المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب من اسمه إلياس ‌ ‌1000 - الشيخ الفاضل إلياس بن إبراهيم - البدور المضية في تراجم الحنفية - جـ ٥

[محمد حفظ الرحمن الكملائي]

فهرس الكتاب

‌باب من اسمه إلياس

‌1000 - الشيخ الفاضل إلياس بن إبراهيم السينابي

*.

كان رجلًا فاضلًا ذكيًّا، سريع الفِطْنَة، له مشاركة في أكثر الفنون، وكان مداومًا للاشتغال.

وله "شرح" لطيف على "الفقه الأكبر"، ورسائل متعلّقة بتفسير بعض الآيات، وحواش على "شرح المقاصد" للسيعد التفتازاني.

وكان حسن الخطّ، سريعه، قيل: إنه كتب "مختصر القدوري" في الفقه، في يوم واحد، وكتب "حواشي شرح الشمسية" للسيّد الشريف، في ليلة واحدة.

وكان خفيف الروح، لطيف المزاج.

وصار مدرّسًا بسلطانية "بروسة"، ومات وهو مدرّس بها.

نقله في "الشقائق".

* راجع: الطبقات السنية 2: 217.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 165، 166، وكشف الظنون 2: 1287، وهو فيه "السينوبي"، وفي بعض النسخ:"السيناني"، وفي بعض النسخ:"الشيناني"، والمثبت في الشقائق، وقد ذكر المؤلّف في آخر الكتاب نسبة "السيناني"، ولم يذكره فيها، وإنما ذكر الفضل بن موسى المحدّث السيناني.

ص: 5

قلت: ذكر صاحب "الكشف" عند ذكر شرّاح "الفقه الأكبر"، وإلياس بن إبراهيم السينوبي شرحه شرحا مفيدا.

* * *

‌1001 - الشيخ الفاضل إلياس بن شُجَاع الدين الرُّومِي

.

الْمُتَوفَّى سنة 929 تسع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة *.

لَهُ "شرح السمرقندية" فِي الْآدَاب، وحَاشِيَة على "شرح تَجْرِيد الْكَلَام".

* * *

‌1002 - الفاضل العالم المحدّث الجليل الداعية الكبير الورع الزاهد الشيخ إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي

* *.

وكان له اسم آخر تاريخي، هو أختر إلياس بن محمد إسماعيل الجهنجهانوي.

نسبه هكذا: محمد إلياس بن محمد إسماعيل بن غلام حسين بن حكيم كريم بخش بن حكيم غلام محي الدين بن محمد ساجد بن محمد فيض ابن

* راجع: هدية العارفين 1: 226.

* * جماعة التبليغ: 170 - 180، و 189 - 191، و 199 - 209، و 224 - 233.

ص: 6

حكيم محمد شريف ابن محمد أشرف بن جمال محمد شاه بن نور محمد، المعروف بابن شاه ابن بهاء الدين شاه بن محمد بن محمد فاضل بن قطب شاه ابن العلامة القاضي أبي سعيد القادري الرازي العراقي.

وينتمي هذا الشيخ إلى أسرة كريمة، هي أسرة صدّيقية، وقد اشتهرتْ في شبه القارّة الهندية الباكستانية، بما قدمته من خدمات جليلة شتى ميادين العلم، والدعوة، والتربية، والزهد، والتقوى، والتضحية في سبيل الدين، وهي أسرة تماثل أسرة الشاه ولي الله الدهلوي، رحمه الله تعالى، حتى ورثت واندمجت، وتكاتفت وتناصرتْ معها في جميع المجالات الدينية، حتى ورثت جميع علوم أسرة الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله، وحركاتها، وخدماتها في علوم الحديث، والتفسير، وميادين الجهاد، والدعوة، وكان آخر وريث لهذه الأسرة في علوم الحديث الشريف، هو إمام المحدّثين الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، المعروف باسم "شيخ الحديث". كما ورث الشيخ محمد إلياس مجال الدعوة. وكان آخر من ورث هذه الأسرة أي أسرة ولي الله الدهلوي" في ميدان الجهاد هو السيّد المفتي مظفّر حسين الكاندهلوي، جدّ الشيخ محمد إلياس، وهو جدّه من ناحية الأم.

‌مولد الشيخ محمد إلياس ونشأته:

ولد الشيخ محمد إلياس في مدينة "كاندهله" لأبوين كريمين سنة ثلاث وثلاثمائة وألف من الهجرة، الموافق سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وألف ميلادية.

وقد نشأ في أسرة إسلامية متمسّكة بتعاليم الإسلام، لا تحتاج في تربية أولادها إلى أحد من خارج العائلة، فقد اجتمع لديها العلماء

ص: 7

الأفاضل والمجاهدين من "جهنجهانه" و"كاندهله"، ونلاحظ أنه لا ينتفع بمزايا وعلوم هذه الأسرة أهل هذه المدن فحسب، بل استفادتْ منهم شبه القارة بأكملها، حيث كان الملوك يفضلون رجالها لتربية أولادهم ورعايتهم وبفضلهم، فقد اشتهرتْ مدينتا "كاندهله" و"جهنجهانه" بأنهما مدينتا العلم والفضل.

وكذلك فقد انفردتْ سيّدات هذه الأسرة بتربية أولادهنّ بأسلوب فريد، حيث كانت تحكي لهم حكايات الصحابة، وقصص المجاهدين في الإسلام، وما بذلتْه هذه الأسرة من تضحيّات في سبيل الدين، وكان موضع اهتمام سيّداتها لغرص قيم الدين الحنيف في نفوس أبنائها، وإعدادهم للذود عن الشريعة المطهّرة، وذلك ببذل النفس والمال، حيث كن يحرّضن أولادهن على التمسّك بالكتاب والسنّة منذ نعومة أظفارهم.

وقد تربّى محمد إلياس التربية النقيّة الصافية، التي كان لها أثرُها البالغ في تكوين حياته العلمية والعملية، وإبراز شخصيته القيادية، التي تكاملتْ فيها كلّ جوانب الخير والفضيلة.

وقد يؤكّد لنا الحقيقة التي لا شكّ فيها، وهي أن أثر البيئة والأسرة منذ النشأة الأولى، هي التي تشكل الشخصية الفذة، وتظهرها قبل أن يشبّ صاحبها عن الطوق.

وكان أجداد الشيخ محمد إلياس هم قمة رجال، عصورهم في شتى نواحي العلم والمعرفة، إذ كانوا من الأعلام في شتى ميادين القضاء والتأليف والدعوة والجهاد، كما نجد نساءَ تلك الأسرة، قد تفرّدن بالإيمان الخالص، والعلم النافع، والتقوى، والزهد، والعبادة، وقيام الليل، وتربية الأبناء، فلا تجد شخصا في الأسرة إلا وهو حافظ للقرآن، أو عالم، أو معلّم، أو طبيب، اللّهم

ص: 8

إلا بعض الأسماء، التي لم نعثرْ لها على أيّ أثر علمي، وأيضا تجد بنات ونساء هذه الأسرة عالمات حافظات للقرآن، يتسابقن في الصيام والنوافل، وذكر الله، ولا يتكلّمن إلا عن أهمّية الاستغراق في ذكر الله، ومدى حلاوته، التي لا يدركها الإنسان العادي.

ولذا فقد كانت بيوت تلك الأسرة معمورة بالصوم، والصلاة، وتلاوة القرآن، كما كانت تفوح بعطر الإيمان والتقوى.

ونتيجة لذلك، فما كانت تطمع سيّدات هذه الأسرة أن يكون أبناؤهن ضباطا أو موظّفين كبارا في الحكومة، بل كنّ يطمعن أن يستقي أبناؤهن مشربهم من مدرسة الإيمان، وتتجلّى فيهم آثار الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وهكذا فقد كان لتقاليد الأسرة والبيئة النقية أثرهما في تكوين شخصية الشيخ محمد إلياس، وتحديد سلوكه في سائر أطوار حياته: علمية كانت، أو ثقافية، أو اجتماعية.

‌والدة الشيخ محمد إلياس:

وهي بي صفية بنت السيّدة أمة الرحمن المعروفة بـ "أمي بي"، وقد اشتهرتْ هذه السيّدة بالزهد والتقوى. وبعد اقترانها بالشيخ محمد إسماعيل رزقهما الله ولدين صالحين، اشتهرا في مجال العلم والدعوة، وهما "الشيخ محمد يحيى"، و"الشيخ محمد إلياس".

وقد حفظتْ بي صفية القرآن الكريم، كما تعلّمت العلوم الأساسية في الدين الإسلامي كعادة الأسرة.

وكانت معروفة بقوّة ذاكرتها وذكائها الحادّ، فكانتْ لا تكاد تنسى شيئا حفظتْه أبدا، كما عرفتْ بكثرة تلاوتها للقرآن، والأوراد، والأدعية المأثورة.

ص: 9

وبذكر صاحب "تذكرة الخليل" أن "بي صفية" كانت تقرأ القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك أربعين مرّة، وذلك بالتزامها كلّ يوم بقراءة المصحف كاملا، ومعه عشرة أجزاء، هذا مع قيامها بأمور المنزل، لأنها تعوّدتْ أن تقرأ القرآن من الذاكرة أثناء قيامها بالعمل المنزلي.

أما في الشهور العادية، أي غير شهر رمضان المبارك، فكانت "بي صفية" تقرأ كلّ يوم منزلا واحدا من المصحف الشريف، وبذلك كانت تختم القرآن بأكمله مرّة واحدة في الأسبوع، كما كانت كذلك تلتزم طوال الوقت بالأدعية والأذكار المأثورة، إذ كانت تصلّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف مرّة، وتقول: لا إله إلا الله مائتان وألف مرّة، وحسبي الله نعم الوكيل خمسمائة مرّة، وسبحان الله ثلاثمائة مرة، والحمد لله ثلاثمائة مرّة، والله أكبر ثلاثمائة، والاستغفار أي أستغفر الله العظيم خمسمائة مرّة، وأفوّض أمرى إلى الله مائة مرّة، وربي أني مغلوب فانتصر مائة مرّة، وربي أني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين مائة مرّة، ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين مائة مرّة كلّ يوم، وغير ذلك من الأذكار المسنونة.

ومن المعروف: أن هذا المنهج الدارسي، والنظام اليومي هو الذي كان متبعا لدى معظم نساء الأسرة، وهو يعيد إلى الأذهان صورة الأعمال الصالحة، والشغف بالعبادة عند أمّهات المؤمنين في صدر الإسلام، وإذا كان هذا هو حال معظم النساء وفتيات تلك الأسرة، فما بالك برجالها، الذين جرّدوا أنفسهم لخدمة دين الله، والجهاد لإحياء سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم.

ص: 10

‌الشيخ محمد إلياس وطلبه للعلم ورحلاته في سبيله:

بدأت رحلاته العلمية بداية طيبة تحت إشراف أبيه الفاضل الشيخ محمد إسماعيل، ثم أخيه العلامة الشيخ محمد يحيى، وبعدها ظلّ يرقى في المدراج العلمية، حتى وصل إلى مكانة رفيعة في العلوم الدينية، حتى أنه لم يترك أيّ مركز علميّ هام في شبه القارة إلا وقد تعلّم، وتربّى فيه، فيما عدا المدارس والجامعات الأجنبية الإنجليزية وغيرها. فلم يلجأ إليها بحثا عن المادة أو سعيا وراء الجاه والشهرة، وإنما كان دافعه لذلك الرغبة الملحة بغية إدراك الإيمان العميق لقيمة العلم، وكان كلّ ذلك بفضل الإيمان العميق بقيمة العلم، ويفضل البيئة التي عاشَ فيها هو وأسرته.

وقد ركز الشيخ محمد إلياس جلّ اهتمامه في طلب العلم، والتربية العملية، والروحية الخالصة على يد كبار العلماء والزهّاد والعباد، ومرشدي المسلمين في شبه قارة الهند والباكستانية، كما تعلّم قراءة القرآن في صغر سنّه على يد المحفّظ "منجتو"، ثم اتّجهَ فيما بعد إلى حفظ القرآن الكريم طبقا لدستور الأسرة على يد أبيه الشيخ محمد إسماعيل في قرية "نظام الدين"، لأن حفظ القرآن الكريم قبل كلّ شيء كان أمرا لا بدّ منه لكلّ أفراد الأسرة، ويظهر أثر هذا الالتزام في أبهى صوره في مسجد الأسرة، حيث يجتمع فيه جميع أفرادها، ويصلّون جميعهم صغيرا وكبيرا، الصلوات الخمس، فلا تجد بين صفوف المصلّين غير حافظ للقرآن من أبناء الأسرة.

وقد درس الشيخ محمد إلياس الكتبَ الأوليةَ في اللغتين الفارسية والعربية على يد والده في قرية "نظام الدين"، حينما كان يذهب لجدّته أمة الرحمن في "كاندهله" كان يدرّس نفس الكتب على يد الشيخ محمد إبراهيم الكاندهلوي.

ص: 11

وبعد أن حفظ الشيخ محمد إلياس القرآن الكريم، واستوعب المبادئ العملية في "نظام الدين" و"كاندهله" رحل فيما بين عامي 1314 هـ، أو 1315 هـ إلى "كنكوه"، وهي مركز علمي معروف، حيث كان يقطن هناك إمام العلماء وقدوة الصالحين الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي.

كما كان الشيخ محمد يحيى الأخ الأكبر للشيخ محمد إلياس يعمل هناك كمدرّس في مدرسة "كنكوه".

وكان رحيل الشيخ محمد إلياس إلى أخيه من أجل أن الشيخ محمد يحيى طلب من أبيه أن يرسل محمد إلياس إلى "كنكوه"، لأن حنان الأبوين وكثرة اشتغال محمد إلياس بذكر الله والأوراد المسنونة، وتلاوة القرآن الكريم قد تسبّب له القصور في التعليم، ومن الأفضل أن يتعلّم محمد إلياس في مركز علمي آخر بعيدا عن البيت، واتفق كبار الأسرة على أن يدرس الشيخ في مدرسة "كنكوه" تحت إشراف سيّد العارفين الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، وبهذا تمتع بمرافقة أخيه الفاضل محمد يحيى، كما استفاد من صحبة كبار علماء الدين، الذين يأتوا من جميع أنحاء شبه القارة لدى شمس العلم والمعرفة الشيخ رشيد أحمد، لكسب المعارف العلمية والروحية.

وفي هذا الصدد يوضح الشيخ محمد زكريا أن الشيخ محمد إلياس نال حظّا وفيرا من تربية إمام المشايخ الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي وغيره من كبار العلماء الأفاضل بـ "كنكوه"، وكذلك كان الشيخ محمد إلياس يتعلّم في مدرسة "كنكوه" على يد أخيه الفاضل، الكتب المتوسّطة، برغم أنه كان يعلم الطلاب الكتب الابتدائية مما كان يفيد في استيعاب الكتب، وفهمها، وازدياد كفاءته العلمية، وتشويقه إلى مزيد من الفهم.

هذا وقد استمرّ الشيخ تحت إشراف أخيه الفاضل ورعايته، علميا وروحيا، في هذا المركز العظيم، فضلا عما كان يستفيده من حلقات العلم،

ص: 12

على يد كبار علماء العصر، فيغترف من معارفهم، وينهل من خبراتهم العلمية، ولا يخفى هذا الأثر الهائل في التربية، التي درج عليها الشيخ محمد إلياس في أكبر مركز للعلوم والمعارف في شبه القارة الهندية والباكستانية، مما حفز حميته الدينية، وزاد من فهمه للدين ومبادئه وإداركه لحقيقة التربية الروحية والعملية، التي كان لها أكبر أثر في بناء شخصيته القيادية في شتى المجالات الروحية والمعنوية.

ومن المعلوم أن أخصب فترة في حياة الإنسان لتلقّي التربية الأساسية، وتقبل أثرها هي التي كان فيها الشيخ محمد إلياس في "كنكوه"، لأنه كان في ذلك الحين لا يزال في حداثة سنّه، حيث كان يناهز العاشرة من عمره.

ولما توفي الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي في عام 1323 هـ كان الشيخ محمد إلياس قد قارب العشرين من العمر.

ويذكر الشيخ محمد زكريا عن عمّه الشيخ محمد إلياس أنه كان يقول: حينما كان كبار علماء "الهند" و"السند" يزورون شيخ العارفين الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي لكسب الفيض العلمي منه، والتباحث في أمور المسلمين في أنحاء البلاد، ليرشدهم الشيخ إلى الخير والإصلاح في الأمور الدينية والمعنوية وغيرهما، كان أخي الشيخ محمد يحيى يأمرني أن أستمرّ في صحبتهم بدلا من الدروس اليومية، قائلا لي: إن صحبة هؤلاء العلماء هي دروسكَ، والأفضل أن تجلس معهم، وتنصت لما يتحاورون فيه بشأن الإسلام، والمسلمين في أنحاء العالم.

وأثناء تلك الفترة حدث شيء لم يكن في الحسبان، إذ توقّف الشيخ محمد إلياس عن التعلّم خلال مدّة إقامته في "كنكوه"، نظرا لما أصابه من آلام

ص: 13

الصداع الحادة، الذي زادتْ حدّته عليه، وبرغم أن الشيخ كان نحيف البدن، لكن حالته الصحية بدأتْ تتدهور، حتى بلغ الأمر به أن لا يستطيع أن يسجد في الصلاة، فمنعه معالجه الطبيب من شرب الماء كأسلوب وقائي، وهذا أمر شاق وعسير على أيّ إنسان، ولكن الشيخ محمد إلياس لم يشربْ الماء قط، زهاء سبع سنوات متتالية، وإنما كان يستعمل سوائل أخرى، عوضا عن الماء.

وحينما انتهتْ مرحلة الوقاية، استمرّ الشيخ لا يشرب الماء إلا قليلا، وظلّتْ هذه الحالة مدّة بلغتْ خمس سنوات بعد السبع الأولى، ولكن سيطرَت على فكره هواجس الحرمان من تحصيل العلم، لأن شيوخ الأسرة وأساتذته يصرّون على ضرورة أن يستريح، وألا يشتغل بالتعليم، حيث إنه لا يتحمّل مشاقّ الدراسة، لأنه إذا تحسنّت صحته فالخوف أن يعاوده نفس المرض، نظرا لما تحتاج إليه الدراسة من جهد وتفكير، مما اضطرّ الشيخ محمد يحيى إلى منعه من التعليم منعا باتا، نظرا لحالته الصحية المتدهورة، ولكن الشيخ محمد إلياس أصرّ على مواصلة تحصيل العلم والمعرفة، موقنا أن الحياة لا طائلَ منها بدون العلم، وبذل كلّ جهده ليبدأ التعليم، ويفرغ من الكتب المتبقّية له من المنهج الدراسي، ووصل الخلاف غايته بينه وبين أخيه وأساتذته، إلى أن سأله أخوه يوما: ماذا ستعمل بالتعليم والعلم؟ فردّ عليه الشيخ محمد إلياس قائلا: وما قيمة الحياة بدون العلم؟!.

وبعد أن تحسنّتْ حالة الشيخ محمد إلياس الصحية استأنف رحلاته العلمية مرّة أخرى، برغم هزال جسده، ليقينه أن الحياة لا جدوى منها بدون العلم، كما أنه لا قيمة للعلم بدون العمل.

ص: 14

وبعد ذلك بدأتْ رحلات الشيخ محمد إلياس مرّة أخرى، خاصّة بعد أن فجع بوفاة شيخه الإمام الكنكوهي عام 1323 هـ، إذ كان ينظر إليه حين وفاته محدثا نفسه في أسى عميق: كيف ترحل شمس العلم عن الدنيا؟ وكيف تكون حياة العالم بعد موت العالم؟ وأخذ يتلو سورة يس على الإمام.

وقد ترك هذا الحادث في نفس الشيخ محمد إلياس أثرا عميقا، لا ينساه طوال حياته. فكان يقول: إن الأحداث المفجعة التي وقعتْ في حياتي ليستْ سوى موت والدي وحادثة وفاة الشيخ الكنكوهي، وما حزنت في حياتي على شيء أكثر من هذين الحادثين، قد بكيت بكاء العمر كلّه يوم أن انتقل الإمام الكنكوهي من دنيا الفناء إلى دار البقاء.

وبعد وفاة الإمام رحل الشيخ محمد إلياس إلى دار العلوم بـ "ديوبند" لتكملة دراسة علوم الحديث، فتلّقى دروس "البخاري"، و"الترمذي" على يد شيخ الهند الشيخ محمود الحسن، الذي سنورد الحديث عنه فيما بعد.

ولكن بعد أن انتهى الشيخ محمد إلياس من دراسته في مدرسة دار العلوم ديوبند بدأ رحلته الثالثة إلى مدينة "سهارنفور"، والتحق بمدرسة مظاهر العلوم، ليكمل دراسة جميع كتب الحديث المتداولة، حيث أعاد قراءتها على يد أخيه الشيخ محمد يحيى.

ويذكر الشيخ محمد زكريا عنه إن درس الحديث كان يستمرّ طوال الليل، ولا يركن إلى النوم إلا قليلا أثناء النهار.

وهكذا قضى الشيخ محمد إلياس فترة دراسته في أكبر مراكز العلم والتربية، وتلقّى العلوم الدينية والتربوية على يد كبار العلماء والعارفين في حلقات المساجد والمدارس في القرى والمدن، خلال فترة ترحاله في سبيل

ص: 15

تحصيل شتى العلوم، كالتفسير، والحديث، والفقه، وعلم العقائد، والكلام، وغيرها من العلوم المتدوالة في ذلك الحين

(1)

.

وهنا أذكر عدّة أساتذة، هم الذين أثروا في حياة الشيخ إلياس.

الأول: الإمام الكنكوهي، هو الشيخ رشيد أحمد بن هداية الله، ولد في السادس من ذي القعدة سنة 1242 هـ في قرية "كنكوه" من مضافات "سهارنفور" بـ "الهند"، وكان والده صاحب علم و فضل، وقد تلقّى الشيخ الكنكوهي العلوم الابتدائية بمدينة "كرنال"، ثم رحل إلي مدينة "دهلي"، حيث يقطن هناك أستاذ الأستاذة الشيخ مملوك علي النانوتوي، وتلقّى عنه العلوم والفنون، ثم تعلّم على يد الشيخ مفتي صدر الدين، كما تلقّى علوم الحديث علي يد الشاه عبد الغني المحدّدي، وهو من أكبر شيوخ الحديث في "الهند"، كما التقى هناك بالشيخ محمد قاسم النانوتوي -حجّة الإسلام في "الهند" وعميد الأسرة القاسمية، التي تشرّف علي مدرسة دار العلوم ديوبند منذ تأسيسها- وقد لازمه، ولم يفترقا طوال حياتهما، بل تكاتفا معا في المجالات التربوية والخدمات الدينية، وفي الدعوة والإرشاد، والدرس و التدريس، كما اشتركا معا في جبهات القتال وقيادة المجاهدين ضدّ الإنجليز. وقد تلقّي الشيخ رشيد أحمد والشيخ محمد قاسم علوم الطريقة والسلوك علي يد الإمام إمداد الله المكّي، فأجازهما الإمام للبيعة علي طرق التربية والسلوك.

والثاني: فهو أخوه الأكبر العلامة محمد يحيى بن محمد إسماعيل، الذي كان له تأثير قويّ على الشيخ محمد إلياس، خصوصا في المجال العلمي الذي

(1)

جماعة التبليغ: 170 - 180.

ص: 16

هو أساس كلّ شخصية علمية، والتي إذا بنيت على قواعد سلمية لاستفاد بها العالم أجمع، حيث يستخدم هذا العلم للبناء والتعمير على أسس قوية راسخة لصالح الإنسانية.

كان الشيخ محمد يحيى أخا كبيرا للشيخ محمد إلياس، فتولّى تربيته في حياة أبيه وبعد وفاته، حيث لم يفارقه أبدا، واستمرّت تلك التربية العلمية والعملية على تلك الأساليب المحكمة، وحينما رجع الشيخ محمد إلياس من حجّ بيت الله الحرام في ربيع الثاني عام 1333 هـ، وكان أخوه محمد يحيى قد توفي إلى رحمة الله أحسّ الشيخ محمد إلياس بصدمة شديدة، ونكبة مفزعة هائلة في حياته، لأنه حرم من التربية والإشراف، حيث افترق عن رفيق العمر والمعلّم والمربي والأستاذ الذي فارقه، ولكن كان قد بلغ أوج المعرفة في العلوم النقلية والعقلية في هذه الفترة من العمر، وصار مثالا ونبراسا، يحتذي به في الورع والزهد والتقوى، حتى عيّن أستاذا في جامعة مظاهر العلوم بمدنية "سهارنفور"، وكان أخوه الشيخ محمد يحيى يرافقه، ويشرف عليه، حتى ذلك الحين.

ومن هنا نرى أن الشيخ محمد يحيى ترك لنا أروع نماذج التربية في الأخوة، حيث يتسابق الناس في تربية أبنائهم، ولكنه اهتمّ بتربية أخيه أكثر من عناية الإنسان بأولاده، وذلك لأنه الشيخ محمد إلياس قرأ معظم الكتب على يد غيره من الأستاذ مرّة أخرى، وبعد ما تخرّج محمد إلياس قرأ معظم الكتب على يد أخيه، الذي كان يحثّه على استيعاب الكتب الدراسيّة، درسها على يد غيره من الأستاذ مرّة أخرى، وبعد ما تخرّج إلياس من مدارس العلم الدينية، بدأ أخوه يشرح له مرّة أخرى نفس الكتب، التي قرأها من قبل، وأكمل له دراسة الكتب المتبقّية، وكان الدرس يستمرّ طوال الليل والنهار، إلا قليلا من الراحة.

ص: 17

هذا وقد كان الشيخ محمد يحيى يبذل لأخيه من ماله وحياته، وكان يتحمّل جميع مسؤولياته المادية، فكان الشيخ محمد إلياس يسكن، ويأكل عند أخيه، حتى أثناء فترة تدريسه في "سهارنفور".

بعد حياة مليئة بخدمة الدين الحق والخلق والمجاهدات النفسية توفي الشيخ محمد يحيى إلى رحمة الله في صباح الثامن من ذي القعدة سنة 1334 هـ، بسبب مرض الكوليرا، ودفن في مدينة "سهارنفور"، بين مقابر العلماء والأكابر، وبجوار قبر الشيخ محمد مظهر، مؤسّس مدرسة مظاهر العلوم، وقد خلفه نجله الوحيد محمد زكريا، الذي اشتهر في مجال التدريس والتأليف وخاصّة في علوم الحديث الشريف، كشهرة الشاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي في عصره، حتى أطلق عليه علماء شبه القارة لقب "شيخ الحديث" بدلا عن اسمه محمد زكريا

(1)

.

والثالث: هو العلامة شيخ الهند محمود حسن بن ذو الفقار علي الديوبندي، ولد في سنة 1266 هـ، وتلقّى العلوم النبوية على يد المجاهدين العظيمين حجّة الإسلام النانوتوي، وفقيه النفس العلامة رشيد أحمد الكنكوهي، وهو أول طالب في دار العلوم ديوبند، وقد اشتهر شيخ الهند محمود حسن بذكائه وورعه منذ صغر سنّه، كما اشتهر بنبوغه في شتى العلوم المتداولة، وخاصّة في علوم التفسير والحديث الشريف، كما كان يعتبر حجّة في علوم الفقه.

والرابع: الشيخ العلامة خليل أحمد السهارنفوري، ولد في مدينة "أنبيتهة" بمديرية "سهارنفور" عام 1269 هـ، الموافق 1853 م في أسرة كريمة

(1)

جماعة التبليغ: 189 - 191.

ص: 18

تدعى باسم الأسرة الأيوبية، نسبة إلى سيّدنا أبي أيوب الأنصاري، والشيخ خليل أحمد من سبط سيّد أساتذة الهند العلامة مملوك علي، ويتّصل نسبه العالي مع نسب الإمام رشيد أحمد الكنكوهي إلى الجدّ العاشر.

من الواضح أن الشيخ خليل أحمد استمرّ في تدريس العلوم الدينية النبوية والتربية والروحية، والإشراف على الهيئات العلمية، ونال فيها مكانة رفيعة بين معاصريه، وبذا تخرّج على يديه آلاف من كبار علماء شبه القارة، الذين جرّدوا أنفسهم للتعليم والتأليف والدعوة إلى الله، ومن أشهرهم في ميدان التدريس العلامة محمد يحيى بن محمد إسماعيل، وفي مجال الدعوة الشيخ محمد إلياس بن محمد إسماعيل، وفي مجال التدريس والتأليف شيخ الحديث محمد زكريا بن محمد يحيى بن محمد إسماعيل، رحمهم الله جميعا.

وكذلك فقد تلقّى الشيخ محمد إلياس التصرّف والتربية والروحية على يد الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، كما بايع على يده بأمر شيخ الهند محمود الحسن، وذلك بعد وفاة إمام العارفين الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي عام 1323 هـ.

ومن ثم أصبح الشيخ خليل أحمد مشرفا علميا وروحيا للشيخ محمد إلياس، حيث لم يفارقه لحظة، ولم يتحرّك الشيخ محمد إلياس إلا بأمر مرشده ومشورته، حتى إنه كان يشرف على أموره المنزلية، مثلما شارك في حفل زواجه في السادس من ذي القعدة عام 1330 هـ، كما أنه لم يباشرْ أيّ عمل خاص بشؤن أسرته إلا وكان يستشير مرشده وشيخه. وحينما عزم الشيخ خليل أحمد على الحجّ إلى بيت الله الحرام لم يقبل الشيخ محمد إلياس البقاء في "الهند" بدون شيخه، ولذا فقد صاحب شيخه للحجّ إلى

ص: 19

بيت الله الحرام عام 1333 هـ، كما رحل معه للحجّ مرّة أخرى في عام 1344 هـ.

وفي تلك المرّة طرأتْ حالة من الاستغراق على الشيخ محمد إلياس أثناء إقامته بـ "المدينة المنوّرة"، وبدأ يرفض العودة إلى "الهند"، فلمّا عرف بذلك الشيخ خليل أحمد قال: اتركوه على حاله، ولا تجبروه، فإنها حالة الاستغراق ومقام الفناء في حبّه، صلى الله عليه وسلم.

وعن هذا يقول الشيخ محمد إلياس نفسه: لقد أمرت بالدعوة أثناء تلك الفترة في "المدينة المنورة".

‌اشتغاله بالتدريس:

من المعروف أن تدريس العلوم يحتاج إلى كفاءة عالية وخبرة واسعة، وصبر وجلد، وموهبة من الله سبحانه وتعالى، لأن كثيرا من العلماء يحفظون العلوم، ولا يجيدون أداءها، وتوضيحها للغير، إذ ليس كلّ عالم يصلح أن يكون مدرّسا، لكن الشيخ محمد إلياس كان صاحب شخصية متميّزة في الكثير من الأمور، وخاصّة في مجالا التدريس، وممارسة النشاط العلمي المحض، فاتجه إليه اعتقادا منه، بأن العلم لا يثمر، ولا ينتج إلا بالتفرّغ له، والانصراف إليه، وأن العالم لا يجنى ثمرات العلم إلا إذا وهب نفسه كلية للعلم، لأن العلم يحتاج إلى تأمّل، وعمق في النظر، والاستقراء للعلوم، واستيعابها، وكلّ ذلك لا يتأتى مع اشتغال النفس بغيره.

وقد اشتهر الشيخ محمد إلياس في بداية حياته العلمية بالتدريس، ونال مكانة مرموقة لدى علماء عصره في فنّ التدريس، حيث كان معروفا لدى العلماء بقدرته على التدريس في جميع علوم الصرف، والنحو، والأدب، والبلاغة، والمنطق، والفقه، والتفسير، وعلوم الحديث، وأصوله، وغيرها من العلوم الشرعية المتداولة في ذلك الحين.

ص: 20

كما تولى عدّة مناصب في التدريس، وتخرّج على يديه كثير من العلماء الأجلاء، الذين عرفوا في شتى المجالات العلمية في التدريس، والتأليف، والدعوة، والإرشاد، فكان من الطبيعى أن يتبوأ مكانة مرموقة في المجال العلمي.

لقد بدأ الشيخ محمد إلياس بالتدريس، كعادة السلف الصالح، لأن التدريس جزء هام في الحياة العملية، لاستيعاب الكتب العلمية بعد التخرّج، حتى تسري حلاوة العلم في شرايين الجسد، وتودّي الأمانة كاملة إلى أهلها.

وقد عيّن الشيخ محمد إلياس بعد تخرّجه أستاذا في أكبر مركز علميّ في جامعة مظاهر العلوم بمدينة "سهارنفور"، وذلك عند ما عزم معظم مدرّسي الجامعة على حجّ بيت الله الحرام في عام 1328 هـ، وعيّن المدرّسون الجدد ليحلّوا محلّهم مؤقّتا. وبعد رجوع الأساتذة من أراضي "الحجاز" المقدّسة، عزل الأساتذة الجدد، وبقي الشيخ محمد إلياس، حيث أصرّ مسئولو الجامعة على بقائه في التدريس.

وفي تلك المرحلة كان الشيخ يدرّس الكتب المتوسّطة المتدوالة آنذاك، ومما يدلّ على ذكائه الفريد أنه كان يعلّم بعض الكتب التي لم يدرّسها في مراحل تعليمه، بل كان يستعين بشروحها، كما يقول عنه الأستاذ أبو الحسن علي الندوي: إنه كان ماهرا منذ مراحل تعليمه الأولى في استخراج المعاني والمفاهيم من الكتب بنفسه، فكان يستعين بالشروح كلّما احتاج الأمر إلى ذلك، فمثلا يطالع كتاب "البحر الرائق"، و"الشامي"، و"الهداية" وقت تدريسه لـ "كنز الدقائق" في الفقه، ويستفيد بـ "توضيح تلويح" و"شرح الحسامي" لكتاب "نور الأنوار".

ص: 21

وهكذا كان منهجه في كتب المنطق، وغيرها من العلوم المختلفة، ثم أصبح الشيخ بعد ذلك مشرفا على المرحلة الابتدائية بقسم الأدب العربي، وفي عام 1350 هـ أصبح مشرفا على جميع أقسام اللغة العربية وآدابها.

ولم تمض السنة، حتى أختير عضوا لمجلس الشورى لدار العلوم "ديوبند" في عام 1351 هـ، وهكذا اشترك مع كبار علماء "الهند" في الإشراف على الشؤون الدينية كلّها في شبه القارة، واستمرّ في هذا المنصب الكبير إلى عام 1353 هـ.

وهي أهمّ مرحلة خلال فترة التدريس للشيخ محمد إلياس رحمه الله، - وذلك حينما توفي أخوه الأكبر الشيخ محمد بن محمد إسماعيل في عام 1334 هـ، كما توفّيت والدته في نفس العام.

وكان الشيخ محمد إلياس بن محمد إسماعيل رحمه الله يدير مدرسة كاشف العلوم في قرية "نظام الدين"، التي أنشأها أبوه الشيخ محمد إسماعيل.

وبعد وفاة الأخ الأكبر أصرّ أهل البلدة والأقرباء المتصلون بهذه الأسرة الكريمة أن يتولّى الشيخ محمد إلياس تلك المسؤولية، حتى يسدّ الفجوة التي فغرتْ فاها بعد وفاة أبيه وأخيه وأمه، ولكن الشيخ يؤجّل الأمر، حتى يستأذن الشيخ خليل أحمد، فأذن له الشيخ بأخذ الإجازة المؤقّتة من مظاهر العلوم بـ "سهارنفور" لمدّة سنة واحدة، ويذهب إلى قرية "نظام الدين"، وإذا ما اعترضه عائق فليرجع إلى الجامعة.

وهكذا انتقل الشيخ محمد إلياس من مظاهر العلوم في "سهارنفور" إلى مدرسة كاشف العلوم، الواقعة في قرية "نظام الدين" بجوار مدينة "دهلي"، وأصبح مسؤولا عن كلّ شئون المدرسة بما فيها نظام المدرسة، ورياسة هيئة

ص: 22

التدريسن، وحمل المسئولية بما تحتاج إليه المدرسة من النفقات المادية وغيرها من متطلّباتها العلمية، حتى أصبحت المدرسة نموذجا فريدا لمدارس شبه القارة الهندية والباكستانية، في التعليم والتربية والإدارة، بما قدم لها الشيخ من خبراته الجليلة وتضحياته النادرة في سبيل العلم والدين.

وهذا يوضحه قول الشيخ عبيد الله: إنه لو ترك الطالب مدرسة كاشف العلوم، والتحق بمدرسة أخرى، فما كان يمتحن امتحان القبول بها، لأنها اشتهرتْ في "الهند" بكفاءتها العلمية وبطلابها الأفذاذ، نظرا لحسن نظام التعليم والتربية فيها.

ومع حمل كلّ المسئوليات أخذ الشيخ محمد إلياس في تدريس جميع العلوم الشرعية المتداولة بحسب الظروف، واحتياجات الطلبة في المدرسة، وبذا أقبل عليه الطلاب من أنحاء المنطقة وغيرها من المناطق المتجاورة، حيث سطعتْ جواهره العلمية، واتجهتْ إليه الأنظار، وأصغتْ إليه أفئدة سامعيه، وازداد عددُ تلاميذه المتحمّسين المعجبين بأسلوبه العلمي المتفرّد، وتربيته الروحية.

‌منهجه في تدريس الحديث:

أما عن منهجه في تدريس الحديث، فمن الواضح أن الغاية المنشودة من جميع العلوم الدينية المتداولة هي فهم العلوم القرآنية والسنة النبوية الشريفة. ولهذا كان الشيخ يهتمّ اهتماما بالغا بمناهج علم التفسير والحديث وتدريسها، كما كان له اهتمام خاص بإلقاء دروس الحديث الشريف وآدابها، إذ كان لا يقوم للتدريس إلا وهو متوضّئ، ويصلّي ركعتين، ويشكر الله هذا التوفيق، ويتوجّه إليه، ويستلهمه العون، ويثني عليه، ويصلي، ويسلّم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما يوصي الطلاب أن يصلّوا على خاتم الأنبياء عليه

ص: 23

الصلاة والسلام سرا في كلّ حديث، وعند كلّ كلمة توحي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم يدخل في صلب الموضوع، فيذكر المراجع التي استفاد بها، ويسند كلّ رأي أو قول أو سوال أو جواب لقائله، وكذلك كان يشرح الحديث طبقا لأقوال وآراء الفقهاء والمجتهدين، مبيّنا اختلاف آرائهم أو اتفاقهم، مدعما آراءه بأسانيد المراجع الأصلية لكلّ منهم، ثم يقارب بينهم مرجّحا أفضلهم، مع تبيان أسباب الترجيح.

وأيضا كان يجمع بين استدلالات الفقهاء وطريقة المحدّثين من زمرة المتقدّمين، والمتأخّرين، موضحا أقوالهم وآراءهم، مع بيان قوله ورأيه، مراعيا في ذلك الأدب، والرأي المرجّح عنده، والاحترام لجميع المذاهب الفقهية، فهو لا يرجّح الرأي، إلا وقد ذكر سبب الترجيح.

وكان الشيخ يتناول كلّ أطراف الحديث مثل بيان درجته، ودرجة إسناده، والبحث في رجالاته، مع مفهوم الحديث، والمتون، والمتابعات، والعلل، مع بيان الاختلافات في المتون وطرقها، وإذا ما جاء الاختلاف في الروايات كان يسعي جاهدا بالجمع والتوفيق بينها كلما أمكن ذلك بطريق علمي.

هذا، وقد كان الشيخ يهتمّ أيضا بإيضاح الغرض من الموضوع، والكتاب الذي يتحدّث عنه، كما كان يذكر درجة أهمّية الكتاب واسمه بالكامل، مع بيان مكانة مؤلّفه، ومميّزات أسلوبه، وإلى جانب ذلك كان يشير إلى المحاسن الأدبية والبلاغية في السنة الشريفة، فضلا عن إظهار الألفاظ الغامضة وإيضاحها، كما كان يجمع أقوال الباحثين في موضوع ما على بساط البحث، مبيّنا موضع اهتمام الباحثين به، ثم يبسط الشرح ليتيسّر للطالب فهمه.

ص: 24

وإلى جانب هذا كان يقارن شروط المحدّثين بقبول الحديث، ولا يترك الشبهات، التي أثارها المستشرقون حول السنة الشريفة وتدوينها، إلا وقد قام بالردّ العلمي عليها.

وكلّ ذلك كان يساعده فيه تدريس كتب العلوم المختلفة، ولذا فإن استحضار جميع العلوم اللازمة في تدريس الحديث الشريف، كانت تظهره بأنه أديب، وفقيه، ومحدّث، ومفسّر في آن واحد، كما كان مرشدا روحانيا، يهتمّ بالتدريب العملي، من خلال تدريس العلم، وهذه كلّها جعلتْ بينه وبين طلابه صلاة روحية قوية، فلا يفارقُه أحد قطّ خلال الدراسة، حتى لو أصابه الجوع فترة طويلة.

ونظرا لاطلاعه الواسع في العلوم الدينية كان يقول: إنه كما يلزم تفسير القرآن بالقرآن في أول الأمر، كذلك فإنه يلزم شرح الحديث بالحديث قدر الإمكان، ولهذا فقد أدخل في منهجه الدراسي للحديث الشريف كتبا أخرى من السنّة الشريفة، التي لم تدرّس في المدارس الأخرى بعد. ولم يترك الشيخ أسلوبه في تدريس الحديث، حتى يفهم الطالب الدرس بنفسه.

وفي هذا يقول الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: إننا لما بدأنا كتاب "مشكاة المصابيح" على يد الشيخ محمد إلياس الدهلوي رحمه الله، كان عليّ أن أتابع سير وأحوال الصحابة وحياتهم، أما الزملاء الآخرون، فكان عليهم دراسة وإيضاح مسائل الأحكام، واختلاف المذاهب الفقهية الخاصّة بالأحاديث الشريفة، فحينما كان الطالب يقرأ نصّ الكتاب، فإذا بالشيخ يستوضحه عما كان مسئولا عنه من قبل.

ص: 25

وهذا الأسلوب لم يجعل الطالب قادرا على فهم الكتاب فحسب، بل كان يجعله قادرا على التحقيق والتأليف والشرح، وفضلا عمّا كان يملأ قلبه من حبّ لعلوم التفسير والحديث، وكلّ ذلك كان يجعل الطالب شغوفا بتلك العلوم الجليلة، وراعيا لها.

وكلّ تلك المحاسن قد ظهرتْ على تلاميذ الشيخ، الدارسين لعلوم الحديث وغيرها، مثل الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، الذي قرأ "مشكاة المصابيح" على يد الشيخ محمد إلياس، ثم بدأ خلال نفس الفترة بمشروع التحقيق في رواته من الصحابة والتابعين، ثم ألّف كتابا ضخما في ثلاثة مجلّدات عن حياة الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.

ولما كانت تلك هي البداية الطيبة المفيدة في دراسة الشيخ محمد يوسف العلمية، فقد بلغ بها قمة درجات المعرفة لعلوم الحديث، وعند ما بدأ في قراءة الصحاح الستة و"مستدرك الحاكم"، و"شرح معاني الآثار" للطحاوي على يد الشيخ محمد إلياس، أمره أبوه، وأستاذه، أن يقوم بتأليف شرح لكتاب "شرح معاني الآثار" باللغة العربية، فبدأ تأليفه وأسماه "أماني الأحبار"، وأنجز منه ثلاثة مجلّدات كبار.

وإن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن منهج الشيخ محمد إلياس وأسلوبه في تدريس الحديث الشريف لم يكن فريدا في طريقته فحسب، بل كان أفضل وأمثل منهج لعلماء عصره.

وقد تجلّت تلك الحقيقة واضحة في تلاميذه الآخرين، الذين وهبوا أنفسَهم لخدمة الدين والعلوم النبوية، وقاموا بالتدريس والتأليف، ونشر الدعوة على أحسن وجه بالقول والعمل، حتى اشتهروا في العالم الإسلامي، ومنهم

ص: 26

الشيخ محمد زكريا، والشيخ إنعام الحسن، وغيرهما من كبار الأساتذة في شبه القارة

(1)

.

ذكرنا فيما سبق أهمية العمل وخصائصه وعلاقته بالإيمان، كما ذكرنا عن الإصلاح بالعمل، وأهمية الوقت ومبادئ الفوز، ومعيار تقدم الشعور، وعن الوسائل الأخرى، التي تستخدم في الإصلاح، وعلاقتها بالعمل مثل العلم والحوار والكلمة والكتابة والدعاية، وعن المنهج التقليديّ والتجريديّ، وعن ظهور البركات والكرامات وعلاقتها بالعمل، ثم ذكرنا المبادئ والغايات في المنهج العملي للشيخ من الدستور العملي له، وعما أمر به تلاميذه بكتابة بعض المنهج الهامّة للحركة الإيمانية، فكان لزما أن نلقّي الضوء على المبادئ، التي قرّرها الشيخ محمد إلياس، من خلال منهجه، كمرحلة أولى في المجال العملي للدعوة إلى الله.

وإذا أردنا الحديث عن أهمّيته وخصائصه، وعلاقته بالإيمان، فإنه يلزمنا في البدء إلقاء الضوء على تلك المبادئ وغاياتها، وعن هذا يقول العلامة محمد منظور النعماني مدير مجلّة "الفرقان": إن الغاية والقصد بهذه الحركة الإيمانية للشيخ محمد إلياس ليس الهدف منها إلا أن تعمّ حياة الإيمان في أمّة محمّد، صلى الله عليه وسلم.

ولنيل هذه الغاية المنشودة لهذه الحياة الإيمانية قدم الشيخ محمد إلياس رحمه الله منهجا عمليا متكاملا، كمرحلة أولى وأساسية للدعوته.

وهذا المنهج يحتوي على ستة مبادئ، هي:

1 -

الكلمة الطيبة، أي الإيمان الكامل بالله، وبما جاء به رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.

(1)

جماعة التبليغ: 199 - 209.

ص: 27

2 -

إقامة الصلاة.

3 -

العلم والذكر.

4 -

إكرام المسلم.

5 -

الإخلاص، (تصحيح النية).

6 -

التبليغ.

ويضاف إلى هذه المبادئ الستة مبدأ سابع، كعامل مساعد لنيل المقصود، وهو:

7 -

الاهتمام بترك ما لا يعني.

وأهمية تلك المبادئ أنها:

أولا: ليست إلا أساس وبداية للوصول إلى الغاية، حيث إن الكلمة الطيبة أي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي البناء الأول للإسلام، حيث يؤمن بها الإنسان إيمانا كاملا، حتى ترسخ عظمتها في القلب، ويتمكّن قلبه من فهم حقائقها، ويتمتّع بحلاوتها، حتى تفرغ حياته في قالبها.

ثانيا: يجب أن يجعل الإنسان الصلاة جزءا من حياته، فيهتمّ قدر إمكانه بأدائها بالطرق السليمة، وأن يجتهد في أدائها بالتمسّك بسنة خير الأنام، وأن يستمرّ عاملا على رفع مستواها في الظاهر والباطن، والكم والكيف.

ثالثا: اعتقاد الإنسان بضرورة الاجتهاد في فهم الدين قدر حاجته له في حياته، وذلك بتعوّده على الاشتغال بذكر الله، والتفكّر فيه، مع المواظبة فيه، على الأدعية المأثورة، والأذكار المسنونة، وكثرة تلاوة القرآن، والتزام الصلاة والتسليم على إمام الأنبياء، صلى الله عليه وسلم.

ص: 28

رابعا: التخلّق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في السلوك والمعاملة مع عباد الله، وخاصّة في إكرام المسلم، وخلاصته هو خدمة عباد الله قدر الإمكان، والعمل على توفير أسباب الراحة للغير، والنهي عن اغتصاب حقوق الناس، حتى لا يصيب شخص الضرر من غيره.

خامسا: الإخلاص وتصحيح النية، التي يجب أن يعتاد عليها الإنسان، حتى تكون أعماله في سبيل رضا الله، ونيل الأجر في الآخرة.

سادسا: التبليغ: والمراد به أن يجتهد الفرد في إرساء وترسيخ هذه المبادئ الخمسة في باطنه، ويتدرّب عليها عمليا، ثم يخرج في سبيل الله، قدر ما أمكنه في أوقات الفراغ، سواء أكان قريبا أو بعيدا، راجلا أو راكبا، كما يقوم ترغيب الآخرين، وتذكيرهم، داعيا إياهم إلى هذا العمل، حتى تصير تلك الحركة مراكز متجوّلة للتربية والتبليغ، وبهذا يعتاد الإنسان على تحمّل الشدائد في سبيل الدين، ولو بإنفاق ماله عن رغبته، وبذا ترسخ الأسس الدينية في باطن الإنسان.

وعن هذا يقول الشيخ صدر الدين عامر الأنصاري: حين اطمأن الشيخ محمد إلياس إلى فكره، حدد مرسوما للعمل، وقام بإذن الله داعيا الأمة إلى تنفيذه، حيث حالفه النجاح، وهذه المبادئ الستة كلّها كما ترون أركانا أساسية للدين، كما أنها ليست من الأمور الكمالية، بل إن المبدأين الأولين، أي الكلمة والصلاة، هما من الأركان الأساسية للدين، أما المبادئ الباقية فهي إما من الشروط اللازمة كالإخلاص، أو من أهمّ الواجبات الأدبية، والفضائل الخلقية كإكرام المسلم. والقصد هو أن الاهتمام بالركنين المذكورين، بمساعدة المبادئ الخمسة الأخرى، من أسهل وأنفع الطرق إلى إدراك الدين، والتمسّك بجميع أركانه وفضائله. وإن التجارب لتشهد أن الأفراد المشتغلين بالدعوة،

ص: 29

طبقا لهذا البرنامج، يجدون في قلوبهم شوقا إلى تعليم الدين، وإقام صرحه الكامل.

كيف لا؟ والبناء يقوم على العقيدة. فبمجرّد أن يدرك الفرد حقيقة الإيمان بالله وبرسوله يهرع إلى تنفيذها في حياته كلّها، وينتهز أيّ فرصة لتعليم الدين وتطبيقه في حياته اليومية، ويشعر بالخوف والخشية من تقصيره فيها، فيحاول الاتصاف بجميع الصفات والواردة للمؤمن.

ويقول العلامة وحيد الدين خان في توضيح تلك المبادئ الستة: إذا نظرنا إلى تلك المبادئ الستة نجد أنه في الإمكان اختيار ثلاثة مبادئ، كمبادئ أساسية منها، وهي: كلمة التوحيد، والصلاة، والخروج في سبيل الله. أما الثلاثة الأخرى، فهي التي تتولّد بعد القيام بالثلاثة الأولى، لأن الثلاثة الأولى تحتاج إلى الثلاثة الأخريات. أما بيان الثلاثة الأخيرة، فما هو إلا لإيضاح وتجلية الثلاثة الأولى، وليست كمثلها، محددة في المنهج الأساسي.

ويقول وحيد الدين، كذلك: لو نظرنا إلى منهج الأنبياء، لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل عليهم أسس الدين لتعليم الناس، فصار هو نفس المنهج في التعليم الابتدائي الأساسي للأمم، حيث شدّ الأنبياء أزرهم لإبلاغ تلك التعاليم الأساسية، واستمرّوا عليها زمنا طويلا، حتى نزلت بمرور الزمن، أحكام أخرى جديدة على حسن احتياج الأمة، وذلك بعد تدعيم بناء الأساس الديني.

وباء على هذا فلا معنى إذن للسوال الذي يقول: لماذا لم يقم الشيخ محمد إلياس بإدخال بقية أركان الإسلام الصيام، والزكاة، والحج في منهجه.

ص: 30

إن المجال لا يتّسع لهذا السوال وأمثاله، خاصّة بعد أن أدرك الباحث قيمة هذا المنهج وأهمّيته في الترغيب، وكونه من أهمّ أسس ومبادئ الإسلام، سابقا العبادات الأخرى.

ثانيا: كلّ تلك المبادئ ما هي إلا طريق مؤدّية إلى باقي أركان الإسلام، فإن فقد الإيمان والصلاة، وحرم الإنسان من العلم والذكر، وابتدع عن الأخلاق القويمة، بما فيها إكرام المسلم والإنسانية، وافتقد الإخلاص في أعماله، بعدم اجتنابه أهواء النفس وشهواتها، فلا تفيده العبادات الأخرى، ولا ينفعه الحجّ والزكاة.

ثالثا: ليس هنا مجال لأيّ قول، خاصّة بعد ما قال الإمام محمد إلياس بأن تلك المبادئ ليست إلا ألف وباء وتاء، وهي الأساس، والبداية المحضة للوصول إلى الغاية، وهي الإيمان الكامل، والتمسّك بكلّ ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ثم نشره بين المسلمين، بكلّ ما أعطاه الله من قوّة، حتى تصير حياة المسلم سبب هداية الآخرين، ومع هذا فلم يترك الإمام الأمر إلا بعد أن وضح سببُ اختيار هذه المبادئ الأساسية، كما شرح أصحابه، وزملاؤه، وتلاميذه.

وعن سبب اختيار الشيخ لتلك المبادئ المعروفة له، يقول: إنه لما تأكّد لديه أن مقصد الحياة هو عبادة الله، وأن العبادة قوامها الحسن والعظمة. فمدار حياة الحقيقة، بل حياة الضلال والحرمان. وهذه المحبّة والعظمة تزدادان، وتنموان بالأعمال الشريفة المطهّرة التي أساسها الأركان الخمسة للإسلام، وهي: الإيمان، والإقرار بالتوحيد والرسالة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.

ص: 31

وبعد بيان أركان الإسلام وأهمّيتها يذكر الشيخ سبب اختيار بعضها في منهجه العملي كجزء أول، من الشطر الأول، من الخطة المرسومة التي رسمها للدعوة والإصلاح حيث قال: إن الحجّ والزكاة للقادرين فقط، أما الصوم فإنه فرض على كلّ غني وفقير، ويأتي مرّة واحدة، في العام لشهر واحد، أما الباقي أي الإيمان بالقلب، وإعلانه بإقرار التوحيد، والرسالة، وأداء فريضة الصلاة، فلا بدّ منهما لترقية المشاعر ونموها بحبّ الله الواحد القهّار وعظمته، وهي غذاء الحياة الروحيّة، وبقاؤها، حيث تحتاج إليهما الروح، كما تحتاج الحياة المادية إلى الغذاء والماء والهواء.

أما باقي الأعمال فيه تحبب في الإيمان وروحانيته ومقاماته، التي تساعد على نمو تلك المحبة والعظمة، التي يجب تبيان فضائلها، حتى يرغب الإنسان إليها نفسه، ومن أفضل وأهمّ تلك الأمور كثرة ذكر الله، وتلاوة القرآن، وتحصيل العلم، وبيان قيمة بذل الجهود في سبيل الله. فتتجلّى تلك الحقائق الثابتة، والمطالب الهامة، والأعمال الصالحة وفضائلها وبركاتها وأجرها وجزاؤها، كما حدّدها كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.

ويؤكّد الشيخ في أثناء كلماته: لقد عرفنا أن الطريق الوحيد للوصول إلى محبة الإيمان، وإدراك عظمته، هو علاقة القلب بالله عن طريق تلك الأعمال، حيث تأكد لنا أن هذه الأعمال ليست مقصودة بالذات، بل هي وسيلة للوصول إلى المطلوب الحقيقيي، والمقصود الأصلي، وليس في الإمكان أن يصل المؤمن إلى الهدف الحقيقي بدون هذه الوسائل، لهذا محال، وقد وجب العمل بتلك الوسائل الأساسية، والالتزام بها، بعناية بالغة، للوصول إلى الغاية المنشودة.

ص: 32

يقول الشيخ محمد عيسى تلميذ الإمام محمد إلياس الدهلوي: لقد بدأ الإمام في بداية الأمر عمله بمبدأين أساسيين، هما: كلمة التوحيد والصلاة، أي الدعوة إلى الكلمة الطيبة، والصلاة، والاعتقاد فيهما، وطريقة أداء الصلاة وأهمّيتها في حياة المسلم، وأحكامها ومسائلها ومعانيها وروحها، وكلّ ما يلزمها.

وكان الشيخ يأمر الناس بالخروج من أجل هذين المبدأين الأساسين.

يقول الشيخ محمد عيسى: قد تأكّد الشيخ أن مجد الأم الإسلامية لن يعود، حتى يذهب اليأس والخوف، وتعود الطمأنينة والأمل إلى قلوبهم، ولن يحدث هذا التغيير بغير الإيمان الكامل، بحيث يحدث انقلابا عظيما ضدّ هذه الأعمال السيئة، التي تظلم مستقبلهم، وتشين حياتهم، فلا بدّ أن تتحوّل هذه السيئات إلى حسنات، ولا يمكن هذا إلا بالاهتمام بالصّلاة في حركاتها وسكناتها، حتى يبتعد المسلم عن الفحشاء والمنكر.

وعلى الإنسان أن يبذل جهدا كبيرا، حتى لا تكون هذه الصلاة صورة فحسب، بل تصل إلى يقين كامل حسبما جاء بها النبي، صلى الله عليه وسلم.

وحينما بدأ الناس يخرجون معه أفواجا أضاف لهما مبدأين: العلم، والذكر، وإكرام العلماء، لأنه رحمه الله قد رأى أن التباعد بين الشعب والعلماء قد وصل إلى حدّ كبير، لدرجة أن الناس قد بدأوا يكرهونهم، بل ويسبّونهم. وكان ذلك لأسباب عديدة، منها: جهود الهندوس والاستعمار، وخونة بعض المسلمين لاقصاء عامة الناس عن أصحاب الدوائر العلمية الدينية

(1)

.

* * *

(1)

جماعة التبليغ: 224 - 233.

ص: 33

‌1003 - الشيخ الفاضل إلياس بن ناصر بن إبراهيم الديلمي، أبو طاهر

*.

قال ابن النجّار: الفقيه الحنفي، درس الفقه على الصيمري، ثم على الدامغاني.

ودرّس بـ "واسط"، وكانتْ له حلقة بجامع المنصور، ودرّس في جامع الصيمري، بدرب الزرادين، ودرّس بمشهد أبي حنيفة، وهو أول من درّس فيه، ووصف بحسن الفهم، ودقّة الفكر.

قال الصيدلاني: توفّي يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة إحدى وستين وأربعمائة، ودفن بـ "مقبرة الخيزران"، وحضر قاضي القضاة الصلاة عليه. رحمه الله تعالى.

* * *

‌1004 - العالم العامل والفاضل الكامل المولى إلياس بن يحيى بن حمزة الرومي

* *.

كان رحمه الله تعالى مدرّسًا وقاضيًا ومفتيًا بـ "مرزيفون"، أخذ الفقه عن الشيخ الكبير السالك مسالك أهل الحقيقة صاحب "فصل الخطاب"،

* راجع: الطبقات السنية 2: 217، 218.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 366.

* * راجع: الشقائق النعمانية 1: 166، 167.

وترجمته في الطبقات السنية 2: 218، والفوائد البهية 49.

ص: 34

و"الفصول الستة"، وغيرهما مولانا محمد بن محمد بن محمود الحافظ البخاري المشتهر بـ "خواجه محمد بارسا"، وأخذ الخواجه عن قدوة الورى بقية أعلام الهدى الشيخ حافظ الحق، والدين أبي طاهر محمد بن محمد بن الحسن بن علي الطاهري أعلى الله تعالى درجته، وهو أخذ من الشيخ الإمام مولانا صدر الشريعة عبيد الله بن محمود بن محمد البرهاني، تغمّده الله تعالى بغفرانه، وقع الاجازة عن صدر الشريعة للشيخ أبي طاهر في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وسبعمائة في "بخارى"، وعن الشيخ أبي طاهر خواجة في آخر شعبان سنة خمس وأربعين وسبعمائة في "بخارى"، وقال خواجه في تلك السنة: أكملتُ عشرين ومن خواجه لمولانا إلياس في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شعبان المعظّم سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بـ "بخارى" روّح الله تعالى أرواحهم.

* * *

‌1005 - الشيخ الفاضل إلياس، المعروف بمفرد شجاع

*.

ويعرف أيضًا بشيخ أسكوب؛ لأنه صار مدرّسًا بإسحاقيتها مدّة أربعين سنة.

وكان عالمًا، محقّقًا، مدقّقًا، فاضلًا، كاملًا، مجاب الدعوة، خشن الملبس، ملازمًا للعبادة.

قاله في "الشقائق".

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 218. وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 171، 172.

ص: 35

‌1006 - الشيخ الفاضل إلياس الرومي

*.

قال في "الشقائق": كان عالمًا بالعلوم العقلية والنقلية، متمهّرًا في الفقه والعربية، جامعًا بين العلم والعمل.

قال: ولم أطلعْ من أحواله على أكثر مما ذكرت. انتهى. والله تعالى أعلم.

* * *

‌1007 - الشيخ الفاضل إلياس الرومي، الملقّب بـ "شجاع الدين

" * *.

كان مملوكًا لبعض أهل العلم، فربّاه، وأحسن تأديبه، واشتغل من صغره في علوم كثيرة.

وكان مدرّسًا بإحدى المدارس الثمان، وتخرّج [عنده] جماعة كثيرة، ومات، وهو مدرّس بالمدرسة المذكورة.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 219.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 172، وهو أيضا من علماء دولة السلطان مراد.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 219.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 412.

ص: 36

‌1008 - الشيخ الفاضل إلياس الرومي، الشهير بـ "خرزمة شجاع

" *.

ومعنى خرزمة بالعربية: النورة التي يطلى بها.

مولده بنواحي "أدرنة".

قرأ على المولى محمد بن الأشرف، والمولى سنان باشا، وغيرهما.

وصار مدرّسًا بعدّة مدارس، ثم صار قاضيًا بمدينة "أدرنة"، ثم بمدينة "بروسة"، ثم صار مدرّسًا بعدّة مدارس.

وكان عالمًا، عاملًا، راضيًا من العيش بالقليل.

وكانتْ أوقاته مصروفة في العلم والعمل.

وكان مغرمًا بتحشية الحواشي، صنّف "حواشي" على "حاشية شرح التجريد" للسيّد، و"حواشي شرح المطالع" له أيضًا، و"حواشي على حاشية شرح الشمسية" له أيضًا، و"حواشي على حاشية شرح العضد" له أيضًا.

وكان أكثر اشتغاله بالعلوم العقليّة، ولم يكن له في غيرها مهارة.

وكان يفضل السيّد على السعد، ويقول في حقّه: هو بحر لكنّه مكدر.

وكان يثني على العلامة خواجا زاده، ويقول: إنه لم يمنعه من الأخذ عنه إلا عدم رضا والدته بسفره إليه.

* راجع: الطبقات السنية 2: 219، 220.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 475 - 478، وكشف الظنون 1: 40، 247، 2: 1063، 1716.

ص: 37

مات سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وقد جاوز التسعين، رحمه الله تعالى.

وهو من رجال "الشقائق".

* * *

‌1009 - الشيخ الفاضل إلياس الرومي، المشهور بـ "أصلو شجاع

" *.

كان من فضلاء الديار الرومية.

وكان مدرّسًا بإحدى المدارس الثمان، في زمن السلطان بايزيد خان بن السلطان محمد خان، رحمهم الله تعالى.

* * *

‌1010 - الشيخ الفاضل إلياس الرومي، من نواحي "قسطمون

" * *.

أخذ عن المولى خواجه زاده، وصار معيدًا لدرسه، ثم صار مدرّسًا بعدّة مدارس؛ منها إحدى المدارس الثمان.

* راجع: الطبقات السنية 2: 220.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 411، وفيها:"المشهور بـ "اوصلى شجاع".

كانتْ ولاية السلطان بايزيد، كما تقدّم، بين سنتي ستّ وثمانين وثمانمائة، وثمان عشرة وتسعمائة.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 220، 221.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 473 - 475.

ص: 38

وتوفّي سنة ثلاث وعشر وتسعمائة، وقد جاوز التسعين.

وكان من فضلاء تلك الديار، رحمه الله تعالى.

* * *

‌1011 - العارف بالله تعالى الشيخ شجاع الدين إلياس

*.

من الطريقة الخلوتية انتسب، وهو صغير إلى الطريقة الخلوتية.

وجاهد مجاهدةً عظيمةً، حتى أنه انقطع عن الناس في موضع مبني وسط البحر تجاه "قسطنطينية" مقدار ثلاث سنين، ولما مرض شيخه أمر المريدين بالتوجّه إلى الله تعالى ليحصل لهم الإشارة إلى من يقوم مقام الشيخ، فأشير للكلّ إلى الشجاع المذكور، فأقاموه مقامه، وكان رحمه الله رجلا أميا، إلا أنه كان يعرف أحوال الطريقة، وأحوال أسماء الله تعالى، وأصولها وفروعها التي هي مبنى طريقته، وكان يغلب عليه الجذبة في أكثر الأحوال، ولذلك كانتْ تضطرب أقواله وأفعاله، ولذلك لقّبه الناس بـ "المجنون"، وأشير إلى موته قبل شهر من وفاته، فودع أصحابه وأحبابه، وأظهر اشتياقه إلى لقاء الله تعالى، إلى ان توفّي رحمه الله في سنة ستّ وخمسين وتسعمائة، قدّس سرّه.

* * *

‌1012 - الشيخ الفاضل إلياس زاده

،

* راجع: الشقائق النعمانية 291.

ص: 39

(تاج الدين) *.

فقيه، حنفي.

من آثاره: "القول القوي في بيان ما اشتبه على السيّد الحموي"، فرغ من تأليفه في 29 رمضان سنة 1109 هـ.

كان حيا 1109 هـ.

* * *

‌1013 - الشيخ الفاضل العالم الفقيه إمام الدين بن سعد الدين بن نور الدين جعفر الدهلوي المداري الجونبوري

* *.

أحد العلماء البارعين في الفنون العربية.

ولد سنة سبع وسبعين وألف، وقرأ بعض الكتب على جدّه نور الدين جعفر، وأكثرها على والده سعد الدين، وقرأ "التوضيح"، و"التلويح" على الشيخ محمد أفضل العبّاسي الإله آبادي، ثم أخذ الطريقة عنه، ولازمه، وكان يقيم ستة أشهر ببلدة "جونبور"، وستة أشهر بـ "إله آباد"

(1)

عند الشيخ محمد أفضل المذكور، وكانت له رابطة قوية بالشيخ محمد يحيى بن محمد أمين العبّاسي الإله آبادي.

* راجع: معجم المؤلفين 2: 313.

* * راجع: نزهة الخواطر 6: 42.

(1)

إله آباد: يحدّها من الشرق صوبة "بهار"، والغرب صوبة "آكره"، والشمال "آوده"، والجنوب "باندهو كده"، طولها ستون ومائة ميل، =

ص: 40

له أبيات رائقة بالفارسية، وكان عابدا، زاهدا، مقيما على الصلاح، والطريقة الظاهرة. مات في شهر رجب سنة ستّ وعشرين ومائة وألف، كما في "وفيات الأعلام".

* * *

‌1014 - الشيخ العالم الفقيه المحدّث إمام الدين بن يار محمد الكشميري، الطوكي، أحد العلماء العاملين، وعباد الله الصالحين

*.

ولد ببلدة "بونجه" بضم الباء الفارسية والجيم المعقود -سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياما في بلاده، ثم دخل "دهلي"، وقرأ على المفتي صدر الدين، وعلى غيره من الأساتذة، وأخذ الحديث عن الشيخ المسند إسحاق بن أفضل العمري الدهلوي، ثم سافر إلى "طوك"، ولازم العلّامة حيدر علي الحسيني الرامبوري، وأخذ عنه في الفقه والأصول والطبّ والحديث، وكثير من العلوم والفنون، وسكن بـ "طوك " مدرّسًا مفيدًا، أخذ عنه نواب محمد علي خان، والقاضي عبد الغفّار، ومحمد حسن بن بيان خان،

= وعرضها عشرون ومائة ميل،

ولها عشرة "سركارات"، وسبع وأربعون عمالة. أما "سركاراتها" فهي "إله آباد"، "غازي بور"، "بنارس"، "جون بور"، "جنار كدة"، "كالنج"، "كورا"، "مانكبور". "كده"، "بهته".

* راجع: نزهة الخواطر 8: 76.

ص: 41

وخلق كثير من العلماء، وأسند عنه الشيخ أبو الخير أحمد بن عثمان المكّي، وانتهتْ إليه رياسةُ العلم ببلدة "طوك"، وفي آخر عمره ولّي قضاء القضاة بها.

مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1015 - الشيخ العالم المولى إمام الدين الكاندهلوي

*.

كان أصغر من شقيقه المفتي إلهي بخش الكاندهلوي.

وكان عالما متبحّرا، فطنا، ذكيا.

توفي شابا في رجب سنة 1200 هـ، ودفن عند أخيه الكبير الشاه كمال الدين.

وكان من أخصّ تلامذة الشاه عبد العزيز، والشاه رفيع الدين الدهلوي.

شرح "مير زاهد جلالي" على أمر الشاه عبد الغني، وذكر في مقدمته أساتذته الثلاثة المذكورين، ويعرف استعداده وذكائه في العربية من مقدمته.

قال الشاه عبد العزيز الدهلوي: ما وجدت نظير المولوي إمام الدين في قوة الذهن وعلو الطبع.

* * *

‌1016 - الشيخ الفاضل إمام الدين، السُّودَارَامي

* *.

* راجع: حالات مشايخ كاندهله ص 27.

* * نزهة الخواطر 7: 86.

ص: 42

أحد العلماء المشهورين بأرض "بنغاله"

(1)

.

كان من أصحاب الإمام السيّد أحمد الشهيد، بايعه في "لكنو"، وصاحبه في الحجّ، وكان من كبار الدعاة إلى الله، تاب على يده آلاف من الناس في "بنغاله" و"آسام"، وصلح حالهم، واستقاموا على الشريعة، ذكره كرامة علي الحنفي الجونبوري في "نسيم الحرمين"، وأثنى عليه، ولقبه بالشيخ الصدوق محي السنّة.

* * *

‌1017 - الشيخ الفاضل أمان الله بن خير الدين الكشميري

،

(1)

بنغاله: بفتح الموحّدة، وسكون النون، وكاف فارسية، وألف ولام مفتوحة، بلاد متّسعة من أرض "الهند"، يحدّها من الشرق سلسلة الجبال، ومن الغرب "بهار" و"أريسه"، ومن الشمال أيضا سلسلة الجبال، ومن الجنوب البحر الملح، وطولها أربعمائة ميل، وعرضها مائتا ميل، والأنهار المشهورة بها:"كنكا" و"برهم بتر"، وهي إقليم الأرز، والعقاقير، والفانيذ، والموز، والأنبج، وورق التنبول، ومن غرائبه رخص، وسعة، ومنافع ومتاجر، قد جاور البحر، وشقّه النهر، وله سهل، وزرع، ويزرعون الأرز فيه في السنة ثلاث مرّات، إلا أن مائه ردي، وهواءه رطب، وأكلهم الأرز، ولبسهم الأرز، شتاء خسيس، وصيف بغيض. قال ابن بطوطة المغربي في "كتاب الرحلة": إنها بلاد مظلمة، يسمّونها أهل "خراسان" دوزخ بُر نعم، أي جهنم ملأي بالنعم. قال: رأيت الأرزّ يباع في أسواقها خمسة وعشرين رطلا دهلية بدينار فضّي، والدينار الفضّي هو ثمانية دراهم، ودرهمهم كدرهم النقرة سواء، والرطل الدهلي عشرون رطلا مغربية، وسمعتهم يقولون: إن ذلك غلاء عندهم.

ص: 43

أحد كبار العلماء *.

درّس، وأفاد مدّة طويلة بـ "كشمير"، ثم سار نحو "دهلي"، وولي الصدارة بها، ولقب "شيخ الإسلام".

له تعليقات على الكتب الدراسيّة، قتل في معركة نادر شاه فيما بين "باني بت"

(1)

و"كرنال" سنة إحدى وخمسين ومائة وألف، كما في "حدائق الحنفية".

* * *

‌1018 - الشيخ العالم الكبير العلامة أمان الله بن نور الله بن الحسين البنارسي، أحد العلماء المشهورين في الفقه والأصول والكلام

* *.

ولد، ونشأ بمدينة "بنارس"، وحفظ القرآن، وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدراسيّة على الشيخ محمد ماء الديوغامي، وعلى الشيخ قطب الدين الحسيني الشمس آبادي، وعلى غيرهما من العلماء، ثم ولّي الصدارة بـ "لكنو" في أيام عالمغير بن شاهجهان الدهلوي سلطان "الهند"، وكان القاضي محبّ الله بن عبد الشكور البهاري صاحب

* راجع: نزهة الخواطر 6: 43.

(1)

باني بت: بباء فارسية، فألف، فنون مكسورة، فياء تحتية، فباء فارسية مفتوحة، آخرها فوقية ساكنة، بلدة بقرب "دهلي".

* * راجع: نزهة الخواطر 6: 43، 44.

وترجمته في معجم المؤلفين 2: 318، وهدية العارفين 1: 227، وإيضاح المكنون 1: 139، 2: 444، 530.

ص: 44

"السلم"، و"المسلم" قاضيًا بها، فجرتْ بينهما من المباحثات والمطارحات، ما تفعم بها بطون الصفحات.

ومن مصنّفاته الرشيقة الممتعة: "المفسّر"، وشرحه "المحكم" في أصول الفقه، والحاشية على "تفسير البيضاوي"، وله حواش وشروح على "العضدي"، و"التلويح"، و"الحاشية القديمة"، و"شرح المواقف"، و"شرح العقائد" للدوّاني، و"الرشيدية" للشيخ محمد رشيد الجونبوري، وله محاكمة بين السيّد محمد باقر داماد الحسيني صاحب "الأفق المبين"، والعلامة محمود بن محمد الجونبوري، صاحب "الشمس البازغة" في مسألة الحدوث الدهري، وله شرح على "التسوية" للشيخ محبّ الله الإله آبادي.

مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف ببلدة "بنارس"، كما في "سبحة المرجان".

* * *

‌1019 - الشيخ العالم الصالح أمان الله النقشبندي، اللاهوري، أحد رجال العلم والطريقة

*.

أخذ عن الشيخ أحمد بن عبد الأحد العمري السرهندي

(1)

، ولازمه زمانا، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 95.

(1)

سرهند: بفتح السين، وسكون الراء المهملتين، معناها رأس "الهند". ويقال لها:"سهرند" بكسر السين المهملة، وفتح الراء، بعدها نون =

ص: 45

ومات بها سنة أحدى وثلاثين وألف، كما في "مهر جهانتاب".

* * *

‌1020 - الشيخ الصالح أمان الحق بن برهان الحق بن نور الحق بن أنوار الحق الأصاري، اللكنوي، أحد الفقهاء الحنفية

*.

ولد، ونشأ ببلدة "لكنو"، وحفظ القرآن، وجوّده، ثم اشتغل بالعلم، وقرأ على والده وعلى الشيخ عبد الحكيم بن عبد الرب اللكنوي، وبرع بالحساب والمواريث والفقه، ثم اشتغل بالتدريس.

مات لإحدى عشرة بقين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة وألف ببلدة "لكنو".

* * *

‌1021 - الشيخ الفاضل أمانة الله بن لطف الله البلكهني، أحد العلماء المشتغلين بالدرس والإفادة

* *.

= ساكنة، فدال مهملة، ومعناها: غابة الأسد، كانت بلدة عامرة في القديم، وإليها ينسب الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي إمام الطريقة المجددية، رحمه الله تعالى.

* راجع: نزهة الخواطر 8: 77.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 77، 78.

ص: 46

ولد (حوالي سنة خمس وثمانين ومائتين وألف)، ونشأ بـ "عليكره"، وقرأ العلم على والده، ولازمه ملازمة طويلة، ولما سافر والده إلى "حيدر آباد" تصدّر للتدريس بـ "عليكره"، (وكانتْ له مشاركة جيّدة في العلوم الرياضيّة، وكان كثير الصمت قليل الكلام، عاكفا على الدرس والإفادة.

مات في شهر ذي الحجّة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1022 - الشيخ الصالح المعمّر أمانة الله بن محمد فصيح الغازيبوري، أحد المشايخ المعروفين بالصلاح

*.

تفقّه على والده، وأخذ عنه الطريقة، وتولّي الشياخة بعده.

وكان مرزوق القبول في الوعظ والتذكير، قليل العلم، شديد التعصّب على من ينتمي إلى أهل الحديث، مع الوجاهة العظيمة، والوقار والعفّة، والاستقامة والصلاح، انتفع بمواعظه خلق كثير، لا يحصون بحدّ وعدّ.

مات في السادس عشر من رمضان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بـ "غازيبور"

(1)

.

* * *

‌1023 - الشيخ العالم الصالح أمانة علي

* راجع: نزهة الخواطر 8: 77.

(1)

غازي بور: بلدة مشهورة على شاطئ نهر "كنك".

ص: 47

الصوفي، الأمروهوي أحد المشايخ الجشتية *.

قرأ بعض الكتب الدراسيّة في بلاد شتى، ثم ترك الاشتغال بالبحث، وصحب الشيخ محمد حسين المراد آبادي، وأخذ عنه الطريقة، ولما توفي الشيخ المذكور لازم صاحبه الشيخ كامكار خان، ولما توفي كامكار خان سافر إلى "دهلي"، وقرأ سائر الكتب الدراسيّة على أساتذتها، ثم ذهب إلى "مانكبور"، وأخذ الطريقة عن الشيخ موسى الجشتي المانكبوري، واشتغل عليه بالأذكار والأشغال مدّة طويلة، ثم رجع إلى "أمروهه"

(1)

، وتولّي الشياخة بها.

مات لتسع عشرة من ذي القعدة سنة ثمانين ومائتين وألف، كما في "أنوار العارفين".

* * *

‌1024 - الشيخ الفاضل امتنان خواص خان البيجابوري، القادري

* *.

محدّث له "مهمّة المحدّثين"، فرغ منها سنة 1028 هـ.

كان حيا 1028 هـ.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 7: 89.

(1)

"أمروهه": بفتح الهمزة وإسكان الميم، وضم الراء المهملة، وإسكان الواو، بعدها هاء، بلدة عامرة حسنة، بينها وبين "دهلي" مسيرة ثلاثة أيام.

* * راجع: معجم المؤلفين 319: 2. وترجمته في إيضاح المكنون 2: 610.

ص: 48

‌1025 - الشيخ الفاضل، المولوي الحكيم المفتي أبو العلا أمجد علي الأعظمي، الرضوي، القادري

*.

كان رئيس دار العلوم العثمانية بـ "أجمير" في "الهند".

مضى عمره في خدمة الدين.

قد صنّف "بهار شريعت" في الفقه الإسلامي سبع عشر جزءا في مجلّدين.

* * *

‌1026 - الشيخ العارف الكبير الأجل إمداد الله بن محمد أمين العمري، التهانوي، المهاجر إلى "مكة المباركة

" * *.

كان من الأولياء السالكين والعارفين، اتفقت الألسن على الثناء عليه والتعظيم له.

ولد يوم الانثين لثمان بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بعد الألف بـ "نانوته" قرية من أعمال "سهارنبور"، وقرأ الرسائل الفارسيّة على الوجه المرسوم، وقرأ "الحصن الحصين" على مولانا قلندر بخش الجلال آبادي، وقرأ "المثنوي المعنوي" عليه أيضا، وهو ممن قرأ على المفتي إلهي بخش الكاندهلوي، ثم سافر إلى "دهلي"، ولازم الشيخ نصير الدين الشافعي

* راجع: الفتاوى والمسائل 1: 158، وبهار شريعت 17:66.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 79 - 81.

ص: 49

المجاهد، وأخذ عنه الطريقة وبعد شهادته رجع إلى "تهانه بهون"، فأقام بها زمانا، ثم دخل "لوهاري"، ولازم الشيخ نور محمد الجهنجهانوي، وأخذ عنه الطريقة، وفتح الله سبحانه عليه أبواب المعرفة، وجعله من العلماء الراسخين في العلم، فتصدّر للإرشاد والتلقين بأمر شيخه.

(وثار المسلمون وأهل البلاد على الحكومة الإنجليزية سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وقامتْ جماعة من العلماء والصلحاء وأهل الغيرة من المسلمين في "سهارنبور" و"مظفّر نغر"، فأعلنوا الحرب على الإنكليز، واختاروا الشيخ إمداد الله أميرا لهم، واشتبك الفريقان في ميدان "شاملي" قرية من أعمال "مظفّر نغر"، فقتل حافظ محمد ضامن شهيدا، وانقلبت الدائرة على المسلمين، ورسختْ أقدام الإنكليز، واشتدّ بطشُهم بكلّ من اتّهم بالمشاركة في هذه الثورة، وضاقتْ على العلماء العاملين الغياري الأرض، وضاق مجال العمل في "الهند"، وقضى بعض الرفقة مدّة في الاختفاء والانزواء، ولجأ بعضهم إلى الهجرة ومغادرة البلاد، وآثر الشيخ إمداد الله الهجرة إلى "مكّة المكرّمة"، ودخل "مكة" سنة ستّ وسبعين ومائتين وألف، وألقى رحله بالبلد الأمين، وكان أول إقامته على "الصفا"، ثم انتقل إلى حارة الباب، حيث قضى حياته، ولقي ربّه، وعاش أياما طويلة في عسر شديد، وفقر وفاقة، شأن الأولياء المتقدّمين، وهو صابر محتسب، راض بما قسم الله له من الحال، حتى جاء الله بالفرج، وأبدل العسر باليسر، وجاءتْه الدنيا راغمة، واشتغل بالمجاهدات والعبادات، متوجّها إلى الله بقلبه وقالبه، دائم الذكر والمراقبة، فائض القلب والباطن بالعلوم والأنوار، مع هضم للنفس وإطراح على عتبة العبودية، وتواضع للعباد، وعلوّ همّة وشهامة نفس، وإجلال للعلم والعلماء، وتعظيم للشريعة والسنّة السنية، حتى غرس الله حبّه في قلوب عباده، وعطف قلوب العلماء الكبار والمشايخ الأجلاء إلى الرجوع إليه والاستفادة منه، وأمّه

ص: 50

طلابُ المعرفة واليقين من بلاد بعيدة، وبارك الله في تربيته وطريقته، فانتشرتْ أنوارهما في الآفاق، وجدّد به الطريقة الجشتية الصابرية، وانتمى إليها، ودخل في سلكها كبار العلماء والفضلاء)، ونفع الله به خلائق لا يحصون، أجلّهم: الشيخ قاسم، والشيخ رشيد أحمد، ومولانا يعقوب، والمولوي أحمد حسن، والمولوي محمد حسين، والمولوي أشرف علي، وكلّهم صاروا شيوخا، وانتفع بهم خلق كثير.

(وكان الشيخ إمداد الله مربوع القامة، يميل إلى الطول، نحيف الجسم، أسمر اللون، كبير الهامة، واسع الجبين، أزج الحاجبين، واسع العينين، حلوّ المنطق، ودودا، بشوشا، قليل المنام، مقلا من الطعام، قد أضناه الحبّ الإلهي، وأنحفته المجاهدات والرياضات، رحب الأناة، واسع القلب، جامعا للأشتات، يلتقي على حبّه، والاستفادة منه المختلفون في الأذواق والمشارب، متسامحا مع الناس، متوسّعا في المسائل الجزدية والمذاهب الخلافية، لا يتعصّب فيها، ولا يتشدّد، مولعا بـ "المثنوي المعنوي"، دائم الاشتغال به تأمّلا وتدريسا وتذوّقا وتلقينا، ينصح أصحابه بقراءته، والتأمّل فيه.

له مصنّفات لطيفة، كلّها في الحبّ الإلهى والمعرفة والتصوّف، منها:"ضياء القلوب" بالفارسية، و"إرشاد مرشد"، و"كلزار معرفة"، و "تحفة العشّاق"، و "جهاد أكبر"، و "غذاء روح"، و "درد نامة غنماك"، كلّها في أردو، وأكثرها في الشعر.

توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف بـ "مكة المباركة"، فدفن بـ "المعلاة" عند الشيخ رحمة الله الكيرانوي.

* * *

ص: 51

‌1027 - العارف بالله الشيخ أمر الله ابن آق شمس الدين

*.

قرأ على علماء عصره، حتى وصل إلى خدمة المولى الفاضل أحمد الشهير الخيالي، ولما مات والده أخذوا أوقافه من يده، فجاء إلى عتبة السلطان محمد خان لتخليصه، فأعطاه الوزير محمد باشا القرماني تولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة "بروسه" عوضا من أوقافه، فصار متولّيا إلى أن صار متولّيا على أوقاف السلطان مرادخان بمدينة "بروسه"، وداوم على ذلك مدّةً، ثم اختلّت رجله وأحدى يديه بسبب النقرس، فصار متقاعدًا سنين كثيرة، وعيّن له كلّ يوم خمسين درهمًا بطريق التقاعد، وكان المرحوم يبكى كلّ وقت، ويقول: ما أصابتْني هذه البلية إلا بترك وصية والدي، وكان المرحوم يوصى أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية.

مات رحمه الله تعالى في سنة تسع وتسعمائة، -روّح الله روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1028 - الشيخ العالم أمير الله المدراسي

* *.

أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول.

كان مفتيا في المحكمة العليا، اشتغل به زمانا طويلا، ثم ترك، ولازم بيته، وكان يدرّس، ويفيد.

* راجع الشقائق النعمانية 244.

* * نزهة الخواطر 7: 94.

ص: 52

مات لسبع ليال بقين من جمادى الأولي، سنة خمسين ومائتين وألف.

* * *

‌1029 - الشيخ الصالح المعمر أمير باز بن نامدار السهارنبوري، أحد العلماء المذكور

*.

ولد بقرية "بهوجبور" من أعمال "مظفرنغر" في سابع عشر جمادى الآخرة نحو سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائتين بعد الألف، وقرأ على مولانا محمد بن أحمد الله التهانوي، ومولانا محمد مظهر، ومولانا قاسم، ومولانا يعقوب بن مملوك العلي، والشيخ سعادة علي، والشيخ أحمد علي بن لطف الله، وعلى غيرهم من العلماء، (وبايع الشيخ عبد الرحيم السهارنبوري في الطريقة القادرية المجددية، وكان الشيخ عبد الرحيم من خلفاء الشيخ الكبير عبد الغفور الصواتي، المعروف باخوند صاحب، وحصلتْ له الإجازة منه.

وكان حسن الملكة في التعليم، تأسّست مدرسة مظاهر العلوم، وهو يقرأ الكتب النهائية، فدخل فيها، وقرأ فاتحة الفراغ سنة سبع وثمانين ومائتين وألف.

وناب عن الشيخ محمد مظهر النانوتوي في بعض دروسه في غيبته، واختير واعظا في المسجد الجامع في "سهارنبور"، وقضى مدّة يعظ، ويذكّر، وحصل بينه وبين أساتذة مظاهر العلوم وأصحاب الإمام رشيد أحمد الكنكوهي خلاف حين قام بختم القرآن على قبر شيخه في يوم وفاته، وكان

* راجع: نزهة الخواطر 8: 83.

وترجمته في تذكرة مولانا مظهر النانوتوي ص 140.

ص: 53

متوسّعا في بعض المحدَثَات، التى شاعتْ عند أهل الطرق، وكان يدور في القري، يعظ، ويذكّر، وانتفع به خلق، وحصلتْ منه الإجازة في الطريقة القادرية المجدّدية.

مات لتسع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1030 - العالم الفاضل المولى أمير حسن جلبي ابن السيّد علي جلبي

*.

قرأ على علماء عصره، منهم: المولى الشهير بـ "كدبك حسام"، والمولى حسن جلبي الشهير بـ "ابن الطباخ"، والمولى الشهير بـ "معمار زاده"، والمولى الوالد، ثم وصل إلى خدمة المولى الكامل عبد القادر الشهير بـ "قادري جلبي"، ثم صار مدرّسًا ببعض المدارس، ثم صار مدرّسًا بمدرسة الوزير داود باشا بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسًا بمدرسة الوزير مصطفى باشا بالمدينة المزبورة، ثم صار مدرّسًا بسلطانية "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسًا بإحدى المدارس الثمان، ثم صار مدرّسًا بمدرسة أيا صوفيه، ثم صار مدرّسًا بإحدى المدارس الثمان ثانيًا، وعيّن له كلّ يوم سبعون درهمًا.

ومات في سنة سبع وخمسين وتسعمائة.

كان عالمًا ذكيًّا، صحيح العقيدة، مهتمًّا في مصالح أصدقائه، وكان لذيذ الصحبة، صاحب بشاشة، وكان كريم النفس، سخيًّا، وكان أهل مروأة وفتوة، -روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه-.

* راجع: الشقائق النعمانية 300.

ص: 54

‌1031 - العالم الفاضل الكامل المولى أمير حسن الرومي

*.

قرأ رحمه الله تعالى على علماء عصره، ثم صار مدرّسًا ببعض المدارس، ثم صار مدرّسًا بمدرسة أمير الأمراء بمدينة "أدرنه"، ثم صار مدرّسًا بمدرسة الوزير إبراهيم باشا بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسًا بمدرسة الوزير داود باشا بالمدينة المزبورة، ثم صار مدرّسًا بمدرسة دار الحديث بـ "أدرنه"، ومات وهو مدرّس بها.

كان رحمه الله تعالى كريم الطبع، حليم النفس، مشتغلًا بالعلم وكانتْ له مشاركة في العلوم كلّها.

وله "حواش على شرح الفرائض" للسيّد الشريف، و"حواش على شرح الرسالة المصنّفة في علم الأدب" لمسعود الرومي، وغير ذلك، -روّح الله تعال روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1032 - الشيخ الفاضل أمير حسين بن الشيخ المولى عبد الرب الجاتجامي

* *.

ولد في قرية "رودرا" من مضافات "أنواره" من "سيتاغونغ" سنة 1330 هـ.

* راجع: الشقائق النعمانية 285.

* * مائة رجال (بنغلا) 222 - 224.

ص: 55

قرأ الدراسة الابتدائية عند والده، ثم التحق بالجامعة الإسلامية جيري، وقرأ على المحدّث الجليل الشيخ عبد الودود، والفقيه المفتي عزيز الحق، رحمهما الله تعالي، ثم التحق بدار العلوم "ديوبند"، وقرأ على الشيخ السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة إبراهيم البلياوي، والعلامة شمس الحق الأفغاني، والفقيه الأديب الشيخ إعزاز علي، رحمهم الله تعالى.

درّس أولا بالمدرسة الإسلامية بـ "شرف باتا"، ثم التحق بالجامعة السلامية "فتية" سنة 1361 هـ.

وبعد افتتاح صفّ تكميل الحديث الشريف فيها في سنة 1365 هـ درّس المجلّد الثاني من "صحيح البخاري"، و"الجامع للترمذي". ودرّس خمسا وأربعين سنة.

بايع في الطريقة على يد حكيم الأمة أشرف على التهانوي رحمه الله، وبعد وفاته على يد الشيخ المفتي عزيز الحق، رحمه الله تعالى.

وأجازه الشيخ في الإرشاد والتلقين.

توفي سنة 1390 هـ، وكان عمره إذ ذاك 73 سنة.

* * *

‌1033 - العارف بالله تعالى الشيخ أمير علي بن أمير حسن

*.

كان رحمه الله تعالى من نسل السيّد جلال الدين الكرماني، صاحب "الكفاية" في شرح "الهداية"، تربّى أبوه في بيت الشيخ العارف بالله تعالى

* راجع: الشقائق النعمانية 261.

ص: 56

السيّد محمد البخاري المدفون بمدينة "بروسه"، وقرأ الشيخ أمير علي المذكور على علماء عصره، منهم: المولى الفاضل علاء الدين الفناري، والمولى الفاضل محمد بن الحاج حسن، ثم صار مدرّسا بمدرسة حمزة بك بـ "بروسه"، وعيّن له كلّ يوم ثلاثون درهما بطريق التقاعد، ومال إلى طريقة الصوفيّة، وعيّنه للإرشاد العارف بالله تعالى الشيخ نصوح الطوسي، ثم جلس في الزاوية التي تنسب إلى الشيخ العارف بالله تاج الدين.

ومات رحمه الله تعالى في حدود الأربعين وتسعمائة، وكان رحمه الله مبارك النفس، كريم الأخلاق، صاحب العقيدة الصحيحة الصافية، مراعيا للشريعة، متواضعا، متخشّعا.

وكان صاحب الشيبة الحسنة، والوجه المليح، ومراعيا للفقراء والصلحاء، وملازما للجماعة، وصاحب سمة حسنة، وطريقة مرضية، -روح الله روحه، وزاد في أعلى غرف الجنان فتوحه-.

* * *

‌1034 - السيّد الفاضل العلامة أمير علي بن معظّم علي الحسيني المليح آبادي، ثم اللكنوي

*.

أحد العلماء المشهورين في "الهند".

ولد في سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وقرأ الرسائل الفارسيّة والفنون الرياضيّة من الحساب و "أقليدس"، والجبر والمقابلة، وعلم المثلث والمساحة ونحوها، ولما بلغ الخامس عشر من سنّه ترك الاشتغال بذلك، وأقبل

* راجع: نزهة الخواطر 8: 84 - 86.

ص: 57

إلى العلوم العربية، فقرأ المختصرات على السيّد عبد الله الآروي، وشيخه مولانا حيدر علي المهاجر، ثم لازم القاضي بشير الدين العثماني القنّوجي، وقرأ عليه الأصول والكلام والمنطق والحكمة وغيرها، ثم سافر إلى "دهلي"، وأخذ الحديث عن الشيخ المحدّث نذير حسين الدهلوي، وقرأ عليه الصحاح والسنن قراءة تدبّر وإتقان، وتطبّب على الحكيم عبد المجيد بن محمود الدهلوي، ثم رجع إلى بلدته، وتزوّج بـ "لكنو"، وسكن بها، وصرف شطرا من عمره في تصحيح الكتب وتحشيتها وترجمتها في مطبعة نولكشور -بكسر النون وفتح الواو وكسر الكاف- وفي آخر عمره استقدمه ناظر المدرسة العالية إلى "كلكته"، ولاه التدريس، وبعد سنة أو سنتين استقدمه أعضاء الندوة إلى "لكنو"، وولوه نظّارة دار العلوم ورياسة التدريس بها، فدرّس، وأفاد نحو ثلاث سنين، وتوفي إلى رحمة الله سبحانه.

وكان مفرط الذكاء، جيّد القريحة، قوىّ الحفظ، سريع الإدراك، متين الديانة، شريف النفس، حسن المعاشرة، سافر إلى "الحجاز" فحجّ، وزار، وولي التدريس بـ "جدّة"، فدرّس بها زمانا طويلا، ورجع إلى "الهند"، وكان أعمل العلماء في زمانه وأعرفهم بالنصوص والقواعد، مع توسّعه في الرجال والحديث، مديم الاشتغال في كتبه، غير متصلّب في المذهب الحنفي، يتتبّع الدليل، ويترك التقليد إذا وجد في مسألة نصّا صريحا مخالفا للمذهب غير منسوخ. قال صاحب "النزهة": وهو من أشياخي، صحبتُه مدّة، وقرأتُ عليه "تفسير الجلالين" من أوله إلى آخره قراءة تدبّر وإتقان.

وله مصنّفات عديدة، منها:"مواهب الرحمن في تفسير القرآن" بالأردو في ثلاثين مجلّدا، ومنها:"عين الهداية" شرح هداية الفقه بالأردو، ومنها: ترجمة "الفتاوى العالمكيرية"، ومنها:"شرح صحيح البخاري" بالأردو

ص: 58

في مجلّدات كبار، ومنها: حاشية بسيطة على "التوضيح"، و "التلويح"، وحاشية على "تقريب التهذيب" للحافظ، و "تكملة التقريب" المسمّاة بـ "التصقيب"، وله "المستدرك في الرجال"، جمع فيه رواة الصحاح والسنن، واستقراهم من "أنساب السمعاني"، وغيره من الكتب، ولكنه لم يتمّ.

مات في شهر رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف بـ "لكنو".

* * *

‌1035 - الشيخ الفاضل أمير غالب بن أمير كاتب، ابن أمير عمر، ولد الذي قبله همام الدين، ابن الإمام العلامة قوام الدين، الإتقاني

*.

ذكره علاء الدين ابن خطيب الناصرية، في "تاريخه"، وقال: ولي قضاء "دمشق"، وكان رئيسًا، عالمًا، حسن الأخلاق والشكل، عادلًا في أحكامه، اعتمد على العلماء من نوابه، وتخلّى عن الأشياء، ورفه نفسه عن التعب.

توفي رحمه الله تعالي، سنة أربع وثمانين وسبعمائة بـ "دمشق"، وقد قارب الخمسين سنة، رحمه الله تعالى.

نقلت هذه الترجمة من خطّ أحمد بن محمد ابن الشحنة، رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 224، 225.

وترجمته في الدرر الكامنة 1: 445، والنجوم الزاهرة 11:294.

ص: 59

‌1036 - الشيخ الفاضل أمير كاتب بن أمير عمر العميد، ابن العميد أمير غازي الشيخ، الإمام، العلامة، قوام الدين، أبو حنيفة الفارابي، الإتقاني

*.

وسماه الحُسيني في "ذيله" لطف الله.

قال في: "الدرر": ولد بـ "إتقان"، في شوّال، سنة خمس وثمانين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، إلى أن شرح "الأخسيكثي"، وذكر أنه فرغ منه بـ "تستر"، سنة سبعمائة وسبع عشرة.

وقدم "دمشق"، في سنة عشرين، وناظر، وظهرتْ فضائله، قاله ابن كثير.

ودخل "مصر"، ثم رحل، فدخل "بغداد"، وولي قضاءها.

ثم قدم "دمشق" ثانيًا في شهر رجب، سنة سبع وأربعين، وولي بها "دار الحديث الظاهرية" بعد وفاة الذهبي، وتدريس الكنجية، ثم نزل عنهما. ولما دخل "مصر"، المرة الثانية، أقبل عليه صرغتمش، وعظّمه، وجعله شيخ

* راجع: الطبقات السنية 2: 221 - 224.

وترجمته في البدر الطالع 1: 159، وبغية الوعاة 1: 459، 460، وتاج التراجم 18، 19، والجواهر المضية (في الأنساب) برقم 2013، وحسن المحاضرة 1: 40، والدرر الكامنة 1: 442 - 445، وروض المناظر على هامش الكامل 12: 177، وشذرات الذهب 6: 185، والفوائد البهية 50 - 52، وكتائب أغلام الأخيار برقم 558، وكشف الظنون 1: 868، 2: 1846، من ذيول العبر (ذيل الحسيني) 317، والنجوم الزاهرة 10: 325، 326.

ص: 60

المدرسة التي بناها، واختار لحضوره الدرس طالعًا، وذلك حين كان القمر في السنبلة، والزهرة في الأوج، وكان تثليث المشتري والقمر، فدرّس ذلك اليوم، وأقبل عليه صرغتمش إقبالًا عظيمًا، فقدر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة ونصف، بل أقلّ من ذلك.

قال ابن حجر: وكان لما قدم "دمشقط صلّى مع النائب، وهو يلبغا، فرأى إمامه رفع يديه عند الركوع والرفع منه، فاعلم الإتقاني يلبغا، أن صلاته باطلة على مذهب أبي حنيفة، فبلغ ذلك القاضي تقى الدين السبكي، فصنّف "رسالة في الردّ عليه"، فوقف عليها، فجمع "جُزءًا"، في إثبات ما قاله، وأسند ذلك عن مكحول النسفي أنه حكاه عن أبي حنيفة، وبالغ في ذلك، إلى أن أصغى إليه النائب، وعمل بقوله.

قال: واختص بصرغتمش، وأشار عليه بأن فصر مدرسته على الحنفية دون غيرهم، وكان شديد التعاظم، متعصبًّا لنفسه جدًّا، حتى قال في شرحه للأخسيكثي: لو كان الأسلاف في الحياة، لقال أبو حنيفة: اجتهدت. ولقال أبو يوسف: نار البيان أوقدت. ولقال محمد: أحسنت. ولقال زُفر: أتقنت. ولقال [الحسن]: أمعنت. واستمرّ هكذا، حتى ذكر أعيان الحنفية.

وقال الصفدي، في ترجمته: كان متعصّبًا على الشافعيّة، متظاهرًا بالغضّ منهم، يتمنى تلافهم، واجتهد في ذلك بـ "الشام"، فما أفاد، ودخل "مصر"، وهو مُصرّ على العناد، وكان شديد الإعجاب.

وشرح "الهداية" شرحًا حافلًا، وحدّث بـ "الموطّأ" رواية محمد بن الحسن، بإسناد نازل.

وقال ابن حبيب: كان رأسًا في مذهب أبي حنيفة، بارعًا في اللغة والعربية، كثير الإعجاب بنفسه، شديد التعصّب على من خالفه.

ص: 61

قلت: لا يخفى على من عنده أدنى تأمّل، ووقف على مؤلّفات الإتقاني، أن ما ذكره ابن حجر، ونقله عن الصفدي وغيره، في حقّ الشيخ، أنه كان من المجمع على علمه، وفضله، وتحقيقه، وبراعته، ومن كان هذا الوصف وصفه، فبعيد أن يصدر منه ما لا يليق بمثله، ولا يحسن بعمله وفضله، مما أضرّبنا عن ذكره، من التعصبّات التي تؤدّي إلى وصف الإنسان بما لا ليس فيه، والجواب في الجميع قال ابن حجر: وقرأت بخطّ القطب: فقيه، فاضل، صاحب فنون من العلم، وله معرفة بالأدب، والمعقول، درّس بمشهد أبي حنيفة بـ "بغداد"، وقدم "دمشق" في رمضان، سنة إحدى وعشرين، ثم دخل "العراق"، سنة اثنتين.

وكانتْ وفاته بـ "مصر"، سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.

قال ابن الشحنة في أوائل "شرح الهداية" في ترجمة الإتقاني: وقد أخبرنا شيخنا الحافظ أبو الوفاء أن الأمير صرغتمش الناصري، كان قصد أن يبني مدرسة، ويقرّر في تدريسها الشيخ علاء الدين الأقرب الحنفي، فقدرت وفاته، [فكانت] ولاية الشيخ قوام الدين بها على أكمل وجوه التعظيم، حتى إنه يوم ألقى الدرس، حضر الأمير صرغتمش إلى منزل الشيخ بقناطر السباع، واستدعاه للحضور، فلما كب الشيخ أخذ الأمير صرغتمش بركابه، واستمرّ ماشيًا في ركابه إلى المدرسة، ومعه جماعة من الأمراء مشاة، فقال له: يا أمير صرغتمش، لا تأخذ في نفسك من مشيك آخذًا بركابي، فقد أخذ بركابي سلطان من بني سلجوق. وكان يومًا مشهودًا.

وذكره الصفدى في "أعيان العصر" و "أعوان النصر"، قال: ونقلت من خطّه -يعني صاحب الترجمة- ما صورته: تاريخ قدومنا "دمشق" في

ص: 62

الكرّة الثانية، في العاشر من شهر رجب، سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ثم لبثنا ثمة إلى أن خرجنا منها، في ثامن صفر، يوم السبت، من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.

قال العبد الفقير إلى الله تعالى أمير كاتب ابن أمير عمر، المدعو بقوام الفارابي الإتقاني: كان تاريخ ولادتي بإتقان، ليلة السبت، التاسع عشر من شوّال، سنة خمس وثمانين وستمائة، وفاراب: مدينة عظيمة من مدائن "الترك" تسمّى بلسان العوام أوترار، وإتقان: اسمٌ لقصبة من قصباتها.

ثم قال: هذا ما أنشأ في دولة السلطان مالك رقاب الأمم، مولى ملوك العرب والعجم، قاهر الكفرة والمشركين، ناصر الإسلام والمسلمين، الملك الناصر فلان، في مدح المقرّ العالي، سيف الدين صرغتمش، رحمه الله تعالى:

أَرَأَيْتُمُ مَن دَرَأ النُّوَبَا

وأتى قُرَبًا ونَفَى الرِّيَبَا

فَبَدَا عَلَمًا وَسَمَا كَرَمًا

ونَمَا قَدَمًا ولقد غَلَبَا

وساق القصيدة بتمامها، ثم قال: وأعطاني المقرّ العالي صرغتمش، أيّده الله تعالي، جائزة هذه القصيدة، يوم أنشدتها، عشرة ألف درهم، وملأ يوم الدرس بركة المدرسة بالسكر وماء الليمون، فسقى بذلك الناس أجمعين، وخلع على بعد الدرس خلعتين، وخلع على ابني همام الدين أيضًا، ثم لما خرجت حملني على بغلة شهباء، مع السرج. المِفضض واللجام، وكان اليوم يومًا يؤرخ، فيا لها قصة في شرحها طول.

انتهى ما نقلته عن الصفدي، مع حذف ما ليس في ذكره كبير فائدة، وأما هو فقد نقله بحروفه.

قلت: أما علم الشيخ، وفضله، وإتقانه، فما لا يشك فيه، وأما إنشاؤه نثرًا ونظمًا، فالذي يظهر من كلامه، وعقود نظامه، أن العربية

ص: 63

وإن كان يعرف دقائقها، فليست له بسجية، تغمّده الله تعالى برحمته، وأباحه بحبوحة جنته، آمين.

قال الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى في "الفوائد البهية" ص 51: قد طالعت من تصانيفه "التبيين"، و "غاية البيان". فوجدته كما قال الكفوي شَديد التعصّب في مذهبه، بسيط اللسان على مخالفه. قال في بحث حروف المعاني: ثم الغزالي شنّع في "المنخول" على أبي حنيفة في أشياء من غير حجّة على دعواه، ولا دليل على ما خيل، فلو لا إطالة الكتاب، أوردناه، ورددناه بردّ لا يردّ على وجه تتوب روحه عما فعلت يده ولسانه، والله إن كنا لنعتقده غاية الاعتقاد لأجل ما جمع في "إحيائه" من كلمات المشايخ بالنظر إلى الظاهر، ثم لما رأينا من طعنه على الكبار بلا إقامة برهان حصل بنا ما حصل. انتهى. وقال في آخر "التبيين": لو كان الأسلاف في حياتي لأنصفوني، ولقال أبو حنيفة: اجتهدت، ولقال أبو يوسف: نار البيان أوقدت، لقال محمد: أحسنت، ولقال زفر: أتقنت، ولقال الحسن: أمعنت، ولقال أبو حفص: أنعمت فيما نظرت، ولقال أبو منصور: حقّقت، ولقال الطحاوي: صدقت، ولقال الكرخي: بورك فيما نطقت، ولقال الجصّاص: أحكمت، ولقال أبو زيد: أصبت، ولقال شمس الأئمة: وجدت ما طلبت، ولقال فخر الإسلام: مهرت، ولقال نجم الدين النسفي: بهرت، ولقال صاحب "الهداية": يا غوّاص البحر! عبرت، ولقال صاحب "المحيط": فقت فيما أعلنت، وما أسررت، إلى غير ذلك من كبرائنا، الذين لا يحصى عددُهم. ولقال المتنبي: أنت من الفصحاء. انتهى. وقال بعده: وقع الفراغ من تصنيفه، وهو على جناح سفر "الحجاز" في ليلة البراءة سنة ستة عشرة وسبعمائة. وذكر ديباجة "غاية البيان" أنه لما فرغ من حجة الإسلام بقافلة "العراق" من

ص: 64

"مدينة السلام" سنة عشرين وسبعمائة. ووصل إلى ديار "مصر". في المحرّم من السنة الحادية والعشرين، فسألوه أن يشرح كتاب "الهداية"، فشرع فيه حين جاوز الثلاثين بعقد البنصر، مع رفع الوسطى والخنصر، وذكر فيه أنه يروي كتاب "الهداية" من خمس طرق: أحدها: ما أخبرني به سيدي وملجئي، فقيه الفقهاء، سيد العلماء، منبع الزهد والتقوي، معدن الفقه والفتوي، صاحب الكرامات العلمية، والمقامات السنية، مفخر المسلمين، برهان الملة والدين، أحمد ابن أسعد بن محمد الخريفعني البخاري، عن شيخيه العلامتين الغايتين في التبيان، الآيتين على مذهب النعمان، حميد الدين الضرير على بن محمد بن محمد الرامشي البخاري، وحافظ الدين الكبير محمد بن محمد ابن نصر البخاري، عن شيخهما العلامة المتقن شمس الأئمة محمد بن عبد الستار بن محمد العمادي الكردري، عن صاحب "الهداية". انتهى. وقال أبو الوليد محمد بن الشحنة في حوادث سنة 753 من كتابه "روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر": فيها توفي الشيخ قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي الفارابي الإتقاني الحنفي، مصنف "غاية البيان شرح الهداية"، و "التبيين شرح الأخسيكثي" ولي تدريس مشهد أبي حنيفة بـ "بغداد"، وقدم "مصر"، فأكرمه الأمير صرغتمش، وبنى له "المدرسة الصرغتمشية". انتهى. وفي "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" للحافظ ابن حجر العسقلاني أمير كاتب بن عمر الإتقاني الحنفي: ولد بـ "إتقان" في شوّال سنة خمس وثمانين وستمائة. واشتغل في بلاده، ومهر إلى أن شرح "المنتخب الحسامي". وقدم "دمشق" سنة عشرين وسبعمائة. ودرّس، وناظر، وظهرت فضائله. قاله ابن كثير، ودخل "مصر"، ثم رجع، فدخل "بغداد"، وولي قضاءها. ثم دخل "دمشق"، وولي تدريس الظاهرية. وكان لما قدم "دمشق" صلّى مع النائب،

ص: 65

فرأى إمامه يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه، فأعلمه الإتقاني أن صلاته باطلة على مذهب أبي حنيفة، فبلغ ذلك القاضي تقى الدين السبكي، فصنّف رسالة في الردّ عليه، فوقف عليها الإتقاني، فجمع جزأ في نقض ما قال، وأسند ذلك عن مكحول النسفي أنه حكاه عن أبي حنيفة. وبالغ في ذلك إلى أن أصغى إليه النائب، فبين بطلان كلامه. ووهاه تقي الدين السبكي، فرجع الأمير عنه. ثم دخل الإتقاني بـ "مصر"، فاستمرّ في معاداة الشافعية، وكان كثير التعاظم والتعصّب لنفسه جدا. وشرح "الهداية" شرحا حافلا، وحدّث بـ "الموطأ" برواية محمد بإسناد نازل جدا، وكان يكثر أكل الثوم النيّ، والزنجبيل الأخضر. أخبرني به الشيخ محب الدين. وكان قد لازمه، وأخذ عنه. انتهى. وفي "حسن المحاضرة" في ترجمته: درّس بـ "بغداد" و "دمشق"، ثم قدم إلى "مصر"، فدرّس بالجامع المارديني. وكان رأسا في مذهب الحنفية والفقه واللغة والعربية، صنّف "شرح الهداية"، و "شرح الأخسيكثي"، و "رسالة في عدم صحة الجمعة في موضعين من المصر". ولد في شوّال سنة خمسة وثمانين وستمائة. ومات في شوّال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. وفي "بغية الوعاة" أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة قوام الدين الإتقاني الحنفي. وقيل: اسمه لطف الله، قال ابن حبيب: كان رأسا في مذهب الحنفية، بارعا في اللغة والعربية. قال ابن حجر: ودخل "مصر"، ثم رجع، فدخل "بغداد"، وولي قضاءها، ثم قدم "دمشق" ثانيا، سنة سبع وأربعين، وولي بها تدريس دار الحديث بالظاهرية بعد وفاة الذهبي. ثم دخل "مصر" سنة إحدى وخمسين، فأقبل عليه صرغتمش، وعظم عنده جدا، فجعله شيخ مدرسته التي بناها، وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين. واختار لحضور الدرس طالعا، فحضروا والقمر في السنبلة، والزهرة في الأوج،

ص: 66

وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما. وقدِّر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة، وكان شديد التعاظم، متعصّبا لنفسه جدا، معاديا للشافعية. واجتهد في ذلك بـ "الشام"، فما أفاده، ومات في حادي عشر شوّال سنة ثمانية وخمسين وسبعمائة. انتهى ملخّصا.

* * *

‌1037 - الشيخ العالم الكبير المحدّث أمين بن أحمد النهروالي، الكجراتي، الفاضل المشار إليه بسعة العلم

*.

تخرّج على الشيخ محمد بن طاهر بن على الفتني صاحب "مجمع البحار"، وأخذ الحديث عنه، وقدم "مندو" سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، فأقام بها سنة كاملة، ثم ذهب إلى "أجين"، ولقى بها الشيخ راجي محمد القادري، والشيخ عبد الغفور، والشيخ جمال بن أحمد، وغيرهم من المشايخ، فصاحبهم، وطابتْ له الإقامة بتلك البلدة، فتصدّر للدرس والإفادة بها، مع قناعة وعفاف وزهد وعبادة، انتفع به خلق كثير، وأخذوا عنه، ثم إنه خرج من "أجين" إلى "برهانبور" لزيارة القاضي عبد العزيز بن عبد الكريم بن راجي محمد الأجيني، فمات بها في غرّة ربيع الأول سنة سبع عشرة وألف، فدفن بها، كما في "كلزار أبرار".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 97.

ص: 67

‌1038 - الشيخ الفاضل أمين (أو محمد أمين) بن محمد ابن عبد الوهّاب الجندي، العبّاسى المعري، ثم الدمشقي

*.

مفتي الحنفية بـ "دمشق".

ولد سنة 1229 هـ في "معرة النعمان"، وتعلّم بها وبـ "حلب"، وولي القضاء والإفتاء بـ "المعرة"، ثم الإفتاء بـ "دمشق" سنة 1277 - 1284 هـ.

وانتدب لليمن رئيسا لمجلس (تشكيل ولايتها) وعاد إلى "دمشق"، فولي فيها رياسة ديوان التمييز إلى أن توفي.

له "ديوان"، رأيته في المكتبة العربية بـ "دمشق"، وفيه منظومته في (أسماء أهل بدر)، وأولها:(قال محمد الأمين الجندي: بسم إلهنا المعيد المبدي)، و "شرح رسالة الشيخ رسلان" في التصوّف، وترجم عن التركية كتاب "علم الحال".

توفي سنة 1295 هـ.

* * *

‌1039 - الشيخ الفاضل أمين بن محمد خليل السفرجلاني

* *.

* راجع: الأعلام 2: 20. وترجمته في روض البشر 44، ومنتخبات تواريخ دمشق.

* * راجع الأعلام 2: 20. =

ص: 68

فاضل.

من فقهاء الحنفية بـ "دمشق".

له نظم، ومشاركة في الأدب.

من كتبه: "القطوف الدانية في العلوم الثمانية"، و "عقود الأسانيد"، ذكر فيه مشايخه وبعض المؤلّفات وسندها نظما، و "الكوكب الحثيث في مصطلح الحديث"، و"العقد الوحيد" في علم التوحيد.

توفي سنة 1335 هـ.

* * *

‌1040 - الشيخ الفاضل الكبير أمين الله بن سليم الله بن عليم الله الأنصاري، النكرنهسوي، العظيم أبادي، أحد العلماء المشهورين في شرق "الهند

" *.

له يد بيضاء في المنطق والحكمة والأدب، ولد بـ "نكرنهسه"، وقرأ العلم على والده، ثم سافر إلى "إله آباد"، وأخذ المنطق والحكمة عن الشيخ محمد قائم الإله آبادي، ثم سافر إلى "دهلي"، وأخذ عن الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي، وولده عبد العزيز، ثم رجع إلى بلاده، وولي التدريس في المدرسة العالية بـ "كلكته"، فدرّس بها مدّة عمره، أخذ عنه خلق كثير.

وله مصنّفات عديدة، منها: رسالة في تفسير قوله تعالى "ولكم في القصاص حياة"، ومنها:"القصيدة العظمي" في مدح النبي صلى الله عليه وآله

= وترجمته في الدر الفريد 19 و 113، وتراجم أعيان دمشق 119، والأعلام الشرقية 2:89.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 96، 97.

ص: 69

وسلّم، ومنها: حاشية على "مير زاهد رساله"، وحاشية على "مير زاهد شرح المواقف"، وحاشية على "مسلم الثبوث"، وله "ديوان الشعر الفارسي".

توفي لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف بـ "كلكته"، كما في "تذكرة النبلاء".

* * *

‌1041 - الشيخ الفاضل أمين الله بن محمد أكبر بن أحمد بن يعقوب الأنصاري، اللكنوي

*.

أحد الفقهاء الحنفية.

ولد، ونشأ بـ "لكنو"، وقرأ العلم على عمّه المفتي محمد أصغر، وعلى جدّه لأمّه المفتي ظهور الله، وحفظ القرآن.

له حاشية على "شرح الجامي"، وحاشية على "ضابطة التهذيب"، وشرح على "فصول أكبري"، وتعليقات شتى على الكتب الدراسية.

مات يوم السبت لليلة بقيتْ من جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف بـ "لكنو".

* * *

‌1042 - الشيخ الفاضل أمين الدهر بن علي تبار بن محمد نافع بن محمد شاهد بن محمد عارف بن عبد الكريم الصديقي، الجائسي

،

* راجع: نزهة الخواطر 7: 97.

ص: 70

أحد الفقهاء الحنفية *.

ولد، ونشأ بـ "جائس"

(1)

، وسافر للعلم، فقرأ على الشيخ محمد قائم الإله آبادي، وعلى غيره من العلماء، واشتغل بالتدريس مدّة مديدة ببلدة "لكنو"، كان صالحا، عفيفا، ابتلي في آخر عمره بالوسواس في الطهارة و العبادة.

مات سنة خمسين ومائتين وألف ببلدة "لكنو"، فدفن بها.

* * *

‌1043 - الشيخ العالم الكبير المحدّث أمين الدين بن حميد الدين بن غازي الدين بن محمد غوث الكاكوروي، أحد الرجال المشهورين في العلم والمعرفة

* *.

ولد لتسع عشرة خلون من ربيع الثاني سنة أربع وستين ومائة وألف بـ "كاكوري"، ونشأ بها، وقرأ النحو، والصرف، وبعض رسائل المنطق، و "مختصر المعاني"، و "الفرائض الشريفية"، و "خلاصة الحساب" على والده، وقرأ "شرح الشمسية"، و "شرح التهذيب" للدوّاني مع "حاشيته" لليزدي، و "شرح العقائد" على صنوه الكبير القاضي نجم الدين.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 95.

(1)

جائس بالجيم المفتوحة، والألف، والهمزة والسين المهملة، بلدة معروفة، بينها وبين "سلون" أربعة أميال، تصنف بها الثياب الرفيعة، ومنها تجلب إلى "دهلي"، ونشأ فيها الأجلاء، كالشيخ محمد باقر الجائسي.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 95، 96.

ص: 71

ثم سافر إلى "شاهجهانبور"، وقرأ "منار الأصول"، و "شرح السلّم" للعلامة عبد العلى اللكنوي على العلامة المذكور وصاحبه إمام بخش، ثم رجع إلى بلدته، وسار نحو "سنديله"

(1)

، وقرأ "شرح السلّم" للقاضي مبارك، و "المطوّل"، و "مير زاهد رسالة"، و"مير زاهد ملا جلال"، و "هداية الفقه" على الشيخ محمد أعظم السنديلوي، وقرأ "شرح السلّم" لحمد الله، و "التوضيح" مع حاشيته "التلويح"، و "شرح هداية الحكمة" للشيرازي، و "الشمس البازغة" على حيدر على بن حمد الله، وبعد ذلك قرأ على صنوه نجم الدين المذكور "تحرير الأقليدس" و"شرح الجغميني"، ثم سافر إلى "سورت"، وأدرك بها الشيخ أبا سعيد بن محمد ضياء الشريف الحسني البريلوي، فسافر معه إلى الحرمين الشريفين، ووصل إلى "مكة المباركة" لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة سبع وثمانين ومائة وألف، فحجّ، وأخذ الطريقة عن الشيخ أبي سعيد المذكور، واشتغل عليه بأذكار الطريقة وأشغالها زمانا بـ "مكة

(1)

سنديله: بفتح السين وكسر الدال المهملتين، بلدة معروفة بقرب "هردوئي". "فرنكي محل" كانت قصر تاجر "فرنكي" بمدينة "لكنو"، أعطاها عالم كير لأبناء الشيخ قطب الدين السهالوي، فسكنوا بها، وجعلوا بها مدارس العلم، وهي في وسط المدينة.

صوبة "بهار": يحدّها من الشرق "بنكاله"، ومن الغرب صوبة "إله آباد"، و"أوده"، والشمال والجنوب سلسلة الجبال، طولها مائة وعشرون ميلا، وعرضها مائة وعشرة أميال، وأنهارها المشهورة "كنك" و "سون" و "كرم ناسه" و "بن بن"، وغيرها، وومن قلاعها العظيمة قلعة "رهتاس"، ولها سبعة "سركارات" ومائتان وأربعون عمالة، أما "السركارات" فهي "بهار"، "حاجي بور"، "مونكير"، "جمبار"، "سارن"، "ترهت"، "رهتاس".

ص: 72

المباركة"، ثم سافر إلى "المدينة المنورة"، وأقام بها ستة أشهر، وأدرك بها الشيخ أبا الحسن بن محمد صادق السندي، فقرأ عليه "مقدمة ابن الصلاح"، و"صحيح البخاري" و "المصابيح"، وأجازه الشيخ المذكور إجازة عامة، وأعطاه "ثبته"، ولما مات الشيخ أبو الحسن المذكور لخمس بقين من رمضان قرأ على الشيخ محمد سعيد صقر شطرا من "سنن أبي داود"، و"سنن ابن ماجه"، ثم رجع إلى "مكة المباركة"، وقرأ "الجزرية" على مير داد المكّي، ثم سار إلى "الطائف"، وأقام بها زمانا، ثم رجع إلى "الهند"، ودخل "مدراس" مع شيخه أبي سعيد، ولازمه ملازمة طويلة، حتى حصل له "الياد داشت"، وهو المسمّى بـ "الإحسان" عند السادة النقشبندية، فاستخلفه الشيخ أبو سعيد، فرجع إلى "كاكوري"، وتولي الشياخة بها، وكان يدرّس، ويفيد، أخذ عنه جمع كثير من العلماء.

توفي لثمان بقين من محرّم سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف بـ "كاكوري"، فدفن عند والده، كما في "مجمع العلماء".

* * *

‌1044 - الشيخ الفاضل أمين الدين بن غياث الدين محمود العمري، الجونبوري، أحد العلماء البارعين في الفقه والأصول والعربية

*.

ولد لخمس بقين من رجب سنة اثنتين وسبعين وألف ببلدة "جونبور"، ونشأ بها، وقرأ بعض الكتب الدراسيّة على الشيخ محمد أرشد بن محمد رشيد

* راجع: نزهة الخواطر 6: 45.

ص: 73

الجونبوري، وأكثرها على غيره من الأساتذة، وجدّ في البحث والاشتغال، حتى برع في الهيئة، والهندسة، والحساب، والاصطرلاب، والمواريث، وكثير من الفنون، ثم تصدّر للتدريس، أخذ عنه الشيخ غلام رشيد بن محبّ الله الجونبوري، وجمع كثير.

وله مصنّفات، منها:"وسيلة النجاة" في أخبار مشايخه من الشيخ محمد رشيد إلى الشيخ الكبير معين الدين حسن السجزي الأجميري، ومنها:"المقتنيات"، وهو ملخّص "أشعّة اللمعات" للشيخ عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي، ومنها:"منتخبات كنج رشيدي"، وله حاشية على "شرح المعمول"، وله غير ذلك من الرسائل، وكان لا يزال بقيد الحياة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف، كما في "كنج أرشدي".

* * *

‌1045 - الشيخ الفاضل أمين الدين السِّلْهِتي، المعروف بشيخ كاتِيَا

*.

ولد بقرية "جعنَّات بور" من مضافات "سِلْهِتْ".

قرأ بسم الله على شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، ثم ارتحل إلى دار العلوم "ديوبند"، وختم الدراسة العليا فيها، ومن شيوخه فيها: الشيخ السيّد حسين أحمد المدني. وبنى بعد الفراغ بإشارة شيخه جامعة إسلامية في قريته "كاتيا".

توفي سنة 1431 هـ، وحضر في صلاة جنازته خمسمائة ألف.

* مائة رجال (بنغلا) 228، 229.

ص: 74

‌1046 - العالم الكبير المحدّث البارع الفقيه الضليع أنظر شاه بن الإمام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري، ابن الشيخ معظّم شاه، ابن عبد الكبير شاه الكشميري

*.

جاء سلفُه من "بغداد"، ونزلوا "ملتان"، ثم رحلوا منها إلى "لاهور"، ومنها إلى "كشمير"، فأصبحتْ لهم مستقرّا ومقاما.

ولد سنة في "ديوبند" 1347 هـ.

كان عالما كبيرا، شَغَلَ الأوساطَ الإسلاميّةَ الهنديّةَ عَبْرَ حياته، بعلمه الغزير، وذهنه المتوقّد، وذكائه المِعْجِب، ونشاطه المِكَثَّف، وحَيَوته المغبوطة، حتى لدى الشباب، وخفّةِ روحه، وطلاقةِ لسانه، وسيلانِ قلمه، وتدريسه المطْرِب، وخطابه المِمْتِع بمعنى الكلمة، وحديثه العَذْب في كلّ مجلس الذى تُمِدُّه الدراسةُ الواسعةُ، والتجربةُ العميقةُ، ولباقةُ طرحِ الموضوع.

قال محرّر مجلة الداعي: شُغِلْتُ إثْرَ سَمَاع النعيِ عن كلِّ شيء كان يُهِمُّني، بذِكْرَيَات كثيرة ماتعة ثارتْ في ذهني عن هذا العالم الجليل، ذى الاهتمات والهموم الكثيرة، سَيْطَرَتْ على تفكيري واستبدَّتْ بمُخَيِّلَتي، التي دارتْ فيها صُوَرٌ رائعةٌ جدًّا عن شخصيّته الفذّة، وتحرّكاته المتَّصِلة على درب الحياة ومسالك العلم والفكر والدين والدعوة، التي لم تتوقَّفْ إلّا عندما توقَّفَتْ نبضاتُ قلبه بغرفة مسكونة بالهدوء في ذلك المستشفى بالمدينة الحضارية الثقافية "دهلي" عاصمة "الهند"، التي تحتضن الخلاصَة المصطفاةَ من ذكريات

* الترجمة مأخوذة من إنترنت.

ص: 75

الحكم الإسلامي بهذه الديار، الذي دَامَ نحو ألف سنة، وظلَّتْ -ولا تزال- في مُعْظَم عهوده عاصمةً وحيدةً.

قال محرّر مجلة الداعي: مَثُلَتْ صورتُه أمامَ عَيْنَيَّ -ضمن ذكريات عن عهد تعلّمي بدار العلوم ديوبند- وهو يمشي على قَدَمَيْه في إحدى مَدْرَجَات دار العلوم ديوبند -أكبر وأعرق الجامعات الإسلاميّة الأهليّة بشبه القارة الهنديّة- منتهيًا من إلقاء درس في حصّة من الحصص، خارجًا من فصله، والابتسامةُ ترقص على شَفَتَيْه حسب العادة، والمِسَّرات تَتَفَجَّرُ من مُحَيَّاه، والانتعاشُ يَنْبَعِث من أسارير وجهه، وهو يُطْلِق فِقَرات فُكاهِيَّة، يفيض بها كلَّ وقت ذكاؤُه المِلْهِم، وتَطْوَافُه على كتب شتّى الموضوعات، ويُمْتِع بها جمعًا من الطلّاب يسير حولَه كالعادة، يستمتع بصحبته المِطْرِبة؛ فلم يُعْهَدْ يسير وحدَه مهما كان الوقتُ وأيًّا كان الجوُّ؛ لأنّ جماعة من الطلاب كانت تُلَازِمُه دائمًا مُلازَمَة الظلّ، حتى في نُزْهَته الصباحيّة والمسائية؛ فقد كان نُزْهِيًّا، كان لا يتخلّى عن النزهة، ولو كان اليومُ مطِيرًا، أو كان هو في السفر، أو أصابته وَعْكَةٌ صحيّةٌ، ما لم تقعد به عن المشي، أو يمنعه الطبيبُ عنه.

وكان فريدًا بين أقرانه، ومُعَاصِريه من العلماء، والمِثَقَّفِين في هذه المواظبة الدقيقة على ممارسة النزهة والجولة الصباحيّة والمسائيّة، التي تَعَوَّدَها منذ أوائل عمره؛ فكان يعتمدها ركيزةً من ركائز الصحة الأساسيّة.

قال محرّر مجلة الداعي: ومثلتْ صورتُه لديّ وهو يقوم بالتدريس في فصله الدراسي بالجامعة، والطلاب مُتَسَمِّرون، كأنَّ على رؤوسهم الطيرَ، يحرصون على أن لا تفوتهم كلمةٌ مما يقوله لهم؛ لكون محاضرته مبنيَّةً على الدراسة الواسعة، ومُلْقَاةً بأسلوب، يتّسم بالروعة والتنسيق، والحماس والصياغة الجميلة، مُمَدٍّ بالجدّ والهزل لحلال بنسبة مُتَّزِنَة؛ مما يجعل الطلابَ

ص: 76

مُنْتَبِهين كلَّ الانتباه، لا يَعْتَوِرُهم شيءٌ مما يُصَنَّف ضمنَ السآمة أو الإغفال الفكريّ، الذي ينتاب المُتَلَقِّين والمُسْتَمِعِين إذا كان المُحَاضِر أو الخطيب يفقد لباقةَ الطرح، التي كانت ميزتَيه البارزة بين كثير من معاصريه؛ فلم يكن أستاذًا يمتهن التدريس لكسب لقمة العيش فقط، أو لملأ الفراغ في حياته، أو يعمل مُوَظَّفًا لأنَّهُ لم يجد عملًا؛ فهو يمارس التدريس مُجَرَّدًا من كلّ معنى للحرص والاهتمام؛ وإنّما كان أستاذًا مُلْهَمًا ومُعَلِّمًا مطبوعًا، يجمع مُعْظَمَ الخصائص، التي ينبغي أن يمتاز بها كلُّ من يُصَنَّف"مُعَلِّمًا مثالِيًّا"؛ فكان يُجَهِّز الدرسَ، ويُحَضِّر المحاضرةَ قبل أن يلقيها، وكان يحمل قدرةَ الإقناع وتقريب الموادّ إلى أفهام الطلاب بأسلوبه المِمْتِع، ولسانه الرشيق، ورصيده الثَّرِّ من الدراسة المختمرة، وقبل ذلك وبعده بذكائه المُتَيَقِّظ وحضور بديهته وإرهاف ذهنه؛ الأمرُ الذي كان يقدر به کسب العقول، وإقناع الحضور، وربّما على صنع الحقائق.

وكانت لديه قدرة، لا يُسْتَهَانُ بها على وضع فقرات ساخرة عاجلة، ذات إشارات بارعة، ودلالات شتّى، تجعل المُتَلَقِّين، والحضورَ يهيمون في متاهات معانٍ حائرة، ولا سيّما إذا كانوا لا يملكون من الرصيد العقليّ ما يُتِيح لهم أن يَفْطَنُوا لأبعاد حديثِ رجلٍ ذكيٍّ ذَرْبِ اللسان مثلِته. وذلك كلُّه جعله أستاذًا فريدًا، جمَّ المنافع، كثيرَ الإفادة، ينتظر الطلابُ بعد ما كانوا ينتهون من درسه يومًا درسه الذي سيُلْقيه في اليوم الآتي، انتظارَ المحِبِّ لحبيبه. وذلك - حقًّا - هو ضريبةُ التَّقديرُ، التي ظلَّ الطلابُ المُوَفَّقُون يؤَدُّونها دائمًا نحوَ أستاذهم المُوَفَّق. وتلك سمةٌ بارزةٌ، يتّسم بها كلُّ أستاذ بارع مُوَفَّق، خُلِق لينفع، وعَرَفَ كيف ينفع بشكل أوفى.

ص: 77

قام بالتدريس نحو 55 عامًا بالقياس إلى العام الميلادي، و 57 سنة بالنسبة إلى السنة الهجريّة؛ حيث عُيِّن مدرسًا بالجامعة عام 1372 هـ/ 1953 م. ولقد استوعب تدريسًا جميعَ الكتب المِدْرَجَة ضمنَ المقَرَّرَات الدراسيَّة، التي يتضمَّنُها المنهجُ الدراسيُّ المتَّبَع لدى الجامعة الإسلاميّة العريقة "دار العلوم ديوبند" التي تقود الجامعات والمعاهد الإسلاميَّة الأهليَّة في شبه القارة الهنديَّة. تحلّتْ خلال تدريسه لها مقدرتُه البيانيَّة، وأهليَّتُه التفهيميَّة والنقّاشيّة، ودراستُه المتَأَنِّيَة العميقة الواسعة، وقوةُ ذاكرته اللَّاقطة، وتفنُّنه في الشرح والإيضاح، وتأصيلُه لمنهجيّة دارالعلوم ديوبند في نشر علوم الكتاب والسنّة في بعد عن كلّ ما من شأنه أن يُصَنَّف ضمنَ الادعائيّة والقوّاليّة المجَرَّدَة من الفعَّاليَّة، وانتهاجُه الأسلوبَ الأنجعَ الأمثلَ في طرح الموادِّ، التي كان يريد إرسالَها إلى أفهام الطلاب.

ولكنّه منذ عشرات السنين تَفَرَّغَ لتدريس مادّة الحديث الشريف، ولا سيّما "صحيح البخاريّ"، و "جامع الترمذيّ". وقد تحلّتْ في تدريس هذه المادة خصِّيصًا عبقريّتُه، التي تَوَارَثَها عن والده العظيم العلّامة أنور شاه الكشميريّ (1292 - 1352 هـ = 1875 - 1933 م) شيخ الحديث الأسبق بدارالعلوم ديوبند الذي دَرَجَ أكبرَ محدّث في شبه القارة الهنديّة في عصره، وأكبرَ محدّث أنجبتْه دارالعلوم ديوبند، وأَجْمَع علماءُ العرب والعجم على علوّ کعبه، وجلالة قدره، لا في فنّ الحديث وحده؛ بل في مُعْظَم العلوم الإسلاميّة، وعلى رأسها التفسيرُ والحديث والفقهُ وعلومُهما.

فكان أنظر شاه الكشميري يشبه أباه في بعض النواحي - لا في كلّها - فكان يَصْدُرُ في تدريس الحديث عن التحقيق المُشْبِع، والدراسة الوافية، والتدقيق المُقْنِع، ويثير خلالَ التدريس نقاطًا عجيبةً، قد لا يتبادر إليها أذهانُ

ص: 78

المشتغلين بالحديث وتدريسه منذ وقت طويل، ويَتَبَدَّى في تدريسه للحديث تذوّقُه للفنّ، واهتمامُه البالغُ به، وحرصُه المِتَنَاهِي عليه، وتوفُّرُه على دراسته روايةً ودرايةً، ومتنًا وسندًا، وألفاظًا ومعانيَ، ودلالات وإشارات؛ فأصبح من العلماء البارزين بالحديث وعلومه، وغدا معروفًا بالنسبة إليه، بعدَ ما كان يُعْرَف بأنّه أحد العلماء الأجلّاء الأفراد بـ "الهند". بالقياس إلى مُجْمَل مزاياه؛ فكانت وفاتُه خسارةً أيَّ خسارة من حيث كونه مُحَدِّثًا أيضًا يُتْقِنُ تدريسَ الحديث؛ لأنّ هاتي الجامعات والمدارس الإسلاميّة الأهليّة -التي تَتوَلَّى مسؤوليةَ المرابطة على الثغر الإسلاميّ الواسع- رغمَ انتشارها الكبير تشكو قلّة المِدَرِّسِين والأساتذةَ المِتْقِنِين للتدريس، ولا سيّما الأساتذة الأكفاء لتدريس العلوم العَالِيَة، وعلى رأسها الحديثُ والتفسيرُ والفقهُ؛ حيث إنّ كسب صفة الإتقان في هذه العلوم يَتَطَلَّب التفرّغَ والانقطاعَ والانصرافَ عن الجشع الماديّ الذي أصبح اليومَ فاغرًا فاه يكاد يبتلع، حتى كلَّ "مُخْلِص" فضلًا عن بعض المِرَائِين المِنْتَمِين إلى ركب الخدمة الإسلاميّة ذات المجال الواسع. والجبهةُ الإسلاميّةُ مخوفٌ عليها المخافةَ كلَّها من هذه الناحية، وليس مخوفًا عليها مخافةً كبيرةً من قبل الأعداء السافرين، الذين كثيرًا ما يندحرون بسهولة لأنّهُم مَرْئِيُّون؛ فالحذرُ منهم، وبالتالي مداهمتهم في مكانهم، كلاهمان سهلان على كلّ مُهْتَمٍّ بالمرابطة على الجبهة الإسلاميّة.

ودارتْ في مخيلتي صورتُه: وهو يُسَيْطِر على الحضور في حفلة كبيرة حاشدة؛ بخطابه الحماسيّ، وحديثه العزيز اللّذيذ، وإلقائه اللَّافِت، وطرحه الفريد، وصوته المِدَوِّي، ومادّته الغنيّة، ومعلوماته الوافية في الموضوع. وقد كان ولا سيّما إبّانَ تعلّمي بالجامعة أكبرَ خطيبَ حَمَاسِيٍّ، لا يدانيه أحدٌ من

ص: 79

خطباء الجامعة -وأكاد أقول من خطباء البلد كلّه- الذين عَهِدْتُهم في كسب المستمعين، وجَعْلِهِم يهتزّون بخطابه، ويَطْرَبُون بإلقائه، ويَفْرَحُون بما يكونون قد كسبوه من الفوائد الجمّة خلالَ الجلسة الواحدة.

وكان يمتاز بأسلوبه الفريد، ولهجته الخاصّة، وبعض الفقرات الأردية، التي كان قد نَحَتَها هو، وتَفَرَّدَ بها، حتى كان عددٌ من الطلاب -ومنهم كاتبُ هذه السطور- يُحَاكُون أسلوبَه الخطابيَّ المِتَّسِم بتلك الفقرات الفريدة ذات اللهجة الممتازة.

وكان المستمعون يزدحمون في الحفلات، التي كان يُدْعَى لإلقاء الخطاب فيها؛ فلو حَدَثَ أنه غاب عنها لسبب مُلِحٍّ اضْطَرَّه للغياب وعدم الحضور، خَيَّمَ عليهم اليأسُ والأسفُ، اللذان لا يمكن وصفُهما إلّا بعد جهدٍ.

وكانت الخطابةُ قدرةً فيه طبيعيّةً، فلم يكتسبْها بالمحاكاة أو التقليد أو الارتياض، نعم امتلك ناصيتَها بالمواظبة عليها ومواصلة ممارستها عَبْرَ هذه السنن الطويلة المِمْتَدَّة على الفترة بين شبابه الغضّ وكهولته الطاعنة في السنّ؛ فكان خطيبًا، يُشَار إليه بالبنان عَبْرَ هذه البلاد: القارّة خصوصًا وعبر شبه القارّة الهنديّة عمومًا. وكان حضورُه بخطابه حفلةً ما ضمانَ نجاحها مائةً في المائة، وبالعكس كان غيابُه عنها رمزًا على فشلها أو نجاحها الناقص. وظلَّ عَبْرَ حياته العمليّة الحافلة بكلّ نوع من الإنجازات على صفة "الخطيب المِفَوَّه المِحَبَّب"؛ فكانت وفاتُه المفَاجِئه خسارةً لا تُعَوَّض بالقياس إلى هذه الناحية هي الأخري، إلى جانب النواحي العديدة التي تَرَكَتْ -وفاتُه- فيها ثغرًا لا يُمْلأ بشكل من الأشكال، في هذا العصر الذي أصبح يُعْرَف بأنه كاد يخلو من العَبَاقِرَة في كلّ مجال من مجالات الحياة ولا سيّما المجَالات، التي تمسّ الدينَ والعقيدةَ

ص: 80

بنحو ما؛ حيث يموت العلماءُ الأجلَّاءُ الوحيدون -كلٌّ في موضوعه الذي كان يختصّ فيه- فلا يُوْجَدُ لهم نظيرٌ إلى بعيد أبعد؛ وكأنّ الأمة عادت -كما يقول المثلُ الأرديّ- تهبط من السماء فتقع على الأرض مُبَاشَرَةً ولا تقع على نخلةٍ أو ما يُمَاثِلُها من الأشجار.

توفي إلى رحمة الله في نحو الساعة الحَادِيَةَ عَشْرَةَ من يوم السبت 19 ربيع الثاني 1429 هـ، الموافق 26 أبريل 2008 م.

* * *

‌1047 - العلامة المحدّث الداعية الشيخ إنعام الحسن بن إكرام الحسن الكاندهلوي الصدّيقي

*.

ولد سنة 1337 هـ في قرية "كاندهله".

حفظ القرآن الكريم على أستاذه الحافظ "منكتو"، ودرس الكتب الابتدائية الدراسية على جدّه من أمّه الشيخ حكيم عبد الحميد، و "ميزان الصرف"، وكتب النحو، و"الهداية" في الفقه، وغيره من الكتب الدراسيّة على الإمام الشيخ محمد إلياس كاندهلوي في "دهلي"، ثم درس في الجامعة مظاهر العلوم بعض كتب الفقه والأصول عام 1352 هـ.

ثم رجع إلى "دهلي"، وأتم دراسة بقية الكتب هناك، ثم ذهب مرّة أخرى مع الإمام الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي في "دهلي" عام 1354 هـ.

* راجع: إتمام الأعلام للزركلي 74، وأعلام من الحاضر (خ) الرائد عدد، 1 السنة 37، 1416 هـ، 1995 م، ومقدمة حياة الصحابة 260، 61.

ص: 81

إلى الجامعة مظاهر العلوم بـ "سهارنفور" لتكميل دراسة الحديث الشريف، فدرّس معه على نفس الأساتذة نفس الكتب المذكورة، ثم رجع معه إلى "دهلي" بسبب مرضه، ودرّس بقية كتب الحديث، والفقه في عمل الدعوة والتبليغ، وكان ساعده الأيمن طول حياته.

وبعد وفاته عام 1384 هـ اختير أميرا لجماعة الدعوة والتبليغ، وكان يتهيّب في قبول الإمارة، ويعتذر عنها بحجّة أنه لا يتمتّع بقوّة الخطابة، التي هي جزء أكيد لهذا المنصب، لكن الله سبحانه وتعالى أيّده، ورزقه من قوّة الخطابة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ما وهبه التأثير التلقائي في الجماهير المسلمة، وخاصّة بمناسبة الاجتماعات الكبيرة، التي كانتْ تعقد في بلدان العالم المختلفة، وأضيف إلى ذلك روح العلم والورع والإخلاص، وروح التفاني في سبيل الدعوة إلى الله تعالي، التى كان يتمتّع بها، وأصبحت له غداء، لا يعيش بدونه، وأصحبت له شعارا ودثارا، لا قرارَ له بغيرهما، ولم يكن له همّ إلا أن يتحدّث فيما يتعلّق بشؤن الدعوة، وتبليغها إلى الناس كافة، واستمرّ مع الدعوة بتدريس الحديث الشريف، لا سيّما "صحيح البخاري" بمدرسة كاشف العلوم في "حَضْرَتْ نظام الدين" بـ "دهلي" الجديدة.

له "تراجم صحيح البخاري"، وحواشي وتعليقات على كتاب "حياة الصحابة"، و"مختار مشكاة المصابيح".

توفي سنة 1416 هـ.

* * *

ص: 82

‌1048 - الشيخ العالم الكبير أنکنون صدر جهان الجونبوري

، كان من العلماء المبرزين في المعقول والمنقول *.

ولى الصدارة بـ "جونبور"، واستقل بها مدة حياته، وكان صالحا، دينا، عفيفًا، مشكور السيرة في القضاء، شديد الرغبة في المناظرة، كثير الاشتغال بالدرس والإفادة، أخذ عنه خلق كثير، كما في "تجلّي نور".

* * *

‌1049 - الشيخ الفاضل العلامة أنوار الله بن شجاع الدين بن القاضي سراج الدين العمري، القندهاري، الحيدرآبادي

، أحد العلماء المشهورين **.

ولد بـ "قندهار"

(1)

قرية جامعة من أعمال "ناندير" من أرض "الدكن" الأربع خلون من ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين وألف، وحفظ القرآن، وقرأ المختصرات على أساتذة بلاده، وقرأ على الشيخ عبد الحليم الأنصاري اللكنوي، ثم لازم ابنه الشيخ عبد الحي اللكنوي ببلدة "حيدرآباد"، وأخذ التفسير عن الشيخ عبد الله اليمني، وتخرّج في التصوّف والسلوك على والده،

* راجع: نزهة الخواطر 6: 45، 46.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 88.

(1)

قندهار قرية جامعة من أعمال "حيدر آباد"، وهي غير "قندهار" التي في

"أفغانستان".

ص: 83

وحصلتْ له الإجازة منه، وبرع في كثير من العلوم والفنون، وتوظّف في الحكومة، واستقال بعد مدّة قصيرة، وحجّ حجّة الإسلام في سنة أربع وتسيعن ومائتين وألف، ولقي الشيخ الكبير الحاج إمداد الله المهاجر المكّي، وبايعه، وحصلتْ له الإجازة منه.

واختير معلّما لصاحب "الدكن" سموّ الأمير محبوب علي خان النظام السادس سنة خمس وتسعين، ولقب بخان بهادر سنة إحدى وثلاثمائة وألف، وفي سنة إحدى وثلاثمائة وألف حجّ الحجّة الثانية، وفي سنة خمس وثلاثمائة وألف حجّ الحجّة الثالثة، وأقام بـ"المدينة المنوّرة" ثلاث سنين، ورجع إلى حيدرآباد سنة ثمان وثلاثمائة وألف، وعيّن معلّما لولي العهد الأمير عثمان علي خان، ولمّا مات صاحب "الدكن" الأمير محبوب علي خان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف، وولي الأمير عثمان علي خان النظام السابع ولاه الصدارة والاحتساب، وكان ذلك سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، وولاه وزارة الأوقاف سنة اثنتين وثلاثين، ولقّبه نواب فضيلت جنك (وفي ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف عيّن معلّما لولي العهد وصنوه، وحصلتْ له الوجاهة العظيمة والكلمة النافذة في الأمور الدينية والمسائل الشرعية، وقام بإصلاحات كثيرة، وانتفع به البلاد والعباد.

وكان أوحد زمانه في العلوم العقلية والنقلية، شديد التعبّد، مديم الاشتغال بالتدريس والمذاكرة، ومطالعة الكتب والتصنيف، شديد النكير على أهل البعد والأهواء، أسّس"المدرسة النظامية" بـ"حيدرآباد" سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، وأسّس مجمعا علميا للتأليف والنشر، سمّاه إشاعة العلوم. وكان مديد القامة، عريض ما بين المنكبين، صدعا من الرجال، قويّ البنية، أبيض اللون، مشربا بالحمرة، واسع العينين، كثّ اللحية، وكان قليل

ص: 84

التكلّف في الطعام واللباس، مواظبا على الرياضة البدنيّة إلى آخر حياته، متورّعا في الأموال والمكاسب والوظيفة، حليما، متواضعا، يعود المرضي، ويحضر الجنائز، وكان صاحب معروف وبرّ، لا يدّخر المال، ولا يهتمّ به، عفّ اللسان، بعيدا عن الهجر والفحش، وكان يدرّس "الفتوحات المكّية" بعد المغرب إلى نصف الليل، وكان عظيم الاعتقاد في الشيخ محي الدين ابن عربي.

وفي آخر حياته كان يقضي ليله في الاشتغال العلمي، وكان ينام بعد صلاة الفجر إلى أن يتعالى النهار، وكان مشغوفا بجمع الكتب النادرة.

وله مصنّفات كثيرة بالأردو والعربية، منها:"إفادة الإفهام" في مجلّدين في الردّ على القادياني، و "كتاب العقل" في الفلسفة القديمة والجديدة، و"حقيقة الفقه" في مجلّدين في وجوه ترجيح الفقه، و "مناقب أبي حنيفة"، و"أنوار أحمدي في مولد النبي" صلى الله عليه وآله وسلم، و "مقاصد الإسلام" في أحد عشر جزءا، كلّها في أردو، وله غير ذلك من المؤلّفات.

مات سلخ جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن في المدرسة النظامية التي أسّسها.

* * *

‌1050 - الشيخ الفاضل أنوار الله بن محمد سليم المحمدي الجاتجامي، أحد العلماء الصالحين

*.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 99.

ص: 85

ولد، ونشأ بأرض "الهند"، وقرأ العلم بها على أساتذة عصره، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين للحجّ والزيارة، وكان متولّيا التدريس والخطابة في الجامع الكبير بـ "جاتجام".

وله "الشوارق المكّية لدفع الظلمات البدعية"، رسالة نفيسة له بالعربية، صنّفها بـ "مكّة المباركة".

* * *

‌1051 - الشيخ الفاضل أنوار الحسن الكاكوروي

*.

ولد 9 ذي القعدة بـ "كاكوري".

وأخوه الكبير كان عالما كبيرا.

وألّف "نور اللغات"، جمع فيه سائر اللغات والمحاورات والأمثال باللغة الأردية، في أربعة مجلّدات، وله يد طولى في استنباط المسائل، بايع في الطريقة على يد الشيخ حكيم الأمة أشرف على التهانوي، وأجازه الشيخ، رحمه الله تعالى.

توفي 1374 هـ، وله تسعون سنة، دفن بـ "كاكوري" في مقبرة جدّه الأعلى الشيخ مخدوم، رحمه الله تعالى.

* * *

‌1052 - الشيخ العام الفقيه المحدّث أنوار الحق الرامبوري

،

* راجع: بزم أشرف ص 111 - 114.

ص: 86

أحد العلماء المشهورين *.

كان من نسل الشيخ عبد الحق بن سيف الدين، البخاري، الدهلوي.

له رسالة في إثبات رفع المسبّحة وقت التشهّد في الصلاة، صنّفها سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف.

* * *

‌1053 - الشيخ الحافظ أنوار الحق

* *.

ربما عنى به ابن السيّد منصب علي بن كريم بخش، الذي كان الأخ الأكبر لكلّ من الشيخ سراج الحق، المتوفى 1302 هـ، والشيخ المنشئ السيّد فضل حق، المتوفى 1315 هـ.

* * *

‌1054 - الإمام، حافظ العصر، الشيخ، أنور شاه الكشميري، ابن الشيخ معظّم شاه، ابن لشاه عبد الكبير بن الشاه عبد الخالق بن الشاه محمد أكبر بن الشماه محمد عارف بن الشاه حيدر

* راجع: نزهة الخواطر، 7:99.

* * راجع: تذكرة سادات رضويه ديوبند للسيّد محبوب رضوي بالأردية ص 32، ط: ديوبند 1394 هـ، (قاسم العلوم للكاندهلوي، ص 222).

ص: 87

بن الشاه علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ مسعود الكشميري *.

هو الحافظ الحجة، ومسند الوقت، المحدّث المفسّر، الفقيه الحنفي، الأصولي المكين، المتكلّم، النظّار، المؤرّخ الأديب، اللغوي، الشاعر، البحّاثة، النقّادة، المحقّق الموهوب.

جاء سلفه من "بغداد"، ونزلوا "ملتان"، ثم رحلوا منها إلى "لاهور"، ومنها إلى "كشمير"، فأصبحتْ لهم مستقرّا ومقاما.

ولد في 27 من شوّال سنة 1292، في قرية "ودوان" -بوزن لبنان- التابعة لمدينة "كشمير": جنة الدنيا وزهرة الدائم، ونشأ في بيت علم وصلاح، في رعاية دقيقة، وتربية عجيبة، وكان على درجة عالية جدّا من الفطنة والذكاء النادر، وكان والده عالما فاضلا في جملة من العلوم الشرعية، والعلوم الرياضية وبعض العلوم الآلية، فتعلّم منه ومن شيوخ بلاده، حتى فاق أقرانه نبوغا في زمن يسير، وكان وهو صغير في الطلب، يقرأ "مختصر القدوري" في الفقه، ويسأل المدرّس أسئلة تحتاج في الإجابة عنها إلى مراجعة "الهداية" وشروحها. ورأى بعض أعلام عصره تعليقاته على كتبه الدراسية، فتفرّس فيه أنه سيكون غزاليّ عصره ورازيّ دهره.

* راجع: تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر للعلامة المحدّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة ص 13 - 81، ونفحة العنبر في حياة إمام العصر الشيخ أنور للشيخ محمد يوسف البنوري، ونزهة الخواطر 8: 90 - 94، وتاريخ دار العلوم ديوبند 2: 201 - 207، والأنور للأستاد عبد الرحمن كوندو، وحياة أنور للأستاذ أزهر شاه قيصر، ونقش دوام للشيخ أنظر شاه الكشميري، ونكارستان كشمير للقاضى ظهور الحسن، وعلماء هند كا شاندار ماضي للشيخ الفقيه محمد ميان الدهلوي، ومقدمة أنوار الباري 2: 233 - 261، وتاريخ أقوام كشمير للأستاذ محمد دين فوق، مولانا أنور شاه كشميري حياة اور انكي علمي كار نامي للدكتور رضوان الله.

ص: 88

فحصل علوم العربية والفقه والأصول والتفسير والحديث وغيرهما تحصيلَ فهم وإتقان، ولما يبلغ الثانية عشرة من العمر، وكان علم الفقه والفتوى في رحاب "كشمير" مما يتسابق في حلبة رهانه، فكان الشيخ الناشئ الموهوب يفتي الناس، وهو في الثانية عشرة من العمر، وتأتي فتاواه في سدادها عديلة لفتاوى كبار الشيوخ هناك.

ثم بدا له أن يأخذ بسنة السلف في الرحلة لطلب العلم وتحصيله، فرحل إلى مجامع العلم والتعليم، ليلقى العلماء، ويشام الناس، ويتعرّف إليهم، ويعرفهم باختلاف طبائعهم وعاداتهم وأفهامهم وأذواقهم، فتتّسع له الخبرة في العلم والخبرة في الحياة أيضا، فرحل من بلده "كشمير" إلى مهد العلماء الربّانيين والجامعة العظيمة الدينية أكبر جامعة إسلامية في "الهند":"دار العلوم الإسلامية" في بلدة "ديوبند"، وهي على مائة ميل من الجانب الغربي الشمالي لمدينة "دهلي" عاصمة "الهند".

وكانتْ هذه الجامعة "قرطبة الهند" وأزهرها العامر، تزخر بكبار العلماء في كلّ علم، في الحديث السمريف وعلومه، وفي التفسير وعلوم القرآن، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، والمنطق وعلوم العربية. وكان أكبر كبارها وشيخ شيوخها الشيخ محمود حسن الديوبندي، الملقّب بشيخ العالم، والمعروف بشيخ "الهند". وكان في الحديث الشريف مسند الوقت ورحلة الأقطار الهندية.

وكانتْ هذه الجامعة العظيمة شمسا ساطعة، أضاءتْ منها بقاع "الهند"، فأحيتْ السنّة النبوية دراسة في ساحاتها، وفي حياة العلاء وسلوكهم، وأزالتْ ظلمات البدع المتكاثفة بعد ما تراكمتْ في تلك البقاع عهودا طويلة، وجرَّدتْ مناهل العلم والشريعة من كلّ دخيل عليها، كما جرّدتْ سلوك

ص: 89

السالكين من الرسوم المحدَثة في أهلها، من محافل السماع والمعازف، وغيرها من الاحتفالات المبتدعة فيهم بـ "الهند".

واستبدلتْ بتلك المبتدعات السنّة الصافية الزهراء، تعلّما وتعليما وسلوكا ونشرا، حتى غدتْ مَشَعّا علميا عظيما قويما، يخرج الأفواج تِلْوَ الأفواج من العلماء العاملين الواعين، الذين يجمعون إلى فضيلة العلم فضيلة العمل، مع التمسّك بالسنّة ونبذ البدعة.

وأدرك الشيخ في جامعة ديوبند رجالا، جمعوا إلى علومهم الناضجة وقدراتهم الدقيقة: رفق القول، وصدق اللهجة، وصالح السلوك والعمل، أصحاب هيئة ووقار، وأصحاب سنة وورع، وزهد وتقوي، فكستْه صحبتهم بكسائها، وأفاد منهم علما صحيحا، ورأيا صائبا، وشغفا باتباع السنّة وتحصيلها ونشرها، وبهاء في الملكات الفطرية، وجمالا في الأخلاق، والآداب.

وكان أكبر هؤلاء الأجلّة: الشيخ محمود حسن، شيخ الجامعة الديوبندية، وكان مرتويا من علوم القرآن والسنّة والفقه والأصول وغيرها من العلوم، مع مواهب فطرية عالية، فوجد الشيخ الكشميري عنده ضالّته التي ينشُدها، والعلوم التي يتطلّبها، والإمامة الفذَّة التي تُشْبِعُ نَهَمَه وتلاقي نبوغه، وتُغَذِّي طموحه وذكاءه، فملأ من معارفه ومداركه قلبه ولبّه، ونَهِلَ منها وعَبَّ، ولازم الشيخ ملازمة أكسبته الفضائل الفريدة، والعلوم الدقيقة فيما أخذ عنه.

وأخذ أيضا عن العلامة المحدّث الشيخ محمد إسحاق الكشميري ثم المدني، فاستكمل على هذين الشيخين الكبيرين، وغيرهما من شيوخ تلك الجامعة ما بقي من العلوم التي تدرّس هناك.

ص: 90

وكان لهذين الشيخين الجليلين استئثار بروحه. ومشاعره، لما آتاهما الله من المعارف والنبوغ، فقرأ عليهما جملة حسنة من كبار كتب السنّة، فقرأ على الأول - كما قرأ عليه أيضا الجزئين الأخيرين من كتاب "الهداية"، وهو من أعظم كتب الفقه الحنفي، التي تعتني بالدليل والتعليل والمحاكمة بين المذاهب الفقهية.

وقرأ على الثاني -الشيخ إسحاق الكشميري- "صحيح مسلم"، و "سنن السنائي"، و "سنن ابن ماجه".

وفرغ من قراءة هذه الكتب وإتقانها على هؤلاء الجهابذة في سنة 1313، وقد جاوزتْ سنّه العشرين سنة، وغدا بعد تخرّجه على يد أولئك العلماء في "ديوبند": علّاما فاضلا مرموقا، نابغا في علوم الرواية والدراية، وهو ما يزال في مقتبل شبابه، فاستشرفتْ إليه العيون، وتعلّقت به القلوب، وتوجّهتْ إليه الأنظار.

‌جهوده في نشر العلم وإنشاء معاهده:

وبعد أن اكتملتْ معارفُه، ذهب إلى مدينة "دهلي"، فدرّس فيها في مدرسة عبد الرب عدّة شهور، وتفرّس فيه بعض الصلحاء من أصدقائه مخايل النجابة الباهرة، فأصرّ عليه أن ينهض بتأسيس مدرسة عربية في "دهلي"، فاستجاب لذلك، وأسّسَ فيها:"المدرسة العربية الأمينية" نسبة إلى صديقه محمد أمين، أسّسها بمساعدة أهل الخير والثروة، وكلّ مدارس "الهند" الإسلامية، وجامعاتها الدينية تقوم على إمداد أهل الإيمان واليَسَار من المسلمين، -جزاهم الله الخير-، وما تزال "المدرسة العربية الأمينية" قائمة إلى اليوم، والحمد لله.

ص: 91

وشاع صِيتُ هذه المدرسة في أقطار "الهند"، وقصدت من كلّ جانب، وشرع الشيخ نفسه يدرّس فيها العلوم وأعاظم الكتب من الحديث والتفسير والبيان والمعقول وغيرها، وبقى على الإفادة والتدريس عدّة سنين، وتخرّج على يديه الأفواج الكثيرة من الطلبة الذين غدوا كبار العلماء في تلك الديار بعده.

ثم أغراه الحنينُ إلى مألفه وبلده "كشمير"، وكان قد اطمأنّ إلى بُسُوق "المدرسة الأمينية" واستكمال وجودها، فتوجّه إلى "كشمير"، وأسّس فيها مدرسة دينية علمية، سمّاها "الفيض العام"، فدرّس فيها، وأفتي، ونصح الأمة قلما ولسانا، وأزال كثيرا مما راج هناك من البدع والرسوم المحدَثة، فانقشعتْ بوجوده سحائب الجهل المتراكمة، وتلألأتْ آثار السنّة النبوية الشرفية.

وبعد ثلاث سنوات من قيامه بتلك المدرسة ونشر العلوم فيها، اشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام، وإلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوفّقه الله إلى زيارتهما في سنة 1323 هـ، ومكث في "مكّة المكرّمة" عدّة شهور، يطفئ ضرام وجده بالطواف والعبادة حول البيت المعظّم، ثم حثّه داعى الشوق إلى "المدينة الطيّبة"، فشدّ الرحل إلى روضة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبقى فيها برهة من الدهر، ولقى فيها أكابرَ علماء البلاد الإسلامية، وذاكرهم في مهمّات المسائل.

واغتنم فرصةَ قربِه من مكتبات "المدينة المنوّرة" الخطّية، وخاصّة مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمة، والمكتبة المحمودية، فانكبّ على مطالعة نفائسهما من التفسير والحديث وغيرهما، حتى طفح صدرُه بعلوم تلك الأسفار الزاخرة، ثم عاد إلى وطنه يطوي في ضميره الرجوع إلى الحرمين والمجاورة في "المدينة المنوّرة"، حتى لقاء الله تعالى.

ص: 92

وبعد عودته إلى "كشمير" مكث غير بعيد، ثم أخذ عصا التَّسْيار متوجّها إلى المجاورة في البلدة الطيبّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقصد في طريقه زيارة شيخه محمود الحسن شيخ جامعة "ديوبند" ليودَّعه، وأنباه بما نوى من المجاورة، فأمره الشيخ بفسخ العزم، وأبرم عليه الإقامة في "ديوبند"، واستلم منه زاد سفره، وزوّد به آخر للحجّ والزيارة.

ولم يكن الشيخ الكشميري يفرِّط في امتثال أمر شيخه، فأقام في "ديوبند" في حدود سنة 1325 هـ، وأمره الشيخ بتدريس "صحيح مسلم"، و "سنن النسائي"، و "سنن ابن ماجه"، وفنهض بها على خير وجه، وكانتْ فاتحة تدريسه في أكبر جامعة دينية في "الهند": دار العلوم الإسلامية، واستمرّ على ذلك إلى سنة 1332 هـ.

ثم أراد شيخه السفر إلى الحجّ والزيارة في عام 1333 هـ، فاستخلفه نائبا عنه في التدريس وصدارة المدرّسين، فأخذ يدرّس "صحيح البخاري"، و "سنن أبي داود"، و "جامع الترمذي"، وغيرها من أمّهات كتب الحديث، وكان من أمر الشيخ محمود الحسن أن أسرته الحكومة البريطانية الغاشمة، لزعامته العلمية والدينية في "الهند"، واحتجزته في جزيرة "مالطة"! فبقى الشيخ الكشميري قائما مقامه، في تدريس كتب الحديث:"صحيح البخاري"، و"جامع الترمذي"، وغيرهما.

وقضى في "ديوبند" ثلث عمره، وجرتْ من قلبه وفمه ينابيعُ الحكمة ومنابعُ العلم والمعرفة، حتى استفاد منها رجال من الأفاضل وأماثل العصر، وتضلّع مَنْ لا يحصى عددا من الأصاغر والأكابر، وتخرّج في تلك الحقبة أكثر من ألفي عالم، ممن قرأوا عليه أمّهات كتب الحديث، وكان الشيخ محطّا للرحال، وكان درسه جامعا للبدائع، تنحلّ فيه مشكلات سائر العلوم.

ص: 93

‌نهوضه في وجه القاديانية:

وفي عهد إقامته في "ديوبند" سلّ صارمه الغضب، لقطع عروق الثلّة الباغية القاديانية، بلاغا وإرشادا ودرسا وتأليفا، واستحثّ من العلماء الطلبة وعامة الأمة الإسلامية: الهمم المتوانية والجهود المتقاعدة، إلى مقاومة هذه الفئة الضالّة المضلّة، وإلى قمع هذه الفتنة العَمْيَاء، حتى أيقظَ الرقود، ونبّه الغافلين، من أصحاب الجرائد والمجلّات على مكايد هذه الفرقة الكائدة للإسلام ودسائسها، فأثمر الله تعالى نهضته المباركة، وأقبر تلك الفتنة بسعيه وعلمه وقلمه ولسانه وتأليفه، فكان له في هذا المضمار مآثرُ جليلةٌ لا تنسى على تقادم الأزمان.

وألّف في نقض نحلة (القاديانية) وهدمها تآليف فريدة، منها:"إكفار الملحدين في ضروريات الدين"، و "عقيدة الإسلام بحياة عيسى عليه السلام"، و "تحية الإسلام بحياة عيسى عليه السلام"، و"خاتم النبيين"، بالفارسية، و "التصريح بما تواتر في نزول المسيح"، وهو أفضل كتاب اعتنى بجمع الأحاديث والآثار في دحض هذه النحلة لتلك الفرقة الضالّة، وهَتْك معتقدها.

وقد وفّقني الله تعالى إلى خدمة هذا الكتاب ونشره، مشروحا محقّقا مخدوما، بأبهى حلة وأجمل إخراج وطباعة. وهدى الله تعالى به أناسا كبارا من أهل العلم، كانوا لا يعتقدون نزولَ عيسى عليه الصلاة والسلام، فرجعوا إلى الجادة والصواب بقراءته، والحمد لله ربّ العالمين.

‌انتقاله من ديوبند إلى دابيل:

وفي سنة 1346 هـ استقال من منصب درسه في "ديوبند"، فاكتنفتْه الدعوات والمخلصون من كلّ جهة للتدريس برواتب سامية، حتى بلغتْه الدعوة من نواب "داكا" في "بنغلاديش" الآن، بألف روبية مشاهرة، والألف روبية في

ص: 94

ذلك العهد وتلك الديار مبلغ خيالي، فلم يقبلْ، حتى أصرّ عليه المشتاقون إلى فضائله وعلومه من أهل الخير والدثور، بأن يمتطي الرحيل إلى "كُجْرَات الهند".

وبعد إلحاج شديد أجاب الشيخ الدعوةَ لمصالح تفرَّسها، فرحل في آخر سنة 1346 هـ، إلى قرية من نواحى "سورت"، تسمّى:"دابيل"، على بعد 150 ميل من مدينة "بمباي"، ونشأ بوجوده الميمون هناك معهد علمي كبير، يسمّى:(الجامعة الإسلامية)، وإدارة تأليف ونشر، تسمّى "المجلس العلمي".

ونشر المجلس المذكور في حياة الشيخ وبعده كتبا نفيسة في شتى المواضيع والعلوم، قاربت الأربعين كتابا، تلقَّفها العلماءُ من كلّ جانب، منها:"نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للحافظ الزيلعي، و "إكفار الملحِدين في ضروريات الدين" للكشميري نفسه، وهو من خير الكتب الفقيهة في موضوعه، و"فيض الباري بشرح صحيح البخاري" له أيضا، و "زاد الفقير" في الفقه للكمال بن الهمام، و "مصنّف عبد الرزّاق"، وغيرها من الكتب النافعة.

‌تاريخ وفاته:

وبقي الشيخُ في الجامعة الإسلامية في "دابيل" خمسَ سنوات، يشتغلُ بالدرس والتأليف والوعظ والتذكير، فاستنارتْ هاتيك البقاعُ بنور علومه: علما وعملا وسنّة وحديثا وفقها وأصولا، فقَوَّمَ بوجوده الأوَدَ، وأصلح الله به أمة هناك، غيرَ أنه اجتوى المقام في "دابيل"، وما طاب له هواؤُها، فابتلي ببعض الأمراض، فعادَ إلى "ديوبند" رجاءَ أن يكون لتغيير المِنَاخ أثر في تحسُّن

ص: 95

صحته، ولكن العلّة قد اشتدّتْ عليه، وتمكّن منه المرضُ، فتوفّاه الله في ليلة الاثنين ثالث صفر سنة 1352 هـ، رحمه الله تعالى.

وقد خلف مآثر قائمة مذكورة، وآثارا في العلم ونشرِه صالحةً مبرورةً، بما أقامه من المعاهد الإسلامية الكبرى، وبالأجيال العالمة التي تخرجّتْ به من كبار الفقهاء والمحدّثين في بلاد "الهند" و"الباكستان"، فكانتْ حياته مصدرَ خير وتزكية وعلم وإصلاح للمسلمين في تلك الديار، وقد أورث تلامذتَه تلك الهمّةَ القَعْبَاءَ، فانتشروا في "الهند" و "باكستان"، يَنْشُرن العلم ويؤسّسون المعاهد الإسلامية على منواله، فما ترى عالما بارزا منهم إلا وهو مؤسّس مدرسة كبيرة، أو مدير جامعة مشهورة، تتخرّج بهم أفواج العلماء، وتَرْتَوِي من مَعينهم القلوبُ الظِّمَاء.

‌استبحاره المدهش في علوم الرواية والدراية، وحافظته المحيّره للألباب، وسرعة مطالعته، ودقّة نظره:

قال شيخنا مجمع الفضائل العلوم العلامة الشيخ أبو المحاسن محمد يوسف البنوري، رحمه الله تعالي، في "نفحة العنبر من حياة إمام العصر الشيخ أنور" تحت هذا العنوان ما نصّه باختصار يسير: كان الشيخ الكشميري، رحمه الله، آية من آيات اللّه العظام، ونادرة من نوادر العصر، إماما في الحقائق والمعارف، لا يساهم، ولا يزاحم، وقدوة لأماثل العصر الحاضر في حلّ الدقائق ومشكلات العلوم وغوامض الأحوال العلمية والعرفانية، بحيث لا يُناضَل، ولا يُنازَع.

كان إماما حجّة في علوم القرآن وعلوم الحديث، مُتْقِنا في كشف مَغْزاها ومَرْماها، وكان مرجعا للأمة الإسلامية في إيضاح معناها ومبناها، كان حافظا موعيا لمذاهب علماء الأمّة المحمدية، مع التغلغل في تخريجها وتنقيحها،

ص: 96

واعيا لأقوالهم المختلفة الشتيتة، قادرا على اختيار بعضها من بعض ترجيحا، أحاط بالعلوم العقلية والفنون الحكمية الحديثية والقديمة، بالرأي الثاقب والحكم النافذ، كان نقيب العلوم العربية والفنون الأدبية، غائصا في بحارها وغمارها

جمع الله له من شَمْل الفضائل والفواضل ما تكلّ الألسنة عن تفصيلها، وتَتَلَعْثَم عن بيانها، ويتكفكف سَنَا المِزْبَر عن تسطير جميعها. فآثره الله بالقريحة الوقَّادة، ما خلت القرون عن أمثالها، وأردفه بقوة الحافظة ما بلغ غايةً ليس دونها غاية، حتى علمنا علمَ يقين صحةَ ما أثِرَ لنا من قوّة الحافظة للمحدّثين وسائر السلَف الصالح في العهد الغابر في كتب الطبقات والرجال والتاريخ، بل كأنّا رأيناهم رأيَ العين، فلم تبق لنا ريبة ولا خطرة من الوهم، فقد أبدى الصريحُ لنا عن الرَّغْوَة.

بلغني عن الشيخ الفقيه المحدّث مولانا حسين أحمد المهاجر المدني أنه قال: سمعتُ حضرة الشيخ الكشميري رحمه الله أنه قال: إذا طالعتُ كتابا مرتجلا، ولم أرد ادّخار مباحثه، يبقى في حفظي إلى نحو خمس عشرة سنة.

ثم مع هذه الحافظة وفّق لغزارة المطالعة وسرعتها، بحيث تتحيّر منه العقول، حتى تُطْوَى من بين يديه ذخائرُ من المكنونات العلمية كلّ يوم، حتى سمعت من بعض خواص معارفه: أنه أول ما كان يطالع "مسند أحمد" المطبوع بـ "مصر"، كان يطالع كلّ يوم نحو مائتي صفحة منه، مع غور وإمعان في أسانيده وحلّ مشكلاته.

وسمعتُ من حضرة الشيخ قوله رحمه الله: إني طالعتُ أولا "مسند أحمد"، فلخّصت منه أدلّة الحنفية والأحاديث المفيدة لهم في عدّة أيام، ولكن مع هذه السرعة كان ينقل أحاديثَه أينما احتاج له في المشكلات

ص: 97

والمعضلات مع ضبط تام لأحوال رواتها وطبقاتها. ثم طالع "مسند أحمد" مرّة ثانية في أواخر عمره لالتقاط أحاديث نزول سيّدنا عيسى على نبينا وعليه السلام.

ثم مكّنه الله من حسن الإلقاء على الطلبة، والإملاء على الأشهاد، بجَزَالة التعبير ونَفَاسة التحبير.

وهاك أمثلة يسيرة من سرعة مطالعته، ودقّة نظره، واستبحاره في سائر العلوم النقلية والعقلية:

1 -

طالع في سنة 1321 من الهجرة كتاب "فتح القدير" للشيخ المحقّق العارف كمال الدين ابن الهمام، رحمه الله مع "التكملة" في بضع وعشرين يوما، وكتب تلخيصه إلى كتاب الحجّ، وأجاب عن إيراداته التي أوردها على صاحب "الهداية"، وناقشَ فيها في جزء لطيف. كلّ ذلك في تلك البرهة القصيرة، ثم استغنى عن المراجعة لنقل مباحثه في جميع المسائل مدّة عمره، وكان رحمه الله حكى لنا هذه الواقعة في سنة 1347 الهجرية تحديثا بنعمة ربّه، وحثًا لأشواق الطلبة ولَوَاعِجهم إلى مطالعة الكتب ومقاساة الشدائد فيها. ولفظه بالهندية:

جهبيس سال هوئي بهر مراجعت كي ضرورت

نهين بري، أور جو مضمون اسكا بيان كرون كا أكر

مراجعت كرون كا تفاوت كم باوكي". انتهى.

هكذا سمعتْه أذناي ووعاه قلبي، هذا، وأنت تعلم أن كتاب "فتح القدير" من أصعب كتب الفقه وأدقّها، يغوص مؤلّفه المحقّق رحمه الله في مسائل أصل الفقه والجدل والخلاف ومباحث الكلام وغيرها، من نفائس العلوم، بتخريج وتنقيح، كتاب لا نظيرَ له في مزاياه وخصائصه، فَادْرِه الآن

ص: 98

تَذُقْه، فإن من لم يذقْ لم يدْرِ، وكان الشيخ رحمه الله يقول: إنه ليس أصوليا نظّارا في علماء المذاهب الأربعة مثل المحقّق ابن الهمام، وكتابه "التحرير" في أصول الفقه من أصعب كتب الأصول.

2 -

اختلف علماء "كشمير" في جواب مسألة، وأفتوا بعضهم خلاف بعض، وكان من حسن الاتفاق أن وَرَدَ الشيخُ رحمه الله بـ "كشمير" فحضر الفريقان منهم لزيارته، ثم الفصل في تلك المعضَلة التي تَشَتَّتَتْ فيها آراؤهم، وعرض كلا الفريقين فتاواهما مكتوبة في حضرته، فأمرني الشيخ رحمه الله بتحرير الجواب بعد ما فصَّل لي الأمرَ، ونقَّح، ووضَّح.

وكان فريق منهم استدلّوا لفتواهم بعبارة كانوا يأثرونها عن "الفتاوى العمادية" المخطوطة، فقال لي الشيخ رحمه الله: واكتب فيه: إني قد طالعتُ "الفتاوى العمادية" بنسخة مخطوطة صحيحة في مكتبة دار العلوم الديوبندية، فليس فيها هذه العبارة قط، فكتب ذلك، فتحيّر الناظرون، وبُهِتَ المستدلّون بها.

وأمثال هذه الواقعة أكثر من أن يحصر ويستقصي، ولو أردنا استيعابها لأعيانا الالتزام وسَئِمَ الناظرون، وإنما أردنا رَشْحَة بن رشحاته، ونموذجا من بدائع خصائصه. ولله درّ العالم العامل الورع الزاهد الشيخ المحدّث مولانا محمد إدريس الكاندهلوي شارح "المشكاة"، حيث قال في وصف حافظته، وأجاد:

وقد صحّ عند الناس آثار حفظه

وقد حسَّنوها جُلُّ أهل التفض.

ولكن أرى فيه الغَرَابة واضحا

أقول كقول الترمذي المحلَّل.

حديث غريب ما عرفناه أسنَدَا

سوى وجه شاه الأنور المتهلَّل.

وفي الباب عمن لا يُعدُّ ويُحصَر

ولا خُلْفَ فيه للمقّ ومبطل.

ص: 99

3 -

سمعت من حضرة الأستاذ محقّق العصر الحاضر المفسّر الحاذق والمحدّث البارع مولانا ومقتدانا الشيخ شبير أحمد العثماني -طال بقاؤه، شيخ الحديث اليوم بـ "الجامعة الإسلامية"، صاحب "فتح الملهم شرح مسلم" وغيره- أنه قال: قد اعتاصَ عليّ حلّ فتنة سيّدنا داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام عند تحرير "فوائد التنزيل العزيز".

فتصفّحتُ أسفارَ القوم من جميع مظانّها، وأجَلْتُ قدَاح النظر في أنْجَادها وأغْوارها، واستنفدتُ جهدي في الاستقراء البالغ، حتى بقيتُ في حلّ هذه العقدة العويصة نحو خمسة عشر يوما، فما صادفت ما يشفى صدري، ويَقْنَع غُلّتي بما يناسب جلالة شأن الأنبياء عليهم السلام، وعصمتهم ووجاهتهم، وما يلائم نظمَ التنزيل المعجِز وسياقه البليغ، حتى عييتُ بها، فراجعتُ حضرة الشيخ الأنور رحمه الله وكان مريضا ذا فراش، وكشفتُ له عن الحال والداء العضال، فقال رحمه الله مرتجِلا مقتضِبا:

أخرج أبو عبد الله الحكم في "مستدرَكه" أثرا لابن عبّاس رضى الله عنه، وهو يفيد في انحلال هذه العُقْدة، فراجِعْه لعلّه يشفى صدرَك، وهو أحسن ما روي في هذا الباب، وأقرب إلى سياق التنزيل.

قال شيخنا المحقّق: فراجعتُه وتأمّلتُه، فسقى غُلَّتي وشفى عِلَّتي وانحلّتْ به عقدتي، وجعلتُ في "فوائد التنزيل" عليه مدارَ حلّ العُقْدة، وقرَرْتُه وفَصَلْتُه، ثم أرَيْتُ 0 هـ الشيخَ رحمه الله، ففرح، واستبشر، واستحسن تطبيقي له بنظم التنزيل العزيز.

هذا، وكم حلّ من مثل هذه العُقَد المعضَلة التي أشكل انحلالُها على الأفاضل والأذكياء من المدرّسين والمؤلّفين، بل على شيوخه وأكابره، فله منّة

ص: 100

عظيمة على رقابهم، وكم هكذا أصاب المِحَزَّ، وطَبَّقَ المِفْصِلَ، فكفى وشفي، ورَوَى وأرْوَي، ولله درّ صديقنا الفاضل مولانا محمد يوسف الكاملفوري، حيث قال في حقِّه:

كم هكذا صردت خوارق عادة

عنه وجاحدها من العُمْيَان.

فهذا أكبر مؤلّف -في العالم في العصر الحاضر، تربو مصنّفاتُه على مِئِين، حتى فاقَ في كثرة التصانيف على الشيخ جلال الدين السيوطي- حكيم الأمة الشيخ الفقيه العابد الزاهد مولانا الشاه محمد أشرف على التهانوي طالَ بقاؤُه، كان يسأله عن أمور في غوامض المسائل ومشكلات الفتاوي، وسنشير إلى شيء منها.

وهذا الشيخ الفقيه الحبر المحدّث خليل أحمد السهارنفوري ثم المدني، رحمه الله، صاحب "بذل المجهود شرح سنن أبي داود"، كان يسأله فيما يُشْكِلُ عليه في تأليفه شَرْحَه هذا من باب الرواية والدراية.

وهذا شيخه المحقّق العارف مولانا محمود الحسن الديوبندي، قدّس سرّه، المعروف بـ "شيخ الهند" كان ربما يقول له: هل لأحد في ذلك قول؟ وهل عثرتَ لأحد على حلّ هذه المشكلة؟ اعترافا بسعة علمه وغزارة مطالعته وتبحّره واطلاعه الواسع.

وهذا الشيخ مولانا محمد ظهير حسن النِّيْمَوي رحمه الله، المحدّث الشهير، صاحب "آثار السنن" كان يستفيد من الشيخ رحمه الله بالتراسل والتكاتب في غوامض الحديث، وكان يستعين به في تأليف كتابه "آثار السنن"، وكان يعرض عليه ما يؤلّفه قطعةً قطعةً، هكذا سمعتُ عن حضرة الشيخ رحمه الله. وقال في كتابه "نيل الفرقدين".

وقد كان الشيخ النِّيْمَوي المرحوم حين تأليفه ذلك الكتابَ يرسلُ إليّ قطعةً، حتى إني كنت مرافقا فيه، وزدتُ عليه أشياء كثيرة بعده.

ص: 101

فناهيك بأمثال هؤلاء أعلام العصر عهودا عدولا قولا وعملا، وكثيرا ما رأينا في جملة من أسفاره في "بلاد الفَنْجاب" أنه كان يجتمع لزيارته طوائف من المشايخ، والعلماء المدرّسون المكِبُّون على مطالعة الفنون ليلا ونهارا، ويسألونه حلّ ما أشكل عليهم في أيّ كتاب من أيّ علم كان.

فرجل يسأل في الفقه، ورجل في الحديث، وعالم في معضَلات النحو، وأخر في دقائق العلم الإلهية والطبيعية، وغيره في العلوم الآلية، وواحد في التاريخ بل في مهمّاته ومشكلاته، وآخر في سير المصنّفين وعاداتهم، هكذا واحد بعد واحد، فتارة يخاطب هذا وتارة يجاوب هذا، وتارة ذلك، ومرّة ذاك، فيشتفي، ويَشْفي، حتى ترى أنه بحر يموج، أو مُزنة تَهْمِي، أو واد يسيل، إذا شرع في الحديث خِلْتَ أنه لا يُحسِن غيرَه، وإذا شرع في استطراد غوامض الفقه ظننتَ أنه لا يعلم غيرَه، وإذا شرع في البلاغة ودقائقها حسبتَ أن الشيخ عبد القاهر رحمه الله عادَ منشورا.

هكذا كان حاله في دقائق العلوم ومعارفها، فما ظنّك بقواعدها العامّة ومسائلها المشهورة، وذكَّرني حاله هذا ما ذكر الحافظ ابن القيّم في "هداية الحَيَاري" في حقّ حبر الأمة عبد الله بن عبّاس، حيث قال: قال عطاء بن أبي رَبَاح: ما رأيتُ مجلسا قطّ أكرم من مجلس ابن عبّاس، أكثر فقها وأعظم جفنة، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر، يُصدِرهم كلّهم في واد واسع

وقال: وقال الأعمش: كان ابن عبّاس إذا رأيتَه قلتَ: أجمل الناس، فإذا تكلّم قلتَ: أفصح الناس، فإذا حدّثَ قلتَ: أعلم الناس. وقال الحافظ ابن القيّم نفسه في حقّ هذا الحبر: وكان بحرا لا ينزِف، لو نزل به أهل الأرض لأوسعهم علما، وكان إذا أخذ في الحلال والحرام والفرائض يقول القائل: لا

ص: 102

يحسن سواه، فإذا أخذ في تفسير القرآن ومعانيه يقول السامع: لا يحسن سواه، فإذا أخذ في السنّة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول القائل: لا يحسن سواه، فإذا أخذ في القصص وأخبار الأمم وسير الماضين فكذلك، فإذا أخذ في أنساب العرب وقبائلها وأصولها وفروعها فكذلك، فإذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك. انتهى كلامه.

ولعمري ما وجدتُ أحسنَ ولا أوضحَ مثالا بالشيخ رحمه الله ومآثره وخصائصه من هذه العبارة الجامعة لهذا الحافظ في حقّ حبر الأمّة، فلا ريبَ أن شيخنا رحمه الله كان حبرَ الأمّة وبحرها، فكان عالما بمنابت القَصِيْص، جمع الله له شَمْل الفضائل والفواضل، ولقد صدق القائل:

ليسَ على الله بمستنكَر

أن يجمع العالم في واحد.

نعم! لو لم تكنْ هذه النظائر بين أعيننا لما تيقنّا ما أسلفَ لنا علماوُنا الغابرون في حقّ السلف، والآن بحمد الله كشف الغطاء عن أبصارنا، فبصرُنا اليوم حديد، نرى صدقَ جميع ذلك، وثلجتْ بها صدورنا، ويُلَمُّ بها شعَثُنا، فيا له من أمة هذه الأعلامُ والأحبارُ في آخرها!! فماذا يكون الظنّ بأولها؟!

وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي كالمطر، لا يدرَى أولُه خير أم آخرُه"، رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، أو كما قال، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى مآثر هذه الأمْة وفضائلها في آخرها، فاستكثرها، فأعجبتْه فتناسى فضائلَ أولها، كيف لا يكون فضل باهر وشرف زاهر لعهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم": "فالسابقون السابقون، أولئك المقرّبون". فسبحان مَنْ أقامَ في الأمّة لخدمة كتابه ودينه

ص: 103

والذبّ عن حريمه وحماه رجالا في بدء هذه الأمّة المختارة ونهايتها، ظاهرين على الحقّ ينشرُون العلم، ويخدمون الإسلام، ويصلحون ما أفسدَه الناس حتى يأتي أمر الله.

هذا، وكانتْ قد انعقدتْ حفلة تأبينٍ عظيمة بالجامعة الإسلامية بعد وفاة الشيخ رحمه الله، تعزية ورثاء، وقد ألفى شيخنا محقّق العصر مولانا العثماني -طالتْ حياته- فيها خطبة باللغة الأردية، مؤثّرة بليغة ناجعة، فبكي، وأبكي، حتى ذرفت العيون، ووجلت القلوب، وقد قيل: عين عَرَفَتْ فذَرَفَتْ.

أريد أن أهدي للناظرين طرَفَها وأزُفُّ إليهم عرائسَ أبكار الكلمات، التي التقطتُها من تلك المقالة الناجعة، فإنها كلمة كشفتْ عن وجوه مخدّرات مآثر الشيخ لثامَ الشكّ والارتياب، بحيث يرتاحُ لها أولو البصائر والألباب، فدونك كلمةً جامعةً ملخّصةً مترجمةً إلى العربية ترفُل في أذيالها، وتبدو للمشتاقين بحسنها وجمالها. قال طال بقاؤُه:

أيّها السادة! قد أرخيَتْ اليومَ على العلم والفضل سدولُ الظلام، إذ قد نزلتْ داهية عظيمة أصبحتْ أربابْ الفضل والعلم قاطبة بها يتامي، ما أريد أن الطلبة وأصحاب التحصيل أصبحوا يتامي، بل العلماء والشيوخ وأساتذة الطلبة أضحوا يتامي، فقدوا من يقوم بحلّ مشكلاتهم.

بلية قد غشيت العالم الإسلاميّ بأسره، لم يبق لنا اليوم مَنْ يحلّ لنا مشكلات القرآن، ووغوامض الحديث، فإلى مَنْ يرجع في المعضَلَات، وممن نَسْتطبُّ سَقَامنا، قد تزلزل اليوم أساسُ العلم، وانهدَّ عمود الملّة الإسلامية، فهذه ثَلْمَة، لا يرجَى سدادُها.

ربّ مسائل معضَلة قد أعوزَني دواؤها، فاستقريتُ لها أسفارَ القدماء، وتصحفّتُ بها زبرَ كبار المحقّقين، فلم أفزْ بما يشفي غليل

ص: 104

صدري، فراجعتُ حضرة الشيخ الأنور -أنار الله مرقدَه- فشفى صدري بكلمات مختصرة جامعة منقّحة، تطمئنُّ بها النفوس، وتقرّ به الأعين، وتسكن إليه القلوب، أو أرشدني إلى زبر وأسفار يكون هناك المحيص عنها، فيكون الأمر كما يقول.

وهكذا كلّما كان يسأل عن دقائق المسائل مما بلغ الغاية دقّتها، ومما تعسّر على الأذكياء المتبحّرين انفصامها، يجيب عنها ارتجالا من غير رَوِيَّة وإمعان نظر، كأن قد حلّ جميع هذه المشكلات من زمان مديد، وفرغ عنها مطمئنّ القلب، فقد رزقه الله علما وسيعا، أحاط بسائر مشكلات العلوم من جميع جهاتها.

اشتهرَ في الناس أنه كان في قوّة حافظته، ومواظبته المطالعة ليلا ونهارا، وتبحّره في العلوم، فقيد المثل وحيدا، ولكن الذي هو أكبر مزاياه عندى أنه كان خبيرا مطلعا على أرواح العلوم وحقائقها، وهذه هي غاية معارج العلم ونهاية مدارجه.

لو سألني أحد: هل رأيتَ الحافظ ابن حجر العسقلاني؟ وهل لاقيتَ الحافظ تقى الدين ابن دقيق العيد؟ أو سلطان العلماء عزّ الدين بن عبد السلام رحمه الله؟ فلو أجبته بقولي: نعم، لكنتُ صادقا تشبيها واستعارة، ولا غروَ، فإنه كان متصفا بتلك المزايا التي امتازوا اليوم بها في الأمة، ولو سمحت الأيام بوجوده في تلك القرون المباركة لعدّ في طبقتهم، ولكان مثلهم اليوم في الأمّة الحاضرة، فأحسُّ أن اليوم قد توفي الحافظ ابن حجر، والحافظ ابن دقيق العيد، وسلطان العلماء، وحُرِمْنا من استفادة علومهم وبركاتهم اليوم.

ثم فوق ذلك ما جمع الله فيه من الورع، والزهد، والتواضع، وحسن الخلق، شمائل كريمة، قلّما تجتمع في عالم، وإن اتّصف بها أحد واجتمعتْ

ص: 105

فيه هذه الملكات والشمائل الحسنة فمن أين لنا وجه كوجه الشيخ الأنور؟ حيث تنبعث أشعّته، ويتهلّل جبينه، وتقرّ العيون بمرآه، وتنشرح الصدور بزَوْرَة مُحَيَّاه، كثيرا ما رأينا في الأسفار أن الناظرين في الحفلات والمواعظ والمناظرات كما كانوا يتحيّرون من تلاطم علومه وسعة معلوماته، كذلك يندهشون من حسنه البارع، وجماله المعجب، بل الكفرة والمشركون كانوا يتأثّرون من نظرة إلى مُحَيَّاه، ولقد صدق القائل:

ليس على الله بمستنكَر

أن يجمع العالَمَ في واحد.

كان في بدء عمره لا يتوجّه كثيرا إلى حقائق التصوّف، ولكن غلبَ عليه في آخر العمر الانهماك والاستغراق في بيان الحقائق والمعارف، حتى قد يصدَع بحقائق عالية ومعارف مضنونة تُحَيِّرُ البصائرَ وألبابَ الفحول.

ثم فوق جميع ذلك مصابرته على الشدائد، ومكابدته في المصائب، وقد جرّبنا ذلك في فتنة اختلافات "دار العلوم الديوبندية"، فتحيّرنا لضبط نفسه وشدّة صبره واستقامته واستقلاله، فاعتقدنا كمالاته بعد المسابَرَة والتجارب أزيد مما كنا نعتقدها من قبل. وقد صدق القائل:

الصدر من يلقى الحطوبَ بصدره + وبصَبْره وبحمده وبشكره.

انتهتْ كلمة الشيخ العلامة الحبر العثماني دامتْ بركاته ملخّصة. وقد استوعبتْ فنصعتْ، وجمعتْ فأوعبتْ، وكشفت الحجب فصَدَعَتْ، ولا تلحَقُكَ غفلة من أنّ هذه المقالةَ ليستْ من أحد تلامذة الشيخ رحمه الله، ولا من مسترشديه وأصحابه، بل هذه مقالة مَنْ بلغ الغاية القصوى في كمالاته وفضائله، ومن هو مُسَاهِمُه في شيخ، ومعاصره في عمر، شجرتان من روض واحد، سقيتا بماء واحد، فلله درّه ثم لله درّه، كيف صَدعَ بالحقّ وكَشَفَ بالصدق، جزاه الله عني أولا، ثم عن سائر المسلمين خيرَ ما يجازي به عبادَه المحسنين.

ص: 106

وقال شيخنا البنوري في "نفحة العنبر" أيضا:

‌الشيخ ودأبه في المطالعة:

لم يكن دأبه في المطالعة كأكثر علماء هذا العصر من أن يطالعوا الكتب عند الافتقار إليها في الفتوى أو التأليف أو التدريس، فيراجعون فيما يحتاجون إليها من ذلك الموضوع خاصة، أو يتفقدّون ما أرادوه من مظانّه، بل كان دأبه في المطالعة أنه كلّما تيسّر له كتاب، مخطوطا كان أو مطبوعا، سقيما كان أو سليما، في موضوع علميّ، أيّ موضوع كان، من أيّ مصنّف كان، فيأخذه ويطالعه من أوله إلى الآخر بتمامه، من غير أن يُبقي شيئا أو يَذَر، نعم، كان جُلُّ جُهْده ومسعاه في أن يطالع كتبَ المتقدّمين، ثم كتب أكابر المحققّين من القرون الوسطى. رحمه الله تعالى.

وقال أيضا: ومن العجائب -والعجائب جَمَّة- أن الشيخ رحمه الله لم يكنْ من دأبه المطالعة بالليل لما يدرسه بالنهار، كما هو دأب عامّة المدرّسين، فلم يكنْ يطالع لشيء مما كان يلقيه في الدروس، حتى سمعتُ منه أني ما طالعتُ الكتاب الذي يقرأ على في عمري قطّ، فقوّة الحافظة كانتْ أغنتْه عن ذلك، فكفاه ما طالع في بدء عمره، وأغناه الصباح عن المصباح، لا أنه كان يلحقه الوَنَى أو الكَسَل أو الملال في المطالعة، بل جميع أوقاته كانتْ عامرةً بمطالعة الأسفار، وزبر المحقّقين.

نعم! قد كان يزوِّر في نفسه هُنَية لئلا ينتشر الكلامُ، ولئلا يتّسع مجال البحث كثيرا، وليكون ما يلقيه منضبطا محدودا، حتى يستطيع المستمعون والمستفيدون أن ينهضوا بأعبائها، ولولا ذلك لأعجزَ القوم عن التلقّي، فإنه كيف يسدّ البحر الزخّار، وكيف يوكأ على العيون الثرثارة.

ص: 107

‌الشيخ أنور والفقه، ونبذة من خصائصه فيه:

طالَعَ من الفقه وما يتعلّق به تصانيف الإمام محمد بن الحسن الشيباني من كتب ظواهر الرواية، و"الموطأ"، و "كتاب الآثار"، و"كتاب الحجة" له، بضبط وإتقان وغاية فكر وإمعان، ثم شرح الإمام شمس الأئمة السرخسي:"المبسوط"، وهو شرح لكتب ظاهر الرواية، التي جمعَها الحاكم الصدر الشهيد في كتابه "الكافي".

وطالَعَ "شرح السير الكبير" له -للسرخسي- ثم ما تيسّر له من تصانيف الإمام الطحاوي من "شرح معاني الآثار"، و "مشكل الآثار"، و"المختصر" له في الفقه، وقد قال فيما أحفظ والله أعلم: إني طالعتُ "مختصر الطحاوي" نحو عشرين مرّة، ومع ذلك لم يشتف صدري في مواضع كثيرة، فهكذا طالَعَ من كتب الفقه هذه الكتب المطبوعة بـ "مصر" و"الهند" المتداولة بين أيدينا اليوم، ثم من الكتب الخطّية ما تيسّر له، حتى سمعتُ عنه نفسه رحمه الله: أفتيتُ بـ "كشمير" للمفتين والعلماء في الفتاوى المشكلة، وفي التي تكون آراؤهم فيها مختلفة ثلاث سنين كاملة، ولم أفتقرْ لمراجعة كتاب في تلك البرهة.

ثم لم يكتف في الفقه بمطالعة الفقه الحنفي، بل طالَعَ من كبار كتب الفقه المالكي والشافعي والحنبلي ما يقضى العجب، ويورث الحيرة، وكانتْ أكثرها غير مطبوعة عند ذلك، فهذا كتاب "بدائع الصنائع" لأبي بكر الكاساني، و "البحر الرائق" لابن نُجيم و"النهر الفائق" لأخيه، و"رد المحتار" للشامي، و "كتاب الأم" للإمام الشافعي، وغيرها من مبسوطات الفقه كلّها كانتْ بمرأى عينيه، طالعها وأمثالها سطرا سطرا حرفا حرفا، وكان يثني كثيرا على كتاب "الأم" وعلى ذكاوة أي ذكاء الإمام الشافعي، حتى قد يقول:

ص: 108

إني كلّما أطالع كتاب "الأم" يقع في قلبي أن الإمام الشافعي رحمه الله من أذكياء الأمّة.

وكان يقول: أقدر على تلخيص كتبهم أيّ كتاب كان، إلا كتاب "الأم"، وكان يثني على "البدائع" كثيرا، فكان يقول: إن مؤلّفات العراقيين من الفقهاء الحنفية أثبت وأتقن من تصانيف الخراسانيين، ولكن "البدائع" مع أن مؤلّفه ملك العلماء أبا بكر الكاساني من الخراسانيين، ولكنه في التثبّت والإتقان مثل مؤلّفات العراقيين، بل فاق حسنا على سائر كتب فقهائنا الحنفية رحمهم الله، كتاب بديع إن طالعه عالم بالغور والإمعان لصار فقيه النفس، وهو أنفع للمدرّسين والمؤلّفين منه للمتفين.

وكان يقول: لا يجوز لأحد أن يفتي ما لم يطالع "البحر" أو "رد المحتار" بأسره أو كتابا مبسوطا آخر من مبسوطات الفقه الحنفي، نعم صدق من قال: لا تقَعَنَّ البحرَ إلا سابحا.

وكان رحمه الله يقول: إذا ثبت في أمر قول أبي حنيفة رحمه الله فلا أرجع إلى قول الصاحبين، وإذا لم يرو عن الإمام شئ فما وجدتُه مرويا عن الإمام أبي يوسف آخذه ولا أنتطر قول الإمام محمد، وإذا لم يثبتْ شئ عن أبي يوسف فأعملُ على قول محمد ولا ألتفت حينئذ إلى أقوال باقي المشايخ الحنفية، وإن لم أجدْ عنه قولا فإن كان عن الإمام الطحاوي قول فأتمسّك به. وإذا اختلف العراقيون ومشايخ "ما وراء النهر" فأختار ما ذهب إليه العراقيّون، ولا ألتفتُ إلى تصحيح المشايخ وترجيحهم عند الاختلاف، إذ ربما يختلف التصحيح، بل العبرة عندي إذن لقوّة الدليل.

وكان يقول رحمه الله: لا أقلّد أحدا من الأئمة في سائر الفنون النقلية والعقلية إلا الفقه، فإني أقلّد فيه الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى، فلي رأيّ

ص: 109

مستقلّ في كلّ علم إلا الفقه. وكثيرا ما إذ أغوص في تخريج أقوال الأئمة المجتهدين، فقد يقصُر خَبَيِي عن إدراك مدارك الاجتهاد، وأتحيّر لدقّة مداركهم وبعد كنهها.

قال الراقم -شيخنا البنوري- تبصَّيرْ واعتبرْ بهذا القول من هذا الشيخ الذي كان حبر الأمّة في عصره، لو رأيته حين كان يخوض في غمار الفقه ويغوص في بحاره، وطفق يبيّن تخريج أقوال الأئمة ومنشأ اختلافاتهم، وترجيح بعضها على بعض: لرأيت سيلا يَهْمِي أو بحرا يموج. وتمثل لديك قول المتنبّي:

ووجه البرح يُعرَف من بعيد

إذا يسجُو فكيف إذا يموج.

ولقلتَ: كأنّ روح فقيه الأمّة إمامَ الدين والدنيا نعمانَ الكوفي تُدَنْدِنُ -أن تردّد- في حلقوم الشيخ الأنور، ولكن مع هذا الفضل الباهر الذي كان يُدهش العقول ويحيّر الفحول يعترف بهذا، فما ذلك إلا لغور كنه مدارك الفقه، ووُعُور مسالكه وصعوبة مراحله. وهذا دليل بيّن وبرهان ساطع على وصول هذا الفقيه الحبر إلى أقصى مدارك العلم ومعارج الديانة ومدارج الإنصاف.

فدع السفهاءَ والجَهَلَة الذين زعموا أن الاجتهاد أمر سهل هيّن ليّن، يقدر عليه كلّ مَنْ أحاط بكتاب "بداية المجتهد" لابن رشد الفقيه المالكي، أو الحَمْقَى الذين يزعمون أن كلّ أحد يقدر على الاجتهاد بالعبور على "القرآن" وظواهر الأخبار، فيحرم عليه تقليد مذهب أحد من أعيان الأمّة! فيُطنطِنون هؤلاء في كتاباتهم ومؤلّفاتهم طَنينَ الذباب، ويرمون العلماء الربّانيين بعُوَائهم كالذئاب. ومنشأ كلّ ذلك الجهل بمعرفة مراتب السلف، والقصور عن فهم مداركهم، وفوق كلّ ذلك الحَمَق والسَّفَه البيّن العُوَار. وهذا داء أعيا الأطباءَ دواءُه.

ص: 110

فيقال لهذا الذي يُقعقع بالشِّنَان ويُجعجع من غير طحين: هلا ادّعى ابن رشد الفقيه الاجتهادَ بسبب هذا الكتاب؟ ولم لم يُعَدَّ في زمرة المجتهدين؟ ولِمَ يعزو نفسَه إلى المذهب المالكي؟ وكيف يقلّد في الفروع؟ وهل يسوغ التقليد لمن بلغَ رتبةَ الاجتهاد؟.

نعم هو رجل فقيه النفس بعيدُ الغور، له مزايا جليلة هو فريد فيها، وقد أحسن إلى الأمّة الإسلامية بإبراز هذا العقل النفيس، غاص في منشأ اختلافات الأئمة، ونبّه على أنه كيف تشعَّبت الآراء، وتطرّقت الاحتمالات، وتنوّعت الأدلة، فعرفها، وفهمها، لا أنه صار مجتهدا مطلقا في المذهب بهذا القدر، فإنه لا يكفي هذا القدر فقط، ولا يشفي، نعم وليس القوادم كالخوافي.

فإذا لم يكنْ هو نفسه مجتهدا فما ظنّك بمن يستفيد منه، حتى يبلغ به قُلّة الاجتهاد الشامخة التي تبقى العين دونها حَسْرى، وما تنفع الشعفة في الوادي الرغيب، فليستقم المرء وليتزوّد التقوى، ولا يتّبع الهوى، فإنه قد أضلّ وأردى، وليعرف لكلّ شئ قدره، وليُعْطِ كلّ ذي حقّ حقّه.

على أنه لخّص كتابه هذا من كتاب "الاستذكار" لحافظ المغرب ابن عبد البر، فالفضل أصله يرجع إلى أصله، وإن كان هو موفَّقا في التلخيص والإجادة، وهو -ابن عبد البر- إمام وفضله أكثر، ولم يُعَدَّ هو في المجتهدين، بل عُدَّ من كبار المالكية وحفّاظ المحدّثين، وكفى به مزية وفضلا.

وأما الفريق الآخر فنطوي الكَشْحَ عن خطابه، فإن هؤلاء بلغتْ سفاهتهم إلى غاية وأمد بعيد، حيث يستنكفون عن اتباع الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، فقهاء الأمّة المحمدية، ثم يقلّدون أقوال ابن حزم وابن تيمية وابن القيّم، بل القاضي الشوكاني، وبل النوّاب المعزول

ص: 111

البهوفالي، من هو أدون منهم بمراتب، من حيث لا يشعرون، فيستمسكون بعراهم، ويعتصمون بأقوالهم وآرائهم الشاذّة، ويزْعُمُونها وحيا سماويا، لا يتغيّر، ولا يتبدّل، وكأنهم معصومون عن الخطأ والسهو، وأن الحقّ لا يتجاوز رأيهم، ولا يعدو مظنونهم، فيا للعجب، ويا للأسف.

هداهم الله وإيانا بفضله، ونجانا من غوائل الهوى، ووفّقنا لاتباع أئمة الهدى، ولولا مخافة التطويل والخروج عما أنا بصدده لصَدَعْتُ بالبحث وبَيَّنْتٌ عُوَار هذا القول الشنيع وسقيتُ الصَّدَى، وشفيتُ الصدرَ، وبردتُ الغليل، والله يقول الحقّ، ويهدي السبيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلىّ العظيم.

ودونك الآن مثالين ليتّضح لك دأب الشيخ رحمه الله في أبحاث الفقه:

المثال الأول: قال شيخنا المحقّق -الإمام شبير أحمد العثماني- في "فتح الملهم شرح صحيح مسلم": قال علامة عصرنا الفاضل الكشميري أطال الله بقاءه رحمه الله إن قولهم: الكفار مخاطبون بالمعاملات، إن كان المراد به الخطاب ثوابا وعقابا في الآخرة فمسلّم، لا شكّ فيه، وإن كان المرادُ الخطابَ صحةً وفسادًا في أحكام الدنيا فليس هذا عندي على الإطلاق، فقد صرّح في "الهداية" أن الكافر إذا تزوّج بلا شهود أو في عدّة كافر -وذلك في دينهم جائز- ثم أسلما أقِرَّا عليه عند أبي حنيفة رحمه الله، لأنّ الحرمة لا يمكن إثباتها ها هنا حقّا للشرع، لأنهم لا يخاطبون بحقوقه، ولا وجه لإيجاب العدّة حقّا للزوج، لأنه لا يعتقده.

وصرّح الشيخ ابن الهمام رحمه الله أن المسلم إذا باع من الحربيّ ميتة أو خنزيرا، أو قامرَه وأخذ المال، يحلّ كلّ ذلك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، ولو كانوا مكلّفين بالمعاملات بحسب الصحة والفساد لم يصحّ النكاح في الصورة الأولى، ولم يحلّ ذلك المال في الصورة الثانية، ولهذا نظائر أخرى

ص: 112

تقف عليها بعد التتبّع البالغ، فكما أنهم استثنوا من العقوبات حدّ الشرب، كذلك ينبغي تقييد المعاملات أيضا بشئ يخرج أمثال هذه الفروع المنصوصة عليها في كتب الفقه. وهذا تفصيل لا بدّ من المصير إليه، والله أعلم، انتهى كلام شيخنا في "فتح الملهم".

المثال الثاني: اختلف الأئمة في مسألة المصرّاة، والحديث فيها مشهور، فذهب مالك والشافعي، وأحمد وأبو يوسف إلى: أن التصرية عيب، يردّ بها المبيع، ثم عن أبي يوسف روايتان في ردّ صالح من التمر معها أو قيمة اللبن؟ وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يردّ، والحديث وارد عليهما.

فاختار الحنفية في الجواب مسالك، واضطرّوا إلى العمومات في مقابلة الخصوض من الآثار والمنصوص، وأحسن مَنْ أجاب منهم الإمام الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، وهو أول مَنْ أجابَ منهم، فعارضه بحديث "الخراج بالضمان"، وهو حديث قويّ، وليراجعْ تفصيل جوابه من كتابه.

فقال الشيخ رحمه الله: جواب الطحاوي وإن كان أحسن مما استدلّوا به من العمومات والقياس، وتبعه المتأخّرون غير أنه أيضا لا يجدي حسب تفصيل فقهائنا الحنفية رحمهم الله، حيث قسموا العيبَ في مسألة خيار العيب إلى ثمانية أقسام، فإن الزيادة إما متولّدة من المبيع أو غير متولّدة؟ وكلّ منها إما متصلة أو منفصلة. فهذه أربعة أقسام، وكلّ منها إما قبل القبض أو بعده، فصارتْ ثمانية.

والذي يحمل عليه حديث الخراج بالضمان عندهم هي الزيادة غير المتولّدة، فكيف يجدي استدلاله بالعام الذي يحتمل وجوها ومحامل؟ ثم قال: والذي تحقّق عندي أن الحديث من باب الديانة، لا من باب القضاء، فتجب الإقالة على البائع ديانة، فإن مدار القضاء على الظواهر لا السرائر، فالسرائر

ص: 113

لا سبيل إلى علمها، وحينئذ يوافق الحديث مسائل الحنفية أيضا، فقد صرّح الشيخ ابن الهمام في "الفتح" من باب الإقالة: أن الغرر قولي وفعلي، وعلى الأول تجب الإقالة قضاء، وعلى الثاني ديانة، ولا ريب أن ها هنا غررا فعليا، فتجب الإقالة ديانة، ولم أرَ من تنبّه له.

وقد صرّح في "الوجيز"، و"التهذيب"، و"الحاوي" أنه يردّ -أن المبيع- في مثل هذا عند التراضي، (فصار من باب الديانة أو قريبا منها).

ومما قلت:

بزيادة المنفصل المتولد

أو عكسه متعيّب لم يُرْدَد.

ثم في التهذيب والوجيز والـ

حاوي الجواز بالتراضي يحمل.

والفرق بين القضاء والديانة قد سلمه الشافعية أيضا في كثير من المسائل. هذا ما استفدتُه ولخّصته من "العرف الشذي" و"فيض الباري" من تقارير الشيخ رحمه الله في درس الحديث، ومَنْ شاء التفصيل فليراجعْهما، والله الموفّق، وبه نستعين.

‌الشيخ وسعته في خدمة المذهب الحنفي:

لعلّك فهمتَ مما أسلفنا من آداب الشيخ ومزاياه الخاصّة أنه قد تغلغل في فقه الحديث النبوي، ووصل إلى أسرار الفقه، وأغراض المجتهدين بالذروة العليا والغاية القصوى، فهذا الشيخ الإمام حبر الأمّة قد خدم المذهب النعماني برهة طويلة في دروس الحديث، دروس "سنن أبي داود"، و "جامع الترمذي"، و "الصحيح" للبخاري، وغيرها، وفي رسائله المؤلّفة في المواضيع المهمّة ما سنذكرها إن شاء الله تعالى، وفي مجالسه ومحافله ومواعظه وخطبه.

ص: 114

فكم من أحاديث قد استدلّ بها له -أن للمذهب النعماني-! وكم من آثار احتجّ بها له! كم من المسائل الجزئية في الفقه الحنفي قد رصَّصَ بنيانها! وكم من قواعد كلّية وضوابط عامّة للمذهب أسّس عمرانها! كم من غوامض ودقائق وصل إليها فكره! وكم من سوانح وقتية جاد بها نظره، وسمح بها لسانه.

قد قضى نحو ثلاثين عاما وهو شطر عمره الشريف في خدمة مذهب إمامنا ومقتدانا، الإمام القطب الذي تدور حوله رحى الفقه من فقهاء الأمصار، الإمام الكوفي أبي حنيفة التابعي رحمه الله، فيحاز كنوزا وذخائر من الدلائل والشواهد واللآثار والمتابعات.

وضبط ذلك في مضابطه، وجمع فيها ذخائر لو بسطت اليوم مرتّبة منتظمة مفصّلة على الطريقة التأليفية على الأوراق، وجمعتْ نقول الأسفار التي أحال عليها برمز صفحاتها لبلغتْ أجزاء كبيرة مما يتعلّق بالفقه الحنفي فقط دون سائر العلوم، فلو أمعن خبير عاقل في مساعيه الجميلة وآثاره الباقية الصالحة لاعترف بمِنَن هذا الشيخ، ولاعترف بأن وجوده كان تأييدا ربّانيا للمذهب النعماني بدا في هذه القرون المِجْدِبَة والعصور الماحلة.

وكان يقول: ما رأيتُ مسألة في الفقه الحنفي لم تكنْ لها حجج مؤزَّرَة أزيد من مذاهب الأئمة أو مساوية لها، اللّهم إلا في مسألة الخمر، فإن دلائل الجمهور فيها غالبة كثيرة لم أفزْ لقول الإمام بشئ يُقاوِم براهينَهم، وكان يذكر مسألة أخرى نسيتُها الآن.

وكان ينبّه الطلبة تنبيها عظيما بأن لا يذهب وَهَلُكم إلى ضعف مذهب إمام من الأئمة المجتهدين، فكلّهم أئمة قدوة، ولنا فيهم أسوة، ولكلّ

ص: 115

وجهة هو مولّيها. فيها حاله من خدمة المذهب الحنفي، نعنم جذب الزمام برَيْض الصعاب، ومن طَلَبَ عظيما خَاطَرَ بعظيم:

إذا كانت النفوس كبارا

تَعِبَتْ في مرادها الأجسام.

‌مؤلّفاته وآثاره المدوّنة مزاياه الذاتية:

تتميّز مؤلّفات هذا الحبر الفقيه المحدّث بمزايا نادرة، وترجع أسباب هذا التميّز إلى أمور اجتمعتْ له رحمه الله تعالى.

منها: اكتمال مواهبه الذاتية في الفهم والذكاء وقوّة الحفظ، ودقّة الذهن، وحسن الاستحضار، وامتلاك ناصية التعبير والإفادة بأسهل الألفاظ عن أصعب المعاني وأغمض المسائل، بالعربية والأردية جميعا.

ومنها: أنه كان من ريعان شبابه عاكفا على جمع الأوابد وقيد الشوارد في "تذكرته"، وكان يبذل وسعه في حلّ المشكلات التي استعصتْ على مَنْ قبله، وكلّما سنح له وجه في حلّ تلك المعضَلات قيّده في "تذكرته". وإذا وقف في كتاب على شيء تنحلّ به المعضَلات التي عنده أشارَ إليه، وكان جلّ مطالعته في كتب المتقدّمين، وكتب أكابر المحقّقين، وكان يقول: ربما طالعتُ مجلّدات ضخمة من كتاب، ولم أفزْ منه بشئ جديد، وربما ظفرتُ بفائدة قليلة.

ومنها: دأبه العجيب -مع مزاياه الفطرية- في الصبر على البحث والتنقيب، حتى يظفر بالضالّة المنشودة، وحسبُك مثالا ونموذجا واحدا من هذا الدأب -وقد سبق ذكرُه في كلام شيخنا البنوري-: أن تَعلَم أنه لما ألّف أحد كتبه في الردّ على القاديانية: "التصريح بما تواترَ في نزول المسيح" طالعَ لجمع أحاديثه وتخريجها مجلّدات كثيرة من المسانيد والجوامع والسنن والمعاجم، وطالع معها "مسند الإمام أحمد" كلّه من أوله إلى آخره، وهو في ستّ

ص: 116

مجلّدات كبار، تبلغ صفحاته من حجم صفحات هذا الكتاب أكثر من 12 ألف صفحة. وهذا دأب نادر قلّ مَنْ يصبر عليه من العلماء اليوم.

ومنها: علوّ كعبه في العلم والإمامة فيه، وتمكنّه في علوم القرآن الكريم وعلوم السنّة المطهّرة، وسعة محفوظه منها، وتمكنّه في الفقه والأصول وعلم الرجال، والجرح والتعديل، واتّساع معارفه من علوم شتى، كالتاريخ، واللغة والأدب والمنطق وعلوم العربية، والعلوم الرياضية، مع الصلاح والتقوى والنسك والعبادة، التي هى أصل أصيل في حياة علماء "الهند" عامة، فجاءتْ مؤلّفاته وتقريراته منطبعة مزيّنة بهذا الطراز الحافل من العلوم، فكان فيها الفريد والمفيد.

ولم يكنْ من عزم الشيخ أن يؤلّف كتابا أو رسالة تأليفا مقصودا، ولكن جلّ مؤلّفاته أمال أخِذَتْ عنه، أو نصوص أو تقييدات أفردها بعنوان، وإنما ألّف عدّة رسائل بدافع الضرورة الدينية والخدمة الإسلامية، وبلغتْ تآليفه قرابة أربعين مؤلّفا ما بين رسالة في عشرين صفحة، وكتاب في عدّة مجلّدات.

‌وأشهر تأليفه المطبوعة -وبعضها طبع أكثر من مرّة

-:

1 -

فيض الباري بشرح صحيح البخاري، في أربعة مجلّدات كبار، وهذا ما جمع بعض كبار أصحابه بعض تحقيقاته وإفاداته في درس "الجامع الصحيح" للبخاري، وتولى تأليفها وتحريرها الشيخ بدر عالم الميرتهي.

2 -

العرف الشذي على جامع الترمذي، 488 صفحة، وهذا ما جمع بعض تلاميذه بعض إفاداته في درس "سنن الترمذي".

3 -

أماليه على "سنن أبي داود"، طبع منه جزء واحد.

4 -

مشكلات القرآن، 278 صفحة.

ص: 117

5 -

فصل الخطاب في مسألة أمّ الكتاب (قراءة الفاتحة خلف الإمام)، 106 صفحة.

6 -

خاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب بالفارسية، في جزء لطيف.

7 -

نيل الفرقدين في رفع اليدين: (رفع اليدين عند تكبيرات الانتقال)، 125 صفحة.

8 -

بسط اليدين لنيل الفرقدين، 64 صفحة.

9 -

كشف الستر عن مسألة الوتر، 98 صفحة.

10 -

إكفار الملحدين في ضروريات الدين، وهو كتاب فريد في موضوعه، 128 صفحة.

11 -

عقيدة الإسلام بحياة عيسى عليه السلام، 122 صفحة.

12 -

تحية الإسلام في حياة عيسى عليه السلام، 149 صفحة.

13 -

التصريح بما تواترَ في نزول المسيح، 300 صفحة بالأصل وبما علّقته عليه، وطبع أكثر من مرة.

14 -

خاتم النبيين، بالفارسية.

15 -

سهم الغيب في كبد أهل الريب، بالفارسية، 220 صفحة، ردّ فيه على من زعم أن الرسول يعلم علما محيطا من غير فرق بينه وبين علام الغيوب إلا فرق العرضية والذاتية.

16 -

الإتحاف لمذهب الأحناف، حواش وتعليقات هامة على كتاب "آثار السنن" للمحدّث النيموي.

وله أيضا:

17 -

تعليقات على "فتح القدير"، لابن الهمام إلى كتاب الحج.

18 -

تعليقات على "الأشباه والنظائر".

ص: 118

19 -

تعليقات على "صحيح مسلم".

وسائر مؤلّفاته تزال محفوظة، لم تحظ بالنشر والإخراج إلى عالم المطبوعات.

‌بعض خصائصه ومميِّزاته العلمية:

1 -

لقد كان أفق الفقيه الكشميري رحمه الله تعالى واسعا جدا، وصدره رحبا متسعا، مع أنه حنفي المذهب هندي الدار، والمعروف عن علماء الهند من الأحناف أنهم يلتزمون المذهب الحنفي التزاما تاما، وقل منهم من ينظر في المذاهب الأخرى، ولكن العلامة الكشميري كان أوسع من ذلك أفقا وصدرا ونظرا، فكان له وقوف تام على المذاهب الأربعة المتبعة وغيرها، وكان له اختيار للمذهب الذي يشهد له الدليل في نظيره.

2 -

وكان له أنس تام واهتمام جيد بآراء الشيخ الإمام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله تعالى، وكان يديم الصحبة لهما في مؤلفاتهما وكتبهما، ويكثر النقل عنهما، موافقا أحيانا ومخالفا أحيانا، مع الإجلال والتقدير.

3 -

وكان جل مسعاه في شرح النصوص التي تتعلق بالفقه من القرآن والسنة، ويتعلق بعراها أهل كل مذهب من الحنفية والمالكية الشافعية والحنابلة: أن يتفحص أولا عن غرض الشارع منها، وتعيين محط الكلام وتحقيقه، ثم تنقيح مناطه وتخريجه، غير محتفل بعدم وفاقها مع المذهب الحنفي، ولم يكن صنيعه تأويل النص لموافقة المذهب، بل كان ينزل نظم القرآن وسياق الحديث على أعلى ما ينزل عليه من الفصاحة والبلاغة، ويتفقد له محملا صحيحا يقتضيه سوق الكلام وأصل اللغة.

ص: 119

وكان تلميذه شيخنا العلامة محمد شفيع المفتي الأكبر لباكستان رحمه الله تعالى يقول لتلامذته -أخذا من مسلك شيخه الإمام الكشميري-: لا بأس بأن تكونوا حنفية في مذهبكم الفقهي، ولكن إياكم أن تتكلفوا بجعل الحديث النبوي حنفيا.

4 -

وكان لا يعتد بعموم العبارات والمدلولات اللغوية، فكان يدير مناط الكلام على الأغراض لا على الألفاظ، فكان لا يجيب الشافعية من جانب الحنفية بالعمومات في مقابلة الخصوص، فإن العام عنده ظني كما هو عند الشافعية وطائفة من محققي الحنفية.

5 -

وإذا كان في مسألة روايتان عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أو قولان لمشايخ المذهب، يختار منهما ما يوافق الحديث الصحيح من غير تكلف أو تأويل، وربما كان ذلك القول الذي اختاره من غير الروايات الظاهرة في المذهب، وقد يرجح مذهب الشافعي أو مالك أو أحمد تبعا لما يشهد له الدليل في تلك المسألة عنده.

6 -

وكان لا ينوط شرح الأحاديث المشلكة أو المتعارضة بلفظ واحد، أو طريق واحد، بل يتفقه جميع ألفاظ الحديث المروية، ويتوخى منها لفظ الشارع عليه الصلاة والسلام، فإن الرواية بالمعنى شاعت في الأحاديث، وإنكارها مكابرة جلية، وخاصة عند عدم تعدد الحادثة.

7 -

وكان يعتني أشد الاعتناء في الإفصاح عن منشأ الاختلاف الذي وقع بين علماء الأمة في الأعمال التي جرى بها العمل المتوارث على رؤوس الأشهاد، مثل مسألة رفع اليدين في تكبيرات الانتقال، ومسألة الوتر وتعيين ركعاته، وصلاة الجمعة وشروط أدائها، وما شاكلها، فهذه عبادات متوارثة في الأمة، وشاع بها التعامل من عهد النبوة إلى اليوم، فكيف اختلفت فيها الأمة

ص: 120

سلفا وخلفا، قديما وحديثا؟ فكان يعتني في انفصام هذا الاختلاف، ويقربه إلى الأذهان، حتى يعلم كل باحث ومطلع أنه لم يكن بد من هذه الاختلافات، وأن أصحاب المذاهب معذورون فيها.

8 -

إذا أحال على كتاب أو مصنف أو نقل منه في تقريره -وكان ذلك أول مرة- ذكر جملا نفيسة تعرف بحال ذلك الكتاب وحال مصنفه، ويذكر خصائص كتابه البديعة التي لا يجدها المتفقد في مطاوي كتب الطبقات، ليكون الطالب على خبرة وبصيرة نافذة في شأن الكتاب ومؤلفه، ويكون ذلك عونا له عند الحاجة.

9 -

كان يحاول أن ينشئ في الطلبة ملكة راسخة في العلوم، وسدادا كاملا يتمكن به الطالب من حلّ المعضلات، وكان يدرّب الطلبة على الارتقاء إلى هذه المدارج الشامخة في العلوم والمعارف.

10 -

كان يهيج رغبة الطلبة إلى خدمة الدين، وأن لا يجعلوا العلم وسيلة معاشهم ولا ذريعة إلى المباهاة والتماري، وأن يبذلوا جهدهم في نصرة الحق والذبّ عن حياضه بكلّ ما أمكن، وكان رحمه الله تعالى يمكن في قلوبهم أن المطلوب من العبد: العمل الصالح دون العلم، فإن العبد لم يخلق له، وكان عنده شرفُ الإنسان العبوديةَ دون العلم.

ومن شعره قوله في مدح شيخه رشيد أحمد الكنكوهي:

(1)

قفا يا صاجي عن السفار

بمرأى من عرار أو بهار.

يسير بنشرها نفحات أنس

وريا عند محي من قطار.

يفيض لروحها رشحات قدس

حياة للبراري والقفار.

وقد عادت صباها من رباها

بأنفاس يطيب بها الصحاري.

(1)

راجع: نزهة الخواطر 8: 93، 94.

ص: 121

فيسرى في قلوب الصحب وجد

بأطراف الحديث لدى اعتبار.

أطيب لنشره نفسا ونفسا

فأروي من روايات الكبار.

أتابعهم ويمليني دموعي

حديثي من شيوخي لأذكار.

أجلّهم وأبحلهم مقاما

أبو مسعودهم جبل الوقار.

لقد فرع الورى عملا وعلما

مكارم ساعدت كرم النجار.

إمام قدوة عدل أمين

ونور مستبين كالنهار.

فقيه حافظ علم شهير

كصبح مستنير هدى سار.

إليه المنتهى حفظا وفقها

وأضحى في الرواية كالمدار.

ففى التحديث رحلة كل راو

وفي الأخبار عمدة كل قاري.

فقيه النفس مجتهد مطاع

وكوثر علمه بالخير جاري.

وأحي سنة كانت أميتت

وإذ وضح النهار فلا تماري.

وأصبح في الوري صدرا وبدرا

منيرا واريا حلك التواري.

وأصبح مفردا علما رفيعا

كرفع المفرد العلم المنار.

وآية رحمة فضلا وفيضا

عبابا مستطابا للقواري.

وغرة دهره علما ودينا

طراز زمانه مثل النضار.

يقوم لشكره آثاره في

مدارس أو مساجد كالدراري.

متى ما جاد جود قام شكرا

له العزمات من باد وقار.

وأما فضله ذوتا وحالا

ففرد فيه لا أحد يجاري.

علوّ مقامه قدما وسبقا

فلا من طائر فيه مطار.

فضيل زمانه ورعا وزهدا

وحاتم عصره عند امتيار.

كأن جبينه بدر مبين

تهلل نوره عند الزوار.

وهمته كصبح مستطير

أو الغيث المغيث لدى انتظار.

ص: 122

لقد نفع الورى شرقا وغربا

وأشرق نوره عند اعتكار.

وزحزح عن حريم الحق نكرا

فحصحص في البسيط على الجهار.

ودار مع استقامته مدارا

أصيل الأصل محمرّ الزمار.

فرحمة ربه أبدا عليه

وطاب ثراه من رضوان باري.

أما أسانيد إمام العصر في الحديث، فأحببتُ أن أذكرها بالإجمال، مع الإشارة إلى طرقها، وإلى الأثبات التي ينتهي إليها سندُه، فإن الإسناد من خصائص هذه الأمة، وفضله أظهر من أن يقام عليه دليل. فمن الحتم علينا حفظه وإبقاؤه.

الإسناد الأول: يروى رحمه الله تعالى عن شيخ المحدّث شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، عن شيخه الحجّة العارف محمد قاسم النانوتوي. ح وعن شيخه المحدّث الفقيه الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، كلاهما عن المحدّث الشيخ عبد الغني المجدّدي الدهلوي.

ح: ويروي شيخ الهند عاليا عن الشيخ عبد الغني، وعن الشيخ أحمد علي السهارنفوري، وعن الشيخ محمد مظهر النانوتوي، وعن الشيخ عبد الرحمن الفاني فتي. وهؤلاء الأربعة عن الشيخ المحدّث محمد إسحاق الدهلوي، عن جدّه لأمّه المحدّث الحجّة الشاه عبد العزيز، عن والده الإمام الشاه ولي الله الدهلوي.

ح: ويروي الشيخ عبد الغني، عن الشيخ محمد عابد السندي ثم المدني.

وحصلتْ لإمام العصر إجازة عن المحدّث الكنكوهي بالإسناد المذكور سنة 1319 هـ. تاسع ذي الحجّة، وأسانيد الشيخ محمود استوعبها الشيخ عبيد الله الديوبندي في أول كتابه "التمهيد لأئمة التجديد".

ص: 123

وأسانيد الشيخ عبد الغني مذكورة في "اليانع الجني"، وطبع بـ "الهند" مرّتين.

وأسانيد الشيخ محمد عابد مذكورة في "حصر الشارد".

وأسانيد الشاه عبد العزيز في رسالته "العجالة النافعة".

وأسانيد والده الإمام في رسالته "الإرشاد إلى مهمّات علم الإسناد"، وفي القسم الثاني من "الانتباه في سلاسل أولياء الله"، وفي "القول الجميل"، كلّها من مؤلّفاته.

وإليك سورة ما كتبه الشيخ محمود حسن الديوبندي إجازة له بيده الشريفة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرّفنا بجوامع الكلم، وأمرنا بأن نصلّي على سيّد ولد آدم سيّدنا ومولانا محمد، وعلى آله وأصحابه، ونسلّم. رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن والحديث قدوة وإماما.

أما بعد! فيقول المفتقر إلى الله الودود الحقير الصغير المدعو بمحمود، تجاوز الله عن ذنوبه وذمائم خصاله، ووقاه بمنّه من شرّ نفسه وسوء أعماله: إن أخي في الله المولوي "محمد أنور شاه" دخل في هذه المدرسة، وفرغ عن جميع الكتب المتداولة في علوم شتى، وقد قرأ عليّ واستمع عندي "صحيح البخاري"، و"الجامع" للترمذي، و"السنن" لأبي داود السجستاني، والمجلّد الثاني من "الهداية" إلى كتاب العارية، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وأفاض علينا من بركاتهم إلى يوم الدين.

ص: 124

فأحسبه والله سبحانه حسيبه أهلا للعلوم، قد أعطي فهما ثاقبا، ورأيا صائبا، طبيعة ذكية، وأخلافا رضية، فأجيزه، كما أجازني مشايخي الكرام، أن يرويها عني بشرط الضبط والتيقّظ، والإتقان والتثبّت، وبشرط استقامة العقائد والأعمال، على طريقة الصحابة والتابعين، وحسن التأدّب بحضرة المحدّثين والمجتهدين، وأوصيه كما أوصي نفسي بتقوى الله تعالى، واتباع السنّة، والتجنّب عن حطام الدنيا وأهل البدعة، والاشتغال بالعلوم السنية الدينية. وأسأل الله الكريم لي وله أن يوفّقنا لما يحبّ، ويرضى، ويجعل آخرتنا خيرا من الأولى. وصلى الله تعالى على نبيه وحبيبه، وعلى آله وأصحابه أجمعين. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

وهذه صورة ما أجازه الفقيه المحدّث الكنكوهي رحمه الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلقه، محمد سيّد

الأنبياء والمرسلين، وآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد! فيقول

المفتقر إلى رحمة ربه الصمد، الفقير الأحقر المدعو برشيد أحمد، الأنصاري

نسبا، والجنجوهي (الكنكوهي) موطنا، تجاوز الله تعالى عن زلله ومعائبه، ورضى عنه، وعن مشايخه: إن المولوي محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري قد قرأ على من أثق به الأمّهات الستّ المشهورة عند المحدّثين، المحتوية للصحاح، والحسان، من أحاديث الرسول السيّد الأمين "الصحيحين" للشيخين، و"الجامع المسند" للترمذي، و"السنن" لأبي داود السجستاني و"السنن" للنسائي و "السنن" لابن ماجه القزويني، رضي الله عنهم أجمعين، وأفاض علينا من بركاتهم، وجمعنا معهم يوم الدين. وأنا أجيزه أن يرويها عني بشرط الضبط والإتقان في الألفاظ والمعاني، والتيقّظ والتثبّت في المقاصد

ص: 125

والمباني، وبشرط استقامة العقائد والأعمال على طريقة الصحابة والتابعين، وحسب التأدّب بحضرة العلماء المحدّثين والمجتهدين، وأوصيه بتقوى الله تعالى، والاعتصام بسنة سيّد المرسلين، وبالاجتناب عن البدع المخترعة في الدين، والتبعّد عن صحبة المبتدعين، وبالاشتغال بإشاعة العلوم السنيّة الدينية، والاحتراز عن التدنّس برذائل الفلسفة وحطام الدنيا الدنية، وأسال الله لي وله أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى، وأن يجعل آخرتنا خيرا من الأولى. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والصلاة والسّلام على سيّدنا ومولانا محمد نبيه الكريم، وآله وصحبه وأتباعه، ناصري طريقه القويم فقط. حرّرته تاسع ذي الحجّة من الشهر المنتظم في سنة ألف وثلاثمائة وتسع عشر من الهجرة على صاحبها ألوف الصلوات والتسليمات والتحية.

إنما نقلتُ الإجازتين بلفظهما، لينجلي في هذه المرأة ما يترقرق في خلال سطورها من مسلك مشايخنا الديوبنديين، من عدم الإفراط والتفريط، في الأمر، والحرص على اتباع السنة، والنفرة عن البدع المحدَثَة في الدين، وما عدا ذلك ما لا يخفى، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع، وهو شهيد.

الإسناد الثاني: يروي رحمه الله تعالى عن شيخه المحدّث محمد إسحاق الكشميري، المتوفى في حدود سنة 1320 هـ في المدينة المنوّرة، عن الشيخ السيّد نعمان، عن والده الشيخ السيّد محمود الآلوسي، مفتي "بغداد" وعالمها صاحب "روح المعاني"، وأسانيده مذكورة في "ثبته"، ولم يطبع، وذكرها في كتابه "غرائب الاغتراب ونزهة الألباب" بإجمال هو مطبوع سنة 1327 هـ بـ "بغداد"، ويشير هناك إلى نيف وسبعين ثبتا لمشايخه الأثبات. فراجعه.

ص: 126

ويروى رحمه الله تعالى بهذا السند عن شيخه محمد إسحاق سائر كتب الصحاح، وعدّة مسلسلات، وأحاديث جنية، وما قرأه خاصّة عليه من كتب الحديث من "صحيح مسلم" كله، و"سنن ابن ماجه" كله، و "سنن النسائي" إلا بعضا من آخره، و"موطأ مالك" إلا قدرا من آخره، و "رسالة سعيد بن سنبل"، وما عدا ذلك من الكتب الدينية.

الإسناد الثالث: يروي رحمه الله تعالى عن الشيخ حسين بن الشيخ محمد الجسر الطرابلسي الشامي، صاحب "الرسالة الحميدية" وغيرها. حصلت له الإجازة عنه سنة 1323 هـ بالمدينة المنوّرة، زادها الله كرامة، وهو يروي عن الشيخ عبد القادر الدجاني اليافي، عن والده الشيخ محمد الجسر، وشيخ والده الشيخ محمد بن حسن الكتبي، المتوفى سنة 1280 هـ، كلاهما عن الأمير الكبير أبي عبد الله محمد بن محمد المالكي، المتوفى سنة 1232 هـ، وعن الشيخ الفقيه المحدّث السيّد أحمد الطحطاوي التوقادي الحنفي، المتوفى سنة 1231 هـ.

وكذا يروي عن الشيخ حسين الجسر بسنده إلى الشيخ محمد أمير، المدعو بابن عابدين الشامي الحنفي، المتوفى سنة 1252 هـ، وأسانيد الشيخ محمد الأمير في "ثبته" المعروف، وطبع بـ "مصر" سنة 1345 هـ، وأسانيد السيّد الطحطاوي، ففى ثبته الخاص، ولم يطبع، وأسانيد الشيخ ابن عابدين في ثبته المعروف "عقود اللآلي في الأسانيد العوالي"، وقد طبع بـ "مصر"، وهذه صورة إجازة الشيخ حسين الجسر ما نصّه:

(1)

* * *

(1)

راجع: فيض الباري شرح صحيح البخاري 1: 26، 29.

ص: 127

‌1055 - الشيخ العالم الفقيه المفتي أنور علي الآروي، أحد العلماء المشهورين

*.

قرأ بعض الكتب الدراسيّة على صنوه كرامة على وأحمد علي، ثم سافر إلى "كلكته"، ولازم القاضي عبّاس علي أقضى القضاة في البلاد المشرقية، فقرأ عليه سائر الكتب الدراسيّة، وولي الإفتاء، فاستقلّ به زمانا، ثم ولي القضاء.

وكان مشكور السيرة في القضاء، لم نزل يدرّس، ويفيد.

أخذ عنه غير واحد من العلماء.

مات بمدينة "عظيم آباد" حين دخلها قاصدا للحجّ والزيارة لخمس بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، فدفن بـ "عظيم آباد"، كما في "قسطاس البلاغة".

* * *

‌1056 - الشيخ الفاضل الكبير القاضي أنور علي الحسيني، اللكنوي، أحد كبار الأفاضل

* *.

قرأ العلم على مولانا تراب علي اللكنوي، وعلى غيره من العلماء، ثم أخذ الصناعة الطبية عن الحكيم مسيح الدولة حسن علي خان اللكنوي،

* راجع: نزهة الخواطر 7: 99.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 94.

ص: 128

وتصدّر للتدريس بمدينة "لكنو"، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، ثم سافر إلى "جونبور"، فولي التدريس في "المدرسة الإمامية الحنفية"، فدرّس بها زمانا، ثم راح إلى "بهوبال"، فولي القضاء بها، قال صاحب "النزهة": وإني لقيته ببلدة "بهوبال" في أيام الطلب والتحصيل، وبعد مدّة يسيرة سافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار، ورجع إلى بلدته، واعتزل بها.

وله مصنّفات عديدة، أشهرها:"أنوار الحواشي"، وهي حاشية على شرح الموجز المشهور بـ "النفيسي"، و"التبيان حاشية على أوقات البحران"، و"ضوء السراج حاشية على السراجية" في المواريث، وله تعليقات على أكثر الكتب الدراسيّة.

مات سنة ثلاث وثلاثمائة وألف بـ "لكنو".

* * *

‌1057 - الشيخ الصالح أولياء بن سراج بن عبد الملك الصوفي الكالبوي، أحد الرجال المشهورين

*.

كان تقيّا، متورّعا، سخيّا، انتقل من "كالي" إلى "أجين"، فسكن بها زمانا، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، وله سبعون سنة، فحجّ، وزار، ومات بها، ذكره محمد بن الحسن في "كلزار أبرار".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 41.

ص: 129

‌1058 - الشيخ الفاضل أويس بن مُحَمَّد القاضي الآلاشهري، الشهير بالويسي، الأديب

*.

ولد سنة 969 هـ، وَتوفي بـ "أسكوب" سنة 1037 سبع وَثَلَاثِينَ وألف.

لَهُ من التصانيف "خواب نامه"، تركي فِي رُؤْيَاهُ، مطبوع، و"درة التَّاج فِي سيرة صَاحب الْمِعْرَاج"، صلى الله عليه وسلم، تركي فِي مُجَلد، و"دستور الْعَمَل فِي مباهاة الْعِبَادَات"، و"ديوَان شعره"، تركي، و"فتوح مصر مرج الْبَحْرين"، و"أجوبة لصَاحب الْقَامُوس من اعتراضاته على الجوهري"، و"هَدِيَّة المخلصين"، و"تذكره المخبتين"، وَغير ذَلِك.

* * *

‌1059 - الشيخ الفاضل محمد أويس الندوي، من علماء "الهند

" * *.

كان أستاذ التفسير في ندوة العلماء حوالي أربعين سنة.

من كتبه: "التفسير القيّم"، و"العقيدة السنية"، و"شرح العقيدة الحسنة".

توفي سنة 1396 هـ بنوبة قلبية.

* * *

* راجع: هدية العارفين 1: 228.

* * راجع: إتمام الأعلام 341.

والبعث الإسلامي مج 21، ع 3 ص 98، 99.

ص: 130

‌1060 - الشيخ العالم الكبير أهل الله بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري، البهلتي

*.

أحد العلماء الربّانيين، وعباد الله الصالحين.

أخذ عن صنوه الكبير الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي، وجمع العلم إلى الصناعة الطبية.

له مصنّفات عديدة، منها:"مختصر هداية الفقه" للمرغيناني، أوله: الحمد لله الذي فضّل العالمين على العالمين، إلخ. قال فيه: اختصرتُ "هداية الفقه"، وانتخبتُ أصول مسائلها، وما ذكر من دلائلها، وما شاع منها وقوعه، ووقع شيوعه، وكثر، وانتشر، لا ما قلّ، وندر، وألحقت بها براهين البرهان لمذهب الإمام الأعظم أبي حنفية النعمان، لينتفع به طلبة الإيقان والإتقان. انتهى.

ومن مصنّفاته: "تفسير القرآن الكريم" بالعربية على سبيل الإيجاز، أوله: الله، أصله إله للمعبود، وهو علم لذاته تعالى، إلى آخره، ومن مصنّفاته:"مختصر" بالفارسي في الفقه والعقائد والسلوك، مقبول متداول، ومنها:"مختصر" في الطبّ.

توفي نحو سنة سبع وثمانين ومائة وألف، يظهر ذلك من كتاب الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوى إلى الشيخ أبي سعيد بن محمد ضياء البريلوي، الذي سافر للحجّ، ووصل إلى "مكّة المباركة" في ربيع الأول سنة 1187 هـ،

* راجع: نزهة الخواطر 6: 46، 47.

ص: 131

ورجع إلى "الهند" في سنة 1188 هـ، كتبه إليه بعد رجوعه عن الحرمين الشريفين، وأخبره بوفاة عمّه أهل الله، رحمه الله.

* * *

‌1061 - العالم العامل والكامل الفاضل المولى إياس

*.

قرأ العلوم على المولى الإياثلوغي.

وكان شريكا عنده للمولى خواجه زاده، وقرأ على المولى حضربك وهو مدرّس بسلطانية "بروسه"، وكان معلّما للسلطان محمد خان، وهو صغير، ثم لحقتْه الجذبة الإلهية، حتى وصل إلى خدمة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ تاج الدين المار ذكره الشريف في ترجمة المشايخ في دولة السلطان مراد خان من خلفاء الشيخ عبد اللطيف المقدسي، حتى أكمل طريق الصوفيّة، وأجازه للإرشاد، ثم أنه سكن ببلدة "بروسه"، وانقطع إلى الله تعالى، وصرف أوقاته إلى العلم والعبادة إلى أن وصل إلى رحمة الله تعالى، وكان له اهتمام عظيم في تصحيح الكتب وكتابة الفوائد في حواشيها، وهو مشتهر بذلك، حتى أنه كان يصحح المختصرات والمطوّلات من الكتب المشهورة، ثم يعمد إلى نسخ أخرى منها، ويصحّحها كالنسخ الأول، وقد وجد عنده نسخ ثلاث من كتاب واحد، صحّح كلا منها من أوله إلى آخره، وحشّاه، وحكى لي واحد من الأشراف، وكان شيخا عارفا بالله أنه حجّ مع شيخه، قال: قال لي

* راجع: الشقائق النعمانية 104.

ص: 132

شيخي: ونحن متوجّهون إلى "عرفات" يا ولد يأن قطب الزمان يقوم بـ "عرفات" على يمين الإمام، فانظر كيف يعرف القطب، فنظرتُ فإذا هو المولى إياس، وكان في تلك السنة بمدينة "بروسه" فأخبرتُ به شيخي، فنظر فصدّقني، ولما قفلنا من الحجّ مررنا على مدينة "بروسه"، فاستقبلنا أهلهما، فسألني واحد منهم، وقال: هل رأيتُ القطب بـ "عرفات"، قلت: نعم، هو المولى إياس الساكن ببلدتكم، ففي تلك الليلة مرضت مرضا شديدا، حتى شارفت الموت، ثم من الله تعالى عليّ بالخلاص، ففي غد تلك الليلة ذهب شيخى إلى مولانا إياس للزيارة، وأخذني معه، ولما دخلنا على المولى إياس نظر إليّ، وقال من هو؟ قال الشيخ من أولادي، قال أشاع سري، وقد تضرعت الليلة أن يقبض الله روحه، فشفع محمد، صلّى الله تعالى عليه وسلم، وقد علمت أنه من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أولاده ثم قال: افشاء السرّ خطر عظيم، فاحذر منه.

* * *

‌1062 - الشيخ الفاضل إياس الرومي

*.

قرأ على المولى أياس لوغ جلبي، والمولى خضر بيك، ودأب، وحصّل.

* راجع: الطبقات السنية 2: 226.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 264 - 266، ترجمة مطولة.

وفي بعض النسخ: "إلياس الرومي"، وفي بعض النسخ:"أيوب الرومي"، وكان الترتيب يقتضي الأمير، إلا أن المصنف صرح بأنه نقله عن الشقائق، وهو فيها كما أثبت.

ص: 133

وصار مُعلّمًا للسلطان محمد خان، وهو صغير، ثم أنه اشتغل بالعبادة، وانقطع إلى خدمة مولاه.

وكان له عناية تامة بتصحيح الكتب وتحشيتها.

وكان من عباد الله الصالحين، وقد قيل: إنه قطب قبل موته، تغمّده الله تعالى برحمته.

كذا قاله في "الشقائق"، رحمه الله تعالى.

* * *

‌1063 - الشيخ الفاضل أيبك، أبو المنصور، عزّ الدين المعظمي

*.

أمير، من المماليك، يعرف بصاحب "صرخد".

كان مملوكا للملك المعظّم شرف الدين عيسى الأيوبي في "دمشق".

وأقطع مدينة "صرخد"(من أعمال حوران، بسورية)، وما جاورها.

وعيّن أستاذ دار للمعظم.

ثم أخذ منه الصالح أيوب صرخد وعوضه عنها، فأقام بـ "دمشق".

* راجع: الأعلام 2: 33.

وترجمته في الدارس 1: 551، وانظر فهرسته في الجزء الثاني الصفحة 589، وفيه عن الذهبي: وفاته سنة 645، وعن سبط بن الجوزي سنة 47، وعن ابن كثير 54 هـ.

واعتمدنا في تأريخ وفاته على وفيات الأعيان 1: 397 لقول مؤلّفه: إنه حضر الصلاة عليه بـ "القاهرة" في أوائل جمادى الأولى سنة 646، وبهذا أيضا أخذ ليتمان Littmann في دائرة المعارف الإسلامية 3: 182 - 184.

ص: 134

ووشي به أنه يكاتب الصالح إسماعيل، فحجز عليه وعلى أمواله.

ثم اعتقل بـ "القاهرة" إلى أن مات.

له آثار عمرانية كثيرة، منها ثلاث مدارس في "دمشق": العزية البرانية، والعزية الجوانية، والعزية الحنفية، ومدرسة في "بيت المقدس".

ولما كان في "صرخد" عمل على تعبيد الطريق التجاري الممتد من شمالي بلاد "العرب" و"العراق" إلى "دمشق"، في الجزء المار بالأراضي التي كانتْ تحت سلطانه.

وشيّد الحصن الصحراوي المعروف باسم "قلعة الأزرق".

وأنشأ برجا وخانا في قلعة "صرخد"، ومساجد وخانات في أماكن أخرى.

قال المؤرّخ ابن كثير: كان الأمير عزّ الدين من العقلاء الأجواد الأمجاد.

توفي سنة 646 هـ.

* * *

‌1064 - الشيخ الفاضل أيوب بن أحمد بن أيوب القرشي الماتريدي، الخلوتي

*.

شيخ من كبار المتصوّفين.

ولد سنة 994 هـ.

أصل آبائه من "البقاع العزيزي"(في الشام)، ومولده ومنشأه ووفاته في "دمشق".

* راجع الأعلام 2: 37. وترجمته في خلاصة الأثر 1: 428، ومذكرات المؤلّف.

ص: 135

تلقى أنواع العلوم، وكان شيخ وقته.

له عدّة رسائل، منها:"ذخيرة الفتح"، و"رسالة اليقين"، و"الرسالة الأسمائية في طريق الخلوتية"، و"التحقيق في سلالة الصديق"، وله نظم، و"ثبت" عندي، في جزء لطيف، أجاز به محمد ابن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن العدوي القرشي.

و "وصية" في 5 صفحات، عندي، أوصى بها ولده محمدا المكنى بأبي الصفاء.

توفي سنة 1071 هـ

* * *

‌1065 - الشيخ الفاضل أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم ابن طارق بن سالم بن النحّاس، الأسدي، الحلبي، الإمام، العلامة، بهاء الدين، أبو صابر

*.

ولد سنة سبع عشرة وستمائة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 225.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 367، والدارس 1: 571، وشذرات الذهب 5: 445، والعبر 5: 396، والفوائد البيهة 52، وكتائب أعلام الأخيار برقم 486.

ص: 136

وسمع بـ "مكة" من ابن الجُميزي، وبـ "القاهرة" من يوسف الساوي، وبـ "بغداد"، من ابن الخازن.

ودرّس، وأفتى، وحدّث.

ومات في ليلة يسفر صباحها عن ثاني شوّال، سنة تسع وتسعين وستمائة.

وذكره الصفدي، في "أعيان العصر وأعوان النصر"، وحكى أنه كان مدرّس القليجية، وشيخ الحديث بها، ثم قال: لم يزل بمدرسته في الإفادة، وألف هو هذه العادة، ورآها كما يرى المحبّ محبوبته الغادة، إلى أن نحا النحّاس حينه، وتولع به بينه. انتهى.

قلت: الحلبي نسبة إلى "حلب" بفتح الحاء واللام، بلدة كبيرة بـ "الشام"، والنحّاس بفتح النون وتشديد الحاء المهملة، يقال: لمن يعمل بالنحاس. ذكره السمعاني.

* * *

‌1066 - الشيخ الفاضل أيوب بن الحسن الفقيه، الزاهد، أبو الحسين، النيسابوري

*.

تفقّه عنه محمد بن الحسن.

* راجع: الطبقات السنية 2: 225، 226.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 368.

وفي بعض النسخ: "الناستوري"، وفي بعض النسخ:"الناسودي"، والصواب في ما في الجواهر، وهو مترجم -كما سيأتي- في تاريخ نيسابور.

ص: 137

وكان من خواص أصحابه إبراهيم بن محمد بن سفيان.

قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع: سمعت محمد بن يزيد العدل، يقول: كان إبراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة، وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد، صاحب الرأي، الفقيه الحنفي. انتهى.

مات أيوب سنة إحدى وخمسين ومائتين، رحمه الله تعالى.

* * *

‌1067 - الشيخ العالم المحدّث المفتي ثم القاضي أبو الصبر أيوب بن قمر الدين بن محمد أنور الصديقى، البهلتي، أحد كبار العلماء

*.

كان أصله من "سدهور" -بكسر السين وتشديد الدال المهملتين قرية من أعمال "باره بنكي"- من أرض "أوده"

(1)

، وولد بـ "بهلت"

(2)

-بضم

* راجع: نزهة الخواطر 8: 95، 96.

(1)

"أوده": يحدّها من الشرق صوبة "بهار"، ومن الغرب "قنّوج"، ومن الشمال سلسلة الجبال، ومن الجنوب متصرفية "مانكبور"، طولها مائة وثلاثون ميلا، وعرضها خمسة عشر ومائة ميل، وأنهارها "كهاكهره"، و"سرجو"، "كومتي" و"سي"، ولها خمسة سركارات، وتسعون ومائة عمالة، أما سركاراتها فهي "أوده"، "كور كهبور"، "بهرائج"، "خير آباد"، "لكنو".

(2)

"بهلت": بضم الباء الفارسية، وإخفاء الهاء، وفتح اللام، بعدها مثناة فوقية، قرية جامعة من أعمال "دهلي"، تسكن بها عشيرة الشيخ ولي الله الدهلوي رحمه الله تعالى.

ص: 138

الباء الفارسية- قرية من أعمال "مظفّر نغر" بين سنة إحدى وأربعين وأربع وأربعين من القرن الثالث عشر.

وقرأ المختصرات على مولانا نصر الله الخورجوى ببلدة "مظفّرنغر"، ثم سافر إلى "دهلي"، وقرأ على السيّد محمد الدهلوي، وعلى علي أكبر، وعلي أصغر القاطنين بـ "سوني بت"، وعلى المولوي سديد الدين بن رشيد الدين الدهلوي، وعلى مولانا نصير الدين اللكنوي، وعلى الشيخ عمر بن إسماعيل الدهلوي، والشيخ مملوك العلي النانوتوي، والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد، وصنوه الكبير الشيخ أحمد سعيد، وعلى العلامة ملا نواب، وعلى ابن خالته المفتي عبد القيّوم بن عبد الحي والبرهانوي، وكان يتردّد إلى مولانا إسحاق بن أفضل العمري المحدّث ويحضر مجالس وعظه، وقرأ عليه شيئا، وسافر إلى الحرمين الشريفين مرّتين، وأخذ الحديث عن الشريف محمد بن ناصر بن الحسين الحازي القشيري، والشيخ يعقوب بن أفضل العمري الدهلوي بـ "مكّة المباركة"، ودخل "بهوبال" نحو سنة ست وستين ومائتين بعد الألف، فسكن بها، وولي الإفتاء مكان ابن خالته المرحوم المفتي عبد القيّوم نحو سنة سبع وتسعين ومائتين بعد الألف، وولي القضاء نحو سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.

وكان شيخا صالحا، جليل القدر، كبير المنزلة، مرزوق القبول، حسن المعاشرة، طلق المحيا، ذا بشاشة وتواضع للناس، يردّ السلام، مبتسما، يحيي بأحسن منها، وكان يشار إليه في تأويل الرؤيا، يدرّس ويفيد، لقيتُه ببلدة "بهوبال"، وحضرت في دروسه، وكان يحبني -رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته-.

ص: 139

مات نحو سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة "بهوبال".

* * *

‌1068 - الشيخ العالم الفقيه أيوب بن لطيف الله البشاوري

*.

أحد كبار العلماء.

له مصنّفات بالعربية، منها:"تحرير الفوائد في تقسيم العقائد" في تقسيم العقائد، و "العقود الدرّية في الرد على الوجودية"، و "أسفار المسألة في أسرار البسملة"، و "تعليم الغبي في إمامة الصبي"، و"بذل الهمّة في نفع الميت"، و "ضياء النبراس في حكم شعر الرأس"، و"رحمة الأحد في سنة اللحد"، و"الدرة المضيئة في ضيافة التعزية"، و"الدر المصون في حكم النفع بالمرهون"، و"تبيين المسألة في تحسين المشورة"، و"مصباح الضياء في حقيقة الرياء"، و"الدر النضيد في مصلي العيد"، و"تحقيق الإجابة في الدعوات المستجابة"، و "مختصر الكلام في سدّ ذرائع الحرام"، و "عمدة النصر في تأخير العصر".

* * *

‌1069 - الشيخ الفاضل أيوب بن محمد يعقوب السهارنفوري، المظاهري

* *.

* راجع: نزهرة الخواطر 8: 97.

* * راجع: إتمام الأعلام 341، 342. والعناقيد الغالية 70.

ص: 140

طبيب من علماء الشريعة الهنود، من أسرة معروفة بالطبّ.

التحق بجامعة مظاهر العلوم، تتلمّذ بشكل خاصّ على محمد يحيى الكاندهلوي، وأخيه محمد إلياس، وقرأ قليلا على محمد زكريا الكاندهلوي مع اشتغاله بالطبّ.

له "تراجم الأحبار من رجال شرح معاني الآثار" للطحاوي، و"حاشية على شرح معاني الآثار" للطحاوي كذلك، و"رسالة في تحقيق ولادة الطحاوي"، و"تصويب التقليب الواقع في تهذيب التهذيب"، جمع فيه ما فرط من قلم ابن حجر في تذكرة الرواة.

توفي سنة 1407 هـ.

* * *

‌1070 - الشيخ الفاضل أيوب بن السَّيِّد الشريف مُوسَى القاضي، أَبُو الْبَقَاء القريمي الكفوي

*.

توفي قَاضِيا بـ "القدس" سنة 1094 أرْبَعْ وَتِسْعين وألفَ.

لَهُ "تحفة الشاهان"، تركي فِي فروع الْحَنَفِيَّة، و"كليات" فِي اللُّغَة مُجَلد وَاحِد، مطبوع، و"مخزن الْعِشْق"، فَارسي.

* * *

* راجع: هدية العارفين 1: 229.

ص: 141

‌1071 - الشيخ الفاضل أيوب صبري باشا أمير اللِّوَاء، الرُّومِي، رَئِيس المحاسبات فِي الدائرة البحرية

*.

توفي بِشَهْر صفر من سنة 1308 ثَمَان وثلاثمائة وألف.

لَهُ من الْكتب: "أحوال جَزِيرَة الْعَرَب"، و"تَارِيخ الوهّابية"، و"تَكْمِلَة الْمَنَاسِك"، و"شرح بَانَتْ سعاد"، تركي، و"مَحْمُود السّير"، و"مرْآة الْحَرَمَيْنِ" فِي خمس مجلدات، مطبوع، و"نجاة الْمُؤمنِينَ".

* * *

* راجع: هدية العارفين 1: 229.

ص: 142

‌حرف الباء

1072 -

الشيخ الفاضل الحج‌

‌ باب

ا الطوسي *.

كان عالما بالعلوم العربية والشرعية، انتفع به كثير من الطلبة في "بلاد الروم".

وشاعتْ تصانيفه بين الطلبة.

منها: "إعراب الكافية"، و"إعراب المصباح"، و"شرح قواعد الإعراب"، و"شرح العوامل"، كلّها في النحو. كذا ذكره في "الشقائق النعمانية"، وقال: كانت له فضيلة تامة، وملازمة للاشتغال والإشغال.

* * *

* راجع: طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص 264.

وترجمته في الطبقات السنية 3: 21، 22، والشقائق النعمانية 1: 219، 220، وفيه:"الطوسنوي" مكان "الطوسي"، وقد ذكره صاحب الشقائق في علماء دولة السلطان محمد بن مرادخان، وقد بويع له بالسلطنة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، انظر الشقائق النعمانية 1: 181 - 187.

ص: 143

‌1073 - الشيخ الفاضل بابا حيدر السَّمَرْقندي

*.

خدم في صغره الشيخ العارف بالله تعالى خَواجه عبيد الله السَّمرقندي، ثم صحب أصحاب خواجه عبيد الله، ثم دخل "مكّة"، وجاور بها مدّة كبيرة.

ثم أتى "بلاد الروم"، وأحبّه أهلها، واعتقدوه اعتقادا عظيما، وبنى له سلطاننا الأعظم مسجدا في ظاهر مدينة "قسطنطينية"، وتوطّن يحوار مسجده، وكان يواظب الأوقات الخمسة بالمسجد المزبور.

توفي هناك في سنة بياض بالأصل وتسعمائة.

كان -رحمه الله تعالى- مواظبا على الطاعات، ومتبتّلا إلى الله تعالى، وكان لا يبالي بأقوال الناس. وحكى لي بعض من الصلحاء أنه اعتكف معه في العشر الأخير من شهر رمضان في جامع أبي أيوب الأنصارى -عليه رحمة الملك الباري- قال: وكنت معه في تلك الأيام، ولم يفطرْ في تلك المدّة إلا بلوزتين فقط.

وكان رحمه الله متواضعا، متخشّعا، يستوي عنده الصغير والكبير، -قدّس سرّه-.

* * *

‌1074 - الشيخ الفاضل العارف بالله بابا نحايس الأنقروي

*.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 39.

ص: 144

وهو من أصحاب الشيخ الحاجي بيرام، ومن جملة من أخذ منه الطريقة، -قدّس سرّه-.

* * *

‌1075 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بابا نعمة الله

*.

كان -رحمه الله تعالى- اختار الفقر على الغنى، وكان يخفي نفسه، وكان متبحّرا في العلوم الربّانية، وغريقا في بحر الأسرار الإلهية، وقد كتب تفسيرا للقرآن العظيم بلا مراجعة للتفاسير، وأدرج فيه من الحقائق والدقائق ما يعجز عن إدراكها كثير من الناس، مع الفصاحة في عبارته، والبلاغة في تعبيراته.

وشرح "كتاب كلشن راز" شرحا مقبولا عند أهله، وكان متوطّنا بقصبة "آق شهر" من ولاية "قرامان".

وتوفي، ودفن بها -نوّر الله تعالى مرقده-.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 47.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 214.

ص: 145

‌1076 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بابا يوسف السفر يحصاري

*.

كان منتسبا إلى طريقة الشيخ الحاج بيرام.

وكان صاحب أدب ووقار، وكان مراعيا لآداب الشريعة، ومحافظا لحدود الطريقة، وكان يعظ الناس، ويذكّرهم الله تعالى، وكان لنفسه تأثير عظيم في النفوس، ولما بنى السلطان بايزيد خان جامعة بمدينة "قسطنطينية" حضر السلطان بايزيد خان الجامع في أول جمعة بعد بنائه، فصعد الشيخ المذكور المنبر، والسلطان حاضر يسمع، فوعظ الناس، وذكّرهم، وحصل من نفسه تأثير عظيم في قلوب السامعين، حتى غلب عليهم الحال، وحصل لهم شوق عظيم.

ولما شاهد هذا الحال بعض السامعين من النصارى المستمعين من خارج الجامع أسلم ثلاثة منهم على يد الشيخ، ففرح السلطان بايزيد خان لذلك فرحا عظيما، وأعطاهم مالا جزيلا، وأمر الوزراء بالإحسان إليهم، فاجتمع لهم أموال عظيمة، كلّ ذلك ببركة الشيخ المزبور.

ثم بعد ذلك أحبّ السلطان بايزيد خان الشيخ المذكور محبّة عظيمة، فصاحب معه، وعقد معه عقد الأبوّة والبنوّة، وأوصى إليه السلطان بايزيد خان أن يجيء إليه إذا قصد الحجّ، ثم ذهب الشيخ إلى وطنه، وبعد مدّة أشير إلى الشيخ في الواقعة بأن ينظم كتابا عند الحجر الأسود بـ "مكّة المشرّفة"،

* راجع: الشقائق النعمانية ص 224.

ص: 146

وكان لا يقدر على النظم قبل ذلك، فسهل عليه بعد ذلك طريقة النظم، وذهب إلى "قسطنطينية"، ودخل على السلطان بايزيد خان، فأعطاه السلطان بايزيد خان مقدارا من الذهب.

وقال: إن هذا المال حصل لي من طريق الحلال، وقد حصل ذلك بكسب يدي، وأوصاه أن يجعله في قنديل الصدقات في التربة المطهّرة -صلوات الله تعالى وسلامه على سكنها- وأن يقول عند التربة المطهّرة: يا رسول الله! إن راعي أمّتك العبد المذنب بايزيد يقرئك السَّلام، وأرسل هذا الذهب الحاصل من طريق الحلال، ليصرف إلى زيت قنديل تربتك، وتضرّع إليك أن تقبل صدقته، فامتثل الشيخ أمره، وفعل كما أوصاه.

ثم إن الشيخ حجّ، وجاورَ بـ "مكّة المشرّفة" سنة، وكتب الكتاب الذي أمر به عند الحجر الأسود، وصار كتابا حافلا، وفتح الله عليه هناك من المعارف ما لم يخطرْ بباله قبل ذلك، وأدرجها في ذلك الكتاب، ثم إنه أتى "المدينة المنوّرة"، ولبس حلسا من أحلاس الدوابّ، وأمر بأن يشدّ يداه خلف ظهره، وأتى القبّة الشريفة سحبا على وجهه، باكيا، متضرّعا، مستشفّعا بصاحبها -صلوات الله تعالى وسلامه عليه-.

وكان خارج القبّة عصا لها شأن عظيم، يحفظها خدّام التربة المقدّسة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيخ المذكور بأن يأخذ تلك العصا، ويشقّها ثلاث قطع، ويضع قطعة منها في تربة السيّد البخاري بمدينة "بروسه"، وقطعة أخرى منها في تربة الشيخ الحاج بيرام بمدينة "أنقره"، وقطعة أخرى في تربة شيخ آخر، نسي الراوي اسمه، ولما أراد الشيخ المذكور أخذ العصا نازعه خدّام التربة المطهّرة إلى أن حضر رئيسهم، فأمرهم بدفعها إليه بإشارة إليه من النبي عليه السلام.

ص: 147

ثم إن الشيخ أتى وطنه، ففعل بالعصا كما أمر، وتوفي بمدينة "قسطنطينية" في أوائل سلطنة السلطان سليم خان، ودفن في جوار أبي أيوب الأنصاري -عليه رحمة الملك الباري-.

* * *

‌1077 - الملك المؤيّد بابر بن عمر بن أبي سعيد بن ميران شاه بن تيمور التيموري، السلطان ظهير الدين محمد بابر شاه سلطان "الهند

" *.

كان مولده في سادس شهر الله المحرّم سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، فسمّاه الشيخ الكبير عُبَيد الله الأحرار بظهير الدين محمد، ولكنّه اشتهر في الأتراك باسمه المشهور بابر شاه.

نشأ في مهد السلطة، وتلقّى الفنون الحربية.

وكان ذكيا، فطِنا، حادّ الذهن، سريع الإدراك، قويّ الحفظ، فتبحّر في كثير من الفنون، لا سيّما الشعر، والإنشاء، والعروض، والألغاز، والخطّ.

وجلس على سرير الملك يوم الثلاثاء الخامس من رمضان سنة تسع وتسعين وثمانمائة في "أندجان" من بلاد "ما وراء النهر"، وله اثنتا عشرة سنة، عرض له في تسخير البلاد من المصائب ما لا يحصيه البيان، ولكنّه غلب الشدائد، ووطئ النوائب، وقهر الأعداء، وسخّر البلاد، حتى ملك "كابل"،

* راجع: نزهة الخواطر 4: 42 - 45.

ص: 148

وزحف على بلاد "الهند"، وكانت سلطة "الهند" حينئذ في غاية من الوهن والاختلال.

وكان معه في تلك المعركة اثنا عشر ألفا من الرجالة والفرسان، وكان مع خصمه إبراهيم بن إسكندر اللودي ملك "الهند" مائة ألف من الفرسان وألف فيلة، فالتقى الجمعان بين "باني بت" و"كرنال"، فهزمه بابر، وقتل إبراهيم في سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وقتل مع إبراهيم ستة آلاف من الفرسان، وهرب الآخرون، فدخل "دهلي"، وجلس على سرير الملك، ثم ذهب إلى "آكره"، واستقرّ بها.

وشعر أحد أمراء "الهند" الوثنيين القدامى بخطر قيام حكومة، يحكمها المسلمون الغزاة الوافدون من الخارج، وإفلات الأمر من يده، وهو الأمير رانا سانكا حاكم "جتور"، وكان قائدا، باسلا، محنكا، فعبا جيشا فيه ثمانون ألف فارس وخمسمائة جندي، واتفق معه من الأفغان من كان موتورا منتصرا للأسرة اللودهية الأفغانية، التي انتزع منها بابر الحكم، فتألف بذلك نحو مائتي ألف محارب، وتوجّه الجيش إلى "آكره"، وتوجّه بابر بجيشه، وهو يتألف من اثني عشر ألف جندي، وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة للهجرّة، واستقرّ في موضع، يسمّى "كانوه" أو "خانوه".

وكاد الوهن يدبّ إلى جيش بابر، فقام في الجيش، وأعلن نوبته عن تعاطي الخمر، الذي كان معتادا له، واستخلف قادة الجيش على الصمود، حتى يقضى الله في شأنهم، وحميت المعركة، واستعر القتال، وكان الفتح للجيش الإسلامي، وقتل من الجيش المنافس من لا يأتي تحت العدّ والحصر، وكان فتحا حاسما، قضى بقيام حكومة مسلمة، على رأسها الأسرة المغولية من أحفاد بابر، دامت أكثر من ثلاثة قرون،

ص: 149

حتى انتزعها منها الإنجليز في سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، وكانت هذه الحرب المقرّرة لمصير المسلمين السياسيّ في "الهند" في ثلاث وثلاثين وتسعمائة.

وسخّر من بلاد "الهند" أكثرها، ثم اشتغل توطيد أركان ممالكه المتّسعة، فمهّد الطرق للمسافرين، وأقام لهم مراكز على الطريق، وأمر بمسح الأرض، لكي يعين عليها إتاوة عادلة، وغرس بساتين، وأدخل في البلاد أشجار الفواكه، وأقام محلّات مختلفة للبريد من "آكره" إلى "كابل".

وكان مع اتّساع معارف السياسية والعسكرية كلفا بالمعارف والفنون المستظرفة، مقتدرا على الشعر بالفارسي والتركي، له "ديوان شعر" في التركي، وقوله في تلك اللغة على ما قيل في غاية الحلاوة والعذوبة، وله "منظومة" في المعارف الإلهية نظم رسالة لخواجه أحرار، وله "الوقائع البابرية" في التركية، كتب فيها أخباره من بدء حكومته إلى آخر عهده بالدنيا، نقلها إلى الفارسية مرزا عبد الرحيم بن بيرم خان، وله "رسائل" في العروض، وله "كتاب" في الفقه الحنفي، المسمى بـ "المبيّن" -بفتح الياء التحتية وتشديدها- وعليه "شرح" للشيخ زين الدين الخوافي، المسمّى بـ "المبيّن" -بكسر الياء التحتية- ومن مخترعاته: خطّ سماه بالخطّ البابري، كتب بذلك الخطّ القرآن الكريم، وبعث به إلى "مكّة المباركة".

ومن شعره قوله:

نو روز ونو بهار ومى دلبرى خوش است

بابر بعيش خوش كه دنيا دو باره نيست.

وكان سامحه الله تعالى مدمن الخمر، تاب في آخر عمره، تاب الله عليه، ومرض ابن بابر، وهو نصير الدين همايون، فقلق بابر قلقا شديدا لحبّه

ص: 150

الشديد له، ودعا الله بأن يكون هو مكانه، وشفي همايون، ومرض بابر، ولما حضرته الوفاة أوصى بأن ينقل إلى "كابل"، ويدفن هناك لميله الشديد، وحبّه المفرط لهذا البلد، ونفذت وصيته، وكان ذلك في سنة سبع وثلاثين وتسع مائة، وله من العمر تسمع وأربعون أو خمسون سنة.

* * *

‌1078 - الشيخ الفاضل العالم الربّاني بادشاه ميان بن الشيخ سعيد الرحمن بن المولى محسن الدين، دودو ميان بن الحاج الشيخ شريعة الله، رحمه الله تعالى

*.

ولد في قرية "بهادر فور"، من مضافات "مَدَارِيْفُور"، من "فريد فور"، وأصل اسمه أبو خالد راشد الدين أحمد، المعروف ببير بادشاه ميان.

وكان فطنا ذكياز

قرأ مبادئ العلوم في داره، ثم التحق بالمدرسة المحسنية بـ "داكا"

(1)

سنة 1315 هـ، وكان ماهرا في العلوم العصرية أيضا.

وتوفي والده في سنة 1220 هـ، وهو يقرأ "مشكاة المصابيح".

وكان رجلا سياسيا، لا يخاف في الله لومة لائم، كان يتكلّم خلاف الحكومة الإنكليزية، فألقى في السجن إلى مدّة.

* راجع: مائة رجال من مشاهير علماء بنغاله ص 92 - 98.

(1)

"داكا" بفتح الدال، يقال لها "جهانكير نكر"، كانت من أحسن مدن "بنغاله" في القديم، تصنع بها الثياب الرفيعة، يسمّونها "جامداني"، ومنها تجلب إلى غيرها من البلاد، وهي على مائة وثمانين ميلا من "كلكته".

ص: 151

سافر إلى "مكّةْ المباركة"، فحجّ بيت الله الحرام سنة 1352 هـ مع اثني عشر رجلا.

توفي سنة 1378 هـ.

* * *

‌1079 - الشيخ الفاضل المولى العالم الفاضل الحاج باشا

*.

كان رحمه الله من ولاية "أيدين إيلي"، وارتحل إلى "القاهرة"، وقرأ هناك على الشيخ أكمل الدين، ومن شركاء درسه الشيخ بدر الدين المذكور.

وكان له قبول تام عند الشيخ أكمل الدين، وقرأ العلوم العقلية على المولى مبارك شاه المنطقي، وكان مقبولا عنده أيضا، ثم إنه عرض له مرض شديد، اضطرّه إلى الاشتغال بالطبّ، حتى مهر فيه، وفوّض له بيمارستان مصر، ودبّره أحسن التدبير.

وصنّف "كتاب الشفاء" في الطبّ باسم الأمير محمد بن أيدين، وصنّف مختصرا فيه أيضا بالتركية، وسمّاه "التسهيل"، وصنّف قبل اشتغاله بالطبّ حواشي على "شرح المطالع" للعلامة الرازي على تصوّراته وتصديقاته، وصنّف تلك الحواشي قبل تحشية السيّد الشريف، حتى إنه يردّ عليه في بعض المواضع، وله شرح على "الطوالع" للبيضاوي، وكان السيّد الشريف يشهد له أيضا بالفضيلة التامة.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 34.

ص: 152

‌1080 - الشيخ الفاضل باشا جلبي بن المولى زيرك الرومي، أحد فضلاء "الديار الرومية

" *.

اشتغل، وحصل، ودرّس ببعض المدارس.

ومات وهو مدرّس بإحدى المدرستين المتجاورتين بـ "أدرنة"، في أوائل سلطنة السلطان سليم خان الأول

(1)

، وكان يشغل الطلبة، وانتفع به جماعة كثيرة، -رحمه الله تعالى-.

* * *

‌1081 - الشيخ الفاضل باشا جلبي اليكاني الرومي

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 227.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 658، 659.

(1)

بويع للسلطان سليم بالسلطنة في الثاني عشر من شهر صفر سنة ثمان عشرة وتسعمائة. الشقائق النعمانية 1: 590.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 227.

وترجمته في شذرات الذهب 8: 232، والشقائق النعمانية 1: 657، 658، وفيه أنه توفي بمدينة أدرنة سنة تسع أو ثمان وثمانين وتسعمائة. هكذا على الشك، وقد قطع المؤلّف بأنه توفي سنة ثمان وثلاثين كما يأتي، بينما ذكره ابن العماد في وفيات سنة تسع وثلاثين.

ص: 153

أخذ عن ابنْ المؤيّد، ولازمه، وكان يشهد له بالفضيلة.

ودرّس بعدّة مدارس، منها "المدرسة الحلبية" بـ "أدرنة".

وتوفّي وهو مدرّس بها، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.

وكان مُكبًّا على الاشتغال، وله مشاركة في فنون كثيرة، وله كتابة على مواضع من "شرح المفتاح" للسيّد، -قدّس الله روحه-.

* * *

‌1082 - العالم الفاضل المولى المشتهر بينهم باشق قاسم

*.

كان -رحمه الله تعالى- من بلدة "أزنيق".

قرأ على علماء عصره، حتى وصل إلى خدمة المولى عبد الكريم، ثم صار مدرّسا بمدرسةَ "بلاطه"، ثم صار مدرّسا بمدرسة وكلول، ثم صار مدرّسا بـ "المدرسة الحجرية" بـ "أدرنه" ثم عيّن له كلّ يوم ثلاث وثلاثون درهما بطريق التقاعد.

وتوفي وهو على تلك الحال في سنة خمس وأربعين وتسعمائة بمدينة "أدرنه".

كان -رحمه الله تعالى- ذكي الطبع، مقبول الكلام، لطيف المحاضرة، حسن النادرة، زين المجامع والمحافل، وكان صاحب لطائف عظيمة، لو جمعتْ لطائفه لحصلتْ منها دفاتر، أعرضت عن ذكرها خوفا من التطويل.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 283.

ص: 154

وكان صالحا، عابدا، مشتغلا بنفسه، متجرّدا عن الأهل والعيال، وكان كثير الفكرة، مشتغلا بذكر الله تعالى في الأيام والليالي، وكان له خشوع عظيم في صلاته، وقد بلغ عمره إلى قريب من مائة. -روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1083 - الشيخ الفاضل بالي بن حاجي سيّدي الرومي الإيديني أحد فضلاء الدولة العثمانية

*.

قرأ على المولى خطيب زاده، وصار ملازمًا منه، وأخذ عن غيره من فضلاء تلك البلاد.

وصار مدرّسًا بعدّة مدارس، وولي بالمدارس الثمان مرّتين، وولي قضاء "بروسة" مرّتين.

ومات وهو مدرّس بإحدى الثمان، في اليوم الثاني من آخر الربيعين، سنة ثمان وعشرين وتسعمائة

(1)

، ودفن عند مسجده بمدينة "قُسطنطينية". وكان من المشهورين بالعلم والفضل في "الديار الرومية"، وكان عنده كتب كتيرة، أوقفها

(2)

قبل وفاته على أولاده، ثم على طلبة العلم الشريف.

* راجع: الطبقات السنية 2: 227، 228.

وترجمته في شذرات الذهب 8: 163، 164، والشقائق النعمانية 1: 448، 449، والكواكب السائرة 1: 163، 164، ومعجم المؤلفين 3:38.

(1)

في الشذرات والشقائق النعمانية أنه توفي سنة تسع وعشرين وتسعمائة.

(2)

أشار صاحب القاموس إلى أن "أوقف" لغة ردية.

ص: 155

وله "رسالة" متضمّنة للأجوبة عن إشكالات المولى سيّدي الحُميدي.

* * *

‌1084 - الشيخ بالي الخلوتي المعروف بسكران

*.

كان أبوه معلّما للسلطان أحمد ابن السلطان بايزيد خان، فلمّا غالته المنية، وفاته حصول الأمنية من السلطنة العظمى والمملكة الكبرى، وسلم زمام الزمان، وعنان الأوان إلى يد السلطان سليم استقضاه في بعض البلاد، وعينه للحكم بين العباد.

وولد رحمه الله ببلدة "تيره" من لواء الدين، ونشأ في طلب العلم وتحصيل الفضائل وصاحب الأكابر والأفاضل، وجدّ واجتهد، وكان منه ما كان، حتى صار ملازما من المولى خير الدين معلّم السلطان، ثم درّس بمدرسة خواجه سنان المعروف بكينكجي في مدينة "قسطنطينية" بخمسة وعشرين، فعامل الطلبة بالدرس والإفادة، مع اشتغاله بالزهد والعبادة، ثم ترك التدريس، وسلك مسلك الصوفية السادة، وكان سبب فراغه على ما حكى أنه رأى في منامه وهو في أوائل طلبه بمدينة "بروسه" أنه يمشي في بعض الطرق، فسمع أصواتا عالية، فقصدها، فإذا بقوم من الصوفية قعدوا يذكرون الله تعالى، ويرفعون أصواتهم بالذكر الجميل، ويزينونها بمفاخر التمجيد والتهليل، فتقرّب منهم، فإذا برجل مراقب في ناحية منهم، فلمّا

* راجع: الشقائق النعمانية.

ص: 156

وقع نظره عليه رفع رأسه، وأشار بيده، ودعا إليه، فلمّا حصل عنده قال له" لم لم تدخل في هذه الحلقة، ولا تلتحق بتلك الطائفة؟ فأجاب بأن في قلبي ما يمنعني عن ذلك، ويعوقني عنه، وهو إتمام مراسم الطريق، وإحراز مآثر العلوم الظاهرة، والاجتماع بالمولى الفلاني، والاشتغال عليه، فإذا حصل إلي ذلك لا يبقى في خاطري ما يشوش عليّ، فألتحق بكم، وأدخل في مذهبكم، ولما انتبه ومضى عليه الستون، وتنقّلت به الأحوال والشؤون، وهو مكبّ على الطلب والاشتغال واكتساب الفضل والكمال، إلى أن أتى "قسطنطينية" فبين هو يسير في بعض طرقاتها بزمرة من خلانه، وطائفة من إخوانه، فإذا بأصوات عالية تخرج من زاوية، فقصد المرحوم هذا المكان بمن عنده من الأصحاب والخلان، فإذا بقوم يذكرون الله المجيد، ويرفعون أصواتهم بالتمجيد والتوحيد، وصفت الملائكة بهم، وأنزلت السكينة في قلوبهم، فقرب منهم فإذا براجل مراقب يراصد ربّه، ويراقب، فلمّا حضر عنده قال ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله، واعلم أن المولى الفلاني قد مات، وذهب عرض الاشتغال عليه، وفات، فتأمّله المرحوم، فإذا هو الذي رأى في المنام، وجرى بينهما من الكلام، فلم يؤخر في الإنابة والابتهال، وتاب على يده في الحال ..

ثم سأل عن الرجل فإذا هو الشيخ رمضان، والزاوية زاوية علي باشا، وكان الشيخ رمضان المزبور معدودا من الرجال، ومعروفا بالفضل والكمال، صاحب الكرامات الجلية، والمراتب العلية منها ما حكاه المرحوم.

وقال إني كنت في بعض الأحيان عند الشيخ إذ دخل عليه شخص، وسلّم عليه، وقال: إن المولى محي الدين المشتهر بجوي زاده يسلّم عليكم، ويسألكم عن فصوص الشيخ ابن العربي، هو على الحق أو الباطل، وكان

ص: 157

المولى المزبور معروفا بتبطيله، ومشهورا بالتعصّب عليه، فلمّا سمعه الشيخ غضب، وقال ما يطلب من أرسلك من الشيخ، وهل يريد الاطلاع على درر مكامن هذا الكتاب، وغرر ما في تضاعيفه مع أكله في كلّ يوم سبع مرّات، وشبعه من الحرام، والشيخ قدّس سرّه ما كتبه إلا بعد ما ارتاض خمس عشرة سنة، فعاد الرسول بأسوأ وجه وأقبح صورة.

قال المرحوم: فقلت له: لو تلطّفتم به، وداريتم فى الجواب لكان أسلم لكم ولأحبابكم، بعدكم، فإن له قدرة على الجفا والأذى، فقال: لا بأس بهم، غاية الأمر أنهم يعقدون مجلسا، ويدعونني إليه، فنجعل هكذا.

قال المرحوم لما تكلّم الشيخ هذه الكلمة جذب جيبه على وجهه، فغاب عن موضعه، الذي هو فيه، فأخذتْني الحيرة والاضطراب، وأحاطتْ بي الدهشة إلى أن جاء، وحضر بعد ساعة، وقال: هكذا نفعل إذا اضطررنا، فقلت له يا سيدي! هل هو من علم السيمياء؟ قال: لا، ولكن يحصل للنفوس الناطقة بسبب المجاهدات الشاقّة والرياضات الصادقة، اتصال بالمجرّدات، فتقتدر على إعدام بدنها وإيداعها في آن، وكذا يحصل لها القدرة على ما يشبههما من الأفاعيل العجيبة والأمور الغريبة، ولنعد إلى ما كنا فيه، وهو أنه لما تاب على يد الشيخ وتلقن الذكر عنه، ودخل حجرة من حجرات الزاوية المزبورة لم يرض الشيخ بفراغه عما فيه بالكلية، فجمع بين الطريقين، حتى بلغ رتبة التدريس، وكان يخرج من الحجرة، ويذهب إلى المدرسة، ويدرّس فيها، ويعود إلى الحجرة، فيشتغل بالذكر إلى أن غلب عليه الحال، وانكشف المآل، وحبّب له الانقطاع والاعتزال، فترك التدريس والإفادة، وتمحّض للزهد والعبادة، إلى أن حصل، وكمل، وبلغ مراتب الكمل، وفوّض إليه المشيخة في زاوية داخل "قسطنطينية" فاشتغل بالإرشاد

ص: 158

والإفادة وتربية أرباب الإرادة، إلى أن توفي رحمه الله في شهر ذي القعدة سنة ثمانين وتسعمائة، وصلّى عليه في جامع السلطان محمد خان، واجتمع في جنازته خلق كثير لا يحصون عددا، ودفن في داخل "قسطنطينية" تجاه زاويته المزبورة، وبني على قبره.

كان رحمه الله عالما فاضلا، عابدا، صالحا، معرضا عن أبناء الدنيا، غير مكترث بالأغنياء، لم يدخل قطّ باب أمير، ولم يطأ مجلس وزير، لم يعبأ بأرباب الحكم والمناصب، ولم يتردّد إلى بابهم، ولم يتقيّد بما عندهم وما بهم، كلّما أرادوا صحبته، وأحبّوا رؤيته قابلهم بالاجتناب، ودفعهم بأحسن جواب.

وكان رحمه الله مشهورا بردّ صدقاتهم، ودفع عطياتهم، ومع ذلك ترك من النقد ما يقرب ثمانية آلاف دينار، وقوم سائر أملاكه بعشرة آلاف دينار، فتحير الناس في إقامة السبب، وقضوا منه العجب.

وكان رحمه الله في غاية الحبّ والميل إلي خيائر الخيل، وكان يكثر من اقتناء الصافنات، ويرسل بعضها إلى الأمراء الغزاة، وقد ذهب عمره بالتجرّد والانفراد، ولم يتقيّد بقيد الأهل والأولاد.

وكان رحمه الله صاحب جذبة عظيمة، وغاية قبول، وله في تعبير المنامات ما يبهَر العقول، ومن عادته رحمه الله أنه يحضر في بعض الجنائز، فيلقن الميت، ويخاطبه على ما هو المعروف، فيسمع من الميت صوته الذي يسمع منه في حياته، مجيبا عما يسأله، وقد سمعه غير واحد من العلماء الأعيان في متفرّقات الأحيان، ومن ذلك طعنه على علماء أوانه ومشايخ زمانه، خصوصا الشيخ مصلح الدين المشتهر بنور الدين زاده، فإنه حصل بينهما وحشة عظيمة، فإنه كان يطعن فيه على الفعل المزبور، ويقول: إنه

ص: 159

بدعة ابتدعها، ولم يسبقْ إليها أحد من المشايخ العظام والأفاضل الكرام، وهو يجيب بأن ساحة الكرامات متّسعة، ورتبة الأولياء متفاوتة، ولا يضرّنا عدم السبق فيه.

وكان يطعن المرحوم فيه بسبب تردّده إلى باب الأغنياء، ودخوله مجالس الوزراء والأمراء، ويحتج من منع في القليل والكثير، ببئس الفقير على باب الأمير، وهو مجيب عن سؤاله، ويخبر عما في باله، بأن ذلك يتضمّن إصلاح بعض الأمور التي تتكفّل مصالح الجمهور وإعانة الأخ المسلم، وإغاثة المظلوم، وإنجائه من يد الظالم.

وكان الناس في أمرهما فرقتين، وفي تحقيقهما فئتين، فمنهم مَنْ يرجّح ذاك على هذا، ويعدّ مسلكه أحسنَ المسالك.

* * *

‌1085 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بالي خليفة الصوفي، من خلفاء الشيخ قاسم جلبي المزبور

*.

كان رحمه الله عالما، عاملا، مرشدا للفقراء والمساكين، قائما بالعبادات وتربية المريدين، وكان حافظا لحدود الشريعة، ومراعيا لآداب الطريقة، رحمه الله.

توفى ببلدة "صوفية" بعد الخمسين والتسعمائة -طيّب الله مضجعه، ونوّر مهجعه-.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 317.

ص: 160

‌1086 - الشيخ العالم الفقيه بايزيد بن الكمال بن عبد الدائم العثماني، البلكرامي، أحد العلماء البارعين في الفقه والأصول

*.

كان يعرف ببزدوي دان أي عالم البزدوي.

صرف عمره في الدرس والإفادة.

وكان السيّد محمد أشرف الحسيني البلكرامي يقول: إني سمعتُ ممن أدكتهم من أكابر عشيرتي أن مثل القاضى بايزيد لم يكن في عصره ومصره، وكان حيّا إلى سنة ستّ وستين وألف، كما في "شرائف عثماني"، ولم يذكرْه غلام علي في "مآثر الكرام".

* * *

‌1087 - الشيخ الفاضل بايزيد الصوفي

* *.

كان عالمًا، عاملًا، عاقلا، مدبرًا، جعله السلطان بايزيد خان معلّمًا لابنه السلطان محمد خان، -عليه الرحمة والرضوان-.

وقد ذكرته في هذا الباب، ولم أذكرْه في الكنى، لأن اصطلاح أهل "بلاد الروم" في أكثر الكنى هكذا، بل هو علم عندهم، يضعونه على المولود

* راجع: نزهة الخواطر 5: 100.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 228.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 124.

وقد ذكره طاشكبري زاده في الطبقة الخامسة في علماء دولة السلطان محمد بن بايزيد خان، وقد بويع له بالسلطية في سنة ستّ عشرة وثمانمائة.

ص: 161

وقت ولادته، ولو سألت أكثرهم عن الاصطلاح فيه ما عرفه، فيكون بهذا الاعتبار علمًا مركّبًا، محلّه في هذا الباب، والله تعالى أعلم.

* * *

‌1088 - العالم الفاضل الكامل المولى بايزيد الشهير بنقيضي

*.

قرأ رحمه الله على علماء عصره، حتى وصل إلى خدمة المولى الفاضل ابن أفضل الدين، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار مدرّسا بمدرسة أتابك ببلدة "قسطموني"، ثم صار مدرّسا بـ "المدرسة الحلبية" بـ "أدرنه".

ثم صار مدرّسا بإحدى المدرستين المتجاورتين فيها، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم صار مفتيا، ومدرّسا ببلدة "أماسيه"، ثم ترك التدريس، وأتى مدينة "قسطنطينية"، ولم يلبثْ إلا قليلا، حتى مات فيها في سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وتسعمائة.

وكان -رحمه الله تعالى- عالما، عاملا، صالحا، مستقيم السيرة، كريم الطبع، خاضعا، خاشعا، لا يذكر أحدا إلا بخير، وكان لا يلتفت إلى الدنيا، ويرضى من العيش بالقليل، -نوّر الله تعالى مرقده-.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 274.

ص: 162

‌1089 - الشيخ الفاضل بايزيد خان بن السلطان محمد خان

*.

بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه، سنة ستّ وثمانين وثمانمائة، وكانتْ وفاته في سنة ثمان عشرة وتسعمائة. -تغمده الله تعالى برحمته-.

* * *

‌1090 - الشيخ الفاضل بايزيد خان بن السلطان مراد الغازي، الملقّب بيلدرم بايزيد

* *.

بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه في رابع شهر رمضان المبارك، من شهور سنة واحد وتسعين وسبعمائة، وكانتْ وفاته فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة. -تغمّده الله تعالى برحمته-.

* * *

* الطبقات السنية 2: 260.

وترجمته في البدر الطالع 1: 161، وحقائق الأخبار 1: 519 - 525، وشذرات الذهب 8: 86، والشقائق النعمانية 1:405.

والترتيب غير ملتزم هنا أيضا.

* * الطبقات السنية 2: 260.

وترجمته في البدر الطالع 1: 160، وحقائق الأخبار 1: 495، 496، وشذرات الذهب 7: 47، 172، والشقائق النعمانية 1:84.

ص: 163

‌1091 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بايزيد خليفة، المتوطّن بمدينة "أدرنه

" *.

كان -رحمه الله تعالى- عالما بالعلوم الظاهرة، وعارفا بالله تعالى وصفاته، وكان يعظ الناس، ويذكّرهم، وانتفع به كثير من الناس، وكان طليق اللسان، واضح التقرير، عابدا، زاهدا، مجاهدا، وحصل الطريقة عند الشيخ جلبي خليفة.

توفي -رحمه الله تعالى- بالمدينة المزبورة، ودفن بها، -قدّس سرّه-.

* * *

‌1092 - المولى العالم الفاضل الفقيه بخشايش

* *.

كان -رحمه الله تعالى- رجلا صالحا، مبارك النفس، مشتغلا بالعلوم، ورأيت له بعضا من الرسائل، صنّفها لأجل السلطان مراد خان، -رحمه الله تعالى-.

* * *

‌1093 - الشيخ العالم الصالح بخشو بن أبيه الصوفي المندسوري

.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 221.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 65.

ص: 164

أحد المشايخ المنقطعين إلى الزهد والعبادة *.

يذكر له كشوف، وكرامات.

وكان له ثلاثة أبناء: بدهن، وحسن، ومعين الدين.

توفي سنة ستّ عشرة وتسعمائة. ذكرَه محمد بن الحسن في "كلزار أبرار".

* * *

‌1094 - العالم الفاضل الكامل المولى بخشي

* *.

كان -رحمه الله تعالى- أصله من "كورة النحّاس".

وقرأ رحمه الله على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل شجاع الدين البوي آبادي، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار معلّما للسلطان سليم خان ابن سلطاننا الأعظم السلطان سليمان خان -أيّد الله دولته، وأيّد شوكته-.

توفي -رحمه الله تعالى- في سنة إحدى وخمسين وتسعمائة.

كان -رحمة الله- عالما، صالحا، مستقيم الطبع، جيّد القريحة، وكانتْ له مشاركة في العلوم، وكان مشتغلا بنفسه، معرضا عن أحوال الدنيا، محبّا لأهل الخير والصلاح، -نوّر الله تعالى قبره-.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 47.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 308.

ص: 165

‌1095 - الشيخ الفاضل بخشي خليفة الرومي

*.

فقيه، مفسّر.

له رسالة كبيرة، جمع فيها ما اتفق له من رؤية النبي، صلّى الله وعليه وسلّم في المنام.

توفي بعد 930 هـ.

* * *

‌1096 - العالم الفاضل الكامل المولى بخشى خليفة الأماسي، رحمه الله

- * *.

ولد بقرية قريبة من "أماسيه"، وقرأ على علماء عصره، ثم ارتحل إلى بلاد العرب، وقرأ على علمائها أيضا، ثم اختار طريق التصوّف، ونال منها المراتب الجليلة.

وكان خاضعا، خاشعا، متورّعا، متشرّعا، راضيا من العيش بالقليل. وكان يلبس الثياب الخشنة، وكان يدرّس، كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير، وكانت له يد طولى في التفسير، وكان أكثر التفاسير في حفظه، وقرأ عليه الكثيرون، وانتفعوا به، وكانت له يد طولى في الفقه أيضا، وفي سائر العلوم،

* راجع: معجم المؤلفين 3: 39.

وترجمته في الكواكب السائرة 1: 164.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 247.

ص: 166

وربما يقول رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا هكذا، ولا يخطيء كلامه أصلا، ويكون كما نقل، ورأيت له رسالة، جمع فيها رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وصحبته معه، وهي كثيرة جدا.

توفي -رحمه الله تعالى- في جوار الثلاثين وتسعمائة، -نوّر الله تعالى مرقده، وفي أعلى غرف الجنان أرقده-.

* * *

‌1097 - الشيخ العالم الفقيه بدر الدين بن جلال الدين الصوفي الكجراتي

*.

أحد المشايخ المشهورين بأرض "كجرات"

(1)

.

ولد، ونشأ بها، وأخذ عن أبيه جلال الدين، عن أبيه الشيخ محمد، عن أبيه، عن جدّه، إلى الشيخ العلامة كمال الدين الدهلوي.

وكان عالما، فقيها، صوفيا، مستقيم الحالة، ذا كشوف وكرامات.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 47.

(1)

"كجرات": بضم الكاف الفارسي، وإسكان الجيم، وإهمال الراء المهملة، بعدها ألف، فمثناة من فوق، طولها اثنان وثلاثمائة ميل، وعرضها ستون ومائتا ميل، وفيها ثلاث عشرة فرضة، أشهرها:"كنباية"، و"سومنات"، و"جونا كره"، و"سورت". وفي العصر الحاضر "بمبئي"، وفيها كور صغيرة، يسمّونها بأسماء أخرى، نحو "كوكن" أي: البلاد التي على ساحل البحر فيما بين "بمبئي" و"نياكاؤن"، ونحو "كاتهياوار" التي ينسب إليها الأفراس الحصان الجياد.

ص: 167

مات لليلة بقيتْ من ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، كما في "مجمع الأبرار".

* * *

‌1098 - الشيخ العالم الفقيه الزاهد بدر الدين بن شرف الدين بن الهادي بن الأحمدي، الجعفري، البهلواروي

*.

أحد كبار المشايخ من نسل سيّدنا جعفر الطيّار، ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وحبّه وصاحبه، وهو صاحب السجّادة المجيبية، وحافظ الآثار الحبيبية.

ولد سنة ثمان وستين ومائتين وألف، ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وأخذ عن والده، وعن الشيخ نعمة مجيب، وعن صهره الشيخ على الحبيب، كلّهم كانوا من تلامذة الشيخ محمد حسين، تلميذ جدّه الشيخ أحمدي الفاضل المشهور بـ "الهند"، تولى الشياخة بعد ما اعتزل عنها الشيخ عين الحق بن على الحبيب البهلواروي.

[رزق قبولا عظيما في ولاية "بهار"، وقصده الطالبون لله من أنحاء البلاد، واشتهر علمه وزهده، ونزاهة نفسه، وجرأته فى قول الحق، وحرصه على نفع المسلمين، فاختاروه أميرًا للشريعة في "بهار"، واستقام على ذلك بصدق وعفّة، ونصيحة للمسلمين، حتى لقى الله، ولقّبتْه الحكومة الإنكلزية بشمس العلماء، فقبله على كره، حتى ظهر عداء الإنجليز للإسلام والمسلمين،

* راجع: نزهة الخواطر 8: 98، 99.

ص: 168

وعنادهم في شأن الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، فردّه على الحكومة، علامة لاستنكاره لسياستها وجورها]، قال صاحب "نزهة الخواطر": لقيتُه بـ "بهلواري"، فوجدتُه شيخا صدوقا، متودّدا، حسن الأخلاق، حسن السمت والهدى، مليح الشمائل، شديد التعبّد، مديم الاشتغال بمطالعة الكتب، يلوح عليه آثارُ التوفيق والقبول.

[توفي إلى رحمة الله في السادس عشر من صفر، سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف].

* * *

‌1099 - الشيخ الفاضل المعمّر بدر الدين بن قطب الدين الحكيم الدهلوي، أحد الأفاضل المشهورين

*.

ولد، ونشأ بـ "دهلي"، وقرأ العلم على أساتذة "دهلي".، ثم لازم الحكيم أحسن الله خان، وقرأ عليه الكتب الطبّية، وتطبّب عليه، ثم تولّى الطبابة مكان والده.

وكان فاضلا، متين الديانة، حسن الأخلاق، عميم الإحسان، رزق حسن القبول في المداواة.

مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف بـ "دهلي".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 8: 99.

ص: 169

‌1100 - الشيخ الفاضل بدر الدين بن محمد بن بدر الدين بن جماعة المقدسي، الكناني

*.

فقيه.

من آثاره: "الفتاوى البدرية"، و"النور الوضّاح ونجاة الأرواح في الأدعية".

توفي في سنة 1187 هـ.

* * *

‌1101 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بدر الدين، الشهير ببدر الدين بابا

* *.

كان -رحمه الله تعالى- من أصحاب الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ الإلهي، ولما توفي الشيخ المذكور توطّن بمدينة "أدرنه"، وانقطع عن الناس، ولازم بيته.

وكان بدرا في سماء الطريقة، وبحرا من بحار الحقيقة وفيّا، رضيا، مقبول الدعوة، مرشدا للأنام، وداعيا لهم إلى الله تعالى، وانتفع به كثير من الناس، -نوّر الله تعالى مرقده-.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 40.

وترجمته في إيضاح المكنون 2: 155، 688.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 219.

ص: 170

‌1102 - العارف بالله الشيخ بدر الدين الأحمر. صاحب هو الشيخ الحاجي بيرام

*.

ووصل ببركة صحبته إلى الأحوال العجيبة، والكرامات السنية، والمقامات العليّة، -قدّس الله سرّه-.

* * *

‌1103 - الشيخ الصالح الواعظ بدر الدين الأودي. أحد المذكّرين المشهورين بالعلم والديانة في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي

* *.

كان من أرض "أوده"، ولكنّه ربما يسافر إلى "دهلي"، ويسكن بها بضعة أشهر، يعظ، ويذكّر.

قال البرني في "تاريخه": إنه كان غاية في الزهد والتقوى، لا يتجشّم التصنّع في مقالاته، ولا يتفوّه إلا بالصدق، والناس يحضرون في تلك المجالس من كلّ صنف، ويتأثّرون بها، ويبكون، ويزيدون خشوعا لله سبحانه. انتهى.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 47.

* * راجع: نزهة الخواطر 2: 71.

ص: 171

‌1104 - الشيخ العالم الفقيه بدر الدين الجونبوري

*.

كان من نسل الشيخ كبير الدين الأنصاري،

الذي ينتهي نسبُه إلى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي.

أخذ الطريقة عن الشيخ بير محمد اللكنوي.

وكان ممن لا نظيرَ له في أقرانه في التصوّف، والشعر، والألغاز.

* * *

‌1105 - الشيخ العارف بالله بدر الدين الدقيق، صاحب الشيخ الحاجي بيرام

* *.

ونال بصحبته ما نال من الكرامات السنية، والمقامات العلية، وحصل أذواقا عجيبة، -قدّس سرّه-.

* * *

‌1106 - الشيخ الفاضل بدر الدين الرامبوري، أحد العلماء المبرّزين فى الفقه والأصول

* * *.

* راجع: نزهة الخواطر 6: 49.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 47.

* * * راجع: نزهة الخواطر 7: 109.

ص: 172

ذكره عبد القادر بن محمد أكرم الرامبوري في كتابه "روز نامه".

* * *

‌1107 - الشيخ الفاضل بدر الدين السرهندي، أحد المشايخ المشهورين في زمانه

*.

أخذ الطريقة عن الشيخ يحيى السنديلوي.

وأخذ عنه أمان الله السرهندي، ومولانا مير علي كنبو، وخلق آخرون.

ذكره محمد بن الحسن في "كلزار أبرار".

* * *

‌1108 - العالم الفاضل المولى بدر الدين الطبيب الملقّب بهدهد بدر الدين

* *.

قرأ على علماء عصره، حتى وصل إلى خدمة المولى الشهير بابن المعرف، ثم رغب في الطبّ، وقرأ على الحكيم محي الدين، ثم صار من جملة الأطبّاء بدار السلطنة.

وكان رجلا عالما، صالحا، سليم الطبع، حليم النفس، مرضيّ السيرة، مقبول الطريقة، محبوبا عند الناس، لكونه خيرا ديّنا.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 48.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 257.

ص: 173

وتوفي -رحمه الله تعالى- على العفّة والصلاح بعد الخمسين وتسعمائة، -روّح الله روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1109 - الشيخ الفاضل بدر الدين إبراهيم السرهندي صاحب "حضرات القدس

" *.

ولد، ونشأ بـ "سرهند"، وقرأ العلم على الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي، وعلى محمد صادق بن الشيخ أحمد المذكور.

قال في "حضرات القدس": إني قرأتُ "شرح المواقف"، و"تفسير البيضاوي"، و"العضدية" مع حاشيتها للسيّد الشريف على الشيخ أحمد، وقرأتُ "المطوّل" مع حاشيته للسيّد الشريف، و"شرح العقائد" مع حاشيته للخيالي، و"تحرير الأقليدس"، و"شرح المطالع" مع حاشيته للسيّد على خواجه محمد صادق.

وقال: إني صحبتُ الشيخ أحمد -رحمه الله تعالى- سبع عشرة سنة، وأخذتُ عنه الطريقة، واستفدتُ منه فيوضا كثيرة. انتهى.

وكتابه "حضرات القدس" في مجلّدين، عدد فيه مصنّفاته، منها:"سنوات الأتقياء في وفيات المشايخ"، ومنها:"الروائح" في شرح اصطلاحات الصوفية، وأشغال السادة النقشبندية والقادرية، ومنها:"كرامات أولياء"، و"مجمع الأولياء"، وترجمة "فتوح الغيب" للشيخ عبد القادر الكيلاني، وترجمة "بهجة الأسرار"، وترجمة "روضة النواظر في ترجمة الشيخ

* راجع: نزهة الخواطر 5: 101.

ص: 174

عبد القادر"، ترجمها بأمر دارا شكوه، وله ترجمة "عرائس البيان" تفسير الشيخ روز بهان البقلي.

* * *

‌1110 - العالم الفاضل الكامل المولى بدر الدين محمود بن عُبَيد الله

*.

قرأ على علماء عصره، منهم المولى الفاضل مصطفى التوقاتي، والمولى شُجاع الدين الرومي، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل ابن المؤيّد، ثم صار مدرّسا بمدرسة جنديك بمدينة "بروسه"، ثم صارَ مدرّسا بمدرسة السلطان بايزيد خان فيها.

ثم صار مدرّسا بمدرسة الوزير علي باشا بمدينة "قسطنطينية"، وكان من عتقائه، ثم صار مدرّسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بمدينة "أدرنه"، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضيا بمدينة "حلب"، ثم صار قاضيا بمدينة "أدرنه".

ومات وهو قاض بها في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، كان رحمه الله جريء الجنان، طليق اللسان، متعبّدا، مستقيم الطريقة، وكان له مشاركة في العلوم، وكان متفقّها، صالحا، وبنى مسجدا بمدينة "أدرنه". -روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 188.

ص: 175

‌1111 - العالم العامل الفاضل الكامل المولى بدر الدين محمود ابن الشيخ محمد

*.

كان رحمه الله إماما للسلطان بابزيد خان بعد جلوسه على سرير السلطنة بتربية المولى ابن المعرف معلّم السلطان بايزيد خان، ثم صار قاضيا بمدينة "بروسه" مدّة عشر سنين أو أكثر، ثم أعطاه السلطان بايزيد خان قضاء العسكر بولاية "أناطولي" في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ثم عزل عنه، وعيّن له كلّ يوم مائة درهم، ومات بعد زمان يسير.

كان كريم النفس، حميد الأخلاق، محبّا للعلماء والصلحاء.

وله نظم كتاب بالتركية، سمّاه "المحمودية" نظير لـ "كتاب المحمدية"، إلا أنه نظم نازل الدرجات.

* * *

‌1112 - العالم الفاضل الكامل المولى بدر الدين محمود الشهير ببدر الدين الأصغر

* *.

قرأ رحمه الله على علماء عصره، منهم المولى العذاري، والمولى لطفى، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل معرف زاده، ثم صار مدرّسا بمدرسة بالي كسرى، ثم صار مدرّسا بمدرسة القلندرية بمدينة "قسطنطينية".

* راجع: الشقائق النعمانية 1: 188.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 239.

ص: 176

ثم صار مدرّسا بمدرسة مصطفى باشا فيها، ثم صار مدرّسا بمدرسة دار الحديث بـ "أدرنه" ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم صار مدرّسا بمدرسة أيا صوفيه، وعيّن له كلّ يوم ثمانون درهما، ثم ترك التدريس، وعيّن له كلّ يوم مائة درهم بطريق التقاعد.

ومات على تلك الحال في سنة ستّ وأربعين وتسعمائة.

كان رحمه الله عالما، صالحا، وكانت له مشاركة في العلوم، إلا أنه كان اشتغاله بالعلوم العقلية أكثر، وكانت له فيها يد طولى، واشتغل بعلم الحديث، وتمهّر فيه، وكان له تعليقات على بعض المواضع من الكتب، إلا أنه لم يدوّن كتابا، وكانتْ له محبّة لطريقة الصوفية، -روّح الله روحه-.

* * *

‌1113 - العالم الفاضل الكامل المولى بدر الدين محمود، من أولاد الشيخ جلال الدين الرومي

*.

قرأ على علماء عصره، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، حتى صار مدرّسا بمدرسة الوزير مصطفى باشا بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بـ "أدرنه"، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان.

ومات وهو مدرّس بها، كان -رحمه الله تعالى- عالما، فاضلا، سليم الطبع، حليم النفس، صاحب الكرم والمروأة، جاريا على مجرى الفتوة، مشتغلا بنفسه، معرضا عن التعرّض لأحوال الناس.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 281.

ص: 177

وكان مقبول الأخلاق، مسعود الحال، وقد اختلّت عيناه في آخر عمره، -روّح الله روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1114 - العالم الفاضل المولى بدر الدين محمود الأيديني

*.

قرأ رحمه الله على علماء عصره، ثم انقطع عن الناس، واشتغل بالعلم الشريف والعبادة، ثم نصب مدرّسا بنقل التفسير والحديث، وكان له باع واسع في العربية والتفسير والحديث، وكان له حظّ من الأصول والفروع.

وكان عالما نافعا، وانتفع به كثير من الناس، وكان مشتغلا بنفسه، معرضا عن أبناء الزمان، محبّا للخير وأهله، وكان له ذهن رائق، وطبع مستقيم، وكان لا يخلو عن المطالعة والإفادة.

توفي وهو مدرّس بمدرسة الوزير محمد باشا بمدينة "قسطنطينية" في سنة ستّ وخمسين وتسعمائة -روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

‌1115 - المحدّث الكبير والفقيه البارع العلامة بدر عالم الميرتهي، رحمه الله تعالى

* *.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 305.

* * راجع: علماء ديوبند وخدماتهم في علم الحديث ص 165 - 168.

وترجمته في أوائل ترجمان السنة الجزء الرابع.

ص: 178

ولد في 1316 هـ في مدينة "بدايون" حيثما كان والده موظّفا هناك في شرطة الحكومة.

تعلّم أولا في بعض المدارس العصرية، وفي أثناء تعلمه حضر في بعض مجالس حكيم الأمة أشرف على التهانوي رحمه الله، وكان قد بلغه صيت حكيم الأمة من قبل، وكان حكيم الأمة يعظ الناس، يذكّرهم بأمور الآخرة، ويوجّههم إلى تعلم الدين، واتباع الشريعة الغرّاء، فتأثر بدر عالم بموعظته، وعزم على تحصيل العلوم الدينية، وترك العلوم العصرية، فلمّا رجع إلى بيته (أخبر أباه بما عزمه في قلبه) فأرسله إليه، فالتحق الشيخ بدر عالم بجامعة مظاهر العلوم، فبدأ يتعلّم هناك، وذلك في 1330 هـ على كبار المشايخ، كالشيخ خليل أحمد، والشيخ ظفر أحمد العثماني، صاحب "إعلاء السنن"، والشيخ ثابت علي، والشيخ الحافظ عبد اللطيف، رحمهم الله أجمعين، استقى رحمه الله من هذا المنهل العذب المورود، جامعة مظاهر العلوم، وجنى من ثمارها، واستظلّ بأشجارها العلمية، ثم عيّن مدرّسا مساعدا (معين المدرّس) في الجامعة في 1337 هـ.

ثم أراد رحمه الله أن يجني من ثمار جامعة دار العلوم بـ "ديوبند"

(1)

، وأن يسبح في بحارها العلمية، وأن يستظلّ تحت أشجارها المثمرة، فارتحل إليها،

(1)

كانت مدرسة دار العلوم بمدينة "ديوبند" الواقعة على بعد مائة ميل من العاصمة "دهلي"، مركزا للحركات العلمية والدينية في شبه القارة الهندية الباكستانية بأكملها، وكان يطبق نظامها التعليمي في جميع المدارس الدينية في ذلك الحين، اللّهم إلا القليل منها، ومدرسة دار العلوم هذه هي مدرسة تلاميذ الشيخ أحمد السرهندي، الملقّب بـ مجدّد الألف الثاني، وهي كذلك مدرسة تلاميذ الشاه ولي الله وأولاده، ومن كبار مؤسّسيها أمير المجاهدين حجّة الإسلام الشيخ محمد قاسم

ص: 179

والتحق بها، وقرأ كتب الحديث مرّة أخرى على العلماء الماهرين في العلم والإفادة، كشيخ المحدّثين أنور شاه الكشميري، والشيخ المفتي عزيز الرحمن العثماني، والشيخ أصغر حسين الديوبندي.

حيث أن أساتذته وجدوا فيه مآثر العلم والتقى، والصلاح والكمال، فعيّنوه مدرّسا في جامعة ديوبند الإسلامية في 1340 هـ، فلم يزل يدرّس، ويفيد إلى 1346 هـ.

وقدّر الله عز وجل له أن ينتفع به أهالي "دابيل"، فلما غادر محدّث العصر الكشميري جامعة ديوبند، وتوجّه إلى جامعة دابيل سافر الشيخ بدر عالم معه، وعيّن مدرّسا بها، فدرّس هناك سبعة عشر عاما، وفي أواخر السنين عين رئيس المدرّسين، وكان يجلس لدى أستاذه الكشميري لسماع دروس

النانوتوي، والإمام الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، قائد حركة المجاهدين، وهي مدرسة مسئولة عن المجاهدين في ميدان القتال ضدّ قوى الكفر من السيخ والإنجليز، ومسؤلة عن الدعوة والإرشاد في "الهند"، والتصدّي لأيّ هجوم عدواني على الدين الحنيف، وكذلك فقد قامت بإعداد الشخصيّات الفذّة من أبنائها العلماء المجاهدين، الذين قهروا جيوش الأعداء، كما حفلت البلاد بكثرة مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم، التي استضاءت بنورها بلاد الهند، فحاربوا البدع والخرافات، وأقاموا المناظرات والمجادلات المجابهة المفسدين والمضلّلين داخل البلاد وخارجها، وبذلك كسبت مدرسة دار العلوم كلّ احتياجات الدعوة بأهل البلاغ والإرشاد، مما أدّى إلى إبراز دورها الجديد في البلاد في تكوين الأسس الحاضرية والثقافية في جميع المجالات العلمية والمدنية للمسلمين، إذ أنها تشبه الأزهر الشريف في شبه القارّة، حيث لا نجد أيّ حركة من الحركات النضالية ضدّ الكفر، إلا وقد أقامها أبناء هذه المدرسة ومؤسّسها. انظر: جماعة التبليغ 180، وتاريخ دار العلوم ديوبند: ص 150.

ص: 180

"صحيح البخاري" في صفوف الطلبة، مع أنه كان مدرّسا في ذلك الزمان، سمع منه "صحيح البخاري" خمس مرّات درسا درسا.

وفي 1362 هـ ارتحل إلى "دهلي"، والتحق بإدارة ندوة المصنفين، فصنّف كتابه المشهور "ترجمان السنة".

كان يصنّف كتابه المؤمى إليه آنفا، وقد أكمل المجلّد الأول منه، وكان المجلّد الثاني قريبا من التمام إذ قسم "الهند" إلى دولتين "الهند" و"باكستان"، فهاجر إلى "باكستان"، ونزل في الجامعة الإسلامية المعروفة بدار العلوم تندو الله يار، فاختير الأمين العام للجامعة وأستاذا للحديث النبوي الشريف، فدرّس، وحدّث، وأفاد برهة من الزمان.

وفي أثناء التدريس والتحديث في الجامعة المذكورة لم يزل مشغولا لتنفيذ النظام الإسلامي في دولة "باكستان" مع معاصريه العلماء الكبار، كالمفتي الأكبر الشيخ محمد شفيع الديوبندي، والشيخ الجليل خير محمد، مؤسّس جامعة خير المدارس بـ "ملتان"، والمحدّث الجليل محمد إدريس الكاندهلوي، والشيخ احتشام الحق التهانوي، رحمهم الله تعالى، يحضر في الحفلات، التى تقام لتنفيذ النظام الإسلامي، ويبين العلماء فيها للحكومة طرقا صالحة دينية، وأوصوها بأن عضّوها بالنواجذ.

مع أنه لم يزل مشغولا في دحض أباطيل القاديانية والردّ عليها، ثم جذبته محبة بلاد النبي صلى الله عليه وسلم، فهاجر إليها في 1372 هـ.

له مؤلّفات جليلة، وأشهرها:"ترجمان السنة" في أربع مجلّدات، وهو كتاب عظيم الشأن في الحديث.

ومن مؤلّفاته: "البدر الساري إلى فيض الباري"، حينما كان مدرّسا في الجامعة الإسلامية بـ "دابيل"، رتّب أمالي الشيخ الكشميري، التي كان يلقيه في دروس "صحيح البخاري"، وسماه بـ "فيض الباري"، جمع فيه علوم أستاذه

ص: 181

ومعارفه، ثم زيّنه بالحواشي، وسماه بـ "البدر الساري إلى فيض الباري"، طبع هذا الكتاب في أربع مجلّدات ضخمة، تلقّاه المحدّثون بالقبول، ورغب فيه علماء العرب والعجم، وانتفع به خلق كثير، ومنها "مستزاد الحقير" حاشية على كتاب ابن الهمام "زاد الفقير"، وهو كتاب، جمع فيه الشيخ ابن الهمام مسائل أبواب الطهارة والصلاة، فالشيخ بدر عالم كتب عليه الحواشى المفيدة، ومنها "جواهر الحكم"، انتخب فيه أربعين حديثا من الأحاديث النبوية، على صاحبها ألف ألف صلاة وتحية، ترشد الناس هذه الأحاديث إلى تزكية النفس وإصلاح الباطن، وتبين لهم أن كمال الفلاح منحصرة فيه، ومنها:"نزول عيسى" عليه السلام، أثبت فيه في ضوء الكتاب والسنة أن عيسى لم يمت يقينا، بل رفعه الله إليه، وهو ينزل في قرب القيامة، وهذا الكتاب جزء من كتابه "ترجمان السّنة"، وله مؤلّفات أخرى.

لم يزل رحمه الله يفيد، ويصنّف، ويخدم الدين الحنيف إلى آخر حياته، مع أنه قد لحقه أمراض في آخر عمره، وانقطعت إصبعه المسبّحة في حادثة اصطدام السيّارة، فكان يكتب بالأصابع الأخرى، وطورا كان يملي على بعض خدّامه، فكانوا يكتبون ما يلقي عليهم.

كان مريضا قبل وفاته بأربع سنين، واشتدّ المرض في الشهرين الأخيرين من عمره، ووافاه الأجل في خامس رجب 1385 هـ، وذلك في ليلة الجمعة الغرّاء، وصلى عليه جمع كبير بعد صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف صلى الله عليه وسلم، ودفن بـ "بقيع الغرقد" في أقدام أمّهات المؤمنين، رضي الله تعالى عنهن، وكان رحمه الله يجد الرائحة العاطرة في آخر حياته، والحاضرون لا يجدونها، وذلك من رائحة الجنة التي أعدّها الله لعباده الصالحين المخلصين.

* * *

ص: 182

‌1116 - العالم الفاضل المولى المشتهر بدلي برادر

*.

ولم أتحقّق اسمه لشهرته بهذا اللقب.

قرأ -رحمه الله تعالى- على علماء عصره، منهم: المولى محى الدين العجمي، ثم سلك مسلك التصوّف، ولم يثبتْ عليه لغلبة التلوّن على طبعه، ثم صار مدرّسا بمدرسة بايزيد باشا بمدينة "بروسه"، ثم صار مدرّسا بـ "مدرسة سريحصار".

ثم صار مدرّسا بـ "مدرسة آق شهر"، ثم صار مدرّسا بـ "مدرسة أماسيه"، ثم ترك التدريس، وعيّن له كلّ يوم ثلاثون درهما بطريق التقاعد، وتوطّن بموضع قريب من "قسطنطينية" قريب من البحر، وبنى هناك مدرسة، وحجرة، ومسجدا جامعا هناك، وحمّاما، وقف الحمّام على ذلك المسجد، وكان يصلّي صلاة الخمس بالمسجد، ثم ارتحل إلى "مكّة المشرّفة"، وجاور بها إلي أن مات.

كان رحمه الله عالما، عاملا، سليم الطبع، حسن العقيدة، محبّا للخير، وكان لذيذ الصحبة، حسن المحاورة، لطيف النادرة، طارحا للتكلّفات العادية، ولهذا كان يلقّب بالمجنون، وكان له حظّ من الإنشاء وكان ينظم الأشعار التركية نظما سلسا لطيفا، إلا أنه كان متلوّن الطبع، ولهذا لم يحصل الحشمة عند الناس، -روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه-.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 282.

ص: 183

‌1117 - الشيخ المجذوب المشهور بدو غلوبابا

*.

حضر مع السلطان أورخان فتح "بروسا"، وكان يهئ للغزاة لبنا ممزوجا بالماء، ويقسمه عليهم وقت عطشهم، ودوغ عبارة عن ذلك في لسانهم.

وله موضع منسوب إليه على جبل قريب من مدينة "بروسا" -عليه الرحمة والرضوان-.

* * *

‌1118 - الشيخ العالم الفقيه البارع بديع

(1)

بن منصور، القاضي فخر الدين القَزَبْني

* *.

ضبطه الذهبى بالقاف المضمومة، وفتح الزاء المعجمة، وسكون الباء الموحدة، ثم النون.

إمام، فاضل، فقيه، كامل.

انتهت إليه رياسة الفتوى.

تفقّه على نجم الأئمة البخاري، وتفقه عليه مختار بن محمود الزاهدي، صاحب "القنية".

* راجع: الشقائق النعمانية ص 12.

(1)

ذكره شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي المالكي تلميذ السيوطي في طبقات المفسّرين، وسماه بأحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب أبو عبد الله بديع الدين القزبني الحنفي، وقال: كان مقيما بسيواس سنة 620 هـ.

* * راجع: الفوائد البهية ص 54.

ص: 184

وله تصانيف معتبرة، منها:"البحر المحيط" الموسوم بـ "منية الفقهاء".

* * *

‌1119 - الشيخ العالم المحدّث بديع الزمان بن مسيح الزمان بن نور محمد اللكنوي، أحد الفضلاء المشهورين، ولد في سنة خمسين ومائتين وألف

*.

وقرأ العلم على مولانا عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي، ومولانا محمد زمان السهارنبوري، ومولانا محمد عبّاس البشاوري بـ "حيدر آباد"، وبايع الشيخ المجاهد ولاية علي العظيم آبادي، وصحب السيّد محمد قاسم الكوهيري زمانا.

ثم سافر إلى "الحجاز"، فحجّ، وزار، وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن السهارنبوري المهاجر رجع إلى "الهند"، وأسند الحديث عن شيخنا المحدّث نذير حسين الدهلوي، ثم رحل إلى "بوفال"، واستخدمه نواب صديق حسن القنّوجي، فأقام بها مدّة طويلة، ثم أخرج من "بوفال" بوجوه ما وقفت عليها.

فرحل إلى "حيدر آباد"، وكان من العلماء المشهورين، برفض التقليد، شديد التعصّب على مخالفيه، كثير البذاءة على الحنفية.

له مصنّفات، منها:"ترجمة جامع الترمذي" في مجلّدين، و"سبيكة الذهب الإبريز"، و"فتح المنان في لغات القرآن"، و "مرآة الإيقان في قصص

* راجع: نزهة الخواطر 8: 99، 100.

ص: 185

القرآن"، و"رياض الجنة"، و"رسالة في الاستواء على العرش"، و"رسالة في تحقيق علم الغيب".

مات سنة أربع وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1120 - الشيخ الفاضل العالم الكبير القارئ المولى بذل الرحمن بن المنشئ طيّب علي بن الشيخ أشرف علي الكُمِلائي

*.

ولد في سنة 1327 هـ بقرية "دُيَافور"، من مضافات "كُمِلا"

(1)

.

تلقّى مبادئ العلوم في الجامعة الملّية بـ "كملا" عند العلامة أطهر علي السِّلْهتي، وفخر بنغاله العلامة تاج الإسلام، رحمهما الله تعالى، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وقرأ على العلامة السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة رسول خان، والعلامة السيّد أصغر حسين، وشيخ التفسير العلامة إدريس الكاندهلوي، وغيرهم من الأساتذة المهَرَة، رحمهم الله تعالى.

ثم جاء إلى وطنه المألوف عام 1354 هـ، واشتغل في خدمة الدين والعلوم الإسلامية، وفي سنة 1354 هـ عيّن مدرّسا بمدرسة أشرف العلوم "برا كَتْرا"

(2)

، ودرّس فيها كتب الحديث والفنون سبعا وعشرين سنة، ثم التحق بالجامعة الإمدادية بـ "فريد آباد"، "داكا" سنة 1382 هـ، وبعد مدّة عيّن مديرا

* راجع: مشايخ كملا 1: 181، 182.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

(2)

من أقدم المدارس الإسلامية بداكا، عاصمة بنغلاديش.

ص: 186

فيها، وكان يصدر مجلة شهرية مسماة بـ "نعمة" باللغة البنغالية، وبنى مدرسة في قريته، وسماها بالجامعة الإسلامية إمداد العلوم ديافور.

كان رحمه الله عالما، صالحا، مستقيم الطبع، جيّد القريحة، وكانتْ له مشاركة في العلوم، وكان مشتغلا بنفسه، معرضا عن أحوال الدنيا، محبّا لأهل الخير والصلاح، -نوّر الله تعالى قبره-.

توفي 26 شعبان المعظم يوم الاثنين سنة 1393 هـ، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

‌1121 - الشيخ الفاضل بردل -بضم الباء العجمية- الكابلي، كان من مشاهير العلماء

*.

ولد، ونشأ بحدود "أفغانستان".

وسافر للعلم، فقدم "الهند"، وقرأ على المفتي لطف الله بن أسد الله البلكهني الكوئلي، وعلى غيره من العلماء، ثم دخل "رامبور"، وتزوّج بها، ودرّس زمانا ثم سافر إلي "طوك" وولي التدريس في المدرسة الخليلية بها فدرس بها مدّة.

ثم أخرجه أمير "الطوك" لخلاف وقع بينه وبين الحكيم بركات أحمد، فسار إلى "دهلي"، وولي التدريس في "المدرسة النعمانية"، فدرّس بها إلى آخر عمره.

* راجع: نزهة الخواطر 8: 103.

ص: 187

وكان عالما بارعا في الفقه والأصول والكلام والمنطق.

أخذ عنه غير واحد من العلماء.

مات في رمضان سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1122 - الشيخ العالم الفقيه المفتي أبو البركات بن حسام الدين بن سلطان بن هاشم ابن ركن الدين بن جمال الدين بن سماء الدين الدهلوي

*.

كان من كبار الفقهاء الحنفية.

وُلِدَ، ونشأ بدار الملك "دهلي"، وولي الإفتاء بها، ثم ولي القضاء في أيام عالمكير.

له "مجمع البركات"، في مجلّدين ضَخْمين في الفقه، أوله: الحمد لله الذي نوّر قلوب الموحّدين بنور التوحيد والإيمان، إلخ. قال فيه: لما كانت الروايات أشتاتا متفرّقة، جمعتُها جمعا ليسهل الوقوف بها، ورتّبتها ترتيبا يتيسّر الاطلاع عليها في هذا المختصر، إلخ.

فرغ من تصنيفه اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة سنة ستّ عشرة ومائة وألف.

وكانت له اليد الطولى في الفقه والأصول، وهو من مصنّفي "الفتاوى الهندية". كما في "شمس التواريخ".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 6: 6.

ص: 188

‌1123 - الشيخ العالم الحاج أبو البركات بن فضل إمام القادري، المجدّدي، البهاري، أحد العلماء الصالحين

*.

وُلِدَ، ونشأ بأرض "الهند"، وقرأ العلم على أساتذتها، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، ورجع إلى "الهند"، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار مرّة ثانية، وسافر إلى "مصر القاهرة" و"الشام" و"القدس الشريف" سنة تسع وسبعين، فزار المشاهد، ورجع إلى "الهند"، ولبث بها مدّة من الزمان، ثم هاجر إلى "المدينة الطيّبة"، وسكن بها مجاورا لسيّد البشر المطهّر عن زيغ البصر صلى الله عليه وسلم.

وأخذ الطريقة عن الشيخ عبد الرشيد بن أحمد سعيد الدهلوي المهاجر، وكان بايع قبله الشيخ أحمد سعيد المذكور.

له "بركات الأنس لزائري القدس"، و"كتاب الرحلة"، صنّفه سنة تسع وسبعين ومائتين وألف بالفارسي، وله "بركات الدارين لحجاج الحرمين"، وكتاب في المناسك بالفارسي.

مات لليلة بقيت من صفر سنة تسع وثمانين ومائتين وألف بـ "مدينة" النبي صلى الله عليه، وآله وسلم.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 7: 11، 12.

ص: 189

‌1124 - الشيخ الفاضل بركات بن محمود بن محمد بن حسن الآتي أبوه وجدّه

*.

ولد بعد الستين وثمانمائة.

* * *

‌1125 - الشيخ الفاضل الكبير بركات أحمد بن دائم علي الطوكي، أحد الأفاضل المشهورين في المنطق والحكمة

* *.

ولد ببلدة "طوك" نحو سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياما في بلدته على أبيه، وعلى محمد حسن خان المعسكري.

ثم سافر إلى "رامبور"، وقرأ على العلامة عبد الحق بن فضل حق العمري الخير آبادي، ولازمه مدّة، ثم دخل "دهلي"، وأخذ الصناعة الطبّية عن الحكيم غلام نجف خان الدهلوي، ولازمه مدّة، ثم سافر إلى "بوفال"، وقرأ الصحاح الستة على مولانا أيوب بن قمر الدين البهلتي، وقرأ فاتحة الفراغ عنده، وكنت في ذلك المشهد، ثم رجع إلى "طوك"، وولي دار الشفاء بها، فقصر همّته على التدريس، ودرّس مدّة طويلة، حتى صار معدودا في الأساتذة المتبحّرين.

* راجع: الضوء اللامع 3: 15.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 100، 101.

ص: 190

وانتهتْ إليه رياسة التدريس في العلوم العقلية، وأمّه الطلبة من الآفاق، وتخرّجتْ عليه جماعة من الفضلاء، أصبحوا من بعد أساتذة كبارا، وصار يرحل إليهم من جهات بعيدة.

وهو شديد التعصب علي أهل الحديث طويل اللسان عليهم وله توغل في الفلسفة ولا يلمع على جبينه أثر الحديث وأقبل إلى المشايخ والصوفيّة وأهل القلوب في آخر حياته، وكانتْ تأخذه الجذبة الإلهية والاستغراق في بعض الأحيان، وكانتْ له نهامة بالمطالعة، لم ينقطعْ عنها، حتى في الليلة التي توفي فيها.

له من المؤلّفات: "الأنهار الأربعة" في التصوّف، و"القول الضابط في تحقيق الوجود الرابط"، و"إمام الكلام في تحقيق الأجسام" في الفلسفة، و"حواش" في الفلسفة، وعلم الكلام، و"حاشية" على "جامع الترمذي".

توفي في غرّة ربيع الأول سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1126 - الشيخ الفاضل بركَة بن براكز بن قندود بن أوكي القابجاقي، نزيل "الإسكندرية

" *.

الْمُتَوفَّى سنة

لَهُ "إرشاد الْمُلُوك والسلاطين" فِي الْفِقْه، فرغ من تأليفه فِي شَوَّال من سنة 789 هـ.

* * *

* راجع: هدية العارفين 1: 231.

ص: 191

‌1127 - الشيخ الفاضل بركة بن علي بن بركة بن الحسين ابن أحمد بن بركة بن علي، أبو الخطّاب الفقيه، الإمام الكبير

*.

له مصنّفات، منها: كتاب "كامل الآلة في صناعة الوكالة"، يشتمل على الشروط، وهو كتاب حسن في فنّه.

مات في ربيع الأول، سنة خمس وستمائة، -رحمه الله تعالى-.

* * *

‌1128 - الشيخ الفاضل بركة الله السورتي، أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول والعربية

* *.

قرأ بعض الكتب الدارسيّة على مولانا فضل الرحمن الحنفي البندوي، وبعضها على العلامة واجد علي البنارسي نزيل "بردوان".

وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ محمد سعيد بن واعظ علي العظيم آبادي، ثم أخذ عنه الطريقة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 229.

وترجمته في تاج التراجم 19، والتكملة الوفيات النقلة 3: 241، والجامع المختصر 9: 275، والجواهر المضية برقم 369، وكشف الظنون 2: 1379، والمشتبه 345.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 99، 100.

ص: 192

وسافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار، ورجع إلى "الهند"، وسكن بمدينة "سورت".

وكان يدرّس، ويفيد.

أخذ عنه غير واحد من العلماء.

* * *

‌1129 - الشيخ الفاضل برويز بن عبد الله الرومي، الإمام البارع، العالم، العامل، قاضي العساكر بولاية "أناطولي

" *.

كان من أرقاء رجل من أكابر النظّار، يعرف بأفشانجي محمد جلبى، وكان قد اشتغل من صغره، ولازم أفاضل العلماء، وتردد إليهم، وأخذ عنهم، وأجلّ من قرأ عليه الإمام العلامة أحمد بن سليمان بن كمال باشا، فقرأ عليه كثيرًا من مؤلّفاته، وكان يكرمه، ويعتني به.

ثم إنه صار مدرّسًا بمدارس متعدّدة، منها مدرسة إبراهيم باشا القديمة بـ "قُسطنطينية"، ومدرسة محمود باشا بها أيضًا، بخمسين عُثمانيًا، ثم بـ "مدرسة دار الحديث" بـ "أدرنة"، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضيًا بـ "بغداد".

ثم عزل عنها، وولي قضاء "حلب"، ثم قضاء "دمشق"، ثم قضاء "أدرنة"، ثم قضاء "إستانبول"، ثم قضاء العسكر بولاية "أناطولي"، وكان

* راجع: الطبقات السنية 2: 228، 229.

وترجمته في شذرات الذهب 8: 437، وكشف الظنون 1:478.

ص: 193

محمودًا في هذه الولايات كلّها، يقول الحقّ، ويعمل به، ثم أقام معزولًا مدّة مديدة، ثم ولي قضاء "مكّة المشرّفة"، ومات بها في سنة

(1)

، ودفن بـ "المعلاة"، -رحمه الله تعالى-.

* * *

‌1130 - الشيخ الفاضل بروبز بن عبد الله مولى إبراهيم باشا الرُّومِي، الْمدرس

*.

توفي سنة 987 سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة.

لَهُ "تَلْخِيص تَلْخِيص الْمِفْتَاح" فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان، و"رِسَالَة فِي الْوَلَاء"، و"شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح" الْمَذْكُور، و"مرقاة السَّمَاء شرح وترجمة رِسَالَة على قوشجى فِي الْهَيْئَة"، وَغير ذَلِك.

* * *

‌1131 - الشيخ الإمام برهان الإسلام الزرنوجي

* *.

من تلامذة صاحب "الهداية" برهان الأئمة

(1)

بياض بالأصول، وفي شذرات الذهب أن وفاته كانت سنة ست وتسعين وتسعمائة، وفي كشف الظنون أنها كانت سنة سبع وثمانين وتسعمائة.

* راجع: هدية العارفين 1: 231.

* * راجع: الفوائد البهية ص 54.

وترجمته في ما ينبغي به العناية لمن يطالع الهداية ص 98، وكشف الظنون 1:425.

ص: 194

علي بن أبى بكر المرغيناني، والشيخ الإمام سديد الدين الشيرازي، والقاضي الأجلّ فخر الإسلام، المعروف بقاضي خان

والشيخ الإمام الأجل الأستاذ فخر الدين الكاشاني، رحمهم الله تعالى.

صنّف كتاب "تعليم المتعلم طريق التعليم"، وهو نفيس مفيد، يشتمل على فصول، نحوا من ثلاثة كراريس.

قال الحافظ عبد القادر القرشي: وهو عزيز في بلادنا، حصلتُه بحمد الله.

وهو مختصر، أوله: الحمد لله الذي فضّل بني أدم بالعلم والعمل إلخ.

وقال الإمان الزرنوجي في خطبة كتابه هذا: وبعد! فلمّا رأيت كثيرا من طلاب العلم في زماننا يجدّون إلى العلم، ولا يصلون من منافعه وثمراته يحرمون، لما أنهم أخطئوا طرائقه، وتركوا شرائطه، وكلّ من أخطأ الطريق ضلّ، ولا ينال المقصود، قلّ أو جلّ، أردت، وأحببت أن أبيّن لهم طريق التعلّم على ما رأيت في الكتب، وسمعت من أساتيذ أولى العلم والحكم، رجاء الدعاء لي من الراغبين فيه المخلصين، بالفوز والخلاص في يوم الدين، بعد ما استخرتُ الله تعالى فيه، وسمّيته "تعليم المتعلّم طريق التعلّم"، وجعلته فصولا:

الأول: في ماهية العلم.

الثاني: في النية.

الثالث: في اختيار العلم.

الرابع: في تعظيم العلم.

الخامس: في الجدّ.

السادس: في بداية السبق.

السابع: في التوكّل.

ص: 195

الثامن: في وقت التحصيل.

التاسع: في الشفقة.

العاشر: في الاستفادة.

الحادى عشر: في الورع.

الثاني عشر: فيما يورث الحفظ.

الثالث عشر: فيما يجلب الرزق.

وشرحه ابن إسماعيل شرحا ممزوجا في عصر السلطان مراد الثالث، أوله: الحمد لله الذي أنعم علينا إلخ.

وذكر أنه شرحه لخدّام الحرم السلطان، حال كونه معلّما فيه، وقيل: هو للنوعي، وفرغ من تأليف الشرح سنة 996 ستّ وتسعين وتسعمائة.

وترجمته بالتركية للشيخ عبد المجيد بن نصوح بن إسرائيل، سماه "إرشاد الطالبين في تعليم المتعلمين".

قلت: ترجمه بالأردية وشرحها الفقيه البارع الشيخ المفتى محمد يوسف بن شيخ الإسلام العلامة عبد الحميد الجاتجامي رحمهما الله تعالى.

وينسب برهان الإسلام هذا إلى زرنوج. وهو بضمّ أوله، وسكون ثانيه، ونون وآخره جيم، بلد مشهور بـ "ما وراء النهر" بعد "خوجند"، من أعمال "تركستان"، والمشهور من أسمه "زرنوق" بالقاف.

* * *

‌1132 - الشيخ العالم الفقيه برهان الحق بن نور الحق بن أنوار الحق الأنصاري، اللكنوي

،

ص: 196

أحد عباد الله الصالحين *.

ولد، ونشأ ببلدة "لكنو"، وقرأ العلم على والده، وعلى غيره من العلماء، وسافر إلى الحرمين الشريفين مرتين، مرة في سنة اثنتين وخمسين، ومرة في سنة إحدى وستين.

وسافر إلى "بغداد"، وأقام بالحرمين الشريفين ثلاثة أعوام، وأخذ الحديث بها عن الشيخ جمال مفتي الأحناف بـ "مكة المباركة"، والشيخ محمد عابد السندي.

وله إجازة في الطريقة عن والده، وعن الشيخ عبد الوالي اللكنوي، وقد أدركه السيّد الوالد ببلدة "لكنو" سنة خمس وثمانين، وكانت وفاته سنة ستّ وثمانين ومائتين وألف.

* * *

‌1133 - الشيخ العالم برهان الدين بن عبد الرحمن ابن الشيخ أمير علي

* *.

ولد في قرية "دُوْغَاسِيَه" من مضافات "غَفَرْغَاون" سنة 1331 هـ.

قرأ القرآن الكريم على أبويه، وتلقّى مبادئ العلوم في مدرسة "بانج باغ"، ومن أساتذته فيها: الشيخ أنيس الرحمن المرشد آبادي، ثم ارتحل إلى المدرسة الواقعة في قرية "جَالِشَّرْ" من مضافات "غَفَرْغاون" مع أستاذه المذكور، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، فقرأ فيها سنتين.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 111.

* * راجع: علماء وأكابر مومنشاهي 366 - 376.

ص: 197

قرأ في السنة الأولى "مشكاة المصابيح"، و"شرح العقائد" للنسفي، و"تفسير البيضاوي"، وفي السنة الثانية أتم الصحاح الستة، وغيرها من كتب الحديث.

ومن أساتذته فيها: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة إبراهيم البلياوي، والعلامة إعزاز علي الأمروهوي، وغيرهم، وقرأ التفسير على شيخ التفسير العلامة أحمد علي اللاهوري، ودرّس في المدارس المتعدّدة، ثم بنى مدرسة في قريته، وسماها المدرسة الحسينية دُوْغَاسِيَه.

توفي ليلة يوم الخميس 1415 هـ، ودفن في مقبرة قريته قريبا من مدني مسجد.

* * *

‌1134 - الشيخ الفاضل برهان الدين بن القطب، قاضي القضاة

*.

ذكره ابن الحمص فيمن تُوفي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقال: دفن بـ "القاهرة"، وكان مصادرًا لأجل طلب مال منه، وكان عالمًا، عفيفًا. -تغمّده الله برحمته-.

* * *

‌1135 - الشيخ الفاضل العلامة برهان الدين البهكري، السندي

،

* راجع: الطبقات السنية 2: 261.

ص: 198

أحد العلماء البارعين في الفقه والأصول والعربية *.

كان يدرّس، ويفيد في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي بدار الملك "دهلي"، ذكره البرني في "تاريخه".

* * *

‌1136 - الشيخ العالم الصالح برهان الدين الصوفي الكجراتي، أحد المشايخ الشطارية

* *.

ولد، ونشأ بـ "أحمد آباد".

وقرأ العلم بها على أساتذة عصره، ثم لازمَ الشيخ صدر الدين محمد البرودوي، وسافر معه إلى "كواليار" سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، ورجع معه إلى "مندو"، فسكن بها، قرأ عليه محمد بن الحسن المندوي النحو والعربية بـ "مندو".

ولما قدم "مالوه" ضياء الله بن محمد غوث الكواليري سار إليه، وسافر معه إلى "أجمير" سنة خمس وثمانين وستعمائة، فمات بها، كما في "كلزار أبرار".

* * *

1137 -

الشيخ العالم الفقيه القاضي

* راجع: نزهة الخواطر 2: 18.

* * راجع: نزهة الخواطر 4: 51 - 52.

ص: 199

برهان الدين المالوي *

أحد كبار المشايخ الصوفية، قدم "مندو" في عهد هو شنك شاه الغوري، فبايعه الملك، وسكن بها الشيخ مفيدا، مرشدا.

ومات في سنة سار فيها هو شنك شاه إلى "جاجنكر"، كما في "كلزار أبرار"، وكان ذلك في سنة خمس وعشرين وثمانمائة، كما في "مرآة سكندري".

* * *

‌1138 - الشيخ الفاضل برهان الدين الملتاني، أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول والعربية

* *.

كان يدرّس، ويفيد بـ "بلدة حصار".

سافر إليه الشيخ عبد الله ابن بهلول السنديلوي، ثم الكجراتي، وقرأ عليه بعض كتب العربية والتفسير، وسافر معه إلى "كجرات"، كما في "كلزار أبرار".

* * *

‌1139 - الشيخ العالم الكبير بزرك علي بن حسن علي المارهروي

،

* راجع: نزهة الخواطر 3: 32، 33.

* * راجع: نزهة الخواطر 4: 52.

ص: 200

أحد العلماء المبرّزين في المعقول والمنقول *.

ولد، ونشأ بـ "مارهره".

وتلقّى مبادئ العلم في بلدته، ثم سافر إلى "لكنو"، و"كلكته"

(1)

، وقرأ الكتب الدراسيّة على مولانا حيدر علي الحسيني الطوكي، وعلى غيره من العلماء.

ثم ذهب إلى "دهلي"، وأسند الحديث عن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي، وبرع في جميع العلوم، لا سيّما الفنون الرياضية.

ثم تصدّر للتدريس بـ "أكبر آباد"، فدرّس، وأفاد بها زمانا، ثم استقضى ببلدة "عليكره"، وكان يدرّس في أيام اشتغاله بالقضاء أيضا، ثم ترك الخدمة، وسافر إلى "طوك" في أيام وزير الدولة، فجعله قاضي القضاة في بلدته، فاستقام على تلك الخدمة مدّة عمره.

ومن مصنّفاته: "العجالة النافعة"، و"إثبات الحق" في المناظرة بالمسيحيّين.

توفّي لإحدى عشرة من شوّال سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، كما في "المشاهير".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 7: 111 - 112.

(1)

"كلكته": مدينة حديثة العهد، مصّرها الإنكليز على نهر "هوكلي" حيث الطول الشرقي 28 درجة و 88 دقيقة، والعرض الشمالي 22 درجة و 33 دقيقة، وبينها وبين البحر مائة ميل، فجعلوها قصبة بلاد "الهند"، يسكن بها الحاكم العام للهند من قبل إنكلترا منذ مائة سنة، وفي سنة 1330 هـ 1911 م قدم جورج الحكومة من "كلكته" إلى "دهلي"، فانتقل نائبه "لورد هاردنك" من ذاك إلى هذا، ولها تجارة واسعة برا وبحرا، وهي أكبر مدن الهند في هذا العصر.

ص: 201

‌1140 - الشيخ العالم الفقيه بشارة الله بن أمانة الله بن أمان الله بن رحمة الله أبو محمد العلوي البهرائجي، أحد المشايخ النقشبندية

*.

ولد سنة إحدى ومائتين وألف ببلدة "بهرائج"، وتربى في مهد عمّه الشيخ نعيم الله، وقرأ عليه المختصرات، ولازمه زمانا، ولما توفي نعيم الله سار إلى "دهلي"، وأخذ المنطق، والحكمة عن الشيخ فضل إمام الخير آبادي، وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ رفيع الدين، وصنوه الشيخ عبد القادر، وكان يحضر دروس الشيخ الأجل عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي أيضا، ويستفيد منه، وكان يحضر لدى الشيخ غلام علي العلوي النقشبندي، ويلازمه في خلواته.

ثم لما حصل له الفراغ من الكتب الدراسية انقطع إليه بقلبه وقالبه، وأخذ عنه الطريقة، وبلغ رتبة، قلما وصل إليها أصحابه، حتى صار صاحب سرّه، فاستخلفه الشيخ، وكان يحبّه حبّا مفرطا، ويقول: إن أربعة رجال من أصحابي سلّمهم الله سبحانه، وكثر أمثالهم مربوطة بالمودّة، والمودّة أعزّ من القرابة: الشيخ أبو سعيد أسعده الله سبحانه، وولده أحمد سعيد، جعله الله تعالى محمودا، ورؤف أحمد رأف الله به، وبشارة الله، جعله الله مبشّرا بقبوله. انتهى. كما في رسالة الشيخ عبد الغني رحمه الله.

توفي يوم الخميس غرّة جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين وألف ببلدة "بهرائج"، فدفن بها.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 7: 112، 113.

ص: 202

‌1141 - الشيخ الفاضل بشر بن أبي الأزهر القاضي، واسم أبي الأزهر يزيد النيسابوري، وكنيته أبو سهل

*.

تفقّه على أبي يوسف، وسمع ابن المبارك، وابن عُيينة، وأبا يوسف، وشريكًا، وابن وهب، في آخرين.

روى عنه الإمام على ابن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي.

ذكره الحاكم في "تاريخ نيسابور"، وقال: من أعيان الفقهاء الكوفيين، وأديانهم، ومفتييهم، وزهّادهم.

مات ليلة الأربعاء، السادس من رمضان، سنة ثلاث عشرة ومائتين. -رحمه الله تعالى-.

* * *

‌1142 - الشيخ الفاضل بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن المريسي، مولى زيد بن الخطّاب

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 242.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 375، والفوائد البهية 55، وكتائب أعلام الأخيار برقم 104.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 230 - 238.

وترجمته في: الأنساب 523، 524، وتاريخ بغداد 7: 67، والجواهر المضية برقم 370، وروضات الجنات 2: 134، وشذرات الذهب 2: 44، =

ص: 203

كان يسكن في الدرب المعروف به، ويُسمّى "درب المريسي"

(1)

، وهو بين "نهر الدجاج" و"نهر البزازين".

أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي، واشتغل بالكلام، وجرّد القول بخلق القرآن، وحكى عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مُستنكرة، أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها، وكفره أكثرهم لأجلها

(2)

.

وكان الأليق بكتابنا هذا عدم ذكره، والإضراب عن الاعتناء بأمره، فإنه كان -والحقّ أحقّ أن يتّبع- سيئة من سيئات الزمان، ونقمة من نقم الحدثان، لكن ذكرناه تبعًا للغير، وتحذيرًا منه ومن العمل بطريقته، ولاحتمال أن يكون الله قد هداه قبل الموت إلى الحقّ واعتقاده، وإلا فالمشهور أن الرجل كان غير مُتقيّد بدين ولا مذهب، وسنذكر ما قاله في حقه الثقات الأثبات، من غير ميل إليه، وانحراف عنه، والله تعالى أعلم بالصواب.

قال في "الجواهر": أخذ الفقه عن أبي يوسف، وبرع فيه، ونظر في الكلام والفلسفة.

قال الصيمري فيما جمعه: ومن أصحاب أبي يوسف خاصّة بشر بن غياث المريسي، وله تصانيف، وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل الورع والزهد، غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان، لاشتهاره بعلم

= وطبقات الفقهاء للشيرازي 138، والعبر 1: 373، والفوائد البهية 54، والكامل 6: 441، وكتائب أعلام الأخيار برقم 101، وكشف الظنون 1: 631، واللباب 3: 128، ولسان الميزان 2: 29، ومرآة الجنان 2: 78، ومعجم البلدان 4: 515، وميزان الاعتدال 1: 322، 323، والنجوم الزاهرة 2: 228، ووفيات الأعيان 1: 277، 278.

(1)

وفي الأصول مكان هذا: "وهو نهر الدجاج"، وهو خطأ، وصوابه في تاريخ بغداد 7: 56، والنقل عنه.

(2)

هذا كلام الخطيب البغدادي، وما يأتي كلام المصنف.

ص: 204

الكلام، وخوضه في ذلك، وعنه أخذ حُسين النجّار

(1)

مذهبه، وكان أبو يوسف يذمّه.

قال: وهو عندى كإبرة الرفاء، طرفها دقيق، ومدخلها ضيّق، وهي سريعة الانكسار، انتهى.

وعن إسحاق بن إبراهيم بن عمر بن منيع: كان بشر المريسي، يقول بقول صنف من الزنادقة، سمّاهم صنف كذا وكذا، الذين يقولون ليس بشيءٍ

(2)

.

وعن عباد بن العوّام

(3)

: كلّمتُ بشرًا المريسيّ، وأصحاب بشرٍ، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء.

وعن يحيى ابن عاصم

(4)

، قال: كنت عند أبي، فاستأذن عليه بشرٌ المريسيّ، فقلتُ: يا أبتِ، يدخل عليك مثل هذا!! فقال: يا بُنيّ، وما له؟

قال، قلتُ: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض، وإن الجنّة والنار لم يُخلقا، وإن منكرًا ونكيرًا باطلٌ، وإن الصراط باطل، وإن الشفاعة

(5)

باطلٌ، وإن الميزان باطل، مع كلام كثير.

قال، فقال: أدخلْه عليّ.

(1)

هو الحسين بن محمد بن عبد الله النجّار، رأس الفرقة النجّارية من المعتزلة، المتوفى نحو سنة عشرين ومائتين. انظر الإمتاع والمؤانسة 1: 58، واللباب 3: 215، والملل والنحل 1:88.

(2)

كذا في الأصول.

(3)

تاريخ بغداد 7: 58.

(4)

هو يحيى بن علي بن عاص، كما في تاريخ بغداد 7:58.

(5)

في تاريخ بغداد "الساعة".

ص: 205

فأدخلتُه عليه.

قال: فقال: يا بشر ادنه، ويلك يا بشر ادنه، مرّتين، أو ثلاثًا. فلم يزلْ يدينه حتى قرب منه، فقال: ويلك يا بمر، من تعبد، وأين ربك؟ فقال: وما ذاك يا أبا الحسن.

قال: أخبرتُ عنك أنك تقول: القرآن مخلوق، وإن الله معك في الأرض مع كلام

(1)

.

-ولم أر شيئًا أشدّ على أبي

(2)

من قوله: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض-.

فقال: يا أبا الحسن، لم أجيءْ لهذا، إنما جئتُ في كتاب خالد تقرأه عليّ.

قال: فقال له: لا، ولا كرامة، حتى أعلم ما أنت عليه، أين ربك ويلك؟ قال، فقال له: أوتعفيني؟ قال: ما كنت لأعفيك.

قال: أما إذا أبيت، فإن ربي نور في نور.

قال: فجعل يزحف إليه، ويقول، ويلكم، اقتلوه، فإنه والله زنديقٌ، وقد كلّمت هذا الصنف بـ "خراسان".

وعن الحسين بن علي الكرابيسي

(3)

، أنه قال: جاءتْ أمّ بشر المريسيّ إلى الشافعي، فقالتْ: يا أبا عبد الله، أرى ابني يهابك ويُحبّك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه، فقد عاداه الناس عليه، ويتكلّم في شيء، يواليه الناس عليه، ويحبّونه.

فقال لها الشافعي: أفعل.

(1)

في تاريخ بغداد بعد هذا زيادة: "كثير".

(2)

تكملة من تاريخ بغداد.

(3)

تاريخ بغداد 7: 59.

ص: 206

فشهدت الشافعي، وقد دخل عليه بشر، فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه، أكتاب ناطق، أم فرض مفترض، أم سنة قائمة، أو وجوب عن السلف البحث فيه، والسؤال عنه؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث فيه، إلا أنه لا يسعنا خلافه.

فقال الشافعي: أقررت على نفسك بالخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يُواليك الناس عليه، وتترك هذا؟ قال: لنا نهمه

(1)

فيه.

فلمّا خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح.

قال الحسين

(2)

: كلّمت يومًا بشرًا المريسيّ، شبيهًا بهذا السؤال، قال: فرض مفترض، قلت: من كتاب، أو سنة، أو إجماع؟ قال: من كلّ.

قال: فكلّمته، حتى قام، وهو يضحك منه.

وقال البويطيّ: سمعتُ الشافعي يقول: ناظرتُ المريسيّ في القرعة، فذكرت له حديثَ عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرعة.

فقال: يا أبا عبد الله، هذا قمار.

فأتيت أبا البختريّ، فقلت له: سمعت المريسيّ يقول: القرعة قمار.

فقال: يا أبا عبد الله، شاهد آخر، واقتله.

وقال أبو ثور

(3)

: سمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسيّ: ما تقول في رجل قُتل، وله أولياء صغار، وكبار، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر؟.

فقال: لا.

(1)

النهمة: "الشهوة والحاجة".

(2)

تاريخ بغداد 7: 59.

(3)

تاريخ بغداد 7: 60.

ص: 207

فقلت له: فقد قتل الحسن بن علي بن أبي طالب، رضى الله عنه، ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار.

فقال: أخطأ الحسن بن علي.

فقلت: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟ قال: وهجرته من يومئذ.

وعن قتيبة بن سعيد

(1)

، قال: دخل الشافعي على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسيّ، فقال أمير المؤمنين للشافعي: ألا تدري من هذا؟ هذا بشرٌ المريسيّ.

فقال له الشافعي: أدخلك الله في أسفل سافلين، مع فرعون وهامان وقارون.

فقال المريسيّ: أدخلك الله أعلى علّيين، مع محمد وإبراهيم وموسى -صلّى الله عليهم، وسلّم-.

قال محمد بن إسحاق

(2)

: فذكرت هذا الحكاية لبعض أصحابنا، فقال لي: لا تدري أيّ شيءٍ أراد المريسيّ بقوله؟ كان منه طنزًا

(3)

، لأنه يقول: ليس ثم جنة ولا نار.

وروى

(4)

عن حميد الطوسيّ، أنه دخل على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسيّ، فقال أمير المؤمنين لحميد: أتدري من هذا يا أبا غانم؟ قال: لا.

قال: هذا بشر المريسيّ.

فقال حميد: يا أمير المؤمنين، هذا سيّد الفقهاء، هذا قد رفع عذاب القبر، ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، أنظر هل يقدر أن يرفع الموت؟ ثم نظر إلى بشر، فقال، لو رفعت الموت كنت سيّد الفقهاء حقًّا.

(1)

تاريخ بغداد 7: 60.

(2)

أي الثقفي، كما في تاريخ بغداد.

(3)

الطنز: السخرية.

(4)

أي الخطيب البغدادي: انظر: تاريخ بغداد 7: 60، 61.

ص: 208

وروى

(1)

أن يهوديًا مرّ على بشر، والناس مجتمعون عليه، فقال لهم: لا يفسد عليكم كتابكم، كما أفسد أبوه علينا "التوراة"، يعني أن أباه كان يهوديًا.

وعن أبي مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجليّ

(2)

، قال: حدثّني أبي، قال: رأيت بشرًا المريسيّ -عليه لعنة الله- مرّة واحدة، شيخًا قصيرًا، ذميم

(3)

المنظر، وسخ الثياب، وافر الشعر، أشبه شئ باليهود، وكان أبوه يهوديًا صبّاغًا بـ "الكوفة". في "سوق المراضع"، ثم قال: لا يرحمه الله، فقد كان فاسقًا.

وكان أبو زرعة الرازيّ، يقول

(4)

: بشرٌ المريسيّ زنديق.

وكان أبو يوسف، يقول له

(5)

: طلب العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم،

وإذا صار الشخص رأسًا في الكلام، قيل: زنديق، أو رمى بالزندقة، يا بشر: بلغني أنك تتكلّم في القرآن، إن أقررت أن لله علمًا خصمت، وإن جحدت العلم كفرت.

وكان يزيد بن هارون يحرض أهل "بغداد" على قتل بشر المريسيّ

(6)

.

(1)

أي الخطيب البغدادي: انظر: تاريخ بغداد 7: 60، 61.

(2)

تاريخ بغداد 7: 61.

(3)

تاريخ بغداد "دميم".

(4)

تاريخ بغداد 7: 61.

(5)

تاريخ بغداد 7: 61.

(6)

في تاريخ بغداد 7: 63، عن يزيد بن هارون، قال: المريسي حلال الدم، يقتل.

ص: 209

وروى

(1)

عن بعض العلماء الصلحاء

(2)

، أنه قال: رأيت ليلة الجمعة، ونحن في طريق "خراسان" في مفازة

(3)

إبليس في المنام.

قال: وإذا بدنه ملبس شعرًا، ورأسه إلى أسفل، ورجلاه إلى فوق، وفي بدنه عيون مثل النار.

قال: فقلت له: من أنت؟ قال: أنا إبليس.

قال: فقلت له: وأين تريد؟ قال: بشر بن يحيى. رجل كان عندنا بمرو يرى رأي المريسيّ.

قال: ثم قال: ما من مدينة إلا ولي فيها خليفة.

قلت: من خليفتك في "العراق"؟ قال: بشر المريسيّ، دعا الناس إلى ما عجزت عنه، قال: القرآن مخلوق.

وروى عن بشر

(4)

أنه قال: القول في القرآن قول من خالفني، وغير مخلوق.

فقيل له: أما ترجع عنه؟

(5)

قال: أرجع عنه! وقد قلته منذ أربعين سنة: (وقد صنّفت)

(6)

فيه الكتب، واحتججت فيه بالحجج.

فنعوذ بالله تعالى من العناد، والإصرار على ما يؤدّي إلى البوار، ودخول النار.

(1)

أي الخطيب، انظر: تاريخ بغداد 7: 64.

(2)

يحيى بن يوسف الزمي، كما في تاريخ بغداد.

(3)

في تاريخ بغداد "في منازه اموه". وفي هامشه تعليق، انظره.

(4)

روي الخطيب ذلك في تاريخ بغداد 7: 65، وذكر أن الذي كان يحاور هو محمد بن علي بن ظبيان القاضي.

(5)

في تاريخ بغداد: "قال: قلت: فالقول قولهم، ارجع عنه".

(6)

في تاريخ بغداد: "ووضعت".

ص: 210

وروى

(1)

دخل يومًا على سفيان بن عيينة، وعنده أصحابه، فأخذ يتكلّم بمهملاته، فقال ابن عيينة: اقتلوه.

قال ابن خلّاد

(2)

: فأنا كنت ممن ضربه بيده.

وقيل لسفيان بن عُيينة: إن بشرًا المريسيّ، يقول: إن الله تعالى لا يرى يوم القيامة. فقال: قاتله الله، ألم يسمع الله يقول:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}

(3)

، فجعل احْتجابه عنهم عُقوبة لهم، فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء، فأيّ فضل للأولياء على الأعداء؟! وروى

(4)

أن بشرًا دخل على أبي يوسف، فقال له أبو يوسف: حدّثنا إسماعيل، عن قيس، عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الرؤية.

ثم قال أبو يوسف: إني والله مؤمن بهذا الحديث، وأصحابك يُنكرونه، وكأني بك قد شغلت على الناس (خشبة باب الجسر، فاحذر)

(5)

.

وحدّث بعض الثقات

(6)

، أنه لما مات بشر المريسيّ لم يشهدْ جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عُبيد الشونيزي

(7)

، فلمّا رجع من جنازته أقبل عليه

(1)

تاريخ بغداد 7: 65.

(2)

في تاريخ بغداد: أنه أبو بكر بن خلاد الباهلي.

(3)

سورة المطففين 15.

(4)

تاريخ بغداد 7: 65.

(5)

في الأصول: "خشية باب الحبس فاحذره"، والتصويب من تاريخ بغداد.

(6)

تاريخ بغداد 7: 66.

(7)

نسبة إلى الشوينزية، وهي موضع معروف بغداد، له مقبرة بها مشايخ الطريقة، هى أيضا نسبة إلى الشونيز، وهي الحبة السوداء. اللباب 2:33.

ص: 211

أهل السنّة والجماعة، وقالوا: يا عدوّ الله تنتحل السنة، وتشهد جنازة المريسيّ؟ قال: أنظروني حتى أخبركم، ما شهدت جنازة رجوت بها من الخير

(1)

ما رجوت في شهود جنازته، لما وضع في موضع الجنائز، قمت في الصف، فقلت: اللّهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة، اللّهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك الكريم يوم ينظر إليك المؤمنون، اللّهم عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللّهم فخفّف ميزانه يوم القيامة، اللّهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر، اللّهم، فعذّبه اليوم في قبره عذابًا، لم تعذّبه أحدا من العالمين، اللّهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة، اللّهم فلا تشفعْ فيه أحدًا من خلقك يوم القيامة.

فسكتوا عنه، وضحكوا.

وحدّث أحمد ابن الدورقي

(2)

، قال: مات رجل من جيراننا شاب، فرأيته في الليل وقد شاب، فقلت: ما قصتك؟ قال: دفن بشر في مقابرنا، فزفرت جهنّم زفرة شاب منها كلّ من في المقبرة.

وكانتْ وفاته سنة ثمان عشرة ومائتين، ويقال: سنة تسع عشرة.

والمريسيّ، بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخرها السين المهملة، نسبة إلى "مريس"

(3)

، قرية بأرض "مصر"، قاله الوزير أبو سعد، في كتاب "النتف والطرف"

(4)

.

(1)

في تاريخ بغداد: "الأجر".

(2)

تاريخ بغداد 7: 67.

والدورقي هذا أحمد بن إبراهيم بن كثير، المتوفى سنة أربعين ومائتين.

وهو منسوب إما إلى بلد بفارس، وقيل: بخوزستان، يقال لها: دورق، أو إلى لبس القلانس الدورقية. اللباب 1:428.

(3)

هكذا ضبطها المؤلف، تبعا لأبي سعد الآبي الوزير، في كتابه الآتي ذكره، وقد تبع الآبي في هذا أبو سعد السمعاني، وابن الأثير، وابن خلكان، وصاحب الجواهر المضية.

وذكر ياقوت أن مريسة، بالفتح ثم الكسر والتشديد وياء سكنة وسين مهملة، قرية بمصر، وولاية من ناحية الصعيد.

أما المجد فقد قال في القاموس: "ومريسة، كسكينة: بلدة منها بشر بن غياث المريسي".

(4)

ذكر ابن خلكان بعد سياقه هذا القول: "وسمعت أهل مصر يقولون: إن المريس جنس من السودان، بين بلاد النوبة وأسوان، من ديار مصر، وكأنهم جنس من النوبة، بلادم متاخمة لبلاد أسوان، وتأتيهم في الشتاء ريح باردة من ناحية الجنوب، يسمونها المريسي، ويزعمون أنها تأتي من تلك الجهة والله أعلم.

قلت: والمريس في بغداد هو الخبز الرقاق، يمرس بالسمن والتمر، كما يصنعه أهل مصر بالعسل بدل التمر، وهو الذي يسمّونه: البسيسة".

ص: 212

ثم قال: وإليها يُنسب بشر المرسيّ، وإليه تُنسب الطائفة المريسية.

قال في "الجواهر": وله أقوال في المذهب غريبة.

منها؛ جواز أكل لحم الحمار. ومنها: وجوب الترتيب في جميع العمر، ذكره عنه صاحب "الخلاصة" في باب قضاء الفوائت، قال: وربما شرط بعض الترتيب في جميع العمر، كقول بشر. هكذا أطلقه، وهو بشر المريسيّ هذا. انتهى.

قال الإمام اللكنوي: المريسي بفتح الميم، وكسر الراء المهملة، بعدها المثناة التحية، في آخره سين مهملة: نسبة إلى "مريس" قرية بـ "مصر"، كذا ذكره السمعاني، وقال إليها ينسب بشر المريسي، وأرّخ وفاته سنة ثمانية عشر، وحكى بصيغة قيل: تسعة عشر. وقال في وصفه: هو أبو عبد الرحمن بشر بن غياث ابن أبي كريمة المريسي، مولى زيد بن خطّاب، من أصحاب الرأي، أخذ

ص: 213

الفقه عن أبي يوسف القاضي، إلا أنه اشتغل بالكلام، وحرّر القول بخلق القرآن. وحكي عنه أقوال شنيعة ومذاهب منكرة عند أهل العلم، كفّره أكثرهم لأجلها، وقد أسند من الحديث شيئا يسيرا عن حماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة، وأبي يوسف، وغيرهم، وكان بينه وبين الشافعي مناظرة، وإليه تنسب الطائفة من المرجئة، التى يقال لها: المريسية. وفي "ميزان الاعتدال": بشر بن غياث مبتدع، ضالّ، لا ينبغي أن يروى عنه. تفقّه على أبي يوسف، فبرع، وأتقن علم القرآن، ثم حرّر القول بخلق القرآن، وناظر عليه، ولم يدرك الجهم بن صفوان، وإنما أخذ مقالته، ودعا إليها، وسمع عن حماد بن سلمة، وغيره. وقال أبو النظر هاشم بن القاسم: كان والد بشر المريسي يهوديا قصّارا صبّاغا. قلت: وكان بشر أخذ في دولة الرشيد، وأوذي لأجل مقالته. وقال قتيبة بن سعيد: بشر المريسي كافر، مات سنة ثمان عشرة ومائتين، وقال أبو زرعة الرازي: بشر المريسي زنديق. انتهى ملخصا. الفوائد البهية ص 54.

* * *

‌1143 - الشيخ الفاضل بشر بن القاسم بن حمّاد بن عبد ربّه، أبو سهل الفقيه، السلمي، الهروي، النيسابوري المعروف ببشرويه

*.

* راجع: الطبقات السنية 2: 238.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 371.

ص: 214

والد الحسن، والحسين، وسل، قضاة "نيسابور"، وفقهاء أصحاب أبي حنيفة بها، وسيأتي كلّ منهم في بابه، إن شاء الله تعالى.

سمع بشر مالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وشريك بن عبد الله القاضي، وحمّاد بن زيد.

روى عنه بنوه الثلاثة المذكورون، وأيوب بن الحسن، في آخرين.

مات في آخر ذي القعدة، من سنة خمس عشرة ومائتين، وقبره في مقبرة الحسين بن معاذ.

قاله في "الجواهر"، نقلًا عن الحاكم.

* * *

‌1144 - الشيخ الفاضل بشر بن المعلّى

*.

قال في "الجواهر": روى عن أبي يوسف أن الحجّ بعد اجتماع الشروط، يعني شُروط الوجوب، يجب على الفور، حتى يأثم بالتأخير، ذكره شمس الأئمة في "المبسوط".

* * *

‌1145 - الشيخ الفاضل بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي، الإمام

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 238.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 372.

* * راجع: مقدمة إعلاء السنن 2: 165.

ص: 215

أحد أعلام الأئمة، المشهورين من علماء هذه الأمّة.

سمع مالك بن أنس، وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن الغسيل

(1)

، وحمّاد بن زيد، وصالحًا المري

(2)

، وحشرج بن نباتة، وشريك بن عبد الله وأبا الأحوص سلام بن سليم، وأبا يوسف، وكان أحد أصحابه، وعنه أخذ الفقه.

وروى عنه الحسن بن علويه القطّان، وأحمد بن الوليد بن أبان، وأحمد بن القاسم البرتي، وأحمد بن علي الأبار، وغيرهم.

وكان جميل المذهب، حسن الطريقة، وولي القضاء بعسكر المهدي، من جانب "بغداد الشرقي"، لما عزل عنه محمد بن عبد الرحمن المخزومي، وذلك سنة ثمان ومائتين، وأقام على ولايته سنتين

(3)

، ثم عزل، وولي القضاء بـ "مدينة المنصور "، في سنة عشر، فلم يزلْ متوليًا إلى أن صرف عنه، في سنة ثلاث عشرة ومائتين.

حدّث طلحة بن محمد بن جعفر، قال

(4)

: لما عزل المأمون إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة استقصى على "مدينة المنصور" أبا الوليد بشر بن الوليد الكندي، وكان بشر علمًا من أعلام المسلمين، وكان عالمًا، ديّنًا، خشنًا، (مهذّب الحكم)

(5)

، واسع الفقه، وهو صاحب أبي يوسف، ومن المقدّمين عنده، وحمل الناس عنه من الفقه والمسائل ما لا يُمكن جمعه.

(1)

الغسيل: هو حنظلة بن أبي عامر، غسيل الملائكة، وسمي بذلك، لأنه قتل بأحُد جنبا، فغسلته الملائكة. انظر اللباب 2:173.

(2)

في الأصول: "المرسي"، والتصويب من تاريخ بغداد 7:80. وانظر العبر 1: 262.

(3)

في تاريخ بغداد 7: 81: "سنين".

(4)

تاريخ بغداد 7: 81.

(5)

في تاريخ بغداد: "في باب الحكم"، ولعله تصحيف.

ص: 216

قال الحافظ في "اللسان" سمع عبد الرحمن ابن الغسيل، ومالك بن أنس، وتفقّه بأبي يوسف، كان واسع الفقه، متعبدة، ورده في اليوم والليلة مائتا ركعة، كان يلزمها بعد ما فلج وشاخ، سعى به رجل إلى الدولة أنه لا يقول: القرآن مخلوق، فأمر به المعتصم أن يحبس في منزله، فلمّا ولي المتوكّل أطلقه. قال: صالح بن محمد جزرة، هو صدوق، وروى السلمي عن الدار قطني، وذكره ابن أبى حاتم، فلم يذكر فيه جرحا، وقال مسلمة: ثقة، وكان ممن امتحن. وكان أحمد يثني عليه. مات سنة 238 هـ.

روى عنه البغوي، وأبو الوليد، وحامد بن شعيب، ولي قضاء مدينة المنصور إلى سنة ثلاث عشرة ومائتين. ملخّصا. (2: 35).

زاد في "الجواهر": هو أحد أصحاب أبي يوسف خاصّة. كان متحاملا على محمد بن الحسن منحرفا عنه، وكان الحسن بن مالك ينهاه عن ذلك، ويقول له: قد عمل محمد بن الحسن هذه الكتب، فاعمل أنت مسألة واحدة. كان جميل المذهب، حسن الطريقة، صالحا، دينا، عابدا. حمل الناس عنه من الفقه والنوادر والمسائل ما لا يمكن جمعها كثرة، وكان متقدّما عند أبي يوسف. روى عنه كتبه وأماليه (وروى الخطيب بإسناده إلى بشر بن الوليد كما في "جامع المسانيد" (2: 418) قال بشر: كنا نكون عند سفيان بن عيينة، فإذا وردت علينا مسألة مشكلة يقول: ها هنا أحد من أصحاب أبي حنيفة؟ فيقال: بشر. فيقول: أجب فيها، فأجيب. فيقول: التسليم للفقهاء سلامة في الدين. سمع حماد بن زيد، ومالكا وغيرهما، روى عنه أحمد بن على الأنباري، وأبو يعلى الحافظ الموصلي اهـ. 1:167. قلت: وروى له الدارقطني والبيهقي في "سننيهما" أيضا كما أحفظ. والله أعلم.

وقال طلحة: حدّثني عبد الباقى بن قانع، عن بعض شيوخه، أن يحيى بن أكثم شكا بشر بن الوليد إلى المأمون، وقال: إنه لا يُنفذ قضائي. وكان

ص: 217

يحيى قد غلب على المأمون، حتى كان عنده أكبر من ولده، فأقعده المأمون على سريره، ودعا بشر بن الوليد، فقال له: ما ليحيى يشكوك، ويقول: إنك لا تنفذ أحكامه.

قال: يا أمير المؤمنين! سألتُ عنه بـ "خراسان" فلم يحمدْ في بلده، ولا في جواره.

فصاح به المأمون، وقال: اخرج.

فخرج بشر، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين! قد سمعت فاصرفه.

فقال: ويحك، هذا لم يراقبْني فيك، أصرفه!! فلم يفعلْ.

وعن أحمد بن الصلت

(1)

، قال: سمعت بشر بن الوليد القاضي، يقول: كنا نكون عند ابن عيينة، فكان إذا وردت عليه مسألة مشكلة يقول: ها هنا أحد من أصحاب أبي حنيفة؟ فيقال: بشر. فيقول: أجب فيها. فأجيب، فيقول: التسليم للفقهاء سلامة في الدين.

وكان بشر

(2)

يُصلّي كلّ يوم مائتي ركعة، وكان يُصلّيها بعد ما فُلِجَ.

وعن أبي قدامة

(3)

، قال: لا أعلم بـ "بغداد" رجلًا من أهل الأهواء والرافضة، إلا كانوا مُعينين على أحمد بن حنبل، ما خلا بشر بن الوليد الكندي، رجل من العرب

(4)

.

وعن محمد بن سعد

(5)

، قال: بشر بن الوليد الكندي، روى عن أبي يوسف القاضي كتبه وإملاءَه، وولي القضاء بـ "بغداد" في الجانبين جميعًا، فسعى به رجل، وقال: إنه لا يقول: القرآن مخلوق. فأمر به أمير المؤمنين أبو

(1)

تاريخ بغداد 7: 82.

(2)

تاريخ بغداد 7: 82.

(3)

تاريخ بغداد 7: 83.

(4)

في بعض النسخ "الغرب".

(5)

تاريخ بغداد 7: 83.

ص: 218

إسحاق المعتصم أن يحبس في منزله، ووكّل ببابه الشرط، ونهى أن يفتي أحدًا بشئ، فلمّا ولي جعفر بن أبي إسحاق الخلافة، أمر بإطلاقه، وأن يُفتي الناس، ويحدّثهم، فبقي حتى كبرتْ سنّه

(1)

.

وقد وثّقه أبو على صالح بن محمد

(2)

، ووثّقه الدارقطني أيضًا، ونقل الخطيب عن بعضهم تضعيفه.

وقد مدح وهجي كغيره من الأفاضل المحسودين، فممّا هجى به قول بعضهم، حين ولي قضاء عسكر المهدي:

يا أَيُها الرجلُ الموَحِّدُ رَبَّهُ

قاضِيكَ بشرُ بن الوليد حِمارُ

يَنْفِى شهادة من يَدِينُ بما بِهِ

نَطَقَ الكتابُ وجاءت الآثارُ

ويعُدُّ عَدْلًا من يقول بأنه

شيخٌ تُحيطُ بِجِسْمِهِ الأَقْطارُ

(3)

وممن مدحه ربيعة بن ثابت الرقي، بأبيات حسنةٍ، وهي هذه

(4)

:

بشرٌ يجُودُ بمالِهِ

جُودَ السَّحائِبِ بالدِّيَمْ

وأبو الوليدِ حوَى النَّدَى

لما تَرَعْرَعَ واْحتَلَمْ

وأَعَزّ بَيْتٍ بَيْتُه

بيتٌ بَنَتْهُ له إرَمْ

عَمَرَتْهُ كِنْدَةُ دَهْرَها

وبَنَى فَأَتْقَنَ ما انهدَمْ

بِشْرٌ يجودُ برفدهِ

عَفْوًا ويكشفُ كلَّ غَم

بشرٌ يجود إذا قصدْ

تَ تُريدُ جدواهُ هلم

ما قال لا في حاجةٍ

لا بَل يقولُ نعمْ نعمْ

(1)

بعد هذا في تاريخ بغداد زيادة: "وتكلم بالوقف، فأمسك أصحاب الحديث عنه، وتركوه".

(2)

في الأصول: خطأ: "عصر"، وصالح بن محمد جزرة. انظر تاريخ بغداد، وميزان الاعتدال 1:327.

(3)

كذا في الأصول: "شيخ"، ولعلّ الصواب:"شبح".

(4)

القصيدة في تاريخ بغداد 7: 82، 83.

ص: 219

وهو العَفُوُّ عنِ المِسِ

ئِ وعن قبائح ما اجْتَرَمْ

نامَ القُضاةُ عن الأنا

م وعَيْنُ بشر لم تنم

وحكيمُ أهلِ زمانِهِ

فيما يريدُ وما حَكَمْ

(1)

وكأنه القمرُ المِني

رُ إذا بَدَا أجْلَى الظُلَمْ

(2)

وكأنه البحرُ المِطلُ

إذا تقاذَفَ والتَطَمْ

(3)

وكأنه زهرُ الربي

عِ إذا تفتَّحَ أو نَجَمْ

ختَمَ الإلهُ لِبِشْرِنا

بالخيرِ منه إذا خَتَمْ

قال أحمد بن كامل القاضي

(4)

: مات بشر بن الوليد الكندي المفلوج، صاحب أبي يوسف القاضي، في سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وبلغ سبعًا وتسعين سنة، ودفن في مقابر باب "الشام ". -رحمه الله تعالى-.

قلت: في "الفوائد البهية" ص 55 ذكر القاري أنه كان متحاملا على محمد بن الحسن، وكان الحسن بن مالك ينهاه، ويقول: قد عمل محمد هذه الكتب، فاعمل أنت مسألة واحدة، وكان صالحا، دينا، عابدا، واسعا في الفقه، خشنا في باب الحكم، مقدّما عند أبي يوسف، وروى عنه كتبه وأماليه. سمع من مالك، وحماد بن زيد، وغيرهما، وروى عنه الحافظ أبو نعيم الموصلي، ونحوه. وقال عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن بشر بن الوليد، فقال: ثقة. وقال أحمد بن عطية: كان يصلّى في كلّ يوم مائة ركعة، وكان يصلّيها بعد ما فلج، وشاخ. وفي "ميزان الاعتدال": بشر بن الوليد الكندي الفقيه سمع مالك بن أنس، وتفقّه بأبي يوسف، وروى عنه البغوي، وأبو يعلى، وحامد بن شعيب، وولي قضاء "مدينة المنصور" إلى سنة ثلاث عشرة

(1)

في تاريخ بغداد: "فيما يدير وما حكم".

(2)

في تاريخ بغداد: "حبلي الظلم".

(3)

في تاريخ بغداد: "البحر الخضم".

(4)

تاريخ بغداد 7: 84.

ص: 220

ومائتين. وكان واسع الفقه، متعبّدا، ورده في اليوم والليلة مائتا ركعة، وكان يلزمها بعد ما فلج وشاخ، قد سعى به رجل إلى الدولة أنه لا يقول بخلق القرآن، فأمر المعتصم به أن يحبس، فلمّا ولي المتوكّل أطلقه، ثم أنه شاخ، واستولى عليه الهرم، ويقال: إنه في آخر أمره وقف في القرآن، فأمسك أصحاب الحديث عنه، وقال صالح بن محمد: هو صدوق، ولكنه لا يعقل، وقال الآجري: سألت أبا داود، فقال: ثقة، وقال السلمي عن الدارقطني: ثقة، انتهى ملخّصا. والكندي نسبة إلى "كنده" بكسر الكاف قبيلة مشهورة بـ "اليمن"، ذكره السمعاني.

* * *

‌1146 - الشيخ الفاضل بشر بن يحيى المروزي

*.

قال نُصَير بن يحيى: سئل بشر بن يحيى المروزي عن ماء وقعتْ فيه نجاسة، فأرة أو نحوها، والماء قليل، فعجن به، وخُبز، قال: بيعوه من النصارى، ولا أراهم يأكلونه إن علموا ذلك، فلا بدّ من الإعلام. ثم قال: بيعوه من اليهود، ولا أراهم يأكلونه إن علموا ذلك. ثم قال: بيعوه من المجوس، ولا أراهم يأكلونه إن علموا ذلك. ثم قال: بيعوه من هؤلاء الذين يقولون: الماء طاهر لا ينجّسه شيء. كذا في "حيرة الفقهاء"، نقله صاحب "الجواهر".

قلت: وفيه من سوء الأدب، وبذاءة اللسان، ما لا يخفى، ومثل هذا لا يليق بشأن أهل العلم، -سامحه الله تعالى، وغفر له بمنّه وكرمه-.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 242.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 374.

ص: 221

‌1147 - الشيخ الفاضل العالم الصالح المولى بشير أحمد بن المنشئ عبد الجبّار بن الحاج أمجد علي بن المنشئ رميز الله الكملائي

*.

ولد بقرية "مَيْسَائر" من مضافات "برورا" من كُمِلّا

(1)

سنة 1359 هـ.

تلقّى مبادئ العلوم في المدرسة الواقعة بقريته، ثم التحق بدار العلوم برورا.

وقرأ فيها إلى "هداية الفقه"، ثم سافر إلى دار العلوم معين الاسلام هاتهزاري، وأكمل الصفّ النهائي سنة 1384 هـ.

من أساتذته فيها: العلامة أبو القاسم المعروف بشيخجي، والعلامة المحدّث عبد القيّوم، وشيخ الأدب العلامة محمد علي النظام فوري، والشيخ العلامة أحمد شفيع الجاتجامي.

عيّن مدرّسا بدار العلوم "كُلَا كُوْفَا" بـ "نواخالي"، ودرّس هنا "سنن أبي داود"، ثم التحق بـ "سرسدي"، ودرّس فيها أيضا "سنن أبي داود" سنتين.

ثم التحق بالمدرسة الحافظية بـ "جعفر آباد"، "جاندفور"، ودرّس فيها "الصحيح" لمسلم سنتين، ثم التحق بالجامعة الإمدادية بـ "فريد آباد"، داكا، وأمضى بقية حياته فيها.

وكان عالما، محقّقا، مدقّقا، فطنا، ديّنا ورعا، ذا مجد وشرافة.

* راجع: مشايخ كملا 1: 75، 76.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

ص: 222

بايع في الطريقة على يد المفتي الأعظم فيض الله، رحمه الله تعالي.

توفي في الصباح يوم الجمعة 1405 هـ.

* * *

‌1148 - الشيخ الفاضل العلامة بشير الدين بن كريم الدين العثماني القنوجي، أحد العلماء المشهورين

*.

ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف ببلدة "قنوج"، ونشأ بمدينة "بريلي"، وقرأ القرآن على أحمد على الحافظ الإمام بجامع "بريلي"، وقرأ النحو والصرف وبعض رسائل المنطق على تفضّل حسين البريلوي، وقرأ بعض رسائل العروض والبيان والبديع والحساب والفرائض والفقه على والده، وقرأ بعض رسائل المنطق كـ "مير زاهد رسالة"، و "شرح السلّم" لبحر العلوم، و"شرحه" لحمد الله، و "تشريح الأفلاك"، و "تحرير الأقليدس" على المولوي محمد حسن البريلوي.

وقرأ "شرح التهذيب" للدوّاني، وحاشيته لمير زاهد، و"شرح الجغميني" على المولوي محمد علي بن أخت المفتي شرف الدين، وقرأ "المختصر" للتفتازاني، و "التوضيح"، وحاشيته "التلويح"، و "هداية الفقه"، و "تفسير البيضاوي" على الشيخ إله داد الرامبوري، وقرأ "المطوّل"، و"المقامات" للحريري، و "المعلّقات السبع" و "ديوان المتنبي"، و"ديوان الحماسة" على مولانا أوحد الدين البلكرامي، وقرأ ما بقى له من الكتب الدراسية على مولانا قدرة الله اللكنوي.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 113 - 115.

ص: 223

وأخذ الحديث عن الشيخ رحيم الدين البخاري، عن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وقرأ فاتحة الفراغ، وله اثنتان وعشرون سنة، ثم تصدّر للتدريس، وأقام مدّة من الزمان ببلدة "طوك"، و"مراد آباد"، و"دهلي" و"عليكده"، و"كانبور".

وكان يدرّس، ويفيد بها، ثم ذهب إلى "بوفال" سنة خمس وتسعين، وولي القضاء بها، أخذ عنه الشيخ شمس الحق الديانوي، والسيّد أمير علي المليح آبادي، والسيّد أمير حسن السهسواني، والشيخ وحيد الزمان اللكنوي، والشيخ عليم الدين الشاهجهانبوري، والسيّد إمداد العلي الأكبر آبادي، وخلق كثير من العلماء.

ومن مصنّفاته: حاشية على "شرح السلّم" لحمد الله، وحاشية على "مير زاهد شرح المواقف"، وله حلّ أبيات "المطوّل"، و"حلّ شواهد الكتب الدراسية في النحو والصرف"، وشرح جزء من أجزاء "الموطّأ"، وتخريج أحاديث "شرح العقائد"، و"كشف المبهم" شرح على "مسلّم الثبوت"، وهو أشهر مصنّفاته، وله "تفهيم المسائل"، و"الصواعق الإلهية"، و "غاية الكلام في إبطال عمل المولد والقيام"، و"أحسن المقال في شرح حديث لاتشدّ الرحال"، و"بصارة العينين في منع تقبيل الإبهامين"، وله غير ذلك من الرسائل.

مات في ذى الحجّة سنة ستّ وتسعين ومائتين وألف بمدينة "بوفال"، كما في "تذكرة النبلاء".

* * *

‌1149 - الشيخ العالم الفقيه أبو البقاء بن درويش محمد الحسيني، الواسطي، الجونبوري

،

ص: 224

أحد الفقهاء الحنفية *.

وُلِدَ، ونشأ بـ "جونبور"، وقرأ العلم على والده، وعلى غيره من العلماء، ثم تصدّر للتدريس.

وكان مفرط الذكاء، سريع الإدراك، قويّ الحافظة، حلوّ المنطق.

درّس، وأفاد مدّة مديدة في بلدته.

قال الزيدي في "تجلّي نور": قرأ العلم على مولانا محمد ماه الديوكامي، وولي الإفتاء بمدينة "جونبور"، فاشتغل به مدّة حياته.

وله "إعراب القرآن" في عشرة مجلّدات، أوله: الحمد لله الذي وفّقنا لحفظ كتابه، إلخ. وله حاشية على "شرح الكافية" للجامي، وعلى "شرح الشمسية" للرازي.

وأنت تعلم أن "إعراب القرآن" من مصنّفات أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري المتوفى سنة 616 هـ، لعلّه اشتبه عليه بالكنية، وكذلك أشكّ في نسبة تلمذه على محمد ماه الديوكامي، وإن صحّ ذلك فالشكّ راجع إلى تاريخ وفاته، قال: إنه توفي يوم الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى سنة أربعين وألف بمدينة "جونبور"، فدفن بها، والله أعلم.

* * *

‌1150 - الشيخ الفاضل أبو البقاء بن محمد بن أحمد العمري، الصَّاغاني، المكّي

* *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 12.

* * راجع: معجم المؤلفين 3: 53.

(ط) 175: II،Brockelmann:g

ص: 225

فقيه.

ولد سنة 759 هـ، توفي بـ "مكة" سنة 854 هـ.

من آثاره: "مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع الجهلة والعوام".

* * *

‌1151 - الشيخ الفاضل بكّار بن الحسن بن عثمان بن زياد بن عبد الله، الفقيه العنبري، الأصبهاني، مفتيها

*.

حدّث عن أبيه، وعن ابن المبارك، وإسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة.

امتحن في أيام الواثق، فلم يجبْ إلى ما يريدون، وقال: عيون الناس ممدودة إليّ، فإن أجبت أخشى أن يجيبوا ويكفروا. وتجهّز ليخرج، فوكّل به، وعزم حبّان

(1)

بن بشر القاضي على نفيه من "أصبهان"، فجاء البريد بموت الواثق، فطرد الأعوان عن داره، فقال الناس: ذهب بكّار بن الحسن بالدست، وخَرِيَ حبان في الطست.

قال ابن أبي الشيخ: مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، -رحمه الله تعالى-.

وسيأتي أبوه الحسن في بابه، إن شاء الله تعالى.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 243.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 376، وذكر أخيار أصبهان 1: 227، 228.

(1)

في الأصول هنا وفيما يأتي: "حيان"، وستأتي ترجمته برقم 637.

ص: 226

‌1152 - الشيخ الفاضل بكّار بن قُتيبة بن عبد الله بن أبي بردعة ابن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة أبو بكرة الثقفي، البكراوي

*.

وفي هذا النسب، من تقديم بعض الآباء على بعض، وإثبات البعض، وإسقاط البعض، خلاف، لا علينا أن نطيل به، لعدم الفائدة المهمّة في ذلك.

ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخذ الفقه والشروط عن هلال بن يحيى، وعيسى بن أبان، وطلب الحديث، فأكثر عن أبي داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وصفوان بن عيسى، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومؤمل بن إسماعيل، وغيرهم من مشايخ "البصرة".

وروى عنه أبو داود السجستاني، خارج "السنن" وابن خزيمة، وأبو عوانة، في "صحيحيهما"، والطحاوي، أكثر عنه جدًا، وخلائقُ كثيرون، وكان له اتّساع في الفقه والحديث.

* راجع: الطبقات السنية 2: 243 - 252.

وترجمته في الأنساب 88، وتاج التراجم 19، 20، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 282، والجواهر المضية برقم 377، وحسن المحاضرة 1: 463، 2: 144، ودول الإسلام 1: 164، ورفع الإصر 1: 140 - 155، وشذرات الذهب 2: 158، والعبر 2: 44، والفوائد البهية 55، وكتائب أعلام الأخيار برقم 133، واللباب 1: 138، ومرآة الجنان 2: 185، 186، والنجوم الزاهرة 3: 47، ووفيات الأعيان 1: 279 - 282، والولاة والقضاة 477، والمحق 505، هذا، وسيذكر المؤلف نسبة "البكراوي" في باب النسب.

وقد أكثر المؤلف أيضا في النقل عن رفع الإصر.

ص: 227

وعن أحمد بن سهل الهرويّ قال: كنت ألازم غريمًا لي، إلى

(1)

بعد العشاء الآخرة، أو نحو هذا، وكنت ساكنًا في جوار بكّار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي، فإذا هو يقرأ {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}

(2)

، الآية، فوقفتُ أتسمع عليه طويلًا، ثم انصرفتُ فقمتُ في السحر، على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية، ويردّدها، فعلمتُ أنه كان يقرؤها من أول الليل.

وكان كثيرًا ما يُنشد

(3)

:

لِنَفْسِيَ أَبْكِي لستُ أَبْكِى لِغَيرِهَا

لِعَيْبِيَ في نفسي عن الناسِ شاغِلُ

قال أبو عمر الكندي

(4)

: قال محمد بن الربيع الجيزي: ولي بكّار قضاء "مصر" من قبل المتوكّل، فدخلها يوم الجمعة، لثمان ليالٍ خلون من جمادى الآخرة، سنة ستّ وأربعين ومائتين.

ويقال: إنه لقي وهو قاصد "مصر" محمد بن أبي الليث بـ "الجفار"

(5)

؛ وهو الرمل الذي بين "غزّة" و"العريش"، راجعًا إلى "العراق" مصروفًا، فقال له بكّار: أنا رجل غريب، وأنت قد عرفت البلد، فدُلّني على مَنْ أشاوره وأسكن إليه.

(1)

في الأصول: "أتي" والمثبت من رفع الإصر.

(2)

سورة ص 26.

(3)

رفع الإصر 1: 142، والخبر فيه عن سعيد بن عثمان.

(4)

الولاة والقضاة 506، ورفع الإصر 1:142.

(5)

الجفار: أرض من مسيرة سبعة أيام بين فلسطين ومصر، أولها رفح من جهة الشام، وآخرها الخشبي، متصلة برمال تيه. بنى إسرائيل، وهي كلّها رمال سائلة بيض. معجم البلدان 2:90.

ص: 228

فقال له: عليك برجلين، أحدهما عاقل، وهو يونس بن عبد الأعلى، فإنني سعيتُ في سفك دمه، وقدر عليّ فحقن دمي، والآخر موسى بن عبد الرحمن بن القاسم؛ فإنه زاهد.

قال: فصِفْهما لي.

فوصفهما له، فلمّا دخل بكّار "مصر"، ودخل الناس إليه، رأى شيخًا بالوصف الذي وصف له به يونس بن عبد الأعلى، فظنّ أنه هو، فأكرمه، فبينا هو في الحديث معه، إذ قيل: يونس بن عبد الأعلى. فأعرض عن الرجل، وتلقّى يونس، فأكرمه، وأتاه موسى بن عبد الرحمن، فأعظمه، واستشاره، وأخذ برأيه.

واتفق

(1)

أنه قال لموسى، بعد ما تخصص به: يا أبا هارون! من أين المعيشة؟ قال: من وقف أبي.

قال: يكفيك؟ قال: قد تكفّيت به، وقد سأل القاضي، فأسأل؟ قال: سل.

قال: هل ركب القاضي دين بـ "البصرة". لم يجدْ له وفاء حتى تولّى القضاء؟ قال: لا.

قال: فرزق ولدًا أحوجه إلى ذلك؟ قال: لا.

قال: فعيال؟ قال: ما نكحت قطّ.

قال: فأجبره السلطان وخوفه؟ قال: لا.

قال: فضربت آباط الإبل من "البصرة" إلى "مصر" لغير حاجة!! لله علىّ أن دخلت عليك أبدًا.

قال: أقلني.

قال: أنت ابتدأت.

(1)

الولاة والقضاة 506، رفع الإصر 1:143.

ص: 229

ثم انصرف عنه، فلم يعدْ إليه.

قال ابن حجر

(1)

: وقد استبعد صاحبنا جمال الدين

(2)

صحة هذه الحكاية

(3)

، من جهة أن ابن أبي الليث كان حينئذ محبوسًا بـ "العراق"، ولأن خروجه من "مصر" كان في سنة إحدى وأربعين، قبل مجيئ بكّار بخمس سنين.

وأجرى المتوكّل على بكّار في الشهر مائة وثمانية وستين دينارًا.

وكان بكّار عارفًا بالفقه، كثير البكاء، والتلاوة، وكان إذا فرغ من الحكم خلا بنفسه، وعرض من تقدم إليه، وما حكم به، على نفسه، وكان يكثر الوعظ للخصوم، ولا سيّما عند اليمين، وكان يحاسب أمناءه في كلّ وقت، ويسأل عن الشهود.

ودخل عليه أبو إبراهيم المزني

(4)

في شهادة، ولم يكنْ رآه قبلها، لاشتغال المزني بنفسه، وإنما اضطرّ إلى أداء الشهادة، فلمّا أدّاها، قال له: تسم.

فقال: إسماعيل بن يحيى المزني.

قال: صاحب الشافعي؟ قال: نعم.

فاستدعى مَنْ شهد عنده أنه هو، فقبل شهادته.

وقال الطحاوي

(5)

: ما أدري كم كان يجئ أحمد بن طولون إلى بكّار، وهو على الحديث، فما يشعر به بكّار إلا وهو جالس إلى جنبه،

(1)

رفع الإصر 1: 143.

(2)

في رفع الإصر زيادة "البشبيشي"، وهي بين معقوفين مجتلبة من سير أعلام النبلاء، وعلى هذا فليس جمال الدين صاحب ابن حجر.

(3)

أي حكاية لقاء ابن أبي الليث، وما ترتب عليها.

(4)

أي حكاية لقاء ابن أبي الليث، وما ترتب عليها.

(5)

رفع الإصر 1: 145.

ص: 230

فيقول: ما هذا أيّها الأمير، هلا تركتني حتى أقضى حقّك، أحسن الله مجازاتك.

وقال أبو حاتم ابن أخي بكّار: قدم على بكّار رجل من أهل "البصرة"، ذكر أنه كان رفيقه في المكتب، فأكرمه جدًا، ثم احتاج إلى شهادة، فشهد عند بكّار مع رجل مصري، فتوقّف عن الحكم، فظنّ أهل "مصر" أن توقفه لأجل المصري، فسئل في خلوة عن ذلك، فقال. المصري على عدالته، ولكن السبب البصري، وذكر منه أمرًا رآه في الصغر، وقال: لا تطيبُ نفسي إذا ذكرت ذلك أن أقبل شهادته.

وقيل

(1)

: إنه ذكر أنه أكل معه أرزًا في سمن، فنفذ العسل الذي من ناحية بكّار، ففتح من جهة صاحبه، حتى جرى إليه، فقال له {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}

(2)

.

فقال: له بكّار

(3)

: أتهزأ بالقرآن في مثل هذا! فبقيت في نفسه عليه.

وكان بكّار في غاية العفاف، وسلامة الصدر، اتفق أنه دخل عليه بعض أمنائه، وهو مخرق الثياب، فقال: بعثتني أحفظ تركة فلان، فصنع بي جاره هذا.

فقال: أحضروه.

فأحضره الأعوان، فقال له بكّار: أنت صنعت هذا بأميني

(4)

.

قال: نعم.

(1)

رفع الإصر 1: 146.

(2)

سورة الكهف 71.

(3)

رفع الإصر 1: 147.

(4)

في الأصول: "أنت منعت هذا يامسى"، والمثبت في رفع الإصر، ولكلّ من الروايتين محمل، وربما تصحفت واحدة عن الأخرى.

ص: 231

فقال: خُذُوه.

فأخذه الأعوان، فسقط ميتًا، فدهش بكّار، فقال له أمناء القاضي: هذا عمله اليوم

(1)

، مات مرّتين.

فاستوى الرجل جالسًا، فقال: كذبوا والله، ما متّ إلا الساعة، ورقد.

فجعل بكّار يرشّ عليه ماء الورد، ويشمّه

(2)

الكافور، ويرفق به، ويعده، إلى أن قام، فصرفه، وأقبل على أعوانه، فقال: هددتموه، وجررتموه، فلو وافق أجله!.

وكان ابن طولون

(3)

إذا حضر جنازة لا يُصلّي عليها غيره، إلا أن يكون بكّار حاضرًا

(4)

.

ويقال

(5)

: إن بكّارًا كان عثمانيًا، فتظلّم إليه رجل، فجعل يُنادي: ذهب الإسلام.

فقال له بكّار: يا هذا! نحر عثمان فما ذهب الإسلام، يذهب بسببك!

فلمّا وقع بينه وبين ابن طولون بكته بها ابن طباطبا النقيب

(6)

.

وقال الطحاوي

(7)

: جاء رجل إلى أبي جعفر محمد بن العبّاس التل الفقيه، فقال له: في يدي دار لرجل غائب، وإني أريد إخراجها من يدي.

(1)

ضبطت في رفع الإصر بفتح العين وكسر الميم، على أنه فعل.

(2)

في الأصول: "ويشممه"، والمثبت في رفع الإصر.

(3)

رفع الإصر 1: 147.

(4)

ذكر ابن حجر بعد هذا قصة لهما في الصلاة على جنازة.

(5)

رفع الإصر 1: 148.

(6)

هو على بن الحسين، ويأتي التصريح باسمه في موضع آخر من الترجمة.

(7)

رفع الإصر 1: 148.

ص: 232

فقال له: صرْ إلى القاضي، فسلّمها له.

فمضى، وعاد، فقال: قلت له، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وسم له اسم صاحبها، وأنه غائب. ففعل، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وأذكر له موضعها وحدودها

(1)

. ففعل، فقال: أخرجوه، فقال له التل: صدق، عد إليه، واذكر له إنك لا ملك لك عليها، ولا على شيء منها بسبب من الأسباب. فقال: أخرجوه. فقال التل: صدق، عد إليه، وقل له: وأنا عاجزٌ عن حفظها. فمضى، ثم عاد، فقال: عرفته ذلك، فقال: اكتبوا عليه بما ذكرنا كتابًا، وأعطوه نسخة، واقبضوا الدار، وأقيموا لها أمينًا، حتى يحضر صاحبها. فقال له التل: ابتليت بقاضٍ فقيه.

قال ابن حجر: والتل هذا يسمّى محمد بن العبّاس، بصرى سكن "مصر"، ومات في ذي الحجّة، سنة اثنتين وسبعين ومائتين.

وعن بكّار

(2)

أنه قال يومًا في مجلسه: ما حللت سراويلي على حلالٍ قطّ.

فقال له رجل: ولا حرام؟ فقال: والحرام يذكر!! وكان بكّار

(3)

يخالف أصحابه الحنفية في تحليل قليل النبيذ، ويذهب إلى تحريمه، وكان يعاتب صاحبه

(4)

أبا جعفر التل على الشرب.

(1)

في رفع الإصر: "الموضع الذي هو غائب فيه"، وفي نسخة أخرى منه: واذكر له موضعه.

(2)

رفع الإصر 1: 149.

(3)

رفع الإصر 1: 150.

(4)

في رفع الإصر: "وعاتب"، هو المناسب لمقام الرجل. ولذلك عدلت رواية الأصول، فقد كانت:"وكان يعاقب صاحبه".

ص: 233

قال ابن زولاق

(1)

: كان لبكّار اتّساعٌ في العلمِ والمناظرة، ولما رأى "مختصر المزني" وما فيه من الردّ على أبي حنيفة، شرع هو في الردّ على الشافعي، فقال لشاهدين من شهوده: اذهبا إلى المزنيّ، فقولا له: سمعت الشافعى يقول ما في هذا الكتاب؟

فمضيا، وسمعا "المختصر" كلّه من المزنيّ، وسألاه: أسمعت الشافعيّ يقول هذا؟ قال: نعم.

فعادا إلى بكّار، فأخبراه بذلك، فقال: الآن استقام لنا أن نقول: قال الشافعي. ثم صنّف الردّ المذكور.

ومن قضايا بكّار

(2)

، أن رجلًا خاصم آخر شافعيًا في شفعة جوار، فطالبه عند بكّار، فأنكر، فطاوله بكّار حتى عرف أنه من أهل العلم، فقال بكّار للمدّعي: ألك بينة؟ قال: لا.

قال لخصمه: أتحلف؟ قال: نعم.

فحلّفه، فحلف، فزاد في آخر اليمين: إنه ما يستحقّ عليك هذه الشفعة على قول من يعتقد شفعة الجوار، فامتنع، فقال له بكّار: قُم فأعطه شُفعته.

فأخبر الرجل المزنيّ بقضيّته، فقال: صادفت قاضيًا فقيهًا.

ولما غضب أحمد بن طولون

(3)

على بكّار سجنه، وكان السبب في ذلك أنه لما خرج إلى قتال الموفّق بسبب المعتمد، حين ضيق، وهو ولي العهد على أخيه المعتمد

(4)

، وهو الخليفة حينئذ، حتى إنه لم يبق للمعتمد إلا الاسم،

(1)

رفع الإصر 1: 151.

(2)

رفع الإصر 1: 153، 154.

(3)

رفع الإصر 1: 151 - 153، وانظر الولاة والقضاة 478.

(4)

في رفع الإصر بعد هذا زيادة: "بذلك".

ص: 234

ضاق المعتمد بذلك، فكاتب أمراء الأطراف، فوافقه أحمد بن طولون، وواعده أن يحضر إليه، ويحمله معه إلى "مصر"، ويجعلها دار الخلافة، ويذبّ عنه من يُخالفه في ذلك، فتهيأ المعتمد لذلك، واهتمّ أحمد بأمره، فبلغ الموفق، فنصب لأحمد الحرب، وصرّح بعزله، ولعنه، فصرّح أحمد بخلع الموفّق من ولاية العهد، وأمر بلعنه، وخرج أحمد بالعسكر من "مصر"، واستصحب بكّارًا.

فلمّا كان بـ "دمشق"، جاء كتاب المعتمد إلى ابن طولون بخلع الموفق من ولايته العهد، ففعل، وأجاب القضاة كلّهم إلى خلعه، وسماه بكّار الناكث، وأشهد على نفسه هو وسائر قُضاة "الشام" و"الثغور".

وطلب منهم أحمد أن يلعنوا الموفّق، فامتنع بكّار، فألحّ عليه، فأصرّ على الامتناع، حتى أغضبه.

وكان قبل ذلك مكرمًا معظمًا عنده، عارفًا بحقّه، وكان يجيزه في كلّ سنة بألف دينار، فلمّا غضب عليه أرسل إليه: أين جوائزي؟ فقال: على حالها.

فأحضرها من منزله بخواتيمها ستة عشر كيسًا، فقبضها أحمد منه

(1)

.

ثم لم يزلْ عليه في لعن الموفّق، وهو يمتنع من إجابته، إلى أن قال يومًا لأحمد:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}

(2)

.

فقال علي بن الحسين بن طباطبا نقيبُ الطالبيين بـ "مصر": أيها الأمير! إنه عناك.

فغضب أحمد، وأمر بتمزيق ثيابه، وجروه برجله، وليس عليه إلا سراويل وخفان وقلنسوة، وهو مسلوب الثياب

(3)

، فضربه رجل بعود حديد على رجله

(1)

بعد هذا في رفع الإصر فضل بيان.

(2)

سورة هود 18.

(3)

بعد هذا في رفع الإصر فضل بيان.

ص: 235

الممدودة، فقال: أوه. وضمّها، ثم حمل من بين يديه إلى السجن، ثم أقامه للناس يطالبونه بمظالم يدعونها عليه، فكان يحضر في مجلس المظالم بين يدي أحمد قائمًا.

وكان الطحاوي يقول: ما تعرض له أحد، فأفلح بعد ذلك، لقد تعرّض له غلام، يقال له: عامر بن محمد بن نجيح، وكان في حجره، فرآه بكّار في مجلس المظالم، فقال له: يا عامر! ما تصنع ها هنا؟ قال: أتلفت على مالي.

فقال: إن كنت كاذبًا فلا نفعك الله بعقلك.

قال: فأخبرني من رآه، وهو ذاهب العقل، يسيل لعابه، يسبّه الناس، وهو يرميهم بالحجارة، وهم يقولون: هذه دعوة بكّار.

قال

(1)

: وتقدّم إليه نصرانيّ، فقال: أيّها الأمير! إن هذا الذي يزعم أنه كان قاضيًا جعل ربع أبي حبسًا.

فقال بكّار: ثبت عندى أن أباه حبس هذا الربع، وهو تملكه، فأمضيت الحبس، فجاءني هذا مُتظلّمًا، فضربته، فخرج إلى "بغداد"، فجاءني بكتاب هذا، الذي تزعم أنه الموفّق:"لا تمض أحباس النصارى"، فعرفت أنه جاهل، فلم ألتفت إليه، وقد شهد عندي إسحاق بن معمر، بأن هذا كان أسلم بـ "بغداد" على يد الموفّق، فإن شهد عندي آخر مثل إسحاق ضربت عنقه.

فصاح أحمد بالنصراني: المطبق

(2)

، المطبق، فأخرج، وحُبس.

قال الطحاوي

(3)

: ولما قبض أحمد بن طولون يد بكّار عن الحكم وسجنه، أمره أن يُسلم القضاء لمحمد بن شاذان الجوهري، كالخليفة له، ففعل.

(1)

رفع الإصر 1: 154.

(2)

المطبق: السجن تحت الأرض.

(3)

رفع الإصر 1: 154.

ص: 236

ثم كان بكّار إذا حضر مجلس المظالم للمناظرة يعاد إلى السجن إذا انقضى المجلس، وكان يغتسل في كلّ يوم جمعة، ويلبس ثيابه، ويجيء إلى باب السجن، فيردّه السجّان، ويقول: أعذرني أيّها القاضي، فما أقدر على إخراجك.

فيقول: اللّهم اشهدْ.

فبلغ ذلك أحمد، فأرسل إليه: كيف رأيت المغلوب المقهور، لا أمر له، ولا نهي، ولا تصرّف له في نفسه، لا يزال هكذا، حتى يردّ على كتاب المعتمد بإطلاقك.

ولما طال حبس بكّار

(1)

طلب أصحاب الحديث إلى أحمد أن يأذن لهم في السماع منه

(2)

، فكان يحدّثهم من طاق السجن، فأكثر من سمع منه في آخر عمره كان كذلك.

قال ابن زولاق: ثم أمر ابن طولون بنقل بكّار من السجن إلى دار اكتريتْ له عند درب الصقلي، فأقام فيها.

فلمّا مات أحمد بن طولون بلغ بكّارًا، فقال: ما للناس؟! قيل: انصرف أيّها القاضى إلى منزلك، فقد مات أحمد ..

فقال: الدار بأجرة، وقد صلحتْ لي.

وعاش بعد ابن طولون أربعين يومًا، ومات في تلك الدار، وكانتْ جنازة حافلة جدًا، وما روى أحد فيها راكبًا، وصلّى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة، ودفن بطريق "القرافة". والدعاء عند قبره مستجاب، ومات يوم الخميس، لخمس بقين من ذي الحجّة، سنة سبعين ومائتين، وقد قارب التسعين، وكانتْ مدّة ولايته أربعًا وعشرين سنة، -رحمه الله تعالى، ورضى عنه، ونفعنا ببركاته، آمين-.

(1)

رفع الإصر 1: 154.

(2)

تكملة من رفع الإصر.

ص: 237

قلت: في "الفوائد البهية" ص 55 أرّخ السيوطي في "حسن المحاضرة" وفاته سنة سبعين ومائتين. وقال في وصفه: سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه، وروى عنه أبو عوانه في "صحيحه" وابن خزيمة، وله أخبار في العدل والفقه والنزاهة والورع، وتصانيف في الشروط، والوثائق، والردّ على الشافعي. انتهى. وكذا أرّخه القارئ. وقال في نسبته: بكّار بن قتيبة بن أسد ابن أبي بردعة بن أبي عبيد الله بن بشر بن أبي عبيد الله بن أبي بكرة الصحابي الثقافي البكراوي، وكان من أفقه أهل زمانه، وكان له اتساع في الفقه، وقد ذكره السروجي في "شرح الهداية" في صفة الصلاة. وقال: كان من البكّائين والتالين لكتاب الله، وقبره مشهور بـ "القرافة" بـ "مصر"، يزار ويتبرّك به. ويقال: إن الدعاء عند قبره مستجاب.

* * *

‌1153 - الشيخ الفاضل بكبرس، أبو الفضائل، وأبو شجاع

*.

الفقيه الأصولي، الملقّب نجم الدين التركي، الناصري، مولى أمير المؤمنين الناصر لدين الله.

* راجع: الطبقات السنية 2: 254، 255.

وترجمته في تاج التراجم 19، والجواهر المضية برقم 378، والفوائد البهية 55، وكتائب أعلام الأخيار برقم 435، وكشف الظنون 1: 628، 2: 1143، 1983.

وجاء اسمه في تاج التراجم "بكبرس، ويقال منكوبرس"، وفي نسخة من الجواهر:"بكرترس بن يلتفقلج"، وفي الفوائد "بكير" وفي كشف الظنون:"بكبرس بن يلتقلج، ويقال: منكوبرس".

ص: 238

قال في "الجواهر": له "مختصر" في الفقه على مذهب أبي حنيفة، رأيته نحوًا من "القدوري" اسمه "الحاوي"، وله "شرح العقيدة" للطحاوي، في مجلّد كبير ضخم، فيه فوائد، رأيته أيضًا، سماه بـ "النور اللامع والبرهان الساطع".

سمع منه الحافظ عبد المؤمن الدمياطي بـ "بغداد".

وتوفي بها بعد الخمسين وستمائة.

وذكره الصاحب ابن العديم، في "تاريخ حلب"، وقال: فقيه حسن، عارف بالفقه والأصول، وكان يلبس لبس الأجناد القباء والشربوش، عرض عليه الإمام المستنصر قضاء القضاة بـ "بغداد"، وأن يلبس العمامة، فامتنع من ذلك.

قال ابن العديم: وبلغني أن اسمه أولًا منكوبرس، فسمي بكبرس، وكان خيرًا فقيهًا، ورعًا، فاضلًا، حسن الطريقة، ولم يتفقْ لي به اجتماع حين قدم "حلب"، ولا حين قدمت "بغداد"، وأخبرت أنه كان على الرق، ولم يعتقْه مواليه، وكذا عادة الخلفاء بـ "بغداد"، وأنه تزوّج بامرأة حرّة لها ثروة، وولد منها بنت، وماتت المرأة، وورثت ابنته منها مالًا وافرًا، وماتت البنت، فجمع جميع ما كان لابنته، وسيره للإمام المستنصر، وقال: أنا عبدٌ، ولا أرث من ابنتي شيئًا، وهي حرة. فردّ عليه، وأذن له في التصرّف فيه على حسب اختياره.

قال: وتوفي بـ "بغداد"، في أوائل شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ودفن إلى جانب قبر أبي حنيفة في القبّة بالرصافة.

كتب عنه الحافظ الدمياطي، وذكره في "معجم شيوخه"، -رحمه الله تعالى-.

* * *

ص: 239

‌1154 - الشيخ العارف بالله تعالى الحاج بكتاش

*.

كان رحمه الله من جملة أصحاب الكرامات وأرباب الولايات، وقبره ببلاد "تركمان" وعلى قبره قبّة، وعنده زاوية يزار، ويتبرّك به، وتستجاب عنده الدعوات، وقد انتسب إليه في زماننا هذا بعض من الملاحدة نسبة كاذبة، وهو بريئ منهم بلا شكّ. -قدّس الله تعالى سرّه العزيز-.

* * *

‌1155 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي، الشهبي الدمشقي، تقي الدين

* *.

فقيه "الشام" في عصره، ومؤرّخها، وعالمها، من أهل "دمشق".

اشتهر بابن قاضي شهبة، لأن أبا جدّه (نجم الدين عمر الأسدي) أقام قاضيا بـ "شهبة"

(1)

من قرى "حوران"

(2)

أربعين سنة.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 16.

* * راجع: الأعلام 2: 61.

وترجمته في الضوء اللامع 11: 21، ونظم العقيان 94، وشذرات الذهب 7: 269، وحوادث الدهور 1: 25، وآداب اللغة 3: 195، والفهرس التمهيدي 322 و 405 و 407، وكشف الظنون 127 و 1101، ومجلّة المجمع العلمي 22: 232، وإيضاح المكنون 1: 302، له كتاب في (التفسير)، وانظر: دار الكتب 5: 33.

(1)

شهبة من قرى "حوران"، ينسب إليها مخلد الشهبي الزاهد. انظر: معجم البلدان 3: 374.

(2)

حَوْران بالفتح يجوز أن يكون من حار يحور حورا، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي من النقصان بعد الزيادة، وحوران كورة واسعة من أعمال =

ص: 240

من تصانيفه: "الإعلام بتاريخ الإسلام"، و"منتقى تاريخ الإسلام" للذهبي، وما أضيف إليه من تاريخي ابن كثير والكتي وغيرهما) ثمانية مجلّدات ضخام، ظفرتُ بخمسة منها، يأتي بيانها في (المصادر) و"تاريخ"، الأول والثاني منه يشتملان على الحوادث والوفيّات من بدء سنة 741 هـ إلى نهاية 785 هـ، اقتنيتُ تصويرهما، و"المنتقى من تاريخ الإسلام" للذهبي مجلّد واحد منه، يشتمل على تراجم المتوفّين في النصف الثاني من القرن الثالث، اقتنيتُه مصوّرا.

و"مناقب الإمام الشافعي"، و"الكواكب الدرّية" في سيرة نور الدين الشمهيد محمود بن زنكي، و"طبقات النحاة واللغويين"، اقتنيتُ تصويره، و"مدارس دمشق وحماماتها" رسالة، و"طبقات الحنفية".

توفي 851 هـ في "دمشق" فجأة، وهو جالس يصنّف، ويكلّم ولده.

* * *

‌1156 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن أحمد، الجورومي، الرومي، المدرّس، المتوفى 1203 ثلاث ومائتين وألف

*.

= " دمشق": من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، وما زالت منازل العرب، وذكرها في أشعارهم كثير، وقصبتها "بصرى". قال امرؤ القيس: ولما بدت حوران والآل دونها

نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا. انظر: معجم البلدان 2: 317.

* راجع: إيضاح المكنون 2: 104، وأيضا 1:413.

وترجمته في هدية العارفين 1: 242، وإيضاح المكنون 1: 413، 2: 104، معجم المؤلفين 3:56.

ص: 241

وله "نظم العقائد النسفية"، و"الحكم الخفية والأنوار الجلية"، و"الحكم الروابغ في شرح الكلم النوابغ) للزمخشري.

* * *

‌1157 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن البرهان الضجاعي

*.

من رجال القرن التاسع الهجري.

فقيه، شاعر، حاسب، مقرئ.

من آثاره: "مؤلف في الحساب"، و"مقدمة" للقراء السبعة في ثلاثين جزءا كتبها بالذهب والفضّة ووقفها بمسجد الأشاعرة من "زبيد".

* * *

‌1158 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن رستم بن أحمد بن محمود الشرواني، الرومي

*.

أحد رجال الدولة العثمانية.

أديب.

من آثاره: "ما لا بدّ منه للأديب".

توفي سنة 1135 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 60. وترجمته في الضوء اللامع 11: 28.

* * راجع: معجم المؤلفين 3: 61. وترجمته في هدية العارفين 1: 241.

ص: 242

‌1159 - الإمام الزاهد الخطيب أبو بكر ابن زياد المرغيناني

*.

خطب بـ "مَرْغينان" مدّة، وكانتْ إقامة الجمعة إليه سنين كثيرة، وكان مجتهدا في العبادة، من شيوخ صاحب "الهداية".

* * *

‌1160 - الشيخ الفاضل القاضي أبو بكر بن شرف الدين أبي الروح عيسى بن الرصاص

* *.

باشر نيابة الحكم بـ "القدس" سنة 802 هـ ثم ولي استقلالا، وولي قضاء "غزة"،

وكان مشكور السيرة في القضاء، عفيفا، دينا.

سمع كثيرا.

توفي بـ "دمشق" سنة 832 هـ عن نحو سبعين سنة، كذا في "الإنس الجليل".

* * *

‌1161 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن عبد الله التوقادي، الرومي

* *

* راجع: ما ينبغي به العناية لمن يطالع الهداية ص 55.

* * راجع: طرب الأماثل ص 264.

* * * راجع: معجم المؤلفين 3: 65. وترجمته في هدية العارفين 1: 241.

ص: 243

أمين الفتوى.

له "روضة القضاة وحديقة الفوز والنجاة".

توفي سنة 1179 هـ.

* * *

‌1162 - الشيخ الفاضل بكر بن عبده الحلبي الفقيه، الشاعر

*.

هو بكري بن عبده رجب الحلبي.

ولد بالباب من أعمال "حلب" سنة 1328 هـ، ثم رحل بعد ما كبر إلى "حلب"، ودرس بالمدرسة المخسروية على شيوخ، من أجلّهم: الفقيه أحمد الزرقا.

له كتاب "هداية المريد إلى جوهرة التوحيد"، و"الرسالة الشافية"، و"الدليل إلى مناسك الحج"، و"ديوان شعر"، أغلبه في مدح المصطفى، صلى الله عليه وسلم.

توفي سنة 1400 هـ.

* * *

‌1163 - الشيخ الفاضل الإمام أبو بكر بن عثمان بن خليل بن محمود الحوراني، تقي الدين

*.

* راجع: تتمة الأعلام للزركلي 1: 88، ومقدمة كتاب إتحاف المريد بجوهرة التوحيد لمؤلّفه عبد السّلام اللقاني.

* * راجع: طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص 265.

ص: 244

ولد بعد سنة 740 هـ، وسمع من الميدوني وغيره، ومات في أواخر سنة 804 هـ بـ "بيت المقدس".

كذا ذكره الحافظ ابن حجر في "معجمه".

وقال لقيتُه، وقرأتُ عليه "المسلسل بالأولية"، و"جزء البطاقة".

* * *

‌1164 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن عثمان بن محمّد الجيتي، تقي الدين

*.

ولد في حدود سنة 760 هـ.

واشتغل بالفقه، ومهر في العربية، وقدم "القاهرة"، وولي قضاء العسكر.

مات في الطاعون سنة 819 هـ.

كذا ذكره ابن حجر.

* * *

‌1165 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن علوي القاضي تقى الدين، الشامي

* *.

اشتغل على الزين البسطامي، واستنابه السراج الهندي بباب الخرق ظاهر "القاهرة".

* راجع: طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص 265.

* * راجع: الدرر الكامنة 1: 263.

ص: 245

ومات في جمادى الأولى سنة 771 هـ.

* * *

‌1166 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي، الأزراري، ويعرف بابن حجّة (تقي الدين أبو المحاسن)

*.

أديب، ناثر، ناظم.

ولد بـ "حماة" سنة 767 تقريبا، ونشأ بها، وتعانى عمل الحرير وعقد الأزرار وقتا، ثم اشتغل بالعلم والأدب، ودخل "القاهرة" وبلاد "الروم"، وتوفي بـ "حماة" في شعبان سنة 837 هـ، وقيل: في رجب.

من آثاره: "ديوان شعر"، "قهوة الإنشاء"، "بلوغ المراد من الحيوان والنبات والجمّاد" في مجلّدين، و"ثمرات الأوراق" في المحاضرات، و"بروق الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم".

* * *

‌1167 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن علي بن محمد بن يونس

،

* راجع: معجم المؤلفين 3: 67.

وترجمته في الضوء اللامع 11: 53 - 56، وحسن المحاضرة 1: 330، والبدر الطالع 1: 164، 165، وكشف الظنون 254، 524، 607، 764، 904، 1366، 1593، وإيضاح المكنون 1: 177، 2: 397، 398، وفهرست الخديوية 4: 223، ومخطوطات الموصل 151، ونور عثمانية كتبخانه 213:247.

ص: 246

الشاهد *.

سمع من ابن الشحنة.

وحدّث، ومات في المحرّم سنة 776 هـ.

* * *

‌1168 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن علي بن محمد الحدَّاد الزبيدي

* *.

فقيه، حنفي، يماني.

من أهل "العبادية"، من قرى (حازة وادي زبيد) في "تهامة".

والحازة اسم لما قارب الجبل.

استقرّ في "زبيد"، وتوفي بها 800 هـ.

قال الضمدي: له في مذهب أبي حنفية مصنّفات جليلة، لم يصنّفْ أحد من العلماء الحنفية بـ "اليمن" مثلها، كثرة وإفادة، تبلغ كتبه نحو 20 مجلّدا، منها:"السراج الوهّاج" ثماني مجلّدات، في شرح "مختصر القدوري"، و "الجوهرة النيرة" مجلّدان، في شرح "مختصر القدوري" أيضا، و"سراج الظلام" في شرح "منظومة الهاملي"، وكتاب "التفسير".

قال الشوكاني: تفسيره حسن مشهور الآن عند الناس، يسمّونه "تفسير الحداد".

* * *

* راجع: الددر الكامنة 1: 265.

* * راجع: الأعلام 2: 67.

وترجمته في هدية العارفين 1: 235، وما ينبغي به العناية لمن يطالع الهداية ص 264.

ص: 247

‌1169 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن علي بن موسى الهاملي، اليمني (سراج الدين)

*.

فقيه، ناظم.

من آثاره: "المنظومة الهاملية" في فروع الفقه الحنفي.

توفي سنة 769 هـ.

* * *

‌1170 - الشيخ الإمام المحدّث، أبو بكر بن علي بن يحيى بن إبراهيم بن خولان بن بحتر الصالحي

*.

حدّث بـ "حلب" عن القاضي تقي الدين سليمان،

سمع منه أبو المعالي بن عشائر، وأرّخ وفاته سنة 766 هـ.

* * *

‌1171 - الشيخ الفاضل السَّيِّد أَبُو بكر بن علي الطوسيه وي، رَئِيس الْكتاب الرُّومِي

،

* راجع: معجم المؤلفين 3: 69.

وترجمته في كشف الظنون 163، 1868، والأعلام 2:42.

ص: 248

المتخلّص براتب النقشبندي *.

الْمُتَوفَّى منفيا فِي "جَرِيدَة ردوس" سنة 1214 هـ أرْبَعْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وألف.

لَهُ "ديوَان شعره"، تركي.

* * *

‌1172 - الشيخ الفاضل بكر بن علي فردي القيصري الرُّومِي، الْمدرّس، الْمَعْرُوف بآراييجي زَاده

* *.

مَاتَ سنة 1145 هـ خمس وأربعين وَمِائَة وألف.

لَهُ "حَاشِيَة على شرح البُخارِيّ"، و"شرح قصيدة الْبردَة".

* * *

‌1173 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن عمر بن إبراهيم بن دعاس الفارسي اليمني

* * *.

شاعر، كان له علم بالأدب واللغة وفقه الحنفية.

* راجع: هدية العارفين 1: 242.

* * راجع: هدية العارفين 1: 234.

* * * راجع: الأعلام 2: 68، وخزانة الأدب للبغدادي 2: 528 - 529.

ص: 249

أقام في "تعز" بـ "اليمن"، وحظي لدى الإمام المظفّر، حتى اختصّ به، ثم طرده المظفّر لإدلال تكرّر منه، فنزل بـ "زبيد"، وتوفّي فيها.

وكان أهل "زبيد" ينسبونه إلى سرقة الشعر، ويقولون: إذا حوسب الشعراء يوم القيامة يؤتى بابن دعاس فيقول: هذا البيت لفلان، وهذا المصرع لفلان، وهذا المعنى لفلان، فيخرج بريا!.

توفي سنة 667 هـ.

* * *

‌1174 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان، اليمني، التهامي، الحسيني، المعروف بابن الأهدل

*.

عالم، أديب، مشارك في أنواع من العلوم.

ولد بـ "تهامة" سنة 984 هـ تقريبا، وتوفي بقرية "المحط "في جمادى الأولى سنة 1035 هـ.

من تصانيفه: "الأحساب العلية في الأنساب الأهدلية"، و"البيان والأعلام بمهمّات أحكام أركان الإسلام"، و"الدرّة الباهرة في التحدّث بشئ من نعم الله الباطنة والظاهرة"، و"نفحة المندل في تراجم سادة الأهدل"، و"نظم اصطلاحات الصوفية".

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 69.

وترجمته في خلاصة الأثر 1: 64 - 68، وهدية العارفين 1: 239، وفهرس الفهارس 1: 101، 102، وإيضاح المكنون 1: 32، 90، 207، 298، 456.

ص: 250

‌1175 - الشيخ الفاضل بكر بن محمد بن أحمد بن مالك بن جماع بن عبد الرحمن ابن فرقد، أبو أحمد، السنجي، الورسنيني

*.

سكن "سمرقند"، وروى عن أبيه، في آخرين، وكان فقيهًا، مناظرًا، عقد له مجلس الإملاء.

ومات بـ "سمرقند"، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. قاله في "الجواهر".

وقال السمعاني: مات بـ "بخارى"، سنة إحدى وخمسين.

وسيأتي تحقيق النسبة إلى "سنج"، وورسنين، في باب الأنساب

(1)

مفصّلًا، إن شاء الله تعالى.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 253.

وترجمته في الأنساب 581، والجواهر المضية 1: 171، واللباب 3:268.

وقد تعقّب ابن الأثير السمعاني حيث أورده في الورسناني وفي الورسنيني، وقال في الأولى، وظني أنها من قرى سمرقند، وقال في الثانية: محلة من محال سمرقند، قال ابن الأثير: فلا أعلم لم شك في الأولى، وتيقن في الثانية أنها محلة من سمرقند.

(1)

ذكر المؤلف في باب الأنساب نسبة "السنجي"، ولم يذكر المترجم فيها، وذكر نسبة "الورسناني"، وأشار فيها إلى المترجم، ولم يذكر نسبة "الورسنيني هي ورسنان كما يذكر ابن الأثير.

ص: 251

‌1176 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن محمد بن سليمان الكردي، السهراني

*.

له "الدرة المضيئة في شرح الكواكب الدرية على قصيدة البردة".

توفي سنة 1048 هـ.

* * *

‌1177 - الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلّى بن موسى بن حريز بن سعدي بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن جوهر بن علي بن أبي القاسم بن سالم بن عبد الله بن عمر بن موسى بن يحيى بن على الأصغر بن محمد المتقي بن حسن بن على بن محمد الجواد بن على الرضي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحصني

* *.

نسبة إلى "الحصن" قرية من قرى "حوران"، ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي.

ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، تفقّه بالشريشي، والزهري، وابن الجابي، الصرخدي، الغزّي، وابن غنوم.

* راجع: معجم المؤلفين 3: 72.

راجع: هدية العارفين 1: 239.

* * راجع: شذرات الذهب 7: 189.

وترجمته في معجم المؤلفين 3: 71.

ص: 252

وأخذ عن الصدر الياسوفي، ثم انحرف عن طريقته، وحطّ على ابن تيمية، وبالغ في ذلك، وتلقّى ذلك عنه الطلبة بـ "دمشق"، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، وكان يميل إلى التقشّف، ويبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللناس فيه اعتقاد زائد، ولخّص مهمّات في مجلّد، وكتب على التنبيه.

قال القاضي تقي الدين الأسدي: كان خفيف الروح، منبسطا، له نوادر، ويخرج إلى النزه، ويبعث الطلبة على ذلك مع الدين المتين، والتحرّي في أقواله وأفعاله، وتزوّج عدّة نساء، ثم انقطع، وتقشّف، وتجمّع، كلّ ذلك قبل القرن، ثم ازداد بعد الفتنة تقشّفه وانجماعه، وكثرت مع ذلك.

وتوفي بخلوته بجامع المزار بـ "الشاغور" بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الأخرى، وصلي عليه بالمصلّى، صلّى عليه ابن أخيه، ثم صلّي عليه ثانيا عند جامع كريم الدين، ودفن بالقبيبات في أطراف العمارة على حادة الطريق عند والدته، وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله، مع بعد المسافة، وعدم علم أكثر الناس بوفاته، وازدحموا على حمله للتبرّك به، وصلّى عليه أمم ممن فاتتْه الصلاة على قبره، ورؤيتْ له منامات صالحة في حياته، وبعد موته.

وذكر في "هدية العارفين"، ومن مصنّفاته: شرح "الهداية" للمَرْغيناني في فرع الحنفية.

توفي في سنة تسع وعشرين وثمانمائة.

* * *

‌1178 - الشيخ الفاضل بكر بن محمد بن علي بن الحسن بن أحمد

ص: 253

ابن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بن جابر ابن عبد الله الأنصاري، الزرنجري، أبو الفضائل، الملقّب شمس الأئمة، من أهل "بُخارى" *.

تفقّه على شمس الأئمة الحلواني، وغيره، وبرع في الفقه، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة، وكان مُصيبًا في الفتاوى، وأجوبة الوقائع، وكانتْ له معرفة بالأنساب والتواريخ، وكان أهل بلده يسمّونه أبا حنيفة الأصغر.

وكان نهاية في الحفظ، بحيث إن المتفقّه إذا طلب منه إلقاء درسٍ من أيّ محلّ كان، يلقيه من حفظه، ولا يحتاج إلى مراجعة كتاب.

وكانت الفقهاء إذا وقع لهم في الرواية إشكال يراجعونه، ويأخذون بقوله.

وأملى، وحدّث، وسمع أباه، وشيخه الحلواني، وأبا مسعود البجلي، وكانتْ عنده كتب عالية.

وذكره السمعاني في "مشيخته"، وحكى أنه أجازه مكاتبة، سنة ثمان وخمسمائة، وأن جماعة كثيرة بـ "خراسان" و"ما وراء النهر" رووا له عنه، وأن ولادته كانتْ سنة سبع وعشرين وأربعمائة، ووفاته في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 253، 254.

وترجمته في الأنساب 273، 27، والتحبير 1: 136 - 139، والجواهر المضية برقم 380، وشذرات الذهب 4: 33، 35، والعبر 4: 26، 27، والفوائد البهية 56، والكامل 10: 545، وكتائب أعلام الأخيار برقم 274، وكشف الظنون 1: 164، ولسان الميزان 2: 58، 59، ومعجم البلدان 2: 926، والمنتظم 9: 200، 201، والنجوم الزاهرة 5: 206، 207.

وسيذكر المؤلف نسبة "الزرنجري" في باب الأنساب.

ص: 254

قيل: إنه مات في ربيع الأول، من هذه السنة، - رحمه الله تعالى -.

قلت: في "الفوائد البهية" ص 56 ذكر ابن الأثير في "الكامل" وفاته في حوادث سنة 512 هـ. وقال: إنه من ولد جابر بن عبد الله، وكان من أعيان الحنفية، حافظا للمذهب. انتهى. وفي "الأنساب " أبو الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن جابر بن عبد الله الأنصاري الزرنجري، إمام عارف كمذهب أبي حنيفة، مرجوع إليه في الفتاوى والوقائع. عمر العمر الطويل، حتى انتشر عنه العلم، وحدّث بالكثير، وأملى. وسمع الشمس أبا محمد عبد العزيز بن محمد الحلواني، وأبا سهل أحمد بن علي الشمس، وأبا حفص عمر بن منصور الحافظ، وأبا مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الحافظ، وأبا القاسم ميمون بن علي بن ميمون الميموني، وأبا عبد الله إبراهيم بن علي الطبري، وأبا يعقوب يوسف بن منصور الحافظ، وأبا عمرو محمد بن عبد العزيز القنطري، وغيرهم. وتفرّد في وقته بالرواية عن أكثر من ذكرنا، وروى عنه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بـ "بلخ"، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب الكَاسَاني بـ"سرخس"، أبو الفضل محمد بن علي بـ"سمرقند"، وأبو محمد عبد الحليم بن محمد بـ"بخارى". وكانت ولادته سنة 427 هـ. ومات صبيحة يوم الخميس التاسع عشر من شهر ربيع الأول، أو شعبان سنة 512 هـ بـ "بخارى". ودفن بـ "كلاباذ"، وزرت قبره، انتهى. وسيأتي ذكر أبيه في الميم. وهناك يضبط لفظ زرنجري، وذكر ابنه في العين.

* * *

‌1179 - الشيخ الفاضل بكر بن محمد بن علي الأنصاري، البخاري

،

ص: 255

الزرنجري

(1)

(أبو الفضل) *.

فقيه، تفقّه على أبي سهل السرخسي، وعبد العزيز الحلواني.

من أثاره: "أمالي الزرنجري".

ولد سنة 427 ص، وتوفي سنة 512 هـ.

* * *

‌1180 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن محمد بن عمر الملا

* *.

ولد سنة 1198 هـ.

فقيه، له نظم، من أهل "الأحساء"(في نجد) مولده بها، ووفاته بـ"مكة".

له مؤلّفات كثيرة.

لا أعلم أن كان قد طبع بعضها.

منها "إتحاف النواظر بمختصر الزواجر"، و"الأزهار النضرة بتلخيص كتاب التذكرة"، و"منهاج السالك" منظومة في الإسلام ومكارم الأخلاق، و"شرحه"، و"نخبة الاعتقاد" في أصول الدين، وشرحه "منهج الرشاد" توفي سنة 1270 هـ.

* * *

(1)

نسبة إلي زرنجرى قرية ببخارا.

* راجع: معجم المؤلفين 3: 74.

وترجمته في شذرات الذهب 4: 33، 34، حاجي خليفة: كشف الظنون 164.

* * راجع: الأعلام 2: 70. وشعراء هجر 61 - 73، وتحفة المستفيد 2: 107.

ص: 256

‌1181 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن محمد الملا الأحسائي

*.

واعظ.

توفي بـ "الأحساء" سنة 1270 هـ.

من آثاره: "مختصر التبصرة" لابن الجوزى.

* * *

‌1182 - الشيخ الفاضل بكر بن محمد العمّي

* *.

تفقّه على محمد بن سماعة

(1)

، وتفقّه عليه القاضي أبو حازم.

وكان من أعيان الأئمة علمًا وعملًا.

وسيأتي في الأنساب بيان هذه النسبة مفصّلًا، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌1183 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن محمود بن يوسف بن علي

،

* راجع: معجم المؤلفين 3: 75. وترجمته في إيضاح المكنون 1: 388.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 254.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 381، والفوائد البهية 55، وكتائب أعلام الأخيار برقم 135.

(1)

كانتْ وفاته سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، على ما يأتي في ترجمته، فالمترجم من رجال القرن الثالث.

ص: 257

الكراني، الهندي".

يعرف بالفخر.

سمع على الزين الطبري، وعبد الوهاب بن محمد الواسطي، وغيرهما.

وكان حفظ "المختار" في الفقه، وناب بـ "مكة" عن أبي الفتح بن يوسف الحنفي الإمامة بالمقام الحنفي.

توفي في آخر ذي القعدة سنة 791 هـ بـ "مكة"، ودفن بـ "المعلاة"، وتوفي ولده محمد بن أبي بكر بـ"مصر" سنة 790 هـ، وفيها توفي ولده أيضا عبد الرحمن بن أبي بكر في آخر السنة.

كذا في "العقد الثمين".

* * *

‌1184 - الإمام الكبير الفقيه المجتهد أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني

(1)

علاء الدين، ملك العلماء

* *.

* راجع: طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص 265.

(1)

وفي بعض المصادر الكاشاني بالسين المعجمة، ويروى بكليهما، كما أفاد الزركلى في الأعلام 2/ 70

* * ترجمته في أعلام الأخيار برقم 357.

وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده 102 - 103.

والطبقات السنية برقم 1840.

كشف الظنون 1/ 371 - 996 لحاجي خليفة.

وتاج التراجم لابن قطلوبغا برقم 327.

والجواهر المضية للقرشي 4/ 25 - 28.

ص: 258

محدّث، فقيه، أصولي.

ينسب إلى بلدة كبيرة في أول "تركستان " وراء نهر "سيحون"

(1)

وراء "الشاش"، ولها قلعة حصينة، وعلى بابها وادي "أخسيكث".

قدم "حلب" رسولا من صاحب "الروم" إلى نور الدين الشهيد، فولّاه تدريس "الحلاوية"، عوضا عن الرضي السرخسي محمد بن محمد بن محمد، مصنّف "المحيط" بعد عزله.

وسبب ذلك أنه تناظر مع فقيه ببلاد "الروم" في مسألة المجتهدَيْن، هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ؟

فقال الفقيه: المنقول عن أبي حنيفة أن كلّ مجتهد مصيب. فقال الكاساني: لا، بل الصحيح عن أبي حنيفة أن المجتهدَيْن مصيب، ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع الكاساني على الفقيه المقرعة، فقال: ولد الروم: هذا افتيات على الفقيه، فاصرفه عنا. فقال الوزير: هذا رجل كبير ومحترم، ولا ينبغي أن يصرف، بل ننفذه رسولا إلى الملك نور الدين محمود، فأرسل إلى "حلب"، فولاه نور الدين "الحلاوية"، عوضا عن رضي الدين السرخسي بعد عزله، فتلقّاه الفقهاء بالقبول، وكانوا في غيبته يبسطون له السجّادة، ويجلسون حولها في كلّ يوم إلى أن يقوم.

رحلاته: تقدّم أن الإمام الكاساني أصله يرجع إلى بلاد "الروم"، وتحديدا إلى "كاسان" المدينة الكبيرة في "تركستان"، وأنه كان في مجلس ملك "الروم"، وأنه أرسل إلى "حلب" رسولا إلى نور الدين، ومن رحلاته أيضا رحلته إلى "دمشق".

(1)

معجم البلدان لياقوت 4/ 430.

وقال السمعاني في الأنساب: الكاساني بفتح الكاف وسكون الألفين بينهما سين مهملة نسبة إلى كاسان بلدة وراء الشاش. اهـ.

ص: 259

فقد ذكر العلامة قاسم بن قطلوبغا في "تاج التراجم" ص 328 عن ابن العديم أنه قال: سمعت قاضي العسكر

(1)

يقول: قدم الكاساني "دمشق"، فحضر إليه الفقهاء، وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فعيّنوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان وفلان، فلم يزل كذلك، حتى إنهم لم يجدوا مسألة، إلا وقد ذهب إليها واحد من أصحاب أبي حنيفة، فانفضّ المجلس، ولم يتكلّموا معه.

شيوخه وتلامذته: لابدّ أن يكون الإمام الكاساني قد تتلمذ على أكثر من عالم، لكن المصادر التي ذكرت ترجمته لم تسعفنا بذكر شيوخه، اللّهم إلا شيخه علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي، الذي زوّجه ابنته الفقيهة فاطمة، التي كان مهرها كتابه "البدائع"، والذي قرأ عليه معظم تصانيفه مثل "التحفة" في الفقه، وغيرها من كتب الأصول.

وقيل: إن سبب تزويجها أنها كانت من حسان النساء، وكانت حفظت "التحفة" لأبيها، وطلبها جماعة من ملوك بلاد "الروم"، ولما صنّف صاحب الترجمة "البدائع"، وهو "شرح التحفة"، وعرضه على شيخه ازداد به فرحا، وزوّجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقالوا في عصره: شرح "تحفته"، وتزوّج ابنته.

وأما تلامذته: فلم أجد فيمن ترجمه ذكر لأحد تلاميذه، وإنما ذكرت عموميات تشير أنه تتلمّذ، وقرأ عليه ثلّة من أهل العلم، رغم الاعتراف بجلالته وقلمه، ولكن مع الأسف لم يحظ بالدراسة الكافية.

مولده ووفاته: أما تاريخ ولادته فلم أعثر عليها.

أما وفاته فقد ذكر العلامة قاسم وغيره أن مات يوم الأحد، عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة بـ"حلب".

(1)

هو محمد بن يوسف بن الخضر عرف بابن الأبيض، تولى قضاء العساكر، وقد توفي في سنة 614 هـ انظر الجواهر المضيئة 3/ 407 - 408.

ص: 260

قال ابن العديم: سمعت ضياء الدين محمد بن خميس الحنفي يقول: حضرت الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم، حتى انتهى إلى قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (سورة إبراهيم:27)، فخرجت روحه عند فراغه من قوله:(وفي الآخرة)، ودفن عند زوجته فاطمة داخل مقام إبراهيم الخليل بظاهر "حلب"، وكان الكَاسَاني لم يقطع زيارة قبرها في كلّ ليلة جمعة إلى أن مات، ويعرف قبرهما عند الزوّار بـ"حلب" بقبر المرأة وزوجها.

وخلف ولدا ذكرا.

قال الشيخ راغب الطبّاخ في "أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء": أقول: وقبره في حجرة عن يمين الداخل إلى مقام إبراهيم الخليل، ومحرّر على بابها:

1 -

بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارته مولانا المالك.

2 -

الظاهر غياث الدنيا والدين أبو الفتح غازي.

3 -

ابن الملك الناصر خلّد الله ملكه في سنة 594 هـ أربع وتسعين وخمسمائة.

قال القارئ: إنه مصنّف "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، و"السلطان المبين في أصول الدين"، و"الكتاب الجليل". قيل: و"سماء المعتمد في المعتمد".

ومن شعره:

سبقت العالمين إلى المعالي

بصائب فكرة وعلوّ همّه

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليال بالضلالة مدلهمه

يريد الجاهلون ليطفؤه

ويأبى الله إلا أن يتمه

* * *

ص: 261

‌1185 - الشيخ الفاضل أبو بكر بن يعقوب العارفي، الكومشخانه وي

*.

مدرّس.

توفي بـ "أماسية" سنة 1207 هـ.

من آثاره: رسالتان في الاستعارة "زهرة العروض"، و"شرح العوامل" للبركوي.

* * *

‌1186 - الشيخ الفاضل بكر بن النطاح، أبو وائل

* *.

شاعر غزل، من فرسان بني حنيفة، من أهل "اليمامة".

انتقل إلى "بغداد" في زمن الرشيد، واتصل بأبي دلف العجلي، فجعل له رزقا سلطانيا، عاش به إلى أن توفي.

ورثاه أبو العتاهية بقوله: مات ابن نطاح أبو وائل بكر، فأضحى الشعر قد ماتا!

توفي سنة 192 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 77.

وترجمته في هدية العارفين 1: 242.

* * راجع: الأعلام 2: 71، وفوات الوفيات 1: 79، والبداية والنهاية 10: 208، وسمط اللآلي 520، والتبريزي 3: 140، وتاريخ بغداد 7:90.

ص: 262

‌1187 - الشيخ الفاضل القاضي أبو بكر الأكبر آبادي

*.

له كتاب في الفقه.

جمع فيه المسائل المعمول بها في مذهب الإمام أبي حنفية.

صنّفه لبختاور خان العالمكيري، كما في "مرآة العالم".

* * *

‌1188 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بكر خليفة السيماوي

* *.

كان - رحمه الله تعالى - من طلبة العلم الشريف أولا، ثم رغب في التصوّف، واتصل بخدمة الضيخ العارف بالله تعالى الحاج خليفة المذكور، وحصل عنده ما حصل من الكرامات العلية، حتى جلس مكان شيخه بعد وفاته للإرشاد.

وكان رحمه الله مشتغلا بنفسه، منقطعا عن الخلائق، ومتبتّلا إلى الله تعالى، وكان عالما، عارفا، ليّنا، متواضعا، متخشّعا، أديبا، لبيبا، وقورا، صبورا، حليما، كريما، محبّا للخير وأهله، معرضا عن أبناء الدنيا، ومقبلا إلى الآخرة.

توفي - رحمه الله تعالى - في سنة خمس وستين وتسعمائة، - روّح الله روحه، وأوفر في الجنان فتوحه -.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 15.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 316.

ص: 263

‌1189 - الشيخ العالم الفقيه أبو بكر، القرشي، الأكبر آبادي، أحد الأفاضل المشهورين في عصره

*.

قدم "آكره" في أيام السلطان إسكندر بن بهلول اللودي، وسكن بها.

وله شرح على وصايا محمد بن الحسن الشيباني، وشرح على "أصول البزدوي".

مات، ودفن بـ"جوكي بور" بناحية "آكره"، كما في "كلزار أبرار".

* * *

‌1190 - الشيخ الفاضل أبو بكر الصدّيق، النكوري، الطبيب الحاذق

* *.

كان من العلماء المبرِّزين في الصناعة، وفي معرفة الأدوية الهندية.

له منظومة في المعالجة على أصول أهل "الهند" بالفارسية.

صنّفها سنة أربع وعشرين وألف، وسمّاها "الطبّ الصدّيقي". منها قوله:

نوشتم دواهائي هندوستان

كه حاجت بفرهنك نبود ازان.

زهجرت تواريخ سال اين كتاب

هزارست وعشرين وجار از حساب.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 9، 10.

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 15.

ص: 264

‌1191 - الشيخ الفاضل بكير نجم الدين، التركي، الناصري، مولى الإمام الناصر

*.

كان فقيها، عارفا، بصيرا في الفقه.

أخذ عن عبد الرحمن بن شجاع، وصنّف "الحاوى"، وهو مختصر في الفقه.

وشرح "عقيدة الطحاوى"، وسماه بـ"النور اللامع والبرهان الساطع".

مات بـ "بغداد" سنة اثنتين وخسين وستمائة.

* * *

‌1192 - الشيخ العالم الفقيه الزاهد بلال بن عبد الله القادري اللاهوري، أحد العلماء المشهورين في عصره

* *.

كان ممن أخذ الطريقة عن الشيخ شمس الدين اللاهورى، وتصدّر للإرشاد والتلقين.

وكان غاية في الزهد والعبادة، قد تردّد إليه شاهجهان بن جهانكير الكوركاني غير مرّة بـ "لاهور"

(1)

.

* راجع: الفوائد البهية ص 56.

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 105.

(1)

صوبة "لاهور": يحدّها من الشرق "دهلي"، ومن الغرب "ملتان"، ومن الشمال "كشمير"، ومن الجنوب "ديبالبور"، طولها ثمانون ومائة ميل،=

ص: 265

توفى لليلتين بقيتا من شعبان سنة ستّ وأربعين وألف، وله سبعون سنة، وقبره بمدينة "لاهور"، كما في "التأليف المحمدي".

* * *

‌1193 - الشيخ الفاضل بلبان بن عبد الله

*.

ذكره قاضي القضاة علاء الدين في "تاريخه"، فقال: أبو النعمان، العلاني، الأصبحي، القاسمي، المعزي، الحنفي، ذكره قطب الدين في "تاريخ مصر"، إلى أن قال قطب الدين في "تاريخه ": كتب عنه أبو القاسم بن البقري من شعره بالمحمودية من "القاهرة"، في ذي القعدة، سنة تسعين وستمائة، وسأله عن مولده، فقال: ولدت ببلاد "آص"، وهي "علان" من "بلاد الترك"، سنة ثلاثين وستمائة.

فما أنشده لنفسه، وأجاز له ما تجوز عنه روايته:

لقد كَمُلَتْ أَوْصَافُك الغُرُّ فاسْتَمِعْ

مَقالًا يُحاكِيه الْجُمانُ المنَضَّدُ

ودامت لنا أَيَّامُكَ الغُرَّ ما شَدَا

على عَذَباتِ الدَوْحِ طَيْرٌ مُغَرِّدُ

وصلى على المخْتارِ ما طارَ طائِرٌ

وغَرَّدَ قُمْرِيٌ وأَطْرَبَ مُنْشِدُ

كذا نقلت هذه الترجمة من خطّ أحمد بن محمد بن الشحنة، وهو نقلها من خطّ جدّه.

وذكره ابن طولون في "طبقاته"، وقال، نقلًا عن شيخه أبي الحسن الحموي: ولعلّها - يعني لفظ ستمائة المذكورة في تاريخ ولادة صاحب الترجمة - سبعمائة، فإن المحمودية لم تكنْ غُمِّرَتْ في ذلك التاريخ، فإن

= وعرضها ستة وثمانون ميلا، ولها خمسة "سركارات"، وستّ عشرة وثلاثمائة عمالة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 255، 256.

ص: 266

محمودًا الأستادار

(1)

فرغ من عمارتها في نيّف وثمانين وسبعمائة، والله تعالى أعلم.

* * *

‌1194 - الشيخ العالم الصالح بناه عطاء بن كريم عطاء بن محمد بناه بن محمد أشرف بن بير محمد العمري السلوني، أحد كبار المشايخ الجشتية

*.

ولد سنة عشر ومائتين وألف بـ "سلون"(بفتح السين المهملة)(من أعمال "رائ بريلى").

ونشأ بها في مهد العلم والمشيخة، وقرأ الكتب الدرسية، وتأدّب على الشيخ أحمد بن محمد الشرواني صاحب "نفحة اليمن"، وأسند الحديث عن القاضي عبد الكريم النكرامي مشافهة، وعن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي مكاتبة، وقد تتلمذ في الفارسية على شاعر الفارسية المشهور بمرزا قتيل، ولما مات والده تولى الشياخة، وكان على قدم آبائه في السخاء والكرم.

ومن مصنفاته: "النجم الثاقب لمن يكاتب"، و"الدر النظيم"، و"بهجة المجالس"، كلّها في العلوم الأدبية، وله كتاب حافل في الحديث، سماه بـ"أنوار الحق بأحاديث أشرف الخلق"، و"أشرف السير"كتاب له في أخبار المشايخ

(1)

هو محمود بن علي الأستادار، له أخبار في النجوم الزاهرة، انظر الجزئين، 10، 11.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 118.

ص: 267

الجشتية، وله غير ذلك من الرسائل والكتب، يبلغ عددُها إلى خمسة وستين كتابا.

توفي سنة خمس وسبعين ومائين وألف ببلدة "سلون".

* * *

‌1195 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ بني خليفة

*.

أخذ الطريقة من الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، وأكمل عنده الطريقة، وبعد وفاة الشيخ لازم بيته، واشتغل بنفسه، وكان متبتّلا إلى الله تعالى، زاهدا، عابدا، ورعا، تقيّا، نقيّا، صاحبت معه مدّة كثيرة، وما رأيت منه شيأ يخالف الأدب.

وكان أبعد الناس عن مساوي الناس، وكان لا يذكر أحدا بسوء، ويمنع من ذكر أحد بسوء في مجلسه، كان يراعي أدب الشرع في جميع أحواله، وما رأيت أحدا يراعي الأدب مثله.

مات رحمه الله بمدينة "بروسه" قبل الأربعين وتسعمائة. - قدّس سرّه -.

* * *

‌1196 - الشيخ الفاضل بُنَيْمان بن محمد بن الفضل بن عمر

* راجع: الشقائق النعمانية ص 261.

ص: 268

" المعروف بالصفي *.

من أهل "أصبهان"، وهو من شيوخ السمعاني.

قال السمعاني: كان فاضلًا، متميّزًا، حسق الخطّ، سمع الرئيس أبا عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي، وتوفي يوم السبت، الثاني والعشرين من شوّال، سنة تسع وخمسين وخمسمائة.

- رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1197 - الفاضلة بوران بنت محمد قاضي القضاة أثير الدين بن الشحنة

* *.

ولدت سنة 861 هـ.

شاعرة فاضلة، من أهل "حلب".

طالعت الكتب، ونسختها، ونظمت، ونثرت، وحجت مرّتين.

في شعرها رقة.

توفيت بـ "حلب" سنة 938 هـ.

(1)

.

* * *

*راجع: الطبقات السنية 2: 258.

وترجمته في التحبير 1: 141، والجواهر المضية برقم 382.

وكان حق هذه الترجمة أن تسبق في ترتيبها ترجمة 577.

* *راجع: الأعلام 2: 77.

(1)

إعلام النبلاء 5: 491.

ص: 269

‌1198 - الشيخ الفاضل بوستان خان، المشرف العام لجمعية علماء الإسلام في "بريطانيا

"*.

ينقل الأقوال الدينية عن الشييخ عبد الوهاب الأمير للجماعة التبليغية، الذي هو تلميذ خاص للشيخ محمد إلياس، باني الجماعة التبليغية.

* * *

‌1199 - الشيخ المجذوب المعروف ببوستين بوش أتى من بلاد العجم إلى "بلاد الروم"، وتوطّن بمدينة "بروسا

"* *.

وكان صاحب جذبة وكرامات سنية وأحوال عظيمة، وكان مجاب الدعوة، وبنى له السلطان مرادخان الغازي زاوية في قصبة "بكي شهر" وقبره بها يزاو، ويتبرّك به، - قدّس الله تعالى سرّه العزيز -.

* * *

‌1200 - الشيخ الصالح بهاء الدين بن سالار الكوروي، كان من كبار المشايخ

* * *.

* راجع: جماعة التبليغ ص 223.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 16.

* * * راجع: نزهة الخواطر 4: 56.

ص: 270

ولد، "ونشأ بـ"كوره" - بلدة فيما بين "كانبور"، و"فتحبور".

وكان من أهل بيت العلم والصلاح.

أخذ عن أبيه، وتولّى الشياخة بعده، وأخذ عنه خلق كثير.

* * *

‌1201 - العالم العامل الفاضل الكامل المول بهاء الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى الواصل في طريق الحق إلى غاية متمناه المرشد الكامل لطف الله

*.

من خلفاء قطب العارفين مرشد السالكين ومنقذ الهالكين بركة الله بين المسلمين الشيخ الحاجي بيرام، - قدّس الله سرّه العزيز -.

كان عالما، فاضلا، شديد الذكاء، قويّ الطبع.

قسم أوقاته بين العلم والعبادة، واشتغل على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى خواجه زاده، وصار معيدا لدرسه، ثم صار مدرّسا بـ "مدرسة بالي كسرى"، ثم صار مدرّسا بمدرسة السلطان بايزيد خان بن مراد خان الغازي بمدرسة "بروسه"، ثم أعطاه السلطان محمد خان إحدى المدارس الثمان، ثم عزل من المدرسة المذكورة، ونصب مكانه المولى ابن مغنيسا حين عزله عن قضاء العسكر، ثم ترك المولى المذكور التدريس، واعتزل عن الناس، وتمكّن من قصبة "بالي كسرى"، ولما بنى السلطان بايزيد خان مدرسته الكائنة بـ "أدرنه " أعطاها إلى المولى المذكور، صار مدرّسا بها إلى أن مات في سنة خمس وتسعين وثمانمائة.

* راجع: الشقائق النعمانية 1: 300، 301.

وترجمته في الطبقات السنية 2: 261، وإيضاح المكنون 2: 287، كشف الظنون 1:864.

ص: 271

وقيل: في تاريخه فقدنا بهاء الدين فاضل عصره، فقلنا لتاريخه: ترحّم له ربي.

روي أنه لقيه يوما بـ "أدرنه" رجل مجذوب، وقال: أيّها المولى تدارك أمرك، وقد آن وقت الرحيل، فأتى بيته، وذكر وصيته، ومرض سبعة أيام، ثم انتقل إلى دار الآخرة، وقد قرأ المولى الوالد عليه، وكان يشهد بفضله وسلامة عقله وشدّة ذكائه وقوة طبعه، وقال: كان يحصل العلم الكثير في زمان يسير، وكان قد لبس تاج الشريعة الحاج بيرام في صغره، فلم يتركه إلى أن مات، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1202 - الشيخ العالم الفقيه القاضي بهاء الدين الأجي، أحد العلماء المعروفين بالفضل والصلاح

*.

كان يدرّس، ويفيد ببلدة "أج" من بلاد "السند"

(1)

.

* راجع: نزهة الخواطر 2: 18، 19.

(1)

"السند" بكسر السين المهملة، وسكون النون، آخرها دال مهملة: بلاد بين "الهند"، و"كرمان" و"سجستان"، وهو أول بلاد، وطئها المسلمون، وملكوها، والعرب كانوا يسمّونه إقليم الذهب، وهو إقليم حار، وفيه مواضع معتدلة الهواء، والبحر يمتدّ مع أكثره، وبه أنهار عديدة، وفيه نخيل ونارجيل، وموز، وبعض العقاقير النافعة، وفي بعض المواضع منه الليمون الحامض، والأنبج، في بعضها الأرزّ الحسن، وفيه البختي، وهو نوع من الإبل، له شنامان، مليح، وأشهر أنهاره "نهر السند"، ويسمّونه "مهران"، وفيه تفيض الأنهار الخمسة المشهورة ببلاد "بنجاب"، و"نهر كابل" فيصبّ في البحر عند "ديبل".

ص: 272

قرأ عليه الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري الأجي الكتب الدرسية من البداية إلى الهداية، كما في "جامع العلوم".

* * *

‌1203 - الشيخ الفاضل بهاء الدين أكرمي الندوي عالم، صحفى، داعية

*.

من زملاء الدراسة مع العلامة أبي الحسن على الحسني الندوي أيام دراسته في دار العلوم ندوة العلماء. وهو من تلاميذ العلامة سليمان الندوي، الذي أشار عليه بتدوين تاريخ المسلمين في جوب "الهند"، فقام بذلك خير قيام.

شارك بجهوده وخطبه في حركة الخلافة التي استهدفت تحرير بلاد "الهند" من الاستعمار.

كان له إسهام في الصحافة الإسلامية في جنوب "الهند" وفي "بومباي"، وأصدر مجلّة شهرية باسم "النوائط". وكان معروفا بنشاطاته الدينية والاجتماعية في جميع الأوساط، وكانتْ له بصيرة نافعة في الفقه الشافعي، وقد وفّق إلى وضع كتاب قيّم في موضوع وصول الجاليات العربية الإسلامية إلى "الهند"، والخدمات الإسلامية التاريخية التي قام بها المسلمون في جنوب "الهند"، بعنوان "العرب وديار الهند" قدّم له فيه الشيخ أبو الحسن الندوي.

توفي في مدينة "باتكل" بجنوب "الهند" سنة 1411 هـ.

* * *

* راجع: تتمة الأعلام للزكلي 1: 89، والبعث الإسلامى مج 36 ع 1 (رمضان 1411 هـ) ص 99.

ص: 273

‌1204 - الشيخ الفاضل بهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو محمد، التنوخي، من البيت المشهور بالعلم والفضائل

*.

سمع إسماعيل بن أبي أويس، وإبراهيم بن حمزة، ومصعب بن عبد الله، الزبيريين، وسعيد بن منصور، وأبا مصعب الزهري، ومحمد بن معاوية النيسابورى، وأحمد بن حاتم الطويل، وأباه إسحاق بن البهلول، وغيرهم.

روى عنه أخوه أحمد، وابنا أخيه، يوسف الأزرق، وإسماعيل، ابنا يعقوب، وابن أخيه داود بن الهيثم بن إسحاق، وأبو طالب محمد بن أحمد، ابن البهلول، وعلي بن إبراهيم بن حمّاد الأزدي، وأبو بكر الشافعي، وجماعة آخرهم أبو بكر الإسماعيلي الجُرجاني.

وكان ثقة

(1)

.

قال أحمد بن يوسف الأزرق

(2)

، عن عمّه إسماعيل بن يعقوب: إن البهلول بن إسحاق أنبارى، ولد بها في سنة أربع ومائتين، ومات بها في شوّال، من سنة ثمان وتسعين ومائتين.

قال: وكان قد تقلّد القضاء والخُطبة على المنابر بـ "الأنبار" وأعمالها مدّة طويلة، قبل سنة سبعين ومائتين، وكان حسن البلاغة، مصقعًا في خطبه، كثير الحديث، ثقة فيه، ضابطًا لما يروه، وحدّث بـ"الأنبار".

* راجع: الطبقات السنية 2: 256، 257.

وترجمته في تاريخ بغداد 7: 109، 110، والجواهر المضية برقم 383، وشذرات الذهب 2: 228، والعبر 2: 110، والنجوم الزاهرة 3:137.

(1)

هذا قول الدارقطني فيه، انظر تاريخ بغداد 7:110.

(2)

تاريخ بغداد 7: 110.

ص: 274

‌1205 - الشيخ الفاضل بهلول بن حسان بن سنان، أبو الهيثم التنوخي، الأنباري

*.

جدّ الذي قبله، سمع بـ "بغداد"، و"البصرة"، و"الكوفة"، و"المدينة"، و"مكّة"، وحدّث عن شيبان بن عبد الرحمن التميمي، وورقاء بن عمر اليشكري، والفرج بن فضالة، وإسماعيل بن عيّاش، وأبي غسّان محمد بن مطرف، وسعيد بن أبي عروبة، وشُعبة بن الحجّاج، وحمّاد بن سلمة، وأبي شيبة القاضي، وشريك بن عبد الله، وغيرهم، كمالك بن أنس، وسفيان بن عُيينة.

وروى عنه ابنه إسحاق بن بهلول حديث

(1)

: "يقول الله أنا عند ظنّ عبدي، وأنا معه حيث يذكرني"، وغير ذلك من الأحاديث.

وكان البهلول قد طلب الحديث، والفقه، والتفسير، والسير، وأكثر من ذلك، ثم تزهّد إلى أن مات بـ "الأنبار"، في سنة أربع ومائتين، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1206 - الشيخ العالم الكبير المحدّث بهلول بن الكبير القادري الدهلوي

،

* راجع: الطبقات السنية 2: 257.

وترجمته في تاريخ بغداد 7: 108، 109، والجواهر المضية برقم 384، وكنيته فيه:"أبو محمد".

(1)

تاريخ بغداد 7: 109.

ص: 275

أحد العلماء المبرّزين في الفقه والحديث والتفسير*.

كان أصله من "شكار بور"، انتقل منها إلى "دهلي"، وقرأ العلم على المفتي جمال الدين الدهلوي، ثم سافر إلى "كجرات".

وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الله بن سعد الله، والشيخ رحمة الله بن القاضي عبد الله، وصحبهما مدّة طويلة، ثم رجع إلى "دهلي"، وأخذ الطريقة عن الشيخ قميص بن أبي الحياة السادهوروي، وعكف على الدرس والإفادة، وكان يضرب به المثل في صلاح العمل كثرة التعبّد والاستقامة على الطريقة، كما في "أخبار الأصفياء".

قال البدايوني في كتابه "المنتخب": إنه جدّ في الاشتغال بالحديث، ومهر، وأدرك الكبار من أهل الفقر والفناء، وذاق حلاوة المعرفة، ووفّق للاستقامة، وهو مكبّ على الإفادة والإفاضة منذ مدّة طويلة، لا يلتفت إلى أهل الدنيا. انتهى.

توفي عشيّة الرابع عشر من شهر رجب سنة سبع وألف بدار الملك "دهلي"، فدفن في جوار أثر قدم الرسول بها صلى الله عليه وسلم، كما في "مهر جهانتاب".

* * *

‌1207 - الشيخ الفاضل بهلول بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسّان بن سنان، أبو القاسم التنوخي، الأنباري

* *.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 105 - 106.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 258.

وترجمته في تاريخ بغداد 7: 110، 111، والجواهر المضية برقم 385.

ص: 276

أخو جعفر، وعلي، الآتي ذكرهما.

سكن "بغداد"، وحدّث بها عن أبيه.

قال الخطيب: حدّثني عنه القاضي أبو القاسم التنوخى

(1)

، وذكر لي أنه ولد بـ"بغداد"، لأربع بقين من شوّال، سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

قال

(2)

: ومات يوم الثلاثاء، لسبع خلون من رجب، سنة ثمانين وثلاثمائة.

قال: وسمعت منه شيئًا يسيرًا، وكان ينزل في سكّة بـ "المدينة"، تُعرف بسكّة أبي العبّاس الطوسي

(3)

.

* * *

‌1208 - الشيخ الفاضل بيبرس بن عبد الله الحلبي المجدي، العديمي الشيخ علاء الدين، أبو سعيد

*.

ذكره ابن حبيب، وقال: مسند جليل، حسن السمت نبيل، كبير السكينة والوقار، معتاض فوده عن أدهم الليل بأشهب النار، لمع سناء إسناده، وبعد عهد ميلاده، وذوتْ زهرته، حيث قدمت هجرته.

سمع الحديث من قديم، وامتاز بنسبته إلى بني العديم، وأخذ عن الجمّ الغفير بإفادة مواليه، وتفرّد في البلاد الحلبية بكثرة عواليه، وحدّث الناس سنين عديدة، ورحل الطلبة إليه رغبةً في رواياته المفيدة.

(1)

المقصود هنا "أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي".

(2)

أي القاضي أبو القاسم التنوخي.

(3)

زاد في تاريخ بغداد: "يعني مدينة المنصور".

* راجع: الطبقات السنية 2: 259. بهذا.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 35، والنجوم الزاهرة 9:225.

ص: 277

سمعتُ عليه حاضرًا في هذه السنة "جزء البانياسى" وغيره، وهو أول مشايخي الذين أرجو بركة كلّ منهم وخيره.

وكانتْ وفاته بـ "حلب"، سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وقد أناف على تسعين سنة. انتهى.

* * *

‌1209 - الشيخ الفاضل بيبرس المنصوري الخطائي، الدوادار

*.

صاحب "التاريخ" المشهور

(1)

، في خمسة وعشرين مجلّدًا.

كان من مماليك المنصور، وتنقّل في الخدم، وكان فاضلًا في أبناء جنسه، وكان السطان يقوم له، ويُجلسه.

قال الذهبي: كان عاقلًا، وافر الهيبة، كبير المنزلة، ومات في شهر رمضان، سنة خمس وعشرين وسبعمائة

(2)

، وهو في عشر الثمانين.

وقال غيره: كان كثير الأدب، حنفيّ المذهب، عاقلًا، أجيز بالإفتاء، والتدريس، وله برّ ومعروف، كثير الصدقة سرًا، ويُلازم الصلاة في الجماعة، وغالبُ نهاره في سماع الحديث، والبحث في العلوم، وليله في قراءة القرآن والتهجّد، مع طلاقة الوجه، ودوام البشر. - رحمه الله تعالى -.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 259.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 35، والنجوم الزاهرة 9:225.

(1)

اسمه "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة".

(2)

في الأصول: "وستّمائة"، وهو خطأ، صوابه من الدرر الكامنة، والنقل عنه.

ص: 278

‌1210 - العالم الفاضل الكامل المولى بير أحمد بن المولى نور الدين حمزة المشهور بابن ليس جلبي

*.

قرأ رحمه الله على علماء عصره، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار مدرّسا بمدرسة "أسكوب" ثم صار مدرّسا بمدرسة الوزير مصطفى باشا بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار قاضيا ببلدة "أسكوب"، ثم صار مدرّسا بالمدرسة الحلبية بـ "أدرنه"، ثم صار مدرّسا بدار الحديث فيها، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضيا بمدينة "مصر" المحروسة، ثم عزل عنه، وعيّن له كلّ يوم ستون درهما، ثم أعيد ثانيا إلى قضاء "مصر"، ثم عزل عن ذلك مرّة أخرى، وعيّن له كلّ يوم مائة درهم، ومات وهو على تلك الحال في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة.

كان - رحمه الله تعالى - عالما، ماهرا في الفقه، وكان كريم النفس، حسن الخلق، ليّن الجانب، وكان ذا ثروة عظيمة، وجمع كتبا كثيرة، إلا أنه لم يشتغلْ بالتصنيف.

* * *

‌1211 - العالم العامل الفاضل الكامل المولى بير أحمد جلبي الأيديني

* *.

كان المولى قاضي زاده تزوّج أمه، وقرأ هو عليه، ولم يفارقْه أبدا إلى أن مات، ثم صار مدرّسا بمدرسة ابن الملك ببلدة "تيره"، ثم صار مدرّسا بمدرسة

* راجع: الشقائق النعمانية 243:1.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 237.

ص: 279

ابن الحاج حسن بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسا بالمدرسة الحلبية بـ "أدرنه"، ثم صار مدرّسا بدار الحديث فيها، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان مدّة كثيرة، وزادوا في وظيفته شيئا فشيئا، حتى انتهتْ إلى الثمانين، ومات وهو على تلك الحال في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.

وكان رحمه الله صالحا، متعبّدا، صارفا جميع أوقاته في العلوم والعبادة، وكانتْ له مشاركة في جميع العلوم.

وكان يلازم بيته لعرج في رجله، وله تعليقات على الكتب، لكنّها لم تظهرْ بعد وفاته. - روح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه -.

* * *

‌1212 - الشيخ العالم الفاضل الكامل المولى بير أحمد

*.

قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى أحمد باشا المفتي ابن المولى الفاضل حضر بك، ثم صار مدرّسا بمدرسة رئيس القرّائين بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسا بمدرسة أتابك ببلدة "قسطموني".

ثم صار مدرّسا بمدرسة فلبه، ثم صار مدرّسا بمدرسة مناستر بمدينة "بروسه"، ثم صار مدرّسا بمدرسة السلطان مرادخان فيها، ثم صار قاضيا بمدينة "حلب"، ثم عزل عن ذلك، وعيّن له كلّ يوم ثمانون درهما بطريق التقاعد، ومات وهو على تلك الحال في عشر الخمسين وتسعمائة.

كان - رحمه الله تعالى - حليما، جيّد النفس، كريم الطبع، وقورا، صبورا، طالبا للخير لكلّ أحد.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 287.

ص: 280

وكأن صحيح العقيدة، صافي الخاطر، لا يذكر أحدا إلا بخير، وكانتْ له مشاركة في العلوم كلّها وله تعليقات على بعض المباحث. - روّح الله تعالى روحه، ونوّر ضريحه -.

* * *

‌1213 - الشيخ الفاضل العارف بالله بير إلياس الأماسي

*.

كان - قدّس سرّه - من العلماء المشتهرين بالفضل في زمانه.

وكان سكنا في نواحي "أماسيه"، ولما اجتازها الأمير تيمور أرسل الشيخ المزبور إلى ولاية شروان، وعيّن له فيها ما يكفي لمعاشه، فسكن فيها بالاضطرار، يدرّس فيها للطلبة، وصاحب فيها الشيخ العارف بالله بير صدر الدين الشرواني، وجلس عنده في الخلوة الأربعينية، واشتغل فيها بالمجاهدات والرياضات، وكان الشيخ صدر الدين أمّيا، ولهذا كان يحصل للمولى المذكور فترة في بعض الأوقات.

وبالآخرة ارتحل من "شروان" إلى بلاده، واشتغل في وطنه بالمجاهدات والرياضات اثنتي عشرة سنة، ولما بلغه صيت زين الدين الخاقى بـ"خراسان" أراد أن يتوجّه إليه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا إلياس توجّهْ إلى صدر الدين، فتوجّه إليه بأمره صلى الله عليه وسلم، ولما قرب منه، قال الشيخ صدر الدين لأصحابه اليوم يجيء المولى إلياس، فعليكم بالاستقبال، ولما حضر قبّل يد الشيخ، وقال له الشيخ: أيّها المولى لا يتيسّر لكثير من الناس أن يرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بخدمته مدّة كثيرة، واشتغل بالمجاهدات والرياضات، ثم توجه بإذنه إلى بلاده لصلة الرحم، ولما سمع وفاة الشيخ صدر الدين اشتغل هو بالإرشاد

* راجع: الشقائق النعمانية ص 45.

ص: 281

في بلاده، وتوفي بحديقته ببلدة "أماسيه"، ومن المشهور أن الغسّال لما وضعه على السرير فوق صفة انهار جانب من الصفة، فأخذ المولى إلياس جانب السرير بيده كيلا يقع، ودفن بموضع يقال له: سواديه. - قدّس الله تعالى سرّه -.

* * *

‌1214 - الشيخ العالم الكبير العلامة بير محمد بن أولياء الجونفوري، ثم اللكنوي، أحد المشايخ المشهورين بالفضل والكمال

*.

ولد بقرية "أتاوان" من أعمال "مندياهو"، قرية جامعة في ناحية "جونبور" لأربع ليال بقين من رمضان سنة سبع وعشرين وألف.

وتوفي والده في صغر سنّه، فتربّى في مهد عمّه، وسار إلى "مانكبور"، واشتغل بالعلم على أساتذتها، وأدرك بها الشيخ عبد الله السيّاح الدكني، فبايعه، وسافر إلى "لكنو"، وقرأ الكتب الدرسية على القاضي عبد القادر العمري اللكنوي، ووفد عليه عبد الله المذكور عند رجوعه من "بنغاله"، فلازمه، وأخذ عنه الطريقة الجشتية، وأمره عبد الله أن يجتهد في البحث والاشتغال، ويستكمل التحصيل، ثم يشتغل بالطريقة، ويبذل جهدَه فيها، فسافرَ إلى "دهلي"، وقرأ فاتحة الفراغ في دروس العلامة حيدر، وأدركه عبد الله بـ "دهلي"، فأجازه في جميع الطرق والسلاسل، وأجازه في "العوارف"، و"الجواهر الخمسة"، فرجع إلى مدينة "لكنو"، وسكن بها.

وكان يدرّس، ويفيد.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 108 - 109.

ص: 282

أخذ عنه خلق كثير من العلماء، وانتهتْ إليه رياسة العلم والتدريس.

له مصنّفات جليلة، منها:"سراج الحكمة"، حاشية "شرح الهداية" للصدر الشيرازي، وحاشية على "هداية الفقه"، وله "الفتاوى الفقهية"، ورسائل إلى أصحابه في التصوّف، ومن مصنّفاته:"المنازل الأربعة" في السلوك مرتّبة على أربعة منازل.

الأول في تربية الطالبين، وفيه مقامات.

والثاني في أحكام الشريعة المصطفوية على صاحبها الصلاة والتحية، وفيه ثلاث عشرة مقامة.

والثالث في أحكام الطريقة، وفيه خمس مقامات.

والرابع في أحكام الحقيقة، وفيه مقامة واحدة، صنّفه سنة سبع وستين وألف بمدينة "لكنو". أوله: حمد بي نهايت وشكر بي غايت مر ذاتي را. إلخ.

وله غير ذلك من الرسائل.

توفي في الرابع عشر من جمادى الأخرى سنة خمس وثمانين وألف بمدينة "لكنو"، فدفن بها بتل على "ساحل كومتي" يعرف بتل الشيخ بير محمد، وقد أرّخ لوفاته بعض العلماء من قوله تعالى:(لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، كما في "بحر زخّار".

* * *

‌1215 - الشيخ الصالح بير محمد بن عبد النبي بن أبي الفتح بن إله داد بن من الله ابن بهاء الدين العمري الجونبوري، ثم السلوني

*.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 107.

ص: 283

أحد المشايخ المشهورين.

ولد سنة ستّ وتسعين وتسعمائة بمدينة "سَلُون" بفتح السين المهملة - وسافر للعلم إلى "مانكبور"، وجدّ في البحث والاشتغال، حتى لقي الشيخ عبد الكريم بن سلطان المانكبوري ذات يوم عند ذهابه إلى المدرسة، فسأله الشيخ عما يقرأ، فقال:"هداية الفقه"، و "تفسير البيضاوي"، فقال له: هلمّ إليّ أعلّمك ما تشاء، فلم يلتفتْ إليه بير محمد لعدم وقوفه على مراتبه العلية، وأخذ مذهبه، فلمّا وصل إلى أستاذه، وقعد بين يديه لم يقدرْ على القراءة، ولا أستاذه على تعليمه، فتعجّب شيخه بن ذلك، وسأله عن ذلك، فذكر ما جرى بينه وبين الشيخ عبد الكريم، فذهب أستاذه إلى عبد الكريم ومعه تلميذه، واعتذر إليه، ولازمه بير محمد ستة أشهر، وقرأ عليه "الهداية"، و"البيضاوي"، وأخذ عنه الطريقة، ولما بلغ رتبة الإرشاد استخلفه الشيخ عبد الكريم، ورخّصه إلى بلدته، وكانتْ عامرة في ذلك الزمان بطائفة من الهنود، يقال لهم:"السناسيون"، (إذ قال لهم: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد أصناما، فنظلّ لهما عكفين)، ثم اتّبعوه، وأسلموا لله ربّ العالمين، فصار مقصدا في الإرشاد والتلقين.

وأخذ عنه غير واحد من المشايخ، منهم: السيّد علاء الدين السنديلوي، والسيّد بدر الدين البريلوي، وغيرهما، ثم أقطعه عالمكير بن شاهجهان الكوركاني سلطان "الهند" قريتين، فتوارثتهما أعقابه إلى الآن، ولم تتعرّض لهما الدولة الإنجليزية.

توفي لثمان بقين من محرّم الحرام سنة تسع وتسعين وألف بمدينة "سلون"، فدفن بها - قال صاحب "نزهة الخواطر": أخبرني به الشيخ نعيم عطاء بن مهدي عطاء السلوني أحد سلائله.

* * *

ص: 284

‌1216 - العالم الفاضل الكامل المولى محي الدين بير محمد ابن المولى علاء الدين على الفناري

*.

قرأ على علماء عصره، ثم ارتحل إلى بلاد العجم، وقرأ هناك على علماء "سمرقند" و"بخارى"، ثم أتى "بلاد الروم"، وأعطاه السلطان سليم خان مدرسة الوزير المرحوم مصطفى باشا بمدينة "قسطنطينية"، ثم صار مدرّسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بـ"أدرنه"، ثم صار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم عزل عن ذلك، ثم صار ثانيا مدرّسا بها، ثم أضرّت عيناه، وعجز عن إقامة التدريس، وعيّن له كلّ يوم ثمانون درهما بطريق التقاعد.

مات وهو على تلك الحال في سنة أربع أو خمس وخمسين وتسعمائة.

كان - رحمه الله تعالى - عالما، فاضلا، عابدا، زاهدا، محبّا للخيرات والصلاح.

وكان صاحب أخلاق حميدة، وكان صحيح العقيدة، حسن السمت، وله حاشية على "شرح هداية الحكمة" لمولانا زاده، - روّح الله روحه، ونوّر ضريحه -.

* * *

‌1217 - العالم الفاضل المولى بير محمد

* *.

قرأ - رحمه الله تعالى - على علماء عصره العلوم العربية، وعلوم القراءات، ومهر فيها، وكان حسن التلاوة، محمود الطريقة، مجودا.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 290.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 311.

ص: 285

وكان خطيب بجامع السلطان بايزيد خان بمدينة "قسطنظينية"، ومدرّسا بدار القراء التي بناها المولى الفاضل الكوراني، وتوفي في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة. - نوّر الله تعالى قبره -.

* * *

‌1218 - الشيخ الفاضل بير محمد الشمرواني، الأحمد نكري، أحد كبار العلماء

*.

قرأ عليه برهان نظام شاه ملك "أحمد نغر"، وقرّبه إليه، فصار مرزوقَ القبول في تلك البلدة، ثم اتفق أنه ذهب إلى قلعة "برينده "من قلاع "الدكن"، بعثه برهان نظام شاه بالرسالة إلى خواجه جهان الدكني، فلقي بها طاهر بن رضي الحسني الإسماعيلي، فقرأ عليه المجسطي، واستفاد منه سنة كاملة.

ثم رجع إلى "أحمد نغر"، وذكره عند برهان نظام شاه، فاستقدمه الملك، وقرّبه إليه، وتلقّن منه مذهب الشيعة، وتشيّع معه ثلاثة آلاف من أهل بيته وخدمه، وخطب على المنابر للأئمّة الاثني عشر، ولعن الخلفاء الثلاثة، فهاجت الفتنة العظيمة بأحمد نغر، واجتمع الناس على بير محمد، وكانوا اثني عشر ألفا رجالا وفرسانا، فهجموا على برهان نظام شاه، ثم اعتزل عنه جمع كثير، وبقيتْ معه فئة قليلة، فانهزم، وتحضن في بيته، فأخذوه، وحبسوه في قلعة، فلبث في السحن أربعة أعوام، ثم أطلقه برهان نظام شاه، وكان ذلك بعد سنة ثمان وعشرين وتسعمائة.

ذكره محمد قاسم في "تاريخه".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 61 - 62.

ص: 286

‌1219 - الشيخ الفاضل العالم بير محمد الشرواني، أحد كبار العلماء، لقبه ناصر الملك

*.

ولد، ونشأ بـ "خراسان"، وقدم "الهند"، فتقرّب إلى بيرم خان، فأحسن إليه، وربّاه، حتى تدرّج إلى الإمارة، وصار المرجع والمقصد في كلّ باب من أبواب الدولة، فكان الناس حوله يدورون، وفي كلّ أمر إليه ينظرون، فأخذه البطر والدالة، حتى أنه فعل ذات يوم بمحسنه بيرم خان ما لا يليق به، فسلب عنه بيرم خان رداء الكبر، وأخرجه إلى قلعة "بيانه"، وأمر بحبسه سنة خمس وستين وتسعمائة، فلبث بها زمانا، وبعث إلى بيرم خان رسالة له في إثبات برهان التمانع من قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وصدر الرسالة باسمه، وتوسّل بها لخلاصه عن السجن، فلم يلتفتْ إليه بيرم خان، وأمرَ بإخراجه إلى الحرمين الشريفين بعد مدّة من الزمان، فبينما هو قاصد إلى "كجرات" وقعتْ بين السلطان ووكيله بيرم خان وحشة، لا نطيل الكلام بشرح تلك القصّة، وقد سبقت الإشارة إليها، فلمّا جمع بير محمد أن بيرم خان خرج من الحضرة رجع إلى "دهلي"، فبعثه السلطان لتعاقبه، فجدّ في السير، ورضي عنه السلطان، فلقبه بناصر الملك، وولّاه على بلاد "مالوه"، فنهض إلى "برهانبور"، وفتح قلعة "بيجاكده"، ثم صار إلى "خانديس"، فاستأصلها، ولما رجع إلى مستقرّه غرق في "ماء نربده"، وكان ذلك في سنة تسع وستين وتسعمائة، ذكره البدايوني في "تاريخه".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 62.

ص: 287

‌1220 - الشيخ العالم الكامل بير محمد الجمال

*.

قرأ على علماء عصره، ثم صار قاضيا ببعض البلاد، مثل "صوفية" و"فلبه" و"غلطه"، ثم صار متولّيا بأوقاف عمارة السلطان محمد خان بمدينة "قسطنطينية" ثم صار حافظا للدفتر بالديوان العالي في أواخر سلطنة السلطان بايزيد خان وصدرا من سلطنة السلطان سليم خان، ثم استوزره السلطان سليم خان، ولقبه بير باشا، وكان هو وزيرا أعظم عند جلوس سلطاننا الأعظم على سرير السلطنة، ثم عزل عن الوزارة، وتقاعد في موضع قريب من "ديمه توقه"، وختم عمره بعبادة وصلاح وعفّة وديانة، - رحمه الله تعالى -.

وكان عاقلا، مهيبا، صاحب حدس صائب، وذكاء فائق، لايذكر أحدا بسوء.

وكان محبّا للعلماء والصلحاء، وكان مراعيا للفقراء، وكانتْ أيامه تواريخ الأيام، وبالجملة كان حسنة من حسنات الزمان، وبركة بركات الأيام.

توفي - رحمه الله تعالى - في حدود الأربعين وتسعمائة، ودفن عند جامعة الذي بناه في قصبة "سيلوري"، وله جامع آخر، ومدرسة في مدينة "قسطنطينية"، ومدرسة أخرى ودار المسافرين في قصبة "سيلوري" وزاوية للصوفية في مدينة "قسطنطينية". وله أيضا دار المسافرين أخرى بمدينة "قوينة"، وله غير ذلك من الخيرات، - تقبّلها الله تعالى منه، ورحمه رحمة واسعة -.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 189.

ص: 288

يروى أن السلطان سليم خان كان يعدله بأرسطاطاليس، ويقول: إن كان إسكندر بن فيلفوس يفتخر بوزيره أرسطو فأنا أفتخر بوزيري بير باشا في عقله ورأيه وحذقه.

* * *

‌1221 - العالم العامل المولى محي الدين المشتهر بير الوجه

*.

إنما لقّب بذلك، لأنه كان في عنفوان شبابه يحارب مع أقرانه، فأصابتْه جراحة، واللقب المذكور إنما يطلق على من أصابته جراحة.

قرأ على بعض العلماء، وصار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار قاضيا بمدينة "أدرنه" و"بروسه"، ولكن لم يكنْ له سيرة حسنة في قضائه، فعزل عن ذلك، ثم صار معلّما للسلطان بايزيد خان، ثم عزله عن ذلك، لأمر جرى بينهما، وأعطاه قضاء مدينة. "أدرنه" ثانيا، ثم عزله عن ذلك، وعيّن له كلّ يوم مائتي درهم، وعاش على ذلك إلى أن توفي.

وله حواش على "شرح العقائد" للعلامة التفتازاني، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1222 - الشيخ العارف بالله الحاج بيرام الأنقروي

* *.

ولد رضي الله عنه بقرية قريبة من"أنقره" مسمّاة بـ "صول فصلي" على جنب نهر معروف بـ "جبق صولي" ثم اشتغل بالعلوم الشرعية والعقلية، وتمهّر

* راجع: الشقائق النعمانية ص 119.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 36.

ص: 289

فيهما، وصار مدرّسا بمدينة "أنقره"، ثم ترك التدريس، وتشرّف بصحبة الشيخ حامد المذكور، وبلغ إلى الغاية القصوى من الكمالات، وكان عارفا بأطوار السلوك ومنازله ومقاماته، وكان صاحب كرامات عيانية ومعنوية، وكانتْ صحبته مؤثّرة في الغاية، ووصل ببركة صحبته كثير من الأنام إلى المراتب العالية.

مات رحمه الله ببلدة "أنقره"، ودفن بها، وقبره مشهور هناك، يزار، ويتبرّك به، وتستجاب عنده الدعوات، وتستنزل به البركات، - قدّس سرّه -.

* * *

‌1223 - الشيخ الفاضل بيرم بن علي بن برستكين، أبو السرور

*.

فقيه، محدّث، روى عن الضياء بن عساكر، وغيره، وسمع منه الحافظ الرشيد، وأجاز له جميع ما يرويه.

وكان مولده تخمينًا سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

وتُوفي بـ"دمشق"، سنة عشرين وستمائة. - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1224 - العارف بالله تعالى الشيخ بيري خليفة الحميدي

* *.

كان قد تزوّج بنت شيخ الإسلام المتوطّن بقصبة "أكروير"، وكان يدرّس الكتب المعتبرة للطلبة، ولما دخل الشيخ عبد اللطيف المقدسى بلدة

* راجع: الطبقات السنية 2: 260.

وترجمته في التكملة لوفيات النقلة 5: 167، والجواهر المضية برقم 386، وفي التكملة:"ابن نشتكين"، وفي الجواهرة "بن نوشتكين".

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 68.

ص: 290

"قونية" زاره الشيخ المذكور، وأناب عنده، وتاب على يده، وأقام بخدمته، ثم رجع بـ "إذنه" إلى وطنه، وكان عالما مشهورا بالفضل في العلوم الظاهرة، ومكمّلا في الطريق الصوفية، ومكمّلا للمسترشدين من الصوفية، وبالجملة كان جامعا بين الشريعة والطريقة والحقيقة - قدّس سرّه -.

* * *

‌1225 - العارف بالله تعالى الشيخ بيري خليفة الحميدي صاحب مع السيّد البخاري

*.

وحصل عنده الطريقة، وأجازه للإرشاد، وسكن بوطنه، وكان عابدا، زاهدا، منقطعا عن الناس بالكلّية، متوجّها إلى الله تعالى، ظاهرا، وباطنا، يروى أنه كان دائم الاستغراق.

ومن جملة مناقبه: أنه أتى إليه رجل بجوز بطريق الهدية، فلم يقبلْها، ولما تكدّر الرجل من عدم قبوله لها قال مظهرا عذره إليه: أليس وهبت هذه الشجرة من زوجتك بدلا من مهرها، فاعترف الرجل بذلك، وتسلّى.

توفي - رحمه الله تعالى - في سنة اثنتين وستين وتسعمائة، - قدّس الله سرّه العزيز -.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 68.

ص: 291

‌حرف التاء

‌1226 - الشيخ الفاضل المفتي تابع محمد بن المفتي محمد سعيد الحسيني اللكنوي

*.

كان من نسل الشيخ محمد أعظم بن أبي البقاء الكرماني.

ولد، ونشأ بـ "لكنو"، وقرأ العلم على والده، وعلى الشيخ أحمد بن أبي سعيد الصالحي الأميتهوي، ولازمه مدّة من الزمان، حتى برع في العلم، وتأهّل للفتوى والتدريس، وولي الإفتاء بعد والده بمدينة "لكنو".

له كتاب في الفقه الحنفي، وهو من أفخر الكتب، سمّاه "السراج المنير"، وصنّفه سنة ثمان وعشرين ومائة وألف. أوله: منك الهداية، وإليك النهاية، يا من نوّرَ بعلم الفقه قلوب أولي الأل‌

‌باب

. إلخ.

وهذا الكتاب محفوظ في مكتبة ندوة العلماء.

* * *

‌1227 - الشيخ الفاضل الأمر الكبير تاتار خان الدهلوي الأعظم

* *.

كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح والرياسة والسياسة.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 54.

* *راجع: نزهة الخواطر 2: 19.

ص: 292

التقطه السلطان غياث الدين تغلق في بعض غزواته، طريحا في الأرض يوم ولد فيه، فاقتناه، وربّاه في مهد الإمارة، وجعله من خاصّته، ولما تولّى المملكة محمد شاه، قرّبه إليه، وولّاه الأعمال الجليلة، فصار ركنا من أركان السلطنة.

وكان فاضلا، عادلا، شجاعا، مقداما، سخيا، حسن الأخلاق، شديد التمسّك بالشريعة المطهّرة، شديد الحسبة على الملوك والأمراء، لا يخاف في الله، ولا يهاب فيه أحدا، أنكر على فيروز شاه مرّة على شرب الخمر، فأقطعه فيروز شاه حصار "فيروزه"، ونفاه من حضرته، كذلك انقبض عنه محمد شاه تغلق مرّة. فكتب إليه هذه الأبيات:

آه ندانم از كجا رنجيده

بي سبب از دوستان ببريده.

بانك في خوش ميزند جانان من

ناله بيجاكان نشنيده.

در تو ياري هركز اين عادت نبود

از طريق خود مكر كرديده.

كو كناهي كرده أم ما را ببخش

زانكه تو جندين كنه بخشيده.

از تتار خسته يا الله العظيم

نيست جرمي بي سبب رنجيده.

فلمّا قرأ محمد شاه هذه الأبيات أكرم مثواه، وقرّبه إليه، وهو مع هذا القرب والمنزلة سار إلى الحرمين الشريفين، فسعد بالحجّ والزيارة.

قال شمس الدين العفيف في "تاريخه": إنه لم يزلْ يشتغل بالعلم، ويجالس العلماء، ويذاكرهم، ويحسن إليهم، وإنه صنّف كتابا في التفسير، وسمّاه "التاتار خاني"، وهو أجمع ما في الباب.

وصنّف بأمره عالم بن العلاء الدهلوي "الفتاوى التاتارخانية".

مات في أيام فيروز الشاه السلطان.

* * *

ص: 293

‌1228 - العالم الجليل والحدّث الكبير العلامة تاج الإسلام بن أنوار الدين الكُمِلّائي، الملقب بفخر بنغاله

*.

ولد في قرية "بوبن" من مضافات "ناصر نغر" من "بي باريه" سنة 1313 هـ.

طَنَّتْ حصاته في الآفاق، وارتفع قدرُه، وتفرّد في عصره بالاتفاق، ونال الجاه العريض، والحرمة الوافرة، وكان إماما فاضلا، وبارعا كاملا، فقيها نبيلا، أديبا أريبا، شاعرا مجيدا، بارعا في علم المناظرة.

وكان أبوه عالما كبيرا، ذا مجد وشرافة.

قرأ عند أبيه في داره، ثم ذهب إلى "سِلْهِتْ"

(1)

، والتحق بالمدرسة الرسمية فيها، وقرأ فيها إلى "مشكاة المصابيح"، وغيرها.

ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وأخذ العلم من فضلائها، واشتغل، ودأب، وحصل، واستفاد منهم، وتخرّج عليهم، وأكمل الدراسة العليا فيها، إلى أن صار من أهل الفضل والكمال.

ومن أساتذته: فيها المفتي الأعظم عزيز الرحمن الديوبندي والإمام أنور شاه الكشميري، وشيخ الإسلام حسين أحمد المدني، وشيخ الإسلام شبير أحمد العثماني، والسيّد أصغر حسين الديوبندي، رحمهم الله تعالى.

درّس في المدرسة التي بناها وزير التعليم الشيخ المولوي أشرف الدين الصودوري في "شُوَا غازي"من "كُمِلا"

(2)

، ثم التحق بالجامعة الملّية بـ "كُمِلّا"،

* راجع: مائة رجال من مشاهير علماء بنغاله ص 139 - 142.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

(2)

من أشهر مدن بنغلاديش.

ص: 294

ثم التحق سنة 1353 هـ بالجامعة اليونسية من أكبر الجامعات في "بنغلاديش"

(1)

.

يناظر مع الفرق الضالّة المضلّة، خصوصا الفرقة القاديانية الكافرة، تزوّج بابنة شيخ المرّاء القارئ إبراهيم الأجانوي، رحمه الله تعالى.

كانت وفاته سنة 1390 هـ في المستشفى بـ"داكا"، وعمره إذ ذاك 75 سنة.

* * *

‌1229 - الشيخ العالم العارف تاج الدين بن زكريا بن سلطان العثماني، النقشبندي، السنبهلي، الولي المشهور

*.

ولد، ونشأ في بلدة "سنبهل"، وقرأ العلم، وساح البلاد في طلب شيخ الطريقة، فلمّا وصل إلى "أجمير" تلقّن من روحانية الشيخ معين الدين حسن الأجميري طريق النفي والإثبات على كيفية مخصوصة في الطريقة الجشتية، يسمّونها حفظ الأنفاس، وأمر أن يجلس، ويشتغل في الذكر في بلدة "ناكور"، فيها قبر الشيخ حميد الدين الصوفي النكوري، فسافر إلى "ناكور"، وأقام بها يشتغل بالذكر مدّة مديدة.

(1)

يحدّها من الشرق سلسلة الجبال، ومن الغرب مغربي بنغلا، ومن الشمال أيضا سلسلة الجبال، ومن الجنوب البحر. من أشهر مدنها: دَاكَا، شِيْتَاغُوْنْغ، كُمِلّا، سِلْهِتْ، نُواخَالي، مُومِنْ شَاهي.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 110 - 114.

وترجمته في هدية العارفين 1: 244.

ص: 295

ثم خرج في طلب شيخ، فساح في الجبال والبراري والأغوار والأنجاد، حتى وصل إلى الشيخ الله بخش الشطاري الكده مكتيسري، فتلقّاه الشيخ بحسن القبول، وأظهر له أنه كان منتظرا له، وكانت طريقة الشيخ أن لا يلقّن أحدا إلا بعد إدخاله في الخدمات والرياضات الشاقّة، التي تنكسر بها النفس، وتحصل بها التزكية، فكان يحمل الماء إلى المطبخ فوق طاقته، فبعد ما تمّ له ثلاثة أشهر قال له الشيخ: قد تمّ أمرك، ثم لقّنه ذكر العشقية، فاشتغل به، ولم يزل في خدمته، حتى وصل إلى الكمال والتكميل.

وأجازه الشيخ بالطريقة العشقية والقادرية والجشتية والمدارية، وحصلت له الإجازة من رئيس كلّ طريق، وكذلك حصلت له الإجازة في الطريقة الكبروية من روحانية الشيخ نجم الدين الكبرى، وله رسالة في بيان سلوكهم، وكان خدم الشيخ عشر سنين.

ثم لما وصل الشيخ الأجلّ محمد عبد الباقي النقشبندي بـ "لاهور"كتب إليه كتابا، وكان شيخ التاج الدين حينئذ في "سنبهل"، فلما أتاه كتابه عزم على زيارته، فلمّا وصل إليه توجّه إلى سلوك الأكابر النقشبندية، فتمّ سلوكه في ثلاثة أيام، ثم أجازه الشيخ بتربية المريدين، وهو أول من أجازه، وصحبه عشر سنين، وكانت الصحبة بينهما كصبحة شخصين، لا يدري أيهما عاشق وأيهما معشوق، وكانا يأكلان في إناء واحد، ويرقدان على سرير واحد، فلم يزل مقيّدا بالتسليك بسلوك النقشبندية، بعد ما أجازه الشيخ عبد الباقي المذكور، ورخّص له.

وكان يقول: إن الأكابر النقشبندية هم أرباب الغيرة، ويذكر أن بعد إجازة الشيخ اشتغل بالتربية على طريق الأكابر، وكان إذا أتاه طالب يريد الطريقة العشقية أو غيرها، يلقّنه فيها، ويربّيه، حتى أنه في بعض الأيام حضرتْ روحانية الشيخ الكبير عبيد الله الأحرار رضي الله عنه للشيخ عبد الباقي - رحمه الله تعالى -، وقال: إن تاج الدين يأكل من مطبخنا، ويشكر

ص: 296

غيرنا، فأخرجناه من النسبة، فقال: الشيخ عبد الباقي - رحمه الله تعالى -: اعف عنه هذه المرّة، حتى أخبره، فكتب إليه هذه الواقعة، فترك كلّ ما كان غير هذه السلسلة، وحصر التربية والتلقين فيها، فلمّا توفي الشيخ عبد الباقي - رحمه الله تعالى - اغتمّ بموته، وحزن عليه حزنا شديدا، وأخذ في السياحة، فسافر إلى بلاد "الهند" و"العراق " و"العرب"، حتى ألقى عصا التسيار بـ "مكّة" المحترمة، وسكن بها.

وأخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ.

قال ابن فضل الله المحبي في "خلاصة الأثر": إنه كان شيخ الطريقة النقشبندية، ورابطة الإرشاد إلى المنازل للسالكين في السلوك، وواسطة الإمداد للمواهب الرحمانية من ملك الملوك، وشيخا كبيرا، مهابا، حسن التربية والدلالة على الوصول إلى الله تعالى، صحبه خلق كثير من المريدين، وممن صحبه، ولازمه الأستاذ أحمد أبو الوفاء العجل العجيل، وولد أحمد المذكور، والشيخ محمد مرزا ابن محمد المعروف السروجي الدمشقي، والأمير يحيى بن علي باشا، وغيرهم.

وألّف كتبا، منها:"تعريب النفحات" للعارف عبد الرحمن الجامي، و"تعريب الرشجات"، ورسالة في طريق السادة النقشبندية، جمع فيها الكلمات القدسية المأثورة المروية عن حضرة الخواجه عبد الخالق الغجدواني المبني عليها الطريق، وشرحها بأحسن بيان، و"الصراط المستقيم"، و"النفحات الإلهية"، في "موعظة النفس الزكية"، و"جامع الفوائد"، وقد أفرد ترجمته تلميذه السيّد محمود بن أشرف الحسيني في رسالة، سمّاها "تحفة السالكين في ذكر تاج العارفين". انتهى.

وقد نقل المحبي عن الرسالة المذكورة أشياء من كشوفه وكراماته، لا نطيل الكلام بذكرها.

ص: 297

وقال الشيخ أحمد النخلي المكّي في بعض رسائله: وهذا الشيخ تاج رحمه الله ونفعنا به في الدنيا والآخرة - كان وليا لله عارفا به، أقام بـ "مكّة المشرّفة" على حلول ألف وأربعين من الهجرة مدّة مديدة، ومات بها. انتهى ما نقله الشيخ ولي الله الدهلوي عن شيخه أبي طاهر بن إبراهيم الكردي المديني.

وقد أخذ عنه غير من ذكر الشيخ عبد الباقي بن زين المزجاجي الزبيدي، والشيخ عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن عبد الرحمن الحضرمي العيدروس، والشيخ محمد علّان المكّي - بتشديد اللام - والشيخ إبراهيم بن حسن الحنفي الأحسائي، والشيخ أبو بكر بن سعيد بن أبي بكر الحضرمي، والشيخ عبيد الله بن محمد باقى الدهلوي، والسيّد محمود بن أشرف الحسيني الأمروهوي، وخلق آخرون.

ومن مصنّفاته: غير ما ذكر رسالة في أنواع الأطعمة كيفية طبخها، ورسالة في كيفية غرس الأشجار، وأخرى في أنواع الطبّ، ذكرها محمود بن أشرف الحسيني الأمروهوي في "تحفة السالكين".

ومن ألفاظه القدسية: ما قال في مفتتح رسالته في سلوك الطريقة النقشبندية: اعلم وفّقك الله أن معتقد السادة النقشبندية - قدّس الله أسرارهم - هو معتقد أهل السنّة والجماعة، وطريقهم دوام العبودية، التي لا تتصوّر بغير أداء العبادة، وهي عبارة عن دوام الحضور مع الحقّ سبحانه شعورا بالغير مع الذهول عن صفة الحضور بوجود الحقّ سبحانه، ولا يحصل هذه السعادة العظيمة بغير تصرّف الجذبة الإلهية، ولا سبب في طريقة الجذبة أقوى من صحبة الشيخ، الذي سلوكه بطريق الجذبة، قال الشيخ أبو علي الدقّاق - قدّس سرّه -: الشجرة التي تنبت بنفسها لا ثمر لها، وإن كان لها ثمر يكون بغير لذّة، وسنّة الله تعالى جارية على أنه لا بدّ من السبب، فكما أن التوالد والتناسل الصوري لا يحصل بغير الوالد والوالدة كذلك التوالد المعنوي

ص: 298

حصولة بغير المرشد متعذّر، قال في "الرسالة المكّية": من لا شيخ له فالشيطان شيخه. انتهى.

توفي قبل غروب يوم الأربعاء الثامن عشر من جمادى الأولى سنة خمسين وألف، ودفن صبح يوم الخميس في تربة أعدّها له في حياته في سفح جبل "قعيقعان"، وضريحه ظاهر للزيارة، "قعيقعان "كزعيفران جبل "بـ" مِكّة" وجهه إلى "أبي قبيس"، لأن جرهم كانتْ تضع فيه أسلحتها، فتقعقع فيه، أو لأنهم تحاربوا، فقعقعوا بالسلاح، كما في "خلاصة الأثر".

* * *

‌1230 - الشيخ الفاضل الكبير تاج الدين الإسبيجابي، أحد كبار العلماء

*.

كان ختن الشيخ علاء الدين عمر بن أسعد اللاهوري البدوي، ومع تلك القرابة كان شديدا على استماع الغناء، ينهى من الرقص والتواجد، كما في "أخبار الأخيار".

‌1231 - المولى الفاضل تاج الدين الكردري

* *.

قرأ رحمه الله على علماء عصره، منهم العالم الفاضل سراج الدين الأرموي، صاحب "المطالع" و"بيان الحكمة"، وحصل من العلوم شيئا كثيرا، وبرع في جميعها، وتمهّر في الفقه، واشتهرتْ فضائله في الآفاق، ولما مات داود

* راجع: نزهة الخواطر 3: 35.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 9.

ص: 299

القيصري مدرّسا بمدرسة "أزنيق" نصبه السلطان أورخان مقامه، ودرّس هناك مدّة، وأفاد طلبة زمانه، وكان زوج إحدى ابنتيه للشيخ اده بالي المذكور، وزوّج ابنته الأخرى للمولى خير الدين القاضي، ثم صار هو وزيرا، ولقّب بخير الدين باشا.

روى عن بعض الثقات أن السلطان أورخان الغازي لما حاصر بلدة "أزنيق" ظهر عسكر الكفّار من بعض الجوانب، يقصدون السلطان المذكور، فتحيّر السلطان، وشاوَرَ مع الأمير شاهين لا لا من عبيد السلطان المذكور، فأشار إليه أن لا يؤخّر أمر الحصار، وقال: إن وهبت لي الغنيمة الحاصلة من هؤلاء الكفّار ذهبت إليهم، فقبله السلطان، فهزم الأمير المذكور عسكر الكفّار، وحصل له منهم غنيمة عظيمة، فندم السلطان على ما فعله، فاستفتى من المولى المذكور، وحكى له ما جرى بينه وبين الأمير شاهين من هبة الغنيمة المذكورة له، فقال المولى: إن هذا عبد أو معتق؟ قال السلطان: إنه معتق، فقال المولى: إن الغنيمة له، ولا يجوز أخذها منه، وبنى ذلك الأمير بذلك المال مدرسة بمدينة "بروسا"، وجسرا ببلدة "كرماستي"، وزاوية.

* * *

‌1232 - الشيخ الفاضل تاج الدين المكّي

*.

فقيه.

من آثاره: "النجدة في عدم قصر الصلاة في طريق جدة".

كان موجودا في حدود 1160 هـ.

* * *

* راجع: إيضاح المكنون 2: 626.

ص: 300

‌1233 - الشيخ الفاضل العارف بالله تعالى الشيخ تاج الدين إبراهيم بن بخشى فقيه

*.

كان - رحمه الله تعالى - من ولاية "منوغاذ"، وكان من جملة الطلبة المشتغلين بالعلوم الظاهرة عند الشيخ بيري خليفة الحميدي المذكور آنفا، ولما زار هو الشيخ عبد اللطيف المقدسي بـ "قونية" ذهب الشيخ تاج الدين معه، ولما رجع هو إلى وطنه، قال له الشيخ عبد اللطيف: خلّ الشيخ تاج الدين عندي، ولما وصل الشيخ عبد اللطيف إلى "بروسه" كان الشيخ تاج الدين في خدمته، واختلى عنده الخلوات، وحصل طريقة التصوّف، حتى بلغ رتبة الإرشاد، ولما مات الشيخ عبد اللطيف المقدسي بـ"بروسها" أقام مقامه لإرشاد الطالبين، فاهتمّ في إرشادهم غاية الاهتمام، واجتمع عليه كثير من الطلّاب، ووصل كلّ منهم إلى متمناه.

وحكي عن بعض خدّامه أنه قال: قسمت الليلة للطالبين المجتمعين عنده مائة وعشرين قصعة من الطعام، وحكي عن بعض أصحابه أنه قال: فقدنا الشيخ مدّة، فاجتهدنا في طلبه، فوجدناه على جبل مدينة "بروسا"، مشتغلا بالرياضة، وذلك الموضع الآن مصطاف أهل زاويته، وقد بنى رجل يدعى بخواجه رستم هناك حجرات للطالبين بن الصوفية، وأما زاوية الشيخ عبد اللطيف ومسجده في مدينة "بروسه"، فإنما هما لرجل من تجّار العجم من أحباء الشيخ عبد اللطيف، يدعى بخواجه بخشايش.

مات - قدّس سرّه - في شهر صفر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ودفن عند شيخه عبد اللطيف تحت قبّة مبنية عند زاويته بالمدينة المزبورة. وقال المؤرّخ في تاريخ وفاته انتقل الشيخ، وتاريخه - قدّسك الله بسرّ رفيع.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 193.

ص: 301

‌1234 - الشيخ الفاضل تاج الدين زكريا بن عيسى الصوفي الدهلوي، أحد العلماء المبرّزين في المنطق والحكمة والتصوّف

*.

أخذ عن والده، وعن الشيخ عبد الملك بن عبد الغفور الباني بتي، ولازمه مدّة من الزمان، حتى نال حظا وافرا من الحقائق والمعارف، استقدمه السلطان أكبر بن همايون الكوركاني، وجعله من ندمائه.

قال البدايوني في "المنتخب": إنه مكّن في قلب السلطان الزندقة، وبعد مدّة من الزمان ترك الالتفات إليه، فصار مطرودا.

وله مصنّفات، منها:"شرح اللوائح"، وشرح على "نزهة الأرواح". انتهى.

* * *

‌1235 - الشيخ الفاضل تاج العارفين بن أحمد بن أمين الدين بن عبد العال المصري، صدر المدرّسين في "مصر

"* *.

له مؤلّفات عديدة، ومصنّفات شهيرة.

ولما سقط في الكعبة الجدار الشامي بوجهيه، وانجبذ معه بين الجدار الشرقيّ إلى حدّ الباب الشاميّ، وسقط من الجدار الغربيّ من الوجهين نحو

* راجع: نزهة الخواطر 5: 110.

* * راجع: طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص 265.

وترجمته في معجم المؤلفين 3: 88، وخلاصة الأثر 1: 470 - 473، وهدية العارفين 1: 245، وإيضاح المكنون 1:614.

ص: 302

السدس، وكان ذلك بعد عصر الخميس لعشرين من شعبان سنة 1039 هـ، جمع شريف "مكّة" الشريف مسعود علماء البلد الحرام، وسألهم عن حكم عمارة الساقط، ولمن هي، ومن أيّ مال تكون؟ فوقع الجواب منهم بأنها تكون فرض كفاية على سائر المسلمين، ثم ورد السؤال من "الديار المكّية" إلى "الديار المصرية" عن ذلك، فألّف تاج العارفين رسالة، سمّاها "الزلف والقربة في تعمير ما سقط من الكعبة".

وكانت وفاته في حدود سنة 1040 هـ. كذا في "خلاصة الأثر".

* * *

‌1236 - الشيخ الفاضل المولى تجمّل حسين بن المولوي رمضان علي خان

*.

ولد بـ"كَاوْخَالي" من مضافات "فيرُوْزْفور" سنة 1325 هـ.

والتحق بالمدرسة العالية فيها، وقرأ فيها ستة أشهر، ثم رجع إلى وطنه، وقرأ في عدّة مدارس، ثم سافر إلى "كلكته " مرّة ثانية، وقرأ فيها الصحاح الستّة وغيرها من كتب الحديث سنة 1350 هـ.

- درّس في عدّة مدارس، والتحق مديرا بالمدرسة العالية بـ"سَرْسِيْنَه". سنة 1362 هـ.

صنّف "جواهر الفقه"، و "تعليم أردو"، و"خلاصة الميزان"، و"مرقاة الترجمة"، وغيرها.

حجّ بيت الله الحرام سنة 1371 هـ، ومرّة ثانية 1387 هـ.

توفي ليلة يوم الخميس سنة 1399 هـ، وكان عمره إذ ذاك 73 سنة.

* * *

* راجع: مائة رجال من مشاهير العلماء ص 187 - 199.

ص: 303

‌1237 - الشيخ الفاضل تجمّل علي بن شرافة علي السِّلْهِتي

*.

ولد في قرية "أنْكُوْرَه محمد فور" من مضافات "سِلْهِتْ"

(1)

سنة 1330 هـ.

تلقّى مبادئ العلوم في مدرسة قريته، ثم سافر إلى "شيتاغونغ"

(2)

، وقرأ في مدرسة مدّة، ثم جاء إلى "سلهت"، والتحق بالمدرسة العالية بـ "سلهت"، وأتمّ الدراسة العليا فيها.

ثم سافر إلى دار العلم ديوبند، وقرأ الصحاح الستّة وغيرها مرّة ثانية، من أساتذته فيها: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة إبراهيم البلياوي، والعلامة إعزاز علي الأمروهوي، والعلامة عبد الأحد، رحمهم الله تعالى.

تم رجع إلى وطنه، وعيّن محدّثا ومديرا في المدرسة العالية بـ"مُنِي رَامْ فور""جَسَر"، ثم عيّن شيخ الحديث ومديرا بالجامعة المدنية جَاتْرَابَاري، دَاكَا، ثم عين محدّثا بقاسم العلوم دَرْكَاهْ، "سلهت".

بايع في الطريقة على يد شيخ الإسلام المدني، وذلك عند إقامته بـ"ديوبند"، وأجازه للإرشاد والتلقين.

توفي سنة 1427 هـ.

* * *

* راجع: مائة رجال من مشاهير العلماء ص 394، 395.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

(2)

من أشهر مدن بنغلاديش.

ص: 304

‌1238 - الشيخ الفاضل أبو تراب بن أبي لمعالي بن علم الله، الصالحي، الأميتهوي، ثم البيجابوري، أحد العلماء المبرّرين في الفقه والأصول

*.

وُلِدَ، ونشأ بمدينة "بيجابور"، وقرأ العلم بها على الشيخ علي محمد بن أسد الله العلوي الكجراتي، ولازمه مدّة من الزمان، حتى برع أقرانه، وصار من أكابر العلماء في بلدته، فاشتغل بالدرس والإفادة، وصرف شطرا من عمره في ذلك.

انتهتْ إليه الرياسة العلمية بمدينة "بيجابور".

أخذ عنه الشيخ نظام الدين البرهانبورى، صاحب "الفتاوى الهندية"، وخلق كثير من العلماء.

مات لعشر بقين من صفر سنة ستّ وثمانين وألف، فدفن عند جدّه الشيخ علم الله المذكور، كما في "روضة الأولياء".

* * *

‌1239 - الشيخ العالم الصالح تراب علي بن محمد كاظم، العلوي، الكاكوروي، أحد المشايخ القلندرية

* *.

* راجع نزهة الخواطر 5: 15.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 122، 123.

ص: 305

ولد سنة إحدى وثمانين ومائة وألف بـ "كاكوري"

ونشأ بها، وقرأ الكتب الدرسية بعضها على قدرة الله البلكرامي، ومعين الدين البنغالي، وأكثرها على الشيخ حميد الدين الكاكوروي، وقرأ بعض الرسائل على القاضي نجم الدين بن حميد الدين، وقرأ "هداية الفقه" على مولانا فضل الله النيوتيني.

وقرأ رسائل التصوّف على والده، وأقبل إلى قرض الشعر والتصوّف، واشتغل على والده بالأذكار والأشغال مدّة، حتى برع في العلم والمعرفة، وتولّى الشياخة مقام والده، وحصلتْ له الإجازة عن الشيخ مسعود علي القلندر الإله آبادي، وشيوخ آخرين.

ومن مصنّفاته: "المقالات الصوفية"، و"مطالب رشيدي"، و"الأصول المفسّرة"، و"كشف المتواري في أخبار نظام الدين القارئ"، و"أصول المقصود"، و "تعليم الأسماء"، و"شرائط الوسائط" و "إسناد المشيخة" و"ديوان الشعر"، وغير ذلك. مات لخمس خلون من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين ومأتين وألف وله أربع وتسعون سنة كما في الانتصاح.

* * *

‌1240 - الشيخ الفاضل تغري بردي بن أبي بكر بن قرابغا، الناصري، نزيل "الروضة"، وسبط الشنشي

*.

ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، واشتغل، وأخذ عن العزّ عبد السلام البغدادي، وابن الديري، وابن الهمام، والأقصرائي، وابن عبيد

* راجع: الضوء اللامع 3: 27.

ص: 306

الله، وسيف الدين، وغيرهم، كخير الدين خضر المقيم بكعب الأحبار، والد البرهان الحنفي.

قال: إنه أخذ عنه المنطق، وفهم الفقه والعربية والقراءات، وكان يقول: إنه أخذها عن نور الدين الديروطي، وابن عياش، وأنه سمع من شيخنا، وتميّز قليلا، وأقرأ صغار المبتدئين، وتنزّل في بعض الجهات، وكان مجاورا في سنة ستّ وخمسين بـ"مكة"، فسمع بقراءتي على أبي الفتح المراغبي، ثم سمع بـ"القاهرة" على أمّ شيخه سيف الدين، وغيرها، وكذا جاور بعد سنة إحدى وسبعين.

مات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين عن نحو السبعين، وكان خيرا فاضلا أقرأ، وأفاد.

* * *

‌1241 - الشيخ الفاضل تغري بردي من يلباي الظاهري القادري الخازنداري بل الأستادار

*.

ولد تقريبا قبيل الثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالعلم على غير واحد من الفضلاء، كأبي الفضل المحلّي، والسيّد الوفائى، وعبد الرزّاق، وكان يتحفّظ القرآن، حتى بعد ترقيه باللوح مع نور الدين البوصيري، وصحب الأشراف القادرية، وخدمهم وأمثالهم، وتزوّج منهم واحدة بعد أخرى، بل سمع الكثير على جماعة من متأخّرى المسندين مع الولد ونحوه، كتبت له ذلك في كراريس، كنت ممن لازمني، وحضر دروس الأمين الأقصرائى، واختصّ بإمام الكاملية ونحوه، فلما استقرّ يشبك من مهدي في الدوادارية، وكان صاحب

* راجع: الضوء اللامع 3: 30، 31.

ص: 307

الترجمة أسنّ منه، بل هو أغاته قدمه لخازنداريته، وضار المتولّي لعمائره، كثير من جهاته، ولا زال في ترق زائد من ذلك، بحيث لم يشذّ عنه من الأماكن المنسوبة لمخدومه، إلا النزر اليسير، وشكر العمّال ونحوهم صنيعه معهم في المصروف ونحوه، وبكوا من سالم في عمائر الأتابك، وجرتْ على يديه من مبرات مخدومه أشياء جزيلة، وربما كان هو المحرك له في ابتدائها، وجدد أشياء، أو كملها من المساجد والجوامع، كجامع الخشابين، والمسجد المقارب له، والمقابل لدرب الركراكي من المقس وجامع بالكبش، وهو خاصّة باسم السلطان، وزاوية الشيخ شرف الدين بالحسينية، والمشهد النفيسي، ومشهد غانم بسويقة اللبن، ولم ينهض أحد بما نهض له من ذلك كلّه، مع تؤدة وعقل وعدم طيش، بل لم يتحولْ عن طريقته الأولى في التواضع والتأدب غالبا، وتكلّم عنه في سعيد السعداء والبيبرسية والصالح، وحمد في هذا كله، ولما مات الدوادار أضيف إليه التكلّم في الأستادارية مع مبالغته في التنصّل والاستعفاء، وعدم إجابته، فساس الأمور، وسمعت غير واحد يشكرون مباشرته، وأن له مزيد نظر في عمارة الجهات، وربما ندبه السلطان لعمارة بعض الأماكن، كالمطهرة لجامع الأزهر، وجاءت بهجة، وكجامع سلطان شاه، وكذا استملّ بالتكلّم فيما كان ينوب عن مخدومه فيه، كسعيد السعداء بطلب كثير من المستحقّين لذلك، وعمر جلّ أوقاف سعيد السعداء، كالحمّام، وجددّ لها أشياء، بل عمّر المدرسة، وغيّر كثيرا من معالمها، وكذا عمّر مطهرتها، وغير بابها، وصار بهجا، ولم يعدم من متكلّم فيه بسببه، سيّما حين تعطّلت النفقة من أجل ذلك غالبا عليهم، وربما شوفه بالمكروه.

ويقال: إنه وجد دفينا قديما، وإنه أخذ منه، وأضيف إليه بأخرة التكلّم في القرافتين، بعد صرف القاضي الزيني زكريا عنهما، وابتنى لأخي زين العابدين القادري بالقرب من زاوية سكنهم بباب "القرافة" أمكنة هائلة، بل ابتنى في نفس

ص: 308

الزاوية رواقا وغيره، وتكلّم في جهات أمير المؤمنين المتوكّل عزّ الدين صاحبه من بلاد وغيرها، حتى المشهد النفيسي بسؤال منه له، وأذن السلطان فيه، ففرض له في كلّ يوم من متحصّلها أربعة دنانير، والباقي يرصد لوفاء الديون، وندم العزّ لما نشأ عنه من التضييق عليه، ولكن استحكم الأمر.

وكذا له في جامع الغمري والكاملية اليد البيضاء، وتزاحم كثير من مجاوري جامع الأزهر ونحوهم على بابه، ونزل كثيرا من مستحقّيهم فيما يشغر تحت نظره من التصوّفات ونحوها، وممن قرّره الزين جعفر المقري، بل بلغني أنه قرّر كمال الدين الطويل في مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري، ولكنه لم يتم، وعقد عنده مجلسا للحديث في كلّ ليلة، فهرع كثيرون إليه، وقرئ فيه من الكتب الكبار وشبهها، كـ"دلائل النبوة"، و"المعجم الكبير" للطبراني ما يفوق الوصف، ولكن لا أهلية في القارئ، ولا في أكثر الحاضرين.

وانتفع كثير منهم بملازمته، كالزين خلد الوقاد، حيث استمرّ به في مسجد خان الخليلي، الذي أنشأه للدوادار وفي غيره من الجهات، وانتعش هو والقارئ وغيرهما، كثيرا ما يتفقّد المنقطعين من العلماء ونحوهم، كالبدر حسن الأعرج، وعثمان الديمي، بل قلّ أن يموت عالم أو فقيه أو صالح أو فاضل، إلا ويبادر للوقوف على غسله، بل وربما يساعد في تجهيزه، كالأمشاطي، وابن سولة، وابن قاسم، وجعفر، وابن الشيخ يوسف الصفي، ولذا كان كثير منهم يسند وصيته إليه، كابن قاسم وأمره في هذا مشاهد، وخيره إن شاء الله متزايد، ولا زال في كدر وضرر ومرافعات ومدافعات، إلى أن تغيب بعد أن ملّ وتعب.

ويقال: إنه توجّه لضريح الشيخ عبد القادر، ولم يثبت في لك عندي، فرج الله ضائقته.

* * *

ص: 309

‌1242 - الشيخ الفاضل تغري برمش بن يوسف بن عبد الله، أبو المحاسن الزين التركماني، القاهري

*.

قدم "القاهرة" شابًا، وقرأ على الجلال التباني، وغيره، وداخل الأمراء الظاهرية.

وكان متعصّبًا لأهل مذهبه، مع محبته لأهل الحديث، والتعصّبب لهم أيضًا، محبًا للسنّة، كثير الحطّ على ابن العربي

(1)

ونحوه، مبالغًا في ذلك، بحيث صار يحرقُ ما يقدر عليه من كتبه، بل ربط مرّة بكتاب "الفصوص" في ذنب كلب، ونفق بذلك سوقه عند كثير من الناس، كسد عند آخرين، وقام عليه بسبب ذلك جماعة من أضداده، فلم يكترث بهم، ونصر عليهم، واستفتى في ذلك البلقيني وغيره من أعيان علماء المذاهب الأربعة، فأفتوه بذمّه، وذمّ كتبه، وجواز إعدامها، وصار يعلن بذلك، ويبالغ فيه، وجعله دأبه وديدنه.

وصحب جماعة من الأتراك بـ"مصر"، واستفاد بصحبتهم جاهًا وتعظيمًا عند أعيان الناس بـ"القاهرة" وغيرها، في دولة الظاهر، وغيره، وكتب

* راجع: الطبقات السنية 2: 262، 263.

وترجمته في الضوء اللامع 3: 31 - 33، والعقد الثمين 3: 388 - 392.

وجاء اسمه في الضوء: "تغري برمش بن يوسف بن المحب أبا أغلى"، قال السخاوي بعد ذلك:"ورأيت من كتبه علي ابن عبد الله، الزين أبو المحاسن التركماني الأقحالي القاهرى الحنفي"، ثم قال في موضع آخر من الترحمة،"وذكره - أي ابن حجر - فسمى والده عبد الله".

(1)

يعني محي الدين بن عربي المتصوّف، وهو صاحب "الفصوص" الذي سيذكره، ولا يعني أبا بكر بن العربي الفقيه المالكى.

ص: 310

له مرسوم بإنكار المنكرات المجمع عليها، وأمر الحكّام بمعونته في ذلك، فنالته بهذا السبب ألسنة العوام، بل ربما أوقع بعضهم به الفعل، وكان الظفر له عليهم.

وكان أكثر إقامته بالحرمين الشريفين، وانتفع أهلها به كثيرًا.

وكان قد اشتغل في بلاده، وفي "القاهرة"، بفنون من العلم، وكان يستحضر كثيرًا من المسائل الفقهية، وغيرها، لكنه ليس بالماهر.

ورتّبه السلطان المؤيّد مدرّسًا بالجامع الذي بناه بالقلعة، وتخرّج به جماعة من الجراكسة.

مات ليلة الأربعاء، مستهلّ المحرّم، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ودفن في صبيحتها، بـ"المعلاة". - رحمه الله تعالى -.

هكذا لخّصت هذه الترجمة من "الضوء اللامع"، والذى ظفر لي من كلامه، وكلام من نقل عنه، أن صاحب الترجمة كان من خيار الناس، وأنه لم يكنْ فيه عيب إلا أنه يصدع بالحقّ، ولا يُحسن مداراة الفسّاق، فحصل له بذلك عند أهل عصره ما لا يليق من كلامهم فيه، وحطّهنم عليه، وحسدهم له، والله تعالى يغفر للمسيء منهم، آمين.

* * *

‌1243 - الشيخ الإمام الحافظ تغري برمش سيف الدين الجلالي الناصري، ثم المؤيّدي نائب القلعة بـ"القاهرة"، ويعرف بالفقيه

*.

كان يزعم أن أباه كان مسلما، وأن بعض التجّار اشتراه ممن سرقه، فابتاعه منه الخواجا جلال الدين، وقدم بها "حلب"، فاشتراه السلطان، وقدم

* راجع: الطبقات السنية 2: 263، 266.

وترجمته في الضوء اللامع 3: 33، 34.

ص: 311

به "القاهرة"، فقدمه لأخيه جاركس المصارع، فلمّا أخيط به صار لناصر، فأقام بالطبقة إلى أن ملك المؤيّد، فأعتقه، وحينئذ ادعاد، واشتراه المؤريّد منه، ثم صار بعد موت المؤيّد خاصكيا، فلمّا استقرّ الأشرف أخرجه عنها مدة، ثم أعاده، واستمرّ إلى أن استقرّ الظاهر، فرام أن يتأمر، كلّم السلطان في ذلك بما فيه خشونة، فأمر بنفيه إلى "قوص"، فأقام مدّة، ثم شفع فيه عنده، فأحضره، وأنعم عليه بامرة عشرة، وقرّره نائب القلعة في رجب سنة أربع وأربعين بعد موت ممجق النوروزي، وقرّبه، وأدناه، واختصّ به إلى الغاية، وصارت له كلمة وحرمة، لكنه لم يحسن عشرة من هو أقرب إليه منه، وأطلق لسانه فيما لا دخل له فيه من أمور المملكة، بحيث كان ذلك سببا لإرساله لـ"لروم" في بعض المهمّات، ثم عاد، فمشى على حالته تلك، فعين أيضا لغزو رودس

(1)

، فسافر، ثم عاد، فلم يغير طريقته، فأمر بنفيه إلى"القدس"، فتوجّه إليه، وأقام به بطالا إلى أن مات في ليلة الجمعة ثالث رمضان سنة اثنتين وخمسين. وقد زاد على الخمسين، وكان قد اعتنى بالحديث وطلبه وقتا، وأخذ عن شيخنا بقراءته "الكفاية" للخطيب وغيرها، ولازمه، وعن الكلوتاتي، وناصر الدين الفاقوسى، والشمس بن المصري، وقرأ عليه "سنن ابن ماجه" في سنة اثنتين وثلاثين، والزين الزركشي، وطائفة.

ولقي بـ"الشام" ابن ناصر الدين، وبـ"حلب" البرهان الحلبي.

ووصفه شيخنا بصاحبنا المحدّث الفاضل، وسأل هو شيخنا هل رأيت مثل نفسك، فقال: قال الله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} ، وقرأت بخطّه على "تعليق التعليق" له منا ما رآه لشيخنا أثبت منه الألفاظ، التي وصف بها في حكايته شيخنا في كتابي "الجواهر"، وبسفارته أحضر ابن ناظر

(1)

رودس: جزيرة مقابل الإسكندرية، على ليلة منها في البحر، معجم البلدان.

وهي شرقيّ الأرخبيل اليوناني. المنجد في الأدب والعلوم 22.

ص: 312

الصاحبة، وابن الطحّان، وابن بردس من "الشام" إلى "مصر"، فأسمعوا بالقلعة، وغيرها، وبصحبته انتفع التقي القلقشندي، ولا زال بشيخنا، حتى لقبه بالحافظ، وخاشن أخاه العلاء بسببه، ولذا كان التقي يطريه بحيث سمعته يقول: إنه لا يشذّ عنه من التهذيب لفظة، وكذا لما رجع من "الشام" أخبر شيخنا بأنه لم ير في طلبة ابن ناصر الدين أنبه من قطب الدين الخيضري لقربه من الطلب دونهم، وانتفع القطب حين حضوره "القاهرة" بذلك.

وبالجملة فكان فاضلا ذاكرا لجملة من الرجال والتاريخ وأيام الناس، مشاركا في الأدب وغيره، حسن المحاضرة، حلوّ المذاكرة، جيِّد الخطّ، فصيحا، عارفا بفنون الفروسية، محبا في الحديث، وأهله، مستكثرا من كتبه، فردا في أبناء جنسه، مع زهو وإعجاب وتعاظم، وربما كان يقول: إن الأمر يصير إليه، ويترجى تأخّره عن وفاة شيخنا، ويقول: إنما تكثر ديوني بعد موته إشارة إلى أنه هو الذي يأخذ كتبه، ويأبى الله إلا ما أراد، وقد رأيته كجلس شيخنا، وسمعت من كلامه وفوائده، كتبت من نظمه:

خذ القرآن والآثار حقا

وتوقيفا وإجماعا بيانا

دع التقليد بالنصّ الصريح

ولا تسمع قياسا أو فلانا

وغير ذلك، وبلغني أن له قصيدة باللغة التركية، عارض بها بعض شعر "الروم"، يعجز عنها فيما قيل الفحول ما وقفت عليها، عفا الله عنه.

وقد مدحه محمد بن حسن بن علي النواجي، بقصيدة فريدة، لا بأس بإيرادها هنا بتمامها، وهي:

أَياديكَ أم بَحْرٌ يَجِلُّ عن النهرِ .... ولَفْظك دُرٌ أم هو الكوكب الدُّرِّي

ووَشْيُ رَقِيمٍ بالْيَراعِ مُحَبَّر

بطِرْسِك أم نَوْعٌ بَدِيعٌ من السِّحْرِ

وغُصنُ يَرَاعٍ ما نَرَى أم سَحابةٌ

تَسِيرُ بأرْزاقِ البَرِيَّةِ بل تسْرِي

ص: 313

وآراؤُكَ الغُرُّ الغُلَا أم كَتَائِبٌ

تَسُوقُ نُفُوسَ المِلْحِدينَ إلى الحَشْر

فيا فارِسَ الإسْلامِ يا سَيْفَ دولةٍ

به قُطِّعَتْ أَوْصالُ دَاعيةِ الكُفْرِ

يَمِينُكَ فيها اليُمْنُ والأَمْنُ والمِنَى

ويُسْرَالكَ خُصَّتْ في البَرِيَّةِ باليُسْرِ

كم قد رَوَيْنَا مِن عَوَاليكَ مُسْنَدًا

بيوم نَوالٍ عن عَطاء وعن بشرِ

(1)

لكَ اللهُ مِنْ مَلْكٍ نَدَى جُود كَفِّهِ

يُساجلُ مَوْجَ البحر بالشّيمِ الغُرِّ

أصابعه عَشْرٌ تَزيدُ على المِدَى

فلا غَزْوَ أن أَغْنَتْ عن النِيلِ في مصرِ

فقُمْ وارتشِفْ يا صاح من فَيْضِ كَفِّهِ

لِتَرْوِي حديثَ الجُودِ من طرُقٍ عشرِ

وقُل باسْمِهِ اللهُ أعْطَى وأيَّدَ ال

ممَالِكَ بالفَتْح المبِينِ وبالنَّصْرِ

(2)

فيا جُودَ تَغْرِى بَرْمَشٍ بعُفَاتِهِ

تَرَفقْ لِئَلَّا تُغْرِقَ الناسَ في بَحْرِ

مقرٌ كريمٌ عالِمٌ ومُحدِّثٌ

فصيحٌ بليغٌ فارسُ النَّظْمِ والنَّثْرِ

محطُّ رِحالِ الطَّالبينَ ومَلْجَأَ ال

عُفاةِ وأمْنُ الخائفينَ مِن الفَقْرِ

فقيهٌ إمامُ العَصْرِ شَرْقًا ومَغْرِبًا

سَنَاهُ عِشًا كالصُّبْحِ والشمس في الظُّهْرِ

أميرٌ أطاع الله مالك أَمْرِهِ

وراقَب رَبَّ المِلْكِ في السِّرِ والجهرِ

أميرٌ يُمِيرُ الناسَ عَذْبُ نَمِيرِهِ

إذا ضنَّتِ السُّحْبُ الهَوامِعُ بالنَّزْرِ

فكم سدَّ مِن ثغرٍ وكم شادَ مِن عُلًا

وكم شَدَّ من أزْرٍ وكم حطَّ من وِزْرِ

بأفْقِ سمَاهُ قلعةُ الجَبلِ ازدهتْ

فمَدَّتْ جَناحًا فوقَ قادِمَةِ النَّشرِ

وَحِفْظًا غَدَتْ ذاتُ البُرُوج وزيِّنَت

به من حُلاهُ الغُرّ بالأنجُمِ الزُّهْرِ

حَمَى حَوْزَة الإسْلامِ بالبَاسِ والنَّدَى

وجهَّزَ جَيْشَ النَّصْرِ في اليُسْرِ والعُسْرِ

بِكُلِّ حَدِيدِ الطرفِ أسْمَرَ إن رَنَا

إلى مَقْتَلٍ أصْماهُ بالنَّظَرِ الشَّزْر

(1)

يشير إلى بشر بن أسلم بن صفوان، المعروف بابن رباح، تابعي، توفي سنة أربع عشرة ومائة، وإلى بشر بن الحارث بن علي، المعروف بالحافي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائتين، وكانا من كبار المحدّثين.

(2)

في الأصول: "الله أعطى وأيدك. ممالك"، ولعل الصواب ما أثبته.

ص: 314

ومن أبيضٍ لا يعرفُ الصفحَ إنَّما

يُقابلهُمْ بالحَدِّ في لبَّة النَّخْر

مَضارِبُهُ لا تنثنِي عن ضَريبةٍ

إذا راحَ يَحْكي البحرَ في المدّ والجَزْرِ

يريش ويبرِي لِلْعِدَى منه أسهُمًا

وفي السَّلْمِ والجدوى يَريشُ ولا يَبْرِي

إذا اعْتَقَلَ الخَطِّيَ كَلَّمَ خَصْمَهُ

بِطُولِ لِسان في تلهّبِهِ جَهْرِي

يُريهم يَقِينَ الموت بالشَّكِ سُرعةً

ويستخرج الأضغان من داخل الصدر

وإن جرّد الهِندى عاينتَ شُعْلَةً

لها شررٌ ترمى به الدهر كالقَصْرِ

يجُرُّهُم لِلْمَوْتِ نُونٌ قِسِيَّهِ

وما خِلتُ أن النُونَ مِن أحْرُفِ الجرِّ

مُواظبة للخمْسِ في طَوْعِ رَبِّها

وخِدْمةِ باريها مُلازمة الوتْرِ

لمدْركةٍ تُنمى كِنَانةُ سَهْمِهِ

وعامِله الميَّادُ يُعزى إلى النَّضْرِ

وأسيافُه مَشْهورةٌ في عِداته

تُذِيقُّهُم بالنكرِ عاقبةَ المِكْرِ

حماسَتُهُ يومَ اللقَا أم تَغَزُّلٌ

يُرِيكَ افْتِنانًا منه بالبِيضِ والسُّمرِ

فما اضْطَرَبَت في غير قلب سيُوفُهُ

ولا اختلجَتْ أرْماحُه في سِوى الصَّدْرِ

فيا للسَّجايا البَرْمَكِية عُوضت

من الكافِ شينًا كم به نِلتَ من فَخْرِ

وكم حُزْتَ من أجرٍ وأوليتَ مِن ندىً

ويَسَّرْتَ مِن عُسْرٍ وأنفَذْتَ من أَسْرِ

ويا حافظَ الإسلامِ من طَعْنِ جاهلٍ

يُصيبُ ويُخْطي في الحديث ولا يدرِي

مَدَدْتَ يَدَ النَّعْمَا بُجودٍ قَصَرْتَهُ

عليكَ لقد أبدعت في المدِ والقَصْرِ

كم لكَ في الهَيْجاءِ مِن عَرَبيَّةٍ

تُباهِي بها الأقرانَ في الكَرِّ والْفَرِّ

لِصَهْرَتِهَا يا فارِسِيَّ زَمانِه

نَحَوْتَ فلم تَعْبَأ بِزَيْدٍ ولا عمرو

مُنَكَّسَةٌ أَعْلامُهُمْ ورُءُوسُهُم

فلا غَرْوَ أن يُبْنَى الجميعُ على الكَسْرِ

وأبْدَيْتَ في فنِّ الحروب مَعاني ال

بدِيعِ تُرُدُّ العَجْزَ منهم على الصدْرِ

خدمتُ سَجاياكَ العُلا بفضيلةٍ

يَتيمةُ فِكْرٍ نُخْبةُ الدهرِ والعُمْر

ومن بحرِك العَجَّاجِ صُغْتُ قصيدةً

كُميتُ فُحول الشِعْرِ من خلفها تَجْرِي

وأرسلتُها منكم إليكم هديةً

ومن عَجب أن تهُدي الدُّرَ للبَحْرِ

يلُفُّ حياءَ وَجْهها طِيبُ نَشْرِها

فَيَحلُو طِبَاقُ الحُسْنِ باللفِّ والنَشْرِ

ص: 315

فخُذها عَرُوسًا بنتَ أبعَ عَشْرَة

أتت لك تُجْلى في دُجَا النَقسِ كالبدرِ

وإن كنتُ قد أَقَلَعْتُ عن مَدحِ غيركم

لِما فيه من وِزْرٍ فقد فُزْتُ بالأجْرِ

وفي النَفْسِ حاجاتٌ وفيك مكارمٌ

يُناجيكَ عن سِرِّيِ بها عالَمُ السِّرِّ

فعِشْ وابْقَ واسْلَمْ واغْنَ واغْنَمْ وجُدْ وسُدْ

ودُمْ وارْقَ واسْعَدْ بالهنَاءِ مَدَى العُمْرِ

ونَك فوقَ هامِ الأنجُم الغُرِّ رفعةً

لِيَرْوى حديثُ الفضل منك عن الزُّهرِ

ويا رَبّ فاحْرُسْهُ بجَاهِ محمدٍ

وأيِّدْهُ بالمِامُونِ من حادِثِ الدَّهْرِ

(انتهى ذلك، والله تعالى أعلم).

* * *

‌1244 - الفاضل العلامة تفضّل حسين بن أسد الله بن كرم الله اللاهوري، ثم اللكنوي

*.

نواب تفضّل حسين خان كان من الأفاضل المشهورين، في "الهند"، لم يكن في زمانه مثله في الفنون الرياضية، ولد بـ"اسيالكوت"

(1)

، ودخل "دهلي" وله ثلاث عشرة سنة، وأخذ الفنون الحكمية عن الشيخ محمد وجيه الدهلوي، والفنون الرياضية عن محمد علي بن خير الله المهندس المشهور، ولما بلغ الثامنة عشر من سنّه قدم إلى "لكنو" مع أبيه، وقرأ حاشية السيّد الزاهد على "شرح المواقف" على الشيخ محمد حسن بن غلام مصطفى اللكنري، ثم تصدّر للإفادة، وتقرّب إلى شجاع الدولة، فجعله أتابكا لولده سعادت علي خان، فذهب معه إلى "إله آباد"، ودار معه حيث دار، فلمّا وصل إلى مدينة

* راجع: نزهة الخواطر 7: 125، 126.

(1)

"سيالكوت" بكسر السين المهملة، والعرب يسمّونها "سيلكوت"، و"سلكوت" بفتح السين، وهي على خمسة وستين ميلا من "لاهور"، ينسب إليها العلامة عبد الحكيم.

ص: 316

"بنارس"

(1)

انحاز عنه، وسافر إلى "كلكته"، وتقرّب إلى نائب الملك العام، وعاش مدّة في مصاحبته، وتعلّم اللغة الإنجليزية واللاطينية، وأقبل على العلوم الرياضية إقبالا كلّيا، واشتغل بها مدّة من الزمان، علّق أقرانه، بل على من تقدّمه من العلماء في تلك العلوم، وجاء إلى بلدة "لكنو" مع جنرل بالمر، سنة ستّ أو سبع وتسعين ومائة وألف.

ثم ذهب إلى "كلكته"، وتردّد إلى "لكنو" غير مرّة، وبعثه آصف الدولة صاحب "أوده" إلى "كلكته" بالسفارة إلى الدولة الإنكليزية سنة ثلاث ومائتين وألف، فاستقلّ بها مدّة، ثم ولّاه الوزارة سنة إحدى عشرة ومائتين، فاستقلّ بها زمانا، ولما تولّى المملكة سعادت علي خان دبّر الحيلة لإخراجه، فبعثه إلى "كلكته"، ووعده أن يصل إليه منشور السفارة بـ"كلكته"، فلم يف به، فاغتمّ بذلك، وابتلى بأمراض صغبة، ورجع إلى "لكنو"، فلمّا وصل إلى "اهزاري باغ" مات بها، كما في "قيصر التواريخ".

قال التستري في "تحفة العالم": إنه كان نادرة من نوادر الزمان، معدوم النظير، في العلم وكثرة الدرس، والإفادة، مع اشتغاله بالمهمّات، وكان من عادته: أن لا يأكل الطعام في اليوم والليلة إلا مرّة واحدة، وأن لا ينام إلا في ساعات معدودة من النهار من الفجر إلى الضحى، وكان يشتغل بتدريس الفنون الرياضية من الضحى إلى الهاجرة.

(1)

"بنارس": مدينة مشهورة في "الهندا"، لكونها عاصمة دينية للهنادك، موقعها على الضفة اليسرى من "كنك" في عرض 25 درجة 34 دقيقة شمالا، وطول 83 درجة ودقيقة واحدة شرقا، وهي مدينة البراهمة، فيها كثير من الهياكل، عددها ليس أقلّ من ألف هيكل، وأشهرها هيكل "شيو" الذهبي، إلا أنه ليس بجميل جدا، و"دركا كند"، وهو هيكل القردة المقدّسة عندهم، والهنادك يحجّون إليها من أقطار البلاد، ويزعمون أنه من مات بها نجا لا محالة، وهي مركز لتجارة متسعة في "الشيلان"، والبفتة، والألماس، وغير ذلك.

ص: 317

ثم يشتغل بمهمّات الدولة، ويتردّد إلية الولاة، والحكّام، ويتردّد إليهم أحيانا إلى وقت العصر، ثم يدرّس الفقه على مذهب الشيعة ويصلي الظهرين ثم يأكل الطعام ثم يدرّس الفقه على مذهب الأحناف، ثم يصلّى العشائين، ثم يخلو، ويشتغل بمطالعة الكتب، ولا يزال مشتغلا بها إلى الصباح، ثم يصلي الفجر، ثم يأمر بإحضار المغنّين، فيغنّون، ويرقصون، وهو نائم إلى الضحوة، ولذلك عرضت له الأمراض المتعدّدة من الماليخوليا، والفالج سنة أربع عشرة ومائتين وألف، وكان حينئذ بـ"كلكته"، فشدّ الرحل إلى "لكنو" لتبديل الهواء والعلاج، فلم يصل إليها، ومات في أثناء السفر. انتهى.

ومن مصنّفاته: شرح على "مخروطات إيلوينوس"، وشرح على "مخروطات ديوبنال"، وشرح على "مخروطات سمسن"، وله رسالتان في الجبر والمقابلة، وله "تعليقات" على الكتب الدرسية، تدلّ على تبحّره في العلوم الحكمية.

مات لثمان عشرة خلون من شوّال سنة خمس عشرة ومائتين وألف، كما في "نجوم السماء".

* * *

‌1245 - الشيخ الفاضل تفضل حسين

*.

لم أعثر من ترجمته على أكثر من أنه كان من السلالة الصديقية في "نانوته"، ويشاركهم في العقارات التي نالها آباؤهم وأجدادهم من قبل الملوك المغول.

* * *

* راجع: ترجمة النانوتوي للأستاذ الفاضل والبحاثة الكبير والكاتب المترسل القدير الشيخ مناظر أحسن الكيلاني 1: 172، ط: مكتبة دار العلوم ديوبند، والإمام قاسم النانوتوي ص 49.

ص: 318

‌1246 - الشيخ الفاضل القاضي تقيّ العثماني ابنُ الشَّيخ المفتي محمَّد شفيع بن محمَّد ياسين بن خليفة تحسين علي بن ميانجي إمام علي

*.

وقد اشتُهر انتماءُ هذه الأسرة إلى الخليفة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، وعُرفت بخدمة العلم وأهله.

وُلد المترجَم سنة 1362 هـ في قرية "ديوبند" في محافظة "سهارنفور" الهندية، واشتُهرت قرية "ديوبند" هذه؛ لوجود أكبر مركزٍ تعليميّ إسلاميّ على أرضها، وهو مدرسة دار العلوم، الي أُسِّست سنة 1283 هـ وخرَّجت آلاف العلماء والدُّعاة ورجال الفكر الإسلامي.

وقد تولَّى والدُه الشَّيخ المفتي محمد شفيع التَّدريسَ والفتوى فيها منذ سنة 1350 هـ حتى 1362 هـ، وبقى جدُّه الشَّيخ محمد ياسين مدرّسًا فيها زهاء أربعين عامًا.

ولما قرَّر الشَّيخ المفتي محمد شفيع أن يهاجرَ إلى "باكستان"، ليساعد في إرساء دعائم الوطن الإسلامي الجديد، رافقه ولده محمَّد تقي، وكان له من العمر آنذاك خمس سنوات، ونزلوا في مدينة - "كراتشي" سنة 1367 هـ.

وللمترجَم من الإخوة أربعة، نالوا جميعًا المكانةَ الرفيعة في العلم والصَّلاح، ووُفِّقوا للخير، وحسن العمل، والقيام بخدمة الدِّين، ونشر الدَّعوة على اختلاف مجالاتهم، وتخصُّصاتهم.

* كتاب (محمَّد تقيّ العثماني، القاضي الفقيه والدَّاعية الرَّحَّالة)، تأليف: لقمان حكيم، وهو الكتاب رقم (18) في سلسلة:(علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1423 هـ - 2002 م

ص: 319

في هذا الجوِّ العلمى الكريم نشأ القاضي محمَّد تقيّ العثماني يتقلَّب في مجالس العلم تعلُّمًا وتعليمًا، فترك هذا - فضلًا عمَّا آتاه الله من فكر وقَّاد، وحافظة قوية، وصفاء نفس، وسلامة صدر - أثرًا كبيرًا على نُبوغه على تلك الصِّفة الكريمة، التي ملأت الأسماع ثناءً جيلًا في الأوساط العلمية، وآثارًا علمية ازدانت بها المكتبةُ الإسلامية.

‌طلبه للعلم:

بدأَت دراسةُ القاضي محمَّد تقيّ العثماني الابتدائية في المنزل على يد والدته، حيث درَّسته كتابَيْ "بهشتي جوهر" و"سيرة خاتم الأنبياء" باللغة الأُرْدية، ولما أسَّس والدُه مدرسة دار العلوم في كراتشي التحق بها، وتلقَّى هناك بعضَ المواد بالفارسية والأردية.

ثم دخل مرحلة الدَّرس النِّظامي المعروف في شبه القارَّة الهندية، وهو ابنُ ثماني سنوات، وتخرَّج منها سنة 1379 هـ، ونال الشَّهادة العالمية بدرجة امتياز.

وحاز في هذه المرحلة قسطًا وافرًا من علوم الشَّريعة وعلوم الآلة، فقد درس علم الكلام، والتَّفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، والفرائض، والعلوم المتَّصلة بالأدب العربي.

وقد شعر إبَّان هذه المرحلة بأن المنهاج الذي درس ربما يقصِّر عن مواجهة الأوضاع الرَّاهنة، وما يستجدُّ عليها من تحوُّلات، فاتَّجه لدراسة الحقوق والعلوم الاقتصادية والسِّياسية، ونال شهادة الإجازة في الاقتصاد والسِّياسة من جامعة كراتشى سنة 1384 هـ (1964 م)، كما نال الإجازة في الحقوق من الجامعة نفسها سنة 1387 هـ (1967 م).

ص: 320

ثمَّ توجَّه إلى اللُّغة العربية، ففاز بشهادة الماجستير في العلوم العربية بمرتبة الشَّرف الأولى من جامعة بنجاب

(1)

سنة 1390 هـ (1970 هـ).

‌شيوخه:

كان الشَّيخ محمَّد تقيّ من أوائل الطُّلاب في دار العلوم، فاستطاع أن يستفيدَ من المشايخ الأجلَّاء الذين اضطلعوا بحمل التَّدريس فيها، وفي طليعتهم والده الشَّيخ المفتي محمد شفيع رحمه الله ومنهم أيضًا أذكر:

1 -

الشَّيخ العلامة أكبر علي: كان من أفاضل أهل العلم والصَّلاح، درَّس في دار العلوم قرابة خمسين سنة. درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب، وأبرزها "التَّوضيح على التَّلويح" في أصول الفقه، و"تفسير الجلالين".

2 -

الشَّيخ المفتي وليّ حسن: عالمٌ متخصِّص بالفقه والإفتاء، وتربويٌّ فذٌّ. قرأ عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب الدِّراسية منذ بداية دراسته إلى الصفّ الخامس، فقرأ عليه "الهداية" للمرغيناني، وكان للشَّيخ ولي عنايةٌ خاصَّة في تكوين ذوق القراءة والمطالعة لدى تلميذه الشَّيخ محمَّد تقيّ.

(1)

"بنجاب" لفظ مركّب من "بنج" بفتح الباء العجمية، وسكون النون والجيم، معناه الخمس، ومن "آب"، وهو الماء، والمراد به بلاد، تسقيها الأنهار الخمسة المشهورة، وهي "جهلم"، و"جناب"، و"راوي"، و"بياس"، و"ستلج"، وهي أول أرض وطئها المسلمون بعد أرض "السند"، أرض خصبة، أكثرها سهل، متّسع، منحدر إلى جهة الجنوب الغربي، من مرتفعات "كشمير"، وهي كثيرة القمح والرز، والحمص، والفوكه الطيبة، وفيها معدن الملح، وهو الذي يسمّونه الملح الحجري، والملح اللاهوري، ويستخرج بعد تعب عظيم كميات قليلة من الفضّة، ومن أهمّ حاصلاتها: الحنطة، والسكر، والرز، والشعير، والحمص، والخردل، والقنب والتبغ، وما أشبهها، وأهمّ منسوجات الولاية: القطن، والصوف، والحرير، وما أشبه ذلك.

ص: 321

3 -

الشَّيخ المجاهد مولانا نور أحمد: كان السَّاعدَ الأيمن الشَّيخ المفتي محمَّد شفيع في تأسيس جامعة دار العلوم في كراتشي، وعُيِّن مديرًا أعلى فيها، وهو الذي أسَّس المطبعة الشَّهيرة "إدارة القرآن والعلوم الإسلامية" بمدينة "كراتشي، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ المرحلة الابتدائية.

4 -

المفتى العلامة الشيخ رشيد أحمد: تولى التَّدريس دار العلوم من سنة 1376 هـ إلى سنة 1383 هـ، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ "الصحيح" للإمام البخاري.

5 -

الشَّيخ العلَّامة محمد رعاية الله: أدَّى دورًا بارزًا في خدمة التَّدريس في دار العلوم، كما قام بمسؤولية تنظيم أمورها بصفة عميدٍ عامٍّ لها.

6 -

الشَّيخ العلَّامة الحافظ سحبان محمود: العميد الحالي لجامعة دار العلوم، وشيخ الحديث بها، وهو علمٌ بارزٌ في العلوم الحديثية والفقهية، ورمزٌ في مجال التَّربية الإسلامية.

7 -

الشَّيخ العلَّامة الدَّاعية الحافظ سليم الله خان: رئيس الجامعة الفاروقية ومؤسِّسها، وشيخ حديثها حاليًا، قدَّم ويقدِّم خدماتٍ دينيةً جليلةً في مختلف المجالات.

8 -

الشَّيخ العلَّامة شمس الحق: علمٌ بارزٌ في المعرفة الدَّقيقة للفلسفة والمباحث العقلية المتَّصلة بالعقائد، كما أنه عالمٌ بصيرٌ في العلوم الحديثية والفقهية، ويشغل منصبَ مديرٍ عامٍّ في جامعة العلوم كراتشي.

وخارج فلك دار العلوم، راجع الشَّيخ محمَّد تقيّ الشَّيخ العارف بالله عبد الحي عارفي رحمه الله أجلَّ خلفاء الإمام أشرف على التهانوي رحمه الله وتشرَّب منهجه في التَّربية، واضطلع بأفكاره في إصلاح النُّفوس، وبعد وفاته راجع الشَّيخ مسيح الله خان رحمه الله واستمرّت استفادته منه إلى وفاته.

ص: 322

‌مكانته العلمية:

لقد يسَّر الله سبحانه وتعالى للشَّيخ محمَّد تقيّ ما يسَّير للعلماء الصالحين الأفاضل، من أسرةٍ علميَّةٍ كريمة، وأساتذة أخيار بررة، ومواهب شخصيةٍ فذَّة، وفرصةٍ كافيةٍ للاستفادة العلمية، ودراسةٍ معمَّقة في العلوم العصرية إلى جانب العلوم الإسلامية، ثم تجارب متتالية من خلال رحلات علمية إلى مختلف دول العالم، حيث أتاحت له أن يلتقّى كبار علماء العالم الإسلامي.

وقد شهدت مدة ما بعد رحيل الاستعمار الغربي عن البلاد الإسلامية فجوةً بين منهجي التَّعليم الإسلامي الأصيل والتعليم المدني الحديث، وظهرت الحاجة إلى إيجاد حلقة علمية تجمع بين الثَّقافة الإسلامية العميقة ودراسة العلوم العصرية الدَّقيقة، فانبرى لذلك ثلَّة من العلماء والمفكّرين الكبار، وعلى رأسهم الشَّيخ محمَّد شفيع رحمه الله الذي خطا خطوات جادَّة في هذا المضمار، ثم استنهض همة نجله الذَّكي الشَّيخ محمَّد تقيّ بعدما نهل من دراسة العلوم الشَّرعية للدخول في مضمار الدِّراسات الحديثة، واختار له الاقتصاد والسِّياسة والقانون.

وأبلى الشَّيخ محمَّد تقيّ في هذا الصَّعيد بلاء حسنًا، واستطاع بتوفيق الله أن يتقن هذه الموادّ العلمية الثَّلاث إتقان خبيرٍ محنَّك، ثم أكبَّ على إعمال الثَّقافتين إعمال النَّحل في عصارة الَّزهر، فجاء بنتاجٍ علميٍّ سائغٍ، من مزيج عناصرَ مستقاةٍ من العلوم الإسلامية الأصيلة، وتتجلَّى هذه المزيَّة في خدماته الفقهية التي ما زال يقدِّمها إلى الآن.

ومن ناحية أخرى فقد كان له ذوقٌ أدبيٌّ رفيعٌ في اللُّغات العربية، والأردية، والإنكليزية، فكان أن سخَّر ذوقَه الأدبي لخدمة الموضوعات العلمية الجافة، فيأتي بالموضوع العلمي الدَّقيق في ثوب أدبي تتسارعُ معانيه إلى الأذهان.

ص: 323

وقد مارس قرض الشِّعر بالأردية فجاء نموذجًا مفردًا في موضوعه.

واختار الشَّيخ محمَّد تقيّ المنهج الرصين في خطاباته ومواعظه ودروسه ودعوته، فنفع الله به العباد والبلاد.

‌سيرته العلمية:

ارتبطت حياة الشَّيخ العملية بحياته العلمية ارتباطَ الرُّوح بالجسد، فلم تخرج أعمالُه عن محيط العلم وخدمته، تعليمًا، وتدريسًا، وتأليفًا، ودعوةً إلى الله، وأبرزُ أعماله التَّدريسُ والإفتاء.

1 -

في مجال التَّدريس:

فُوِّض إليه تدريسُ المواد العلمية المتنوِّعة عقب تخرُّجه في دار العلوم، فخطا في هذا المجال خطًا واثقةً، وكان مدرِّسًا تربويًّا ناجحًا، إلى أن وصل إلى الذُّروة، وما زال يدِّرس العلوم الحديثية والفقهية في درجتي العالمية (الماجستير) والتَّخصُّص في الفتوى (الدكتوراه) في جامعة دار العلوم.

ولم يقتصر نشاطه في التَّدريس على الجامعة، بل امتدَّ إلى خارجها، فعقد دوراتٍ تعليمية متعدِّدة في مجال الاقتصاد والسِّياسة والقانون؛ لإفادة العلماء والمفتين في مجال التخصُّص، وقدَّم محاضراتٍ علميةً في عدّة جامعات أمريكية وأوربية، وشهد على نبوغه وبراعته المثقَّفون المشاكون في هذه المحاضرات المسلمون منهم وغير المسلمين.

2 -

في مجال الإفتاء:

بدأ الشيخ التَّمرّس على كتابة الفتوى في زمن طلبه للعلم تحت إشراف والده، ونال الثَّناء من جيع أساتذته ومشايخه، وازداد اشتغالُه بالفتوى بعد تخرُّجه، ووُفِّق في إصدار آلاف الفتاوى التي تتميَّز بقوَّة الحجَّة والبرهان، ودقَّة النَّظر وعمق الدِّراسة، وحسن التَّنظيم والصِّياغة وسلاسة الأسلوب، وما زال إلى اليوم يُشرف على قسم الفتوى في دار الإفتاء.

ص: 324

3 -

في مجال التأليف:

أما التَّأليف؛ فهو موطن الجمال والجلال والجاذبية في حياته العلمية، وهو الموطن الذي جمع بين جدِّيَّة الفقيه القاضي المتبصِّر، وحكمة الدَّاعية المخلص الخبير بمواطن الدَّعوة وأساليبها، والتَّحليل الموضوعي للصَّحفى الخبير النَّاقد النَّاصح لدينه وأمته، كلُّ هذا بالإضافة إلى جمال الذَّوق الأدبي الذي يأخذ بمجامع القلوب ويعطِّر العقول والأرواح.

وقد بدأ الشَّيخ التَّاليف وهو في مَيْعة الشَّباب، مذ كان طالبًا في المدرسة، ورزقه الله نفَسًا طويلًا في هذا المجال، وزاده الله في ذلك على مرِّ الأيام.

‌جهوده في موافقة القوانين للإسلام في باكستان:

أدَّت جماعة العلماء المخلصين في "باكستان" جهودًا مشكورةً في إرشاد الحكومات إلى وضع قوانين توافق الشَّريعة الإسلامية، وللشيخ القاضي محمَّد تقيّ حظٌّ وافرٌ في هذه الجهود، مع أنَّه لم يكن منتميًا إلى أيِّ حزبٍ سياسيٍّ، فوفَّقه الله إلى أن يقوم بجهودٍ واسعة التأثير والمدى، بعيدًا عن ضوضاء السِّياسة وهتافاتها. وأبرز المجالات التي عمل فيها هي:

1 -

الدَّعوة المخلصة الحكيمة إلى الجهات المعنيَّة بتدوين القوانين، وتوجيه دعوات ملحَّة إلى المجالس الدستورية لوضع المبادئ الدستورية والقانونية وَفق الشَّريعة الإسلامية، وقد رسم خطوطًا عريضةً للدستور مقتبسةً من كتاب الله تعالى في خمسَ عشرةَ نكنةً، وكانت هذه بمنزلة المصدر الأساسى لتحديد أهداف الدُّستور، وتوجيهه الوجهةَ الصَّحيحة عند وضع موادّه وبنوده المفصَّلة، ثم تابع كلَّ مرحلةٍ مرَّت بها مسودةُ الدُّستور الجديد، واقفًا عند كلّ منها وقفة متأملٍ خبير، ليجرِّد قلمه ناقدًا إن رأى العملية الدُّستورية قد حادت عن جادَتها.

ص: 325

2 -

مشاكته في أعمال مجلس الفكر الإسلامي، منذ أن اختاره الرئيسُ ضياء الحق أحدَ أعضاء هذا المجلس، فشارك مع زملائه في خدمة تحويل القوانين في البلاد إلى الإسلام، لا سيَّما أن رغبة الرئيس كانت تتماشى مع مطالبهم، واستمرَّ في عمله في المجلس حتى عام 1401 هـ. وقد وضع المجلس في هذه المدَّة تقارير هامَّة، منها ما وُضع في قيد التَّطبيق بعد موافقة الحكومة، ومن بينها نظام الحدود والقصاص، ومبادئ لنظام الصلاة والزكاة وإرشاد العمَّال والموظّفين الحكوميين، وإرشادات مبدئية لإصلاح الاقتصاد الوطني، والنظام التعليمي والبنية الاجتماعية والإعلامية.

3 -

القضاء، فقد وفّقه الله تعالى لدخول مجال القضاء العالي، ليقوم بخدماتٍ جليلةٍ أقوى وأبعد أثرًا في سبيل تطبيق الشَّريعة الإسلامية، فقد كان أولَ المطالبين بإنشاء مجلسٍ خاصٍّ في المحكمة العليا يمُنح سلطة كاملة لتعديل أيّ قانون مضادّ للشَّريعة الإسلامية، ووجد هذا الصَّوت أذانًا مصغيةً في الأوساط الحكومية، فأصدر رئيس الجمهورية مرسومًا بإنشاء (محكمة شرعية مركزية) فوَّض إليها مسؤولية مراجعة القوانين، ومراجعة قرارات المحاكم الجنائية، ومنحها سلطات محكمة ومعاقبة الجناة شان أية محكمةٍ إقليميةٍ عليا. وقد شغل الشَّيخ محمَّد تقيّ منصب القضاء في المحكمة الشرعية المركزية سنة 1402 هـ بناء على رغبة رئيس الجمهورية، وبعد مدّة حولته الحكومة إلى مجلس النَّقض والتَّمييز بالقضاء العالي، ولا يزال عضوًا من أعضائه إلى الآن.

4 -

استغلال العلاقات الشَّخصية مع ولاة الأمر في سبيل تطبيق الشرَّيعة، فقد أتيح للشَّيخ أن يعيش بمقربةٍ من بعض ولاة الأمر البارزين، وعلى رأسهم الرَّئيس محمد ضياء الحق، فكانت بينهما علافةٌ وطيدة، وكان الرئيس كثيرًا ما يراجع القاضي فيما يستجدُّ من قضايا، خصوصًا فيما يتَّصل بالأمور الشرَّعية، فكان الشَّيخ يرفع إليه آراءه في الاجتماعات العامَّة

ص: 326

للمجلس وفي المقابلات لاجتماعية، ولم يكن يزوره في خلوته، مع إلحاح الرئيس عليه.

ومما يلفت النَّظر أن الشَّيخ حفظه الله ضرب المثل للدَّاعية المخلص، فلم يستغلَّ هذه العلاقة الودِّية مع الرئيس لمصالحه الشخصيّة أو مصالح ذويه.

‌جهوده في تحويل الاقتصاد للإسلام:

كان للقاضي محمَّد تقيّ دورٌ بارزٌ مضيء في مجال تحويل الاقتصاد للإسلام، وتسيير المعاملات التجارية وفق الشريعة الإسلامية، وشملت نشاطاته الصَّعيدَين النَّظريّ والعمليّ؛ فإلى جانب دراساته النَّظرية في القانون والاقتصاد، كان يبذل جهودًا متواصلةً على النِّطاقين المحليّ والدوليّ لوضع نظامٍ اقتصاديّ مؤسَّس على المبادئ الإسلامية، يساعد المسلمين في تسيير معاملاتهم وفق الأحكام الشَّرعية، ويكون وسيلةً للقضاء على النِّظام الرِّبوي.

وقد نجح في وضع نظامٍ اقتصاديٍّ متكاملٍ للكثير من الإدارات التَّمويلية والمصرفية في عدّة دول، كما قدَّم خدماته في هيئات الرقابة الشَّرعية لأكثر من عشر مؤسَّسات مالية، رئيسًا وعضوًا، منها:

1 -

رياسة مركز الاقتصاد الإسلامي في باكستان منذ عام 1411 هـ.

2 -

رياسة الهيئة الشَّرعية بالبنك السعودي الأمريكيّ بجُدَّة.

3 -

رياسة اللجنة الشَّرعية للمؤتمر الإسلامي بمؤسَّسة (داوجونز) بنيويورك.

4 -

رياسة اللجنة الشَّرعية للاستثمار الإسلامي العالمي في بنك (HSBC) بلندن.

5 -

رياسة الهيئة الشَّرعية لـ (CITY BANK) الاستثماري الإسلامي بالبحرين.

6 -

عضوية هيئة الرقابة الشَّرعية لبنك الاستثمار الأوَّل في البحرين.

ص: 327

7 -

رياسة (المجلس الشَّرعي) الذي أنشأته حديثًا هيئة المحاسبة والمراجعة المالية للمؤسَّسات الإسلامية بالبحرين.

هذا فضلًا عن الكثير من الإدارات التي تستفيد من توجيهاته، وآرائه الفقهية في أعمالها، والكثير من طلبة العلم وأهل الفتوى، الذين انتفعوا بالدورات العلمية والمحاضرات والبحوث التي يقدِّمها داخل جامعة دار العلوم وخارجها.

‌جهوده في الدَّعوة والإرشاد:

يعطي الشَّيخ حفظه الله قسطًا وافرًا من أوقاته للعناية بأمر الدَّعوة والإرشاد عنايتَه بأيّ واجب ديني آخر، ويتجلَّى ذلك في نشاطاته الدَّعوية واسعة النِّطاق، التي يعدُّ من أبرز جوانبها ما يلي:

- الوعظ: فقد رزقه الله حظًا وافرًا من حسن البيان، وله برنامج أسبوعي للوعظ والإرشاد في جامع (بيت المكرّم) بمدينة "كراتشي"، يشترك فيه عددٌ كبيرٌ من النَّاس، وتدور دروس الشَّيخ فيه حول الأحكام الشَّرعية العامَّة، وما يتعلَّق بها من عقيدةٍ وعبادةٍ ومعاملاتٍ وأخلاق.

بالإضافة إلى أسفاره الدَّعوية، فكثيرًا ما يسافر من بلدٍ إلى بلد؛ لرغبة المسلمين في مواعظه، ومطالبتهم بحضوره إليهم.

- الإرشاد والتربية: فهو لم يمتنع عن إرشاد النَّاس وتربيتهم على طريقة ومنهج الإمام أشرف علي التهانوي الذي تلقَّاه عن مشايخه، وهناك طائفةٌ غير قليلةٍ من أهل العلم وغيرهم تستفيد منه على الدوام. ودعوته في هذا الجانب وإن كانت حلقتها ضيِّقةً، فروحها أعمق وآثارها أبعد.

‌جهوده في الصِّحافة:

الصِّحافة هي أفسح ميادين جهاد الشَّيخ في سبيل الدَّعوة إلى الحقّ، ونشر الكلمة الصَّادقة، وبثِّ الوعى بين الناس، وقد قدَّم خلال ثلاثين

ص: 328

عامًا - كمًّا وكيفًا - عملًا لا يُتاح القيام به إلا لمن فرَّغْ نفسه لأجله، وضحَّى له بجُلِّ أوقاته.

وأولى محطّات الشَّيخ في ساحة الصِّحافة كانت مجلَّة (البلاغ) الشَّهرية، التي غرس نواتها بيده سنة 1396 هـ، وحدَّد لها أهدافًا واضحة، وحمَّلها رسالةً جليلة تؤدّيها، من خلال رؤيته للصِّحافة على أنها أداةٌ مؤثِّرةٌ للدَّعوة إلى الفضيلة والصِّدق والأمانة، ووسيلةٌ لملاحقة ما يدور على السَّاحة الإعلامية، من كذبٍ وتشويهٍ للثوابت، وتزيينٍ للباطل، وأن ذلك ينبغي أن يكونَ ابتغاء وجه الله، وخدمة الإسلام، ووحدة المسلمين، فعادت (البلاغ) شجرةً وارفة الظِّلال، يانعة الثِّمار، يأوي إلى أفيائها القرَّاء، وهم يعلمون أنَّها لم تمِلْ عن جادَّتها مذ أُنشئت، وما زالتْ تسعى إلى الأهداف والغايات النَّبيلة التي حدَّدها لها صاحبُها أوَّل مرَّة.

وهو انطلاقًا من مبادئه التي تقيَّد بها يتناول القضايا المعاصرة داخل البلاد، وما يدور في العالم الإسلامي، وما يقع في أصقاع الكرّة الأرضية، ويناقش الوقائع المستحدثة من وجهة النَّظر الفقهية مرَّة، ومن وجهات النَّظر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتَّاريخية مرَّات أخرى، ويرحِّب بكلّ ما يراه موافقًا لمبادئ الإسلام وروحه، وينقد ما يراه مخالفًا لذلك نقدًا صريحًا مستندًا إلى الحجج والبراهين، ويبطل الباطل بشدّة في لين، ويجهر بكلمة الحقِّ بشجاعة من غير تهوُّر، ويدمغ الكذب والبهتان بقولٍ فصل من غير أن يمسَّ الشخصيات بسوء.

‌رحلاته:

يسَّر الله للشَّيخ أن يطوف حول الكرّة الأرضية غير مرَّة، وينزل بلادًا كثيرة من حين لآخر، ومعظم هذه الرّحلات تكون للمشاركة في المؤتمرات والنَّدوات المنعقدة في شتَّى المجالات العلمية والدَّعوية، وقد استغلَّ الشَّيخ أسفارَه لمقاصدَ علمية ودعويَّة وللاجتماع بأهل العلم، واستفاد منها، وأفاد

ص: 329

علميًا ودعويًا، كما أنَّه شاهد من كَثَب معظمَ بلاد العالم وما يدور فيها سياسيًا واقتصاديًا، وثقافيًا، وأطلَّ عليها تاريخيًا.

وقد جاد قلمُه بتسجيل مشاهداته وانطباعاته التي تضمَّنتها رحلاتُه، وأنت إذ تقرؤها فإنَّك واجدٌ فيها شعورًا إنسانيًا فيَّاضًا، وأسلوبًا أدبيًا متينًا، وميلًا من صاحبها إلى اقتناص الأمور الغربية، كما تشعر أن الرَّحالة لم يمتنع من أن يمتِّع ناظرَيه بمظاهر الجمال الطبيعي، وأن يزور الأمكنة التَّاريخية، والمآثر المشتهرة، وهو لا يقف على هذه الأخيرة وقوف سائح عادي، بل يقف ليسرد عليك كلّ ما يتعلَّق بها من الوقائع التَّاريخية، ويحيلك على المصادر الموثوقة، فمذكّراته - كما وصفها - جملةٌ من الدِّراسات الجغرافية والتاريخية، وليست مجرَّد رحلةٍ شخصيَّة.

والشَّيخ لا ينسى مع ذكر كلِّ هذه المناظر مهمَّته الأساسية وهي الدَّعوة، فيستغلُّ كلّ سانحهٍ لأداء هذه المهمَّة، بل يقدِّم الدَّعوة في كثير من المواقع على البرنامج المحدّد إن رأى ما يدعو لذلك.

وقد نشر مذكّرات أسفاره في (البلاغ)، ثم جمع جزءًا منها في مجموعةٍ مستقلَّة، وطُبعت بعنوان "جهان ديده" أي العالم المشاهَد.

‌المناصب التي تولاها:

مع أن الشَّيخ حفظه الله يتجنب تولي المسؤوليات المتعلقة بالتَّنسيق، ونظم الإدارة، رغبةً عنها وحرصًا على توفير أوقاته للمشاغل العلمية، فقد أدَّت به الأوضاعُ إلى تولِّي جملة من المسؤوليَّات الجليلة والمناصب المحترفة في إدارات حكومية وغير حكومية، أذكر منها:

المناصب الحالية:

1 -

عضو مجلس النَّقض والتَّمييز الشَّرعي في المحكمة العليا ببكستان منذ سنة 1402 هـ.

2 -

نائب رئيس جامعة دار العلوم بكراتشي منذ سنة 1396 هـ.

ص: 330

3 -

عضو عاقل في مجمع الفقه الإسلامي بجدة المنبثق عن منظقة المؤتمر الإسلامي.

4 -

عضو مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرَّمة.

5 -

عضو لجنة الفتوى والبحوث الأوربية في دبلن.

6 -

رياسة وعضوية مؤسّسات مالية كثيرة.

المناصب السَّابقة:

1 -

القاضي بالمحكمة الشَّرعية المركزية بين عامي 1400 هـ - 1402 هـ.

2 -

عضو اللجنة المنسِّقة لجامعة كراتشي بين عامي 1405 هـ - 1408 هـ.

3 -

عضو لجنة المشرفين للجامعة الإسلامية الدولية في إسلام آباد 1405 هـ - 1409 هـ.

4 -

عضو مركز الاقتصاد الإسلامي الدولي 1405 هـ - 1408 هـ.

5 -

عضو مجلس الفكر الإسلامي 1397 هـ - 1401 هـ.

‌تعريف بمؤلَّفاته:

لقد أهدى الشَّيخ محمَّد تقيّ للمكتبة الإسلامية ثروةً علميةً قيمة، تزيد على خمسين كتابًا، فيها بإذن الله نفعٌ للناس مهما اختلفت تخصُّصاتهم، وتُكسب المؤلِّف لسان صدق في الآخرين، وتكون ذخرًا له يوم الدين، فجزاه الله عن المسلمين خيرًا.

أما أهمُّ مؤلَّفاته فهي:

1 -

تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم، وهو كتاب ضخم يقع في ستة مجلَّدات.

2 -

بحوثٌ في قضايا فقهية معاصرة.

3 -

أحكام الذَّبائح.

4 -

ما هي النَّصرانية؟

ص: 331

5 -

علوم القرآن وأصول التَّفسير.

6 -

ضبط وتحقيق إعلاء السُّنن والتَّعليق عليه.

7 -

ما هو السَّبيل إلى تطبيق الإسلام في العصر الرَّاهن؟

8 -

سيدنا معاوية رضي الله عنه في ضوء الحقائق التَّاريخية.

9 -

مكانة التَّقليد في ميزان الشَّريعة.

10 -

تحديد النَّسل في ضوء العقل والشَّرع.

11 -

مكانة السُّنة النَّبوية.

12 -

نظامنا الاقتصادي.

* * *

‌1247 - الشيخ الفاضل تقي الأميني

*.

فقيه باحث.

ولد سنة 1345 هـ بـ "الهند"، وتعلّم بها، وتابع دراسته بجامعة "عليكره"، ثم انتدبته هذه الجامعة مديرا للقسم الديني فيها، حتى تقاعد.

من مؤلّفاته: "دراسة حول الاجتهاد"، و"الخلفية التاريخية للفقه الإسلامي"، و"النظام الزراعي للإسلام"، و"التشكيل الجديد للحضارة"، و"مقياس الدراية في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم"، "الخلفية التاريخية لعهد أدينية".

توفي سنة 1411 هـ.

* * *

* راجع: إتمام الأعلام 345، 346.

ص: 332

‌1248 - الشيخ الفاضل تقي الدين بن عبد القادر التميمي، الغزي، المصري

*.

عالم، أديب.

تولى القضاء بـ "الجيزة" وتوابعها، وتوفي بـ "مصر" في 5 جمادى الآخرى.

من تصانيفه: "الطبقات السنية في تراجم السادة الحنفية"، وحاشية على "شرح الألفية" لابن مالك في النحو، "السيف البرّاق في عنقي الولد العاق"، و"مختصر يتيمة الدهر" للثعالبي، وله نظم ونثر.

قال في "مقدّمة طبقاته": خطر في خلدي أن أجمع كتابًا مُفردًا، جامعًا لتراجم السادة الحنفية، مُستوفيًا لأخبارهم وفضائلهم ومناقبهم، وذكر مؤلفاتهم ومُصنفاتهم، ومحاسن أشعارهم، ونوادر أخبارهم، وغير ذلك، بحسب الطاقة، ونهاية القدرة، وإلا فهم مِمن لا يُمكن حَصره، ولا يطمع في الإحاطة به، ولا في الوصول إليه، فانتخبت ذلك من الكتب المعتبرة، التي يرجع في النقل إليها، ويعوّل في الرواية عليها.

من ذلك: "تاريخ الخطيب البغدادي"، و"تاريخ ابن خلكان"، و"تاريخ ابن كثير"، و"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" للحافظ ابن حجر، و "إنباء الغُمر بأنباء العمر" له أيضًا، و"رفع الإصر عن قضاة مصر" له

* راجع: خلاصة الأثر 1: 479، 480، وريحانة الألبا 233 - 235، وفهرس المخطوطات المصورة 2: 168، وهدية العارفين 1: 245، كشف الظنون 152، 385، 394، 1017، 1098، 1099، 1838، 2049، 2050، وتاريخ آداب اللغة العربية 3: 297، وفهرس دار الكتب المصرية 8:176.

ص: 333

أيضًا وذيله المسمّى بـ "بُغية العُلماء والرواة" لتلميذه الشيخ شمس الدين السخاوي، و"طبقات اللغويين والنحاة" للحافظ جلال الدين السيوطي، و"طبقات المفسّرين" له أيضًا، و"نظم العقيان في أعيان الأعيان" وله أيضًا، و"الروض البسام في من ولي قضاء الشام" لأحمد بن اللبودي، و"الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للشيخ عبد القادر القُرشي، وهي أكبر طبقات وقفت عليها لأئمتنا السادة الحنفية، مع أنها مختصرة بالنسبة إلى شأن من صُنّفت في حقّهم، و"طبقات الحنفية" للشهاب المقريزي، و"طبقات الحنفية" للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، و"طبقات الفقهاء" لأبي إسحاق الشيرازي، وهي شاملة لسائر الفقهاء الكبار والمجتهدين الأخيار، من أصحاب المذاهب المتبعة، وغير المتبعة، من الصحابة والتابعين وغيرهم، إلى الزمن الذي كان فيه، رحمه الله تعالى، و"يتيمة الدهر" للثعالبي، و "تتمة اليتيمة" له أيضًا، و"دُمية القصر" للباخرزي، و"الخريدة" للعماد الكاتب، و"تاريخ قزوين" لأبي القاسم الرافعي، و"تاريخ جُرجان" للحافظ السهمي، و"تاريخ آل رسول" بغير ألف ولام للخزرجي، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"طبقات المحدثين" للحافظ الذهبي، و"تاريخ الإسلام" له أيضًا، و"العِبر" له أيضًا، و"ذيل العبر" للحافظ زين الدين العراقي، و"طبقات النحاة" لابن قاضي شهبة، و"الوافي بالوفيات" للصلاح الصفدي، و"أعيان العصر وأعوان النصر" له أيضًا، و"الشقائق" لابن طاش كبري زاده، و"تهذيب الأسماء واللغات" للإمام النووي، و"تاريخ الصعيد" للأذفوي، و"تاريخ اليافعي"، و"أسماء شيوخ ابن حجر"، و"أسماء شيوخ السيوطي"، و"مرآة الزمان" لسبط ابن الجوزي، و"الذيل على مرآة الزمان" لليونيني، و"المنتظم لابن الجوزي، وغير ذلك من التواريخ، والطبقات، والتراجم، وأسماء الرجال، ودواوين الشعراء، ومجاميع الأدباء، ومن أفواه الثقات، وأعيان الرواة، ولا أنقل شيئًا إلا بعد أن يشهد له العقل والنقْل، وغلبة الظن بالصحة.

ص: 334

وصنّف هذا الكتاب في زمان السلطان الأعظم، والخاقان الأكرم؛ سيفُ الله القاطع، وشِهابه اللامع، والمحامي عن دينه والمدافع، والذابّ عن حرمه والممانع، السلطان مُراد خان، ابن السلطان سليم خان، ابن السلطان سُليمان خان، ابن السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان محمد خان فاتح قُسطَنطينية، ابن السلطان مُراد خان، ابن السبطان محمد خان، ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان مُراد خان الغازي، ابن السلطان أورخان، ابن السلطان عثمان الغازي.

قد رتّب هذا التأليف على حروف المعجم كترتيب أكثر المؤرّخين، فابتدى أولًا من الأسماء بما أوله همزة وثانيه همزة، ثم بما أوله همزة وثانيه ألف ساكنة، ثم بما أوله همزة وثانيه باء موحّدة، ثم بما ثانيه تاء مُثناة من فوق، ثم بما ثانيه ثاء مُثلثة، وهكذا إلى آخر الحروف.

ثم بما أوله باء موحدة وثانيه همزة أو ألف ساكنة، ثم بما ثانيه باء أيضًا، ثم بما ثانيه تاء مُثناة، وهكذا إلى آخر الحروف.

ثم ذكر في أواخر الكتاب أصحاب الكُنى جميعًا في حروف الهمزة، قدّم من لم يعرف له اسمٌ سوى الكنية، ثم من له اسم واشتهر بكنيته وله ترجمة في حرف من الحروف، ذكره باختصار، ولا أعاد له ترجمة، وذكر اسمه واسم أبيه ليسهل كشفه في محله.

وذكر جميع هذه الكُنى مُرتبة ترتيب الأسماء وبالنظر إلى ما بعد ذكر الأب، كأبي إبراهيم، ذكره مُقدمًا على أبي أحمد، وأبي داود مُقدمًا على أبي ذر، وهكذا إلى آخر الحروف، وذكر في آخر الكتاب بابًا للألقاب، وبابًا فيمن اشتهر بابن فلان، وبابًا في الأنساب، قدّم في كلّ من البابين الأولين من اشتهر بلقبه، واشتهر بأبيه ولم يعرف له اسم، ثم من له اسم منهما ذكره باختصار، كما فعله في الكنى.

* * *

ص: 335

‌1249 - الشيخ الفاضل تُكش بن أرسلان بن أطسر بن محمد

*.

ذكره الملك المؤيّد صاحب "حماة" في "تاريخه"، وقال: كان عادلًا، حسن السيرة، يعرف الفقه على مذهب أبي حنيفة، والأصول.

قال: وتُوفي سنة ستّ وتسعين وخمسمائة. - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1250 - الشيخ الفاضل تمام بن إسماعيل بن تمام السلمي الشيخ ظهير الدين، أبو كامل

* *.

سمع على أبي حفص بن طبرزد "جزء فصل التواضع" للجوهري، تخريج طاهر النيسابوري، سنة ثلاث وستمائة، بكلاسةِ جامع "دمشق"، واشتغل، وحصل، وبرع وتفقَّه.

كذا قاله ابن طولون، في "طبقاته".

* راجع: الطبقات السنية 2: 266.

له ترجمة في تاريخ ابن الوردي 2: 116، والجامع المختصر لابن الساعي 9: 34، 35، والجواهر المضية برقم 387، والعبر 4: 292، والكامل 12: 156 - 159، والمختصر لأبي الفدا 3: 98، ومرآة الزمان، الجزء الثامن القسم الثاني 471، 472، والنجوم الزاهرة 6: 155، 159.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 267.

ص: 336

ثم قال: كتب لحجّة الإسلام الغزالي:

قد كنتُ حُرًّا والهوى مالِكي

فصِرْتُ عَبْدًا والهوى خَادِمِي

وصِرْتُ بالوَحْدَةِ مُسْتَأْنِسًا

مِنْ دُونِ أولادِ بني آدمِ

يا لائِمِي في تَرْكِهِمْ جاهِلًا

عُذْرِي مَكْتُوبٌ على خَاتِمي

وكان المكتوب على خاتمه، - رحمه الله تعالى -، قوله عز وجل:{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} ، انتهى.

ومعنى قوله: "كتب لحجّة الإسلام الغزالي": كتب من شعره.

* * *

‌1251 - الشيخ الفاضل تَمُر بن عبد الله الشهابي الأمير سيف الدين الحاجب

*.

أحد أمراء الطبلخانات، وفقهاء الحنفية، كان له معرفة بالفقه والأصول، وتصدّر للإقراء مدّة طويلة.

وكان شجاعًا، فاضلًا، عالمًا، ديّنًا، خيّرًا.

مات سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بـ "القاهرة"، من جراحة حصلت له في بعض أسفاره من العرب العصاة، رحمه الله.

كذا في "الغُرف العلية في تراجم متأخِّري الحنفية" لابن طولون.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 268.

وترجمته في تاريخ ابن إياس 2: 87 - 90، والضوء اللامع 3: 40، 41، ونظم العقيان 102.

ص: 337

‌1252 - الشيخ الفاضل تمر بغا، الظاهر، أبو سعيد، الرومي، الظاهري، جقمق

*.

أحد ملوك الأتراك بـ "الدميار المصرية"، تسلطن في آخر يوم السبت، سابع جمادى الأولى، سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، بعد خلع بلباي وسر جمهور الناس به لمزيد عقله، وتؤدته، ورئاسته، وفصاحته، وفهمه، ولم يلبثْ أن خلع في يوم الاثنين، سادس رجب منها، بالأشرف قايتباي، وجرتْ له قبل السلطنة وبعدها أمور يطول شرحها، ومات في آخر الأمر بـ "ثغر إسكندرية"، في يوم الجمعة، ثامن ذي الحجّة، سنة تسع وسبعين وثمانمائة، ودفن هناك.

وكان ملكًا، فقيهًا فاضلًا، يحفظ "المنظومة" للنسفي، ويستحضر كثيرًا من المسائل الفقهية، مع مشاركة حسنة في فنون؛ كالتاريخ والشعر، وعنده حذق وذكاء، وعقل تام، وجودة رأي، وتدبير، وفصاحة باللغتين العربية والتركية، وطهارة لسان، وحشمة، وأدب، وتجمل زائد في ملبسه، ومركبه، ومأكله، ومشربه، ومسكنه، وله في ذلك اختراعات تنسب إليه، وعلى ذهنه الكثير من الصنائع؛ كعمل القوس والسهام، عارفًا برمي النشاب معرفة تامة، إليه انتهت الرياسة فيه، بل وفي غيره من أنواع الفروسية والملاعب، ولكنّه كان غير عفيف فيما يقال: قائمًا في أغراض نفسه جدًّا، مع إثارة فتن ومكر وخداع، ومزيد تكبّر، ودخول فيما تقصر أمثاله عن دونه، وتعرض للخلاف بين الحنفية والشافعية، وربما نُسب إليه التكلّم بما لا يليق.

* راجع: الطبقات السنية 2: 168، 169.

وترجمته في النجوم الزاهرة 12، 151.

ص: 338

قال السَّخَاوي: مما أظنّه السبب في سرعة انقضاء مدّته، مع أنه لما تسلطن تواضع جدًّا، وأعرض عن كثير مما ينسب إليه، ولله عاقبة الأمور.

انتهى نقلًا من "الضوء اللامع".

* * *

‌1253 - الشيخ الفاضل تنم الفقيهُ

*.

أخذ عن ابن قديد النحو، والصرف، وغيرهما، وكذا عن ملا شيخ.

وتصدّر للإقراء، فانتفع به جماعة من الترك، وأبنائهم، وغيرهم، وممن أخذ عنه خضر بن شماف.

قال السخاوي: ومنه استفدته. كذا في "الضوء اللامع".

* * *

‌1254 - الشيخ الفاضل توبة بن سعد بن عثمان بن سيار

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 269.

وترجمته في الضوء اللامع 3: 45، واسمه في الأصول:"تيم"، والمثبت في الضوء، والترتيب هناك يعضده، وسيرد فيما بعد.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 267.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 388.

وحق هذه الترجمة حسب الترتيب الهجائي أن تأتي في آخر المترجمين لحرف التاء.

ص: 339

مولى حمدان، ولي قضاء "مرو" لجعفر بن محمد بن الأشعث، سنة سبعين.

أورده ابن مكولا في "كتابه"، وقال: أدرك أبا حنيفة، وصحب أبا يوسف، وسمع ابن جُريح.

كذا في "الجواهر" من غير زيادة.

* * *

ص: 340

‌حرف الثاء

‌1255 - الشيخ الفاضل ثابت بن شبيب بن عبد الله، أبو محمد، التميمي البصروي، الفقيه، المعروف بالسديد

*.

قال أبو القاسم عمر بن أحمد بن العديم في "تاريخ حلب": لقيته بـ "بصرى" عند عودي من الحجّ، سنة أربع وعشرين وستمائة، وأخبرني أنه قدم "حلب"، ونزل بها بـ "المدرسة النورية"، وهو شيخ حسن، صالح، مستور، فقيه.

كان يدرّس الفقه على مذه‌

‌ب أب

ي حنيفة بالمسجد النبوي، بمدينة "بُصرى".

قال: وأخبرني ابن أخيه داود بن علي بن شبيب الفقيه، بـ "حلب"، أن عمّه ثابت بن شبيب، توفي في شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بـ"بصرى". - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1256 - الشيخ الفاضل المحدّث ثابت علي، عمّ أستاذ الأساتذة مولانا

* راجع: الطبقات السنية 2: 270.

ص: 341

عبد اللطيف البرقاضوي، رحمهما الله تعالى *.

التحق بجامعة مظاهر العلوم سهارنفور

(1)

من ابتداء تأسيسها، وقرًا الحديث فيها على مولانا محمد مظهر النانوتوي وغيره، ثم عيّن مدرّسا فيها من محرّم الحرام سنة 1297 هـ، ولم يزل يدرّس فيها الكتب المتفرّقة من العلوم المتداولة، حتى صار من أكابر المدرّسين فيها، وكان أخصّ درسه في الحديث درسه "سنن الإمام ابن ماجه"، وكان يلازم الدروس، حتى لم يكن يذهب إلى وطنه إلا في عطلة رمضان، وفي ذي الحجّة رعاية للطلبة.

وكان ترك الدروس ولو لدقائق يثقل على طبعه.

مرض أربعة عشر يوما، واحتبس بوله، وتوفي في ربيع الأول سنة 1342 هـ، وكان عمره حينئذ خمسا وستين سنة.

* * *

‌1257 - الشيخ الفاضل ثناء الله بن الحافظ عبد الصمد بن الحاج أشرف علي

* *.

* راجع: هامش العناقيد الغالية ص 33.

(1)

تأسّست المدرسة في رجب 1383 هـ، وكانت تسمّى مدرسة عربية سهارنفور، ولما تمّت عمارتها الأولى في 1392 هـ، سميت بمظاهر العلوم، وهذا اسمها التاريخي يشير إلى أن البناء تم في 1392 هـ، وإلى أن من أشرف على هذا البناء، وغير ذلك من أمور المدرسة مولانا محمد مظهر النانوتوي، قدّس سرّه.

راجع: العناقيد الغالية ص 76.

* * راجع: مشايخ بي بارية 359 - 363.

ص: 342

ولد سنة 1379 هـ.

قرأ الدراسة الابتدائية في قريته، ثم حفظ القرآن عند الحافظ عبد السلام، والحافظ مبشّر، وختم في سنة 1392 هـ.

قرأ مدّة في مفتاح العلوم بـ "جاندفور"، ثم سافر إلى "داكا"، والتحق بالمدرسة النورية أشرف آباد، ثم التحق بالجامعة اليونسية، وقرأ فيها ثماني سنين، وأكمل الدراسة العليا فيها.

درس في الجامعة القرآنية لالباغ، ومن أساتذته: العلامة سراج الإسلام، والمفتي نور الله، وغيرهما.

توفي 1428 هـ، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

‌1258 - الشيخ العالم الفقيه ثناء الله بن هداية الله بن محمد منعم بن أبي الحسن بن محمد بن القاضي خواجغي العمري الجونبوري. كان من الفقهاء الحنفية

*.

ولد، ونشأ بـ"جنوبور"، وولي القضاء ببلدته.

مات في سابع شوّال سنة ثلاث وسبعين وألف، وقبره في "سوق ألف خان" من بلدة "جونبور"، كما في "تجلّي نور".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 116.

ص: 343

‌1259 الشيخ العالم الحدّث ثناء الله السنبهلي، أحد فحول العلماء

*.

اشتغل بالعلم من صغره، وسافر إلى "دهلي"، فلازم الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي، وأخذ عنه وأخذ الطريقة عن الشيخ موسى، ثم عن الشيخ جانجان العلوي الدهلوي، وبلغ الغاية.

وكان آية ظاهرة في العلم والعمل، والصبر والاستقامة، لم يزل مشتغلا بالذكر والمراقبة والتدريس والتذكير، وكان يقول: إن في تدريس الحديث والقرآن نورا وصفاءا للقلب، وتتقوّى النسبة الأحمدية، كما في "المقامات".

* * *

‌1260 - الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة المحدّث ثناء الله العثماني الباني بتي، أحد العلماء الراسخين في العلم

* *.

كان من ذرّية الشيخ جلال الدين العثماني، يرجع نسبُه إليه باثنتي عشرة واسطة، وينتهى إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ولد، ونشأ ببلدة "باني بت"، وحفظ القرآن، وقرأ العربية أياما على أساتذة بلدته، ثم دخل "دهلي"، وتفقّه على الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، وأخذ الحديث عنه، وقرأ فاتحة الفراغ، وله ثماني عشرة سنة، ثم لازم الشيخ محمد عابد السنامي، وأخذ عنه الطريقة، وبلغ في صحبته إلى

* راجع: نزهة الخواطر 7: 130، 131.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 128، 129.

ص: 344

فناء القلب، ثم لازم الشيخ جانجانان العلوي الدهلوي، وبلغ إلى آخر مقامات الطريقة المجدّدية، وكان الشيخ المذكور يحبّه حبّا مفرطا، ولقّبه بعَلَم الهدى، ويقول: إن مهابته تغشى قلبي لصلاحه وتقواه وديانته، وإنه مروّج للشريعة، منوّر للطريقة، متّصف بالصفات الملكوتية، تعظّمه الملائكة، ويقول: إذا سألني الله عن هدية أقدّمها إلى جنابه قدّمت ثناء الله. انتهى.

ولقّبه الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي بـ"بيهقي الوقت" نظرا إلى تبحّره في الفقه والحديث.

قال الشيخ غلام علي العلوي الدهلوي في "المقامات": إنه كان متفرّدا في أقرانه في التقوى والديانة، وكان شديد التعبّد، يصلّي كلّ يوم مائة ركعة، ويقرأ من القرآن الكريم حزبا من أحزابه السبعة، مع اشتغاله بالذكر، والمراقبة، وتدريس الطلبة، وتصنيف الكتب، وفصل القضايا.

وقال الشيخ المذكور في موضع آخر من ذلك الكتاب: إنه كان مع صفاء الذهن وجودة القريحة وقوّة الفكر وسلامة الذهن بلغ إلى رتبة الاجتهاد في الفقه والأصول.

له كتاب مبسوط في الفقه، التزم فيه بيان المسألة مع مأخذها ودلائلها، و"مختارات الأئمة الأربعة" في تلك المسألة، وله رسالة مفردة في أقوى المذاهب المسمّى بـ "الأخذ بالأقوى"، وله تفسير القرآن في سبع مجلّدات كبار. انتهى.

وقال الشيخ محسن بن يحيى الترهتي في "اليانع الجني": إنه كان فقيها، أصوليا، زاهدا، مجتهدا. له اختيارات في المذهب، ومصنّفات عظيمة في الفقه، والتفسير، والزهد. وكان شيخه يفتخر به. انتهى.

ومن مصنّفاته المشهورة: "التفسير المظهري" في سبع مجلّدات، وكتاب مبسوط في مجلّد بن في الحديث، و "ما لا بدّ منه" في الفقه الحنفي، و"السيف

ص: 345

المسلول" في الردّ على الشيعة، و"إرشاد الطالبين" في السلوك و "تذكرة الموتى والقبور"، و "تذكرة المعاد"، و"حقيقة الإسلام"، ورسالة في حكم الغناء، ورسالة في حرمة المتعة، ورسالة في العشر والخراج، ورسائل أخرى.

مات في غرّة رجب سنة خمس وعشرين ومائتين وألف ببلدة "باني بت".

* * *

‌1261 - الشيخ الفاضل العلامة ثناء الدين بن قطب الدين الملتاني، أحد العلماء المبرّزين في العلوم الحكمية

*.

ولد، ونشأ بمدينة "ملتان"، وقرأ بها حيثما أمكنه.

ثم سافر إلى "شيراز"، وأخذ المنطق والحكمة وغيرهما عن السيّد الشريف زين الدين علي الجرجاني صاحب المصنّفات المشهورة، ثم رجع إلى "الملتان""، ودرّس بها مدّة عمره، أخذ عنه الشيخ سماء الدين بن فخر الدين الملتاني، وخلق كثير من العلماء، كما في "تاريخ المشاهير".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 3: 37، 38.

ص: 346

‌حرف الجيم

‌1262 - الشيخ الفاضل جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي، الكاتي، ثم المصري، افتخار الدين أبو عبد الله

*.

ولد في عاشر سوّال، سنة سبع وستين وستمائة.

وقرأ على خاله أبي المكارم [بن] محمد بن أبي المفاخر، وقرأ "المفصّل" و"الكشّاف" على أبي عاصم الإسفندري، عن سيف الدين عبد الله بن محمود الخوارزمي، عن أبي عبد الله البصري، عن مؤلّفهما.

واشتغل ببلاده، وتمهّر، وقدم "القاهرة"، فسمع من الدمياطي، وولي بها مشيخة الجتولية، التي بـ"الكبش".

وكان يعرف العربية معرفة جيّدة.

وباشر الإفتاء، والتدريس بأماكن.

وله شعر حسن

* راجع: الطبقات السنية 2: 271، 272.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 390، والدرر الكامنة 1: 68، والعقد الثمين 3: 403، 404، والفوائد البهية ص 56، وكتائب أعلام الأخيار برقم 573.

ص: 347

ومات في أول النصف الثاني من المحرّم، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وقال الفاسي: قدم "مكّة"، وقرأ "الصحيح" على التوزري، وتكلّم على أمكن فيه من جهة العربية، ودرّس بـ"القدس"، و"مكة"، وكان فاضلًا، حسن الشكل، مليح المحاضرة.

قال ابن حجر: و"كات"، بالتاء المثناة أو المثلثة: من قرى "خوارزم".

* * *

‌1263 - الشيخ الفاضل جار الله بن صالح بن أبي المنصور أحمد بن عبد الكريم بن أبي المعالي يحيى بن عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد بن شيبة بن إياد بن عمرو بن العلاء بن مسعود، جلال الدين الشيباني الطبري الأصل، المكّي والد أحمد، وعلي، ومحمد

*.

سمع من خليل المالكي، والعزّ بن جماعة، والموفّق الحنبلي، وغيرهم، وأجاز له إبراهيم بن محمد بن يونس بن القواس، وجماعة كثيرة.

وحدّث، وسمع منه الفضلاء، كالحافظ ابن حجر، والتقي الفاسي، وغيرهما.

وكان خيرًا، عاقلًا، تردّد إلى "مصر" مرارًا، وأدركه أجله بها، في آخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، بخانقاه سعيد السعداء، ودفن بمقبرة صوفيتها، وقد بلغ السبعين، - رحمه الله تعالى -.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 272.

وترجمته في شذرات الذهب 7: 110، والضوء اللامع 3:52.

ص: 348

‌1264 - الشيخ الفاضل الجارود بن يزيد، أبو علي، وقيل أبو الضحّاك الفقيه، النيسابوري، صاحب الإمام

*.

جاء من أولاده كثير من أهل العلم والفضل، فمنهم ابنه سلمة، والنضر بن سلمة، ومحمد بن النضر، وسيأتي كلّ منهم في محلّه، إن شاء الله تعالى.

وذكره الخطيب البغدادي في "تاريخه"، وقال: حدّث عن بهز بن حكيم، وعمر بن ذر، روى عنه أهل "نيسابور"، وقدم "بغداد"، وحدّث بها، فروى عنه من أهلها أبو طالب عبد الجبّار بن عاصم، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، والحسن بن عرفة.

وروى من حديثه عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتزعُون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناس".

ثم ذكر جماعة ممن أنكر على الجارود رواية هذا الحديث عن بهز بن حكيم، وتكلّم فيه بسببه، وضعفه، منهم أحمد بن حنبل، والبخاري، وابن المديني، وغيرهم.

وروى عن مكّي بن إبراهيم، أنه قال، وقد أنكروا على الجارود هذا الحديث: ما تنكرون من هذا، إن الجارود رجل غني، كثير الصدقة، مُستغن عن الكذب، هذا معمر قد تفرّد عن بهز بن حكيم بأحاديث.

* راجع: الطبقات السنية 2: 272، 273.

وترجمته في تاريخ بغداد 7: 261 - 264، والتاريخ الكبير 1: 2: 237، والجرح والتعديل 1: 1: 525، والجواهر المضية برقم 391، وكتاب الضعفاء والمتركين للنسائي 28، وميزان الاعتدال 1:384.

ص: 349

وكانتْ وفاة الجارود سنة ثلاث، وقيل: ستّ ومائتين، - رحمه الله تعالى -.

قلت: والذي يظهر من كلام الأئمة في حقّه أنه كان إمامًا عالمًا حافظًا، وما أنكروا عليه إلا هذا الحديث، والله أعلم بحاله.

* * *

‌1265 - الشيخ الفاضل جامع الكُشاني

*.

روى عن أبي حنيفة، فيما إذا قال: له عليّ كذا وكذا درهمًا. يلزمه أحد عشر، كما إذا قال:"له عليَّ" كذا كذا. بغير عطف.

ذكره في "الروضة" من كتب أصحابنا، قاله في "الجواهر".

* * *

‌1266 - الشيخ الفاضل جان الله الصوفي، اللاهوري، أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح

".

قرأ العلم على أساتذة "لاهور"، ودرّس بها مدّة من الزمان، ثم أخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ نظام الدين التهانيسري، ولازمه زمانا، وسافر معه إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار، ثم سار معه إلى "بلخ"، ورجع إلى "الهند"، وكان صاحب كشوف وكرامات.

* راجع: الطبقات السنية 2: 273، 274.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 392، وفيه:"الكسائي" مكان: "الكشاني"، ويأتي الكلام على نسبة "الكشاني". في باب الأنساب.

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 116.

ص: 350

توفي في تاسع جمادى الأخرى سنة تسع وثلاثين وألف، كما في "خزينة الأصفياء".

* * *

‌1267 - الشيخ الفاضل جان علي العظيم آبادي، أحد العلماء المشهورين في بلاده

*.

له يد بيضاء في المنطق والحكمة.

درّس، وأفاد مدّة عمره، وأخذ عنه غير واحد من العلماء.

مات لاثنتي عشرة بقيتْ من جمادى الأولى سنة سبع وستين ومائتين وألف ببلدة. "كَيا"(بفتح الكاف العجمية).

* * *

‌1268 - الشيخ الفاضل جان محمد اللاهوري، أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول

* *.

ولد، ونشأ بـ "لاهور"، وقرأ العلم على الشيخ عبد الحميد، ومولانا تيمور، ثم لازم الشيخ إسماعيل اللاهوري، وأخذ الحديث عنه، واشتغل عليه بالمذاكرة يوم الاثنين والجمعة من كلّ أسبوع، واستقام على ذلك إلى وفاة الشيخ المذكور.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 131.

* * راجع: نزهة الخواطر 6: 60، 61.

ص: 351

مات سنة عشرين ومائة وألف بـ "لاهور"، فدفن بـ "برويز آبادا"، ثم نقل جسدُه إلى مقبرة الشيخ إسماعيل، كما في "حدائق الحنفية".

* * *

‌1269 الشيخ العالم الصالح جان محمد اللاهوري، أحد العلماء المبرزّين في الفقه والأصول والعربية

*.

أخذ العلم والمعرفة عن الشيخ إسماعيل المدرّس اللاهوري.

وكان يدرّس بـ"لاهور" في "مسجد القصّاب". خارج البلدة، وكان يأكل بعمل يده.

توفي سنة اثنتين وثمانين وألف بمدينة "لاهور"، فدفن بها، كما في "خزينة الأصفياء".

* * *

‌1270 - الشيخ العالم الفقيه جان محمد اللاهوري، أحد الأفاضل المشهورين

* *.

ولد سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف.

وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم تصدّر للتدريس.

وكانتْ له اليد الطولى في الرقية والتكسير.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 116.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 131، 132.

ص: 352

ومن مصنّفاته: "زبدة التفاسير" في ثمانين كرّاسة، وله رسالة في إثبات الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، ورسالة في العقائد، ورسالة في الردّ علي الشيعة، وشرح على "قصيدة البردة"، وشرح على "بدء الأمالي"، ورسالة في المعراج، ورسالة في حرمة التتن، ورسالة في عدم فرضية صلاة الجمعة في هذه البلاد.

مات يوم عاشوراء سنة ثمان وستين ومائتين وألف، كما في "حدائق الحنفية".

* * *

‌1271 - الشيخ الفاضل جبارة بن المغلس الحماني الكوفي عمّ أحمد بن الصلت، المذكور سابقًا

*.

روى عن ابن ماجه، وتكلّموا فيه.

ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وهو في عشر المائة، - رحمه الله تعالى -.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 274.

وترجمته في الأنساب 175، وتهذيب التهذيب 2: 57 - 59، والجرح والتعديل 1: 1: 550، والجواهر المضية برقم 394، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 65، وشذرات الذهب 2: 98، والعبر 1: 435، وميزان الاعتدال 1: 387، والنجوم الزاهرة 2:306.

ويأتي الكلام على نسبة "الحماني" في الأنساب.

ص: 353

‌1272 - الشيخ الفاضل جبّار بخش بن شاه قلندر بن شاه براءة الله

*.

ولد بقرية "مايزباري" من مضافات "خَاكْدَهَر" من "مومنشاهي

(1)

"، سنة 1247 هـ.

جاءتْ أسرته من "إيران" مهاجرين من مظالم أهل التشيّع على على أهل السنّة والجماعة، وكان عددهم اثني عشر رجلا.

من أفذاذ هذه الأسرة: العلامة عارف ربّاني، رحمه الله تعالى، وكان يقول: عندهم مصحف مكتوب من يد الشاه براءة الله، رحمه الله تعالى، وكتب ترجمته بالفارسية في خمس صفحات من آخر هذا المصحف.

مات أبوه شاه قلندر في صباه، وعمره إذ ذاك أربع أو خمس سنين، تلقّى مبادئ الغلوم عند الشيخ العلامة عبد الرحمن الداكوي بمدينة "مومنشاهي"، وقرأ عنده سبع سنين متواليا.

وبايع في الطريقة على يده الكريمة، فأجازه شيخه عن الشاه روشن بخش، عن الشيخ الحافظ جمال، عن الشيخ السيّد أحمد بن عرفان البريلوي الشهيد بـ "بالاكوت".

بنى مدرسة في قريته، فدرّس فيها، وأفتى إلى آخر عمره.

توفي يوم الاثنين سنة 1356 هـ، وكان عمره إذ ذاك ثماني ومائة سنة، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

* راجع: علماء وأكابر مومنشاهي ص 40 - 60.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

ص: 354

‌1273 - جبريل بن جميل بن محبوب القيسي، اللواتي، البزّاز

*.

أسمعه أبوه من السلفي، ومن الضياء بدر

(1)

، وتفقّه على مذهب أبي حنيفة، وحدّث، وسمع منه المنذري.

وسيأتي له زيادة في ترجمة ابنه يوسف.

وكانت وفاته، كما قاله المنذري في "التكملة"، سنة ستمائة، راجعًا من الحجّ.

* * *

‌1274 - الشيخ الفاضل جِبْرِيل بن حسن بن عُثْمَان مَحْمُود بن عُثْمَان الكنجاوي

* *.

توفي سنة 752 هـ اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة.

صنف "التقدمة فِي شرح الْمُقدمَة"، أعني "مُقَدّمَة أبي اللَّيْث".

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 274.

وترجمته في التكملة لوفيات النقلة 3: 71، 72، والجواهر المضية برقم 395، وفيه "البزارا" مكان "البزاز".

واللواتي: نسبة إلى لواتة، قبيلة من البربر. انظر تاج العروس (الكويت) 5:82.

(1)

وفي التكملة "وأبي الضياء بدر الدين عبد الله الخدادادي".

* *راجع: هدية العارفين 1: 250.

ص: 355

‌1275 - الشيخ الفاضل جبريل بن عبد الله الشيخ زين الدين الدمشقي

*.

قرأ كتاب "الجمعة" لأبي عبد الرحمن النسائي على أبي القاسم البوصيري، سنة أربع وتسعين وخمسمائة، واشتغل في "الكنز"، وحصل، ودرّس، وكان رزقه مُقترأ "عليه وعلى عياله".

ذكره ابن طولون في "طبقاته".

* * *

‌1276 - الشيخ الفاضل جرجس (جرجي) بن صفا بن ناصيف بن فارس أبي عكر ابن نعمة

* *.

حقوقي، مؤرّخ، لبناني.

ولد سنة 1265 هـ، وتعلّم في "دير القمر"، وعرف شيئا من الفرنسية والتركية.

وقرأ العربية والفقه على الشيخ يوسف الأسير.

وعيّن معلّما في "المدرسة العزيزية"(نسبة إلى السلطان عبد العزيز) بـ"دير القمر"، من بدء إنشائها 1870 م إلى 1875 م، ثم جعل رئيسا لمدارس الحكومة في جبل "البنان".

وعيّن قاضيا (مدنيا) في مركز (المتن)، ثم كان من أعضاء محكمة الاستئناف مدة 13 سنة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 275.

* * راجع: الأعلام 2: 116.

ص: 356

وانصرف إلى (المحاماة) وتدريس الحقوق 12 سنة، وعيّن رئيسا لدائرة الاستئناف أربعة أعوام، ونشبت الحرب العامة الأولى، فنفاه جمال باشا إلى "القدس"، ثم إلى "الأناضول".

وعاد إلى "لبنان" بعد الحرب، فترأس محكمة الاستئناف في "بيروت" مدّة.

وفصل، فرجع إلى المحاماة إلى أن توفي.

له كتاب في "تاريخ لبنان"، وكتاب في "أداب البحث"، و"ذيل الفرائد البهية" لمحمود حمزه في فقه الحنفية، و"الفرائد الدرية في شرح الآجرومية"، و"مبادئ القراءة"، و"شرح مجمع البحرين" لابن الساعاتي في فقه الحنفية، و"شرح مجلّة الأحكام الشرعية" مطوّل، انتهى فيه إلى كتاب الإقرار

(1)

.

توفي سنة 1352 هـ.

* * *‌

‌1277 - الشيخ الفاضل جرير بن عبد الحميد بن قرط أبو عبد الله، الرازي، الآبي

*.

(1)

تنوير الأذهان 1: 571 و 2: 715 - 719، وجريدة (الجريدة) ببيروت 16/ 7/ 1953، ومعجم المطبوعات 685.

* راجع: الطبقات السنية 2: 275.

وترجمته في الأنساب 13، وتاريخ بغداد 7: 253 - 261، والتاريخ الكبير للبخاري 1: 2: 214، وتذكرة الحفاظ 1: 271، 272، وتقريب التهذيب 1: 127، وتهذيب التهذيب 2: 75 - 77، والجواهر المضية برقم 396، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 61، ودول الإسلام 1: 119، وشذرات الذهب 1: 319، والطبقات الكبرى لابن سعد 7: 2: 1101، والعبر 1: 299، واللباب 1: 13، وميزان الاعتدال 1: 394، 395، والنجوم الزاهرة 2:127.

ص: 357

و"آبة": قرية من قرى "أصبهان"، ولد بها صاحب الترجمة، ونشأ بـ "الكوفة".

وأخذ الفقه عن أبي حنيفة في مسائل، منها: مسألة جناية المدبّر على سيّده.

وسمع يحيى بن سعيد الأنصارى، ومالكًا، والثوري، والأعمش.

وروى عنه ابن المبارك، وقتيبة، وأحمد، وابن المديني.

قال ابن سعد: ثقة، كثير العلم، يرحل إليه.

وقال هبة الله الطبري: مجمع على ثقته.

مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وصلّى عليه ابنه عبد الله.

قال جرير: ولدت سنة مات الحسن، سنة عشر ومائة.

روى له الشيخان.

* * *

‌1278 - الشيخ الفاضل جعفر بن أحمد بن إسماعيل بن شهريل، أبو محمد الإستراباذي

*.

رحل وسمع، وذكره أبو سعد الإدريسي في "تاريخ إستراباذ"، وقال: كان من فقهاء أصحاب أبي حنيفة، حسن الطريقة فيهم، وكان يعرف بالزهد والعبادة، وحدّثنا عنه جماعة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 276.

وترجمته في تاريخ جرجان 138، 477، والجواهر المضية برقم 397.

وفي الأصول: "بن شربيك"، والتصويب من تاريخ جرجان.

ص: 358

قال: ومات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.

وذكره السهمي أيضًا في "تاريخ جرجان"، وقال: كنيته أبو محمد، وربما نُسب إلى جدّه. فيقول: جعفر بن شهريل، روى عن عمّار بن رجاء، وإسحاق بن إبراهيم، وجعفر بن أحمد بن بهرام، وجماعة من أهل "إستراباذ"، و"جرجان"، كتب بـ "مكّة" عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، روى عنه أبو أحمد بن عدي.

* * *

‌1279 - الشيخ الفاضل جعفر بن أحمد بن بهرام الباهلي، أبو حنيفة الشهيد، الإستراباذي

*.

قال السهمي في "تاريخ جرجان": كان من فقهاء الحنفية بـ "إستراباذ"، وإليه الفُتيا.

سُعي به عند الحسن بن زيد العلوي، أنه يبغض أهل البيت، فحبسه في سجنه حتى مات، ثم أمر به فصلب بـ "جرجان"، فذهب جماعة من أهل "إستراباذ" وسرقوه ليلًا، ودفنوه في مقبرة "جرجان"، وأخفوا قبره.

يروى عن محمد بن خالد الحنظلي، وجعفر بن عون، والفضل بن دكين، ويحيى بن هاشم، وداود بن سليمان الجرجاني.

روى عنه الحسن (بن الحسين) بن عاصم، والحسنِ بن بُنْدار المفسّر، وجعفر بن أحمد بن إسماعيل بن شهريل، وأبو نُعيم عبد الملك [بن محمد] بن عدي، الإستراباذيون.

* * *

* راجع: الطبقات السنية 2: 276، 267.

وترجمته في تاريخ جرجان 133، 477، والجواهر المضية برقم 398.

ص: 359

‌1280 - الشيخ الفاضل جَعْفَر بن أحْمَد بن جَعْفَر الرُّومِي الأصل، ثمَّ المكي، الْمدرّس واعظ الحْرم بِـ"مَكَّة المكرمة

"*.

صنف "القسطاس الْمُستَقيم فِي سلوك جادة الشَّرْع القويم"، و"مِصْبَاح الهدى فِي الإنقاذ من الردى".

فرغ مِنْهَا فِي شعْبَان من سنة 1059 هـ تسع وَخمسين وألف.

* * *

‌1281 - الشيخ الفاضل جَعْفَر بن أحْمَد تاجي بك الرُّومِي، القاضي بعسكر "آناطولي"، الشهير بتاج زَاده

* *.

توفي مقتولا سنة 920 هـ عشرْين وَتِسْعمِائَة.

لَهُ "ديوَان شعره"، تركي، و"فتحنامهء إستانبول" رِسَالَة، و"هُوَ سنامه" منظومة تركية، و"منشآت تركيه"، وَغير ذَلِك.

* * *

‌1282 - الشيخ العالم الصالح جعفر بن باقر الدلموي البريلوي

،

* راجع: هدية العارفين 1: 255.

* * راجع: هدية العارفين 1: 255.

ص: 360

أحد عباد الله الصالحين*

ولد، ونشأ بـ "دلمؤ" بلدة من أعمال "رائ بريلي"

(1)

.

وقرأ أكثر الكتب الدرسيّة على الشيخ محمد واضح بن محمد صابر الشريف الحسني البريلوي، ثم سافر إلى بلاد أخرى، وأخذ بعض الفنون الحكمية عن العلامة فضل إمام الخيرآبادي ثم رجع إلى بلدته، وعكف على الإفادة، والعبادة.

كان زاهدا، متقلّلا، متين الديانة، شديد التعبّد، استقدمه نواب سعادت علي خان اللكنوي للقضاء، فلم يجبه، واستقدمه شيخه. فضل إمام إلى "خير آباد"، لما وقع النزاع بينه وبين ابن أخته، فبعث إليه راحلة، فأجاب دعوة الشيخ تأدّبا له، ولم يقبل راحلته، ووصل إلى "خير آباد" بشقّ النفس، وأقام في مسجد من أبنية الحائكين، واستحضر الفريقين في ذلك المسجد، وقضى بحقّ ابن أخت الشيخ، ثم رجع، ولم يقبل الضيافة عن أحدهما.

توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، كما في "مهر جهانتاب".

* * *

‌1283 - العالم الفاضل الكامل المولى جعفر بن التاجي بك

*.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 132.

(1)

"رائي بريلي": بلدة عامرة على نهر "سي"، وفيها قلعة من أبنية السلطان حسين الشرقي، وفيها قبر عادل الملك الجونبوري، والشيخ عبد الشكور الأبدال، ونشأ فيها كثير من العلماء والمشايخ، أجلهم السيّد علم الله رحمه الله تعالى، وابنه السيّد محمد، وحفيده محمد عدل، والسيّد أحمد الشهيد المجاهد، والسيّد المحدّث قطب الهدى، والسيّد أبو سعيد، والسيّد محمد ظاهر، وخلق أخرون.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 196.

ص: 361

كان والده مدبّر الأمور السلطان بايزيد خان وقت إمارته على أمسايه، ورغب هو في طلب العلم.

وقرأ على المولى ابن الحاج حسن، وعلى المولى القسطلاني، وعلى المولى خطيب زاده، وعلى المولى خواجه زاده، واشتهر بالفضائل في الآفاق، فأعطاه السلطان بايزيد خان مدرسة الوزير محمود باشا بمدينة "قسطنطينية"، ودرّس هناك، وأفاد، فاشتهرت فضائله بين الطلبة، ورغب في خدمته الفضلاء.

ثم جعله السلطان بايزيد خان موقعا للديوان العالي، فسلك مسلك الأمراء، وعاش في ظلّ حمايته بدولة وافرة، وحشمة متكاثرة، ثم أصابته عين الزمان، فانتهبت داره، وعزل عن منصبه في آخر سلطنة السلطان بايزيد خان لحادثة يطول شرحها، وليس هذا المقام موضع ذكرها، وعيّن له كلّ يوم مائة درهم بطريق التقاعد، ولم يقبل.

ولما جلس السلطان سليم خان على سرير السلطنة أضاف إليها قضاء بعض البلاد، فقبلها، ثم جعله موقعا بالديوان العالي ثانيا، ثم جعله قاضيا بالعسكر المنصور في ولاية "أناطولي، ثم قتله لأمر واجب ذلك، والقصّة يطول شرحها، مع خروجها عن مقصود الكتاب.

وله نظم بالتركية وبالفارسية، منه هذا المطلع من قصيدته للسلطان سليم خان.

جان آخرين كه دركف مانندجان نهاد بهز شار مقدم شاه جهان ثهاد.

وله نظم كتاب بالتركية، سمّاه بـ "قوش نامه" ونظمه في غاية الحسن والقبول عند أرباب النظم، وله منشآت كثيرة مقبولة عند أهلها، - روّح الله تعالى ورحه، وزاد في غرف الجنان فتوحه -.

* * *

ص: 362

‌1284 - الشيخ الفاضل جعفر بن طرخان الإستراباذي، أبو محمد

*.

ذكره الحافظ السهمي في "تاريخ جرجان"، فقال: كان من أجلّة فقهاء الرأي، له تصانيف، روى عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي حذيفة موسى بن مسعود، وعثمان بن الهيثم، ومحمد بن كثير، وجماعة.

روى عنه ابنه محمد، وجعفر بن شهريل، والحسن بن الحسين بن عاصم، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي.

مات سنة سبع وسبعين ومائتين، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1285 - الشيخ الفاضل جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي بن محمد أبو منصور الدامغاني، ابن أبي جعفر ابن قاضي القضاة أبي عبد الله من البيت المشهور بالقضاء، والعدالة، والرواية

* *.

كان شيخًا نبيلًا، حسن الأخلاق، لطيف الكلام، محمود السيرة، مرضيّ الطريقة.

* راجع: الطبقات السنية 2: 278.

وترجمته في تاريخ جرجان 476، 477، والجواهر المضية برقم 400.

* * راجع: الطبقات السنية، 2: 278، 279.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 401، والعبر 4:204.

وفي ن: "أبو منصور الدامغاني بن أبي حفص"، والصواب في الجواهر.

ص: 363

سمع الحديثِ الكثير من أبي الخطّاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، وأبي زكريا يحيى بن عبد الوهّاب بن منده الأصبهاني.

وحدّث بالكثير، وكان صدوقًا.

وروى عنه أبو العبّاس بن البندنيجي، وغيره.

وكان مولده في ليلة الثلاثاء، سادس عشر صفر، من سنة تسعين وأربعمائة.

ووفاته سنة ثمان وستين وخمسمائة، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1286 - الشيخ الفاضل العلامة جعفر بن عبد العلي الكُمِلائي

*.

من فضلاء أزهر الهند دار العلوم "ديوبند".

ولد في سنة 1309 هـ في وطن آبائة.

وبعد الفراغ من الدراسة درّس في الجامعة الإسلامية الحميدية بـ "بَتَغْرَام" ثلاث سنين، وفي الجامعة الملّية بـ"كُمِلا" أربع سنين، ثم في سنة 1370 هـ بنى مدرسة في "كُمِلا"، وسمّاها قاسم العلوم باسم مؤسّس دار العلوم "ديوبند"، وكان مديرا لها إلى أن توفّاه الله تعالى.

صنّف عدّة كتب باللغة البنغالية.

توفي يوم الجمعة سنة 1412 هـ، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

‌1287 - الشيخ الصالح جعفر بن عبد الغفور الكجراتي

،

* راجع: مشايخ كملا 1: 110 - 117.

ص: 364

أحد العلماء الصالحين*.

ولي الصدارة والاحتساب بـ "حيدر آباد"

(1)

مكان أخيه عبد القادر، ولقب بحكيم الحكماء محي الدولة، فاستقلّ بالصدارة مدّة عمره، وكان عالما، حاذقا في الطبّ، صالحا، كبير المنزلة عند الملوك والأمراء.

* * *

‌1288 - الشيخ الفاضل جعفر بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة، قاضي القضاة، أبو البركات ابن قاضي القضاة أبي جعفر بن القاضي أبي الحسين

* *.

ناب في قضاء "العراق" عن أبيه، واستقلّ به بعد وفاته، ولما مات الوزير عون الدين ناب أبو البركات عنه في الوزارة، مُضافًا إلى قضاء القضاة.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 133، 134.

(1)

صوبة "حيدرآباد": كانت تشتمل على بلاد "كرناتك" في أيام القطب شاهية، ثم بعد ذلك في عهد عالم كير، وكانت "سركاراتها" محمد نكر، ميدك، كولاس، ملنكور، إيلكندل، ورنكل، كهمم مت، ديور كندة، بالكنده، مصطفى نكر، بهونكير، اكن كرا، كوئل كنده، كهن بوره، مرتضى نكر، مجهلي بتن، نظام بتن، راج مندري، ويلور، سريكاكول، معدن الألماس، آركات.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 279.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 402، وزاد في نسبة "الثقفي"، والعبر 4: 181، والمنتظم 10:240.

ص: 365

ومات سنة ثِلاث وستين وخمسمائة، وله ستّ وأربعون سنة.

وسمع منه أبو المحاسن القرشي.

* * *

‌1289 - الشيخ الفاضل جعفر بن عبد الوهّاب بن محمد بن كامل البغدادي

*.

حدّث عن محمد بن الحسن.

* * *

‌1290 - الشيخ الفاضل جعفر بن أبي على الحسن بن إبراهيم الدميرى الأصل المصري المولد والدار

* *.

قرأ القرآن بالروايات على أبي الجيوش عسكر بن علي الشافعي، وتفقّه على الإمام جمال الدين عبد الله بن محمد بن سعد الله، وعلى الفقيه بدر الدين أبي محمد عبد الوهّاب بن يوسف.

* راجع: الطبقات السنية 2: 279.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 403.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 277، 278.

وترجمته في التكملة لوفيات النقلة 5: 285، 286، والجواهر المضية برقم 399.

وقد أعاد المؤلف ذكره في باب الأنساب، ترجمة الدميري، كما أعاد ترجمته باسم:"سقر".

ص: 366

وسمع الحديث من أبي محمد عبد الله بن برّي، وأبي الفضل محمد بن يوسف الغرنوي الحنفي.

ودرّس بـ "المدرسة السيوفية" بـ "القاهرة" إلى حين وفاته، وكان حسن الصَّمْت، كثير العُزلة عن الناس، حسن الخطّ.

سمع منه المنذري، وقال: سألته عن مولده، فذكر ما يدلّ على أنه في سنة خمس وخمسين وخمسمائة بـ "القاهرة".

وتوفي بها ليلة الاثنين، مستهلّ ذي القعدة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي، - رحمه الله تعالى -.

* * *

‌1291 - الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول أبو محمد التنوخي، الأنباري الأصل من البيت المشهور

*.

قال الخطيب: ذكر لي أبو القاسم التنوخي أنه ولد بـ "بغداد"، في ذي القعدة، من سنة ثلاث وثلاثمائة.

قال: وكان أحد القرّاء للقرآن بحرف عاصم وحمزة والكسائي.

وكتب هو وأخوه على الحديث في موضع واحد.

قال: وأصل كلّ واحد منهما أصل الآخر، وشيوخ كلّ واحد منهما شيوخ الآخر.

وحدّث عن عبد الله بن محمد البغوي، وأبي الليث الفرائضي، وجدّه أحمد بن إسحاق بن البهلول، وغيرهم.

* راجع: الطبقات السنية 2: 280.

وترجمته في تاريخ بغداد 7: 232، 233، والجواهر المضية برقم 404.

ص: 367

وعرض علية القضاء والشهادة فأباهما، تورّعًا وتقلّلا وصلاحا.

قال الخطيب: قال لي علي بن المحسن: مات جعفر بن أبي طالب بن البهلول بـ "بغداد"، ليلة الأربعاء، لثمان وعشرين ليلة خلتْ من جمادى الآخرة، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، ودُفن من الغد إلى جانب داره، بسكة أبي العبّاس الطوسي.

قال - أعنى الخطيب -: وهو أخو علي والبهلول أبي محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول. - رحمهم الله تعالى -.

* * *

‌1292 - الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن عمار البرجي القاضي من أهل "الكوفة"، ولي القضاء بـ"سُرَّمَنْ رَأى

*.

كذا في "الجواهر"، من غير زيادة.

* * *

‌1293 - الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر أبو العبّاس، النسفي، المستغفري

* راجع: الطبقات السنية 2: 280، 281.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 405.

وتأتي نسبة البرجمي في باب الأنساب.

ص: 368

خطيب "نسف".

كان فقيهًا فاضلًا، ومحدّثًا مكثرًا، وصدوقًا حافظًا، لم يكنْ بـ "ما وراء النهر" في عصره مثله، وله تصانيف أحسن فيها.

سمع أبا عبد الله محمد بن أحمد غُنجار، وزاهر بن أحمد السرخسي.

روى عنه أبو منصور السمعاني.

وكانت ولادته سنة خمسين وثلاثمائة، ووفاته في سلخ جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بـ "نسف". - رحمه الله تعالى -.

قلت: وفي "الفوائد البهية" ص 57 ذكر السمعاني المستغفري بضمّ الميم وسكون السين المهلمة، وفتح التاء المنقوطة باثنتين من فوق، وسكون الغين المعجمة، كسر الفاء، في آخرها الراء المهملة. هذه النسبة إلى المستغفر اسم بعض أجداد المنتسب إليه، وهو أبو علي محمد بن المعتزّ بن محمد بن المتستغفر بن الفتح بن إدريس من أهل "نسف"، كان ولادته في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، ووفاته في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاث مائة، وابنه أبو العبّاس جعفر بن محمد المستغفري خطيب "نَسَف". كان فقيها فاضلا، ومحدّثا مكثرا، صدوقا، يرجع إلى فهم ومعرفة وإتقان، جمع الجموع، وصنّف التصانيف، وأحسن فيها، وكان قد رحل إلى

* راجع: الطبقات السنية 2: 281.

وترجمته في أعيان الشيعة 16: 246 - 248، والأنساب لوحة 528، وتاج التراجم 15، وتذكرة الحفاظ 3: 1102، 1103، والجواهر المضية برقم 406، والرسالة المستطرفة 39، وشذرات الذهب 3: 249، 250، والعبر 3: 177، والفوائد البهية 57، وكتائب أعلام الأخيار برقم 245، كشف الظنون 1: 296، 308، 715، 760، 2: 1059، 1277، 1417، 1463، 1839، واللباب 3: 136، ومرآة الجنان 3:54.

ويأتي الكلام على نسبة "المستغفري" في باب الأنساب.

ص: 369

"خراسان" وأقام بـ "مرو" و"سرخس" مدّة، وأكثر عن أبي علي الزاهد بن أحمد السرخسي، وسمع بـ "نسف" أبا سهل هارون بن أحمد الإسترآبادي، وأبا محمد الرازي، وبـ "بخارى" أبا عبد الله محمد بن أحمد غُنجار الحافظ، وبـ "مرو" أبا الهيثم محمد، وجماعة كثيرة سواه، وروى عنه جدّي الأعلى القاضي أبو منصور محمد بن عبد الجبّار السمعاني، وأبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، وأبو علي الحسن بن عبد الملك، وجمع كثير لا يحصون، ولم يكن بـ "ما وراء النهر" في عصره من يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث، كانت ولادته سنة 350 هـ، ووفاته سلخ جمادى الأولى سنة 432 هـ، انتهى. ثم قال: وابنه أبو ذر محمد بن جعفر المستغفري كان خطيب "نسف"، ولي الخطابة بعد أبيه، وأسمعه أبوه من جماعة من الشيوخ، وكان من أهل العلم والخير، ذكره أبو محمد عبد

(1)

العزيز بن محمد النخشي في "معجم شيوخه"، وقال أبو ذر: المستغفري

(2)

ابن شيخنا أبي

(1)

هو الحافظ الثقة عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النسفي، ويقال: النخشبي نسبة إلى نخشب، وهي نسف.

(2)

حب الحافظ جعفر المستغفري، وأكثر عنه، وأدرك بـ "بغداد" محمد بن محمد بن غيلان، وبـ "دمشق". قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه، فجعل يعظّمه جدا، وقال: ذاك النخشبي، ذاك النخشبي، كان حافظا كبيرا، فقال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عنه، فقال: كان الحفّاظ مثل أبي بكر الخطيب، ومحمد بن علي الصوري، يحسنون الثناء عليه، ويرضونه فهمه، وقال ابن مِنْدة: كان أوجد زمانه في الحفظ والإتقان، لم نرَ مثله في الحفظ في عصرنا، دقيق الخطّ، سريع الكتابة والقراءة. ثم قال توفي بـ"نخشب" سنة 457 هـ. وقال أبو القاسم بن عسكر: مات بـ "نخشب" سنة 456 هـ. وقيل: مات بـ "سمرقند، كذا في الطبقة الرابعة والعشرين من "سير النبلاء" للذهبي.

ص: 370

العبّاس سمع أبا الفضل يعقوب بن إسحاق السلمي، وأبا محمد عبد الملك بن إبراهيم بن رافع، انتهى.

* * *

‌1294 - الشيخ الفاضل جعفر بن محمد، أبو محمد البويبي، الفقيه

*.

من طبقة الإمام أبي بكر محمد بن الفضل البخاري، - رحمهما الله تعالى -.

* * *

‌1295 - الشيخ الصالح جعفر بن نظام الدين الصوفي الأميتهوي

* *.

كان من أهل بيت العلم والطريقة.

ولد سنة خمس وسبعين وتسعمائة بمدينة "أميتهي"، ونشأ بها.

وقرأ العلم على القاضي حسين الستركهي، وفرغ في الرابع عشر من سنّه، ثم لبس الخرقة من خاله عبد الرزّاق بن خاصّه بن خضر الصالحي الأميتهوي، وسكن خارج البلدة بقرية "بروا"، فأقطعه جهانكير مائتي فدان من الأرض الخراجية في تلك القرية، شفع له المفتي صدر جهان البهانوي،

* راجع: الطبقات السنية 2: 281.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 407.

وفي الأصول "البويني"، والتصحيح عن الجواهر، وهذه نسبة إلى الجد، انظر اللباب 1:154.

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 120، 121.

ص: 371

فبني بها مسجدا، ثم بنى له الشيخ حسن السارنكبوري غمارة عالية البناء لمدرسة ودورا ومساكن لطلبة العلم، لها آثار باقية حتى اليوم.

وكان آية ظاهرة في القناعة والعفاف والزهد والتوكّل والانقطاع إلى الله سبحانه، ويذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة، لا يحصيها البيان.

توفي سنة خمس وأربعين وألف بقرية "بروا"، فدفن بها، كما في "رياض عثماني".

* * *

‌1296 - الشيخ الفاضل جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكي

*.

قال الخطيب: كان من علوّ القدر، ونفاذ الأمر، وعظم المحلّ، وجلالة المنزلة، عند هارون الرشيد، بحالةٍ انفرد بها، ولم يشارك فيها، وكان سمح الأخلاق؛ طلق الوجه، ظاهر البشر، فأما جوده وعطاؤه فأشهر من أن يذكر، وأبين من أن يظهر، وكان أيضًا من ذوى الفصاحة، المذكور

(1)

باللسن والبلاغة، ويقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، نظر في جميعها، فلم يخرجْ شئ منها عن موجب الفقه.

* راجع: الطبقات السنية 2: 282 - 297.

وترجمته في البداية والنهاية 10: 189، 198، وتاريخ بغداد 7: 152 - 160، وتاريخ الطبرى 8: 294 - 300، والجواهر المضية برقم 408، وشرح قصيدة ابن عبدون 222 - 232، والعبر 1: 298، والكامل 6: 175 - 179، ومرآة الجنان 1: 404 - 415، والنجوم الزاهرة 2: 123، والوزراء والكتاب 204، ووفيات الأعيان 1 ك 328 - 346.

(1)

في تاريخ بغداد "المذكورين".

ص: 372

قال وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمّه إلى أبي يوسف القاضي، حتى علمه، وفقهه.

وقال ثُمامة بن أشرس: ما رأيت رجلًا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون.

وحكى العبّاس بن الفضل، قال: اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعُذر [منا]

(1)

عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودّة لك عن سوء الظنّ بك.

وحيث كان يروى عنه في الكرم، وإسداء النعم، وإكرامه جلسائه، والإحسان إلى أوليائه، وتحقيق ظنّ أمليه، وتفريج كربة سائليه، ما تضيق عنه الدفاتر، وتعجز عن ضبطه الأقلام والمحابر، وتغني به الركبان، وتتجمّل بذكره مجالس الأعيان، فلا بأس أن نذكر منها طرفًا يسيرًا، يكون لأهل الكرم به قدوة، ولضعيف الهمّة باعثًا على الجميل، وموجدًا له نحوه، وليعلم أن المرء لا يبقى له بعد موته إلا الذكر الجميل، والثناء الحسن الجزيل.

فمن ذلك ما روى ابن عسكر، عن المهذّب صاحب العبّاس بن محمد، صاحب قطيعة العبّاس والعبّاسية، أنه أصابتْه ضائقة، وألحّ عليه المطالبون، وعنده سفطٌ

(2)

فيه جوهر، مُشتراة عليه ألف درهم، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه، فاشتراه بثمنه، ووزن له ألف ألف، وقبض منه السفط، وأجلسه عنده في تلك الليلة، فلمّا رجع إلى أهله إذا السفط قد بلغه إلى منزله، فلمّا أصبح غدًا إليه ليتشكر له، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد، يستأذن عليه، فقال له جعفر: إني قد ذكرت أمرك للفضل، وقد أمر لك بألف ألف، وما أظنّها إلا سبقتك إلى أهلك، وسأفاوض فيك أمير

(1)

تكملة من تاريخ بغداد.

(2)

السفط: ما يعبأ فيه الطيب، وحلى النساء.

ص: 373

المؤمنين فلمّا دخل ذكر أمره له، وما لحقه من الديون، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.

وروى الخطيب

(1)

أن جعفرًا كان ليلة في سمره، وعنده أبو علقمة الثقفي صاحب الغريب، فأقبلت خنفساة إلى علقمة، فقال: أليس يقال: إن الخنفساة إذا أقبلتْ إلى رجل أصاب خيرًا؟ قالوا: بلى. فقال جعفر: يا غلام! أعطه ألف دينار. ثم نحوها فعادتْ إليه، فقال: يا غلام، أعطه ألف في دينار. فأعطاه.

وروى أيضًا

(2)

أن جعفرًا حجّ مرّة مع الرشيد، فلمّا كانوا بـ "المدينة"، قال لإبراهيم الموصلي: أنظرْ لي جارية أشتريها، ولا تبق غايةً في حذاقتها بالغناء، والضرب، والكمال، والطرف، والأدب، وجنبني قولهم: صفراء.

قال إبراهيم: فوصفتها

(3)

على يد من يعرف، فأرشدتْ إلى جارية لرجل، فدخلتْ عليه، فرأيت رسوم النعمة عنده، فأخرجها إلي، فلم أر أجمل منها، ولا أصبح، ولا آدب، قال: ثم تغنّت لي أصواتًا، فأجادتها، قال: فقلت لصاحبها: قل: ما شئت، قال: أقول لك قولًا لا أنقص منه درهمًا، قلت: قل. قال: أربعين ألف دينار. قال: قلت قد أخذتها، واشترطت عليك نظرةً. قال: ذاك لك.

قال: فأتيت جعفر بن يحيى، فقلت: قد أصبت حاجتك على غاية الكمال والظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الضرب والغناء، وقد اشترطت نظرة فاحمل المال، ومرّ بنا.

(1)

تاريخ بغداد 7: 153.

(2)

تاريخ بغداد 7: 153، 154.

(3)

في تاريخ بغداد "فوضعتها".

ص: 374

قال: فحملنا المال على حمالين، وجاء جعفر مُستخفيًا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلمّا رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنته، فازداد بها عجبًا، فقال لي: اقطع أمرها. فقلت لمولاها: هذا المال قد نقدناه، ووزناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينتقده. فقال: لا، بل أقنع بما قلتم.

قال: فقالت الجارية: يا مولاي، في أيّ شيء أنت؟

فقال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، وما كنت فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك، فتنبسطي في شهواتك وإرادتك.

فقالت الجارية: والله يا مولاى لو ملكت منك ما ملكته

(1)

مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد.

وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنًا، فتغرغرتْ عين المولى، وقال: اشهدوا أنها حرّة لوجه الله تعالى، وأني قد تزوّجتها، وأمهرتها داري.

فقال لي جعفر: انهض بنا.

فقال: فدعوت الحمالين ليحملوا المال، قال: فقال جعفر: لا والله، لا يصحبنا منه درهم.

قال: ثم أقبل على مولاها، فقال: هو لك مُباركًا

(2)

لك فيه، أنفقه عليك وعليها. قال: وقُمنا، وخرجنا.

وروى أنه لما حجّ اجتاز في طريقه بالعقيق، وكانت سنة مجدبة، فاعتضتْه امرأة من بني كلاب، وأنشدته:

إني مَرَرْتُ على العقيق وأهله

يشكون مِن مطرِ الربيعِ نُزُورا

ما ضَرَّهم إذا كان جعفر جارَهم

أنْ لا يكون رَبيعهم مَمْطورًا

(1)

في تاريخ بغداد: "ملكت".

(2)

في تاريخ بغداد: "مبارك".

ص: 375

فأجزل لها العطاء.

ذكر مقتل جعفر، وإيقاع الرشيد به.

وبأهل بيته

وذكر السبب في ذلك على وجه الاختصار، فإن فيه عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتّعظ، وتنبيهًا لمن هو غافل عن غدر الدنيا لأربابها، وإساءتها بعد الإحسان لأصحابها، وقد نقلت ذلك من التواريخ المعتمدة، كـ "تاريخ الخطيب"، و"تاريخ ابن كثير"، وغيرهما.

قال ابن كثير

(1)

- رحمه الله تعالى -: ثم دخلتْ سنةُ سبع وثمانين ومائة، فيها كان مقتل الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، ودمار ديارهم، واندثار آثارهم، وذهاب صغارهم وكبارهم، وقد اختلف في سبّ ذلك على أقوال، ذكرها أبو جعفر بن جرير، وغيره من علماء التاريخ، فمما قيل: إن الرشيد قد سلم يحيى بن عبد الله بن حسن إلى جعفر البرمكي، فسجنه عنده، قال: فما زال يحيى يترفّق له حتى أطلقه جعفر، فنمَّ الفضلُ بن الربيع على جعفر في ذلك، فقال له الرشيد: ويلك، لا تدخل بيني وبين جعفر، فلعلّه قد أطلقه على أمرى، وأنا لا أشعر.

ثم سال الرشيد جعفر عن ذلك، فصدقه الحال، فتغيّظ عليه الرشيد، وحلف ليقتلنه، وكرة البرامكة، ومقتهم، وقلاهم، بعد ما كانوا أحظى الناس عنده، وأحبّهم إليه، وكانت أمّ جعفر والفضل أمّه من الرضاعة، وجعلهم من الرفعة في الدنيا كثرة المال، بسبب ذلك في شيءٍ كثير لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء، ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء، بحيث أن جعفرًا بنى دارًا، وغرم عليها عشرين ألف ألف درهم، وكان ذلك " [من جملة ما كبر عليه بسببه] "

(2)

.

(1)

البداية والنهاية 10: 189.

(2)

في البداية. والنهاية "من جملة ما نقمه عليهم الرشيد".

ص: 376

ويقال: إن الرشيد كان لا يمرّ ببلد ولا إقليم،. فيسأل عن قرية أو مزرعة أو بستان، إلا قيل: هذا لجعفر.

وقد قيل

(1)

: إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد، وإظهار الزندقة، ويؤيّد ذلك ما روي أن الرشيد أتى بأنس بن أبي شيخ، وكان يُتّهم بالزندقة، وكان مصاحبًا لجعفر، وذلك ليلة قتل، فدار بينه وبينه كلام، فأخرج سيفًا من تحت فراشه، وأمر بضرب عنقه به، وجعل يتمثّل ببيت قيل في أنس، قبل ذلك، وهو -

تَلَمَّظَ السيفُ مِنْ شوقٍ إلى أَنَسٍ

فالسيفُ يَلْحَظُ والأَقْدارُ تَنْتَظِرُ

فضرب عنقه، فسبق السيف الدم، فقال الرشيد: - رحم الله عبد الله بن مصعب -. فقال الناس: إن السيف كان سيف الزبير بن العوّام، - رضى الله تعالى عنه -.

وقيل

(2)

: إنه بسبب العباسة أخته، فإن جعفرًا كان يدخل على الرشيد بغير إذن، حتى إنه كان ربما دخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه، وهذه وجاهة عظيمة، ومنزلة عالية، وكان من أحظى العشراء على الشراب، فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر ملكه المسكر، [وكان المخلف]

(3)

. وكان أحبّ أهله إليه أخته العبّاسة بنت المهدي، وكان يحضرها معه، وجعفر البرمكي حاضر أيضًا، فزوّجه بها، ليحلّ له النظر إليها، واشترط عليه أن لا يطأها، فكان الرشيد ربما قام، وتركهما، وهما ثملان من الشراب، فربما واقعها جعفر، فاتفق حملها منه، فولدت ولدًا بعثته مع بعض جواريها إلى "مكّة"، وكان يُربى هناك.

(1)

البداية والنهاية 10: 190، 191.

(2)

البداية والنهاية 10: 189.

(3)

لم ترد الجملة في البداية والنهاية، وفي بعض النسخ "وكان المختلف"، وفي بعضها "وكان المخلف".

ص: 377

وذكر قاضى القضاة ابن خلكان في "الوفيات"

(1)

صفة أخرى في مقتل جعفر، وذلك أنه لما زوّج الرشيد جعفرًا من العباسة أخته، أحبّتْه حبًّا شديدًا، فراودتْه عن نفسه، فامتنع أشدّ الامتناع من خشية أمير المؤمنين، فاحتالتْ عليه، وكانت أمّه تهدي إليه في كلّ ليلة جمعةٍ جارية حسناء بكرًا، فقالتْ لأمّه: أدخليني عليه في صفة جارية من تلك الجواري. فهابتْ من ذلك، فتهددتها حتى فعلتْ، فلمّا دخلتْ عليه، وكان لا يتحقّق وجها أمن مهابة الرشيد، فواقعها، فقالتْ له: كيف رأيت خديعة بنات الملوك؟ فقال: ومن أنت؟ فقالتْ: أنا العباسة. وحملتْ منه تلك الليلة، فدخل على أمّه، فقال لها: بعتيني والله برخيص.

ثم أن والد يحيى بن خالد جعل يضيق على عيال الرشيد في النفقة، حتى شكتْه زبيدة إلى الرشيد مرّات، ثم أفضتْ له سرّ العباسة، فاستشاط غضبًا.

ولما أخبرتْه أن الولد قد أرسلتْ به إلى "مكّة"، حجّ عامه ذلك، حتى يتحقّق الأمر، ويقال: إن بعض الجواري نمتْ عليها إلى الرشيد، فأخبرتْه بما وقع من الأمر، وأن الولد بـ "مكة"، وعنده جوار، ومعه أموال، وحلي كثير، فلم يصدقْ، حتى حجّ في السنة الخالية، فكشف عن الحال، فإذا هو كما ذكرت الجارية.

وقد حجّ في هذه السنة يحيى بن خالد الوزير

(2)

، وقد استشعر الغضب من الرشيد عليه، فجعل يدعو عند الكعبة: اللّهم إن كان يرضيك عني سلب مالي وولدي وأهلى فافعل ذلك بي، وأبقِ عليهم منهم الفضل. ثم خرج، فلمّا كان عند باب المسجد رجع، فقال: اللّهم والفضل معهم، فإني راضٍ برضاك عني، ولا تستثن منهم أحدًا.

(1)

الجزء الأول 333.

(2)

انظر البداية والنهاية 10: 190.

ص: 378

وقيل

(1)

: إن من المحرضات على قتل البرمكة قول بعض الشعراء يُخاطب الرشيد:

قُلْ لأَمِينِ اللهِ في أَرْضِهِ

ومن إليه الحَلُّ والعَقْدُ

إنَّ ابن يحيى جعفرًا قد غدَا

مِثْلَكَ ما بينكما حَدُّ

(2)

أَمرُكَ مَرْدُودٌ إلى أَمْرِهِ

وأمرُهُ ليس له رَدُّ

وقد بَنَى الدَّارَ التي ما بنى ال

فُرْسُ لها مِثْلًا ولا الهنْدُ

الدُرُّ والياقُوتُ حَصْباؤُهَا

وتُرْبُها العَنْبَرُ والنَّدُ

وجَدُّك المنصورُ لو حَلَّها

لَمَا اطَّباهُ قصرهُ الخُلْدُ

(3)

ساواكَ في المِلكِ فَأَبْوابُهُ

مأهُولةٌ يَعْمُرُها الوَفْدُ

وما يُساوي العبدُ أَرْبابَهُ .. إلا إذا ما بَطِرَ العبدُ

(4)

ونحنُ نَخْشَى أنه وارثٌ

مُلْكَكَ إن غَيَّبَك اللَحْدُ

وروى ابن الجوزى

(5)

أن الرشيد سُئل عن السبب الذي من أجله أهلك البرامكة، فقال: لو أن قميصي هذا يعلم لأحرقته.

قال ابن كثير

(6)

: فلمّا قفل الرشيد من الحجّ صار إلى "الحيرة"، ثم ركب في السفن إلى "العمر".

(7)

، من أرض "الأنبار"، فلمّا، كانتْ ليلة السبت، سلخ المحرّم من هذه السنة، أعنى سنة سبع وثمانين، أرسل مسرور

(1)

وفيات الأعيان 1: 335، 336.

(2)

صدر البيت في الوفيات: "هذا ابن يحيى قد غدا مالكا".

(3)

لم يرد هذا البيت والذي بعده في الوفيات.

(4)

وفي الوفيات: "ولن يباهي العبد أربابه".

(5)

انظر ابن كثير 10: 189.

(6)

البداية والنهاية 10: 190.

(7)

العمر الدير للنصارى، ذكر ذلك لياقوت في معجم البلدان 3: 724، ولم يذكر عمر الأنبار هذا.

ص: 379

الخادم، ومعهِ حمّاد بنِ سالم أبو عصمة، في جماعة من الجند، فأطأفوا يجعفر بن يحيى ليلًا، فدخل عليه مسرور الخادم، وعنده بختيشوع المتطبب، وأبو ركازٍ الأعمى المغني يُغنيه:

فلا تَبْعُدْ فكلُّ فتىً سيأتي

عليه الموتُ يطرُق أو يُغادِي

وكلُّ ذَخِيرةٍ لا بُدَّ يومًا

وإن بقيتْ تَصِيرُ إلى نَفَاذِ

(1)

فو فُودِيتَ من حَدَثِ المِنَايا

فَدَيْتُك بالطَّريفِ وبالتِّلادِ

وقيل: كان يُعنيه قول بعضهم:

ما يُريدُ الناسُ مِنَّا

ما ينامُ الناسُ عَنَّا

إنَّما هَمُّهُمُ أنْ .. يُظْهِرُوا ما قد دَفَنَّا

ولكن المشهور هو الأول.

فقال الخادم: يا أبا الفضل، هذا الموت قد طرقك، أجب أمير المؤمنين. فقام إليه، فقبل قدميه، وأدخل عليه أن يدخل إلى أهله، فيوصي إليهم، فقال: أما الدخول فلا سبيل إليه. فأوصى جعفر، وأعتق جماعة من مماليكه، وجاءتْ رسل الرشيد تستحثّ الخادم، فأخرجه إخراجًا عنيفًا يقوده، حتى أتى إلى المنزل الذي كان فيه الرشيد، فحبسه، وقيّده بقيدٍ، وأعلم الرشيد بما فعل، فأمره بضرب عنقه، فجاء إلى جعفر، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن آتيه برأسك. فقال: يا أبا هاشم، لعلّ أمير المؤمنين سكران، فإذا صحا عاتبك على ذلك، فعاوده. فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين! لعلّك مشغول. فقال: ويحك يا ماضَّ بظر أمّه، إيتني برأسه. فكرّر عليه جعفر المعاودة، فقال له: برئت من المهدي، لئن لم تأتني برأسه لأبعثن من يأتيتي برأسك ورأسه. فرجع إلى جعفر، وحزّ رأسه، وجاء به إلى الرشيد، فألقاه بين يديه.

(1)

من أول هذا البيت إلى أخر قوله "لكن المشهور هو الأول" لم يرد في البداية والنهاية.

ص: 380

وأرسل الرشيد من ليلته البرد في الاحتياط على البرامكة جميعهم بـ "بغداد" وغيرها، ومن كان منهم بسبيل، فأخذوا كلّهم عن آخرهم، فلم يفلتْ منهم أحد، وحبس يحيى بن خالد في منزله، وحُبس الفضل بن يحيى في منزل آخر، وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الأموال والموالي والحشم والخدم، واحتيط على أملاكهم.

وبعث الرشيد برأس جعفر وجثّته، ثم قطعت شقّين، فنصب الرأس عند الجسر الأعلى، وشقّ الجثّة عند الجسر الأسفل، وشقّها الآخر عند الجسر الآخر، ثم أحرقتْ بعد ذلك.

ونودي في "بغداد": أن لا أمان للبرامكة، ولا لمن والاهم إلا محمد بن يحيى بن خالد، فإنه استثناه من بين البرامكة، لنصيحة الخليفة، وشحنت السجون بالبرامكة، واستلبت أموالهم كلّها.

وقد كان الرشيد في اليوم الذي قتل في آخره جعفر، هو وإياه راكبين في الصيد، وقد خلا به دون ولاة العهود، وطيبة في ذلك اليوم، ولما كان وقت المغرب، وودعه الرشيد، ضمّه إليه، وقال: لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك، فاذهب إلى منزلك، فاشرب، واطرب لتكون على مثل حالي.

فقال: والله يا أمير المؤمنين! لا أشتهي ذلك إلا معك.

فانصرف

(1)

عنه جعفر، فما هو إلا أن ذهب من الليل بعضه حتى أوقع به الباس والنكال، كما تقدّم ذكره، وكان ذلك ليلة السبت، آخر ليلة من المحرم، وقيل: إنها كانتْ ليلة مستهلّ صفر، سنة سبع وثمانين، وكان عمر جعفر إذ ذاك سبعًا وثلاثين سنة.

ولما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بقتله قال: قتل الله ابنه. ولما قيل له: خربت دارك. قال: خرّب الله دوره.

(1)

في بعض النسخ: "وانصرف".

ص: 381

ويقال: إنه لما نظر إلى داره وقد هتكت ستورها، واستبيحت قصورها، وانتهب ما فيها، قال: هكذا تقوم الساعة.

وقد كتب إليه بعض أصحابه

(1)

يُعزيه فيما وقع، فكتب جواب التعزية: أنا بقضاء الله راض، وبالجزاء منه عالم، ولا يُؤاخذ الله العباد إلا بذنوبهم، وما الله بظلّام للعبيد، وما يغفر الله أكثر، ولله الحمد.

ولقد أكثر الشعراء المراثي في البرامكة، فمن ذلك قول الرقاشي، ويذكر أنه لأبي نواس

(2)

:

الآن استَرحْنَا واسْتراحَت رِكابُنَا

وأمْسَكَ مَن يَحْدِي ومن كان يَحْتَدِي

(3)

فقُلْ للمَطايا قد أَمِنْتِ مِن السُّرَى

وطَيِّ الفَيَافِي فَدْفَدًا بعدَ فَدْفَدِ

وقُلْ للمَنايا قد ظَفِرْتِ بجعفرٍ

ولن تَظْفَرِي من بعده بمُسَوَّدِ

وقُلْ للعَطَايا بعدَ فَضْلٍ تَعَطَّلِي

وقُلْ لِلرَّزايا كلَّ يومٍ تَجَدَّدِي

(4)

ودُونك سَيْفًا بَرْمَكِيًا مُهَنَّدا

أُصيبَ بسيفٍ هاشميٍّ مُهَنَّدِ

وقال الرقاشي، وقد نظر إلى جعفر وهو مصلوب على جذعه

(5)

:

أما واللهِ لولا خوف واشٍ

وعَيْنٍ للخليفةِ لا تَنامُ

لَطُفْنا حَوْلَ جِذْعِكَ واسْتَلَمْنَا

كما للناسِ بالحَجَرِ اسْتِلامُ

فما أبْصَرْتُ قَبْلَك يا ابنَ يحيى

حُسامًا فلَّهُ السيفُ الحُسامُ

عَلى اللَّذاتِ والدنيا جميعًا

لِدَوْلَةِ آلِ بَرمَكٍ السَّلامُ

فاستدعى به الرشيد، وقال له: ويحكْ، ما حملك على ما فعلت؟

(1)

البداية والنهاية 10: 191.

(2)

الأبيات في البداية والنهاية 10: 191 =، والكامل 6:179.

(3)

وفي بعض النسخ: والكامل "وأمسك من يجدي ومن كان يجتدي".

(4)

يعني الفضل أخا جعفر.

(5)

البداية والنهاية 10: 191، وتاريخ بغداد 7:158.

ص: 382

قال تحركت نعمته بقلبي

(1)

فلم أصبرْ.

قال: كم كان يُعطيك جعفر

(2)

كلّ عام؟

قال: ألف دينار. فأمر له بألفي دينار.

وروى الزبير بن بكّار

(3)

، عن عمّه مصعب بن الزبير، قال: لما قتل جعفر بن يحيى، وقفتْ امرأةٌ على حمار فاره، فقالتْ بلسان فصيح: والله لئن صرتَ اليوم آيةً، فلقد كنت في الكرم غايةً، ثم أنشأت تقول:

ولما رأيتُ السيفَ خالَطَ جعفرًا

ونادَى مُنادٍ للخليفةِ في يحيى

بَكَيْتُ على الدنيا وأيْقَنْتُ أنَّما

قُصارى الفتى يومًا مُفارَقةُ الدُنيا

وما هي إلا دولةٌ بعدَ دولةٍ

تُخَوِّلُ ذا نَعْمى وتُعْقِبُ ذا بَلْوَى

إذا أَنْزَلَتْ هذا منازِلَ رِفْعَةٍ

مِن المِلْكِ حطَّتْ ذا إلى الغايةِ القُصْوى

قال: ثم حركت حمارها، فكأنها كانتْ ريحًا، لا أثر لها، ولا يُعرف أين ذهبت.

وقيل: إن الأبيات هذه للعبّاس بن الأحنف

(4)

.

وروى الخطيبُ

(5)

أن أبا يزيد الرياحي، قال: كنت قائمًا عند خشبة جعفر بن يحيى البرمكي أتفكّر في زوال ملكه، وحاله التي صار إليها، إذا أقبلتْ امرأة راكبة لها رواءٌ وهيبة

(6)

، فوقفتْ على جعفر، فبكتْ وأحرقتْ

(7)

، وتكلّمتْ فأبلغتْ.

(1)

في تاريخ بغداد "في قلبي".

(2)

في تاريخ بغداد "وعطاؤك".

(3)

البداية والنهاية 10/ 192، وتاريخ بغداد 7: 159، 160.

(4)

ليست في ديوانه.

(5)

في تاريخ بغداد 7: 158، 160.

(6)

في تاريخ بغداد "وهيئة".

(7)

في تاريخ بغداد "فأحزنت".

ص: 383

فقالتْ: أما والله لئن أصبحت للناس آية، لقد بلغت فيهم الغاية، ولئن زال ملكك، وخانك دهرك، ولم يطلْ به

(1)

عُمرك، لقد كنت المغبوط حالًا، الناعم بالًا، يحسن بك الملك، وينفس بك الهلك، " [ولئن صرت]

(2)

" إلى حالتك هذه، فلقد

(3)

كنت الملك بحقّه، في جلالته ونطقه، فاستعظم الناس فقدك، إذ لم يستخلفوا ملكًا بعدك، فنسأل الله الصبر على عظم المصيبة، وجليل الرزية، التي لا تستعاض بغيرك، والسلام عليك وداع غير قال، ولا ناس لذكرك. ثم أنشأت تقول:

العَيْشُ بعدَك مُرٌ غيرُ مَحْبُوبِ

ومُدْ صُلِبْتَ وَمَقْنا كلَّ مَصْلُوبِ

أَرْجُو لك اللهَ ذا الإحسانِ إن له

فَضْلًا علينا وعَفْوًا غيرَ مَحسُوبِ

ثم سكتت ساعة وتأملته، ثم أنشأت تقول:

عليكَ من الأحِبَةِ كلَّ يومٍ

سلامُ الله ما ذكُرَ السَّلامُ

لَئِنْ أَمْسَى صَدَاكَ بِرَأيِ عَيْنٍ

على خُشُبٍ حَباكَ بها الإمامُ

فمِن مُلْكٍ إلى مَلَكٍ بِرَغْمٍ

من الأملاكِ أسْلَمَكَ الهُمَامُ

وروى الخطيب، أن أبا قابوس النصراني، قال: دخلت على جعفر بن يحيى البرمكي في يوم، فأصابني البرد، فقال: يا غلام! اطرح عليه كساء من أكسية النصارى، فطرح عليه كساء خزّ قيمته ألف دينار، قال: فانصرفت إلى منزلي، فأردت أن ألبسه في يوم عيد، فلم أصبْ له في منزلي ثوبًا

(4)

يشاكله، فقالتْ لي بنية لي: اكتب إلى الذي وهبه لك حتى يرسل إليك بما يشاكله من الثياب، فكتبت إليه هذه الأبيات:

(1)

لم يرد في تاريخ بغداد.

(2)

في تاريخ بغداد أن تصير.

(3)

في تاريخ بغداد "ولقد".

(4)

في الأصول: "يوما"، والتصويب من تاريخ بغداد.

ص: 384

أبا الفضل لو أَبْصَرتَنا يومَ عِيدِنا

رأيتَ مباهأةْ لنا في الكنائسِ

فَلَوْ كان ذاك المِطْرَفُ الخَزُّجُبَّةً

لبَاهَيْتُ أَصْحابِي به في المجالسِ

(1)

فلا بُدَّ لي من جُبَّةٍ من جبابِكُم

ومن طَيْلَسانٍ من جيادِ الطيالِسِ

ومن ثَوْبِ قُوهِيٍّ وثوب عَلائِمٍ

ولا بَأسَ إن أَتْبَعْت ذاك بخامسِ

(2)

إذا تمَّتِ الأثوابُ في العِيدِ خمْسَةً

كَفَتْكَ فلم تَحْتَجْ إلى لبس سادسِ

لَعَمْرُك ما أفرَطْتُ فيما سألته

وما كنتُ لو لأَفْرَطْتُ فيه بآيسِ

(3)

وذاك لأن الشِّعْرَ يَزْدادُ جدَّةٌ

إذا ما الْبِلَى أَبْلَى جَدِيدَ الملابِسِ

قال: فبعث إليه حين قرأش عره بتخوت خمسة، من كلّ نوع تختًا، قال: فوالله ما انقضت الأيامُ، حتى قتل جعفر وصلب، فرأينا أبا قابوس قائمًا تحت جذعه يزمزم، فأخذه صاحبُ الخبر، فأدخله على الرشيد، فقال له: ما كنت قائلًا تحت جذع جعفر؟ قال: فقال أبو قابوس: أيُنجيني منك الصدق؟ قال: نعم.

قال: ترحمت والله

(4)

عليه، وقلت في ذلك

(5)

:

أمينَ الله هَب فضلَ بنَ يحيى

لِنَفْسِكَ أيُّها المِلكُ الهُمامُ

وما طَلَبي إليك العَفْوَ عنه

وقد قَعَدَ الوُشاةُ به وقامُوا

أرى سببَ الرِّضا فيه قَوِيًّا

علَى اللهِ الزِّيادةُ والتَّمامُ

نَذَرْتُ عَليّ فيه صِيَامَ حَوْلٍ

فإن وَجَب الرِّضا وجبَ الصِّيامُ

(6)

(1)

في تاريخ بغداد: "أصحابي بها".

(2)

القوهي: ثياب بيض، وهي منسوبة إلى قوهستان، كورة بين نيسابور وهراة.

(3)

في بعض النسخ: "فيما طلبته".

(4)

في بعص النسخ: "قلت".

(5)

ذكر ابن خلكان البيتين الأخيرين ضمن قصيدة، نسبها إلى الرقاشي. انظر وفيات الأعيان 1:340.

(6)

في تاريخ بغداد: "وإن وجب الرضا".

ص: 385

وهذا جعفرٌ بالجِسرِ تَمحُو

محاسن وجهِهِ ريحٌ قَتَامُ

أقول له وقُمْتُ لَديْه نَصًا

إلى أن كاد يَفضحُنِي القِيامُ

(1)

أما والله لولا خوفُ واشِ

وعينٍ للخليفةِ لا تَنامُ

لَطُفنَا حَولَ جِذعك واستَلَمنا

كما لِلْناس بالحَجِر استلامُ

قال: فأطرق هارون مليًا، ثم قال: رجل أولي جميلًا، فقال فيه جميلًا، يا غلام، نادِ بأمان أبي قابوس، وأن لا يُتعرض

(2)

. له قال لحاجة إياك أن تحجبه عني، صر متى شئت إلينا في مهمك.

وروى ابن عساكر

(3)

بسنده، من طريق الدارقطني، أنه لما أصيب جعفر، وجدوا له في جرة ألف دينار، زنة كلّ دينار مائة دينار، مكتوب على صفحة الدينار الواحد جعفر، ومكتوب على الصفحة الأخرى هذان البيتان:

وأصغر ضرب دار الملوك

يَلُوحُ على وجهه جعفرُ

يَزيدُ علَى مائةٍ واحدًا

متى يُعطَه مُعسِرٌ يُوسِرُ

وروى الخطيب

(4)

أن جعفرًا أمر أن تُضرب له دنانير في كل دينار ثلاثمائة مثقال ويضرب عليها صورة وجهه، فضربت فبلع أبا العتاهية، فأخذ طبقًا فوضع عليه بعض الألطاف، فوجه به إلي جعفر، وكتب إليه رُقعة، في آخرها

(5)

.

وأَصفَر من ضَربِ دار الملوك

يُلوحُ على وجهه جعفرُ

ثلاث مئِينَ يُرى وَزْنُه

متى يَلْقَه مُعْسِرٌ يُؤسِرُ

(6)

(1)

النص: الرفع والظهور.

(2)

في تاريخ بغداد: "يعرض".

(3)

نقله ابن كثير في البداية والنهاية 10: 196،

(4)

تاريخ بغداد: 7: 156.

(5)

لم أجد البيتين في ديوانه المطبوع.

(6)

في تاريخ بغداد: "ثلاث منين وزنه".

ص: 386

فأمر بقبض ما على الطبق، وصيّر عليه دينارًا من تلك الدنانير، ورده إليه.

وعن ثمامة بن أشرس

(1)

، قال: بت ليلة مع جعفر بن يحيى بن خالد، فانتبه من منامه

(2)

يبكى مذعورًا، فقلت: ما شأنك؟ قال: رأيت شيخًا جاء فأخذ بعضادتى هذا الباب، وقال

(3)

:

كأن لَمْ يَكُنْ بينَ الْحَجُونِ إلى الصَّفَا

أنيسٌ ولم يَسْتَمِرْ بِمكَّةَ سَامِرُ

قال: فأجبته:

بَلَى نحن كُنا أهلها فأبادَنا

صُرُوفُ اللَّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ

(4)

قال ثمامة: فلمّا كان الليلة المقِبلة، قتله الرشيد، ونصب رأسه على الجسر.

قال

(5)

: ثم خرج الرشيدُ في بعض الأيام ينظرُ إليه وهو مصلوب، فأنشأ يقول:

تَقَاضاكَ دَهْرُك ما أَسْلَفا

وكَدَّرَ عَيْشَك بعدَ الصَّفا

فلا تَعْجَبَنَّ فإنَّ الزَّمانَ

رَهِينٌ بتَفْريقِ ما ألَّفَا

قال: فنظرتُ إلى جعفر، فقلتُ: أما لَئن أصبحت آية، فلقد كنت في الخير غاية.

قال: فنظر الرشيدُ كأنه جملٌ يصولُ

(6)

، ثم أنشأ يقول:

ما يَعْجِبُ العالَمَ من جعفرٍ

ما عايَنُوه فبِنَا كانَا

من جعفرٌ أو من أبُوه ومَنْ

كانتْ بنو بَرْمَكَ لَوْلانَا

(1)

البداية والنهاية 10: 197.

(2)

تكملة من البداية والنهاية.

(3)

البيتان لعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي.

(4)

في أنساب الأشراف وسيرة ابن هشام: "كنا أهلها فأزالنا".

(5)

البداية والنهاية 10: 197.

(6)

وفي بعض النسخ: "صؤول".

ص: 387

ثم حوّل وجه فرسه، وانصرف.

وعن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي

(1)

صاحب صلاة "الكوفة"، قال: دخلتُ على أمّي في يوم أضحى، وعندها امرأة برزةٌ

(2)

: في أثواب دنسة رثة، فقالتْ لي: تعرف هذه؟ قلت: لا، قالتْ: هذه عبادة أمّ جعفر بن يحيى، فسلّمت عليها، ورحّبت بها، وقلت لها: يا فلانة! حدّثيني ببعض أمركم.

قالت: أذكر لكم جملة كافية لمن اعتبر، وموعظة لمن فكر، لقد هجم علي مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن جعفرًا ابني عاق لي، ولقد أتيتكم في

(3)

هذا اليوم والذي يقنعني جلدًا شاتين، أجعل أحدهما شعارًا، والآخر دثارًا.

ولنختم أخبار البرامكة بحكاية عجيبة، وقصّة غريبة، لا يسمع في باب المكارم مثلها، ولا في أخبار الوفاء بأعجب منها.

ذكر أبو الفرج بن الجوزي، في كتابه "المنتظم"

(4)

، أن المأمون بلغه أن رجلًا يأتي في كلّ يوم إلى قبور البرامكة، فيبكي عليهم، ويندبهم، فبعث من جاءه به، فدخل عليه، وقد يئس من الحياة، فقال له: ويحك، ما حملك على صنيعك هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إنهم أسدوا إلي معروفًا، وخيرًا كثيرًا، ولي خبر يطول. فقال: قل.

قال: أنا المنذر بن المغيرة، من أهل "دمشق"، كنت في نعمة عظيمة، فزالت عني، وأفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ولم يبق لي شئ، فأشار بعض أصحابي عليّ بقصد البرامكة، فأتيت إلى "بغداد". ومعي نيّف وعشرون امرأة، فأنزلتهن في مسجد، وقصدتُ مسجد الجامع، فدخلتُ، فإذا فيه

(1)

البداية والنهاية 10: 197، وتاريخ بغداد 7: 156، 157.

(2)

البرزة: التي تفوق لذاتها.

(3)

في بعض النسخ بعد هذا زيادة "مثل".

(4)

نقله ابن كثير عن المنتظم في البداية والنهاية 10: 197، 198.

ص: 388

جماعه لم أر أحسن منهم، فجلست إليهم، فجعلتْ أراود نفسي في طلب قوت منهم لعيالي، فيمنعني من ذلك ذلّ السوال، فبينا أنا كذلك، إذا بخادم قد أقبل فاستدعاهم، فقاموا كلّهم، وقمت معهم، فدخلوا دارًا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد، فجلسوا حوله، وعُقد عقد ابنته عائشة على ابن عمّ له، ونثروا علينا سحيق المسك، وبنادق العنبر، ثم جاءت الخدم إلى كلّ واحد من الجماعة بصينية من فضّة، فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم، ونهضوا، وبقيت الصينية التي وضعوها بين يدى، وأنا أهابُ

(1)

أن آخذها من عظمتها

(2)

عندى، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذ، وتقوم، فمددت يدى، فأخذتها، وأفرغتها في جيبي، وأخذت الصينية تحتّ إبطي.

وقمت وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت ألتفت، والوزير ينظرني، ولا أشعر، فلمّا بلغت الستارة أمر بي فردّوني، فيئست من المال، فلمّا رجعت قال لي: ما شأنك؟ فقصصت عليه خبري، وخبر عيالي، فبكى، وقال لأولاده: خذوا هذا، فضمّوه إليكم. فجاءني خادم، فأخذ مني الذهب والصينية، وأقمت عندهم عشرة أيام، من ولد إلى ولد، وخاطري كلّه عند عيالي، ولا يمكنني الانصراف.

فلمّا انقضت العشرة، قال لي الخادم: ألا تذهب إلى أهلك، فقلت: بلى والله، فقام يمشي أمامي، ولم يعطني الذهب، فقلت في نفسي: يا ليت هذا كان من قبل. فسار أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فإذا فيها عيالي يتمرّغون في الذهب والحرير، وقد وصل إليهم مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتاب فيه تمليك الدار بما فيها، وتمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلمّا أصيبوا أخذ مني عمرو بن سعيد القريتين،

(1)

في بعض النسخ: "أخاف".

(2)

في بعض النسخ: "عظمها".

ص: 389

وألزمني بخراجهما، فكلّما لحْقني فاقة قصدت دورهم وقُبورهم، فبكيت عليهم.

فأمر المأمون بردّ القريتين عليه وخراجهما، فبكى الشيخ بكاء شديدًا، فقال له المأمون، ألم أستأنفْ بك جميلًا.

قال: بلى، ولكن هو من البرامكة.

فقال: امض مصاحبًا للسلامة، فإن الوفاء مبارك، "وحفظ العهد"

(3)

من الإيمان. والله تعالى أعلم.

* * *

‌1297 - الشيخ الفاضل أبو جعفر الأستروشني

*.

تفقّه على أبي بكر محمد بن الفضل، عن عبد الله السبذموني، عن أبي عبد الله أبي حفص الصغير، عن أبيه أبي حفص الكبير، عن محمد.

وأخذ أيضا عن أبي بكر الجصّاص الرازي، عن أبي الحسن الكَرْخي، عن أبي سعيد البردعي، عن نصير بن موسى، عن محمد.

وتفقّه عليه القاضي عبيد الله أبو زيد الدبوسي، صاحب "الأسرار".

قلت: في الفوائد البهية ص 58 الأسروشني نسبة إلى "أسروشنه" بضم الألف، وسكون السين المهملة، وضم الراء المهملة، وسكون الواو، وفتح الشين المعجمة، في آخره نون: بلدة كبيرة وراء "سمرقند" ودون "سيحون"، وقد يزاد فيه التاء، فيقال: الأستروشني، والصحيح هو الأول، قاله السمعاني.

* * *

(3)

في البداية والنهاية: "ومراعاة حسن العهد والصحبة".

* راجع: الفؤائد البيهة ع 57، 58.

وترجمته في ما ينبغي به العناية لمن يطالع الهداية ص 69.

ص: 390

‌1298 - العالم الفاضل الكامل المولى جعفر البروسوي المشتهر بنهالي

*.

قرأ - رحمه الله تعالى - على علماء عصره، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار قاضيا ببعض البلاد، ثم صار مدرًسا بمدرسة الوزير المرحوم مصطفى باشا بمدينة "قسطنطينية" ثم صار قاضيا بمدينة "غلطة" ثم مال إسلى "العزلة والفراغة، وعيّن له كلّ يوم ثلاث وثلاثون درهما بطريق التقاعد، وتوفي على تلك الحال في جوار الخمسين وتسعمائة.

وكان عالما فاضلا، لذيذ الصحبة، حسن النادرة، خفيف الروح، ظريف الطبع.

وكان زين المجالس والمحافل، واختار العزلة في أواخر عمره، وترك الرياسة من التواضع، وطرح التكلّف المعتاد بين الناس، وكانتْ له أشعار مقبولة باللسان التركي، - روّح الله روحه، ونوّر ضريحه -.

* * *

‌1299 - العالم العامل المولى جعفر المنتشوي

* *.

قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل عبد القادر القاضي بالعسكر المنصور في ولاية "أناطولي"، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، ثم صار معلّما للسلطان بايزيد ابن سلطاننا الأعظم السلطان سليمان خان، أعزّ الله أنصاره، ثم توفي وهو ذاهب إلى الحجّ في سنة أربع وستين وتسعمائه.

*راجع: الشقائق النعمانية 283.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 307.

ص: 391

كان عالما، مستقيم الطبع، جيّد القريحة، سليم النفس، صبورا، وقورا، محبّا لأهل الخير والصلاح، وكان مشتغلا بنفسه، معرضا عن التعرّض لأبناء جنسه، - نوّر الله قبره وضاعف أجره -.

* * *

‌1300 - الشيخ الفاضل جعفر الزين العجمي نزيل "المؤيّدية

"*.

ممن قرأ عليه الشيخ زكريا قاضي القضاة، قرأ عليه "شرح الشمسية"، وغالب "حاشيتها" للسيّد، وكذا أخذ عنه الحكمة، ووصفه بالفضل والديانة.

كذا نقله السخاوي في "الضوء اللامع".

* * *

‌1301 - الشيخ العالم الكبير جعفر علي بن باقر علي بن فخر الدين العلوي الكسمندوي، كان من ذرية محمد بن الحنفية

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 298.

وترجمته في الضوء اللامع 3: 70.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 134، 135.

ص: 392

ولد، ونشأ بـ"كسمندي"(بفتح الكاف والميم والدال الهندية) قرية من أعمال "لكنو"

(1)

.

واشتغل بالعلم أياما في وطنه، ثم قدم "لكنو"، وأخذ عن المفتي ظهور الله الأنصاري اللكنوى، ثم سافر إلى "دهلى"، وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله المحدّث الدهلوي، ثم رجع إلى "لكنو"، وتقرّب إلى الأمراء، وصاحبهم مدّة طويلة، ثم ذهب إلى "كانبور"، ولي تحصيل العشر والخراج في "كهائمبور"، واستقلّ به زمانا.

وكان بارعا في المنطق والحكمة والإنشاء والشعر، مداعبا، مزاحا، بشوشا، طيب النفس، حسن المحاضرة.

له مصنّفات، منها: حاشية على "شرح السلّم"، لحمد الله، وله "نظم الفرائض" في المواريث إلى باب الرد.

مات سنة أربع وثمانين ومائتين وألف.

* * *

‌1302 - الشيخ العالم الفقيه القاضي جكن - بالجيم العربية والكاف الفارسية - الكجراتي، أحد الفقهاء المشهورين

*.

(1)

" لكنو" بلدة كبيرة على نهر "كومتي"، فيها أبنية رفيعة للأمراء، وبيوت المآتم للشيعة، انتقل إليها آصف الدولة من "فيض آباد"، فصارت مقام الأمراء، ولها شهرة في أعمال الخزف والوشي، ونشأ بها الأجلاء كالشيخ محمد أعظم، والشيخ محمد مينا، والشيخ عبد القادر، والشيخ نظام الدين، وولده بحر العلوم، وخلق كثير من العلماء، وكانت بها مدرسة للشيخ بير محمد.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 74 - 75.

ص: 393

له "خزانة الروايات"، كتاب مبسوط في الفقة الحنفي، ذكره الجلبي في "كشف الظنون". قال: إن "خزانة الروايات" في الفرع للقاضي جكن الحنفي الهندي الساكن بقصبة "كن" من "كُجْرات"، وهو مجلّد، أوله: الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان. ذكر فيه أنه أفنى عمرَه في جمع المسائل وغريب الروايات، وابتدأ بكتاب العلم، لأنه أشرف العبادات. انتهى.

وقال اللكنوي في "النافع الكبير": إنه من الكتب غير المعتبرة، لأنه مملوء من الرطب واليابس، مع ما فيه من الأحاديث المخترعة، والأخبار المختلقة. انتهى.

وكانت له أربعة إخوة كلّهم قضاة.

مات في حدود سنة عشرين وتسعمائة.

* * *

‌1303 - الشيخ الفاضل جلال بن أحمد بن يوسف الثبري المبلاني الشهير بالتباني

(1)

.*

أخذ الفقه عن العلامة قوام الدين السكّاكي،

(1)

سمى بالتباني نسبة لنزوله بالتبانة ظاهر القاهرة.

* راجع: طبقات الحنفية 37/ 1، عام 7149 ظاهرية.

والدرر الكامنة 1: 545، وتاج التراجم 15، 16، وبغية الوعاة 213، وشذرات الذهب 327، 328، والبدر الطالع 1: 186، كشف الظنون 841، 1221، 1826، وروضات الجنات 161 - 163، والنجوم الزاهرة 12: 123، وسماه "جلال بن رسول بن أحمد"، والسلوك: حوادث سنة 793، وفيه "سولا بن أحمد".

ص: 394

والعلامة قوام الدين الإتقاني أمير كاتب، والعربية عن الشيخ جمال الدين بن هشام، والشيخ شهاب الدين بن عقيل وبدر الدين بن أم قاسم.

وذكر أنه سمع "صحيح البخاري" أو بعضه على الشيخ الإمام علاء الدين بن التركماني.

وكان فقيها، أصوليا، نحويا، بارعا، انتصب للاشتغال والإفادة والفتوى مدّة طويلة، وسئل بقضاء الحنفية، فإمتنع، وولي تدريس "الصرغتمشية" و"مدرسة السيفي الجاي"، وصنّف في أصول الفقه "شرح المنار"، واختصر "التلويح في شرح الجامع الصحيح" لعلاء الدين بن مغلطاي.

وله شرح مختصر على "إيضاح ابن الحاجب"، و"مختصر" في ترجيح مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، و"تعليقة" على البزدوي لم تكملْ، وقطعة على "مشارق الأنوار" في الحديث لم تكملْ، وقطعة على "التلخيص" لم تكملْ، ومنظوم في الفقه، جمع عليه ما يناسبه من الفتوى في أربع مجلّدات، ورسالة في زيادة الايمان ونقصانه، ورسالة في عدم صحة الجمعة في مواضع من البلد، ورسالة في البسملة، وأخرى في الفرق بين الفرض العملي والواجب.

توفي رحمه الله في يوم الجمعة ثالث عشر رجب سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.

* * *

‌1304 - الشيخ الصالح جلال بن الجمال الكشميري، كان من علماء الآخرة

*.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 135، 136.

ص: 395

اعتزل في زاوية، بناها عند مقبرة أسلافه يسكن فيها، ولا يتردّد إلي الأمراء، وكان ذا تواضع وأخلاق مرضيّة، لم يزل مشتغلا بمطالعة القرآن، والحديث، وكتب السلوك، والتصوّف.

مات سنة سبع عشرة ومائتين وألف، كما في "حدائق الحنفية".

* * *

‌1305 - الشيخ الفاضل جلال بن خضر

*.

أديب.

من آثاره: "شرح لامية العجم" للطغرائي، سمّاه "نبذ العجم عن لامية العجم"، ألّفه سنة 962 هـ. بـ"القسطنطينية".

وكان حيا سنة 962 هـ.

* * *

‌1306 - الشيخ العالم الصالح جلال الدين بن حسام الدين الدهلوي، أحد العلماء المذكّرين المشهورين بالعلم والديانة

* *.

كان في عهد السلطان علاء الدين الخلجي.

يذكّر، ويراعي طريقة الخشية من الله تعالى، وربما يأتي باللطائف من باب الذوق والوجدان، وينشد الأشعار الرقيقة، وكان من أصحاب الشيخ ركن الدين، مجازا منه في أخذ البيعة من الناس، كما في "فيروز شاهى".

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 152.

وترجمته في كشف الظنون 1538، والأعلام 2:132.

* * راجع: نزهة الخواطر 2: 24.

ص: 396

‌1307 - الشيخ الفاضل جلال الدين بن شمس الدين الخوارزمي الكرلاني

*.

قال الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى: قد اختلفت عباراتهم في مؤلّف "الكفاية شرح الهداية" المتداولة بأيدي الناس، فنسبه حسن

(1)

بن عمّار الشرنبلالي في بعض رسائله إلى تاج الشريعة، وهو غلط، فإن له "نهاية الكفاية"، لا "الكفاية" المتداولة، كما أفصح عنه صاحب "كشف الظنون" حيث قال عند ذكر شروح "الهداية": وشرح الشيخ الإمام تاج الشريعة عمر بن صدر الشريعة الأول عبد الله المحبوبي الحنفي، سماه "نهاية الكفاية في دراية الهداية"، أوله: نصر من الله وفتح قريب، هو المحمود جلّ ثنائه إلخ. قال في آخر كتاب الإيمان: أتم كتاب الإيمان أبو عبد الله عمر بن صدر الشريعة في آخر شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة بمحروسة "كرمان"، انتهى.

* راجع: الفوائد البهية: ص 58، 59.

(1)

هو أبو الإخلاص حسن بن عمّار المصري الشرنبلالي بضمّ الشين، مع الراء المهملة، وسكون النون، وضم الباء الموحّدة، ثم لام الألف، ثم لام، نسبة إلى "شبرابلولة" على غير قياس، بلدة تجاه "منوف" بسواد "مصر"، كان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره، وممن سارَ ذكره، وانتشرَ أمرُه، وكان المعوّل عليه في الفتاوى، قرأ على عبد الله النحريري، ومحمد المحبي، وعلي بن غانم المقدسي، وغيرهم، وانتفع به خلائق، منهم: السيّد أحمد الحمَوي، وأحمد العجمى، وإسماعيل النابلسي، وصنّف كتبا كثيرة، أجلّها حاشية على "الدرر والغرر"، و"شرح منظومة ابن وهبان"، وغير ذلك. وتوفي سنة 1169 هـ في رمضان، كذا في "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر". وقد طالعت من تصانيفه:"نور الإيضاح"، هو متن متين في الفقه، وشرحه "إمداد الفتّاح"، ومختصره "مراقي الفلاح"، وله ستين رسالة في مسائل متفرّقة.

ص: 397

وقيل: هو لعلاء الدين علي بن عثمان المارديني التركماني، أخذا مما قاله عبد القادر القرشي في "الجواهر المضية في طقبات الحنفية"، قرأت على علي بن عثمان المارديني قطعة من "الهداية" إلى الزكاة، ولازمته في طلب الحديث، واختصر "الهداية" في كتاب، سماه "الكفاية"، وشرحها، ولم يكمله، وشرحه قاضي القضاة ابنه كمال الدين من حيث انتهى والده، ولما حملت إليه كتابي الذي وضعته على أحاديث "الهداية"، كنت سميته بـ"الكفاية في معرفة أحاديث الهداية"، قال ملاعبا: سرقت هذا الاسم مني، فإني سميت مختصري بـ"الكفاية"، وذكرت في أول الخطبة الحمد لله المتكفِّل بالكفاية، فغيره هذا الاسم، فقلت له: يا سيّدي ما تسميه إلا أنت، فسمّى كتابي بـ"الغاية في معرفة أحاديث الهداية". انتهى. وهو أيضا غلط، فإن "كفاية" المارديني غير الكفاية المتداولة، كما لا يخفى على من طالعهما، فالصحيح هو ما ذكره الكفوي أنه من تصانيف السيّد جلال الدين، وقد نصّ عليه في ترجمة علاء الدين المارديني أيضا، حيث قال: أقول: "الكفاية في شرح الهداية" المشهورة المتداولة بين الناس تأليف السيّد جلال الدين الكرلاني، تلميذ حسام الدين السغناقي. قال صاحب "الشقائق النعمانية" في مشايخ الطبقة التاسعة: ومنهم العارف بالله الشيخ أمير علي بن أمير حسين كان من نسل السيّد جلال الدين الكرلاني صاحب "الكفاية شرح الهداية"، وذكر الشيخ العالم طاهر الشهير بسعد نمدبوش صاحب كتاب "الجواهر" في باب صفة الصلاة: استفتيت من أستاذي الإمام الفاضل صاحب "شرح الهداية" مولانا السيّد جلال الدين الكرلاني الخوارزمي أن أهل كورة تركوا الجماعة هل تقبل شهادتهم أم لا؟ قال: جوابه لا تقبل شهادتهم، انتهى كلامه.

* * *

ص: 398

‌1308 - الشيخ الفاضل جلال الدين بن الشيخ محمد إسماعيل حسين بن الشيخ محمد حيدر بن الشيخ محمد راجن بن الشيخ محمد موسى بن الشيخ محمد عيسى بن الشيخ شاه باز القرشي

*.

ولد في قرية "شِخِيرْ غَاون" من مضافات "مُنُوهُرْدِي" من "نَرْسِنْدي" سنة 1325 هـ، وارتحل إلى "مومنشاهي

(1)

".

تلقّى مبادئ العلوم في قريته، ثم سافر إلى "كلكته"، وأكمل الدراسة العليا فيها، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وقرأ فيها سنين، ومن شيوخه فيها: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، رحمه الله تعالى.

توفي 28 دسمبر سنة 1392 هـ.

* * *

‌1309 - الشيخ العالم الفقيه جلال الدين البرهانبوري، المشهور بالمتوكّل، كان من كبار المشايخ

* *.

أخذ عن الشيخ شرف الدين بن عبد القدّوس الكُجْراتي ثم البرهانبورى، ولازمه مدّة من الزمان، حتى بلغ رتبة الشياخة، أخذ عنه السيّد إبراهيم البكري، وخلق آخرون.

مات في سنة ثلاث، وقيل: ثمان وثلاثين وتسعمائة.

* * *

* راجع: علماء وأكابر مومنشاهي 268 - 281.

(1)

من أشهر مدن بنغلاديش.

* * راجع: نزهة الخواطر 4: 67.

ص: 399

‌1310 - الشيخ الفاضل الكبير جلال الدين التتوي السندي، أحد العلماء المشهورين في "الهند

"*.

أخذ الطريقة عن الشيخ فريد الدين العطّاري الكواليري، وولي الصدارة بأرض "الهند" في عهد همايون شاه التيموري، وكان همايون قرأ عليه بعض الكتب.

مات غربقا في "نهر كنك"" بـ "جوسه" من أعمال "بهارا"

(1)

سنة ستّ وأربعين وتسعمائة.

* * *

‌1311 - الشيخ الفاضل جلال الدين الرومي، أحد فضلاء الروم، وأحد قُضاتها

* *.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 67.

(1)

"بهار" أرض خصبة، كثيرة الأرز، وقصب السكر، والموز، والأنبج، وورق التنبول، طولها من "كدى" إلى "رهتاس" مائة وعشرون ميلا، وعرضها من "ترهت" إلى سلسلة الجبال الشمالية مائة وعشرة أميال، يحدّها من الشرق "بنغاله"، ومن الغرب "ميان دوآب" و"أوده"، ومن الشمال والجنوب سلسلة الجبال، وأنهارها:"كنكا"، و"سون"، و"كرم ناسه" و"بُن بُن" بضم الباءين الهنديين.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 299.

وترجمته في شذرات الذهب 8: 207، وقيّد ابن العماد وفاته سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.

ص: 400

قرأ على ابن الحاج حسن، وغيره، ثم صار مدرسًا ببعض المدارس، وقاضيًا ببعض النواحي.

وكان محمود السيرة، مرضيّ الطريقة.

توفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة، تغمّده الله تعالى برحمته ورضوانه، آمين.

* * *

‌1312 - الشيخ الفاضل جلال الدين الريغذموني

، *.

من القضاة.

صنّف في علم الشروط والسجلّات.

توفي سنة 493 هـ.

* * *

‌1313 - العالم الفاضل الكامل المولى جلال الدين القاضي

* *.

قرأ - رحمه الله تعالى - على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل ابن الحاج حسن، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى المذكور بـ "قسطنطينية"، ثم صار قاضيا بعدّة من البلاد، ثم اختار التقاعد، وفرغ عن القضاء، وعيّن له كلّ يوم خمسة وثلاثون درهما، وصرف أوقاته في الاشتغال بالعلم والعبادة.

* راجع: معجم المؤلفين 3: 153.

وترجمته في كشف الظنون 1046.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 279.

ص: 401

وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة خمس أو أربِع ثلاثين وتسعمائة.

كان - رحمه الله تعالى - عالما، فاضلا، محقّقا، مدقّقا، صالحا، تقيّا، نقيّا، طاهر الظاهر والباطن، متواضعا، متخشّعا، مبجّلا للصغير والكبير.

وكان صاحب شيبة عظيمة، وكان بقية من بقايا السلف الصالحين، وكان مرضيّ السيرة، محمود الطريقة في قضائه، وكان يكتب خطّا حسنا. - روّح الله روحه، ونوّر ضريحه -.

* * *

‌1314 - الشيخ الصالح الفقيه جلال الدين الصوفي الكالبوي المشهور بالجلال الواصل، كان من نسل مولانا خواجكي النحوي

*.

أخذ الطريقة عن الشيخ محمد غوث العطّاري الشطاري، صاحب "الجواهر الخمسة"، وغلب عليه الوجد والحالة، وكان أكبر شاه سلطان "الهند" يحسن الظنّ به.

مات في بضع وتسعين وتسعمائة ببلدة "كالبي".

* * *

‌1315 - الشيخ الفاضل الكبير القاضي جلال الدين الملتاني، أحد كبار العلماء

* *.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 68، 69.

* * راجع: نزهة الخواطر 4: 67، 68.

ص: 402

ولد بمدينةِ "بهكر"، ونشأ بـ"الملتان"، وسافر للعلم إلى "آغرة"، فقرأ الكتب الدرسيّة على الشيخ جلال بن عبد الله الأكبر آبادي، ذكره التميمي في "أخبار الأصفياء".

وقال محمد بن الحسن في "كلزار أبرار": إنه رحل إلى "كجرات"، وقرأ على الشيخ العلامة وجيه الدين بن نصر الله العلوي الكجراتي، ثم سافر إلى "آغره"، وأقام بها مدّة في زاوية الخمول، واشتغل بالتجارة برهة من الزمان.

ثم عكف على الدرس والإفادة، فدرّس بـ"أكبر آباد" زمانا، وظهر فضله بين العلماء، فولي القضاء الأكبر مكان القاضي كمال الدين يعقوب الكروي، فاستقلّ به مدّة، وعزل عنه، وأخرجه أكبر شاه إلى بلاد "الدكن" حين أخرج العلماء من حضرته، وفرّقهم إلى نواح الملك، فذهب إلى "بيجابور"، فأكرمه أمير تلك الناحية.

مات سنة تسع وتسعين وتسعمائة بمدينة "بيجابور".

* * *

‌1316 - الشيخ العالم القاضي جلال الدين الولوالجي، أحد العلماء

*.

ولي القضاء بـ "دهلي" في عهد علاء الدين محمد شاه الخلجي، فاستقلّ به مدّة من الزمان، كما في "فيروز شاهي".

قال محمد بن المبارك الحسيني الكرماني في "سير الأولياء": إن غياث الدين تغلق استقدم الشيخ نظام الدين محمد البدايوني - رحمه الله تعالى - للبحث عن استماع الغناء، واستقدم الصدور والقضاء ليباحثوه في تلك

* راجع: نزهة الخواطر 2: 23، 24.

ص: 403

المسألة، فكان مقدمهم القاضي جلال الدين الولوالجي، وكان شديد الخصام، فتقدّم القاضي، وأخذ في الموعظة، وشدّد في النكير والطعن على الشيخ، فغضب عليه الشيخ، وقال: إن كنت تخاصمني بسطوة الحكومة فأنت معزول عنها، واتفق أنه عزل بعد اثنى عشر يوما من ذلك.

* * *

‌1317 - الشيخ العالم الصالح جلال محمد الدهلوي ثم البرهانبوري، أحد المشايخ المشهورين

*.

ولد بدار الملك "دهلي"، ونشأ بها، ثم سافر إلى "كجرات"، وقرأ العلم بها على عصابة العلوم الفاضلة، ثم دخل "مندو"، وأخذ الطريقة عن الشيخ بهاء الدين بن إبراهيم الجنيدي، وسافر معه إلى "دولت آباد"، ووجّهه الشيخ إلى "برهانبور"، فسافر، ورأى سيارة قاصدة إلى "الجحاز" فوافقها، وذهب إلى الحرمين الشريفين سنة ثمانين وثمانمائة، فحجّ، وزار، ورجع إلى "الهند"، وسكن ببلدة "برهانبور"، وصرف عمره في نشر العلم والمعرفة.

توفي لسبع بقين من ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بمدينة "برهانبور"، كما في "كلزار أبرار".

* * *

‌1318 - الشيخ الفاضل جلبي بن إبراهيم بن أحمد (عزّ الدين)

،

* راجع: نزهة الخواطر 4: 69، 70.

ص: 404

عالم مشارك في أنواع من العلوم *.

نشأ بـ"حلب".

من مصنّفاته: "التذكرة في علم الحساب"، متن في الفرائض، ثم شرحه، حاشية على فلكيات "شرح المواقف"، حاشية على "شرح النفيسي " للموجز في الطبّ، وحاشية على "نفسير البيضاوي".

توفي سنة 971 هـ.

* * *

‌باب من اسمه جمال

‌1319 - الشيخ الفاضل جمال بن عمر المكّي المفتي و رئيس المدرسين بـ"مكة

"* *.

له: "الفرج بعد الشدة"، في تاريخ "جدة". (فضائل النصف من شعبان)(ونور الجمال علي جواب السؤال) في الفتاوى توفي سنة 1284 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 3: 153.

وترجمته في شذرات الذهب 8: 364، 365.

* *راجع: معجم المؤلفين 3: 154.

وترجمته في هدية العارفين 1: 257.

ص: 405

‌1320 - الشيخ العالم الصالح جمال الدين بن ركن الدين العمري الجشتي الكجراتي، أحد المشايخ المشهورين

*.

ولد سنة ثمان وثمانين وألف بـ "أحمد آباد"، وقرأ العلم على أبيه، ولازمه مدّة، وأخذ عنه الطزيقة، ثم اشتغل بالدرس والإفادة، وصنّف الكتب الكثيرة، وكان شيخا صالحا، كريم النفس، سخيّا، باذلا، محسنا إلى طلبة العلم وأبناء السبيل، شديد التعبّد، لم يزلْ يشتغل بالتدريس والتصنيف.

ومن مصنّفاته: حاشية على "شرح الكافية" للجامي، وحاشية على "المنهل الصافي"، وحاشية على "الزبدة"، وحاشية على "شرح الشمسية" للقطب الرازي، وحاشية على "المطوّل"، وحاشية على "شرح العقائد" للتفتازاني، وحاشية على "حاشية الخيالي"، وحاشية على "مختصر المعاني"، وحاشية على "التلويح"، وحاشية على "نفسير المدارك"، وحاشية على "البيضاوي"، وحاشية على "التفسير المحمدي"، وحاشية على "التفسير الحسيني"، وله "تفسير مختصر"، و "تفسير نصيرى"، و"فتح الجمال"، شرح له على "المثنوي المعنوي"، وشرح على "سوانح الجامي"، وشرح على "جام جهان نما"، وشرح على "فصوص الحكم"، وشرح "أسماء الأسرار" للسيّد محمد بن يوسف الحسيني، وشرح "مرآة العارفين".

وشرح "التعرّف"، وشرح على "عوارف المعارف"، وشرح على "آداب المريدين"، وشرح "أسرار الخلوة"، وشرح "بحر الأسرار"، و"درّة التاج"، و"شرقات السلوك"، و"قرّة العين"، و"نور الأولياء"، و"ركن الطريقة"، و"مشهد الجمال"، و"آثار السلوة"، و"مراصد الكمال"، و"كمند وحدة"، وشرح "التقسيم".

* راجع: نزهة الخواطر 6: 65، 64.

ص: 406

وعدّ من مصنّفاته مائة واثنان وأربعون كتابا، وله ديوانان في الشعر الفارسي.

مات لستّ خلون من ربيع الثاني سنة أربع وعشرين ومائة وألف، كما في "محبوب ذي المنن".

* * *

‌1321 - الشيخ الفاضل المفتي جمال الدين بن عبد الله بن صابر الهاشمي السورتي، أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول

*.

ولد، ونشأ بمدينة "سورت"، وتفقّه على والده، وولي الإفتاء والقضاء بعده، فاستقلّ به مدّة، ثم اعتزل عنه، وعمّر أوقاته بالإفادة، والعبادة.

مات لثلاث عشرة خلون من جادى الآخرة سنة ستّ وأربعين ومائتين وألف، كما في "حقيقة سورت".

* * *

‌1322 - الشيخ الصالح المحدّث جمال الدين بن عبد الشكور بن محمد أشرف البهاري نزيل "كلكته" ودفينها

* *.

كان من كبار المشايخ من أصحاب الإمام السيّد أحمد الشهيد السعيد البريلوي رحمه الله، ونفعنا ببركاته -.

ومن آثاره الباقية: جامع كبير بـ "كلكته" في غاية الحصانة والمتانة، ومدرسة عظيمة بفناء المسجد.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 137، 138.

* *راجع: نزهة الخواطر 8: 106، 107.

ص: 407

مات يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثمائة وألف.

* * *

‌1323 - الشيخ الفاضل جمال الدين بن علاء الدين بن أنوار الحق الأنصاري اللكنوي، أحد الفقهاء

*.

ولد، ونشأ بـ"لكنو"، وقرأ العلم على عمّه نور الحق، ثم رحل إلى "مدراس"، وولي التدريس في "المدرسة الوالاجاهية" مقام والده، ونال منزلة أبيه.

وكان شديد الرغبة في المباحثة، شديد التعصّب على مَنْ خالفه، طويل اللسان بالتكفير والتضليل، كان يكفّر الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي على ما نسبَ إليه من عبارة في كتابه "تقوية الإيمان"، يستدلّون بها على إساءة أدبه في مقام النبوّة، أعاذنا الله منها.

والحقّ أن الشيخ ساحته بريئة من هذا القبيح، وقد أفرط الجمال في ذلك، فكان يكفّر من يستحسن "تقوية الإيمان" فضلا عن مصنّفه، حتى نال منه السيّد محمد على الواعظ أحد أصحاب السيّد أحمد بن عرفان الشهيد البريلوي أذى كثيرا ببلدة "مدراس".

مات لثمان خلون من ربيع الثاني سنة ستّ وسبعين ومائتين وألف بـ"مدراس"، فدفن في "المقبرة الوالاجاهية"، كما في "الأغصان الأربعة".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 7: 138.

ص: 408

‌1324 - الشيخ العالم الصالح جمال الدين بن موسى الشهيد الكشميري، أحد العلماء الربّانيين

*.

ولد، ونشأ بـ"كشمير"

(1)

، وصحب الشيخ فتح الله الحقّاني الكشميري، ولازمه مدّة من الزمان، وأخذ عنه، حتى جعله الله من العلماء الراسخين، وفتح عليه أبواب العلم والمعرفة.

وكان شديد التواضع والانكسار والتبتّل إلى الله سبحانه، لا يتصنّع في الملبس والمأكل، ولا يتصدّر في المجلس، ويدرّس، ويفيد، ويرشد الناس إلى معالم الهدى، ويهديهم إلى مسالك الخير، وكان ختنا لشيخه فتح الله كأخيه الشيخ كمال الدين.

أخذ عنه الشيخ نصيب الدين أبو الفقراء، والشيخ إسماعيل الجشتي، وخلق كثير من العلماء والمشايخ، كما في "روضة الأبرار".

* * *

‌1325 - الشيخ الفاضل العلامة جمال الدين بن نصير الدين بن سماء الدين

،

* راجع: نزهة الخواطر 5: 126.

(1)

"كشمير" بكسر الكاف، وفتحها، وسكون الشين المعجمة، والعرب يسمّونها "قشمير" بالقاف، وهي في جهة الشمال الغربي حيث العرض ثلاث وعشرون درجة، وثلاث وثلاثون دقيقة، وهي في جهة الشمال الشرقي حيث العرض سبع وأربعون درجة، وأربع وخمسون دقيقة. قال الحموي في "المعجم": إنها مجاورة لقوم من الترك، فاختلط نسلهم بهم، فهم أحسن خلق الله خلقة، يضرب بنسائهم المثل، لهن قامات تامة، وصورة سوية، وشعور أثيثة على غاية السباطة، والطول، تباع الجارية منهم بمائتي دينار وأكثر. انتهى.

ص: 409

الدهلوي، مفتي الأحناف بدار الملك*.

كان من أهل بيت العلم والصلاح.

أخذ عن صنوه عبد الغفور، وعن والده، ثم درّس، وأفاد بـ "دهلي".

أخذ عنه خلق لا يحصون بحدّ وعدّ، وكان عارفا بدقائق العربية، رأسا في الفقه والأصول والكلام، زاهدا، متقلّلا، قانعا باليسير، شريف النفس، كان لا يتردّد إلى الملوك والسلاطين، ويششغل بالدرس والإفادة آناء الليل والنهار.

له مصنّفات عديدة، منها:"شرح العضدية"، و"شرح أنوار الفقه"، و"شرح مفتاح العلوم " للسكّكي، وفيه المحكمة بين شرحيه، ومن مصنّفاته: حاشية بسيطة على "شرح الجامي" على "كافية ابن الحاجب"، أولها: الحمد لله المرفوع شأنه، المنصوب برهانه، المجرور سلطانه، إلخ.

توفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وله تسعون سنة، كما في "شمس التواريخ".

* * *

‌1326 - الشيخ الصالح جمال الدين بن وحيد الدين بن محي الدين بن حسام الدين الصديقي، الكوتانوي، الدهلوي، ترجمان الحديث والقرآن، وحسنة من حسنات الزمان

* *.

كان من نسل الفقيه المشهور قاسم بن محمد بن أبي بكر رضى الله عنه، ولد بـ"كوتانه" على ثلاثين ميلا من "دهلي" سنة سبع عشرة ومائتين وألف، ونشأ بها، ثم سافر إلى "دهلي"، وقرأ العلم على مولانا مملوك العلي النانوتوي، والشيخ يعقوب بن أفضل الدهلوي، سبط الشيخ عبد العزيز،

* راجع: نزهة الخواطر 4: 70 - 71.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 138، 139، 140.

ص: 410

وصنوه الكبير إسحاق بن أفضل، واستفاض عن العلامة رفيع الدين، وصنوه الكبير عبد العزيز بن ولي الله، والشيخ غلام علي فيوضا كثيرة، ولازم الشيخ محمد آفاق النقشبندي، وبايعه، وأخذ عنه الطريقة.

ثم نكث البيعة، ثم لازم الشيخ يعقوب المذكور مدّة من الزمان، ثم ساقه سائق القدر إلى "بوفال" المحروسة، وله ثلاثون سنة، فتزوّجت به سكندر بيغم، ملكة "بوفال"، وجعلت مدارا لمهمّات الدولة سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، فناب عنها وعن ابنتها شاه جهان بيغم مدّة عمره.

وكان حليما، جوادا، متواضعا، كثير العبادة والخير، الحظّ، ذا صدق وإخلاص، وتوجّه وعرفان، لم يزل مشتغلا بتدريس القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتربية الأيتام والضعفاء، وتزويج الأيامى، وتجهيز البنات، وإشاعة السنّة، ونشر القرآن، يتلو، ويدرّس، ويأخذ المصاحف بألوف من النقود، ويقسمها على مستحقّيها.

ومن آثاره الباقية: أنه أمر بطبع "التفسير الرحماني" في أربع مجلّدات للشيخ علي بن أحمد المهائمي، و"حجة الله البالغة" و "إزالة الخفاء"، كلاهما للشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي، كتبا أخرى بنفقته في "مصر القاهرة. و"الهند"، وقسمها على مستحقّيها.

ومن آثاره: إنه صرف مالا خطيرا على تصنيف تفسير القرآن في اللغة التركية، وتفسير في اللغة الأفغانية، ثم أمر بطبعهما على نفقته، ثم نشرهما في "تركستان" و"أفغانستان" والبلاد الرومية.

ومن أثاره: المدارس العظيمة، والمساجد الرفيعة في بلدة "بوفال"، وما ترى في "بوفال" من كثرة المساجد وعمرانها بالصلاة والجماعة وتلاوة القرآن ودروس الحديث والتشرّع والتورعّ، فإنها من آثاره الباقية.

وكان أجمل الناس صورة وسيرة، كأنه ملك على زيّ البشر، يأتي المسجد في أوقات الصلاة، ويصلّى بجماعة، وفي كلّ وقت من أوقات الصلاة

ص: 411

يروج، ويغدو إلى المساجد وحدَه، ويرفع نعليه بيده الكريمة، وما كان الحجاب والبوّاب في قصر الإمارة له، يدخل عليه كلّ من أراد الدخول عليه في أيّ وقت شاء، ويعرض عليه كلّ من أراد الدخول عليه في أيّ وقت شاء، ويعرض عليه ما شاء، وبالجملة فإنه كان على قدم الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين.

مات سنة تسع وتسعين ومائتين وألف، كما في "روز روشن".

* * *

‌1327 - الشيخ العالم الكبير جمال الدين الأجي، أحد المشهورين

*.

أخذ الطريقة عن الشيخ صدر الدين محمد بن زكريا الملتاني، وصحبه مدّة طويلة، حتى بلغ رتبة الكمال، ورخّص له الشيخ إلى مدينة "أج"، فسكن بها للدرس والإفادة، ونفع الله سبحانه به خلقا كثيرا من عباده.

قال علي بن أسعد الحسيني الدهلوى في "جامع العلوم": إن الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد البخاري كان يقول: إنه لم يزل يشتغل بالدرس والإفادة، ويدرّس العلوم كلّها، ويديم اشتغاله بـ"الهداية"، و"البزدوي" و"المشارق"، و"المصابيح"، و"العوارف"

(1)

، وغيرها.

* راجع: نزهة الخواطر 2: 25، 26.

(1)

ومن شروح "عوارف المعارف" للشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي: "الزوارف شرح العوارف" للشيخ علاء الدين علي بن محمد الشافعي المهائمي، و "المعارف شرح العوارف" بالعربي للسيّد محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي، المقبور بكلبركه، و"شرح العوارف" بالفارسى للسيّد محمد بن يوسف المذكور، و"شرح العوارف" للشيخ عبد القدوس بن إسماعيل=

ص: 412

وكان إذا اشتبه عليه أمر في أثناء الدرس يطرق. رأسه قليلا، ثم يرفعه، ويحل العقد، وكان لا، يطمع في التصدّر في المجلس، فيجلس حيث يجد مكانا، ولو كان في صفّ النعال، ولكنه حيث يجلس يصير صدرا، وكان يقبل على الناس بوجه ضاحك، مع اشتغال الباطن بالحقّ دائما، ويلبس الثياب الخشنة، ويقول: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان يلبسها، وكان زاهدا عفيفا، لا يقبل الهدايا، والجوائز من الملوك والأمراء، من عروض أو عقار.

وقبل ذلك في آخر عمره، وقال: إني قبلتها اقتداء بالسلف الصالح، فإنهم كانوا يقبلونها، وكان لا يدّخر شيئا، فيعطي، ويهب كلّ ما يحصل له.

قال الشيخ جلال الدين المذكور: إني سمعتُ من الشيخ عبد الله اليافعي بـ "مكة"، والشيخ عبد الله المطري بـ"المدينة" يقولان: إن الشيخ جمال الدين فريد هذا الدهر، ليس له نظير في علوّ المقامات. انتهى.

قيل: إنه مات سنة ستّ وسبعين وستّمائة، وهذا ظاهر البطلان، لأن الشيخ حسين بن أحمد الأجي أدركه، وحضر دروسه، كما في "جامع العلوم"، والشيخ حسين ولد سنة سبع وسبعمائة، كما لا يخفى على المطلعين على الأخبار.

* * *

= الحنفي الكنكوهي، و"شرح العوارف" للشيخ أحمد بن عبد الأحد العمري السرهندي، و"شرح العوارف" للشيخ جمال الدين الكجراتي، و"شرح العوارف" للسيد أشرف بن إبراهيم الحسيني الكجهوجهوي المتوفى سنة 808 هـ، و"تعليقات على العوارف" للشيخ فريد الدين مسعود العمري الأجودهني، كما في "كلزار أبرار". انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 188.

ص: 413

‌1328 - الشيخ العالم الكبير المحدّث جمال الدين البرهانبوري، أحد العلماء المشهورين

*.

لم يزل يشتغل بالدرس والإفادة في مسجد الشيخ إبراهيم الشطاري

(1)

، وهو أخذ الحديث عن الشيخ طاهر بن يوسف السندي، البرهانبوري.

مات، ودفن بمدينة "برهانبور"، كما في "تاريخ برهانبور".

وفي "كلزار أبرار" أنه كان يدرّس، ويفيد بمسجد إبراهيم المذكور بمدينة "برهانبور"، فلمّا دخل الشيخ طاهر بن يوسف السندي تلك المدينة لازمه، وقرأ عليه "صحيح البخاري" من أوله إلى آخره.

مات، ودفن بمقبرة إبراهيم بن عمر السندي.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 129.

(1)

نسبة إلى الطريقة الشطارية فهي للشيخ عبد الله الشطار الخراساني، وكان من رجال القرن الثامن، ورد الهند، وأخذ عنه خلق كثير، ولها جهتان: جهة الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب "الجواهر الخمسة"، وهو أخذ عن الشيخ حميد، عن الشيخ هداية الله بن محمد بن العلاء المنيري، عن والده، عن الشيخ عبد الله المذكور. وأخذ عنه خلق كثير، منهم: الشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي، وأخذ عنه السيد صبغة الله بن روح الله الحسيني البروجي المهاجر إلى المدينة المنورة، فوصلت هذه الطريقة بواسطته إلى بلاد العرب، ومنهم: الشيخ لَشْكر محمد العارف، أخذ عنه الشيخ عيسى بن قاسم السندى، وبلغها إلى معظم المعمورة، وأما الجهة الأخرى فهي جهة الشيخ علي بن قوام الجونبوري، فإنه أخذ عن الشيخ عبد القدّوس النظام آبادي، عن الشيخ حافظ واسطه كارْ، عن الشيخ عبد الله المذكور. انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 186.

ص: 414

‌1329 - الشيخ الفاضل جمال الدين، البلكرامي، كان من ذرّية الشيخ إله داد الصديقي

*.

ولد، ونشأ بـ"بلكرام"

(1)

، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم تصدّر للدرس والإفادة، وكان كثير الاشتغال بمطالعة الكتب، سافر في آخر عمره إلى "أحمد آباد"، فمرض هناك، وانتقل إلي رحمة الله سبحانه بمدينة "بروده" سنه سبع وثلاثين ومائة وألف، وله نحو خمس وخمسين سنة، كما في "مآثر الكرام".

* * *

‌1330 - الشيخ الفاضل في الدين التكاروي العظيم آبادي، أحد العلماء المبرّزين في المنطق والحكمة

* *

ولد، نشأ بقرية "تِكاري" - بكسر التاء الهندية -، قرية من أعمال "عظيم آباد"، واشتغل بالعلم مدة في بلاده، ثم سافر إلى بلاد، أخرى.

* راجع: نزهة الخواطر 6: 63، 64.

(1)

"بلكرام" بكسر الموحّدة، وإسكان اللام، كسر الكاف الفارسية، بعدها ألف وميم، وهي بلدة معروفة من بلاد "أوده"، قريبة من "قنّوج"، نشأ بها كثير من العلماء والمشايخ، كالسيّد غلام على آزاد، والسيد مرتضى صاحب "تاج العروس".

راجع: معجم المؤلفين 3: 154.

وترجمته في هدية العارفين 1: 257، وإيضاح المكنون 2:186، 198، 684.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 140.

ص: 415

وقرأ على العلامة محمد بركة بن عبد الرحمن الإله آبادي، ولازمه مدّة من الزمان، ثم رجع إلى بلاده، وتصدّر للتدريس.

وكان قانعا، عفيفا، ديّنا، يذكر أنه كان يقنع بستّين ربية تحصل له كلّ سنة، ويذكر أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في مبشرة يتوضّأ، فسأل صلى الله عليه وسلم، قال: من يوافقك يا رسول الله! في الوضوء من المجتهدين، فقال: أبو حنيفة.

وكان حيّا إلى سنة إحدى ومائتين وألف، كما في "بحر زخّار".

* * *

‌1331 - الشيخ الفاضل جمال الدين الشيرازي، أحد العلماء المشهورين

*.

أخذ عن الشيخ جلال الدين محمد بن أسعد الدوّاني، وخرج من دياره عند خروج إسماعيل شاه الصفوي في بلاد الفرس، فسافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار، وقدم "الهند" صحبة الشيخ رفيع الدين المحدّث، والشيخ أبي الفتح، دخل "كجرات"، ثم قدم "آغره"، وسكن بها.

له حاشية على "الحاشية القديمة" للدوّاني.

مات في بضع وتسعين وتسعمائة، كما في "محبوب الألباب".

* * *

‌1332 - الشيخ العالم الفقيه جمال الدين الكشميري، أحد الفقهاء المشهورين في بلاده

* *.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 71.

* *راجع: نزهة الخواطر 7: 140، 141.

ص: 416

قرأ الكتب الدرسية على المفتي قوام الدين الكشميري، وتفقّه علية، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ فضل الله النوري.

وتولّى التدريس بـ "كشمير"، أخذ عنه أحمد بن نعيم الكشميري، وخلق آخرون، وكان شاعرا مجيد الشعر، يتلقّب بجميل.

مات لأربع بقين من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، كما في "تاريخ كشمير".

* * *

‌1333 - الشيخ الفاضل المولوي جمال الدين، من سكّان قرية جامعة مجاورة لدهلي، اسمها "اكوتانه

"*.

ولد سنة 1216 هـ.

وكان من تلاميذ الشاه عبد العزيز الدهلوي، والشاه رفيع الدين الدهلوي، رحمهما الله تعالى، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء بإمارة "بوفال" الإسلامية، كان من محبي الشاه ولي الله الدهلوي.

توفي رحمه الله سنة 1299 هـ.

* * *

‌1334 - المولى الأعظم الشيخ جمال الدين محمد بن محمد الأقسرائي - قدّس الله سرّه العزيز

- * *.

كان عالما، فاضلا، كاملا، تقيّا، نقيّا، عارفا بالعلوم العربيّة والشرعيّة والعقليّة، وقد درّس، فأفاد، وصنّف، فأجاد، وانتفع به كثير من الفضلاء،

* الإمام قاسم النانوتوي ص 19.

* * راجع: الشقائق النعمانية: 1: 14.

ص: 417

وتخرّج عنده جمع من العلماء كتب حواشي على "الكشّاف" وصنّف "شرح الإيضاح" في المعاني، و"شرح الأنموذج" في الطبّ.

روي أن المولى المذكور من نسل الإمام فخر الدين الرازي، وهو رابع مرتبة منهم، لأنه هو المولى جمال الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الإمام فخر الدين محمد الرازي، - روّح الله أرواحهم.

وكان رحمه الله مدرّسا في بلاد "قرامان" بمدرسة مضهورة بمدرسة السلسلة، وقد شرط بانيها أن لا يدرّس فيها إلا من حفظ "الصحاح" للجوهري، فتعيّن لذلك المولى جمال الدين المذكور في زمانه. وكان طلبته ثلاث طبقات، الأدنى منهم من يستفيدون منه في ركابه عند ذهابه إلى الدرس، وسمّاهم بالمشّائية، والأوسطين منهم من يسكنون في رواق المدرسة، وسمّاهم الرواقيين، على عادة الحكماء الأقدمين، والأعلى منهم من يسكنون في داخل المدرسة.

وكان يدرّس أولا للمشّائين في ركابه، ثم ينزل عن فرسه، ويدرّس للسكنين في الرواق، ثم يدخل المدرسة، ويدرّس للسكنين في داخلها، وكان المولى الفناري سكنا في رواق المدرسة، لحداثة سنّه في ذلك الوقت.

روى أنه لما بلغ السيّد الشريف صيت المولى جمال الدين المذكور ارتحل إلى "بلاد الروم" ليقرأ عليه، فلمّا قرب منه رأى شرحه لـ "لإيضاح" فلم يعجبْه، حتى روي أنه قال في حقّه: إنه كالذباب على لحم البقر، وإنما قال ذلك لأن "الإيضاح" كتاب مبسوط، لا يحتاج إلى الشرح، إلا في بعض المواضع، والمولى المذكور كتب في شرحه المتن بتمامه، وضرب عليه بالمداد الأحمر، فبقي الشرح فيما بينه كالذباب على لحم البقر.

ولما قال السيّد الشريف هذا الكلام في حقِّه قال له بعض الطالبين: إن تقريره أحسن من تحريره، فقصده السيّد الشريف، فأتى بلاد "قرامان"، فصادف دخوله إلى البلد موت المولى المرحوم جمال الدين، ولقي السيّد

ص: 418

الشريف هناك المولى الفناري، وذهب معه إلى مدينة "مصر"، فقرأ ثم على الشيخ أكمل الدين، - روّح الله أرواحهم -.

* * *

‌1335 - الشيخ الصالح الفقيه جمشيد الإسرائيلي، الصوفي، الراجكيري

*.

كان من نسل القاضي قدوة الدين الأودي، أصله من "أهرامؤ" من أعمال "دريا آباد".

لازم في شبابه الترك والتجريد، وأخذ الطريقة عن الشيخ جلال الدين الحسين البخاري الأجي، وصحبه مدّة من الزمان، وكان الشيخ يدعوه بأخي جمشيد، فلقّب به، واشتهر، حتى صار ذلك اللفظ جزء اسمه، فلمّا بلغ رتبة الكمال اعتزل عن الناس، وسكن بـ "راجكير" من حارات "قنوج"، وانقطع إلى الزهد والعبادة.

وكان يقول: إنما الإنسان إما رجل، أو نصف رجل، أولا شيء. فالرجل الواصل إلى الله، ونصف الرجل الطالب له، والذي لا شيء هو طالب الدنيا، وكان يقول: اتّقوا الصوفية الجهلة، فإنهم لصوص الدين، وقطّاع طريق المسلمين.

ومن كلامه: من كان في قلبه ذرّة من محبّة الدنيا ليس له مع عظم زهده أن يدخل في حمى الملك القديم، فإنه يقول: لا أذيق حلاوة محبتي من في قلبه حبّة من محبّة الدنيا، لأن الملوّث لا يصلح للحظيرة القدسيّة والحضرة الربّانية. انتهى.

* راجع: نزهة الخواطر 3: 39 - 40.

ص: 419

فات يوم الآربعاء عاشر شوّال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، كما في "التقصار" للقنوجي.

* * *

‌1336 - الشيخ الفاضل المفتي جميل أحمد التهانوي

*.

أحد كبار الفقهاء الحنفية.

وقف حياته لخدمة الدين، وطال عمره، وحسن عمله.

وكان شاعرا جليلا.

له قصائد بالعربية والفارسية.

ولد في "تهانه بهون"(مديرية مظفر نكر) في شوّال سنة 1322 هـ، وأقام في صباه مع والده في جامعة "عليكره"، لأنه كان موظّفا بها.

وفي سنة 1322 هـ عاد إلى "تهانه بهون"، وتعلّم في مدرسة إمداد العلوم، ثم في بعض مدراس "جلال أباد"، ثم في سنة 1336 هـ سافر إلى "سهارنفور"، والتحق بجامعة مظاهر العلوم، فأخذ العلم عن شموسها، كالشيخ ثابب علي البرقاضوي. والشيخ أسعد الله الرامفوري، والشيخ السيّد بدر عالم الميرتهي، رحمهم الله تعالى أجمعين.

أخذ "صحيح مسلم"، و"سنن النسائي"، و"الموطأ" عن شيخ المشايخ المحدّث خليل أحمد السهارنفوري، وأخذ "صحيح البخاري"، و "سنن الترمذي"، و"سنن ابن ماجه" عن الشيخ عبد الرحمن الكاملفوري، ثم أجازه المحدّث الجليل خليل أحمد السهارنفوري لرواية جميع كتب الحديث عنه.

بدأ يدرّس في المدرسة النظامية في "حيدر آباد"(الدكن) بأمر شيخه المحدّث خليل أحمد السهارنفوري، وأمضى فيها أحد عشر شهرا، ثم عيّن

* راجع علماء ديوبند وخدماتهم في علم الحديث ص 234 - 236.

ص: 420

مدرّسا في جامعة تظاهر العلوم، فدرّس الكتب المتداولة من العلوم المختلفة إلى سنة 1370 هـ، وتخلّلت فيما بين ذلك فترة، درّس فيها في مدرسة إمداد العلوم "تهانه بهون" بالإضافة إلى أنه كان يقوم بالإفتاء فيها.

قدّر الله له أن ينتفع به أهالي "باكستان" ففي سنة 1370 هـ عزم على الهجرة من "ديار الهند" إلى دولة المسلمين "باكستان"، فغادر "الهند"، ووصل "باكستان"، وأقام في "لاهور"، واختار الجامعة الأشرفية للتدريس والإفادة، لتكون معهده العلمي فيما بقي من عمره، فأكبّ على تدريس الحديث الشريف بالإضافة إلى الإفتاء والتفقيه، ولما لحقه أعذار لكبر سنّه استقال من التدريس، وخصّص أوقاته لدار الإفتاء، فلم يزل يفتي، ويفقّه إلى أن انتقل إلى رحمة مولاه الغني.

له مؤلّفات جليلة يزيد عددا على ثلاثين كتابا منها:

1 -

زكاة الحلي، طبعت هذه الرسالة في سنة 1345 هـ في "لكنو" تناول فيها بالردّ على بعض مشايخ عصره في بعض مسائل الزكاة.

2 -

دعوة التبليغ، جمع في هذا الكتاب أهمية الدعوة والتبليغ بجمع الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، مع شرحها في الأردية.

3 -

دعوة التجارة، جمع في هذا الكتاب فضائل التجارة، مع ذكر الفوائد التي تتعلّق بها.

4 -

دلائل القرآن على مسائل النعمان، جمع فيه أحكام القرآن من سورة يونس عليه السلام إلى آخر سورة الفرقان.

5 -

شرح كتاب الأدب من بلوغ المرام.

6 -

إرشاد الحفيد.

7 -

حلية اللحية، ذكر فيه الدلائل النقلية والعقلية على إثبات وجوب إعفاء اللحية قدر القبضة.

8 -

عظمة الحديث، ردّ فيه على منكري الحديث، ودحض أباطيلهم.

ص: 421

9 -

جميل الكلام.

10 -

الفحاوي على الطحاوي إلى آخر كتاب الزكاة (مخطوط)، وله غير ذلك.

انتقل إلى رحمة مولاه الكريم بعد أن تجاوز تسعين من عمره، وذلك في بلدة "لاهور" باكستان، وصلى عليه جم غفير، رحمه الله تعالى.

* * *

‌1337 - الشيخ الفاضل جُنَيْد بن شيخ سندل الْبَغْدَادِيّ زين الدين

*.

توفي سنة

صنف "توفيق الْعِنَايَة فِي شرح الْوِقَايَة" فِي الْفُرُوع.

* * *

‌1338 - الشيخ الفاضل جُنَيْد بن محمَّد بن الْجنَيْد الْبَغْدَادِيّ أَبُو الْقَاسِم القواريري، الزَّاهِد، مفتي الثقلَيْن

* *.

توفي سنة 298 هـ ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ.

* راجع: هدية العارفين 1: 258.

* * راجع: هدية العارفين 1: 258.

ص: 422

منْ تصانيفه: "أمثال الْقُرْآن"، و"مَعَاني الهمم فِي الْفَتَاوَى"، و"الْمَقْصد إِلَى الله تَعَالَى فِي التصوف".

* * *

‌1339 - الشيخ الفاضل الجُنيد بن محمد بن المظفّر، الفقيه، الطايكاني، الغرنوي أبو القاسم بن أبي بكر الخبازي

*.

من أهل "سرخس"، سمع بـ "نيسابور" أبا بكر بن عبد الغفّار الشيروي، وبـ "سرخس" ناصر بن محمد العياضي.

قال أبو سعد: ورد "بغداد" حاجًا على كبر السنّ، وسمع بها من أبي السعادات أحمد بن محمد بن عبد الواحد المتوكّلي، وسمع منه أبو سعد السرخسي.

قال القفطي في "تاريخ النحاة": له معرفة بالحديث واللغة.

وقال أبو سعد: تُوفي - رحمه الله تعالى - في شهر ربيع الآخر، سنة أربعين وخمسمائة. زاد القفطي: بـ "سرخس". والله تعالى أعلم.

* * *

‌1340 - الشيخ الفاضل جنين بن الشيخ سيدر، العلامة، زين الدين

* *.

* راجع: الطبقات السنية 2: 298.

وترجمته في إنباه الرواة 1: 270، والجواهر المضية برقم 409.

* * راجع: الطبقات السنية 2: 299.

ص: 423

له شرح على "الوقاية"، سماه "توفيق العناية"، في مجلّد ضخم، قال الشيخ شمس الدين الخطيب المصري: وقد وقفت عليه، وهو متأخّر.

كذا ذكره ابن طولون في "طبقاته" من غير زيادة إيضاح.

* * *

‌1341 - الشيخ الفاضل جواد ساباط بن إبراهيم ساباط بن مُحَمَّد ساباط باسيفين الحسيني الهجري الأصل الْبَصْرِيّ

*.

ولد فِي مَارِيَة سنة 1188 هـ، وَتوفي فِي حُدُود سنة 1250 هـ خمس وَمِائَتَيْنِ وألف.

من تصانيفه: "أنموذج الساباطي فِي الْعرُوض والقوافي"، و"الْبَرَهِين الساباطية فِيمَا يَسْتَقِيم بِهِ دعائم الْملَّة المحمدية وتنهدم بِهِ.

أساطين الشَّرِيعَة المنسوخة العيسوية"، فرغ مِنْهَا سنة 1228 هـ. و"تحفة الباقشرية فِي البديع"، و"تعريب الاختيارات المنصورية"، و "ربط الحمار فِي رد الاستعذار فِي إثبات اجْتِهَاد مُعَاوِيَة"، و"السِّهَام الساباطية فِي مجرياته"، و"شراب الصُّوفِيَّة فِي التصوف".

و "الصرصر الساباطية"، و"قَوَاعِد الفالنكرية فِي ضروريات الصّرْف والنحو" فَارسي، و"لطائف الأذكار"، و"نصيحة الأخيار وفضيحة الأشرار"

* راجع: هدية العارفين 1: 258، 259.

وترجمته في معجم المؤلفين 3: 163، وإيضاح المكنون: 136، 175، 295، 548،302، 2: 31، 403،67،42، 706، 712،852، 851.

ص: 424

فِي رحلته، و"وَسِيلَة السَّائِل إِلَى أحسن الْوَسَائِل" و"وظائف الأبرار وصحائف الأنوار".

* * *

‌1342 - الشيخ العالم الكبير المحدّث جوهر نانت الكشميري، المتّفق على ولايته وجلالته

*.

ولد، ونشأ بـ"كشمير"، وقرأ العلم بها في مدرسة السلطان قطب الدين الكشميري، ثم وفّق بالحجّ والزيارة.

وأخذ الحديث بها عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المكّي، وعن الشيخ العلامة علي بن سلطان القاري الحنفي المكّي، ورجع إلى "كشمير"، واعتزل في بيته عاكفا على العبادة والإفادة.

أخذ عنه حيدر بن فيروز الجرخي، والشيخ محمد المحشّي "شرح الكافية" للجامي، وخلق كثير من العلماء.

توفي سنة ستّ وعشرين وألف بـ "كشمير"، فدفن بها قريبا من قبر الشيخ حسين الخبار، كما في "الحدائق الحنفية".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 131.

ص: 425