المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للهِ حمداً طيباً مباركاً فيه؛ كما - شرح غرامي صحيح - ابن عبد الهادي - ت الحفيان

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للهِ حمداً طيباً مباركاً فيه؛ كما يحبُّ رَبُّنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وآله وصحبه، ومَن بِسُنَّتِهِ اهتدى، وبأثره اقتفى.

أما بعد:

فهذا شرحٌ مختصرٌ لَطيفٌ؛ لمنظومة ابن فَرْح الإِشبيلي «غرامي صحيح» للإِمام، الحافظ، شمس الدين، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الهادي، المقدسي، الحنبلي، المُتوفَّى سنة (744 هـ) رحمه الله تعالى.

وقصيدةُ ابنِ فَرْح المعنيةُ بالشرح؛ قصيدةٌ عذبةُ المعاني، بديعةُ المباني، فريدةٌ في بابها. صَاغ مؤلِّفُها فيها أكثرَ أنواع علوم الحديث في قالب غزلي رقيق؛ بأسلوبٍ سلس بديع.

ومِن ثَمَّ؛ لاقت إِقبالاً ورواجاً في أوساط العُلماء وطَلَبة العِلم، ووقعتْ منهم موقعاً حسناً.

قال تاجُ الدين السُّبكي: وهذه القصيدة بليغةٌ جامعةٌ لغالب أنواع الحديث.

قال ابنُ ناصر الدين: .. لقد حفِظَها جماعةٌ؛ وعلى فهمها عوَّلوا.

لذا؛ نالت نصيباً وافراً من العِناية والاهتمام؛ مِنْ لدن عصر المؤلِّفِ رحمه الله إِلى عصرنا هذا. فَرُويت، وعُورضت، وحُفظت، وشُرحت شروحاً كثيرة؛ بين مقلٍّ ومستكثر، ومُسهب وموجز.

ص: 5

وأنا أُشيرُ إِلى ما تيسَّر الوقوفُ عليه مِنْ شروحها؛ للدّلالة على عنايتهم بها ومكانتها عندهم

(1)

:

1 -

شرح لشمس الدين، محمد بن أحمد بن عبد الهادي، المقدسي، الحنبلي، المُتوفَّى سنة (744 هـ) وهو الشرح الذي نحن بصدد تحقيقه ونشره. ولا أعلم أنه قد طُبع مِنْ قبلُ؛ إلا ما كان من المستشرق (ريخ) حيث نشر أجزاءً من هذا الشرح في غُضون تعليقه على شرح ابن جماعة «زوال التَّرَح» في «ليدن» عام (1885 م)

(2)

، ولم أقف على عمله ذاك.

2 -

شرح لصلاح الدين، خليل بن أيبك الصَّفدي المُتوفَّى سنة (764 هـ).

3 -

شرح لأبي العباس، أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، القسنطيني، المُتوفَّى سنة (810 هـ).

(1)

انظر: «أعيان العصر» للصفدي (1/ 311)، «الرسالة المستطرفة» (1/ 18). «كشف الظنون» (2/ 1865، 1329)، «الأعلام» للزركلي (1/ 195).

(2)

دائرة المعارف الإِسلامية (1/ 250) وتجدر الإشارة إِلى أنَّ صنيعه هذا قد أوقع عدداً ممن حقَّق بعضَ كتب ابن عبد الهادي أو فهرسها في المكتبات العامة في الوهم واللبْس، فسَمَّوا شرحه هذا «زوال التَّرَح» ثم تناقلوا هذا الخطأ وتواردوا عليه.

علماً أنني لم أقف على أحدٍ ممن ترجم لابن عبد الهادي من المتقدمين ذكر أن له رسالة تسمى «زوال التَّرَح» . وبين يدي تسع مخطوطات لشرحه المذكور؛ تنتمي لعصور وأرومات مختلفة، منها مخطوطتان نفيستان قديمتان، وقريبتا العهد مِنْ المؤلف، وبخطوط علماء لهم اختصاص بابن عبد الهادي ومدرسته، لم أجد في أيٍّ منها تسمية هذه الرسالة بـ «زوال التَّرَح» . والله أعلم.

ص: 6

4 -

«زوال التَّرَح شرح منظومة ابن فَرَح» لعز الدين، محمد بن شرف الدين بن عبد العزيز بن جَماعة، المُتوفَّى سنة (819 هـ). وشرحُه هذا طُبع عام (1412 هـ) بتحقيق فهد بن قابل الأحمدي جزاه الله خيراً.

وقيل: إِنْ لابن جماعة ثلاثة شروح لمنظومة ابن فرح؛ هذا أحدها.

5 -

شرح للحافظ قاسم بن قُطْلُوبُغا الحنفي، المُتوفَّى سنة (879 هـ).

6 -

«البهجة السنيَّة في حَلِّ الإِشارات السنيَّة» لمحمد بن إِبراهيم بن خليل التتائي المالكي، المُتوفَّى سنة (937 هـ).

7 -

شرح لشمس الدين، أبي الفضل، محمد بن محمد بن محمد العُثماني الشافعي المُتوفَّى سنة (947 هـ).

8 -

شرح ليحيى بن عبد الرحمن القَرافي، فرغ منه (962 هـ).

9 -

«المُقتَرَح في شرح أبيات ابن فَرَح» لعمر بن عبد الله الفاسي، المُتوفَّى سنة (1188 هـ).

10 -

شرح لمحمد بن محمد الأمير الكبير، المتوفَّى سنة (1232 هـ).

11 -

شرح لبدر الدين الحسني، المُتوفَّى سنة (1354 هـ).

ص: 7

‌ترجمة ابن فَرْح الإِشبيلي

(1)

هو الإِمامُ، الحافظُ، الزاهدُ، شهابُ الدِّين، أبو العباس، أحمدُ بن فَرْح

(2)

بن أحمد بن محمد اللخمي، الإِشبيلي، نزيل دمشق، الشافعي.

(1)

انظر ترجمته في: «تاريخ الإِسلام» للذهبي (52/ 383)، «طبقات الشافعية» للسُّبكي (8/ 26)، «الوافي بالوفيات» (7/ 286)، «أعيان العصر» (1/ 309) كلاهما للصفدي، «نفح الطيب» لأحمد بن المقَّري التلمساني (2/ 528). وكلهم عالة على الذهبي في ترجمته.

(2)

بفتح الفاء، ثم اختلفت المصادر في ضبط الراء على وجهين:

الأول: بفتح الراء.

وهو ظاهر كلام الصفدي في «الوافي» و «أعيان العصر» ، وابن حجر في «تبصير المنتبه» (3/ 1072).

وهو ظاهر صنيع ابن جماعة حيث سمَّى شرحه «زوال التَّرَح شرح منظومة ابن فَرَح» . وصنيع عمر بن عبد الله الفهري حيث سمَّى شرحه «المقترحُ في شرح أبيات ابن فَرَح» . فمقتضى السَّجْع في العنوانين أن يكون «فَرَح» بفتح الراء.

الثاني: بسكون الراء.

نصَّ على سكون الراء كلٌّ من:

1 -

ابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (7/ 65) وأشار إِلى خطأ ابن جماعة في «زوال التَّرَح» .

وذكر الزركلي في «الأعلام» (1/ 194) أنه رآه في مخطوطة متقنةٍ لـ «التبيان لبديعة البيان» لابن ناصر الدين بسكون الراء.

2 -

أحمد بن المقَّري التلمساني. قال في «نفح الطيب» : الذي تلقيناه عن شيوخنا أنه بسكون الراء.

=

ص: 8

وُلِدَ في ثالث ربيع الأول، سنة خمس وعشرين وست مئة (625 هـ) بإِشبيلية.

(1)

(1)

وكذلك وردت الراء ساكنة في مطبوعة «معجم الشيوخ» (1/ 86)، و «المعجم المختص» ص (32) كلاهما للذهبي.

ومطبوعة «طبقات الشافعية» للسُّبكي (8/ 26)، ومطبوعة «ذيل التقييد» لأبي الطيب الفاسي (2/ 138).

والظاهر: أنَّ مَنْ ضَبَطَها بالتحريك؛ ضبطها بناءً على الأصل والمشهور، والذين ضبطوها بالسكون اعتمدوا على السماع، وهذا أَولى.

قال الزركلي: لعلَّ شهرته بالتحريك، وصوابه بالسكون «الأعلام» (1/ 195).

تنبيه:

وقعت حاء «فَرح» جيماً في المصادر التالية:

- مخطوطة «الكواكب الدراري» لابن عروة في موضعين.

والمطبوعات التالية:

- «العبر» (3/ 395)، «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (292)، «الإِشارة إِلى وفيات الأعلام» ص (385) وكلها للذهبي.

- «طبقات فقهاء الشافعية» لابن كثير (2/ 940).

- «درة الحجال» لابن القاضي ص (36).

- «مرآة الجنان» لليافعي (4/ 231).

- «المنهل الصافي» ليوسف بن تغري بردي (2/ 59).

وهذا خطأ بلا شك؛ لأنه قد نصَّ على إِهمال الحاء كتابةً كلٌّ من:

- الصفدي في «أعيان العصر» (1/ 309)، و «الوافي بالوفيات» (7/ 286).

-والسُّبكي في «طبقات الشافعية» (8/ 26).

- وأحمد بن المقري في «نفح الطيب» (2/ 528).

- وابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (7/ 95).

-وابن حجر في «تبصير المنتبه» (3/ 1072).

في حين لم ينصَّ أحدٌ على أنَّه بالجيم المعجمة.

ص: 9

أسره الفرنج سنة ست وأربعين وست مئة (646 هـ)، ثم خلَّصه الله مِنْ بين أيديهم.

قدم إِلى الديار المصرية سنة بضع وخمسين وست مِئة، فتفقَّه على الشيخ عِزِّ الدين بن عبد السلام قليلاً وسمع منه، ومِن شرف الدين الأنصاري الحموي، والمعين أحمد بن زين الدين، وطائفةٍ.

ثم نزل دمشق، فسمع مِنْ شيخ الوقت ابن عبد الدائم، وعُمر الكرماني، وفراس العسقلاني، وخَلْقٍ.

سمع منه: الحافظ الذهبي وروى عنه في تصانيفه، والدمياطي، واليونيني، والبِرْزالي، والمقاتلي، والنابُلُسي، وأبو محمد بن أبي الوليد وكان من ألزم الطلبة له.

قال الذهبي: عُني بالحديث، وأتقن ألفاظَه ومعانيه وفقهه، حتى صار من كبار الأئمة، وذلك مضاف إِلى ما فيه من الورع والصدق والنُّسك والدِّيانة والسَّمت الحسن والتعفُّف، وملازمة الاشتغال والإِفادة.

توفي ليلة الأربعاء، تاسع جمادى الآخرة، سنة تسع وتسعين وست مئة (699 هـ)، وشيَّعه الخَلْقُ إِلى مقابر الصوفية.

‌مؤلفاته:

قصيدة «غرامي صحيح» وبها اشتُهر.

شرح على الأربعين النووية.

مختصر خلافيات البيهقي - طُبع في الرياض عام 1417 هـ.

* * *

ص: 10

‌ترجمة الشارح ابن عبد الهادي

(1)

هو أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة، المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثم الصالحي، الحافظ، المحدث، الفقيه، المقرئ، النحوي، المتفنن.

ولد سنة خمس وسبع مئة (705 هـ). وقيل: أربع وسبع مئة (704 هـ).

شيوخه:

شيخ الإِسلام ابن تيمية، والذهبي، والمِزِّي، وأبو الفضل سليمان بن حمزة، وأبو بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم، وخَلْقٌ سواهم.

توفي سنة أربع وأربعين وسبع مئة (744 هـ)، ولم يبلغ الأربعين.

قال ابنُ كثير: حصَّلَ مِنْ العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنَّن في الحديث والنحو والتصريف والفِقه والتفسير، والأصلين، والتاريخ والقِراءات. وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة.

(1)

انظر: «المعجم المختص» للذهبي (215)، «البداية والنهاية» لابن كثير (18/ 466) ط/ هجر، «الذيل على طبقات الحنابلة» لابن رجب (2/ 436)، «الوافي بالوفيات» (2/ 161)، «الدرر الكامنة» (5/ 61).

ص: 11

كان حافظاً جيداً لأسماء الرجال، وطُرُق الحديث، عارفاً بالجرح والتعديل بصيراً بعلل الحديث، حَسَنَ الفهم له، جيد المذاكرة، صحيح الذِّهن، مستقيماً على طريقة السلف؛ واتباع الكتاب والسُّنة، مثابراً على فِعْلِ الخيرات.

‌أشهر مؤلفاته:

1 -

الصارم المُنْكِي في الرد على السُّبكي.

2 -

العقود الدُّرِّية في مناقب شيخ الإِسلام ابن تيمية.

3 -

المحرر في أحاديث الأحكام.

4 -

تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي.

وكل هذه مطبوعة، وله سواها كثير بن مخطوط ومطبوع.

* * *

ص: 12

‌ترجمة ابن عُروة الحنبلي

(1)

هو أبو الحسن، علي بن الحسين بن عروة، المشرقي، ثم الدمشقي. ويُعرف بابن زَكنون.

ولد قبل سنة (760 هـ).

وكان في بداية أمره جَمَّالاً. ثم أعرض عن ذلك، وحفظ القرآن، وتفقَّه.

سمع مِنْ ابنِ المُحبِّ -كما أخبر عن نفسه- ويحيى بن عمر الرحبي، وعمر بن أحمد الجرهمي.

انقطع إِلى الله تعالى في مسجد القَدَم، واعتنى بتحصيل نفائس الكتب. رَتَّبَ «المسند» للإِمام أحمد على أبواب البخاري، وسمَّاه «الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإِمام أحمد على أبواب البخاري» وشَرَحَهُ في سبعة وعشرين ومِئة (127) مجلداً.

ثَارَ بينه وبين الشافعية شرٌّ كبير، وأُوذي بسبب الاعتقاد.

تُوفِّي يوم الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة (837 هـ) بمنزله في مسجده، وهو مسجد القَدَم، ويقع جنوبي مدينة دمشق، وما زال قائماً إِلى عصرنا هذا، ودُفن فيه.

قال ابن حجر: كان زاهداً عابداً قانتاً خَيِّراً، لا يقبل لأحد شيئاً، ولا يأكل إِلا من كَسْبِ يَدِهِ.

(1)

انظر: «إنباء الغُمْر» (8/ 319)، «الضوء اللامع» (5/ 214)، «السُّحب الوابلة» (2/ 732).

ص: 13

‌الأصول المعتمدة في التحقيق

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على تسعِ مخطوطات؛ تتوزَّع على ثلاث أرومات:

‌الأرومة الأولى

وتضم ثلاث نسخ مخطوطة:

‌1 - نسخة الكواكب الدراري «الأصل» :

وهي نسخة متقنة جداً، نقلها ابن عروة الحنبلي رحمه الله في كتابه العظيم «الكواكب الدراري» في المجلد الرابع والثلاثين (34)، من لوحة (117) إلى لوحة (121).

أصله محفوظ في المكتبة الظاهرية برقم (565) عام.

عدد أوراقه (230) لوحة. في كل لوحة صفحتان، أي: ما يعادل (460) صفحة كبيرة الحجم؛ بحيث بلغت عدد الأسطر في الصفحة الواحدة (28) سطراً تقريباً. يحتوي السطر -وسطياً- على نحو (11 - 15) كلمة.

ناسخه: هو إِبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الدين الحنبلي.

فَرَغَ من نَسْخه يوم الإِثنين، في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وعشرين وثمان مِئة (827 هـ).

وقَرَأه على مؤلِّفه ابن عروة نفسه في أحدَ عشر مجلساً

(1)

؛ في الجامع

(1)

انظر: (ل 52، 64، 78، 127، 141، 153، 166، 179، 194، =

ص: 14

الأموي بدمشق؛ إِلا بعض المجالس؛ ففي مسجد الشيخ؛ وهو مسجد القَدَم. وسمعه معه ابنه محمد وغيره.

الخط قريب من الرقعي، مقروء، وواضح، ومعجم في الغالب.

أبيات المنظومة ضُبطت بالشكل في الغالب أيضاً.

‌2 - نسخة رئيس الكُتَّاب (ك):

وهي نسخة قديمة ومتقنة جداً، تقع ضمن مجموع محفوظ في مكتبة رئيس الكُتَّاب في المكتبة السليمانية باستنبول تحت رقم (1153). من لوحة (280) إِلى لوحة (288).

ناسخها: أحمد بن أبي بكر بن خليل بن علي بن عبد الرحمن الطبراني الكاملي.

قال عنه في «المقصد الأرشد»

(1)

: الشيخ العالم القدوة، عُني بالحديث كثيراً، وسمع، وكان يتغالى في حب الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) ويأخذ بأقواله وأفعاله، .. توفي يوم السبت تاسع عشر صفر، سنة خمس وثلاثين وثمان مئة، ودُفن بسفح قاسيون. ا. هـ.

فَرَغَ مِنْ نَسْخها في الرابع من شهر ذي الحجة، سنة (819 هـ).

الخط جميل، ومقروء، وواضح، ومعجم في الغالب.

ضُبطت كلمات القصيدة وغالب الشرح بالشكل.

والنُّسخة مقابلة على أكثر من نُسخة، كما يظهر مِنْ الإِشارة إِلى الفروق بين النُّسخ في الحاشية.

(1)

، 221) من المجلد نفسه.

()(1/ 81) وانظر: «السحب الوابلة» (1/ 112).

ص: 15

وتتفق هذه النُّسخة مع نُسخة «الكواكب» اتفاقاً كبيراً، وتتطابق معها حتى في بعض الحواشي والسقوط. مما يُشعر أن أرومتهما واحدة.

وتنفرد هاتان النسختان -دون بقية النسخ- بنقل تعليق طويل ضُمِّن كلاماً هاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية، فجاء فيهما بعد فراغ ابن عبد الهادي من الكلام على طُرُق معرفة الحديث الموضوع:«فصل قال كاتبه .. » .

والكاتب المبهم المشار إِليه بالضمير؛ الظاهر أنه ابن عروة نفسه، لما عُرف من عنايته البالغة بالتوثيق؛ ونسبة الأقوال والمصنفات لأصحابها، فابتدأ الرسالة بنسبتها لابن عبد الهادي، ثم قال بعد ذلك:«فصل: قال كاتبه .. » أي: نفسه، ثم قال بعد ذلك:«قال شيخ الإسلام .. » .

ثم إن أسلوب الكلام وطريقته ونَفَسَ البحث هو أسلوب ابن عروة وطريقته ونَفَسه.

يؤيد هذا: أنَّ ابن عروة رحمه الله نُقل عنه العجائب في صدْق الفراسة والكشف، ومعرفة بواطن الأمور، وتمييز الصِّدْق من الكذب، وهذا هو بعينه موضوع الرسالة.

قال ابن المَبْرِد: «وكان له ميعاد، وله فراسة كثيرة، .. وقال شيخنا الشيخ شهاب الدين بن زيد: ما دخل مجلسَه أحدٌ وفي قلبه شيء إلا وتكلَّم في ذلك بأمر. وحكى أن شخصاً كان في جنابة قد نسيها، فدخل مجلسه، فنادى الشيخ رجلاً فقال له: قل لهذا يذهب ويغتسل ثم يأتي .. »

(1)

.

أو هو أحمد بن أبي بكر الكاملي، ناسخ مخطوطة رئيس الكُتَّاب؛ لأنه قال في آخرها:«وقد زدتُ فيها حواشي، وفي الأصل، وأشرت إلى ذلك .. » وهو رحمه الله معروف بالزيادة على الكتب التي

(1)

«الجوهر المنضد» ص (96، 97) وانظر بقية كلامه فإِنه هام جداً.

ص: 16

ينسخها، فقد ذكروا في ترجمته أنه نَسَخَ «تاريخ ابن كثير» بخطه وزاد فيه أشياءَ حسنة. لكن هذه الزيادات ربما ذكرها ابن كثير في موضع آخر

(1)

.

فالظاهر أنَّه نَقَلَ هذه الرسالة بتمامها من «الكواكب الدراري» لابن عُروة -رحم الله الجميع- والله أعلم.

هذا؛ وفي نَقْلِ ابن عروة والكاملي مِنْ الفوائد:

- إِثبات نسبة الرسالة لمؤلِّفها؛ لقُرْبِ عهديهما به، وكونهما من بلده «دمشق» ، ويوافقانه في المذهب والاعتقاد والدعوة. ولا يخفى ما لابن عُروة رحمه الله من اهتمامٍ بالغٍ، وعنايةٍ فائقةٍ بابن تيمية ومدرسته؛ التي يُعَدُّ ابن عبد الهادي رحمه الله مِنْ أعلامها والذَّابِّين عن حياضها، والرافعين لواءها. وكذلك ما ذُكِرَ في ترجمة الكاملي مِنْ ولوعه واهتمامه بابن تيمية ومدرسته.

- الدقة والإِتقان في نقل الرسالة؛ لأن ابن عروة غالباً ما ينقل رسائل وفتاوى ابن تيمية وتلامذته مِنْ خطِّهم مباشرة، أو مِنْ خَطِّ بعض تلامذتهم، أو أن تكون الرسالة مِنْ مروياته.

‌3 - نسخة ليدن (ل):

وهي نسخة تقع ضمن مجموع محفوظ في ليدن بهولندا، من لوحة (63) إلى لوحة (66).

لم أتبين ناسخها، ولا تاريخ نسخها.

خطُّها نسخي معتاد، وواضح، ومعجم.

وتتفق مع نسخة ابن عروة والكاملي. وتَقْصر عنهما في الدِّقة والإتقان. ومع أنها مقابلة، إلا أنه يوجد فيها سقط وتصحيف كثير.

(1)

«المقصد الأرشد» (1/ 81).

ص: 17

‌الأرومة الثانية

وتضم أربع نُسَخ خطية متأخِّرة، وعنها صُور في قسم المخطوطات في جامعة الملك سعود بالرياض. وأرقامها.

(س 1): 2503/ 2 م.

(س 2): 7720/ 2 م.

(س 3): 7525/ 1 م.

(س 4): 7780/ 1 م.

وهي نُسَخٌ متأخِّرة حافلة بالسقوط والتصحيفات، ويتَّفق بعضُها مع بعضٍ على جُملةٍ مِنْ السقوط والتصحيفات. ثم أخذ كلُّ ناسخ بحظه مِنْ السقط والتصحيف. لكنها لا تخلو -بمجموعها- مِنْ فائدة.

‌الأرومة الثالثة

وتضم مخطوطتين:

1 -

(ص): وتقع ضمن مجموع أصيل محفوظ في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإِسلامية - قسم المخطوطات تحت رقم (2939) وقد طُمس الختم والتملك الأول للمجموع، وفُقِدَ أكثرُ رسائله بحيث لم أتمكن من معرفة اسم ناسخ الرسالة، أو تاريخ النسخ. وهي نسخة كاملة وخطها واضح ومعجم ومقروء.

وتنفرد هذه المخطوطة عن بقية المخطوطات بأمرٍ هام، وهو أنها حافلة بالزيادات الهامَّة والمفيدة في الشرح، بل إنَّ بعض الفقرات قد اختلفت صياغتها. ولعلها إِخراجٌ (إِصدار) أول للكتاب، ثم عاد الشارح ابن عبد الهادي رحمه الله إِليه بالتنقيح والاختصار، والعكس

ص: 18

وارد وإِنْ كان هذا هو الأَولى؛ لأن المحدثين والأئمة المحققين كانوا أميلَ إِلى الاختصار والتنقيح منهم إِلى الزيادة والبسط؛ كما يرى عَددٌ مِنْ الباحثين. والله أعلم.

2 -

(س 5): نسخة محفوظة في قسم المخطوطات - في جامعة الملك سعود تحت رقم (5973).

وهي نسخة ملفَّقة مِنْ الأرومة الثانية والثالثة.

فاللوحات الثلاث الأولى منها كُتبت بخطٍّ نسخي كبير وواضح بما يتفق مع الأرومة الثانية. ثم أُلحق بالحاشية بخط مغاير بعضُ الزيادات مِنْ الأرومة الثالثة. وذلك يستغرق إِلى نهاية مبحث «المدرج» تقريباً.

ثم استُكمِلت بخطٍّ مغاير؛ بما يتفق مع الأرومة الثالثة (ص) تماماً.

ولكن؛ لدى مقابلة متن المنظومة الوارد عندنا في الأصول على بعض المصادر التي اعتنت بنقلها؛ راعني كثرة الاختلاف في ألفاظ هذه المنظومة بين المصادر المختلفة.

وهذا من معضلات الخط العربي، أنه يحتاج إِلى إِعجام بالنقط، وضبط بالشكل، كما أنَّ بعض الحروف قد تتشابه في الرسم، وغير ذلك مما لا يخفى.

الأمر الذي قد يؤدي إِلى التصحيف واللبْس في القراءة والنقل مِنْ النص المكتوب، لذلك اعتمد المسلمون منذ فجر الإِسلام على المشافهة والتلقي مِنْ أفواه الرجال، ولم يكونوا يعتمدون على الوِجادة؛ إِلا في الأعصار المتأخرة.

ويبدو أنَّ هذه المشكلة كانت قائمة مستفحلة في عصر الناظم، وكانوا يعانون من هذا الأمر أشدَّ المعاناة.

قال تلميذُه الذهبي: «هذا فَعَله عِدَّة من الأئمة (وهو دَفْنُ كتبهم)، وهو

ص: 19

دالٌّ أنَّهم لا يرون نقل العِلم وِجادة، فإِن الخط قد يتصحَّفُ على الناقل، وقد يُمكن أن يُزاد في الخط حرفٌ فيغيَّر المعنى، ونحو ذلك. وأما اليومَ فقد اتسع الخرقُ، وقلَّ تحصيلُ العِلم مِنْ أفواه الرجال، بل ومِن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة للمسائل قد لا يُحسن أن يتهجَّى»

(1)

.

لذا؛ انتخبت أوثق تلك المصادر، وقابلت المنظومة عليها، ونَبَّهتُ على الفروق ذات الأهمية في الحاشية، وإليك وصف مختصر لها:

1 -

المعجم اللطيف للإِمام الذهبي.

وهو معجم لشيوخه خَرَّجَهُ لنفسه، واكتفى فيه بذكر رواية واحدة عن كلِّ شيخ، ولم يتصدَّ لتراجمهم؛ لأنه استوعب ذلك في معجمه الكبير، .. وجُلُّ المرويات أحاديث وآثار، وفيها بعض النقول، وختمها بقصيدة شيخه الحافظ أحمد بن فَرْح الإِشبيلي في أنواع الحديث، المشهورة بـ «غرامي صحيح»

(2)

.

قال الذهبيُّ في آخره: «أنشدنا الحافظ القدوة، شهاب الدين، أبو العباس، أحمد بن فَرْح الإِشبيلي لنفسه؛ سنة خمس وتسعين وست مئة قال: .. » ثم ساق متن المنظومة كاملاً.

ولَديَّ نسختان خطيتان له:

أ- نسخة الظاهرية (م 1) وهي محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم (12/ 3745) عام. ومنقولة من خَطِّ الذهبي مباشرة. ناسخها هو محمد بن أبي بكر بن أبي عمر بن زريق، بتاريخ سبع وثلاثين وثمان مئة. (837 هـ).

(1)

«السِّير» (11/ 377).

(2)

عن مقدمة تحقيق «المعجم اللطيف» ص (7) ضمن مجموع «ست رسائل للحافظ الذهبي» تحقيق: جاسم الدوسري، جزاه الله خيراً.

ص: 20

ب- نسخة سبط ابن حجر العسقلاني (م 2)، ويوجد لها نسخة على شريط في جامعة الإِمام في الرياض تحت رقم (725/ 2) ناسخها هو سبط ابن حجر العسقلاني.

2 -

«طبقات الشافعية الكبرى» (ط) لتاج الدين، أبي نصر، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السُّبكي المُتوفَّى سنة (771 هـ) (8/ 27) تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو - محمود محمد الطناحي.

قال السُّبكي: «أنشدنا الحافظ أبو العباس، أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي -بقراءتي عليه- قلت له: أنشدكم الشيخ الإِمام الزاهد، شهاب الدين، أبو العباس، أحمد بن فَرْح لنفسه .. » ثم ساق المنظومة بكاملها.

3 -

«أعيان العصر وأعوان النصر» (ع) لصلاح الدين، خليل بن أيبك الصدفي، المُتوفَّى سنة (764 هـ)(1/ 310) ط/ الفكر.

4 -

«زوال التَّرَح في شرح منظومة ابن فرح» (ز) لعز الدين، محمد بن شرف الدين بن عبد العزيز بن جماعة، المُتوفَّى سنة (819 هـ) تحقيق: فهد بن قابل الأحمدي.

5 -

«نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» (ن) للشيخ أحمد بن محمد بن أحمد المقّري، المُتوفَّى سنة (1041 هـ) (2/ 530) تحقيق: إِحسان عباس.

* * *

ص: 21

‌منهج التحقيق:

1 -

اعتمدت الأرومة الأولى (نسخة ابن عروة والكاملي وليدن) لأسباب تقدم توضيحها، واخترت نسخة «الكواكب» أصلاً، وقابلتها بنسخة الكاملي (ك) وليدن (ل).

2 -

ثم قابلت بِنُسخ الأرومة الثانية (س 1، س 2، س 3، س 4).

3 -

ثم قابلت بنُسختي الأرومة الثالثة (ص، س 5) وأثبتُّ زياداتهما في الحاشية.

4 -

خرَّجت الأحاديث والآثار.

5 -

عرَّفت ببعض الأعلام غير المشهورين.

* * *

ص: 22

نموذج من نسخة الكواكب (الأصل)

ص: 23

نموذج من نسخة رئيس الكُتَّاب (ك)

ص: 24

نموذج من نسخة (ص)

ص: 25

نموذج من نسخة (س 1)

ص: 26

نموذج من نسخة (س 2)

ص: 27

نموذج من نسخة (س 3)

ص: 28

نموذج من نسخة (س 4)

ص: 29

نموذج من نسخة (س 5)

ص: 30

هذه قصيدةٌ للشَّيخِ الإِمام العالمِ الحافظِ شهابِ الدين، أبي العباس، أحمدَ بنِ فَرْح

(1)

الإِشبيلي رحِمه الله تعالى، وشَرْحُها للشَّيخِ شمسِ الدين ابنِ عبد الهادي، في معرفة الحديث الصَّحيحِ، والحسنِ، والغريبِ، والمُسَلْسَلِ، والمُرسلِ، والضَّعيفِ، والمتروكِ، ومعرفةِ السَّماعِ، والمُشافهةِ، والموقوفِ، والمرفوعِ، والمُنْكرِ، والتَّدليسِ، والمتَّصلِ، والمنقطعِ، والمُدْرَجِ، والمُدَبَّجِ، والمُتَّفقِ والمُفتَرقِ، والمُؤتلفِ والمُختلفِ، والمُسْنَد والمُعَنْعَنِ، والموضوعِ، والمُبْهمِ، والغَامضِ، والعَزيزِ، والمشهورِ، والمقطوعِ، والعالي، والناَّزلِ، وغير ذلك.

قال الشَّيخُ الإِمامُ العالمُ، أبو العباس، أحمدُ بن الفَرْح (1) الإِشبيلي، رحِمه الله تعالى، ورضيَ عنه وأرضاه:

غَرامِي «صَحيحٌ» والرَّجَا فيك

(2)

«مُعْضَلُ»

وحُزني ودَمْعي «مُرْسَلٌ» و «مُسَلْسَلُ»

قال الشَّيخُ الإِمامُ العلَّامةُ، أبو عبد الله، محمدُ بن أحمد

(3)

بن عبد الهادي:

‌الحديث الصَّحيح

المتَّفقُ على صِحَّتِه: هو الحديثُ المُسْنَدُ الذي

(1)

«فَرْح» وقعت في الأصل و (ص) و (س 5)«فرج» بالجيم، وقد تقدم تحقيق ذلك بتوسع ص (8، 9).

(2)

«فيك» أشار في (ك) إِلى أنها في نسخة: منك.

(3)

«بن أحمد» ليست في الأصل، واستدركت من بقية النسخ ومصادر ترجمته.

ص: 33

اتَّصلَ إِسنادُه بنقل العَدْلِ الضَّابطِ عن العدل الضَّابط

(1)

إِلى مُنتهاه، ولا يكون شاذّاً ولا مُعلَّلاً

(2)

.

وبَعضُه أصحُّ مِنْ بعض، فرِوايةُ مالك، عن نافع، عن ابن عُمرَ أصحُّ مِنْ رواية غيره.

والمُعْضَلُ -بفتح الضَّاد المعجمة-: عِبارةٌ عمَّا سقط مِنْ إِسنادِه اثنان فصاعداً.

مثالُه: قولُ مالك: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. بإِسقاط نافع وابنِ عُمرَ

(3)

.

والمُرْسَلُ: ما رواه التَّابعيُّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وفي الاحتجاجِ به خِلافٌ مشهور. والصَّحيحُ فيه التَّفصيلُ

(4)

.

والمُسَلْسَلُ مِنْ الحديثِ مثلُ قولِهم:

ص: 34

سمعتُ فُلاناً، قال سمعت فُلاناً. إِلى آخر الإِسناد.

أخبرنا -واللهِ- فُلان، قال: أخبرنا -واللهِ- فُلان. إلى آخره.

وصَبْرِيَ عنكُمْ يشهدُ العقلُ أَنَّهُ

«ضَعيفٌ» و «مَتْروكٌ» وذُلِّيَ أجملُ

‌الحديثُ الضَّعيفُ:

هو ما ليس بصحيح ولا حَسَنٍ. وهو جنسٌ تحته أنواعٌ كثيرة، كالشَّاذِّ

(1)

، والمُعَلَّلِ، و

(2)

المضطربِ وغيره.

و‌

‌الحديثُ المَتروك:

هو ما انْفَرد به رَجُلٌ مُجمعٌ على ضَعْفِهِ.

وقد يَتركُ الحديثَ أو الرَّجلَ بعضُ الأئمة، ويحتجُّ به بعضُهم. والله أعلم.

ولا «حَسَنٌ» إِلا سَماعُ حديثِكم

«مُشَافَهةً» تُملي

(3)

عليَّ فَأَنْقُلُ

‌الحديثُ الحَسَنُ

؛ قيل: هو ما عُرِفَ مخرجُه، واشتهرت رجالُه.

وقيل: هو الحديثُ الذي فيه ضَعْفٌ قريبٌ

(4)

مُحتملٌ.

(1)

يوجد على حاشية الأصل و (ك) التعليق التالي: «الشاذ من الحديث: ما ليس له إِلا إِسناد واحد؛ يشذُّ به ثقة أو غيره، فإِن كان عن غير ثقة فمتروك» .

(2)

«و» ليست في الأصل، واستدركت من بقية النُّسخ.

(3)

«تملي» كذا أعجمت في الأصل، وفي بقية النُّسخ و (م 2):«يملي» وفي (ك) و (م 1) و (ط) و (ع) و (ن): «تملى» بالبناء للمجهول.

(4)

«قريب» ليست في الصل و (ك) و (س 5)، واستُدركت من (ص) و (س 2) و (س 3) و (س 4).

ص: 35

وقد اختلفوا في حَدِّه اختلافاً كثيراً، ولم يَضبطوه بضابطٍ شَافٍ.

وقيل: هو ما كان رواتُه مِنْ أهل الصِّدقِ، لكن لم يبلغ درجةَ الصَّحيح؛ لكونه غيرَ حافظٍ و

(1)

مُتقنٍ.

وقد يكون رِجالُ إِسنادِ الحديثِ مُتَّفقاً

(2)

على توثيقهم وحِفظهم وإتقانهم، ولا يكون الحديثُ صحيحاً. بل يكون حَسَناً أو ضعيفاً لِعلَّةٍ مؤثِّرةٍ فيه، أو شُذوذٍ، أو اضْطرابٍ، أو غيرِ ذلك.

والمشافهة هي: السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيخِ، وهي أرفعُ مِنْ القِراءة عليه. والله سبحانه أعلم.

وأمريَ «مَوقوفٌ» عليكَ وليس لي

على أحدٍ إِلا عليكَ المُعَوَّلُ

(3)

‌الحديث الموقوف:

هو ما يُروى عن الصَّحَابة مِنْ أقوالهِهم وأفعالِهم، ونحو ذلك

(4)

. فيُوقفُ عليهم؛ ولا يُتجاوز به إِلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرفوعاً إِليه

(5)

.

ولو كان

(6)

«مَرفوعاً» إِليكَ لكُنتَ لي

على رَغْمِ عُذَّالي تَرِقُّ وتَعْدِلُ

(1)

«و» في (ك) و (ل): أو.

(2)

«متفقاً» في الأصل و (س 2): «متفق» ، والمثبت من بقية النُّسخ.

(3)

«المعول» في (ص) و (س 3) و (م 1) و (ل): معول.

(4)

زاد في (ص) بعد هذا الموضع: «متصلاً كان أو منقطعاً» .

(5)

زاد في (ص) بعد هذا الموضع: «ويستعمل في غيرهم مقيداً؛ فيقال: فلان وقفه على الزهري ونحوه» .

(6)

«كان» في (ص) و (س 1): كنت.

ص: 36

‌الحديث المرفوع،

قيل: هو ما أُضيفَ إِلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خاصَّة؛ مُتَّصلاً كان أو مُنْقطعاً.

وقيل: هو ما أَخبر به الصَّحابيُّ عن قولِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم أو فِعْلِهِ.

وعَذْلُ عَذُولي «مُنْكَرٌ» لا أُسِيْغُهُ

وزُورٌ و «تَدليسٌ» يُرَدُّ ويُهْمَلُ

‌الحديث المنكر

(1)

هو

(2)

: ما انْفَردَ به مَنْ لم يبلغ في الثِّقةِ والإِتقانِ ما يُحتمل معه تفرُّدُه.

نحو حديث أبي زكريَّا يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أَنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلوا البلحَ بالتَّمرِ، فإِنَّ الشَّيطانَ إِذا رأى ذلك غَاظَهُ

(3)

، ويقول: عاشَ ابنُ آدمَ حتى أكَلَ الجديدَ بالخَلَقِ»

(4)

.

(1)

زاد في (ص) بعد هذا الموضع: «هو الفرد الذي لا يُعرف متنه عن غير راويه. وقيل: هو ما انفرد.» .

(2)

«هو» ليست في الأصل و (ك)، واستدركت من بقية النُّسخ.

(3)

«غاظه» في الأصل و (ك): «غاضه» ، والمثبت من (ص) و (س 3) و (س 5) و «الإِرشاد - منتخبه» للخليلي.

(4)

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (6724)، وابن ماجه (3330)، وأبو يعلى 7/ (4399)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 427)، وابن حبان في «المجروحين» (3/ 120)، والحاكم (4/ 121)، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (1/ 134)، والخليلي في «الإِرشاد - منتخبه» (1/ 172)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 353) كلهم من طريق أبي زكريا (أو زُكَير) به.

ص: 37

تفرَّد به أبو زكريَّا، وهو شيخٌ صالحٌ، أخرج له مسلمٌ في كتابه

(1)

، غير أنه لم يبلغ مبلغَ مَنْ يُحتمل تفرُّدُه، بل تكلَّم فيه ابنُ مَعين وغيرُه

(2)

.

و‌

‌التدليس

المذموم: هو أنْ يروي الرَّجُلُ الحديثَ عن شيخٍ عاصره؛ أو سَمِعَ منه في الجُملة؛ ولم يسمع منه ذلك الحديثَ الذي رواه عنه، بل سَمِعَه مِنْ ضعيف أسقطه، كتدليس بقيَّةَ والوليدِ بنِ مُسْلِم وغيرهما

(3)

. بخلاف تدليس ابن عُيَيْنَةَ وغيره ممن يُدلِّس

(1)

ال النسائي: هذا حديث منكر.

قال العقيلي: لا يُعرف إِلا به (أي: بأبي زُكير).

قال ابن حبان: هذا كلام لا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عَدي: عامة أحاديثه مستقيمة؛ إِلا هذه الأحاديث التي بينتها. (وقد ذكر حديثه هذا منها).

قال الذهبي: حديث منكر. «الميزان» (7/ 216)، «السير» (9/ 299).

قال ابن حجر: الصواب ما قاله النسائي أنه منكر «النكت» (2/ 680).

() روى له مسلم متابعة لا أصولاً؛ كما نبَّه الذهبيُّ في «الميزان» (7/ 215).

(2)

قال يحيى بن معين: ضعيف.

قال العقيلي: لا يتابع على حديثه.

قال أبو حاتم: يكتب حديثه.

قال أبو زرعة: أحاديثه متقاربة إِلا حديثين حدَّث بهما.

قال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل من غير تعمد، لا يُحتج به. «تهذيب الكمال» 31/ 525.

(3)

العبارة في تعريف التدليس مختلفة الصياغة في (ص) قال: «والتدليس المذموم هو أن يروي حديثاً عن شيخ عاصره لم يسمع منه، بل سمَّاه توهماً، أو يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه بما لا يُعرف، كتدليس بقية والوليد بن مسلم وغيرهما» .

ص: 38

عن

(1)

الثقات، فإِنه ليس بمذموم. والله سُبحانه أعلم.

أُقَضِّي زَمَاني فيك «مُتَّصِلَ» الأَسَى

و «مُنْقَطِعاً» عَمَّا به أَتَوصَّلُ

الحديث المتَّصِلُ: هو الذي اتَّصَلَ إِسنادُه، فكان كلُّ واحدٍ مِنْ رُواتِهِ قد سَمِعَهُ ممن هو فوقَه، حتى ينتهي إِلى مُنتهاه. ومطلقُه يقع على المرفوع والموقوف.

ومثال المتَّصلِ المرفوع مِنْ «الموطأ» : مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بنِ عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

ومثال المتَّصل الموقوف: مالك، عن نافع، عن ابن عُمرَ، عن عُمرَ. قوله.

والمنقطع: هو الحديثُ الذي لم يتَّصل إِسنادُه، بأنْ يكون سَقَطَ منه رَجُلٌ، أو اثنان، أو ثلاثةٌ، أو أكثرُ

(3)

. والله أعلم.

وها أنا في أكفَانِ هَجْرِكَ «مُدْرَجٌ»

(4)

تُكلِّفُني ما لا أُطِيقُ فأحْمِلُ

‌الحديثُ المُدْرَجُ:

هو ما أُدْرِجَ في حديثِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ بعضِ رُواتِهِ. بأنْ يَذكرَ الصَّحابيُّ أو مَنْ بعدَه

(1)

«عن» في الأصل و (ك): «على» ، والمثبت من بقية النُّسخ.

(2)

«عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» ساقطة من الأصل و (ك)، واستدركت من بقية النُّسخ.

(3)

زاد في (ص) بعد هذا الموضع: «وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما» .

(4)

في (ز): مدرجاً.

ص: 39

عقيب ما يرويه مِنْ الحديث كلاماً مِنْ عند نفسه، فيرويه مَنْ بعدَه موصولاً بالحديث؛ غيرَ فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبسُ الأمرُ فيه على مَنْ لم يَعلم حقيقةَ الحال، فيتوهَّمُ أَنَّ الجميعَ عن رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وذلك يقعُ في الحديث كثيراً. والله أعلم.

وأجريتُ دَمْعي بالدِّمَاءِ

(1)

«مُدَبَّجاً»

وما هي إِلا مُهجتي تَتَحَلَّلُ

(2)

المُدَبَّجُ في الحديث: هو أنْ يروي القَرينان

(3)

كلُّ واحد منهما عن الآخر. كأبي هُريرة وعائشة، ومالك والأوزاعي

(4)

، وأحمد بن حَنبل ويحيى بن مَعين

(5)

.

فإِن روى أحدُ القرينين عن الآخر؛ ولم يروِ الآخرُ عنه؛ لم يُسَمَّ مُدَبَّجاً، كرواية سُليمان التَّيمي عن مِسْعَر مِنْ غير عكس. والله سبحانه أعلم.

(1)

«بالدماء» كذا وقع في الأصل و (ك) و (م) و (ط) و (ن)، في حين وقع مكانها في (س 4)، و (ز):«فوق خدي» ، وفي (ص) و (س 5):«بالرجاء» ثم صُححت في حاشية (س 5) بقلم مغاير إِلى: «فوق خدي» .

(2)

«تتحلل» في (ص): تتجلجل.

(3)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «في السِّنِّ والإِسناد» .

(4)

«الأوزاعي» مكانها في (س 5): سفيان بن عُيينة.

(5)

«يحيى بن معين» كذا في الأصل و (س 1)، ويوجد مكانها في (ص) و (س 3) و (س 4) و (س 5):«علي بن المديني» ، وفي (س 2):«علي بن المديني أو يحيى بن معين» .

ص: 40

«فَمُتَّفِقٌ» جَفني وسُهْدي وعَبْرتي

و «مُفْتَرِقٌ» صَبري وقَلبي المُبَلْبَلُ

(1)

و «مُؤْتَلِفٌ» وَجْدي وشَجْوي ولَوْعَتي

و «مُختلِفٌ» حَظِّي وما منك أمَّلُ

(2)

‌المُؤتلف والمُختَلف:

هو ما يَتَّفقُ في الخطِّ صورتُه، ويختلف في اللفظ صِيغتُه. كعثَّام بن علي، وغنَّام بن أوس

(3)

.

وبَشير بن عَمرو

(4)

، وبُشير بن يَسار

(5)

.

وحَرِيز بن عُثمان، وجَرير بن عبد الحميد.

وحُضين بن المنذر، وحُصين بن عبد الرحمن.

(1)

«المبلبل» في الأصل: «مبلبل المبلبل» ، وفي (ك):«مبلبل» وأشار في الحاشية إِلى أنه يوجد في نسخة أخرى: «المبلبل» .

(2)

«منك أمَّل» كذا ضبطت في الأصل. وفي (ك): «منك أمِّل» . وفي (س 3) و (س 4)، و (م 1) و (م 2) و (ط) و (ز):«فيك آمل» . وفي (س 1)(س 2)(س 5) و (ص) و (ع): «منك آمل» .

(3)

انظر «المؤتلف والمختلف» للدارقطني (4/ 1763).

(4)

«بَشير بن عَمرو» في الأصل و (ك): «بُشير بن عمر» وألحقت في (ك) بعد «عمر» واو، والمثبت من (س 2) و (س 3) و (س 4). انظر:«الجرح والتعديل» للرازي (2/ 375)، و «تلخيص المتشابه في الرسم» للخطيب البغدادي (1/ 497)، و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين (1/ 536).

(5)

«بُشير بن يَسار» في الأصل و (ك): «بشير بن بشار» ، والمثبت من بقية النُّسخ. انظر:«تهذيب الكمال» (4/ 187)، و «هدي الساري» ص (210) وقد صُحفت فيه «يَسار» إِلى «بشار» فتنبّه.

ص: 41

وأما‌

‌ المتَّفق والمُفترِق:

فهو ما اتَّفق خطّاً ولفظاً؛ بخلاف المؤتَلِف والمُختلِف، فإِنَّ فيه الاتِّفاق في صورة الخطِّ، مع الافتراق في اللفظ.

والمُتَّفق والمُفترِق أقسام كثيرة، ومِن بعض أمثلته:

أبو عِمْران الجَوْني

(1)

، اثنان:

أحدهما

(2)

: التابعي عبد الملك بن حَبيب.

والثاني اسمه: موسى بن سَهل. بصري، سَكَن بغداد، وروى عن هشام بن عمَّار وغيره. روى عنه دَعْلج بن أحمد وغيره.

ومِن ذلك: محمد بن عبد الله الأنصاري، اثنان متقاربان في الطبقة:

أحدهما: الأنصاري المشهور، القاضي، أبو عبد الله، شيخ البخاري.

والثاني: كنيته أبو سَلمة، ضعَّفوه.

ومِن ذلك: محمد بن يعقوب بن يُوسف النَّيسابوري، اثنان كلاهما في عَصرٍ واحد، وكلاهما يروي عنه الحاكمُ أبو عبد الله وغيرُه.

فأحدهما: هو المعروف بأبي العبَّاس الأصمِّ.

والثاني: هو أبو عبد الله الأخرم الشَّيباني، ويُعرف بالحافظ دون الأول. والله سبحانه أعلم.

(1)

انظر «كتاب المتفق والمفترق» للخطيب البغدادي (3/ 2117).

(2)

«أحدهما» ليست في الأصل و (ك)، واستدركت من بقية النُّسخ.

ص: 42

خُذِ الوَجْدَ عَنِّي «مُسْنَداً» و «مُعَنْعَناً»

فغيري «بِمَوضُوعِ»

(1)

الهوى يتحيَّلُ

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: المُسْنَد عند أهل الحديث: هو الذي اتَّصلَ إِسنادُه مِنْ رواية أوَّله إِلى مُنتهاه. وأكثر ما يُستعمل ذلك فيما رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، دُون ما جاء عن الصحابة وغيرهم

(2)

.

وفي المُسْنَد اختلافٌ غير هذا

(3)

.

وأما الإِسناد المُعَنْعَن: فهو الذي يُقال فيه: عن فلان، عن فلان. وعَدَّه بعضُ النَّاسِ مِنْ قبيل المُرسل.

والصَّحيح الذي عليه الجمهور: أَنَّه من قبيل المتَّصل. وحَكَاه أبو عَمرو الدَّاني إِجماعاً.

و‌

‌الحديث الموضوع:

هو المُفتعلُ المُختلقُ المصنوعُ؛ الذي اختلقه واضعُه. وهو شرُّ الأحاديث الضَّعيفة.

ولا يَحِلُّ لأحدٍ روايتُه إِلا بتبيين حالِه -إِذا عَلِمَ حالَه- في أيِّ معنًى كان؛ إِلا مقروناً ببيان وَضْعه.

(1)

«بموضوع» في الأصل و (ك): «موضوع» والمثبت من بقية النُّسخ ومصادر تخريج المنظومة، علماً أن المصادر والنُّسخ قد اضطربت في عجز البيت.

(2)

«الكفاية» ص (58).

(3)

«وفي المسند اختلاف غير هذا» مكانها في (ص) و (س 5): وقال ابن عبد البر: هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة متصلاً كان أو منقطعاً. وقال الحاكم وغيره: لا يستعمل إِلا في المرفوع المتصل».

ص: 43

ويُعرف كونُ الحديث موضوعاً: بإِقرار واضعِه، أو بركاكةِ لَفْظِهِ

(1)

، أو غير ذلك

(2)

. والله سبحانه أعلم

(3)

.

وَذِي

(4)

نُبَذٍ مِنْ «مُبْهم» الحُبِّ «فاعْتَبِر»

و «غامضُه» إِنْ رُمْتَ شرحاً أُحوِّلُ

(5)

‌المُبْهم مِنْ الحديث:

هو ما جَاء عن غير مسمًّى.

نحو: سفيان، عن رَجُلٍ، عن الزُّهري

(6)

.

وأما‌

‌ الاعتبار:

فذَكر الحافظُ أبو حاتم ابن حِبَّان أَنَّ طريق اعتبار الأخبار مثاله: أنْ يرويَ حمَّادُ بن سَلمة حديثاً لم يُتابع عليه عن أيوب، عن ابنِ سيرين، عن أبي هُريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

«بركاكة لفظه» مكانها في (ص) و (س 5): «بركاكة اللفظ في الرواية أو المروي» .

(2)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «ومن الموضوع الحديث المروي عن أبيِّ بن كعب في فضل القرآن سورة سورة، وقد أخطأ مَنْ ذكره مِنْ المفسرين والله أعلم» .

(3)

نَقَلَ في الأصل و (ك) بعد هذا الموضع كلاماً طويلاً نفيساً، ضُمِّن نقلاً هاماً عن شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقد رأيت تأخيره إِلى نهاية الشرح فانظر ص (49).

(4)

«وذي» في (ص) و (س 3) و (م 1) و (م 2): ذا.

(5)

«أحولُ» كذا في الأصل و (ك) و (ع) و (ن) بالحاء المهملة. وفي (س 4) و (س 5) و (م 1) و (م 2) و (ط) و (ز): «أُطوِّلُ» وفي (ص): «يطول» .

(6)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «وكحديث ابن عباس أَنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله، الحج في كل عام؟. هو الأقرع بن حابس، ونحو ذلك» .

ص: 44

فَيُنْظَر: هل روى ذلك ثقةٌ غيرُ أيوب، عن ابن سيرين؟

فإِنْ وُجِدَ، عُلِمَ أَنَّ للخبَر أصلاً يُرجع إِليه.

وإِنْ لم يُوجَد ذلك؛ فثقةٌ غيرُ ابن سِيرين رواه عن أبي هُريرة.

وإِلا؛ فصحابيٌّ غيرُ أبي هُريرة رواه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

فأيُّ ذلك وُجِدَ يُعلَمُ به أَنَّ للخبر أصلاً يُرجع إِليه، وإِلا فلا

(1)

.

و‌

‌الغَامِضُ من الحديث:

ما تكون صورتُه صورةَ المتَّصِل، ولا يكون كذلك.

مثاله: ما رواه عبدُ الرزاق، عن الثَّوريِّ، عن أبي إِسحاق، عن زيد بن يُثَيْع، عن حُذيفة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنْ وَلَّيْتُمُوها أبا بكر فقويٌّ أمين .. »

(2)

الحديث.

فهذا صورتُه صورةُ المتَّصل، وهو منقطعٌ في موضعين؛ لأن عبدَ الرزاق لم يَسمعْهُ مِنْ الثَّوري، وإِنما سَمِعَهُ مِنْ النُّعمان بن أبي شيبة الجَنَدي، عن الثَّوري.

ولم يسمعه الثَّوريُّ أيضاً مِنْ أبي إِسحاق، إِنما سَمِعَهُ مِنْ شَريك، عن أبي إِسحاق. والله أعلم.

(1)

«صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان» (1/ 155).

(2)

رواه العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 110)، وابنُ عَدي في «الكامل» (6/ 541) (ترجمة: عبد الرزاق الصنعاني)، والحاكم في «المستدرك» (3/ 142)، وفي «معرفة علوم الحديث» ص (71) النوع التاسع.

وانظر: «العلل» للدارقطني (3/ 214)، و «الحلية» لأبي نُعيم (1/ 64)، و «تاريخ بغداد» (3/ 302)، و «العلل المتناهية» (1/ 253).

ص: 45

«عَزِيزٌ» بِكُمْ صَبٌّ ذَليلٌ لِعزِّكم

و «مشهورُ» أوصافِ المُحبِّ التَّذَلُّلُ

«غَريبٌ» يُقاسي البُعْدَ عنك

(1)

وما لَهُ

وحَقِّكَ

(2)

عن دار الهَوَى

(3)

مُتَحوَّلُ

الغريب من الحديث

(4)

: كحديث الزُّهريِّ وقتادة وأشباهِهما مِنْ أئمةِ أهلِ الحديثِ؛ ممن يُجمع حَديثُهم، إِذا انفرد الرَّجُلُ عنهم بالحديث يُسمَّى غريباً.

فإِذا روى عنهم رَجُلان أو ثلاثة، أو اشتركوا في حديث يُسمَّى عزيزاً.

فإِذا روى الجماعةُ عنهم حديثاً سُمِّىَ مشهوراً

(5)

. والله أعلم.

(1)

«عنك» في (ز): عنكم.

(2)

كذا! وفي صحيح البخار (2679) ومسلم (1646) عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ كان حالفاً فليحلفْ بالله أو ليصمت» .

(3)

«الهوى» كذا في الأصل و (س 2) و (س 4) و (ص) و (س 1). وفي (س 3) و (م 1) و (م 2) و (ط) و (ز): «القِلى» .

في حين جاء عجز البيت في (ع) و (ن): وحق الهوى عن داره متحول.

(4)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها. وقيل: هو ما انفرد عن الزهري وقتادة.» .

(5)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «وينقسم إِلى صحيح وغيره، ومنه المتواتر المعروف في الفقه وأصوله» .

ص: 46

فَرِفْقاً «بمَقْطُوعِ» الوسائل ما لَهُ

إِليك سبيلٌ، لا؛ ولا عنك مَعدِلُ

‌المَقطوع

مِنْ الحديث غير المُنقطع، ويُقال في جمعه: مقاطيع ومقاطع، وهو

(1)

ما جاء عن التَّابعين موقوفاً عليهم مِنْ أقوالهم وأفعالهم.

فلا زِلْتَ في عِزٍّ مَنيعٍ ورِفْعةٍ

وما زِلْتَ

(2)

«تعلُو» بالتَّجنِّي «فأنْزِلُ»

أصلُ الإِسنادِ أولاً

(3)

خَصيصةٌ فاضلةٌ مِنْ خصائص هذه الأُمَّة، وسُنَّةٌ بالغةٌ مِنْ السُّنَنِ المؤكَّدة.

قال ابنُ المبارك: الإِسنادُ مِنْ الدِّين، ولولا الإِسنادُ لقال مَنْ شاءَ ما شاء

(4)

.

وطلبُ‌

‌ العُلوِّ

فيه سُنَّةٌ أيضاً. قال الإِمام أحمدُ بن حَنبل: طلبُ الإِسناد العالي سُنَّةٌ عَمَّن سَلَف

(5)

.

وقيل ليحيى بن مَعين في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ قال: بيتاً خالياً؛ وإِسناداً عالياً.

(1)

في (ص) و (س 5): «هو الموقوف على التابعي قولاً أو فعلاً، واستعمله الشافعي رضي الله تعالى عنه في المنقطع» .

(2)

«ما زلت» في (ص) و (س 1) و (س 2) و (س 3) و (س 4) و (م 1) و (م 2): لا زلت.

(3)

«أصل الإسناد أولاً» مكانها في (ص) و (س 5): «معرفة الإِسناد العالي» .

(4)

رواه مسلم في مقدمة صحيحه: باب بيان أن الإِسناد من الدين. (1/ 15).

(5)

رواه الخطيب في «الجامع» (1/ 123).

ص: 47

والإِسنادُ العالي

(1)

على أقسامٍ منها:

القُرْبُ مِنْ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بإِسنادٍ نظيفٍ غير ضعيف. وذلك مِنْ أَجَلِّ أنواع العُلوِّ

(2)

.

قال الإِمام محمد بن أَسلم: قُرْبُ الإِسناد قُرْبَةٌ إِلى الله عز وجل

(3)

.

أُوَرِّي بسُعْدَى والرَّبَابِ وزَينبٍ

وأنتَ الذي تُعْنَى وأنت المُؤمَّلُ

فخُذْ أولاً مِنْ آخرٍ ثم أوَّلاً

مِنْ النِّصفِ منه فهو فيه مُكمَّلُ

أَبَرُّ إِذا أقسمتُ أنِّي بحُبِّهِ

أَهِيمُ وقلبي بالصَّبابة يُشْعَلُ

إِذا أخذتَ الكلمةَ الأُولى مِنْ أوَّلِ البيت الأخير. والأُلى مِنْ أوَّلِ نصفه صار «إِبراهيم»

(4)

. وهو المقصودُ. والله أعلم.

(تمَّت)

(1)

«الإِسناد العالي» كذا في الأصل و (ك)، وفي بقية النسخ: والعلو.

(2)

زاد في (ص) و (س 5) بعد هذا الموضع: «الثاني: القرب من إِمام من أئمة الحديث؛ وإِنْ كَثُرَ بعده العدد إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: العلو بالنسبة إِلى رواية أحد الكتب الخمسة، أو غيرها من المعتمدة، وهو ما كَثُرَ اعتناء المتأخرين به؛ من الموافقة والمساواة والمصافحة».

(3)

رواه الخطيب في «الجامع» (1/ 123).

(4)

«صار إبراهيم» في (س): صار اسم المتغزل فيه، وهو الملغوز في هذه الأبيات، وهو إبراهيم.

ص: 48

قال ابن عُروة الحنبلي معلقاً على كلام ابن عبد الهادي في طُرُق معرفة الحديث الموضوع:

(فصل)

قال كاتبُهُ: القلبُ إِذا كان نقيّاً نظيفاً زاكياً؛ كان له تمييزٌ بين الحقِّ والباطل، والصِّدق والكذب، والهُدى والضَّلال، ولا سيَّما إِذا كان قد حَصَلَ له إِضاءةٌ وذوقٌ مِنْ النُّور النبويِّ، فإِنَّهُ حينئذ يَظهرُ له خبايا الأمور، ودسائسُ الأشياء، والصحيحُ من السقيم.

ولو رُكِّبَ على مَتْنٍ ألفاظُه

(1)

موضوعة على الرَّسول صلى الله عليه وسلم إِسنادٌ صحيح، أو على مَتْنٍ صحيح إِسنادٌ ضعيف؛ لمَيَّزَ ذلك وعَرَفه، وذَاقَ طعمَه، وميَّزَ بين غَثِّهِ وسمينهِ، وصحيحِهِ وسقيمِهِ، فإِنَّ ألفاظَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم لا تخفى على عَاقلٍ ذَاقَها. ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اتقوا فِرَاسَةَ المؤمن، فإِنَّهُ يَنْظُرُ بنُورِ اللهِ»

(2)

رواه الترمذيُّ مِنْ حديث أبي سعيد.

(1)

«ألفاظه» في (ك): ألفاظ.

(2)

رواه الترمذي (3127)، والبخاري في «التاريخ الكبير» 7/ رقم (1529)، والطبري في «تفسيره» (14/ 46) ط/ البابي الحلبي (الحجر: 75)، والعُقَيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 129)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 281 - 282) وغيرهم عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري به.

قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه مِنْ هذا الوجه.

وانظر: «السلسلة الضعيفة» للعلامة الألباني رحمه الله رقم (1821).

ص: 49

وقال جماعةٌ مِنْ السَّلف في قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] أي: للمُتَفَرِّسين

(1)

.

وقال معاذُ بن جَبَل: إِنَّ للحقِّ مناراً كمَنَارِ الطَّريق.

وإِذا كان الكُفَّار لمَّا سمِعُوا القرآنَ في حَالِ كُفرِهم قالوا: إِنَّ له لحَلَاوة، وإِنَّ عليه لطَلَاوة، وإِنَّ أسفلَه لمُغْدِق، وإِنَّ أعلاه لمُورق، وإِنَّ له لثَمَرة، وإِنَّ له في القلوب لصَولَة؛ ليست بصولَة مُبطل

(2)

. فما الظَّنُّ بالمؤمن التَّقيِّ النَّقيِّ، الذي له عقلٌ تامٌّ عند

(1)

رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (14/ 45 - 46) ط/ البابي الحلبي (الحجر: 75) عن قيس وابن أبي نجيح وابن جُريج، عن مجاهد.

ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (3/ 194)، ومن طريقه المِزيُّ في «تهذيب الكمال» (5/ 84) عن جعفر بن محمد الصادق.

(2)

رواه الحاكم (2/ 506 - 507)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 198 - 199)، والواحدي في «أسباب النزول» ص (295)، من طريق عبد الرزاق الصنعاني، عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي .. فذكره.

قال الحاكم: صحيح الإِسناد على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. قلت: هكذا رواه معمر بن راشد عن أيوب متصلاً.

قال يحيى بن معين: إِذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه؛ إِلا عن الزهري وابن طاوُس، فإِنَّ حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا. «تهذيب التهذيب» 10/ 245. وأيوب بصري!

وخالفه عن أيوب نفسِه: حماد بن زيد، فرواه عن أيوب، عن عكرمة مرسلاً. فيما رواه البيهقي في «الدلائل» (2/ 199).

قال يحيى بن معين: ليس أحدٌ في أيوب أثبت من حماد بن زيد. «الجرح والتعديل» 3/ رقم (617).

ورواه معمر -أيضاً- عن عباد بن منصور، عن عكرمة، مرسلاً. =

ص: 50

وُرُودِ الشُّبُهَات، وبَصَرٌ نافذٌ عند وُرُودِ الشَّهوات؟

قال بعضُ السَّلف: إِنَّ العبدَ ليَهُمُّ بالكذب، فأعرفُ مُراده قبل أنْ يتكلَّم. وقد قال تعالى:{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]. وقد كان عُمر بن الخطَّاب له حَظٌّ مِنْ ذلك، كقصَّته مع سَوَاد بن قَارب

(1)

وغيره.

فإِنَّ‌

‌ القلبَ الصافي له شعورٌ بالزَّيغ والانحراف

في الأقوال والأعمال. فإِذا سَمِعَ الحديثَ؛ عَرَفَ مخرجَه مِنْ أين، وإِنْ لم يتكلَّم فيه الحفاظ وأهلُ النَّقْد.

فمَنْ كانت أعمالُه خالصةً لله، موافقةً للسُنَّة، مَيَّزَ بين الأشياء؛ كذِبِها وصِدْقِها، بشواهدَ تظهر له على صفحات الوجوه وفَلَتات الألسِنَة.

قال شاهُ الكرماني

(2)

: مَنْ عَمَرَ باطنَهُ بدوام المُراقبة، وظاهرَهُ

(1)

فيما رواه ابن جرير الطبري (29/ 156) ط/ البابي الحلبي (المدثر: 18 - 25).

قال البيهقي عن هذ الأوجه المرسلة: وكل ذلك يؤكد بعضه بعضاً.

ثم رواه البيهقي من طريق ابن إِسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس به.

ومحمد بن أبي محمد هذا؛ قال الذهبي في «الميزان» : لا يُعرف.

() رواه البخاري (3866) عن عبد الله بن عمر قال: بينما عُمر جالس إِذْ مَرَّ به رجل جميل، فقال عُمر: لقد أخطأ ظني، أو إِنْ هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم .. الحديث.

قال الحافظ: هذا الرجل هو سواد بن قارب «الفتح» 7/ 179.

وقد بسط الحافظ ابن حجر طرق قصة سواد بن قارب في «الإصابة» (3/ 219) ط/ دار النهضة.

(2)

هو أبو الفوارس، شاه بن شجاع الكرماني. يقال: إِنْ أصله من مَرو. من =

ص: 51

باتِّباع السُّنَّة، وغَضَّ بصرَهُ عن المحارم، وعوَّد نفسه أكلَ الحلال، لم تُخطئ له فِرَاسة

(1)

.

فالله سبحانه هو الذي يخلق الرُّعبَ والظُّلمة في قلوب الكافرين، والنُّورَ والبُرهانَ في قلوب المتَّقين. ولهذا ذَكَرَ الله أيةَ النور عقيب غَضِّ البصر وكَفِّ النفس عن المحارم.

وكذلك إِذا كان العبدُ صَدوق اللسان؛ كان أقوى له وأتَمَّ على معرفة الأكاذيب والموضوعات، فإِنَّ الجزاءَ مِنْ جنس العمل.

فيُثيبُ اللهُ الصادق حلاوة الصِّدق، ويَجِدُ للكذب مَضَاضةً ومرارة يَنْبُو عنها سمعُه، ولا يقبلها عقلُه.

ولما قَدِمَ وَفْدُ هوازن على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مسلمين، وسألوه أن يَرُدَّ عليهم سَبْيَهم ومالَهم، قال لهم:«أَحَبُّ الحديثِ إِليَّ أصدقُه»

(2)

.

ولهذا كان كعبُ بن مالك بعد أنْ عَمِيَ إِذا تكلَّم الرَّجُلُ بين يديه بالكذب؛ يقول له: اسْكُتْ؛ إِنِّي لأجدُ مِنْ فيكَ رائحةَ الكذبِ. وإِذا سَمِعَ حديثاً مكذوباً عَرَفَ كذِبَه. وذلك أَنَّه أجمعَ الصِّدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قَدِمَ مِنْ غزوة تبوك، وأنزل الله

(1)

مشايخ الصوفية. مات قبل الثلاث مئة.

انظر: «طبقات الصوفية» للسُّلمي ص (192)، «حلية الأولياء» (10/ 237).

() رواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 237).

(2)

رواه البخاري (2307، 2308).

ص: 52

عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

(1)

[التوبة: 119].

فإِنَّ الله سبحانه يُلهِمُ الصَّادقَ الزَّكيَّ معرفةَ الصِّدقِ مِنْ الكذب، كما في الحديث:«الصِّدقُ طُمأنينةٌ، والكَذِبُ رِيْبَةٌ»

(2)

. وقال لوَابِصَةَ: «اسْتَفْتِ قلبَك»

(3)

. وقد تَرَكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه؛ رواها البخاري (4418)، ومسلم (2769). وقال كعب بعد أنْ نزلت توبته:«يا رسول الله، إِنْ الله إِنما نجَّاني بالصِّدق، وإِنَّ من توبتي أن لا أحدِّث إِلا صِدقاً ما بقيت. فوالله ما أعلمُ أحداً من المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني» .

(2)

رواه أبو داود الطيالسي (1178)، وعبد الرزاق 3/ (4984)، وأحمد (1/ 200)، والنسائي (8/ 327)، والترمذي (2518)، والطحاوي في «بيان المشكل» 5/ (2140)، وابن خزيمة (2348)، وأبو يعلى (6762)، وابن حبان 2/ (722)، والحاكم (2/ 13) و (4/ 99)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (275)، وغيرهم كثير، عن: بُريد بن أبي مريم، عن أبي الحَوراء السعدي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

والحديث صحَّحه: الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن حجر. انظر:«نتائج الأفكار» (2/ 139).

وله متابعات وشواهد بسطتها في تخريج أحاديث «شفاء العليل» ص (336).

(3)

رواه أحمد (4/ 228)، والدارمي (2575) ت/ حسين أسد، وأبو يعلى (1586، 1587)، والطحاوي في «بيان المشكل» 5/ (2139)، والطبراني في «المعجم الكبير» 20/ (403) عن الزبير أبي عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز الفهري، عن وَابصة بن معبد الأسدي، به مرفوعاً.

قال ابنُ رجب الحنبلي: «في إِسناد هذا الحديث أمران؛ يوجب كلٌّ منهما ضعفه: =

ص: 53

أُمَّتَه على البيضاء، ليلُها كنهارها. وهذا مِنْ أدلِّ الأشياء على ما قُلنا.

وإِنَّما يُؤتى الإِنسانُ، ويَدخلُ الزيفُ عليه والباطلُ مِنْ نَقْصِ متابعتِهِ للرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، بخلاف المؤمنِ المحسنِ؛ المتَّبعِ له في أقوالِه وأفعالِه. فإِنَّ أقوالَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم عليها جَلالةٌ ولها نَاموسٌ.

ولقد رأيتُ رَجُلاً إِذا سَمِعَ حديثاً مرويّاً عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان ليس مما قاله؛ يردُّه، ويقول: هذا موضوع أو ضعيف أو غريب. مِنْ غير أنْ يسمعَ في ذلك بشيء، فيُكشف عنه، فإِذا هو كما قال، وكان قَلَّ أنْ يخطئ في هذا الباب!

فإِذا قيل له: مِنْ أين لك هذا؟

يقول: كلامُ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم عليه جَلالةٌ، وفيه فُحولةٌ ليست لغيره مِنْ النَّاس، وكذلك كلامُ

(1)

أصحابِهِ.

وكنت أكشفُ عمَّا يقول، فأجِدُه غالباً كما قال. وكان من أتبع النَّاس للسُّنَّة، وأقلاهم للبِدَعِ والأهواءِ. وكذلك كان يقعُ هذا كثيراً.

(1)

أحدهما: انقطاعه بين الزبير وأيوب، فإِنه رواه عن قوم لم يسمعهم (كذا! ولعلها: يُسمِّهم).

والثاني: ضعف الزبير هذا، قال الدارقطني: روى أحاديث مناكير، وضعفه ابن حبان أيضاً.

وقد رُوي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وبعض طُرُقِه جيدة». «جامع العُلوم والحكم» الحديث (27).

()«كلام» في (ك): لكلام.

ص: 54

فإِنَّ الدِّين هو فِعْلُ ما أَمَرَ الله به، وتَرْكُ ما نهى الله عنه، فمَنْ تلبَّس في باطنِه بالإِخلاص والصِّدق، وفي ظاهره بالشَّرع؛ لانت له الأشياءُ، ووَضَحَتْ على ما هي عليه. عكس حال أهل الضَّلال والبِدَع الذين يتكلَّمون بالكَذِب والتَّحريف، فيُدْخِلُون في دِيْن الله ما ليس منه.

وانظر ألفاظَ القرآن؛ لمَّا كانت محفوظةً منقولةً بالتواتر، لم يطمع مُبْطِلٌ ولا غيرُه في إِبطال شيء منه، ولا في زيادة شيء فيه، بخلاف الحديثِ، أو كثير منه، فإِن المُحرِّفين والوضَّاعين تصرَّفوا فيه بالزيادة والنُّقصان، والكذب والوَضْع في مُتُونه وأسانيده.

ولكن؛ أقام اللهُ له مَنْ ينفي عنه تحريف الغاَلين وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين، ويحميه مِنْ وَضْعِ الوضَّاعين. فَبيَّنوا ما أَدخلَ أهلُ الكذب والوَضْعِ فيه، وأهلُ التَّحريف في معانيه، كمَن صنَّف في الصَّحيح؛ كالبخاريِّ ومُسلم وابنِ خزيمةَ وأبي حَاتم ابن حِبَّان

(1)

وابن مَنْده والحاكم وأبي عَوانة، ونحو هؤلاء مِمَّنْ تكلَّم على الحديث الصَّحيح.

وكذلك أهلُ السُّنن؛ كأبي داود والنَّسائيِّ والتِّرمذيِّ وابن ماجه.

وكذلك أهلُ المَسَانيد؛ كمُسند أحمد ونحوه. وكمالك، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شَيبة وغيرهم. مِمَّنْ تكلَّم على الحديث.

وكذلك الذين تكلَّموا على الرِّجَال وأسانيدها؛ كيحيى بن سعيد

(1)

زاد في الأصل بعد هذا الموضع: «وابن ماجه» والظاهر أن الناسخ قد انتقل نظره سهواً إلى السطر الذي يليه.

ص: 55

الأنصاري، ويحيى القطَّان، وشُعبة، وسفيان، وسفيان

(1)

، وابن مَعِين، وابنِ المَدِيني، وابن مَهْدي وغيرهم.

فهؤلاء وأمثالهم هم أهل الذَّبِّ عن أحاديث رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.

عكس حال مَنْ صنَّف كُتُباً فيها مِنْ الموضوعات شيء كثير، وهُو لا يُميِّز ولا يعرفُ الموضوعَ والمكذوبَ مِنْ غيره، فيجيء الغِرُّ الجاهلُ فيرى حديثاً في كتابٍ مصنَّفٍ فيغترُّ به وينقلُه، وهؤلاء كثير أيضاً، مثل: مُصنِّف كتاب «وسيلة المتعبدين» الذي صنَّفه الشيخ: عُمر المَوْصلي

(2)

. ومثل: «تنقلات الأنوار» للبكري، الذي وضع فيه مِنْ الكذب ما لا يخفى على مَنْ له أدنى مِسْكة عَقْلٍ.

بل قد أنكرَ العُلماء على أهلِ

(3)

التَّصوف كثيراً مما ذكروه في كتبهم مِنْ الأحاديث التي يعلمون

(4)

أنها من الموضوعات، ومِن

تفاسير آيات يعلمون أَنَّها مخالفة، مع أَنَّهم قومٌ أحبُّوا الأعمالَ.

(1)

كذا في الأصل و (ك)«سفيان وسفيان» مكرر، ويُحمل على: سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عُيينة.

(2)

هو شيخ الموصل، أبو حفص، معين الدين، عمر بن خضر الإِربلي، الموصلي، الملَّاء.

كان صالحاً زاهداً، له أخبار مع نور الدين زنكي، أمر الملك نور الدين زنكي نوابه في الموصل أن لا يبرموا أمراً حتى يعلموا الشيخ عمر الموصلي به. توفي سنة (570 هـ).

وذكر الزركلي أنه يوجد بضعة أجزاء مخطوطة من كتابه «وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين» في معهد المخطوطات. «البداية والنهاية» (16/ 446) ط/ هجر. «الأعلام» (5/ 60).

(3)

في الأصل: «أقل» والمثبت من (ك).

(4)

«يعلمون» في الأصل و (ك): يعلموا.

ص: 56

وكذلك أهلُ التفسير، يضعون في تفاسيرهم أحاديثَ مكذوبة.

وكذلك كثيرٌ من الفقهاء؛ يستدلُّون في كُتُبهم على المسائل بأحاديثَ ضعيفةٍ أو مكذوبةٍ، ومَن لم يميِّز يَقَع في غلط عظيم، فالله المستعان.

وقد فَرَّقَ اللهُ بين الحَقِّ والباطل بأهلِ النُّور والإِيمان والنَّقْد، العَارفين بالنَّقْلِ، والذَّائِقين كلامَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم بالعقل.

وقد صَنَّفوا في ذلك كُتُباً في الجرح والتعديل. فهذا العِلم مُسَلَّمٌ لهم، لهم فيه طُرُقٌ ومعارف يختصُّون بها. وقد قال الإِمام أحمد: ثلاثةُ

(1)

عُلوم ليس لها أُصُول: المغازي والملاحم والتفسير. ومعنى ذلك: أَنَّ الغالب عليها أَنَّها مرسلَة.

وكذلك «قِصص الأنبياء» للبخاري

(2)

والثعلبي

(3)

فيها ما فيها.

والمقصود: أَنَّ الصَّادق تَمُرُّ به أحاديثُ يقطعُ قلبُه بأَنَّها موضوعة أو ضعيفة.

(1)

«ثلاثة» في الأصل و (ك): ثلاث.

(2)

«للبخاري» كذا في الأصل، وفي (ك): للكسائي.

ولعله إِسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم البخاري، مصنِّف كتاب «المبتدأ» وهو كتاب مشهور حدَّث فيه ببلايا وموضوعات.

قال ابن المديني: كذاب. قال الدارقطني: متروك الحديث. انظر: «السير» 9/ 477.

(3)

هو أبو إِسحاق، أحمد بن محمد بن إِبراهيم النيسابوري.

وكتابه المشار إِليه اسمه «العرائس في قصص الأنبياء» . توفي سنة سبع وعشرين وأربع مئة. «السير» 17/ 435.

ص: 57

قال شيخ الإِسلام أبو العبَّاس ابن تيمية: القلبُ المعمور بالتقوى؛ إِذا رجَّح بمجرد دِراية

(1)

فهو ترجيح شرعي. قال: فمتى ما وقَعَ عنده، وحصل في قلبه ما يظَنُّ معه أَنَّ هذا الأمرَ، أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله؛ كان هذا ترجيحاً بدليل شرعي.

والذين أنكروا كون الإِلهام ليس طريقاً إِلى الحقائق مطلقاً أخطؤوا. فإِذا اجتهد العبدُ في طاعة الله وتقواه، كان ترجيحُه لما رَجَّحَ أقوى مِنْ أدلَّةٍ كثيرةٍ ضعيفةٍ، فإِلهامُ مثل هذا دليلٌ في حَقِّه، وهو أقوى مِنْ كثير من الأقيسةِ الضَّعيفةِ والموهومة، والظَّواهر والاستصحاباتِ الكثيرة التي يَحتجُّ بها كثيرٌ مِنْ الخائضين في المذاهب والخِلاف وأصول الفقه.

وقد قال عُمر بن الخطَّاب: اقتربُوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإِنهم تتجلَّى لهم أمورٌ صادقة.

وحديث مكحول المرفوع: «ما أخلص عبدٌ العبادةَ للهِ تعالى أربعينَ يوماً؛ إِلا أجرى اللهُ الحِكمةَ على قلبِهِ، وأنطقَ بها لِسانَهُ»

(2)

.

(1)

«دراية» في ك: «رأيه» .

(2)

رواه الحسين المروزي في «زوائد الزهد» لابن المبارك (1014)، وهناد بن السري في «الزهد» له (690)، وأبو بكر بن أبي شيبة في «مصنفه» (13/ 231)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 70) عن أبي معاوية وأبي خالد الأحمر، عن حجاج، عن مكحول به.

حجاج هو ابن أرطاة: يخطئ ويدلس. ومكحول تابعي وقد أرسله. وروي عن مكحول مسنداً متصلاً.

رواه أبو نعيم في «الحلية» (5/ 189)، ومن طريقه ابن الجوزي في =

ص: 58

وفي رواية: «إِلا ظهرت ينابيعُ الحِكمةِ مِنْ قلبهِ على لِسانهِ» .

وقال أبو سُليمان الدَّاراني: إِنَّ القُلوبَ إِذا أجمعت على التَّقوى جَالت الملكوتَ، ورجعتْ إِلى صاحِبِها بِطُرَفِ الفوائد، مِنْ غير أن يُؤدِّي إِليها عالمٌ عِلماً

(1)

.

وقد قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ

(1)

«الموضوعات» 3/ (1628) من طريق يزيد الواسطي، عن مكحول، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

قال أبو نعيم: كذا رواه يزيد الواسطي. ورواه ابن هارون، ورواه أبو معاوية عن الحجاج فأرسله.

قال ابن الجوزي: يزيد الواسطي هو يزيد بن عبد الرحمن، قال ابن حبان: كان كثير الخطأ وفاحش الوهم، خالف الثقات في المرويات، ولا يجوز الاحتجاج به. وحجاج مجروح .. ولا يصح لقاء مكحول لأبي أيوب.

وروي من حديث ابن عباس وأبي موسى الأشعري.

فأما حديث ابن عباس؛ فرواه القضاعي في «مسند الشهاب» (466)، ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات» 3/ (1630) من طريق سوَّار بن مصعب، عن ثابت البناني، عن مقسم، عن ابن عباس، به مرفوعاً.

قال ابن الجوزي: قال أحمد ويحيى والنسائي: سوَّار بن مصعب متروك الحديث. وقال يحيى مرَّة: ليس بثقة؛ ولا يكتب حديثه.

وأما حديث أبي موسى الأشعري؛ فرواه ابن عَدي في «الكامل» (6/ 533) - ترجمة عبد الملك بن مهران، ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات» 3/ (1629) من طريق عبد الملك بن مهران، ثنا معن بن عبد الرحمن، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري به. قال ابن عَدي: هذا متنه منكر، وعبد الملك بن مهران مجهول ليس بالمعروف.

() رواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 14) من طريق أحمد بن أبي الحواري، عن أبي سليمان.

ص: 59

بُرهانٌ، والصَّبرُ ضِياءٌ»

(1)

. ومَنْ معه نورٌ وبُرهان وضِياء؛ كيفَ لا يعرفُ حقائقَ الأشياء مِنْ فحوى كلامِ أصحابها؛ ولا سيَّما الأحاديث النبويَّة؟ فإِنَّه يعرفُ ذلك معرفةً تامّةً؛ لأنه قاصدٌ العملَ بها، فتتساعد في حَقِّهِ هذه الأشياء مع الاقتداء ومحبَّةِ اللهِ ورسولِهِ، حتى إِنَّ المُحبَّ يعرِفُ مِنْ فحوى كلام محبُوبه مرادَه منه تلويحاً لا تصريحاً.

والعينُ تعرف مِنْ عَيني محدِّثها

إِنْ كان مِنْ حزبها أو من أعاديها

وكما قيل

(2)

:

إِنارةُ العقلِ مكسوفٌ بطوع هوًى

وعقلُ عاصي الهوى يزداد تنويرا

وفي الحديث الصحيح: «لا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إِليَّ بالنَّوافِلِ حتى أُحِبَّه، فإِذا أحببتُهُ كنت سَمْعَهُ الذي يسمعُ به، وبصرَهُ الذي يُبصِرُ به، ويدَهُ التي يبطِشُ بها، ورِجْلَهُ التي يمشي بها»

(3)

. ومَن كان توفيق

(4)

الله له كذلك، فكيف لا يكون ذا بصيرةٍ نافذةٍ، ونَفْسٍ فعَّالة.

وإِذا كان الإِثمُ والبِرُّ في صُدور الخَلْقِ له تردُّدٌ وجَولان، فكيف حالُ مَنِ اللهُ سمعُه وبصرُه، وهو في قلبِهِ. وقد قال ابنُ مسعود: الإِثمُ حَواز

(5)

(1)

رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري.

(2)

«كما قيل» ليست في الأصل، واستدركت من (ك).

(3)

رواه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة.

(4)

في الأصل: «يوفق» . والمثبت من (ك).

(5)

بفتح الحاء المهملة، وتشديد الواو، وهو ما يحوزها ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن.

وقيل: بتخفيف الواو، وتشديد الزاي، جمع حازّة، وهي الأمور التي =

ص: 60

القلوبِ

(1)

. وقد قدَّمنا أَنَّ الكذب رِيبة، والصِّدق طُمأنينة. فالحديث الصِّدق تطمئنُّ إِليه النَّفْسُ، ويطمئنُّ إِليه القلبُ.

(1)

تحزُّ في القلوب، وتحك وتؤثر، وتتخالج في القلوب أن تكون معاصي. وهذا أشهر.

انظر «النهاية» (1/ 377)، و «الترغيب والترهيب» (2848).

() رواه الإِمام أحمد [انظر «جامع العلوم والحكم» الحديث (27)]، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 134، 135) عن جرير.

ورواه ابن أبي عمر العدني في «مسنده» [انظر «المطالب العالية» (1605)] عن سفيان بن عُيينة.

ورواه الطبراني في «الكبير» 9/ (8748) عن زائدة.

كلهم (جرير، وسفيان، وزائدة) عن منصور، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، به موقوفاً.

ورواه الطبراني في «الكبير» 9/ (8749) عن زائدة، عن الأعمش، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، به موقوفاً.

خالفهم: سعيد بن منصور.

فرواه عن سفيان، عن منصور، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم. به مرفوعاً!

فيما رواه البيهقي في «شُعب الإِيمان» 10/ (5051).

ورواية الجماعة أَولى بالصواب.

قال المنذري: قيل: إِنَّ صوابه موقوف. «الترغيب والترهيب» (2848). قال ابن رجب: صَحَّ عن ابن مسعود، واحتجَّ به الإِمام أحمد. «جامع العلوم والحكم» حديث رقم (27).

قلت: احتجَّ به الإِمام أحمد في عدَّة مواضع. انظر «الورع» له ص (43، 45، 49).

قال العراقي: المعروف أنه من قول ابن مسعود .. وإسناده صحيح. «تخريج أحاديث الإحياء» جمع/ الحداد، رقم (80).

ص: 61

وأيضاً: فإِنَّ الله فَطَرَ عبادَه على الحقِّ، فإِذا لم تستحل

(1)

الفِطرة؛ شاهدت الأشياء على ما هي عليه، فأنكرتْ منكرَها، وعرفتْ معروفها. قال عُمرُ: الحقُّ أبلجُ، لا يخفى على فَطِنٍ.

فإِذا كانت الفِطْرَةُ مستقيمةً على الحقيقة، منوَّرة بنور القرآن، تجلَّت لها الأشياءُ على ما هي عليه في تلك المرايا الصقيلة

(2)

، وانتفت

(3)

عنها ظُلمات الجهالات، فرأت الأمورَ عِياناً مع غيبها عن غيرها.

وفي «السُّنَنِ» و «المُسند» وغيرِه عن النَّوَّاس بن سَمْعَان، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ضَرَبَ اللهُ مثلاً صِراطاً مُستقيماً، وعلى جَنْبَتَي الصِّراط سُورانِ، وفي السُّورين أبوابٌ مُفتَّحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتورٌ مُرْخاةٌ، ودَاعٍ يدعو على رأسِ الصِّراطِ، ودَاعٍ يدعو مِنْ فوقِ [الصِّراطِ]

(4)

، فالصِّراطُ المستقيمُ هو الإِسلامُ، والسُّتورُ المُرْخَاةُ حُدودُ اللهِ، والأبوابُ المُفتَّحةُ مَحَارِمُ اللهِ، فإِذا أراد العبدُ أنْ يفتحَ باباً من تِلكَ الأبوابِ ناداه المُنادي: يا عبدَ اللهِ، لا تفتَحْهُ، فإِنَّك إِنْ تفتَحْهُ تَلِجْهُ، والدَّاعي على رأس الصِّراطِ كتابُ اللهِ، والدَّاعي فوقَ الصِّراطِ واعظُ اللهِ في قلبِ كُلِّ مؤمن»

(5)

.

(1)

في الأصل: «تستحيل» والمثبت من (ك).

(2)

«الصقيلة» مكانها بياض في الأصل، في حين أُلحقت في هامش (ك) وظهر منها:(الصـ قـ لـ) ولعل المراد ما أثبته.

(3)

في الأصل و (ك): انتقفت.

(4)

زيادة من «المسند» للإِمام أحمد.

(5)

رواه الإِمام أحمد (4/ 182)، والطبري في «تفسيره» (1/ 75) ط/ البابي الحلبي - (الفاتحة: 6)، والطحاوي في «بيان المشكل» 5/ (2141)، =

ص: 62

فقد بَيَّنَ في هذا الحديثِ العظيمِ -الذي مَنْ عَرَفَهُ انتفع به انتفاعاً بالغاً؛ إِنْ ساعدَه التوفيقُ، واستغنى به عن عُلومٍ كثيرةٍ- أَنَّ في قلبِ كُلِّ مؤمن واعظاً

(1)

، والوعظُ: هو الأمرُ والنَّهيُ، والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ، وإِذا كان القلبُ معموراً بالتَّقوى انجلت له الأمورُ وانكشفت، بخلاف القلبِ الخَراب المظلم. قال حذيفةُ بن اليَمان: إِنَّ في قلبِ المؤمنِ سِراجاً يَزْهَرُ

(2)

.

وفي الحديث الصحيح: «أَنَّ الدَّجَّال مكتوبٌ بين عينيه:

(1)

و (2142)، وابن أبي عاصم في «السُّنة» (19)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (33)، والطبراني في «مسند الشاميين» (2024)، والرامهرمزي في «الأمثال» (3)، والحاكم (1/ 73) وغيرهم. عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان، به.

ورواه أحمد (4/ 183)، والترمذي (2859)، وابن أبي عاصم في «السُّنة» (18)، والنسائي في «الكبرى» 6/ (11233)، والطحاوي في «بيان المشكل» 5/ (2143) عن بقية بن الوليد، عن بَحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن النواس، به.

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم؛ ولا أعرف له علّة. ووافقه الذهبي.

قال ابن كثير: إِسناده حسن صحيح. «التفسير» (الفاتحة: 6).

() في الأصل و (ك): واعظ.

(2)

رواه عبد الله بن المبارك في «الزهد» (1439)، وعبد الله بن أحمد في «السُّنة» (820) - عن أبيه وِجادة، وأبو بكر بن أبي شيبة (11/ 36) و (15/ 109)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 276) عن عَمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن حذيفة، به.

ص: 63

كافر، يقرؤه كُلُّ مؤمن، قارئٍ وغيرِ قارئ»

(1)

. فدلَّ على أَنَّ المؤمنَ يتبيَّن له ما لا يتبيَّنُ لغيره. ولا سيَّما في الفِتن، وينكشفُ له حالُ الكذَّاب الوضَّاع على الله ورسولِه. فإِنَّ الدَّجَّال أكذبُ خَلْقِ اللهِ؛ مع أَنَّ الله يُجْرِي على يديه أموراً هائلةً، ومخاريقَ مزلزلةً، حتى إِنَّ مَنْ رآه افتُتِنَ به، فيكشِفُها اللهُ للمؤمن حتى يعتقد كَذِبَها وبُطلانها.

و‌

‌كلما قَوِيَ الإِيمانُ في القلب؛ قَوِيَ انكشافُ الأمورِ له

وعرفَ حقائقَها من بواطلها. وكلما ضَعُفَ الإِيمانُ ضَعُفَ الكشفُ. وذلك مثل السِّراج القوي والسِّراج الضَّعيف في البيت المُظلم، ولهذا قال بعضُ السَّلفِ في قوله تعالى:{نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35] قال: هو المؤمنُ ينطقُ بالحِكمة المطابقةِ للحقِّ، وإِنْ لم يسمع فيها بالأثر. فإِذا سَمِعَ فيها بالأثر؛ كان نوراً على نور. فالإِيمانُ الذي في قلب المؤمن يطابق نور القرآن. فالإِلهام القلبي تارة يكون مِنْ جِنْسِ القولِ والعِلم والظَّنِّ؛ أَنَّ هذا القولَ كَذِبٌ، وأَنَّ هذا العملَ باطلٌ، أو هذا أرجح مِنْ هذا وأصوب.

وفي «الصَّحيح» عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثُونَ، فإِنْ يكن في أُمَّتي منهم أحدٌ فعُمَرُ»

(2)

.

(1)

رواه البخاري (1131) من حديث أنس بن مالك؛ دون قوله: «يقرؤه كل مؤمن؛ قارئ.» .

ورواه مسلم (2934) من حديث حذيفة؛ إِلا أنه قال: «كاتب وغير كاتب» . مكان: «قارئ وغير قارئ» .

(2)

رواه البخاري (3689) من حديث أبي هريرة. ورواه مسلم (2398) من حديث عائشة.

ص: 64

والمُحَدَّثُ: هو المُلْهَمُ المخاطَبُ في سِرِّه، وما قال عُمرُ لشيءٍ إِنِّي لأظنُّه كذا وكذا؛ إِلا كان كما ظَنَّ. وكانوا يَرَون أَنَّ السَّكينةَ تنطِقُ على قلبه ولسانه.

وأيضاً: فإِذا كانت الأمورُ الكونيَّةُ، قد تنكشِفُ للعبد المؤمن لقوَّة إِيمانه يقيناً وظنّاً، فالأمورُ الدِّينيَّةُ كَشْفُها له أَيسرُ بطريق الأَولى، فإِنَّه إِلى كَشْفِها أحوج. فالمؤمنُ تقعُ في قلبه أدلَّةٌ على الأشياء؛ لا يمكنه التعبيرُ عنها في الغالب، فإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لا يمكنه إِبَانةُ المعاني القائمةِ بقلبِه، فإِذا تكلَّم الكاذبُ بين يدي الصَّادق، عرف كذِبَه مِنْ فحوى كلامِه، فتدخُلُ عليه نخوةُ الحياءِ الإِيماني فتمنعُه البيانَ، ولكن هو في نَفْسِهِ قد أَخَذَ حِذْرَهُ منه، وربما لَوَّحَ أو صَرَّحَ به خوفاً مِنْ الله، وشفقةً على خَلْقِ الله؛ ليحذروا مِنْ روايته أو العمل به.

وكثيرٌ من أهل الإِيمان والكشف يُلقي اللهُ في قلبه أَنَّ هذا الطعامَ حرامٌ، وأَنَّ هذا الرَّجُلَ كافرٌ، أو فاسقٌ، أو دَيَّوثٌ، أو لُوطي، أو خمَّار، أو مُغَنِّي، أو كاذب، مِنْ غير دليل ظاهر، بل بما يُلقي الله في قلبه. وكذلك بالعكس، يُلقي في قلبه حُجَّةً

(1)

لشخص، وأَنَّه مِنْ أولياء الله، وأَنَّ هذا الرَّجُلَ صالح، وهذا الطعامَ حلالٌ، وهذا القولَ صِدْقٌ. فهذا وأمثالُه لا يجوز أن يُستبعد في حَقِّ أولياء الله المؤمنين المتِّقين، وقِصَّة الخَضِر مع موسى هي مِنْ هذا الباب، وأَنَّ الخَضِر عَلِم هذه الأحوال المعينة

(2)

بما أطلعه اللهُ عليه. وهذا باب واسع يطولُ بَسْطُهُ، قد نَبَّهنا فيه على نُكَتٍ شريفةٍ تُطلِعُك على ما وراءَها

(3)

.

(1)

«حجة» في «مجموع الفتاوى» : «محبة» .

(2)

«المعينة» كذا في الأصل و (ك)، ولعلَّ الصواب: المغيبة.

(3)

«مجموع الفتاوى» (20/ 42 - 48).

ص: 65

والمقصود: قول المؤلِّف الشَّارح: إِنَّ الحديثّ الموضوعَ يُعرف كونه موضوعاً إِما بإِقرار واضعه، أو بركاكة لفظه، أو غير ذلك. وقد أشرنا فيما كتبنا فيما تقدَّم أَنَّ‌

‌ أهل الإِيمان والتقوى والصِدْق والإِخلاص؛ لهم اطِّلاعاتٌ وكشفٌ وفِرَاساتٌ وإِلهاماتٌ يُلقيها اللهُ في قُلوبِهم،

يَعرفون بها صِدْقَ الصادق، وكَذِبَ الكاذب، ووَضْعَ الوضَّاعين، وصحيح الأخبار وكاذبها.

وقد كان أبو سليمان الداراني يُسمِّي أحمدَ بن عاصم الأنطاكي

(1)

: جاسوسَ القلوب؛ لِحدَّة فِرَاسته. فعليك يا أخي بالصِّدق، وإِيَّاك والكذب، فإِنَّه مجانبُ الإِيمان. واللهُ سبحانه أعلمُ بالصَّواب، وإِليه المنقلبُ والمآبُ، والحمدُ لله رَبِّ العالمين.

ولنرجعْ الآن إِلى الكلام الذي كُنَّا بصَدَدِهِ مِنْ معرفة الحديث.

(1)

هو الإِمام، القُدوة، الواعظ، الزاهد. كان من طبقة الحارث المحاسبي وبشر الحافي.

قال ابن كثير: له كلام حسن في الزهد ومعاملات القلوب.

قال الذهبي: لعله بقي إِلى نحو الثلاثين ومِئتين.

انظر: «الحلية» (9/ 280)، و «السير» (10/ 487) و (11/ 409) و «البداية والنهاية» (14/ 357) ط/ هجر.

ص: 66