الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسماء محققي كل جزء من الكتاب
1 - د. محيي الدين ديب مستو رحمه الله [ت 1442 هـ]
2 -
د. علي أبو زيد أبو زيد
3 -
مأمون محمد سعيد صاغرجي
4 -
محمود عبد القادر الأرناؤوط
5 -
د. رياض عبد الحميد مراد
6 -
د. محيي الدين ديب مستو رحمه الله [ت 1442 هـ]
7 -
د. رياض عبد الحميد ومحمد حسان عبيد
8 -
أكرم عبد اللطيف البوشي
9 -
محمد حسان عبيد
10 -
مأمون محمد سعيد صاغرجي
11 -
ياسين محمد السواس
12 -
إبراهيم عمر الزيبق
13 -
صلاح محمد الخيمي رحمه الله
14 -
د. رياض عبد الحميد مراد
15 -
د. رياض عبد الحميد مراد ومحمد حسان عبيد
16 -
حسن إسماعيل مروة
17 -
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله [ت 1425 هـ]
18 -
(فهارس) محمود عبد القادر الأرناؤوط
19 -
(فهارس) أكرم عبد اللطيف البوشي
20 -
(فهارس) د رياض عبد الحميد مراد
بسم الله الرحمن الرحيم
المدخل إلى البداية والنهاية
كتبه وعلق عليه
د. محيي الدين ديب مستو
راجعه وأضاف عليه
الدكتور بشار عواد معروف
(1) مقدمة التحقيق
الحمد للَّه الذي خلق فسَوَّى، وقدَّر فهدى، وجمع فأوعى.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى رسوله محمد بن عبد اللَّه المجتبى، وآله الشُّرفا، وأصحابه نجوم الهُدَى ورجوم العِدَى، ومن تبعهم بإحسان ووفَّى ووفَى.
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، أمات وأحيا، وجعل لكل أمة تاريخًا وأجلًا مسمَّى. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه، صاحب المقام المحمود والشفاعة الكبرى، المبعوث إلى الخليقة جميعًا بالإنذار والبُشْرى.
وبعد:
•
أهمية العمل ومبرراته:
فإن النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قد شهد صحوة إسلامية فكرية وثقافية، واهتمامًا ملحوظًا بالكتب المطبوعة والمحقَّقة، على وفق أحدث الطرق الطباعية الحديثة، والإخراج الفني المتطور، والتجليد المتقن الفاخر، وظهرت أمَّات الكتب في التفسير والحديث والسيرة والتاريخ والتراجم، موثَّقة ومفهرسة، وبأجمل شكل وبأصدق مضمون، مثل: تهذيب الكمال للمِزي، وجامع الأصول؛ لابن الأثير، وزاد المعاد؛ لابن قيم الجوزية، وسير أعلام النبلاء للذهبي، والتفسير والتاريخ؛ للإمام الطبري، وغيرها.
وكان النصح إلى أصحاب دور النشر الكبيرة أن يتطلعوا إلى الكتب والمراجع في جميع مناحي الثقافة الإسلامية، وإحياء مخطوطاتها المنسية، وإعادة تحقيق الكتب المطبوعة من غير توثيق ولا تعليق ولا فهارس، والاستفادة من المخطوطات المشرقية، والمخطوطات المكتشفة حديثًا بعد أن كانت ضائعة أو مجهولة.
على أنَّه يتعين علينا أن نشير إلى أن العرب المسلمين حين تنبهوا إلى أهمية تراثهم وبدؤوا بنشره منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت المطابع الكبرى تعهد إلى مصححين من كبار العلماء لضبط النصوص وتصحيحها، فأخرجت مطبعة بولاق بمصر نفائس من هذا التراث وتبعتها دار الكتب المصرية وغيرها من المؤسسات المعتبرة.
وتحقيق المخطوطات والعناية بالنصوص علم قائم بذاته، أقام العلماء المسلمون منذ أمد بعيد قواعده على أحسن وجه، فأخرجوا لنا، ومنذ عصر المخطوطات، نماذج رائعة في التحقيق والتدقيق، نذكر منها كتابين مهمين هما نموذج لعشرات من نظرائهما؛ موطأ الإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، وصحيح البخاري.
فقد عُني العلامة جمال الدين محمد بن يوسف المعروف بابن مَسْدي الأندلسي الغرناطي نزيل مكة المكرمة ودفينها "599 - 663 هـ" برواية الليثي من الموطأ فأخذه عن العديد من شيوخه ببلاد شتى وأسانيد كثيرة، وقابل بين نسخه وعَمِلَ لنفسه منه نسخة محققة مدققة مستندة إلى العديد من الروايات، ورمز لكل رواية من الروايات برمز معين ذكره في صدر نسخته، وثبت في حواشيها الاختلافات بينها
(1)
.
وعني بصحيح البخاري عالمان جليلان هما: اليونيني، وابن مالك صاحب الألفية فجمعا روايات الصحيح وقابلا بينها ورجحا في الفراءات، وأثبتا الاختلافات في الحواشي، فكانت هذه النسخة من أعظم نسخ صحيح البخاري وأكثرها صحة وضبطًا وإتقانًا، وهي التي انتشرت فيما بعد، وطبع السلطان عبد الحميد يرحمه اللَّه "الصحيح" استنادًا إلى النسخة اليونينية، فهي إلى يوم الناس هذا أصح طبعة لهذا الكتاب وأدقها وأتقنها وكل الذين نشروا الصحيح عيال عليها، ولا أظن محققًا من محققي اليوم له القدرة على تجاوزها.
على أن انتشار الطباعة الحديثة ويُسْرها شجع الكثير من أصحاب الضمائر الضعيفة ممن يتصدون لنشر الكتب أو يدعون المعرفة بتحقيق النصوص إلى إخراج كتب مليئة بالتصحيف والتحريف والسقط، أو سرقة الكتب المحققة تحقيقًا علميًا طمعًا بالربح العاجل، فتُسلب حقوق المحققين المعنوية، وحقوق الناشرين الجادين المادية، فيسيؤون إلى كل عمل جاد وكل ناشر مخلص، وقيل في القواعد الاقتصادية:"إن العملة الرديئة تطرد العملة الصعبة"، نسأل اللَّه الستر والعافية.
و"دار ابن كثير" للطباعة والنشر والتوزيع التي تأسست عام 1984 م في دمشق وبيروت، من دور النشر الكبيرة والجادة في خدمة الثقافة الإسلامية، وقد تطلعت إلى الإسهام في إعادة تحقيق ونشر كتب أمَّات
(2)
في بابتها، ولعل اسمها كان أكبر مُحفِّز للاضطلاع بتحقيق كتاب "البداية والنهاية"، إذ هو من أعظم آثار الحافظ ابن كثير رحمه الله، ولما يمتاز به من التأريخ
(1)
انظر وصفها في مقدمة الدكتور بشار عواد لطبعته من موطأ مالك برواية الليثي، ط 2، دار الغرب، بيروت 1998 م جـ 1 ص 12 - 22.
(2)
ومنها أطراف مسند الإمام أحمد؛ لابن حجر (1/ 10)، والمفهم في شرح ما أشكل من تلخيص صحيح مسلم؛ لأبي العباس القرطبي (1/ 7). وفتح القدير في التفسير؛ للشوكاني (1/ 6).
الإسلامي العام، والتأريخ لدمشق الشام في عصورها المختلفة بعامة، وفي عصر المؤلف بخاصة، وقد طبع -قديمًا- طبعة واحدة في مطبعة السعادة، وهي طبعة غير محققة مليئة بالتصحيف والتحريف والسقط والخلط، مما قلَّل من قيمتها وجعل الاعتماد عليها يسيء إلى البحث العلمي الرصين، وجل النشرات التي تلتها كانت تعتمدها على الرغم من ادعائها الاعتماد على مخطوطات، ولذلك تشَّوف إلى هذا العمل العلمي الكبير جمهرة من العلماء والدكاترة بإشراف الشيخ عبد القادر الأرناؤوط -يرحمه اللَّه-، وإدارة وتمويل الأستاذ علي مستو صاحب دار ابن كثير -حفظه اللَّه-.
وفي الأول من شهر شعبان المكرم سنة 1405 هـ. تم الاجتماع في قرية "بسيمة" من وادي بردى، وحضره: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله، والدكتور علي أبو زيد، والدكتور محيي الدين ديب مستو، والدكتور رياض مراد، والأستاذ محمود الأرناؤوط، والدكتور نزار أباظة، والأستاذ محمد حسان عبيد، والأستاذ حسن مروة، والأستاذ أكرم البوشي، والأستاذ إبراهيم الزيبق، والدكتور مأمون الصاغرجي، والأستاذ ياسين السَّواس، والأستاذ صلاح محمد الخيمي رحمه الله، والأستاذ محمد ديب مستو، والأستاذ علي ديب مستو.
•
خطة العمل ومنهج التحقيق:
وزَّع فضيلة الشيخ عبد القادر -يرحمه اللَّه- خطة العمل المقترحة على الأساتذة المشاركين في التحقيق، وهي كما يلي:
الحمد للَّه وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإنَّ أوَّل ما يجب أن يكون واضحًا لكل الإخوة من الأساتذة المشاركين في تحقيق الكتاب: أن هذا المنهج لم يُوضع لتقييد المحقق في الجزء الذي وكل إليه تحقيقه، وإنما أُريد منه أن يكون جامعًا لجهود المحقِّقين الأفاضل، لكي تنصبَّ جميع الجهود في جهة واحدة في الشكل والمضمون بالقدر المستطاع، حرصًا على نجاح العمل في الكتاب من الوجهتين العلمية والفنية، لأن الكتاب عند ظهوره -إن شاء اللَّه- سيكون مرتبطًا بأسماء المشاركين فيه، مما يدلُّ على أن نجاحه هو نجاح الجميع، ومن هنا كانت الرغبة في أن يتناول هذا المنهج جميع ما يتصل بتحقيق الكتاب وإخراجه على النحو التالي:
أولًا: فيما يتصل بالنسخ الخطية:
تعتمد نسخة المكتبة الأحمدية بحلب كنسخة رئيسة في العمل، وقد اصطلح على تسميتها
"النسخة الأم"، وذلك لكونها أتم النسخ من جهة، ولكونها قوبلت على أصل قوبل على نسخة المؤلف من جهة أخرى، وأخيرًا لاعتبارها نسخة شامية المصدر، لذا تجري عملية مقابلة المطبوع عليها لتصحيح ما وقع في المطبوع من الأخطاء، واستدراك ما حصل فيها من السقط، والإشارة إلى ما ورد فيها من الزيادة على النسخة المطبوعة من الكتاب، وبعد ذلك تجري عملية مقابلة النسخة الأحمدية على النسخة الأخرى: نسخة برلين، والنسخة الثالثة: نسخة دار الكتب الظاهرية، وذلك في الأجزاء التي توفَّرت لها أوراق من النسختين المذكورتين، فيثبت ما قد يرد فيها من الزيادة بين حاصرتين هكذا []، ويشار إلى ما وقع فيها من السقط والتحريف والتصحيف والاختلاف، وهذا الأمر ينطبق على ما يتوفر من النسخ الخطية الأخرى من الكتاب، ويُشار إلى النسخ المخطوطة في الحواشي عند وقوع سقط أو زيادة، أو تحريف أو تصحيف أو اختلاف بالرموز، وتُسمَّى مخطوطة الأحمدية بـ "النسخة: أ" ونسخة برلين بـ "النسخة: ب" ونسخة الظاهرية بـ "النسخة: ظ" والمطبوعة بـ "النسخة: ط".
ثانيًا: فيما يتصل بتحقيق نصوص الكتاب فإنه يجري على هذا الشكل:
1 -
تفصيل النصوص، وترقيمها، وترتيبها، واعتبار الفصول في الأجزاء (1 - 6) و (17 - 18) والسنوات في الأجزاء (8 - 16) فيما يتعلق بأوائل الصفحات، وختم كل فصل، وحوادث كل سنة بخمس نجوم (* * * * *) في وسط الصفحة.
ويرجى ترقيم الآيات الواردة في الكتاب بذكر اسم السورة مع رقم الآية بين حاصرتين في متن الكتاب هكذا [. . .] وحصر الآيات بقوسين مزهرين هكذا {. . .} والأحاديث والآثار وأسماء الكتب بقوسين هكذا ". . . ".
2 -
ضبط ألفاظ الآيات، والأحاديث، والآثار، والأبيات الشعرية، وأسماء الأعلام، والبلدان والأماكن، والألفاظ التي قد يُشكل فهمها على كثير من الناس.
3 -
ذكر مصادر الترجمة للمترجمين تراجم مفردة في الكتاب مرتبة ترتيبًا زمنيًا، بحيث تذكر المصادر التي سبقت المؤلف وعاصرته.
4 -
تخريج الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب من المصدر الذي نقل عنه المؤلف، والإشارة إلى ورود الحديث في المصادر الأخرى التي سبقت المؤلف، أو المصدر الذي نقل عنه، لا من طريق غيره من الرواة، وكذلك بالنسبة إلى الآثار الموقوفة على الصحابة، والتي لم ترفع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويرجى ترتيب المصادر حسب الترتيب الزمني أيضًا، والتأكد من سلامة النقل في المصدر الذي نقل منه المؤلف، وذلك لاستدراك ما قد يقع من السقط، والإشارة إلى ما قد يكون من زيادة في نصِّه، ويكون تخريج الحديث وفق ما يلي على سبيل المثال:
عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خير النَّاسِ قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ يجيءُ قومٌ تَسْبِقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه". رواه أحمد في "مسنده"(1/ 442) والبخاري في "صحيحه"(7/ 6) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في "صحيحه" رقم (2533) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي في "جامعه" رقم (3858) في المناقب، باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه. كلُّهم من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.
5 -
التعريف بالبلدان المغمورة باختصار، مع الإشارة إلى المصدر الذي نقلت عنه المعلومات، وذكر الجزء والصفحة أو المادة من كتب اللغة.
6 -
الإشارة في الحواشي إلى أسماء المصادر التي نقل عنها المؤلف، وذكر الجزء والصفحة، ومقابلة النقل على المصدر الذي نقله منه، للتأكد من سلامة النقل، واستدراك ما قد يقع فيه من السقط، وتصحيح ما فيه من الخطأ، والإشارة إلى الخلاف ما بين النص المنقول من الكتاب أو النص الموجود في الأصل المنقول عنه.
7 -
ترقيم التراجم المفردة في الكتاب بأرقام متسلسلة، وذلك لحصر العدد الكامل لها في آخر الكتاب، والتعريف بالأعلام الذين ليس لهم ترجمة في الكتاب باختصار.
8 -
ذكر المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في كل جزء على حدة.
9 -
صنع فهرس للموضوعات في كل جزء على حدة، والتراجم المفردة الواردة فيه.
10 -
يقوم كل محقق بكتابة مقدمة موجزة للجزء الذي وكل إليه تحقيقه.
11 -
يتولَّى كلُّ محقِّق تصحيح تجارب الطبع في الجزء الذي وكل إليه تحقيقه. وبالنسبة للحواشي والتعليقات يقوم المحقق بكتابتها على أوراق مستقلة، ويترك فراغًا بين التعليق والآخر مقدار ثلاثة أسطر تقريبًا، لكي يتسع لما قد يضيفه المراجع من التعليقات أثناء مراجعة الكتاب، لا سيما فيما يتصل بتخريج الأحاديث النبوية، للحكم عليها من جهة الصحة والضعف.
وفي الختام: نسأل اللَّه تبارك وتعالى أن يعيننا جميعًا على إخراج هذا الكتاب العظيم على النحو الذي يُرضيه عنا جل جلاله، وأن ينال الكتاب تقدير المخلصين العاملين في خدمة تراث هذه الأمة العظيمة، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين.
دمشق في 1 شعبان 1405 هـ - خادم السنة النبوية/ عبد القادر الأرناؤوط.
•
مدى الالتزام بهذه الخطة:
التزم المحققون جميعًا بهذه الخطة، وأتقنوا تفاصيلها، وبخاصة عندما تعدَّى التكليف بالتحقيق إلى أكثر من جزء أو جزأين.
* وبدأت تظهر بعضى الأجزاء المتقدمة، فتكون نموذجًا ونبراسًا للأجزاء المتأخرة، وكانت الجهود ظاهرة في خدمة النص، وتقديمه كاملًا ومتطابقًا مع ما أراده المؤلف وهدف إليه أو قريبًا منه، مع تعليقات وإضاءات مدروسة تنير غوامض بعضى الألفاظ، وتشع الضوء في مرامي جمله وعباراته.
* وأسهم التنضيد الحديث بإشراف وتنفيذ الأستاذ محمد إبراهيم شونو، في تقديم النص بصورة متقدمة ومشرقة، وأُخذت الآيات القرآنية مشكولة من المصحف الشريف، مع فواصلها وأرقامها، وتمَّ إدخال اللون الأحمر، ليبرز العناوين والأرقام والفوائد المهمة.
* وربما أعرض كثير من المحققين عن التقديم للأجزاء التي أنجزوها، حرصًا على وحدة الكتاب، واكتفاء منهم بالمقدمة الضافية التي سبقت الجزء الأول، وكانت بمثابة مقدمة للأجزاء كلها، واستقر الرأي على الاستغناء عن كثير من المقدمات الفردية.
* وامتاز الكتاب في هذه الطبعة المشرِّفة بالجمع بين البداية والنهاية، والتاريخ من بدء الخليقة إلى النهاية في أحوال الآخرة، وحقَّق هذا الجزء السابع عشر وراجعه فضيلة الشيخ المحدث عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله وجزاه اللَّه أعظم الأجر والثواب عن هذا العمل المبارك الموصول، وإنه لفخر يستحق الذكر والشكر أن تصدر البداية والنهاية كاملة وافية.
* وخُتم الكتاب بثلاثة أجزاء اشتملت على الفهارس العلمية الوافية، ولا شكَّ أن الفهارس مفاتيح، تُيسِّر للقارئ الاستفادة من الكتاب، والتجوال ضمن موضوعاته وكنوزه، وتضمَّنت:
- فهارس الآيات القرآنية، والأحاديث القولية والفعلية والآثار، صنعة الأستاذ محمود الأرناؤوط.
- وفهارس الأعلام المترجم لهم، وغير المترجم لهم، صنعة الأستاذ أكرم البوشي.
- وفهرس الموضوعات، وفهرس الشمائل والتاريخ، وفهرس مصادر ابن كثير والكتب المذكورة في الكتاب، وفهرس مشايخ ابن كثير، وفهرس الأقوال والخطب والرسائل والوصايا والتوقيعات، وفهرس الأماكن والبلدان والمواضيع، وفهرس الحيوان والنبات، وفهرس الشروح اللغوية، وشروح الغريبين، وفهرس القوافي والأشعار، وفهرس الأمثال والحكم العربية والإسلامية، وفهرس الأساليب العربية، وفهرس الفوائد، وفهرس الفهارس، صنعة الدكتور رياض مراد.
•
القراءات المتعددة للكتاب بكامله:
1 -
قراءة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله وهو المشرف العام على الكتاب، ومراجعة وتخريج الأحاديث، واستدراك أي خلل أو تقصير، والحكم على أحاديث غير الصحيحين. وهذه القراءة الأولى لمسوَّدة كل جزء، والتعليقات لا تزال جذاذات وقصاصات، مفخرة للكتاب وللعاملين في تحقيقه؛ لما يحمله الشيخ بين جوانحه من علم وتواضع وإخلاص، وأنفاس طاهرة وأخلاق رضية، واختصاص حديثي مشهود له، ويظهر جليًا من خلال التعليقات القيمة المختومة بحرف "ع"، رحم اللَّه تعالى المحدث الجليل الشيخ عبد القادر، وأسكنه اللَّه تعالى فسيح جناته، وجمعنا به تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
2 -
قراءة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف حفظه اللَّه تعالى، وهو غني عن التعريف في اختصاصه وأستاذيته في مادة التاريخ الإسلامي والحديث النبوي الشريف، وأعماله الكثيرة في مجال التحقيق وخدمة الكتب التراثية، والنصوص التاريخية والحديثية. وتصحيحاته المثبتة على التجارب الأخيرة من تصحيح أجزاء "البداية والنهاية" في الأجزاء الست عشرة تشهد بخبرة عالم متضلع في فن التاريخ والتراجم والحديث، ومستحضر لأخطاء وتصحيفات يقع بها الرواة والنُّسَّاخ. وتعليقاته المختومة باسمه "بشار" تؤكد الحظ الباسم والوافر لهذا الكتاب.
3 -
قراءة الدكتور محيي الدين ديب مستو للكتاب في آخر تصحيح، ولصورة كاملة للأجزاء التي اعتمدت في الفهرسة، وكان الغرض منها: التنسيق العام في كل الأجزاء، وتوحيد علامات الترقيم، وتصحيح بعض الأخطاء المطبعية، ومقارنة النص كاملًا مع نسخة مقروءة ومصححة بقلم أستاذنا وشيخنا نايف العباس -رحمه اللَّه تعالى-، والتوقف عند تصحيحات الشيخ والاستفادة منها، ومعروف في دمشق اهتمام الشيخ نايف بالتاريخ الإسلامي وتدريسه له في معهد العلوم الشرعية التابع للجمعية الغراء، وقد قرأنا بين يديه السيرة النبوية لابن كثير بأجزائها الأربعة، وكانت قراءته أو ضبطه لما نقرأ في البداية والنهاية - طبعة المعارف - بيروت - 1966 م، وقد أحضرها لي كاملة ابنه عبد المؤمن العباس جزاه اللَّه كل خير، وجعله سلفًا صالحًا لوالده.
وقد أثمرت هذه القراءة فوائد عظيمة وفرائد جليلة، فيها العبرة الصادقة والعظة المؤثرة، أشرت إليها في دفتري، وستُطبع في دار ابن كثير مستقبلًا تحت عنوان "فوائد وفرائد" من البداية والنهاية، وللَّه الحمد والمنة.
4 -
قراءة الأستاذ أكرم البوشي للكتاب مرتين، مرة أثناء الفهرسة، ومرة أخيرة؛ لتكون مسكَ الختام، وقد أثبتَ تصحيحات مهمة بقلمه الأخضر، فيها تقويم الشكل، وتصحيح الخطأ، وفيها استدراك بعض السقط، جزاه اللَّه كل خير، ووفَّقَه لكل صواب.
وختامًا:
أسأل اللَّه الجواد الكريم أن يجزل الأجر العظيم، والخير العميم لدار ابن كثير ممثلة بصاحبها الأستاذ علي ديب مستو الذي ضحَّى بماله ووقته، وصبر وصابر، معرضًا عن جهل الجاهلين، وهفوات المتعالين والمتعالمين. . كما أشكر باسمه كل من أسهم في إنجاز هذا العمل أو شارك فيه ولو بالقليل. . اللهم تفبل منا هذا الجهد -وهو جهد المقل- واكتبه في صحائفنا، وصحائف والدينا ومشايخنا. . يوم نلقى الأحبة محمدًا صلى الله عليه وسلم وصحبه، ونلقى الحافظ ابن كثير. . والحمد للَّه ربِّ العالمين.
* * *
وكتب الدكتور محيي الدين ديب مستو أبو أديب
(2) دراسة شخصية المؤلف الحافظ ابن كثير
أولًا: عصر المؤلف
ثانيًا: اسمه ونسبه
ثالثًا: ولادته ونشأته
رابعًا: أسرته
خامسًا: شيوخه وتلاميذه
سادسًا: كتبه
سابعًا: مكانته العلمية والاجتماعية
ثامنًا: وفاته
(2) دراسة شخصية المؤلف الحافظ ابن كثير
أولًا: عصر المؤلف
تمهيد:
عاش الحافظ ابن كثير عمره البالغ (74) عامًا، في حكم دولة المماليك البحرية، والممتد من عام 648 هـ إلى 784 هـ وقد انتزع هؤلاء السلطة والحكم من أسيادهم الأيوبيين، وتسمَّوا بالسلاطين مع الاحتفاظ بكلمة مملوك، وآثروا وجود الخلافة
(1)
العباسية شكلًا وصورة، لتبرير حكمهم، وإضافة شيء من الشرعية عليه، وقد خلا لهم الجو بمصر، وفرغت الساحة، واستطاعوا بفروسيتهم أن يبنوا لهم مجدًا جهاديًا بهزيمة المغول في عين جالوت (658 هـ) والتتار في شقحب (702 هـ)، وهزيمة لويس التاسع وأسره في دمياط (648 هـ) وفتح عكا (690 هـ) وتطهير جميع السواحل الشامية من الغزاة الصليبيين إلى الأبد.
واستمروا من عام (703 هـ) إلى (784 هـ) يخضعون البلاد والعباد بهاجس الخطر الصليبي، الذي يغيب ويظهر، بعد أن تجمعت فلوله في جزيرة قبرص.
وامتدت حدود الدولة المملوكية من اليمن جنوبًا إلى حدود الدولة العثمانية شمالًا، ومن الفرات شرقًا إلى برقة غربًا، وظهرت قوتهم في توحيد الشام ومصر، والتشرف بإخضاع الحجاز؛ لخدمة الحرمين الشريفين. أما بقية الأقاليم فتخضع لعاصمة الحكم في القاهرة بدرجات متفاوتة.
وقد عاصر ابن كثير من ولادته إلى وفاته (5) خمسة من الخلفاء العباسيين، و (15) خمسة عشر سلطانًا، و (20) عشرين نائبًا في دمشق، وسنلقي الضوء على هذه الفترة الزمنية من خلال التعرف على الحياة السياسية، والاجتماعية، والعلمية، والفكرية.
(1)
السلطان الظاهر بيبرس هو أول من عمل على إحياء الخلافة العباسية بمصر بدءًا من سنة 659 هـ.
1 - الحياة السياسية:
وقد بدأنا بها لأنها التي توجد الاستقرار والأمان؛ لحياة اجتماعية فارهة، وحياة علمية متوهجة، وحياة فكرية متوقدة.
وهي التي إذا اضطربت وضعفت، وانعدمت الشورى، وافتقدت العدالة، وخاب الرأى الحر الغيور عن الحكام؛ انقلبت حياة الناس إلى ظلم وتعاسة، وفقر بائس، وركود علمي، وجمود فكري.
ومن المؤسف حقًا أن المماليك البحرية بدأوا تفرُّدهم بالحكم بالخيانة والغدر والتآمر والقتل، واستمر هذا حال الآمراء فيما بينهم، لا يستثنى من ذلك سوى مدة حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون بعد عودته للمرة الثالثة (709 - 741 هـ)، ومدة حكم النائب سيف الدين تنكز في دمشق (712 - 740 هـ).
فالخليفة: رمز شكلي يبايع السلطان، ويعيش في ظله، ولا يملك من أمور الدولة الدخلية أو الخارجية شيئًا، ويحمل لقبًا فخمًا، كما حمل أجداده من بني العباس؛ كالمستكفي باللَّه الأول (701 - 736) والواثق باللَّه الأول (736 - 742) والحاكم بأمر اللَّه الثاني (742 - 753) والمعتضد باللَّه الأول (753 - 763) والمتوكل على اللَّه الأول (763 - 785).
والسلطان: هو الحاكم الفعلي، والذي يملك مقاليد الأمور السياسية الداخلية والحاجية، وتجبى الأموال إلى قصره، ولذلك يكون عرضة للقتل أو الخنق إذا كان ضعيفًا أو صغيرًا، أو لم يستطع أن يلبي متطلبات الاْمراء من حوله وفوق رأسه، أو كان فاسقًا أو فاجرًا يعلن مبررات خلعه، أو كان خائنًا غادرًا يعرض الأمة والبلاد للخطر الداهم، فتسقط عند الناس هيبته، ويطيح المتربصون برأسه. وإذا كان السلطان المنصور قد تمكن من تأسيس أسرة حاكمة، واستمرت في السلطنة (105) سنوات، فإن ابنه محمد هو الوحيد الذي حكم بقوة ومات على فراشه، وإن ستة من أولاد الناصر وأحفاده كانوا ضعافًا فخلعوا، وأربعة قتلوا، واثنان فقط ماتوا ميتة طبيعية.
والنائب في دمشق
(1)
: هو المتنفذ طالما استقر به الحال، وهدأت من حوله العواصف، وجمع الثروات والعقارات، ولكن المؤامرات والوشايات له بالمرصاد، فيأمر السلطان بمسكه ومصادرته وقتله، وقد استثني النائب تنكز، فقد طالت مدته، وظهر العدل والاطمئنان في نيابته، وأصبح السلطان يخطب وده، ويكاتبه بألقاب الفخامة وعلو الجناب
(2)
، ولكن قبض عليه حين
(1)
أكثر من نصف النواب الذين حكموا دمشق، وعاصرهم ابن كثير كانوا يحملون لقب "سيف الدين".
(2)
كتب له مرة يقول: "أعز اللَّه أنصار المقر الكريم العالي" بدائع الزهور (ص 146).
تغير خاطر الناصر عليه في أواخر نيابته، ودبَّت عقارب الفتن بينهما، فصودر وسُجن بالإسكندرية، حيث مات، قيل مخنوقًا، وقيل: مسمومًا، وقيل: غير ذلك، في المحرم سنة 741 هـ، وتأسف الناس عليه كثيرًا وطال حزنهم عليه
(1)
.
2 - الحياة الاجتماعية:
ارتاح الناس من الخطر القادم من الشرق أو الشمال بعد الانتصار على التتار في مرج الصفر جنوب دمشق سنة (702 هـ)، وبقيت عيونهم مسَمَّرة على الساحل الغربي حيث طيف الخطر الصليبي. وآثار التدمير المغولي والتخريب الصليبي ماثل للعيان، وأوصال الأمة متقطعة، والأخبار منقطعة، وبخاصة في هذا القرن الثامن، فالقارئ لتاريخ ابن كثير لا يجد أي أخبار عن بغداد أو عن بلاد المغرب، وكأن العالم اختصر في دمشق والقاهرة.
والبعد الزمني عن الهجرة النبوية والقرون الخيِّرة الأولى، أدى إلى اختلاف وانقسام، وضعف في التطبيق العملي لمبادئ الإسلام.
فالحاكم السلطان ونوابه يتفنون في فرض الضرائب، ويتوسعون في منح الإقطاعات، لضمان جمع أكبر قدر من الأموال، مما يزيد في تراجع الزراعة، وتخلف الصناعة، وإفلاس التجارة، وتفشي البطالة، وغلاء الأسعار.
والمرأة يرتكس دورها في بناء الأسرة وصلاح المجتمع، فتثطلع إلى حبس زوجها إذا عجز عن النفقة، أو تأخر عن طلبها مؤخر صداقها، وتلبس الثياب ذات الأكمام العريضة والأزرار الحريرية، والأحذية المزركشة، التي تثير الغرائز أو تكشف عن المفاتن، مما يستدعي تدخل السلطان
(2)
ومنعها. وربما يسهم الفقر في انتشار البغاء، وظهور نساء متنفذات يضمنَّ عمل البغايا، ثم يُبطل السلطان ذلك، وتنتشر الأغاني الخليعة وما يصاحبها من فسق وخمر، رغم فتاوى العلماء بتحريم ذلك، وكتابتهم أن هؤلاء المغنين هم "نوَّاحو جهنم" وأن السامعين لهم يُعذَّبون في قبورهم، ويُحاسبون يوم حشرهم.
وتزداد الحياة الاجتماعية سوءًا بتعرُّض البلاد لكثير من الجوائح والكوارث الطبيعية، كالفيضانات والزلازل والجراد، وإصابتها بالمجاعات والأوبئة؛ كالطاعون الذي يحصد الناس حصدًا، ويذهب منهم في اليوم الواحد بالمئات والألوف.
والناس الفقراء والمتبطلون يتبلَّد حسُّهم الجماعي، ويرضون بالواقع المر والظلم الغاشم،
(1)
انظر البداية والنهاية (16/ 292).
(2)
المصدر السابق (16/ 352).
ويغيبون عن المطالبة بأي تغيير، أو إحداث أي تأثير، مع أنهم في بعض الاستقبالات أو المآتم يحضرون ويتحركون.
3 - الحياة العلمية:
وفي هذا الجو المظلم المكفهر كانت الحياة العلمية مزدهرة تعطي أطايب الثمار وأفضل النتائج، والعلماء يتمتعون بتكريم الحكام، واحترام الرعية، والمدارس الكثيرة تُبنى وتوقف لها الأوقاف، وتُرصد لها الأموال، ذلك أن المماليك كانوا يتقرَّبون إلى الناس برفع منزلة العلماء وتقديم الجوائز والوظائف الدينية للمتفوقين وذوي السمعة الطيبة منهم، وبخاصة في أوقات الشدة، وعندما يحتاجون إلى تأثير العلماء ونفوذهم القوي على عامة المسلمين.
وتتجلى للمتأمل في الحياة العلمية خلال القرن الثامن الظواهر التالية:
الأولى: عظمة هذا الدين الإسلامي وخلوده، وأنه صخرة منيعة، تتحطم عليها مطامع الغزاة ومعاول الهدَّامين والمخربين، لقد امتحن الإسلام في هذا العصر، وخرج من أقسى المحن وأشد الخطوب سالمًا منتصرًا، وأثَّر حتى في أعدائه القساة الحاقدين عليه، فاعتنقوه وانضووا تحت لوائه.
الثانية: نشاط العلماء في هذا العصر، وكثرتهم وكثرة تآليفهم، وقد وصلوا بكتبهم بين ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، وأثبتوا صلابة مواقفهم وأنهم لم تقهرهم روح اليأس مما يُحيط بهم من ظلمات وأحوال.
الثالثة: الخلافات الاعتقادية لا سيما بين السنة والشيعة، وبين المذاهب الفقهية، كل ذلك أضعف الحياة العلمية، واستنفد أوقاتًا وجهودًا عظيمة، جعلت الماضي عبئًا على الحاضر، ولم يُفد واقع الأمة ولا مستقبلها شيئًا مذكورًا.
الرابعة: بعض الفرق الصوفية التي لا تلتزم الكتاب والسنة، حجرت على عقول الناس وأفكارهم، ومنعت كل تطور وإصلاح، واستهلكت أوقات العلماء وأعمارهم في تآليف وردود؛ لكشف البدع، وبيان زيف الخرافات، وتجاوز المظاهر والقشور.
الخامسة: الاقتصار على العلوم الشرعية، وعدم الاهتمام بالعلوم الكونية، وغياب شمس الحضارة التي سبق وسطعت في بغداد، وملأت الآفاق بنورها الشامل الوهَّاج.
علمًا بأن تحصيل العلوم الدنيوية، والنهوض بالصناعة وحيازة أسباب القوة مطلب شرعي، إذ هي فروض الكفاية المضيعة، والتي تزيد المسلمين ضعفًا وتخلُّفًا.
4 - الحياة الفكرية:
لم تثمر الحياة العلمية في القرن الثامن الهجري حياة فكرية متوثبة أو متوقدة، بل بقيت مظاهر
الجمود والتخلف الفكري واضحة وراسخة؛ فالتعليم يقوم على حفظ المتون، والتآليف قاصرة على الشرح أو الاختصار، أو صنع الحواشي والهوامش، والطلاب الجدد لا يعرفون أي تجديد وابتكار، وهذا ما لاحظه الشيخ محمد أبو زهرة على الحياة العلمية وآثارها الفكرية؛ فقال:
"وإذا كانت القرون الثلاثة -6 و 7 و 8 - قد امتازت بشيء، فقد امتازت بكثرة العلم، لا بعمق الفكر، فقد كانت المعلومات كثيرة، وتحصيلها كان بقدر عظيم، وعكوف الناس عليها كان كبيرًا. ولكن التفكير المطلق في مصادرها ومواردها، والمقايسة بين صحيح الآراء وسقيمها مقايسة حرة نزيهة من التعصب الفكري، والتحيز المذهبي، بالنظر الفاحص المجرد، أو النظر الذي يعم كلَّ الجوانب، لم تكن بقدر يتناسب مع تلك الثروة المثرية التي توارثتها الأجيال"
(1)
.
ولا بد هنا ونحن نتصور الحياة الفكرية من تسجيل الملاحظات التالية:
الأولى: وجود التعصب المذهبي بين المذاهب الأربعة، وبين أهل المذاهب الواحد أحيانًا.
الثانية: الخلاف بين الشيخ ابن تيمية وتلاميذه وبين المتصوفة وبعض الفقهاء، مما أدى إلى سجن ابن تيمية ثلاث مرات، إحداهن بمصر، وسجن الحافظ المزي، وابن القيم في دمشق، بسبب اجتهادات فرعية فقهية، تدل على تحجر وضيق أفق.
الثالثة: الاهتمام بعلم التاريخ، ولكن من غير تجديد ولا نقد -باستثناء ابن خلدون والمقريزي- والاقتصار على التذييل والاختصار، مما عطَّل هذا العلم العظيم عن تحريك بناء الأمة، وتوحيدها، ودفعها إلى بناء الحضارة وتوحيد الشمل من جديد.
الرابعة: التأثر بعقائد الأمم والأجناس المختلفة، والخوض في علم الكلام، والتأثر بالمنطق الصوري، والانزلاق إلى متاهات الجبر والاختيار، والتأويل والتفويض، والتجسيم والتعطيل. . والإبقاء على الآراء المختلفة معلَّقة، تقسم الصف، وتهدد المستقبل، وتنذر بالفناء.
* * *
(1)
ابن تيمية، للدكتور محمد أبو زهرة (ص 154).
ثانيًا: اسمه ونسبه
هو الحافظ الحجَّة، والمُفسِّر العمدة، والمحدِّث الثقة، والمؤرِّخِ الموضوعيّ، والفقيه المستحضر، عماد الدين، أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير، بن ضَوْ بن درع
(1)
القرشي، الحَصْلي، البُصروي، الدِّمشقي، الشافعي، المعروف بابن كثير.
فهو عربي "قرشي" لأن بني حَصْلة ينتسبون إلى الشرف، وبأيديهم نسب، وقد وقف على بعضها الشيخ أبو الحجاج جمال الدين المِزِّي، فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسب ابن "القرشي"
(2)
.
وهو "بُصروي": لأن أباه من "بصرى" وهي بلدة قديمة بالشام من أعمال دمشق، وتقع في لجنوب الشرقي من سورية، وثاني مدينة بعد "درعا" في منطقة حوران، وتبعد عن دمشق حوالي (137) كم.
وهو بعد ذلك "دمشقي": لأنه سكن دمشق، ونشأ فيها، ثم توفي ودُفن فيها.
* * *
(1)
كذا في طبقات المفسرين؛ للداودي (1/ 11) وإنباء الغمر بأبناء العمر، لابن حجر (1/ 45) وفي شذرات الذهب، لابن العماد (8/ 197) وذيل تذكرة الحفاظ؛ للحسيني (ص 57) ابن ذُرَع. وفي الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة؛ لابن حجر (1/ 399)"القيسي" وفي نسخة "العبسي".
(2)
البداية والنهاية (16/ 35).
ثالثًا:
ولادته
ونشأته
• ولادته:
ولد ابن كثير بقرية "مَجْدَلْ"
(1)
وهي قرية شرقي مدينة "بصرى" سنة 701 هـ، ولم يُنقل لنا شيء عن تحديد اليوم أو الشهر الذي وُلد فيه، بل إن بعض من ترجم له لم يجزم في تحديد سنة ولادته، فالإمام الذهبي يقول في "طبقات الحفاظ": ولد بعد السبعمئة أو فيها
(2)
. والحافظ ابن حجر يقول في "الدرر الكامنة": ولد سنة سبعمئة أو بعدها بقليل
(3)
.
وهذا التاريخ لولادة ابن كثير مستنبط من كلامه هو، حيث يقول في ترجمة أبيه المتوفى سنة 703 هـ:"وكنتُ إذ ذاك صغيرًا ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أدركه إلا كالحلم"
(4)
والذي يدقق النظر في كلامه: "ابن ثلاث سنين أو نحوها" يترجح لديه أن تكون ولادته في سنة 701 هـ لا في سنة 700 هـ، إلا أن يكون قد وُلد في أواخر السبعمئة، وتوفي أبوه في أوائل سنة 703 هـ. ويرى أحمد محمد شاكر في "عمدة التفسير": أن ولادة ابن كثير كانت سنة 700 هـ أو قبلها بقليل، ورجَّح ذلك من عبارة ابن كثير نفسها:"لا أدركه إلا كالحلم" فقال: الذي هو في سن أقل من الثلاث، ما أظنه يذكر شيئًا كالحلم ولا أبعد من الحلم ولا أقرب، فهو حين موت أبيه قد جاوز الثالثة في أكبر ظني
(5)
. وقال: وابن ثلاث سنين لا يعرف تواريخ السنين على اليقين في تلك السن، فقد سمع إذن تحديد السنة التي مات فيها أبوه ممن حوله من إخوة وأهل وجيران
(6)
.
ولكننا نعود فنؤكد سنة 701 هـ، لأنها من تحديد المؤلف ابن كثير، حيث نجده يقطع الشك باليقين، ويقول في أواخر سنة (إحدى وسبعمئة): وفيها وُلد كاتبه إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي
(7)
.
(1)
وتعرف الآن باسم (الجدل) وهي بجوار بلدة (القُرَيَّة) وكلتاهما تقعان في السفح الجنوبي الغربي لجبل العرب. وهما تابعان إداريًا لمحافظة السويداء.
(2)
تذكرة الحفاظ؛ للذهبي (4/ 1508).
(3)
الدرر الكامنة (1/ 399).
(4)
البداية والنهاية (16/ 350).
(5)
عمدة التفسير (1/ 23).
(6)
عمدة التفسير (1/ 23).
(7)
البداية والنهاية (16/ 19).
•
نشأته:
أما نشأته الأولى فكانت في قرية "مَجْدل" أو "مِجْدل" أو "مجيدل القُرَيَّة"
(1)
وتقع شرقي مدينة بصرى، وهي موطن أمه، انتقل إليها والد ابن كثير في أواخر حياته، وعمل بها إمامًا للصلوات وخطيبًا للجمع والأعياد، وبقيت الأسرة بعد وفاته مقيمة بها حوالي أربع سنين، ثم تحوَّلت إلى دمشق سنة 707 هـ، وغادر ابن كثير هذه القرية بعد أن ملأ قلبه وفكره من ذكريات الطفولة فيها، وحفظ ما يتحدَّث الناس به عن خطب والده المؤثرة، وسمع ما يحفظونه من أقواله وشعره، وقصَّ عليه إخوته أن أباه سمَّاه إسماعيل تيمنًا بأن يكون كأخيه الكبير طالب علم، الذي اختطفته يد المنون بعد أن قطع في طريق طلب العلم شوطًا بعيدًا، فتطلَّعت نفسه منذ ذلك السن المبكر إلى السير في هذا الطريق، والارتواء من منهله العذب، فيقر بذلك عينَ والده في قبره، ومن ثَمَّ يصبح بين الناس كأبيه شيئًا مذكورًا.
وأما نشأته الثانية والمؤثِّرة، فكانت في دمشق الشام، فارتحل إليها مع أخيه الشقيق عبد الوهاب المحب الشفوق، الذي كان بمثابة الأب والمعلم الأول له، واستمر في ملازمته والاستفادة منه مدة طويلة، ولنسمع المؤرخ ابن كثير يحدثنا عن ذلك فيقول:"ثم تحوَّلنا من بعدُ -أي من بعد وفاة الوالد- في سنة 707 هـ إلى دمشق صحبة كمال الدين عبد الوهاب، وكان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين وسبعمئة، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر اللَّه تعالى على يديه ما تيسَّر، وسهَّل منه ما تعسَّر"
(2)
.
ويُحدِّد ابن كثير مكان سكناهم في دمشق، ولكن بأسماء قد تبدلت وعفَّى عليها الزمن فيقول:
"في هذه السنة 707 هـ كان قدومنا من بُصرى إلى دمشق بعد وفاة الوالد، وكان أول ما سكنا بدرب سفُّون الذي يُقال له درب ابن أبي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطيوريين"
(3)
.
ويقول في ترجمة الشيخ محيي الدين بن عبد اللَّه بن صفي الدين إبراهيم بن مرزوق المتوفى سنة 662 هـ:
"داره التي جعلت مدرسة للشافعية، وقفها الأمير جمال الدين آقوش النَّجِيبي التى يقال لها "النجيبية" -تقبَّل اللَّه منه- وبها كانت إقامتنا، جعلها اللَّه دارًا تعقبها دار القرار في الفوز العظيم"
(4)
.
(1)
المصدر السابق (16/ 36).
(2)
البداية والنهاية (16/ 37).
(3)
المصدر السابق (16/ 64).
(4)
المصدر السابق (15/ 401).
ولم ينشأ أبو الفداء في دمشق غريبًا، ثم يرحل عنها غريبًا، بل قضى عمره في ربوع دمشق يكتب تاريخها، فيُغني بكلماته أفراحها وانتصاراتها، ويبكي أحزانها وأتراحها. ويصف لنا من خلال الصراع على الحكم قلعتها وأبوابها، وطرقها وساحاتها، ويترجم ما يراه في عيون سكانها وهم يودِّعون واليًا مخلوعًا، أو يستقبلون حاكمًا جديدًا، أو يشهدون نائبًا متمرِّدًا أوآخر غادرًا.
ويُدعى ابن كثير بعد أن تخرج من محراب العلم إلى مجالس العلم والتحكيم، وهي تقام في بساتين دمشق الساحرة، أو في قاعات قصورها الشامية الفسيحة.
ويتطلع أهل دمشق إلى الاستفادة من حفظ ابن كثير واستحضاره، فيعتلي منابر المساجد خطيبًا، ويدخل المدارس المتخصصة مدرسًا ورئيسًا، ويجلس في مسجد بني أمية تحت قبة النسر مفسِّرًا ومحدِّثًا. فأيُّ مغاني خير وبركة كانت تنتظره في دمشق، فتفتح نفسه على العلم بنهم زائد، وتمنحه قلم الفقيه الورع والمؤرخ المسؤول، فيعيش للفيحاء أكثر مما يعيش فيها. ودمشق حين سكنها ابن كثير ونشأ فيها معدن العلم وموئل العلماء، فتحت صدرها للأساتذة الكبار العائذين بها من وجه الفرنجة والتتار، فأصبحت عشًا ومأمنًا لهم، وتلقتهم مدارسها بالترحاب، فملؤوها علمًا وكتبًا، وكان من علمائها الكبار المحدِّث الثقة أبو الحجاج المزي، والفقيه الشافعي الحجة تاج الدين الفزاري، والعالم المجدد ابن تيمية ومن جاء بعده من تلاميذه المشهورين كابن القيم وابن كثير.
ويهمنا أن نثبت هنا البدايات في تحصيله العلمي إبان نشأته:
- ختم القرآن الكريم حفظًا سنة 711 هـ على الشيخ محمد بن أبي الحسن البعلبكي
(1)
الحنبلي المتوفى سنة 730 هـ.
- وتعلَّم القراءات على الشيخ محمد بن جعفر (1) اللَّبَّاد المتوفى سنة 724 هـ.
- وتعلَّم الكتابة على الشيخ نجم الدين موسى بن علي (1) المتوفى سنة 723 هـ.
* * *
(1)
انظر ترجمة وافية لكل من هؤلاء الشيوخ في فقرة خامسًا "شيوخه" الآتية (ص 23).
رابعًا: أسرته
• ونبدأ بالتعرُّف على أفراد أسرته التي تحدَّر منها، وهم:
أبوه:
قال ابنه: "الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير، ولد في حدود سنة 640 هـ، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى، فقرأ "البداية" في مذهب أبي حنيفة، وحفظ "جمل الزجَّاجي" وعُني بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي، وقليل من الهجاء، وقرَّر بمدارس بصرى بمَبْرك الناقة
(1)
شمالي البلدة، حيث يُزار، وهو المَبْرك المشهور عند الناس، واللَّه أعلم بصحة ذلك. ثم انتقل إلى خطابة القُرَيَّة شرقي بصرى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النواوي، والشيخ تقي الدين الفزاري -وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلَّامة ابن الزملكاني- فأقام بها نحوًا من 12 سنة، ثم تحوَّل إلى خطابة "مجدل" القرية التي منها الوالدة، فأقام بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة، وكان يخطب جيدًا وله مقول عند الناس، ولكلامه وقع؛ لديانته، وفصاحته، وحلاوته. وكان يُؤثر الإقامة في البلاد؛ لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله. توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة 703 هـ في قرية مجدل، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتونة"
(2)
.
إخوته وأخواته:
ونستمر بالإصغاء إلى الحافظ ابن كثير وهو يُحدثنا عن إخوته وأخواته فيقول:
"وقد وُلد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها. أكبرهم إسماعيل، ثم يونس، ثم إدريس. ثم من الوالدة: عبد الوهاب، وعبد العزيز، وأخوات عِدَّة. ثم أنا أصغرهم، وسُمِّيتُ باسم الأخ "إسماعيل" لأنه كان قدم دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو، وحفظ "التنبيه" وشرْحَه على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصَّل "المنتخب" في أصول الفقه، قاله لي شيخنا ابن الزملكاني. ثم إنه سقط من سطح الشَّامية البرانية، فمكث أيامًا ومات، فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلدت أنا له بعد ذلك سمَّاني
(1)
أي: ناقة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
البداية والنهاية (16/ 37).
باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل، وأصغرهم وآخرهم إسماعيل، فرحم اللَّه من سلف، وختم بخير لمن بقي"
(1)
.
ولم يعرف من أحوال أفراد هذه الأسرة إلَّا ثلاثة: الأخ الأكبر إسماعيل من الزوجة الأولى، والأخ الأصغر إسماعيل المؤلف والمؤرخ المشهور، والأخ الثالث عبد الوهاب، وهو الأخ الشقيق والأكبر من الزوجة الثانية، الذي تحمَّل مسؤولية الأسرة، وارتحل بهم إلى دمشق طلبًا للرزق واستكمالًا للعلم، ووصفه ابن كثير بالرفق والشفقة، وقد اشتهرت من أولاد عبد الوهاب هذا بنت هي ست القضاة أم عيسى (730 - 801 هـ) التي تميزت بالعلم والمعرفة والثقافة الدينية، فقد حدَّثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر، والحجَّار، وعلي الواني، والمِزّي، والشرف ابن حافظ، وغيرهم. وقد سمع منها الفضلاء، وأجازت لابن حجر فيمن أجازت
(2)
.
• وأما أسرته التي أسسها في دمشق، فاختار لها الزوجة الصالحة، وأنجب الأولاد البررة، وأفرادها هم:
زوجه:
أمة الرحيم زينب، بنت الشيخ جمال الدين المِزِّي المتوفى سنة 742 هـ، وهو شيخه في علم الحديث، ولم يسجل ابن كثير في "البداية والنهاية" تاريخ زواجه؛ وإنما ذكر اسمها، وأنها حفظت القرآن مع أمها أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق، على الشيخة الصالحة العابدة أم زينب فاطمة بنت عباس التي ختَمت القرآن لنساء كثيرات
(3)
، والمتوفاة سنة 714 هـ، وسمعتْ من والدها الكثير من الأجزاء والكتب الكبار، منها "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" حيث نجد اسمها ضمن من سمعوا هذا الكتاب على المؤلف
(4)
. وقد أرَّخ ابن كثير لوفاة حماته سنة 741 هـ. كما نقل عن زوجه زينب حادثة وفاة أبيها الشيخ أبي الحجاج
(5)
المزي، يرحمه اللَّه تعالى.
أولاده:
الأول: عمر، وهو أكبر أولاده. قال ابن حجر في ترجمته:"عُني بالفقه، وكتب تصانيف أبيه، وولي الحِسْبة مرارًا، ونظرَ الأوقاف، ودرَّسَ بعدة أماكن، وعاش خمسًا وأربعين سنة، مات في رجب سنة 783 هـ"
(6)
.
(1)
البداية والنهاية (16/ 36).
(2)
الضوء اللامع، للسخاوي (12/ 57) وشذرات الذهب (9/ 18).
(3)
البداية والنهاية (16/ 297).
(4)
تنظر مقدمة الدكتور بشار لكتاب تهذيب الكمال.
(5)
البداية والنهاية (16/ 297).
(6)
إنباء الغمر بأبناء العمر؛ لابن حجر (3/ 75).
وذكر ابن حجر في ترجمة ابن كثير
(1)
: أن ابنه عمر نسخ له مسند الإمام أحمد الذي رتبه ابن المحب الصامت المتوفى سنة 789 هـ على ترتيب حروف المعجم، وكانت هذه النسخة أصلًا لأبيه في تأليف كتابه الكبير "جامع المسانيد والسنن" ثم بيَّض عمر هذا الكتاب الجامع، ورأى ابن حجر النسختين بخط عمر.
الثاني: زين الدين عبد الرحمن المتوفى سنة 792 هـ، أشار إليه ابن فهد في كتابه "لحظ الألحاظ"
(2)
واكتفى بالتصريح بأنه مات ودفن في دمشق.
الثالث: بدر الدين أبو البقاء محمد بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير، ولادته بدمشق سنة 759 هـ ووفاته بها سنة 803 هـ. ذكر السخاوي في "الضوء اللامع" وابن العماد في "شذرات الذهب"
(3)
أنه وُلد بدمشق، ونشأ بها، واشتغل وطلب، وتخرَّج بابن المحبّ، وسمع الكثير من ابن أميلة، والصلاح بن أبي عمر، وغيرهما من أصحاب الفخر، ورحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخها، وتميَّز في هذا الشأن قليلًا، وشارك في الفضائل، مع خط حسن معروف جيد الضبط (2). إلا أنَّ ابن حجي قال: لم يكن محمود السيرة، ودرَّس بعد أبيه في تربة أم صالح، وعلَّق تاريخًا للحوادث التي في زمنه، ذكر فيه أشياء غريبة. وقال الحافظ ابن حجر: سمعت من فوائده، وسمع بقراءتي في دمشق، ومات في سن الكهولة عن أربع وأربعين سنة بالرملة فارًا من دمشق" (2). ولعله فرَّ من دمشق في الفتنة التيمورية، حيث دخل تيمورلنك دمشق في ربيع الثاني من عام 803 هـ، ورحل عنها في شعبان من نفس السنة.
الرابع: تاج الدين عبد الوهاب، وُلد سنة 767 هـ، وتوفي سنة 840 هـ، وقال السخاوي في ترجمته:"سمع من أبيه، والمحب الصامت، وأحمد بن عبد الغالب الماكسيني، وابن أميلة، وحدَّث فسمع منه الفضلاء"
(4)
.
الخامس: شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير، ذكره السخاوي
(5)
في ترجمة ابنته المحدثة أسماء التي كانت سببًا في ذكر اسم أبيها وعدم نسيانه للأجيال المتأخرة، وهي التي تولَّت تربيتها وتعليمها ستُّ القضاة أم عيسى بنت عبد الوهاب، والتي تقدم ذكرها قريبا
(6)
.
* * *
(1)
المصدر السابق (1/ 47).
(2)
لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفَّاظ؛ لابن فهد (ص 178).
(3)
الضوء اللامع؛ للسخاوي (7/ 138)، وشذرات الذهب، لابن العماد (9/ 57).
(4)
الضوء اللامع؛ للسخاوي (5/ 98).
(5)
المصدر السابق (5/ 98).
(6)
انظر المقدمات (ص 23).
خامسًا: شيوخه وتلاميذه
أ- شيوخه:
تمهيد: اتجه ابن كثير في دراسته إلى العلوم الشرعية، وبخاصة الفقه والحديث، وما يتصل بهما من علوم القرآن والسنة واللغة العربية، وهو الاتجاه السائد في عصره، يدفعه إلى ذلك نشأته الأولى في أسرته، وبخاصة أخوه وشيخه الأول عبد الوهاب، يضاف إلى ذلك أنه طالب علم نبيه ومتفوِّق، فهو كثير الحفظ، قليل النسيان، صحيح الذهن، مما يفسر العلاقة الحميمة بينه وبين شيوخه، الذين أحبُّوه وشجَّعُوه على الصبر والمثابرة، وكان لهم أثر كبير في تكوين شخصيته العلمية؛ كالمؤرخ الذهبي، والمحدِّث المزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وسنذكر فيما يلي تعريفًا مختصرًا بمشايخه، وهم صفوة العلماء في عصره، مرتبة أسماؤهم حسب سني وفاتهم، فنبدأ بالأقدم وفاة، حريصين كل الحرص على أن يكون التعريف بقلم ابن كثير ومن خلال تأريخه العظيم "البداية والنهاية":
1 -
موسى بن علي بن محمد الحَلَبي، نجم الدين، الدمشقي المتوفى سنة 716 هـ:
قال ابن كثير: "الكاتب الفاضل المعروف بالبُصْبُص، شيخ صناعة الكتابة في زمانه، لا سيما في المزوج والمثلث، وقد أقام يُكتِّبُ الناسَ خمسين سنة، وأنا ممن كتب على يديه أثابه اللَّه، وكان شيخًا حسنًا، بهيَّ المنظر. . توفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة، ودفن بمقابر الباب الصغير، وله خمس وستون سنة"
(1)
.
2 -
زكريا بن يوسف بن سمليمان بن حمَّاد، ركن الدين البجلي الشافعي، المتوفى سنة 722 هـ:
لم يذكر ابن كثير العلم الذي أخذه عنه، وإنما قال: "شيخنا العلامة الزاهد ركن الدين، بقية السلف، نائب الخطابة، ومدرس الطيبية والأسدية، وله حلقة للإشغال
(2)
بالجامع، يحضر بها عنده الطلبة، كان يشغل بالفرائض وغيرها، مواظبًا على ذلك، توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى عن سبعين سنة، ودفن قريبًا من شيخه تاج الدين الفزاري -رحمهما اللَّه-"
(3)
.
(1)
البداية والنهاية (16/ 121).
(2)
الإشغال هو التعليم، والاشتغال: طلب العلم.
(3)
البداية والنهاية (16/ 159).
3 -
عبد اللَّه، ضياء الدين، الدَّرْبَنْدِي النحوي، المتوفى سنة 723 هـ:
أخذ عنه علم النحو، وقال:"كان قد اضطرب عقله فسافر من دمشق إلى القاهرة، فأشار شيخ الشيوخ القونوي فأُودع بالمارستان، فلم يُوافق، ثم دخل إلى القلعة وبيده سيف مسلول فقتلَ نصرانيًا، فحُمل إلى السلطان وظنوه جاسوسًا، فأمر بشنقه فشُنق، وكنتُ ممن اشتغل عليه في النحو"
(1)
.
4 -
محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين، أبو نصر الشيرازي، المتوفى سنة 723 هـ:
أخذ عنه الحديث، وقال:"شيخنا الأصيل شمس الدين، أبو نصر محمد بن عماد الدين أبي الفضل محمد بن شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة اللَّه محمد بن يحيى بن بندار بن مميل الشيرازي، مولده في شوال سنة تسع وعشرين وستمئة، وسمع الكثير وأسمع، وأفاد في عليَّة شيخنا المِزِي تغمده اللَّه برحمته، قرأ عليه عدة أجزاء بنفسه، وكان شيخًا حسنًا خيِّرًا، متواضعًا، مباركًا، يُذهِّبُ الربعات والمصاحف، له في ذلك يد طولى، ولم يتدنَّس بشيء من الولايات، ولا تدنِّس بشيء من وظائف المدارس ولا الشهادات إلى أن توفي يوم عرفة ببستانه من المزة، وصلِّي عليه بجامعها، ودُفن بتربتها رحمه الله"
(2)
.
5 -
عبد الوهاب بن ذؤيب الأسدي، المعروف بابن قاضي شهبة، المتوفى سنة 726 هـ:
تفقَّه عليه ابن كثير، لأنه كان ينوب عن الشيخ تاج الدين الفزاري في حلقته، وله حلقة خاصة، قال عنه:"وُلد بحوران في سنة ثلاث وخمسين وستمئة، وقدم دمشق، واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري ولازمه، وانتفع به، وأعاد بحلقته، وتخرَّج به، وكذلك لازم أخاه الشيخ شرف الدين، وأخذ عنه النحو واللغة، وكان بارعًا في الفقه والنحو. . توفي بالمدرسة المجاهدية، وبها كانت إقامته، ليلة الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة، وصُلِّي عليه بعد صلاة الظهر، ودُفن بمقابر باب الصغير"
(3)
.
6 -
محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم، كمال الدين، أبو المعالي المعروف بابن الزملكاني، المتوفى سنة 727 هـ:
أخذ ابن كثير عنه الفقه وحضر دروسه، وقال عنه: "انتهت إليه رئاسة المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرة، برع وساد أقرانه، وحاز قصب السبق عليه بذهنه الوقَّاد، وتحصيله الذي أسهرَه ومنعه الرقاد، وعبارته التي هي أشهر من السهاد، وخطه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد. . وقال: أما
(1)
البداية والنهاية (16/ 165).
(2)
المصدر السابق (16/ 169).
(3)
المصدر السابق (16/ 196).
دروسه في المحافل فلم أسمع أحدًا من الناس يُدرِّس أحسن منه، ولا أحلى من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه، وقوة قريحته، وحسن نظمه، توفي في رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمئة ببليس، وحُمل إلى القاهرة، ودُفن جوار قبَّة الشافعي رضي الله عنه"
(1)
.
7 -
أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تقي الدين، أبو العباس، الحراني الحنبلي، شيخ الإسلام، المتوفى سنة 728 هـ:
لازم ابن كثير شيخه ابن تيمية، وأحبه حبًا عظيمًا، وأخذ عنه فأكثر من آرائه، وكان يُفتي برأيه في مسألة الطلاف، وامتحن بسبب ذلك وأوذي.
ويقول ابن حجر العسقلاني: "وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه، وامتحن بسببه"
(2)
ورغم أن ابن كثير كان شافعي المذهب، فإنه كان مخلصًا لابن تيمية، تأثر به كل التأثر في نبذ البدع والضلالات المستحدثة ومناصرة السنة وأهلها. وفي الجزء السادس عشر من طبعتنا الجديدة للبداية والنهاية نجده يتتبع مواقف الشيخ ابن تيمية المشهودة، وجهاده البطولي، فيفرح لانتصاره على
(3)
التتار وأهل البدع
(4)
والزيغ، ويحزن لسجنه، ويحضر إلى قلعة دمشق عند وفاته، ويقبل وجهه عند غسله
(5)
، ويصف جنازته الكبرى
(6)
، التي خرج فيها أهل دمشق ومن حولها من القرى يُودِّعون العالم المصلح المجاهد، ويرى ابن كثير في هذه الحشود الحزينة أكبر انتصار لدعوة الشيخ الإصلاحية، ولطمة مؤلمة لأعدائه وحسَّاده.
وقال ابن كثير بعد ترجمة حاشدة أخذها من تاريخ شيخه البِرْزَالي: "وعملت له -للشيخ ابن تيمية- ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة، ورثي بأشعار كثيرة وقصائد مطوَّلة جدًا، وقد أُفردت له تراجم كثيرة، وصنَّف في ذلك جماعة من الفضلاء، وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه، وفضائله، وشجاعته، وكرمه، ونصحه، وزهادته، وعبادته، وعلومه المتنوعة الكثيرة المجودة، وصفاته الكبار والصغار، التي احتوت على غالب العلوم، ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة، وأفتى بها"
(7)
.
وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء، وممن يُخطئ ويُصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى
(1)
المصدر السابق (16/ 297).
(2)
الدرر الكامنة (1/ 400).
(3)
البداية والنهاية (16/ 26).
(4)
البداية والنهاية (16/ 43).
(5)
المصدر السابق (16/ 213).
(6)
المصدر السابق (16/ 214).
(7)
المصدر السابق (16/ 214).
صوابه كنقطة في بحر لجيٍّ، وخطؤه أيضًا مغفور له، كما في صحيح البخاري "إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصاب له أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" فهو مأجور، وقال الإمام مالك بن أنس: كلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر
(1)
.
8 -
إبراهيم بن عبد الرحمن الفَزَاوي، برهان الدين، الشهير "بابن الفركاح"، المتوفى سنة 729 هـ:
سمع ابن كثير عليه "صحيح مسلم" وغيره في الحديث، وتفقَّه عليه في المذهب الشافعي، وقال عنه:"كان مقبلًا على شأنه، عارفًا بزمانه، مستغرقًا أوقاته في الاشتغال والعبادة، كثير المطالعة وإسماع الحديث، وقد سمعنا عليه "صحيح مسلم" وغيره، وكان يُدرِّس بالمدرسة البادرائية، وله تعليق على "التنبيه"، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره، وله تعليق مختصر على "مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه، وله مصنفات في غير ذلك كبار، وبالجملة فلم أر شافعيًا من مشايخنا مثله، وكان حسن الشكل، عليه البهاء والجلالة والوقار، حسن الأخلاق، فيه حدَّة ثم يعود قريبًا، وكرمه زائد، وإحسانه إلى الطلبة كثير. .
توفي بكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى بالمدرسة المذكورة، وصُلِّي عليه عقب الجمعة بالجامع، وحُملت جنازته على الرؤوس وأطراف الأنامل، وكانت حافلة، ودُفن عند أبيه وذويه بباب الصغير، رحمه اللَّه تعالى"
(2)
.
9 -
أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم بن نعمة، شهاب الدين، أبو العبَّاس، الحجَّار، المعروف "بابن الشحنة" المتوفى سنة 730 هـ:
سمع عليه ابن كثير أجزاء حديثية بالإجازات والسَّماعات، و"صحيح البخاري"، وقال عنه:"كان شيخًا حسنًا، بهيَّ المنظر، سليم الصدر، ممتَّعًا بحواسِّه وقواه، فإنه عاش مائة سنة مُحَقَّقًا وزاد عليها، لأنه سمع "صحيح البخاري" من الزَّبِيدي في سنة 630 هـ، وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمئة في 9 صفر بجامع دمشق، وسمعنا عليه يومئذ، وللَّه الحمد.
توفي الحجار يوم الاثنين خامس وعشرين صفر من هذه السنة، وصُلِّي عليه بالمظفري يوم الثلاثاء، ودُفن بتربة له عند زاوية الدومي، بجوار جامع الأفرم، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله"
(3)
.
(1)
البداية والنهاية (16/ 215).
(2)
البداية والنهاية (16/ 225).
(3)
البداية والنهاية (16/ 232).
10 -
محمد بن حسين بن غيلان، شرف الدين، أبو محمد، البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 730 هـ:
ختم عليه ابن كثير حفظ القرآن سنة 711 هـ، قال عنه:"سمع الحديث وأسمعه، وكان يُقرئ القرآن طرفي النهار، وعليه ختمت القرآن. .، وكان من الصالحين الكبار، والعبَّاد الأخيار"
(1)
.
11 -
عبد اللَّه بن يوسف، شمس الدين، أبو محمد المقدسي، ابن العفيف، المتوفى سنة 737 هـ:
قرأ عليه ابن كثير كثيرًا من الأجزاء الحديثية، وقال عنه:"قرأتُ عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمئة - مرجعنا من القدس كثيرًا من الأجزاء والفوائد، وهو والد صاحبنا جمال الدين يوسف، أحد مفتي الحنابلة وغيرهم، والمشهورين بالخير والصلاح"
(2)
.
توفي يوم الخميس ثاني وعشرين ربيع الآخر بنابلس، ودفن بها، وتأسف الناس عليه، رحمه اللَّه تعالى.
12 -
القاسم بن محمد بن يوسف، علم الدين، أبو محمد البِرْزالي، الإشبيلي الأصل، الدمشقي، المتوفى سنة 739 هـ:
أخذ عنه ابن كثير علم التاريخ، وقال: "هذا آخر ما أرَّخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيَّل به على تاريخ شهاب الدين أبي شامة المقدسي
(3)
، وقد ذيَّلتْ على تاريخه إلى زماننا هذا، وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من سنة 751 هـ".
توفي سنة 739 هـ وهو محرم فغُسِّل وكُفِّن ولم يُستر رأسه، وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله، وكان يومًا مشهودًا. .، توفي عن أربع وسبعين سنه
(4)
، رحمه الله.
13 -
يوسف ابن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن، أبو الحجاج، المِزِّي، المتوفى سنة 742 هـ:
لازم ابنُ كثير هذا الشيخ الكبير، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وتخرَّج على يديه، وقرأ عليه "صحيح البخاري"، وقرأ عليه كتاب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" واسمه مذكور في طباق السماعات، وأصهر إليه فتزوَّج ابنته زينب، وأصبح قريبًا منه في حلقات دروسه، وقريبًا منه في
(1)
المصدر السابق (16/ 231).
(2)
المصدر السابق (16/ 278).
(3)
المسمّى "الروضتين في أخبار الدولتين".
(4)
البداية والنهاية (16/ 288).
بيته، ومكثرًا من الأخذ عنه، وتأثر به تأثيرًا بينًا في العقائد، فإن المزي كان من أخلص مؤيدي شيخ الإسلام ابن تيمية، ووصف لنا مرضه الذي مات فيه، وجنازته المهيبة، فقال:"وفاة شيخنا أبي الحجَّاج المزي: تمرَّضَ أيامًا يسيرة، لا يُشغله عن شهود الجماعة، وحضور الدروس وإسماع الحديث، فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلي قريب وقت الصلاة، ثم دخل منزلة ليتوضأ ويذهب للصلاة، فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظنَّ أنه قولنج، وما هو إلا طاعون، فلم يقدر على حضور الصلاة، فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بأنه منقطع، فذهبت إليه فدخلت عليه، فإذا هو يرتعد رعدة شديدة من قوة الألم الذي هو فيه، فسألته عن حاله، فجعل يُكرِّر الحمدُ للَّه، ثم أخبرني بما حصل له من مرض شديد، وصلَّى الظهر بنفسه، ودخل إلى الطهارة، وتوضأ على البِرْكةِ وهو في قوة الوجع، ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت، فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك، لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي، أنه أذَّن الظهر تغيَّر ذهنه قليلًا، فقالت: يا أبة أذَّن الظهر! فذكر اللَّه وقال: أريد أن أصلي، فتيمَّم وصلَّى، ثم اضطجع فجعل يقرأ آيه الكرسي، حتى جعل لا يفيض بها لسانه، ثم قبضت روحه بين الصلاتين، رحمه الله، يوم السبت ثاني عشر صفر. . وفي يوم الأحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم، غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عليه بالجامع الأَمَوِي. . ثم صُلِّي عليه خارج باب النصر. . ودفن في مقابر الصوفية إلى جانب زوجته الصالحة الحافظة لكتاب اللَّه عائشة بنت إبراهيم بن صديق، غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين-"
(1)
.
14 -
محمد بن أحمد عثمان بن قايماز، أبو عبد اللَّه الذهبي التركماني، الفارقي، الدمشقي، المتوفى سنة 748 هـ:
تتلمذ ابن كثير على هذا الشيخ: في علوم التفسير، والحديث، والتاريخ، وروى عنه، وقال في ترجمته:"وفي ليلة الاثنين ثالث شهر ذي الحجة توفي الشيخ الحافظ الكبير، مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، بتربة أم الصالح، وصُلِّي عليه يوم الاثنين صلاة الظهر في جامع دمشق، ودفن بباب الصغير، وقد ختم به شيوخ الحديث وحفَّاظه، رحمه الله"
(2)
.
15 -
محمود بن عبد الرحمن، شمس الدين، أبو الثناء، الأصبهاني، المتوفى سنة 749 هـ:
أخذ ابن كثير عنه علم الفقه، فقد كان بارعًا في العقليات، صحيحَ الاعتقاد، محبًا لأهل الصلاح
(3)
.
(1)
البداية والنهاية (16/ 297).
(2)
البداية والنهاية (16/ 340).
(3)
شذرات الذهب (8/ 381) والدرر الكامنة (5/ 95) والفتح المبين (2/ 158).
اشتغل بتبريز، وتصدَّر للإقراء بها، ثم قدم دمشق 725 هـ، ودرَّس بالرواحية، واشتهر أمره بمصر وصنَّف "التفسير الكبير" و"شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه".
توفي بالقاهرة بالطاعون، ودفن بها
(1)
.
• وسمع ابن كثير على عدد من الشيوخ كتبًا، ومشيخات، وأجزاء وفوائد، فحُقَّ أن يُذكروا مشايخ له، وهم:
1 -
عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد. . المسند، شرف الدين، أبو محمد السمسار في العقار، مُطَعِّم الأشجار، المتوفى سنة 719 هـ:
سمع عليه ابن كثير معظم الصحيح -صحيح البخاري-
(2)
.
2 -
القاسم بن مظفَّر بن محمود بن أحمد بن الحسن بن هبة اللَّه، بهاء الدين بن عساكر الدمشقي، الطبيب، المتوفى سنة 723 هـ:
سمع عليه ابن كثير مشيخة في سنة وفاته، خرَّجها له علم الدين البرزالي، وقال عنه في "البداية والنهاية": شيخنا الجليل، الرُّحلة
(3)
.
3 -
يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس، محيي الدين، أبو زكريا الشيباني الشافعي، المتوفى سنة 724 هـ:
سمع عليه ابن كثير "سنن الدراقطني" وغيره
(4)
.
4 -
محمد بن عمر بن عثمان بن عمر، عفيف الدين، الصقلي الدمشقي، المتوفى سنة 725 هـ:
قال عنه ابن كثير: "إمام مسجد الرأس، آخر من حدَّث عن ابن الصلاح" ببعض سنن البيهقي، سمعنا عليه شيئًا منها"
(5)
.
5 -
إسماعيل بن المسلم بن الحسن بن النصر، ضياء الدين، أبو الفداء الدمشقي، المعروف بابن الحموي، المتوفى سنة 727 هـ:
سمع ابن كثير منه مشيخة خرَّجها له البِرْزَالي
(6)
.
(1)
شذرات الذهب (8/ 381) والدرر الكامنة (5/ 95) والفتح المبين (2/ 158).
(2)
البداية والنهاية (16/ 145).
(3)
المصدر السابق (16/ 167).
(4)
المصدر السابق (16/ 178).
(5)
المصدر السابق (16/ 184).
(6)
البداية والنهاية (16/ 201).
6 -
محمد بن عبد الملك بن إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب، الملك الكامل، ناصر الدين، أبو المعالي، المتوفى سنة 727 هـ:
قال ابن كثير: كان له سماع كثير، سمعنا عليه، وكان يحفظ تاريخًا جيدًا
(1)
.
7 -
حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد. . التميمي، الدمشقي، ابن القلانسي، المتوفى سنة 729 هـ:
قال الحافظ ابن كثير: سمع الحديث من جماعة، ورواه، وسمعنا عليه
(2)
.
8 -
علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي التبريزي، المتوفى سنة 729 هـ:
سمع ابن كثير عليه مشيخة بين سنة 723 هـ وسنة 729 هـ حين قدم القُونَوي إلى دمشق قاضيًا
(3)
.
9 -
محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسي، المتوفى سنة 730 هـ:
سمع ابن كثير عليه "صحيح مسلم" بقراءته في تسعة مجالس قراءة صحيحه
(4)
.
10 -
أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللَّه. . جمال الدين، أبو العباس التميمي، الدمشقي، ابن القلانسي، المتوفى سنة 731 هـ:
بسمع عليه مشيخة خرَّجها له فخر الدين البعلبكي
(5)
.
11 -
سليمان بن عمر بن سالم بن عمر بن عثمان، جمال الدين، الأذرعي، المتوفى سنة 734 هـ:
سمع ابن كثير عليه مشيخةً، خرَّجها له البِرْزالي، عن اثنين وعشرين شيخًا
(6)
.
12 -
عمر بن علي بن سالم بن عبد اللَّه، تاج الدين، أبو حفص اللخمي، الإسكندراني، المعروف "بابن الفاكهاني"، المتوفى سنة 734 هـ:
سمع ابن كثير عليه حين قدم دمشق سنة 730 هـ، أيام قاضي القضاة الأخنائي، فأنزله في دار السعادة، وقال: وسمعنا عليه ومعه
(7)
.
(1)
المصدر السابق (16/ 202).
(2)
البداية والنهاية (16/ 227).
(3)
المصدر السابق (16/ 226).
(4)
المصدر السابق (16/ 230).
(5)
البداية والنهاية (16/ 241).
(6)
المصدر السابق (16/ 259).
(7)
المصدر السابق (16/ 261).
13 -
أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة، شمس الدين المقدسي، النابلسي الحنبلي، المتوفى سنة 737 هـ:
سمع عليه سنة 733 هـ كثيرًا من الأجزاء والفوائد
(1)
.
14 -
عمر بن أبي بكر بن المِيْهنيّ، البسطي، فخر الدين، ابن البخاري، المتوفى سنة 742 هـ:
قرأ عليه ابن كثير مختصر المشيخة
(2)
.
15 -
علم الدين الجاولي، المتوفى سنة 745 هـ:
سمع عليه "مسند الإمام الشافعي"، وذلك حين مرَّ من دمشق يوم الثلاثاء 25 صفر سنة 743 هـ في طريقه إلى حماة لمباشرة نيابتها، وقد رأى ابن كثير عمله في "المسند"، وشرْحَه عليه، وأثنى عليه حسن ترتيبه
(3)
.
16 -
يوسف بن عبد بن محمد بن يوسف، جمال الدين، أبو الحجاج المقدسي، المتوفى سنة 754 هـ:
كان من العلماء العبَّاد الورعين محبًا للحديث وأهله، سمع "سنن ابن ماجه" من الحافظ ابن بدران النابلسي، وسمع منه ابن كثير
(4)
.
17 -
أحمد بن عبد اللَّه الجهني، شهاب الدين البارزي الحموي، نزيل دمشق، المتوفى سنة 755 هـ:
سمع ابن كثير منه "الغيلانيات"
(5)
، وقد كان يُحدِّث بها عن غازي الحلاوي.
18 -
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بركات بن شمس الدين المعروف "بابن الخباز" الحنبلي، المتوفى سنة 756 هـ:
سمع منه المِزي، والذهبي، والسبكي، وابن جماعة، وابن رافع، وابن كثير، وغيرهم
(6)
.
19 -
عبد العزيز بن محمد، عز الدين، أبو عمر بن جماعة، المتوفى سنة 767 هـ:
سمع عليه ابن كثير بقراءته شيئًا كثيرًا، حين قدم دمشق في أواخر رجب سنة 725 هـ من
(1)
المصدر السابق (16/ 278).
(2)
البداية والنهاية (16/ 305).
(3)
المصدر السابق (16/ 311).
(4)
ابن حجر: الدرر (1/ 190). شذرات الذهب (8/ 302).
(5)
ابن حجر: الدرر (1/ 190). شذرات الذهب (8/ 303).
(6)
شذرات الذهب (8/ 310).
مصر
(1)
، ويبدو مما جاء عند ابن حجر أن ابن جماعة في هذه الرحلة انتفع بابن كثير، في تخريج أحاديث الرافعي
(2)
.
20 -
محمد بن موسى الأنصاري الدمشقي، الشهير "بابن الشيرجي"، المتوفى سنة 770 هـ:
سمع عليه، وكان ابن الشيرجي سمع من الفخر ابن البخاري جزء الأنصاري، وحدَّث به، وتفرَّد به عنه
(3)
.
ومن طرائف الأمور الدالة على فهم ابن كثير في تلقي العلم وحرصه عليه أنه لم يكن يأنف أن يأخذ ممن هو أصغر منه سنًا حينما يكون ذلك الشاب متميزًا، فقد عرفنا أن ابن كثير استفاد أشياء من الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المولود بمصر سنة 725 هـ والمتوفى سنة 806 هـ، قال السخاوي:"كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة كالسبكي والعلائي وابن جماعة وابن كثير. . . وكذا صَرَّح ابن كثير باستفادته منه تخريج شيءٍ وقف على المحدثين، وقرأ عليه شيئًا، وذكر في شرحه للألفية أنه سمع منه حديثًا من مشيخة قاضي المارستان"
(4)
.
•
وأجاز لابن كثير:
من علماء بغداد ابن الدواليبي المتوفى سنة 728 هـ.
ومن علماء مصر أبو موسى القرافي، وأبو الفتح محمد الدبوسي، ويوسف الخُتَني، وعلي بن عمر الوَاني
(5)
، وغير واحد.
• لم أجد في المصادر القديمة -التي وقفت عليها- ما يدل على أن ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي المتوفى سنة 751 هـ كان شيخًا لابن كثير، وإنما هو صاحبه ومعاصره، ورفيقه في التلمذة والطلب على شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، وفي ترجمة ابن كثير لابن القيم بعد وفاته يقول ابن كثير:"صاحبنا"
(6)
ويقول: "وكنت من أصحب الناس له، وأحب الناس إليه"
(7)
.
ب- تلاميذه:
أثمر التلقي عن الشيوخ في حياة ابن كثير؛ إلى التبكير بظهور الحافظ ابن كثير عالمًا مشهورًا،
(1)
البداية والنهاية (16/ 183).
(2)
إنباء الغمر بأنباء العمر (1/ 46).
(3)
شذرات الذهب (6/ 176).
(4)
الضوء اللامع؛ للسخاوي (4/ 173).
(5)
الدرر الكامنة؛ لابن حجر (1/ 400)، ودرر العقود للمقريزي (1/ 401).
(6)
البداية والنهاية (16/ 353).
(7)
البداية والنهاية (16/ 354).
ومدرسًا مرموقًا، وشيخًا مقصودًا، يدخل المدارس العامة بثقة واعتبار، ويترأس المدراس المتخصصة بكفاءة واقتدار.
وأول مدرسة درَّس فيها المدرسة النجيبية، وقد تقدم أنه سكنها مع أسرته، وأول درس فيها كان يوم 11 جمادى الأولى من سنة 736 هـ، حيث فسَّر قول اللَّه تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقال في تاريخه: "وكان الدرس حافلًا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه"
(1)
.
ثم ولي التدريس في المدرسة الفاضلية بعد أن شغرت عن الإمام الذهبي، وتولَّى مشيخة الحديث في المدرسة الصالحية، ودار القرآن والحديث التنكزية، ودار الحديث الأشرفية الجوانية
(2)
.
* وافتتح دروس التفسير في المسجد الأموي تحت قبة النسر صباح يوم 28 شوال سنة 767 هـ وكان درسًا حافلًا ومشهودًا في تفسير سورة الفاتحة، حضره الطلاب والقضاة والأعيان
(3)
.
* وكان عضوًا في لجان الامتحان، لاختبار الطلاب والشبان النابهين في اللغة والحفظ؛ فحضر يوم 20 شعبان من سنة 747 هـ لامتحان صبي عمرهُ ست سنين يحفظ القرآن، ويؤدي القرآن بإتقان، وفي يوم 20 شعبان من سنة 763 هـ حضر مع العلماء لامتحان بدر الدين محمد بن الشيخ كمال الدين بن الشربيني، وكان يحفظ كثيرًا من شواهد اللغة.
• وحضر شاب من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم"، و"جامع المسانيد" لابن كثير، و"الكشاف" للزمخشري، فلما كان يوم الأربعاء سلخ شهر رجب سنة 763 هـ، قرأ في الجامع الأموي بالحائط الشمالي منه، عند باب الكلَّاسة، من أول "صحيح البخاري" إلى أثناء كتاب العلم عنه من حفظه، وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي
(4)
.
وقال الشاب: أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك، وأن تجيزني، وذكرك في بلادنا مشهور
(5)
.
• كل هذا يجعل التلاميذ المتلقِّين عن ابن كثير لا يُحصون عددًا، ولا يُعرفون كثرة، فقال
(1)
المصدر السابق (16/ 269).
(2)
المصدر السابق (16/ 269 و 340).
(3)
البداية والنهاية (14/ 321).
(4)
المصدر السابق (16/ 432 - 433).
(5)
المصدر السابق (16/ 433).
مترجموه: "وتلامذته كثيرة"
(1)
و"أخذ عنه كثيرون"
(2)
و"خرَّج كثيرًا من الطلاب"
(3)
.
ونجد هؤلاء المعرِّفين بابن كثير والمترجمين لحياته ومآثره يُغفلون أسماء تلاميذه، ولا يذكرون إلا اسم تلميذه ابن حجي! فأين ذهبت أسماء تلك الكثرة الكاثرة من التلاميذ والمريدين؟!.
• وتعليل ذلك فيما نرى -واللَّه أعلم- أن المشايخ والعلماء الكبار ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
الأول: ينشغل بالشأن العلمي العام، وإلقاء الدروس الخاصة والعامة، وممارسة الوظائف الرئاسية والإدارية، ويتفرغون في بيوتهم وأوقاتهم الخاصة للتصنيف والتأليف.
والثاني: صنف يلقي دروسه الخاصة والعامة، ويكرس كلَّ وقته لطلابه ومريديه، ممن يختار من المتفوقين والنابهين. وهؤلاء يتشرَّبون علومه ومنهجه، ويحملون اسمه، ويُذيعون بين الناس دعوته وطريقته.
والثالث: صنف يجمع بين الأمرين، ويُحقِّق الانتشار العام، وتخريجَ التلاميذ الأَكْفَاء المتميزين.
ولعل شيخنا العلَّامة ابن كثير من الصنف الأول، ممن شغل الناس بدروسه في حياته، وشغل الناس بكتبه ومصنفاته بعد مماته.
كما يلاحظ أن كتب التراجم إنما تُعنى بذكر التلاميذ الآخذين عن الشيوخ المُعَمَّرين، ولم يكن ابن كثير منهم، لأسانيدهم العالية، فتأمل مثلًا أسماء المذكورين في الكتب من الآخذين عن الحَجَّار بسبب كونه معمرًا عالي السنَد.
- ومع ذلك فإننا نستطيع العثور على عدد من أسماء التلاميذ ممن نصَّت الكتب على أخذه أو سماعه أو إجازته من شيخه الكبير ابن كثير، وهم:
1 -
محمد بن موسى بن محمد بن سند بن نعيم، شمس الدين أبو العباس اللخمي، المتوفى سنة 792 هـ:
أذن له في الإفتاء العلائي، وابن كثير
(4)
.
2 -
يحيى بن يوسف بن يعقوب بن أحمد بن يحيى، محيي الدين، أبو زكريا الرحبي، المتوفى سنة 794 هـ:
(1)
شذرات الذهب (8/ 399).
(2)
عصر سلاطين المماليك، لمحمود رزق سليم (4/ 144).
(3)
دائرة المعارف للبستاني (3/ 477).
(4)
شذرات الذهب (8/ 558).
قال الحافظ ابن حجر: لازم ابن كثير، وكتب عنه فوائد حديثية، أكثرها يتعلق بالصحيح
(1)
.
3 -
محمد بن بهادر بن عبد اللَّه، بدر الدين الزركشي التركي، المتوفى سنة 794 هـ:
قال ابن حجر: "رحل إلى دمشق، فأخذ عن ابن كثير الحديث، وقرأ عليه مختصره في علوم الحديث، ورثاه عند وفاته ببيتين من الشعر هما:
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا
…
وجادوا بدمعٍ لا يبيدُ غزير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدما
…
لكان قليلًا فيك يا بن كثير
(2)
4 -
محمد بن محمد بن عنقة، أبو جعفر البسكري ثم المدني، المتوفى سنة 804 هـ:
قال ابن العماد: وحمل عن ابن رافع، وابن كثير
(3)
.
5 -
سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف، سعد الدين النواوي، المتوفى سنة 805 هـ:
قال النُّعيمي: حمل عن ابن كثير، وقرأ عليه تأليفه "اختصار علوم الحديث" وأذن له ابن كثير بالفتوى
(4)
.
6 -
محمد بن محمد بن محمد بن الخضر، شمس الدين الزبيري العيزري الغزي الشافعي المولود بالقدس سنة 724 هـ والمتوفى سنة 808 هـ.
قال السخاوي: "ودخل دمشق فأخذ بها عن ابن كثير و. . . إلخ"
(5)
.
7 -
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان، شهاب الدين الحريري، الدمشقي، المعروف بالسلاوي، المتوفى سنة 813 هـ:
قال السخاوي: سمع الحديث على التقي بن رافع، وابن كثير، وقرأ عليهما
(6)
.
8 -
علي بن زيد بن علوان بن صبرة بن مهدي بن حريز، أبو الحسن -وكناه بعضهم أبا زايد- الردماوي الزُّبَيْدي، وتسمَّى بأخرة عبد الرحمن، المتوفى سنة 813 هـ:
قال السخاوي: سمع من اليافعي، والشيخ خليل، وابن كثير
(7)
.
(1)
المصدر السابق (8/ 575) والدرر الكامنة (4/ 340).
(2)
الدرر الكامنة؛ لابن حجر (3/ 397).
(3)
شذرات الذهب (9/ 73).
(4)
الدارس في أخبار المدارس (1/ 320).
(5)
الضوء اللامع (9/ 218).
(6)
الضوء اللامع؛ للسخاوي (2/ 81).
(7)
الضوء اللامع (5/ 221).
9 -
أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال، أبو العباس، شهاب الدين بن الحسباني، المتوفى سنة 815 هـ:
قال ابن فهد: وأخذ عن الحافظين: ابن كثير، وابن رافع
(1)
.
10 -
محمود بن عمر بن محمود بن إيمان، شرف الدين الأنطاكي ثم الدمشقي الحنفي المتوفى في شعبان سنة 815 هـ.
قال السخاوي: "قدم من بلده إلى حلب ثم إلى دمشق فسمع بها من ابن كثير والصلاح الصفدي وغيرهما"
(2)
.
11 -
مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار، شرف الدين، الأنطاكي النحوي، نزيل دمشق، المتوفى سنة 815 هـ:
قال ابن العماد: قدم دمشق، وأخذ عن الصَّفدي، وابن كثير، وغيرهما
(3)
.
12 -
أحمد بن العلاء حجِّي بن موسى بن أحمد. . شهاب الدين، أبو العباس، ابن حجّي السعدي الحُسْباني، المتوفى سنة 816 هـ:
تخرَّج في علوم الحديث بالحافظين: ابن كثير، وابن رافع
(4)
. وأثنى ابن حجي على شيخه ابن كثير، وصرَّح بأنه لازمه ست سنين
(5)
. وقد ذيّل على "البداية والنهاية" وسماه "تاريخ ابن حجي" وهو مطبوع.
13 -
محمد بن سلمان بن محمد، شمس الدين البغدادي الأصل الدمشقي الصالحي الشافعي الصوفي القادري، نزيل القاهرة، المولود في حدود سنة 750 هـ والمتوفى سنة 820 هـ.
قال السخاوي: "وطلب العلم ولازم التاج السبكي وفتح الدين ابن الشهيد والعماد ابن كثير، وسمع منه مصنَّفه في علوم الحديث وفي فضل الجهاد وكتب له إجازة حسنة"
(6)
.
14 -
محمد بن أحمد بن معالي، أبو المعالي، شمس الدين الحَبَتِّي
(7)
، المتوفى سنة 824 هـ:
قال السخاوي: سمع بدمشق من متأخري أصحاب الفخر، كابن أميلة، وكذا سمع من
(1)
لحظ الألحاظ (ص 245).
(2)
الضوء اللامع (10/ 142).
(3)
شذرات الذهب (8/ 170).
(4)
الدارس (1/ 142).
(5)
شذرات الذهب (9/ 173).
(6)
الضوء اللامع (7/ 256).
(7)
قيده السخاوي فقال: "بمهملة ثم موحدة مفتوحتين ثم مثناة مشددة".
العماد ابن كثير
(1)
، وقال ابن حجر: كان ينقل عن شيخه ابن كثير الفوائد الجليلة"
(2)
.
15 -
محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير شمس الدين بن الجزري الشافعي، المتوفى سنة 833 هـ:
صرَّح ابن الجزري بالسماع والرواية عن ابن كثير في كتابه "المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد"
(3)
. وذكر مترجموه أنه أخذ عنه الحديث، وأذن له ابن كثير بالإفتاء
(4)
.
16 -
محمد بن أحمد بن حاجي، شمس الدين التبريزي ثم المقدسي الشافعي المعروف بابن عذيبة. ولد قبيل سنة 755 هـ بتبريز، قال السخاوي:"ودخل مصر. . . وحلب. . . والشام في زمن ابن كثير وابن رافع وحضر عندهم" مات بمكة سنة 835 هـ
(5)
.
17 -
أحمد بن علي، تقي الدين المقريزي المولود سنة 766 هـ والمتوفى سنة 845 هـ، قال في كتابه:"درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة"(1/ 401، الترجمة 327)"سمعت عليه بعدما كُف بصره الحديث المسلسل بالأوليات، وأجاز لي مسموعاته ومروياته".
18 -
عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عَيَّاش، زين الدين أبو الفرج وأبو بكر الدمشقي الأصل، المكي الشافعي المقرئ المتوفى سنة 853 هـ بمكة. قال السخاوي:"سمع حسبما كان يخبر على العمادين: ابن كثير وابن السراج"
(6)
.
وأجاز الحافظ ابن كثير لعدد من الطلبة، منهم: محمد بن أحمد بن موسى بن نجاد، ناصر الدين أبو عبد اللَّه النابلسي المقدسي، قال السخاوي:"أجاز له في سنة ست وخمسين الحفاظ الثلاثة: ابن كثير والعلائي والشهاب أبو محمود. . . إلخ"
(7)
.
* * *
(1)
الضوء اللامع (7/ 107).
(2)
إنباء الغمر (7/ 408).
(3)
مسند الإمام أحمد، لأحمد شاكر (1/ 31).
(4)
مفتاح السعادة (1/ 392) وذيل السيوطي (ص 376).
(5)
الضوء اللامع (6/ 301).
(6)
الضوء اللامع (4/ 59).
(7)
الضوء اللامع (7/ 112).
سادسًا: كتبه
تمهيد:
عاش ابن كثير رحمه الله حياة علمية متنوعة ومتكاملة، بدأها بنشأته الأولى في أسرته العلمية، وانتهى بها بتعليمه العالي في دمشق الفيحاء التي تتسامى بالشيوخ والمؤلِّفين الكبار، ويُحيط به عن ملاصقة وقرب: أستاذه ابن تيمية، وحموه -أبو زوجه- أبو الحجاج المِزِّي، وشيخه الذهبي، وصاحبه ابن القيم، وكلُّهم كتب وألَّف، وشنَّف الآذان بما أملى وصنَّف.
وإذ تهيأ لابن كثير أن يدخل التدريس من أوسع أبوابه، فإن منصب الأستاذية الرئيس الذي بلغه يستدعي الجمع والتأليف. وكان من الطبيعي جدًا أن يكتب يراع الحافظ والمفسر المؤرِّخ الفقيه كتبًا عديدة في موضوعاتها، ومتميِّزة في أسلوبها، ومتقدِّمة في جوهرها، وفيها الرسائل الصغيرة، والكتب الموسوعية الكبيرة.
• وكان من الملفت حقًا أن يبدأ ابن كثير بالتأليف مبكرًا، وقد ظهر هذا في تأليف كتاب "الأحكام على أبواب التنبيه" في صغر
(1)
، ووقف عليه شيخه برهان الدين الفزاري، وأُعجب به، وأثنى عليه.
كما وضح في قدوم عز الدين بن جماعة -شيخ ابن كثير- إلى دمشق سنة 725 هـ، واستقدم ابن كثير، وانتفع به في تخريج أحاديث الرافعي
(2)
، مما يدل على نبوغ في علم الحديث، وسبق في فن تخريج الأحاديث.
واستمر هذا الشغف بالتأليف حتى نيف على السبعين، وكُفَّ بصرُه في إتمام كتابه الحديثي الكبير؛ كما صرح لتلميذه ابن الجزري حين قال له:"لا زلت أكتب فيه "جامع المسانيد" في الليل، والسراج ينوص، حتى ذهب بصري معه"
(3)
.
• وانتشرت كتبه في حياته، فقُرئتْ عليه نسخٌ من كتابه "اختصار علوم الحديث" وقرئت "السيرة النبوية" من تأليفه في المسجد الأموي تحت قبة النسر
(4)
، ووصل كتابه "جامع المسانيد"
(1)
شذرات الذهب؛ لابن العماد (8/ 397).
(2)
إنباء الغمر بأنباء العمر (1/ 45).
(3)
مسند الإمام أحمد؛ لأحمد شاكر (1/ 40).
(4)
البداية والنهاية (14/ 294).
إلى خراسان وادَّعى شاب أعجمي حفظ أجزاء منه، وجاء إلى دمشق ليطلب إجازة مؤلفه
(1)
.
• وشهد العلماء الأفذاذ على جودة تآليفه وإتقانها، كما شهدوا على انتشارها وشيوعها بين الناس، فهذا الذهبي يقول:"له تصانيف مفيدة"
(2)
ويؤيد ذلك العيني فيقول: "له مصنفات عديدة ومفيد
(3)
. ويقول ابن حجر "وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام" ويقول: "وسارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد مماته"
(4)
.
ويقول ابن حبيب: "سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنَّف، وحدَّث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسته العلم في التاريخ والحديث والتفسير"
(5)
.
• فاكتملت مؤهلات التأليف والعطاء عند ابن كثير، وأصبح من أجلِّ العلماء المصنِّفين في موضوعات محبَّبة ومتنوعة، تلقائية وغير متكلفة، تهتدي بالكتاب والسنة، وتتعدى حدود الزمن، فتخاطب الأجيال المتتابعة، وتظهر في العصور التالية وكأنها كُتبت لها!!.
فأي توفيق إلهي حالفه وهو يجمع مادة كتبه، وأي إخلاص رافقه وهو يصوغ كلماته وجمله، وأي نفَسٍ طاهر أجراه على أوراقه، فكتب له القَبُول عند اللَّه وعند خلقه؟!.
أ- الكتب المطبوعة والمخطوطة:
1 - تفسير القرآن العظيم:
ألَّفه في عشرة أجزاء قبل عام 742 هـ تقريبًا
(6)
، لكنه ظل ينقح فيه إلى آخر حياته وأحال إليه في "البداية والنهاية كثيرًا".
وطبع على حساب الملك عبد العزيز -رحمه اللَّه تعالى- بتحقيق الشيخ رشيد رضا، ومع تفسير البغوي في تسع مجلدات، في مطبعة المنار سنة 1343 - 1347 هـ، ومعه كتاب "فضائل القرآن" ملحقًا بالتفسير بعد أن عُثر عليه في آخر النسخة الخَطِّيَّة المَكِّيَّة. ثم أُعيد مستقلًا عن البغوي سنة 1384 هـ في أربع مجلدات من القطع الكبير عن طبعة المنار، وعلَّق حواشيه عبد الوهاب
(1)
المصدر السابق (16/ 432).
(2)
الدرر الكامنة (1/ 374).
(3)
النجوم الزاهرة (11/ 123).
(4)
إنباء الغمر بأنباء العمر (1/ 46).
(5)
شذرات الذهب (8/ 398).
(6)
انظر تفسير ابن كثير (3/ 252) طبعة دار ابن كثير، تفسير الآية: 104 من سورة الأنبياء، ففيها ذكر ابن كثير شيخه المزي، ودعا له:"فسح اللَّه له في عمره، ونسأ في أجله" والشيخ المزي توفي سنة 742 هـ.
عبد اللطيف، الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، ونشرته مكتبة النهضة بمكة.
وطُبع في ثمان مجلدات "طبعة كتاب الشعب" بمصر، بتحقيق البنا، غنيم، عاشور، وألحقوا بها فهارس علمية وموضوعية. وطبع سنة 1418 هـ في ثماني مجلدات في "دار طيبة" بالرياض، بتحقيق سامي بن محمد السلامة، عن نسختين كاملتين وأكثر من عشر نسخ أخرى، يستوعب مجموعها التفسير كله.
وطبع في مصر ولبنان طبعات تجارية، ليس فيها تصحيح ولا تحقيق ولا مراجعة.
وطبع في دار ابن كثير سنة 1315 هـ في أربع مجلدات، طبعة جديدة مصحَّحة ومنقحة ومضبوطة بالشكل، ومقابلة على عدة طبعات. ويعاد طبعه الآن بتحقيق جديد ومقابلة على نسخة خطية. وفي مقدمته فضائل القرآن كما نصّ على ذلك المؤلف.
• وهو من أكثر كتب التفسير بالرواية فائدة، لأن ابن كثير يتكلم على الأسانيد، وينقد الرواة، وينصفهم جرحًا وتعديلًا، ولا يُرسل الأحاديث إرسالًا كما يفعل غالب المحدثين، بل يتكلّم عليها تصحيحًا وتضعيفًا.
• وتتجلى أهميته بين كتب التفسير من خلال منهجه العلمي التالي:
1 -
التفسير الجملي لمعاني الآيات، بألفاظ فصيحة وعبارات رشيقة، وأسلوب سهل ممتنع.
2 -
تفسير القرآن بالقرآن.
3 -
ذكر الأحاديث بأسانيدها ومصادرها.
4 -
الحكم على الأحاديث.
5 -
الإعراض عن كثير من الإسرائيليات.
6 -
المحاكمة والترجيح من غير غلو ولا عصبية.
7 -
التفويض في تفسير آيات الأسماء والصفات.
• وقد أثنى العلماء من قبلُ على تفسير ابن كثير، فقال الذهبي عن المؤلف: كان "مُفسِّرًا نقَّادًا"
(1)
وقال السيوطي: "لم يُؤلَّف على نمطه مثله"
(2)
. وقال الشوكاني: "من أحسن التفاسير، إن لم يكن أحسنها، جمع فيه فأوعى، ونقل المذاهب والأخبار والآثار، وتكلَّم بأحسن الكلام وأنفسه"
(3)
.
وقال الشيخ أحمد شاكر: "أحسن التفاسير التي رأينا وأجودها وأدقها بعد تفسير إمام
(1)
ذيل الحسيني (ص 58).
(2)
ذيل السيوطي (ص 361).
(3)
البدر الطالع (1/ 153).
المفسِّرين أبي جعفر الطبري، ولسنا نُوازن بينهما وبين أيِّ تفسير آخر مما بأيدينا، فما رأينا مثلهما ولا ما يُقاربهما"
(1)
وقال: "يعرف به -الطالب- كيف ينقد الأسانيد والمتون، وكيف يُميِّز الصحيح من غيره، فهو كتاب في المعنى تعليميّ عظيم، ونفعه جليل كثير"
(2)
.
• وكتب اللَّه تعالى لهذا التفسير الانتشار والقبول في بلاد الشام، وبخاصة في الخمسين سنة الأخيرة تقريبًا، وسمعت من شيخنا الشيخ نايف العباس رحمه الله تأكيد ذلك، ولعلَّ مرجعَه النهضةُ الحديثية التي يشهدها العالم الإسلامي كله، وللَّه الحمد والمِنَّة.
2 - فضائل القرآن:
وُجد هذا الكتاب في ختام تفسير القرآن العظيم، وتناول فيه ابن كثير الأحاديث الواردة في فضل القرآن، وتاريخ القرآن، وجمعه، وكتابته، والأحرف السبعة، وكيفية ترتيله، وسار فيه على منوال ما ذكره البخاري عقب كتاب التفسير في كتاب فضائل القرآن.
وطبع مع التفسير أحيانًا، وطبع مستقلًا أحيانًا، وقد نصّ ابن كثير في تفسيره على أن كتابَ فضائل القرآن هو مقدمة للتفسير.
كما أشار إلى ذلك في "البداية والنهاية، حيث يقول أثناء الكلام على الاتفاق على مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه: "كما قررنا ذلك في كتاب "فضائل القرآن" الذي كتبناه مقدمة في أول كتاب التفسير"
(3)
.
ومنهجه يتضمن:
1 -
البدء بآيات القرآن الكريم في موضوع الفصل.
2 -
حشد الروايات الكثيرة من الأحاديث بأسانيدها، مبتدئًا بأحاديث البخاري ومسلم.
3 -
الاستشهاد بأقوال الصحابة والتابعين.
4 -
تصحيح بعض الأحاديث وبيان الراجح من الروايات والكلام على بعض رجال السند.
5 -
استنباط العبر والفوائد والأحكام.
وطُبع الكتاب مستقلًا في كل من بيروت ومصر (القاهرة) ومنها:
- طبعة مؤسسة علوم القرآن - بيروت بتحقيق: محمد إبراهيم البنا.
- طبعة دار الحديث - القاهرة - تحقيق: سعيد عبد المجيد محمود.
3 - البداية والنهاية:
هو كتاب في التاريخ الإسلامي العام، ويشتمل على تاريخ ما قبل الإسلام من الأنبياء والأمم،
(1)
عمدة التفسير (1/ 6).
(2)
عمدة التفسير (1/ 6).
(3)
البداية والنهاية (5/ 347).
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، وتاريخ المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحوادثه مرتبة حسب السنين، ونهايته إلى سنة 774 هـ كما نص عليه غير واحد من العلماء، والموجود منه إلى حوادث سنة 768 هـ. أما "النهاية" ففي الملاحم والفتن وأشراط الساعة وأحوال الآخرة.
وهذا الكتاب التاريخي الكبير هو الذي تقوم كوكبة من العلماء والمحققين المتخصصين بتحقيقه، وتضطلع دار ابن كثير بنشره موثقًا ومفهرسًا وفق أحدث الطرق العلمية والموضوعية المعاصرة. وسنفرد لدراسته قسمًا خاصًا من هذه المقدمات المهمة.
4 - السيرة النبوية مبسوطة:
ذكر الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"(6/ 271) أنه كتب السيرة النبوية مطوَّلة ومختصرة.
كما ذكر ذلك في "تفسير القرآن العظيم"
(1)
في تفسير سورة الأحزاب (3/ 590) فقال: "وهذا كله مقرر مفصَّل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة الذي أفردناه موجزًا وبسيطًا، وللَّه الحمد والمنَّة".
ولم تصلنا هذه السيرة المبسوطة المطوَّلة، ولم يذكرها المترجمون لابن كثير القدامى، مما جعل الدكتور مصطفى عبد الواحد يستلُّ السيرة النبوية من "البداية والنهاية" معتقدًا أن المجلدات الأربع التي أطلق عليها اسم السيرة النبوية هي السيرة النبوية المطوَّلة، ولنسمعه يقول في المقدمة:"ويبدو أنه حين ألَّف كتابه الضخم "البداية والنهاية" قد أدمج تلك السيرة فيه: وأن شهرة ذلك الكتاب وانتشاره في الأنحاء قد جعل الناس يقرؤون تلك السيرة فيه، ولم يعدلها كيان مستقل ككتاب، وإذا كان ابن كثير قد ذكر أن له السيرة النبوية مبسوطة -أي مطوَّلة- فإنه لا يُعقل أن يكتب فيها أكثر من ذلك القسم الموجود بكتابه "البداية والنهاية"
(2)
، وهو استنتاج معقول.
5 - الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
-:
وهو السيرة المختصرة كما يشير المؤلف فى تاريخه وتفسيره. أو "سيرة صغيرة"
(3)
كما ذكر مترجموه المتقدمون، أما المتأخرون فيقولون:"الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"
(4)
وقد وصلتنا نسخها الخطية وللَّه الحمد.
وتشتمل على بابين: الأول في سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والثاني: في أحواله وأعلام نبوته وخصائصه.
(1)
طبعة دار ابن كثير الأولى 1415 هـ - 1994 م.
(2)
السيرة النبوية؛ لابن كثير (1/ 12 - 13).
(3)
شذرات الذهب (8/ 399).
(4)
كشف الظنون؛ لحاجي خليفة (2/ 192).
وطُبع الكتاب في القاهرة سنة 1357 هـ طبعة رديئة تحت اسم "الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم" عن مخطوطة مكتبة عارف حكمة بالمدينة المنورة، وفيها تصحيف وتحريف، وسقط وأخطاء مطبعية كثيرة.
وقد قام الدكتور محيي الدين ديب مستو والدكتور محمد العيد الخطراوي بتحقيق هذه السيرة الكاملة على ثلاث نسخ خطية، واحدة من مكتبة عارف حكمة، واثنتان من تركية، ودوَّنا من خلال العمل الملاحظات التالية:
1 -
الكتاب سيرة مختصرة قائمة بذاتها، وليس اختصارًا لكتاب آخر، والاسم هو "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم".
2 -
اشتمال هذه السيرة على فصل الخصائص النبوية، وهو فصل يستحق أن يكون كتابًا مستقلًا، وبخاصة إذا علمنا أن السيرة المبسوطة التي أُدرجت في البداية والنهاية -حسب رأي د. مصطفى عبد الواحد- قد خلت من هذا الفصل.
3 -
في الغالب إن ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى- توقف في تأليف هذا الكتاب عند نهاية السيرة النبوية، وما يتبعها من الدلائل، والشمائل، والخصائص، ولم يترك شيئًا في اختصار أيام الإسلام كما وعد في المقدمة؛ فقال:"فإنه لا يَجملُ بأولي العلم معرفة الأيام النبوية والتواريخ الإسلامية، وهي مشتملة على علوم جمَّة، وفوائد مهمَّة، لا يستغني عالم عنها، ولا يُعذر في العروِّ منها. وقد أحببت أن أُعلِّق تذكرة في ذلك لتكون مدخلًا إليه وأنموذجًا وعونًا له وعليه، وعلى اللَّه اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي؛ وهي مشتملة على ذكر نسب رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام وسيرته وأعلامه، وذكر أيام الإسلام بعده إلى يومنا هذا، مما يمسُّ حاجة ذوي الأرب إليه، على سبيل الاختصار إن شاء اللَّه تعالى"
(1)
.
6 - " اختصار علوم الحديث":
وهو كتاب في مصطلح الحديث، سمَّاه ابن كثير "مختصر علوم الحديث" أو "اختصار علوم الحديث".
قال ابن حجر في الدرر الكامنة: "وقد اختصر كتاب ابن الصلاح، وله فيه فوائد"
(2)
.
وقال حاجي خليفة في كشف الظنون: "أضاف إلى ذلك الفوائد الملتقطة من "المدخل إلى كتاب السنن"؛ للبيهقي".
(1)
الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الطبعة العاشرة - سنة 1424 هـ - دار الكلم الطيب بدمشق.
(2)
إنباء الغمر بأنباء العمر (1/ 46).
وسمَّاه السيوطي في ذيل تذكرة الحفَّاظ: "علوم الحديث". ويُقدِّم ابن كثير رحمه الله لهذا الكتاب مبيِّنًا منهجه فيقول:
"سلكت وراءه -يعني ابن الصلاح- واحتذيت حذاءَه، واختصرتُ ما بسطه، ونظمت ما فرَطه. . " ويفترض على ابن الصلاح تنويعه أقسام الحديث إلى خمسة وستين نوعًا، وقابلية تقسيم هذه الأنواع إلى ما لا يُحصى، فيقول:"وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر، إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان ذلك أليق مما ذكره، ثم إنه فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه، ونحن نُرتِّب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلبًا للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها"
(1)
.
وقد نشر الكتاب بمكة المكرمة سنة 1353 هـ بتصحيح الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة باسم "اختصار علوم الحديث، أو الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث"، ثم شرحه الشيخ أحمد شاكر وطبع بالقاهرة سنة 1355 هـ باسم "الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث"، ثم أعاد شرحه، والتعليق عليه وتصحيحه، وطُبع بالقاهرة سنة 1370 هـ، ومما جاء في مقدمته:"وهو كتاب فذٌّ في موضوعه، ألَّفه إمام عظيم من الأئمة الثقات المحقّقين بهذا الفن، ونسخه نادرة الوجود، وكنا نسمع عنه في الكتب، ثم رآه الأخ الأستاذ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة المدرس بالحرم المكي عندما كان بالمدينة المنورة سنة 1346 هـ، وكانت نسخته موجودة في مكتبة شيخ الإسلام أحمد عارف حكمة، تحت رقم 57 مصطلح، وهي نسخة قديمة مكتوبة في طرابلس الشام سنة 765 هـ منقولة عن نسخة أخرى قوبلت على نسخة صحيحة معتمدة، قرئت على المصنف، وعليها خطه كما أثبت ذلك ناسخها رحمه الله"
(2)
، ثم نشر مؤخرًا في مجلدين بتحقيق علي حسن عبد الحميد الحلبي في مكتبة المعارف بالرياض.
7 - الاجتهاد في طلب الجهاد:
وهو رسالة مطبوعة، كتبها ابن كثير للأمير منجك نائب السلطنة بدمشق حين تولَّاها مرة ثانية (771 - 775 هـ) لإرسالها "إلى ما جاور البحر من البلاد، لياخذوا بحظهم من الجهاد"
(3)
.
وصرَّح ابن كثير في المقدمة بأنه كتبها بأمر نائب السلطان بدمشق "لأنه نائب الإمام، وفيما أمر طاعة للَّه ولرسوله"
(4)
وطبعت بالقاهرة سنة 1347 هـ، وعنيت بنشرها جمعية النشر والتأليف الأزهرية.
(1)
اختصار علوم الحديث (ص: 19).
(2)
الباعث الحثيث؛ للشيخ أحمد شاكر (ص: 4 - 5).
(3)
الاجتهاد في طلب الجهاد (ص: 5).
(4)
الاجتهاد في طلب الجهاد (ص: 5).
وتوجد من الرسالة نسخة مخطوطة بمعهد المخطوطات، في جامعة الدول العربية بالقاهرة.
وذكرها حاجي خليفة في "كشف الظنون" وقال: "رسالة لعماد الدين إسماعيل بن عمر، المعروف بابن كثير، كتبها للأمير منجك لما حاصرَ الفرنج قلعة إياس"
(1)
.
وكان الفرنج قد هاجموا ثغر الإسكندرية، وانتقلت عصائبهم منها إلى طرابلس لترويعها مع أهلها الآمنين بالقتل والأسر والتشريد.
وتمثل وثيقةً تاريخية وعلمية في فضل عبادة الجهاد ووجوبها، وارتباطها الوثيق بصيانة مجد الأمة وعزتها، والدفاع عن حياضها، كلما استباح حرماتها معتد أثيم، أو طامع لئيم.
وهي مختصر من كتاب أشمل، كما ذكر المؤلف "وقد كنت جمعت في ذلك مجلدًا بسيطًا، فاختصرت منه وسطًا وسيطًا"
(2)
.
8 - جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوي سَنَن:
وهو أكبر كتب الحافظ ابن كثير في الحديث النبوي، وأكثرها نفعًا، وآخرها تأليفًا في حياته، ولنسمع العلماء الكبار قدماء ومعاصرين ممن يتكلم على هذا الكتاب العظيم:
قال ابن حجر في "إنباء الغمر بأنباء العمر"(1/ 47): "ولما رتب الحافظ شمس الدين بن المحب -المعروف بالصامت المتوفى سنة 789 هـ- مسند أحمد على ترتيب حروف المعجم -حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة- أعجب ابن كثير، فاستحسنه. ورأيت النسخة بدمشق بخط ولده "عمر" فألحق ابن كثير ما استحسنه في الهوامش من الكتب الستة، ومسندي أبي يعلى والبزار، ومعجمي الطبراني، ما ليس في المسند، وسمَّى الكتاب "جامع المسانيد والسنن" وكُتبت منه عدة نسخ نُسبت إليه. . وهو الآن في أوقاف "المدرسة المحمودية" المتن ترتيب ابن المحب، والإلحاقات بخط ابن كثير في الهوامش والعصافير (الجذاذات)
(3)
وقد كنت رأيت منه نسخة بيضها عمر بن العماد بن كثير مما في المتن والإلحاق، وكتب عليه الاسم المذكور".
وقال ابن العماد في "شذرات الذهب"(8/ 398): "من مصنفاته كتاب في جمع المسانيد العشرة".
(1)
كشف الظنون (1/ 10).
(2)
الاجتهاد في طلب الجهاد (ص: 5).
(3)
العصافير: الجذاذات، لأنها إذا وقعت من الكتاب تطير كالعصافير؛ وفي أساس البلاغة: الوريقات التي تعلق عليها الفوائد.
وقال الحسيني في "ذيل تذكرة الحفَّاظ"(ص: 572): "كتاب الهدي والسنن، المعروف بجامع المسانيد، رتبَّه على الأبواب
(1)
، وهو من أنفع كتبه".
وقال الشوكاني في "البدر الطالع"(1/ 153): "الهدي والسنن في أحاديث المسانيد والسنن"، جمع فيه بين مسند الإمام أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وابن أبي شيبة، إلى الكتب الستة".
وقال حاجي خليفة في "كشف الظنون"(1/ 573): "جامع المسانيد والسنن، كتاب عظيم، فيه أحاديث الكتب العشرة في أصول الإسلام".
وقال أحمد شاكر في مقدمة عمدة التفسير (ص: 36) عن جامع المسانيد: منه في دار الكتب المصرية سبع مجلدات، مجموع أوراقها (2280)، وفي معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية أجزاء منه.
وطُبع الكتاب في بيروت - بدار الفكر في سنة 1999 م في (36) جزءًا ضمن (18) مجلدًا + المقدمة، وقد وثَّق أصوله وخرج حديثه وعلَّق عليه الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي.
وقد جاء في المقدمة
(2)
:
كيف نبتت فكرة "جامع المسانيد والسنن"؟
يدين ابن كثير في وضع هذا الكتاب إلى شيخه الحافظ جمال الدين المِزي، ومما لا ريب فيه أن تطور فهرسة الأحاديث النبوية بطريقة صنع الأطراف لها قد نضج على يد الحافظ المِزي بمؤلفه النفيس"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" الذي وضعه للكتب الستة ولواحقها
(3)
.
والعمل الذي شرع الحافظ ابن كثير به عملٌ واسع مترامي الأطراف وعملية خطيرة أقدم عليها في أخريات حياته، فهو آخر كتاب صنَّفه، وقد كلفه عناء كبيرًا.
ولكن كيف نبتت فكرة هذا المصنف الشامل؟
كان الحافظ ابن كثير قد استوعب "تحفة الأشراف" استيعابًا وافيًا، وكان يحتفظ بنسخة من التحفة، وقد وضع عليها بعض التقييدات، واستدرك عليها.
(1)
الصحيح ترتيبه على أسماء التابعين الرواة عن الصحابي.
(2)
مقدمة جامع المسانيد (ص: 236).
(3)
نشر الشيخ عبد الصمد شرف الدين الكتاب لأول مرة في الهند، ثم أعاد الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف تحقيقه على سبعة وثلاثين جزءًا بخط المؤلف وعلى نسخ لرفاقه وتلامذته كُتبت في حياته، ومنها نسخة علم الدين البرزالي التي قابلها بنفسه. وربطت هذه الطبعة الأحاديث ببعضها، كما ربطت بمُسند الإمام أحمد، وأضيف إليها عشرة كتب أخرى، ونشرته دار الغرب الإسلامي منذ سنة 1999 م في ثلاثة عشر مجلدًا.
وكلنا نعرف ما لأهمية مسند الإمام أحمد في دواوين السنة، وقد تمنى الحافظ الذهبي أن يُقيِّض اللَّه لهذا المسند من يرتبه ويخدمه. وقد أقام اللَّه لترتيبه الشيخ الإمام الصالح الورع أبا بكر بن عبد اللَّه المحب الصامت، فرتبه على معجم الصحابة، ورتب الرواية كذلك كترتيب كتاب الأطراف، وتعب به كثيرًا.
ثم إن الشيخ الإمام مؤرخ الإسلام، وحافظ الشام، عماد الدين أبا الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير رحمه الله، أخذ هذا الكتاب المرتب من مؤلفه، وأضاف إليه أحاديث الكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى المَوْصلي، وأجهد نفسه كثيرًا، وتعب فيه تعبًا عظيمًا، فجاء لا نظير له في العالم
(1)
.
والحافظ ابن كثير كان يحفظ المسند عن ظهر قلب.
إذن فقد استبان منهج العمل أمام الحافظ ابن كثير، ألا وهو تفريغ مسند الإمام أحمد على تحفة الأشراف، وتفريغ معجم الطبراني الكبير، وهو مصنف أساسًا على أسماء الصحابة، وليضف إليه مسند البزار من الزوائد على الكتب الستة، وكذا مسند أبي يعلى الموصلي. وليكنْ كل هذا في قالب أسماء الصحابة، وليكن أسد الغابة لابن الأثير هو أساس العمل.
9 - التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل:
اتفق كثير من المترجمين لابن كثير على اسم هذا الكتاب "التكميل"، صرح به ابن كثير في "البداية والنهاية"(80/ 150). و (9/ 41) و (10/ 41، 76، 106، 108، 117، 197، 313) و (11/ 257 و 277).
وذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" والبغدادي في "هدية العارفين" باسم "التكملة في معرفة الثقات والضعفاء"
(2)
قال الحسيني في ذيل تذكرة الحفَّاظ: "ومن تصانيفه: التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، جمع بين كتاب التهذيب "تهذيب الكمال؛ للمزي" والميزان "ميزان الاعتدال؛ للذهبي" وهو في خمس مجلدات"
(3)
.
وقال ابن العماد في "شذرات الذهب": واختصر "تهذيب الكمال" وأضاف إليه ما تأخَّر في
(1)
لقد استفدنا من هذا الكتاب العظيم عند قيامنا بتأليف كتاب "المسند الجامع" لمعرفة ما سقط من الأحاديث في الطبعة الميمنية من مسند الإمام أحمد، فاستدركناها منه، وذلك ظاهر في حواشي "المسند الجامع" الذي نشرته دار الجيل سنة 1992 م (بشار).
(2)
كشف الظنون (1/ 471) وهدية العارفين (1/ 215).
(3)
ذيل تذكرة الحفاظ (ص: 57).
"الميزان" سمَّاه "التكميل"
(1)
، ولابن كثير إضافات وزيادات في الجرح والتعديل، كما أنه رتبه على حروف المعجم.
والكتاب مخطوط، وقد رأى الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة المجلد الأخير منه في إحدى مكتبات المدينة المنورة بخط قديم، منسوخ في حياة المؤلف من نسخته
(2)
.
وفي دار الكتب المصرية نسخة مصورة من نسخة خطية ناقصة رقمها (2427/ ب) وتقع في مجلدين
(3)
.
وفي الرباط مخطوطة رقمها (219/ ك) وتقع في (99) ورقة مخرومة الآخر
(4)
. ويعتبر التكميل مقدمة لكتاب "جامع المسانيد" كما صرح ابن كثير رحمه الله في مقدمة "التكميل"
(5)
.
10 - مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم:
ذكره ابن كثير رحمه اللَّه تعالى في "اختصار علوم الحديث" فقال: كما بسطناه في مسند عمر"
(6)
وقال في "البداية والنهاية": "كما بسطنا ذلك في ترجمة عمر بن الخطاب وسيرته التي أفردناها في مجلد، ومسنده والآثار المروية عنه مرتبًا على الأبواب في مجلد آخر، وللَّه الحمد والمنة"
(7)
.
وقد بدأ الحافظ هذا المسند بأحكام الطهارة. . فالصلاة. . إلى آخر العبادات، واشتمل على أبواب السير والملاحم، والمعجزات، والفضائل، وغيرها. والكتاب مخطوط بخط ابن كثير، بدار الكتب المصرية رقم (152) حديث تيمور، ويقع في (220) لوحة
(8)
.
وحققه الدكتور مطر الزاهراني، وحصل به على درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة
(9)
. ولم نره مطبوعًا بعد.
11 - طبقات الشافعية:
ألَّف الحافظ ابن كثير هذا الكتاب قبل "البداية والنهاية" لأنه أحال إليه فيها كثيرًا كلما ذكر
(1)
شذرات الذهب (8/ 398).
(2)
مقدمة الباعث الحثيث (ص: 202).
(3)
تهذيب الكمال، المقدمة (1/ 64).
(4)
جامع المسانيد، المقدمة (1/ 204).
(5)
ابن كثير الدمشقي، للدكتور محمد الزحيلي (ص: 170).
(6)
الباعث الحثيث (ص: 57).
(7)
البداية والنهاية (10/ 28).
(8)
جامع المسانيد، المقدمة (1/ 204).
(9)
الإمام ابن كثير؛ للندوي (ص: 128).
أحد أصحاب الإمام الشافعي، أو أحد العلماء الأعلام المصنِّفين في المذهب.
وقد ترجم في أوله لإمام المذهب محمد بن إدريس الشافعي سنة 205 هـ وقال: "أفردنا له ترجمة مطوَّلة في أول كتابنا "طبقات الشافعيين. . "
(1)
ثم قال: "وقد ذكر من شعره في السُّنَّة وكلامه فيها، وفيما قال من الحكم والمواعظ طرفًا صالحًا في الذي كتبناه في أول طبقات الشافعية"
(2)
.
توجد من الكتاب نسخة خطية بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة، كما رأينا (111) لوحة بالجامعة الإسلامية، مصورة من مكتبة الكتاني بالرباط
(3)
.
وطبع حديثًا بمصر بتحقيق محمد علي زينهم والدكتور أحمد عمر هاشم، كما طُبع قسم منه بعنوان:"المسائل الفقهية التي انفرد بها الإمام الشافعي دون إخوانه من الأئمة" بقلم د. إبراهيم صندقجي، مكتبة العلوم والحكم وحقَّق الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر "مناقب الإمام الشافعي" في مكتبة الإمام الشافعي - 1412 هـ
(4)
.
ب - الكتب المفقودة
(5)
:
1 -
الكواكب الدراري في التاريخ: وهو كتاب في التراجم، ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1521) والبغدادي في "هدية العارفين" (1/ 215) وقالا:"انتخبه ابن كثير من تاريخه الكبير" وهو في ثلاث مجلدات، ولم يرد له أثر في فهارس المخطوطات، إلا المجلد الثالث في تركيا - إستنبول عمومي برقم (5016).
2 -
سيرة أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: ذكر ابن كثير كتابه هذا في "البداية والنهاية" في مواضع متفرقة، وقال عنه في (3/ 224 و 231): وقد ذكرنا ترجمة الصِّدّيق رضي الله عنه، وسيرته، وأيامه، وما روى من الأحاديث، وما روى من الأحكام في مجلد، وللَّه الحمد والمنة" وأشار إلى هذا في التفسير (4/ 224) وفي اختصار علوم الحديث (ص: 183).
3 -
سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذكره في "البداية والنهاية"(10/ 28) في مواضع أيضًا، وقال عن أبي بكر وعمر: "وقد ذكرنا كيفية إسلامه في كتابنا الذي أفردناه في سيرته،
(1)
البداية والنهاية (11/ 13 و 20) و (13/ 213) و (13/ 143) و (15/ 34).
(2)
البداية والنهاية (11/ 13 و 20) و (13/ 213) و (13/ 143) و (15/ 34).
(3)
الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (ص: 50).
(4)
الإمام ابن كثير؛ للندوي (ص: 124).
(5)
هي كتب ذكرها المؤلف، أو مترجموه، ولم تظهر في فهارس المخطوطات حتى الآن، ولم نفقد الأمل من وجودها أو بعضها على الأقل.
وأوردنا فضائله وشمائله، وأتبعنا ذلك بسيرة الفاروق أيضًا، وأوردنا ما رواه كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، وما روي عنه من الآثار والأحكام والفتاوى، فبلغ ذلك ثلاث مجلدات، وللَّه الحمد والمنة.
وأفاد الندوي
(1)
أن كلامه على الشيخين يتضمن كتابين في ثلاث مجلدات:
1 -
كتاب في سيرة أبي بكر ومسنده، في مجلد.
2 -
كتابه في سيرة عمر ومسنده، في مجلدين: الأول في سيرته، والثاني في مسنده، وقد تقدم الكلام على مسنده برقم (10).
4 -
أحاديث الأصول: ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (1/ 555) في تفسير قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وقال: وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، وقد ذكرنا طرفًا منها صالحًا في كتاب أحاديث الأصول".
5 -
شرح البخاري: شرع ابن كثير في شرح البخاري ولم يكمله، واتفق مترجموه على ذلك، فقد ذكر ذلك حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 550) والبغدادي في هدية العارفين (1/ 251) وقال ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 399) والداودي في طبقات المفسِّرين (1/ 111):"وشرح قطعة من البخاري". وقال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/ 399): و"شرع في شرح البخاري". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية"(11/ 250) أثناء ترجمة الإمام محمد بن إسماعيل البخاري سنة (256 هـ): صاحب الصحيح، وقد ذكرنا له ترجمة حافلة في أول شرحنا لصحيحه" وقال فيها (3/ 189) عند الكلام على حديث بدء الوحي:"وتكلَّمنا مطوَّلًا في أول شرح البخاري في كتابه بدء الوحي، إسنادًا ومتنًا، وللَّه الحمد والمِنَّة". ونراه في التفسير (3/ 454) أيضًا يُحيل إلى "أول صحيح البخاري" ويتساءل الدكتور مسعود الندوي: إلى أي حد بلغ ابن كثير في شرحه؟ ويجيب بأنه لا يمكن الإجابة بيقين، ولكنه يذكر بعض الإرشادات التي تفيد شرحه لما يلي:
- الباب الأول: كيف كان بدء الوحي؟.
- الكتاب الأول: كتاب الإيمان.
6 -
الأحكام الصغير، أو أحكام التنبيه: ذكره ابن كثير رحمه الله في كتاب "اختصار علوم الحديث"(ص: 191) فقال: "وقد تكلَّمنا على ذلك في كتاب الأحكام الكبير والصغير".
وقال ابن العماد في الشذرات (8/ 397): "وصنف في صغره كتاب الأحكام على أبواب التنبيه".
(1)
الإمام ابن كثير؛ للندوي (ص: 148).
وقال ابن حجر في "إنباء الغمر بأبناء العمر": "ألَّف في صغره أحكام التنبيه". وتقدم أنه عرضه على شيخه برهان الدين الفزاري فأُعجب به، وأثنى عليه.
ونصل إلى نتيجة سليمة وسديد
(1)
: أن "الأحكام الصغير" هو كتاب أحكام التنبيه، أو الأحكام على أبواب التنبيه، وقد طبع في مجلدين بمؤسسة الرسالة باسم "إرشاد الفقيه" والعنوان استظهره المؤلف.
7 -
الأحكام الكبير: شرع ابن كثير في تاليف كتاب كبير في الأحكام، ولكنه لم يتمه، وهو في الفقه. وقد ذكره في البداية والنهاية (3/ 333) فقال:"وسنذكر جميع ما يختص بالأنبياء مع خصائص نبينا في أول كتاب النكاح من كتاب الأحكام الكبير حيث ذكره الأئمة المصنفون، اقتداء بالإمام الشافعي رحمه الله".
وذكر الكتاب ابن العماد في شذرات الذهب (8/ 398) والداودي في طبقات المفسرين (1/ 111) وقالا: "وشرع في أحكام كثيرة حافلة، كتب فيها مجلدات إلى الحج".
وقال السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ (ص: 361): "وشرع في كتاب كبير في الأحكام ولم يتمَّه". وذكر المقريزي أنّه عمل منه مجلدين في الطهارة ومجلدًا من الصلاة
(2)
.
8 -
تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: أشار إليه ابن كثير في "البداية والنهاية"(15/ 269) أثناء ترجمة ابن الحاجب المتوفى سنة 646 هـ فقال: ومختصره في الفقه من أحسن المختصرات، انتظم فيه فوائد ابن شاس، ومختصره في أصول الفقه استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الآمدي، وقد من اللَّه تعالى عليَّ بحفظه، وجمعت كراريس في الكلام على ما أودعه فيه من الأحاديث النبوية، وللَّه الحمد".
وقال ابن قاضي شهبة في الطبقات (3/ 114): "وخرج الأحاديث الواقعة في مختصر ابن الحاجب، وكتب رفيقه الشيخ تقي الدين بن رافع لنفسه منه نسخة".
9 -
كتاب الصيام: ذكره ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 215) و (3/ 512) وقال بسطنا هذه المسألة مستقصاة في "كتاب الصيام" الذي أفردناه، وللَّه الحمد والمنة".
10 -
المقدِّمات: ذكره في مختصر مقدمة ابن الصلاح، وأحال إليه (ص: 57): "وأما كون (المرسل) حجةً في الدين، فذلك يتعلق بعلم الأصول، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا "المقدمات".
وقد عدَّه محمد عبد الرزاق حمزة في كتبه (ص: 27) من كتاب اختصار علوم الحديث، وهو في علم أصول الفقه.
(1)
انظر هذه الحقيقة مفصلة في كتاب "الإمام ابن كثير"، للندوي (ص: 134).
(2)
درر العقود الفريدة (1/ 401).
11 -
مناقب الشافعي. ذكره تلميذه المقريزي في درر العقود الفريد
(1)
.
12 -
مناقب ابن تيمية: ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"(16/ 215) في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ فقال: "وسنفرد له ترجمة على حدة إن شاء اللَّه تعالى" وقال: "وقد أُفردت له تراجم كثيرة، وصنَّف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم، وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه وفضائله، وشجاعته وكرمه، ونصحه، وزهادته وعبادته، وعلومه المتنوعة الكثيرة المجودة، وصبفاته الكبار والصغار التي احتوت على غالب العلوم ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة، وأفتى بها".
ولا نستطيع الجزم بأن ابن كثير وفَّى بما وعد به، ولا تسعفنا كتب التراجم بمعرفة ذلك.
13 -
اختصار كتاب المدخل إلى كتاب السنن للبيهقي: ذكره ابن كثير في مقدمة اختصار علوم الحديث، لابن الصلاح (ص 29) فقال:"وقد اختصرته -المدخل إلى كتاب السنن- أيضًا، بنحو هذا النمط من غير وكس ولا شطط" وهذا يدل على تقدم على اختصار كتاب المدخل إلى كتاب السنن. وقد عدَّه محمد عبد الرزاق حمزة في كتبه (ص 27) من كتاب اختصار علوم الحديث.
14 -
شرح التنبيه؛ لأبي إسحاق الشيرازي: ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" عند ترجمة أبي إسحاق الشيرازي، المتوفى سنة 476 هـ، (13/ 212) وسمَّاه "شرح التنبيه"، وكان يحفظ "التنبيه" ويستحضره إلى آخر وقت، كما في الإنباه، لابن حجر (1/ 46)، وقد خرج أحاديثه ورتبه على أبواب الفقه كما تقدم.
15 -
بيع أمهات الأولاد: ذكره في "البداية والنهاية"(5/ 431) في فصل سراري رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين ولدت له جاريته مارية إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم:"أعتقها ولدها" وقال ابن كثير: "وقد أفردنا لهذه المسألة، وهي بيع أمهات الأولاد، مصنَّفًا مفردًا على حدته، وحكينا فيه أقوال العلماء، بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستند كل قول، وللَّه الحمد والمنة".
16 -
سيرة منكلي بغا الشمسي: ذكره السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ"(ص 186): "وأفرد العماد ابن كثير سيرة منكلي بغا سماها: ما ينتقى ويبتغى في سيرة المعز السيفي منكلي بغا" وهو أحد مماليك الملك الناصر حسن، ونائبه على دمشق (714 - 768 هـ) وكان مهابًا عاقلًا يتكلم في عدة علوم، ويحترم ابن كثير ويكرمه ويستشيره. توفي منكلي بغا سنة 774 هـ بمصر.
(1)
درر العقود الفريدة (1/ 401).
ج- الأجزاء الحديثيه
(1)
:
1 -
جزء في الأحاديث الواردة في المهدي: ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"(6/ 368) والنهاية (1/ 30).
2 -
جزء في حديث كفارة المجلس: ذكره في البداية والنهاية (11/ 272) في ترجمة مسلم بن الحجاج، المتوفى سنة 261 هـ.
3 -
جزء في فضل يوم عرفة: ذكره ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 430) عند تفسيره الآية رقم 199 من سورة البقرة {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
4 -
جزء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: ذكره ابن كثير في "مناقب الشافعي" في المسائل الفقهية التي انفرد بها الإمام الشافعي، وأنها فرض عند الشافعي (ص 86) - والكتاب مأخوذ من "طبقات الشافعية".
5 -
جزء في ذكر الأحاديث الواردة في قتل الكلاب: أشار إليه في "البداية والنهاية"(16/ 343) معلقًا على أمر نائب السلطان بقتل الكلاب سنة 749 هـ، بعد أن فشا الطاعون في الشام.
6 -
جزء في الصلاة الوسطى: ذكره في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 294) عند تفسير قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].
7 -
جزء في ميراث الأبوين مع الإخوة: ذكره ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 459) عند تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. . . فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ. . .} [النساء: 11].
8 -
جزء في الرد على حديت السجل: ذكره في "تفسير القرآن العظيم"(3/ 200) عند تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104].
9 -
جزء في حديث الصور: ذكره ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(2/ 146) عند تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: 73]. وفي "النهاية" في الفتن والملاحم (17/ 180).
10 -
جزء في الذبيحة التي لم يُذكر اسم اللَّه عليها: ذكره رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم"(2/ 170) عند تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].
(1)
أشار إليها ابن كثير رحمه الله في كتبه، أو ذكرها العلماء المترجمون له، وهي مفقودة لم تصل إلينا بعد.
11 -
جزء في الأحاديث الواردة في فضل الأيام العشرة من ذي الحجة: ذكره ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(3/ 272) أثناء تفسير قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].
12 -
جزء في الرد على كتاب رفع الجزية عن يهود خيبر: ذكره في البداية والنهاية (4/ 450) وقد ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عنهم الجزية، فقام العلماء يفندون دعواهم الباطلة، وأسهم ابن كثير في إبطال ذلك.
13 -
جزء في ذكر تطهير المساجد: ذكره الحافظ في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 226) في تفسير قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125] و (3/ 364) أثناء تفسير قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36].
14 -
جزء مفرد في فتح القسطنطينية: ذكره ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"(1/ 451) أثناء تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ. . .} [آل عمران: 55].
15 -
جزء في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة: ذكره في كتاب "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"(ص: 245) وبين فيه أن عمر المقول له: قم فزوِّج النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا ابن أم سلمة عمر بن أبي سلمة، فقد كان صغيرًا لا يصح أن يكون وليًّا في عقد النكاح.
16 -
جزء مفرد في حديث إنكار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الزواج من عزَّة بنت أبي سفيان: ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"(ص: 249) وفي "البداية والنهاية"(8/ 174) والحديث في صحيح مسلم (2501) وفيه أن أبا سفيان عرض على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج بأم حبيبة، وهو خطأ ظاهر، وإنما كانت (عزة) فاعتذر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الجمع بين الأختين حرام.
* * *
سابعا
[*]
: مكانته العلمية والاجتماعية
تمهيد:
لقد تبوَّأ الحافظ المفسر المؤرِّخ الفقيه إسماعيل بن كثير مكان الصدارة والاحترام بتحصيله العلمي وتأليفه المدهشة، وتسنَّم مكان الحفاوة والاهتمام بفتاويه الدقيقة، ومواقفه الجريئة.
ورغم أنه أصبح من كبار العلماء، فإنه لم يصل إلى التأثير في الشأن العام، وبخاصة في الحياة الاجتماعية والسياسية كتأثير شيخه ابن تيمية، ولكنه ترك تغييرًا هادئًا، ما زال يفعل فعله الثقافي والحضاري إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها.
وهو يتمتع بحضور تام، وعقل وقَّاد، وقلم سيَّال، وشخصية محترمة ومتميزة، لا يُداهن في الحق، ولا يتهاون في إنكار البدع، ولا يُماري في نبذ الخرافات، وليس بخِبٍّ فلا يخدعُ ولا يُخادَع، ولا يحني رأسه، ولا يكسر قلمه؛ مرائيًا أو متطامنًا.
لقد جمع بين الرزانة والقوة، والرَّصانة والعزيمة، وتجنَّب التطرف والحِدَّة، وظهر في المجالس العلمية الخاصة والعامة شافعيًا ملتزمًا، ومفكرًا مصلحًا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويثبت بقلمه ولسانه ما يُريد بتبصر وإخلاص، لا يخاف في اللَّه لومة لائم، فينظر إليه الناس بالتقدير والمحبة والإعجاب، وسنرقب ذلك عن كثب وتمعن في مكانته العلمية والاجتماعية.
أ- مكانته العلمية:
• الفتاوى: أصبح ابن كثير في دمشق من المفتين الكبار، أذن له في الإفتاء الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة 731 هـ، ووصفه أقرانه بالفقيه المفتي، والإمام المفتي البارع، وبأنه طارت فتاواه إلى البلاد، ونجتزئ من سيرة حياته فتاوى تدلُّ على تضلع في الفقه مع الإنصاف والحصافة:
- قال الحافظ في "البداية والنهاية"(16/ 251): "وفي يوم الثلاثاء 28 ذي القعدة سنة 733 هـ رُكِّب على الكعبة باب حديد أرسله السلطان مرصَّعًا من السنط الأحمر، كأنه أبنوس، مركب عليه صفائح من فضة زنتها خمسة وثلاثون ألفًا وثلاثمئة وكسر، وقُلع الباب العتيق، وهو من خشب السَّاج، وعليه صفائح، تسلَّمها بنو شيبة، وكان زنتها ستين رطلًا، فباعوها كل درهم بدرهمين، لأجل التبرك. وهذا خطأ وهو ربا، وكان ينبغي أن يبيعوها بالذهب لئلا يحصل ربا بذلك".
[*](تعليق الشاملة): في المطبوع «ثامنا»
- وقال في "البداية والنهاية"(16/ 406): وفي سنة 761 هـ صدر "الأمر بإلزام القلندرية بترك حلق لحاهم وحواجبهم وشواربهم، وذلك محرَّم بالإجماع حسب ما حكاه ابن حزم، وإنما ذكره بعض الفقهاء بالكراهية" وكان اللائق أن يُؤمروا بترك الحشيشة الخسيسة، وإقامة الحدِّ عليهم بأكلها وسكرها، كما أفتى بذلك بعض الفقهاء".
- وقال في "البداية والنهاية"(16/ 354) سنة 751 هـ: ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها، ولم يقع من نحو مئتي سنة وأكثر، أنه أُبطل الوقيد بجامع دمشق ليلة النصف من شعبان، فلم يزد في وقيده قنديل واحد، على عادة لياليه في سائر السنة، وللَّه الحمد والمنة، وفرح أهل العلم بذلك، وأهل الديانة، وشكروا اللَّه تعالى على تبطيل هذه البدعة الشنعاء، التي كان يتولد بسببها شرور كثيرة بالبلد، والاستئجار بالجامع الأموي، وكان ذلك بمرسوم السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون خلَّد اللَّه ملكه، وشيَّد أركانه، وكان الساعي لذلك بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النجيبي بيَّض اللَّه وجهه، وقد كان مقيمًا في هذا الحين بالديار المصرية، وقد كنت رأيت عنده فتيا عليها خط الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني وغيرهما في إبطال هذه البدعة، فأنفذ اللَّه ذلك، وللَّه الحمد والمِنَّة".
- وقال في "البداية والنهاية"(16/ 313): في أحداث سنة 743 هـ: "وفي يوم الجمعة 16 صفر قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي
(1)
إليها حاكمًا بها، فذهب الناس للسلام عليه وتوديعه، وذلك بعدما أرجف الناس به كثيرًا، واشتهر أنه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الأيتام. . وكُتبت فتوى عليه بذلك في ترغيمه، وداروا على المفتين، فلم يكتب لهم أحد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي، ورأيت خطه عليها وحده بعد الصلاة، وسئلت في الإفتاء عليها، فامتنعت لما فيها من التشويش على الحكام".
• مواقف علمية: صائبة وجريئة تدل على أن ابن كثير ليس بجمَّاع ولا حاطب ليل، بل شخصيته حاضرة وشاهدة، وعقله المتيقظ جليًا من خلال المواقف التالية:
- دفاعه عن الطبري: قال في "البداية والنهاية"(12/ 59): "وقد كانت وفاته -أبو جعفر الطبري- وقت المغرب عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال من سنة 310 هـ. وقد جاوز الثمانين بخمس سنين أو ست سنين، وفي شعر رأسه ولحيته سواد كثير، ودُفن في داره؛ لأن بعض عوام
(1)
علمًا بأنه كان بين ابن كثير وتقي الدين السبكي خصومة فكرية، وأبى أبو الفداء أن ينتقم لنفسه، وأصرَّ على الإنصاف والتريث حتى يظهر وجه الحق.
الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهارًا، ونسبوه إلى الرفض، ومن الجهلة من رماه بالإلحاد، وحاشاه من ذلك كله، بل كان أحد أئمة الإسلام علمًا وعملًا بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما تقلَّدوا ذلك عن أبي بكر محمد بن داود الفقيه الظاهري، حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم والرفض. ولما توفي اجتمع الناس من سائر أقطار بغداد، وصلُّوا عليه بداره، ودُفن فيها، ومكث الناس يتردّدون إلى قبره شهورًا يُصلُّون عليه، وقد رأيت له كتابًا جمع فيه أحاديث "غدير خم" في مجلدين ضخمين، وكتابًا جمع فيه طريق "الطير"
(1)
.
- نقده لابن خلكان: وقال ابن كثير في ذكر حوادث سنة 298 هـ ترجمة ابن الراوندي، فقال:"أحد مشاهير الزنادقة، كان أبوه يهوديًا فأظهر الإسلام، ويقال إنه حرَّف القرآن، كما عارض ابنه القرآن بالقرآن وألحدَ فيه، وصنف كتابًا في الردِّ على القرآن سمَّاه "الدامغ" وكتابًا في الردِّ على الشريعة والاعتراض عليها سمَّاه "الزمردة" وكتابًا يُقال له "التاج" في معنى ذلك. . ".
ثم قال: "وقد ذكره ابن خلكان في "الوفيات" وقلس عليه، ولم يخرجه بشيء، ولا كأن الكلب أكل له عجينًا، على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم. وأرَّخ ابن خلكان تاريخ وفاته في سنة 245 هـ، وقد وهم وهمًا فاحشًا، والصحيح أنه توفي في هذه السنة، كما أرَّخه ابن الجوزي وغيره".
- نقده للخطيب البغدادي: قال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"(10/ 335): قال الخطيب في بناء أبي جعفر المنصور لمدينة بغداد: "وبناها مدوَّرة، ولا يعرف في أقطار الأرض مدينة مدوَّرة سواها، ووضع أساسها في وقت اختاره له "نوبخت" المُنجِّم. ثم ذكر عن بعض المنجِّمين قال: قال لي المنصور لما فرغ من بناء بغداد: خذ الطَّالع لها، فنظرتْ في طالعها -وكان المشتري في القوس- فأخبرته بما تدلُّ عليه النجوم، من طول زمانها، وكثرة عمارتها، وانصباب الدنيا إليها، وفقر الناس إلى ما فيها. قال: ثم قلتُ له: وأُبثرك يا أمير المؤمنين أنه لا يموتُ فيها أحدٌ من الخلفاء أبدًا. قال: فرأيته يبتسم، ثم قال: الحمدُ للَّه، ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. وذكر عن بعض الشعراء أنه قال في ذلك شعرًا، منه:
قضى ربُّها أن لايموت خليفةٌ
…
بها إنه ما شاء في خلقه يقضي
وقد قرَّره على هذا الخطأ الخطيب، وسلم ذلك ولم ينقضه بشيء، بل قرَّره مع اطلاعه ومعرفته!! ".
• قراءة صحيح البخاري ومسلم: في ستة مدارس، وفي دور بعض الأمراء، وفي أماكن
(1)
أبو جعفر الطبري اثنان، الأول هو الإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، والثاني من الروافض واسمه أيضًا محمد بن جرير بن رستم، ألف كتبًا كثيرة في ضلالتهم انظر سير أعلام النبلاء (14/ 267) و (14/ 282).
متعددة من دمشق الفيحاء، ولنسمعه يؤرخ لذلك في تاريخه (16/ 457) في حوادث سنة 766 هـ:
"وخُتم "البخاري" بالجامع الأموي وغيره في عدة أماكن، من ذلك ستة مواعيد، تقرأ على الشيخ عماد الدين بن كثير في اليوم، أولها بمسجد هشام بكرة قبل طلوع الشمس ثم تحت النسر، ثم بالمدرسة النورية، وبعد الظهر بجامع تنكز، ثم بالمدرسة العزية، ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السَّلْعوس إلى أذان العصر، ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلَّة القصَّاعين إلى قريب الغروب، ويقرأ "صحيح مسلم" بمحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر، وقبل النورية، واللَّه المسؤول، وهو المعين الميسِّر المسهِّل. وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن أخر من دور الأمراء وغيرهم، ولم يُعهد مثل هذا في السنين الماضية، فلله الحمد والمِنَّة".
• موقفه من الإسرائيليات: اهتم أبو الفداء رحمه الله للإسرائيليات، ونبه على منهجه حيالها في أول تفسيره وفي أول تاريخه، وتتبع روايات الحديث النبوي "بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبَّوأ مقعده من النار"، فقسَّم
(1)
الأخبار عن بني إسرائيل إلى ثلاثة أقسام:
1 -
الإسرائيليات التي يصدقها الكتاب والسنة ويشهدا لها؛ ولا حاجة إليها "استغناء بما عندنا".
2 -
الإسرائيليات التي لا يصدقها الكتاب والسنة، ولا يشهدا لها؛ "فذاك مردود، لا تجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار والإبطال".
3 -
الإسرائيليات التي لا يُصدِّقها الكتاب والسنة، ولا يكذبها، تجوز روايتها للاعتبار، لأن من فائدة هذا القسم "بسطٌ لمختصر عندنا، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا، مما لا فائدة في تعيينه لنا، فنذكره على سبيل التحلِّي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه، وإنما الاعتماد والاستناد على الكتاب وسنة رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، ما صحَّ نقله أو حسن، وما كان في ضعف بيِّنته".
ونحن نتمنى أن يكون ابن كثير قد التزم هذا المنهج في أول كتابه "البداية والنهاية" وبخاصة في قسم بدء الخلق وقصص الأنبياء، إذ لو فعل لأراح واستراح من كثير من الإسرائيليات المتهافتة التي لا تخرج عن القسم الثاني مما يجب رده وإنكاره وإبطاله، والذي لا مبرر لتسطيره إلا داعي الجمع والنقل.
(1)
انظر الإمام ابن كثير، للندوي (ص: 315 - 316).
• نظم الشعر: لا ريب أن ابن كثير غلب على أسلوبه أنه مفسر محدِّث فقيه، لا شاعر ولا أديب، ومن المحتمل أنه كان مقلًا جدًا من قول الشعر، لأنه يعتبر صناعة الشعر عملًا يستوجب الاستغفار والتوبة، فقد روى قصيدة لوالده مطلعها:
نأى النومُ عن جفني فبتُّ مسهَّدًا
…
أخا كَلَفٍ، حِلْفَ الصبابة مُوجَدا
سميرَ الثريا والنجوم، مُدَلَّهًا
…
فمن ولهي خِلْتُ الكواكب رُكَّدا
ثم قال بعدها: "وعدتها ثلاثة وعشرون بيتًا، واللَّه يغفر له ما صنع من الشعر"، ومما يؤكد ذلك ما كتبه المترجمون لحياته:
قال ابن حجر في "الإناه"(1/ 46): "وينظم نظمًا وسطًا" وتبعه في ذلك ابن العماد في "الشذرات"(8/ 397).
ومما نقل عنه من شعر الحكمة:
تمرُّ بنا الأيام تترى وإنما
…
نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائدٌ ذلك الشبابُ الذي مضى
…
ولا زائلٌ هذا المشيب المُكدَّر
ولاحظ ابن حجر في الإناء (1/ 47): على البيت الثاني، أنه لو قال: صَفو الشباب، لكان أمتع".
كما نظم قصيدة في "البداية والنهاية"(13/ 210) أتمَّ فيها ذكر الخلفاء العباسيين بعد المستعصم باللَّه، وهي ضرب من الرجز، ومنها:
ثمَّ ابتلاه اللَّه بالتتار
…
أتباع جنكيز خان الجبَّار
صحبته ابن ابنه هولاكو
…
فلم يكن من أمره فكاك
فمزَّقوا جنوده وشملَه
…
وقتلوه نفسهُ وأهله
ودمَّروا بغداد والبلادا
…
وقتلوا الأحفادَ والأجدادا
وأجاز لأحدهم فقال:
أجزتهمُ ما قد سُئلتُ بشرطه
…
وكاتبُه إسماعيلُ بن كثير
وحكم بفكر العالم الفقيه، لا بحسِّ الأديب الأريب، على قصيدة أبي العباس الناشي (88) بيتًا، بأنها قصيدة بليغة مع أنها منظومة علمية لا تحرك عاطفة ولا تمس شعورًا، أورد فيها ناظمها النسب النبوي الشريف بكلام موزون، ليكون هذا مساعدًا على الحفظ والتذكر
(1)
.
(1)
الفصول (ص: 22 و 88).
• أقوال العلماء فيه: ومما يؤكد المكانة العلمية السامقة التي بلغها ابن كثير بالجد والمثابرة أقوال شيوخه وتلاميذه ومعاصريه، ومنهم:
- فهذا الذهبي - أحد شيوخه كما تقدم يقول في "تذكرة الحفاظ"(4/ 508): "وسمعت مع الفقيه المفتي المحدِّث ذي الفضائل عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الشافعي، ولد بعد السبعمئة أو فيها، وسمع من ابن الشحنة، وابن الزرَّاد، وطائفة، وله عناية بالرجال والمتون، والتفقه، خرَّج وألف، وصنَّف وفسَّر، وتقدَّم".
ويقول في "المعجم المختص" وهو معجم خاص بالطلبة: "الإمام الفقيه المحدث الأوحد البارع عماد الدين. . . يدري الفقه ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم، سمع مني، وله حفظ ومعرفة
(1)
".
- وهذا معاصره الحسيني يقول في ذيل تذكرة الحفاظ (ص: 58): "الشيخ الإمام العالم، الحافظ المفيد البارع. . أفتى ودرَّس وناظر، وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعن النظر في الرجال والعلل".
- أما تلميذه ابن حجي فيقول كما في "الدارس" للنعيمي (1/ 36) و"طبقات المفسرين" للداودي (1/ 111): "كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئًا كثيرًا من الفقه والتاريخ، قليل النسيان، وكان فقيهًا جيد الفهم صحيح الذهن، ويحفظ "التنبيه" إلى آخر وقت، ويُشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به -على كثرة ترددي إليه- إلا واستفدت منه".
وأما تلميذه الآخر العلامة تقي الدين المقريزي فيقول فيه: "الحافظ الفقيه العلامة، شيخنا ذو الفنون. . . برع في فنون بملازمة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية وصنّف التصانيف المفيدة. . . وكان حافظًا متقنًا حسن الأخلاق، جميل المعاشرة، متواضعًا، كثير الاستحضار. . . ولم يخلف بعده مثله"
(2)
.
- وأما ابن حجر العسقلاني، فيقول في الدرر الكامنة (1/ 400): "وكان كثير الاستحضار،
(1)
المعجم المختص 74 - 75. ونقل ابن قاض شهبة وابن حجر عن "المعجم المختص" للذهبي أنه قال فيه: "فقيه متفنن، ومحدث متقن، ومفسر نقاد - في المطبوع وفي طبقات ابن قاضي شهبة (ص: 474) والدرر الكامنة (1/ 374): "نقال"، وهو تحريف واضح، وخطأ فادح - وله تصانيف مفيدة" ولم نجد ذلك في معجمه. الضوء اللامع (4/ 59).
(2)
درر العقود (1/ 400 - 401).
حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريقة المحدِّثين، في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدِّثي الفقهاء، وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح، وله فيه فوائد. . . ".
ويرد السيوطي على ابن حجر في هذا الكلام الذي انتقص فيه من مكانة ابن كثير كمحدث، فيقول في ذيله على التذكرة (ص: 261): "العمدة في علم التفسير معرفة صحيح الحديث وسقيمه، وعلله، واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلًا، وأما العالي والنازل ونحو ذلك، فهو من الفضلات، لا من الأصول المهمة".
ب- مكانته الاجتماعية:
• صلته بنائب السلطنة: وهو مؤهَّل لهذه الصلة، فمنصب الإفتاء، والتدريس، والتأليف التاريخي، تمنحه المكانة الاجتماعية المرموقة والمحترمة، فيُدعى إلى مجالس العلم والتحكيم، والفصل في القضايا العلمية الدقيقة، ولحضور المصالحات العامة، والصلة المباشرة مع الحكام الذين تولوا نيابة السلطان في دمشق، فقد ورد في البداية والنهاية (16/ 427) خلال حوادث سنة 763 هـ:"وفي ثاني المحرم قدم نائب السلطنة -علاء الدين المارداني- بعد غيبة نحو من خمسة عشر يومًا، وقد أوطأ بلاد فرير بالرعب، وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس، وكان قد اشتهر أنه قصد العشيرات المواسين ببلاد عجلون، فسألته عن ذلك حين سلَّمت عليه، فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير، وأن العشيرات قد اصطلحوا واتفقوا، وأن التجريدة عندهم هناك".
وتقدَّم أنه كتب سيرة لنائب السلطان على دمشق منكلي بغا المتوفى سنة 770 هـ، وأنه كان يُكرم ابن كثير ويقرِّبه.
كما تقدَّم أنه كتب رسالة في الجهاد للأمير منجك حين تولَّى السلطنة مرة ثانية (771 - 775 هـ).
• حضور مجالس كبار العلماء: ومن يتابع حوادث السنوات بدءًا من سنة 730 هـ يجد أن ابن كثير كان يحضر مجالس العلماء، ويشارك في الحياة العامة، وبخاصة قضايا التحكيم والاختلاف، ويشهد لذلك ما قاله في البداية والنهاية (16/ 451) في حوادث سنة 765 هـ:"وفي الرابع عشر من جمادى الآخرة عُقد بدار السعادة مجلس حافل، اجتمع فيه القضاة الأربعة، وجماعة من المفتين، وطُلبتُ فحضرت معهم، بسبب المدرسة التدمرية، وقربة الواقف، ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث، فوقف الحنبلي في أمرهم، ودافعهم عن ذلك أشدَّ الدفاع. . ".
وقال في "البداية والنهاية"(16/ 462) في حوادث سنة 767 هـ: "ولما كان يوم الإثنين، الرابع والعشرين من ربيع الأول، عقد مجلس حافل بدار السعادة، بسبب ما رمي به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة السبكي، وكنت ممن طُلب إليه، فحضرته فيمن حضر، وقد
اجتمع فيه القضاة الثلاثة، وخلق من المذاهب الأربعة، وآخرون من غيره بحضرة نائب الشام سيف الدين مُنْكلي. . وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان، أحدهما له، والآخر عليه. . " واستمر التداول إلى الشهر التالي، وحضره ابن كثير، وانتهى بالصلح استجابة لقوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95].
• اجتماعه بالخليفة المعتضد: قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(16/ 367) في حوادث سنة 753 هـ: "وفي يوم السبت عاشر شهر شعبان اجتمعنا بالخليفة المعتضد باللَّه أبي الفتح بن أبي بكر المستكفي باللَّه أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر اللَّه أبي العباس أحمد. وسلَّمنا عليه وهو نازل بالمدرسة الدماغية، داخل باب الفرج، وقرأت عنده جزءًا فيه ما رواه أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في مسنده، وذلك عن الشيخ عز الدين بن الضياء الحموي، بسماعه من ابن البخاري، وزينب بنت مكي عن أحمد بن الحصين عن ابن المذهب، عن أبي بكر بن مالك، عن عبد اللَّه بن أحمد، عن أبيه، فذكرهما.
والمقصود أنه شابٌ حسن الشكل، مليح الكلام، متواضع، جيِّد الفهم، حلو العبارة، رحم اللَّه سلفه".
• إنكاره على الأمر السلطاني به همك النصارى من الشام: وأن يأخذ نائب السلطان منهم ربع أموالهم؛ لعمارة ما خرب من الإسنكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى، وطُلبوا من بيوتهم بعنف، وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يُراد بهم، فهربوا كل مهرب.
يتابع ابن كثير، وهو يؤرخ لهذه الحادثة في "البداية والنهاية" (16/ 460) في سنة 767 هـ:"وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من شهر صفر إلى الميدان الأخضر للاجتماع بنائب السلطنة -الأمير سيف الدين منكلي بغا- وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة، فرأيت منه أنسًا كثيرًا، ورأيته كامل الرأي والفهم، حسن العبارة، كريم المجالسة، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى، فقال: إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك، فقلت له: هذا مما لا يسوغ شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا، ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار، وأحكام اللَّه قائمة، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية. . ".
وما زال يرض الأدلة، ويقترح الحل الأنسب بغزو قبرص، حتى أقنع نائب السلطنة، وكتب إلى مصر بذلك، فجاء الجواب موافقًا لما اقترحه وارتآه.
• حضوره إعدام الزنديق عثمان الدَّكَّالي
(1)
: قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(16/ 294)
(1)
منسوب إلى دكَّالة، بلد بالمغرب.
في أحداث سنة 741 هـ: "وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة، وحضرته يومئذ، واجتمع القضاة والأعيان على العادة، وأُحضر يومئذ عثمان الدَّكَّالي -قبحه اللَّه تعالى- وادُّعِي عليه بعظائم من القول لم يُؤثر مثلها عن الحلَّاج، ولا عن ابن أبي العَزَاقِر
(1)
الشَّلْمَغانيّ
(2)
، وقامت عليه البينة بدعوى الإلهية -لعنه اللَّه- وأشياء أخر من التنقيص بالأنبياء، ومخالطة أرباب الريب من الباجريقيةُ
(3)
وغيرهم من الاتحادية -عليهم لعائن اللَّه-. . فسئل القاضي المالكي الحكم عليه، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وصلَّى على رسوله، ثم حكم بإراقة دمه وإن تاب، فأُخذ المذكور وضُربت عنقه بسوق الخيل، ونودي عليه: هذا جزاء من يكون على مذهب الاتحادية، وكان يومًا مشهودًا بدار السعادة، حضر خلق من الأعيان والمشايخ، وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ، وشيخنا شمس الدين الذهبي، وتكلَّما وحرَّضا في القضية جدًا، وشُهد بزندقة المذكور بالاستفاضة، وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية، وخرج القضاة الثلاثة: المالكي والحنفي والحنبلي، وهم نفذوا حكمه في المجلس، فحضروا قتل المذكور. وكنت مباشرًا لجميع ذلك من أوله إلى آخره".
* * *
(1)
قيده ياقوت في معجم البلدان (3/ 358) فقال: بفتح العين المهملة والزاي وبعد الألف قاف مكسورة ثم راء مهملة.
(2)
منسوب إلى شلمغان، من نواحي واسط، كما في معجم البلدان.
(3)
نسبة إلى الباجريقي محمد بن جمال الدين من الحلولية توفي سنة (724) كما في البداية.
ثامنًا: وفاته
وأخيرًا انتهت رحلة هذا الشيخ الجليل، وختمت حياته المثمرة وأيامه المليئة بجليل الأعمال، وصالح الأفعال والأقوال. وكان قد أُضِرَّ في أواخر عمره، فأقعده فقد البصر عن استكمال كتابه الكبير "جامع المسانيد" كما صرَّح بذلك لأحد تلاميذه، وهو ابن الجزري، فقال:"لا زلتُ أكتبُ فيه في الليل، والسراج ينوصُ، حتى ذهب بصري معه". وهناك من يُقدِّر تاريخ ذلك في السنة الأخيرة من حياته، أي: سنة 774 هـ.
واتفق المؤرخون على أنه توفي بدمشق في شهر شعبان من سنة 774 هـ. وحدَّد ابن حجر يوم الوفاة بخامس عشر شعبان، وخالفه ابن تغري بردي فحدَّد ذلك في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان. وهو تحريف صوابه: سادس عشر شعبان
(1)
، كما نص عليه تلميذه المقريزي
(2)
وإنما الاختلاف في تحديد بداية الشهر.
وشيَّعت دمشق عالمها ومؤرِّخَها في جنازة حافلة مهيبة، ودُفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، بمقبرة الصوفيه
(3)
، خارج باب النصر من دمشق.
ورثاه أحدُ تلاميذه، وهو الشيخ محمد بن بهادر الزركشي، كما تقدَّم، فقال:
لفقدكَ طلابُ العلوم تأسَّفوا
…
وجاؤوا بدمعٍ لا يبيدُ كثير
ولو مَزَجُوا ماء المدامِعِ بالدِّما
…
لكانَ قليلًا فيك يا ابنَ كثير
رحم اللَّه الحافظ ابن كثير رحمةً واسعةً، وجعل مثواه جنَّات النعيم، وجمعنا به تحت لواء سيد المرسلين محمد بن عبد اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
* * *
(1)
بعد الرجوع إلى كتاب "التوفيقات الإلهامية" تبين أن يوم الخميس من شعبان هو السادس عشر وهو ما أكده المقريزي رحمه اللَّه تعالى.
(2)
درر العقود (1/ 401).
(3)
مقبرة الصوفية: اندرست هذه المقبرة، ولم يبق منها إلا ثلاثة قبور تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من حديقة إدارة جامعة دمشق (المستشفى الوطني سابقًا).
(3) دراسة الكتاب البداية والنهاية
تمهيد:
أولًا - المحتوى
1 -
المبتدأ وقصص الأنبياء.
2 -
السيرة النبوية.
3 -
تاريخ الإسلام:
أ- الخلافة الراشدة والدولة الأموية.
ب- الخلافة العباسية.
ج- دولة المماليك البحرية.
4 -
النهاية (ذكر الآخرة، وأحوالها، وعلامات الساعة، ومظاهرها)
ثانيًا: منهج الكتاب.
ثالثًا: الأسلوب.
رابعًا: الموارد والمصادر.
خامسًا: طبعات البداية والنهاية.
(3) دراسة الكتاب البداية والنهاية
أولًا: المحتوى:
تمهيد:
"البداية والنهاية" كتاب تاريخيّ، عالمي وإسلامي، يؤرخ لمبدأ الخلق، وللأنبياء والرسل، وللسيرة النبوية، وحوادث الحياة الإسلامية إلى عام 774 هـ ووصل منه إلينا إلى سنة 668 هـ، وخاتمته ذكرُ الساعة وعلاماتها، وأحوال الآخرة وأهوالها.
وهذه العالمية والشمولية في التاريخ الإسلامي إنما نزل بها القرآن الكريم، ووجَّهت إليها السنة النبوية، ممثلة في وحدة النبوات وتنزل الرسالات بالدين الحق، وهو الاستسلام والانقياد للَّه الواحد الأحد، الفرد الصمد، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
كما أنَّ القرآن عرض لمصير العرب العاربة الذين أشركوا باللَّه تعالى، وأكثروا في الأرض الفساد، فعاقبهم اللَّه في الدنيا قبل الآخرة، وجعل مصيرهم وبلادهم عبرة لأولي البصائر والألباب.
وأشار القرآن الكريم، إلى حروب الفرس والروم، وعرّف بالحياة العربية وما فيها من شرك وجاهلية، وسجَّل حوادث السيرة النبوية، ووصف بدقة متناهية المواقف النبوية بمشاعرها الصادقة وعواطفها الدافقة.
وإذا كان لا بد لكل أمة من تاريخ تعتز به وتفتخر، وتأخذ من خلاله الدروس والحبر، والقدوة الحسنة؛ فإن القرآن الكريم رسم للأمة المسلمة معالم تاريخ إنساني كامل وشامل.
وعلم التاريخ بهذا المعنى القرآني فن إسلامي، لا يقوم على الانتقائية، والتفسير المادي والفلسفة البشرية، وإنما يؤرخ للحوادث والوقائع الحقيقية ويعرضها بحياد تام وإنصاف كامل، ويُعرِّف بالأولياء الصالحين، والعلماء العاملين، والحكَّام والسلاطين، وتختلط فيه علوم التفسير والحديث والفقه والاجتماع والأخلاق، والدين والدنيا والآخرة.
ولذلك يقول الدكتور شاكر مصطفى: "إن التاريخ -في اعتقادي- علم عربي إسلامي، أو يمكن اعتباره كذلك"
(1)
.
ومن قبلُ نقل السخاوي عن إبراهيم بن أبي الدم الحموي قوله: "إنما الفائدة في التاريخ الإسلامي -مع قربه من الصحة- ذكره لعلماء الأمة المحمدية، وذكر محاسنهم وعلومهم، ومواعظهم، وحكمهم، وسيرهم التي يستدل العامل بها في أموره، ويتدبرها ويتفكر فيها، فينتفع بما قالوه، وما ينقل عنهم من المحاسن دنيا وأخرى"
(2)
.
وقد اهتم العلماء بهذا العلم، ورووا الأخبار رواية شفوية، ثم جاء التدوين للتاريخ من منتصف القرن الثاني الهجري، كما يؤرخ لذلك الإمام الذهبي. فيقول:"في سنة ثلاث وأربعين ومئة شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. . وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودوِّنت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس، وقبلَ هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة"
(3)
.
وسبق ابن كثير في هذا المضمار التاريخي الإمام الطبري وابن الجوزي وابن الأثير، وكلهم كتب تاريخًا إسلاميًا جمع بين التفسير والتاريخ، أو بين الحديث والتاريخ، أو بين الفقه والتاريخ، وتميز تاريخ ابن كثير في "البداية والنهاية" بالجمع بين التفسير والحديث والفقه والتاريخ.
وحياة ابن كثير في دمشق، هيأته لكتابة التاريخ، وحفزته لهذا الإنجاز العظيم تأسيًا بشيخيْه المؤرخين: الذهبي والبِرْزَاني، كما أن عصره الذي عاش فيه، وهو عصر المماليك
(4)
تميز بالاهتمام بالتاريخ والتأليف فيه، يقول الأستاذ محمود رزق سليم:"التاريخ في مقدمة الفنون التي سعدت بالعناية، ورزقت الرعاية في هذا العصر، فقد تضافرت الجهود، وتضاعفت الهمم، وتنافست العقول والأيدي على إخراج كتب تاريخية حافلة"
(5)
.
ولا ريب أن للسيرة النبوية أثرًا عظيمًا في نشأة علم التاريخ الإسلامي وتطوره في اتباع أسلوب المحدثين في جمع الروايات والأخبار
(6)
، ولا ريب أيضًا أن ابن كثير كتب السيرة أولًا، مما حمله
(1)
التاريخ والمؤرخون العرب (1/ 6).
(2)
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ؛ للسخاوي (ص: 418).
(3)
تذكرة الحفاظ (1/ 160).
(4)
عصر سلاطين المماليك (3/ 92).
(5)
لعل البعد عن المنابع الأولى ولد الاهتمام بالتاريخ في هذا العصر، وما جرى فيه من انتكاسات وانتصارات، وانقطاع بين الماضي والحاضر، والسلف والخلف.
(6)
انظر كتابنا "مناهج التأليف في السيرة النبوية خلال القرون الأربعة الأولى"(ص: 58) طبعة دار الكلم الطيب الأولى.
على كتابة التاريخ ووصل السيرة بمبدأ الخليقة، ووضعها في مجريات التاريخ الإسلامي العام.
ويبقى الحافظ ابن كثير مؤلِّفًا متفردًا عن غيره من المؤرخين ومتميزًا بهذه الخاتمة التي أنهى بها كتابه، فكان منطقيًا ومنسجمًا مع اسم الكتاب حيث كان حقًا تأريخًا لبداية البشرية، وتأريخًا لنهايتها في آن واحد ومؤلَّف واحد.
1 - المبتدأ وقصص الأنبياء:
ظهرت شخصية ابن كثير العلمية المتكاملة في هذا القسم من البداية والنهاية، وهو متبع غير مبتدع في هذه البداءة للعلماء المصنفين قبله؛ حيث يبدأون بالتأريخ لخلق الكون والسماوات والأرض، ثم ينتقلون لخلق آدم ومن جاء بعده من الرسل.
ومن المؤكد أن تصنيفه لكتابه "تفسير القرآن العظيم"، وإحالاته المتكررة له جعل الطريق ممهَّدًا إلى كتابة "المبتدأ وقصص الأنبياء"، كما جلَّى أبوابه وفصوله، ومعالمه الثقافية، ومستنداته الشرعية؛ متضافرة ومتكاملة.
فبدأ بقوله اللَّه تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62].
ويقوله سبحانه: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59].
يُفسِّر القرآن بالقرآن، وبالأحاديث المأثورة، وبأقوال الصحابة، ويُحرِّم التفسير بالرأي المحض، ويصدر عن أشهر كتب التفسير المتقدمة والمطوَّلة بتأويلات موثقة وناضجة، ويَرِدُ دواوين المحدِّثين، ويدرس الأسانيد، ويُميِّز الصحيح والحسن من الأحاديث عن الضعيف والموضوع. ويكشف عن الإسرائيليات، ويقسمها إلى ثلاثة أقسام: ما يوافق الكتاب والسنة؛ فلا حاجة له، وما يُعارض الكتاب والسنة فهو مردود، وما لا يُصدقه الكتاب والسنة ولا يكذبه فتجوز روايته للاعتبار. ويتوقف مليًا مع كل حكم فقهي، حتى ينسى في بعض الأحيان أنه مؤرخ لا فقيه. وهو في كل ذلك حاضر بذهنه الوقّاد، وثقافته الشاملة، ينقد ويردُّ ويُرجح وينتقي، ويُقارن الثابت في القرآن الكريم مع ما ورد في الكتب السماوية، ويوضح ما طرأ على هذه الكتب من تغيير وتبديل، ويستهجن من أهل الكتاب العصبية للباطل، والتمسُّك به مع ظهور فساده وضلاله.
ويُلخِّص الحافظ ابن كثير هذا القسم في مقدمة "البداية والنهاية"
(1)
فيقول: "فهذا كتابٌ أذكر فيه -بعون اللَّه وحسن توفيقه- ما يسَّره اللَّه تعالى بحوله وقوته من مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي، والسماوات والأرض وما فيهنَّ، وما بينهنَّ من الملائكة والجانّ والشياطين، وكيفية
(1)
انظر البداية والنهاية (2/ 132 - 134).
خلق آدم عليه السلام، وقصص النبيين، وما جرى مجرى ذلك إلى أيام بني إسرائيل وأيام الجاهلية، حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم. . "
(1)
.
• وفي طبعتنا الجديدة جاء هذا القسم موزعًا على جزأين كما يلي:
1 -
القسم الأول (المبتدأ وقصص الأنبياء)
• الجزء الأول (1): مبدأ الخلق - اللَّه خالق كل شيء - صفة خلق العرش والكرسي - اللوح المحفوظ - خلق السماوات والأرض - خلق الملائكة - خلق الجان وقصة الشيطان - خلق آدم.
قصة إدريس - نوح - هود - صالح - إبراهيم - إسماعيل - إسحاق - إسرائيل - يوسف - أيوب - ذي الكفل - أصحاب الرس - قوم يس - يونس.
• الجزء الثاني (2): قصة موسى - يوشع - الخضر وإلياس - حزقيل - اليسع - شمويل - داود - سليمان - زكريا ويحيى - عيسى
أخبار الماضين: ذي القرنين - يأجوج ومأجوج
ذكر أخبار العرب: قصة سبأ - قصة ربيعة.
2 - السيرة النبوية:
وفي هذا القسم الثاني من "البداية والنهاية" يشتد ساعد ابن كثير، ويسيل مداد قلمه، فيكتب وكأنه يغرف من بحر. وهو اختصاصي في السيرة، كتبها مبسوطه
(2)
ومختصرة، وموارد السيرة عنده: القرآن أولًا، والسُّنة ثانيًا، وكتب السيرة والمغازي ثالثًا، وكتب الدلائل والشمائل رابعًا.
وحضور شخصية المفسر الألمعي في جميع أبواب السيرة وفصولها، لا يقل عنه حضور شخصية المحدث الصيرفي وهو يوازن بين الروايات، ويعرض لفنون تطبيقية، من علوم الحديث متنًا وإسنادًا، رواية ودراية.
كما أن وقائع السيرة لا تصرفه عن الاستطرادات الفقهية، والتأصيل للقواعد الفقهية
(1)
البداية والنهاية (1/ 7).
(2)
أشار إلى ذلك الحافظ في تفسيره (3/ 478) فقال في قصة غزوة الخندق "وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة الذي أفردناه موجزًا وبسيطًا".
والأصولية، والاستدلال والانتصار لمذهبه الشافعي في أدق الأحكام والفروع، وكأنه يكتب للمختصين في علوم التفسير والفقه والحديث! وهو مع هذا كله يكتب التاريخ!.
ومما انفرد به الحافظ ابن كثير في السيرة؛ أنه أضاف كتابين: هما "الشمائل" و"دلائل النبوة" وكان قد أشار إلى إضافة كتابين آخرين في "الخصائص" و"الفضائل" ولكنه لم يفعل.
وقد كتب في المقدمة: "فنذكر سيرته صلى الله عليه وسلم كما ينبغي، فتشفي الصدور والغليل، وتزيح الداء عن العليل"
(1)
.
وقد جاء محتوى هذا القسم موزعًا على أربعة أجزاء، كما يلي:
2 -
القسم الثاني (السيرة النبوية)
• الجزء الثالث (3): الحوادث زمن الفترة: تجديد حفر زمزم - نذر عبد المطلب - تزويج عبد المطلب ابنه عبد اللَّه من آمنة.
السيرة النبوية: المولد
السنة الأولى من الهجرة - نهاية سرية عبيدة بن الحارث
• الجزء الرابع (4): بداية السنة الثانية من الهجرة
كتاب المغازي - ذكر ما كان من الأمور الحادثة سنة 9 للهجرة.
• الجزء الخامس (5): كتاب الوفود الواردين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حج النبي صلى الله عليه وسلم وفاته - زوجاته وأولاده - إماؤه - خدَّامه - كتَّاب الوحي - آثار النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أفراسه ومراكبه.
• الجزء السادس (6): متعلقات السيرة:
شمائله صلى الله عليه وسلم دلائل نبوَّته.
3 - تاريخ الإسلام:
ويشتمل على:
أ - الخلافة الراشدة والدولة الأموية (11 - 132 هـ).
ب - الخلافة العباسية (132 - 656 هـ).
(1)
البداية والنهاية (1/ 7).
ج - دولة المماليك (656 - 768 هـ).
وهذا القسم الثالث من "البداية والنهاية" من أوسع الأقسام زمنًا، وأعظمها حجمًا، وأغزرها مادة، مليء بالحوادث والحروب الخارجية والداخلية، والفتن الواقعة على المسلمين.
حفظ للمسلمين تاريخ ثمانية قرون، وما اشتملت عليه من ثقافات متنوعة من الحديث والأدب والشعر والحكمة، وخبرات العلماء وتجارب الأمم.
ويستوقفنا القرن الأول الذي جمع الحافظ ابن كثير مادته التاريخية من دواوين المحدثين وكتب التاريخ القديمة التي لم تصل إلينا مطبوعة، وآراء الحافظ ابن كثير وتعليقاته حاضرة وظاهرة تثري الموضوعات المتنوعة، وتظهر الحق وتكشف الخطل، وتحرك العواطف المعبرة عن مواقف أهل السنة والجماعة.
اتبع طريقة الحوليات، وذكر الحوادث على السنين، وكل سنة موزعة إلى قسمين، فيقول أولًا: ثم دخلت سنة كذا، ويذكر الحوادث والحروب الخارجية والفتن الداخلية، ثم يقول ثانيًا: من توفي فيها من الأعيان.
• ويلاحظ أن نظام الحوليات يقطع الحادثة عند انتهاء السنة، فلا يعرضها كاملة ومستوفاة في سنة وقوعها، كما أنه في العصر العباسي زاد اهتمامه بذكر الحوادث الطبيعية من الزلازل والأمراض والأوبئة والمجاعات، وغلاء الأسعار. ولم يسلم من ذكر الغرائب، واهتم بأخبار القضاة وتعيينهم وعزلهم منذ أيام السلطان الظاهر بيبرس (658 - 676 هـ)، وبذكر المدارس وأخبار رؤسائها ومدرسيها منذ عصر الوزير نظام الملك (456 - 485 هـ).
• ويذكر في الوفيات تراجم الأعلام والأعيان من العلماء والمحدثين والشعراء والأدباء والمؤرخين والأمراء والسلاطين والخلفاء، وكل من له أثر أو شهرة في المجتمع، وهو بهذا الذكر المطول أو المختصر ينصفهم ويحفظ ذكرهم وآثارهم، ولكنه من حيث الشكل يقطع التسلسل التاريخي ومجريات الحوادث والوقائع.
• يعتمد المصادر التاريخية التي سبقته أو عاصرته، ويختصر، ويصوغ الحوادث بالمعنى، ويُحيل إلى الأصل والمصدر تخلصًا من الإطالة والإملال، ويؤرخ عصره عن قرب ومشاهدة، ويقدم للأجيال بعده صورة صادقة عن القرن الثامن الذي عاش عمره فيه.
وجاء محتوى هذا القسم موزعًا على عشرة أجزاء، كما يلي:
3 -
القسم الثالث (تاريخ الإسلام)
• الجزء السابع (7) سنة إحدى عشرة من الهجرة - الخلفاء الراشدون - خلافة الحسن بن علي - سنة 40 هـ
• الجزء الثامن (8) خلافة معاوية - سنة 41 هـ: سنة 65 هـ - ترجمة مروان بن الحكم
• الجزء التاسع (9) خلافة عبد الملك بن مروان - وفيات سنة 65 هـ: وفيات سنة 100 هـ
• الجزء العاشر (10) دخلت سنة 101 هـ: وفيات سنة 200 هـ.
• الجزء الحادي عشر (11) دخلت سنة 201 هـ: وفيات سنة 300 هـ.
• الجزء الثاني عشر (12) دخلت سنة 301 هـ: وفيات سنة 400 هـ.
• الجزء الثالث عشر (13) دخلت سنة 401 هـ: وفيات سنة 500 هـ.
• الجزء الرابع عشر (14) دخلت سنة 501 هـ: وفيات سنة 600 هـ.
• الجزء الخامس عشر (15) دخلت سنة 601 هـ: وفيات سنة 700 هـ.
• الجزء السادس عشر (16) دخلت سنة 701 هـ: وفيات سنة 768 هـ.
وقد شاع بين بعض الباحثين أنَّ تاريخ ابن كثير ينتهي عند سنة 738 هـ بسبب إشارة للمؤلف في السنة نصها: "كان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة إحدى وخمسين وسبعمئة"، وهي إشارة إلى انتقائه من تاريخ شيخه علم الدين البِرْزالي الذي انتهى إلى هذه السنة، ذلك أن عمدة ابن كثير في المدة 665 - 738 هـ كانت على ما انتقاه من هذا التاريخ الذي ذيّل به مؤلفه على تاريخ أبي شامة وسماه "المقتفي لتاريخ أبي شامة".
والحق الذي لا مراء فيه أن ابن كثير ظل يكتب الحوادث والوفيات في تاريخه إلى شهر وفاته
شعبان سنة 774 هـ، وحينما كف بصره في أخريات أيامه كان يملي على ولده عبد الرحمن، وأدلة ذلك صريحة ناصعة الدلالة من أبرزها:
1 -
ظهور ذاتية المؤلف في كثير من الحوادث والتراجم لما بعد سنة 738 هـ وتصريح المؤلف باسمه.
2 -
تصريح العلماء الذين جاؤوا بعده واستفادوا من كتابه بالنقل منه في عشرات المواضع، لاسيما المقريزي، وابن حجر، والسخاوي.
3 -
تصريح العلماء الثقات بأن ابن كثير أملى من تاريخه إلى شهر وفاته وهو شعبان من سنة 774، قال السخاوي في حوادث سنة 774 من كتابه "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام":"وفي أثناء شعبانها انتهى تاريخ العماد ابن كثير، وكان من حين ضرره وضَعْفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن"، فهذا نص قاطع لا يحتاج إلى مزيد بيان، ولا يشك عاقل بأن السخاوي كان قد اطلع على نسخة من "البداية" إلى هذا التاريخ، بدلالة نقله منه في سنتي 773 و 774 هـ، فضلًا عن نصوص أخرى ذكرها المؤرخون أمثال الحافظ ابن حجر وغيره.
على أنَّ الذي وصل إلينا إلى سنة 668 هـ، وقد تلاعب في هذا القسم النساخ والتلاميذ. فأضافوا إليه أشياء من عندهم، فعسى أن نقف في قابل الأيام على نسخ أكثر دقة وإتقانًا لهذا القسم منه، لكن المحقق والمراجع بذلا جهدًا في تصفيته.
4 - النهاية (ذكر الآخرة وأحوالها.
.):
وفي هذا القسم الأخير من "البداية والنهاية" يجد ابن كثير تفسه من جديد، وتسعفه صفة الحافظ المحدث الجهبذ في ختم الكتاب بالنهاية، حيث يسرد أهم أحاديث الفتن والملاحم، وأشراط الساعة، ونهاية الدنيا، وينتقل بعدها إلى استعراض حوادث الآخرة، من النفخ في الصور مرتين، مرة لقيام الساعة ومرة للبعث والنشور، وما يجري في عرصات القيامة من أهوال، وحساب، وميزان، وصحف، وصراط، وجنة أو نار.
وما أعظمها من نهاية مكملة للدنيا موفية لها، اعتقدها الحافظ ابن كثير بكل جوارحه، ويعتقدها كل مؤمن صادق، ويشعر ببرد اليقين عندما يتحقق الوعد الحق للمؤمنين الأخيار، والوعيد الصادق للكفار الأشرار، ويتنعم الأتقياء الأنقياء في جنة اللَّه الخالدة، ويتقلب الضالون الخاطئون في نار جهنم خالدين فيها أبدًا.
وإذا رجحت شخصية ابن كثير المفسر في مبدأ الخليقة، فإن شخصية المحدث هي الراجحة والظاهرة في النهاية، حيث النصوص الحديثية متلاحقة ومتواصلة، ومع ذلك فإن العلامة ابن كثير لا تغيب عنه النصوص القرآنية، بل هو يستحضرها، ويوظفها في المشهد الأخروي المعروض،
وبخاصة في مشاهد يوم القيامة، وختامها بالمصير إلى الجنة وصفاتها الربانية المحببة، أو النار وصفاتها الإلهية المرعبة.
ويشير ابن كثير إلى هذا القسم الأخير في المقدمة فيقول: "ونذكر الفتن والملاحم، وأشراط الساعة، ثم البعث والنشور، وأهوال القيامة، ثم صفة ذلك، وما في ذلك اليوم، وما يقع فيه من الأمور الهائلة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنان، وما فيها من الخيرات الحسان، وغير ذلك وما يتعلَّق به، وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة، والأخبار المنقولة والمقبولة عند العلماء وورثة الأنبياء الآخذين من مشكاة النبوة المصطفوية المحمدية، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام"
(1)
.
وجاء محتوى هذا القسم في الطبعة الجديدة كما يلي:
4 -
القسم الرابع (النهاية)
• الجزء السابع عشر (17): الفتن والملاحم - أشراط الساعة - النفخ في الصور - أهوال يوم القيامة - صفة الجنة - صفة النار.
(1)
البداية والنهاية (1/ 8).
ثانيًا: منهج الكتاب:
إن المتتبع لكتاب "البداية والنهاية" ابتداء بمقدمة المؤلف وانتهاء بالخاتمة في الجزء السابع عشر؛ لا يجد منهجًا واحدًا قد التزمه المؤلف، سوى موضوع واحد هو "الإسرائيليات". وعذره في عدم تحديد معالم منهجه ضخامة الكتاب، وتعدد موضوعاته، وكثرة مصادره، وامتداد أزمنته وتعاقب قرونه.
- ففي القسم الأول (مبدأ الخلق وقصص الأنبياء) كان منهجه جمع الروايات من كتب التفسير والحديث، واختيار ما يتفق مع ثقافته النقدية العالية في علم مصطلح الحديث وتراجم الرجال، واستبعاد ما يتعارض مع الكتاب والسنة من الإسرائيليات وغيرها من الأخبار الضعيفة والمتهافتة.
- وفي القسم الثاني (السيرة النبوية، والخلفاء الراشدون) كان منهجه الاعتماد على رواة السيرة الأوائل، وما سجَّله ابن إسحاق والطبري وغيرهما، ولكنه بقيت شخصيته في الاختيار والنقد ظاهرة، يدرس الأسانيد، ويتكلم على الرواة جرحًا وتعديلًا، ولا يهمل المتن
(1)
إذا ظهرت عليه علائم الغرابة والنكارة.
- أما القسم الثالث (التاريخ الإسلامي العام) فهو مشتمل على عشرة أجزاء، ومجموعة كتب ومصادر، فلا عجب أن نجد تعددًا في المناهج واختلافًا في اللغة، وتباينًا في الاختصار والتطويل، والتقديم والتأخير.
وفي القسم الرابع (ذكر الآخرة وأحوالها) يعود حشد الروايات الحديثية، ونقدها وتمحيصها، واختيار الصحيح والحسن، وبيان الضعيف منها، وتظهر شخصية الحافظ ابن كثير محدثًا أولًا ومفسِّرًا ثانيًا، وعالمًا مستحضرًا للكتب المتقدمة في علوم التفسير والحديث.
ونستطيع بعد التفحص الدقيق لهذه الأقسام وموضوعاتها أن نستنتج النقاط المنهجية التالية مع أمثلتها:
1 -
الإسرائيليات: وهذا الموضوع هو الشرط الوحيد الذي اشترطه، والمنهج الوحيد الذي رسمه
(2)
، وأوضحه في المقدمة وخلال الجزء الأول والثاني من الكتاب، بل والتزم به إلى حدٍّ بعيد، فقال في المقدمة:
(1)
انظر البداية والنهاية (4/ 450) وكيف أثبت أن الكتاب بإسقاط الجزية عن اليهود مزورٌ وباطلٌ.
(2)
قال الندوي في كتابه "الإمام ابن كثير"(ص: 315): شغل ابن كثير موضوع الإسرائيليات فنسي في بيان منهجه ذكر سواها. . ".
"ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله، مما لا يخالف كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القسم الذي لا يُصدَّق ولا يكذَّب. . "
(1)
.
وقال في باب ما جاء في سبع أرضين: "وهكذا الأثر المروي عن ابن عباس أنه قال: في كل أرض من الخلق مثل ما في هذه، حتى آدم كآدمكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، فهذا ذكره ابن جرير مختصرًا، واستقصاه البيهقي في "الأسماء والصفات"، وهو محمولٌ إنْ صحَّ نقله عنه، على أنه أخذه ابن عباس عن الإسرائيليات، واللَّه أعلم"
(2)
.
وقال في باب ذكر ما يتعلق بخلق السماوات: "وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن الزهرة كانت امرأة فراوداها عن نفسها، فأبت إلا أن يعلِّماها الاسم الأعظم، فعلَّماها، فقالته، فرُفعت كوكبًا إلى السماء، فهذا من وضع الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار"
(3)
.
ورغم ذلك فإن ابن كثير رحمه الله لم يسلم من إيراد بعض الإسرائيليات المحتوية على مبالغات وخرافات، وتناقض مع القرآن والسنة، وقد حمله على إيرادها شهوة الجمع، ودافع التقليد لمن سبقه من المؤلفين.
2 -
ذكر المصدر: الذي يستقي منه أخباره، وهذه أمانة علمية، وقد سمعنا من شيوخنا رحمهم الله أن بركة العلم في أمانة النقل وصدق العزو. فالحافظ ابن كثير يختصر بعض المعارك ويشير إليها موسعة في ابن جرير الطبري
(4)
، ويرد المنتظم لابن الجوزي، ويضرح بذلك في مواضع متعدد
(5)
ويرد الكامل
(6)
لابن الأثير ويصرح بذلك أيضًا.
3 -
النقد: لأصحاب الكتب من الكبار، وهذا النقد يدل على شخصية مستقلة، وعقل حز، وعدم السكوت عن إظهار الحق. فنراه يُظهر رأيه في المختار الثقفي، ونقده للطبري
(7)
في شأنه، وينتقد ابن خلكا
(8)
بمرارة لموقفه المريب من ابن الراوندي الزنديق، كما ينتقد شيخه الذهبي
(9)
في اغتراره بصاحب العقد الفريد.
(1)
البداية والنهاية (1/ 8).
(2)
المصدر السابق (1/ 39).
(3)
المصدر السابق (1/ 63).
(4)
المصدر السابق (7/ 92).
(5)
المصدر السابق (11/ 325).
(6)
البداية والنهاية (12/ 150).
(7)
المصدر السابق (9/ 24).
(8)
المصدر السابق (11/ 406).
(9)
المصدر السابق (10/ 236).
4 -
الفقه: ويدلُّ على تعدد جوانب ثقافته، ولم نتوقف عند بروز خبراته المدهشة في علوم التفسير والحديث، فهذه طبيعية في مقدمات الكتاب ونهايته، أما أن تطغى شخصية العالم الفقيه على المؤرخ، فهذا منهج خاص يستحق التسجيل، والتمثيل. وينظر في ذلك تحقيقه في من ولي تزويج أم سلمة رضي الله عنها
(1)
، وتحقيقه حكم أكل لحوم الحمر الأهليه
(2)
، وبيان حكم نكاح المتعه
(3)
.
5 -
التاريخ الحولي: والحول السنة؛ اعتبارًا بانقلابها، ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها؛ قال اللَّه تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وقال سبحانه:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240].
وأسلوب التاريخ الحولي ظهر عند المؤخين المسلمين منذ مدة مبكرة، في المئة الثانية للهجرة، وهذا يعني أنه ظهر في أوليات التدوين التاريخي، فقد ذُكِرَ أنَّ الهيثم بن عدي المتوفى سنة 207 هـ قد ألَّف تاريخًا على السنين
(4)
، وألف ابن سعد كاتب الواقدي، المتوفى سنة 230 هـ تاريخًا على السنين أيضًا
(5)
، ووصل إلينا تاريخ خليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ
(6)
.
والتاريخ الحولي المرتب على السنين مرتبط بتاريخ الهجرة النبوية، ولذلك فإن التأثيرات الأجنبية فيه تكاد أن تكون معدومة، ومن ثم فهو مما اهتمَّ به المؤرخون المسلمون.
وكانت التواريخ الحولية الأولى، ومن أعظمها تاريخ الطبري المتوفى سنة 310 هـ، تعنى بالحوادث التاريخية بالدرجة الأولى، وقلما أعطت أهمية كبيرة ومتميزة للتراجم. وقد ظهر تحوّل واضح منذ القرن السادس الهجري في هذا النمط من الكتب التاريخية لاسيما عند المؤرخين المحدِّثين حيث زاد اهتمامهم بذكر التراجم، ويبدو ذلك واضحًا في كتاب "المنتظم" لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ حيث أدخل تقسيمًا واضحًا بين الحوادث والوفيات، فجعل التراجم تعقب حوادث كل سنة. وقد ظلت هذه الطريقة تؤثر في أطر الصور الحولية للمؤلفات التاريخية التي جاءت بعده، ومنها كتاب البداية لابن كثير
(7)
.
6 -
الوفيات: ويضعها في نهاية كل سنة تحت عنوان: "من توفي في هذه السنة" وقد يطيل
(1)
البداية والنهاية (4/ 278).
(2)
المصدر السابق (4/ 410).
(3)
المصدر السابق (4/ 412).
(4)
ياقوت: معجم الأدباء (6/ 2792)(بتحقيق العلامة إحسان عباس).
(5)
تنظر مقدمة الدكتور بشار عواد معروف لتاريخ مدينة السلام (1/ 108 - 109) ففيها تفصيل.
(6)
حققه الدكتور أكرم العمري ونشر غير مرة.
(7)
تنظر تفاصيل ذلك في كتاب الدكتور بشار عواد معروف: الذهبي ومنهجه (ص 303) فما بعد (القاهرة 1976 م).
في الترجمة، وقد يختصر، متبعًا في ذلك المصدر الذي يعتمد عليه، وقد خالف الترتيب في الجزء الأخير من تاريخه، فأصبح بدءًا من سنة (738) يذكر الوفيات مع الحوادث.
ولئن انتقد ابن خلكان
(1)
بإطالة تراجم الشعراء واختصار تراجم العلماء؛ فإنه لم يسلم المحذور، وقد أطال في ترجمة الفرزدق
(2)
وأبي نواس
(3)
، وغيرهما من الشعراء.
7 -
قوة الشخصية وظهورها: عند نهاية كل رواية، يناقش ابن كثير ويرجح، أو يحيل إلى كتبه، وبخاصة في التفسير والأحكام والطبقات، ويستفيد من حفظه المتين وذاكرته القوية، ويسخر من الروايات الخرافية المكذوبة، فيثبت أن حديثًا
(4)
من أفراد البخاري يذهب إلى الإسراء والمعراج على وفاة عمه صلى الله عليه وسلم أبي طالب، وزوجه خديجة رضي الله عنها، وأن حديثًا
(5)
مكذوبًا وموضوعًا يذكر أن القمر دخل في كم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
* * *
(1)
المصدر السابق (10/ 108).
(2)
البداية والنهاية (10/ 110).
(3)
المصدر السابق (10/ 530).
(4)
المصدر السابق (3/ 349).
(5)
المصدر السابق (3/ 360).
ثالثًا: الأسلوب:
يتميز أسلوب الحافظ ابن كثير في كتاب "البداية والنهاية" عن غيره من الكتب، باختيار التعبير السهل الواضح المشوق، والبعد عن المحسنات البديعية، والزخارف اللفظية، وكل ما يتصل بالتكلف، والاحتفال بأناقة الشكل، مع الالتزام بسلامة المعنى وصحة العبارة. وهذا الاختيار للأسلوب العلمي المبسط الذي يوصل المعنى التاريخي بأوضح لفظ وأبسط تعبير، يدلُّ على سلامة الاختيار والتوفيق في تحقيقه، كما يثبت قوة المؤلف في ثقافته الأدبية وثروته اللغوية، نلمحها في البداية والنهاية أحيانًا، وتظهر في باقي كتبه -كالتفسير- بكل وضوح.
يقول ابن العماد: "يشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر"
(1)
ويقول الشرباصي: "تشغله الفكرة والمعاني عن التكلف في الأسلوب والمباني"
(2)
.
ومع التنوع الواضح في أجزاء الكتاب وأقسامه؛ تبعًا لتنوع المصادر والأمكنة والأزمنة كما أشرنا في "المنهج"، فإننا نستطيع أن نتلمس صورًا ومواقف ومشاعر لصيقة بأسلوب المؤلف وهويته، وصدق من قال: الأسلوب هو الرجل:
1 -
البعد عن تكلف السجع: وإذا سجع ورادف بين الجمل والكلمات؛ فإنه لا يطيل، وأقرب مثال على ذلك خطبة "البداية والنهاية" إذ يقول:"الحمد للَّه الأول والآخر، الباطن الظاهر، الذي هو بكل شيء عليم، الأول فليس قبله شيء، الآخر فليس بعده شيء، الظاهر فليس فوقه شيء، الباطن فليس دونه شيء، الأزليّ القديم الذي لم يزل ولا زوال، يعلم دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصمَّاء، في الليلة الظلماء. . . "
(3)
.
وحول بدعة خلق القرآن يقول: "وهذه بدعة صلعاء، شنعاء، عمياء، صمَّاء، لا مستند لها من كتاب ولا سنة، ولا عقل صحيح، ولا نقل صريح. . بل القرآن والسنة والعقل الصحيح على خلافها"
(4)
.
وحين قصد صلاح الدين الأيوبي بلاد الشام سنة (570 هـ) يقول: "وذلك حين مات سلطانها
(1)
شذرات الذهب (8/ 302).
(2)
الإمام ابن كثير؛ للندوي (ص: 323) نقلًا عن مجلة الحج.
(3)
البداية والنهاية (1/ 5).
(4)
المصدر السابق (11/ 124).
نور الدين محمود بن زنكي، وأخيف سكانها، وتضعضعت أركانها، واختلفت حكامها، وفسد نقضها وإبرامها، قصد لجمع شملها، والإحسان إلى أهلها، وأمن سهلها وجبها، ونصرة الإسلام، ودفع الطغام. . "
(1)
.
2 -
لا ينقل حرفيًا: وإنما يقرأ الواقعة في مصدره، ويصوغه بعباراته وألفاظه، ويضيف ما يجده مناسبًا من انتقاداته وتعليقاته. وعندما أراد بعضهم مقارنة ما في البداية والنهاية مع تاريخ الطبري أو غيره، ظنوا أن ابن كثير لم يرد إلى تاريخ الطبري مباشرة، وإنما أخذ مادته من مصدر آخر، وقد أخطأوا في ظنهم؛ لأنهم لم يتثبتوا من أسلوبه ومنهجه.
وأوضح مثال على ذلك ما كتبه في ترجمة الحلاج
(2)
، وما حلَّ ببغداد بعد دخول التتار من خراب ودمار
(3)
، وما كتبه من وصف دمشق وبناء مسجدها
(4)
.
3 -
عاطفته الصادقة: في حبِّ اللَّه تعالى، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة جميعًا ومن تبعهم بخير وإحسان، وكراهيته لأهل الكفر والزيغ والبطلان، وتأثره بما وقع للمسلمين من فتن واختلاف، مما أوقف الدعوة والفتوح، ورد أسلحة المسلمين إلى نحورهم، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. . ونجد هذه العاطفة الصادقة تظهر عند ارتداد جبلة بن الأيهم الغساني، ويصفه بأنه حيوان
(5)
!، كما تبدو عاطفته عارمة عند مقتل ابن الزبير، ووصفه للحجَّاج القاتل بالمبير، ولابن الزبير المقتول بأمير المؤمنين
(6)
.
وينقد بحرارة استدلال الجهمية على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، ويستشهدون بقول الأخطل:
قد استوى بشرٌ على العراق
…
من غير سيف ودمٍ مهراق
ويقول: ولا دليل فيه، والبيت للأخطل، وهو نصراني
(7)
.
ولا ريب أن الأسلوب السهل الممتنع، والخاص بالحافظ ابن كثير، والمتجلي في "البداية والنهاية"، والعاطفة الصادقة والمخلصة في الانتصار للفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة، كل ذلك جعل هذا الكتاب مباركًا ومعاصرًا في آن واحد، وكأن مؤلفه كتبه للأجيال القادمة بلغتها وأسلوبها ومشاعرها!!.
(1)
البداية والنهاية (14/ 131).
(2)
المصدر السابق (12/ 40).
(3)
المصدر السابق (10/ 338).
(4)
المصدر السابق (10/ 338).
(5)
البداية والنهاية (8/ 90).
(6)
المصدر السابق (8/ 105 و 108 و 109).
(7)
المصدر السابق (9/ 138).
رابعًا: الموارد والمصادر:
عني المؤرخ ابن كثير بجميع المصادر القديمة المتوافرة بين يديه في القرن الثامن الهجري، وجمع في تاريخه بين أنواع العلوم الإسلامية المتعددة، وموارده الأساس القرآن الكريم، وكتب التفاسير القديمة، وكتب الحديث، وكتب التراجم، وكتب المغازي والسِّير والتاريخ. مما يدل على تبحر وسعة اطلاع، وسلامة منهج، وقيمة أفكار وموضوعات، وقد أحسن ابن كثير رحمه الله وأجاد، وأتى بالمراد، وعرَّفنا على كتب أمهات، وبعضها لم يصلنا حتى الآن.
على أننا ينبغي أن نشير إلى أن الحافظ ابن كثير كان يتتبع المصادر الأصلية المعاصرة فيختصرها، وربما يقتصر عليها في كثير من الأحيان، من نحو عنايته البالغة بالنقل من تاريخ الطبري، والمنتظم لابن الجوزي لاسيما في المدة التي عاصرها، ثم بعده على تاريخ مؤرخ العراق تاج الدين ابن الساعي المتوفى سنة 674 هـ، وتاريخ شيخه البرزالي الذي كاد أن يقتصر عليه في المدة التي تناولها 665 - 738 هـ ونحو ذلك.
وكان من المعروف بين كثير من المؤرخين المسلمين عند النقل من مصدر معين أن ينقل مصادره أيضًا، فيصبح من العسير في بعض الأحيان معرفة المصادر الحقيقية التي اطلع عليها المؤلف.
ومع كل ذلك فإننا سنحاول في هذه المقدمة المختصرة المعتصرة أن نضع بين يدي القارئ أسماء هذه الموارد
(1)
والمصادر، وأسماء مؤلفيها، وقد فسَّمناها إلى مواضيع موحدة، ورتبناها حسب أهميتها، وورود المؤلف إليها:
أ- كتب التفسير:
1 -
تفسير ابن جرير الطبري (ت 310 هـ).
2 -
تفسير ابن أبي حاتم (ت 327 هـ).
3 -
تفسير السدي الكبير (ت 127 هـ).
4 -
تفسير عبد الرزاق (ت 211 هـ).
5 -
تفسير ابن مردويه (ت 410 هـ).
6 -
تفسير شجاع بن مخلد (ت 355 هـ).
7 -
تفسير محمد بن الحسن النقاش (ت 315 هـ).
8 -
التعريف والإعلام؛ للسهيلي (ت 581 هـ).
9 -
تفسير القاضي بن سعيد البلوطي (ت 355 هـ).
10 -
تفسير ابن عطية (ت 383 هـ).
11 -
تفسير أبي عيسى الروياني (ت 384 هـ).
12 -
تفسير القاضي الماوردي (ت 450 هـ).
13 -
تفسير فخر الدين الرازي (ت 606 هـ).
14 -
تفسير القرطبي (ت 671 هـ).
(1)
انظر هذه الموارد مفصَّلة مع بيان أماكن ورود ابن كثير عليها في كتاب "الإمام ابن كثير" للندوي (ص: 160) وما بعدها.
ب- الكتب السماوية:
1 -
ترجمة التوراة.
2 -
ترجمة الإنجيل.
ولم يعتمدها ابن كثير مصادرًا لأخباره، وإنما أوردها ليثبت ما طرأ عليها من تحريف وتبديل.
ج- كتب الحديث ورجاله:
1 -
الموطأ، للإمام مالك (ت 179 هـ).
2 -
مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ).
3 -
صحيح الإمام البخاري (ت 256 هـ).
4 -
صحيح الإمام مسلم (ت 261 هـ).
5 -
المستدرك للحاكم (ت 405 هـ).
6 -
صحيح ابن خزيمة (ت 311 هـ).
7 -
سنن أبي داود (ت 275 هـ).
8 -
سنن ابن ماجه (ت 273 هـ).
9 -
سنن النسائي (ت 303 هـ).
10 -
سنن الدارقطني (ت 385 هـ).
11 -
الجامع الكبير؛ للترمذي (ت 279 هـ).
12 -
مسند أبي داود الطيالسي (ت 204 هـ).
13 -
مسند الإمام الشافعي (ت 204 هـ).
14 -
مسند أبي يعلى الموصلي (ت 307 هـ).
15 -
مصنف ابن أبي شيبة (ت 235 هـ).
16 -
معجم الطبراني الكبير (ت 360 هـ).
17 -
معجم الصحابة؛ للبغوي (ت 317 هـ).
18 -
الكامل؛ لابن عدي (ت 365 هـ).
19 -
أسد الغابة؛ لابن الأثير (ت 630 هـ).
20 -
الاستيعاب؛ لابن عبد البر (ت 463 هـ).
21 -
شرح مشكل الآثار، للطحاوي (ت 321 هـ).
22 -
الموضوعات؛ لابن الجوزي (ت 597 هـ).
23 -
تهذيب الكمال؛ لأبي الحجاج المزي (ت 742 هـ).
24 -
ميزان الاعتدال؛ للذهبي (ت 748 هـ).
د- كتب السير والمغازي:
1 -
سيرة ابن إسحاق
(1)
(ت 151 هـ).
2 -
مغازي موسى بن عقبة (ت 141 هـ).
3 -
سيرة ابن هشام (ت 218 هـ).
40 -
الروض الأُنف؛ للسهيلي (ت 581 هـ).
5 -
مغازي الواقدي (ت 207 هـ).
6 -
مغازي محمد بن عائذ (ت 233 هـ).
7 -
طبقات ابن سعد (ت 230 هـ).
8 -
مغازي الأموي (ت 249 هـ).
هـ- كتب الدلائل:
1 -
دلائل النبوة؛ للبيهقي (ت 458 هـ).
2 -
دلائل النبوة، لأبي نعيم (ت 430 هـ).
3 -
دلائل النبوة؛ لابن حامد (ت 403 هـ).
4 -
دلائل النبوة؛ لأبي زرعة (ت 264 هـ).
5 -
دلائلة النبوة؛ لابن شاهين (ت 385 هـ).
6 -
المبعث؛ لهشام بن عمار (ت 245 هـ).
(1)
من المرجح أن ابن كثير رحمه الله رجع إلى روايات متعددة لسيرة ابن إسحاق، سواء من طريق مباشر أم بالواسطة، ولا سيما روايات: البكائي -وهي التي اختصرها ابن هشام- أو يونس بن بكير، أو سلمة بن الفضل الأبرش وغيرهم.
7 -
الفتن والملاحم؛ لابن عماد الخزاعي (ت 248 هـ).
8 -
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح؛ لابن تيمية (ت 728 هـ).
و- كتب التاريخ الإسلامي:
1 -
تاريخ الطبري (ت 310 هـ).
2 -
تاريخ دمشق؛ لابن عساكر (ت 571 هـ).
3 -
تاريخ الإسلام؛ للذهبي (ت 748 هـ).
4 -
سير أعلام النبلاء، للذهبي (ت 748 هـ).
5 -
المنتظم؛ لابن الجوزي (ت 597 هـ).
6 -
الكامل؛ لابن الأثير (ت 630 هـ).
7 -
مرآة الزمان، لسبط ابن الجوزي (ت 654 هـ).
8 -
كتاب الروضتين؛ لأبي شامة (ت 665 هـ).
9 -
البرق الشامي؛ للعماد الأصفهاني (ت 597 هـ).
10 -
الجامع المختصر؛ لابن الساعي (ت 674 هـ).
11 -
تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي (ت 463 هـ).
12 -
وفيات الأعيان؛ لابن خلكان (ت 681 هـ).
13 -
ذيل الروضتين؛ لأبي شامة (ت 665 هـ).
14 -
ذيل مرآة الزمان، لليونيني (ت 729 هـ).
15 -
المقتفى لتاريخ أبي شامة؛ لِلبِرزالي (ت 739 هـ).
خامسًا: طبعات البداية والنهاية:
أ - البداية، ويهمنا الطبعات المشهورة وهي:
1 -
الطبعة التي أنفقت عليها مطبعة السعادة، والمطبعة السلفية، ومكتبة الخانجي، وطُبعت في مطبعة السعادة بالقاهرة، نقلًا عن مخطوطة المدرسة الأحمدية بمدينة حلب من الجمهورية العربية السورية - عام 1351 هـ - 1932 م في 14 مجلدًا بدون النهاية. وهي أقدم الطبعات.
2 -
طبعة المعارف ببيروت، بالاشتراك مع مكتبة النصر بالرياض عام 1386 هـ - 1966 م في 14 جزءًا ضمن 7 مجلدات، بدون النهاية، وأُعيدت تصويرًا سنوات متعددة.
3 -
طبعة دار هجر، مكتوب على غلافها: تحقيق الدكتور عبد اللَّه المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية في دار هجر بالقاهرة عام 1417 هـ - 1997 م في 21 مجلدًا مع النهاية. وهي مقابلة على عدد من النسخ المخطوطة.
ب- أما طبعات النهاية (الفتن والملاحم) فهي:
1 -
طبعة دار الكتب الحديثة بالقاهرة - بتحقيق الدكتور طه محمد الزيني - عام 1389 هـ - 1969 م في جزأين.
2 -
طبعة مكتبة النصر الحديثة بالرياض، بتحقيق محمد فهيم أبو عيبة عام 1387 هـ - 1968 م في ثلاثة أجزاء.
3 -
طبعة دار الإفتاء بالرياض، قام بنشرها الشيخ إسماعيل الأنصاري عام 1388 هـ - 1969 م في جزأين.
(4) ثبت بأجزاء كتاب "البداية والنهاية" وأسماء المحققين لها
الرقم. . . اسم المحقق. . . رقم الجزء
1 -
د. محيي الدين ديب مستو. . . الأول
2 -
د. علي أبو زيد أبو زيد. . . الثاني
3 -
مأمون محمد سعيد صاغرجي. . . الثالث
4 -
محمود عبد القادر الأرناؤوط. . . الرابع
5 -
د. رياض عبد الحميد مراد. . . الخامس
6 -
د. محيي الدين ديب مستو. . . السادس
7 -
د. رياض عبد الحميد ومحمد حسان عبيد. . . السابع
8 -
أكرم عبد اللطيف البوشي. . . الثامن
9 -
محمد حسان عبيد. . . التاسع
10 -
مأمون محمد سعيد صاغرجي. . . العاشر
11 -
ياسين محمد السواس. . . الحادي عشر
12 -
إبراهيم عمر الزيبق. . . الثاني عشر
13 -
صلاح محمد الخيمي رحمه الله. . . الثالث عشر
14 -
د. رياض عبد الحميد مراد. . . الرابع عشر
15 -
د. رياض عبد الحميد مراد ومحمد حسان عبيد. . . الخامس عشر
16 -
حسن إسماعيل مروة. . . السادس عشر
17 -
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله. . . السابع عشر
18 -
محمود عبد القادر الأرناؤوط. . . الفهارس - الجزء الأول
19 -
أكرم عبد اللطيف البوشي. . . الفهارس - الجزء الثاني
20 -
د. رياض عبد الحميد مراد. . . الفهارس - الجزء الثالث
* * *
(5) وصف النسخ المخطوطة ونماذج من صورها
أولًا - النسخة الأحمدية:
ورُمز لها بحرف "أ"، وهي نسخة الأحمدية بمدينة حلب المحمية رقم (1217)، والمحفوظة الآن بمكتبة الأسد الوطنية في دمشق الفيحاء باسم "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير، وتقع في عشرة أجزاء:
1 -
الجزء الأول: (292) ق - قياس 30 × 21.5 سم في كل صفحة (29) سطرًا، الرقم: 14508.
2 -
الجزء الثاني: (250) ق - قياس 31 × 21.5 سم في كل صفحة (25) سطرًا، الرقم: 14508.
3 و 4 - الجزء الثالث والرابع: (556) ق- قياس 24.5 × 15 سم في كل صفحة (23) سطرًا، الرقم: 14510.
5 -
الجزء الخامس: (178) ق - قياس 27 × 18 سم في كل صفحة (29) سطرًا، الرقم:14511.
6 -
الجزء السادس: (239) ق - قياس 27 × 18 سم في كل صفحة (25) سطرًا، الرقم:14512.
7 -
الجزء السابع: (224) ق - قياس 27 × 18 سم في كل صفحة (23) سطرًا، الرقم:1453.
8 -
الجزء الثامن: (283) ق - قياس 27 × 18 سم في كل صفحة (25) سطرًا، الرقم:14514.
9 -
الجزء التاسع: (356) ق- قياس 27 × 18 سم في كل صفحة (27) سطرًا، الرقم:14515.
10 -
الجزء العاشر: (283) ق- قياس 29 × 9.5 اسم في كل صفحة (27) سطرًا، ضمن مجموع، الرقم: 14516.
النهاية في الفتن والملاحم: (285 - 466) ق - من المخطوط رقم: 14516 ت 1 - قياس 29.5 × 19.5 سم في كل صفحة (26) سطرًا.
وتنتهي البداية في النسخة الأحمدية بوفيات سنة 738 هـ.
والنسخة الأحمدية كاملة إلى سنة 738 هـ ومصححة، كتبت العناوين ورؤوس الفقرات بالحمرة، الخط: نسخ معتاد، لم نجد اسم الناسخ، أو تاريخ النسخ.
الغلاف - مزخرف - وفي الصفحة الأولى من الجزء الأول تملكات في سنة 874 هـ وسنة 923 هـ، وتملكات وقراءات غير مؤرخة.
* * *
ثانيًا - نسخة برلين:
ورُمز لها بحرف "ب" وهي نسخة محفوظة فى مكتبة برلين الوطنية، تبدأ بصفحة عليها تملكات، والصفحة الثانية فيها عنوان الكتاب هكذا: الجزء الأول من البداية والنهاية، للحافظ العلامة الكبير، عماد الدين، أبي الفداء، إسماعيل بن كثير رحمه الله فهرست ما في هذا المجلد. .
وعلى يمين الصفحة ثلاثة أبيات في مدح التاريخ قرأها الناسخ بخط العلامة شمس الدين السخاوي، نقلًا عن سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، من قول القاضي الأردالي [الطويل]:
إذا علمَ الإنسانُ أخبارَ ما مضى
…
توهمتَه قد عاشَ من أوّلِ الدهرِ
وتحسبُه قد عاشَ أخرَ عمرِه
…
إذا كان قد أبقى الجميلَ مِنَ الذكرِ
قد عاشَ كلَّ الدَّهرِ مَنْ كان عالِمًا
…
حليمًا كريمًا واغتنم أطول العمرِ
وهي نسخة تبدأ بأوائل الجزء الأول، وتنتهي بوفيات سنة 738 هـ، وبهامشها تعليقات، وكتبت العناوين ورؤوس الفقرات بلون مغاير، وخطها نسخي قديم، (780) ق - قياس 20 × 13 سم في كل صفحة (30) سطرًا، كتبها محمد بن سلطان بن سعيد البعلي الحنبلي -عفا اللَّه عنه بمنه وكرمه- ولم نجد تاريخ النسخ.
* * *
ثالثًا - نسخة الظاهرية:
ورُمز لها بحرف "ظ"، وهي نسخة المكتبة الظاهرية سابقًا، ومحفوظة بمكتبة الأسد الوطنية، في دمشق المحمية، برقم:6797.
وهي نسخة ناقصة، تحتوي على (154) ق- قياس 31 × 20 سم في كل صفحة من (31) إلى (33) سطرًا، ومؤطرة بالأحمر والأصفر والأسود، وكتبت السنون بالمداد الأحمر. كتبها حبيب اللَّه بن قمر الدين، وتاريخ نسخها 1181 هـ، وخطها نسخي جيد. .
تبدأ بقول المؤلف: عبد اللَّه بن علي "وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبيد اللَّه بن الحسن الأعرج عن ولد جعفر بن أبي طالب" وتنتهي: قال يا هذا شققت عليَّ وضيقت عليها، ولكن اذهب فتصدَّق بها. آخر المجلد، والحمد للَّه وحده. الغلاف -مزخرف بالذهب- متأثرة بالرطوبة، مما أدَّى إلى اهتراء أطرافها، تملكها: أحمد بن إبراهيم بن نصر سنة 1227 هـ.
* * *
رابعًا: نسخة الرباط
وهو مجلد عشر عليه الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف في الخزانة الملكية بالرباط، يبدأ من خلافة الحسن وينتهي بانتهاء الخلافة الأموية، وكان يُظن أنه مجلد من تاريخ الإسلام. وقد أفاد منه الدكتور بشار عند مراجعة هذا الكتاب.
* * *
صورة الصفحة الأولى من الجزء الأول نسخة (أ) الأحمدية
صورة الصفحة الثانية من الجزء الأول نسخة (أ) الأحمدية
صورة الصفحة الأخيرة من الجزء العاشر نسخة (أ) الأحمدية
صورة الصفحة الأخيرة من النهاية في الفتن والملاحم نسخة (أ) الأحمدية
صورة الصفحة الأولى من الجزء الأول نسخة (ب) برلين
صورة الصفحة الثانية من الجزء الأول نسخة (ب) برلين
صورة الصفحة الأخيرة نسخة (ب) برلين
صورة الصفحة رقم (56) نسخة (ظ) الظاهرية