المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البداية والنهاية «السيرة النبوية من كتاب الوفود - إلى أفراسه صلى - البداية والنهاية - ط دار ابن كثير - جـ ٥

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

البداية والنهاية

«السيرة النبوية من كتاب الوفود - إلى أفراسه صلى الله عليه وسلم ومراكبه»

تأليف

الإمام الحافظ المؤرخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير

[701 هـ - 774 هـ]

حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه

د. رياض عبد الحميد مراد

راجعه

الشيخ عبد القادر الأرناؤوط - الدكتور بشار عواد معروف

الجزء الخامس

ص: 1

‌كتاب الوفود: الواردين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال محمد بن إسحاق

(1)

: لمّا افتتحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ، وفرغَ من تَبوكَ، وأسلمتْ ثقيفٌ وبايَعَتْ، ضَرَبَتْ إليه وفودُ العربِ من كلِّ وجه.

قال ابنُ هشامٍ

(2)

: حدّثني أبو عُبَيْدَةَ، أن ذلك في سنةِ تسع، وأنها كانَتْ تُسَمَّى سنةَ الوفودِ.

قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تَرَبَّصُ بإسلامها، أمْرَ هذا الحيِّ من قريشٍ، لأنَّ قريشًا كانوا إمامَ النّاسِ وهاديتَهم

(3)

. وأهل البيت والحرم وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم وقادة العرب لا ينكرون ذلك. وكانت قريشٌ هي التي نَصَبَتِ الحربَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافَه، فلمّا افتُتِحَتْ مكةُ، ودانَتْ له قريشٌ، ودوَّخها الإسلامُ، عرفتِ العربُ أنهم لا طاقةَ لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوتِه، فدخلوا في دين الله، كما قال عز وجل: أفواجًا، يضربون إليه من كُلِّ وجهٍ، يقولُ اللهُ تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3] أي: فاحْمَدِ اللّهَ على ما ظَهَرَ من دينكَ، واسْتَغْفِرْهُ إنَّه كان تَوّابًا.

وقد قدَّمنا حديث عمرو بن سَلِمة

(4)

قال: كانت العرب تَلَوَّم

(5)

بإسلامهم الفَتْحَ، فيقولون: اتركوه وقومَهُ، فإنَّه إن ظهر عليهم فهو نبيٌّ صادِقٌ. فلما كانت وقعةُ أهلِ الفتحِ بادَرَ كلّ قومٍ بإسلامهم. وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلمَّا قَدِمَ قال: جِئْتكُمْ واللهِ من عند النبيّ حَقًا. قال: صَلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكمُ قرآنا.

وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري

(6)

.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 559).

(2)

سيرة ابن هشام (2/ 560).

(3)

في سيرة ابن هشام: (وهاديَهم).

(4)

في الأصول: "عمرو بن مسلمة" وهو تحريف. انظر جامع الأصول (14/ 555)(4).

(5)

تلوَّم في الأمر: تمكّث وانتظر (القاموس: لَوَمَ).

(6)

رواه البخاري رقم (4302) في المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.

ص: 7

قلت: وقد ذكر محمد بن إسحاق، ثم الواقدي، والبخاري، ثم البيهقي بعدهم، من الوفود ما هو مُتَقدم تاريخ قدومهم على سنة تسعٍ، بل وعلى فتح مكة. وقد قال الله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].

وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح

(1)

"لا هجرة ولكن جهاد ونية"

(2)

، فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين على زمن الفتح، ممن يُعدّ وفودُه هجرةً، وبينَ الّلاحقِ لهم بعدَ الفَتْحِ، ممَّن وعده الله خيرًا وحسنى. ولكن ليس في ذلك كالسابق له في الزمان والفضيلة، والله أعلم، على أن هؤلاء الأئمة الذين اعتنوا بإيراد الوفود، قد تركوا فيما أوردوه أشياءَ لم يذكروها. ونحن نورد بحمدِ الله ومَنّهِ ما ذكروه، ونُنَبِّه على ما يَنْبَغي التَّنْبيهُ عليه من ذلك، ونذكرُ ما وقعَ لنا ممّا أهْمَلُوه، إن شاء الله، وبه الثقةُ، وعليه التُّكلان.

وقد قال محمد بن عمر الواقدي

(3)

: حدّثنا كَثير بن عبد الله المُزني، عن أبيه، عن جده قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مُضَرَ أربع مئة من مُزَيْنَة، وذاك في رجب سَنةَ خَمْسٍ، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرةَ في دارهم، وقال:"أنتم مهاجرون حيث كنتم، فَارْجِعُوا إلى أموالكم". فرَجعوا إلى بلادهم.

ثم ذكر الواقديُّ عن هشام بن الكَلْبي بإسناده، أنّ أولَ منْ قَدِمَ من مُزَيْنَةَ خُزَاعيّ بن عبد نُهْم

(4)

ومعه عشرة من قومه، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسلام قومه. فلما رَجَع إليهم لم يَجدْهم كما ظنّ فيهم، فَتَأخَّروا عنه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانَ بن ثابتٍ أن يُعرّض بخُزَاعيّ من غير أن يهجوه، فذكر أبياتًا

(5)

، فلما بلغت خزاعيًا شكا ذلك إلى قومه، فجمعوا له، وأسلموا معه، وقدم بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوم الفتح دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة -وكانوا يومئذ ألفًا- إلى خزاعيٍّ هذا

(6)

. قال: وهو أخو عبد الله ذو البِجادين

(7)

.

(1)

أي فتح مكة.

(2)

رواه البخاري رقم (1834) في الجهاد، باب الهجرة بعد الفتح، ومسلم رقم (1353) في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(3)

هو محمد عمر بن واقد الأسلمي، صاحب المغازي، الواقدي، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2/ 194): متروك مع سعة علمه، فإسناده ضعيف.

(4)

الإصابة (1/ 424).

(5)

الديوان (1/ 405) والإصابة (1/ 424) وأول الأبيات:

ألا أبلغ خُزاعيًا رسولًا

فإنّ الغدر يغسله الوفاء

(6)

في نسخة أ: "وكان يومئذ ألقى" وهو تصحيف، وأثبتنا ما في نسخة ط، والإصابة (1/ 425).

(7)

في أ: "النجادين" بالنون وهو تصحيف، وأثبتنا ما في الإصابة (2/ 338) والبجاد كساء مخطط (القاموس: بجد).

ص: 8

وقال البخاري

(1)

رحمه الله: باب وفد تميم. حدثنا أبو نُعيم، حدّثنا سفيان، عن أبي صخرة، عن صفوان بن محرز المازني، عن عمران بن حُصَيْن قال: أتى نفر من بني تميم إلى النبى

(2)

صلى الله عليه وسلم فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم". قالوا: يا رسول الله، قد بشرتنا فأعطنا. فرُئي ذلك في وجهه، ثم جاء نفر من اليمن فقال:"اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم". قالوا: قبلنا يا رسول الله.

ثم قال البخاري

(3)

: حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا هشام بن يوسف، أن ابنَ جُريج أخبره، عن ابن أبي مليكة، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركبٌ من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمّرِ القعقاعَ بن معبد بن زرارة، فقال عمر: بل أمِّرِ الأقرعَ بن حابسٍ، فقال أبو بكر: ما أردتَ إلا خلافي. فقال عمر: ما أردتُ خلافَكَ. فتماريا، حتى ارتفعت أصواتُهما. فنزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] حتى انقضت.

ورواه البخاري أيضًا من غير وجه، عن ابن أبي مُلَيكة بألفاظ أُخَرَ، وقد ذكرنا ذلك في "التفسير"، عند قوله تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] الآية.

وقال محمد بن إسحاق

(4)

: ولما قدمتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودُ العرب قدم عليه عُطاردُ بنُ حَاجبِ ابن زُرَارَةَ بن عُدُسٍ التميمي في أشراف من بني تميم، منهم الأقرع بن حَابس التميمي، والزِّبْرقان بن بدر التميمي -أحد بني سعد-، وعمرو بن الأهْتَم، والحَبْحاب

(5)

بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم -أخو بني سعد- في وفد عظيم من بني تميم.

قال ابن إسحاق

(6)

: ومعهم عُيَيْنة بن حِصْن بن حُذيفة بن بدر الفَزاري وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحُنَيْنًا والطائف، فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم، ولما دخلوا المسجد نادَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد. فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(7)

من صياحهم، فخرج إليهم. فقالوا: يا محمد، جئناك نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: قد أذِنْتُ لخَطِيْبكم فليقل.

(1)

رواه البخاري رقم (4365) في المغازي، باب وفد بني تميم.

(2)

في ط: "إلى النبي" وما هنا من أ، وهو الموافق لما في صحيح البخاري (بشار).

(3)

رواه البخاري رقم (4367) في المغازي، باب وفد بني تميم.

(4)

سيرة ابن هشام (4/ 222) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 293 - 295).

(5)

في ط: "الحتحات" وهو خطأ، وأثبتنا ما في أو والإصابة (1/ 302) وانظر سيرة ابن هشام (4/ 560) مصورة مؤسسة علوم القرآن وهو الصواب.

(6)

سيرة ابن هشام (2/ 560 - 563).

(7)

ما بين القوسين ساقط من أ والاستدراك من ط وسيرة ابن هشام (4/ 223 - 224).

ص: 9

فقام عُطارِد بن حاجب فقال: الحمدُ لله الذي له علينا الفَضْلُ والمَنُّ

(1)

وهو أهله الذي جعلنا ملوكًا، ووهب لنا أموالًا عِظامًا نفعل فيها المعروف، وجعلنا أَعَزَّ أهلِ المَشْرِق وأكثره عددًا وأيسره عدَّة. فمَنْ مِثْلُنا في الناس؟ ألسنا برؤوس النّاس وأُولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليُعَدِّدْ مثلَ ما عَدَّدْنا. وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام، ولكن نحيى

(2)

من الإكثار فيما أعطانا. وإنا نعرفُ بذلك

(3)

، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمرٍ أفضل من أمرنا. ثم جلس.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، أخي بني الحارث بن الخزرج:"قم فأجب الرجل في خطبته".

فقام ثابت فقال: "الحمدُ للهِ الذي السماواتُ والأرض خَلْقُهُ، قضى فيهن أمرَهُ، ووسِعَ كُرْسيَّه علمُهُ، ولم يكُ شيءٌ قَطُّ إلا من فَضْلِه، ثم كانَ من قُدْرَتِهِ أن جعلنا ملوكًا، واصطفى من خيرته رسولًا، أكرمَه نسبًا، وأصدقَه حديثًا، وأفضلَه حسبًا، فأنزل عليه كتابًا، وائتمنه على خلقِه، فكان خِيرةَ الله من العالمين، ثم دعا الناسَ إلى الإيمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرمُ الناس أحسابًا

(4)

، وأحسن الناس وجوهًا، وخير الناس فَعَالًا، ثم كان أوّل الخلق إجابة، واستجابَ للهِ حينَ دعاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نحن، فنحنُ أنصارُ الله ووزراء رسوله، نقاتلُ الناس حتى يؤمنوا، فمَنْ آمَنَ بالله ورسوله مَنَع مالَه ودمَه. ومن كَفَر جاهَدْناه في الله أبدًا، وكان قتلُه علينا يسيرًا. أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، والسلامُ عليكم.

فقام الزبرقان بن بدر فقال

(5)

[من البسيط]

نَحْنُ الكرامُ فلا حَيٌّ يُعادِلُنا

مِنَّا المُلُوكُ وَفينا تُنْصَبُ البِيَعُ

(6)

وكَمْ قَسَرْنا منَ الأحياءَ كُلِّهمِ

عِنْدَ النِّهَابِ وفَضْلُ العِزِّ يُتَّبعُ

ونَحْنُ يُطْعمُ عِنْدِ القَحْطِ مطْعِمُنَا

منَ الشِّواءِ إذا لم يُؤنَس القَزَعُ

(7)

(1)

لفظة "المنّ" ساقطة من أ والاستدراك من ط، وسيرة ابن هشام.

(2)

في ط: "نخشى" ولا تصح، وما هنا من سيرة ابن هشام، ودلائل النبوة للبيهقي (5/ 313) وتاريخ الإسلام للذهبي (1/ 452) وفيه: نستحيي، وهي بمعنى (بشار).

(3)

ليس اللفظ في أ.

(4)

في سيرة ابن هشام "حَسَبًا".

(5)

الأبيات في ديوان حسان (245) وسيرة ابن هشام (2/ 563) وديوان الزبرقان بن بدر -مؤسسة الرسالة - (46 - 48).

(6)

في الديوان "وفينا يقسم الربع" وفي ديوان الزبرقان (وفضل العز يتبع).

(7)

في أ وط "الفزع" وأثبتنا ما في السيرة والديوان. و"القزع": قطع السحاب الواحدة قزعه (القاموس: قزع).

ص: 10

بما تَرَى الناسَ تَأْتِينا سَراتُهُمُ

مِنْ كُلِّ أرْضٍ هُويًّا

(1)

ثم نصْطَنِعُ

فَنَنحَرُ الكُوْمَ عُبْطًا في أرُومتنا

لِلنَّازِلينَ إذا ما أُنْزِلُوا شَبعُوا

(2)

فمَا تَرَانَا إلى حيٍّ نُفاخِرُهُمْ

إلَّا استفادوا وكانُوا الرأسَ يُقْتَطَعُ

فَمَنْ يُفاخِرُنا في ذَاكَ نَعْرِفُه

فيَرْجِعُ القومُ والأخبارُ تُسْتَمعُ

إنّا أبَيْنا ولا يأبى

(3)

لنا أحَدٌ

إنا كَذَلِكَ عِنْدَ الفَخْر نَرْتَفِعُ

قال ابن إسحاق

(4)

: وكان حسان بن ثابت غائبًا، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام شاعر الفوم فقال ما قال، عرضت في قوله، وقلت على نحو ما قال.

فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "قم يا حسان، فأجاب الرجل فيما قال" فقال حسان:

(5)

[من البسيط]

إنَّ الذَّوائِبَ مِنْ فِهْرٍ وأخْوتِهِمْ

قَدْ بَيَّنوا سُنةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ

يرْضَى بها كُلُّ منْ كَانَتْ سريرتُه

تَقْوَى الإلهِ وكُلَّ الخَيْر يُصْطَنَعُ

(6)

قَوْمٌ إذا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ

أو حَاوَلُوا النَّفْعَ في أشيَاعِهمْ نَفَعُوا

سَجيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ

إنَّ الخَلائقَ -فاعْلَمُ

(7)

- شَرُّهَا البِدَعُ

إنْ كَانَ في النَّاسِ سَبَّاقونَ بَعْدَهُمُ

فَكُلُّ سَبْقٍ لأدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ

لا يَرْقَعُ النَّاسُ ما أوْهَتْ أكُفُّهُمُ

عِنْدَ الدِّفَاعِ ولا يُوهُونَ ما رَقَعُوا

إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سبْقُهُمُ

أوْ وَازَنُوا أهْلَ مجْدٍ بالنَّدى مَتَعُوا

(8)

أعِفَّةٌ ذُكِرَتْ في الوَحْي عِفَّتُهُمْ

لا يطبعون

(9)

ولا يُرْدِيهُمُ طَمَعُ

(1)

هويًا: سراعًا.

(2)

الكوم: جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام (القاموس: كوم). عبطًا: عبط الذبيحة يعبطها، نحرها من غير علة وهي سمينة فتية (القاموس: عبط). الأرومة: الأصل (القاموس: أرم).

(3)

في أ "ولم يأتي" وهو خطأ. وأثبتنا ما في الديوان وسيرة ابن هشام.

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 563 - 565).

(5)

الديوان (1/ 102) تحقيق الدكتور وليد عرفات.

(6)

في الديوان: "وبالأمر الذي شرعوا".

(7)

في الديوان: "إن الخلائق حقًا .. ".

(8)

متعوا: أي ظهروا وارتفعوا من قولهم: متع النهار متوعًا: ارتفع غاية الارتفاع، وهو ما قبل الزوال (أساس البلاغة: متع).

(9)

لا يطبعون: لا يفعلون ما يدنسهم. وفي أساس البلاغة: طبع: إن فلانًا لطمع طِبع: دنس الأخلاق. وفي الديوان: "لا يطمعون ولا يرديهم .. ".

ص: 11

لا يَبْخَلُونَ على جَارٍ بِفَضْلِهُمُ

ولا يَمَسُّهُمُ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ

(1)

إذا نصبْنَا لِحي لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ

كما يَدِبُّ إلى الوحْشيَّةِ الذَّرَعُ

نَسْمُو إذا الحرْبُ نالَتْنا مَخَالبُهَا

إذا الزعانِفُ

(2)

مِنْ أظْفارِهَا خَشَعُوا

لا يَفخرُونَ إذا نَالُوا عَدُوَّهُمُ

وإنْ أصيبُوا فلا خُوْرٌ ولا هُلُعُ

(3)

كَأنَّهمْ في الوَغَى والموْتُ مُكْتنِعُ

أُسْدٌ بِحَلْيَةَ في أرسَاغِهَا فَدَعٌ

(4)

خُذْ مِنْهُمُ ما أتَوْا عَفْوًا إذا غَضبُوا

ولا يَكُنْ هَمُّكَ الأمرَ الذي مَنَعُوا

فإنَّ في حَرْبِهم -فاتْرُكْ عَدَاوتَهَم-

شرًا يُخَاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ والسَّلَعُ

(5)

أكَرِمْ بقوْمٍ رَسُولُ اللهِ شِيعَتُهُم

(6)

إذا تَفاوَتَت الأهْواءُ والشِّيعُ

أهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤازرُهُ

فِيما أُحِبُّ

(7)

لَسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ

فإنّهُمْ أفْضلُ الأحْيَاءِ كُلِّهِمِ

إنْ جَدَّ في الناسِ جِدُّ القَوْلِ أَو شَمَعُوا

(8)

وقال ابن هشام

(9)

: وأخبرني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم، أن الزبرقان [بن بدر]

(10)

لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قام فقال: [من الطويل]

أتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنا

إذا اخْتَلفُوا

(11)

عِنْدَ احْتِضارِ المَوَاسِمِ

بأنَّا فُرُوعُ النّاسِ في كُلّ مَوْطنِ

وأنْ لَيْسَ في أرض الحِجَازِ كَدَارِمِ

(1)

فى الديوان:

ولا يضنون عن مولى بفضلهم

ولا يصيبهم في مطمع طبع

(2)

الزعانف: كل جماعة ليس أصلهم واحدًا (القاموس: زعنف).

(3)

لم يرد هذا البيت في أ ولا في الديوان، وأثبتناه من ط وسيرة ابن هشام.

(4)

كنع الأمر: قرب (القاموس: كنع) حلية: مكان، قيل هو في أرض اليمن، وقيل بنواحي الطائف (معجم البلدان: حلية) وفي الديوان: "أسد بيشة" وبيشة: موضع من بلاد اليمن وهو كثير الأُسْد (معجم البلدان: بيشة) وفدع: اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى أنسيّها (القاموس: فدع).

(5)

في الديوان: "الصاب والسلع" والصاب شجر مر، وكذا السلع (القاموس: صوب، سلع).

(6)

في الديوان:

"رسول الله قائدهم

إذا تفرقت

"

(7)

في الديوان: "فيما يحبّ".

(8)

شمع: كمنع: لعب ومزح (القاموس: شمع).

(9)

سيرة ابن هاشم (2/ 565 - 566).

(10)

الزيادة من سيرة ابن هشام.

(11)

في سيرة ابن هشام "احتفلوا".

ص: 12

وأنَّا نذودُ المُعْلمين

(1)

إذا انْتَخَوْا

ونَضْربُ رأس الأصيدِ المُتَفاقِمِ

وإنَّ لَنا المِرْبَاع

(2)

في كلِّ غَارَة

نُغير بنجدٍ أو بأرْضِ الأعاجمِ

قال: فقام حسان فأجابه فقال

(3)

[من الطويل]

هَل المَجْدُ إلَّا السُؤْدَد العَوْدُ والنَّدَى

وجَاهُ المُلوكِ واحْتِمالُ العَظَائمِ

نَصَرْنا وَآوَيْنا النبيَّ مُحمَّدًا

عَلى أنْفِ رَاضٍ منْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ

بِحيٍّ

(4)

حرِيدٍ أصْلُهُ وَثَراؤُة

(5)

بجَابيَةِ الجَوْلان وَسْطَ الأعَاجِمِ

نَصَرْناهُ لمَّا حَلّ بَيْنَ بُيوتنا

(6)

بأسيافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وظَالِمِ

جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَناتِنَا

وَطبِنَا لَهُ نَفْسًا بفيءِ المَغَانِمِ

وَنحْنُ ضَرَبْنَا النَّاسَ حَتَّى تَتَابَعُوا

عَلَى دِينه بالمُرهَفَاتِ الصَّوارِمِ

ونَحْنُ ولدْنا منْ قُريشٍ عَظيمَها

ولَدنا نبيَّ الخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ

بَنِي دارِمٍ لا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ

يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ المَكَارِمِ

هَبِلْتُم

(7)

عَلَيْنَا تَفْخَرون وأنتُمُ

لَنا خَوَلٌ من بَيْن

(8)

ظِئْرٍ وَخَادِم

فَإنْ كُنْتُمُ جِئْتم لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ

وَأمْوالِكُم أن تُقْسَمُوا في المقاسمِ

فلا تَجْعَلُوا للهِ نِدًّا وَأَسْلِمُوا

وَلا تَلْبَسُوا زِيًا كزيِّ الأعاجِمِ

قال ابن إسحاق: فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله، قال الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا الرجل لَمُؤَتَّيً

(9)

له، لَخطيبُهُ أخطبُ من خطيبنا، ولَشاعرُه أشعرُ من شاعرنا، ولأصواتُهم أعلى من أصواتنا.

قال: فلما فرغ القوم أسلموا وجَوَّزَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم.

وكان عمرو بن الأهتم قد خلّفه القوم في رحالهم وكان أصغرَهم سِنًا، فقال قيس بن عاصم -وكان يبغض عمرو بن الأهتم- يا رسول الله إنه كان رجل منَّا في رحالنا وهو غلام حدَث، وأزرى به، فأعطاه

(1)

المعلِمين: الذين يضعون علامة ليعرفوا بها في القتال.

(2)

المرباع: ما يأخذه الرئيس، وهو ربع الغنيمة (اللسان: ربع).

(3)

الديوان (1/ 109).

(4)

حريد: منفرد لعزته (القاموس: حرد).

(5)

في سيرة ابن هشام "أصله وذِماره".

(6)

في سيرة ابن هشام: "لما حلّ وسط ديارنا" وفي الديوان: "لما حل وسط رحالنا".

(7)

هَبِل فلان: فقد عقله وتمييزه. المعجم الوسيط (هبل).

(8)

في الديوان وسيرة ابن هشام: "ما بين".

(9)

أتَّى الشيء: هيأه وسهله. المعجم الوسيط (أتّى).

ص: 13

رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القومَ. فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسًا قال ذلك يهجو

(1)

: [البسيط]

ظَلِلْتَ مُفْتَرِشَ الهَلْبَاءِ تَشْتِمُني

عِنْدَ الرَّسُول فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبِ

سُدْنَاكُمُ سُؤْدُدًا رَهْوًا

(2)

وَسُؤْدُدُكُمْ

بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ على الذَّنبِ

وقد روى الحافظ البيهقي

(3)

من طريق يعقوب بن سفيان، حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي

(4)

، قال:

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزِّبْرقان بن بَدْرٍ، وقَيْسُ بنُ عاصمٍ، وعَمْرو بن الأَهْتم. فقال لعمرو بن الأهتم: أخبرني عن الزِّبرقان، فأما هذا فلستُ أسألكَ عنه. وأراه كان قد عرف قيسًا. قال: فقال: مطاع في أدْنَيْه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزِّبرقان: قد قال ما قال، وهو يعلمُ أنّي أفضلُ مما قال. قال: فقال عمرو: والله ما علمتك إلا زَمِرَ

(5)

المُروءة، ضَيِّقَ العَطَن

(6)

، أحمقَ الأب، لئيمَ الخال، ثم قال: يا رسولَ الله، قد صدقتُ فيهما جميعًا، أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوأ ما أعلم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من البيانِ سحرًا"

(7)

وهذا مرسل من هذا الوجه.

قال البيهقي

(8)

: وقد رُوي من وجهٍ آخرَ موصولًا، أخبرنا أبو جعفر كامل بن أحمد المُسْتَملي، حدّثنا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي

(9)

، حدّثنا محمد بن عبد الله بن الحسن العلاف ببغداد، حدّثنا عليّ بن حَرْبٍ الطّائي، أنبأنا أبو سَعْدٍ الهيثمُ بن مَحْفوظٍ، عن أبي المُقَوِّم يحيى بن يزيد الأنصاري، عن الحكم [بن عتيبة]

(10)

، عن مِقْسَم، عن ابن عباس. قال: جلس إلى

(1)

البيتان ثلاثة في ديوان عمرو بن الأهتم -الرسالة- (81 - 82) برواية أخرى مختلفة وبخاصة في البيت الثاني، وهما في السيرة النبوية (2/ 567).

(2)

أي متتابعةً، غارة رهو: متتابعة أيضًا، وجاءت الخيل رهوًا: متتابعة لينة. المعجم الوسيط (رهو).

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (5/ 316).

(4)

محمد بن الزبير الحنظلي، متروك، وهو تابعي يروي عن أبيه وعن الحسن البصري وغيرهما، والذي يرويه غرائب وأفراد.

(5)

في أ و ط "زَيِر" وهو تصحيف وما أثبتناه من دلائل النبوة. وفي القاموس (زمر): (والزَّمِرُ ككتف: القليل المروءة).

(6)

العطن: مكان الإبل (القاموس: عطن).

(7)

وهو مرسل كما قال المصنف رحمه الله.

(8)

دلائل النبوة (5/ 317).

(9)

في آ عثمان بن البغدادي وما أوردناه من ط ودلائل النبوة.

(10)

الزيادة من دلائل النبوة.

ص: 14

رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسُ بن عاصم، والزِّبرقان بن بدر، وعَمْرو بن الأَهْتَم التميميون، ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله، أنا سيّد تميم، والمُطاعُ فيهم والمجاب، أمنعُهُمْ من الظُّلم، وآخذ لهم بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك -يعني عمرو بن الأهتم- قال عمرو بن الأهتم: إنه لشديدُ العارضة، مانعٌ لجانبه، مطاعٌ في أدنيه. فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يَتَكَلَّم إلا الحَسَدُ. فقال عَمْرو بن الأهتم: أنا أحسدك! فواللهِ إنّكَ للئيمُ الخالِ، حديثُ المال، أحمقُ الوالد، مُضيَّع في العَشيرة، والله يا رسولَ الله، لقد صدقتُ فيما قلتُ أولًا، وما كذبتُ فيما قلت آخرًا، ولكني رجل، إذا رضيتُ قلتُ أحسنَ ما عَلِمت، وإذا غضبتُ قلتُ أقبحَ ما وجدتُ، ولقد صدقتُ في الأولى والأخرى جميعًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان سحرًا" وهذا إسناد غريب جدًا

(1)

.

وقد ذكر الواقدي سبب قدومهم، وهو أنه كانوا قد شهروا السِّلاحَ على خُزاعة فبعث إليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُيينة بن بدر في خمسين، ليس فيهم أنصاريّ ولا مهاجريّ. فأسر منهم أحدَ عشرَ رجلًا وإحدى عشرةَ امرأة وثلاثين صبيًا، فقدم رؤساؤهم بسبب أُسرائهم، ويقال: قدم منهم تسعون أو ثمانون رجلًا في ذلك، منهم عطارد، والزِّبرقان، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، والأقرعُ بن حابس ورياح

(2)

بن الحارث، وعمرو بن الأهتم، فدخلوا المسجد وقد أذَّن بلالٌ الظهرَ، والناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم، فعجّل هؤلاء، فنادوه من وراء الحُجُرات، فنزل فيهم ما نزل.

ثم ذكر الواقدي خطيبهم وشاعرهم، وأنه عليه الصلاة والسلام أجازهم على كل رجل اثنتي عشرة أوقية ونشأ

(3)

إلا عمرو بن الأهتم، فإنما أعطي خمسة أواق لحداثة سنه، والله أعلم.

قال ابن إسحاق

(4)

: ونزل فيهم من القرآن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 4 - 5].

قال ابن جرير

(5)

: حدّثنا أبو عَمّار الحسين بن حُرَيْث المروزي

(6)

، حدّثنا الفضل بن موسى، عن

(1)

وقد ثبت حديث (إن من البيان لسحرًا) بغير هذا السياق. فقد رواه البخاري (5767) في الطب، ومالك في "الموطأ"(2/ 986) في الكلام، باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله، وأبو داود رقم (5007) في الأدب، والترمذي رقم (2028) في البر. من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ورواه مسلم رقم (869) في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة من حديث أبي وائل، ورواه الترمذي رقم (2845) في الأدب، وأبو داود رقم (5011) في الأدب من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

في الأصول: رباح، وانظر الإصابة (5/ 523).

(3)

النشُّ: نصف أوقية، عشرون درهمًا. (القاموس: نشّ).

(4)

انظر سيرة ابن هشام (2/ 567).

(5)

تفسير الطبري (26/ 121).

(6)

في الطبري: "حدّثنا أبو عمار المروزي والحسن بن الحارث قالا .. ".

ص: 15

الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} . قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنّ حَمْدي زَيْنٌ، وذمّي شَيْنٌ. فقال:"ذاك الله عز وجل".

وهذا إسناد جيد متصل.

وقد روي عن الحسن البصري وقتادة مرسلًا عنهما.

وقد وقع تسمية هذا الرجل، فقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا عفان، حدّثنا وُهَيْب، حدّثنا موسى بن عقبة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن الأقرع بن حابس، أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد يا محمد، وفي رواية يا رسول الله، فلم يجبه. فقال: يا رسول الله، إن حمدي لزَيْنٌ، وإن ذَمّي لشَيْنٌ. فقال:"ذاك الله عز وجل".

‌حديثٌ في فَضْلِ بني تَميمٍ

قال البخاري

(2)

: حدّثنا زهير بن حرب، حدّثنا جرير، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زُرْعة، عن أبي هريرة. قال: لا أزال أحبّ بني تميم بعد ثلاثٍ سمعتُهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم: "هم أشَدُّ أُمّتي على الدّجّال"، وكانت فيهم سبيَّة عند عائشة فقال:"أعتقيها فإنّها من ولد إسماعيل"، وجاءت صدقاتُهم فقال:"هذه صدقاتُ قوم -أو قومي-".

وهكذا رواه مسلم

(3)

، عن زهير بن حرب.

وهذا الحديث يردُّ على ما ذكره صاحب الحماسة وغيره من شعر من ذمهم حيث يقول: [من الطويل]

تَميمٌ بطُرقِ الُّلؤْمِ أهْدَى مِنَ القَطَا

وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ الرَّشَادِ لَضَلتِ

وَلَوْ أنَّ بُرغُوثًا عَلَى ظَهْرِ قَمْلَةٍ

رَأَتْهُ تَميمٌ مِنْ بَعِيدٍ لَوَلَّتِ

‌وفْد بَني عَبْدِ القَيْسِ

ثم قال البخاري

(4)

بعد وفد بني تميم: باب وفد عبد القيس. حدّثنا إسحاقْ

(5)

حدّثنا أبو عامر

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 488)، (6/ 393)، وإسناده ضعيف، لانقطاعه أبو سلمة لم يثبت سماعه من الأقرع.

(2)

صحيح البخاري رقم (4366).

(3)

صحيح مسلم رقم (2525) في فضائل الصحابة.

(4)

صحيح البخاري (4368) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 314 - 315).

(5)

في أ و ط "أبو إسحاق" وأثبتنا ما في البخاري وانظر تهذيب الكمال (2/ 373).

ص: 16

العَقَدي، حدّثنا قُرَّة، عن أبي جمرة

(1)

، قال: قلت لابن عباس: إن لي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لي فيها [نبيذ]

(2)

فأشربه حلوًا في جَرٍّ، إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح. فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا الندامى" فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبينك المشركين من مُضَر، وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام

(3)

، فحَدِّثْنا بجُمَل

(4)

من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة، وندعو به من وراءنا. قال:"آمُرُكم بأربعٍ، وأَنْهاكم عن أربعٍ: الإيمانُ بالله، هل تدرون ما الإيمانُ بالله؟ شهادةُ أن لا إله إلا الله، وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة، وصومُ رمضانَ، وأن تُعْطوا من المَغانِمِ الخُمُسَ، وأنهاكُمْ عن أربعٍ، ما يُنْتَبَذُ في الدُّبَّاء والنَّقير والحَنْتَم والمُزَفَّت"

(5)

.

وهكذا رواه مسلم

(6)

من حديث قُرّة بن خالدٍ، عن أبي جَمْرة به، وله طرقٌ في الصحيحين عن أبي جمرة

(7)

.

وقال أبو داود الطيالسي

(8)

في "مسنده": حدّثنا شعبة عن أبي جَمرَة، سمعت ابن عباس يقول: إنّ وفدَ عبد القيس لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ممن القوم؟ " قالوا: من ربيعة. قال: "مَرْحبًا بالوَفْدِ غير الخَزايا ولا النَّدامى". فقالوا: يا رسول الله: إنّا حيٌّ من ربيعة، وإنّا نأتيك من شُقَّة بعيدةٍ، وإنّه يحولُ بيننا وبينَكَ هذا الحيّ من كُفّار مُضَرَ، وإنا لا نَصل إليك إلا في شهر حرام، فمُرْنا بأمرٍ فَصْلٍ ندعو إليه مَنْ وَراءنَا، وندخلُ به الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آمركم بأربعٍ، وأنهاكم عن أربعٍ: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تُعْطوا من المغانم الخُمُسَ. وأنهاكم عن أربع: عن الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمُزَفَّت -وربما قال والمُقَيَّر- فاحفظوهن، وادعوا إليهن من وراءكم"

(9)

.

(1)

في أ، ط:(حمرة) وهو تحريف انظر تهذيب الكمال (29/ 362).

(2)

الزيادة من البخاري.

(3)

في البخاري: "في أشهر الحرم".

(4)

في المطبوعة: (بجميل) تحريف.

(5)

الدباء: القرع واحدها دباءة، كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب (النهاية: دبب).

النقير: أصل النخلة ينقر في وسطه ثم ينتبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذًا مسكرًا (النهاية: نقر).

الحنتم: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة (النهاية: حنتم).

المزفت: الإناء الذي طلي بالزفت، وهو نوع من القار، ثم انتبذ فيه (النهاية: زَفْت).

(6)

صحيح مسلم رقم 17 باب الأمر بالإيمان بالله تعالى.

(7)

في المطبوعة: (حمزة) تحريف انظر تهذيب الكمال (29/ 362).

(8)

مسند الطيالسي (2747) برواية (غير خزايا ولا ندامى).

(9)

قال بشار: النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية قد نسخ، فقد ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر (ينظر كتاب الأشربة في صحيح البخاري، باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي). انظر البخاري رقم (5592 - 5595) وشرحه في فتح البخاري.

ص: 17

وقد أخرجه صاحبا الصحيحين من حديث شعبة بنحوه

(1)

.

وقد رواه مسلم

(2)

من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نَضْرَة، عن أبي سعيد، بحديث قِصَّتِهم بمثل هذا السياق.

وعنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشجِّ عبد القيس: "إن فيك لَخَلَّتين يحبهما الله عز وجل: الحِلْمُ والأناةُ".

وفي رواية

(3)

: "يحبُّهُما الله ورسولُه". فقال: يا رسول الله، تَخَلَّقْتُهُمَا أم جَبَلَني اللهُ عليهما؟ فقال:"بل جَبَلَكَ اللهُ عليهما". فقال: الحمدُ لله الذي جَبَلني على خُلُقَيْن يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدّثنا مطر بن عبد الرحمن، سمعت هند بنت الوازع أنها سمعت الوازع يقول: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والأشجُّ المنذرُ بن عامر -أو عامر بن المنذر- ومعهم رجلٌ مصابٌ فانْتَهَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَثَبوا من رواحلهم، فأتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقبَّلوا يَدَهُ، ثم نزل الأشجّ، فَعَقَلَ راحلَتَه وأخرجَ عَيْبَته

(5)

ففتحها، فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما، ثم أتى رواحلهم فعقلها، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أشَجُّ إنّ فيكَ خَصْلَتَيْن يُحبُّهما اللهُ عز وجل ورسولُهُ؛ الحِلْمُ والأَناةُ" فقال: يا رسول الله، أنا تَخَلَّقْتُهُما. أو، جَبَلَني اللهُ عليهما؟ فقال:"بل اللهُ جَبَلَكَ عليهما". قال: الحمدُ لله الذي جَبَلَني على خُلُقَيْن يُحِبُّهُما الله عز وجل ورسولُه.

فقال الوازع: يا رسول الله، إنَّ معي خالًا لي مُصابًا، فادع الله له، فقال:"أين هو؟! ائتني به".

قال: فصنعت مثل ما صنع الأشج، ألبستُه ثَوْبَيْه، وأتيتُه، فأخذ [طائفة]

(6)

من ردائه يرفعُها حتّى رأينا بياضَ إبطه، ثم ضربَ بظهره فقال:"اخرج عدو الله" فولَّى وجهَه، وهو ينظُر بنَظَرِ رجُلٍ صَحيح.

وروى الحافظ البيهقي

(7)

من طريق هود بن عبد الله بن سعد، أنه سمع جده مَزيدَة العصري

(8)

.

قال:

(1)

حديث شعبة أخرجه البخاري في الإيمان (53)، وفي العلم (87)، ومسلم في الإيمان (17)(24)(بشار).

(2)

صحيح مسلم رقم (18) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى.

(3)

أخرجه بنحوه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (587) وإسناده ضعيف.

(4)

وهو في أطرافه رقم (7519) وذكره المصنف أيضًا في "جامع المسانيد" رقم (9750) أقول: وإسناده ضعيف لجهالة هند بنت الوازع.

(5)

العيبة: زبيل -أي وعاء- من أدمٍ، وما يجعل فيه الثياب (القاموس: عيب).

(6)

في المطبوعة: (فأخذ من ورائه) والتصحيح والزيادة عن مجمع الزوائد.

(7)

دلائل النبوة للبيهقي (5/ 327)، وإسناده ضعيف.

(8)

الإصابة (3/ 406).

ص: 18

بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابَه، إذ قال لهم "سيطلع [عليكم]

(1)

من ها هنا ركبٌ، هم خيرُ أهلِ المَشْرِق". فقام عمر فتوجَّهَ نحوهم فلقي

(2)

ثلاثة عشر راكبًا، فقال: مَن القومُ؟ فقالوا: من بني عبد القيس، قال: فما أقدمكم هذه البلاد، التجارةُ؟ قالوا: لا. قال: أما إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفًا، فقال خيرًا، ثم مَشَوْا معه حتّى أَتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فقال عمر للقوم: هذا صاحبُكم الذي تُريدون، فرمى القومُ بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى [إليه]

(3)

، ومنهم من هَرْوَلَ، ومنهم من سَعى، حتى أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا بيده فَقَبَّلوها، وتخلَّف الأشجُّ في الرِّكاب حتى أناخَها، وجمع متاع القوم، ثم جاء يَمْشي، حتى أخذَ بيد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إن فيك خَلَّتَيْن يُحبُّهما الله ورسولُه". قال: جَبْلٌ جُبلْتُ [عليه](3) أم تخلُّقُ (3) مني؟ قال: بل جَبْلٌ. فقال: الحمدُ لله الذي جَبَلني على ما يحبُّ اللهُ ورسولُه.

وقال ابن إسحاق

(4)

: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارُودُ بن عمرو بن حَنَش أخو عبد القيس.

قال ابن هشام: وهو الجارود بن بشر بن المعلى

(5)

، في وفد عبد القيس، وكان نصرانيًا.

قال ابن إسحاق: وحدّثني من لا أتَّهم، عن الحسن، قال: لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّمه، فعرض عليه الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه، فقال: يا محمد، إنّي كنتُ على دِينٍ، وإنّي تاركٌ دِيني لدينك، أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم أنا ضامنٌ أن قد هَدَاكَ اللهُ، إلى ما هو خيرٌ منه" قال: فأسلم وأسلم أصحابه، ثم سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الحُمْلانَ فقال:"والله ما عندي ما أحملُكم عليه". قال: يا رسول الله إنَّ بيننا وبين بلادنا ضَوالَّ من ضَوالِّ الناس، أَفَنَتَبلَّغُ عليها إلى بلادنا؟ قال: لا، إيَّاكَ وإيّاها، فإنما تلك حَرَقُ النار. قال: فخرج الجارود راجعًا إلى قومه، وكان حسنَ الإسلام، صُلبًا على دينه حتى هلكَ، وقد أدركَ الرِّدَّةَ.

فلما رجع مِنْ قومه مَنْ كانَ أسلمَ منهم إلى دينهم الأول مع الغَرُور بن المنذر بن النعمان بن المنذر، قام الجارود فتشهَّدَ شهادةَ الحق ودعا إلى الإسلام فقال: أيُّها الناسُ إنّي أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدهُ ورسولُه، وأكفِّر من لم يشهد.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ العلاء بن الحَضْرَميّ قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوَى العَبْدي، فأسلم

(1)

الزيادة من دلائل النبوة للبيهقي.

(2)

في المطبوعة: (فتلقى).

(3)

في المطبوعة (تخلقًا).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 575) - وما بعدها، وفيه جهالة وإرسال.

(5)

الإصابة (1/ 216).

ص: 19

فحسنَ إسلامُه، ثم هلكَ بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قبل رِدّة أهل البحرين، والعلاءُ عندَه أميرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين.

ولهذا روى البخاري

(1)

من حديث إبراهيم بن طَهْمان عن أبي جَمْرَة

(2)

عن ابن عباس. قال: [إنّ]

(3)

أول جمعة جُمِّعت [بعد جمعة جمعت](3) في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجُواثى من البحرين.

وروى البخاري

(4)

عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخَّر الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس، حتى صلّاهما بعد العصر في بيتها.

قلت: لكن في سياق ابن عباس ما يدلّ على أنَّ قدومَ وفد عبد القيس كانَ قبلَ فتحِ مكة، لقولهم وبيننا وبينك هذا الحيّ من مُضَر، لا نصل إليك إلا في شهر حرام، والله أعلم.

‌قصة ثُمامة ووفد بني حنيفة ومنهم

(5)

مسيلمة الكذاب

قال البخاري

(6)

باب وفد بني حنيفة وقصة ثمامة بن أُثَال: حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا الليث بن سعد، حدّثني سعيد بن أبي سعيد [أنّه]

(7)

سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلًا قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثُمامة بن أُثالٍ، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:"ما عندكَ يا ثُمامةً؟ " قال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تَقْتُلْني تَقْتُلْ ذا دمٍ، وإن تُنْعِم تُنْعِمْ على شاكر، وإن كنتَ تُريد المالَ فَسَلْ منه ما شئتَ. فتركَه حتّى كان الغد، ثم قال له:"ما عندك يا ثمامةُ". فقال: عندي ما قلتُ لك، إن تُنْعِمْ تُنْعمْ على شاكرٍ، فتركَه حتى [كان] (7) بعد الغد فقال:"ما عندكَ يا ثمامةُ؟ " فقال: عندي ما قلتُ لكَ. فقال: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نَجْلٍ

(8)

قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغضَ إليّ من وجهك، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوجوه إلي، والله ما كان [من]

(9)

دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ إليّ، والله ما كان من بلد

(1)

صحيح البخاري رقم (892) في الجمعة.

(2)

في المطبوعة: (حمزة) تحريف. وقد تقدم.

(3)

ساقطة من أ وط.

(4)

صحيح البخاري (4370).

(5)

في ط ومعهم.

(6)

صحيح البخاري رقم (4372) في المغازي باب وفد بني حنيفة. وانظر طبقات ابن سعد (1/ 316 - 317).

(7)

الزيادة من صحيح البخاري.

(8)

النَّجْل: الماء السائل (القاموس: نجل) وفي هامش صحيح البخاري: "وفي نسخة نخل". وكذا في أ وط.

(9)

الزيادة من صحيح البخاري.

ص: 20

أبغضَ إليّ من بلدك، فأصبح بلدُكَ أحبَّ البلاد إليّ، وإن خيلَكَ أخذتني وأنا أريدُ العمرةَ، فماذا ترى؟ فبشَّرهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يَعْتَمِرَ، فلمّا قدمَ مكةَ قال له قائلٌ: أصبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمتُ مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبةُ حنطةٍ حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه البخاري في موضع آخر

(1)

ومسلم

(2)

وأبو داود

(3)

والنسائي

(4)

، كلهم عن قُتيبة، عن الليث به.

وفي ذكر البخاري هذه القصة في الوفود نظر، وذلك أنّ ثمامة لم يَفِدْ بنفسه، وإنما أُسر، وقُدم به في الوثاق، فرُبط بساريةٍ من سواري المسجد؛ ثم في ذِكْرِهِ مع الوفود سنةَ تسعٍ نظرٌ آخرُ، وذلك أنَّ الظاهر من سياق قصَّتِه أنها قُبيل الفتح، لأن أهل مكة عَيَّروه بالإسلام، وقالوا: أصبوتَ؟ فتوعَّدهم بأنه لا يفدُ إليهم من اليمامة حبةُ حنطةٍ ميرةً، حتى يأذنَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على أنَّ مكةَ كانت إذ ذاك دارَ حربٍ، لم يُسلم أهلُها بعدُ. والله أعلم.

ولهذا ذكر الحافظ البيهقي

(5)

قصةَ ثُمامة بن أُثال قبل فتح

(6)

مكة، وهو أشبه، ولكن ذكرناه ها هنا اتِّباعًا للبخاري رحمه الله.

وقال البخاري

(7)

: حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدّثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قدم مُسيلمة الكذابُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن جَعَل لي محمدٌ الأمرَ من بعده اتبعته، وقدِمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابتُ بن قيس بن شمّاس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه. فقال له: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدوَ أمرَ اللهِ فيك، ولئن أدبرتَ ليعقرنَّك اللهُ، وإني لأُراكَ الذي أُريت فيه ما رأيتُ

(8)

، وهذا ثابت يجيبك عني" ثم انصرف عنه. قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ أرى الذي أريت فيه ما رأيت"

(9)

فأخبرني أبو هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم، رأيتُ في يديَّ سِوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأُوحي إليَّ في المنام أن انفُخْهُما،

(1)

البخاري رقم (469) في المساجد، باب دخول المشرك المسجد.

(2)

صحيح مسلم رقم 1764 في الجهاد.

(3)

سنن أبي داود رقم 2679 في الجهاد.

(4)

سنن النسائي (1/ 46) في المساجد و (1/ 110) في الطهارة.

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (4/ 78 - 81).

(6)

ليس اللفظ في المطبوعة.

(7)

صحيح البخاري (4373).

(8)

في أ "رأيت فيه ما رأيت" وفي ط: (رأيت فيه ما أُريت) وأثبتنا ما في البخاري.

(9)

في أ "إنك الذي أريت فيه ما أريت" وفي ط "إنك الذي رأيت فيه ما أريت" وأثبتنا ما في البخاري.

ص: 21

فنفختهما، فطارا، فأولتهما كَذّابَيْن يَخْرجان بعدي، أحدهما [الأسود]

(1)

العنسي، والآخر مسيلمة".

ثم قال البخاري

(2)

: حدّثنا إسحاق بن نصر

(3)

، حدّثنا عبد الرزاق، أخبرني مَعْمر عن هَمّام بن مُنَبِّه

(4)

، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم أتيتُ بخزائن الأرض، فوُضع في كفي سواران من ذهب، فكَبُرا عليّ، فأُوحي إليَّ أن انفُخْهَّما، فنفختُهما، فذهبا فأوَّلتهما الكَذَابَيْن اللذين أنا بينهما؛ صاحبَ صَنْعاء، وصاحبَ اليَمامة".

ثم قال البخاري

(5)

: حدّثنا سعيد بن محمد الجَرْمي، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، عن صالح، عن ابن عُبيدة بن نشيط -وكان في موضع آخر: اسمه عبد الله- أن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، قال: بلغنا أنّ مُسَيْلمة الكذّاب قدم المدينةَ فنزلَ في دار بنتِ الحارثِ، وكان تحته بنتُ الحارث بن كُرَيْز، وهي أم عبد الله بن الحارث

(6)

بن كريز، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب، فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئتَ خليتُ بينك

(7)

وبين الأمر، ثم جعلتَهُ لنا بعدك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتُكَه، وإني لأُراك الذي رأيت فيه ما رأيت

(8)

، وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني"، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عُبَيْد

(9)

الله: سألت ابن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي

(10)

ذكر، فقال ابن عباس: ذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم أُريت

(11)

أنه وضع في يديَّ سواران من ذهب، فَفُظِعْتُهما

(12)

وكرهتهما فأذن لي، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما كذابين (يخرجان"، فقال عبيد الله: أحدهما العنسي الذي قتله)

(13)

فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب.

(1)

ليس اللفظ في أ.

(2)

رقم (4375).

(3)

في ط، أ (منصور) وهو تحريف والمثبت من البخاري وانظر تهذيب الكمال (2/ 388).

(4)

في المطبوعة (هشام بن أمية) وانظر تهذيب الكمال (30/ 298).

(5)

صحيح البخاري رقم (4378 - 4379).

(6)

في البخاري "أم عبد الله بن عامر" وانظر فتح الباري (8/ 92).

(7)

في أ: "بيني".

(8)

في البخاري: "الذي أُريت فيه ما أُريت"، وهو كما في المتن في رواية من روايات البخاري.

(9)

في المطبوعة (عبد).

(10)

في الأصول (الذي) وما هنا عن البخاري.

(11)

في المطبوعة (رأيت).

(12)

في (أ) و (ط): "فقطعتهما" وأثبتنا ما في البخاري.

(13)

ما بين القوسين ساقط من (أ) و (ط) ومستدرك من البخاري.

ص: 22

وقال محمد بن إسحاق

(1)

: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن ثُمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هِفَّان بن ذُهْل بن الدُّوْل بن حنيفة ويكنى أبا ثمامة

(2)

وقيل أبا هارون، وكان قد تسمى بالرحمان، فكان يقال له: رحمان اليمامة، وكان عمره يوم قتل مئة وخمسين سنة، وكان يعرف أبوابًا من النيرجات

(3)

، فكان يدخل البيضة إلى القارورة، وهو أول من فعل ذلك، وكان يقص جناح الطير ثم يصله، ويدَّعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها.

قلت: وسنذكر أشياء من خبره عند ذكر مقتله، لعنه الله.

قال ابن إسحاق

(4)

: وكان منزلهم في دار بنت الحارث، امرأةٍ من الأنصار ثم من بني النجار، فحدّثني بعض علمائنا من أهل المدينة، أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيبٌ من سَعَف النخلِ، في رأسه خوصات

(5)

، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلَّمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتُكَه".

قال ابن إسحاق: وحدّثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة، أنّ حديثَه كانَ على غَيْرِ هذا. وزعم أنّ وفدَ بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخَلّفوا مُسَيْلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلّفنا صاحبًا لنا في رحالنا وفي ركائبنا يحفظها لنا، قال: فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم، وقال:"أما إنَّه ليس بشرِّكم مكانًا". أي: لحفظه ضَيْعَة أصحابه، ذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاؤوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتدّ عدوّ الله، وتنبَّأ، وتكذَّب لهم، وقال: إني قد أُشركتُ في الأمر معه، وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: "أما إنه ليس بشرِّكم مكانًا"، ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أُشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع لهم السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاةً للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صِفَاقٍ وحشا. وأحل لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة، وهو مع هذا يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نُبِّئ. فأصفقت

(6)

معه بنو حنيفة على ذلك.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 576) وما بعد.

(2)

هكذا ورد نسبه في أ، وط، وفي جمهرة أنساب العرب (310):"مسيلمة الكذاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة".

(3)

النيرج: أخذٌ تشبه السحر، وليست بحقيقته ولا كالسحر، إنما هو تشبيه وتلبيس (اللسان: نرج).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 576).

(5)

العسيب: قضيب النخل. والسَعَف: جريد النخل وورقه وورق النخل اليابس. وخوصات: ورقات النخل (المعجم الوسيط: عسب، سعف، خوص).

(6)

أصفق القوم على كذا أو له: أطبقوا عليه واجتمعوا (المعجم الوسيط: صفق).

ص: 23

قال ابن إسحاق

(1)

: فالله أعلم أي ذلك كان.

وذكر السهيلي

(2)

وغيره أن الرَّجَّال

(3)

بن عُنْفُوة -واسمه نَهارُ بن عُنْفوة- وكان قد أسلم وتعلَّم شيئًا من القرآن، وصحبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مدة، وقد مرَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ مع أبي هريرة وفُرات بن حَيّان، فقال لهم:"أحدكم ضِرْسُه في النّار مثلُ أُحدٍ" فلم يزالا خائِفَيْن حتى ارتدّ الرّجَّال مع مَسَيْلمة، وشهد له زُورًا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أشْرَكَهُ في الأمر معه، وأَلْقى إليه شيئًا مِمّا كَانَ يَحْفَظُه من القرآن، فادّعاهُ مُسَيْلِمَةُ لنفسه، فحصل بذلك فتنةٌ عظيمةٌ لبني حَنيفة. وقد قتله زيدُ بن الخَطّاب يومَ اليَمامة كما سيأتي.

قال السُّهَيْلي

(4)

: وكان مُؤَذِّنُ مُسَيْلِمةَ يقال له حُجَيْرٌ، وكان مُدَبِّرُ الحَرْب بين يَدَيْه مُحَكَّمَ بنَ الطُّفَيْل، وأُضيف إليهم سَجَاح، وكانَتْ تُكَنّى أُمَّ صادِر، تَزَوَّجَها مُسَيْلِمَةُ، وله معها أخبارٌ فاحِشَةٌ، واسم مُؤَذِّنِها زُهَيْرُ بن عَمْرو، وقيل جَنَبَةُ بنُ طارِقٍ، ويقال: إن شَبَثَ بن رِبْعيٍّ أذَّنَ لها أيضًا ثم أسلم، وقد أسْلَمَتْ هي أيضًا أيام عُمَرَ بن الخطاب، فحسن إسلامُها.

وقال يونُس بن بُكَيْر عن ابن إسحاق

(5)

: وقد كان مُسَيْلِمَةُ بن حَبيب كتب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: من مُسَيْلَمة رسولِ اللهِ إلى محمدٍ رسولِ الله، سلامٌ عَلَيْكَ، أما بعدُ، فإني قد أُشْرِكْتُ في الأمْرِ معكَ، فإنّ لنا نِصْفَ الأمْرِ، ولقُرُيشٍ نصف الأمْرِ، ولكن قُريشًا قومٌ يَعْتدون

(6)

.

فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب، فكتب إليه رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

(7)

: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مُسَيْلَمة الكَذّاب، سلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أما بعد، فإنَّ الأرضَ لله يُورِثُها منْ يَشاءُ من عباده والعاقبة للمتقين". قال: وكان ذلك في آخر سنة عشر -يعني وُرودَ هذا الكتاب-.

قال يونس بنُ بكَيْر عن ابن إسحاق

(8)

: فحدّثني سَعْدُ بن طارِقٍ، عن سَلَمَةَ بن نُعَيْم بن مسعود، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جَاءَهُ رَسولا مُسَيْلمةَ الكَذَّابِ بكتابه يقول لهما: "وأنتما

(1)

سيرة ابن هشام (4/ 245).

(2)

الروض الأنف للسهيلي (2/ 340).

(3)

في الأصول (الرحال) تحريف. وانظر الإصابة (1/ 539).

(4)

الروض الأنف (2/ 340).

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (5/ 331).

(6)

في ط: "لا يعتدون" وأثبتنا ما في أ وسيرة ابن هشام والطبري (3/ 146). وانظر مجموعة الوثائق السياسية رقم (205) ص (227) وفيها: "نصف الأرض ولقريش نصف الأرض".

(7)

مجموعة الوثائق السياسية رقم (206) ص (228).

(8)

رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق في دلائل النبوة للبيهقي (5/ 332) ومنه ينقل المصنف، وهي عند الطحاوي في شرح المشكل (2863)، والحاكم (3/ 52)، والبيهقي في السنن (9/ 211)(بشار).

ص: 24

تقولان ما يقول؟ " قالا: نعم. فقال: أما والله لولا أن الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لضربتُ أعناقَكُما

(1)

.

وقال أبو داود الطيالسي

(2)

: حدّثنا المَسْعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء ابن النَّواحة وابن أُثال رسولَيْن لمُسَيْلِمةَ الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما:"أتَشْهَدَانِ أنّي رسولُ الله؟ " فقالا: نشهدُ أنّ مسيلمةَ رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آمنتُ بالله ورسله، ولو كنتُ قاتلًا رسولًا لقَتَلْتُكُما". قال عبد الله بن مسعود: فمضت السُّنَّة بأنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ، قال عبد الله: فأما ابن أُثال فقد كفاه الله، وأما ابن النَّواحة فلم يزل في نفسي منه حتى أمكن الله منه.

قال الحافظ البيهقي

(3)

: أما ثُمامة

(4)

، بن أُثال فإنه أسلم، وقد مضى الحديث في إسلامه. وأما ابن النَّواحة فأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكّي

(5)

، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن عبد الوهاب، حدّثنا جعفر بن عون، أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حَنيفة، وهم يقرؤون قراءة ما أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم: والطّاحناتِ طَحْنًا، والعاجِناتِ عَجْنًا، والخابِزاتِ خَبْزًا، والثّاردات ثَرْدًا، واللّاقِماتِ لَقْمًا. فال: فأرسل إليهم عبد الله، فأُتي بهم وهم سبعون رجلًا ورأسهم عبد الله بن النَّواحة، قال: فأمر به عبد الله فقتل، ثم قال: ما كنا بمحرزين

(6)

الشيطان من هؤلاء، ولكن نحوزهم

(7)

إلى الشام، لعل الله أن يكفيَناهم.

وقال الواقدي

(8)

: كان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلًا، عليهم سلمى بن حنظلة، وفيهم الرَّجَّال بن عنفوة وطلق بن علي وعلي بن سنان ومُسَيْلمة بن حبيب الكذاب، فأنزلوا في دار رملة

(9)

بنت الحارث، وأُجريتْ عليهم

(10)

الضيافة، فكانوا يُؤْتَوْن بغداءٍ وعشاءٍ، مرةً خبزًا ولحمًا، ومرة خبزًا ولبنًا، ومرةً

(1)

ورواه من طريق محمد بن إسحاق: أحمد في المسند (3/ 487) وأبو داود رقم (2761) والحاكم (2/ 142) وسنده حسن.

(2)

دلائل النبوة للبيهقي رقم (251).

(3)

دلائل النبوة (5/ 332).

(4)

في المطبوعة (أسامة) وهو تحريف انظر الإصابة (1/ 203).

(5)

في المطبوعة (المزني) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (17/ 295).

(6)

أ: (بمحزرين).

(7)

أ: (نحدرهم).

(8)

طبقات ابن سعد (1/ 316 - 317).

(9)

في المطبوعة (مسلمة) وما هنا موافق لما في طبقات ابن سعد، وهو المصدر الذي ينقل منه المؤلف.

(10)

في الأصول (على)، وما أثبتناه من طبقات ابن سعد.

ص: 25

خبزًا، ومرة خبزًا وسمنًا، ومرة تمرًا ينثر لهم

(1)

. فلمّا قدموا المسجدَ أسلموا، وقد خَلَّفوا مُسَيْلمة في رحالهم، ولما أرادوا الانصرافَ أعطاهم جوائزَهم خمسَ أواقٍ من فضة، وأمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم، لما ذكروا أنّه في رحالهم، فقال:"أما إنه ليس بشرِّكم مكانًا". فلما رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه، فقال: إنما قال ذلك لأنه عرف أن الأمر لي من بعده، وبهذه الكلمة تشبَّث قبّحه الله حتى ادَّعى النبوة.

قال الواقدي

(2)

: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم بإداوة فيها فضل طهوره، وأمرهم أن يهدموا بِيعتهم، وينضحوا هذا الماء مكانها، ويتخذوه مسجدًا، ففعلوا.

وسيأتي ذكر مقتل الأسود العنسي في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقتل مسيلمة الكذاب في أيام الصِّدّيق، وما كان من أمر بني حنيفة، إن شاء الله تعالى.

‌وَفْدُ أهْلِ نَجْران

قال البخاري

(3)

: حدّثنا عَبّاسُ بن الحُسين، حدّثنا يحى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صِلَةَ بن زُفَر، عن حُذيفة، قال: جاء العاقِبُ والسَّيِّد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدان أن يلاعناه، فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًا فلاعنّاه

(4)

لا نفلح نحن ولا عَقِبُنا من بعدنا. قالا: إنا نعُطيكَ ما سَأَلتَنَا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا

(5)

. فقال: "لأبعثَنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمين". فاستشرفَ لها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال

(6)

: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا أمين هذه الأمة".

وقد رواه البخاري أيضًا ومسلم

(7)

من حديث شعبة، عن أبي إسحاق به.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي

(8)

: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار، حدّثنا يونس بن بُكير، عن سلمة بن عبد

(9)

يسوع، عن أبيه، عن جده -قال يونس وكان نصرانيًا فأسلم- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى

(1)

في المطبوعة (ينزلهم).

(2)

طبقات ابن سعد (1/ 317).

(3)

صحيح البخاري رقم (4380) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 357 - 358).

(4)

في صحيح البخاري: "فلاعنّا".

(5)

في أ وط: "ولا تبعث معنا إلا رجلًا أمينًا" وأثبتنا ما في البخاري، ودلائل النبوة (5/ 392).

(6)

في الأصول: (وقال) وما هنا عن البخاري.

(7)

البخاري رقم (4381) ومسلم رقم (2420) في فضائل الصحابة.

(8)

دلائل النبوة (5/ 385) وما بعد.

(9)

ليس اللفظ في المطبوعة.

ص: 26

نجران قبل أن ينزل عليه "طس" سليمان

(1)

؛ باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران (وأهل نجران، إن أسلمتم)

(2)

فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادةِ العِباد، وأدعوكم إلى ولايةِ الله من ولاية العباد، فإن أبيتُم فالجزيةُ، فإن أبيتُم آذنْتُكم بحربٍ والسلام.

فلما أتى الأُسقُفَّ الكتابُ فقرأه فُظِع به، وذُعر به ذُعرًا شديدًا، وبعث إلى رجلٍ من أهل نَجْرانَ يقال له: شُرَحْبيل بن وَدَاعة -وكان من همدان، ولم يكن أحدٌ يُدْعى إذا نزلت مُعْضِلة قبلَه لا الأيْهم ولا السيد ولا العاقب- فدفع الأُسْقُفُّ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه، فقال الأسقُفُّ يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمتَ ما وعدَ الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يُؤمَن أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في النبوة رأيٌ، ولو كان أمرٌ من أمورِ الدُّنيا لأشرتُ عليك فيه برأي وجهدت لك. فقال له الأسقُفُّ: تنحَّ فاجلس، فتنحَّى شرحبيل، فجلس ناحية، فبعث الأسقفُّ إلى رجل من أهل نجران، يقال له:"عبد الله بن شرحبيل"، وهو من ذي أصْبَحَ من حِمْيَر، فأقرأَه الكتاب، وسأله عن الرأي، فقال له مثل قول شرحبيل، فقال له الأسقُفُّ: تنحَّ فاجلس، فتَنحَّى فجلس ناحيةً

(3)

، وبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له "جَبّار بن فَيْضٍ" من بني الحارث بن كعب، أحد بني الحِمَاس، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شُرَحبيل وعبد الله، فأمره الأُسقُفُّ فتنحى، فجلس ناحية (3)، فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعًا، أمر الأسقفُّ بالناقوس فضُرب به، ورُفِعَت المسوح

(4)

في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإذا كان فزعهم ليلًا ضربوا بالناقوس ورُفعت النيران في الصَّوامع، فاجتمع حين ضُرب بالناقوس ورفعت المسوح أهلُ الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي مسيرةُ يوم للراكب السَّريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية، وعشرون ومئة ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأي أهلِ الرأي منهم على أنْ يَبْعَثوا شُرَحبيل بن وَداعة الهَمْداني، وعبدَ الله بن شُرَحْبيل الأصْبَحي، وجَبّار بن فيض الحارثي، فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانطلق الوفد، حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثيابَ السَّفَر عنهم، ولبسوا حُللًا لهم يَجُرّونها من حِبَرةٍ وخَواتيم الذَّهب، ثم انطلقوا حتى أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه فلم يَرُدَّ عليهم السلام، وتَصَدَّوا لكلامه نهارًا طويلًا فلم يُكَلِّمْهم وعليهم تلك الحُلَل والخَواتيم الذهبُ، فانطلقوا يَتَّبَّعونَ

(1)

يعني سورة النمل.

(2)

ليس ما بين القوسين في الأصول واستدركتها عن البيهقي.

(3)

في المطبوعة: (ناحيته).

(4)

في المطبوعة: (النيران المسوح).

ص: 27

عثمانَ بن عفانَ وعبدَ الرحمن بن عوف، وكانوا يعرفونهما

(1)

، فوجدوهما في ناسٍ من المهاجرين والأنصار في مجلس، فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن، إنّ نبيَّكم كتبَ إلينا بكتابٍ، فأقبلنا مُجيبين له، فأتَيْناه فسلَّمنا عليه، فلم يَرُدّ سلامَنا، وتَصَدَّينا لكلامه نهارًا طويلًا، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما، أتَرَوْنَ أن نَرْجعَ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال عليٌّ لعثمان ولعبد الرحمن رضي الله عنهم: أرى أن يضعوا حُلَلَهم هذه، وخواتيمَهم، ويلبسوا ثيابَ سَفَرِهم، ثم يعودوا إليه، ففعلوا، فسلَّموا، فرد سلامهم، ثم قال:"والذي بعثني بالحق، لقد أتوني المرة الأولى وإنّ إبليسَ لمعهم". ثم ساءلهم وساءلوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى، فإنّا نرجع إلى قومنا، ونحن نصارى، ليسرنا إن كنت نبيًا أن نسمع

(2)

ما تقول فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عندي فيه شيءٌ يَوْمي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى" فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل هذه الآية: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59 - 61]. فأبوا أن يُقِرُّوا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملًا على الحسن والحسين في خَميل له

(3)

، وفاطمة تمشي عندَ ظهره للمُلاعَنَةِ، وله يومئذ عِدَّةُ نسوةٍ، فقال شُرحبيل لصاحِبَيْه: قد عَلِمْتُما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدوا ولم يَصْدُروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى أمرًا ثقيلًا، والله لئن كان هذا الرجل ملكًا متقويا

(4)

فكنا أول العرب طعن في عينه

(5)

، وَرَدَّ عليه أمرَه لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه

(6)

حتى يصيبونا بجائحة، وإنا أدنى العرب منهم جوارًا، ولئن كان هذا الرجل نبيًا مرسلًا فلاعنَّاه لا يبقى على وجه الأرض منا شَعر ولا ظُفر إلا هلكَ، فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: رأيي أن أحكّمه، فإني أرى رجلًا لا يَحْكُم شَططًا أبدًا. فقالا له: أنت وذاك. قال: فتلقى شُرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيتُ خيرًا من ملاعنتك. فقال: "وما هو"؟ فقال: حكمك اليوم إلى الليل، وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت

(7)

فينا هو جائز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

في دلائل النبوة: "وكانا معرفة لهم، كانا يجدعان العتائر إلى نجران في الجاهلية، فيشترون لهم من بزها وثمرها وذرتها، فوجدوهما في ناس .. ".

(2)

في دلائل النبوة: "أن نعلم".

(3)

الخميل: القطيفة (القاموس: خمل).

(4)

في البيهقي: "مبعوثًا".

(5)

في المطبوعة: (عيبته) وفي أ: (عيبه) وما هنا عن البيهقي.

(6)

في الدلائل: (قومه).

(7)

في أ "فمهما حكمك" وفي ط "فما حكمك" وأثبتنا ما في دلائل النبوة.

ص: 28

"لعل وراءك أحدًا

(1)

يثرِّبُ عليك؟ " فقال شُرحبيل: سل صاحبىّ: [فسألهما]

(2)

. فقالا: ما يرد الوادي رلا يَصْدُرُ إلا عن رأي شُرَحْبيل

(3)

. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُلاعِنهُمْ، حتى إذا كان الغدُ أتوه، فكتب لهم هذا الكتاب

(4)

؛ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي

(5)

رسول الله لنجران، أن

(6)

كان عليهم حُكمُه في كل صفراء وبيضاء ورقيق، فَأفْضَل عليهم وترك ذلك كله

(7)

على ألفَيْ حُلَّةٍ

(8)

، في كلّ رجبٍ ألف حُلّةٍ، وفي كُلِّ صَفَرٍ ألفُ حُلةٍ" وذكر تمام الشروط

(9)

. إلى أن [قال]

(10)

شهد أبو سفيان بن حرب، وغَيْلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظلي، والمغيرة [بن شعبة](10) وكتب

(11)

.

حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران، [فتلقاهم الأُسْقُفُّ ووجوه نجران على مسيرة ليلة من نجران](10)، ومع الأسقُفِّ أخٌ له من أمه، وهو ابنُ عمّه من النسب، يقال له بشر بن معاوية، وكنيتُه أبو عَلْقَمة، فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأُسقُفِّ، فبينما هو يقرؤه، وأبو علقمة معه وهما يسيران، إذ كَبَتْ ببشر ناقته فتَعَّس بشر، غيرأنه لا يُكنِّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الأُسْقُفُّ عند ذلك:

(1)

في ط: (أحد) خطأ.

(2)

زيادة عن دلائل النبوة.

(3)

بعدها في دلائل النبوة: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كافر، أو قال جاحد موفق، فرجع .. ".

(4)

وانظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة رقم (94) ص (111 - 112).

(5)

في ط "النبي الأمي".

(6)

في البيهقي (5/ 389) ومجموعة الوثائق: "إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق وأفضل عليهم.".

(7)

في مجموعة الوثائق: "كله لهم .. ".

(8)

في دلائل النبوة، ومجموعة الوثائق:"على ألفي حلة من حلل الأواقي".

(9)

بقية الشروط في دلائل النبوة ومجموعة الوثائق هي: "

ومع كل حلة أوقية من الفضة فما زادت على الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب، وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عروض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم ما بين عشرين يومًا فدُونه، ولا تحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعًا وثلاثين فرسًا وثلاثين بعيرًا إذا كان كيد باليمن ومعرّة، وما هلك مما أعاروا من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبيّ على أنفسهم وملتهم وأرضيهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وأن لا يغيّروا مما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم ولا يغيروا أسقف عن أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا واقهًا من وقيهاه وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس عليهم دنيّة ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقًا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر. وعلى ما في هذه الصحيفة جواب الله عز وجل، وذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا حتى يأتي الله بأمره، وما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم".

(10)

زيادة عن دلائل النبوة.

(11)

في مجموعة الوثائق: "وكتب لهم هذا الكتاب عبد الله بن أبي بكر." وانظر تاريخ اليعقوبي (2/ 90) وما بعد.

ص: 29

قد والله تعَّستَ نبيًا مرسلًا، فقال له بشر: لا جرم، واللهِ لا أحل عنها عقدًا حتى آتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فصرف

(1)

وجه ناقته نحو المدينة، وثنى الأسقفُّ ناقته عليه، فقال له: افهم عني، إنما قلت هذا ليبلغ عني العرَبَ مخافةَ أن يَرَوْا أنّا أخذنا حقَّه أو رضينا نصرته أو بَخَعْنا

(2)

لهذا الرجل بما لم تَبْخَعْ به العرب

(3)

، ونحن أعزُّهم وأجمعُهم دارًا. فقال له بشر: لا والله لا أقبل ما خرجَ من رأسك أبدًا، فضرب بشرٌ ناقتَه وهو مُوَلِّي الأُسْقُفَّ ظَهْرَهُ، وارتجز يقول:

إليْكَ تعدُو قَلِقًا وضينُها

(4)

مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِها جَنينُها

مُخَالِفًا دِينَ النَّصارَى دِينُها

حتى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ولم يزل معه حتى قُتل بعد ذلك.

قال

(5)

: ودخل الوفدُ نَجرانَ، فأتى الراهبَ ليثَ بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته

(6)

فقال له: إن نبيًا بُعث بتهامة، فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه عرض عليهم الملاعنةَ فأَبَوْا، وأن بشرَ بنَ معاوية دفع إليه فأسلم. فقال الراهب: أنزلوني وإلا ألقيتُ نفسي من هذه الصومعة، قال: فأنزلوه، فأخذ معه هدية، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البُردُ الذي يلبسه الخلفاء وقَعْبٌ وعصا، فأقام مدةً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعُ الوَحْيَ، ثم رجع إلى قومه ولم يُقَدَّرْ له الإسلامُ، ووعدَ أنه سيعود، فلم يُقَدَّرْ له حتى توفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

وأن

(7)

الأُسْقُفَّ أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه السيدُ والعاقبُ ووجوهُ قومه، فأقاموا عنده يسمعون ما يُنَزِّلُ الله عليه، وكتب للأُسْقُفّ هذا الكتاب ولأساقِفَة نَجْرانَ بعد

(8)

"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبيّ للأسقفّ أبي الحارث و [كلّ]

(9)

أساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم

(10)

وكلّ ما تحت أيديهم من قليلٍ أو كثير جوار اللهِ ورسوله، لا يُغَيّرُ أسقُفٌّ من أُسْقُفَّتِهِ ولا راهبٌ من رهبانيَّته ولا كاهنٌ من

(1)

في دلائل النبوة: (فضرب).

(2)

بخع له بحقه: أقربه وخضع وتذلل (اللسان: بخع).

(3)

في أ وط: "نجعنا لهذا الرجل بما لا تنجع به العرب".

(4)

الوضين: حزام السرج (اللسان: وضن).

(5)

أي البيهقي في دلائل النبوة (5/ 390) وانظر تفصيل الخبر فيه.

(6)

في ط: (فأتى الراهب بن أبي شمر الزبيدي وهو في صومعته) وما أثبته عن الدلائل.

(7)

دلائل النبوة (5/ 391).

(8)

ليس اللفظ في الدلائل.

(9)

زيادة من دلائل النبوة.

(10)

في دلائل النبوة: "بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي صلى الله عليه وسلم للأسقف أبي الحارث وكل أساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وبيعهم وأهل بيعهم ورقيقهم وملتهم ومتواطئهم وعلى كل ما تحت أيديهم .. ".

ص: 30

كهانته ولا يغيّر من حقوقهم ولا سلطانهم ولا مما

(1)

كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبدًا، ما أصلحوا ونصحوا عليه غير مُثْقَلين

(2)

بظلمٍ ولا ظالمين" وكتب المغيرة بن شعبة.

وذكر محمد بن إسحاق

(3)

أن وفد نصارى نجران كانوا ستين راكبًا، يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم، وهم العاقب واسمه عبد المسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة، وأوس، والحارث

(4)

، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبَيْه، وخُويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويُحَنَّس، وأمر هؤلاء الأربعة عشر يؤول إلى ثلاثة منهم، وهم العاقب، وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، والسيد وكان ثِمالَهم

(5)

وصاحب رحلهم، وأبو حارثة بن علقمة، وكان أسقفهم وحبرهم، وكان رجلًا من العرب من بكر بن وائل، ولكن دخل في دين النصرانية، فعظّمته الروم وشرّفوه، وبنوا له الكنائس، ومَوَّلوه، وأخدموه لما يعرفون من صلابته في دينهم، وكان مع ذلك يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن صده الشرف والجاه من اتّباع الحق.

وقال يونس بن بُكير

(6)

، عن ابن إسحاق: حدّثني بُرَيْدة بن سفيان، عن ابن البَيْلَماني، عن كُرْز بن

(7)

علقمة، قال: قدم وفدُ نصارى نَجْران ستون راكبًا منهم أربعة وعشرون رجلًا من أشرافهم، والأربعة والعشرون منهم ثلاثة نفر، إليهم يؤول أمرهم، العاقب، والسيد، وأبو حارثة أحدُ بني بكر بن وائل، أسقُمُّهم وصاحبُ مِدْراسهم

(8)

، وكانوا قد شرَّفوه فيه ومَوَّلوه وأكرموه

(9)

، وبسطوا عليه الكرامات، وبنوا له الكنائس؛ لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما توجَّهوا من نجران جلسَ أبو حارثة على بَغْلةٍ له، وإلى جنبه أخٌ له يقال له كُرْزُ بن عَلْقَمة يُسايره، إذ عثرت بغلةُ أبي حارثة فقال كُرْز: تعس الأبعدُ -يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم-. فقال له أبو حارثة: بل أنت تَعِسْتَ. فقال له كُرْزٌ: ولمَ يا أخي؟ فقال: والله إنه للنَّبيُّ الذي كنا ننتظره. فقال له كُرْزُ: وما يمنعُكَ وأنت تعلم هذا. فقال له:

(1)

في الأصول (ما) وما هنا عن الدلائل.

(2)

في أ "منقلبين".

(3)

سيرة ابن هشام (1/ 573 - 575).

(4)

في أ وط: "وأوس بن الحارث". وأثبتنا ما في سيرة ابن هشام. لأنه بهذا يصير عددهم أربعة عشر رجلًا كما ذكر في أول الخبر.

(5)

الثمال بالكسر: الملجأ والغياث، وقيل: هو المطعم في الشدة (النهاية: ثمل).

(6)

دلائل النبوة (5/ 382 - 383).

(7)

في الإصابة (3/ 292): "كرز ويقال: كرز بن علقمة البكري النجراني" ثم ذكر صاحب الإصابة الخلافات في اسمه.

(8)

في الأصول (مدارسهم) تحريف.

(9)

في أ: (وأخدموا).

ص: 31

ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرَّفونا وموَّلونا وأخدمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. قال: فأضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم بعد ذلك.

وذكر ابن إسحاق

(1)

أنهم لما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمُّلٍ وثيابٍ حسانٍ، وقد حانت صلاة العصر، فقاموا يصلّون إلى المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوهم". فكان المتكلم لهم أبا حارثة بن علقمة والسيد والعاقب، حتى نزل فيهم صَدْرُ

(2)

سورة آل عمران والمباهلة، فأبوا ذلك، وسألوا أن يرسل معهم أمينًا، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، كما تقدم في رواية البخاري.

وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسير سورة آل عمران

(3)

. ولله الحمد والمنة.

‌وَفْدُ بني عامِرٍ وقِصَّةُ عامِرِ بن الطُّفَيْلِ وأَرْبدَ بن قَيْسٍ

(4)

قال ابن إسحاق

(5)

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأرْبَدُ بن قيس بن جَزء بن جعفر بن خالد

(6)

، وجَبّار

(7)

بن سُلْمي

(8)

بن مالك بن جعفر، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساءَ القوم وشياطينهم، وقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد الغدرَ به، وقد قال له قومه: يا عامر، إن الناس قد أسلموا، فأسْلِمْ. قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبعَ العرب عَقِبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأرْبد: إنْ قدمنا على الرجل فإني سأشْغَلُ عنك وجهَه، فإذا فعلتُ ذلك فاعْلُهُ بالسيف، فلما قدموا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال عامر بن الطُّفَيْل: يا محمد، خالِّني

(9)

. قال: "لا والله حتى تؤمنَ بالله وحدَه" قال: يا محمد، خالِّني. قال: وجعل يُكَلِّمُهُ وينتظر من أرْبَدَ ما كان أمرَهُ به، فجعل أرْبَدُ لا يُحير شيئًا، فلما رأى عامر ما يصنعُ أرْبد قال: يا محمد، خالني، قال:"لا، حتى تؤمنَ بالله وحدَه لا شريكَ له". فلما أبى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله

(1)

سيرة ابن هشام (1/ 574 - 584).

(2)

في ط: (صدر من).

(3)

انظر تفسير ابن كثير (2/ 3 - 46).

(4)

في أ وط مقيس، وأثبتنا ما في جمهرة أنساب العرب (285) وسيرة ابن هشام (4/ 233) ودلائل النبوة (5/ 318).

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 567 - 569) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 310).

(6)

في جمهرة الأنساب: "بن جزء بن خالد بن جعفر".

(7)

في أ ودلائل النبوة "حيّان" وأثبتنا ما في الإصابة (1/ 219) وط.

(8)

بضم السين وقيل بفتحها. الإصابة (1/ 219).

(9)

خالني: من رواه -بتخفيف اللام- فمعناه تفرّضدْ لي خاليًا حتى أتحدث معك. ومن رواه خالّني -بتشديد اللام- فمعناه: اتخذني خليلًا وصاحبًا من المخالّة وهي الصداقة (شرح السيرة النبوية لأبي ذر الخشني - مصورة دار الكتب العلمية عن طبعة بولس برونلة).

ص: 32

لأملأنَّها عليكَ خيلًا ورجالًا. فلما ولَّي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفني عامر بن الطُّفيل". فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل لأرْبد: أين ما كنتُ أمرتُكَ به؟ والله ما كانَ على ظهر الأرضِ رجلٌ أخوفَ على نفسي

(1)

منك، وايمُ اللهِ لا أخافك بعدَ اليوم أبدًا. قال: لا أبالك لا تَعْجَلْ عليّ، واللهِ ما هَمَمْتُ بالذي أمرتني به

(2)

إلا دخلتَ بيني وبين الرجل، حتى ما أرى غيرك أفأضْرِبكَ بالسَّيف؟. وخَرجوا راجعين إلى بلادهم حتَّى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله عز وجل على عامر بن الطُّفَيْل الطاعونَ في عُنُقه، فقَتَلَهُ اللهُ في بيت امرأةٍ من بني سَلُول، فجعل يقول: يا بني عامر أغُدَّة كغدةِ البَكْر في بيت امرأة من بني سلول

(3)

؟!

قال ابن هشام

(4)

. ويقال أغدةً كغدة الإبل، وموتًا في

(5)

بيت سلولية.

وروى الحافظ البيهقي

(6)

من طريق الزبير بن بكار، حدّثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مَوَلَة

(7)

عن أبيها، عن جدِّها مَوَلَة بن جميل قال: أتى عامرُ بن الطُّفيل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "يا عامر أسْلِمْ". فقال: أُسلمُ على أنّ لي الوبَر، ولك المدرَ، قال:"لا". ثم قال [يا عامر]

(8)

أسلم. فقال: أسلمُ علي أن لي الوبرَ، ولك المدرَ. قال: لا، فولّى، وهو يقولُ: والله يا محمدُ لأملأنَّها عليكَ خيلًا جُرْدًا ورجالًا مُردًا، ولأربطنَّ بكل نخلة فرسًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ اكفني عامرًا وأهْدِ قومَه. فخرج حتى إذا كان بظهرِ المدينة صادفَ امرأةً من قومه يقال لها: سَلولية، فنزل عن فرسه، ونام في بيتها، فأخذته غدّةٌ في حلقه، فوثب على فرسه وأخذ رمحه، وأقبل يجولُ وهو يقول: غُدّة كغُدَّة البَكْر وموتٌ في بيت سَلولية، فلم تَزَلْ تلك حاله حتى سَقَطَ عن فرسه ميتًا.

وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب

(9)

في أسماء الصحابة مَوَلَة هذا فقال: هو مَوَلة بن

(1)

في سيرة ابن هشام ودلائل النبوة: "أخوف عندي على نفسي".

(2)

في سيرة ابن هشام ودلائل النبوة: "بالذي أمرتني به من أمره".

(3)

المثل في معجم الأمثال العربية (بعر - بيت - سلل - غدد - موت)، ومصادره فيه: مجمع الأمثال (2/ 57)، وجمهرة الأمثال (1/ 9) و (2/ 10 - 13) وأمثال القاسم (261) وفصل المقال (374)، والمستقصى (1/ 258) واللسان (غدد).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 569).

(5)

في أ وط "وموتٌ" وأثبتنا ما في سيرة ابن هشام.

(6)

دلائل النبوة (5/ 321).

(7)

في دلائل النبوة "مؤمّل" وأثبتنا ما في أ واسم أبيه في دلائل النبوة: "جميل" وفي الإصابة (30/ 468): (موله) بفتحتين ابن كنيف بن حمل بن خالد بن عمرو بن الضباب بن كلاب الكلابي.

(8)

الزيادة من دلائل النبوة.

(9)

الاستيعاب (4/ 1487) والزيادة عنه.

ص: 33

كُثَيف الضِّبابي الكِلابيّ العامري، من بني عامر بن صعصعة، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ عشرين سنة، فأسلم، وعاش في الإسلام مئة سنة، وكان [فصيحًا] يُدْعى ذا اللسانين من فصاحته، روى عنه ابنُه عبد العزيز [بن مَوَلة]، وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل: غُدّة [كغُدَّةِ] البَعير ومَوْتٌ في بيت سَلوليّة.

قال الزبير بن بكار: حدّثتني ظَمْياء بنت عبد العزيز بن مَوَلة بن كُثَيْف بن حَمَل

(1)

بن خالد بن عمرو بن معاوية، وهو الضِّباب بن كِلاب بن رَبيعة بن عامر بن صَعْصَعَة، قالت: حدّثني أبي، عن أبيه مَوَلة، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وهو ابن عشرين سنة، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح يَمينَه، وساقَ إبلَه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدقها بنتَ لَبونٍ، ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وعاش في الإسلام مئةَ سنة، وكان يسمى ذا اللسانين من فصاحته)

(2)

.

قلت: والظاهر أن قصة عامر بن الطُّفَيْل متقدِّمةٌ على الفتح، وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكراها بعد الفتح، وذلك لما رواه الحافظ البيهقي

(3)

، عن الحاكم، عن الأصم، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا معاوية بن عمرو، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، في قصة بئر معونة، (وقتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال أنس بن مالك، وغدرِه بأصحاب بئر معونة)

(4)

حتى قُتلوا عن آخرهم سوى عمرو بن أمية، كما تقدم

(5)

، قال الأوزاعيُّ: قال يحيى: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على عامر بن الطُّفَيْل ثلاثين صباحًا: "اللهمّ اكْفني عامرَ بن الطُّفَيْل بما شئتَ، وابعثْ عليه ما يقتلُه"

(6)

فبعث الله عليه الطاعون.

ورُوي

(7)

عن همَّام، عن إسحاق بنِ عبد الله، عن أنس في قصة [حرام] بن ملحان قال: وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخيّركَ بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل، ويكون لي أهل المَدَر

(8)

، وأكون خيلفتَكَ من بعدكَ، أو أغزوكَ بغَطَفان بألفِ أشقرَ وألفِ شَقْراء، قال: فطُعن في بيتِ امرأة، فقال: غدة كغدة البَكْر

(9)

وموت في بيت امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي، فركب فمات على ظهر فرسه.

(1)

في الأصول: (حميل) وأثبت رواية الاستيعاب لأنه ينقل عنه.

(2)

لم يرد ما بين القوسين في الاستيعاب.

(3)

دلائل النبوة (5/ 320).

(4)

ما بين القوسين ساقط من أ.

(5)

أي كما تقدم عند البيهقي في دلائل النبوة (3/ 338) وما بعدها.

(6)

هكذا في أ وط وفي دلائل النبوة (5/ 320)"داءّ يقتله".

(7)

صحيح البخاري (4091) ودلائل النبوة (5/ 320).

(8)

في أ وط: "الوبر"، وما هنا من صحيح البخاري ودلائل النبوة، وهو الصواب.

(9)

ط: (البعير).

ص: 34

قال ابن إسحاق

(1)

: ثم خرج أصحابه حين وارَوْه

(2)

حتَّى قَدِموا أرضَ بني عامرٍ شاتِيْن، فلما قَدِموا أتاهم قومُهم: فقالوا: وما وراءَكَ يا أرْبَد؟ قال: لا شيءَ، واللهِ لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن، فأَرْمِيَه بالنَّبْل حتى أقتلَه الآن، فخرج بعدَ مقالته بيوم أو يومين معه جملٌ له يبيعة

(3)

فأرسل الله عليه وعلى جملِه صاعقةً فأحرقتهما.

قال ابن إسحاق

(4)

: وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمّه، فقال لبيدٌ يبكي أرْبَدَ:[من المنسرح]

ما إن تُعَرِّي

(5)

المَنُونُ مِنْ أَحَدِ

لا والِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلَدِ

أخْشَى عَلى أرْبَدَ الحُتُوفَ ولا

أرْهبُ نَوءَ السِّمَاكِ والأسَدِ

(6)

فَعيْنِ

(7)

هَلَّا بَكَيْت أرْبَدَ إذْ

قُمْنَا وَقَامَ النسَاءُ في كَبَدِ

إنْ يَشْغَبُوا لا يُبَالِ شَغْبَهُمُ

أوْ يَقْصِدُوا في الحُكُومِ يَقْتَصِدِ

(8)

حُلْوٌ أريبٌ وفي حَلاوَتِهِ

مُرّ لطيف

(9)

الاحْشَاءِ وَالكبِدِ

وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْ

ألوَتْ رِياحُ الشِّتَاءَ بالعَضَدِ

(10)

وأصْبَحتْ لاقِحًا مُصَرَّمةً

حين تجلَّت

(11)

غَوابِرُ المُدَدِ

(12)

أشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غابةٍ لَحِمٍ

ذُو نَهمةٍ في العُلا وَمُنْتَقَدِ

(13)

لا تَبْلُغُ

(14)

العَيْنُ كُلَّ نَهْمتها

لَيْلَةَ تُمْسي الجيادُ كالقِدَدِ

(15)

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 269).

(2)

في ط: (رأوه).

(3)

في السيرة: (يتبعه).

(4)

سيرة ابن هشام (4/ 235) وشرح ديوان لبيد (158 - 162).

(5)

تعري: يقول: لا تدعه عاريًا من المصائب (شرح الديوان 158) وفي ابن هشام: "تعدّي" أي تترك.

(6)

قال شارح الديوان: "كنت أخشى عليه كل سبب من أسباب المنية، ولم أكن أفرق عليه صاعقة".

(7)

في ديوانه (يا عين).

(8)

قال الشارح: "الشغب ها هنا: القتال. يقتصدوا: يأخذوا القصد".

(9)

ط: (لصيق) وما أثبته عن أ ويوافق ما في الديوان.

(10)

في شرح الديوان: "ألوت: ذهبت به وطارت. العضد: الشجر اليابس ويقال المقطوع".

(11)

في الديوان: (فأصبحت

حين تقضَّتْ .. ) وفي السيرة (حتى تحلت .. ).

(12)

يشبه الحرب بالناقة التي لقحت فشالت بذنبها. قال الشارح: "هذه الحرب قد هاجت فشالوا فيها بالرماح والسيوف كما تشول اللاقح بذنبها تري الفحل أنها حامل. الغوابر: الباقية. المدد: الغايات، واحدتها مدة".

(13)

هذا البيت ساقط من شرح الديوان ..

(14)

في الديوان: (لن يُبْلغ العينَ .. ).

(15)

قال الشارح: "يقول: لا يحرص ولا يشره ولا يمنع حقًا. يقول: لم يبلغ عيني منه كل ما تريد أن تنظر إليه من سرور في هذه الليلة التي هذه حالها. وتمسي الجياد كالقدد، أي ضامرة من شدة السير والإتعاب. والقدد: السيور".

ص: 35

البَاعِثُ النَّوْحَ في مَآتمِهِ

مِثْلَ الظِّبا الأبْكارِ بالجَرَدِ

(1)

فَجَّعَنِي البَرْقُ وَالصَّواعِق

(2)

بالـ

ــفارس يَوْمَ الكَرِيهَةِ النُّجُدِ

(3)

والحَارَبِ الجَابرِ الحَريبَ إذا

جاءَ نَكيبًا وإنْ يَعُدْ يَعُدِ

(4)

يَعْفُو على الجَهْدِ والسُّؤالِ كَمَا

يَنْبُتُ غَيْثُ الرَّبيع

(5)

ذُو الرَّصَدِ

(6)

كُلُّ بَني حَرَّةٍ مَصِيرُهُمُ

قُلٌّ وإنْ كَثُرُوا

(7)

مِنَ العَدَدِ

إن يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وإِنْ أَمِروا

(8)

يوْمًا فَهُمْ لِلْهَلاكِ والنَّفَدِ

(9)

وقد روى ابن إسحاق عن لبيد أشعارًا كثيرة في رثاء أخيه لأمه أرْبَد بن قيس، تركناها اختصارًا واكتفاءً بما أوردناه، والله الموفق للصواب.

قال ابن هشام

(10)

: وذكر زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: فأنزل الله عز وجل في عامر وأرْبَد: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 8 - 11]

(11)

. يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أربد وقتله فقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 11 - 13].

قلت: وقد تَكَلَّمْنا على هذه الآيات الكريمات في سورة "الرعد"

(12)

. ولله الحمد والمنة.

(1)

الجرد: الأرض المستوية وجمعها: أجراد (شرح الديوان).

(2)

في الديوان: (الرعد والصواعق).

(3)

النجد: البطل ذو النجدة (شرح الديوان).

(4)

الحارب: من يحرب الأموال. الجابر: الذي يجبر من قد حُرب ماله. نكيب: مصاب. يقول: إذا جاء الحريب نكيبًا أي منكوبًا وإن بعد الحريب للسؤال يعد له أربد بالعطاء. (شرح الديوان).

(5)

في شرح الديوان: (كما أنزل صوب الربيع ذي الرصد).

(6)

يعفو: يكثر، ومنه قوله تعالى:{حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95]. أي: كثروا. الصوب: المطر. الرصد: المطر يكون أول الزمان (شرح الديوان).

(7)

في الديوان والسيرة: ( .. وإن كثرت

).

(8)

أمِروا: كثروا.

(9)

في شرح الديوان: (يومًا يصيروا للهُلْكِ والنَّكَدِ). ومعنى أمروا في شرح الديوان: كثروا.

(10)

سيرة ابن هشام (2/ 571 - 573).

(11)

وتتمة الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} .

(12)

انظر تفسير ابن كثير (4/ 357 - 367).

ص: 36

وقد وقع لنا إسناد ما علَّقه ابن هشام رحمه الله، فروينا من طريق (الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في "معجمه الكبير"

(1)

، حيث قال: حدّثنا مسعدة بن سعد)

(2)

العطار، حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي

(3)

، حدّثني عبد العزيز بن عمران، حدّثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم، عن أبيهما، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن أرْبَد بن قيس بن جَزْء بن خالد بن جعفر بن كلاب

(4)

وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطُّفيل: يا محمد ما تجعل لي إن أسلمتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم". قال: عامر: أتجعل لي الأمرَ إن أسلمتُ من بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنَّةُ الخيل". قال: أنا الآن في أعنَّةِ خيل نجدٍ، اجعل لي الوبر ولك المدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا"، فلما قفل من عنده، قال عامر: أما والله لأملأنّها عليك خيلًا ورجالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يمنعك اللهُ". فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: يا أربد أنا أشغلُ عنك محمدًا بالحديث، فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلتَ محمدًا لم يزيدوا على أن يرضَوْا بالدّية ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الديةَ، قال أربد: أفعلُ. فأقبلا راجعين إليه، فقال عامر: يا محمد، قم معي أكلمك

(5)

فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلّيا إلى الجدار، ووقف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكَلمه، وسَلَّ أربدُ السَّيف، فلما وضعَ يدَه على السيف يبستْ يدُه على قائمِ السيف فلم يَسْتَطِعْ سَلَّ السيف، فأبطأ أرْبَدُ على عامر بالضَّرب، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أرْبَد وما يصنع، فانصرف عنهما، فلما خرج أربدُ وعامر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانا بالحرَّة حرَّة واقم

(6)

نزلا، فخرج إليهما سعد بن معاذ وأُسيد بن الحضير فقالا: اشخصا يا عدوي الله لعنكما الله، فقال عامر: من هذا يا سعد؟ قال: أُسيد بن حضير الكتائب، فخرجا حتى إذا كانا بالرَّقَم

(7)

أرسل الله على أَرْبَد صاعقةً فقتلته، وخرج عامر حتى إذا كان بالحرة

(8)

أرسل الله قرحة فأخذته، فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول: غدة كغدة الجمل في بيت سلولية، يرغب [عن] أن يموت في بيتها. ثم ركب فرسه

(1)

المعجم الكبير للطبراني (10/ 379 - 381)، وإسناده ضعيف.

(2)

ما بين القوسين ساقط من أ.

(3)

ط: (الحزاتي).

(4)

جمهرة أنساب العرب 285.

(5)

في أ: " قم معي أحملك".

(6)

حرة واقم: إحدى حرتي المدينة، وهي الشرقية، سميت برجل من العماليق اسمه واقم. (معجم البلدان).

(7)

الرَّقَم: موضع بالمدينة تنسب إليه الرقميات، وفي كتاب نصر: الرقم جبال دون مكة بديار غطفان (معجم البلدان).

(8)

في "مجمع الزوائد"(7/ 42) بالخريم.

ص: 37

فأحضرها

(1)

حتى مات عليها راجعًا، فأنزل الله فيهما:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} إلى قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أرْبَد وما قتله به، فقال:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الآية [الرعد: 8 - 13].

وفي هذا السياق دلالة على ما تقدم [من] قصة عامر وأربد، وذلك لذكر سعد بن معاذ فيه. والله أعلم.

وقد تقدم وفود الطفيل بن عامر الدّوسي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وإسلامه، وكيف جعل الله له نورًا بين عينيه، ثم سأل الله فحوَّله له إلى طرفِ سَوْطه، وبَسَطْنا ذلك هنالك، فلا حاجةَ إلى إعادته ها هنا كما صنعَ البَيْهقي وغيره.

‌قُدوم ضِمام

(2)

بن ثَعْلَبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدًا عَنْ قومه بني سَعْد بن بَكْرٍ

(3)

قال ابن إسحاق

(4)

: حدّثني محمَّد بن الوليد بن نُوَيْفع، عن كُرَيْبٍ، عن ابن عبّاس. قال: بعثت

(5)

بنو سعد بن بكر ضِمامَ بن ثعلبةَ وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إليْه

(6)

وأناخَ بعيرَه على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في أصحابه، وكان ضِمامٌ رجلًا جَلْدًا أشعرَ ذا غَديرَتَيْنِ، فأقبل حتى وقفَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: أيكُّم ابنُ عبدِ المطَّلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا ابنُ عبد المطلب"، فقال: يا محمد، قال: نعم. قال: يا بنَ عبد المطلب، إني سائِلُكَ ومُغَلِّظ عليك في المسألة، فلا تَجِدَنَّ في نفسك. قال:"لا أجدُ في نفسي، فَسَلْ عما بدا لك". فقال: أنشُدُك الله

(7)

إلهك وإلهَ منْ كَانَ قبلَكَ وإلهَ مَنْ هو كائن بَعْدَكَ، الله بَعَثَكَ إلينا رسولًا؟ قال:"اللهم نعم" قال: فأنشُدُكَ اللهَ إلهَكَ وإلهَ من كانَ قبلَك وإلهَ منْ هو كائنٌ بعدَكَ، الله أمَرَكَ أنْ تَأمُرَنا أن نعبدَه وحده، ولا نشركَ به شيئًا، وأن نخلعَ هذه الأندادَ التي كانَ آباؤُنَا يَعْبدون؟ قال:"اللهم نعم" قال: فأنشُدُك اللهَ إلهَكَ وإله منْ كان قَبْلَكَ وإلهَ منْ هو كائنٌ بعدَكَ، اللهُ أمركَ أن نُصلِّي هذه الصَّلواتِ الخَمْسَ؟ قال:"نعم" قال: ثم جعلَ يذكر فرائضَ الإسلام فريضةً فريضة، الزكاةَ، والصِّيامَ، والحجَّ، وشرائعَ

(1)

الاحضار: ارتفاع الفرس في عدوه (اللسان: حضر).

(2)

الإصابة (2/ 211).

(3)

ط: (وافدًا على قومه).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 573 - 575).

(5)

ط: (بعث).

(6)

في السيرة النبوية (عليه).

(7)

ليس لفظ الجلالة في ط.

ص: 38

الإسلام كلها، ينشُدُهُ عند كل فريضةٍ منها، كما ينشده في التي قبلَها، حتى إذا فرغَ قال: فإنّي أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، وسأؤدِّي هذه الفرائض، وأجتنبُ ما نهيتَني عنه، ثم لا أزيدُ ولا أنقُصُ. ثم انصرفَ إلى بعيره راجعًا. قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن صَدَقَ ذو العَقِيصَتَيْنِ دخلَ الجنة". قال: فأتى بعيره، فأطْلَق عِقَالة، ثم خرجَ حتى قدم، على قومه، فاجتمعوا إليه فكان أولَ ما تكلَّمَ أنّ قالَ: بئسَتِ اللاتُ والعُزّى. فقالوا: مَهْ يا ضِمام، اتَّقِ البَرَصَ، اتّقَ الجُذامَ، اتّقِ الجُنونَ. فقال: ويلَكُم، إنّهما واللهِ لا يَضُران ولا يَنْفَعان، إن الله قد بعثَ رسولًا، وأنزلَ عليه كتابًا استنقَذكُمْ به مما كنتم فيه، وإنّي أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وقد جئتكُم من عنده بما أمَركُمْ به وما نَهاكُمْ عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا. قال: يقول ابن عباس فما سَمِعْنا بوافدِ قوم كانَ أفضلَ من ضِمام بن ثعلبة.

وهكذا رواه الإمام أحمد

(1)

، عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق فذكره.

وقد روى هذا الحديث أبو داود

(2)

من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن سلمة بن كُهيل، ومحمد بن الوليد بن نُويفع، عن كُريب، عن ابن عباس بنحوه.

وفي هذا السياق ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح، لأن العُزّى خَرَّبَها خالدُ بن الوليد أيام الفتح!

وقد قال الواقدي

(3)

: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة، عن شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِرٍ، عن كُريب، عن ابن عباس. قال: بعثَتْ بنو سَعْدِ بن بَكْرِ في رجب سنة خمس ضِمام بن ثعلبة، وكان جَلْدًا أشعر ذا غدِيرتين، وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأغلظ في المسألة، سأله عمن أرسله، وبمَ أرسله، وسأله عن شرائع الإسلام، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كلِّه، فرجع إلى قومه مسلمًا قد خلع الأنداد، فأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مسلمًا، وبنوا المساجدَ وأذّنوا بالصلاةِ.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا سليمان -يعني ابن المغيرة-، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كنا نُهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يُعْجبنا أن يجيء الرجلُ من أهل البادية العاقلُ يسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنَّكَ تزعمُ أنّ الله أرسلَكَ. قال:"صدق". قال: فمن خلقَ السماوات؟ قال: "الله". قال: فمن

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 264 - 265) وهو حديث حسن.

(2)

أبو داود رقم (487)، وهو حديث حسن.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 299) عن الواقدي.

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 143).

ص: 39

خلق الأرض، قال:"الله" قال: فمن نصبَ هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال:"الله". قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال، آللهُ أرسلَك؟ قال:"نعم"، قال: وَزَعم رسولُكَ أنَّ علينا خمسَ صلواتٍ في يومنا وليلتنا. قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولُك أنّ علينا زكاةً في أموالنا. قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعمَ رسولُكَ أنَّ علينا صوم شهر في سنتنا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا حَجَّ البيت منِ استطاعَ إليه سبيلًا. قال: "صدق" قال: ثم وَلَّى، فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئًا، ولا أنقصُ منهن

(1)

شيئًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن صدق ليدخُلنَّ الجنةَ".

وهذا الحديث مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، وغيرهما بأسانيد وألفاظ كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

وقد رواه مسلم من حديث أبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، وعَلَّقه البخاري من طريقا

(2)

.

وأخرجه من وجه آخر بنحوه؛ فقال الإمام أحمد

(3)

: حدّثنا حجاج، حدّثنا ليث، حدّثني سعيد بن أبي سعيد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نِمر، أنّه سمعَ أنس بن مالك يقول: بينا

(4)

نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسًا في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد

(5)

ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم. قال: فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال الرجل: يا بن عبد المطلب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك" فقال الرجل: يا محمد، إني سائلك فمشتد

(6)

عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك. فقال:"سل ما بدا لك". فقال الرجل: أسألك

(7)

بربِّك وربِّ منْ كان قبلك، آللهُ أرسلكَ إلى الناس كلِّهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم نعم" قال: فأنشدك الله، آللهُ أمرك أن (نصلِّي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله آلله أمرك أن)

(8)

نصوم هذا الشهر من السنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم" (قال: أنشدك الله، آلله أمرك أن

(1)

في الأصول: (عليهن) وما أثبته عن المسند.

(2)

رواه مسلم رقم (12)(10) والبخاري من طريق سليمان بن المغيرة معلقًا عقب الحديث (63).

(3)

مسند الإمام أحمد (3/ 168).

(4)

في المسند "بينما" وفي ط: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس).

(5)

في المسند: "أيكم محمد رسول الله؟ ".

(6)

في المسند: "فمشدّد".

(7)

في المسند: "نشدتك".

(8)

ما بين القوسين ساقط من أ وط.

ص: 40

تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم")

(1)

قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول مَنْ ورائي مِنْ قومي، وأنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.

وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن الليث بن سعد، عن سعيد المقبري به، وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، عن الليث به

(2)

.

والعجب أن النسائي رواه من طريق آخر، عن الليث قال: حدّثني ابن عجلان وغيره من أصحابنا، عن سعيد المقبري، عن شريك، عن أنس بن مالك فذكره. وقد رواه النسائي أيضًا من حديث عبيد الله العمري، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة

(3)

. فلعله عن سعيد المقبري من الوجهين جميعًا.

‌فصل

وقد قدمنا ما رواه الإمام أحمد، عن يحيى بن آدم، عن حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في قدوم ضِمَاد

(4)

الأزدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبلَ الهجرةِ، وإسلامِه، وإسلامِ قومه كما ذكرناه مبسوطًا بما أغنى عن إعادته ها هنا ولله الحمد والمنة.

‌وَفْدُ طَيِّئٍ مع زَيْدٍ الخَيْل

(5)

رضي الله عنه

قال ابن إسحاق

(6)

: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيِّئ، وفيهم زيد الخيل، وهو سيدهم، فلما انتهَوْا إليه كلَّموه، وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا، فحسُنَ إسلامُهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما -حدّثني من لا أتَّهِمُ من رجال طيّئ-: "ما ذكر [لي] رجلٌ من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيتُه دونَ ما يقال فيه إلا زيد الخيل، فإنه لم يُبْلَغ كل الذي

(7)

فيه".

ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقطع له فيد

(8)

وأرَضين معه، وكتب له بذلك، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنْ يَنْجُ زيدٌ من حُمّى المدينة فإنَّه" قالَ: وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمٍ غير الحمى وغير أُمِّ مِلْدَم -لم يُثبته- قال: فلما انتهى من بلد نجد إلى ماءٍ

(1)

ما بين القوسين ساقط من أ وط.

(2)

رواه البخاري رقم (63) وأبو داود رقم (486) والنسائي (4/ 121 - 122) وابن ماجه رقم (1402).

(3)

رواه النسائي (4/ 122 - 123) و (4/ 123 - 124).

(4)

تبصير المنتبه 857.

(5)

الإصابة (1/ 572).

(6)

سيرة ابن هاشم (2/ 577 - 578) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 321) والاستدراك منهما.

(7)

في سيرة ابن هشام: "لم يبلغ كل ما فيه".

(8)

فيد: موضع قريب من جبلي أجأ وسلمى جبلي طيئ: (معجم البلدان) ومعجم ما استعجم (3/ 1033).

ص: 41

من مياهه يقال له فردة

(1)

أصابته الحمى فمات بها، ولما أحسَّ بالموت قال:[الطويل]

أمُرْتَحِلٌ قَوْمي المَشارِقَ غُدْوةً

وأُتْرَكُ في بَيْتٍ بفَرْدَةَ مُنْجِدِ

ألا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادني

عَوائِدُ مَنْ لمْ يُبْرَ مِنْهُنَّ يَجْهَدِ

قال: ولما مات عمدت امرأته بجهلها وقلة عقلها ودينها إلى ما كان معه من الكتب

(2)

فحرقتها بالنار.

قلت: وقد ثبت في الصحيح

(3)

عن أبي سعيد، أن علي بن أبي طالب بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذُهَيْبَةٍ في تُرْبتها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة: زيد الخيل، وعلقمة بن عُلاثَة، والأقرع بن حابس، وعيينة

(4)

بن بدر

الحديث.

وسيأتي ذكره في بعث علي إلى اليمن إن شاء الله تعالى.

‌قصة عديّ بن حاتم الطائي

قال البخاري

(5)

في "الصحيح": وفد طيِّئ وحديث عديّ بن حاتم، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا عبد الملك بن عُمير، عن عمرو بن حُرَيث، عن عديّ بن حاتم. قال: أتينا عمر بن الخطاب في وفدٍ، فجعل يدعو رجلًا رجلًا ويُسَمِّيهم. فقلت: أما تعرفُني يا أمير المؤمنين؟ قال بلى أسلمتَ إذ كفروا، وأقبلتَ إذ أدبروا، ووفَيتَ إذ غدروا، وعرفتَ إذ أنكروا. فقال عدي: فلا أبالي إذًا.

وقال ابن إسحاق

(6)

: وأما عدي بن حاتم فكان يقول -فيما بلغني- ما [من]

(7)

رجل من العرب كان أشدَّ كراهيةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني. أما أنا فكنت امرأً شريفًا، وكنت نصرانيًا، وكنت أسيرُ في قومي بالمِرْباع

(8)

، وكنت في نفسي على دِين، وكنت ملكًا في قومي لما كان يصنع بي، فلما سمعتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهتُه، فقلت لغلام كان لي عربيّ، وكان راعيًا لإبلي: لا أبا لك، أعْدِدْ لي من إبلي

(1)

فردة: ماء بحرم في ديار طيّئ، هناك قبر زيد الخيل (معجم البلدان).

(2)

في سيرة ابن هشام "من كتبه التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها".

(3)

صحيح البخاري (3344). وصحيح مسلم كتاب الزكاة رقم (143) ورقم (144)(1064) ".

(4)

ط: (وعتبة بن بدر) وهو تحريف انظر الصحيحين مصدري المؤلف.

(5)

صحيح البخاري رقم (4394). وانظر طبقات ابن سعد (1/ 322 - 323).

(6)

سيرة ابن هشام (2/ 578 - 581).

(7)

الزيادة من سيرة ابن هشام.

(8)

المرباع: ما يأخذه الرئيس، وهو ربع الغنيمة (اللسان: ربع).

ص: 42

أجمالًا ذُللًا سِمانًا، فاحْتَبِسْها قريبًا مني، فإذا سمعتَ بجيشٍ لمحمدٍ قد وَطِئَ هذه البلاد، فآذِنّي، ففعل، ثم إنه أتاني ذاتَ غداةٍ فقال: يا عديُّ، ما كنتَ صانعًا إذا غَشِيثْكَ خَيْلُ محمد، فاصنعَهْ الآن، فإني قد رأيتُ راياتٍ، فسألتُ عنها فقالوا: هذه جيوشُ محمد. قال: قلت: فقرِّب إليَّ أجمالي، فقرَّبها، فاحتملتُ بأهلي وولدي، ثم قلتُ: ألحقُ بأهلِ ديني من النصارى بالشام، فسلكتُ الجُوْشيَّة

(1)

، وخلَّفتُ بنتًا لحاتم في الحاضر، فلما قدمت الشامَ أقمتُ بها، وتُخَالفُني خيلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتُصيبُ ابنةَ حاتمٍ فيما أصابت، فقُدِم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طَيِّئٍ، وقد بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هَرَبي إلى الشام. قال: فجُعلَتِ ابنةُ حاتمٍ في حَظِيرةٍ ببابِ المَسْجِدِ كانَتِ السّبايا تُحْبسُ بها، فمرَّ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأةً جَزْلةً، فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، هَلَكَ الوالدُ، وغابَ الوافِدُ، فامْنُنْ عليَّ، منَّ اللهُ عليكَ، قال:"ومَنْ وافِدُك"؟ قالت: عديُّ بن حاتم. قال: "الفارُّ من الله ورسوله؟ " قالَتْ: ثمَّ مَضَىَ وتَرَكَني، حتَّى إذا كانَ الغَدُ مرَّ بي، فقلتُ له مثلَ ذلك، وقال لي مثلَ ما قالَ بالأمسِ، قالت: حتَّى إذا كانَ بعدَ الغدِ مرَّ بي، وقد يئستُ، فأشار إليّ رجلٌ خلفَهُ أنْ قومي فَكَلِّميه، قالت: فقُمْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله، هَلَكَ الوالدُ، وغابَ الوافدُ، فامنُنْ عَلَيَّ منَّ اللهُ عليكَ. فقال صلى الله عليه وسلم:"فد فَعَلْتُ، فلا تَعْجَلي بخروجٍ حتى تجدي من قومك مَن يكونُ لك ثقةً، حتى يُبلِّغَكَ إلى بلادِك، ثم آذنيني." فسألتُ عن الرجلِ الذي أشار إليَّ أن كَلِّميه، فقيل لي: علي بن أبي طالب، قالت: فَأَقَمْتُ حتى قَدِمَ ركبٌ من بَلِيّ أو قُضاعةَ، وإنما أُريد أن آتيَ أخي بالشام، فجئتُ فقلتُ: يا رسولَ الله، قد قدم رَهْطٌ من قومي، لي فيهم ثقةٌ وبلاغٌ، قالت: فكساني وحَمَلني وأعطاني نفقةً، فخرجتُ معهم، حتّى قَدِمْتُ الشامَ. قال عديٌّ: فوالله إنّي لقاعدٌ في أهلي، فنظرت إلى ظَعينة تُصوِّبُ إلى قومِنا، قال: فقلت: ابنةُ حاتم! قال: فإذا هي هي، فلما وقفتْ عليَّ استحلّت

(2)

تقول: القاطعُ الظالمُ، احتملتَ بأهلكَ وولدكَ، وتركتَ بقيةَ والدك عورتَك؟ قال: قلت: أيْ أُخيَّة، لا تقولي إلا خيرًا، فوالله ما لي من عذرٍ، لقد صنعتُ ما ذكرتِ. قال: ثم نزلتْ فأقامت عندي، فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحقَ به سريعًا، فإن يكن الرجلُ نبيًا فللسابق إليه فضلُه، وإن يكنْ مَلِكًا فلن تَذِلَّ في عزِّ اليمن وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا للرأي. قال: فخرجتُ حتى أقدَمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فدخلتُ عله وهو في مسجده، فسلمتُ عليه، فقال:"مَن الرجلُ؟ " فقلت: عديٌّ بن حاتم، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وانطلقَ بي إلى بيته، فواللهِ إنه لعامدٌ بي إليه، إذ لقيتْهُ امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقفْته، فوقفَ لها طويلًا تُكَلِّمُه في حاجتها، قال: قلتُ

(1)

الجوشية: موضع بين نجد والشام، عليها سلك عدي بن حاتم حين قصد الشام هاربًا من خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وطئت بلاد طيئ (معجم البلدان).

(2)

في سيرة ابن هشام: "انسحلت" أي لامت وسخطت.

ص: 43

في نفسي: والله ما هذا بملِكٍ، قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخلَ بيتَه تناول وسادةً من أدمٍ محشوةً ليفًا، فقذفها إليَّ فقال:"اجلسْ على هذه"، قال: قلتُ: بل أنتَ فاجلسْ عليها، قال:"بل أنتَ"، فجلستُ وجلَس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض، قال: قلتُ في نفسي: والله ما هذا بأمر ملكٍ، ثم قال: "إيه يا عديَّ بنَ حاتم، ألم تك رَكُوسيًا

(1)

قال: قلت: بلى، قال:"أو لم تكن تسير في قومك بالمِرْباعِ" قال: قلت: بلى. قال: "فإنَّ ذلك لم يكن يحلّ لك في دينك" قال: قلتُ: أجل والله! قال: وعرفتُ أنّه نبيٌّ مرسلٌ، يعلمُ ما يُجْهَل. ثم قال:"لَعلَّك يا عديُّ إنما يَمْنَعُكَ من دخولٍ في هذا الدِّين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشِكَنَّ المالُ أن يفيضَ فيهم، حتى لا يوجد من يأخذه. ولعلك إنما يَمْنَعُكَ من دخولٍ فيه ما تَرى من كَثْرَة عدوِّهم وقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فوالله ليُوشكنَّ أن تسمع بالمرأةِ تخرجُ من القادسيّة على بعيرها، حتى تزورَ هذا البيتَ، لا تخافُ. ولعلَّكَ إنما يَمْنَعُكَ من دخولٍ فيه، أنَّك تَرى أن المُلكَ والسُّلطان في غيرهم، وايمُ الله ليُوشكنَّ أن تسمعَ بالقصورِ البيضِ من أرضِ بابلَ قد فُتحت عليهم".

قال: فأسلمتُ. قال: فكان عديٌّ يقول: مضَت اثنتان، وبَقيَتِ الثَّالِثَةُ، والله لتُكُونَنَّ، وقد رأيتُ القصورَ البيضَ من أرضِ بابلٍ قد فُتحتْ، ورأيتُ المرأةَ تخرجُ من القادسية على بعيرها لا تخافُ حتى تحجَّ هذا البيتَ، وايم الله لتكونَّنَ الثالثة، ليفيضنَّ المال، حتّى لا يوجد من يأخذه.

هكذا أوردَ ابنُ إسحاق رحمه الله هذا السياقَ بلا إسنادٍ، وله شواهدُ من وجوهٍ أخرَ.

وقال الإمامُ أحمد

(2)

: حدّثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعتُ سِمَاك بن حرب، سمعت عبّاد ابن حُبش يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب

(3)

، فأخذوا عمتي وناسًا، فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصُفُّوا له. قالت: يا رسول الله نأي

(4)

الوافد، وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة، ما بي من خدمة، فمُنَّ عليّ، منّ الله عليك. فقال:"من وافدك؟ " قالت: عدي بن حاتم، قال:"الذي فرّ من الله ورسوله" قالت: فمَنّ علي. فلما رجع ورجل إلى جنبه -ترى أنه علي- قال: سليه حُملانا، قال: فسألته، فأمر لها. قال عدي: فأتتني فقالت: لقد فعلت فَعلة ما كان أبوك يفعلها، وقالت: ائته راغبًا أو راهبًا، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال: فأتيته، فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، فذكر قُربهم منه، فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا

(1)

الركوسية: قوم لهم دين بين النصارى والصابئين (اللسان: ركس).

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 378)، وهو حديث حسن.

(3)

عقرب: قال ياقوت: عقرباء بلفظ العقرب من الحشرات ذات السموم، والألف الممدودة فيه لتأنيث البقعة .. ثم قال: وهي كورة من كور دمشق كان ينزلها ملوك غسان.

(4)

في ط: بان.

ص: 44

قيصر، فقال له:"يا عدي بن حاتم ما أفرَّك؟ أفرَّك أن يقال لا إله إلا الله فهل من إله إلا الله! ما أفرَّك؟ أَفَرَّكَ أن يُقال: الله أكبر. فهل شيءٌ هو أكبر من الله عز وجل! " فأسلمتُ، فرأيتُ وجهَه استبشرَ، وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، وإنّ الضالِّين النصارى. قال: ثم سألوه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فلكم أيها الناس أن ترضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤٌ بصاع، ببعض صاعٍ، بقَبضةٍ، ببعض قُبضة. قال شعبة: -وأكثرُ علمي أن قال: "بتمرة، بشق تمرة"- وإنّ أحدكم لاقي اللهِ فقائل ما أقول: ألم أجعلْكَ سميعًا بصيرًا، ألم أجعلْ لكَ مالًا وولدًا. فماذا قدَّمْتَ؟ فينظرُ من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئًا، فما يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوه فبكلمة لينة، إني لا أخشى عليكم الفاقة، لينصرنكم الله وليعطينكم، أو ليفتحنَّ عليكم، حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب، أو أكثر ما تخاف السرَق على ظعينتها.

وقد رواه الترمذي

(1)

من حديث شعبة وعمرو بن أبي قيس، كلاهما عن سماك، ثم قال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك.

وقال الإمام أحمد

(2)

أيضًا: حدّثنا يزيد، أنبأنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة -هو ابن حذيفةَ- عن رجل، قال: قلت لعدي بن حاتم: حديث بلغني عنك أحب أن أسمعه منك. قال: نعم. لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كرهت خروجَه كراهيةً شديدةً، فخرجت حتى وقعت ناحية الروم -وفي رواية حتى قدمت على قيصر- قال: فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه، قال: قلت: والله لو أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذبًا لم يضرّني، وإن كان صادقًا علمت، قال: فقدمت، فأتيته، فلما قدمت قال الناس: عدي بن حاتم؟ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا عديّ بن حاتم، أسْلِمْ تَسْلَمْ، ثلاثًا. قال: قلت إنّي على دِينٍ. قال: أنا أعلمُ بدينكَ منكَ" فقلت: أنت أعلمُ

(3)

بديني مني! قال: "نعم ألست من الرَّكوسية، وأنت تأكلُ مِرْباعَ قومك؟ " قلت: بلى. قال: هذا لا يحلّ لكَ في دينك" قال: نعم. فلم يَعْدُ أن قالها، فتواضعتُ لها، قال: "أما إنّي أعلمُ الذي يمنعُك من الإسلام، تقول: إنما اتَّبعه ضعَفَةُ النّاس، ومن لا قُوَّة لهُ

(4)

، وقد رمتهم العربُ. أتعرفُ الحيرةَ؟ " قلت: لم أرها، وقد سمعت بها. قال:"فوالذي نفسي بيده ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمر، حتى تخرجَ الظعينةُ من الحيرة، حتى تطوفَ بالبيتِ في غَيْرِ جوار أحدٍ، وليفتحنَّ كنوزَ كِسْرى بن هُرْمُز"

(1)

جامع الترمذي في التفسير رقم (2953 - 2954)، وهو حديث حسن بشواهده.

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 257)، وإسناده حسن.

(3)

ط: (تعلم). وما أثبته عن المسند.

(4)

ط: (لهم) وما هنا عن المسند.

ص: 45

قال: قلت: كنوز

(1)

ابن هُرْمُز!. قال: "نعم كسرى بن هرمز، وَلَيُبْذَلَنَّ المالُ حتّى لا يقبلَه أحدٌ. قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة: تخرج

(2)

من الحيرة، تطوفُ بالبيتِ، في غيرِ جِوار، ولقد كنتُ فيمن فتح كنوزَ كِسْرى، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.

ثم قال أحمد

(3)

: حدّثنا يونس بن محمد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل، وقال حماد: وهشام

(4)

، عن محمد، عن أبي عبيدة، ولم يذكُرْ عن رجلٍ، قال: كنتُ أسألُ النّاسَ عن حديث عديِّ بن حاتم، وهو إلى جنبي ولا أسأله، قال: فأتيته فسألته، فقال: نعم

فذكر الحديث.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي

(5)

: أنبأنا أبو عمرو الأديب، أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي، أخبرني الحسن بن سفيان، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا النضر بن شُميل، أنبأنا إسرائيل، أنبأنا سعد الطائي، أنبأنا مُحِلُّ

(6)

بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجلٌ فشكَى إليه الفاقةَ، وأتاهُ آخرُ فشكى إليه قطعَ السبيل. قال:"يا عدي بن حاتم، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أُنْبئتُ عنها". قال: "فإن طالت بكَ حياةٌ لترينَّ (الظعينةَ ترتحلُ من الحيرةِ حتى تطوفَ بالكعبة، لا تخافُ أحدًا إلا الله عز وجل" قال: قلت في نفسي

(7)

: فأين دُعّارُ

(8)

طيئ الذين سعّروا

(9)

البلاد "ولئن طالت بك حياة، لتُفتحن كنوز كسرى بن هرمز" قلت: كسرى بن هرمز! قال: كسرى بن هرمز. "ولئن طالت بك حياة"

(10)

لترين الرجل يخرجُ بملء كفّه من ذهبٍ أو فضةٍ، يطلب من يقبلُه منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، ولَيَلْقين اللهَ أحدُكم يومَ يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم". قال عدي: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتّقوا النارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فإن لم تجد

(11)

شِقَّ تمرةٍ فبكلمةٍ طيبةٍ". قال عدي: فقد رأيتُ الظعينةَ ترتحلُ من

(1)

في المسند: (كسرى).

(2)

ط: (تأتي) وما أثبته عن المسند.

(3)

مسند الإمام أحمد (4/ 258 و 379)، وإسناده حسن.

(4)

في المسند (حماد عن هشام).

(5)

دلائل النبوة (5/ 343).

(6)

تهذيب التهذيب (10/ 60).

(7)

في دلائل النبوة: "فيما بيني وبين نفسي".

(8)

في الأصول: (ذعار)، وهي جمع داعر والمقصود قُطَّاع الطريق (فتح الباري 6/ 613).

(9)

سَعَّروا أي أوقدوأ نار الفتنة (فتح الباري 6/ 613).

(10)

ما بين القوسين ساقط من أ.

(11)

ط: (فإن لم تجدوا).

ص: 46

الكوفة حتى تطوفَ بالبيتِ لا تخافُ إلا الله عز وجل، وكنت فيمن افتتحَ كنوزَ كسرى بن هُرْمُز، ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه البخاري

(1)

، عن محمد بن الحكم، عن النضر بن شميل به بطوله. وقد رواه من وجه آخر، عن سعدان بن بشر، عن سعد أبي مُجاهد الطائي، عن مُحِلّ بن خليفة، عن عدي به

(2)

. ورواه الإمام أحمد

(3)

والنسائي

(4)

من حديث شعبة، عن سعد أبي مجاهد الطائي به.

وممن روى هذه القصة عن عدي عامر بن شرحبيل الشعبي فذكر نحوه. وقال: لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها.

وثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة، وعند مسلم

(5)

من حديث زهير بن معاوية، كلاهما عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مَعْقِل

(6)

بن مُقَرِّن المُزَني، عن عدي بن حاتم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشِقِّ تَمْرةٍ" ولفظ مسلم "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشِقّ تَمْرَةٍ فليفعل": طريق أخرى فيها شاهد لما تقدم.

وقد قال الحافظ البيهقي

(7)

: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف، حدّثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، حدّثنا ضرار بن صُرد

(8)

، حدّثنا عاصم بن حُمَيْد، عن أبي حمزة الثُّمَالي

(9)

، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كُمَيل بن زياد النَّخَعي قال: قال عليُّ بن أبي طالب: يا سبحانَ الله، ما أزهدَ كثيرًا من الناس في خيرٍ، عجبًا لرجل يجيئُه أخوه المُسلمُ في الحاجة، فلا يرى نفسه للخير أهلًا، فلو كانَ لا يرجو ثوابًا ولا يخشى عقابًا، لكان ينبغي له أن يُسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدُلُّ على سُبُلِ

(10)

النّجاحِ. فقام إليه رجلٌ فقال: فِداكَ أبي وأمي يا أمير المؤمنينِ سَمِعْتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وما هو خيرٌ منه. لمَّا أُتي بسبايا طييِّء وقفتْ جارية حمراءُ لَعْساءُ ذَلْفاءُ عَيْطاءُ شَمّاءُ الأنف، معتدلةُ القامة والهامة، دَرْماء الكعبين، خَدْلَة

(1)

صحيح البخاري رقم (3595).

(2)

رواه البخاري رقم (1413).

(3)

مسند الإمام أحمد (4/ 256).

(4)

سنن النسائي في الزكاة (5/ 74).

(5)

رواه البخاري رقم (14117) ومسلم رقم (1016).

(6)

تهذيب التهذيب (6/ 40).

(7)

دلائل النبوة (5/ 341) وفي الأصول: أبو بكر بن محمد.

(8)

تهذيب التهذيب (4/ 456).

(9)

تهذيب التهذيب (3/ 7 و 12/ 78)، والأنساب (3/ 141).

(10)

ط: (سبيل).

ص: 47

الساقين

(1)

، لَفَّاء الفَخِذَيْن، خَميصةُ الخَصْرين، ضامِرَة الكَشْحَيْن، مَصْقُولة المَتْنَيْن. قال: فلما رأيتُها أُعجبتُ بها، وقلتُ لأطلبنَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلُها في فيئي، فلما تكلمت أُنسيتُ جمالها من فصاحَتِها

(2)

، فقالت: يا محمد، إن رأيتَ أن تُخلِّي عَنّا ولا تُشْمِت بنا أحياءَ العرب، فإنّي ابنةُ سيدِ قومي، وإن أبي كانَ يحمي الذِّمارَ، ويفكُّ العاني، ويُشبعُ الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يردَّ طالب حاجةٍ قطّ، أنا ابنة حاتم طيِّئ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جاريةُ، هذه صفةُ المؤمنين حقًّا، لو كان أبوك مُسلمًا لترحّمنا عليه، خَلُّوا عنها، فإنّ أباها كان يُحبُّ مكارِمَ الأخلاق، واللهُ يحبُّ مكارمَ الأخلاق". فقام أبو بُرْدَة بن نِيَار

(3)

فقال: يا رسولَ الله

(4)

! الله يحبُّ مكارمَ الأخلاق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يدخل أحدٌ الجنةَ إلا بحسن الخلق".

هذا حديثٌ حسنُ المتن، غريب الإسناد جدًا، عزيز المخرج.

وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيِّئ أيام الجاهلية، عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها، وما كان يُسْديه حاتمٌ إلى الناس من المكارم والإحسان، إلّا أنَّ نفعَ ذلك في الآخرة مَعْذوقٌ بالإيمان

(5)

وهو ممن لم يقل يومًا من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

وقد زعم الواقدي

(6)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيئ، فجاء معه بسبايا فيهم أختُ عديّ بن حاتم، وجاءَ معه بسيفين كانا في بيت الصَّنَم، يقال لأحدهما:"الرَّسُوب"

(7)

والآخر "المِخْذَم"

(8)

كان الحارث بن أبي شِمْر، قد نَذَرهما لذلك الصنم.

(1)

لَعْساء: من اللعس، وهو سواد اللثة والشفة، وقيل سوادٌ يعلو شفة المرأة البيضاء، وقيل هو سواد في حمرة (اللسان: لعس).

ذَلْفاء: من الذلف، وهو قصر الأنف وصغره (اللسان: ذلف).

عَيْطاء: طويلة العنق في اعتدال (اللسان: عيط).

دَرْماء الكعبين: لا تستبين كعوبها ولا مرافقها. وكل ما غطاه اللحم والشحم وخفي حجمه فقد درم. (اللسان: درم).

خَدْلَةُ الساقين: الغليظة الساق المستديرتها. وفى مختصر ابن عساكر: "خدلَّجة الساقين" وهي الرَّيّاء الممتلئة الذراعين والساقين. (اللسان: خدلج).

(2)

في دلائل النبوة ومختصر تاريخ ابن عساكر: "لما رأيت من فصاحتها".

(3)

تهذيب التهذيب (12/ 19) وفيه أنّ اسمه هانئ بن نيار.

(4)

ليس اللفظ في م. وابتدأت العبارة فيه بـ "تحب".

(5)

معذوق: أي موسوم به، ومعذوق الإيمان: أي معلَّق به كما في النهاية في غريب الحديث (عذق).

(6)

المغازي (3/ 984 - 989)، والطبري (3/ 111).

(7)

انظر القاموس المحيط (رسب).

(8)

انظر القاموس المحيط (خذم).

ص: 48

قال البخاري

(1)

رحمه الله:

‌قصة دَوْس والطُّفَيْل بن عمرو [الدَّوْسي]

حدّثنا أبو نُعيم، حدّثنا سُفيان، عن ابن ذكوان -هو عبد الله أبو الزِّنادِ

(2)

-، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن دوسًا قد هلكت، عصت وأبت

(3)

. فادع الله عليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد دوسًا وائتِ بهم".

انفرد به البخاري من هذا الوجه.

ثم قال

(4)

: حدّثنا محمد بن العلاء، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا إسماعيل، عن قيس، عن أبي هريرة قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق: [من الطويل]

يا لَيْلَةً مِنْ طُولها وَعنائِها

على أنّها مِنْ دَارَةِ الْكُفْر نَجَّتِ

وأَبَقَ لي غلامٌ في الطّريق، فلما قِدمْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طَلَع الغُلامُ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا هُرَيْرة، هذا غُلامُك". فقلت: هُوَ حُرٌّ لوجه الله عز وجل، فأعتقتُه.

انفرد به البخاري من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم.

وهذا الذي ذكره البخاري من قُدوم الطُّفيل بن عمرو، فقد كان قبل الهجرة، ثم إنْ قُدِّر قدومُه بعد الهجرة فقد كان قبل الفتح، لأن دَوسًا قدموا ومعهم أبو هريرة، وكان قدومُ أبي هريرة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم محاصِرٌ خَيْبَر، ثم ارتحلَ أبو هريرة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ بعدَ الفتح، فرضخ لهم شيئًا من الغنيمة. وقد قدَّمنا ذلك كله مُطوَّلًا في مواضعه.

وقال البخاري

(5)

رحمه الله:

قُدومُ الأَشْعَرِيِّين وَأَهْلِ اليَمَنِ

ثم رَوَي

(6)

من حديثِ شعبةَ، عن سليمانَ بن مِهْرانَ الأعْمَش، عن ذَكْوان أبي صالح السَّمّان، عن

(1)

صحيح البخاري رقم (4392) والزيادة منه.

(2)

ط: (بن زياد) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (14/ 476).

(3)

في أ وط: "قد هلكت وعصت وأبت" وقد أثبتنا ما في صحيح البخاري.

(4)

رواه البخاري رقم (4393).

(5)

صحيح البخاري (5/ 218).

(6)

صحيح البخاري، رقم (4388).

ص: 49

أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"أتاكُمْ أهلُ اليَمَن هم أرقُّ أفئدةً وألْيَنُ قُلوبًا، الإيمانُ يَمانٍ، والحكمةُ يمانيةٌ، والفَخْرُ والخُيلاءُ في أصحاب الإبل، والسَّكينةُ والوقارُ في أهل الغَنَم".

ورواه مسلم

(1)

من حديث شعبة، ثم رواه البخاري

(2)

، عن أبي اليَمان، عن شعيبٍ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال:"أتاكُمْ أهلُ اليَمَن، أضعفُ قلوبًا وأرقّ أفئدة، الفِقْهُ يَمانٍ، والحِكْمَةُ يَمانيةٌ".

ثم روي

(3)

عن إسماعيل، عن سليمان، عن ثور، عن أبي الغيث

(4)

، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمانُ يمانٍ، والفتنةُ ها هنا، ها هنا يطلعُ قرنُ الشَّيطان".

ورواه مسلم

(5)

، عن شعيب، عن الزُّهْري، عن سعيد بن المُسيّبِ، عن أبي هريرة.

ثم روى البخاري

(6)

من حديث شعبة، عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي مسعود أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمانُ ها هنا، وأشار بيده إلى اليمن، والجفاءُ وغلظُ القلوب في الفَدَّادين

(7)

عند أصول أذناب الإبل، من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعةَ ومضر".

وهكذا رواه البخاري أيضًا ومسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو

(8)

.

ثم روي

(9)

من حديث سفيان الثوري، عن أبي صخرة جامع بن شداد، حدّثنا صفوان بن مُحْرِزٍ، عن عمران بن حُصين، قال: جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبشروا يا بني تميم" فقالوا: أمّا إذا بشرتنا فأعطنا. فتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ناس من أهل اليمن، فقال:"اقْبَلوا البُشْرى إذ لم يَقْبَلْها بنو تميم" فقالوا: قَبلنا يا رسولَ الله.

(1)

صحيح مسلم رقم (52) في الإيمان.

(2)

رقم (4390).

(3)

البخاري (4389).

(4)

ط: (المغيث) تحريف. انظر تهذيب الكمال (10/ 179).

(5)

مسلم رقم (52)(89).

(6)

البخاري (4387).

(7)

الفدّادين - إذا شدَّدتها فهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم، واحدهم فدّاد، وقيل هم المكثرون من الإبل، وقيل هم الجمّالون والحمّارون والرعيان. وإذا خففتها فواحدها فدّان مشدد وهي البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وغلظة (النهاية في غريب الحديث والأثر)(فدد).

(8)

رواه البخاري رقم (3302) ومسلم (51).

(9)

رواه البخاري رقم (4386).

ص: 50

وقد رواه الترمذي

(1)

والنسائي

(2)

من حديث الثوري به.

وهذا كله مما يدلّ على فضل وفودِ أهل اليمن، وليس فيه تعرُّضٌ لوقتِ وفودهم. ووفد بني تميم، وإن كان متأخرًا قدومهُم لا يلزم من هذا أن يكون مقارنًا لقدوم الأشعريين، بل الأشعريون متقدمٌ وفدهم على هذا، فإنهم قدموا صحبة أبي موسى الأشعري، في صحبة جعفر بن أبي طالب وأصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة، وذلك كله حين فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، كما قدمناه مبسوطًا في موضعه. وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم:"والله ما أدري بأيهما أُسرُّ أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر"

(3)

والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال البخاري

(4)

:

‌قصَّةُ عُمان والبحرين

حدّثنا قُتيبةُ بن سعيد، حدّثنا سُفيان، سمع محمد بن المُنْكَدر، سمع جابر بن عبد الله يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قد جاء مالُ البَحْرين لقد أعطيتُك هكذا وهكذا

(5)

" ثلاثًا، فلم يقدَم مالُ البحرين حتى قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمَ على أبي بكر أمرَ مناديًا فنادى: منْ كانَ له عند النبي صلى الله عليه وسلم دينٌ أو عِدَةٌ فليأتني. قال جابر: فجئتُ أبا بكر فأخبرتُه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو قد جاء مال البحرين أعطيتُكَ هكذا وهكذا ثلاثًا". قال: فأعطاني

(6)

قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك، فسألته، فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تُعْطيني وإمّا أنْ تَبْخَلَ عَنّي. قال: أقلتَ: تبخل عني؟ قال: وأيُّ داءٍ أدوأُ من البُخْل! قالها ثلاثًا: ما منعتك من مرةٍ إلا وأنا أريدُ أن أعطيَكَ.

هكذا رواهُ البخاري ها هنا وقد رواه مسلم

(7)

عن عمرو الناقد، عن سُفيان بن عُيينة به. ثم قال البخاري

(8)

بعده: وعن عمرو، عن محمد بن علي، سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: جئتُه فقال لي أبو بكر: عُدّها. فعددتُها، فوجدتُها خمس مئة. فقال: خُذْ مثلها مَرّتين. وقد رواه البخاري

(9)

أيضًا،

(1)

جامع الترمذي رقم (3951) في المناقب، وهو حديث صحيح.

(2)

لم نجده عند النسائي بهذا اللفظ، لا في الصغرى، ولا في الكبرى.

(3)

رواه الطبراني في الكبير (22/ 244)، وهو حديث حسن.

(4)

صحيح البخاري رقم (4383).

(5)

بعد هذا اللفظ في ط: (وهكذا).

(6)

ط: (فأعرض عنّي).

(7)

صحيح مسلم رقم (2314) في كتاب الفضائل.

(8)

صحيح البخاري رقم (4383).

(9)

صحيح البخاري رقم (2696).

ص: 51

عن عليّ بن المديني، عن سُفيان -هو ابن عيينة-، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي أبي جعفر الباقر، عن جابر كروايته له عن قُتيبة. ورواه أيضًا هو ومسلم من طرق أُخر، عن سُفيان بن عيينة، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر بنحوه

(1)

وفي رواية أخرى له

(2)

أنه أمره فحثى بيديه من دراهم فعدَّها فإذا هي خمسمائة فأضعَفَها له مرتين، يعني فكان جملة ما أعطاه ألفًا وخمس مئة درهم.

‌وُفُودُ فَرْوَةَ بنِ مُسَيْكٍ

(3)

المُرَاديّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

-

قال ابن إسحاق

(4)

: وقدمَ فَرْوةُ بن مُسَيْكٍ المُراديُّ، مُفارقًا لمُلوك كِنْدَةَ ومُباعِدًا لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان بينَ قومه مُرادٍ وبينَ هَمْدان وقعةٌ قُبيلَ الإِسلام، أصابت هَمْدان من قومه حتى أثخنوهم، وكان ذلك في يوم يقال له الرَّدْم، وكان الذي قاد هَمْدان إليهم الأجدع بن مالك.

قال ابن هشام: ويقال مالك بن حَرِيْمٍ

(5)

الهَمْداني.

قال ابن إسحاق

(6)

: فقال فروة بن مُسَيْك في ذلك اليوم: [الوافر]

مَرَرْنَ عَلى لُفاتَ

(7)

وهُنَّ خُوصٌ

يَنَازِعْنَ الأعِنَّةَ يَنْتَحينَا

(8)

فَإنْ نَغْلِبْ فَغلَّابُونَ

(9)

قِدْمًا

وإنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا

ومَا إن طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ

مَنَايَانا وطُعْمَةُ آخَرِينا

(10)

كَذَاكَ الدّهْرُ دوْلَتُهُ سِجَالٌ

تَكِرُّ صُرُوفُهُ

(11)

حِينًا فَحِينًا

فَبَيْنا ما نُسَرُّ بِهِ ونَرْضَى

وَلَوْ لُبِسَتْ غضَارَتُهُ سِنينا

إذا انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ

فأَلْفَى في الأُلى غُبِطُوا طَحِينَا

(12)

(1)

رواه البخاري رقم (2696) ومسلم (2314).

(2)

رواه البخاري رقم (3137).

(3)

الإصابة (3/ 205).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 581) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 327).

(5)

القاموس المحيط: (حرم) وأورد أبو ذر الخشني في شرح السيرة وجهًا آخر وهو خُريم (شرح السيرة 441).

(6)

سيرة ابن هشام (2/ 581) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 327).

(7)

في معجم البلدان: لُفات اسم موضع من ديار مراد، وأورد الأبيات الأربعة الأولى من هذه القصيدة (لفت) ويبدو أن اللام مثلثة الحركات، انظر شرح أبي ذر الخشني للسيرة النبوية (442).

(8)

خوص: الخوص ضيق العين وصغرها وغؤورها، ورجل أخوص: غائر العين (اللسان: خوص).

(9)

في معجم البلدان (فإن نهزم فهزامون).

(10)

الطب ها هنا العادة (القاموس: طبّ) ورواية معجم البلدان: (فما إن .. منايانا ودولة آخرينا).

(11)

في معجم البلدان: (يكرّ بصرفه .. ).

(12)

في سيرة ابن هشام: (فألفيتَ الأُلى غَبطوا طحينا).

ص: 52

فَمَنْ يُغْبَطْ برَيبِ الدّهرِ مِنْهُمْ

يَجدْ رَيْبَ الزَّمان لَهُ خَؤُونا

فَلَو خَلَدَ المُلُوكُ إذن خَلَدْتا

وَلَوْ بَقي الكِرَامُ إذنْ بَقِينا

فَأَفْنَي ذلِكُمْ سَرَواتِ قَوْمي

كَمَا أفنَي القُرونَ الأَوَّلِينا

قال ابن إسحاق

(1)

ولما توجه فروة بن مُسَيْك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقًا ملوك كندة قال: [من الكامل]

لَمَّا رَأَيْتَ مُلُوكَ كِنْدَةَ أعْرَضَتْ

كَالرِّجْلِ خَانَ الرِّجْلَ عِرْقُ نسَائِها

قرَّبْتُ رَاحِلَتي أؤمُّ مُحمَّدا

أرْجو فواضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرائِها

(2)

قال: فلما انتهى فَروة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فيما بلغني: "يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرَّدْم؟ " فقال: يا رسول الله، من ذا الذي يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الرَّدْم لا يسوؤه ذلك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما إنَّ ذلك لم يزد قومَك في الإسلام إلا خيرًا" واستعمله على مُراد وزُبيد ومَذْحِج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌قُدوم عَمْرو بن مَعْدِ يكَرِب في أُناس من زُبيد

قال ابن إسحاق

(3)

: وقد كان عمرو بن معد يكرب قال لقيس بن مَكْشُوح المُرادي، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيسُ، إنّك سيّدُ قومِكَ، وقد ذُكر لنا أن رجلًا من قُريش يُقال له مُحمَّدٌ قد خرجَ بالحجاز، يُقال إنه نبيٌّ، فانطلقْ بنا إليه حتى نعلَمَ علمَه، فإن كان نبيًا كما يقول، فإنه لن يَخْفى علينا

(4)

، وإذا

(5)

لقيناه اتّبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمَه، فأبى عليه قيس ذلك، وسفَّه رأيَه، فركب عمرُو بن مَعْدِ يكَرِب حتّى قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمَ، وصدَّقه، وآمن به، فلما بلغَ ذلك قيسَ بن مَكْشوح أوعد عَمْرًا وقال: خالَفني وتركَ أمري ورأيي. فقال عمرو بن معد يكرب في ذلك

(6)

: [مجزوء الوافر]

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 582 - 583).

(2)

ورد البيتان في الإصابة (3/ 205) برواية (يمَّمت راحلتي أمام محمد *) في البيت الثاني بالإضافة إلى السيرة النبوية (2/ 307) وشرح أبو ذر الخشني ألفاظهما في شرح السيرة (442 - 443).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 583 - 584) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 328).

(4)

في السيرة: (عليك).

(5)

في الأصول: (إذا) بلا واو استدركتها من السيرة.

(6)

شعر عمرو بن معد يكرب (87 - 89): بالإضافة إلى السيرة النبوية (2/ 583 - 584): وجاء تفسير الأبيات في شرح السيرة لأبي ذر الخشني (443 - 445).

ص: 53

أمْرتُكَ يَومَ ذِي صَنْعَا

ءَ أمْرًا بَادِيًا رَشَدُهْ

أمَرْتُكَ باتِّقَاءِ اللـ

ــــهِ والمعروفِ تتَّعِدُه

(1)

خَرَجْتَ منَ المُنَى مِثْلَ الـ

ــــحُمَيِّرِ غَرَّهُ وَنِدُهُ

(2)

تَمَنَّانِي عَلَى فَرَسٍ

عَلَيْه جَالِسًا أسَدُهُ

عَليَّ مُفَاضَةٌ كالنَّهـ

ــــيِ أخلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهُ

(3)

تَرُدُّ الرُّمْحَ مَنْثَنِيَ الـ

ـــسِنانِ عَوائرًا قِصَدُهُ

(4)

فَلَو لاقَيْتني لَلَقِيـ

ــــتَ ليثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ

تُلاقي شَنْبثًا شَثْنَ الـ

ـــبَراثِنِ ناشزًا كَتَدُهُ

(5)

يُسامي القِرنَ إنْ قِرْنٌ

تَيَمَّمَهُ فَيَعْتَضِدُهُ

(6)

فيَأْخذُهُ فَيَرْفَعُهُ

فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهُ

(7)

فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ

فَيَخْمِضُهُ فَيَزْدَرِدُهُ

(8)

ظَلومُ الشِّرْكِ فيما أحْـ

ــرَزَتْ أنْيَابُهُ وَيَدُهُ

(9)

قال ابن إسحاق

(10)

: فأقام عمرو بن مَعْدِ يكَرِب في قومه من بنيِ زُبيد، وعليهم فَروة بن مُسيك، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدَّ عمرو بن مَعْد يكَرِب في مَن ارتدَّ، وهجا فَرْوةَ بن مُسَيْكٍ، فقال

(11)

[الوافر]

(1)

تتعده: تلتزمه.

(2)

قال محقق الشعر في ص (87) نقلًا عن الميمني: "هذا من المثل: عَيْرٌ عارَه وتِدُه -عاره: أهلكه. وأصل المثل أنّ رجلًا أشفق على حماره فربطه إلى وتد فهجم عليه السبع فلم يمكنه الفرار فأهلكه ما احترس له به".

(3)

المفاضة: الدرع الواسعة. النّهي: بكسر النون وفتحها: الغدير من الماء. الجدد: الأرض الصلبة. شبه الدرع بالغدير في صفائها واطّرادها.

(4)

عوائر: متطايرة. القصد: جمع قِصْدَة، وهي ما تكسّر من الرمح.

(5)

قال محقق الشعر في ص (88) نقلًا عن الخشني: "الشنب: الذي يتعلق بقرنه ولا يزايله. وقوله شئن، أي غليظ الأصابع. والبراثن للسباع بمنزلة الأصابع للإنسان. وناشز: مرتفع. والكند: -بفتح التاء وكسرها- ما بين الكتفين".

(6)

يعتضده: يأخذ تحت عضده ليصرعه.

(7)

يقتصده: يقتله.

(8)

يدمغه: يصيب دماغه. يخضمه: يأكله. يزدرده: يبتلعه.

(9)

وفي شعر عمرو خمسة أبيات أخرى لم يوردها المصنف.

(10)

سيرة ابن هشام (2/ 584 - 585).

(11)

شعر عمرو بن معد يكرب (123) بخلاف في الرواية بالإضافة إلى السيرة (2/ 585) وشرحها عند أبي ذر الخشني (444 - 445).

ص: 54

وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرَّ مُلْكٍ

حمارٌ

(1)

سَافَ منخرُهُ بِثَفْرِ

(2)

وَكُنْتَ إذا رَأَيْتَ أبا عُمَيْرٍ

تَرى الحَوْلاءَ مِنْ خُبثٍ وغَدْرٍ

(3)

قلتُ: ثم رجعَ إلى الإسلام، وحَسُنَ إسلامُه، وشهدَ فتوحاتٍ كثيرةً في أيام الصِّديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وكان من الشجعان المذكورين، والأبطال المشهورين، والشعراء المجيدين. توفي سنة إحدى وعشرين، بعدما شهد فتح نهاوند، وقيل: بل شهد القادسية وقتل يومئذ.

قال أبو عمر بن عبد البر

(4)

: وكان وفودُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسعٍ، وقيل: سنة عشر. فيما ذكره ابن إسحاق والواقديّ. قلت: وفي كلام الشافعيّ ما يدلّ عليه. فالله أعلم.

قال يونس عن ابن إسحاق: وقد قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد قال في ذلك

(5)

: [الخفيف]

إنّني بالنَّبي مُوقِنَةٌ نَفْـ

ـــسي وإنْ لَمْ أرَ النبيّ عِيانَا

سَيّدُ العَالمينَ طُرًا وأَدْنَا

هُمْ إلى الله حينَ بَانَ مَكَانا

جَاءَنا بالنَّامُوسِ منْ لَدُنِ اللـ

ــــه وكانَ الأمينَ فيهِ المُعَانَا

حِكْمةً بَعْدَ حِكْمةٍ وضياءً

فاهْتدَيْنا بِنورِهَا منْ عَمَانَا

ورَكِبْنَا السَّبيلَ حِينَ رَكِبنَا

هُ جَديدًا بكُرْهِنَا وَرِضَانا

(6)

وعَبَدْنا الإلَهَ حَقًا وَكُنَّا

لِلجهَالاتِ نَعْبُدُ الأوثَانَا

وَائتَلَفْنَا بهِ وكُنّا عَدُوًّا

فَرُجِّعْنا بهِ مَعًا إخْوَانا

فَعَلَيْهِ السلامُ والسِّلْم مِنَّا

حَيْثُ كُنَّا منَ البلادِ وكانا

إنْ نَكُنْ لَمْ نَرَ النبيَّ فإنّا

قَدْ تَبِعْنَا سَبيلَهُ إيمَانَا

(7)

(1)

كذا في الأصول. وهو في السيرة وشرحها: (حمارًا) وانظر هامش شعر عمرو ففيها تفصيل أكثر.

(2)

في شعر عمرو: (بقذر).

(3)

رواية البيت في شعر عمرو:

وإنك لو رأيت أبا عمير

ملأتَ يديك من غدر وخترِ

(4)

الاستيعاب (3/ 1202).

(5)

شعر عمرو بن معد يكرب (168 - 169) وبلغت فيه القصيدة ستة عشر بيتًا.

(6)

في شعر عمر: (ورأينا السبيل حين رأيناه).

(7)

بعد هذا البيت في ديوان عمرو (169) سبعة أبيات.

ص: 55

‌قدومُ الأشْعَثِ بنِ قَيْسٍ في وفد كِنْدة

قال ابن إسحاق

(1)

: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعثُ بن قَيْس في وَفْدِ كِنْدة، فحدّثني الزهريُّ أنه قدمَ في ثمانين راكبًا من كِنْدة، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدَه، قد رجَّلوا جُمَمَهم وتَكَحَّلوا، عليهم جُبَب الحِبَرَة

(2)

، قد كفَّفُوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:"ألم تُسْلِموا؟ " قالوا: بلى. قال: "فما بالُ هذا الحرير في أعناقِكُم" قال: فَشَقُّوه منها، فألقوه. ثم قال له الأشعثُ بن قيس: يا رسول الله! نحن بنو آكل المُرار، وأنت ابن آكل المُرار. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ناسِبُوا بهذا النَّسَبِ العباسَ بن عبد المطلب، وربيعةَ بن الحارث" وكانا تاجِرَيْن إذا شاعا

(3)

في العرب فسئلا ممن أنتما؟ قال: نحن بنو آكل المُرار، يعني ينسبان إلى كِنْدة، ليَعِزَّا في تلك البلاد، لأنّ كِنْدة كانوا ملوكًا، فاعتقدَتْ كِنْدة أن قريشًا منهم، لقول عباس وربيعة: نحن بنو آكل المُرار، وهو الحارث بن عمرو (بن حُجْر بن عمرو)

(4)

بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كِنْديّ، ويقال: ابن كِنْدة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: "لا، نحن بنو النَّضْر بن كنانة، لا نَقْفُو أمَّنا، ولا ننتفي من أبينا". فقال لهم الأشعث بن قيس: والله يا معشر كندة لا أسمع رجلًا يقولها إلا ضربته ثمانين.

وقد روي هذا الحديث متصلًا من وجه آخر، فقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا بَهْزٌ وعَفّان، قالا: حدّثنا حماد بن سَلمةَ، حدّثني عَقيل بن طلحة، وقال عَفّان في حديثه: أنبأنا عَقيل بن طلحة السُّلَمي، عن مسلم بن هَيْصَم

(6)

، عن الأشعث بن قيس أنه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في وفد كِنْدة. قال عفان: لا يَرَوْني أفضلَهم، قال: قلت: يا رسول الله، إنا نَزْعُمْ

(7)

أنَّكمْ منّا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن بنو النَّضْر بن كنانة، لا نقفو أمَّنَا، ولا نَنْتَفي من أَبينا" قال: قال الأشعث: فواللهِ لا أسمعُ أحدًا نَفَى قُريشًا من النَّضْرِ بن كِنانة إلا جلدتُه الحدَّ.

وقد رواه ابن ماجه

(8)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. وعن محمد بن يَحْيى، عن سليمان بن حَرْب. وعن هارون بن حيَّان عن عبد العزيز بن المغيرة. ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به نحوه.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 585 - 586) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 328).

(2)

الحِبَرَة: بكسر الحاء وفتحها وفتح الباء ضروب من برود اليمن منَمَّر (اللسان: حبر).

(3)

ط: (إذ شاعا)، وشاعا: بَعُدا، كما في شرح السيرة لأبي ذر الخشني (144).

(4)

ما بين القوسين زيادة من سيرة ابن هشام (2/ 586) وانظر جمهرة الأنساب (427).

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 212)، وإسناده حسن.

(6)

ط: (هيضم) تحريف. انظر تهذيب الكمال (27/ 547).

(7)

في الأصول: (أنا ابن عم) وما أثبته عن المسند.

(8)

سنن ابن ماجه رقم (2612) كتاب الحدود باب من نفى رجلًا من قبيلته، وهو حديث حسن.

ص: 56

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا سُرَيْج بن النُّعمان، حدّثنا هُشَيْم، أنبأنا مُجالد، عن الشعبيّ، حدّثنا الأشْعَثُ بن قيس، قال: قَدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وَفْدِ كِنْدة، فقال لي:"هل لكَ منْ ولدٍ؟ " قلت: غلام وُلد لي في مخرجي إليك من ابنة جَمْدٍ

(2)

، ولوددتُ أنّ مكانَه شَبِعَ القومُ. قال:"لا تقولَنَّ ذلك فإنّ فيهم قُرّةَ عينٍ وأجرًا إذا قُبِضوا ثَمَّ، ولئن قلتُ ذاك إنَّهم لمَجْبَنَة مَحْزَنةٌ، إنهم لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنةٌ".

تفرّد به أحمد، وهو حديث حسن جيّد الإسناد.

‌قُدومُ أعْشَى بني

(3)

مازِنٍ علي النبيِّ صلى الله عليه وسلم

-

قال عبد الله ابن الإمام أحمد

(4)

: حدّثني العباس بن عبد العظيم العَنْبَري، حدّثنا أبو سلمة عُبَيْد بن عبد الرحمن الحنفي، قال: حدّثني الجُنَيْد بن أُمَيْن بن ذِرْوة بن نَضْلةَ بن طَريف بن نهصل

(5)

الحِرْمازي

(6)

، حدّثني أبي أُمَيْنٌ، عن أبيه ذِرْوة، عن أبيه نَضْلَة، أنّ رجلًا منهم يقال له الأعشى، واسمه عبد الله بن

(7)

الأعور كانت عنده امرأةٌ يُقال لها مُعاذةٌ، خرجَ في رجبٍ يَميرُ أهْلَهُ من هَجَر

(8)

فهربَتِ امرأتُه بَعده ناشزًا عليه، فعاذَت برجلٍ منهم يقال له مُطَرِّف بنُ نَهْشَلِ بنِ كَعْب بن قُمَيْثع بن ذُلَفِ بن أهْضَم

(9)

بن عبد الله بن الحِرْماز، فجعلَها خلفَ ظَهْره، فلمّا قَدِم لم يَجِدها في بيته، وأُخْبِرَ أنّها نَشَزَتْ عليه، وأنّها عاذَتْ بمُطَرِّفِ بن نَهْشل، فأتاه، فقال: يا بن عَمِّ، أعندكَ امرأتي مُعاذَة، فادفعها إليَّ. قال: ليست عندي، ولو كانَتْ عندي لم أدْفَعْها إليكَ. قال: وكان مُطَرِّفٌ أعزَّ منه. قال: فخرجَ الأعشى حتى أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعاذَ به، فأنشأ يقول

(10)

: [من الرجز]

يا سَيِّدَ النَّاسِ وَدَيَّانَ العَرَبْ

إليْكَ أشْكُو ذِرْبَةً منَ الذِّرَبْ

(11)

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 211)، أقول: فيه مجالد بن سعيد، ضعيف، ولكن الحديث حسن بطرقه وشواهده.

(2)

هو جَمْد بن وليعة الكندي، انظر المعجم الكبير للطبراني (1/ 207)(647).

(3)

ط: (بن).

(4)

رواه عبد الله بن الإمام أحمد، في زوائد المسند (2/ 202). قال:(حدّثني أبي)، وإسناده ضعيف لجهالة أكثر رواته.

(5)

الإصابة (3/ 556) وفي المسند (بُهْصل الحرمازي).

(6)

الأنساب (4/ 115).

(7)

ليس اللفظ في ط، أ.

(8)

معجم البلدان: هجر.

(9)

في مسند الإمام أحمد "مطرف بن بهصل بن كعب بن قميشع بن دلف بن أهضم" وفي الإصابة: "مطرف بن نهصل".

(10)

الصبح المنير في شعر أبي بصير الأعشى والأعشية الآخرين (287 - 288) باختلاف في الرواية وزيادة في الأبيات.

(11)

الذربة: السليطة اللسان (القاموس: ذرب).

ص: 57

كَالذِّئْبَةِ الغَبْسَاءِ

(1)

في ظِلِّ السَّرَبْ

خَرَجْتُ أبْغِيها الطَّعَامَ في رَجَبْ

فَخَلَّفَتْنِي بِنِزاعٍ وَهَرَبْ

أخْلَفَتِ الوعد

(2)

وَلَطَّتْ بالذَّنَبْ

(3)

وَقَذَفَتْنِي بَيْنَ عِيصٍ مُؤْتَشَبْ

(4)

وهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ

فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "وهن شر غالب لمن غلب". فشكى إليه امرأته وما صنعت به، وأنها عند رجل منهم يقال له مُطَرِّف بن نَهْشَل، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم إلى مُطَرِّف:"انظر امرأة هذا معاذة، فادفعها إليه"، فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقرئ عليه، فقال لها: يا مُعاذة، هذا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيكِ، فأنا دافعكِ إليه، فقالت: خذ لي عليه العهدَ والميثاقَ وذمةَ نَبّيه أن لا يعاقِبَني فيما صَنَعْتُ. فأخذَ لها ذلك عليه، ودفعها مُطَرف إليه، فأنشأ يقول

(5)

[الطويل]:

لعمرُكَ ما حبِّي مُعَاذَةَ بالذَّي

يُغَيرُّهُ الوَاشي ولا قِدَمُ العَهْدِ

وَلا سُوءُ ما جَاءَتْ بِهِ إذ أزَالَهَا

غُواةُ الرِّجَالِ إذْ يُنَاجُونَها بَعْدِي

‌قُدومُ صُرَد

(6)

بن عَبْد الله الأَزْدي في نَفَرٍ من قَوْمِهِ ثم وُفودُ أهل جُرَش

(7)

بعدهم

قال ابن إسحاق

(8)

: وقدم صُرَد بن عبد الله الأزدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفدٍ من الأزد، فأسلم وحَسُنَ إسلامُه، وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهِدَ بمَنْ أسلم مَنْ يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فذهب فحاصر جُرَش وبها قبائل من اليمن، وقد ضَوَت

(9)

إليهم خَثْعَمُ حين سمعوا بمسيره إليهم، فأقام عليهم قريبًا من شهر، فامتنعوا فيها منه، ثم رجعَ عنهم، حتى إذا كان قريبًا من جبل يُقال له شكر

(10)

فظنوا أنّه قد ولّى عنهم مُنْهزمًا، فخرجوا في طلبه، فعطفَ عليهم، فقتلهم قتلًا شديدًا. وقد كان أهل جُرَش بعثوا منهم رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فبينما هما عنده بعدَ

(1)

الغبساء: الرمادية اللون وكل ذئب أغبس. وقيل: الأغبس من الذئاب الخفيف الحريص (اللسان: غبس).

(2)

كذا في أ وط (الوعد): وهي في مسند الإمام أحمد والإصابة والديوان واللسان في مادة لطط: (العهد).

(3)

قال ابن منظور في اللسان بمادة لطط: "والناقة تلط بذنبها إذا ألزقته بفرجها وأدخلته بين فرجيها" ثم أورد هذا البيت وقال في شرحه له: أراد أنها منعته بضعها وموضع حاجته منها كما تلط الناقة بذنبها إذا امتنعت على الفحل أن يضربها وسدت فرجها به. وقيل أراد توارت وأخفت شخصها عنه كما تخفي الناقة فرجها بذنبها".

(4)

المؤتشب: الملتف. والعيص: أصل الشجر (اللسان: أشب).

(5)

الصبح المنير 288.

(6)

الاستيعاب (2/ 737).

(7)

جُرش: مدينة عظيمة باليمن من مخاليف اليمن من جهة مكة (معجم البلدان: جرش).

(8)

سيرة ابن هشام (2/ 587 - 588) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 337 - 338).

(9)

ضوى يضوى ضيًّا وضُويًا: انضم ولجأ وأتى ليلًا (القاموس: ضوى).

(10)

شَكَر: جبل باليمن قريب من جُرش (معجم البلدان: شكر).

ص: 58

العصر إذ قال: "بأيّ بلادِ الله شَكَر؟ " فقام الجُرَشيّان فقالا: يا رسول الله، ببلادنا جبل يقال له كَشَر -وكذلك يسميه

(1)

أهل جرش- فقال: "إنه ليس بكشر، ولكنه شكر" قال: فما شأنه يا رسول الله؟ فقال: "إن بُدْنَ الله لتُنْحَر عنده الآن" قال: فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان، فقال لهما: ويحكما إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن ليَنْعَى إليكُما قومَكُما، فقوما إليه، فاسألاه أن يدعوَ الله فيرفعَ عن قَوْمِكما، فقاما إليه، فسألاه ذلك، فقال:"اللهم ارفع عنهم" فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وحسن إسلامهم، وحمى لهم [حِمىً]

(2)

حول قريتهم.

‌قدُومُ رسول ملوك حِمْيَر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال الواقدي

(3)

: وكان ذلك في رمضان سنة تسع.

قال ابن إسحاق

(4)

: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقْدَمَه من تبوك، وهم الحارث بن عبد كُلال، ونُعيم بن عبد كُلال، والنُّعمان قَيْل

(5)

ذي رُعَين، ومَعَافِر

(6)

، وهَمْدَان، وبعث إليه زُرعة ذو يزن مالكَ بن مرة الرَّهاوي بإسلامهم ومفارقتِهم الشركَ وأهلَه، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(7)

:

"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كُلال ونُعيم بن عبد كُلال والنعمان قَيْلِ ذي رُعَين ومَعَافِر وهَمْدَان، أما بعد ذلكم؛ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإنّه قد وقع بنا رسولُكُم منقلبَنا من أرض الروم، فلقيَنا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبَّرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وإنّ الله قد هداكم بهُداه، إنْ أصلحتم وأطعتم اللهَ ورسولَه، وأقمتُم الصلاةَ، وآتيتُم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خُمُسَ الله، وسهمَ النبي صلى الله عليه وسلم وصفيَّه، وما كُتب على المؤمنين في

(8)

الصدقة من العقار عُشْرُ ما سَقَت العينُ وسَقَت السماءُ، وعلى ما سَقَى الغَرْب

(9)

نصفُ

(1)

في ط: (تسمية).

(2)

الزيادة من سيرة ابن هشام.

(3)

تاريخ الطبري (3/ 120).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 588) وانظر طبقات ابن سعد (1/ 356).

(5)

القيل: الملك أو هو دون الملك، أي يقول ما شاء فينفذ قوله (اللسان: قول).

(6)

مَعَافِر: بالفتح اسم قبيلة من اليمن (معجم البلدان: معافر).

(7)

مجموعة الوثائق السياسية رقم (109) ص (144 - 146).

(8)

في السيرة: (من).

(9)

الغرب: الدلو العظيمة (القاموس: غرب).

ص: 59

العُشْرِ، وإنّ في الإبل في الأربعين ابنةَ لَبون، وفي ثلاثين من الإبل ابنُ لبون ذكر، وفي كلّ خَمْس من الإبل شاةٌ، وفي كل عشرٍ من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرةٌ، وفي كلّ ثلاثين [من البقر]

(1)

تبيعٌ جَذَعٌ أو جَذَعةٌ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وَحْدَها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة. فمن زاد خيرًا فهو خيرٌ له، ومن أدَّى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنّه من المؤمنين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، وله ذمةُ الله وذمةُ رسوله، وإنّه منْ أسلم من يهودي أو نصراني فإنّه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنّه لا يُردُّ عنها، وعليه الجزية على كل حالمٍ ذكر وأنثى، حرّ أو عبد دينارٌ وافٍ من قيمة المَعَافِر

(2)

، أو عِوَضُهُ

(3)

ثيابًا، فمن أدّى ذلك إلى رسول الله فإنّ له ذمةَ الله وذمةَ رسوله، ومن منعه فإنّه عدو لله ولرسوله.

أما بعد فإنّ رسول الله محمدًا النبي أرسل إلى زُرعة ذي يزن أن إذا أتاك رسلي فأُوصيكم بهم خيرًا؛ معاذُ بن جبل، وعبد الله بن زيد، ومالك بن عُبادة، وعُقْبَة بن نَمِر، ومالك بن مُرَّة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مَخَالِيْفِكم، وأبلغوها رسلي، وإنّ أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيًا.

أما بعد فإنّ محمدًا يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنه عبدُه ورسولُه، ثم إن مالك بن مُرّة الرَّهاوي قد حدّثني أنكَ أسلَمْتَ من أوَّلِ حِمْيَر، وقتلتَ المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرًا، ولا تخونوا، ولا تخاذلوا، فإنّ رسولَ اللهِ هو مولى غنيكم وفقيركم، وإنّ الصدقةَ لا تَحِلُّ لمحمد ولا لأهل بيته، وإنما هي زكاة يُزكَّى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإنّ مالكًا قد بلَّغ الخبر وحفظ الغيب، فآمركم به خيرًا، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم، وأولي علمهم، فآمركم بهم خيرًا، فإنهم منظور إليهم. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وقد قال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا حسن، حدّثنا عُمارة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أنّ مَلِك

(5)

ذا يزن أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةً قد أخذها بثلاثةٍ وثلاثين بعيرًا وثلاث وثلاثين ناقةً.

ورواه أبو داود

(6)

عن عمرو بن عون الواسطي، عن عُمارة بن زاذان الصَّيْدلاني، عن ثابت البُناني، عن أنس به.

(1)

الزيادة من سيرة ابن هشام وإعلام السائلين ومجموعة الوثائق السياسية.

(2)

المعافر: ثياب من ثياب اليمن (القاموس: عفر).

(3)

في ط: (عرضه).

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 221)، وإسناده ضعيف، فإن عمارة -وهو ابن زاذان- يروي عن ثابت عن أنس مناكير.

(5)

في أ وط "مالك" وأثبتنا ما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود.

(6)

سنن أبي داود رقم (4034) في كتاب اللباس باب في لبس الصوف الشعر، وإسناده ضعيف.

ص: 60

وقد أورد الحافظ البيهقي

(1)

ها هنا: حديثَ كتاب عمرو بن حزم فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصم، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار، حدّثنا يونس بن بُكير، عن محمد بن إسحاق، حدّثني عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه [أبي] بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، يُفَقِّهُ أهلَها، ويعلّمُهم السُّنَّة، ويأخذ صَدَقاتِهم، فكتب له كتابًا وعهدًا وأمره فيه أمره، فكتب

(2)

:

"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] عهدًا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإنّ الله مع الذين اتقوا

(3)

والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق، كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم في الدين، وأن ينهى الناس، فلا يمسّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهرٌ، وأن يخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرم الظلم ونهى عنه فقال:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [هود: 18 - 19] وأن يبشِّرَ الناسَ بالجنةِ وبعملِها، ويُنْذِرَ النّاسَ النارَ وعملَها، ويستألِفَ الناسَ حتى يَتَفَقَّهوا في الدين، ويعلم الناسَ معالمَ الحجّ وسُنَنَه وفرائِضَه، وما أمر

(4)

الله به، والحج الأكبر الحج، والحج الأصغر العمرة، وأن يَنْهَى الناسَ أن يصلِّي الرجلُ في ثوبٍ واحدٍ صغير إلا أن يكون واسعًا، فيُخالفُ بينَ طَرَفَيْهِ على عاتِقَيْهِ، وينهى أن يحتبي الرَّجُلُ في ثوبٍ واحدٍ، ويُفْضي بفَرْجه إلى السَّماء، ولا يعقص

(5)

شعرَ رأسه إذا عفا

(6)

في قفاه، وينهى الناسَ إن كان بينهم هَيْجٌ أن يدعوا إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريكَ له، فمن لم يَدْعُ إلى الله، ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطِفوا بالسيف، حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغِ الوضوء وجوهَهُم وأيديهم إلى المرافق وأرجلَهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسَهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمامِ الرُّكوع والسجود، وأن يُغلَّس بالصبح، وأن يُهَجَّر بالهاجرة حتى

(7)

تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مبدرة

(8)

، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول

(1)

دلائل النبوة (5/ 413 - 415).

(2)

إعلام السائلين ص (135 - 138) ومجموعة الوثائق السياسية رقم (105، 106، 107) ص (137) وما بعد.

(3)

ط: (اتقوه).

(4)

ط: (وما أمره).

(5)

ط: (ينقض) وما هنا عن السيرة (2/ 515).

(6)

عفا: أي كثر واسترسل (اللسان: عفا).

(7)

في السيرة: (حين).

(8)

في السيرة: (مدبرة).

ص: 61

الليل، [وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها والغسل عند الرواح إليها]

(1)

وأمره أن يأخذ من المغانم خُمُسَ الله ما كُتب على المؤمنين من الصدقة، من العَقار فيما سَقَتِ العَيْنُ

(2)

وفيما سقت السماء العُشْر، وما سقى الغَرْب

(3)

فنصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي عشرين أربع شياه، وفي أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيعٌ أو تبيعةٌ جَذَع أو جَذَعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاةٌ، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين، فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلامًا خالصًا من نفسه فَدانَ دينَ الإسلام، فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومنْ كانَ على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يُغَيَّر عنها، وعلى كل حالمٍ ذكر أو أنثى، حر أو عبد، دينار وافٍ، أو عوضه

(4)

من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمةَ الله ورسوله، ومن مَنعَ ذلك فإنه عدوُّ الله ورسوله والمؤمنين جميعًا، صلوات الله على محمد، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته".

قال الحافظ البيهقي

(5)

: وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده هذا الحديث موصولًا بزيادات كثيرة ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة والديات وغير ذلك.

قلت: ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي

(6)

في سننه مطولًا، وأبو داود في كتاب المراسيل

(7)

، وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن

(8)

ولله الحمد والمنة، وسنذكر بعد الوفود بعثَ النبي صلى الله عليه وسلم الأمراءَ إلى اليمن لتعليمِ الناس وأخذِ صدقاتِهم وأخماسِهم، معاذَ بن جبل وأبا موسى وخالدَ بن الوليد وعليَّ بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.

‌قُدومُ جَريرِ بنِ عَبْدِ الله البَجَلي وإسلامه

قال الإمام أحمد

(9)

: حدّثنا أبو قطن، حدّثني يونس، عن المغيرة بن شِبْلٍ، قال: قال جرير: لما

(1)

الزيادة من دلائل النبوة ومجموعة الوثائق السياسية.

(2)

في أ كلمة غير واضحة، وفي ط: المغل، وأثبتنا ما في دلائل النبوة ومجموعة الوثائق السياسية وسيرة ابن هشام (4/ 266) وإعلام السائلين.

(3)

الغرب: الدلو العظيمة (القاموس: غرب).

(4)

في ط: (عرضه).

(5)

السنن الكبرى للبيهقي (1/ 88، 309)(و 10/ 128).

(6)

النسائي (4868 و 4869)، وإسناده ضعيف.

(7)

أبو داود في المراسيل (85 مختصرًا، 97 مطولًا)، وإسناده ضعيف.

(8)

جامع المسانيد والسنن (9/ 560 - 565).

(9)

مسند الإمام أحمد (4/ 359)، وهو حديث صحيح. وانظر طبقات ابن سعد (1/ 347 - 348).

ص: 62

دَنَوْتُ من المدينة أنَخْتُ راحلتي، ثم حَلَلْتُ عَيْبَتي

(1)

، ثم لَبِسْتُ حُلَّتي، ثم دخلتُ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، فرماني الناسُ بالحَدَق، فقلت لجليسي: يا عبد الله، هل ذكرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ذكركَ بأحسنِ الذِّكْرِ، بينما هو يخطُبُ إذ عرض له في خطبته وقال: "يدخلُ عليكُم من هذا الباب، أو من هذا الفَجِّ، منْ خَيْرِ ذي يَمَن إلّا أنّ

(2)

على وجهه مسحةَ مَلَكٍ

(3)

، قال جرير: فحمدتُ الله عز وجل على ما أبلاني. قال أبو قطن: فقلت له: سمعتَه منه، أو سمعتَه من المغيرة بن شِبْلٍ؟. قال: نعم.

ثم رواه الإمام أحمد

(4)

عن أبي نعيم وإسحاق بن يوسف. وأخرج النَّسائي

(5)

من حديث الفضل بن موسى، ثلاثتهم، عن يونس بن

(6)

أبي إسحاق السَّبيعي، عن المغيرة بن شِبْل -ويقال ابن شُبَيْل-، عن عوف البَجَلي الكوفي، عن جرير بن عبد الله، وليس له عنه غيره.

وقد رواه النّسائي

(7)

، عن قتيبة، عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بقصته:"يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ من هذا البابِ رجلٌ على وَجْهِه مَسْحَة مَلَكٍ" الحديث. وهذا على شرط الصحيحين.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا محمد بن عُبَيد، حدّثنا إسماعيل، عن قيس، عن جرير قال: ما حَجَبني عنه

(9)

رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي.

وقد رواه الجماعة

(10)

إلا أبا داود من طرقٍ عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه.

وفي الصحيحين زيادة: وشكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أثبتُ على الخيل، فضرب بيده في صدري، وقال:"اللهم ثَبِّتْهُ واجعله هاديًا مهديًا". ورواه النَّسائي

(11)

عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن

(1)

العيبة: وعاء من أدم يكون فيها المتاع والجمع عياب وعِيْب (اللسان: عيب).

(2)

لفظ (أن) زيادة عن المسند.

(3)

يقال: على وجهه مَسْحَةُ مَلَكٍ ومَسْحةُ جمالٍ، أي أثر ظاهر منه، ولا يقال ذلك إلا في المدح (النهاية في غريب الحديث والأثر: مسح).

(4)

مسند الإمام أحمد (4/ 360 و 364)، وهو حديث صحيح.

(5)

السنن الكبرى للنسائي (8304).

(6)

ط، أ:(عن) وانظر تهذيب الكمال (32/ 488).

(7)

السنن الكبرى (2: 83) بلا قصة.

(8)

مسند الإمام أحمد (4/ 358، 362).

(9)

ليس اللفظ في أ، ط.

(10)

صحيح البخاري رقم (6089) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب ذكر جرير رضي الله عنه ومسلم رقم (2475) في فضائل الصحابة باب من فضائل جرير رضي الله عنه والترمذي رقم (3822) في المناقب باب جرير رضي الله عنه.

(11)

السنن الكبرى للنسائي (8302) بلا قصة.

ص: 63

إسماعيل، عن قيس، عنه، وزاد فيه "يَدْخُلُ عليكُمْ من هذا

(1)

الباب رجل على وجهه مَسْحَةُ مَلَكٍ" فذكر نحو ما تقدم.

قال الحافظ البيهقي

(2)

: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد السّمَّاك، حدّثنا الحسنُ بن سلَّام السَّوّاق، حدّثنا محمد بن مُقاتِلِ الخُراساني، حدّثنا حُصَيْنُ

(3)

بن عمر الأحْمسي، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن

(4)

قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: بعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جريرُ، لأيِّ شيءٍ جئتَ؟ قلت: أُسْلِم

(5)

على يديك يا رسول الله. قال: فألقى عليَّ

(6)

كساءً، ثم أقبل على أصحابه فقال:"إذا أتاكم كريمُ قومٍ فأكرموه". ثم قال: يا جريرُ، أدعوكَ إلى شهادةِ أن لا إله إلا الله وأني رسولُ الله، وأن تؤمنَ بالله واليوم الآخر والقدرِ خيرِه وشَرِّه، وتُصَلِّي الصَّلاةَ المكتوبةَ، وتُؤَدِّي الزكاةَ المفروضة". ففعلتُ ذلك، فكان بعد ذلك لا يراني إلا تبسَّم في وجهي.

هذا حديث غريب من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدّثنا يحيى بن سعيد القطان، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: بايَعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والنُّصْح. لكلّ مسلمٍ.

وأخرجاه في الصحيحين

(8)

من حديث إسماعيل بن أبي خالد به. وهو في الصحيحين

(9)

من حديث زياد بن علاقة

(10)

عن جرير به.

وقال الإمام أحمد

(11)

: حدّثنا أبو سعيد، حدّثنا زائدة، حدّثنا عاصم، عن شقيق

(12)

يعني -أبا

(1)

ليس اللفظ في أ، ط.

(2)

دلائل النبوة (5/ 347).

(3)

في الدلائل (حسين) وانظر تهذيب الكمال (6/ 526).

(4)

ط: (أو) وما هنا عن الدلائل.

(5)

في دلائل النبوة "جئت لأسلم".

(6)

في دلائل النبوة "إليّ".

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 365).

(8)

صحيح البخاري رقم (57) في الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة، وصحيح مسلم رقم (56) في الإيمان باب: بيان أن الدين النصيحة، وأبو داود رقم (4945) في الأدب باب في النصيحة وسنن النسائي (7/ 152) في البيعة باب البيعة فيما يستطيعه الإنسان.

(9)

رواه البخاري رقم (58) ومسلم رقم (56)(98).

(10)

في الأصل (علاثة) وهو تحريف، انظر تهذيب التهذيب (3/ 380).

(11)

مسند الإمام أحمد (4/ 364).

(12)

في ط: (سفيان) وهو تحريف. انظر في ترجمة شقيق بن سلمة أبي وائل سير أعلام النبلاء (4/ 161).

ص: 64

وائل- عن جرير قال: قلت: يا رسول الله، اشترط عليّ، فأنتَ أعلم بالشرط. قال:"أُبايعُكَ على أن تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لا تَشْرِكُ به شيئًا، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتي الزكاةَ، وتَنْصحَ المسلمَ وتبرأ من الشرك".

ورواه النَّسائي

(1)

من حديث شُعْبة، عن الأعْمش، عن أبي وائل، عن جَرير. وفي طريق أخرى

(2)

، عن الأعْمَش، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي نُخَيلة

(3)

، عن جرير به، فالله أعلم. ورواه أيضًا

(4)

عن محمد ين قدامة، عن جرير، عن مُغيرة، عن أبي وائل والشعبي، عن جرير به. ورواه عن جرير عبدُ الله بن عَميرة

(5)

؛ رواه أحمد

(6)

منفردًا به؛ وابنه عبيد الله بن جرير، رواه أحمد

(7)

أيضًا منفردًا به. وأبو جميلة

(8)

وصوابه أبو نُخَيْلة، رواه أحمد والنسائي

(9)

ورواه أحمد أيضًا

(10)

عن غُندر، عن شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، عن رجل، عن جرير، فذكره. والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البَجَلي والله أعلم.

وقد ذكرنا بعث النبي صلى الله عليه وسلم له حين أسلم إلى ذي الخَلَصَة

(11)

بيت كان يعبده خَثْعَم وبجيلة، وكان يقال له الكعبة اليمانية، يضاهون به الكعبة التي بمكة، ويقولون للتي ببكة الكعبة الشامية، ولبيتهم الكعبة اليمانية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا تريحني من ذي الخَلَصة" فحينئذ شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لا يثبت على الخيل، فضرب بيده الكريمة في صدره حتى أثّرت فيه وقال:"اللهم ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًا". فلم يسقط بعد ذلك عن فرس. ونفر إلى ذي الخَلَصة في خمسين ومئة راكب من قومه من أحْمَسَ

(12)

، فخرّب ذلك البيت وحرّقه، حتى تركه مثلَ الجمل الأجرب. وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بَشيرًا يقال له أبو أرطاة، فبشره بذلك، فبرَّك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحْمَس ورجالها خمس مراتٍ.

(1)

سنن النسائي (7/ 147)، وهو حديث صحيح.

(2)

سنن النسائي (7/ 148).

(3)

هكذا في أ وط وسنن النسائي وفي الكنى لمسلم (12) والإكمال (7/ 335) وتبصير المنتبه (4/ 1412)"نحيلة" بالحاء، وكلاهما وارد، قال المزي في ترجمته من تهذيب الكمال (34/ 342): ذكره عبد الغني بن سعيد بالحاء المهملة، وذكره غيره بالمعجمة وانظر بلابد التعليق على المؤتلف للدارقطني (4/ 2272).

(4)

سنن النسائي (7/ 147).

(5)

تهذيب التهذيب (5/ 345).

(6)

مسند الإمام أحمد (4/ 366).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 358).

(8)

أثبت ابن كثير هنا كلمة "جميلة" الواردة في المسند (4/ 365) ليصوبها بنخيلة.

(9)

مسند أحمد (4/ 365) وسنن النسائي (7/ 147).

(10)

مسند أحمد (4/ 358)، وينظر المسند الجامع (4/ 516) حديث (3167).

(11)

انظر تفصيل ذلك في معجم البلدان: الخلصة.

(12)

أحمس: بطن من ضبيعة، وبطن آخر من بجيلة وهو ابن الغوث بن أنمار (تاج العروس: حمس).

ص: 65

والحديث مبسوط في الصحيحين وغيرهما

(1)

. كما قدمناه بعد الفتح استطرادًا بعد ذكر تخريب بيت العُزّى على يَدَيْ خالدِ بن الوليد رضي الله عنه.

والظاهر أن إسلام جرير رضي الله عنه كان متأخرًا عن الفتح بمقدار جيد، فإن الإمام أحمد قال

(2)

: حدّثنا هاشم

(3)

بن القاسم، حدّثنا زياد بن عبد الله بن عُلاثة، عن

(4)

عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن جرير بن عبد الله البَجَلي قال: إنما أسلمتُ بعدما أُنْزِلَت المائدةُ وأنا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ بعدما أسلمتُ. تَفَرَّدَ به أحمدُ وهو إسنادٌ جيدٌ، اللهمَّ إلا أن يكونَ منقطعًا بين مجاهدٍ وبينه.

وثبتَ في "الصحيحين" أن أصحابَ عبد الله بن مَسْعود كان يُعْجِبُهم حديثُ جَرير في مسح الخُفّ، لأن إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة

(5)

.

وسيأتي في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "استَنْصِتِ النّاسَ يا جرير"

(6)

وإنما أمره بذلك لأنه كان صبيًا. وكان ذا شكل عظيم، كانت نعلُه طولها ذراع، وكان من أحسن الناس وجهًا، وكان مع هذا من أغض الناس طرفًا، ولهذا روينا في الحديث الصحيح

(7)

عنه أنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة

(8)

فقال: اصرف

(9)

بصرك.

(1)

صحيح البخاري رقم (4355) في المغازي باب غزوة ذي الخلصة وصحيح مسلم رقم (2476) في فضائل الصحابة باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه وسنن أبي داود رقم (2772) في الجهاد باب في بعثة البشراء، ومسند الإمام أحمد (4/ 365).

(2)

المسند (4/ 363).

(3)

ط: (هشام) تحريف، والتصحيح من المسند، وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 545).

(4)

ط: (بن) تحريف، والتصحيح من المسند، وانظر سير أعلام النبلاء (6/ 80).

(5)

صحيح البخاري رقم (387) في الصلاة في الثياب باب الصلاة في الخفاف وصحيح مسلم رقم (272) في الطهارة باب المسح على الخفين.

(6)

صحيح البخاري رقم (121) كتب العلم باب الانصات للعلماء وصحيح مسلم رقم (118) كتاب الإيمان باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم بعضًا وسنن ابن ماجه في الفتن رقم (5) ومسند الإمام أحمد (4/ 358، 363، 366).

(7)

صحيح مسلم رقم (2159) في الآداب باب نظر الفجأة وسنن أبي داود رقم (2148) في النكاح باب ما يؤمر من غض البصر وسنن الترمذي رقم (2777) في الأدب باب ما جاء في نظر الفجأة ومسند الإمام أحمد (4/ 358، 361).

(8)

يقال: الفَجْأة بفتح الفاء وإسكان الجيم والقصر. والفُجاءة بضم الفاء وفتح الجيم والمد (لسان العرب: فجأ).

(9)

ط: (اطرق).

ص: 66

‌وِفادَةُ وائِل بن حُجْر بن رَبيعةَ بن وائلِ بن يَعْمر الحضْرميّ أبو هُنيدة

(1)

أحد مُلوكِ اليَمَن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال أبو عمر بن عبد البر

(2)

: كان أحد أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم، ويقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشَّر أصحابَه قبل قدومه به، وقال:"يأتيكم بقية أبناء الملوك" فلما دخل رحَّب به، وأدناه من نفسه، وقرّب مَجْلسه، وبسطَ له رداءَه، وقال:"اللهم بارِكْ في وائلٍ وولدِه وولدِ ولدِه". واستعمَلَهُ على الأقيال من حضرموت، وكتب معه ثلاثة كتب، منها كتابٌ إلى المهاجر بن أبي أمية، وكتاب إلى الأقيال والعباهلة

(3)

. وأقطعه أرضًا، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان، فخرج معه راجلًا، فشكى إليه حرَّ الرمضاء، فقال: انتعل ظِلَّ الناقة. فقال: وما يغني عني ذلك لو جعلتني رِدْفًا، فقال له وائل: اسكتْ، فلست من أردافِ الملوك. ثم عاش وائل بن حُجْر حتى وفد على مُعاوية وهو أمير المؤمنين، فعرفه معاوية، فرحَّب به، وقرَّبه وأدناه، وأذكره الحديث

(4)

، وعرض عليه جائزة سنيَّة، فأبى أن يأخذها، وقال: أعطها من هو أحوج إليها منّي.

وأورد الحافظ البيهقي

(5)

بعضَ هذا، وأشار إلى أن البخاري في التاريخ

(6)

روى في ذلك شيئًا.

وقد قال الإمام أحمد

(7)

: حدّثنا حجاج، أنبأنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضًا. قال: وأرسل معي معاوية أن أعطِها إيّاه، أو قال: أعْلِمْها

(8)

إياه. قال: فقال معاوية: أردفني خلفك. فقلت: لا تكون من أرداف الملوك. قال: فقال: أعطني نعلك. فقلت: انتعل ظِلَّ الناقة. قال: فلمّا استُخْلِفَ معاويةُ أتيتُه، فأقعدني معه على السرير، فذكّرني الحديث. قال سِماكٌ: فقال: وددتُ أنّي كنتُ حملتُه بين يدي.

وقد رواه أبو داود والترمذي

(9)

من حديث شُعبة وقال الترمذي: صحيح.

(1)

في أ وط ابن هنيد. وأثبتنا ما في الاستيعاب (4/ 1562) وأسد الغابة (5/ 81)، وقال المزي في ترجمته من تهذيب الكمال (30/ 419):"أبو هنيدة، ويقال: أبو هنيد".

(2)

الاستيعاب (4/ 1562).

(3)

العباهلة: ملوك اليمن المقَرُّون على ملكهم فلم يُزالوا عنه. واحدها عبهل والتاء لتأكيد الجمع (تاج العروس: عبهل).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

دلائل النبوة (5/ 349).

(6)

التاريخ الكبير (8/ 175 - 176).

(7)

مسند الإمام أحمد (6/ 399)، وإسناده حسن.

(8)

ط: (اعملها) تحريف.

(9)

سنن أبي داود رقم (3058) كتاب الخراج والإمارة والفيء باب إقطاع الأرضين، وجامع الترمذي باب ما جاء في =

ص: 67

‌وِفادَةُ لَقيطِ بنِ عامرٍ المُنْتَفق أبي رَزِينٍ العُقَيْلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال عبد الله بن الإمام أحمد

(1)

: كتبَ إليّ إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مُصعب بن الزُّبَيْر الزُّبَيْري: كتبتُ إليك بهذا الحديث، وقد عرضتُه، وسمعتُه على ما كتبت به إليك، فحدِّثْ بذلك عني. قال: حدّثني عبد الرحمن بن المغيرة الحِزاميّ، حدّثني عبد الرحمن بن عَيّاش السَّمَعي الأنْصاريّ القُبائي من بني عمرو بنِ عوف، عن دَلْهَم بن الأسْوَد بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المُنْتَفِق العُقَيْلي عن أبيه عن عَمِّه لَقيط بن عامر قال دَلْهَمُ

(2)

: وحدّثنيه أبي الأسودُ، عن عاصم بن لَقيط، أن لقيطًا خرج وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه صاحبٌ له يُقال له نَهيك بن عاصم بن مالك بن المُنْتَفق قال لَقِيطٌ: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة

(3)

انسلاخ رجب، فأتَيْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فوافَيناه حين انصرفَ من صلاةِ الغَدَاةِ فقامِ في الناس خطيبًا، فقال:"أيها الناس ألا إني قد خَبَّأْتُ لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا لأُسْمِعَنَّكُمْ، ألا فهَلْ من امرئٍ بعثَهُ قومه"؟ فقالوا: أعلم لنا ما يقولُ رسولُ الله، ألا ثم لعلَّه أن يُلْهِيَهُ حديثُ نفسه أو حديثُ صاحبه، أو يلهيه الضُّلال، ألا إنّي مسؤول، هل بلغتُ، ألا فاسمَعُوا

(4)

تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا. قال: فجلس الناس، وقمتُ أنا وصاحبي حتى إذا فرغَ لنا فؤادُه وبصرُه قلت: يا رسول الله، ما عندكَ من علم الغَيْب؟ فضحك لعمرُ اللهِ، وهزَّ رأسَه، وعلمَ أني أبتغي لسقطِه، فقال:"ضَنَ رَبُّكَ عز وجل بمفاتيحَ خمسٍ من الغَيْب، لا يعلمُها إلا اللهُ" وأشار بيده. قلتُ: وما هي؟ قال: "علم المَنِيَّة، قد علم متى مَنِيَّةُ أحِدِكُمْ، ولا تعلمونه، [وعلمُ المَنِيّ، حينَ يكونُ في الرّحِم، قد علمه ولا تعلمون]

(5)

وعلم ما في غدٍ، وما أنتَ طاعِمٌ غدًا ولا تعلمه، وعلم يوم الغَيْثِ، يشرفُ عليكم آزلين

(6)

مُسْنتين

(7)

فيظلّ يَضْحكُ قد علم أن غَيْرَكم إلى قَريبٍ

(8)

". قال لقيطٌ: قلتُ: لن

= القطائع رقم (1381)، وهو حديث صحيح كما قال الترمذي.

(1)

مسند الإمام أحمد (4/ 13)، وإسناده ضعيف، لأنه مسلسل بالمجاهيل، وفي بعض ألفاظه نكارة ظاهرة كما سيبينه المؤلف.

(2)

تقريب التهذيب.

(3)

كلمة "المدينة" ليست في (أ) ولا في المسند.

(4)

في المسند: "اسمعوا".

(5)

الزيادة من المسند.

(6)

آزلين: أي في شدة وقحط. والأزْل الضيق والجدب (النهاية: أزل).

(7)

في المسند "آزلين آدلين مشفقين". ومسنتين أي مجدبين، أصابتهم السنة، وهي القحط والجدب (النهاية: سنت).

(8)

في المسند (إلى قربٍ).

ص: 68

نَعْدَمَ من رَبٍّ يَضْحَكُ خيرًا "وعلم يوم الساعة". قلت

(1)

: يا رسول الله عَلِّمْنا مما لا يَعْلَم

(2)

الناسُ ومما تَعْلَم، فإنا من قَبيلٍ لا يُصَدِّقون تَصْديقنا أحدٌ، من مَذْحِج التي تربو علينا، وخَثْعَم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها

(3)

. قال: "تَلْبَثونَ ما لَبِثْتُم ثُمَّ يُتَوفَّى نَبيُّكُمُ ثم تَلْبَثُون ما لَبثْتُم ثم تُبْعَثُ الصّائِحَةُ، لعمرُ إلهكَ ما تدعُ على ظَهْرها من شيءٍ إلا مات، والملائكةُ الذين مع ربِّك عز وجل، فأصبحَ ربُّكَ عز وجل يَطوف

(4)

بالأرض وقد خَلَتْ عليه البلادِ، فأرسلَ ربُّك السماءَ تَهْضِبُ

(5)

من عِنْدِ العَرْشِ، فَلَعَمْرُ إلهكَ ما تَدَعُ على ظَهْرِها من مَصْرعِ قَتيلٍ، ولا مَدْفَن مَيِّتٍ إلا شَقَّتِ القَبْرَ عنه حتى تَخْلُقَه

(6)

من عند رأسه، فَيَسْتوي جالسًا، فيقول ربُّك عز وجل: مَهْيَم

(7)

-لما كان فيه- فيقول: يا ربّ أمسِ اليومَ، فلِعَهْدهِ بالحياة يحسبه

(8)

حديثًا بأهله. قلت: يا رسول الله كيف يجمعُنا بعد ما تُفَرِّقُنا الرّياحُ والبِلَى والسِّباع. فقال: أنبِّئك بمثل ذلك في آلاء الله الأرضُ أشرفتَ عليها، وهي مَدَرة

(9)

بالية. فقلت: لا تجيء أبدًا

(10)

، ثم أرسل ربُّكَ عليها السماءَ فلم تَلْبَثْ عليكَ إلّا أيامًا حتى أشرفت عليها وهي شرية

(11)

واحدة فلعمرُ إلهكَ لهوَ أقدرُ على أن يجمعَكم من الماء على أن يجمعَ نباتَ الأرضِ فتُخْرَجون من الأصواء

(12)

ومن مصارعكم فَتَنظرُون إليه وينظُرُ إليكم. قال: قلت: يا رسولَ الله، وكيف ونحن ملءُ الأرض وهو عز وجل شخصٌ واحدٌ

(13)

ينظر إلينا وننظرُ إليه، فقال أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمسُ والقمرُ آية منه صغيرةُ تَرَوْنَهما ويَرَيانِكم ساعةً واحدة، لا تُضارُّون في رُؤْيتهما، ولعمرُ إلهك لهوَ أقدرُ على أن يراكم وَتَرَوْنَهُ من أن تَرَوْنَهما ويَرَيانكم لا تُضارّون في رؤيتهما. قلتُ: يا رسول الله فما يفعلُ بنا ربُّنا إذا لقيناه؟ قال: تُعْرَضون عليه باديةً له صحائفكم، لا يَخْفى عليه منكم خافيةٌ فيأخذُ ربُّكَ عز وجل، بيده غُرْفَة من

(1)

أ، ط:(قلنا) وما هنا عن المسند.

(2)

في المسند (علمنا مما تُعلِّم الناسَ وما تعلمُ).

(3)

في أ: "معها".

(4)

في مسند الإمام أحمد "يطيف".

(5)

الهضب: المطر (النهاية: هضب).

(6)

في مسند الإمام أحمد "تجعله" وفي أ: (تخلفه).

(7)

مَهْيَم: ما أمركم وشأنكم، وهي كلمة يمانية (النهاية: مهيم).

(8)

ط: (يتحسبه).

(9)

المدر: قطع الطين اليابس واحدتها مدرة (اللسان: مدر).

(10)

في مسند أحمد: لا تحيا أبدًا.

(11)

شرية: حنظلة خضراء وقال ابن الأثير: هكذا رواه بعضهم وأراد أن الأرض اخضرت بالنبات فكأنها حنظلة واحدة. والرواية شربة بالباء الموحدة (النهاية: شرا).

(12)

الأصواب: قال ابن الأثير: قال القتيبي: يعني بالأصواء القبور وأصلها الأعلام شبه القبور بها (اللسان: صوى).

(13)

قد جاء في صحيح مسلم رقم (1499) وفي البخاري ترجمة رقم (7416) وليس المراد منه تشبيهه سبحانه بالأشخاص.

ص: 69

الماء فَيَنْضَحُ قَبيلكُم

(1)

بها، فلعمرُ إلهِكَ ما تُخْطِئُ وجهَ أحدِكُم منها قطرةٌ، فأما المسلمُ فَتَدَعُ على وجهه مثلَ الرَّيْطةِ

(2)

البيضاء، وأما الكافر فتخطِمُه

(3)

بمثل الحُمَم الأسود، ألا ثم ينصرفُ نبيّكم، وينصرفُ على أثَره الصّالحون، فَتَسْلُكون جسرًا من النار، فَيَطَأ أحدُكم الجمرَ، فيقول: حَسِّ

(4)

فيقول ربك عز وجل: أوانه [ألا]

(5)

فَتَطْلُعون على حوضِ الرّسولِ على أظمأِ

(6)

-والله- ناهلةٍ عليها ما رأيتُها قط، فلعمرُ إلهكَ لا يَبْسُط واحدٌ منكم يده إلا وقع

(7)

عليها قدح يطهره من الطوف

(8)

والبول والأذى، وتُحْبَس الشمسُ والقمرُ، فلا تَرَوْنَ منهما واحدًا. قال: قلت: يا رسولَ الله، فيم نُبْصِرُ؟ قال: بمثل

(9)

بصرك ساعتَكَ هذه، وذلك مع طُلوعِ الشمس في يوم أشرقتِ

(10)

الأرض وواجهَته الجبال

(11)

قال: قلت: يا رسولَ الله

(12)

، فيمَ نُجزَى من سَيِّئاتنا وحسناتنا؟ قال: الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، إلا أن يَعْفُو. قال: قلت: يا رسول الله، إما الجنة وإمّا النارُ؟ قال: لعمرُ إلهِكَ، إنَّ للنارِ سبعةَ أبوابٍ، ما منهنَّ بابان إلّا يسير الراكبُ بينهما سبعين عامًا، [وإن للجنة لثمانيةَ أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عامًا]

(13)

. قلت: يا رسول الله، فعلامَ نطَّلعُ من الجنةِ؟ قال: على أنهارٍ من عسلٍ مُصَفّى، وأنهارٍ من كأس ما بها منْ صُداعٍ ولا ندامةٍ، وأنهارٍ من لَبَنٍ لم يَتَغَيَّرْ طعمُه، وماءٍ غَيْرِ آسنٍ، وفاكهةٍ، لعمرُ إلهِكَ ما تعلمون، وخيرٌ من مثله معه، وأزواج مُطَهَّرة. قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج، أوَ منهنَ مُصْلِحاتٌ؟ قال: الصالحاتُ للصّالحين، تلذّون بهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن

(1)

أ، ط:(قبلكم وما أثبته عن المسند).

(2)

الريطة: الملاءة (اللسان: ريطة).

(3)

المِخْطَم: قال أبو عمرو الشيباني الأنف، وخطمه بخطمِه خطمًا ضرب مخطمه (اللسان: خطم).

(4)

حَسِّ: بفتح الحاء وكسر السين وترك التنوين كلمة تقال عند الألم. والعرب تقول عند لذعة النار والوجع الحاد حسِّ بسِّ (اللسان: حسّ).

(5)

الزيادة من المسند. وقال ابن الأثير: (أي وإنه كذلك، أو إنه على ما تقول، وقيل: إنّ بمعنى نعم والهاء للوقف. (النهاية: أنن).

(6)

ط: (إطماء).

(7)

في المسند: (وضع).

(8)

الطَّوف: الحدث من الطعام. قال ابن الأثير: المعنى أنّ من شرب تلك الشربة طهر من الحدث والأذى (النهاية: طوف).

(9)

أ، ب:(مثل).

(10)

أ، ط:(أشرقته).

(11)

في المسند: "قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض، واجهت به الجبال".

(12)

ليس اللفظ في ط.

(13)

ليس ما بين المعقوفين في أ.

ص: 70

بكم

(1)

غَيْرَ أنْ لا توالد. قال لقيطٌ: قلت أقصى

(2)

ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يُجبْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قلتُ: يا رسول الله، علامَ أُبايعُكَ؟ فبسطَ النبيُّ يَدَهُ وقال: على إقامِ الصلاة وإيتاءِ الزَّكاة وزيال

(3)

الشرك، وأن لا تُشْركَ بالله إلهًا غَيْرَه. (قال: قلتُ: وأنَّ لنا ما بينَ المشرقِ والمَغْرِبِ؟ فقبضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وظنَّ أني مُشْتَرِطٌ شيئًا لا يُعْطينيهِ، قال: قلت: نحِلُّ منها حيثُ شئنا، ولا يَجْني منها امرٌؤ إلا على نَفْسِه؛ فبسطَ يَدَهُ وقال: ذلك لك، تَحِلُّ حيث شِئتَ ولا تَجْني عليك إلا نفسُكَ. قال: فانْصَرَفنا عَنْهُ، ثم قال: إن هذين من أتْقَى النّاسِ -لعَمْرو إلهك- في الأولى والآخرة". فقال له كعب بن الخُداريّة

(4)

: أحد بني بكر بن كلاب

(5)

: من هم يا رسولَ الله؟ قال: بنو المنتفق أهل ذلك قال: فانصرفنا وأقبلت عليه)

(6)

.

وذكر تمام الحديث إلى أن قال:

فقلت: يا رسولَ الله هل لأحدٍ ممَّنْ مَضَى خَيْرٌ في جاهليتهم

(7)

؟ قال: فقال رجل من عُرْضِ قريشٍ: واللهِ إنّ أباكَ المُنْتفِقَ لفي النّارِ. قال: فلكأنّه وقعَ حَرّ بينَ جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله، وأهلُكَ؟ قال: وأهلي لعمرُ اللهِ، ما أتيتَ عليه من قبر عامريٍّ أو قُرشيّ من مشركٍ فقل: أرسلني إليك محمدٌ [فأُبَشِّرُكَ]

(8)

بما يسوؤُك، تُجَرُّ على وجهك وبطنك في النار. قال: قلت: يا رسولَ الله، ما فُعِلَ بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وقد كانوا يَحْسَبون أنهم مُصْلِحون؟ قال: ذلك بأن اللهَ يَبْعَث في آخر كل سبعِ أمم -يعني نبيًا- فمَنْ عَصى نبيَّه كانَ من الضالِّين، ومنْ أطاعَ نَبيَّه كان من المُهْتَدين".

هذا حديث غريبٌ جدًّا وألفاظُه في بعضها نَكارة، وقد أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب "البعث والنشور"

(9)

، وعبد الحق الإشبيلي في "العاقبة"

(10)

، والقرطبي في كتاب "التذكرة في أحوال الآخرة"

(11)

، وسيأتي في كتاب "البعث والنشور" إن شاء الله تعالى.

(1)

في الأصول: (تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم).

(2)

في المسند (أقُضِيَ).

(3)

زيالًا: مفارقة (القاموس: زال).

(4)

في الإصابة (3/ 294) كعب بن الخدارية بضم الخاء المعجمة وفتح الدال وفيه: "من هم يا رسول الله؟ قال: بنو المنتفق قالها ثلاثًا".

(5)

ط: (أحد بني كلاب).

(6)

ليس ما بين القوسين في أ.

(7)

ط: (جاهلية).

(8)

زيادة عن المسند.

(9)

انظر مقدمة دلائل النبوة (1/ 111).

(10)

عبد الحق الإشبيلي بن عبد الرحمن الأزدي (ت 582 هـ) كشف الظنون (2/ 1437).

(11)

القرطبي: محمد بن أحمد بن فرح الأنصاري الأندلسي (ت 671 هـ) كشف الظنون (1/ 390).

ص: 71

‌وِفادةُ زِياد بن الحارِث رضي الله عنه

قال الحافظ البيهقي

(1)

: أنبأنا أبو أحمد الأَسَدْ أباذي

(2)

بها، أنبأنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا (أبو علي بشر بن موسى، حدّثنا)

(3)

أبو عبد الرحمن المقرئ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، حدّثني زياد بن نُعيم الحَضْرمي، سمعتُ زيادَ بن الحارث الصُّدائي يحدِّثُ، قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فبايَعْتُه على الإِسلام، فأُخبرتُ أنَّه قد بَعَثَ جيشًا إلىِ قومي فقلت

(4)

: يا رسول الله، ارددِ الجيشَ، وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال لي:"اذْهَبْ فَرُدّهم" فقلت: يا رسول الله، إنَّ راحلتي قد كَلَّتْ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فردَّهم. قال الصُّدائي: وكتبتُ إليهم كتابًا، فقدم وفدُهم بإسلامهم، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا أخا صُدَاء، إنك لمطاعٌ في قومك" فقلت: بل الله هداهم للإسلام فقال: "أفلا أُؤمِّرُكَ عَلَيْهم؟ " قلت: بلى يا رسولَ الله. قال: فكتب لي كتابًا أمَّرني، فقلت: يا رسولَ اللهِ، مُرْ لي بشيء من صَدَقاتهم قال:"نعم" فكتب لي كتابًا آخر. قال الصُّدائي: وكان ذلك في بعض أسْفارِهِ، فنزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منزلًا، فأتاه أهل ذلك المنزل يَشْكُون عامِلَهُم، ويقولون: أخَذَنا بشيءٍ كان بيننا وبينَ قومِه في الجاهليّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو فعلَ ذلك؟ " قالوا: نعم. فالتفت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: "لا خيرَ في الإمارةِ لرجلٍ مُؤْمِنٍ"، قال الصُّدَائي: فدخلَ قولُه في نفسي. ثم أتاه آخر، فقال: يا رسول الله، أَعْطِني. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سألَ النّاسَ عن ظهر غِنًى فصُداعٌ في الرأس، وداءٌ في البطن". فقال السائل: أعطني من الصَّدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لم يرضَ في الصدقات بحكم نبيّ ولا غيره، حتى حكم هو فيها، فجزَّأهما ثمانية أجزاءٍ، فإن كنتَ من تلك الأجزاء أعطيتُكَ. قال الصُّدَائي: فدخلَ ذلك في نفسي، أني غنيٌّ وأني سألته من الصدقةِ، قال: ثم إنَّ رسول الله اعتشى

(5)

من أول الليل، فلزمته، وكنت قريبًا فكان أصحابُه يَنْقَطِعُون عنه ويستأخرون منه، ولم يَبْقَ معه أحدٌ غَيري، فلما كانَ أوانُ صلاةِ الصُّبْح أمرني فأذَّنْتُ، فجعلتُ أقول: أُقيمُ يا رسول الله؟ فجعلَ ينظرُ ناحيةَ المشرقِ إلى الفجر ويقول: "لا" حتى إذا طلعَ الفجرُ نزلَ، فَتَبرَّزَ، ثم انصرف إليَّ وهو متلاحقٌ أصحابَه، فقال:"هل من ماءٍ يا أخا صُداء" قلت: لا، إلَّا شيءٌ قليلٌ لا يكفيك. فقال:"اجعلْهُ في إناءٍ، ثم ائتني به" ففعلتُ، فوضع كفه في الماء. قال: فرأيتُ بين أُصْبَعَيْن من أصابعه عينًا

(1)

دلائل النبوة (5/ 355 - 357).

(2)

الأنساب (1/ 224).

(3)

ما بين القوسين لم يرد في ط.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

أي سار وقت العشاء (لسان العرب: عشا).

ص: 72

تفورُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقَيْنا واستقينا، نادِ في أصحابي: من له حاجة في الماء". فناديتُ فيهم، فأخذ من أراد منهم شيئًا. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأراد بلالٌ أن يقيمَ، فقال له رسول الله:"إن أخا صُداء أذَّن، ومَنْ أذَّنَ فهو يُقيم". قال الصُّدائي: فأقمتُ، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ أتيتُه بالكتابين، فقلتُ: يا رسول الله، اعْفِني من هذين. فقال:"ما بدا لك؟ " فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: "لا خير في الإمارة لرجلٍ مؤمنٍ" وأنا أؤمنُ بالله وبرسوله، وسمعتُكَ تقولُ للسائِل:"من سألَ الناسَ عن ظَهر غِنَىً فهو صداعٌ في الرأسِ وداءٌ في البطن" وسألتك وأنا غنيٌّ. فقال: "هو ذاك، فإن شئت فاقبلْ، وإن شِئْتَ فَدَعْ" فقلت: أَدَعُ. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدُلَّني على رجل أؤمِّره عليكم" فدلَلْته على رجلٍ من الوفدِ الذين قدِموا عليه، فأمَّره عليهم، ثُمّ قُلْنا: يا رسولَ الله، إن لنا بئرًا إذا كانَ الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرَّقنا على مياهٍ حولَنا، فقد أسلمنا، وكلّ مَنْ حولنا عدوٌّ، فادعُ اللهَ لنا في بئرنا فيسعَنا ماؤُها فنجتمعَ عليه ولا نتفرَّقَ. فدعا سبع حُصَيّات، فعركَهُنّ بيده، ودعا فيهن، ثم قال:"اذهبوا بهذه الحُصَيّات، فإذا أتيتم البئر فألقُوا واحدةً واحدةً واذكروا الله". قال الصُّدَائي: فَفَعَلْنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قَعْرها. يعني البئر.

وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه

(1)

.

وقد ذكر الوافدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث بعد عمرة الجِعْرانة

(2)

قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلى بلاد صُداء فيوطِّئها، فبعثوا رجلًا منهم فقال: جئتك

(3)

لترد عن قومي الجيشَ وأنا لك بهم، ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلًا، ثم رأى منهم حجة الوداع مئة رجل. ثم روى الواقدي عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصُّدَائي قصته في الأذان.

‌وفِادةُ الحارِثِ بن حَسَان البَكْري إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، حدّثني أبو المُنْذر سَلّامُ بن سُلَيْمان النَّحْوي، حدّثنا عاصِمُ بن أبي النّجُود، عن أبي وائلٍ، عن الحارث البَكْريّ قال: خرجتُ أشْكُو العَلاءَ بن الحَضْرَمي إلى

(1)

سنن أبي داود رقم (514) في الصلاة باب الإقامة، وجامع الترمذي رقم (199) في الصلاة باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم، وسنن ابن ماجه كتاب الأذان رقم (717) باب السنة في الأذان، ومسند الإمام أحمد (4/ 169)، وإسناده ضعيف.

(2)

الجِعْرانة والجِعِرَّانة: ماء بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 482)، وإسناده حسن.

ص: 73

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررتُ بالرَّبَذة

(1)

فإذا عجوزٌ من بني تميم مُنْقَطِعٌ بها، فقالت: يا عبدَ اللهِ، إنّ لي إلى رسولِ اللهِ حاجةً، فهل أنت مُبَلِّغي إليه؟ قال: فحملتُها، فأتيتُ المدينةَ، فإذا المسجدُ غاصٌّ بأهله، وإذا رايةٌ سوداء تخفِقُ، وبلالٌ مُتَقلَّدُ السيف بينَ يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ما شأنُ الناس؟ قالوا: يريدُ أن يبعثَ عمرو بن العاص وَجْهًا. قال: فجلستُ، فدخل منزله -أو قال رحله- فاستأذنتُ عليه، فأذن لي، فدخلتُ، فسلّمتُ، فقال:"هل كان بينكم وبين تميم شيءٌ؟ " قلتُ: نعم، وكانت الدائرةُ عليهم، ومررتُ بعجوزٍ من بني تميمِ مُنْقَطِع بها، فسألتني أن أحْمِلَها إليك، وها هي بالباب فأذِنَ لها، فدخلتْ، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنْ رأيتَ أن تجعل بيننا وبين تميمٍ حاجزًا فاجعل الدَّهناء

(2)

، فحميت العجوز واسْتَوْفَزَتْ، وقالت: يا رسول الله، أينَ يَضْطَرّ مُضَرُكَ قال: قلت: إنما

(3)

مثلي ما قال الأول: "مِعْزًي

(4)

حَمَلتْ حَتْفَها" حَمَلْتُ هذه ولا أشعرُ أنَّها كانَتْ لي خَصْمًا، أعوذُ بالله ورسوله أنْ أكونَ كوافِدِ عادٍ. قال: هيه، وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمُه

(5)

. قلتُ: إن عادًا قُحطوا، فبعثوا وافدًا لهم يقال له قَيلٌ: فمرَّ بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر، وتُغَنِّيه جاريتان، يقال لهما الجرادتان

(6)

، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مَهَرَة

(7)

، فقال: اللهمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أني

(8)

لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسقِ عادًا ما كنتَ تسقيه. فمرت به سحاباتٌ سُودٌ، فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابةٍ منها سوداء، فنودي منها: خذها رمادًا رِمْدِدًا

(9)

، لا تبقي من عادٍ أحدًا. قال: فما بَلَغَني أنه أُرِسَل عليهم من الريح إلا بِقَدْرِ ما يجري في خاتَمي هذا، حتى هلكوا. قال أبو ائل: وصدق: وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: لا تكن

(10)

كوافد عاد.

(1)

الرَّبذَة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة .. وقد خربت باتصال الحروب بين أهلها وبين ضربة (معجم البلدان: ربذه).

(2)

الدهناء: تقصر وتمدّ وهي من ديار بني تميم (معجم البلدان).

(3)

ط: (إن).

(4)

في مسند الإمام أحمد "معزاة". وفي معجم الأمثال العربية: (حتفها تحمل ضَأْن بأظلافها). انظر معجم الأمثال العربية (حتف - أحمل - ضأن - ظلف) ومجمع الأمثال (1/ 192) وجمهرة الأمثال (1/ 341 و 363)، وأمثال القاسم (329)، وفصل المقال (456) والمستقصى (2/ 59)، واللسان:(حتف).

(5)

استطعمته الحديث: أي طلبت منه أن يحدثني وأن يذيقني طعم حديثه (النهاية: طعم).

(6)

قال في التاج: جرد "الجرادتان مغنيتان كانتا بمكة في الجاهلية مشهورتان بحسن الصوت والغناء. أو أنهما كانتا للنعمان بن المنذر".

(7)

في مسند الإمام أحمد: جبال تهامة.

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

الرمْدد بالكسر: المتناهي في الاحتراق والدقة (اللسان: رمد).

(10)

ط: (لا يكن).

ص: 74

وقد رواه الترمذي

(1)

والنَّسائي من حديث أبي المنذر سَلّام بن سليمان به، ورواه ابن ماجه

(2)

عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النّجود، عن الحارث البكري، ولم يذكر أبا وائل، وهكذا رواه الإمام أحمد

(3)

عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث، والصواب: عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث كما تقدم.

‌وِفَادةُ عبد الرحمن بن أبي عَقيلٍ مع قومه

قال أبو بكر البيهقي

(4)

أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، أنبأنا علي بن الجَعْد، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو خالد يزيد الأسَدي، حدّثنا عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عَقيل

(5)

، قال: انطلقتُ في وفدٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيناه، فأَنَخْنا بالباب، وما في الناس أبغض إلينا من رجل نَلِجُ عليه، فلما دخلنا وخرجنا فما في الناس رجلٌ أحبُّ إلينا من رجل دَخَلْنا عليه. قال: فقال قائل منا: يا رسولَ الله، ألا سألتَ ربَّكَ مُلكًا كملك سليمان! قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "فلعل لصاحبكم

(6)

عند الله أفضل من ملك سليمان، إنَّ الله عز وجل لم يبعث نبيًا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأُعْطيهَا، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عَصَوْه فأُهلكوا بها، وإنّ الله أعطاني دعوةً فاختبأتُها عند ربّي شَفاعةً لأمتي يوم القيامة"

(7)

.

(1)

جامع الترمذي، أبواب تفسير القرآن من سورة الذاريات رقم (3273) و (3274) والنسائي في "الكبرى" رقم (8607)، وهو حديث حسن.

(2)

ابن ماجه (2816) وإسناده منقطع، ولكن وصله البخاري في التاريخ (2/ 261) فهو حسن به.

(3)

مسند الإمام أحمد (3/ 481)، وهذا إسناد منقطع، كما بينه المؤلف، فإسناده ضعيف، وقد نبه على انقطاعه المزي في تهذيب الكمال (5/ 223) ولكن وصله البخاري في التاريخ الكبير (2/ 261) فهو حسن به.

(4)

دلائل النبوة (5/ 358).

(5)

الإصابة (2/ 411).

(6)

في أ، ط:"فلعل صاحبك" وأثبتنا ما في دلائل النبوة، ومجمع الزوائد (10/ 371).

(7)

أخرجه البخاري في التاريخ (5/ 249) وقال في الإصابة (2/ 411): "أخرجه البخاري في تاريخه والحارث بن أبي أسامة وابن منده". أقول: وهو حديث حسن.

ص: 75

‌قدوم طارق بن عبد الله

(1)

وأصحابه

روى الحافظ البيهقي

(2)

من طريق أبي جَنَاب

(3)

الكلبي، عن جامع بن شَدّاد المُحاربي، حدّثني رجلٌ من قومي يقال له طارِقُ بن عبد الله قال: إني لقائمٌ بسوق ذي المَجاز، إذ أقْبَل رجلٌ عليه جُبّةٌ، وهو يقول:"يا أيُّها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تُفْلِحوا" ورجلٌ يَتْبَعُهُ يَرْميه بالحِجارة، وهو يقول: يا أيُّها الناسُ إنه كذاب

(4)

. فقلتُ: مَنْ هذا؟ فقالوا: هذا غلامٌ من بني هاشِم، يَزْعُمُ أنَّه رسولُ الله. قال: قلتُ: مَنْ هذا الذي يَفْعَلُ به هذا؟ قالوا: هذا عمُّه عَبْدُ العُزّي

(5)

. قال: فلمّا أسلمَ الناسُ وهاجَرُوا، خرجْنَا من الرَّبذة

(6)

. نريد المدينة، نمتارُ من تَمْرها، فلمَّا دَنَوْنا من حيطانها ونخلها قلتُ: لو نزلنا فلبسنا ثيابًا غير هذه، إذا رجلٌ في طِمْرَين، فسلّم علينا، وقال:"مِنْ أينَ أقبلَ القومُ؟ " قلنا: من الرَّبَذة. قال: "وأين تريدون؟ " قُلْنا: نُريد هذه المدينةَ. قال: "ما حاجَتُكُمْ منها؟ " قلنا: نمتارُ من تَمْرها. ومعنا ظَعينةٌ لنا، ومعنا جَمَلٌ أحْمَر مَخْطوم

(7)

فقال: "أتبيعوني جَمَلَكم هذا؟ " قلنا: نعم، بكذا وكذا صاعًا من تمر. قال: فما استوضَعَنا مما قلنا شيئًا، وأخذ بخِطام الجمل، وانطلق، فلما توارى عنَّا بحيطان المدينة ونخلها قلنا: ما صنعنا! واللهِ ما بعنا جملَنا ممن يُعرف، ولا أخذنا له ثمنًا. قال: تقول المرأة التي معنا: واللهِ لَقَدْ رأيتُ رَجُلًا كَأَنَّ وجهه شقّةُ القَمَر ليلةَ البَدْرِ، أنا ضامنةٌ لثمن جَمَلِكُم، إذ أقبلَ الرجلُ فقال: أنا رسولُ رسولِ الله إليكم، هذا تمركم فكلوا، واشْبَعوا، واكْتالوا، واستَوْفُوا، فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا فاسْتَوْفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجدَ، فإذا هو قائمٌ على المنبر يخطبُ الناسَ، فأدركنا من خطبته وهو يقول:"تَصَدَّقوا فإنّ الصدقةَ خيرٌ لكم، اليدُ العُلْيا خَيْرٌ منَ اليدِ السُّفْلى، أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، وأدناك أدناك". إذ أقبلَ رجلٌ من بني يَرْبوع، أو قال رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسولَ الله لنا من هؤلاء دماءٌ في الجاهليّة. فقال: "إن أبًا لا يَجْني على ولدٍ"

(8)

ثلاث مرات.

وقد روى النسائي

(9)

فضلَ الصَّدقةِ منه، عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن

(1)

الإصابة (2/ 220).

(2)

دلائل النبوة (5/ 380 - 381).

(3)

ط: (خباب) وانظر: تهذيب التهذيب (12/ 60).

(4)

بعدها في الدلائل: (فلا تصدّقوه).

(5)

عبد العزى: أبو لهب.

(6)

الربذة: مرّ ذكرها في وفادة الحارث بن حسان البكري، وهي من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبها قبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه (معجم البلدان).

(7)

الخطام: الحبل يجعل في طرفه حلقة ثم يقلّد البعير، ثم يثني على مخطمه (أنفه) (اللسان: خطم).

(8)

في أ: "إن أبًا لا يجني على والد".

(9)

سنن النسائي (5/ 61) في الصدقة باب اليد العليا، وهو حديث صحيح.

ص: 76

زياد بن أبي الجَعْد، عن جامع بن شَدّاد، عن طارق بن عبد الله المُحاربي ببعضه. ورواه الحافظ البيهقي

(1)

، أيضًا عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع، عن طارق بطوله، كما تَقَدَّم، وقال فيه: فقالت الظَّعينةُ: لا تَلاوَموا، فلقد رأيتُ وجهَ رجلٍ لا يَغْدِرُ ما رأيتُ شيئًا أشبهَ بالقمرِ ليلة البدر من وجهه.

‌قدومُ وافدِ فَرْوةَ بن عَمْرو الحُذامي

(2)

، صاحب بلاد مَعَان

(3)

قال ابن إسحاق

(4)

: وبعث فروةُ بن عمرو بن النافرة الجُذامي ثم النُّفاتي

(5)

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا بإسلامه، وأهدى له بغلةً بيضاءَ، وكان فروةُ عاملًا للرّوم على مَنْ يليهم من العرب، وكان منزلُه مَعَان وما حولها من أرض الشام، فلما بلغَ الرومَ ذلك مِنْ إسلامه طلبوه حتى أخذوه، فحَبَسوه عندهم، فقال في محبِسِه ذلك:[الكامل]

طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أصْحَابي

وَالرُّومُ بَيْنَ البَاب وَالقِروان

(6)

صَدَّ الخَيَالُ وسَاءَهُ ما قَدْ رَأَى

وَهَمَمْتُ أنْ أُغْفي وَقَدْ أبْكَاني

لا تَكْحَلِنَّ العَيْنَ بَعْدِيَ إثمِدًا

سَلْمَى ولا تَدْنِنَّ

(7)

للإتْيَان

وَلَقَدْ عَلِمْتَ أبا كُبَيْشَةَ أنَّني

وَسْطَ الأعِزَّة لا يُحَصُّ لِسَاني

(8)

فَلَئِنْ هَلَكْتُ لتَفْقِدُنَّ أخَاكُمُ

وَلَئِنْ بَقِيْتُ لتعْرِفُنَّ مَكَاني

وَلَقَدْ جَمَعْتُ أجلَّ ما جَمَعَ الفتى

مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعةٍ وبَيَانِ

قال: فلما أجمعت الروم على صلبه على ماءٍ لهم يقال له عِفْرَي

(9)

بفلسطين قال: [الطويل]

ألا هَل أتَى سَلْمى بأنَّ حلَيلَهَا

عَلَى مَاءِ عِفْرى فَوْقَ إحْدَى الرَّوَاحِلِ

(1)

دلائل النبوة (5/ 381).

(2)

الإصابة (3/ 213) وفيه: "فروة بن عامر الجذامي أو ابن عمرو وهو أشهر".

(3)

معان: بالفتح وآخره نون، والمحدّثون يقولونه بالضم: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء (معجم البلدان).

(4)

سيرة ابن هشام (4/ 261 - 262).

(5)

أسد الغابة (4/ 178).

(6)

الوهن: نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه كالمَوْهِن (القاموس: وهن) القروان: جمع قرو، وهو شبه حوض ترده الإبل (اللسان: قرا).

(7)

في السيرة: (ولا تدين).

(8)

لا يحصّ لساني: أي لا يقطع.

(9)

معجم البلدان، وأورد في البيتين.

ص: 77

على ناقَةٍ لَمْ يَضْرِبِ الفَحْلُ أُمَّهَا

مُشَذّبَة أطرافُها بالمَناجِلِ

قال: وزعم الزهري أنهم لما قدّموه ليقتُلوه قال: [الكامل]

بَلِّغْ سَرَاةَ المُسْلِمينَ بأنَّني

سِلْمٌ لِربِّي أعْظُمِي ومقامي

(1)

قال: ثم ضربوا عُنُقَه، وصلبوه على ذلك الماء، رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثواه

(2)

.

‌قُدومُ تَميمٍ الدّاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خُروج النبيّ صلى الله عليه وسلم وإيمانِ من آمنَ به

[قال البيهقي]: أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نَصْرَوَيْهِ المَرْوَزي بنيسابور، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن [حبيب، أنبأنا يحيى بن أبي طالب (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن] الحسن القاضي، [قالا]: أنبانا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطّان، حدّثنا يحيى بن جعفر بن الزبير، أنبأنا وَهْب بن جرير، حدّثنا أبي، سمعت غَيْلانَ بن جرير يُحَدِّثُ، عن الشَّعْبي، عن فاطمة بنت قيس قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميمٌ الدّاريّ، فأَخبر رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنّه ركبَ البَحْر، فتاهَتْ به سَفينَتُهُ، فسقَطُوا إلى جزيرةٍ، فخَرَجوا إليها يَلْتَمسون الماءَ، فلقيَ إنسانًا يجُرُّ شعْرَهُ، فقال له: منْ أنتَ؟ قال أنا الجَسّاسة

(3)

. قالوا: فأخبرنا. قال: لا أُخْبركم، ولكن عليكُمْ بهذه الجزيرة، فَدَخَلْناها، فإذا رجل مُقَيَّد، فقال: مَنْ أنتُمْ؟ قلنا: ناسٌ من العَرَبِ، قال: ما فعل هذا النبيُّ الذي خرجَ فيكم؟ قلنا: قد آمنَ به الناسُ واتّبعوه وصَدَّقوه. قال: ذلك خيرٌ لهم. قال: أفلا تخبروني عن عين زُغَر

(4)

ما فعلَتْ؟ فأخبرناه عَنْها، فوثَبَ وَثْبَةً كادَ أن يخرُجَ من وراء الجدار، ثم قال: ما فعل نخل بَيْسَان

(5)

، هل أطعم بعدُ؟ فأخبرناه أنه قد أطعم، فوثبَ مثلها، ثم قال: أما لو قد أُذِنَ لي في الخروج لوَطئت البلادَ كلَّها غيرَ طيبة. قالت: فأخرجه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحدَّث الناسَ، فقال:"هذه طيبةُ وذاك الدجالُ".

وقد روى هذا الحديثَ الإمامُ أحمدُ ومسلمٌ وأهلُ السنن

(6)

من طرق، عن عامر بن شراحيل الشعبي،

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

في الإصابة (3/ 213)"وأخرج ابن شاهين وابن منده قصته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس بسند ضعيف إلى الزهري".

(3)

الجسّاسة: دابة في جزائر البحر تجسّ الأخبار وتأتي بها الدجالَ (اللسان: جسّ) وروي أنها هي دابة الأرض (معجم البلدان: زعر) وأورد ياقوت الحديث بطوله في معجمه (طيبة).

(4)

زُغَر: قرية بمشارف الشام (معجم البلدان).

(5)

بَيْسَان: مدينة بالأردن بالغور الشمالي وهي بين حوران وفلسطين (معجم البلدان).

(6)

مسند الإمام أحمد (6/ 373) وصحيح مسلم رقم (2942) كتاب الفتن باب قصة الجساسة، وسنن أبي داود رقم =

ص: 78

عن فاطمة بنت قيس. وقد أورد له الإمام أحمد شاهدًا من رواية أبي هريرة

(1)

وعائشة

(2)

أم المؤمنين، وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب "الفتن".

وذكر الواقدي

(3)

وفد الداريِّين من لَخْم وكانوا عشرة.

‌وَفْدُ بني أَسَدٍ

وهكذا ذكر الواقدي

(4)

: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوَّلِ سنةِ تسعٍ وفدُ بني أسد، وكانوا عشرة، منهم ضِرارُ بن الأزْور، ووابِصةُ بن مَعْبَد، وطُلَيْحَة بن خُوَيْلد الذي ادَّعى النبوَّة بعد ذلك، ثم أسلم وحَسُنَ إسلامُه، ونُقَادة

(5)

بن عبد الله بن خلفٍ، فقال لهم رئيسهم: حَضْرَميُّ بنُ عامرٍ: يا رسول الله، أتَيْنَاك نَتْدَرَّعُ الليلَ البَهيمَ في سنةٍ شَهْباءَ، ولم تَبْعَثْ إلينا بَعْثًا، فنزل فيهم:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].

وكان فيهم قبيلةٌ يُقالُ لهم: بنو الزِّنْيَةِ

(6)

فغيَّر اسمَهم فقال: أنتم بنو الرِّشْدَةِ، وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نُقادة بن عبد الله بن خلف ناقةً تكونُ جيدةً للرُّكوبِ وللحَلْبِ من غير أن يكون لها ولد معها، فطَلَبها فلم يَجِدْها إلّا عند ابن عم له، فجاء بها

(7)

فأمره رسول الله بحلبها، فشرب منها وسقاه سؤره، ثم قال:"اللهم بارك فيها وفيمن منحها". فقال: يا رسول الله، وفيمن جاء بها. فقال:"وفيمن جاء بها"

(8)

.

= (4325) و (4326) و (4327) في الملاحم باب خبر الجساسة وسنن الترمذي رقم (2253) في الفتن باب رقم (66)، والنسائي في "الكبرى" رقم (4258) وابن ماجه (4074).

(1)

مسند أحمد 2/ 330.

(2)

مسند أحمد 6/ 75.

(3)

طبقات ابن سعد 1/ 343.

(4)

طبقات ابن سعد 1/ 292.

(5)

ط: (نفاذة) تحريف، والتصحيح من طبقات ابن سعد الذي ينقل منه المصنف، وانظر الإصابة (3/ 572) وتهذيب التهذيب (10/ 473).

(6)

ط: (بنو الريبة) تحريف. والتصويب من طبقات ابن سعد وانظر التاج مادة زنا، وذكر فيه:"بنو زِنْية، بالكسر حي من العرب وهم بنو الحارث بن مالك في أسد خزيمة. والزنية آخر ولدك كالعجزة آخر ولد المرأة، قيل: وبه سميت القبيلة المذكورة لكونهم آخر ولد أبيهم. وفي الحديث: أنهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو الزنية. فقال: بل أنتم بنو الرشدة" فنفى عنهم ما يوهم من لفظ الزنا" وانظر جمهرة أنساب العرب (193).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 77) وابن سعد (1/ 292) وابن ماجه برقم (4134) في الزهد. وإسناده ضعيف.

ص: 79

‌وَفدَ بني عَبْسٍ

ذكر الواقدي

(1)

: أنهم كانوا تسعةَ نفرٍ، وسماهم الواقديُّ، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أنا عاشِرُكُمْ" وأمر طلحة بن عُبَيْد الله فعقدَ لهم لواءً، وجعل شِعارَهُمْ يا عَشَرَةُ، وذكر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن خالدِ بن سِنانٍ العَبْسيّ الذي قَدَّمنا تَرْجَمَتَهُ في أيام الجاهليةِ، فذكروا أنه لا عقبَ له، وذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَهم يَرْصُدون عِيرًا لقريش قَدِمَتْ من الشَّامِ. وهذا يقتضي تقدُّمَ وِفَادَتِهم على الفَتْح، والله أعلم.

‌وَفْدُ بَني فَزارَةَ

قال الواقدي

(2)

: حدّثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي

(3)

: قال: لَمَّا رجعَ رسولُ الله من تَبوك، وكان سنةَ تسعٍ قَدِمَ عليه وَفْدُ بَني فَزارَةَ بضعةَ عشرَ رَجُلًا، فيهم: خارجةُ بن حصنٍ، والحارثُ بن قيس بن حِصْنٍ وهو أصْغَرُهم، على ركابٍ عِجافٍ، فجاؤوا مُقِرّين بالإسلام، وسألهم رسولُ الله عن بلادهم، فقال أحدُهم: يا رسول الله، أسْنَتَتْ بلادُنا، وهلكت مواشِينا، وأجدَب جَنابُنا

(4)

، وغرث

(5)

عيالنا، فادعُ اللهَ لنا، فصعِدَ رسولُ الله المنبرَ ودعا فقال: "اللهمّ اسقِ بلادَكَ وبهائِمَكَ، وانشُرْ رحمتَك، وأحْيِ بلدَكَ الميت، اللهم اسْقِنا غَيْثا مُغيثًا مَريئًا مَريعًا طَبَقًا

(6)

واسعًا، عاجلًا غير آجل، نافعًا غير ضارٍّ، اللهمّ اسقِنا سُقْيا رَحْمَةٍ، لا سُقْيا عذابٍ، ولا هَدْمٍ، ولا غَرَقٍ، ولا مَحَقٍ، اللهم اسْقِنا الغيث وانصُرْنا على الأعداء". قال فمَطَرَتْ، فما رأَوا السَّماءَ سَبْتًا

(7)

، فصعِدَ رسولُ الله المنبرَ، فدعا فقال: "اللهم حَوالَيْنا ولا عَلَيْنا، اللهم على الآكامِ والظِّرَاب

(8)

وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجرِ" فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب

(9)

.

(1)

انظر لتفصيل الخبر في طبقات ابن سعد (1/ 295 - 296).

(2)

انظر طبقات ابن سعد (1/ 297 - 298).

(3)

الإصابة (4/ 218).

(4)

طَ: (جناتنا) والجناب هو الناحية (كما في النهاية: جنب).

(5)

غرِث كفرح: جاع فهو غرثان وهي غرثى، والتغريث التجويع (القاموس: غرث).

(6)

مريئًا: حميد المغبة (اللسان: مرأ).

مريعًا: مخصبًا، ناجعًا (النهاية: 4/ 96).

طبقا: أي مالئًا الأرض مغطيًا عليها، يقال: غيث طبق أي عام واسع (النهاية 3/ 35).

(7)

سبتًا: برهة من الدهر (اللسان: سَبَتَ).

(8)

الظِّراب: الجبال الصغار.

(9)

وإسناده ضعيف، ولبعض الأقوال النبوية شواهد.

ص: 80

‌وَفْدُ بني مُرَّةَ

قال

(1)

الواقديّ

(2)

: إنَّهم قدموا سنةَ تسعٍ عند مَرْجِعِه من تَبوك، وكانوا ثلاثةَ عشرَ رجلًا، منهم الحارثُ بن عوف، فأجازهم عليه السلام بعشر أَواقٍ من فضة، وأعطى الحارثَ بن عوفٍ ثِنْتي عشرة أُوقية، وذكروا أن بلادَهم مُجْدبةٌ فدعا لهم. فقال:"اللَّهم اسقِهم الغَيْثَ"، فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

‌وَفْدُ بني ثَعْلَبَةَ

قال الواقدي

(3)

: حدّثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن رجلٍ من بني ثعلبة، عن أبيه قال: لمّا قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الجِعْرانة

(4)

سنةَ ثمانٍ، قَدِمْنا عليه أربعة نفر، فقلنا: نحن رسلُ مَنْ خَلْفَنا من قومنا، وهم يُقِرُّون بالإسلام، فأمر لنا بضيافة، وأقمنا أيامًا، ثم جِئْناهُ لنودِّعَه فقال لبلال: أجْزِهم كما تُجيزُ الوفد

(5)

، فجاء بنُقَر

(6)

من فضةٍ، فأعطى كل رجلٍ منا خمسَ أَواقٍ، وقال:"ليس عندنا دراهم" وانصرفنا إلى بلادنا.

‌وَفْدُ

(7)

بني محارب

قال الواقدي

(8)

: حدّثني محمد بن صالح، عن أبي وَجْزَة السَّعدي. قال: قدمَ وَفْدُ مُحارب سنةَ عشرِ في حجّةِ الوَداع، وهم عشرةُ نَفَرٍ، فيهم سواءُ بن الحارث

(9)

، وابنه خُزَيمةُ بن سواءٍ، فأُنْزِلُوا دارَ رملةَ بنتِ الحارث، وكان بلالٌ يأتيهم بغداءٍ وعشاءٍ، فأسلموا، وقالوا: نحن على مَنْ وراءنا، ولم يكن أحدٌ في تلك المواسم أفظَّ ولا أغْلَظَ على رسولِ الله منهم، وكانَ في الوفدِ رجلٌ منهم، فعرفه رسولُ الله

(1)

أ: (ذكر).

(2)

في طبقات ابن سعد (1/ 297).

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 298).

(4)

الجِعْرانة والجِعِرَّانة: مر ذكرها.

وقال ياقوت: بكسر أوله إجماعًا، ثم إنّ أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشددون راءه وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم، ويسكنون العين ويخففون الراء. ثم قال ياقوت: والذي عندنا أنهما روايتان جيدتان. وهي بلدة بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب (معجم البلدان).

(5)

طُ: (للوفد) وما هنا عن طبقات ابن سعد.

(6)

نقر من فضة: قطع مذابة (القاموس: نقر).

(7)

أ: (وفادة).

(8)

طبقات ابن سعد (1/ 299).

(9)

الإصابة (2/ 94) وأورد الخبر.

ص: 81

صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمدُ لله الذي أبقاني حتى صَدَّقْتُ بك. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه القلوبَ بيدِ اللهِ عز وجل" ومَسَحَ رسولُ الله وجهَ خُزَيْمةَ بن سَواءٍ فصارَتْ [له]

(1)

غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد، وانصرفوا إلى بلادهم.

‌وفد بني كلاب

ذكر الواقدي

(2)

أنَّهم قدموا سنةَ تسعٍ، وهم ثلاثةَ عشرَ رجلًا، منهم؛ لبيد بن ربيعة الشاعر، وجَبَّار بن سُلمى

(3)

، وكان بينه وبين كعب بن مالك خُلَّة، فرحَّب به، وأكرمه، وأهدى إليه، وجاؤوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّموا عليه بسلام الإسلام، وذَكَروا له أن الضَّحاكَ بن سُفْيان الكِلابي سار فيهم بكتاب الله وسُنَّةِ رسولهِ التي أمره اللهُ بها، ودعاهم إلى الله، فاستجابوا له، وأخذ صدقاتِهم من أغنيائهم فصرفها

(4)

على فقرائهم.

‌وَفْدُ بني رُؤاسِ بنِ

(5)

كِلاب

ثم ذكر الواقدي

(6)

أنَّ رجلًا يُقالُ له: عمرو بن مالك بن قيس بن بُجَيْد بن رُؤاس بن كلاب بن رَبيعةَ بن عامرِ بن صَعْصَعَة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم، ثم رجعَ إلى قومه فدعاهم إلى الله، فقالوا: حتى نُصيبَ من بني عُقَيْل مثلَ ما أصابوا منّا، فذكَر مقتلةً كانت بينهم، وأن عمرو بن مالكٍ، هذا قتلَ رجلًا من بني عُقَيْلٍ، قال: فشدَدْتُ يَدي في غُلٍّ، وأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وبلغَه ما صنعتُ، فقال: لئن أتاني لأضرب ما فوق الغُلِّ من يده، فلما جئتُ سلَّمتُ، فلم يرُدَّ عليَّ السّلامَ وأعْرضَ، فأتيتُه عن يمينه فأعرضَ عني، فأتيته عن يسارِهِ فأعرضَ عنّي، فأتيتُه من قبل وَجْهه، فقلتُ: يا رسولَ الله، إن الربّ عز وجل لَيُتَرَضَّى

(7)

فَيَرْضَى، فَارْضَ عنِّي رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، قال: "قد رَضِيتُ [عنك]

(8)

".

(1)

الزيادة من طبقات ابن سعد.

(2)

طبقات ابن سعد (1/ 300).

(3)

أسد الغابة (1/ 264)، والاستيعاب (229)، والإصابة (1/ 448).

(4)

ط: (فصرفوا).

(5)

ط: (من).

(6)

انظر طبقات ابن سعد (1/ 300) والإصابة (3/ 13) وفيه رواية مفصلة للخبر وتخريجاته.

(7)

ط: (ليرتضى).

(8)

الزيادة من طبقات ابن سعد.

ص: 82

‌وفْدُ بَني عُقَيْل بن كَعْب

ذكر الواقدي

(1)

أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقطعهم العَقيقَ -عَقيقَ بني عُقَيْل

(2)

- وهي أرض فيها نخيل وعيون، وكتب [لهم] بذلك كتابًا

(3)

: "بسم اللهِ الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمدٌ رسولُ الله ربيعًا ومُطَرِّفًا

(4)

وأنسًا، أعطاهم العقيقَ ما أقاموا الصَّلاة، وآتوا الزكاة، وسمعوا وأطاعوا، ولم يُعْطِهم حقًا لمسلم". فكان الكتاب في يد مُطَرِّف.

قال: وقدم عليه أيضًا لَقيطُ بن عامر بن المُنْتَفق بن عامر بن عُقَيْل وهو أبو رَزين، فأعطاه ماءً يقال له: النظيم

(5)

، وبايعه على قومه، وقد قدَّمنا قدومَه وقصّتَه وحديثَه بطوله، ولله الحمد والمنة.

‌وَفْدُ بني قُشَيْر بن كَعْب

(6)

وذلك قبلَ حَجَّةِ الوَداع، وقيلَ حُنَيْنٍ. فذكر فيهم، قُرَّة بن هُبَيْرة بن عامر

(7)

بن سَلَمَة الخَيْر بن قُشَيْر، فأسلم، فأعطاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكساهُ بُرْدًا، وأمره أن يليَ صَدَقاتِ قومه، فقال قُرَّة حين رَجَع:[الطويل]

حَبَاهَا رَسُولُ اللهِ إذْ نَزَلَتْ بِهِ

وَأمْكَنَها مِنْ نَائِلٍ غَيْرِ مُنْفَدِ

فَأضحَتْ برَوْضِ الخُضْرِ وَهْيَ حَثيثةٌ

وَقَدْ أنْجَحَتْ حَاجَاتِهَا مِنْ مُحَمَّدِ

عَلَيْهَا فَتى لا يُردِفُ الذَمَّ رَحْلَهُ

يُروِّي

(8)

لأمْرِ العَاجِزِ المُتَرَدِّدِ

(1)

طبقات ابن سعد (1/ 301) والزيادة منه.

(2)

قال ياقوت: قال السكوني: عقيق اليمامة لبني عقُيل. فيه قرى ونخل كثير، ويقال له: عقيق تمرة (معجم البلدان).

(3)

مجموعة الوثائق السياسية رقم (216) ص (234).

(4)

الإصابة (3/ 423) وفيه الخبر منقولًا عن ابن سعد.

(5)

ط: (فقال له النظيم) والنظيم: شعب فيه غدُر وقلات متواصلة بعضها ببعض من ماء الغدير. قال الحفصي: من قِلات عارض اليمامة المشهورة: الحمائم والحجائز والنظيم ومُطرِق (معجم البلدان).

(6)

انظر الخبر في طبقات ابن سعد (1/ 303) والإصابة (3/ 234) وفيه تخريجات الخبر.

(7)

ليس (بن عامر) في طبقات ابن سعد ولا في النسخة أ.

(8)

في طبقات ابن سعد والإصابة: (* تروك.).

ص: 83

‌وفْدُ بَني البَكَّاء

(1)

ذَكَرَ [الواقدي] أنَّهم قَدِموا سنةَ تسعٍ، وأنَّهُمْ كانوا ثلاثين رجلًا، فيهم معاويةُ بن ثَوْرِ بن

(2)

عِبادة

(3)

بن البكَّاء، وهو يومئذ ابن مئة سنة، ومعه ابنٌ له يُقال له: بِشْرٌ، فقال: يا رسولَ الله، إني أتَبَرَّكُ بمَسِّكَ وقد كبِرتُ، وابني هذا بَرٌّ بي، فامسحْ وَجْهَهُ، فَمَسَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَجْهَه، وأعطاه أعنزًا، وبرَّكَ عليهن، فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط ولا سنة، وقال: محمد بن بشر بن معاوية في ذلك

(4)

: [الكامل]

وأبي الذي مَسَحَ الرَّسُولُ برأسِهِ

ودَعا لَهُ بالخيْرِ وَالبَرَكاتِ

أعطاهُ أحْمدُ إذْ أتاهُ أعنُزًا

عُفْرا نَواحِل

(5)

لَسْنَ باللَّجَباتِ

(6)

يَملأنَ رِفْدَ

(7)

الحي كُّلَ عَشِيَّةٍ

ويعود ذَاكَ المَلءُ بالغَدَواتِ

بُورِكْنَ مِنْ مِنَح وَبُورِكَ مَانِحًا

وَعَلَيْهِ مِنِّي ما حَييتُ صَلاتِي

‌وفد كِنانة

روى الواقدي بأسانيده

(8)

أنّ واثلة بن الأسقع الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهَّزُ إلى تبوك، فصلَّى معه الصُّبح، ثم رجع إلى قومه فدعاهم، وأخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبوه: واللهِ لا أُكلِّمُكَ

(9)

أبدًا، وسمعت أختُه كلامَه، فأسلمَتْ، وجهَّزَتْه حتى سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وهو راكبٌ على بعيرٍ لكعب بن عُجْرَة، وبَعَثَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى أُكَيْدِر دُومة

(10)

، فلما رجعوا عَرَض واثلةُ على كعب بن عُجْرة ما كان شارَطَهُ عليه من سهم

(11)

، فقال له كعب: إنما حملتك لله عز وجل.

(1)

الخبر في طبقات ابن سعد (1/ 304) والإصابة (3/ 430).

(2)

بعدها في ط: (معاوية بن) وهي زيادة انظر الاستيعاب (1413) وطبقات ابن سعد (1/ 304).

(3)

قال في الإصابة: "عِبادة: ضبطها العقيلي بكسر العين".

(4)

طبقات ابن سعد (1/ 304) والإصابة (3/ 430) وأورد البيت الأول فقط كل من القفطي في المحمدون من الشعراء (430)، والمرزباني في معجم الشعراء (350).

(5)

ط، أ:(نواحل) وفي الطبقات: (نواجل) وما أثبته عن الإصابة وهو الأشبه. الثجل: عظم البطن واسترخاؤه (اللسان: ثجل).

(6)

ط، أ:(باللحيات) وما أثبته من الطبقات واللجبات: اللجبة الشاة قل لبنها والغزيرة ضدٌ (القاموس: لجب).

(7)

في أ، ط:(وفد) وما هنا عن الإصابة والرفد: القدح العظيم الضخم (اللسان: رفد).

(8)

مغازي الواقدي (1028)، وطبقات ابن سعد (1/ 305 - 306).

(9)

أ، ط:(لا أحملك) وما هنا عن المغازي والطبقات.

(10)

أكيدر: هو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكًا عليها (سيرة ابن هشام 4/ 181) ودومة: من القريات من وادي القرى إلى تيماء أربع ليالٍ (معجم البلدان).

(11)

أ: (من سهمه من الغنيمة).

ص: 84

‌وفد أشْجَع

ذكر الواقديُّ

(1)

أنهم قَدِموا عامَ الخندَقِ وهم مئة رجل، ورئيسُهم مَسْعُود بن رُخَيْلة، فنزلوا شعب سَلْع، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بأحْمال التَّمرِ، ويقال: بل قدموا بعدَما فرغ من بني قُرَيْظَة، وكانوا سبعمائة رجل، فوادَعَهُم ورجعوا، ثم أسلموا بعد ذلك.

‌وَفْدُ باهلة

(2)

قدم رئيسهم مُطرِّف بن الكاهِن بعدَ الفَتْح فأسلَم، وأَخَذَ لقومه أمانًا، وكتب له كتابًا فيه الفرائضُ وشرائعُ الإسلام، كتبه عثمانُ بن عَفّان رضي الله عنه.

‌وَفْدُ بني سُلَيْم

قال

(3)

: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سُلَيْم يقال له: قيس بن نُشْبة، فسمع كلامَهُ، وسأله عن أشياء، فأجابه، ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلم، ورجع إلى قومه بني سُليم فقال: سمعتُ تَرْجَمة الرُّوم وهَيْنَمَة فارس وأشعار العرب وكَهانة الكُهّان وكلامَ مَقاول حمير

(4)

، فما يشبه كلامُ محمدٍ شيئًا من كلامهم، فأطيعوني، وخذوا بنصيبكم منه، فلما كان عامُ الفتح خرجَتْ بنو سُلَيْم، فلقوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بقُديد

(5)

، وهم سبعمائة

(6)

. ويقال: كانوا ألفًا، وفيهم العَبّاس بن مِرْداس وجماعة من أعيانهم، فأسْلَموا، وقالوا: اجعلنا في مُقَدَّمتك، واجعلْ لواءَنا أحمرَ وشعارَنا مقدَّمًا، ففعل ذلك بهم، فشهدوا معه الفتحَ والطَّائِفَ وحُنَيْنًا وقد كان راشدُ بن عبد ربّه السُّلَمي يعبد صَنَمًا، فرآه يومًا وثعلبان يبولان عليه فقال:[الطويل]

أرَبٌّ يَبُول الثَّعْلَبانِ بِرأسِهِ

لَقَد زَلَّ منْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعالِبُ

ثم شدَّ

(7)

عليه فكسره، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما اسمك؟ " قال: غاوي بن عبد العُزّى، فقال:"بل أنت راشدُ بن عبد رَبِّه" وأقطعه موضعًا يقال له: رُهاط،

(1)

طبقات ابن سعد (1/ 306) والإصابة (3/ 410).

(2)

طبقات ابن سعد (1/ 307) والإصابة (3/ 423).

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 307) والإصابة (3/ 260).

(4)

مقاول: ملوك (القاموس: قول).

(5)

قديد: موضع قرب مكة (معجم البلدان).

(6)

في طبقات ابن سعد: (تسعمائة).

(7)

ط: (ثم شهد) وهو تحريف.

ص: 85

فيه

(1)

عَيْنٌ تَجْري، يقال لها: عَيْنُ الرَّسول

(2)

، وقال: هو خير بني سليم، وعقد له على قَوْمِهِ، وشهدَ الفَتْحَ وما بعدَها.

‌وَفدُ بني هِلالِ بن عامِرٍ

وذَكَرَ في وَفْدِهِم

(3)

: عبدَ عَوْف بن أصرم

(4)

، فأسلمَ، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وقَبيصَةَ بن مُخارِقٍ

(5)

الذي له حديثٌ في الصدقات

(6)

، وذكَرَ في وَفْدِ بني هلالٍ زيادَ بن عبدِ الله بن مالكِ بن بُجَيْر بن الهُزَم

(7)

بن رُؤيْبَة بن عبد الله بن هِلالِ بن عامِر، فلما دخل المدينة يمم

(8)

منزل خالته ميمونة بنت الحارث، فدخل عليها، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله رآه، فغضب ورجع، فقالت: يا رسول الله! إنه ابن أختي، فدخل ثم خرج

(9)

إلى المسجد، ومعه زياد، فصلَّى الظُّهْر، ثم أدنى

(10)

زيادًا، فدعا له، ووضع يده على رأسه، ثم حَدَرَها على طرفِ أنفه، فكانت بنو هلالٍ تقول: مازلنا نتعرَّف البركة، في وجه زيادٍ. وقال الشاعر لعليِّ بن زياد:[الكامل]

يا بن

(11)

الَّذي مَسَحَ الرَّسولُ بِرَأسِهِ

وَدَعا لَهُ بالخَيْرِ عِنْدَ المَسْجِدِ

(1)

في ط: (رهاطًا) وهو موضع على ثلاث ليال من مكة. كما في معجم البلدان.

(2)

في أ: عين الرسوب وأثبتنا ما في ط وطبقات ابن سعد.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 309).

(4)

الإصابة (2/ 275).

(5)

تقريب التهذيب (305) والإصابة (3/ 222).

(6)

والحديث: عن قبيصة عن مخارق رضي الله عنه قال: تحملت حَمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حَمَالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتًا. رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 477 و 5/ 60) ومسلم في صحيحه برقم (1044) في الزكاة باب من تحلّ له المسألة وأبو داود في سننه برقم (1640) في الزكاة باب ما تجوز فيه المسألة والنسائي في سننه (5/ 96، 97) في الزكاة باب فضل من لا يسأل الناس شيئًا.

(7)

ط: (الهدم). وانظر جمهرة أنساب العرب (274).

(8)

أ: (تيمم) وهما بمعنى.

(9)

أ: (ثم رجع).

(10)

ط: (ثم أدناه).

(11)

ط: (إنّ الذي).

ص: 86

أعني زيادًا لا أريدُ سِواءَهُ

مِنْ غَائرٍ أو

(1)

مُتْهمٍ أو مُنْجِدِ

ما زَالَ ذَاكَ النُّورُ في عِرْنينه

حَتَّى تَبوَّأ بَيتَهُ في مُلْحَدِ

(2)

‌وَفْدُ بني بَكْرِ بن وائِلٍ

ذكر الواقدي

(3)

أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قُسِّ بن سَاعِدَة

(4)

، فقال: ليس ذاك منكم، ذاكَ رجلٌ من إيادٍ تَحَنَّفَ في الجاهلية، فوافى عُكاظًا

(5)

، والناسُ مجتمعون، فكلمهم بكلامه الذي حُفِظَ عنه. قال: وكان في الوَفْدِ بَشير بن الخَصَاصية

(6)

وعبدُ الله بن مَرْثَدٍ وحسانُ بن خُوْط

(7)

، فقال رجل من ولد حسان

(8)

:

أنا ابن

(9)

حَسَّانَ بنِ خُوطٍ وأبي

رَسُولُ بَكْرٍ كُلِّها إلى النَّبي

‌وَفْدُ بني تَغْلِبَ

ذَكَرْ

(10)

أنَّهُمْ كانوا ستةَ عشر رجلًا مسلمين ونصارى عليهم صُلُبُ الذهب، فنزلوا دارَ رَمْلَةَ بنت الحارث، فصالح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّصارى على أن لا يَصْبغوا أولادَهم في النّصرانية، وأجاز

(11)

المسلمين منهم.

(1)

ليس لفظ (أو) في ط: ولا يستقيم الوزن بدونها.

(2)

عرنين الأنف: ما تحت مجتمع الحاجبين وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشحم (اللسان: عرن) وملحد: اسم المكان من اللحد وهو القبر.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 315).

(4)

قس بن ساعدة: أحد حكماء العرب ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، طالت حياته.

(5)

ط: (عكاظ) خطأ.

(6)

هو بشير بن معبد، ويقال ابن نذير السدوسي المعروف بابن الخصاصية (الإصابة 1/ 159).

(7)

أ، ط:(حوط). وما أثبته عن الاستيعاب (351) والإصابة (2/ 65) وأسد الغابة (2/ 8).

(8)

في أسد الغابة: هو بشر بن حسان.

(9)

في ط: (أنا وحسان) وما أثبته عن مصادره.

(10)

طبقات ابن سعد (1/ 316).

(11)

ط: (على ألا يضيعوا أولادهم في النصرانية وأجاز) قال الأزهري: وسمّت النصارى غمسهم أولادهم في الماء صبغًا لغمسهم إياهم فيه (اللسان: صبغ).

ص: 87

‌وفاداتُ أهْل اليَمن: وَفْدُ تُجِيب

ذكر الواقدي

(1)

أنّهُمْ قَدِموا سنة تسعٍ، وأنهم كانوا ثلاثةَ عشرَ رَجُلًا، فأجازهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(2)

أكثر ما أجازَ غَيْرَهُمْ، وأنَّ غُلامًا منهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما حاجَتُكَ؟ " فقال: "يا رسولَ الله! ادْعُ اللهَ يَغْفِرْ لي ويَرْحَمْني، ويَجْعَلْ غِناي في قلبي، فقال: "اللهم اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ، واجْعَلْ غِناهُ في قَلْبه". فكان بعد ذلك من أزهد الناس.

‌وَفْدَ خَوْلان

ذَكَر [الواقدي]

(3)

أنَّهم كانوا عَشرةً، وأنَّهم قدموا في شعبان سنة عشرٍ، وسألهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صنمهم الذي كان يُقال له: عَمُّ أَنَس، فقالوا: أُبْدِلْنا به

(4)

خيرًا منه، ولَوْ قَدْ رَجَعْنا لَهَدَمْناهُ. وَتَعَلَّموا القُرآنَ والسُّنَنَ، فلمّا رَجَعوا هَدَموا الصَّنم، وأَحَلُّوا ما أَحَلَّ اللهُ وَحرَّمُوا ما حَرَّمَ الله

(5)

.

‌وَفْدُ جُعْفي

ذَكَرَ [الواقدي]

(6)

أنَّهُمْ كانوا يُحرِّمون أكلَ القَلْبِ، فلما أسلم وَفْدُهُمْ أمَرَهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأَكْلِ القَلْبِ، وأمر به فشُوي، وناوله رئيسَهم وقال:"لا يتمّ إيمانُكُم حتّى تَأْكُلوه" فأخذه ويدُه تُرْعَدُ فَأَكَلَهُ وقال: [الوافر]

عَلَى أنِّي أكَلْتُ القَلْبَ كُرْهًا

وتُرْعَدُ حِيْنَ مَسَّتْهُ بَنَانِي

‌فصل في قدوم الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

ذكر أبو نُعيم في كتاب "معرفة الصحابة"، والحافظ أبو موسى المديني، من حديث أحمد بن

(1)

طبقات ابن سعد (1/ 323).

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 324).

(4)

ط: (أبدلناه).

(5)

سقط خبر وفد خولان من أ.

(6)

طبقات ابن سعد (1/ 324).

ص: 88

أبي الحَواري قال: سمعت أبا سليمان الدارانيّ قال: حدّثني عَلْقَمةُ بن يزيد

(1)

بن سُوَيْد الأزْدي قال: حدّثني أبي، عن جَدّي سُوَيْد

(2)

بن الحارث قال: وَفدْتُ سابعَ سبعةٍ من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخلنا عليه وكَلَّمْناه فأعجبه ما رأى من سَمْتِنا وزِيِّنا، فقال:"ما أنتم؟ " قلنا: مؤمنون. فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن لكلِّ قولٍ حقيقةً، فما حقيقةُ

(3)

قولِكُمْ وإيمانِكُم؟ " قلنا: خَمسَ عشرَةَ خَصْلةً؛ خَمْسٌ منها أمَرَتْنا بها رُسُلُك أن نؤمن بها، وخَمْسٌ أمَرَتنا أن نعملَ بها، وخَمْسٌ تَخَلَّقْنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تَكْرَهَ منها شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الخمس

(4)

التي أمرتْكم بها رسلي أن تُؤْمِنوا بها؟ " قلنا: أَمَرَتْنا أن نُؤْمِنَ باللهِ وملائِكَتِهِ وكتبهِ ورسلِه والبعثِ بعد الموت. قال: "وما الخَمْسُ

(5)

التي أمَرَتْكُمْ أن تَعْمَلوا بها؟ " قلنا أمَرَتْنا أن نقولَ: لا إله إلا الله، ونقيمَ الصَّلاةَ، ونُؤْتي الزَّكاةَ، ونَصومَ رمضان، ونَحُجَّ البيتَ منِ اسْتَطاع إليه سبيلًا. فقال: "وما الخَمْس التي

(6)

تَخَلَّقْتُمْ بها في الجاهلية؟ ". قالوا: الشكرُ عندَ الرَّخاء، والصَّبْرُ عندَ البلاء، والرِّضى بمُرِّ القضاء، والصِّدْقُ في مواطِنِ اللِّقاء، وَتركُ الشَّماتَةِ بالأعْداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُكماءُ عُلماءُ كادوا من فِقْهِهِمْ أن يكونوا أنبياءَ" ثم قال: "وأنا أزيدُكُمْ خَمْسًا، فَتتمَّ لكم عشرون خَصْلَةً إن كنتم كما تقولون: فلا تَجْمَعوا ما لا تَأْكلون، ولا تَبْنُوا ما لا تَسْكُنون، ولا تنافَسوا في شيء أنتم عَنْهُ غَدًا تزولون، واتَّقُوا اللهَ الذي إليه تُرْجَعون، وعليه تُعْرضون، وارْغَبوا فيما عليه تُقدِمون، وفيه تخلُدون". فانصرفَ القومُ من عندِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وحَفظوا وَصِيَّته، وعَمِلوا بها

(7)

.

‌ثم ذكر: وَفْدَ كِندة

(8)

وأنَّهم كانوا بِضْعَةَ عشرَ راكبًا، عليهم الأشعثُ بن قَيْس، وأنه أجازَهُمْ بعَشرِ أَوَاق، وأجاز الأشعث ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّة، وقد تقدم.

(1)

في ط: مرثد.

(2)

في ط: عن جدي عن سويد.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (فالخمسة).

(5)

ط: (وما الخمسة).

(6)

ط: (وما الخمسة الذي).

(7)

في الإصابة (2/ 98): "رواه أبو أحمد العسكري من طريق أحمد بن أبي الحواري، وساقه الرشاطي وابن عساكر من وجهين آخرين عن أحمد بن أبي الحواري. ورواه أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى من وجه آخر عن أحمد بن أبي الحواري، فقال: علقمة بن سويد بن علقمة بن الحارث فذكر أبو موسى في الذيل: علقمة بن الحارث بسبب ذلك والأول أشهر". قال بشار: الحديث ضعيف لجهالة واحد من رواته.

(8)

طبقات ابن سعد (1/ 328).

ص: 89

‌وفد الصَّدِف

(1)

قَدِموا في بِضْعَةَ عَشرَ راكبًا، فصادفوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ على المنبر، فَجَلسوا ولم يُسَلِّموا، فقال:"أمُسْلِمون أنتم؟ " قالوا: نَعَمْ، قال:"هَلَّا سلّمتم! " فقاموا قيامًا، فقالوا: السَّلامُ عليكَ أيها النبي ورحمةُ الله وبركاتُهُ، فقال:"وعليكُمُ السَّلامُ، اجلسوا"، فجلسوا، وسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أوقاتِ الصَّلَواتِ.

‌وفد خُشَيْن

قال

(2)

: وقدم أبو ثَعْلَبة الخَشَني، ورسولُ اللهِ يُجَهِّز إلى خَيْبَر، فشهدَ معه خَيْبَر، ثم قدمَ بعد ذلك بضعةَ عشرَ رجلًا منهم فأَسْلَموا.

‌وفد بني سعد

ثم ذكر وفد بني سعد هُذَيم

(3)

وبَلِيّ

(4)

وبَهْراء

(5)

، وبني عُذْرة

(6)

، وسَلامان

(7)

، وجُهينة

(8)

وبني كلْب

(9)

والجَرْميِّين

(10)

، وقد تقدم حديثُ عَمْرو بن سَلِمَة الجَرْمي في "صحيح البخاري"

(11)

.

* * *

وذكر: وفد الأزدِ

(12)

، وغَسّان

(13)

، والحارث بن كعب

(14)

، وهَمْدان

(15)

، وسعد

(1)

طبقات ابن سعد (1/ 329) وجمهرة أنساب العرب (461) وفي التاج: صدف: "الصدف ككتف؛ بطن من كنده".

(2)

يعني الواقدي، وخبره في طبقات ابن سعد (1/ 329)، والإصابة (4/ 29) وجمهرة أنساب العرب (454).

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 329).

(4)

نفسه 1/ 330.

(5)

نفسه 1/ 331.

(6)

نفسه 1/ 331.

(7)

نفسه 1/ 332.

(8)

نفسه 1/ 333.

(9)

نفسه 1/ 334.

(10)

نفسه 1/ 335 - 337.

(11)

رواه البخاري رقم (4302).

(12)

طبقات ابن سعد 1/ 337.

(13)

نفسه 1/ 338.

(14)

نفسه 1/ 339.

(15)

نفسه 1/ 340.

ص: 90

العَشيرة

(1)

، وَعَنْس

(2)

، ووفد الدَّارييّن

(3)

، والرَّهاويّين

(4)

، وبني غامد

(5)

، والنَّخَغ

(6)

، وبَجِيْلة

(7)

، وخَثْعم

(8)

وحَضْرَموت

(9)

، وذكر فيهم وائل بن حُجْر

(10)

وذكر فيهم الملوك الأربعة جَمْدًا

(11)

ومِخْوسًا ومِشْرَحًا وأبْضَعَة

(12)

، وقد ورد في مسند أحمد لعنُهم مع أخْتِهم العَمَرَّدة

(13)

وتكلَّم الواقديُّ كلامًا فيه طولٌ.

وذكرَ

(14)

وفدَ أزدِعُمَان، وغافِقٍ، وبارقٍ، ودَوْسٍ، وثُمالةَ، و الحُدَّان، وأسْلَم، وجُذَام، ومَهْرَة، وحِمْير، ونَجْران، وجَيْشان. وبَسْطُ الكلامِ على هذه القبائل يَطولُ جدًا. وقد قدمنا بعض ما يتعلقُ بذلك، وفيما أوردناه كفايةٌ، والله تعالى أعلم.

ثم قال الواقدي

(15)

:

‌وَافِدُ السباع

حدّثني شعيب بن عُبادة، عن المُطَّلِب بن عبد الله بن حَنْطَب

(16)

قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بالمدينة في أصحابه أقْبَلَ ذِئْبٌ، فوقف بين يَدَيْهِ، فَعَوَى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا وافِدُ السِّباع إليكم، فإنْ أحْبَبْتُمْ أن تَفْرِضوا له شيئًا لا يَعْدُوه إلى غيره، وإن أحْبَبْتُمْ تَرَكْتُموه، وتحذرتم

(17)

منه، فما أَخَذَ فهو رزقُه".

(1)

نفسه 1/ 342.

(2)

نفسه 1/ 342 ووقع في ط "قيس" وهو تحريف.

(3)

نفسه 1/ 343.

(4)

نفسه 1/ 344.

(5)

نفسه 1/ 345.

(6)

نفسه 1/ 346.

(7)

نفسه 1/ 347.

(8)

نفسه 1/ 348.

(9)

نفسه 1/ 349.

(10)

جمهرة أنساب العرب (460)، والإصابة (3/ 628).

(11)

ط: (جميدًا) أ: (حمدًا). وانظر جمهرة ابن حزم (428).

(12)

جمهرة أنساب العرب (428) وفيه أنهم "وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا فقتلوا كلهم" وقد ورد تفصيل أخبار هذه الوفود المذكورة في طبقات ابن سعد (1/ 329 - 351).

(13)

ط: (نعتهم مع أخيهم الغمر) وانظر المسند (4/ 387)، وإسناده صحيح.

(14)

يعني: الواقدي، وذكر هذه الوفود كلها في طبقات ابن سعد (1/ 351 - 358).

(15)

طبقات ابن سعد (1/ 359).

(16)

تهذيب التهذيب (10/ 178).

(17)

في طبقات ابن سعد "وتحرزتم".

ص: 91

قالوا: يا رسول الله، ما تطيبُ أنفسُنا له بشيء، فأومأ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصابعه الثلاثِ، أي: خَالِسْهم، فولّى وله عَسَلان

(1)

.

وهذا مرسل من هذا الوجه، ويشبه هذا الذئبُ الذئبَ الذي ذُكر في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد

(2)

، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا القاسم بن الفضل الحُدَّاني

(3)

، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد الخُدْري قال: عدا الذئب على شاةٍ فأخذَها، فطلبها الرَّاعي، فانتزَعَها منه، فأقعى الذئب على ذَنَبه فقال: ألا تتقي اللهَ، تنزع مني رزقًا ساقَه الله إليّ، فقال: يا عجبًا ذئب مُقْعٍ على ذَنَبه، يُكلِّمُني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أُخْبِرُك بأعجبَ من ذلك، محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثربَ يُخْبِرُ النّاسَ بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوقُ غَنمَه، حتى دخل المدينةَ، فزواها إلى زاويةٍ من زواياها، ثم أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للأعرابي: أخبرهم، فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ، والذي نَفْسي بيده، لا تقومُ الساعةُ حتَّى تكلّم السِّباعُ الإنسَ وتكلِّمَ الرجلَ عذبةُ سوطه

(4)

وشِراكُ نَعْلِهِ، وتخبره فَخِذُه بما أحدثَ أهلهُ بعده".

وقد رواه الترمذي

(5)

عن سفيان بن وكيع بن الجّراح، عن أبيه، عن القاسم بن الفضل به. وقال: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ، لا نعرفُه إلا من حديث القاسم بن الفضل به، وهو ثقةٌ مأمونٌ عند أهل الحديث، وثَّقه يحيى وابن مهدي.

قلت: وقد رواه الإمام أحمد

(6)

أيضًا، حدّثنا أبو اليَمان، أنبأنا شعيب هو ابنُ أبي حَمزة، حدّثني عبد الله بن أبي الحسين، حدّثني شَهْرَ

(7)

أنّ أبا سعيد الخُدْري حدثه، فذكر هذه القصة بطولها، بأبسط من هذا السياق. ثم رواه أحمد

(8)

، حدّثنا أبو النَّضْر، حدّثنا عبد الحميد بن بَهْرام

(9)

، حدّثنا شهر،

(1)

عسل الذئب يعسل عَسَلًا وعَسَلانًا: اضطرب في عدوه وهزَّ رأَسه (القاموس: عسل).

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 83)، وهو حديث صحيح.

(3)

ط: (الخراني) والتصحيح من المسند، وانظر: تهذيب التهذيب (8/ 329).

(4)

عذبة سوطه: طرفه، والجمع عَذَبٌ والعذبة أحد عذبتي السوط (اللسان: عذب).

(5)

سنن الترمذي رقم (2182) في كتاب الفتن، باب ما جاء في كلام السباع.

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 88)، وفي سنده شهر بن حوشب، وهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ويشهد لأكثره حديث أبي سعيد الخدري الذي:(مهران أنبأنا أبو سعيد) وانظر: تهذيب التهذيب (4/ 369).

(7)

ط: (مهران أنبأنا أبو سعيد) وانظر: تهذيب التهذيب (4/ 369).

(8)

مسند الإمام أحمد (3/ 89)، وفي سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ويشهد لمعناه حديث أبي سعيد الخدري الذي قبله.

(9)

ط: (هبرام) تحريف.

ص: 92

قال: وحدّث أبو سعيد، فذكره، وهذا السياق أشبهُ، والله أعلم، وهو إسنادٌ على شرطِ أهلِ السُّنَنِ، ولم يخرجوه.

‌فصل

وقد تقدَّم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة، وقد تَقَصَّينا الكلام في ذلك أيضًا

(1)

عند قوله تعالى في سورة [الأحقاف: 29]{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}

(2)

فذكرنا ما وردَ من الأحاديثِ في ذلك والآثار، وأوردنا حديثَ سَوادِ بن قارِبٍ الذي كان كاهنًا فأسلم وما رواه عن رَئيِّه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم الرَّئِي

(3)

حين قال له: [من السريع]

عَجِبْتُ لِلْجنِّ وَأنْجَاسِهَا

وَشَدِّهَا العِيسَ بِأَحْلاسِهَا

(4)

تَهْوي إلى مَكَّةَ تَبْغي الهُدَى

ما مُؤْمنُ الجِنِّ كَأَرْجاسِهَا

فَانهَضْ إلى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إلى رَاسِهَا

ثم قوله:

عَجِبْتُ لِلْجنّ وَتَطْلابِهَا

وَشَدِّهَا العِيسَ بأقتَابِهَا

(5)

تَهْوي إلى مَكَّة تَبْغي الهُدَى

لَيْسَ قُداماها

(6)

كأْذنَابِهَا

فانهضْ إلى الصَّفْوةِ مِنْ هَاشِمٍ

وَاسْم بِعَيْنَيْكَ إلى نابِها

(7)

ثم قوله:

عَجِبْتُ لِلْجنِّ وَتخْبَارِهَا

وَشَدِّهَا العِيسَ بأكْوَارِهَا

(8)

تَهْوي إلى مَكَّةَ تَبْغي الهُدى

لَيْسَ ذَوُو الشرِّ كَأخْيَارِهَا

فانهضْ إلى الصَّفْوَةِ منْ هَاشِمٍ

ما مُؤْمنُو الجِّنِ كَكُفَّارهَا

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

تفسير ابن كثير (4/ 168).

(3)

الرِّئيّ كغنيّ ويكسر: جني يُرى (القاموس: رأى) والأبيات الثلاثة الأولى في الإصابة (2/ 96).

(4)

أحلاس: مفردها حِلس بالكسر: كساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حُرِّ الثياب ويُحرَّك (القاموس: حلس).

(5)

أقتاب: مفردها قِتْب وفي الصحاح: رحل صغير على قدر السنام (اللسان: قتب).

(6)

ط: (قدّامها).

(7)

ط: (بابها).

(8)

أكوار: مفردها الكُور بالضم: الرحل وقيل الرحل بأداته وهو كالسرج وآلته للفرس (اللسان: كور).

ص: 93

وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة، وقد قرَّرنا ذلك هنالك بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق.

وقد أوردَ الحافظُ أبو بكر البيهقي

(1)

ها هنا حديثًا غريبًا جدًا بل منكرًا، أو موضوعًا، ولكنَّ مخرجه عزيزٌ، أحْببنا أن نوردَه كما أوردَه، والعجبُ منه فإنَّه قال في "دلائل النبوة": باب قُدومِ هامة بن الهَيْم

(2)

بن لاقيس بن إبليس على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإسلامه. أخبرنا أبو الحسن

(3)

محمد بن الحسين بن داود العَلَوي رحمه الله، أنبأنا أبو نصر محمد بن حَمْدَوَيْه بن سهلٍ الفَازِيّ

(4)

المروزي، حدّثنا عبد الله بن حماد الآمُلي، حدّثنا محمد بن أبي معشر، أخبرني أبي، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه:

بينا نحن قعودٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبلٍ من جبال تِهامة، إذ أقبل شيخٌ بيده عصًا فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردّ، ثم قال:"نَغْمَةُ جنٍّ وغَمْغَمَتُهُم. من أنت؟ " قال: أنا هامة بن الهَيم بن لاقيس بن إبليس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فما بينك وبين إبليس إلّا أبوان. فكم أتى عليك

(5)

من الدهر؟ " قال: قد أفنيتُ الدنيا عمرَها إلا قليلًا، ليالي قتل قابيلُ هابيلَ كنت غلامًا ابن أعوام، أفهَمُ الكلامَ، وأمرُّ بالآكام، وآمر بإفساد الطَّعام وقطيعة الأرحام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس عمل الشيخ المتوسِّم، والشاب المتلوِّم

(6)

" قال: ذرني من الترداد، إنّي تائبٌ إلى الله عز وجل، إنّي كنتُ مع نوحٍ في مسجدِه مع مَنْ آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبُه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني، وقال: لا جرم، إنّي على ذلك من النادمين، وأعوذُ بالله أن أكون من الجاهلين، قال: قلت: يا نوح، إني كنت ممن اشترك في دم السّعيد الشّهيد هابيلَ بن آدم، فهل تجد لي عندك

(7)

توبة؟ قال: يا هامُ، هُمَّ بالخير، وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله عليَّ أنَّه ليس من عبد تاب إلى الله بالغٌ أمرُه ما بلغَ إلا تابَ الله عليه، قُمْ، فَتَوضَّأْ، واسْجُدْ لله سَجْدَتَيْنِ. قال: ففعلتُ من ساعَتي ما أمرني به، فناداني: ارفَعْ رَأسَكَ، فقد نَزَلَتْ توبتُكَ من السَّماءَ، فَخَرَرْتُ لله ساجدًا. قال: وكنتُ مع هودٍ في مسجده، مع منْ آمنَ به من قومه، فلم أزَلْ

(1)

دلائل النبوة (5/ 418 - 420).

(2)

أ: (الهيم)، وط:(الهيثم) وفي الإصابة (3/ 594)(هامة بن أهيم) وما أثبته عن "دلائل النبوة" مصدر المؤلف.

(3)

في دلائل النبوة: (أبو الحسين) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 98).

(4)

أ، ط:(القادي) تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (15/ 80) وفيه (الفازي نسبة إلى قرية فاز وبعضهم يقول الغازي). وفاز، بلدة بنواحي مرو (معجم البلدان: فاز).

(5)

ط: (لك).

(6)

المتوسم: المتحلي بسمة الشيوخ (النهاية: وسم) المتلومِّ: المتعرِّض للأئمة في الفعل السّيِّء. ويجوز أن يكون من اللؤمة وهي الحاجة، أي المنتظر لقضائها (النهاية: لوم).

(7)

في دلائل النبوة "عند ربك".

ص: 94

أعاتِبُهُ على دَعْوَتِهِ على قَوْمِهِ حتى بكى عليهم وأبكاني، فقال: لا جرَم، أنّي على ذلك من النّادمين، وأعوذُ بالله أن أكونَ من الجاهِلين، قال: وكنتُ مع صالح في مَسْجِدِه، مع منْ آمنَ به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دَعْوته على قومه حتى بكى وأبكاني، وقال: أنا عَلَى ذلك من النادمين، وأعوذُ بالله أنْ أكونَ من الجاهلين، وكنتُ أزورُ يعقوبَ، وكنتُ مع يوسفَ في المكانِ الأمينِ، وكنتُ ألقى إلياسَ في الأودية، وأنا ألقاه الآن، وإني لقيتُ موسى بن عِمران، فعلَّمني من التَّوراة، وقال: إن لقيتَ عيسى ابن مريم فَأَقْرِئْهُ منِّي السَّلام، وإنّي لقيتُ عيسى ابن مريم فأقرأتُهُ عن موسى السلام، وإن عيسى قال: إن لقيتَ محمدًا صلى الله عليه وسلم فَأَقْرِئْهُ مني السَّلام.

فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَيْنَيْه فبكى، ثم قال: وعلى عيسى السلام ما دامتِ الدُّنْيا، وعليكَ السلام يا هامُ بأدائِكَ الأمانة. قال: يا رسول الله، افعل بي ما فعل موسى، إنِّه عَلَّمني من التوراة. قال: فعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا وقَعَتِ الواقعةُ"، "والمرسلات"، "وعم يتساءلون"، و"إذا الشمس كورت"، والمعوذتين، "وقل هو الله أحد"، وقال:"ارفَعْ إلينا حاجتَك يا هامة، ولا تَدَعْ زيارَتنا". قال عمر: فقُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يَعُدْ إلينا، فلا ندري الآن أحيٌّ هو أم ميتٌ؟

ثم قال البيهقي

(1)

: أبو مَعْشَر هذا قد روى عنه الكِبَارُ، إلا أنَّ أهلَ العِلْم بالحديث يضعِّفونه. وقد رُوي هذا الحديثُ من وجهٍ آخر هو أقوى منه. والله أعلم.

* * *

(1)

دلائل النبوة (5/ 420).

ص: 95

‌سنة عشر من الهجرة

‌باب بعث رسول الله خالد بن الوليد

(1)

قال ابن إسحاق

(2)

:

ثم بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جُمادى الأولى سنةَ عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يَدْعوَهم إلى الإسلام -قبل أن يُقاتلهم- ثلاثًا، فإن استجابوا فاقْبلْ منهم، وإن لم يفعلوا فقاتِلْهُمْ. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الرُّكْبانَ يَضْربون في كلِّ وجهٍ، ويَدْعون إلى الإسلام، ويقولون: أيُّها الناسُ، أسْلِموا تَسْلَموا. فأسلمَ الناسُ، ودخلوا فيما دُعُوا إليه، فأقام فيهم خالدٌ يعلِّمُهم الإسلامَ وكتابَ الله وسنةَ نبيّه صلى الله عليه وسلم، كما أمَرَهُ رسولُ الله إن هم أسْلَموا ولم يُقاتِلوا. ثم كتبَ خالدُ بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

:

بسم الله الرحمن الرحيم: إلى محمد

(4)

النبي رسول الله من خالد بن الوليد، السلامُ عليكَ يا رسولَ الله ورحمةُ الله وبركاتُه، فإنِّي أحمدُ إليكَ اللهَ الذي لا إله إلا هو، أما بعدُ، يا رسولَ الله، صلَّي الله عليك، فإنِّك بَعَثْتَني إلى بني الحارث بن كعب وأمَرْتَني، إذا أتيتُهم أن لا أقاتِلَهُمْ ثلاثةَ أيامٍ، وأن أدعوَهم إلى الإِسلام، فإن أسْلَموا قبلتُ منهم، وعَلَّمتُهم معالِمَ الإسلامِ وكتابَ الله وسنَّةَ نبيّه، وإن لم يُسْلِموا قاتَلْتُهُمْ، وإني قَدِمْتُ عليهم فَدَعَوْتُهم إلى الإسلام ثلاثةَ أيامٍ كما أَمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبَعَثْتُ فيهم رُكبانًا قالوا

(5)

: يا بني الحارث، أسْلِموا تَسْلَموا، فأسْلَموا ولم يُقاتلُوا، وأنا مُقيمٌ ما بين أَظْهُرِهم آمُرُهُمْ بما أمرهم الله به، وأنْهاهُمْ عما نَهاهُمُ اللهُ عَنْه، وأُعلِّمُهم معالمَ الإسلام وسنَّة النبيّ -صلي الله عليه ويلم-، حتى يكتبَ إليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. والسلامُ عليكَ يا رسولَ الله ورحمةُ اللهِ وبركاته. فَكَتبَ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(6)

:

(1)

طبقات ابن سعد (2/ 169) والإصابة (3/ 660).

(2)

سيرة ابن هشام (2/ 592 - 594).

(3)

مجموعة الوثائق السياسية رقم (79) ص (100).

(4)

ط: (لمحمد).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

مجموعة الوثائق السياسية رقم (80) ص 101.

ص: 96

"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد: سلامٌ عليكَ، فإنِّي أحمدُ إليكَ اللهَ الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنّ كتابَك جاءني مع رسولك، تخبرُ أنَّ بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دَعَوْتَهم إليه من الإِسلام، وشَهِدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله

(1)

ورسوله، وأنْ قد هداهم اللهُ بهُداه، فبشّرهم وأنْذِرْهُم وأَقْبِل، وليُقْبل معكَ وَفْدُهم. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".

فأقبل خالدٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه وفدُ بني الحارث بن كعب، منهم قَيْسُ بن الحُصَيْن ذي الغصَّة

(2)

ويزيد بن عبد المَدَان

(3)

، ويزيد بن المُحَجّل

(4)

، وعبد الله بن قُرَاد

(5)

الزّيادي، وشَدّاد بن عبيد الله القَنَاني

(6)

، وعمرو بن عبد الله الضِّبابي

(7)

، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم؛ قال:"مَنْ هؤلاء القومُ الذين كأنَّهم رجالُ الهند؟ " قيل: يا رسولَ الله، هؤلاء بنو الحارث بن كعب. فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلّموا عليه، وقالوا: نَشْهَدُ

(8)

أنَّكَ رسولُ الله وأنَّه لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وأنّي رسولُ الله". ثم قال: "أنتم الذين إذا زُجروا استَقْدَموا" فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية، ثم الثالثة، فلم يُراجِعْهُ منهم أحد، ثم أعادها الرابعةَ. قال يزيد بن عبد المَدان: نعم يا رسول الله، نحنُ الذين إذا زُجِروا اسْتَقْدَموا، قالها أربعَ مراتٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّ خالدًا لم يكتب إليَّ أنكم أسلمتم ولم تُقاتلوا لألقيتُ رؤوسَكم تحت أقدامكم". فقال يزيد بن عبد المَدان: أما والله ما حَمِدْناكَ ولا حَمِدْنا خالدًا. قال: "فمن حَمِدتُم

(9)

؟ " قالوا: حمدنا الله الذي هدانا بكَ يا رسولَ الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَدَقْتُم". ثم قال: "بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبون منْ قاتَلَكُم في الجاهلية؟ " قالوا: لم نَكُ نَغْلِبُ أحدًا. قال: "بلى، قد كُنْتُم تَغْلِبون من قاتَلَكُم". قالوا: كنا نَغْلِبُ من قاتَلَنا يا رسولَ الله، أنّا كُنّا نَجْتَمِعُ ولا نَتَفَرَّق، ولا نَبْدَأ أحدًا بظُلْمٍ. قال:"صَدَقْتُمْ". ثم أمَّر عليهم قَيْسَ بن الحُصَيْن.

(1)

ط: (عبده).

(2)

الإصابة (3/ 244)، وهي في ط (ذو الغصة) وهي صفة للحصين. انظر شرح السيرة لأبي ذر.

(3)

الإصابة (3/ 660) ووقعت في ط: (يزيد بن المدَان) صححه عن الإصابة.

(4)

الإصابة (3/ 662).

(5)

في الإصابة (2/ 358)"عبد الله بن قُداد ويقال قُراد".

(6)

الإصابة (2/ 141) وفيه "شداد بن عبد الله القتباني ويقال القناني بفتح القاف وتخفيف النون وهو الصواب" ووقعت في ط: (عبيد) صححتها عن الإصابة.

(7)

الإصابة (3/ 4).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

ط: (وجدتم) تحريف.

ص: 97

قال ابن إسحاق

(1)

:

ثم رَجعوا إلى قَوْمِهم في بَقيَّةِ شَوّالٍ أو في صَدْرِ ذي القعدة، قال: ثم بعثَ إليهم بعدَ أن وَلَّى وفدُهم عمرَو بن حَزْم

(2)

ليُفَقِّهَهُم في الدِّين، ويُعَلِّمَهُم السُّنَّةَ ومعالمَ الإِسلام، ويأخذَ منهم صَدَقاتِهم، وكتب له كتابًا عهد إليه

(3)

فيه عهدَه، وأمره أمرَهُ. ثم أورده ابنُ إسحاق. وقد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي. وقد رواه النَّسائي

(4)

نظيرَ ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد.

‌بَعْثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الأمراءَ إلى أهْلِ اليَمَنِ قبل حجة الوداع يدعونهم إلى الله عز وجل

(5)

قال البخاري

(6)

: باب بعث أبي موسى ومعاذٍ إلى اليمن قبل حجة الوداع. حدّثنا موسى، حدّثنا أبو عَوانة، حدّثنا عبد الملك، عن أبي بُردة قال:

بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومُعاذ بن جَبَل إلى اليمن. قال: وبعث كلَّ واحدٍ منهما على مِخْلاف

(7)

. قال: واليمنُ مِخْلافان. ثم قال: "يَسِّرا ولا تُعَسِّرا وبَشِّرا ولا تُنفِّرا" وفي روايةٍ: "وتطاوَعا ولا تَخْتَلفا" وانطلقَ كلُّ واحدٍ منهما إلى عمله. قال: وكان كلُّ واحدٍ منهما إذا سار في أرضه وكان قريبًا من صاحبه أحدثَ به عَهْدًا، فسلَّم عليه، فسار معاذٌ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسيرُ على بغلته حتّى انتهى إليه، فإذا هو جالسٌ وقد اجتمع الناسُ إليه، وإذا رجلٌ عندَه قد جُمِعَتْ يداه، إلى عنقه

(8)

فقال له معاذٌ: يا عبدَ اللهِ بن قيس، أيُّمَ هذا

(9)

؟ قال: هذا رجلٌ كَفَرَ بعدَ إسلامه، قال: لا أنزلُ حتَّى يُقتلَ. قال: إنما جِيءَ به لذلك، فانْزلْ. قال: ما أَنْزِلُ حتّى يُقْتَلَ، فأمرَ به فقُتِل، ثم نزل.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 594).

(2)

الإصابة (2/ 532).

(3)

ليست عبارة (عهد إليه) في ط.

(4)

رواه النسائي (8/ 57) وإسناده ضعيف، وأكثر فقراته لها شواهد.

(5)

ليس السطر الثاني من العنوان في ط.

(6)

صحيح البخاري رقم (4341) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

(7)

مخلاف البلد: سُلطانه. ابن سيده: والمخلاف الكورة يقدم عليها الإنسان وهو عند أهل اليمن واحد المخاليف وهي كُوَرها، ولكل مخلاف منها اسم يعرف به. قال ابن بري: المخاليف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام، والكور لأهل العراق والرساتيق لأهل الجبال والطساسيج لأهل الأهواز (اللسان: كور).

(8)

عبارة (إلى عنقه) ليست في ط.

(9)

جاء على هامش صحيح البخاري: "قوله: أيم هذا، وروي أيُّ بضم الياء وهي التي للاستفهام، زيدت عليها كلمة ما ثم حذفت الألف. أي: أيُّ شيءٍ هذا؟ ".

ص: 98

فقال: يا عبدَ الله، كيف تَقْرأ القرآنَ؟ قال: أتَفَوَّقُه تفوُّقًا

(1)

. قال: فكيف تقرَأ أنتَ يا معاذ؟ قال: أنام أولَ الليلِ، فأقومُ وقد قضيتُ جُزْئي من النوم، فَأَقْرأ ما كتبَ الله لي، فأحتَسِبُ نَوْمَتي كما أحْتَسِب قَوْمَتي. انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.

ثم قال البخاري

(2)

: حدّثنا إسحاق، حدّثنا خالد، عن الشيباني، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري.

أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَه إلى اليَمَنِ، فسأله عن أشربةٍ تُصْنَعُ بها. فقال: ما هي؟ قال: البِتْعُ والمِزر. فقلتُ: لأبي بردة: ما البِتْعُ؟ قال: نَبيذُ العَسَل، والمِزْرُ: نَبيذُ الشَّعير. فقال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".

رواه جَريرٌ وعبدُ الواحد، عن الشيباني، عن أبي بردة.

ورواه مسلم

(3)

من حديث سعيد بن أبي بردة.

وقال البخاري

(4)

: حدّثنا حِبان، أنبأنا عبد الله، عن زكريا بن إسحاق

(5)

، عن يحيى بن عبد الله بن صَيْفي، عن أبي مَعْبَد مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حينَ بعثَه إلى اليمن.

"إنكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهلَ كتاب، فإذا جِئتهُم فادْعُهُم إلى أن يَشْهَدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله، فإن هم أطاعوا لكَ بذلك فأَخْبِرْهم أن الله قد

(6)

فرض عليهم خمس صلوات كلَّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لكَ بذلك فأخْبِرهُم؛ أنّ الله قد فرضَ عليهم صدقةً تُؤْخذُ من أغنيائهم فتردّ على فُقرائهم، فإنْ هَمْ أطاعوا لك بذلك فإيَّاك وكَرائمَ أموالهم، واتّقِ دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبينَ الله حِجابٌ".

وقد أخرجَهُ بقيةُ الجماعة من طُرقٍ مُتَعدّدةٍ

(7)

.

(1)

أتفوقه: أي: لا أقرأ وردي منه دفعة واحدة، ولكن أقرؤه شيئًا بعد شيء في ليلي ونهاري مأخوذ من فواق الناقة، لأنها تحلب ثم تراح حتى تدر ثم تحلب (النهاية: فوق).

(2)

صحيح البخاري رقم (4343) في بعث موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

(3)

صحيح مسلم رقم (1733) كتاب الأشربة باب بيان أنّ كل مسكر خمر، وأبو داود رقم (3684) في الأشربة باب النهي عن المسكر، والنسائي (8/ 298) في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر.

(4)

صحيح البخاري رقم (4347) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

(5)

ط: (بن أبي إسحاق). وهو خطأ. انظر تهذيب الكمال (9/ 356).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

رواه مسلم برقم (19) في الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وأبو داود برقم (1584) في الزكاة باب زكاة السائمة والترمذي برقم (625) في الزكاة باب ما جاء في كراهية أهذ خيار المال في الصدقة والنسائي (5/ 52 و 55) في الزكاة باب وجوب الزكاة، وابن ماجه (1783) في الزكاة.

ص: 99

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثني راشدُ بن سَعْدٍ، عن عاصم بن حُمَيْد السكوني، عن معاذ بن جبل، قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم-إلى اليمن، خرج معه يُوصيه، ومعاذٌ راكبٌ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحتَ راحلته، فلما فرغَ قال:"يا معاذُ إنكَ عسى ألّا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلَّكَ أن تمرَّ بمسجدي هذا وقبري"

(2)

فبكى معاذٌ جَشعًا

(3)

لفراقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفتَ بوجههِ نحوَ المدينة فقال:"إن أولى النّاسِ بي المُتَّقون، مَنْ كانوا وحيثُ كانوا".

ثم رواه

(4)

عن أبي اليَمانِ، عن صَفْوان بن عمرو، عن راشد بن سَعْدٍ، عن عاصمِ بن حُمَيْدِ السَّكوني:

أنّ مُعاذًا لما بَعَثَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرجَ معه يوصيه، ومعاذٌ راكبٌ، ورسولُ الله يمشي تحتَ راحلته، فلما فرغ قال:"يا معاذُ، إنَّكَ عسى ألَّا تلقاني بعدَ عامي هذا، ولعلَّكَ أن تمرّ بمسجدي هذا وقبري" فبكى معاذٌ جَشَعًا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "لا تَبْكِ يا مُعاذ، للبكاء أوانٌ، البكاءُ من الشيطان".

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا أبو المُغيرة، حدّثنا صَفْوان، حدّثني أبو زياد يحيى بن عُبيد الغساني، عن يزيد بن قُطَيْبٍ، عن معاذ أنّه كان يقول:

بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: "لعلكَ أن تمرّ بقَبْري ومَسْجدي، فقد بَعَثْتُكَ إلى قومٍ رقيقةٍ قُلوبُهم، يُقاتلون على الحقّ. مَرَّتَيْن. فقاتِلْ بمَنْ أطاعَكَ منهم منْ عَصاك، ثم يَفيئونَ إلى الإسلام، حتى تبادِرَ المَرْأةُ زوجَها، والولدُ والده، والأخ أخاه، فانزل بين الحيين، السَّكُون والسكاسك"

(6)

.

وهذا الحديث فيه إشارةٌ وظُهورٌ وإيماءٌ إلى أنَّ مُعاذًا رضي الله عنه لا يجتمع بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وكذلك وقع، فإنَّه أقامَ باليمن حتّى كانت حِجَّة الوَداعِ، ثم كانت وفاتُه عليه السلام بعد أحدٍ وثمانين يومًا من يوم الحجِّ الأكبر.

فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد

(7)

: حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظَبْيان، عن مُعاذٍ أنّه لما رجعَ من اليمن قال: يا رسولَ الله، رأيتُ رجالًا باليمن يسجدُ بعضُهم لبعضٍ، أفلا نسجدُ لكَ!؟ قال:"لو كنتُ آمرًا بشرًا أن يَسْجُدَ لبشرٍ لأمرتُ المرأةَ أن تَسْجُدَ لزَوْجها".

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 235)، وإسناده صحيح.

(2)

في مسند الإمام أحمد "أو قبري".

(3)

الجشع: الجزع لفراق الإلف (النهاية: جشع).

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 235)، وإسناده صحيح.

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 235)، وإسناده ضعيف بطوله لانقطاعه، فإن أبا ظبيان، واسمه حصين بن جندب لم يدرك معاذًا وقوله:"لعلك أن تمر بقبري ومسجدي" إسناده صحيح كما في الذي قبله، ولرقة قلوب أهل اليمن شواهد.

(6)

جمهرة أنساب العرب 477.

(7)

مسند الإمام أحمد (5/ 227).

ص: 100

وقد رواه أحمد

(1)

، عن ابن نُمَيْر، عن الأعمش: سمعتُ أبا ظَبْيان يُحَدِّثُ عن رجلٍ من الأنصارِ، عن مُعاذِ بن جَبَلٍ قال:

أقبل مُعاذٌ من اليَمَن فقال: يا رسولَ الله إِني رأيتُ رجالًا. فذكر معناه. فقد دارَ على رجلٍ مُبْهَم

(2)

، ومثله لا يُحْتَجُّ به، لا سيما وقد خالفه غيرُه ممَّنْ يُعْتَدّ به، فقالوا: لما قَدِمَ مُعاذ من الشّام. كذلك رواه

(3)

.

وقال أحمد

(4)

: حدّثنا إبراهيم بن مَهْدي، حدّثنا إسماعيل بن عَيّاش، عن عبد الله بن

(5)

عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن معاذ بن جبل قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَفاتيحُ الجَنّة شَهادةُ أن لا إله إلا الله".

وقال أحمد

(6)

: حدّثنا وَكيعٌ، حدّثنا سُفْيان، عن حَبيب بن أبي ثابت، عن مَيْمون بن أبي شَبيب، عن مُعاذ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: يا مُعاذ، أتبع السَّيئةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها، وخالقِ النّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ".

قال وكيع: وَجَدْتُه في كتابي عن أبي ذَرّ وهو السَّماع الأول. وقال سفيان مرة: عن معاذٍ.

ثم قال الإمام أحمد

(7)

: حدّثنا إسماعيل، عن ليث، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن مُعاذٍ: أنّه قال: يا رسولَ الله، أوْصِني. فقال:"اتَّقِ اللهَ حَيْثُما كُنْتَ"

(8)

قال: زدني. قال: "أتبع السَّيئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها" قال: زدني. قال: "خالقِ الناسَ بخلقٍ حسن".

وقد رواه الترمذي

(9)

في جامعه، عن محمود بن غَيْلان، عن وَكيعٍ، عن سُفْيَان الثوري به، وقال: حسن.

قال شيخنا في الأطراف

(10)

: وتابعه فُضَيْل بن عياض

(11)

، عن ليث بن أبي سُلَيْم، والأعْمَش

(12)

، عن حبيب به.

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 228).

(2)

ط: (منهم) تحريف.

(3)

رواه أحمد في المسند (4/ 381) وابن ماجه رقم (1853).

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 242)، وإسناده ضعيف.

(5)

ليس (عبد الله بن) في ط وما هنا يعضده ما في المسند، وانظر تهذيب الكمال (15/ 205).

(6)

مسند الإمام أحمد (5/ 228)، وهو حديث حسن.

(7)

مسند الإمام أحمد (5/ 236)، وهو حديث حسن.

(8)

في مسند الإمام أحمد: "حيثما كنت، أو أينما كنت".

(9)

جامع الترمذي برقم (1987) في البر والصلة باب ما جاء في معاشرة الناس.

(10)

تحفة الأشراف (8/ 107) حديث (11366)(ط. د. بشار).

(11)

ط: (سليمان) خطأ، وانظر سير أعلام النبلاء (1/ 372) وتهذيب الكمال (23/ 281).

(12)

ط: (عن الأعمش)، خطأ بيّن.

ص: 101

وقال أحمد

(1)

: حدثنا أبو اليَمان، حدّثنا إسماعيل بن عَيّاش، عن صَفْوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير الحضرمي، عن مُعاذ بن جبل قال:

أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: "لا تُشْرِكْ بالله شيئًا وإن قُتِّلت وحُرِّقت، ولا تَعُقَّنَّ والدَيْكَ وإن أمراكَ أن تَخْرُجَ من أهلك ومالك، ولا تَتْركَنَّ صلاةً مكتوبةً متعمدًا، فإنَّ منْ تَرْكَ صلاةً مكتوبةً مُتَعَمِّدًا فقد بَرئَتْ منه ذِمَّةُ الله، ولا تَشْرَبنَّ خَمْرًا فإنّه رأسُ كُلِّ فاحِشَةٍ، وإياك والمَعْصِيةَ، فإن بالمَعْصِية يَحِلُّ سُخْطُ الله، وإيَّاكَ والفِرارَ من الزَّحْف وإن هَلَكَ النَّاسُ، وإذا أصابَ الناسَ موتٌ وأنتَ فيهم فاثْبُتْ، وأنْفِقْ على عِيالِكَ من طَوْلك، ولا تَرفَعْ عَنْهُمْ عَصاكَ أدبًا، وأخِفْهُمْ في اللهِ عز وجل".

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا يونس، حدّثنا بَقيَّة، عن السَّرِيّ بن يَنْعُم

(3)

، عن مُريح

(4)

بن مَسْرُوق، عن مُعاذ بن جبل، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثَه إلى اليمن قال: "إيّاك

(5)

والتنعمَ، فإنّ عبادَ الله ليسوا بالمُتَنَعَّمين".

وقال أحمد

(6)

: حدّثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدّثنا أبو بكر - يعني ابن عياش -، حدّثنا عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ قال:

بَعَثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَن، وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارًا أو عَدْلَه من المعافر، وأمرني أن آخُذَ من كلِّ أرْبَعينَ بقَرَةً مُسِنَّةً، ومن كُلِّ ثلاثين بقرةً تَبيعًا حَوْليًا، وأمرني فيما سَقَتِ السَّماءُ العُشر، وما سُقِي بالدَّوالي، نصفُ العُشْرِ".

وقد رواه أبو داود

(7)

من حديث أبي معاوية، والنَّسائي

(8)

من حديث محمد بن إسحاق، عن الأعمش كذلك.

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 238)، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(2)

مسند الإمام أحمد (5/ 244)، وإسناده ضعيف، لضعف بقية بن الوليد وهو يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن، ولكنه صرح بالتحديث عند أبي نعيم، فزالت شبهة تدليسه، فهو حسن.

(3)

تقريب التهذيب (3/ 461 - 462).

(4)

ط: (شريح) وانظر تهذيب التهذيب (3/ 461 - 462).

(5)

في مسند الإمام أحمد "إيَّاي والتنعم".

(6)

مسند الإمام أحمد (5/ 233)، وهو حديث صحيح.

(7)

سنن أبي داود رقم (1576) في الزكاة باب زكاة السائمة، وهو حديث صحيح.

(8)

سنن النسائي (5/ 25، 26) في الزكاة باب زكاة البقر، وهو حديث صحيح.

ص: 102

وقد رواه أهل السُّنَن الأربعة

(1)

من طرقٍ، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ به

(2)

.

وقال أحمد

(3)

: حدّثنا معاوية بن

(4)

عمرو وهارون بن معروف قالا: حدّثنا عبدُ الله بن وَهْب، عن حَيْوة، عن يزيد بن أبي حَبيب، عن سَلَمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم أنَّ مُعاذًا قال:

بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أُصَدِّق

(5)

أهل اليمن، فأمرني أن آخُذَ من البقر من كُلّ ثلاثينَ، تَبيعًا - قال هارون: والتَّبيع: الجَذَع أو الجَذْعة - ومن كل أربعين، مسنَّةً، فعَرَضوا عليَّ أنْ آخُذَ ما بينَ الأربعين والخمسين، وما بين السِّتين والسَّبعين، وما بين الثّمانين والتِّسعين، فأبيتُ ذلك، وقلتُ لهم: حتى

(6)

أسالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقَدِمْتُ فأخبرتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمرني أن آخُذَ من كل ثلاثين، تَبيعًا، ومن كُلِّ أربعين، مُسِنَّةً، ومن الستّين تَبيعَيْن، ومن السّبعين مُسنَّةً وتَبيعًا، ومن الثمانين مُسِنّتَيْن، ومن التِّسعين ثلاثة أتْباعٍ، ومن المئة مُسِنَّةً وتَبيعَيْن، ومن العشرة ومئةٍ مُسِنّتَيْن وتبيعًا، ومن العشرين ومئة ثلاثَ مُسِنّات أو أربعةَ أتباعٍ، قال: وَأَمَرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ألا آخُذَ فيما بين ذلك شَيْئًا إلا أن يَبْلَغْ مُسِنةً أو جَذَعًا

(7)

، وزعمَ أنّ الأوْقاصَ

(8)

لا فَريضةَ فيها.

وهذا من أفراد أحمد، وفيه دلالةٌ على أنّه قَدِمَ بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيحُ أنَّه لم يَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما تقدم في الحديث.

وقد قال عبد الرزاق

(9)

: أنبأنا مَعْمَر، عن الزُّهْري، عن أُبى بن كعب بن مالك قال:

كان معاذُ بن جبل شابًا جميلًا سَمْحًا، من خير شباب قومه، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه، حتى كان عليه

(1)

رواه الترمذي برقم (623) في الزكاة باب ما جاء في زكاة البقر وقال حديث حسن. ورواه ابن ماجه برقم (1818) في الزكاة باب صدقة الزروع والثمار، قال بثار: وإنما حكم عليه الترمذي بالحسن فقط لأن الراجح عنده هي الرواية المرسلة، قال:"وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، بعث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ. وهذا أصح" وينظر تعليقنا على جامع الترمذي (623).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 240)، وإسناده ضعيف.

(4)

ط: (عن).

(5)

المصدِّق الذي يأخذ الحقوق من الإبل والغنم (اللسان: صدق).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ط: (جذع).

(8)

الوَقَص بالتحريك: ما بين الفريضتين كالزيادة على الخمس من الإبل إلى التسع وعلى العشر إلى أربع عشرة، والجمع أوقاص، وقيل هو ما وجبت الغنم فيه من فرائض الإبل ما بين الخمس إلى العشرين ومنهم من يجعل الأوقاص في البقر خاصة والأشناق في الإبل (النهاية: وقص).

(9)

ومن طريقه أخرجه البيهقي، وهو في المصنف بنحوه رقم (15177) دلائل النبوة (5/ 405).

ص: 103

دَيْنٌ أغلق ماله، فكلَّم رسولَ الله في أن يُكَلِّمَ غُرماءه ففعل، فلم يَضَعوا له شيئًا، فلو تُركَ لأحدٍ بكلامِ أحدٍ لتُركَ لمعاذٍ بكلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَبْرَح أن باعَ مالَه، وقسَمَه بين غُرمائِهِ.

قال: فقام معاذ ولا مالَ له، فلمّا حَجَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذًا إلى اليَمَن [ليجبره].

قال: فكان أولَ منْ تَجَر في هذا المال معاذٌ.

قال: فقَدمَ على أبي بكر الصديق من اليَمَن وقد تُوفيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر فقال: هلْ لكَ أن تُطيعَني فتدفع

(1)

هذا المالَ إلى أبي بكر، فإن أعطاكَهُ فاقْبَلْهُ. قال: فقال معاذ: لِمَ أدْفَعُهُ إليه؟ وإنَّما بَعَثَني رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ليَجْبُرني، فلمّا أبَى عليه انطلقَ عُمر إلى أبي بكر فقال: أرسلْ إلى هذا الرجل فخُذْ منه وَدْع له. فقال أبو بكر: ما كنتُ لأفعلَ، إنَّما بَعَثَهُ رسولُ الله ليَجْبُرَه، فلستُ آخذُ منه شيئًا. قال: فلمَّا أصبحَ معاذٌ انطلقَ إلى عمرَ فقال: ما أُراني

(2)

إلا فاعلَ الّذي قلتَ، إني رأيتُني البارحةَ في النَّوم - فيما يَحْسَبُ عبد الرزّاق قال: - أُجَرُّ إلى النار وأنتَ آخذٌ بحُجْزَتي

(3)

، قال: فانطلقَ إلى أبي بكر بكل شيء جاء به، حتَّى جاءه بسَوْطِه، وحَلَفَ له أنَّه لم يَكْتُمْه شَيْئًا. قال: فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: هو لك، لا آخُذُ منه شيئًا

(4)

.

وقد رواه ابن ثور

(5)

، عن مَعْمَرٍ، عن الزَّهْري، عن عبد الرحمن بن [عبد الله بن]

(6)

كعب بن مالك

فذكره، إلا أنه قال: حتى إذا كان عامُ فتحِ مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طائفةٍ من اليمن أميرًا، فمكث حتى قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَدِم في خلافة أبي بكر، وخرج إلى الشام.

قال البيهقي

(7)

: وقد قدَّمنا أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَه بمكة مع عَتاب بن أُسيد ليُعَلِّم أهلها، وأنه شهدَ غَزْوة تَبوك، فالأشبَهُ أن بعثَه إلى اليمنِ كانَ بعد ذلك. والله أعلم.

ثم ذكر البيهقي

(8)

لقصة منام مُعاذ شاهدًا من طريق الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأنه كانَ من جُملة ما جاء به عَبِيدٌ، فأتى بهم أبا بكر، فلما ردّ الجَميعَ عليه رجَع بهم، ثم قام يُصَلِّي، فقاموا كلُّهم يُصَلُّون معه، فلما انصرفَ قال: لمن صَلَّيْتُم؟ قالوا: لله. قال: فأنتم له عُتقاء، فأعْتَقَهم.

(1)

في أ: "فتدع".

(2)

ط: (أرى).

(3)

الحجزة: معقد الإزار من السراويل (القاموس: حجز).

(4)

انظر حلية الأولياء (1/ 231).

(5)

ط: (أبو ثور) والصواب ما أثبتنا، وهو محمد بن ثور الصَّنعاني الثقة وانظر دلائل النبوة (5/ 405).

(6)

الزيادة من دلائل النبوة وتهذيب التهذيب (6/ 214).

(7)

دلائل النبوة (5/ 405).

(8)

دلائل النبوة (5/ 406) وانظر المصنف لعبد الرزاق رقم (15177).

ص: 104

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن أبي عَوْن، عن الحارث بن عَمْرو بن أخي المُغيرة بن شُعْبة، عن ناس من أصحاب مُعاذٍ من أهل حِمْص، عن مُعاذٍ.

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثَه إلى اليمن قال: "كيف تَصْنَعُ إن عَرَضَ لكَ قَضاءٌ؟ " قال: أقْضي بما في كتابِ الله. قال: "فإن لم يكن في كتابِ الله" قال: فَبِسُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإنْ لَمْ يَكُنْ في سُنّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم" قال: أجتهدُ، برأيي

(2)

، لا آلو. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال: "الحمدُ لله الذي وَفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرْضي رسولَ الله".

وقد رواه أحمد، عن وكيع

(3)

، وعن عَفّان

(4)

، عن شُعبة بإسناده ولفظه. وأخرجه أبو داود والترمذي

(5)

من حديث شعبة به، وقال التّرمذي: لا نعرفه إلّا من هذا الوَجْهِ، وليس إسنادُه عندي بمُتَّصلٍ. وقد رواه ابن ماجه من وجهٍ آخر عنه، إلا أنّه من طريق محمد بن سعيد

(6)

بن حسان - وهو المَصْلُوبُ أحد الكَذّابين - عن عُبادة بن نُسَي

(7)

، عن عبد الرحمن [بن غنيم]، عن معاذ به نحوه.

وقد روى الإمام أحمد

(8)

عن محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمرو بن أبي حَكيم، عن عبد الله بن بُرَيْدة، عن يحيى بن يَعْمَر

(9)

، عن أبي الأسود الدِّيْلي. قال: كان معاذ باليمن، فارتفعوا إليه في يَهوديّ مات. وتركَ أخًا مسلمًا. فقال معاذٌ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الإسلام يزيدُ ولا ينقُصُ" فورَّثه.

ورواه أبو داود

(10)

من حديث ابن بريدة به.

وقد حُكي هذا المذهب عن معاوية بن أبي سفيان، ورواه

(11)

يحيى بن يَعْمَر (8) القاضي وطائفة من السَّلف، وإليه ذهب إسحاق بن راهَوَيْه، وخالَفَهُم الجمهورُ، ومنهم الأئمةُ الأربعةُ وأصحابُهم،

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 230)، وإسناده ضعيف.

(2)

ط: (وإني).

(3)

ط: (عن وكيع عن عفان) وانظر: مسند الإمام أحمد (5/ 236).

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 242)، وإسناده ضعيف.

(5)

سنن أبي داود رقم (3592)(3593) في الأقضية باب اجتهاد الرأي في القضاء وجامع الترمذي رقم (1327)(1328) في الأحكام باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وإسناده ضعيف.

(6)

ط: (سعد) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (25/ 264).

(7)

ط: (عياذ بن بشر) وانظر تقريب التهذيب (292)، وتهذيب الكمال (25/ 264).

(8)

مسند الإمام أحمد (5/ 230، 236)، وإسناده ضعيف.

(9)

ط: (معمر) تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (4/ 441).

(10)

سنن أبي داود رقم (2912) كتاب الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر، وإسناده ضعيف.

(11)

م: (ورواه عن).

ص: 105

مُحتجين بما ثبت في "الصحيحين" عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَرثُ الكافرُ المُسْلمَ ولا المُسْلِمُ الكافرَ"

(1)

.

والمقصود أنَّ معاذًا رضي الله عنه كان قاضيًا للنبي صلى الله عليه وسلم باليمن، وحاكمًا في الحروب، ومصدقًا إليه تُدفع الصدقات، كما دل عليه حديث ابن عباس المتقدم، وقد كان بارزًا للنّاس يُصَلِّي بهم الصلواتِ الخمسَ كما قال البخاري

(2)

:

حدّثنا سليمانُ بن حَرْب، حدّثنا شُعْبة، عن حَبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن عَمْرو بن مَيْمون: أن معاذًا لمّا قدم اليمنَ صلَّى بهم الصبحَ فقرأ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] فقال رجل من القوم: لقد قَرَّتْ عينُ أم

(3)

إبراهيم.

انفرد به البخاري.

ثم قال البخاري

(4)

:

‌بابُ بَعْثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالبٍ وخالدَ بن الوليد إلى اليَمَنِ قبل حَجَّة الوَداعِ

حدّثنا أحمد بن عثمان، حدّثنا شُرَيْح بن مَسْلَمة، حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، حدّثني أبي، عن أبي إسحاق، سمعت البراء بن عازبِ قال:

بَعَثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن: قال: ثم بَعَثَ عليًّا بعدَ ذلك مكانَه. قال: مُرْ أصحابَ خالد، من شاء منهم أن يُعَقِّب

(5)

معكَ فليعقبْ، ومن شاء فليُقبِلْ. فكنتُ فيمن عقَّب معه. قال: فغَنِمْتُ أَواقيَ ذواتَ

(6)

عددٍ.

انفرد به البخاري من هذا الوجه.

(1)

رواه البخاري (6764) في الفرائض باب لا يرث المسلم الكافر، ومسلم برقم (1614) في الفرائض ومالك في الموطأ (2/ 519) في الفرائض باب ميراث أهل الملل وأبو داود برقم (2909) في الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر والترمذي برقم (2108) في الفرائض باب ما جاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر.

(2)

صحيح البخاري (4348) في المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

صحيح البخاري رقم (4349).

(5)

قال ابن الأثير في جامعِ الأصول: (8/ 422): أن يعقب: إذا غزا الإنسان ثم ثنَّى من سَنَتِه مرةً أخرى قيل قد عَقَّبَ يقال: تَعقيبةٌ خير من غزْوةٍ.

(6)

ط: (ذات)، وما أثبتناه هو الموافق لما في صحيح البخاري.

ص: 106

ثم قال البخاري

(1)

: حدّثنا محمد بن بَشّار، حدّثنا روحُ بن عُبادة، حدّثنا علي بن سُويد بن مَنْجُوف، عن عبد الله بن بُرَيْدَةَ، عن أبيه قال:

بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليًا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخُمُسَ، وكنتُ أُبغِضُ عَليًّا، فأصبح وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا! فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال:"يا بريدة تبغض عليًا؟ "فقلت نعم. فقال: "لا تبغضه، فإنّ له في الخُمُس أكثر من ذلك".

انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا يحيى بن سعيد، حدّثنا عبد الجليل قال: انتهَيْتُ إلى حلقةٍ فيها أبو مِجْلَز، وابن

(3)

بُرَيدة، فقال عبد الله بن بُرَيدة: حدّثني أبي

(4)

بريدة قال:

أبغضتُ عليًّا بُغْضًا لم أُبْغضهُ أحدًا قطّ. قال: وأحببتُ رجلًا من قريش لم أحبَّه إلّا على بُغْضِه عليًا، قال: فبُعث ذلك الرجلُ على خيلٍ، فَصَحِبْتهُ، ما أصحبُه إلا على بُغْضِه عليًا، قال فأصَبْنا سَبيًا، قال: فكتبَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا من يُخَمِّسُه، قال: فبعث إلينا عليًا، وفي السَّبْيِ وَصيفةٌ من أفضلِ السَّبيِ، قال: فخمَّس وقسم، فخرجَ ورأسُهُ يَقْطُر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ فقال: ألم تَرَوْا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسمت وخمَّست، فصارت في الخُمُس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي، ووقعت بها. قال: فكتب الرجلُ إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابعثني. فبعثني مصدِّقًا، فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق، قال: فأمسك يدي والكتاب فقال: "أتبغض عليًا؟ " قال: قلت: نعم. قال: "فلا تُبغضه، وإن كنت تحبه فازدَدْ له حُبًّا، فوالذي نفس محمد بيده لنَصيبُ آل علي في الخُمُس أفضلُ من وَصيفة". قال: فما كان من الناس أحدٌ بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليّ من علي. قال عبد الله بن بُرَيْدة: فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة.

تفرَّد به بهذا السياق عبدُ الجليل بن عطية القيسي أبو صالح البصري، وثَّقه ابن مَعين وابن حِبّان، وقال البخاري

(5)

: إنما يَهِمُ في الشيء [بعد الشيء].

وقال محمد بن إسحاق

(6)

: حدّثنا أبان بن صالح، عن عبد الله بن نِيار الأسلمي، عن خاله عمرو بن شاس الأسلمي، وكان من أصحاب الحُدَيْبية. قال:

(1)

صحيح البخاري رقم (4350).

(2)

مسند الإمام أحمد (5/ 350 - 351)، وهو حديث حسن.

(3)

في الأصول: (ابنا) وما هنا عن المسند.

(4)

ط: "أبو".

(5)

التاريخ الكبير (6/ 123) وتهذيب التهذيب (6/ 106) والزيادة منه.

(6)

دلائل النبوة (5/ 394).

ص: 107

كنت مع علي بن أبي طالب في خيله التي بعثه [فيها] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فجفاني عليٌّ بعض الجفاء، فوجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة اشْتكيْتُه في مجالس المدينة وعندَ منْ لقيتُه، فأقبلتُ يومًا ورسولُ الله جالسٌ في المسجد، فلمّا رآني أنظرُ إلى عَيْنَيْه نظر إليَّ، حتى جلستُ إليه، فلما جلستُ إليه قال:"إنه والله! يا عمرو بن شاس لقد آذيتني". فقلت: إنا لله وإنّا إليه راجعون، أعوذ بالله والإسلام أن أوذي رسول الله. فقال:"من آذى عليا فقد آذاني". وقد رواه البيهقي

(1)

من وجهٍ آخر عن ابن إسحاق، عن أبانٍ، عن الفضل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن نيار، عن خاله عمرو بن شاس فذكره بمعناه

(2)

.

وقال الحافظ البيهقي

(3)

: أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبانا أبو إسحاق المزكِّي

(4)

[أنبانا أبو عبد الله أحمد بن علي الجوزجاني، حدّثنا أبو]

(5)

عبيدة بن أبي السَّفَر، سمعتُ إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ عليَّ بن أبي طالب وأمره أن يُقْفِل خالدًا، إلا رجلًا كان ممن مع خالد فأحبَّ أن يُعَقِّبَ مع علي فليُعَقِّب معه. قال البراء: فكنت فيمن عَقَّبَ مع عليّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلّى بنا علي، ثم صفنا صفًّا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمتْ هَمْدان جميعًا، فكتب على إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم. فلما قَرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خَرَّ ساجدًا ثم رَفَعَ رأسَه فقال:"السلام على هَمْدان، السلام على همدان".

قال: البيهقي

(6)

. رواه البخاري مختصرًا من وجه آخر عن إبراهيم بن يوسف

(7)

.

وقال البيهقي

(8)

: أنبأنا أبو الحسين محمد بن [الحسين بن محمد بن] الفضل القطان، أنبانا

(1)

دلائل النبوة (5/ 394 - 395) والزيادة منه.

(2)

قال ابن حجر في الإصابة (2/ 542): "أخرجه الإمام أحمد [3/ 483] والبخاري في تاريخه [6/ 306] وابن حبان في صحيحه وابن منده بعلوٍّ من طريق محمد بن إسحاق"، أقول: وجملة "من آذى عليًا فقد آذاني" لها شواهد، فهي حسنة.

(3)

دلائل النبوة (5/ 396).

(4)

ط: (المولى) وانظر سير أعلام النبلاء (16/ 163).

(5)

الزيادة من التاريخ الكبير (6/ 306) والإصابة (2/ 542).

(6)

دلائل النبوة (5/ 396).

(7)

صحيح البخاري رقم (4349) في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب.

(8)

دلائل النبوة (5/ 398) والزيادة منه.

ص: 108

أبو سهل بن زياد القطان، حدّثنا إسماعيل بن [إسحاق، حدّثنا إسماعيل بن] أبي أويس، حدّثني أخي عن سليمان بن بلال، عن سَعْد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرة، عن عمته زَيْنب بنت كَعْب بن عُجْرَة، عن أبي سعيد الخُدْري. أنه قال:

بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن. قال أبو سعيد: فكنتُ فيمن خَرجَ معه، فلما أخذ من إبل الصَّدقة سألناه أن نركب منها ونُريح إبلنا - وكُنَّا قد رأينا في إبلنا خللًا - فأبى علينا، وقال: إنما لكم فيها سهمٌ كما للمسلمين. قال: فلما فرغَ عليٌّ وانصرف

(1)

من اليمن راجعًا أمَّر علينا إنسانًا، وأسرعَ هو فأدركَ الحَجَّ، فلما قضى حجتهُ قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجعْ إلى أصحابِكَ حثى تَقْدَم عليهم" قال أبو سعيد: وقد كُنَّا سألْنا الذي أستَخْلَفَه ما كان عليَّ منعنا إيّاه، ففعل، فلما عرف في إبل الصدقة أنها قد رُكبَت، ورأى أثَرَ الراكب، فذمَّ

(2)

الذي أمَّره ولامه، فقلت: أما إن الله عليَّ، لئن قدمتُ المدينةَ لأذكُرنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأُخْبِرَنَّه ما لقينا من الغِلْظَةِ والتَّضييقِ. قال فلمّا قَدِمنا المدينةَ غدوتُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أريدُ أن أفعلَ ما كنتُ حلفتُ عليه، فلقيتُ أبا بكرٍ خارجًا من عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني وقف معي ورحَّبَ بي وساءلني وساءلتُه، وقال: متى قدمتَ؟ فقلتُ: قدمتُ البارحةَ، فرجعَ معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل وقال: هذا سعد بن مالك بن الشَّهيد. فقال: "ائذن له" فدخلتُ، فحييتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وحَيّاني، وأقبل عليَّ، وسألني عن نَفْسي وعن أهْلي، وأحفَى المَسْألَةَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ما لقينا من علي من الغِلْظَة وسوءَ الصُحْبة والتَّضْييقِ، فانتبذ

(3)

رسول الله، وجعلتُ أنا أعدّد ما لَقينا منه، حتى إذا كنتُ في وسطِ كلامي ضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، وكنت منه قريبًا، وقال:"يا سعدَ بنَ مالكٍ بن الشَّهيد، مَهْ، بعضَ قولكَ لأخيكَ علي، فواللّه لقد علمت أنه أخشنَ في سبيل الله".

قال: فقلتُ في نفسي: ثَكِلَتْكَ أمُّكَ سعدَ بنَ مالكٍ ألا أُراني كنتُ فيما يَكْرَه منذُ اليوم، ولا أدْري، لا جَرَمَ واللهِ لا أذكُرُهُ بسوءً أبدًا، سرًّا ولا علانية.

وهذا إسنادٌ جيدٌ على شرطِ النَّسائي، ولم يَرْوهِ أحدٌ من أصحاب الكتب الستة

(4)

.

وقد قال يونس

(5)

عن محمد بن إسحاق، حدّثني يحيى بن عبد الله بن أبي عَمْرَة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة قال: إنما وَجَد جيشُ عليّ بن طالب الذين كانوا معه باليمن، لأنَّهم حين أقبلوا خلَّفَ عليهم رجلًا، وتعجَّل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال؛ فعمدَ الرجلُ فكسا كل رجُلٍ حُلَّة، فلما دَنَوْا خَرج

(1)

ط: (وانطفق).

(2)

ط: (الركب قدم).

(3)

ط: (فاتئد).

(4)

أخرج بعضه الإمام أحمد في مسنده (3/ 86) مختصرًا، وكذا ابن هشام في السيرة (4/ 274 - 275).

(5)

يونس هو ابن بكير الراوي عن ابن إسحاق، وأورده ابن هشام في السيرة (4/ 274) بنحوه، والزيادة منه.

ص: 109

علي يستقبلهم

(1)

، فإذا عليهم الحُلل. قال عليٌّ: ما هذا؟ قالوا: كسانا فلان، قال: فما دعاكَ إلى هذا قبل أن تقْدَم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصنَعُ ما شاء، فنزعَ الحُلَل منهم، فلما قَدِموا على رسول الله اشْتكَوه لذلك، وكانوا قد

(2)

صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما بعَثَ عليًا إلى جزيةٍ موضوعةٍ.

قلت: هذا السياقُ أقربُ من سياقِ البَيْهَقي، وذلك أن عليًا سَبَقَهُم لأجل الحجّ، وساقَ معه هَدْيًا، وأهلَّ بإهلال كإهلال

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يمكثَ حَرامًا. وفي رواية البَراء بن عازب أنه قال له: إني سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ. والمَقْصُودُ أن عليًا لما كَثُرَ فيه القيلُ والقالُ من ذلك الجيش بسبب منعِه إياهم استعمالَ إبلِ الصدقةِ، واسترجاعِه منهم الحلَل التي أطلقَها لهم نائبه، وعلي مَعْذورٌ فيما فعل، لكن اشتهرَ الكلامُ فيه في الحَجيجِ، فلذلك واللهُ أعلمُ لمّا رجعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته وتفزغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمرّ بغدير خُم

(4)

قام في الناس خطيبًا فبرّأ ساحةَ عليّ، ورفعَ من قَدْره ونبَّهَ على فَضْله، ليُزيلَ ما وقَر في نفوسِ كثيرٍ من النّاسِ، وسيأتي هذا مُفصَّلًا في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقال البخاري

(5)

: حدّثنا قتيبة، حدّثنا عبد الواحد، عن عُمارة بن شُبْرُمَةَ، حدّثني عبد الرحمن بن أبي نُعْم، سمعتُ أبا سعيد الخُدْري يقول: بَعَثَ علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذُهَيْبَةٍ في أديمٍ مَقْروظٍ لم تُحَصَّلْ من تُرابها، قال: فقسَمها بين أربعة [نفر]

(6)

؛ بين عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، وزَيْد الخَيْل، والرابع إما علقمة بن عُلاثة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تأمنوني! وأنا أمينُ مَنْ في السماء يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساءً؟! ". قال فقام رجلٌ غائرُ العَيْنَيْن، مُشْرِفُ الوَجْنَتين، ناشِزُ الجَبْهة، كَثُّ اللحية، محلوق الرأس، مشمِّر الإزار. فقال: يا رسولَ الله، اتَّقِ الله! فقال:"ويلك، أو لستُ أحق الناس أن يَتَّقيَ الله" قال: ثُمَّ ولَّى الرجلُ. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضربُ عُنُقَهُ؟ قال: لا، لعلّه أن يكون يُصلِّي. قال خالد: وكَمْ من مُصَل يقولُ بلسانِه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّي لم أُومَرْ أن أنقُبَ عن قُلوبِ الناسِ، ولا أشُقَّ بُطونَهم" قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ فقال: "إنه يخرجُ من ضِئضِئى

(7)

هذا قومٌ يتلونَ كتابَ الله رَطْبًا، لا يجاوزُ حَناجِرَهم، يَمْرُقون منَ الدِّين، كما يَمْرُق السَهمُ من الرَّمِيَّة" أظنه قال:"لئن أدركتُهم لأقْتُلنَهم قتل ثمود".

(1)

في ط: "خرج عليهم يستلقيهم".

(2)

عبارة (وكانوا قد) ليست في ط.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

غدير خُمّ: موضع بين مكة والمدينة بالجحفة (معجم البلدان).

(5)

صحيح البخاري رقم (4351) في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب.

(6)

الزيادة من صحيح البخاري.

(7)

الضَّئْضِئ والضُّؤضُؤ: الأصل والمعدن (اللسان: ضأضأ).

ص: 110

وقد رواه البخاري

(1)

في مواضع أخرى من كتابه، ومسلم

(2)

في كتاب الزكاة من "صحيحه" من طرقٍ متعددة إلى عُمارة بن القَعْقاع به.

ثم قال الإمام أحمد

(3)

: حدّثنا يحيى، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَخْتَريّ، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديثُ السِّنِّ، قال: فقلت: تَبْعَثُني إلى قومٍ يكونُ بينَهم أحداثٌ، ولا علمَ لي بالقَضاءِ. قال:"إن الله سَيَهْدي لِسانَكَ ويُثَبِّتُ قَلْبَكَ" قال فما شَكَكْتُ في قَضاءٍ بين اثْنَيْن [بَعْدُ]

(4)

.

ورواه ابن ماجه

(5)

من حديث الأعْمَش به.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا شَريك، عن سِمَاك، عن حَنَش، عن عليٍّ. قال: بَعَثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسولَ الله، تَبْعَثُني إلى قوم أسنَّ منِّي، وأنا حَدَثٌ

(7)

لا أُبصرُ القَضاء. قال فوضع يده على صدري وقال: "اللهمّ ثَبِّتْ لِسانَهُ واهْدِ قَلْبَهُ، يا عليُّ إذا جلسَ إليك الخَصْمان فلا تقضِ بينَهما حتى تسمعَ من الآخر كما سَمِعْتَ من الأوّل، فإنّك إذا فعلتَ ذلك تبيَّن لك [القضاء]

(8)

" قال: فما اختلف عليَّ قَضاءٌ بعد، أوما أشكلَ عليَّ قضاءٌ بعد.

ورواهُ أحمدُ أيضًا وأبو داود من طرقٍ، عن شَريك

(9)

، والترمذي

(10)

من حديث زائِدَة كلاهما، عن سماك بن حرب، عن حَنَش بن المُعْتَمر، وقيل: ابن ربيعة الكِنانيّ الكوفي، عن عليّ به.

وقال الإمام أحمد

(11)

: حدّثنا سُفيان بن عُيَيْنة، عن الأجلح

(12)

، عن الشَّعْبي، عن عبد الله بن أبي

(1)

صحيح البخاري رقم (3610، 4667، 5058، 6163، 6931) من حديث أبي سعيد الخدري.

(2)

صحيح مسلم رقم (1064)(144 - 146) في كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 83)، وهو حديث صحيح.

(4)

الزيادة من المسند.

(5)

سنن ابن ماجه رقم (2310) في كتاب الأحكام باب ذكر القضاة، وهو حديث صحيح.

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 111).

(7)

في المسند: (حديث).

(8)

الزيادة من المسند.

(9)

مسند الإمام أحمد (1/ 88، 136، 149، 150، 156). وأبو داود برقم (3582) في الأقضية باب كيف القضاء، وهو حديث حسن.

(10)

جامع الترمذي رقم (1331) في الأحكام باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما، وهو حديث حسن.

(11)

مسند الإمام أحمد (4/ 374)، وإسناده ضعيف، ولكن له طريق آخر عند أبي داود رقم (2270) فهو به حسن.

(12)

تهذيب التهذيب (1/ 189).

ص: 111

الخليل

(1)

، عن زيد بن أرْقَمٍ أنَ نَفَرًا وَطِئوا امرأةً في طُهْرٍ، فقال علي لاثنين: أتطيبان نَفْسًا لذا؟ فقالا: لا. فأقبل على الآخرين فقال: أتطيبان نفسًا لذا؟ فقالا: لا. فقال: أنتم شركاء مُتَشاكسون، فقال إني مُقْرعٌ بينكم، فأيُّكم قرع أغْرَمْتُهُ ثُلُثَي الدّية وألزمته

(2)

الولد. قال: فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أعلمُ إلا ما قال عليّ.

وقال أحمد

(3)

: حدّثنا سُرَيْج

(4)

بن النعمان، حدّثنا هُشَيْم، أنبأنا الأجْلَحُ، عن الشعبي، عن أبي الخليل، عن زيد بن أرقم.

أن عليًا أُتيَ في ثلاثةِ نَفَرٍ إذ كان في اليمن، اشتركوا في ولد، فأقرع بينهم، فضمَّن الذي أصابته القرعة ثُلُثي الدّية، وجعل الولدَ له. قال زيدُ بن أرقم: فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بقَضاء عليّ، فضحكَ حتى بَدَتْ نَواجِذُهُ.

ورواه أبو داود

(5)

، عن مُسَدَّد، عن يحيى القَطّان، والنّسائي

(6)

، عن علي بن حُجْرٍ، عن عليّ بن مُسْهر، كلاهما عن الأجْلح بن عبد الله، عن عامر الشعبى، عن عبد الله بن الخليل. وقال النَسائي في روايته

(7)

عبد الله بن أبي الخليل، عن زَيْد بن أرْقَم قال:

كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ من أهل اليَمَنِ فقال: إن ثلاثةَ نفرٍ اتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصمون في ولدٍ وقعوا على امرأة في طُهْرٍ واحدٍ، فذكر نحو ما تقدم، وقال: فضحكَ النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رَوَياهُ - أعني أبا داود والنسائي - من حديث شُعْبة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن الشَّعبي، عن أبي الخليل أو ابن الخليل، عن علي قوله، فأرسله ولم يرفعه.

وقد رواهُ الإمامُ أحمد

(8)

أيضًا عن عبد الرزاق عن سُفيان الثوْري، عن الأجْلح، عن الشعبي، عن عَبْدِ خَيْبر، عن زَيْد بن أرْقَم فذكر نحو ما تقدم.

(1)

في تهذيب التهذيب (5/ 199)"عبد الله بن الخليل ويقال ابن أبي الخليل ويقال: عبد الله بن الخليل بن أبي الخليل الحضرمي أبو الخليل الكوفي".

(2)

في س: (فيكم قرع أخرقته ثلثي الدية وأزمته). وفيها تحريفان. وانظر المسند.

(3)

مسند الإمام أحمد (4/ 374)، وإسناده ضعيف، ولكن له طريق آخر عند أبي داود رقم (2270) فهو به حسن.

(4)

ط، أ:(شريح) تحريف. وما أثبته عن المسند وانظر تهذب التهذيب (3/ 457)، وسير أعلام النبلاء (10/ 219).

(5)

سنن أبي داود رقم (2269) في كتاب الطلاق باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، وهو حديث حسن بما بعده رقم (2270).

(6)

سنن النسائي رقم (3489) في الطلاق باب القرعة في الولد، وهو حديث حسن بما قبله رقم (3488).

(7)

ط: (رواية) تحريف.

(8)

مسند الإمام أحمد (4/ 373)، وإسناده ضعيف، ولكن يشهد له حديث أبي داود والنسائي وابن ماجه الذي بعده فهو به حسن.

ص: 112

وأخرجه أبو داود والنَّسائي جَميعًا عن خُشَيْشِ

(1)

بن أصْرَم. وابن ماجه

(2)

عن إسحاق بن منصور، كلاهما عن عبد الرزاق، عن سُفْيان الثوري، عن صالحٍ الهَمْداني، عن الشَّعْبي، عن عَبْدِ خَيْرٍ، عن زيد بن أرقم به.

قال شيخنا في الأطراف

(3)

: لعل عَبْدَ خَيْرٍ هذا هو عبد الله بن الخليل، ولكن لم يَضْبِط الرّاوي اسْمَه. قلت: فعلى هذا يَقْوى الحديثُ، وإن كان غيرُه كان أجودَ لمتابعَته له، لكن الأجْلَحَ بن عبد الله الكندي فيه كلامٌ ما. وقد ذهب إلى القول بالقُزعَة في الأنساب الإمام أحمد وهو من أفراده

(4)

.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا أبو سعيد، حدّثنا إسرائيل، حدّثنا سِماك، عن حَنَش عن عليّ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بَنَوْا زُبْيَة

(6)

للأسد، فبينما هُمْ كذلك يَتَدافعون إذ سقط رجلٌ، فتعلَّق بآخر، ثم تعلَّق رجل

(7)

بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجلٌ بحربة فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم، فقام أولياءُ الأول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا

(8)

فأتاهم عليٌّ على تفيئة

(9)

ذلك، فقال؛ تريدون أن تَقَاتلوا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيّ! إنّي أقضي بينَكُم قَضاءً، إن رضيتُم فهو القَضاء، وإلا حجر

(10)

بعضُكم عن بعض حتى تأتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيكونَ هو الذي يَقْضي بينَكُم، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له. أجمعوا من قبائل الذين حفروا

(11)

البئر ربعَ الديَّةِ، وثلثَ الديّة، ونصفَ الدية، والدية كاملة، فللأول الربع لأنه هَلَكَ [منْ فوقه]

(12)

وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية، فأبوا أن يرضَوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم، فقصُّوا عليه القصَّة، فقال:"أنا أحكم بينكم"

(13)

فقال رجلٌ من القوم:

(1)

أ: (حبيش) و ط: (حنش) وكلاهما تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (12/ 250)، وتهذيب التهذيب (3/ 142).

(2)

رواه أبو داود رقم (2270) والنسائي (6/ 182) رقم (3488) وابن ماجه رقم (2348) وهو حديث حسن.

(3)

لم أجده فيما بين يدي من نسخة الأطراف. انظر تحفة الأشراف (3/ 196 - 197).

(4)

لم نر رواية للإمام أحمد في أخذه بالقرعة في الأنساب.

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 77)، وإسناده ضعيف.

(6)

الزُّبْيَةُ: حفرةٌ تحفر للأسد والصَّيد، ويُغَطَّى رأسُها بما يسترها ليقع فيها (النهاية في غريب الحديث والأثر: زبا).

(7)

ط: (آخر بآخر).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

على تفيئة ذلك: على أثر ذلك (النهاية: تفأ).

(10)

ط: (أحجز).

(11)

ط: (حضروا) تحريف.

(12)

الزيادة من المسند.

(13)

في مسند الإمام أحمد "أنا أقضي بينكم، واحتبى".

ص: 113

يا رسولَ الله، إن عليًا قَضَى بيننا

(1)

فَقَصُّوا عليه القِصَّة، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم رواه الإمام

(2)

أحمد أيضًا عن وَكيعٍ، عن حَمّاد بن سَلَمَة، عن سِماك بن حَرْبٍ، عن حَنَشٍ، عن عليٍّ

فذكره.

‌كِتابُ حِجَّة الوَداعِ في سَنَةِ عشرٍ

ويقال لها حجَّة البلاغ، وحجَّة الإسلام، وحجَّة الوداع لأنه عليه الصلاة والسلام ودَّع الناسَ فيهما، ولم يحُجَّ بعدَها، وسُمِّيَتْ حجَّة الإسلام لأنّه عليه السلام لم يحجَّ من المدينة غيرَها، ولكن حج قبل الهجرة مرَّات، قبلَ النّبوة وبعدَها. وقيل إنَّ فريضةَ الحجّ نزلَتْ عامئذٍ، وقيل سنة تِسْعٍ، وقيل سنة ستٍّ، وقيل قبلَ الهجرة وهو غريبٌ [جدًّا]. وسُمِّيتْ حجَّة البلاغ لأنه عليه الصلاة والسلام بلّغ الناسَ شرعَ الله في الحجِّ قولًا وفعلًا، ولم يكن بقيَ من دعائم الإسلام وقواعده شيءٌ إلَّا وقد بيَّنه عليه الصلاة والسلام، فلما بيَّن لهم شريعةَ الحجِّ ووضَّحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقِفٌ بعرفة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وسيأتي إيضاحٌ لهذا كله.

والمقصود ذكر حجته عليه الصلاة والسلام كيف كانت، فإنَّ النَّقَلَة اختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا جدًّا، بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم، وتفاوتوا في ذلك تفاوتًا كثيرًا، لا سيَّما من بعد الصحابة رضي الله عنهم، ونحن نورد بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ما ذكره الأئمة في كتبهم من هذه الروايات، ونجمع بينها جمعًا يُثلِجُ قلبَ منْ تأمَّله وأنْعم النظرَ فيه، وجَمَعَ بين طريقَتَي الحديث وفَهْمِ معانيه إن شاء الله، وبالله الثقة، وعليه التكلان. وقد اعتنى الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتناءً كثيرًا من قدماء الأئمة ومتأخريهم، وقد صنَّف العلَّامة أبو محمد بن حزم الأندلسي رحمه الله مجلدًا في حجة الوداع، أجاد في أكثره، ووقع له فيه أوهام سننته عليها في مواضعها. وباللّه المستعان.

‌باب بيانِ أنَّه عليه السلام لم يحجَّ من المدينة إلَّا حجةً واحدة، وأنَّه اعتمر قبلها ثلاث عُمَر

كما رواه البخاري ومسلم

(3)

عن هُدبة، عن هَمَّام، عن قَتَادة، عن أنس قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

في المسند "قضى فينا" وفي ط: (قضى علينا).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 128)، وإسناده ضعيف.

(3)

صحيح البخاري رقم (1780) في الحج باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. وصحيح مسلم رقم (1253)(217) في =

ص: 114

أربعَ عُمَرٍ، كُلُّهن في ذي القعدة، إلا التي في حجتِه .... الحديث.

وقد رواه يونس بن بكير، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة مثله.

وقال سعيد

(1)

بن منصور: عن الدراوَرْدي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عُمَير، عمرةً في شوال، وعمرتين في ذي القعدة.

وكذا رواه ابن بكير، عن مالك

(2)

، عن هشام بن عروة.

وروى الإمام أحمد

(3)

من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنَّ رسول الله اعتمر ثلاثَ عُمَرٍ، كلُّهن في ذي القعدة.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا أبو النَّضْر، حدّثنا داود - يعني العطار - عن عَمْرٍو، عن عِكْرمة، عن ابن عبّاس قال: اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، عُمرةُ الحُدَيبية، (وعُمرةُ القَضاء، والثالثة من الجِعْرانة

(5)

، والرابعة التي مع حجّتِه.

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي عن حديث داود العطار، وحسّنه الترمذي

(6)

.

وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجِعْرانة. وسيأتي في فصل مَنْ قال إنه عليه الصلاة والسلام حجَّ قارنًا. وبالله المستعان.

فالأولى من هذه العُمَر: عُمْرَةُ الحُدَيبية)

(7)

التي صُدَّ عنها، ثم بعدها عمرةُ القَضاء، ويقال: عمرة

= الحج باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن.

(1)

ط: (سعد) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 586).

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 342) عن هشام بن عروة.

(3)

مسند الإمام أحمد (2/ 180)، وهو حديث حسن لغيره.

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 321)، وإسناده صحيح.

(5)

الجِعْرانة: يكسر أوله إجماعًا. ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشددون راءه، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويسكنون العين ويخففون الراء، وقد حكي عن الشافعي أنه قال: والمحدثون يخطئون في تشديد الجعرانة وتخفيف الحديبيّة. وهي ماء بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين وأحرم منها (معجم البلدان) والحديبيّة قرية متوسطة ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها. وقال الخطابي: سميت الحديبية بشجرة حدباء وبينها وبين المدينة تسع مراحل، وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم (معجم البلدان).

(6)

سنن أبي داود رقم (1993) في المناسك باب في العمرة. والترمذي رقم (816) في الحج باب ما جاء كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم (3003) في الحجّ باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن.

(7)

ما بين القوسين ساقط من أ واستدركناه من ط والمسند.

ص: 115

القصاص، ويقال عُمْرَة القَضية، ثم بعدها عُمْرَةُ الجِعْرانة، مرجِعَه من الطّائِفِ حينَ قسمَ غنائم حُنَيْن، وقد قدّمنا ذلك كله في مواضعه، والرابعةُ عمرتُه مع حجته. وسنبيِّن أختلافَ الناسِ في عُمْرَتِه هذه مع الحجة، هل كان مُتَمَتِّعًا بأن أوقع العمرة قبلَ الحجة، وحل منها، أو منعه من الإحلال منها سوقُه الهَدْيَ، أو كان قارنًا لها مع الحجة، كما نذكُره من الأحاديث الدَّالة على ذلك، أو كان مُفْرِدًا لها عن الحجة، بأن أوقعَها بعد قضاء الحجة. قال: وهذا هو الذي يقوله من يقول بالإفراد، كما هو المشهور عن الشافعيّ، وسيأتي بيان هذا عند ذكرنا إحْرامَه صلى الله عليه وسلم كيف كان مُفْرِدًا أو مُتمتِّعًا أو قارِنًا.

قال البخاري

(1)

: حدّثنا عمرو بن خالد، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق، حدّثني زيد بن أرقم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسعَ عشرةَ غزوةً، وأنه حجَّ بعدَ ما هاجر حَجةً واحدة.

قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.

وقد رواه مسلم

(2)

من حديث زهير، وأخرجاه

(3)

من حديث شعبة - زاد البخاري

(4)

: وإسرائيل - ثلاثتهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبيعي، عن زيد به. وهذا الذي قاله أبو إسحاق من أنَّه عليه الصلاة والسلام حجَّ بمكة حجة أُخْرى، أي: أراد أنّه لم يقَعْ منه بمكة إلا حجة واحدة، كما هو ظاهر لفظه: فهو بعيدٌ، فإنَّه عليه الصلاة والسلام كان بعد الرسالة يَحْضُرُ مواسمَ الحجِّ، ويدعو الناسَ إلى الله ويقول:"من رجل يُؤْويني حتى أُبَلِّغَ كلامَ ربّي؟ فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلامَ ربّي عز وجل"

(5)

حتى قيَّض الله له

(6)

جماعةَ الأنصارِ يلقَوْنَه ليلةَ العَقَبة، أي عشيةَ يومِ النّحر عند جمرة العقبة ثلاثَ سنين متتالياتٍ، حتى إذا كانوا آخرَ سنةٍ بايعوه ليلةَ العقبة الثانية، وهي ثالثُ اجتماعهم به، ثمَّ كانَتْ بعدَها الهجرةُ إلى المدينة، كما قدَّمنا ذلك مبسوطًا في موضعه، والله أعلم.

وفي حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعَ سنين لم يحُجَّ، ثم أذَّن في الناس بالحجّ، فاجتمعَ بالمدينةِ بشرٌ كثيرٌ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمسٍ بقين من ذي القعدة، أو لأرْبعٍ، فلما كان بذي الحُليفة

(7)

صلّى، ثم استوى على راحلته، فلما أخذت به في البَيْداء لبّى، وأهْلَلْنا لا ننوي إلَّا الحجَّ.

(1)

صحيح البخاري رقم (4404).

(2)

صحيح مسلم رقم (1254) في الحج باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن.

(3)

رواه البخاري رقم (3949) ومسلم رقم (1254) الذي بعد (1812).

(4)

رواه البخاري رقم (4471).

(5)

رواه بنحوه الإمام أحمد في مسنده (3/ 390) وأصحاب السنن، وهو حديث صحيح.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ذو الحُلَيفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ومنها ميقات أهل المدينة (معجم البلدان).

ص: 116

وسيأتي الحديث بطوله، وهو في صحيح مسلم

(1)

وهذا لفظ البيهقي

(2)

من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه

(3)

، عن إبراهيم بن طَهْمان، عن جعفر بن محمد به.

‌باب تاريخِ

(4)

خروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة لحجة الوَداعِ بعدما استعمل عليها أبا دُجانة سِماك بن خَرَشة السَّاعدي

(5)

، ويقال سِبَاع بن عُرْفُطَة الغِفَاريّ

(6)

قال محمد بن إسحاق

(7)

: فلما دخل على رسول صلى الله عليه وسلم ذو القَعْدة من سنة عشر، تجهَّز للحجّ، وأمرَ الناسَ بالجهاز له. فحدّثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجّ لخمسِ ليالٍ بقين من ذي القَعْدة.

وهذا إسناد جيد.

وروى الإمام مالك

(8)

في موطَّئه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عَمْرة (عن عائشة، ورواه أحمد

(9)

عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة)

(10)

عنها. وهو ثابت في "الصَّحيحَيْن" و"سنن النَّسائي" وابن ماجة

(11)

و"مصنف ابن أبي شيبة" من طرق، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عَمْرة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله لخمسٍ بقينَ من ذي القعدة، لا نرى إلا الحجَّ

الحديث بطوله كما سيأتي.

(1)

صحيح مسلم رقم (1218) في الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

دلائل النبوة (5/ 432).

(3)

في أ و ط: "من طريق أحمد بن حنبل عن إبراهيم" وأثبتنا ما في دلائل النبوة، وانظر تهذيب التهذيب (1/ 24).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

الإصابة (4/ 58) والأنساب (5/ 84).

(6)

الإصابة (2/ 13)، وبعده في -:(حكاهما عبد الملك بن هشام).

(7)

سيرة ابن هشام (2/ 601).

(8)

الموطأ رقم (179) كتاب الحج باب ما جاء في النحر في الحج.

(9)

المسند (6/ 194).

(10)

ليس ما بين الرقمين في ط.

(11)

صحيح البخاري (1709) كتاب الحج باب ذبح الرجل البقر عن نسائه، وصحيح مسلم رقم (1211) كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام، والنسائي رقم (1775 و 1778) في الحج باب إباحة فسخ الحج بعمرة، وابن ماجه رقم (2981) في المناسك باب فسخ الحج.

ص: 117

وقال البخاري

(1)

: حدّثنا محمد بن أبي بكر المُقدَّمي، حدّثنا فُضَيْل بن سليمان، حدّثنا موسى بن عُقبة، أخبرني كُرَيْب عن ابن عباس قال: انطلقَ النبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجَّل

(2)

وادَّهن ولبس إزاره ورداءه، ولم يَنْهَ عن شيءٍ من الأردية ولا الأُزُر [تُلبس]

(3)

إلا المُزَعْفَرة التي تَرْدَع على

(4)

الجلد

(5)

فأصبح بذي الحُلَيْفة ركب راحلته حتى استوى على البَيْداء، [أهلّ هو وأصحابه وقلّد بدنته](3)، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لخمس

(6)

خلون من ذي الحجة

(7)

.

تفرَّد به البخاري.

فقوله: وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، إن أراد به صبيحة يومه بذي الحُلَيْفة صح قول ابن حزم في دعواه أنّه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يومَ الخميس، وبات بذي الحُلَيفة ليلة الجمعة، وأصبح بها يوم الجمعة، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة. وإن أراد ابنُ عبّاس بقوله: وذلك لخمس بقين من ذي القعدة يومَ انطلاقه عليه الصلاة والسلام من المدينة بعدما ترجَّل وادّهن ولبس إزاره ورداءه، كما قالت عائشة وجابر: إنّهم خرجوا من المدينة لخمسٍ بقين من ذي القعدة، بَعُدَ قولُ ابن حزم، وتعذَّر المصيرُ إليه، وتعيَّن القول بغيره، ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة، إن كانَ شهر ذي القعدة كاملًا، ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة، لما روى البخاري

(8)

حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وُهَيْب، حدّثنا أيوب، عن أبي قِلابة، عن أنس بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ معه الظهرَ بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحُلَيْفَة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البَيْداء، حَمِدَ اللّهَ عز وجل، وسبّح، [وكبَّر] ثم أهلّ بحج وعُمرة.

وقد رواه مسلم

(9)

والنسائي

(10)

جميعًا عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قِلابة،

(1)

صحيح البخاري (1545) في الحج باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر.

(2)

الترجيل: تسريح الشعر (جامع الأصول 3/ 477).

(3)

الزيادة من صحيح البخاري.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

تردع الجلد: أي تنفض صبغها عليه (النهاية: ردع).

(6)

في صحيح البخاري وجامع الأصول (3/ 476) لأربع ليالي.

(7)

وتتمة الحديث: "فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يَحِلَّ من أجل بُدْنِه لأنه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطّوّفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب".

(8)

صحيح البخاري رقم (1551).

(9)

ليس اللفظ في ط.

(10)

صحيح مسلم رقم (690) في صلاة المسافرين باب صلاة المسافرين وقصرها والنسائي (1/ 234) في الصلاة باب =

ص: 118

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهرَ بالمدينة أربعًا، والعصرَ بذي الحُلَيفة ركعتين.

وقال أحمد

(1)

: حدّثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن محمد، يعني ابن المُنْكَدِر وإبراهيم بن مَيْسرة، عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بالمدينةِ أربعًا، والعصرَ بذي الحُلَيْفَة ركعتين.

ورواه البخاري، عن أبي نُعَيْم، عن سُفيان الثوري به. وأخرجه مسلمٌ، وأبو داودَ والنسائي من حديث سُفْيان بن عُيَيْنة، عن محمد بن المُنْكَدر

(2)

، وإبراهيم بن مَيْسَرة عن أنس به

(3)

.

وقال أحمد

(4)

: حدّثنا محمد بن بكر

(5)

، حدّثنا ابن جريج، عن محمد بن المنكدر (2)، عن أنس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعًا، والعصر بذي الحُلَيْفة ركعتين، ثم بات بذي الحُلَيْفة حتى أصبح، فلما ركب راحلته واستوت به أهلّ.

وقال أحمد

(6)

: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدّثني محمد بن المنكدر (2) التَّيْمي، عن أنس بن مالك الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ في مسجده بالمدينة أربعَ ركعاتٍ، ثم صلَّى بنا العصرَ بذي الحُلَيْفة ركعتين آمنًا لا يخافُ في حجةِ الوداع.

تفرد به أحمد من هذين الوجهين الآخرين، وهما على شرط الصحيح، وهذا ينفي كونَ خروجه عليه الصلاة والسلام يومَ الجُمُعة قَطْعًا، ولا يجوزُ على هذا أن يكون خروجُه يومَ الخميس كما قال ابن حزم، لأنَّه كان يومَ الرابع والعشرين من ذي القعدة، لأنَّه لا خلاف أنَّ أول ذي الحجة كانَ يومَ الخميس، لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه عليه الصلاة والسلام وقفَ بعرفةَ يومَ الجُمُعة، وهو تاسعُ ذي الحجة بلا نزاع، فلو كان خروجُه يومَ الخميس الرابعَ والعشرين من ذي القعدة لبقيَ في الشّهر ستّ ليالٍ قَطْعًا، ليلةُ الجُمعة، والسبت، والأحد، والإثنين، والثَّلاثاء، والأربعاء، فهذه ست ليال.

وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر: إنّه خرجَ لخمسٍ بقينَ من ذي القعدة. وتعذَّر أنه يومُ الجمعة، لحديثِ أنسٍ، فتعيَّن على هذا أنه عليه الصلاة والسلام خرج من المدينة يومَ السبتِ، وظنَّ الراوي أن الشهرَ يكون تامًا، فاتفق في تلك السَّنة نقصانُهُ، فانسلخَ يومَ الأربعاء، واستهلّ شهر ذي الحجة ليلة

= صلاة العصر في السفر.

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 177)، وإسناده صحيح.

(2)

ط: (المنذر) تحريف. وقد تقدم قبل أسطر.

(3)

رواه البخاري رقم (1089) ومسلم رقم (690)(11) وأبو داود رقم (2202) والنسائي (1/ 235).

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 378)، وإسناده صحيح.

(5)

ط: (بكير) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (24/ 530).

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 237). أقول: وسنده حسن من أجل ابن إسحاق.

ص: 119

الخميس، ويؤيّده ما وقع في روايةِ جابر: لخمس بقين أو أربع. وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيدَ عنه، ولا بدَّ منه، والله أعلم.

‌بابُ صِفَةِ خُروجِهِ عليه الصلاة والسلام من المَدينة إلى مكَةَ للحَجّ

قال البخاري

(1)

: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أنس بن عياض، عن عُبَيْد الله - هو ابن عمر - عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَخْرُجُ من طريق الشَّجَرة، ويدخلُ من طريق المُعَرَّس

(2)

، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرجَ إلى مكةَ يُصلِّي في مسجد الشجرة، وإذا رجعَ صلَّى بذي الحُلَيْفة ببطنِ الوادي، وبات حتى يصبح.

تفرد به البخاري من هذا الوجه.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: وجدت في كتابي عن عمرو بن مالك، عن يزيد بن زريع، عن هشام، عن عَزْرة بن

(3)

ثابت، عن ثمامة، عن أنس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حجَّ على رَحْلٍ رثٍّ وتحتَهُ قَطيفةٌ. وقال: حجةٌ لا رِياءَ فيها ولا سُمْعة.

وقد علقه البخاري

(4)

في "صحيحه" فقال: وقال محمد بن أبي بكر: حدّثنا يزيد بن زُريع، عن عَزْرَة (3) بن ثابت، عن ثُمامة قال: حَجَّ أنسٌ على رَحْلٍ رَثٍّ

(5)

ولم يكن شَحيحًا، وحدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّ على رَحْلٍ وكانت زامِلَتَه

(6)

. هكذا ذكره البزار، والبخاري معلقًا مقطوع الإسناد من أوله.

وقد أسنده الحافظ البيهقى

(7)

في سننه فقال: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ، أنبأنا الحسن

(8)

بن محمد بن إسحاق، حدّثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدّثنا محمد بن أبي بكر، حدّثنا يزيد بن زُرَيْع

فذكره.

(1)

صحيح البخاري (1533) في الحج باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الشجرة.

(2)

المعرس: مسجد ذي الحُليفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرّس فيه ثم يرحل لغزاة أو غيرها. والتعريس نومة المسافر بعد إدلاجه من الليل فإذا كان وقت السحر أناخ ونام نومة خفيفة ثم يثور مع انفجار الصبح لوجهه (معجم البلدان).

(3)

ط: (عروة عن ثابت) وما أثبتناه هو الصواب الذي في صحيح البخاري، وانظر تهذيب التهذيب (7/ 192).

(4)

رواه البخاري رقم (1517).

(5)

قوله: "رث" ليس في صحيح البخاري.

(6)

الزامل من الدواب الذي كأنه يظلع في سيره من نشاطه (اللسان: زمل).

(7)

سنن البيهقي (4/ 232).

(8)

ط: (أبو الحسن علي) وانظر سير أعلام النبلاء (15/ 535 - 536).

ص: 120

وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر، عن أنس بن مالك فقال: حدثنا علي بن الجَعْد، أنبأنا الربيع بن صَبِيْح، عن يزيد الرَّقاشي، عن أنس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رثٍّ وقطيفة تُساوي - أو لا تُساوي - أربعةَ دراهم، فقال:"اللهمَّ حجةٌ لا رياءَ فيها".

وقد رواه الترمذي في الشمائل

(1)

من حديث أبي داود الطيالسي وسفيان الثوري، وابن ماجه

(2)

من حديث وكيع بن الجرَّاح، ثلاثتهم عن الربيع بن صَبِيْح به. وهو إسناد ضعيف من جهة يزيد بن أبان الرقاشي، فإنّه غير مقبول الرِّواية عند الأئمة

(3)

.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا هاشم، حدّثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: صدرتُ مع ابن عمر [يوم الصدر]

(5)

، فمرَّت بنا رُفْقة يَمانيةٌ، ورحالُهم الأدُمُ، وخُطُم

(6)

إبلِهم الجُرُر

(7)

، فقال عبد الله: من أحبَّ أن ينظرَ إلى أشبه رُفقةٍ وردت [الحج](5) العامَ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرُّفقة.

ورواه أبو داود

(8)

عن هَنَّاد، عن وكيع، عن إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن ابن عمر [فذكره](5).

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي

(9)

: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو طاهر الفقيه، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن الحسن، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالوا: حدّثنا أبو العباس - هو الأصم - أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأنا سعيد بن بشير القرشي، حدّثنا عبد الله بن حكيم الكناني - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عن بِشر بن قدامة الضبابي

(10)

قال: أبصرت عيناي حِبّى

(11)

رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

شمائل الترمذي: (319).

(2)

سنن ابن ماجه (2890) في المناسك باب الحج على الرحل.

(3)

أقول: لكن له طرق أخرى، يقوى الحديث بها.

(4)

مسند الإمام أحمد (2/ 120)، وإسناده صحيح.

(5)

الزيادة من مسند الإمام أحمد.

(6)

خطم كل دابة مقدّم أنفها وفمها (اللسان: خطم).

(7)

الجُرُر: جمع جرير وهو الحبل تجر به الناقه (اللسان: جرر) وانظر هامش مسند الإمام أحمد (8/ 253) بتحقيق أحمد شاكر.

(8)

رواه أبو داود رقم (4144) وإسناده صحيح.

(9)

سنن البيهقي (4/ 332 - 333) والزيادة عنه، وإسناده ضعيف.

(10)

الإصابة (1/ 154).

(11)

ط: (حبيبي).

ص: 121

واقفًا بعرفات مع الناس، على ناقة له حمراء، قَصْواء تحته قطيفة بَوْلانِية

(1)

وهو يقول: "اللهمّ اجعلها حجة غيرَ رئاء ولا هباء

(2)

ولا سمعة". والناس يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام أحمد

(3)

: حدّثنا عبد الله بن إدريس، حدّثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا حتى إذا كنا بالعرج

(4)

نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست عائشة إلى جَنْبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وجلستُ إلى جنب أبي، وكانت زِماله

(5)

رسول الله صلى الله عليه وسلم وزِمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع عليه وليس معه بعير. فقال: أين بعيرك؟ فقال: أضللته

(6)

البارحة، فقال أبو بكر: بعير واحد تُضِلّه! فطفقَ يَضْرِبُهُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: "انظروا إلى هذا المُحْرِم وما يَصْنَعُ".

وكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمَة. وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس به

(7)

.

فأما الحديث الذي رواه أبو بكر البزار في "مسنده" قائلًا: حدّثنا إسماعيل بن حفص، حدّثنا يحيى بن اليَمان، حدّثنا حمزةُ الزيات، عن حُمْران بن أعيَن، عن أبي الطُّفَيْل، عن أبي سعيد. قال: حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاةً من المدينة إلى مكة، قد ربطوا أوساطهم، ومشيُهم خِلْطُ الهرولة. فإنه حديثٌ منكرٌ ضعيفُ الإسناد، وحمزةُ بن حَبيبٍ الزياتُ ضعيفٌ، وشيخُه متروك الحديث. وقد قال البزار: لا يُرْوَى إلا مِنْ هذا الوجه، وإن كان إسنادُه حَسَنًا عندنا، ومعناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبتَ الحديث لأنه عليه الصلاة والسلام إنما حجَّ حجة واحدة، وكان راكبًا وبعضُ أصحابه مشاة.

قلت: ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من عُمَره ماشيًا، لا في الحديبية، ولا في القضاء، ولا الجِعْرانة، ولا في حجة الوداع، وأحواله عليه الصلاة والسلام أشهر وأعرف من أن تَخْفَى على الناس، بل هذا الحديث مُنْكَر شاذٌ لا يثبتُ مثلُه. والله أعلم.

(1)

القصواء: لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وناقة قصواء هي التي قطع طرف أذنها (النهاية: قصو). قطيفة بولانية: نسبة إلى بولان موضع (النهاية: بولان) وهو في طريق الحاج من البصرة قال العمراني هو موضع تُسرق فيه متاع الحاج (معجم البلدان).

(2)

ط: (منا).

(3)

مسند الإمام أحمد (6/ 344)، وإسناده ضعيف، لتدليس ابن إسحاق، وقد عنعن.

(4)

ط: (أدركنا بالعرج) العَرج: عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج (معجم البلدان).

(5)

الزمالة: المركوب والأداة وما يكون في السفر (النهاية: زمل).

(6)

ط: (أضللته).

(7)

رواه أبو داود رقم (1818)، وابن ماجه رقم (2933).

ص: 122

‌فصل

تقدَّم أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهر بالمدينة، أربعًا، ثم ركب منها إلى الحُلَيفة وهي وادي العَقيق، فصلَّى بها العصرَ ركعتين، فدلَّ على أنّه جاء الحُلَيْفة نهارًا في وقت العصر، فصلى بها العصر قصرًا، وهي من المدينة على ثلاثة أميال، ثم صلّى بها المغربَ والعشاء، وبات بها حتى أصبح، فصلَّى بأصحابه، وأخبرهم أنّه جاءه الوحيُ من الليل بما يعتمده في الإحرام.

كما قال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا يَحْيى بن آدم، حدّثنا زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أُتي [وهو] في المُعَرَّس من ذي الحُلَيْفة، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة.

وأخرجاه في "الصحيحين"

(2)

من حديث موسى بن عُقبة به.

وقال البخاري

(3)

: حدّثنا الحُمَيْدي، حدّثنا الوليد وبشر بن بكر قالا: حدّثنا الأوزاعي، حدّثنا يحيى، حدّثني عِكْرمة أنًّه سمع ابن عباس، أنه سمع عمر يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلةَ آتٍ من ربّي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل عُمرةً في حجّة". تفرد به دون مسلم. فالظاهر أن أمره عليه الصلاة والسلام بالصلاة في وادي العقيق هو أمر بالإقامة به إلى أن يصلِّى صلاةَ الظُّهْر، لأنَّ الأمر إنما جاءه في الليل، وأخبرهم بعد صلاة الصبح، فلم يبق إلا صلاةُ الظهر، فاُمِر أن يصلّيَها هنالك، وأن يُوقع الإحرام بعدها، ولهذا قال:"أتاني الليلةَ آتٍ من ربي عز وجل، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عُمرةً في حجة". وقد احتُجَّ به على الأمر بالقِران في الحج، وهو من أقوى الأدلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبًا. والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالإقامة بوادي العقيقِ إلى صلاة الظُّهر، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك، وطاف على نسائه في تلك الصَّبيحة، وكنّ تسعَ نسوة، وكلهنّ خرج معه، ولم يَزَلْ هنالك حتى صلّى الظهر، كما سيأتي في حديث أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحُلَيفة، ثم أشْعَرَ بَدَنَتاه

(4)

، ثم ركب، فأهلَّ.

(1)

مسند الإمام أحمد (2/ 90).

(2)

صحيح البخاري رقم (1535) في الحج باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك، وصحيح مسلم رقم (1346) في الحج باب التعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من الحج أو العمرة.

(3)

صحيح البخاري رقم (1534) في الحج باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك.

(4)

أشعر بدنته هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدي (النهاية: شعر).

ص: 123

وهو عند مسلم

(1)

.

وهكذا قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا رَوْحٌ، حدّثنا أشْعَثُ - هو ابن عبد الملك - عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم ركب راحلته، فلما علا شَرَف

(3)

البَيْداء أهلّ.

ورواه أبو داود

(4)

عن أحمد بن حنبل. والنسائي

(5)

، عن إسحاق بن راهَوَيْه، عن النَّضْر بن شُمَيْل، عن أشعث بمعناه، وعن أحمد بن الأزهر، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أشعث أتم منه.

وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في صدر النهار، وله أن يعتضد بما رواه البخاري

(6)

من طريق أيوب، عن رجل، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحُليفة حتى أصبح، فصلَّى الصبْحَ، ثم ركب راحلتَه، حتى إذا استوت به البيداءَ أهلَّ بعمرة وحجة.

ولكن في إسناده رجلٌ مُبْهم، والظاهر أنه أبو قِلابة. والله أعلم.

قال مسلم

(7)

في "صحيحه": حدّثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدّثنا خالد - يعني ابن الحارث - حدّثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتشر، سمعت أبي يحدث عن عائشة: أنها قالت: كنت أُطَيِّبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يطوفُ على نسائه، ثم يصبح مُحرِمًا ينضح طيبًا

(8)

.

وقد رواه البخاري من حديث شعبة، وأخرجاه من حديث أبي عَوَانة، زاد مسلم: ومِسْعَر وسفيان بن سعيد الثوري، أربعتهم عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتَشر به

(9)

.

وفي رواية لمسلم

(10)

عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتَشر، عن أبيه قال: سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يَتَطيَّبُ ثم يصبح

(11)

محرمًا قال: ما أُحِبُّ أن أصبح محرمًا أنضَحُ طيبًا، لأن أطَّلي بالقَطِران أحب

(1)

رقم (1243).

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 207).

(3)

في المسند "جبل البيداء" وكذا في سنن أبي داود وسنن النسائي.

(4)

سنن أبي داود رقم (1774) في المناسك باب وقت الإحرام، وهو حديث صحيح.

(5)

سنن النسائي (5/ 162) في الحج باب البيداء، وهو صحيح.

(6)

رقم (1715).

(7)

مسلم رقم (1192) كتاب الحج باب الطيب للمحرم.

(8)

ينضح طيبًا أي يفوح، وأصل النضح الرشح، فشبه كثرة ما يفوح من طيبه بالرشح، وروي بالخاء المعجمة، وقيل هو كاللطخ يبقى له أثر، قالوا: هو أكثر من النضخ، وقيل بالخاء المعجمة فيما ثخن كالطيب، وبالمهملة فيما رق كالماء (النهاية: نضح).

(9)

صحيح البخاري رقم (267) و (270) ومسلم رقم (1192)(47) و (48) و (49).

(10)

رواه مسلم رقم (1192)(47).

(11)

ليس لفظا (ثم يصبح) في ط.

ص: 124

إليّ من أن أفعل ذلك. فقالت عائشة: أنا طيَّبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرمًا.

وهذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان صلى الله عليه وسلم يتطيَّب قبل أن يطوف على نسائه (وكأنه صلى الله عليه وسلم تطيَّبَ قبل أن يطوف على نسائه)

(1)

ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب إليهن، ثم لما اغتسل من الجنابة وللإحرام تطيَّب أيضًا للإحرام طيبًا آخر. كما رواه الترمذيَ

(2)

والبيهقي

(3)

من حديث عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، أنَّه رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغْتَسَل.

وقال الترمذي: حسن غريب.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا زكريا بن عدي، أنبأنا عُبيد الله بن عَمْرو، عن عبد الله بن محمد بن عَقيل، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُحرم غَسَلَ رَأْسَه بخطْميٍّ وأُشْنَان

(5)

، ودهنه بشيء من زيتٍ غيرِ كثيرٍ

الحديث

(6)

.

تفرّد به أحمد.

وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: أنبأنا سُفيان بن عُيينة، عن عثمان بن عروة، سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: طيَّبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لحُرْمِه ولحِلّه. قلتُ لها: بأيّ طيبٍ؟ قالت: بأطيب الطيب.

وقد رواه مسلم

(7)

من حديث سُفيان بن عيينة. وأخرجه البخاري

(8)

من حديث وُهَيْب عن هشام بن عروة، عن أخيه عثمان، عن أبيه عروة، عن عائشة به.

(1)

ليس ما بين القوسين في ط.

(2)

جامع الترمذي رقم (830) في الحج باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام.

(3)

في ط: (والنسائي) وانظر سنن البيهقي (5/ 32، 33) باب الغسل للإهلال كتاب الحج.

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 78)، وإسناده ضعيف.

(5)

الخِطْميُّ ويفتح: نبات محلِّل منضِّج ملين نافع (القاموس: خطم) وهو يغسل به، وفي الصحاح يغسل به الرأس (اللسان: خطم) والأشنان والإشنان من الحمض معروف، الذي يغسل به الأيدي، والضم أعلى (اللسان: أشن).

(6)

وتتمة الحديث " .. قالت: وحججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فأعمر نساءه وتركني فوجدت في نفسي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر نساءه وتركني، فقلت: يا رسول الله أعمرت نساءك وتركتني، فقال لعبد الرحمن: اخرج بأختك فلتعتمر، فطف بها البيت والصفا والمروة ثم لتقض، ثم ائتني بها قبل أن أبرح ليلة الحصبة قالت: فإنما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصبة من أجلي".

(7)

صحيح مسلم رقم (1189)(36).

(8)

صحيح البخاري (5928) كتاب اللباس باب ما يستحب من الطيب.

ص: 125

وقال البخاري

(1)

: حدّثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كنت أُطَيِّبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يُحْرِم، ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت.

وقال مسلم

(2)

: حدّثنا عبدُ بن حُمَيْد، أنبأنا محمد بن أبي بكر، أنبأنا ابن جُرَيْج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يُخْبرانه عن عائشة قالت: طيّبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ بذَريرة

(3)

في حجة الوداع للحِلِّ والإحْرام.

وروى مسلم

(4)

من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.

وقال مسلم

(5)

: حدّثني أحمد بن مَنيع ويعقوب الدَّورقي، قالا: حدّثنا هُشيم، أنبأنا منصور، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أُطيّبُ النبي صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُحْرِمَ، ويومَ النَّحر قبلَ أن يطوفَ بالبيت بطيبٍ فيه مِسْك.

وقال مسلم

(6)

: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ وزهير بن حرب. قالا: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا الأعْمَشُ، عن أبي الضُّحى عن مَسْروق، عن عائشة قالت: كأنّي أنظرُ إلى وَبيص

(7)

المِسكِ في مفارق

(8)

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي.

ثم رواه مسلم

(9)

من حديث الثوري وغيره، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كأنّي أنظرُ إلى وَبيصِ المسكِ في مَفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرِم.

ورواه البخاري

(10)

من حديث سفيان الثوري، ومسلم

(11)

من حديث الأعمش، كلاهما عن

(1)

صحيح البخاري (1539) كتاب الحج باب الطيب عند الإحرام.

(2)

صحيح مسلم رقم (1189)(35) كتاب الحج باب الطيب للمحرم عند الإحرام.

(3)

ذريرة: نوع من الطيب مجموع من أخلاط (النهاية: ذرر).

(4)

صحيح مسلم رقم (1189)(31) كتاب الحج باب الطيب للمحرم عند الإحرام.

(5)

صحيح مسلم رقم (1191) كتاب الحج باب الطيب للمحرم.

(6)

صحيح مسلم رقم (1190)(41) كتاب الحج باب الطيب للمحرم.

(7)

وبيص المسك: بريقه (النهاية: وبص).

(8)

ط: (مفرق).

(9)

صحيح مسلم رقم (1190)(45) كتاب الحج باب الطيب للمحرم.

(10)

صحيح البخاري (1538) كتاب الحج باب الطيب عند الإحرام.

(11)

صحيح مسلم رقم (1190)(39) و (40) كتاب الحج باب الطيب للمحرم، من حديث الأعمش ومنصور كلاهما عن إبراهيم.

ص: 126

منصور، عن إبراهيم، عن الأسود عنها. وأخرجاه في الصحيحين من حديث شُعبة، عن الحكم، عن

(1)

إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة

(2)

.

وقال أبو داود الطيالسي

(3)

: أنبأنا شُعبة

(4)

، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. قالت: كأني أنظر إلى وَبيصِ الطِّيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرِمٌ.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا عَفّانُ، حدّثنا حماد بن سَلَمة، [أنا حماد] عن إبراهيم النَّخَعي، عن الأسود، عن عائشة قالت: كأني أنظرُ إلى وَبيصِ الطِّيبِ في مفرِق النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو مُحْرِمٌ.

وقال عبد الله بن الزبير الحُمَيْدي: حدّثنا سُفيان بن عيينة، حدّثنا عطاء بن السائب، عن إبراهيم النَّخَعي، عن الأسود، عن عائشة قالت: رأيتُ الطِّيب

(6)

في مَفْرِق رسول الله بعدَ ثالثة وهو محرم.

فهذه الأحاديث دالة على أنه عليه الصلاة والسلام تَطَيَّبَ بعد الغُسْل، إذ لو كان الطيب قَبْلَ الغُسْلِ لذهبَ به الغُسْل، ولما بقي له أثر، ولا سيما بعد ثلاثة أيام من يوم الإحرام.

وقد ذهب طائفةٌ من السَّلَف منهم ابنُ عمر إلى كراهة التَّطَيُّب عند الإحرام.

وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة.

فقال الحافظ البيهقي

(7)

: أنبأنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الغَمر، حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة، أنها قالت: طَيَّبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجَيّدة عندَ إحرامِهِ.

وهذا إسناد غريبٌ عزيز المخرج.

ثم إنه عليه الصلاة والسلام لبد رأسَه ليكونَ أحفظَ لما فيه من الطِّيب، وأصْوَنَ له من استقرارِ التّرابِ والغُبار.

(1)

ط: (بن).

(2)

رواه البخاري رقم (271) ومسلم (1190)(42).

(3)

مسند أبي داود الطيالسي (1378).

(4)

ط: (أشعث) تحريف.

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 124) والزيادة منه، وهو حديث حسن.

(6)

في المسند: (وبيص الطيب).

(7)

سنن البيهقي (5/ 35).

ص: 127

قال مالك

(1)

: عن نافع، عن ابن عمر: إن حَفْصَةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم قالَتْ: يا رسولَ الله، ما شأنُ الناسِ حَلُّوا من العُمْرة ولم تحل أنْتَ من عُمْرتكَ؟ قال:"إني لبَّدْتُ رأسي، وقلَّدت هَدْيي، فلا أَحِلّ حتى أنْحَرَ".

وأخرجاه في "الصحيحين"

(2)

من حديث مالك، وله طرقٌ كثيرةٌ عن نافع.

وقال البيهقي

(3)

: أنبأنا الحاكم، أنبانا (الأصم، ثنا يحيى بن محمد بن)

(4)

يحيى، حدّثنا عُبَيْد الله بن عمر القَواريري، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لبَّدَ رأسَه بالغِسل.

وهذا إسناد جيّد.

ثم إنه عليه الصلاة والسلام أشعر الهَدْيَ وقلَّده وكان

(5)

معه بذي الحُلَيْفة.

قال الليث: عن عُقَيْل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: تَمَتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعُمْرة إلى الحجّ، وأهدى، فساق معه الهَدْيَ من ذي الحُلَيْفة. وسيأتي الحديث بتمامه وهو في "الصحيحين"

(6)

والكلام عليه إن شاء الله.

وقال مسلم

(7)

: حدّثنا محمد بن المثنى، حدّثنا معاذ بن هشام هو الدستوائي، حدّثني أبي، عن قتادة، عن أبي حسّان، عن ابن عباس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحُلَيْفة دعا بناقته فاشْعَرَها في صفحةِ سَنامِها الأيمنِ وسَلَت الدم

(8)

، وقلَّدها نَعْلَيْن ثم ركبَ راحلته.

وقد رواه أهلُ السُّنن الأربعة

(9)

من طرقٍ عن قتادة.

(1)

موطا مالك (1/ 394) في الحج باب ما جاء في النحر في الحج.

(2)

صحيح البخاري رقم (1566) في الحج باب التمتع والإقران، وصحيح مسلم رقم (1229)(176) في الحج باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد.

(3)

سنن البيهقي (5/ 36).

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

رواه البخاري (1691) ومسلم (2227)(174).

(7)

صحيح مسلم (1243) في الحج باب تقليد الهدي وإشعاره.

(8)

سلت الدم: أماطه (النهاية: سلت).

(9)

جامع الترمذي (906) في الحج باب ما جاء في إشعار البدن وسنن أبي داود رقم (1752) في المناسك باب في الإشعار وسنن النسائي (5/ 170، 172) في الحج باب أي الشقين يشعر وسنن ابن ماجه رقم (3097) في المناسك باب إشعار البدن.

ص: 128

وهذا يدلّ على أنّه عليه السلام تعاطى هذا الإشعار والتقليد بيده الكريمة في هذه البَدَنَة وتولّى إشعارَ بقية الهَدْي وتقليدَه غيرُه، فإنّه قد كان هَدْي كثير إما مئة بَدَنة أو أقلّ منها بقليل، وقد ذَبَحَ بيده الكريمة ثلاثًا وستين بَدَنَةً، وأعطى عَليًّا فذَبَح ما غبر

(1)

.

وفي حديث جابر أن عليًا قدم من اليمن ببُدْنٍ للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي سياق ابن إسحاق أنه عليه الصلاة والسلام أشرك علمًا في بُدْنه، والله أعلم. وذكر غيره أنه ذَبَحَ هو وعليّ يوم النَّحْر مئة بدنة، فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذي الحُليفة، وقد يكون اشترى بعضها بعد ذلك وهو مُحْرِمٌ.

‌بابُ بيانِ الموْضِعِ الذي أهلَّ منه عليه السلام، واختلافِ الناقلين لذلك، وتَرْجيحِ الحقّ في ذلك

تقدَّمَ الحديثُ الذي رواه البخاري

(2)

من حديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة،

عن ابن عباس، عن عمر: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بوادي العَقيق يقولُ: "أتاني آتٍ من ربي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمْرَةً في حجةٍ".

وقال البخاري

(3)

: باب الإهلال عند مسجد ذي الحُلَيْفة: حدّثنا علي بن عبد الله، حدّثنا سفيان، حدّثنا موسى بن عُقبة، سمعتُ سالم بن عبد الله (سمعت ابن عمر رضي الله عنهما

(4)

، وحدّثنا عبد الله بن مَسْلَمة، ثنا مالكٌ، عن موسى بن عُقبة، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أباه يقولُ: ما أهل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَّا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ - يعني مسجد ذي الحُلَيْفةِ -.

وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرقٍ، عن موسى بن عُقْبة

(5)

. وفي روايةٍ لمسلمٍ

(6)

، عن موسى بن عُقْبة، عن سالم ونافع وحمزة بن عبد الله بن عمر، ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر

فذكره.

(1)

غبر: بقي (مختار الصحاح: غبر).

(2)

صحيح البخاري رقم (1534) في الحج باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك.

(3)

صحيح البخاري (1541) في الحج باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة.

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

صحيح مسلم رقم (1186) في الحج باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة. وجامع الترمذي رقم (818) في الحج باب ما جاء في أي موضع أحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وسنن أبي داود رقم (1771) في الحج باب وقت الإحرام وسنن النسائي (5/ 162) في الحج باب العمل في الإهلال.

(6)

رواه مسلم رقم (1184)(20).

ص: 129

وزاد فقال: لبيك اللَّهُمّ، لَبَّيْك

(1)

. وفي رواية لهما

(2)

من طريق مالكٍ، عن موسى بن عُقْبة، عن سالم قال: قال عبد الله بن عمر: بَيْداؤُكُم هذه التي تَكْذِبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما

(3)

أهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا من عند المسجد.

وقد روي عن ابن عمر خلافُ هذا، كما سيأتي في الشق الآخر، وهو ما أخرجاه في "الصحيحين"

(4)

من طريق مالك، عن سعيد المَقْبري، عن عُبيد بن جُريج، عن ابن عمر، فذكر حديثًا فيه أن عبد الله قال: وأما الإهلال فإني لمْ أرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُهِل حتى تنبعثَ به راحلتُه.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدَّثني خُصَيف بن عبد الرحمن الجَزَري، عن سعيد بن جُبَير قال: قلت لعبد الله بن عَبّاس: يا أبا العباس، عجبًا لاختلافِ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حينَ أوجبَ! فقال: إني لأعلمُ النّاسِ بذلك، إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجةٌ واحدةٌ، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فلما صلى في مسجده بذي الحُلَيْفة رَكْعَتَيْهِ أوجبَ في مجلسه، فأهلَّ بالحجّ حينَ فرغَ من رَكْعَتَيْه، فسمعَ ذلك منه قوم فحفظوا عنه، ثم ركب، فلما استقلت

(6)

به ناقته أهل، وأدركَ ذلك منه أقوامٌ، وذلك أن النّاس إنّما كانوا يأتون أرْسالًا، فسمعوه حين استقلَّت به ناقتُه يُهِلُّ، فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلَّت به ناقتُه، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا شَرَفَ البَيْدَاء أهلَّ، وأدركَ ذلك منه أقوامٌ، فقالوا: إنما أهلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين علا شَرَفَ البَيْداء، وايمُ اللهِ لقد أوْجَبَ في مُصلاه، وأهلَّ حينَ استقلَّتْ به ناقته، وأهلَّ حين علا شَرَفَ البَيْداء. فمَنْ أخذَ بقولِ عبد الله بن عباس أهلَّ في مُصَلّاه إذا فرغ من رَكْعَتَيْهِ.

وقد رواه الترمذي والنسائي

(7)

جميعًا، عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب، عن خُصَيف به نحوه. وقال التّرمذي: حَسَنٌ غَريبٌ، لا نعرفُ أحدًا رواه غير عبد السلام، كذا قال. وقد تقدّم رواية الإمام أحمد له من طريق محمد بن إسحاق عنه، وكذلك رواه الحافظ البيهقي

(8)

، عن الحاكم، عن القَطيعيّ، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، ثم قال: خُصَيف الجَزَري غير قوي. وقد رواه الواقدي

(1)

ليس (اللهم لبيك) في ط.

(2)

رواه البخاري رقم (1541) ومسلم (1186).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

رواه البخاري رقم (166) ومسلم (1187).

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 260)، وإسناده ضعيف.

(6)

ط: (انتقلت). وفي المسند: (استقبلت).

(7)

جامع الترمذي رقم (819) في الحج باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلم. وسنن النسائي (5/ 162) في الحج باب العمل في الإهلال، وإسناده ضعيف.

(8)

سنن البيهقي (5/ 37).

ص: 130

بإسنادٍ له عن ابن عباس. قال البيهقيُّ: إلّا أنه لا تنفعُ

(1)

متابعةُ الواقدي، والأحاديثُ التي وردَتْ في ذلك عن ابن

(2)

عمر وغيره أسانيدُها قويّةٌ ثابتةٌ، والله تعالى أعلم.

قلت: فلو صَحَّ هذا الحديثُ لكانَ فيه جَمْعٌ لما بينَ الأحاديث من الاختلاف، وبسطٌ لعذرِ منْ نقلَ خلافَ الواقع، ولكن في إسناده ضعفٌ، ثم قد رُوي عن ابن عباس وابن عمر خلاف (2) ما تقدَّم عنهما، كما سَنُنَبِّهُ عليه ونُبَيِّنُهُ، وهكذا ذكرَ منْ قال إنه عليه السلام أهلَّ حينَ اسْتَوَتْ به راحِلَتُهُ.

قال البخاري

(3)

: حدّثنا عبدُ الله بن محمد، حدّثنا هِشامُ بن يوسف، أنبأنا ابن جُرَيْج، حدّثني محمد بن المُنْكَدِر، عن أنس بن مالك قال: صَلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا وبذي الحُلَيْفَة رَكْعَتَيْن، ثم باتَ حتى أصْبَحَ بذي الحُليفة، فلمّا ركبَ راحلتَه واستوتْ به أهلّ.

وقد رواه البخاريّ ومسلمٌ، وأهلُ السنن

(4)

من طرقٍ، عن محمد بن المُنْكَدِر وإبراهيم بن مَيْسَرة، عن أنسٍ.

(وثابتٌ) في "الصحيحين"

(5)

من حديث مالك، عن سعيد المَقْبري، عن عُبَيْد بن جُرَيْج، عن ابن عمر قال: وأما الإهلالُ فإنّي لم أرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُهِلّ حتى تنبعثَ به راحلتُه.

وأخرجاه في "الصحيحين"

(6)

من رواية ابن وهبٍ، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أنَّ رسول الله كان يركَبُ راحلتَهُ بذي الحُلَيْفَة، ثم يُهِلُّ حينَ تَسْتَوي به قائمةً.

وقال البخاري

(7)

: باب من أهلَّ حينَ استوتْ به راحلَتُه، حدّثنا أبو عاصم، حدّثنا ابن جريج، أخبرني صالحُ بن كَيْسان، عن نافع، عن ابن عمر قال: أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين اسْتَوَتْ به راحِلَتُه قائمة.

وقد رواه مسلم والنسائي

(8)

، من حديث ابن جُرَيْج به.

(1)

ط: (ينفع).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

صحيح البخاري رقم (1546) كتاب الصلاة باب في تقصير الصلاة.

(4)

البخاري رقم (1089) ومسلم رقم (690)(11) في صلاة المسافرين، وسنن أبي داود رقم (1202) في الصلاة باب متى يقصر المسافر وسنن الترمذي رقم (546) في الصلاة باب ما جاء في التقصير في السفر وسنن النسائي (1/ 234) في الصلاة باب صلاة العصر في السفر، وليس الحديث عند ابن ماجه.

(5)

صحيح البخاري (166) ومسلم (1187)(25) في الحج باب أمر أهل المدينة بالإحرام عند مسجد ذي الحليفة.

(6)

البخاري (1514) ومسلم (1187)(29).

(7)

صحيح البخاري (1552) كتاب الحج.

(8)

صحيح مسلم رقم (1187)(28) في الحج باب أمر أهل المدينة بالإحرام عند مسجد ذي الحليفة وسنن النسائي (5/ 162) في الحج باب العمل في الإهلال.

ص: 131

وقال مسلم

(1)

: حدّثنا أبو بكر بن أبي

(2)

شيبة، حدّثنا علي بن مُسْهِر، عن عُبَيْد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغَرز

(3)

وانبعثتْ به راحلتُه قائمةً أهلَّ من ذي الحُلَيفة.

انفرد به مُسلمٌ من هذا الوجه، وأخرجاه من وجه آخر

(4)

، عن عُبَيْد الله بن عمر، عن نافعٍ عنه.

ثم قال البخاري

(5)

: باب الإهلال مستقبلَ القبلة. قال أبو معمر: حدّثنا عبدُ الوارث، حدّثنا أيوب، عن نافع قال: كان ابنُ عمر إذا صلَّى الغَداة

(6)

بذي الحُلَيْفة أمر براحلته فرُحلت، ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائمًا، ثم يُلبِّي حتى يبلغ الحرم

(7)

، ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طُوى

(8)

بات به حتى يُصْبحَ، فإذا صلَّى الغداةَ اغْتسَلَ، وزعمَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ثم قال: تابعه إسماعيلُ، عن أيوب في الغُسْل.

وقد عَلَّق البخاري

(9)

أيضًا هذا الحديث في كتاب الحجّ، عن محمد بن عيسى، عن حماد بن زيد، وأسنده فيه

(10)

عن

(11)

يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرقي، عن إسماعيل، هو ابن عُلَيَّة.

ورواه مُسْلمٌ، عن زهير بن حَرْبٍ، عن إسماعيل، وعن أبي الربيع الزهراني وغيره، عن حماد بن زيد، ثلاثتُهم عن أيوب بن أبي تَميمة السِّخْتياني به

(12)

. ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن إسماعيل بن عُلَيَّة به.

ثم قال البخاري

(13)

: حدّثنا سليمان أبو الربيع، حدّثنا فُلَيْح، عن نافع قال: كان ابنُ عمر إذا أراد

(1)

صحيح مسلم رقم (1187)(27) في الحج باب الإهلال من حيث تنبعث راحلته.

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: هو الكور مطلقًا مثل الركاب للسرج (النهاية: غرز).

(4)

رواه البخاري رقم (2865) ولم نره عند مسلم من وجه آخر.

(5)

صحيح البخاري رقم (1553).

(6)

في صحيح البخاري "بالغداة".

(7)

في صحيح البخاري "المحرم".

(8)

ذو طوى: بفتح الطاء وضمها واد بمكة (معجم البلدان).

(9)

برقم (1769).

(10)

برقم (1573).

(11)

ط: (فهو يعقوب).

(12)

رواه مسلم رقم (2259) من طريق أبي الربيع الزهراني عن حماد.

(13)

صحيح البخاري (1554) كتاب الحج باب الإهلال مستقبل القبلة.

ص: 132

الخروجَ إلى مكة ادَّهَنَ بدُهْنٍ ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحُلَيْفة فيُصلّي، ثم يَرْكَب، فإذا استوت به راحلتُه قائمة أحْرَمَ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ.

تفرد به البخاري من هذا الوجه.

وروى مسلم

(1)

، عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه قال: بَيْداؤُكم هذه التي تَكْذِبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، واللهِ ما أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عند الشجرة، حين قام به بعيرُه.

وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الأولى وهذه الروايات عنه، وهو أن الإحرام كان من عند المسجد، ولكن بعدما ركب راحلته واستوت به على البيداء يعني الأرض وذلك قبل

(2)

أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء.

ثم قال البخاري

(3)

في موضع آخر: حدّثنا محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، حدّثنا فُضَيْل بن سليمان، حدّثنا موسى بن عقبة، حدّثني كُرَيب، عن عبد الله بن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجَّلَ وادَّهَنَ ولبسَ إزارَهُ ورداءَه هو وأصحابه، ولم يَنْهَ عن شيء من الأردية والأزُر تُلْبَسُ، إلا المُزَعْفَرَةَ التي تُرْدَعُ على الجلد، فأصبح بذي الحُلَيْفَة، ركب راحلته، حتى استوَتْ على البَيْداء، أهلّ هو وأصحابه، وقَلَّدَ (بدنته وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليالي خَلَوْنَ من ذي الحجّة فطافَ بالبيت وسعى بين الصَّفا والمَرْوة ولم يُحِلَّ من أجل بُدْنِه لأنّه قَلَّدها ثم نزل بأعلى مكة)

(4)

عند الحَجون وهو مُهِلٌّ بالحجِّ، ولم يَقْرَبِ الكعبةَ [بعد] طوافه بها حتى رجعَ من عرفة، وأمر أصحابه أن يَطَّوَّفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يُقَصِّروا من رؤوسهم، ثم يُحِلُّوا، وذلك لمن لم يكن معه بَدَنة قلَّدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حَلالٌ والطِّيْب والثِّياب.

انفرد به البخاري.

وقد روى الإمام أحمد

(5)

، عن بَهْز بن أسد، وحجّاج، ورَوْح بن عُبادة، وعفان بن مسلم، كلُّهم عن شعبة، قال: أخبرني قتادة قال: سمعتُ أبا حسّان الأعْرج الأجْرَد وهو مُسْلم بن عبد الله البصري، عن ابن عباس، قال: صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ بذي الحُلَيْفة، ثم دعا بَبَدنَتِه فأشْعَر صفحةَ سنامِها

(1)

صحيح مسلم رقم (1186)(24) كتاب الحج باب أمر أهل المدينة بالإحرام عند مسجد ذي الحليفة.

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

صحيح البخاري رقم (1545) كتاب الحج باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية.

(4)

ما بين القوسين في ط: (بدنه لأنه قلدها ولم تزل بأعلا مكه).

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 254).

ص: 133

الأيمن، وسَلَت الدمَ عنها، وقلَّدها نَعْلَيْن، ثم دعا براحِلَتِهِ، فلما اسْتَوَتْ على البَيْداء أهَلَّ بالحَجّ.

ورواه أيضًا

(1)

، عن هُشَيْم، أنبأنا أصحابنا، منهم شُعبة، فذكر نحوه. ثم رواه أحمد

(2)

أيضًا عن رَوْح وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن الجَرَّاح، كلُّهم عن هشام الدَّستُوائي، عن قتادة به نحوه. ومن هذا الوجه رواه مسلم في "صحيحه" وأهل السنن في كتبهم

(3)

.

فهذه الطرق عن ابن عباس، من أنه عليه السلام أهلَّ حين استوت به راحلته أصحَّ وأثبتُ من رواية خُصَيْف الجَزَري، عن سعيد بن جبير عنه. والله أعلم.

وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنَّه أهلَّ حينَ اسْتَوَتْ به الراحلةُ مقدَّمة على الأخرى، لاحتمال أنَّه أحرم من عند المسجد حين استوَتْ به راحلتُه، وتكونُ روايةُ رُكُوبهِ الراحلةَ فيها زيادةُ عِلْم على الأخرى، والله أعلم.

ورواية أنس في ذلك سالمةٌ عن المُعارض، وهكذا رواية جابر بن عبد الله في "صحيح مسلم"

(4)

من طريقِ جَعْفر الصّادق، عن أبيه، [محمد بن علي] أبي

(5)

الحسين زين العابدين، عن جابر في حديثه الطويل الذي سيأتي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حينَ اسْتَوَتْ به راحلتُه سالمة عن المُعارض. والله أعلم.

وروى البخاري

(6)

من طريق الأوْزاعي، سمعتُ عطاءً، عن جابرِ بن عَبْد الله: أنَّ إهلالَ رسولِ الله من ذي الحُلَيفة حين اسْتَوَتْ به راحلتهُ.

فأما الحديثُ الذي رواه محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبي الزِّناد، عن عائشة بنتَ سعد، قالت: قال سعد: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذَ طريق الفُرع

(7)

أهل إذا استَقَلّتْ به راحلتُه، وإذا أخذَ طريق أُحد

(8)

أهلَّ إذا علا على شَرَفِ البَيْداء. فرواه أبو داود والبيهقي

(9)

من حديث ابن إسحاق، وفيه غَرابةٌ ونكارةٌ،

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 216).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 344، 372).

(3)

صحيح مسلم رقم (1243) في الحج باب تقليد الهدي وسنن الترمذي رقم (906) في الحج باب ما جاء في إشعار البدن وسنن أبي داود رقم (1752) في المناسك باب الإشعار والنسائي (5/ 170)، 172 في الحج باب أي الشقين يشعر وسنن ابن ماجه رقم (3097) في المناسك باب إشعار البدن.

(4)

رقم (1218).

(5)

ط: (عن أبي الحسين) ولفظ عن زائدة.

(6)

صحيح البخاري (1515) في الحج باب قول الله تعالى "يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر".

(7)

الفُرْع: قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة (معجم البلدان).

(8)

في الأصول: طريقًا أخرى.

(9)

سنن أبي داود رقم (1775) كتاب المناسك باب في وقت الإحرام، وسنن البيهقي (5/ 38 - 39) كتاب الحج باب من قال: يهل إذا انبعثت راحلته.

ص: 134

والله أعلم. فهذه الطرقُ كلُّها دالَّةٌ - على القطع أو الظن الغالب - أنَّه عليه الصلاة والسلام أحرمَ بعد الصلاةِ وبعد ما ركِبَ راحلتَه وابتدأتْ به السَّيْر. زاد ابن عمر في روايته، وهو مستقبلٌ القبلةَ.

‌بابُ بَسْطِ البيانِ لما أحْرَمَ به عليه الصلاة والسلام في حجّتِه هذه من الإفْرادِ والتَّمتُّعِ والقِرانِ (ذكر الأحاديث الواردة بأنه عليه الصلاة والسلام كان مُنفْرِدًا)

(1)

رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك:

قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: أنبأنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجَّ.

ورواه مسلم

(2)

عن إسماعيل، عن أبي أُوَيس، ويحيى بن يحيى، عن مالك. ورواه الإمام أحمد

(3)

، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك به.

وقال أحمد

(4)

: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثني المُنْكَدر بن محمد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجَّ.

وقال الإمام أحمد (4): حدّثنا سُرَيْج، حدّثنا

(5)

ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة. وعن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة. وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجَّ.

تَفَرَّدَ به أحمدُ من هذه الوجوه عنها.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدّثني عبد الأعلى بن حماد قال: قرأت على مالك بن أنس، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرَدَ الحَجَّ.

وقال (6): حدّثنا رَوْحٌ، ثنا مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - وكان يتيمًا في حِجْر عُرْوة - عن عروة بن الزبير، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفردَ الحَجَّ.

(1)

هذا الجزء من العنوان ليس في ط.

(2)

صحيح مسلم رقم (1211)(122) في الحج باب بيان وجوه الإحرام.

(3)

مسند الإمام أحمد (6/ 36).

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 107).

(5)

ليس اللفظ في أ.

(6)

المسند (6/ 243).

ص: 135

ورواه

(1)

ابن ماجه، عن أبى مصعب، عن مالك كذلك.

ورواه النَّسائي

(2)

، عن قتيبة، عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله أهَلَّ بالحَجَّ.

وقال أحمد

(3)

أيضًا: حدّثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله، فمنّا مَنْ أهَلَّ بالحَجِّ، ومِنّا مَنْ أَهَلَّ بالعُمْرة، ومنّا منْ أهَل بالحَجِّ والعُمْرة، وأَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحَجِّ، فأمَّا منْ أهَل بالعُمْرة فأحلُّوا حينَ طافوا بالبَيْتِ وبالصَّفا والمَرْوةِ، وأما من أهَلَّ بالحجِّ أو بالحجِّ والعُمْرة، فلم يُحِلّوا إلى يومِ النَّحْرِ.

وهكذا رواه البخاري

(4)

، عن عبد الله بن يوسف والقَعْنَبي

(5)

وإسماعيل بن أبي أُوَيْس، عن مالك. ورواه مسلم

(6)

، عن يحيى، عن مالك به.

وقال أحمد

(7)

: حدّثنا سُفْيان، عن الزُّهْري، عن عُرْوة، عن عائشة قالت

(8)

: أَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحَجِّ، وأهَلَّ ناس بالحَج والعُمرة، وأهلَّ ناس بالعمرة.

ورواه مسلم

(9)

عن ابن أبي عمر، عن سُفْيان بن عُيَيْنة به نحوه.

فأما الحديثُ الذي قال الإمام أحمد

(10)

: حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا عبد العزيز بن محمد، عن عَلْقَمة بن أبي علقمة، عن أمّه، عن عائشة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرَ النّاسَ في حجة الوَداعِ فقال: من أحَبَّ أن يبدأ [منكم]

(11)

بعُمْرَةٍ قبل الحجِّ فليفعل، وأفردَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحجَّ ولم يَعْتَمر". فإنّه حديثٌ غريبٌ جدًّا، تفرَّد به أحمد بن حَنْبل، وإسنادُهُ لا بأسَ به، ولكن لفظه فيه نَكارة شديدة وهو قوله: فلم يَعْتَمر. فإنْ أُريدَ بهذا أنّه لم يعتمرْ مع الحَجِّ ولا قَبْلَه فهو

(12)

قولُ مَنْ ذَهَبَ إلى الإفراد، وإن أُريدَ أنه لم

(1)

سنن ابن ماجه رقم (2965) في المناسك باب الإفراد بالحج، وهو في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (1077).

(2)

سنن النسائي (5/ 155) في مناسك الحج، إفراد الحج.

(3)

مسند الإمام أحمد (6/ 36).

(4)

صحيح البخاري (1562) و (4408).

(5)

ط: (القعنبي) وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 257).

(6)

صحيح مسلم رقم (1211)(118) كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام.

(7)

مسند الإمام أحمد (6/ 37).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

صحيح مسلم رقم (1211)(114).

(10)

مسند الإمام أحمد (6/ 92).

(11)

الزيادة من المسند.

(12)

ط: (هو).

ص: 136

يَعْتَمر بالكُلِّية لا قبلَ الحجِّ ولا معه ولا بعدَه، فهذا ممّا لا أعلمُ أحدًا من العلماء قال به، ثم هو مخالفٌ لما صَحَّ عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمَرَ أربعَ عُمَر كلّهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجّته. وسَيَأْتي تَقْرير هذا في فَضْل القِرانِ مُسْتَقْصى. والله أعلم.

وهكذا الحديثُ الذي رواه الإمام أحمد قائلًا في "مسنده"

(1)

: حدّثنا رَوْحٌ، حدّثنا صالِحُ بن أبي الأخْصَرِ، حدّثنا ابن شِهابٍ أنّ عُروةَ أخْبَرَهُ: أنّ عائشةَ زوجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: أهلَّ رسولُ الله بالحَجِّ والعُمْرَةِ في حجةِ الوداع، وساق معه الهَدْي، وأهلَّ ناسٌ معه بالعمرة وساقوا الهدي، وأهلَّ

(2)

ناسٌ بالعمرةِ ولم يسوقوا هَدْيًا. قالت عائشةُ: وكنتُ مِمَّن أهَل بالعُمْرة ولم أسُقْ هَدْيًا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منْ كانَ منكم أهَل بالعُمْرة فساقَ معه الهَدْي فَلْيَطُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمَرْوة، ولا يَحِلُّ منه شيءٌ حَرُم منه حتى يقضيَ حجَّه ويَنْحَرَ هَدْيَهُ يوم النَّحْرِ، ومنْ كانَ منكم أهل بالعُمْرَةِ ولم يَسُقْ معه هَدْيًا فَلْيَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمَرْوة، ثم لْيُقَصِّر

(3)

وَليُحْلِلْ، ثم ليُهِلّ بالحَجِّ وليُهْدِ، فمَنْ لم يَجدْ فصيامُ ثَلاثَةِ أيامٍ في الحجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ إلى أهله".

قالت عائشة: فقدَّمَ رسولُ الله الحجَّ الذي خاف فَوْتَهُ وأَخَّر العُمرة.

فهو حديث من أفْراد الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه نكارةٌ، ولبعضه شاهدٌ في الصَّحيح

(4)

. وصالحُ بن أبي الأخضر ليس من عِلْيَةِ أصحابِ الزُّهْري، لا سيما إذا خَالَفَهُ غَيْرُه كما هاهنا في بعضِ ألفاظِ سياقِهِ هذا. وقوله: فَقَدَّم الحجَّ الذي يخافُ فوْتَه وأخَّرَ العُمرةَ لا يَلْتَئِمُ مع أول الحديث أهَلَّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ، فإنْ أرادَ أنَّهُ أهَل بهما في الجملة وَقَدَّمَ أفعالَ الحجِّ، ثم بعد فراغه أهلَّ بالعمرة - كما يقوله من ذهب إلى الإفراد - فهو مما نحن فيه هاهنا، وإنْ أرادَ أنه أَخَّر العُمْرة

(5)

بالكلية بعد إحرامه بها، فهذا لا أعلمُ أحدًا من العلماء صار إليه، وإن أراد أنه اكتفى بأفعالِ الحجِّ عن أفعالِ العُمْرة، ودَخَلَتِ العمرةُ في الحجّ، فهذا قولُ من ذَهَبَ إلى القِران، وهم يُؤؤَلون قولَ منْ روى أنه عليه الصلاة والسلام أفردَ الحجَّ، أي: أفردَ أفعالَ الحجّ، وإن كان قد نَوى مَعَه العُمْرَة، قالوا: لأنه قد روى القِران كل منْ رَوَى الإفرادَ، كما سيأتي بيانُه، والله تعالى أعلم.

(1)

مسند الإمام أحمد (6/ 243).

(2)

ط: (وأقل) تحريف.

(3)

في مسند الإمام أحمد: "ثم ليفض وليحل".

(4)

في البخاري رقم (1691).

(5)

ط: (بالعمرة)، والباء مقحمة.

ص: 137

رواية جابر بن عبد الله في الإفراد:

قال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا أبو مُعاوية، حدّثنا الأعْمش، عن أبي سُفيان، عن جابر بن عبد الله قال: أهلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجته

(2)

بالحَجِّ. إسنادُه جيدٌ على شرط مسلم.

ورواه البيهقي

(3)

عن الحاكم وغيره، عن الأصمِّ، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: أهَل رسولُ الله في حجته بالحجِّ ليس معه عمرةٌ.

وهذه الزيادةُ غريبة جدًّا. ورواية الإمام أحمد بن حنبل أحفظُ. والله أعلم.

وفي صحيح مسلم

(4)

من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: وأهْلَلْنا بالحَجِّ لسنا نعرفُ العُمْرَة.

وقد روى ابن ماجه

(5)

عن هشام بن عمار، عن الدَّراوَرْدي وحاتم بن إسماعيل، كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحجَّ.

وهذا إسناد جيد.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا عبد الوهاب الثقفي، حدّثنا حبيب - يعني المُعَلِّمَ - عن عطاء، حدّثني جابر بن عبد الله: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلّ هو وأصحابه بالحجِّ، ليس مع أحد منهم هَدْيٌ إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة

وذكر تَمامَ الحَديث.

وهو في صحيح البخاري

(7)

بطوله، كما سيأتي، عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب.

رواية عبد الله بن عمر للإفراد:

قال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا إسماعيل بن محمد، حدّثنا عَبَّاد - يعني ابن عباد - حدّثني عبيد الله بن عمر

(9)

عن نافع، عن ابن عمر قال: أهللنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مُفْردًا.

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 315).

(2)

في المسند: (حجة الوداع).

(3)

سنن البيهقي (5/ 4) كتاب الحج باب من اختار الإفراد.

(4)

صحيح مسلم (147/ 1218).

(5)

سنن ابن ماجه رقم (2966) في الحج باب الإفراد في الحج.

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 305).

(7)

رواه البخاري رقم (1651).

(8)

مسند الإمام أحمد (2/ 97).

(9)

ط: (عبيد الله بن عبد الله بن عمر) وانظر تهذيب الكمال (19/ 124).

ص: 138

ورواه مسلم

(1)

في "صحيحه"، عن عبد الله بن عون، عن عبّاد بن عباد، عن عُبَيْد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحجِّ مُفْردًا.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدّثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين قالا: حدّثنا بشرُ بن بكر، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهَل بالحجِّ - يعني مفردًا -.

إسناده جيد، ولم يخرجوه.

رواية ابن عباس للإفراد:

روى الحافظ البَيْهَقي

(2)

من حديث رَوْح بن عبادة، عن شُعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البرَّاء، عن ابن عباس أنه قال: أهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ، فَقَدِمَ لأربع مَضَيْنَ من ذي الحجة، فصلَّى بنا الصُّبْحَ بالبطحاء، ثم قال: منْ شاء أن يجعلَها عُمْرة فَلْيَجْعَلْها؛ ثمَّ قال: رواه مسلم

(3)

، عن إبراهيم بن دينار، عن رَوْح.

وتقدَّم من رواية قتادة عن أبي حَسّان الأعْرج، عن ابن عباس: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهرَ بذي الحُلَيْفة، ثم أتَى ببدَنَةٍ فأشعرَ صَفْحةَ سنامِها الأيمن، ثم أتى براحلته، فركبَها، فلما اسْتَوَتْ به على البَيْداء أَهَلَّ بالحجِّ.

وهو في صحيح مسلم أيضًا

(4)

.

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني

(5)

: حدّثنا الحسين بن إسماعيل، حدّثنا أبو هشام، حدّثنا أبو بكر بن عَيّاش، حدّثنا أبو حصين، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: حَجَجْتُ مع أبي بكر فجَرَّدَ، ومع عمر فَجَرَّدَ، ومع عثمانَ فَجَرَّدَ.

تابعه الثوريُّ عن أبي حصين. وهذا إنما ذكرناه هاهنا، لأنَّ الظاهر أن هؤلاء الأئمةَ رضي الله عنهم، إنما يفعلون هذا عن توقيف. والمراد بالتَّجريد هاهنا الإفراد والله أعلم.

(1)

صحيح مسلم رقم (1231) في الحج باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة.

(2)

سنن البيهقي (5/ 4) كتاب الحج باب من اختار الإفراد.

(3)

صحيح مسلم رقم (1240)(201) كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(4)

صحيح مسلم رقم (1243) في الحج باب تقليد الهدي وإشعاره.

(5)

سنن الدارقطني (2/ 239).

ص: 139

وقال الدارقطني

(1)

: حدّثنا أبو عُبيد

(2)

القاسم بن إسماعيل ومحمد بن مَخْلد

(3)

قالا: حدّثنا عليّ بن محمد بن معاوية الرزاز

(4)

، حدّثنا عبد الله بن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استعمل عَتّاب بن أَسِيْد على الحجِّ فَأَفْرَدَ، ثم استعمل أبا بكر سنة تسعٍ فأفرد الحجِّ، ثم حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشرٍ فأفْرَدَ الحَجَّ، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخْلف أبو بكر، فبعثَ عمر، فأفرد الحَجَّ، ثم حَجَّ أبو بكر فأفْرَدَ حَجَّ، وتوفي أبو بكر واستُخْلِفَ عُمر، فبعثَ عبدَ الرحمن بن عَوْف، فأَفرَدَ الحَجَّ، ثم حَجَّ

(5)

فأفردَ الحَجَّ، (ثم توفي عمر واستخلف عثمان فأفرد الحج)

(6)

ثم حُصر عثمان، فأقام عبد الله بن عباس للناس، فأفرد الحج.

في إسناده عبد الله بن عمر العُمَري، وهو ضعيفٌ، لكن قال الحافظ البيهقي: له شاهدٌ بإسنادٍ صحيحٍ.

‌ذِكْرُ مَنْ

(7)

قال إِنَّه صلى الله عليه وسلم حَجَّ مُتَمَتِّعًا

قال الإمام أحمد

(8)

، حدّثنا حَجّاج، حدّثنا ليثٌ، حدثني عُقَيْل، عن ابن شِهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: تَمَتَعِّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوداعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، وأهدى

(9)

فساقَ الهَدْي من ذي الحُلَيْفة، وبدَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأهَلَّ بالعُمْرَةِ، ثم أهلَّ بالحَجّ، وكان

(10)

من الناس من أَهْدَى فَساقَ الهَدْيَ من ذي الحُلَيْفة، ومنهم من لم يُهْدِ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ قال للنّاس:"مَنْ كانَ منكم أهْدى فإنَّه لا يَحلُّ من شيءٍ حَرُمَ منه حتى يَقْضي حَجَّه، ومنْ لم يَكُنْ [منكم] أهدى فلْيَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمَرْوة وليُقَصِّر وليُحْلِلْ ثم ليُهِل بالحَجِّ وليَهْدِ، فَمنْ لم يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ [في الحج] وسبعة إذا رجعَ إلى أهله" وطافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ قَدِمَ مكة، استلمَ الرُكن

(11)

أولَ

(1)

سنن الدارقطني (2/ 239).

(2)

ط: (عبيد الله) وانظر سير أعلام النبلاء (15/ 263).

(3)

الإكمال (7/ 223).

(4)

في سنن الدارقطني: البزاز.

(5)

في سنن الدارقطني: (ثم حج عمر سنيه كلّها فأفرد).

(6)

ليس ما بين القوسين في ط.

(7)

ط: (ذكر ما قاله أنه).

(8)

مسند الإمام أحمد (2/ 139)، وإسناده صحيح.

(9)

ليس اللفظ في ط.

(10)

في مسند الإمام أحمد "ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فإن من الناس من أهدى .. ".

(11)

ط: (الحجر).

ص: 140

شيءٍ، ثم خَبَّ

(1)

ثلاثةَ [أطواف] من السبع، ومشى أربعةَ أطوافٍ، ثم ركعَ حين قضى طوافَه بالبيتِ عند المقامِ ركعتين، ثم سلَّم فانصرفَ، فأتى الصَّفا، فطافَ بالصَّفا والمَرْوة، ثم لم يُحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه، حتى قَضَى حَجه ونَحَر هَدْيه يوم النَّحْرِ، وأفاضَ فطافَ بالبَيْمت

(2)

وفعلَ مثلَ ما فعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أهدى فساقَ الهَدْيَ من النّاسِ.

قال الإمام أحمد

(3)

: وحدّثنا حجاجٌ، حدّثنا ليثٌ، حدّثني عُقَيْل، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرتْهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتُّعِه بالعُمْرة إلى الحجّ، وتمتُّع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالمُ بن عبد الله، عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد رَوى هذا الحديثَ البخاريُّ، عن يحيى بن بكير، ومسلمٌ وأبو داود، عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه. والنّسائي

(4)

، عن محمد بن عبد الله بن المبارك المُخَرَّمي، عن حُجَيْن بن المُثنَّى، ثلاثتُهم عن الليث بن سعد، عن عُقَيْل، عن الزهري، (عن سالم عن أبيه به، وأخرجاه صاحبا الصحيح

(5)

من طريق الليث، عن عقيل، عن الزهري)

(6)

، عن عروة، عن عائشة كما ذكره الإمام أحمد رحمه الله.

وهذا الحديثُ من المُشْكِلاتِ على كلٍّ من الأقوال الثلاثة؛ أما قول الإفراد، ففي هذا إثبات عمرة إما قبلَ الحجّ أو معه، وأمّا على قول التَّمتّع الخاص، فلأنّه ذَكَر أنه لم يَحِلَّ من إحرامِهِ بعدَ ما طافَ بالصَّفا والمَرْوة، وليس هذا شأن المُتَمَتِّع. ومَنْ زَعَمَ أنّه إنّما مَنَعه من التَّحَلُّلِ سَوْقُ الهَدْي كما قد يُفْهَم من حديث ابن عمر، عن حَفْصَة أنها قالت: يا رسولَ الله ما شأنُ الناسِ حلُّوا من العُمْرة ولم تحِلَّ أنتَ من

(7)

عُمْرَتك؟ فقال: "إني لبَّدْتُ رأسي، وقلَّدْتُ هَدْي، فلا أحِلُّ حتى أنحر"

(8)

. فقولُهُم بعيدٌ لأنَّ

(1)

الخبب ضرب من العدو (النهاية: خبب).

(2)

بعدها في المسند: (ثم حَلَّ من كل شيءٍ حَرُمَ منه).

(3)

مسند الإمام أحمد (2/ 140).

(4)

صحيح البخاري رقم (1691) في الحج باب من ساق البدن معه، وصحيح مسلم رقم (1227) في الحج باب وجوب الدم على المتمتع، وسنن أبي داود برقم (1805) في الحج باب في الإقران وسنن النسائي (5/ 151) في الحج باب التمتع.

(5)

صحيح البخاري رقم (1692) في الحج باب من ساق البدن معه وصحيح مسلم رقم (1228) كتاب الحج باب وجوب الدم على المتمتع.

(6)

ما بين القوسين ليىس في ط.

(7)

ليىس اللفظ في ط.

(8)

صحيح البخاري (1566) في الحج باب التمتع والإقران والإفراد في الحج، وصحيح مسلم رقم (1229) كتاب الحج باب أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد، وسنن أبي داود رقم (1806) في المناسك وسنن النسائي (5/ 136) في الحج باب التلبيد عند الإحرام، وسنن ابن ماجه (3046) في المناسك ومسند الإمام أحمد =

ص: 141

الأحاديث الواردةَ في إثبات القِران تردُّ هذا القول، وتأبى كونَه عليه الصلاة والسلام إنما أهَل أولًا بعمرةٍ، ثم بعدَ سَعْيِهِ بالصَّفا والمَرْوة أهلَّ بالحج، فإنَّ هذا على هذه الصِّفَةِ لم يَنْقُلْه اْحدٌ بإسنادٍ صحيح، بل ولا حسنٍ ولا ضعيفٍ.

وقوله في هذا الحديث: تَمَتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوَداعِ بالعُمْرة إلى الحجِّ، إن أُريد بذلك التمتع الخاص، وهو الذي يحلّ منه بعد السَّعْي فليس كذلك، فإن في سياق الحديث ما يرُدُّه، ثم في إثبات العُمْرة المقارنة لحجّه عليه الصلاة والسلام ما يأباه، وإن أُريد به التمتُّع العام دخل فيه القِرانُ، وهو المراد.

وقوله: وبَدَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأهَلَّ بالعُمْرة، ثم أهلَّ بالحَجِّ، إن أُريد به بَدَأَ بلفظِ [العمرة على لفظ] الحجِّ بأن قال: "لَبَّيكَ اللهُمَّ عمرةً وحَجًّا، فهذا سَهْلٌ، ولا يُنافي القِرانَ. وإن أُريد به أنه أهَل بالعُمْرة أولًا، ثم أَدْخَلَ عليها الحَجَّ بتراخٍ

(1)

ولكن قبلَ الطَّواف قد صار قارنًا أيضًا. وإن أُريد به أنَّه أهَلَّ بالعُمْرة، ثم لمّا

(2)

فرغَ من أفعالها تَحَلَّل، أو لم يَتَحَلَّل بسَوْقِ الهَدْيِ، كما زَعَمه زاعمون، ولكنه أهل بحجِّ بعد قضاء مناسِكِ العُمْرة، وقبلَ خُروجِه إلى منًى، فهذا لم يَنْقُلْه أحدٌ من الصَّحابة كما قدَّمْنا، ومنِ ادَّعاهُ من النّاسِ فقولُهُ مَرْدودٌ لعدم نقله، ومُخالفَتِهِ الأحاديثَ الواردةَ في إثبات القِرانِ كما سيأتي، بل والأحاديثَ الواردةَ في الإفراد كما سبق، والله أعلم.

والظَّاهرُ واللهُ أعلم أن حديثَ الليثِ هذا، عن عُقَيْل، عن الزهري، عن سالمٍ، عن ابن عمر. مَرْويٌّ من الطريق الأخرى، عن ابن عمر حين أراد الحج، زمن

(3)

مُحاصَرة الحَجَّاج لابن الزُّبَيْر، فقيل

(4)

له: إنَّ الناسَ كائنٌ بينَهم شيءٌ، فلو أَخَّرتَ حَجَّ عامك هذا. فقال: إذًا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يعني زمن حُصرَ عامَ الحُدَيبية، فأحرم بعُمرةِ من ذي الحُلَيفة، ثم (4) لما علا شَرَفَ البَيْداء قال: ما أرى أمْرهما إلا واحدًا، فأهلَّ بحجٍّ معها. فاعتقد الراوي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا فَعَلَ سواء، بَدَأ فأهَل بالعُمْرة، ثم أهَل بالحَج، فَرَوَوْهُ كذلك، وفيه نظر لما سَنُبَيِّنُهُ.

وبيانُ هذا في الحديثِ الذي رواهُ عبدُ اللهِ بن وهبٍ؛ أخبرني مالك بن أنس وغيره، أن نافعًا حَدَثَهم، أن عبدَ الله بن عُمَرَ خَرَجَ في الفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وقال: إن صُددْتُ عن البيت صَنَعْنا كما صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ فأهَلَّ بالعُمْرة، وسارَ حَتَى إذا ظَهَرَ على ظاهرِ البَيْداء التفتَ إلى أصحابه فقال: ما أمْرُهُما إلا

= (6/ 283، 284، 285).

(1)

ط: (متراخ).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (حين أفرد الحج ومن).

(4)

ليس اللفظ في ط.

ص: 142

واحدٌ، أشْهِدُكُم أنّي قد أوْجَبْتُ الحَجَّ مع العُمْرة، فخرجَ حتَّى جاءَ البيتَ فطافَ به، وطاف بينَ الصَّفا والمَرْوة سبعًا، لم يَزِدْ عليه، ورأى أن ذلك مُجْزئٌ

(1)

عنه، وأَهْدَى.

وقد أخرجهُ صاحبا "الصَّحيح" من حديث مالكٍ، وأخْرَجاه من حديث عُبَيْد الله عن نافع به، ورواه عبد الرزاق، عن عُبَيْد الله وعبد العزيز بن أبي داود، عن نافع به نحوه، وفيه: ثم قال في آخره: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وفيما رواه البخاري حيثُ قال

(3)

: حدّثنا قُتيبة، حدّثنا لَيْثٌ، عن نافع، أنَّ ابنَ عمر أرادَ الحجَّ عامَ نزلَ الحَجاج بابن الزبَيْر، فقيل له: إنّ الناسَ كائنٌ بينهم قِتالٌ وإنا نخافُ أن يصدُّوك، قال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إذًا أصنعُ كَمَا صنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إني أُشْهِدُكمْ أنّي قد أوْجَبْتُ عُمرةً، ثم خَرَجَ، حتى إذا كان بظاهر البَيْداء قال: ما أرى شَأْنَ الحَجَّ والعُمرة إلا واحدًا، أُشْهِدُكُمْ أنّي أوجبتُ حَجًّا مع عُمْرتي، فأهدَى هَدْيًا شتراه بقُدَيد

(4)

، ولم يَزِدْ على ذلك، ولم يَنْحَر، ولم يَحِلّ من شيء حَرُم منه، ولم يَحْلِقْ، ولم يُقَصِّر، حتّى كانَ يومَ النَّحْر، فَنَحَرَ وَحَلَق، ورأى أن قد قَضى طوافَ الحجَّ والعمرةِ بطوافِه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري

(5)

: حدّثنا يَعْقوبُ بن إبراهيم، حدّثنا ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر دخل

(6)

ابنه عبد الله بن عبد الله، وظهرُهُ في الدّار

(7)

فقال: إنّي لا آمن أن يكونَ العامَ بينَ النّاس قتال فيَصُدُّوك عن البيت، فلو أَقَمْتَ، قال: قد خرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كُفار قُريش بينه وبينَ البيت، فإن يحل بيني وبينه أفعلُ كَمَا فَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أُشهدكم أنّي قد أوجبت مع عمرتي حَجًّا، ثم قدِمَ فطافَ لهما طوافًا واحدًا.

وهكذا رواه البخاري

(8)

عن أبي النُّعمان، عن حمّاد بن زيد، عن أيّوب بن أبي تَميم

(1)

ط: (مجزيًا).

(2)

صحيح البخاري رقم (4183) و (4184) ومسلم (2230) ورواه النسائي في "الكبرى"(3915) من طريق عبد الرزاق به.

(3)

رواه البخاري (1640).

(4)

قدَيْد: موضع قرب مكة (معجم البلدان).

(5)

صحيح البخاري (1639).

(6)

ط: (دخل (عليه) ابنه).

(7)

ط: (المد ار).

(8)

صحيح البخاري (1693).

ص: 143

السّخْتياني، عن نافع به. ورواه مسلم

(1)

من حديثهما، عن أيوب به.

فقد اقتدى ابن عُمَر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّحَلُّلِ عندَ حَصْرِ العَدو، وفي الاكتفاء بطوافٍ واحد عن الحجّ والعمرةِ، وذلك لأنه كانَ قَدْ أحرمَ أولًا بعمرة، ليكون مُتَمتعًا، فخشي أن يكون حَصْرٌ، فَجَمَعَهُما وأدخل الحج على

(2)

العمرة قبل الطواف، فصار قارنًا، وقال: ما أرى أمرهما إلا واحدًا، يعني لا فرقَ بينَ أن يحصر الإنسانُ عن الحجّ أو العُمرة أو عنهما، فلما قدمَ مكةَ اكتفى عنهما بطوافه الأول كما صرَّحَ به في السِّياقِ الأول الذي أوردناه

(3)

، وهو قوله: ورأى أن قد قضى طوافَ الحَجِّ والعُمْرة بطوافه الأول. قال ابن عمر: كذلك فعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، يعني أنه اكتفى عن الحجّ والعمرة بطوافٍ واحدٍ، يعني بين الصَّفا والمَرْوة. وفي هذا دلالة على أن ابن عمر روى القِران.

ولهذا روى النسائي

(4)

، عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عُيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع أن ابنَ عمر قرنَ الحجَّ والعُمْرة فطافَ طوافًا واحدًا.

ثم رواه النسائي

(5)

، عن علي بن ميمون الرّقي، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى [وأيوب] السّختياني وعبيد الله بن عمر، أربعتُهم عن نافع: أن ابن عمر أتى ذا الحُلَيفة، فأهلّ بعُمرة، فخَشي أن يُصَدَّ عن البيت. فذكر تمامَ الحديثِ من إدخاله الحجَّ على العُمْرة وصيرورته قارنًا.

والمقصود أن بعض الرواة لما سمعَ قولَ ابنِ عمر: "إذًا أصنع كما صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "، وقوله:"كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم"، اعْتَقَدَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعُمْرة، ثم أهل بالحجِّ فأدْخَلَه عليها قبلَ الطوافِ، فرواه بمعنى ما فَهِم، ولم يُرِدِ ابنُ عُمر ذلك، وإنّما أرادَ ما ذكرناه، واللهُ أعلمُ بالصَّوابِ.

ثم بتَقْديرِ أن يكونَ أهَل بالعمرة أولًا، ثم أدخلَ عليها الحَجّ قبلَ الطوافِ فإنّه يصيرُ قارِنًا لا مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الخاصَّ، فيكون فيه دلالةٌ لمن ذهب إلى أفضلية التمتع. والله تعالى أعلم.

وأما الحديث الذي رواه البخاري

(6)

في "صحيحه": حدّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدّثنا همامٌ، عن قَتادة، حدّثني مُطَرِّف، عن عِمرَان، قال: تَمَتَعْنا على عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونزَلَ القُرآن، قال رجل برأيه

(1)

صحيح مسلم (1230)(183).

(2)

ط: (قبل).

(3)

ط: (أفردناه).

(4)

(5/ 225) وإسناده صحيح.

(5)

رواه النسائي (5/ 226)، وهو حديث صحيح.

(6)

صحيح البخاري (1571) في تفسير سورة البقرة: باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، وفي الحج: باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 144

ما شاء. فقد رواه مسلم

(1)

عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هَمام، عن قتادة به. والمراد به المتعة التي أعم من القِران والتمتع الخاص. ويدلُّ على ذلك ما رواه مسلم

(2)

من حديث شعبة، وسعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن مُطَرّف، عن عبد الله بن الشّخّير، عن عمران بن الحصين: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بين حَجٍّ وعمرة

وذكر تمام الحديث.

وأكثر السلف يُطلقونَ المتعةَ على القرانِ كما قال البخاري

(3)

: حدّثنا قتيبة، حدّثنا حجاج بن محمد الأعور، عن شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن سعيد بن المُسَيّب، قال: اختلف على وعثمانُ رضي الله عنهما وهما بعُسْفان

(4)

في المُتْعةِ، فقال علي: ما تُريدُ إلى أن تَنْهَى عن أمرٍ فَعَلَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك عليّ بن أبي طالب أَهَلَّ بهما جميعًا.؟

ورواه مسلم

(5)

من حديث شعبة (وأخرجه البخاري

(6)

من حديث شعبة)

(7)

أيضًا، عن الحكم بن عُتيْبة، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم عنهما به.

وقال علي: ما كنتُ لأدَعَ سُنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولِ أحدٍ من النّاس.

ورواه مسلم

(8)

من حديث شعبة أيضًا، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق عنهما، فقال له علي: لقد علمتَ أنّا

(9)

تَمَتَّعْنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال أجل، ولكنّا كُنّا خائفين.

وأما الحديث الذي رواه مسلم

(10)

من حديث غُنْدر، عن شُعبة، وعن عُبَيْد الله بن مُعاذ، عن أبيه، عن شُعبة، عن مسلم بن مِخْراق القُرِّي

(11)

، سمع ابن عباس يقول: أهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأَهَلَّ أصحابه بحجّ، فلم يَحِلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا من ساق الهَدْي من أصحابه، وحلّ بقيَّتُهم. فقد رواه أبو داود

(1)

صحيح مسلم (1226) في الحج، باب جواز التمتع.

(2)

صحيح مسلم (1226)(168) و (169).

(3)

صحيح البخاري: الحديث رقم (1969) في الحج، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج.

(4)

"عُسْفان": قال ياقوت: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة وهي على مرحلتين من مكة على طريق المدينة والجحفة على ثلاث مراحل (معجم البلدان).

(5)

صحيح مسلم رقم (23)(159) في الحج باب جواز التمتع.

(6)

صحيح البخاري (1563).

(7)

ليس ما بين القوسين في ط.

(8)

صحيح مسلم (1223)(158).

(9)

ط: (إنما).

(10)

صحيح مسلم (1239) في الحج باب في متعة الحج.

(11)

ط: (المقبري) وانظر تهذيب الكمال (27/ 535).

ص: 145

الطيالسي

(1)

في "مسنده" ورَوْحُ بن عُبادة، عن شعبة، عن مسلم القُرِّي

(2)

، عن ابن عباس قال: أهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ - وفي رواية أبي داود - أهَل رسولُ الله وأصحابه بالحجّ، فمن كان منهم لم يكن له متعة هَدْي حَلّ، ومَنْ كانَ معه هَدْيٌ لم يَحلّ

الحديث.

فإن صَحَّحْنا الرّوايَتَيْن جاء القِرانُ، وإن تَوَقَّفْنا في كل منهما، وَقفَ الدليلُ، وإن رجَّحْنا رواية مسلمٍ في "صحيحه" في روايةِ العمرة، فقد تقدَّم عن ابن عباس أنّه رَوَى الإفْرادَ وهو الإحرامُ بالحجِّ، فتكونُ هذه زيادة على الحجّ، فيَجيءُ القَوْلُ بالقِران، لاسيما وسيأتي عن ابن عباس ما يدُلُّ على ذلك.

وروى مسلم

(3)

من حديث غُنْدَرٍ ومُعاذ بن معاذ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه عمرة اسْتَمْتَعْنا بها، فمنْ لم يكن معه هَدْيٌ فليَحِلَّ الحِلَّ كلّه، فقد دَخَلت العمرةُ في الحجّ إلى يوم القيامة.

وروى البخاري

(4)

عن آدم بن أبي إياس، ومسلم

(5)

من حديث غُنْدَر، كلاهما عن شعبة، عن أبي جَمْرة قال: تَمتَعتُ فنهاني ناسٌ، فسألتُ ابنَ عباس فأمرني بها، فرأيتُ في المنام كأنَّ رجلًا يقولُ: حج مَبْرورٌ ومتعةٌ متقبَّلةٌ، فأخبرتُ ابنَ عباس، فقال: اللّهُ أكبرُ سنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه، والمرادُ بالمتعة هاهنا القِران.

وقال القَعْنبي

(6)

وغيره: عن مالك بن أنس

(7)

عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث

(8)

بن عبد المطلب أنه حدَّثه، أنه سمع سعد بن أبي وقّاص والضّحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتُّع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: لا يصنَعُ ذلك إلا مَنْ جَهِل أمرَ الله، فقال سعد: بئسَ ما قلتَ يا بنَ أخي، فقال الضحاك: فإنَّ عمر بن الخطاب كان يَنْهَى عنها، فقال سعدٌ: قد صَنَعَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.

ورواه الترمذي

(9)

والنسائي

(10)

، عن قتيبة، عن مالك. وقال الترمذي: صحيح.

(1)

منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي (1/ 209).

(2)

ط: (المقبري) وقد تقدمت الإشارة إليه.

(3)

صحيح مسلم رقم (1241) في الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(4)

صحيح البخاري (1567) في الحج، باب من تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي.

(5)

صحيح مسلم رقم (1242) باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(6)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 16 - 17).

(7)

موطأ مالك (1/ 344) في الحج.

(8)

ط: (محمد بن عبد الله بن نوفل الحارث).

(9)

الترمذي رقم (823) في الحج: ما جاء في التمتع. وهو حديث حسن.

(10)

النسائي (5/ 152، 153) في الحج: باب التمتع. وهو حديث حسن.

ص: 146

وقال عبد الرزاق

(1)

: عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن سليمان التَّيْمي، حدَّثني غُنَيْم بن قيس، سألتُ سعد بن أبي وقاص عن التمتُّع بالعمرة إلى الحج، قال: فعلتُها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يومئذ كافر في العُرُش

(2)

- يعني مكة - ويعني بها معاوية.

ورواه مسلم

(3)

من حديث شعبة وسُفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزاري أربعتهم (4)، عن سليمان التَّيْمي، سمعتُ غُنيم

(4)

بن قيس، سألت سعدًا عن المتعة، فقال: قد فَعَلناها وهذا يومئذ كافر بالعُرُش. وفي رواية يحيى بن سعيد - يعني معاوية - وهذا كلُّه من باب إطلاق التمتّع على ما هو أعمُّ من التمتُّع الخاصّ، وهو الإحرام بالعمرة والفراغُ منها، ثم الإحرام بالحجِّ. ومن القِران، بل كلام سعدٍ فيه دلالةٌ على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحجّ، وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعدُ كافر بمكة قبل الحج، إما عمرة الحُدَيْبية أو عمرة القضاء وهو الأشبه، فأما عمرة الجِعْرانة، فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلةَ الفتح، وروينا أنه قصَّر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ

(5)

في

(6)

بعضِ عُمَرهِ: وهي عمرة الجِعْرانة لا محالةَ، والله أعلم.

‌ذِكْرُ حُجَّةِ منْ ذَهَبَ إلى أنّه عليه السلام كان قارنًا وسَرْدُ الأحَاديثِ في ذلك

رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

قد تقدم ما رواه البخاري

(7)

من حديث أبي عمرو الأوزاعي، سمعت يحيى بن أبي كَثير، عن عِكْرمة، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العَقيق يقول: "أتاني آت من ربّي عز وجل فقال: صَلّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عُمْرةً في حَجَّةٍ".

وقال الحافظ البيهقي

(8)

: أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المُقْريء

(9)

ببغداد، أنبأنا أحمد بن

(1)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 17).

(2)

"العُرُش": جمع عريش، والمراد بها بيوت مكة. وإنما سميت بذلك لأنها كانت عيدانًا تنصب وتظلل وتسمى أيضًا عروشًا واحدة عرش (جامع الأصول 3/ 115).

(3)

صحيح مسلم رقم (1225) في الحج باب جواز التمتع.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

"مِشقَص" - كمنبر - نصل عريض (القاموس: شقص).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

رقم (1534).

(8)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 13).

(9)

ط: (المقبري) تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 402).

ص: 147

سلمان

(1)

قال: قُرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع، حدّثنا أبو زيد الهَروي، حدّثنا علي بن المبارك، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، حدّثنا عِكْرمة، حدّثني ابن عباس، حدّثني عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل

(2)

عليه السلام، وأنا بالعَقيق، فقال: صَل في هذا الوادي المُبارك ركعتين، وقُلْ: عمرةٌ في حجَّة. فقد دَخَلتِ العمرة في الحَجِّ إلى يومِ القيامة".

ثم قال البيهقي: رواه البخاري

(3)

عن أبي زيد الهَرَوي.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا هُشَيم

(5)

، حدّثنا سَيار، عن أبي وائل أنَّ رجلًا كان نصرانيًا، يقال له: الصُّبَيُّ بن مَعْبَدٍ، [أسلم] فأراد الجهادَ، فقيل له: ابْدَأ بالحَجّ. فأتى الأشعريَّ، فأمره أن يهلَّ بالحَجّ والعمرة جميعًا ففعل، فبينما هو يُلَبِّي إذ مرَّ بزيد بن صُوحان وسلمان بن ربيعة، فقال أحدهما لصاحبه: لَهذا أضلُّ من بعيرِ أهلِه، فسمعها الصُّبَيُّ، فكَبُر ذلك عليه، فلما قَدِم أتى عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: هُدِيتَ لسُنَّة نَبيكَ صلى الله عليه وسلم. قال: وسَمِعْتُه مرة أخرى يقول: وُفِّقت لسُنَةِ نَبيك صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه الإمام أحمد

(6)

، عن يحيى بن سعيد القَطّان، عن الأعْمش، عن شَقيقٍ أبي وائل

(7)

، عن الصُّبيِّ بن مَعْبَدٍ، عن عمر بن الخطاب، فذكره. وقال: إنَّهما لم يقولا شيئًا، هُديتَ لسُنَّة نَبيك صلى الله عليه وسلم. ورواه عن عبد الرزاق، عن سفيان الثَّوري، عن منصور، عن أبي وائل به.

ورواه

(8)

أيضًا عن غُنْدَر، عن شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل، وعن سُفيان بن عيينة

(9)

، عن عَبْدَة

(10)

بن أبي لُبابة، عن أبي وائل، قال: قال الصُّبيّ بن مَعْبَدٍ: كنت رجلًا نصرانيًا فأسلمتُ فأهللتُ بحجٍّ وعمرةٍ، فسمعني زَيْدُ بن صُوْحان وسلمانُ بن ربيعة وأنا أُهِلُّ بهما، فقالا: لَهَذا أضَلُّ من بعيرِ أهلِه، فكأنما حُمِّل عليَّ بكلمتِهما جبلٌ، فقدمتُ على عمر، فأخبرتُه، فأقبل عليهما فلامَهُما، وأقبل عليّ فقال: هُديتَ لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال عبدة: قال أبو وائل: كثيرًا ما ذهبتُ أنا ومسروقٌ إلى الصُّبيِّ بن مَعْبَدٍ نسأله عنه.

(1)

ط: (سليمان) تحريف. وانظر شذرات الذهب (4/ 251).

(2)

ط: (جبرائيل).

(3)

رقم (7343).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 34) والزيادة عنه، وإسناده صحيح.

(5)

ط، أ:(هاشم) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (8/ 287)، وتهذيب الكمال (30/ 272).

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 37)، وإسنادهما صحيحان.

(7)

في ط: "عن شقيق عن أبي وائل" خطأ، فأبو وائل هو شقيق (بشار).

(8)

المسند (1/ 14)، وإسناده صحيح.

(9)

رواه أحمد في المسند (1/ 25)، وإسناده صحيح.

(10)

ط: (عبيدة) وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 229). والحديث في مسند الإمام أحمد (1/ 25).

ص: 148

وهذه أسانيدُ جيدةٌ على شرط الصحيح. وقد رواهُ أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

وابن ماجه

(3)

من طرقٍ عن أبي وائل شَقيق بن سَلَمَة به.

وقال النسائي

(4)

في كتاب الحج من "سننه": حدّثنا محمد بن علي بن الحسن بن شَقيقٍ، حدّثنا أبي، عن أبي حمزة، السكري

(5)

، عن مُطَرِّف، عن سلمة بن كُهيل، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر، أنه قال: واللهِ إنّي لأنْهاكُمْ عن المُتعةِ، وإنَّها لفي كتاب الله، وقد فعلَها النبيّ صلى الله عليه وسلم. إسناد جيد.

‌رواية أميري المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما:

قال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة

(7)

، عن سعيد بن المُسيّب، قال: اجتمع عليٌّ وعثمانُ بعُسْفان

(8)

، وكان عثمان يَنْهى عن المتعة أو العمرة. فقال عليٌّ: ما تريد إلى أمرٍ فعلَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَنْهَى عنه، فقال عثمان: دَعْنا مِنْكَ.

هكذا رواه الإمام أحمد مختصرًا.

وقد أخرجاه في "الصحيحين"

(9)

من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المُسيّب، قال: اختلف علي وعثمان وهما بعُسْفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهَلَّ بهما جميعًا.

وهكذا لفظ البخاري.

وقال البخاري

(10)

: حدّثنا محمد بن بَشّار

(11)

، حدّثنا غُنْدَر، عن شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: شهدتُ عثمان وعليًا، وعثمانُ ينهى عن المتعة، وأن يُجْمَع

(1)

أبو داود (1798، 1799).

(2)

النسائي (2718، 2719، 2720).

(3)

ابن ماجه (2970).

(4)

النسائي (2735).

(5)

ط: (جمرة السكري) تحريف وهو أبو حمزة السكري محمد بن مَيْمون المروزي عالم مرو وحافظ إمام حجة روى عن مُطرِّف بن طريف. وعنه علي بن الحسن بن شقيق وغيرهم مات سنة سبع وستين ومئة وقيل سنة ثمان (سير أعلام النبلاء 7/ 385).

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 136).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

تقدم تعريفه قبل صفحات.

(9)

البخاري (1569) ومسلم (1223)(159).

(10)

البخاري (1563).

(11)

ط: "يسار" وهو تحريف وانظر سير أعلام النبلاء (12/ 144).

ص: 149

بينهما، فلما رأى عليٌّ أهَل بهما لَبَّيْكَ بعمرةٍ وحج، قال: ما كنت لأدَعَ سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم لقولِ أحدٍ.

ورواه النسائي من حديث شعبة به، ومن حديث الأعمش، عن مسلم البَطين، عن علي بن الحسين به

(1)

.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: قال عبد الله بن شقيق:

كان عثمان يَنْهَى عن المُتْعَةِ وعليٌّ يأمرُ بها. فقال عثمانُ لعليٍّ: إنَّكَ لكذا وكذا، ثم قال على: لقد علمت

(3)

أنا تَمَتَّعْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أجل، ولكنّا كنا خائفين.

ورواه مسلم

(4)

من حديث شعبة.

فهذا اعتراف من عثمان بما رواه عليٌّ رضي الله عنهما، ومعلوم أن عليًا رضي الله عنه أحرمَ عامَ حَجَّةِ الوداع بإهلالٍ كإهلالِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد ساقَ الهَدْيَ، وأمره عليه الصلاة والسلام بأن

(5)

يمكث حرامًا، وأشركه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هَدْيه كما سيأتي بيانه.

وروى مالك في "الموطأ"

(6)

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن المِقْدادَ بن الأسْوَد دخلَ على علي بن أبي طالب بالسُّقْيا، وهو ينجعُ بكَرَاتٍ

(7)

له دقيقًا وخَبَطا

(8)

، فقال: هذا عثمانُ بن عفَّان يَنْهى عن أن يُقرَن

(9)

بين الحجِّ والعمرة، فخرج عليٌّ وعلى

(10)

يده أثَرُ

(11)

الدَّقيق والخبط - ما أنسى أثرَ الدقيق والخَبَط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان، فقال: أنت تنهى أن يُقْرَن بين الحجِّ والعُمْرَة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي، فخرج عليٌّ مُغْضَبًا، وهو يقول: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بحجةٍ وعمرةٍ معًا.

وقد قال أبو داود في سننه

(12)

: حدّثنا يَحْيَى بن مَعين، حدثنا حجاج، حدّثنا يونس، عن

(1)

رواه النسائي (2721) و (2722).

(2)

رواه أحمد في مسنده (1/ 97).

(3)

ط: (عامت) تحريف.

(4)

رواه مسلم في صحيحه (1223).

(5)

ط: (أمره أن).

(6)

رواه مالك في الموطأ (1/ 336)(742).

(7)

أ: (لركاب) وهو تحريف، وينجع بكرات أي يعلفها يقال: نَجَعْتُ الإبل أي علفتها النَّجوع والنّجيع. وهو أن يُخْلِط العلف من الخبطة والدقيق بالماء، ثم تسقاه الإبل (النهاية: نجع).

(8)

"الخَبْط": ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خَبَط - بالتحريك، وهو من علف الإبل (النهاية: خبط).

(9)

أ: (يفرق) تحريف.

(10)

ط: (على) بلا واو.

(11)

ط: (أمر) وهو تحريف.

(12)

رواه أبو داود (1797).

ص: 150

أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنتُ مع عليٍّ حين أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن

(1)

، فذكر الحديثَ في قدوم علي.

قال عليٌّ: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف صَنَعْتَ؟ قال: قلتُ: إنما أهْلَلْتُ بإهلالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال: إني قد سُقْتُ الهَدْيَ وقرنتُ.

وقد رواه النسائي

(2)

من حديث يَحْيى بن مَعين بإسناده، وهو على شرط الشيخين، وعلَّله الحافظ البيهقي

(3)

بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل، وهذا التعليل فيه نظر، لأنه قد رُويَ القِران من حديث جابر بن عبد الله كما سيأتي قريبًا

(4)

إن شاء الله تعالى.

وروى ابن حبان

(5)

في "صحيحه" عن علي بن أبي طالب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، وخرجتُ أنا من اليمن، وقلت: لبيكَ بإهلالٍ كإهلال النبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أهْلَلْتُ بالحجِّ والعُمرةِ جَميعًا.

رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد رواه عنه جماعة من التابعين، ونحن نورِدُهم مرتَّبين على حروف المعجم:

1 -

بكر بن عبد الله المُزَني [عنه: قال الإمام أحمد: ثنا هُشَيْم، ثنا حُمَيْد الطَّويل، أنبا بكر بن عبد الله المُزَني]

(6)

قال: سمعتُ أنسَ بن مالك يُحدِّث قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ والعمرةِ جَميعًا، فَحَدَّثْتُ بذلك ابنَ عُمَرَ. فقال: لبَّى بالحجِّ وَحْدَهُ، فلقيتُ أنسًا فحدَّثتُه بقولِ ابن عمر. فقال: ما تَعُدُّونا

(7)

إلا صِبْيانًا. سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبَّيْكَ عُمْرةً وحَجَّا. ورواه البخاري

(8)

، عن مسَدَّدٍ، عن بشر بن المُفَضَّل

(9)

عن حُمَيْد به. وأخرجه مسلم، عن سُرَيْج

(10)

بن يونس عن هُشَيْم به.

(1)

ط: (اليمين) تحريف.

(2)

رواه النسائي (5/ 148).

(3)

رواه البيهقي في سننه (5/ 15)(8633).

(4)

ليس اللفظ في أ.

(5)

رواه ابن حبان (9/ 89)(3777) وإسناده حسن.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة عن أ وليس في ط والحديث في مسند الإمام أحمد (3/ 99).

(7)

ط: (ما تعودنا) وهو تحريف.

(8)

رواه البخاري (4353).

(9)

ط: (الفضل) تحريف. وهو بشر بن المُفضَّل بن لاحق أبو إسماعيل الرّقاشي مولاهم البصري حدث عن حميد الطويل وغيره، روى عنه مُسَدَّد وغيره (سير أعلام النبلاء (9/ 36) وفي هامشه مصادر أخرى).

(10)

ط: (شريح) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (11/ 146).

ص: 151

وعن أمية بن بِسْطام عن يزيد بن زُرَيْع، عن حَبيب بن الشَّهيد، عن بكر بن عبد الله المُزَني به

(1)

.

2 -

ثابتُ البُناني عن أنس: قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا وَكيعٌ عن ابن أبي [ليلى عن]

(3)

ثابت عن أنس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَبَّيكَ بعمرةٍ وحَجَّةٍ معًا".

3 -

تفرَّدَ به من هذا الوجه الحسنُ البَضْري عنه

(4)

.

قال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا رَوْحٌ، حدّثنا أشْعَث، عن الحسن عن أنس بن مالك: أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ قَدِموا مكَّةَ وقد لَبَّوا بحجٍّ وعُمْرةٍ، فأمرهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيتِ وبالصَّفا والمَرْوة أن يُحِلّوا وأن يَجْعَلوها عمرةً، فكأنَّ القومَ هابوا ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أني سُقْتُ هَدْيًا لأحْلَلْتُ، فأحلّ القومُ وتَمَتَّعوا.

وقال (الحافظ أبو بكر)

(6)

البزّار

(7)

، حدّثنا الحسن بن قَزَعة، حدّثنا سفيان بن حبيب، حدّثنا أشْعَث، عن الحسن، عن أنس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهَلَّ هو وأصحابُه بالحجِّ والعُمْرةِ، فلما قَدِموا مكَّةَ طافوا بالبيت وبالصَّفا والمَرْوة، أمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُحِلّوا فهابوا ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحِلُّوا، فلولا أن معي الهَدْيَ لأحْلَلْتُ. فحَلُّوا حتى حَلُّوا

(8)

إلى النِّساء. ثم قال البزار: لا نَعْلَمُ رواه عن الحسن إلا أشْعَثُ بن عبد الملك.

4 -

حُمَيدُ بنِ تيرَويْه

(9)

الطَّويلُ عنه. قال الإمام أحمد

(10)

: حدّثنا يحيى، عن حُمَيْد، سَمِعْتُ

(1)

رواه مسلم (1232)(185) و (186).

(2)

رواه أحمد (3/ 183) وهو صحيح بطريقه الأخرى عند أحمد (3/ 225).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة عن أوليس في ط.

(4)

ليس اللفظ في أ.

(5)

رواه الإمام أحمد (3/ 142)، وهو حديث صحيح.

(6)

ليس ما بين القوسين في أ.

(7)

لم أجده.

(8)

أ: (حتى خلوا) تحريف.

(9)

أ: (تيزويه) تحريف، وهو حُمَيْد بن أبي حميد الطويل الإمام الحافظ أبو عبيدة البصري مولى طلحة الطلحات، ويقال مولى سُلمى، وقيل غير ذلك. وفي اسم أبيه أقوال أشهرها تَيرويه، وقيل: تَيْر، وقيل: زاذويه، لا بل ابن زاذويه: شيخ مقلّ. حدث عنه ابن عون، هو يروي أيضًا عن أنس، وقيل: اسم والد حُميد الطويل: داور أو مهران أو طَرْخان، أو مخلد أو عبد الرحمن. سمع أنس بن مالك وروى عنه يحيى القطان. مات سنة (140) وقيل (141) وقيل (143)(سير أعلام البلاء (6/ 163 - 169) وفي هامشه مصادر أخرى).

(10)

رواه أحمد (3/ 182) بلفظ: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعًا".

ص: 152

أنسًا، سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقّول: لَبَّيْكَ بعُمْرةِ وحج

(1)

. هذا إسنادٌ ثلاثيٌّ على شرطِ الشَّيْخَين، ولم يُخرجاه ولا أحدٌ من أصحاب الكُتب من هذا الوجه.

لكن رواه مسلم

(2)

عن يحيى بن يحيى، عن هُشيم، عن يحيى بن أبي إسحاق، وعبد العزيز بن صُهَيْب، وحُميد أنهم سمعوا أنس بن مالك. قال: سَمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أهلَّ بهما جميعًا لَبَّيْكَ عُمرةً وحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وحَجًّا.

وقال الإمام أحمد

(3)

: حدّثنا يَعْمَر بن بشْر

(4)

حدثنا عبدُ الله، أنبأنا حُمَيْد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: ساقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بُدْنًا كثيرةً وقال: لَبَّيْكَ بعمرةٍ وحجّ، وإنّي لَعِنْدَ فخذ ناقتِهِ اليُسْرى.

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه أيضًا.

5 -

حُمَيْد بن هِلاق العَدَوي البَصْري عنه. قال الحافظ أبو بكر البَزّار في "مسنده": حدّثنا محمد بن المُثَنَّى، حدّثنا عبدُ الوهاب، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن أنس بن مالك. ح

(5)

وحدّثناه سلمة بن شبيب

(6)

، حدّثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن أيوب، عن أبي قلابة، وحُمَيْد بن هلال، عن أنس. قال: إنّي لردف

(7)

أبي طلحة، وإنّ ركبتَه لتمسُّ ركبةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُلبِّي

(8)

بالحجِّ والعمرة.

وهذا إسنادٌ جيدٌ قويٌّ على شرط الصحيح ولم يُخْرِجوه. وقد تأوّله البزّارُ على أنّ الذي كان يُلَبِّي بالحجّ والعمرة أبو طلحة، قال: ولم يُنْكِر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا التأويلُ فيه نظرٌ ولا حاجةَ إليه لمجيء ذلك من طرقٍ عن أنس، كما مضى، وكما سيأتي، ثم عَوْدُ الضَّمير إلى أقرب المذكورين أولى، وهو في هذه الصورة أقوى دلالة، والله أعلم. وسيأتي في رواية سالم

(9)

بن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على هذا التأويل.

(1)

أ: (لبيك بعمرة وحجة وحج) وفي ط: (لبيك بحج وعمرة وحج) وما هنا عن المسند.

(2)

رواه مسلم (1251)(214).

(3)

رواه أحمد (3/ 266)، وإسناده صحيح.

(4)

أ: (يسر) تحريف. وهو يعمر بن بشر أبو عمرو المروزي من مشايخ الإمام أحمد ومن كبار أصحاب عبد الله بن المبارك وسمع منه وكان ثقة مات بمرو. (تاريخ بغداد (14/ 357 - 358).

(5)

ليست حاء التحويل في ط.

(6)

ط: (سبيب) تحريف. وهو سلمة بن شبيب النيسابوري يكنى أبا عبد الرحمن، سمع عبد الرزاق، وتوفي بمكة سنة (247) روى عنه مسلم (الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 192)، وسير أعلام النبلاء (12/ 256) وفي هامشه مصادر أخرى).

(7)

ط: (ردف).

(8)

ط: (يلي) وهو تحريف.

(9)

ليس لفظ (سالم) في أ. وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 108) وسيرد اسمه فيمن روى حديث أنس من التابعين.

ص: 153

6 -

زيد بن أسلم عنه. قال الحافظ أبو بكر

(1)

البزار: روى سعيد بن عبد العزيز التَّنوخي، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهلَّ بحجٍّ وعُمْرةٍ. حدّثناه الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي ومحمد بن مِسْكين. قالا: حدّثنا بِشْرُ بن بكر، عن سَعيد بن عبد العزيز، عن زَيْد بن أسْلَم، عن أنس.

قلت: وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ الصَّحيح، ولم يُخرجوه من هذا الوجه.

وقد رواه الحافظ أبو بكر

(2)

البَيْهقي

(3)

بأبسط من هذا السياق. فقال: أنبأنا

(4)

أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد

(5)

، أخبرني أبي، حدّثنا سعيد

(6)

بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم وغير

(7)

؛ أنَّ رجلًا أتى ابنَ عُمر فقال: بِمَ أَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال

(8)

ابن عمر: أهلَّ بالحجِّ، فانصرف، ثم أتاه من العام المقبل، فقال: بم أهلَّ رسول الله؟ قال: ألَمْ تَأْتني عامَ أوَّل؟ قال: بلى! ولكنَّ أنسَ بن مالك يزعمُ أنَّه قرنَ. قال ابن عمر: إنّ أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهنَّ مُكَشَّفاتُ الرُّؤوس، وإنّي كنتُ تحتَ ناقةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يمسُّني لُعابُها أسْمَعُهُ يُلَبِّي بالحجِّ.

7 -

سالم بن أبي الجعد الغَطَفاني الكوفي

(9)

عنه: قال الإمام أحمد

(10)

: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا شريك، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه جمعَ بينَ الحجِّ والعمرة فقال: لَبَّيكَ بعمرةٍ وحجَّةٍ معًا. حسن ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد

(11)

، حدّثنا عفان، حدّثنا

(12)

أبو عوانة، حدّثنا عثمان بن المغيرة، عن سالم بن

(1)

ليس (أبو بكر) في أ.

(2)

ليس (الحافظ أبو بكر) في أ.

(3)

رواه البيهقي في سننه (5/ 9).

(4)

ليس لفظ (أنبأنا) في ط.

(5)

ط: (يزيد) تحريف. وهو العباس بن الوليد بن مَزيد العذري البيروتي، أبو الفضل: سمع أباه وتفقّه به. حدث عنه أبو داود والنسائي في كتابيهما وأبو زرعة وغيرهم كثير، سمّى الحافظ ابن عساكر منهم أربعين نفسًا. مات سنة (271)(سير أعلام النبلاء)(12/ 471) وفي هامشه مزيد من المصادر).

(6)

ط: (شعيب) وانظر تاريخ دمشق (21/ 193 - 213) وسير أعلام النبلاء (8/ 28 - 34)، وتهذيب التهذيب (4/ 59 - 61).

(7)

ليس اللفظ في أ.

(8)

أ: "فقال".

(9)

أ: (الكوفة) خطأ.

(10)

رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 280).

(11)

رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 280).

(12)

ليس اللفظ في ط.

ص: 154

أبي الجعد، عن سعد مَوْلَى الحسن بن علي

(1)

، قال: خرجنا مع علي فأتينا ذا الحُلَيْفة. فقال علي: إني أريد أن أجمع بين الحجِّ والعُمْرة، فمن أراد ذلك فليقل كما أقول، ثم لبَّى وقال: لبَّيك بحَجَّة وعُمْرَةٍ معًا. قال: وقال سالم: وقد أخبرني أنس بن مالك، قال: والله إنَّ رجلي لتمسُّ رِجْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليُهلُّ بهما جميعًا. وهذا أيضًا إسناد جيد من هذا الوجه ولم يخرجوه. وهذا السياق أيضًا

(2)

يردُّ على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال، عن أنسٍ، كما تقدّم والله أعلم.

8 -

سُلَيْمان بن طَرْخان التَّيْمي عنه: قال الحافظ أبو بكر البزّار: حدّثنا يحيى بن حبيب بن

(3)

عربي، حدّثنا المُعْتَمِر بن سليمان، سمعت أبي يحدِّث عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُلبيِّ بهما جميعًا. ثم قال البزار: لم يروه عن التيمي إلا ابنُه المعتمر ولم يَسْمَعْه إلا من يحيى بن حبيب بن عربي

(4)

عنه. قلت: وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه.

9 -

سُوَيْد بن حُجَيْر عنه: قال الإمام أحمد

(5)

، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن أبي قَزَعة سُوَيْد بن حُجَيْر، عن أنس بن مالك، قال: كنتُ رَديفَ أبي طلحة، فكانت ركبةُ أبي طلحة تكادُ أن تُصيبَ ركبةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يهلّ بهما. وهذا إسناد جيّدٌ تفرَّدَ به أحمد ولم يخرجوه وفيه ردٌّ على الحافظ البزار صريح.

10 -

عبد الله بن زَيْد أبو قِلابة الجَرْمي عنه: قال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن أنس: قال: كنت رديفَ أبي طَلْحة، وهو يُسايرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. قال: فإنَّ رجلي لتمسُّ غَرْزَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسمعته يُلبِّي بالحجِّ والعُمْرة معًا.

وقد رواه

(7)

البخاري

(8)

من طرقٍ عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الظهرَ بالمدينةِ أربعًا، والعصرَ بذي الحُلَيْفة ركعتينِ، ثم باتَ بها حتى أصبح ثم ركبَ راحلتَه، حتى استَوَتْ به على البَيْداء حمِدَ اللهَ وسبَّحَ وكَبَّر، وأهَلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ وأهلَّ الناسُ بهما جميعًا. وفي روايةٍ له

(9)

: كنتُ

(1)

أ: (ولم يخرجوه عن سالم بن أبي الجعد عن عفان حدّثنا أبو عوانة حدّثنا عثمان بن المغيرة عن سعد مولى الحسن بن علي).

(2)

زيادة عن أ.

(3)

أ: (عن عربي، وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء 11/ 156).

(4)

ط: (حبيب العربي). وقد تقدم.

(5)

رواه أحمد (3/ 171).

(6)

رواه أحمد (3/ 164).

(7)

أ: (روى).

(8)

رواه البخاري رقم (1547) و (1548).

(9)

البخاري رقم (2986).

ص: 155

رديفَ أبي طلحة وإنهم ليَصْرُخون بهما جميعًا الحجّ والعُمرة. وفي رواية له

(1)

عن أيوب عن رجل، عن أنس، قال: ثم باتَ حتَّى أصبحَ فصلَّى

(2)

الصبحَ، ثم ركب

(3)

راحلته، حتّى إذا استوَتْ به البَيْداء أهلّ بعمرةٍ وحجٍّ.

11 -

عبد العزيز بن صهيب، تقدَّمَتْ روايتُه عنه مع رواية حُمَيد الطَّويل عنه عند مسلم.

12 -

علي بن زَيْد بن جُدْعان عنه: قال (الحافظ أبو بكر)

(4)

البزار، حدّثنا إبراهيم بن سعد، حدّثنا علي بن حكيم، عن شريك، عن علي بن زيد، عن أنس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لبَّى بهما جميعًا. هذا غريب من هذا الوجه، ولم يخرجه أحدٌ من أصحاب السنن وهو على شرطهم.

13 -

قَتادة بن دِعامة السَّدوسي

(5)

عنه، قال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا بَهْزٌ وعبد الصمد - المعنى -، قالا: أخبرنا هَمّام بن يحيى، حدّثنا قتادة. قال: سألتُ أنسَ بن مالكٍ، قلتُ: كمْ حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: حَجَّةً واحدةً، واعتمرَ أربعَ مرات، عُمْرته زمن الحديبية، وعمرة

(7)

في ذي القعدة من المدينة، وعمرته من الجِعْرانة

(8)

في ذي القعدة

(9)

، حيث قسم غنيمهً حُنَيْنٍ، وعمرته مع حجته. وأخرجاه في "الصحيحين"

(10)

من حديث همام بن يحيى به،

14 -

مُصْعَبُ بن سُلَيْم الزُّبَيْري مولاهم

(11)

عنه. قال الإمام أحمد

(12)

: حدّثنا وكيع، حدّثنا مصعب بن سُلَيم، سمعت أنس بن مالك يقول: أهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجةٍ وعمرةٍ، تفرّد به أحمد.

(1)

رواه البخاري رقم (1715).

(2)

أ: (فلما صلّى).

(3)

ط: (راكب) تحريف.

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

ط: (السدودي) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 269 - 283)، وفي هامشه مصادر أخرى.

(6)

رواه أحمد (3/ 134).

(7)

أ: (مرار عمرة).

(8)

الجعْرانة قال ياقوت: بكسر أوله إجماعًا، ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشددون راءه، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويسكنون العين ويخففون الراء. والذي عندنا أنهما روايتان جيدتان. وهي ماء بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من حنين وأحرم فيها صلى الله عليه وسلم وله فيها مسجد وهي من مكة على بريد من طريق العراق. (معجم البدان).

(9)

أ: (زمن الحديبية في ذي القعدة).

(10)

رواه البخاري رقم (1778) - (1780) ورواه مسلم رقم (1253).

(11)

انظر الجمع بين رجال الصحيحين (2/ 512)، وتهذيب التهذيب (10/ 160).

(12)

رواه أحمد (3/ 183)، وإسناده حسن.

ص: 156

15 -

يحيى بن أبي إسحاق

(1)

الحَضْرمي عنه. قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا هُشَيْم، أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صُهَيْب وحُمَيْد الطَّويل، عن أنس أنَّهم سَمعوه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي بالحجِّ والعُمْرة جميعًا يقول

(3)

لبَّيك عُمْرة وحَجًّا، لبيك عمرةً وحجًّا.

وقد تقدَّم أن مسلمًا رواه عن يحيى بن يحيى عن هُشَيْم به.

وقال الإمام أحمد

(4)

أيضًا: حدّثنا عبد الأعلى، عن يحيى، عن أنس، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، قال: فسمعته يقول: لبَّيْكَ عُمْرةً وحَجًّا.

16 -

أبو أَسماء

(5)

الصَّيْقَل عنه. قال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا حسن، حدّثنا زهير، وحدّثنا أحمد بن عبد الملك، حدّثنا زهير عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء الصَّيْقَل، عن أنس بن مالك، قال: خرجنا نصرُخ بالحجّ فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَجْعَلهَا عُمْرة. وقال: لو استقبلتُ من أمري ما اسْتَدْبَرْتُ لجَعَلْتُها عُمرةً ولكنّي سُقتُ الهَدْيَ وقَرنتُ الحجَّ بالعمرة.

ورواه النَّسائي

(7)

عن هنّاد عن أبي الأحْوص عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء الصَّيْقَل، عن أنس بن مالك قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي بهما.

17 -

أبو قُدامة الحَنَفي، ويقال إن اسمه محمد بن عُبَيد، عن أنس. قال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا رَوْحُ بن عُبادة، حدّثنا شعبة، عن يونس بن عُبَيْد، عن أبي قُدامة الحَنَفي، قال: قلت لأنس بن مالك

(9)

: بأيّ شيءٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي؟ فقال: سمعتُه سبعَ مرّاتٍ يُلبِّي بعُمْرةٍ وحجّةٍ.

تفرد به الإمام

(10)

أحمد، وهو إسنادٌ جيدٌ، قويٌّ، ولله الحمدُ والمنَّةُ وبه التوفيق والعصمة.

وروى ابن حِبان

(11)

في "صحيحه" عن أنس بن مالك. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَنَ بين الحجِّ والعُمْرة وقَرَنَ القوم معه.

(1)

ط (يحيى بن إسحاق). وهو يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم البصري النحوي: روى عن أنس بن مالك. روى عنه هُشيم (الجمع بين رجال الصحيحين (2/ 566)، وتهذيب الهذيب (11/ 179 - 183).

(2)

رواه أحمد (3/ 99).

(3)

ليس اللفظ في أ، ط واستدركته عن المسند.

(4)

رواهـ أحمد (3/ 187)، وإسناده صحيح.

(5)

زيادة عن أ وسيرد الاسم تامًا بعد أسطر.

(6)

رواه أحمد (3/ 148 و 266)، وهو حديث صحيح بطرقه.

(7)

رواه النسائي (5/ 150)، وهو حديث صحيح بطرقه.

(8)

رواه أحمد (3/ 142).

(9)

لفظا (بن مالك) زيادة عن أ.

(10)

ليس اللفظ في أ.

(11)

رواه ابن حبان في الإحسان (9/ 241)(3931).

ص: 157

وقد أورد الحافظ البيهقي

(1)

بعضَ هذه الطرف عن أنس بن مالك، ثم شرع يُعَلِّلُ ذلك بكلامٍ فيه نظر وحاصلُه أنَّه قال: والاشتباه

(2)

وقع لأنس، لا لمن دونه، ويحتمل أن يكون سمعه رسول الله

(3)

صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ غَيْرَه كيف يُهِلُّ بالقرانِ، لا أنه يُهِلّ بهما عن نفسه والله أعلم.

(قال: وقد رُوي ذلك عن غير أنس بن مالك وفي ثبوته نظر)

(4)

.

قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمّله، وربّما كان ترك هذا الكلام أولى منه، إذ فيه تطرُّقُ احتمالٍ إلى حفظِ الصحابيّ مع تواتره عنه كما رأيت آنفًا، وفتح

(5)

هذا يُفْضي إلى مَحْذورٍ كبيرٍ، والله تعالى أعلم.

‌حديث البَراء بن عازِب في القِران

قال الحافظ أبو بكر البيهقي

(6)

: أنبأنا أبو الحسين بن بِشْران، أنبانا علي بن محمد المصري، حدّثنا أبو غَسّان مالك بن يحيى، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق، عن البَراء بن عازِب، قال: اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عُمَرٍ، كلُّهنّ في ذي القعدة. فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربعَ عُمَرٍ بعمرته التي حجَّ معها.

قال البيهقي: وليس هذا بمحفوظٍ، قلتُ: سيأتي بإسناد صحيحٍ إلى عائشة نحوه.

‌رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني

(7)

: حدّثنا أبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن جعفر بن رُمَيْس

(8)

، والقاسم بن إسماعيل أبو عُبَيْد، وعثمان بن جعفر الَّلبّان وغيرهم؛ قالوا: حدّثنا أحمد بن يحيى

(1)

السنن الكبرى (5/ 9، 10).

(2)

أ: (الاشتباه) بلا واو.

(3)

ليس لفظا (رسول الله) في أ.

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

أ: (ولفتح).

(6)

السنن الكبرى (5/ 11).

(7)

رواه الدارقطني في سننه (2/ 278).

(8)

انظر تاريخ بغداد (2/ 139).

ص: 158

الصوفي، حدّثنا زيد بن حُباب، حدّثنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله. قال:

حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاث حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قبل أنْ يُهاجر، وحجةً قَرَنَ معها عمرة. وقد روى هذا الحديث الترمذى

(1)

وابن ماجه

(2)

من حديث سُفيان بن سعيد الثوري به.

أما

(3)

الترمذي فرواه

(4)

عن عبد الله بن أبي زياد عن زيد بن حُباب عن سُفيان به. ثم قال: غريبٌ من حديث سفيان لا نعرفه إلا

(5)

من حديث زيد بن الحُباب. ورأيتُ عبدَ الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي

(6)

روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد، وسألت محمدًا عن هذا فلم يعرفه

(7)

، ورأيته لا يعده محفوظًا. قال: وإنما روي عن الثوري عن أبي إسحاق عن مُجاهد مُرْسلًا.

وفي السنن الكبير

(8)

للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري

(9)

عن هذا الحديث فقال: هذا حديث خطأ، وإنما روي هذا عن الثوري مرسلًا. قال البخاري: وكان زيد بن الحباب إذا روى حفظا

(10)

ربما غَلِط في الشّيء.

وأما ابن ماجه فرواه، عن القاسم بن محمد بن عباد المُهَلَّبي، عن عبد الله بن داود الخُرَيْبي، عن سفيان به، وهذه طريق لم يقف عليها التِّرمذي ولا البَيْهقي، وربما ولا البخاريّ حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانًا أنّه انفردَ به وليس كذلك، والله أعلم.

‌طريق أخرى عن جابر

قال أبو عيسى التِّرْمذي

(11)

: حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا أبو معاوية، عن حجّاج، عن أبي الزبير،

(1)

رواه الترمذي (815).

(2)

رواه ابن ماجه (3076).

(3)

ط: (وأما).

(4)

أ: (فروى).

(5)

ليست (إلا) في أ.

(6)

ط (الرازي) تحريف. وانظر ترجمة الدارمي في سير أعلام النبلاء (12/ 224).

(7)

أ: (محمد عن هذا فلم يعرفه).

(8)

انظر السنن الكبرى للبيهقي (5/ 12).

(9)

ليس اللفظ في أ.

(10)

ط (خطأ) وهو تحريف.

(11)

رواه الترمذي (947)، وهو حديث حسن، يشهد له حديث ابن حبان الذي بعده.

ص: 159

عن جابر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَنَ الحجَّ والعُمْرةَ وطاف

(1)

لهما طوافًا واحدًا. ثم قال: هذا

(2)

حديثٌ حسنٌ، وفي نسخةٍ: صحيح.

ورواه ابن حبان

(3)

في "صحيحه"، عن جابر قال: لم يَطُفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلا طوافًا واحدًا لحجهِ ولعُمْرَتِهِ.

قلت: حَجّاج هذا هو ابن أرطاة، وقد تكلم فيه غيرُ واحد من الأئمة، ولكن قد رُوي من وجهٍ آخر عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله أيضًا، كما قال الحافظ أبو بكر البرار في "مسنده": حدّثنا مُقَدَّم بن محمدّ، حدّثني عمي القاسم بن يحيى بن مُقَدَّم، عن عبد الله

(4)

بن عثمان بن خُثَيْم

(5)

، عن أبي الزبير، عن جابر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فَقَرَن بين الحجّ والعُمْرة وساق الهَدْيَ، وقال

(6)

رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يُقَلِّد الهَدْيَ فليجعلْها عُمْرَةً، ثم قال البزار: وهذا الكلام لا نَعْلَمُه يُرْوَى عن جابر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده وإسنادها غريب

(7)

جدًّا وليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه والله أعلم.

‌رواية أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه

قال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا حجاج - هو ابن أرطأة - عن الحسن بن سعد، عن ابن عباس. قال: أخبرني أبو طلحة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمَع

(9)

بين الحجِّ والعمرة. ورواه

(10)

ابن ماجه

(11)

، عن علي بن محمد، عن أبي معاوية بإسناده ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنَ بين الحجِّ والعمرة.

(1)

ط: (طاف) بلا واو.

(2)

أ: (وهذا).

(3)

رواه ابن حبان بألفاظ متقاربة (3819) و (3914)، وهو حديث صحيح.

(4)

في الأصول: عبد الرحمن بن عثمان بن خثيم، وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال.

(5)

ط: (خيثم) تحريف.

(6)

أ: (قال) بلا واو.

(7)

ط: (غريبة).

(8)

انظر مسند الإمام أحمد (4/ 28)، إسناده ضعيف، وهو حديث صحيح بشواهده.

(9)

ط: (جميع) وهو تحر يف.

(10)

أ: (رواه) بلا واو.

(11)

رواه ابن ماجه (2971)، إسناده ضعيف، وهو حديث صحيح بشواهده.

ص: 160

الحجاج بن أرطأة

(1)

فيه ضعف والله أعلم.

‌رواية سُراقةَ بن مالك بن جُعْشُم

قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا مكي بن إبراهيم، حدّثنا داود - يعني ابن يزيد

(3)

- سمعت عبد الملك الزَّرَّاد يقول: سمعت النّزّال بن سَبْرة

(4)

صاحب عليّ يقول: سمعتُ سُراقة يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دخلت العُمْرة في الحجِّ إلى يوم القيامة". قال: وقَرَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع.

‌رواية سعد: بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه تمتَّعَ بالحَجّ إلى العمرة وهو القِران

قال الإمام مالك

(5)

: عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنَّه حَدَّثه أنَّه سمعَ سعدَ بن أبي وقاصٍ والضَّحّاك بن قَيْسٍ عامَ حجّ معاوية بن أبي سُفيان يذكُر التَّمتُّعَ بالعُمْرة إلى الحج. فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمرَ الله. فقال سعد: بئسَ ما قلتَ يا بن أخي. فقال الضحاك: فإنّ عمر بن الخطاب كان يَنْهَى عنها. فقال سعد: قد صنعها رسول الله

(6)

صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.

ورواه الترمذي

(7)

والنسائي

(8)

جميعًا، عن قتيبة، عن مالك به. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وقال الإمام أحمد

(9)

: حدّثنا يحيى بن سعيد، حدّثنا سليمان - يعني التَّيْمي -، حدّثني غُنَيْم، قال: سألت ابن أبي وقّاص عن المُتْعة فقال: فعلناها، وهذا كافر بالعُرُش - يعني معاوية - هكذا رواه مختصرًا.

وقد رواه مسلم

(10)

في "صحيحه" من حديث سُفيان بن سعيد

(11)

الثوري وشعبة ومروان الفزاري

(1)

تقدم تجريحه قبل أسطر. وانظر سير أعلام النبلاء (7/ 68).

(2)

انظر مسند الإمام أحمد (4/ 175)، وهو حديث صحيح بشواهده.

(3)

في الأصول: سويد.

(4)

قال ابن حجر: (سبرة: بفتح المهملة وسكون الموحدة) تقريب التهذيب (560).

(5)

رواه مالك (1/ 344).

(6)

أ: (قد صنعها النبي صلى الله عليه وسلم).

(7)

رواه الترمذي (823)، وهو حديث حسن.

(8)

رواه النسائي (5/ 152)(2734)، وهو حديث حسن.

(9)

رواه أحمد (1/ 181).

(10)

رواه مسلم (1225).

(11)

لفظ (سعيد) زيادة عن أ.

ص: 161

ويحيى بن سعيد القطان، أربعتُهم عن سليمان بن طَرْخان التَّيمي، سمعت غُنَيْم بن قَيس: سألتُ سعد بن أبي وقاص عن المتعة؟ فقال: قد فعلناها، وهذا يومئذ كافر بالعُرُش، قال يحيى بن سعيد في روايته: - يعني معاوية - ورواه عبد الرزاق

(1)

، عن مُعْتَمِر بن سليمان، وعبد الله بن المُبارك، كلاهما عن سليمان التَّيْمي، عن غُنَيْم بن قيس: سألتُ سعدًا عن التَّمتُّع بالعُمْرَة إلى الحجِّ، فقال: فعلتُها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعُرُش

(2)

- يعني مكة، ويعني به معاوية - وهذا الحديث الثاني أصحُّ إسنادًا، وإنما ذكرناه اعتضادًا لا اعتمادًا، والأول صحيحُ الإسناد وهولا

(3)

أصرح في المقصود من هذا والله أعلم.

‌رواية عبد الله بن أبي أوْفَى

قال الطبراني

(4)

: حدّثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوْفَى، قال: إنّما جمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الحجّ والعمرةِ لأنّه علم أنّه لم يكن حاجًا بعد ذلك العام.

‌رواية عبد الله بن عباس في ذلك

قال الإمام أحمد

(5)

: حدثنا أبو النَّضْر حدّثنا داود - يعني العَطّار

(6)

- عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمَرٍ؛ عمرةَ الحُدَيْبية، وعُمْرة القَضاء، والثالثة من الجِعْرانة، والرابعة التي مع حجته.

وقد رواه أبو داود

(7)

والتِّرْمذي

(8)

وابن ماجه

(9)

من طرقٍ، عن داود بن عبد الرحمن العطّار المكي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وقال التِّرمذي: حسن غريب. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان بن عُيينة، عن عمرو، عن عكرمة. مُرْسلًا. ورواه الحافظ

(1)

وأخرجه البيهقي من طريقه (5/ 17).

(2)

ليست عبارة: (يعني مكة) في أ.

(3)

ط: (وهذا).

(4)

رواه الطبراني في المعجم الأوسط رقم (3608)، وإسناده ضعيف.

(5)

رواه أحمد (1/ 246).

(6)

ط: (القطان) تحريف وسيرد الاسم أكثر من مرة مصححًا.

(7)

رواه أبو داود (1993).

(8)

رواه الترمذي (816).

(9)

رواه ابن ماجه (3003).

ص: 162

البيهقي

(1)

من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي، عن الحسن بن الربيع، وشهاب بن عَبّاد، كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العَطّار

فذكره. وقال: والرابعة

(2)

التي قَرنَهَا مع حجته. ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز: ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبد الرحمن، ثم حكى البيهقي عن البخاري أنّه قال: داود بن عبد الرحمن صدوق، إلا أنَّه رُبَّما يَهِمُ في الشيء.

وقد تقدم ما رواه البخارب

(3)

من طريق ابن عباس عن عمر أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العَقيق: "أتاني آتٍ من ربّي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك. وقُلْ: عمرة في حجة" فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه، والله أعلم.

‌رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

قد تقدم فيما رواه البخاري

(4)

ومسلم

(5)

من طريق الليث، عن عُقَيل، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه قال: تَمتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجةِ الوَداع، وأهْدَى فساق الهَدْيَ من ذي الحُلَيْفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَهَلَّ بالعمرة ثم أهَلَّ بالحَجّ، وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السَّعي، فعلم كما قَرَّرناه أولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن

(6)

متمتعًا التمتُّعَ الخاصَّ، وإنما كان قارنًا لأنّه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعًا اكتفى

(7)

بطوافٍ واحدٍ بينَ الصَّفا والمَرْوَة عن حجه وعمرته

(8)

. وهذا شأنُ القارنِ على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانُه، والله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى

(9)

الموصلي: حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عُبَيْد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طافَ طوافًا واحدًا لإقرانه لم يُحِلّ بينهما، واشترى من الطريق - يعني الهَدْيَ - وهذا إسناد جيد رجاله

(10)

كلهم ثقات إلا أنّ يحيى بن يَمانٍ، وإن كان من رجال مسلم، في أحاديثه عن الثوري نَكارةٌ شديدةٌ، والله أعلم. ومما يُرَجِّحُ أن ابنَ عمر أراد بالإفراد الذي

(1)

رواه البيهقي (5/ 12).

(2)

ط: (الرابعة بلا واو).

(3)

رواه البخاري رقم (1534).

(4)

رواه البخاري رقم (1691).

(5)

رواه مسلم (1227).

(6)

أ: (أنه لم يكن عليه السلام.

(7)

أ: (لأنه اكتفى بطواف .. ).

(8)

أ: (من حجة وعمرة).

(9)

وأخرجه أحمد (2/ 38).

(10)

ليس لفظ (رجاله) في أ.

ص: 163

رواه إفرادَ أفعال الحج لا الإفرادَ الخاصَّ الذي يصير

(1)

إليه أصحاب الشافعي، وهو الحجُّ ثم الاعتمارُ بعده في بقية ذي الحجة.

قول الشافعي: أنبأنا مالك، عن صَدَقَةَ بن يسار، عن ابن عمر، أنه قال: لأنْ أعتمرَ قبل الحجّ وأُهْدي أحبُّ إليَّ من أن أعتمرَ بعدَ الحجِّ في ذي الحجة.

‌رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا أبو أحمد - يعني الزُّبَيْري -، حدّثنا يونس بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّما قرنَ خشيةَ أن يُصَدّ عن البيت وقال: إنْ لم تكن

(3)

حجةً فعُمْرةً.

وهذا حديث غريب سَنَدًا ومَتْنًا، تفَرَّدَ بروايته الإمام أحمد.

وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا: كان مضطربَ الحديث، وضعَّفَه، وكذا ضَعَّفَهُ يحيى بن مَعين في رواية عنه، والنسائي.

وأما من حيث المتن، فقوله: إنَّما قَرَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خشيةَ أنْ يُصَدّ عن البيت. فَمَنِ الذي كان يَصُدُّه عليه الصلاة والسلام عن البيت وقد أطَّد الله له

(4)

الإسلام، وفتح البلدَ الحرامَ، وقد نُودي برحاب

(5)

منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوفَنَّ بالبيت عريان

(6)

(7)

وقد كان معه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قريبٌ

(8)

من أربعين ألفًا.

فقوله: "خشية أن يُصَدَّ عن البيت": وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي: [لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أجل ولكنّا كنّا خائفين]

(9)

ولست أدري علام يُحْمَل هذا الخوف من أي جهة كان؟ إلا أنه تضمَّن رواية الصحابي لما

(1)

أ: (يسير).

(2)

رواه أحمد (2/ 214).

(3)

ط: (يكن).

(4)

ليس لفظ (له) في أ.

(5)

أ: (برجام) وهو تحريف.

(6)

رواه البخاري رقم (369) ورواه مسلم (1347).

(7)

أ: (عريانًا) خطأ.

(8)

أ: (قريبًا) خطأ.

(9)

رواه مسلم (1223).

ص: 164

رواه، وحمله على معنى ظنه، فما رواه صحيح مقبول، وما اعتقده ليس بمعصوم فيه، فهو موقوف عليه، وليس بحجة على غيره، ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه. وهكذا

(1)

قول عبد الله بن عمرو. لو صحَّ السَّنَدُ إليه، والله أعلم.

‌رواية عمران بن حصين رضي الله عنه

قال الإمام أحمد

(2)

: حدّثنا محمد بن جعفر، وحجاج، قالا: حدّثنا شعبة، عن حُمَيْد بن هِلال، سمعت مُطَرِّفًا

(3)

قال: قال لي عمران بن حُصَيْن: إني محدِّثُكَ حديثًا، عسى الله أنْ ينفعَكَ به: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد جمعَ بين حجةٍ وعمرةٍ

(4)

. ثُمَّ لمْ يَنْهَ عنه، حتى مات ولم ينزل قرآن فيه يُحَرِّمه، وأنه كان يُسَلّم عليَّ، فلما اكتويتُ أمسكَ عنّي، فلما تركتُه عاد إليَّ.

وقد رواه مسلم

(5)

، عن محمد بن المُثَنَّى ومحمد بن بَشّارَ

(6)

، عن غُنْدَر، [و] عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه.

والنسائي

(7)

عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث، ثلاثتهم عن شعبة، عن حُمَيْد بن هِلال، عن مُطَرّف، عن عمران به.

ورواه مسلم

(8)

من حديث شعبة، وسعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن مُطَرِّف (بن عبد الله الشّخِّير، عن عمران بن الحُصَين: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة

الحديث.

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حديث شعبة عن حميد بن هلال، عن

(9)

مُطَرف صحيح. وأما حديثه عن قتادة، عن مطرف، فإنما رواه عن شعبة كذلك بقيةُ بن الوليد. وقد رواه غُنْدر وغيره عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.

(1)

ط: (هكذا) بلا واو.

(2)

رواه أحمد (4/ 427).

(3)

أ: (مطرف) وط: (مطرقًا) وفي الأولى خطأ وفي الثانية تحريف.

(4)

ط: (حجته وعمرته).

(5)

رواه مسلم (1226).

(6)

في ط: (يسار) تحريف. وهو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان، أبو بكر العبدي البصري لقب ببندار ومعناه الحافظ لأنه كان بندار الحديث في عصره ببلده توفي سنة (252) سير أعلام النبلاء (12/ 144 - 149)، وتهذيب التهذيب (9/ 70 - 73).

(7)

رواه النسائي (5/ 149)(2726).

(8)

رواه مسلم (1226).

(9)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 165

قلت: وقد رواه أيضًا النّسائي

(1)

في سننه عن عمرو بن علي الفلّاس، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، وفي نسخة: عن سعيد بدل شعبة، عن قتادة، عن مُطَرّف، عن عمران بن الحصين

فذكره، والله أعلم.

وثبت في "الصحيحين " من حديث همام، عن قتادة، عن مُطَرف، عن عمران بن الحصين، قال: تَمَتّعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

، ثم لم ينزل قرآنٌ يحرِّمه، ولم يُنْهَ عنها حتى مات رسول صلى الله عليه وسلم

(3)

.

‌رواية الهِرْماس بن زياد الباهلي

قال عبد الله بن الإمام أحمد

(4)

: حدّثنا عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد، من أهل الرّيّ، وكان أصله أصبهانيًّا

(5)

، حدّثنا يحيى بن الضُّريس، حدّثنا عِكْرمة بن عَمّار، عن الهِرْماس. قال: كنت رِدْفَ أبي، فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو على بعيرٍ، وهو يقول:"لبَّيْكَ بحجةٍ وعُمْرَةٍ معًا"، وهذا على شرط السنن، ولم يُخرجوه.

‌رواية حَفْصَة بنت عُمر أم المؤمنين رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد

(6)

: حدّثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن حَفْصة: أنّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لك لم تحلّ من عُمْرتِكَ؟ قال: "إني لبَّدْتُ

(7)

رأسي وقلّدتُ هَدْيي فلا أُحلّ حتى أنْحر" وقد أخرجاه في "الصحيحين"

(8)

من حديث مالك وعُبَيْد الله بن عمر، زاد البخاري

(9)

: وموسى بن عقبة، زاد مسلم

(10)

: وابن جريج كلهم، عن نافع، عن ابن عمر به، وفي لفظهما أنّها

(1)

رواه النسائي (5/ 149)(2727).

(2)

رواه البخاري في صحيحه رقم (1571) ومسلم (1226)(170).

(3)

رواه البخاري رقم (4518) ومسلم (1226)(172) من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران.

(4)

رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (3/ 485) وهو حديث منكر كما قال الإمام أحمد، ووقع في المطبوع: من رواية أحمد، وهو خطأ.

(5)

في الأصول: (أصبهاني) وهو خطأ. صححته عن مسند الإمام أحمد.

(6)

رواه أحمد (6/ 284)(26475).

(7)

تلبيد الشعر أن يجعل فيه شيء من صمغ عند الإحرام لئلا يَشْعثَ ويقمل إبقاء على الشعر. وإنما يُلَبِّدُ من يطول مُكثُهُ في الإحرام (النهاية في غريب الحديث والأثر: لبد).

(8)

رواه البخاري رقم (1566) و (1697)، ومسلم رقم (1229)(176) و (177).

(9)

رقم (4389).

(10)

رقم (1229)(179).

ص: 166

قالت: يا رسولَ الله ما شَأْنُ النّاس حلّوا من العمرة، ولم تحلّ أنتَ من عُمْرتك؟ فقال:"إني قلَّدتُ هَدْيي ولبَّدتُ رأسي فلا أَحِلّ حتى أنْحَرَ".

وقال الإمام

(1)

أحمد أيضًا: (حدثنا أبو اليمان)

(2)

حدّثنا شُعَيْبُ بن أبي حَمْزَةَ. قال: قال نافع: كان عبد الله بن عمر يقول: أخبرتنا حَفْصَة زَوْجُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجَه أن يَحْلِلْنَ عامَ حجةِ الوَداع. فقالت له فلانة: ما يَمْنَعُكَ أن تحلّ. قال: "إنِّي لبَّدْتُ رأسي وقَلَّدتُ هَدْيي فليست أُحِلّ حتى أنْحَرَ هَدْيي".

وقال أحمد

(3)

أيضًا: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني نافع

(4)

، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة بنت عمر، أنها قالت: لمّا أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءَهُ أن يَحْلِلْنَ بعمرةٍ، قلنا: فما يَمْنَعُكَ يا رسولَ الله أن تَحلّ معنا؟ قال: "إني أهديت

(5)

ولَبَّدتُ فلا أُحِلّ حتى أنحر هَدْيي".

ثم رواه أحمد

(6)

، عن كثير بن هشام، عن جعفر بن بُرْقان، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة

فذكره، فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مُتَلبِّسًا بعُمْرةٍ ولم يَحِلَّ منها، وقد عُلِمَ بما تقدَّم من أحاديث الإفرادِ أنّه كان قد أَهَلَّ بحجٍّ أيضًا، فدلَّ مجموعُ ذلك أنَّه قارنٌ مع ما سلَفَ من روايةِ منْ صَرَّح بذلك، والله أعلم.

‌رواية عائشة أم المؤمنين

(7)

رضي الله عنها

قال البخاري

(8)

: حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خَرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع فأَهْلَلْنا بعُمْرَةٍ. ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ منْ كانَ معه هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بالحَجّ مع العُمْرة، ثم لا يَحِلَّ حتّى يَحِلّ منهما جميعًا، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطُفْ بالبيتِ ولا بينَ الصَّفا والمَرْوَة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقُضي

(9)

رأسَكِ، وامْتَشِطي وأهِلِّي بالحجّ، ودَعي العُمْرَةَ، ففعلتُ، فلما قضيتُ الحجَّ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع

(1)

رواه أحمد (6/ 285)، وهو حديث صحيح.

(2)

لم يرد ما بين القوسين في أ ولا في ط، واستدركتهما عن المسند.

(3)

رواه أحمد (6/ 285)، وهو حديث صحيح.

(4)

ط: (عن أبي إسحاق نافع) وما أثبته عن أ ويوافق ما في المسند.

(5)

ط: (اهتديت).

(6)

رواه أحمد (6/ 285)، وهو حديث صحيح.

(7)

أ: (رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

(8)

رواه البخاري رقم (1556).

(9)

ط: (انفضي) تحريف.

ص: 167

عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التَّنعيم فاعْتَمَرْتُ. فقال: هذه مكان عُمْرتِك. قالت: فطافَ الذين كانوا أَهَلُّوا بالعُمْرة بالبيت وبين الصَّفا والمَرْوَة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من مِنىً، وأما الذين جمعوا الحجَّ والعمرةَ فإنما طافوا طَوافًا واحدًا.

وكذلك

(1)

رواه مسلم

(2)

من حديث مالك، عن الزهري

فذكره.

ثمّ رواه

(3)

عن عَبْدِ بنِ حُمَيْد، عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزُّهْري، عن عُرْوَة عن عائشة قالت:

خَرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ حجَّةِ الوداعِ، فأهْلَلْتُ بعمرةٍ ولم أكُنْ سُقْتُ الهَدْيَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم منْ كانَ معه هَدْيٌ فَلْيُهِل بالحجِّ مع عُمْرَتِهِ لا يَحِلّ حتّى يَحِلّ منهما جميعًا

وذكر تمام الحديث كما تقدم.

والمقصود من إيراد هذا الحديث هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم: "منْ كانَ معهُ هَدْيٌ فليهلّ بحجٍ وعمرة"، ومعلومٌ أنّه عليه الصلاة والسلام قد كان معه هَدْيٌ فهو أول

(4)

وأولى من ائتمر بهذا، لأنَّ المخاطبَ داخلٌ في عمومِ مُتَعلّقِ خطابه على الصَّحيح. وأيضًا فإنّها قالَتْ: وأمّا الذينَ جَمَعوا الحجَّ والعُمْرَة فإنّما طافوا طوافًا واحدًا، يعني بين الصَّفا والمروة.

وقد روى مسلم

(5)

عنها

(6)

: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّما طافَ بين الصَّفا والمروة طوافًا واحدًا، فعُلم من هذا أنَّه كان قد جمعَ بين الحجّ والعمرة.

وقد روى مسلم

(7)

من حديث حَمّاد بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: فكانَ الهَدْيُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار

(8)

، وأيضًا فإنّها ذكرت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَحَلَّلْ من النُّسْكَيْن فلم يكن مُتَمَتِّعًا، وذكرتْ أنَّها سألَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْمِرها من التَّنعيم

(9)

. وقالَتْ:

(1)

أ: (وكذا).

(2)

رواه مسلم (1211)(111).

(3)

رواه مسلم (1211)(113).

(4)

أ: (أولى وأولى).

(5)

رواه مسلم (1211)(111).

(6)

أ: (منها) تحريف.

(7)

رواه مسلم (1211) عن عبد العزيز بن الماجشون.

(8)

في صحيح مسلم (اليسارة).

(9)

التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة، وقيل على أربعة. وسمي بذلك لأنّ جبلًا عن يمينه يقال له نُعَيْم، وآخر عن شماله، يقال له ناعم، والوادي نَعْمان. وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة، وسقايا على طريق المدينة منه يحرم المكيون بالعمرة (معجم ما استعجم (1/ 321)، ومعجم البلدان: التنعيم).

ص: 168

يا رسولَ الله يَنْطَلِقون

(1)

بحجٍّ وعمرةٍ، وأنطلقُ بحجٍّ؟! فبعثها

(2)

مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فأَعْمَرَها من التَّنْعيم ولم يُذْكَرْ أنَّه عليه الصلاة والسلام اعتمر بعد حجته، فلم يكن مُفْردًا. فعُلم أنه كان قارنًا، لأنه كان باتّفاقِ النّاس قد اعتمر في حجة الوداع، والله أعلم.

وقد تقدم ما رواه الحافظُ البيهقيُّ

(3)

من طريق يزيد بن هارون، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: أنّه قال: اعتمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عُمَرٍ كلُّهن في ذي القعدة، فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عُمَرٍ بعُمرته التي حَجَّ معها. وقال البيهقي

(4)

في الخلافيات

(5)

: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد بن حَيَّان

(6)

الأصبهاني، أنبأنا إبراهيم بن شَريك، أنبأنا أحمد بن يونس، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق، عن مجاهد، قال: سُئِل ابنُ عُمَر: كَمِ اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: مرَّتين. فقالت عائشة: لقد علمَ ابنُ عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتَمَر ثلاثًا سوى العُمْرةِ التي قَرَنها مع حجةِ الوداع. ثم قال البيهقي: وهذا إسنادٌ لا بأسَ به، لكن فيه إرسال - مجاهد لم يسمعْ من عائشة في قول بعض المحدثين.

قلتُ: كان شعبة يُنْكِره. وأما البُخاري ومُسلم فإنهما أثبتاه، والله أعلم.

وقد روي

(7)

من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعروة بن الزبير وغير واحد، عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهَدْيُ عامَ حجّةِ الوَداعِ، وفي إعمارها من التَّنْعيم ومصادقتها له منهبطًا على أهل مكة وبيتوته

(8)

بالمُحَصَّب حتى صلَّى الصُّبحَ بمكة ثم رجع إلى المدينة. وهذا كله مما يدلُّ على أنه عليه الصلاة والسلام لم يعتمر بعد حجّته تلك، ولم أعلمْ أحدًا من الصحابة نقله. ومعلومٌ أنه لم يَتَحَلَّلْ بين النُّسْكَيْن، ولا روى أحدٌ أنه عليه الصلاة والسلام بعد طوافه بالبيت، وسعيه بينَ الصّفا والمَرْوة حَلَقَ ولا قصَّر ولا تَحَلَّل، بل استمرّ على إحرامه باتفاق، ولم يُنقل أنه أهلَّ بحجٍ لما سار إلى منىً، فعُلم أنّه لم يكن مُتَمتِّعًا. وقد اتفقوا على أنه عليه الصلاة والسلام اعتمرَ عامَ حجةِ الوداعِ فلم يَتَحَلَّلْ بين النُّسْكَيْن، ولا أنشأ إحرامًا للحجّ، ولا اعتمرَ بعد الحجِّ، فلزم القِرَانُ، وهذا مما يَعْسُرُ الجوابُ عنه، والله أعلم.

(1)

أ: (تنطلقون).

(2)

أ: (مبعثها).

(3)

رواه البيهقي (5/ 11)(8622).

(4)

رواه البيهقي (5/ 10)(8616).

(5)

أ: (الخلافات) تحريف.

(6)

في ط: "حبان"، وهو تصحيف، وهو أبو محمد بن حيَّان المعروف بأبي الشيخ صاحب "طبقات المحدثين بأصبهان" المتوفى سنة 369 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (16/ 276).

(7)

رواه البخاري رقم (1560) و (1561) و (1562) ومسلم رقم (1211)(119) و (118) و (125).

(8)

ليس اللفظ في ط.

ص: 169

وأيضًا فإن رواية القِران مُثْبتةٌ لما سكت عنه أو نفاه منْ روى الإفرادَ والتّمتع فهي مُقَدَّمةٌ عليها كما هو مقرَّرٌ في علم الأصول.

وعن أبي عمران أنّه حجَّ مع مواليه، قال: فأتيتُ أمَّ سلمةَ فقلتُ: يا أمَّ المؤمنين إنّي لم أحجّ قطُّ فَبأيِّهما أبدأ؛ بالعُمرةِ أم بالحَجِّ؟ قالت: ابْدَأ بأيهما شِئْتَ. قال: ثُمَّ أتَيْت صَفِيَّةَ أمّ المؤمنين فسألتُها فقالت لي مثلَ ما قالت، قال: ثم جئتُ أمَّ سلمة فأخبرتُها بقولِ صَفيّة، فقالت لي أم سلمة: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا آلَ مُحَمَّدٍ منْ حَجَّ منكم فليُهِلّ بعُمْرةٍ في حجةٍ". رواه ابن حِبان في صحيحه، وقد رواه ابن حزم في حجّةِ الوَداعِ من حديث اللَّيْثِ بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم، عن أبي عمران، عن أم سلمة به

(1)

.

‌فصل

إن قيل: قد رَوَيْتُمْ عن جَماعةٍ من الصّحَابة أنَّه عليه السلام أفردَ الحجَّ، ثم رَوَيْتُمْ عن هؤلاء بأعيانهم وعن غيرهم أنَّه جمعَ بين الحجِّ والعمرةِ، فما الجمع من ذلك؟!

فالجواب: أنّ روايةَ منْ روى أنه أفرد الحج محمولةٌ على أنّه أفردَ أفعالَ الحجّ، ودخلت العمرة فيه نيةً وفعلًا ووقتًا، وهذا يدلُّ على أنه اكتفى بطواف الحجّ وسَعْيه عنه وعنها، كما هو مذهبُ الجمهور في القارن، خلافًا لأبي حنيفة، رحمه الله، حيثُ ذهبَ إلى أنَّ القارنَ يطوفُ طوافَيْن، ويسعى سَعْيَين، واعتمدَ على ما روي في ذلك، عن عليّ بن أبي طالب، وفي الإسناد إليه نظر. وأما منْ روى التَّمتُّع، ثم روى القِرانَ، فقد قدَّمنا الجواب عن ذلك بأن التمتُّع في كلام السَّلف أعمُّ من التمتُّع الخاصّ والقِرانِ، بل ويطلقونه على الاعتمار في أشهر الحجِّ وإن لم يكن معه حجٌّ. كما قال

(2)

سعد بن أبي وقاص: تمتَّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا - يعني

(3)

معاوية - يومئذ كافرٌ بالعُرش - يعني بمكة - وإنّما يريدُ بهذا إحدى العُمْرتَيْن: إما الحُدَيبية، أو القضاء، فأما عُمْرةُ الجِعرانة، فقد كان معاوية

(4)

قد أسلم، لأنها كانت بعد الفتح، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر، وهذا بيّنٌ واضحٌ، والله أعلم.

‌فصل

إن قيل: فما جوابكم

(5)

عن الحديث الذي رواه أبو داود الطّيالسي في

(1)

رواه ابن حبان (3920)، و (3922)، وإسناده صحيح.

(2)

رواه مسلم (1225).

(3)

أ: (يعني وهذا) وفوق اللفظين إشارتا تبديل.

(4)

ليس اللفظ في أ.

(5)

ط: (جوابها).

ص: 170

مسنده

(1)

: حدّثنا هشام عن قتادة، عن أبي شيخ الهُنائي - واسمه حَيْوان

(2)

بن خالد - أنَّ معاوية قال لنَفَرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمونَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عن صُفَف

(3)

النمور؟. قالوا: اللهمَّ نعم! قال: وأنا أشهدُ. قال: أتعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبْس الذَّهب إلا مُقَطَّعًا

(4)

. قالوا: اللهم نعم! قال: أتعلمونَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُقْرَنَ بين الحجِّ والعمرة؟ قالوا: اللهم لا! قال: واللهِ إنها لَمَعَهُنَّ.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا عَفّان، حدّثنا همام، عن قتادة، عن أبي شيخ الهُنائي قال: كنتُ في مَلأٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية، فقال معاوية: أنشدكم بالله أتعلمونَ أنَّ رسول الله نهى عن جُلود النُّمور أن يُرْكَبَ عليها؟ قالوا: اللهم نعم! قال: وتَعْلَمونَ أنَّه نَهَى عن لباسِ الذَّهب إلا مُقَطَّعًا؟ قالوا: اللهم نعم! قال: وتعلمون أنه نهى عن الشُّرب في آنيةِ الذَّهَب والفضَّة؟ قالوا: اللهم نعم! قال: وتعلمونَ أنَّه نهى عن المتعة - يعني متعة الحج؟ قالوا

(6)

: اللهم لا [قال: أما إنها معهن]!

وقال أحمد

(7)

: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي شيخ الهُنائي أنَّه شهدَ معاويةَ، وعنده جمعٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم معاوية: أتعلمونَ أنَّ رسولَ الله نهى عن رُكوبِ جُلودِ النُّمور. قالوا: نعم! قال: أتَعلمون (8) أنَّ رسولَ الله نهى عن لُبْسِ الحَريرِ؟ قالوا: اللهم نعم! قال: أتعلمون

(8)

أن رسول الله نهى أنْ يُشْربَ في آنيةِ الذَّهَبِ والفضة؟ قالوا: اللهم نعم! قال: أتعلمون (8) أنَّ رسول الله نهى عن جَمْعٍ بينَ حجٍّ وعمرةٍ؟ قالوا: اللهم لا! قال فوالله إنها لَمَعَهُنَّ.

وكذا رواه

(9)

حماد بن سلمة عن قتادة وزاد: ولكنَّكم نَسيتُم.

(1)

ورواه البيهقي (5/ 19) من طريق الطيالسي.

(2)

ط: (أبي سيح الهناني واسمه صفوان بن خالد) وقال ابن حجر: قيل اسمه حيوان بن خالد وقيل خيوان (تهذيب التهذيب 12/ 129 - 130).

(3)

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: (صفف فيه: نهى عن صُفَفِ النُّمور. هي جمع صُفَّة، وهي للسَّرج بمنزلة المِيثَرَة من الرَّحل وهذا كحديثه الآخر "نهى عن ركوب جلود النمور").

(4)

وقال أيضًا: (وفيه: "نهى عن لُبْس الذهب إلا مُقَطعًا" أراه الشيء اليسير منه كالحلقة والشنف ونحو ذلك، وكره الكثير الذي عادة أهل السَّرَف والخُيَلاء والكِبْر. واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة).

(5)

رواه أحمد (4/ 92).

(6)

أ: (قال).

(7)

رواه أحمد (4/ 99).

(8)

أ، ط (تعلمون) بلا همزة الاستفهام.

(9)

انظر سنن البيهقي الكبرى (5/ 19)(8651) ونص الحديث كاملًا في سنن أبي داود (2/ 157)(1794).

ص: 171

وكذا رواه أشعثُ بن براز، وسعيد بن أبي عَرُوبة

(1)

وهمام

(2)

عن قتادة

(3)

بأصله.

ورواه مطر الوراق

(4)

وبَيْهَسُ

(5)

(6)

بن فهدان، عن أبي شيخ في مُتْعة الحج. فقد

(7)

رواه أبو داود والنسائي من طرقٍ، عن أبي شيخ الهُنائي به

(8)

، وهو حديث جيّد الإسناد، ويستغرب منه رواية معاوية رضي الله عنه، النهي عن الجمع بين الحج والعمرة، ولعل أصل الحديث النهي

(9)

عن المتعة، فاعتقد الراوي أنّها متعة الحاج، وإنما هي متعة النساء، ولم يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهي عنها، أو لعلَّ النهيَ عن الإقران في التمر، كما في حديث ابن عمر

(10)

فاعتقد الراوي

(11)

أنّ المرادَ القِرانَ في الحجّ، وليس كذلك، أو لعل

(12)

معاوية رضي الله عنه إنما قال

(13)

: أتعلمون أنّه نُهي عن كذا، فبناه بما لم يسمَّ فاعله، فصرح الراوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم في ذلك، فإنّ الذي كان ينهى عن متعة الحج إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن نهيه عن ذلك

(14)

على وجه التحريم والحتم

(15)

؟ كما قدمنا. وإنّما كان يَنْهى عنها لتُفرد عن الحج بسفرٍ آخر، لتكثر

(16)

زيارة البيت، وقد كان الصحابة، رضي الله عنهم، يهابونه كثيرًا، فلا يتجاسرون على مخالفته غالبًا، وكان ابنه عبد الله يخالفه، فيقال له: إن أباك كان ينهى عنها فيقول: لقد خَشيت أن يقعَ عليكم حجارة من السماء، قد فعلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أفسُنَّةَ رسولِ الله تُتَّبعُ أم سُنَّةَ عُمَرَ بن الخَطاب، وكذلك كان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ينهى عنها، وخالفه عليّ بن أبي طالب كما تقدّم، وقال: لا أدعُ سنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحدٍ من النّاس.

(1)

رواه أحمد (4/ 99).

(2)

طك (وعمام) تحريف.

(3)

أحمد (4/ 92).

(4)

انظر سنن البيهقي الكبرى (5/ 19)(8651) وذكره النسائي (5/ 508)(9817).

(5)

رواه أحمد (4/ 98).

(6)

ط: (وبهيس) تحريف. وانظر تهذيب التهذيب لابن حجر (1/ 507).

(7)

أ: (وقد).

(8)

أ: (أبو داود عن مطرق عن أبي شيخ الهنائي وهو).

(9)

ليس لفظ (النهي) في أ.

(10)

رواه البخاري رقم (2455) ومسلم رقم (2045).

(11)

أ: (فاعتقد بعض الرواة).

(12)

أ: (ولعل).

(13)

ط: (قال إنما قال).

(14)

ليس لفظ (عن) في أ.

(15)

ط: (والحتم).

(16)

ط: (ليكثر).

ص: 172

وقال عمران بن حممين: تمتَّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينزل قرآنٌ يُحرِّمُه ولم يَنْهَ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات. أخرجاه في "الصحيحين"

(1)

.

وفي صحيح مسلم

(2)

: عن سعدٍ أنه أنكرَ على معاوية إنكارَه المُتْعَة وقال: قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافرٌ بالعُرُش، يعني معاوية أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرًا بمكة يومئذ.

قلت: وقد تقدّم أنّه عليه الصلاة والسلام حجَّ قارنًا بما ذكرناه من الأحاديث الواردة في ذلك، ولم

(3)

يكن بين حجّة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا

(4)

أحد وثمانون يومًا، وقد شهد تلك الحجة ما ينيف عن أربعين ألف صحابيّ قولًا منه وفعلًا، فلو كان قد نهى عن القِران في الحَجّ الذي شهده منه الناس لم ينفرد به واحدٌ من الصحابة، ويردّه عليه جماعةٌ منهم ممن سمعَ منه ومن

(5)

لم يسمع، فهذا كلُّه يدلّ على أنّ هذا هكذا ليس محفوظًا عن معاوية رضي الله عنه، والله أعلم.

وقال أبو داود

(6)

: حدّثنا أحمد بن صالح، حدّثنا ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم الخراساني، عن سعيد بن المسيّب؛ أنَّ رجلًا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى عُمر بن الخطّاب فشهدَ أنّه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قُبض فيه يَنْهَى عن العُمْرَة قبلَ الحجّ. وهذا الإسناد لا يخلو عن نَظَرٍ، ثم إن كانَ هذا الصحابيّ هو

(7)

معاوية، فقد تقدّم الكلامُ على ذلك، ولكن في هذا النهيُ عن المتعة لا القِران. وإن كان في

(8)

غيره فهو مشكل في الجملة لكن لا على القران، والله أعلم.

‌ذكر مستند من قال: إنه عليه الصلاة والسلام أطلق الإحرام ولم يعيّن حجًا ولا عمرةً أولًا، ثم بعد ذلك إلى مُعَيَّنٍ

وقد حُكِيَ عن الشافعي أنه الأفضلُ، إلا أنّه قول ضعيف.

(1)

رواه البخاري رقم (4518) ومسلم رقم (1226).

(2)

رواه مسلم (1225).

(3)

ط: (لم) بلا واو.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

رواه أبو داود (1793).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

ليس اللفظ في أ.

ص: 173

قال الشافعي

(1)

رحمه الله: أنبانا (سفيان أنبأنا)

(2)

ابن طاوس، وإبراهيم بن مَيْسرة سمعا

(3)

طاوسًا، يقول:

خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمِّي حجًا ولا عمرة ينتَظِرُ القَضاءَ، فنزل عليه القضاءُ، وهو بين الصَّفا والمروة، فأمر أصحابه منْ كان منهم أهل

(4)

بالحجِّ ولم يكن معه هَدْيٌ أن يجعلَها عُمْرةً. وقال: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سُقْتُ الهَدْيَ ولكن لبَّدْتُ رَأْسي وسُقْتُ هَدْيي، فليس لي مَحِلٌ إلا مَحِل هَدْيي، فقام إليه سُراقة بن مالك. فقال: يا رسول الله اقْضِ لنا قَضَاءَ قومٍ

(5)

كأنَّما ولدوا اليومَ أعُمْرَتُنا هذه لعامنا هذا، أم للأبد!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل للأبَدِ، دخلتِ العُمْرَةُ في الحجِّ إلى يوم القيامة" قال: فدخل عليٌّ من اليَمَنِ، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَ اْهْلَلْتَ؟ فقال أحدهما عن طاوس قلت: لبيك إهلال النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الآخر: لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا مرسل طاوس، وفيه غرابة. وقاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يَعتضدَ بغيره، اللهمّ إلا أن يكون عن كبار التابعين، كما عُوِّل عليه كلامُه في "الرسالة"، لأنَّ الغالب أنهم لا يُرسِلون إلا عن الصحابة، والله أعلم. وهذا المُرْسَل ليس من هذا القبيل، بل هو مخالفٌ للأحاديث المتقدّمة كلِّها: أحاديث الإفراد، وأحاديث التَّمتُّع، وأحاديث القِران، وهي مُسْنَدةٌ صحيحةٌ، كما تقدَّم، فهي مقدَّمةٌ عليه، ولأنها مُثْبتَةٌ أمرًا نفاه هذا المُرْسَل، والمُثبتُ مقدَّمٌ على النّافي لو - تكافأا - فكيفَ والمُسْنَدُ صحيحٌ. والمُرْسَلُ من حيث لا ينهض

(6)

حجة لانقطاع سنده، والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر

(7)

البيهقي

(8)

: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصم، حدّثنا العباس بن محمد الدُّوري، حدّثنا محاضر، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجًّا ولا عُمْرةً، فلما قَدِمْنا أمرنا اْن نَحِلّ، فلما كانتْ ليلةُ النَّفرِ حاضَتْ صَفيَّةُ بنت حُيَيّ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"حَلْقَى عَقْرى"

(9)

ما أراها إلا حابِسَتكُم. قال: هل كنتِ

(1)

رواه الشافعي في مسنده رقم (960 ترتيبه) وذكره الشافعي في الأم (2/ 127).

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

في الأصول: وإبراهيم بن ميسرة، وهشام بن حجير سمعوا، وما أثبتناه من مسند الشافعي رقم (960).

(4)

ط: (من أهل).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

أ: (لا تنهض).

(7)

رواه البيهقي (5/ 6)(8604).

(8)

أ: (وقال البيهقي).

(9)

هذا مثل عربي قديم أوردته في معجم الأمثال العربية (حلق، عقر) برواية (عقرًا حلقًا أو عَقْرى حَلْقى) ومصادره =

ص: 174

طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قالت: نعم! قال: فانْفِري. قالت: قلت: يا رسول الله إني لم أكن أهْلَلْتُ قال: "فاعْتَمِري من التَّنْعيم" قال: فخرج معها أخوها. قالت: فلقينا مُدَّلجًا. فقال: موعدك كذا وكذا. هكذا رواه البيهقي.

وقد رواهُ البخاريُّ

(1)

عن محمد - قيل هو ابن يحيى - الدُّهْلي عن مُحاضِر بن المُوَرِّع

(2)

به، إلا أنه قال: قالت

(3)

: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج وهذا أشبه بأحاديثها المتقدمة.

لكن روى مسلم

(4)

عن سُوَيْد بن سعيد، عن علي بن مُسْهِر، عن الأعْمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكرُ حجًّا ولا عُمْرة.

وقد أخرجه البخاري

(5)

ومسلم

(6)

من حديث منصور، عن إبراهيم، عن الأسود عنها

(7)

. قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج، وهذا أَصَحُّ

(8)

وأثبت، والله أعلم. وفي رواية لها

(9)

من هذا الوجه: خرجنا نُلَبِّي لا نذكرُ حَجًّا ولا عُمْرَةً، وهو محمول على أنَّهم لا يذكرون ذلك مع التلبية، وإن كانوا قد سَمَّوه حال الإحرام، كما في حديث أنس: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَبَّيْكَ اللهمَّ حجًّا وعُمْرةً

(10)

. وقال أنس: وسمعتُهم يصرخون بهما جميع

(11)

.

فأما الحديث الذي رواه مسلم

(12)

من حديث داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن جابر وأبي سعيد الخدري. قالا: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحجّ صراخًا، فإنّه حديثٌ مشكلٌ على هذا، والله أعلم.

= القديمة: مجمع الأمثال (2/ 38)، وجمهرة الأمثال العربية (2/ 32 و 58)، والمستقصى للزمخشري (2/ 164)، وأمثال القاسم بن سلام (78)، وشرحه فصل المقال (99)، واللسان:(عقر، حلق).

(1)

رواه البخاري (1772).

(2)

أ: (المودع) وهو تحريف. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 51).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

رواه مسلم (1211)(129).

(5)

رواه البخاري (1561).

(6)

رواه مسلم (1211)(128).

(7)

أ: (عن الأسود عنهما).

(8)

أ: (وهو أصح).

(9)

أ: (لهما) رواه مسلم (1211)(129).

(10)

رواه مسلم رقم (1232).

(11)

رواه البخاري رقم (2986).

(12)

رواه مسلم (1248).

ص: 175

‌ذكر تلبية سول الله صلى الله عليه وسلم

-

قال الشافعي

(1)

: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أنَّ تلبيةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ، لا شَريكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ. والمُلْك

(2)

لا شَريكَ لك" وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ

(3)

وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ لَبَّيْكَ، والرغباءُ إليك والعمل.

ورواه البخاري

(4)

، عن عبد الله بن يوسف، ومسلم

(5)

عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك به.

وقال مسلم

(6)

: حدّثنا محمد بن عَبّاد، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقْبَة، عن سالم بن عبد الله بن عمر ونافع

(7)

مولى عبد الله بن عمر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر:

أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استَوَتْ به راحِلَتُه قائمةً عندَ مسجدِ ذي الحُلَيْفة أهَلَّ؛ فقال: "لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريكَ لكَ لَبَّيْك، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والمُلْك، لا شريكَ لَك". قالوا: وكان عبد الله يقول هذه

(8)

تلبية رسول الله. قال نافع: وكان عبد الله يزيد مع هذا: لَبَّيْكَ لَبَّيكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك، والخَيْر بيدَيْك لبَّيْك، والرغباء إليك والعمل.

حدّثنا محمد بن المثنى، حدّثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله

(9)

، أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال: تلقَّفْتُ التلبيةَ من [في] رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر بمثل حديثهم.

حدّثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: قال سالم بن عبد الله بن عمر: أخبرني عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلّ مُلَبِّدًا

(10)

يقول: "لبيكَ اللّهم لبيكَ، لبيك لا شريكَ لكَ لبيك، إن الحمد والنعمة لكَ والمُلك لا شريك لك" لا يزيد على هؤلاء الكلمات، وإنَّ عبد الله بن عمر كان يقول:

(1)

انظر مسند الشافعي (1/ 122).

(2)

ط: (والملك لك).

(3)

ط: (لبيك لك) ولبيك الأولى زيادة من أ وحدها.

(4)

رواه البخاري (1546) دون زيادة ابن عمر.

(5)

رواه مسلم (1184)(19).

(6)

رواه مسلم (1184)(20).

(7)

ط: (عن سالم بن عبد الله عن عمر عن نافع) وما أثبته عن أ.

(8)

في الأصول: في.

(9)

في الأصول: (عبد الله).

(10)

ط: (ملبيًا).

ص: 176

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركَعُ بذي الحُلَيْفَة ركعتين، فإذا استوَتْ به الناقَةُ قائمةً عندَ مسجدِ ذي الحُلَيْفة أهلّ بهؤلاء الكلمات.

وقال عبد الله بن عمر: كان عمر بن الخطّاب يهلّ بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات وهو يقول: لبيك اللَّهُمَّ لَبَّيك، [لبيك] وسَعْدَيْك، والخَيْر في يَدَيْك، لَبّيكَ والرَّغباء إليك والعمل.

هذا لفظ مسلم، وفي حديث جابر

(1)

من التلبية كما في حديث ابن عمر وسيأتي مُطَوَّلًا قريبًا، رواه مسلم منفردًا به.

وقال البخاري

(2)

بعد إيراده من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر ما تقدَّم، حدّثنا محمد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي عطية، عن عائشة، قالت: إني لأعلمُ كيفَ كانَ النبيُّ يلبِّي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك" تابعه أبو معاوية، عن الأعمش. وقال شعبة: أخبرنا سليمان، سمعت خيثمة، عن أبي عطية، سمعت عائشة، تَفَرَّدَ به البخاري.

وقد رواه الإمام أحمد

(3)

، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن سليمان بن مِهْران الأعمش، عن عمارة بن عُمَيْر، عن أبي عطية الوادعي

(4)

، عن عائشة. فذكر مثل ما رواه البخاري سواء. ورواه

(5)

أحمد

(6)

عن أبي معاوية، وعبد الله بن نُمَيْر، عن الأعمش، كما ذكره البخاري سواء، ورواه أيضًا عن محمد بن جعفر وروح بن عبادة، عن شعبة، عن سليمان بن مهران الأعمش به

(7)

. كما ذكر

(8)

البخاري. وكذلك رواه أبو داود الطيالسي

(9)

في "مسنده" عن شعبة سواء.

وقال الإمام أحمد

(10)

: حدّثنا محمد بن فضيل، حدّثنا الأعمش، عن عمارة بن عُمَير، عن أبي عطية، قال: قالت عائشة: إني لأعلمُ كيفَ كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي. قال: ثم سمعتها تُلبِّي.

(1)

رواه مسلم (1218)(147).

(2)

رواه البخاري (1550).

(3)

رواه أحمد (6/ 181).

(4)

أ: (المرادي) وفي ط: (الوادي) وكلاهما تحريف وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (12/ 169 - 170).

(5)

ط: (رواه) بلا واو.

(6)

رواه أحمد (6/ 229) و (230).

(7)

رواه أحمد في المسند (6/ 243) كلاهما من طريق الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية به.

(8)

أ: (ذكر).

(9)

رواه الطيالسي في مسنده (1513) من طريق شعبة عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية.

(10)

رواه أحمد في المسند (6/ 32).

ص: 177

فقالت: لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريكَ لكَ لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك. فزاد في هذا السياق وحده: والملك لا شريك لك.

وقال البيهقي

(1)

: أخبرنا الحاكم، أنبأنا الأصم، حدّثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم

(2)

، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة: أن عبد الله بن الفضل حدَّثه، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هُريرة، أنه قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك إله الحق".

وقد رواه النسائي

(3)

، عن قتيبة، عن حُمَيْد بن عبد الرحمن، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة؛ وابن ماجه

(4)

عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن عبد العزيز به. قال النسائي

(5)

: ولا أعلم أحدًا أسنده عن عبد الله بن الفضل إلا عبد العزيز ورواه

(6)

إسماعيل بن أمية مُرْسلًا.

وقال الشافعي

(7)

: أنبأنا سعيد

(8)

بن سالم القَدّاح، عن ابن جُرَيْج، أخبرني حُميد الأعرج، عن مجاهد، أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظْهِر من التلبية: لبَّيْكَ اللهمَ لبيك، فذكر التلبية. قال: حتى إذا كان ذات يوم، والناسُ يُصْرفون عنه كأنه

(9)

أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبَّيْكَ إنّ العيشَ عيشُ الآخرة. قال ابن جُرَيْج: وحسبتْ أنّ ذلك يومَ عرفة. هذا مرسل من هذا الوجه.

وقد قال الحافظ أبو بكر

(10)

البيهقي

(11)

: أخبرنا عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد يوسُفُ بن محمد بن محمد بن يوسف، حدّثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدّثنا نصر بن علي الجَهْضَمي، حدّثنا مَحْبوب بن الحسن، حدّثنا داود، عن عِكْرمة، عن ابن عباسٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات، فلما قال: لبيكَ اللهمَّ لبيك. قال: إنما الخير خير الآخرة. وهذا إسناد غريب وإسناده على شرط السُّنن ولم يخرجوه.

(1)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 45)(8815).

(2)

ط: (عبد الحكيم) وانظر سير أعلام النبلاء (12/ 497 - 501) وفي هامشه مزيد من المصادر.

(3)

رواه النسائي في سننه (5/ 161)(2752)، وهو حديث صحيح.

(4)

رواه ابن ماجه في السنن (2920)، وهو حديث صحيح. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد 341/ 2 و 352 و 476.

(5)

انظر عند تخريج الحديث (5/ 161)(2752).

(6)

أ: (رواه) بلا واو.

(7)

رواه الشافعي في مسنده (1/ 122).

(8)

أ: (سعد) وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 319 - 320) وفي هامشه مزيد من التخريج.

(9)

ليس لفظ (كأنه) في.

(10)

ليس (أبو بكر) في أ.

(11)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 45)(8816).

ص: 178

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا روح، حدّثنا أسامة بن زيد، حدّثني عبد الله بن أبي لَبيد، عن المُطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَب، سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرني جبريل

(2)

برفع الصَّوت في الإهلال؛ فإنّه من شعائر

(3)

الحج". تَفَرَّدَ به أحمد.

وقد رواه البيهقي

(4)

، عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره.

وقد قال عبد الرزاق

(5)

: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي لَبيد، عن المُطَّلب بن حَنْطب، عن خَلّاد بن

(6)

السائب، عن زيد بن خالد، قال:

جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مُرْ أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شِعارُ الحَجّ.

وكذا رواه ابن ماجه

(7)

عن علي بن محمد، عن وكيع، عن الثوري به. وكذلك رواه شعبة وموسى بن عقبة، عن عبد الله بن أبي لَبيد به.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان

(9)

عن عبد الله بن أبي لَبيد، عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطب، عن خَلّاد بن السائب، عن زيد بن خالد الجُهَني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل

(10)

فقال: يا محمد مُرْ أصحابك فَلْيَرْفَعوا أصواتَهم بالتَّلْبية فإنها شِعارُ الحَجّ.

قال شيخنا أبو الحجاج المِزيّ

(11)

في كتابه "الأطراف"

(12)

: وقد رواه معاوية بن

(13)

هشام

(1)

رواه أحمد في المسند (2/ 325)، وهو حديث صحيح من حديث زيد بن خالد، كما سيومئ إليه المصنف.

(2)

ط: (جبرائيل).

(3)

أ: (من شعار).

(4)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 42)(8795).

(5)

وأخرجه البيهقي (5/ 42) من طريقه.

(6)

أ، ط:(عن) تحريف وانظر تهذيب الكمال (8/ 353).

(7)

رواه ابن ماجه في السنن (2923)، وهو حديث صحيح.

(8)

رواه أحمد في المسند (5/ 192)، وإسناده صحيح.

(9)

أ، ط:(سليمان) وهو تحريف وانظر تهذيب الكمال (11/ 154) وسير أعلام النبلاء (7/ 229).

(10)

ط: (جبرائيل).

(11)

ط: (المزني) تحريف.

(12)

تحفة الأشراف (3/ 184) عقيب حديث رقم (3750) بتحقيقنا (بشار).

(13)

ط: (عن) تحريف وانظر تهذيب الكمال (28/ 218).

ص: 179

وقَبيصة، عن سُفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي لَبيد، عن المطلب، عن

(1)

خلَّاد بن السائب، عن أبيه، عن زيد بن خالد به.

وقال أحمد

(2)

: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن خَلَّاد بن السائب بن خَلَّاد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل

(3)

فقال: مُرْ أصحابَكَ فيلرفعوا أصواتَهم بالإهلال".

وقال أحمد

(4)

: قرأتُ على عبد الرحمن بن مَهْدي، عن مالك

(5)

، وحدّثنا رَوْح، حدّثنا مالك - يعني ابن أنس - عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك

(6)

بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خَلّاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أتاني جبرائيل

(7)

فأمرني أن آمر أصحابي - أو منْ مَعي - أن يرفعوا أصواتَهم بالتَّلْبية أو بالإهلال" يريد أحدهما.

وكذلك رواه الشافعي

(8)

عن مالك، ورواه أبو داود

(9)

عن القعنبي عن مالك به.

ورواه الإمام أحمد

(10)

أيضًا من حديث ابن جُرَيْج والترمذي

(11)

والنسائي

(12)

وابن ماجة

(13)

من حديث سُفيان بن عُيينة عن عبد الله بن أبي بكر به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحافظ البيهقي

(14)

: ورواه ابن جُرَيْج. قال: كتب إليّ عبد الله بن أبي بكر

فذكره ولم يذكر أبا خلّاد في إسناده. قال: والصحيح رواية مالك وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك عن خلّاد بن السائب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك قال البخاري وغيره، كذا قال.

(1)

أ: (بن) تحريف.

(2)

رواه أحمد في المسند (4/ 56).

(3)

ط: (جبرائيل).

(4)

رواه أحمد في المسند (4/ 56).

(5)

أ: (عبد الرحمن بن مهدي ذلك وحدّثنا).

(6)

ط: (عبد الله) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (18/ 289).

(7)

أ: (بن) وهو تحريف. تقدم سند مثله.

(8)

رواه الشافعي في المسند (1/ 123) ترتيبه (794).

(9)

رواه أبو داود (1814)، وهو حديث صحيح.

(10)

رواه أحمد في المسند (4/ 56)، وهو حديث صحيح.

(11)

رواه الترمذي في السنن (829)، وهو حديث صحيح.

(12)

رواه النسائي في السنن (5/ 162)(2753)، وهو حديث صحيح.

(13)

رواه ابن ماجه في السنن (2922)، وهو حديث صحيح.

(14)

السنن الكبرى (5/ 42).

ص: 180

وقد قال الإمام

(1)

أحمد في "مسنده": حدّثنا السّائب بن خلّاد بن سُوَيْد أبي سهلة الأنصاري، حدّثنا محمد بن بكر، أنبأنا ابن جُرَيْج. وحدّثنا

(2)

روح، حدّثنا

(3)

ابن جريج، قال: كتب إليَّ عبد الله بن أبي بكر بن

(4)

محمد بن عَمْرو بن حَزْم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خَلّاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه السائب بن خَلّاد، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أتاني جبريل

(5)

فقال: إنَّ اللهَ يأمرُكَ أن تأمر أصحابَكَ أن يرفعوا أصواتَهُمْ بالتَّلْبية والإهلال". وقال رَوْحٌ: بالتلبية أو الإهلال. قال: لا أدري أيّنا؟ وهل: أنا أو عبد الله أو خَلّاد في الإهلال أو التلبية. هذا لفظ أحمد في "مسنده". وكذلك ذكره شيخنا في "أطرافه"

(6)

عن ابن جُرَيْج كرواية مالك وسُفيان بن عيينة، فالله أعلم.

‌فصل

في إيراد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حَجَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحدَه مَنْسكٌ مُسْتَقِلٌّ، رأينا أنّ إيرادَهُ هاهنا أنسبُ لِتَضمُّنهِ التلبية ومخيرها ممّا سلف وما

(7)

سيأتي، فنوردُ طرقَهُ وألفاظه، ثم نُتْبِعُهُ بشواهِدِهِ من الأحاديث الوارده في معناه، وبالله المستعان.

قال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا يحيى بن سعيد، حدّثنا جعفر بن محمد، حدّثني أبي، قال: أتينا جابر بنَ عبد الله، وهو في بني سَلِمة، فسألناه عن حَجَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثنا:

أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مكثَ في المدينة تِسْعَ سنين لم يَحُجّ، ثم أُذِّن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ في هذا العام. قال: فنزل المدينة بَشَرٌ كثير، كلُّهم يَلْتَمِسُ أن يأتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل ما يفعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر

(9)

بقينَ من ذي القعدة، وخرجنا معه، حتى إذا أتى ذا الحُلَيْفَة نَفِسَت أسماء بنت عُمَيْس بمحمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفَ أصنعُ؟ قال اغتسلي ثم اسْتَثْفِري

(10)

(1)

رواه أحمد في المسند (4/ 56)، وهو حديث صحيح.

(2)

ليست (حدّثنا) في أ.

(3)

ليست حدّثنا في ط.

(4)

ليس لفظ (بن) في ط. وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 314).

(5)

ط: (جبرائيل).

(6)

تحفة الأشراف (3/ 184) عقيب حديث (3750) بتحقيقنا (بشار).

(7)

أ: (مما سلف ومما) وفي ط: (كما سلف وما).

(8)

رواه أحمد في المسند (3/ 320).

(9)

ط: (لخمس).

(10)

ط: (استنفري) وفي المسند: (استذفري) وهما بمعنى. والاستثفار أن تشُدَّ المرأة فرجها بخرقة عريضة بعد أن =

ص: 181

بثوبٍ، ثم أهلِّي. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البَيْداء أهلّ بالتوحيد: لَبَّيكَ اللَّهُم لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبَّيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، ولَبَّى النَّاسُ، والناس يزيدون: ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعُ، فلم يَقُلْ لهم شيئًا، فنظرتُ مَدَّ بَصَري بينَ يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكبٍ وماشٍ، ومن خَلْفَه مثل ذلك

(1)

وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك، قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ينزل عليا

(2)

القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملناه، فخرجنا لا ننوي إلا الحجِّ، حتى إذا أتينا الكَعْبَةَ فاستلم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم الحجرَ الأسودَ، ثم رَمَلَ ثلاثةً، ومشى أربعةً حتى إذا فَرَغَ عَمَدَ إلى مقامِ إبراهيم فصلَّى خلفه ركعتين، ثم قرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. قال أحمد: وقال أبو عبد الله - يعني جعفرًا

(3)

-: فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون، ثم استلم الحَجَرَ، وخرج إلى الصَّفا، ثم قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. ثم قال: نبدأ بما بَدَأ اللهُ به، فَرَقِيَ على الصَّفا حتى إذا نَظَرَ إلى البيت كَبَّر، ثم قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدَّقَ عبده

(4)

، وهزَم - أو غَلَب - الأحزاب وحده. ثم دعا، ثم رجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رَمَل، حتى إذا صعِد مشى، حتى إذا أتى المَرْوَةَ فرقيَ عليها، حتى نَظَرْ

(5)

إلى البيت فقال عليها

(6)

كما قال على الصفا، فلما كان السابع عند المروة، قال:"يا أيُّها الناسُ إنّي لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لم أسُقِ الهَدْيَ، ولجعلتها عُمْرَةً، فمن لم يكن معه هَدْيٌ فليحلّ، وليجعلها عمرة". فحلّ الناس كلهم، فقال سُراقة بن مالك بن جُعْشُم

(7)

وهو في أسفل الوادي: يا رسول الله ألعامِنا هذا أم للأبد؟ فشبَّكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعَهُ فقال: للأبد، ثلاث مرات. ثم قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.

قال: وقَدِم عليٌّ من اليمن بهَدْي. وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من هدي

(8)

المدينة هَدْيًا، فإذا فاطمةُ

= تحتشى قطنًا، وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم (النهاية في غرب الحديث: ثفر، ذفر).

(1)

ط: (ومن خلفه كذلك).

(2)

ط: (عليه ينزل).

(3)

أ، ط:(جعفر) وما هنا للسياق.

(4)

في الأصول: وعده.

(5)

أ: (حتى إذا نظر).

(6)

ط: (عليهما).

(7)

ط: (جعثم) تحريف.

(8)

ليس اللفظ في أ.

ص: 182

قد حلَّت ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أمرني به أبي

(1)

. قال: قال عليٌّ بالكوفة:

قال جعفر: قال أبي

(2)

هذا الحرف لم يذكره

(3)

جابر، فذهبت مُحَرّشًا أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرتْ فاطمةُ. قلت: إن فاطمة لبسَتْ ثيابًا صَبيغًا، واكْتَحَلَتْ وقالتْ: أمرني [به]

(4)

أبي. قال: صدقت

(5)

، صدَقَتْ، صَدَقَتْ، أنا أمرتُها به.

وقال جابر: وقال لعلي بم أهللتَ؟ قال: قلت: اللهم إنّي أُهِلّ بما أَهَلّ به رسولُكَ. قال: ومعي الهَدْيُ. قال: فلا تَحِلّ. قال: وكان جماعةُ الهَدْي الذي أتى به عليّ من اليمن، والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثًا وستين، ثمَّ أعطى عليًّا فنحر ما غبر

(6)

، وأشركه في هَدْيه، ثم أمر من كل بَدَنَة ببضعةٍ فجعلت في قِدر فأكلا من لحمها وشربا من مَرْقها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نَحَرْتُ هاهنا، ومنىً كلها مَنْحرٌ. ووَقَفَ بعرفة فقال: وقفتُ هاهنا، وعَرَفةُ كلُّها موْقِفٌ، ووقف بالمزدلفة، وقال: وقفتُ هاهنا، والمُزْدَلِفَةُ كُلُّها مَوْقِف.

هكذا أورد الإمام أحمد هذا الحديث وقد اختصر آخره جدًّا.

ورواه الإمام مسلم

(7)

بن الحجاج في المناسك

(8)

من "صحيحه" عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله

فذكره.

وقد أعلمنا

(9)

على الزيادات المُتفاوتة من سياقِ أحمد ومسلم إلى قوله عليه الصلاة والسلام لعلي: صَدَقْتْ صَدَقْتْ، ماذا قلتَ حينَ فَرضتَ الحجّ. قال: قلت: اللهم إنّي أهلُّ بما أهَلَّ به رسولك

(10)

صلى الله عليه وسلم.

(1)

أ: (أمر بي به).

(2)

ط: (جعفر إلى هذا).

(3)

أ: لا يذكره.

(4)

زيادة عن المسند.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

غبر أي بقي (اللسان: غبر).

(7)

رواه مسلم (1218)(147).

(8)

أ: (ورواه مسلم في المناسك).

(9)

ليست علامات المصنف على هذه الزيادات في نسخنا.

(10)

أ: (رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ص: 183

قال

(1)

: فإنَّ معيَ الهَدْيَ. فلا تحلّ

(2)

. قال: فكان جماعة الهَدْي الذي قدم به عليٌّ من اليمن، والذي أتى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مئة. قال: فحلّ النّاسُ كُلُّهُمْ وقَصَّروا إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هديٌ، فلما كان يوم التَّروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بها الظُّهْرَ والعَصْرَ والمغربَ والعشاءَ والفَجْرَ، ثم مكثَ قليلًا حتى طلعتِ الشَّمس، وأمر بقُبَّة له من شعر. فضُربت له بنَمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تَشُكُّ قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المَشْعَر الحَرامِ، كما كَانَتْ قريشٌ تَصْنعُ في الجاهلية، فأجازَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتَى عرفةَ، فوجدَ القُبَّة قد ضُربَتْ له بنمِرَة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقَصْواء

(3)

فَرُحِلَتْ له، فأتى بطنَ الوادي، فخطب الناسَ، وقال: "إنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ حرامٌ عليكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذا في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألا كُلُّ شَيْءٍ من أمْرِ الجاهِليَّة تحتَ قَدَميَّ موضوعٌ، ودماءُ الجاهِلِية موضوعةٌ، وإنَّ أولَ دَمِ أضعُ من دِمائِنا دمُ ابنِ ربيعة بن الحارث، كان مُسْتَرضِعًا في بني سَعْدٍ، فقتلتهُ هُذَيْلٌ. وربا الجاهلية موضوع. وأوّلُ ربا أضَعُهُ من ربانا ربا

(4)

العباس بن عبد المطلب فإنّه موضوعٌ كُلُّه، واتَّقُوا الله في النساء، فإنَّكمْ أخذتُمُوهُنَّ بأمانة الله، واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجهُنَّ بكلمةِ الله، ولكُمْ عَلَيْهن

(5)

أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحدًا تَكْرهونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضربوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهن عليكُمْ رزقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف. وقد تَرَكْتُ فيكُمْ ما لم

(6)

تَضلّوا بَعْدَهُ إن اعتَصَمتُمْ

(7)

به: كتابَ الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قد بَلَّغْتَ ونَصَحْتَ وأذَيْتَ. فقا

(8)

بأصبعه السّبّابة يرفعُها إلى السماء ويَنْكُتُها

(9)

إلى الناس: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَد" ثلاث مرات.

ثم أذَن بلال

(10)

ثم أقام فصلَّى الظُّهْر، ثم أقام فصلَّى العصرَ، ولم يصلِّ بينهما شيئًا، ثم ركبَ

(1)

ط: (قال [علي] وليست علي في الأصول).

(2)

في الأصل: قال: فلا نحل.

(3)

القَصْواء: لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم (النهاية: قصا).

(4)

أ: (أضعه ربا العباس) بإسقاط الجار والمجرور (من ربانا).

(5)

ط: (عليهم) خطأ.

(6)

في صحيح مسلم: لن.

(7)

ط: (اعتصتم) تحريف.

(8)

العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان، فقال بيده أي أخذ، وقال برجله أي مشى، وقال بعينه أي أومأ. (النهاية: قول) قلت: فالعرب يوجّهون المعنى بحسب العضو القائل، فاليد للأخذ والرجل للمشي والعين للإيماء .. وهكذا، وعلى هذا المقياس قال بالسبابة هزّها عليه الصلاة والسلام.

(9)

ينكتها: يضرب بطرفها (النهاية: نكت).

(10)

ليس اللفظ في ط واستدركته عن أ.

ص: 184

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقفَ، فجعلَ بطن ناقته القَصْواء

(1)

إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلةَ فلم يزل واقفًا حتى غَرَبَتِ الشمسُ، وذهبت الصُّفْرةُ قليلًا، حتى غابَ القُرصُ، وأردف أسامةَ بن زيد خلفَه

(2)

، ودفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد شَنَقَ للقصواء

(3)

الزِّمام حتى إنَّ رأسَها ليصيبُ مورك رَحْله

(4)

ويقول

(5)

: بيده اليمنى: أيها الناس، السَّكينةَ السَّكينةَ. كُلّما أتى جَبَلًا من الجبال، أرخى لها قليلًا، حتى تصعد، حتّى أتى المزدلفة، فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأذانٍ وإقامتَيْن، ولم يسبِّحْ بينهما شيئًا. ثم اضْطَجَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتّى طلعَ الفَجْر، فصلَّى الفجرَ حتى

(6)

تَبيَّنَ له الصُّبْحُ بأذانٍ وإقامه

(7)

. ثم ركبَ القَصْواء حتى أتى المشعرَ الحَرام، فاستقبل القبلةَ، فدعا فحمدَ اللهَ وكبَّره وهَلَّله وَوَحَّدَه، فلم يزل واقفًا حتى أسفرَ جدًّا، ودفع قبل أن تطلعَ الشمس، وأردف

(8)

الفضلَ بن العباسِ، وكان رجلًا حسنَ الشعرِ أبيضَ وسيمًا، فلمّا دفعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّتْ ظُعُن يَجْرينَ، فطفق الفضل ينظرُ إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَه على وجه الفضل، (فحوَّل الفضلُ يَدَهُ

(9)

إلى الشقِّ الآخر، فحوَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه من الشقِّ الآخر على وجْهِ الفضل)

(10)

فصرفَ وَجْهَهُ من الشّقّ الآخر ينظرُ، حتّى إذا

(11)

أتى بطن مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قليلًا، ثم سلك الطريقَ الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يُكَبِّر مع كلِّ حصاةٍ منها حصى الخَذْف

(12)

رمى من بطن الوادي، ثم انصرفَ إلى المَنْحَر، فنحر ثلاثًا وستّين بيده، ثم أعطى عليًّا فننحر ما غَبَر، واشركه في هَدْيه، ثم أمر منْ كلّ بَدَنة بَبضعةٍ، فجُعلت في قِدرٍ، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلَّى بمكة الظُّهرَ، فأتى بني عبد المطلب، وهم يَسْتَقون

(13)

على

(1)

ط: (القصوى).

(2)

أ: (وأردف أسامة خلفه).

(3)

أ، ب:(القصواء) وما أثبته عن صحيح مسلم.

(4)

ط: (رجله) تحريف. والمَوْرِكُ: المِرْفقة التي تكون عند قادمة الرحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب. أراد أنه كان قد بالغ في جذب رأسها إليه، ليكُفَّها عن السَّيْر (النهاية: ورك).

(5)

انظر الحاشية رقم (8) في الصفحة السابقة.

(6)

في صحيح مسلم: حين.

(7)

ط: (وإقامتين).

(8)

ط: (وأردفه).

(9)

في صحيح مسلم: وجهه.

(10)

ليس ما بين القوسين في ط.

(11)

ليس لفظ (إذا) في أ.

(12)

حصى الخذف أي صغاره (النهاية: خذف).

(13)

أ: (المطلب يسقون).

ص: 185

زمزم، فقال:"انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناسُ على سقايتكم لنَزَعْتُ معكم". فناولوه دَلْوًا فشرب منه.

ثم رواه مسلم

(1)

عن عمر بن حفصٍ، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر

فذكره بنحوه. وذكر قصةَ أبي سَيَّارة

(2)

وأنّه كانَ يدفع بأهل الجاهلية على حمار عُرْي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرتُ هاهنا ومنىً كلُّها مَنْحر، فانْحَروا في رحالكم، ووقفتُ هاهنا وعرفةُ كلها موقفٌ، ووقفت هاهنا وجَمْعٌ كلها موقف.

وقد رواه أبو داود

(3)

بطوله عن النُّفَيْلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن، وربَّما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء، أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، بنحو

(4)

من رواية مسلم. وقد رمزنا لبعض زياداته عليه، ورواه أبو داود

(5)

أيضًا، والنسائي

(6)

عن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد القطّان، عن جعفر به. ورواه النسائي

(7)

أيضًا عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد ببعضه، وعن

(8)

إبراهيم بن هارون البلخي، عن حاتم بن إسماعيل ببعضه

(9)

.

‌ذِكْرُ الأماكِن الّتي صَلَّى فيها رسول الله

(10)

صلى الله عليه وسلم وهو ذاهِبٌ منَ المَدينةِ إلى مكَّة في عمرتِه

(11)

وحجّته

قال البخاري

(12)

رحمه الله

(13)

: (باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلَّى فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم):

(1)

رواه مسلم (1218)(148).

(2)

ط: (سنان).

(3)

رواه أبو داود (1905).

(4)

أ: (كنحوٍ).

(5)

رواه أبو داود (1909).

(6)

رواه النسائي (1/ 154)(2740).

(7)

رواه النسائي (1/ 154)(2743).

(8)

ط: (عن) بلا واو، وهو عند النسائي في "الكبرى" رقم (4167).

(9)

ينظر تفصيل تخريج هذا الحديث في كتابنا: المسند الجامع 4/ 27 - 45 حديث 2419 حيث تجد تفصيل طرقه (بشار).

(10)

ليس اللفظان في ط.

(11)

أ: (وعُمَره وحجته).

(12)

رواه البخاري (483).

(13)

جملة الترحم ليست في ط.

ص: 186

حدّثنا محمد بن أبي بكر المَقدّمي قال (1): ثنا فُضَيْل بن سُليمان، قال

(1)

: ثنا موسى بن عقبة، قال:

رأيت سالم بن عبد الله يَتَحَرَّى أماكنَ من الطريق، فيصلِّي فيها، ويحدِّثُ أن أباه كان يُصلّي فيها، وأنَّه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلّي في تلك الأمكنة.

وحدّثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يُصلِّي في تلك الأمكنة. وسألتُ سالمًا فلا أعلمه إلا وافقَ نافعًا في الأمكنة كلِّها، إلا أنَّهما اختلفا في مسجدٍ بشرف الرَّوْحاء

(2)

.

قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض، قال (1): ثنا موسى بن عقبة، عن نافع: أنَّ عبد الله أخبره: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزلُ بذي الحُلَيْفةِ حين يعتمر، وفي حجته حين حجَّ، تحتَ سَمُرَة

(3)

في موضع المسجد الذي بذي الحُلَيْفة. وكان إذا رجع من غزوٍ

(4)

كان في تلك الطريق أو حج

(5)

أو عمرة هبطَ من

(6)

بطنٍ واد، فإذا ظهرَ من بطن وادٍ أناخَ بالبطحاء التي على شَفير الوادي الشرقية، فعرَّس ثَمَّ حتى يصبح ليس عند المسجد الذي بحجارة، ولا على الأكمة التي عليها المسجد، كان ثَمَّ خليجٌ يُصلِّي عبد الله عنده في بطنه كُثُبٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يُصَلِّي، فدحا

(7)

السيلُ فيه بالبطحاء حتى دَفنَ ذلك المكانَ الذي كانَ عبدُ الله يصلِّي فيه.

وأنّ عبد الله بن عمر حَدَّثه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى حيث المسجدُ الصغيرُ الذي

(8)

دون المسجد الذي بشَرَفِ الرَّوْحاء، وقد كان عبدُ الله يُعْلِمُ المكانَ الذي كان صلَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثَمَّ عن يمينك حين تقوم في المسجد تُصلّي، وذلك المسجد على حافَة الطريق اليمنى، وأنت ذاهبٌ إلى مكة بينه وبين المسجد الأكبر رميةٌ بحجر أو نحو ذلك.

وأن ابنَ عمر كان يُصلِّي إلى العِرْق الذي عند مُنْصَرف الرَّوْحاءِ، وذلك العِرْقُ انتهاءُ طَرَفه

(9)

على حافَةِ الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المُنْصَرَف وأنت ذاهبٌ إلى مكة، وقد ابتُنِيَ ثَمَّ مسجدٌ، فلم

(1)

ليست (قال) في أ.

(2)

رواه البخاري (1/ 183)(470).

(3)

أ: (العمرة). والسَّمُرَة هي الشجرة (كما في النهاية: سمر).

(4)

أ: (غزوة).

(5)

ط: (أو في حج أو عمرة).

(6)

ط: (أو في حج).

(7)

قال ابن الأثير: (ومنه حديث ابن عمر: "فدحا السيلُ فيه بالبطحاء" أي رمى وألقى. (النهاية: دحا).

(8)

ليس لفظ (الذي) في أ.

(9)

أ: (طرقه).

ص: 187

يكُنْ عبدُ الله يُصلّي في ذلك

(1)

المسجد كان

(2)

يتركه عن يساره ووراءه، ويصلّي أمامه إلى العِرْق نفسه، وكان عبد الله يَرُوحُ من الرَّوْحاء فلا

(3)

يُصلي الظهرَ حتى يأتيَ ذلك المكان فيُصَلّي فيه الظهرَ، وإذا أقبل من مكة فإن مرّ به قبلَ الصُّبْحِ بساعةٍ أو من آخر السَّحَرِ عَرَّسَ حتى يُصلّي بها الصُّبْحَ.

وأن عبد الله حدَّثه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَنْزِلُ تحت سَرْحَةٍ ضخْمةٍ دون الرُّوَيْثة

(4)

عن يمين الطريق ووُجاه الطَّريق في مكان بطح سَهْلٍ حتى يُفْضي من أكَمَةٍ دُوَيْنَ بَريد

(5)

الرُّوَيْثَةِ بميلَيْن وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها، وهي قائمةٌ على ساقٍ وفي ساقها كُثُبٌ كثيرة.

وأن عبد الله بن عمر حَدَّثه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في طَرَفِ تَلْعَةٍ من وراء العَرْجِ وأنت ذاهبٌ إلى هضبةٍ، عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة، على القبور رَضْم

(6)

من حجارة عن يمين الطريق عند سَلِمات

(7)

الطريق بين أولئك السَّلِمات كان عبد الله يَروحُ من العَرْج بعد أن تَميلَ الشَمْسُ بالهاجرة، فيُصَلِّي الظُّهْرَ في ذلك المسجد.

وأنَّ عبد الله بن عمر حدَّثَه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلَ عندَ سَرَحاتٍ عن يسار الطَّريق في مسيلٍ دون هَرْشى

(8)

ذلك المَسيلُ لاصقٌ بكراعِ هَرْشى بَيْنه وبينَ الطّريق قريب من غَلْوَةٍ

(9)

، وكان عبد الله يُصَلِّي إلى سرحةٍ

(10)

هي أقربُ السَّرَحات إلى الطريق وهي أطولُهُنَّ.

وأنَّ عبد الله بن عمر حَدَّثَه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ ينزل في المَسيل الذي في أدنى مرِّ الظَّهْرانِ

(11)

قِبَلَ المدينة حين يهبط من الصَّفْراوات

(12)

ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهبٌ إلى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا رميةٌ بحجرٍ.

(1)

ليس اللفظ في ط لأنها مستدركة في هامش الأصل أ.

(2)

أ: (وكان).

(3)

أ: (ولا).

(4)

"رويثة": قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخًا (فتح الباري 1/ 570).

(5)

أ: (يريد).

(6)

"رَضْم ورِضام واحدتهما": رَضْمةٌ وهي صخور بعضها على بعض (النهاية: رضم).

(7)

"سلمات": جمع سَلِمة وهي الحجر: (النهاية: سلم).

(8)

ط: (هرشي) تحريف. وهَرْشى: موضع بين مكة والمدينة. وكراعها: ما استطال من حَرَّتها (النهاية: كرع - هرش) وانظر معجم البلدان: كراع - وهرشى.

(9)

"الغَلْوة": قدرُ رَمْيَةٍ بسهم (النهاية: غلا).

(10)

"السَّرْحة": الشجرة العظيمة (النهاية: سرح).

(11)

"مرّ الظَّهران": بفتح الميم وتشديد الراء: موضع على مرحلة من مكة. وقال ياقوت عن عرام: مرّ: القرية، والظهران هو الوادي (معجم البلدان والنهاية: مر الظهران).

(12)

"الصَّفْراوات": موضع بين مكة والمدينة، قريب من مرّ الظهران (معجم البلدان).

ص: 188

وأنّ عبد الله بن عمر حَدَّثَه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طُوى

(1)

، ويبيتُ حتّى يُصبحَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حين يَقْدَمُ مكةَ، ومُصَلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكَمَةٍ غَليظةٍ ليس في المسجد الذي بُني ثمَّ، ولكن أسفلَ من ذلك على أكَمَةٍ غَليظة.

وأن عبد الله حَدَّثَه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فُرْضَتي الجَبَلِ الذي بينه وبين الجبل الطويل نحوَ الكعبة، فجعل المسجدَ الذي بُني ثَمَّ يسارَ المسجد بطرفِ الأَكَمَة، ومُصَلَّى

(2)

النبي صلى الله عليه وسلم أسفلَ منه على الأكمة السَّوداء، تدعُ من الأكمة عشرةَ أذرعٍ أو نحوها، ثُمّ تُصلّي مُستقبلَ الفُرْضَتَيْنِ من الجبل الذي بينَكَ وبينَ الكَعبة.

تفرَّدَ البخاريُّ رحمه الله بهذا الحديث بطولِه وسياقِهِ، إلَّا أن مسلمًا

(3)

روى منه عند قوله في آخره: وأنّ عبد الله بن عمر حدَّثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طُوًى إلى آخر الحديث، عن محمد بن إسحاق المُسَيَّبي، عن أنس بن عِياضٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر

فذكره.

وقد رواه الإمام أحمد

(4)

بطوله عن أبي قُرَّة موسى بن طارِقٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ به نحوه.

وهذه الأماكن لا يُعْرَفُ اليوم كثيرٌ منها أو أكثرها لأنّه قد غيّر أسماء أكثر هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الأعراب الذين هناك، فإن الجَهْلَ قد غلب على أكثرهم. وإنما أوردَها البُخاريّ رحمه الله في كتابه لعل أحدًا يهتدي إليها بالتأمُّلِ والتّفرُّسِ والتَّوَسُّمِ، أو لعلّ أكثرها أو كثيرًا منها كان معلومًا في زمان البخاري. والله تعالى أعلم.

‌باب دُخول النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرَّفَها اللهُ عز وجل وعَظَّمَها

(5)

قال البخاري

(6)

: حدّثنا مُسَدَّد، حدّثنا يحيى عن عُبَيْد

(7)

الله، حدّثني نافع، عن ابن عمر، قال:

(1)

طُوى بضم الطاء وفتح الواو المخففة: موضع عند باب مكة يستحبُّ لمن دخل مكة أن يغتسل به (النهاية: طوي).

(2)

أ: (ومصى) وهو تحريف.

(3)

رواه مسلم 1259) (228) و (1260)(229).

(4)

رواه أحمد (2/ 87) متفرقًا.

(5)

اللفظ زيادة عن أ.

(6)

رواه البخاري (1574).

(7)

ط: (يحيى بن عبد الله) وفيها تحريفان.

ص: 189

بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طُوىً حتَّى أصبح، ثم دخلَ مكةَ، وكان ابنُ عمر يفعلُه. ورواه مسلم

(1)

من حديث يحيى بن سعيد القَطّان به. وزاد: حتّى صلَّى الصبح، أو قال: حتى أصبح.

وقال مسلم

(2)

: حدّثنا أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حَمّاد، عن أيوب، عن نافع، أنَّ

(3)

ابن عمر كان لا يَقْدَمُ مكةَ إلا باتَ بذي طوىً حتى يُصْبحَ ويغتسل، ثم يدخُلُ مكةَ نهارًا، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. ورواه البخاري

(4)

من حديث حمّاد بن زيد، عن أيوب به.

ولهما

(5)

من طريق أخرى عن أيوب، عن نافع، أنَّ (3) ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التَّلْبية، ثم يبيتُ بذي طُوى

وذكره. وتقدَّمَ آنفًا ما أخرجاه من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيتُ بذي طُوىً حتى يصبح، فيصلّي الصبح حين يَقْدمُ مكةَ، ومُصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكَمَةٍ غليظةٍ، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلَ فُرْضَتي الجبل الذي بينه وبينَ الجبل الطويل نحوَ الكعبة، فجعل المسجدَ الذي بنُي ثَمَّ يسارَ المسجد بطَرفِ الأكَمَة ومُصَلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكَمَة السوداء يدع من الأكمة عشرةَ أذرعٍ أو نحوَها، ثم يصلي مستقبلَ الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة. أخرجاه في "الصحيحين".

وحاصلُ هذا كلِّه أنّه عليه الصلاة

(6)

والسلام لما انتهى في مَسيره إلى ذي طُوًى، وهو قريب من مكة متاخمٌ للحرم، أمسك عن التلبية، لأنه قد وصل إلى المقصود، وبات بذلك المكان حتى أصبح، فصلَّى هُنالك الصُّبْحَ في المكان الذي وَصَفوه بين فُرْضَتَي الجَبل الطَّويل هنالك.

ومن تأَمَّلَ هذه الأماكنَ المُشارَ إليها بعينِ البَصيرة عرفَها معرفةً جيدةً، وتعيَّن له المكانُ الذي صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه، لأجل دخول مكة ثم ركب ودخلَها نهارًا جهرةً علانيةً من الثنيّة العُليا التي بالبَطْحاء

(7)

- ويقال كَداءُ

(8)

- ليراهُ الناسُ ويشرف عليهم، وكذلك دخلَ منها يوم الفَتْحِ، كما ذكرناه.

(1)

رواه مسلم (1259)(226).

(2)

رواه مسلم (1259)(227).

(3)

ط: (عن ابن عمر).

(4)

رواه البخاري تعليقًا (1769).

(5)

رواه البخاري (1573) ومسلم فيما ذكره المزي في التحفة.

(6)

اللفظ زيادة عن أ وحدها.

(7)

بطحاء مكة هي ما حاز السيل من الردم إلى الحَنَّاطين يمينًا مع البيت وليس الصفا من البطحاء (معجم ما استعجم 1/ 257).

(8)

ط: (كذا) تحريف. وكَداء - بالفتح والمد -: الثَّنيّة العليا بمكة مما يلي المقابر وهو المَعلا (النهاية: كذا).

ص: 190

قال مالك: عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ مكةَ من الثَّنِيَّة العُلْيا، وخرج من الثّنِيّةِ السُّفْلى. أخرجاه في "الصحيحين"

(1)

من حديثه.

ولهما

(2)

من طريق

(3)

عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ مكةَ من الثنيَّة العُليا التي في البَطْحاء، وخرج من الثنيَّة السُّفْلى. ولهما

(4)

أيضًا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مثل ذلك.

ولمّا وقعَ بصرُه عليه الصلاة والسلام على البيت، قال: ما رواه الشافعيُّ

(5)

في "مسنده": أخبرنا سعيدُ بن سالم، عن ابن جريج أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيتَ رفع يديه وقال: اللهمَّ زِدْ هذا البيتَ تَشْريفًا وتَعْظيمًا وتَكْريمًا ومهابةً، وزدْ من شرفه وكرمه ممَّنْ (6) حجَّه واعتمره

(6)

تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا. قال الحافظ البيهقي

(7)

: هذا منقطعٌ، وله شاهدٌ مرسلٌ، عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبَّر وقال: اللهمَّ أنتَ السلامُ ومنكَ السلامُ، فحيّنا ربَّنا بالسلام، اللهمّ زِدْ هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً وبرًا، وزِدْ مَن حجَّه أو اعتمرَه تكريمًا وتشريفًا وتعظيمًا وبرًا.

وقال الشافعي

(8)

: أنبأنا سعيد بن سالم، عن ابن جُرَيْج، قال: حُدِّثْتُ عن مِقْسمٍ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: تُرْفع الأيْدي في الصَّلاة وإذا رأى البيتَ، وعلى الصفا والمَرْوة، وعشية عرفة، وبِجمْعٍ

(9)

، وعند الجمرتين، وعلى المَيِّت.

قال الحافظ البيهقي

(10)

: وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، مرةً موقوفًا عليهما، ومرة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دونَ ذكر الميّت. قال: وابن أبي ليلى هذا غير قوي. ثم إنه عليه السلام دخل المسجدَ من باب بني شيبة. قال الحافظ

(1)

رواه البخاري (1575) ورواه مسلم (1257) من طريق عبيد الله عن نافع: فقط كما في الذي بعده، والذي اشترك مع البخاري برواية الحديث من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر هو أبو داود (1866).

(2)

رواه البخاري (1576) ورواه مسلم (1257).

(3)

أ: (من حديث).

(4)

رواه البخاري (1577) ورواه مسلم (1258)(224).

(5)

رواه الشافعي في المسند (1/ 125).

(6)

ط: (فمن حجه واعتمره).

(7)

رواه البيهقي في السنن (5/ 73)(8995).

(8)

رواه الشافعي في المسند (1/ 125).

(9)

ط: (ويجمع).

(10)

رواه البيهقي في السنن (5/ 72)(8992).

ص: 191

البيهقي

(1)

روينا عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: يدخل المُحْرِم من حيث شاء. قال: ودخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا. ثم قال البيهقي: وهذا مرسلٌ جيدٌ. وقد استدل البيهقي على استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة بما رواه

(2)

من طريق أبي داود الطيالسي، حدّثنا حماد بن سَلَمَة، وقيس وسَلَّام

(3)

، كلّهم عن سماك بن حرب، عن خالد بن عَرْعَرَة، عن عليّ رضي الله عنه، قال: لما أن هُدِم

(4)

البيت بعد جُرْهم بَنَتْهُ قريشٌ، فلمّا أرادوا وضعَ الحجر تشاجروا منْ يضعُه، فاتّفقوا أن يضعَهُ أولُ منْ يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كلَّ فَخِذٍ أن يأخذوا بطائفةٍ من الثوب، فرفعوه، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه.

وقد ذكرنا هذا مبسوطًا في باب بناء الكعبة قبل البعثة، وفي الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر. والله أعلم.

‌صِفَةُ طَوافِهِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه

قال البخاري

(5)

: حدّثنا أصْبَغُ بن الفَرَج، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث

(6)

، عن محمد بن عبد الرحمن، قال: ذكرتُ لعروة، قال: أخبرَتْني عائشة: أنَّ أولَ شيءٍ بدأ به حينَ قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه توضّأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة، ثم حجَّ أبو بكر وعمرُ مثلَه. ثم حججتُ مع أبي الزبير، فأول شيء بدأ به الطواف، ثم رأيتُ المهاجرين والأنصار يفعلونه. وقد أخبرتني أمي أنها أهلَّت هي وأختُها والزبيرُ وفلانٌ وفلانٌ بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا. هذا لفظه. وقد رواه في موضعٍ آخر، عن أحمد بن عيسى

(7)

ومسلم

(8)

عن هارون بن سعيد، ثلاثتهم عن ابن وهب به.

وقولها "ثم لم تكن عمرة" يدلّ على أنه عليه الصلاة والسلام لم يَتَحَلَّل بين النُّسْكين، ثم كان أولَ

(1)

رواه البيهقي في السنن (5/ 72)(8991).

(2)

رواه البيهقي في السنن (5/ 72)(9990).

(3)

ط، أ:(وقيس بن سلام) وما أثبته عن سنن البيهقي. وهما راويان:

- الأول قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي، انظر سير أعلام النبلاء (8/ 41).

- والثاني سلام بن سَليم أبو الأحوص الحنفي انظر سير أعلام النبلاء (8/ 281).

(4)

ط: (انهدم).

(5)

رواه البخاري (1614).

(6)

في الأصول: عمرو بن محمد، وهو خطأ.

(7)

رواه البخاري (1641).

(8)

رواه مسلم في الصحيح (1235).

ص: 192

ما ابتدأ به عليه الصلاة والسلام استلام الحجر الأسود قبل الطواف، كما قال جابر: حتى إذا أتينا البيتَ معه، استلم الرُّكن، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا.

وقال البخاري

(1)

: حدّثنا محمد بن كثير، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر: أنَّه جاءَ إلى الحَجَر فقبَّلَه، وقال: إنّي لأعلمُ أنَّك حجرٌ لا تَضرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أنّي رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ.

ورواه مسلم

(2)

، عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وابن نُمَيْر

(3)

جميعًا، عن أبي معاوية، عن الأعْمَش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، قال: رأيتُ عمر يُقَبِّلُ الحجرَ، ويقول: إنّي لأعلمُ أنّك حَجَرٌ لا تَضرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبّلكَ ما قبَّلْتُكَ.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدثنا محمد بن عبيد وأبو معاوية، قالا: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر أتى الحجر فقال: أما والله [إني] لأعْلَمُ أنَّكَ حجرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفعُ، ولولا أنّي رأيت رسولَ الله قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ، ثم دنا فقبَّله. فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال، ثم قبَّله بعد ذلك، بخلاف سياق صاحبي الصحيح، فالله أعلم.

وقال أحمد

(5)

: حدثنا وكيع ويحيى، واللفظ لوكيع، عن هشام عن أبيه أن عمر بن الخطاب أتى

(6)

الحجر فقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبِّلك ما قبَّلتك. وقال: ثُمَّ قَبَّلَه، وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر.

وقال البخاري

(7)

(8)

أيضًا: حدثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني زيد بن أسْلَم، عن أبيه، أنَّ عمرَ بن الخطاب قال للرُّكْنِ: أما واللهِ إنّي لأعلمُ أنَّكَ حجرٌ لا تضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استَلَمَكَ ما اسْتَلَمْتُكَ، فاسْتَلَمَهُ. ثم قال: وما لنا وللرَّمَل

(9)

إنما كنَّا راءينا

(10)

به

(1)

رواه البخاري (1597).

(2)

رواه مسلم (1270)(251).

(3)

ط: (وابن أبي نمير). وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 455).

(4)

رواه أحمد في المسند (1/ 26) و (46) وإسناده صحيح.

(5)

رواه أحمد في المسند (1/ 53) و (54).

(6)

أ: (أن عمر أتى).

(7)

رواه البخاري (1605).

(8)

ليس لفظ (البخاري) في أ.

(9)

في ط: والرمل.

(10)

ط: (رأينا) وهو تحريف. قال ابن الأثير: (ومنه حديث رمل الطواف: "إنّا كُنّا راءينا به المشركين"، هو فاعلنا، من الرُّؤية: أي أرينا هم بذلك أنّا أقوياء).

ص: 193

المشركين ولقد أهلكهم الله، ثم قال: شيءٌ صَنَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحبُّ أن نتركه. وهذا يدل على أنّ الاستلامَ تأخَّر عن القولِ.

وقال

(1)

البخاري

(2)

: ثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، ثنا وَرْقَاء، ثنا

(3)

زيد بن أسْلَم عن أبيه، قال: رأيت عمر بن الخطاب قَبَّل الحجر، وقال: لولا أنّي رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبّلك ما قَبَّلتك.

وقال مسلم

(4)

بن الحجاج، ثنا حرملة، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس - هو ابن يزيد الأيلي - وعمرو - هو

(5)

ابن دينار -.

ح

(6)

وحدّثنا هارون بن سعيد الأيلي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن ابن شهاب، عن سالم: أنَّ أباه حدّثه أنه قال: قَبَّلَ عمرُ بن الخطاب الحجرَ، ثم قال: أما والله لقد علمتُ أنّك حجرٌ، ولولا أنّي رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلكَ ما قَبَّلْتُكَ. زاد هارون في روايته: قال عمرو: وحدّثني بمثلها زيد بن أسْلَم، عن أبيه أسْلَم - يعني - عن عمر به.

وهذا صريح في أنّ التقبيلَ تقدم

(7)

على القول، فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد

(8)

: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنّ عمر قَبَّلَ الحجرَ، ثم قال: قد علمتُ أنَّكَ حجرٌ ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَك ما قَبَّلْتُك. هكذا رواه الإمام أحمد.

وقد أخرجه مسلم

(9)

في "صحيحه" عن محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، عن حماد بن زيد، عن أيّوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ عمر قَبّلَ الحجرَ، وقال: إنّي لأقَبِّلُكَ، وإني لأعلمُ أنّكَ حجرٌ، ولكنّي رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك.

ثم قال

(10)

مسلم

(11)

: ثنا خَلَف بن هشام والمُقَدَّمي وأبو كامل وقتيبة، كلُّهم عن حماد، قال

(1)

جاء هنا الخبر قبل سابقه في أ.

(2)

رواه البخاري في الصحيح (1610).

(3)

ط: (حدّثنا ورقاء زيد) وفيها نقص.

(4)

رواه مسلم (1270)(248).

(5)

ليس اللفظ في أ.

(6)

ليست حاء التحويل في ط.

(7)

ط: (يقدم).

(8)

رواه أحمد في المسند (1/ 34).

(9)

رواه مسلم (1270)(249).

(10)

أ: (وقال).

(11)

رواه مسلم رقم (1270)(250).

ص: 194

خَلَف: حدّثنا حمادُ بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سَرْجِس

(1)

، قال: رأيت الأصْلَعَ - يعني عمر - يُقَبِّلُ الحجرَ، ويقول: والله إنّي لأقبِّلُكَ، وإنّي لأعلمُ أنَّكَ حجرٌ، وأنّك لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قَبَّلْتُكَ. وفي رواية المُقَدَّمي وأبي كامل: رأيتُ الأُصَيْلعَ

(2)

وهذا من أفراد مسلم دون البخاري.

وقد رواه الإمام أحمد

(3)

عن أبي معاوية، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سَرْجِس به.

ورواه أحمد

(4)

أيضًا: عن غُنْدَر

(5)

عن شعبة، عن عاصم الأحول به.

وقال الإمام أحمد

(6)

: ثنا عبد الرحمن بن مَهْدي، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غَفْلَة، قال: رأيتُ عمر يُقَبِّلُ الحجرَ، ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ ولكنّي رأيتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حَفيًّا

(7)

. ثُمَّ رواه أحمد

(8)

، عن وكيع، عن سفيان الثوري به، وزاد: فقبَّله والْتَزَمه.

وهكذا رواه مسلم

(9)

من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا زيادة. ومن حديث وكيع

(10)

بهذه الزيادة: قبَّل الحجر والتزمه، وقال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا (7).

وقال الإمام أحمد

(11)

: ثنا عَفَّان، ثنا وهيب، ثنا

(12)

عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنَّ عمر بن الخطاب أكَبَّ على الركن

(13)

، وقال: إنّي لأعلمُ أنَّكَ حَجَرٌ ولو لم أرَ حَبيبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ واسْتَلَمَكَ ما ولا قَبَّلْتُكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

(1)

عبد الله بن سَرْجس - بفتح المهملة، وسكون الراء، وكسر الجيم بعدها مهملة - المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة (تقريب التهذيب 305).

(2)

أ، ط:(الأصلع) وما أثبته عن الصحيح.

(3)

رواه أحمد في المسند (1/ 34).

(4)

رواه أحمد في المسند (1/ 50).

(5)

"غنْدَر": محمد بن جعفر الهذلي البصري مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين (تقريب التهذيب 472).

(6)

رواه أحمد في المسند (1/ 39).

(7)

ط: (خفيا) تحريف.

(8)

رواه أحمد في المسند (1/ 54).

(9)

مسلم (1271).

(10)

مسلم (1271)(252).

(11)

مسند الإمام أحمد (1/ 21).

(12)

ليس (حدّثنا) في ط.

(13)

أ: (على الحجر).

ص: 195

وهذا إسناد جيِّدٌ قوي، ولم يخرّجوه.

وقال أبو داود الطيّالسي

(1)

: ثنا جعفر بن عثمان القرشي، من أهل مكة، قال: رأيتُ محمد بن عبّاد بن جعفر قَبَّلَ الحَجَر وسَجَدَ عليه. ثم قال: رأيتُ خالَكَ ابنَ عبّاس قبَّله وسجد عليه. وقال ابن عباس رأيت عمر بن الخطاب قبَّله وسجد عليه، ثم قال عمر: لَوْ لمْ أر النبي صلى الله عليه وسلم قبَّله ما قَبَّلْتُهُ.

وهذا أيضًا إسنادٌ حسنٌ، ولم يخرّجه إلا النَّسائي

(2)

، عن عمرو بن عثمان، عن الوليد

(3)

بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر، فذكر نحوه. وقد روى هذا الحديث عن عمر الإمام أحمد

(4)

أيضًا من حديث يعلى بن أمية عنه. وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"

(5)

، من طريق هشام بن حُبَيْش بن الأشْعَر

(6)

عن عمر.

وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولله الحمد والمنة.

وبالجملة، فهذا الحديث مرويٌّ من طرق متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي تفيد القطع

(7)

عند كثير من أئمة هذا الشأن، وليس في هذه الروايات أنه عليه الصلاة والسلام سجدَ على الحجر إلا ما أشعر به رواية أبي داود الطيالسي، عن جعفر بن [عبد الله بن] عثمان، وليست صريحة في الرفع.

ولكن رواه الحافظ

(8)

البيهقي

(9)

من طريق أبي عاصم النبيل، ثنا جعفر بن عبد الله، قال: رأيت محمد بن عَبّاد بن جعفر قبَّل الحجرَ وسجدَ عليه، ثم قال: رأيت خالَكَ ابنَ عَبّاسٍ قبَّله وسجد عليه. وقال ابن عباس: رأيتُ عمرَ قبّله وسجدَ عليه، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَ هكذا ففعلت.

(1)

مسند الطيالسي (29).

(2)

سنن النسائي (2938).

(3)

أ: (الزبير).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 37، 45).

(5)

مسند أبي يعلى (221).

(6)

أ: (هشام بن حبيش بن الأشعث). وفي ط: (هشام بن حشيش بن الأشقر) وما أثبته عن المسند وانظر الجرح والتعديل (9/ 53).

(7)

أ: (وهي مفيدة للقطع).

(8)

أ: (الحافظ والبيهقي).

(9)

السنن الكبرى (5/ 74).

ص: 196

وقال الحافظ

(1)

البيهقي

(2)

: أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عَبْدان، أنبأنا الطبراني، أنبأنا أبو الزِّنْباع، ثنا يحيى بن سليمان الجُعْفي، ثنا يحيى بن يَمان، ثنا سفيان، عن ابن أبي حسين

(3)

، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يسجد

(4)

على الحجر. قال الطبراني: لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان.

وقال البخاري

(5)

: ثنا مُسَدَّد، ثنا حمّاد، عن الزُّبَيْر بن عربي، قال: سأل رجلٌ ابنَ عمر عن استلامِ الحجر قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُه ويقبّلُه. قال: أرأيتَ إن زُحِمْتُ، أرأيتَ إنْ غُلبْتُ؟ قال اجعلْ أرأيتَ باليمن. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستَلِمُه ويُقَبِّلُه. تفرَّد به دون مسلم.

وقال

(6)

البخاري

(7)

: ثنا مُسَدَّد، ثنا يحيى، عن عُبَيْد الله عن

(8)

نافع عن ابن عمر، قال: ما تركتُ استلامَ هذين الرُّكْنَيْن في شدةٍ ولا رخاءٍ منذُ رأيتُ رسولَ الله يَسْتَلِمُهُما. فقلت

(9)

لنافع: أكانَ ابنُ عمرَ يَمْشي بين الرُّكْنين؟ قال: إنَّما كانَ يَمْشي ليكونَ أيْسَرَ لاستلامه.

وروى أبو داود

(10)

والنسائي

(11)

من حديث يحيى بن سعيد القطان عن عبد العزيز بن أبي رَوّاد، عن نافعٍ، عن ابن عمر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم "كانَ لا يَدَعُ أن يستلمَ الرُّكْنَ اليَماني والحَجَر في كل طَوْفَةٍ".

وقال البخاري

(12)

: ثنا أبو الوليد، ثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: لم أر النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستلمُ من البيت إلا الرُّكْنَيْن اليَمانيين. ورواه مسلم

(13)

عن يحيى بن يحيى، وقتيبة، عن الليث بن سعد به. وفي رواية

(14)

عنه: أنه قال: ما أرى

(15)

النبيَّ صلى الله عليه وسلم تركَ استلامَ الرُّكْنَيْن الشّاميين إلا أنهما لم يُتَمَّما على قواعد إبراهيم.

(1)

ليس اللفظ في أ.

(2)

السنن الكبرى (5/ 75).

(3)

ط: (سفيان بن أبي حسين).

(4)

ط: (سجد).

(5)

البخاري (1611).

(6)

أ: (وقال أيضًا).

(7)

البخاري (1606).

(8)

أ: (عبيد الله بن نافع) وهو تحريف.

(9)

أ: (قلت).

(10)

سنن أبي داود (1876)، وهو حديث حسن.

(11)

سنن النسائي (2947)، وهو حديث حسن.

(12)

البخاري (1608).

(13)

مسلم (1267)(242).

(14)

البخاري (1583)، ومسلم (1333)(399).

(15)

أ: (ما رأى).

ص: 197

وقال

(1)

البخاري

(2)

: وقال محمد بن بكر

(3)

: أنبأنا ابن جُرَيْج، أخبرني عمرو بن دينارٍ، عن أبي الشَّعْثاء، أنه قال: ومنْ يَتَّقي شَيْئًا من البيت؟. وكان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس: إنَّه لا يُسْتَلمُ هذان الركنان

(4)

! فقال له: ليس من البيت شيء مهجورًا

(5)

. وكان ابن الزبير يستلمُهُنَّ كُلُّهن. انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى.

وقال مسلم

(6)

في "صحيحه": حدّثني أبو الطاهر، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث. أنَّ قتادةَ بن دعامة حدَّثه، أن أبا الطُّفَيْل البَكْري حدَّثَه، أنه سمع ابن عبّاس يقول: لم أرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يستلمُ غَيْرَ الرُّكْنَين اليَمانيين.

انفرد به مسلم، فالذي رواه ابن عمر موافقٌ لما قاله

(7)

ابن عباس: أنَّه لا يُسْتَلَمُ الرُّكنان الشّاميان، لانَّهما لم

(8)

يتمّما على قواعد إبراهيم، لأنَّ قريشًا قصَّرتْ بهم النفقةُ فأخرجوا الحَجَرَ من البيت حين بَنَوْه كما تقدم بيانه. ووَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لو بناه فتمَّمه على قواعد إبراهيم، ولكنْ خَشِيَ من حداثةِ عَهْدِ النّاس الجاهلية فَتُنْكِره قلوبُهم، فلما كانت إمرةُ عبد الله بن الزبير هَدَمَ الكعبةَ وبناها على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم كما أخبَرَتْهُ خالتُهُ أمُّ المؤمنين عائشة بنت الصديق.

فإن كان ابن الزبير استلمَ الأركانَ كلَّها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحَسَنٌ جدًّا، وهو والله المظنون

(9)

به.

وقال أبو داود

(10)

: حدّثنا مُسَدَّد، حدّثنا يحيى، عن عبد العزيز بن أبي رَوّاد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدعُ أن يستلمَ الركنَ اليمانيَّ والحَجَرَ في كل طَوْفَةٍ

(11)

".

(1)

أ: (قال) بلا واو. وبعده يتكرر في أ عدة سطور.

(2)

البخاري (1608) معلقًا.

(3)

ط: (بن أبي بكر).

(4)

ط: (هذين الركنين).

(5)

أ: (مهجور).

(6)

مسلم (1269).

(7)

أ: (لما قال).

(8)

أ: [لا] تحريف.

(9)

أ: (قواعد إبراهيم وهو والله أعلم المظنون به فحسن به).

(10)

أبو داود (1876)، وهو حديث حسن.

(11)

ط: (طوافه).

ص: 198

ورواه النَّسائي

(1)

عن محمد بن المثنى

(2)

عن يحيى.

وقال النسائي

(3)

: ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا يحيى بن سعيد القَطّان، عن ابن جُرَيْج، عن يحيى بن عُبَيد، عن أبيه، عن عبد الله بن السّائب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الرُّكْن اليماني والحجر

(4)

: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. ورواه أبو داود

(5)

عن مُسَدَّد، عن عيسى بن يونس، عن ابن جُرَيْج به.

وقال الترمذي

(6)

: ثنا محمود بن غَيْلان، ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: لما قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ دخلَ المسجدَ فاستلمَ الحجر، ثم مضى على يمينه

(7)

فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم أتى المقام، فقال:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فصلَّى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت، ثم أتى الحجر بعدَ الرّكعتين، فاستلمه ثم خرج إلى الصفا أظنّه، قال:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وهكذا رواه إسحاق بن رَاهَوَيْه عن يحيى بن آدم

(8)

. ورواه الطبراني

(9)

عن النَّسائي وغيره، عن عبد الأعلى بن واصل، عن يحيى بن آدم بة

(10)

.

‌ذِكْرُ رَمَلِهِ عليه الصلاة والسلام في طَوافِهِ واضْطِباعِهِ

قال البخاري

(11)

: حدّثنا أصْبَغُ بن الفَرَج، أخبرني ابن وهب، عن يونُس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حينَ يقدَمُ مكةَ إذا استلم الرُّكْن الأسْود أولَ ما يطوفُ يخبّ ثلاثةَ أشواطٍ من السَّبْعِ. ورواه مسلم

(12)

عن أبي الطَّاهر بن السَّرْح وحَرْمَلة، كلاهما عن ابن وهبٍ به.

(1)

النسائي (2947)، وهو حديث حسن.

(2)

أ: (موسى) وانظر جامع الأصول (15/ 284).

(3)

السنن الكبرى للنسائي (3934).

(4)

ليس اللفظ في أ.

(5)

رواه أبو داود (1892)، وهو حديث حسن.

(6)

الترمذي (856).

(7)

ط: (مينه) وهو تحريف.

(8)

مسلم (1218)(150) من طريق ابن راهويه مختصرًا.

(9)

المعجم الأوسط (1682).

(10)

ط: (يحيى بن آدم بن آدم به).

(11)

البخاري (1603).

(12)

مسلم (1261)(232).

ص: 199

وقال البخاري

(1)

: حدّثنا محمد بن سلام، حدّثنا سُرَيْجُ

(2)

بن النُّعمان، حدّثنا فُلَيْح، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سعى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أشواطٍ ومشى أربعة في الحج والعمرة. تابعه الليث، حدّثني كثير بن فرقد

(3)

، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. انفرد به البخاري. وقد روى النسائي

(4)

، عن محمد وعبد الرحمن ابني عبد الله بن عبد الحكم، كلاهما عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن كثير بن فرقد، عن نافع، عن ابن عمر به.

وقال البخاري

(5)

: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أبو ضَمْرَة أنس بن عياض، حدّثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحجِّ أو العمرة أول ما يَقْدَمُ سَعَى ثلاثةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجد سَجْدَتين، ثم يطوف بين الصَّفا والمَرْوة. ورواه مسلم

(6)

من حديث موسى بن عقبة.

وقال البخاري

(7)

: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا أنس، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان إذا طاف بالبيت الطوافَ الأوَّل يَخُبُّ ثلاثةَ أطوافي، ويمشي أربعةً، وأنَّه كان يَسْعَى بَطْنَ المَسيلِ إذا طاف بين الصفا والمروة". ورواه مسلم

(8)

من حديث عبيد الله بن عمر

(9)

.

قال مسلم

(10)

: أنبانا عبد الله بن عمر بن أبان الجُعْفي، أنبأنا ابن المبارك، أنبانا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. قال: رملَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا. ثم رواه

(11)

من حديث سليم بن أخضر، عن عبيد الله بنحوه.

وقال مسلم

(12)

أيضًا: حدّثني أبو طاهر، حدّثني عبد الله بن وهب، أخبرني مالك، وابن جُريْج،

(1)

البخاري (1604).

(2)

ط: (شريح) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (10/ 219).

(3)

ط: (كثير بن نافع بن فرقد). وانظر تقريب التهذيب (460).

(4)

السنن الكبرى للنسائي (3937).

(5)

البخاري (1616).

(6)

مسلم (1261)(231).

(7)

البخاري (1617).

(8)

مسلم (1261)(230).

(9)

أ: (عبد الله بن عمرو).

(10)

مسلم (1262)(233).

(11)

مسلم (1262)(234).

(12)

مسلم (1263)(236).

ص: 200

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رملَ ثلاثةَ أطواف

(1)

من الحجر إلى الحجر.

وقال عمر بن الخطاب: فيمَ الرَّمَلان والكشفُ عن المناكب؟ وقد أطَّأ

(2)

اللهُ الإسلام ونفى

(3)

الكفر [وأهله]

(4)

ومع ذلك لا نتركُ شيئًا كنا نفْعَلُه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه أحمد

(5)

وأبو داود

(6)

وابن ماجه

(7)

والبيهقي

(8)

من حديث هشام بن سعد

(9)

عن زيد بن أسلم، عن أبيه عنه)

(10)

. وهذا كلُّه ردٌّ على ابن عباس ومن تابعه من أنّ الرمل

(11)

ليس بسنَّةٍ، لأنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّما فعله لمّا قدم، هو وأصحابه، صبيحةَ رابعة - يعني في عمرة القضاء - وقال المشركون: إنّه يقدَم عليكم وفد وهنتهم حُمّى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا

(12)

ما بين الركنين ولم يمنعهم

(13)

أن يرملوا الأشواط كلَّها إلا الإبقاء

(14)

عليهم. وهذا ثابت عنه في "الصحيحين"

(15)

فكان

(16)

ابن عبّاسٍ يُنْكر وقوعَ الرمل في حجة الوداع. وقد صحَّ بالنقل الثابت كما تقدَّم - بل فيه زيادة تكميل - الرمل من الحجر إلى الحجر، ولم يمشِ ما بين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار إليها وهي الضعف.

وقد ورد في الحديث الصحيح، عن ابن عباس: أنَّهم رَمَلوا في عُمْرة الجِعْرانة

(17)

(1)

ط: (أشواط).

(2)

ط: (أطّد). وأطَّأَ أي ثبَّته وأرساه والهمزة فيه بدل من واو وطأ النهاية (أطأ) والوطد: الإثبات والغمز في الأرض (النهاية: وطد).

(3)

أ: (وكفى).

(4)

زيادة من صحيح مسلم.

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 45)، وإسناده حسن، وهو حديث صحيح.

(6)

سنن أبي داود (1887)، وإسناده حسن، وهو حديث صحيح.

(7)

سنن ابن ماجه (2952)، وإسناده حسن، وهو حديث صحيح.

(8)

السنن الكبرى (5/ 79).

(9)

ط: (سعيد) وهو تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (7/ 344).

(10)

ليس ما بين القوسين في أ.

(11)

ط: (المرسل) تحريف.

(12)

أ: (الثلاثة يمسون ما بين).

(13)

أ: (يمنعه).

(14)

ط: (إلا خشية الإبقاء).

(15)

البخاري (1602) ومسلم (1266)(240).

(16)

ط: (وتصريحه لعذر سببه في صحيح مسلم أظهر فكان .. ).

(17)

الجعرانة وهي موضع قريب من مكة وهي في الحلّ وميقات للإحرام، وهي بتسكين العين، والتخفيف، وقد تكسر العين، وتشدّد الراء (النهاية: جعر).

ص: 201

واضْطَبَعُوا

(1)

وهو ردٌّ عليه

(2)

، فإنَّ عُمْرَةَ الجِعْرانة لم يَبْقَ في أيامها خوفٌ لأنَّها بعد الفتح كما تقدم.

رواه حماد

(3)

بن سلمة

(4)

، عن عبد اللَّه بن عثمان بنِ خُثَيْم

(5)

، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابَه اعْتَمروا من الجِعْرانة، فرَملوا بالبيت واضْطَبعوا، ووضعوا أرْدِيَتَهُمْ تحت آباطِهم وعلى عواتِقهم. ورواه

(6)

أبو داود

(7)

من حديث حمّاد بنحوه. ومن حديث

(8)

عبد اللَّه بن خُثَيْم، عن

(9)

أبي الطُّفَيْل، عن ابن عباس به.

فأما الاضطباع في حجّة الوداع فقد قال قُبيصة والفِرْيابي، عن سُفيان الثوري، عن ابن جُرَيْج، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن ابن

(10)

يعلى بن أمية، عن أمية

(11)

. قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يطوفُ بالبيت مُضْطَبعًا رواه الترمذي

(12)

من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح.

وقال أبو داود

(13)

: ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن

(14)

يعلى، عن أبيه، قال: طافَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مُضْطَبعًا بردًا أخْضَر

(15)

.

وهكذا رواه الإمام أحمد

(16)

، عن وكيع، عن الثوري، عن ابن جُرَيْج، عن ابن يعلى (14) عن أبيه. أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا قدمَ طافَ بالبيت، وهو مضْطَبعٌ ببُرْدٍ له حضرمي

(17)

.

(1)

الاضطباع هو أن يأخذ الإزار أو البُرْد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره، وسمّي بذلك لإبداء الضَّحبْعَيْن، ويقال للإبط الضَّبُع. للمجاورة (النهاية: ضبع).

(2)

أ: (وهو وارد) تحريف.

(3)

أ: (رواه أحمد بن سلمة). وهو تحريف وانظر (تقريب التهذيب 178).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 306، 371)، وهو حديث صحيح.

(5)

خثيم - بالمعجمة، والمئلثة، مُصَغَّرًا (تقريب التهذيب 313).

(6)

أ: (رواه) بلا واو.

(7)

سنن أبي داود (1884)، وهو حديث صحيح.

(8)

أبو داود (1890)، وهو حديث صحيح.

(9)

أ: (بن) تحريف.

(10)

في ط: (عن يعلى).

(11)

أ: (عن أبيه).

(12)

رواه ابن ماجه (2954) من حديث قبيصة ومحمد بن يوسف الفريابي كلاهما عن الثوري. ورواه الترمذي (859) من حديث الثوري، أقول: وهو حديث حسن.

(13)

أبو داود (1883)، وهو حديث حسن.

(14)

أ: (عن أبي).

(15)

ط: (برداء أخضر) وفي أ (برداء حضرمي) وما بين هذا اللفظ إلى لفظ أخضر في الخبر التالي سقط من أ.

(16)

مسند الإمام أحمد (4/ 223)، وهو حديث حسن.

(17)

في الأصل: أخضر.

ص: 202

وقال جابر في حديثه المتقدّم: حتَّى إذا أتَيْنا البيتَ معه أستلمَ الركنَ، فرَمَلَ ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ

(1)

إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 123] فجعل المقامَ بينه وبين البيت، فذكر أنه صلَّى ركعتين

(2)

قرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. فإن قيلَ: فهلْ كانَ عليه السلام في هذا الطواف راكبًا أو ماشيًا؟ فالجوابُ أنَّه قد وردَ نَقْلان قد يُظَنَّ أنهما مُتعارضان، ونحنُ نَذْكُرُهما ونُشيرُ إلى التَّوفيقِ بَيْنَهما، ورفعِ اللَّبسِ عندَ منْ يتوَهَّم فيهما تعارضًا، وباللَّه التوفيق، وعليه الاستعانة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال البخاري رحمه الله

(3)

: حدّثنا أحمد بن صالح، ويحيى بن سليمان، قالا: ثنا ابن وَهْب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، قال: طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بعيره في حجّة الوداع يستلمُ الركنَ بمحْجَنٍ

(4)

.

وأخرجه بقيَّةُ الجماعة

(5)

إلا الترمذيّ من طُرُقٍ، عن ابن وَهْبٍ. قال البخاري: تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه، وهذه المتابعة غريبة جدًا.

وقال البخاري

(6)

: ثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب، ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طافَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبيتِ على بعيرٍ كُلَّما أتى الرُّكْنَ أشار إليه.

وقد رواه الترمذي

(7)

من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبد الوارث

(8)

، كلاهما عن خالد بن مهران الحذَّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه. وقال: حسن صحيح.

ثم قال

(9)

البخاري

(10)

: ثنا مُسَدَّد، ثنا خالد بن عبد اللَّه، عن خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعيرٍ، فلما أتى الركنَ أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر. تابعه

(1)

في الأصول: تقدم.

(2)

أ: صلى الله عليه وسلم وليس لفظ (ركعتين) فيهما.

(3)

البخاري (1607).

(4)

"المِحْجَن": عصًا مُعَقَّفة الرأس كالصولجان، والميم زائدة، ويجمع على محاجن (النهاية: حجن).

(5)

مسلم (1272)، وأبو داود (1877)، والنسائي (2954)، وابن ماجه (2948).

(6)

البخاري (1612).

(7)

الترمذي (865).

(8)

أ: (وعبد الوهاب).

(9)

البخاري (1613).

(10)

ليس اللفظ في أ.

ص: 203

إبراهيم بن طَهْمان، عن خالد الحذَّاء، وقد أسند هذا التعليق

(1)

هاهنا في كتاب الطّواف عن عبد اللَّه بن محمد، عن أبي عامر، عن إبراهيم بن طهمان به.

وروى مسلم

(2)

عن الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طافَ في حجة الوداع حول الكعبة على بعيرٍ

(3)

يستلمُ الركنَ كراهيةَ أن يضرب عنه الناس: فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعيرٍ، ولكنّ حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف: الأول طواف القدوم

(4)

، والثاني: طواف الإفاضة، وهو طواف الفرض، وكان

(5)

يوم النحر، والثالث: طواف الوداع، فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الأخيرين

(6)

أو في كليهما، فأما الأول، وهو طواف القدوم، فكان ماشيًا فيه. وقد نصَّ الشافعي

(7)

على هذا كله، واللَّه أعلم وأحكم.

والدّليلُ على ذلك ما قالَ الحافظُ أبو بكرٍ البَيْهَقيّ في كتابه "السنن الكبير"

(8)

: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن المُؤَمَّل بن الحسن بن عيسى، حدّثنا الفضل بن محمد بن المسيّب، حدّثنا نُعيم بن حماد، حدّثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق -هو ابن يسار رحمه الله عن أبي جعفر -وهو محمد بن علي بن الحسين- عن جابر بن عبد اللَّه، قال: دخلنا مكةَ عند ارتفاعِ الضُّحى، فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بابَ المسجد فأناخَ راحلتَه، ثم دخلَ المسجدَ، فبدأَ بالحجبر فاستلمَهُ وفاضَتْ عيناهُ بالبكاء، ثم رَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا، حتى فرغ، فلما فرغ قبَّل الحجر، ووضع يَدَيْه

(9)

عليه ومسحَ بهما وَجْهَه. وهذا إسناد جيد.

فأما ما رواه أبو داود

(10)

حدّثنا مُسَدَّد، حدّثنا خالد بن عبد اللَّه، حدّثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قدم مكة، وهو يشتكي، فطاف على راحلته، فلما أتى على الركن استلمه بمِحْجنٍ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلَّى ركعتين. تفرد

(11)

به يزيد بن أبي زياد، وهو

(1)

البخاري (5293).

(2)

مسلم (1274).

(3)

ليس اللفظ في أ.

(4)

أ: (الأول والثاني طواف الإفاضة).

(5)

أ: (فكان).

(6)

ط: (الآخرين).

(7)

انظر كتاب "الأم" للشافعي 2/ 148.

(8)

السنن الكبرى 5/ 74.

(9)

ط: (يده) تحريف.

(10)

أبو داود (1881).

(11)

أ: (فقد تفرّد).

ص: 204

ضعيف. ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع، ولا ذكر أنّه في الطّواف الأوّل من حجّة الوداع، ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم، وكذا جابر: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ركبَ في طوافه لضعفة

(1)

، وإنما ذكرا كثر

(2)

الناس وغثيانهم له، وكان لا يحبّ

(3)

أن يُضْربوا بين يديه، كما سيأتي تقريرُه قريبًا إن شاء اللَّه. ثم هذا التقبيلُ الثاني الذي ذكره ابن إسحاق في روايته بعد الطَّواف وبعد ركعتيه أيضًا ثابت في صحيح مسلم

(4)

من حديث جابر. قال فيه بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف: ثم رجع إلى الركن فاستلمه.

وقد قال مسلم

(5)

بن الحجّاج في "صحيحه": حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نُمير جميعًا، عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن عبيد اللَّه، عن نافع، قال:

رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، قال: وما تركتُه منذ رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعله. فهذا يحتمل أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بعض الطوفات

(6)

أو في آخر استلام، فعل هذا لما ذكرنا. أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعفٍ كان به، أو لئلا يُزاحِمَ غيرَه فيحصل لغيره أذًى به.

وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لوالده ما رواه أحمد

(7)

في "مسنده": حدّثنا وكيع، حدّثنا سُفيان عن أبي يَعْفور العَبْدي، قال: سمعتُ شيخًا بمكة في إمارة الحجّاج يحدث عن عمر بن الخطاب، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدتَ خلوةً فاستلمه، وإلا فاستقبله [فهَلِّلْ]

(8)

وكَبّر. وهذا إسناد جيّد: لكن راوية

(9)

عن عمر مُبْهَمٌ لم يسمّ. والظاهر أنه ثقةٌ جليلٌ. فقد رواه الشافعي

(10)

، عن سُفيان بن عُيينة، عن أبي يَعْفور العَبْدي -واسمه وَقْدان- سمعت رجلًا من خزاعة حين قُتل ابن الزبير، وكان أميرًا على مكة، يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمر: "يا أبا حفص إنَّكَ رجلٌ قويٌّ، فلا تزاحم على الرُّكْنِ فإنَّكَ تُؤْذي الضَّعيف، ولكن إن وجدتَ خلوةً فاستلمه وإلا فكبر وامض". قال سفيان بن عيينة: هو عبد الرحمن بن الحارث، كان الحجاج استعمله عليها منصرفَه منها حين قتل ابن الزبير.

(1)

رواه مسلم رقم (1265) و (1273)(254).

(2)

ط: (ذكر لكثرة)، وأ:(ذكر كثرة) وما أثبته عن السنن.

(3)

ط: (يحب).

(4)

رقم (1218)(147).

(5)

مسلم (1268)(246).

(6)

ط: (الطواقات).

(7)

مسند الإمام أحمد (1/ 28).

(8)

زيادة عن المسند.

(9)

أ: (رواية) وهو تحريف.

(10)

رواه الشافعي في سننه المأثورة 1/ 375 (510).

ص: 205

قلت: وقد كان عبد الرحمن هذا جليلًا نبيلًا كبيرَ القدر، وكان أحدَ النَّفَر الأرْبَعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف الأئمة

(1)

التي نفذها إلى الآفاق، ووقع على ما فعله الإجماع والاتفاق.

‌ذِكْرُ طَوافِهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَة

روى مسلم في "صحيحه"

(2)

عن جابر في حديثه الطويل المتقدّم، بعد ذكره طوافه، عليه الصلاة والسلام، بالبيت سبعًا وصلاته عند المقام ركعتين. قال: ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلمّا دنا من الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ اللَّه به. فبدأ بالصفا، فَرَقيَ عليه حتى رأى

(3)

البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد اللَّه وكبّره وقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه [وحده]

(4)

أنْجَزَ وَعْدَه (ونَصَرَ عَبْدَه)

(5)

وهَزَمَ الأحْزابَ وَحْدَه. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل حتى إذا انصبت

(6)

قدماه في الوادي رَمَلَ حتّى إذا صعِد مشى حتى أتى المروة فرقيَ عليها حتى نظر إلى البيت، فقال عليها كما قال على الصفا.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدّثنا عمر بن هارون البلخي أبو حفص، حدّثنا ابن جُرَيْج، عن بعض بني يَعْلى بن أمية، عن أبيه، قال:

رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مضطبعًا بين الصَّفا والمَرْوة ببُرْدٍ له نَجْرانيّ.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدّثنا يونس، حدّثنا عبد اللَّه بن المُؤَمّل، عن عمر بن عبد الرحمن، حدّثنا عطاء

(9)

، عن حبيبة بنت أبي تَجْراه

(10)

، قالت:

(1)

ليس اللفظ في أ.

(2)

صحيح مسلم رقم (1218)(147).

(3)

أ: (رأيت) وهو تحريف.

(4)

زيادة عن الصحيح.

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

أ: (نَفَستْ).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 223)، حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف جدًا، فإن عمر بن هارون البلخي متروك (بشار).

(8)

مسند الإمام أحمد (6/ 421)، وهو حديث حسن بطرقه وشاهده، وإسناده ضعيف لضعف عبد اللَّه بن المؤمل واضطرابه فيه.

(9)

أ، ط:(عطية عن حبيبة) وما أثبته عن المسند.

(10)

ط: (تجزأة) وهو تحريف. فقد ذكرها ابن حجر في الإصابة (4/ 219) وروى حديثها المذكور أعلاه وهي بفتح التاء في الإصابة وكسرها في الاستيعاب وأسد الغابة (4/ 1806)، وضمها في "القاموس".

ص: 206

دخلت دار أبي حسين

(1)

في نِسْوةٍ من قريش

(2)

والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين

(3)

الصفا والمروة. قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي وهو يقول لأصحابه: "اسْعَوْا إنَّ

(4)

اللَّه كتب عليكم السعي".

وقال أحمد

(5)

أيضًا: حدّثنا سُرَيْج

(6)

، ثنا عبد اللَّه بن المُؤَمّل، ثنا

(7)

عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة

(8)

بنت أبي تجراة، قالت: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطوفُ بين الصَّفا والمَرْوة، والناس بين يديه، وهو وراءَهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور

(9)

به إزاره وهو يقول: "اسْعَوْا فإنّ اللَّهَ كتبَ عليكم السَّعْيَ". تفرد به أحمد.

وقد رواه أحمد

(10)

أيضًا، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبي عُيينة، عن موسى بن عُبَيْدة، عن صفية بنت شيبة: أن امرأة أخبرتها أنها سمعَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بين الصَّفا والمروة يقول: "كُتِبَ عليكم السعي فاسْعوا"، وهذه المرأة هي حَبيبةُ بنت أبي تجراة المُصَرَّحُ بذكرها في الإسنادَيْن الأوَّلَين.

وعن أم ولد شيبة بن عثمان. أنها أبصرت النبيَّ صلى الله عليه وسلم-وهو يَسْعَى بين الصَّفا والمَرْوة، وهو يقول:"لا يُقْطَعُ الأبْطَحُ إلا شدًّا"

(11)

. رواه

(12)

النَّسائي

(13)

، والمراد بالسَّعي (هاهنا هو الذهاب من الصفا إلى المروة، ومنها إليها، وليس المراد بالسعي)

(14)

هاهنا الهرولة والإسراع، فإن اللَّه لم يكتبه عبينا حتمًا، بل لو مشى الإنسانُ على هينته

(15)

في السَّبْع الطوفات

(16)

بينهما، ولم يَرْمُلْ في المَسيل أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافًا في ذلك.

(1)

أ، ط:(حصين وما هنا عن المسند والإصابة والاستيعاب وأسد الغابة).

(2)

أ: (قيس).

(3)

أ: (يطوف بالصفا) وفي الإصابة (يطوف بالبيت)، وما هنا من المسند.

(4)

في بعض النسخ: فإن. وما هنا من ط، وهو الموافق لما في المسند، وهو المصدر الذي ينقل منه.

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 421 - 422)، وهو حديث حسن بطرقه وشاهده، وإسناده ضعيف لانقطاعه.

(6)

ط: (شريح) تحريف.

(7)

أ: (عن).

(8)

في الاستيعاب (4/ 1806)(حَبيبة ويقال: حُبيبة).

(9)

ط: (يكور).

(10)

مسند الإمام أحمد (6/ 437)، وهو حديث حسن بطرقه.

(11)

ط: (الأسدا).

(12)

أ: (ورواه).

(13)

النسائي (5/ 242)(2980)، وهو حديث صحيح.

(14)

ليس ما بين القوسين في أ.

(15)

ط: (هينة). وفي النهاية (هين): على هينته أي على عادته في السكون والرفق، يقال: امش على هِينَتِكَ: أي على رِسْلِكَ.

(16)

ط: (الطوافات).

ص: 207

وقد نقله التّرمذيّ رحمه الله عن أهل العلم، ثم قال

(1)

: ثنا يوسف بن عيسى، ثنا ابن فُضَيْل، عن عطاء بن السَّائب، عن كثير بن جُمْهان

(2)

، قال: رأيتُ ابنَ عمر يمشي في المَسْعى، فقلت: أتمشي في السعي بين الصَّفا والمروة، فقال: لئن سَعَيتُ فقد

(3)

رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم-يَسعى، ولئن مشيتُ لقد رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روى سعيدُ بن جُبَيْر عن ابن عباس

(4)

نحو هذا.

وقد رواه أبو داود

(5)

والنَّسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

من حديث عطاء بن السائب عن كثير بن جُمْهان السُّلَمي الكوفي، عن ابن عمر. فقولُ ابنِ عمرَ إنه شاهدَ الحالين منه صلى الله عليه وسلم يحتمل شيئين: أحدُهما أنه رآه يسعى في وقتٍ ماشيًا لم يمزجه برمَلٍ فيه بالكلية، والثاني أنّه رآه يسعى في بعض الطريق، ويمشي في بعضه، وهذا له قوةٌ لأنه قد روى البخاري

(8)

ومسلم

(9)

من حديث عبيد اللَّه بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-كان يَسْعَى بطنَ المَسيل إذا طافَ بين الصَّفا والمَرْوة. وتقدَّم في حديث جابر أنه عليه الصلاة

(10)

والسلام: نزل من الصفا، فلما انصبّت

(11)

قدماه في الوادي رَمَلَ حتّى إذا صعد مشى حتّى أتى المروة. وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة؛ أنّ الساعيَ بينَ الصَّفا والمَرْوة

(12)

يُسْتَحَبُّ له أن يَرْمل في بطن الوادي، في كل طوفَةٍ

(13)

في بطن المَسيل الذي بينهما، وحدَّدوا ذلك بما بين الأميال الخضر، فواحدٌ مفردٌ من ناحية الصّفا مما يلي المسجد، واثنان مُجْتَمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضًا. وقال بعض العلماء: ما بينَ هذه الأميال اليومَ أوسعُ من بطنِ المَسيلِ الذي رَمَلَ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاللَّه أعلم

(14)

:

(1)

الترمذيّ (864)، وهو حديث صحيح.

(2)

ط: (جهمان). وانظر تقريب التهذيب 459، والتهذيب 8/ 412.

(3)

أ: (الصفا فقال لئن سعيت ولقد).

(4)

في السنن (ابن عمر).

(5)

أبو داود (1904)، وهو حديث صحيح.

(6)

النسائي 5/ 241 (2976)، وهو حديث صحيح.

(7)

ابن ماجه (2988)، وهو حديث صحيح.

(8)

البخاري (1644).

(9)

مسلم (1261)(230).

(10)

ط: عليه السلام.

(11)

أ: (انتصبت).

(12)

بعدها في ط: (وتقدم في حديث جابر).

(13)

ط: (طوافه).

(14)

ليست جملة (فاللَّه أعلم) في أ.

ص: 208

وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع: ثم خرج عليه الصلاة والسلام إلى الصفا، فقرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدًا بما بَدَأَ اللَّه به، فطاف بين الصَّفَا والمَرْوة أيضًا سبعًا راكبًا على بعير، يخُبُّ ثلاثًا، ويمشي أربعًا، فإنه لم يتابَعْ على هذا القول ولم يتفوَّه به أحدٌ قبله من أنه عليه الصلاة والسلام خبَّ ثلاثةَ أشواطٍ بين الصفا والمروة، ومشى أربعًا، ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر

(1)

عليه دليلًا بالكليّة، بل لمّا انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نَجِدْ

(2)

عَددَ الرَّمَل بين الصفا والمروة منصوصًا، ولكنه متفق عليهِ هذا لفظه، فإن أراد بأن الرَّمَلَ في الثلاث الطوفات

(3)

الأُوَل على ما ذكر متفقٌ عليه، فليس بصحيح بل لم يقله أحدٌ، وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأُوَل في الجملة متفق

(4)

عليه فلا يُجْدي له شيئًا ولا يُحَصّل له مقصودًا

(5)

، فإنّهم كما اتفقوا على الرَّمَل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه، كذلك اتَّفقوا على استحبابه في الأربع الأُخر أيضًا. فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء، واللَّه أعلم. وأما قول ابن حزم أنّه عليه الصلاة والسلام كان راكبًا بين الصفا والمروة، فقد تَقَدَّم عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطنَ المَسيل أخرجاه. وللترمذيّ عنه: إن أسعى فقد رأيتُ رسول اللَّه يَسْعى، وإن مشيتُ فقد رأيتُ رسولَ اللَّه يمشي. وقال جابر: فلما انصبَّتْ قدماه في الوادي رَمَل حتى إذا صعدَ مشى. رواه مسلم. وقالت حبيبة بنت أبي تجراة

(6)

: يسعى يدور به إزاره من شدة السَّعي. رواه أحمد. وفي "صحيح مسلم" عن جابر كما تقدم أنه رَقيَ على الصفا حتى رأى البَيْتَ، وكذلك على المَرْوة.

وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر الباقر، عن جابر: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أناخَ بعيرَه على باب المسجد -يعني حتى طاف- ثم لم يذكر أنه ركبه

(7)

حال ما خرج إلى الصفا، وهذا كله مما يقتضي أنّه عليه الصلاة والسلام سعى بين الصفا والمروة ماشيًا.

ولكن قال مسلم

(8)

: حدّثنا عبد

(9)

بن حُمَيْد، حدّثنا محمد -يعني ابن بكر- أنا ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبَيْر، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع على راحلته بالبيت

(1)

أ: (لم يدل).

(2)

ط: (تجد)، أ:(تحدد) وما هنا للسياق.

(3)

أ: (أراد بالرسل).

(4)

ط: (الجملة المتفق عليه).

(5)

ط: (ولا يحصل له شيئًا مقصودًا).

(6)

ط: (مجزأه) خطأ. وقد تقدمت الإشارة إلى مصادر ترجمتها.

(7)

ط: (رجبه).

(8)

مسلم (1273)(255) مع (1279).

(9)

أ: (عبد اللَّه).

ص: 209

وبين

(1)

الصَّفا والمروة على بعير

(2)

ليراه الناس، وليشرف وليسألوه، فإنَّ الناس غَشُوه، ولم يَطُفِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصَّفا والمَرْوة إلا طوافًا واحدًا. ورواه مسلم

(3)

أيضًا، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، وعن

(4)

علي بن خشرم، عن عيسى بن يونس، وعن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد، كلّهم عن ابن جريج به، وليس في بعضها (وبين الصفا والمروة). وفي المعجم

(5)

للطبراني من طريق زياد بن عبد اللَّه، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكثر على الصفا والمروة ثلاثة أسابيع إحدى وعشرين تكبيرة.

وقد رواه أبو داود

(6)

عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد القطّان، عن ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبير، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة.

ورواه النسائي

(7)

، عن الفَلَّاس، عن يحيى، وعن عمران بن يزيد، عن شعيب

(8)

بن إسحاق، كلاهما عن ابن جُرَيْج به. فهذا محفوظ من حديث ابن جُرَيْج، وهو مشكل جدًا؛ لأنّ بقية الروايات عن جابر وغيره تدُلّ على أنّه عليه الصلاة والسلام، كان ماشيًا بين الصفا والمروة، وقد تكون رواية أبي الزُّبير عن جابر لهذه الزيادة وهي قوله: وبين الصفا والمروة، مُقْحَمةً أو مدرجة ممّن بعدَ الصحابي، واللَّه أعلم. أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفات

(9)

على قدميه، وشوهد منه ما ذُكر، فلما ازدَحم الناسُ عليه وكثروا ركبَ كما يدلّ عليه حديثُ ابن عباس الآتي قريبًا. وقد سَلَّمَ ابنُ حزم أن طوافَه الأول بالبيت كان ماشيًا وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك، وادعى أنه كان راكبًا في السعي بين الصفا والمروة، قال: لأنه لم يَطُفْ بينهما إلا مرةً واحدةً، ثم تَأَوَّل قول جابر:(حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل) بأنه يَصْدُقُ

(10)

ذلك، وإن كان راكبًا، فإنه إذا انصبَّ بعيره

(11)

فقد انصبّ كله،

(1)

أ: (بين).

(2)

ليس الجار والمجرور (على بعير) في أ.

(3)

مسلم (1273)(254) مع (1279)(265).

(4)

ليست (عن) في أ.

(5)

ليس هذا الخبر في ط، واستدركته عن أ.

(6)

أبو داود (1880)، وهو حديث صحيح.

(7)

النسائي 5/ 244 (2986)، وهو حديث صحيح.

(8)

ط: (سعيد) تحريف، وانظر سير أعلام النبلاء 9/ 103 وتهذيب الكمال 12/ 501.

(9)

ط: (الطوفان).

(10)

ط: (لم يصدق).

(11)

ليس اللفظ في أ.

ص: 210

وانصبَّتْ قدماه مع سائر جسده. قال: وكذلك ذِكْرُ الرَّمل يعني به رمل الدابة براكبها، وهذا التأويل بعيدٌ جدًا، واللَّه أعلم.

وقال أبو داود

(1)

: حدّثنا أبو سَلَمَة موسى، حدّثنا حماد، أنبأنا أبو عاصم الغَنَويّ، عن أبي الطُّفيل قال: قلت لابن عباس: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قد رَمَلَ بالبيت، وأن ذلك من سنته

(2)

، قال: صدقوا وكذبوا، فقلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا رمل

(3)

رسول اللَّه، وكذبوا، ليس بسنة، إن قريشًا قالت زمن الحُدَيْبية دَعُوْا محمدًا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف

(4)

. فلما صالحوه على أن يحجُّوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيامٍ، فقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قُعَيْقِعان

(5)

، فقال رسول اللَّه لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثًا وليس بسنة. (قلت: يزعم قومك أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-طاف بين الصفا والمروة على بعير وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا. قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول اللَّه بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليس بسنة)

(6)

كان النّاسُ لا يدفعون عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا يصرفون

(7)

عنه، فطاف على بعيبر، ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم. هكذا رواه أبو داود.

وقد رواه مسلم

(8)

عن أبي كامل، عن عبد الواحد بن زيادٍ، عن الجُرَيري، عن أبي الطُّفَيْل، عن ابن عباس، فذكر فضلَ الطَّوافِ بالبَيْتِ بنحوِ ما تقدم. ثم قال: قلت لابن عباس: أخْبِرْني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبًا أسنَّةٌ هو؟ فإن قومك يزعمون أنَّهُ سنةٌ؟ قال: صدقوا وكذبوا. قلت: فما قولك: صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول اللَّه كَثُر عليه الناس، يقولون: هذا محمد، هذا محمد! حتى خرج العواتق

(9)

من البيوتِ، وكان رسول اللَّه لا يُضْرَبُ الناسُ بين يديه، فلما كَثُر عليه الناس ركب. قال ابن عباس: والمشيُ والسَّعْيُ أفضلُ. هذا لفظ مسلم، وهو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، واللَّه أعلم.

(1)

سنن أبي داود (1885)، وهو حديث صحيح.

(2)

أ: (من سننه).

(3)

أ: (قد رمل).

(4)

النَّغَفَ -بالتحريك-: دودٌ يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نَغَفَة. (النهاية: نغف).

(5)

قُعَيْقعان: بالضم ثم بالفتح، بلفظ تصغير: وهو اسم جبل بمكة (النهاية ومعجم البلدان).

(6)

عن أ وحدها دون ط.

(7)

أ: (ولا يضربون).

(8)

مسلم (1264)(237).

(9)

العواتق: جمع العاتق وهي الشابة أول ما تدرك (النهاية: عتق).

ص: 211

وأما ما رواه مسلم فى "صحيحه"

(1)

حيث قال: حدثنا محمد بن رافع، حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا زهير، عن عبد الملك بنّ سعيد، عن أبي الطُّفيل، قال: قلت لابن عباس: أُراني قد رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: فَصِفْهُ لي! قال

(2)

قلت: رأيتُه عند المروة على ناقة (وقد كثر الناسُ عليه، فقال ابن عباس: ذاك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنهم كانوا لا يُضربون

(3)

عنه ولا يُكْرهون. فقد تفرد به مسلم وليس فيه)

(4)

دلالة على

(5)

أنه عليه الصلاة والسلام سعى بين الصَّفا والمَرْوة راكبًا

(6)

، إذْ لم يُقَيَّد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها، وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع، فمن الجائز أنه عليه الصلاة والسلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يَسُقِ الهَدْيَ منهم أن

(7)

يفسخ الحج إلى العُمْرة، فحلَّ الناسُ كلُّهم إلا منْ ساقَ الهَدْيَ، كما تقدَّم في حديث جابر. ثُمَّ بعدَ هذا كلِّه أُتيَ بناقتِه فركبَها، وسار إلى منزله بالأبْطَحِ كما سنذكره قريبًا. وحينئذ رآه أبو الطُّفَيْل عامر بن واثلة البَكْري، وهو معدودٌ في صغار الصَّحابة. قلت: أوقد

(8)

ذهب طائفة من العراقيين كأبي حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن القارن يطوف طوافَيْن ويسعى سَعْيَيْن. وهو مرويٌ عن عليّ وابن مسعود ومجاهد والشعبي. ولهم أن يحتجّوا بحديثِ جابرٍ الطويل، دلالة على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيًا، وحديثه هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سعى بينهما راكبًا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيًا ومرة راكبًا. وقد روى سعيد بن منصور في سننه

(9)

عن علي رضي الله عنه أنه أهَلَّ بحجةٍ وعُمْرةٍ، فلما قدم مكةَ طاف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته، ثم أقام حرامًا إلى يوم النحر. هذا لفظه.

ورواه أبو ذرٍّ الهَرَوي في"مناسكه" عن عليٍّ أنه جمعَ بين الحجِّ والعمرةِ فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فعل.

وكذلك رواه البيهقي والدارقطني

(10)

والنّسائي في "خصائص علي" فقال البيهقي في "سننه"

(11)

:

(1)

مسلم (1265).

(2)

عن أ وحدها.

(3)

في صحيح مسلم: "يُدَعُّون" أي: يدفعون.

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

ليس اللفظ فى أ.

(6)

أ: (إذا).

(7)

ط: (أم).

(8)

ط: (قد) بلا واو. وقد جاء في أ قبل هذه الفقرة ثلاث فقرات سأشير إليها بعدُ.

(9)

ط: (سند).

(10)

سنن الدارقطنى 2/ 263 (131).

(11)

السنن الكبرى للبيهقي 5/ 108 - 109 (9210 - 9211).

ص: 212

أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ: أنبأنا

(1)

أبو محمد بن صاعد، حدّثنا محمد بن زُنبور، حدّثنا فُضَيْل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك بن الحارث أو منصور، عن مالك بن الحارث، عن أبي نصر، قال: لقيت عليًا وقد أهللتُ بالحجِّ وأهَلَّ هو بالحجّ والعمرة. فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلتَ؟ قال: ذلك لو كنتَ بدأتَ بالعمرة. قلت: كيفَ أفعلُ إذا أردتُ ذلك؟ قال: تأخذُ إداوة من ماءً فتُفيضها عليك، ثم تُهلُّ بهما جميعًا، ثم تطوفُ لهما طوافَيْن، وتسعى لهما سَعْيَيْن، ولا يَحِلُّ لك حرامٌ دون يوم النحر. قال منصور: فذكرتُ ذلك لمجاهد قال: ما كنا نُفتي إلا بطواف واحد، أما الآن فلا نفعل. قال الحافظ البيهقي: وقد رواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة، عن منصور، فلم يذكُر فيه السعيَ.

قال: وأبو نصر

(2)

هذا مجهول، وإن صحّ فَيُحْتمَلُ أنّه أرادَ طوافَ القُدوم وطوافَ الزيارة.

قال: وقد رُوي بأسانيدَ أُخَر عن علي مرفوعًا وموقوفًا، ومدارها على الحسن بن عُمارة وحفص بن أبي داود، وعيسى بن عبد اللَّه، وحماد بن عبد الرحمن، وكلُّهم ضعيف لا يحتجُّ بشيء مما رَوَوْهُ في ذلك، واللَّه أعلم.

قلت: والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك، فقد قدّمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهلَّ بعمرة وأدخل عليها الحج فصار قارنًا وطاف لهما طوافًا واحدًا بين الحجّ والعمرة. وقال: هكذا فعل رسول صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الترمذيّ

(3)

وابن ماجه

(4)

والبيهقي

(5)

من حديث الدراوردي، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "منْ جَمَعَ بين الحجِّ والعُمْرة طافَ لهما، طوافًا واحدًا، وسعى لهما سَعْيًا واحدًا". قال الترمذيّ وهذا حديث حسن غريب. قلت: إسناده على شرط مسلم

(6)

. وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين فإنها كانَتْ ممَّنْ أهلَّ بعمرةٍ لعدم سوق الهَدْي معها، فلما حاضَتْ أمرَها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، وتَهِلَّ بحجٍّ مع عمرتها فصارت قارنة، فلما رجعوا من منى طلبت أن يُعْمرَها من بعد الحجّ، فأعمرها تطييبًا لقلبها، كما جاء مصرحًا به في الحديث.

(1)

أ: (حدّثنا).

(2)

أ: (وأبو منصور).

(3)

الترمذي (948).

(4)

ابن ماجه (2975).

(5)

السنن الكبرى للبيهقي 5/ 107 (9209).

(6)

لكنه معلول، ولذلك اقتصر الترمذيّ على تحسينه.

ص: 213

وقد قال الإمام أبو عبد اللَّه الشافعي

(1)

: أنبأنا مسلم -هو ابن خالد- الزنجي، عن ابن جُرَيْج، عن عطاء أن رسول اللَّه قال لعائشة:"طوافُكِ بالبَيْتِ وبينَ الصَّفَا والمَرْوةِ يكفيكِ لحَجّكِ وعُمْرتِكِ". وهذا ظاهره الإرسالُ، وهو مسندٌ في المعنى، بدليل ما قال الشافعي أيضًا

(2)

: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نَجِيح، عن عَطاءً، عن عائشةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي، وربما قال: سفيان، عن عطاءً؛ عن عائشة، وربَّما قال: عن عطاءٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة. . . فذكره. قال الحافظ البيهقي: ورواه ابن أبي عمر، عن سُفيان بن عُيينة موصولًا. وقد رواه مسلم

(3)

من حديث وُهَيْبٍ، عن ابن طاووسٍ عن أبيه

(4)

عن عائشة بمثله.

وروى مسلم

(5)

من حديث ابن جُرَيْج: أخبرني أبو الزُّبير: أنَّه سمعَ جابرًا يقول: دخل رسول اللَّه على عائشة، وهي تبكي، فقال:"مالكِ تَبْكين؟ " قالت: أبكي أن الناسَ حَلّوا ولم أحِل، وطافوا بالبيت ولم أَطف وهذا الحج قد حضر. قال:"إن هذا أمرٌ قد كتبه اللَّه على بنات آدم، فاغتسلي وأهلِّي بحجٍّ" قالت: ففعلت ذلك، فلما طهُرْتُ قال:"طوفي بالبيتِ وبينَ الصفا والمروة. ثم قد حَلَلْتِ من حَجِّكِ وعمرتكِ". قالت: يا رسول اللَّه، إني أجدُ في نفسي من عُمْرتي أني لم أكن طُفْت حتى حَجَجْتُ. قال: اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التَّنعيم. وله

(6)

من حديث ابن جريج أيضًا: أخبرني أبو الزُّبير سمعت جابرًا قال: لم يطف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا.

وعند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهَدْيَ كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة كما دلّ عليه الأحاديث المتقدمة، واللَّه أعلم.

وقال الشافعي

(7)

: أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، قال في القارن: يطوف طوافَيْن ويسعى سَعْيَين

(8)

، قال الشافعيُّ: وقال بعض الناس: طوافان وسعيان، واحتج فيه بروايةٍ ضعيفةٍ عن عليّ. قال: جعفر يروي عن علي قولنا، ورُوِّيناه عن النبي صلى الله عليه وسلم

(9)

لكن

(10)

(1)

في مسنده (1005) ترتيبه.

(2)

في مسنده (1006) ترتيبه.

(3)

مسلم (1211)(132).

(4)

ط: (عن ابن طاووس عن ابن عباس عن أبيه عن عائشة وأثبت ما في الصحيح).

(5)

مسلم (1213).

(6)

مسلم (1215).

(7)

السنن الكبرى للبيهقي 5/ 107 (9209) من طريق الشافعي، وإسناده ضعيف.

(8)

أ: (سعيًا).

(9)

ليست الصلاة على النبي في ط. ومن هذا اللفظ إلى لفظ (فصل) ليس في أ هنا وإنما جاء قبل ورقة واحدة.

(10)

من هذا اللفظ إلى كلمة (فصل) جاء في أ قبل صفحات حيث أشرت إليه.

ص: 214

قال أبو داود

(1)

، حدّثنا هارون بن عبد اللَّه، ومحمد بن رافع، قالا: حدّثنا أبو عاصم، عن معروف -يعني ابن خَرَّبوذ- المكي، حدّثنا أبو الطُّفيل، قال:

رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطوفُ بالبيت على راحلته، يستلم الركن بِمِحجَنِهِ ثم يُقَبِّله - زاد محمد بن رافع، ثم خرج إلى الصَّفا والمَرْوة، فطافَ سبْعًا على راحلته.

وقد رواه مسلم

(2)

في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي، عن معروف بن خَرَّبوذَ به بدون الزيادة التي

(3)

ذكرها محمد بن رافع. وكذلك رواه عبيد اللَّه بن موسى، عن معروف بدونها (وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع والطفيل بن موسى عن مسروق بدونها)

(4)

.

ورواه الحافظ البيهقي

(5)

عن

(6)

أبي سعيد بن [أبي] عمرو، عن الأصمّ، عن يحيى بن أبي طالب، عن يزيد بن أبي حكيم، عن يزيد بن مُلَيْك

(7)

، عن أبي الطُّفَيْل بدونها. فاللَّه أعلم.

وقال الحافظ البيهقي

(8)

: أنبأنا أبو بكر بن الحسن، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، قالا: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دُحيم، حدّثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عُبيد اللَّه بن موسى، وجعفر بن عون، قالا: أنبأنا أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد اللَّه بن عمار، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَسْعى بين الصَّفا والمَرْوة على بعيرٍ لا ضَرْب ولا طَرْد ولا إِليك إليك

(9)

. وقال البيهقي: كذا قالا. وقد رواه جماعةٌ عن

(10)

أيمن فقالوا: يرمي الجمرة يوم النحر. قال: ويحتمل أن يكونا صحيحين.

قلت: رواه الإمام أحمد في "مسنده"

(11)

عن وكيع وقُرّان

(12)

بن تَمّام وأبي قُرَّة موسى بن طارق

(13)

(1)

أبو داود (1879)، وهو صحيح.

(2)

رقم (1275).

(3)

أ: (الذي) وهو تحريف.

(4)

ما بين القوسين زيادة عن أ.

(5)

انظر السنن الكبرى 5/ 100 - 101 (9164 - 9167).

(6)

في أ: (عن أبيه عن أبي سعيد).

(7)

ط: (مالك) وهو تحريف. انظر التاريخ الكبير 8/ 356.

(8)

السنن الكبرى للبيهقي 5/ 101 (9168).

(9)

قال ابن الأثير: معناه: تنحَّ وأبعد، وتكريره للتأكيد (النهاية في غريب الحديث: ألى).

(10)

ط: (غير).

(11)

مسند الإمام أحمد 3/ 412 - 413، وهو حديث صحيح.

(12)

قرّان: بضم أوله، وتشديد الراء - ابن تمام الأسدي الكوفي، نزيل بغداد. مات سنة إحدى وثمانين صدوق، ربما أخطأ (تقريب التهذيب - عوامة - 454).

(13)

ط: (طارف) تحريف انظر تقريب التهذيب - عوامة - 551.

ص: 215

قاضي أهل اليمن، وأبي أحمد محمد بن عبد اللَّه الزُّبيري، ومعتمر بن سليمان

(1)

، عن أيمن ين نابل الحبشي أبي عمران المكي، نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق

(2)

، وهو ثقةٌ جليلٌ من رجال البخاري، عن قُدامة بن عبد اللَّه بن عَمار الكِلابي أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يومَ النَّحر من بطن الوادي على ناقة صَهْباء لا ضرب ولا طرد (5) ولا إليكَ إليكَ. وهكذا رواه الترمذيّ

(3)

، عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية وأخرجه النسائي

(4)

، عن إسحاق بن راهويه، وابن ماجه

(5)

عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن وكيع، كلاهما عن أيمن بن نابل، عن قُدامة كما رواه الإمام أحمد وقال الترمذيّ: حسن صحيح.

‌فصل

قال جابر في حديثه: حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال: إني لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُقِ الهَدْيَ. رواه مسلم. ففيه دلالة على منْ ذهبَ إلى أن السعيّ بين الصفا والمروة أربعة عشر، كل ذهاب وإياب يحسب

(6)

مرة. قاله جماعة من أكابر الشافعية. وهذا الحديث ردٌّ عليهم لأنَّ آخر الطواف على

(7)

قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة، ولهذا قال أحمد في روايته في حديث جابر: فلما كان السابع عند المروة قال: أيها الناس، إني لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أَسُقِ الهَدْيَ، وجعلتُها عمرة، فمنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فليحل وليَجْعَلْها

(8)

عُمْرةً. فَحَلَّ النّاس كلُّهم. وقال مسلم: فَحَلَّ الناسُ كلُّهم وقَصَّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هَدْيٌ.

‌فصل

روى أمْرَه عليه السلام، لمن لم يَسُقِ الهَدْي، بفسخِ الحجّ إلى العمرة خلقٌ من الصَّحابة يطولُ ذكرُنا لهم هنا

(9)

، وموضع سَرْدِ ذلك كتابُ "الأحْكام الكَبير" إن شاء اللَّه. وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: كان ذلك من خصائص الصّحابة، ثم نسخ جواز الفسخِ لغيرهم، وتمسّكوا بقول أبي ذَرٍّ رضي الله عنه: لم يكن فَسْخُ الحجّ إلى العمرة إلا لأصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم. رواه

(1)

بعدها في أ: كلهم.

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

الترمذي (903) صحيح.

(4)

النسائي 5/ 270 (3061)، وهو حديث صحيح.

(5)

ابن ماجه (3035)، وهو حديث صحيح.

(6)

أ: (يحتسب).

(7)

ط: (عن) تحريف.

(8)

أ: (فليحل فليجعلها)، وط:(فيحل وليجعلها) وما أثبته منهما معًا.

(9)

أ: (هاهنا).

ص: 216

مسلم

(1)

. وأما الإمام أحمد فردَّ ذلك، وقال

(2)

: قد رواه أحد عشر صحابيًا، فأين تقعُ هذه الروايةُ من ذلك؟ وذهب رحمه الله إلى جواز الفسخ لغير الصحابة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما. بوجوب الفسخ على كل من لم يَسُقِ الهَدْيَ بل عنده أنّه يحلّ شرعًا إذا طاف بالبيت، ولم يكن ساق هَدْيًا صار حلالًا بمجرد ذلك، وليس عنده

(3)

النُّسُكُ إلا القِران لمن ساق الهَدْيَ أو التَّمتّع لمن لم يَسُقْ، فاللَّه أعلم.

قال البخاري

(4)

: حدّثنا أبو النعمان حدثنا

(5)

حماد بن زيد، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن جابر، وعن طاووس، عن ابن عباس، قالا: قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه صُبْحَ رابعةٍ من ذي الحجة يُهلُّون بالحَجِّ لا يَخْلِطُهُ شيءٌ، فلما قدمنا أمَرَنا فجعلناها

(6)

عمرةً، وأن نَحِلّ إلى نسائنا، ففشت في ذلك القالة

(7)

. قال عطاء: قال جابر: فيَروحُ أحدُنا إلى منى وذَكَرُةَ يَقْطُرُ مَنِيًّا. قال جابر -بكفه- فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلغني أنّ قومًا يقولون كذا وكذا، واللَّه لأنا أبر وأتقى للَّه منهم، ولو أنّي استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديتُ، ولولا أنّ معي الهَدْي لأحللتُ، فقام سراقة بن جُعْشُم، فقال: يا رسول اللَّه هي لنا أو للأبد؟ فقال: لا، بل للأبد. وقال

(8)

مسلم

(9)

: حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث، هو ابن سعد، عن أبي الزُّبير، عن جابر: أنه قال: أقبلنا مُهِلّين

(10)

مع رسول اللَّه بحجٍّ مفردٍ، وأقبلت عائشةُ بعمرةٍ، حتّى إذا كُنا بسَوَف عَرَكت

(11)

، حتى إذا قدمنا طُفْنا بالكَعْبة والصَّفا والمَرْوة، وأمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يحلّ منا منْ لم يكن معه هَدْيٌ. قال: فقلنا: حلُّ ماذا؟ قال: الحِلُّ كلُّه، فواقَعْنا النساء، وتَطَيَّبْنا بالطِّيب، ولبسنا ثيابنا

(12)

، وليس بيننا وبين عَرَفَة إلا أربع ليالٍ، فهذان الحديثان فيهما التصريحُ بأنَّه عليه الصلاة والسلام قدمَ مكةَ عامَ حجة الوَداع لصبح رابعةِ ذي الحجّةِ، وذلك يوم الأحد، حين ارتفع النهارُ وقتَ الضَّحاءِ

(13)

، لأنّ أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف، لأن يوم عرفة منه كان يوم

(1)

مسلم (1224).

(2)

أ: (وقد) بإسقاط الفعل (قال).

(3)

ط: (عنه).

(4)

البخاري (2371)(2505).

(5)

ليست (حدّثنا) في ط.

(6)

ط: (فجعلنا).

(7)

ط: (تلك المقالة).

(8)

ط: (فقال بل للأبد قال مسلم).

(9)

مسلم (1213).

(10)

أ: (مهلون).

(11)

عركت: حاضت (النهاية: عرك).

(12)

ط: (ثيابًا).

(13)

أ: (الضحى).

ص: 217

الجمعة بنصِّ حديث عمر بن الخطاب الثابت في "الصحيحين" كما سيأتي. فلما قدم عليه الصلاة والسلام يوم الأحد رابع الشهر بدأ -كما ذكرنا- بالطّواف بالبيت، ثم بالسعي بين الصفا والمروة، فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة أمر منْ لم يكن معه هَدْيٌ أن يحلّ من إحرامه حتمًا، فوجب ذلك عليهم لا محالةَ، ففعلوه وبعضهم متأسّف، لأجل أنّه عليه الصلاة والسلام لم يَحِلّ من إحرامه لأجل سَوْقِه الهَدْي، وكانوا يحبون موافقته عليه الصلاة والسلام والتأسِّي به، فلما رأى ما عندهم من ذلك، قال لهم:"لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سُقت الهَدْي ولجعلتها عمرة". أي: لو أعلم أن هذا يشقّ

(1)

عليكم لكنتُ تركتُ سَوْق الهَدْيِ حتى أُحِلَّ كما أحللتم، ومن هاهنا تتَّضح

(2)

الدلالةُ على أفضلية التّمتع كما ذهب إليه الإمام أحمد أخذًا من هذا، فإنه قال

(3)

: لا أشكُّ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، ولكنّ التمتع أفضل لتأسُّفه عليه، وجوابه: أنه عليه الصلاة والسلام لم يتأسف على التمتع لكونه أفضلَ من القرانِ في حقِّ منْ ساقَ الهَدْيَ، وإنما

(4)

تأسَّفَ عليه لئلا يَشُقَّ على أصحابه في بقائه على إحرامه وأمره لهم بالإحلال، ولهذا واللَّه أعلم لمّا تَأمَّلَ الإمام أحمد هذا السرّ نصَّ في رواية أخرى عنه على أن التمتّعَ أفضلُ في حق منْ لم يَسُقِ الهَدْيَ لأمره عليه الصلاة والسلام، منْ لمْ يَسُقِ الهَدْيَ من أصحابه بالتمتع

(5)

وأن القِرانَ أفضلُ في حقّ منْ ساق الهَدْيَ كما اختار اللَّه عز وجل لنبيّه، صلوات اللَّه وسلامه عليه، في حجة الوداع وأمره له بذلك كما تقدم. واللَّه أعلم.

‌فصل

ثُمَّ سار صلوات اللَّه وسلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصّفا والمَرْوة وأمره بالفَسْخ لِمَنْ لم يَسُقِ الهَدْيَ، والناسُ معه، حتى نزلَ بالأبطح شَرْقيَّ مكة، فأقام هُنالكَ بقيةَ يومِ الأحد ويوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء، حتَّى صَلَّى الصبحَ من يومِ الخميس، وكلّ ذلك يُصَلِّي

(6)

بأصحابه هنالك، ولم يَعُدْ إلى الكعبة في

(7)

تلك الأيام كلها.

قال البخاري

(8)

: باب مَنْ لم يقرب الكعبة ولم يَطُفْ حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف

(1)

ط: (ليشقّ).

(2)

أ: (تتعطل).

(3)

ليس اللفظ فى أ.

(4)

أ: (فإنما).

(5)

ليست في ط، واستدركتها من أ.

(6)

ط: (كل ذلك يصلي) وفي أ: (وكل ذلك لا يصلي).

(7)

ط: (من).

(8)

البخاري (1625).

ص: 218

الأول: حدّثنا محمد بن أبي بكر، حدّثنا فُضَيْل بن سليمان، حدّثنا موسى بن عقبة، قال: أخبرني كُرَيْب، عن عبد اللَّه بن عباس، قال:

قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ فطافَ سبعًا

(1)

وسعى بين الصَّفا والمروة، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة.

انفرد به البخاري.

‌فصل

وقدم في

(2)

هذا الوقت -ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُنيخٌ بالبَطحَاءِ خارجَ مكَّةَ- عليٌّ من اليمن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه، كما قدمنا، إلى اليمن أميرًا بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما، فلما قدم وجد زوجته فاطمةَ بنتَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد حلّتْ كما حلّ أزواجُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والذين

(3)

لم يسوقوا الهَدْي، واكتحلَتْ، ولبسَتْ ثيابًا صبيغًا، فقال: من أمَرَكِ بهذا؟ قالت: أبي، فذهب مُحَرِّشًا عليها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنّها حَلَّتْ، ولبستْ ثيابًا صبيغًا واكتحلتْ، وزعمَتْ أنّكَ أمَرْتَها بذلك يا رسول اللَّه. فقال: صَدَقَتْ صَدَقَتْ صَدَقَتْ. ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بم أهْلَلْتَ حين أوْجَبْتَ الحجّ؟ قال: بإهلالٍ كإهلالِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: فإنَّ معي الهَدْيَ فلا تَحِلّ، فكان جماعة الهدي الذي جاء به عليٌّ من اليمن، والذي أتى به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المدينة

(4)

واشتراه في الطريق مئة من الإبل، واشتركا في الهَدْي جميعًا، وقد تقدّم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله.

وهذا التقرير يردّ الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني

(5)

رحمه الله من حديث عكرمة عن ابن عباس: أنَّ عليًّا تلقَّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجُحْفَة

(6)

واللَّه أعلم، وكان أبو موسى في جملة منْ قدمَ مع عليّ، ولكنه لم يَسُق هَدْيًا فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يَحِلَّ بعد ما طاف للعمرة وسعى، ففسخ حجّه إلى العمرة، وصار متمتعًا، فكان يُفْتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب، فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحجَّ عن العمرة، ترك فُتياه مهابةً لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه.

(1)

ليس اللفظ في البخاري.

(2)

أ: (من).

(3)

أ: (الذين) بلا واو، وما أثبته يوافق ما في البخاري.

(4)

أ: (قال: فإن معي الهدي من المدينة واشتراه في الطريق).

(5)

المعجم الكبير للطبراني 11/ 230 - 231 (11584).

(6)

الجُحْفَة: قال ياقوت: الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة، وقيل على أربع مراحل (معجم البلدان).

ص: 219

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عون بن أبي جُحَيْفَة، عن أبيه، قال: رأيتُ بلالًا

(2)

يُؤَذِّنُ ويدورُ، وأتتبع

(3)

فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه

(4)

. قال: ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قُبَّةٍ له حمراء أُراها من أَدَم. قال

(5)

فخرجَ بلالًا بين يديه بالعَنزة

(6)

فركزها فصلَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال عبد الرزاق: وسمعته بمكة، قال: -بالبطحاء- ويمرُّ بين يديه الكلبُ والمرأةُ والحمارُ، وعليه حُلَّةٌ حمراء، كأني أنظرُ إلى بريق ساقيه. قال سفيان: نراها حِبَرَةً.

(وقال أحمد

(7)

: حدّثنا)

(8)

وكيع، حدّثنا سفيان، عن عون بن أبي جحيفة

(9)

عن أبيه. قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبْطَح، وهو في قُبّةٍ له حمراء، فخرج

(10)

بلالٌ بفضل وضوئه، فمن ناضح ونائل

(11)

. قال: فاذَّن بلال، فكنت أتَتبَّع فاه هكذا وهكذا -يعني يمينًا وشمالًا- قال: ثم رَكَزْتُ له عَنَزَةً، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء، أو حلة حمراء، وكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا إلى عَنَزةٍ الظهرَ أو العصرَ ركعتين، تمرُّ المرأةُ والكلبُ والحمارُ لا يمنعُ، ثم لم يزل يُصَلِّي ركعتين حتى أتى المدينة. وقال مرة

(12)

: فصلَّى الظهرَ ركعتين، والعصرَ ركعتين. وأخرجاه في "الصحيحين"

(13)

من حديث سفيان الثوري.

وقال أحمد

(14)

أيضًا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، (ح) وحجاج [أخبرني شعبة] عن الحكم، سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ وصلى الظهرَ ركعتين، وبين يديه عَنَزة. وزاد فيه عون عن أبيه أبي جحيفة: وكان يمرُّ من ورائها

(15)

الحمارُ والمرأةُ.

(1)

مسند الإمام أحمد 4/ 8، 30، وهو حديث صحيح.

(2)

ط: (رأيت بلال) خطأ.

(3)

أ، ط:(يتبع) وما أثبته عن المسند وهو الأشبه.

(4)

ط: (أذنه) تصحيف.

(5)

ط: (قال: قال).

(6)

العَنَزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئًا، وفيها سنان مئل سنان الرمح (النهاية: عنز).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 308).

(8)

ما بين القوسين زيادة عن أ.

(9)

ليس اللفظ في أ. (وانظر تقريب التهذيب - عوامة - 433).

(10)

أ: (قال: فخرج)

(11)

قال ابن الأثير تعليقًا على هذا الحديث: (أي مُصيب منه وآخِذ). (نهاية الأرب: نيل).

(12)

في المسند: (وقال وكغ مرة).

(13)

البخاري (634) ومسلم (503)(249).

(14)

مسند الإمام أحمد (4/ 309).

(15)

ط: (من ورائنا).

ص: 220

قال حجاج في الحديث: ثم قام الناسُ، فجعلوا يأخذونَ يدَه، فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذتُ يَدَه فوضَعْتُها على وجهي، فإذا هي أبردُ من الثَّلْج، وأطيبُ ريحًا من المسك. وقد أخرجه

(1)

صاحبا الصحيح

(2)

من حديث شعبة بتمامه.

‌فصل

فأقام عليه السلام بالأبطح -كما قدمنا- يوم الأحد ويوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وقد حلَّ الناسُ إلا من ساق الهَدْيَ.

وقدمَ في هذه الأيام عليُّ بن أبي طالب من اليَمَن بمنْ مَعَهُ من المُسلمين وما معه من الأموال، ولم يَعُدْ عليه الصلاة والسلام إلى الكَعْبة بعدما طافَ بها، فلما أصبحَ عليه السلام يومَ الخميس صلَّى بالأبطح الصبحَ من يَوْمئذٍ، وهو يوم التَّروية، ويقال له: يومُ مِنًى، لأنه يُسارُ فيه إليها. وقد رُوي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطبَ قبلَ هذا اليوم، ويقال للذي قبلَه فيما رأيتُه في بعض التّعاليق: يومُ الزِّينة، لأنّه تُزَيَّن

(3)

فيه البُدْنُ بالجِلال، ونحوها، فاللَّه أعلم.

قال الحافظ البيهقي

(4)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجُلوديُّ، حدّثنا محمد بن إسماعيل بن مِهْران، حدّثنا محمد بن يوسف، حدّثنا أبو قُرَّةَ، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل

(5)

يوم التروية خطبَ النّاس فأخبرهم بمناسكهم.

فركبَ عليه السلام، قاصدًا إلى منًى قبلَ الزَّوال، وقيل بعده، وأحْرَمَ الّذين كانوا قد حَلّوا بالحجِّ من الأبطح حين توجَّهوا إلى منًى، وانبعثت رواحلهم نحوها.

قال عبد الملك، عن عطاء، عن جابر بن عبد اللَّه: قدمنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأحْلَلْنا حتَّى كان يومُ التَّرْوية، وجعلنا مكة منّا بظَهْرٍ، لَبَّيْنا بالحَجِّ.

ذكره البخاري

(6)

تعليقًا مجزومًا.

وقال مسلم

(7)

: ثنا محمد بن حاتم، ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبير، عن جابر. قال:

(1)

أ: (أخرجاه) على لغة أكلوني البراغيث.

(2)

البخاري رقم (187) ومسلم (503)(252).

(3)

ط: (يزين).

(4)

ليس لفظ "الحافظ" في أ، والحديث في السنن الكبرى (5/ 111)(9219).

(5)

ط: (إذا خطب يوم التروية).

(6)

البخاري قبل (1653).

(7)

مسلم (1214).

ص: 221

أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى. قال: وأهللنا من الأبطح

(1)

.

وقال عُبَيْد بن جُرَيْج لابن عمر: رأيتُكَ إذا كنتَ بمكة أهلَّ الناسُ إذا رأوا الهلال، ولم تُهِلّ أنتَ حتى يوم التَّرْويةِ. فقال: لم أر النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُهلّ بها

(2)

حتى تَنْبعثَ به راحلتُه. رواه البخاري

(3)

في جملة حديث طويل.

قال البخاري

(4)

: وسئل عطاء عن المجاور

(5)

منًى يُلَبِّي بالحجِّ. فقال: كان ابنُ عمر يُلبِّي يوم التروية إذا صلَّى الظُّهْر، واستوى على راحلته.

قلت: هكذا كان ابنُ عمر يَصنَعُ إذا حجَّ مُعْتمرًا؛ يحلُّ من العمرة، فإذا كان يوم الترويةِ لا يُلَبِّي حتى تنبعثَ به راحلتُه مُتَوَجِّهًا إلى مِنًى، كما أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ذي الحُلَيْفة بعدما صلَّى الظُهْرَ وانْبَعَثَتْ به راحلتُه، لكن يوم التروية لم يُصَلِّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الظهر بالأبْطَح، وإنّما صلاها يَوْمَئِذٍ بمنًى، وهذا مما لا نزاع فيه. وقال البخاري

(6)

باب أين يصلي

(7)

الظهِر يومَ التَّرْوية: حدّثنا عبد اللَّه بن محمد، حدّثنا إسحاق الأزْرق، حدّثنا سُفيان، عن عبد العزيز بن رُفيْع. قال: سالت أنسَ بن مالك قلت

(8)

: أخبرني بشيء عَقَلْتَهُ عن

(9)

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أين صلَّى

(10)

الظُّهْرَ والعَصْرَ يومَ الروية؟ قال: بمنًى. قلت: فأين صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قال: بالأبْطَح. ثم قال: افعل كما يفعلُ أُمراؤُكَ.

وقد أخرجه بقيَّةُ الجَماعةِ

(11)

إلا ابن ماجه، من طرقٍ، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان الثوري به. وكذلك رواه الإمام أحمد

(12)

، عن إسحاق بن يوسف

(13)

الأزرق به. وقال الترمذيّ: حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق، عن الثوري.

(1)

أ: (وأهللنا بالأبطح).

(2)

عن أوحدها.

(3)

البخاري رقم (166).

(4)

البخاري معلقًا قبل (1653).

(5)

أ، ط:(المجاوز).

(6)

هو في صحيح البخاري (1653).

(7)

أ: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم).

(8)

ط: (قال: قلت).

(9)

ط، أ:(عقلت من) وما أثبته عن صحيح البخاري.

(10)

ط: (يصلي).

(11)

مسلم (1309)، والترمذي (964) وأبو داود (1912)، والنسائي (5/ 249)(2997).

(12)

رواه أحمد في المسند (3/ 100).

(13)

ليس اللفظ في أ، وانظر المسند (3/ 100).

ص: 222

ثم قال البخاري

(1)

أنبأنا علي، سمع أبا بكر بن عيَّاش، حدّثنا عبد العزيز بن رُفَيْع، قال: لقيتُ أنسَ بن مالك، وحدّثني إسماعيل بن أبان، حدّثنا أبو بكر بن عَيَّاش، عن عبد العزيز، قال: خرجتُ إلى منًى يومَ التَّروية، فلقيتُ أنسًا ذاهبًا على حمار، فقلت: أين صلّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا اليومَ الظهرَ؟ فقال انظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أمراؤُكَ فَصَلِّ.

وقال أحمد

(2)

: حدّثنا أسْوَد بن عامر، حدّثنا أبو كدَيْنة

(3)

، عن الأعمش، عن الحَكَم

(4)

عن مِقْسَم، عن ابن عباس: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى خمس صلوات بمنى.

وقال أحمد

(5)

أيضًا، حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا أبو مُحَيّاة يحيى بن يَعْلَى التَّيْمي، عن الأعْمَش، عن الحَكَم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظهرَ يومَ التروية بمنًى، وصَلَّى الغداة يوم عرفة بها.

وقد رواه أبو داود

(6)

، عن زُهَير بن حَرْب، عن أحْوَص بن جَوّاب

(7)

، عن عمار بن رُزَيْق

(8)

، عن سليمان بن مِهْران الأعْمَش به، ولفظه: صلَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ يوم التَّروية والفجر يومَ عرفة بمنى

(9)

.

وأخرجه الترمذيّ

(10)

، عن الأشج، عن عبد اللَّه بن الأجْلَح، عن الأعمش بمعناه، وقال: ليس هذا مما عدَّه شعبة فيما سمعه الحكم عن مِقْسَم

(11)

.

(1)

صحيح البخاري (1654).

(2)

أ: (قال)، والحديث في مسند الإمام أحمد (1/ 297، 303).

(3)

أ: (أبو كرنبة) وهو تحريف. وأبو كدينة بالتصغير - اسمه يحيى بن المُهَلَّب البجلي أبو كُدَيْنة الكوفي روى عن الأعمش وغيره، وروى عنه أسود بن عامر (انظر تهذيب التهذيب (11/ 289)، وتقريبه - عوامة - 597).

(4)

ط: (الحكيم) وهو تحريف. والحكم هو ابن عُتَيْبَة أبو محمد الكندي مولاهم الكوفي، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عبد اللَّه. حدث عن مِقْسَم وغيره، وعنه الأعمش وغيره. مات سنة خمس عشرة ومئة وقيل أربع عشرة. سير أعلام النبلاء (5/ 208 - 213)، وتهذيب التهذيب (2/ 432).

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 297).

(6)

أبو داود (1911).

(7)

ط: (عن جواب). وهو تحريف. انظر تهذيب التهذيب (1/ 191)، وتقريبه (96).

(8)

(أ: (زريق) تحريف، وهو عمار بن رُزَيق بتقديم الراء -مصغرًا- (تقريب التهذيب 407).

(9)

ط: (ولفظه صلى الله عليه وسلم الظهر يوم عرفة بمنى).

(10)

رواه الترمذيّ رقم (880).

(11)

قال بشار: أعل الإمام الترمذيّ هذا الحديث بالانقطاع، فهذا الحديث لم يسمعه الحكم بن عتيبة من مقسم، فإنه لم يسمع منه إلا خمسة أحاديث وهي: حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل الذي يأتي امرأته وهي حائض، فهذا ليس منها، ومن ثم فإن تصحيح محققي مسند أحمد لهذا الحديث (1/ 297 و 303) فيه نظر.

ص: 223

وقال الترمذي

(1)

: حدّثنا أبو سعيد الأشَجُّ، حدّثنا عبد اللَّه بن الأجْلَح، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس قال: صَلَّى بنا رسول اللَّه بمِنَى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْربَ والعِشاءَ والفَجْر، ثم غدا إلى عرفاتٍ.

ثم قال: وإسماعيل بن مسلم قد تُكلِّم فيه.

وفي الباب عن عبد اللَّه بن الزُّبير، وأنس بن مالك.

وقال الإمام أحمد

(2)

: [حدّثنا يزيد بن عبد ربه، حدّثنا الوليد بن مسلم

(3)

عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة] عَمَّنْ رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه راحَ إلى منى يومَ التَّرْوية، وإلى جانبه بلال

(4)

بيده عودٌ عليه ثوبٌ يُظَلِّلُ به رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يعني من الحَرِّ- تَفَرَّدَ به أحمد.

وقد نصَّ الشافعيُّ على أنه عليه الصلاة والسلام رَكِبَ من الأبْطَح إلى مِنًى بعدَ الزَّوالِ، ولكنه إنَّما صَلَّى الظهْرَ بمنًى، فقد يُسْتَدَلُّ له بهذا الحديث. واللَّه أعلم.

وتقدمَ في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: فحَلَّ الناسُ كُلُّهُمْ وقَصَّروا إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ومنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فلمّا كانَ يومُ التَّروية تَوَجَّهوا إلى مِنًى فأَهَلُّوا بالحج، وركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَصَلّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، ثم مكثَ قليلًا حتى طلعَتِ الشَّمْسُ، وأمر بقُبَّةٍ له من شَعْرٍ، فضُربتْ له بنَمِرةٍ

(5)

فسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا تشُك قُرَيْشٌ إلا أنَّه واقِفٌ عِندَ المَشْعر الحَرام، كما كانت قريشٌ تَصْنَعُ في الجاهلية، فاجتاز

(6)

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى أتى عَرَفةَ، فوجد القُبَّة قد ضُربت له بنَمِرة فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشَّمْسُ أمرَ بالقَصْواءَ فرُحلَتْ له، فأتى بطنَ الوادي فخَطَبَ النّاسَ، وقال:

"إنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم حرامٌ عليكم، كحُرْمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كُلُّ شيء من أمْرِ الجاهلية موضوع تحت قدميَّ، ودماءُ الجاهليَّة موضوعةٌ، وإن أولَ دمٍ أضَعُ من دمائِنا دمُ ابن ربيعة بن الحَارث، وكان

(7)

مُسْترضعًا في بني سَعْدٍ فقتلتْهُ هُذَيْل. وربا الجاهلية موضوع، وأوَّلَ ربا أضعُ ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنّه موضوع كلُّه، واتقوا اللَّهَ في النِّساء، فإنَّكم أخذْتُموهن بأمانةِ اللَّهِ، واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهُنَّ بكلمةِ اللَّهِ، ولكم عليهن أن لا يُوطئنَ فُرُشَكُم أحدًا تَكْرَهُونَهُ، فإن فَعَلْنَ ذلك

(1)

الترمذي (879).

(2)

مسند الإمام أحمد (5/ 268) وما بين المعقوفتين مستدرك عنه، وإسناده ضعيف.

(3)

في الأصول: الوليد أبو مسلم، وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال.

(4)

بعد هذا اللفظ في أ: (قال).

(5)

زيادة من أ.

(6)

ط: (فأجاز).

(7)

أ: (كان) بلا واو.

ص: 224

فاضْرِبوهنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكُم

(1)

رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتهنَّ بالمعروف، وقد تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بَعْدَه

(2)

إن اعْتَصَمْتُم به؛ كتابَ اللَّهِ، وأنتم تُسْألُونَ عنّي فما أنْتُمْ قائِلون؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وأدَّيْتَ ونَصَحْتَ. فقال بإصْبعِهِ السَّبابةِ يَرْفَعُها إلى السماء ويَنْكُتُها إلى

(3)

الناس، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللهمَّ اشْهَدْ، اللهُمّ أشْهد، ثلاث مرات.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي

(4)

: أنبأنا عليُّ بن حُجْرٍ [أنبأنا جرير] عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حِذْيَمٍ بن عَمْرٍو السَّعدي عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ في خطبته يوم عَرَفة في حجَّةِ الوداع: "اعْلَموا أنَّ دماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ حرامٌ عليكمْ كحُرْمة يومكم هذا، كحُرْمةِ شَهْرِكُم هذا، كحُرْمَةِ بَلَدكُمْ هذا".

وقال أبو داود

(5)

: باب الخُطبة على المنبر برفة، حدّثنا هَنّادٌ عن ابن أبي زائدة، حدّثنا سُفيان بن عُيَيْنة، عنِ زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضَمْرَة، عن أبيه أو عمه. قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعَرَفة.

وهذا الإسناد ضعيف. لأنّ فيه رجلًا مُبْهَمًا، ثم تقدَّم في حديث جابرٍ الطويل أنَّه عليه الصلاة والسلام خَطَب على ناقته القَصْواء.

ثم قال أبو داود

(6)

: ثنا مُسَدّد، ثنا

(7)

عبد اللَّه بن داود، عن سلمة بن نُبَيْط، عن رجل من الحي، عن أبيه نُبَيْط: أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واقفًا بعَرَفَةَ على بعيبر أحمَرَ يخطبُ. وهذا فيه مُبْهمٌ أيضًا، ولكن حديث جابر شاهدٌ له.

ثم قال أبو داود

(8)

: حدّثنا هَنَّاد بن السَّرِيّ، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: ثنا وكيع، عن عبد المجيد

(9)

أبي عَمْرو، قال: حدّثني العَدّاءُ بن خالد بن هَوْذَة -وقال هَنَّاد: عن عبد المجيد، حدّثني خالد بن العَدّاء بن هَوْذَة- قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطبُ الناسَ يومَ عرفةَ على بعيرٍ قائمًا في

(1)

ليس اللفظ في أ.

(2)

ط: (بعدي).

(3)

أ، ط:(على) وما هنا عن مسلم (1218).

(4)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 422)(4002) وفيه (أنبأنا جرير عن مغيرة).

(5)

رقم (1915).

(6)

أبو داود (1916).

(7)

ليس اللفظ في ط، واستدركته من أ.

(8)

أبو داود (1917) و (1918)، وهو حديث صحيح.

(9)

ط: (عن عبد المجيد بن أبي عمرو). وانظر تهذيب الكمال (18/ 276).

ص: 225

الرّكابَيْن. قال أبو داود: رواه ابنُ العَلاء، عن وكيع، كما قال هَناد، وحدّثنا عباسُ بنُ عبد العظيم، حدّثنا عثمانُ بن عمر، حدّثنا عبد المجيد أبو عمرو، عن العَدّاء بن خالد بمعناه.

وفي الصحيحين

(1)

عن ابن عباس. قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطبُ بعرفاتٍ: منْ لمْ يَجدْ نَعْلَيْن فَلْيَلْبسِ الخُفَّين، ومنْ لم يجد إزارًا فَلْيَلْبِسِ السَّراويل للمُحرِمِ.

وقال محمد بن إسحاق

(2)

: حدّثني يحيى بن عَبّاد بن عبد اللَّه بن الزُّبير، عن أبيه عَبَّاد، قال: كان الرجلُ الذي يصرُخُ في الناس بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعةَ بنَ أميَّةَ بن خلف، قال يقول له

(3)

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُلْ: أيُّها الناس إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: هل تَدْرون أيّ شَهْرٍ هذا؟ فيقولون: الشَّهْرُ الحرامُ. فيقول: قُلْ لهم: إنَّ اللَّهَ قد حَرَّمَ عليكم دِماءَكُمْ وأموالكم كحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هذا. ثم يقول: قل: أيُّها الناس إنَّ رسولَ اللَّه يقول: هَلْ تَدْرُونَ أيَّ بلدٍ هذا؟ وذكر تمام الحديث.

وقال محمد بن إسحاق: حدّثني ليثُ بن أبي سُلَيْم، عن شهر بن حَوْشَبْ، عن عمرو

(4)

بن خارجة، قال: بعثني عَتاب بن أَسيد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة في حاجة فبلَغَتْهُ، ثم وقفت

(5)

تحت ناقته وإنَّ لعابَها ليقَعُ على رأسي، فسمعتُهُ يقول: أيُّها الناس إن اللَّهَ [قد] أدَّى إلى

(6)

كل ذي حَقٍّ حَقَّهُ، وإنه لا تجوز

(7)

وصيةٌ لوارث، والولدُ للفِراش، وللْعاهِرِ الحَجَرُ، ومنِ ادّعى إلى غير أبيه، أو تَوَلَّى غيرَ مواليه، فعليه لعنةُ اللَّه والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبلُ اللَّهُ له صَرْفًا ولا عَدْلًا.

ورواه الترمذيّ

(8)

والنسائي

(9)

وابن ماجه

(10)

من حديث قَتادة، عن شَهْرِ بن حَوْشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن عمرو بن خارجة به. وقال الترمذيّ: حسن صحيح. قلت: وفيه اختلاف على قتادة، واللَّه أعلم. وسنذكر الخطبةَ التي خطبها عليه الصلاة والسلام بعد هذه الخطبة يوم النحر، وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل والآداب النبوية إن شاء اللَّه.

(1)

صحيح البخاري (1841) ومسلم (1178).

(2)

سيرة ابن هشام (2/ 605).

(3)

عبارة (يقول له) زيادة عن أ وليست في ط.

(4)

أ: (عمر).

(5)

أ: (وقف).

(6)

ليس اللفظ في ط وزدته عن أ.

(7)

ط: (لا يجوز).

(8)

الترمذيّ (2121)، وهو حديث صحيح.

(9)

النسائي (6/ 247)(3643) وهو صحيح.

(10)

ابن ماجه (2712) وهو صحيح.

ص: 226

وقال

(1)

البخاري: باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة، حدّثنا عبدُ اللَّه بن يوسف، أنبأنا مالك، عن محمد بن أبي بكر الثقفي، أنه سأل أنس بن مالك، وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يهلُّ منا المُهّل فلا يُنْكَر عليه، ويكبّر المُكَبِّر منا فلا يُنْكر عليه. وأخرجه مسلم

(2)

من حديث مالك وموسى بن عقبة، كلاهما عن محمد بن أبي بكر بن عوف بن رياح الثقفي الحجازي، عن أنس به.

وقال البخاري

(3)

: حدّثنا عبد اللَّه بن مَسْلَمة

(4)

، حدّثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه أن

(5)

عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف أن يأتمّ بعبد اللَّه بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر، وأنا معه، حين زاغت الشمس -أو زالت الشمس

(6)

- فصاح عند فسْطاطه أين هذا فخرجَ إليه. فقال ابن عمر: الرَّواحَ. فقال: الآن؟ قال: نعم! فقال: أنْظِرْني حتى أُفيضَ عليَّ ماءً، فنزل ابن عمر حتى خرج، فسار بيني وبين أبي، فقلُت: إن كنتَ تريدُ أن تصيبَ السنةَ اليوم، فاقْصُرِ الخطبةَ وعَجِّلِ الوقوفَ، فقال ابن عمر: صدقَ، ورواه البخاري أيضًا، عن القعنبي

(7)

، عن مالك به. وأخرجه النّسائي

(8)

من حديث أشهب وابن وهب عن مالك.

ثم قال البخاري

(9)

بعد روايته هذا الحديث: وقال الليث: حدّثني عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم: أنَّ الحجاج عامَ نزلَ بابن الزُّبير سأل عبدَ اللَّه كيفَ تصنعُ في هذا الموقف فقال

(10)

: إن كنتَ تريدُ السنة فهجِّر بالصلاة يوم عرفة. فقال ابن عمر: صدَق، إنهم كانوا يجمعون بين الظُّهر والعصر في السّنة، فقلت لسالم: أفَعَلَ ذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟! فقال: هل تَبْتغون بذلك إلا سُنَّتَه.

وقال أبو داود

(11)

: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب، ثنا أبي

(12)

، عن ابن إسحاقَ، عن نافع، عن

(1)

ط: (قال) بلا واو. وهو في البخاري (1659).

(2)

مسلم (1285).

(3)

البخاري (1663).

(4)

أ: (مسلم) وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 257).

(5)

ط: (أن عبد اللَّه بن عبد الملك).

(6)

البيت عبارة (أو زالت الشمس) في أ.

(7)

مكان هذا الراوي في صحيح البخاري (1660)(عبد اللَّه بن يوسف)، فلعله اشتبه عليه بعبد اللَّه بن مسلمة.

(8)

سنن النسائي (5/ 252)(3005)، (5/ 254)(3009).

(9)

البخاري (1662) معلقًا.

(10)

أ: (فقلت) وفي البخاري (فقال سالم).

(11)

أبو داود (1913)، وهو حديث حسن.

(12)

ط: (حدّثنا أبي عوف وما هنا عن أبي داود).

ص: 227

ابن عمر: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غدا من مِنًى حينَ صَلَّى الصُّبحَ صَبيحة يوم عرفة، فنزل بنَمِرة، وهي منزل الإمام الذي ينزلُ به بعرفة، حتّى إذا كان عندَ صلاة الظُّهر، راح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُهَجِّرًا، فجمع بين الظهر والعصر، وهكذا ذكر جابر في حديثه بعدما أورد الخطبة المتقدمة، قال: ثم أذن بلالٌ، ثم أقام فصلَّى الظهر، ثم أقام فصلَّى العصر، ولم يُصَل بينهما شيئًا. وهذا يقتضي أنّه عليه الصلاة والسلام خطبَ أولأ، ثم أُقيمت الصلاة، ولم يتعرَّضْ للخطبة الثانية.

وقد قال الشافعي

(1)

: أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر في حجَّةِ الإسلام

(2)

قال: فراح النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة، فخطبَ النّاسَ الخطبة الأولى، ثم أذَنَ بلالٌ، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية، ففرغ من الخطبة، وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلَّى الظهرَ ثم أقام فصلَّى العصرَ. قال البيهقيّ: تفرَّدَ به إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى.

قال مسلم: عن جابر ثمَّ ركبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى أتى الموقفَ فجعل بطنَ ناقته القَصْواء إلى الصَّخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة.

وقال البخاري

(3)

: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بُكَيْر، عن كُرَيْب، عن ميمونة: أنّ النّاسَ شَكُّوا في صيام النبيّ صلى الله عليه وسلم[يوم عرفة]، فأرسلتُ إليه بحِلابٍ

(4)

، وهو واقف في الموقف، فشربَ منه، والناس ينظرون. وأخرجه مسلم

(5)

، عن هارون بن سعيد الأيْلي، عن ابن وهب به.

وقال البخاري

(6)

: أنبأنا عبد اللَّه بن يوسف، أنبأنا مالك عن أبي

(7)

النَّضْر مولى عمر بن عبيد اللَّه، عن عُمَيْر مولى ابن عباس، عن أمّ الفَضْل بنت الحارث: أنّ ناسًا تمارَوْا عندَها يومَ عرفَة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضُهم: هو صائمٌ، وقال بعضُهم: ليس بصائمٍ

(8)

، فأرسلتُ إليه بقَدحِ لبنٍ، وهو واقفٌ على بعيره، فشربه.

(1)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 114)(9238) من طريق الشافعي، وهو في مسنده (1/ 32).

(2)

ط: (الوداع) وهي رواية الشافعي.

(3)

البخاري (1989).

(4)

"الحِلاب والمِحْلَبُ": الإناء لذي يُحْلَبُ فيه اللبن (النهاية فى غريب الحديث والأثر: حلب).

(5)

مسلم (1124).

(6)

البخاري (1988).

(7)

اللفظة زيادة عن (أ) ليست في صحيح البخاري.

(8)

أ: (ليس هو بصائم).

ص: 228

ورواه مسلم

(1)

من حديث مالك أيضًا. وأخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به

(2)

.

قلتُ: أمُّ الفضل هي أختُ ميمونةَ بنتِ الحارثِ أمِّ المؤمنين، وقصَّتُهُما واحدةٌ. واللَّه أعلم. وصح إسناد الإرسال إليهما لأنه من عندهما

(3)

، اللَّهمَّ إلا أن يكونَ بعدَ ذلك، أو تَعَدَّدَ الإرْسالُ من هذه ومن هذه، واللَّه أعلم.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، قال: لا أدري أَسَمِعْتُهُ من سعيدِ بن جُبَيْر أم نُبِّئتُه

(5)

عنه. قال: أتيتُ على ابن عباس، بعرفة

(6)

، وهو يأكل رُمّانًا. وقال: أفطر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة، وبعثَتْ إليه أمُّ الفضل بلبنٍ فشربه.

وقال أحمد

(7)

: ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ذِئْب، عن صالح مولى التَّوْأمة، عن ابن عباس: أنَّهم تمارَوْا في صَوْمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرفةَ. فأرسلَتْ أمُّ فضلٍ إلى رسول اللَّه بلبنٍ فشربه.

وقال الإمام أحمد

(8)

: ثنا عبد الرزاق وابن بكر

(9)

قالا: أنبأنا ابن جُرَيْج قال: قال عطاء: دعا عبدُ اللَّه بن عَبّاسٍ الفضلَ بن عبّاس إلى الطعام يومَ عرفةَ فقال: إنِّي صائمٌ. فقال عبد اللَّه: لا تَصُمْ، فإنَّ رسولَ اللَّه قُرِّبَ إليه حِلابٌ

(10)

فيه لبنٌ يومَ عرفةَ فشربَ منه، فلا تَصُمْ، فإنَّ النّاسَ مُسْتَنُّون بكم.

وقال ابن بَكْرٍ وروح

(11)

: إنّ الناس يستنون

(12)

بكم.

وقال البخاري

(13)

: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بينا رجلٌ واقفٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال

(1)

مسلم (1123)(110).

(2)

البخاري رقم (1658) ومسلم (1123)(111).

(3)

ط: (إليه لأنه من عندها).

(4)

المسند (1/ 359)(3376)، وهو حديث صحيح.

(5)

أ: (بنيه) تحريف، وانظر تقريب التهذيب 559.

(6)

ط: (وهو بعرفة).

(7)

مسند الإمام أحمد (1/ 344)(3210)، وإسناده حسن.

(8)

مسند الإمام أحمد (1/ 367)(3476)، وهو حديث حسن بطرقه.

(9)

أ: (ابن بكير) وط: (وأبو بكر) وفي كليهما تحريف. وابن بكر هو محمد بن بكر بن عثمان البرساني، أبو عثمان الأزدي البصري انظر سير أعلام النبلاء (9/ 421)، وتهذيب الكمال (24/ 530).

(10)

الإناء الذي يحلب فيه اللبن (النهاية: حلب).

(11)

هو روح بن عبادة، أبو محمد البصري الثقة الذي روى له الستة، وهو شيخ أحمد.

(12)

أ: (مستنون) في المرتين.

(13)

البخاري (1850).

ص: 229

فأوقصته- فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اغْسِلوه بماءٍ وسِدْر، وكَفِّنوهُ في ثوبين، ولا تمسُّوه طيبًا، ولا تُخَمِّروا رأسه، ولا تُحَنطوه، فإن اللَّه يبعثُهُ يومَ القيامة مُلَبِّيًا.

ورواه مسلم

(1)

عن أبي الربيع الزَّهْراني، عن حماد بن زيد.

وقال النسائي

(2)

: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم -هو ابن راهويه- أخبرنا وكيع، أنبأنا سُفيان الثَّوري، عن بُكَيْر بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي قال:

شهدتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة، وأتاه ناسٌ

(3)

من أهل نجدٍ، فسألوه عن الحجّ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"الحجُّ عَرَفَة" فمن أدرك ليلةَ عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جَمْعٍ فقد تَمَّ حجُّه.

وقد رواه بقية

(4)

أصحاب السُّنَن من حديث سُفيان الثوري -زاد النسائي: وشعبة- عن بُكَير بن عطاء به.

وقال النسائي

(5)

: أنبأنا قتيبة، أنبأنا سُفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان، أنَّ يزيد بن شيبان قال:

كُنَّا وقوفًا بعرفةَ مكانًا بعيدًا من الموقف، فأتانا ابن مِرْبَع الأنصاري فقال: إنّي رسولُ رسولِ اللَّه إليكم، يقولُ لكم: كونوا على مشاعركم، فإنّكم على إرثٍ من إرثِ أبيكم إبراهيم. وقد رواه أبو داود

(6)

والترمذي

(7)

وابن ماجه

(8)

من حديث سُفيان بن عُيَيْنة به. وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن عُيينة عن عمرو بن دينار. وابن مِرْبَع اسمه

(9)

يزيد بن مربع الأنصاري، وإنّما يُعرف له هذا الحديث الواحد. قال

(10)

: وفي الباب عن عليّ وعائشة وجُبَيْر بن مُطْعِم والشَّريد بن سُوَيْد.

وقد تقدم: من رواية مسلم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

مسلم (1206).

(2)

السنن رقم (3016).

(3)

ط: (أناس).

(4)

أ: (بقية الجماعة من أصحاب السنن) وانظر سنن أبي داود (1949) والسنن الكبرى للنسائي (2/ 462)(4180) وسنن الترمذيّ (889) وسنن ابن ماجه (3015)، وهو حديث صحيح.

(5)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 424)(4010).

(6)

أبو داود (1919)، وهو حديث صحيح.

(7)

الترمذيّ (883)، وهو حديث صحيح.

(8)

ابن ماجه (3011)، وهو حديث صحيح.

(9)

ليس اللفظ في أ. وفي ط: (اسمه زيد) والروايتان جائزتان انظر تهذيب الكمال (10/ 107) و (32/ 239).

(10)

م: (وقال).

ص: 230

وقفتُ هاهنا، وعرفة كلُّها موقفٌ. زاد مالك في مُوَطَّئِهِ

(1)

: وارفعوا عن بطن عُرَنة

(2)

.

‌فَصْلٌ فيما حُفِظَ مِنْ دُعائِهِ عليه الصلاة والسلام، وهو واقِفٌ بعَرَفَةَ

قد تقدَّمَ أنّه عليه الصلاة والسلام، أفطر يومَ عرفَة، فدلَّ على أنَّ الإفطار هناك أفضلُ من الصِّيام لما فيه من التقوية

(3)

على الدعاء، لأنّه المقصودُ الأهَمُّ هناك، ولهذا وقفَ عليه السلام وهو راكبٌ على الراحلة من لَدُنِ الزّوال إلى أن غربت الشمس.

وقد روى أبو داود الطّيالسي

(4)

في "مسنَدِه"، عن حوشب بن عَقيل، عن مَهْديّ الهَجَريّ، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صَوْمِ يَوْمِ عرفةَ بعرفة.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حوشب بن عَقيل، حدّثني مَهْديّ المُحاربي، حدّثني عِكْرمة مولى ابن عباس، قال: دخلتُ على أبي هريرة في بيته، فسألتُه عن صوم يوم عرفة بعرفات؟ فقال: نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم

(6)

عرفة بعرفات. وقال عبد الرحمن مرة عن مهدي العبدي. وكذلك رواه أحمد

(7)

، عن وكيع، عن حوشب، عن مَهْدي العَبْديّ فذكره. وقد رواه أبو داود

(8)

، عن سليمان بن حرب، عن حوشب. والنسائي

(9)

عن سليمان بن مَعْبَد

(10)

، عن سليمان بن حرب به - وعن الفَلّاس عن ابن مهدي به. وابن ماجه

(11)

عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن

(1)

رواه مالك بلاغًا، كما في جميع الموطآت (رقم 1151 برواية يحيى الليثي - بتحقيقنا، ورقم 1338 برواية أبي مصعب الزهري بتحقيقنا، ورقم 602 برواية سويد بن سعيد). على أن ابن عبد البر قال في التمهيد: "أكثر الآثار ليس فيها استثناء بطن عرنة من عرفة، ولا بطن محسر من مزدلفة، وكذلك نقلها الحفاظ الأثبات الثقات من أهل الحديث في حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في الحديث الطويل في الحج، ليس فيه استثناء بطن عرنة ولا محسر"(التمهيد 24/ 418 فما بعدها)(بشار).

(2)

ط: (عرفة).

(3)

ط: (التقوى).

(4)

وهو من طريقه في السنن الكبير للبيهقي (5/ 117)(9255) وإسناده ضعيف.

(5)

مسند الإمام أحمد (2/ 304)(8018).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

مسند الإمام أحمد (2/ 446)(9759) وإسناده ضعيف.

(8)

أبو داود (2440) وإسناده ضعيف.

(9)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 155)(2830 - 2831) وإسناده ضعيف.

(10)

ط: (عبد) وانظر سير أعلام النبلاء (12/ 185).

(11)

ابن ماجه (1732)، وإسناده ضعيف.

ص: 231

محمد، كلاهما عن وكيع، عن حوشب. وقال الحافظ

(1)

البيهقي: (أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا)

(2)

أبو أسامة الكلبي، ثنا حسن بن الربيع، ثنا الحارث بن عُبَيْد، عن حَوْشَب بن عَقيل، عن مَهْدي الهَجَريّ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة. قال البيهقي: كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ: عن عكرمة عن أبي هريرة.

وروى أبو حاتم محمد بن حبّان البُسْتي في "صحيحه"

(3)

عن عبد اللَّه بن عمر

(4)

أنَّه سُئل عن صَوْمِ يومِ عَرَفَةَ فقال: حججتُ مع رسولِ اللَّه فلم يَصُمْهُ، ومع أبي بكر فلم يَصُمْهُ، ومع عمر فلم يصمه، وأنا فلا أصومه، ولا آمرُ به، ولا أنهى عنه.

قال الإمام مالك

(5)

عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عيّاش

(6)

، عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أفضلُ الدُّعاء يومَ عرفةَ، وأفضلُ ما قلتُ أنا والنَّبيُّون من قَبْلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. قال البيهقي: هذا مرسل. وقد رُويَ عن مالك بإسنادٍ آخر موصولًا، وإسناده ضعيفٌ.

وقد روى الإمام أحمد والترمذي

(7)

من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول اللَّه قال: أفضلُ الدّعاءَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون منْ قَبْلي لا إله إلا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَريكَ له، له الملكُ وبه الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير.

وللإمام أحمد أيضًا: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان

(8)

أكثر دعاء

(9)

النبيّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرفة: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

وقال أبو عبد اللَّه بن منده

(10)

: أنبأنا أحمد (10) بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، ثنا أحمد بن داود بن جابر الأحْمَسي، ثنا أحمد بن إبراهيم المَوْصِلي، ثنا فَرَجُ بن فَضَالة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع عن

(1)

ليس لفظ (الحافظ) في أ.

(2)

ليس ما بين القوسين في ط، واستدركته عن أ وانظر السنن الكبرى للبيهقي (5/ 117)، وإسناده ضعيف.

(3)

الإحسان (3604)، وإسناده صحيح.

(4)

في الأصل: عمرو، والتصحيح من ابن حبان.

(5)

الموطأ (1/ 422)(945) قلت: وهو حسن بما بعده.

(6)

ط: (مولى أبي عباس) وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 456).

(7)

رواه أحمد في مسنده (2/ 210) باللفظ الذي بعده والترمذي رقم (3585) ورواه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة عن علي مرفوعًا، ومالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز مرسلًا عنه فهو حديث حسن.

(8)

ليس اللفظ في أ.

(9)

استدرك اللفظ في هامش أ.

(10)

وهو في الضعفاء الكبير للعقيلي من طريق الموصلي في ترجمة الفرج بن فضالة، وهو ضعيف.

ص: 232

ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "دعائي ودعاءُ الأنبياءِ قَبْلي عشيةَ عرفة: لا إله إلا اللَّه وحدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير".

وقال الإمام أحمد

(1)

: ثنا يزيد يعني ابن عبد ربه الجرجسي

(2)

، ثنا بقية بن الوليد، حدّثني جبير بن عمرو القرشي، عن أبي سعيد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى آل

(3)

الزُّبير بن العوام، عن الزُّبير بن العوام رضي الله عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في "مناسكه": ثنا الحسن بن مُثَنَّى بن مُعاذ العَنْبَري، ثنا عَفَّان بن مسلم، ثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصَّبّاح، عن خليفة، عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أفضلُ ما قلت أنا والأنبياء قَبْلي عَشيَّة عرفة لا إله إلا اللَّه وحدَهُ، لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير

(4)

.

وقال الترمذيّ

(5)

في الدعوات: ثنا محمد بن حاتم المؤدب، ثنا علي بن ثابت، ثنا قيس بن الربيع، وكان من بني أسد، عن الأغرِّ بن الصَّبَّاح، عن خليفة بن حُصَيْن، عن علي رضي الله عنه، قال:

كان أكثر

(6)

ما دعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: اللهمَّ لكَ الحمدُ كالذي نقول، وخيرًا

(7)

مما نقول، اللهمَّ لكَ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، ولك ربِّ تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر. اللهمَّ إنّي أعوذُ بكَ من شَرِّ ما تهبّ به الريحُ. ثم قال: غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقويّ.

وقد رواه الحافظ البيهقيّ

(8)

من طريق موسى بن عُبَيْدَة، عن أخيه عبد اللَّه بن عُبيدة، عن عليّ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنَّ أكثر دعاءِ منْ كانَ قَبْلي ودعائي يومَ عرفة أنْ أقول: لا إله إلا اللَّه، وحدَهُ لا شريكَ له، له المُلْكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير. اللهمَّ اجعلْ في بَصَري نورًا، وفي

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 166)(1420)، وإسناده ضعيف.

(2)

أ: (ابن عبد اللَّه الجرجشي). وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 967).

(3)

ليس اللفظ في أ.

(4)

وهو حديث حسن بشواهده.

(5)

الترمذيّ (3520)، وإسناده ضعيف، كما قال الترمذيّ.

(6)

ليس اللفظ في أ.

(7)

أ، ط:(وخيرٌ).

(8)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 117)(9258).

ص: 233

سمعي نورًا، وفي قلبي نورًا، اللهمَّ اشرحْ لي صدري، ويسِّرْ لي أمري، اللهمَّ إني أعوذُ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشرّ ما يلج في الليل، وشر ما يلجُ في النهار، وشر ما تهبُّ به الرياح، وشرّ بوائق الدهر

(1)

. ثم قال: تفرَّد به موسى بن عُبَيْدة، وهو ضعيف، وأخوه عبد اللَّه لم يدرك عليًا.

وقال الطَّبراني في "مناسكه"

(2)

: حدّثنا يحيى بن عثمان المصري

(3)

، ثنا يحيى بن بُكَيْر، ثنا يحيى بن صالح الأيْلي، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: كان فيما دعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:

"اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهالَ المُذْنبِ

(4)

الذَّليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعَتْ لكَ رقبتُه وفاضَتْ لكَ عَبْرَتُه، وذلَّ لك جسدُه، ورَغِمَ لكَ أنْفُهُ. اللهمَّ لا تجعلني بدعائك ربِّ شقيًا، وكن بي رؤوفًا رحيمًا، يا خير المسؤولين ويا خير المعطين".

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدّثنا هُشَيْم

(6)

، أنبأنا عبد الملك، ثنا عطاء، قال: قال أسامة بن زيد، كنتُ رَديفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ فرفعَ يدَيْه يدعو فمالت

(7)

به ناقتُه فسقطَ خِطامُها. قال: فتناولَ الخِطامَ بإحدى يَدَيْه، وهو رافع يَدَه الأخرى.

وهكذا رواه النَّسائي

(8)

، عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم به

(9)

.

وقال الحافظ البيهقي

(10)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا أبو عبد اللَّه محمد بن يعقوب، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، ثنا ابن جُرَيْج، عن حسين بن عبد اللَّه الهاشمي، عن عكرمة،

(1)

أ: (الدهور).

(2)

وأخرجه أيضًا الطبراني في "المعجم الكبير"(11405) وإسناده ضعيف.

(3)

ط: (النصري) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (13/ 354).

(4)

ليس اللفظ في ط، واستدركته عن أ.

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 209)، وهو حديث صحيح.

(6)

أ: (هشام) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (8/ 287).

(7)

ط: (قالت) تحريف.

(8)

النسائي (5/ 254)(3011)، وهو حديث صحيح.

(9)

ليس اللفظ في ط.

(10)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 117)(9257).

ص: 234

عن ابن عباس، قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة، يداهُ إلى صدره كاستطعام المسكين

(1)

.

وقال أبو داود الطيالسي

(2)

في "مسنده": حدّثنا عبد القاهر بن السري، حدّثني ابن لكنانة

(3)

بن العباس بن مرداس

(4)

، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس:

أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعا عشيةَ عرفة لأُمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأوحى اللَّه إليه: إنّي قد فعلتُ، إلا ظلمَ بعضهم بعضًا، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم، فقد غَفَرْتُها، فقال: يا ربِّ إنكَ قادرٌ على أن تُثيبَ هذا المظلوم خيرًا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم، فلم يُجبْهُ تلك العشيةَ، فلما كان غداةَ المُزْدلفة أعاد الدعاء، فأجابه اللَّه تعالى: إّني قد غفرتُ لهم. فتبسَّم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه: يا رسولَ اللَّه تبسَّمْتَ في ساعة لم تكن تَبسَّم

(5)

فيها، قال: تبسَّمْتُ من عدو اللَّه إبليس، إنه لمَّا علمَ أنَّ اللَّه عز وجل قد استجابَ لي في أُمَّتي أهْوَى يَدْعو بالوَيْل والثُّبور، ويَحْثو التراب على رأسه.

ورواه أبو داود السجستاني في "سُننه"

(6)

عن عيسى بن إبراهيم البِرَكي وأبي الوليد الطَّيالسي، كلاهما عن عبد القاهر بن السري، عن ابن لكِنانة (3) بن عَبَّاس بن مِرْداس، عن أبيه، عن جده مختصرًا.

ورواه ابن ماجه

(7)

، عن أيوب بن محمد الهاشمي عن

(8)

عبد القاهر بن السَّرِيّ، عن عبد اللَّه بن كِنانَة بن عباس، عن أبيه، عن جدّه به مطولًا. ورواه ابن جرير في "تفسيره"

(9)

عن إسماعيل بن سيف

(10)

العِجْلي، عن عبد القاهر بن السَّريّ، عن ابنٍ لكِنانة

(11)

ويقال له أبو كنانة

(12)

عن أبيه، عن جده العباس بن مرداس. . . فذكره.

(1)

أ: (المساكين).

(2)

ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 118)(9264).

(3)

ط: (ابن كنانة) وانظر تهذيب التهذيب (8/ 449).

(4)

بعده في أ: (السلمي).

(5)

ط: (تبتسم).

(6)

أبو داود (5234)، وإسناده ضعيف.

(7)

ابن ماجه (3013)، وإسناده ضعيف.

(8)

ط: (بن) تحريف.

(9)

تفسير الطبري (2/ 294).

(10)

أ: (يوسف).

(11)

ط: (ابن كنانة).

(12)

أ، ط:(أبو لبابة) وما أثبته عن الطبري.

ص: 235

وقال (الحافظ أبو القاسم)

(1)

الطبراني، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري، حدّثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عمَّن سَمِعَ قتادةَ يقول: حدّثنا خِلاس

(2)

بن عَمْرو، عن عُبادة بن الصّامت، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ عَرفَة: أيُّها الناس إن اللَّه تَطَوَّلَ عليكم في هذا اليوم، فَغَفَرَ لكم، إلا التَّبعاتِ فيما بينكم، وَوَهَبَ مُسيئَكُم لمُحْسِنِكُمْ. وأعْطى مُحسِنَكم ما سَأَلَ. فادفعوا باسم اللَّه. فلما كانوا بجَمْعٍ قال: إنّ اللَّه قد غفر لصالحيكم

(3)

، وشفَّع صالحيكُمْ في طالحيكم، تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ فَتَعُمَّهُم ثم تُفَرَّقُ الرَّحْمَةُ في

(4)

الأرض فتقع على كل تائبٍ ممَّن حَفِظَ لسانَهُ ويَدَهُ. وإبليسُ وجنودُه على جبالِ عرفاتٍ يَنْظرون ما يصنع اللَّهُ بهم، فإذا نَزَلتِ الرَّحْمةُ دعا هو وجنودُه بالوَيْلِ والثُّبورِ

(5)

يقول (4): كنت أسْتَفِزُّهُمْ حُقُبًا من الدَّهر، [فجاءت]

(6)

المغفرة فغَشيَتْهُمْ، فَيَتفرَّقونَ يَدْعونَ بالوَيْلِ والثُّبورِ

(7)

.

‌ذِكْرُ ما نَزَلَ على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم (4) منَ الوَحْيِ المُنيف (4) في هذا المَوْقِفِ الشَّريفِ

(4)

قال الإمام أحمد

(8)

: ثنا جعفر بن عَوْن، ثنا أبو العُمَيس، عن قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عن طارقٍ بن شِهابٍ، قال: جاء رجلٌ من اليَهودِ إلى عمرَ بن الخطّابِ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنّكم تَقْروون آيةً في كتابكُمْ، لو علينا معشرَ اليهود نزلَتْ لاتَّخَذْنا ذلك اليوم عيدًا. قال: وأيُّ آيةٍ هي؟ قال: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. فقال عُمر: واللَّه إنّي لأعْلَمُ اليومَ الذي نزلَتْ

(9)

على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والساعةَ التي نزلَتْ فيها على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نزلت عشيةَ عرفة في يوم جمعة.

ورواه البخاري

(10)

، عن الحسن بن الصَّبّاح، عن جَعْفر بن عَوْن.

(1)

ليس ما بين القوسين في أ.

(2)

أ، ط:(الجلاس) تحريف. وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (4/ 491).

(3)

ط: (لصالحكم وشفع لصالحيكم).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ليس اللفظ في أ.

(6)

ليس اللفظ في ط، ومكانه بياض في أ، واستدركته عن الطبري.

(7)

وإسناده ضعيف.

(8)

مسند الإمام أحمد (1/ 28)(188)، وهو حديث صحيح.

(9)

بعدها في أ: (فيه).

(10)

البخاري (45).

ص: 236

وأخرجه أيضًا

(1)

، ومسلم

(2)

والترمذي

(3)

والنسائى

(4)

من طرق عن قيس بن مسلم به.

‌ذِكْرُ إفاضَتِهِ عليه الصلاة والسلام منْ عَرَفاتٍ إلى المَشْعَرِ الحَرامِ

قال جابر في حديثه الطويل: فلم يَزَلْ واقفًا حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وذَهَبَتِ الصُّفْرةُ قليلًا

(5)

حينَ غابَ القُرْصُ، فأردف أسامةَ خلفَهُ، ودفع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد شَنَقَ للقصواء

(6)

الزّمام حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِكَ رَحْلِه

(7)

، ويقول بيده اليمنى: أيُّها الناسُ، السكينةَ السكينةَ!! كُلَّما أتى حَبْلًا من الحِبال

(8)

أَرْخَى لها قليلًا حتى تصعد، حتى أتى المُزْدَلِفة، فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأذانٍ وإقامتين ولم يُسَبِّح بَيْنهما شيئًا. رواه مسلم.

وقال البخاري

(9)

: باب السير إذا دفع من عرفة. حدّثنا عبد اللَّه بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سئل أسامة، وأنا جالس، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع، قال: كان يسير العَنَقْ

(10)

، فإذا وجد فَجْوةً نَصَّ. قال: هشام - والنص: فوق العنَق. ورواه الإمام أحمد

(11)

وبقيَّة الجماعة إلا الترمذيّ من طرقٍ عدةٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد به

(12)

.

وقال الإمام أحمد

(13)

: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، قال: كنتُ رَديفَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم عشيةَ عَرَفَةَ. قال: فلما وَقَعَتِ الشَّمسُ دفعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم،

(1)

البخاري (4407).

(2)

مسلم (3017).

(3)

الترمذي (3043).

(4)

النسائي (8/ 114)(5012).

(5)

تكرر اللفظ في ط.

(6)

ط: (ناقته القصواء).

(7)

ط: (رجله)، وتقدم شرح ذلك.

(8)

ط: (جبلًا من الجبال). والحبل: المستطيل من الرمل. وقيل: الضخم منه وجمعه حبال. وقيل: الحبال من الرمل كالجبال من غير الرمل (النهاية: حبل).

(9)

فتح الباري (1166) ومسلم (2/ 886)(1218) في حديث طويل.

(10)

العَنَقَ: السُّرعة (النهاية: عنق) وفي فتح الباري (3/ 518) - العَنَقَ: هو السير الذي بين الإبطاء والإسراع.

(11)

مسند الإمام أحمد (5/ 205)(21831) ومسلم (1286) وأبو داود (1923) والنسائي (5/ 258)(3023) وابن ماجه (3017).

(12)

ليس (بن زيد) في أ.

(13)

مسند الإمام أحمد (5/ 201 - 202)(21808)، وهو حديث حسن.

ص: 237

فلما سمعَ حَطْمةَ

(1)

النّاس خَلْفَه. قال: رُويدًا أيُّها الناسُ، عليكم السَّكينَةَ، إن البرَّ ليس بالإيضاع

(2)

. قال: فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا التحمَ عليه الناس أعنق وإذا وجد فرجةً نص، حتى أتى المزدلفة، فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة. ثم رواه الإمام أحمد

(3)

من طريق محمد بن إسحاق، حدّثني إبراهيم بن عُقْبَة عن كُرَيْب، عن أسامة بن زيد، فذكر مثله.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا أبو كامل، ثنا حَمّاد، عن قَيْس بن سَعْد، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد قال: أفاض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عرفة، وأنا رديفهُ، فجعل يَكْبَحُ راحلته، حتى إن ذِفراها لتكاد تُصيب

(5)

قادمةَ الرَّحل. ويقول: يا أيها الناسُ عليكم السَّكينة والوقار، فإن البرَّ ليس في إيضاع الإبل. وكذا رواه عن عفان عن حمّاد بن سَلَمة به، ورواه النسائي

(6)

من حديث حمّاد بن سَلَمَة به. ورواه مسلم

(7)

، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بنحوه. قال: وقال أسامة: فما زال يسير على هينِته

(8)

حتى أتى جَمْعًا.

وقال الإمام أحمد

(9)

: حدثنا أحمد بن الحجاج، ثنا ابن أبي فُدَيْك، عن ابن أبي ذِئْبٍ، عن شعبة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، أنَّه أردفه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ عرفة حتى دخل الشعب، ثم أهراقَ الماءَ وتوضأ، ثم ركب ولم يُصلِّ.

وقال الإمام أحمد

(10)

: ثنا عبد الصمد، ثنا همَّام، عن قتادة، عن عَزْرة

(11)

عن الشعبي، عن

(1)

حطمة الناس: ازدحامهم حتى يحطم بعضهم بعضًا (النهاية واللسان: حطم).

(2)

الإيضاع: السير السريع (النهاية: وضع).

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 202)(21809)، وإسناده حسن.

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 207)(21851)، وإسناده صحيح.

(5)

ط: (إن ذفرها ليكاد يصيب) والذِّفْرى مؤنثة، وهما ذِفْريان، وذِفرى البعير أصل أذنه (النهاية: ذفر).

(6)

مسند أحمد (5/ 201) والنساني (5/ 257)(3018)، وهو حديث صحيح.

(7)

مسلم (1286)(282).

(8)

ط: (هينة).

(9)

مسند الإمام أحمد (5/ 206)(21838) وفي مطبوعة مسند أحمد، (أبو أحمد) وهو خطأ، وهو حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، لضعف شعبة، وهو ابن دينار الهاشمي، مولى ابن عباس.

(10)

مسند الإمام أحمد (5/ 206)(21841)، وإسناد هذا الحديث معلول بالانقطاع فقد غَلَّط أبو حاتم الرازي في العلل (1/ 278) قول الشعبي في هذا الحديث أنه حدثه أسامة. وذكره الجهابذة ابن المديني وابن معين وأحمد أنه لم يسمع من أسامة شيئًا، كما في المراسيل للعلائي ص 248، لكن الحديث يصح من طرق أخرى (بشار).

(11)

أ، ط:(عروة) وهو تحريف. وما أثبته عن المسند.

ص: 238

أسامة بن زيد

(1)

أنه حدثه قال: كنت رديفَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أفاضَ من عرفات فلم تَرْفَعْ راحلتُه رجلَها عادية

(2)

حتى بلغَ جَمْعًا.

وقال الإمام أحمد

(3)

: ثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة، عن كُرَيْب، عن ابن عباس، أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم أرْدَفَهُ من عرفة، فلما أتى الشِّعْبَ نزلَ فبال، ولم يَقُلْ: أهْراقَ الماءَ، فَصَبَبْتُ عليه، فتوضّأ وضوءًا خفيفًا فقلت: الصلاة؟ فقال: الصلاة أمامك، قال: ثم أتى المزدلفة فصلَّى المغربَ، ثم حَلُّوا رِحَالَهُمُ

(4)

، ثم صلَّى العشاء.

كذا رواه الإمام أحمد عن كُرَيْب، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد. . . فذكره. ورواه النسائي

(5)

عن الحسين بن حُرَيْث

(6)

، عن سُفيان بن عُيينة، عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حَرْمَلَة، كلاهما عن كُرَيب، عن ابن عباس، عن أسامة، قال شيخُنا أبو الحجاج المزيّ في "أطرافه"

(7)

: والصحيح كُرَيْب عن أسامة.

وقال

(8)

البخاري: ثنا عبد اللَّه بن يوسف، أنبأنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن كُرَيْب، عن أسامة بن زيد، أنه سمعه يقول: دفع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من عرفة فنزلَ الشّعب فبال، ثم توضَّأ فلم يُسْبغ الوضوءَ، فقلت له: الصلاة فقال: الصلاة أمامَكَ. فجاء المزدلفة فتوضَّأ، فأسْبَغَ، ثم أُقيمتِ الصَّلاة فصلَّى المغرب، ثم أناخ كلُّ إنسانٍ بعيرَهُ في منزله، ثم أقيمت الصلاةُ فصلَّى العشاء ولم يُصلِّ بينهما. وهكذا رواه البخاري

(9)

أيضًا عن القَعْنَبي. ومسلم

(10)

عن يحيى بن يحيى. والنسائي

(11)

عن قتيبة، عن مالك، عن موسى بن عقبة به. وأخرجاه

(12)

من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة

(1)

ليس (بن زيد) في أ.

(2)

أ، ط:(غادية) وما هنا عن المسند.

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 200)(21797)، وهو حديث صحيح، وإن كان سفيان بن عيينة قد خالف فيه الثقات فرواه عن كريب ابن عباس، عن أسامة، والصواب: حذف "ابن عباس"، كما سيأتي.

(4)

بعدها في أ: (وأحسبه) وفي المسند: (وأعنته).

(5)

النسائي (1/ 292)(609).

(6)

ط: (حرب) وفي أ: (الحرث) وكلاهما تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 400).

(7)

تحفة الأشراف (1/ 48).

(8)

أ: (وقد قال). رواه البخاري (1672).

(9)

البخاري (139).

(10)

مسلم (1280)(276).

(11)

النسائي في السنن الكبرى (2/ 427)(4029).

(12)

البخاري رقم (181) ومسلم (1280)(277).

ص: 239

أيضًا. ورواه مسلم

(1)

من حديث إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة، عن كُرَيْب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه.

وقال البخاري

(2)

أيضًا: ثنا قتيبة، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حَرْمَلة، عن كُرَيْب، عن أسامة بن زيد، أنه قال: ردفتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما بلغَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الشِّعبَ الأيسرَ الذي دونَ المزدلفة أناخَ فبالَ، ثم جاء فصببتُ عليه الوضوءَ، فتوضَّأ وضوءًا خفيفًا. فقلت: الصلاةَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: الصلاةُ أمامَكَ، فركبَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى أتى المُزْدلفة، فصلَّى ثم ردفَ الفَضْلُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غداةَ جَمْعٍ. قال كُرَيْب

(3)

: فأخبرني عبد اللَّه بن عباس، عن الفضل:

أن رسول اللَّه لم يزل يُلَبِّي حتى بلغ الجمرة. ورواه مسلم

(4)

، عن قتيبة، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وعلي بن حُجْر، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به.

وقال الإمام أحمد

(5)

: ثنا وكيع، ثنا عمر بن ذز، عن مجاهدٍ، عن أسامة بن زيد، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أرْدَفَه من عرفة، قال: فقال الناس: سَيخبرُنا صاحبُنا ما صنَع. قال: فقال أسامة: لمّا دفع من عرفة فوقف، كفَّ رأسَ راحلتِه حتى أصاب رأسُها واسطةَ الرَّحْلِ أو كاد يُصيبُه، يُشير إلى الناس بيده: السكينةَ السكينةَ، السَّكينة

(6)

!! حتى أتى جَمْعًا، ثم أردفَ الفضلَ بن عبّاس قال: فقال الناس: سيُخْبرُنا صاحبُنا بما صنَعَ رسولُ اللَّه. فقال الفضل: لم يزلْ يسيرُ سيرًا ليِّنا كَسيره بالأمس، حتى أتى على وادي مُحسِّير فدَفَعَ فيه حتى استوت به الأرض.

وقال البخاريُّ

(7)

: ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سُوَيْد، حدّثني عمرو بن أبي عمرو مولى المُطلب، أخبرني سعيد بن جبير مولى والِبَةَ الكوفي، حدّثني ابن عباس، أنه دفع [مع] النبي صلى الله عليه وسلم يومَ عرفة، فسمع النبيّ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا وضَرْبًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: أيها الناس عليكم بالسَّكينة! فإن البرّ ليس بالايضاع. تفرَّد به البخاري من هذا الوجه.

وقد تقدم رواية الإمام أحمد ومسلم والنسائي هذا من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس عن أسامة بن زيد، فاللَّه أعلم.

(1)

رقم (2280)(279) و (280).

(2)

البخاري رقم (1669).

(3)

البخاري رقم (1670).

(4)

مسلم (1280 - 1281).

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 208)(21861)، وإسناده صحيح.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

البخاري رقم (1671): والزيادة عنه.

ص: 240

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدّثنا إسماعيل بن عمر، ثنا المسعودي، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، قال: لما أفاض رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من عرفات أوْضَع الناسُ، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي: أيُّها الناس ليس البرّ بإيضاعِ الخَيْل ولا الرّكاب. قال: فما رأيتُ من رافعة يديها

(2)

عادية

(3)

حتى نزل جَمْعًا.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا حسين وأبو نعيم. قالا: ثنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رُفيع، قال: حدّثني من سمع ابن عباس يقول: لم ينْزلْ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من عرفاتٍ وجمعٍ إلا ليريق

(5)

الماء.

وقال الإمام أحمد

(6)

: ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الملك، عن أنس بن سيرين، قال: كنتُ مع ابن عمر بعرفاتٍ، فلمّا كان حين راح رُحتُ معه حتى أتى

(7)

الإمام فصلّى معه الأولى والعَصْر، ثم وقف معه

(8)

وأنا وأصحابٌ لي حتى أفاض الإمام، فافضنا معه، حتى انتهينا إلى المضيق دون المَأزِمَيْن، فأناخ وأنخنا، ونحن نحسَب أنّه يريد أن يُصلِّي، فقال غُلامُه الذي يُمْسكُ راحلته: إنه ليس يريدُ الصلاةَ ولكنّه ذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجتَه، فهو يحبّ أن يقضيَ حاجَته.

وقال البخاري

(9)

: ثنا موسى، ثنا جويرية، عن نافع، قال: كانَ عبدُ اللَّه بن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجَمْع، غير أنّه يمرّ بالشعب الذي أخذه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيدخل فينتفض ويتوضّأ ولا يصلّي حتى يجيء جمعًا. تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه.

وقال البخاري

(10)

،: ثنا آدم، ثنا

(11)

ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم بن عبد اللَّه، عن ابن عمر، قال: جَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المغربَ والعشاء بجَمْعٍ، كل واحدة منهما بإقامةٍ، ولم يسبِّحْ بينهما، ولا على إثر واحدة منهما.

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 251)(2264)، وإسناده ضعيف، فإن الحكم بن عتيبة لم يسمع هذا الحديث من مقسم، وهو حديث صحيح بطرقه.

(2)

أ: (يدها).

(3)

ط: (غادية).

(4)

أ: (وقال أيضًا) رواه أحمد في المسند (1/ 273) وإسناده ضعيف لجهالة شيخ عبد العزيز بن رفيع. ولكن له طريق أخرى تقدمت برقم (2265) وأخرى برقم (1800) فهو حسن لغيره.

(5)

ط: (أريق) وفي المسند (ليُهريق).

(6)

أ: (وقال أيضًا) وانظ مسند الإمام أحمد (2/ 131)(6151)، وإسناده صحيح.

(7)

ليس اللفظ في ط واستدركته عن أ.

(8)

ليس اللفظ في ط واستدركته عن أ.

(9)

البخاري رقم (1668).

(10)

البخاري رقم (1673).

(11)

ليس اللفظ في ط.

ص: 241

ورواه مسلم

(1)

عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلّى المغربَ والعشاءَ بالمزدلفة جميعًا.

ثم قال مسلم

(2)

: حدّثني حرملة، حدّثني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب: أنّ عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر أخبره: أن أباه قال: جمع رسول اللَّه بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ، ليس بينهما سَجْدة، فصلَّى المغرب ثلاث ركعات، وصلَّى العشاء ركعتين، فكان عبد اللَّه يصلِّي بجَمْعٍ كذلك حتى لحق باللَّه.

ثم روى مسلم

(3)

من حديث شُعبة، عن الحكم وسَلَمة بن كُهَيْل، عن سعيد بن جبير:

أنه صلَّى المغربَ بجَمْعٍ والعشاء بإقامة واحدةٍ، ثم حدَّثَ عن ابن عمر أنه صلَّى مثلَ ذلك. وحدث ابن عمر أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك. ثم رواه من طريق الثوري

(4)

، عن سَلَمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ صلّى المغربَ ثلاثًا والعشاء ركعتين بإقامةٍ واحدة.

ثم قال مسلم

(5)

: ثنا أبو بكر

(6)

بن أبي شيبة، ثنا عبد اللَّه بن نُمَيْر

(7)

ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال سعيد بن جبير: أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعًا فصلّى بنا المغرب والعشاء بإقامةٍ واحدةٍ ثم انصرف، فقال: هكذا صلَّى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا المكان.

وقال البخاري

(8)

: حدّثنا خالد بن مَخْلَد، حدّثنا سليمان بن بلال، حدّثني يحيى بن سعيد، حدّثني عديّ بن ثابت، حدّثني عبد اللَّه بن يزيد الخَطْمي، حدّثني أبو أيّوب

(9)

الأنصاري؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع في حجّة الوداع

(10)

المغرب والعشاء بالمزدلفة. ورواه البخاري

(11)

أيضًا في المغازي، عن القَعْنبي،

(1)

مسلم (703)(286) الذي بعد (1287).

(2)

رواه مسلم (1288)(287).

(3)

مسلم (1288)(288)(289).

(4)

(1288)(291).

(5)

مسلم (1288)(290).

(6)

أ: (أبو عمر). وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 122).

(7)

ط: (جبير) وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 244).

(8)

البخاري (1674).

(9)

ط: (أبو يزيد). وانظر سير أعلام النبلاء (2/ 402).

(10)

بعدها في ط: (بين).

(11)

ليس اللفظ في أ، وانظر البخاري (4414).

ص: 242

عن مالك، ومسلم

(1)

من حديث سليمان بن بلال والليث بن سعد، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عدي بن ثابت. ورواه النسائي

(2)

أيضًا، عن الفلّاس، عن يحيى القَطّان عن شعبة عن عدي بن ثابت به.

ثم قال البخاري

(3)

: باب من أذَّن وأقام لكل واحدة منهما: حدّثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير بن حرب

(4)

، ثنا أبو إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: حجَّ عبد اللَّه فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعَتَمة أو قريبًا من ذلك، فأمر رجلًا فأذّن وأقام، ثم صلَّى المغرب وصلّى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فَتَعَشّى، ثم أمر رجلًا فأذن وأقام. . . قال عمرو: لا أعلم الشكَّ إلا من زهير ثُمَّ صلَّى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجرُ، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُصلِّي هذه الساعةَ إلا هذه الصلاةَ في هذا المكان من هذا اليوم. قال عبد اللَّه: هما صلاتان تحوّلان عن وقتهما، صلاة المغرب بعدما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر. قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله. وهذا اللفظ، وهو قوله:"والفجر حين يبزغ الفجر" أبين وأظهرُ من الحديث الآخر الذي رواه البخاري

(5)

، عن حفص بن عمر بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: ما رأيُت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةً بغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء، وصَلاة

(6)

الفجر، قبل ميقاتها. ورواه مسلم

(7)

من حديث أبي معاوية وجرير عن الأعمش به.

وقال جابر في حديثه: ثم اضطجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى طَلَعَ الفجرُ فصلَّى الفجر حين تَبَيَّن له الصبحُ بأذانٍ وإقامةٍ. وقد شهد معه هذه الصلاة عروةُ بن مُضَرِّس بن أوسِ بن حارثة بن لأمٍ الطائيّ.

قال الإمام أحمد

(8)

: ثنا هُشَيْم، ثنا ابن أبي خالد، وزكريا، عن الشعبي، أخبرني عروة بن مُضَرِّس، قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بجَمْعٍ فقلتُ: يا رسول اللَّه جئتُكَ من جَبَلي طَيِّئٍ أتعبتُ نفسي وأنْصَبْت

(9)

راحلتي، واللَّه ما تركتُ من جبل إلا وقفتُ عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فقال: من شهدَ معنا هذه الصلاةَ -يعني صلاة الفجر- بجَمْعٍ ووقف معنا حتى نُفيضَ

(10)

منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفاتٍ ليلًا أو نهارًا، فقد تمَّ حجُّه وقضى تَفَثَهُ.

(1)

مسلم (1287).

(2)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 427)(4023).

(3)

البخاري (1675).

(4)

ليس (بن حرب) في أ.

(5)

البخاري (1682).

(6)

في البخاري: (وصلى).

(7)

رقم (1289).

(8)

مسند الإمام أحمد: (4/ 15).

(9)

ط: (وأنضيت).

(10)

ط: (يفيض).

ص: 243

وقد رواه الإمام أحمد

(1)

أيضًا وأهل السنن الأربعة

(2)

من طرقٍ عن الشعبيّ عن عروة بن مُضَرِّس.

وقال الترمذيّ: حسن صحيح.

‌فصل

وقَد كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قدَّم طائفةً من أهله بينَ يَدَيْه من اللَّيْلِ قبلَ حَطْمَةِ النّاسِ من المُزْدَلِفة إلى منًى.

قال البخاري

(3)

: باب منْ قَدَّمَ ضَعَفَة أهلِه بالليلِ فيقفون بالمُزْدَلفة ويَدْعون ويُقَدِّم إذا غاب القمر.

حدّثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال سالم: كان عبد اللَّه بن عمر يقدِّم ضَعَفَةَ أهله فيقفون عند المَشْعَرِ الحَرام بليل، فيذكرون اللَّه ما بدا لهم، [ثم] يَدْفَعون قبلَ أن يقف الإمام وقبل أن يدفَعَ، فمنهم من يَقْدَمُ منًى لصلاةِ الفجرِ، ومنهم منْ يَقْدَمُ بعد ذلك، فإذا قدموا رَمَوا الجَمْرةَ. وكان ابنُ عمر يقول: أرْخَصَ في أولئك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

حدّثنا

(4)

سليمان بن حرب، ثنا حمّادُ بن زيدٍ، عن أيوب، عن عِكْرمة، عن ابن عبّاس، قال: بعثني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من جَمْعٍ بلَيْلٍ.

وقال البخاري

(5)

: ثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، أخبرني عُبَيْد

(6)

اللَّه بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم (ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.

وروى مسلم

(7)

من حديث ابن جُرَيْج أخبرني عطاء، عن ابن عبّاس، قال: بعثَ بي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم)

(8)

من جَمْعٍ بسَحَرٍ مع ثَقَلِه.

وقال الإمام أحمد

(9)

: ثنا رَوْحٌ

(10)

، ثنا سفيان الثوري، ثنا سلمة بن كُهَيْل، عن الحسن العُرَني،

(1)

مسند الإمام أحمد (4/ 261).

(2)

أبو دإود (1950) والنسائي (5/ 263)(3039) و (3040)، والترمذي (891)، وابن ماجه (3016)، وهو حديث صحيح.

(3)

البخاري (1676).

(4)

البخاري (1677).

(5)

البخاري (1678).

(6)

ط: (عبد).

(7)

مسلم (1294).

(8)

ليس ما بين القوسين في أ.

(9)

المسند (1/ 311)(2842)، وهو حديث صحيح.

(10)

ليس (حدّثنا روح) في ط.

ص: 244

عن ابن عباس قال: قدّمنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أغَيْلِمَة بني عبد المطلب على حُمُراتِنا

(1)

فجعل يَلْطَخ

(2)

أفخاذنا بيده ويقول: أبَنِيَّ، لا تَرْموا الجَمْرَةَ، حتى تطلعَ الشمسُ.

(قال ابن عباس: ما إخالُ أحدًا يَرْمي الجَمْرَةَ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)

(3)

. وقد رواه أحمد

(4)

أيضًا، عن عبد الرحمن بن مَهْدي، عن سفيان الثوري. . . فذكره. وقد رواه أبو داود

(5)

، عن محمد بن كثيرٍ، عن الثوريّ به. والنّسائي

(6)

، عن محمد بن عبد اللَّه بن يزيد، عن سفيان بن عُيَيْنة، عن سفيان الثوري به. وأخرجه ابن ماجه

(7)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعليّ بن محمد، كلاهما عن وكيع عن مسعر

(8)

وسفيان الثوري، كلاهما عن سَلَمَة بن كُهَيْل به.

وقال أحمد

(9)

: ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن الحكم بن عُتَيْبة

(10)

، عن مِقْسَمِ، عن ابن عباس، قال: مَرَّ بنا رسولُ اللَّه ليلةَ النَّحْرِ، وعلينا سوادٌ من الليل، فجعل يضربُ أفخاذنا ويقول: أَبنيَّ أَفيضوا لا تَرْموا الجَمْرَةَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

ثم رواه الإمام

(11)

، أحمد من حديث المَسْعُودي، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، قال: قدَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضَعَفَةَ أهْلِه من المُزْدَلِفَةِ بلَيْلٍ، فجعلَ يُوصيهم ألّا يَرْموا جَمْرَةَ العقبة حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

وقال أبو داود

(12)

: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الوليد بن عقبة، ثنا حمزة الزّيّات، عن حبيب عن عطاء عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أهلِه بغَلَس ويأمرهم -يعني ألا يرموا الجمرة حتى تطلُعَ الشَّمْسُ-. وكذا رواه النسائي

(13)

عن محمود بن غَيْلان، عن بِشْر بن السَّريّ، عن سُفيان،

(1)

ط: (حراثنا).

(2)

أ: (يلطخ) واللطخ: الضرب بالكفّ وليس بالشديد. (النهاية: لطخ).

(3)

ليس ما بين القوسين في أ.

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 343)(3192)، وهو حديث صحيح.

(5)

أبو داود (1940)، وهو حديث صحيح.

(6)

النسائي (5/ 270)(3064)، وهو حديث صحيح.

(7)

ابن ماجه (3025)، وهو حديث صحيح.

(8)

أ: (ومسعر).

(9)

مسند الإمام أحمد (1/ 326)(3003)، وإسناده ضعيف، لأن الحكم لم يسمع هذا الحديث من مقسم.

(10)

أ: (عيينة). وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 208).

(11)

ليس اللفظ في أ. وانظر مسند الإمام أحمد (1/ 326، 344)، وإسناده ضعيف مثل سابقه، وللحديث طرق أخرى عن ابن عباس يقوى بها، انظر رقم (2082).

(12)

أ: (بن) تحريف، رواه أبو داود (1941)، وهو حديث صحيح.

(13)

النسائي (5/ 272)(3065)، وهو حديث صحيح.

ص: 245

عن حَبيب. قال الطبراني

(1)

: وهو ابن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس

(2)

، فخرج حمزةُ الزّيّاتُ من عُهْدَتِه، وجاد إسنادُ الحديث. واللَّه أعلم.

وقد قال البخاري

(3)

: ثنا مُسَدَّدٌ، عن يحيى، عن ابن جُرَيْج، حدّثني عبد اللَّه مولى أسماء، عن أسماء، أنها نزلت ليلةَ جَمْعٍ عند المُزْدَلِفَةِ فقامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ ساعةً ثم قالت: يا بُنَيَّ هَلْ غابَ القَمَرُ (قلت: لا. فَصَلَّتْ ساعةً، ثم قالت: هل غاب القمر)

(4)

قلت: نعم! قالت: فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رَمَتِ الجَمْرَةَ. ثم رجعت فَصَلَّت الصُّبْحَ في منزلها، فقلتُ لها: يا هَنتاهُ، ما أُرانا إلَّا قد غَلَّسْنا. فقالت: يا بُنَيّ إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أذِنَ للظُّعُن. ورواه مسلم

(5)

من حديث ابن جُرَيْج به. فإنْ كانَتْ أسماءُ بنتُ الصِّدِّيق رمت الجِمارَ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ كما ذُكِرَ هاهنا عن توقيفٍ، فروايتها مُقَدَّمَةٌ على رواية ابن عباس، لأن إسنادَ حديثِها أصحُّ من إسناد حديثِه، اللهم إلا أن يُقالَ: إن الغلمانَ أخفُّ حالًا من النّساءِ وأنشطُ، فلهذا أمر الغِلْمانَ بألّا يَرْموا قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ، وأذِنَ للظُّعُن في الرَّمْي قبلَ طلوعِ الشَّمس، لأنَّهم أثقلُ حالًا وأبلغُ في التَّستر. واللَّه أعلم. وإن كانت

(6)

أسماءُ لم تَفْعَلْهُ عن توقيفٍ، فحديثُ ابنِ عبّاسٍ مُقَدَّم على فِعْلها. لكن يُقَوِّي الأوّلَ قولُ أبي داود: حدّثنا محمد بن خَلَّادِ الباهِليّ، حدّثنا يحيى، عن ابن جُرَيْجٍ، أخبرني عطاء، أخبرني مُخْبرٌ عن أسماء أنها رَمَتِ الجَمْرَةَ بلَيْلٍ. قلت: إنا

(7)

رمَيْنا الجمرةَ بلَيْلٍ قالت: إنا كُنّا نَصْنَعُ هذا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري

(8)

: ثنا أبو نُعَيْم ثنا أفْلَحُ بنُ حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: نزلنا المُزْدَلِفَة فأستأذنَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةُ أن تدفعَ قبل حَطْمَةِ النَّاسِ وكانت امرأةً بطيئةً، فأذن لها، فدفعَتْ قبل حَطْمَة النّاس، وأقمنا نحن حتى أصْبَحْنا، ثم دَفَعْنا بدَفْعِهِ، فلأنْ أكون

(9)

استأذَنْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كما استأذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إليَّ مِنْ مَفْروحٍ به. وأخرجه مسلم

(10)

عن القَعْنَبي، عن أفْلَحَ بن حُمَيْدٍ به. وأخرجاه

(1)

المعجم الكبير (11/ 138)(11285).

(2)

أ: (به).

(3)

البخارى (1679).

(4)

ليس ما بين الرقمين في أ.

(5)

مسلم (1291).

(6)

ط: (كنت).

(7)

أ: (لها).

(8)

البخاري (1681).

(9)

أ: (نكون).

(10)

مسلم (1290)(293).

ص: 246

في "الصحيحين"

(1)

من حديث سُفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به.

وقال أبو داود: ثنا هارون بن عبد اللَّه، ثنا ابن أبي فُدَيْك، عن الضَّحَّاك -يعني ابن عثمان- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أرْسَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بأمِّ سَلَمَةَ ليلةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الجَمْرَةَ قبلَ الفَجْر، ثم مضت فأفاضَتْ

(2)

وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال أبو داود -يعني عندها-. انفردَ به أبو داود، وهو إسنادٌ جيدٌ قويٌّ، رجالُهُ ثقاتٌ

(3)

.

‌ذِكْرُ تَلْبِيَتِهِ عليه الصلاة والسلام بالمُزْدَلِفَةِ

قال مسلم

(4)

: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحْوَص، عن حُصَيْن، عن كَثيرِ بن مُدْرِكٍ، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد اللَّه: ونحن بجَمْعٍ: سمعتُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البقرة يقولُ في

(5)

هذا المَقام. لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.

‌فصل في وُقوفِهِ عليه الصلاة والسلام بالمَشْعَرِ الحَرامِ، ودَفْعِهِ من المُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طلوعِ الشَّمْس، وإيضاعِهِ في وادي مَحَسِّر

قال اللَّه تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] الآية.

وقال جابر في حديثه

(6)

: فصلَّى الفَجْرَ حين تَبيَّنَ له الصبحُ بأذانٍ وإقامةٍ، ثم ركبَ القَصْواءَ حتى أتى المَشْعَرَ الحرام، فاستقبلَ القبلةَ، فدعا اللَّه عز وجل، وكبَّره وهلَّله ووحّده، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسْفَرَ جدًا، ودفعَ قبل أن تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وأردفَ الفَضْلَ بنَ عباسٍ وراءه.

وقال البخاري

(7)

: ثنا حَجّاج بن مِنْهال، ثنا شُعبة، عن أبي

(8)

إسحاق. قال: سمعتُ عَمْرَو بن

(1)

البخاري (1680) ومسلم (1290)(296).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

أبو داود (1942) أقول: وهو حديث ضعيف لاضطرابه سندًا ومتنًا.

(4)

مسلم (1283).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

تقدم حديث جابر.

(7)

البخاري (1684).

(8)

ط: (ابن) تحريف. وهو أبو إسحاق السبيعي. وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 392).

ص: 247

مَيْمون يقول: شَهِدْتُ عمرَ رضي الله عنه صلَّى بجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثم وَقَفَ فقال: إن المُشْركين كانوا لا يُفيضون حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ويقولون: أشْرِقْ ثَبيرُ، وإن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أفاضَ قبلَ أن تَطْلُعَ الشّمْس.

وقال البخاري

(1)

: ثنا عبد اللَّه بن رَجاءٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد: خَرَجْتُ مع عبدِ اللَّه إلى مكةَ، ثم قدمنا جَمْعًا. فَصَلَّى الصَّلاتين

(2)

، كلّ صلاة وَحْدَها

(3)

بأذانٍ وإقامةٍ، والعشاء بينهما، ثم صَلَّى الفَجْرَ حينَ طلَع الفَجْرُ. قائلٌ يقولُ: طلَعَ الفَجْرُ. وقائلٌ يقولُ: لَمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ. ثم قال: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنّ هاتَيْن الصَّلاتين حُوِّلَتا عن وَقْتِهما في هذا المكان، المَغْرب [والعشاء]، فلا يَقْدَمُ الناسُ جَمْعًا حتى يُعْتِموا

(4)

، وصلاة الفجرِ هذه الساعة. ثم وقفَ حتى أسفَرَ، ثم قال: لو أنَّ أميرَ المؤمنين أفاضَ الآن أصاب السنة. فلا أدري أقولُه كان أسرعَ أو دفعُ عثمانَ رضي الله عنه، فلم يزل يُلَبِّي حتى رمى جَمْرَة العقبةِ يوم النحر.

وقال الحافظ

(5)

البيهقي

(6)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو عبد اللَّه محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن

(7)

المبارك الْعَيْشيّ

(8)

ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن جُرَيْج، عن محمد بن قيس بن مَخْرَمة، عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ، قال: خطَبَنَا رسولُ اللَّه بعرفة، فحمدَ اللَّهَ وأثْنَى عليه، ثم قال: "أما بعد، فانَّ أهْلَ الشِّرْكِ والأوثانِ كانوا يَدْفَعون من هاهنا عندَ غروب الشمس، حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائِمِ الرِّجال على رؤوسها، هَدْيُنا مُخالفٌ (هَدْيَهُمْ، وكانوا يدفعون من المَشْعَرِ الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثلَ عمائم الرجال على رؤوسها، هديُنا مخالف)

(9)

لهديهم.

قال: ورواه عبد اللَّه بن إدريس، عن ابن جُرَيْجٍ، عن محمد بن قَيْس بن مَخْرَمَةَ مرسلًا.

وقال الإمام أحمد

(10)

: ثنا أبو خالد سليمانُ بنُ حَيّان [قال] سمعت الأعمش، عن الحكم، عن

(1)

البخاري (1683) والزيا دة منه.

(2)

أ، ط:(صلاتين).

(3)

أ: (وحده).

(4)

ط: (حتى يقيموا).

(5)

ليس اللفظ في أ.

(6)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 125)(9304).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

ط: (العبسي) والحفظ حروفه مهملة في أ وانظر تهذيب الكمال (17/ 382).

(9)

ليس ما بين القوسين في ط. واستدركته عن النسخة "أ".

(10)

مسند الإمام أحمد (1/ 231)(2051) والزيادة منه، وإسناده ضعيف، فإن الحكم لم يسمع هذا الحديث من مقسم. قال الترمذي رقم (895): وفي الباب عن عمر ولذلك قال عنه: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 248

مقْسَم، عن ابن عباس، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أفاضَ من المُزْدَلِفَة قبلَ طلوع الشَّمْس.

وقال البخاريُّ

(1)

: ثنا زُهَيْر بن حَرْب، ثنا وهب بن جَرير، ثنا أبي، عن يونس الأيْليِّ، عن الزُّهْري، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه عن (4) ابن عباس: أن أسامة كان رِدْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من عَرَفَةَ إلى المُزْدَلِفَةِ، ثم أردفَ الفضلَ من المزدلفة إلى منى. قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حتى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبةِ. ورواه

(2)

ابن جُرَيْج، عن عطاء، عن ابن عباس.

وروى مسلم

(3)

من حديث الليث بن سعد، عن أبي الزُّبير، عن أبي مَعْبَد، عن ابن عباس، (عن الفضل بن عباس)

(4)

. وكان رَديفَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وغداة جَمْعٍ للناسِ حين دفعوا: عَلَيْكُمْ بالسَّكينةِ. وهو كافٌّ ناقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وهو من مِنًى قال: عليكم بحَصَى الخَذفِ

(5)

الذي يُرْمى به الجمرةُ. (قال: ولم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة)(4).

وقال الحافظ

(6)

البيهقي

(7)

: باب الإيضاع في وادي مُحَسِّرٍ: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو عمرو المُقْرئ وأبو بكر الوراق، قالا

(8)

: أنبأنا الحسن بن سُفيان، ثنا هشام بن عَمّار وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر في حجِّ

(9)

النبي صلى الله عليه وسلم. قال: حَتَّى إذا أتَى مُحَسِّرًا حَرَّكَ قليلًا. رواه مسلم في "الصحيح"

(10)

عن أبي بكر بن أبي (6) شيبة.

ثم روى البيهقي (7) من حديث سُفيان الثوري، عن أبي الزُّبير، عن جابر، قال: أفاضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه السَّكينةُ، وأمرهم بالسكينة، وأوضَعَ في وادي مُحَسِّر، وأمرهم أن يَرْموا الجمارَ بمثل حَصَى الخَذْفِ، وقال: خُذوا عَنِّي مناسِكَكُم لعلِّي لا أراكُمْ بَعْدَ عامي هذا.

ثم روى البيهقي

(11)

من حديث الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن عليّ، عن أبيه،

(1)

البخاري (1686).

(2)

البخاري (1685).

(3)

مسلم (1282)(268).

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

الخذف: الرمي: وحصى الخذف: أي صغار (النهاية: خذف).

(6)

ليس اللفظ في أ.

(7)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 125)(9306).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

أ: (حجة).

(10)

تقدم قبل، وهو حديث جابر الطويل.

(11)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 125)(9308).

ص: 249

عن عُبَيْد اللَّه بن أبي رافع، عن عليّ: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفاضَ من جَمْع، حتى أتى مُحَسِّرًا فَفَزَّع

(1)

ناقتَهُ حتى جاوزَ الوادي فوقف، ثم أردف الفضلَ، ثم أتى الجَمْرَةَ فرماها. هكذا رواه مختصرًا.

وقد قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا أبو أحمد

(3)

محمد بن عبد اللَّه الزبيري، ثنا سفيان عن

(4)

عبد الرحمن بن الحارث بن عَيّاش بن أبي ربيعة، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عُبَيْد اللَّه بنِ أبي رافع، عن علي رضي الله عنه، قال: وقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال

(5)

: هذا الموقف، وعَرَفةُ كلُّها مَوْففٌ. وأفاضَ حينَ غابتِ الشمسُ، وأردفَ أسامةَ، فجعل يُعْنِق

(6)

على بعيره. والنّاسُ يضربون يمينًا وشمالًا لا يلتفتُ

(7)

إليهم، ويقول: السَّكينةَ أيها الناس. ثم أتى جَمْعًا فصلَّى بهم الصلاتين المغرب والعشاء. ثم بات حتَّى أصبح، ثم أتى قُزَح، فوقف على قُزَح، فقال: هذا الموقف، وجَمْعٌ كلُّها موقفٌ. ثم سار حتَّى أتى مُحَسِّرًا، فوقفَ عليه، فقرع دابته، فخبَّت حتى جاز الواديَ ثم حبسها، ثم أرْدَفَ الفضل، وسار حتى أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المَنْحَرَ. فقال هذا المَنْحَرُ، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ. قال: واسْتَفْتَتْهُ جاريةٌ شابَّةٌ من خثعمٍ، فقالت: إنّ أبي شَيْخٌ كَبيرٌ قد أفْنَد، وقد أدْرَكَتْهُ فَريضَةُ اللَّهِ في الحجِّ، فهل يُجْزئُ عنه أن أُؤَدِّيَ عنه؟ قال: نعم! فأدِّي عن أبيكِ. قال ولَوى عنقَ الفضلِ، فقال له العباسُ: يا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لم لَوَيْتَ عنقَ ابنِ عمِّك؟ قال: رأيتُ شابًا وشابةً فلم آمَنِ الشَّيْطانَ عليهما. قال: ثم جاءه رجل، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، حَلَقْتُ قبل أن أنْحَرَ. قال: انْحَر ولا حَرَجَ. ثم أتاه آخر، فقال: يا رسولَ اللَّه إني أفَضْتُ قبلَ أنْ أحْلِقَ. قال احْلِقْ أو قَصِّرْ ولا حَرَجَ. ثم أتى البيتَ فطافَ، ثم أتى زَمْزَمَ، فقال: يا بني عبد المطلب سِقايَتكم، ولولا أن يَغْلِبكم

(8)

الناسُ عليها لنزعت بها

(9)

. وقد رواه أبو داود

(10)

، عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم، عن سُفْيان الثوري، ورواه الترمذي

(11)

، عن

(1)

ط: (فقرع).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 75)(562)، وإسناده حسن.

(3)

بعدها في أ: (عن) خطأ. وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 529).

(4)

ط: (سفيان بن عبد الرحمن) خطأ.

(5)

بعدها في أ، ط:(إنّ) وما أثبته عن المسند.

(6)

أ: (يعبر).

(7)

في المسند: يلتفت.

(8)

أ: (تغلبكم).

(9)

ط: (معكم).

(10)

أبو داود (1922).

(11)

الترمذي (3/ 232)(885).

ص: 250

بندار، عن أبي

(1)

أحمد الزبيري. وابن ماجه

(2)

عن عليّ بن محمد، عن يحيى بن آدم. وقال الترمذيّ: حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه. قلت: وله

(3)

شَواهدُ من وجوهٍ صحيحةٍ مُخَرَّجةٌ في الصحاح وغيرها، فمن ذلك قصةُ الخَثْعميّة، وهو في "الصحيحين"

(4)

من طريق الفَضْل؛ وتقدَّمت في حديث جابرٍ، وسنذكر من ذلك ما تيسر.

وقد حكى البيهقي

(5)

بإسناده

(6)

، عن ابن عباس أنّه أنكر الإسراعَ في وادي مُحَسِّرٍ، وقال: إنّما كان ذلك من الأعراب. قال: والمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ على النافي. قلت: وفي ثبوته عنه نَظَر

(7)

. واللَّه أعلم.

وقد صَحَّ ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وصحَّ من صَنيع الشَّيْخَيْن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، أنهما كانا يفعلان ذلك، فروَى البَيْهقيُّ

(8)

، عن الحاكم، عن النّجّادِ وغيره، عن أبي علي محمد بن مُعاذِ بن المُسْتَهِلّ المعروف بدُرّان عن القَعْنبيّ، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن المِسْورِ بن مَخْرَمَة أنَّ عُمَر، رضي الله عنه، كان يُوضِعُ ويَقول:[من الرجز]

إليك تَعْدُو

(9)

قَلِقًا وَضِينُها

(10)

مُخالفٌ دينَ النّصَارى دِينُها

‌ذِكْرُ رَمْيهِ عليه الصلاة والسلام جَمْرةَ، العَقَبة وَحْدَها يَوْمَ النَّحْرِ، وكَيْفَ رَمَاهَا ومتى رَماها، ومنْ أيِّ مَوْضِعٍ وَماها (وبكم رماها)

(11)

وقَطْعِه

(12)

التَّلبِيَة حينَ رَماها

قد تقدَّم من حديث أُسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أنه عليه الصلاة والسلام، لم يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

ابن ماجه (2/ 1001)(3010).

(3)

ط: (له) بلا واو.

(4)

البخاري (1513) ومسلم (1335).

(5)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 126 - 127)(9314).

(6)

ط: (وبإسناد).

(7)

ليس اللفظ في أ.

(8)

(5/ 126).

(9)

أ: (يعدو).

(10)

الوضين: بطانٌ منسوج بعضه على بعض يُشدُّ به الرحل على البعير كالحزام للسرج، أراد أنه سريع الحركة يصفه بالخفة وقلة الثبات. أراد أنها قد هزلت ودقت للسير عليها (النهاية: وضن).

(11)

ليس ما بين القوسين في أ.

(12)

ط: (وقطعة).

ص: 251

وقال البيهقي

(1)

: أنبأنا الإمام أبو عثمان، أنبأنا أبو طاهر بن خُزَيْمة أنبأنا جديّ -يعني إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة- ثنا علي بن حُجْرٍ، ثنا شريك، عن عامر بن شَقيق، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، قال: رَمَقْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلم يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رَمَى جمرةَ العقبةِ بأولِ حصاةٍ.

وبه

(2)

عن ابن خزيمة، ثنا عمر بن حفص الشيباني، ثنا حفص بن غياث، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: أفَضْتُ مع رسول اللَّه من عرفاتٍ، فلم يَزَلْ يُلَبِّي حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبةِ يُكَبِّر مع كلِّ حَصاةٍ، ثم قطع التلبيةَ مع آخر حصاة. قال البيهقي

(3)

: وهذه زيادةٌ غريبة ليست في الرواياتِ المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل، وإن كان ابنُ خزيمة قد اختارها.

وقال محمد بن إسحاق

(4)

: حدّثني أبان بن صالح، عن عكرمة. قال: أفَضتُ مع الحسين بن علي فما أزالُ أسمعُه يُلَبِّي حتى رمى جَمرة العقبة، فلما قذفها أمسكَ، فقلتُ: ما هذا؟ فقال: رأيتُ أبي عليُّ بن أبي طالب يُلَبِّي حتى رمى

(5)

جمرةَ العَقَبة، وأخبرني أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يفعلُ ذلك.

وتقدَّم من حديث الليث، عن أبي الزُّبير، عن أبي مَعْبد، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل

(6)

، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الناسَ في وادي مُحَسِّرٍ بحَصى الخَذْفِ الذي يُرْمَى به الجمرةُ. رواه مسلم.

وقال أبو العالية

(7)

، عن ابن عباس، حدّثني الفضل، قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداةَ يومِ النَّحر: هاتِ فالْقُطْ لي حصًا. فلقَطْتُ له حَصَيات مثلَ حَصَى الخَذْفِ فوضَعَهُنّ في يده، فقال: بأمثالِ هؤلاء، بأمثال هؤلاء، وإيّاكُم والغُلُوَّ فإنَّما أهْلَكَ منْ كانَ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ في الدين. رواه

(8)

البيهقي.

وقال جابر في حديثه: حتى أتى بطنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قليلًا، ثم سَلَكَ الطَّريقَ الوُسْطَى التي تَخْرُجُ على الجَمْرَةِ الكُبْرى، حتى أتى الجَمْرَةَ فرماها بسبع حَصَياتٍ يُكَبرُ مع كلّ حَصاةٍ منها

(9)

حصَى الخَذْفِ رمى من بطن الوادي. رواه مسلم.

(1)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 137)(9385).

(2)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 137)(9385).

(3)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 137 - 138)(9386).

(4)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 138)(9388).

(5)

ليس لفظا (حتى رمى) في أ.

(6)

بعدها في أ: (قال قال).

(7)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 127)(9317).

(8)

أ: (ورواه).

(9)

بعدها في ط: (مثل).

ص: 252

وقال البخاري

(1)

: وقال جابر رضي الله عنه: رمى النبي صلى الله عليه وسلم يومَ النَحْرِ ضُحًى، ورمى بَعْدَ

(2)

ذلك بعد الزوال.

وهذا الحديث الذي عَلَّقه البخاري أسْنَدهُ مُسْلم

(3)

من حديث ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبير، سمع جابرًا، قال: رمى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمرةَ يومَ النَّحْر ضحى، وأما بعدُ فإذا زالتِ الشَّمْسُ.

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث الأعْمَش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: رمى عبدُ اللَّه من بطن الوادي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا يرمونها من فوقها، فقال: والذي لا إله غيره هذا مَقامُ الذي أُنْزلتْ عليه سورة البقرة. لفظ البخاري. وفي لفظٍ له

(5)

من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن مسعود، أنه أتى

(6)

الجمرةَ الكبرى، فجعلَ البيتَ عن يساره، ومنًى عن يمينه، ورمى بسبعٍ، وقال: هكذا رمى الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرَةِ.

ثم قال البخاري

(7)

: باب منْ رَمَى الجِمارَ بسبعٍ يُكَبِّر معَ كُلِّ حَصاةٍ، قاله ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إنما يُعْرفُ في حديث جابر، من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر -كما تقدم- أنَّه أتَى الجَمْرَةَ فرماها بسبعِ حَصَياتٍ يُكَبِّر مَعَ كُلِّ حصاةٍ منها

(8)

حَصَى الخَذْفِ.

وقد روى البخاري

(9)

في هذه الترجمة من حديث الأعْمشِ، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه بن مسعود: أنّه رَمَى الجَمْرة من بطن الوادي بسبع حَصيات يُكَبِّر معَ كُلِّ حصاةٍ. ثم قال: من هاهنا، والذي لا إلهَ غيرُه قام الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرَةِ.

وروى مسلم

(10)

من حديث ابن جُرَيْجٍ، أخبرني أبو الزُّبير، سمع جابر بن عبد اللَّه، قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى

(11)

الجمرة بسبعٍ مثل حَصَى الخَذْفِ.

(1)

رواه البخاري معلقًا قبل (1746).

(2)

ط: (بعدد).

(3)

مسلم (1299)(314).

(4)

البخاري (1747) ومسلم (1296).

(5)

أ: (آخر) في البخاري (1748).

(6)

بعدها في أ: (إلى).

(7)

رواه البخاري قبل (1748).

(8)

بعدها في ط: (مثل).

(9)

البخاري (1750).

(10)

مسلم (1299)(313).

(11)

ط: (يرمي).

ص: 253

وقال الإمام أحمد

(1)

: ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حَجّاج، عن الحكم، عن أبي القاسم -يعني مِقْسمًا- عن ابن عباس. أنَّ

(2)

النبيَّ صلى الله عليه وسلم رمى الجمرةَ جمرةَ العقبة يوم النحر راكبًا. ورواه الترمذي

(3)

عن أحمد بن مَنيع، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقال: حسن. وأخرجه ابن ماجه

(4)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر

(5)

، عن الحجاج بن أرطاة به.

وقد روى أحمد

(6)

وأبو داود

(7)

وابن ماجه

(8)

والبيهقي

(9)

من حديث يزيد بن أبي

(10)

زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحْوص، عن أمه، أم جندب الأزدية، قالت: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَرمي الجِمارَ من بطنِ الوادي، وهو راكبٌ يُكَبِّر مع كل حَصاةٍ، ورجلٌ من خلفه، يَسْتُرُهُ، فسألتُ عن الرجل، فقالوا: الفضل بن عباس، فازدحمَ الناسُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، لا يقتلْ بعضُكم بعضًا، وإذا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ فارموها

(11)

بمثل حصَى الخَذْفِ. لفظ أبي داود. وفي رواية له

(12)

قالت: رأيتُه عندَ جمرةِ العَقَبة راكبًا، ورأيت بين أصابعه حجرًا، فرمى ورمى الناسُ، ولم يُقِمْ عندها.

ولابن ماجه

(13)

قالت: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحْرِ عندَ جمرةِ العقبةِ، وهو راكبٌ على بَغْلةٍ. . . وذكَرَ الحديث. وذِكْرُ البَغْلةِ هاهنا غَريب جدًّا.

وقد روى مسلم في "صحيحه"

(14)

من حديث ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبير، سمعت جابرَ بن

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 232)(2056)، إسناده ضعيف، الحجاج هو ابن أرطاة، وهو مدلس وقد عنعنه، والحكم لم يسمع هذا الحديث من مقسم، لكن متنه حسن كما قال الترمذيّ.

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

الترمذي (899).

(4)

أ: (أخرجه) بلا واو. وانظر ابن ماجه (3034).

(5)

أ: (الأغر).

(6)

مسند الإمام أحمد (6/ 379)، إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وجهالة حال سليمان بن عمرو بن الأحوص، ومتنه حسن لغيره (بشار).

(7)

أبو داود (1966)، وهو حديث حسن.

(8)

ابن ماجه (2/ 1008)(3028) و (3031)، وهو حديث حسن.

(9)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 128)(9322).

(10)

ليس اللفظ في ط.

(11)

ط: (فارموه).

(12)

أبو داود (1967 و 1968)، وإسناده مثل سابقه.

(13)

ابن ماجه (3028).

(14)

مسلم (1297).

ص: 254

عبد اللَّه يقول: رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرةَ على راحلته يوم النحر ويقول

(1)

: لتَأْخذُوا مناسِكَكُم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.

وروى مسلم

(2)

أيضًا من حديث زيد بن أبي أُنَيْسةَ، عن يحيى بن الحُصَيْن، عن جدَّته أم الحُصَيْن، سمعتُها تقول: حَجَجْتُ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حجةَ الوَداعِ، فرأيتُهُ حين رَمَى جمرةَ العقبة، وانصرفَ وهو على راحلته يومَ النَّحْرِ وهو يقول: لتأخذوا مناسِكَكُم فإنّي لا أدري لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه. وفي رواية

(3)

قالت: حَجَجْتُ مع رسول اللَّه حجةَ الوداع، فرأيتُ أسامةَ وبلالًا، وأحَدُهُما آخذٌ بخِطامِ ناقةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والآخرُ رافعٌ ثوبَهُ يَسْتره من الحرِّ حتى رمَى جمرةَ العقبة.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد اللَّه الزبيري، ثنا أيمن بن نابل، ثنا قُدامة بن عبد اللَّه الكِلابي، أنه رأى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى الجَمْرَة

(5)

جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقةٍ له صهباءَ، لا ضَرْب ولا طَرْد ولا إليكَ إليكَ.

ورواه أحمد

(6)

أيضًا، عن وكيع ومُعْتمر بن سليمان، وأبي قُرَّة موسى بن طارق الزبيدي، ثلاثتهم عن أيمن بن نابل

(7)

به. ورواه أيضًا

(8)

عن أبي قرَّة، عن سفيان الثوري، عن أيمن. وأخرجه النّسائي

(9)

وابن ماجه

(10)

من حديث وكيع به. ورواه الترمذي

(11)

عن أحمد بن مَنيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به. وقال: حديث

(12)

حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد

(13)

: ثنا نوح

(14)

بن ميمون، ثنا عبد اللَّه -يعني العمري- عن نافع، قال: كان

(1)

أ: (وهو يقول).

(2)

مسلم (1298).

(3)

مسلم (1298)(312).

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 413)، وهو حديث صحيح.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 412 - 413)، وهو حديث صحيح.

(7)

ط: (نائل) وهو تحريف. انظر تهذيب الكمال (3/ 447).

(8)

مسند الإمام أحمد (3/ 413)، وهو حديث صحيح.

(9)

النسائي (3061)، وهو حديث صحيح.

(10)

ابن ماجه (3035)، وهو حديث صحيح.

(11)

الترمذيّ (903)، وهو حديث صحيح.

(12)

في ط: "وقال: هذا حديث"، ولفظة هذا ليست في أ، ولا في جامع الترمذي.

(13)

مسند الإمام أحمد (2/ 138)(6222)، وإسناده ضعيف لضعف عبد اللَّه العمري، ولكن له طريق أخرى عند الترمذيّ رقم (900) فهو حسن.

(14)

أ: (فرج).

ص: 255

ابن عمر يرمي جمرةَ العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيًا. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيًا ذاهبًا وراجعًا. ورواه أبو داود

(1)

عن القَعْنبي عن عبد اللَّه العمري به.

‌فصل

قال جابر: ثمَّ انصرفَ إلى المَنْحر، فَنَحَر ثلاثًا وستَين بيده، ثم أعْطَى عَليًا فنحر ما غَبَرَ وأشْرَكَهُ في هَدْيه، ثم أمَرَ من كُل بَدَنةٍ ببضعةٍ، فجُعلتْ في قِدْرٍ، فطُبختْ، فأكلا من لحمها وشربا من مَرَقِها. وسنتكلم على هذا الحديث.

وقال الإمام أحمد

(2)

بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن حُميد الأعْرَج، عن محمد بن إبراهيم التَّيْمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: خطبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناس

(3)

بمنًى، ونزّلهم منازلهم، فقال: لينزلِ المُهاجرون هاهنا وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا. وأشار إلى ميسرة القبلة. ثم لينزلِ الناسُ حولَهم. قال: وعلَّمَهم مناسِكَهُم؛ ففُتِحَتْ أسماعُ أهل منى، حتى سَمِعوه في منازلهم. قال فسمعتُه يقولُ: ارموا الجمرةَ بمثل حصَى الخَذْفِ. وكذا رواه أبو داود

(4)

عن أحمد بن حنبل، إلى قوله: ثم لينزلِ الناسُ حَوْلَهُمْ.

وقد رواه الإمام أحمد

(5)

، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وأبو داود، عن مُسَدَّدٍ، عن عبد الوارث، وابن ماجه من حديث ابن المبارك، عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن مُعاذٍ التَّيْمي. قال: خَطَبنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، ففُتِحَتْ أسْماعُنا حتّى كأنا

(6)

نسْمَعُ ما يقول. . . الحديث. ذكر جابر بن عبد اللَّه أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أشركَ عليَّ بن أبي طالب في الهَدْي، وأن جماعةَ الهَدْيِ الذي قدم به عليٌّ منَ اليَمَنِ والذي جاءَ به رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نحر بيده الكريمة ثلاثًا وستّين بَدَنة.

قال ابن حبان وغيره

(7)

: وذلك مناسب لعُمُرِه عليه الصلاة والسلام فإنّه كان ثلاثًا وستّين سنة.

(1)

أبو داود (1969)، وهو حديث حسن برواية الترمذيّ رقم (900).

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 61) و (5/ 374)(23225)، وهو حديث صحيح.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

أبو داود (1951)، وهو حديث صحيح.

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 61). (5/ 374)(23226) وأبو داود رقم (1957) والنسائي رقم (2996)، وليس عند ابن ماجه، وانظر (جامع المسانيد) للمصنف (8/ 450)، وهو حديث صحيح.

(6)

ط: (كأنَّ) والأصحُّ ما ورد في سنن أبي داود، وسنن النسائي:(كنا).

(7)

الإحسان (9/ 252).

ص: 256

وقد قال الإمام أحمد

(1)

: ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس، قال: نَحَرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحجِّ مئةَ بَدَنةٍ، نحرَ منها بيده سِتين وأمرَ ببقيّتها فنُحِرَتْ، وأخذ من كلِّ بَدَنةٍ بضعةً، فجُمعتْ في قِدْرٍ، فأكل منها، وحَسَا من مَرَقِها. قال: ونحرَ يومَ الحُدَيْبية سَبْعين، فيها: جَمَلُ أبي جَهْل، فلمّا صُدَّتْ عن البيتِ حَنَّتْ كما تَحِنّ إلى أولادها. وقد روى ابن ماجه

(2)

بعضَه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى به.

وقال الإمام أحمد

(3)

: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدّثني رجل، عن عبد اللَّه بن أبي نَجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عباس، قال: أهدى رسولُ اللَّه في حجَّةِ الوداع مئة بَدَنةٍ، نحرَ منها ثلاثين بَدَنة بيده، ثم أمر عليًا فنحر ما بَقيَ منها. وقال: اقْسم

(4)

لحومَها وجلودَها وجلالَهَا بين الناس، ولا تُعْطيَنَّ جَزّارًا منها شيئًا، وخُذ لنا من كلِّ بعير حِذْيةٌ

(5)

من لحمٍ، واجْعَلْها في قِدْرٍ واحدة حتى نأكلَ من لَحْمها ونَحْسوَ من مَرَقِها ففعل.

وثبت في "الصَّحيحين"

(6)

من حديث مُجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن عليّ، قال: أمرني

(7)

رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقومَ على بُدْنِهِ، وأن أتصدَّقَ بلحومها وجلودها وأجِلَّتِها، وأن لا أُعْطي الجَزّار منها شيئًا، وقال: نحن نُعْطيه من عندنا.

وقال أبو داود

(8)

: ثنا محمد بن حاتم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن حَرْمَلة بن عِمْران، عن عبد اللَّه بن الحارث الأَزْدي، سمعتُ غَرَفَة

(9)

بن الحارث الكِنْديّ، قال: شَهدْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأُتيَ بالبُدْنِ فقال: ادعوا

(10)

لي أبا حسنٍ، فدُعِيَ له عليٌّ. فقال له: خُذْ بأسفَلِ الحَرْبَةِ. وأخذَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طَعَن

(11)

بها البُدْنَ، فلما فرغَ ركبَ بَغْلَته وأردَفَ عَليًّا.

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 314)(2882)، وإسناده ضعيف، لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولانقطاعه بين الحكم ومقسم.

(2)

ابن ماجه (3100)، وهو حسن بطرقه.

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 260)(2359)، وإسناده ضعيف.

(4)

ط: (قسم).

(5)

ط: (جدية) تحريف. والحذية: القطعة (النهاية: حذا).

(6)

البخاري (1707) ومسلم (1317)(348).

(7)

أ: (أمر).

(8)

أبو داود (1766).

(9)

أ، ط:(عرفة) وهو تحريف صححته عن تقريب التهذيب - عوّامة - (442).

(10)

ط: (ادع) تحريف.

(11)

في الأصول: طعنا، والتصحيح من سنن أبي داود.

ص: 257

تفرَّدَ به أبو داود، وفي إسْنادِهِ ومَتْنِهِ. غَرابةٌ. واللَّه أعلم.

وقال الإمام أحمد

(1)

ثنا أحمد بن الحجّاج، أنبأنا عبد اللَّه، أنبأنا الحجاجُ بن أرطاة، عن الحكم، عن أبي القاسم -يعني مِقْسمًا- عن ابن عباس، قال: رمى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم جمرةَ العقبةِ، ثم ذَبَحَ، ثم حَلَقَ.

وقد ادَّعى ابنُ حزمٍ أنه ضَحَّى عن نسائه بالبقر، وأهدى عَنْهنَّ

(2)

بمقرة، وضَحّى هو يومئذ

(3)

بكَبْشَيْن أمْلَحَين.

‌صفَةُ حَلْقِهِ رَأْسَه الكريم

(4)

عليه أفضل الصلاةِ والتَّسْليم

قال الإمام أحمد

(5)

: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَلَقَ في حجته. ورواه النَّسائي

(6)

عن إسحاق بن إبراهيم -هو ابن راهويه- عن عبد الرزاق به.

وقال البخاري

(7)

: ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب، قال: قال نافع: كان عبد اللَّه بن عمر يقول: حَلَقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجته. ورواه مسلم

(8)

من حديث موسى بن عقبة عن نافع به.

وقال البخاري

(9)

: ثنا عبد اللَّه بن محمد بن أسماء، ثنا جُوَيْرية بن أسماء، عن نافع أنَّ عبد اللَّه بن عمر، قال: حَلَقَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقَصَّرَ بعضهم.

ورواه مسلم

(10)

من حديث الليث، عن نافع به. وزاد قال عبد اللَّه: قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُ اللَّهُ المُحَلقين مَرةً أو مَرَّتَيْن

(11)

. قالوا: يا رسول اللَّه

(12)

والمُقَصِّرين. قال والمُقَصِّرين.

وقال مسلم

(13)

: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع وأبو داود الطيالسي، [عن شعبة] عن يحيى بن

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 250)(2253)، وإسناده ضعيف، ولكن له شاهد من حديث أنس عند مسلم رقم (1305) فهو به حسن.

(2)

ط: (بمنى).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

أ: (الكريمة).

(5)

مسند الإمام أحمد (2/ 33)(4889)، وإسناده صحيح.

(6)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 449)(4114).

(7)

البخاري (1726).

(8)

مسلم (1304).

(9)

البخاري (1729).

(10)

مسلم (1301).

(11)

أ: (أو ثنتين).

(12)

ليست عبارة (يا رسول اللَّه) ليست في أ.

(13)

مسلم (1303).

ص: 258

الحُصَيْن، عن جدته، أنَّها سَمِعَتْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع دعا للمُحَلّقين ثلاثًا وللمُقَصِّرين مرة. ولم يَقُلْ وكيعٌ: في حجةِ الوداع. وهكذا روى هذا الحديثَ مسلمٌ

(1)

من حديث مالك وعُبَيْد اللَّه

(2)

، عن نافع، عن ابن عمر، وعُمارة، عن أبي زُرْعَة، عن أبي هريرة، والعَلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة

(3)

. وقال مسلم

(4)

: ثنا يحيى بن يحيى، ثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتى منًى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحَلّاق: خُذْ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يُعْطيه الناسَ. وفي روايةٍ له

(5)

: أنه حلق شِقَّه الأيمنَ، فقسمه بينَ النّاس من شعرةٍ وشعرتَيْن، وأعطى شِقَّه الأيْسَرَ لأبي طلحة. وفي روايةٍ

(6)

له أنه أعطى الأيمن لأبي طلحة وأعطاه الأيسر، وأمره أن يَقْسِمَه بين الناس.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم والحَلّاق يَحْلِقُه، وقد أطاف به أصحابُه، ما يريدون أن تَقعَ

(8)

شَعْرةٌ إلا في يَدِ رَجُلٍ. انفرد به أحمد.

‌فصل

ثم لبس عليه الصلاة والسلام ثيابَهُ وتَطَيَّبَ بعدَما رمى جمرةَ العَقَبة ونحر هَدْيَه، وقبل أن يطوفَ بالبيت، طَيَّبَتْهُ عائشةُ أم المؤمنين.

قال البخاري

(9)

: ثنا علي بن عبد اللَّه بن المَديني، ثنا سُفيان -هو ابن عُيَيْنة- ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وكانَ أفضلَ أهلِ زمانه. أنَّه سمعَ أباه، وكان أفضلَ أهلِ زمانه، يقول: إنَّه سمعَ عائشةَ تقول: طَيَّبْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بيديَّ هاتين حينَ أحرمَ، ولحلِّه حينَ أحلَّ قبل أن يطوفَ وبسطتْ يَدَيها.

وقال مسلم

(10)

: ثنا يعقوب الدَّوْرَقي وأحمد بن مَنيع، قالا: ثنا هُشَيْم، أنبأنا منصور، عن

(1)

مسلم (1301)(317).

(2)

م: (وعبد اللَّه).

(3)

مسلم (1302)(320).

(4)

مسلم (1305)(323).

(5)

مسلم (1305)(324).

(6)

مسلم (1305)(326).

(7)

مسند الإمام أحمد (3/ 133)(12386) أقول: ورواه مسلم رقم (2325).

(8)

م: (يقع).

(9)

البخاري (1754).

(10)

مسلم (1191).

ص: 259

عبد الرحمن بن القاسم. عن أبيه، عن عائشة، قالت: كنتُ أطَيِّبُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قبلَ أنْ يُحْرِمَ ويحلّ، يومَ النحر قبلَ أن يطوفَ بالبيتِ بطيبٍ فيه مِسْكٌ.

وروى النَّسائيّ

(1)

من حديث سفيان بن عيينة، عن الزُّهْري، عن عُرْوة، عن عائشة، قالت: طَيَّبْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حين أحرم، ولحِلِّه بعدما رمى جمرةَ العقبةِ قبلَ أن يطوفَ بالبيت.

وقال الشافعي: أنبأنا سُفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال: قالت عائشة: أنا طَيَّبْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لحِلِّه وإحْرامِه.

ورواه عبدُ الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزُّهريّ، عن سالمٍ، عن عائشة. . . فذكره.

وفي الصَّحيحين

(2)

من حديث ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد اللَّه بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يُخبران عن عائشة، أنها قالت: طَيَّبْتُ رسولَ اللَّه بيديَّ بذَريرةٍ في حجّةِ الوداعِ للحِلّ والإحْرامِ. ورواه مسلم

(3)

من حديث الضَّحاك بن عثمان عن أبي الرّجال، عن أمه عَمْرَة، عن عائشة به.

وقال سفيان الثوري

(4)

، عن سلَمة بن كُهَيْل، عن الحسن العُرَني

(5)

عن ابن عباس. أنه قال: إذا رَمَيْتُمُ الجمرةَ فقد حَلَلْتُمْ من كل شيء كان عليكم حرامًا إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت. فقال رجل: والطِّيبُ يا أبا العباس؟ فقال له: إني رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يضمخُ رأسَهُ بالمسك، أفَطيبٌ هو أم لا؟

وقال محمد بن إسحاق

(6)

: حدّثني أبو عُبَيْدة عن عبد اللَّه بن زَمْعة، عن أبيهِ، وأمّهِ: زينب بنت أمِّ سلمة، عن أم سلمة، قالت: كانت الليلةُ التي يدورُ فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلةَ النَّحْرِ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عندي، فدخل وَهْبُ بن زَمْعَة، ورجلٌ من آل أبي أمية مُتقَمِّصين. فقال لهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أفَضْتُما؟ قالا: لا. قال: فانزعا قميصيكما

(7)

فنزعاهما. فقال له وهب: ولمَ يا رسول اللَّه. فقال: هذا يوم أُرْخصُ لكم فيه، إذا رَمَيْتُم الجمرةَ ونَحَرْتُم هَديًا، إن كان لكم، فقد حللتُمْ من كل شيءٍ حُرِمْتُمْ

(1)

النسائي (5/ 137)(2687).

(2)

البخاري (5930) ومسلم (1189)(35).

(3)

مسلم (1189)(38).

(4)

النسائي (5/ 277)(3084) وابن ماجه (3041) والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 136)(9378)، وإسناده ضعيف لانقطاعه فإن الحسن العرني لم يلق ابن عباس. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد (6/ 244) رقم (26078) ولحديث عائشة طريق أخرى عند البيهقي (5/ 135) فهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(5)

ط: (العوفي) والعرني: بضم المهملة، وفتح الراء، بعدها نون الحسين بن عبد اللَّه العرني الكوفي. ثقة، أرسل عن ابن عباس (تقريب التهذيب 161).

(6)

هو السنن الكبرى للبيهقي (5/ 136). (137)(9380).

(7)

أ: (قميصكما).

ص: 260

منه إلا النساءَ حتى تطوفوا بالبيت، فإذا أمْسَيْتُم

(1)

ولم تُفيضوا صِرْتُم حُرمًا كما كنتُم أولَ مرةٍ حتى تطوفوا بالبيت. وهكذا رواه أبو داود

(2)

عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، كلاهما عن ابن أبي عَدِيّ، عن ابن إسحاق. . . فذكره.

وأخرجه البيهقي

(3)

، عن الحاكم، عن أبي بكر بن إسحاق

(4)

، عن أبي المُثَنى العنبري، عن يحيى بن معين، وزاد في آخره: قال أبو عُبَيْدة: وحدّثتني أمُّ قَيْس بنتُ مِحْصَنٍ، قالت: خرج من عندي عُكّاشَةُ بن مِحْصنٍ في نَفَرٍ من بني أسد مُتَقَمَّصينَ عَشيَّةَ يوم النَّحْر، ثم رَجَعوا إلينا عَشيًّا، وقُمُصُهُمْ على أيديهم يحملونها، فسأَلَتْهُمْ فأخبروها بمثلِ ما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لوهب بن زَمْعَة وصاحبه. وهذا الحديثُ غريب جدًا، لا أعلمُ أحدًا من العلماء قال به.

‌ذكر إفاضَتِهِ صلى الله عليه وسلم إلى البيتِ العَتيقِ

قال جابر: ثم ركبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأفاضَ إلى البيت، فصلَّى بمكةَ الظهرَ، فأَتَى بني عَبْدِ المُطَّلِب، وهم يَسْقون على زَمْزم، فقال: انْزِعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يَغْلِبكم الناسُ على سِقايتكم لنزعتُ معكم. فناولوه دَلْوًا فشرب منه. رواه مسلم. ففي هذا السِّياق ما يدُلُّ على أنه عليه الصلاة والسلام ركب إلى مكة قبلَ الزّوال، فطاف بالبيت ثم لمّا فرغَ صلَّى الظهرَ هناك.

وقال مسلم

(5)

أيضًا: أخبرنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا (عُبَيْد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلّى الظهر)

(6)

بمنى. وهذا خلافُ حَديث جابرٍ، وكلاهما عند مسلم. فإن عملنا

(7)

بهما أمكن أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهرَ بمكةَ، ثم رجع إلى منًى، فوجد الناسَ يَنْتظِرونهُ، فصلَّى بهم، واللَّه أعلم. ورجوعه عليه الصلاة والسلام إلى منًى في وَقْتِ الظُّهْرِ ممكنٌ؛ لأنَّ ذلك الوقتَ كانَ صيْفًا، والنهار طويلٌ، وإن كان صَدَر منه عليه الصلاة والسلام أفعالٌ كثيرةٌ في صَدْر هذا النهار، فإنه دفع فيه من المُزْدَلفة بعد ما أسفر الفجر جدًا، ولكنَّه فبلَ طلوع الشَّمس، ثُمَّ قدمَ مِنًى فبدأ برمي جمرةِ العقبة بسبع حَصَيات، ثم جاء فنحرَ بيده ثلاثًا

(1)

ط: (رميتم).

(2)

أبو داود (1999)، وأحمد في مسنده (6/ 295) وهو حديث حسن.

(3)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 137)(انظر التخريج السابق).

(4)

ط: (بن أبي إسحاق) وفيها زيادة. وانظر سير أعلام النبلاء (15/ 483).

(5)

مسلم (1308).

(6)

ليس ما بين القوسين في ط.

(7)

ط: (عللنا).

ص: 261

وستّين بَدَنةً، ونحرَ عليّ بقيةَ المئة، ثم أخذ

(1)

من كل بدنةٍ بضعةٌ، ووضعت في قِدْرٍ، وطُبختْ حتى نضِجَتْ، فأكل من ذلك اللحم، وشرب من ذلك المَرَق. وفي غضون

(2)

ذلك حلق رأسه عليه الصلاة والسلام وتطيَّبَ، فلما فرغ من هذا كلِّه ركبَ إلى البيت، وقد خطبَ عليه الصلاة والسلام في هذا اليوم خطبةً عظيمة، ولستُ أدري أكانت قبلَ ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منًى. فاللَّه أعلم.

والقَصْدُ أنَّه ركبَ إلى البيت فطاف به سبعةَ أطوافٍ راكبًا، ولم يَطُفْ بينَ الصَّفا والمَرْوة كما ثبت في "صحيح مسلم" عن جابر وعائشة رضي الله عنهما، ثم شرب من ماء زَمْزم ومن نبيذ بتمرٍ

(3)

من ماء زمزم. فهذا كله مما يُقَوِّي قول منْ قالَ: إنّه عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهر بمكةَ. كما رواه جابر. ويُحتمل أنّه رجعَ إلى مِنًى في آخرِ وَقْت الظُّهْرِ، فصلَّى بأصحابه بمنًى الظُّهْرَ أيضًا. وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يَدْرِ ما يقول فيه، وهو مَعذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه. واللَّه أعلم.

وقال أبو داود

(4)

: ثنا علي بن بحر وعبد اللَّه بن سعيد، المَعْنَى، قالا: ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلَّى الظهر، ثم رجع إلى منًى، فمكثَ بها لياليَ أيام التَّشْريق يَرْمي الجَمْرة إذا زالت الشمسُ، كلُّ جَمْرةٍ بسبعِ حَصَياب يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاةٍ.

قال ابنُ حَزْمٍ: فهذا جابرٌ وعائشة قد اتَّفقا على أنه عليه الصلاة والسلام صَلَّى الظُّهْرَ يومَ النَّحْر بمكة، وهما -واللَّه أعلم- أضْبَطُ لذلك من ابن عمر. كذا قال، وليس بشيء، فإنَّ روايةَ عائشةَ هذه ليست ناصَّةً أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى الظُّهْرَ بمكةَ، بل مُحْتملةٌ إنْ كانَ المَحْفوظ في الرواية حتى صلَّى الظُّهْر. وإن كانت الروايةُ حين صلى الظهرَ، وهو الأشبه فإنَّ ذلك دليل على أنَّه عليه الصلاة والسلام، صلَّى الظهر بمنًى قبلَ أن يذهبَ إلى البيت، وهو مُحْتملٌ، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. وعلى هذا فيَبْقَى مُخالفًا لحديثِ جابر، فإنّ هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبلَ أن يَرْكَبَ إلى البيت، وحديثُ جابرٍ يقتضي أنه ركبَ إلى البيت، قبل أن يُصلِّي الظهرَ وصَلّاها بمكة.

وقد قال البخاري

(5)

: وقال أبو الزُّبير: عن عائشة وابن عباس: أخَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم[الطواف، يعني]

(1)

ط: (أخذت).

(2)

ط: (غبون).

(3)

ط: (تمر).

(4)

أبو داود (1973)، وهو حديث حسن.

(5)

البخاري معلقًا قبل رقم (1732).

ص: 262

طواف

(1)

الزيارة إلى الليل، وهذا الذي عَلَّقَه البُخاري قد

(2)

رواه الناسُ من حديث يَحْيى بن سَعيدٍ وعبد الرحمن بن مَهْدي ونوح

(3)

بن ميمون، عن سُفْيان الثَّوري، عن أبي الزُّبير، عن عائشة، وابن عباس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَّر الطَّوافَ يومَ النَّحْرِ إلى الليل. ورواه أهل السُّنَن الأرْبَعة

(4)

من حديث سفيان به. وقال الترمذيّ: حسن

(5)

.

وقال الإمام أحمد

(6)

: ثنا محمد بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، عن أبي الزُّبير، عن عائشة وابن عمر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم زارَ لَيْلًا. فإنْ حُمِلَ هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعدَ الزَّوالِ، كأنّه يقول: إلى العَشِيّ صَحَّ ذلك. وأما إنْ حُمل على ما بَعدَ الغُروب فهو بعيدٌ جدًا، ومخالفٌ لما ثبتَ في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنّه عليه الصلاة والسلام طاف يوم النحر نهارًا، وشرب من سقاية زمزم. وأما الطوافُ الذي ذهبَ في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع. ومنَ الرُّواة من يُعَبِّر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء اللَّه. أو طواف زيارةٍ مَحْضَةٍ قبلَ طوافِ الوَداعِ، وبعد طواف الصَّدرِ الذي هو طواف الفرض. وقد ورد حديثٌ سنذكره في موضعه: أنَّ رسولَ اللَّه كان يزور البيت كُلَّ ليلةٍ من ليالي مِنًى، وهذا بعيد أيضًا، واللَّه أعلم.

وقد روى الحافظ البيهقي

(7)

من حديث عمر

(8)

بن قيس، عن عبد الرحمن عن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أذِنَ لأصْحابِه، فزاروا البيتَ يومَ النَّخرِ ظهيرةً، وزار رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلًا. وهذا حديث غريب جدًا أيضًا، وهذا قول طاووس وعروة بن الزُّبير: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخر الطَّوافَ يومَ النحرِ إلى الليل. والصحيحُ من الرواياتِ، وعليه الجمهور، أنّه عليه الصلاة والسلام، طاف يومَ النَّحْرِ بالنهارِ، والأشبه أنّه كان قبلَ الزّوال، ويحتملُ أن يكون بعده. واللَّه أعلم.

والمقصودُ أنه عليه الصلاة والسلام لمّا قدِمَ مكةَ طافَ بالبيتِ سبعًا وهو راكبٌ، ثم جاء زمزمَ، وبنو عبد المطلب يَسْتَقون منها، ويَسْقون الناس، فتناول منها دَلْوًا فشَرِبَ منه، وأفرغ عليه منه.

كما قال مسلم

(9)

: أخبرنا محمد بن مِنْهال الضَّريرُ، ثنا يزيد بن زُرَيْع، ثنا حُمَيْدُ الطَّويل، عن بكر بن

(1)

ط: (يعني طواف) وفي فتح الباري (الزيارة يعني طواف الزيارة)(3/ 567).

(2)

ط: (فقد).

(3)

ط، أ:(وفرج) وهو خطأ. انظر تهذيب الكمال (30/ 62)(6496).

(4)

ابن ماجه (3059) من حديث يحيى بن سعيد وأبو داود (2000) والترمذي (920) والنسائي في السنن الكبرى (2/ 460)(4169) والإمام أحمد في المسند (1/ 288) من حديث نوح بن ميمون.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

مسند الإمام أحمد (2/ 50)(5110)، وإسناده ضعيف.

(7)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 144)(9420).

(8)

ط: (عمرو) وما هنا عن أ والسنن.

(9)

مسلم (1316).

ص: 263

عبد اللَّه المُزَني، سمع ابن عبّاسٍ يقولُ: وهو جالس معه عندَ الكَعْبة: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على راحلَتِهِ وخلْفَه أُسامة، فأتيناهُ بإناءٍ فيه نبيذٌ فشربَ وسقَى فَضْلَه أُسامةَ. وقال: أحْسَنْتُم وأجْمَلْتُم، هكذا فاصنعوا، قال ابن عباس: فنحن لا نُريدُ أن نُغيِّرَ ما أمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفي روايةٍ

(1)

عن بكر أنّ أعرابيًا قال لابنِ عباس: ما لي أرى بني عَمِّكم يَسْقون اللبنَ والعسلَ، وأنتُمْ تَسْقون النَّبيذَ؟ أمِنْ حاجةٍ بكم، أم منْ بُخْلٍ؟ فذكر له ابنُ عباس هذا الحديث.

وقال أحمد

(2)

: حدثنا روح، ثنا

(3)

حماد، عن حُمَيد، عن بكرٍ عن عبد اللَّه: أنَّ أعرابيًا قال لابن عباس: ما شأنُ آلِ معاوية يَسْقون الماءَ والعَسَلَ، وآلُ فلانٍ يَسْقونَ اللَّبَنَ، وأنتم تَسْقونَ النبيذَ. أمِنْ بُخْل بكم أم حاجهً؟ فقال ابنُ عبَّاسٍ: ما بنا بُخْل ولا حاجةٌ، ولكن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم جاءنا ورَديفُه أسامةُ بن زيدٍ، فاسْتَسقى فَسَقَيْناهُ من هذا -يَعْني نَبيذَ السِّقاية- فشرب منه، وقال: أحسَنْتُم، هكذا فاصْنَعوا. ورواه أحمد

(4)

، عن رَوْحٍ، ومحمد بن بكر، عن ابن جُرَيْج، عن حُسين بن عَبْد اللَّه بن عُبَيْد اللَّه بن عباس، وداود بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن ابن عباس. . . فذكره.

وروى

(5)

عن إسحاق بن شاهين

(6)

عن خالد [عن خالد الحذَّاء]، عن عكرمة، عن ابن عباس. أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء إلى السِّقايةِ فاستسقى

(7)

، فقال العباس: يا فضلُ، اذهَبْ إلى أُمِّكِ، فأتِ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بشرابٍ من عندها. فقال: اسقني! فقال: يا رسولَ اللَّه إنَّهم يَجْعَلون أيديَهُمْ فيه. قال: اسْقِني فَشَرِبَ منه، ثم أتَى زَمْزَمَ، وهم يَسْقونَ ويَعْملون فيها. فقال: اعْمَلوا فإنَّكمْ على عملٍ صالحٍ. ثم قال: لولا أن تُغْلَبوا لنَزَلْت

(8)

حتى أضع الحبل على هذه -يعني عاتقه- وأشار إلى عاتقه.

وعنده

(9)

من حديث عاصم، عن الشعبي، أنَّ ابنَ عباسٍ قال: سَقَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من زَمْزم، فشربَ وهو قائم. قال عاصم: فحلَفَ عكرمة - ما كان يومئذ إلا على بعير. وفي رواية: ناقته.

(1)

أنظر بالإضافة إلى رواية مسلم السابقة: سنن أبي داود (2021)، وهو حديث صحيح.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 372)(3528)، وإسناده صحيح.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

رواه أحمد من طريق روح في مسنده (1/ 320 - 321)(2946) ومن طريق محمد بن بكر في (1/ 336)(3114)، وهو حديث حسن.

(5)

البخاري (1635).

(6)

ط: (سليمان) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (2/ 434)(358).

(7)

ط: (فاستقى).

(8)

ط: (لنزعت).

(9)

البخاري (1637).

ص: 264

وقال الإمام

(1)

أحمد: ثنا هُشَيْم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عِكْرمة، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم طافَ بالبيت، وهو على بعيرٍ، واستلم الحجرَ بمِحْجَنٍ كان معه. قال: وأتى السِّقاية فقال: أسقوني. فقالوا: إن هذا يخوضُه الناسُ ولكنا نَأْتيكَ به من البيتِ. فقال: لا حاجةَ لي فيه، اسقُوني مِمّا يَشْربُ الناسُ.

وقد روى أبو داود

(2)

، عن مُسَدّدٍ، عن خالد الطَّحّان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عِكْرمةَ، عن ابن عباس. قال: قَدِمَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مكةَ، ونحنُ نَسْتَقي

(3)

، فطاف على راحلته. . . الحديثَ.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدثنا رَوْحٌ وعَفَّانُ، قالا: ثنا حماد، عن قيس، وقال عفان في حديثه أنبأنا قيس، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم، فَنَزَعْنَا له دلوًا فشرب، ثم مَجَّ فيها، ثم أفْرَغناها في زمزم. ثم قال: لولا أن تُغْلَبوا عليها لنَزَعْتُ بيدي. انفرد به أحمد، وإسناده على شرط مسلم.

‌فصل

ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يُعِدِ الطَّوافَ بين الصفا والمَرْوة مرة ثانية، بل اكتفى بطَوافِهِ الأول. كما روى مسلم في "صحيحه"

(5)

، من طريق ابن جُرَيْجٍ، أخبرني أبو الزُّبير، سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: لم يَطُفِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بين الصَّفا والمروة إلَّا طوافًا واحدًا.

قلت: والمراد بأصحابه هاهنا الذين سادوا الهَدْيَ وكانوا قارنين. كما ثبت في "صحيح مسلم"

(6)

أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة -وكانت أدْخَلَتِ الحجَّ على العمرة، فصارت قارنةً-: يَكْفيكِ طوافُكِ بالبيتِ وبينَ الصَّفا والمَرْوة لحَجّكِ وعُمْرتك. وعند أصحاب الإمام أحمد أنَّ قولَ جابرٍ وأصحابِهِ عامٌّ في القارنين والمُتَمتِّعين. ولهذا نصَّ الإمام أحمد على أنَّ المُتَمَتّع يكفيه طوافٌ واحدٌ عن حَجَّه وعُمْرتِه، وإن تحلّل بينهما تحلّل. وهو قولٌ غريبٌ، مأخذه ظاهرُ عمومِ الحديثِ. واللَّه أعلم.

وقال أصحاب أبي حنيفة في المُتَمتِّع، كما قال المالكيَّة والشافعيَّة: إنَّه يجبُ عليه طوافان وسعيان،

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 214 - 215)(1841)، وإسناده ضعيف، ولكن له طريق أخرى عند البخاري رقم (1607) فهو حديث حسن.

(2)

أبو داود (1881)، وإسناده ضعيف.

(3)

في السنن: وهو يشتكي.

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 372)(3527).

(5)

مسلم (1279).

(6)

مسلم (1211).

ص: 265

حتى طَرَدَت الحنفيّةُ ذلك في القارن، وهو من أفراد مذهبهم، أنه يطوفُ طوافَيْن، ويسعى سَعْيَيْن، ونقلوا ذلك عن عليّ موقوفًا. ورُوي عنه مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد قدَّمنا الكلامَ على ذلك كلِّه عند الطَّواف، وبَيَّنا أن أسانيدَ ذلك ضعيفةٌ مخالفةٌ للأحاديثِ الصَّحيحة. واللَّه أعلم.

‌فصل

ثم رجعَ عليه الصلاة والسلام إلى منًى بَعْدَما صَلَّى الظُّهْرَ بمكة، كمَا دَلَّ عليه حديثُ جابر. قال ابن عمر: رَجَعَ فصلَّى الظهرَ بمنى. رواهما مسلم، كما تقدم قريبًا، ويمكنُ الجمعُ بينَهما بوقوع ذلك بمكة وبمنَى. واللَّه أعلم. وتوقَّفَ ابنُ حَزْمٍ في هذا المقام، فلم يَجْزِمْ فيه بشيء وهو مَعْذورٌ لتَعارض النَّقْلَيْن الصَّحيحين فيه. فاللَّه أعلم.

وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من آخر يومِهِ حينَ صَلَّى الظهرَ، ثم رجعَ إلى منًى، فمكثَ بها لياليَ أيامِ التَّشْريق يَرْمي الجَمَراتِ إذا زالَتِ الشَّمْسُ، كلُّ جَمْرَة بسبع حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مع كُلِّ حصاةٍ. ورواه أبو داود

(1)

مُنْفردًا به. وهذا يدلّ على أنّ ذهابه عليه الصلاة والسلام، إلى مكة يومَ النحر كان بعد الزوالِ. وهذا ينافي حديثَ ابنِ عمر قَطْعًا، وفي منافاتِه لحديثِ جابرٍ نظرٌ. واللَّه أعلم.

‌فصل

وقد خطب رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الشريف خطبةً عظيمةً تواتَرَتْ بها الأحاديث، ونحن نَذْكُرُ منها ما يَسَّرهُ اللَّهُ عز وجل.

قال البخاري

(2)

باب الخطبة أيامَ مِنًى: حَدَّثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا فُضَيْل بن غَزْوان، ثنا عِكْرمة، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خطبَ الناسَ يومَ النَّحْرِ، فقال: "يا أيها النّاسُ، أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حرامٌ. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ. قال: فأيُّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهرٌ حرامٌ. قال: فإنَّ دماءَكُم وأمْوَالكم وأعْراضكم عَلَيْكُمْ حَرام كَحُرْمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا. قال: فأعادَها مِرارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه فقال: اللَّهُمَّ هل بَلَّغْتُ، اللهم هل

(3)

بلغت" قال ابن عباس: فوالذي نَفْسي بيده، إنها لوصيّتُه إلى أمَّته - فليُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، لا تَرْجعوا بعدي كُفّارًا يَضْربُ

(1)

أبو داود (2/ 201)(1973)، وهو حديث حسن.

(2)

البخاري (1739).

(3)

ط: (قد).

ص: 266

بعضُكم رقابَ بعضٍ. ورواه الترمذيُّ

(1)

، عن الفَلّاس، عن يحيى القَطّان به. وقال: حسن صحيح.

وقال البخاري

(2)

أيضًا: حَدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا قُرَّة، عن محمد بن سيرين، أخبرني عبد الرحمن بن أبي بَكْرة، عن أبيه، ورجلٌ أفضلُ في نَفْسي من عبد الرحمن، حُميدُ بن عبد الرحمن، عن أبي بَكْرة رضي الله عنه، قال: خَطَبنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ النحر، فقال: "أتدرون أيُّ يومٍ هذا؟ قلنا: اللَّه

(3)

ورسولُه أعلمُ. فسكت حتى ظَننَّا أنَّه سيُسَمّيه بغير اسمه. قال: أليس هذا

(4)

يومَ النَّحر؟ قلنا: بلى! قال: أيُّ شهرٍ هذا؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُه أعلم. فَسَكَتَ حتَّى ظَننَّا أنّه سَيُسَمِّيه بغير اسمه. قال: أليسَ ذو الحجَّة؟ قُلنا: بلى! قال: أيُّ بلدٍ هذا؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، فسكتَ حتى ظننَّا أنَّه سَيُسمّيه بغير اسمه قال: أليس بالبلدة

(5)

الحَرام، قلنا بلى! قال: فإنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحُرْمةِ يومِكم هذا، في شَهْرِكم هذا، في بلدِكُمْ هذا، إلى يوم تَلْقَوْن رَبَّكُمْ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قالوا: نعم. قال

(6)

: اللهم اشهد، فَلْيبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى منْ سامِعٍ، فلا تَرْجِعوا بَعْدي كُفّارًا، يَضْربُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ".

ورواه البخاريُّ

(7)

ومسلم

(8)

من طرقٍ، عن محمد بن سيرين به.

ورواه مسلم

(9)

، من حديث عبد اللَّه بن عون، عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، فذكره. وزاد في آخره: ثم انْكَفَأَ إلى كَبْشَيْن أمْلَحَيْن فَذَبَحَهُما، وإلى جُزَيعةٍ

(10)

من الغنم فقَسَمَها بَيْنَنا.

وقال الإمام أحمد

(11)

: ثنا إسماعيل، أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب في حجَّتِهِ، فقال: "ألا إنَّ الزمانَ قد استدار كَهَيْئَتِهِ يومَ خلقَ اللَّهُ السماواتِ

(1)

الترمذي (2193).

(2)

البخاري (1741).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ليس اللفظ في أ.

(5)

ط: (بالبلد).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

البخاري (67).

(8)

مسلم (1679).

(9)

مسلم (1679)(30).

(10)

أ، ط:(جذيعة) وهو تحريف. والجُزَيعة: القطعة: القطعة من الغنم، تصغير جِزْعة بالكسر، وهو القليل من الشيء (النهاية: جزع).

(11)

مسند الإمام أحمد (5/ 37).

ص: 267

والأرضَ. السَّنَةُ اثنا عشر

(1)

شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ؟ ثلاثةٌ مُتوالياتٌ، ذو القعدة، وذو الحِجَّة، والمُحَرَّم، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشعبان. ثم قال: ألا أي يوم هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظَنَنَّا أنه سيسمِّيه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، ثم قال: أيّ شَهْر هذا؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُه أعلم. فسكتَ حتّى ظَننَّا أنه سيُسَمِّيه بغير اسمه. قال: أليسَ ذا الحِجَّة؟ قلنا: بلى. ثم قال: أي بلدٍ هذا؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ. فسكتَ حتّى ظَننَّا أنه سيُسَمّيه بغير اسمه. قال: أليسَتِ البَلْدَة؟ قلنا: بلى. قال (6): فإنَّ دماءَكُم؟ وأموالَكُمْ - أحْسبه

(2)

قال: وأعراضَكمْ عليكم حرامٌ، كَحُرْمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بلدكم هذا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلكُم عن أعْمالِكُمْ، ألا لا تَرْجِعوا بَعْدي ضُلّالًا يَضْربُ بعضُكُم رقابَ بَعْضِ، ألا هل بَلَّغْتُ: ألا ليُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، فلعلَّ منْ يُبَلِّغُه يكونُ أوعى له من بعضِ (منْ سَمِعَهُ. هكذا وقع في "مسند الإمام أحمد"، عن محمد بن سيرين، عن أبي بَكْرَة (وهكذا رواه أبو داود عن مُسَدَّدٍ)

(3)

والنسائي

(4)

عن عمرو بن زرارة، كلاهما عن إسماعيل -وهو ابن عُلَيَّة- عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي بكرة به)

(5)

. وهو منقطع لكِنْ

(6)

صاحبا "الصحيح" أخرجاه من غير وجه، عن أيوب وغيره، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه به.

وقال البخاري

(7)

أيضًا: ثنا محمد بن المُثنَى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنًى: أتَدْرونَ أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإن هذا يوم حرامٌ، أفتدرون أيُّ بلدٍ هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: بلدٌ حرامٌ. قال: أفَتَدْرون أيُّ شَهْر هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: شَهْرٌ حرامٌ. قال: فإنّ اللَّه حَرَّمَ عليكم دِماءَكُم وأمْوالكم وأَعْراضكم كَحُرْمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في شَهْرِكُم هذا، في بلدكم هذا. وقد أخْرَجَهُ البخاريّ في أماكن متفرفة من "صحيحه"

(8)

وبقيَّة الجماعة

(9)

إلا الترمذيّ، من طرقٍ، عن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر، عن جدّه عبد اللَّه بن عمر. . . فذكره.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

ط: (لا أحسبه).

(3)

مكان ما بين القوسين في ط: (من مسدد)، وهو عند أبي داود رقم (1947).

(4)

النسائي (7/ 127)(4130).

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

ط: (لأنّ).

(7)

البخاري (1742).

(8)

البخاري (4403) و (6043) و (6166).

(9)

مسلم (66)، والنسائي (7/ 126)(4125) وابن ماجه (3943) و (6/ 2490)(6403) و (6/ 2710)(7009) وأبو داود (4686).

ص: 268

قال البخاري

(1)

، وقال هشام بن الغاز: أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ النحر بينَ الجَمَرات في الحجة التي حَجّ بهذا. وقال: هذا يومُ الحجّ الأكبر. فطفقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشْهَدْ، وَوَدّع الناسَ، فقالوا هذه حجة الوداع. وقد أسْنَدَ هذا الحديث أبو داود

(2)

عن مؤمَّل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم. وأخرجه ابن ماجه

(3)

، عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، كلاهما عن هشام بن الغاز بن ربيعة الجُرَشي أبي العباس الدمشقي به.

وقيامه عليه الصلاة والسلام، بهذه الخطبة عند الجمرات يَحْتَمِلُ أنّه بعد رَمْيِهِ الجَمْرة يوم النحر وقبل طوافه. ويَحْتملُ أنَّه بعدَ طوافه ورجوعه إلى منى ومُرور

(4)

بالجمرات.

لكن يُقوِّي الأول ما رواه النسائي

(5)

حيث قال: حدثنا عمرو بن هشام الحَرّاني، ثنا محمد بن سَلَمَة، عن أبي عبد الرحيم، عن زَيْد بن أبي أنَيْسة، عن يحيى بن حُصن الأحْمَسي، عن جَدَّته أم حصين قالت: حَجَجْتُ في حَجَّةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرأيتُ بلالًا آخذًا بقَوْدِ

(6)

راحلتِه، وأسامة بن زيد رافعٌ عليه ثَوْبَهُ يُظِلُّهُ من الحرِّ وهو مُحْرِمٌ، حتى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. ثم خطبَ الناسَ، فحمِدَ اللَّه، وأثْنَى عليه، وذكر قولًا كثيرًا.

وقد رواه مسلم

(7)

من حديث زيد بن أبي أُنَيْسَة، عن يحيى بن الحُصَيْن، عن جَدّتِه أم الحُصَيْن، قالت: حَجَجْتُ مع رسول اللَّه حجةَ الوداعِ، فرأيتُ أسامَةَ وبلالًا، أحدهما آخذٌ بخِطام ناقةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والآخرُ رافعٌ ثوبَهُ يَسْتُرُهُ من الحرِّ حتى رمى جمرة العقبةِ. قالت: فقال رسول اللَّه قولًا كثيرًا. ثم سَمِعْتُهُ يقولُ: إنْ أمِّرَ عليكم عبدٌ مُجَدَّعٌ

(8)

-حَسِبْتُها قالتْ: أسودُ- يَقُودُكم بكتابِ اللَّه فاسْمَعُوا له وأطيعوا.

وقال الإمام أحمد

(9)

: ثنا محمد بن عُبَيْد

(10)

، ثنا الأعْمَشُ، عن أبي صالح -وهو- ذَكْوانُ السَّمان، عن جابر، قال: خَطَبنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ فقال: أيّ يَوْمٍ أعظمُ حرمةً؟ قالوا: يومُنا

(1)

البخاري (1742).

(2)

أبو داود (1945).

(3)

ابن ماجه (3058).

(4)

ط: (بعد رجوعه إلى منى ورميه).

(5)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 436)(4066).

(6)

في السنن الكبرى (بخطام) وسترد في الرواية التالية للحديث.

(7)

مسلم (1298).

(8)

"مُجَدّع": أي مُقَطَّع الأعضاء، وللتشديد للتكثير (النهاية: جدع).

(9)

مسد الإمام أحمد (3/ 371)(15032).

(10)

ط: (عبيد اللَّه)، وهو محمد بن عُبَيْد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب الحافظ أخو يعلى بن عُبيد، حدث عن الأعمش وغيره، حدث عنه أحمد بن حنبل وابن معين وغيرهما، توفي سنة أربع. وقيل خمس ومئتين (سير أعلام النبلاء 9/ 436).

ص: 269

هذا. قال: أيُّ شَهْرٍ أعْظَمُ حرمةً؟ قالوا شهرُنا هذا. قال: أيُّ بلَدٍ أعظمُ حُرْمةً؟ قالوا: بلدُنا هذا، قال: فإنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم عَلَيْكُم حَرامٌ، كَحُرْمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، هَلْ بَلَّغْتُ؟ قالوا: نعم. قال: اللهمَّ اشْهَدْ. انْفَرَدَ به أحمدُ من هذا الوجه، وهو على شَرْط "الصَّحيحَيْن". ورواه أبو بكر بن أبي شَيْبة، عن أبي معاوية، عن الأعْمش به

(1)

. وقد تقدَّم حديثُ جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابر في خطبته عليه الصلاة والسلام، يومَ عرفة. فاللَّه أعلم.

قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا عليّ بن بَحْر، ثنا عيسى بن يونس، عن الأعْمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. . . فذكر معناه. وقد رواه ابن ماجه

(3)

، عن هشام بن عَمار، عن عيسى بن يونس به. وإسنادُهُ على شرط "الصحيحين" فاللَّه أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر البزَّار

(4)

: ثنا أبو هشام، ثنا حفص، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فقال: أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حرامٌ. قال: فإن دماءَكُم وأموالَكُم عليكُم حرامٌ

(5)

كحُرمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بلدكم هذا. ثم قال البزارُ: رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد. وجمعهما لنا أبو هشام، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد.

قلت: وتقدّم روايةُ أحمد له، عن محمد بن عُبَيْد الطَّنافسي، عن الأعْمَش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد اللَّه، فلعله عند أبي صالح، عن الثلاثة. واللَّه أعلم.

وقال هلال بن يساف عن سَلَمَة بن قيبى الأشْجَعي، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (إنما هُنَّ أربع؛ لا تُشْركوا باللَّه شيئًا، ولا تقتلوا النفسَ التي حَرَّم اللَّه إلا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تَسْرِقوا. قال: فما أنا بأشحّ عليهنّ منّي حين سمعتُهنّ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[وقد] رواه الإمام أحمد

(6)

والنسائي

(7)

من حديث منصور عن هلال بن يساف. وكذلك رواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور.

وقال ابن حزم في "حجة الوداع")

(8)

حَدَّثنا أحمد بن عمر بن أنس العُذْري، ثنا أبو ذرٍّ عبد

(9)

بن

(1)

رواه عبد الرزاق في مصنفه (19012).

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 80)(11779).

(3)

ابن ماجه (3931).

(4)

في زوائده رقم (3346).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

مسند الإمام أحمد (4/ 339 - 340)، وهو حديث صحيح.

(7)

السنن الكبرى للنسائي (6/ 421)(11373)، وهو حديث صحيح.

(8)

ليس ما بين القوسين في ط.

(9)

ط: (عبد اللَّه) انظر سير أعلام النبلاء (17/ 554 - 555).

ص: 270

أحمد الهَرَويّ الأنصاري، ثنا أحمد بن عَبْدان الحافظ بالأهواز، ثنا سَهْلُ بن موسى بشيراز

(1)

ثنا موسى بن عمرو بن عاصم

(2)

، ثنا أبو العَوّام، ثنا محمد بن جُحادة، عن زياد بن عِلاقة، عن أسامة بن شَريكٍ. قال: شهدتُ رسولَ اللَّه في حجَّة الوَداع، وهو يخطبُ وهو يقول: أُمَّك وأباك وأُخْتَك وأخاك، ثم أدْناك أدناك

(3)

. قال: فجاء قوم فقالوا: يا رسول اللَّه قَتَلتْنا

(4)

بنو يَرْبوع. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا تجني نفس على أخرى، ثم سأله رجلُ نسيَ أن يرميَ الجِمارَ (فقال: ارمِ ولا حرج. ثم أتاه آخر فقال: يا رسول اللَّه إني نسيتُ

(5)

الطواف. فقال: طُفْ ولا حرج). ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح فقال

(6)

: اذْبَحْ ولا حَرَجَ. فما سألوه يومئذٍ عن شيءٍ إلا قال لا حَرَجَ، لا حَرَجَ. ثم قال: قَدْ أذْهَبَ اللَّه الحَرَجَ إلا رجلًا اقْتَرَض

(7)

امرأً مسلمًا، فذلك الذي حرج وهلَكَ. وقال: ما أنزلَ اللَّهُ داءً إلا أنزلَ له دواءً إلا الهَرَمَ. وقد روى الإمام أحمد

(8)

وأهل السنن

(9)

بعض هذا السياق من هذه الطريق. وقال الترمذيّ: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد

(10)

: ثنا حجاج. حدّثني شعبة، عن علي بن مُدْركٍ، سمعتُ أبا زُرْعَة يُحَدِّث عن جريرٍ، وهو جدُّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في "حجة الوداع": يا جريرُ اسْتَنصِتِ النّاسَ. ثم قال في خطبته: لا تَرْجِعوا بعدي كُفَّارًا يَضْربُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْضٍ. ثم رواه أحمد

(11)

، عن غُنْدرٍ، وعن ابن مَهْديٍّ، كل منهما عن شعبة به. وأخرجاه في "الصحيحين"

(12)

من حديث شعبة به.

وقال أحمد

(13)

: ثنا ابن نُمَيْرٍ، ثنا إسماعيل، عن قيسٍ قال: بَلَغَنا أنَّ جريرًا قال: قال رسول اللَّه: استَنْصتِ النّاسَ. ثم قال عندَ ذلك: لا أعْرِفَنَّ بعدَ ما أرَى تَرجعون كُفّارًا يَضْرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ.

(1)

ط: (بن شيرزاد) وما أثبته عن أ.

(2)

أ: (حدّثنا أبو موسى حدّثنا عمرو بن عاصم).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (قبلنا).

(5)

أ: (نصيت) وما أثبته للسياق.

(6)

ط: (قال).

(7)

أي نال منه وقطعه بالغيبة (النهاية: قرض).

(8)

مسند الإمام أحمد (4/ 278)، وهو حديث صحيح.

(9)

أبو داود (3855) والترمذي (2038) والنسائي في السنن الكبرى (4/ 368)(7553) وابن ماجه (3436)، وهو حديث صحيح.

(10)

مسند الإمام أحمد (4/ 358).

(11)

مسند الإمام أحمد (4/ 363، 366).

(12)

البخاري (121) ومسلم (65).

(13)

مسند الإمام أحمد (4/ 366)، وهو حديث صحيح.

ص: 271

ورواه النَّسائي

(1)

من حديث عبد اللَّه بن نُمَيْر به. وقال النسائي

(2)

: ثنا هنَّاد بن السَّريّ، عن أبي الأحوص، عن ابن غَرْقَدَة، عن سليمان بن عمرو، عن أبيه، قال: شهدتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: أيها النّاسُ، ثلاث مرات: أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يَومُ النحر

(3)

، يوم الحج الأكبر. قال: فإنّ دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم بَيْنَكُمْ حرامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بلدكم هذا ألا

(4)

لا يجني جانٍ على (ولده، ولا مولود على)

(5)

والده، ألا إنّ الشّيطان قد يَئِس أن يُعْبَد في بلدكم هذا، ولكن سيكونُ له طاعةٌ في بعضِ ما تَحْتقرون من أعمالِكم فَيْرضى، ألا وإنّ كُل ربا الجاهليَّةِ يُوضَعُ، لكم رُؤوسُ أموالِكُم لا تَظْلمون ولا تُظْلَمون. . . وذكر تمام الحديث.

وقال أبو داود

(6)

: باب من قال يخطب يوم النحر: ثنا هارون بن عبد اللَّه، ثنا هشام بن عبد الملك، ثنا عكرمة -هو ابن عمار- ثنا الهِرْماسُ بن زياد الباهليّ، قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطبُ الناسَ على ناقتِهِ العَضْباء يومَ الأضْحى بمنًى.

ورواه أحمد

(7)

والنسائي

(8)

من غير وجه عن عِكرمة بن عَمّار، عن الهِرْماس، قال: كان أبي مُرْدِفي، فرأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطُبُ الناسَ بمنًى يومَ النَّحْرِ على ناقَتِهِ العَضْباء. لفظ أحمد، وهو من ثلاثيات المسند، وللَّه الحمد.

ثم قال أبو داود

(9)

: ثنا مُؤَمَّل بن الفَضْل الحَرّاني، ثنا الوليد، ثنا ابن جابر، ثنا سُلَيْم بن عامر، سمعتُ أبا أُمامة يقول: سَمِعْتُ خُطْبَةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمنًى يومَ النَّحْرِ.

وقال الإمامُ أحمد

(10)

: ثنا عبد الرحمن، عن معاوية بن صالح، عن سُلَيْم بن عامر الكَلاعي، سمعتُ أبا أُمامة يقول: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ على الجَدْعاء واضعٌ رجليه في الغَرْزِ، يَتَطاولُ ليُسْمِعَ النّاسَ. فقال بأعلا صوته: ألا تَسْمعون؟ فقال رجلٌ من طوائف الناس: يا رسولَ اللَّهِ، ماذا تَعْهَدُ إلينا؟ فقال: "اعبدوا رَبَّكُمْ، وصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وصوموا شَهْرَكُمْ، وأطيعوا ذا أمرِكم

(11)

تَدْخُلوا جَنَةَ

(1)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 318)(3597).

(2)

في الكبرى رقم (4100).

(3)

ليس (يوم النحر) في ط.

(4)

ط: (ولا يجني) أ: (ألا يجني).

(5)

ليس ما بين الرقمين فى ط.

(6)

أبو داود (1954)، وإسناده حسن.

(7)

مسند الإمام أحمد (3/ 485) و (5/ 7)، وهو حديث حسن.

(8)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 443)(4095)، وهو حديث حسن.

(9)

أبو داود (1955)، وهو حديث صحيح.

(10)

في المسند (5/ 262).

(11)

ط: (إذا أمرتم).

ص: 272

ربكم". فقلت: يا أبا أُمامة، مثلُ منْ أنتَ يومئذٍ؟ قال: أنا يَوْمَئِذٍ ابنُ ثلاثين سنةً أزاحِمُ البعيرَ أُزَحْزِحُهُ قدمًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ورواه أحمد

(1)

أيضًا، عن زَيْد بن الحُباب، عن معاوية بن صالح. وأخرجه الترمذي

(2)

، عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي. عن زيد بن الحُباب. وقال حسن صحيح.

قال الإمامُ أحمد

(3)

: ثنا أبو المغيرة، ثنا إسماعيل بن عَيّاش

(4)

، ثنا شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلاني، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: إنّ اللَّه قَدْ أعْطَى كُلَّ ذي حَقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ، والوَلَدُ لِلْفراشِ، وللعاهِرِ الحَجَرُ، وحسابُهم على اللَّه. ومن ادَّعى إلى غير أبيه، أو

(5)

انْتَمى إلى غَيْر مَواليه، فعَلَيْه لعنةُ اللَّه التابعةُ إلى يوم القيامة، لا تُنفقُ امرأةٌ من بيتها إلا بإذْنِ زَوْجها. فقيل: يا رسولَ اللَّه، ولا الطعامَ، قال: ذاك

(6)

أفضلُ أموالنا. ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: العاريَّةُ مُؤَدّاة، والمنحة مَرْدودة، والدَّيْنُ مَقْضيٌّ، والزَّعيمُ غارمٌ. ورواه أهل السنن الأربعة

(7)

من حديث إسماعيل بن عَيّاش، وقال الترمذيّ: حسن.

ثم قال أبو داود

(8)

، رحمه الله: باب متى يَخْطُب يومَ النحرِ: ثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدِّمشقي، ثنا مروان، عن هلال بن عامر المُزَني، حدّثني رافِعُ بن عَمْرو المُزَنيّ. قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطُبُ الناسَ بمنًى حين ارتفَعَ الضُّحَى، على بغلةٍ شَهْباء، وعليٌّ يعبِّر عنه، والناسُ بينَ قائمٍ وقاعدٍ. ورواه النّسائي

(9)

عن دُحَيْم، عن مروان الفزاري به.

وقال الإمام أحمد

(10)

: حدَّثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عامر المُزَني، عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ اللَّه يخطُبُ الناسَ بمنًى على بغلةٍ، وعليه برد أحمرُ، قال: ورجلٌ من أهل بدرٍ بينَ يديه يعبِّر عنه. قال: فجئتُ حتى أدخلتُ يدي بين قدمه وشِراكِه. قال: فجعلتُ أعجبُ من بَردها.

حدَّثنا محمد بن عُبَيْد، ثنا شيخٌ من بني فَزارة، عن هلال بن عامر المُزَني، عن أبيه، قال: رأيتُ

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 251)، وهو حديث صحيح.

(2)

الترمذيّ (616)، وهو حديث صحيح.

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 267)(22348)، وإسناده حسن.

(4)

ط: (عبّاس) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (8/ 312).

(5)

ليس (أو) في ط.

(6)

أ: (ذا).

(7)

أبو داود (3565) والترمذي (2120) وابن ماجه (2398)، وإسناده حسن، ولم نجده عند النسائي، ولم يعزه له المصنف في (جامع المسانيد)(13/ 10128).

(8)

أبو داود (1956)، وهو حديث صحيح.

(9)

السنن الكبرى للنسائي (2/ 443)(4094).

(10)

مسند الإمام أحمد (3/ 477)، وهو حديث صحيح.

ص: 273

رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم على بغلةٍ شَهْباء وعليٌّ يُعَبِّر عنه. ورواه أبو داود

(1)

من حديث أبي معاوية، عن هلال بن عامر.

ثم قال أبو داود

(2)

: بابُ ما يَذْكُرُ الإمامُ في خطبته بمنًى، ثنا مُسَدَّد، ثنا عبدُ الوارث، عن حُميدٍ الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التَّيْمي، عن عبد الرحمن بن مُعاذٍ التَّيْمي، قال: خَطَبنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، ففُتِحَتْ أسماعُنا، حتى كُنّا نَسْمَعُ ما يقول ونحن في منازلنا، فطفقَ يُعَلِّمُهم مناسِكَهم حتى بلغَ الجِمارَ، فوضَع أُصْبُعَيْه

(3)

السَّبّاحَتَيْن، ثم قال: بحَصَى الخَذْف. ثم أمر المُهاجرين فَنَزَلوا في مُقَدَّم المسجد، وأمر الأنصارَ فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناسُ بعد ذلك. وقد رواه أحمد

(4)

عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وأخرجه النسائي

(5)

من حديث ابن المبارك، عن عبد الوارث كذلك. وتقدم رواية الإمام أحمد

(6)

له، عن عبد الرزاق عن معمر

(7)

[عن حميد الأعرج] عن محمد بن إبراهيم التَّيْمي، عن عبد الرحمن بن مُعاذ، عن رجلٍ من الصحابة. فاللَّه أعلم.

وثبت في "الصحيحين"

(8)

من حديث ابن جُرَيج، عن الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطُبُ يومَ النَّحْر فقام

(9)

إليه رجلٌ، فقال: كنت أحسبُ أن كذا وكذا قبل كذا وكذا. ثم قام آخر فقال: كنتُ أحسبُ أن كذا وكذا قبلَ كذا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: افْعَلْ ولا حَرَجَ. وأخرجاه

(10)

من حديث مالك -زاد مسلم ويونس- عن الزهري به، وله ألفاظٌ كثيرةٌ ليس هذا موضع استقصائها، ومَحَلُّه كتاب "الأحكام" وباللَّه المستعان. وفي لفظ [في] "الصحيحين". قال: فما

(11)

سُئل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عنْ شيءَ قُدِّم ولا

(12)

أُخر إلَّا قال: افْعَلْ ولا حَرَج.

(1)

أبو داود (4073)، وهو حديث صحيح.

(2)

أبو داود (1957)، وهو حديث صحيح.

(3)

ليس اللفظ في ط. والسَّبَّاحتين: المسبِّحتين.

(4)

مسند الإمام أحمد (4/ 61) و (5/ 374)، وهو حديث صحيح.

(5)

النسائي (2996)، وهو حديث صحيح.

(6)

المسند (4/ 61) و (5/ 374)(23226).

(7)

في الرواية المتقدمة (عن حُميد الأعرج).

(8)

البخاري 1737 ومسلم (1306)(329).

(9)

ط: (فقال) تحريف.

(10)

البخاري رقم (1736) ومسلم (1306)(327).

(11)

ط: (فلما).

(12)

ط: (وإلا).

ص: 274

‌فصل

ثم نزل عليه السلام بمِنًى حَيْثُ المَسْجِدُ اليومَ، فيما يُقال، وأنزل المهاجرين يَمْنتَه والأنصارَ يَسْرَتَه، والنّاس حولهم من بعدهم.

وقال الحافظ البيهقي

(1)

أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا عليّ بن محمد بن عقبة الشَّيباني بالكوفة، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، ثنا عبيد اللَّه بن موسى، أنبأنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أم مُسَيْكَة، عن عائشة. قالت

(2)

: قيل يا رسولَ اللَّه، ألا نَبْني لك بمنًى بناءً يُظِلُّكَ. قال: لا، منًى مُناخُ منْ سَبَقَ. وهذا إسنادٌ لا بأسَ به، وليس هو في "المسند" ولا في الكتب الستة من هذا الوجه.

وقال أبو داود

(3)

: ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى، عن ابن جُرَيْج، أخبرني حَريزٌ

(4)

-أو أبو حَريزٍ، الشك من يحيى- أنه سمع عبد الرحمن بن فَرُّوخ يسأل ابنَ عمرَ، قال: إنا نتبايع

(5)

بأموال (الناس، فيأتي أحدُنا مكة، فيبيت على المال. فقال: أمَّا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فباتَ بمنًى وظَلَّ. انفرد به أبو)

(6)

داود. ثم قال أبو داود

(7)

: ثنا عثمان بن أبي شَيْبَة، ثنا ابن نُمَيْر وأبو أسامة، عن عُبَيْد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر، قال: استأذن العباسُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يَبيتَ بمكة لياليَ منًى من أجل سِقَايتِه، فأذن له. وهكذا رواه البخاري

(8)

، ومسلم

(9)

من حديث عبد اللَّه بن نُمَيْر، زاد البخاري: وأبي ضمرة أنس بنِ عياضٍ: زاد مسلم وأبي أسامة حماد بن أسامة. وقد عَلَّقَه البخاري

(10)

عن أبي أسامة وعقبة بن خالد، كلُّهم عن عُبَيْد اللَّه بن عمر به. وقد كان صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بأصحابه بمنًى رَكعَتَيْن، كما ثَبَتَ عنه ذلك في "الصَّحيحين"

(11)

من حديث ابن مَسْعودٍ وحارثة بن وَهبٍ، رضي الله عنهما، ولهذا ذهبَ

(1)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 139)(9391).

(2)

ط: (عن عائشة قال يا رسول اللَّه) وما أثبته عن أ.

(3)

أبو داود (1958)، وإسناده ضعيف.

(4)

ليس (أخبرني حَريز) في ط.

(5)

ط: (نبتاع).

(6)

ليس ما بين القوسين في ط واستدركته عن أ.

(7)

أبو داود (2/ 199)(1959).

(8)

البخاري (2/ 621)(1658).

(9)

مسلم (2/ 953)(1315).

(10)

البخاري (2/ 621)(1658).

(11)

البخاري رقم (1084) ومسلم (695) من حديث ابن مسعود. والبخاري (1083) ومسلم (696) من حديث حارثة.

ص: 275

طائِفَةٌ من العلماء إلى أنَّ سببَ هذا القَصْرِ النُّسُكُ، كما هو قَوْلُ طائفةٍ من المالكية وغيرهم؛ قالوا: ومن قال: إنه عليه الصلاة والسلام، كان يقول بمنى لأهل مكة: أتموا فإنّا قَوْمٌ سَفْرٌ. فقد غَلِط، إنما قال ذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عامَ الفتحٍ، وهو نازلٌ بالأبطح، كما تقدم، واللَّه أعلم. وكان صلى الله عليه وسلم يَرْمي الجَمَراتِ الثلاثَ في كلّ يومٍ من أيام منى بعد الزوالِ، كما قال جابر فيما تقدم، ماشيًا كما قال ابن عمر فيما سلف، كل جمرةٍ بسبع حَصَيات يُكَبِّر مع كلِّ حَصاةٍ، ويقفُ عند الأولى، وعند الثانية يدعو اللَّه عز وجل، ولا يقف عند الثالثة.

قال أبو داود

(1)

: ثنا عليُّ بن بَحْرٍ وعبدُ اللَّه بن سعيد، المَعْنى، قالا: ثنا أبو خالد الأحمرُ، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: أفاض رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حينَ صَلَّى الظُّهْر ثم رجع إلى مِنًى، فمكث بها أيام التشريق يَرْمي الجَمرة إذا زالت الشمس، كُلُّ جَمْرة بسبع حَصَياتٍ، ويُكَبِّر مع كلّ حَصاةٍ، ويقفُ عندَ الأولى والثانية، فيُطيلُ القيام

(2)

ويَتَضَّرعُ، ويَرْمي الثالثةَ لا يقفُ عندَها. انفرد به أبو داود.

وروى البخاري

(3)

من غير وجهٍ، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنَّه كانَ يَرْمي الجَمْرَة الدُّنيا بسبع حَصَياتٍ يُكَبِّر على إثْرِ كلِّ حَصَاةٍ، ثم يَتَقَدَّم حتى

(4)

يُسْهلَ فيقومُ مستقبلَ القِبْلَةِ طويلًا، ويدعو ويرفعُ يَدَيْه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذاتَ الشِّمال فيُسْهِلُ، فيقومُ مُسْتقبلَ القبلة، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلًا، ثم يَرْمي جَمْرةَ ذاتِ العقبةِ من بطنِ الوادي ولا يقفُ

(5)

عندها ثم يَنْصرفُ فيقول: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَفْعلُه.

وقال وَبْرَةُ بن عبد الرحمن: قام ابنُ عمر عندَ العقبة بقَدْرِ قراءةِ سورةِ البقرة. وقال أبو مِجْلزٍ: حَزَرْتُ قيامَه بقدر

(6)

قراءة سورة يوسف، ذكرهما البيهقي

(7)

.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنة، عن عبد اللَّه بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البَدّاح

(9)

عن أبيه: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَجَّصَ للرّعاءَ أن يَرْموا يومًا، ويَدَعُوا يومًا.

(1)

أبو داود (1973)، وهو حديث حسن.

(2)

ط: (المقام).

(3)

البخاري (1751).

(4)

ط: (ثم).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ط: (جزرت قيامه بعد).

(7)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 149)(9449).

(8)

مسند الإمام أحمد (5/ 450)(23825)، وإسناده صحيح.

(9)

أ: (القداح) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (33/ 65).

ص: 276

وقال أحمد: ثنا محمد بن بكر

(1)

، ثنا رَوْحٌ

(2)

، ثنا ابن جُرَيْجٍ، أخبرني محمد بن أبي بكرِ بن محمد بن عمرو، عن أبيه عن أبي البَدّاح (6) بن عاصم بن عدي عن أبيه: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرْخَصَ للرّعاءِ أن يَتَعاقبوا فَيَرْموا يومَ النَّحْرِ ثم يَدَعوا يومًا وليلة، ثم يَرْموا الغد.

وقال الإمام أحمد

(3)

: ثنا عبد الرحمن، ثنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبي

(4)

بكر، عن أبيه عن أبي البَدّاح بن عاصم بن عدي عن أبيه: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لرعاء الإبل في البيتوتة عن منًى

(5)

يرمون يومَ النَّحر

(6)

ثم يرمون الغَد، أو من بعد الغدِ ليومين، ثم يرمون يوم النَّفْرِ. وكذا رواه عن عبد الرزاق، عن مالك، بنحوه. وقد رواه أهل السُّنَنِ الأربعة

(7)

من حديث مالكٍ، ومن حديث سفيان بن عيينة به. قال التّرمذي: ورواية مالكٍ أصحُّ، وهو حديثٌ حسن صحيح.

‌فصل فيما وَرَدَ من الأحاديثِ الدالَّةِ على أنَّه عليه الصلاة والسلام خَطَبَ بمنًى في اليوم الثاني منْ أيامِ التَّشريقِ وهو أوْسَطُهَا

قال أبو داود

(8)

: باب أي يوم يَخْطبُ: [بمنًى]: ثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن نَجيح، عن أبيه عن رجلين من بني بكر، قالا: رأينا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطُبُ بين أوسطِ

(9)

أيام التشريق، ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي خطبَ بمنى. انفرد به أبو داود.

ثم قال أبو داود

(10)

: ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حِصْنٍ

(11)

، حدّثتني جدتي سَرّاءُ بنتُ نَبْهان -وكانت رَبَّةَ بيتٍ في الجاهلية-. قالت: خَطَبَنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم

(1)

أ، ط:(بن أبي بكر) وانظر تهذيب الكمال (24/ 350).

(2)

هذا من رواية الأقران بعضهم عن بعض، فمحمد بن بكر وروح من طبقة واحدة (بشار).

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 450)(23825)، وإسناده صحيح.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ط: (بمنى حتى).

(6)

بعدها في ط: (ثم يرمون يوم النحر).

(7)

أبو داود (1975) و (1979) والترمذي (954) و (955) والنسائي (5/ 273)(3068) و (3069) وابن ماجه (3036) و (3037).

(8)

أبو داود (1952) والزيادة منه، وهو حديث صحيح.

(9)

ط: (أوساط).

(10)

أبو داود (1953)، وإسناده ضعيف.

(11)

ط: (أبو عاصم ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين) وما أثبته عن أ.

ص: 277

الرؤوس

(1)

، فقال: أيُّ يَوْمٍ هذا؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ! قال: أليس أوْسَطَ أيّامِ التَّشْريقِ؟ انفرد به أبو داود. قال أبو داود: وكذلك قال عم أبي حُرَّة الرَّقاشي أنه خَطَبَ أوْسَطَ أيام التَّشْريق.

وهذا الحديث قدْ رواه الإمامُ أحمد

(2)

مُتَّصلًا مُطوَّلًا، فقال: ثنا عفان، حدثنا حَمَّاد بن سَلَمَة، أخبرنا عليّ بن زَيْد، عن أبي حُرَّة الرّقاشي، عن عمه، قال: كنت آخذًا بزمام ناقةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في أوْسَط أيامِ التَّشْريق أذودُ عنه الناسَ. فقال: يا أيها الناس، أتَدْرونَ في أيِّ شَهْرٍ أنتم؟ وفي أي يَومٍ أنتم؟ وفي أي بَلَدٍ أنتم؟ قالوا: في يَوْمٍ حَرام، وشَهْرٍ حَرام، وبَلَدٍ حرام. قال: فإن دماءَكُمْ وأمْوالَكُم وأعْراضَكُمْ عليكم حرامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه

(3)

. ثم قال: اسمَعُوا منِّي تَعيشوا، ألا لا تَظْلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ

(4)

إلا بطيب نَفْسٍ منه، ألا إنَّ كُل دَمٍ ومالٍ وَمْأثَرةٍ كانَتْ في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإنَّ أولَ دَمٍ يوضَعُ دَمُ ربيعة

(5)

بن الحارث بن عبد المطلب، كان مُسْتَرْضِعًا في بني ليث

(6)

فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، ألا إنَّ كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن اللَّه قَضَى أنَّ أوَّلَ ربا يوضَعُ ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رؤوسُ أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظلمون، ألا وإنَّ الزمانَ قد استدارَ كهيئته

(7)

يوم خلقَ اللَّهُ السَّموات والأرْض ثم قرأ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، ألا لا تَرْجعوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكمْ رقابَ بَعْض، ألا إن الشَّيْطان قد يَئس أنْ يَعْبُدَه المُصَلُّون، ولكنه في التَّحْريش بَيْنكم، واتقوا اللَّه في النِّساء، فإنَّهُنّ عندكُمْ عَوانٍ لا يَمْلِكْنَ لأنْفُسِهنَّ شيئًا، وإنَّ لهُن عليكم حَقًّا ولكم عَلَيْهنَّ حَقًّا

(8)

، أن لا يُوطِئْنَ فرشكُمْ أحدًا

(9)

غيرَكم، ولا يَأْذَنَ في بيوتِكم لأحدٍ تَكْرهونَهُ، فإن خِفْتُم نشُوَزهُنَّ فعِظوهنّ واهْجُروهنّ في المَضاجِعِ واضْربوهنّ ضربًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، ولَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وكَسْوَتُهُنَّ بالمعروف، وإنَّما أخَذْتُموهُنّ بأمانةِ اللَّهِ واسْتَحْلَلتُم فروجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللَّه، ألا ومَنْ كانَتْ عندَهُ أمانَةٌ فَلْيُؤَدِّها إلى منْ ائتَمَنهُ

(1)

سيشرح المصنف يوم الرؤوس في آخر هذا الخبر.

(2)

مسند الإمام أحمد (5/ 72)، وإسناده ضعيف، ولفقراته شواهد.

(3)

ط: (إلى أن تلقوه) وما هنا عن أ.

(4)

ط: (امرء مسلم) وما أثبته عن أ.

(5)

كذا في هذه الرواية، والصحيح ما ورد في حديث جابر الطويل "ابن ربيعة" لأنّ المقتول هو إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان طفلًا صغيرًا فأصابه حجر في حرب وقعت بين سعد وبني ليث بن بكر (انظر شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 182 - 183).

(6)

ط: (بني سعد).

(7)

ط: (كهيئة) تحريف.

(8)

ط: (حق).

(9)

ط: (أحدٌ).

ص: 278

عليها، وبسطَ يَدَهُ وقال: ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ألا هل بلغت!؟ ألا هل بلغت

(1)

!؟ ثم قال: لِيُبَلِّغِ الشّاهدُ الغائبَ، فإنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ أسعدُ من سامِعٍ". قال حُميدٌ: قال الحسنُ حينَ بلَّغ هذه الكلمة: قدْ واللَّهِ بلَّغوا أقوامًا كانوا أسعدَ به. وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من "سننه"

(2)

عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن جُدْعان، عن أبي حُرّة الرّقاشي -واسمه

(3)

حنيفة- عن عمّه ببعضه في النُّشوز.

قال ابن حزم: جاءَ أنَّه خطبَ يومَ الرُّؤوسِ، وهو اليومُ الثاني من يوم النحر بلا خلافٍ عن أهل مكة، وجاء أنه أوْسَطُ أيّامِ التَّشْريقِ فتُحْمَلُ

(4)

على أن أوسط بمعنى أشرف، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. وهذا المسلك الذي سلكه ابن حزم بعيدٌ. واللَّه أعلم. وقال الحافظ أبو بكر البزّار

(5)

: ثنا الوليد بن عمرو بن السُّكين

(6)

، ثنا أبو همام محمد بن محمد بن الزِّبْرِقان، ثنا موسى بن عبيدة، عن عبد اللَّه بن دينار، وصدقة بن يسار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: نَزَلَتْ هذه السورةُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في أوْسَطِ أيّامِ التَّشْريقِ في حجَّةِ الوداع {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فعرفَ أنه الوداعُ، فأمرَ براحلَتِهِ القَصْواءَ، فَرُحلَتْ له، ثم ركبَ فوقف للناس بالعقبة فاجتمعَ إليه ما شاءَ اللَّهُ من المُسْلمين فحَمِدَ اللَّهَ وأثنَى عَلَيْهِ بما هو أهله، ثم قال: أمّا بَعْدُ أيُّها النَّاسُ فإن كُلَّ دَم كانَ في الجاهلية فهو هَدَرٌ، وإنّ أولَ دِمائِكُمْ أهْدِرُ دمُ ربيعة بن الحارثِ كان مُسْتَرضِعًا في بني ليثٍ فقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وكلُّ ربا في الجاهليَّةِ فَهُوَ مَوْضوعٌ، وإنَّ أولَ رباكم أضعُ رِبا العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِب، أيُّها النّاسُ إنَّ الزَّمانَ قدِ اسْتدارَ كهيئتهِ

(7)

يوم خلق اللَّه السماوات والأرض، وإنَّ عدّة الشُّهور عندَ اللَّه اثنا عَشَرَ شهرًا

(8)

، منها أربعةٌ حُرُمٌ؛ رَجَبُ مُضَر الذي بينَ جُمادى وشَعْبان، وذو القعدة وذو الحجَّة والمُحَرَّم {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] الآية {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] كانوا يُحِلّونَ صَفَرًا عامًا، ويحرِّمون المُحَرَّم عامًا، ويُحَرِّمون صَفَرًا

(9)

عامًا، ويُحِلّون المُحَرَّمَ عامًا، فذلك النَّسيءُ. يا أيها الناس (منْ كانتْ

(10)

عنده

(1)

لم ترد هذه العبارة في أ إلا مرة واحدة ولم ترد في ط إلا مرتين وما أثبتّه عن المسند.

(2)

أبو داود (2145)، وهو حديث حسن.

(3)

ط: (اسمه).

(4)

ط: (فيحتمل).

(5)

في زوائده (1141) وإسناده ضعيف، ولفقراته شواهد.

(6)

أ، ط:(مسكين). وهو تحريف انظر تهذيب التهذيب (11/ 144 - 145).

(7)

ط: (كهيئة).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

ط: (صفر) خطأ.

(10)

ط: (كان).

ص: 279

وَديعةٌ فليُؤَدِّها إلى مَنِ ائْتَمَنَهُ عليها)

(1)

، أيها الناس إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعْبَدَ ببلادكم آخرَ الزمان، وقد يَرْضى عنكم بمُحقَّراتِ الأعْمال، فَاحذَروه على دينكم بمُحقَّرات

(2)

الأعمال، أيُّها الناسُ، إن النساءَ عندكم عوانٍ، أخذتُموهُنَّ بأمانةِ اللَّه، واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهُنَّ بكلمةِ اللَّه، لكُمْ عَلَيْهنَّ حَقٌّ ولهُنَّ عَليكُمْ حَقٌّ، ومن حقكُم عليهنَّ أن لا يُوطِئْنَ فرشكُمْ غَيْرَكمْ، ولا يَعْصينَكُمْ في معروفٍ، فإنْ فَعَلْنَّ ذلك فليس لكم عليهنَّ سبيلٌ، ولهن رزقُهُنّ وكسوتُهُنّ بالمعروف، فإن ضَرَبْتُمْ فاضْرِبوا ضَرْبًا غير مُبَرّح. ولا يَحلُّ لامرئ من مالِ أخيه إلا ما طابَتْ به نفسُهُ، أيُّها الناسُ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتُم به لم تَضِلُّوا كتابَ اللَّه فاعملوا

(3)

به، أيها الناس أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حَرامٌ. قال: فأيُّ بَلَدِ هذا؟ قالوا: بَلَدٌ حرامٌ. قال: فأي

(4)

شهر هذا؟ قالوا: شَهْرٌ حرامٌ. قال: فإنّ اللَّهَ حَرَّمَ دماءَكُمْ وأموالَكُم وأعْراضَكُمْ كحُرْمَةِ هذا اليوم في هذا البلد، وهذا الشهر، ألا لِيُبَلِّغْ شاهِدُكُمْ غائِبَكُمْ، لا نَبِيَّ بَعْدي ولا أمةَ بعدَكُم. ثم رفع يَدَيْه فقال: اللهمَّ اشْهَدْ.

‌ذِكْرُ إيرادِ حَدِيثٍ فيه أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يزورُ البَيْتَ في كلِّ لَيْلَةٍ منْ لَيالي مِنًى

(5)

قال البخاري

(6)

: يُذْكَرُ عن أبي حَسّان، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يزورُ البَيْتَ في أيامِ مِنًى. هكذا ذكره مُعَلَّقًا بصيغة التَّمْريض.

وقد قال الحافظ البيهقي

(7)

: أخبرناه أبو الحسن بن عَبْدان، أنبأنا أحمد بن عُبَيْد الصَّفّار، ثنا العُمَري، أنبأنا ابنُ عَرْعَرَةَ قال

(8)

: دفعَ إلينا مُعاذُ بنُ هِشام كتابًا، قال: سمعتُهُ من أبي، ولم يَقْرَأْهُ. قال: فكانَ فيه: عن قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَزورُ البيتَ كُلَّ لَيْلَةٍ ما دام بمنًى. قال: وما رأيتُ أحدًا واطأه عليه. قال البيهقي: ورَوَى الثَّوْريُّ في "الجامع" عن طاوس

(9)

عن ابن عباس. أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يفيضُ كلَّ ليلةٍ -يَعْني لياليَ مِنًى- وهذا مرسلٌ.

(1)

ليس ما بين القوسين في أ.

(2)

كذا في الأصول. وفي مجمع الزوائد (فاحذروا على دينكم محقرات الأعمال).

(3)

ط: (فاعلموا) تحريف.

(4)

ط: (أي).

(5)

ط: (حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يزور اليت كل ليلة من ليالي منى).

(6)

رواه البخاري (1732).

(7)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 146).

(8)

ط: (فقال).

(9)

في السنن: (عن ابن طاوس عن طاوس).

ص: 280

‌فصل

اليوم السادس من ذي الحجة قال بعضهم: يُقالُ له: يوم الزينة، لأنه تُزَيّنُ

(1)

فيه البُدْنُ بالجِلالِ وغيرها.

واليوم السَّابع يقال له: يَوْمُ التَّروية لأنهم يَتَرَوَّوْنَ فيه من الماء، ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعدَهُ.

واليومُ الثّامِنُ يقال له: يوم مِنًى، لأنهم يَرْحَلون فيه من الأبْطَحِ إلى مِنًى.

واليوم التاسعُ يُقالُ له: يومُ عَرَفة لوقوفهم فيه بها.

واليوم العاشر يقال له: يَوْمُ النَّحْرِ ويَوْمُ الأضْحَى ويَوْمُ الحَجِّ الأكْبَر.

واليومُ الذي يليه يُقالُ له: يومُ القَرِّ، لأنَّهم يَقِرُّون فيه، ويقال له: يومُ الرُّؤُوس، لأنَّهم يأكلُونَ فيه رُؤوسَ الأضاحي، وهو أولُ أيّام التَّشْريق.

وثاني التَّشْريق يُقالُ له: يَوْمُ النَّفْرِ الأوَّلِ، لجوازِ النَّفْرِ فيه، وقيل: هو اليومُ الذي يُقال له يَوْم الرُّؤُوس.

واليوم الثالثُ من أيّام التَّشْريق يقال له: يومُ النَّفْرِ الآخر. قال اللَّه تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} الآية [البقرة: 203]، فلمّا كان يَوْمُ النَّفْرِ الآخر، وهو اليوِمُ الثالِثُ من أيام التَّشْريقِ، وكان يومٍ الثَّلاثاء ركبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم والمُسْلمونَ معه، فنَفَرَ بهم مِنْ منًى، فنَزَلَ المُحَصَّب، وهو وادٍ بين مَكَّة ومِنًى، فَصَلَّى به العصر.

كما قال البخاري

(2)

: حدَّثنا محمد بن المُثَنَّى، ثنا إسحاقُ بن يوسف، ثنا سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، قال: سألتُ أنَس بن مالك: أخْبِرْني عن شيءٍ عَقَلْتَهُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أينَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْويَةِ؟ قال: بمِنًى. قلت: فأيْنَ صَلَّى العَصْرَ يوم النَّفْرِ؟ قال بالأبْطَحِ، افعلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمراؤُكَ. وقد رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظهرَ يومَ النَّفْرِ بالأَبْطَحِ، وهو المُحَصَّب، فاللَّه أعلم.

قال البخاري

(3)

: حدَّثنا عبد المُتَعالِ بن طالبٍ، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، أنَّ قَتادَةَ حَدَّثه، أن أنَس بن مالك حَدَّثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه صَلَّى الظُّهرَ والعَصْرَ [والمغرب] والعِشاءَ، وَرَقَد رقدةً في المُحَصَّبِ، ثم رَكِبَ إلى البيتِ فطافَ به. قلت: يعني طواف الوداع.

وقال البخاري

(4)

: ثنا عبدُ اللَّه بن عبد الوهاب، ثنا خالدُ بن الحارث، قال: سُئِلَ

(1)

ط: (يزين) وليست (لأنه) في أ.

(2)

البخاري (1763).

(3)

البخاري (1764) والزيادة منه.

(4)

البخاري (1768).

ص: 281

عُبَيْد

(1)

اللَّه عن المُحَصَّب

(2)

فحدثنا عُبَيْد اللَّه، عن نافع، قال: نزلَ بها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعمرُ وابنُ عمر، وعن نافعٍ: أنَّ ابنَ عمر كان يُصَلِّي بها -يعني المُحَصَّب- الظهر والعصر، أحسبه. قال: والمغرب. قال خالد: لا أشُكُّ في العِشاء. ثم يَهْجَع هَجْعةً، ويذكُر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقال الإمام أحمد

(3)

: ثنا نوحُ بن مَيْمون، أنبأنا عبدُ اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر وعثمان نزلوا المُحَصَّب. هكذا رأيتُه في "مسند" الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه العُمَري، عن نافع.

وقد روى التِّرمذيّ

(4)

هذا الحديث عن إسحاق بن مَنْصور، وأخرجه ابن ماجه

(5)

عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عُبَيْد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو

(6)

بكر وعمر وعثمان يَنْزلونَ الأبْطح. قال الترمذيّ: وفي الباب: عن عائشة وأبي رافع، وابن عباس. وحديث ابن عمر حسنٌ غريبٌ، وإنما نعرفُه من حديث عبد الرزاق عن عُبَيْد اللَّه بن عمر به.

وقد رواه مسلم

(7)

، عن محمد بن مِهْران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبْطَحَ. ورواه مسلم

(8)

أيضًا من حديث صَخْر بن جُوَيْرية، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّه كانَ يرى التَحْصيبَ سُنَّة

(9)

وكان يُصلِّي الظُّهْرَ يومَ النَّفْر بالحَصْبَةِ. قال نافع: قد حَصَّب رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ بعده.

وقال الإمام أحمد

(10)

: حدَّثنا يونس، ثنا حماد -يعني ابن سلمة- عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد اللَّه، عن ابن عمر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْرَ والعصرَ والمغربَ والعشاء بالبَطْحاءِ، ثم هَجَعَ هَجْعَة، ثم دخل -يعني مكة- فطاف بالبيت.

ورواه أحمد

(11)

أيضًا، عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر، فذكره، وزاد

(1)

ط: (عبد اللَّه).

(2)

أ: (التحصيب).

(3)

مسند الإمام أحمد (2/ 138)(6223)، وإسناده ضعيف، وهو حديث صحيح بطرقه.

(4)

الترمذي (921)، وهو حديث صحيح.

(5)

ابن ماجه (3069)، وهو حديث صحيح.

(6)

ط: (وأبا) خطأ.

(7)

مسلم (1310)(337).

(8)

مسلم (1310)(338).

(9)

ط: (أنه كان ينزل المحصب) وما أثبته عن أ.

(10)

مسند الإمام أحمد (2/ 124)(6069)، وهو حديث صحيح.

(11)

مسند الإمام أحمد (2/ 100)(5756)، وهو حديث صحيح.

ص: 282

في آخره: وكان ابن عمر يَفْعَلُه. وكذلك رواه أبو داود

(1)

، عن أحمد بن حنبل.

وقال البخاري

(2)

: ثنا الحُمَيْدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، حدّثني الزهري عن أبي سَلَمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مِن الغدِ يومَ النَّحْر بمِنًى: نحنُ نازلون غدًا بخيفِ بَني كِنانة حيث تَقاسَمُوا على الكُفْر -يعني بذلك المُحَصَّب- الحديث. ورواه مسلم

(3)

، عن زُهَيْر بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي. فذكر مثله سواء.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أينَ تنزِلُ غدًا؟ في حجته - قال: وهَلْ تَرَكَ لنا عَقيلٌ مَنْزِلًا، ثم قال: نحن نازلون غدًا، إن شاء اللَّه، بخَيْفِ بني كِنَانَةَ -يعني المُحَصَّب- حيث قاسَمَتْ قريشٌ على الكفر، وذلك أنَّ بني كنانة حالفَتْ قُريشًا على بني هاشمٍ أن لا يُناكِحوهم، ولا يُبايعوهُم، ولا يُؤْوهم -يعني حتى يُسْلِموا إليهم رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم قال عندَ ذلك:"لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ، ولا الكافِرُ المُسْلمَ" قال الزهري: والخَيْفُ: الوادي. أخرجاه

(5)

من حديث عبد الرزاق.

وهذان الحديثان فيهما دلالةٌ على أنّه عليه الصلاة والسلام قَصَدَ النزولَ في المُحَصَّب مُراغمةً لما كان تَمالأ عليه كفارُ قُريشٍ لمَّا كتبوا الصَّحيفة في مُصارمةِ بني هاشمٍ وبني المُطَّلب، حتى يُسْلِموا إلَيْهم رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كما قَدَّمْنا بيانَ ذلك في موضعه. وكذلك نزَلَهُ عامَ الفَتْح، فعلى هذا يكونُ نُزولُه سُنَّةً مُرَغَّبًا فيها، وهو أحدُ قَوْلَي العلماء.

وقد قال البخاري

(6)

: ثنا أبو نُعَيْم، أنبأنا سُفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: إنَّما كان مَنْزِلًا ينزلُهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليكونَ أسمحَ لخُروجِهِ -يعني الأبْطَحَ- وأخرجه مسلم

(7)

من حديث هِشام به.

ورواه أبو داود

(8)

، عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة [قالت]: إنما نَزَلَ رسولُ اللَّه المُحَصَّبَ ليكونَ أسْمَحَ لخرُوجِهِ وليسَ بسُنَّةٍ، فمنْ شاءَ نزله، ومن شاء لم يَنْزِلْه.

(1)

أبو داود (2013)، وهو حديث صحيح.

(2)

البخاري (1590).

(3)

مسلم (1314)(344).

(4)

مسند الإمام أحمد (5/ 202 - 203)(21814).

(5)

البخاري (3058) ومسلم (1351)(440).

(6)

البخاري (1765).

(7)

مسلم (1311)(339).

(8)

أبو داود (2008) والزيادة منه.

ص: 283

وقال البخاري

(1)

: حدَّثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، قال: قال عمرو: عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ليس التَّحْصيبُ بشيءٍ، إنَّما هو مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم

(2)

عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سفيان، وهو ابن عيينة، به.

وقال أبو داود

(3)

: ثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة ومُسَدَّد، المَعْنَى، قالوا: ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع: لم يَأْمُرْني -يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أنزِلَه، ولكن ضربتُ قُبَّتَهُ

(4)

فنزله. قال مُسَدَّدٌ: وكان على ثَقَلِ

(5)

النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال عثمان -يعني في الأبْطَح-. ورواه مسلم

(6)

عن قُتَيْبة وأبي بكر وزهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة به.

والمقصود أن هؤلاء كُلَّهم اتَّفقوا على نزول النبيّ صلى الله عليه وسلم في المُحَصَّب لمَّا نفر من منًى، ولكن اختلفوا: فمنهم منْ قال: لم يَقْصِدْ نزولَه، وإنما نزلَه اتفاقًا، ليكون أسمحَ لخُروجه، ومنهم منْ أشْعَر كلامُهُ بقصدِهِ عليه الصلاة والسلام نزوله، وهذا هو الأشْبَهُ، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أمرَ الناسَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبلَ ذلك يَنْصِرفون من كلّ وجهٍ، كما قال ابن عباس: فأُمِرَ النّاسُ أن يكونَ آخر عهدهم بالبيتِ -يعني طواف الوداع-. فأراد عليه الصلاة والسلام أن يطوفَ، هو ومن معه من المسلمين، بالبيت طوافَ الوَداعِ، وقد نفرَ من مِنًى قُريبَ الزَّوال، فلم يكن يُمْكِنُهُ أن يَجيءَ البيتَ في بقية يومِه ويطوفَ به ويرحلَ إلى ظاهر مكةَ من جانبِ المدينة، لأنَّ ذلك قدْ يَتَعذَّرُ على هذا الجَمِّ الغَفير، فاحتاجَ أن يَبيتَ قبلَ مكةَ، ولم يكن منزلٌ أنسبَ لمبيته من المُحَصَّب، الذي كانت قريش قد عاقَدَتْ بني كِنانةَ على بني هاشم وبني المُطلب فيه، فلم يُبْرم اللَّهُ لقُريشٍ أمرًا، بل كَبَتَهُم وَردَّهُم خائبين، وَأَظْهَرَ اللَّهُ دينَه ونَصَر نَبئه وأعلى كلمته، وأتَمَّ له الدّينَ القَويمَ، وأوضحَ به الصراطَ المُستقيم، فحَجَّ بالنّاس، وبيَّن لهم شرائعَ اللَّه وشعائره، وقد نَفَرَ بعد إكمالِ المَناسِكِ، فنزلَ في الموضع الذي تَقَاسَمَتْ قريش فيه على الظُّلْم والعُدْوان والقطيعة، فَصَلَّى به الظُّهْرَ والعَضرَ والمَغْرِبَ والعِشاء، وهَجَعَ هَجْعَةً، وقد كان بعثَ عائشةَ أمَّ المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليُعْمِرَها من التَّنْعيم فإذا فَرَغَتْ أتَتْهُ، فلما قَضَتْ عُمْرَتَهَا ورَجَعَتْ أذَّنَ في المسلمين بالرَّحيل إلى البَيْتِ العَتيق.

كما قال أبو داود

(7)

: حدَّثنا وهب بن بَقيَّة، ثنا خالد، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أحْرَمْتُ من التَّنْعيم بعُمْرَةٍ، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأبْطَحِ حتى

(1)

البخاري (1766).

(2)

مسلم (1312).

(3)

أبو داود (2009).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

"الثَّقَل": المتاع (النهاية: ثقل).

(6)

مسلم (1313).

(7)

أبو داود (2005).

ص: 284

فَرَغْتُ، وأمر الناس بالرحيل. قالت: وأتى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم البيتَ فطافَ به، ثم خرج. وأخرجاه في "الصحيحين"

(1)

من حديث أفْلَح بن حُمَيْد.

ثم قال أبو داود

(2)

: ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر -يعني الحَنَفي- ثنا أفلح، عن القاسم، عنها -يعني عائشة

(3)

- قالت: خرجتُ معه تعْني

(4)

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، النَّفْرَ الآخِرَ، ونزلَ المُحَصَّب. قال أبو داود: فذكر ابنُ بشار قِصَّةَ

(5)

بعثها إلى التَّنْعيم قالت: ثم جئتُ سَحَرًا، فأذَّنَ في الصحابة بالرَّحيل فارْتَحَلَ فمَرَّ بالبيت قبل صلاةِ الصُّبْحِ فطاف به حينَ خَرَجَ، ثم انصرف مُتَوَجِّهًا إلى المدينة. ورواه البخاري

(6)

عن محمد بن بَشارٍ به

(7)

.

قلت: والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام صَلَّى الصُّبْح يومئذ عندَ الكَعْبَة بأصحابه، وقرأ في صلاته تلك بسورة:{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 1 - 6] السورة بكمالها.

وذلك لما رواه البخاريُّ

(8)

حيث قال: حدَّثنا إسماعيل، حدّثني مالكٌ، عن محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل، عن عروة بن الزُّبير، عن زينب بنت أبي سَلَمَة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قالت

(9)

: شَكَوْتُ إلى رسول اللَّه أنّي أشْتَكي، قال: طوفي من وراءِ النّاس وأنت راكبة، فطُفْتُ ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حينئذٍ إلى جَنْبِ البَيْتِ، وهو يقرأ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1 - 2] وأخرجه بقيةُ الجَماعة

(10)

إلا الترمذيّ من حديث مالك بإسناد نحوَه.

وقد رواه البخاري

(11)

من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب، عن أم سَلَمة أنَّ رسول اللَّه قال وهو بمكة، وأراد الخروج، ولم تكن أمُّ سَلَمة طافَتْ وأرادت الخروج، فقال لها:"إذا أقيمت صَلاةُ الصُّبْح فَطوفي على بعيرك والناس يُصَلُّون". . . فذكر الحديث.

(1)

البخاري (1788) ومسلم (1211).

(2)

أبو داود (2006).

(3)

أ: (عن عائشة).

(4)

ط: (يعني).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

البخاري (1560).

(7)

ليست عبارة (عن بشار به) في ط.

(8)

البخاري 1619.

(9)

ط: (قال).

(10)

مسلم (1276)(258)، وأبو داود (1882)، والنسائي (2925)، وابن ماجه (2961).

(11)

البخاري (1626).

ص: 285

فأما ما رواه الإمام أحمد

(1)

: ثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن زَيْنَب بنت أبي سَلَمة عن أم سَلَمة. أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم: أمرَها أن توافيَ معه صلاةَ الصُّبْحِ يومَ النَّحْرِ بمكَّةَ. فهو إسنادٌ كما ترى على شَرْط "الصَّحيحيْن" ولم يُخْرجْهُ أحد مِنْ هذا الوَجْهِ بهذا اللَّفْظِ، ولعل قولَهُ: يوم النحر، غَلَطٌ من الراوي، أو من الناسخ، وإنما هو يوم النَّفْر، ويُؤَيِّده ما ذكرناه من رواية البخاري، واللَّه أعلم.

والمقصودُ أنَّه عليه الصلاة والسلام، لما فرغَ من صلاةِ الصبحِ طافَ بالبَيْتِ سَبْعًا ووقف في المُلْتَزَم بين الرُّكْنِ الذي فيه الحَجَرُ الأسْود، وبينَ باب الكَعْبة، فدعا اللَّه عز وجل، وألزقَ خَدَّهُ

(2)

بجدار الكعبة.

قال الثوري: عن المُثَنّى بن الصَّبّاح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُلْزِقُ وَجَهَهُ

(3)

وصَدْرَهُ بالمُلْتَزم. المُثَنَّى ضَعيفٌ.

‌فصل

ثم خرج عليه الصلاة والسلام من أسفل مكة، كما قالت عائشة: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم دخلَ مكةَ من أعلاها، وخرج من أسفلها. أخرجاه

(4)

.

وقال ابن عمر: دخل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: من الثنيَّةِ العُلْيا التي

(5)

بالبطحاء، وخرج من الثَّنيَّةِ السُّفْلى. رواه البخاري

(6)

ومسلم

(7)

. وفي لفظ: دخل من كَدَاء وخرج من كُدًى

(8)

.

وقد قال الإمام أحمد

(9)

: ثنا محمد بن فُضَيل، ثنا أجْلَحُ بن عبد اللَّه، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة عندَ غُروب الشّمْسِ، فلم يُصَلِّ حتى أتى سَرِفًا

(10)

، وهي على تسعة أميالٍ من مكة. وهذا غريب جدًا. وأجْلَحُ فيه نظرٌ، ولعلَّ هذا في غير حجّة الوداع، فإنّه عليه الصلاة

(1)

مسند الإمام أحمد (6/ 291).

(2)

ط: (جسده).

(3)

ط: (وجه) تحريف.

(4)

البخاري (1577) ومسلم (1258)(224).

(5)

أ: (إلى التي بالبطحاء).

(6)

البخاري (1575).

(7)

مسلم (1257)(223).

(8)

البخاري (1578)، ومسلم (1258)(225).

(9)

في مسنده (3/ 305).

(10)

أ، ط:(سرف) وما هنا للسياق وانظر معجم البلدان: (سرف).

ص: 286

والسلام، كما قدمنا، طاف بالبيت بعدَ صلاة الصبح، فماذا

(1)

أخَّرَهُ إلى وَقْتِ الغُروب!؟ هذا غريب جدًا، اللّهُمَّ إلا أنْ يَكُونَ ما ادَّعاهُ ابنُ حَزْمٍ صحيحًا، من أنه عليه الصلاة والسلام، رجعَ إلى المُحَصَّب من مكة بعد طوافهِ بالبيتِ طوافَ الوداع، ولم يَذْكُرْ دَليلًا على ذلك إلا قولَ عائشةَ حينَ رَجَعَتْ من اعتمارِها من التَّنعيم، فلقيته مُصْعِدَةً، وهو مُنْهَبِطٌ

(2)

على أهل مكة، أو مُنْهَبطةً، وهو مُصْعِدٌ. قال ابن حزم: الذي لا شكَّ فيه أنها كانت مُصْعِدةً من مكة وهو مُنْهبطٌ، لأنها تَقَدَّمَتْ إلى العمرة، وانْتَظَرها حتَّى جاءَتْ، ثم نهض عليه الصلاة والسلام إلى طواف الوَداع، فَلَقِيها مُنْصِرَفةً إلى المُحَصَّبِ من مكة.

وقال البخاري

(3)

: باب منْ نَزَلَ بذي طُوًى إذا رَجَعَ من مكة. وقال محمد بن عيسى: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر. أنَّه كان إذا أقبلَ باتَ بذي طُوًى، حتى إذا أصبحَ دَخَلَ، وإذا نَفَرَ مرَّ

(4)

بذي طُوًى، وباتَ بها حتَّى يُصْبح، وكان يَذْكُرُ أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَفْعَلُ ذلك. هكذا ذكر هذا مُعَلَّقًا بصيغة الجَزْم، وقد أسنده هو ومسلمٌ

(5)

من حديث حماد بن زيد به، لكن ليس فيه ذكرُ المَبيتِ بذي طُوًى في الرَّجْعَةِ. فاللَّه أعلم.

فائدة عزيزة: فيها أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم اسْتَصْحَبَ معه من ماء زَمْزَم شيئًا.

قال: الحافظ أبو عيسى الترمذيّ

(6)

: حدَّثنا أبو كُرَيْب: ثنا خَلَّاد بن يزيد الجُعْفي، ثنا زُهَيْر بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنَّها كانَتْ تَحْمِلُ من ماءَ زَمْزَم، وتُخْبرُ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَحْمِلُهُ، ثم قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ

(7)

، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقال البخاريُّ

(8)

: ثنا محمد بن مُقاتل، أخبرنا عبد اللَّه -هو ابن المبارك- ثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبد اللَّه بن عمر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا قَفَلَ من الغزو أو من الحجّ أو من العمرة، يبدأُ فيكبِّر ثلاثَ مراتٍ، ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائِبون عابدون ساجِدون، لربنا حامِدون، صدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزابَ وَحْدَه. والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ، وللَّهِ الحمدُ والمنّةُ.

(1)

ط: (فإذا).

(2)

ط: (فلقيته بصعدة، وهو مهبط).

(3)

(1769) معلقًا.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

مسلم (1259)(227) ورواه البخاري (1573) من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب به.

(6)

الترمذي (963).

(7)

هكذا قال الترمذي، وقال الإمام البخاري "لا يتابع عليه" وساق الذهبي في الميزان حديثًا آخر من مناكير خلّاد (بشار).

(8)

رقم (4116).

ص: 287

‌فصل

في إيرادِ الحَديثِ الدالِّ على أنّه عليه الصلاة والسلام خطبَ بمكانٍ بينَ مكةَ والمدينة مَرْجِعَهُ من حجةِ الوداع قريب من الجُحْفَةِ -يقال له: غَدير خُمٍّ- فبيَّنَ فيها فضلَ عليِّ بن أبي طالب، وبراءةَ عِرْضِه مما كان تَكَلَّم فيه بعضُ منْ كانَ معه بأرض اليمن، بسببِ ما كانَ صدَر منه إليهم من المَعْدِلَةِ التي ظنَّها بعضُهم جَوْرًا وتَضْييقًا وبُخْلًا، والصوابُ كان معه في ذلك، ولهذا لمّا تفَرَّغَ عليه الصلاة والسلام من بيانِ المَناسِكِ ورجعَ إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبةً عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامَئِذٍ!، وكان يومَ الأحد بغَديرِ خُمّ تحت شجرةٍ هناك، فبيَّن فيها أشياء، وذكر من فضل عليّ وأمانته وعَدْلِهِ وقُرْبِه إليه، ما أزاحَ به ما كانَ في نفوسِ كَثيرٍ من الناس منه. ونحنُ نوردُ عُيونَ الأحاديثِ الواردة في ذلك، ونُبيِّن ما فيها من صَحيح وضعيفِ بحول اللَّه وقوّتِه وعَوْنِه، وقد اعْتَنَى بأمر هذا الحَديثِ أبو جعفرٍ محمد بن جَريير الطَّبَري صاحب "التفسير" و"التاريخ" فجمعَ فيه مُجَلَّدين أورد فيهما طُرقَه وألْفاظَه، وساقَ الغَثَّ والسَّمين، والصَّحيح والسقيمَ، على ما جَرَتْ به عادَةُ كَثيرٍ من المُحَدّثين، يُوردونَ ما وقعَ لهم في ذلك الباب من غير تَمْييزٍ بينَ صحيحه وضَعيفه، وكذلك الحافظُ الكَبيرُ أبو القاسم بن عَساكر أوردَ أحاديثَ كثيرة في هذه الخطبة، ونحنُ نُورد عُيونَ ما روي في ذلك، مع إعلامنا أنَّه لا حَظَّ للشِّيعةِ فيه، ولا مُتَمسَّك لهم ولا دليل لما سَنُبَيّنه ونُنَبِّه عليه، فنقول وباللَّه المُسْتعان:

قال محمد بن إسحاق

(1)

-في سياق حجة الوداع- حدّثني يَحْيَى بن عَبْد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة، عن يزيد بن طَلْحة بن يزيد بن رُكانة، قال: لما أقْبَلَ عليٌّ منَ اليَمن ليَلْقَى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة، تَعَجَّلَ إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم واستَخْلَفَ على جُنْدِه الذين معه رجلًا من أصحابه، فَعَمَد ذلك الرجلُ فكسا كلَّ رجلٍ منَ القوم حُلّةً من البَزِّ الذي كان مع عليٍّ، فلما دنا جيشُه خَرَجَ ليَلْقاهم، فإذا عليهم الحُلَلُ، قال: وَيْلَكَ ما هذا؟ قال: كسوتُ القومَ ليتجمَّلوا به إذا قدِموا في النّاس، قال: وَيْلَكَ، انْزِعْ قبل أن تَنْتَهيَ به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: فانْتَزَعَ الحُلَل من النّاس [فردَّها] في البَزِّ، قال: وأظهر الجيشُ شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق (1): فحدّثني عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن مَعْمَر بن حَزْم عن سُلَيْمان بن محمد بن كَعْب بن عُجْرة عن عَمَّتِه زَيْنَبَ بنتِ كعبٍ -وكانت عند أبي سعيد الخُدْري

(2)

- عن أبي سعيد. قال: اشْتكى الناسُ عليًّا، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فينا خَطيبًا، فسمِعْتُه يقول: أيُّها النّاسُ، لا تَشْكوا

(3)

عَلِيًّا فوَاللَّهِ

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 603).

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

أ: (لا تشتكوا).

ص: 288

إنه لأخْشَنُ في ذاتِ اللَّه -أو في سبيل اللَّه- (مِنْ أنْ يُشْكَى، ورواه الإمام أحمد

(1)

من حديث محمد بن إسحاق به، وقال: إنَّه لأخْشَنُ في ذاتِ اللَّه أو في سبيل اللَّه.

وقال الإمام أحمد)

(2)

(3)

: حدَّثنا الفضلُ بن دُكَيْن، ثنا ابن أبي غَنِيّة

(4)

، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بُرَيْدة، قال: غَزَوْتُ مع عليِّ اليمنَ، فرأيتُ منه جفوةً، فلما قدمتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكرتُ عليًّا فَتَنقَّصْتُه، فرأيتُ وجهَ رسول اللَّه يَتَغيَّر. فقال: يا بُرَيْدة، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه! قال: "من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه" وكذا رواه النسائيّ عن أبي داود الحَرّاني، عن أبي نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، عن عبد الملك بن أبي غَنِيَّة بإسناده نحوه

(5)

، وهذا إسناد جيدٌ قويٌّ رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ.

وقد روى النسائي في "سننه"

(6)

عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة

(7)

، عن الأعمش، عنِ حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطُّفَيْل، عن زيد بن أرقم، قال: لمّا رجَعَ رسولُ اللَّه من حجّة الوَداع وَنَزَلَ غَدير خُمّ، أمر بدَوْحاتٍ فقُمِمْن، ثم قال:"كأني قد دُعيتُ فأجَبْتُ، إنّي قد تَرَكْتُ فيكم الثَّقَلَيْن: كتابَ اللَّهِ وعِتْرتي أهل بيتي، فانظروا كيفَ تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ، ثم قال: اللَّهُ مولاي، وأنا وليُّ كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيدِ عليٍّ، فقال: مَنْ كنتُ مولاهُ فهذا وليُّه، اللهم والِ منْ والاه، وعادِ من عاداه" فقلتُ لزيد: سمعتَه من رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كانَ في الدَّوْحاتِ أحدٌ إلا رآه بعينيه، وسمِعَه بأُذُنَيْه. تَفَرَّدَ به النّسائي من هذا الوجه. قال شيخُنا أبو عبد اللَّه الذَّهبي: وهذا حديث صحيح.

وقال ابن ماجه

(8)

: حدَّثنا عليّ بن محمد، حدثنا

(9)

أبو الحُسَيْن، حدثنا حماد بن سَلَمة، عن

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 86)، وهو حديث حسن.

(2)

مسند الإمام أحمد (5/ 347).

(3)

ليس ما بين القوسين في أ.

(4)

أ: (عيينة) تحريف انظر تهذيب الكمال (18/ 302 - 303).

(5)

السنن الكبرى للنسائي (8467).

(6)

السنن الكبرى للنسائي (8464).

(7)

أ، ط:(معاوية) واسمه فيه (الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري) انظر سير أعلام النبلاء (8/ 217) وتهذيب التهذيب (11/ 116).

(8)

ابن ماجه (116)، وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان. ولكن له شواهد من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعلي بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، فهو حديث صحيح لغيره.

(9)

ط: (علي بن محمد أبو الحسين بن سلمة).

ص: 289

علي بن زيد بن جُدْعان، عن عَديّ بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حِجة الوداع

(1)

التي حجَّ، فنزل في الطريق، فأمر: الصلاةَ جامعةً، فأخذ بيد عليّ، فقال:"ألستُ بأَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: ألستُ بأولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فهذا وَليُّ مَنْ أنا مولاه، اللهمَّ والِ منْ والاه، وعادِ من عاداه". وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر، عن علي بن زيد بن جُدْعان، عن عدي، عن البراء.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان: ثنا هُدْبة، ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: كُنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما أتينا على غَدير خُمّ كُسِحَ لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تحتَ شَجَرَتَيْن، ونُوديَ في النّاس: الصلاةَ جامعةً، ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليًا، وأخذ بيده فأقامه عن يمينه، فقال:"ألستُ أوْلى بكُلِّ امرئٍ من نفسه، قالوا: بلى. قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهمَّ والِ مَنْ والاه، وعادِ من عاداه". فَلقِيَهُ عمرُ بن الخطّاب، فقال: هَنيئًا لكَ، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ. ورواه ابن جَريرٍ عن أبي زُرْعة، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سَلَمة، عن عليّ بن زيد وأبي هارون العَبْديّ -وكلاهما ضعيف- عن عديّ بن ثابت عن البَراءِ بن عازب به. وروى ابن جَريرٍ هذا الحديثَ من حديثِ موسى بن عثمان الحَضْرمي، وهو ضعيفٌ جدًا - عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن البَراء وزيد بن أرقم، فاللَّه أعلم.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدَّثنا ابن نُمَيْر، ثنا عبد الملك، عن أبي عبد الرحيم الكِنْدي، عن زاذان أبي عمر، قال: سمعتُ عليًّا بالرَّحْبَة، وهو ينشدُ النّاس: منْ شَهِدَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ غَديرِ خُمّ، وهو يقول ما قال؟ قال: فقامِ اثنا عشر رجلًا، فشهدوا أنَّهم سَمِعوا مِنْ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:"مَنْ كُنْتُ مَوْلاه فعليٌّ مَوْلاه" تَفرَّدَ به أحمد، وأبو عبد الرحيم هذا لا يُعْرَفُ.

وقال عبد اللَّه بن الإمام أحمد

(3)

في "مسند" أبيه: ثنا

(4)

علي بن حكيم الأوْدي، أخبرنا شَريكٌ، عن أبي إسحاق، عن سَعيد بن وهب، وعن زيد بن يُثيْعٍ

(5)

، قالأ

(6)

: نَشَدَ عليٌّ الناسَ في الرَّحْبة: مَنْ سمِعَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ يومَ غَدير خُمٍّ إلا قام

(7)

؟ قال: فقام من قِبَلِ سَعيدٍ ستةٌ، ومِنْ قِبَلِ زَيْدٍ ستةٌ،

(1)

في سنن ابن ماجه: (حجته التي حَجَّ فنزل في بعض الطريق).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 84).

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 118).

(4)

ط: (حديث).

(5)

ط: (يثيغ) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (10/ 115).

(6)

أ، ط:(قال).

(7)

ط: (قال) إلا قام.

ص: 290

فشَهِدوا أنَّهُم سمعوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يوم غدير خمّ: "أليسَ اللَّهُ أولى بالمُؤمنين من أنفسهم

(1)

؟ قالوا: بلى. قال: اللهمَّ مَنْ كُنْتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاهُ وعادِ من عاداه".

قال عبد اللَّه

(2)

: وحدّثني عليُّ بنُ حكيمٍ، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عميرو ذي مُرٍّ بمثل

(3)

حديث أبي إسحاق، يعني عن سعيدٍ وزيدٍ، وزاد فيه:"وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ واخْذُلْ منْ خَذَلَهُ".

قال عبدُ اللَّه: وحدَّثنا عليٌّ، ثنا شَريكٌ، عن الأعمش، عن حَبيبٍ بن أبي ثابت، عن أبي الطُّفَيْل، عن زيد بن أرْقَم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وقال النّسائي في كتاب "خصائص عليّ": حدَّثنا الحسين بن حُرَيْث

(4)

، ثنا الفَضْل بن موسى، عن الأعْمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال عليّ في الرَّحبة: أنشدُ باللَّهِ

(5)

رجلًا سمعَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ غَدير خُمٍّ يقول: "إنَّ اللَّهَ وَليِّي [وأنا وليّ] المُؤْمنين، ومنْ كُنْتُ وليَّه فهذا وَليُّه، اللهُمَّ والِ منْ والاهُ، وعادِ منْ عاداهُ، وانْصُرْ من نَصَرَهُ". وكذلك رواهُ شعبة عن أبي إسحاق

(6)

، وهذا إسنادٌ جيدٌ.

رواه النسائي

(7)

أيضًا من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مُرّ، قال: نشد عليّ الناس بالرَّحْبَة، فقامَ أناسٌ فَشَهِدوا أنَّهم سَمِعوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ يومَ غَدير خُمٍّ:"منْ كُنْتُ مَوْلاه فإنَّ عليًّا مولاه، اللَّهُمّ والِ منْ والاه، وعادِ منْ عاداه، وأحبَّ منْ أحَبَّهُ، وأبْغِضْ منْ أبْغَضَهُ، وانْصُرْ منْ نَصَرَه". ورواه ابنُ جَريرٍ، عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب

(8)

، وعبد خير، عن عليّ. وقد رواه ابنُ جَرير، عن أحمد بن منصور، عن عُبَيْد اللَّه بن موسى، وهو شيعيٌّ ثقةٌ، عن فِطْرِ بن خليفة، عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب (9) وزيد بن يُثَيْعٍ

(9)

وعمرو ذي مُرٍّ

(10)

: أن عَليًّا نشدَ

(11)

الناسَ بالكوفةِ. . . وذكر الحديث.

(1)

ليس (من أنفسهم) في أ.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 118) والزيادة منه، وهو حديث صحيح بطرقه.

(3)

ط: (عمرو ذي أمر مثل) وانظر تهذيب الكمال (22/ 302).

(4)

أ، ط:(حرب). وهو تحريف، وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 400).

(5)

ط: (اللَّه).

(6)

السنن الكبرى للنسائي (8471).

(7)

السنن الكبرى للنسائي (8484).

(8)

في الأصول: زيد بن وهب.

(9)

ط: (يثيغ) وهو تحريف تقدمت الإشارة إليه.

(10)

ط: (أمر) وهو تحريف تقدمت الإشارة إليه.

(11)

ط: (أنشد).

ص: 291

وقال عبد اللَّه بن أحمد (1): حدّثني عُبَيْد اللَّه بن عمر القَواريريّ، ثنا يونس بن أرْقَم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: شَهِدْتُ عَليًّا في الرَّحْبة ينشُدُ الناس، فقال: أنشد اللَّه منْ سَمعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم غَدير خُمٍّ يقول: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فعليٌّ مولاه، لمَّا قام فشهد". قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشرَ رجلًا بدريًّا كأنّي أنظر إلى أحدهم، فقالوا: نشهدُ أنَّا سَمِعْنا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول يومَ غَدير خُمّ "ألَسْتُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتُهم، فقلنا: بلى يا رسولَ اللَّه. قال: منْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاه، اللهُمَّ والِ مَنْ والاهُ، وعادِ منْ عاداهُ". إسنادٌ ضعيفٌ غريبٌ.

وقال عبد اللَّه بن أحمد

(1)

: حدَّثنا أحمد بن عمر

(2)

الوَكيعي، ثنا زيد بن الحُباب، ثنا الوليد بن عقبة بن نزار

(3)

العَنْسي، أنبأنا سِماك بن عُبَيد بن الوليد العَنْسي

(4)

، قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى، فحدّثني: أنَّه شهدَ عَلِيًّا في الرَّحْبَةِ قال: أنشُدُ اللَّه

(5)

رجلًا سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غَديرٍ خُمٍّ إلا قامَ، ولا يقوم إلا مَنْ قَدْ رآه، فقام اثنا عشر رجلًا، فقالوا: قدْ رأيناهُ، وسمعناه، حيث أخذ بيده يقول:"اللهمَّ والِ منْ والاه، وعادِ منْ عاداه، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخْذُلْ مَنْ خَذلَه". فقامَ إلا ثلاثةً لم يقوموا

(6)

، فدَعا عَلَيهم فأصابَتْهم دَعوتُه. ورُوي أيضًا، عن عبد الأعلى بن عامر الثَّعْلَبي

(7)

وغيره، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به.

وقال ابن جرير: ثنا أحمد بن منصور، ثنا أبو عامر العَقَدي. (ح) وروى ابن أبي عاصم

(8)

عن سليمان الغَيْلاني

(9)

عن أبي عامر العَقَدي، ثنا كَثيرُ بن زيد، حدّثني محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي: أنَّ رسول اللَّه حَضَرَ الشَّجَرَة بخُمٍّ. . . فذكرَ الحديث، وفيه: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ، فإنَّ عليًّا مولاه. وقد رواه بعضهم، عن أبي عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي مُنْقَطعًا.

وقال إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، عن مِسْعَر، عن طلحة بن مُصَرِّفٍ، عن عُمَيْرة بن

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 119).

(2)

ط: (عمير بن عمير). وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 36).

(3)

أ، ط:(ضرار القيسي) وهو تحريف. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (118/ 144)، وتقريب التهذيب -عوامة- (583).

(4)

أ: (العبسي) ط: (القيسي) وكلاهما تحريف وانظر تهذيب التهذيب (11/ 144).

(5)

ط: (باللَّه).

(6)

ط: (يقموا) تحريف.

(7)

ط: (التغلبي) وهو تحريف. وانظر تقريب التهذيب - عوامة - ط 2 - (331).

(8)

في السنة (1361).

(9)

ط: (الغلابي) وهو سليمان بن عبيد اللَّه بن عمرو بن جابر الغيلاني المازني أبو أيوب البصري. روى عن أبي عمرو العَقَدي. روى عنه ابن أبي عاصم مات سنة (246) وقيل (247)(تهذيب التهذيب 4/ 209).

ص: 292

سعد: أنَّه شَهِدَ عليًّا على المنبر يُناشِدُ أصحابَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: منْ سِمِعَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ خُمٍّ، فقام

(1)

اثنا عَشَرَ رَجُلًا، منهم أبو هريرة، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، فشَهدوا أنَّهم سَمِعُوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"منْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاه، اللهُمَّ والِ منْ والاهُ، وعادِ منْ عاداهُ". وقد رواه عُبَيْد اللَّه بن موسى عن هانئ بن أيوب، وهو ثقة، عن طلحة بن مُصَرِّفٍ به.

وقال عبد اللَّه بن أحمد

(2)

: حدّثني حجاج بن الشاعر، ثنا شَبابة، ثنا نُعيم بن حكيم، حدّثني أبو مريم، ورجل من جُلَساء عليّ، عن عليّ: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال يومَ غَدير خُمٍّ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ". قال: فزادَ النّاسُ بعدُ: والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه. روى أبو داود

(3)

بهذا السند حديثَ المُخْدَجِ

(4)

.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثنا حسين بن محمد وأبو نعيم، المَعْنى، قالا: ثنا فطر

(6)

، عن أبي الطُّفَيْل: قال جَمَعَ عليٌّ الناسَ في الرَّحْبَة -يعني رحبة مسجد الكوفة- فقال: أنشدُ اللَّه كلَّ مَنْ سَمعَ رسولَ اللَّه يقول يَومَ غَدير خُمٍّ ما سمع لمَّا قام. فقام ناسٌ كثيرٌ، فشهدوا حين أخذَ بيده فقال للناس: "أتعلمونَ أنّي أوْلَى بالمؤْمنين من أنْفُسهم؟ قالوا: نعم، يا رسولَ اللَّه قال: منْ كنتُ مولاه فهذا

(7)

مولاه، اللهمَّ والِ منْ والاه وعادِ منْ عاداه" قال: فخرجتُ كأنَّ في نفسي شَيْئًا فلقيتُ زيدَ بن أرقم. فقلت له: إنّي سمعتُ عليًا يقول: كذا وكذا. قال: فما تنكر؟ سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له. هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه. ورواه النسائي من حديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطُّفَيْل، عن زيد بن أرقم به. وقد تقدم.

وأخرجه الترمذي

(8)

عن بُنْدار، عن غُنْدَر، عن شعبة، عن سَلَمة بن كُهَيْل، سمعتُ أبا الطفيل يُحَدِّثُ عن أبي سُرَيْحة -أو زيد بن أرقم- شَكَّ شُعْبَةُ: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: منْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مولاه. ورواه ابنُ جَرير عن أحمد بن حازم، عن أبي نُعَيْم، عن كامل أبي العلاء، عن حَبيب بن أبي ثابتٍ، عن يحيى بن جَعْدَة، عن زيدِ بن أرْقَمَ.

(1)

ط: (قال) تحريف.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 152)، وهو حديث حسن.

(3)

أبو داود (4770)، وإسناده ضعيف.

(4)

ط: (المخرج) والمخدج: ناقص الخلق، والإشارة هنا إلى ذي الثُدَيَّة الخارجي مخدج اليد (النهاية: خدج).

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 370)، وإسناده صحيح.

(6)

أ، ب:(قطن) تحريف. وهو فطر بن خليفة القرشي المخزومي مولاهم أبو بكر الخياط الكوفي روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وعنه أبو نعيم (تهذيب التهذيب 8/ 300 - 302).

(7)

ط: (فعليّ).

(8)

جامع الترمذيّ (3713)، وهو حديث صحيح.

ص: 293

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدَّثنا عَفَّان، ثنا أبو عَوانةَ، عن المغيرة، عن أبي عُبَيْد، عن ميمون أبي عبد اللَّه، قال: قال زيد بن أرْقَم، وأنا أسمع: نزلنا مع رسول اللَّه مَنْزلًا يقال له: وادي خُمٍّ، فأمر بالصَّلاة فَصَلَّاها بهَجيرٍ. قال فخطبنا وظُلِّلَ

(2)

لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بثوبٍ على شجرةِ سَمُرَةٍ

(3)

من الشمس. فقال: "ألَسْتُمْ تَعْلَمون -أو ألستم تَشْهَدون- أنّي أولى بكل مُؤْمنٍ من نَفْسِه؟ قالوا: بلى، قال: فمن (كنتُ مولاه، فإنّ عليًّا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه. ثم رواه أحمد عن غُنْدَر)

(4)

عن شُعْبَة، عن ميمون أبي عبد اللَّه، عن زَيْد بن أرْقَمَ، إلى قوله: منْ كُنْتُ مولاه فَعَليٌّ مولاه. قال ميمون: حدّثني بعض القوم، عن زيدٍ: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اللهُمَّ والِ منْ والاه، وعادِ منْ عاداه". وهذا إسْنادٌ جَيِّدٌ، رجالُهُ ثقاتٌ على شرطِ السُّنَنِ

(5)

. وقد صَحَّحَ الترمذيّ بهذا السند حديثًا في الزيت

(6)

.

وقال الإمام أحمد

(7)

: ثنا يحيى بن آدم، ثنا حَنَشُ بن الحارث بن لقيط الأشْجعي عن رِياح بن الحارث. قال: جاء رهط إلى عليٍّ بالرَّحْبة، فقالوا: السلامُ عليكَ يا مولانا، قال: كيفَ أكونُ مولاكم، وأنتم قوم عَرَبٌ. قالوا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ غَديرِ خُمّ يقول: منْ كُنتُ مولاه فهذا مولاه. قال رياح

(8)

: فلما مَضَوْا تَبِعْتُهم، فسألتُ منْ هؤلاء؟ قالوا: نفرٌ من الأنْصار فيهم

(9)

أبو أيوب الأنصاري. وقال الإمام أحمد (9): ثنا (أبو أحمد، ثنا)

(10)

حَنَش، عن رِياح بن الحارث، قال: رأيتُ قومًا من الأنْصارِ قَدِمُوا على عليٍّ في الرَّحْبة، فقال: مَنِ القَوْمُ؟ فقالوا: مَواليكَ يا أمير المؤمنين. فذكر معناه. هذا لفظُه، وهو من أفراده.

وقال ابن جرير: ثنا أحمد (10) بن عثمان أبو الجَوْزاء، ثنا محمد بن خالد بن عَثْمَة، ثنا موسى بن يعقوب الزَّمْعي، وهو صدوق، حدّثني مُهاجرُ بن مِسْمار، عن عائشة بنت سَعْد، سمعت أباها، يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول يومَ الجُحْفَةِ، وأخذ بيدِ عليٍّ، فخطب. ثم قال: "أيُّها النّاسُ، إنّي وليُّكم. قالوا: صدقتَ فرفعَ يدَ عليٍّ، فقال: هذا وليِّي والمُؤَدِّي عنّي، وإنَّ اللَّهَ مُوالي منْ والاهُ، ومُعادي من

(1)

مسند الإمام أحمد (4/ 372).

(2)

ط: (قال فخبطنا وظل رسول اللَّه).

(3)

ط: (ستره) وليس اللفظ فى أ. وما أثبته عن المسند.

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

هكذا قال، وتابعيه ميمون أبو عبد اللَّه البصري ضعيف، كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(بشار).

(6)

ط: (الريث)، وهو في الترمذيّ رقم (2078).

(7)

مسند الإمام أحمد (5/ 419)، وإسناده صحيح.

(8)

ط: (رباح). وهو تحريف. وانظر تقريب التهذيب (211).

(9)

ط: (منهم).

(10)

ط: (ابن أحمد).

ص: 294

عاداهُ". قال شيخنا الذهبي: وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. ثم رواه ابنُ جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كثير

(1)

، عن مُهاجر بن مِسْمار، فذكرَ الحديثَ، وأنَّه عليه الصلاة والسلام، وقف حتى لحقه من بعده، وأمر بردِّ مَنْ كانَ تقدَّم، فخطبهم. . . الحديث. وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في الجزء الأول من كتاب "غَدير خُمٍّ": -قال شيخنا أبو عبد اللَّه الذهبي: وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير- ثنا محمد

(2)

بن عوف الطائيُّ، ثنا عُبَيْد اللَّه بن موسى؛ أنبأنا إسماعيل بن نشيْط

(3)

عن جميل بن عُمارة، عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، قال ابن جرير أحسَبُه قال: عن عمر، وليس في كتابي: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عليٍّ:"منْ كنتُ مولاه فهذا مولاه، اللهمَّ والِ منْ والاه، وعادِ من عاداه". وهذا حديثٌ غريبٌ. بل منكرٌ وإسنادُه ضعيفٌ. قال البخاري في جميل بن عمارة هذا: فيه نظر.

وقال المُطَّلبُ بن زياد عن عبد اللَّه بن محمد بن عَقيل، سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا بالجُحْفَة بغَدير خُمٍّ، فخرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خِباءٍ أو فُسْطاطٍ، فأخذ بيد عليٍّ، فقال:"منْ كُنْتُ مولاه فعليٌّ مولاه". قال شيخُنا الذهبي: هذا حديثٌ حسنٌ. وقد رواه ابن لَهِيعةَ، عن بكر بن سَوادة وغيره، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن جابر بنحوه.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ثنا يحيى بن آدم وابن أبي بُكَيْر. قالا: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حُبْشيّ بن جُنَادة -قال يحيى بن آدم، وكان قد شهد حجة الوداع- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عليٌّ منّي وأنا منه، ولا يُؤَدِّي عَنِّي إلا أنا أو عليٌّ. وقال ابن أبي بُكَيْر: لا يَقْضي عنِّي دَيْني إلا أنا أو علي.

وكذا رواهُ أحمد

(5)

أيضًا عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل.

قال الإمام أحمد (5): وحدَّثناه الزبيري، ثنا شَريك، عن أبي إسحاق، عن حُبْشي بن جُنادة مثله. قال: فقلت: لأبي إسحاق: أينَ سمعتَ منه؟ قال: وقف علينا على فرس في مَجْلسنا في جَبّانةِ السَّبيع. وكذا رواه أحمد (5)، عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم، عن شَريك. ورواه الترمذيّ

(6)

عن إسماعيل بن موسى، عن شَريك، وابن ماجه

(7)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد،

(1)

ط: (كبير) وانظر تهذيب الكمال (28/ 584).

(2)

ط: (محمود) وهو تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (12/ 613).

(3)

ط: (كشيط) وهو تحريف. وانظر تاريخ البخاري (1/ 375)، والجرح والتعديل (2/ 201 - 202).

(4)

مسند الإمام أحمد (4/ 162)، وهو حديث حسن.

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 165)، وهو حديث حسن.

(6)

الترمذيّ (3719)، وهو حديث حسن.

(7)

ابن ماجه (119)، وهو حديث حسن.

ص: 295

وإسماعيل بن موسى، ثَلاثَتُهُم عن شَريك به. ورواه النسائي

(1)

عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به. وقال الترمذيّ حسن صحيح غريب.

ورواه سليمان بن قَرْمٍ -وهو متروك- عن أبي إسحاق، عن حُبْشي بن جُنادة، سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ يومَ غَدير خُمٍّ:"منْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهُمَّ والِ منْ والاه، وعادِ منْ عاداه". . . وذكر الحديث.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أنبأنا شَريكٌ، عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه. قال: دخَلَ أبو هريرة المسجدَ فاجْتَمَعَ الناسُ إليه فقام إليه شاب. فقال: أنشُدُكَ باللَّهِ أسمِعْتَ رسولَ اللَّه يقول: "منْ كُنْتُ مولاه فَعَليٌّ مولاه، اللهُمَّ والِ منْ والاه وعادِ منْ عاداه" قال: نعم. ورواه ابنُ جَريرٍ، عن أبي كُرَيْب، عن شاذان، عن شَريكٍ به. تابعه إدْريسُ الأوْدي، عن أخيه أبي يزيد -واسمُه داود بن يزيد- به.

ورواه ابنُ جَرير أيضًا من حديث إدْريس ودا ود، عن أبيهما، عن أبي هريرة. . . فذكره.

فأما الحديث الذي رواه ضَمْرَةُ، عن ابن شَوْذَب، عن مَطَرٍ الوَرّاقِ، عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ، عن أبي هريرة، قال: لما أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيد عليّ قال: "منْ كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. فأنزل اللَّه عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]. قال أبو هريرة: وهو يومُ غَدِير خُمٍّ منْ صامَ يومَ ثماني عَشْرَةَ من ذي الحجةِ كُتِبَ له صيامُ ستين شَهْرًا. فإنَّه حديثٌ منكرٌ جدًا، بل كذبٌ؛ لمخالفته ما ثبت في "الصَّحيحَيْن" عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واقفٌ بها كما قَدَّمْنا. وكذا قوله: إنَّ صيامَ يومِ الثّامن عشرَ من ذي الحجة، وهو يوم غَديرُ خُمٍّ يعدلُ صيامَ ستّين شهرًا، لا يصحُّ، لأنه قد ثبتَ ما معناه في "الصحيح"

(2)

أنَّ صيامَ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ، فكيف يكونُ صيامُ يومٍ واحدٍ يَعْدِل ستين شهرًا. هذا باطل. وقد قال شيخُنا الحافظُ أبو عبد اللَّه الذَّهبي، بعد إيراده هذا الحديث: هذا حديثٌ منكَرٌ جدًا. ورواه حَبْشون الخَلّال وأحمد بن عبد اللَّه بن أحمد النَّيريّ -وهما صدوقان- عن عليِّ بن سعيد الرَّمْليّ، عن ضَمْرة. قال: ويروي

(3)

هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبي سعيدٍ وغيرِهم بأسانيد واهية. قال: وصدرُ الحديثِ متواترٌ أتَيَقَّنُ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قاله، وأما: اللهمَّ والِ منْ

(1)

السنن الكبرى للنسائي (8459).

(2)

مسلم (1164).

(3)

ط: (يروى) بلا واو.

ص: 296

والاه فزيادةٌ قويةُ الإسنادِ، وأما هذا الصوم فليس بصحيحٍ، ولا واللَّهِ ما نزلت الآية إلا يومَ عرفة قبلَ غديرِ خُمٍّ بأيام، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الطبراني

(1)

: حدَّثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهاني، ثنا محمد بن عمر بن علي المُقَدَّمي، ثنا علي بن محمد بن يوسف بن سِنان

(2)

بن مالك بن مِسْمَع، ثنا سهل بن يوسف

(3)

بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك، عن أبيه عن جده. قال: لما قدمَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينةَ من حجّة الوداع صَعِدَ المِنْبَر، فحمِدَ اللَّهَ وأثْنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس (4) إنّ أبا بكر لم يَسُؤْني قطّ، فاعرفوا ذلك له: يا أيُّها

(4)

الناسُ، إنّي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد

(5)

وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين، راضٍ، فاعرفوا ذلك لهم، أيها الناس، احفظوني في أصحابي وأصهاري وأختاني

(6)

لا يَطْلبكم اللَّهُ بمظلمةِ أحد منهم. أيها الناس، ارفعوا ألسنَتكُم عن المسلمين، وإذا مات أحدٌ منهم، فقولوا فيه خيرًا.

* * *

(1)

المعجم الكبير (6/ 126) رقم (5640) ولا يصح إسناده، وانظر الإصابة في ترجمة سهل بن مالك.

(2)

ط: (شبان).

(3)

ط: (حنيف).

(4)

ط: (أيها) بلا يا.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ط: (وأ حبابي).

ص: 297

‌سنَة إِحْدَى عَشْرَة منَ الهِجْرَةِ

استُهِلَّتْ هذه السَّنةُ وقد اسْتَقَرَّ الركابُ الشَّريفُ النبويُّ بالمدينةِ النبويةِ المُطَهَّرةِ مَرْجعَهُ من حجةِ الوداع، وقد وَقَعَتْ في هذه السنة أمورٌ عِظامٌ، من أعظمها خَطْبًا وفاةُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولكنه عليه الصلاة والسلام نَقَله اللَّهُ عز وجل منْ هذه الدارِ الفانية إلى النَّعيم الأبَدَي في مَحَلَّةٍ عاليةٍ رفيعةٍ، ودرجةٍ في الجَنَّةِ لا أعْلَى منها ولا أسْنَى، كما قال تعالى:{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 4 - 5] وذلك بعدَما أكْمَلَ أداءَ الرِّسالةِ التي أمره اللَّه تعالى بإبلاغها، ونَصَحَ أمَّتَهُ ودَلَّهُمْ على خيرٍ ما يَعْلَمُه لهم، وحَذَّرَهُمْ ونَهاهُمْ عما فيه مَضَرَّةٌ عليهم في دُنْياهم وأُخْراهم.

وقد قدَّمنا ما رواه صاحبا "الصحيح" من حديثِ عمر بن الخَطَّاب، أنه قال: نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] يومَ الجُمْعَةِ ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم واقفٌ بعرفة.

ورَوَيْنا من طريق جيدٍ: أنَّ عمرَ بن الخَطَّاب حين نزلت هذه الآية بكى، فقيل: ما يُبْكيك؟ فقال: إنَّه ليس بعدَ الكَمالِ إلا النُّقْصانُ، وكأنه اسْتَشْعَرَ وفاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى ذلك فيما رواه مسلم

(1)

من حديث ابن جُرَيْج، عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وقفَ عندَ جمرة العقبة، وقال لنا: خُذوا عَنِّي مناسِكَكم، فلعلّي لا أحجُّ بعدَ عامي هذا.

وقدَّمنا ما رواهُ الحافظان أبو بكر البزَّار والبيهقي

(2)

من حديث موسى بن عُبَيْدة الرَّبَذي، عن صَدَقَة بن يسار، عن ابن عمر، قال: نزلَتْ هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} في أوسطِ أيّامِ التَّشْريق، فعرفَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّه الوَداعُ، فأَمَرَ براحلتِه القَصْواء فرُحِلَتْ، ثم ذكرَ خطبتَه في ذلك اليوم كما تقدم.

وهكذا قالَ عبدُ اللَّه بن عباس، رضي الله عنهما، لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمَحْضرِ كثيرٍ منَ الصَّحابة، ليُريَهُم فضلَ ابن عباس وتَقَدُّمَه وعِلْمَهُ، حينَ لامَه بعضُهم على تقديمه

(1)

مسلم 1297.

(2)

كشف الأستار (1141) والبيهقي في "الدلائل"(5/ 447) وإسناده ضعيف.

ص: 298

وإجلاسه له مع مشايخ بَدْرٍ، فقالَ: إنّه من حيث تعلمون، ثم سألهم وابنُ عَبّاس حاضرٌ عن تَفْسير هذه السورة:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3] فقالوا: أُمِرْنا إذا فُتحَ لنا أن نَذْكُرَ اللَّه ونحمدَه ونستغفرَه. فقال: ما تقول يا بنَ عبّاسٍ؟ فقال: هو أجلُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم نُعِيَ إليه. فقال عمر: لا أعلمُ منها إلا ما تَعْلَم

(1)

. وقد ذكرنا في تَفْسير هذه السُّورة ما يدُلُّ على قولِ ابنِ عبّاسٍ من وجوهٍ، وإن كان لا يُنافي ما فسر به الصَّحابةُ أيضًا

(2)

رضي الله عنهم.

وكذلك ما رواه الإمام أحمد

(3)

: حدَّثنا وَكيعٌ، عن ابن أبي ذِئْبٍ، عن صالح مولى التَّوْأمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لمّا حجّ بنسائِه، قال:"إنما هي هذه الحجَّة، ثم الْزَمْنَ ظُهورَ الحُصُرِ". تَفَرَّدَ به أحمد من هذا الوجه. وقد رواه أبو داود

(4)

في "سننه" من وجهٍ آخرَ جيّدٍ.

والمَقْصودُ أنَّ النُّفوسَ اسْتَشْعرَتْ بوفاته عليه الصلاة والسلام، في هذه السنة، ونحن نَذْكُرُ ذلك، ونُوردُ ما رُويَ فيما يَتَعَلَّقُ به من الأحاديث والآثار، وباللَّهِ المُسْتَعان، ولْنُقَدِّمْ على ذلك ما ذَكَرَهُ الأئِمَةُ محمد بن إسحاق بن يَسار، وأبو جعفر بن جرير، وأبو بكر البيهقي، في هذا الموضع قبلَ الوفاةِ من تَعدادِ حججه وغَزَواتِه وسَراياه وكُتبه ورسله إلى الملوك، فلْنَذْكُرْ ذلك مُلَخَّصًا مُخْتَصرًا، ثم نُتْبِعُه بالوفاةِ.

ففي "الصحيحين"

(5)

من حديث أبي إسحاق السَّبيعي، عن زيد بن أرْقَم: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غَزا تِسْعَ عَشْرَةً

(6)

غَزْوةً، وحجَّ بعدَ ما هاجر حجَّة

(7)

الوداع، ولم يحجّ بعدها. قال أبو إسحاق: وواحدة بمكة. كذا قال أبو إسحاق السَّبيعي.

وقد قال زيد بن الحُباب

(8)

، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثلاثَ حَجّاتٍ، حَجَّتَيْن قبلَ أنْ يُهاجِر، وواحدة بعدَما هاجرَ، مَعَها عُمْرَة، وساق ستًا وثلاثين بَدَنَةً، وجاء عليٌّ بتمامها من اليمن.

وقد قدَّمنا عن غير واحدٍ من الصحابة، منهم أنسُ بن مالكٍ في "الصحيحين" أنه عليه الصلاة والسلام:

(1)

أخرجه البخاري في علامات النبوة (3627) وفي المغازي (4294) و (4430) وفي التفسير (4970)(بشار).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

مسند الإمام أحمد (2/ 446).

(4)

أبو داود (1722).

(5)

البخاري (4404) ومسلم (1254).

(6)

أ: (تسعة عشرة) خطأ.

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (5/ 454).

ص: 299

اعتمرَ أربعَ عُمَرٍ، عُمْرَةَ الحُدَيْبية، وعُمْرَةَ القَضاء، وعُمْرَةَ الجِعْرانة، والعمرةَ التي مع حجّةِ الوَداع.

وأما الغزوات فروى البخاري

(1)

عن أبي عاصم النَّبيلِ، عن يزيد بن أبي عُبَيْد، عن سَلَمة بن الأكْوَع. قال: غَزَوْتُ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم سبعَ غزواتٍ، ومع زَيْدِ بن حارِثة، تسعَ غَزَواتٍ يُؤَمِّرُهُ علينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وفي "الصحيحين"

(2)

: عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن يَزيد

(3)

عن سَلَمة. قال: غَزَوْتُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزْوات، وفيما يَبْعَثُ من البعُوث تِسْعَ غَزْوات، مَرَّةً علينا أبو بكر، ومرَّةَ علينا أُسامة بن زيد.

وفي صحيح البخاري

(4)

من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَراء، قال: غَزَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوةً.

وفي "الصحيحين"

(5)

من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم

(6)

: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غزا تِسْع عَشَرَة غَزْوة، وشَهِدَ معه منها سبعَ عشرةَ، أولها العُشَيْر أو العُسَيْر.

وروى مسلم

(7)

عن أحمد بن حنبل، عن مُعْتمرٍ، عن كَهْمَس بن الحسن، عن ابن بُرَيْدة، عن أبيه: أنه غزا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ستَ عشرةَ غزوةً. وفي روايةٍ لمُسْلِمٍ منْ طَريق الحُسين بن واقِدٍ، عن عبد اللَّه بن بُرَيْدة، عن أبيه: أنّه غَزا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسعَ عشرةَ غزوةً، قاتَلَ منها في ثمانٍ. وفي رواية عنه بهذا الإسناد

(8)

، وبعثَ أربعًا وعشرين سريّةً، قاتل يومَ بدرٍ، وأُحُدٍ، والأحْزابِ، والمُرَيسيعِ، [وقديد] وخَيْبر، ومكَّة وحُنَيْن.

وفي صحيح مسلم

(9)

من حديث أبي الزُّبير، عن جابر: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غزا إحدى وعشرين غزوةً، غزوتُ معه منها تِسْعَ عَشْرَةَ غزوةً، ولم أشْهَدْ بَدْرًا ولا أُحدًا، منعني أبي، فلما قُتِلَ أبي يومَ أُحُدٍ، لم أتَخَلَّفْ عنْ غزاةٍ غَزاها.

(1)

البخاري (4272).

(2)

البخاري (4270) ومسلم (1815).

(3)

ط: (زيد) وهو يزيد بن أبي عبيد الحجازي أبو خالد الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع، روى عن مولاه وغيره، وروى عنه حاتم بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحارثي، مات يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومئة (تهذيب التهذيب 11/ 349).

(4)

البخاري (4472).

(5)

البخاري رقم (3949) ومسلم (1254)(143) الذي بعد (1812).

(6)

في الأصول: البراء، والتصحيح من الصحيحين.

(7)

رقم (1814).

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (5/ 459).

(9)

مسلم (1813).

ص: 300

وقال عبد الرزاق

(1)

: أنبأنا مَعْمرٌ، عن الزُّهْري. قال: سمعتُ سعيد بن المُسَيّب يقولُ: غَزا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثماني عَشْرَةَ غَزْوةً. قال وسَمِعْتُهُ مَرَّةً يقولُ: أرْبعًا وعِشْرين غَزْوةً، فلا أدري: أكان ذلك وَهْمًا، أو شَيْئًا سَمِعَه

(2)

بعد ذلك.

وقال قتادة

(3)

: غزا رسولُ اللَّهِ تِسْعَ عَشْرَةَ، قاتَلَ في ثمانٍ منها، وبعث من البُعوثِ أربعًا وعشرين، فَجَميعُ غَزَواتِهِ وسَراياهُ ثلاثٌ وأرْبَعون.

وقد ذكر عُرْوةُ بن الزُّبَيْر، والزُّهْري، وموسى بن عُقْبَة، ومحمد إسحاق بن يَسارٍ، وغير واحد من أئمة هذا الشأن: أنه عليه الصلاة والسلام قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ في رمضان من سنة اثنتين، ثم في أُحُدٍ في شَوّال سَنَةَ ثَلاثٍ، ثم في الخَنْدَق وبَني قُرَيْظة في شَوّال أيضًا من سنة أربعٍ وقيل خمس، ثم في بني المُصْطَلِقِ بالمُرَيْسيعِ في شعبان سنة خَمْسٍ، ثم في خَيْبَرٍ في صفر سنةَ سبعٍ، ومنهم منْ يَقولُ سنةَ ستّ، والتَّحقيقُ أنَّه في أوّل سَنَةِ سَبْعٍ وآخر سنة ستّ، ثم قاتَلَ أهلَ مكَّةَ في رمضان سنةَ ثمانٍ، وقاتَلَ هوازِنَ، وحاصَرَ أهْلَ الطَّائِفِ في شوال وبعض ذي القعدة

(4)

سنة ثمان، كما تَقَدَّمَ تَفْصيله، وحجَّ في سنة ثمانٍ بالنّاسِ عَتَّابُ بن أَسيدٍ نائبُ مَكَّةَ، ثم في سَنَةِ تِسْعٍ أبو بكر الصِّدِّيقُ، ثم حَجَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنةَ عَشْر.

وقال محمد بن إسحاق

(5)

: وكان جميعُ ما غَزا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبعًا وعِشْرين غَزْوةً. (غَزْوَة وَدَّانَ، وهي غَزْوةُ الأبْواء)

(6)

، ثم غزوة بُواط من ناحية رَضْوى، ثم غزوة العُشَيْرة من بطن يَنْبُع، ثم غَزْوة بَدْرٍ الأُولى يَطْلُب

(7)

كُرْزَ بنَ جابرٍ، ثم غَزْوةَ بَدْرٍ العُظْمى

(8)

التي

(9)

قَتَلَ اللَّه فيها صَناديدَ قُرَيْشٍ، ثم غزوة بني سُليْم حتى بلغ الكُدْر

(10)

، ثم غَزْوة السَّويق يطلب (7) أبا سفيان بن حرب، ثم غَزْوة غطَفان، وهي غَزْوة ذي أمَر

(11)

، ثم غزوة نَجْران، معدن بالحجاز، ثم غَزْوة أُحُدٍ، ثم حَمْراءِ الأسَدِ، ثم غَزْوَة بني النَّضير، ثم غَزْوة ذات الرِّقاع من نخل، ثم غَزْوة بَدْرٍ الآخرة، ثم غَزْوَة دُومة الجَنْدَلِ، ثم

(1)

في مصنفه (9659).

(2)

ط: (سمعته).

(3)

دلائل النبوة في مواضع كثيرة منها (5/ 462 و 463 و 468 و 469).

(4)

في الأصول: ذي الحجة، وهو خطأ.

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 608 - 609).

(6)

ليس ما بين القوسين في أ.

(7)

ط: (بطلب).

(8)

في السيرة (2/ 608): (الكبرى).

(9)

ط: (الذي).

(10)

انظر معجم البلدان (كُدْر).

(11)

انظر معجم البلدان (أمر).

ص: 301

غَزْوَة الخَنْدَقِ، ثم غَزوة بني قُرَيْظة، ثم غَزْوةَ بني لِحْيان من هُذَيل، ثم غَزْوة ذي قَرَدٍ، ثم غَزْوة بني المُصْطَلق من خزاعة، ثم غزوة الحُدَيْبية، لا يريد قتالًا، فَصَدَّه المشركون، ثم غَزْوة خَيْبر، ثم عُمْرة القَضاء

(1)

، ثم غَزْوة الفَتْح، [ثم غزوة حنين]

(2)

، ثم غزوة الطائف، ثم غَزْوة تَبوك.

قال ابن

(3)

إسحاق: قَاتَلَ منها في تِسْع غَزَواتٍ، غزوة

(4)

بَدْر، وأُحُد، والخَنْدق، وقُرَيْظَة، والمُصْطَلق، وخَيْبَر، والفَتْح، وحُنَيْن، والطَّائف.

قلتُ: وَقَدْ تَقَدمَ ذلك كلُّه مَبْسوطًا في أماكنه بشواهِدِه وأدِلَّتِهِ، وللَّه الحمد.

قال ابن إسحاق

(5)

: وكانت بعوثه عليه الصلاة والسلام وسراياه ثمانيًا وثلاثين، من بَيْن بَعْثٍ وسَريَّةٍ. ثم شَرَعَ رحمه الله في ذكر تَفْصيل ذلك.

وقد قدمنا ذلك كُلَّه أو أكثره مُفَصَّلًا في مواضعه وللَّه الحمد والمنة. ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق:

بَعْثُ عُبَيدة بن الحارث، إلى أسفل ثنيَّةِ المَرَةِ

(6)

.

ثم بَعَثَ حمزةَ بنَ عبدِ المُطَّلب إلى الساحل من ناحية العيص، ومن الناس من يُقَدِّمُ هذا على بَعْثِ عُبَيْدَةَ كما تقدم. فاللَّه أعلم.

بَعْثُ سَعْد بن أبي وقاص إلى الخَرّار

(7)

.

بَعْثُ عبد اللَّه بن جَحْش إلى نَخْلَة

(8)

.

بعث زيد بن حارثة إلى القَرَدة.

بعث مُحَمَّد بن مَسْلمة إلى كَعْب بن الأشْرف.

بعث مَرْثَد بن أبي مَرْثَد إلى الرَّجيع.

بعثُ المُنْذر بن عمرو إلى بئر مَعونَةَ.

(1)

بعدها: (ثم القضاء).

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

ليس اللفظ في ط وانظر السيرة (2/ 609).

(4)

ليس اللفظ في السيرة.

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 609).

(6)

انظر معجم البلدان (ثنية المرة).

(7)

ط: (الجرار) تحريف. وانظر السيرة النبوية (2/ 609)، ومعجم البلدان:(الخرار).

(8)

ط: (بجيلة). وانظر السيرة ومعجم البلدان (نخيلة).

ص: 302

بعثُ أبي عُبَيْدة إلى ذي القَصَّة

(1)

.

بعث عمر بن الخطاب إلى تُرْبةَ

(2)

في أرض بني عامر.

بعث عليّ إلى اليمن.

بعث غالبِ بن عبد اللَّه الكَلْبي إلى الكَديد فأصاب بني المَلَوَّح، أغار عليهم في الليل. فقتل طائفةً منهم، واستاق نِعَمَهُمْ، فجاء نفيرهم في طلب النَّعَمِ، فلما اقْتَرَبُوا حالَ بَيْنَهُمْ وبينهم

(3)

وادٍ من السَّيْلِ، وأسَروا في مسيرهم هذا الحارثَ بن مالك ابن البَرْصاءَ. وقد حرر ابن إسحاق هذا هاهنا وقد تقدم بيانه.

بعث

(4)

عليّ بن أبي طالب إلى أرض فَدَك.

بعث أبي

(5)

العَوْجاء السُّلَمي إلى بني سُلَيْم، أُصيب هو وأصحابه.

بعثُ عُكَاشة إلى الغَمْرة.

بعث أبي سَلَمة بن عبد الأسَد إلى قَطَنٍ وهو ماءٌ بنجدٍ لبني أسَد.

بعث محمد بن مَسْلَمَة [أخي بني حارثة]

(6)

إلى القُرَطاء من هوازن. بعث بَشير بن سَعْدٍ إلى بني مُرَّة بفَدَك. وبعثه أيضًا إلى ناحية حنين.

بعث زيد بن حارثة إلى الجَموم من أرض بني سُلَيْم.

بَعْثُ زيد بن حارثة إلى جُذامٍ من أرض بني خُشَيْنٍ.

قال ابن هشام

(7)

: وهي من أرض حِسْمَى. وكان سَبَبُها -فيما ذكره ابن إسحاق وغيره-: أنَّ دِحيةَ بن خَليفة لما رجَعَ من عند قيصر، وقد أبلغه كتابَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَدْعُوه إلى اللَّه، فأعطاه من عنده تُحَفًا وهدايا، فلما بلغ واديًا في أرض بني جُذام يقال له: شَنارٌ. أغارَ عليه الهُنَيْدُ بن عَوْص، وابنه عَوْصُ بن الهُنَيْد الضُلَيْعيّان، والصُّلَيْع

(8)

بطن من جُذامٍ، فأخذا ما معه، فنفرَ حَيٌّ منهم قد أسْلَموا فاسْتَنْقذوا ما كان أُخذَ لدِحية فردُّوه عليه، فلما رجَع دِحْية إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخْبَره الخبر، واسْتَسْقاه دم الهُنَيْد وابنه

(1)

بعدها في السيرة: (من طريق العراق).

(2)

ط: (برية). وهو تحريف انظر السيرة.

(3)

ط: (فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم وادٍ).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 611).

(5)

ط: (أخي) وانظر سيرة ابن هشام.

(6)

ما بين المعقوفتين عن السيرة ومكانها في ط وأ: (إلى).

(7)

السيرة (2/ 612).

(8)

في السيرة (الضُلَعيّان والضَّليع) وانظر الاشتقاق (358)، ومعجم ما استعجم (1/ 447).

ص: 303

عَوْص، فَبَعَث حينئذٍ زيدَ بن حارثة في جيش إليهم، فساروا إليهم من ناحية الأولاج، فأغار بالماقصِ من ناحية الحَرَّة، فجَمَعوا ما وَجَدوا من مالٍ وناسٍ، وقتلوا الهُنَيْد وابنَه ورَجُلَيْن من بني الأحْنَف، ورجلًا من بني خَصيبٍ، فلما احتاز زيدٌ أموالهم وذراريهم اجتمع نفرٌ منهم برفاعة بن زيد، وكان قد جاءه كتاب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى اللَّه، فَقَرأهُ عليهم رفاعةُ، فاستجاب له طائفةٌ منهم، ولم يَكُنْ زَيْدُ بن حارثة يعلمُ بذلك

(1)

، فركبوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ثلاثة أيام فأَعْطَوْهُ الكِتابَ، فأمرَ بقراءَتِهِ جَهْرةً على الناس. ثم قال رسول اللَّه:"كَيْفَ أصْنَعُ بالقَتْلَى؟ " ثلاث مرات. فقال رجُلٌ منهم، يقال له: أبو زيد بن عمرو: أطْلِقْ لنا يا رسولَ اللَّهِ منْ كانَ حَيًّا، ومن قُتِلَ فهو تَحْتَ قَدَمي هذه؟ فبعثَ مَعَهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب. فقال عليّ: إن زيدًا لا يُطيعُني، فأعطاهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم سيفَه علامةً، فسار معهم على جَمَلٍ لهم. فَلَقوا زَيْدًا وجَيْشَه، ومعهم الأموالُ والذَّراري بفَيْفاء الفَحْلَتين، فَسَلَّمَهم عليٌّ جميعَ ما كانَ أُخِذَ لَهُمْ لم يفقدوا منه شيئًا.

بعث زيد بن حارثة

(2)

أيضًا إلى بني فزارة بوادي القرى، فقتل طائفة من أصحابه وارْتُثَّ

(3)

هو منْ بينِ القَتْلى، فلما رَجَعَ آلى أن لا يَمَسَّ رأسَه غُسْلٌ من جَنابةِ حتى يَغْزُوَهُمِ أيضًا، فلما اسْتَبَلَّ

(4)

من جِراحِه بَعَثَهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثانيًا في جيشٍ، فَقَتَلَهُمْ بوادي القُرى، وأسرَ أُمَّ قِرْفةَ فاطِمَةَ بنتَ رَبيعةَ بن بدر، وكانَتْ عند مالكِ بن حُذَيْفَةَ بن بدرٍ، ومعها ابنة لها، فأمر زَيْدُ بن حارِثَة قَيْسَ بن المُسَحَّر اليَعْمريَّ، فَقَتَل أُمَّ قِرْفَةَ، واسْتَبْقَى ابنَتَهَا، وكانت من بَيْتِ شَرَفٍ، يُضْرَبُ بأم قِرفَةَ المَثَلُ في عِزّها

(5)

، وكانتْ بنتُها مع سَلَمَة بن الأكْوَع فاستوَهَبها منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأَعْطاه إيّاها، فوَهَبَها رسولُ اللَّه لخالِه حَزْن بن أبي وَهْبٍ، فوَلَدَتْ له ابنَهُ عبدَ الرحمن.

بَعْثُ عبد اللَّه بن رَوَاحة

(6)

إلى خَيْبَرَ مَرَّتين: إحداهما التي أصاب فيها اليُسيرَ بن رِزامٍ، وكانَ يَجْمع غطفانَ لغزوِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فبعثَ رسولُ اللَّه عبد اللَّه بن رَواحة في نَفَرٍ منهم عبد اللَّه بن أُنَيْس فقدموا عليه، فلم يَزالوا يُرَغِّبونه ليُقْدِموه على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسار مَعَهم، فلما كانوا بالقَرْقَرَةِ على ستةِ أميالٍ من

(1)

ط: (ذلك).

(2)

انظر سيرة ابن هشام (2/ 617).

(3)

الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح، والرثيث أيضًا: الجريح (النهاية: رثَّ).

(4)

من قولهم: "بَلَّ من مرضه وأبلَّ، والبل الشفاء (النهاية: بلل).

(5)

يقال: أعز من أم قرفة، وأمنع من أم قرفة، أوردتهما في معجم الأمثال العربية (أمم - عزز - قرف - منع) ومصادرهما: مجمع الأمثال (2/ 45) و (323)، والدرة الفاخرة (1/ 297) و (302)، وجمهرة الأمثال (2/ 33) و (66) والمستقصى (1/ 245) و (368). واللسان: قرف.

(6)

سيرة ابن هشام (2/ 618).

ص: 304

خيبر، ندم اليسيْرُ على مَسيرِه، ففطِنَ له عبدُ اللَّه بن أُنَيْس -وهو يريد السَّيْفَ- فضربه بالسَّيفِ فأطن

(1)

قدمه، وضربه اليسير بمِخْرشٍ

(2)

من شَوْحَطٍ

(3)

في رأسه فأمَّه، ومال كلُّ رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فَقَتَله إِلَّا رجلًا واحدًا أفْلَتَ على رجليه

(4)

، فلما قدم ابن أنَيْس تَفَل في رَأْسِه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يَقِحْ جرحه ولم يُؤْذِهِ.

قلتُ: وأظنُّ البعث الآخَر إلى خيبر لما بعثه عليه الصلاة والسلام خارصًا

(5)

على نخيل خَيْبَر، واللَّه أعلم.

بعْثُ عبد

(6)

اللَّه بن عَتِيكٍ وأصحابه إلى خيبر، فقتلوا أبا رافع اليهودي.

بعث عبد اللَّه بن أُنَيْس إلى خالدِ بن سُفْيان بن نُبَيْح فقتله، بعُرَنة

(7)

. وقد روى ابنُ إسحاق قِصَّتَهُ هاهنا مُطوَّلةً

(8)

وقد تقدَّم ذكرها في سنة خمسٍ واللَّه أعلم.

(بعث زيد بن حارثة وجعفر وعبد اللَّه بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا كما تقدم. بعث كعب

(9)

بن عمير)

(10)

إلى ذات أطْلاحٍ من أرض الشَّام، فأصيبوا جميعًا أيضًا.

بعث عُيَيْنة بن حصن بن حُذَيْفة بن بدرٍ

(11)

إلى بني العَنْبر من تَميم، فأغار عليهم، فأصاب منهم أُناسًا، ثم ركبَ وَفْدُهم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أَسراهم، فأعْتَقَ بعضًا وفَدَى بعضًا.

بعث غالب بن عبد اللَّه

(12)

أيضًا إلى أرض بني مرة، فأُصيب بها مِرْداسُ بن نَهيكٍ حليفٌ لهم من الحُرَقةِ من جُهَيْنة قتله أسامة بن زيد، ورجل من الأنصار أدْركاه، فلما شَهَرا السِّلاحَ، قال: لا إله إِلَّا اللَّه، فلما رَجَعا لامَهُمَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أشدَّ اللومِ، فاعْتَذَرا بأنَّه ما قال ذلك ألا تَعَوُّذا من القَتْلِ. فقال لأسامة: هَلّا شَقَقْتَ عَنْ قلبِهِ؟ وجعلَ يَقولُ لأُسامة: منْ لكَ بلا إله إِلَّا اللَّه يَوْمَ القِيامةِ. قال أسامة:

(1)

أطنّ قدمه أي قطعها، استعارة من الطين (النهاية: طنن).

(2)

"المخْرشُ": عصًا مُعْوَجَّةُ الرأس كالصولجان (النهاية: خرش).

(3)

"الشَّوْحَطُ": ضرب من شجر الجبال تتخذ منه القسيّ (النهاية: شوحط).

(4)

ط: (قدميه).

(5)

خَرَص النخلة والكرمة يخرصُها خَرْصًا: إذا حزر ما عليها من الرطب تمرًا ومن العنب زبيبًا (النهاية: خرص).

(6)

ط: (عبيد) وانظر السيرة النبوية (2/ 619).

(7)

ط: (عرفة) وانظر السيرة.

(8)

سيرة ابن هشام (2/ 619)

(9)

انظر السيرة النبوية (6/ 621).

(10)

ليس ما بين القوسين في ط.

(11)

السيرة النبوية (2/ 621 - 622).

(12)

السيرة النبوية (2/ 622 - 623).

ص: 305

فما زال يُكَرِّرُها حَتّى لوددت

(1)

أنْ لمْ أكُنْ أسلمتُ قبلَ ذلك. وقد تقدَّم الحديث بذلك.

بعث عمرو بن العاص

(2)

إلى ذات السَّلاسِلِ من أرْضِ بني عُذْرة يَسْتَنْفِرُ العَرَبَ إلى الشَّام، وذلك أن أمَّ العاص بن وائلٍ كانَتْ من بَلِيٍّ، فلذلك بَعَث عَمْرًا يَسْتَنْفِرُهُم ليَكُونَ أنْجَعَ فيهم فلمّا وَصَلَ إلى ماءٍ لهم يقال له السَّلْسَل خافَهُمْ، فبعثَ يَسْتَمِدُّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبَعَثَ إليه

(3)

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سريةً فيهم أبو بكر وعمر، وعليها أبو عُبَيْدة بن الجَرَّاحِ، فلما انْتَهْوا إليه تأمّر عليهم كُلِّهم عَمْرو

(4)

، قال: إنما بُعِثتُمْ مَدَدًا لي. فلم يُمانِعْهُ أبو عُبَيْدة: لأنَّه كَان رَجُلًا سَهْلًا لَيِّنًا هَيْنًا عليه

(5)

أمر الدنيا، فسلَّم له، وانْقادَ معه، فكانَ عمرو يُصلِّي بهم كلِّهم، ولهذا لما رَجَعَ قال: يا رسولَ اللَّه، أيُّ الناسِ أحَبُّ إليك؟ قال: عائشة. قال: فمن الرجال

(6)

؟ قال: أبوها.

بعثُ عبدِ اللَّه بن أبي حَدْرَدٍ

(7)

إلى بطن إضَمٍ، وذلك قَبْلَ فَتْحِ مكَّةَ، وفيها قصة مُحَلِّمِ بن جَثّامة، وقد تقدَّم مُطَوَّلًا في سنة سبع.

بعث ابن أبي حدرد

(8)

أيضًا إلى الغابة.

بعث عبد الرحمن بن عوف

(9)

إلى دُومة الجَنْدَل.

قال محمد بن إسحاق: حدّثني منْ لا أتَّهِمُ، عن عطاء بن أبي رباح، قال: سمعتُ رَجُلًا من أهل البَصْرَةِ يَسْألُ عبدَ اللَّهِ بن عُمَرَ بن الخَطّاب عن إرسال العِمامَةِ من خَلْفِ الرَّجُلِ إذا اعْتَمَّ، قال: فقال عبد اللَّه: أُخْبِرُكَ، إن شاء اللَّه، عن ذلك، تَعلَم أني كُنْتُ عاشِرَ عَشَرةِ رَهْطٍ من أصْحابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في مَسْجِده، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، ومعاذ بن جَبَلٍ، وحُذَيْفة بن اليَمان، وأبو سعيد الخُدْري، وأنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ

(10)

أقبلَ فَتى من الأنصار فسَلَّم على رسول اللَّه ثم جلس، فقال: يا رسول اللَّه أيُّ المُؤْمنين أفضلُ؟ قال: أحسَنُهُمْ خُلُقًا. قال: فَأيُّ

(1)

أ: (تمنيت) وما أثبته عن ط ويوافق ما في السيرة النبوية.

(2)

السيرة النبوية (2/ 623 - 626).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (عمر).

(5)

ط: (عند).

(6)

ط: (الرجل).

(7)

السيرة النبوية (2/ 626 - 629).

(8)

السيرة النبوية (2/ 629 - 630).

(9)

السيرة النبوية (2/ 631).

(10)

ط: (إذا).

ص: 306

المؤمنين أكْيسُ؟ قال: أكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للمَوْتِ وأحْسَنُهُم استعدادًا له قبلَ أنْ ينْزِلَ به، أولئك الأكْياس

(1)

، ثم سَكَتَ الفَتى. وأقْبَلَ علينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مَعْشَرَ المُهاجرين، خمسُ خِصالٍ إذا نَزَلْنَ بكم -وأعوذُ باللَّه أن تُدْرِكوهنَّ- إِنَّه لم تظْهَر الفاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطّ حتّى يُعْلنوا بها

(2)

إِلَّا ظَهَرَ فيهم الطّاعونُ والأوْجاعُ التي لم تكُنْ في أسْلافِهِم الذين

(3)

مَضَوْا، ولم يَنْقُصوا المِكْيالَ والمِيزانَ إِلَّا أُخذوا بالسِّنين وشدَّة المُؤْنَةِ وجَوْرِ السُّلْطان، ولم يَمْنَعوا الزكاةَ من أموال إِلَّا مُنعوا القَطْر من السماء، فلولا البَهائمُ ما مُطروا، وما نقَضَوا عَهْدَ اللَّهِ وعهدَ رسولِهِ إِلَّا سَلَّطَ عليهم عَدُوًّا من غَيْرِهم، فأخذَ بعض ما كان في أيديهم، وما لَمْ يَحْكُمْ أئمتُهُمْ بكتابِ اللَّه ويتَخَيَّروا فيما أنزلَ اللَّهُ إلّا جَعَلَ اللَّه بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم

(4)

. قال: ثم أمر عبدَ الرحمن بن عوفٍ أن يَتَجهَّزَ لسريَّةٍ بعثه

(5)

عليها، فأصبحَ وقد اعتمَّ بعمامةٍ من كَرابيس

(6)

سَوْداء، فأدْناهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم نَقَضَها، ثم عَمَّمه بها، وأرسل منْ خَلْفِهِ أربعَ أصابعَ أو نحوًا من ذلك. ثم قال: هكذا يا بنَ عَوْفٍ فاعْتَمَّ، فإنَّه أحسنُ وأعرفُ، ثم أمر بلالًا أن يَدْفعَ إليه اللواءَ فَدَفَعَهُ إليه، فحمد اللَّه وصلَّى على نفسه، ثم قال: خُذْه يا بنَ عْوفٍ، اغْزُوا جميعًا في سَبيل اللَّهِ، فقاتِلوا من كفر باللَّه لا تَغُلُّوا ولا تَغْدروا ولا تُمَثلُوا ولا تَقْتُلوا وليدًا. فهذا عَهْد اللَّهِ

(7)

، وسيرةُ نبيِّه

(8)

فيكم. فأخذ عبدُ الرحمن بن عوف اللواءَ. قال ابن هشام: فخرج إلى دُومة الجَنْدَل.

بَعْثُ أبي عُبَيْدَةَ بن الجَرّاح

(9)

وأصحابه

(10)

وكانوا قريبًا من ثلاثمئة راكبٍ إلى سيفِ البَحْرِ، وتزويده

(11)

عليه الصلاة والسلام إيَّاهم جرابًا من تمر، و (فيها) قصةُ العَنْبَر، وهي الحوتُ العظيمُ الذي دَسَرَهُ البَحْرُ وأكلُهم كلُّهم منه قريبًا من شهر حتى سَمِنوا، وتَزَوَّدوا منه وشَائق -أي شَرائِحَ- حتى رجَعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأطْعَموه منه، فأكلَ منه، كما تقدّم بذلك الحديث.

(1)

رواه ابن ماجه رقم (4259) من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وإسناده ضعيف لطوله ولكن لفقراته الأخيرة "أحسنهم خلقًا" إلى آخره، شواهد يقوى بها.

(2)

ط: (يغلبوا عليها).

(3)

ط: (الذي).

(4)

رواه ابن ماجه رقم (4019) من حديث ابن عمر رضي الله عنه، ورواه الحاكم (4/ 540) من حديث ابن عمر، وصححه، ووافقه الذهبي ولكن إسناده حسن فقط، ولبعضه شاهد من حديث بريدة بن الحصيب، فهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

كرابيس هي جمع كِرْباس، وهو القطن (النهاية: كربس).

(7)

أ: (فهذا عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم).

(8)

ط: (نبيّكم).

(9)

سيرة ابن هشام (2/ 632 - 633).

(10)

ليس اللفظ في ط.

(11)

ط: (وزودوه).

ص: 307

قال ابن هشام

(1)

: ومما لم

(2)

يَذْكُر ابنُ إسحاق منَ البُعوث -يعني هاهنا-:

بَعْثُ عَمْرِو بن أُمَيَّة الضَّمْري لِقَتْل أبي سُفيان صَخْرِ بنِ حربٍ بعدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بن عَدِيٍّ وَأَصْحابِهِ، فكانَ من أمْرِهِ ما قَدَّمناهُ وكان مع عَمْرِو بن أمية جَبَّار بن صَخْرٍ، ولم يتَّفق لهما قَتْلُ أبي سفيان، بل قَتَلا رَجُلًا غَيْرَهُ وأنْزلا خُبَيبًا عن جِذْعِهِ.

وبَعْثُ سالِم بن عُمَير

(3)

أحد البَكّائين، إلى أبي عَفَكٍ أحد بني عمرو بن عَوْفٍ، وكان قد نَجَمَ نِفاقهُ حينَ قَتَلَ رسولُ اللَّهِ الحارثَ بن سُوَيْدِ بن الصّامِتِ، كما تَقَدَّم، فقال يَرْثيه ويَذُمُّ -قبحه اللَّه- الدخولَ في الدِّين:[من المتقارب]

لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وما إنْ أَرَى

منَ النَّاسِ دَارًا ولا مَجْمَعا

أبَرّ عُهودًا وَأَوْفَى لِمَنْ

يُعاقِدُ فيهمْ إذا ما دَعا

مِنَ اوْلادِ

(4)

قَيْلَةَ في جَمْعِهم

يَهُدُّ الجبالَ ولَمْ يَخْضَعَا

فَصَدَّعَهُمْ راكِبٌ جَاءَهُمْ

حَلالٌ حَرامٌ لَشتَّى مَعا

فَلَوْ أنَّ بالعِزّ صَدَّقْتُمُ

أوْ المُلك تَابَعْتُمُ تُبَّعَا

فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: منْ لي بهذا الخَبيثِ

(5)

، فانتدب له سالم بن عُمَيْر هذا فقتله، فقالت أمامة المريديه

(6)

في ذلك

(7)

: [من الطويل]

تُكَذّبُ دينَ اللَّهِ والمَرْءَ أحْمَدًا

لَعَمْرُ الذي أمْناكَ أنْ

(8)

بِئسَ الذي يُمْني

حَباكَ حَنيفٌ آخرَ اللَّيْلِ طَعْنةً

أبا عَفَكٍ خُذْهَا على كِبَرِ السِّنِّ

وبعث عُمَيْرَ بن عدي الخَطْمي، لقتلِ العَصْماءَ بنتِ مَرْوان من بني أميَّة بن زيدٍ كانتْ تَهْجو الإسلام وأهْلَه، ولما قُتِلَ أبو عَفَكٍ المذكور، أظهرت النفاق وقالت في ذلك:[من المتقارب]

باسْتِ بني مالكٍ والنَّبيتِ

وعوفٍ وباسْتِ بَني الخَزْرجِ

أطَعْتُمْ أتاويَّ مِنْ غيرِكُمْ

فلا مِنْ مرادٍ ولا مَذْحِجِ

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 633).

(2)

ط: (لا).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 635 - 636).

(4)

ط: (فمن ولد).

(5)

ط: (الحديث).

(6)

كذا في ط، وأسد الغابة (7/ 21)، والسيرة النبوية (2/ 636) وهي (الربذية) في الإصابة (4/ 238).

(7)

البيتان في الإصابة (4/ 238) والسيرة النبوية لابن هشام (2/ 636)، والبيت الأول وحده في أسد الغابة.

(8)

ليس اللفظ في ط، ولا يستقيم الوزن بدونه.

ص: 308

تُرَجُّونَهُ بعدَ قَتْلِ الرُّؤوسِ

كَمَا يُرْتَجَى وَرَقُ

(1)

المُنْضَجِ

ألا أنِفٌ يَبْتَغي غِرَّةً

فَيَقْطَعَ منْ أمَلِ المُرْتَجي

قال فأجابها حسان بن ثابت فقال

(2)

: [من المتقارب]

بَنُو وائِلٍ وبَنو وَاقِفِ

وخَطْمَةُ دُونَ بني الخَزْرجِ

مَتَى ما دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَها

بِعَوْلَتِها والمَنايَا تَجي

فَهَزَّتْ فَتًى مَاجدًا عِرْقُهُ

(3)

كريمَ المَداخل والمَخْرَجِ

فَضَرَّجَها منْ نَجيعِ الدِّمَاءَ

بَعْد

(4)

الهُدُوِّ فَلَمْ يَحْرَجِ

(5)

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حينَ بَلَغَهُ ذلك: ألا آخِذٌ لي من ابنةِ مَرْوان، فسَمِعَ ذلك عُمَيْر بن عديٍّ، فلما أمْسى من تلك الليلة سَرَى عليها فَقَتَلها

(6)

. ثم أصبحَ فقال: يا رسول اللَّه، قَتَلْتُها. فقال: نصرتَ اللَّهَ ورسولَه يا عُمَيْر. قال: يا رسولَ اللَّه هل عليّ من شأنها؟ قال: لا يَنْتَطحُ

(7)

فيها عَنْزان. فرجعَ عُمَيْر إلى قومه وهم يَخْتَلفون في قَتْلها، وكان لها خَمْسَةٌ بَنون. فقال: أنا قَتَلتُها، فكيدوني جميعًا، ثم لا تُنْظِرون. فذلك أول يوم عَزَّ الإسلامُ في بني خَطْمَةَ، فأسلمَ منهم بَشَرٌ كثير، لما رَأَوْا منْ عِزِّ الإسلام. ثم ذَكَرَ البعثَ الذين أسروا ثُمامة بن أُثالٍ الحَنَفيَّ، وما كان من

(8)

أمره في إسلإمه، وقد تقدَّم ذلك. في الأحاديث الصحاح. وذكر ابنُ هشام: أنَّه هو الذي قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمنُ يَأْكُلُ في مِعًى واحدٍ، والكافِرُ يأكلُ في سَبْعَةِ أمْعاءٍ". لما كان من قلّةِ أكله بعد إسلامه، وأنّه لما انْفَصَلَ عن المَدينةِ دخلَ مَكَّة مُعْتَمرًا وهو يُلَبِّي فَنَهاهُ أهلُ مكَّةَ عن ذلك فأبَى عليهم، وتوعَّدهم بقَطْع الميرةِ عنهم من اليَمامة، فلما عاد إلى اليَمامة منعهم المِيرَة حتَّى كتبَ إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعادَها إليهم. وقال بعض بني حنيفة:

ومنَّا الَّذي لَبّى بمكَةَ مُحْرِمًا

بِرَغْمِ أبي سُفيان في الأشْهُرِ الحُرْمِ

(1)

في السيرة (مرق).

(2)

الأبيات في ديوان حسان - دار صادر - (1/ 449).

(3)

أ، ط:(عرفة، كريم المدخل) وما أثبته عن السيرة والديوان.

(4)

ط: (بعيد).

(5)

بعده في الديوان:

فأوردك اللَّه بَرْدَ الجِنا

نِ جذلان في نعمة المَوْلج

(6)

ط: (قتلتها).

(7)

ط: (لا تنتطح). وهو من الأمثال العربية القديمة أوردته في كتابي "معجم الأمثال العربية": (عنز - نطح) ومصادره فيه: الفاخر للضبي 312، ومجمع الأمثال (2/ 225)، وجمهرة الأمثال (2/ 376 و 403) والمستقصى في الأمثال (2/ 277).

(8)

ليس اللفظ في ط.

ص: 309

وبَعْثُ عَلْقَمة بن مُجَزِّزٍ

(1)

المُدْلَجيّ، ليأخُذَ بثَأْرِ أخيه وَقَّاصِ بن مُجَززٍ يومَ قُتِل بذي قَرَدٍ، فَاسْتَأْذَنَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ليرجعَ في آثارِ القومِ فأذِنَ له، وأَمَّره على طائفةٍ من الناس، فلما قَفَلُوا أذِنَ لطائفةٍ منهم في التَّقَدُّم واستعملَ عَلَيْهم عَبْدَ اللَّه بن حُذَافَةَ، وكانت فيه دُعابةٌ، فاسْتَوْقَدَ نارًا وأمَرهم أن يَدْخُلوها

(2)

فلما عَزَمَ بعضُهُم على الدخول، قال: إنَّما كنتُ أضحكُ، فلما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: منْ أمَرَكُمْ بمَعْصيةِ اللَّهِ فلا تُطيعُوه. والحديث في هذا ما ذكره ابنُ هشامٍ عن الدّراوَرْدي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو بن الحَكَمِ بن ثَوْبان، عن أبي سَعيدٍ الخُدري.

وبَعْثُ كُرْز بن جابر

(3)

لقتلِ أولئك النفر الذين قدموا المدينةَ وكانوا من قَيْس كُبّة

(4)

من بَجيلة فاستوخموا المدينة واستوبؤها، فأمرَهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبلهِ فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما صَحَوْا قَتَلوا راعيَها وهو يَسار مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذَبَحوهُ وغَرَزوا الشَّوكَ في عُيَيْنة واستاقوا اللقاحَ، فبعثَ في آثارهم كُرْزَ بن جابر في نفرٍ من الصَّحابة، فجاء

(5)

بأولئك النفر من بَجيلة مَرْجِعَه عليه الصلاة والسلام من غَزْوة ذي قَرَدٍ، فأمر فَقَطعَ

(6)

أيديَهم وأرجلَهُم وسُمِلَتُ

(7)

أعينهم، وهؤلاء النفرُ إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أنَّ نفرًا ثمانية من عُكْل أو عُرَيْنَةَ قدموا المدينة. . . الحديث -والظاهرُ أنهم هم- فقد تقدَّم قصتُهم مطولةً، وإن كانوا غيرَهُم فها قد أورَدْنا عيونَ ما ذكره ابن هشامٍ، واللَّه أعلم.

قال ابن هشام: وغزوة علي بن أبي طالب

(8)

التي غَزاها مَرَّتَين

(9)

. قال: أبو عمرو المدني: بعثَ رسول اللَّه عليًّا إلى اليمن، وخالدًا في جندٍ آخر، وقال: إن اجْتَمَعْتُم فالأمير عليُّ بن أبي طالب. قال: وقد ذكر ابن إسحاق بَعْثَ خالدٍ، ولم يذكره في عدد البُعوثِ والسَّرايا، فينبغي أن تكون العِدة في قوله تسعًا وثلاثين.

قال ابن إسحاق: وبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيدٍ بن حارثة إلى الشام، وأمره أن يوطِئَ الخَيْلَ تُخومَ البَلْقاءِ والدّارومَ من أرضِ فلسطين، فتجهزَ النَّاسُ وأوعب مع أسامةَ المُهاجرون الأولون. قال ابن هشام: وهو آخر بعثٍ بعَثَهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 639 - 640).

(2)

ط: (يدخلوا).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 640 - 641).

(4)

ليس اللفظ في ط. وانظر السيرة.

(5)

أ، ط:(فجاؤوا).

(6)

أ: (بقطع).

(7)

ط: (وسلمت) وهو تحريف.

(8)

سيرة ابن هشام (2/ 641).

(9)

في السيرة (إلى اليمن، غزاها مرتين).

ص: 310

وقال البخاري

(1)

: حدَّثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثَ بعثًا، وأمَّرَ عليهم أسامةَ بن زيدٍ، فطعنَ الناسُ في إمارته، فقامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن تَطْعُنوا في إمارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنون في إمارةِ أبيه منْ قَبْلُ، وايْمُ اللَّهِ إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمنْ أحَبِّ النّاس إليَّ، وإنَّ هذا لمِنْ أحبِّ الناسِ إليَّ بَعْدَهُ. ورواه التِّرمذي

(2)

من حديث مالكٍ، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد انتُدِبَ كَثيرٌ من الكبار من المُهاجِرِين الأوَّلين والأنصار في جيشه، فكانَ من أكبرهم عُمرُ بن الخطاب، ومنْ قال: إن أبا بكرٍ كان فيهم فقد غَلطَ، فإنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم اشتَدَّ به المرضُ، وجيشُ أسامة مُخَيِّمٌ بالجُرْفِ. وقد أمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يُصلِّيَ بالنّاس، كما سيأتي. فكيفَ يكونُ في الجيشِ وهو إمام المُسلمين بإذنِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم من ربِّ العالَمين. ولو فُرِضَ أنّه كانَ قد انْتَدَبَ مَعَهُمْ، فقد استثناهُ الشّارعُ من بينهم بالنصّ عليه للإمامةِ في الصلاة التي هي أكبرُ أركانِ الإسلام. ثُمَّ لمّا تُوفِّي عليه الصلاة والسلام استَطْلَقَ الصِّدِّيقُ من أسامةَ عمرَ بن الخطاب، فأذِنَ له في المُقامِ عندَ الصِّدِّيقِ، ونَفَّذَ الصديقُ جيشَ أُسامةَ، كما سيأتي بيانُه وتفصيلُه في موضعه، إن شاء اللَّه.

‌فَصْلٌ في الآياتِ والأحاديثِ المُنْذِرَة بوَفاةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وكيف ابتُدِئَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمَرَضِهِ الذي ماتَ فيه

قال اللَّه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31].

وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34].

وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

(3)

} [الأنبياء: 35].

وقال تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].

وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. وهذه الآية هي التي

(1)

البخاري (4469).

(2)

الترمذي (3816).

(3)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 311

تلاها الصّدِّيق يومَ وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما سمعها الناسُ كأنَّهم لم يسمعوها قبل ذلك

(1)

.

وقال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر] قال

(2)

عمر بن الخطاب وابن عباس هو أجلُ رسول اللَّه نُعِي إليه. وقال ابن عمر (2): نزلَتْ أوسطَ أيامِ التَّشْريق في حجَّة الوداع، فعرف رسول اللَّه أنه الوداع، فخطبَ الناسَ خطبةً أمرهم فيها ونهاهم. . . الخُطْبة المَشْهورة كما تقدم.

وقال جابر (2): رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَرْمي الجِمارَ. فوقفَ، وقال:"لتَأْخُذوا عنّي مناسِكَكُم فَلَعَلِّي لا أحُجُّ بعد عامي هذا".

قال عليه السلام لابنته فاطمة، كما سيأتي: "إنَّ جبريلَ كانَ يُعارضُني بالقرآنِ في كلِّ سَنَةَ مرةً وإنه عارَضَني به العامَ مَرَّتين، وما أرى ذلك إِلَّا لاقتراب

(3)

أجلي".

وفي صحيح البخاري

(4)

من حديث أبي بكر بن عَيَّاش، عن أبي حَصِين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: كان رسول اللَّه يَعْتكفُ في كلِّ شَهْرِ رمضان عَشَرَةَ أيامٍ، فلمّا كانَ من العامِ الذي تُوفِّي فيه اعتكفَ عشرين يومًا، وكان يَعْرِضُ عليه القرآن في كل رمضان، فلمّا كانَ العامُ الذي تُوفّي فيه عرضَ عليه القرآن مرَّتين.

وقال محمد بن إسحاق

(5)

: رجع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من حجّةِ الوداعِ في ذي الحجة، فأقام بالمدينة بقيته والمُحَرَّم وصفرًا، وبعثَ أُسامةَ بن زيدٍ، فبينا الناسُ على ذلك ابتُدِئ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشَكْواه الذي قَبَضَهُ اللَّه فيه إلى ما أراده اللَّه من رَحْمَتِه وكرامته، في ليالٍ بقينَ من صَفَرٍ أو في أَوَّل شَهْرِ ربيعٍ الأولِ، فكان أولَ ما ابتُدئ به رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من ذلك، فيما ذكر لي، أنَّه خرجَ إلى بقيع الغَرْقَدِ من جَوْفِ اللَّيْلِ، فاستَغْفَرَ لهم، ثم رجعَ إلى أهله، فلما أصبح ابتُدِئَ بوَجَعِهِ من يومه ذلك.

قال ابن إسحاق

(6)

: وحدّثني عبدُ اللَّه بن عمر

(7)

عن عُبَيْد بن جُبَيْر

(8)

مولى الحكم عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن أبي مُوَيْهبة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: بعثني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من جَوْفِ اللَّيْلِ

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

ط: (اقتراب).

(4)

البخاري (4998).

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 642).

(6)

سيرة ابن هشام (2/ 642).

(7)

أ، ط:(جعفر).

(8)

ط: (جبر) تحريف. انظر الإصابة (4/ 188).

ص: 312

فقال: يا أبا مُوَيْهبة، إنّي قدْ أمِرْتُ أن أستغفرَ لأهل هذا البقيع، فانطلق معي. فانطلقتُ معه، فلما وقَفَ بين أظْهُرِهِم. قال: السَّلامُ عليكم يا أهلَ المَقابر، ليهن لكم ما أصْبَحْتُمْ فيه مما أصبَحَ الناسُ فيه، أقبلت الفتن كَقِطَع الليل المُظْلِم يَتْبَعُ آخرُها أولَها، الآخرةُ شرٌّ من الأولى، ثم أقبل عليَّ فقال: يا أبا مُوَيْهبةَ، إنّي قد أُوتيتُ مفاتيحَ خزائِن الدُّنْيا والخُلْدَ فيها ثم الجَنّةَ، فخُيِّرْتُ بين ذلك وبينَ لقاءِ ربّي والجنةِ. قال: قلت: بأبي أنتَ وأمّي فخُذْ مفاتيحَ خزائنِ الدُّنْيا والخُلْدَ فيها ثم الجنة. قال: لا واللَّهِ يا أبا مُوَيْهبة، لقد اخترتُ لقاءَ ربّي والجَنَّة. ثم استغفرَ لأهلِ البَقيع، ثم انصرف، فبُدئ برسولِ اللَّه وَجَعُه الذي قَبَضَه اللَّهُ فيه. لم يخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب. وإنما رواه أحمدُ

(1)

عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به.

وقال الإمام أحمد

(2)

: ثنا أبو النَّضْر، ثنا الحكم بن فُضَيْل، ثنا يَعْلَى بن عطاءً، عن عُبَيْد بن جُبَيْرٍ

(3)

، عن أبي مُوَيْهبة. قال: أُمِرَ رسولُ اللَّه أن يُصَلِّي على أهل البَقيعِ، فَصَلَّى عليهم ثلاثَ مراتٍ، فلما كانت الثالثة. قال: يا أبا مويهبة، أسْرِجْ لي دابَّتِي. قال: فركب ومشَيْتُ، حتى انتهى إليهم، فنزل عن دابته، وأمسكتُ الدابةَ فوقف -أو قال: قام- عليهم، فقال: لِيَهْنِكُمْ ما أنتم فيه مما فيه الناسُ، أتَتِ الفتنُ كَقِطَعِ الَّليْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ بعضُها بعضًا، الآخرةُ أشَدُّ من الأولى، فَلْيَهْنِكُمْ ما أنْتُمْ فيه مما فيه الناس. ثم رجع فقال: يا أبا مُوَيْهبة، إني أُعْطيتُ -أو قال: خُيِّرت بَيْنَ- مفاتيحِ ما يُفْتَحُ على أُمَّتي من بَعْدي والجنةِ أو لقاءَ ربّي. قال: فقلت: بأَبي أنْتَ وأُمي فاخْتَرْنا. قال: لأنْ تُردَّ على عَقِبها ما شاء اللَّهُ، فاخترتُ لقاءَ ربي. فما لبثَ بعدَ ذلك إِلَّا سَبْعًا أو ثمانيًا حتى قُبض.

وقال عبد الرزاق

(4)

: عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُعْطيتُ الخَزائنَ، وخُيرتُ بينَ أن أبقى حَتَّى أرَى ما يُفْتَحُ على أُمَّتي وبينَ التَّعْجيل، فاخترتُ التَّعْجيلَ. قال البيهقيّ: وهذا مُرْسلٌ، وهو شاهدٌ لحديث أبي مُوَيْهبة.

قال ابن إسحاق

(5)

: وحدّثني يعقوبُ بن عُتْبَةَ، عن الزُّهْري، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبَة، عن ابنِ مَسْعود عن عائشة، قالت: رَجَعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من البقيع فَوَجَدني وأنا أجِدُ صُداعًا في رأسي، وأنا أقول: وارَأساهُ. فقال: بل أنا واللَّهِ يا عائشةُ، وارَأْساهُ. قالت: ثم قال: وما ضَرَّكِ لو مُتِّ قَبْلي، فقمت عليكِ وكَفَّنْتُك وَصلَّيْتُ عَلَيْكِ ودَفَنْتُكِ. قالت: قلت: واللَّهِ لكأنِّي بكَ لو فعلتَ ذلك لقد رجعتَ

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 489)، وإسناده ضعيف، وقد صح منه استغفاره لأهل البقيع، واختياره لقاء ربه.

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 488) وهو كالذي قبله.

(3)

ط: (جبر) تحريف. انظر الإصابة (4/ 188).

(4)

المصنف (20034).

(5)

السيرة النبوية (2/ 649).

ص: 313

إلى بيتي فأعْرَست فيه ببعض نِسائِك. قالت: فَتَبَسَّمَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتَتامَّ

(1)

به وجعُه، وهو يَدورُ على نسائه، حتى استُعِزّ به في بيت ميمونة، فدعا نساءه، فاستأْذَنَهُن أن يُمَرَّضَ في بيتي فأذنَّ له. قالت: فخرج رسول اللَّه بين رجلين من أهله، أحدهما الفَضْلُ بن عباس، ورجل آخر، عاصبًا رأسَه تَخُطُ قدماه، حتى دخل بيتي. قال عُبَيْدُ اللَّه، فحدَّثْتُ به ابن عباس، فقال: أتَدْري منِ الرَّجلُ الآخرُ؟ هو عليٌّ بن أبي طالبٍ. وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبًا.

وقال البيهقي

(2)

: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق، حدّثني يعقوب بن عتبة، عن الزُّهريّ، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن عائشة. قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه وهو يُصْدَعُ، وأنا أشتكي رأسي، فقلت: وارَأْساهُ، فقال: بل أنا واللَّهِ يا عائشةُ وارَأساه، ثم قال: وما عليكِ لو مُتِّ قَبْلي فولِيتُ أمركِ وصَلَّيْتُ عليكِ وواريتُكِ. فقلت: واللَّهِ إنِّي لأحْسبُ لو كان ذلك لقد خَلَوْتَ ببعضِ نسائِك في بَيْتي من آخر النهار. فضحكَ رسولَ اللَّه، ثم تمادى به وجعُه فاستُعِزّ

(3)

به، وهو يَدورُ على نِسائه في بَيْتِ مَيْمونة، فاجتَمَعَ إليه أهلُه، فقال العباس: إنّا لنرى برسولِ اللَّه ذاتَ الجَنْبِ فَهَلُمُّوا فَلْنَلُدّه. فَلَدُّو

(4)

، فأفاقَ رسولُ اللَّه. فقال: منْ فَعَلَ هذا؟ فقالوا: عَمُّكَ العبَّاسُ تَخَوَّفَ أنْ يكونَ بك ذاتُ الجَنْبِ. فقال رسول اللَّه: إنّها من الشيطان، وما كانَ اللَّهُ ليُسَلِّطَهُ عليّ، لا يَبْقَى في البَيْتِ أحدٌ إِلَّا لَدَدْتُموه إِلَّا عمّي العباسَ، فَلُدَّ أهْلُ البَيْتِ كُلُّهم حتى ميمونة وإنَّها لصائمةٌ، وذلك بعينِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم استأذَنَ أزواجَهُ أن يُمَرَّضَ في بيتي، فأذِنَّ له. فخرج وهو بين العبَّاس ورجلٍ آخر، لم تُسَمِّه، تَخُطُّ قَدماه بالأرْض. قال عُبَيْد اللَّه، قال ابن عباس: الرجلُ الآخرُ عليُّ بن أبي طالب.

قال البخاري

(5)

: حدَّثنا سعيد بن عُفَيْر، ثنا الليث، حدّثني عُقَيْلٌ، عن ابن شهاب، أخبرني عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن عائشةَ زوجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثَقُلَ رسولُ اللَّه واشتد به وَجَعه، اسْتأْذَنَ أزْواجَهُ أن يُمَرَّضَ في بيتي فأذِنَّ له، فخرجَ وهو بين الرجلين تَخُط رجلاه الأرض بين عباس

(6)

بن عبد المطلب وبين رجل آخر. قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه -يعني ابن عباس- بالذي قالَتْ عائشةُ، فقال لي عبد اللَّه بن عباس: هل تَدْري منِ الرَّجُلُ الآخر الذي لم تُسَمّ عائشةُ؟ قال: قلت: لا. قال ابن

(1)

ط: (ونام) وأ (وتسام).

(2)

دلائل النبوة (7/ 168 - 169).

(3)

استُعِزَّ به: أي اشتدّ به المرض وأشرفَ على الموت (النهاية: عزز).

(4)

لدوه، أي: سقوه الدواء في المرض (النهاية: لدد).

(5)

البخاري (4442).

(6)

أقحم بين هذا اللفظ وما قبله (قال).

ص: 314

عباس: هو عليّ. فكانت عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُ أنَّ رسولَ اللَّه لما دخلَ بيتي واشْتَدَّ به وَجَعُه، قال: هَريقوا عَلَيَّ من سبع قِرَب لم تُحللْ أوْكيتُهن، لَعَلِّي أعْهَدُ إلى الناسِ، فأَجْلَسنَاهُ في مِخْضبٍ لحفصة زوجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثم طَفِقْنا نصبُّ عليه من تِلكَ القِرَبِ حتى طَفِقَ يُشير إلينا بيده أن قد فَعَلْتُنَّ. قالت عائشة: ثم خرجَ إلى النَّاسِ فَصَلَّى لهم وخَطَبَهُم. وقد رواهُ البخاري

(1)

أيضًا في مواضعَ أُخَرَ من "صحيحه" ومسلم

(2)

من طرقٍ عن الزهري به.

وقال البخاريّ

(3)

: حدَّثنا إسماعيل، ثنا سُلَيْمان بن بلالٍ، قال هشام بن عُرْوة، أخبرني أبي، عن عائشة. أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَسألُ في مرضه الذي مات فيهِ: أيْنَ أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ يريد يومَ عائشة، فأذِن له أزواجُه أنْ يكونَ حَيْثُ شاءَ، فكان في بيتِ عائشةَ حتى مات عندها. قالت عائشة رضي الله عنها: فَماتَ في اليومِ الذي كانَ يَدورُ عليَّ فيه في بيتي، وقَبَضهُ اللَّه، وإن رأسه لبين سَحري

(4)

ونَحْري، وخالط ريقُه ريقي. قالت: وَدَخَل عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ، ومعه سواكٌ يَسْتنُّ به، فنظَر إليه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعْطِني هذا السِّواكَ يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقَضِمْتُهُ، ثم مَضَغْتُهُ فأعطيته رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاسْتَنّ به، وهو مسندٌ إلى صدري. انفردَ به البخاريّ من هذا الوجه.

وقال البخاري

(5)

: أخبرنا عبد اللَّه بن يوسف، ثنا الليث، حدّثني ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن الفاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنه لبينَ حاقنتي وذاقنتي

(6)

، فلا أكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ لأحدٍ أبدًا بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاريّ

(7)

: حدَّثنا حبان

(8)

، أخبرنا عبد اللَّه، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة: أنَّ عائشةَ أخْبَرتْه: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نَفَثَ على نَفْسه بالمُعَوِّذاتِ، ومَسَحَ عنه بيده، فلما اشْتَكَى وَجَعه الذي تُوُفِّي فيه طَفِقْتُ أنْفُثُ عليه بالمُعَوِّذات التي كان يَنْفُثُ، وأمْسَحُ بيدِ

(1)

البخاري 198، 665، 2588.

(2)

مسلم (418).

(3)

البخاري (4450).

(4)

السَّحْر: الرئة، أي أنه عليه الصلاة والسلام مات، وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سَحْرَها منه (النهاية: سحر).

(5)

البخاري (4446).

(6)

قال ابن الأثير في شرح هذا الحديث، "الحاقنة": الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق. والذاقنة: الذقن، وقيل طرف الحلقوم وقيل ما يناله الذقن من الصدر (النهاية: حقن - ذقن).

(7)

البخاري (4439).

(8)

ط: (حيان) تحريف. وهو حبان بن موسى بن سوار السلمي أبو محمد المروزي الكُشْميهني. روى عنه البخاري ومسلم. توفي سنة 233 هـ (تهذيب التهذيب 2/ 174 - 175).

ص: 315

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عنه. ورواه مسلم

(1)

من حديث ابن وهبٍ، عن يونس بن يزيد الأيْلي، عن الزُّهريّ به.

وثبت في "الصحيحين"

(2)

من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: اجتمع نساءُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عِنْدَه لم يُغادِرْ مِنْهنَّ امرأةٌ، فجاءَتْ فاطمةُ تَمْشي، ما

(3)

تُخْطِئُ مِشْيَتُها مِشْية أبيها، فقال: مرحبًا بابنتي، فأقعدها عن يمينه أو شماله، ثم سارَّها بشيءٍ فَبَكَتْ، ثم سارَّها فَضَحِكَتْ، فقلت - لها: خَصَّكِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالسِّرار وأنْتَ تَبْكين!؛ فلما أن قام

(4)

قلت لها

(5)

: أخبريني ما سارَّك؟ فقالت: ما كنتُ لأُفْشيَ سرَّ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: فلمَّا تُوفِّي قلتُ لها: أسْألُكِ بما

(6)

لي عليك من الحق لما أخْبَرْتِني

(7)

. قالت: أما الآن فنعم، قالت: سارَّنِي في الأول. قال لي: إنَّ جبريلَ كان يُعارِضُني بالقرآنِ

(8)

في كلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وقد

(9)

عارضني في هذا العام مَرَّتَيْن، ولا أرى ذلك إِلَّا لاقترابِ أجَلي، فاتقي اللَّهَ واصْبري، فنعمَ السلفُ أنا لكِ. فبكيتُ، ثم سارَّنِي، فقال: أما تَرْضينَ أن تكوني سيدةَ نساءِ المؤمنين؟! أو سيدة نساءَ هذه الأمة فضحكتُ. وله طرق عن عائشة

(10)

.

وقد روى البخاري

(11)

عن علي بن عبد اللَّه، (والفلاس ومسدّد

(12)

، ومسلم عن محمد بن حاتم، كلهم)

(13)

عن يحيى بن سعيد القَطّان، عن سفيان الثَّوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن عائشة، قالت: لَدَدْنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه، فجعلَ يُشير إلينا أن لا تَلُدُّوني، فقلنا: كراهيةُ المريض للدّواء، فلما أفاق قال: ألَمْ أنْهَكُمْ أن لا تَلُدُّوني، قُلْنا

(14)

كراهيةُ المريض للدواء، فقال: لا يَبْقَى أحدٌ في البَيْت إِلَّا لُدَّ -وأنا أنْظُرُ- إِلَّا العبّاس، فإنَّه لم يَشْهَدْكمْ.

(1)

رقم (2192).

(2)

البخاري (6285، 6286) ومسلم (2450)(98).

(3)

ط: (لا).

(4)

ط: (قامت).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ط: (لما).

(7)

ط: (أخبرتيني).

(8)

ط: (في القرآن كلّ سنة).

(9)

أ: (وإني).

(10)

البخاري (3623، 3625، 3715، 4433) ومسلم (2450)(97) و (99).

(11)

البخاري: عن طريق علي بن عبد اللَّه (4458 و 5712) وعن طريق الفلاس (6886) وعن طريق مسدد (6897) ومسلم عن طريق محمد بن حاتم (2213)(85).

(12)

ليس اللفظ في أ، ط استدركته عن البخاري.

(13)

ما بين القوسين جاء في أ، ط في غير مكانه وذلك قبل خبر الصحيحين.

(14)

ط: (قلقا) تحريف.

ص: 316

قال البخاري

(1)

: ورواه ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري

(2)

: وقال يونس، عن الزهري، قال عروة. قالت عائشة: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشةُ ما أزالُ أجدُ ألمَ الطعامِ الذي أكلتُ بخَيْبَر، فهذا أوانُ وجدتُ انقطاعَ أبْهَري من ذلك السُّمِّ. هكذا ذكره البخاري مُعَلَّقًا. وقد أسنده الحافظُ البَيْهقي، عن الحاكم، عن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن يحيى الأشْقَر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح، عن عَنْبسة، عن يونس بن يزيد الأيْلي، عن الزُّهري به.

وقال البيهقيّ

(3)

: أنبأنا الحاكم، أخبرنا الأصم، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مُرَّة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: لأنْ أحْلِفَ تسعًا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُتِلَ قَتْلًا أحبُّ إليَّ من أن أحْلِف واحدةً أنَّه لم يُقْتَلْ، وذلك أنَّ اللَّه اتَّخَذَهُ نَبيًا واتَّخَذهُ شَهيدًا.

وقال البخاريّ

(4)

: ثنا إسحاق، أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة

(5)

حدّثني أبي، عن الزهري، قال أخبرني عبد اللَّه بن كعب بن مالك الأنصاري، وكان كعب بن مالك أحدَ الثلاثة الذين تيبَ عليهم، أن عبدَ اللَّه بن عباس أخبره أن عليّ بن أبي طالب خرج من عند رسول اللَّه في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيفَ أصبحَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد اللَّه بارئًا. فأخذ بيده عباسُ بن عبد المطلب، فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاثٍ عبدُ العصا

(6)

، وإنّي واللَّهِ لأَرى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سوفَ يُتَوفَّى من وَجَعِهِ هذا، إنّي لأعرفُ وجوهَ بني عبد المطلب عندَ الموت، اذهَبْ بنا إلى رسولِ اللَّه فَلْنسَألْهُ فيمنْ هذا الأمر؟ إن كان فينا عَلِمْنا ذلك، وإنْ كانَ في غَيْرنا عَلِمْناه، فأوصى بنا، فقال عليّ: إنّا واللَّهِ لَئِنْ سَأَلْناها رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَمَنَعناها لا يُعْطيناها الناسُ بعدَه، وإنِّي واللَّهِ لا أسألُها رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم. انفردَ به البخاريّ.

(1)

بعد الحديث (4458).

(2)

البخاريّ (4428) معلقًا، وله شواهد يقوى بها، وانظر "فتح الباري"(8/ 131).

(3)

دلائل النبوة (7/ 172) والحاكم (3/ 58) وفي إسناده ضعف.

(4)

البخاري (4447).

(5)

ط: (حدَّثنا إسحاق بن بشر حدَّثنا شعيب عن أبي حمزة) وأ: (حدَّثنا إسحاق بن بشر بن شعيب بن أبي حمزة)، وقال ابن حجر: بشر بن شعيب بن أبي حمزة دينار القرشي مولاهم أبو القاسم الحمصي روى عن أبيه، وعنه البخاري في غير الجامع. وروى له هو والترمذي والنسائي بواسطة إسحاق غير منسوب وكأنه الكوسج (تهذيب التهذيب 1/ 45).

(6)

هذا مثل عربي قديم أوردته في معجم الأمثال العربية (عبد - عصا) ومصادره فيه: مجمع الأمثال للميداني (2/ 19)، والفاخر (192)، والمستقصى (2/ 398)، وثمار القلوب في المضاف والمنسوب (2/ 895) وقال إبن حجر في فتح الباري (8/ 143): (هو كناية عمن يصير تابعًا لغيره، والمعنى أنه يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورًا عليك، وهذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه.

ص: 317

وقال البخاري

(1)

: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يَوْمُ الخَميس؟ اشتدَّ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ. فقال: ائتوني أكتبْ لكم كتابًا لا تَضلِّوا

(2)

بعده أبدًا فتنازعوا، لا ينبغي عند نبيٍّ تنازعٌ، فقالوا: ما شأنُه يَهْجُرُ؟ استفهموه. فذهبوا يَردُّون عنه، فقال: دَعوني، فالذي أنا فيه خيرٌ مما تَدْعوني إليه، فأوْصاهم بثلاثٍ، قال: أخْرِجوا المُشْركين من جَزيرة العربِ، وأجيزوا الوفدَ بنحوِ ما كنتُ أجيزهم، وسَكَتَ عن الثالثة، أو قال: فنسيتُها، ورواه البخاري

(3)

في موضع آخر، ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به.

ثم قال البخاري

(4)

: حدَّثنا عليُّ بن عبد اللَّه، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمرٌ، عن الزُّهريّ، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، قال: لما حُضِرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلُمُّوا أكْتُبْ لكم كتابًا لا تَضِلُّوا بعدَه أبدًا، فقال بعضهم: إن رسولَ اللَّه قد غَلَبَه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه، فاختلف أهلُ البيت واخْتَصموا، فمنهم منْ يقولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لكم كتابًا لا تَضلّوا بعده. ومنهم منْ يقولُ غيرَ ذلك. فلما أكثروا اللغوَ والاختلافَ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قومُوا. قال عبيد اللَّه: قال ابن عباس: إنّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بَيْنَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وبينَ أنْ يكْتُبَ لهم ذلك الكتاب لاختلافِهم ولَغَطِهم. ورواه مسلم

(5)

عن محمد بن رافعٍ وعَبْدِ بن حُمَيْدٍ، كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه. وقد أخْرَجَهُ البُخاري

(6)

في مواضع من "صحيحه" من حديث مَعْمَرٍ ويونس عن الزُّهريّ به. وهذا الحديثُ مما قد تَوَهَّمَ به بعضُ الأغبياء (من أهل البدع)

(7)

من الشيعة وغيرهم، كلٌّ مُدَّعٍ أنَّه كان يريدُ أن يَكْتُبَ في ذلك الكتاب ما يَرْمُزون

(8)

إليه من مَقالاتِهم، وهذا هو التمسُّكُ بالمُتَشابِهِ. وتركُ المُحْكَمِ، وأهلُ السُّنَّة يأخذون بالمُحْكَم. ويَرُدُّون ما تَشابه إليه، وهذه طريقةُ الرَّاسخين في العلم، كما وَصَفَهُم اللَّه عز وجل، في كتابه، وهذا الموضعُ مما زَلَّ فيه أقدامُ كثيرٍ من أهل الضَّلالاتِ، وأما أهلُ السُّنَّةِ، فَلَيْسَ لهم مذهبٌ إِلَّا اتِّباعُ الحَق يَدورونَ معه كَيْفَما دارَ، وهذا الذي كانَ يُريدُ عليه الصلاة والسلام أن يَكْتُبهُ قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريحُ بكَشْفِ المُرادِ منه؛ فإنَّه قد قال الإمامُ أحمد

(9)

: ثنا مُؤَمَّلٌ، ثنا

(1)

البخاري 4431.

(2)

في البخاري: (لن تضلّوا).

(3)

البخاري (3053، 3168) ومسلم (1637)(20).

(4)

البخاري (4432).

(5)

مسلم (1637)(22).

(6)

البخاري (114، 5669، 7366).

(7)

ليس ما بين القوسين في ط.

(8)

ط: (يرمون).

(9)

مسند الإمام أحمد (6/ 106).

ص: 318

نافع بن عمر

(1)

، ثنا ابن أبي مُلَيْكة عن عائشة، قالت: لمَّا كانَ وجعُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي قُبِضَ فيه قال: "ادْعُوا لي أبا بكر وابنَه لكي لا يطمع في أمر أبي بكرٍ طامعٌ ولا يَتَمنّى

(2)

مُتَمَنٍّ. ثم قال: يأبى اللَّهُ ذلك والمُؤْمنون". مَرَّتَيْن. قالت عائشة: فَأَبَى اللَّهُ ذلك والمؤمنون

(3)

انفردَ به أحمد من هذا الوجه.

وقال أحمد

(4)

: حدَّثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثَقُلَ رسولُ اللَّه. قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: "ائتني بكَتِفٍ أو لَوْحٍ حتى أكْتُبَ لأبي بكر كتابًا لا يُخْتَلف عليه

(5)

. فلمّا ذَهَبَ عبدُ الرحمن ليقومَ، قال: أبَى اللَّهُ والمُؤْمِنون أن يُخْتَلَفَ عَلَيْكَ يا أبا بكر". انفردَ به أحمد من هذا الوجه أيضًا.

وروى البخاري

(6)

عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه: لَقَدْ هَمَمْتُ أن أُرْسِلَ إلى أبي بكرٍ وابنِه فأعْهَدَ: أنْ يقولَ القائلون أو يَتَمنَّى مُتَمنُون. فقُلْتُ

(7)

: يأبى اللَّهُ، ويدفَعُ المؤمنون، أو يدفعُ اللَّهُ ويأبَى المُؤْمنون.

وفي "صحيح" البخاري ومسلم

(8)

من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جُبير بن مُطْعِم، عن أبيه، قال: أتَتِ امرأةٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأَمَرها أن تَرْجِعَ إليه. فقالت: أرأَيْتَ إنْ جئتُ ولم أجدْكَ؟ كأنَّها تقولُ: الموت - قال: "إنْ لمْ تَجديني فأتي أبا بكرٍ". والظاهرُ، واللّهُ أعلمُ، أنّها إنَّما قالَتْ ذلك له عليه الصلاة والسلام، في مرضه الذي مات فيه، صلوات اللَّه وسلامه عليه. وقد خَطَبَ عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يُقْبَض، عليه الصلاة والسلام بخمسةِ أيامٍ خطبةً عظيمةً بيَّن فيها فضلَ الصِّدّيق من بين

(9)

سائر الصحابة، مع ما كانَ قد نَصَّ عليه أن يَؤُمَّ الصحابةَ أجمعين، كما سيأتي بيانُه مع حضورِهم كلّهم. ولعلّ خطبتَه هذه كانَتْ عِوَضًا عما أراد أن يَكتُبَه في الكتابِ، وقد اغْتسَل عليه الصلاة والسلام بين يَدَيْ هذه الخطبة الكريمة فَصَبُّوا عليه من سبع قِرَب لم تُحْلَل أوْكِيَتُهُن

(10)

، وهذا من باب الاستشفاء بالسبع، كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع، والمقصود أنه عليه الصلاة

(1)

ط: (حدَّثنا نافع عن ابن عمرو) وانظر تهذيب التهذيب (10/ 409 - 410).

(2)

ط: (ولا يتمناه).

(3)

أ: (والمسلمون).

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 47).

(5)

بعده في ط: (أحد).

(6)

البخاري (7217).

(7)

ط: (فقال).

(8)

البخاري (3659) ومسلم (2386)(10).

(9)

ليس اللفظ في ط.

(10)

الوكاء: الخيط الذي تُشدّ به القربة والجمع أوكية (النهاية: وكا).

ص: 319

والسلام اغتسلَ ثم خَرَج فَصَلّى بالناس، ثم خطبهم، كما تقدَّم في حديث عائشة رضي الله عنها.

‌ذكر الأحاديث الواردة في ذلك

قال البيهقيّ

(1)

: أنبأنا الحاكم، أخبرنا الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يُونس بن بُكَيْر، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن يشير: أنَّ رسولَ اللَّه قال في مرضه: أفيضوا على من سَبْع قِرَب من سَبْع آبارٍ شَتَى، حتى أخْرُجَ فأعْهَدَ إلى الناس. فَفَعلوا، فخَرَج فَجَلس على المِنْبر، فكانَ أولَ ما ذكَرَ بعدَ حَمْد اللَّهِ والثَّنَاءَ عليه، ذَكَر أصحابَ أُحُدٍ، فاستَغْفَر لهم، ودعا لهم، ثم قال: يا معشرَ المُهاجرين إنكم أصْبَحْتُمْ تَزيدون، والأنصارُ على هَيْئَتها لا تزيدُ، وإنهم عَيْبَتي

(2)

التي أَوَيْتُ إليها، فأَكْرِموا كَريمَهم وتَجاوزوا عن مُسيئهم. ثم قال عليه الصلاة والسلام: أيُّها النّاسُ إن عَبْدًا من عبادِ اللَّهِ قد خَيَّره اللَّه بين الدنيا وبينَ ما عندَ اللَّه

(3)

. ففهمها أبو بكرٍ رضي الله عنه، من بين الناس فبكى، وقال: بل نَحْنُ نَفْديكَ بانفسنا وأبنائِنا وأموالِنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِك، يا أبا بكرٍ؛ انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فَسُدُّوها، إِلَّا ما كانَ من بيتِ أبي بكرٍ، فإنِّي لا أعلمُ أحدًا عِنْدي أفضلَ في الصُّحْبة منه. هذا مرسلٌ له شواهد كثيرة.

وقال الواقدي

(4)

: حدَّثَنِي فَرْوَةُ بن زُبَيْد بن طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذَرَّة، عن أم سَلَمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قالت: خَرَجَ رسول اللَّه عاصِبًا رأسَه بخِرْقَةٍ، فلما اسْتَوى على المِنْبَر تَحَدَّقَ النَّاسُ بالمنبر واسْتَنكَفُّوا. فقال: والذي نَفْسي بيده إنِّي لقائمٌ على الحوضِ الساعة. ثم تَشَهَّدَ فلما قَضَى تشَهُّدَه كان أولَ ما تَكَلَّم به أن اسْتَغْفَرَ للشهداءَ الذين قُتِلوا بأُحُد. ثم قال: إن عَبْدًا من عِبادِ اللَّه خُيِّر بينَ الدُّنْيا وبينَ ما عندَ اللَّهِ، فاختارَ العبدُ ما عندَ اللَّه، فبكى أبو بكر فَعَجِبْنا لبُكائِهِ، وقال: بأبي وأمي نَفْديكَ بآبائنا وأُمَّهاتِنا وأنْفُسنا وأموالنا.

فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو المُخَيَّر، وكان أبو بكر أعْلَمَنا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وجعل رسولُ اللَّه يقول له: على رِسْلِكَ.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثنا أبو عامر، ثنا فُلَيْحٌ، عن سالم أبي النَّضْر، عن بُسْر

(6)

بن سَعيد عن

(1)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 177 - 178).

(2)

عيبتي أي خاصتي وموضع سرّي، والعرب تكنّي عن القلوب والصدور بالعِياب، لأنها مستودع السرائر، كما أن العياب مستودع الثياب (النهاية: عيب).

(3)

بعد لفظ الجلالة في ط: (فاختار ما عند اللَّه).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 178) من طريق الواقدي.

(5)

مسند الإمام أحمد (3/ 18).

(6)

ط: (بشر) تحريف. وهو بُسْر بن سعيد المدني العابد مولى ابن الحضرمي روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وعنه سالم أبو النضر مات بالمدينة سنة (100)، وقيل (101)(تهذيب التهذيب (1/ 437 - 438).

ص: 320

أبي سَعيد، قال: خَطبَ رسولُ اللَّهِ النَّاسَ، فقال: إنَّ اللَّهَ خَيَّر عَبْدًا بين الدنيا وبينَ ما عندَه، فاخْتار ذلك العبدُ ما عندَ اللَّه. قال: فبكى أبو بكر. قال: فَعَجِبْنا لبُكائِه أن يُخْبر رسولُ اللَّهِ عن عَبْدٍ

(1)

، فكان رسولُ اللَّه هو المُخَيَّرَ، وكان أبو بكر أعْلَمَنا به. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن أمَنَّ الناسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِه أبو بكر، لو كُنْتُ مُتَّخذًا خَليلًا غيرَ ربي لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ

(2)

، ولكنْ خُلَّةُ الإسلام ومودَّتُه، لا يَبْقَى في المسجدِ بابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بابَ أبي بكر. وهكذا رواه البخاري

(3)

من حديث أبي عامر العَقَدي به. ثُمَّ رواه الإمامُ أحمد

(4)

عن يونس، عن فُلَيْحٍ، عن سالم أبي النَّضْر، عن عُبَيْد بن حُنَيْن وبُسْر

(5)

بن سعيد عن أبي سعيد به. وهكذا رواه البخاريّ

(6)

ومسلم

(7)

من حديث فُلَيْحٍ ومالك بن أنس، عن سالمٍ عن بُسْر بن سَعيد، وعُبَيْد بن حُنَين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا أبو الوليد، ثنا هشام، ثنا أبو عَوانة، عن عبد الملك، عن ابن أبي المُعَلَّى، عن أبيه: أنَّ رسولَ اللَّه خَطبَ يَوْمًا فقال: إنَّ رجُلًا خَيَّرهُ رَبُّه بينَ أن يعيشَ في الدُّنْيا ما شاء أنْ يَعيشَ فيها، يأكلُ من الدنيا ما شاءَ أنْ يأكلَ منها، وبينَ لقاءَ ربِّه، فاخْتارَ لِقاءَ ربِّه، فبكى أبو بكر، فقال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا تَعْجبون من هذا الشيخ أنْ ذَكَرَ رسولُ اللَّه رَجُلًا صالحًا خَيَّرَهُ ربُّه بين الدنيا

(9)

وبين لقاء ربِّه فاختار لقاءَ ربّه؟! فكان أبو بكر أعْلَمَهُمْ بما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر: بَلْ نَفْديكَ بأمْوالنا وأبْنائنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما مِنَ النّاسِ أحدٌ أمَنَّ علينا في صُحْبَتِهِ وذاتِ يَدِهِ من ابن أبي قُحافة، ولوْ كُنْتُ مُتَّخذًا خَليلًا لاتَّخَذْتُ ابن أبي قُحافة، ولكن وُدٌّ وإخاءٌ وإيمانٌ، ولكن وُدٌّ وإخاءٌ وإيمانٌ، مرتين، وإنَّ صاحبَكُمْ خَليلُ اللَّهِ عز وجل. تَفَرَّدَ به أحمد. قالوا: وصوابه أبو سعيد بن المُعَلَّى. فاللَّه أعلم.

وقد روى الحافظ البيهقي

(10)

من طريق إسحاق بن إبراهيم -هو ابن راهَوَيْه- ثنا زَكَريا بن عَديّ، ثنا

(1)

بعدها في المسند: (خُيّر).

(2)

بعدها في ط: (خليلًا).

(3)

البخاري (3654).

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 18).

(5)

ط: (بشر) وقد تقدمت الترجمة له.

(6)

البخاري (466، 3904).

(7)

مسلم (3382).

(8)

مسند الإمام أحمد (3/ 478) و (4/ 211 - 212) ورواه الترمذي رقم (3659) وفي إسناده ضعف، وقد استغربه الترمذي (أي: ضعّفه).

(9)

ط: (بين البقاء في الدنيا).

(10)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 176 - 177).

ص: 321

عُبَيْد اللَّه بن عَمْرٍو الرَّقِيّ، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عَمْرو بن مُرَّة، عن عبد اللَّه بن الحارث، حدّثني جُنْدب: أنّه سمعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُتَوَفَّى بخمسٍ، وهو يقول: قد كان لي منكم إخْوةٌ وأصْدِقاءُ، وإني أبرأ إلى كُلِّ خَليلٍ من خُلَّتِهِ، ولو كُنْتُ مُتَّخذًا من أُمّتي خَليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خَليلًا، وإن رَبِّي اتَّخَذَني خَليلًا، كما اتَّخذ إبراهيم خَليلًا، وإنَّ قومًا ممَّن كانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخذونَ قُبورَ أنْبيائهم وصُلَحائِهِم مساجدَ، فلا تَتَّخِذوا القُبورَ مَساجدَ، فإنّي أنْهاكُمْ عن ذلك.

وقد رواه مسلم

(1)

في "صحيحه" عن إسحاق بن راهَوَيْه، بنحوه. وهذا اليومُ الذي كان قبل وفاتِه عليه الصلاة والسلام بخمسةِ أيّامٍ، هو يوم الخميس الذي ذكره ابنُ عبّاس فيما تقدم.

وقد رَوينا هذه الخطبةَ من طريق ابن عبّاسٍ، قال الحافظ البيهقيّ

(2)

: أنبأنا أبو الحسن عليّ بن محمدٍ المُقْرئُ، أنبأنا الحسنُ بن محمدِ بنِ إسحاق، ثنا يوسفُ بن يعقوبَ

(3)

. قال ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، سمعت يَعْلى بن حَكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي ماتَ فيه عاصبًا رأسَه بخِرْقَةٍ، فصعد المنبرَ فحَمِدَ اللَّهَ وأثْنى عليه، ثم قال: إنَّه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ بنَفْسِه وماله من أبي بكر، ولو كُنْتُ مُتَّخذًا من الناس خَليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكر خليلًا، ولكن خُلَّة الإسلام أفضلُ، سُدُّوا عنّي كُلّ خَوْخةٍ في المسجد غَيْرَ خَوْخَةِ أبي بكر. ورواه

(4)

البخاري

(5)

عن عبدْ اللَّه بن محمد الجُعْفي، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه به. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: سُدُّوا عَني كلَّ خَوْخةٍ، يعني: الأبواب الصغار، إلى المسجد، غَيْرَ خَوْخَةِ أبي بكر إشارة إلى الخلافة، أي: ليَخْرُجَ منها إلى الصَّلاة بالمسلمين.

وقد رواه البخاري

(6)

أيضًا، من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة، ابن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه خرجَ في مَرَضِهِ الذي مات فيه عاصبًا رأسَه بعصابةٍ

(1)

مسلم (532)(23).

(2)

في "دلائل النبوة"(7/ 176).

(3)

بعدها في أ، ط:(هو ابن عوانة) وفي كتب الرجال ما يلي:

1 -

أن يوسف بن يعقوب هو ابن إسماعيل بن حمار بن زيد بن درهم الأزدي وهو المقصود بالرواية عن محمد بن أبي بكر المقدّمي. (سير أعلام النبلاء 4/ 85).

2 -

وأما ابن عوانة فهي محرفة عن أبي عوانة.

3 -

أبو عوانة الاسفرايني هو يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري ولم يرو عن المقدمي. انظر سير أعلام النبلاء (4/ 417).

(4)

ط: (رواه) بلا واو.

(5)

البخاري (467).

(6)

قال (972 و 3628 و 3800).

ص: 322

دَسْماء

(1)

مُلْتَحفًا بمِلْحَفةٍ على مَنْكبيهِ فجلس على المنبر، فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاةَ بالأنصارِ، إلى أن قال: فكانَ آخرَ مجلسٍ جلس فيه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى قُبِضَ - يعني آخرَ خطبةٍ خَطَبَها عليه الصلاة والسلام.

وقد رُوي من وَجْهٍ آخرَ عن ابن عباسٍ بإسناد غريبٍ ولفظٍ غريبٍ. فقال الحافظ البيهقيّ

(2)

: أخبرنا علي بن أحمد بن عَبْدان، أخبرنا أحمد بن عُبَيْد الصَّفّار، ثنا ابنُ أبي قُماشٍ -وهو محمد بن عيسى- ثنا موسى بن إسماعيل أبو عمران الجَبُّلي، ثنا معن بن عيسى القَزّاز، عن الحارث بن عبد الملك بن عبد اللَّه بن إياس

(3)

الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه بن قُسَيْطٍ، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: أتاني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يُوعَكُ وَعْكًا شديدًا، وقد عَصَبَ رَأْسَه. فقال: خُذْ بيدي يا فضل. قال: فأخذتُ بيده حتى قعد على المنبر، ثم قال: نادِ في النّاسِ يا فضل. فنادَيْتُ: الصلاةَ جامعة. قال: فاجتمعوا، فقام رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خطيبًا فقال: "أما بعدُ، أيها الناسُ، إنّه قد دنا منّي حقوق

(4)

من بين أظهركم، ولن تَرَوْني في هذا المقام فيكم، وقد كنتُ أرى أن غيره غيرُ مُغْنٍ عني حتى أقومَه فيكم، ألا فمن كنت جَلَدْتُ له ظهرًا فهذا ظهري فَلْيَسْتقدْ، ومنْ كنتُ أخذت له مالًا فهذا مالي فَلْيَأْخُذْ منه، ومنْ كُنْتُ شَتَمْتُ له عِرْضًا فهذا عِرْضي فَلْيَسَتقِدْ، ولا يَقولنَّ قائلٌ أخافُ الشَّحْناء

(5)

من قِبَلِ رسول اللَّه، ألا وإِنّ الشَّحْناء لَيْسَتْ من شَأْنِي ولا من خُلُقي، وإنَّ أحَبَّكُمْ إليَّ من أخَذَ حَقًّا إنْ كانَ له عليَّ، أو حَلَّلَني، فلقيتُ اللَّهَ عز وجل وليسَ لأحدٍ عندي مَظْلَمةٌ". قال: فقام منهم رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّهِ لي عندَكَ ثلاثةُ دراهم. فقال: أمّا أنا فلا أُكذِّبُ قائِلًا ولا مُسْتَحْلِفُه على يَمينٍ، فيمَ كانتْ لكَ عندي؛ قال: أما تذكر أنّه مرَّ بك سائلٌ فأمَرْتَني، فأعطيتُهُ ثلاثةَ دراهم. قال: أعْطِهِ يا فَضْلُ. قال: وأمرَ به فجَلَس. قال: ثم عادَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مَقالَتِه الأُولى. ثم قال: يا أيها الناسُ، منْ عندَهُ من الغُلولِ شيءٌ فَلْيَرُدَّه. فقام رجل. فقال: يا رسولَ اللَّه، عندي ثلاثةُ دراهم غَلَلْتُها في سبيل اللَّه. قال: فلم غَلَلْتَها؟ قال: كنت إليها محتاجًا. قال: خُذْها منه يا فَضْلُ. ثم عادَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مقالَتِه الأولى، وقال: يا أيُّها الناسُ من أحسَّ من نَفْسه شيئًا فليقُمْ أدْعو اللَّه له. فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه، إني لمُنافقٌ، وإنِّي لكَذوبٌ وإني لنؤوم

(6)

فقال عمر بن الخطاب: وَيْحَكَ أيُّها الرَّجُلُ، لقد سَتَرَكَ اللَّهُ، لو سَتَرْتَ على نفسك. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مهْ يا بْنَ الخَطّاب، فُضوحُ الدنيا، أهون من

(1)

دسماء أي سوداء (النهاية: دسم).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 179 - 180).

(3)

ط: (أناس) وهو تحريف. وانظر تاريخ البخاري (2/ 2273) والجرح والتعديل (3/ 80).

(4)

ط: (خلوف)، أ:(خفوق) وما هنا عن مصدر الخبر.

(5)

الشحناء: العداوة (النهاية: شحن).

(6)

ط: (لشئوم).

ص: 323

فُضوحِ الآخرةِ، اللَّهُمّ ارزقْه صدقًا وإيمانًا، وأذهبْ عنه النَّوْم

(1)

إذا شاء. ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عمرُ معي وأنا مع عمر، والحقُّ بعدي مع عمر، وفي إسناده ومتنه غرابةٌ شديدةٌ.

‌ذِكْرُ أمْرِهِ عليه الصلاة والسلام، أبا بكر الصدّيق، رضي الله عنه أن يُصلِّي بالصحابة أجمعين مع حضورهم كلهم وخروجه عليه الصلاة والسلام، فصلى وراءه مقتديًا به في بعض الصلوات على ما سنذكره وإمامًا له ولمن بعده من الصحابة

قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وقال ابن شهاب الزهري: حدّثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه

(3)

، عن عبد اللَّه بن زَمْعَة بن الأسود بن المُطلب بن أسدٍ قال: لما استُعِرَّ برسول اللَّه، وأنا عنده في نَفَرٍ من المسلمين، دعا بلالٌ للصلاة فقال: مُروا منْ يُصَلِّي بالناس، قال: فخرجتُ فإذا عُمَرُ في الناس، وكان أبو بكر غائبًا فقلت: قُمْ يا عمر فَصَلِّ بالناس. قال: فقام فلما كثر عمر سمعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صوتَه، وكان عمر رجلًا مُجْهِرًا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فأينَ أبو بكرٍ؟ يأبى اللَّهُ ذلك والمسلمون، يأبى اللَّه ذلك والمسلمون. قال: فبعثَ إلي أبي بكر فجاءَ بعدَما صَلَّى عمر تلك الصلاة، فصلَّى بالناس. وقال عبد اللَّه بن زَمْعَة. قال لي عمر: وَيْحَك ماذا صَنَعْتَ يا بنَ زَمْعَةَ، واللَّهِ ما ظَنَنْتُ حين أمَرْتَني إِلَّا أنَّ رسولَ اللَّه أمرني

(4)

بذلك، ولولا ذلك ما صَلَّيْتُ. قال: قلتُ: واللَّهِ ما أمرني رسولُ اللَّه، ولكن حينَ لم أر أبا بكرٍ رأيتُكَ أحقَّ منْ حَضَرَ بالصَّلاةِ. وهكذا رواه أبو داود

(5)

من حديث ابن إسحاق، حدّثني الزُّهريّ.

ورواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدّثني يعقوب بن عتبة، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن زَمْعَة. . . فذكره.

وقال أبو داود

(6)

: ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فُدَيْك، حدّثني موسى بن يعقوب، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن عبد اللَّه بن زَمْعَة أخبره بهذا الخبر. قال: لمّا سمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صوتَ عمر. قال ابن زمعة: خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى أطلع رأسَه من

(1)

ط: (الشؤم).

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 322)، وفي إسناده ضعف، وانظر صفحة (327).

(3)

بعده في ط: (عن عبد اللَّه بن هشام عن أبيه).

(4)

في المسند (أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس).

(5)

أبو داود (4660)، وفي إسناده ضعف.

(6)

أبو داود (4661)، وهو حديث صحيح بطرقه.

ص: 324

حجْرته، ثم قال: لا، لا، لا يُصلِّي

(1)

للنّاس إِلَّا ابن أبي قحافة، يقول ذلك مُغْضَبًا.

وقال البُخاري

(2)

: ثنا عُمر بن حَفْص، ثنا أبي، ثنا الأعْمَشُ عن إبراهيم، قال الأسود: كُنّا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المُواظبةَ على الصَّلاة والمواظبة

(3)

لها. قالت: لمّا مرضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرضَه الذي ماتَ فيه، فحَضَرَتِ الصلاةُ، فأذَّنَ بلالٌ، فقال: مُروا أبا بكرٍ فَلْيُصلِّ بالناس، فقيل له: إن أبا بكر رجلٌ أسيفٌ، إذا قامَ مقامَك لم يَسْتَطعْ أن يُصَلِّيَ بالنّاس، وأعادَ فأعادوا له، فأعاد الثالثة. فقال: إنَّكُنَّ صَواحِبُ يوسف، مُروا أبا بكرٍ فَلْيُصلِّ بالنّاس. فخرجَ أبو بكر فوجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفَّة فخرج يُهادَى بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تَخُطّان من الوَجَع، فأرادَ أبو بكر أن يتأخَّر فأومأ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ مكانك. ثم أُتي به حتى جلسَ إلى جنبه. قيل للأعمش: فكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصلّي وأبو بكر يُصلّي بصلاتِه والناسُ يُصَلُّون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم! ثم قال البخاري: رواه أبو داود عن شعبة بعضَه، وزاد أبو معاوية، عن الأعمش: جَلَسَ عن يَسار أبي بكر، فكان أبو بكر يُصَلِّي قائمًا. وقد رواه البخاري

(4)

في غير ما موضعٍ من كتابه ومسلم

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

من طرقٍ متعددةٍ عن الأعمش به. منها ما رواهُ البخاري عن قتيبة، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى عن أبي معاوية به.

وقال البخاريّ

(8)

: ثنا عبد اللَّه بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: مُروا أبا بكرٍ يُصَلِّي

(9)

بالنّاس. (قالت عائشة: قلتُ: إنّ أبا بكر إذا قام مقامك، لم يُسْمِعِ الناس من البكاء، فمُرْ عمر فليُصلِّ للناس [فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس] [ففعلت حفصة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَهْ، إنكُنّ لأنتُنّ صواحبُ يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ للناس]

(10)

فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا. ورواه الترمذي والنسائي، من حديث مالك به. وقال الترمذي: حسن صحيح

(11)

.

(1)

في سنن أبي داود: (ليصَلِّ للناس ابن أبي قحافة).

(2)

البخاري (664).

(3)

في البخاري: (والتعظيم لها).

(4)

قال (712، 713).

(5)

مسلم (418)(95) و (96).

(6)

النسائي (832).

(7)

ابن ماجه (1232).

(8)

البخاري (679).

(9)

ط: (فليصَلّ).

(10)

ليس ما بين الحاصرتين في أ، ط واستدركته عن صحيح البخاري.

(11)

رواه الترمذي رقم (3672) والنسائي في الكبرى (11252).

ص: 325

وقال البخاري

(1)

: ثنا زكريا بن يحيى، ثنا ابن نمير، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه، فكان يصلّي بهم. قال عروة: فوجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّة فخرج فإذا أبو بكر يَؤُمُّ الناس، فلما رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه أن كما أنت، فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه. ورواه مسلم

(2)

من حديث عبد اللَّه بن نمير به.

وفي صحيح البخاري

(3)

: من حديث ابن وهب، عن يونس، عن الزهري عن حمزة بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه، قال: لما اشتدّ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فقالت عائشة: يا رسول اللَّه. إنّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يُسْمع النَّاسَ من البكاء. فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فعاودته مثل مقالتها، فقال: أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلّ بالناس)

(4)

. قال ابن شهاب

(5)

: فاخبرني عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه، عن عائشة أنها قالت: لقد عاوَدْتُ رسولَ اللَّه في ذلك، وما حملني على معاودته إِلَّا أني خَشيتُ أن يتشاءم الناسُ بأبي بكر، وإلا أنّي علمتُ أنه لن يقومَ مقامَه أحدٌ إِلَّا تشاءمَ الناسُ به، فأحببتُ أن يعدلَ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر إلى غيره.

وفي "صحيح مسلم"

(6)

من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهريّ، قال: وأخبرني حمزة بن عبد اللَّه بن عمر، عن عائشة، قالت: لمّا دخل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بيتي، قال: مُروا أبا بكرٍ فَلْيُصلِّ بالناس. قالت: قلت: يا رسول اللَّه، إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآنَ لا يَمْلكُ دَمْعَهُ، فلو أمرتَ غير أبي بكرٍ

(7)

. قالت: واللَّه، ما بي إِلَّا كراهية أن يَتشاءَمَ الناس بأول منْ يقومُ في مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت: فراجَعْتُه مرَّتين أو ثلاثًا. فقال: ليُصَلِّ بالنّاسِ أبو بكرٍ، فإنَّكنَّ صَواحِبُ يوسف.

وفي "الصحيحين"

(8)

من حديث عبد الملك بن عُمَيْر، عن أبي بُرْدَة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: مرضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: مُروا أبا بكر فَلْيُصلِّ بالناسِ. فقالت عائشة: يا رسولَ اللَّه، إنّ أبا بكرٍ

(1)

البخاري (683).

(2)

مسلم (418)(97).

(3)

البخاري (682).

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

البخاري (4445) ومسلم (418)(93).

(6)

مسلم (418)(94).

(7)

ليس اللفظ في أ.

(8)

البخاري (678، 3385) ومسلم (420)(101).

ص: 326

رجلٌ رَقيقٌ، متى يَقُمْ مَقامَكَ لا يَسْتَطيع أنْ

(1)

يُصلِّي بالناسِ. قال: فقال: مُروا أبا بكر فلْيُصَلِّ بالناسِ فإنكن صَواحِبُ يوسف. قال: فَصَلَّى أبو بكرٍ حياةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام أحمد

(2)

: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدَّثنا زائدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: دَخَلْتُ على عائشةَ، فقلتُ: ألا تُحَدِّثيني عن مرض رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى ثَقُلَ رسول

(3)

اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أصَلَّى الناسُ؟ فقلنا

(4)

لا، هم يَنْتَظرونَك يا رسول اللَّه. فقال؛ ضعوا لي

(5)

ماءً في المِخْضب

(6)

، ففعلنا، قالت: فاغتسل، ثم ذهب لينوء

(7)

فأُغْميَ عليه، ثم أفاق فقال: أَصلَّى النّاسُ؟ قلنا: لا، هم يَنْتَظِرونَكَ يا رسولَ اللَّهِ. قال: ضعوا

(8)

لي ماءً في المِخْضَبِ، ففعلنا، فاغْتَسَلَ، ثم ذهبَ لينوء، فأُغْمِيَ عليه، ثم أفاق، فقال: أَصلَّى الناس؟ قلنا: لا، هم يَنْتَظِرونكَ يا رسول اللَّه

(9)

قالت: والناسُ عُكوفٌ في المسجد يَنْتظرون رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لصلاةِ العشاء، فأرسلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأنْ يُصلِّي بالناس، وكان أبو بكرٍ رجلًا رَقيقًا، فقال: يا عُمَرُ صَلِّ بالناس. فقال: أنتَ أحقُّ بذلك فَصَلَّى بهم تلك الأيام. ثم إنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وجد خِفَّة فخرج بين رجُلَين، أحدُهُما العباسُ لصلاةِ الظُّهْر، فلما رآه أبو بكرٍ ذهبَ ليتأخَّر، فأومأ إليه أن لا يتأخَّر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعلَ أبو بكر يُصلِّي قائمًا، ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصلِّي قاعدًا. قال عُبَيْدُ اللَّه: فدخلتُ على ابنِ عبّاس فقلتُ: ألا أعرضُ عليكَ ما حَدَّثَتْني عائشة عَنْ مَرَضِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: هاتِ. فَحَدَّثْتُهُ، فما أنكَرَ منه شيئًا، غير أنه قال: سمَّتْ لَكَ الرَّجلَ الذي كان مع العبّاسِ؟ قلت: لا، قال: هو عليّ. وقد رواه البُخاري

(10)

ومسلم

(11)

جميعًا عن أحمد بن يونس، عن زائدة به. وفي رواية: فجعلَ أبو بكرٍ يُصلِّي بصلاةِ رسولِ اللَّه وهو قائمٌ، والناسُ يُصلُّون بصلاة أبي بكرٍ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاعد.

(1)

ليست "أن" في أ.

(2)

في المسند (2/ 52).

(3)

ط: (برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعه).

(4)

ط: (قلنا).

(5)

ط: (صبوا إلى).

(6)

المِخْضب: -بالكسر- إجانة -أي وعاء- تغسل فيها الثياب (النهاية: خضب).

(7)

لينوء أي لينهض. (النهاية: نوأ).

(8)

ط: (شعوا) تحريف.

(9)

بعدها في ط: (قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه) وليست هذه الزيادة في أ ولا في مصدري الحديث.

(10)

البخاري (687).

(11)

مسلم (418)(90).

ص: 327

قال البيهقيّ

(1)

: ففي هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَقَدَّم في هذه الصلاة، وعلَّق أبو بكر صلاتَهُ بصلاته.

قال (1): وكذلك رواه الأسود وعروة عن عائشة، وكذلك رواهُ الأرقمُ بن شُرَحْبيل، عن ابن عباسٍ. يعني بذلك ما رواه الإمام أحمد

(2)

: ثنا يَحْيَى بن زكريا بن أبي زائدة، حدّثني أبي، عن أبي إسحاق، عن الأرْقَم بن شُرَحْبيل، عن ابن عباس، قال: لمّا مرِضَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمرَ أبا بكرٍ أن يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثم وَجَدَ خِفَّةً، فخرجَ، فلما أحسَّ به أبو بكر أراد أن يَنْكَص، فأومأ إليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر رضي الله عنه. ثم رواه أيضًا

(3)

عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم، عن ابن عباس بأطول من هذا. وقال وكيع مَرّةً: فكان أبو بكر يَأْتَمُّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمّون بأبي بكر. ورواه ابن ماجه

(4)

، عن عليّ بن محمدٍ، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شُرَحْبيل، عن ابن عباس بنحوه.

وقد قال الإمام أحمد

(5)

: ثنا شَبَابةُ بن سوَّار، ثنا شُعْبة، عن نُعَيْم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مَسْروق، عن عائشة قالت: صَلَّى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَلْفَ أبي

(6)

بكر قاعدًا في مرضه الذي مات فيه. وقد رواه الترمذي

(7)

والنسائي

(8)

من حديث شعبة. وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال أحمد

(9)

: ثنا بكر بن عيسى، سمعتُ شعبة بن الحجّاج، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة: أن أبا بكر صَلَّى بالناس ورسول اللَّه في الصف.

وقال البيهقي

(10)

: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القَطّان، أنبأنا عبد اللَّه بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى خلف أبي

(11)

بكر. وهذا إسناد جيدٌ ولم يخرجوه. قال البيهقيّ: وكذلك رواه حُمَيْد، عن أنس بن مالك، ويونس، عن الحسن مرسلًا.

(1)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 191).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 231 - 232)، وهو حديث صحيح.

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 356 - 357)، وهو حديث صحيح.

(4)

ابن ماجه (1235) وموضع الشاهد منه حسن، دون ذِكر علي رضي الله عنه.

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 159)، وهو حديث صحيح.

(6)

أ، ط:(أبا) خطأ.

(7)

الترمذي (362)، وهو حديث صحيح.

(8)

النسائي (785)، وهو حديث صحيح.

(9)

مسند الإمام أحمد (6/ 159)، وهو حديث صحيح.

(10)

دلائل النبوة (7/ 192).

(11)

ط: (أبا).

ص: 328

ثم أسند ذلك من طريق هُشَيْم، أخبرنا يونس، عن الحسن، قال هشيم: وأنبأنا حُمَيْد، عن أنس بن مالك: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خرجَ وأبو بكر يُصلِّي بالنّاسِ، فجلَس إلى جَنبه، وهو في بُرْدَةٍ، قد خالفَ بين طرفيها فَصَلَّى بصلاته.

قال البيهقيّ

(1)

: وأخبرنا علي بن أحمد بن عَبْدان، أنبأنا أحمد بن عُبَيْد الصّفّار، ثنا عُبَيْد بن شَريك، أنبأنا ابنُ أبي مَرْيَم، أنبأنا محمد بن جَعْفرٍ، أخبرني حُمَيْد أنَّه سَمِعَ أنسًا يقول: آخر صلاةٍ صَلَّاها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مع القومِ في ثوبٍ واحدٍ مُلْتحفًا به، خلف أبي بكر. قلت: وهذا إسنادٌ جيدٌ على شرط الصحيح، ولم يخرجوه. وهذا التَّقييدُ جيدٌ. بأنها آخرُ صلاةٍ صلَّاها مع الناس، صلوات اللَّه وسلامه عليه.

وقد ذكر البيهقيّ

(2)

من طريق سليمان بن بلال ويحيى بن أيوب، عن حُمَيْد، عن أنس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلّى خَلْفَ أبي بكر في ثوبٍ واحدٍ بُرْدٍ مُخالفًا بين طَرَفيْه، فلمّا أرادَ أن يقوم، قال: ادعُ لي أُسامةَ بن زيدٍ، فجاء فأسنَدَ ظَهرَهُ إلى نَحْره، فكانت آخر صلاة صلاها. قال البيهقيّ

(3)

: ففي هذا دلالةٌ أنَّ هذه الصلاةَ كانتْ صلاةَ الصُّبْحِ من يوم الإثنين يوم الوفاة؛ لأنّها آخرُ صلاةٍ صَلَّاها، لما ثَبَتَ أنَّه توفي ضُحَى يوم الإثنين. وهذا الذي قاله البيهقيُّ أخذهُ مُسَلِّمًا من "مغازي موسى بن عقبة" فإنّه كذلك ذَكَر. وكذا روى أبو الأسود عن عروة، وذلك ضعيف، بل هذه آخرُ صلاةٍ صَلَّاها مع القوم، كما تقدم تَقْييده في الرواية الأُخرى، والحديثُ واحدٌ فَيُحْملُ مَطْلَقُهُ على مُقَيَّدِهِ، ثم لا يجوزُ أن تكون هذه صلاةَ الصبح من يوم الإثنين يومَ الوَفاةِ، لأنَّ تلك لم يُصلِّها مع الجماعة بل في بيته، لما به من الضعف، صلوات اللَّه وسلامه عليه.

والدليل على ذلك ما قال البخاريُّ في "صحيحه"

(4)

: ثنا أبو اليمان، أنبأنا شُعيبٌ، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك، وكان تبعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وخدَمَه وصَحِبَهُ، أنَّ أبا بكر كان يُصلِّي لهم في وجع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذي توفِّيَ فيه؛ حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صُفوف في الصلاة، فكشف النبيُّ صلى الله عليه وسلم سِترَ الحُجْرة ينظر إلينا وهو قائمٌ، كأنَّ وجَهَهُ ورقةُ مُصْحَفٍ تَبَسَّم يَضْحكُ، فَهَمَمْنا أن نَفْتَتن من الفَرَحِ برؤية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (ونكصَ أبو بكرِ على عَقِبَيْهِ ليصلَ الصّفّ وظنَّ أنَّ النَّبِيَّ خارج)

(5)

إلى الصلاة، فأشارَ إلينا النَّبِيُّ

(6)

صلى الله عليه وسلم أن

(1)

دلائل النبوة (7/ 192).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 192 - 193).

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 192 - 193، 197).

(4)

رقم (680).

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

ليس اللفظ في أ.

ص: 329

أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، وأرْخَى السِّتْر، وتوفي من يومِه. وقد رواه مسلم

(1)

من حديثِ سُفْيان بن عُيَيْنة وصالح

(2)

بن كيسان ومعمر، عن الزهري، عن أنس.

ثم قال البخاري

(3)

: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك، قال: لم يَخْرُجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فأقيمت الصَّلاةُ، فذهب أبو بكر يَتَقدَّم، فقال نبيُّ اللَّهِ: عليكُم بالحِجاب، فرفعه فلما وَضَح وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ما نَظَرْنا مَنْظَرًا كانَ أعجبَ إلينا من وجه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حين وَضَحَ لنا. فأومأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الحجابَ، فلم يُقْدَر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم

(4)

من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به، فهذا أوضحُ دليلٍ على أنّه عليه الصلاة والسلام لم يُصَلّ يومَ الإثنين صلاةَ الصُّبْحِ مع الناس، وأنّه كان قد انقطعَ عنهم، لم يخرج إليهم ثلاثًا.

قلنا: فعلى هذا يكونُ آخر صلاةٍ صلاها معهم الظهرَ كما جاء مُصَرَّحًا به في حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يومَ الخميس لا يومَ السبت، ولا يومَ الأحدِ كما حكاه البيهقيّ عن مغازي موسى بن عقبة، وهو ضعيف، لما

(5)

قدَّمنا من خطبته بعدَها، ولأنه انقطَعَ عنهم يومَ الجُمْعة، والسبتِ، والأحدِ، وهذه ثلاثة أيامٍ كَوامل.

وقال الواقدي

(6)

: عن أبي بكر بن أبي سَبْرَة، أنّ أبا بكرٍ صَلَّى بهم سبعَ عَشْرَةَ صلاةً. وقال غيرُهُ: عِشْرين صلاة. فاللَّه أعلم. ثم بدا لهم وجهُهُ الكريمُ صَبيحة يومِ الإثنين فودَّعهم بنظرةٍ كادوا يفتَتِنون بها، ثم كان ذلك آخرَ عهدِ جُمْهورِهم به، ولسانُ حالِهم يقولُ، كما قال بعضهم:[من الطويل]

وكُنْتُ أُرى كالمَوْتِ منْ بَيْنِ سَاعةٍ

فكَيْفَ بِبَيْنٍ كانَ مَوْعِدُهُ الحَشْرُ

والعجب أنّ الحافظَ البيهقي

(7)

أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين، ثم قال ما حاصله: فلعلَّه عليه الصلاة والسلام احْتَجَبَ عنهم في أولِ ركعةٍ، ثم خرجَ في الركعة الثانية، فصلَّى خلفَ أبي بكر، كما قال عروةُ وموسى بن عقبة، وخَفِيَ ذلك على أنس بن مالك، أو أنه ذكَر بعضَ الخبرِ، وسكَتَ عن آخره، وهذا الذي قاله

(8)

أيضًا بعيد جدًا، لأن أنسًا، قال: فلم يقدر عليه حتى مات. وفي رواية

(1)

مسلم (419)(98) و (99).

(2)

ط: (صبيح).

(3)

البخاري (681).

(4)

(100).

(5)

ط: (ولما).

(6)

ط: (الزهري) وانظر دلائل النبوة (7/ 197).

(7)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 197 - 198).

(8)

أ: ([ذكره]).

ص: 330

قال: فكان ذلك آخرَ العهد به. وقول الصحابي مقدّمٌ على قولِ التابعي واللَّه أعلمُ.

والمقصودُ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قدَّم أبا بكر الصديق إمامًا للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية.

قال الشيخ أبو الحسن الأشعري: وتقديمُه له أمرٌ معلومٌ بالضَّرورة من دين الإسلام. قال: وتقديمه له دليلٌ على أنه أعلمُ الصحابةِ وأقْرؤُهم؛ لما ثَبَتَ في الخبر المُتَّفَقِ على صحته بين العلماء: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال

(1)

: "يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القِراءَةِ سواءٌ فأَعْلَمُهم بالسُّنَّةِ، فإن كانوا في السُّنَّة سواء فأكْبَرُهم سِنًّا، فإن كانوا في السِّنّ سواءً فأقْدَمُهُمْ سِلْمًا". قلت: وهذا من كلام الأشعري، رحمه الله، مما ينبغي أن يكتبَ بماءِ الذَّهَب، ثم قد اجتمعتْ هذه الصفات كلُّها في الصديق، رضي الله عنه وأرضاه، وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الصَّلواتِ، كما قدَّمنا بذلك الرِّواياتِ الصَّحيحة لا يُنافي ما رُوي في "الصحيح" أنَّ أبا بكر ائتَمَّ به عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ ذلك في صلاةٍ أُخرى، كما نصَّ على ذلك الشافعيُّ وغيره من الأئمة، رحمهم الله عز وجل.

‌فائدة

استدلَّ مالكٌ والشافعيُّ وجماعةٌ من العلماء (ومنهم البخاري)

(2)

بصلاتِه، عليه الصلاة والسلام، قاعدًا وأبو بكر مُقْتَديًا به قائمًا، والناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المُتَّفقِ عليه

(3)

حين صلّى ببعض أصحابه قاعدًا. وقد وقع عن فرسٍ فَجُحِش

(4)

شِقُّه، فصلوا وراء

(5)

قيامًا

(6)

فأشار إليهم أن اجلسوا فلمّا انصرفَ. قال: كذلك والذي نَفْسي بيدِه تفعلون كَفِعْلِ فارس والروم، يقومون على عظمائهم وهم جلوس. وقال

(7)

: "إنما جُعِلَ الإمام ليُؤْتَمّ به، فإذا كَبَّر فكَبِّرُوا، وإذا ركَع فاركعوا، وإذا رَفَع فارفَعوا، وإذا سَجَدَ فاسْجُدوا، وإذا صَلَّى جالسًا فَصَلُّوا جُلوسًا أجمعون". قالوا: ثم إنّه عليه الصلاة والسلام، أَمَّهم قاعدًا وهم قيام في مرض الموت، فدل على نَسْخِ ما تَقَدَّم. واللَّه أعلم.

وقد تنوعت مسألك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة، موضعُ ذِكرها كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللَّه، وبه الثقةُ وعليه التُّكْلان.

(1)

مسلم (673).

(2)

ليس ما بين القوسين في أ.

(3)

البخاري (378، 689، 732، 733)، ومسلم (411، 413).

(4)

جُحِش: خُدِش جلده (النهاية: جحش).

(5)

أ: (وراءهم).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

فتح الباري (689 و 5658).

ص: 331

ومُلَخَّصُ ذلك أنّ من الناس من زَعَم أنّ الصَّحابة جَلَسوا لأمْرِه المُتَقَدِّم، وإنما استمرّ أبو بكر قائمًا لأجل التَّبليغِ عنه صلى الله عليه وسلم. ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الإمام في نفسِ الأمر كما صرَّح به بعضُ الرواةِ كما تقدَّم، وكان أبو بكر لشدّةِ أدَبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُبادِرُه بل يَقْتَدي به، فكأنَّه عليه الصلاة والسلام، صار إمام الإمام، فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبي بكر، وهو قائم، ولم يجلس الصديق لأجل أنّه إمامٌ، ولأنه يُبَلِّغُهم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحركاتِ والسَّكناتِ والانتقالاتِ، واللَّه أعلم. ومنَ النّاسِ منْ قال: فَرْقٌ بينَ أن يبتدئ الصلاةَ خلفَ الإمام في حالِ القيامِ فَيَسْتَمرّ فيها قائمًا، وإن طرأ جلوسُ الإمام في أثنائها كما في هذه الحال، وبين أن يَبْتدئ الصلاةَ خلفَ إمام جالسٍ، فيجبُ الجلوسُ للحديثِ المتقدِّم واللَّه أعلم. ومنَ النّاسِ منْ قال: هذا الصَّنيعُ والحديثُ المُتَقَدِّم دليلٌ على جوازِ القيامِ والجلوسِ، وإنَّ كُلًّا منهما سائغٌ جائزٌ، الجلوسُ لما تقدَّم، والقيامُ للفعلِ المُتأخّر. واللَّه أعلم.

(فَصْلٌ في كَيفيَّة)

(1)

احْتِضارِهِ وَوَفاتِهِ عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التَّيْمي، عن الحارثِ بن سُوَيْدٍ، عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: دَخَلْتُ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم-وهو يُوعكُ فَمسِستُه، فقلت: يا رسولَ اللَّه، إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شديدًا. قال: أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ الرَّجلان منكم. قلت: إنَّ لكَ أجْرَيْن. قال: "نعم، والذي نفسي بيده، ما على الأرض مسلمٌ يُصيبُهُ أذًى من مَرَضٍ فما سواه، إلَّا حطَّ اللَّه عنه به خَطاياه، كما تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرَقَها". وقد أخرجه البخاري

(3)

ومسلم

(4)

من طرقٍ متعددةٍ، عن سليمانَ بن مهران الأعْمش به. وقال الحافظ أبو يَعْلى الموصليّ في "مسنده": ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن زيدِ بن أسْلَم، عن رجل، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: وضع يده على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: واللَّهِ ما أطيقُ أن أضعَ يدي عليك من شدّة حُمَّاك. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنّا معشرَ الأنبياء يُضاعفُ لنا البلاءُ، كما يضاعَفُ لنا الأجرُ، إن كان النَّبِيُّ من الأنبياء لَيُبْتَلَى بالقَمل حتى يقتله، وإن كانَ الرجل ليُبْتَلَى بالعُرْي حتى يأخُذَ العَباءَةَ فيُجَوّبَها

(5)

، وإن كانوا ليَفْرحون بالبلاء كما

(1)

ليس ما بين القوسين في ط.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 381).

(3)

البخاري (5647، 5648، 5660، 5661، 5667).

(4)

مسلم (2571).

(5)

يجوّبها: يقطع وسطها (النهاية: جوب).

ص: 332

تَفْرحون

(1)

بالرخاء". فيه رجلٌ مُبْهمٌ لا يُعْرَفُ بالكلية، فاللَّه أعلم.

وقد روى البخاري ومسلم

(2)

من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم: وجرير، ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي وائل شَقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ما رأيتُ الوَجَع على أحدٍ أشدَّ منه على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وفي "صحيح البخاري"

(3)

من حديث يَزيد بن الهادِ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكْرَهُ شدّةَ الموت لأحدٍ أبدًا

(4)

بعد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث الآخر الذي رواه

(5)

في "صحيحه" قال: قال رسول اللَّه: "أشدُّ النَّاسِ بلاءً الأنبياءُ، ثم الصّالحُون، ثم الأمْثَلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى الرجلُ على حَسَبِ دينه، فإن كانَ في دينه صلابة شُدِّد عليه في البلاء".

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدَّثنا يعقوب، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، حدّثني سعيد بن عُبيد بن السَّبَّاق، عن محمد بن أسامة بن

(7)

زيد عن أبيه أسامة بن زيد، قال: لمَّا ثَقُل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم هَبَطْتُ وهبطَ النّاسُ معي إلى المدينة، فدخلتُ على رسول اللَّه، وقد أصمتَ فلا يَتكلَّم، فجعل يرفعُ يَدَيْهِ إلى السَّماءَ ثم يصُبُّها

(8)

عليَّ أعرف أنّه يدعو لي. ورواه الترمذيّ

(9)

عن أبي كُرَيْب، عن يونس بن بُكَير، عن ابن إسحاق. وقال: حسن غريب.

وقال الإمام مالك في مُوَطَّئِه

(10)

عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنَّه سمعَ عُمَرَ بن عبد العزيز، يقول: كانَ منْ آخرِ ما تكَلَّمَ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن قال: قاتلَ اللَّهُ اليَهودَ والنَّصَارى، اتخذوا قُبورَ أنْبيائِهِم مساجدَ، لا يَبْقَيَنَّ دِينان بأرضِ العرب. هكذا رواه مُرْسلًا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

(1)

ط: (يفرحون).

(2)

البخاري (5646) ومسلم (2570).

(3)

البخاري (4446).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

بعدها في أ بياض بقدر كلمةٍ، وبعدها (في صحيحه، عن) ثم بياض بقدر كلمة واحدة، والحديث في صحيح ابن حبان رقم (2900) بنحوه.

(6)

مسند الإمام أحمد (5/ 201).

(7)

أ: (بمن) تحريف.

(8)

م: (يصوبها على أعرف) تحريف وزيادة.

(9)

رقم (3817) وهو حديث حسن.

(10)

الموطأ (2/ 892)(رقم 2606 برواية الليثي من ط. الدكتور بشار).

ص: 333

وقد روى البخاري

(1)

ومسلم

(2)

من حديث الزُّهري عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبَة، عن عائشة، وابن عباس، قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَميصَةً له على وَجْهه، فماذا اغْتَمَّ كَشَفَها عن وجهه، فقال وهو كذلك:"لَعْنَةُ اللَّهِ على اليَهودِ والنَّصارى، اتَّخذوا قُبورَ أنبيائهم مساجدَ" يُحَذِّرُ ما صَنَعوا.

وقال الحافظ البيهقيّ

(3)

: أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاءٍ الأديب، أنبأنا أبو العباس الأصَمّ، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو بكر بن عَياش، عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ قبلَ موته بثلاثٍ: أحسنوا الظن باللَّه.

وفي بعض الأحاديث كما رواه مسلم

(4)

من حديث الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يَمُوتَنَّ أحدُكم إِلَّا وهو يُحسنُ الظَّنَّ باللَّه تعالى".

وفي الحديث الآخر يقول اللَّه تعالى: "أنا عندَ ظنِّ عَبْدي بي، فَلْيَظُنَّ بي خيرًا"

(5)

.

وقال البيهقيّ

(6)

: أنبأنا الحاكم، ثنا الأصمّ، ثنا

(7)

محمد بن إسحاق الصَّغانِيّ، ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، ثنا جرير، عن سليمان التَّيْمِي، عن قتادة، عن أنس، قال: كانَتْ عامَّةُ وصيةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حين حَضَرهُ الوفاة: "الصلاةُ وما مَلَكَتْ أيْمانُكُم" حتَّى جَعل يُغَرْغِرُ بها، وما يَفيضُ

(8)

بها لسانه. وقال الإمام أحمد

(9)

: ثنا أسباط بن محمد، ثنا التَّيْمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: كانت عامَّةُ وصيةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حين حضره الموتُ: الصَّلاةُ وما مَلَكَتْ أيمانهُم. حتّى جَعَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُغَرْغِرُ بها صَدْرُهُ، وما يكادُ يفيضُ بها لسانه. وقد رواه النَّسائي وابن ماجه

(10)

من حديثِ سُلَيْمان بن طَرْخان، وهو التَّيمي، عن قَتادة، عن أنَسٍ به. وفي رواية للنسائي

(11)

، عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.

(1)

البخاري (435، 436، 4445، 5815، 5816).

(2)

مسلم (531).

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 204).

(4)

مسلم (2877)(81).

(5)

انظر "حسن الظن باللَّه" لابن أبي الدنيا، رقم (84)، وفي إسناده ضعف.

(6)

دلائل النبوة (7/ 204، 205).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

ط: (يفصح) وبعدها في ط، ولم يرد في أ:(وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه عن جرير بن عبد الحميد به وابن ماجه عن أبي الأشعث عن معتمر بن سليمان عن أبيه به).

(9)

مسند الإمام أحمد (3/ 117).

(10)

النسائي في الكبرى (7095) وابن ماجه (2697) وهو حديث صحيح.

(11)

النسائي في الكبرى (7096).

ص: 334

وقال أحمد

(1)

: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضل، عن نُعيم بن يزيد، عن علي بن أبي طالب، قال: أمرني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطَبَقٍ

(2)

يكتب فيه ما لا تَضِلُّ أمتُه من بعده. قال: فخشيتُ أن تفوتني نَفْسُه. قال: قلت: إني أحْفظُ وأعي. قال: أوصي بالصَّلاة والزَّكاةِ وما مَلَكَتْ أيمانُكم. تَفَرَّدَ به أحمد من هذا الوجه.

وقال يعقوب بن سفيان

(3)

، ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن سفينة عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عندَ موتِه الصَّلاةَ الصلاة

(4)

وما ملكت أيمانُكم، حتى جعل يُلَجْلِجُها في صدره، وما يفيضُ بها لسانُه. وهكذا رواه النسائي

(5)

عن حُمَيْد بن مَسْعَدة عن يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد

(6)

بن أبي عروبة، عن قتادة أنَّ

(7)

سفينة حَدَّثَ عن أم سلمة به. قال البيهقيّ

(8)

: والصحيحُ ما رواه عفانُ عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به. وهكذا رواه النّسائي

(9)

أيضًا، وابن ماجه

(10)

من حديث يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سَفينة، عن أم سلمة به

(11)

.

وقال أحمد

(12)

: ثنا يونس ثنا

(13)

الليث، عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سَرْجِس، عن القاسم، عن عائشة، قالت: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يموت، وعنده قَدَحٌ فيه ماء، فيُدخلُ يدَه في القدح، ثم يَمْسَحُ وَجْهَه بالماء، ثم يقول: اللهم أعنِّي على سَكَراتِ الموت. ورواه التّرمذي

(14)

والنَّسائي

(15)

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 90) وإسناده ضعيف.

(2)

الطَّبَق (بفتحتين) فقار الظهر التي يكتب عليها (النهاية: طبق).

(3)

المعرفة والتاريخ (3/ 460).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

النسائي في الكبرى (7098).

(6)

ط: (سعد) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (6/ 413).

(7)

ط: (عن سفينة عن أم سلمة).

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 205).

(9)

السنن الكبرى للنسائي (7100).

(10)

ابن ماجه (1625)، وهو حديث صحيح.

(11)

بعدها في ط: (وقد رواه النسائي أيضًا عن قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن سفينة عن النبي فذكره. ثم رواه عن محمد بن عبد اللَّه بن المبارك عن يونس بن محمد قال: حدَّثنا عن سفينة فذكر نحوه).

(12)

مسند الإمام أحمد (6/ 64).

(13)

ليس لفظ (حدَّثنا) في ط.

(14)

الترمذي (978).

(15)

السنن الكبرى للنسائي (7101).

ص: 335

وابن ماجه

(1)

، من حديث الليث به. وقال الترمذي: غريب

(2)

.

وقال الإمام أحمد

(3)

: حدَّثنا وكيع، عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة، عن عائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال

(4)

: إنَّه لَيُهوِّنُ عليَّ أنِّي رأيتُ بياضَ كَفِّ عائشة في الجنة. تفرّد به أحمد، وإسناده لا بأس به، وهذا دليل على شِدَّةِ مَحَبَّتِه عليه الصلاة والسلام، لعائشة، رضي الله عنها. وقد ذكرَ النّاسُ معانيَ كثيرةً في كثرة المحبة، ولم يَبْلغْ أحدُهم هذا المبلغَ، وما ذاكَ إلَّا لأنَّهم يُبالغون كلامًا لا حقيقةَ له، وهذا كلامٌ حقٌّ لا محالةَ ولا شَك فيه.

وقال حماد بن زيد

(5)

: عن أَيّوب، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيتي، وتوفي بين سحري ونحري، وكان جبريل يعوِّذه بدعاءً إذا مرض، فذهبت أدعو به

(6)

فرفعَ بصرَه إلى السماء وقال: في الرَّفيق الأعلى، في الرَّفيق الأعلى، ودخلَ عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جَريدةٌ رَطْبةٌ، فنظر إليها، فظننتُ أنَّ له بها حاجةً. قالت: فأَخَذْتها فنَفضْتُها

(7)

فدفعتُها إليه، فاسْتنَّ بها أحسنَ ما كانَ مُسْتَنًّا، ثم ذهبَ يتناولها

(8)

، فَسَقَطتْ من يده. قالت: فجمعَ اللَّه بين ريقي وريقِه في آخر يوم من الدنيا وأولِ يومٍ من الآخرة. ورواه البخاري

(9)

، عن سليمان بن حرب

(10)

عن حماد بن زيد به.

وقال البيهقي

(11)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سَهْلِ الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن

(12)

عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، أخبرنا ابن أبي مُلَيْكَةَ: أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة، أخبره: أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة اللَّه عليّ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم تُوفِّي في يومي، وفي بيتي، وبين سَحْري ونَحْري، وأن اللَّه جمعَ بين ريقي وريقه عند الموت. قالت: دخل عليَّ أخي بسواكٍ معه، وأنا مُسْندةٌ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم

(1)

ابن ماجه (1623)، وإسناده ضعيف.

(2)

يعني: ضعيف.

(3)

مسند الإمام أحمد (6/ 138).

(4)

ط: (إنه قال).

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 206).

(6)

ط: (أعوذه).

(7)

أ: (فقضمتها).

(8)

ط: (يناولنها).

(9)

البخاري (4451).

(10)

ط: (جرير) تحريف.

(11)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 206 - 207).

(12)

ط: (عن) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 130).

ص: 336

إلى صدري، فرأيته ينظرُ إليه، وقد عرفتُ أنه يُحبُّ السِّواك ويألَفُهُ، فقلتُ: آخُذُه لك؟ فأشارَ برأسِه؛ أي: نعم، فَلَيَّنتُهُ له، فأمرَّه على فيه. قالت: وبين يديه ركوةٌ أو علبةٌ فيها ماءٌ فجعلَ يُدْخل يدَهُ في الماءِ فيمسحُ بها وجهه، ثم يقول: لا إله إِلَّا اللَّه، إنَّ للموت لسَكَراتٍ، ثم نصبَ أُصبُعَه اليُسْرى وجَعَلَ يقول: في الرفيقِ الأعلى، في الرَّفيقِ الأعلى، حتى قُبِضَ، ومالت يَدهُ في الماء. ورواه البخاري

(1)

عن محمد، عن عيسى بن يونس.

وقال أبو داود الطيالسي

(2)

: ثنا شُعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعتُ عروة يُحَدِّث، عن عائشة، قالت: كُنا نُحَدِّثُ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يموتُ حتى يُخَيَّر بين الدنيا والآخرة. قالت: فلما كان مرضُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه عرضَتْ له بُحَّةٌ. فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] قالت عائشة: فَظَننَّا أنّه كان يُخَيَّر. وأخرجاه

(3)

من حديث شعبة به.

وقال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزُّبير في رجال من أهل العِلْم، أنَّ عائِشَة قالَتْ: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يُقْبض نَبيٌّ حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ من الجَنّة ثم يُخَيَّر. قالت عائشة: فلما نزلَ برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأسُه على فَخِذي غُشِي عليه ساعةً، ثم أفاق فأَشْخَصَ بَصَرَهُ إلى سَقْفِ البيتِ. وقال: اللَّهمَّ الرفيقَ الأَعلى. فعرفتُ أنَّه الحديثُ الذي كان حَدَّثَناه، وهو صحيح: أنَّه لم يُقْبضْ نَبيٌّ قَطُ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ منَ الجَنَّة، ثم يُخَيَّر. قالت عائشة: فقلت: إذًا لا تَخْتارُنا. قالت

(4)

عائشة: كانَتْ تلك الكلمةُ آخِرَ كلمةٍ تكَلَّمَ بها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الرفيقَ الأعلى. أخرجاه

(5)

من غير وجهٍ، عن الزُّهْريّ به.

وقال سفيان، هو الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بُرْدة، عن عائشة، قالت: أُغْميَ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في حِجْري، فَجَعَلْتُ أمْسَحُ وَجْهَهُ وأدْعو له بالشفاء. فقال: لا، بَلْ أسألُ اللَّهَ الرفيقَ الأعلى الأسْعَدَ مع جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ. رواه النَّسائي

(6)

من حديث سفيان الثوريّ به. وقال البيهقيّ

(7)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ وغيره، قالوا: ثنا أبو العباس الأصم، ثنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم، ثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن عَبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير: أنَّ عائشة أخبرتْهُ

(1)

البخاري (4449).

(2)

مسند الطيالسي (1456).

(3)

البخاري (4435) ومسلم (2444)(86).

(4)

ط: (وقالت).

(5)

البخاري رقم (4463) ومسلم (2444)(87).

(6)

السنن الكبرى (7104، 10936)، وهو حديث صحيح.

(7)

في "دلائل النبوة"(7/ 209).

ص: 337

أنَّها سمعَتْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأصْغَتْ إليه قَبْلَ أن يَموتَ وهو مُسْنِد إلى صدرها يقول: اللهمَّ اغفر لي وارحمني، وألْحِقْني بالرفيق. أخرجاه

(1)

من حديث هشام بن عروة.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدَّثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني يحيى

(3)

بن عباد بن عبد اللَّه بن الزُّبَيْر، عن أبيه عباد: سمعتُ عائشة تقول: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين سَحْري ونَحْري، وفي دَوْلَتي، ولم أظلم فيه أحدًا، فمن سَفَهي وحَداثَة سني أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُبضَ وهو في حَجْري، ثم وضعتُ رأسَه على وسادة وقمتُ ألْتَدِمْ

(4)

مع النِّساءَ وأَضْرِبُ وَجْهي.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثنا محمد بن عبد اللَّه بن الزبير، ثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه، قال: قالت عائشة: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ نَبيّ إِلَّا تُقْبضُ نفسُه، ثم يرى الثوابَ، ثم تُرَدُّ إليه، فيُخَيَّرُ بينَ أن تُرَدَّ إليه وبين أن يَلْحَق، فكنتُ قَدْ حَفِظْتُ ذلك منه فإني لمُسْنِدَتُهُ إلى صَدْري، فنظرتُ إليه حينَ مالَتْ عنقُه، فقلت: قدْ قَضَى، فعرفْتُ الذي قال، فنظَرْتُ إليه حينَ ارتفعَ فنظر. قالت: قلت: إذًا واللَّهِ لا يَخْتارُنا. فقال: مع الرَّفيقِ الأعلى في الجنة: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] تفرَّدَ به أحمدُ، ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدَّثنا عفان، حدَّثنا همام، أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قُبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ورأسُه بين سَحْري ونَحْري. قالت: فلما خرجَتْ نفسُه لم أجد ريحًا قطُّ أطيبَ منها. وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ الصَّحيحين، ولم يخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة. ورواه البيهقيُّ

(7)

من حديث حَنْبَل بن إسحاق، عن عفان.

وقال البيهقي

(8)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس، عن أبي معشر عن محمد بن قيس بن أبي عروة، عن أم سلمة، قالت: وَضَعْتُ يدي على صدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ مات، فَمَرَّت لي جُمَعٌ آكُلُ وأتوضَّأ، وما يذهبُ ريحُ المِسْكِ من يدي.

(1)

ط: (وأخرجاه) وانظر البخاري (4440، 5674) ومسلم (2444)(85).

(2)

مسند الإمام أحمد (6/ 274).

(3)

ط: (يحيى بن يحيى). وانظر تاريخ البخاري (8/ 291).

(4)

ط: (ألدم).

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 74)، وإسناده منقطع.

(6)

مسند الإمام أحمد (6/ 121 - 122).

(7)

دلائل النبوة (7/ 213).

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 219).

ص: 338

وقال أحمد

(1)

: حدَّثنا عفان وبَهْزٌ، قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال، عن أبي بُرْدَةَ، قال: دخلتُ على عائشة، فاخرجت إلينا إزارًا غليظًا مما صُنِعَ

(2)

باليمن، وكساءً من التي يدْعون المُلَبَّدةَ، فقالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُبضَ في هذين الثوبين. وقد رواه الجماعه

(3)

إِلَّا النسائي من طرق، عن حميد بن هلال به. وقال الترمذي: حسنٌ صحيح.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدَّثنا بَهْزٌ، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبو عِمْران الجَوْني، عن يزيد بن بابَنُوس، قال: ذهبتُ أنا وصاحبٌ لي إلى عائشة، فاسْتَأْذَنا عليها، فألقت لنا وسادةً وجَذبَتْ إليها الحِجابَ. فقال صاحبي: يا أم المؤمنين، ما تقولين في العِراك؟ قالت: وما العِراك؟ فضربتُ مَنكِبَ صاحبي. فقالت: مَهْ

(5)

آذَيْتَ أخاك. ثم قالت: ما العِراكُ، المَحيض! قولوا ما قال اللَّه عز وجل {الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ثم قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَتَوشَّحُني، وينال من رأسي، وبيني وبينه ثوبٌ وأنا حائض. ثم قالت: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ ببابي مما يُلْقي الكلمةَ يَنْفَعني اللَّهُ بها، فمرَّ ذاتَ يومٍ، فلم يَقُلْ شيئًا، ثم مر فلم يقل شيئًا مَرَّتين أو ثلاثًا. فقلتُ: يا جارية ضَعي لي وسادةً على الباب، وعصبتُ رأسي، فمر بي. فقال يا عائشة، ما شأنُك؟ فقلتُ: أشتكي رأسي. فقال: أنا وارأساه، فذهبَ فلم يلبث إِلَّا يسيرًا حتى جيء به محمولًا في كساءٍ، فدخل عليّ، وبعث إلى النساء فقال: إني قد اشتكيتُ، وإني لا أستطيعُ أن أدورَ بينكن فَأْذَنَّ لي فَلأكُنْ عند عائشة

(6)

فكنتُ أمرّضُهُ ولم أمرِّض أحدًا قبله، فبينما رأسُه ذاتَ يومٍ على مَنْكبي إذ مال رأسُه نحوَ رَأْسي، فظننتُ أنَّه يريدُ من رأسي حاجةً، فخرجَتْ من فيه نقطةٌ باردةٌ، فوقعَتْ على ثغرة

(7)

نحري فاقْشَعَرَّ لها جلدي، فظننتُ أنه غُشيَ عليه، فسَجَّيْتُه ثوبًا، فجاء عمر والمغيرة بن شعبة، فاستأذَنا فأذِنْتُ لهما، وجذَبْتُ إليَّ الحِجاب، فنظرَ عمر إليه، فقال: واغَشياه، ما أشدَّ غَشْيَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قاما، فلما دَنوا من الباب قال المغيرةُ: يا عمر، ماتَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال

(8)

كَذَبْتَ، بل أنتَ رجلٌ تَحوسُكَ

(9)

فتنةٌ. إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يموتُ حتى يُفْنيَ

(1)

مسند الإمام أحمد (6/ 131).

(2)

ط: (يصنع).

(3)

البخاري (3108، 5818)، ومسلم (2080)(34) و (35)، وأبو داود (4036)، والترمذي (1733)، وابن ماجه (3551).

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 219، 220)، وإسناده حسن.

(5)

ط: (قالت ما).

(6)

في المسند: (عائشة أو صفية).

(7)

ط: (نقرة).

(8)

ط: (قلت).

(9)

تحوسك فتنة أي تخالطك وتحثّك على ركوبها (النهاية: حوس).

ص: 339

اللَّهُ المنافقين. قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعتُ الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، مات رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثم أتاه من قِبل رَأْسِه فحدَر فاه فَقَبَّل جَبْهَتَهُ ثم قال: وانبيَّاه. ثم رفع رأسَه فحدرَ فاه، وقَبَّل جَبْهَته، ثم قال: واصَفيّاه، ثم رفعَ رأسَه وحدَر فاه وقَبَّلَ جَبْهَته، وقال: واخَليلاه، مات رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المسجد، وعمر يخطبُ النَّاسَ، ويتكلَّم ويقول: إنّ رسولَ اللَّه لا يموتُ حتى يُفْنيَ اللَّهُ المنافقين. فتكلَّم أبو بكرٍ فَحَمِدَ اللَّه وأثْنَى عَلَيْه، ثم قال إن اللَّه يقول:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] حتى فرغ من الآية. {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آل عمران: 144]، حتى فرغ من الآية، ثم قال: فَمَنْ كانَ يَعْبَدُ اللَّه فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ

(1)

، ومَنْ كان يَعْبُد محمدًا فإن مُحَمَّدًا قد مات. فقال عمر: أو أنّها في كتاب اللَّه، ما شعرتُ أنَّها في كتاب اللَّه. ثم قال عمر: يا أيها الناس، هذا أبو بكر، وهو ذو شَيْبَة

(2)

المسلمين، فبايِعوه، فبايَعوه. وقد رواه

(3)

أبو داود

(4)

والترمذي. في "الشمائل"

(5)

من حديث مَرْحومِ بن عبد العزيز العَطّار، عن أبي عِمْرانَ الجَوْني به ببعضه.

وقال الحافظ البيهقيّ

(6)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن مِلْحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عُقَيْل، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة بن

(7)

عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أنَّ أبا بكرٍ أقبل على فَرَسٍ من مَسْكَنه بالسُّنْح

(8)

، حتى نزل، فدخل المسجدَ، فلم يكلِّم الناس حتى دخل على عائشة، فيمَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-وهو مُسَجًى

(9)

ببردِ حِبَرَةٍ، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبَّله، ثم بكى. ثم قال: بأبي أنتَ وأُمّي يا رسولَ اللَّه، واللَّه لا يَجْمَعُ اللَّهُ عليكَ مَوتَتَيْنِ أبدًا، أما الموتةُ التي كُتِبَتْ عليكَ فَقَدْ مُتَّها.

(1)

بعده في ط: (لا يموت).

(2)

ط: (سبية) تحريف.

(3)

ط: (وقد روى).

(4)

أبو داود (2137)، وهو حديث صحيح.

(5)

شمائل الترمذي (374).

(6)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 215).

(7)

ط: (عن) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 287).

(8)

السُّنح: بضم أوله، وسكون ثانيه، وقد يضمّ ثانيه، وهي إحدى محال المدينة كان بها منزل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي في طرف من أطراف المدينة، وهي منازل الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة وبينها وبين منزل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ميل (معجم البلدان: سنح).

(9)

في الدلائل: (معشى عليه).

ص: 340

قال الزهري

(1)

: وحدّثني أبو سلمة، عن ابن عباس: أن أبا بكرٍ خرجَ، وعمرُ

(2)

يُكَلِّم الناس. فقال: اجلس يا عمر! فأبى عمر أن يجلس. فقال: اجْلِسْ يا عُمَر! فأبى عمرُ أنْ يَجْلِسَ. فَتَشَهَّد أبو بكر، فأقبل الناسُ إليه. فقال: أما بعد، فمَنْ كانَ منكم يَعْبُدُ محمدًا فإِنَّ محمدًا

(3)

قد مات، ومن كان يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموتُ. قال اللَّه تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية [آل عمران: 144] قال: فواللَّه لكأنّ الناس لم يعلموا أنّ اللَّهَ أنزلَ هذه الآية، حتَّى تلاها أبو بكر، فتلقّاها منه الناسُ كلُّهم، فما سُمِعَ بَشَرٌ من النّاس إِلَّا يَتْلوها.

قال الزهري

(4)

: وأخبرِني سعيد بن المُسَيّب أن عمر قال: واللَّه، ما هو إِلَّا أن سَمِعْتُ أبا بكر تلاها، فعرَفْتُ أنّه الحَقُّ، فعَقِرْتُ

(5)

حتى ما تُقِلُّني رِجْلاي، وحتى هَوَيْتُ إلى الأرض، وَعَرَفْتُ حينَ سَمِعْتُهُ تلاها أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قد مات. ورواه البخاري

(6)

عن يحيى بن بُكَيْر

(7)

به.

وروى الحافظ البيهقيّ

(8)

، من طريق ابن لَهيعة، ثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير، في ذكر وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: وقام عُمَر بن الخطّاب يخطُبُ الناس، ويَتَوَعَّدُ منْ قال مات بالقتل والقطع، ويقول: إنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في غَشْيتِه

(9)

لو قد قام قَتَلَ وقطع. وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصمّ بن أمِّ مَكْتوم في مُؤَخرِ المسجد يقرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] الآية والنّاسُ في المسجد يَبْكون، ويموجون لا يَسْمَعون، فخرَجَ عباسُ بن عَبْدِ المَطَّلِب على الناس. فقال: يا أيُّها النّاسُ، هل عند أحد منكم من عهد من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدثنا. قالوا: لا! قال: هل عندكَ يا عُمرُ من علمٍ؟ قال: لا، فقال العباس: أشْهَدُ

(10)

أيُّها الناسُ، أنَّ أحدًا لا يَشْهدُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعهدٍ عهده إليه في وفاته، واللَّه الذي لا إله إِلَّا هو، لقد ذاقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الموتَ. قال: وأقبلَ أبو بكر، رضي الله عنه، من السُّنح على دابَّته حتى نزلَ ببابِ المَسْجد، وأقْبَل مَكْروبًا حزينًا، فاستأذنَ

(1)

دلائل النبوة (7/ 215 - 216).

(2)

ط: (وهو).

(3)

عبارة (فإن محمدًا) ليست في ط.

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 216).

(5)

العَقَر -بفتحتين-: أن تُسلمَ الرجلَ قوائمُه من الخوف. وقيل: هو أن يفحأه الروعُ، فيدهش ولا يستطيع أن يتقدَّم أو يتأخر (النهاية: عقر).

(6)

البخاري (4452 - 4454).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 217 - 219).

(9)

ط: (غشية).

(10)

ط: (اشهدوا).

ص: 341

في بيتِ ابنتِه عائشة، فأَذِنَت له فدخَل، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد تُوفّي على الفراش والنِّسوة حوله، فخَمَّرْنَ وُجوهَهُنَّ، واسْتَتَرْنَ من أبي بكرٍ إِلَّا ما كان من عائشة، فكشفَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجَثَى عليه يُقَبِّلُه، ويبكي ويقولُ: ليس ما يقولُه ابنُ الخطاب شيئًا، تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم والذي نَفْسي بيده، رحمة اللَّه عليك يا رسول اللَّه، ما أطيَبَكَ حيًّا وميِّتًا. ثم غَشَّاه بالثوب، ثم خرجَ سَريعًا إلى المسجد يَتَخَطَّى رِقابَ النّاس، حتى أتى المنبرَ، وجلَسَ عمرُ حينَ رأى أبا بكرٍ مُقْبلًا إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر، ونادى النَّاسَ فجلسوا وأنْصَتوا، فَتَشهَّد أبو بكر بما علمه من التَّشهُّد، وقال: إنَّ اللَّه عز وجل نَعَى نبيَّه إلى نفسه، وهو حَيّ بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموتُ حتى لا يَبْقى منكم أحدٌ إِلَّا اللَّه عز وجل. قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] الآية فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ واللَّه ما علمتُ أنَّ هذه الآية أُنْزلت قبل اليوم. وقد قال اللَّه تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقال اللَّه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27]، وقال:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185]، وقال: إنَّ اللَّه عمَّر محمدًا صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين اللَّه، وأظهر أمر اللَّه وبلغ رسالة اللَّه، وجاهد في سبيل اللَّه، ثم توفاه اللَّه على ذلك، وقد ترككم على الطريقة، فلن يَهْلِكَ هالكٌ إِلَّا من بعد البيِّنة والشفاء، فمَنْ كانَ اللَّهُ ربَّه فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموتُ، ومنْ كانَ يَعْبُدُ محمدًا، ويُنَزّله إلهًا فقد هَلَكَ إلهه، فاتقَّوا اللَّه أيها الناس، واعْتَصموا بدينكم، وتوكّلوا على ربكم، فإن دينَ اللَّهِ قائمٌ، وإنَّ كلمةَ اللَّهِ تامةٌ، وإن اللَّهَ ناصرٌ منْ نَصَرَه، ومعزٌّ دينَه، وإنَّ كتاب اللَّه بين أظْهُرنا، وهو النورُ والشِّفاءُ، وله هَدَى اللَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وفيه حَلالُ اللَّهِ وحرامُه، واللَّهِ لا نُبالي منْ أجْلَبَ علينا من خَلْق اللَّه، إنّ سُيوف اللَّهِ لَمَسْلولةٌ ما وَضَعْناها بعدُ، ولنُجاهِدَنَّ منْ خالفنا كما جاهدنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلا يُبْقِيَنَّ

(1)

أحدٌ إِلَّا على نَفْسِهِ. ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فذكر الحديثَ في غُسْلِه وتَكْفينه والصَّلاةِ عليه ودفنه.

قلتُ: كما سنذكُرُه مُفَصَّلًا بدلائله وشواهده، إن شاء اللَّه تعالى.

وذكر الواقديُّ عن شُيوخه. قالوا: ولَمَّا شُكَّ في موتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: مات. وقال بعضهم: لم يمت-، وَضَعَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيْس يَدَها بين كَتْفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. (فقالت: قد توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)

(2)

وقد رفع الخاتمُ من بين كَتِفيْه. فكان هذا الذي قد عُرِفَ به موته. هكذا

(3)

أوردَهُ

(1)

ط: (يبغين).

(2)

ليس ما بين القوسين في أ.

(3)

ط: (وهكذا).

ص: 342

الحافظُ البَيْهقيّ في كتابه "دلائل النبوة"

(1)

من طريق الواقدي، وهو ضعيف، وشيوخه لم يُسَمَّوْا

(2)

ثم هو منقطع بكل حال، ومخالفٌ لما صحَّ، وفيه غرابة شديدةٌ، وهو رفع الخاتم. فاللَّه أعلم بالصواب. وقد ذكر الواقديّ وغيرُه في الوفاة أخبارًا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضْرَبْنا عن أكثرها صَفْحًا؛ لضَعْفِ أسانيدها، ونكارةِ متونِها، ولا سيّما ما يوردُهُ كثيرٌ من القُصّاصِ المُتْأخِّرين، وغيرهم، فكثيرٌ منه موضوع لا محالة. وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المرويَّة في الكتب المشهورة غنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سندة، واللَّه أعلم.

‌فصل في ذِكْرِ أُمورٍ مهمةٍ وَقَعَتْ بعد وفاتِه صلى الله عليه وسلم وقبل دَفْنِه عليه الصلاة والسلام

ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الإسلام وأهله بَيْعَةُ أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام، لمّا ماتَ كان الصدّيقُ، رضي الله عنه، قد صلَّى بالمُسلمين صلاةَ الصُّبْحِ، وكان إذ ذاكَ قد أفاقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، إفافةً من غَمْرةِ ما كان فيه من الوَجَعِ، وكشَفَ سِتْرَ الحُجْرَةِ، ونظر إلى المسلمين، وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر، فأَعْجَبه ذلك وتَبَسَّم، صلوات اللَّه وسلامه عليه، حتَّى هَمَّ المسلمون أن يَتْرُكوا ما هم فيه من الصلاةِ، لفرحهم به، وحتّى أراد أبو بكر أن يتأخَّر، ليصِلَ الصفَّ، فأشار إليهم أن يَمْكُثوا كما هم، وأرْخَى السِّتارة، وكان آخرَ العهدِ به، عليه الصلاة والسلام، فلما انصرفَ أبو بكرٍ، رضي الله عنه، من الصلاةِ دَخَلَ عليه، وقال لعائشة: ما أرى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَّا قد أقْلَع عنه الوجعُ، وهذا يومُ بنتِ خارجة -يعني إحدى زوجتيه- وكانت ساكنةً بالسُّنْحِ شَرْقيَّ المدينةِ، فركبَ على فرسٍ له وذَهَبَ إلى منزله، وتُوُفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. حين اشتدَّ الضُّحَى من ذلك اليوم. وقيل: عندَ زوالِ الشمسِ. واللَّه أعلم.

فلمّا ماتَ واختلفَ الصحابةُ فيما بينهم، فمِنْ قائلٍ يقول: مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن قائلٍ: لم يَمُتْ. فذهب سالمُ بن عُبَيْد وراءَ الصّدّيقِ إلى السُّنّح، فأعْلَمه بموتِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجاءَ الصّدّيقُ من منزله حينَ بَلَغَه الخبر، فدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منزلَه، وكَشَفَ الغِطاءَ عن وجهه وقبَّله، وتَحَقَّق أنه قد ماتَ، خرجَ إلى الناس فَخَطَبَهُمْ إلى جانب المنبر، وبيَّن لهم وفاةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كما قَدَّمنا، وأزاح الجدالَ وأزال

(3)

الإشكال ورجع الناسُ كلُّهم إليه، وبايعَه في المسجد جماعةٌ من الصَّحابة، ووقعت شُبْهَةٌ لبعضِ الأنصارِ، وقام في أذْهان بعضِهم جوازُ اسْتِخْلافِ خليفةٍ من الأنصارِ، وتوسَّطَ بعضُهم بين أن يكونَ أميرٌ

(1)

دلائل النبوة للبيهقي 7/ 219.

(2)

ط: (لم يسمون) خطأ.

(3)

ط: (وأزاح الجدل، أو زال).

ص: 343

من المهاجرين وأميرٌ من الأنصار، حتى بيَّن لهم الصّدّيق أن الخِلافَة لا تكونُ إِلَّا في قريشٍ، فرجعوا إليه، وأجمعوا عليه، كما سَنُبيِّنُه ونُنَبِّهُ عليه.

‌قِصّة سقيفة بني ساعِدَة

قال الإمام أحمد

(1)

: ثنا إسحاق بن عيسى الطَّبَّاع، ثنا مالكُ بن أنس، حدّثني ابن شهاب، عن عُبَيْد اللَّه بن (عبد اللَّه بن)

(2)

عُتْبَة بن مَسْعودٍ، أنَّ ابنَ عبّاسٍ أخبره، أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رحله -قال ابنُ عباسٍ: وكنتُ أُقْرئُ عَبْدَ الرَّحمن بن عوف فوجدني وأنا أنْتَظِرُهُ- وذلك بمنًى في آخر حجةٍ حجَّها عمرُ بن الخطاب، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ رَجُلًا أتى عمرَ بن الخَطّاب فقال: إن فلانًا يقول: لوْ قَدْ ماتَ عُمَر بايعتُ فُلانًا. فقال عمر: إنِّي قائمٌ العَشِيَّةَ، إن شاء اللَّه، في الناس، فمُحَذِّرُهم هؤلاء الرَّهْط الذين يُريدون أن يَغْصِبوهُمْ أمْرَهم. قال عبد الرحمن: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، لا تَفْعلْ فإنّ الموسمَ يَجْمَعُ رعاعَ النَّاسِ وَغَوْغاءهم، وإنَّهم الذين يَغْلِبون على مَجْلِسِك إذا قمتَ في الناس، فأخْشَى أن تقول مَقالةً يَطيرُ بها أولئك فلا يَعوها، ولا يَضَعوها مواضِعَها، ولكن حتى تَقْدَم المدينةَ، فإنَّها دارُ الهجرةِ والسُّنَّةِ، وتَخْلُصَ بعلماء النّاسِ وأشرْافِهِم فتقول ما قلت مُتَمَكِّنًا، فيَعُون مَقالَتَك ويَضَعونَها

(3)

مواضِعَها. قال عمر: لئن قَدِمْتُ المدينةَ صالحًا

(4)

لأكلمنَّ بها النَّاسَ في أول مقامٍ أقومه. فلما قَدِمنا المدينةَ في عَقِب ذي الحجَّة، وكان يومُ الجمعةِ عَجَّلْتُ الرَّواحَ صَكَّةَ الأعمى -قلت: لمالكٍ وما صَكَّةُ الأعمى

(5)

؟ قال: إنّه لا يُبالي أيَّ ساعةٍ خرج، لا يعرفُ الحَرَّ والبَرْدَ. أو

(6)

نحو هذا- فوجدت سعيدَ بن زيدٍ عندَ رُكْنِ المنْبر الأيمن قد سَبَقني، فجلستُ حِذاءَه تحُكُّ ركبتي ركبتَه، فلم أنْشَبْ أن طلَعَ عمر: فلما رأيتُهُ قلتُ: ليَقولَنَّ العشيَّةَ على هذا المنبر مَقالةً ما قالها عليه أحدٌ قبلَهُ. قال: فأنْكَرَ سعيدُ بنُ زيد ذلك، وقال: ما عسى أن يقولَ ما لَمْ يَقُلْ أحدٌ؟ فجلسَ عُمَرُ على المنبر، فلما سَكَتَ

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 55 - 56)، وإسناده صحيح.

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

أ، ط:(ويضعوها).

(4)

في المسند (سالمًا صالحًا).

(5)

في معجم الأمثال العربية:

- أتانا صَكة عُمَيّ - مجمع الأمثال (2/ 182).

- جاء صكة عُمَيّ - جمهرة الأمثال (1/ 297، 318).

- لقيته صكة عُمَيّ - مجمع الأمثال (2/ 182)، وأمثال القاسم (2378) شرحه فصل المقال (508)، والمستقصى (2/ 287)، واللسان (صكك). وقال ابن الأثير: يريد في الهاجرة (انظر النهاية: صكك).

(6)

ليست (أو) في أ.

ص: 344

المُؤَذِّنُ قام فأثْنَى على اللَّهِ بما هُوَ أهْلُه، ثم قال: أما بعد أيُّها الناسُ، فإنّي قائلٌ مَقالةً قد قُدِّر لي أنْ أقولَها، لا أدْري لعلَّها بَيْنَ يَدَيْ أجَلي، فمَنْ وَعاها وَعَقَلَها فليُحَدِّثْ بها حيث انْتَهَتْ به راحلتُه، ومنْ لم يَعِها فلا أُحِلُّ له أن يَكذِبَ عليَّ، إنَّ اللَّهَ بَعَث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكِتاب، فكان فيما أنزل عليه آيةُ الرَّجْم، فقرأناها ووعَيْناها وعَقَلْناها، ورجَمَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ورَجَمْنا بعدَه فأخْشَى إن طال بالنّاس زَمان أن يقول قائل لا نَجد آيةَ الرَّجْم في كتاب اللَّه، فيضلُّوا بتركِ فَريضةٍ قد أنزلها اللَّه عز وجل. فالرجمُ في كتاب اللَّه حقٌّ على منْ زَنَى إذا أحصنَ من الرّجال والنساء؛ إذا قامَتِ البيِّنَةُ أو كان الحَبَلُ أو الاعتراف، ألا وإنّا قد كنا نقرأ: لا تَرْغَبوا عن آبائكم، فإنَّ كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا وإنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لا تُطروني كما أُطْريَ عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللَّه ورسولُه. وقد بلغني أنّ قائِلًا منكم يقولُ لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا فلا يغترَّنَّ امرؤٌ أن يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكر كانَتْ فَلْتَة

(1)

ألا وإنها كانَتْ كذلك، ألا إن اللَّه وَقَى شَرَّها، وليسَ فيكم اليومَ منْ تُقْطَعُ إليه الأعناقُ مثلَ أبي بكرٍ، وإنّه كانَ من خَبَرنا -حين تُوفِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّ عَليًّا والزبير ومنْ كان معهما تَخَلَّفوا في بَيْت فاطمة بنتِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَتَخَلَّفَ عنها الأنصار بأجمعها في سَقيفة بني ساعدة، واجتمعَ المُهاجرونَ إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكرٍ، انطلقْ بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤُمُّهم حتى لقينا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنعَ القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريدُ إخوانَنا هؤلاء

(2)

من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تَقْرَبوهم، واقْضوا أمْرَكُمْ يا معشر المُهاجرين، فقلت: واللَّه لنَأْتِيَنَّهُمْ، فانْطَلَقنا حتى جِئْناهم في سَقيفةِ بني ساعدة، فإذا هم مُجْتمعون، وإذا بينَ ظَهرانيهم رجلٌ مُزَمَّلٌ، فقلت: منْ هذا؟ قالوا: سعدُ بن عُبادة. فقلت: ما له؟ قالوا: وجعٌ. فلما جَلَسْنا قام خَطيبُهم، فأثْنى على اللَّه بما هُوَ أهْلُه، وقال: أما بَعْدُ فنحنُ أنصارُ اللَّه وكتيبةُ الإسلام، وأنتم يا مَعْشَرَ المُهاجرين رَهْطٌ منّا

(3)

وقد دَفَّتْ دافَّة

(4)

منكم يُريدون

(5)

أن يختزلونا

(6)

من أصلنا ويحضُنونا

(7)

من الأمر. فلما سكت أردتُ أن أتكلَّم، وكنتُ قد زَوَّرْتُ

(8)

مقالةً أعْجَبَتْني، أردتُ أن أقولها بينَ يَدَيْ أبي بكر وكنتُ أُداري منه بعضَ الحدِّ

(9)

،

(1)

بعدها في ط: (فتمت).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (نبينا).

(4)

الدّافة: القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد (النهاية: دفف).

(5)

ط: (تريدون) وليس اللفظ في أ.

(6)

ط: (تختزلونا). ويختزلونا من أصلنا، أي: يقتطعونا ويذهبوا بنا منفردين. (النهاية: خزل).

(7)

ط: (وتحصنونا) ويحضنونا أي يخرجونا (النهاية: حضن).

(8)

ط: (رويت). وزَوَّرتُ هيَّأتُ وأصلحت (النهاية: زور).

(9)

الحَدُّ والحدَّةُ سواء من الغضب، يقال: حدَّ يحدُّ حدًّا وحدّة إذا غضب (النهاية: حدد).

ص: 345

وهو كان أحْلم

(1)

مني وأوْقَرَ، واللَّهِ ما تركَ من كَلمةٍ أعْجَبَتني في تَزْويري إِلَّا قالها في بديهته وأفضل

(2)

حتى سكت. فقال: أمّا بعدُ، فما ذكَرْتُم من خير فأنتم أهله، وما تَعْرف العربُ هذا الأمر إِلَّا لهذا الحيِّ من قُرَيش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رَضيتُ لكم أحدَ هذين الرجلين، أيهما شئتم. وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره ممّا قال غيرها، وكان واللَّهِ أن أُقَدَّم فتُضرب عُنْقي لا يُقَرِّبني ذلك إلى إثم أحَبِّ إليّ أن أتأمَّر على قومٍ فيهم أبو بكر، إِلَّا أن تَغَيَّر نفسي عند الموت، فقال قائلٌ من الأنصار: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك

(3)

وعُذَيْقُها المُرَجَّب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، فقلت لمالك: ما يَعْني أنا جُذَيْلُها المُحَكَّكِ وعَذَيْقُها المُرَجَّب

(4)

قال: كأنه يقول: أنا داهيتُها - قال: فكَثُرَ اللَّغَطُ وارتَفَعَت الأصْواتُ حتى خشينا الاختلاف. فقلت: ابسُطْ يَدَكَ يا أبا بكرٍ. فبَسَط يَدَه، فبايَعْتُه وبايَعَه المُهاجِرون، ثم بايَعَه الأنْصارُ، ونَزَوْنا على سَعْدِ بن عبادة، فقال قائلٌ منهم: قَتَلْتُم سَعْدًا. فقلت: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا. قال عمر: أما واللَّه ما وَجَدْنا فيما حضرنا أمرًا هو أوفقَ من مُبايعة أبي بكر، خَشينا إنْ فارَقنا القومَ ولم تَكُنْ بيعةٌ أن يُحْدِثوا بَعْدَنا بيعةً، فإما نُبايعهم

(5)

على ما لا نَرْضَى، وإما أن نُخالِفَهم فيكون فساد، فمن بايعَ أميرًا عن غير مَشورة المُسلمين فلا بيعةَ له، ولا بيعةَ للذي بايَعه تَغِرَّةَ أن يُقْتَلا. قال مالك: فأخبرني ابنُ شهاب، عن عروة: أنّ الرجلين اللذين لَقياهما عُوَيْمٌ بنُ ساعِدَة ومَعْنُ بن عدي. قال ابنُ شهاب: وأخبرني سعيدُ بن المُسَيّب أنَّ الذي قال: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ وعُذَيْقُها المُرَجَّب. هو الحباب بن المنذر. وقد أخْرَجَ هذا الحديث الجماعة

(6)

في كتبهم، من طرقٍ عن مالك وغيرِه، عن الزهري به.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا معاوية بن

(8)

عمرو، ثنا زائدة، ثنا عاصم (ح) وحدّثني حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: لما قُبض رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(1)

ط: (أحكم).

(2)

ط: (بلغطته وقصر).

(3)

جذيل تصغير جِذْل، وهو العود الذي يُنْصبُ للإبل الجربى لتحتكّ به، وهو تصغير تعظيم، أي: أنا ممن يُسْتَشفى برأيه، كما تستشفي الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود. (النهاية: جذل).

(4)

الرُّجْبةُ: أن تُعْمَدَ النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، ورَجَّبْتُها فهي مُرَجَّبة. والعُذَيْق: تصغير العَذْق -بالفتح- وهي النخلة تصغير تعظيم (النهاية: رجب).

(5)

أ: (نتابعهم).

(6)

البخاري (6830، 2462، 3445، 3928، 4021، 6829، 7323). ومسلم (1691)(15) وابن ماجه (2553) أبو داود (4418) والترمذي (1432)، والنسائي في السنن الكبرى (7156 - 7160).

(7)

في المسند (1/ 21) من حديث معاوية بن عمرو، وحسين بن علي و (1/ 405) من حديث معاوية بن عمرو و (1/ 396) من حديث حسين بن علي، وهو حديث صحيح.

(8)

ط: (عن) تحريف، وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 214).

ص: 346

قالت الأنصار: مِنّا أميرٌ ومِنْكُم أميرٌ، فأتاهم عُمَر فقال: يا معشرَ الأنْصار ألستم تعلمون أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يَؤُمّ النَّاسَ؟ فأيُّكم تطيبُ نفسُه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذُ باللَّه أن نتقدم أبا بكر. ورواه النَّسائي

(1)

، عن إسحاق بن راهويه. وهنَّاد بن السَّريّ، عن حسين بن علي الجُعْفي، عن زائدة به. ورواه علي بن المديني، عن حسين بن علي، وقال: صحيح، لا أحفظه إِلَّا من حديث زائدة، عن عاصم. وقد رواه النسائي

(2)

أيضًا من حديث سَلَمَة بن نُبَيْط عن نُعَيْم بن أبي هند، عن نُبَيْط بن شَريط، عن سالم بن عُبيد، عن عمر مثله، وقد رُوي عن عمر بن الخطاب نحوه من طريقٍ آخر.

وجاء من طريقِ مُحَمَّد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي بكر، عن الزُّهْري، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن عمر، أنّه قال: قلت: يا مَعْشَرَ المسلمين، إن أوْلى النّاسِ بأمر نبيِّ اللَّه ثانِيَ اثْنَيْن إذ هُما في الغارِ أبو

(3)

بكر السّبّاقُ المُبين

(4)

، ثم أخذتُ بيده، وبَدَرَني رجلٌ من الأنصار، فضربَ على يده قبلَ أن أضربَ على يده، ثم ضَرَبْتُ على يده وَتَتَابع

(5)

الناس.

وقد روى محمد بن سعد

(6)

، عن عامرِ بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد

(7)

عن القاسم بن محمد. . . فذكر نَحْوًا من هذه القصة، وسمَّى هذا الرجل الذي بايع الصدّيقَ قبلَ عمَرَ بن الخطاب، فقال: هو بَشير بن سَعْدٍ، والد النعمان بن بَشير.

‌ذِكْرُ اعْتِرَافِ سعْدِ بنِ عُبادَةَ بِصِحَّةِ ما قالَهُ الصِّدِّيق يَوْمَ السَّقيفَةِ

قال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا عفان، ثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد اللَّه الأوَدْي، عن حُمَيْد بن

(1)

النسائي (776)، وإسناده حسن.

(2)

السنن الكبرى للنسائي (8109، 11219).

(3)

أ، ط:(وأبو) والواو زائدة.

(4)

ط: (المسنّ).

(5)

ط: (وتبايع).

(6)

الطبقات الكبرى (3/ 182).

(7)

ط: (سعد) تحريف. وهو يحيى بن سعد بن قيس بن عمرو، وقيل: يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد عالم المدينة في زمانه أبو سعيد الأنصاري الخزرجي البخاري المدني القاضي. سمع من القاسم بن محمد، وروى عنه حماد بن زيد وغيره. توفي سنة ثلاث وأربعين ومئة (سير أعلام النبلاء 5/ 468 - 481).

(8)

مسند الإمام أحمد (1/ 5)، وإسناده ضعيف لانقطاعه، فإن حميد بن عبد الرحمن وهو الحميري لم يدرك أبا بكر ولا عمر. وقوله:"توفي رسول اللَّه. . . " له شاهد من حديث عائشة عند البخاري رقم (1241) و (3667). وقوله: "لو سلك الناس واديًا. . " له شاهد من حديث أنس عند البخاري (3778) وآخر من حديث أبي هريرة عند =

ص: 347

عبد الرحمن، قال: تُوفِّي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في طائفة

(1)

من المدينة. قال: فجاء فكشف عن وجهه فَقَبَّلَهُ، وقال: فِدًى لَكَ

(2)

أبي وأمي ما

(3)

أطيبك حَيًّا ومَيِّتًا، مات محمدٌ وربِّ الكَعْبة. . . فذكر الحديث. (قال: فانطلقَ أبو بكر وعمر يتقاودان

(4)

حتى أتَوْهم، فتكلَّم أبو بكر، فلم يترك شيئًا أُنْزِلَ في الأنصار، ولا ذكره رسول اللَّه من شأنِهم إِلَّا ذكره)

(5)

وقال: لقد علمتم أنَّ رسول اللَّه قال: لو سلك الناسُ واديًا، وسلكت الأنصارُ واديًا، سلَكْتُ واديَ الأنْصار. ولقد علمْتَ يا سعدُ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: -وأنتَ قاعدٌ- قريشٌ ولاةُ هذا الأمر، فبرُّ الناس تَبَعٌ لبرِّهم، وفاجرُهم تَبَعٌ لفاجرهم. فقال له سعد: صدقتَ، نحن الوزراءُ وأنتم الأمراءُ.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدَّثنا عليّ بن عيّاش

(7)

، ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني يزيد بن سعيد بن ذي عَصْوان العَبْسي، عن عبد الملك بن عُمَيْر

(8)

اللَّخْمي، عن رافعٍ الطائي رفيق أبي بكر الصّدّيق في غزوة ذات السلاسل، قال: وسألتُه عمّا قيل في بيعتهم، فقال: وهو يُحَدِّثه عما تَقاوَلَت به الأنصار، وما كلَّمَهم به، وما كلَّم به عمرُ بن الخطاب الأنصار، وما ذكَّرهم به من إمامتي إياهم بأمرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ، فبايعوني لذلك وقبلتُها منهم، وتخوَّفتُ أن تكونَ فتنةٌ بعدَها رِدَّة. وهذا إسنادٌ جيدٌ قويٌّ. ومعنى هذا أنه رضي الله عنه، إنما قبل الإمامةَ، تَخَوفًا أن تقع

(9)

فتنةٌ أرْبَى منْ تَرْكِهِ قبولها رضي الله عنه، وأرْضاه.

قلت: كان هذا

(10)

في بقيّةِ يوم الإثنين فلما كان الغدُ صَبيحةَ يومِ الثلاثاء اجْتَمَعَ الناسُ في المسجد فَتُمِّمَت البيعةُ من المهاجرين والأنْصار قاطبةً، وكان ذلك قبل تَجْهيز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري

(11)

: أنبأنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن مَعْمر، عن الزُّهري، أخبرني أنس بن مالك، أنه سمعَ خطبةَ عُمَرَ الأخيرةَ حينَ جلس على المنبر، وذلك الغدُ من يوم توفِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،

= البخاري (3779) وقالت من حديث أبي بن كعب عند الترمذي رقم (3896) وقوله: "قريش ولاة هذا الأمر. . " له شاهد من حديث أبي هريرة وعند البخاري (3495) ومسلم رقم (1818) وغيرهم، فهو حديث صحيح لغيره.

(1)

ط: (صائفة).

(2)

ط: (فداك).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (يتعادان) تحريف.

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 8).

(7)

ط: (علي بن عباس). وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 338).

(8)

ط: (نضير) وانظر سير أعلام النبلاء 5/ 438.

(9)

ط: (يقع).

(10)

أ: (هذا كان بقية).

(11)

البخاري (7219).

ص: 348

وأبو بكر صامتٌ لا يَتكَلَّمُ، قال: كنت أرجو أن يعيشَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يَدْبُرَنا -يريد بذلكَ

(1)

- أن يكون آخرهم - فإنْ يَكُ محمدٌ قد مات فإن اللَّه تعالى قد جعل بينَ أظْهُرِكُم نورًا تهتَدُون به، هدى اللَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم وإن أبا بكر صاحبُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين، وإنه أولى المسلمين

(2)

بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة قد بايَعوه قبل ذلك في سَقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المِنْبَرِ. قال الزُّهريّ: عن أنس بن مالك: سمعتُ عمر يقول يومئذ لأبي بكر: اصْعَدِ المِنْبَرَ! فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس.

وقال محمد بن إسحاق

(3)

: حدّثني الزُّهْري، حدّثني أنس بن مالك، قال: لما بُويعَ أبو بكر في السَّقيفةِ، وكان الغدُ، جلسَ أبو بكرٍ على المنبر، وقام عمر فتكلَّم قبلَ أبي بكر، فَحَمِدَ اللَّهَ، وأثْنَى عليه بما هو أهله، ثمَّ قال: أيُّها النّاسُ، إني قد كنتُ قلتُ لكم بالأمس مقالةً ما كانت مما وجدتُها في كتاب اللَّه، ولا كانت عهدًا عَهِدَهُ

(4)

إليَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ولكني كنتُ أرى أن رسولَ اللَّه سيَدْبُرُ أمرنا -يقول: يكون آخرنا- وإنَّ

(5)

اللَّهَ قد أبْقَى فيكم كتابَهُ الذي هَدَى به

(6)

، رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإن اعْتَصَمْتُم به هداكم اللَّه، لما كان هداه له

(7)

. وإن اللَّه قدْ جَمَعَ أمْرَكُم على خيركم، صاحبِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فَبايعُوه، فبايع الناسُ أبا بكر بيعةَ العامةِ بعد بيعةِ السَّقيفة، ثمَّ تَكلَّم أبو بكر، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عليه بما هو أهلُه. ثم قال: أما بعدُ، أيُّها الناسُ، فإِنّي قد وُلِّيتُ عَلَيْكم ولستُ بخَيْرِكُم، فإن أحْسَنْتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، الصدقُ أمانةٌ، والكَذِبُ خيانةٌ، والضَّعيفُ فيكم

(8)

قويٌّ عندي حتى أُريحَ عليه حقّه

(9)

إن شاء اللَّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ حتى آخذَ منه الحقّ، إن شاء اللَّه، لا يَدَعُ قومٌ الجِهادَ في سبيلِ اللَّه إِلَّا ضَرَبَهُم اللَّهُ بالذُّلِّ، ولا تَشيعُ الفاحشَةُ في قوم قط

(10)

إلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بالبلاء، أطيعوني ما أطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه، فإذا عَصَيْتُ اللَّهَ ورسوله فلا طاعة لي عليكمِ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم اللَّه. وهذا إسنادٌ صحيحٌ. فقوله: رضي الله عنه: -وَلِيْتكُم ولستُ بخيْركم- من باب الهَضْم والتَّواضعِ، فإنَّهم مُجْمِعون على أنه أفْضلُهم وخَيْرُهم رضي الله عنهم.

(1)

ط: (ذلك).

(2)

أ: (المؤمنين).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 660 - 661).

(4)

ط: (عهدها).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

أ: (الذي هو به هدى).

(7)

ط: (هداه اللَّه له).

(8)

ط: (منكم).

(9)

ط: (حتى أزيح علته إن شاء اللَّه) وفيها تحريفان ونقص. وأرحتُ على الرجل حقّه: إذا رَدَدْتُه عليه (اللسان: روح).

(10)

ط: (ولا يشيع قوم قط الفاحشة إِلَّا).

ص: 349

وقال الحافظُ أبو بكر البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن محمد الحافظ الإسْفراييني، ثنا أبو علي الحسين بن عليّ الحافظ، ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وإبراهيم

(1)

بن أبي طالب، قالا: ثنا بندار بن بشّار

(2)

، ثنا أبو هشام المَخْزومي، ثنا وُهَيْب، ثنا داود بن أبي هند، ثنا أبو نَضْرة، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قُبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، واجتمعَ الناسُ في دارِ سَعْدِ بن عُبادة، وفيهم أبو بكر وعمر. قال: فقام خطيبُ الأنْصارِ فقال: أتعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ من المُهاجرين، وخليفتُه من المهاجرين، ونحن كنا أنصارَ رسول اللَّهِ ونحنُ أنصارُ خليفَتِه كما كنا أنصارَه. قال: فقام عمرُ بن الخطّاب فقال: صَدَقَ قائِلُكُم، أما لو قُلْتُم غيرَ هذا لم نتابعكم، وأخذَ بيد أبي بكرٍ، وقال: هذا صاحبُكُم فبايعوه. فبايَعَهُ عُمَر، وبايَعُه المهاجرون والأنصارُ. قال: فصَعِدَ أبو بكرٍ المِنْبر فنظرَ في وجوه القومِ فلم يَرَ الزُّبَيْرَ. قال: فَدَعا بالزُّبَيْر فجاء، فقال: قلتَ: ابنُ عَمَّةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وحوارِيُّه أردتَ أن تَشُقَّ عصا المسلمين!؟ فقال: لا تَثْريبَ يا خليفَة رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقام فبايعه. ثم نَظَر في وجوهِ القَوْمِ فلم يَرَ عليًّا، فدعا بعليِّ بن أبي طالب فجاء، فقال: قلتَ: ابنُ عمِّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخَتنُه على ابنته، أردتَ

(3)

أن تشقَّ عصا المُسلمين. قال: لا تَثْريبَ يا خليفةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. فبايعه. هذا أو معناه. وقال أبو عليّ الحافظ: سمعتُ محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث. فكتبتُه له في رقعةٍ، وقرأتُه عليه، وقال

(4)

: هذا حديثٌ يَسْوى بَدَنةً (فقلت: يَسْوى بَدَنَة)

(5)

. بل يَسْوَى بدْرة.

وفد رواه البيهقيّ

(6)

، عن الحاكم، وأبي محمد بن [أبي] حامد المُقْرئ، كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصمّ، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفّانَ بن مسلم، عن وُهَيْب به. ولكن ذَكَر أنّ الصّدّيق هو القائل لخطيب الأنصار بدل عمر. وفيه: أنَّ زيدَ بن ثابتٍ أخَذَ بيد أبي بكر، فقال: هذا صاحبُكم فبايِعوه ثم انْطَلِقوا. فلما قَعَد أبو بكر على المنبرِ نظَر في وجوهِ القومِ فلم يَرَ عَلِيًّا، فسألَ عنه، فقام ناسٌ من الأنصار فأتوا به. . . فذكر نحوَ ما تقدَّم، ثم ذكر قصةَ الزُّبير بعدَ عليٍّ، فاللَّه أعلم

(7)

.

(1)

ط: (وابن إبراهيم) وفيه لفظ زائد. انظر سير أعلام النبلاء (13/ 547).

(2)

ط: (ميدار بن يسار) وفيه تحريفان وانظر سير أعلام النبلاء (12/ 144).

(3)

ط: (لو قلتم على [غير] هذا لم نبايعكم).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ليس ما بين القوسين في ط.

(6)

في "الكبرى"(8/ 143).

(7)

بعد هذا في أ: "وقد رواه الإمام أحمد عن النضر، عن وهيب، مختصرًا". وهي عبارة غير صحيحة فإن الإمام أحمد لم يخرج مثل هذا في مسنده، ولا توجد في المسند رواية للنضر عن وهيب أصلًا (بشار).

ص: 350

وقد رواه علي بن عاصم عن الجُرَيْري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخُدْري. . . فذكر نحو ما تقدم. وهذا إسنادٌ صحيحٌ محفوظٌ من حديث أبي نَضْرَة المُنْذِر بن مالك بن قِطْعَة، عن أبي سَعيدٍ سعدِ بن مالكِ بن سِنانِ الخُدريّ، وفيه فائدةٌ جليلةٌ، وهي مُبايَعَةُ عليِّ بن أبي طالب، إمّا في أول يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة. وهذا حقٌّ، فإنَّ عليَّ بن أبي طالب لم يفارق الصّدّيق في وقت من الأوقات، ولم يَنْقَطِعْ في صلاةٍ من الصلواتِ خَلْفَه، كما سنذكره، وخرجَ معه إلى ذي القَصَّةِ، لما خَرَجَ الصِّديقُ شاهرًا سيفَه يريد قِتالَ أهلِ الرِّدَّة، كما سَنُبَيِّنُه قريبًا، ولكن لما حَصَلَ من فاطمة، رضي الله عنها، عَتْبٌ على الصِّدِّيق بسبب ما كانت متوهِّمةً من أنها تَسْتَحِقُّ ميراثَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم تَعْلَم بما أخبرها به الصّدّيق، رضي الله عنه، أنه قال:"لا نُورَثُ ما تَرَكْنا فهو صَدَقَةٌ" فَحَجَبها وغيرَها من أزْواجِهِ وعَمَّه عن

(1)

الميراث بهذا النصّ الصَّريح كما سنُبَيِّن ذلك في موضعه، فسألَتْهُ أن ينظُرَ عليٌّ زوجها

(2)

في صَدَقَةِ الأرضِ التي بخَيْبَر وفَدك، فلم يُجِبْها إلى ذلك. لأنَّه رأى أنَّ حقًّا عليه أن يقومَ في جميع ما كان يتولّاه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وهو الصادِقُ البارُّ الراشدُ التابعُ للحقِّ، رضي الله عنه، فحَصَلَ لها -وهي امرأةٌ من البشر ليست بواجبة

(3)

العِصْمَة- عَتْبٌ وتَغَضُّبٌ، ولم تُكَلِّمِ الصِّدِّيقَ حتى ماتت، رضي الله عنها، واحتاجَ عليٌّ أن يُراعيَ خاطِرَها بعضَ الشيء، فلما ماتَتْ بعدَ ستَّةِ أشْهُرٍ من وفاةِ أبيها صلى الله عليه وسلم رأى عليٌّ أن يُجَدِّد البَيْعَةَ مع أبي بكر، رضي الله عنه، كما سنذكره من "الصحيحين" وغيرهما فيما بعدُ، إن شاء اللَّه تعالى، مما تقدَّمَ له من البَيْعَةِ قبلَ دَفْنِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويزيدُ ذلك صحةً قولُ موسى بن عقبة في "مغازيه"

(4)

، عن سعد بن إبراهيم، حدّثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كَسَر سَيْفَ الزُّبير، ثم خَطَبَ أبو بكر، واعتذر إلى الناس، وقال: ما كنتُ حَريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلةً، ولا سَأَلْتُها في سرٍّ ولا عَلانيةٍ، فقبل المُهاجرون مقالَتَه. وقال عليٌّ والزُّبَيْر: ما غَضِبنا إِلَّا لأنّا أُخِّرْنا عن المَشورةِ، وإنا نرَى أنّ أبا بكر أحَقُّ الناسِ بها، إنّه لصاحبُ الغارِ، وإنا لنعرفُ شَرَفَهُ وخَيْرَه

(5)

، ولقد أمَرَهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالصلاة

(6)

بالناس وهو حيٌّ. إسنادٌ جيدٌ وللَّهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ

(7)

.

(1)

ط: (وعن) والواو زائدة.

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (براجيه).

(4)

السنن الكبرى للبيهقي (8/ 152 - 153).

(5)

ط: (خبره) وعند البيهقيّ: (كبره).

(6)

ط: (أن يصلّي).

(7)

ليس اللفظ في أ.

ص: 351

‌فصل

ومن تَأَمَّلَ ما ذَكَرْناهُ ظَهَرَ له إجماعُ الصَّحابة -المُهاجرين منهم والأنصار- على تقديم أبي بكر، وظَهَر بُرْهان قوله عليه الصلاة والسلام:"يَأْبَى اللَّهُ والمُؤْمنون إلا أبا بكر". وظَهَرَ له أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يَنُصَّ على الخلافةِ عَيْنًا لأحدٍ من الناس، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعليٍّ كما يقولُه طائفةُ الرافِضَةِ، ولكن أشار إشارة قوية يفهمُها كلُّ ذي لُبٍّ وعقل إلى الصّدّيق كما قدمنا و [كما] سنذكره. وللَّه الحمد.

كما ثبت في "الصحيحين"

(1)

من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب لما طُعِنَ قيل له: ألا تَسْتَخْلفُ يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: إن اسْتَخْلِفْ فقد استَخْلَف من هو خير مني. يعني -أبا بكر- وإن أترك فقد ترك من هو خير مني. يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال ابن عمر: فعرفتُ حينَ ذكَر رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنّه غير مُسْتَخْلِفٍ.

وقال سفيان الثوري

(2)

: عن الأسود

(3)

بن قيس، (عن عمرو بن سفيان)

(4)

، قال: لما ظَهَرَ عليٌّ على الناس [يوم الجمل]

(5)

. قال: يا أيُّها الناس إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يعهدْ إلينا في هذه الإمارة شيئًا، حتى رَأَيْنَا منَ الرَّأْي أن نستخلف

(6)

أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، (ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عُمَرَ فأقام واستقام حتى مضى لسبيله)

(7)

-أو قال حتى ضرب الدِّين بِجِرانِه

(8)

- إلى آخره. وقال الإمام أحمد

(9)

: ثنا أبو نُعيم، ثنا شريكٌ، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، قال: خَطَبَ رَجُلٌ يومَ البصرةِ حينَ ظهرَ عليّ، فقال عليّ: هذا الخَطيبُ الشَّحْشَحُ

(10)

، سبقَ

(1)

البخاري (7218) و (1823)(11).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 223).

(3)

في ط، أ:"عمرو بن قيس"، خطأ، وما أثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي، نعم، روى سفيان الثوري عن عمرو بن قيس، ولكننا لا نعرف رواية لعمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان، بل تفرد الأسود بن قيس بالرواية عن عمرو بن سفيان، وبعضهم يضيف في الرواة عنه "مساور"، كما فى تهذيب الكمال وغيره (بشار).

(4)

ليس اسم هذا الراوي في أ.

(5)

ما بين الحاصرتين من دلائل النبوة.

(6)

ط: (يستخلف).

(7)

ليس ما بين القوسين في أ.

(8)

أي قَرَّ واستقام، كما أنّ البعير إذا برك واستراح مدّ عُنُقه على الأرض والجراب باطن العنق (النهاية: جرن).

(9)

مسند الإمام أحمد (1/ 147)، وهو حديث ضعيف لجهالة عمرو بن سفيان، ولأنه لم يدرك عليًا رضي الله عنه، فضلا عن ضعف شريك.

(10)

الخطيب الشحشح، أي: الماهر الماضي في كلامه (النهاية: شحح) وقد حرف اللفظ في أ، ط إلى (السجسج).

ص: 352

رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصلَّى أبو بكر، وثَلَّثَ عُمر، ثم خَطَبتْنا فِتْنةٌ يعدهم يَصْنَعُ اللَّه فيها ما يشاء.

وقال الحافظ البيهقي

(1)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد المُزَكِّي

(2)

بمَرْو

(3)

ثنا عبد اللَّه بن رَوْح المَدائني، ثنا شَبابةُ بن سَوّار، ثنا شُعيبُ بن ميمونٍ، عن حُصَيْن بن عبد الرحمن، عن الشعبي، عن أبي وائل، قال: قيل لعليّ بن أبي طالب: ألا تَسْتَخْلفُ علينا؟ فقال: ما اسْتَخْلَفَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأَسْتَخْلِفَ، ولكن إن يُردِ اللَّهُ بالنّاسِ خيرًا فَسَيجْمَعُهم بعدي على خيرهم، كما جَمَعَهم بعدَ نبيِّهم على خيرهم. إسنادٌ جيدٌ ولم يخرجوه. وقد قدَّمنا ما ذكره البخاريّ

(4)

من حديث الزُّهْري، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن ابن عباس: أنَّ عبّاسًا وعَلِيًّا لما خرجا من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رجل كيفَ أصبحَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال عليّ: أصبحَ بحمدِ اللَّه بارئًا. فقال العباس: إنَّك واللَّهِ بعدَ ثلاثٍ

(5)

عبد العصا، إني لأعرف في وجوه بني هاشم الموت، وإني لأرى في وجهِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الموتَ، فاذهبْ بنا إليه فنسألَه فيمن هذا الأمرُ؟ فإنْ كانَ فينا عَرَفْناهُ، وإن كان في غيرنا أمرناه

(6)

فَوَصّاهُ بنا. فقال عليّ: إنّي لا أسأله ذلك، واللَّهِ إن مَنَعَناها لا يُعْطيناها الناسُ بعده أبدًا.

وقد رواه محمد بن إسحاق

(7)

عن الزُّهري به. . . فذكره

(8)

.

وقال في آخره: فتُوفِّيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حين اشتدَّ الضُّحَى من ذلك اليوم.

قلت: فهذا يكون في يوم الإثنين يوم الوفاة، فَدَل على أنّه عليه الصلاة والسلام تُوفِّي عن غير وَصيَّةٍ في الإمارة. وفي "الصحيحين"

(9)

عن ابن عباس: إنَّ الرزيةَ كل الرَّزية ما

(10)

حالَ بينَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وبينَ أن يَكْتُبَ ذلك الكتابَ. وقد قدَّمنا أنَّه عليه الصلاة والسلام، كان طلب أن يكتُبَ لهم كتابًا لن يَضِلُّوا بعدَه، فلما أكثروا الَّلغَطَ والاختلافَ عنده، قال:"قوموا عني، فما أنا فيه خيرٌ ممّا تَدْعونني إليه ". وقد قدمنا أنه قال بعد ذلك: "يَأْبَى اللَّهُ والمُؤمنون إلا أبا بكر".

(1)

دلائل النبوة (7/ 223).

(2)

أ، ط:(الزكي).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

تقدم. وانظر أيضًا البخاري (6266).

(5)

ط: (إنك واللَّه عبد العصا بعد ثلاث) وتقدم الحديث عن عبد العصا.

(6)

أي سألناه، انظر فتح الباري (11/ 60).

(7)

سيرة ابن هشام (2/ 654).

(8)

بعدها في ط: (وقال فيه: فدخلا عليه في يوم قبض صلى الله عليه وسلم فذكره).

(9)

البخاري (114، 4432، 5669، 7366) ومسلم (1637)(25).

(10)

ليس لفظا (كل الرزّية) في ط.

ص: 353

وفي "الصحيحين"

(1)

: من حديث عبد اللَّه بن عَوْنٍ، عن إبراهيم التيمي

(2)

، عن الأسود، قال: قيل لعائشة: إنَّهم يقولون إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى عليّ، فقالت: بمَ أوصى إلى عليّ!؟ لقد دَعا بطَسْتٍ ليبولَ فيها، وأنا مُسْندتُه إلى صدري فانْخَنَثَ

(3)

فمات وما شعرتُ فيمَ يقول هؤلاء: إنَّه أوصى إلى علي!!؟

وفي "الصحيحين"

(4)

، من حديث مالك بن مِغْولٍ، عن طلحة بن مُصَرِّفٍ، قال: سألتُ عبد اللَّه بن أبي أوْفَى: هل أوْصَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قلتُ: فلمَ أُمِرْنا بالوصِيَّةِ؟ قال: أوصى بكتَابِ اللَّه عز وجل. قال طلحة بن مُصَرِّفٍ: وقال هُزَيْلْ

(5)

بن شُرَحْبيل: أبو بكر يَتَأمَّر على وَصِيِّ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ودَّ أبو بكرٍ أنَّه وَجَدَ عهدًا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَخَزمَ أنْفَهُ بخِزامةٍ

(6)

.

وفي "الصحيحين"

(7)

أيضًا من حديث الأعمش، عن إبراهيم التَّيْمي، عن أبيه. قال: خَطَبنا عليُّ بنُ أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: منْ زَعَم أنَّ عندنا شيئًا نقرأه ليس

(8)

كتاب اللَّه وهذه الصحيفة -لصحيفة مُعَلَّقةٍ في سيفه فيها أسنانُ الإبل وأشياءُ من الجراحات- فقد كذب. وفيها قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المدينةُ حَرَمٌ ما بينَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ من أحْدَثَ فيها حَدَثًا أو آوَى مُحْدثًا فَعَليْهِ لعنةُ اللَّه والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبلُ اللَّهُ منه يومَ القيامةِ صرفًا ولا عدلًا، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنةُ اللَّهِ والمَلائكةِ والناسِ أجْمعين، لا يَقْبلُ اللَّهُ منه يومَ القيامةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا، (وذِمَّةُ المسلمين واحدةٌ يَسْعَى بها أدْناهم، فمنْ أخْفَر مسلمًا فعليه لعنةُ اللَّهِ والملائكِة والناس أجْمَعين، لا يقبلُ اللَّه منه يومَ القيامةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا) "

(9)

.

وهذا الحديث الثَّابِتُ في "الصَّحيحين" وغيرهما

(10)

عن عليّ، رضي الله عنه، يردّ على فِرْقَةِ الرّافِضَةِ في زَعْمِهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أوْصَى إليه بالخِلافَةِ، ولو كان الأمرُ كما زَعَموا لما رَدَّ ذلك أحدٌ منَ

(1)

البخاري (2741، 4459) ومسلم (1636).

(2)

في فتح الباري (5/ 361) و (8/ 148) أنه النخعي لا التيمي.

(3)

ط: (فانخنف) تحريف. وانخنث. أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت (النهاية: خنث).

(4)

البخاري (2740، 4460، 5022)، ومسلم (16، 17/ 1634).

(5)

أ، ط:(هذيل) تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (11/ 31).

(6)

ط: (فخرم أنفه بخرامة) والخِزامةُ حَلَقَةٌ من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير يشدّ بها الزمام (النهاية: خزم) قال بشار: وقد رأيت نساء أهل الريف والبدو يستعملون الخزامة للمرأة من ذهب على شكل القفل الصغير، أو القرط.

(7)

البخاري (1870) ومسلم (467/ 1370).

(8)

ط: (ليىس في) وفي هنا زائدة لأن ليس بمعنى إلا.

(9)

ليس ما بين القوسين في أ.

(10)

أبو داود (2034) والترمذي (2127).

ص: 354

الصحابة، فإنَّهم كانوا أطْوَعَ للَّهِ ورسولهِ صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد وفاته، من أنْ يَفْتاتوا

(1)

عليه فَيُقَدِّموا غيرَ منْ قَدَّمَه، ويُؤَخِّروا منْ قَدَّمَهُ بنصِّه، حاشا وكلا ولمَّا، ومنْ ظنَ بالصحابة، رضوان اللَّه عليهم ذلك، فقد نَسَبَهُم بأجمعهم إلى الفُجور والتَّواطُئِ على مَعَانَدَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم ومَضَادَّتِهِم في حُكْمِه ونَصِّه، ومنْ وَصَلَ من الناسِ إلى هذا المقامِ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ، وكَفَرَ بإجماعِ الأئمةِ الأعْلامِ، وكانَ إراقَةُ دَمِه أحَلَّ من إراقَةِ المُدامِ. ثُمَّ لو كانَ مَعَ عليِّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، نَصٌّ، فلِمَ لا كان يَحْتَجُّ به على الصَّحابة على إثباتِ إمارته عليهم وإمامتِه لهم؟! فإن لَمْ يَقْدِرْ على تَنْفيذِ ما معه منَ النَّصِّ فهو عاجِزٌ، والعاجِزُ لا يَصْلُحُ للإمارةِ، وإن كان يَقْدِرُ ولم يَفعَلْهُ فهو خائنٌ، والخائِنُ

(2)

الفاسقُ مسلوبٌ مَعْزولٌ عن الإمارة، وإن لم يَعْلَمْ بوجودِ النَّصِّ فهو جاهل، ثم وقد عرفه وعلمه منْ بَعْدِ هذا

(3)

، محالٌ وافتراءٌ وجهلٌ وضَلالٌ. وإنما يَحْسُنُ هذا في أذْهانِ الجَهَلَةِ الطَّغامِ والمغترِّين من الأنام، يُزَينُهُ لهم الشيطانُ بلا دليلٍ ولا برهانٍ، بل بمجردِ التَّحكْمِ والهذيانِ والإفكِ والبُهْتانِ، عياذًا باللَّه مما هم فيه من التَّخْليط والخِذلانِ والتَّخْبيطِ والكُفْران، ومَلاذًا باللَّه بالتَّمسُّكِ بالسُّنَة والقرآنِ، والوفاة على الإسلام والإيمان، والمُوافاةِ على الثباتِ والإيقانِ وتَثْقيل الميزانِ، والنَّجاةِ من النيرانِ والفَوْزِ بالجِنان، إنه كريمٌ منَّان رحيمٌ رحمنٌ.

وفي هذا الحديث الثابت في "الصحيحين" عن عليٍّ الذي قَدَّمْناه، ردٌّ على مُتَقَوّلةِ كثير من الطُّرُقيَّةِ والقُصّاصِ الجَهَلَةِ في دَعْواهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْصى إلى عليٍّ بأشياء كثيرةٍ يَسُوقُونها مُطَوَّلةً: يا عليُّ افعلْ كذا، يا عليُّ لا تَفْعَلْ كذا، يا عليٍّ منْ فَعَلَ كذا، كان كَذَا وكَذا، بألفاظٍ رَكيكةٍ ومعانٍ أكثرُها سخيفة وكثيرٌ منها ضعيفةٌ

(4)

لا تُساوي تَسْويد الصَّحيفة. واللَّه أعلم.

وقد أورد الحافظ البيهقي

(5)

من طريق حمادِ بن عمرو النَّصيبي -وهو أحدُ الكَذّابين الوضّاعين

(6)

- عن السَّريِّ بن خَلّادٍ، عن جَعْفَر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا عليُّ أوصيكَ بوَصِيَّةٍ احْفَظْها فإنَّكَ لا تزالُ بخيرٍ ما حَفِظْتها، يا عليُّ إنّ للمؤمن ثلاثَ علاماتٍ: الصلاةَ والصِّيامَ والزَّكاةَ. قال البيهقي: فذكَر حديثًا طويلًا في الرَّغائب والآداب، وهو حديثٌ موضوعٌ، وقد شَرَطْتُ في أول الكتاب أنْ لا أُخْرِجَ فيه حديثًا أعْلَمُهُ موضوعًا. ثم روى

(7)

من طريق حماد بن عمرو

(1)

أفتات هو افتعل من الفوات: السبق يقال لكل من أحدث شيئًا في أمرك دونك: قد افتات عليه فيه. (النهاية: فوت).

(2)

أ: (فهو جائر والجائر).

(3)

ط: (من بعده هذا).

(4)

ط: (سخيفة).

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 229).

(6)

ط: (الصواغين).

(7)

دلائل النبوة (7/ 229 - 230).

ص: 355

هذا، عن زيد بنِ رُفَيْع، عن مَكْحُولٍ الشامي، قال: هذا ما قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لعليِّ بن أبي طالب حين رَجَع من غَزْوة حُنيْن، وأُنْزِلَتْ عليه سورةُ النَّصْرِ. قال البيهقي: فَذَكَرَ حَديثًا طَويلًا في الفتنة، وهو أيضًا حديثٌ منكرٌ ليس له أصل، وفي الأحاديث الصَّحيحة كفايةٌ. وباللَّه التوفيق.

وَلْنَذْكُر هاهنا ترجمةَ حَمادِ بن عمرو أبي إسماعيل النَّصيبي

(1)

، روى عن الأعمَش وغيره، وعنه إبراهيم بن موسى، ومحمد بن مِهْران، وموسى بن أيوب، وغيرهم. قال يحيى بن معين

(2)

: هو مِمَّن يَكْذِب ويَضعُ الحديث. وقال عَمْرو بن علي الفَلَّاس وأبو حاتم

(3)

: مُنْكرُ الحديث، ضعيفٌ جدًا. وقال إبراهيم بن يعْقوب الجُوزَجاني: كان يكذب. وقال البخاري

(4)

: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي

(5)

: متروك. وقال ابن حبان

(6)

: يضَعُ الحديث وَضْعًا. وقال ابن عدي

(7)

: عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه. وقال الدارقطني

(8)

: ضعيف. وقال الحاكم أبو عبد اللَّه: يَرْوى عن الثّقات أحاديثَ موضوعةً، وهو ساقط بمَرَّةٍ.

فأما الحديث الذي قال الحافظ البيهقي

(9)

: أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا حمزة بن العباس العَقَبي ببغداد، ثنا عبد اللَّه بن رَوْحٍ المَدائنيّ، ثنا سلّام بن سليمان المَدائني، ثنا سَلَّامُ بن سُلَيْم الطَّويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن، عن الحسن العُرَني

(10)

عن الأشعث بن طَليق، عن مُرَّة بن شَراحيل، عن عَبْدِ اللَّه بن مسعود، قال: لمّا ثَقُلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم اجتمعنا في بَيْتِ عائشة، فنظرَ إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَدَمَعتْ عيناه، ثم قال لنا: قَدْ دنا الفِراقُ ونَعَى إلينا نَفْسه، ثم قال: مَرْحبًا بكم حَيَّاكُم اللَّهُ، هَداكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ، سَدَّدَكُمُ اللَّهُ، وَقاكُمُ اللَّهُ، أعانَكُمُ اللَّهُ، قَبِلَكُمُ اللَّهُ، أوصيكُمْ بتَقْوَى اللَّه، وأوصي اللَّهَ بكم وأسْتَخْلِفُهُ عليكم، إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ أن لا تَعْلُوا على اللَّهِ في عباده وبلاده؛ فإنّ اللَّهَ قال لي ولكم: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا

(1)

ترجمته في التاريخ الكبير للبخاري (18/ 3)، والمجروحين لابن حبان (1/ 252)، والمغني في الضعفاء (1/ 188) والضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 308).

(2)

تاريخ يحيى بن معين.

(3)

الجرح والتعديل (3/ 144).

(4)

التاريخ الكبير للبخاري (3/ 28).

(5)

الضعفاء والمتروكين للنسائي (167).

(6)

الضعفاء والمجروحين لابن حبان (1/ 252).

(7)

الكامل في الضعفاء لابن عدي (2/ 657).

(8)

الضعفاء والمتروكين للدارقطني (77).

(9)

في "دلائل النبوة"(7/ 231).

(10)

أ: (ألقرني)، م:(المقبري). وهو الحسن بن عبد اللَّه العُرَني البجلي الكوفي. انظر تهذيب التهذيب (2/ 290 - 291).

ص: 356

فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] وقال: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60]. قلنا: فمَتىِ أجَلُكَ يا

(1)

رسول اللَّه؟ قال: قَدْ دَنا الأجلُ، والمُنْقَلبُ إلى اللَّه، والسِّدْرةُ المُنْتَهى، والكَأْسُ الأوْفَى، والفُرشُ الأعْلى. قلنا: فَمَنْ يُغَسِّلكَ يا رسولَ اللَّه. قال: رجالُ أهلِ بيتي الأدْنى فالأدْنى، مع ملائكةٍ كثيرةٍ يَرَوْنَكم من حيث لا تَرَوْنَهم. قلنا: فَفيمَ نُكَفِّنُكَ يا رسولَ اللَّه. قال: في ثيابي هذه إن شئتم، أو في يَمنيَّةٍ، أو في بياض مِصْر. قلنا: فَمَنْ يُصلِّي عَلَيْكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فبكىِ وَبَكَيْنا. وقال: مَهْلًا! غفر اللَّه لكم، وجزاكم عن نبيّكم خيرًا، إذا غَسَّلْتموني وحَنَّطْتُموني وكَفَّنْتموني فضَعوني على شَفير قَبْري، ثم اخرجوا عني ساعة، فإنّ أوّلَ منْ يُصلِّي عليّ خَليلايَ وجَليسايَ جبريلُ وميكائيلُ، ثم إسرافيلُ، ثم ملكُ المَوْتِ، مع جنودٍ من الملائكةِ عليهم السلام، وَلْيَبْدأ بالصلاة عليَّ رجالُ أهْلِ بَيْتي، ثم نساؤُهُم، ثم ادخلوا عليَّ أفْواجًا أفواجًا وفُرادَى فُرادى

(2)

، ولا تُؤْذوني بباكيةٍ ولا بَرنَّةٍ ولا بصَيْحةٍ

(3)

، ومن كان غائبًا من أصحابي فأبلغوه عني السَّلامَ، وأُشْهدُكُمْ بأنِّي قد سَلّمتُ على منْ دَخَلَ في الإسلام، ومنْ تَابَعَني في ديني هذا، منذ اليومِ إلى يومِ القيامة. قلنا: فمَنْ يُدْخِلُكُ قَبْرَكَ يا رسول اللَّه؟ قال: رجالُ أهلِ بَيْتي الأدْنى فالأدْنَى مع ملائكةٍ كثيرة

(4)

يَرَوْنَكُمْ من حيث لا تَرَوْنَهُمْ. ثم قال البيهقي: تابعه أحمد بن يونُس عن سَلَّام الطَّويل وتَفَرَّدَ به سَلَّامٌ الطَّويلُ.

قلت: وهو سَلَّامُ بن سَلْم

(5)

، ويقال: ابن سليم، ويقال: ابن سليمان، والأولُ أصحُّ التَّميمي السَّعْدي الطَّويل. يَرْوي عن جَعْفر الصَّادق، وحُمَيْد الطَّويل، وزيد العَمِّي وجماعةٍ، وعنه جماعةٌ أيضًا منهم: أحمدُ بن عبد اللَّه بن يونس، وأسَدُ بن موسى، وخلف بن هاشم البَزّار، وعليّ بن الجَعْدِ، وقَبيصةُ بن عُقبة. وقد ضعَّفَه علي بن المَديني، وأحمد بن حنبل، ويَحْيَى بن مَعين، والبخاري، وأبو حاتمٍ، وأبو زُرْعة، والجُوزَجاني، والنّسائي، وغير واحد، وكذَّبه بعض الأئمة، وتركه آخرون

(6)

.

لكن روى هذا الحديثَ بهذا السياق بطوله الحافظُ أبو بكر البزَّار من غير طريق سلّامٍ هذا، فقال: ثنا محمد بن إسماعيل الأحْمسي، ثنا عبد الرحمن بن محمد المُحاربيّ، عن ابن الأصْبهاني، أنه أخْبَره عن مُرَّة، عن عبد اللَّه. . . فذكر الحديثَ بطوله. ثم قال البَزّار: وقد رُوي هذا عن مُرَّةَ من غير وجهٍ بأسانيدَ

(1)

ليست (يا) في ط.

(2)

أ: (أفواجًا وفرادى).

(3)

ط: (بضجة).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ط: (مسلم) تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (4/ 281).

(6)

والأشعث بن طليق (ويقال طلق) ضعيف، وقد استنكر أصحاب كتب الضعفاء هذا الحديث، فانظر لسان الميزان (1/ 508 - 509) ط. الفكر (بشار).

ص: 357

متقاربةٍ وعبد الرحمن بن الأصبهاني لم يَسْمَع هذا من مُرَّةَ، وإنما هو عَمَّن أخبره عن مُرَّة، ولا أعلم أحدًا رواه عن عبد اللَّه غيرَ مُرَّة

(1)

.

‌فَصْلٌ في ذِكْرِ الوَقْت الذي تُوُفِّيَ فيه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ومَبْلَغِ سِنّه حالَ وفاته، وفي كيفية غُسْلِه عليه الصلاة والسلام، وتكفينه

(2)

، والصلاة عليه ودَفْنِه، ومَوْضِعِ قَبْرِهِ صلواتُ اللَّهُ وسلامُه عليه

لا خلافَ أنّه عليه الصلاة والسلام، توفّيَ يومَ الإثنين. قال ابن عباس: وُلدَ نَبيُّكُم صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين، ونُبِّئَ يَوْمَ الإثنين، وخَرَجَ من مكةَ مُهاجِرًا يومَ الإثنين، ودخلَ المدينةَ يومَ الإثنين، وماتَ يومَ الإثنين. رواه الإمام أحمد

(3)

والبيهقي

(4)

. وقال سفيانُ الثوري: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالَتْ: قال لي أبو بكر: أيَّ يومٍ تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: يومَ الإثنين. فقال: إني لأرجو أنْ أموتَ فيه. فمات فيه. رواه البيهقي من حديث الثوري به.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثنا أسود بن عامر، ثنا هُرَيْمٌ

(6)

، حدّثني ابنُ إسحاق، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين، ودُفِنَ ليلةَ الأرْبعاء. تَفَرَّدَ به أحمدُ.

وقال عُرْوةُ بن الزبير في "مغازيه"، وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب: لمَّا اشْتَدَّ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعُه أرسلت عائشةُ إلى أبي بكر، وأرسلت حَفْصةُ إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى عليّ، فلم يجتمعوا حتى تُوفي رسولُ اللَّه وهو في صدرِ عائشة وفي يومها، يوم الإثنين حينَ زاغتِ الشَّمْسُ لهلالِ ربيعٍ الأوَّل.

وقد قال أبو يعلى

(7)

: ثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس، قال: آخرُ نَظْرةٍ نَظرتُها إلى رسول اللَّه يومَ الإثنين كَشَفَ الستارةَ والناسُ خَلْفَ أبي بكر، فنظرتُ إلى وجهه، كأنه ورقةُ مصحفٍ، فأراد الناسُ أن ينحرفوا، فأشارَ إليهم أن امكثُوا وألقَى السجفَ، وتوفِّي من آخر ذلك اليوم.

(1)

ط: (عن مرة) وهو تحريف.

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 277)، وإسناده ضعيف، ولكن صح منه، الولادة، والبعث، والوفاة انظر مسلم رقم (1162)(197) والبخاري (1387).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 233).

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 110)، وهو حديث حسن بطرقه.

(6)

تهذيب التهذيب (11/ 30).

(7)

في مسنده رقم (3548).

ص: 358

وهذا الحديث في "الصحيح"

(1)

وهو يدلُّ على أنّ الوفاةَ وقعت بعدَ الزَّوال. واللَّه أعلم.

وروى يعقوب بن سفيان

(2)

، عن عبد الحميد بن بَكّار، عن محمد بن شُعيب، وعن صفوان، عن عمر بن عبد الواحد، جميعًا عن الأوْزاعي، أنه قال: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين قبلَ أنْ يَنْتصفَ النهار.

وقال البيهقي

(3)

: أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أحمد بن كامل

(4)

، ثنا الحسن بن علي البزَّار، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، وهو سليمان بن طَرْخان التَّيْمي في كتاب "المغازي". قال: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم مرضَ لاثنتين وعشرين ليلةً من صفر، وبدأه وجعُه عند وليدةٍ له يقال لها: ريحانة كانَتْ من سَبْي اليَهودِ، وكان أولَ يومٍ

(5)

مرض يوم السبت، وكانت وفاته عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين لليلتين خَلَتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه الصلاة والسلام المدينةَ.

وقال الواقدي

(6)

: حدَّثنا أبو مَعْشَر، عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الأربعاء لإحدى عَشْرَة ليلة

(7)

بقيت من صفر سنةَ إحدى عَشْرَةَ في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يومًا، وتوفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.

وقال الواقدي: وقالوا بُدِئ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الأربعاء لِلَيْلَتَيْن بَقِيتا من صفرٍ، وتُوفِّي يومَ الإثنين لثِنْتي

(8)

عشرةَ ليلةً خَلَتْ من ربيع الأول. وهذا جَزَمَ به محمدُ بن سعدٍ كاتبُه. وزاد: ودفن يوم الثلاثاء.

قال الواقديّ

(9)

: وحدّثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبْيض، عن المقبري، عن عبد اللَّه بن رافع، عن أم سلمة: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بُدئ في بيتِ مَيْمونة.

وقال يعقوب بن سفيان (2): حدَّثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو مَعْشَر، عن محمد بن قيس، قال: اشْتكى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ عشرَ يَوْمًا، فكان إذا وجدَ خِفَّة صلَّى، وإذا ثَقُلَ صَلَّى أبو بكرٍ، رضي الله عنه.

(1)

البخاري (680) ومسلم (419).

(2)

المعرفة والتاريخ (3/ 308).

(3)

دلائل النبوة (7/ 234).

(4)

ط: (حنبل) تحريف.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

دلائل النبوة (7/ 234) وطبقات ابن سعد (2/ 272).

(7)

ليس اللفظ في أ.

(8)

ط: (لاثنتي).

(9)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 235).

ص: 359

وقال محمد بن إسحاق: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لاثنتي عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ من شَهْرِ ربيعٍ الأول، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مُهاجرًا، واسْتَكْمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هِجْرته عَشْرَ سنينَ كوامل. قال الواقدي: وهو المثبتُ عندنا. وجَزَمَ به محمد بن سعدٍ كاتبُه

(1)

.

وقال يعقوب بن سفيان

(2)

: عن يَحْيَى بن بُكَير، عن الليث، أنه قال: تُوفِّي وسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين لليلةٍ خَلَتْ من ربيعِ الأوّل، وفيه قَدِمَ المدينةَ على رأسِ عَشْرِ سنين من مَقْدَمه.

وقال سعد بن إبراهيم الزُّهْري: تُوفي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين لِلَيْلَتيْنِ خَلَتا من ربيعٍ الأول، لتمام عَشْر سنينَ من مَقْدَمِه المدينةَ، رواه ابن عساكر، ورواه الواقدي، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس مثلَه سواء. وقاله خليفة بن خَياط أيضًا.

وقال أبو نعيم الفَضْلُ بن دُكَيْن: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين مُسْتَهلّ ربيع الأول سنةَ إحدى عَشْرة من مَقْدَمِه المدينة

(3)

، ورواه ابن عساكر

(4)

أيضًا. وقد تقدَّم قريبًا عن عروة، وموسى بن عُقْبة، والزهري مثلُه، فيما نقلناه عن مغازيهما. فاللَّه أعلم. والمشهور قول ابن إسحاق والواقدي.

ورواه الواقدي

(5)

: عن ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهما، فقال: حدّثني إبراهيم بن يزيد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس. وحدّثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. قالا: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثْنتيْ عشرةَ ليلةً خَلَتْ من ربيع الأول.

ورواه ابن إسحاق

(6)

، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حَزْمٍ، عن أبيه، مثله، وزاد: ودفن ليلة الأربعاء.

وروى سيف بن عمر، عن محمد بن عبيد اللَّه العَرْزَمي، عن الحكم، عن مِقْسم عن ابن عباس، قال: لما قَضَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حجةَ الوداعِ ارتحل، فأتى المدينةَ فأقام بها بقيَّةَ ذي الحجّة والمحرم وصفرًا، ومات يومَ الإثنين لعشير خَلَوْنَ من ربيع الأول. وروى أيضًا عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة. وفي حديث فاطمة، عن عمرة، عن عائشة مثله، إلا أنَّ ابنَ عباسٍ قال في أوله لأيامٍ مَضَيْنَ منه. وقالت عائشة: بعدَ ما مَضَى أيامٌ منه.

(1)

الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 311).

(2)

المعرفة والتاريخ (3/ 308).

(3)

هذا آخر لفظ من الورقة (707) من النسخة (1) وبعده انقطاع بقدر ورقة، وستعود النسخة للانضمام إلى باقي النسخ في بداية الورقة (708).

(4)

مختصر تاريخ دمشق (2/ 387).

(5)

طبقات ابن سعد الكبرى (2/ 272 - 273).

(6)

انظر الطبري (3/ 217).

ص: 360

فائدة: قال أبو القاسم السُّهَيْلي في "الروض"

(1)

ما مضمونه: لا يُتصوَّرُ وقوعُ وفاتِه عليه الصلاة والسلام، يومَ الإثنين ثانيَ عَشَرَ ربيع الأول من سنةِ إحدى عَشْرَة؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام، وقف في حجة الوَداع سنةَ عشرٍ يومَ الجمعة، فكان أول ذي الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تُحْسَبَ الشهور تامةً أو ناقصةً أو بعضُها تامٌ وبعضُها ناقصٌ، لا يُتَصَوَّرُ أن يكونَ يوم الإثنين ثانيَ عَشَرَ ربيعٍ الأول.

وقد اشتهر هذا الإيرادُ على هذا القول، وقد حاول جماعةٌ الجوابَ عنه، ولا يمكنُ الجوابُ عنه، إلا بمَسْلَكٍ واحدٍ، وهو اخْتلافُ المَطالعِ، بأن يكونَ أهلُ مكةَ رَأَوْا هلالَ ذي الحجّة ليلةَ الخميس، وأمّا أهلُ المدينة فلم يَرَوْه إلا ليلةَ الجمعة، ويُؤَيّدُ هذا قولُ عائشةَ وغيرها: خرج رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لخمسٍ بقينَ من ذي القعدة -يعني من المدينة- إلى حجة الوداع. ويتعيَّن بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت، وليس كما زَعَم ابنُ حزم أنَّه خَرَج يومَ الخميس؛ لأنه قد بَقيَ أكثر من خَمْسٍ بلا شكٍّ، ولا جائزٌ أن يكونَ خَرَجَ يومَ الجمعةِ، لأنَّ أنسًا قال

(2)

: صلَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بالمدينةِ أربعًا، والعصرَ بذي الحُلَيْفة ركعتين. فتعيَّن أنه خَرَجَ يوم السبت لخمسٍ بَقينَ، فعلى هذا إنما رأى أهلُ المدينة هلالَ ذي الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان أولَ ذي الحجةِ عندَ أهلِ المدينة الجمعةُ، وحُسبت الشهورُ بعدَه كواملَ، يكونُ أولَ ربيعٍ الأوَّلِ يومُ الخَميسِ، فيكونُ ثانيَ عَشرِهِ يومُ الإثنين. واللَّه أعلم.

وثبت في "الصحيحين"

(3)

من حديث مالكٍ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، قال: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ليس بالطَّويل البائن، ولا بالقَصير، وليس بالأبيض الأمْهَقِ ولا بالآدم، ولا بالجعد القَطَط ولا بالسَّبط، بعثه اللَّه عز وجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكَّةَ عشر سنين، وبالمدينة عَشْرَ سنينٍ. وتوفّاهُ اللَّهُ على رأسِ ستّين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاءَ. وهكذا رواه ابنُ وهب، عن قُرَّة

(4)

عن الزُّهْري، عن أنس، وعن قرة، عن

(5)

ربيعة، عن أنس، مثلَ ذلك.

قال الحافظ ابن عساكر. حديثُ قرّة عن الزُّهْري غريبٌ، وأمّا منْ روايةِ ربيعةَ، عن أنس، فرواها عنه جماعةٌ كذلك. ثم أسند (من طريق سليمان بن بلال)

(6)

عن يحيى بن سعيد وربيعة عن أنس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تُوفِّي وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين.

(1)

الروض الأنف (7/ 579).

(2)

البخاري (1715) ومسلم (15/ 690).

(3)

البخاري (3548) ومسلم (2347)(113).

(4)

ط: (عروة) وهو تحريف. وانظر تهذيب الكمال (23/ 581).

(5)

ط: (قرة بن ربيعة).

(6)

تكرر ما بين القوسين في ط.

ص: 361

وكذلك رواه ابنُ البَرْبَري، ونافِعُ بن أبي نُعيم، عن ربيعة، عن أنس به، قال: والمحفوظ عن ربيعة، عن أنس: ستون.

ثم أورده ابن عساكر من طريق مالكٍ، والأوزاعي، ومِسْعر، وإبراهيم بن طَهْمان، وعبد اللَّه بن عمر، وسليمان بن بلال

(1)

وأنس بن عياض، والدراورديِّ، ومحمد بن قيس المدني، كلُّهم عن رَبيعة عن أنس، قال: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم-وهو ابنُ ستّين سنة.

وقال البيهقي

(2)

: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو عمرو بن السماك، ثنا حنبل بن إسحاقٍ، ثنا أبو مَعْمَر عبد اللَّه بن عمرو، ثنا عبد الوارث، ثنا أبو غالب الباهلي، قال: قلت لأنس بن مالك: بسنِّ أيُّ الرجالِ كان

(3)

رسول اللَّه إذ بعث؟ قال: كان ابنَ أربعين سنة. قال: ثم كان ماذا؟ قال: كان بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتَمَّتْ له ستُون سنة يوم قَبَضَهُ اللَّه عز وجل وهو كأشَدَّ الرجال وأحْسَنِهِمْ وأجْمَلِهم وأَلْحَمهم.

ورواه الإمام أحمد

(4)

عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.

وقد روى مسلم

(5)

عن أبي غسّان محمد بن عمرو الرازي، الملقب بزُنَيْجٍ

(6)

عن حَكَّام بن سَلْيم

(7)

، عن عثمان بن زائدة، عن الزُّبير بن عَدِيّ، عن أنس بن مالك، قال: قُبضَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم-وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين، وقُبض (أبو بكر، وهو ابن ثلاث وستّين، وقُبضَ)

(8)

عمر، وهو ابن ثلاث وستين. انْفَرَد به مسلم. وهذا لا يُنافي ما تقدَّم عن أنس، لأنّ العَربَ كثيرًا ما تحذفُ الكَسْرَ.

وثبت في "الصحيحين"

(9)

من حديث الليث بن سعد، عن عُقَيْل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين سنة. قال الزهري: وأخبرني سعيدُ بن المسيّب مثله.

وروى موسى بن عُقبة، وعُقَيْل، ويونس بن يزيد، وابن جُرَيج، عن الزُّهْري، عن عروة، عن

(1)

بعد هذا اللفظ في ط: (وأنس بن بلال) وهو زيادة لا ضرورة لها.

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 237).

(3)

ط: (ابن أي الرجال رسول اللَّه) وما أثبته عن الدلائل.

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 151)، وإسناده صحيح.

(5)

مسلم (2348).

(6)

ط: (برشيح) وهو تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (9/ 369).

(7)

ط: (حكام بن مسلم) وهو تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (2/ 422).

(8)

ليس ما بين القوسين في ط.

(9)

البخاري (4466) ومسلم (2349)(115).

ص: 362

عائشة، قالت: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين. قال الزهري: وأخبرني سعيدُ بن المسيّب مثل ذلك.

وقال البخاري

(1)

: ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كَثير، عن أبي سَلَمةَ، عن عائِشَة وابن عباس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكَثَ بمكة عَشْرَ سنين يُنْزلُ

(2)

عليه القرآن، وبالمدينة عشرًا. لم يخرجه مسلم.

وقال أبو داود الطيالسي في "مسنده"

(3)

: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد اللَّه، عن معاوية بن أبي سفيان، قال: قُبضَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين، وأبو بكرٍ وهو ابنُ ثَلاثٍ وستّين، وعمر وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين.

وهكذا رواه مسلم

(4)

من حديث غُنْدَرٍ عن شُعْبَة، وهو من أفراده دون البخاري. ومنهم من يقول: عن عامر بن سعد، عن معاوية. والصوابُ ما ذكرناه عن عامر بن سعد، عن جرير، عن معاوية

(5)

. ورُوِّينا من طريقِ عامر بن شَراحيل

(6)

الشعبي عن جرير بن عبد اللَّه البَجَلي، عن معاوية. . . فذكره.

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس، قال: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين، وتُوفِّي أبو بكرٍ، وهو ابن ثلاثٍ وستّين، وتُوفِّي عمر وهو ابن ثلاث وستين.

وقال ابن لَهيعة

(7)

، عن أبي الأسود، عن عُروة، عن عائشة، قالت: تذاكَر رسولُ اللَّه وأبو بكر ميلادَهما عندي، فكان رسولُ اللَّه أكبرَ من أبي بكر، فتوفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتُوفِّي أبو بكر بعدَه، وهو ابن ثلاث وستين.

وقال الثوريُّ، عن الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: تُوفّي أبو بكر بعدَه، وهو ابن ثلاث وستين.

وقال الثوريُّ عن الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: تُوفِّي رسولُ اللَّه وأبو بكرٍ وعمر، وهم بنو ثلاثٍ وستّين.

(1)

البخاري (4464، 4465).

(2)

ط: (يتنزل).

(3)

دلائل النبوة (7/ 239) عن الطيالسي.

(4)

مسلم (2352)(120).

(5)

بعده في ط: (فذكره) زيادة.

(6)

بعده في ط، أ:(عن الشعبي) وعن فيها زيادة.

(7)

مختصر تاريخ دمشق (2/ 389).

ص: 363

وقال حنبلٌ: ثنا الإمام أحمد، ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: أنْزِل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وأربعين، فاقام بمكَّة عشرًا، وبالمدينة عشرًا. وهذا غريب منه، وصحيح إليه.

وقال أحمد: ثنا هُشَيْم، ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، قال: نُبِّئ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، فَمَكَثَ ثلاثَ سنين، ثم بُعثَ إليه جبريلُ بالرسالة، ثم مكثَ بعدَ ذلك عَشْرَ سنين، ثم هاجَر إلى المدينة، فَقُبضَ وهو ابن ثلاث وستّين سنةً.

قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل

(1)

: الثَّبَتُ

(2)

عندنا ثلاثٌ وستّون سنة

(3)

.

قلت: وهكذا رَوَى مُجاهِدٌ، عن الشعبيِّ، ورُوي من حديث إسماعيل بن أبي خالدٍ عنه.

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث (رَوْحِ بن عُبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عَمْرو بن دينار، عن ابن عبَّاس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَكَثَ بمكَّة ثَلاثَ عَشْرَةَ، وتُوفي وهو ابنُ ثلاثٍ وستّين سنة.

وفي صحيح البخاري

(5)

من حديث)

(6)

رَوْحِ بن عُبادة أيضًا، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بُعثَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لأربعين سنةً، فمكث بمكةَ ثلاثَ عشرةَ، ثم أُمِرَ بالهجرة، فهاجرَ عشرَ سنين، ثم مات وهو ابنُ ثلاث وستين. وكذلك رواه الإمام أحمد عن رَوْحِ بن عُبادة ويَحْيى بن سَعيد ويَزيد بن هارون كلُّهم عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس به

(7)

. وقد رواه أبو يَعْلَى المَوْصلي، عن الحسن بن عمر بن شَقيق، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، فذكر مثله. ثم أوْرَدَهُ من طرقٍ، عن ابن عباس، مثل ذلك.

ورواه مسلم

(8)

من حديث حماد بن سَلَمة، عن أبي جَمْرَة

(9)

عن ابن عباس: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقام بمكَّة ثلاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إليه، بالمدينة عَشْرًا، ومات وهو ابنُ ثلاثٍ وستين سنة.

وقد أسند الحافظُ ابنُ عساكر من طريق سَلْم

(10)

بن جُنادة، عن عبد اللَّه بن عمر، عن كُريب، عن

(1)

مختصر تاريخ دمشق (2/ 389).

(2)

ط: (الثابت).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

البخاري (3903) ومسلم (2351)(117).

(5)

البخاري (3902).

(6)

ليس ما بين القوسين في أ.

(7)

رواه أحمد في المسند (1/ 371) و (228) و (236).

(8)

مسلم (2351)(118).

(9)

ط: (حمزة) تحريف. وهو نصر بن عمران الضبيعي أبو جمرة البصري (انظر سير أعلام النبلاء 5/ 243).

(10)

ط: (مسلم) وانظر: تهذيب الكمال (11/ 218).

ص: 364

ابن عباس، قال: تُوُفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستين. ومن حديث أبي نَضْرَةَ، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عباس مثله، وهذا القول هو الأشهرُ وعليه الأكثرُ.

وقال الإمام أحمد

(1)

: ثنا إسماعيل، عن خالد الحَذّاء، حدّثني عَمّار مولى بني هاشم، سمعتُ ابنَ عباس، يقول: تُوفِّي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ خَمْس وستّين سنةً. ورواه مسلمٌ

(2)

من حديث خالدٍ الحَذّاء به.

وقال أحمد

(3)

: ثنا حسن بن موسى، ثنا حَمّاد بن سَلَمَة عن عمَّار

(4)

بن أبي عمار، عن ابن عباس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسَ عشرةَ سنة، ثماني سنين -أو سبع- يرى الضوء ويَسْمع الصوتَ، وثمانيًا أو سبعًا يُوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرًا. ورواه مسلم

(5)

من حديث حَمّاد بن سلمة به.

وقال أحمد

(6)

أيضًا: ثنا عَفّان، ثنا يزيد بن زُرَيْع، ثنا يونس، عن عمّار مولى بني هاشم، قال: سألتُ ابنَ عباسٍ: كم أتى لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ مات؟ قال: ما كنتُ أرى مثلَك في قومه يَخْفَى عليك

(7)

ذلك. قال: قلت: إنّي قد سألتُ فاختُلِفَ عليّ، فأحببتُ أن أعْلَم قولَك فيه. قال: أتحسُبُ؟ قلت: نعم، قال: أمسِكْ، أربعين بُعث لها، وخمسَ عشرةَ أقام بمكةَ يأمنُ ويخاف، وعشرًا مُهاجَرَه بالمدينة. وهكذا رواه مسلمٌ

(8)

من حديث يزيد بن زُرَيْع وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن يونس بن عُبَيْد، عن عَمّار، عن ابن عباس بنحوه.

وقال الإمام أحمد

(9)

: ثنا ابن نُمَيْر، ثنا العلاءُ بن صالح، ثنا المِنْهال بن عَمْرو، عن سعيد بن جُبَيْر، أنّ رَجُلًا أتى ابنَ عباسٍ، فقال: أُنْزِلَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرًا بمكة وعشرًا بالمدينة، فقال من يقول ذلك؟ لقد أُنْزِل عليه بمكةَ خمسَ عشرة، وبالمدينة عشرًا؛ خمسًا وستّين وأكثر. وهذا من أفراد أحمد إسنادًا ومتنًا.

وقال الإمام أحمد

(10)

: ثنا هُشَيْم، ثنا عليّ بن زيد، عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عباس، قال: فُبض النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ خَمْسٍ وستّينَ سنة. تَفَرَّدَ به أحمد.

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 223، 359).

(2)

مسلم (2353)(122).

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 266، 294).

(4)

ط: (لا عن عمارة).

(5)

مسلم (2353)(123).

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 290).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

(2353)(121).

(9)

مسند الإمام أحمد (1/ 230)، ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح.

(10)

مسند الإمام أحمد (1/ 215)، وإسناده ضعيف.

ص: 365

وقد روى التّرمذي في كتاب "الشمائل" وأبو يَعلى المَوْصلي، والبيهقي

(1)

من حديث قتادة، عن الحسن البصري، عن دَغْفَل بن حَنْظَلَة الشَّيباني النّسّابة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُبض وهو ابن خَمْسٍ وستين. ثم قال الترمذي: دَغْفَلُ لا يُعْرفُ له سماعٌ

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان في زمانه رجلًا. وقال البيهقيّ: وهذا يُوافقُ

(3)

روايةَ عمارٍ ومنْ تابَعَه عن ابن عباس، وروايةُ الجماعةِ عن ابن عباسٍ: في ثلاثٍ وستين، أصحُّ فهم أوثقُ وأكثرُ، وروايتُهم توافقُ الروايةَ الصَّحيحة عن عروة، عن عائشة وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية، وهي قولُ سَعيدِ (بن المسيّب وعامرٍ الشعبي)

(4)

وأبي جعفر محمد

(5)

بن علي رضي الله عنهم. قلت: وعبد اللَّه بن عُتْبة

(6)

، والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وعلي بن الحسين، وغير واحد.

ومن الأقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خَيّاط

(7)

عن معاذ بن هشام: حدّثني أبي عن قتادة، قال: تُوفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ اثْنَتَيْن وستين سنةً. ورواه يَعقوبُ بن سُفْيان

(8)

، عن محمد بن المُثَنَّى، عن معاذ بن هاشم، عن أبيه، عن قتادة مثله. ورواه زَيْد العَمِّي، عن يزيد، عن أنس.

ومن ذلك ما رواه محمد بن عائدٍ، عن القاسم

(9)

بن حُمَيدٍ، عن النُّعمان بن المنذر الغَسّاني، عن مكحول، قال: تُوفّي رسولُ اللَّه وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهرٍ.

ورواه يعقوب بن سفيان

(10)

، عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف.

وأغربُ

(11)

من ذلك كله ما رواه الإمام أحمد

(12)

عن رَوْح عن سَعيد بن أبي عَروبة، عن قَتادة، عن الحسن. قال: نزلَ القُرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثمانيَ سنين بمكةَ، وعشرًا بعدَما هاجر. فإن كانَ الحسنُ

(1)

الشمائل (366) ومسند أبي يعلى (1575) ودلائل النبوة (7/ 240).

(2)

ط، أ:(سماعًا) وما هنا للسياق.

(3)

أ: (موافق).

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

ط: (وأبي جعفر جعفر بن علي) وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 401).

(6)

ط: (عقبة).

(7)

تاريخ خليفة (1/ 70).

(8)

المعرفة والتاريخ (3/ 314).

(9)

في ترجمة محمد بن عائذ في تهذيب التهذيب روى عنه الهيثم بن حميد، وليس بين الرواة عنه القاسم بن حميد.

(10)

المعرفة والتاريخ (3/ 314).

(11)

ط: (وأقرب).

(12)

أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (1/ 11) من طريق سعيد به.

ص: 366

ممَّن يقولُ بقولِ الجُمْهور وهو أنه عليه الصلاة والسلام أُنْزِل عليه القرآنُ وعُمْرُه أربعون سنةً، فقد ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام عاش ثمانيًا وخمسين سنة. وهذا غريب جدًا.

ولكن رُوِّينا من طريق مُسَدَّدٍ، عن هاشم بن حسان، عن الحسن، أنّه قال: تُوفِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ستّين سنة

(1)

. وقال خليفة بن خياط

(2)

: ثنا أبو عاصم، عن أشعث، عن الحسن، قال: بُعث رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ خمسٍ وأربعين، فأقام بمكة عشرًا، وبالمدينة ثمانيًا، وتُوفِّي وهو ابن ثلاث وستين. وهذا بهذه الصفة غريبٌ جدًا واللَّه أعلم.

‌صِفَةُ غَسْلِهِ عليه الصلاة والسلام

قَدْ قَدَّمنا أنَّهم رضي الله عنهم اشْتَغَلوا ببَيْعَةِ الصّدّيق بقيةَ يومِ الاثنين وبعضَ يوم الثلاثاء، فلمَّا تَمَهَّدَت وتَوطَّدَتْ وتَمَّتْ، شرعوا بعد ذلك في تَجْهيزِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مُقْتَدين في كل ما أشْكَلَ عليهم بأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق

(3)

: فلما بُويع أبو بكر أقبل الناسُ على جهازِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الثلاثاء. وقد تقدَّم من حديث ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفِّي يوم الاثنين، ودُفن ليلة الأرْبعاء.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة

(4)

: حدَّثنا أبو معاوية، ثنا أبو بُرْدة، عن عَلْقَمة بن مَرْثَد، عن سليمان بن بُرَيْدة، عن أبيه، قال: لمّا أخذوا في غسلِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ناداهم منادٍ من الداخل أنْ لا تُجَرِّدوا

(5)

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قميصَه. ورواه ابن ماجه

(6)

من حديث أبي مُعاويَة، عن أبي بُرْدَة - واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي.

وقال محمد بن إسحاق: حدّثني يحيى بن عَبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه سمعتُ عائشة تقول: لما أرادوا غسلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما نَدْري أنُجَرّدُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم من ثيابه، كما نُجَرِّدُ مَوْتانا، أم نُغَسّلُه وعليه ثيابُه؟ فلما اختلفوا ألقى عليهم اللَّه النومَ حتى ما منهم رجلُ

(7)

إلا وذَقَنه في صَدْره، ثم كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ

(1)

تاريخ خليفة بن خياط (1/ 69) من طريق هشام به.

(2)

تاريخ خليفة (1/ 11).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 662).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 243) من طريق ابن أبي شيبة به.

(5)

أ: (أن تخرجوا عن) وفي (لا تخرجوا).

(6)

ابن ماجه (1466)، وإسناده ضعيف.

(7)

ط: (أحد).

ص: 367

من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسِّلوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فغَسَّلُوه وعليه قميصٌ يصُبّونَ الماءَ فوقَ القَميصِ فَيُدَلِّكونَهُ بالقَميصِ دون أيديهم. فكانت عائشة تقول: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غَسَّلَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا نساؤُه. رواه أبو داود

(1)

من حديث ابن إسحاق.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدَّثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال: اجتَمَعَ القومُ لغسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله؛ عمُّه العباسُ بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد بن حارثة، وصالحٌ مولاه، فلمَّا اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس

(3)

أوْسُ بن خَوْليّ الأنصاري، أحدُ بني عوفِ بن الخَزْرَج -وكان بدريًا- عليَّ بنَ أبي طالب، فقال: يا علي ننشدك اللَّهَ وحظَّنا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال له علي: أدخُلْ فدخل فحضر غسلَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يَلِ منْ غسلِه شيئًا، فأسنده عليٍّ إلى صَدْرِه وعليه قَميصُه، وكان العباس وفضلٌ وقُثَمُ يُقَلِّبونَه مع عليّ، وكان أسامةُ بن زيد وصالحٌ مولاهما يَصُبّان الماء، وجعل عليٌّ يغسِلُه، ولم يَرَ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئًا مما يرى من الميّتِ، وهو يقول: بابي وأمي ما أطيبَكَ حَيًا وميِّتًا، حتى إذا فرغوا من غسلِ رسولِ اللَّه، -وكان يُغَسَّل بالماءِ والسِّدرِ- جَفَّفوه ثم صُنع به ما يُصْنع بالميت، ثم أُدْرج في ثلاثةِ أثْوابٍ: ثوبين أبيضين، وبُرْدِ حِبَرَةٍ. قال: ثم دعا العباسُ رَجُلَيْن، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح - وكان أبو عبيدة يَضْرَحُ

(4)

لأهل مكة، وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري. وكان أبو طلحة يَلْحَدُ لأهْلِ المدينة. قال: ثم قال العباس حين سرَّحَهما: اللهمَّ خِرْ لرسولك! قال: فذهبا فَلَمْ يَجِدْ صاحبُ أبي عبيدة أبا عبيدة، ووجَد صاحبُ أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انفرد به أحمد.

وقال يونس بن بُكَيْرٍ: عن المُنْذِرِ بن ثعلبة

(5)

، عن العِلْباء بن أحْمر قال: كانَ عليٌّ والفَضْلُ يُغَسِّلان رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنُودي عليٌّ: ارفع طَرْفَك إلى السَّماء. وهذا منقطعٌ.

قلتُ: وقد روَى بعضُ أهل السنن

(6)

عن علي بن أبي طالب، (أنّ رسول اللَّه قال له: يا عليُّ،

(1)

أبو داود (3141)، وهو حديث حسن.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 260)، وهو حديث حسن.

(3)

في المسند: (الباب).

(4)

الضَّرْح: الشق في الأرض. والضارح الذي يعمل الضريح وهو القبر (النهاية: ضرح).

(5)

بعده في ط: (عن الصلت) وهو زيادة فقد روى المنذر بن ثعلبة عن العلباء بن أحمر مباشرة وليس بينهما أحد. (انظر تهذيب التهذيب (10/ 300)(ترجمة المنذر بن ثعلبة) و (7/ 273)(علباء بن أحمر).

(6)

أبو داود (3140، 4015) وابن ماجه (1460)، وإسناده ضعيف.

ص: 368

لا تُبْدِ فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميت. وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه. واللَّه أعلم.

وقال الحافظ البيهقي

(1)

: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا ضمرة

(2)

، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا مَعْمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي: غسّلتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذهبتُ أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان طيِّبًا حيًّا وميّتًا صلى الله عليه وسلم. وقد رواه أبو داود في "المراسيل"، وابن ماجه

(3)

، من حديث معمر به. زاد البيهقي في روايته: قال سعيد بن المسيّب: وقد ولي دفنَه، عليه الصلاة والسلام، أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لحَدوا له لحدًا، ونصبوا عليه اللَّبِن نَصْبًا.

وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين، منهم: عامر الشعبي، ومحمد بن قيس، وعبد اللَّه بن الحارث، وغيرهم بألفاظ مختلفة يطولُ بسطُها هاهنا.

وقال البيهقي

(4)

: وروى أبو عمرو كيسان

(5)

، عن يزيد بن بلال، سمعتُ عليًا يقول: وصَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ألا يُغَسِّلَه أحد غيري؛ فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر. قال عليٌّ: فما تناولت عضوًا إلا كأنما يقلّبه معي ثلاثون رجلًا حتى فرغتُ من غسله.

وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده"

(6)

فقال: ثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا كيسان أبو عمرو، عن يزيد بن بلال، قال: قال علي:)

(7)

أوصاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن لا يُغَسّلَه أحدٌ غيري. "فإنّه لا يرى أحد عَوْرتي إلا طُمِسَتْ عَيْناه". قال علي: فكان العباسُ وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر. قلت: هذا غريب جدًا.

وقال البيهقي

(8)

: أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أسيدُ بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص، عن سفيان، عن عبد الملك بن جُرَيْج، سمعت محمد بن علي أبا جعفر. قال: غُسِّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالسِّدْرِ ثلاثًا، وغُسِّلَ وعليه قميصٌ، وغُسِّل من بئرٍ كان يقال لها:"الغَرْسُ" بقُباء،

(1)

دلائل النبوة (7/ 243).

(2)

في الدلائل: (مسدد).

(3)

أبو داود في المراسيل (415) وابن ماجه (1467)، وهو حديث صحيح.

(4)

دلائل النبوة (7/ 244).

(5)

أ: (أبو عمرو بن كيسان) وانظر كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 13).

(6)

رقم (848).

(7)

ليس ما بين القوسين في ط.

(8)

"دلائل النبوة"(7/ 245).

ص: 369

كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول اللَّه يَشْرَبُ منها، وولي غسلَهُ عليّ والفضل محتضنه

(1)

، والعباس يصُبُّ الماء، فجعل الفضلُ يقولُ: أرِحْني قَطَعْتَ وَتيني، إنّي لأجدُ شيئًا يَتَرطَّل

(2)

عليّ.

وقال الواقدي: ثنا عاصم بن عبد اللَّه الحكمي، عن عمر بن عبد الحكم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ البِئْرُ بئرُ غَرْسٍ هي من عُيون الجَنَّة، وماؤها أطيبُ المياهِ". وكان رسول اللَّه يُسْتَعذَبُ له منها، وغُسِّلَ من بئر غَرْس.

وقال سيفُ بن عمر، عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فُرغَ من القبر وصلَّى الناسُ الظهرَ، أخذ العباسُ في غسلِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فضرب عليه كِلَّةً من ثياب يمانيةٍ صِفاقٍ في جوف البيت، فدخلَ الكِلَّة ودعا عليًّا والفضل، فكان إذا ذهبَ إلى الماء ليُعاطيَهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله، ورجالٌ من بني هاشم من وراء الكِلَّة، ومن أُدْخِل من الأنصار حيث ناشَدوا أبي وسألوه منهم أوْس بن خَوْليّ، رضي الله عنهم أجمعين.

ثم قال سيف عن الضَّحّاك بن يربوع الحنفي، عن ماهان الحَنفيّ، عن ابن عباس، فذكر ضربَ الكِلَّةِ، وأنَّ العَبّاس أدخل فيها عليًّا والفَضْلَ وأبا سُفْيان وأسامةَ، ورجالٌ من بني هاشم من وراء الكِلَّة في البيت، فذكر أنَّهم أُلْقيَ عليهم النُّعاسُ فسَمِعوا قائلًا يقول: لا تَغْسلوا رسول اللَّه؛ فإنه كان طاهرًا. فقال العباس: ألا بلى. وقال أهل البيت: صَدَق، فلا تُغَسِّلوه. فقال العباس: لا ندَعُ سُنةً لصوتٍ لا نَدْري ما هو؟ وغشيهم

(3)

النعاس ثانيةً، فناداهم أن غسَّلُوه وعليه ثيابه. فقال أهل البيت ألا لا. وقال العباس: ألا نعم! فشرعوا في غسله وعليه قميص ومِجْوَلٌ

(4)

مفتوح، فغسلوه بالماء القراح، وطيَّبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتُصِر قميصُه ومِجْوَلُه ثم أُدْرج في أكفانه. وجَمَّروه عُودًا وندًّا، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره، وسجَّوه، وهذا السياق فيه غرابة جدًا.

‌صفة كفنه عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد

(5)

: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدّثني الزهري، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أُدْرجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثوبِ حِبَرةٍ ثم أُخِّرَ عنه. قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوبِ لَعندَنا

(1)

ط: (يحتضنه).

(2)

الترطيل: التليين (النهاية: رطل).

(3)

ط: (غشيهم) بلا واو.

(4)

المِجْوَل: الصُّدْرة ثوب صغير وأما مجول النبي صلى الله عليه وسلم صدرة من حديد يعني الزَّرَديّة (النهاية: جول).

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 161).

ص: 370

بعدُ. وهذا الإسناد على شرط الشَّيْخينِ. وإنما رواه أبو داود

(1)

، عن أحمد بن حنبل، والنسائي

(2)

عن محمد بن مُثَنَّى، ومجاهد بن موسى، فرَّقَهُما

(3)

، كلُّهم عن الوليد بن مسلم به.

وقال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي

(4)

: ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كُفِّن رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثواب بيض سَحُولية

(5)

، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ. وكذا رواه البخاري

(6)

عن إسماعيل بن أبي أوَيْسٍ

(7)

عن مالك.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: كفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سَحُوليّة بيض. وأخرجه مسلم

(9)

من حديث سفيان بن عيينة، وأخرجه البخاري

(10)

، عن أبي نُعيم، عن سفيان الثوري، كلاهما عن هشام بن عروة به.

وقال أبو داود

(11)

: ثنا قتيبة، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ رسول اللَّه كُفّن في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ يمانيةٍ من كُرْسُفٍ

(12)

، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ. قال: فذُكِر لعائشة قولُهم: في ثوبين وبُرْد حِبَرةٍ، فقالت: قد أُتي بالبُرْد، ولكنهم رَدُّوه ولم يُكَفِّنوه فيه. وهكذا رواه مسلم (5) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به.

وقال البيهقي

(13)

: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن سَلَمة

(14)

ثنا هَنّاد بن السَّرِيّ، ثنا أبو مُعاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كُفِّنَ

(1)

أبو داود (3149).

(2)

السنن الكبرى للنسائي (7118).

(3)

ط: (فرروهما).

(4)

في مسنده - ترتيبه (574).

(5)

سحوليّة: يروى بفتح السين وضمِّها، فالفتح منسوب إلى السَّحول، وهو القَصّار لأنه يسحلها: أي يغسلها، أو إلى سحُول وهي قرية باليمن. وأما الضم فهو جمع سَحْل، وهو الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من قطن. وقيل إن اسم القرية بالضم أيضًا. (النهاية: سحل).

(6)

البخاري رقم (1273).

(7)

ط: (إدريس) تحريف وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 392).

(8)

مسند الإمام أحمد (6/ 40).

(9)

مسلم (941)(46).

(10)

البخاري (1271).

(11)

أبو داود (3152).

(12)

الكرسف: القطن (النهاية: كرسف).

(13)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 247).

(14)

ط: (مسلم) وهو تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (13/ 373).

ص: 371

رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحُوليَّة من كُرْسُفٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، فأما الحلَّةُ فإنّما شُبِّه على الناس فيها، إنَّما اشْتُرِيَتْ له

(1)

حُلَّةٌ، ليُكَفَّن فيها، فتُرِكتْ، فأخذها

(2)

عبدُ اللَّه بن أبي بكرٍ، فقال: لأحْبسَنَّها لنَفْسي حتى أُكَفَّنَ فيها. ثم قال: لو رَضِيَها اللَّهُ لنبيّه صلى الله عليه وسلم لكفَّنه فيها. فباعها وتصدَّق بثمنها. رواه مسلمٌ في "الصَّحيح"

(3)

عن يحيى بن يحيى، وغيره عن أبي معاوية.

ثم رواه البيهقي

(4)

، عن الحاكم، عن الأصمِّ، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كُفِّن رسولُ اللَّه في بُرْدِ حِبَرةٍ كانت لعبد اللَّه بن أبي بكر، ولُفَّ فيها، ثم نُزِعَتْ عنه، فكان عبدُ اللَّه بن أبي بكر قد أمْسَكَ تلك الحلَّة لنفسه، حتى يُكَفَّن فيها إذا مات، ثم قال بعدَ أن أمْسَكَها: ما كنتُ أُمسِكُ لنفسي شيئًا منعَ اللَّهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أنْ يُكَفَّن فيه فتَصَدَّق بثَمَنِها عبدُ اللَّه.

وقال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثنا عبد الرَّزاق، ثنا معمرٌ، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كُفِّن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثوابٍ سَحُوليّةٍ بيضٍ. ورواه النسائي

(6)

، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق.

قال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا مِسْكين بن بُكَيْر، عن سعيدٍ، يعني ابن عبد العزيز، قال: قال مكحول: حدّثني عروة، عن عائشة: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثةِ رياط

(8)

يمانية. انفرد به أحمد.

وقال أبو يعلى المَوْصِلي: ثنا سهل بن حبيب الأنصاري، ثنا عاصم بن هلال إمام مسجد أيوب، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كُفِّن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحوليَّة.

وقال سفيان، عن عاصم بن عُبَيد اللَّه، عن سالم، عن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثَلاثَةِ أثواب. ووقَعَ في بعض الروايات؛ ثَوْبَيْن صُحارِيَّين

(9)

وبُرْدِ حِبَرةٍ.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

ط: (وأخذها).

(3)

مسلم (941)(45).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 247 - 248).

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 231)، وهو حديث صحيح.

(6)

النسائي (1896)، وهو حديث صحيح.

(7)

مسند الإمام أحمد (6/ 264)، وهو حديث صحيح.

(8)

ط: (ثلاثة أثواب رياط) والرياط جمع الرَّيطة: كل ملاءة ليست بلفقين، وقيل كل ثوب رقيق لين (النهاية: ريط).

(9)

صحاري نسبة إلى صحار وهي قرية باليمن وهو ثوب منسوب لهذه القرية فيقال ثوب أصحر وصحاري (النهاية: صحر).

ص: 372

وقال الإمام أحمد

(1)

: ثنا ابن إدريس، ثنا يزيد، عن مِقْسم عن ابن عباس، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثوابٍ، في قَميصه الذي مات فيه، وحُلَّةٍ نَجْرانية - الحلة ثوبان.

ورواه أبو داود

(2)

عن أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شَيْبَة، وابنُ ماجه

(3)

، عن علي بن محمد، ثلاثتُهم عن عبد اللَّه بن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد، عن مِقْسَم، عن ابن عباسٍ بنحوه. وهذا غريب جدًا

(4)

.

وقال الإمام أحمد

(5)

أيضًا: حدَّثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، قال: كُفِّنَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثَوْبَيْن أبْيَضَيْن وبُرْدٍ أحمر

(6)

. انفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال أبو بكر الشافعي: ثنا علي بن الحسن، ثنا حُمَيْد بن الرَّبيع، ثنا بكرٌ، يعني ابن عبد الرحمن، ثنا عيسى، يعني ابن المختار، عن محمد بن عبد الرحمن، هو ابن أبي ليلى، عن عطاء عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: كُفِّنَ رسولُ اللَّه في ثوبَيْن أبْيَضَيْن وبُرْدٍ أحمر

(7)

.

وقال أبو يعلى

(8)

: ثنا سليمان الشاذكوني، ثنا يحيى بن أبي الهيثم، ثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: كُفِّنَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثَوْبَيْن أبيضين سَحُوليَّين، زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: وبُرْدٍ أحْمَر.

وقد رواه غيرُ واحدٍ، عن أبى

(9)

إسماعيل المُؤَدّب، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس عن الفضل، قال: كُفن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثَوْبَيْن أبيضين، وفي رواية: سحولية، فاللَّه أعلم.

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبي طاهر المُخَلِّص، ثنا أحمد بن إسحاق [البُهْلول]، ثنا عَبَّاد بن يَعْقوب، ثنا شَريك عن أبي إسحاق. قال: وقعتُ على مجلس بني عبدِ المُطَّلب وهم

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 222).

(2)

أبو داود (3153).

(3)

ابن ماجه (1471).

(4)

يزيد بن أبي زياد مجمع على ضعفه.

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 313)، بإسناده ضعيف لضعف ابن أبي ليلى، ولانقطاعه فإن الحكم لم يسمعه من مقسم (بشار).

(6)

ط: (وبد حمراء).

(7)

ط: (وبرد حمراء).

(8)

مسند أبي يعلى (6720).

(9)

ليس اللفظ في ط. وهو أبو إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان بن رزين، (تهذيب التهذيب 1/ 125).

ص: 373

متوافرون، فقلتُ لهم: في كمْ كُفِّنَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: في ثلاثةِ أثوابٍ ليس فيها قميصٌ ولا قَباءٌ

(1)

ولا عمامةٌ.

قلت: كمْ أسرَ منكمٌ يومَ بدرٍ؟ قالوا: العَبّاسُ ونَوْفَلٌ وعَقيلٌ.

وقد روى البيهقي

(2)

من طريق الزهري، عن عليّ بن الحسين زَيْن العابدين، أنه قال: كُفِّنَ رسول اللَّه في ثلاثةِ أثوابٍ أحدُها بُرْدٌ

(3)

حِبَرةٍ.

وقد ساقه الحافظُ ابنُ عساكر من طريقٍ، في صحَّتِها نظرٌ، عن علي بن أبي طالب، قال: كَفَّنْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثوبين سَحُوليَّين وبُرْدٌ حِبَرَةٍ.

وقد قال أبو سعيد بن الأعرابي

(4)

: حدَّثنا إبراهيم بن الوليد، ثنا محمد بن كثير، ثنا هشام، عن قَتادة، عن سَعيد بن المُسيّب، عن أبي هريرة. قال: كُفِّن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في رَيْطتَيْن وبُرْدٍ نَجْرانيٍّ. وكذا رَواهُ أبو داود الطَّيالسيّ، عن هشام، وعمران القَطان، عن قتادة، عن سعيد، عن أبي هريرة به.

وقد رواه الرَّبيعُ بن سُلَيْمان، عن أسد بن موسى، ثنا نصر بن طَريف، عن قَتادة، ثنا ابن المُسيب، عن أم سَلَمة: أنَّ رسول اللَّه كُفِّن في ثلاثة أثوابٍ أحدُها بُرْدٌ نَجْراني.

وقال البيهقي

(5)

: وفيما رُوِّينا عن عائشة بيانُ سبب الاشتباه على الناس، وأنّ الحِبرةَ أخِّرتْ عنه. واللَّه أعلم.

ثم روى الحافظ البيهقي، من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرقي، عن حُمَيْد بن عبد الرحمن الرُّؤاسي، عن حَسَن بن صالحٍ عن هارون بن سعد

(6)

، قال: كان عند عليٍّ مِسْكٌ، فأوصى أن يُحَنَّط به، وقال: هو من فَضْل حَنوطِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ورواه

(7)

من طريقِ إبراهيم بن موسى، عن حميدٍ، عن حسن، عن هارون، عن أبي وائلٍ، عن علىّ. . . فذكره.

‌كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

-

وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقيّ من حديث الأشعث بن طَليقٍ، والبزَّار من حديث

(1)

"القباء": الثوب الذي يلبس، مشتق من قبا الشيء: إذا جمعه بأصابعه لاجتماع أطرافه، والجمع أقبية (اللسان: قبا).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 248).

(3)

ط: (برد حمراء) وهي زيادة ليست فى النسخة الأخرى "أ".

(4)

ط: (ابن الأرعبي) تحريف.

(5)

دلائل النبوة (7/ 249).

(6)

أ، ط:(سعيد) تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (11/ 4).

(7)

دلائل النبوة (7/ 249).

ص: 374

ابن

(1)

الأصبهاني، كلاهما عن مُرَّة، عن ابن مسعود: في وصِيَّة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُغَسِّلَه رجالُ أهلِ بَيْتِه، وأنه قال: كَفِّنوني في ثيابي هذه، أو في يمنيه

(2)

أو بياضِ مصر، وأنه إذا كفَّنوه يضعونه على شَفير قَبْره، ثم يَخْرجون عنه حتى تُصَلّي عليه الملائكةُ، ثم يدخلُ عليه رجال أهلِ بيتهِ فيصلُّون عليه، ثمّ الناس بعدهم فرادى. . . الحديث بتمامه، وفي صحته نظرٌ كما قدمنا، واللَّه أعلم.

وقال محمد بن إسحاق

(3)

: حدّثنى الحسين بن عبد اللَّه بن عُبَيد اللَّه بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أدخِلَ الرجالُ فَصَلُّوا عليه بغيرِ إمام أرسالًا حتى فرغوا، ثم أُدخِلَ النِّساءُ فَصَلَّيْنَ عليه، ثم أُدْخِل الصِّبْيان فَصَلَّوا عليه، ثم أُدْخِلَ العَبيدُ فَصَلَّوا عليه أرْسالًا، لم يَؤُمَّهُمْ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدٌ.

وقال الواقدي

(4)

: حدّثني أبيُّ بن عَباس

(5)

بن سَهْل بن سَعْد، عن أبيه، عن جده. قال: لما أُدْرجَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أكْفانِهِ وُضِعَ على سَريره، ثم وُضِعَ على شَفير حُفْرَتِهِ، ثم كان الناسُ يَدْخُلونَ عليه رُفَقاء رُفَقاءَ، لا يَؤُمُّهُمْ عليه

(6)

أحدٌ.

قال الواقدي: حدّثني موسى بن محمد بن إبراهيم، قال: وجدتُ كتابًا

(7)

بخط أبي فيه أنَّه لما كُفِّنَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ووُضِعَ على سَريره، دَخَلَ أبو بكرٍ وعمر، رضي الله عنهما، ومَعَهُما نفرٌ من المهاجرين والأنْصار بقدرِ ما يَسَعُ البَيْتُ، فقالا: السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه، وسلَّم المهاجرون والأنصارُ كما سلَّم أبو بكر وعُمر

(8)

، ثم صُفُّوا صفوفًا لا يَؤُمُّهم أحدٌ، فقال أبو بكر وعمر -وهما في الصف الأول حِيالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللَّهُمّ إنّا نَشْهَدُ أنَّه قد بَلَّغَ ما أُنْزِلَ إليه، ونَصَحَ لأمَّتِه، وجاهَدَ في سبيلِ اللَّهِ حتَّى أعزَّ اللَّهُ دينَه وتمَّت كلمتُهُ، وأُؤْمِنَ به وحدَهُ لا شريكَ له، فاجْعَلنا إلَهنا مِمَّن يَتَّبعُ القولَ الذي أُنْزِل معه، وأجمعْ بينَنا وبينَه حتّى تُعَرِّفَه بنا وتُعَرِّفَنا به

(9)

فإنّه كان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، لا نَبْتَغي بالإيمان به بديلًا، ولا نشْتَري به ثَمنًا أبدًا. فيقول الناس: آمين آمين، ويخرجون ويدخلُ آخرون حتى صَلَّى الرجالُ. ثم النساء، ثم الصبيانُ.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

ط: (يمانية).

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 250).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 250).

(5)

ط: (عياش) تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (1/ 186).

(6)

ليست (عليه) في الدلائل.

(7)

أ: (صحيفة) وفي الدلائل (صحيفة كتابًا).

(8)

ليس (عمر) في الدلائل.

(9)

ط: (له).

ص: 375

وقد قيل: إنَّهم صلَّوا عليه من بعدِ الزَّوال يومَ الإثنين إلى مثلِه من يومِ الثلاثاءِ. وقيل: إنَّهم مَكَثوا ثلاثةَ أيامٍ يصلُّون عليه، كما سيأتي بيانُ ذلك قريبًا. واللَّه أعلم.

وهذا الصَّنيعُ، وهو صلاتُهم عليه فُرادى لم يَؤُمَّهم أحدٌ عليه، أمْر مُجْمَعٌ عليه لا خلافَ فيه، وقد اختُلِفَ في تَعْليلهِ؛ فَلَوْ صَحَّ الحديثُ الذي أوْرَدْناه عن ابن مسعودٍ لكانَ نَصًّا في ذلك ويكون من باب التَّعَبُّدِ الذي يعسُرُ تعقُّلُ معناه، وليس لأحدٍ أن يقولَ لأنَّه لم يكنْ لهم إمامٌ لأنّا قد قَدَّمنا أنَّهم إنَّما شَرَعوا في تَجْهيزه عليه الصلاة والسلام بعدَ تَمامِ بَيْعةِ أبي بكرٍ، رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال بعضُ العلماء: إنَّما لم يَؤُمَّهم أحدٌ، ليُباشرَ كلُّ واحدٍ من النّاس الصلاةَ عليه منه إليه، ولتُكَرَّرَ صلاةُ المُسلمينَ عليه مرةً بعد مرةٍ، من كلِّ فردٍ فردٍ من آحادِ الصَّحابة، رجالُهم ونساؤُهم وصبيانُهم حتى العبيدُ والإماءُ.

وأما السُّهَيْلي

(1)

فقال ما حاصله: إنّ اللَّهَ قد أخبرَ أنه وملائكتَه يصلُّون عليه، وأمرَ كلَّ واحدٍ من المؤمنين أن يصلِّي عليه، فوجب على كل أحدٍ أن يُباشرَ الصلاةَ عليه منه إليه، والصلاةُ عليه بعد موته من هذا القَبيل. قال: وأيضًا فإنَّ الملائكةَ لنا

(2)

في ذلك أئمةٌ. فاللَّه أعلم.

وقد اختلف المُتأَخِّرون من أصحاب الشافعيّ في مشروعيَّةِ الصَّلاةِ على قَبْرِه لغير الصحابة.

فقيل: نعم، لأنَّ جَسَدَهُ عليه الصلاة والسلام طَريٌّ في قَبْره، لأنَّ اللَّهَ قد حَرَّمَ على الأرْضِ أن تَأْكُلَ أجسادَ الأنبياء، كما وَرَدَ بذلك الحديثُ في السُّنَنِ وغيرها

(3)

، فهو كالمَيتِ اليومَ. وقال آخرون: لا يَفْعَلُ؛ لأن السَّلفَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحابة لم يَفْعَلُوهُ، ولو كان مَشْروعًا لبادَروا إليه، ولثابَروا عليه، واللَّه أعلم.

‌صِفَةُ دَفْنِهِ عليه الصلاة والسلام وأيْن دُفن (وذكر الخلاف في دفنه ليلًا كان أو نهارًا)

(4)

قال الإمام أحمد

(5)

: حدَّثَنا عبد الرزاق، ثنا ابن جُرَيْج، أخبرني أبي -وهو عبد العزيز بن جُرَيْج-: أنَّ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، (لم يَدْروا أين يَقْبرُون

(6)

النبي صلى الله عليه وسلم. حتَّى قال أبو بكر: سَمِعْتُ

(1)

الروض الأنف (7/ 589).

(2)

ط: (قالت لنا).

(3)

رواه أحمد في المسند (4/ 8) وأبو داود رقم (1047) و (1531) والنسائي رقم (1373) وابن ماجه رقم (1085)، وهو حديث صحيح.

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 7).

(6)

ط: (يقبروا) خطأ.

ص: 376

النبيَّ صلى الله عليه وسلم)

(1)

يقول: لمْ يُقْبرْ نبيٌّ إلا حيث يموتُ، فأَخَّروا فِراشَه، وحَفَروا تحت فِراشِه صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه انقطاعٌ بينَ عبد العزيز بن جُرَيْجٍ وبينَ الصّدّيق، فإنّه لم يدركه.

لكن رواهُ الحافظُ أبو يَعْلَى

(2)

منْ حديث ابنِ عبّاسٍ، وعائشةَ، عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم، فقال: ثنا أبو موسى الهَرَوي، ثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، قالت: اخْتَلفوا في دَفْنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ قُبضَ، فقال أبو بكر: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُقْبضُ النبيُّ إلا في أحبّ الأمْكِنَةِ إليه". فقال: ادْفِنُوه حيث قُبِضَ.

وهكذا رواه الترمذيّ

(3)

، عن أبي كُرَيْبٍ، عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن أبي بكر المُلَيْكي، عن ابن أبي مُلَيْكة، عن عائشة، قالت: لما قُبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم اخْتَلفُوا في دَفْنِه، فقال أبو بكر: سَمِعْتُ منْ رسولِ اللَّهِ شَيْئًا ما نَسيتُه. قال: "ما قَبَضَ اللَّه نَبيًّا إلا في المَوْضِعِ الذي يَجبُ أن يُدْفَنَ فيه". ادْفِنُوهُ في مَوْضِعِ فِراشِهِ. ثم إنَّ الترمذيَّ ضَعَّفَ المُلَيْكي، ثم قال: وقد رُويَ هذا الحديثُ من غير هذا الوجه، رواه ابنُ عباسٍ عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقال الأموي، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن رجل حَدَّثَهُ، عن عروة، عن عائشة: أنَّ أبا بكرٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّه لَمْ يُدْفَنْ نبيٌّ قَط إلا حيث قُبض".

وقال

(4)

أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني محمد بن سهل التَّميمي، ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن حمّاد بن سَلَمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانَ بالمدينة حَفّاران، فلما ماتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: أين نَدْفِنه؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: في المكان الذي مات فيه، وكان أحدُهما يَلْحَدُ والآخر يَشُقّ، فجاء الذي يَلْحَدُ فَلَحَدَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد رواهُ مالك

(5)

بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه منقطعًا.

وقال أبو يعلى

(6)

: حدَّثنا جَعْفَر بن مِهْران، ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، حدّثني حسين

(7)

بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما أرادوا أن يَحْفِروا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان

(1)

ليس ما بين القوسين في أ.

(2)

مسند أبي يعلى (45).

(3)

الترمذي (1018)، وهو حديث حسن.

(4)

ط: (قال) بلا واو.

(5)

الموطأ (1/ 331).

(6)

مسند أبي يعلى (22).

(7)

أ: (حنين) وليس اللفظ في ط. وهو الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني: روى عن ربيعة بن عباد وله صحبة وعن عكرمة وغيرهما. روى عنه هشام بن عروة وابن إسحاق وغيرهما. قال ابن سعد: توفي سنة (40) أو (141) انظر (تهذيب التهذيب 2/ 341 - 342).

ص: 377

أبو عبيدة بن

(1)

الجراح يَضْرحُ كحفر

(2)

أهلِ مكة، وكان أبو طلحة زيدُ بن سَهْل هو الذي كان يَحْفِرُ لأهْل المدينة، وكان يَلْحَدُ، فدعا العبّاسُ رجلين، فقال لأحدِهما: اذْهَبْ إلى أبي عُبَيْدة. وقال للآخر: اذْهَبْ إلى أبي طَلْحَة. اللَّهمَّ خِرْ لرسولك. قال: فوجد صاحبُ أبي طلحة أبا طلحة، فجاءَ به فَلَحَدَ لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. فلما فُرغَ من جَهازِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الثّلاثاء وُضِعَ على سَريره في بيته، وقد كانَ المسلمون اخْتَلَفوا في دَفْنِهِ. فقال قائل: نَدْفِنُهُ في مَسْجِدِهِ. وقال قائل: نَدْفِنُهُ مع أصحابه. فقال أبو بكر: إنّي سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قُبضَ نبي إلا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ". فرفِعَ فراشُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي تُوفَيَ فيه فحَفَروا له تَحْتَه، ثم أُدْخِلَ الناسُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلّون عليه أرْسالًا؛ الرجالُ، حتى إذا فُرغَ منهم، أدْخِلَ النِّساءُ، حتى إذا فَرَغَ النساءُ، أُدْخِلَ الصِّبْيانُ، ولم يَؤُمَّ النَّاسَ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدٌ. فدفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أوسطِ اللَّيْل ليلةَ الأرْبعاء.

وهكذا رواه ابن ماجه

(3)

، عن نصرٍ بن عليّ الجَهْضَمي، عن وهب بن جَرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاقٍ، فذكر بإسناده مثله. وزاد في آخره ونزل

(4)

في حُفْرتِه عليٍّ بن أبي طالب، والفَضْلُ وقُثَمُ ابنا عباس، وشُقْرانُ مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال أوْسُ بن خَوْليّ -وهو أبو ليلى- لعليّ بن أبي طالبٍ: أنْشُدُكَ اللَّهَ! وحَظّنَا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال له علي: انْزِلْ. وكان شُقْرانُ مَوْلاه أخَذَ قطيفةً كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَدَفَنها في القَبْر، وقال: واللَّهِ لا يَلْبَسُها أحدٌ بَعْدَك. فدُفِنَتْ معَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقد رواه الإمامُ أحمد

(5)

، عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن ابن إسحاق، مختصرًا. وكذلك رواه يونس بن بُكَيْر وغيره، عن ابن

(6)

إسحاق به. وروى الواقدي

(7)

: عن ابن أبي حَبيبة، عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بكر الصديق، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما قَبَضَ اللَّهُ نَبيًّا إلا ودُفِنَ حيثُ قُبضَ".

وروى البيهقي

(8)

، عن الحاكم، عن الأصَمّ، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحُصَيْن، أو محمد بن جعفر بن الزبير،

(1)

ليس اللفظ فى ط.

(2)

ط: (لحفر).

(3)

ابن ماجه (1628)، وإسناده ضعيف بطوله، وانظر ما ثبت منه عند ابن ماجه رقم (1557) و (1558).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

مسند الإمام أحمد (1/ 292)، وهو حديث صحيح.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ابن سعد (2/ 292 - 293) ودلائل النبوة للبيهقي (7/ 261).

(8)

دلائل النبوة (7/ 260 - 261).

ص: 378

قال: لمّا ماتَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفوا في دَفْنِه فقالوا: كيف نَدْفِنُهُ مع الناس أو في بيوتِه؟ فقال أبو بكر: إني سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قَبَضَ اللَّهُ نَبيًّا إلا دُفِنَ حَيْثُ قُبضَ". فدُفِنَ حيث كان فراشُه رُفِعَ وحُفِر تَحْتَه.

وقال الواقديّ

(1)

: حدَّثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخْنسيّ، عن عبد الرحمن بن سعيد -يعني ابن يربوع- قال: لمّا تُوفّي النبيِّ صلى الله عليه وسلم اخْتَلفُوا في موضع قَبْره. فقال قائل: في البَقيع، فقد كان يُكْثرُ الاستغفار لهم، وقال قائل: عند منبره، وقال قائل: في مُصَلّاه. فجاء أبو بكر. فقال: إنَّ عندي من هذا خبرًا وعلمًا، سمِعْتُ رسولَ اللَّه يقول: ما قُبضَ نبيٌّ إلا دُفِنَ حَيْثَ تُوفّي. قال الحافظ البيهقي

(2)

: وهو في حديث يَحْيَى بن سَعيد، عن القاسم بن محمد، وفي حديث ابن جُرَيْجٍ، عن أبيه، كلاهما عن أبي بكر الصّدّيق، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

وقال البيهقي

(3)

: عن الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بُكَير، عن سَلَمة بن نُبَيْط بن شَرِيط، عن أبيه، عن سالم بن عُبَيْد، وكان من أصحاب الصُّفَّةِ، قال: دخل أبو بكر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين مات، ثم خرج، فقيل له: تُوفّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فعلموا أنّه كما قال، وقيل له: أنُصلِّي عليه؟ وكيف نصلي عليه. قال: تَجيئون عُصَبًا عُصَبًا فتُصَلُّون، فعلموا أنَّه كما قال، قالوا: هل يُدْفنُ وأين؟ قال: حيث قَبضَ اللَّهُ روحَه، فإنّه لم يَقْبضْ روحَه إلا في مكانٍ طيّب فعلموا أنه كما قال.

وروى البيهقي

(4)

من حديث سُفْيان بن عُيَينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سَعيد بن المُسَيّب، قال: عَرَضتْ عائشةُ على أبيها رُؤْيا، وكان من أعْبَر الناس، قالت: رأيتُ ثلاثةَ أقمارٍ وَقَعْنَ في حِجْري، فقال لها: إن صدَقَتْ رُؤْياك دُفِنَ في بيتك منْ خير أهلِ الأرض ثلاثة. فلما قُبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشةُ، هذا خيرُ أقْمارك. ورواه مالك

(5)

، عن يحيى بن سعيد، عن عائشة مُنْقطعًا. وفي "الصحيحين"

(6)

عنها أنها قالت: تُوُفِّي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سَحْري ونَحْري، وجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ ريقي وريقِه في آخر ساعةٍ من الدنيا وأول ساعة من الآخرة.

(1)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 261).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 261).

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 259).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 261 - 262).

(5)

الموطأ (1/ 232).

(6)

البخاري (3100، 4449 - 4451، 5217) ومسلم (2443، 2444).

ص: 379

وفي صحيح البخاري

(1)

: من حديث أبي عَوانة

(2)

، عن هلال الوَزَّان

(3)

، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذى ماتَ فيه يقول: "لَعَنَ اللَّهُ اليهوِدَ والنَّصارى اتَّخذوا قُبور أنبيائهمْ مساجدَ". قالَتْ عائشةُ: ولولا ذلك لأُبْرِزَ قبره، غيرَ أنه خَشِيَ أن يُتَّخذَ مَسْجدًا.

وقال ابن ماجه

(4)

: حدَّثنا محمود بن غيلان، ثنا هاشِمُ بن القاسِم، ثنا مبارك بن فَضالة، حدّثني حُمَيْد الطَّويل، عن أنس بن مالك، قال: لمّا تُوفِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان بالمدينة رجلٌ يَلْحَدُ، والآخر يَضْرَحُ، فقالوا: نَسْتخيرُ رَبَّنا

(5)

ونبعثُ إليهما فأيُّهما سُبق تركناه. فأُرْسِل إلَيْهما فَسَبَقَ صاحبُ الَّلحْدِ، فَلَحَدوا لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم. تفرد به ابن ماجه، وقد رواه الإمام أحمد

(6)

، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم به.

وقال ابن ماجه

(7)

أيضًا: حدَّثنا عُمَر بن شَبَّة بن عَبيدة

(8)

بن زَيْد، ثنا عُبَيْد بن طُفَيْل، ثنا عبدُ الرحمن ابن أبي مُلَيْكة، حدّثني ابن أبي مُلَيْكة، عن عائشة، قالت: لمّا ماتَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفوا في اللَّحْدِ والشّقّ، حتى تَكَلَّموا في ذلك، وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تَصْخبوا عندَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَيّا ولا ميِّتًا -أو كلمة نَحْوهَا- فارسلوا إلى الشَّقَّاق واللَّاحِدِ جميعًا، فجاء اللّاحد، فلحدَ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم دُفِنَ، تَفَرَّدَ به ابن ماجه.

وقال الإمام أحمد

(9)

: حدَّثنا وكيع، ثنا العُمَري، عن نافع، عن ابن عمر

(10)

وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أُلْحِدَ له لَحْدٌ. تفرَّدَ به أحمد من هذين الوجهين.

(1)

البخاري (1390).

(2)

أ: (أبي قوام) وهو تحريف. وهو الوَضّاح بن عبد اللَّه اليشكري مولى يزيد بن عطاء أبو عوانة الواسطي البزاز، روى عن هلال الوزان. مات في سنة ست وسبعين ومئة (تهذيب التهذيب 11/ 116 - 120).

(3)

ط، أ:(الوراق) تحريف. وهو هلال بن أبي حميد، ويقال ابن حُميد، ويقال ابن عبد اللَّه بن عبد الرحمن ويقال ابن مِقْلاص الجهني مولاهم أبو عمرو ويقال أبو أمية ويقال أبو الجهم الكوفي الصيرفي الجهبذ الوزّان. روى عن عروة بن الزبير وغيره وعنه أبو عوانة وغيره (تهذيب التهذيب 11/ 77 - 78).

(4)

ابن ماجه (1557)، وهو حديث صحيح.

(5)

ط: (اللَّه).

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 139).

(7)

ابن ماجه (1558)، وإسناده ضعيف، لجهالة عبيد بن طفيل، وضعف شيخه عبد الرحمن.

(8)

أ، ط:(شيبة عن عبيدة) وفيها تحريف وخطأ وهو شبّة بن عَبيدة بن زيد بن رائطة النميري أبو زيد بن أبي معاذ البصري النحوي الأخباري (انظر تهذيب التهذيب (7/ 460) وتقريبه (413).

(9)

مسند الإمام أحمد (2/ 24)، (6/ 136)، وهو حديث صحيح لغيره.

(10)

ط: (عمرو وعن).

ص: 380

وقال الإمام أحمد

(1)

: حدَّثنا يحيى عن

(2)

شعبة، وابن جعفر، ثنا شعبة؛ حدّثني أبو جَمْرةَ

(3)

عن ابن عباس، قال: جُعِل في قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَطيفةٌ حمراءٌ. وقد رواه مسلم

(4)

والتّرمذي

(5)

والنسائي

(6)

من طرقٍ، عن شعبة به. وقد رواه وكيعٌ عن شعبة. وقال وكيع: كان هذا خاصًّا برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم رواه ابن عساكر.

وقال ابن سعد

(7)

: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأنْصاري، ثنا أشعثُ بن عبد الملك الحُمْراني، عن الحسن: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بُسِطَ تحتَه سَمَل

(8)

قَطيفةٍ حَمْراءَ كان يلبسُها. قال

(9)

: وكانت أرضًا نَدِيَّةً.

وقال هُشَيْمٌ عن

(10)

منصور، عن الحسن، قال: جُعِلَ في قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قَطيفةٌ حَمْراءُ، كان أصابها يومَ حنين. قال الحسن: جَعَلَها، لأنَّ المدينة أرضٌ سَبِخَةٌ.

وقال محمد بن سعد

(11)

: ثنا حَمّادُ بن خالد الخَيّاط، عن عُقْبة بن أبي الصَّهْباءِ، سمعتُ الحسنَ يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "افْرشُوا لي قطيفتي

(12)

في لَحْدي، فإنَّ الأرضَ لم تُسَقَطْ على أجساد الأنبياء".

وروى البيهقي

(13)

من حديث مُسَدّد، ثنا عبد الواحد، ثنا مَعْمرٌ، عن الزُّهْري، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عليّ: غَسَّلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذهبتُ أنظر إلى ما يكونُ من الميِّت، فلم أر شيئًا، وكان طَيِّبًا حيًّا وميِّتًا صلى الله عليه وسلم. قال: وَوَليَ دَفْنَهُ عليه الصلاة والسلام وإجْنانه

(14)

دون النّاسِ أرْبَعَةٌ: عليٌّ،

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 228).

(2)

ط: (يحيى بن شعبة) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 175)، وتهذيب التهذيب (11/ 216) وهو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري الأحول الحافظ روى عن خلق كثير منهم شعبة. روى عنه أحمد بن حنبل وغيره خلق كثير. توفي سنة (198).

(3)

ط: (أبو حمزة) تحريف. وقد تقدمت الإشارة إليه. وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 243).

(4)

مسلم (967).

(5)

الترمذي (1048).

(6)

النسائي (2011).

(7)

طبقات ابن سعد (2/ 299).

(8)

أ: (سماك) وليلى اللفظ في ط. والسَّمَلُ: الخَلَق من الثياب. وقد سَمَلَ الثوبُ وأسْمَلَ (النهاية: سمل).

(9)

هذا آخر لفظ في الورقة (723) من الأصل. وبعده انقطاع بقدر ورقتين في النسخة أ.

(10)

ط: (هشيم بن منصور). والأشبه ما أثبته لأنّ هشيمًا هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي روى عن منصور بن زاذان وغيره. روى عن أحمد بن حنبل (تهذيب التهذيب 11/ 59 - 64).

(11)

طبقات ابن سعد (2/ 299).

(12)

م: (قطيفة) وما أثبته عن الطبقات.

(13)

دلائل النبوة (7/ 243، 244).

(14)

إجنانه، أي دفنه وستره. ويقال للقبر: الجَنَنُ، ويجمع على أجْنان (النهاية: جنن).

ص: 381

والعَبَّاسُ، والفَضْلُ، وصالحٌ مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولُحِدَ للنَّبيّ صلى الله عليه وسلم لحدٌ

(1)

، ونُصِبَ عليه اللَّبِنُ نَصْبًا.

وذكر البيهقيُّ

(2)

، عن بعضهم: أنه نُصِبَ على لَحْدِه عليه الصلاة والسلام تسعُ لَبناتٍ.

وروى الواقدي، عن ابن أبي سَبْرَة، عن عباس

(3)

بن عبد اللَّه بن مَعْبَد، عن عِكْرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موضوعًا على سَريره من حين زاغَتِ الشمسُ من يوم الإثنين إلى أن زاغَتِ الشمسُ يومَ الثلاثاء، يصلِّي الناسُ عليه وسريرُه على شَفيرِ قَبْره. فلما أرادوا أن يَقْبُروه عليه الصلاة والسلام نَحَّوْا السَّريرَ قِبَل رِجْليه، فأُدْخِلَ منْ هُناك. ودخلَ في حُفْرتِهِ العباسُ وعليٌّ وقُثَم والفَضْلُ وشُقْرانُ.

وروى البيهقي

(4)

من حديث إسماعيل السُّدّي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخلَ قبرَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم العباسُ وعليٌّ والفضلُ، وسوَّى لَحْدَه رجل من الأنصار، وهو الذي سَوَّى لحودَ قُبور الشهداء يومَ بدرٍ. قال ابن عساكر: صوابه يوم أحد. وقد تقدَّمَ روايةُ ابن إسحاق، عن حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الذين نزلوا في قَبْرِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عليٌّ والفَضْلُ وقُثَمُ وشُقْرانُ، وذكر الخامِسَ وهو أوْسُ بن خَوْليٍّ، وذكر قصةَ القَطيفة التي وضعها في القبر شُقْران.

وقال الحافظ البيهقي

(5)

: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو طاهر المُحَمَّداباذيّ، ثنا أبو قِلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا سفيان بن سعيد، هو الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيّ، قال: حدّثني أبو مَرْحَب، قال: كأنّي أنْظُر إليهم في قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة؛ أحدُهم عبدُ الرحمن بن عوف. وهكذا رواه أبو داود

(6)

، عن محمد بن الصَّبّاح، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد به. ثم رواه عن

(7)

أحمد بن يونس، عن زهير، عن إسماعيل، عن الشعبيّ، حدّثني مَرَّحَبٌ أو أبو مَرْحَبٍ، أنهم أدْخَلوا معهم عبدَ الرحمن بن عوف، فلما فرغَ عليٌّ قال

(8)

: إنما يَلي الرَّجُلَ أهلُهُ. وهذا حديثٌ غريبٌ جدًا، وإسنادهُ جيدٌ قويٌ، ولا نَعْرفُه إلا من هذا الوجه.

وقد قال أبو عمر بن عبد البر في "استيعابه"

(9)

: أبو مَرْحَب اسمه سُوَيْدُ بن قيس، وذكر أبا مرحب

(1)

ط: (ولحد النبي لحدًا) وما أثبته هو الأشبه.

(2)

دلائل النبوة (7/ 252).

(3)

ليس (عباس بن) في ط. وهو عباس بن عبد اللَّه بن معبد بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني. روى عن عكرمة وغيره. (تهذيب التهذيب 5/ 120).

(4)

دلائل النبوة (7/ 254).

(5)

دلائل النبوة (7/ 255).

(6)

أبو داود (3210).

(7)

ليست في م استدركتها عن ابن داود (3209) وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 457 - 459).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

الاستيعاب (4/ 1755).

ص: 382

آخر، وقال: لا أعرف خَبَرَه. قال ابن الأثير في "الغابة"

(1)

: فيحتملُ أن يكون راوي هذا الحديثِ، أحدَهما أو ثالثًا غيرَهما. وللَّه الحمد.

‌آخِرُ النَّاسِ به عَهْدًا عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني أبي إسحاق بن يسار، عن مِقْسَم أبي القاسم، مولى عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن مولاه عبد اللَّه بن الحارث، قال: اعتمرتُ مع عليٍّ في زمانِ عمر، أو زمانِ عُثمان، فنزل على أُخْتِه أمّ هانيءٍ بنت أبي طالب، فلما فرغَ من عُمْرتِه رَجَع، فسُكِب

(3)

له غُسْلٌ فاغتسل، فلما فَرَغَ من غُسْله دَخَلَ عليه نفرٌ من أهل العراق، فقالوا: يا أبا الحسن جِئْناكَ نسألُكَ عن أمرٍ نُحِبُّ أن تخبرنا عنه. قال: أظن المُغيرةَ بن شُعْبة يُحَدِّثُكُمْ أنه كان أحدثَ الناس عهدًا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قالوا: أجلْ عن ذلك جئنا نَسْألُكَ. قال: أحدثُ الناسِ عَهْدًا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قُثَمُ بن عباسٍ. تَفَرَّدَ به أحمد من هذا الوجه. وقد رواه يونُسُ بن بُكَيْر، عن محمد بن إسحاق به، مثلَه سواءٌ، إلا أنه قال قبله: عن ابن إسحاق قال: وكان المغيرةُ بن شعبة يقول: أخذتُ خاتَمي فألْقَيْتُه في قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقلتُ حينَ خرجَ القوم: إن خاتَمي قد سَقَطَ في القبر، وإنما طرحتُه عَمْدًا؛ لأمسَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأكونَ آخرَ الناس عهدًا به.

قال ابن إسحاق

(4)

: فحدّثني والدي إسحاقُ بن يَسارٍ، عن مِقْسمٍ، عن مولاه عن عبد اللَّه بن الحارث، قال: اعتمرت مع عليٌّ. . . فذكَر ما تقدم، وهذا الذي ذُكِرَ عن المُغيرة بن شُعْبةَ لا يَقْتضي أنَّه حصل له ما أمَّلَه فإنّه قد يكون عليٌّ رضي الله عنه، لم يُمَكِّنْه من النُّزولِ في القبر، بل أمَرَ

(5)

غيره فناوله إياه، وعلى ما تقدَّم يكون الذي أمره بمُناوَلته له قُثَم بن عباس.

وقد قال الواقديُّ: حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن عُبَيْد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبَة، قال: ألْقَى المغيرةُ بن شعبة خاتَمَه في قبرِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، (فقال عليّ: إنما ألْقَيْتَهُ لتقولَ نزلتُ

(6)

في قبر النبي)

(7)

صلى الله عليه وسلم، فنزل فأعطاه أوْ أمَرَ رجلًا فأعطاه.

(1)

أسد الغابة (6/ 283).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 100 - 101)، وإسناده حسن.

(3)

ط: (فسكبت له غسلًا) وما أثبته عن المسند.

(4)

دلائل النبوة (7/ 257).

(5)

ط: (أمر أمير). وما أثبته عن الدلائل.

(6)

دلائل النبوة (7/ 258).

(7)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 383

وقد قال الإمام أحمد

(1)

: حدَّثنا بَهْزٌ وأبو كامل، قالا: ثنا حَمّاد بن سَلَمة، عن أبي عمران الجَوْنيّ، عن أبي عَسيب أو أبي عَسيم

(2)

، قال بَهْزٌ: إنه شَهِدَ الصَّلاةَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم. قالوا: كيفَ نصَلِّي عليه

(3)

؟ قال: ادخلوا أرسالًا أرسالًا. فكانوا يَدْخُلون من هذا الباب، فيُصلُّون عليه، ثم يَخْرجون من الباب الآخر. قال: فلما وُضعَ في لَحْدِه صلى الله عليه وسلم. قال المُغيرة: قد بَقِيَ من رِجْلَيْه شيءٌ لم تُصْلِحُوه. قالوا: فادخُلْ فأصْلِحْهُ. فدخلَ وأدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَّ قَدَمَيْه عليه الصلاة والسلام. فقال: أهيلوا عليه التُرابَ. فأهالوا عليه حتَّى بلغَ إلى أنصاف ساقَيْه، ثم خرج، فكان يقول: أنا أحْدَثُكُمْ عَهْدًا برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

‌مَتَى وَقَعَ دَفْنُهُ عليه الصلاة والسلام

(4)

قال

(5)

يونس، عن ابن إسحاق: حدَّثَتْني فاطمةُ بنتُ محمدٍ امرأةُ عبدِ اللَّه بن أبي بكر - وأدْخَلني عليها، حتى سمعتُه منها

(6)

، عن عَمْرة، عن عائشة. أنَّها قالت: ما عَلِمْنا بدَفْن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى سَمِعْنا صوتَ المَساحي في جوف ليلةِ الأربعاء.

وقال الواقدي

(7)

: حدَّثنا ابن أبي سَبْرة، عن الحُلَيْس بن هاشم

(8)

عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة، قالت: بينا نحن مجتمعون نَبْكي لم ننم، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بُيوتنا، ونحن نَتَسلَّى برؤيته على السّرير، إذ سمعنا صوت الكَرازينِ

(9)

في السَّحَر. قالت أم سلمة: فَصِحْنا وَصاحَ أهلُ المَسْجد، فارْتَجَّتِ المدينةُ صَيْحة واحدة، وأذَّنَ بلالٌ بالفَجْرِ، فلما ذكَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكى وانتحب، فزادنا حُزْنًا وعالجَ الناسُ الدخولَ إلى قَبْره، فغُلِقَ دونَهم، فيا لها من مُصيبة، ما أُصِبنا بعدَها بمصيبة إلا هانَتْ إذا ذكرنا مُصيبتَنا به صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الإمام أحمد

(10)

، من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه،

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 81)، وإسناده صحيح.

(2)

أ: (أبي غيب أو أبي غنم) وفي ط: (أبي عسيب أو أبي غنم) وانظر الاستيعاب (4/ 1715)، والإصابة (4/ 33) و (134).

(3)

ليس اللفظ في ط واستدركته عن الاستيعاب.

(4)

أ: (متى دفن عليه الصلاة والسلام.

(5)

ط: (وقال).

(6)

أ: (حتى يسمعه منا).

(7)

دلائل النبوة (7/ 267).

(8)

ط، أ:(هشام) وانظر الجرح والتعديل (3/ 310).

(9)

ط: (الكرازين) بالإعمال وهو تحريف. والكِرْزِين: الفاس، ويقال له: كِرْزَن أيضًا بالفتح والكسر، والجمع كَرازين، وكرازِن (النهاية: كرزن).

(10)

مسند الإمام أحمد (6/ 110)، وهو حديث حسن بطرقه.

ص: 384

عن عائشة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم تُوفِّي يومَ الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء. وقد تقدَّم مثله في غير ما حديثٍ. وهو الذي نصَّ عليه غيرُ واحدٍ من الأئمة سلَفًا وخَلَفًا؛ منهم سليمان بن طَرْخان التَّيْمي، وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغيرهم.

وقد روى يعقوب بن سفيان

(1)

، عن عبد الحميد بن

(2)

بكار، عن محمد بن شعيب، عن الأوزاعي، أنه قال: تُوفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين قبلَ أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء.

وهكذا روى الإمام أحمد (1)، عن عبد الرزاق، عن ابن جُرَيْج، قال: أُخبرتُ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مات في الضُّحَى يوم الإثنين، ودُفن

(3)

الغدَ في الضُّحى

(4)

.

وقال يعقوب بن

(5)

سفيان: ثنا سعيد بن منصور، ثنا سُفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وعن ابن جُرَيْج، عن أبي جعفر: أنَّ رسولَ اللَّه تُوُفِّي يومَ الإثنين، فلبثَ ذلك اليومَ وتلكَ الليلةَ ويومَ الثلاثاء إلى آخرِ النهارِ. فهو قولٌ غريبٌ، والمشهورُ عن الجُمْهور ما أسلفْناه من أنّه عليه الصلاة والسلام، تُوفِّي يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء.

ومن الأقوال الغريبة في هذا أيضًا ما رواه يعقوب بن سفيان

(6)

، عن عبد الحميد بن بكّار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان

(7)

عن مكحول، قال: ولد رسول اللَّه يومَ الإثنين، وأوحي إليه يومَ الإثنين، وهاجر يومَ الإثنين، وتوفي يوم الإثنين لثنتين وستين سنة ونصفٍ، ومكث ثلاثَةَ أيامٍ لا يُدْفنُ، يدخُلُ عليه الناسُ أرْسالًا أرسالًا يُصلُّون لا يُصفُّون ولا يَؤُمُّهم عليه أحدٌ. فقوله: إنَّه مكثَ ثلاثةَ أيامٍ لا يُدْفن غريبٌ. والصحيحُ أنه مكثَ بقيَّة يوم الإثنين ويوم الثلاثاء بكمالِهِ، ودُفنَ ليلةَ الأربعاء، كما قدَّمنا. واللَّه أعلم.

وضِدُّه ما رواه سيفٌ

(8)

عن هشام، عن أبيه، قال: توفي رسول اللَّه يومَ الإثنين، وغُسِّلَ يومَ الإثنين، ودُفن ليلةَ الثلاثاء. قال سيف: وحدَّثنا يحيى بن سعيد مرةً بجمعيه عن عَمْرَة

(9)

عن عائشة به، وهذا

(1)

وهو في دلائل النبوة (7/ 256) من طريقه.

(2)

ط: (عن) وانظر تهذيب التهذيب (6/ 109).

(3)

ط: (ودفن من الغد).

(4)

بعدها في أخمسُ فقرات تأتي في ط خاتمة هذا الفصل.

(5)

ط: (حدّلْنا) وانظر دلائل النبوة للبيهقي (7/ 256).

(6)

دلائل النبوة (7/ 255).

(7)

أ، ط:(عن أبي النعمان) تحريف. وهو النعمان بن المنذر الغسّاني ويقال اللخمي أبو الوزير الدمشقي. روى عن مكحول وغيره، وروى عنه محمد بن شعب بن شابور وغيره. مات سنة (132)(تهذيب التهذيب 10/ 457).

(8)

ط: (يوسف) وانظر تهذيب التهذيب (4/ 295 - 296).

(9)

ليس (عمرة عن) في ط. وانظر تهذيب التهذيب (12/ 438).

ص: 385

غريبٌ جدًا. وقال الواقدي: حدَّثنا عبد اللَّه بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن أبي عتيق، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: رُشَّ على قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الماء رَشًّا، وكان الذي رَشَّهُ بلالُ بن رباح بقِرْبَةِ، بدأ من قِبَلِ رأْسِه من شِقّه الأيمن حتى انتهى إلى رِجْليه، ثم ضربَ بالماءَ إلى الجدار، لم يقدرْ على أن يدور من الجدار.

وقال سعيد بن منصور

(1)

: عن الدّراوَرْدي، عن شريك

(2)

بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن أبي سَلَمَةَ. قال: توفي رسول اللَّه يومَ الإثنين، ودُفنَ يوم الثلاثاء.

وقال ابن خُزَيْمة: حدَّثنا سَلْمُ بن جُنادة

(3)

، عن أبيه، عن عُبَيْد

(4)

اللَّه بن عمر، عن كُرَيْب، عن ابن عباس، قال: تُوفّي رسولُ اللَّه يومَ الإثنين، ودُفنَ يوم الثلاثاء.

وقال الواقدي: حدّثني أُبَيّ بن عَباس بن سَهْل بن سعد

(5)

، عن أبيه، قال: تُوفّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الإثنين، ودفن ليلة الثلاثاء.

وقال أبو بكر بن أبي الدُّنيا، عن محمد بن سعد

(6)

: تُوفِّي رسولُ اللَّه يوم الإثنين لاثنتي عشرةَ ليلةً خَلَتْ من ربيع الأول، ودفن يوم الثلاثاء.

وقال عبد اللَّه بن محمد بن أبي الدنيا

(7)

، ثنا الحسنُ بن إسرائيل أبو محمد النَّهْرتيري، ثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد، سمعتُ عبد اللَّه بن أبي أوْفى، يقول: مات رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ الاثنين؛ فلم يُدْفنْ إلا يوم

(8)

الثّلاثاء. وهكذا قال سعيد بن المسيّب، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن، وأبو جعفر الباقر.

‌فصلٌ فى

(9)

صِفَةِ قَبْرِه عليه الصلاة والسلام

قدْ عُلِمَ بالتَّواتر أنَّه عليه الصلاة والسلام، دُفِنَ في حُجْرةِ عائشةَ التي كانت تَخْتصّ بها شَرقِيّ مَسْجدِهِ

(1)

طبقات ابن سعد (2/ 305).

(2)

ط: (يزيد بن عبد اللَّه بن أبي يمن) وانظر تهذيب التهذيب و (12/ 115). سير أعلام النبلاء (6/ 159) و (14/ 365).

(3)

ط: (مسلم بن حماد) وفي أ: (سلمة) وانظر سير أعلام النبلاء (14/ 315).

(4)

ط: (عبد) وانظر تهذيب الكمال (19/ 124).

(5)

ط: (أبي بن عياش بن سهل بن سعيد) وفيه تحريفان. وانظر تهذيب التهذيب (1/ 186).

(6)

طبقات ابن سعد (20/ 273)

(7)

طبقات ابن سعد (2/ 205).

(8)

أ: (ليلة).

(9)

ليس (فصل في) في ط.

ص: 386

في الزّاوية الغَرْبيّة القِبْليَّة من الحُجْرة، ثم دُفِنَ بعدَه فيها أبو بكر، ثم عمر، رضي الله عنهما.

وقد قال البخاريّ

(1)

: ثنا محمد بن مُقاتل، ثنا عبد اللَّه

(2)

، ثنا أبو بكر بن عيّاش، عن سُفيان التمّار، أنه حَدَّثَه أنه رأى قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا. تَفَرَّدَ به البخاري.

وقال أبو داود

(3)

: ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فُدَيْك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم، قال: دخلتُ على عائشة، وقلت لها: يا أُمَّه اكْشِفي لي عنْ قبرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْه. فكَشَفَتْ لي عن ثَلاثةِ قُبورٍ لا مُشْرفةٍ ولا لاطئةٍ، مَبْطوحة ببطحاء العَرْصَةِ الحَمْراء.

النبي صلى الله عليه وسلم

أبو بكر رضي الله عنه

عمر رضي الله عنه

تَفَردَّ به أبو داود.

وفد رواه الحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

منْ حَديثِ ابن أبي فُدَيْك، عن عمرو بن عثمان، عن القاسم، قال: فرأيتُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام مُقَدَّمًا، وأبا بكر رأسُه بينَ كَتِفَي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرَ رأسُه عند رِجْلِ النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: وهذه الروايةُ تدلُّ على أنّ قبورَهُم مُسَطَّحَةٌ، لأنّ الحَصْباء لا تَثْبُتُ إلا على المُسَطَّحِ. وهذا عجيبٌ من البيهقي، رحمه الله، فإنّه ليس في الرواية ذكرُ الحَصْباء بالكليَّةِ، وبتقديرِ ذلك فيُمْكِنُ أن يكونَ مُسَنَّمًا وعليه الحَصْباء مَغْروزةٌ بالطِّين ونحوه. وقد روى الواقديّ عن الدَّراوَرْدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: جُعِلَ قَبْرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُسَطَّحًا.

وقال البخاري

(6)

: ثنا فَرْوَة بن أبي المَغْراء ثنا عليُّ بن مُسْهِرٍ

(7)

عن هشام بن

(8)

عروة عن أبيه قال: لما سَقَط عليهم الحائطُ في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدَتْ لهم قدمٌ فَفَزِعوا، فظنُّوا أنها

(1)

البخاري: بعد الحديث (1390).

(2)

ليس (حدّثنا عبد اللَّه) في ط.

(3)

أبو داود (3220)، وإسناده ضعيف.

(4)

المستدرك (1/ 369)، وإسناده ضعيف.

(5)

دلائل النبوة (7/ 263).

(6)

البخاري بعد الحديث (1390).

(7)

ط: (مهر عن هشام) تحريف.

(8)

ط: (هشام بن عروة) وهو تحريف. انظر تهذيب التهذيب (11/ 48 - 51).

ص: 387

قدمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فما وُجِدَ واحدٌ يعلمُ ذلك، حتى قال لهم عروة: لا واللَّهِ ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما هي إلّا قدم عمر.

وعن هشام، عن أبيه عن عائشة: أنّها أوْصَتْ عبدَ اللَّهِ بن الزُّبَير؛ لا تَدْفِنّي معهم؛ وادْفِنّي مع صَواحِبي بالبَقيع، لا أُزَكَّى به أبدًا.

قلت: كان الوليدُ بنُ عبد الملك حينَ وَليَ الإمارةَ في سنةِ ست وثَمانين، قد شَرَعَ في بناءِ جامِعِ دمشق، وكتب إلى نائبه بالمدينة، ابن عمِّه عمرَ بن عبد العزيز، أن يُوسِّعَ

(1)

مسجد المدينة. فَوَسَّعَه حتى من ناحية الشرق فدخلتِ الحجرةُ النبويةُ فيه.

وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده، عن زاذان مولى الفُرافِصَة، وهو الذي بنى المَسْجِدَ النبويَّ أيام [ولاية]

(2)

عمر بن عبد العزيز على المدينة، فذكر عن سالم بن عبد اللَّه نحوَ ما ذكره البخاريُّ، وحكى صفةَ القبور كما رواه أبو داود.

‌ذِكْرُ

(3)

ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم

-

قال البخاريُّ

(4)

: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت، عن أنس. قال: لما ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغشّاهُ الكَرْبُ، فقالت فاطمة: واكَرْبَ أبتاه

(5)

. فقال لها: "ليس على أبيكِ كَرْبٌ بعدَ اليوم". فلما مات قالت: واأبتاه

(6)

أجاب ربّا دعاه، يا أبتاه، منْ جَنَةُ الفِرْدَوْسِ مَأواه، يا أبتاه إلى جِبْريل نَنْعاه. فلما دُفِنَ قالت فاطمة: يا أنسُ، أطابَتْ أنْفُسُكُم أن تَحْثوا على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم التُّرابَ؟ تَفَزَد به البُخاريّ رحمه الله.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا يزيدُ، ثنا حمّادُ بن زيدٍ، ثنا ثابتٌ البُناني، قال أنس: فلما دَفَنَّا

(8)

النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أنسُ أطابَتْ أنفسُكُم أن دَفَنْتُمْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في التّرابِ وَرَجعْتُم. وهكذا رواه ابن ماجه

(9)

مُخْتصرًا من حديث حمّاد بن زيد به. وعنده: قال حمّاد: فكان ثابتٌ إذا حَدَّثَ بهذا الحديث

(1)

ط: (يوسع في).

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

البخاري (4462).

(5)

في البخاري: (أباه).

(6)

في البخاري: (يا أبتاه).

(7)

مسند الإمام أحمد (3/ 204)، وإسناده صحيح.

(8)

ط: (دفن).

(9)

ابن ماجه (1630)، وهو حديث صحيح.

ص: 388

بَكَى حتى تَخْتَلِفَ أضْلاعُه. وهذا لا يُعَدّ نياحَةً، بل هو من بابِ ذِكْرِ فَضائِلِهِ الحَق عليه أفضل الصلاة والسلام، وإنّما قلنا هذا؛ لأنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن النياحة.

وقد روى الإمام أحمد

(1)

والنسائي

(2)

من حديث شعبة، سمعتُ قَتادَة، سمعتُ مُطَرّفًا يُحَدّثُ، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه -فيما أوصى به إلى بَنيه- أنه قال: ولا تَنوحوا عليَّ؛ فإنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يُنَحْ عليه. وقد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في "النوادر"، عن عمرو بن مرزوق

(3)

، عن شعبة به. ثم رواه

(4)

عن علي بن المَديني، عن المُغيرة بن سَلَمَة، عن الصَّعْقِ بن حَزْنٍ، عن القاسمِ بن مُطَيَّبٍ، عن الحسن البَصْري، عن قيس بن عاصم به، قال: لا تَنوحوا عليّ، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يُنحْ عليه، وقد سَمِعْتُه يَنْهَى عن النّياحةِ. ثم رواه عن عليّ، عن محمد بن الفضل، عن الصَّعْقِ، عن القاسم، عن يونس بن عُبَيْدٍ، عن الحسن، عن عاصم به.

وقال الحافظ أبو بكر البزار

(5)

: ثنا عقبة بن سنانٍ، ثنا عثمان بن عثمان، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يُنَحْ عليه. وقال الإمام أحمد

(6)

: ثنا عَفّان، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا ثابت، عن أنس، قال: لمّا كان اليومُ الذي قدِم فيه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينةَ، أضاءَ منها كلُّ شيءٍ، فلمّا كانَ اليومُ الذي مات فيه أظْلَم منها كلُّ شيء. قال: وما نَفَضْنا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأيْدي حتى أنْكَرْنا قلوبنا. وهكذا رواه الترمذي

(7)

وابنُ ماجه

(8)

جميعًا، عن بشر بن هلالٍ الصَّوّاف، عن جعفر بن سليمان الضُّبَعي به. وقال الترمذيّ: هذا حديث صحيح غريبٌ.

قُلْتُ: وإسنادُه على شرط "الصحيحين"، ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان، وقد أخرج له الجماعة رواه الناس عنه كذلك.

وقد أغرب الكُدَيْمي، وهو محمد بن يونس، رحمه الله، في روايته له حيث. قال

(9)

: ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثنا جعفر بن سليمان الضُّبَعي، عن ثابت، عن أنس، قال: لما قُبِضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أظْلَمتِ المدينةُ حتى لم يَنْظُر بَعضُنا إلى بعض، وكان أحدُنا يَبْسُط يدَه فلا يراها، أو

(1)

مسند الإمام أحمد (5/ 61).

(2)

النسائي (1850)، وهو حديث صحيح.

(3)

أ: (مرون) ط: (ميمون) وانظر تهذيب التهذيب (8/ 99 - 101).

(4)

الأدب المفرد للبخاري (361) من طريق عمرو بن مرزوق، و (953) عن علي بن المديني، وهو حديث حسن.

(5)

(كشف الأستار - 796).

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 268).

(7)

الترمذي (3618).

(8)

ابن ماجه (1631).

(9)

دلائل النبوة (7/ 265).

ص: 389

لا يبصرها، وما فَرَغْنا من دَفْنِه حتى أنكرنا قُلوبَنا. رواه البيهقي

(1)

من طريقه كذلك، وقد رواه من طَريقِ غيره من الحُفّاظ، عن أبي الوليد الطَّيالسي، كما قدّمنا، وهو المحفوظ، واللَّه أعلم.

وقد روى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي حفص بن شاهين: ثنا حسين بن أحمد بن بِسْطام، ثنا محمد بن يزيد الرُّواسي، ثنا مسلمة

(2)

بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد الخُدري، قال: لما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيءٍ، فلما كان اليومُ الذي ماتَ فيه أظلمَ منها كل شيءٍ.

وقال ابن ماجه

(3)

: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الوهاب بن عطاء العِجلي، عن ابن عَوْنٍ، عن الحسن، عن أُبَيّ بن كعب، قال: كنّا معَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما وجهُنا واحد، فلما قُبضَ نَظَرْنا هكذا وهكذا.

وقال أيضًا

(4)

: ثنا إبراهيم بن المنذر الحِزامي، ثنا خالي

(5)

محمد بن إبراهيم بن المُطلب بن السائب بن أبي وداعة السَّهمي، حدّثني موسى بن عبد اللَّه بن أبي أُميّة المَخْزومي، حدّثني مُصْعَب بن عبد اللَّه، عن أمِّ سَلَمة بنت أبي أميّة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان الناسُ في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام المُصلِّي يُصلِّي لم يعْدُ بصرُ أحدِهم موضعَ قَدَمَيْه، فتوفي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم

(6)

فكان الناسُ إذا قام أحدُهم يُصلِّي لم يَعْدُ بصرُ أحدِهم موضعَ جَبينِه، فتُوفِّي أبو بكر، وكان عمر، فكان الناس إذا قام أحدُهم يُصلِّي لم يَعْدُ بصرُ أحدِهم يُصَلِّي موضعَ القِبْلةِ، فتُوفِّي عمرُ وكان عثمانُ، وكانتِ الفِتْنةُ، فتلفَّت الناسُ يمينًا وشمالًا.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا عبد الصمد، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس: أنَّ أمَّ أيْمَن بَكَتْ لما قبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: ما يُبكيكِ على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنّي قد علمتُ

(8)

أنّ رسولَ اللَّهِ سيموتُ، ولكنّي إنّما أبكي على الوحي الذي رُفِعَ عنّا. هكذا رواه مُخْتصرًا.

(1)

دلائل النبوة (7/ 265).

(2)

ق: (سلمة) تحريف وانظر تهذيب التهذيب (10/ 144 - 145).

(3)

ابن ماجه (1633)، وفي سنده انقطاع.

(4)

ابن ماجه (1634)، وإسناده ضعيف.

(5)

في سنن ابن ماجه: (خالد) وهو تحريف (وهو على الصواب في طبعة الدكتور بشار 3/ 140). وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 689) وتهذيب التهذيب (9/ 17) حيث نص ابن حجر على أن محمد بن إبراهيم بن المطلب خال إبراهيم بن المنذر الحزامي.

(6)

بعدها في ط: (وكان أبو بكر).

(7)

مسند الإمام أحمد (3/ 212)، وهو حديث صحيح.

(8)

ط: (سلمت).

ص: 390

وقد قال البيهقي

(1)

: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو عبد اللَّه محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن نُعيم، ومحمد بن النَّضْر الجارودي، قالا: ثنا الحسنُ بن عليّ الحُلْواني

(2)

، ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: ذهبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أمّ أيْمن زائرًا، وذهبتُ معه، فقرَّبتْ إليه شرابًا، فإما كانَ صائمًا وإما كان لا يريدُه، فردَّه، فأَقْبلَتْ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تُضاحِكُه. فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلقْ بنا إلى أم أيمن نزورها؛ فلما انتهينا إليها بَكَتْ. فقالا لها: ما يُبْكيكِ؟ ما عندَ اللَّهِ خير لرسوله صلى الله عليه وسلم. قالت: واللَّه، ما أبكي أن لا أكونَ أعلمُ أنَّ ما عند اللَّه خيرٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أنَّ الوَحْيَ انقطعَ من السماء، فهيجَتْهما على البُكاءَ، فجَعَلا يبكيان. ورواه مسلمٌ

(3)

مُنْفردًا به، عن زهير بن حرب، عن عمرو بن عاصم به.

وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وخطبة أبي بكر فيها، قال: ورجع الناسُ حينَ فرغَ أبو بكرٍ من الخطبة، وأمُّ أيمن قاعدةٌ تبكي، فقيل لها: ما يُبكيكِ؟ قد أكْرَمَ اللَّهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم فأدخله جَنَّتَه، وأراحَه من نَصَبِ الدُّنْيا. فقالت: إنّما أبْكي على خَبَرِ السّماء، كان يأتينا غَضًّا جديدًا، كل يومٍ وليلةٍ، فقد انقطَعَ ورُفِع، فعليه أبْكي. فَعَجِبَ النّاسُ من قولها.

وقد قال مسلم بن الحجاج في "صحيحه"

(4)

: وحُدِّثْتُ عن أبي أسامة، وممّنْ رَوَى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجَوْهري، ثنا أبو أسامة، حدّثني بُرَيْد

(5)

بن عبد اللَّه، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ اللَّهَ إذا أرادَ رحمةَ أمةٍ من عباده قبضَ نبيَّها قبْلَها، فَجَعَلهُ لها فَرَطًا وسَلَفًا يشهد لها، وإذا أراد هَلَكَة أُمَّةٍ عَذَّبها ونبيُّها حيٌّ، فأهلكها وهو يَنْظُر إليها، فأقرَّ عينَه بهَلَكَتِها

(6)

حينَ كَذَّبوه وعَصَوْا أمْرَه". تفرَّد به مسلمٌ إسنادًا ومتنًا.

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار

(7)

: حدَّثا يوسف بن موسى، ثنا عبد المجيد

(8)

بن عبد العزيز بن أبي رَوّاد، عن سفيان، عن عبد اللَّه بن السائب، عن زاذان

(9)

، عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال:"إن للَّهِ مَلائكةً سَيّاحين، يُبَلِّغوني عن أمضي السلام". قال: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "حَياتي

(1)

دلائل النبوة (7/ 266).

(2)

ط: (الخولاني) وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 394).

(3)

مسلم (2454).

(4)

مسلم (2288) معلقًا، ووصله ابن حبان رقم (7245) وأبو يعلى (1207) بسند صحيح من طريق الجوهري به.

(5)

أ، ط:(يزيد) وانظر سير أعلام النبلاء (6/ 251).

(6)

ط: (بهلكها).

(7)

(كشف الأستار: 845) وإسناده ضعيف، لكن أوله صحيح، كما سيأتي.

(8)

ط: (عبد الحميد). وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 434).

(9)

ط: (راذان). وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 280).

ص: 391

خَيْرٌ لكم تُحَدِّثون ويُحَدَّثُ لكم، (ووفاتي خير لكم)

(1)

تُعرضُ عليّ أعمالُكم؛ فما رأيتُ من خيرٍ حَمِدْتُ اللَّه عليه، وما رأيتُ من شرٍّ استغفرتُ

(2)

اللَّهَ لكمْ". ثم قال البزار: لا

(3)

نعرف آخره يُرْوَى عن عبد اللَّه إلا من هذا الوجه. قلت: وأما أوله، وهو قوله عليه السلام:"إنّ للَّهِ ملائكةً سيّاحين يُبَلِّغوني عن أمتي السلامَ" فقد رواهُ النسائي

(4)

من طرق مُتعددةٍ، عن سفيان الثوري، وعن الأعْمش كِلاهُما عن عبد اللَّه بن السَّائب به

(5)

.

وقد قال الإمام أحمد

(6)

: حدَّثنا حسين بن علي الجُعْفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث

(7)

الصَّنعاني، عن أوس بن أوس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أفْضلِ أيّامِكُمْ يومُ الجُمعة، فيه خُلقَ آدمُ، وفيه قُبضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فأكْثروا عليٍّ من الصَّلاة فيه، فإنّ صَلاتُكُمْ مَعرُوضةٌ عليّ". قالوا: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ تُعْرَضُ صلاتُنا عليك، وقد أرَمْتَ -يعني قد بَليت-. قال:"إنَّ اللَّهَ قد حَرَّمَ على الأرْضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءَ عليهم السلام". وهكذا رواهُ أبو داود

(8)

، عن هارون بن عبد اللَّه، وعن الحسن بن علي، والنّسائي

(9)

عن إسحاق بن منصور، ثلاثتُهم عن حسين بن علي به. ورواه ابن ماجه

(10)

عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة، عن حسين بن علي، عن ابن

(11)

جابر، عن أبي الأشْعَث، عن شدّاد بن أوس. . . فذكره. قال شيخُنا أبو الحجاج المِزّي: وذلك وَهْمٌ من ابن ماجه، والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفي، رضي الله عنه.

(قلت: وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب، كما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أوس بن أوس)

(12)

.

(1)

ليس ما بين القوسين في أ.

(2)

ط: (استغرقت).

(3)

ط: (لم).

(4)

سنن النسائي (1281)، وهو حديث صحيح.

(5)

ط: (عن أبيه به).

(6)

مسند الإمام أحمد (4/ 8)، وهو حديث صحيح.

(7)

ط: (الأسود) خطأ. وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 357).

(8)

أبو داود (1047 و 1531)، وهو حديث صحيح.

(9)

النسائي (1373)، وهو حديث صحيح.

(10)

ابن ماجه (1085)، وهو حديث صحيح.

(11)

ليس اللفظ في ط.

(12)

ليس ما بين القوسين في أ. قال بشار: كلام المزي صحيح، وكلام المصنف صحيح أيضًا، وآية ذلك أن ابن ماجه روى هذا الحديث في موضعين، الأول في الصلاة (1085) وفيه "شداد بن أوس" والثاني في الجنائز (1636) وقد جاء على الصواب، وقد نبهنا على ذلك في تعليقنا على ابن ماجه (2/ 291).

ص: 392

ثم قال ابن ماجه

(1)

: حدَّثنا عَمْرو بن سَوَّاد المصري، ثنا عبد اللَّه بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عُبادة بن نُسَيّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أكْثرُوا الصَّلاة عليَّ يومَ الجمعة فإنّه مَشْهودٌ تشهدُه الملائكةُ، وإن أحدًا لنْ يصلي

(2)

على إلا عُرِضَتْ عليَّ صلاتُه حتى يَفْرُغَ منها". قال: قلت: وبعدَ الموتِ؟ قال: "إن اللَّهَ حَرّم على الأرضِ أن تأكلَ أجْسادَ الأنْبياء عليهم السلام نبيُّ اللَّهِ حيٌّ يرزق

(3)

" وهذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله.

وقد عقدَ الحافظُ ابنُ عَساكِر

(4)

هاهنا بابًا في إيراد الأحاديثِ المَرْويَّة في زيارةِ قبْره الشَّريف صَلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه دائمًا إلى يوم الدين، (وموضعُ اسْتقْصاءِ ذلك في كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللَّه تعالى)

(5)

.

‌ذِكرُ

(6)

ما وَرَدَ من التَّعزِيَةِ به عليه الصلاة والسلام

قال ابن ماجه

(7)

: ثنا الوليدُ بن عَمْرو بن السُّكَيْن، ثنا أبو هَمّام، وهو محمد بن الزِّبْرِقان الأهوازي، ثنا موسى بن عُبيدة، ثنا مُصْعَبُ بن محمد عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن عن عائشة، قالت: فتحَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بابًا بينه وبين الناس، أو كشف سِترًا، فإذا النّاسُ يصلُّون وراءَ أبي بكرٍ، فحَمِدَ اللَّه على ما رأى من حُسْن حالِهم، رجاءَ أن يَخْلُفَهُ فيهم بالذي رآهم، فقال:"يا أيّها الناس أيّما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمُصيبةٍ فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبُه بغيري، فإنّ أحدًا من أمتي لن يُصاب بمُصيبة بَعْدي أشدَّ عليه من مُصيبتي" تفرَّدَ به ابن ماجه.

وقال الحافظ البيهقي

(8)

: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، ثنا شافع بن محمد، ثنا

(9)

أبو جعفر بن سلامة الطحاوي، ثنا المزني، ثنا الشافعي، عن القاسم بن عبد اللَّه بن عمر بن حفص، عن

(1)

ابن ماجه (1637) وإسناده ضعيف، ويشهد لآخره الذي قبله.

(2)

ط: (ليصل).

(3)

ط: (ويرزق).

(4)

مختصر ابن منظور لتاريخ دمشق (2/ 406 - 408).

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ابن ماجه (1599)، قال بشار: وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي، وصححه بعض العلماء بالشواهد الضعيفة والمرسلة.

(8)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 267 - 268).

(9)

ليس اللفظ في ط وليست (أبو) في أ.

ص: 393

جعفر بن

(1)

محمد عن أبيه: أنَّ رجالًا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى. فحدثنا عن أبي القاسم. قال: لما أنْ مرضَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد، إن اللَّه أرْسَلني إليك، تكريمًا لك وتشريفًا لك، وخاصة لك، أسألك عمَّا هو أعلمُ به منك، يقول: كيفَ تَجِدُك؟ قال:، أجِدُني يا جبريلُ مَغْمومًا، وأجدُني يا جبريلُ مَكْروبًا" ثم جاءه اليومَ الثاني، فقال له ذلك، فردَّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما رَدَّ أولَ يومٍ، ثم جاء

(2)

اليومَ الثالثَ، فقال له كما قال أولَ يومٍ، وردَّ عليه كما ردَّ، وجاء مَلَكٌ يُقالُ له: إسماعيل على مئة ألف مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ على مئة ألفِ ملَكٍ، فاستأذنَ عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا مَلَكُ الموتِ يَسْتَأذِنُ عليك، ما استأذن على آدميٍّ قبلَكَ، ولا يَسْتأذنُ على آدميٍّ بَعدَكَ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ائْذَنْ له. فأَذِنَ له، فدخل فسلَّم عليه، ثم قال: يا محمد، إنَّ اللَّه أرسلني إليك، فإن أمَرْتَني أن أقْبِضَ رُوحَك قَبَضْتُ، وإن أمَرْتَني أنْ أتْرُكَه تَرَكْتُه. فقال رسول اللَّه:"أوتَفْعَلُ يا مَلَكَ الموتِ؟ " قال: نعم. وبذلك أُمِرْتُ، وأُمِرْتُ أن أطيعَكَ.

قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل، فقال له جبريل: يا محمدُ، إن اللَّه قد اشتاقَ إلى لقائك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لملَكِ الموت:"امْضِ لما أُمِرْتَ به" فقبضَ رُوحَه، فلما تُوفَي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التّعزيةُ سَمِعوا صوتًا من ناحية البيت: السَّلامُ عليكم أهلَ البيت، ورحمةُ اللَّهِ وبركاته، إنَّ في اللَّه عزاءً من كلّ مُصيبةٍ، وخَلَفًا من كُلِّ هالكٍ، ودَرَكًا من كل فائتٍ، فباللَّهِ فَثِقوا، وإيّاهُ فارْجُوا، فإنّما المُصابُ من حُرِمَ الثَّوابَ. فقال عليّ رضي الله عنه: أتَدْرونَ منْ هذا؟ هذا الخضِرُ عليه السلام. وهذا الحديثُ مُرْسلٌ

(3)

وفي إسناده ضَعْفٌ بحالِ القاسم العُمَري هذا، فإنَّه قد ضَعَّفَه غيرُ واحدٍ من الأئمةِ، وتركه بالكلية آخرون. وقد رواه الربيعُ، عن الشافعي، عن القاسم، عن جعفر، عن أبيه، عن جده، فذكر منه قصةَ التَّعزية فقط موصولًا، وفي الإسناد العُمَريّ المذكور قد نَبَّهْنا على أمره لئلا يُغْتَر به.

على أنه قد رواه الحافظُ البيهقيُّ

(4)

، عن الحاكم، عن أبي جعفر البغدادي، ثنا عبد اللَّه بن الحارث أو عبد الرحمن بن المُرْتَعد الصنعاني

(5)

، ثنا أبو الوليد المخزومي، ثنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد

(6)

، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (ناداهم منادٍ)

(7)

يَسْمَعون الحِسَّ ولا يَرَوْنَ

(1)

ط: (حفص بن محمد عن أبيه).

(2)

ط: (جاء).

(3)

ط: (مرسلًا).

(4)

دلائل النبوة للبيهقي 7/ 269.

(5)

ط: (الصغاني).

(6)

بعده في الدلائل: (عن أبيه) وبعده في ط: (عن جعفر بن محمد).

(7)

في الدلائل (عزتهم الملائكة).

ص: 394

الشَّخْصَ. فقال: السلامُ عليكم أهلَ البيتِ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ، إن في اللَّه عزاءً من كلِّ مُصيبةٍ، وخَلَفًا من كُلِّ فائِتٍ، ودَرَكًا من كل هالكٍ، فباللَّه فثِقُوا، وإيّاه فَارْجوا، فإنّما المَحْروم من حُرِم الثواب، والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللَّه وبركاته، ثم قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضَعيفَيْن، فأحدُهما يتأكَّدُ بالآخر، ويدلّ على أن له أصلًا من حديث جَعْفَر. واللَّه أعلم.

وأخبرنا

(1)

أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن بالَوَيْهِ، ثنا محمد بن بشر بن مَطَر، ثنا كامل بن طلحة، ثنا عَبّاد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك، قال: لما قُبِضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أحْدَق به أصحابُه فَبَكَوْا حَوْلَه واجتمعوا، فدخَل رجلٌ أشْهَبُ الِّلحْيَةِ جسيمٌ صَبيحٌ، فَتَخَطَّى رِقابهم فبكَى، ثم التفتَ إلى أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ في اللَّهِ عَزاء من كُلِّ مُصيبة، وعِوَضًا من كُلِّ فائِتٍ، وخَلَفًا من كُلِّ هالِكٍ، فإلى اللَّه فأنيبوا، وإليه فَارْغَبوا، ونَظَرُه إليكم في البلايا فانظروا، فإنَّ المُصابَ من لم يَجبرْ، فانصرف. فقال بعضُهم لبعضٍ: تَعْرِفونَ الرَّجُلَ؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم، هذا أخو رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الخَضر. ثم قال البيهقي

(2)

: عَبّادُ بنُ عَبْدِ الصَّمدِ ضعيفٌ، وهذا مُنْكرٌ بمرَّةٍ.

وقد روى الحارثُ بنِ أبي أسامة، عن محمد بن سعد، أخبرنا هاشم

(3)

بن القاسم، ثنا صالحُ المُرِّي، عن أبي حازم المَدَني: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قبضه اللَّه عز وجل، دخل المهاجرون فوجًا فوجًا يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلتِ الأنصارُ على مثلِ ذلكم، ثم دخل أهل المدينة، حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء، فكان منهنّ صوتٌ وجزعٌ كبعض ما يكونُ منهنّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً

(4)

في البيت فَفَرِقْنَ فَسَكَتْنَ، فإذا قائلٌ يقول: إنّ في اللَّهِ عَزاءً منْ كُلِّ هالِكٍ، وعوضًا

(5)

عن كل مصيبةٍ، وخلفًا من كل فائت، والمجبور من جَبَرَه الثوابُ، والمصابُ منْ لم يَجْبُره الثوابُ.

‌فصل فيما رُوِيَ منْ مَعْرِفة أَهْلِ الكتاب بيومِ وَفاتِه صلى الله عليه وسلم

-

قال أبو بكر بن أبي شيبة

(6)

: ثنا عبدُ اللَّه بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي

(7)

خالد، عن قيس بن

(1)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 269).

(2)

طبقات ابن سعد (2/ 289).

(3)

ط: (هشام). وانظر سير أعلام النبلاء (9/ 545).

(4)

ط: (هزة في البيت يعرفنا).

(5)

أ، ط:(وعوض .. خلفًا).

(6)

المصنف (18869).

(7)

ليس اللفظ في ط.

ص: 395

أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه البَجَلي، قال: كنتُ باليمن فلقيت

(1)

رجلين من أهل اليمن، ذا كَلاعٍ وذا عمرو، فَجَعلْتُ أحدّثُهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: فقالا لي: إنْ كانَ ما تقولُ حَقًّا فقد مَضَى صاحِبُكَ على أجلهِ منذُ ثلاث. قال: فأقْبَلْتُ وأقْبَلا حتى إذا كُنّا في بعض الطريق رُفِعَ لنا رَكْبٌ من قِبَلِ

(2)

المدينة، فسألناهم فقالوا: قُبضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم واستُخْلِف أبو بكر، والناسُ صالحون. قال: فقالا لي: أخْبِرْ صاحِبَكَ أنَّا قد جِئْنا، ولعلَّنا سنعود، إن شاء اللَّه عز وجل، قال: ورجعا إلى اليَمَن، فلما أتَيْتُ أخْبَرْتُ أبا بكر بحديثهم، قال: أفلا جئتَ بهم. فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو: يا جريرُ، إن بك

(3)

عليَّ كرامةً، وإني مُخْبركَ خَبَرًا، إنَّكُمْ معشرَ العَرَبِ، لن تَزالوا بخير ما كُنْتُم إذا هَلَكَ أميرٌ تَآمَّرتُم في آخر، وإذا كانت بالسيف كنتمْ ملوكًا تَغْضَبون غَضَبَ الملوك

(4)

وتَرْضَوْن رضى الملوك (10). هكذا رواه الإمام أحمد

(5)

والبخاري

(6)

عن أبي بكر بن أبي شيبة. وهكذا رواه البيهقي

(7)

، عن الحاكم، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن يعقوب بن سفيان عنه.

وقال البيهقي

(8)

: أخبرنا الحاكم، أخبرنا علي بن المؤمل

(9)

ثنا محمد بن يونس، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا زائدة، عن زياد بن عِلاقة، عن جرير، قال: لقيني حَبْرٌ باليمن، وقال لي: إن كان صاحبُكُم نبيًّا فقد مات يوم الإثنين. هكذا رواه البيهقي.

وقد قال الإمام أحمد

(10)

: حدَّثنا أبو سعيد، ثنا زائدة، ثنا زياد

(11)

بن عِلاقَة، عن جرير، قال: قال لي حَبْرٌ باليمن: إن كان صاحبُكم نَبيًا فقد مات اليوم. قال جرير: فمات يومَ الإثنين.

وقال البيهقي

(12)

: أخبرنا أبو الحسين بن بشران المُعَدَّل ببغداد، أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو، ثنا محمد بن الهيثم، ثنا سعيد بن كثير

(13)

بن عُفَيْر، حدَّثني عبد الحميد بن كعب بن عَلْقَمة بن كعب بن

(1)

ط: (فلقينا).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (لك).

(4)

ط: (لملك).

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 363).

(6)

البخاري (4359).

(7)

دلائل النبوة (7/ 270).

(8)

دلائل النبوة (7/ 271).

(9)

ط: (المتوكل).

(10)

مسند الإمام أحمد (4/ 364)، وإسناده صحيح.

(11)

ط: (زيادة) وانظر سير أعلام النبلاء (5/ 215).

(12)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 271 - 272).

(13)

ط: (سعيد بن أبي كبير).

ص: 396

عدي التنوخي عن عمرو بن الحارث، عن ناعم بن أُجَيْل، عن كَعْب بن عدي، قال: أقْبَلْتُ في وفدٍ من أهل الحيرة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فعرض علينا الإسلام، فأسْلَمنا، ثم انصرفنا إلى الحيرة، فلم نَلْبثْ أن جاءتْنا وفاةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فارتاب أصحابي، وقالوا

(1)

: لو كان نبيّا لم يَمُتْ، فقلتُ: قد ماتَ الأنبياء قَبْلَه. وثبتُّ على إسلامي، ثم خرجتُ أريدُ المدينة، فمررتُ براهبٍ كُنّا لا نَقْطَعُ أمرًا دونَه، فقلت له: أخْبرني عن أمر أرَدْتُه لقِح

(2)

في صدري منه شيء، فقال: ائْتِ باسم من الأسماء، فأتيتُه بكعبٍ، فقال: ألْقِه في هذا السِّفْرِ، لسِفْرٍ أخْرَجَهُ، فأَلْقَيْتُ الكَعْبَ فيه، فصفَح فيه، فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته، وإذا هو يموتُ في الحينِ الذي مات فيه، قال: فاشتدَّتْ بصيرتي في إيماني، وقَدِمْتُ على أبي بكر، رضي الله عنه، فأعلمتُه، وأقَمْتُ

(3)

عندَه، فَوَجَّهني إلى المُقَوقِس فرجَعْتُ، ووجَّهني أيضًا عمرُ بنُ الخطّاب، فقَدِمْتُ عليه بكِتابه، فأتَيْتُه

(4)

وَقْعَةَ اليَرْموكِ، ولم أعلمْ بها، فقال لي: أعلمت أنّ الروم قتلت العرب وهَزَمتْهم؟ فقلت: كلّا، قال: ولم؟ قلت: إن اللَّهَ وعدَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يُظْهِرَه على الدين كله، وليس بمُخْلِفٍ الميعاد، قال: فإنّ نَبيّكم قد صَدَقَكُم؛ قُتِلت الرومُ، واللَّهِ قَتْلَ عادٍ. قال: ثم سألني عن وجوهِ أصحابِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه، وأهدى إلى عمر وإليهم. وكان ممَّن أهْدَى إليه عليٌّ وعبدُ الرحمن والزُّبَيْرُ -وأحسَبُه ذكرَ العبّاسَ- قال كعب: وكنتُ شَريكًا لعمر في البزِّ في الجاهلية، فلما أن فرض الديوان فرض لي في بني عدي بن كعب. وهذا أثرٌ غريبٌ، وفيه نبأٌ عجيبٌ، وهو صحيح.

‌فصل

قال محمد بن إسحاق

(5)

: ولما تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ارتدَّتِ العَرب، واشْرأبَّتِ اليَهوديةُ والنَّصْرانيّةُ ونَجَمَ النّفاقُ، وصارَ المُسْلِمون كالغنم المَطيرةِ في اللَّيلة الشّاتية، لفقدِ نَبيّهم صلى الله عليه وسلم، حتى جَمَعَهم اللَّهُ على أبي بكر رضي الله عنه. قال ابن هشام: وحدّثني أبو عبيدة وغيرُه من أهل العلم أنَّ أكثرَ أهلِ مَكة لمّا تُوفِّي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم هَمُّوا بالرُّجوعِ عن الإسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عَتَّابُ بنُ أَسِيد، رضي الله عنه، فَتَوَارى. فقام سُهَيْلُ بن عَمْرٍو، رضي الله عنه، فحَمِدَ اللَّهَ، وأثْنَى عليه، ثم ذكر وفاةَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ذلك لم يَزِدِ الإسلامَ إلا قوة، فمَنْ رابنا ضَرَبْنا عنقَه. فتراجَعَ النّاسُ وكفُّوا عما هَمُّوا به، فظهَر عَتَّابُ بن أسيد. فهذا المقامُ الذي أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قوله لعمرَ بن الخطّاب -يعني حينَ

(1)

ط: (وقال).

(2)

ط: (نفح) وأ: (نفخ) ولقح: هاج والمعجم الوسيط: ل ق ح.

(3)

ط: (وقمت).

(4)

بعدها في ط: (وكانت).

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 665).

ص: 397

أشار بقَلْعِ ثنيَّتيْه

(1)

حينَ وقع في الأُسارى يوم بدرٍ- إنه عَسَى أن يقومَ مقامًا لا تَذُمُّه

(2)

؟

قلت: وسَيَأْتي عَمّا قريب إن شاءَ اللَّهُ ذكرُ ما وَقَعَ بعدَ وفاةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِن الرّدَّةِ في أحياء كثيرةٍ من العرب، وما كان من أمر مُسَيْلِمَة بن حَبيب المُتَنبئِ باليَمامة، والأسود العَنْسي باليمن، وما كانَ مِن أمر الناسِ حتى فاؤوا ورجعوا إلى اللَّه تائبين نازعين عمَّا كانوا عليه في حال رِدَّتِهم من السَّفاهةِ والجَهْل العَظيم الذي استفزهُمُ الشَّيْطان به، حتّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وثَبَّتَهُم؛ وَرَدَّهم إلى دينهِ الحقّ على يَدَي الخليفةِ الصِّدّيق أبي بكر، رضي الله عنه وأرضاه، كما سيأتي مَبْسوطًا مُبَيَّنًا مَشْروحًا، إن شاء اللَّه.

‌فصل

وقد ذكر ابن إسحاق وغيرُه قصائدَ لحسان بن ثابتٍ، رضي الله عنه، في وفاةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومن أجَلِّ ذلك وأفْصَحِه وأعْظَمِه، ما رواهُ عبدُ الملك بن هشام

(3)

، رحمه الله، عن أبي زيد الأنصاري أنَّ حسانَ بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: يَبْكي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(4)

: [من الطويل]

بطيبةَ رَسْمٌ لِلرَّسولِ ومَعْهَدُ

مُنيرٌ وقدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وتَهْمدُ

ولا تَمْتحي الآياتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ

بِهَا مِنْبَرُ الهَادِي الذي كَانَ يَصْعَدُ

وَوَاضِحُ آيات

(5)

وباقي مَعالِمٍ

وَرَبْعٌ لَهُ فيه مُصلَّى ومَسْجدُ

بِهَا حُجُرات كان يَنْزلُ وَسْطَها

مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتضاءُ وَيُوقدُ

مَعَارفُ لم تُطْمَسْ على العَهْدِ آيُها

أتاها البِلا فالآيُ مِنْها تَجَدُّدُ

عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرسولِ وَعَهْدَهُ

وَقَبْرًا بها وَاراهُ في التُرْبِ مُلْحِدُ

ظَلَلْتُ بها أبْكِي الرسولَ فأَسْعَدَتْ

عُيونٌ ومِثْلاها منَ الجَفْنِ تُسْعِدُ

يُذَكرْنَ آلاءَ الرَّسول ولا أرَى

لَهَا مُحْصِيًا نَفْسي فَنفْسي تَبَلَّدُ

مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّها فَقْدُ أحْمدٍ

فَظَلَّتْ لآلاءِ الرَّسُول تُعَدِّدُ

ومَا بَلَغَتْ منْ كُل أمرٍ عشِيرَهُ

وَلكِنْ لِنَفْسي بَعْدُ ما قدْ تَوجَّدُ

(6)

أطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرفُ العَيْنُ جُهْدَها

على طَلَلِ القَبْرِ الذي فيه أحْمَدُ

(1)

ط: (ثنيته).

(2)

ط: (تذمنه).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 666 - 669).

(4)

ديوان حسان - دار صادر - (1/ 455 - 457).

(5)

ديوان حسان: (آثار).

(6)

أ: (توحد). وما أثبته يوافق ما في الديوان.

ص: 398

فَبُورِكْتَ يا قَبْرَ الرَّسولِ وَبُوركَتْ

بِلادٌ ثَوى فيها الرَّشيدُ المُسَدَّدُ

(1)

وبوركَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طيّبا

عَلَيْهِ بناءٌ مِنْ صَفِيِحٍ مُنَضَّدْ

(2)

تُهيلُ عَلَيْه التُّرْبَ أيدٍ وأعْيُنٌ

عَلَيْهِ -وَقَدْ غَارَتْ بذلكَ- أسْعُدُ

لَقَدْ غَيَّبوا

(3)

حِلْمًا وعِلمًا وَرَحْمَة

عَشيَّةَ عَلَّوهُ الثَّرَى لا يُوسَّدُ

وَراحُوا بحُزْني لَيْسَ فيهمْ نَبيُّهمْ

وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهورٌ وأعْضُدُ

يَبْكُون منْ تَبْكي السَّمواتُ يَوْمَهُ

ومَنْ قدْ بَكَتْهُ الأَرْضُ فَالنَاسُ أكمَدُ

وهَلْ عدلَتْ يَومًا رزِيَّةُ هالِكٍ

رَزيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فيهِ مُحَمَّدُ

تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الوَحْي عَنْهُمُ

وَقَدْ كَانَ ذا نُورٍ يَغُورُ ويُنْجدُ

يدُلُّ على الرحْمنِ منْ يَقْتدي بِهِ

ويُنْقذُ منْ هَوْلِ الخَزايا ويُرْشدُ

إمامٌ لَهُم يَهْديهمُ الحقَّ جاهِدًا

مُعَلِّمُ صِدْقٍ إنْ يُطيعوهُ يُسْعَدُوا

عَفُوٌّ عن الزَّلاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ

وإنْ يُحْسِنوا فاللَّهُ بالخَيْرِ أجْوَدُ

وإنْ نَابَ أمْرٌ لَمْ يَقوموا بحَمْلِهِ

فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسيرُ ما يَتشدَّدُ

فَبَيْناهُمُ في نِعْمَةِ اللَّهِ وَسْطَهُمْ

دَليلٌ به نَهْجُ الطَّريقةِ يُقْصدُ

عَزيزٌ عَلَيْهِ أنْ يَجُوروا عَنِ الهُدَا

حَريصٌ على أنْ يستقِيمُوا ويَهْتَدُوا

عَطُوفٌ عَلَيْهم لا يُثَنَي جَناحَهُ

إلى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهم ويَمْهَدُ

فَبينَاهُم في ذَلِكَ النُّور إذْ غَدا

إلى نُورِهِم سَهْمٌ منَ المَوْتِ مُقْصدُ

فأصْبَحَ مَحْمُودًا إلى اللَّهِ رَاجعًا

يُبَكِّيهِ حَقُّ

(4)

المُرْسَلاتِ وَيَحْمَدُ

وَأمْسَتْ بلادُ الحُرْمِ وَحْشًا بقاعُهَا

لِغَيْبةِ ما كانَتْ منَ الوَحْي تَعْهَدُ

قِفارًا سِوَى مَعْمورة

(5)

اللَّحْدِ ضَافَها

فَقيدٌ يُبَكَيه

(6)

بَلاطٌ وغَرْقَدُ

ومَسْجِدُهُ فالمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ

خَلاءٌ لَهُ فيه

(7)

مَقامٌ ومَقْعَدُ

وبالجَمْرةِ الكُبْرى لَهُ ثَمَّ أوْحَشَتْ

دِيارٌ وعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ ومَوْلِدُ

فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يا عَيْنُ عَبرَةً

وَلا أعْرِفَنْكِ الدّهْرَ دَمْعَكِ يَجْمُدُ

(1)

أ: (المشدد). وما هنا عن ط. ويوافق ما في الديوان.

(2)

لم يرد هذا البيت في أ.

(3)

ط: (لقد غَبّوا حلمًا ورحمة) وفيها تحريف ونقص.

(4)

ط: (جفن).

(5)

أ: (معموده).

(6)

في الديوان: (تبكّيه).

(7)

ط، أ:(فيها) وما أثبته عن الديوان.

ص: 399

ومَالكِ لا تَبْكينَ ذا النِّعْمَةِ التي

عَلى النَّاسِ مِنْها سَابغٌ يَتَغَمَّدُ

(1)

فَجُودي عَلَيْهِ بالدُّموعِ وأعْولي

لِفَقْدِ الذي لا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ

وما فَقَدَ الماضون مِثْل مُحَمَّدٍ

وَلا مِثْلُهُ حَتَّى القِيامَةِ يُفْقَدُ

أعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بعْدَ ذِمَّةٍ

وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لا يُنَكَّدُ

وأبْذَلَ مِنْهُ للطَّرِيفِ وتَالِدٍ

إذا ضَنَّ

(2)

مِعْطاءٌ بِمَا كَان يتْلَدُ

وأكْرَمَ صيتًا

(3)

في البُيوتِ إذا انْتَمَى

وَأكْرَمَ جَدًّا أبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ

وَأَمْنَعَ ذِرْواتٍ وأَثْبَتَ في العُلا

دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ

وَأَثْبَتَ فَرْعًا في الفُروعِ ومَنْبِتًا

وَعُودًا غَذَاهُ المُزْنُ فالعُود أغْيَدُ

رَبَاهُ وَليدًا فاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ

عَلَى أكْرَمِ الخَيراتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ

تَنَاهَتْ وَصَاةُ المُسْلمينَ بكَفِّهِ

فلا العِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلا الرأيُ يُفْنَدُ

(4)

أقُولُ ولا يُلْفى

(5)

لِمَا قُلْتُ عَائبٌ

مِنَ النَّاسِ إلَّا عَازِبُ العقل مُبْعَدُ

وَلَيْسَ هَوايَ

(6)

نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ

لَعَلّي بِهِ في جَنَّةِ الخُلْدِ أخْلُدُ

مَعَ المُصْطَفَى أرْجُو بِذَاكَ جِوارَهُ

وفي نَيْلِ ذَاكَ اليَوْمِ أسْعَى وأَجْهَدُ

وقال الحافظ أبو القاسم السُّهَيْلي في آخر كتابه "الروض"

(7)

: وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [من الوافر]

أرِقْتُ فَبَاتَ لَيْليَ لا يَزولُ

وَلَيْلُ أخي المُصيبَةِ فيه طُولُ

وَأَسْعَدني البُكَاءُ وَذَاكَ فيما

أُصيبَ المُسلمونَ بِهِ قَليلُ

لَقَدْ عَظُمَتْ مُصيبتُنا

(8)

وجَلَّتْ

عَشِيَّةَ قيلَ قدْ قُبضَ الرَّسُولُ

وأضْحَتْ أرْضُنَا ممَّا عَراهَا

تَكادُ بنا جَوانِبُها تَميلُ

فَقَدْنَا الوَحْيَ والتَّنْزيلَ فِينا

يَرُوحُ بهِ وَيَغْدُو جِبْرئيلُ

(1)

أ: (متغمد).

(2)

أ: (ظن).

(3)

ط: (حيًّا).

(4)

أ: (مفند).

(5)

أ: (يلقى).

(6)

ط: (هواني).

(7)

الروض الأنف (7/ 593 - 594).

(8)

أ: (مصيبته).

ص: 400

وَذَاكَ أحَقُّ ما سَالَتْ عَلَيْهِ

نُفوسُ النَّاسِ أوْ كَربَتْ

(1)

تَسيلُ

نَبيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَ عَنَا

بمَا يُوحَى إليْهِ ومَا يَقُولُ

ويَهْدِينَا فَلا نَخْشى ضَلالًا

عَلَيْنا والرَّسُولُ لَنا دَليلُ

أفَاطِمُ إنْ جَزِعْتِ فَذَاك عُذْرٌ

وإنْ لمْ تَجْزَعي ذاكَ السَّبيلُ

فَقَبْرُ أبيكِ سيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ

وَفيهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسولُ

‌بابُ بيانِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يترُكْ دينارًا ولا دِرهمًا ولا عبدًا ولا أمة، ولا شاةً ولا بعيرًا ولا شيئًا يُورثُ عنه، بل أرضًا جَعَلَها كلّها صدقةً للَّه عز وجل، فإنَّ الدُّنْيا بحَذافيرها كانَتْ أحقرَ عندَهُ -كما هي عندَ اللَّه- من أن يَسْعَى لها أو يتْرُكها بعدَهُ مِيراثًا، صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عليه، وعلى إخوانِهِ من النبيّينَ والمُرْسَلين، وسلّم تَسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين

قال البخاري

(2)

: حدَّثنا قُتيبةُ، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، قال: ما ترَكَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا دِرْهمًا ولا عَبْدًا ولا أمة إلا بغلتَه البيضاء التي كان يَرْكَبُها، وسلاحَه، وأرضًا جَعَلَها لابنِ السَّبيل صدقة. انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه في أماكنَ من "صحيحه" من طرقٍ مُتَعدِّدةٍ، عن أبي الأحوص، وسفيان الثوريّ، وزهير بن معاوية، ورواه الترمذيّ من حديث إسرائيل، والنَّسائي أيضًا من حديث يونُس بن أبي إسحاق، كلُّهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد اللَّه السَّبيعي، عن عمرو بن الحارث بن المُصْطلِقِ بن أبي ضرار، أخي جُوَيْرية بنتِ الحارثِ أم المؤمنين، رضي الله عنهما، به

(3)

.

وقال الإمام

(4)

أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش، وابن نمير عن الأعمش، عن شَقيق، عن مَسْروق، عن عائشة، قالت: ما تَرَكَ رسولُ اللَّهِ دينارًا ولا دِرْهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا ولا أوصى بشيء. وهكذا رواه مسلم

(5)

منفردًا به عن البخاري وأبو داود

(6)

والنسائي

(7)

، وابن

(1)

أ: (أو كادت).

(2)

البخاري (4461).

(3)

البخاري (2873) و (2739) والترمذي في الشمائل (382) والنسائي (6598).

(4)

ط: (وقد رواه أحمد) وانظر مسند الإمام أحمد (6/ 44).

(5)

مسلم (1635).

(6)

أبو داود (2863).

(7)

النسائي (3623 - 3624).

ص: 401

ماجه

(1)

، من طرقٍ متعددةٍ عن سليمان بن مِهْران الأعْمش، عن شَقيق بنِ سَلَمَة أبي وائلٍ، عن مسروق بن الأجدع، عن أم المؤمنين عائشة الصديقةِ

(2)

بنت الصِّدِّيق حبيبةِ حبيبِ اللهِ المُبَرَّأةِ من فوقِ سَبْعِ سماواتٍ رضي الله عنها وأرضاها.

وقال الإمام أحمد

(3)

: حدَّثنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن عاصم، عن زِر

(4)

بن حُبَيْش عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا دِرْهمًا ولا أمة ولا عَبْدًا، ولا شاةً ولا بعيراً.

وحدَّثنا

(5)

عبد الرحمن، عن سُفيان، عن عاصم، عن زِرٍّ

(6)

عن عائشة: ما تركَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا دِرْهماً، ولا شاةً ولا بعيرًا. قال سُفْيان: وأكثر علمي وأشكُّ في العبد والأمَة. وهكذا رواه الترمذي في "الشمائل"

(7)

عن بُنْدار، عن عبد الرحمن بن مَهْدي به.

قال الإمام أحمد

(8)

: وحدَّثنا وكيعٌ، ثنا مِسْعَر، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن زِرٍّ

(9)

، عن عائشة، قالت: ما تركَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا دِرْهمًا ولا عَبْدًا ولا أمَةً، ولا شاةً ولا بعيراً. هكذا رواه الإمام أحمد من غيرِ شَكِّ.

وقد رواه البيهقي

(10)

عن أبي زكريا بن أبي إسحاق المُزَكّي، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عَوْن، أنبأنا مِسْعَر، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ (9). قال: قالت عائشة: تَسْألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما تركَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا دِرْهمًا ولا عَبْداً ولا وَليدة. قال مِسْعَر: أُراه قال: ولا شاةً ولا بعيرًا.

قال: وأنبأنا مِسْعَرٌ عن عدي بن ثابتٍ، عن علي بن الحسين، قال: ما تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا دِرْهمًا، ولا عَبْدًا ولا وليدةً. وقد ثبتَ في "الصَّحيحين"

(11)

من حديث الأعْمَشِ، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهوديّ إلى أجلٍ، ورَهَنه دِرْعًا من حديد.

(1)

ابن ماجه (2695).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

مسند الإمام أحمد (6/ 185).

(4)

ط: (ذر) تحريف.

(5)

مسند الإمام أحمد (6/ 187)، وهو حديث صحيح.

(6)

ط (ذر) تحريف.

(7)

الشمائل (388)، وهو حديث صحيح.

(8)

أحمد في المسند (6/ 136) وهو حديث حسن.

(9)

ليس اللفظ في ط.

(10)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 274).

(11)

البخاري (2200، 2513، 2916)، ومسلم (1603).

ص: 402

وفي لفظٍ للبخاري

(1)

رواه عن قَبيصة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: تُوفِّي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعُه مَرْهونةٌ عندَ يهوديٍّ بثلاثين.

ورواه البيهقي

(2)

من حديث يزيد بن هارون، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود عنها، قالت: تُوفِّي النبيُّ صلى الله عليه وسلم ودرعُه مرهونةٌ بثلاثين صاعاً من شعير.

ثم قال: رواه البخاري

(3)

عن محمد بن كثير عن سفيان.

ثم قال البيهقي

(4)

: أنبأنا علي بن أحمد بن عَبْدان، أنبأنا أبو بكر محمد بن محمويه

(5)

العسكري، ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا اَدم ثنا شيبان عن قتادة عن أنس.

قال: لقد دُعيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على خُبْزِ شَعيرٍ وإهالةٍ سَنِخة.

قال أنس: ولقد سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، ما أصبح عندَ آلِ محمدٍ صاعُ بُرٍّ ولا صاعُ تَمْرٍ".

وإنّ له يَومئذٍ تسعَ نسوةٍ، ولقد رَهَنَ درعاً له عندَ يَهوديٍّ بالمدينة، وأخذ منه طعاماً، فما وَجَدَ ما يَفتكُّها به حتى مات صلى الله عليه وسلم.

وقد رَوى ابنُ ماجه

(6)

بعضَه من حديث شَيبان بن عبد الرحمن النَّحْوي عن قتادة به.

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا عبد الصمد، ثنا ثابت، ثنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى أُحُدٍ.

فقال: "والذي نفسي بيده ما يَسُرّني أُحُداً لَال محمد ذهباً أُنْفِقُهُ في سبيل الله، أموتُ يومَ أموتُ وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لِدَيْنٍ".

قال: فمات فما ترك دينارًا ولا درهماً، ولا عبداً ولا وليدة، فترك دِرعَه رَهْناً عند يهوديٍّ بثلاثين صاعاً من شعير.

وقد روى آخرَه ابنُ ماجه

(8)

عن عبد الله بن معاوية الجُمَحيّ، عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خَبّاب العَبْدي الكوفي به.

ولأوله شاهدٌ في "الصحيح"

(9)

من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه.

وقد قال الإمام أحمد

(10)

: حدَّثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان، قالوا: ثنا ثابتٌ - هو ابن يزيد- ثنا

(1)

البخاري (4467).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 274).

(3)

البخاري (2916).

(4)

دلائل النبوة (7/ 275).

(5)

أ، ط:(حمويه).

(6)

ابن ماجه (2437) من حديث الدستوائي عن قتادة به، ورواه أحمد من حديث شيبان (3/ 238)، وهو حديث صحيح.

(7)

مسند الإمام أحمد (1/ 301).

(8)

ابن ماجه (2439)، وهو حديث صحيح.

(9)

أخرجه أحمد (5/ 148)، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(10)

مسند الإمام أحمد (1/ 301).

ص: 403

هلال -هو ابن خَبّاب- عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ عليه عمر، وهو على حَصيرٍ قد أثَّر في جَنْبه، فقال: يا نبيَّ الله لو اتخذتَ فِراشاً أوْثَرَ من هذا؟ فقال: "ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثلُ الدُّنْيا إلا كراكبٍ سار في يوم صائِفٍ، فاستظَلَّ تحتَ شجرةٍ ساعةً من نهارٍ، ثم راح وتركها". تَفَرَّدَ به أحمدُ، وإسنادُه جيدٌ، وله شاهدُ

(1)

من حديثِ ابنِ عباس، عن عمر في المرأتين اللتين تَظاهَرَتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصة الإيلاء. وسيأتي الحديثُ مع غيره مما شاكله في بيان زُهْدِه عليه الصلاة والسلام، وتركه الدنيا، وإعراضه عنها، واطراحه لها، وهو مما يدل على ما قلناه من أنه عليه الصلاة والسلام، لم تكن الدنيا عندَه ببالٍ.

وقال الإمام أحمد

(2)

: حدَّثنا سفيان، ثنا عبد العزيز بن رُفَيْع، قال: دخلتُ أنا وشَدّاد بن مَعْقِلٍ، على ابن عباس، فقال ابن عباس: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما بينَ هذين الَّلوحَيْن. قال: ودخلنا على محمد بن علي فقال مثل ذلك. وهكذا رواه البخاري

(3)

، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة به.

وقال البخاري

(4)

: حدَّثنا أبو نعيم، ثنا مالك بن مِغْوَلٍ، عن طلحة، قال: سألتُ عبدَ الله بن أبي أوفى: أأوْصَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا. فقلت: كيف كُتب على النّاس الوصيّةُ، اْو أُمِروا بها؟ قال: أوْصَى بكتابِ اللهِ عز وجل. وقد رواه البخاريُّ أيضًا ومسلمٌ، وأهلُ السُّنن إلا أبا داود

(5)

من طرق، عن مالك بن مِغْول به. وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مِغْولٍ.

تنبيه: قد وَرَدَتْ أحاديثُ كثيرةٌ سنوردُها قريباً بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختصُّ بها، صلوات الله وسلامه عليه، في حياته، من دُورٍ ومساكنِ نسائه، وإماءٍ وعبيد، وخيول وإبل، وغنم وسلاح، وبَغْلةٍ وحمار، وثياب وأثاث، وخاتم، وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله، فلعلَّه عليه الصلاة والسلام تَصَدَّقَ بكثير منها في حياته مُنْجزًا، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده، وأرصد ما أرْصَدَهُ من أمتعته، مع ما خَصَّه الله به من الأرضينَ من بني النَّضير وخيبر وَفَدَك، في مصالح المسلمين على ما سنبيّنه، إن شاء الله، إلا أنه لم يُخَلف من ذلك شيئًا

(6)

يورث عنه قطعًا لما سنذكره قريبًا، وبالله المستعان.

(1)

البخاري (2468، 4913 - 4915، 5191، 5843) ومسلم (1479).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 220).

(3)

البخاري (5019).

(4)

البخاري (4460).

(5)

البخاري (2740) ومسلم (1634) والترمذي (2119) والنسائي (3622) وابن ماجه (2696).

(6)

ط: (ما).

ص: 404

‌بابُ

(1)

بيانِ أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "لا نُورَثُ"

قال الإمام أحمد

(2)

: حدَّثنا سُفيان، عن أبي الزِّناد، عن الأعْرَج، عن أبي هريرة يَبلُغُ به، وقال مرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْتسِمُ وَرَثَتي ديناراً ولا دِرْهماً، ما تركتُ بعدَ نفقةِ نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة". وقد رواه البخاري

(3)

ومسلم

(4)

وأبو داود

(5)

من طرقٍ، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد عبد الله بن ذَكْوان، عن عبد الرحمن بن هُزمُز الأعْرج، عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَقْتسمُ وَرَثتي ديناراً، ما تركتُ بعد نفقةِ نسائي ومؤنةِ عاملي فهو صدقةٌ" لفظ البخاري.

ثم قال البخاري

(6)

: حدَّثنا عبد الله بن مَسْلمة، عن مالكٍ، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أنّ أزْواج النبي صلى الله عليه وسلم حين تُوفّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أرَدْنَ أن يَبْعثن عثمانَ إلى أبي بكر يسألنه

(7)

ميراثَهن، فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ؟ " وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، كلُّهم عن مالك به

(8)

. فهذه إحدى النساء الوارثات -إن لو قدِّر ميراثٌ - قد اعترفت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثاً، والظّاهرُ أن بقيةَ أمهاتِ المؤمنين وافَقْنَها على ما رَوَتْ، وتَذَكَّرْن ما قالت لهنَّ من ذلك، فإنّ عبارتَها تُؤْذنُ بأن هذا أمرٌ مُقَرَّر عندهن. والله أعلم.

وقال البخاري

(9)

: حدَّثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا نُورَثُ ما تَركنا صدقة".

وقال البخاري: باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورَثُ، ما تركنا صدقةٌ: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا هثام، أنبأنا مَعْمَر، عن الزُّهْري، عن عروة، عن عائشة: أنَّ فاطمةَ والعباس أتيا أبا بكر، رضي الله عنه، يَلْتمسان ميراثَهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبانِ أرْضَه من فدك وسهمه من خيبر. فقال لهما

(1)

مكان اللفظ بياض في أ.

(2)

مسند الإمام أحمد (2/ 242).

(3)

البخاري (2776، 3096، 6729).

(4)

مسلم (1760)(55).

(5)

أبو داود (2974).

(6)

البخاري (6730).

(7)

ط: (ليسألنه).

(8)

رواه مسلم رقم (1758)(51) وأبو داود (2976) والنسائي في "الكبرى"(6311).

(9)

البخاري (6727)

ص: 405

أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورَثُ، ما تركنا صدقةٌ، إنما يأكلُ آل محمد من هذا المال". قال أبو بكر: والله لا أدَعُ أمراً رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُه فيه إلا صنعتُه، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلِّمْه حتى ماتَتْ. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر

(1)

.

ثم رواه أحمد

(2)

: عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كَيْسان، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة: أنّ فاطمةَ سَأَلَتْ أبا بكر بعدَ وفاة رسول الله ميراثَها مما ترك مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "لا نورَثُ، ما تركنا صدقةٌ" فغَضبتْ فاطمةُ، وهَجَرَت أبا بكر، فلم تَزَلْ مُهاجرته حتى تُوفّيت. قال: وعاشت فاطمة بعدَ وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ستةَ أشهرٍ

وذكر تمام الحديث. هكذا قال الإمام أحمد.

وقد روى البخاري

(3)

هذا الحديثَ في كتاب المغازي من "صحيحه" عن ابن بُكير

(4)

، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، كما تقدم، وزاد: فلما تُوفِّيت دَفَنها علي ليلًا ولم يْؤْذن بها

(5)

أبا بكر، وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجهٌ حياةَ فاطمة، فلما تُوفيت استنكَرَ عليٌّ وجوه الناس، فالتمَس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايَعَ تلكَ الأشهر، فأرسلَ إلى أبي بكر ائتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شِدة عمر، فقال عمر: والله لا تدخُلُ عَليهم وحدك.

قال أبو بكر: وما عسى أن يَصْنَعوا بي؟ والله لآتينَّهم. فانطَلق أبو بكر، رضي الله عنه فتَشَهَّدَ عَلِىُّ

(6)

، وقال: إنا قد عَرَفْنا فَضْلَكَ وما أعطاك الله، ولم نَنْفَسْ عَلَيْكَ خيراً ساقه الله إليك، ولكنَّكم استَبْدَدْتُم بالأمر، وكُنا نرى لِقَرابتنا منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ لنا في هذا الأمر نصيبًا، فلم يَزَلْ علىٌّ يذكرُ حتى بَكَى أبو بكر، رضي الله عنه، وقال: والذي نفسي بيدِهِ لقَرابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أن أصِلَ من قَرابتي، وأما الذي شَجَر بَيْني وبَيْنَكُم

(7)

في هذه الأموال، فإني لم آلُ فيها عن الخير، ولم أترُكْ أمراً صنعه

(8)

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صَنَعْتُه. فلما صلَّى أبو بكر رضي الله عنه الظهرَ رقي

(9)

على المنبر، فتَشَهَّد، وذكر شأنَ عليٍّ وتخلُّفَه عن البيعة، وعذرَهُ بالذي اعتذرَ به، وتَشَهَّدَ علىٌّ رضي الله عنه، فعظَّمَ حقَّ

(1)

مسند الإمام أحمد (1/ 4).

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 6)، وإسناده صحيح.

(3)

البخاري (4240 - 4241).

(4)

أ: (ابن أبي بكر) وط (ابن أبي بكر) وفيهما تحريف وزيادة. وانظر البخاري. وفيه (يحيى بن بكير).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ليست عبارة (فتشهّد علي) في ط.

(7)

أ، ط:(شجر بينكم) وما أثبته عن البخاري.

(8)

ط: (صنع).

(9)

ط: (ورقي) والواو زائدة.

ص: 406

أبي بكر، وذكرَ فضيلته وسابقتَه، وحدَّث أنّه لم يَحْمِلْهُ على الذي صنع نفاسةٌ على أبي بكرٍ، ثم قام إلى أبي بكر، رضي الله عنهما، فبايَعَهُ. فأقبل الناسُ على عليٍّ فقالوا: أحسنتَ. وكانَ الناسُ إلى عليٍّ قريباً حين راجعَ الأمرَ المَعْروفَ. وقد رواه البخاري

(1)

أيضًا ومسلم

(2)

وأبو داود

(3)

والنسائي

(4)

من طرقٍ متعددةٍ، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة بنحوه.

فهذه البيعةُ التي وَقَعَتْ من عليٍّ، رضي الله عنه، لأبي بكرٍ، رضي الله عنه، بعد وفاةِ فاطمة، رضي الله عنها، بيعةٌ مُؤَكِّدةٌ للصُّلْحِ الذي وقعَ بينهما، وهي ثانيةٌ للبيعة التي ذكرناها أولًا يومَ السَّقيفة، كما رواه ابن خُزَيْمة وصَحَّحَهُ مسلم بن الحَجّاج، ولم يكنْ علىٌّ مجانباً لأبي بكرٍ هذه الستةَ أشهرٍ، بل كان يُصلّي وراءه ويحضُرْ

(5)

عِنْدَه للمَشورةِ، وركبَ مَعَهُ إلى ذي القَصَّة كما سيأتي.

وفي "صحيح البخاري"

(6)

: أن أبا بكرٍ، رضي الله عنه، صلَّى العصرَ بعد وَفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بليالٍ، ثم خرجَ من المسجد فوجَدَ الحسنَ بن علي يَلعبُ مع الغِلْمان، فاحْتَمَلهُ على كاهِلِهِ، وجَعَلَ يقول:[من مجزوء الرجز]

[يا] بِأَبي شِبْهُ النَّبِيْ

لَيْسَ شبيهًا بعَلِيْ

وعلىُّ يَضْحكُ. ولكن لما وقعتْ هذه البيعةُ الثانيةُ اعتقَد بعضُ الرواةِ أنّ علياً لم يُبايعْ قَبْلَها فنفى ذلك، والمُثْبتُ مَقَدَّمٌ على النّافي، كما تَقَدَّمَ وكما تَقَرَّر. والله أعلم. وأما تَغَضُّبُ فاطمة، رضي الله عنها وأرضاها، على أبي بكرٍ، رضي الله عنه وأرضاه، فما أدْري ما وَجْهُهُ، فإنْ كانَ لمنعِه إيّاها ما سألتْهُ من الميراث، فقد اعتذر إليها بعذرٍ يجبُ قبولُهُ، وهو ما رواه عن أبيها رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ". وهي ممن تَنْقادُ لنَصّ الشارعِ الذي خَفي عليها قبل سُؤالها الميراثَ، كما خَفِيَ على أزواجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أخْبَرتْهُن عائشةُ بذلك، ووافَقْنَها عليه، وليس يُظَنّ بفاطمة، رضي الله عنها، أنها

(7)

اتَّهَمَتِ الصِّدِّيق، رضي الله عنه، فيما أخبرَها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيفَ وقَدْ وافَقَهُ على روايةِ هذا الحديث عمرُ بنُ الخطّاب، وعثمانُ بن عفان، وعليُّ بن أبي طالب، والعباسُ بن عبد المطلب، وعبدُ الرحمن بن عوف، وطَلْحَةُ بن عُبَيْد الله، والزُّبَيْر بن العَوّام، وسَعْدُ بن أبي وقّاص،

(1)

البخاري (3092، 3093، 3711، 3712، 4035، 4036، 6727).

(2)

مسلم (1758) و (1759)(51) و (52) و (53) و (54).

(3)

أبو داود (2968، 2969، 2976، 2977).

(4)

النسائي (4152) وفي السنن الكبرى (6311).

(5)

ط: (ويحضره).

(6)

البخاري (3542، 3750).

(7)

ط: (أنها علمت أنها اتهمت).

ص: 407

وأبو هريرة، وعائشةُ، رضي الله عنهم أجمعين، كما سَنُبَيِّنه قريبًا. ولو تَفَرَّدَ بروايتِه الصديق، رضي الله عنه، لوجَبَ على جميعِ أهْلِ الأرض قَبولُ روايتِهِ والانْقيادُ له في ذلك، وإن كان غَضَبُها لأجلِ ما سألتِ الصديقَ، إذ كانَتْ هذه الأراضي صَدَقةً لا ميراثاً، أن يكونَ زوجُها ينظُرُ فيها، فقد اعتذَرَ بما حاصِلُهُ أنه لما كان خليفةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فهو يرى أن فرضًا عليه أن يَعْمَلَ بما كانَ يَعْمله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويَلي ما كانَ يَليه رسولُ الله، ولهذا قال: وإني واللهِ لا أدَعُ أمْرًا كان يَصْنَعُهُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا صَنَعْتُه، قال: فهجرَتْهُ فاطمةُ فلم تُكَلِّمْه حتى ماتَتْ. وهذا الهِجرانُ والحالةُ هذه فَتَح على فِرْقَة الرافضةِ شرَّاً عَريضاً، وجَهْلاً طويلاً، وأدْخَلوا أنفسَهم بسببه فيما لا يَعْنيهم، ولو تَفَهَّموا الأمورَ على ما هي عليه لعَرفوا للصِّدِّيق فضلَه، وقَبِلوا منه عُذْرَهُ الذي يجبُ على كل أحدٍ قَبولُه، ولكنهم طائفةٌ مَخْذولةٌ، وفِرْقَةٌ مَرْذولةٌ، يَتَمسَّكون بالمُتشابه، ويَتْرُكون الأمورَ المُحْكَمَة المُقَرَّرَة

(1)

عند أئمة الإسلام، من الصحابة والتابعين، فمنْ بعدَهم من العلماء المُعْتَبرين في سائر الأعْصار والأمْصار، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

‌بيانُ روايةِ الجَماعَةِ لمِا رَواهُ الصِّدِّيقُ ومُوافَقَتِهمْ على ذلك

قال البخاري

(2)

: حدَّثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الَّليْثُ، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني مالك

(3)

بن أوس بن الحَدَثان، وكان محمد بن جُبَيْر بن مُطْعم ذكر لي ذِكرًا من حديثه ذلك، فانطلقتُ حتى دخلتُ عليه، فسألتُه، فقال: انطلقتُ حتى أدْخُلَ على عُمَرَ، فأتاهُ حاجبُه يَرْفا، فقال: هل لك في عثمانَ وعبد الرحمن بن عَوْفٍ، والزُّبَيْر وسَعْدٍ؟ قال: نعم، فأذِنَ لهم، ثم قال: هَلْ لَكَ في عليٍّ وعباس؟ قال: نعم. قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بَيْني وبينَ هذا، قال: أنْشُدُكمْ بالله الذي بإذنِهِ تقومُ السَّماءُ والأرضُ، هل تعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا نُورثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ؟ " يريدُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفسَه؟ قال الرهط: قَدْ قالَ ذلك. فأقبلَ على على وعباس، فقال: هل تَعْلَمان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قَدْ قالَ ذلك. قال عمر بن الخطاب: فإني أُحَدِّثكم عن هذا الأمر؛ إن اللهَ كانَ قد خَصَّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيءٍ لم يُعْطِه أحدًا غيرَه. قال {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إلى قوله {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فكانَتْ خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازَها

(4)

دونكم، ولا اسْتَأثر بها

(5)

عليكم، لقد أعطاكموها وبثَّها فيكم، حتى بقيَ منها هذا المالُ، فكانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

ط: (المقدَّرة).

(2)

البخاري (6728).

(3)

ط: (ملك بن أوس بلن الحدثنان) وكلها تحريفات. وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 171).

(4)

أ: (ما اختارها).

(5)

أ، ط:(استأثرها).

ص: 408

يُنْفقُ على أهله من هذا المال نفقةَ سَنَتِهِ، ثمَّ يأخذُ ما بَقي فَيَجْعَلَه مَجْعَلَ مالِ اللّهِ، فعملَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حياتَه، أنشْدُكم بالله هل تَعْلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لعليٍّ وعباس: أنْشُدُكما باللهِ هل تَعْلَمان ذلك؟ قالا: نعم! فَتَوفَّى اللهُ نبيَّه فقال أبو بكر، رضي الله عنه: أنا وَليُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقَبضَها فعمِلَ بما عمِل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُم توفَّى اللهُ أبا بكر، فقلتُ: أنا وَليُّ وليِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَبضتها سنتين، أعْمَلُ فيها بما عمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئْتُماني وكَلِمَتُكما واحدةٌ وأمرُكُما جميعٌ، حتى جئتَني تسألُني نَصيبَك من ابن أخيك، وجاءني هذا ليسأَلَني نصيبَ امرأتِه من أبيها، فقلتُ: إن شِئْتُما دفعتُ إليكُما بذلك، فَتَلْتَمسانِ مني قَضاء غيرَ ذلك!! فواللّه الذي بإذنِه تقومُ السماءُ والأرضُ، لا أقْضي فيها قضاء غيرَ ذلك حتَّى تقومَ الساعة، فإن عَجَزْتُما فادفعاها إليّ فأنا أكْفيكُماها. وقد رواه البخاري

(1)

في أماكن متفرقة من "صحيحه"، ومسلم

(2)

وأهل السنن

(3)

من طرقٍ، عن الزهري به.

وفي روايةٍ في "الصحيحين"

(4)

، فقال عمر: فَوَليها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللهُ يعلمُ أنَّه صادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقّ، (ثم وليتُها فعملتُ فيها بما عملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله يعلم أني صادقٌ بارٌّ [راشد] تابعٌ للحق)

(5)

ثم جئتُماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عَمِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعملتُ فيها أنا، أنْشدُكُم بالله أدفعتُها إليهما بذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لهما: أنْشُدُكما بالله هل دفعتُها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، فال: أفَتَلْتمسان مني قَضاءً غيرَ ذلك؟ لا، والذي بإذنه تقومُ السَّماءُ والأرضُ.

وقال الإمام أحمد

(6)

: حدَّثنا سُفْيان عن عمرو، عن الزُّهْري، عن مالك بن أوس، قال: سَمِعْتُ عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد: نَشَدْتُكُم بالله الذي تقومُ السماءُ والأرضُ بأمره، أعلمتُم أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا نُوَرثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ؟ " قالوا: نعم. على شرط الصحيحين.

قلت: وكان الذي سَأَلاهُ بعدَ تَفْويضِ النظرِ إليهما، والله أعلم، هو أن يَقْسِمَ بينهما النظرَ، فيجعَل لكلِّ واحدٍ منهما نظر ما كان يستحقُّه بالإرث

(7)

لو قُدِّر أنه كان وارثاً، وكأنهما قدَّما بينَ أيديهما جماعةً من الصَّحابة، منهم عثمانُ وابن عوفٍ وطلحةُ والزبيرُ وسَعْدٌ، وكان قد وَقَعَ بينهما خُصومةٌ شديدةٌ بسببِ

(1)

البخاري (3094، 4033، 5358، 7305).

(2)

مسلم (1757)(48) و (49) و (50).

(3)

أبو داود 2963، والترمذي (1610)، والنسائي في السنن الكبرى (6307 - 6310)، والحديث ليس عند ابن ماجه.

(4)

البخاري (7305) ومسلم (157)(49).

(5)

ليس ما بين القوسين في ط.

(6)

مسند الإمام أحمد (1/ 25، 162، 164، 191).

(7)

ط: (بالأرض) وأ: (من الإرث).

ص: 409

إشاعةِ النَّظَر بينهما، فقالت الصّحابةُ الذين قدماهم بينَ أيديهما: يا أميرَ المؤمنين اقض بينهما، وأرح

(1)

أحدَهما من الآخر. فكأنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، تَحَرَّجَ من قِسْمَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُما بما يُشْبهُ قِسْمَه

(2)

الميراث ولو في الصّورة الظاهرة، محافظةً على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم:"لا نُورثُ، ما تَرَكْنَا صدقةٌ" فامتنع عليهم كلِّهم وأبى من ذلك أشدَّ الإباء، رضي الله عنه وأرضاه، ثم إنّ علياً والعباسَ استمرّا على ما كانا عليه، ينظران فيها جميعًا إلى زمانِ عثمان بن عفان، فغلبه عليها علىٌّ وتركَها له العباس بإشارةِ ابنه عبد الله، رضي الله عنهما، بين يَدَيْ عُثْمان، كما رَواهُ أحمدُ في "مسنده"

(3)

، فاستمرت في أيدي العَلَويّين. وقد تَقَصَّيْتُ طرقَ هذا الحديث وألفاظَه في مسندَي الشَّيْخَيْن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فإنّي، ولله الحمد، جَمَعْتُ لكلِّ واحدٍ منهما مُجَلَّداً ضخْماً مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من الفِقْهِ النافِع الصَّحيح، وَرَتَّبْتُه على أبواب الفقهِ المُصْطَلَح عليها اليوم. وقد رُوِّينا أن فاطمة، رضي الله عنها، احتجَّت أولًا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصِّدِّيقُ بالنصِّ على الخُصوص بالمَنْع في حقّ النبي، وأنها سلَّمَتْ له ما قال. وهذا هو المظنونُ بها، رضي الله عنها.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدَّثنا عَفّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، أن فاطمةَ قالت لأبي بكر: من يَرثُكَ إذا مِتَّ؟ قال: ولدي وأهلي. قالت: فما لنا لا نرثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إن النبىَّ لا يورثُ" ولكني أعولُ منْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعولُ وأُنفقُ على منْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْفقُ. وقد رواه الترمذي في "جامعه"

(5)

عن محمد بن المُثَنَّى، عن أبي الوليد الطَّيالسي (قال: حدثنا حماد بن سلمة)

(6)

، عن محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة

فذكره، فوصل

(7)

الحديث. وقال الترمذي: حسنٌ صحيح غريب

(8)

.

فأما الحديثُ الذي قال الإمام أحمد

(9)

: حدَّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فُضيل، عن الوليد بن جُمَيْع، عن أبي الطُّفَيْل، قال: لما قُبضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أرسلَتْ فاطمةُ إلى أبي بكرٍ: أأنتَ

(1)

ط: (أو أرح).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 13)، وإسناده صحيح.

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 10)، وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

الترمذي (1608)، وهو حديث صحيح.

(6)

ما بين الحاصرتين من جامع الترمذي، ولا بد منها.

(7)

ط: (وصل).

(8)

هكذا وقع في أ و ط، والذي في جامع الترمذي والتحفة: حسن غريب، وهو الصواب، فقد ذكر غير واحد أنه روي من غير ذكر أبي هريرة فيه، كما بيناه في تعليقنا على الترمذي (بشار).

(9)

في مسنده (1/ 4).

ص: 410

وَرِثْتَ رسولَ اللهِ أم أهلُه؟ فقال: لا بل أهلُه، قالت

(1)

: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله إذا أطْعَمَ نبيّاً طُعْمَةً ثمّ قَبَضَه جَعَلَهُ للّذي يَقومُ من بَعْدِه" فرأيتُ أن أردَّه على المسلمين. قال

(2)

: فأنْتَ وما سَمِعْتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

. وهكذا رواه أبو داود

(4)

، عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن فُضَيْل به. ففي لفظ هذا الحديث غرابةٌ ونكارةٌ، ولعلَّه رُوي بمعنى ما فَهِمَه بعضُ الرواة، وفيهم منْ فيه تَشَيُّعٌ، فَلْيُعْلَمْ ذلك، وأحسنُ ما فيه قولُها: أنتَ وما سَمِعْتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو

(5)

المظنونُ بها، واللائقُ بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها، رضي الله عنها. وكأنَّها

(6)

سأَلَتْهُ بعدَ هذا أن يجعلَ زوجَها ناظراً على هذه الصدقة، فلم يُجِبْها إلى ذلك، لما قدمناه، فَتَعَتَّبَتْ

(7)

عليه بسبب ذلك وهي امرأةٌ من بناتِ آدم، تأسف كما يأسفون، وليست بواجبةِ العِصْمَةِ مع وجودِ نصِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفةِ أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وأرضاه، وقد رُوِّينا عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه ترضَّى فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي

(8)

: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ

(9)

، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عَبْدان بن عثمان العَتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة

(10)

، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لما مَرِضتْ فاطمةُ أتاها أبو بكر الصّدّيقُ فاستأذَنَ عليها، فقال علي: يا فاطمةُ هذا أبو بكر يَسْتَأذنُ عليكِ. فقالت: أتحبُّ أن اَذنَ له؟ قال: نعم. فأذِنَتْ له فدخلَ عليها يَتَرضَّاها، فقال: واللّهِ ما تركتُ الدارَ والمالَ والأهل والعَشيرة إلا ابتغاءَ مَرْضاةِ الله، ومرضاةِ رسولهِ. ومرضاتِكُمْ أهْلَ البَيْتِ، ثم تَرَضّاها حتى رَضيتْ. وهذا إسنادٌ جيدٌ قويٌّ. والظَّاهِرُ أنّ عامِرا

(11)

الشَّعبي سَمِعَهُ من عليّ، أو مِمَّنْ سَمِعَه من عليّ.

وقد اعترفَ عُلماءُ أهل البَيْتِ بصحَّةِ ما حَكَم به أبو بكر في ذلك. قال الحافظ البيهقي

(12)

: أخبرنا

(1)

ط: (فقالت).

(2)

ط: قالت.

(3)

بعدها في المسند (أعلم).

(4)

أبو داود (2973).

(5)

ط: (وهذا هو الصواب والمظنون بها) وفي أ: (وهذا الصواب والمظنون بها).

(6)

ط: (ولكنها).

(7)

ط: (فعتبت).

(8)

السنن الكبرى للبيهقي (6/ 301).

(9)

ليست عبارة (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ) في ط.

(10)

في سنن البيهقي: (أبو ضمرة).

(11)

ط: (أن عامر) خطأ.

(12)

السنن الكبرى للبيهقي (6/ 302).

ص: 411

محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله الصَّفّار، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا نَصْرُ بن علي، ثنا ابن داود، عن فُضَيْل بن مرزوق، قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

(1)

: أما أنا فلو

(2)

كنت مكان أبي بكر، رضي الله عنه، لحَكمْتُ بما حَكَم به أبو بكرٍ رضي الله عنه، في فَدَك.

‌فصل

وقد تَكَلَّمَتِ الرّافِضَةُ في هذا المقام بجَهْلٍ، وتكَلَّفُوا

(3)

ما لا عِلْمَ لهم به، وكذَّبوا بما لم يُحيطوا بعِلْمِه، ولما يَأْتِهم تأويلُه، وأدْخَلُوا أنفسَهم فيما لا يَعْنيهم، وحاوَلَ بعضُهم أن يَرُدَّ خبرَ أبي بكرٍ

(4)

رضي الله عنه، فيما ذكرناه بأنّه مخالفٌ للقرآن حيث يقول الله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] الآية. وحيث قال تعالى إخباراً عن زكريا أنه قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5 - 6] واستدلالهم هذا

(5)

باطلٌ من وجوهٍ: أحدُها أن قوله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] إنما يعني بذلك في المُلْك والنُّبوة، أي جَعَلْناه قائمًا بعدَه فيما كانَ يليه من المُلْكِ وتَدْبير الرَّعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبيًا كريماً كأبيه، وكما جُمع لأبيه المُلْكُ والنُّبوّةُ، كذلك جُعِلَ ولدهُ بعدَه، وليس المرادُ بهذا وراثةَ المال؛ لأن داود كما ذَكَرَه كَثيرٌ من المُفسّرين كان له أولادٌ كثيرون يقال: مئة ولدٍ

(6)

، فلِمَ اقتصرَ على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وِراثةَ المال؟ إنما المرادُ وِراثةُ القيام بعدَه في النبوة والملك، ولهذا قال:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16] وما بعدها من الآيات. وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا "التفسير" بما فيه كفاية، ولله الحمدُ والمنةُ كثيرًا.

وأما قِصَّةُ زَكريّا فإنّه عليه السلام، من الأنبياء الكرام، والدُّنْيا كانَتْ عِنْدَه أحْقَرَ منْ أن يَسْأَلَ اللهَ ولدًا ليرثَه في ماله، كيف؟ وإنما كان نجاراً يأكُلُ من كَسْب يَدِهِ كما رواه البخاري

(7)

، ولم يكُنْ لِيَدَّخِرَ منها فوقَ قُوتِه حتى يَسْألَ الله ولدًا يرثُ عنه مالَه -أن لو كان له مال

(8)

- وإنما سأل ولدًا صالحاً يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السَّداد. ولهذا قال تعالى: {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ

(1)

ليس (بن أبي طالب) في أ.

(2)

ط: (أما لو كنت).

(3)

ط: (وتكفلوا) تحريف.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ط: (واستدلالاتهم بهذا).

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ليس الحديث عند البخاري كما قال المصنف رحمه الله، بل هو عند مسلم رقم (2379).

(8)

ط: (ماله).

ص: 412

رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 1 - 6] القصة بتمامها. فقال: {وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6]، يعني النبوة، كما قَرَّرنا ذلك في "التفسير" ولله الحمد والمنة. وقد تقدَّم في رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن أبي بكر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"النبيُّ لا يُورَثُ" وهذا اسمُ جنسٍ يَعُمُّ كُلَّ الأنْبياء، وقد حَسَّنَهُ الترمذي. وفي الحديث الآخر:"نَحْنُ مَعْشَرَ الأنبياءَ لا نُورَثُ"

(1)

.

والوجه الثاني: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد خُصَّ من بينِ الأنْبياء بأحْكامٍ لا يُشارِكونه فيها، كما سنَعْقدُ له بابًا مُفْرداً في آخر السِّيرة، إن شاء الله، فلو قُدِّرَ أنّ غيرَهُ من الأنبياء يُورَثون -وليس الأمر كذلك- لكانَ ما رواهُ منْ ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليٌّ مُبِّيناً لِتَخْصيصه بهذا الحكم دونَ ما سواه.

والثالث: أنه يجبُ العملُ بهذا الحديثِ والحكمُ بمقتضاه، كما حَكَمَ به الخُلَفاءُ، واعْتَرفَ بصحّته العلماء، سواء كان منْ خصائصه أم لا، فإنه قال: "لا نُورَثُ، ما تَرْكنا

(2)

صَدَقةٌ" إذ يَحْتَملُ من حيثُ اللفظُ أن يكونَ قولُهُ عليه الصلاة والسلام: "ما تركنا صَدَقَةٌ" أن يكونَ خَبَراً عن حُكْمِه أو حُكْمِ سائر الأنبياءِ معه، على ما تَقَدَّم وهو الظاهر، ويحتملُ أن يكون إنشاء وَصِيَّةٍ

(3)

كأنه يقول: لا نورثُ لأن جميع ما تركناه جعلناه

(4)

صدقةً، ويكون تخصيصُه من حيثُ جوازُ جعلِه مالَه كلَّه صدقةً، والاحتمالُ الأولُ أظهرُ. وهو الذي سلكه الجمهور. وقدْ يَقْوَى المعنى الثاني بما تقدَّم من حديث مالكٍ وغيره، عن أبي الزِّناد، عن الأعرجِ، عن أبي هريرة، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقْتَسِم

(5)

وَرَثَتي ديناراً، ما تَرَكْتُ بعدَ نفقهِ نِسائي ومُؤْنَةِ عاملي فهو صدقةٌ" وهذا اللفظ مخرجٌ في "الصحيحين" وهو يردّ تَحْريفَ منْ قال من الجَهَلَة من طائفةِ الشّيعةِ في روايةِ هذا الحديث ما تركنا (1) صدقة بالنصب، جعل -ما- نافية، فكيف يصنع بأول الحديث، وهو قوله: لا نُورثُ؟! وبهذه الرواية "ما تركت بعدَ نفقة نسائي ومُؤْنَة عامِلي فهو صَدَقةٌ" وما شأنُ هذا إلا كما حُكِيَ عن بعض المعتزلة أنه قَرَأَ على شيخٍ من أهل السّنَّة: وكَلَّمَ اللهُ مُوسى

(1)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 8) وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ "نحن" لكن أخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (6309) بلفظ "إنا معشر الأنبياء" أقول: وهو عند أحمد (2/ 463) من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.

(2)

ط: (ما تركناه).

(3)

ط: (وصيته).

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

ط: (لا تقتسم).

ص: 413

تكليمًا بنصب الجلالة، فقال له الشيخ: ويحك، كيف تصنع بقوله تعالى: {وَلَمَّا

(1)

جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143].

والمقصود أنه يجبُ العملُ بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ، ما تركنا صَدَقةٌ" على كلِّ تقديرٍ احتملَه اللفظُ والمَعْنى، فإنّه مُخَصَّصٌ لعموم آيةِ الميراثِ، ومخرجٌ له عليه الصلاة والسلام منها، إما وحده، أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.

‌باب ذكر زوجاته صلوات الله وسلامه عليه وأولاده صلى الله عليه وسلم

-

قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 32 - 34] لا خلاف أنه عليه الصلاة والسلام تُوفِّي عن تسع وهُنّ؛ عائشةُ بنتُ أبي بكر الصديق التَّيميّة، وحَفْصَة بنت عمر بن الخطاب العَدَوية، وأم حبيبة رَمْلَة بنت أبي سُفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، وزَيْنَبُ بنتُ جَحْشٍ الأسَديّة، وأمُّ سَلَمَة هندُ بنتُ أبي أُميَّة المَخْزومية، ومَيْمونة بنتُ الحارث الهِلاليّة، وسَوْدَةُ بنت زَمْعَة العامرية، وجُوَيْرية بنتُ الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، وصَفيّة بنت حُيَى بن أخطب النَّضْرية الإسرائيلية الهارونيّة، رضي الله عنهن وأرضاهن. وكانت له سُرِّيَّتان، وهما: مارية بنت شَمْعون القِبْطيَّة المصريَّة من كورة أنْصِنا

(2)

وهي أم ولده إبراهيم عليه السلام، وريْحانةُ بنت شَمْعُون القُرَظيَّة، أسلمت ثم أعتقها، فلحقت بأهلها، ومن الناس من يزعمُ أنّها

(3)

احتجبت عندهم، والله أعلم.

وأما الكلامُ على ذلك مُفَصَّلاً ومرتباً من حيث ما وقعَ أولًا فأولًا مجموعاً من كلام الأئمة، رحمهم الله، فنقول وبالله المستعان:

(1)

ط: (فلما).

(2)

ط: (ألصنا) تحريف. وأنصنا: بالفتح، ثم السكون، وكسر الصاد المهملة، والنون، مقصور: مدينة أزلية من نواحي الصعيد على شرقي النيل (معجم البلدان: أنصنا) وبقي منها اليوم أطلال واقعة في مدينة النصلة في أسيوط (القاموس الجغرافي: 1/ 132 - 133).

(3)

ليس اللفظ في أ.

ص: 414

روى الحافظُ الكبيرُ أبو بكرٍ البيهقي

(1)

من طريق سَعيد بن أبي

(2)

عَروبة، عن قتادة، قال: تزوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بخَمْسَ عَشْرَةَ امرأة، دخلَ منهن بثلاثَ عشرةَ، واجْتَمَعَ عنده إحدى عشرَةَ، وماتَ عن تِسْعٍ. ثم ذكر هؤلاء التِّسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن

(3)

. (ورواهُ بَحْرُ بن كَنِيْز

(4)

، عن قتادة، عن أنس، والأول أصحُّ)

(5)

ورواه سَيْفُ بن عُمر التَّميمي عن سَعيد عن قَتادة عن أنس وابن عباس مثله. وروى سَيْف عن سَعيد بن عبد الله، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكة، عن عائشة مثله، قالت: فالمرأتان اللتان لم يدخُلْ بهما، فهما؛ عَمْرَةُ بنت يزيد الغِفاريَّةُ والشَّنْباء، فأمّا عَمْرَةُ، فإنّه خَلا بها وجَرَّدها فرأى بها وَضَحا

(6)

، فردَّها وأوجبَ لها الصِّداقَ، وحُرِّمَتْ على غَيْره، وأما الشَّنْباء، فلمّا أُدْخِلَتْ عليه لم تَكُنْ يَسيرةً، فَتَرَكَها يَنْتَظِر بها اليسَر، فلمّا مات ابنُه إبراهيمُ على تَفِئَه

(7)

ذلك، قالت: لو كان نبيّاً لم يَمُتِ ابنُه، فَطَلَّقَها وأوْجَبَ لها الصّداقَ، وحُرِّمَتْ على غيره، قالت: فاللاتي اجْتَمَعْنَ عنده؛ عائشةُ، وَسْوَدةُ، وحَفْصَةُ، وأم سَلَمةَ، وأم حَبيبة، وزينب بنت جَحْشٍ، وزينبُ بنت (4) خُزَيْمة، وجُوَيْرية، وصَفِيَّة، ومَيْمونة، وأم شريك.

قلت: وفي "صحيح البخاري"

(8)

: عن أنسٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَطوفُ على نسائِه وهُنَّ إحدى عَشْرَةَ امرأةً. والمشهورُ أنَّ أمَّ شَريكٍ لم يدْخُل بها، كما سَيَأتي بيانُه، ولكنَّ المُراد بالإحدى عَشْرَةَ اللاَّتي

(9)

كان يطوفُ عليهنّ التسْعُ المَذْكوراتُ والجاريتانِ ماريةُ ورَيْحانةُ.

وروى يعقوب بن سُفْيان الفَسَوي، عن الحَجّاج بن أبي مَنيع، عن جدّه عُبيد الله بن أبي زِياد الرُّصافيّ، عن الزُّهْريّ -وقد علقه البخاري في "صحيحه" عن الحجّاج هذا- وأوردَ له الحافظُ ابنُ عساكر

(10)

طُرُفاً عنه أنّ أولَ امرأةٍ تزوّجَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خديجةُ بنتُ خُوَيْلدِ بن أَسَدِ بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ، زَوَّجَه إياها أبوها قبلَ البِعْثَةِ - وفي روايةٍ قال الزهري: وكان عُمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوَّج خديجةَ

(1)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 288 - 289).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

بعده في ط: (ورواه سيف بن عمر عن سعيد عن قتادة عن أنس، والأول أصح).

(4)

أ: (كثير) تحريف وانظر تهذيب التهذيب (1/ 418) والضبط عنه.

(5)

ليس ما بين القوسين في ط.

(6)

وَضَحٌ أي بَرَصٌ (النهاية: وضح).

(7)

ط: (على بغتة) تحريف. وعلى تفئة ذلك، أي على أثره، وفيه لغة أخرى (على تئفة ذلك) بتقديم الياء على الفاء، وقد تشدّد (النهاية: تفأ).

(8)

البخاري (268، 284، 5068، 5215).

(9)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 282 - 286) من طريق الفسوي.

(10)

تاريخ دمشق - دار الفكر بيروت (3/ 177) -.

ص: 415

إحدى وعشرين سنة، وقيل: خمسًا وعشرين سنة. زمان بُنيتِ الكَعْبةُ. وقال الواقدي: وزاد ولها خمسٌ وأربعون سنةً. وقال آخرون من أهل العلم: كان عمرُه عليه الصلاة والسلام يومئذٍ ثلاثين سنة. وعن حكيم بن حزام، قال: كان عمرُ رسول الله يوم تزوَّج خديجة خمساً وعشرين سنة، وعمرها أربعون سنة. وعن ابن عباس: كان عمرها ثمانياً وعشرين سنة. رواهما ابن عساكر. وقال ابن جريج: كان عليه الصلاة والسلام ابنَ سبعٍ وثلاثين سنةً، فولدت له القاسم، وبه كان يُكَنَّى، والطَّيِّب، والطّاهِرَ، وزينبَ، ورُقيةَ، وأمَّ كلثوم، وفاطمةَ.

قلت: وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم، فَمِنْ مارية كما سيأتي بيانُه. ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تزوَّجَها، وحاصلُه: أنَّ زينبَ تَزَوَّجَها أبو

(1)

العاص بن الربيع بن عَبْد العُزَّى بنِ عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابنُ أختِ خَديجةَ، أُمه هالة بنتُ خُوَيْلدٍ، فولدت له ابنًا اسمُهُ علىٌّ، وبنتًا اسمُها أُمامة بنتُ زَيْنَب، وقد تَزَوَّجَها علىُّ بنُ أبي طالب بعدَ وفاةٍ فاطمة، وماتَ وهي عندَهُ، ثم تزوَّجتْ بعدَه بالمغيرة بن نَوْفَل بن الحارث بن عبد المطلب. وأمّا رُقيَّةُ فتَزوَّجها عثمانُ بن عَفّان، فولدَتْ له ابنَه عبدَ الله، وبه كان يُكَنَّى أولًا، ثم اكْتَنَى بابنِه عَمْرٍو، وماتَتْ رُقَية، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببدرٍ، ولما قَدِمَ زيدُ بن حارثة بالبشارةِ وَجَدَهُم قد ساوَوْا التُّرابَ عليها، وكان عثمانُ قد أقام عندَها يُمَرِّضُها، فضربَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسَهْمِه وأجْرِه، ثم زَوَّجه بأُخْتِها أمِّ كُلْثوم، ولهذا كان يُقالُ له: ذو النُّورَيْن، فتُوفّيتْ عنده أيضًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما فاطمةُ فتزوجَها ابنُ عمِّه عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، فدخلَ بها بعدَ وقعةِ بدرٍ كما قدمنا، فولدت له حسنًا وبه كان يكنَّى، وحُسيناً وهو المَقْتولُ شَهيداً بأرض العراق.

قلت: ويقال: ومُحْسِنًا. قال: وزينب وأمَّ كُلْثوم، وقد تزوَّجَ زينَب هذه ابنُ عمِّها عبدُ الله بن جعفر، فولدَتْ له عليًا وعَوْناً وماتت عنده، وأما أم كلثوم، فَتَزوجها أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب، فولدت له زيداً ومات عنها، فتزوَّجَتْ بعده ببني عَمِّها جعفرٍ واحداً بعد واحدٍ، تزوجت بعَوْنِ بن جعفرٍ، فمات عنها، فخلفَ عليها أخوه محمد، فمات عنها، فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قال الزهري: وقد كانت خديجة بنت خُوَيْلدٍ تزوَّجَتْ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجُلَيْن؛ الأول: منهما عَتيق بن عائد

(2)

بن مَخْزوم، فولدت منه جارية، وهي أم محمد بن صَيْفي، والثاني: أبو هالة التميمي، فولدت له هند بن هند، وقد سماه ابن إسحاق

(3)

، فقال: ثُمَّ خَلَفَ عليها بعد هلاكِ [عتيق بن] عائذ

(4)

أبو هالة النباش بن زُرارة، أحد بني عمرو بن تميم، حليف بني عبد الدار، فولدت

(1)

ليس اللفظ في ط. وانظر الإصابة.

(2)

ط: (عابد) وانظر جمهرة أنساب العرب (142).

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 643 - 644).

(4)

ط: (عابد) وفي السيرة (عتيق بن عابد).

ص: 416

له رجلاً وامرأة. ثم هلك عنها، فخلف عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فولَدَتْ له بناتِه الأرْبَعَ، ثم بعدَهن القاسمَ والطيبَ والطّاهِرَ، فذهب الغِلْمةُ جميعًا وهم يرضعون.

قلتُ: ولم يَتَزوَّج عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مدةَ حياتها امرأةً، كذلك رواه

(1)

عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت ذلك. وقد قدَّمنا تَزْويجها في موضعِه وذكرنا شيئًا من فضائلها بدلائلها.

قال الزهري: ثم تزوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدَ خديجة بعائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قُحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْرِ بن كِنانة، ولم يتزوج بِكْرًا غيرها.

قلت: ولم يُولَد له منها ولدٌ، وقيل: بل أسقَطت منه ولدًا سمّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولهذا كانت تُكَنَّى بأمّ عبد الله. وقيل: إنما كانت تُكَنَّى بعبد الله ابنِ أُخْتها أسماء من الزبير بن العَوّام، رضي الله عنهم.

قلت: وقد قيل: إنَّه صلى الله عليه وسلم تزوج سَوْدَه قبلَ عائشة، قاله ابن إسحاق وغيرُه كما قدَّمنا ذِكرَ الخلاف في ذلك. فالله أعلم. وقد قدَّمنا صفةَ تزويجه، عليه الصلاة والسلام بهما قبل الهجرة، وتأخَّر دخوله بعائشة إلى ما بعدَ الهجرة.

قال

(2)

وتزوّجَ صلى الله عليه وسلم حَفْصَة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبلَه تحت خُنَيْس بن حُذافَة بن قيس بن عديِّ بن حُذافة بن سَهْم بن عَمْرو بن هُصَيْص بن كعب بن لؤي، مات عنها مُؤْمناً.

قال

(3)

: وتزوج صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة هند بنت أبي أمية بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانَتْ قبلَهُ تحتَ ابن عمها أبي سَلَمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

قال

(4)

: وتزوج صلى الله عليه وسلم سَوْدَة بنت زَمْعَة بن قيس بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤَي، وكانت قبلَه تحتَ السَّكْران بن عَمْرو أخي سُهَيْل بن عمرو بن عَبْد شَمْس، مات عنها مُسْلِماً بعدَ رجوعه وإياها من أرض الحَبَشَةِ إلى مكة رضي الله عنهما.

قال

(5)

: وتزوج صلى الله عليه وسلم أمَّ حَبيبة رَمْلَة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن

(1)

مسلم (2436)(77) من طريق عبد الرزاق.

(2)

السيرة النبوية (2/ 645).

(3)

المصدر ذاته (2/ 644 - 645).

(4)

المصدر ذاته (2/ 644).

(5)

المصدر ذاته (2/ 645).

ص: 417

قصَيّ، وكانت قبلَه تحتَ عُبَيْد الله

(1)

بن جَحْشِ بن رِئابٍ، من بني أَسَد بن خُزَيْمة، مات بأرضِ الحَبَشَةِ نصرانياً، بعث إليها رسول الله عَمْرو بن أميَّة الضَّمْري إلى أرض الحبشة، فخَطَبها عليه، فَزَوَّجَها منه عثمان بن عفان، كذا قال، والصواب: خالد بن سعيد بن

(2)

العاص، وأصْدَقَها عنه النجاشي أربعمئة دينار، وبعث بها مع شُرَحْبيل بن حَسَنَة، وقد قدَّمنا ذلك كلَّه مطولًا. ولله الحمد. قال

(3)

: وتزوج زينب بنت جَحْش بن رِئاب بن أسَد بن خُزَيْمة، وأمُّها أميمة بنت عبد المطلب عَمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانَتْ قبلَه تحتَ زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام، وهي أول نسائه لحُوقاً به، وأولُ من عُمِل عليها النَّعْشُ، صَنَعَتْهُ أسماءُ بنت عُمَيْسٍ عليها، كما رأت ذلك بأرض الحَبَشَةِ.

قال

(4)

: وتزوَّج صلى الله عليه وسلم زينب بنت خُزَيمة، وهي من بني منافِ بن هلالِ بن عامر بن صَعْصَعَة (ويقال لها: أم المَساكين، وكانت قبلَه تحتَ عبد الله بن جَحْش بن رِئاب، قُتِلَ يومَ أُحدٍ

(5)

، فلم تَلْبَثْ عنده عليه الصلاة والسلام، إلا يَسيرًا حتَّى تُوفِّيتْ، رضي الله عنها.

وقال يونس عن محمد بن إسحاق: كانت قبله عند الحُصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، أو عند أخيه الطُّفَيْل بن الحارث.

قال الزُّهْري: وتَزَوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَيْمونَةَ بنت الحارث بن حَزْنِ بن بُجَيْر بن الهُزَمِ بن رُؤيْبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعْصَعَة، قال: وهي التي وَهَبَتْ نفسها.

قلت: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطبها، وكان السفيرَ بينهما أبو رافع مولاه، كما بسطنا ذلك في عُمْرة القَضاء. قال الزهري: وقد تزوّجَتْ قَبْلَه رجلين: أولهما ابن عَبْدِ يا ليل -وقال سيفُ بن عمر في روايته: كانت تحتَ عُمَيْر بن عَمْرو، أحد بني عُقدة بن ثقيف بن عمرو الثقفي، مات عنها- ثم خَلَفَ عليها أبو رُهْمِ بنُ عبد العُزَّى بن أبي قَيْس بن عبد وُد بن نَصْرِ بن مالكِ بن حِسْل بن عامر بن لُؤي.

قال: وسَبَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جُوَيْرية بنتَ الحارث بن أبي ضِرار بن الحارث بن عائذ

(6)

بن مالك بن المُصْطَلق، من خُزاعة، يوم المُرَيْسيعِ، فأعتقها وتزوَّجها، ويقال

(7)

: بل قدم أبوها الحارثُ وكان ملكَ

(1)

ط: (عبد الله) وانظر السيرة النبوية.

(2)

ط: (عثمان بن أبي العاص) وما أثبته عن أ والسيرة النبوية.

(3)

سيرة ابن هشام (2/ 644).

(4)

المصدر السابق (2/ 647).

(5)

ليس ما بين القوسين في أ.

(6)

ط: (عامر) وانظر الاستيعاب (1804).

(7)

دلائل النبوة للبيهقي (4/ 51).

ص: 418

خُزاعة فأسْلَم، ثم تَزَوَّجَها منه صلى الله عليه وسلم، وكانت قبلَه عندَ ابن عمِّها صَفْوان بن أبي الشُّفْرِ

(1)

، قاله

(2)

قتادةُ، عن سعيد بن المسيّب، والشعبيُّ، ومحمد بن إسحاق وغيرهم، قالوا: وكان هذا البطنُ من خُزاعة حلفاء لأبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يقول حَسّان

(3)

: [من الوافر]

وحِلْفُ الحَارِثِ بنِ أبي ضِرَارٍ

وَحِلْفُ قُرَيْظةٍ فيكُمْ سَواء

(4)

وقال سيف بن عمر في روايته، عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مُلَيْكة، عن عائشة، قالت: وكانت جُوَيْريَة تحتَ ابن عمِّها مالكِ بن صَفْوان بن تَوْلَب ذي الشُّفْر بن أبي السَّرْح بن مالك بن المُصْطَلقِ.

قال: وسبى صَفيَّة بنت حُيَي بن أخْطَب من بني النضير يومَ خَيبر، وهي عروسٌ بكنانة بن أبي الحُقَيق، وقد زعمَ سيفُ بن عمر في روايته أنها كانت قبلَ كنانةَ عند سَلاّم بن مِشْكَم، فالله أعلم. قال: فهذه إحدى عشْرَةَ امرأةً دخل بهن. قال: وقد قَسَمَ عمرُ بن الخطاب في خلافته لكلِّ امرأة من أزْواج النبي صلى الله عليه وسلم اثْنَيْ

(5)

عشر ألفاً، وأعطى جُوَيْرية وصَفية ستَّةَ آلافٍ، ستَّة آلاف

(6)

، بسبب أنهما سُبيتا. قال الزهري: وقد حَجَبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَسَم لهما.

قلت: وقد بَسَطنا الكلامَ فيما تقدَّم في تَزْويجه عليه الصلاة والسلام كلَّ واحدةٍ من هذه النِّسوة، رضي الله عنهن، في موضعه.

قال الزهري: وتزوج

(7)

رسول الله صلى الله عليه وسلم العاليةَ بنت ظَبْيان بن عَمْرو من بني أبي

(8)

بكر بن كِلاب، ودخل بها، وطَلَّقَها صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: كذا في كتابي. وفي رواية غيره: ولم يدخُلْ بها فَطَلَّقَها.

وقد قال محمد بن سعد

(9)

، عن هشام بن محمد بن السائب الكَلبي: حدثني رجلٌ من بني أبي بكر بن كِلاب، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ العاليةَ بنت ظَبْيان بن عَمْرو بن عَوْف بن كَعْب بن عَبْدِ بن أبي بكر بن كلاب، فمكثت عنده دهرًا ثم طلقها.

(1)

ط: (السفر) وما أثبته عن. وانظر القاموس المحيط: (شفر).

(2)

ط: (قال).

(3)

البيت في ديوان حسان - دار صادر (1/ 18).

(4)

في ديوان حسان: (وحلف قريظة منا براءُ).

(5)

ط: (اثنا).

(6)

ليست (ستة آلاف) الثانية في ط.

(7)

ط: (وقد تزوج العالية).

(8)

ليست (أبي) في أ، ط واستدركتها عن الاستيعاب (4/ 1881)، وتاريخ دمشق (3/ 233).

(9)

الطبقات الكبرى (8/ 143).

ص: 419

وقد روى يعقوب بن سفيان

(1)

، عن حجاج بن أبي مَنيع، عن جَدِّه، عن الزُّهْري، عن عُرْوة، عن عائشة: أنَّ الضَّحاكَ بن سُفْيان الكِلابيّ هو الذي دلَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عليها، وأنا أسْمَعُ من وراءِ الحِجاب، قال: يا رسولَ اللهِ، هَلْ لكَ في أختِ أمّ شَبيبٍ؟ وأمُّ شَبيبٍ امرأةُ الضَّحاك، وبه قال الزهري: وتزوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من بني عَمْرو بن كلابٍ، فأُنْبئ أن بها بَياضاً، فَطَلَّقها، ولم يدخل بها.

قلت: الظاهر أن هذه هي التي قبلها، والله أعلم.

قال: وتزوَّجَ أختَ بني الجَوْن الكِنْدي وهم حلفاء بني فَزارة، فاستعاذت منه، فقال:"لقد عُذْتِ بعَظيمٍ، الحقي بأهْلِكِ" فطلَّقَها ولمِ يَدْخُلْ بها. قال: وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُرِّيَّة، يقال لها: مارية، فولدت له غلامًا اسمه إبراهيم، فتُوفِّي وقد ملأ المَهْدَ. وكانتْ له وَليدةٌ يقالُ لها: رَيْحانةُ بنتُ شَمْعون، من أهل الكتاب من خنافة، وهم بطنٌ من بني قُرَيْظة، أعتَقَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويَزْعمون أنَّها قد احتَجبت.

وقد روى الحافظ ابنُ عساكر

(2)

بسنده، عن عليّ بن مُجاهدٍ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَ خَوْلَةَ بنت الهُذَيْل بن هُبَيْرة التَّغلبي، وأُمُّها خِرْنِقُ بنتُ خليفة، أختُ دحيةَ بن خليفةَ، فحُمِلتْ إليه من الشام، فماتَتْ في الطَّريق، فتزوَّجَ خالتَها شَراف

(3)

بنتَ فضالة

(4)

بن خليفة، فحُمِلت إليه من الشام فماتت في الطريق أيضًا.

وقال يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق

(5)

. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَ أسماءَ بنتَ كَعْبٍ الجَوْنيّة فلم يَدْخُلْ بها حتى طلَّقها، وتزوَّجَ عَمْرَةَ بنت يزيد

(6)

، إحدى نساء بني كلاب، ثم من بني الوحيد، وكانت قبلَه عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب. فطلَّقها صلى الله عليه وسلم ولم يدخُلْ بها.

قال البيهقي: فهاتان هُما اللتان ذَكَرهما الزُّهْري ولم يُسَمِّهما، إلا أنَّ ابنَ إسحاق لم يذكُر العاليةَ.

وقال البيهقي

(7)

: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصمّ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبى، قال: وَهَبْنَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم نساءٌ أنفسَهُنّ فدخل ببعضهن وأرْجَى

(1)

المعرفة والتاريخ (3/ 323).

(2)

تاريخ دمشق (3/ 233).

(3)

في تاريخ دمشق -دار الفكر- (3/ 233)(شراقة) وطبعة المجمع -السيرة- (1/ 191)(شراق) وما أثبته عن الاستيعاب (4/ 1868)، والإصابة (4/ 340).

(4)

ط: (فضلة).

(5)

السير والمغازي لابن إسحاق (267) وتاريخ دمشق - مجمع اللغة العربية - السيرة - (1/ 187).

(6)

في ط، أ:(زيد) وما أثبته عن المصدرين السابقين.

(7)

دلائل النبوة (7/ 287).

ص: 420

بعْضَهُنّ، فلم يَقْربْهُنّ حتى توفِّي، ولم يُنْكَحْنَ بعده، منهن أم شَريكٍ، فذلك قوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]. قال البيهقي: وقد رُوِّينا عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت خَوْلة -يعني بنتَ حكيم- ممَّن وَهَبْنَ أنفسَهُنَّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وقال البيهقي: ورُوِّينا في حديث أبي أُسَيْد

(1)

الساعدي في قصة الجَوْنيَّة التي استعاذت فأَلْحَقَها بأهْلها، أنَّ اسمَها أمَيْمةُ بنت النُّعمان بن شَراحيل، كذا قال.

وقد قال الإمام أحمد

(2)

: ثنا محمد بن عبد الله الزُّبَيْري، ثنا عبد الرحمن بن الغَسيل، عن حمزة بن أبي أُسيد، عن أبيه، وعباس بن سهل، عن أبيه، قالا: مرَّ بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابٌ له، فَخَرَجْنا معه حتى انطلقنا إلى حائطٍ يُقالُ له: الشَّوْطُ حتى انتهينا إلى حائِطَيْن فجلسنا بينهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اجلسوا" ودخل هو وقد أُتي بالجَوْنيَّةِ، فعُزِلَتْ في بيت أُمَيْمة بنت النعمان بن شراحيل، ومعها دايةٌ لها

(3)

، فلما دخلَ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: هَبي لي نَفْسَك؛ قالت: وهل تَهَبُ الملِكةُ نفسَها للسُّوقَةِ!؟ وقالت: إني أعوذُ بالله منك. قال: لقد عُذْتِ بمَعاذٍ. ثم خرج علينا فقال: "يا أبا أُسَيْد اكسُها رازقِيَّتَيْن

(4)

وألحقها بأهلها". وقال غير أبي أحمد: امرأة من بني الجَوْنِ، يقال لها: أُمَيْنة.

وقال البخاري

(5)

: ثنا أبو نُعَيْم، ثنا عبد الرحمن بن الغَسيل، عن حمزة بن أبي أُسَيْد، عن أبي أُسَيْد قال: خَرَجْنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائطٍ يُقال له: الشَّوْط، حتى انتهينا إلى حائِطَيْن، جَلَسْنا بينهما، فقال صلى الله عليه وسلم:"اجلسوا هاهنا" فدخل وقد أُتيَ بالجَوْنيَّة، فأُنْزِلَت في بيت في نخلٍ

(6)

في بيت أُمَيْمة بنت النُّعمان بن شَراحيل، ومعها دايَتُها حاضنةٌ لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "هَبي نَفْسَكِ لي

(7)

". قالت: وهلْ تَهَبُ المَلِكَةُ نَفْسها للسُّوقة! قال: فأهوى بيده يَضَعُ يدَه عليها لتَسْكُنَ، فقالت: أعوذُ بالله منك. قال: "لقد عُذْتِ بمعاذ". ثم خرجَ علينا فقال: "يا أبا أُسَيْد اكسُها رازقيَّتَين وألْحقها بأهلها".

قال البخاري

(8)

: وقال الحسين بن الوليد، عن عبد الرحمن بن الغَسيل، عن عباس بن سهل بن

(1)

ط: (رشيد) تحريف. وانظر الاستيعاب (4/ 1597).

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 498) و (5/ 339)، وإسنادهما صحيح.

(3)

أ: (دابة لها) وط: (داية بها).

(4)

ط: (دراعتين).

(5)

(5255).

(6)

ليست (في بيت في نخل) في ط واستدركتها عن النسخة أ، ومحلها في ط:(في محل).

(7)

ط: (هبي لي نفسك).

(8)

البخاري (5256 - 5257) معلقًا، وانظر الحديث الذي قبله في البخاري رقم (5255) مسنداً، وشرحه للحافظ ابن حجر.

ص: 421

سعد، عن أبيه وأبي أُسَيْد، قالا: تَزَوَّجَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمة بنت شَراحيل، فلما أُدخلت

(1)

عليه بَسَطَ يدَه إليها، فكأنها كَرِهَتْ ذلك. فأمر أبا أُسَيْد أن يُجَهِّزَها ويَكْسوها ثَوبَين رازقيين. ثم قال البخاري

(2)

: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا إبراهيم بن أبي

(3)

الوزير، ثنا عبد الرحمن عن حمزة، عن أبيه، وعن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه بهذا. انفردَ البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب.

وقال البخاري

(4)

: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، سألتُ الزهري: أيُّ أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم استعاذَتْ منه؟ فقال: أخبرني عروة، عن عائشة: أن ابنةَ الجَوْن لما أُدْخلَت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

قالت: أعوذُ بالله منك، فقال:"لقد عُذْت بعَظيم، الحَقي بأهْلِك" وقال: ورواه حجاج بن أبي مَنيع، عن جده، عن الزُّهري، أن عروة أخبره أن عائشة قالت

(6)

انفرد به دون مسلم.

قال البيهقي

(7)

: ورأيتُ في كتاب "المعرفة" لابن منده، أن اسم التي استعاذت منه أُمَيْمة بنتُ النُّعمان بن شَراحيل. ويقال: فاطمة بنت الضحاك، والصحيح أنها أُميمة، والله أعلم. وزعموا أن الكِلابيَّة اسمُها عَمْرةُ، وهي التي وَصَفَها أبوها بأنها لم تَمْرَضْ قَطُّ، فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد روى محمد بن سعد

(8)

، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: هي فاطمة بنت الضَّحّاك بن سفيان، استعاذَتْ منه فَطَلَّقها، فكانت تَلْقُطُ البَعْر، وتقول: أنا الشَّقيَّة. قال: وتزوَّجها صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ثمان، وماتت سنة ستين.

وذكر يونس -عن ابن إسحاق فيمن تزوَّجها عليه الصلاة والسلام، ولم يدخُلْ بها، أسماءُ بنتَ كَعْب الجَوْنية وعمرة بنت يزيد الكلابية. وقال ابن عباس وقتادة

(9)

: أسماء بنت النُّعمان بن أبي الجَوْن فالله أعلم. قال ابن عباس: لمّا استعاذت منه خرج من عندها مُغْضبًا، فقال له الأشعث: لا يَسُؤْكَ ذلك يا رسول الله فعندي أجملُ منها، فزوَّجه أختَه قُتيلة. وقال غيره: كان ذلك في ربيع سنة تسع.

وقال سعيد بن أبي عَروبة: عن قتاده

(10)

: تزوّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ امرأةً، فذكر منهن

(1)

ط: (أدخل).

(2)

بعد الرقم (5257).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

(5254).

(5)

بعدها في البخاري: (ودنا منها).

(6)

مكان النقط في ط: (الحديث) وليست في أ.

(7)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 287 - 288).

(8)

الطبقات الكبرى لابن سعد (8/ 141).

(9)

تاريخ دمشق - مجمع دمشق - السيرة (1/ 188).

(10)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 288).

ص: 422

أمَّ شَريكٍ الأنصارية النّجارية، قال: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأحبُّ أن أتزوَّجَ من الأنصار، ولكنِّي أكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ" ولم يدخُلْ بها. قال: وتزوَّج أسماءَ بنتَ الصَّلْتِ من بني حَرامٍ، ثم من بني سُلَيم ولم يدخُلْ بها، وخطب جمرة

(1)

بنت الحارث المزنية.

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري

(2)

، وقال أبو عُبَيْدة مَعْمَر بن المُثَنّى: تزوَّج رسول الله ثمانيَ عشرةَ امرأة، فذكر منهن قُتَيْلة بنت قيسٍ أختَ الأشعث بن قيس، فزعم بعضُهم أنه تزوَّجَها قبلَ وفاته بشَهْرَيْن، وزعم آخرون أنّه تزوجها في مرضه. قال: ولم تكُن

(3)

قدمت عليه، ولا رآها، ولم يدخل بها. قال: وزعم آخرون أنه عليه الصلاة والسلام أوْصَى أن تُخَيَّر قُتَيْلة فإن شاءَتْ يَضْرِبُ عليها الحجابَ وتُحَرَّمُ على المؤمنين، وإن شاءت فَلْتَنْكِحْ منْ شاءَتْ، فاختارتِ النكاح، فتزوَّجها عِكْرمةُ بن أبي جهلٍ بحَضْرَمَوْت، فبَلَغَ ذلك أبا بكرٍ، فقال: لقد هَمَمْتُ أن أُحَرِّقَ عليهما. فقال عمر بن الخطَّاب: ما هِيَ من أُمَّهات المُؤْمنين، ولا دخلَ بها، ولا ضَرَبَ عليها الحجاب. قال أبو عُبَيْدة: وزعم بعضُهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوصِ فيها بشيء، وأنّها ارتدَّتْ بعدَه، فاحتَجَّ عمر على أبي بكرٍ بارتدادها؛ أنَّها ليستْ منْ أُمهات المؤمنين. وذكر ابنُ مَنْدَه أنَّ التي ارتدَّت هي البَرْصاء

(4)

من بني عوف بن سعد بن ذُبْيان.

وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تزوج قُتَيْلة أخت الأشْعَث بن قيس، فمات قبل أن يُخَيّرها فَبَرَّأها الله منه.

وروى حماد بن سَلَمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، أنَّ عِكْرمة بن أبي جَهْل لمّا تَزوَّجَ قُتَيْلة أرادَ أبو بكر أن يَضْربَ عُنُقه، فراجَعَهُ عمرُ بن الخطاب، فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَدْخُل بها، وأنها ارتدَّت مع أخيها، فبرئت من الله ورسوله. فلم يزلْ به حتى كَفَّ عنه.

قال الحاكم

(5)

وزاد أبو عبيدة في العَدَد فاطمةَ بنتَ شُريحٍ، وسَنا

(6)

بنت أسماء بن الصَّلْت السُّلَميّة. هكذا روى ذلك ابن عساكر

(7)

من طريق ابن مَنْدَه بسنده عن قتادة فذكره. وقال محمد بن سعد

(8)

عن ابن الكلبي مثل ذلك. قال ابن سعد: وهي سبا.

(1)

ط، أ:(حمزة). وما أثبته عن الإصابة (4/ 260)، وجامع الأصول (12/ 267).

(2)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 288) عن الحاكم.

(3)

ط: (يكن).

(4)

أ: (الرمياء) وفي ط: (البرحاء) وانظر الإصابة (4/ 249).

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 288).

(6)

ط: (وسبأ).

(7)

الخبر عن طريق ابن منده بسنده عن قتادة في تاريخ دمشق - مجمع - السيرة (1/ 188 - 189).

(8)

طبقات ابن سعد (8/ 149) وتاريخ دمشق (189).

ص: 423

قال ابن عساكر

(1)

. ويقال: سنا

(2)

بنت الصَّلْت بن حَبيب بن حارثة بن هلال بن حَرام بن سِماك بن عوفٍ السُّلَمي.

قال ابن سعد

(3)

: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، حدثني العَرْزَمي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سنا (2) بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب.

وقال ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا أُسَيْد يخطبُ عليه امرأة من بني عامر، يقال لها: عَمْرَةُ بنت يزيد بن عُبيد بن كلاب، فتزوَّجها، فبلغه أنَّ بها بياضاً فَطَلَّقها. وقال محمد بن سعد (3)، عن الواقدي حدّثني أبو معشر. قال: تزوجَ رسول الله مُلَيْكةَ بنت كعب، وكانت تُذْكَرُ بجمالٍ بارعٍ، فدخَلَتْ عليها عائشة، فقالت ألا تَسْتَحين أن تَنْكِحي قاتلَ أبيكِ؟ فاسْتَعاذَتْ منه فَطَّلَقَها، فجاء قومها، فقالوا: يا رسول اللهِ إنَّها صغيرةٌ ولا رأيَ لها، وإنها خُدِعَتْ فارتَجِعْها، فأبى، فاسْتَأذنوه أن يُزوِّجوها بقريبٍ لها من بني عُذرة، فأذن لهم. قال: وكان أبوها قد قَتَله خالدُ بن الوليد يومَ الفتحِ.

قال الواقدي

(4)

: وحدثني عبد العزيز الجُنْدَعي، عن أبيه، عن عطاء بن يزيد، قال: دخلَ بها رسول الله في رمضان سنةَ ثمانٍ، وماتت عنده. قال الواقدي: وأصحابُنا ينكرون ذلك.

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر

(5)

، أنبأنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني

(6)

، أنبأنا شُجاع بن علي بن شُجاع، أنبأنا أبو عبد الله بن مَنْدَه، أنبأنا الحسن بن محمد بن حَليم

(7)

المَرْوزي، ثنا أبو المُوَجِّهِ محمدُ بن عَمْرو بن المُوَجِّه الفَزاري، أنبأنا عبد الله بن عثمان أنبأنا عبد الله بن المُبارك، أنبأنا يُونس بن يَزيد، عن ابن شهاب الزهري، قال: تَزَوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خديجةَ بنت خُوَيْلدٍ بن أَسَدٍ بمكة، وكانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عَتيقٍ بن عائذٍ

(8)

المَخْزومي، ثم تَزَوَّجَ بمكة عائشةَ بنت أبي بكرٍ، ثم تَزَوَّجَ بالمدينةِ حَفْصَةَ بنت عُمَر، وكانت قبلَه تحتَ خُنَيْس بن حُذافة السَّهْمي، ثم تَزَوَّج سَوْدَة بنتَ زَمْعة، وكانت قَبْلَه تحت السَّكْران بن عَمْرو، أخي بني عامر بن لُؤَي، ثم تَزَوَّجَ أمَّ حبيبة بنتَ أبي سفيان، وكانَتْ قبلَهُ تحتَ

(1)

تاريخ دمشق - مجمع - السيرة (1/ 189).

(2)

ط: (وسبأ).

(3)

طبقات ابن سعد (8/ 148)، وابن عساكر - مجمع - السيرة (1/ 189 - 190).

(4)

طبقات ابن سعد (8/ 148 - 149).

(5)

تاريخ دمشق - المجمع - السيرة (1/ 144 - 145).

(6)

أ: (الباهاني) تحريف.

(7)

أ، ط:(حكيم) تحريف، انظر ابن عساكر مصدر الخبر، وسير أعلام النبلاء (13/ 347)(في ترجمة أبي المُوَجِّه).

(8)

في تاريخ دمشق: (عابد).

ص: 424

عبَيْد الله بن جَحْشٍ الأسدي أحد بني خُزَيْمة، ثم تَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم أمَّ سَلَمة بنت أبي أُميَّة، وكان اسمها هند، وكانت قَبْلَهُ تَحْتَ أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد العُزَّى، ثم تَزَوَّجَ زَيْنَب بنت خُزَيْمة الهِلاليَّة، وتَزَوَّجَ العاليةَ بنت ظَبْيان، من بني بكر بن عمرو بن كلاب، وتَزَوَّجَ امرأةً من بني الجَوْن، من كِنْدَة، وسَبَى جُوَيْرية -في الغَزْوة التي هَدَمَ فيها مَناة غزوة المُرَيْسيع- ابنةَ الحارِثِ بن أبي ضِرارٍ- من بني المُصْطَلق من خُزاعة، وسَبَى صَفيَّة بنتَ حُيَيٍّ بن أخْطَبَ، من بني النَّضير، وكانتا مما أفاءَ اللهُ عليه، فقسم لهما

(1)

، واسْتَسَرَّ جاريته

(2)

القبطية، فولدت له إبراهيم، واسْتَسَرَّ رَيْحانة من بني قُريظة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها، واحتجبت وهي عند أهلها، وطَلَّقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العاليةَ بنت ظَبْيان، وفارق أختَ بني عمرو بن كلاب، وفارق أخت بني الجَوْن الكِنْدية من أجل بياضٍ كان بها، وتُوفِّيت زينتُ بنت خُزَيْمة الهلالية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وبلغنا أن العالية بنت ظَبْيان التي طُلِّقتْ تَزَوَّجت قبل أن يُحَرِّمَ اللهُ النساءَ، فنكحَتْ ابنَ عَمٍّ لها من قومها وولَدَتْ فيهم. سُقْناهُ بالسَّند لغرابة ما فيه من ذِكْرِه تَزْويج سودة بالمدينة. والصحيح أنّه كانَ بمكة قبلَ الهجرة، كما قدَّمْناه، والله أعلم.

قال يونس بن بُكَيْر

(3)

، عن محمد بن إسحاق، قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يُهاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بثلاثِ سنين، لم يتَزوَّجْ عليها امرأةً حتى ماتَتْ هي وأبو طالب في سنةٍ، فتزوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سَوْدَةَ بنت زَمْعَة، ثم تزوج بعد سَوْدة عائشة بنت أبي بكر لم يَتَزوَّج بكرًا غيرها، ولم يُصبْ منها ولداً حتى مات، ثم تزوَّجَ بعدَ عائشة حَفْصَة بنت عُمَر، ثم تزوَّجَ بعد حَفْصَة زَيْنَبَ بنت خُزَيْمة الهِلالية أمَّ المَساكين، ثم تَزوَّجَ بعدَها أمَّ حَبيبة بنت أبي سُفيان، ثم تزوَّجَ بعدها أمَّ سَلَمة هند بنت أبي أُمية؛ ثم تزوَّجَ بعدها زينبَ بنت جَحْش، ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، قال ثم تزوج بعد جُوَيْرية صَفيَّة بنت حُيَى بن أخْطَب، ثم تزوّجَ بعدها مَيْمونة بنت الحارث

(4)

الهلالية. فهذا التَّرتيب

(5)

أحسنُ وأقربُ مما رتَّبه الزُّهري. والله أعلم.

وقال يونس بن بُكَيْر عن أبي يحيى عن جَميل

(6)

بن زَيْد الطّائي، عن سهل بن زيد الأنصاري، قال: تزوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار، فدخلَ بها فأمرَها فنزعَتْ ثَوْبها، فرأى بها بياضاً من بَرصٍ عند

(1)

أ: (فقسمهما لهما) وط: (فقسمهما له) وما أثبته عن تاريخ دمشق مصدر المؤلف.

(2)

ط: (مارية) وما أثبته عن أ وتاريخ دمشق مصدر المؤلف.

(3)

تاريخ دمشق - المجمع - السيرة (1/ 153).

(4)

بعدها في ط: (بن) زيادة. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (7/ 256).

(5)

أ: (التقريب).

(6)

أ، ط:(حميل) بالمهملة. وهو تحريف. انظر التاريخ الكبير (2/ 215).

ص: 425

ثَدْيَيْها، فانمار

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "خُذي ثَوْبَك" وأصْبَحَ فقال لها: "الْحقي بأهْلِكِ"، فأكمل لها صَداقَها.

وقد رواه أبو نُعَيْم، من حديث جَميل

(2)

بن زيد، عن سهل بن زيد الأنصاري، وكان ممن رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: تَزَوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غِفارٍ

فذكر مثله.

قلت: وممَّنْ تَزَوَّجَها صلى الله عليه وسلم ولم يدخُلْ بها أُمُّ شَريكٍ الأزْديَّة. (قال الواقدي

(3)

: والمُثْبتُ أنها دَوْسيَّةٌ وقيل)

(4)

الأنْصاريَّة، ويقال عامِريَّة، وأنَّها خَوْلَة بنت حَكيمٍ السُّلَمي. وقال الواقدي

(5)

: اسمها غَزِيَّة بنتُ جابرِ بن حَكيمٍ.

قال محمد بن إسحاق عن حَكيم بن حكيم عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، قال: كان جميعُ ما تَزَوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسَ عشرةَ امرأةً، منهن أمُّ شَريكٍ الأنْصارية (وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقال سَعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة: وتَزوَّجَ أم شَريك الأنصارية) (4) من بني النَّجار. وقال: "إنْي أحبُّ أن أتزوَّجَ من الأنصار، لكني أكْرَهُ غَيْرتهنَّ" ولم يدخل بها.

وقال ابن إسحاق، عن حكيم، عن محمد بن علي، عن أبيه، قال: تزوَّجَ صلى الله عليه وسلم ليلى بنت الخَطيم الأنصارية، وكانت غَيورًا، فخافت نفسها عليه، فاسْتَقالَتْهُ فأقالَها.

‌فصل فيمن خطبها عليه الصلاة والسلام ولَمْ يَعْقِدْ عَلَيْها

قال إسماعيل بن أبي خالد

(6)

، عن الشعبي، عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خطبَها، فذكرَتْ أنَّ لها صِبيَةً صِغارًا فتركها، وقال: "خَيْرُ نساء رَكِبْنَ الإبل، صالحُ نساءِ قُريش، أحْناهُ على طفل

(7)

في صغره، وأرْعاهُ على زوجٍ في ذات يده".

(1)

انماز: تنحَّي (النهاية: ميز).

(2)

ط: (حميل) وقد تقدم.

(3)

طبقات ابن سعد (8/ 154).

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

طبقات ابن سعد (8/ 154 - 155).

(6)

طبقات ابن سعد (8/ 152).

(7)

ط: (على ولد طفل).

ص: 426

وقال عبد الرزاق

(1)

، عن معمر عن الزهري

(2)

، عن سَعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أمَّ هانئٍ بنتَ أبي طالبٍ، فقالت: يا رسولَ الله، إني قد كَبِرْتُ ولي عيالٌ.

وقال الترمذي

(3)

: ثنا عَبْدُ بن حُمَيْد، ثنا عُبَيْد

(4)

الله بن موسى، ثنا إسرائيلِ، عن السُّدِّيّ. عن أبي صالح، عن أم هانئٍ بنت أبي طالب، قالَتْ: خَطَبَني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعْتَذرْتُ إليه فَعَذَرني. ثم أنزل الله:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} الآية [الأحزاب: 50]. قالت: فلم أكُنْ أَحِلُّ له؟ لأني لم أُهاجِرْ، كنتُ من الطُّلقاء. ثم قال: هذا حديثٌ حسنٌ لا نعرِفُه إلا من حديث السُّدي، فهذا يَقْتضي أن من لم تَكُنْ من المُهاجِراتِ لا تَحِلُّ له صلى الله عليه وسلم. وقد نَقَلَ هذا المذهبَ مُطْلَقاً القاضي الماوَرْدي في "تفسيره" عن بعض العلماء. وقيل: المرادُ بقوله (اللاتي هاجَرْن مَعَكَ) أي: من القرابات المذكورات. وقال قتادة: (اللاتي هاجرن معك) أي: أسْلَمْنَ معكَ. فعلى هذا لا يَحْرُمُ عليه إلا نساء

(5)

الكُفّار وتَحِلّ له جميعُ المُسْلمات، فلا ينافي تَزْويجه من نساءِ الأنصار إنْ ثبتَ ذلك، ولكنْ لمْ يدخُلْ بواحدةٍ منهُنَّ أصلاً. وأمّا حكاية الماوَرْدي، عن الشَّعبي: أنَّ زينبَ بنت خُزَيْمة أمّ المَساكين أنْصارية، فليس بجيّدٍ، فإنّها هِلاليةٌ بلا خلاف، كما تقدَّم بيانه. والله أعلم.

وروى محمد بن سعد

(6)

، عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: أقبلَتْ ليلى بنت الخَطيم إلى رسول الله وهو مُوَلٍّ ظَهْرَهُ إلى الشَّمْس، فَضَرَبَتْ مَنْكِبَه فقال: "منْ هذا أكَلَة

(7)

الأسود

(8)

" فقالت: أنا بنتُ مُطْعِم الطَّيْر، ومُباري الرّيح، أنا ليلى بنتُ الخَطيم، جئتُكَ لأعرض عليكَ نَفْسي تَزَوَّجْني؟ قال: "قد فعلتُ". فرجعَتْ إلى قومها. فقالت: قد تَزَوَّجْتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بِئْسَ ما صَنَعْتِ أنتِ امرأةٌ غَيْرى، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاحبُ نساءٍ، تغارين عليه، فَيَدْعُو اللهَ عليكِ، فَاسْتَقيليهِ، فرجعَتْ فقالَتْ: أَقلْني يا رسولَ الله. فأقالها -فتزوَّجَها مَسْعودُ بن أوس بن سَواد بن ظَفَر فولدت له، فبينما هي يوماً تَغْتَسل في بعض حيطان المدينة، إذ وثب عليها ذِئْبٌ أسود أكل بعضها، فماتَتْ.

(1)

في المصنف (20603)، وهو في مسلم (2527)(201) من طريق عبد الرزاق.

(2)

ليس (عن الزهري) في ط.

(3)

الترمذي (3214) وإسناده ضعيف.

(4)

ط: (وقال الترمذي: حدّثنا عبد الله بن موسى) وما أثبته عن أ يوافق ما في جامع الترمذي، وانظر تهذيب الكمال (19/ 164).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

الطبقات الكبرى لابن سعد (8/ 150).

(7)

ط: (أو كله) تحريف.

(8)

في الطبقات الكبرى (الأسد) وليس اللفظ في أ. وبعدها في الطبقات: (وكان كثيرًا ما يقولها).

ص: 427

وبه عن ابن عباس

(1)

أنَّ ضُباعة بنت عامر بن قُرْطٍ كانَتْ تَحْتَ عبد الله بن جُدْعَان فَطلَّقَها، فَتَزوَّجَها بعده هشامُ بن المُغيرة، فولدَتْ له سَلَمَةَ، وكانتِ امرأةً ضخْمة جَميلةً، لها شَعْرٌ غَزير يُجَلِّلُ جِسْمَها، فَخَطبَها رسول الله من ابنها سَلَمة، فقال: حتى أسْتَأمِرَها؟ فاسْتأذَنَها، فقالت: يا بُنَيّ أفي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَسْتأذنُ؟ فرجعَ ابنُها فسكتَ ولم يردَّ جواباً، وكأنّه رأى أنها قد طَعَنَتْ في السِّنّ، وسكتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها.

وبه عن ابن عباس

(2)

قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صَفيَّة بنت بَشَامة بن نَضْلَة العَنْبري، وكان أصابها سبي

(3)

فخَيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن شِئْتِ أنا، وإن شئْتِ زوجكِ" فقالت: بل زَوْجي، فأرسلها، فلعنتها بنو تميم.

وقال محمد بن سعد

(4)

: أخبرنا الواقدي، ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التَّيْمي، عن أبيه، قال: كانت أمّ شَريكٍ امرأة من بني عامر بن لؤي، فوهبت

(5)

نفسَها من رسول الله، فلم يَقْبَلْها. فلم تتزوَّجْ حتى مَاتَتْ.

قال محمد بن سعد

(6)

: وأخبرنا وكيعٌ، عن شريك، عن جابر، عن الحكم، عن علي بن الحسين، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ أم شَريك الدَّوْسيَّة. قال الواقدي

(7)

: الثَّبتُ عندنا أنَّها من دَوْسٍ من الأزْدِ. قال محمد بن سعد

(8)

: واسمها غَزيَّةُ بنت جابر بن حكيم.

وقال اللَّيثُ بن سَعْد

(9)

: عن هاشم بن عروة

(10)

، عن أبيه، قال: كُنا نتحدَّث

(11)

أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة صالحة.

(وممن خطبها

(12)

ولم يَعْقِدْ عليها جَمْرَة

(13)

بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المُزني، فقال

(1)

طبقات ابن سعد (8/ 153 - 154) بخلاف في الرواية.

(2)

طبقات ابن سعد (8/ 154).

(3)

ط: (سبا).

(4)

الطبقات الكبرى (8/ 154).

(5)

ط: (وقد وهبت).

(6)

طبقات ابن سعد (8/ 155).

(7)

طبقات ابن سعد (8/ 156).

(8)

طبقات ابن سعد (8/ 154).

(9)

تاريخ دمشق - مجمع - السيرة (1/ 201).

(10)

ط، أ:(هشام بن محمد) وانظر تهذيب الكمال (24/ 254).

(11)

ط: (متحدث). تحريف.

(12)

ط: (خطب) والخبر في دلائل النبوة (7/ 288).

(13)

ط، أ:(حمزة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري).

ص: 428

أبوها: إنَّ بها سوءاً -ولم يكن بها- فرجع إليها وقد تَبَرَّصَتْ، وهي أم شبيب بن البَرْصاء الشّاعر، هكذا ذكره سَعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة.

قال: وخطب أُمَّ

(1)

حَبيبة بنتَ العبّاس بن عبد المطلب. فوجدَ أباها أخاه

(2)

من الرضاعة، أرضعَتْهُما ثُوَيْبَةُ مولاة أبي لهب.

فهؤلاء نساؤه، وهن ثلاثة أصناف:

صنفٌ دَخَلَ بهنَّ، ومات عَنْهنَّ، وهنَّ التِّسْعُ المُبْدأ بذِكْرهنّ، وهن حَرامٌ على النّاس بعد موته، عليه الصلاة والسلام بالإجماع المُحَقَّق المَعْلوم من الدِّين ضرورةَّ، وعدَّتُهُن بانقضاء أعْمارِهِنّ. قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]. وصنفٌ دَخَل بهنّ وطلقَهُن في حياته. فهل يَحِلُّ لأحدٍ أن يَتَزوَّجَهُن بعدَ انْقضاء عِدَّتِهنَّ منه عليه الصلاة والسلام؟ فيه قولان للعلماء: أحدُهما: لا؟ لعموم الآية التي ذكرناها. والثاني: نعم، بدليل آية التخيير وهي قوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] قالوا: فلولا أنَّها تَحِلّ لغيره أن يتزوَّجَها بعدَ فِراقِه إيّاها لم يكن في تَخْييرها بين الدُّنْيا والآخرة فائدة، إذ لو كان فِراقُه لها لا يبيحها

(3)

لغيره لم يكن فيه فائدة لها، وهذا قوي والله تعالى أعلم.

وأما الصنفُ الثالث وهي منْ تَزوَّجَها وطلَّقها قبل أن يدخُل بها، فهذه تَحِلُّ لغيره أن يَتَزوَّجَها. ولا أعلمُ في هذا القسم نزاعاً.

وأما من خطبها ولم يَعْقِدْ عَقْدَهُ عليها، فأولى لها أن تَتزوَّج، وأولى. وسيجيءُ فصلٌ في كتاب الخَصائص يتعلَّقُ بهذا المقام. والله أعلم.

‌فَصْلٌ في ذِكرِ سَراريّه عليه الصلاة والسلام

كانت له عليه الصلاة والسلام سُرِّيَّتان: إحداهما ماريةُ بنت شَمْعون القِبْطيّة، أهداها له صاحب

(1)

ليست (أم) في أ ولا في ط. وانظر الاصابة.

(2)

ط: (أخوة) تحريف وخطأ.

(3)

ط: (لا يبحها) خطأ.

ص: 429

إسْكَنْدريَّة، واسمُه جُرَيْجٌ بن مينا، وأهْدَى معها أُخْتَها سيرين

(1)

، وذكر أبو نُعَيْم أنه أهداها في أربعِ جوارٍ، والله أعلم. وغلامًا خصيّاً اسمه مَأْبور، وبغلة يقالُ لها: الدُّلْدُل. فقَبلَ هَدِيَّته.

واختار لِنَفْسِه ماريَّة، وكانت من قرية ببلادِ مصر، يقال لها: حَفْنٌ من كورة أنْصِنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاويةُ بن أبي سُفْيان في أيام إمارته الخَراج؛ إكراماً لها من أجل أنها حَمَلَتْ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بولدٍ ذَكرٍ، وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قالوا: وكانت ماريةُ جميلة بيضاءَ أُعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَحبَّها وحَظِيَتْ عنده، ولاسيَّما بعدَما وَضَعَتْ إبراهيمَ ولده.

وأما أختُها سيرين (1) فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنَه عبد الرحمن بن حَسان.

وأما الغُلامُ الخَصيّ وهو مَأبور، فقد كان يدخُلُ على مارية وسيرين بلا إذنٍ كما جرت عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك، ولم يَشْعروا أنه خصيٌّ حتى انكشف الحال على

(2)

ما سَنُبَيِّنُه قريباً، إن شاء الله.

وأما البغلة، فكان عليه الصلاة والسلام يركبها، والظاهر، والله أعلم، أنها التي كان راكبَها يومَ حُنَيْن. وقد تأخرت هذه البغلة، وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته، ومات فصارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكبرت حتى كان يجُشُّ لها الشعيرَ لتأكله.

قال أبو بكر بن خُزَيْمة

(3)

: حدَّثنا محمد بن زياد بن عُبيد الله، أخبرنا سفيان بن عُيينة، عن بشير بن المُهاجر، عن عبد الله بن بُرَيْدة بن الحُصَيب، عن أبيه، قال: أهدى أميرُ القبط إلى رسول الله جارِيَتَيْن أُخْتَيْن، وبغلة، فكان يَرْكَبُ البغلةَ بالمدينة، واتَّخذ إحدى الجاريتين، فولدت له إبراهيم ابنَه، ووهب الأخرى.

وقال الواقدي: حدَّثنا يعقوب بن محمد بن أبي صَعْصَعَة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْجَبُ بمارية القبطية، وكانت بيضاءَ جَعْدَةً جَميلةً، فأنزلها وأختها على أم سُلَيْم بنت مِلْحان، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام، فأسلمتا هناك، فَوطئَ ماريةَ بالملكِ، وحوَّلها إلى مالٍ له بالعاليةِ كان من أموال بني النَّضير، فكانت فيه في الصيف، وفي خُرافة النَّخْل. فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدِّين، ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن، وولدتْ مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً سماه إبراهيم، وعقَّ عنه صلى الله عليه وسلم بشاةٍ يومَ سابعه، وحلق رأسَه وتَصدق بزنَة شَعْرِه فِضَّةً على المساكين، وأمَرَ بشَعْرِه فدُفِنَ في الأرض، وسمّاه

(1)

ط: (شيرين) وانظر الاستيعاب (4/ 1868).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

تاريخ دمشق (3/ 234 - 235) - دار الفكر -.

ص: 430

إبراهيم، وكانت قابِلَتُها سَلْمَى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَتْ إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنَّها قد ولدت غلاماً، فجاء أبو رافعٍ إلى رسول الله فبشره، فوهب له غلاما

(1)

، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتد عليهن حين رُزِق منها الولد.

وروى الحافظ أبو الحسن الدّارَقطني

(2)

، عن أبي عُبَيْد القاسم بن إسماعيل، عن زياد بن أيوب، عن سعيد بن زكريا المدائني، عن ابن أبي سارة

(3)

، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "أعْتَقَها ولدُها". ثم قال الدارقطني: تفرَّد به زياد بن أيوب وهو ثقة. وقد رواه ابن ماجه

(4)

(من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله، ورُوِّيناه)

(5)

من وجه آخر. وقد أفردنا لهذه المسألة وهي بيعُ أمهات الأولاد مُصَنَّفاً مُفْرداً على حِدَته، وحَكَيْنا فيه أقوالَ العُلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستندَ كل قول ولله الحمد والمنة.

وقال يونس بن بكير

(6)

، عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه علي بن أبي طالب، قال: أكْثَروا على مارية أمّ إبراهيم في قِبْطىٍّ ابنِ عَمٍّ لها يزورُها ويَخْتَلِفُ إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خُذْ هذا السيفَ فانْطلقْ فإن وَجَدْتَه عِنْدَها فَاقْتُلْه" قال: قلت: يا رسول الله، أكونُ في أمرك إذا أرْسَلْتني كالسِّكَّةِ المُحَمَّاةِ لا يَثْنيني شيءٌ حتى أمْضِيَ لما أمَرْتَني به، أم الشاهدُ يَرى ما لا يَرى الغائِبُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بلِ الشاهدُ يَرَى ما لا يَرَى الغائِبُ". فَأَقْبَلْتُ مُتَوَشِّحاً السَّيْفَ، فوجدتُهُ عندَها، فاخْتَرَطْتُ السَّيفَ، فلما رآني عرفَ أنّي أريده، فأتى نخلةً فَرِقيَ فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه، فإذا به أجبُّ أمْسَحُ ما لَهُ مِما لِلرّجال قليل

(7)

ولا كثير، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال:"الحمد لله الذي صرفَ عنا أهلَ البَيْت".

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا يحيى بن سعيد، ثنا سُفيان، حدّثني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن عليٍّ، قال: قلت: يا رسولَ الله إذا بعَثْتَني أكونُ كالسِّكَّةِ المُحَمّاة، أم الشاهدُ يَرى

(1)

ط: (عقداً).

(2)

سنن الدارقطني (4/ 131 - 132)، وإسناده ضعيف.

(3)

بعدها في سنن الدارقطني (عن ابن أبي الحسين).

(4)

ابن ماجه (2516)، وإسناده ضعيف.

(5)

ليس ما بين القوسين في ط.

(6)

سيرة ابن إسحاق (252).

(7)

ط: (لا قليل).

(8)

مسند الإمام أحمد (1/ 83)، وهو حديث حسن لغيره.

ص: 431

ما لا يَرى الغائبُ؟ قال: "الشاهدُ يرَى ما لا يَرى الغائب" هكذا رواه مختصرًا. وهو أصل الحديث الذي أوردناه، وإسناده رجال ثقات

(1)

.

وقال الطبراني

(2)

: حدَّثنا محمد بن عمرو بن خالد الحَرّاني، ثنا أبي، ثنا ابن لَهيعة، عن يزيد بن أبي حَبيب، وعُقَيْل، عن الزُّهْري، عن أنسٍ، قال: لمّا ولدتْ ماريةُ إبراهيمَ كادَ أن يقعَ في النبي صلى الله عليه وسلم منه شيءٌ حتى نَزَلَ جبريلُ عليه السلام، فقال: السلامُ عليكَ يا أبا إبراهيم.

وقال أبو نُعيم: حدَّثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا محمد بن يحيى الباهلي، ثنا يعقوب بن محمد، عن رجلٍ سماه، عن الليث بن سعدٍ، عن الزُّهْري، عن عروة، عن عائشة، قالت: أهدى مَلِكٌ من بطارِقَةِ الرُّوم، يقال له: المُقَوقِسُ جاريةً قبطيةً من بنات الملوك، يقال لها: مارية. وأهدى معها ابنَ عَمٍّ لها شابّاً، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ذات يوم مدخل

(3)

خلوةٍ فأصابها فحملت بإبراهيم، قالت عائشة: فلما استبان حملُها جَزِعْتُ من ذلك، فسكتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لها لبنٌ، فاشترى لها ضَأْنَةَ لبوناً تُغَذِّي منها الصبى، فصلح عليه

(4)

جسمه، وحسن لونه، وصفا لونه، فجاء به

(5)

ذاتَ يومٍ يحمله على عنقه فقال: "يا عائشة، كيفَ ترينَ الشَّبَهَ؟ فقلت: وأنا غير

(6)

: ما أرى شَبَهاً، فقال: ولا اللَّحْمُ؟ " فقلت: لَعَمْري، من تَغَذَّى بأَلْبانِ الضَّأْنِ لَيَحْسُن

(7)

لَحْمُه.

قال الواقدي (7): ماتَتْ ماريةُ في المُحَرَّم سنة خمس

(8)

عشرة، فصلَّى عليها عمر، ودفنها في البقيع، وكذا قال المُفَضَّل بن غَسان الغَلاَّبي، وقال خليفة

(9)

وأبو عُبَيْد

(10)

ويَعقوبُ بن سُفيان

(11)

: ماتت سنةَ سِتَّ عَشْرَة، رحمها الله.

ومنهن رَيْحانةُ بنت زَيْد من بني النَّضير، ويقال: من بني قُرَيْظة، قال الواقدي

(12)

: كانَتْ

(1)

لكنه منقطع، فإن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب لم يدرك جده عليًا رضي الله عنه (بشار) ولكن له شواهد يقوى بها.

(2)

تاريخ دمشق (3/ 44).

(3)

ط: (يدخل خلوته) تحريف.

(4)

ط: (إليه).

(5)

ط: (فجاءته .. تحمله على عاتقها).

(6)

ط: (فقلت أنا وغيري).

(7)

طبقات ابن سعد (8/ 216).

(8)

في الطبقات: (سنة ست) وسيرد بعدُ.

(9)

تاريخ خليفة (125).

(10)

ط: (أبو عبيدة).

(11)

المعرفة والتاريخ (3/ 285).

(12)

المغازي للواقدي (2/ 520).

ص: 432

ريْحانةُ بنت زَيْدٍ من بني النَّضير

(1)

، وكانت مُزَوَّجَةً فيهم

(2)

، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذها لنفسه صفيّاً، وكانت جميلةً، فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُسْلِم، فأبَتْ إلا اليهوديَّة، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن سعية

(3)

، فذكر له ذلك، فقال ابن سعية: فداكَ أبي وأمي هي تُسْلِم، فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تَتّبعي قومَك، فقد رأيتِ ما أدخل عليهم حُيي بن أخطب، فأسْلمي يَصْطفيك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ سمع وَقْعَ نعلين، فقال:"إن هاتين لنَعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة" فجاءه فقال

(4)

: يا رسول الله، قد أسلمَتْ رَيْحانة، فسُرّ بذلك.

وقال محمد بن إسحاق

(5)

: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرَيْظَةَ اصطفَى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خُنافة، فكانَتْ عِنْدَه حتّى تُوفّي عنها، وهي في ملكه، وكان عرضَ عليها الإسلام ويتزَّوجُها، فأَبَتْ إلا اليهوديةَ، ثم ذكَر من إسلامها ما تقدَّم.

قال الواقدي

(6)

: فحدّثني عبدُ الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة، عن أيوب بن بشير المُعاوي، قال: فأَرْسَلَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت سَلْمى بنت قَيْس أم المنذر، فكانَتْ عندها حتّى حاضَتْ حَيْضَةً، ثم طَهُرَتْ من حَيْضِها، فجاءَتْ أمّ المنذر، فأخبرت رسول الله، فجاءها في منزل أم المنذر، فقال لها: "إن أحْبَبْتِ أن أُعتِقَكِ وأَتَزوَّجَكِ فعلتُ، وإن أحْبَبْتِ أن تكوني في مِلْكي أطَؤُكِ بالملك فعلت

(7)

" فقالت: يا رسول الله، إني أخفُّ عليكَ وعليَّ أن أكون في مِلْكِك، فكانَتْ في مِلْكِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت.

قال الواقدي

(8)

: وحدّثني ابن أبي ذئب، قال: سألتُ الزهريَّ عن ريحانة فقال: كانَتْ أمةً لرسول الله

(9)

فأعتقها وتزوجها، فكانت تَحْتَجِبُ في أهلها وتقول: لا يراني أحدٌ بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي

(10)

: وهذا أثبتُ الحَديثين عندنا، وكان زوجُها قبلَه عليه الصلاة والسلام الحكمَ.

(1)

ط: (ويقال: من بني قريظة. قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير).

(2)

في المغازي (في بني قريظة).

(3)

ط: (شعبة). وانظر أسد الغابة (7/ 120 - 121).

(4)

ط: (فجاء يقول).

(5)

سيرة ابن هشام (2/ 245).

(6)

مغازي الواقدي (2/ 520 - 521).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

مغازي الواقدي (2/ 520 - 521).

(9)

ط: (رسول).

(10)

مغازي الواقدي (2/ 521).

ص: 433

وقال الواقدي

(1)

: ثنا عاصمِ بن عبد الله بن الحكم، عن عمر بن الحكم، قال: أعتقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ريحانةَ بنت زيد بن عمرو بن خُنافة، وكانَتْ عندَ زوجٍ لها، وكان مُحبًا لها مُكْرِمًا، فقالت: لا أسْتَخْلِفُ بعدَه أحداً أبدًا، وكانت ذاتَ جمالٍ. فلما سُبيَت بنو قُريظة عُرض السَّبْيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فكنتُ فيمَن عُرِضَ عليه، فأمر بي فعُزِلْتُ، وكان يكونُ له صَفِىٌّ في كل غَنيمة، فلما عُزِلَتْ خار اللهُ لي، فأرسل بي إلى منزلِ أم المُنْذر بنت قيس أيامًا حتى قَتَلَ الأسرى وفَرَّقَ السَّبْيَ، فدخلَ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فَتَحيَّيْت

(2)

منه حياءً، فدعاني فأجْلَسني بين يديه فقال إن اخْتَرْتِ اللهَ ورسولَه، اختارك رسول الله لنفسه، فقلت: إني أخْتارُ اللهَ ورسولَه. فلما أسلمَتُ أعْتَقَني رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتزوَّجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونَشاً، كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يَقسم لي كما كان يقسم لنسائه، وضرب عَلَىَّ الحجاب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(3)

معجباً بها، وكانَتْ لا تسأله شيئًا إلا أعطاها، فقيل لها: لو كنتِ سألتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قُرَيْظة لأعْتَقَهُم. فكانت تقول: لم يَخْلُ بي حتى فرَّق السَّبْيَ، ولقد كان يَخْلُو بها ويَسْتكثِرُ منها، فلم تَزَلْ عنده حتى ماتت مَرْجِعَه من حجة الوداعِ. فدفنها بالبقيع.

وكان تزويجه إياها في المُحرَّم سنةَ ستٍّ من الهجرة.

وقال ابن وهب

(4)

، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: واسْتَسرَّ رسول الله رَيْحانة من بني قُرَيظة، ثم أعتقَها فلحقت بأهلها.

وقال أبو عبيدة مَعْمَر بن المُثَنى

(5)

: كانت رَيْحانة بنت زَيْد بن شَمْعون من بني النَّضير، وقال بعضهم: من بني قُرَيْظة، وكانت تكون في نخلٍ من نخل الصَّدقة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقيلُ عندَها أحياناً، وكان سباها في شوال سنة أربع.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة

(6)

: ثنا أحمد بن المِقْدام، ثنا زُهَير، عن سعيد، عن قتادة، قال: كانت لرسول الله وليدتان: مارية القبطية، ورُبَيْحة

(7)

أو رَيْحانة بنت شَمْعون بن زيد بن خُنافة من بني عمرو بن قُرَيظة، كانت عند ابن عمٍّ لها، يُقال له: عبد الحكم فيما بلغني، وماتت قبلَ وفاةِ النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعُ ولائد: مارية القِبْطية، وريحانة

(1)

الطبقات الكبرى لابن سعد (8/ 129 - 130).

(2)

ط: (فتجنبت).

(3)

ما بين القوسين في ط.

(4)

تاريخ دمشق (3/ 241).

(5)

تاريخ دمشق (3/ 241 - 242).

(6)

تاريخ دمشق (3/ 242).

(7)

ط: (وريحه).

ص: 434

القُرَظيّة، وكانت له جاريةٌ أخرى جَميلةٌ فكادها نساؤه وخِفْن أن تغلبَهُنَّ عليه، وكانت له جاريةٌ نفيسةٌ وَهَبَتْها له زينب بنت جحش

(1)

، وكان هَجَرَها في شأن صَفِية بنت حُيَي ذا الحجة والمُحَرَّم وصفرا

(2)

، فلمّا كانَ شهرُ ربيع الأول الذي قُبض فيه عليه الصلاة والسلام رضي عن زَيْنَب ودخل عليها، فقالت: ما أدري ما أجْزيك؟ فوَهَبَتْها له صلى الله عليه وسلم.

وقد روى سيف بن عمر، عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مُلَيْكة، عن عائشة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقْسِم لمارية وريحانة مرة، ويَتْرُكُهما مرةً.

وقال أبو نعيم: قال أبو محمد بن عمر الواقدي: توفيت ريحانة سنة ست

(3)

عشرة وصلَّى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع.

‌فصْلٌ في ذِكْرِ أولادِهِ عليه وعليهم

(4)

الصلاة والسلام

لا خِلافَ أنّ جَميعَ أولادِهِ من خَديجة بنت خُوَيْلدٍ، رضي الله عنها، سوى إبراهيم، فَمِنْ مارية بنت شَمْعون القِبْطيَّة، قال محمد بن سعد

(5)

: أخبرنا هشام بن الكلبي، أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان أكبرُ ولدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رُقَيَّة، فمات القاسم -وهو أول ميتٍ من ولده بمكة- ثم مات عبدُ الله، فقال العاص بن وائل السَّهْمي: قد انقطع نَسْلُه فهو أبْتَر، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] قال: ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيمَ في ذي الحجة سنةَ ثمانٍ من الهجرة، فماتَ ابنَ ثمانية عشر شهراً.

وقال أبو الفَرَج المُعافَى بن زكريا الجريري

(6)

: ثنا عبد الباقي بن قانع

(7)

ثنا محمد بن زكريا، ثنا العباس بن بكار، حدّثني محمد بن زياد، والفرات بن السائب، عن ميمون بن مِهْران، عن ابن عباس، قال: ولدت خَديجةُ من النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن محمد، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

ليس (بنت جحش) في ط.

(2)

أ، ط:(وصفر).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

طبقات ابن سعد (1/ 133) وتاريخ دمشق (3/ 126).

(6)

تاريخ دمشق (3/ 128).

(7)

ط: (نافع) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (3/ 128).

ص: 435

يُكَلِّم رجلًا، والعاصُ

(1)

بن وائلٍ يَنْظُرُ إليه، إذ قال له رجلٌ: منْ هذا؟ (قال له هذا)

(2)

الأبتر. وكانت قريشٌ إذا وُلدَ لِلرجل [ولد]، ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا: هذا الأبتر، (فأنزل الله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: مُبْغِضَك هو الأبترُ من كلِّ خيرٍ. قال: ثم ولدت له زينب)

(3)

، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المُطَهَّر، ثم ولدت الطَّيِّبَ، ثم ولدت المُطَيَّب، ثم ولدت أمَّ كلثوم، ثم ولدت فاطمة. وكانت أصغرهم. وكانت خديجة إذا ولدت ولداً دفعته إلى منْ تُرْضِعُهُ، فلما ولدت فاطمة لم يُرْضعها أحدُ

(4)

غيرها.

وقال الهيثم بن عدي

(5)

: حدَّثنا هشام بن عُروة، عن سعيد بن المُسيّب، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ابنان، طاهرٌ والطيّبُ. وكان يُسمِّي أحدَهما عبدَ شَمْسٍ، والَاخرَ عبدَ العُزَّى. وهذا فيه نَكارةٌ، والله أعلم.

وقال محمد بن عائذ

(6)

: أخبرني الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أنَّ خديجة ولدت القاسمَ والطيبَ والطاهرَ ومُطَهَّرًا وزينبَ ورُقَيَّة وفاطمةَ وأمَّ كلثومٍ.

وقال الزُّبير بن بكار

(7)

: أخبرني عمِّي مُصْعَب بن عبد الله قال: ولدت خديجةُ القاسمَ والطاهرَ، وكان يقال له: الطيبُ، ووُلدِ الطاهرُ بعد النبوة، ومات صغيرًا، واسمه عبد الله، وفاطمةَ وزينبَ ورقيةَ وأمَّ كلثوم.

قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، أن خديجة ولدت القاسمَ والطاهرَ والطيبَ وعبدَ الله وزينبَ ورقيَّةَ وفاطمةَ وأمَّ كلثوم.

وحدّثني

(8)

محمد بن فَضالة عن بعض منْ أدْرَكَ من المَشْيَخَةِ قال: ولدتْ خديجةُ القاسمَ وعبدَ الله، فأما القاسم فعاشَ حتى مشَى، وأما عبدُ الله فمات وهو صغير.

وقال الزُّبير بن بكار

(9)

: كانت خديجة تُدْعى

(10)

في الجاهلية "الطاهرة بنت خويلد". وقد ولدت

(1)

ليس اللفظ في أ.

(2)

ليس ما بين القوسين في أ.

(3)

ليس ما بين القوسين في أ.

(4)

ليس اللفظ في ط.

(5)

تاريخ دمشق (3/ 129).

(6)

تاريخ دمشق (3/ 130).

(7)

تاريخ دمشق (3/ 130).

(8)

تاريخ دمشق (3/ 131).

(9)

ليس (بن بكار) في أ. والخبر في (3/ 130 - 131).

(10)

ط: (تذكر).

ص: 436

لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسمَ، وهو أكبرُ ولده وبه كان يُكْنَى، ثم زينبَ، ثم عبدَ الله، وكان يُقال له: الطَّيِّبُ، ويُقال له: الطَّاهِرُ. ولد بعد النبوة، ومات صغيراً. ثم

(1)

أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رُقيَّة. هم

(2)

هكذا الأولَ فالأولَ، ثم مات القاسم بمكة -وهو أول ميتٍ من ولده- ثم مات عبد الله، ثم ولدت له مارية بنت شَمْعون إبراهيم، وهي القِبْطية التي أهداها المُقَوقسُ صاحب إسْكَندريَّة، وأهدى معها أختها سيرين

(3)

وخَصِيًّا يقال له: مَأبور. فوهبَ سيرين لحسّان بن ثابت، فولدتْ له ابنَه عبدَ الرحمن، وقد انقرَضَ نَسْلُ حسان بن ثابت.

وقال أبو بكر بن البَرْقي

(4)

: يقال: إنَّ الطاهِرَ هو الطَّيِّب (وهو عبد الله. ويقال: إن الطيب والمطيَّب وُلِدا في بطن، والطاهر والمطهَّر وُلِدا في بطن.

وقال المفضل)

(5)

بن غسان

(6)

: [أخبرنا أبي]، عن أحمد بن حنبل، حدَّثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جُرَيْج، عن مجاهد، قال: مكث القاسم ابنُ النبيّ صلى الله عليه وسلم سبعَ ليالٍ ثم مات. قال المُفَضَّل: وهذا خطأٌ، والصَّواب أنّه عاشَ سبعةَ عَشَرَ شَهْراً. وقال الحافظ أبو نُعَيْم (7) قال مجاهد: مات القاسمُ وله سبعةُ أيامٍ. وقال الزُّهْري (7): وهو ابن سنتين. وقال قتادة

(7)

: عاش حتى

(8)

مشى.

وقال هشام بن عروة

(9)

: وضع أهلُ العراق ذِكْرَ الطَّيِّبِ والطّاهِرِ، فأما مشايخنا فقالوا: عبد العُزَّى، وعبد مناف، والقاسم (11)، ومن النساء: رُقَيَّة، وأمُّ كُلْثوم، وفاطِمَة. هكذا رواه ابن عساكر وهو منكر، والذي أنكره هو المعروف. وسقَطَ ذِكْرُ زينب ولا بد

(10)

منها، والله أعلم.

فأما زينب، فقال عبد الرزاق

(11)

، عن ابن جُرَيْج، قال لي غير واحد: كانَتْ زَيْنَبُ أكبَرَ بناتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانَتْ فاطمةُ أصْغَرَهُنَّ وأَحَبَّهُنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتزوج زينبَ أبو العاص بن الربيع، فولَدتْ منه علياً وأُمامةَ، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُها

(1)

ط: (ثم ابنته).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (شيرين).

(4)

ط، أ:(الرقي) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (13/ 47). والخبر في تاريخ دمشق (3/ 132).

(5)

ليس ما بين القوسين في ط.

(6)

تاريخ دمشق (3/ 132).

(7)

تاريخ دمشق (3/ 132).

(8)

ليس اللفظ في أ.

(9)

تاريخ دمشق (3/ 172).

(10)

ليس اللفظ في أ.

(11)

تاريخ دمشق (3/ 149).

ص: 437

في الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. ولعلَّ ذلك كان بعدَ موتِ أمِّها سنةَ ثمانٍ من الهجرة على ما ذَكَرهُ الواقدي

(1)

وقتادةُ وعبد الله بن أبي بَكر بن حَزْمٍ وغيرهم، وكأنها كانت طفلةً صغيرةً، فالله أعلم. وقد تزوَّجها على بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمةَ على ما سيأتي إن شاء الله، وكانَتْ وفاةُ زينب رضي الله عنها، في سنة ثمانٍ. قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وخليفة بن خَياطٍ، وأبو بكر بن أبي خَيْثَمة، وغير واحد. وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان.

وذكر حماد بن سلمة

(2)

عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنَّها لما هاجَرَتْ دَفَعَها رجلٌ فوَقَعَتْ على صخرةٍ فأسْقَطَتْ حَمْلَها، ثم لم تَزَلْ وجعةً حتى ماتَتْ. فكانوا يَرَوْنها ماتَتْ شَهيدةً.

وأما رُقَيَّة، فكانَ قد تزوَّجها أولًا ابنُ عَمِّها عُتْبةُ بن أبي لهبٍ، كما تَزوَّجَ أختَها أمَّ كلثومٍ أخوه عُتَيْبة

(3)

ابن أبي لهب، ثم طَلَّقاهما قبلَ الدخول بهما، بغضةً في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد]. فتزوَّجَ عثمان بن عفان رضي الله عنه رُقَيَّةَ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ويقال: إنه أول منْ هاجر إليها. ثم رجعا إلى مكة، كما قدَّمنا، وهاجَرا إلى المدينة، وولدت له ابنَه عبدَ الله، فبلَغَ ستَّ سنين، فَنَقَره ديكٌ في عَيْنَيْهِ فماتَ، وبه كان يُكنَى أولًا، ثم اكْتَنَى بابنه عمرو

(4)

. وتُوفِّيَت وقد انتصرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببدرٍ يومَ الفُرْقان، يوم التَقَى الجَمْعان. ولما أن جاء البَشيرُ بالنصر إلى المدينة -وهو زَيْدُ بن حارثة- وجدهم قد ساوَوْا على قَبْرِها التراب، وكان عثمانُ قد أقام عليها يُمَرِّضها بأمر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وضربَ له بسهَمْهِ وأجْرِهِ، ولما رَجَعَ صلى الله عليه وسلم زوَّجه بأختها أم كلثوم أيضًا، ولهذا كان يقال له: ذو النُّورين، ثم ماتت عِنْدَه في شعبان سنة تسعٍ، ولم تلِدْ له شيئًا. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو كانَتْ عندي ثالثةٌ لزوَّجْتها عثمانَ" وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كُنَّ عَشْرًا لزَوَّجْتُهنّ عثمانَ".

وأما فاطمة، فَتَزوَّجَها ابن عَمِّها عليّ بن أبي طالبٍ في صفر سنةَ اثْنَتَيْن، فولدَتْ له الحسن والحسين، ويقال: ومُحْسِناً

(5)

، وولدت له أمَّ كلثوم وزينب، وقد تزوَّجَ عُمَرُ بن الخطاب في أيام ولايته بأم كُلْثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة، وأكرمها إكراماً زائدًا، أصدقَها أربعين ألْفَ دِرْهمٍ لأجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له زيدَ بنَ عُمَرَ بن الخطاب. ولما قُتِلَ عمر بن الخطاب تَزَوَّجَها بعدَه ابنُ عمّها عَوْنُ بن جعفر، فمات عنها، فخلَف عليها أخوه محمَّد، فمات عنها، فتزوَّجَها أخوهما

(1)

طبقات ابن سعد (8/ 34) وتاريخ دمشق (3/ 149).

(2)

تاريخ دمشق (3/ 148 - 149).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (عمر).

(5)

أ، ط:(ومحسن) وما أثبته للسياق.

ص: 438

عبدُ الله بن جعفر، فماتت عنده. وقد كان عبدُ الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي [من فاطمة] وماتت عنده أيضًا، وقد

(1)

توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بستة أشهر على أشْهَرِ الأقوال. وهو

(2)

الثابت عن عائشة في "الصحيح"

(3)

. وقاله الزهري أيضًا وأبو جعفر الباقر، وعن الزُّهري: بثلاثة أشهر. وقال أبو الزُّبير: بشهرين. وقال ابن

(4)

بُرَيْدَه

(5)

: عاشت بعده سبعين من بين يومٍ وليلةٍ. وقال عمرو بن دينار: مكثتْ بعدَه ثمانيةَ أشهرٍ. وكذا قال عبدُ الله بن الحارث. وفي رواية، عن عمرو بن دينار، بأربعة أشهر.

وأما إبراهيم فَمِنْ مارية القِبْطيَّة، كما قدمنا، وكان ميلادُه في ذي الحجة سنة ثمانٍ.

وقد رُوِي عن ابن لهيعة

(6)

وغيره عن عبد الرحمن بن زياد. قال: لما حُبِلَ بإبراهيم أتَى جِبْريل فقال: السلامُ عليك يا أبا إبراهيمِ، إنّ الله قد وَهَبَ لك غلاماً منْ أم ولدِكَ مارية، وأمَرَكَ أن تُسَمِّيه إبراهيم، فبارَكَ اللهُ لكَ فيه، وجَعَله قُرَّةَ عَيْنٍ لك في الدنيا والآخرة.

وروى الحافظ أبو بكر البَزار

(7)

عن محمد بن مِسْكين، عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عُقَيْل ويزيد بن أبي حَبيب، عن الزهري، عن أنس، قال: لما وُلدَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ابنُه إبراهيمُ وقعَ في نفسه منه شيءٌ، فأتاه جبريل فقال: السلامُ عليكَ يا أبا إبراهيم.

وقال أسباط

(8)

، عن السُّدي، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: سألت أنس بن مالك، قلت: كمْ بلغَ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من العُمر؟ قال: قَدْ كانَ مَلأ مَهْدَه، ولو بَقِيَ لكانَ نَبيّاً، ولكن لم يكُنْ ليبقى، لأن نبيكم صلى الله عليه وسلم اَخرُ الأنبياء.

وقد قال الإمام أحمد

(9)

: حدَّثنا عبد الرحمن بن مَهْدي، ثنا سفيان، عن السُّدّي، عن أنس بن مالك، قال: لو عاشَ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، لكان صدِّيقًا نبياً.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

ط: (وهذا).

(3)

البخاري (4240، 4241).

(4)

م: (أبو) تحريف. وانظر تهذيب الكمال (14/ 328).

(5)

تاريخ دمشق (3/ 159).

(6)

تاريخ دمشق (3/ 159 - 160).

(7)

(كشف الأستار: 1492) وإسناده ضعيف.

(8)

تاريخ دمشق (3/ 134 - 135).

(9)

مسند الإمام أحمد (3/ 133)، وهو حديث حسن.

ص: 439

وقال أبو عبد

(1)

الله بن منده

(2)

: ثنا محمد بن سعد ومحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عثمان العَبْسي، ثنا مِنْجابٌ، ثنا أبو عامر الأسدي، ثنا سفيان، عن السُّدِّي، عن أنس قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابنُ ستةَ عَشَرَ شهرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادْفِنوه في البَقيعِ، فإنّ له مُرْضعًا يتمّ رضاعه في الجنة".

وقال أبو يعلى: ثنا أبو خَيْثمة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن أنس قال: ما رأيتُ أحدًا أرْحَمَ بالعيالِ من رسول الله. كان إبراهيم مُسْتَرْضعًا في عوالي المدينة، فكان

(3)

ينطلقُ، ونحن معه، فيدخل إلى البيت، وإنه ليَدْخُنُ، وكان ظِئره قَيْنا

(4)

فيأخذه فيقبِّله

(5)

ثم يرجع. قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله: "إنّ إبراهيم ابني، وإنه مات في الثَدْي، وإن له لظِئْرين تُكْمِلان رضاعَهُ في الجنة".

وقد روى جرير

(6)

واْبو عوانة، عن الأعمش، عن مسلم بن صُبَيْح أبي الضحى، عن البراء قال: تُوفِّي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ سِتَّة عشرَ شَهْراً، فقال:"ادْفِنوه في البقيع، فإنّ له مُرْضعاً في الجنة". ورواه أحمد

(7)

: من حديث جابر

(8)

، عن عامر، عن البراء. وهكذا رواه سفيان الثَّوري

(9)

، عن فراس، عن الشعبيِّ، عن البراء بن عازب بمثله. وكذا رواه الثوري أيضًا، عن أبي إسحاق، عن البراء.

وأورد

(10)

ابن عساكر من طريق عَتّاب بن محمد بن شَوْذَب، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: تُوفِّي إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يَرْضعُ بقيَّةَ رَضاعِه في الجنة".

وقال أبو يَعْلى المَوْصلي: ثنا زكريا بن يحيى الواسطيّ، ثنا هُشَيْم، عن إسماعيل، قال: سألتُ ابن أبي أوفى -أو سمعتُه يُسْأَلُ- عن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ماتَ وهو صغيرٌ، ولو قُضِيَ أن يكونَ بعدَ النبي صلى الله عليه وسلم نبي لعاشَ.

(1)

م: (عبيد) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 28).

(2)

تاريخ دمشق (3/ 135).

(3)

م: (وكان).

(4)

القين: الحداد. والظئر: زوج المرضعة (النهاية: قين، ظأر).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

تاريخ دمشق (3/ 137).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 283)، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(8)

هو جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف.

(9)

تاريخ دمشق (3/ 138).

(10)

ط: (وأورد له) والخبر في تاريخ دمشق (3/ 143).

ص: 440

وروى ابن عساكر

(1)

من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، ثنا عُبَيْد بن إبراهيم الجُعْفي، ثنا الحسن بن أبي عبد الله الفَراء، ثنا مُصْعَبُ بن سَلاَّم، عن أبي حمزة الثُّمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو عاش إبراهيمُ لكانَ نَبياً".

وروى ابن عساكر

(2)

من حديث محمد بن إسماعيل بن سَمُرَة، عن محمد بن الحسن الأسدي، عن أبي شيبة، عن أنس، قال: لما مات إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لا تُدْرِجوه في أكْفانِه حتى أنظُرَ إليه" فجاء فانكبَّ عليه، وبكى حتى اضطربَ لَحْياه وجَنْباه صلى الله عليه وسلم.

قلت: أبو شيبة هذا لا يُتعامل بروايته. ثم روى

(3)

من حديث مسلم بن خالد الزّنْجي عن ابن خُثَيْم، عن شَهْرِ بن حَوْشَب، عن أسماء بنت يزيد بن السَّكَن، قالت: لما تُوفِّي إبراهيم بكى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر وعمر: أنتَ أحقُّ من عَلِم لله حَقَّه، فقال صلى الله عليه وسلم: "تَدْمَعُ العَيْن ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخِط الربَّ، ولولا

(4)

أنّه وعدٌ صادقٌ، وموعودٌ جامعٌ، وأن

(5)

الآخر منا يَتْبَعُ الأولَ، لوَجَدْنا عليكَ يا إبراهيم وجداً أشدَّ مما وَجَدْنا، وإنا بك يا إبراهيمُ لمحزونون".

وقال الإمام أحمد

(6)

: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، عن البراء، قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيمَ، ومات وهو ابن سِتَّةَ عَشَرَ شهراً، وقال:"إن له في الجنة من يُتمّ رضاعَه وهو صِدّيقٌ" وقد رُوِيَ من حديث الحكم بن عُتَيْبَه

(7)

، عن الشعبي، عن البراء.

وقال أبو يعلى

(8)

: ثنا القَواريري

(9)

ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى قال: صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ابنه، وصَلَّيْتُ خَلْفَه وكبر عليه أربعاً.

وقد روى يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق

(10)

: حدّثني محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة، قال: مات إبراهيم ابن رسول الله، وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يُصَلِّ عليه.

(1)

تاريخ دمشق (3/ 138).

(2)

تاريخ دمشق (3/ 139).

(3)

تاريخ دمشق (3/ 139).

(4)

ط: (لولا) بلا واو.

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

مسند الإمام أحمد (4/ 283)، وإسناده ضعيف، وقد صح "إن له في الجنة من يتم رضاعه".

(7)

أ، ط:(عيينة) وانظر تهذيب الكمال (7/ 114) والخبر في تاريخ دمشق (3/ 143).

(8)

تاريخ دمشق (3/ 139 - 140).

(9)

بعدها في تاريخ دمشق (أنبأنا عبيد بن القاسم).

(10)

السير والمغازي (270).

ص: 441

وروى ابن عساكر

(1)

من حديث إسحاق بن محمد الفَرْوي، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، [جده] عن أبي جده، عن علي قال: لما تُوفِّي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية القِبْطيَّة وهي في مَشْرَبةٍ، فحمله علىٌّ في سَفَطٍ، وجعله بين يديه على الفرس، ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسَّله وكفَّنه وخرج به، وخرج الناس معه، فدفنَه في الزِّقاقِ الذي يلي دارَ محمد بن زيد، فدخَل علىٌّ في قبره حتى سَوَّى عليه [التراب]

(2)

ودفنه، ثم خرجَ ورشَّ على قبره، وأدخلَ رسولُ الله يدَه في قبره، فقال:"أما واللهِ إنَّه لنبيٌّ ابنُ نبيٍّ". وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى المُسلمون حوله حتى ارتفعَ الصَّوْتُ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تَدْمَعُ العينُ، ويحزَنُ القلبُ، ولا نقول ما يُغْضبُ الرَّبَّ، وإنا عليك يا إبراهيمُ لمحزونون".

وقال الواقدي

(3)

: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليالٍ خَلَوْن من ربيع الأول سنةَ عشرٍ، وهو ابنُ ثمانيةَ عشرَ شهراً في بني مازن بن النَّجار في دار أمِّ برْزه

(4)

بنت المنذر، ودفن بالبقيع.

قلت: وقد قدّمنا أن الشَّمْسَ كَسَفَتْ يوم موته، فقال الناس: كَسَفَت لموت إبراهيم. فخطب رسول الله فقال في خطبته: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينكسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه".

قال

(5)

الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر:

‌بابُ ذِكْرِ عَبِيدِهِ. عليه الصلاة والسلام وإمائِهِ وذكر

(6)

خدمه وكُتّابه وأمنائِه (مع مراعاة الحروف في أسمائهم وفي ذكر بعض ما ذكر من أنبائهم)

(7)

(ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان وبالله المستعان)

(8)

.

(1)

تاريخ دمشق (3/ 144 - 145)، وإسناده ضعيف.

(2)

زيادة من تاريخ دمشق.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 143 - 144) وتاريخ دمشق (3/ 145 - 146).

(4)

كذا في ط، أو تاريخ دمشق، وفي الاستيعاب (أم بُرْدَة بنت المنذر).

(5)

ط: (قاله). وانظر تاريخ دمشق السيرة 1/ 5.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ليس ما بين القوسين في ط.

(8)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 442

فمنهم: أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي

(1)

، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن مولاه، وحِبّه وابن حِبّه، وأمه أم أيمن، واسمها بَركَة، كانت حاضِنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صغره، وممن آمَنَ به قديماً بعد بعثته، وقد أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أيام حياته، وكان عمره إذ ذاك ثمانيَ عَشْرَةَ أو تِسعَ عَشْرَةَ سنة، وتُوفّي وهو أمير على جيش كثيف، منهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصدّيق، وهو ضعيف، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَبه للإمامة، فلما توفي عليه الصلاة والسلام وجيش أسامة مُخَيّم بالجُرْف كما قَدَّمناه، اسْتَطْلَقَ أبو بكر من أسامة عمرَ بن الخطّاب في الإقامة عنده، ليَسْتضيءَ برأيه، فأطْلَقَهُ له، وأنْفَذَ أبو بكر جَيْشَ أسامةَ بعد مراجعةٍ كَثيرةٍ من الصَّحابة له في ذلك، وكلُّ ذلك يَأبَى عليهم ويقولُ: واللهِ لا أَحُلُّ رايةً عَقَدَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فساروا حتى بلغوا تُخومَ البَلْقاءِ منْ أرضِ الشّامِ، حيثُ قتل أبوه زيدٌ، وجَعْفَرُ بن أبي طالب، وعبدُ الله بن رَواحة، رضي الله عنهم، فأغارَ على تِلْكَ البلادِ، وغَنِمَ وَسَبَى، وكَرَّ راجعاً سالماً مُؤَيَّداً كما سيأتي. فلهذا كانَ عمرُ بن الخطاب، رضي الله عنه، لا يَلْقَى أسامةَ إلا قال له: السَّلامُ عليكَ أيُّها الأميرُ. ولما عَقَد له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رايةَ الإمْرَةِ، طعَنَ بعض الناس في إمارته، فخطَبَ رسولُ الله فقال فيها: "إنْ تَطْعُنوا في إمارته فقد طَعَنْتُمْ في إمارةِ أبيهِ منْ قَبْلُ، واْيْمُ الله إنْ كانَ لخليقاً للإمارة، وإنْ كانَ لمِنْ أحَبِّ الخَلْقِ إليَّ (وإنَّ هذا لمن أحبِّ الخلقِ إليَّ)

(2)

بعده" وهو في "الصحيح" من حديث موسى بن عقبة، عن سالم عن أبيه، وثبت في "صحيح البخاري"

(3)

عن أسامة، رضي الله عنه، أنّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخُذُني والحسنَ، فيقول:"اللهُمّ إني أُحِبُّهما فَأحِبَّهُما".

ورُوي

(4)

عن الشعبيِّ، عن عائشة رضي الله عنها سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"منْ أحَبَّ اللهَ ورسولَه فلْيُحِبَّ أسامةَ بن زيدٍ" ولهذا لما فَرَضَ عمرُ بن الخطاب للنّاسِ في الدّيوان فَرَضَ لأسامة في خمسة آلاف. وأعْطَى ابنَه عبدَ الله بن عمر في أربعة آلاف. فقيل له في ذلك، فقال: إنه كانَ أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكَ، وأبوه كان أحبَّ إلى رسول الله من أبيكَ.

وقد روى عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزّهري، عن عروة، عن أسامة: أنَّ رسول اللهِ أرْدَفَهُ خَلْفَه على حِمارٍ عليه قطيفةٌ، حين ذهب يعودُ سعدَ بن عُبَادة، قبلَ وقعةِ بدرٍ.

(1)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 75)، وتاريخ دمشق - مجمع - السيرة:(2/ 264)، ودار الفكر (4/ 251)، وجامع الأصول (13/ 15)، وأسد الغابة (1/ 79)، وسير أعلام النبلاء (2/ 496)، والإصابة (1/ 54)، وتهذيب التهذيب (1/ 208).

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

البخاري (3735).

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 156 - 157) وتاريخ دمشق (8/ 55)، وهو حديث صحيح لغيره.

ص: 443

قلت: وهكذا أرْدَفَه وراءَهُ على ناقَتِهِ حينَ دفَع منْ عَرَفات إلى المُزْدَلِفَة، كما قَدَّمنا في حجّةِ الوَداعِ. وقَدْ ذَكَرَ غيرُ واحدٍ أنّه، رضي الله عنه، لم يَشْهَدْ مع عليّ شيئًا من مَشاهِدِه، واعتذر إليه مما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قَتَلَ ذلك الرجلَ، وقد قال: لا إله إلا الله، فقال:"من لك بلا إله إلا الله يومَ القيامة، أقَتَلْتَهُ بعدما قال لا إله إلا الله؟ منْ لكَ بلا إله إلا الله يومَ القيامة؟! "

الحديث

(1)

.

وذكر فضائله كثيرةٌ، رضي الله عنه:

وقد كان أسودَ كاللَّيل، أفْطَسَ حُلْواً حَسَنًا كَبيراً فَصيحًا عالمًا ربانيّاً، رضي الله عنه. وكان أبوه كذلك، إلا أنه كان أبيضَ شديدَ البياض، ولهذا طَعَنَ بعضُ منْ لا يَعْلَمُ في نسبه منه. ولما مَرّ مُجَزِّزٌ المُدْلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة، وقد بدَت أقدامهما، أسامةُ بسوادِه، وأبوه زيدٌ ببياضه قال: سبحانَ الله، إن بعض هذه الأقدام لمن بعض، أُعْجِب بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ودخلَ على عائشة مسرورًا تَبْرُقُ أساريرُ وَجْهه فقال: "ألم تريْ أن مُجَزِّزاً نظر آنفاً إلى زيدِ بن حارثة وأسامة بن زيدٍ. فقال: إنَّ بعضَ هذه الأقدام لمن بعض

(2)

". ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشّافِعي وأحمد من هذا الحديث، من حيث التقرير عليه والاستبشار به، العملَ بقول القافة

(3)

في اختلاطِ الأنساب واشتباهها، كما هو مُقَرَّر في موضعه.

والمقصود أنه رضي الله عنه، تُوفِّي سنةَ أربعٍ وخمسين فيما

(4)

صَحَّحَه أبو عمر

(5)

. وقال غيره: سنةَ ثمانٍ أو تسعٍ وخمسين، وقيل: مات بعدَ مَقْتَلِ عثمان، فالله أعلم. وروى له الجماعةُ في كتبهم الستّة.

ومنهم أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هُرْمُز، أبو رافع القِبْطي

(6)

:

أسلم قبل بدر، ولم يشهدها، لأنه كان بمكة مع سادته آل العبّاس، وكان يَنْحِتُ القِداحَ، وقِصَّتُه مع الخبيث أبي لَهَبٍ، حين جاء خبرُ وقعةِ بدرٍ تقدَّمَت. ولله الحمد. ثم هاجرَ وشَهِدَ أُحدًا وما بعدَها، وكان كاتباً، وقد كتب بين يَدَيْ عليِّ بن أبي طالب بالكوفة، قالَهُ المُفَضَّل بن غَسّان الغَلابي، وشهدَ فتحَ مصر في أيام عُمَر، وقد كان أولًا للعبّاس بن عبد المطلب، فوهَبَهُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأعْتَقَهُ وزَوَّجه مولاته سَلْمى، فولَدَتْ له أولاداً، وكان يكون على ثَقل النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

مسلم (97).

(2)

مسلم (1459).

(3)

ط: (القيافة).

(4)

ط: (مما).

(5)

الاستيعاب (1/ 77).

(6)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 83 - 85)، والحلية (1/ 183 - 185) وتاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 264) ودار الفكر (4/ 251 - 254) وجامع الأصول (13/ 19 - 20) وأسد الغابة (1/ 93 - 94) وسير أعلام النبلاء (2/ 16 - 17) والوافي (9/ 51)، والإصابة (1/ 38) وتهذيب التهذيب (12/ 92 - 93).

ص: 444

وقال الإمام أحمد

(1)

: ثنا محمد بن جعفر وبَهْزٌ، قالا: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً منْ بَني مَخْزوم على الصَّدَقَةِ، فقال لأبي رافع: اصْحَبْني كَيْما تُصيبَ منها، فقال: لا، حتَّى آتِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسألَه، فأتى رسولَ الله فسأله فقال:"الصدقةُ لا تَحِلُّ لنا، وإنَّ مَوْلى القَوْم منهم". وقد رواه الثَّوري، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم به

(2)

.

وروى أبو يعلى في "مسنده"

(3)

عنه، أنه أصابهم بردٌ شديدٌ، وهم بخيبر، فقال رسول الله:"منْ كانَ له لِحافٌ فَلْيُلْحِف منْ لا لِحافَ له" قال أبو رافع: فلم أجِدْ منْ يُلْحِفُني معه، فأتيتُ رسولَ الله، فألْقَى عليَّ لحافه، فنِمْنا حتى أصْبَحْنا، فوجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند رِجْلَيْه حَيَّةً فقال:"يا أبا رافعٍ اقْتُلْها اقْتُلْها".

وروى له الجماعة في كتبهم ومات في أيام عليّ رضي الله عنه.

ومنهم أنسة بن بادَة أبو مِسْرَح

(4)

، ويقال: أبو مَسْروح: من مولدي السَّراة، مُهاجريٌّ. شَهِدَ بدراً فيما ذكره عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والبخاري وغير واحد

(5)

. قالوا: وكان ممن يأذنُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا جلس.

وذكر خليفة بن خياط في كتابه

(6)

: قال: قال علي بن محمد، عن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: استُشهد يومَ بَدْرٍ أنَسَةُ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي

(7)

: وليس هذا بثبتٍ عندنا، ورأيت أهل العلم يُثْبتون أنه شَهِدَ أحداً أيضًا، وبقي زماناً، وأنه تُوفّي في حياة أبي بكر، رضي الله عنه، أيام خلافته.

(لا رواية له)

(8)

.

ومنهم أيْمنُ بن عُبَيْد بن زَيْدٍ الحبشي

(9)

: ونسبه ابن مَنْدَه إلى عوف بن الخَزْرج، وفيه نظر، وهو ابنُ

(1)

مسند الإمام أحمد (6/ 10).

(2)

رواه أحمد في المسند (6/ 8) وهو صحيح بما قبله.

(3)

تاريخ دمشق (4/ 253)، وإسناده صحيح.

(4)

ط: (أنسة بن زيادة بن مشرح ويقال: أبو مسرح) وترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 267 - 269) وطبعة دار الفكر (4/ 255 - 257).

(5)

سيرة ابن هشام (1/ 678)، وتاريخ دمشق (4/ 255).

(6)

تاريخ خليفة (1/ 20)، وتاريخ دمشق (4/ 256).

(7)

طبقات ابن سعد (3/ 48).

(8)

ليس ما بين القوسين في ط.

(9)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 128 - 129)، وأسد الغابة (1/ 189)، وجامع الأصول (13/ 42 - 43) وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 130)، والوافي (10/ 29 - 30)، والإصابة (1/ 92 - 93).

ص: 445

أمِّ أيْمَن بَرَكة، أخو أسامة لأُمِّه. قال ابن إسحاق

(1)

: وكان على مَطْهَرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثَبَتَ يوم حُنَيْن، ويقال

(2)

: إنَّ فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. قال الشافعي: قُتِلَ أيمنُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم يومَ حُنَيْن. قال: فروايةُ مجاهدٍ عنه منقطعةٌ.

يعني بذلك ما رواه الثوري

(3)

، عن منصور، عن مجاهد، عن عطاء، عن أيمن الحبشي قال: لم يَقْطَعِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السارِقَ إلا في المِجَنّ، وكان ثمن المجن يومئذ دينارًا

(4)

. وقد رواه أبو القاسم البَغَويّ في "معجم الصحابة" عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر، عن الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد، وعطاءٍ، عن أيْمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

وهذا يقتضي تَأخُّر موته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الحديثُ مُدَلَّساً عنه، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ أُريدَ غَيْره، والجمهورُ كابنِ إسحاق وغيره ذكروه

(5)

فيمن قُتِل منَ الصَّحابة يومَ حُنَين، فالله أعلم.

ولابنه الحَجّاج بن أيْمَن مع عبد الله بن عمر قصة.

ومنهم باذام. وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان.

ومنهم ثَوْبان بن بُجدُد. ويقال: ابن جَحْدَر، أبو عبد الله

(6)

، ويقال (2): أبو عبد الكريم، ويقال: أبو عبد الرحمن. أصلُه من أهل السَّراة مكانٌ بينَ مكَّة واليَمَن، وقيل: من حِمْير من أهل اليمن، وقيل: من ألهان، وقيل: من الحَكَم بن سَعْد العَشيرة، من مَذْحج، أصابه سِباء

(7)

في الجاهلية. فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعْتَقَهُ وخَيَّره إن شاء أن يَرْجع إلى قومه، وإن شاء يَثْبُتَ فإنه منهمِ أهلَ البيت. فأقام على وَلاءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُفارِقْهُ حَضَرًا ولا سَفَرًا حتى تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشَهِدَ فتْحَ مِصْرَ أيامَ عُمر ونزلَ حِمْصَ بعدَ ذلك، وابْتَنَى بها دارًا، وأقام بها إلى أن مات سنة أربعٍ وخمسين، وقيل: سنة أربعٍ وأربعين، وهو خطأ. وقيل: إنه مات بمصر، والصحيح بحمص، كما قدَّمنا. والله أعلم.

روى له البُخاري، في كتاب "الأدب"، ومسلم في "صحيحه" وأهل السنن الأربعة.

(1)

سيرة ابن هشام (2/ 443).

(2)

ط: (ويقول).

(3)

تاريخ دمشق (4/ 259).

(4)

أ، ط:(دينار).

(5)

ط: (وذكروه). والواو زائدة.

(6)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 218)، وتاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 271)، وطبعة دار الفكر (4/ 259) وأسد الغابة (1/ 296)، والاصابة (1/ 204) وتهذيب التهذيب (2/ 31)، وسير أعلام النبلاء (30/ 15).

(7)

ط: (سبي).

ص: 446

ومنهم حُنَيْن

(1)

مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم: وهو جدّ إبراهيم بن عبد الله بن حُنَيْن، ورُوِّينا أنَّه كان يَخدُمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويُوضِّئُه، فإذا فَرَغَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بفَضْلَةِ الوضوءِ إلى أصحابه، فمنهم من يَشْرَبُ منه، ومنهم من يَتَمسَّحُ به، فاحْتَبسَه حُنينٌ فَخَبَّأهُ عندَه في جَرَّةٍ حتى شكَوْه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"ما تَصْنَعُ به؟ " فقال أدَّخِرُهُ عندي أشْرَبه يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام:"هَلْ رَأَيْتُمْ غُلاماً أحْصَى ما أحْصَى هذا؟ " ثم إن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهبَهُ لعَمِّه العَبّاس فأعْتَقَه رضي الله عنهما.

ومنهم ذَكْوان يأتي ذكره في ترجمة طَهْمان.

ومنهم رافِعٌ أو أبو رافِع. ويقال له: أبو البَهي

(2)

. قال أبو بكر بن أبي خيثمة: كان لأبي أُحَيْحَة سعيد بن العاص الأكبر، فورثَهُ بنوه، وأعتَقَ ثلاثةٌ منهم أنْصباءَهُمْ وشهد معهم يَوْمَ بَدْرٍ، فقُتِلوا ثلاثتُهُمْ، ثم اشْتَرى أبو رافعٍ بقيَّة أنْصِباء بني سعيدٍ مولاه، إلا نَصيبَ خالد بن سعيدٍ، فوهبَ خالد نَصيبَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَبِلَهُ وأعْتَقَهُ، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان بنوه يقولون من بعده.

ومنهم رباحٌ الأسْود

(3)

: وكان يأذنُ على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أخذ الإذْنَ لعمر بن الخطاب حتَّى دَخَلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المَشْرَبَةِ يومَ آلى من نسائه، واعتَزَلَهُنَّ في تلك المَشْرَبَةِ وحدَه، عليه الصلاة والسلام، هكذا جاء مُصَرَّحاً باسمه في حديثِ عِكْرِمة بن عمار (عن أبي زُمَيْل)

(4)

عن سِماك بن الوليد، عن ابن عباس، عن عمر.

وقال الإمام أحمد

(5)

: ثنا وَكيعٌ، ثنا عكرمة بن عَمّار، عن إياس بن سَلَمةَ بن الأكوع، عن أبيه، قال: كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ يُسَمَّى رباحًا

(6)

.

ومنهم رُوَيْفِع

(7)

مولاه عليه الصلاة والسلام: هكذا عَدَّهُ في الموالي مُصْعَبُ بنِ عبد الله الزُّبَيْري وأبو بكر بن أبي خَيْثَمة، قالا: وقد وَفَدَ ابنُه على عمر بن عبد العزيز في أيّام خِلافَتِهِ ففَرَضَ له. قالا: ولا عَقِبَ له.

(1)

ترجمته في تاريخ دمشق - السيرة (2/ 271)، ودار الفكر (4/ 259)، وأسد الغابة (1/ 546)، والإصابة (1/ 362).

(2)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 272 - 274)، ودار الفكر (4/ 261 - 263)، وأسد الغابة (2/ 37)، والإصابة (1/ 500).

(3)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 274) وط. دار الفكر (4/ 263 - 264)، وأسد الغابة (2/ 249) والإصابة (1/ 502).

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 46)، وإسناده صحيح.

(6)

أ، ط:(رباح) وما أثبته للسياق النحوي.

(7)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 501)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 275)، وط. دار الفكر (4/ 264) وأسد الغابة (2/ 88) والإصابة (1/ 522).

ص: 447

قلت: كان عُمر بن عبد العزيز، رحمه الله شديدَ الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُحبُّ أن يعرفهم ويُحْسنَ إليهم. وقد كَتَبَ في أيام خلافته إلى أبي بكر بن حزمٍ عالمِ أهل المدينة في زمانه أن يَفْحَصَ له عن موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجالِ والنساءِ وخُدّامِهِ. رواه الواقدي

(1)

. وقد ذكره أبو عمر مُخْتَصَراً وقال: لا أعلمُ له رواية، حكاه ابن الأثير في "الغابة

(2)

".

ومنهم زَيْدُ بن حارِثَةَ الكَلْبي

(3)

: وقد قدمنا طَرَفاً من ذكره عندَ ذِكْرِ مَقْتَلِهِ بغزوة مُؤْتَة رضي الله عنه، وذلك في جُمادى من سَنَةِ ثمانٍ قبلَ الفَتْحِ بأشهرٍ، وقد كانَ هو الأميرَ المُقَدَّمَ، ثم بعدَهُ جَعْفرٌ، ثم بعدهما عبد الله بن رَواحة رضي الله عنهم.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سَرِيَّةٍ إلا أمَّره عليهم، ولو بَقيَ بَعْدَهُ لاسْتَخْلَفَه. رواه أحمدُ.

ومنهم زَيْدٌ أبو يَسار

(4)

:

قال أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة": سكن المدينة، رَوَى حَديثًا واحدًا لا أعلم له غيره. حدثنا محمد بن علي الجُوزجاني، ثنا أبو سَلَمة -هو التَّبوذَكيُّ- ثنا حفصُ بنُ عمر

(5)

الطّائي

(6)

، ثنا أبي

(7)

عمر بن مرة: سمعتُ بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، سمعتُ أبي، حدّثني عن جدّي، أنَّه سمعَ رسولَ الله يقول:"منْ قالَ أسْتَغْفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّوم، وأتوبُ إليه، غُفِر له، وإن كان فَرَّ منَ الزَّحْفِ" وهكذا رواه أبو داود

(8)

عن أبي سَلَمَة. وأخرجه الترمذي

(9)

، عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن أبي سَلَمَة موسى بن إسماعيل به. وقال الترمذي: غَريبٌ لا نَعْرِفُه إلا من هذا الوجه

(10)

.

(1)

طبقات ابن سعد (1/ 497).

(2)

أسد الغابة (2/ 240).

(3)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 47)، وتاريخ دمشق طبعة دار الفكر (1/ 265)، وجامع الأصول (14/ 105 - 107) وأسد الغابة (2/ 281 - 284)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 202 - 203)، وسير أعلام النبلاء (1/ 220 - 230) والإصابة (1/ 563 - 564) وتهذيب التهذيب (3/ 401 - 402).

(4)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 559)، تاريخ دمشق - المجمع - السيرة:(2/ 276)، وط دار الفكر (4/ 265) وجامع الأصول (14/ 111) وأسد الغابة (2/ 150)، والإصابة (1/ 561).

(5)

أ: (عمرو) تحريف، وقد تقدم قبل سطر.

(6)

الذي في "تهذيب الكمال" حفص بن عمر الشَّنِّي. ووالده: عمر بن مُرَّة الشَّنِّي.

(7)

ط: (أبو) وانظر تهذيب الكمال (21/ 508).

(8)

أبو داود (1517).

(9)

الترمذي (3577).

(10)

أي: ضعيف، وبلال وأبوه مجهولان، وزيد جد بلال لا يُعرف له إلا هذا الحديث، ولكن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود، وأبي بكر الصديق، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، =

ص: 448

ومنهم سَفِينة

(1)

أبو عبد الرحمن. ويقال: أبو البَخْتري، كان اسمه مِهْران، وقيل: عَبْس، وقيل: أحمر، وقيل: رُومان، فَلَقَّبَه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة

(2)

لسبب سنذكره، فغلبَ عليه. وكان مولىً لأم سَلَمَةَ فأعْتَقَتْه واشْتَرَطَتْ عليه أن يَخْدُمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى يَموتَ، فقَبلَ ذلك. وقال: لَوْ لَمْ تَشْتَرِطي عليَّ ما فارقْتُهُ. وهذا الحديث في "السنن"

(3)

. وهو من مُوَلَّدي العَرَبِ، وأصلُه من أبناء فارس، وهو سفينة بن مارْفَنَّة

(4)

.

وقال الإمام أحمد

(5)

: ثنا أبو النَّضْر، ثنا حَشْرَج بن نُباتة العَبْسي كوفي، ثنا سعيد بن جُمْهان، حدثني سَفِينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخِلافَةُ في أمتي ثلاثون سنة، ثم مُلْكًا بعد ذلك"، ثم قال لي سفينة: أمْسِكْ خلافةَ أبي بكر، وخِلافَةَ عُمر، وخِلافَة عثمان، وأمْسِكْ خلافةَ عليّ، ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنةً. ثم نظرتُ بعدَ ذلك في الخلفاء فلم أجِدْهُ يَتَّفِقُ لهم ثلاثون. قلت لسعيد: أيْنَ لَقيتَ سفينة؟ قال ببطن نَخْلَة، في زمن الحجاج، فأقَمْتُ عنده ثلاثَ ليالٍ أسألهُ عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت له: ما اسْمُك؟ قال: ما أنا بمُخْبركَ، سَمّاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سفينة. قلت: ولم سَماكَ سَفينة؟ قال: خرجَ رسولُ الله ومعه أصحابه، فَثَقُلَ عليهم متاعُهم، فقال لي:"ابْسُط كساءك" فبسطته، فجعلوا فيه متاعَهم ثم حملوه عليَّ، فقال لي رسول الله:"احمل فإنما أنت سَفينة" فلو حمَلْتُ يومئذ وقْرَ بعيرٍ أو بَعيرينِ أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة، ما ثَقُلَ عليَّ، إلا أن يَجْفُوا. وهذا الحديثُ عن أبي داود والترمذي والنسائي

(6)

. ولفظه عندهم "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون مُلْكاً".

وقال الإمام أحمد

(7)

: حدَّثنا بَهْزٌ، ثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد بن جُمْهان، عن سَفينة، قال: كُنّا في سَفَرٍ، فكان كُلَّما أعْيا رَجُل ألْقَى عليَّ ثيابه، تُرْساً أو سيفاً، حتى حَمَلْتُ من ذلك شيئًا كثيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنت سفينة" هذا هو المشهورُ في تَسْمِيَتِه سَفينة.

= فهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(1)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 129)، تاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق (2/ 277) وجامع الأصول (14/ 183 - 184)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 225)، وسير أعلام النبلاء (3/ 158)، وأسد الغابة (2/ 190)، والإصابة (2/ 58)، وتهذيب التهذيب (4/ 125).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

رواه أبو داود (3932) والنسائي في "الكبرى"(4995) وابن ماجه (2526) وهو حديث حسن.

(4)

ط: (مافنة) وفي أ: (ماقنَّة) وكلاهما تحريف. وانظر تهذيب الكمال (11/ 205)، فإن فيه: ويقال: شنبة بن مارفنَّة.

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 221).

(6)

رواه أبو داود (4646) والترمذي (2226) والنسائي في "الكبرى"(8155) وهو حديث حسن.

(7)

مسند الامام أحمد (5/ 222)، وإسناده صحيح.

ص: 449

وقد قال أبو القاسم البَغَوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزَّهْراني ومحمد بن جَعْفر الوَرْكاني، قال: ثنا شَريك بن عبد الله النَّخَعي، عن عمران النَّخْلي

(1)

، عن مولى لأمِّ سلمَةَ. قال: كنّا مع رسول الله فَمَرَرْنا بوادٍ، أو نَهْرٍ، فكُنْتُ أُعَبِّرُ النّاسَ. فقال لي رسول الله:"ما كنتَ منذُ اليومِ إلا سَفينة" وهكذا رواه الإمام أحمد

(2)

، عن أسود بن عامر، عن شريك.

وقال أبو عبد الله بن مَنْدَه، ثنا الحسن بن مُكْرَم، ثنا عُثْمان بن عمر، ثنا أسامة بن زيد، عن محمد بن المُنْكَدر، عن سَفينة، قال: ركبتُ البحرَ في سَفينة، فكسِرَتْ بنا، فركبْتُ لوحاً منها فَطَرَحَني في جزيرة فيها أسدٌ، فلم يَرُعْني إلا به، فقلت: يا أبا الحارث: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَغْمِزُني بمَنْكِبهِ حتى أقامني على الطريق، ثم هَمْهَمْ فَظَنَنْتُ أنّه السَّلام. وقد رواه أبو القاسم البَغَوي عن إبراهيم بن هانئ، عن عُبَيْد الله بن موسى، عن رجلٍ، عن محمد بن المُنْكَدِر عنه. ورواه أيضًا، عن محمد بن عبد الله المَخْرَمي، عن حسين بن محمد. قال: قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن محمد بن المُنْكَدِر عن سَفينة

فذكره.

ورواه أيضًا: ثنا هارون بن عبد الله، ثنا علي بن عاصم، حدثني أبو رَيْحانة، عن سَفينة مَوْلى رسولِ الله قال: لَقِيني الأسدُ. فقلتُ: أنا سَفينةُ مَوْلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: فضربَ بذَنَبِه الأرضَ وقعدَ.

وروى له مسلمٌ وأهلُ السُّنَن. وقد تقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أنه كان يسكن بَطن نَخْلَة، وأنه تأخَّر إلى أيام الحجّاج.

ومنهم سَلْمان الفارِسي

(3)

أبو عَبْدِ الله مَوْلى الإسْلام: أصلُه من فارس، وتنقَّلَتْ به الأحوال إلى أن صار لرجل من يَهودِ المدينة، فلما هاجَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ أسلم سلمان، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاتَبَ سَيِّدَهُ اليَهودي، وأعانَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداءِ ما عليه فنُسب إليه، وقال:"سلمانُ منا أهلَ البيت"

(4)

. وقد قدَّمنا صِفَة هِجْرتِهِ من بلده وصُحْبَتِهِ لأولئك الرُّهبان واحدًا بعد واحدٍ حتى آل به الحالُ

(1)

في الأصول ومطبوع المسند: البجلي وهو خطأ.

(2)

في المسند (5/ 221) وهو حديث حسن.

(3)

ترجمته في حلية الأولياء (1/ 185 - 208)، والاستيعاب (634)، وتاريخ بغداد (1/ 163 - 171)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (4/ 281) وط دار الفكر (4/ 264) وجامع الأصول (14/ 186 - 187)، وأسد الغابة (2/ 417 - 421)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 226)، وسير أعلام النبلاء (1/ 505 - 558)، وتهذيب التهذيب (4/ 137)، والإصابة (2/ 62 - 63)، وشذرات الذهب - أرناؤوط (1/ 209 - 210).

(4)

رواه الطبراني في "الكبير"(6040) والحاكم (3/ 598) وهو حديث ضعيف جداً في المرفوع، وقد صح من قول علي رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة (12380).

ص: 450

إلى المدينة النبوية، وذِكْر صِفَةِ إسْلامِه، رضي الله عنه، في أوائل الهجرة النبويّة إلى المدينة، وكانَتْ وفاتُه في سنةِ خمسٍ وثلاثين في آخر أيامِ عثمان، أو في أولِ سنةِ ستٍّ وثلاثين. وقيل: إنّه تُوفِّي في أيّام عُمر بن الخطاب، والأول أكثر.

قال العباس بن يزيد البَحْرانى

(1)

: وكانَ أهلُ العلم لا يَشكون أنه عاشَ مئتين وخمسين سنةً، واختَلَفُوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمئة وخمسين. وقد ادَّعى بعضُ الحُفّاظ المتأخرين أنه لم يُجاوِزِ المئة. فالله أعلم بالصواب.

ومنهم شُقْرانُ الحَبَشيّ

(2)

واسمه صالِحُ بن عَديّ: ورثه عليه الصلاة والسلام من أبيه. وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد

(3)

: كان لعبد الرحمن بن عوف، فوهبَهُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد روى أحمدُ بن حنبل، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي مَعْشر، أنه ذكره فيمن شهد بَدْراً، (قال: ولم يَقْسِمْ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدراً (

(4)

، وهو مَمْلوكٌ، فلهذا لم يُسْهِم له، بل استعمله على الأسرى، فجزاه

(5)

كلُّ رجل له أسيرٌ شيئًا، فحصَل له أكثرُ من نصيبٍ كاملٍ. قال: وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيرُه: غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف، وغلامٌ لحاطب بن أبي بَلْتَعَة، وغُلامٌ لسعد

(6)

بن معاذ. فَرَضَخ لهم ولم يَقْسمْ. قال أبو القاسم البغوي: وليسَ له ذِكرٌ فيمن شهدَ بدراً في كتاب الزُّهْري، ولا في كتاب ابن إسحاق.

وذكر الواقدي

(7)

عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جَهْم، قال: استعمل رسول الله شُقْران مولاه على جميع ما وُجد في رحال [أهل] المُرَيْسيع من رِثَّةِ المَتاعِ والسِّلاح والنَّعَم والشَّاءِ وجَمْعِ الذريّةِ ناحيةً.

وقال الإمام أحمد

(8)

: حدَّثنا أسودُ بن عامر، ثنا مسلم بن خالد، عن عمرو بن يحيى المازنيّ، عن أبيه، عن شُقْران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيتُهُ- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - مُتَوَجِّهاً إلى خَيْبَرَ على حِمار يُصَلّي عليه، يُومِئُ إيماءً. وفي هذه الأحاديث شواهدُ أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد.

(1)

تاريخ بغداد (1/ 164).

(2)

ترجمته في تاريخ دمشق - السيرة (4/ 281)، ودار الفكر (4/ 270 - 272)، وأسد الغابة (2/ 275) والإصابة (2/ 153).

(3)

طبقات ابن سعد (3/ 49 - 50) والاستيعاب (2/ 709).

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

ط: (فخذاه).

(6)

ط: (لسعيد) خطأ.

(7)

طبقات ابن سعد (3/ 50).

(8)

مسند الإمام أحمد (3/ 495)، وإسناده ضعيف، وله شواهد عن عدة من الصحابة.

ص: 451

وروى الترمذي

(1)

عن زيد بن أخْزَم، عن عثمان بن فَرْقَد، عن جعفر بن محمد، أخبرني ابن أبي رافع، قال: سَمِعْتُ شُقْران يقول: أنا واللّه طَرَحْتُ القَطيفةَ تحتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، في القبر. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذي ألْحَدَ

(2)

قبرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أبو طلحة، والذي ألْقَى القَطيفةَ تحته

(3)

شُفْران. ثم قال الترمذي: حَسَنٌ غريبٌ

(4)

. وقد تقدم أنه شهد غُسْلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ونزل في قبره، وأنه وضع تحتَه القَطيفةَ التي كان صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عليها، وقال: والله لا يَلْبَسُها أحدٌ بعدَكَ. وذكر الحافظ أبو الحسن بن الأثير في "الغابة"

(5)

أنَّه انقرضَ نَسْلُهُ فكانَ آخرُهُمْ موتًا بالمدينة في أيام الرشيد.

ومنهم ضمَيْرَة بن أبي ضمَيْرَة الحِمْيَري

(6)

: أصابه سِباءٌ

(7)

في الجاهلية، فاشتراهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ذَكَرَهُ مُصَعَبٌ الزُّبَيْري، قال: وكانَتْ له دارٌ بالبقيع، ووَلَدٌ.

قال عبد اللّه بن وهب، عن ابن أبي ذِئْبٍ، عن حسين بن عبد اللّه بن ضُمَيْره، عن أبيه، عن جَدّه ضُمَيْرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بأُمِّ ضُمَيْرة، وهي تَبْكي فقال لها:"ما يُبْكيكِ؟ أجائعةٌ أنتِ، أعاريةٌ أنتِ" قالت: يا رسولَ اللّه، فُرِّقَ بيني وبين ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يُفَرَّقُ بين الوالدة وولدِها" ثم أرسل إلى الذي عندَهَ ضُمَيْرَةُ فدعاه فابتاعه منه ببَكْر. قال ابن أبي ذئب، ثم أقْرأني كتابًا عنده: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ منْ مُحَمَّدٍ رسولِ الله لأبي ضُمَيْرَة وأهل بيته، أنَّ رسولَ اللّه أعْتَقَهُمْ، وأنَّهُمْ أهلُ بَيْتٍ من العَرَبِ، إن أحَبُّوا أقاموا عِنْدَ رسول الله، وإن أحَبُّوا رَجَعوا إلى قَوْمهم، فلا يُعْرضُ لهم إِلَّا بحقٍّ، ومن لقِيَهُمْ من المسلمين فَلْيَسْتَوْص بهم خيرًا، وكتب أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ.

ومنهم طَهمان

(8)

، ويقال: ذَكوانُ، ويقالُ: مِهْرانُ، ويقال: مَيْمون، وقيل: كَيْسان، وقيل

(1)

الترمذي (1047).

(2)

ط: (اتخذ) تحريف.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

قال ابن أبي حاتم في العلل (1054): "سألتُ أبي عن حديث رواه علي بن المديني عن عثمان بن فرقد عن جعفر بن محمد عن ابن أبي رافع، قال: سمعتُ شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا واللّه طرحتُ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قطيفة في القبر. قال أبي: هذا حديث منكر"(بشار). وقال الترمذي رقم (1048) عن ابن عباس قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، قال: وهذا أصح، فالحديث به حسن.

(5)

أسد الغابة (2/ 527).

(6)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 214)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السير (2/ 282)، وطبعة دار الفكر (4/ 272 - 273) وأسد الغابة (2/ 446)، والإصابة (2/ 214).

(7)

ط: (سبي).

(8)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 238) وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السير (2/ 283) وطبع دار الفكر (4/ 273)، وأسد الغابة (2/ 447)، والإصابة (2/ 214)، وإسناده ضعيف.

ص: 452

باذام. روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لي ولا لأهْلِ بَيْتي، وإِنّ مَوْلى القَوْمِ من أنْفِسِهم". رواه البَغَوي، عن مِنْجاب بن الحارث وغيره، عن شَريكٍ، عن عطاء بن السائب، عن إحدى بنات عليِّ بن أبي طالبٍ، وهي أمُّ كُلْثوم بنت عَلي، قالت: حدّثني مَوْلى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يقال له: طَهْمان أو ذَكوان. قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .. فذكره.

ومنهم عُبَيد

(1)

مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال أبو داود الطَّيالسيّ، عن شُعبة، عن سُلَيْمان التَّيْمي عن شيخٍ، عن عُبَيْد مولى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: قلتُ: هَلْ كانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يأمرُ بصَلاةٍ سوى المكتوب؟ قال: صلاة بينَ المغرب والعشاء. قال أبو القاسم البغوي: لا أعْلمُ روى غيره. قال ابن عساكر: وليس كما قال. ثم ساق مِنْ طريق أبي يَعْلى المَوْصِلي، ثنا عبدُ الأعلى بن حماد، ثنا حماد بن سَلَمَة، عن سُليمان التَّيْمي، عن عُبَيْد مولى رسول اللّه أن امرأتَيْنِ كانَتا صائِمَتَيْن، وكانتا تَغْتابان النّاسَ، فَدَعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بقَدَح، فقال لهما:"قِيئا". فَقَاءَتا قَيْحًا وَدَمًا ولَحْمًا عَبيطًا

(2)

ثم قال: إن هاتَيْنِ صامَتا عن الحلالِ، وأفْطَرَتا على الحرام". وقد رواه الإمام أحمد

(3)

عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي عن سليمان التَّيْمي، عن رجل حَدَّثَهُمْ في مجلسِ أبي عثمان، عن عُبَيْد مَوْلَى رسول اللّه

فذكره. ورواه أحمد (3) أيضًا، عن غُنْدَرٍ، عن عثمان بن غِياث، قال: كنتُ مع أبي عثمان، فقال رجلٌ: حدّثني سعيدٌ، أو عُبَيْد - عثمان يشك - مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

فذكره.

ومنهم فَضالة

(4)

مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال محمد بن سَعد، أنبأنا الواقدي، حدّثني عُتْبَة بن جَبيرة

(5)

الأَشْهلي، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افْحَصْ لي عن خَدَمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه قال: وكان فَضالَةُ مولى له يمانيًا نزل الشام بعدُ، وكان أبو مُوَيْهبة مُوَلَّدًا من مُوَلَّدي مُزَيْنة فأعْتَقَهُ. قال ابن عساكر

(6)

: لم أجد لفَضالة ذِكْرًا في الموالي إِلَّا من هذا الوجه.

ومنهم قفيز

(7)

أَوَّلُهُ قافٌ وآخرُهُ زايٌّ: قال أبو عبد اللّه بن منده: أنبأنا سَهْل بن السَّريّ، ثنا أحمد بن

(1)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 284)، وطبعة دار الفكر (4/ 274 - 276)، وأسد الغابة (3/ 434)، والإصابة (2/ 448).

(2)

لحم عبيط أي طري غير نضيج (النهاية: عبط).

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 431)، وإسناده ضعيف.

(4)

ترجمته في الاستيعاب (3/ 198)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السير (2/ 287)، وطبعة دار الفكر (4/ 277)، وأسد الغابة (4/ 63)، والإصابة (3/ 208).

(5)

ط: (خيرة).

(6)

في ترجمته (4/ 277).

(7)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة - (2/ 287)، ودار الفكر - (2/ 277)، وأسد الغابة (4/ 110)، والإصابة (3/ 240).

ص: 453

محمد بن المُنْكَدر: ثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن سليمان الحَرَّاني، عن زهير بن محمد، عن أبي بكر بن عبيد

(1)

اللّه بن أنس عن أنس، قال: كان لِرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامٌ

(2)

يُقال له: قَفيزٌ، تَفَرَّدَ به محمد بن سليمان.

ومنهم كَرْكِرَة

(3)

: كانَ على ثَقَلِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وقد ذَكَرَه أبو بكر بن حزم

(4)

فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز. قال الإمام أحمد

(5)

: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عبد الله بن عمر، قال: كان على ثَقَلِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كَرْكَرَة. فمات، فقال:"هو في النار" فنظروا فإذا عليه عباءةٌ (قد غَلَّها، أو كِساءٌ قد غَلّه. رواه البخاري

(6)

، عن علي بن المَديني، عن سفيان.

قلت

(7)

: وقصَّته شَبيهة بقصة مِدْعَم الذي أهداه رفاعة من بني الضُّبَيْب

(8)

كما سيأتي.

ومنهم كَيْسانُ

(9)

. قال البَغَوي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا ابن فُضَيْل، عن عطاء بن السائب. قال: أتَيْتُ أمَّ كلثوم بنت علي، فقالت: حدّثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يُقالُ له: كَيْسان. قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شيءٍ من أمرٍ الصَّدقة: "إنَّا أهلُ بيتٍ نُهينا أن نأكُلَ الصَّدَقَة، وإن مولانا منْ أنفسِنا فلا يَأكُلِ

(10)

الصدقة".

ومنهم مَأبور القِبْطيّ الخصِي

(11)

: أهداه له صاحب إسْكَنْدريَّة مع مارية وسيرين والبَغْلَة.

وقد قدَّمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفايةٌ.

(1)

ط: (عبد اللّه بن أنيس قال) تحريف ونقص. وانظر تهذيب التهذيب (12/ 32).

(2)

ق: (غلامًا) خطأ.

(3)

ترجمته في طبقات ابن سعد (1/ 498)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 287 - 289)، ودار الفكر (4/ 277 - 279)، وجامع الأصول (15/ 111)، وأسد الغابة (4/ 470)، والإصابة (3/ 293) - وقال ابن الأثير في جامع الاصول:(كركرة: بفتح الكافين، وبكسرهما).

(4)

طبقات ابن سعد (1/ 497 - 498).

(5)

مسند الإمام أحمد (2/ 16).

(6)

البخاري (3074).

(7)

ليس ما بين القوسين في أ.

(8)

ط: (النصيب) تحريف. وانظر مصادر الترجمة.

(9)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة - (2/ 289 - 290)، وطبعة دار الفكر (4/ 280)، وأسد الغابة (4/ 204)، والإصابة (3/ 309).

(10)

ط: (تأكل).

(11)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 290)، وطبعة دار الفكر (4/ 280 - 281)، وأسد الغابة (4/ 204)، والإصابة (3/ 209).

ص: 454

ومنهم مِدْعَم

(1)

، وكان أسودَ من مُوَلَّدي حِسْمى

(2)

أهداه رفاعةُ بن زَيْد الجُذاميُ

(3)

، قُتِل في حياةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وذلك مَرْجِعهُم من خَيْبَر. فلما وصلوا إلى وادي القُرى، فبينما مِدْعَمٌ يَحُطّ عن ناقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَحْلَها، إذ جاءه سَهْمٌ عائرٌ

(4)

فقتله. فقال الناس: هنيئًا له الشهادةُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلا والذي نَفْسي بيده، إن الشَّمْلَة التي أخَذَها يوم خَيْبَر - لم تُصِبْها المَقاسِمُ - لتَشْتَعِلُ عليه نارًا"، فلما سَمِعوا ذلك جاء رجلٌ بشراكٍ - أو شِراكَيْن - فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"شِراكٌ من نارٍ، أو شِراكانِ من نارٍ" أخرجاه

(5)

من حديث مالك، عن ثور بن زيد، عن أبي

(6)

الغَيْث، عن أبي هريرة.

ومنهم مِهْران

(7)

، ويقال: طَهْمان:

وهو الذي رَوَتْ عنه أمُّ كُلْثوم بنت علي في تَحريمِ الصَّدقة على بني هاشم ومواليهم كما تقدم.

ومنهم ميمون

(8)

، وهو الذي قبله.

ومنهم نافع

(9)

مولاه:

قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهاني، أنبانا شُجاعٌ الصُّوفي، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبانا أحمد بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، ثنا يزيد بن هارون، أنبانا أبو مالك الأشجعي، عن يوسف بن مَيْمون، عن نافعٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَدْخُلُ الجَنَّة شيخٌ زانٍ، ولا مِسْكينٌ مُسْتكبرٌ

(10)

، ولا مَنَّانٌ بعمله على الله عز وجل".

(1)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 290 - 291) - مطبعة دار الفكر - (4/ 281 - 283) وأسد الغابة (4/ 355) والإصابة (3/ 394).

(2)

حسمى - على وزن فِعلى - أرض ببادية الشام من أرض جذام (معجم ما استعجم (446 - 448)، ومعجم البلدان: حسمى).

(3)

ط: (الخزامي) تحريف. وانظر مصادر الترجمة.

(4)

السهم العائر هو الذي لا يُدرى منْ رماه (النهاية: عير).

(5)

البخاري (4234) ومسلم (115)(183).

(6)

ط: (ثور بن يزيد عن جبي الغيث) وفيها تحريفان انظر تاريخ دمشق - المجمع - (291).

(7)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - (2/ 293 - 294) وطبعة دار الفكر (4/ 284)، وأسد الغابة (4/ 504)، والإصابة (3/ 467).

(8)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - (2/ 294) وطبعة دار الفكر (4/ 284 - 285).

(9)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع (2/ 294)، وطبعة دار الفكر (4/ 285)، وأسد الغابة (4/ 525) والإصابة (3/ 547).

(10)

ط: (متكبر).

ص: 455

ومنهم نُفَيع

(1)

، ويقال: مسروح، ويقال: نافع بن مَسْروح. والصحيح نافِعُ بن الحارث بن كَلِدَة بن عَمْرو بن عِلاج بن أبي

(2)

سلِمة عبْد العُزَّى بن غِيَرة بن عَوْف بن قَسِيٍّ - وهو ثقيف - أبو بَكْرَهَ الثَّقفي:

وأمه سُمَيَّةُ أم زياد، تدلَّى هو وجماعة من العَبيد من سور الطائف، فاعْتَقَهُم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان نزوله في بَكْرةٍ، فَسَفاه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أبا بَكْرة. قال أبو نعيم: وكانَ رَجُلًا صالحًا، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينَه وبينَ أبي بَرْزَةَ الأسلميّ.

قُلْتُ: وهو الذي صَلَّى عليه بوصيّته إليه، ولم يَشْهَد أبو بكرة وَقْعَةَ الجَمَلِ، ولا أيَّام صِفين، وكانَتْ وفاتُه في سنة إحْدى وخَمْسين، وقيل سنة اثْنَتَيْن وخَمْسين.

ومنهم واقِد

(3)

، أو أبو واقِدٍ مَوْلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال الحافظُ أبو نُعَيْم الأصْبَهاني: حَدَّثَنَا أبو عمرو بن حَمْدان، ثنا الحسن بن سُفيان، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، ثنا الحسين بن محمد، ثنا الهَيْثَم بن حماد، عن الحارث بن غسان، عن رجُل من قُرَيْش من أهل المدينة، عن زاذان، عن واقدٍ مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أطاعَ اللهَ فقد ذكَر الله، وإن قَلَّتْ صلاتُه وصيامُه وتلاوتُه القرآنَ، ومَنْ عَصى اللهَ فلم يَذْكُرْه وإن كَثُرَتْ صلاتُه وصيامُه وتلاوتُه القرآن".

ومنهم هُرْمُز أبو كَيْسان

(4)

، ويقال: هُرْمُز، أو كَيْسان، وهو الذي يقال فيه: طَهْمان، كما تقدم.

وقد قال ابن وهب: ثنا على بن عابس

(5)

، عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت علي أو أم كلثوم بنت علي، قالت: سمعتُ مولًى لنا يُقال له: هُرمُز يُكَنى أبا كيسان. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا أهل بيت لا تَحِلُّ لنا الصَّدَقَةُ، وإن مَوالينا من أنفسِنا فلا تَأكلوا الصَّدَقَة". وقد رواه الرَّبيعُ بن سليمان، عن أسدِ بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب قال: دخلتُ على أُمّ كُلْثوم، فقالت: إن هُرْمُزَ أو كَيْسان حَدَّثَنَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إنا لا نَأْكُل الصَّدَقَةَ".

وقال أبو القاسم البغوي: ثنا مَنْصور بن أبي مُزَاحِم، ثنا أبو حفص الأبّار، عن ابن أبي زياد، عن

(1)

ترجمته في الاستيعاب (1530)، وتاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 294 - 295) وطبعة دار الفكر (4/ 285)، وجامع الأصول (15/ 416 - 417)، وأسد الغابة (4/ 578)، وسير أعلام النبلاء (3/ 5)، والإصابة (3/ 547)، وشذرات الذهب (1/ 250).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 295) وطبعة دار الفكر (4/ 285 - 286) وأسد الغابة (14/ 65)، والإصابة (3/ 628).

(4)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة - (2/ 295 - 296) وطبعة دار الفكر (4/ 286 - 287)، وأسد الغابة (4/ 617)، والإصابة (3/ 600).

(5)

ط: (عباس) وانظر تهذيب الكمال (20/ 502).

ص: 456

معاوية، قال: شَهِدَ بدْرًا عشرون مملوكًا، منهم مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم، يُقال له هُرْمُز فأعْتَقَه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقال:"إنَّ الله قد أعْتَقَك، وإنَّ مَوْلى القوم من أنفسهم، وإنّا أهل بيت، لا نأكلُ الصَّدَقَة فلا تَأْكُلْها".

ومنهم هشام مولى النَّبِيّ

(1)

صلى الله عليه وسلم:

قال محمد بن سعد: أنبأنا سليمان بن عُبَيد اللّه الرّقي، أنبأنا محمد بن أيوب الرَّقي، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن هشام مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال: جاء رجل فقال: يا رسولَ اللّه، إنَّ امرأتي لا تَدْفَع يَدَ لامِس

(2)

، قال:"طَلِّقْها"، قال: إنها تُعْجِبُني، قال:"فَتَمتَّعْ بها"

(3)

. قال ابن منده: وقد رواه جماعةٌ عن سُفْيان الثوري، [عن عبد الكريم] عن أبي الزبير (عن مولى بني هاشم، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يُسَمِّه. ورواه عُبَيْد اللّه بن عَمْرو عن عبد الكريم، عن)

(4)

أبي الزُّبير عن جابر.

ومنهم يسار

(5)

، ويقالُ: إنَّه الذي قَتَله العُرَنِيُّون ومثلوا

(6)

به. وقد ذكر الواقدي

(7)

بسنده عن يعقوب بن عتبة، أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم أخذَه يومَ قَرْقَرة الكُدْرِ مع نَعَم بني غَطَفان وسُلَيْم، فَوَهَبَهُ النَّاسُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَبلِهُ منهم، لأنَّه رآهُ يُحْسنُ الصَّلاةَ فأعْتَقَهُ، ثم قَسَمَ في النَّاسِ النَّعَمَ، فأصابَ كُلُّ إنسانٍ منهم سبعةَ أبْعرةٍ، وكانوا مئتين.

ومنهم أبو الحَمْراء

(8)

مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وخادِمهُ، وهو الذي يُقالُ: إن اسمَه هِلالُ بنُ الحارِثِ، وقيل: ابن ظَفَر

(9)

، وقيل: هلال بن الحارث بن ظَفَر

(10)

السّلمي، أصابه سِباءٌ

(11)

في الجاهلية.

(1)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 296 - 297)، وطبعة دار الفكر (4/ 287 - 288) وأسد الغابة (4/ 624)، والإصابة (3/ 606).

(2)

أي: تعطي من ماله من يطلب منها، ولا يعقل أن يفسر بإجابتها لمن أرادها إلى الفاحشة، قال أحمد: لم يكن ليأمر بإمساكها وهي تفجر.

(3)

ورواه أبو داود رقم (2049) والنسائي (6/ 67) من حديث ابن عباس وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(4)

ليس ما بين القوسين في أ.

(5)

ترجمته في تاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 297 - 298)، وطبعة دار لفكر (4/ 288 - 289) وأسد الغابة (4/ 738)، والإصابة (3/ 666).

(6)

ط: (وقد مثلوا).

(7)

مغازي الواقدي (1/ 182 - 183).

(8)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 1633) تاريخ دمشق - المجمع - السيرة (2/ 398 - 300) وطبعة دار الفكر (4/ 289 - 291). وأسد الغابة (4/ 631) والإصابة (3/ 607)، ونهاية الأرب (18/ 234).

(9)

أ، ط:(مظفر) وانظر مصادر الترجمة.

(10)

أ: (مظفر).

(11)

ط: (سبي).

ص: 457

وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دُحَيْم، ثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عُبَيْد

(1)

الله بن موسى، والفضل بن دُكَيْن، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود القاصّ، عن أبي الحمراء قال: رابَطْتُ المدينةَ سبعةَ أشهبر كَيومٍ، فكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يأتي باب على وفاطمةَ كلَّ غداة فيقول: "الصلاة الصلاة، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب: 33].

قال أحمد بن حازم: وأنبأنا عبيد اللّه بن موسى والفضل بن دُكَيْن - واللفظ له - عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء، قال: مَرَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم برجل عندَهُ طعامٌ في وعاءً، فادْخَلهُ يدَهُ، فقال:، غَشَشْتَه! منْ غَشَنا فَلَيْسَ منّا " وقد رواه ابن ماجة

(2)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي نُعَيْم به. وليس عنده سواه. وأبو داود هذا هو نُفَيْع بن الحارث الأعْمى، أحدُ المَتْروكين الضُّعفاء. قال عباس الدُّوري عن ابن مَعين: أبو الحمراء صاحبُ رسول اللّه اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحِمْصَ، وقد رأيتُ بها غلامًا من ولده، وقال غيرُه: كان منزلُه خارجَ بابِ حِمْص. وقال أبو الوازع، عن سَمُرَة: كان أبو الحمراء من

(3)

الموالي.

ومنهم أبو سلمى

(4)

راعي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ويقال: أبو سَلام واسمه حُرَيْثٌ.

قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا عَبّاد بن عبد الصمد، حدّثني أبو سلمى

(5)

راعي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: سمعتُ رسولَ اللّهِ يقول: "منْ لَقِيَ اللّهَ يَشْهَدُ أن لا إله إِلَّا اللهُ، وأنّ محمدًا رسولُ اللّه، وآمنَ بالبَعْثِ والحِسابِ، دَخَلَ الجَنَّةَ". قلنا: أنتَ سَمِعْتَ هذا منْ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فأدْخَلَ أُصْبُعَيْه في أُذُنيه، ثم قال: أنا سَمِعْتُ هذا مِنْهُ غَيْرَ مَرَّة، ولا مَرَّتَيْنِ ولا ثلاثٍ، ولا أربعٍ.

لم يُوردْ له ابنُ عساكر سوى هذا الحديث. وقد روى له النسائي

(6)

في اليوم والليلة آخر، وأخرج له ابن ماجة

(7)

ثالثًا.

(1)

أ، ط:(عبد). وانظر تهذيب الكمال (19/ 164)، وسيأتي الاسم صحيحًا في الخبر التالي.

(2)

ابن ماجة (2225)، وهو ضعيف جدًا. أقول: وجملة "من غشنا فليس منا" في صحيح مسلم (101)، من حديث أبي هريرة، وهي في حديث ساقه ابن ماجة قبل هذا الحديث (2224).

(3)

ط: (في).

(4)

ترجمته في الاستيعاب (1683)، وتاريخ دمشق - المجمع - ج السيرة (2/ 300 - 301)، ودار الفكر (4/ 291 - 292)، وأسد الغابة (5/ 153)، والإصابة (4/ 94)، ونهاية الأرب (18/ 235).

(5)

أ، ط:(أبو سلمة) وقد تقدم اسمه بالألف المقصورة، وانظر مصادر الترجمة.

(6)

السنن الكبرى للنسائي (9995).

(7)

ابن ماجة (3870)، وإسناده ضعيف.

ص: 458

ومنهم أبو صَفيّة

(1)

مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم:

قال أبو القاسم البَغَويّ: ثنا أحمد بن المِقْدام، ثنا مُعْتَمِرٌ، ثنا أبو كعب، عن جدِّه بقيّة عن أبي صفية، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يُوضَعُ له نِطْعٌ ويُجاءُ بزَبيلٍ فيه حَصًى، فيُسَبِّحُ به إلى نصفِ النَّهارِ، ثم يُرْفَعُ، فإذا صفَى الأولى سَبَّحَ حتى يُمْسي.

ومنهم أبو ضُمَيْرة

(2)

مولى النبي صلى الله عليه وسلم والد ضُمَيْرة المتقدم وزوج أم ضُمَيْرة:

وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذِكرهم وخبرهم في كتابهم.

وقال محمد بن سعد في الطبقات: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أوَيْس المدني، حدّثني حسين بن عبد اللّه بن أبي ضُمَيْرة أن الكتابَ الذي كتبَهُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأبي ضُمَيْرة:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، كتابٌ من محمدٍ رسولِ الله لأبي ضُمَيْرة وأهل بيته، إنَّهم كانوا أهلَ بيتٍ من العرب، وكانوا ممن

(3)

أفاءَ اللّهُ على رسوله فأعْتَقَهُمْ. ثم خَيَّر أبا ضُمَيْرة إن أحبَّ أن يَلْحَقَ بقومِهِ فقد أذِنَ له، وإن أحَبَّ أن يمكُثَ مع رسول الله فيكونوا من أهل بيتِه، فاختارَ الله ورسولَه ودخلَ في الإسلام، فلا يَعْرِضْ لهم أحدٌ إلا بخيرٍ، ومن لَقِيهُمْ من المسلمين فَلْيَسْتَوْصِ بهم خيراً، وكتب أُبي بن كعب. قال إسماعيل بن أبي أُوَيْس: فهو مولى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد حِمْيرٍ. وخرج قومٌ منهم في سَفَرٍ، ومعهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص، فأخذوا ما معهم، فأَخرجوا هذا الكتاب إليهم وأعلموهم

(4)

بما فيه، فقرؤوه فَرَدُّوا عليهم ما أخذوا منهم، ولم يَعْرِضوا لهم.

قال: ووفد حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة إلى المهديّ أمير المؤمنين، وجاء معه بكتابهم هذا، فأخذَهُ المهدي فوضعَهُ على بَصَرِهِ، وأعطى حُسَيْناً ثلاثَمئة دينار.

ومنهم أبو عُبَيْدٍ

(5)

مولاه عليه الصلاة والسلام. قال الإمام أحمد

(6)

: ثنا عفّان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد، أنّه طبخَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم قِدْرًا فيها لحمٌ، فقال رسول الله

(1)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 1693)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 301)، وطبعة دار الفكر- (4/ 292 - 293) وأسد الغابة (5/ 175)، والأصابة (4/ 109).

(2)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 1695)، وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة- (2/ 302)، وطبعة دار الفكر (4/ 293) وأسد الغابة (5/ 177)، والإصابة (4/ 111).

(3)

أ: (مما) وما أثبته عن ط، وهو الأشبه.

(4)

ط: (فأعلموهم).

(5)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 1709)، وتاريخ دمشق - المجمع - السيرة - (2/ 302 - 303) وطبعة دار الفكر ببيروت (4/ 294 - 295).

وأسد الغابة (5/ 204)، والإصابة (4/ 131).

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 484 - 485)، وهو حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف شهر بن حوشب.

ص: 459

صلى الله عليه وسلم: "ناوِلْني ذِراعها" فناولتُه، فقال:" ناوِلْني ذِراعَها " فناولته، فقال:" ناولني ذراعها " فقلت: يا نبي الله كم للشاة من ذراع؟ قال: " والّذي نَفْسي بيدِه لو سَكَتَ لأعْطَيْتَني ذِراعَها ما دعوتُ به ". ورواه الترمذيّ في " الشمائل "

(1)

عن بُنْدار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبانِ بن يزيد العطّار به.

ومنهم أبو عَسيبٍ، ومنهم من يقول: أبو عَسيم

(2)

. والصحيح الأول، من الناس منْ فَرَّقَ بينهما

(3)

، وقد تَقَدَّمَ أنَّه شَهِدَ الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم، وحضرَ دَفْنَهُ، وَرَوَى قِصَّةَ المُغيرةِ بن شُعْبة.

وقال الحارث بن أبي أُسامة

(4)

: ثنا يزيدُ بن هارون، ثنا مسلم بن عُبَيْد أبو نُصَيْرة قال: سمعتُ أبا عَسيبِ مولى رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جِبْريلُ بالحُمَّى والطاعون، فأمْسَكْتُ الحُمَّى بالمدينةِ، وأرسلتُ الطّاعونَ إلى الشام، فالطّاعونُ شهادةٌ لأمَّتي، ورحمةٌ لهم، ورِجْسٌ على الكافرِ". وكذا رواه الإمام أحمد

(5)

عن يزيد بن هارون.

وقال أبو عبد اللّه بن مَنْدَه: أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصَّاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حَشْرَج بن نُباتة، حدّثني أبو نُصَيْرة البَصْري عن أبي عَسيبِ مَوْلى رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: خَرَجَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ليلاً، فمرَّ بي فَدَعاني [فخرجتُ إليه]

(6)

ثم مرَّ بأبي بكر فدعاهُ فخرجَ إليه، ثم مرَّ بعُمر فدعاهُ فخرَجَ إليه، ثم انطلقَ يَمْشي حتى دخل حائطًا لبعض الأنصار، فقال رسول الله لصاحب الحائط:" أطْعِمْنَا بُسْراً " فجاءَ به فَوَضَعهُ، فأكلَ رسولُ اللّه وأكلوا جميعاً، ثم دعا بماءً فشربَ منه، ثم قال:" إن هذا النَّعيمُ، لتسْألُنَ يومَ القيامة عن هذا " فأخَذَ عمرُ العِذْقَ، فضرب به الأرض حتى تناثَر البُسْرُ، ثم قال: يا نبيّ الله إنا لمَسْؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: " نعم إلا من ثلاثةٍ؟ خِرْقَةٍ يَسْتُر بها الرجلُ عَوْرتهُ، أو كِسْرةٍ يَسُدُّ بها جَوْعَتَهُ، أو جُحْرٍ يدخُلُ فيه -يعني من الحرِّ والقَرّ-".

ورواه الإمام أحمد

(7)

، عن سُرَيْجٍ

(8)

، عن حَشْرَجٍ.

(1)

الشمائل للترمذي (162)، وهو حديث حسن.

(2)

ط: (ومنهم أبو عشيب ومنهم من يقول أبو عسيب).

(3)

انظر الإصابة (4/ 133) و (4/ 134).

(4)

زوائده (251)، وهو حديث صحيح.

(5)

مسند الإمام أحمد (5/ 81)، وهو حديث صحيح.

(6)

ليست في الأصول واستدركتها عن تاريخ دمشق - السيرة (2/ 304) مصدر المؤلف.

(7)

مسند الإمام أحمد (5/ 81)، وهو حديث حسن.

(8)

أ، ط:(شريح). وهو سريج بن النعمان بن مروان الجوهري اللؤلؤي أبو الحسين، ويقال: أبو الحسن البغدادي روى عن حشرج بن نباتة. روى عنه أحمد بن حنبل وغيره رضي الله عنهم أجمعين توفي سنة (217)(تهذيب التهذيب (3/ 457) وسير أعلام النبلاء (10/ 219).

ص: 460

وروى محمد بن سعد في "الطبقات"

(1)

، عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا مسلمة بنت زبّان القُريعيَّة

(2)

قالت: سمعت مَيْمونة بنتَ أبي عَسيبٍ قالت: كان أبو عَسيبٍ يواصِل بينَ ثلاث في الصّيام، وكان يُصَلِّي الضُّحى قائمًا فعجز

(3)

[فكان يصلي قاعدًا]، وكان يَصُومُ البِيضَ

(4)

. قالتْ وكان في سَريره جُلْجُلٌ فيعجز صوتهُ حتى

(5)

يناديها به، فإذا حَرَّكَهُ جاءت.

ومنهم أبو كبشة الأنماري

(6)

: من أنمار مذحج على المشهور، مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:

في اسمه أقوال، أشهرها أنَّ اسمه سُلَيْمٌ، وقيل: عمرو بن سعد، وقيل عكسُه. وأصله من مَوَلَّدي أرض دَوْسٍ، وكان ممن شهدَ بدرًا، قاله موسى بن عقبة عن الزُّهْري. وذكره ابن إسحاق والبخاري والواقدي ومصعب الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة. زاد الواقدي، وشَهِدَ أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وتُوُفِّي يومَ اسْتُخْلِف عمرُ بن الخطاب، وذلك في يوم الثّلاثاء لثمانٍ بقينَ من جُمادَى الآخِرة سنةَ ثلاثَ عَشْرةَ من الهِجْرة.

وقال خليفة بن خَيَّاط

(7)

. وفي سنةِ ثلاثٍ وعِشْرين تُوفِّي أبو كَبْشَةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تقدَّم عن أبي كبشة أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم لما مرَّ

(8)

في ذهابه إلى تَبوك بالحِجْر جَعل النّاسُ يَدْخُلون بيوتَهم، فنُوديَ أنَّ الصَّلاةَ جامعةٌ، فاجتَمَعِ النّاسُ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"ما يُدْخِلُكُم على هؤلاء القومِ الذين غَضِبَ اللّهُ عليهم؟ " فقال رجل: نعْجَبُ منهم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنْبئكُم بأعْجَبَ من ذلك؟ رجلٌ من أنفسكم يُنَبِّئُكمْ بما كان قَبْلَكُم، وما يكون

(9)

بعدكم"

الحديث

(10)

.

وقال الإمام أحمد

(11)

: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مَهْدي، عن معاوية بن صالح، عن أزْهَر بن سعيد

(1)

طبقات ابن سعد (7/ 61).

(2)

ط: (سلمة بنت أبان القريعية) وفي أ: (سلمة بنت أبان القريعية) وما أثبته عن تاريخ دمشق مصدر المؤلف. وانظر طبقات ابن سعد (7/ 61).

(3)

ط: (يعجز) واستدركت ما بين المعقوفتين عن تاريخ دمشق مصدر المؤلف.

(4)

ط: (أيام البيض).

(5)

ط: (حين).

(6)

ترجمته في الاستيعاب (4/ 1739). وتاريخ دمشق - المجمع - جزء السيرة (2/ 305 - 306)، وطبعة دار الفكر ببيروت (4/ 297 - 298) وأسد الغابة (5/ 261)، والإصابة (4/ 165).

(7)

تاريخ خليفة (1/ 159).

(8)

أ: (لما نزل).

(9)

ط: (وما هو كائن).

(10)

رواه أحمد في المسند (4/ 231)، وهو حديث حسن.

(11)

مسند الإمام أحمد (4/ 62)، وهو حديث صحيح.

ص: 461

الحَرازي، سمعت أبا كبشة الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في أصحابه، فدخل، ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول اللّه، قد كان شيء؟ قال:"أجَلْ، مَرَّتْ بي فلانة فوقَعَ في نفسي شهوةُ النِّساءِ، فأتَيْتُ بعضَ أزواجي فأصَبْتُها، فكذلك فافعلوا، فإنّه من أماثل أعمالِكُم إتيانُ الحلال".

وقال أحمد

(1)

: حَدَّثَنَا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن أبي كَبْشَة الأنْماري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ هذه الأُمَّةِ مَثَلُ أربعة نَفَرٍ، رجلٌ آتاهُ اللّه مالًا وعلمًا، فهو يعملُ به في ماله، ويُنْفقُه في حقّه، ورجلٌ آتاه اللّهُ علمًا ولم يُؤتِهِ مالًا، فهو يقول: لو كان لي مثلُ مالِ هذا عَمِلْتُ فيه مثلَ الذي يعملُ". قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "فهما في الأجْر سَواء، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤتِهِ علمًا فهو يَخْبِطُ فيه يُنْفِقُه في غير حَقِّه، ورجلٌ لم يُؤْتِه اللّهُ مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو كانَ لي مثلُ هذا عَمِلْتُ فيه مثلَ الذي يَعْمَلُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهما في الوِزْرِ سواءٌ". وهكذا رواه ابن ماجة

(2)

، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع. ورواه ابنُ ماجة أيضًا من وجيهٍ آخر، من حديث منصور، عن سالم بن أبي الجُعْد، عن ابن أبي كَبْشَة عن أبيه. وسَمَّاه بعضُهم عبد اللّه بن أبي كَبْشَة.

وقال أحمد

(3)

: حَدَّثَنَا يزيد بن عبد رَبِّه، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزُّبَيْدي، عن راشد بن سعدٍ، عن أبي عامر الهَوْزَني

(4)

، عن أبي كَبْشة الأنماري، أنَّه أتاه فقال أطْرِقْني

(5)

منْ فَرسِك، فإنّي سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أطْرَقَ مُسْلمًا فعقَب له الفرسُ كان كأجْرِ سَبْعين [فرسًا]

(6)

حُمِلَ عليه في سبيل اللّه عز وجل".

وقد روى الترمذي

(7)

: عن محمد بن إسماعيل، عن أبي نُعَيم، عن عبادة بن مسلم، عن يونس بن خَبّاب، عن سعيدٍ أبي البخْتريّ الطائيّ، حدّثني أبو كبشة أنه قال: ثلاثٌ أُقسمُ عليهن، وأحدّثُكُم حَديثًا فاحْفَظوه، ما نَقَصَ مالُ عبدٍ [من] صدقة، وما ظُلِمَ عَبْد بمَظْلَمَةٍ فَصَبَر عليها إِلَّا زادَهُ الله بها عِزًّا، ولا يَفْتَحُ عبدٌ بابَ مسألةٍ إِلَّا فَتح اللّه عليه بابَ فَقر

الحديث. وقال حسن صحيح. وقد رواه أحمد

(8)

، عن غُنْدَر، عن شُعبة، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد عنه.

(1)

مسند الإمام أحمد (4/ 230)، وهو حديث صحيح.

(2)

ابن ماجة (4228)، وهو حديث صحيح.

(3)

مسند الإمام أحمد (4/ 231)، وإسناده صحيح.

(4)

ط: (الهورني) وأ: (الهوري) وانظر تهذيب الكمال (15/ 485).

(5)

أطرقني فحلك، أي: أعرني فحلك ليضرب في إبلي (اللسان: طرق).

(6)

الاستدراك عن المسند.

(7)

الترمذي (2325)، وهو حديث صحيح.

(8)

أقول: رواه أحمد في المسند (4/ 231) عن عبد الله نمير عن عبادة بن مسلم به. وأما السند الذي ذكره المصنف، فقد روى به الإمام أحمد (4/ 230) حديث "مثل هذه الأمة

" الذي مضى قبل حديث.

ص: 462

وروى أبو داود

(1)

وابن ماجة

(2)

من حديث الوليد بن مسلم، عن ابن ثَوْبان، عن أبيه، عن أبي كَبْشَة الأنْماري، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يَحْتَجِمُ على هامَتهِ وبين كَتفَيه. وروى الترمذي

(3)

: ثنا حُمَيدُ بن مَسْعَدَةَ، ثنا محمد بن حُمْران، عن أبي سعيدٍ، - وهو عبد اللّه بن بُسْير - قال: سمعتُ أبا كَبْشة الأنْماري يقول: كانَتْ كِمام

(4)

أصْحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بُطْحًا.

ومنهم أبو مُوَيْهِبة مولاه عليه الصلاة والسلام، كان من مُوَلَّدي مُزَيْنَة، اشتراه رسول اللّه فأَعْتَقَهُ، ولا يُعْرَفُ اسمُه رضي الله عنه.

وقال مصعب

(5)

الزُّبَيْري: شهدَ أبو مُوَيْهبة المُرَيْسيع، وهو الذي كانَ يقودُ لعائشة رضي الله عنها بعيرَها.

وقد تقدَّم ما رواه الإمام أحمد بسند

(6)

عنه في ذهابه مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه الصلاة والسلام، فدعا لهم، واستغفر لهم، ثم قال: "لِيَهْنكُم ما أنتُمْ فيه مما فيه الناس

(7)

، أتت الفتنُ كَقطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِم

(8)

يركَبُ بعضُها بعضًا، الآخِرَةُ أشدُّ من الأولى، فَلْيَهْنِكُم [ما] أنتم فيه" ثم رَجَعَ فقال:"يا أبا مُوَيْهبَة إني خُيِّرْتُ مفاتيحَ ما يُفْتحُ على أُمَّتي من بعدي والجَنَّةَ أو لقاءَ ربِّي، فاخْتَرْتُ لِقاءَ رَبِّي" قال فما لبث بعد ذلك إِلَّا سبعًا - أو ثمانيًا - حتى قبِضَ.

فهؤلاء عبيده عليه السلام.

إماؤه

(9)

عليه الصلاة والسلام

فمنهن أمة اللّه بنت رَزينة

(10)

الصحيحُ أنَّ الصُّحْبَة لأُمِّها رَزينة كما سيأتي، ولكن وَقَعَ

(1)

أبو داود (3859). وإسناده حسن، ابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي صدوق حسن الحديث، كما بيناه في التحرير (2/ 309) وأبوه ثقة.

(2)

ابن ماجة (3484).

(3)

الترمذي (1782)، وإسناده ضعيف.

(4)

كانت كمام أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بُطْحًا: والكمام جمع كُمّة، وهي القلنسوة، يعني أنها كانت منبطحة غير منتصبة، أي لازقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء (النهاية: بطح - كمم).

(5)

ط: (أبو مصعب). والخبر في تاريخ دمشق - دار الفكر (4/ 301) -.

(6)

ط: (وبسنده) والواو زائدة، وهو عند أحمد في المسند (3/ 488) وإسناده ضعيف.

(7)

ط: (بعض الناس).

(8)

ليس اللفظ في أ.

(9)

أ: (وإماؤه صلى الله عليه وسلم).

(10)

ترجمتها في تاريخ دمشق (4/ 305)، وأسد الغابة (7/ 23)، والإصابة (4/ 302).

ص: 463

في

(1)

رواية ابن أبي عاصم حَدَّثَنَا عقبة بن مُكْرَم، ثنا محمد بن موسى، حَدَّثتنا عُلَيْلة بنت الكُمَيْت العَتكية

(2)

قالت: حدّثتني أُمّي

(3)

عن أمةِ اللّهِ خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. أنَّ رسولَ اللهِ سَبَى صَفيَّةَ يومَ قُرَيْظَة والنضير، فأَعْتَقَها وأمهرها رَزِينة أم أمةِ اللهِ.

وهذا حديث غريب جدًا.

ومنهن أُمَيْمةُ. قال ابن الأثير

(4)

: وهي مولاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. روى حديثَها أهلُ الشّام. روى عنها جُبَيْر بن نُفَيْر: أنها كانَتْ تُوضّئُ رسولَ اللهِ، فأتاه رجلٌ يومًا فقال له: أوْصِني، فقال: "لا تُشْرِكْ بالله شيئًا، وإن قُطعْتَ أو حُرِّقْتَ بالنار، ولا تَدَعْ صلاة مُتَعمِّدًا، فمنْ تَرَكَها مُتَعمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللّه وذِمّة رسوله، ولا تَشْرَبَنَّ مُسْكرًا

(5)

فإنَّه رأسُ كلِّ خَطيئة. ولا تَعْصينَّ والدَيْكَ وإن أَمَراك أن تَخْتَلِي

(6)

من أهْلِكَ ودُنْياك"

(7)

.

ومنهن بَرَكَة

(8)

أم أيْمَنَ وأم أُسامة بن زيد بن حارثة، وهي بَرَكةُ بنت ثَعْلَبة بن عَمْرو بن حِصْن

(9)

بن مالك بن سَلَمة بن عمرو بن النعمان الحَبَشيَّة، غلبَ عليها كُنْيَتها أُمُّ أيْمن، وهو ابنُها من زوجها الأوَّل عُبَيْد بن زيد الحَبَشي، ثم تزوجها بعدَه زَيْدُ بن حارثة، فولدَتْ له أسامةَ بن زَيْدٍ، وتُعْرَفُ أيضًا بأم الظِّباء، وقد هاجَرَت الهِجْرَتَيْن رضي الله عنها، وهي حاضنَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مع أمّه آمنة بنت وهبٍ، وقد كانَتْ ممِّن وَرِثَها رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم من أبيه، قاله الواقدي

(10)

وقال غيره: بل ورثها من أمه، وقيل: بل كانت لأخت خديجة فَوَهَبْتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وآمنت قديمًا وهاجَرَتْ، وتأخَّرتْ بعدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وتقدَّم ما ذكرناه من زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إياها بعدَ وفاةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأنّها بَكَتْ، فقالا لها: أما تَعْلَمين أنّ ما عندَ اللهِ خَيْرٌ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ولكن أبكي لأنَّ الوحيَ قَد انْقَطَعَ من السِّماء، فَجَعلا يَبْكيان معها.

(1)

أ: (ولكن وقع في) وبعدها بياض بقدر ثلاث كلمات وبعده (روى ابن أبي عاصم).

(2)

في أ: (العبلية).

(3)

ط: (قالت حدّثني أبي عن أم أمة الله).

(4)

أسد الغابة (7/ 26 - 27) والإصابة (4/ 243).

(5)

في أسد الغابة (خمرًا).

(6)

في أسد الغابة (تُجْلى).

(7)

رواه الطبراني في "الكبير"(24/ 190) وهو حديث حسن بشواهده.

(8)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1793) وتاريخ دمشق لابن عساكر (4/ 302) وأسد الغابة (7/ 36) وتهذيب الكمال (35/ 329)، والإصابة (4/ 432 - 434).

(9)

في بعض النسخ: "حُصين" وما هنا من الاستيعاب وأسد الغابة وتهذيب الكمال وغيرها.

(10)

طبقات ابن سعد (8/ 223).

ص: 464

وقال البخاري في "التاريخ": وقال عبد اللّه بن يوسف، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزُّهْري قال: كانت أمُّ أيمن تحضُنُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حتى كَبر. فأعتقها، ثم زوَّجَها زيدَ بنَ حارثة، وتُوفِّيت بعدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهرٍ.

وقيل: إنّها بقيَتْ بعدَ قَتْل عمر بن الخطّاب. وقد رواه مسلم

(1)

عن أبي الطاهر وحرملة، كلاهما عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري قال: كانت أم أيمن الحبشية

فذكره.

وقال محمد بن سعد عن الواقديّ

(2)

توفّيَتْ أم أيمن في أول خلافة عثمان بن عفان.

قال الواقدي

(3)

: وأنبانا يحيى بن سعيد بن دينار، عن شيخ من بني سعد بن بكر، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول لأم أيمن "يا أمَّهْ" وكان إذا نظر إليها قال: "هذه بقيَّةُ أهل بيتي".

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال

(4)

: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أُمُّ أيمن أمّي بعدَ أُمِّي".

وقال الواقدي

(5)

عن أصحابه المدنيين قالوا: نَظَرَتْ أمُّ أيْمَنَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو يشربُ، فقالت: اسْقِني، فقالت عائشة: أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: ما خدمتُه أطولُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَتْ" فجاء بالماء فسقاها.

وقال المُفَضَّلُ بن غَسَّان: حَدَّثَنَا وهبُ بن جرير، ثنا أبي، قال: سمعتُ عُثمان بن القاسم قال

(6)

: لمَّا هاجَرَتْ أُمُّ أيمن أمْسَتْ بالمُنْصَرَفِ دونَ الرَّوْحاء، وهي صائمةٌ، فأصابها عَطَشٌ شديدٌ حتى جهَدَها. قال: فدُلِّيَ عليها دَلْوٌ من السَّماءِ برشاءٍ أبيض فيه ماءٌ، قالَتْ: فشربتُ فما أصابَني عَطشٌ بَعْدُ، وقد تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَش بالصَّوم في الهَواجِر فما عَطِشْتُ بَعْدُ.

وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، ثنا سَلْم بن قُتَيْبة، عن الحُسَيْن بن حُرَيث، عن يَعْلى بن عَطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن قالت

(7)

: كانَ لرسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم فَخّارة يبولُ فيها فكانَ إذا أصبحَ يقول: "يا أم أيمن صُبِّي ما في الفَخّارة" فقمتُ ليلةً وأنا عَطْشَى [فَغَلِطت] فَشَرِبْتُ

(1)

مسلم (1771)(70).

(2)

طبقات ابن سعد (8/ 226).

(3)

طبقات ابن سعد (8/ 223).

(4)

تاريخ دمشق (4/ 304)، والإصابة (4/ 432).

(5)

مختصر ابن منظور لتاريخ دمشق (2/ 317 - 318).

(6)

طبقات ابن سعد (8/ 224) ومختصر تاريخ دمشق (2/ 318).

(7)

تاريخ دمشق (4/ 303).

ص: 465

ما فيها، فقال رسول اللّه:"يا أمَّ أيمن صُبِّي ما في الفَخّارة". فقالت: يا رسول اللّه قُمْتُ وأنا عَطْشَى فَشَرِبْتُ ما فيها. فقال: "إنّكِ لن تَشْتكي بَطْنَكِ بعدَ يَوْمِك هذا أبدًا".

قال ابن الأثير في الغابة

(1)

: وروى حجّاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جُرَيْج، عن حَكيمة بنت أُمَيْمَة عن أمها أُمَيْمَة بنت رُقَيْقَة

(2)

قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ من عَيْدان

(3)

فيبول فيه يضعه تحت السرير، فجاءت امرأة اسمُها بَرَكة فَشَرِبَتْهُ، فطلبه فلم يجده، فقيل: شربَتْهُ بركةُ. فقال: "لقد احْتَظَرَتْ من النار بحِظار"

(4)

قال الحافظ أبو الحسن بن الأثير: وقيل: إنَّ التي شَرِبَتْ بَوْلَهُ عليه السلام إنّما هي بَرَكةُ الحَبَشيَّةُ التي قَدمَتْ مَعَ أم حَبيبة من الحَبَشَة، وفرَّق بينهما. فاللّه أعلم.

قلت: فأما بَريرَة

(5)

فإنَّها كانَتْ لآلِ أبي أحْمد بن جَحْش، فكاتَبوها فاشْتَرَتْها عائِشَةُ رضي الله عنها منهم، فأَعْتَقَتْها، فَثَبَتَ ولاؤُها لها، كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين

(6)

، ولم يَذْكُرْها ابنُ عَساكرٍ.

ومنهن خَضِرَةٌ

(7)

ذَكَرَها ابن مَنْدَه فقال: روى مُعاوية عن هشام، عن سُفيان، عن جَعْفر بن محمد، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خادمٌ يُقال لها: خَضِرَةُ.

وقال محمد بن سعد

(8)

، عن الواقدي، ثنا فائِدٌ مَوْلى عُبَيْد الله عن عُبَيْد الله

(9)

بن علي بن أبي رافع، عن جَدَّته سَلْمى، قالت: كان خَدَمَ رسول اللهِ أنا وخَضِرةُ ورَضْوى ومَيْمونَة بنت سعد، أعتَقَهُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلَّهن.

ومنهن خُلَيْسَة مولاة حَفْصَة بنت عمر، قال ابن الأثير في الغابة: رَوَتْ حَديثَها عُلَيْلَة

(10)

بنتُ الكُمَيْت، عن جَدَّتِها، عن خُلَيْسَة مولاةِ حَفْصَة في قصَّة حَفْصة وعائشة مع سودة بنت زَمْعَة، ومَزْحِهِما

(1)

أسد الغابة (7/ 27 - 28).

(2)

ط: (رقية) وهو تحريف. انظر ترجمتها في تاريخ دمشق - تراجم النساء - طبعة مجمع اللغة العربية دمشق - ص (52 - 60).

(3)

العَيْدان: جمع العيدانة وهي النخلة الطويلة المتجرِّدة من السَّعَف، والمراد: إناء من جذع نخلة مجوَّف ليحفظ ما يجعل فيه.

(4)

لقد احتظرت بحظار من النار أراد: لقد احتمت بحمى عظيم من النار يقيها حرّها ويؤمنها دخولها (اللسان: حظر).

(5)

لها ترجمة في طبقات ابن سعد (8/ 256 - 261)، والاستيعاب (4/ 1795) وفيه (بُرَيْرَة) بالضم، وأسد الغابة (7/ 37)، والإصابة (4/ 251 - 252) وتهذيب التهذيب (12/ 403).

(6)

البخاري (2729) ومسلم (1504).

(7)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 87) والإصابة (4/ 285).

(8)

تاريخ دمشق (4/ 304).

(9)

أ، ط:(مولى عبد الله عن عبد الله بن علي) وفيها تحريفان.

(10)

في أسد الغابة (علية) وفي الإصابة (عليكة).

ص: 466

معها بأن الدّجال قد خرج. فاختبأت في بيتٍ كانوا يوقِدون فيه، واسْتَضْحَكَتا. وجاء رسول الله فقال:"ما شَأْنُكُما؟ " فأَخْبَرَتاهُ بما كان من أمر سودة، فذهب إليها فقالت: يا رسول الله أَخَرَجَ الدّجّال؟ فقال: "لا، وكأن قد خرج" فخرجت، وجعلت تَنْفُضُ عنها بَيْضَ العَنْكَبوت.

وذكر ابن الأثير خليسة

(1)

مولاة سلمان الفارسي وقال: لها ذِكْرٌ في إسلام سلمان رضي الله عنه وإعْتاقها إياه، وتَعْويضه عليه الصلاة والسلام، لها بأن غَرَسَ لها ثلاثمئة فَسيلةٍ، ذَكَرْتُها تَمْييزًا.

ومنهنَّ خَوْلَةٌ

(2)

خادِمُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن الأثير.

وقد روى حديثَها الحافظُ أبو نُعَيْم من طريق حَفْص بن سَعيد القُرشيّ، عن أُمِّه، عن أُمِّها خولة، وكانت خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا في تأخُّرِ الوَحْي بسبب جَرْو كَلْب ماتَ تحتَ سَريره عليه الصلاة والسلام، ولم يشعروا به، فلما أخرجه جاء الوحي، فنزل قوله تعالى:{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1 - 2] وهذا غريب، والمشهور في سبب نزولها غير ذلك [والله أعلم].

ومنهن رَزِينة

(3)

، قال ابن عساكر: والصحيح أنَّها كانَتْ لصَفِيَّة بنت حُيَي. وكانت تخدم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

قلت: وقد تقَدَّمَ في ترجمة ابنتها "أمَة الله" أنه عليه الصلاة والسلام أمهرَ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيّ أُمَّها رَزينة، فعلى هذا يكون أصلها له عليه الصلاة والسلام.

وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو سعيد الجُشمي، حدّثتنا عُلَيْلَة بنتُ الكُمَيْتِ قالت: سمعتُ أمي أُمَيْنةَ قالت: حدّثتني أمةُ اللهِ بنتُ رَزينة (عن أمِّها رَزينة)

(4)

مولاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سبَى صَفيَّة يومَ قُرَيْظَةَ والنَّضير حينَ فتحَ اله عليه، فجاءَ بها يَقودها سَبيَّةً، فلمّا رأَت النّساءَ قالت: أشهدُ أنَّ لا إله إِلَّا الله، وأنَّكَ رسولَ الله. فأرْسَلها وكان ذراعُها في يَدِه، فأعْتَقَها، ثم خَطَبَها، وتَزَوَّجَها، وأمهرها رَزِينة. هكذا وَقَعَ في هذا السِّياق، وهو أجودُ ممّا سَبَقَ من رواية ابن أبي عاصم، ولكنَّ الحقَّ أنّه عليه الصلاة والسلام اصطفى صَفيَّةَ من غَنائمِ خَيْبَر، وأنَّه أعْتَقَها وجَعَل عِتْقَها صداقَها، وما وقع في هذه الرواية يوم قُرَيْظة والنّضير تَخْبيطٌ، فإنَّهما يومان، بَيْنَهُما سنتان والله أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ في "الدلائل"

(5)

: أخبرنا ابن عَبْدان، أخبرنا أحمد بن عُبَيْد الصّفّار، ثنا عليّ بن الحسن السُّكَّري، ثنا عُبَيْد الله بن عمر القَواريري، حَدَّثَتْنا عُلَيْلَةُ بنتُ الكُمَيْت العَتكيّة، عن

(1)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 87)، والإصابة (4/ 286).

(2)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1834) وأسد الغابة (7/ 94 - 95)، والإصابة (4/ 294).

(3)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1838)، وأسد الغابة (7/ 110)، والإصابة (4/ 302).

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

دلائل النبوة للبيهقي (6/ 226).

ص: 467

أُمها أُمَيْنةَ، قالت: قلت: لأمَة اللّه بنت رَزينة مولاة رسول اللّه: يا أمةَ اللهِ، أسَمِعْتِ أمَّكَ تذكرُ أنَّها سَمِعَتْ رسولَ اللهِ يَذْكُرُ صَوْمَ عاشوراء. قالت: نعم كان يُعَظِّمُه ويدعو برُضَعائِهِ ورُضعاءِ ابنتِه فاطمة فَيَتْفُلُ في أفْوَاهِهِم ويقول لأُمّهاتِهِم: "لا تُرْضِعيهم إلى اللَّيْلِ" له شاهد في الصحيح.

ومنهن رَضْوَى

(1)

، قال ابن الأثير: روى سَعيدُ بن بشير، عن قَتادة، عن رَضْوى بنت كعب. أنَّها سَألتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم عن الحائِضِ تَخْتَضِب

(2)

، فقال:"ما بذلك بأسٌ" رواه أبو موسى المديني.

ومنهن رَيْحانة بنتُ شَمْعون القُرَظيّة

(3)

، وقيل: النَّضريّة، وقد تقدم ذِكْرُها بعد أزواجه رضي الله عنهن.

ومنهن زَرينة

(4)

والصَّحيح رَزينة كما تقدم.

ومنهن سائِبة

(5)

مولاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رَوَتْ عنه حديثًا في اللُّقَطَة، وعنها طارق بن عبد الرحمن، روى حديثها أبو موسى المديني. هكذا ذكر ابن الأثير في "الغابة".

ومنهن سَديسَةُ الأنصارية

(6)

، وقيل مولاة حَفْصَة بنت عمر. رَوَتْ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الشيطانَ لم يَلْقَ عُمَرَ منذ أسْلَم إِلَّا خَرَّ لوجهه" قال ابن الأثير: رواه عبد الرحمن بن الفضل بن المُوَفق، عن أبيه، عن إسرائيل، عن الأوزاعي، عن سالم، عن سديسة. ورواه إسحاق بن يَسار، عن الفضل، فقال: عن سَديسة عن حَفْصَة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

فذكره. رواه أبو نُعَيْم وابن مَنْدَه.

ومنهن سَلامَة

(7)

حاضِنَةُ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رَوَتْ عنه حديثًا في فضل الحَمْلِ والطَّلْقِ والرِّضاع والسَّهر، فيه غرابةٌ ونَكارَةٌ من جهة إسناده ومتنه، رَواه أبو نُعَيْم، وابن مَنْدَه، من حديث هشام

(8)

بن عَمَّار بن نُصَيْر خَطيبِ دِمَشْق، عن أبيه عن

(9)

عَمْرو بن سَعيدٍ الخَوْلاني عن أنس عنها. ذكرها ابن الأثير.

ومنهن سلمى

(10)

وهي أم رافع امرأة أبي رافع، كما رواه الواقدي

(11)

عنها، أنَّها قالت: كنتُ أخدمُ

(1)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 137)، والإصابة (4/ 302).

(2)

ط: (تخضب). وفي الإصابة (تحيض).

(3)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1847) وأسد الغابة (7/ 121)، والإصابة (4/ 309).

(4)

أسد الغابة (7/ 123) والإصابة (4/ 311).

(5)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 137) والإصابة (4/ 323 - 324).

(6)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1860) وأسد الغابة (7/ 139) والإصابة (4/ 326).

(7)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 144).

(8)

في أسد الغابة (هاشم) وهو تحريف. وانظر تهذيب التهذيب (11/ 51 - 54).

(9)

ليست (عن) في ط.

(10)

ترجمتها في الاستيعاب، (4/ 1862). وأسد الغابة (7/ 148 - 149)، والإصابة (4/ 333).

(11)

تاريخ دمشق (4/ 304).

ص: 468

رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنا وخَضِرَةُ ورَضْوى وميمونة بنت سعد، فأعتقنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلَّنا.

قال الإمام أحمد

(1)

: حَدَّثَنَا أبو عامر، وأبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن فائد مولى ابن

(2)

أبي رافع، عن جَدَّته

(3)

سَلْمى خادِم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: ما سمعتُ قَطّ أحدًا يَشْكو إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَجَعًا في رأسه إِلَّا قال "احْتَجِمْ " وفي

(4)

رِجْلَيْه إِلَّا قال: "اخْضِبْهُما بالحِنّاء".

وهكذا رواه أبو داود، من حديث ابن أبي الموالي، والترمذيّ، وابن ماجة

(5)

، من حديث زيد بن الحُباب، كلاهما عن فائد، عن مولاه عُبَيْد اللّه بن علي بن أبي رافع عن جدّتِه سَلْمى به.

وقال التّرمذي، غريبٌ إنما نعرفه من حديث فائد.

وقَدْ رَوَتْ عدةَ أحاديث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يطول ذكرها واستقصاؤها.

قال مصعب الزُّبيري: وقد شَهِدَتْ سَلْمَى وَقْعَةَ خيبر

(6)

.

قلت: وقد وَرَدَ أنَّها كانَتْ تَطْبُخُ للنبي صلى الله عليه وسلم الحَريرة فَتُعْجِبُهُ. وقد تَأَخَّرتْ إلى بعد مَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام. وشهدت وفاةَ فاطمة رضي الله عنها. وقد كانَتْ أولًا لِصَفيَّة بنت عبد المطلب عمته عليه الصلاة والسلام، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قابلةَ أولادِ فاطمة، وهي التي قَبِلَتْ إبراهيمَ ابنَ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وقد شَهدَتْ غُسْلَ فاطمةَ، وغسَّلَتْها مع زوجها عليّ بن أبي طالب وأسماء بنت عُمَيْس امرأة الصديق.

وقد قال الإمام أحمد

(7)

: حَدَّثَنَا أبو النضر، ثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن عُبَيْد اللّه بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى، قالت: اشتكَتْ فاطِمَةُ، عليها السلام، شكواها التي قُبضتْ فيها، فكنتُ أُمَرّضُها، فأصبَحْت يومًا كأمْثَلِ ما رأيتها في شَكْواها تلك

(8)

قالت: وخرج عليٌّ لبعض حاجته، فقالت: يا أُمَّه اسكبي لي غُسْلًا، فسكبتُ لها غُسْلًا، فاغتسلت كأحْسَن ما رأيتها تَغْتَسِلُ،

(1)

رواه الإمام أحمد (6/ 462) عن أبي سعيد وحده به، ورواه عن أبي عامر عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن أيوب بن حسن بن علي بن أبي رافع عن سلمى به. قال بشار: وهو حديث ضعيف كما قال الإمام الترمذي، وذلك لاضطرابه فقد اختلف في إسناده على عبد الرحمن بن أبي الموالي، ولكن لأوله شواهد يقوى بها.

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

في المسند: (عمته).

(4)

في المسند: (ولا وجعًا في).

(5)

رواه أبو داود رقم (3858) والترمذي (2054) وابن ماجة (3502).

(6)

في الأصول: حنين.

(7)

مسند الإمام أحمد (6/ 461).

(8)

أ، ط:(فيه .. كمثل .. شكوها ذلك) وما أثبته عن المسند.

ص: 469

ثم قالت: يا أمه، أعْطِني ثيابي الجُدَد

(1)

فلبسَتْها، ثم قالت: يا أمه قَدِّمي لي فراشي وَسْطَ البَيْت، ففعلتُ، واضطجعت، فاستقبلَتِ القِبْلَةَ، وجعلَتْ يَدَها تَحْتَ خَدِّها. ثم قالت: يا أمه إنّي مَقْبوضة الآن، وقد تَطَهَّرْتُ فلا يَكْشِفْني أحدٌ، فقُبضتْ مكانَها. قالت: فجاء علي، فأخْبَرْتُه. وهو غريب جدًا

(2)

.

ومنهن سيرين

(3)

، ويقال: شيرين

(4)

أخت مارية القبطية خالة إبراهيم عليه السلام، وقد

(5)

قدمنا أن المُقَوقِسَ صاحبَ إسْكَنْدَريَّةَ، واسمُه جُرَيْج بن مينا، أهداهما مع غُلامٍ اسمه مَأْيورٌ، وبغلة يقال لها: الذُلْدُل، فَوَهَبها رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت، فولَدَتْ له ابنَه عبدَ الرحمن بن حَسَّان.

ومنهن عُنْقُودَةُ أم صبيح

(6)

الحبشية جارية عائشة، كان اسمها عِنَبَة فسمّاها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عُنقودة، رواه أبو نُعَيْم، ويقال: اسمها غُفَيْرة.

فروة ظِئْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

(7)

- يعني مرضعه - قالت: قال لي رسول الله: " إذا أويتِ إلى فراشِكِ فاقْرَئي {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فإنّها براءةٌ من الشِّرْكِ" ذكرها أبو أحمد العسكري، قاله ابن الأثير في "الغابة".

فأما فضة النُّوبية

(8)

فقد ذكر ابن الأثير في "الغابة": أنها كانت مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد بإسنادٍ مظلم، عن محبوب بن حُمَيْد البَصْري، عن القاسم بن بَهْرام، عن لَيْث، عن مُجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] ثم ذكر ما مضمونه: أنَّ الحسنَ والحسين مَرِضا فَعادَهُما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعادَهُما عامةُ العَرَبِ، فقالوا لعلي: لو نذرت؟ فقال علي: إن برئا مما بهما صُمْتُ للّهِ ثلاثةَ أيام، وقالت فاطمة كذلك، وقالت فضة كذلك. فألبسهما الله العافيةَ فصاموا. وذهبَ عليّ فاستقرض من شَمْعون الخيبري ثلاثة آصُعٍ من شَعير، فهيَّئوا منه تلك الليلة صاعًا، فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء، وقف على الباب سائِلٌ، فقال: أطعموا المسكين، أطعمكم الله على موائد الجنة، فأمرهم عليّ فأعطَوه ذلك الطعام، وطَوَوْا، فلما كانت الليلة الثانية صَنَعُوا لهم الصاعَ الآخرَ، فلما وضعوه بين أيديهم، وقف سائل فقال: أطعموا اليتيم. فأعطَوْه ذلك وطَوَوْا. فلما

(1)

بعدها في المسند (فأعطيتها).

(2)

قال بشار: هذا الحديث ساقه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (3/ 276 - 277) ولكن رد الحافظ ابن حجر عليه في القول المسدد (100 - 101)، وهو كما قال المؤلف: غريب جدًا.

(3)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1868) وأسد الغابة (7/ 158 - 159)، والإصابة (4/ 339).

(4)

ط: (ومنهنّ شيرين .. ويقال سيرين).

(5)

ط: (وقدمنا).

(6)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 210): والإصابة (4/ 371)، وفي الأصول: أم مليح.

(7)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 233 - 234)، والإصابة (4/ 388).

(8)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 236)، والإصابة (4/ 387).

ص: 470

كانت الليلة الثالثة قال: أطعموا الأسيرَ فأعطوه وطَوَوْا ثلاثةَ أيام وثلاثَ ليالٍ. فأنزل اللّه في حَقِّهم: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} إلى قوله: {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 1 - 9]. وهذا الحديث منكر، ومن الأئمة من يجعله موضوعًا، ويسند ذلك إلى رِكَّةِ ألفاظِهِ، وأنَّ هذه السورةَ مكيَّةٌ، والحسنُ والحسينُ إنّما ولدا بالمدينة. واللّه أعلم.

ليلى مولاة عائشة

(1)

، قالت: يا رسولَ اللّه إنك تخرجُ من الخلاء فأدْخُل في أثركَ فلا أرى

(2)

شيئًا، إِلَّا أني أجدُ ريحَ المِسْكِ؟ فقال:"إنا مَعْشَرَ الأنْبياء تَنبُتُ أجسادُنا على أرواحِ أهلِ الجنّة، فما خرجَ منّا من نَتَنٍ ابتَلَعَتْهُ الأرْضُ". رواه أبو نُعَيْم من حديث أبي عبد الله المدني - وهو أحد المجاهيل - عنها.

مارية القبطية

(3)

أم إبراهيم: تقدّم ذِكْرُها مع أمهات المؤمنين. وقد فرَّقَ ابن الأثير بَيْنَها وبينَ مارية أم الرَّباب، قال: وهي جاريةٌ للنبيّ

(4)

أيضًا. حديثُها عند أهل البصرة، رواه عبد اللّه بن حبيب، عن أم سليمان

(5)

عن أمها، عن جدتها مارية قالت: تَطَأطَأْتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى صَعِد حائطًا ليلةَ فَرَّ من المشركين. ثم قال: ومارية خادمُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. روى أبو بكر بن عيَّاشٍ، عن المثنى بن صالح، عن جدَّتِه مارية - وكانت خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما مَسِسْتُ بيدي شَيْئًا قَطُّ ألينَ من كَفِّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب

(6)

: لا أدري أهي التي قبلها أم لا.

ومنهن مَيْمونَةٌ

(7)

بنت سعد، قال الإمام أحمد

(8)

: ثنا عليّ بن بحر

(9)

، ثنا عيسى - هو ابن يونس - قال ثور - هو ابن يزيد - عن زياد بن أبي سَوْدَة عن أخيه

(10)

أن ميمونة مولاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول أفئنا في بيتِ المَقْدِس؟ قال: "أرضُ المَنْشَر والمَحْشَر، ائتوه فَصَلُّوا فيه، فإنَّ صلاةَ فيه كَأَلْفِ صلاةٍ فيما سواه

(11)

"قالت: أرأيتَ منْ لم يُطِقْ أن يَتَحمَّل إليه أو يَأْتيه؟ قال: "فَلْيَهْدِ إليه زَيْتًا يُسْرَجُ فيه، فإنّه منْ أهدى له كان كَمَنْ صَلَّى فيه".

(1)

ترجمها في الاستيعاب (4/ 1910): وأسد الغابة (7/ 258)، والإصابة (4/ 403).

(2)

ط: (فلم أر).

(3)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1912)، وأسد الغابة (7/ 261 - 262) والإصابة (4/ 404 - 405).

(4)

ط: (جارية النَّبِيّ).

(5)

ط: (سلمى).

(6)

الاستيعاب (1911).

(7)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1918)، وأسد الغابة (7/ 265)، والإصابة (4/ 413 - 414).

(8)

مسند الإمام أحمد (6/ 463)، وإسناده ضعيف.

(9)

ط: (علي بن محمد بن محرز). وانظر تهذيب الكمال (20/ 325).

(10)

أ: (أخته).

(11)

عبارة (فيما سواه) زيادة عن المسند وليست في الأصلين.

ص: 471

وهكذا رواه ابنُ ماجة

(1)

، عن إسماعيل بن عبد اللّه الرَّقّي، عن عيسى بن يونس، عن ثور، عن زياد، عن أخيه عثمان بن أبي سودة، عن ميمونة مولاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه أبو داود (عن النُّفَيْلي عن مْسكين)

(2)

بن بُكَيْر، عن سعيد بن عبد العزيز

(3)

عن زياد، عن ميمونة، لم يذكر أخاه، فالله أعلم.

وقال أحمد

(4)

: حَدَّثَنَا حسين وأبو نُعَيْم، قالا: ثنا إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبي يزيد الضبي، عن ميمونة بنت سعد مولاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: سُئل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا قال: "لا خَيْرَ فيه، نعلان أجاهِدُ بهما في سبيل اللّه أحبُّ إليَّ من أن أُعتق ولدَ الزنا".

وهكذا رواه النّسائي

(5)

عن عباس الدُّوري، وابن ماجة

(6)

من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي نُعيم الفَضْل بن دُكَيْن به، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المحاربي، ثنا موسى بن عُبَيْدة، عن أيوب بن خالد، عن ميمونة - وكانت تخدم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله: "الرَّافِلَةُ

(7)

في الزِّينة في غَيْرِ أهْلها، كالظُّلْمةِ يومَ القيامة لا نورَ لها".

ورواه الترمذيّ

(8)

من حديث موسى بن عُبَيْدة. وقال: لا نعرفه إِلَّا من حديثه، وهو يُضَعَّفُ

(9)

في الحديث. وقد رواه بعضُهم عنه فلم يرفعه.

ومنهن ميمونة

(10)

بنت أبي عَنْبسة أو عُنْبَسَة

(11)

، (قاله أبو عُمَر وابن منده. قال أبو نُعَيْم: وهو تصحيف. والصواب ميمونة بنت أبي عَسيب)

(12)

، كذلك روى حديثها المشجع

(13)

بن مصعب

(1)

ابن ماجة (1407)، وإسناده ضعيف.

(2)

ط: (أبو داود عن الفضل بن مسكين) وما أثبته عن أ وانظر سنن أبى داود (457) وإسناده ضعيف.

(3)

بعده في ط: (عد ثور) ولم يرد في أ ولا في السنن.

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 463)، وإسناده ضعيف.

(5)

في "الكبرى"(4913) وإسناده ضعيف.

(6)

رقم (2531) وإسناده ضعيف.

(7)

قال ابن الأثير في النهاية (رفل) معلقًا على هذا الحديث: (هي التي ترفل في ثوبها: أي تَتَبَخْتَر. والرِّفْل: الذَّيْل. ورَفَلَ إزارَه: إذا أسْبَلَه وتبختر فيه).

(8)

رقم (1167) وإسناده ضعيف.

(9)

ط: (يضعفه)، أ:(ضعيف). وما أثبته عن الترمذي.

(10)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1919)، وأسد الغابة (7/ 266)، والإصابة (4/ 415).

(11)

أ: (بنت أبي عنيسة) وط: (بنت أبي عسيبة أو عنبسة) وما أثبته عن مصادر ترجمتها.

(12)

ليس ما بين القوسين في أ.

(13)

أ: (السجع)، وأسد الغابة (المسجع) وما في الإصابة مثل رواية ط: المثبتة فوق.

ص: 472

أبو عبد اللّه العبدي، عن ربيعة بن يزيد، كانت تنزلُ في بني قُرَيْع، عن مُنَبِّه، عن مَيْمونة بنت أبي عَسيب، وقيل: بنت أبي عنبسة مولاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ امرأةً من حريش

(1)

أتت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالت

(2)

: يا عائشة أغيثيني بدعوةٍ من رسول اللّه تسكِّنيني بها وتُطَمئِنيني بها. وأنه قال لها: ضعي يَدَكِ اليُمْنى على فُؤادِكِ فامْسَحيه، وقولي: بسمِ اللّهِ، اللهم، داوني بدوائِكَ، واشْفني بشفائك، وأغْنِني بفَضْلِك عمَّنْ سِواك" قالت: ربيعة: فدعوتُ به فَوَجَدْتُه جيدًا

(3)

.

ومنهن أم ضُمَيْرة زوجُ أبي ضُمَيْرة

(4)

، قد تقدم الكلام عليهم رضي الله عنهم.

ومنهن أمّ عيّاش

(5)

بعثها رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم مع ابنته تخدمُها حينَ زوَّجها بعثمان بن عفان رضي الله عنهما. قال أبو القاسم البَغَوي: ثنا هدبة

(6)

ثنا عبد الواحد بن صفوان حدّثني أبي صفوان، عن أبيه، عن جدته أم عياش - وكانت خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعثَ بها مع ابنته إلى عثمان، قالت: كنت أمْغَثُ

(7)

لعثمان التَّمْرَ غدوةً، فيشربُه عشيةً، وأنبذُه عشية فيشربُه غُدوةً، فسألني ذات يوم. فقال: تَخْلطين فيه شيئًا؟ فقلتُ: أجَلْ، قال: فلا تعودي.

فهؤلاء إماؤه رضي الله عنهن.

وقد قال الإمام أحمد

(8)

: ثنا وكيع، ثنا القاسم بن الفضل، حدّثني ثُمامة بن حَزْنٍ، قال: سألت عائشة عن النَّبيذ فقالت: هذه خادم رسول اللّه فَسَلْها، لجارية حَبَشيَّة، فقالت: كنتُ أنبذُ لرسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم في سقاءً عشاءً فأُوكية

(9)

، فإذا أصبحَ شربَ منه.

ورواه مسلم

(10)

، والنسائي

(11)

من حديث القاسم بن الفضل به.

هكذا ذكره أصحاب الأطراف في مسند عائشة، والأليق ذكره في مسند جارية حبشية كانت تخدم النَّبِيّ، وهي إما أن تكون واحدةً ممن قدمنا ذكرهن، أو زائدة عليهن، والله تعالى أعلم.

(1)

أ: (حبش) وأسد الغابة (حريش) وما أثبته عن ط ويوافق ما في الإصابة.

(2)

ط: (فنادت) وما أثبته عن أ ويوافق ما في المصادر.

(3)

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(25/ 39) وإسناده ضعيف.

(4)

ترجمتها في أسد الغابة (7/ 343) وقد تقدمت في ذكر زوجها أبي ضُمَيرة.

(5)

ترجمتها في الاستيعاب (4/ 1949)، وأسد الغابة (7/ 362 - 363)، والإصابة (4/ 481).

(6)

ط: (عكرمة) وما أثبته عن ط. ويوافق ما في أسد الغابة والإصابة.

(7)

المغث: المرس والدلك بالأصابع (النهاية: مغث).

(8)

مسند الإمام أحمد (6/ 137).

(9)

أي أشدّ رأسها بالوكاء وهو الخيط لئلا يدخلها حيوان أو يسقط فيها شيء. (النهاية: وكا).

(10)

مسلم (2005)(84).

(11)

السنن الكبرى للنسائي (6848).

ص: 473

‌فَصْل وأمّا خُدّامُه صلى الله عليه وسلم الذين خَدَموه من الصَّحابة من غَيْرِ مَواليه

فمنهم أنسُ بن مالكِ بن النَّضْر

(1)

بن ضَمْضَم بن زيدِ بن حَرام بن جُنْدُب بن عاصم بن غَنْم بن عَدّي بن النجّار الأنصاري النَّجَّاري، أبو حمزة المدني، نزيل البصرة. خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدَّة مُقامِه بالمدينة عشرَ سنين، فما عاتبه على شيء أبدًا، ولا قال لشيء فعلَه: لم فعلْتَهُ، ولا لشيء لم يَفْعَلْه: ألا فَعَلْتَه.

وأمُّه أُمُّ سُلَيْم بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام، هي التي أعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَبِلَهُ، وسألَتْهُ أن يدعوَ له فقال

(2)

: "اللهمَّ أكْثِرْ مالَه وولَدَه، وأطل عُمْرَه، وأدخله الجنة".

قال أنس: فقد رأيتُ اثنتين وأنا انتظرُ الثالثةَ، والهِ إنّ مالي لكثيرٌ، وإنَّ ولدي وولد ولدي ليُتَعادُّون على نحوٍ من مئة، وفي رواية: وإنَّ كَرْمي ليَحْمِلُ في السنة مرتين، وإنْ ولدي لِصُلْبي مئة وستةُ أولاد.

وقد اختُلِفَ في شهوده بدرًا، وقد روى الأنصاريّ، عن أبيه، عن ثمامة قال: قيل لأنس: أشَهِدْتَ بَدْرًا؟ فقال: وأينَ أغيبُ عن بدرٍ لا أُمَّ لك!؟ والمشهورُ أنه لمْ يَشْهَدْ بدرًا لصغرِه. ولم يشهدْ أُحُدًا أيضًا لذلك. وشهدَ الحُدَيْبية وخَيْبَر، وعُمْرَةَ القضاء، والفتحَ وحُنَيْنًا والطائفَ، وما بعد ذلك.

قال أبو هريرة

(3)

: ما رأيتُ أحدًا أشْبَه صلاة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم من ابن أم سُلَيْم - يعني أنَس بن مالك -. وقال ابن سيرين

(4)

، كانَ أحسنَ الناسِ صلاةً في سفره وحضره.

وكانت وفاتُه بالبصرة، وهو آخر منْ كان قد بقيَ فيها من الصحابة فيما قاله عليُّ بن المديني

(5)

، وذلك في سنة تسعين، وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين، وهو الأشهر، وعليه الأكثر. وأما عُمْرُه يومَ ماتَ، فقد روى الإمام أحمد في "مسنده"

(6)

: ثنا مُعْتَمِر بن سليمان، عن

(1)

ط: (فمنهم أنس بن مالك أنس بن مالك بن النضر. . إلخ) وترجمة أنس في الاستيعاب (1/ 109 - 111) وأسد الغابة (1/ 151 - 152)، وجامع الأصول (13/ 31 - 32) وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 127 - 128)، ومختصر تاريخ دمشق (5/ 64 - 76)، وتهذيب الكمال (3/ 353 - 378) وسير أعلام النبلاء (3/ 395 - 406)، والوافي (9/ 411 - 416)، والإصابة (1/ 71 - 72)، وتهذيب التهذيب (1/ 376 - 379).

(2)

أخرجه عبد بن حميد بتمامه، صفحة (375) وأخرجه مسلم رقم (2481) دون "وأدخله الجنة".

(3)

طبقات ابن سعد (7/ 20 - 21)، وتاريخ دمشق (9/ 362).

(4)

مسند الإمام أحمد (1/ 429)، وإسناده صحيح.

(5)

تاريخ دمشق (9/ 378).

(6)

مسند الإمام أحمد (3/ 124)، وإسناده صحيح.

ص: 474

حُمَيْد: أنّ أنَسًا عُمِّر مئةَ سنةٍ غير سنةٍ، وأقلّ ما قيل: ستُّ وتسعون، وأكثر ما قيل: مئة وسبع سنين، وقيل: ست، وقيل: مئة وثلاث سنين. فاللّه أعلم.

ومنهم رضي الله عنهم الأسْلَع بن شَريك بن عَوْف الأَعْرَج

(1)

.

قال محمد بن سعد

(2)

: كان اسمه ميمونَ بن سِنْباذَ، قال الربيعُ بن بَدْر الأعْرجي

(3)

(عن أبيه، عن جده، عن الأسْلَع، قال: كنتُ أخدمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأرْحل له

(4)

، فقال ذات ليلة:"يا أسلع، قُمْ فارْحَلْ" قال: أصابتني جَنابةٌ يا رسول الله، قال: فسكتَ ساعةً، وأتاه جبريل بآية الصَّعيد

(5)

، قال: فتمشَحت وَصَلَّيْتُ، فلما انتهيتُ إلى الماء قال: "يا أسلعُ قُمْ فاغْتَسل

(6)

" فضربَ رسولُ اللّه يَدَيْهِ إلى الأرض، ثم نَفَضهما، ثم مَسَح بهما وَجْهَهُ، ثم ضرب بيديه الأرْضَ، ثم نَفضهُما، فمَسَحَ بهما ذِراعَيْه، باليُمْنَى على اليسرى، وباليُسْرى على اليُمْنى، ظاهرهما وباطنهما، قال الربيع

(7)

: وأراني أبي، كما أراه أبوه، كما أراه الأسلع، كما أراه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. قال الربيع: فحدَّثْتُ بهذا الحديث عَوْفَ بن أبي جميلة، فقال هكذا واللهِ رأيتُ الحَسَنَ يَصْنَعُ. رواه ابن مَندَه والبَغَوي في كتابيهما "معجم الصحابة" من حديث الربيع بن بدر هذا، قال البغوي: ولا أعلمه روى غيره. قال ابن عساكر

(8)

: وقد روى - يعني هذا الحديث - الهيثَمُ بن رُزَيْق المالكي المُدْلِجي، عن أبيه، عن الأسلع بن شريك.

ومنهم رضي الله عنهم أسماء

(9)

بن حارثة بن سعيد

(10)

بن عبد الله بن غياث

(11)

بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمى وكان من أهل الصفة.

قاله محمد بن سعد

(12)

: وهو أخو هند بن حارثة وكانا يخدمان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

ترجمة الأسلع في الاستيعاب (1/ 139) وأسد الغابة (1/ 211)، والإصابة (4/ 36).

(2)

تاريخ دمشق (4/ 313).

(3)

تاريخ دمشق (4/ 312).

(4)

ط: (معه).

(5)

بعده في ط (فقال قم يا أسلع فتيمم قال: فتيممت).

(6)

بعده في ط: (قال فأراني التيمم).

(7)

ط: (قال الجميع).

(8)

تاريخ دمشق (4/ 313).

(9)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 86)، وأسد الغابة (1/ 217 - 218)، والإصابة (4/ 39).

(10)

ط: (سعد) وما أثبته عن أ والإصابة.

(11)

ط، أ:(عباد) وما أثبته عن طبقات ابن سعد (4/ 321)، وانظر الإكمال (6/ 135).

(12)

طبقات ابن سعد (4/ 322). وتاريخ دمشق (4/ 315).

ص: 475

قال الإمام أحمد

(1)

: ثنا عفان، ثنا وُهَيْب، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن يحيى بن هند بن حارثة، وكان هند من أصحاب الحُدَيْبية، وكان أخوه الذي بَعَثَه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بالصيام يومَ عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة: فحدّثني يَحْيى بن هِنْد، عن أسماء بن حارثة: أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَه فقال: "مُرْ قَوْمَكَ بصِيامِ هذا اليوم". قال: أرأيتَ إنْ وَجَدْتُهُمْ قد طَعِمُوا؟ قال: "فَلْيُتِمُّوا آخرَ يَوْمِهِم". وقد رواه أحمد بن خالد الوَهْبي، عن محمد بن إسحاق

(2)

، حدّثني عبد اللّه

(3)

بن أبي بكر، عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه هند، قال: بَعَثَني رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلى قومٍ من أسْلَم فقال: "مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصوموا هذا اليومَ، ومنْ وَجَدْتَ منهم أكَلَ في أَوَّلِ يَوْمِه فَلْيَصُمْ آخِرَهُ".

قال محمد بن سعد

(4)

عن الواقدي: أخبرنا محمد بن نُعيم بن عبد اللّه المُجْمِر، عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما كنتُ أظنُّ أنَّ هندأ وأسماء ابني حارثة إلّا مَمْلُوكَيْن لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: كانا يَخْدِمانه لا يَبْرحان بابَه هُما وأنس بن مالك. قال محمد بن سعد

(5)

: وقد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة.

ومنهم رضي الله عنهم بُكَيْر بن الشَّدّاخ اللَّيثي

(6)

.

ذكر ابن منده من طريق أبي بكر الهُذلي، عن عبد الملك بن يَعْلَى الَّليْثي: أن بُكَيْر بن شَدّاخ اللَّيثي كان يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فاحتلم، فأعلم بذلك رسول اللّه، وقال: إنّي كنتُ أدخلُ على أهلك وقد احْتَلمْتُ الآنَ يا رسولَ اللّه، فقال:"اللهمّ صَدِّقْ قَوْلَه، وَلقّهِ الظَّفَر" فلما كان في زمانِ عمر قُتِل رَجُلٌ من اليهود، فقام عمر خَطيبًا فقال: أنْشُدُ اللّه رجلًا عندَه من ذلك علمٌ؟ فقام بُكَيْر فقال: أنا قتلتُه يا أمير المؤمنين. فقال عمر: بُؤتَ بدمِه، فأين المخرجُ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ رجلًا من الغُزاةِ اسْتَخْلَفَني على أهله، فجئتُ فإذا هذا اليَهوديّ عند امرأتِه، وهو يقول

(7)

[من الوافر]

وأشعَثَ غَرَّهُ الإسْلامُ مِنِّي

خَلوْتُ بعِرسِهِ لَيْلَ التَّمامِ

أبيتُ عَلَى ترائبِها ويُمْسي

على قَوَدِ

(8)

الأعِنَّةِ والحِزَامِ

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 484)، وهو حديث صحيح بطرقه.

(2)

تاريخ دمشق (4/ 314).

(3)

أ: (محمد بن أبي بكر) وانظر تهذيب الكمال (14/ 349).

(4)

تاريخ دمشق (4/ 315).

(5)

طبقات ابن سعد (4/ 322).

(6)

جاءت هذه الترجمة في (أ) بعد ترجمة بلال بن رباح الحبشي. وترجمته في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (2/ 326) وأسد الغابة (1/ 411)، والإصابة (1/ 163 - 164).

(7)

الأبيات في أسد الغابة ومختصر تاريخ دمشق.

(8)

أ: (فرد) ط: (جرد) وما أثبته عن المصدرين السابقين.

ص: 476

كأنَّ مَجَامع الرَّبَلاتِ

(1)

منْها

فِئَامٌ يَنْهضونَ إلى فِئام

قال: فَصَدَّق عمرُ قولَه وأبطلَ دَمَ اليَهودي بدعاءَ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم لبُكير بما تقدم.

ومنهم رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشي

(2)

.

ولد بمكَّة، وكان مولًى لأُمية بن خلف، فاشتراه أبو بكرٍ منه

(3)

بمالٍ جزيل لأنه

(4)

كان أميةُ يعذّبه عذابًا شديدًا ليرتَدّ عن الإسلام، فَيَأْبَى إِلَّا الإسلامَ رضي الله عنه، فلما اشتراه أبو بكر أعْتَقَهُ ابتغاءَ وجهِ اللّه، وهاجَرَ حين هاجَرَ الناسُ، وشَهِدَ بدرًا وأُحدًا وما بعدَهُما من المشاهد رضي الله عنه. وكان يعرف ببلال بن حَمامَة، وهي أمه، وكان من أفْصَح النّاسِ لا كما يعتقدُهُ بعضُ الناس أن سينَه كانت شينًا (حتى إنّ بعض الناس يروون في ذلك حديثًا لا أصل له، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن سين بلال عند اللّه شينًا)

(5)

، وهو أحدُ المؤَذِّنين الأربعة كما سيأتي، وهو أول من أذَّنَ كما قدمنا. وكان يلي أمرَ النَّفَقَةِ على العيال، ومعه حاصل ما يكون من المال. ولما تُوفي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان فيمن خَرَجَ إلى الشام للغزو، ويُقال: إنه أقامَ يُؤَذِّنُ لأبي بكر أيامَ خِلافَتِهِ، والأول أصح

(6)

وأشهر. قال الواقديّ

(7)

: مات بدمشق سنةَ عشرين، وله بضعٌ وستّون سنةً. وقال الفَلّاس: قبره بدمشق، ويقال: بداريا، وقيل: إنه مات بحلب، والصحيحُ أنّ الذي ماتَ بحلب أخوه خالد. قال مكحول: حدّثني من رأى بلالًا

(8)

قال: كان شديدَ الأُدَمة، نَحيفًا أجنأَ

(9)

. له شَعْر كَثير، وكان لا يُغَيّرُ شَيْبَه رضي الله عنه.

ومنهم رضي الله عنهم حَبَّة وسَواء ابنا خالد رضي الله عنهما.

قال الإمام أحمد

(10)

،: ثنا أبو معاوية، قال: وثا وكيعٌ، ثنا الأعمش، عن سَلّام بن شرحبيل، عن حَبَّة وسواء ابني خالدٍ قالا: دَخَلْنا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو يُصْلِحُ شيئًا فأعَنّاهُ، فقال: "لا تَيْأسأ

(11)

من

(1)

الرَّبْلَة والرَّبَلَة وجمعها رَبَلات وهي أصول الأفخاذ (اللسان: ربل).

(2)

ترجمته فى الاستيعاب (178 - 182)، وأسد الغابة (1/ 243 - 245)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 136)، ومختصر تاريخ دمشق (5/ 253 - 267)، وسير أعلام النبلاء (1/ 347 - 360)، والوافي بالوفيات (10/ 276)، والإصابة (1/ 65).

(3)

ليس اللفظ في أ.

(4)

ط: (لأن).

(5)

ليس مابين القوسين في ط.

(6)

ليس اللفظ في أ.

(7)

تاريخ دمشق (10/ 476 - 477).

(8)

ط: (بلال) خطأ.

(9)

الجنأ: ميلٌ في الظهر، وقيل: في العنق (النهاية في غريب الحديث والأثر: جنأ).

(10)

مسند الإمام أحمد (3/ 469)، وإسناده ضعيف.

(11)

ط: (ينسأ).

ص: 477

الرِّزْقِ ما تَهَزْهَزَتْ رُؤُوسُكما، فإنّ الإنسان تَلِدُهُ أُمُّه أحمر

(1)

ليس عليه قشرة، ثم يرزقه اللّه عز وجل".

ومنهم رضي الله عنهم ذو

(2)

مِخْمَر، ويقال: ذو مِخبَر

(3)

، وهو ابن أخي النجاشي مَلِك الحَبَشة، ويقال: ابن أخته. والصحيح الأول. كان بعثه ليخدمَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نيابةً عنه.

قال الإمام أحمد

(4)

: حَدَّثَنَا أبو النَّضْر، ثنا حَريز

(5)

عن يزيد بن صُلَيْح عن ذي مِخْمَر - وكان رجلًا من الحبشة يخدم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: كنا معه في سَفَرٍ، فأسرعَ السَّير حتى انصرف، وكان يفعلُ ذلك لقلة الزاد. فقال له قائل: يا رسول اللّه، قد انقطع الناسُ، قال: فحبس

(6)

وحبس الناسَ معه، حتى تكاملوا إليه، فقال لهم:"هل لكم أن نَهْجَعَ هَجْعَة؟ " أو قال له قائل: فنزل ونزلوا، فقال: منْ يَكْلؤنا الليلةَ؟ فقلتُ: أنا، جَعَلَني اللهُ فداءك، فأعطانيِ خِطامَ ناقتِهِ، فقال:"هاكَ لا تكونَنَّ لُكَعًا" قال: فأخذتُ بخطام ناقةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخطامِ ناقتي، فثَنَخَيْتُ غيرَ بَعيد، فَخَلَّيْتُ سبيلَهما تَرْعَيان. فإنّي في ذلك

(7)

أنظرُ إلَيْهما إذ

(8)

أخذني النومُ، فلم أشْعُرْ بشيء حتَّى وَجَدْتُ حَرَّ الشَّمْس على وَجْهي، فاستيقَظْتُ فنظرتُ يَمينًا وشمالًا، فإذا أنا بالراحلتين مني غيرَ بعيدٍ، فأخذتُ بخطام ناقةِ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وبخطامِ ناقتي، فأتيتُ أدْنَى القَوْمِ فأيْقَظْتُهُ، فقُلْتُ: أَصَّلَيْتَ؟ قال: لا، فأيْقَظَ النَّاسُ بعضهم بَعْضًا حتى استيقظَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا بلالُ هل في المِيضأة ماءٌ؟ " يعني الإداوة، فقال: نعم جعلني الله فِدَاك، فأتاهُ بوَضوء لم يُلَتَّ منه الترابُ، فأمر بلالًا فأذَّنَ ثم قام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى الركعتين قبلَ الصُّبْح وهو غَيْرُ عَجِلٍ، ثم أمره فأقامَ الصَّلاة، فَصَلَّى وهو غيرُ عَجِلٍ، فقال له قائل: يا رسولَ اللّه أفرَّطْنا؟. قال: "لا، قَبض اللهُ أرواحَنا وَرَدَّها إلينا، وقد صَلَّيْنا".

ومنهم رضي الله عنهم ربيعة بن كعب الأسلمي

(9)

أبو فراس.

قال الأوزاعي: حدّثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن ربيعة بن كعب، قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوَضوئه وحاجته، فكان يقومُ من الليل فيقول: "سُبحانَ ربّي وبحمده (سبحان

(1)

ط: (أحيمر).

(2)

ليس اللفظ في أ.

(3)

ترجمته في الاستيعاب (1/ 475)، وأسد الغابة (2/ 222)، والإصابة (1/ 488).

(4)

مسند الإمام أحمد (4/ 90 - 91)، وهو حديث حسن.

(5)

ط: (جرير). وانظر سير أعلام النبلاء (7/ 79).

(6)

ط: (فجلس).

(7)

ط: (كذلك).

(8)

أ: (حتى).

(9)

ترجمته في الاستيعاب (494)، وأسد الغابة (2/ 268 - 269)، والإصابة (1/ 511).

ص: 478

ربي وبحمده)

(1)

، سبحان رب العالمين (سبحان رب العالمين)

(2)

. الهَوي"

(3)

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "هَلْ لك حاجةٌ؟ " قلت: يا رسول اللّه مُرافَقَتُكَ في الجنة، قال:"فأعِنّي على نفسك بكثرة السُّجود"

(4)

.

وقال الإمام

(5)

أحمد: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، حدّثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن نُعَيْم بن مُجْمِرٍ

(6)

عن ربيعة بن كعب قال: كنتُ أخدمُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم نهاري أجمع، حتى يُصلِّي عشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دَخَلَ بيته أقول: لَعَلَّها أن تَحدُثَ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم حاجةٌ، فما أزال أسمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "سبحان اللّه

(7)

سبحان اللّه وبحمده" حتى أمل فأرجعَ، أو تَغْلِبني عَيْنايَ فأرْقُدَ، قال

(8)

: فقال لي يومًا - لما يرى من خِفَّتي

(9)

له وخِدْمتي إياه - "يا ربيعةَ بنَ كَعْبٍ، سَلْني أُعْطِكَ". قال: فقلت: أنظُرُ في أمري يا رسول اللّه ثم أُعْلِمُكَ ذلك. قال: فَفَكَّرْتُ في نفسي، فعرفتُ أنَّ الدُّنْيا منقطعةٌ وزائلةٌ، وأنَّ لي فيها رزقًا سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسألُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنّه من اللّه بالمَنْزِل الذي هو به. قال: فجئتُه فقال: "ما فَعَلْتَ يا رَبيعةُ؟ "قال: فقلت: نعم، يا رسول الله، أسألكَ أن تشفَع لي إلى ربك فَيُعْتِقَني من النارِ. قال:"فقال: من أمَرَكَ بهذا يا ربيعةُ؟ "قال: فقلت: لا واللّه الذي بَعَثَكَ بالحق ما أمرني به أحدٌ، ولكنَّك لما قُلْتَ: سَلْني أُعْطِكَ، وكنتَ منَ اللّهِ بالمَنْزِل الذي أنتَ به، نظرتُ في أمْري فَعَرَفْتُ أنّ الدُّنيا منقطعةٌ وزائلةٌ، وأنَّ لي فيها رزقًا سيأتيني، فقلت أسألُ رسولَ اللّه لآخرتي. قال: فَصَمَتَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم طويلًا، ثم قال لي:"إنّي فاعلٌ، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود".

وقال الحافظ أبو يعلى

(10)

: حَدَّثَنَا أبو خيثمة، أنبأنا يزيد بن هارون، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا

(1)

ليس ما بين القوسين زيادة عن أ.

(2)

ليس ما بين القوسين زيادة عن أ.

(3)

الهَوِيُّ - بالفتح - الحين الطَّويل من الزمان، وقيل: هو مختصنٌ بالليل (النهاية في غريب الحديث: هوا).

(4)

رواه مسلم مختصرًا من طريق الأوزاعي رقم (489)(226).

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 59)، وتاريخ دمشق (4/ 319)، وهو حديث حسن.

(6)

أ، ط:(محمد). وهو تحريف والتصويب من المسند. وهو نعيم بن عبد اللّه المُجْمر المدني الفقيه. مولى آل عمر بن الخطاب كان يبخِّرُ مسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. عاش إلى قريب سنة عشرين ومئة. سير أعلام النبلاء (5/ 227)، وتهذيب التهذيب (10/ 465).

(7)

عبارة (سبحان اللّه) زيادة عن أ.

(8)

زيادة عن أ.

(9)

أ، ط:(من حقي) وما أثبته عن المسند وتاريخ دمشق.

(10)

تاريخ دمشق (4/ 320) ورواه أحمد في المسند (4/ 58 و 59) من طريق المبارك بن فضالة به وإسناده ضعيف جدًا، وفي متنه نكارة.

ص: 479

أبو عِمران الجَوْني، عن ربيعة الأسلمي - وكان يخدم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: فقال لي ذات يوم: "يا ربيعةُ ألا تَزَوَّجُ؟ " فال: قلت: يا رسول الله

(1)

، ما أحبُّ أنْ يَشْغَلني عن خِدْمَتِكَ شيءٌ (قال: فَسَكَت. فلما كان بعدُ قال لي: يا ربيعة ألا تَزَوَّجُ؟ قلت: يا رسول اللّه، ما أحبُّ أن يشغلني عن خدمتك شيءٌ)

(2)

، وما عندي ما أعطي المرأة. قال: فقلت بعد ذلك: رسولُ اللّه أعلمُ بما عندي حتى

(3)

يدعوني إلى التزويج، لئن دَعاني هذه المَرّةَ لأجيبَنَّه. قال: فقال لي: "يا ربيعة ألا تَزَوَّجُ؟ " فقلت: يا رسول اللّه، ومنْ يُزَوِّجُني؟ ما عندي ما أعطي المرأة، قال: فقال لي: انطلق إلى بني فلان فقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوِّجوني فتاتَكُمْ فُلانةَ، قال: فأتيتُهم، فقلتُ: إنّ رسولَ اللّه أرْسَلَني إليكم لتزَوِّجوني فتاتَكُمْ فُلانةَ،، قالوا: فلانةُ؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا برسول اللّه ومرحبًا برسوله، فَزَوَّجوني، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله، أتيتُكَ من خَيْر أهْلِ بيتٍ، صَدَّقوني وزَوَّجوني، فمن أينَ لي ما أُعْطي صَداقي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبُرَيْدةَ الأسلمي:"اجْمَعوا لربيعةَ في صَداقه في وزنِ نَواةٍ من ذَهَبٍ". فَجَمعوها فأعطوني فأتيتهم فقبلوها، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ اللّه، قد قَبلوا، فمن أينَ لي ما أُولِمُ؟ قال: فقال رسول الله لبريدة: "اجمعوا لربيعة في ثَمَنِ كَبْشٍ" قال: فجمعوا. وقال لي: "انطلق إلى عائشة، فقل لها فَلْتَدْفَع إليكَ ما عندها من الشَّعير" قال: فأتيتُها فدفعت إليَّ، فانطلقت بالكَبْش والشَّعير. فقالوا: أما الشَّعيرُ فنحنُ نَكْفيكَ، وأما الكبشُ فمُرْ أصحابَكَ فَلْيَذْبَحوه. وعملوا الشَّعير، فأصبح والله عندنا خُبْزٌ ولَحْمٌ ثم إنَّ رسولَ الله أقطع أبا بكر أرضًا له، فاختلفنا في عِذْقٍ، فقلتُ: هو في أرضي، وقال أبو بكر: هو في أرضي، فتنازعنا. فقال لي أبو بكر كلمةً كَرِهْتُها، فندم فأحضرني

(4)

فقال لي: قُلْ لي كما قُلْتُ لك

(5)

، قال: فقلت: لا والله لا أقولُ لكَ كما قُلْتَ لي، قال: إذًا آتي رسولَ الله. قال: فأتى رسولَ الله وتَبعتُه، فجاءني قومي يَتْبَعونني، فقالوا: هو الذي قال لك، وهو يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَيَشْكو؟ قال: فالتفتُّ إليهم، فقلتُ: أتدرونَ من هذا؟ هذا الصِّدِّيقُ وذو شَيْبَةِ المسلمين، ارجعوا لا يلتفتُ فيراكم فيظن أنكم إنما جئتُم لتُعينوني عليه فيغضب، فيأتي رسولَ اللّه فيخبره فيهلكَ رَبيعة. قال: فأتى رسولَ الله. فقال: إني قلتُ لربيعةَ كلمةٌ كرهها

(6)

. فقلتُ له: يقولُ لي مثلَ ما قلتُ له فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا ربيعةُ مالك وللصِّدِّيق؟ " قال: فقلت: يا رسولَ الله، واللهِ لا أقولُ له كما قال لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَقُلْ له كما قال لك، ولكن قُلْ: غَفَرَ اللّهُ لَكَ يا أبا بكر".

(1)

ليس لفظ الجلالة في ط.

(2)

ليس ما بين القوسين في ط.

(3)

أ، ط:(مني) وما أثبته عن تاريخ دمشق.

(4)

أ: (فأخبرني).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ط: (كرهتها).

ص: 480

ومنهم رضي الله عنهم سعد

(1)

مولى أبو بكر رضي الله عنه، ويقال: مولى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود الطّيالسي

(2)

: ثنا أبو عامرٍ عن الحسنِ، عن سعد مولى أبي بكر الصديق: أنَّ رسول اللّه قال لأبي بكر - وكان سعد مملوكًا لأبي بكر، وكان رسول الله تُعْجِبُهُ خِدْمَتُه - " أعْتِقْ سَعْدًا" فقال: يا رسولَ اللّهِ، ما لنا خادمٌ هاهنا غيرُه، فقال:"أعتق سعدًا، أتتك الرجال، أتتك الرجال". وهكذا رواهُ أحمد

(3)

عن أبي داود الطيالسي.

وقال أبو داود الطيالسي

(4)

: ثنا أبو عامر، عن الحسن، عن سعد، قال: قَرَّبْتُ بين يَدَيْ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تَمْرًا، فجعلوا يَقْرِنون

(5)

، فنهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن القِران.

ورواه ابن ماجة

(6)

: عن بندار عن أبي داود به.

ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن رواحة

(7)

، دخلَ يوم عمرة القضاءِ مكةَ وهو يقودُ بناقةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول

(8)

: [من الرجز]

خَلُّوا بني الكُفَّارِ عَنْ سَبيلهِ

اليَوْم

(9)

نَضْرِبْكُمْ على تأويلهِ

كَما ضَربناكُم على تَنْزيلهِ

ضَرْبًا يُزيلُ الهَامَ عنْ مَقيلِهِ

ويُشغِل

(10)

الخليلَ عنْ خَليلهِ

كما قدمنا ذلك بطوله. وقد قتل عبد اللّه بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضًا.

ومنهم رضي الله عنهم (عبد اللّه بن مسعود

(11)

بن غافل بن حبيب بن شَمْخ أبو عبد الرحمن الهُذلي،

(1)

ترجمته في الاستيعاب (612)، وأسد الغابة (2/ 422)، والإصابة (2/ 39 - 40).

(2)

تاريخ دمشق (4/ 321 - 322).

(3)

مسند الإمام أحمد (1/ 199)، وإسناده ضعيف.

(4)

وأخرجه أحمد (1/ 199) عن الطيالسي به، وإسناده ضعيف، أقول: ولكن ثبت النهي عن القران في الصحيحين من حديث ابن عمر.

(5)

أي يقرنون بين التمرتين في الأكل، وإنما نهى عنه صلى الله عليه وسلم لأنّ فيه شرهًا، وذلك يزري بصاحبه، أو لأنَّ فيه غبنًا برفيقه (النهاية: قرن).

(6)

ابن ماجة (3332)، وإسناده ضعيف، لكن المتن صحيح.

(7)

ترجمته في الاستيعاب (898)، وتاريخ دمشق، وأسد الغابة (3/ 234) وسير أعلام النبلاء (1/ 230 - 240)، والإصابة (6/ 77).

(8)

الأسطر في ديوان ابن رواحة: د. وليد قصاب (144).

(9)

في الديوان (نحن).

(10)

في الديوان: (ويذهل).

(11)

ترجمته في حلية الأولياء (1/ 124 - 139)، والاستيعاب (7/ 20)، وتاريخ بغداد (1/ 147 - 150)، وأسد الغابة (3/ 384)، والإصابة (2/ 368 - 370).

ص: 481

أحد)

(1)

أئمة الصحابة، هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وما بعدها، كان يَلي حَمْلَ نَعْلَي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَيَلي طهورَهُ، ويرحِّلُ دابَّتَه إذا أراد الركوب، وكانت له اليدُ الطُّولى في تفسير كلام الله، وله العلمُ الجمّ والفضلُ والحلمُ.

وفي الحديث

(2)

أنَّ رسولَ اللّه قال لأصحابه - وقد جَعَلوا يعجبون من دِقَّةِ ساقَيْهِ - فقال: "والذي نَفْسي بيدِه لهما في الميزان أثقلُ من أُحُدٍ".

وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود

(3)

: هو كنيف

(4)

مليء علمًا.

وذكروا أنه نحيف الخَلْق، حسن الخُلُقِ، يقال: إنّه كان إذا مشى يُسامِتُ الجُلوس

(5)

وكان يشبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في هَدْيه ودَلّه وسَمْته، يعني أن يُشبَّه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسَكَناته وكلامه ويَتشَبَّه بما استطاع من عبادته.

توفي رضي الله عنه في أيام عثمان [بن عفان] سنة اثنتين - أو ثلاث - وثلاثين بالمدينة عن ثلاث وستين سنة، وقيل: إنه توفي بالكوفة، والأول أصحُّ.

ومنهن رضي الله عنهم عُقْبَةُ بن عامر الجهَني

(6)

.

قال الإمام أحمد

(7)

: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر، قال: بينما أنا

(8)

أقود برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي "يا عقبة ألا تركب؟ " قال: فأشْفَقْتُ أن تكونَ مَعْصيةً، قال: فنزلَ رسولُ اللّه وركبتُ هُنَيْهةً، ثم ركب، ثم قال: يا عقبة

(9)

ألا أُعَلِّمُكَ سورتَيْن من خَيْر سورتين قرأ بها الناسُ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأني {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثم أُقيمتِ الصَّلاةُ فَتَقَدَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما. ثم مرَّ بي، فقال: "اقرأ بهما كُلَّما نِمْتَ وكُلَّما قُمْتَ". وهكذا رواه النَّسائي

(10)

من حديث الوليد بن مسلم

(1)

ليس ما بين القوسين في ط.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/ 420 - 421)، وهو حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.

(3)

طبقات ابن سعد (2/ 344).

(4)

قال ابن الأثير معلقًا على قول عمر: (كُنَيْف: هو تصغير تعظيم للكِنْفِ وهو الوعاء (النهاية: كنف)).

(5)

أ: (الخلق) وهو تحريف.

(6)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 343 - 344)، والاستيعاب (3/ 1073)، وأسد الغابة (4/ 53)، وسير أعلام النبلاء (2/ 467 - 469)، والإصابة (3/ 489).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 144).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

ط: (يا عقب).

(10)

النسائيّ (5452) وفي "الكبرى"(7844)، وهو حديث صحيح.

ص: 482

وعبد اللّه بن المبارك عن ابن جابر، ورواه أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

أيضًا من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة به.

ومنهم رضي الله عنهم، قَيْس بن سَعْد بن عُبادة الأنصاري الخزرجي

(3)

.

روى البخاري

(4)

عن أنس قال: كان قيسُ بن سَعْدِ بن عُبادة من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلةِ صاحب الشُّرَط من الأمير، وقد كان قيس هذا رضي الله عنه من أطول الرجال، وكان كَوْسجًا

(5)

. ويقال: إن سَراويله كان يضَعُه على أنْفِه منْ يكون من أطول الرجال

(6)

فَتَصِلُ رجلاه الأرضَ، وقد بعثَ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سراويله إلى ملك الروم

(7)

يقول له: هل عندكم رجلٌ تجيء

(8)

هذه السّراويلُ

(9)

على طوله. فعجب ملك

(10)

الرُّوم من ذلك.

وذكروا أنّه كان كريمًا مُمَدَّحًا ذا رأي ودهاء. وكان مع علي بن أبي طالب أيّام صفّين.

وقال مِسْعَر، عن مَعْبَد بن خالد: كان قيس بن سعد لا يزال رافعًا أَصْبُعَهُ المُسَبِّحَة يدعو، رضي الله عنه وأرضاه.

وقال الواقدي وخليفة بن خياط وغيرهما

(11)

: توفي بالمدينة في آخر أيام معاوية.

وقال الحافظ أبو بكر البزار

(12)

ثنا عمر بن الخطاب السجستاني، ثنا علي بن يزيد الحنفي، ثنا سعد بن الصلت، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس، قال: كان عشرون شابًا من الأنصار يَلْزَمون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحَوائِجِهِ، فإذا أراد أمرًا بعثهم فيه.

(1)

أبو داود (1462)، وهو حديث صحيح.

(2)

النسائي (5451)، وهو حديث صحيح.

(3)

ترجمته في طبقات ابن سعد (6/ 52)، والاستيعاب (1289)، وتاريخ بغداد (1/ 177)، وأسد الغابة (4/ 215)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 2/ 61) وسير أعلام النبلاء (3/ 102 - 112)، وتهذيب التهذيب (8/ 395)، والإصابة (3/ 249).

(4)

البخاري (7155).

(5)

الكوسج: الذي لا شعر على عارضَيْه (اللسان: كسج).

(6)

ط: (الرجل).

(7)

ط: (وقد بعث سراوله معاملة إلى ملكُ الروم).

(8)

ط: (يجيء).

(9)

أ: (سراويله).

(10)

ط: (فتعجب صاحب الروم).

(11)

طبقات ابن سعد (6/ 53).

(12)

كشف الأستار: (1445) وإسناده ضعيف.

ص: 483

ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي

(1)

رضي الله عنه.

كان بمنزلة السلحدار

(2)

بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كما كان رافعًا السيف في يده، وهو واقفٌ على رأس النبي

(3)

في الخيمة يوم الحُدَيْبية، فجعلَ كُلَّما أهْوى عَمُّه عروة بن مسعود الثقفي حينَ قدمَ في الرَّسيلةِ إلى لحية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ما جَرَتِ به عادةُ العَرَبِ في مُخاطباتها - يقرعُ يدَه بقائِمَةِ السَّيف، ويقول: أخِّرْ يَدَكَ عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن لا تَصِلَ إلَيْكَ

الحديث كما قدمناه.

قال محمد بن سعد وغيره (3): شهد المشاهدَ كلَّها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وولاه مع أبي سفيان الإمرةَ حين ذَهَبا فَخَرَّبَا طاغوتَ أهلِ الطّائِفِ، وهي المَدْعُوَّة بالربَّة، وهي اللات، وكان داهيةً من دُهاة العرب. قال الشعبي: سمعتُه يقول: ما غَلَبَني أحدٌ قطُّ. وقال الشعبي: سمعتُ قَبيصة بن جابر يقول: صَحِبْتُ المغيرةَ بن شُعْبَة، فلو أنَّ مدينةً لها ثمانيةُ أبوابٍ لا يُخْرَجُ من بابٍ منها إِلَّا بمَكْرٍ لخرج من أبوابها. وقال الشعبي

(4)

: القُضاةُ أربعةٌ: عمر، وعليّ

(5)

، وابن مسعود، وأبو موسى. والدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد. وقال الزهريّ

(6)

: الدُّهاة خَمْسةٌ، معاوية وعمرو بن العاص

(7)

والمغيرة، واثنان مع عليٍّ وهما قيسُ بن سَعْدِ بن عُبادة، وعبدُ اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء.

وقال الإمام مالك

(8)

: كان المغيرة بن شعبة رجلًا نَكّاحًا للنساء، وكان يقول: صاحبُ الواحدةِ إن حاضَتْ حاضَ معها، وإن مَرِضَتْ مَرض معها، وصاحب الثنتين بين نارين تَشْتَعِلان

(9)

. قال: فكان يَنْكِحُ أربعًا جميعًا

(10)

ويُطَلّقُهُنَّ جميعًا. وقال غيره

(11)

تزَوَّجَ ثمانينَ امرأةً، وقيل: ثلاث مئة امرأة،

(1)

ترجمته في طبقات ابن سعد (4/ 284) و (6/ 20)، والأغاني (16/ 79 - 101)، وتاريخ بغداد (1/ 191)، والاستيعاب (1445) وتاريخ دمشق (60/ 13 - 62) وأسد الغابة (4/ 406)، وسير أعلام النبلاء (3/ 21 - 32) والإصابة (3/ 452 - 453).

(2)

السلحدار: حامل السلاح (الألفاظ الفارسية المعرية 92).

(3)

تاريخ دمشق (60/ 15 - 16).

(4)

تاريخ دمشق (60/ 49) وتهذيب الكمال (18/ 97).

(5)

أ، ط:(أبو بكر وعمر) وهو خطأ صححته عن تاريخ دمشق.

(6)

تاريخ البخاري (7/ 306).

(7)

ط: (وعمر) خطأ.

(8)

تاريخ دمشق (60/ 55).

(9)

ط: (يشتعلان).

(10)

ليس اللفظ في ط.

(11)

الاستيعاب (1446).

ص: 484

وقيل: أحصن ألف

(1)

امرأة. وقد اختُلِفَ في وفاته على أقوالٍ، أشهرها وأصحُّها، وهو الذي حكى عليه الخطيبُ البغدادي

(2)

الإجماع أنه توفي سنة خمسين.

ومنهم رضي الله عنهم المِقداد بن الأسود أبو معبد الكندي

(3)

حليف بني زهرة.

قال الإمام أحمد

(4)

: ثنا عَفان، ثنا حَمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المِقْداد بن الأسْود قال: قدمت المدينة، أنا وصاحبان لي

(5)

، فتَعرَّضْنا للناس، فلم يُضِفْنا أحدٌ، فأتَيْنا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكرنا له، فذهبَ بنا إلى منزله، وعنده أربعُ أعْنُزٍ، فقال:"احْلُبْهُنَّ يا مِقْدادُ، وجَزئْهنَّ أربعةَ أجزاءٍ، وأعْطِ كُلَّ إنْسانٍ جُزءًا" فكنتُ أفْعلُ ذلك، فرفعتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة جُزْأَه

(6)

، فاحْتَبَس واضجعتُ على فراشي، فقالت

(7)

لي نفسي: إنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد أتى أهلَ بيتٍ من الأنصار، فلو قمتَ فشربتَ هذه الشربةَ، فلم تَزَلْ بي

(8)

حتى قمتُ فشربتُ جُزْأَهُ، فلمَّا دَخَلَ في بَطْني وتقارّ

(9)

أخَذَني ما قدُم وما حَدثَ؛ فقلت: يجيءُ الآن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جائعًا ظمآن

(10)

، فلا يرى في القدح شيئًا. فَسَجَّيْتُ ثوبًا على وَجْهي. وجاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسلّمَ تسليمة تُسْمِعُ اليَقْظان، ولا تُوقطُ النّائِمَ، فكشَفَ عنه فلم يَرَ شيئًا، فرفعَ رأسَه إلى السَّماء فقال:"اللهم اسقِ من سَقَاني، وأطْعِمْ من أطْعَمَني" فاغتنمتُ دعوتَه، وقمت فأخذتُ الشَّفْرَة فدنوتُ إلى الأعنز، فجعلت أجُسُّهُن أيتهن أسمن لأذْبَحها، فوقعت يدي على ضَرْعِ إحداهن فإذا هي حافل

(11)

، ونظرتُ إلى الأخرى فإذا هي حافلٌ، فنظرت فإذا هُنَّ كُلُّهن حُفَّلٌ، فَحَلَبْتُ في الإناءَ فَأَتَيْتُهُ به، فقلتُ: اشرَبْ، فقال:"ما الخبرُ يا مقداد؟ " فقلتُ: اشرب ثُمَّ الخَبَر، فقال:"بعض سَوْءاتِكَ يا مقداد" فشرب ثم قال: "اشرب". فقلت: اشرب يا نبيّ اللّه، فشرب حتى تَضَلَّع

(12)

ثم أخذتُه فشربتُه، ثم أخبرثُه الخبر. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم "هِيهِ" كان كذا وكذا، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هذه بَرَكةٌ مُنْزَلةٌ من

(1)

ط: (بألف).

(2)

تاريخ بغداد (1/ 191).

(3)

ترجمته في حلية الأولياء (1/ 172 - 176)، والاستيعاب (148) وتاريخ دمشق (60/ 143 - 183) وأسد الغابة (5/ 251)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 111 - 112)، والإصابة (3/ 454 - 455).

(4)

مسند الإمام أحمد (6/ 4 - 5).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

ليست في الأصلين واستدركتها عن المسند.

(7)

ط: (فقال).

(8)

زيادة عن أ، وليست في ط.

(9)

ط: (معائي) وتقارّ بمعنى استقرّ (النهاية: قرر).

(10)

أ، ط:(ظمآنًا) وما أثبته للسياق.

(11)

حافل: كثيرة اللبن وجمعها حُفَّل (النهاية: حفل).

(12)

تضلَّع أي أكثر من الشرب حتى تمدّد جنبه وأضلاعه (النهاية: ضلع).

ص: 485

السماء، أفلا أخْبَرْتَني حتى أسْقِي صاحِبَيْكَ؟ " فقلت: إذا شربتُ البركةَ أنا وأنت، فلا أُبالي من أخطأَت. وقد رواه الإمام أحمد

(1)

أيضًا، عن أبي النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد. فذكر ما تقدم، وفيه: أنَّه حَلَبَ في الإناء الذي كانوا لا يطعمون

(2)

أن يحلبوا فيه، فحلب حتى علَتْهُ الرَّغْوةُ، ولمّا جاء به قال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"أما شَرِبْتُمْ شَرابكم الليلةَ يا مِقدادُ؟ " فقلت: اشربْ يا رسولَ الله، (فشرب ثم ناولني، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب)

(3)

ثم ناولني فأخذتُ ما بَقيَ ثم شربت. فلما عرفتُ أنّ رسول اللّه قد رَوِي فأصابتني دعوته، ضحكتُ حتّى أُلْقيتُ إلى الأرْضِ، فقال رسول الله:" إحدى سوءاتك يا مقداد" فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا، صنعت كذا. فقال: "ما كانت هذه إِلَّا رحمةَ اللّه، ألا كنت أذَنْتني نُوقِظ صاحبَيْكَ هذين فيُصيبان منها

(4)

؟ " قال: قلت: والذي بَعَثَكَ بالحقّ، ما أبالي إذا أصَبْتَهَا وأصبتُها مَعَكَ منْ أصابَها من الناس. وقد رواه مسلم

(5)

والترمذي

(6)

والنسائي

(7)

من حديث سليمان بن المغيرة به.

ومنهم رضي الله عنهم، مهاجر

(8)

مولى أم سلمة.

قال الطبراني

(9)

: ثنا أبو الزِّنباع رَوْحُ بن الفَرَج، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بُكَيْر، حدّثني إبراهيم بن عبد الله، سمعت بُكَيْرًا يقول: سمعتُ مُهاجرًا مولى أم سلمة قال: خدمت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سنين، فلم يقل لي لشيء صَنَعْتُه، لمَ صَنَعْتَه، ولا لشيء تَرَكْتُهُ. لِمَ تَرَكْتَهُ. وفي رواية: خدمتُه عشرَ سنين أو خمس سنين

(10)

.

ومنهم رضي الله عنهم أبو السَّمح

(11)

.

قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي: ثنا مجاهد بن موسى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا

(1)

مسند الإمام أحمد (6/ 3).

(2)

ط: (لا يطيقون).

(3)

ليس ما بين القوسين في ط، واستدركته عن أ.

(4)

ط: (منهما) تحريف. لأن الضمير يعود إلى الرحمة.

(5)

مسلم (174، 2055).

(6)

الترمذي (2719).

(7)

السنن الكبرى للنسائي (10155).

(8)

ترجمته في الاستيعاب (1454)، والإصابة (3/ 466).

(9)

المعجم الكبير للطبراني (20/ 330)(783) وتاريخ دمشق (4/ 323)، وإسناده ضعيف.

(10)

ط: (أو خمسة عشرة سنة).

(11)

ترجمته في الاستيعاب (1684)، والإصابة (4/ 95).

ص: 486

يحيى بن الوليد، حدّثني مُحِلّ بن خليفة، حدّثني أبو السَّمْح قال: كُنْتُ أخْدُم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان إذا أراد أن يَغْتسلَ قال: ناولني إداوتي

(1)

، قال: فأناولُهُ وأسترُة

(2)

، فأُتيَ بحسنٍ أو حسينٍ فبال على صدره، فجئتُ لأغْسِلَه فقال:"يُغْسلُ من بولِ الجارية، ويُرَشُ من بول الغلام" وهكذا رواه أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

وابن ماجة

(5)

عن مجاهد بن موسى.

ومنهم رضي الله عنهم أفْضَلُ الصَّحابة على الإطلاق أبو بكر رضي الله عنه، تولَّى خِدْمَتَه بنفسه في سَفْرَةِ الهِجْرَة، لا سيّما في الغار، وبعد خروجهم منه، حتَّى وصلوا إلى المدينة، كما تقدم ذلك مَبْسوطًا، وللّه الحمد والمنة.

‌فصل أما كُتَّابُ الوَحْي وغَيْرِه بَيْنَ يَدَيه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، ورضي عنهم أجمعين

فمنهم الخلفاء الأربعة، أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وسيأتي ترجمةُ كلِّ واحدٍ منهم في أيّامِ خِلافَتِه إن شاء اللّهُ وبه الثقةُ.

ومنهم رضي الله عنهم أبان بن سَعيد

(6)

بن العاص بن ثُميَّة بن عَبْدِ شَمْس بن عَبْدِ مَناف بن قُصَيٍّ الأُموي. (أسلم بعدَ أخَوَيْه خالد وعمرو، وكان إسلامُه بعد الحُدَيْبية)

(7)

، لأنه هو الذي أجارَ

(8)

عثمان حينَ بعثَه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يومَ الحُدَيْبية، وقيل: خيبر، لأنَّ له ذِكرًا في "الصَّحيح"

(9)

من حديث أبي هريرة في قِسْمَة غَنائِم خَيْبَر، وكان سببَ إسلامه أنّه اجْتَمَعَ براهبٍ، وهو في تجارةٍ بالشام، فذكر له أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الراهب: ما اسمه؟ قال: محمد، قال: فأنا أنعتُهُ لكَ، فوصفَهُ

(1)

ط: (أدواتي) تحريف.

(2)

ط: (وأستتره).

(3)

أبو داود (376)، وهو حديث صحيح.

(4)

النسائي (224)، وهو حديث صحيح.

(5)

ابن ماجة (526، 613)، وهو حديث صحيح.

(6)

ترجمته في نسب قريش (174 - 175)، والاستيعاب (1/ 62)، وأسد الغابة (1/ 46 - 48)، وسير أعلام النبلاء (1/ 261)، والإصابة (1/ 13 - 14).

(7)

ليس ما بين القوسين في أ.

(8)

ط: (أجاز) تحريف.

(9)

صحيح البخاري (4238).

ص: 487

بصفَتِه سواءً، وقال: إذا رجعتَ إلى أهلك فأَقْرِئْهُ السلامَ. فأسلمَ بعدَ مَرْجِعِه، وهو أخو عمرو بن سعيد الأشدق

(1)

الذي قتله عبد الملك بن مروان.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: كانَ أولَ منْ كتبَ الوحيَ بينَ يَدَيْ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم أُبيُّ بن كَعْبٍ، فإذا لم يَحْضُرْ كَثَبَ زَيْدُ بن ثابت، وكَتَبَ له عثمانُ وخالدُ بن سَعيد وأبانُ بن سَعيد. هكذا قال - يعني بالمدينة - وإلا فالسُّوَرُ المكيَّة لم يكن أُبيُّ بن كَدْب حالَ نُزولها، وقد كَتَبَها الصَّحابةُ بمكة رضي الله عنهم.

وقد اختُلِفَ في وفاةِ أبانِ بن سعيد هذا، فقال موسى بن عقبة، ومصعب بن عبد الله، والزبير بن بكار، وأكثر أهل النسب: قُتل يومَ أجْنادين، يعني في جُمادَى الأولى سنة اثنتي عشر

(2)

. وقال آخرون: قُتل يوم مرج الصفّر سنة أربعَ عشرةَ.

وقال محمد بن إسحاق: قتل هو وأخوه عمرو يومَ (اليرموك لخمسٍ مَضيْنَ من رجب سنة خمس عشرة. وقيل: إنه تأخّر إلى أيام عثمان، وأنَّه أمره عثمان أن يُملي المصحف الإمام على زيد بن ثابت، ثم تُوفّي سنة تسعٍ وعشرين. فاللّه أعلم).

ومنهم رضي الله عنهم أُبيُّ بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الأنصاري

(3)

، أبو المنذر، ويقال: أبو الطفيل: سيِّدُ القُرّاء، شهدَ العقبة الثانية وبَدْرًا وما بعدها. وكان رَبْعَةً نَحيفًا أبيضَ الرَّأسِ واللِّحْيَة لا يُغَيِّر شَيْبَه.

قال أنس: جمع القرآن أربعة - يعني من الأنصار - أُبَيّ بن كعب، ومُعاذُ بن جَبَل، وزَيْدُ بن ثابت، ورجلٌ من الأنصار، يُقال له: أبو زيد

(4)

أخرجاه

(5)

.

وفي الصحيحين

(6)

: عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبيِّ: "إن الله أمرني أنْ أقْرَأ عليكَ القُرآن". قال: وسَمّاني لكَ يا رسولَ الله؟ قال: "نعم". قال: فَذَرَفتْ عيناهُ. ومعنى: أنْ أقرأَ عليكَ؟ قراءةُ إبلاغٍ وإسماعٍ، لا قراءةُ تعلُّمِ منه، هذا لا يَفْهَمُهُ أحدٌ من أهل العلم. وإنّما نَبَّهْنا على هذا لِئلا يُعْتَقَدَ خلافه.

(1)

ليس الأشدق أخا أبان، وإنما أخوه هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية. وقد أورد الذهبي أبانًا وأخويه سعيدًا وخالدًا وقال: إنهم أعمام عمرو بن سعيد الأشدق (انظر سير أعلام النبلاء 1/ 259 - 262).

(2)

في معجم البلدان: "أجنادين": (سنة ثلاث عشرة).

(3)

ترجمته في حلية الأولياء (1/ 250 - 256)، والاستيعاب (1/ 126)، وتاريخ دمشق (7/ 308 - 348)، وأسد الغابة (1/ 61)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 108 - 110)، والإصابة (1/ 26).

(4)

ط: (يزيد).

(5)

البخاري (5003)، و مسلم (2465).

(6)

البخاري (4959، 4961)، ومسلم (799)(121).

ص: 488

وقد ذكرنا في موضع آخر سببَ هذه القراءة عليه، وأنَّه صلى الله عليه وسلم قرأ عليه سورة:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 1 - 3] وذلك أنَّ أُبَي بن كعب كان قد أنْكَرَ على رجلٍ قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أُبي، فرفَعَهُ أُبيّ إلى رسول اللّه، فقال:"اقرأ يا أُبيّ" فقرأ، فقال:"هكذا أنزلت" ثم قال لذلك الرجل "اقرأ" فقرأ، فقال:"هكذا أُنزلت" قال أبي: فأخذني من الشكّ ولا إذ كنتُ في الجاهليّة، قال: فضربَ رسولُ اللّه في صدره ففِضْتُ

(1)

عرفًا، وكأنّما أنظرُ إلى اللّه فَرَقًا، فبعدَ ذلك تلا عليه رسول اللّه هذه السورةَ كالتثبيت له والبيان له أنَّ هذا القرآن حقٌّ وصدقٌ. وإنَّه أنْزِل على أحرفٍ كثيرةٍ رحمةً ولطفًا بالعباد.

وقال ابن أبي خيثمة: هو أولُ منْ كتب الوحي بينَ يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وقال محمد بن سعد

(2)

: كان يكتب الوحي بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم)

(3)

وقد اختُلِفَ في وفاته. فقيل: في سنة تسعَ عشرةَ، وقيل: سنة عشرين، وقيل: ثلاثٍ وعشرين، وقيل: قبل مَقْتَل عُثمان بجُمعةٍ، فاللّه أعلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، أرْقَئم بن أبي الأرقم

(4)

، واسمه عبدُ منافِ

(5)

بن أسَدِ بن جُنْدَب بن عبد الله بن عمر بن مَخْزوم المَخْزومي.

أسلم قديمًا، وهو الذي كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. مُسْتَخفيًا في داره عند الصفا، وتُعْرَفُ تلك الدارُ بعدَ ذلك بالخَيْزُران. وهاجرَ وشهد بَدْرًا وما بعدها، وقد آخى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد اللّه بن أُنَيْس، وهو الذي كتب أقطاعَ عُظَيْم بن الحارث المُحاربي بأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بفَخٍّ وغيره، وذلك فيما رواه الحافظ ابنُ عساكر

(6)

من طريق عَتيقِ بن يَعْقوب الزُّبَيْري، حدّثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، عن أبيه، عن جده عن

(7)

عمرو بن حزم. وقد تُوفّي في سنة ثلاثٍ، وقيل: خَمْسٍ وخمسين. وله خَمْس وثمانون

(8)

سنة.

وقد روى الإمام أحمد له حديثين:

(1)

ط: (فضضت).

(2)

طبقات ابن سعد (3/ 498)، وتاريخ دمشق (4/ 324).

(3)

ليس ما بين القوسين عن أوحدها.

(4)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 242)، والاستيعاب (1/ 131)، وأسد الغابة (1/ 74)، وسير أعلام النبلاء (2/ 479 - 480)، والإصابة (1/ 40).

(5)

ليس اللفظ في ط.

(6)

تاريخ دمشق (4/ 325).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

أ: (وثلاثون).

ص: 489

الأول: قال أحمد

(1)

والحسن بن عرفة - واللفظ لأحمد: ثنا عَبَّاد بن عَبّاد المُهَلّبي، عن هشام بن زياد، عن عمَّار بن سعد، عن عثمان بن أرْقَم بن أبي الأرقم، عن أبيه - وكان من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم - أنَّ رسول اللّه قال: "إن الذي يَتَخطَّى رقابَ الناس يوم الجُمُعَة ويُفَرِّقُ بينَ الاثنين بعدَ خُروج الإمام كالجارِّ قُصْبَه

(2)

في النار".

والثاني، قال أحمد

(3)

: ثنا عصام بن خالد، ثنا العَطّاف بن خالد، ثنا يحيى بن عمران، عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم، عن جده الأرقم، أنَّه جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال:"أين تُريدُ؟ " قال أردتُ يا رسولَ اللّهِ هاهنا، وأومأ بيده إلى حَيِّز بيتِ المَقْدِس، قال:"ما يُخْرِجُكَ إليه أتِجارَةٌ؟ " قال: لا، ولكن أردتُ الصلاةَ فيه، قال:"الصلاة هاهنا" - وأومأ بيده إلى مكة - "خيرٌ من ألف صلاة" وأومأ بيده إلى الشام. تفرد بهما أحمد.

ومنهم، رضي الله عنهم، ثابتُ بن قَيْس بن شَمّاس الأَنْصَاري الخَزْرَجي

(4)

، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد المدني خطيب الأنصار، ويقال له: خطيب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

قال محمد بن سعد

(5)

: أخبرنا علي بن محمد المدائني بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: قدم عبد اللّه بن عَلَس الثُّمالي ومُسْلية بن هِزَّان الحُدَّاني

(6)

على رسول الله في رهط من قومهما، بعد فَتْح مكة، فأسلموا وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتابًا بما فُرضَ عليهم من الصدقة في أموالهم، كَتَبه ثابتُ بن قيس بن شمّاس، وشهد فيه سعدُ بن عبادة، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم. وهذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم

(7)

أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: بَشَّرَهُ بالجَنَّة.

وروى الترمذي في "جامعه"

(8)

بإسنادٍ على شرط مسلم، عن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: "نِعْمَ

(1)

مسند الإمام أحمد (3/ 417)، وإسناده ضعيف.

(2)

القُصْبُ - بالضم - المِعَى (النهاية: قصب).

(3)

هو من آخر مسند الأَنصار الساقط من مطبوعة المسند، وإسناده ضعيف، وأورده المصنف في "جامع المسانيد"(1/ 196) وابن حجر في "أطراف المسند"(1/ 232).

(4)

ترجمته في طبقات ابن سعد (5/ 206) والاستيعاب (2/ 72)، وتاريخ دمشق - السيرة - طبعة المجمع (2/ 330 - 332) وأسد الغابة (1/ 275)، وسير أعلام النبلاء (1/ 308 - 316)، والإصابة (2/ 14).

(5)

طبقات ابن سعد (1/ 353).

(6)

ط: (قدم عبد الله بن عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحدابي) وفي أ (عبد اللّه بن عبس الثمالي ومسيلمة بن ضرار الحراني) وكلاهما تحريف. وما أثبته عن طبقات ابن سعد الذي ينقل منه المصنف، وتاريخ دمشق - السيرة - ط المجمع - (2/ 330).

(7)

مسلم (119).

(8)

الترمذي (3795).

ص: 490

الرجلُ أبو بكر، نِعْمَ الرَّجُل عمرُ، نِعْمَ الرجلُ أبو عُبَيْدة بن الجراح، نِعْمَ الرجلُ أُسَيْد بن حُضَيْر، نِعْمَ الرجلُ ثابتُ بنُ قَيْس بن شَمّاس، [نعم الرجل معاذ بن جبل] نِعْمَ الرجلُ معاذُ بنُ عمرو بن الجَموح".

وقد قُتِلَ رضي الله عنه شهيدًا يومَ اليَمامة سنة اثنتي عشرة، في أيام أبي بكر الصديق، وله قصة سنوردها إن شاء اللّه إذا انتهينا إلى ذلك، بحول اللّه وقوته وعونه ومعونته.

ومنهم رضي الله عنهم حَنْظَلة

(1)

بن الرَّبيع بن صَيْفي بن رَباح بن الحارث بن مُخاشِن بن مُعاوية بن شُرَيْف بن جِرْوة بن أُسَيِّد بن عمرو بن تميم التميمي الأُسَيِّدي الكاتب. وأخوه رَباحٌ صحابي أيضًا، وعَمُّه أكثم بن صَيْفي كان حكيم العرب.

قال الواقدي

(2)

: كتَبَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم كتابًا. وقال غيره: بعثه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف

(3)

في الصلح، وشهدَ مع خالد حروبَه بالعراق وغيرها، وقد أدرك أيام عَليّ وتَخَلَّف عن القتال معه في الجَمَل وغيره، ثم انتقل عن الكوفة لمّا شُتِمَ بها عثمانُ، ومات بعد أيام عليّ.

وقد ذكر ابن الأثير في "الغابة"

(4)

، أنّ امرأتَه لما ماتَ جَزِعَتْ عليه، فلامها جاراتُها في ذلك، فقالت:[من السريع]

تَعَجَّبَتْ دَعْدٌ لِمَحْزونَةٍ

تَبْكي علي ذي شَيْبَةٍ شَاحِب

إنْ تَسْأليني

(5)

اليَوْمَ ما شَفَّني

أُخْبِرْكِ قَوْلًا لَيْسَ بالكَاذِبِ

إنَّ سَوَادَ العَيْن أوْدَى بهِ

حُزْنٌ على حَنْظَلةَ الكَاتِبِ

قال أحمد بن عبد الله بن البرقى

(6)

: كان مُعْتزلًا للفتنة حتى مات بعدَ عليّ، جاء عنه حديثان. قلت: بل ثلاثة.

قال الإمام أحمد

(7)

: ثنا عبد الصمد وعفّان، قالا: ثنا هَمّام، ثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ حافَظَ على الصلوات الخَمْس ركوعهنُ

(8)

وسجودهن ووضوئهن

(1)

ترجمته في تاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق (2/ 332).

(2)

طبقات ابن سعد (6/ 55).

(3)

ط: (الطوائف) تحريف.

(4)

أسد الغابة (2/ 65).

(5)

ط: (تسألني) ولا يستقيم الوزن بها.

(6)

في أ، ط:(الرقي) واستدرك الصحيح في هامش (أ).

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 267)، وهو حديث صحيح بشواهده.

(8)

ط: (بركوعهن) و أ: (وركوعهن).

ص: 491

ومواقيتهن، وعَلمَ أنَّهن حقٌّ من عند الله، دخل الجنة" أو قال:"وَجَبَتْ له الجنة"

(1)

تَفَرَّد به أحمدُ، وهو مُنْقَطِعٌ بين قتادةَ وحنظلةَ، واللّه أعلم.

والحديث الثاني: رواه أحمد

(2)

ومسلم

(3)

والترمذي

(4)

وابن ماجة

(5)

من حديث سَعيد الجُرَيْري، عن أبي عثمان النَّهْدي، عن حنظلة:"لو تَدومون كما تَكونون عندي لصافَحَتْكُم الملائكةُ في مجالسكم، وفي طُرُقِكُمْ وعلى فُرُشِكُمْ، ولكن ساعةً وساعةً". وقد رواه أحمد والتّرمذي أيضًا من حديث عِمْران بن داور القطان، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير، عن حنظلة

(6)

.

والثالثُ رواه أحمد

(7)

والنّسائي

(8)

وابن ماجة

(9)

من حديث سُفيان الثَّوري، عن أبي الزِّناد، عن المُرَقَّع بن صَيْفي بن حَنْظَلة عن جدِّه في النَّهْي عَنْ قَتْلِ النساء في الحربِ. لكن رواه الإمام أحمد

(10)

، عن عبد الرزاق، عن ابن جُرَيْج قال: أُخبرتُ عن أبي الزِّناد عن مُرَقَّع بن صَيْفي بن رَباح بن رَبيع (عن جدّه رباح بن ربيع أخي حَنْظَلة الكاتب

فذكره. وكذلك رواه أحمد أيضًا عن حسين بن محمد، وإبراهيم بن أبي العبّاس، كلاهما عن ابن أبي الزناد عن أبيه

(11)

.

وعن سعيد بن منصور وأبي عامر العقدي كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزِّناد، عن مُرَقَع عن جده رباح. ومن طريق المغيرة رواه النّسائي

(12)

وابن ماجة

(13)

كذلك. وروى أبو داود

(14)

والنسائي

(15)

من حديث عمر بن مُرَقع، عن أبيه، عن جدّه رباح

فذكره. فالحديث عَنْ رَباحٍ لا عن حَنْظَلَة. ولذا قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان سُفْيان الثوري يُخْطئُ في هذا الحديث.

(1)

ليس اللفظ في ط.

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 346).

(3)

مسلم (2750).

(4)

الترمذي (2514).

(5)

ابن ماجة (4239).

(6)

رواه أحمد في المسند (4/ 346) رقم (19045)، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(7)

مسند الإمام أحمد (4/ 178).

(8)

السنن الكبرى للنسائي (8627).

(9)

سنن ابن ماجة (2842).

(10)

مسند الإمام أحمد (3/ 488) و (4/ 346).

(11)

في الأصول: عن المغيرة بن عبد الرحمن بن أبيه، والتصحيح من المسند وأطرافه (2/ 2281).

(12)

السنن الكبرى للنسائي (8626).

(13)

ابن ماجة بعد رقم (2842).

(14)

أبو داود (2669).

(15)

السنن الكبرى للنسائي (8625).

ص: 492

قلت: وصح قول ابن البرقي: إنه لم يرو سوى حديثين، واللّه أعلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، خالدُ بن سَعيد بن العاص

(1)

أُميَّة بن عَبْدِ شَمْس بن عبد مَناف، أبو سعيد الأموي. أسلم قديمًا يقال

(2)

بعد الصّديق بثلاثة أو أربعة، وأكثر ما قيل خمسة. وذكروا أنّ سببَ إسلامه أنه رأى في النوم كأنّه واقفٌ

(3)

على شفير جَهَنّم، فذكر من سَعَتها ما اللّهُ به عليمٌ. قال: وكأنَّ أباه يَدْفَعُه فيها، وكأنّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم آخذٌ بيده ليمنعه من الوقوع فيها

(4)

، فَقَصَّ هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال له: لقد أُريدَ بكَ خيرٌ، هذا رسولُ الله فاتَّبعِهْ تَنْجُ مما خِفْتَه. فجاء رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم فأسلم، فلما بلغَ أباه إسلامُه غضبَ عليه، وضربَه بعصاةٍ في يَدِه حتى كَسَرها على رأسه، وأخْرَجَهُ من منزله، ومنعه القوتَ، ونهى بقيةَ إخْوَتِهِ أن يُكَلّموه، فلزم خالدٌ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم ليلًا ونهارًا، ثم أسلم أخوه عمْرو، فلما هاجَرَ الناسُ إلى أرض الحَبَشة هاجر

(5)

معهم، ثم كان هو الذي وَليَ العقد في تَزْويج أم حبيبة من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما قدمنا. ثم هاجرا من أرض الحبشة صُحبةَ جَعْفَر، فقدما على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد افتتحها، فأسهم لهما عن مَشورة المسلمين، وجاء أخوهما أبان بن سعيد فشهد فتح خيبر كما قدمنا، ثم كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يولِّيهم الأعمال. فلما كانت خلافَةُ الصِّديق خَرَجوا إلى الشام للغزو، فقُتل خالد بأجنادين، ويقال: بمَرْج الصُّفَر. واللّه أعلم.

قال عتيق بن يعقوب

(6)

، حدّثني عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، عن عَمْرو بن حَزْم، يعني أن خالد بن سعيد كَتَب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا:

"بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعْطَى محمدٌ رسولُ اللّه راشدَ بن عبدِ ربٍّ السُّلَمي

(7)

أعطاه غَلْوَتَيْن

(8)

وغَلْوةً بحَجَرٍ برُهاطٍ

(9)

، فمن حافَّه

(10)

فلا حَقَّ له، وحقُّه حَقٌّ. وكتب خالد بن سعيد".

(1)

ترجمته في نسب قريش (174 - 175) والاستيعاب (42) وتاريخ دمشق - السيرة - مجمع (2/ 333) وأسد الغابة (2/ 97) والإصابة (1/ 40) وبدران (5/ 48 - 55).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

ط: (واقفًا) خطأ.

(4)

زيادة عن أ.

(5)

ط: (هاجر).

(6)

تاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق - (2/ 933).

(7)

أ: (السلامي) وهو تحريف انظر الإصابة (2/ 434).

(8)

ط: (علوتين وعلوة) وهما تحريف. والغَلْوة مقدار رمية بسهم (اللسان: غلو).

(9)

رُهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة (معجم البدان: رهاط).

(10)

أ، ط:(خافه) تحريف.

ص: 493

وقال محمد بن سعد

(1)

عن الواقدي: حدّثني جعفر بن محمد بن خالد، عن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان، قال: أقام خالد بن سعيد بعد أن قَدِمَ من أرض الحبشة بالمدينة، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف، وسعى في الصُّلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، خالد بن الوليد

(2)

[بن المغيرة] بن عبد الله بن عمرو

(3)

بن مخزوم أبو سليمان

(4)

المخزومي، وهو أمير الجيوش المنصورة الإسلامية، والعساكر المحمدية، والمواقف المشهودة، والأيَّام المحمودة. ذو الرأي السَّديد، والطريق الحميد، أبو سليمان خالد بن الوليد، رضي الله عنه، ويقال: إنه لم يكن في جيش فكُسِر، لا في جاهلية ولا إسلام. قال الزبير بن بكار: كانت إليه في قريشٍ القبةُ وأعِنَّةُ الخَيْل. أسلم هو وعَمرو بن العاص، وعثمان [بن طلحة] بن أبي طلحة بعد الحديبية، وقيل: خيبر، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبْعثه فيما يبعثه أميرًا. ثم كان المُقَدَّم على العساكر كلها في أيام الصدِّيق، فلما ولي عمرُ بن الخطَّاب عَزَلَه وولَّى أبو عُبَيْدة أمينَ الأُمة، على أن لا يَخْرُجَ عن رأي أبي سليمان. ثم مات خالد في أيام عمر، وذلك في سنة إحدى وعشرين، وقيل: اثنتين وعشرين - والأول أصح - بقريةٍ على ميلٍ من حمص.

قال الواقدي

(5)

: سألت عنها فقيل لي دَثَرَت. وقال دحيم: مات بالمدينة. والأول أصح. وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها.

قال عتيق بن يعقوب

(6)

: حدّثني عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، عن عَمْرو بن حَزْم: أنَّ هذه قطائع أقطَعَها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المؤمنين أن عِضَاه وَجٍّ لا يُعْضَدُ، وصَيْدُهُ لا يُقْتَلُ

(7)

، فمنْ وُجِدَ يفعلُ من ذلك شيئًا، فإنه يُجْلَدُ وتُنْزَع

(8)

ثيابه، وإن

(1)

طبقات ابن سعد 4/ 96.

(2)

ترجمته في نسب قريش (320 - 322)، والاستيعاب (427)، وتاريخ دمشق - السيرة - مجمع - (2/ 234) وأسد الغابة (2/ 109)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 172 - 174)، والإصابة (1/ 413 - 415).

(3)

ط: (عمر) تحريف.

(4)

ط: (أبو سلمان) وهو تحريف.

(5)

طبقات ابن سعد (7/ 397).

(6)

تاريخ دمشق - السيرة - طبعة المجمع (2/ 334).

(7)

ط، أ:(أن صيدوح وصيده لا يعضد صيده ولا يقتل) وما أثبته عن ابن عساكر ووج هي الطائف وقيل: واد بالطائف (معجم البلدان: وج) والعضاه شوك عظيم له شوك (النهاية: عضه).

(8)

ط: (ينزع).

ص: 494

تَعَدَّى ذلك أحدٌ فإنه يُؤْخَذُ فيُبْلَغُ به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وإن هذا من مُحمّد النَّبِيّ، وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد.

ومنهم، رضي الله عنهم، الزُّبَيْر بن العَوَّام

(1)

بن خُوَيْلد بن أَسَد بن عَبْدِ العُزَّى بن قُصَيّ، أبو عبد اللّه الأسَدي: أحدُ العَشَرة، وأحدُ السّتة أصحابِ الشُّورى الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وحواريُّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وابنُ عَمَّته صَفيّة بنتِ عبد المطلب، وزوجُ أسماء بنتِ أبي بكر الصديق

(2)

رضي الله عنه.

روى عتيق بن يعقوب بسنده المُتَقَدِّم أنَّ الزُّبَيْر بن العَوَّام هو الذي كتب لبني معاوية بن جَرْوَل الكتابَ الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم. رواه ابنُ عساكر بإسناده عن عَتيقٍ

(3)

به.

أسلم الزبير، رضي الله عنه، قديمًا

(4)

وهو ابنُ ستّ عشرة سنة، ويقال: ابنُ ثمانِ سنين. وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهدَ كلَّها، وهو أولُ من سَلَّ سيفًا

(5)

في سبيل الله. (وقد جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أبويه، وقال: إنّ لكل نبيٍّ حواريًا، وحواريَّ الزبير)

(6)

وقد شهد اليَرْموك، وكان أفضلَ مَن شَهِدَها، واخْتَرَق يومئذ صفوفَ الروم من أولهم إلى آخرهم مرتين، ويَخْرُجُ من الجانب الآخر سالمًا، لكن جُرِح في قفاه بضربتين، رضي الله عنه. وله فضائلُ ومناقبُ كثيرةٌ. وكانت وفاته يومَ الجَمَل، وذلك أنه كرَّ راجعًا عن القتال، فلحقه عَمْرو بن جُرْمُوز وفضالة بن حابسٍ ورجلٌ ثالثٌ يقال له: نُفَيْعُ التَّميميون، بمكانٍ يُقال له: وادي السباع، فبدر إليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله، وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سن ست وثلاثين، وله من العمر يومئذ سبعٌ وستّون سنة، وقد خَلَّفَ رضي الله عنه بعده تركةً عظيمةً، فأوصى من ذلك بالثُّلْث بعد إخراج ألْفَيْ ألفٍ ومِئَتَيْ ألف دينًا، فلما قضي دينه، وأُخرج ثلث ماله، قسم الباقي على ورثته، فنال كل امرأة من نسائه - وكن أربعًا - ألْفُ ألْفٍ ومئتا ألف، فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه تسعةٌ وخمسون

(7)

ألف ألفٍ وثمانِمئة ألف. وهذا كله من وجوه حِلٍّ، نالها في حياته، مما كان يصيبه من الفَيْءِ والمَغانم، ووجوه مَتاجِرِ الحَلالِ، وذلك كلُّه بعد إخراج الزكوات في أوقاتها، والصِّلاتِ البارعة الكثيرة لأربابها في أوقات حاجاتها، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل جنات

(1)

ترجمته في حلية الأولياء (1/ 89)، والاستيعاب (510)، وتاريخ دمشق - السيرة - مجمع - (2/ 334 - 335) وأسد الغابة (2/ 249 - 252)، وسير أعلام النبلاء (1/ 41 - 67)، والإصابة (1/ 545 - 546).

(2)

زيادة من أ.

(3)

ط: (روى ابن عساكر بإسناد عن عتيق به).

(4)

ط: (أسلبم الزبير قديمًا رضي الله عنه.

(5)

ط: (سيفا أفضل).

(6)

ما بين القوسين جاء في ط بعد الخبر التالي.

(7)

أ، ط:(وخمسين) وما أثبته للسياق.

ص: 495

الفردوس مثواه - وقد فعل - فإنه قد شهد له سيّد الأولين والآخرين، ورسول ربّ العالمين بالجنة، وللّه الحمد والمنة.

وذكر ابن الأثير في "الغابة"

(1)

أنه كان له ألفُ مملوك، يُؤَدّون إليه الخَراج، وأنه كان يَتَصدَّق بذلك كله. وقال فيه حَسّان بن ثابتٍ يَمْدحُه ويُفَضِّلُه بذلك

(2)

: [من الطويل]

أقامَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ وهَدْيِهِ

حَواريُّهُ والقَوْلُ بالفعل

(3)

يُعْدَلُ

أقام على مِنْهَاجِهِ وطَريقِهِ

(4)

يُوالي وَليَّ الحَقّ والحَقُّ أعْدَلُ

هُوَ الفَارسُ المَشْهُور وَالبَطَلُ الذي

يَصُولُ إذا ما كانَ يَوْمٌ مُحَجَّلُ

وإن امرأً كانَتْ صَفيةُ أُمَّهُ

وَمِنْ أسَدٍ في بَيْتِهِ لمُرَفَّلُ

(5)

لَهُ منْ رَسول اللهِ قُرْبَى قَريبةٌ

ومنْ نُصْرةِ الإسْلامَ مَجْدٌ مُؤثَّلُ

فَكَمْ كُرْبةٍ ذَبَّ الزُّبَيْر بسيَفِهِ

عَنِ المُصْطَفى واللّهُ يُعطي ويُجْزِلُ

(6)

إذا كشفَتْ عنْ ساقِها الحَرْبُ حَشَّها

بأبيض سبَّاقٍ

(7)

إلى الموتِ يُرْقِلُ

فَمَا مِثْلُه فِيهمْ وَلا كَانَ قَبْلَهُ

وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ ما دَامَ يَذْبُلُ

وقد تَقَدَّمَ أنَّه قتله عَمْرو بن جُرْموزٍ التَّميمي بوادي السباع وهو نائم، ويقال: بل قام من آثار النوم، وهو دَهِشٌ، فركب وبارزه ابن جُرْمُوز، فلما صَمَّم عليه الزبير أنجده صاحباه فَضالةُ ونُفيعٌ

(8)

فقتلوه، وأخذ عمرو بن جرموز رأسَه وسيفَه. فلما دخَل بهما على عليٍّ، قال علي رضي الله عنه، لما رأى سيفَ الزبير: إن هذا السيفَ طالما فَرَّجَ الكُرَبَ عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقال عليّ فيما قال: بَشِّرْ قاتلَ ابنِ صفيةَ بالنَّار. فيقال: إن عمرو بن جُرْمُوزٍ لما سمع ذلك قتل نفسَه. والصحيحُ أنَّه عُمِّرَ بعدَ عليٍّ حتّى كانَتْ أيَّام ابن الزُّبير، فاستنابَ أخاه مُصْعبًا على العراقِ، فاختفى عمرو بن جُرْموز خوفًا من سَطْوَتِه أن يقتله بأبيه. فقال مُصعبٌ: أبلغوه أنه آمن، أيَحْسَبُ أني أقتلُه بأبي عبد الله؟ كلا، واللّه، ليسا سواءً، وهذا من حلم مُصعبٍ وعقله ورئاسته.

(1)

أسد الغابة (2/ 251).

(2)

ديوان حسان - دار صادر - (1/ 433 - 434).

(3)

ط: (بالفضل) وما هنا عن أ ويوافق ما في الديوان.

(4)

ط: (وطرقه). ولا يستقيم الوزن بها.

(5)

ط: (لمرسل).

(6)

في الديوان: (فكلم كربةٍ جَلّى

*

فيجزل).

(7)

ط: (سياف).

(8)

ط: (النعر) وهو تحريف. وقد تقدم.

ص: 496

وقد روى الزبير عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيَرة يَطولُ ذكرها. ولما قُتل الزبيرُ بن العوَّام بوادي السِّباع، كما تقدّم، قالت امرأتُه عاتكةُ بنتُ زيدِ بنِ عمرٍو بن نُفَيْل تَرْثيه رضي الله عنها وعنه:

غَدَرَ ابْنُ جُرْموزٍ بفارسِ بُهْمةٍ

يَومَ اللِّقاءِ وكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ

يا عَمْرُو لوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ

لا طائشًا رَعشَ الجَنان ولا اليَدِ

كَمْ غَمْرَةٍ قد خاضَها لمْ يَثْنِهِ

عَنْها طِرادُك

(1)

يا بنَ فَقْع القَرْدَدِ

ثكِلَتْكَ أمُّك إنْ ظَفِرْتَ بمثلِهِ

(2)

فيمن مَضَى مِمَّن يروحُ ويَغْتدي

واللّه رَبِّك إنْ قَتلتَ لَمُسلمًا

حَلَّت عَلَيْكَ عُقوبةُ المُتَعَمِّدِ

(3)

ومنهم رضي الله عنهم زَيْدُ بن ثابتٍ

(4)

بن الضَّحَّاك بن زَيْد بن لَوذان بن عَمْرو بن عبد

(5)

بن عوف بن غَنْم بن مالك بن النّجّار الأنصاري النجاري، أبو سعيد، ويقال: أبو خارجة، ويقال: أبو عبد الرحمن المدني.

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة، فلهذا لم يَشْهَدْ بَدْرًا لصغره، قيل: ولا أُحُدًا

(6)

وأول مشاهده الخندق، ثم شَهِدَ ما بعدها. وكان حافظًا لبيبًا عالمًا عاقلًا، ثبت عنه في "صحيح البخاري"

(7)

. أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلَّم كتاب يَهود ليقرأه على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلَّمه في خمسة عشر يومًا.

وقد قال الإمام أحمد

(8)

: حَدَّثَنَا سليمان بن داود، ثنا عبد الرحمن، عن أبي الزِّناد، عن خارجة بن زيد: أنّ أباه زيدًا أخبره أنه لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال زيد: ذُهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُعْجب بي، فقالوا: يا رسولَ اللّه، هذا غلامٌ من بني النَّجار، معه مما أنزل اللّهُ عليك بضعَ عشرةَ سورةً، فأَعْجَبَ ذلك رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم وقال: "يا زيدُ تَعَلَّمْ لي كتابَ يهود، فإنِّي والله، ما آمَنْ

(9)

يَهودَ على

(1)

ط: (كم غمرة خاضها لم يثنيه * عنها طراد) فيها نقص وخطأ.

(2)

ط: (

إن طرت بمثله * فيم مضى فيمن

) منها تحريفان.

(3)

ط: (المعتمد) تحريف.

(4)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 537)، وتاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق (2/ 335 - 337)، وأسد الغابة (2/ 278) وسير أعلام النبلاء (2/ 426)، والإصابة (1/ 561 - 562).

(5)

ط: (عبيد) تحريف.

(6)

ط: (أحد).

(7)

البخاري (7195) تعليقًا.

(8)

مسند الإمام أحمد (5/ 186)، وهو حديث صحيح.

(9)

أ: (لا آمن).

ص: 497

كتابي". قال زيد: فَتَعَلَّمْتُ له

(1)

كتابهم، ما مَرَّتْ خَمْسَ عَشْرَةَ ليلةً حتى حَذَقْتُهُ، وكنتُ أقرأ له كتبَهم إذا كتبوا إليه، وأُجيبُ عنه إذا كتبَ. ثم رواه أحمد

(2)

عن سُرَيْجٍ

(3)

بن النعمان، عن ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه

فذكر نحوه. وقد عَلَّقَه البُخاري في الأحكام، عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجَزْمِ، فقال: وقال: خارجة بن زيد

فذكره. ورواه أبو داود

(4)

عن أحمد بن يونس، والترمذي

(5)

عن علي بن حُجْرٍ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه عن خارجة، عن أبيه، به نحوه. وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ. وهذا ذكاءٌ مُفْرِطٌ جدًا.

وقد كان مِمَّنْ جَمَعَ القُرآن على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القُرّاء كما ثبت في "الصحيحين"

(6)

عن أنس. وورى أحمد

(7)

والنّسائي

(8)

من حديث أبي قلابة، عن أنس، عن رسول اللّه أنه قال:"أرْحَمُ أُمَّتي بأُمَّتي أبو بكر، وأَشَدُّها في دين اللهِ عُمر، وأصدقُها حياء عثمانُ، وأقْضاهُمْ عليُّ بن أبي طالب، وأعْلَمُهم بالحَلالِ والحَرام مُعاذُ بن جَبَلٍ، وأعْلَمُهُمْ بالفَرائضِ زَيْدُ بن ثابتٍ، ولكلِّ أمةٍ أمينٌ، وأمينُ هذه الأمّةِ أبو عبيدة بن الجراح" ومن الحُفّاظ من يجعله مُرْسَلًا إِلَّا ما يتعلق بأبي عُبَيدة ففي "صحيح البخاري"

(9)

من هذا الوجه.

وقد كتب الوحي بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غير ما مَوْطنٍ، ومن أوضح

(10)

ذلك ما ثبت في "الصحيح"

(11)

عنه أنه قال: لمَّا نَزَلَ قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]، الآية، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب: "لا يستوي القاعِدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه" فجاء ابنُ أُمُّ

(12)

مكتوم فجعل يشكو ضَرارته، فنزلَ الوَحْيُ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فثَقُلَتْ فَخذُهُ على فَخِذي حتى كادت تَرُضُّها، فنزل {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فأمرني فألحقتها، فقال زيد: فإنّي لأعرفُ موضعَ مُلْحَقِها عند صَدْعٍ في ذلك اللَّوْح - يعني من عظامٍ -

الحديث.

(1)

ط: (لهم).

(2)

مسند الإمام أحمد (3/ 186 - 191)، وهو حديث صحيح.

(3)

أ، ط:(شريح). وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 219).

(4)

أبو داود (3645)، وهو حديث صحيح.

(5)

الترمذي (2715)، وهو حديث صحيح.

(6)

البخاري (3810، 5003، 5004)، ومسلم (2465).

(7)

مسند الإمام أحمد (3/ 281)، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(8)

السنن الكبرى للنسائي (8242).

(9)

البخاري (3744، 4382، 7255).

(10)

ط: (أفضح) تحريف.

(11)

البخاري (2832، 4592).

(12)

زيادة عن أ.

ص: 498

وقد شهد زيدٌ اليمامةَ، وأصابه سهمٌ فلم يَضُرُّه، وهو الذي أمره الصّدّيق بعد هذا بأن يَتَتَبَّعَ القرآن فَيَجْمَعَه

(1)

، وقال له: إنك شاب عاقل لا نَتَّهِمُكَ، وقد كنتَ تكتبُ الوحيَ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ القُرآن فاجْمَعْهُ، ففعل ما أمَرهُ به الصّدّيق، فكان في ذلك خيرٌ كثيرُ، وللّه الحمد والمنة. وقد استنابه عُمر مَرَّتَيْن في حَجَّتَين على المدينة، واستنابه لمّا خَرَجَ إلى الشام، وكذلك كان عثمان يَسْتَنيبهُ على المدينة أيضًا، وكان عليٌّ يُحبّه، وكان يُعَظّم عليًّا، ويعرفُ له قدرَهُ، ولم يشهد معه شيئًا من حُروبه. وتأخَّر بعدَهُ حتى تُوفّي سنةَ خَمْس وأربعينِ. وقيل: سنة إحدى، وقيل: خمس وخمسين. وهو مِمَّن كانَ يكتبُ المصاحفَ الأئمةَ التي نَفَذ بها عثمانُ بنُ عفان إلى سائر الآفاقِ اللائي وَقَعَ على التّلاوة طِبْقَ رَسْمِهِنّ الإجماعُ والاتِّفاقُ، كما قَرَّرْنا ذلك في "كتاب فضائل القرآن" الذي كتبناه مقدِّمة في أول كتابنا "التفسير" وللّه الحمد والمنة.

ومنهم، رضي الله عنهم، السِّجِلُّ

(2)

، كما ورد به الحَديثُ المَرْويُّ في ذلك عن ابن عباس - إن صَحَّ - وفيه نظرٌ.

قال أبو داود

(3)

: حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، ثنا نوح بن قيس، عن يزيد بن كعب، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجَوْزاء، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: السِّجِلُّ كاتبٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وهكذا رواه النسائي

(4)

عن قتيبة به. وعن

(5)

ابن عباس أنه كان يقول: في هذه الآية: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ

(6)

} [الأنبياء: 104] قال: السِّجِلّ: الرجل. هذا لَفْظُهُ. ورواه أبو جعفر بن جرير في "تفسيره" عند قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ

(7)

}! عن نصر بن علي، عن نوح بن قيس، وهو ثقةٌ من رجال مسلم، وقد ضَعَّفَه ابنُ مَعين في روايةٍ عنه. وأما شيخُه يزيد بن كعب العَوْذي

(8)

البصري، فلم يَرْوِ عنه سوى نوح بن قيس، وقد ذكره مع ذلك ابن حِبّان في "الثّقات"

(9)

.

وقد عرضتُ هذا الحديث على شيخنا الحافظِ الكبير أبي الحَجّاج المِزّي، فأنكره جدًا، وأخْبَرْته أن

(1)

ط: (فأجمعه).

(2)

تاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق (2/ 335 - 337).

(3)

أبو داود (2935)، وإسناده ضعيف.

(4)

السنن الكبرى للنسائي (11335).

(5)

ليست الواو في ط ولا في أ.

(6)

وهي قراءة ما سوى حفص وحمزة والكسائي وخلف.

(7)

ط: (اللكتب).

(8)

ط: (العوفي) وانظر تهذيب الكمال (32/ 230).

(9)

الثقات (9/ 271).

ص: 499

شيخَنا العلامة أبا العباس ابن تَيْميَّة كان يقول: هو حديثٌ موضوعٌ، وإن كان في "سنن أبي داود". فقال شيخنا المزي، وأنا أقوله.

قلت: وقد رواه الحافظُ ابن عَديٍّ في "كامله"

(1)

من حديث محمد بن سليمان الملقب ببومة، عن يحيى بن عمرو بن

(2)

مالك النُّكْري، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم كاتبٌ يُقالُ له: السِّجلّ، وهو قوله (تعالى):{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} قال: كما يطوي السّجِلّ للكتَاب كذلك نَطْوي

(3)

السماء. وهكذا رواه البيهقيّ

(4)

، عن أبي ناصر بن قتادة، عن أبي علي الرّفّاء عن علي بن عبد العزيز، عن مسلم بن إبراهيم، عن يحيى بن عمرو بن مالك به. ويحيى هذا ضعيف جدًا، فلا يصلُح للمتابعة. والله أعلم.

وأغرب من ذلك أيضًا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب

(5)

وابن مَنْدَة من حديث أحمد بن سعيد البغدادي المعروف بحمدان، عن ابن نُمير

(6)

، عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم كاتبٌ، يقال له: سِجِلٌّ، فأنزل اللّه {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} قال ابن منده: غريب تَفَرَّد به حمدان. وقال البَرْقاني: قال أبو الفتح الأزدي: تَفَرَّدَ به ابن نُمَيْر، إن صَحَّ.

قلت: وهذا أيضًا مُنْكرٌ عن ابن عمر كما هو مُنْكَر عن ابن عباس، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر خلاف

(7)

ذلك، فقد روى الوالبيُّ والعَوْفي، عن ابن عباس: أنَّه قال في هذه الآية: قال: كطي الصحيفة على الكتاب. وكذلك قال مجاهد، وقال ابن جرير: هذا هو المعروف في اللغة أن السّجلّ هو الصحيفة. قال: ولا يعرف في الصحابة أحدٌ اسمُه السّجل، وأنكر أن يكون السّجلُ اسمَ مَلَكٍ من الملائكة، كما رواه عن أبي كُرَيْب، عن ابن يَمانٍ، ثنا أبو الوفاء الأشجعي، عن أبيه، عن ابن عمر في قوله {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} قال: السجل مَلَكٌ، فماذا صعِد بالاستغفار قال الله: اكتُبْها نورًا. وثنا بُنْدار، عن مُؤَمَّل، عن سفيان، سمعت السُّدِّيّ يقول (فذكر مثله.

وهكذا قال أبو جعفر الباقر فيما رواه أبو كُرَيْب، عن ابن

(8)

المبارك عن)

(9)

معروف بن خَرَّبوذ، عمَّن

(1)

الكامل في أسماء ضعفاء الرجال (7/ 2662).

(2)

ط: (وعن) وسيأتي بعد بوجهه الصحيح.

(3)

ط: (السجل للكتاب كذلك تطوي).

(4)

في "السنن الكبرى"(10/ 126).

(5)

تاريخ بغداد (8/ 175). قال بشار: وانظر بلابد تعليقي على هذا الحديث في طبعتي من تاريخ الخطيب (9/ 47 - 48).

(6)

في الأصول: بهز.

(7)

ط: (خلال) تحريف.

(8)

ليس في ط.

(9)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 500

سمع أبا جعفر يقول: السّجِلُّ المَلَكُ، وهذا الذي أنكره ابن جرير من كون السجل اسمَ صحابيّ أو مَلَكٍ، قويٌّ جدًا، والحديث في ذلك مُنْكرٌ جدًا. ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن مَنْدَه وأبي نعيم الأصبهاني وابن الأثير في "الغابة"

(1)

إنما ذكره إحسانًا للظن بهذا الحديث، أو تعليقًا على صحّتِه. واللّه أعلم.

ومنهم رضي الله عنهم سعد بن أبي سَرْح، فيما قاله خليفةُ بن خَيّاط

(2)

، وقد وَهِمَ، إنما هو ابنُه عبدُ اللّه بن سَعْد بن أبي سَرْح كما سيأتي قريبًا إن شاء اللّه.

ومنهم رضي الله عنهم عامر بن فهَيْرة

(3)

، مولى أبي بكر الصديق قال الإمام أحمد

(4)

: حَدَّثَنَا عبد الرزاق

(5)

، عن مَعْمَرٍ، قال: قال الزُّهْريّ: أخبرني عبد الرحمن

(6)

بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سُراقة بن مالك: أنَّ أباهُ أخْبَرَهُ أنه سمع سراقة يقول؛ فذكر خبر هجرةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقال فيه: فقلتُ له: إنَّ قومَك جَعَلوا فيك الدِّيَّة، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضُ عليهم الزاد والمتاع فلم يرزؤوني منه شيئًا ولم يسألوني إِلَّا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فُهيرة فكتب في رقعة من آدم، ثم مضى.

قلت: وقد تقدَّم الحديثُ بتمامه في الهجرة. وقد رُوي أنّ أبا بكر هو الذي كتب لسُراقة هذا الكتاب فاللّه أعلم.

وقد كان عامر بن فُهَيْرة - ويكنى أبا عمرو - من مُوَلَّدي الأزد، أسودَ اللون، وكان أولًا مولًى للطُّفَيْل بن الحارث أخي عائشة لأُمّها أمّ رُومان، فأسلم قديمًا قبلَ أنْ يدخلَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم دارَ الأرْقَم بن أبي الأرقم، التي عند الصفا، مُسْتَخفيًا، فكان عامرٌ يُعَذَّب مع جُمْلةِ المُسْتَضْعفين بمكة ليرجعَ عن دينه فيأبى، فاشتراه أبو بكر الصّدّيق فأعتقه، فكان يَرْعَى له غنمًا بظاهر مكة. ولما هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، كان معهما رديفًا لأبي بكر، ومعهم الدليل الدُّئلي فقط، كما تقدَّم مبسوطًا، ولما وَرَدوا المدينةَ نزلَ عامر بن فُهَيْرة على سعد بن خَيْثَمة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن مُعاذ، وشهد بدرًا وأُحُدًا، وقُتِل يَوْمَ بئر مَعونة، كما تقدم، وذلك سنةَ أربعٍ من الهجرة، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة، فاللّه أعلم.

وقد ذكر عروة وابنُ إسحاقَ والواقديُّ وغيرُ واحدٍ، أنَّ عامرًا قتله يومَ بئرِ مَعونة رجلٌ يُقال له:

(1)

أسد الغابة (2/ 326).

(2)

تاريخ خليفة (1/ 77)، وتاريخ دمشق - السيرة - مجمع دمشق (2/ 337).

(3)

الاستيعاب (796)، والإصابة (2/ 256).

(4)

مسند أحمد (4/ 175 - 176) وإسناده حسن.

(5)

وهو في مصنفه (9743).

(6)

أ، ط:(عبد الملك) وما هنا عن المسند.

ص: 501

جَبّار بن سُلْمى

(1)

من بني كلاب، فلمّا طعنَه بالرمح قال: فُزْتُ وربِّ الكَعْبة، ورُفع عامر حتى غاب عن الأبصار، حتى قال عامر بن الطُّفيل: لقد رُفع حتى رأيتُ السماء دونَه، وسأل عمرَو بن أمية عنه فقال: كان من أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم. قال جبّار: فسألت الضّحّاك بن سفيان عما قال: ما يعني به؟ فقال: يعني الجنة. ودعاني الضحاكُ إلى الإسلام، فأسلمتُ لما رأيتُ من قَتْلِ عامر بن فُهَيْرة، فكتبَ الضّحّاك إلى رسولِ الله يُخْبره بإسلامي، وما كان من أمر عامر، فقال:"وارَتْهُ الملائكة وأنزل عِلييّن".

وفي الصحيحين

(2)

عن أنس أنه قال: قَرَأْنا فيهم قُرْآنًا أن: (بلّغوا عَنّا قَوْمَنا أنَّا لَقينا ربَّنا فَرَضِيَ عنَّا وأرضانا). وقد تقدم ذلك بتمامه

(3)

في موضعه عند غزوة بئر معونة.

وقال محمد بن إسحاق

(4)

: حدّثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطُّفَيْل كان يقول: مَنْ رَجُلٌ منكم لما قُتل رأيتُه رُفِعَ بين السماء والأرْض، حتى رأيتُ السماءَ دونَه؟ قالوا: عامر بن فُهَيْرة.

وقال الواقدي

(5)

: حدّثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: رُفع عامرُ بن فُهَيْرة إلى السماء فلم توجد جُثَّتُه، يَرَوْنَ أنّ الملائكةَ وارَتْهُ.

ومنهم رضي الله عنهم عبدُ الله بن أرْقَم بن أبي الأرْقَم المَخْزومي

(6)

: أسلم عام الفتح، وكتبَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قال الإمام مالك

(7)

: وكان يُنْفِذُ ما يَفْعَلُه ويَشْكُره ويَسْتَجيدُه. وقال سَلَمة، عن محمد بن إسحاق بن يسار

(8)

، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير: أن رسولَ الله اسْتَكْتَبَ عبدَ الله بن الأرْقَم بن عبد يَغوث، وكان يُجيبُ عنه الملوكَ. وبلغ من أمانَتِه أنّه (كان يأمُرُهُ أنْ) يكتُبَ إلى بعضِ الملوكِ فَيَكْتُبَ، ويَخْتِمَ على ما يقرؤه لأمانته عنده. وكَتَبَ لأبي بكرٍ وجعلَ إليه بيتَ المال، وأقرَّه عليهما عمرُ بن الخَطّاب، فلما كان عثمانُ عَزَلَه عنهما.

قلت: وذلك بعدَما استعفاه عبدُ الله بن الأرْقَم، ويقالُ: إنَّ عثمانَ عَرَضَ عليه ثلاث مئة ألف درهم عن أجرة عمالته، فأبى أن يَقْبَلَها وقال: إنما عملتُ لله، فأجري على الله عز وجل.

(1)

في الإصابة (1/ 219)(جبار بن سلمة -بضم السين وقيل بفتحها-).

(2)

البخاري (4090) ومسلم (677)(297).

(3)

ط: (بيانه).

(4)

سيرة ابن هشام (2/ 186).

(5)

طبقات ابن سعد (3/ 231).

(6)

ترجمته في الاستيعاب (2/ 792)، وأسد الغابة (3/ 172)، وتهذيب التهذيب (5/ 146 - 147)، والإصابة (2/ 273 - 274).

(7)

الاستيعاب (3/ 865 - 866).

(8)

تاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 339).

ص: 502

قال ابن إسحاق

(1)

: وكتب لرسول الله زيد بن ثابت، فإذا لم يَحْضُر ابنُ الأرقم وزيدُ بن ثابتٍ، كَتَبَ مَنْ حَضَرَ من الناس، وقد كتبَ عمرُ وعليّ وزيدٌ والمغيرةُ بن شعبة ومعاويةُ وخالدُ بن سعيدِ بن العاص، وغيرُهم ممن سُمّيَ من العرب.

وقال الأعمش: قلت لشَقيقِ بن سَلَمة: مَنْ كانَ كاتبَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال عبدُ الله بن الأرْقَم، وقد جاءنا كتابُ عمرَ بالقادِسيّة وفي أسفله: وكتبَ عبد الله بن الأرْقَم.

وقال البيهقي

(2)

: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الفضل بن محمد البيهقي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا عبد العزيز بن أبي سَلَمَةَ الماجشون، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتابُ رجلٍ، فقال لعبد الله بن الأرْقَم:"أجِبْ عنّي"، فكتبَ جوابَه، ثم قرأه عليه، فقال:"أصَبْتَ وأحْسَنْتَ، اللَّهمّ وَفِّقْهُ" قال: فلما وَليَ عمر كان يشاوره. وقد رُويَ عن

(3)

عمر بن الخطاب أنّه قال: ما رأيتُ أخْشَى للهِ منه -يعني في العمال- أُضِرّ رضي الله عنه قبلَ وفاته.

ومنهم، رضي الله عنهم، عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي

(4)

، صاحبُ الأذان، أسلم قديمًا، فشهدَ عقبةَ السَّبعين، وحضرَ بَدْرًا وما بعدها، ومن أكبر مناقبه رُؤيَتُه الأَذان

(5)

والإقامة في النوم، وعَرْضُه ذلك على رسول الله، وتقريرُه عليه، وقوله له:"إنها لرُؤْيا حَقٍّ فألْقِهِ على بلالٍ؛ فإنّه أنْدَى صوتًا منك" وقد قَدَّمْنا الحديثَ بذلك في موضعه. وقد رَوَى الواقدي

(6)

بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب كتابًا لمن أسلم من جُرَش فيه الأمرُ لهم بإقامة الصلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وإعطاء خُمُس المَغْنَم. وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين، عن أربعٍ وستّين سنةً، وصلَّى عليه عثمان بنُ عفَّان رضي الله عنه.

ومنهم، رضي الله عنهم، عبد الله بن سعد بن أبي سَرْحٍ

(7)

، القُرَشي العامري

(8)

، أخو عثمان بن

(1)

تاريخ دمشق -السيرة- (2/ 34).

(2)

في "السنن الكبرى"(10/ 126).

(3)

ليست في ط.

(4)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 536 - 537)، وتاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 341 - 345) وأسد الغابة (3/ 247)، وسير أعلام النبلاء (2/ 375 - 377).

(5)

تاريخ دمشق -السيرة- مجمع (2/ 342 - 243).

(6)

تاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 342).

(7)

ترجمته في طبقات ابن سعد (7/ 496)، والاستيعاب (918)، وتاريخ دمشق -السيرة- مجمع السيرة (2/ 341) وأسد الغابة (3/ 173) وسير أعلام النبلاء (3/ 33 - 35) والإصابة (2/ 316 - 318).

(8)

ليس اللفظ في أ.

ص: 503

عفان

(1)

من الرَّضاعة. أرضعت أمُّه

(2)

عثمان. وكتب الوحيَ، ثم ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم -وكان قد أهْدَرَ دَمَهُ فيمن أهدَر من الدماء- فجاء إلى عثمان بن عفان، فاستأمن له، فأمَّنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما قَدَّمنا في غَزْوَة الفتحِ، ثم حَسُنَ إسلامُ عبدِ الله بن سَعْدٍ جدًا بعد ذلك

(3)

.

قال أبو داود

(4)

: حدَّثنا أحمد بن محمد المروزي، ثنا علي بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأزلَّهُ الشَّيْطانُ فلحق بالكُفّار، فأمر به رسولُ الله أن يُقْتَل، فاسْتَجار له عثمان بن عفان، فأجارَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي

(5)

من حديث عليّ بن الحسين بن واقد به.

قلت: وكانَ علي مَيْمَنَة عمرو بن العاص حين افْتَتَحَ عمرٌو مِصْرَ سنة عشرين في الدولة العُمَرية، فاستناب عمر بن الخَطّاب عَمْرًا عليها، فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عَمْرو بن العاص وَوَلَّى عليها عبدَ الله ابن سَعْد سنةَ خمسٍ وعشرين، وأَمَرَه بغَزْوِ بلاد إفْريقيَّة فَفَتَحها، وحَصَل للجيش منها مالٌ عظيمٌ، كان قَسمُ الغَنيمة لكلِّ فارسٍ من الجيش ثلاثة آلاف مثقالٍ من ذَهَبٍ، وللرّاجِل ألف مثقال

(6)

. وكان معه في جيشه هذا ثلاثةٌ من العبادلة؛ عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عَمْرو، ثم غزا عبد الله ابن سعد بعدَ إفريقيَّةَ الأساودَ من أرض النُّوبة، فهادَنَهُمْ، فهي إلى اليوم، وذلك سنة إحدى وثلاثين، ثم غزا غزوة الصَّواري في البحر إلى الروم وهي غزوة عظيمة، كما سيأتي بيانُها في مَوْضِعها إن شاء الله

(7)

فلما اختلَفَ الناس على عثمان خرجَ من مصرَ واسْتناب عليها ليذهب إلى عثمان لينصُرَهُ. فلما قُتِلَ عثمان أقامَ بعَسْقَلان، وقيل: بالرملة، ودعا الله أن يقبضَه في الصلاة، فصلَّى يومًا الفجرَ، وقرأ في الأولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورةٍ، ولما فرغ من التّشَهُّدِ سَلّم التسليمة الأولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه، وذلك في سنة ستٍّ وثلاثين، وقيل: سنة سبعٍ، وقيل: إنه تأخَّر إلى سنة تسعٍ وخمسين، والصحيح الأول.

قلت: ولم يَقَعْ له روايةٌ في الكُتُبِ السّتة ولا في "المسند" للإمام أحمد.

ومنهم، رضي الله عنهم، عبد الله بن عثمان، أبو بكر الصديق. وقد تقدم الوعد بأنَّ ترجمتَه ستأتي

(1)

ليس (بن عفان) في ط.

(2)

ط: (أخو عثمان لأمه من الرضاعة أرضعته أم عثمان).

(3)

ليست عبارة (بعد ذلك) في ط.

(4)

أبو داود (4358)، وهو حديث حسن.

(5)

النسائي (4080)، وهو حديث حسن.

(6)

ط: (مثاقل) تحريف.

(7)

ط: (في موضعها إن شاء الله في موضعها).

ص: 504

في أيام خلافتِه إن شاء الله عز وجل، وبه الثقة. وقد جمعتُ مجلدًا في سيرته، وما رواه من الأحاديث وما رُوي عنه من الآثار.

والدليلُ على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بنِ جُعْشُم، عن أبيه، عن سُراقة بن مالك

(1)

في حديثه حين اتَّبع رسولَ الله حينَ خرجَ هو وأبو بكر من الغار فَمَرّوا على أرضهم، فلما غَشِيَهُم -وكان من أمر فَرَسِه ما كان- سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يكتُبَ له كتاب أمان، فأمر أبا بكر فكتب له كتابًا ثم ألقاه إليه.

وقد روى الإمام أحمد

(2)

من طريق الزهري بهذا السند: أن عامر بن فُهَيْرة كتبه، فيحتملُ أن أبا بكر كتبَ بعضَه، ثم أمر مولاه عامرًا فكتب باقيه، والله أعلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، عثمان بن عفان أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في أيّام خلافته، وكتابتُه بين يديه، عليه الصلاة والسلام مشهورة. وقد رَوَى الواقديُّ

(3)

بأسانيده أن نَهْشَل بن مالك الوائلي لمَّا قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ بن عفّان فكتبَ له كتابًا فيه شرائعُ الإسلام.

ومنهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وستأتي ترجمتُه في خلافته، وقد تقدَّم أنّه كتبَ الصُّلحَ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يومَ الحُدَيْبية أن يأمن الناسُ، وأنه لا إسلال

(4)

ولا إغلال، وعلى وضع الحرب عشرَ سنين. وقد كتب غيرَ ذلك من الكتب بينَ يديه صلى الله عليه وسلم.

وأما ما يدّعيه طائفةٌ من يهودِ خَيْبَر أن بأيديهم كتابًا

(5)

من النبي صلى الله عليه وسلم بوَضْعِ الجزية عنهم، وفي آخره: وكتبَ علي بن أبي طالب، وفيه شهادةُ جماعةٍ من الصحابة منهم سعد بن مُعاذ ومعاوية بن أبي سفيان، فهو كَذِبٌ مُفْتَعلٌ

(6)

، وبُهْتانٌ مختلق مصنوع، وقد بيّنَ جماعةٌ من العلماء بُطْلانَه، واغْتَرّ به بعضُ الفقهاء المُتَقَدِّمين فقالوا بوضع الجزية عنهم، وهذا ضعيف جدًا. وقد جمعتُ في ذلك جُزءًا مُفْردًا بَيَّنْتُ فيه بُطْلانه، وأنه موضوعٌ، اخْتَلَقُوه ووضعوه

(7)

وَهُمْ أهلٌ لذلك، وبَيَّنْتُه وجَمَعْتُ مُتَفَرِّق

(8)

كلامِ الأئِمَّة فيه. ولله الحمد والمنة.

(1)

انظر تاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 338 - 339).

(2)

مسند الإمام أحمد (4/ 175)، وإسناده حسن.

(3)

طبقات ابن سعد (1/ 301).

(4)

إسلال: إغارة.

(5)

أ، ط:(كتاب) وما أثبته للسياق.

(6)

ليس اللفظ في ط.

(7)

ط: (وصنعوه).

(8)

ط: (مفرق).

ص: 505

ومن الكُتَّاب

(1)

بَيْنَ يَديْه أميرُ المُؤْمنين عمر بن الخطاب، وستأتي ترجمته في موضعها. وقد أفردتُ له مجلدًا على حِدَةٍ، ومجلدًا ضخمًا في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآثار والأحكام المرويّة عنه رضي الله عنه، وقد تقدَّمَ بيانُ كتابته في ترجمةِ عبدِ الله بن الأَرْقَمِ.

ومنهم، رضي الله عنهم، العَلاء بن الحَضْرمي

(2)

، واسم الحَضْرَمي عَبَّادٌ، ويقال: عبد الله بن عَبّاد بن أكبر بن رَبيعة بن عُوَيْف

(3)

بن مالك بن الخزرج بن أياد بن الصَّدَف

(4)

بن زيد بن مقنع بن حَضْرَمَوْت بن قحطان، وقيل غير ذلك في نسبه، وهو من حلفاء بني أمية. وقد تقدم بيانُ كتابته في ترجمة أبان بن سعيد بن العاص.

وكان له من الإخوة عشرةٌ غيره.

فمنهم: عَمْرو بن الحَضْرَمي أول قَتيلٍ من المشركين، قتله المسلمون في سريَّة عبد الله بن جحش، وهي أولُ سريّة كما تقدم.

ومنهم: عامِرُ بن الحَضْرَمي الذي أمَرَهُ أبو جهل، لعنه الله، فكشف عن عورته وناداه: واعَمْراه، حين اصطفَّ المسلمون والمشركون يوم بدر، فهاجتِ الحربُ، وقامت على ساقٍ، وكان ما كان مما قَدَّمْناه مبسوطًا في موضعه.

ومنهم: شُرَيْح بن الحَضْرَمي، كان من خيار الصحابة. قال فيه رسول الله

(5)

: "ذاكَ رجلٌ لا يَتَوسَّدُ القُرآن" يعني لا ينامُ وَيْترُكُه، بل يقوم به آناء الليل والنهار.

ولهم كلّهم أختٌ واحدةٌ، وهي: الصَّعْبَةُ بنتُ الحَضْرَمي أمُّ طلحةَ بن عُبَيْد الله.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم العَلاءَ بن الحَضْرَمي إلى المُنْذر بن ساوَى ملكِ البَحْرَيْن، ثم وَلّاهُ عَلَيْها أميرًا حين افْتَتَحَها. (وأقَرَّهُ عليها الصّدّيق، ثم عمر بن الخطاب، ولم يَزَلْ بها حتّى عَزَلَهُ عنها عمر بن الخطاب وَوَلَّاه)

(6)

البصرة. فلما كان في أثناء الطريق تُوفِّي، وذلك في سنة إحدى وعشرين. وقد روى البَيْهقي

(1)

في هامش أ: (ومنهم رضي الله عنهم عمر).

(2)

ترجمته في الاستيعاب (1085)، وتاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 349)، والإصابة (2/ 497 - 498). وتهذيب التهذيب (8/ 178 - 179).

(3)

ط: (عريقة) وأ: (عريف) وما أثبته عن مصادره السابقة.

(4)

ط: (الصدق).

(5)

مسند الإمام أحمد (3/ 449). والنسائي (1782)، وإسناده صحيح.

(6)

ليس ما بين القوسين في أ.

ص: 506

وغيره

(1)

عنه كراماتٍ كثيرةً: منها أنّه سارَ بجيشه على وَجْهِ البَحْرِ ما يصلُ إلى رُكَبِ خُيولهم، وقيل: إنه ما بَلّ أسافل نعالِ خُيولهم. وأمرهم كلَّهم فجعلوا يقولون: يا حليم يا عظيم. وأنَّه كانَ في جيشه، فاحتاجوا إلى ماءٍ، فدعا الله فأمْطَرهم قدرَ كفايتهم، وأنّه لما دُفِنَ لم يُرَ له أثر بالكليَّة، وكان قد سألَ اللهَ ذلك، وسيأتي هذا في كتاب "دلائل النبوة" قريبًا إن شاء الله عز وجل.

وله

(2)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةُ أحاديث:

الأول؛ قال الإمام أحمد

(3)

: حدَّثنا سفيان بن عيينة، حدّثني عبد الرحمن بن حُمَيْد بن عبد الرحمن ابن عَوْف، عن السائب بن يزيد، عن العَلاء بن الحَضْرَمي: أنّ رسول الله قال: "يَمْكُثُ المُهاجِر بعدَ قضاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا" وقد أخرجه الجماعة

(4)

من حديثه.

والثاني قال أحمد

(5)

: حدَّثنا هُشَيْم، ثنا منصور، عن ابن سيرين، عن ابن العَلاء بن الحَضْرمي: أنّ أباهُ كَتَبَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَبَدَأ بنفسه، وكذا رواه أبو داود

(6)

، عن أحمد بن حنبل.

والحديث الثالث رواه أحمد

(7)

وابن ماجه

(8)

من طريق محمد بن زيد، عن حَيَّان الأعْرَج عنه: أنّه كتَبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين في الحائط -يعني البستان- يكون بين الإخوة فيُسْلِمُ أحدُهم؟ فأمره أن يأخذَ العُشْرَ ممَّن أسْلَم. والخَراجَ -يعني ممن لم يُسْلِم-.

ومنهم العَلاءُ بن عُقْبَةَ

(9)

. قال الحافظ ابن عساكر: كان كاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أحدًا ذكره إلا فيما أخبرنا

ثم ذكر إسناده إلى عتيق بن يعقوب، حدّثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن حزم، إنّ هذه قَطائعُ أَقْطَعها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القومَ فذكرها، وذكر فيها:

(1)

ط: (عنه وغيره).

(2)

أ: (روى له).

(3)

مسند الإمام أحمد (4/ 339).

(4)

البخاري (3933) ومسلم (1352)، وأبو داود (2022) والترمذي (949) والنسائي (1453، 1454) وابن ماجه (1073).

(5)

مسند الإمام أحمد (4/ 339)، وإسناده ضعيف.

(6)

أبو داود (5134)، وإسناده ضعيف.

(7)

مسند أحمد (5/ 52)، وإسناده ضعيف.

(8)

ابن ماجه (1831)، وإسناده ضعيف.

(9)

ترجمته في تاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 350) والإصابة (2/ 498).

ص: 507

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى النبيُّ محمدٌ عباسَ بن مِرْداسٍ السُّلَميّ، أعطاه مدفورًا

(1)

فمن حاقَّه

(2)

فيها فلا حَقَّ له، وحقُّهُ حَقٌّ. وكتب العلاء بن عقبة وشهد.

ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعْطَى محمدٌ رسولُ الله عَوْسَجَةَ بن حَرْمَلَة الجُهَني، من ذي المَرْوة

(3)

وما بين بَلْكَثَة

(4)

إلى الظَّبْيةِ

(5)

إلى الجَعَلات إلى جبل القَبَليّة

(6)

فمن حَاقَّه فلا حقَّ له، وحقُّه حَقٌ، وكتبه العلاء بن عقبة.

وروى الواقدي

(7)

بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبني شَنْخٍ

(8)

من جُهَيْنَة. وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة، وشهد.

وقد ذكر ابن الأثير في "الغابة"

(9)

هذا الرجل مختصرًا فقال: العَلاءُ بن عُقْبَة كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ذِكره في حديث عمرو بن حَزْمٍ، ذكره جعفر، أخرجه أبو موسى -يعني المديني- في كتابه.

ومنهم، رضي الله عنهم، محمد بن مَسْلَمَة

(10)

بن سَلَمة بن حَريش

(11)

بن خالد بن عَدي بن مَجْدَعة بن حارِثَة بن الحارث بن الخزرج الأنْصاري الحارثيّ أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد المَدَنيّ حليف بني عبد الأشهل. أسلمَ على يَدَيْ مُصْعَب بن عُمَيْر، وقيل: سعد بن مُعاذ وأُسَيد بن حُضَير، وآخى رسولُ الله حينَ قَدِمَ المدينة بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهدَ بدرًا والمشاهدَ بعدها، واستَخْلَفَه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عامَ تَبوك.

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب"

(12)

: كان شديدَ السُّمْرَة، طويلًا، أصلع، ذا جُثّةٍ، وكان من

(1)

ط: (مدمورًا) وفي طبقات ابن سعد (مدفوًا) ولم يذكرها البكري ولا ياقوت في معجميهما وإنما ذكر ياقوت موضعًا في بلاد بني سُلَيْم أو هذيل واسمه (مدفار) فلعله هو.

(2)

ط، أ:(خافه) تحريف.

(3)

ذو المروة: قرية بوادي القرى (معجم البلدان).

(4)

بلكثة أَو بَلا كِث: قارة عظيمة فوق ذي المروة وفيها عيون ونخل لقريش (معجم البلدان).

(5)

ظبية موضع في ديار جهينة (معجم البلدان).

(6)

القبليَّة: جبل من جبال بني عَرَك من جهينة (معجم البلدان).

(7)

طبقات ابن سعد (1/ 271).

(8)

ط: (شيخ).

(9)

أسد الغابة (4/ 77).

(10)

ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 443 - 445) والاستيعاب (3/ 1377) وتاريخ دمشق -السيرة- مجمع دمشق (2/ 351)، وأسد الغابة (5/ 112) والإصابة (3/ 383 - 384).

(11)

ط: (جريس) تحريف. وانظر مصادر ترجمته.

(12)

الاستيعاب (3/ 1377).

ص: 508

فُضلاء الصحابة، وكان ممن اعتزل الفِتْنةَ واتخذ سيفًا من خشبٍ. ومات بالمدينة سنةَ ثلاثٍ وأربعين على المشهور عندَ الجمهور، وصلَّى عليه مروانُ بن الحَكَم. وقد روى حديثًا كثيرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر محمد بن سعد عن علي بن محمد المدائنيّ بأسانيده، أنّ محمد بن مسلمة هو الذي كَتَبَ لوفدِ مَهْرَةَ

(1)

كتابًا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، معاوية بن أبي سُفيان صَخْرِ بن حَرْبِ بن أُمية الأُمَويّ، وستأتي ترجمته في أيام إمارته إن شاء الله. وقد ذكره مسلم بن الحجاج

(2)

في كُتّابه عليه الصلاة والسلام. وقد روى مسلم في "صحيحه"

(3)

من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زُمَيْل سِماك بن الوليد، عن ابن عباس، أنّ أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثٌ أَعْطنيهنَّ؟ قال: "نعم" قال: تُؤَمِّرني حتى أقاتلَ الكُفّارَ كما كنتُ أقاتِلُ المسلمين. قال: "نعم"؟ قال: ومعاوية تجعلُه كاتبًا بين يديك. قال: "نعم؟ "

الحديث. وقد أفردتُ لهذا الحديث جُزْءًا على حِدَة بسبب ما وقعَ فيه من ذِكرِ طَلَبِهِ تَزْويج أمّ حَبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه من المَحْفوظ تَأْميرُ أبي سفيان وتوليتُه معاوية منصبَ الكِتابة بَيْن يديه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا قَدْرٌ مُتَّفقٌ عليه بين الناس قاطبةً.

فأما الحديثُ الذي قال

(4)

الحافظ ابن عساكر في "تاريخه"

(5)

في ترجمة معاوية هاهنا: أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله العَطَشي، ثنا أحمد بن محمد البوراني، ثنا السريّ بن عاصم، ثنا الحسن بن زياد، عن القاسم بن بَهرام، عن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استشارَ جبريلَ في اسْتِكتابِ مُعاوية، فقال: اسْتَكْتِبْهُ فإنّه أمينٌ. فإنّه حديثٌ غريبٌ بل مُنْكَرٌ.

والسريُّ بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهَمَذاني، وكان يُؤَدّبُ المُعْتَزَّ بالله، كَذَّبَهُ في الحَديث ابنُ خِراشٍ. وقال ابن حِبّان

(6)

وابنُ عَديّ

(7)

كانَ يَسْرقُ الحديثَ. زاد ابن حِبّان: ويَرْفَعُ المَوْقوفات لا يَحِلُّ الاحتجاجُ به. وقال الدّارَقُطني

(8)

: كانَ ضعيفَ الحديث. وشيخُه الحسنُ بن زياد -إن كان اللؤلؤيَّ- فقد تركه غيرُ واحدٍ من الأئِمَّة، وصرَّح كثيرٌ منهم بكَذِبه، وإن كانَ غَيْرَه فهو مجهولُ العَيْن والحال.

(1)

في الأصول: مرة.

(2)

تاريخ دمشق -السيرة- (2/ 351).

(3)

مسلم (2501)(168).

(4)

أ: (الناس وأما الحديث قال).

(5)

تاريخ دمشق (2/ 351).

(6)

المجروحين لابن حبان (1/ 355).

(7)

الكامل لابن عدي (3/ 1298).

(8)

الضعفاء والمتروكين للدارقطني (97).

ص: 509

وأما القاسم بن بَهْرام فاثنان:

أحدهما يقال له: القاسمُ بن بَهْرام الأَسَدي الواسطي الأعرج، أصلُه من أصْبهان، روى له النسائي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. حديثَ الفتون

(1)

بطوله، وقد وَثَّقه ابنُ مَعين وأبو حاتم وأبو داود وابن حِبّان.

والثاني: القاسم بن بَهْرام أبو هَمْدان

(2)

قاضي هِيت. قال ابن معين: كان كَذّابًا. وبالجملة فهذا الحديثُ من هذا الوجه ليس بثابتٍ ولا يُغْتَرّ به، والعجبُ من الحافظِ ابنِ عساكر مع جلالَةِ قَدْرِه واطّلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره -بل ومنْ تقدمه بدهر- كيف يورد في "تاريخه" هذا أحاديث كثيرة من هذا النمط، ثم لا يُبَيّن حالَها، ولا يُشيرُ إلى شيءٍ من ذلك إشارةً لا ظاهرةً ولا خفيّةً، ومثلُ هذا الصنيع فيه نَظَرٌ. والله أعلم.

ومنهم، رضي الله عنهم، المُغيرة بن شُعْبة الثقفي، وقد تقَدَّمت

(3)

تَرْجَمتُه فيمن كان يَخْدُمُه عليه الصلاة والسلام من

(4)

أصحابه من غير مواليه، وأنه كان سَيّافًا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد روى ابن عساكر

(5)

بسنده عن عَتيق بن يَعقوب بإسناده المتقدم غيرَ مَرّةٍ أن المغيرة بن شُعْبة هو الذي كتب إقطاع حُصَيْن بن نَضْلَة الأسدي الذي أقْطَعَهُ إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره.

فهؤلاء كُتّابُه الذين كانوا يكتبُون بين يَدَيْه صَلوات الله وسلامه عليه.

‌فصل

وقد ذَكَرَ ابنُ عَساكرٍ

(6)

من أمنائه أبا عُبَيْدة عامرَ بن عبد الله بن الجَرّاح القُرَشي الفِهْري أحدَ العَشَرَةِ رضي الله عنه، وعبدَ الرَّحْمن بن عوف الزهري.

قلت

(7)

: أما أبو عُبَيْدة فقد روى البخاري

(8)

من حديث أبي قِلابة، عن أنس: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

ط: (القنوت) تحريف. وحديث الفتون، رواه النسائي في "الكبرى"(11326) وهو موقوف على ابن عباس، وكأنه تلقاه ابن عباس من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره، والله أعلم.

(2)

ط: (حمدان).

(3)

ط: (قدمت).

(4)

ط: (من بين أصحابه).

(5)

تاريخ دمشق -السيرة- (2/ 352).

(6)

تاريخ دمشق -السيرة- (2/ 352).

(7)

ليس اللفظ في ط.

(8)

البخاري (4382، 7255).

ص: 510

"لِكُلِّ أمةٍ أمينٌ وأمينُ هذه الأمَّة أبو عبيدة بن الجراح" وفي لفظ أن رسول الله قال لوفد

(1)

نجران: "لأبْعَثَنّ معكم أمينًا حَقَّ أمين" فبعث معهم أبا عبيدة.

قال

(2)

: ومنهم مُعَيْقيب بن أبي فاطمة الدَّوْسي مولى بني عبد شمس، كان على خاتَمِه، ويقال: كان خازِنَه

(3)

، وقال غيره: أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة في الثانية

(4)

، ثم إلى المدينة، وشهد بدرًا وما بعدها، وكان على الخاتم، واستعمله الشيخان على بيت المال، قالوا: وكان قد أصابه الجُذام، فأمر عمر بن الخطاب فدُوويَ بالحَنْظَلِ فتوقَّفَ المَرَضُ. وكانت وفاتُه في خلافة عثمان، وقيل: سنة أربعين، فالله أعلم.

قال الإمام أحمد

(5)

: ثنا يحيى بن أبي بُكَيْر

(6)

، ثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير

(7)

، عن أبي سَلَمة، حدّثني مُعَيْقيب، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يُسوّي الترابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قال:"إن كنتَ لابدَّ فاعلًا فواحدةً". وأخرجاه في "الصحيحين"

(8)

من حديث شيبان النحوي، زاد مسلم: وهشام الدستوائي، زاد

(9)

الترمذي

(10)

والنسائي

(11)

وابن ماجه

(12)

: والأوزاعي، ثلاثَتُهم عن يَحْيَى بن أبي كَثير به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد

(13)

: ثنا خَلَف بن الوليد، ثنا أيوب بن عُتْبة

(14)

، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة عن مُعَيْقيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْلٌ للأعْقابِ منَ النّار". تفَرَّدَ به الإمامُ أحمد.

(1)

ط: (لوفد عبد القيس نجران).

(2)

تاريخ دمشق -السيرة- (2/ 352).

(3)

ط: (خادمه).

(4)

ط: (الناس) تحريف.

(5)

مسند الإمام أحمد (3/ 426).

(6)

ط: (بكير) وهو تحريف انظر سير أعلام النبلاء (9/ 497).

(7)

ط: (بكر) وهو تحريف انظر سير أعلام النبلاء (6/ 27).

(8)

البخاري (1207) ومسلم (5446)(47) و (49).

(9)

ط: (زاده).

(10)

الترمذي (380).

(11)

النسائي (1191).

(12)

ابن ماجه (1026).

(13)

مسند أحمد (3/ 426) و (5/ 425)، وهو حديث صحيح لغيره.

(14)

ط: (أيوب عن عتبة) خطأ. وانظر تهذيب الكمال (31/ 504).

ص: 511

وقد روى أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

من حديث أبي عَتَّاب سَهْل بن حَمّاد الدّلّال، عن أبي مَكينٍ نوحِ بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن المُعَيقيب، عن جَدّه -وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم- قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حَديدٍ، مَلويٌّ، عليه فضةٌ، قال: فرُبَّما كانَ في يدي.

قلت: أمّا خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فالصَّحيحُ أنَّه كان من فِضَّةٍ، فصُّه منه، كما سيأتي في "الصحيحين" وكان قد اتَّخَذَ قبلَه خاتمَ ذهَبٍ، فلبسه حينًا، ثم رمى به، وقال:"والله لا ألْبَسُه". ثم اتّخذ هذا الخاتَمَ من فضةٍ، فَصُّهُ منه، ونَقْشُهُ محمدٌ رسولُ الله، "محمد" سطر، و"رسول" سطر، و"الله" سطر، فكان في يده عليه الصلاة والسلام، ثم كانَ في يَدِ أبي بكر من بعده، ثم في يَدِ عُمَر، ثم كان في يد عثمان، فلبث في يده ستَّ سنين، ثم سَقَطَ منه في بئر أريسٍ، فاجْتَهَدَ في تَحْصيله فلم يَقْدِرْ عليه.

وقد صَنَّف أبو داود رحمة الله عليه كتابًا مستقلًا في "سننه"

(3)

في الخاتم وحده، وسنُورد منه إن شاء اللهُ قريبًا ما نَحتاجُ إليه. وبالله المستعان.

وأما لُبْسُ مُعَيْقيب لهذا الخاتم فيدلُّ على ضَعْفٍ ما نُقِلَ أنه أصابه الجُذام، كما ذكره ابن عبد البر

(4)

وغيره

(5)

، لكنَّه مشهور، فلعلّه أصابه ذلك بعدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يُعْدَى منه، أو كان ذلك من خَصائِص النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوة توكُّله، كما قال لذلك المجذوم -ووضع يدَه في القَصْعَة- "كُلْ ثِقَةً بالله، وَتَوكُّلا عليه" رواه أبو داود

(6)

. وقد ثبت في "صحيح مسلم"

(7)

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فِرَّ من المجذوم فرارَكَ من الأسَد" والله أعلم.

وأما أُمراؤُه عليه الصلاة والسلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصًا على أسمائهم، ولله الحمد والمنة.

وأما جملةُ الصحابة فقد اختلف الناسُ في عِدَّتهم، فنُقِلَ عن أبي زُرْعة أنه قال: يبلغون مئةَ ألفٍ

(1)

أبو داود (4224)، وإسناده ضعيف.

(2)

النسائي (8/ 175)، وإسناده ضعيف.

(3)

سنن أبي داود (4/ 85 - 86).

(4)

الاستيعاب (4/ 1479).

(5)

انظر أسد الغابة (5/ 241).

(6)

أبو داود (3925)، وإسناده ضعيف.

(7)

هذه الجملة التي ذكرها المؤلف "فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" لم يروها مسلم، وإنما هي قطعة من حديث رواه البخاري معلقًا برقم (5707) أوله:"لا عدوى ولا طيرة ولا صفر" وهذه الجملة عند مسلم رقم (2220) و (2222) وقد وصل الحديث البيهقي (7/ 135) وأخرجه أحمد (2/ 443)، وهو حديث صحيح.

ص: 512

وعشرين ألفًا

(1)

، وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء ستّين ألفًا

(2)

، وقال الحاكم أبو عبد الله: يُرْوى الحديثُ عن قريب من خمسة آلاف صحابي.

قلت: والذي رَوَى عَنْهُمُ الإمامُ أحمدُ، مع كَثْرَة روايته واطّلاعِه واتّساعِ رحلتِه وإمامته من

(3)

الصحابة تسعمئة وسبعة وثمانون نفسًا. ووقع

(4)

في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمئة صحابي أيضًا، وقد اعتنى جماعة من الحُفّاظ رحمهم الله، بضَبْطِ أسمائهم، وذِكر أيامهم ووفياتهم، من أجلِّهم الشيخُ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري في كتابه "الاستيعاب"، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مَنْدَه، وأبو موسى المَديني، ثم نظمَ جميعَ ذلك الحافظ عزّ الدين أبو الحسن عليّ بن محمد بن عبد الكريم الجَزَري المعروف بابن الأثير

(5)

، صَنّفَ كتابه "الغابة" في ذلك فأجاد وأفاد، وجَمَع وحَصَّل، ونال ما رام وأمَّل، فرحمه الله وأثابه، وجمعه والصحابة آمين، يا رب العالمين.

‌باب (ما يذكر من)

(6)

آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يَخْتصُّ بها في حياته، من ثيابٍ وسلاحٍ ومَراكبَ (وغير ذلك)

(6)

(مما جرى في مجراه، وينتظم في معناه)

(6)

‌ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه الصلاة والسلام (ومن أي شيء كان من الأجسام)

(6)

وقد أفْرَدَ له أبو داود في كتابه "السنن" كتابًا على حِدَةٍ، ولنذكر عيون ما ذَكَرَهُ في ذلك مع ما نُضيفُه إليه، والمُعَوَّل في أصل ما نَذْكُره عليه.

قال أبو داود

(7)

: ثنا عبد الرحيم بن مُطَرِّف الرُّؤاسي، ثنا عيسى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَكْتُبَ إلى بعض الأعاجم، فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا بخاتَم. فاتخذ خاتمًا من فضةٍ، ونَقَش فيه: محمد رسول الله، وهكذا رواه البخاري

(8)

، عن عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة به.

(1)

ط: (ألف) خطأ.

(2)

ط: (ألف) خطأ.

(3)

ط: (فمنه).

(4)

ط: (ووضع).

(5)

ط: (الصحابية) خطأ. وانظر سير أعلام النبلاء (22/ 353).

(6)

ليس ما بين القوسين في ط.

(7)

أبو داود (4214).

(8)

البخاري (5872).

ص: 513

ثم قال أبو داود

(1)

: ثنا وَهْبُ بن بَقيّة، عن خالد، عن سعيد، عن قَتادة، عن أنس، بمعنى حديث عيسى بن يونس، زاد: فكان في يده حتى قُبض، وفي يد أبي بكر حتى قُبضَ، وفي يد عمر حتى قبض، وفي يد عثمان، فبينما هو عندَ بئرٍ إذ سقَط في البئر، فأمر بها فنُزحَتْ، فلم يقدر عليه. تفرَّد به أبو داود من هذا الوجه.

ثم قال أبو داود

(2)

رحمه الله: ثنا قُتيبةُ بن سَعيدٍ وأحمد بن صالح، قالا: أنا ابن وهب، أخبرني يُونُس، عن ابن شهاب، قال: حدّثني أنس، قال: كان خاتَمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم من وَرِقٍ، فصُّهُ حَبَشيٌّ.

وقد روى هذا الحديث البخاري

(3)

من حديث الليث، ومسلم

(4)

من حديث ابن وهب، وطلحة بن يحيى الأنصاري، وسليمان بن بلال، زاد النّسائي

(5)

وابن ماجه

(6)

: وعثمان عن عمر، خمستُهم عن يونس بن يزيد الأيْلي به. وقال الترمذي

(7)

: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.

ثم قال أبو داود

(8)

: حدَّثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كان خاتَمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم من فضةٍ كلّه، فصُّه منه، وقد رواه الترمذي

(9)

والنسائي

(10)

من حديث زهير بن معاوية الجُعْفي أبي خَيْثمة الكوفي به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وقال البخاري

(11)

: ثنا أبو مَعْمَر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن صُهَيْب. عن أنس بن مالك، قال: اصْطَنَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتَمًا، فقال: إنا اتَّخَذْنا خاتمًا، ونَقَشنا فيه نَقْشًا فلا يَنْقُشْ عليه أحدٌ، قال: فإنّي أرى بَريقَه في خنصره.

ثم قال أبو داود

(12)

: حدَّثنا نُصَيْر بن الفَرَج، ثنا أبو أسامة، عن عُبَيْد الله، عن نافع، عن ابن عمر: اتّخَذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذَهَبٍ، وجعلَ فصَّه مما يلي بطنَ كفّه، ونَقَشَ فيه: محمدٌ

(1)

أبو داود (4215)، وإسناده صحيح.

(2)

أبو داود (4216).

(3)

البخاري (5868).

(4)

مسلم (61 - 62)، (2094).

(5)

النسائي (5292).

(6)

ابن ماجه (3641).

(7)

الترمذي بعد حديث (1739).

(8)

أبو داود (4217)، وهو حديث صحيح.

(9)

الترمذي (1740)، وهو حديث صحيح.

(10)

النسائي (5215).

(11)

البخاري (5874)، وهو حديث صحيح.

(12)

أبو داود (4218).

ص: 514

رسولُ الله. فاتَّخَذ الناسُ خَواتمَ الذَّهَبِ، فلما رآهم قد اتخذوها رَمَى به، وقال: لا ألْبَسُه أبدًا، ثم اتخَذَ خاتمًا من فِضَّة نقَش فيه: مُحمدٌ رسولُ الله، ثم لبس الخَاتَمَ بعدَه أبو بكر، ثم لبسه بعدَ أبي بكرٍ عمرُ، ثم لبسهُ بعدَه عثمانُ، حتى وقع في بئر أَريس. وقد رواه البخاريُّ

(1)

عن يوسف بن موسى، عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.

ثم قال أبو داود

(2)

: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عُيَيْنة، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، في هذا الخبر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فنقشَ فيه: محمدٌ رسول الله، وقال: لا يَنْقُشْ أحدٌ على خاتمي هذا، وساق الحديث، وقد رواه مسلم

(3)

وأهل السنن الأربعة

(4)

من حديث سفيان بن عُيينة به نحوه.

ثم قال أبو داود

(5)

: حدَّثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا أبو عاصم، عن المغيرة بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فالتمسوه فلم يجدوه، فاتَّخذ عثمانُ خاتَمَا ونَقَش فيه: محمد رسول الله، قال: فكان يختم به أو يَتَختَّم به. ورواه النسائي

(6)

، عن محمد بن مَعْمَر، عن أبي عاصم الضحاك بن مَخْلَد النَّبيل به.

ثم قال أبو داود

(7)

:

‌باب في ترك الخاتم

حدَّثنا محمد بن سليمان لُوَيْنٌ، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من وَرِقٍ يومًا واحدًا، فصنع الناسُ فلبسوا، وطرح النبيُّ صلى الله عليه وسلم فطرح الناسُ، ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشُعَيْب وابن مسافرٍ، كلهم قال: من وَرِقٍ.

قلت: وقد رواه البخاري

(8)

: ثنا يحيى بن بُكَيْر، ثنا الليثُ، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدّثني أنس بن مالك. أنّه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من وَرِقٍ يومًا واحدًا، ثم إن الناس اصطنعوا

(1)

البخاري (5866).

(2)

أبو داود (4219).

(3)

مسلم (2091).

(4)

الشمائل للترمذي (97) والنسائي (5231) وابن ماجه (3639).

(5)

أبو داود (4220) ضعيف الإسناد منكر المتن.

(6)

النسائي (5232)، وإسناده ضعيف.

(7)

أبو داود (4221).

(8)

البخاري (5868).

ص: 515

الخَواتيم من وَرِقٍ ولبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتَمه، فطرح الناسُ خواتيمهم، ثم علقه البخاري، عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، وشُعَيْب بن أبي حَمْزة، وزياد بن سعد الخراساني، وأخرجه مسلم

(1)

من حديثه، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مُسافر، كلُّهم عن الزهري، كما قال أبو داود: خاتمًا من وَرِق.

والصحيح أنَّ الذي لبسه يومًا واحدًا ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب، لا خاتم الورِق، لما ثبت في "الصحيحين"

(2)

عن مالك عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمًا من ذهب، فنبذه وقال: لا ألْبَسُهُ أبدًا، فَنَبَذَ الناسُ خَواتيمَهُم. وقد كان خاتمُ الفضَّة يلبَسُهُ كَثيرًا، ولم يَزَلْ في يده حتى تُوُفِّي صلوات والله وسلامه عليه، وكان فصُّه منه، يعني: ليسَ فيه فصٌّ يَنْفَصِل عنه، ومَنْ رَوَى أنّه كانَ فيه صورةُ شخصٍ فقد أبْعَدَ وأخْطَأَ، بل كان فِضَّةً كلُّه، وفصُّه منه، ونَقْشُه محمد رسول الله، ثلاثة أسطر:"محمد" سطر، "رسول" سطر، "الله" سطر. وكأنه، والله أعلم، كان منقوشًا، وكتابتُه مقلوبةٌ ليُطْبَعَ على الاستقامة. كما جرت العادة بهذا، وقد قيل: إنّ كتابتَه كانت مُسْتقيمةً، وتُطْبَعُ كذلك، وفي صحة هذا نظرٌ، ولستُ أعرفُ لذلك إسنادًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا.

وهذه الأحاديثُ التي أوْرَدْناها أنَّه عليه الصلاة والسلام، كان له خاتمٌ من فِضَّةٍ، تَرُدُّ الأحاديثَ التي قَدَّمناها في سُنَنَيْ أبي داود

(3)

والنسائي

(4)

من طريق أبي عَتّاب سَهْل بن حمادٍ الدَّلّال، عن أبي مَكينٍ نوحِ بن رَبيعةَ، عن إياسِ بنِ الحارثِ بن مُعَيْقيب بن أبي فاطمة، عن جدِّه، قال: كان خاتَمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حَديدٍ، مَلْويٌّ عليه فِضَّةٌ، ومما يزيدُه ضَعفًا الحديثُ الذي رواه أحمد

(5)

وأبو داود

(6)

والتّرْمذي

(7)

والنّسائي

(8)

من حديث أبي طَيْبَةَ عبدِ الله بن مسلم السُّلَمي المَرْوزي، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن أبيه، أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتَمٌ من شَبَهٍ

(9)

، فقال: ما لي أجدُ منك ريحَ الأصْنامِ؟ فَطَرَحَهُ، ثم جاء وعليه خاتمٌ من حَديدٍ، فقال: ما لي أرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أهلِ النّار؟ فَطَرَحَه، ثم قال: يا رسولَ اللهِ،

(1)

مسلم (2093).

(2)

هو في البخاري (5867)، أخرجه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر بنحوه برقم (2091).

(3)

أبو داود (4224)، وإسناده ضعيف.

(4)

النسائي (5220)، وإسناده ضعيف.

(5)

مسند أحمد (5/ 359).

(6)

أبو داود (4223)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.

(7)

الترمذي (1785)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.

(8)

النسائي (5210)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.

(9)

الشِّبْهُ والشَّبَهُ: النحاس يُصبَغُ فيَصْفَرُّ وسميّ بذلك لأنّه إذا فُعل به ذلك أشبه الذهبَ بلونه (اللسان: شبه).

ص: 516

منْ أيّ شَيءٍ أتَّخِذُه؟ قال: اتّخِذهُ من وَرقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقالًا، وَقَدْ كانَ عليه الصلاة والسلام يَلْبسُهُ في يدِه اليُمْنَى.

كما رواه أبو داود

(1)

والترمذي في "الشمائل"

(2)

والنسائي

(3)

من حديث شَريكٍ

(4)

، القاضي، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنَيْن

(5)

، عن أبيه، عن عليٍّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شَريكٌ: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنَّ رسولَ الله كان يَتَخَتمُ في يمينه، ورُويَ في اليُسْرى، رواه أبو داود

(6)

من حديث عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَتَختَّمُ في يساره، وكان فصُّه في باطن كَفّه. قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد، عن نافع: في يمينه.

وحدَّثنا هَنّادٌ

(7)

، عن عَبْدَة، عن عُبَيْد الله، عن نافع: أنَّ ابن عمر كان يَلْبسُ خاتَمَهُ في يده اليُسْرى.

ثم قال أبو داود

(8)

: حدَّثنا عبد الله بن سعيد، ثنا يونس بن بُكَيْر، عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصَّلْتِ بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتَمًا في خِنْصَرِه اليُمْنى، فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيتُ ابنَ عبّاسٍ يَلْبسُ خاتَمَه هكذا، وجعل فصُّه على ظهرها. قال: ولا يُخالُ ابنُ عبّاسٍ إلا قد كان يَذْكُرُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَلْبَسُ خاتَمَه كذلك، وهكذا رواه الترمذي

(9)

من حديث محمد بن إسحاق به، ثم قال: قال محمد بن إسماعيل، يعني البخاري: حديث ابن إسحاق عن الصَّلْت حديثٌ حسنٌ.

وقد روى الترمذي في "الشمائل"

(10)

عن أنس، وعن جابرٍ، وعن عبد الله بن جعفر، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَتَختَّمُ في اليمين.

وقال البخاري

(11)

: حدَّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالكٍ:

(1)

أبو داود (4226)، وهو حديث صحيح.

(2)

الشمائل للترمذي (92)، وهو حديث صحيح.

(3)

النسائي (5218)، وهو حديث صحيح.

(4)

بعده في ط: (وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن).

(5)

ط: (عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن) وفي أ: (عن عبد الله بن حنين). وانظر تهذيب الكمال (2/ 124).

(6)

أبو داود (4227).

(7)

أبو داود (4228)، وهو حديث صحيح.

(8)

أبو داود (4229)، وهو حديث حسن.

(9)

الترمذي (1742)، وهو حديث حسن.

(10)

الشمائل للترمذي (93، 94) عن عبد الله بن جعفر و (95) عن جابر بن عبد الله و (99) عن أنس بن مالك، وهو حديث صحيح.

(11)

البخاري (5878).

ص: 517

أنَّ أبا بكر لما استُخْلِف كَتَب له، وكان نقشُ الخاتَم ثلاثةَ أسْطرٍ:"محمد" سطرٌ. و"رسول" سطرٌ. و"الله" سطرٌ.

قال أبو عبد الله

(1)

: وزادني

(2)

أحمد: ثنا الأنصاري، حدّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس، قال: كان خاتَمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده

(3)

، وفي يد عمر بعد أبي بكر. قال: فلما كان عثمانُ جَلَسَ على بئر أريس، فأخرج الخاتَمَ، فجعل يَعْبَثُ به فَسَقَطَ، قال: فاختَلَفْنا ثلاثةَ أيامٍ مع عثمان، فَنَزَح البِئْرَ فلم نَجِدْهُ.

فأما الحديث الذي رواه الترمذي في "الشمائل"

(4)

، ثنا قُتَيْبَة، ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشرٍ، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتَّخَذَ خاتمًا من فضة، فكان يَخْتِمُ به ولا يَلْبسه. فإنه حديثٌ غريبٌ جدًا.

وفيِ السنن

(5)

من حديث ابن جُرَيْج، عن الزُّهْري، عن أنسٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دَخَل الخَلاءَ نزَعَ خاتَمَهُ.

‌ذكر سَيْفِهِ عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد

(6)

: ثنا سُرَيْج

(7)

، ثنا ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن الأعْمَى عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتْبَة بن مسعود، عن ابن عبّاس قال: تَنَفَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيفَه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى الرُّؤْيا يومَ أُحُد، قال: رأيتُ في سيفي ذي الفقار، فَلًّا، فأوّلْتُه فَلًّا يكونُ فيكم، ورأيتُ أنّي مُرْدفٌ كَبْشًا، فأوَّلْتُه كبشَ الكَتيبة، ورأيتُ أنّي في دِرْعٍ حَصينةٍ، فأوَّلْتها المدينةَ، ورأيتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقر والله خيرٌ فَبَقرٌ والله خَيْرٌ، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رواه الترمذي وابن ماجه

(8)

من حديث عبد الرحمن بن أبي الزِّناد عن أبيه به.

(1)

البخاري (5879).

(2)

ط: (وزاد أبو أحمد).

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

الشمائل للترمذي (85).

(5)

أبو داود (19) والترمذي (1746) والنسائي (5228) وابن ماجه (303)، وهو حديث ضعيف.

(6)

مسند أحمد (1/ 271).

(7)

أ، ط:(شريح) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (10/ 219).

(8)

تقدم تخريجهما.

ص: 518

وقد ذكر أهل السُّنَن

(1)

أنه سُمع قائلٌ يقول: لا سيفَ إلا ذو الفقار، ولا فَتًى إلا عليّ

(2)

.

وروى الترمذي

(3)

من حديث هُود بن عبد الله بن سعد

(4)

، عن جدّه مَزيدة بن جابر العَبْدي العَصَري رضي الله عنه، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وعلى سيفه ذَهَبٌ وفضَّةٌ

الحديث، ثم قال: هذا حديثٌ غريبٌ.

وقال الترمذي في "الشمائل"

(5)

: حدَّثنا محمد بن بَشّار، ثنا مُعاذ بن هشام، ثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كانت قَبيعةُ سَيْفِ

(6)

رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من فِضَّةٍ.

وروى أيضًا

(7)

من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال: صَنَعْتُ سيفي على سيف سَمُرة، وَزَعم سَمُرة أنه صَنَعَ سَيْفَه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حَنَفيًّا

(8)

.

وقد صار إلى آل علي سيفٌ من سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قُتل الحسين بن علي، رضي الله عنهما، بكَرْبلاء عند الطَّفِّ كان معه، فأخذه عليُّ بن الحسين زين العابدين، فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية، ثم رجع معه إلى المدينة، فثبت في "الصحيحين"

(9)

عن المِسْور بن مَخْرَمة أنه تَلَقّاهُ إلى الطّريقِ، فقال له: هل لك إليَّ من حاجةٍ تأمُرني بها؟ قال: فقال: لا، فقال: هل أنت مُعْطِيَّ سَيْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإنّي أخْشَى أن يَغْلبَكَ عليه القوم، وأيْمُ اللهِ إن أعْطَيْتَنيه لا يخلُصُ إليه أحدٌ حتى يَبْلُغَ نَفْسي.

وقد ذُكِرَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم غيرُ ذلك من السلاح، من ذلك الدُّروعُ كما روَى غيرُ واحدٍ، منهم السائبُ بن يزيد، وعبدُ الله بن الزُّبَيْر، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ظاهَرَ يومَ أُحُدٍ

(10)

بين دِرْعَيْن.

وفي "الصحيحين"

(11)

من حديث مالك، عن الزهري، عن أنس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يومَ الفَتْح، وعلى رأسه المِغْفَر، فلما نَزَعه قيل له: هذا ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأسْتارِ الكَعْبَة، فقال: اقتلوه.

(1)

كنز العمال: (14242).

(2)

هو في أثر واهٍ عند الحسن بن عرفة رقم (38) أقول: ولا أصل له في المرفوع، وليس عند أهل السنن.

(3)

الترمذي (1690)، وإسناده ضعيف.

(4)

ط: (سعيد) وانظر تهذيب الكمال (30/ 30).

(5)

الشمائل للترمذي (102)، وهو مرسل صحيح بشواهده.

(6)

قَبيعة السيف: ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد (اللسان: قبع).

(7)

الشمائل رقم (104) وهو حديث ضعيف.

(8)

ضرب من السيوف تنسب للأحنف بن قيس لأنه أول من أمر باتخاذها (اللسان: حنف).

(9)

البخاري (3110) ومسلم (2449)(95).

(10)

لفظا (يوم أحد) مستدركة في هامش أ.

(11)

البخاري (1846، 3044، 4286، 5808) ومسلم (1357)(450).

ص: 519

وعند مسلم

(1)

من حديث أبي الزبير، عن جابر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ يومَ الفَتْح، وعليه عمامةٌ سوداءُ.

وقال وكيعُ

(2)

، عن مُساورٍ الوَرّاقِ، عن جعفر بن عمرو بن حُرَيْث، عن أبيه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ وعليه عمامةٌ سوداء.

وقال وكيع، عن عبد الرحمن ابن الغسيل (أبي سليمان) عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله خطب الناس وعليه عمامة دسماء.

ذكرهما الترمذي في "الشمائل"

(3)

.

وله من حديث الدّراوَرْدي

(4)

، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعْتَمَّ سَدَلَها بينَ كَتِفَيْه.

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده"

(5)

: حدَّثنا أبو شَيْبَة إبراهيم بن عبد الله بن محمد، ثنا مُخَوَّل بن إبراهيم، ثنا إسرائيل، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك: أنه كانَتْ عنده عُصَيَّةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فماتَ فدُفِنَتْ مَعَهُ بين جَنْبِه وبين قَميصِه. ثم قال البزار: لا نَعْلم رَوَاهُ إلا مُخَوَّل بن راشد، وهو صَدوقٌ فيه شيعيَّةٌ. واحتُمِلَ على ذلك، وقال الحافظ البيهقي

(6)

. بعد روايته هذا الحديث من طريق مُخَوَّل هذا، قال: وهو من الشِّيعة يأتي بأفرادٍ عن إسرائيل لا يأتي بها غيرُهُ، والضعفُ على رواياته بيِّنٌ ظاهرٌ.

‌ذكر نعله التي كان يمشي فيها عليه الصلاة والسلام

ثَبَتَ في "الصَّحيح"

(7)

عن ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَلبَسُ النّعال السَّبتيَّة، وهي التي لا شعرَ عليها.

وقد قال البخاري في "صحيحه"

(8)

: حدَّثنا محمد، هو ابن مقاتل، ثنا عبد الله، يعني ابن

(1)

مسلم (1358)(451).

(2)

مسلم (1358)(452).

(3)

الشمائل رقم (111) و (113).

(4)

الترمذي (1736)، وهو حديث صحيح.

(5)

كشف الأستار (840) ومجمع الزوائد (3/ 45).

(6)

دلائل النبوة (7/ 279).

(7)

البخاري (166، 5851).

(8)

البخاري (5858).

ص: 520

المبارك، أنا عيسى بن طَهْمان، قال: أخرج

(1)

إلينا أنسُ بن مالك بنعلين لهما قِبالان، فقال ثابت البُناني: هذه نعلُ النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه في كتاب الخُمُس

(2)

، عن عبد الله بن محمد، عن أبي أحمد الزُّبَيْري، عن عيسى بن طَهْمان، عن أنس، قال: أخْرَج إلينا أنس نعلين جَرداوين لهما قِبالان، فحدّثني ثابتٌ البُناني بعدُ عن أنسٍ أنهما نَعْلا النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد رواه الترمذي في "الشمائل"

(3)

عن أحمد بن مَنيعٍ عن أبي أحمد الزبيري به.

وقال الترمذي في "الشمائل"

(4)

: حدَّثنا أبو كُرَيْب، ثنا وَكيع، عن سُفيان، عن خالد الحَذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، قال: كان لنعلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبالان مُثَنَّى شِراكُهما.

وقال أيضًا

(5)

: ثنا إسحاق بن منصور، أنا عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التَّوأمة، عن أبي هريرة، قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبالان.

وقال الترمذي

(6)

: ثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله، ثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبالان وأبي بكر وعمر، وأولُ من عَقَدَ عَقْدًا واحدًا عثمانُ.

قال الجوهري: قِبالُ النَّعل بالكَسْرِ: الزِّمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها.

قلت: واشتهر في حدود سنة ستمئة وما بعدها عند رجل من التُّجار، يقال له: ابن أبي الحَدْرَدِ، نعلٌ مُفْرَدَةٌ ذكر أنه نعلُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسامها المَلِكُ الأشْرَفُ موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب منه بمالٍ جَزيلٍ، فأبى أنْ يَبيعها، فاتَّفق موتُه بعد حينٍ، فصارَتْ إلى الملك الأشرف المذكور، فأَخذَها إليه وعَظَّمها، ثم لما بنى دارَ الحديثِ الأشْرفيّة إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعلَ لها خادمًا، وقُرِّر له من المعلوم كلَّ شَهْرِ أربعون درهمًا، وهي موجودةٌ إلى الآنَ في الدار المذكورة.

وقال الترمذي في "الشمائل"

(7)

: ثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا: ثنا أبو أحمد الزُّبَيْري، ثنا شيبان، عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: كانَتْ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ

(8)

يَتَطَيَّبُ منها.

(1)

ط: (خرج).

(2)

البخاري (3107).

(3)

الشمائل للترمذي (75).

(4)

الشمائل للترمذي (74).

(5)

الشمائل للترمذي (77).

(6)

الشمائل للترمذي (83).

(7)

الشمائل للترمذي (209).

(8)

أ، ط:(سله) تحريف. والسُّكُّ: طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل (النهاية: سكك).

ص: 521

‌صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم

-

قال الإمام أحمد

(1)

: حدَّثنا يحيى بن آدم، ثنا شَريكٌ، عن عاصم قال: رأيتُ عند أنسٍ قَدَحَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه ضَبَّةٌ من فضةٍ.

وقال الحافظ البيهقي

(2)

: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله، أخبرني أحمد بن محمد النَّسوي، ثنا حماد بن شاكر، ثنا محمد بن إسماعيل -هو البخاري- ثنا الحسن بن مُدْرِك، حدّثني يحيى بن حماد، أنا أبو عَوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيتُ قَدَحَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عند أنسِ بن مالكٍ، وكان قد انصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بفضّةٍ. قال: وهو قَدَحٌ جَيِّدٌ عَريضٌ من نُضار

(3)

.

قال أنس: لقد سقَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في هذا القَدَح أكثرَ من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: إنّه كان فيه حَلْقَةٌ من حديد، فأراد أنسٌ أن يَجْعَلَ مكانَها حَلْقَةً من ذهبٍ أو فضةٍ، فقال له أبو طلحة: لا تُغَيِّرنَّ شيئًا صَنَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتركه.

وقال الإمام أحمد

(4)

: حدَّثنا رَوْحُ بن عُبادةَ، ثنا حَجّاج بن حَسّان قال: كُنّا عند أنسٍ فدعا بإناءٍ فيه ثلاث ضَبّاتٍ حديد، وحلقة من حديد، فأُخْرِج من غِلافٍ أسود، وهو دونَ الرُّبُع، وفوقَ نصفِ الرُّبُعِ، وأمَر أنَسُ بن مالكٍ فجُعل لنا فيه ماء فأُتينا به، فشرِبْنا وصَبَبْنا على رؤوسنا ووجوهنا، وصلَّيْنا على النبي صلى الله عليه وسلم. انفردَ به أحمد.

(ذكر ما ورد في)

(5)

في المُكْحُلةِ التي كانَ عليه الصلاة والسلام يَكْتَحلُ منها

قال الإمام أحمد

(6)

: ثنا يزيد، أنا عبَّاد

(7)

بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْحُلة يَكْتَحِلُ منها عندَ النَّوم ثلاثًا في كل عَيْنٍ. وقد رواه الترمذي

(8)

وابن

(1)

المسند (3/ 139)، وهو حديث حسن.

(2)

السنن الكبرى (1/ 30).

(3)

نضار، أي خشب نضار، وهو خشب معروف، وقيل: هو الأثل الورسي اللون، وقيل: النبع، وقيل: الخلاف - وهو الصفصاف (النهاية: نضر).

(4)

مسند أحمد (3/ 187)، وإسناده حسن.

(5)

ما بين القوسين لم يرد في ط.

(6)

مسند أحمد (1/ 354)، وإسناده ضعيف.

(7)

في الأصول: عبد الله.

(8)

الترمذي (2048)، وإسناده ضعيف.

ص: 522

ماجه

(1)

من حديث يزيد بن هارون، قال علي بن المديني

(2)

: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: قلتُ لعَبّاد بن منصورٍ: سَمِعْتَ هذا الحديثَ من عكرمة؟ فقال: أخبرنيه ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين عنه.

قلت: وقد بلغني أنَّ بالديار المصرية مَزارًا فيه أشياءٌ كثيرةٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، اعتنى بجمعها بعضُ الوزراء المُتأخّرين، فمن ذلك مُكْحلةٌ، ومِيلُ

(3)

ومُشْطٌ، وغير ذلك. فالله أعلم.

‌البُرْدَةُ

قال الحافظُ البَيْهقي:

(4)

وأما البُرْدُ الذي عندَ الخلفاء فقد رُوِّينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تَبوك: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعْطَى أهلَ أيْلَة بُرْدَهُ مع كتابه الذي كَتب لهم أمانًا لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاث مئة دينار -يعني بذلك أولَ خلفاء بني العباس وهو السفاح، رحمه الله وقد توارَثَ بنو العباس هذه البُرْدة خَلَفًا عن سَلَفٍ، كان الخليفةُ يلبسُها يومَ العيدِ على كَتِفَيْهِ، ويأخذ القَضيبَ المنسوبَ إليه، صلوات الله وسلامه عليه، في إحدى يديه، فيخرجُ وعليه من السَّكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويَبْهَرُ به الأبصارَ، ويَلْبسون السَّواد في أيام الجُمَع والأعياد، وذلك اقتداءً منهم بسيِّدِ أهْلِ البَدْو والحَضَر، ممن سَكَنَ

(5)

الوَبَرَ والمَدَرَ، لما أخرجه البخاري

(6)

ومسلم

(7)

إماما أهل الأثر، من حديث عن مالكٍ عن

(8)

الزهري، عن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مكةَ وعلى رأسه المِغْفَر، وفي رواية

(9)

: وعليه عمامةٌ سوداءُ، وفي رواية

(10)

: قد أرْخَى طَرَفَها بين كَتِفَيْه، صلوات الله وسلامه عليه.

وقد قال البخاري

(11)

: ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن حُمَيد

(12)

، عن أبي بُرْدة قال: أخرجَتْ إلينا عائشةُ كِساءً وإزارًا غَليظًا، فقالت: قُبض رُوحُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذين.

(1)

ابن ماجه (3499)، وإسناده ضعيف.

(2)

الضعفاء الكبير (3/ 136 - 137).

(3)

ط: (وقيل).

(4)

دلائل النبوة (7/ 278).

(5)

ط: (يسكن).

(6)

البخاري (1846، 3044، 4286، 5808).

(7)

مسلم (1357)(450).

(8)

ليس اللفظ في ط.

(9)

مسلم (1358)(451).

(10)

مسلم (1359)(453).

(11)

البخاري (5818).

(12)

ط: (محمد).

ص: 523

وللبخاري

(1)

من حديث الزُّهْري عن عُبَيْد الله بن عبد الله، عن عائشة وابن عبّاس، قالا: لما نزلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَميصةً له على وجهه، فإذا اغتمَّ كَشَفَها عن وجهه، فقال وهو كذلك:"لعنةُ اللهِ على اليهود والنصارى: اتَّخذوا قُبورَ أنبيائهم مساجدَ، يُحَذِّرُ ما صنعوا".

قلت: وهذه الأثواب

(2)

الثّلاثةُ لا يُدْرَى ما كان من أمرها بعدَ هذا. وقد تقدَّم أنّه عليه الصلاة والسلام طُرِحَتْ تحتَه في قَبْره الكريمِ قَطيفةٌ حمراء كان يُصلِّي عليها، ولو تَقصَّيْنا ما كان يلبسهُ في أيام حياته لطال الفَصلُ، وموضعه كتابُ الّلباس من كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.

‌ذكر

(3)

أفْراسِه ومَراكيبه عليه الصلاة والسلام

قال ابن إسحاق: عن يَزيد بن حَبيب، عن مَرْثد بن عبد الله اليَزَني

(4)

، عن عبد الله بن زُرَيْرٍ

(5)

، عن عليّ قال: كانَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فَرَسٌ يُقالُ له: المُرْتِجِزُ، وحِمارٌ يُقالُ لهُ: عُفَيْرٌ. وبغلةٌ يقالُ لها: دُلْدُلُ، وسَيْفُهُ ذو الفقارِ، ودِرْعُهُ ذو الفُضول. ورواه البيهقي

(6)

من حديث الحكم، عن يحيى بن الجَزّار، عن علي نحوه، قال البيهقي: وَرَوَيْنا في كتاب "السنن" أسماء أفراسه التي كانت عند الساعديَيْن؛ لزازًّا

(7)

واللُّحَيْف، وقيل: اللُّخَيْف، والظَّرِب، والذي ركبه لأبي طلحة، يقال له: المندوب. وناقتُه القَصْواء، والعَضْباء، والجَدْعاء، وبغلته الشهباء، والبَيْضاء. قال البيهقي: وليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن، إلا ما رَوَيْنا في بَغْلَته البَيْضاء، وسلاحه، وأرْضٍ جَعَلَها صَدَقَةً، ومن ثيابه، ونَعْلَيْه

(8)

، وخاتَمِه، وما

(9)

رَوَيْنا في هذا الباب.

وقال أبو داود الطيالسي

(10)

: ثنا زمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جُبَّةُ صوفٍ في الحياكة. وهذا إسناد جيد.

(1)

البخاري (5815، 5816).

(2)

ط: (الأبواب) تحريف.

(3)

ليس اللفظ في ط.

(4)

ط: (المزني) وانظر تهذيب الكمال (27/ 357).

(5)

أ، ط:(رزين) وهو تحريف. وانظر تهذيب الإكمال (14/ 517).

(6)

دلائل النبوة (7/ 278).

(7)

أ: (نزار) تحريف، وط:(لزاز) وما أثبته للسياق النحوي.

(8)

ط: (وبغلته) تحريف.

(9)

ط: (ما) بلا واو.

(10)

تاريخ دمشق (4/ 200).

ص: 524

وقد روى الحافظ أبو يَعْلى في "مسنده": ثنا مجاهد بن

(1)

موسى، ثنا علي بن ثابت، ثنا غالب الجزري عن أنس قال: لقد قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليُنْسَجُ له كساءٌ من صوف. وهذا شاهدٌ لما تقدم قبله

(2)

.

وقال أبو سعيد بن الأعرابي

(3)

: ثنا سَعْدان بن نَضْر

(4)

، ثنا سُفْيان بن عُيينة، عن الوليد بن كثير، عن حسن

(5)

بن حسين، عن فاطمة بنت الحسين: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض وله بُرْدان في الجُفِّ

(6)

يُعْملان، وهذا مرسل.

وقال أبو القاسم الطبراني

(7)

: ثنا الحسين

(8)

بن إسحاق التُّسْتري، ثنا أبو أمية عَمْرو بن هشام الحَرّاني، ثنا عُثمان بن عبد الرحمن عن

(9)

علي بن عروة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عَطاء وعَمْرو بن دينار، عن ابن عباس، قال:

كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم سيفٌ قائِمَتُه من فِضَّة وقبيعتُه

(10)

وكان يُسمَّى

(11)

ذا الفقار.

وكان له قوسٌ تُسمَّى السَّداد.

وكانت له كِنانةٌ تُسمَّى الجُمَع.

وكانتْ له دِرْعٌ مُوشَّحةٌ بالنُّحاس تُسَمّى ذاتَ الفُضُول.

وكانت له حَرْبَةٌ تُسمّى النبعاء

(12)

.

وكان له مِجَنٌّ يسمى الذَّقَن.

وكان له تُرسٌ أبيضُ يُسَمّى الموجزَ.

وكان له فرسٌ أدْهَمُ يُسمّى السَّكْبَ.

(1)

ط: (عن) تحريف. وانظر سير أعلام النبلاء (11/ 495).

(2)

ليس اللفظ في ط.

(3)

دلائل النبوة للبيهقي (7/ 279).

(4)

ط: (نصير). وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (12/ 357).

(5)

ليس (حسن بن) في ط. وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 483).

(6)

أ: (الحف). والجف: شيء من جلود الإبل كالإناء (اللسان: جف) وانظر النهاية (جفف).

(7)

المعجم الكبير (11/ 111)(11208).

(8)

أ، ط:(الحسن) وما أثبته عن الطبراني وانظر سير أعلام النبلاء (14/ 57).

(9)

ط: (بن).

(10)

بعده في المعجم الكبير (من فضة).

(11)

ط: (يسميه).

(12)

ط: (السبغاء).

ص: 525

وكان له سَرجٌ يُسمَّى الدّاجَ.

وكان له بَغْلةٌ شَهْباء، يقال لها دُلْدُل.

وكانت له ناقةٌ تُسمَّى القَصْواء.

وكان له حمارٌ، يُقال له: يَعفور.

وكان له بساطٌ يُسمَّى الكرَّ.

وكان له عنزة

(1)

تسمى النَّمِر.

وكانت له رَكْوةٌ تُسمّى الصادر.

وكانت له مرآةٌ تُسمّى المرآة.

وكان له مِقْراضٌ يُسمَّى الجامع

(2)

.

وكان له قَضيبُ شَوْحَطٍ يُسمَّى الممشوق.

وهذا غريب جدًا.

قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَتْرُكْ دينارًا، ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أمَةً سوى بغلة، وأرض -جعلها صدقة، وهذا يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام نَجَزَ العِتْقَ في جميع ما ذكرناه من العبيد، والإماء، والصَّدقة في جميع ما ذُكِرَ من السِّلاح، والحيوانات، والأثاث، والمتاع مما أوردناه وما لم نورده.

وأما بغلته، فهي الشهباء، وهي البيضاء أيضًا. والله أعلم. وهي التي أهداها له المُقَوْقس، صاحب الإسْكَنْدرية واسمه جُرَيْج بن مينا فيما أهدى من التُّحف، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبَها يومَ حُنَيْن، وهو في نحور العدو يُنَوِّهُ باسمه الكريم شجاعةً وتوكلًا على الله عز وجل، فقد قيل: إنها عُمِّرَتْ بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته، وتأخرت أيامها حتى كانت بعد عليٍّ عند عبد الله بن جعفر، فكان يَجُشُّ لها الشَّعير حتَّى تأكُلَهُ من ضعفها بعدَ ذلك. وأما حماره يَعْفور، ويُصَغَّر، فيقال له: عُفَيْر. فقد كان عليه الصلاة والسلام يركبه في بعض الأحايين.

وقد روى أحمد

(3)

من حديث محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حَبيب، عن مَرْثد بن عبد الله اليزني

(4)

، عن عبد الله بن زُرَيْرٍ

(5)

، عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حمارًا يقال له: عُفَيْر.

(1)

ط: (نمرة) وليست له في أ.

(2)

ط: (الجاح).

(3)

مسند أحمد (1/ 111)، وهو حديث حسن لغيره.

(4)

ط، أ:(يزيد بن عبد الله العوفي) وفيها تحريفان وانظر سير أعلام النبلاء (4/ 284).

(5)

أ، ط:(رزين). وقد تقدم.

ص: 526

ورواه أبو يعلى

(1)

من حديث عَوْن بن عبد الله، عن ابن مسعود.

وقد ورد في أحاديث عدة أنَّه عليه السلام ركب الحمار.

وفي الصحيحين

(2)

أنه عليه الصلاة والسلام مَرَّ وهو راكب حمارًا بمجلسٍ فيه عبدُ الله بن أُبي بن سَلول وأخلاطٌ من المسلمين والمشركين عَبَدَةِ الأوثان واليَهود، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل، وذلك قبلَ وَقْعَة بَدْرٍ، وكان قَدْ عَزَمَ على عيادة سَعْد بن عُبادة، فقال له عبد الله: لا أُحسنُ مما تَقولُ أيها المَرءُ، فإن كان حقًّا فلا تَغْشَنا به في مجالسنا، وذلك قبلَ أنْ يَظْهَر الإسلامُ، ويقال: إنه خمّر أنْفَه لمَّا غَشيَتهم عَجاجةُ الدابّة، وقال: لا تُؤْذنا بنَتْنِ حمارك، فقال له عبد الله بن رواحة: والله لريحُ حمارِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أطيبُ من ريحك. وقال عبد الله: بل يا رسول الله اغْشنا به في مجالسنا، فإنّا نُحبّ ذلك، فَتَثاور الحَيّان، وهَمّوا أن يَقْتَتِلوا فَسَكَّنَهم رسول الله، ثم ذَهَب إلى سعد بن عُبادة فشكى إليه عبد الله بن أُبيّ. فقال: ارْفُقْ به يا رسول الله، فوالذي أكْرَمَكَ بالحقّ لقد بَعَثَكَ الله بالحقِّ، وإنَّا لنَنْظِمُ له الخَرَز لنُتَوِّجَه

(3)

علينا، فلما جاء اللهُ بالحقّ (الذي بعثك به،)

(4)

شرَق بريقه.

وقد قَدَّمْنا أنّه ركب الحمارَ في بعض أيام خَيْبَر، وجاء أنه أرْدَف معاذًا على حمارٍ، ولو أوْرَدْناها بألْفاظها وأسانيدها لطال الفصل، والله أعلم.

فأما ما ذكره القاضي عياضُ بن موسى السَّبْتي في كتابه "الشفا"

(5)

وذكره قبلُ إمام الحرمَيْن في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما: أنَّه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارٌ يُسَمَّى زيادَ بنَ شهابٍ، وأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَبْعَثُه، ليطلبَ له بعضَ أصحابه فيجيءَ إلى باب أحدهم فَيُقَعْقِعَه، فيعلمُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يطلبُه، وأنه ذَكَر للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه سلالةُ سبعين حمارًا، كلٌّ منها ركبه نبيٌّ، وأنّه لما تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذهبَ فَتَردَّى في بئر فمات. فهو حديثٌ لا يُعْرَفُ له إسنادٌ بالكلية. وقد أنكره غيرُ واحدٍ من الحُفّاظ، منهم عبدُ الرحمن بنُ أبي حاتم وأبوه، رحمهما الله، وقد سمعت شيخَنا الحافظ أبا الحجاج المزّي، رحمه الله، يُنْكِرُه غيرَ مرةٍ إنكارًا شديدًا.

وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب "دلائل النبوة"

(6)

: ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العَنْبري، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا إبراهيم بن سُوَيْد الجُذُوعي، حدّثني عبد الله بن

(1)

مسند أبي يعلى (5026).

(2)

البخاري (2691) ومسلم (1798)(116).

(3)

ط: (الخدر نملكه).

(4)

ليس ما بين القوسين في ط.

(5)

الشفا (1/ 443).

(6)

دلائل النبوة (288).

ص: 527

أُذينة

(1)

الطائيّ، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعْدان، عن مُعاذ بن جَبَل، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بخيبرَ، حمارٌ أسودُ، فوقفَ بين يديه، فقال: منْ أنت؟ قال: أنا عَمْرو بن فلان، كنا سبعَةَ إخوةٍ، كلُّنا رَكِبنا الأنْبياءُ وأنا أصغرهم، وكنتُ لك، فملكني رجلٌ من اليهود، فكنتُ إذا ذَكَرْتُكَ كَبَوْتُ به فَيُوجِعُني ضربًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فأنت يَعْفُورٌ". هذا حديث غريب جدًا.

[تم الجزء الخامس من كتاب البداية والنهاية للإمام الحافظ المؤرخ ابن كثير الدمشقي حسب تقسيمنا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ويليه الجزء السادس في الشمائل النبوية وما يتبعها].

(1)

ط: (أذين) تحريف.

ص: 528