب عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة، عن بُسرة وزيد وخالد، وقد

أخرجه إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي في مسنده كما ذكرناها وهو إسناد

صحيح ليس فيه محمد بن إسحاق ولا أحد مما يختلف في عدالته، وإنما المنكر

عن ابن إسحاق روايته عن الزهري عن عروة نفسه؛ فإن الزهري لم يسمعه من

عروة، وإنما أنكر عليه ذكر زيد بن خالد في روايته من لم يبلغه رواية ابن

جريج أو بلغته بالشد، وقال في الخلافيات: رواه ابن جريج عن ابن شهاب

عن ابن أبي بكر، ثم اختلف عليه فقيل عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن

بُسرة أو زيد بن خالد على الشك، وهذه رواية محمد بن أبي بكر عن ابن

جريج: أخبرني الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة، ولم أسمع ذلك

منه، وكذا رواية ابن خزيمة عن ابن رافع عن عبد الرزاق، أخبرني ابن جريج،

حدثني ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة قال: ولم أسمع ذلك

أنه كان يحدث عن بُسرة أو عن زيد بن خالد، وكذلك إبراهيم بن الحسن

عن حجاج قال: قال ابن جريج فذكر الإسناد والشك بين بُسرة وزيد، وفيه

ولم أسمع ذلك منه- يعني الزهري- قائل ذلك روايته في مسند إسحاق فلا

أشك، ورواية بن إسحاق بن يسار تدل على صحة رواية إسحاق، وقال: وقد

ص: 426

بين ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عبد الله عن عروة/عن بُسرة

وزيد بن خالد، رواه إسحاق في مسنده عن محمد بن بكر البرساني عن ابن

جريج قال: حدثني الزهري فذكره قال: هذا إسناد صحيح. انتهى كلامه،

وفيه إشارة إلى دفع ما أعله به أبو حاتم؛ إذ فيه تصريح ابن جريج بالحديث

والله أعلم، ورواه ابن عدي في كامله من جهة أحمد بن هارون المصيصي

وقال: كان يروي مناكير عن قوم ثقات لا يتابعه عليها أحد عن حجاج عن

الزهري عن عروة عن عائشة وزيد بن خالد الحديث من غير تردّد، قال

البيهقي في الخلافيات: أخطأ فيه هذا المصيصي حيث قال عن عائشة وإنّما هو

عن بُسرة، وبنحوه ذكره الحافظ بن طاهر في كتاب الذخيرة وفي كتاب

المعرفة، وتعليل من علل حديث الزهري باختلاف الرواة عليه في إقامة إسناده

لا يقدح في رواية من أقام إسناده، فالذي أقامه حافظ ثقة وخطأ من أخطأ فيه

على الزهري حين قال عن عروة عن عائشة، أو على هشام حين قال: فيه عن

عروة، ولا يقدح في رواته أهل الثقة فمثل ذلك موجود في رواية الضعفاء

لأحاديث أهل الحفظ، فلم يقدح ذلك في روايتهم، ولم يرد به أحد من أهل

العلم حديثهم والله أعلم، وحديث حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من مس فرجه

فليتوضأ ".

وذكر الشيرازي عن الفرج عن مالك عن نافع عن ابن عمر عنها ثم قال:

هكذا قال، والصواب مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة وزيد بن خالد

وحديث أبي هريرة رواه الدارقطني في كتاب السنن فقال: حدثنا أحمد بن

خالد الدقاق، ثنا حسن بن سالم السواق، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي،

ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن سعيد بن أبي سعيد المغيري عن

أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، فليتوضأ

وضوه للصلاة " (1) وهو حديث قال فيه الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث

(1) حسن. رواه للنسائي (1/216) وللبيهقي (1/132، 134) والدارقطني (1/147)

ونصب الراية (1/56) وللطبراني في " الصغير "(1/42) وتلخيص (1/125) .

قلت: تعددت طُرقه للضعيفة فحسنته.

ص: 427

أبي هريرة في مس الذكر أدخلوا بين يزيد عبد الملك وبين المقبري رجلا قال:

أنا موسى الخياط/قال: من قال هذا؟ قلت: عبد الله بن نافع الصائغ،

قال: ذلك لم يكن بحفظ الحديث، كان الغالب عليه الرأي، وأما أبو سعد

مولى بني هاشم فقال عن يزيد سمعت سعيد المقبري ثم قال: لا أبعد أن

يكون هذا من هذا الشيخ يزيد بن عبد الملك، فإنه يروى أحاديث مناكير،

قلت له: يروى عن يزيد بن حفصة حصيفة أحاديث مناكير، قال: نعم،

قال الخلال: ثنا عبد الله، ثنا أبي ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك يعني

النوفلي، ثنا أبي ذكره عن سعيد بن أبي سعيد أنه أخبره عن أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أفضى بيده إلى ذكره وليس عليه ستر فقد وجب

عليه الوضوء " (1) أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قال: يزيد بن عبد

الملك مدني ليس به بأس، وقال غيره: وصحح فيه، وقال ابن وضاح: هذا

حديث لا يصح وضعّفه الطحاوي وأبو عمر بن يزيد النوفلي وقال الشّافعي:

روى حديث يزيد عدد منهم سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله بن دينار

عنه لا يذكرون أبا موسى الخياط، وقد سمع يزيد من سعيد المقبري، كذا

ذكره عنه البيهقي في المعرفة ثم قال: وروى عبد الرحمن بن القاسم ومعن بن

عيسى وإسحاق القروي وغيرهم عن زيد بن سعد كما قال الشّافعي، وفي

سؤالات مضر قلت له: يعني ابن معين فحديث أبي هريرة قال: رواه يزيد بن

عبد الملك عن سعيد وقد أدخلوا فيها رجلا مجهولا، ولما ذكره أبو بكر البزار

في مسنده عن سعيد بن بحر القراطيسي عن معن بن عيسى عن يزيد عن

المقبري عن أبي هريرة قال: وهذا حديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة هذا

اللفظ، وفيه نظر لذا ذكره الحازمي، وقد روى عن نافع بن عمر الجمحي عن

سعيد المقبري كما رواه يزيد بن عبد الملك، وإذا اجتمعت هذه الطرق، ولتنا

على أن هذا الحديث له أصل من رواية أبي هريرة، ولما ثنا أبو البركات محمد

(1) ضعيف. رواه أحمد (2/333) والمعاني (1/74) والبيهقي (1/333، 134) ونصب

الراية (1/56) والمجمع (1/245) وعزاه إلى " أحمد " و" الطبراني " في " الأوسط "

و" الصغير " و" البزار " وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وقد ضعفه أكثر الناس ووثقه يحيى بن معين في رواية.

ص: 428

الصوفي- رحمه الله بقرآتي عليه أخبركم أبو محمد بن عبد العزيز بن عبد

الرحمن وعبد العزيز الحراني قال الأول: ثنا أبا أسعد بن سعيد/الأصفهاني

وأم هانئ عفيفة الفارمانية وعائشة بنت معمر بن عبد الواحد وقال البراني:

أنبأنا عفيفة قالوا: ثنا فاطمة الجرزدانية، ثنا ابن يزيد، ثنا أبو القاسم سليمان بن

أحمد بن أيوب اللخمي، ثنا أحمد بن عبد الله بن العباس الطلي البغدادي، ثنا

أحمد بن سعيد الصمداني، ثنا أصبع بن الفرح، ثنا عبد الرحمن بن القاسم

عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك النوفلي عن سعيد المقبري عن أبي

هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها

حجاب فقد وجب عليه الوضوء " قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا عبد

الرحمن بن القاسم الفقيه المصري، ولا عن عبد الرحمن إلا إصبع تفرد به

أحمد سعيد، وفيما قاله نظر لما يذكره الحاكم بعد، وخرجه أبو حاتم بن حبان

في صحيحه من جهة نافع ويزيد كما قدمناه، ثم قال: اعتمادنا إنما هو علي

نافع، فأما يزيد فقد تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء، وذكر أبو عمر أن

ابن السكن قال: هو أجود ما روى في هذا الباب لرواية أصبع عن ابن

القاسم صاحب مالك عن نافع ويزيد جميعا عن سعيد عن أبي هريرة، وأصبع

وابن القاسم فقيهان أعيان فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما ذكر

ابن السكن، إلا أن الإِمام أحمد كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم وخالفه ابن

معين فقال: هو ثقة ورواه أبو عبد الله في مستدركه فقال: ثنا أبو الحسين

محمد بن محمد الحافظ عن علي ابن أحمد بن سليمان، ثنا علان عن

محمد بن أصبع حدّثني أبي، ثنا نافع بن أبي نعيم عن سعيد بن أبي سعيد

عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مس فرجه فليتوضأ " وقال:

هذا صحيح شاهده الحديث المشهور عن يزيد بن عبد الملك عن سعيد، ولما

ذكره أبو القاسم في الأوسط، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا محمد بن

خلف العسقلاني، ثنا حبيب كاتب الملك، ثنا شبل بن عبادة عن سعيد بن أبي

سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال:/قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أفضى

أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ " ثم قال: لم يروه عن شبل إلا حبيب،

وحديث عائشة- رضى الله عنها- قال الدارقطني في السنن الكبير: ثنا

ص: 429

محمد بن مخلد، ثنا حمزة عن سعيد بن العباس المروزي، ثنا الحسين بن

إسماعيل، ثنا يحيى بن مُعلي، ثنا عتيق بن يعقوب، حدثني عبد الرحمن بن

عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضئون "(1) قالت

عائشة بأبي أنت وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء قال: إذا أفضت أحداكن

فرجها فلتتوضأ للصلاة ثم قال عبد الرحمن العمري: ضعيف، وفي كتاب

الكبير للنسائي: ثنا محمود بن خالد، ثنا الوليد، ثنا صدقة أبو معاوية وحديثه

عن ابن وهب عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة

مرفوعا: " توضئوا من مس الذكر " ورواه ابن شاهين من جهة إبراهيم بن

إسماعيل بن أبي حبيِبة عن عمرو بن شريح عن الزهري عن عروة عنها قالت:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مس فرجه فليتوضأ "، قال: وقال الأموي:

ذكره ثنا سعيد بن قيس الصواب ثنا جامع بن سوادة، ثنا زياد بن يونس

الحضرمي، ثنا يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري

علي بن سعيد بن النعمان النسائي، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدّثني أبي

عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي بكر عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري

عن عروة/عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الوضوء في مجلس فسألوه عن ذلك

فقال: " إني دككت ذكري "(2) .

ولما سئل البخاري فيه بقول الترمذي قلت له: فحديث عروة عن عائشة

وعن أبي عن أروى فقال: ما يصنع بهذا هذا مما لا يستعمل به ولم يعبأ بهما،

وفي علل ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه حسن الحلواني عن عبد

الصمد بن عبد الوراث عن أبيه عن حسين عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر

عن عكرمة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام: " من

مس ذكره فليتوضأ ".

(1) هذا حديث سقط من " الأولى " وأثبتناه من الثانية.

(2)

سقطت بعض للكلمات من " هذا الحديث " وأثبتناها من النسخة " الثانية ".

ص: 430

ورواه شعيب بن إسحاق عن هشام عن يحيى عن عروة عن عائشة عن

النبي صلى الله عليه وسلم به قال أبي: هذا حديث ضعيف لم يسمعه يحيى من الزهري

وأدخل بينهما رجل ليس بالمشهور، ولا أعلم أحد روى عنه إلا يحيى، وإنما

يرويه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بسرة، ولو أن

عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحد، وهذا يدل على وهن الحديث

وقد ذكر أبو نعيم الحافظ في هذا الحديث علة أخرى: وهي أن الزهري سمعه

من عروة فقال في تاريخ أصبهان، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا عامر بن أحمد

الفرائضي، ثنا إبراهيم بن فهد، ثنا أحمد بن شبيب، ثنا أبي عن يونس عن ابن

شهاب عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: " من مس فرجه فليتوضأ " قال: سألت أبا عبد الله عن حديث عبد

العزيز عن الدستوائي عن يحيي بن أبي بكر عن أبي سلمة عن عروة عن عائشة

في مس الذكر فقال: ليس بصحيح، إنما كان يحدث به الدستوائي عن

يحيى بن أبي كثير عن رجل عن عائشة، قال الخليل: وقال غير مهنأ يعني

عنه ولو كان عنده يعني عروة صحيحا عن عائشة لم نحتج أن يجادل مروان

إنما الحديث حديث بسرة، ورواه أبو جعفر الطحاوي، ومن هذا ويعمر بن

شريح وقال ابن وضاح (1) : ليس بصحيح وأشار في المعرفة إلى أنه خطأ، وفي

المستدرك لأبي عبد الله وقد صحت الرواية عن عائشة بنت الصديق- رضى

الله عنهما- أنها قالت: " إذا مست المرأة فرجها توضأت " وسيأتي في

الباب الذي بعد هذا ما يناقض ذلك، وحديث عبد الله بن العباس أخرجه

أحمد بن عدي في كامله من جهة الضحاك بن حيوة قال: وليس بشيء كل

رواياته مناكير أما شاذا عن الهيثم الراسبي عن عبد الله بن يزيد عن يحيى بن

يعمر عنه مرفوعا: " من مس ذكره فليتوضأ " ولما ذكره البيهقي في

الخلافيات ضعفه بالضحاك هذا وأجدر أن يضعف / به الأحاديث؛ ولأنه ممن

قال فيه ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: يضع الحديث والله

أعلم، وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضى الله عنهما- ذكره ابن

(1)

قوله: " وضاح " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

ص: 431

شاهين فقال: ثنا الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق، ثنا أحمد بن عبد

الرحيم البرقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة بن عبد الله الدقيقي، ثنا

هاشم بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مس فرجه

فليتوضأ " ثنا أحمد بن محمد بن زيد الزعفراني، ثنا القاسم بن هاشم، ثنا

يحيى بن صالح، ثنا العلاء بن سليمان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مس فرجه فليتوضأ " ثنا أحمد بن محمد بن زيد

ورواه الحاكم في تاريخ نيسابور عن أبي زكريا يحيى بن محمد، ثنا إيراهيم بن

أبي طالب، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا عمرو بن أبي سلمة بلفظ: " من

مس ذكره فليتوضأ "، ورواه أيضا عن الأصم، ثنا أبو الحسن الشعراني، ثنا

السر بن جرير الثقة وفوق الثقة، ثنا سعيد بن هبيرة ثنا جرير به عن نافع ورواه

أيضا فيما قاله البيهقي عن أبي بكر بن أبي العزائم الرباعي عن عبد العزيز بن

أبان، ورواه عن الثوري عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وقال: تفرّد به أبو بكر

عن عبد العزيز بن أبان، ورواه البيهقي أيضا من جهة عمرو بن خالد عن

العلاء بن سليمان عن الزهري وقال: هذا ضعيف، والحمل فيه على العلاء

فيما أظن، ورواه أيضا من جهة ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب، وقال

ابن لهيعة: لا نحتج به، قال: ورواه الشافعي في القديم ثم عن الزنجي عن ابن

جريج عن عبد الواحد بن قيس وعن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن

عمرو بن شعيب عنه وكلاهما منقطع وفي سؤالات مضر قلت: وحديث ابن

عمر قال: الصحيح منه غير مرفوع وضعّفه الطحاوي بصدقة وبالعلاء، وقال

الخليل: هذا منكر بهذا الإِسناد لا يصح من حديث أيوب يعني عن ابن

أيوب- يعني عن ابن سيرين/عنه- ولا من حديث الثوري، والحمل فيه

على عبد العزيز بن إبان الكوفي ضعفّوه.

آخر الجزء والله أعلم، يتلوه في الجزء الذي بعده إن شاء الله تعالى

وحديث أروي ابنه أنيس، وكان الفراغ منه في يوم الأحد المبارك سادس عشر

من جمادي الأولى سنة سبع ثمان مائة أحسن الله بعضها بخير منه وكرمه

والحمد لله رب العالمين.

اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل

ص: 432