المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌حرف الصاد المهملة ‌ ‌2293 - الشيخ الفاضل صادق - البدور المضية في تراجم الحنفية - جـ ٩

[محمد حفظ الرحمن الكملائي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف الصاد المهملة

‌2293 - الشيخ الفاضل صادق بن الحافظ مولانا لال دين بن المولوى نور محمد البهاولبوري

*

ولد 1308 هـ في "بهاولبور"

(1)

من أرض "باكستان".

قرأ مبادئ العلم على والده الماجد، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وقرأ على الإمام أنور شاه الكشميري، وشيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، وغيرهم من المحدّثين الكبار.

وبعد إتمام الدراسة التحق بالجامعة الإسلامية بهاولبور، وعيّن شيخ الجامعة لها.

توفي 30 جمادى الأولى سنة 1384 هـ، ودفن في مقبرة ملوك شاه بـ "بهاولبور"، بعد أن صلّى عليه، وحضر في جنازته ألوف من الناس.

* * *

‌2294 - الشيخ الفاضل صادق بن مصطفى بن عبد المحسن بن أحمد

بن

* راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت، بنجاب 214 - 218.

(1)

"بهاولبور": مدينة حديثة العهد على بعد خمسين ميلا من "ملتان"، مصّرها نواب بهاول خان الأول.

ص: 5

محمد بطحيش العكي *

فقيه.

ولد سنة 1119 هـ.

فرضي، متكلّم، مشارك في عدّة علوم، تولى إفتاء "عكة".

من تصانيفه: "رسالة" في التوحيد.

توفي سنة 1180 هـ.

* * *

‌2295 - الشيخ الفاضل المولى صادق خليفة المغنياوي

* *

ذكره صاحب "الشقائق"، وقال: كان رحمه الله تعالى رحلة الطالبين في علم القراءات.

وكان يقرئ الناس بالقراءات السبع، وانتفع به كثير من الناس.

وكان عابدا صالحا، زاهدا مباركا، محبّا للخير، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2296 - الشيخ الفاضل صاعد بن أحمد بن أبي بكر بن أحمد الرّازِيّ

،

* راجع: معجم المؤلفين 4: 317.

ترجته في سلك الدرر 2: 192.

* * راجع: الشقائق النعمانية ص 253.

ص: 6

صاحب كتاب "جَوَامع الفقه"، وكتاب "الأحْساب والأنساب" *

كذا أفاده صاحب "الجواهر"، من غير زيادة.

* * *

‌2297 - الشيخ الفاضل صاعد بن أسعد بن إسحاق بن محمد بن أميرَك المرْغينانِيّ

، الملقَّب ضياء الدين* *

تقدَّم أبوه، وجدُّه

(1)

.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأ عليه صاحب "الهداية" كتاب "الجامع"، للتِّرْمِذِيّ، بـ"مَرْغِينان"، بسَماعه من بُرْهان الأئمة عبد العزيز بن عمر، بسماعه من أبي بكر محمد بن علي بن حَيْدرة، بسماعه من علي بن أحمد بن محمد الخُزاعِيّ، بسماعه من أبي سعيد الهَيْثَم بن كُلَيْب الشاشيّ، بسماعه من التِّرْمِذِيّ،

ذكره صاحب "لهداية" في "مَشيْخته"، ودكر له حديثا بسَنَده.

قال: ودكر الإمام ضياء الدين هذا فيما قرأته عليه، كتب بخَطِّه عن والده الشيخ الإمام أبي الحجّاج أسعد بن إسحاق، قال: أنشدني لنفسه

(2)

:

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 78.

وترجته في الجواهر المضية برقم 651، كشف الظنون 1: 611، 2:1386.

* * راجع: الطبقات السنية 4: 78.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 652، مشايخ صاحب "الهداية"، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

(1)

تقدم أبوه وجده.

(2)

الأبيات في الجواهر 2: 260.

ص: 7

إذا ضاق بي ظِلُّ الكرام ولم أجِدْ

مُعَوِّلَ صِدْق كان فَضْلي مُعَوِّلي

(1)

تَحوَّلتُ عن تلك الديار وأهلها

وآثَرْتُ قولَ الشارع المتَمَثِّل

إذا كنتَ في دار يُهِينُك أهلُها

ولم تَكُ مَقْبولا بها فَتَحوَّلِ

(2)

* * *

‌2298 - الشيخ الفاضل صاعد بن الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد

ابن محمد بن أحمد بن عبد الله *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تقدَّم أبوه الحُسين، وجدُّه الحسن، وجا أبيه إسماعيل، وسيأتي صاعد أبو إسماعيل قريبا في هذا الباب، إن شاء الله تعالى.

سمع منه السمعاني، ودكره في "معجم شيوخه"، ودكر أنه توفي بـ"نَيْسابور" يوم الأحد، خامس شعبان، سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2299 - الشيخ الفاضل صاعد بن سَيَّار بن عبد الله

بن

(1)

في الجواهر: "طلب الكرام".

(2)

البيت في معجم الشعراء 482، من بيتين لهبنقة القيسي المحمق يزيد بن ثروان، وهو أيضا في بهجة المجالس 1:239.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 79.

وترجمته في التجير 1: 332، والجواهر المضية برقم 653.

ص: 8

إبراهيم القاضي، أبو العلاء من أهل "هَرَاةَ"*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع منه ابنُه الفضلُ ببن يحيى بن صاعد، وسيأتى الفضل، وأبوه يحيى، كلُّ منهما في بابه، إن شاء الله تعالى.

وسمع صاعد أيضا من أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وغيره.

وقدِم "بغداد" حاجّا، في سنة تسمع وخمسمائة.

وحدّثَ بها بـ"كتاب التِّرْمذِيّ"، وغيره.

وأملَى بجامع القَصْر، وروَى عنه محمد بن ناصر.

قال ابن النَّجَّار: روَى لنا عنه أبو الفرج ابنُ كُلَيب.

مات سنة عشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2300 - الشيخ الفاضل صاعد بن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الجبّار ابن محمد

بن على بن محمد

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 79، 80.

وترجمته في الأنساب 1: 223، والبداية والنهاية 12: 197، وتذكرة الحفاظ 4: 1270، 1271، والجواهر المضية برقم 654، وسير أعلام النبلا 19: 590، وشذرات الذهب 4: 61، وطبقات الحفاظ 461، والعبر 6: 46، وعيون التواريخ 3: 468، واللباب 1: 52، ومرآة الجنان 3: 225، والمنتظم 9: 262، وهو: الإسحاقي الهروي الدهان".

ص: 9

قاضي "ساريَة مازَنْدَرَان"*

(1)

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال أبو سعد: وُلِد في صفر، سنة تسع وستين وأربعمائة.

وتفقَّه بـ"بُخارَى" على القاضى أبي سعيد بن [أبي]

(2)

الخَطّاب.

وسمع بها من أبي سَهْل محمود بن محمد بن إسماعيل الخطيب، وغيره.

مات سنة نَيِّف وخمسمائة.

روى عنه أبو سعد السَّمْعانِيّ. وذكره في "الخَيْزُرَانيّ" بفَتح الخاء، وسكون الياء، وضمِّ الزاي، وفَتْح الراء، وبعد الألف نُون.

* * *

‌2301 - الشيخ الفاضل صاعد بن عُبيد الله بن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن حُسكان الحُسكانِيّ

، أبو سعيد، الحَذَّاء * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 80.

وترجمته في الأنساب 215، والجواهر المضية برقم 655، واللباب 1: 400، وانظر: حاشية الجواهر 2: 262، في الكلام على سالم.

(1)

سارية مدينة بطبرستان، بينها وبين البحر ثلاثة فراسخ، وبين سارية وآمل ثمانية عشر فرسخا، وطبرستان هي مازندران. معجم البلدان 3:10.

(2)

تكملة من الأنساب واللباب.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 80.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 656، ويرد التعريف بالنسبة آخر الكتاب، وفي المشتبه 265، والتبصير 2: 531: "خشكان -بمعجمتين-

وبمهملتين وفتح أوله حسكان، في نسب جماعة من النيسابوريين".

ص: 10

ذكره التميمي فِى"طبقاته"، وقال: هو من بيت العلم والحديث، وأبوه مُحَدِّث أصحاب الرأي في عصره. وسيأتي كلّ من أبيه وجدِّه وأخيه محمد في بابه، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2302 - الشيخ الفاضل صاعد بن محمد بن إبراهيم أبو العلاء، القَزْوِينِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو نَزيل "خُوزسْتان"

(1)

، وقاضيها، ووَلِيَ القضاء بعَسْكَر مُكْرَم

(2)

.

قال أبو سعد السَّمعانِي: وكان فاضلا، عالما، أديبا، شاعرا، مُتفَنِّنا، روَى عن أبيه محمد ابن إبراهيم قاضى "قَزْوين"، الآتي ذكرهُ في حرف الميم، بشئ يسير.

وذكره هيبَةُ الله بن المبارك، في "معجم شيوخه". وروَى بسنَده إليه، إلى إبراهيم النَّخعى، أنه قال: سُئل ابن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما

(3)

: إنِي أدْركتُ هذا العلم بلسان سَؤُول، وقلبٍ عَقول.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 81، 82.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 657.

(1)

خوزستان اسم لجميع بلاد الخوز، وهي نواحي الأهواز بين فارس والبصرة وجبال اللور المجاورة لأصبهان. معجم البلدان 2: 294 - 296.

(2)

عسكر الكرم: بلد مشهور من نواحى خوزستان. معجم البلدان 3: 676.

(3)

أبي عن علمه فقال.

ص: 11

ومن شعره، وكأنه في بلده " خُوزَسْتان":

يا بلدةً ليس فيها

للعلم والفضل سُوقُ

وليس يَنْفُقُ إلا

مَلاعِبٌ وفسوقُ

أقول للصَّحْب عنها

حُثُّوا المطايا وسُوقُوا

أقْبِحْ بها من مكانٍ

قد ضاع فيه الحُقوقُ

وكلّ ودٍّ مُراء

وكلّ برٍّ عُقولُ

أنَّى تَطِيبُ فروعٌ

تُزْرِي بهن عُروقُ

قال ابن النَّجّار: تولَّى القضاءَ بعَسْكَر مُكَرَّم، وكان فقيها، فاضلا، على مذهب أبى حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وكان أبوه قاضيا بـ "قَزْوين"، وقدِم صاعد "بغداد"، وحدَّثَ بها عن أبيه بيسير.

وكان له معرفة بالأدب والشعر.

وسمع منه هِبَة الله بن المبارك السَّقَطِيّ.

ومما يُنْسَب إليه قولُه

(1)

:

حضرتُ فما كان الوصول إليكم

فأكْتُمُ شَوْقِي والفُؤادُ لدَيْكُمُ

(2)

وإنِّي وإنْ شَطّتْ دياري عنكم

لسانِيَ رَطْبٌ بالثّناء عليكم

قال ابن النّجّار: فرأت بحطّ صاعد بن محمد القَزْوِيني في "مجموع" له، قال: قصدتُ دار القاضِيَيْن أبي الحسن، وأبي جعفر، ابنيْ قاضى القضاة أبي عبد الله الدامغانِيّ، فالْتقيْتُ بأبي جعفر، وسألتُ عن أبي الحسن، فقال: عَبَر إلى الجانب الشَّرقِيّ، ليُصَلىِّ في جامع الخليفة، فحصل لي هذان الييتان. كذا في "الجواهر المضية".

* * *

(1)

البيتان في الجواهر المضية 2: 264.

(2)

رجحت في حاشية الجواهر أن يكون الصواب: فأبتُ بشوقي.

ص: 12

‌2303 - الشيخ الفاضل صاعد بن محمد بن أحمد بني عُبيد الله

، أبو العَلاء، عِماد الإسلام وقاضي "نَيْسابور"، وعالمها، وفَقيهُها *

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: دام القضاء بها فيه وفي أولاده مدَّةً مديدة، وييتُ الصَّاعِدِيَّة في تلك الديار وفي غيرها، مشهورٌ بالعلم والفضيلة والرياسة والقضاء والديانة، رحمهم الله تعالى.

وُلِد صاعد هذا بقرية "أسْتُوا"، من نَواحِي "نَيْسابور"، في ربيع الأول، سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

واخْتلف إلى أبي بكر الخُوارَزْمِيّ

(1)

في الأدب، ودرَس الفقه على جدِّه شيخ الإسلام أبي نصر بن سَهْل القاضي، ولازم بعدَه القاضى أبا الهيْثَم.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 82، 83.

وترجمته في الأنساب 31، وتاج التراجم 29، وتاريخ بغداد 9: 344، 345، والجواهر المضية برقم 658، وسير أعلام النبلاء 17: 507، 508، وشذرات الذهب 3: 248، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 81، والعبر 3: 174، والفوائد البهية 83، وكتائب أعلام الأخيار برقم 247، كشف الظنون 2: 393، واللباب 1: 41، والمنتظم 8: 108، والنجوم الزاهرة 5:32. وذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء 145.

(1)

أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، الأديب المشهور، صاحب الرسائل المعروفة، المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وفيات الأعيان 4: 400 - 403، ويتيمة الدهر 4: 194 - 241.

ص: 13

قال الخطيب: وعُزِل عن قضاء "نَيْسابور"، ووَلِيَ مكانَه أبو الهَيْثَم، وكان أحدَ شيوخه، فحدَّثثي علىّ بن المحسِّن التَّنوخىّ، قال: لما عُزل صاعد بن محمد عن قضاء "نَيْسابور"، ووَلِيَ مكانه شيخه أبو الهَيْثَم المذكور، كتب إليه أبو بكر الخُوارَزْمى هذين البيتين:

وإذا لم يَكُن من الصّرْف بُدٌّ

فلْيكُنْ بالكبار لا بالصِّغار

وإذا كانت المحاسِنُ بعدَ الصَّـ

ـــرْفِ مَحْرُوسةً فليس بِعارِ

وله كتاب، سمّاه "الاعتقاد"، ذكر فيه عن عبد الملك بن أبي الشَّوارب، أنَّه أشار إلى قصرهم العَتيق بـ "البصرة"، وقال: خرَج من هذه الدار سبعون قاضيا على مذهب أبي حنيفة، رضى الله تعالى عنه، كلُّهم كانوا يَرَوْنَ إثباتَ الفدَر، وأنَّ الله خالق الخير والشَّرِّ، ويَرْوُون ذلك عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وزُفَر، وأصحابهم.

تُوُفّي سنة إحْدى وثلاثين وأربعمائة على الصّحيح.

وكان رحمه الله تعالى عالما صَدوقا، انتهتْ إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بـ"خُراسان". وكان يُعْرَف بالأُسْتُوائي، وفي هذا الباب ذكره السَّمْعانِيّ، وسيأتي ذكرُ هذه النِّسْبة في محلِّه مفصّلا.

* * *

‌2304 - الشيخ الفاضل صاعد بن محمد بن عبد الرحمن

، أبو العلاء القاضى، البُخارِيّ، الأصْبَهانِيّ مِن أهل "أصْبَهان"، ومفْتيهم*

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 83.=

ص: 14

قال. السَّمْعانِيّ في وَصْفه: الإمام المقدِم في زمانه علىْ أقرانه؛ فضلا، وعلما، وديانة، وزُهْدا، وتواضُعا.

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: وُلِد في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة.

وتفقَّه على مذهب أبي حنيفة، رضى الله تعالى عنه، وبَرَع فيه حتى صار مُفْتِيَ "أصْبَهان".

قال أبو زكَرِيّا ابن مَنْده في "تاريخ أصبَهان": وقُتِل في الجامع العَتيق، يوم عيد الفطر، من سنة اثنتين وخمسمائة، قتلَه باطِني، وقُتِل به، رحمه الله تعالى.

وفي "الفوائد البهية": أخذ عن على بن عبد الله الخطيبي، عن أبي محمد عبد الله الناصحي، عن القاضي عتبة، عن قاضي الحرمين النيسابوري، يعني القاضي أبي خازم عبد الحميد، عن بكر بن محمد العمّى، عن محمد بن سماعة، عن أبي يوسف، وخرج مع الخطيبي إلى زيارة بيت الله الحرام، وكان معه، ومع الخطيبي ابنه وزوجته، فماتت زوجته بـ"البصرة"، وأخذهم العرب بالبادية، فبقى في أسرهم سبعة أشهر، فبلغ ذلك نظام الملك وشرف الملك، فنفذا سبعمائة دينار إلى القائم بأمر الله، حتى أرسل بها إلى العرب، فأطلقوا عنه، ثم مات الخطيبي بـ "الجحفة" سنة سبع وستين وأربعمائة، ومضى ابنه وابن الراسمندى إلى "مكّة، وعادا إلى "بغداد"، ثم ولي القضاء بـ"أصبهان" مكان إسماعيل ابن على بن عبد الله الخطيبي، حين اعتقله السلطان. عدّة سنين، وكانت وفاته يوم عيد الفطر سنهْ اثنتين وخمسين وخمسمائة.

= وترجمته في الجواهر المضية برقم 659، ودول الإسلام 2: 31، وشذرات الذهب 4: 4، والفوائد البهية 83، 84، والكامل لابن الأثير 10: 472، وكتائب أعلام الأخيار برقم 318، ومرآة الجنان 3: 171، والمنتظم 9:160.

ص: 15

قال الإمام اللكنوي: ذكر ابن الأثير وفاته سنة اثنتين وخمسمائة، حيث قال في حوادث تلك السنة: وفي هذه السنة في صفر قتل قاضي "أصبهان" عبيد الله بن على الخطيبي بـ"همدان"، وقتل صاعد بن محمد بن عبد الرحمن أبو العلاء قاضى "نيسابور" يوم عيد الفطر، قتله باطني، ومولده سنة ثمانية وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث، وكان حنفى المذهب. انتهى. وكذا ذكر اليافعى في "مرآة الجنان".

* * *

‌2305 - الشيخ الفاضل صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد ابن محمد

، أبو العلاء، قاضى القضاة الخطيب المدَرِّس، أحد وجوه الدَّوْحَة الصاعِدِيّة في عصره *

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: سمع من أبيه، وجَدّه، وأقاربه.

وخرَّج له صالح المؤَدِّب "الأربعين في مناقب أبي حنيفة وأحاديثه". وكانتْ وفاته في رمضان، سنة ستّ وخمسمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2306 - الشيخ الفاضل صاعد بن منصور بن عليّ الكَرْمانِيّ

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 83، 84.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 660، والمنتظم 9:172.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 84.=

ص: 16

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: هو صاحب كتاب "الأجناس"

(1)

، حدَّث ببعضه عنه في "بغداد"، محمد بن على بن عبد الله

(2)

بن أبي حنيفة الدَّسْتِجرْدِيّ

(3)

، فسمعه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خُسْرُوَا البّلْخِيّ، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2307 - الشيخ الفاضل صالح بن إبراهيم بن أبي بكر بن ناصر

-ويقال قاسم- الحَوْرانِيّ، ثم الصالِحِىّ أبو محمد الحافِظِيّ *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع من ابن أبي عمرَ، والفَخْر، وابن شَيْبان، وأبي بكر الهَرَوِيّ.

وحدّث عنه بالسَّماع أبو إسحاق التَّنُوخِيُّ.

وذكره البِرْزالِيّ، في "معجمه"، فقال: كان رجلا خَيِّرا، له مَحْفوظ، وهو مُكْثر عن الفَخْر ابن البُخارِيّ.

ومات في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، سنة خمس وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

= وترجمته في تاج التراجم 30، (حاشيته)، والجواهر المضية برقم 661، وكشف الظنون 1:11.

(1)

في النسخ: "الأحباس"، والمثبت من مصادر الترجمة.

(2)

في النسخ: "عبيد الله"، وتأتي ترجمته في المحمدين.

(3)

كان ذلك بعد قدوم الدستجردي إلى بغداد سنة ثلاث وعشرين خمسمائة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 84.

ص: 17

‌2308 - الشيخ الفاضل صالح بن إبراهيم بن سليمان الجينيني

*

محدّث.

أصله من (جينين) بـ"فلسطين".

ومولده سنة 1094 هـ، ووفاته بـ"دمشق" سنة 1171 هـ.

لم يكن في وقته أعلى سندا منه في الحديث.

له "ثبت" في 37 ورقة.

* * *

‌2309 - الشيخ الفاضل صالح بن إبراهيم بن محمد بن حاجِّي ابن عبد الله

، الشيخ صلاح الدين أبو البَقاء الزَّرْعِيّ، الفقيه، المحدِّثُ، النحوي *

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: وُلِد. خارج "القاهرة"، سنة ستّ وسبعمائة.

* راجع: الأعلام للزركلي 3: 188.

وترجمته في سلك الدرر 2: 208، وفيه وفاته سنة 1170، وفهرست المخطوطات بدار الكتب 1: 195، والخزانة التيمورية 3: 67، وحوادث دمشق اليومية 205، وعليه اعتمدت في تاريخ وفاته.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 85.

ص: 18

وسمع، وحدَّث، وتفقَّه علىْ عُلماءِ عصره.

وبرع في الفقه والعربية والحديث، وغير ذلك.

ومات في عَوْدِه من الحجّ، بِوادِي "الصَّفْراء"

(1)

، في أواخر ذي الحِجَّة سنة ثمان وستين وسبعمائة، بعد أن حدَّث ودرَّس سنين، كذا في "الغُرَف العَلِيَّة".

* * *

‌2310 - الشيخ الفاضل الصالح بن أحمد بن مراد، رحمه الله تعالى

*

مفتي الحنفية التونسي.

ولد سنة 1299 هـ.

تخرّج بالزيتونة، ومارسَ التدريس، أسند إليه الباي محمد المنصف مشيخة الإسلام للحنفية ورياسة المحكمة الشرعية العليا. ولما اعتقل الفرنسيّون أعضاء المؤتمر الوطني تزعم عريضة شيوخ الزيتونة، فاستاء الباي محمد الأمين منه، فجرّده من مناصبه ومهامّه. عضو الهيئة الخلدونية ونائب رئيسها عام 1349 هـ، وكان عضوا بأغلب لجان إصلاح التعليم الزيتوني.

له "الحداد على امرأة الحداد"، ردّ فيه على كتاب "امرأتنا في الشرعية والمجتمع" للطاهر الحدّاد. أصدر عام 1355 هـ، و"مجلة شمس

(1)

وادى الصفراء من ناحية المدينة، بينه وبين بدر مرحلة، وهو كثير النخل والزرع والخير، في طريق الحج. معجم البلدان 3:361.

* راجع: إتمام الأعلام 370.

مشاهير التونسيين 577 ط 2.

ص: 19

الإسلام"، فظهر منها 8 أعداد، وفيها برزتْ أول حركة نسائية تونسية منظمة بمشاركة ابنتيه.

توفي سنة 1401 هـ.

* * *

‌2311 - الشيخ الفاضل صالح بن أحمد التمرتاشي العمري الغزي

*

فاضل.

له ميل إلى التاريخ.

من تصانيفه: "في بلاد الشام" رسالة صغيرة في 15 صفحة بخطّه، كتبها سنة 1127 هـ، واعتمد في أخبار "فلسطين" على "الأنس الجليل"، و"إتحاف الأخصّا"، وهي موجودة في السليمانية (المجموع 5398).

توفي بعد 1127 هـ.

* * *

‌2312 - الشيخ الفاضل صالح بن أسعد بن محمد الحمصي

، عالم مشارك في الفقه والأصول والفرائض * *

* راجع: الأعلام للزركلي 3: 188، 189.

وقد سبق في هذا الجزء من الأعلام تمرتاشي آخر، هو (صالح بن محمد 1055) ولعلّ هذا من حفدائه؟.

* * راجع: معجم المؤلفين 5: 4. انظر: الأعلام الشرقية 3: 105.

ص: 20

ولد بـ"دمشق" سنة 1285 هـ، ونشأ بها.

وأحذ عن علمائها، ودرّس،

وتوفي بها في 21 ربيع الثاني سنة 1362 هـ.

من آثاره: "شرح رشحات الأقلام على منظومة كفاية الغلام".

* * *

‌2313 - الشيخ الفاضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن علي بن صالح الأسْدي

، مُحي الدين، ابن الصَّبّاغ، الكُوفيّ*

دكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِد في ربيع الآخر، سنة تسع وثلانين وستمائة.

ودكره التاج عبد الباقي في "ذيل الوَفَيات"، فقال: كان فريدا في علوم التفسير، والفقه، والفرائض، والأدب، نادرةَ "العراق" فِى ذلك، مع الزهد والفضل، والورع، ألْقىَ "الكَشَّاف" دروسا من صدره ثمانِ مرّات، مع بحثٍ وتدقيق، وإيراد وتشكيك. وطُلب لرياسة الحنفية بالمسْتَنْصِرِيّة، فامْتنَع.

ومات سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وله ثمان وثمانون سنة.

ودكره الصَّفَدِيُّ، تبعا للذّهَبِيِّ، في حرف العين المهملة، فقال: عبد الله بن جعفر.

قال الحافظ السُّيوطِيّ: وقد الْتَبَس عليه اسمُه باسم أبيه.

قلتُ: وقد ذكره الصَّفَدِيّ، في "أعيان العصر" في حرف الصاد كما هنا. وقال في وصْفه: الشيخ الإمام العالم الزاهد، محي الدين أبو عبد الله

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 85، 86.

وترجمته في تاريخ بغداد لابن رافع 64.

ص: 21

الأسْدِيْ الكوفي الحنفيّ، كان فقيه بلده وإمامها في أنواع العلومِ والتصوُّف والأدب والزهد، طُلِب لتدريس "المسْتَنْصِريَّة" مرارا فامْتنَع، وأجاز له الصَّغانِيّ في سنة خمسين وستمائة. ثم أرَّخ وفاته كما هنا. ثم ذكره في الكتاب المذكور في من اسمه عبد الله، وأعاد الترجمة بمعناها، وهو وَهَم، والله تعالى أعلم.

* * *

‌2314 - الشيخ الفاضل صالح بن عبد الوهّاب بن أحمد بن أبي الفتح ابن سَحْنون الخطيب

، تقيّ الدين، أبو البقاء *

قال في "الدرر": سمع من ابن عبد الدّائم وغيره، وخطب بجامع "النَّيْرَب"

(1)

، وكان فصيحا.

مات في رجب، سنة سبعمائة وخمسة عشر.

ودكره اليُونِينِيّ، في "ذيله على مرآة الزمان"، فقال: مولده يوم الأربعاء، عاشر صفر، سنة سبع وخمسين وستمائة

(2)

، بجامع "النَّيْرَب"، ونظَم والدُه في اسمه عند ولادته هذين البيتين، وبها:

تَيَمَّنْتُ فيه غِبْطَةً باسم صالحٍ

فسمَّيْتُه مُسْتَهْدِيا برَشادِه

عسى الله فينا أن يَمُنَّ بفَضْله

فيُحْيِيه عبْدا صالحا من عباده.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 86، 87.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 301.

(1)

جامع النيرب بالقرب من الربوة، والنيرب من قرى الغوطة، من محاسن قرى دمشق. الدارس 2:438.

(2)

في الدرر "710" ويبدو أن ما ذكره التميمي كان في نسخته.

ص: 22

وذكره الصَّفَدِيّ في "أعيان العصر"، وقال في وصفه: كان ذا هيئَة مليحة، وخطابة فصيحة، وفيه تودُّد للأنام، وسماحة يدخل بها في زُمْرة الكرام. وكان يجلس في حانوت الشُّهود تحت القلعة، ويُنفَّق من رِقاقه بحُسْن خِلَعِه كلَّ سِلْعة. ولم يزلْ إلى أن حلَّ الخَطبُ بالخطيب، وجنَى الموتُ غُصْنَه الرَّطِيب.

وتُوُفِّي، رحمه الله تعالى، في ثاني عِشْري شهر رجب الفّرْد، سنة عشر وسبعمائة.

ووَلِيَ الخطابة مكانه ولدُه مَجْدُ الدين إبراهيم، على عادة أبيه وجدّه. انتهى.

وبين تاريخَيْ وفاته لابن حَجَر وللصَّفَدِيّ تفاوُتٌ، خمس سنوات

(1)

كما ترى، والله تعالى أعلم.

* * *

‌2315 - الشيخ الفاضل صالح بن علي الصفدي

، مفتي الحنفية بـ"صفد"*

له "بغية المبتدي"، اختصر به متن "الكنز"، في الفقه.

توفي سنة 1078 هـ

* * *

(1)

لا فرق بينهما على ما في الدرر المطبوع بين أيدينا.

* راجع: الأعلام للزركلى 3: 193.

وترجمته في خلاصة الأثر 2: 238.

ص: 23

‌2316 - الشيخ الفاضل مولانا صالح بن غورَا ميان الجاتجامي

*

ولد 1334 هـ في قرية "هَرِينْ خَائن" من مضافات "فَتْيَه" من أعمال "شيتاغونغ".

قرأ مبادئ العلم في الجامعة الإسلامية جِيْري، ثم سافر إلى "الهند"، والتحق كظاهر العلوم سهارنبور، ثم سافر إلى "دابيل"، وقرأ فيها كتب الفنون العالية كتب الحديث، ثم التحق بدار العلوم ديوبند، وقرأ فيها كتب الحديث مرّة ثانية.

من شيوخه: الإمام أنور شاه الكشميري، وشيخ الأسلام السيّد حسين أحمد المدني، وشيخ الإسلام شبّير أحمد العثماني، وغيرهم، رحمهم الله تعالى.

وبعد إتمام الدراسة وصل إلى داره، والتحق محدّثا بالجامعة الإسلامية جِيْري

(1)

.

* * *

‌2317 - الشيخ الفاضل صالح بن قاسم بن أحمد بن أسعد بن محمد بن الفضل اليَمانِيّ الصَّنْعانِيّ

، ويُعْرَف بالشيخ صالح * *

* راجع: تاريخ علم الحديث ص 258.

(1)

أسّسها مبلّغ الإسلام مولانا الشيخ أحمد حسن سنة 1329 هـ، الموافق سنة 1911 م، وبدأ فيها درس الحديث سنة 1338 هـ.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 87.

ص: 24

ذكره التميمى في "طبقاته"، وقال: وُلِد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، بمخْلاف "صَنْعاءَ".

وحَفِظَ القرآن الكريم، وغيرَه، واشْتغل هُناك قليلا في الفقه، والعربية، وأصول الدين.

ثم ارْتحل في سنة ثلاث وخمسين، وحجَّ وجاوَر، ثم كب البحر إلى "القاهرة"، فدخلها في رمضان، سنة خمس وخمسين، فلازَم التَّقِيَّ الشَّمُنِّي في الفقه والعربية، وكان مما أخذه عنه "حاشيته" للمُغنى، و"شرحه" للنِّقاية، وكتبهما بخطِّه.

وكذا أخذ المنطق، المعانِيَ، والبيان، وأصول الدين، وغيرها عن التَّقِيّ الحِصْنِيّ.

* * *

‌2318 - الشيخ الفاضل صالح بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الخطيب

، الغزي، التمرتاشي*

فقيه، أديب، مشارك في بعض العلوم.

ولد سنة 980 هـ.

* راجع: معجم المؤلفين 5: 11.

ترجمته في خلاصة الأثر 2: 239، 240، وهدية العارفين 1: 423، وفهرست الخديوية 3: 63، وتاريخ آداب اللغة العربية 3: 283، وإيضاح المكنون 2: 126، 583، 405.

ص: 25

من تصانيفه: "العناية في شرح النقاية"، و"زواهر الجواهر النضائر على الأشباه والنظائر" في الفقه الحنفي، "إبكار الأفكار وفكهة الأخيار"، و"شرح الألفية" في النحو، وله شعر.

توفي سنة 1055 هـ.

* * *

‌2319 - الشيخ الفاضل صالح بن منصور

، الإمام الخطيب بجامع "الكوفة"*

أستاذ محمد بن يحيى بن هبة الله أبي عبد الله، مُدَرِّس "المسْتَنْصِرِيَّة".

* * *

‌2320 - الشيخ الفاضل العلامة أبو جعفر صالح بن مولانا نثار الدين بن الصوفي ظهير الدين أخوند

، رحمه الله تعالى* *

ولد في يوم الخميس سنة 1333 هـ في قرية "سَرْسِيْنَه" من مضافات "نِثَارآباد" من أعمال "بيروزبور"، من أرض "بنغلاديش".

وقرأ مبادئ العلم عند أبيه، ثم التحق بمدرسة دار السنّة، وقرأ إلى "مشكاة المصابيح"، ثم التحق بمظاهر العلوم سهارنبور، وأكمل الدراسة

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 87.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 662.

* * راجع: مائة من العلماء الكبار من بنغلاديش 266 - 268.

ص: 26

العليا فيها، وقرأْ على شيوخها الكرام الصحاح الستّة، وغيرها من الكتب الحديثية.

من شيوخه: شيخ الحديث العلامة محمد زكريا الكاندهلوي، والشيخ عبد الرحمن الكاملبوري، والعلامة أسد الله، والعلامة صدّيق، وغيرهم، ثم رحل إلى "ديوبند"، واختار صحبة شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، وبايع في السلوك والطريقة على يد أبيه، وأجازه أبوه في السلوك للإرشاد والتلقين.

توفي يوم الثلثاء سنة 1410 هـ، وعمره إذ ذاك 77 سنة، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

‌2321 - الشيخ الفاضل صالح التَّرْجمُانِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سُئِل عن رَجل قيل له: إنّك تَدْخلُ على فُلانة في دار فُلان، وتُجامِعُها فيها. فحلَف، وقال: إن دخلتُ تلك الدار لفُلانة فامرأته طالق ثلاثا. فلو دخل تلك الدارَ لأمر آخر، لا لتلك المرأة، أيحنَثُ في يَمينه، أم لا؟ فقال: لا. كذا في "الجواهر"، من غير زيادة. والله تعالى أعلم.

* * *

‌2322 - الشيخ الفاضل صالح الرُّومِيّ، المعروف بقَرَا صالح

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 87. وترجمته في الجواهر المضية برقم 663.

ص: 27

ومعناه بالعربية: صالح الأسمر*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: أخذ عن فُضَلاء بلاده، واشتغل، ودأب، وحصَّل، ودرَّس بإحدى الثَّمان، وغيرها.

وتُوُفِيّ سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وكان كاسْمه صالحا، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2323 - الشيخ الفاضل المولى صالح أحمد

* *

ولد سنة 1329 هـ بقرية "بِتَاغي" من مضافات "رانْغُونيا" من أعمال "شيتاغونغ".

قرأ مبادئ العلوم في قريته، ثم التحق بدار العلوم معين الإسلام هاتهزاري.

وقرأ الصحاح الستّة سنة 1357 هـ، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند.

وقرأ فيها عدّة سنين، ثم رجع إلى وطنه.

درّس في عدّة مدارس من "قاضيرهات" وفَتِكْسَري، ثم التحق مدرّسا بدار العلوم هاتهزاري.

ثم بمشورة الأساتذة عيّن مديرا بمدرسة دار الهداية بـ "فورشاه" من أعمال "راجشاهي" من أرض "بنغلاديش".

يدرّس كتب النحو والصرف والبلاغة والحديث، وكانت كتابة يده جيّدة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّه 4: 88.

وترجمته في الشقائق النعمانية 2: 101، 102.

* * راجع: تاريخ دار العلوم هاتهزاري ص 239، 240.

ص: 28

بنى في "راجشاهي" مكاتب ومدارس ومساجد كثيرة.

وبعد خمسة وعشرين سنة رجع إلى وطنه، ثم عيّن مديرا بدار العلوم محي الإسلام بـ"غَرْدُوَارَا". من مضافات هاتهزاري.

بايع في الطريقة على يد المفتي الأعظم فيض الله قدّس سرّه، وأذعن له بالثقة والاعتماد والتفويض والانقياد، ونال عند شيخه الزلفى في أقلّ مدّة، فأجازه في السلوك للإرشاد والتلقين.

* * *

‌2324 - الشيخ الفاضل صالح كامل بن سليمان

*

فقيه.

له "نصيحة الإخوان في العشر للسلطان"، أتم تأليفها سنة 1297 هـ. كان حيا 1297 هـ.

* * *

‌2325 - الشيخ الفاضل صالح محمد الخدائي، التوقادي، الرومي

* *

مدرّس، واعظ يحامع الفاتح.

له "أسهل المناهج في تفسير سورة المعارج".

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 5: 9.

انظر: فهرس الفقه الحنفى 70.

* * راجع: معجم المؤلفين 5: 10. ترجمته في هدية العارفين 1: 425.

ص: 29

‌2326 - الشيخ الفاضل صالح منصور اليافي*

شاعر

.

من آثاره: "ديوان شعر"، سماه "نزهة الدهر فيما يصدر عن أفراد العصر"، فرغ منه سنة 1268 هـ.

كان حيا 1268 هـ.

* * *

‌2327 - الشيخ الفاضل العالم صباح الدين عبد الرحمن

* *

مدير المجمع العلمى المعروف بـ "درا المصنّفين" في مدينة "أعظم كره" بـ "الهند". قضى فيه جلّ حياته، واستطاع أن يؤلّف كتبا ذات قيمة كبيرة حول الموضوعات التاريخية والأدبية. وكان متخصّصا في تاريخ "الهند" الإسلامي، والفترة المغولية بالذات، فقد درس الموضوع بغاية من التدقيق والتحقيق، وألّف ما يربو على عشرين كتابا، عدا مؤلّفاته الأخرى.

ومن جهوده في المجمع إشرافه على ندوة عقدت عن الاستشراق والمستشرقين سنة 1401 هـ. فكانت أول ندوة علمية بموضوعها، وحضرها عدد وجيه من العلماء والمحقّقين من "الهند" وخارجها، وأسهموا فيها ببحوث علمية هادفة وذات أهميّة.

* راجع: معجم المؤلفين 5: 13.

ترجمته في هدية العارفين 1: 425.

* * راجع: تتمة الأعلام للزركلى 1: 241، والبعث الإسلامي مج 32 ع 9 (جمادى الآخرة 1408 هـ ص 97 - 98.

ص: 30

توفي إثر حادث اصطدام، بعد حضوره إلى "لكنو" للمشاركة في ندوة أدبية عقدتها رابطة الأدب الإسلامى حول "حركة الإمام السيّد أحمد بن عرقان الشهيد الجهادية وأثرها على اللغة الأردية وآدابها"، وذلك في 25 ربيع الأول سنة 1408 هـ.

* * *

‌2328 - الشيخ العالم الفقيه صبغة الله بن حبيب الله بن أحمد بن الخليل البيجابوري

، أحد العلماء الربانيين *

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد، ونشأ بمدينة "بيجابور".

وقرأ العلم على والده، ثم أخذ الطريقة عنه، ولازمه ملازمة طويلة، حتى بلغ رتبة الكمال.

ولما مات والده سنة 1014 هـ تولى الشياخة مكانه، وحصل له القبول العظيم.

مات لعشر بقين من رجب سنة سبعين وألف بمدينة "بيجابور"، فدفن بها، كما في "محبوب ذي المنن".

* * *

‌2329 - الشيخ الفاضل صدر الدين بن القاضى داود الجشتي

، الإله آبادي،

* راجع: نزهة الخواطر 5: 193.

ص: 31

المشهور بالقاضى كهاسي *

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: كان والده قاضيا بمدنية "إله آباد".

فلما توفي أبوه ترك القضاة، واشتغل بالعلم، وأخذ الفقه عن الشيخ محبّ الله الإله آبادي بعد فراغه من البحث والاشتغال.

وهو أول من بايع الشيخ محبّ الله المذكور، فلازمه مدّة حياته، وتولى الشياخة بعده.

أخذ عنه الشيخ قطب الدين بن عبد الحليم الأنصاري السهالوي، كما في "بحر زخّار". وهو توفي إلى رحمة الله سبحانه في أيام عالمغير، كما في "الرسالة القطبية".

* * *

‌2330 - الشيخ الفاضل العالم صدر الدين بن صفر الدين الفِيْنَوي

* *

ولد سنة 1274 هـ في قرية "غَنْغَرَامبُور" من أعمال "جَسَر" من أرض "بنغلاديش".

ثم سافر أبوه إلى "فِيْني"، وبنى دارا في "غَزَارِية" قريبا من "سِيْلُونِيَة"، وكان رجلا تقيا، خاشعا، متخشّعا، ورعا.

يعظ وينصح للمسلمين، وسافر إلى مواضع مختلفة.

توفي سنة 1363 هـ، ودفن في مقبرة قريته.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 194.

* * راجع: مشايخ فيني ص 42: 41.

ص: 32

‌2331 - الشيخ الفاضل القاضي صدر الدين الدهلوي المشهور بالعارف

*

كان ابن بنت القاضي منهاج الدين الجرجاني.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولي القضاء بـ "دهلى" نيابة عن أكبر قضاتها، فتولّاه مدّة من الزمان، ثم ولّاه السلطان علاء الدين الخلجي القضاء أصالة، فصار أكبر قضاة "الهند"، وقرّبه إلى نفسه، ولقّبه بالسيّد الأجلّ، وشيخ الإسلام.

دكره البرني في "تاريخه"، وقال: إنه كان قليل العلم، شديد البطش، قوىّ الهمّة، نافذ الكلمة. انتهى.

* * *

‌2332 - الشيخ الفقيه الإمام صدر الدين البهكري، السندي

* *

أحد الفقهاء البارعين في العلم.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر، وقال: لقيه محمد بن بطوطة المغربي الرحّالة بمدينة "بهكر" في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.

وذكره في كتابه.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 2: 64.

* * راجع: نزهة الخواطر 2: 65.

ص: 33

‌2333 - الشيخ الفاضل العالم الكبير صدر الدين القَنُّوجي

*

أحد أكابر العلماء في عصره،

ذكره صاحب "نزهة الخواطر" وقال: كان من ندماء سكندر شاه بن بهلول شاه اللودي.

وكان أخوه السيّد حسن والسيّد إمام أيضا من العلماء.

ذكره القَنُّوجي في "أبجد العلوم".

* * *

‌2334 - الشيخ الفاضل العالم الجليل المفتي صدر الدين آزرده

، رحمه الله تعالى* *

ذكره شيخ الحديث العلامة محمد زكريا الكاندهلوي، وقال: إنه من أساتذة العلامة محمد مظهر النانوتوي، وقال أيضا: إن مولانا الشيخ صدر الدين كان صدر الصدور في "دهلي"، ولكن لم يعلم أيّ كتاب قرأ عليه.

* * *

‌2335 - الشيخ الفاضل الصِّدِّيق بن علي بن محمد بن على القاضى

،

* راجع: نزهة الخواطر 4: 142.

* * راجع: تذكرة مولانا مظهر النانوتوي: تأليف نور الحسن راشد الكاندهلوي ص 6.

ص: 34

الفقيه، العلّامة، رضى الدين، الزَّبيدِيّ، المعروف بابن الخطيب *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان فاضلا، بارعا في العربية، والمعانيّ والبيان، والمنطق، والأصْلين، والتفسير، والفقه.

ووَلِيَ القضاء بـ"زبيد"، ودرّس، وأفاد.

وكان في تلك البلاد رئيس الحنفية ورأسَهم، مُحِبّا في أهل مذهبه، مُعظِّما لهم، وله في القلوب موقع وجَلالة، مع الديانة والصيانة، والعِفَّة والنَّزاهة.

مات في شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين ثمانمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2336 - الشيخ الفاضل مولانا محمد صدّيق النجيب آبادي

* *

من أخصّ تلاميذ الإمام أنور شاه الكشميري، المتوفى سنة 1353 هـ، رحمه الله تعالي.

ألّف "أنوار محمود" مجلّدين، جمع فيها تقارير شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، والعلامة أنور شاه الكشميري، رحمهما الله تعالى.

كان شيخ الحديث بالمدرسة الصدّيقية بـ "دهلي".

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 88.

* * راجع: مقدمة أنوار الباري 2: 254.

ص: 35

‌2337 - الشيخ الفاضل المولى صدّيق الله بن المنشئ حفاظة الله الكملائي

*

ولد سنة 1343 هـ في قرية "سَرَائيل"، من مضافات "بَرْهَمَنْبَارية" من أعمال "كملا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم على الشيخ القارئ بذل الرحمن، شقيق فخر بنغال العلامة تاج الإسلام، ثم التحق بالجامعة اليونسية سنة 1354 هـ، قرأ فيها عدّة سنين، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند سنة 1358 هـ، وقرأ فيها خمس سنين، وقرأ فاتحة الفراغ سنة 1363 هـ.

ومن شيوخه: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة القارئ محمد طيّب، والعلامة إعزاز علي الأمروهوي.

وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه، ودرّس في عدّة مدارس، ثم اتّصل بالدعوة والتبليغ، وبايع في الطريقة على يد شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني.

توفي يوم الجمعة سنة 1402 هـ، وصلى على جنازته المفسّر الكبير سراج الإسلام، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

‌2338 - الشيخ الفاضل العالم الجليل مولانا صدّيق الله بن مولانا مبارك الله الكُمِلّائي

* *

* راجع: مشايخ برهمنبارية 272 - 275.

* * راجع: مشايخ كملا 2: 146، 147.

ص: 36

ولد سنة 1312 هـ في قرية 14 مومنبُور" من مضافات "جاندبور" من أعمال "كملا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بأشرف العلوم براكترا، وأتمّ الدراسة العليا فيها، وبعد إتمام الدراسة التحق بالمدرسة العالية شاهْتَلى، وكان يدرّس فيها كتب الحديث، ودرّس فيها 35 سنة متواليا.

توفي سنة 1411 هـ، وعمره إذ ذاك 99 سنة.

ودفن بعد أن صلّي جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

‌2339 - الشيخ، العلامة الداعي، والمحدّث المتقن، البحّاثة، الورع، الزاهد، صديق الله بن يونس بن مِهِر علي مِيانْجي النُّوَاخالَوي

- بضم النون فتح الواو والخاء المعجمة، نسبةً إلى نواخالي- البَنْغَلَاديشي*

هو من أفذاذ الرجال في هذه الديار البنغلاديشية في العلم، والعمل، والتمسّك بالطريقة الجادة في الدين، والتعيّش. بالقدر اليسير من الدنيا، الذي لا بدّ منها.

ولد الشيخ صديق الله رحمه الله تعالى قي قرية "مهوطلا" من مضافات "سونَايْموري"، التابعة لمديرية "نواخالي"، من "بنغلاديش" سنة 1351 هـ أو قبله بيسير في أسرة علمية.

كان أبوه المولوي يونس بن مهر على عالما متديّنا، يدرّس في مدرسة دينية في "خندوليابارا" من "رانكونيا" بـ "جاتجام". لما بلغ الطفل الصغير

* من قلم ابن صاحب الترجمة: مولانا زبير بن صديق الله النواخالوي.

ص: 37

صدّيقْ الله السابعة من عمره مات أبوه المولوي يونس، ودفن هناك بجوار المدرسة.

كانت أمّه حنونا عليه حنان خليل الله على ذبيح الله، ما كانت تنسى محبة الأولاد للمحة، كما كانت لا تستهين بحقّ الله في تربية أولادها. فكانت هى الكفيلة له، فادت هى دور الأب والأم معا، فأدّبه وعلّمه القرآن، والدين، وما يحتاج إليه طفل صغير في هذا الوقت. وقد التمسه أخواله من أمّه، فبعثته إليهم، هناك، تم تعلّمه الابتدائي في المدرسة الرسمية، أعني إسكول تحت رعاية خاله.

بعد ما توفي أبوه بعثته أمّه مع إخوانه إلى مدرسة أبيه بالتماس مسؤولي المدرسة، ففى طفولته قد هجر شفقة أمّه وأسرته وأقربائه. بعد سنتين التحق المدرسة الضميرية بـ "فتيه". وقضى هناك جلّ حياته الدراسيّة، حتى حصل على الشهادة العالمية بعد ما أتم المنهج الدراسيّ بكلّ امتياز وجودة. وكان من أقرب الناس إلى الشيخ المفتي عزيز الحق رحمه الله تعالى مدير الجامعة آن ذاك. وبمساعدتهم قد غادر فتيه إلى دار العلوم ديوبند أمّ المدارس في "الديار الهندية".

هناك تلمّذ عند الشيخ المحدّث الفاضل فخر الدين المرادآبادي، تلميذ شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، والشيخ إبراهيم البلياوي، والشيخ إعزاز على، والشبيخ القارئ محمد طيّب، وغيرهم، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة، وحصل على الشمهادة العالمية في الحديث الشريف.

عند عوده من دار العلوم بـ"ديوبند" درّس نحو سنتين في "جى نكر" بـ"آسام" إحدى ولايات "الهند"، ثم خدم الحديث الشريف طوال ستّ وثلاثين سنة في المدرسة الإسلامية العالية بسونابور نواخالي، ودرّس فيها "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، وغيرهما من الكتب الحديثية. ثم ارتحل إلى المدرسة الضميرية بـ "فتيه"، وعين أستاذا لـ"صحيح مسلم"، فدرّسه، وجزءا

ص: 38

من "صحيح البخاري"، فقضى ما بقي من حياته بجوار أساتذته الكرام، مثل الشيخ نور الإسلام القديم، والشيخ إسحاق الغازي، رحمهما الله، فأفاد وأجاد ونشر ما حصل، واستفاد من العلوم والحكم والمعرفة. ولحق بجوار سبحانه وتعالى في النصف والثامنة من صباح يوم الأحد 13 ذي القعدة من 1428 هـ، الموافق 25 نوفمبر 2007 عـ. فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجعل الجنّة مثواه.

وقد عانى الشيخ صدّيق الله في طلبه العلم منذ نعومة أظفاره ما يعانيه الأبطال والفحول في هذا الشأن فقد قضى جلّ سنة بإزار، قضى من الأيام بغير فطور وأحيانا بغير غداء أو عشاء. ولكن ما حالت أيّ حالة دون تحصيله العلم. ولما ارتحل للعلم لم يكن، عنده من الزاد ولو قليلا، إلا ما كان لأجرة المرور فحسب.

كان قليل النوم، مراعيا للنظام، محافظا للأوقات في أيام طلبه وتعليمه. يكاد يستحيل أن يكون غائبا عن درس. كان متأدّبا، ومراعيا لآداب الطالب مع الشيخ. فمرة ذهب أستاذ له إلى القرية التي كان يسكن فيها وهو لا يعلم، فلمّا علم أن أستاذه قد جاء ولم يلق هو معه ندم وتحسّر كثيرا، وتيقّن أن عدم علمه بقدوم الأستاذ وعدم لقاءه معه سوء أدب. فلمّا ذهب إلى المدرسة دخل عليه، وسقط على رجلي الأستاذ، وبكى بكاء شديدا، ولم يقل شيئا، فتعجّب الأستاذ وتحيّر من شدّة بكائه، ولم يفهم شيئا من شأنه. فلمّا قصّ التلميذ صدّيق الله على الشيخ ما وقع قال الشيخ: سبحان الله! أنا لا أعلم أنّك تسكن في هذه القرية، وأنت لا تعلم أني ذهبت إليها، فكيف يكون هذا سوء أدب؟! ثم سلاه الأستاذ، ودعا له كثيرا.

كان مراعيا، متيقّظا للحقوق العائلية، يعمل في الحقول مع الفلّاحين، يصيد السمك، ويزرع الخضروات. كان يطبخ الطعام بيده، كما كان يلاعب

ص: 39

مع أولاده، ويمازح مع أقرانه في حدّ الشريعة. وما كانت شيخيته في الحديث وغيره تمنعه من هذه الأعمال التي تعدّ من أعمال أراذل الناس.

وكان الشيخ رحمه الله تعالى مجتهدا فذّا في تربية الأولاد. ما كان فاحشا ولا متفحّشا، وكان من سبّه من يسرق أو يظلما "حرام خور" يعني به آكل حرام فبس. والعجب أنا لا نجد مثيلا لمحبّة تلاميذه إياه.

ما كان يشار إليه بالأصابع في الزهد والتقوى، والتزكية والإرشاد، ولكن كان محافظا متيقّظا لحدود الله وحرمه، لا يكاد يجد الحرام سبيلا إلى جوفه. كان رجلا بطلا باسلا خلاف البدعات والمراسيم والفتن نحو البريلوية والمودودية والمراسيم العامّة بين جهلة القوم. وكان من ميزاته أنه يضادّها بالحجج الباهرة. وكان قد اشتهر بين العلماء والعامة بـ"محدّث صاحب" يعنون به شيخ الحديث.

قد درس وكتب، خطب وأصلح إلى أن ذهب لسبيله بجوار رحمة الله سبحانه وتعالى، وترك ألوفا ارتووا من منهله العذب في التفسير، والحديث، والمنطق، والنحو، والصرف. وقد كتب في شرح الحديث للكتب الستّة، وفي الفرائض، وفي الردّ على المودودية، وفي مسألة عصمة الأنبياء، فأفاد، وأجاد.

فجزاه الله منا ومن الأمّة أحسن الجزاء، وجعل مصيره إلى جنّة النعيم. آمين، يا ربّ العالمين.

* * *

‌2340 - الشيخ الفاضل المولى صدّيق أحمد بن المنشئ لال ميان بن عارف غازي الكملائى

*

* راجع: مشايخ كملا 2: 94 - 96.

ص: 40

ولد سنة 1339 هـ في قرية "فِنُوَا" من مضافاتِ "بَرُوْرَا" منِ أعمال "كملا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بقسم التجويد والقراءة في دار العلوم بَرُورَا، فاستفاد كثيرا من القارئ عبد القادر، والقارئ عبد الرحمن الكُمِلّائي، ثم التحق بالدرجة العربية، فجدّ، واجتهد، وحصّل، ودأب.

ومن أساتذته: الشيخ العلامة محمد ياسين، والعلامة الفقيه قربان علي، والمولى نواب علي، والمولى محمد يوسف، والمولى عبد المتين، وغيرهم، رحمهم الله تعالى.

ثم سافر إلى دار العلوم معين الإسلام هاتهزاري، وقرأ فيها سنتين، في السنة الأولى "مشكاة المصابيح"، و"تفسير الجلالين"، وغيرهما من الكتب الدراسية. وفي السنة الثانية قرأ صحاح الستة، وغيرها من الكتب الحديثية، وقرأ "صحيح البخاري" على العلامة محمد يعقوب، ومن شيوخه الآخرين: العلامة عبد القيّوم، والعلامة عبد العزيز، والعلامة حافظ الرحمن، والعلامة أبو الحسن، صاحب "تنظيم الأشتات في حلّ عويصات المشكاة"، والعلامة محمد حامد، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.

وبعد إتمام الدراسة التحق بأشرف العلوم برا كترا، داكا

(1)

، تم درّس في مدارس عديدة.

توفي سنة 1394 هـ، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

(1)

وهذه الجامعة أسّسها جماعة من العلماء الربّانيين سنة 1351 هـ، الموافق سنة 1931 م. منهم: الشيخ مولانا عبد الوهّاب، المعروف ببيرجى حضور، والشيخ مولانا شمس الحق الفريدفوري، ومولانا الشيخ محمد الله حافظي حضور، والشيخ المفتي محمد الله، رحمهم الله تعالى، وبدأ فيه درس الحديث سنة 1354 هـ.

ص: 41

‌2341 - الشيخ الفاضل العالم الكبير المحدّث الجليل الخطيب الأعظم صدّيق أحمد بن الشيخ وجيه الله بن عبد العليم الميانجي الجكروي الجاتجامي

*

ولد سنة 1322 هـ في قرية "بَرُوئي تَلِي". من مضافات "جَكْرِيا" من "شيتاغونغ" من أرض "بنغلاديش".

تلقّى مبادئ العلم في مدرسة أنوار العلوم بـ"شَهَرْبِيل"، ثم سافر إلى "هاتهزاري"، والتحق بدار العلوم معين الإسلام، وقرأ فيها إلى "مشكاة المصابيح"، و"تفسير الجلالين"، وغيرهما من الكتب الدراسية، ومن أساتذته الكبار فيها العلامة سعيد أحمد السنديفى، والعلامة المفتي فيض الله، والعلامة عبد الجليل، والعلامة الشاه عبد الوهّاب، رحمهم الله تعالى، ثم التحق بمظاهر العلوم سهارنبُور سنة 1381 هـ قرأ فيها سنتين، من أساتذته فيه العلامة عبد الرحمن الكاملبوري، والعلامة عبد اللطيف، وشيخ الحديث العلامة محمد زكريا، رحمهم الله تعالى، ثم ارتحل إلى دار العلوم ديوبند سنة 1347 هـ، وأكمل فيها الدراسة العليا، ومن أساتذته الكبار: العلامة إبراهيم البلياوي، وشيخ الأدب إعزاز على الأمروهوي، والمفتي الأعظم شفيع الديوبندي، والقارئ العلامة طيّب، والعلامة عبد اللطيف السهارنفوري، وغيرهم، رحمهم الله تعالى.

بعد إكمال الدراسة رجع إلى وطنه الأليف سنة 1348 هـ، ولما كان من الطلاب المتفوّقين مدّة دراسته اختاره أساتذة دار العلوم معين الإسلام هاتهزاري

* راجع: مائة رجال من مشاهير العلماء ص 231 - 236، وحياة الخطيب الأعظم للدكتور خالد حسين.

ص: 42

ليكون مدرّسا بها، فشرع في التدريس، وسرعان ما اشتهر تدريسه فيما بين الطلبة في "بنغلاديش"، ولم يزل يدرّس الحديث والتفسير والفقه وأصوله وغيرها، من العلوم الدينية الرائجة مدّة أربعة عشرة سنة، في هذه المدّة درس "صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود"، و"جامع الترمذى"، ثم اتصل بمدرسة أنوار العلوم شَهَرْبيل من مضافات "جكريا"، ثم بالمدرسة الإسلامية كاكارا من مضافات "جكريا"، ثم التحق بالمدرسة فيض العلوم، التي أسّسها في قريته، ثم التحق سنة 1385 هـ بالجامعة الإسلامية فَتْيَه، وعيّن شيخ الحديث فيها، درّس فيها "صحيح البخاري"، و"سنن أبي داود" سبعة عشرة سنة، وتلمّذ عليه في هذه المدّة خلق كثير من الطلبة، واستفادوا من علومه وعرفانه، ونهلو من مَعِينه العذب النمير، وأكثرهم مشتغلون بالتدريس والخطابة وإفادة العلوم، ويعتبرون من العلماء البارزين في هذه الديار.

درّس الحديث في جامعة "فَتْيَة" سبعة وعشرين سنة، وسعى سعيا بليغا في إقامة الحكومة الإسلامية.

بايع في الطريقة على يد المفتي الأعظم فيض الله رحمه الله تعالى، وأذعن له بالثقة والاعتماد والتفويض والانقياد، ونال عند شيخه الزلفى في أقلّ مدّة، فأجازه في السلوك للإرشاد والتلقين.

ومن مصنّفاته: "مواعظ خطيب أعظم"، و"حوار مع الصحافيين"، "ختم النبوة"، و"شأن النبوة"، "معراج النبي" صلى الله عليه وسلم، "طلبه كا مقصود زندكي"، و"الدعوة إلى إلصدق"، "ارتقاء المسلمين في بنغاله"، و"اختلاف العلماء"، وغيرها.

توفي 19 رمضان سنة 1407 هـ، ودفن بعد أن صلي على جنازته في مقبرة آبائه، وحضر فيها ألوف من العلماء، والفضلاء، وعوام الناس. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

* * *

ص: 43

‌2342 - الشيخ الفاضل المولى صديق أحمد الداكوي

*

ولد 1313 هـ في قرية "كُورْهَاتي"، من "بِكْرَمْبُورا"، من أعمال "داكا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ في مدرسة بـ"فريدفور"، ثم التحق بالمدرسة الإسلامية بـ "داكا"، وقرأ فيها كتب الفنون العالية، ثم سافر إلى "ديوبند"

(1)

، والتحق بها، وقرأ فيها الفنون كتب الحديث مرة ثانية.

من شيوخه: الإمام أنور شاه الكشميري، وشيخ الإسلام شبير أحمد العثماني، وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه سنة 1345 هـ، واتّصل مدرّسا بالمدرسة الإسلامية داكا، وكان عميدا للتعليم فيها، درّس كتب الحديث.

* * *

‌2343 - الشيخ الفاضل صَرْغَتْمَش، الأمير، سيفُ الدين النَّاصِرِيّ

* *

* راجع: تاريخ علم الحديث ص 256.

(1)

"ديوبند": بكسر الدال المهملة، وإسكان التحتية، والواو، وفتح الموحّدة، وإسكان النون، والدال المهملة، بلدة من أعمال "سهارنبور"، فيها مدرسة كبيرة، بناها الشيخ الإمام قاسم بن أسد النانوتوي رحمه الله تعالى.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 88، 91.

وترجمته في خطط المقريزي 2: 403، 404.

ص: 44

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو رأسُ "نَوْبة"، كان جميل الصّورة، وصفات الحُسْن فيه مَحْصورة، مُحياه كالبدر السافر في الظلام، أو الشصر إذا هي بَرزَتْ من خَلْف الغَمام.

كتب وقرأ، أضاف أهل العلم وقَرَى، وعمَّر المدرسة المعروفة به بـ"القاهرة"، وجعل نجوم مَحاسنها في الإبْداع زاهرة.

وكان يتأدّى القرآن العظيم على المشايخ، ويحبُّ أن يكون في التجويد ذا قدم راسخ، إلا أن أخلاقه كان فيها شَراسة، ونفسه فيها على احتمال الآذى نفاسه، فأقْدم على عزْل القُضاة، واتَّبع السلطان في ذلك رضاه؛ لأنه كان قد انْفرد بالتدبير، وثَقُلتْ وَطْأتُه على الدولة، حتى خَفَّ عندها ثَبير، وسالمتْه الأيام، وتيقَّظ سعدُه والناس عنه نيام، فكان مع جماله وبَطْشه، يغْلو عند مَنْ يعْتَبِرُه بأرْشه:

كالبدر حُسْنا وقد يُعاوِدُه

عُبوسُ ليثِ العَرِين في عَنَدِهْ

(1)

كأنما مُبْرَمُ القضاء به

مِن رُسْلِه والحِمامُ من رَصَدِهْ

ولم يزل عالِيَ. الكَعْب، مالِيَ القلوب بالرُّعْب، حتى أُخِذ أخذة رابية. ولم تكن أنيابُ النُّوَب عنه نائبة، فأمسَكه الناصر حسن في العشرين من شهر رمضان سنة تسمع وخمسين وسبعمائة، وكان ذلك آخر العَهْد به. رحمه الله تعالى.

وكان قد عمَّر تلك المدرسة المشهورة به، وبالغ في عمارتها وزخرفتها.

وكان يتعصَّب لمذهبه، ويُؤثِر الفضلاء ويُقرِّبهم، ويسألُ مسائل في اللغة والفقه، ويُعْظمُ العَجَمَ، ويُؤثِرُهم.

وكان قد انفرد بالحديث في أمر الأوقاف، واهتمَّ بها، وعُمِّرَت في أيامه.

(1)

عَنَد: ككرم: مال.

ص: 45

قال الصَّلاح الصَّفدِيّ: ووجدتُ بخطّه في حائط "المدرسة السُّلطانية" بـ"حلب" مكتوبا:

أبدًا تَسْترِدُّ ما تَهَبُ الدُّنْـ

ـــيَا فيا ليتَ جودَها كان بُخْلا

وكتبه صَرْغَتْمَشُ الناصرِيّ. فلما قرأت ذلك عجبتُ من هذا الاتِّفاق، فكأنه كأشَف نفسَه بما وقع له، واستردّتْ ما وهَبَتْه الدنيا، وأخذ السلطان من أمواله وحَواصِله شيئا يعْجَزُ الوصفُ عنه.

قال الصّفَدِيُّ: وقد كتبتُ قصيدة أمدحه بها، ولكن ما جهّزْتها إليه، وهي:

يا هَمُّ لا تدخلْ إلى خاطرِي

فإن لي صَرْغَتمَشَ الناصِرِي

قد زيَّن الله الليالي به

لأنَه كالقمر الزّاهر

وكمَّل الله المعالي به

فأصبحتْ في رَوْنقٍ باهرِ

والملكُ قد أضحَى به في حِمًى

لأنَه كالأسد الخادر

غَلَّ يدَ الظُّلم وعُدْوانَه

وكفَّ كَفَّ الخائن الجائر

مسَدَّد الآراء في فِعْلِه

لأنه ذو باطنٍ طاهر

ما أبْصَرَ الناسُ ولم يسمعوا

بمثله في الزمن الغابر

سيوفُه إن سلَّها في الوَغَى

كبارقٍ تحت الدُّجَى طائرِ

يُغْمِدُها في مُهُجات العِدا

فتكْتَسى ثوبَ الدّم المائر

يمينه للجود مُعْتادة

قد أخْجلَتْ صَوبَ الحياء الماطر

كواكبُ السَّعْد له قد غدتْ

تخْدمُه في الفَلَكِ الدائر

أنشا له مدرسةً حُسْنُها

بين الورَى كالمثَلِ السائرِ

فسيحةُ الأرْجاء قد زُخرِفَتْ

بكل لَوْن راق للناظر

رُخامُها مُحْتلِف لونه

كمثل رَوْض يانِعٍ زاهرِ

وذهْنُه مُتَّقِدٌ بالذكا

لأنه ذو خاطر حاضر

وعِلْمه زاد على غيره

كلُجٍ بحْرٍ طافحٍ زاخر

ص: 46

يسْبِقُ بَرْقَ الجوِّ إدْراكُه

لا كامْرِئ في جهلِه عاثرِ

يقول مَنْ يسمع ألفاظَه

كم تركَ الأوَّل للآخر

فوَصْفُه أعْجَزَ كلَّ الورَى

من ناظم القول ومن الناثر

إن الثّنا في وصفه قد غدا

غنيمةَ الوارِدِ والصادر

تلْهُو به الرُّكْبان في سَيْرِهم

لأنه أُعْجوبةُ السامر

يلْقَى الذي يَسْعى إلى بابه

بنائلٍ من جُودِه الغامر

فالله يَرْعاه ولم ينْسَهُ

عند خُطوب الزمن الغادر

كذا نقلتُ هذه الترجمة من "أعيان العصر" للصلاح الصَّفَدِيّ، وحذفت منها ما لا تَمسُّ الحاجة إليه. وهذا القدر من الصلاح الصَّفَدِيّ، في مدح صاحب الترجة، يدلُّ على أنه كان ذا فضل وافر، وإحسان مُتكاثِر، وأنَّه حَرِّيّ بأن يُعَدُّ في جُملة فضلاء الحنفية، الذين بفضلهم يُقْتدى، وبعِلمهم يُهْتَدى، والفضل ما شَهدَت به الأعداء؛ فإن غالبَ شافعية ذلك العصر كانوا لا يُحِبُّونه، وفي المدح لا يُنْصفونه؛ لما ذكرناه من مَيْله إلى أفاضل العجَم، وكالعلامة الإتْقَانِيّ وأضْرابه، وتعَصبَّه لأهل مذهبه. ولا تلْتَفِتْ أيها الواقف على كلام الصَّفَدِيّ هذا، إلى ما فيه من البَلايا المخبّأة في الزَّوايا، فقد أوضحنا لك السبب، والله سبحانه وتعالى يُسامح الجميع، ويغفرُ لهم، بمَنِّه ولُطْفه.

* * *

‌2344 - الشيخ الإمام العالم الكبير المحدّث صفة الله بن مدينة الله بن زين العابدين بن عبد الوالي بن أبي الفتح نظام الدين الرضوي الخير آبادي

*

* راجع: نزهة الخواطر 6: 122، 123.

ص: 47

أحد العلماء الربانيين.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد، ونشأ بـ "خيرآباد"

(1)

، وقرأ العربية على من بها من العلماء.

ثم سافر للعلم، وقرأ الكتب الدرسية على الشيخ قطب الدين الحسيني الشمس آبادي، كما في "مآثر الكرام".

وفي "الرسالة القطبية" إنه قرأ على الشيخ قطب الدين بن عبد الحليم الأنصاري السهالوي. انتهى.

ولما فرغ من ذلك سافر إلى الحرمين الشريفين سنة أربع وعشرين ومائة وألف فحجّ، وزار، وأقام بـ "المدينة المنورّة" مدّة، وأخذ الحديث عن الشيخ أبي طاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني، وعاد إلى "الهند" بعد ثلاث حجّات، وترك الاشتغال بالمنطق الحكمة قاطبة، والتزم تدريس الحديث والتفسير.

أخذ عنه القاضي مبارك بن دائم العمري الكوباموي، والسيّد محمد طاهر الشاهجهانبوري، والشيخ محمد، وخلق كثير من العلماء.

توفي يوم الخميس لثمان عشرة خلون من ذي القعدة سنة سبع وخمسين ومائة وألف، كما في "رسالة مفردة" في أنساب أبناء الشيخ نظام الدين.

* * *

‌2345 - الشيخ الفاضل صفر شاه الرُّومِيّ

*

(1)

" خيرآباد" بلدة قديمة، كانت عامرة في عهد الإسلام، نشأ بها أجلة العلماء، كالشيخ سعد الدين، والمحدّث صفة الله، وفضل إمام، وولده فضل حق، وابنه عبد الحق، وخلق كثير من العلماء.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 91. =

ص: 48

كان رجلا فاضلا عالما، له يَدٌ طولَى في أكثر الفنون، حتى يُقال: إن الموْلى شمس الدين الفَنَارِيّ أرسل إليه يسأله عن مواضع مُشكلة من العلوم العقلية، فكتب أجْوِبتها، وأرسلها إليه، وكتب مع الجواب يعتذر إليه، ويقول: إنه ما أجاب إلا عملا بالقول المشهور: المامور معذور.

وله "خُطَب"، و"رسائل"، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2346 - الشيخ الفاضل العلامة صفي الله بن المولوي مبارك الله الكُمِلّائي

*

ولد سنة 1302 هـ في قرية "مُومِنبُور" من مضافات "جاندبور" من أعمال "كملا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في داره، ثم قرأ في عدّة مدارس في وطنه، ثم سافر إلى "كلكته" والتحق بالمدرسة العالية بها، وأتم الدراسة العليا فيها، وكان ذكيا جيّدا فطنا لبيبا، له اشتغال بالعلم والمعرفة.

وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه، والتحق بالجامعة اليونسنة بـ "بَرْهَمَنْبَاريه"، ودرّس فيها أربعين سنة، ثم التحق بمدرسة بـ "مظفّر غنج"، ثم سافر إلى "داكا"

(1)

، والتحق بإمداد العلوم فريدآباد.

= وترجمته في الشقائق النعمانيّة 1: 95، 96. وهو من علماء الطبقة الرابعة في دولة السلطان بايزيد خان ابن السلطان بايزيد خان الذي بويع له سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.

* راجع: مشايخ كملا 2: 107، 108.

(1)

"دهاكه" بفتح الدال الهندية، يقال لها "جهانكير نكر" كانت من أحسن مدن "بنكاله" في القديم، تصنع بها الثياب الرفيعة، يسمّونها "جامداني"، ومنها تجلب إلى غيرها من البلاد، وهي على مائة وثمانين ميلا من

ص: 49

بايع في السلوك على يد شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني رحمه الله تعالى.

توفي سنة 1397 هـ، وعمره إذ ذاك 95 سنة.

ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

‌2347 - الشيخ الفاضل المولى صفي الله بن الحاج نور الهدى النواخالوي

*

ولد في قرية "كَمَالْبور" من مضافات "رامِشَّر من أعمال "نواخالي".

سافر إلى "الهند"، والتحق بمفتاح العلوم، التي بناها الشيخ العلامة مسيح الله رحمه الله تعالى، فقرأ فيها كتب الحديث، وبايع على يده في السلوك.

وبعد الفراغ رجع إلى وطنه الأليف، والتحق مدرّسا بمدرسة خادم الإسلام غَوْهَر دَانْغا

(1)

في "فريدفور"، درّس فيها كتب الفنون العربية، كتب الحديث.

* * *

‌2348 - الشيخ الفاضل العالم الصالح صفي الله الجاندبوري، رحمه الله تعالى

* *

* راجع: تاريخ علم الحديث ص 256، 257.

(1)

دار العلوم خادم الإسلام، غوهر دانكا، فريد فور، أسّس على إشراف مولانا الشيخ شمس الحق الفريد فوري سنة 1355 هـ، وبدأ فيها درس الحديث سنة 1366 هـ.

* * راجع: مشايخ كملا 2: 123 - 126.

ص: 50

ولد سنة 1307 هـ في قرية "شاشي علي" من مضافات "فريد غنج" من أعمال "جاندبور".

قرأ مبادئ العلم في داره على أبيه، ثم التحق بمدرسة قريبة من داره.

كان قويّ الحفظ، سريع الملاحظة، يكاد يكشف حجب الضمائر، ويهتك أسرار السرائر، دقيق النظر، قويّ الحجّة، ذا نفوذ عجيب على جلسائه.

توفي 1403 هـ. وعمره إذا ذاك 96 سنة، ودفن بعد أن صلي على جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

‌2349 - الشيخ الفاضل الكبير العلامة صفي الدين بن نصير الدين بن نظام الدين الردولوي

*

كان من نسل الإمام أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: قدم جدّه نظام الدين مدينة "دهلي"، ولبث بها زمانا، ثم رحل إلى "جونبور"، وسكن بها، وكان صفي الدين بن بنت القاضي شهاب الدين الدولة آبادى، وكان نادرا من نوادر الدهر في العلم والحكمة، قرأ على جدّه لأمّه المذكور.

وأخذ الطريقة عن الشيخ أشرف ابن إبراهيم السمناني، وكان السمناني يقول: ما رأيت في بلاد "الهند" من يتحلّى بغرائب الفنون وعجائب الشؤن غير الصفي، كما في "اللطائف الأشرفية".

* راجع: نزهة الخواطر 3: 69.

ص: 51

وللشيخ صفي الدين مصنّفات عديدة، منها:"دستور المبتدئ" في الصرف، صنّفه لأجل ولده إسماعيل، وله شرح بسيط على "كافية ابن الحاجب"، سماه "غاية التحقيق".

قال الجلبي في "كشف الظنون": إنه شرح ممزج، أوله: الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه العظام، إلخ.

وهو من تلامذة الهندي، ذكره فيه ومدح حاشيته، وقال: إن شروح "الكافية" ليست بوافية، إلا حواشي أستاذنا شهاب الدين أحمد ابن عمر الدولة آبادي، كثير من الناس اكتفوا بما فهموه من ظاهرها، فإنه حقّق فيها، وسماها "غاية التحقيق". انتهى.

وكانت وفاته في الثالث عشر من ذي القعدة سنة تسع عشرة وثمانمائة، كما في "أنوار الصفي".

* * *

‌2350 - الشيخ الفاضل صفي الدين البخاري

*

محدّث، مؤرّخ.

توفي بـ "نابلس".

له "القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي".

توفي سنة 1200 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 5: 20.

وترجمته في إيضاح المكنون 2: 248، وسركيس: معجم المطبوعات 537.

ص: 52

‌2351 - الشيخ الفاضل صَقْرُ بن أبي علي الحسن ابن إبراهيم الدَّميريّ الإمام العلامة، خامس مُدَرِّسِي "السُّيوفِيِّة" بـ "القاهرة

" *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِد سنة خمس وخمسين وخمسمائة.

وتفقَّه على العلامة عبد الله بن محمد بن سَعْد الله الجَرِيرِيّ

(1)

، وعلى الفقيه أبي محمد عبد الوهّاب بن يوسف، وسمع الحديث من أبي عبد الله ابن بَرِّيّ، وأبي الفضل محمد بن يوسف الغَزْنَوِيّ.

مات في مُسْتَهَلِّ ذي القَعْدَة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وَدُفِن بـ "القرافة"، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2352 - الشيخ الفاضل العالم الجليل صلاح الدين بن المولوي عبد الرحمن البُوْلَاوِي

* *

ولد في "نبي نَغَر" من مضافات "بُولا"، في 1340 هـ أو 1343 هـ سنة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 91.

وترجمته في التكملة لوفيات النقلة 5: 285، 286، والجواهر المضية برقم 664، واسمه في التكملة:"جعفر"، وفي النسخ:"صفر" بالفاء.

(1)

انظر لضبط النسبة الأنساب.

* * راجع: مائة رجال من مشاهير العلماء ص 326 - 328.

ص: 53

تلقّى مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بمدرسة خادم الإسلام بـ "غَوْهَرْدَانْغا".

وثم قرأ في الجامعة القرآنية لال باغ، ثم أشرف العلوم بَرَاكَتْره.

وبعد الفراغ التحق مدرّسا بالجامعة القرآنية لال باغ

(1)

، ثم بالجامعة المدنية جَاتْرَاباري.

وبايع في الطريقة على يد العلامة شمس الحق الفريدفوري، ثم على يد العلامة ظفر أحمد العثماني، صاحب "إعلاء السنن"، وبعد وفاته على يد أمير الشريعة محمد الله حافظجي، وبعد وفاته بايع على يد العلامة أبرار الحق الهردوئي

(2)

الهندي.

من مصنّفاته: "شرح روضة الأدب"، و"انحطاط الأمة"، و"صلاة التراويح"، وغيرها، كلّها باللغة البنغالية.

توفي سنة 1417 هـ، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة الجامعة المدنية بـ "جَاتْراباري" من أرض "داكا".

* * *

(1)

الجامعة القرآنية العربية لال باغ داكا، أسّسها جماعة من العلماء الربّانيين. منهم: الشيخ ظفر أحمد العثماني، والمفتي دين محمد خان، ومولانا الشيخ شمس الحق الفريدفوري، ومولانا الحافظ محمد الله الحافظي، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة. وأسّسوها سنة 1370 هـ، الموافق سنة 1950 م، وبدأ فيها درس الحديث في السنة نفسها.

(2)

"هردوئي" بفتح الهاء، وإسكان الراء، وضم الدال المهملة، وإسكان الواو، كسر الهمزة، بعدها ياء مختفية، وهي مدينة حديثة العهد، كانت قرية جامعة في القديم.

ص: 54

‌2353 - الشيخ العالم الفقيه القاضي صلاح الدين الخليل الجونبوري

*

كان من أحفاد القاضي نظام الدين صاحب "الفتاوى إبراهيم شاهية".

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: نشأ في حجر حدّه، وأخذ عنه، وتولّى القضاء بعده، واستقلّ به عشرين سنة.

وكان حسن الأخلاق، حلوّ الكلام، فصيح المنطق، عالما كبيرا، بارعا في العلوم الكثيرة، يشار إليه في استحضار المسائل الجزئية.

أخذ عنه السيّد عبد الأول بن العلاء الحسيني الجونبوري، شارح "صحيح البخاري"، وخلق آخرون، ذكره الزيدي في "تجلّي نور".

* * *

‌2354 - الشيخ الفاضل صنع الله بن صنع الله الحلبي، المكّي

* *

واعظ، فقيه، محدّث، أديب.

له "أرجوزة في الحديث "، و"سيف الله على من كذب على أولياء الله"، و"إكسير التقي في شرح الملتقي".

توفي سنة 1120 هـ.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 144.

* * راجع: معجم المؤلفين 5: 24.

ترحمته في إيضاح المكنون 1: 115، 2: 35، وهدية العارفين 1:428.

ص: 55

‌2355 - الشيخ الفاضل صُنْع الله آفندي ابن قاضي القضاة جعفر آفندي

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو أحدِ قضاة العَسْكَر المشهورين في "الديار الرُّوميَّة"، بل في جميع الديار الإسلامية، بالدين والصلاح والتقوى والمروءة والعلم والعمل ومكارم الأخلاق.

نشأ من صِغَره في مَهْد الأمانة، وحِجْر الصِّيانة، ومُلازمة القراءة أوَّلا في القرآن الكريم، ثم في الكتب المعْتَبَرة والمتون المحرَّرَة، الشُّروح المشهورة بالتحقيق، والحواشي المعروفة بالتدقيق، وكان لا يمَلُّ من المطالعة والمراجعة، والاشتغال والإشغال.

وكانت أيَّامه كلّها في إقبال، وبلوغ آمال، تخدُمه السُّعود، وتُعينه الجُدود، إلى أن بلغ مبالغ الرجال، وفاق الأقران والأمثال، حتى كان الإمام العلامة، والقدوة الفهّامة، صاحب "التفسير" الذي سارتْ بذكره الرُّكْبان، وأذعَنَ له كلُّ قاصٍ ودان، مفتي "الديار الرّومية"، والممالك الإسلامية، أبو السُّعود العِمادِيّ، رحمه الله تعالى، يُراعيه ويُكْرِمه، ويعْتَنِي به ويُقدِّمه، ويُرجِّحه على سائر أقرانه، وأصحابه وإخوانه، ويَرى مَخايِلَ النَّجابة ظاهرةً عليه، وعيونَ التَّوفيق ناظرةً إليه، وكان كثيرا ما يُحكِّمه في التَّرجيح بين الأفاضل، والمحقِّقين الأماثل، ويَرضى بحُكْمه، ويُثْنِي على دِقَّة فهمه، وقد حقَّق الله تعالى رجاءه فيه، وجعله قائما مَقامه، وناصرا له على من يُعاديه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 92 - 96.

وترجمته في خلاصة الأثر 2: 256 - 259، وكانت وفاته في حدود سنة إحدى وعشرين وألف.

ص: 56

ثمْ بعدَ أن حصَّل من الفضائل ما حصَّل، وأنعم الله تعالى عليه بما أمّل، وصار مدرّسا في مدارس متعدِّدة، أجلُّها قدرا، وأشهرها ذكرا، مدرسة الوالدة بمدينة "اسْكَى دار"، حُمِيَتْ عن البَوار، وهي والدة السلطان مراد خان، - تغمَّدهما الله بالرحمة والرِّضْوان -، حتى إنها كانت أجَلَّ من "السُّليميَّة" والسليمانية وغيرهما من المدارس المنسوبة إلى آل عُثمان، أدام الله تعالى دولتهم إلى آخر الزمان، وكان صاحب الترجمة أجَلَّ من وَليَها من المدرِّسين، وكان يُلْقِي بها الدّروس للخاصَّة والعامة، من غير مانع ولا مُدافع، بخلاف أكثر المدرِّسين بـ "الديار الرومية"، فإن من عادتهم أن لا يُمَكِّنوا أحدا من حضور دروسهم، سوى تلاميذهم المخصوصين بهم، ولم يزَلْ بهذه المدرسة يُفيد الطُّلاب، ويُباحثُ أولِي الألباب، ولا يبخُلُ على أحد بفوائده، والتقاط فرائده، ولا يتكبَّر على أحد في مُباحثة ولا في مُناظرة، وإذا ظهر له الحقُّ سلَّم له، وانْقاد إليه، من غير تعصُّب ولا عناد، كما جرتْ به عادة السَلَف، وعادةُ المنْصِفين من الخَلف.

ثم بعد مدَّةٍ فوَّضوا إليه قضاءَ "بَرُوسة"، ثم قضاءَ "أدِرْنَة"، ثم قضاءَ "إسْتانْبول" بولاية "أناطُولِي"، ثم قضاء العَسْكَر بولاية "رُومِيلِي"، ولم يتخلَّل هذه الولايات عَزْلٌ ولا ما يُوجِب العَزْل؛ لأن سِيْرتَه كانت في الجميع حميدة، وأفعالَه سَديدة، لا يُعْطِي المناصبَ إلا لأهلِها، ولا يَضع الأمورَ إلا في مَحَلِّها، يُقرِّب أصحاب الفضل والكمال، ويُبْعِد أصحاب الجَهْل والضّلال، ويُعَظِّم العُلَماءَ ويرفعُ مَقامَهم، ويُقْبِل عليهم، وينْظُرُ بعين العناية إليهم.

وأما الرِّشوة فما كانت في أيامه تُذكَرُ إلا لتُنْكَرَ، ولا يُسألُ عنها إلا ليُهان مَن يأخذُ منها، وقد وقع الإجماع في سائر البِقاع على أن الله تعالى قد طهَّر منها يدَه ولسانه، وأتْباعه وأعوانه، ولا شكَّ ولا رَيْبَ أن العِفَّة عن الرِّشوة في مثلِ هذه الأيام نعمة كبرى، وسعادة عُظْمَى، قَلَّ من يُوَفَّقُ لها، ويُوصَف بها، وأن أخذَها من كبائر الذنوب، وقبائح العيوب، التي تُوقع في

ص: 57

المهالك وتَخْرِب الممالك، فالحمد لله الذي خصَّه بأحسن الأوصاف، وأنْعَم عليه بجزيل الألْطاف.

ولم يزلْ سالكا في هذه الطريق، مصحوبا من الله تعالى بالتوفيق، إلى أن فرَغتْ المدّة، وانْقَضت العِدَّة، وأصاب السلطانَ عَينُ الكمال، وجاءه مُسْتَوْفِي الآجال، وانتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى، وجلس على سرير الملْك مكانه، ووَلِيَ خلافته وسُلطانَه، ولدُه الأكبر، وغُصْنُه الأنْضَر، السلطان محمد خان، أدام الله تعالى دَوْلتَه إلى آخر الزمان، ونصْرَه وأيّده على أهل الكفر والطغيان، فأشار عليه بعض ثقاته أن يعزل سائر القضاة والأمراء وأمراء الأمراء، والحُكّام، والعُمّال، وغيرَهم من سائر المناصب، فعمل برأيه، وما أبقَى منهم إلا القليل، وكان صاحب الترجمة ممن شَمِلَه هذا العموم، وتأسَّف الناس على أيامه، وعلى ما فقدُوه من عَدْله في أحكامه، وصاروا يبْتَهِلون إلى الله تعالى، ويسألونه أن يعيد عليهم وِلايتَه.

واستمرَّ مُقيما في منزله، مُكبّا على المطالعة والمراجعة، والتَّقْرير والتَّحرير، والتَّسْويد والتَّبْييض، التأليف والتَّصْنيف، لا يخرج من المنزل إلا إلى جُمعةٍ أو جماعة، أو عيادة مريض، أو زيارة أخٍ في الله تعالى، وكثيرا ما كانوا يسألونه في قَبول ما يختارُه من المناصب الشريفة فلا يقْبل، ويرْمُون عليه فلا يَرْضَى، ويدْفَعُهم بالتي هي أحسن، وكان مع ذلك لا ينْسَى نصيبه من الأمر بالمعروف والنَّهْيِ عن المنكر، بحسب الإمكان.

ومُلَخَّص ما أقوله في حقّه: إنِّي ما رأيت مثلَه في "الديار الرومية"، ولا رأى هو مثلَ نفسه، فنسأل الله تعالى أن يَمُدَّ في أجَلِه، وأن يُعِينَه على فعل الخيرات، وإزالة المنْكرات، بمَنِّه وكرمِه.

وقد مدحته الشعراء، وكاتبتْه الفضلاء، وراسلُوه وراسلَهم، ولولا أنِّي سطَّرتُ هذه الترجمة وأنا على جناح السَّفَر، واشتغال الفكر، لجَمعتُ كثيرا مما مُدِح به، وأُلِّف في الثَّناء عليه، ولكن على كلّ خيرٍ مانع.

ص: 58

ومن جُملَة مُحِبِّيه ومادحيه، جامعُ هذه "الطبقات"، ومن ذلك بعض أبيات قلتُها في أثناء رسالة أرسلتُها إلى حضرته الشريفة، من ثَغْر "إسْكَنْدَرِيّة"، وأنا مُتَوَجِّهٌ إلى "مصر" المحميَّة، بعد أن سمعتُ الناس يقولون: إن بعض أرباب الدَّولة شَفَعوا عنده في إعادة قضاء "الفَيُّوم" لقاضيها السّابق، وأنه امْتنع من ذلك أشدّ الامْتناع، فقلتُ:

إلهي إنّ صُنْعَك فد تلافَى

أمُورِي كلَّها قبلَ التلاف

وقدَّمنِي وأخَّرَ كل ضِدٍّ

أراه الدهْرَ يسْعَى في خِلافِي

إلهِي كُنْ لصُنْع الله عوْنا

وعاملْه بفَضل منك وافِي

وقدِّمه على رَغْم الأعادي

وأخِّرهم كتأخير الخَوافِي

ولا تجعلْ لدوْلته انْقطاعا

إلى يوم القيامة والتَّكافِي

وقد استجاب الله تعالى دُعانا، وله الحمد والمِنَّة.

وإنا لَنَرْجو فوقَ ذلك مَظْهَرَا

(1)

ثم بعد مُدّة طويلة سافرت إلى "الديار الرومية"، ورأيته على جانب عظيم من الهَيبَة والوقار، والرِّفعة والتواضع، ونَفاد الكلمة، أكثر من ذلك حين كان في قضاء العَسْكَر، وهذه عادة الله تعالى في عباده، أنّ مَن أطاعَه يُطيع له العباد، ومَن عصاه يَعْصِيه كلُّ أحد حتى الأهْل والأولاد.

ورأيتُ بمدينة "إستانْبول" من التَّغَيُّرات والتَّبَدُّلات، وأكْل الرِّشا، وإعطاء المناصب لغير أهْلها، ووَضع الأمور في غير مَحَلِّها، وقِلَّة الأمر بالمعروف والنَّهْيِ عن المنكر، وغير ذلك مما تَبْكِي له العيون، وتَحْتَرق لأجله القلوب، وتحيَّرُ في تدْبير رَفْعِه العُقول، وإذا انْتَدَب لإزالته أحد من الناس الذين يخافون الله تعالى، لا يجد له مُساعدا، ولا مُعينا، ولا مُعاضِدا، بل ينْتَدِبُ له كثير من أرْباب الدولة الذين لا يريدون الإصلاح، ولا يُريدون

(1)

هذا عجز بيت للنابغة الجعدي، وصدره:

بلغنا السماء مجدنا وجدوناه. ديوانه 51.

ص: 59

بُطْلان الرِّشا، ولا فيه النَّجاح، لتَكْذِيبه وتسْفِيهه، وتَحْمِيقه والردِّ عليه، ولم أرَ في تلك الديار من هو سالم من سائر أنواع النِّفاق، ومن مُداراة أصحاب الظلم والشِّقاق، إلا صاحبَ الترجمة، فللّه دَرُّه، ما أشَدَّه وأصْلَبه، في دين الله تعالى، وما أكثَر تَعْظيمه لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد بالَغوا في عَرْض الولايات عليه، ووعدُوه بأن لا يُعارضوه في أمرٍ من الأمور، وأن يقْبَلوا نصائحه وشفاعاته، وهو مع ذلك مُصَمِّمٌ على الامتناع؛ لعلْمه بأن أكثَرهم ممن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فلما قدَّر الله تعالى بوفاة شيخ الإسلام، وقُدْوة الأنام، سعد الدين آفندِي، مُفتِي "الديار الروميَّة"، في عاشر شهر ربيع الأول، سنة ثمان بعد الألف، امتدَّتْ أعْناقُ جماعةٍ من مَوالِي "الديار الروميَّة" لطلب منصب الفتوى مكانَه، وبالغوا في الطلب والسَّعْيِ، وبَذْل الدنيا لمن يُعِينُهم، ويشْفَع لهم، ويُساعدُهم، وصاروا يُبالغوا في وَصْف أنفسهم بالعلم والعَمل، والفضل والكرم، والعدل والإنصاف، وغير ذلك من المحاسن التي ليس فيهم منها قليل ولا كثير، ولا جَليل ولا حقير:

ولسان حال الحقِّ يُنْشِدُ مالَها

إلا إمام العصر صُنْعُ الله

من لم يَخَفْ في الله لَوْمة لائم

وصَنِيعُه لله لا لِلْجاه

فقَبْلَ فَراغهم من دَفْنه، بل ومن الصلاة عليه؛ جاء خطُّ السلطان إلى الوزير الكبير، بتَفْويض منصب الفتوى إليه، من غير تَعَبٍ ولا نصبٍ، لا بذْل فضةٍ ولا ذهبٍ، ولا عهدٍ ولا وعدٍ، بل سمعنا أنه تردّد في القبول وعَدَمه، ولولا أنه رأى القبولَ عليه مُتَعَيِّنا، وأنَّ تركَ المتَعَيِّن، ليس عند الله بِهَيِّن، ما كان يَقْبلُه ولا يُقْبِلُ عليه، فلما حصل القبولُ حصل عند الناس من الفرح والسرور ما لا مزيد عليه، واستبْشَرُوا بإقبال الخيرات، وإدْبار المنكرات، وقيام ناموس الشريعة، وخُمود نار الرِّشوة الفَظيعة، وغير ذلك مما فيه صلاحُ الأئمة، وكَشْف الغُمَّة عن الأمَّة، وما مضى بعدَ ولايته إلا زمنٌ يَسير، حتى عُزِل بعضُ قضاة الجَورِ والرِّشا، ووَلِيَ مكانه بعضُ القضاة الذين يُرْجَى خَيْرُهم، ويُؤْمن ضَرَرُهم

ص: 60

وضَيْرُهم، وعُدَّ ذلك من بركات صاحب الترجمة، وزاد سُرُورُهم به ودعاؤهم له، وثناؤهم عليه، وصار أكثر الخَواصِّ من الناس يرْجون من الله تعالى أن يجعلَه على رأس هذه المائة العاشرة لدين الله الإسلام مُجَدِّدا، ولشريعة خَيْرِ الأنام ناصرا ومؤيِّدا؛ لأنَه رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم، أنَه قال:"إن الله تعالى يُقَيِّض لهذه الأمّة على رأس كُلِّ مائة سنة مَنْ يُجَدِّدُ لها دِينَها"

(1)

. ومسألة التَّجديد للناس فيها كلام كثير، ورواياتٌ مختلفة، نقَل أكْثَرها الحافظ جلال الدين السُّيوطِيّ، في بعض مُؤلَّفاته، وقد أجاد، وأفاد، وأتى بأقصَى غايات المراد، فمن أراد الوقوفَ على ذلك، فلينظر ما هنالك، والله تعالى أعلم بالصواب، وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* * *

‌2356 - الشيخ الفاضل الصيامي بن ولي، الرومي

*

من القضاة.

له "حاشية على تفسير أنوار التنزيل" للبيضاوي.

توفي سنة 971 هـ.

* * *

(1)

أخرجه أبو داود، في: باب ما يذكر في قرن المائة، من كتاب الملاحيم. سنن أبي داود 2:424. والحاكم في كتاب الفتن والملاحيم. المستدرك 4: 552.

* راجع: معجم المؤلفين 5: 25. ترجمته في إيضاح المكنون 1: 141.

ص: 61

‌حرف الضّاد

‌2357 - الشيخ الفاضل الضّحَّاك بن مَخْلَد أحد الأئمة الأعلام، أبو عاصم النَّبيل

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: واخْتُلِف في تلْقِيبه بالنَّبيل، وفي مَن لقَّبه به.

فقيل: سمّاه ابن جُريج، بسبب أنّ الفِيلَ قَدِم "البصرة"، فذهب الناس ينظرون إليه، فقال ابن جُرَيْج: ما لك لا تَنْظُر؟ فقال: لا أجد منك عِوَضًا. فقال: أنت نَبيلٌ.

وقيل: لقَّبه به شُعْبة؛ وذلك أن شُعْبةَ حلَف لا يُحَدِّث أصحاب الحديث شهرا، فبلغ ذلك أبا عاصم، فقصَده، فدخل عليه مجلسَه، فلمّا

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 97 - 99.

وترجمته في الأنساب 552 ظ، والبداية والنهاية 10: 267، وتاريخ خليفة بن خياط (بغداد) 512، والتاريخ الكبير للبخاري 2: 2: 336، وتذكرة الحفاظ 1: 366، 367، وتقريب التهذيب 1: 373، وتهذيب التهذيب 4: 450 - 453، والجرح والتعديل 2: 1: 463، والجمع بين رجال الصحيحين 228، والجواهر المضية برقم 665، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 177، ودول الإسلام 1: 130، وسير أعلام النبلاء 9: 480 - 485، وشذرات الذهب 2: 28، وطبقات الحفاظ 156، وطبقات خليفة بن خياط (دمشق) 555، والطبقات الكبرى لابن سعد 7: 2: 49، والعبر 1: 362، والل‌

‌باب

3: 213، ومرآة الجنان 2: 53، والمعارف 520، وميزان الاعتدال 2:325.

ص: 62

سمع منه هذا الكلام قام، وقال: حدِّثْ وغُلامِي العَطّارِ حُرّ لوَجْه الله تعالى عن يَمِينك. فأعجَبَه ذلك، وقال: أنت نَبيلٌ، وقيل: لأنه كان يلبس الخَزَّ وجيِّدَ الثِّياب.

وقيل: لقَّبه بذلك جارية لِزُفَر.

قال الطحاوِيّ: حدَّثنا يزيدُ بن سِنان، قال: كُنّا عند أبي عاصم، فتحدَّثْنا ساعةً، وقال بعضُنا لبعض: لِمَ سُمِّيَ أبو عاصم النَّبيل؟ فسمع بذلك، فسألَنا عن ما نحن فيه، وكان إذا عَزَم على شيء لم يُقْدَر على خِلافه، فذكرْنا له ذلك، فقال: نعم، كُنّا نخْتلِفُ إلى زُفَرَ، وكان معنا رجلٌ من بني سَعْدٍ، يُقال له: أبو عاصم، وكان ضعيف الحال، وكان يأتي زُفَرَ بثياب رَثَّةٍ، كنتُ آتِيه بطَوِيلةٍ على دابة، بثياب سِرِيَّة، فاستأذنتُ يوما، فأجابتْني جارية عنده، وفيها عُجْمَةٌ، ويقال لها: زَهْرَة، فقالت: مَنْ هذا؟ فقلْتُ: أبو عاصم. فدخلتْ على مَوْلاها، فقال لها: مَن بالباب؟ فقالت له: أبو عاصم، فخرج ليقِفَ على المسْتأذِن عليه مَن هو، أبو عاصم أو السَّعْدِي. فقالت له: ذلك النَّبيل. ثم أذِنَت لي، فدخلتُ عليه وهو يَضْحَكُ، فقلتُ: وما يُضْحِكُك، أصْلَحَك الله؟ فقال: إن هذه الجاريةَ لقَّبَتْكَ بالنَّبيل، لا أراه يُفارقُك أبدا في حياتك ولا بعد موتك. ثم أخبرني خبرَها، فسُمِّيتُ يومئِذٍ النَّبيل.

قال في "الجواهر": قال الذهبي: أجْمَعوا على تَوفيق أبي عاصم.

وقال عُمر بن شَبَّةَ: والله ما رأيتُ مثلَه.

وقال البُخاريُّ: سمعتُ أبا عاصم، يقول: منذ عَقَلْتُ أنَّ الغِيبَة حرام، ما اغْتَبْتُ أحدا قَطُّ.

وقال ابنُ سعد: كان فقيها، ثقَةً.

مات بـ "البصرة"، في ذي الحِجَّة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وهو ابن تسْعين سنة وأشْهُر. وقيل: سنة ثلاث عَشرة.

ص: 63

وروَى له الشَّيْخان.

رُوِيَ أنّه ذُكِرَ له أن يحيى بن سعيد يتكلَّم فيك. فقال: لسْتُ بحيٍّ ولا ميِّت إذا لم أذْكَرْ.

قال الذهبِيّ: سمع من يزيد بن أبي عُبيد، وجماعة من التابعين. وكان واسع العلم، ولم يُرَ في يده كتاب قطُّ.

وذكره ابن عَساكر، في "تاريخ دمشق"، وأثْنَى عليه.

ورُوِيَ أنه كان كبير الأنف، وأنَّه حكَى عن نفسه أنَّه تزوَّج امرأة، وأنَّه أراد تقْبيلَها، فمنَعه أنفه، فأمالَه إلى أحد جوانب وجهها، فقالت له: نَحِّ رُكْبتَك عن وجهي. فقال: ليس هذا ركبةً، إنما هو أنفٌ.

وعن محمد بن عيسى الزَّجَّاج، قال: سمعت أبا عاصم يقول: مَن طلب هذا الحديث فقد طلب أغلَى الأمور، فيجب أن يكون خيرَ الناس.

وعن أبي داود سليمان بن سَيف قال: كنتُ مع أبي عاصم النَّبيل، وهو يمشي وعليه طَيْلَسان، فسقط عنه طَيْلسانه، فسوَّيْتُه عليه، فالْتَفَت إليَّ، وقال: كلُّ معروف صدقة. فقلتُ: مَن ذكره، رحمك الله، فقال: أخبرنا ابن جُرَيْج، عن عَطاء، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كُلُّ مَعْروفٍ صَنَعْتَه إلى غَنِيٍّ أو فَقير، فهو صَدَقة.

(1)

وعن أحمد بن سعيد الدّارِمِي، قال: سمعتُ أبا عاصم النَّبيل يقول: طلبُ الحديث حِرْفَةُ المفاليس، إن كان صاحبَ تجارةٍ ترك تجارتَه حتى تَذْهب، وإن كان صاحبَ صَنْعَة ترك صَنْعتَه حتى تخْرَب، حتى إذا بلغ ما يُريد، وبلغ سبعين سنة، جاء صَبِيّان، فقعدا بين يَدَيْه، فإن كان الشيخ ذَكِيّا قالا: ما أكْيَسَه. وهو على حَداثة سِنّه إن قيل له: كَيِّسٌ. غَضِب، وإن كان الشيخ مُغَفَّلا قالا: ما يُحْسِن قراءة كتابه.

(1)

ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1: 623.

ص: 64

وذكره السُّيوطِي في "طبقات النُّحاة"، وذكر أنّه كالن من أهل العلم باللغة، وأن ولادته سنة ثلاث وعشرين ومائة، ثم قال: وكان حافظا، ثَبْتا، وفيه مِزاح وكَيْسٌ، رأى أبا حنيفة يوما يُفْتِي، وقد اجْتمع الناس عليه، وآذَوْه - يعني من كثرة الزِّحام - فقال: ما هنا أحدٌ يأتينا بشُرْطِيّ؟ فتقدَّم إليه، فقال: يا أبا حنيفة تريد شُرْطِيّا؟ قال: نعم. فقال: اقْرأ علَيَّ هذه الأحاديث التي معي. فلمّا قرأها قام عنه، فقال: أين الشُّرطِيُّ؟، فقال: إنما قلتُ: تُريدُ، ولم أقُلْ لك: أجِئُ به. فقال: انْظُروا أنا احتال للناس مُنذُ كذا وكذا، وقد احْتال علَيَّ هذا الصَبِيّ.

وعن أبي الفضل بن يحيى الباهِلِيّ، قال: رأيتُ أبا عاصم النَّبيل في منامي بعد موته، فقلتُ: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. ثم قال: كيف حديثِي فيكم؟ قلتُ: إذا قلنا أبو عاصم، فليس أحدٌ يرُدُّ علينا. قال فسكت عنِّي، ثم أقبَلَ علَيّ فقال: إنما يُعْطَى الناسُ على قَدْرِ نِيّاتِهم.

وبالجملة إن أبا عاصم كان ممن اتّفَقَتِ الأفاضل على فضله، والأماثل على جلالته ونُبْله، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2358 - الشيخ الفاضل الضّحّاك بن مُسافر مَوْلَى سليمان بن عبد الملِك

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره ابن عَساكر في "تاريخ دمشق"، وقال: حدَّث عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 99، 100.

وترجمته في تهذيب تاريخ دمشق 7: 29.

ص: 65

روى عنه الوليد بن محمد البَلْقاوِيّ، أنّه قال: صَلَّيتُ إلى جنب أبي حنيفة، فسمعني أتشهَّدُ، فقال لي: يا شامِيّ، حدَّثني سليمان بن مِهْران الأعْمَشُ، عن إبراهيم عن عَلْقمة، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال علَّمنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّد:"التَّحِيّات لله، والصَّلَوات والطَّيِّباتُ، السَّلام عَلَيكَ أيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَركَاتُه، السلامُ عَلَينا وعَلَى عباد الله الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنّ مُحَمَّدا عَبْدُه وَرَسوله"

(1)

. ثم تَدْعو بما أحْبَبْتَ.

(1)

حديث ابن مسعود في التشهد، أخرجه البخاري، في: باب التشهد في الآخرة، وباب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، من كتاب الأذان، وفي: باب من سمى قوما أو سلم لي الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم، من كتاب العمل في الصلاة، وفي: باب السلام اسم من أسماء الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها، من كتاب الاستئذان، وفي: باب الأخذ باليدين، من كتاب الدعوات، وفي: باب قوله تعالى: السلام المؤمن، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 1: 211، 212، 2: 79، 7: 63، 64، 73، 8:142. ومسلم، في: باب التشهد في الصلاة، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1: 301، 302، وأبو داود، في: باب التشهد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1: 221، 222، والترمذي، في: باب ما جاء في التشهد، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي 2: 83، 84. والنسائي، في: باب كيف التشهد الأول، وباب نوع آخر من التشهد، من كتاب التطبيق، وفي: باب إيحاب التشهد، وباب كيف التشهد، وباب تخير الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب السهو. المجتبى 2: 189، 193، 3: 34، 35، 43، وابن ماجه، في: باب ما جاء في التشهد، من كتاب إقامة الصلاة، وفي: باب خطبة النكاح، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1: 290، 609، والإمام أحمد، في: المسند 1: 376، 382، 413، 414، 422، 423، 428، 431، 437، 439، 440، 450، 459، 464.

ص: 66

ولم يؤرِّخ له ابنُ عَساكر مولدا ولا وفاةً، ولا ذكر له شيئا من أخباره، بل روَى عنه هذا الحديثَ فقط. والله أعلم.

* * *

‌2359 - الشيخ الفاضل المولى الفاضل ضمير الدين بن الشيخ عبد الغفور النانوفوري الجاتجامي

*

ولد سنة 1353 هـ في قرية "نانوفور" من مضافات "فَتِكْسَرِي"، من أعمال "شِيْتَاغونغ" من أرض "بنغلاديش".

قرأ في المدرسة الفرقانية في قريته، ثم التحق بدار العلوم معين الإسلام هاتهزاري، وقرأ فاتحة الفراغ سنة 1379 هـ، ومن أساتذته: شيخ الحديث عبد القيّوم، وشيخ الحديث عبد العزيز، والمفتي أحمد الحق رحمهم الله، والعلامة أحمد شفيع، حفظه الله تعالى.

وبعد إتمام الدراسة عيّن مدرّسا في مدرسة "بَتُوا"، ثم عيّن مدرّسا بالجامعة العُبيدية بـ "نانوفور" سنة 1379 هـ، ثم عيّن نائب المدير سنة 1405 هـ.

وبعد أن توفي الشَّاه العلامة سلطان أحمد النانوفوري عيّن مديرا، وذلك في 1417 هـ، وقام بهذا المنصب الجليل، حتى توفاه الله جلّ وعلا.

بايع في السلوك على يد الشيخ النانوفوري، وأجازه شيخه بعد مدّة، وبعد وفاته بايع على يد العلامة أحمد شفيع، حفظه الله تعالى، وأجازه الشيخ في الطريقة والسلوك.

توفي ليلة يوم الأحد خامس فروري سنة 1432 هـ.

* * *

* مائة من مهرة علماء بنغلاديش ص 377 - 380.

ص: 67

‌2360 - العالم الصالح التقي المولى العلامة الشاه ضمير الدين بن نور الدين الجاتجامي

*

ولد سنة 1296 هـ في قرية "شُوَابِيْل" من مضافات "فَتِكْسَرِي" من أعمال "جاتجام" من أرض "بنغلاديش".

ارتحل إلى "بورما" في عنفوان شبابه، وقرأ مبادئ العلم عند عالم بنجابي، ورأى في المنام رؤيا، وسأل تعبيرها من عالم كبير، فأرشده للذهاب إلى "كنكوه".

فسافر إلى "كنكوه"، ولقي الإمام رشيد أحمد الكنكوهي، وأظهر عنده ما جرى له في المنام، فأشار بالتحاقه بدار العلوم ديوبند، فارتحل إليها، وقرأ على المولوي الحافظ أفاض الدين مدّة، وقرأ "مختصر القدوري"، و"كنز الدقائق"، ثم التحق بدار العلوم ديوبند، وقرأ على شيوخها ستّ سنين متواليا، حتى قرأ فاتحة الفراغ، ومن شيوخه فيها: المفتي الأكبر عزيز الرحمن الديوبندي، رحمه الله تعالى.

وبعد إكمال الدراسة سافر إلى "كنكوه"، واختار صحبة فقيه النفس الإمام رشيد أحمد الكنكوهي، وبايع في الطريقة على يده، وأقام عنده ثلاث سنين، وأذعن له بالثقة والاعتماد والتفويض والانقياد، ونال عند شيخه الزلفى في أقلّ مدّة، فأجازه في السلوك للإرشاد والتلقين سنة 1322 هـ.

بعد الفراغ رجع إلى وطنه الأليف، وتزوّج بنت أخي العالم الصالح الشيخ عزيز الرحمن الصوفي الفَتِكْسَرَوِي، واتصل بمدرسة بِيْبِيرهَات من مضافات "فَتِكَسَري"، ثم التحق بدار العلوم معين الإسلام هاتهزاري، ودرّس فيها كتب الحديث والفقه والتفسير.

* راجع: تاريخ علم الحديث لمولانا نور محمد العجمي ص 213، ومائة رجال من مشاهير علماء بنغال ص 62 - 67.

ص: 68

توفي يوم السبت 6 جولائي 1358 هـ، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وستين سنة.

ومن مزاياه: أنه كان من حفّاظ "كنز الدقائق".

* * *

‌2361 - الشيخ الفاضل الكامل المولى الشهير بـ "ضميري"، رحمه الله تعالى

*

ذكره صاحب "الشقائق"، وقال: كان يعرف بهذا اللقب، ولم نجد أحدا يعرف اسمه.

كان من عبيد السلطان بايزيدخان يحبّه وأعطاه بعض المدارس، حتى جعله مدرّسا بإحدى المدارس الثمان.

وكان رجلا صالحا، حليم النفس، متواضعا، متخشّعا، إلا أنه لم يكن له شهرة بالفضل، حتى أن المولى ابن المؤيّد حين ما أعطاه السلطان بايزيد خان إحدى المدارس الثمان قال: إنه غير قادر على الدرس في تلك المدرسة، قال السلطان بايزيد خان: فليدرّس الشرح المتوّسط لـ "لكافية"، لعلّه يقدر على دراسته، ولما جلس السلطان سليم خان على سرير السلطنة عزله عن المدرسة، وعيّن له كلّ يوم ستين درهما بطريق التقاعد.

ومات على تلك الحال في سنة عشرين وتسعمائة.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 204.

ص: 69

‌2362 - الإمام العالم العلامة ضِياء بن سعد الله بن محمد بن عثمان الشيخ ضياء الدين، القِرْمِيِّ، رحمه الله تعالى

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان إماما، عالما بالتفسير والعربية، المعانِي والبيان، الفقه والأصلين، ملازما للاشتغال والإفادة، حتى في حال مَشْيه ورُكوبهِ، يتوقَّدُ ذكاءً.

تفقّه في بلاده، وأخذ عن أبيه، والعَضُدِ، والبدر التُّسْتَرِىِّ، والخَلْخالِيّ. وتقدَّم في العلم قديما، حتى كان الشيخ سعد الدين التَّفْتازانِيّ أحدَ مَن قرأ عليه.

وحجَّ قديما، فسمع من العَفيف المطَرِيّ.

قال الحافظ جلال الدين السُّيوطِيّ: وكان يقول: أنا حنفِيّ الأصول، شافعِيّ الفروع. وكان يستحضر المذهَبَين، ويُفْتِي فيهما.

وقال تلميذُه، الولِيُّ العِراقِيّ: أخبرَنِي أنَّه كان يُفْتِي في بلادهم على مذهب أبي حنيفة أيضًا، وكان يَستَحْضرُه. وكان يقول: أنا حنفيّ الاعتقاد والعبادات، رَبّانِي أبي على ذلك. وكان لا يرفع يديه في ركوع الصلاة وسُجودها. انتهى.

قلت: حيث كان الشيخ، رحمه الله تعالى، مُفَنِّنا لمعرفة مذهب أبي حنيفة، حافظا لأصوله وفروعه، عاملا بهما في اعتقاداته ودياناته، فالألْيَقُ به أن يُذْكر في طبقات السّادة الحنفية، لا في طبقات الشافعية، وكَوْنُه يعرف

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 100 - 104.

وترجمته في إنباء الغمر 1: 183، 184، وبغية الوعاة 2: 13 - 115، والدرر الكامنة 2: 309، 310.

ص: 70

مذهب الشافعِيّ أيضًا، ويُفتِي فيه لمن سأله، لا يمنع من ذلك، فإنما هو زيادة علم وفضيلة، وهو بمنزلة مَنْ يعرفُ مذهَبَين أو أكثر، ولكن يعتقِدُ مذهبا واحدا، ويُنْسَبُ إليه. فإن قيل: كيف حَلَّ له مباشرة بعض مدارس الشافعية، وأخذ مَعْلومها، كما سيأتي، مع كون ذلك مُخالفا لشَرْط الواقف بها، وهو لا يجوز؟ قُلتُ: يُمْكِنُ أن يُجاب بأن الشّيْخ، رحمه الله تعالى، كان يرى أن المدرِّس يستحقّ الجامَكِيَّة على معرفة المذهب، ونشْره إياه، لا على اعْتقاده، والتعَبّدِ به، وفاقا لما نقَلَه الشيخ سراج الدين ابن الملَقِّن، في "طبقات الشافعية"، عن عِزِّ الدين بن عبد السلام الشافعِيّ.

قال الحافظ السّيوطِيّ في حق صاحب الترجمة: كان يحُلُّ "الكشّاف"، و"الحاوي" حلّا إليه المنْتهَى، حتى يُظَنَّ أنَّه يحفظهما، ويُحْسِنُ إلى الطَّلبة بجاهه وماله، مع الدين المتين، والتواضع الزائد، والعظمة، وكثرة الخير، وعدم الشَّرِّ.

ولما قدم "القاهرة"، استقرَّ في تدريس الشافعية بـ "الشيوخونِيّة"، ومشيخة البِيبَرْسِيَّة.

وكان اسمه عُبيد الله، فكان لا يرضَى ذلك، ولا يكتبُه، لموافقته اسم عُبَيْد الله بن زياد، قاتل الحسين رضي الله تعالى عنه، ولعَن قاتلَه.

وكانت لحيتُه طويلة بحيث تصل إلى قدميه، ولا ينام إلا وهي في كِيس، وإذا ركب تَنْفرِق فِرْقتين، فكان عَوَامُّ "مصر" يقولون إذا رأوه: سُبحان الخالق، فيقول هو: عَوامُّ مصر مؤمنون حقَّا؛ لأنّهم يستدلّون بالصنعة على الصانع.

أخذ عنه الشيخ عِزُّ الدين ابن جماعة، والولِيُّ العِراقِيُّ، وغَيرهما.

وروَى عنه البُرهان الحلبِيُ، وغيرُه.

ومات في ذي الحجّة، سنة ثمانين وسبعمائة.

وكتب إليه، طاهر بن حبيب، رحمه الله تعالى

(1)

:

(1)

بغية الوعاة 2: 14، والدرر 2:310.

ص: 71

قُل لرَبِّ النَّدَى ومَن طلَب العِلْـ

ـمَ مُحِدّا إلى سبيل السَّواء

(1)

.

إن أردتَ الخلاص من ظُلمة الجهْـ

ـلِ فما تهْتدِي بغير الضِّياء

فأجاب، رحمه الله تعالى

(2)

:

قُل لمن يطلُب الهدايةَ منِّي

خِلْت لَمْعَ السَّراب بِرْكةَ ماء

ليس عندي مِن الضِّياء شُعاعٌ

كيف يُبْغَى الهدى من اسم الضِّياء

قال الحافظ جلال الدين السُّيوطِيّ، رحمه الله تعالى، في آخر ترجمة الضياء، رحمه الله تعالى: فائدة رأيتُ أن أُطْرِفَ بها هذا الكتاب، وقع في كلام الشيخ ضياء الدين هذا السّابق، نَقْلُه عنه آنفا إطْلاقَ الصّانع. على الله تعالى، وهو جارٍ في ألسِنَة المتكلمين، وانْتُقِدَ عليهم بأنَّه لم يَرِدْ إطلاقه على الله تعالى، وأسماؤه توْقيفيّة.

وأجاب التَّقِيُّ السُّبكِيُّ، بأنه قُرِئ شاذَّا (صنَعَه الله) بصيغة الماضي، فمن اكْتفَى في إطْلاق الأسماء بورود الفعل، اكْتفَى بمثلِ ذلك.

وأجاب غيرُه بأنّه مأخوذ من قوله تعالى: (صُنْعَ الله)

(3)

. ويتوقَّف أيضًا على القَوْل بالاكْتفاء بوُرود المصدر. قال - أعْنِي السُّيُوطِيّ - وأقول: إنِّي لأعجبُ للعلماء خَلَفًا وسلَفا، من المحدِّثين والمحقِّقين، ممن وقَف على هذا الانْتقاد، وقول القائل: إنه لم يَرِدْ. وتسْليمهم له ذلك، ولم يسْتَحْضِرْوه، وهو واردٌ في حديث صحيح. ثم رَوَى الحديث بسَنَده، عن حُذيفة، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله صانع كُلّ صانع وَصَنْعتِه". وقال: هذا حديث صحيح، أخرجه الحاكم عن أبي النضْر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه، عن عثمان بن سعيد الدارِمِيّ، عن علي

(1)

في الدرر: لرب العلي.

(2)

سورة النمل 88.

(3)

في كتاب الإيمان. المستدرك 1: 31، 32. وفيه خالق كل صانع.

ص: 72

ابن المدِينِيّ، به. قال: على شَرْط الشَّيخين. ولم ينْتَقِده الذهبِيُّ في "تلخيصه"، ولا العراقِيّ في "مُسْتَخْرَجه"، والعجَب من السُّبكِيّ، حيث لم يسْتَحْضِرْه، عدَل إلى جوابٍ لا يُسلَّمُ له مع حِفْظِه، حتى قال ولدُه: إنه ليس بعدَ المزِّي والذهبِّي أحْفظَ منه. والله تعالى أعلم.

وكان الضِّياء المذكور من المتعصِّبين على الظَّلمَة، والقائلين بالحق، الذين لا يأخذهم في الله لومةُ لائم.

قال الوَلِيّ العِراقِيّ: وفي يوم الاثنين، سادس عشر ذي الحِجَّة، سنة ثمانين وسبعمائة، عُقِد مجلسٌ عند الأميرين الكبيرين بَرْقوق وبَرَكة، بحضور القضاة الأربعة، والمشايخ المعْتَبَرين؛ الشيخ أكْمَل الدين البابَرْتِيّ، والشيخ سِراج الدين البُلْقِيْنِيّ، والشيخ ضياء الدين القَرْمِيّ، بسبب إبطال أوقاف الأراضي المشْتراة من بيت المال، وإعادتها إلى بيت المال؛ لأنها تُباع من غيرِ أن تَدْعُوَ حاجةُ المسلمين إلى ذلك. فأجاب أكثرُ الحاضرين بمَنْع ذلك إذا حكَم حاكمٌ بِصِحَّته، فإن نقْضَ الحُكم في محلِّ الاجتهاد مُمْتَنِع، وجميع الأوقاف المذكورة محكومٌ بصحتها، ومال شيخُنا البُلْقِينِيُّ إلى الإبطال، وأن حُكْم القُضاة بذلك لم يُصادف محلا؛ لأنهم إنما فعلوه خوفا على مَناصبهم، فإنهم لو امْتَنَعوا لعُزِلوا، كما جرى لابن منصور، قاضي الحنفية، لما جِيءَ إليه بشيءٍ من هذا لِيُثْبِته، فامْتنع من ذلك، فعُزِل، ووقع بين شيخنا المذكور وبين الشيخ ضياء الدين القَرْمِيّ بسبب ذلك ما أوجب الوَحْشة بينهما، مع تأكُّد المودَّة بينهما قبلَ ذلك، واجتمعت بالشيخ ضياء الدين عقيب ذلك، ووجدْتُه متغَيِّر الخاطر، متألِّما بسبب ذلك، وتضعَّف، فمات بعد جمعة.

قال: وبَلَغَني أنّ الشيخ أكْمَلَ الدين قال للأمراء: إن كنتم تريدون الشَّرع، فهؤلاء عُلماء الشرع أفْتوكم بعدم الجَواز، وإن كنتم تريدون قَطْع أرزاق العلماء، فَرَتِّبوا لهم كما رتَّب فرعون لخادم الأصنام أو نِصْفه. وانْفَصل المجلسُ على تَنافُرٍ، واستمَّرت الأوقافُ على حالها. انتهى ملخَّصا.

ص: 73

قلتُ: في سياق هذه الواقعة ما يدلُّ على أن الشيخ إنما كان سبب موته حِدَّةُ الغَيرة والغضب لله تعالى، فجزاه الله عن المسلمين خيرا.

وقيل: كان سبب موته خوفَه من بَرْقُوق، لكلامٍ خَشِنٍ كلَّمه إيّاه، خاف منه على نفسه.

وذكره الحافظ ابن حَجَرٍ في "إنْبائه"، وبالغ في الثَّناء عليه. وذكر في الحوادث أنّ البُلْقِينِيّ لم يوافق على إبطال الأوقاف مطْلَقا، ولم يمِل إليه، بل قال: أمّا أوقاف الجوامع والمدارس وجميع ما للعلماء والطلبة، فلا سبيل إليه، ولا يحلُّ لأحد نَقْضُه؛ لأنّ لهم في الخُمْس أكْثَر من ذلك، وأما ما وُقِف على عُوَيْشة وفُطَيْمةَ، واشْتُرِيَ لأمثالهما من بيت المال بالحِيلَة، فينْبغي أن يُنْقَضَ، إذا تحقَّق أنَّه أُخِذ بغير حقٍّ.

وهذا الكلام يُخالف ما نقله العِراقِيّ عنه، من الميلِ إلى الإبطال مطلقا، وهو الظاهر الذي لا يُظَنُّ وُقوعُ ما يخالفُه من الشيخ سراج الدين، رحمه الله تعالى، فإنه كان ممن لا يُحابِي الظَّلَمة، ولا يَرْهَبُهم، ولا تأخذُه في الله لومة لائم. - نفعنا الله ببركاته، وبركات علومه، آمين -.

* * *

‌2363 - الشيخ الفاضل العالم المحدّث ضياء الله بن محمد غوث الشطاري

(1)

الكواليري

*

(1)

أما الطريقة الشطارية فهي للشيخ عبد الله الشطار الخراساني، وكان من رجال القرن الثامن، ورد الهند، وأخذ عنه خلق كثير، ولها جهتان: جهة الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب "الجواهر الخمسة"، وهو أخذ عن الشيخ حميد، عن الشيخ هداية الله بن محمد بن العلاء المنيري، عن والده، عن الشيخ عبد الله المذكور. وأخذ عنه خلق كثير، منهم: الشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي، =

ص: 74

كان من ذرّية الشيخ فريد الدين العطّار، صاحب "تذكرة الأولياء".

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: سافر في صغر سنّه إلى "كُجْرَات"، وقرأ العلم على الشيخ وجيه الدين نصر الله العلوي الكجراتي، وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن طاهر بن علي الكجراتي، ولازمه عشر سنين، وأرسل إليه والده الخرقة، رجع إلى "كواليار"

(1)

بعد وفاة أبيه سنة سبعين وتسعمائة، وأقام بها زمانا، ثم دخل "أكبرآباد"، وسكن بها، وصرف خمسا وثلاثين سنة في نشر العلم والمعرفة.

وكان شيخا وقورا، عظيم الهيئة، عارفا بدقائق التصوّف والتفسير والحديث وأقوال المشايخ، حلوّ الكلام، يدرّس في علوم عديدة، حصل له القبول التامّ عند عوام أهل البلد والوجاهة عند الأمراء، استقدمه أكبرشاه بن همايون السلطان غير مرة، وتمتع بصحبته.

= وأخذ عنه السيّد صبغة الله بن روح الله الحسيني البروجي المهاجر إلى المدينة المنورة، فوصلت هذه الطريقة بواسطته إلى بلاد العرب، ومنهم: الشيخ لَشْكر محمد العارف، أخذ عنه الشيخ عيسى بن قاسم السندي، وبلغها إلى معظم المعمورة، وأما الجهة الأخرى فهي جهة الشيخ على بن قوام الجونبوري، فإنه أخذ عن الشيخ عبد القدّوس النظام آبادي، عن الشيخ حافظ واسطه كارْ، عن الشيخ عبد الله المذكور. انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 186.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 199 - 201.

(1)

"كواليار" بفتح الكاف الفارسية والواو، كسر اللام، وفتح الياء من تحت، بعدها ألف، وراء مهملة، ويقال لها:"والير" بدون الألف بعد التحتية، حصن منيع على قامة جبل شاهق، كأنه منحوت من الصخر، لا يحاذيه جبل، وبداخله برك الماء، وأسفل الحصن مدينة حسنية مبنية كلّها من الحجارة المنحوتة، ومساجدها ودورها، وهي الآن في أيدي "مرهته" تحت سلطة الإنكليز، ومدينة "كواليار" قاعدة بلادهم، يسكن بها ملوك "سيندهيا"، وفيها قبر الشيخ محمد الغوث الكواليري رحمه الله تعالى.

ص: 75

وذكره البدايوني في "تاريخه"، وقال: إني لقيته بـ "أكبرآباد" سنة سبعين وتسعمائة، فحضرت بين يديه بدون معرف يعرفنيه، فحيّيتُه على الوجه المسنون، فشقّ عليه، لأنه كان معتادا بالآداب المرسومة، فسألني: من أين أنت قادم؟ فقلت: من "سَهْسَوَان"، وكان الوالي بها أحد أصحاب والده محمد غوث، فنظر إلىّ بعين الاحتقار، وسألني عن علوم قرأتها، فقلت: إني كنت قرأت صغار الكتب الدرسية في كلّ علم وفن، فطفق يستهزأ بي، وأشار إلى بعض أصحابه - وقد رأيت ذلك - فقال ذلك الرجل: إني شممت رائحة عطرة، فتشوش دماغي بذلك، فقال رجل آخر: قد عضّه كلب كلب مرّة، فكلما يشقّ رائحة عطرة يتشوش بها دماغه، ويجن ويؤذي الناس يعضدّهم إلى الشيخ من الأقطار البعيدة لينالوا مآربهم، وهو لا يقدر أن يعالج من يعضه الكلب العقور! فقالوا: إنك تستطيع أن تعالجه؟ فقلت: نعم، فقالوا: ما العلاج؟ فقلت: النعال والأحجار تضرب بها على رأسه، فلمّا علم الشيخ أن سهامه لم تصب الغرض رجع إلى مكانه، واشتغل بذكر الله سبحانه وفتح القرآن، وشرع في الدرس يتكلّم عن بعض آيات سورة البقرة، وفسّرها بالغرائب، فقلت: هل هي مستندة إلى تفسير يعتمد عليه؟ فقال: إني أقول: من باب الإشارة، وهو واسع، فقلت: هل هو من الحقيقة أو المجاز؟ فقال: من باب المجاز، فقلت: ما العلاقة بين معناه الحقيقي والمجازي؟ فبهتَ، وصار يخبط خبطَ عشواءَ. انتهى.

توفي لثلاث ليال خلت من رمضان سنة خمس وألف، كما في "مآثر الأمراء".

* * *

ص: 76

‌2364 - الشيخ الفاضل ضياء الحسن، الأعظمي القاسمي الندوي من كبار المحدّثين بـ "الهند

" *

ولد في مدينة "مئو".

تخرّج بجامعة دار العلوم في "ديوبند"، متخصّصا بالحديث الشريف، واستفاد في تخصّصه هذا بالشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، كما نال شهادة كلّية اللغة العربية من جامعة ندوة العلماء التي عيّن فيها أستاذا ورئيسا لقسم الحديث بكلية الشريعة بها، بعد أن كان أقرأ في عدد من مدارس "الهند"، "ماليفاون" و"بارس" و"مئو".

وتوفي سنة 1409 هـ في "لكنو"، حقّق كثيرا من الكتب مثل "الزهد والرقائق" لابن المبارك، و"الترغيب والترهيب".

* * *

‌2365 - الشيخ العالم المحدّث ضياء الدين البهاولبوري الجونبوري، أحد العلماء المبرّزين في الحديث والتفسير

* *

* راجع: إتمام الأعلام 206، والبعث الإسلامي مج 34، وتتمة الأعلام للزركلي 1: 251، والداعي (الجامعة الإسلامي الهند) ع 109 تاريخ 1، 16، 6، 1409 هـ، الرائد (الهند) 15 تاريخ 6، 23، 6، و 9، 7، 1409 هـ، والبعث الإسلامي مج 34 ع 1.

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 199.

ص: 77

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: أخذ عن الشيخ محمد رشيد بن مصطفى العثماني الجونبوري صاحب "الرشيدية".

ومات بعد موته، ذكره غلام رشيد الجونبوري في "كنج أرشدي". وقال السنبهلي في "الأسرارية": إنه قدم دار الملك في بداية حاله، ودخل في المدرسة التي كانت بالسوق الكبير (جوك)، وقرأ العلم على مولانا حيدر وعلى غيره من العلماء، ثم ترك البحث والاشتغال، قال: وإني لقيته بـ "أمروهه"، ثم قدم "سنبهل"

(1)

، وسكن بها، وتزوّج، وكان يدرّس، ويفيد. انتهى.

ولم يؤرّخ السنبهلي لعام وفاته، لعلّه كان حيّا إلى سنة سبع وستين وألف.

* * *

‌2366 - الشيخ الفاضل الخطيب المصقع العلامة ضياء الرحمن بن محمد علي جانْباز بن ميان شرف الدين البِيرْجِي البنجابي الباكستاني

*

ولد سنة 1372 هـ في "فيصل آباد" من "بنجاب" من أرض "باكستان".

وكان جدّه عالما ورعا تقيا صالحا.

والده هاجر من "جالندهر" من أرض "الهند" إلى "فيصل آباد" من أرض "باكستان".

(1)

"سنبهل": بفتح السين المهملة، بلدة عامرة، بينها وبين "أمروهه" مسيرة يوم واحد.

* راجع: مائة من مشاهير العلماء ص 191 - 196.

ص: 78

قرأ مبادئ العلم في بيته، ثم التحق بإسكول، وقرأ العلوم العصرية سنين، وفاز في الاختبار النهائي للصفّ الخامس بدرجة الامتياز، ثم التحق بالجامعة الرشيدية ساهيوال، وحفظ القرآن الكريم في مدّة يسيرة بعونه سبحانه وتعالى، والتحق سنة 1386 هـ بالدرجة العربية في تلك المدرسة، وقرأ الكتب الفارسية على العلامة يوسف الشهيد اللدهيانوي، وقرأ كتب النحو والصرف على مولانا مختار أحمد، والعلامة غلام رسول، ومولانا مقبول أحمد، رحمهم الله تعالى.

وقرأ "علم الصيغة" في الصرف على مولانا محمد الصدّيق، و"نور الإيضاح" في الفقه على مولانا منظور أحمد، وقرأ درسا من "نور الإيضاح" على خير محمد الجالندهري، مؤسّس خير المدارس.

ثم التحق سنة 1389 هـ بدار العلوم كبيروالا، وقرأ فيها ثلاث سنين، ووقع اللقاء مع العلامة حق نواز الجنكوي، والعلامة محمد عبد الله البهلوي، ثم بايع بعد مدّة على يد الشيخ البهلوي، والتحق بجامعة باب العلوم، وقرأ فيها على الشيخ عبد المجيد ثلاث سنين، وقرأ "صحيح البخاري" وغيرها من الكتب الحديثية سنة 1395 هـ في خير المدارس ملتان، قرأ "صحيح البخاري" على شيخ الحديث العلامة محمد شريف الجالندهري، و"سنن أبي داود" على مولانا المفتي عبد الستّار، و"صحيح مسلم" على مولانا محمد صدّيق، رحمهم الله تعالى، وفاز في الاختبار النهائي بدرجة الامتياز.

وبعد الفراع عيّن خطيبا في المسجد الذي أسّسه أبوه، وفي هذه المدّة حصَّل العلوم العصرية، والسند العالي فيها، بنى مساجد ومدارس، مستشفيات كثيرة، وسجّن زهاء ثلاثين مرّة في سبيل الله، وصنّف كتبا كثيرة، يبلغ عددُها 103، وكان خطيبا مصقعا، عابدا ورعا.

مات شهيدا سنة 1418 هـ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

* * *

ص: 79

‌حرف الطاء المهملة

‌2367 - الشيخ الفاضل العارف بالله طابدق أمره

*

ذكره صاحب "الشقائق"، وقال: كان رحمه الله متوطّنا بقرية قريبة من نهر صقريه.

وكان صاحب عزلة، وانقطاع عن الناس.

وكان صاحب إرشاد وكرامات عالية، قدّس سرّه.

* * *

‌2368 - الشيخ الفاضل طاشغين خليفة

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان عالما عاملا، أخذ عن المولى خسرو، وسلَك طريق أهل التصوُّف، واسْتَوْطن بلده "بَرُوسَة"، وبها الآن مَحَلَّة تُنْسَب إليه، وصار بها واعظا، وانْتفع به الناس، وأحبُّوه.

وكانتْ وفاته في أيّام سَلْطَنة السلطان بايزيد خان بن محمد خان بن مُراد خان

(1)

. تغمّدهم الله تعالى برحمته.

* * *

* راجع: الشقائق النعمانية ص 37.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 111.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 324. وفيه: "طشغون".

(1)

بويع له بالسلطنة سنة ستّ وثمانين وثمانمائة.

ص: 80

‌2369 - الشيخ الفاضل العلامة طالوت (عبد الرشيد نسيم) بن القاضي محمد بخش بن المولوى غلام محمد خاكي بن ميان عمر، وابن ميان عمر يار

*

ولد 7 محرّم الحرام 1327 هـ في موضع "جمال خان" من أعمال "درا غازي خان".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بمدرسة عطاء العلوم، وقرأ فيها على مولانا فيض محمد، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، والتحق بها سنة 1342 هـ، وقرأ علي الإمام محمد أنور شاه الكشميري، ثم التحق بجامعة بنجاب، وحصّل منها السند العالي، كان شاعرا مجيدا، صنّف كتبا كثيرة، فأفاد وأجاد.

حجّ بيت الله الحرام، وزار "المدينة المنوّرة" سنة 1355 هـ.

توفي خامس ذى القعدة سنة 1382 هـ، ودفن في مقبرة آبائه بعد أن صلّى عليه كثير من العلماء والفضلاء.

* * *

‌2370 - الشيخ الفاضل طاهر بن أحمد بن عبد الرَّشيد، البُخاريّ

* *

* راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت، بنجاب 1: 185 - 202.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 105.

وترجمته في تاج التراجم 30، والجواهر المضية برقم 666، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 105، والفوائد البهية 84، وكتائب أعلام =

ص: 81

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو صاحب كتاب "الواقعات"، وكتاب "النِّصاب"، ثم اخْتَصر بعد ذلك من ذلك كتابا، سماه "خُلاصة الفَتَاوَى"، التي أملاها حافظ الدين الملَقَّب افْتِخار الدين.

كذا في "الجواهر المضيَّة" من غير زيادة، ولم يذكر تاريخَ وفاته، ولا تاريخ ولادته.

وقد رأيتُ على نسخة من كتاب "الخُلاصة"، بخطِّ الإمام العالم العلامة علي جلبي ابن أمر الله ما صُورته: طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاريّ، ويُقال له افْتخارُ الدين، كما ذكره في "حقائق المنظومة"، وهو الإمام ابن الإمام ابن الإمام، مَرْضِيُّ الأخلاق، حسن السِّيرة، ألَّف "خِزانة الواقعات"، وكتاب "النصاب"، ثم اخْتَصَر منهما كتاب "الخلاصة". مولدُه سنة اثنتين أو إحْدَى وثمانين وأربعمائة.

وتُوُفِّيَ بِـ "سَرْخَسَ"، في جُمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وعُقِدَ العزاءُ بها، ثم حُمِلَ إلى "بُخارَى". انتهى.

فظهر من ذلك أنَّ افْتخار الدين لَقَبٌ لصاحب "الخلاصة" نفسِه، لا لرجل أمْلاها غيره، كما يُفْهَم من كلام صاحب "الجواهر" هنا. وأما كلامه في الألقاب، فعلَى وَجْه الصَّواب.

قال صاحب "خُلاصة الفتاوى" في مبدء كتابه: أمَّا بعدُ! فقد عرفتم إخواني أيّدكم الله تعالى أن العلوم كثيرة، والأعمار قصيرة، فالأولى صرف الهمّة إلى الأهمّ، والإقبال إلى ما هو نفعه الأعم، وهو جمع "الواقعات"، وترتيبها، وتجنيسها، وتنويعها، قال رضي الله عنه، وقد كتبتُ في هذا الفنّ نسختين: إحداهما تسمّى "خزانة الواقعات"، والثانية تسمّى "كتاب النصاب"، فسألني

= الأخيار برقم 414، وكشف الظنون 1: 702، 703، 718، 2: 1999، ومفتاح السعادة 2:278.

ص: 82

بعد ذلك بعضُ إخواني أن أكتب نسخة قصيرة، يمكن ضبطُها، ويتيسّر حفظُها، فكتبتُ هذه النسخة، جامعة للرواية، خالية عن الدراية، مع بيان مواضع المسائل، دفعا لطعن الطاعن، وغنية للمقيم والظاعن، وكتبتُ فهرستَ الفصول والأجناس على رأس كلّ كتاب، ليكون عونا لمن ابتلى بالفتوى، وسمّيتُها "كتاب الخلاصة"، وكلّ ذلك أفعلُ تيسيرا للأمر على المقتبسين، رجاء الثواب من العزيز الوهّاب.

* * *

‌2371 - الشيخ الفاضل طاهر بن أحمد بن محمد بن محمد أبو العلاء، مُحبّ الدين بن جلال الدين أبي الطاهر بن شمس الدين أبي عبد الله ابن جلال الدين أبي محمد الْخُجَنْدِيّ الأصْل، المدَنِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلد بـ "المدينة الشريفة"، سنة سبع وسبعين.

وسمع من أبيه، ومن المراغِيِّ، وغيره. وأجاز له جماعة من الحُفّاظ. وتفقَّه على أبيه.

وكان إماما، علامة، طارحا للتَّكلُّف، مُقْبِلا على الآخرة. وتصدَّى للإقْراء، وانْتَفَع به جماعة.

ومات في شهر رجب، سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، بـ "المدينة المنوّرة"، وصُلِّيَ عليه بالرَّوضة الشريفة بعدَ صلاة الظهر، ودُفن بـ "البَقيع"، بالقرب من

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 105، 106.

وترجمته في الضوء اللامع 4: 2، 3.

ص: 83

سيّدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانتْ جِنازتُه حافلة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2372 - الشيخ الفاضل طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حَبِيب، الملقَّب زين الدين أبو العِزِّ الحَلَبِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو الإمام البليغ الفاضل، من بيت الفضل، ابن الإمام بدر الدين أبي محمد.

ذكره العلامة قاضي القضاة علاء الدين في "تاريخه"، وقال: وهو حنفيُّ المذهب، اشْتغل بالأدب، على الشيخ أبي عبد الله، وأبي جعفر المغربيَّيْن، واشتغل على غيرهما من المشايخ، وبرع فيه، وصنَّف، ونظَم، ونثَر، وكتب في ديوان الإنشاء بـ "حلب"، ثم رحل إلى "القاهرة"، واسْتَوْطنها، وكتب في ديوان إنشائها، وصار بها أحدَ الأعْيان، وتولّى عدَّة وظائف.

وله الكتابة الحسنة، والنَّظم البليغ، والفضيلة التّامة في سُرْعة الإنشاء.

صنَّف "شرحا على البُرْدة" نَظْمِ البُوصِيرِيّ، وخمّسها، ونَظَم في المعاني والبيان.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 106، 107.

وترجمته في إنباء الغمر 2: 337، 338، وشذرات الذهب 7: 75، 76، والضوء اللامع 4: 3، 4، وكشف الظنون 1: 478، 737، 2: 1065، 1135، 1333، 1608، 1825 وهو في الإنباء والضوء "طاهر ابن الحسين".

ص: 84

كتب إليه القاضي فَتْح الدين ابن الشَّهيد، كاتبُ السِّرِّ بـ "الشام" ارْتجالا، وذلك في سنة إحدى وستين وسبعمائة قوله:

أيا ابن حَبِيب من أدَبِ أجِزْنا

وأمْتِعْنا على شَرْطِ الأديب

وأملِ على مُحِبِّيك المعاني

ليَرْوِيها مَحاسِنُ عن حبيب

فقال القاضي زَين الدين طاهرٌ مجيبا:

لسائل مَدْمَعِي هل من مُجِيبِ

يُخَبِّره عن الرِّشا الرَّبيب

وهل لصبابَة الكَلِفِ المعَنَّى

وسُقْمٍ قد بَراه من طَبِيبِ

كذا رأيتُ هذه الترجمة بخطِّ أحمد بن محمد بن الشِّحْنة، ومنه نقلتُها، ثم رأيتُ له ترجمة في "الضوء اللامع" بنحو ما هُنا، وأوْرَدَ له بعضَ الأبيات، منها قولُه

(1)

:

قلتُ له إذ ماسَ في أخْضرٍ

وطَرْفُه ألْبابَنَا يسْحَرُ

لَحْظُك ذا أو أبْيَض مُرْهَفٌ

فقال لي ذا مَوْتُكَ الأحْمَرُ

(2)

وقوله في ضَبْط أشْهُرِ القِبْط

(3)

:

بَرْمَهاتُ بَرْمُودَةٌ وبَشَنْسُ

وبَؤُونُ أبِيبُ مسْرَى الحُرُورِ

ثم تُوتٌ وبابَةٌ وهَتُورٌ

وكَيَهْكٌ وطُوبَةٌ أمْشِيرُ

قال السّخاوِيُّ: وله "نَظْم في فرائض الحنفية"، و"مَحاسِن الاصْطلاح"، للبُلْقِينيِّ، وذيَّل على "تاريخ أبيه" بطريقته.

وقال ابنُ خَطيب النّاصِرِيَّة: وكان ناظما بليغا، تامَّ الفضيلة في صناعة الإنشاء، بحيث إنَه عُيِّن لكتابة سِرِّ "مصر".

وأرَّخ السّخاوِيُّ ولادته بعد الأربعين وسبعمائة بقليل.

(1)

إنباء الغمر 2: 338، وشذرات الذهب 7: 75، 76، والضوء اللامع 2:4.

(2)

في الشذرات: فقال هذا موتك الأحمر.

(3)

الضوء اللامع 2: 4.

ص: 85

ونقل عن الحافظ ابن حَجَرٍ أن وفاتَه في يوم الجمعة، سابعَ عشرَ ذي الحجّة، سنة ثمان وثمانمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2373 - الشيخ الفاضل المولى أبو طاهر بن مولانا رياض الدين بن المولوي أفسر الدين بن الشيخ معين الدين الكملائي

*

ولد سنة 1367 هـ في قرية "شُوسِيَا فَاره" من مضافات "لَكْسَام من أعمال "كملا".

تلقّى مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بالمدرسة العالية فيني، وقرأ فيها من البداية إلى النهاية.

من أساتذته: العلامة عبد المنّان، وخاله العلامة محبّ الرحمن، وغيرهما، قرأ عليهم كتب الصحاح الستة، وغيرها من الكتب الحديثية.

وبعد إتمام الدراسة اشتغل بالتعليم والتدريس، حتى توفّاه الأجل سنة 1391 هـ.

ودفن في مقبرة آبائه بعد أن صلّي على جنازته.

* * *

‌2374 - الشيخ الفاضل العلامة طاهر بن عبد المجيد السِّلْهتي

* *

* من قلم المؤلف، حفظه الله تعالى ورعاه.

* * راجع: تاريخ علم الحديث لمولانا نور محمد ص 214.

ص: 86

ولد سنة 1275 هـ في قرية "بانسْبَاري" من مضافات "كَنَائغَات" من أعمال "سِلْهِت" من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم سافر إلى "لكنو"، فقرأ على الإمام عبد الحي اللكنوي أياما، وقرأ علم الحديث على العلامة نذير حسين الدهلوي، ثم درّس سنةً في مدرسة محمد ميان في دهلي، ثم التحق بمدرسة مولانا محمد موسى بـ "بردوان"

(1)

، ثم التحق بمدرسة كُلُوتَلا بـ "كلكته"، ودرّس فيهما كتب الحديث الشريف.

من تصانيفه: "حاشية على سنن ابن ماجه"، و"ضعفاء ابن ماجه".

* * *

‌2375 - الشيخ الفاضل طاهر بن عثمان بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو الطَّيِّب، البُخاريّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تفقَّه على بكر الزَّرَنْجَرِيّ.

وسمع من جَدِّه محمد بن عبد الحميد.

مات سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وله إحدى وسبعون سنة، رحمه الله تعالى.

* * *

(1)

"بردوان" مدينة واقعة على الضفة اليسرى من نهر "دموده" على مسافة ثمانية وخمسين ميلا من "كلكته" إلى الشمال الغربي، فيها بيوت متراكمة حقيرة، مبنية من الطين، يتخلّلها بيوت قليلة ظريفة تحيط بها حدائق.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 108.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 667.

ص: 87

‌2376 - الشيخ الفاضل طاهر بن عليّ

*

له "الفتاوى".

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان رفيقا لمحمود ابن الوَلِيّ، إمامان كبيران.

ويأتي محمود بن الوَلِيّ في محلِّه، إن شاء الله تعالى، كذا قاله في "الجواهر"، من غير زيادة.

* * *

‌2377 - الشيخ الفاضل طاهر بن غلام نبي البنج بيري عالم، مفسّر، فقيه

* *

ولد سنة 1335 هـ في بلدة "بندير"، مقاطعة "مردان"، في الولاية الشاملية الغربية الحدودية (سرحد) بـ "باكستان". قرأ على علماء بلده. جاهد مع آخرين ضدّ الإنجليز، فسجن عدّة أشهر، ثم تابع 1351 هـ اتجه إلى رئيس المفسّرين والمحدّثين، الصرفي الزاهد حسين علي، فقرأ عليه التفسير والحديث والفقه والتصريف، والمنطق على غلام رسول، ثم سافر دار العلوم "ديوبند"

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 108.

وترجمته في تاج التراجم 30، والجواهر المضية برقم 668، وهو من رجال القرن السادس.

* * راجع: الفاروق ع 43 (محرم - ربيع الأول 1416 هـ) ص 32، وتتمة الأعلام للزركلي 3: 93، 94.

ص: 88

ليدرس هناك أيضًا، وحجّ عام 1356 هـ، وقرأ في "مكّة المكرّمة" الصحاح الستة على الشيخ عبيد الله السندي.

وعاد للدعوة والجهاد، فأسّس "جماعة إشاعة التوحيد والسنة" عام 1357 هـ، وقام بتدريس العلوم الشرعية، وركز على تصحيح العقيدة نبذ البدع والفجور والشرك، فذاع صيتُه، وقصده الناس وطلبة العلم. وحصلت بينه وبين الآخرين محاورات ومشادات عنيفة، بسبب منهجه في العقيدة.

وله مؤلّفات جيّدة، منها:"الانتصار لسنّة سيّد الأبرار"، و"حقيقة المودودي"، و"العرفان من أصول القرآن"، و"المصافحة"، و"ضياء النور لدحض البدع والفجور"، و"البصائر للمتوسّلين بأهل المقابر"، "طبقات المفسّرين"، و"سمط الدرر في ربط الآيات والسور"، و"تعليقات على الصحيحين"، ولم تطبع، وله رسائل كثيرة في حلّ موضوعات مختلفة.

توفي سنة 1406 هـ.

* * *

‌2378 - الشيخ الفاضل مولانا طاهر بن منصور السلهتي

*

ولد في قرية "طاهربُور" من مضافات "غُلَابْ غنج" من أعمال "سلهت" من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في مدرسة "رانا فِنْغ"، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وقرأ على شيوخها كتب الفنون العالية وكتب الحديث.

* راجع: تاريخ علم الحديث ص 261.

ص: 89

من شيوخه: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة إبراهيم البلياوي، وشيخ الأدب إعزاز علي الأمروهوي، وغيرهم من المحدّثين الكبار.

وبعد إتمام الدراسة وصل إلى داره، والتحق مديرا بمدرسة رانا فِنْغ، وكان يدرّس فيها كتب الحديث والفنون الأخر.

* * *

‌2379 - الشيخ الفاضل مولانا أبو طاهر بن الشيخ ناظم الدين المندوكي الكملائي

*

ولد بعد خمسين وثلاثمائة بعد الألف في قرية "مَنْدُوك" من مضافات "برورا" من أعمال "كملا" من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم التحق بدار العلوم برورا، وقرأ فيها عدّة سنين، ثم سافر إلى دار العلوم معين الإسلام هاتهزاري، وقرأ فاتحة الفراغ فيها.

من أساتذته فيها: المحدّث الكبير العلامة عبد القيّوم، والمحدّث الجليل العلامة عبد العزيز، رحمهما الله تعالى.

وبعد إتمام الدراسة درّس في مدارس عديدة، ثم اتّصل مدرّسا بدار العلوم برورا.

توفي سنة 1411 هـ، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة قريته.

* * *

* راجع: مشايخ كملا 1: 102 - 104.

ص: 90

‌2380 - الشيخ العالم الكبير العلامة المحدّث طاهر بن يوسف بن ركن الدين بن معروف ابن الشهاب السندي

*

أحد العلماء المبرّزين في الفقه والحديث.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد بقرية "بَاتْرى" من أرض "السند".

وسافر في صغر سنّه مع والده وصنويه طيّب وقاسم، حتى وصل إلى الشيخ شهاب الدين السندي، فقرأ عليه "منهاج العابدين" للغزالي، وكان يريد أن يقرأ عليه "شرح الشمسية" في المنطق، فأبى الشيخ ذلك، ثم سافر إلى "كُجْرَات" سنة خمسين وتسعمائة، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري ثم الدهلوي، ولازمه مدّة من الزمان، وأسند عنه، واستفاض في الطريقة عن الشيخ محمد غوث الكواليري، صاحب "جواهر خمسة"، ثم سافر إلى "أحمد آباد بيدر" من بلاد "الدكن"، وأخذ عن الشيخ إبراهيم بن محمد الملتاني، ثم دخل بلدة "إيلجبُور" من بلاد "بَرَار"، فأقام بها مدّة من الزمان، ثم راح إلى "خانديس"، وسكن بمدينة "برهانبورا".

وله مصنّفات كثيرة، منها:"مجمع البحرين" في تفسير القرآن الكريم على مشرب الصوفية وذوقهم، ومنها:"مختصر قوت القلوب" للمكّي، ومنها:"منتخب مواهب اللدنية" للقسطلاني، ومنها:"مختصر تفسير المدارك"، ومنها:"تلخيض شرح أسماء رجال البخاري" للكرماني، ومنها: كتاب مفيد له يسمّى "رياض الصالحين": وهو يشتمل على ثلاث روضات:

الأولى: في الأحاديث الصحيحة.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 202 - 206.

ص: 91

والثانية: في مقالات الصوفية، نحو الشيخ عبد القادر الجيلاني، وحجّة الإسلام الغزالي، وأبي طالب المكّي صاحب "قوت القلوب"، والشيخ شهاب الدين السهروردي، والشيخ زين الدين الخوافي، والشيخ علي بن حسام الدين المتّقي، وغيرهم.

والثالثة في ملفوظات أهل التوحيد، كالشيخ محي الدين بن عربي، والشيخ عين القضاة الهمداني، والشيخ صدر القونوي، وغيرهم.

ومن فوائده: من "مجمع البحرين" في تفسير قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ، إلخ. المرض حقيقة فيما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال الخاص، ويوجب الخلل في أفعاله، ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها، كالجهل وسوء العقيدة والزيغة وحبّ المعاصي، لأنها مانعة عن نيل الفضائل ومؤدّية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية، والآية تحتملها، فإن قلوبهم كانت متألمة محزنا على ما فات عنهم من الرياسة، وحسدا على ما يرون من إثبات أمر الرسول واستعلاء شأنه يوما فيوما، فزاد الله عنهم بما زاد في إعلاء أمره وإشادة ذكره، ونفوسهم كانت ماؤفة بالكفر، وسوء الاعتقاد، ومعاداة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونحوها، فزاد الله ذلك بالطبع أو بازدياد التكاليف، وتكرير الوحي، وتضاعيف النصر.

وفي "الرحماني"{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} : هو تفريطهم في القوّة الحكمية، وإفراطهم في الشهوية.

وفي "الإحياء": إعلم أن جندىّ الغضب والشهوة قد ينقادان للقلب انقيادا تاما، فيعيناه على طريقه الذي يسلكه، وقد يستعصيان عليه استعصاء بغي وتمرّد، حتى يملكاه ويستعبداه، وفيه هلاكه وانقطاعه عن سفره الذي به وصوله إلى سعادة الأبد، وللقلب جند آخر، وهو العلم والحكمة والتفكّر، وحقّه أن يستعين بهذا الجند، فإنه حزب الله تعالى على الجندين الآخرين، فإنهما قد يلحقان بحزب الشيطان، فإن من ترك الاستعانة وسلط على نفسه

ص: 92

جنديّ الغضب والشهوة هلك هلاكا يقينيا، وخسر خسرانا مبينا، وذلك حال أكثر الخلق، فإن عقولهم صارت مسخّرة لشهواتهم في استنباط الحيل لقضاء الشهوة، وكان ينبغي أن تكون الشهوة مسخّرة لعقولهم.

أما بيان علامات مرض القلب، فكما أن كلّ عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به، ومرضه أن يتعذّر عليه فعله الذي خلق لأجله، كذلك مرض القلب أن يتعذّر عليه، فعله الذي خلق لأجله، وهو العلم والحكمة والمعرفة وحبّ الله تعالى أو عبادته والتلذّذ به وإيثار ذلك على شهوة سوء، وخاصية النفس، التي هي للآدمي ما يتميّز به عن البهائم، ولم يتميّز بها بقوّة الأكل والوقاع، بل بمعرفة الأشياء على ما هي عليه، وأصل الأشياء موجودها ومخترعها، الذي جعلها شيئا هو الله تعالى، فإذا عرف كلّ شيء، ولم يعرف الله تعالى، فكأنه لم يعرف شيئا، فإن الناس كلّهم قد هجروا هذه العلوم، واندرست في هذه الأعصار، واشتغلوا بتوسيط الخلق في الخصومات الثائرة من اتباع الشهوات، وقالوا: هو الفقه، وأخرجوا هذا العلم الذي هو فقه الدين من جملة العلوم، وتجرّدوا لفقه الدنيا الذي ما قصد به إلا رفع الشواغل ليتفرّغ لفقه الدين، وكان فقه الدنيا من فقه الدين بواسطة هذا الفقه.

وفي بعض الكتب: إعلم أن القلب في الحقيقة بمنزلة القالب في الشريعة، ولا معول إلا على القلب، لأنه موضع نظر الله تعالى إليها، كما قال عليه السلام:"إن الله لا ينظر إلى صوركم"، إلخ. فللقلب علل وأمراض مثل أمراض الأشخاص، فإن القلب إنسان حقيقي، وله من الأعضاء حقائق، فللقلب رأس يحيى به، كما يحيى البدن برأسه، فإذا جزّ رأس البدن لا يحيى فكذلك القلب، ورأس القلب إدراكه لطائف الغيب، وهذا الإدراك ينقسم مثل انقسام حواسّ الرأس، وأقسامه البصيرة والتذكّر والمراقبة والتميّز والتفكّر، فالبصيرة عين القلب، التذكّر لسان القلب، والمراقبة سمع القلب، والتفكّر

ص: 93

خيال القلب، والتميّز تجاربه وفعله، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا فتح عينه وقلبه، وشرح لسانه، وسمع أذنه، وإذا أراد الله بعبد شرا ختم على سمعه وبصره، ومنعه عن إدراكاته، وذلك المنع مرض روحاني، يكون صداع القلب منه، ومهما زاد تولّدت الغفلة، والغفلة للقلب بمنزلة الصرع، وغلبة الظنون الفاسدة مثل الماليخوليا للرأس، فإن الرأس إذا يبتلي به يتخبّط أعماله، والقلب إذا انفعل بالظنون الفاسدة تظهر فيه تخبّطات كثيرة، ويصير كالمجنون المتحيّر الممنوع من معرفة الله تعالى وحسن الظنّ به، وامتلئ القلب بفضول الطمع، والطمع به يورث الاستسقاء في القلب، حتى أنه يروي من المال والجاه، والدخان، الغفلة يورث عمى البصيرة، فإن البصيرة تظلم، ويقلّ نورها بدخان الهوى، كما يظلم البصر ببخار الهواء في عالم الدنيا انتهى.

وكانت وفاته في سنة أربع بعد الألف، كما في "كلزار أبرار".

* * *

‌2381 - الشيخ الفاضل طاهر بن محمد بن طاهر بن عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله، أبو المكارم

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال ابن النَّجَّار: حَنَفِيُّ المذهب، قدم علينا "بغداد" طالبا للحجّ، في سنة ثلاث وستين

(1)

، فَحَجَّ، وعاد، وأقام بـ "بغداد" مُدَّة يتفَقَّه، ويَسْمع.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 108. وترجمته في الجواهر المضية برقم 668.

(1)

أي: وخمسمائة.

ص: 94

وكان فاضلا، دَيِّنا، عاقلا، لبيبا، حسَن الطَّريقة، طَيِّب الأخلاق، مُتَوَدِّدا، علَّقتُ عنه في المذاكرة أناشيدَ، ثم عاد إلى بلدِه، وانْقطع عنّا خَبرُه، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2382 - الشيخ الفاضل طاهر بن محمد بن عمر بن أبي العباس، الحَفْصِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: له "الفُصول في علم الأصول"

كُنْيَتُه أبو المعالي.

أُسْتاذ محمد بن محمود بن محمد الخُوارَزْمِيّ الخطيب

(1)

، وسيأتي في محلِّه، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2383 - الشيخ الفاضل طاهر بن محمد الطَّاهِرِيّ القاضي، البَكْراباذِيّ

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 109.

وترجمته في تاج التراجم 30، والجواهر المضية برقم 670، والفوائد البهية 85، وكتائب أعلام الأخيار برقم 444، كشف الظنون 2:1271.

ولقبه في الكتائب والفوائد: "نجم الدين، منشئ النظر"

(1)

كانت وفاة الخوارزمي سنة خمس وخمسين وستمائة.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 109.

وترجمته في تاريخ جرجان 196، والجواهر المضية برقم 671، وفي تاريخ جرجان:"الظاهري"، ويأتي في الأنساب بالطاء المهملة.

ص: 95

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره حمزة في "تاريخ جُرْجان"، وقال: من أصْحاب الرَّأْي، وَلّاه قابُوس

(1)

قضاء "جُرجان".

مات سنة تسع وستين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2384 - الشيخ الفاضل طاهر بن يحيى بن قَبِيصَة

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال السَّمْعانِيّ: كان من كبار المحَدِّثين لأصحاب الرَّأي.

مات سنة خمس عشرة وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.

وهو والد محمد الآتي في بابه، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2385 - الشيخ الفاضل طاهر الإمام، الملقَّب ببَدْر

* *

(1)

شمس المعالي أبو الحسن قابوس ابن وشمكبر الجيلي أمير جرجان، وبلاد الجين وطبرستان، صاحب أدب وشعر، توفي سنة ثلاث وأربعمائة. وفيات الأعيان 4: 79 - 82. يتمية الدهر 4: 59 - 61. واليميني 1: 105، 389، 2: 12، 172.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 109.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 672، ومعجم البلدان 3:915. وذكره السمعاني في الأنساب 431 ظ، وابن الأثير في اللباب 2: 221، أثناء ترجمة والده.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 110. وترجمته في الجواهر المضية برقم 673.

ص: 96

ذكره في "القُنْية".

كذا في "الجواهر" من غير زيادة.

* * *

‌2386 - الشيخ الفاضل طِراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهّاب بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو الفَوَارِس، الزَّيْنَبِيِّ

*.

من وَلَد زينب بنت سليمان

(1)

.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: أخذ عنه أحمد بن محمد قاضي القضاة ابن قاضي القضاة الدَّامَغانِيّ.

مَوْلِدُه سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 110، 111.

وترجمته في الإكمال 4: 202، والأنساب 6: 346، والبداية والنهاية 12: 155، 156، وتاج العروس "الكويت". 8: 324، وتذكرة الحفاظ 4: 1228، والجواهر المضية برقم 674، ودول الإسلام 2: 20، وسير أعلام النبلاء 19: 37 - 39، وشذرات الذهب 3: 396، 397، والعبر 3: 331، وعيون التواريخ 13: 81، 82، والكامل 10: 280، كشف الظنون 2: 1178، واللباب 1: 518، ومرآة الجنان 3: 154، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 132، 133، والمنتظم 9: 106، والنجوم الزاهرة 5:162.

(1)

تمام نسبها بن علي بن عبد الله بن عباس. كما جاء في المنتظم.

ص: 97

سمع في صِباهُ من أبي الفتح هلال بن محمد الحَفَّار، وأبي نَصْر النَّرْسِيّ

(1)

، وهو آخِرُ مَن حَدَّث عن أبي نصر.

قال ابن النَّجَّار: عُمِّر حتى انْفَرَد بالرِّواية عن أكثرِ شُيوخِه، وأمْلَى خمْسةً وعشرين مجلسا بجامع المنصور، وأمْلَى بـ "مكة المشرَّفة" و"المدينة الشريفة" مجالس. وروَى عنه ولداه؛ أبو القاسم علي، وأبو الحسن محمد - الآتي كلّ منهما في محلِّه - ومحمد بن ناصر الحافظ، وشُهْدةُ بنت أحمد الإِبَرِيّ.

ومات في شَوّال سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.

وطِراد؛ بكسر الطَّاء وفتح الراء وآخره دالٌّ مُهْملة، وضبطه ابن نُقْطَة كذلك، قاله في "الجواهر".

* * *

‌2387 - الشيخ الفاضل العلامة محمد طس بن عبد الرحمن الهزاروي

*

ولد سنة 1338 هـ في موضع "هري بور" من أعمال "هَزَارَه" من "باكستان".

قرأ مبادئ العلم في قريته ثم التحق بعدّة مدارس منْ "سَرْحَد" و"بَنْجاب"، وأكمل الدراسة العليا في مدرسة، وبعد إتمام الدراسة التحق مدرّسا أعلى بالمدرسة الإسلامية بـ "أمروهه"، واستقرّ فيها أربع سنين من

(1)

هو أحمد ابن حسنون، وقد ذكره الذهبي في المجتمع 637، فقال: وأبو نصر ابن حسنون النرسي شيخ طراد، وابنه أبو الحسين محمد ابن أحمد صاحب المشيخة. . .".

* راجع: شخصيات وتأثرات 2: 353 - 362.

ص: 98

1358 هـ إلى 1366 هـ، وبعد تقسيم "الهند" التحق بدار العلوم كراتشي، ثم بجامعة العلوم الإسلامية بنوري تاون

(1)

، ودرَّس بقسم التخصّص "مقدمة ابن خلدون"، وغيرها من الكتب، تزوّج بنت إمام العصر الشيخ يوسف البنوري رحمه الله تعالى.

كان عالما نحريرا، فاضلا مدقّقا، حاملا لصفات حميدة، وخصال جيّدة، وكان قويّ الحفظ، سريع الملاحظة، يكاد يكشف حجب الضمائر، ويهتك أسرار السرائر، دقيق النظر، قويّ الحجّة، ذا نفوذ عجيب على جلسائه.

من مصنفاته: "خطبات مأثورة"، و"مروّجه نظام زمين داري اور اسلام"، و"اسلام كي عادلانه اقتصادي تعليمات"، و"سيرت طيبه"، و"سيرت محمديه كا سياسي بهلو"، و"سيرت محمديه كا معاشي بهلو"، و"معاشي مساوات اور سيرت محمديه"، و"عورتون كي شهادة قرآن اور حديث كي روشني مين"، و"شوري كا اسلامي تصور"، "تغير بذير معاشرى مين شريعت كا كردار"، و"قرآن كي اخلاقي وقانوني تعليمات"، و"عدل اجتماعي كا اسلاني تصوّر" لم يطبع إلى الآن، "بعض أهم معاشي معاملات كي شرعي حيثيت كا تحقيقي جائزه"،

(1)

جامعة العلوم الإسلامية، بنوري تاون كراتشي

تعتبر هذه الجامعة من أكبر الجامعات الإسلامية العربية في "باكستان" في نشر وإشاعة العلوم الدينية، والثقافة الإسلامية العربية.

أسّسها المحدّث الجليل والداعية الكبير السيّد محمد يوسف البنوري رحمه الله في محرّم 1374 هـ، الموافق 1955 هـ، وسماها باسم المدرسة العربية الإسلامية، تواضعا لله جلّ وعلا، وتحرّزا عن الأسماء التي تدلَّ على جلالته ومكانة جامعته، وبعد أن توفي سمّيت باسم "جامعة العلوم الإسلامية"، وكانت حرية أن تُسمّى بهذا الاسم، ومنذ إنشاءها تؤدّي عملها بنشاط كبير، بفضل أساتذتها الكرام، وتوجد بها جميع أقسام الدراسة من الإعدادي إلى العالي، والتخصّصات في الحديث والفقه والدعوة والإرشاد.

ص: 99

و"سود، سودي وغير سودي بنكاري اور بيمه وغيره سى متعلق اسلامي نقطه نظر"، كلّها باللغة الأردية.

توفي 2 رمضان المبارك في ليلة بين يوم الجمعة ويوم الأحد 1419 هـ.

قلت: لقيت صاحب الترجمة عند زمان إقامتي في جامعة العلوم الإسلامية بـ "كراتشي"، من سنة 1406 هـ إلى 1409 هـ، واستفدتُ من مكتبته عند تأليف مقالتي:"ما ينبغي به العناية لمن يطالع الهداية" تحت إشراف شيخي وسندي المحدّث الناقد العلامة عبد الرشيد النعماني، ورأيت في مكتبته النوادر والمخطوطات من تصانيف أفاحل العلماء وأماثل الفضلاء، ولله الحمد أولا وآخرا.

* * *

‌2388 - الشيخ الفاضل طورسون

(1)

الرُّومِيّ خَتَنُ المولى أدَه بالِي، المتَقدِّم ذكرُه

*

قال في: "الشقائق": هو من بلاد "قَرْمان"، قرأ على المولى أده بالي المذكور، التفسير، والحديث، والأصول، وتفقَّه عليه، وقام مَقامَه في أمر الفتاوى، وتدْريس العلوم الشرعية، وتَدْبير أمور السَّلْطنَة.

وكان عاملا، عالما، مُجابَ الدَّعْوة. كذا ذكره من غير أن يؤرّخ له وفاةً ولا مولدا، رحمه الله تعالى.

* * *

(1)

وكانت وفاته سنة ست وعشرين وسبعمائة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 111.

وترجمته في الشقائق النعمانية 1: 68، 69، وفي النسخ:"طورشون".

ص: 100

‌2389 - الشيخ الفاضل طوغان شيخ المحمدي، المصري

*

له "المقدمة السلطانية في السياسة الشرعية"، فرغ منها سنة 878 هـ.

كان حيا 878 هـ.

* * *

‌2390 - الشيخ الفاضل العلامة الحافظ طه بن المولى منصور أحمد بن العلامة آفتاب الدين بن سلمان الميانجي الكُمِلّائي

* *

ولد سنة 1365 هـ في قرية "فِنُوا" من مضافات "لكسام". من أعمال "كملا"، من أرض "بنغلاديش".

وكان أبوه وجدّه من كبار العُلماء وأماثل الفضلاء، وكان أبوه الماجد مديرا بالمدرسة العثمانية بـ "جاندبور"، وجدّه الفاضل مؤسّسا لدار العلوم برورا، التي هي من أكبر المدارس وأقدمها في "بنغلاديش".

وقرأ المولى طه مبادئ العلوم في داره، ثم التحق بالمدرسة العثمانية بـ "جاندبور"، ثم التحق بقسم تحفيط القرآن بالمدرسة الحافظية بـ "جعفرآباد" جاندبور.

وكان ذكيا جيّدا، فطنا، لبيبا، حفظ القرآن الكريم في مدّة يسيرة، وبعد إتمام حفظ القرآن الكريم التحق بالمدرسة العثمانية، وقرأ فيها إلى "مشكاة

* راجع: معجم المؤلفين 5: 45. ترجمته في إيضاح المكنون 2: 43.

* * راجع: مشايخ كملا 2: 97 - 99.

ص: 101

المصابيح"، ثم التحق بالمدرسة العالية بـ "فريد غنج"، وفاز في الاختبار النهائي بدرجة الامتياز، وكان يحبّه الأساتذة الكرام حبّا شديدا.

ثم سافر إلى "داكا"، والتحق بالمدرسة العالية بها، وأكمل الدراسة العليا فيها، وحصل السند العالي، وبعد إتمام الدراسة عيّنه أساتذته الكرام أستاذا فيها.

ومن أساتذته الأجلة: الشيخ المفتي عميم الإحسان البركتي، صاحب "قواعد الفقه"، والشيخ المولى عبد الستّار، والشيخ حبيب الرحمن، رحمهم الله تعالى.

توفي سنة 1395 هـ، وكان عمره إذا ذاك 30 سنة.

ودفن بعد أن صلي على جنازته في مقبرة آبائه في جوار المسجد الجامع أمام داره.

* * *

‌2391 - الشيخ الفاضل طه مصطفى حبيب الأزهري

*

عالم.

ساهم في تحرير مجلّة الأزهر،

وتوفي بـ "القاهرة" سنة 1352 هـ.

من تصانيفه: "الإسلام أسس السعادة"، و"مذكرات في المقارنة الفقهية".

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 5: 44، 45.

ترجمته في الأعلام الشرقية 3: 38.

ص: 102

2392 -

العالم الكبير المحدّث النبيل الفقيه الضليع حكيم الإسلام العلامة محمد طيّب بن العلامة محمد أحمد بن حجّة الإسلام محمد قاسم بن الشيخ أسد علي بن غلام شاه بن محمد بخش بن علاء الدين بن محمد فتح بن محمد مفتي بن عبد السميع بن محمد هاشم، الذي ينتهي نسبُه إلى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه، المعروف بحكيم الإسلام، الرئيس السابق للجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، الهند *

ذكر له ترجمة حافلة الكاتب الإسلامي الشيخ نور عالم خليل الأميني في كتابه "علماء ديوبند"، فقال: هو العالم الهندي الكبير، الذي انتهت إليه رياسة الخطابة الدينية في العهد الأخير، والذي جمع بين الشرف في النسب الديني والنسب الطيني معا، وتمتّع بالشعبية غير العادية عبر شبه القارة الهندية.

فهو حفيد الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297 هـ، الذي كان رئيس الطائفة المؤمنة والكتيبة الربّانية، التي أسّست جامعة ديوبند الشهيرة، والذي ينتهي نسبُه إلى سيّدنا أبي بكر الصدّيق بىضى الله عنه، وهو النجل

* راجع: علماء ديوبند اتجاههم الديني ومزاجهم المذهبي 25 - 72.

وترجمته في تتمة الأعلام للزركلي 2: 177، 178، وأخبار العالم الإسلامي ع 836 - 15، 10، 1403 هـ، والمجتمع ع 631 - 23، 10، 1403 هـ ص 12، وإتمام الأعلام 375، والرائد، س 25، ع 2 - 3، والعناقيد الغالية 80.

ص: 103

الأكبر للشيخ الحافظ محمد أحمد ابن الإمام النانوتوي، المتوفى 1347 هـ، الذي رأس جامعة ديوبند مدّة أربعين عاما في الفترة ما بين 1313 هـ و 1347 هـ، في هذا البيت العلمي والوسط الديني.

ولد سماحة الشيخ محمد طيّب رحمه الله تعالى في محرّم 1315 هـ، وذلك في مدينة "ديوبند" بمديرية "سهارنفور" بولاية "أترابراديش" بـ "الهند"، وسُلّم للكتّاب، وهو ابن سبع سنين، وانتهى من حفظ القرآن الكريم مع إتقان التجويد والقراءة في ظرف سنتين، وانتسب إلى القسم الفارسي والأردي بجامعة ديوبند، ثم انتسب فيها لتلقّي الدراسات العليا إلى القسم العربي المخصّص للشريعة الإسلامية، فتخرّج منه عالما متضلّعا عام 1337 هـ، وهو ابن نحو 22 سنة فقط.

وكان من بين الشيوخ الأجلاء، الذين قرأ عليهم في جامعة ديوبند الشيخ محمود حسن الديوبندي، المعروف بشيخ الهند، المتوفى 1339 هـ، الذي أسّس لتحرير "الهند" من مخالب الاستعمار البريطاني حركة الرسائل الحريرية، المعروفة جدًّا في تاريخ تحرير الهند، والشيخ خليل أحمد السهارنفوري المدني، المتوفى 1346 هـ، صاحب "بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود" في مجلّدات كبيرة، والمفتي الأكبر بجامعة ديوبند الشيخ عزيز الرحمن العثماني الديوبندي، المتوفى 1347 هـ، والمحدّث الكبير الشيخ العلامة أنور شاه الكشميري، المتوفى 1352 هـ، الذي انتهت إليه رياسة الحديث في عصره، والشيخ حبيب الرحمن العثماني الديوبندي، نائب الرئيس والرئيس الأسبق لجامعة ديوبند، المتوفى 1348 هـ، والعلامة شبير أحمد العثماني الديوبندي ثم الباكستاني، صاحب التفسير الشهير للقرآن الكريم باللغة الأردية، المطبوع أخيرا من قبل مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بـ "المدينة المنورة"، المتوفى 1369 هـ، والعالم الربّاني الشيخ السيّد أصغر حسين الديوبندي، المتوفى 1364 هـ، والشيخ إعزاز علي الأمروهوي، المعروف بشيخ الأدب،

ص: 104

المتوفى 1374 هـ، والشيخ محمد إبراهيم البلياوي، المتوفى 1387 هـ، وتخرّج في التزكية والإحسان على الشيخ محمود حسن شيخ الهند الديوبندي المذكور، والشيخ الكبير العلامة أشرف علي التهانوي، المعروف بحكيم الأمة، المتوفى 1362 هـ.

‌الشيخ يتحدث عن نفسه:

وقد تحدّث الشيخ محمد طيّب رحمه الله بدوره عن البيئة السعيدة المعمورة بالتديّن والورع والتقوى والزهد في الدنيا والانقطاع لخدمة العلم والدين، التي ولد فيها، ونشأ، وترعرع، فقال: قد ولدتُ في مستهلّ القرن الرابع عشر. الهجرى ومنتهى القرن الثامن عشر الميلادي في بيئة شهدتْ انقلاب موازين الحضارة المتوارثة، وكان وقع حضارة جديدة وثقافة جديدة، بدأ يقرع الآذان، وقد كانت ولادتي في أسرة جدّي الإمام حجّة الإسلام محمد قاسم النانوتوي، مؤسّس دار العلوم ديوبند، الذي كان محي العلم والدين في عصره، وكانت حياته مثالا للبساطة والتوكّل، والاكتفاء بأقلّ ما يمكن من الأسباب، والاقتصاد والجدّ والكدّ، وكانت زوجته: جدّتي قد تشبّعت مباشرة بتربيته وصحبته المؤثرة، فكانت نسيج وحدها في المجاهدة في العبادة، والسخاء والسماحة، والتمسّك بشعائر الدين، والمحافظة على الصلاة والصيام والأوراد.

وقد تلقّيتُ التعليم والتربية تحت إشراف كلّ من والدي الشيخ الحافظ محمد أحمد ابن الإمام محمد قاسم النانوتوي وأمّه: جدّتي رحمهما الله تعالى، وقد كان يؤمن، ويعمل بكامل البساطة في أسباب الحياة كلّها، وكانت جدّتي مجبولة على التواضع وإنكار الذات، وكان يبذل هو والدي وجدّتي والأسرة كلّها كامل العطف غير العادى نحو أولئك المآت من الطلاب، الذين كانوا يتوافدون من داخل البلاد وخارجها إلى دار العلوم ديوبند، وكان الجميع

ص: 105

شغلهم الشاغل هو التفكير في بناء مستقبلهم على أحسن مستوى، ففي تلك البيئة فتحت عيني.

ولا بدّ من الإشارة إلى قصّة تتعلّق بوالدي رحمه الله تعالى، وهي أن أحد طلاب دار العلوم قد وضع ثيابه المغسولة المبلولة في صحن مسجد دار العلوم لتجفيفها في الشمس، ووقعت عينا الوالد عليها، فدعا الطالب، وزجره، ونهاه عن ذلك، ولكن أخذته رأفته، فتأسّف على زجره للطالب، الذي إنما كان منه احتراما للمسجد، فاستدعى الطالب، واعتذر إليه، وألزمه أن يتناول معه الطعام على مائدته لأسابيع، وكانت عواطف عطفه على الطلاب معروفة في الوسط الطلابي.

وكذلك لا بدّ ههنا من ذكر قصّة أخرى تتعلّق بجدّتي، إنها سافرت ذات مرّة على دعوة من أحد تلاميذ جدّنا الإمام النانوتوي إلى مدينة "أمروهه" بمديريّة "مرادآباد" بولاية "أترابراديش"، ولما نزلت في محطّة المدينة عن القطار، ركبت المحفّة مركبة تحاكي الرحل يحملها أربعة حمّالين أو أكثر على أكتافهم، فكان الشيخ أحمد حسن المحدّث الأمروهوي المتوفى 1330 هـ، تلميذ النانوتوي يحمل المحفّة مع الحمّالين، وكان ذلك هو الأدب وأسلوب الاحترام، الذي يلتزم به التلاميذ آنذاك نحو الأساتذة وأهلهم وأولادهم، وقد كنت ابن تلك البيئة، التي كانت تعتبر الاهتمام يحميع شعب الدين، ولا سيّما تعليم الدين وطلابه والعطف عليهم أكبر فريضة.

إن آبائي قد تناولوا طلاب العلوم الشرعية بالتربية على شاكلة أولادهم، حتى قاموا بإنهاء أمور زواج كثير منهم، فهناك كثير من العلماء، الذين قد انعقدت مجالس زواجهم في بيتنا، على كلّ فكان بيتي مورد العلماء والفضلاء، كما عاش عدد من العُلماء في أكناف جدّتي ووالدتي في رغد من العيش.

ص: 106

أما في حياتي التعليمية فقد سعدت بالتلقّي من العلماء المنقطعي النظير في عهدهم، فقد أنهيت حفظ القرآن الكريم، وتعلّمت التجويد والقراءات على الشيخ المقرئ عبد الوحيد، واجتزت المراحل الفارسية والأردية على الشيخ محمد ياسين المتوفى 1355 هـ، والد الشيخ المفتي الأكبر محمد شفيع الديوبندي ثم الباكستاني المتوفى 1396 هـ، وتلقّيتُ شتى الفنون من الشيخ غلام رسول الهزاروي، المتوفى 1337 هـ، وعلوم الكتاب والسنة من كلّ من الأستاذ الأكبر الشيخ العلامة السيّد أنور شاه الكشميري، وشيخ الإسلام العلامة شبير أحمد العثماني، والمفتي الأكبر الشيخ عزيز الرحمن العثماني، وفخر الهند الشيخ حبيب الرحمن العثماني، والشيخ السيّد أصغر حسين الديوبندي، والشيخ إعزاز علي الأمروهوي، والشيخ محمد إبراهيم البلياوي.

وأجد في قائمة زملائي في التحصيل كبار العلماء، وأخصّ بالذكر منهم أولئك الذين عشت معهم معظم أوقات الدراسة، وهم: الشيخ محمد شفيع العثماني، المفتي الأكبر بـ "باكستان"، والشيخ محمد إدريس الكاندهلوي، المتوفى 1394 هـ، والشيخ السيّد بدر عالم الميرتهي المهاجر المدني، المتوفى 1385 هـ، والشيخ ميرك شاه الكشميري، وهم جبال في العلم لا تسخر.

أما المفتي عتيق الرحمن العثماني المتوفى 1404 هـ، والشيخ محمد منظور النعماني المتوفى 1417 هـ، والشيخ السيّد محمد ميان الديوبندي الدهلوي، المتوفى 1395 هـ، فهم تخرّجوا من دار العلوم ديوبند من بعدي.

أما العطف غير العادي الذي حظيت به من قبل الأساتذة، فيكفي أن أذكر في ذلك قصّة واحدة، وهي أن العلامة شبّير أحمد العثماني كان أستاذا في الجامعة بقسم الدراسات العليا، وكان مرهف الحسّ للغاية، فكان يستاء من تقصير طفيف، فحدث أن قبع في بيته مستاء على خطأ من الطلَّاب، وأوقف حضوره للتدريس في حصصه المفوّضة له، فشقّ ذلك عليهم كثيرا،

ص: 107

وتَشَاوروا مجتمعين، وقرّروا أن أذهب إليه، وأسترضيه، وأعتذر إليه من قبل الطلَّاب جميعا، ودخلت عليه، وقدّمت إليه اعتذارهم، فقبلها برضا القلب، وحضر الجامعة من ساعته، وبدأ التدريس، ونظرا لعناية المشيخة الزائدة بي، كان الأساتذة يحمّلونني مسؤولية العمل على احتواء الخلافات كانت تحدث أحيانا بين المشايخ.

‌عمله أستاذا ونائب رئيس ثم رئيسا للجامعة:

وبعد تخرّجه من دار العلوم ديوبند عيّن أستاذا فيها، فدرّس كتب شتى العلوم والفنون عن جدارة وأهلية، بما فيها كتب الفقه والمنطق والفلسفة والصرف والنحو والبلاغة والحديث والتفسير وكتاب أسرار الشريعة الإسلامية وحقائقها "حجّة الله البالغة" للإمام ولي الله الدهلوي المتوفى 1176 هـ. ورغم توليه بعدئذ رياسة الجامعة لمدّة نحو ستين عاما ظلّ يقوم بالتدريس، ولا سيّما لكتاب "حجّة الله البالغة".

وقد شهد تاريخ الجامعة أنه قام بإدارتها بشكل يفوق الوصف، ويرجع ذلك إلى ما كان يتصف به رحمه الله تعالى، بجانب العراقة والشرف في النسب الديني والطيني من قدرة على الإدارة، والعمل الجماعي الذي يتطلّب مرونة وحزما في بصيرة، وفوق ذلك، وقبل ذلك علما في فهم وتعمّق وأهلية في ذكاء ودين، يؤهّله لرياسة أكبر جامعة إسلامية ومعقل ديني ومركز إشعاع إسلامي في شبه القارة الهندية، وصدق أعضاء مجلس شورى الجامعة، الذين أبدوا انطباعاتهم عنه لدى تعيينهم إياه رئيسا مستقلا في 21 شوّال 1348 هـ.

قد قمنا نحن جميع أعضاء مجلس شورى الجامعة بدراسة تقييم شاملة متعمّقة لجميع أقسام الجامعة في الفترة ما بين 18 شوّال 1348 هـ و 21 شوَّال 1348 هـ، واتخذنا ما رأيناه من قرارات دونما مجاملة في شأن الأمور، التي كان رئيس الجامعة الشيخ محمد طيّب قد طرحها للمناقشة والدراسة.

ص: 108

وإننا نحن جميع أعضاء مجلس الشورى نشهد بأنه منذ أن تولى الشيخ محمد طيّب منصب رياسة الجامعة قد تبدّى من كلّ سلوك له الصدق وإخلاص النية، والحبّ والبغض في الله، وأداء الحقوق والشعور الكامل بالمسؤولية، وقوة العزم، والثبات والاستقلال، ولله الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، ونرجو الله العليّ القدير كلّ الرجاء، أنه سيجعل محاسن الرئيس، التي ظهرت في هذه المدّة القصيرة تتضاعف بدرجات كثيرة في مستقبل الأيام، وما ذلك على الله بعزيز، إن هذه الكلمات التي نسجّلها هي صادرة عن أعماق القلب بشكل عفوي، ولا دخل فيها للتكلّف، وليست تلك ثناءً يساوي مستوى خدمات رئيس الجامعة.

شغل - كما أسلفت منصب رياسة الجمامعة نحو ستين عاما:

مدّة طويلة قلما يتاح لأحد أن يتحمّل مثل هذه المسؤولية الجليلة عبر هذه المدّة المديدة، حتى صار اسمه "رئيس الجامعة"، فكلّما أطلق أحد كلمة رئيس الجامعة دونما تقييد في أيّ ناحية من نواحي "الهند"، تطرّق الذهن بصورة عفوية إلى رئيس جامعة دار العلوم الإسلامية في مدينة "ديوبند": سماحة الشيخ محمد طيّب رحمه الله تعالى.

‌كانت فترة رياسته طويلة وسعيدة للجامعة:

وقد شهدت الجامعة على عهده تقدّما كبيرا جديرا بكلّ نوع من الإشادة والتقدير، بالإضافة إلى أنّ صيتها طبق الآفاق بشكل غير مسبوق، وتخرّج في عهده أكبر عدد من دفعات العلماء والدعاة والمفتين والمفكّرين من هذه الجامعة، وفي عهده تم إنشاء معظم المباني الجامعة، التي تجمع بين الهندسة الإسلامية الهندية التقليدية وبين الفنّ المعماري العربي في وقت واحد بالإضافة إلى أنها تفيض روعة ومهابة وفخامة، ففي عهده تم إجراء توسعة في مسجد دار العلوم وبناء دور علوي له، وأول قرار اتخذه

ص: 109

الشيخ بعد كونه رئيسا مستقلا للجامعة هو إجراء التوسعة في هذا المسجد، كما انتهى بناء مبنى دار الحديث (الدور الأرضي) عام 1349 هـ، وقد كان الشروع في بناءه منذ عام 1333 هـ، وكذلك بدئ في بناء دار الحديث (الدور الأول) عام 1352 هـ حسب القرار والتصميم، الذين كانت الموافقة قد صدرت عليهما من قبل مجلس الشورى بالجامعة عام 1325 هـ، واستكمل بنائه في ظرف سنوات عام 1355 هـ.

وأيضًا تم عام 1356 هـ إنشاء مبنى القسم الفارسي باسم "يادكار سعدي" ذكرى الشيخ سعدي الشيرازي، صاحب كتاب "كلستان" و"بوستان"، الشهيرين في العالم المتوفى 690 هـ، وكذلك تم في هذا العام نفسه بناء مبنى ذي طابقين لقسم صيانة الوثائق الجامعية، يقع في الجانب الجنوبي من مكتب رئيس الجامعة، ثم تحقّق تنفيذ مشروع مبنى دار التفسير عام 1358 هـ، وذلك على الدور الثاني من دار الحديث، وشيّد سقف هذا المبنى بشكل قبّة جميلة، تزين المباني الجامعية كلّها، وكأنها تاج جميل على رأس هذه المباني.

كما تم تنفيذ مشروع بوّابة، (ظاهر) عام 1359 هـ، وذلك على نفقة الملك الأفغاني ظاهر شاه، قدّمها إلى رئيس الجامعة لدى زيارته لـ "أفغانستان"، وهي بوّابة ضخمة، تضمّ عددا من الغرف الصغيرة والكبيرة، كما تم في عام 1360 هـ استكمال بناء غرفة من السكن الجامعي الكبير، المعروف باسم "الدار الجديدة"، الذي كان مشروعه يضمّ (52) غرفة، وقد سبق أن تم بناء خمس غرف منها في الجانب الشمالي الغربي على عهد رئيس الجامعة السابق الشيخ الحافظ محمد أحمد، والد الشيخ محمد طيّب.

وكذلك أنشئ عام 1367 هـ مبنى مستقل لقسم الإفتاء باسم دار الإفتاء، وذلك في الطابق الثاني من الجانب الشرقي من مسجد دار العلوم القديم، وتم نقل هذا القسم إليه يوم 19 ربيع الثاني 1367 هـ.

ص: 110

كما أجريت توسعة جديدة في مسجد دار العلوم عام 1375 هـ تمثلت في نقل الحوض من وسط الصحن إلى الجانب الشرقي من المسجد الذي يقع تحت الدور الأرضي لمبنى قسم الإفتاء.

وعام 1380 هـ استكمل تنفيذ مشروع مبنى كلّية الطبّ باسم الجامعة الطبية، وكان البدء فيه عام 1375 هـ.

وعام 1386 هـ أنشئت قاعة وغرفتان لصالح المكتبة المركزية نظرا إلى تضايق القاعات القديمة للمكتبة.

وعام 1391 هـ تم استكمال ما تبقى من بناء دار الشفاء التابعة لكلّية الطبّ.

كما أنشئ في هذا العام نفسه سكنى طلَّابي باسم المبنى الإفريقي لسكنى الطلاب الأفارقة، يشتمل على (11) غرفة.

هذا بالإضافة إلى كثير من النشاطات البنائية والإنشائية الأخرى، التي لا حاجة إلى ذكرها، لأننا لم نرد ههنا استيفاء ذكر جميع الإنجازات البنائية، التي تحقّقت خلال رياسة الشيخ رحمه الله للجامعة، وإنما أردنا الاكتفاء بإشارات خاطفة لتدلّ على مدى التقدّم البنائي، الذي شهدته الجامعة على عهده.

‌الأعمال البنائية الهائلة، التي أنجزت قبيل الاحتفال المئوي:

وبقي أن نشير إلى الأعمال البنائية المكثفة، التي نفذت خلال التحضير لعقد الاحتفال المئوي، فهي كما يلي:

1 -

بنيت عشرات من الغرف الكبيرة والصغيرة في الدور الثاني من السكن الطلابي، المعروف بالدار الجديدة في المكان الشاغر بمساحة غرفة بين كلّ غرفتين مزدوجتين.

2 -

بني فصلان كبيران في الجانبين الشمالي والجنوبي للقاعة المركزية، التي تنعقد فيها دروس كتب الحديث الشريف.

ص: 111

3 -

جعلت المنارتان الشمالية والجنوبية، اللتان تتبعان المبنى الجامعي المركزي، الذي يتوسّط المدينة الجامعية ذواتي ثلاثة طوابق بعد ما كانتا ذواتي طابقين.

4 -

أجريت توسعة في المسجد القديم شملت بناء دورتين وبناء منارتين مرتفعتين أكثر مما كانتا عليه.

5 -

وأحدثت له بوّابة رئيسة، تجمع بين الشموخ والروعة والهندسة الدقيقة.

6 -

وأعيد بناء الحوض، فيه أكبر من ذي قبل وأجمل.

7 -

شُقّت طريق تصل "إحاطة باغ" السكن الطلابي، المعروف بالدار الجديدة. السكن الطلابي الكبير الذي يضم نحو (125) غرفة.

8 -

وأنشئت غرف عديدة صغيرة على الدور الثاني من "إحاطة باغ".

9 -

أنشئ مبنى مشتمل على قاعة وغرف لصالح مكتب شؤون إدارة التعليم بالجامعة.

10 -

أدخلت تزيينات على البوّابة الرئيسة للجامعة المعروفة بـ "بوابة قاسم"، المنسوبة للإمام محمد قاسم النانوتوي، وبنيت عليها قاعة كبيرة، تستخدم لصالح مكتب الحسابات.

11 -

أنشئت أروقة ذات طابقين في محيط المكتبة الجامعية المركزية القديمة.

12 -

أدخلت تحسينات لازمة على القبّة المركزية، الكائنة على قاعة "دار التفسير".

‌النهضة الإدارية والتعليمية في عهده:

أما التطوّرات التي شهدتها الجامعة في عهده على الصعيدين الإداري والتعليمي، والمكانة والسمعة غير العاديتين، اللتان حظيت بهما على

ص: 112

الصعيدين الداخلي والخارجي والمحلّي والعالمي، فهو موضوع متشعّب مجرّد الاكتفاء بالإشارات فيه، يتطلّب صفحات، ولكن لا بدّ من الإلماح إلى الإنجازات الهامّة في هذا الشأن.

ففي العام الدراسي 50 - 1351 هـ تم إجراء دورة التفسير.

وفي عام 1352 هـ أجري تعديل في لوائح القبول والتسجيل، فقد كان الطلاب الجدد من ذي قبل يلتحقون بالجامعة عن طريق طلبات كتابية، يكتبونها بخطّ أيديهم، فقرّرت الجامعة طباعة استمارات مستقلّة لتقديم طلب الالتحاق. وكانت الاستمارات نوعين: نوع للطلّاب القدامي، ونوع للطلّاب الجدد، ولا تزال هذه اللوائح متبعة في الجامعة لحدّ الآن.

وفي هذا العام أعدّت تذاكر من الألمونيوم لتوزيع وجبات الطعام: تذاكر للغداء وتذاكر للعشاء، ولم يكن في الجامعة من قبل أيّ نظام للتمييز بين الطلّاب الذين حصلوا على الوجبة من الذين لم يحصلوا عليها.

وفي عام 1355 هـ افتتح ثلاثة أقسام بالجامعة:

1 -

قسم التنظيم والتطوير، وذلك للاهتمام بزيادة دخل الجامعة والاتصال بالخرّيجين والمحبّين.

2 -

قسم صيانة وثائق الجامعة لصيانة الملفات والأوراق والمستندات.

3 -

قسم الرياضة البدنية.

وفي عام 1359 هـ أعيد تدعيم العلاقة فيما بين الجامعة وبين جامعة عليكره الإسلامية، حيث دعا الاتحاد الطلّابي بجامعة عليكره فضيلة الشيخ محمد طيّب لإلقاء محاضرة "حول الإسلام والعلم الحديث"، فأجاد، وأفاد، وأطنب وأطرب، وأشبع الموضوع، فنال قبولا زائدا، واستحسانا بالغا، فيما بين الطلاب والأساتذة معا.

ص: 113

وفي جمادى الأخرى 1360 هـ بدأت الجامعة تصدر مجلة أردية شهرية ناطقة باسمها، باسم "دار العلوم"، لا تزال تصدر لحدّ اليوم، ومن قبل كانت الجامعة تصدر مجلة باسم "القاسم" منذ عام 1328 هـ، وظلت تصدر عبر (11) عاما، ثم أوقفت.

وفي عام 1364 هـ افتتح قسم "تعليم الخطوط"، الذي كان فريدا في موضوعه آنذاك، حيث لم يهتمّ معهد أهلي بفنّ الخطوط قبل دار العلوم اهتماما مستقلا.

وفي عام 1365 هـ أجري قسم للتداريب المهني باسم "دار الصنائع".

وفي عام 1366 هـ أجري في الجامعة لصالح الموظّفين والأساتذة "صندوق الاقتصاد"(Provident Fund)

وفي عام 1368 هـ انتخب الشيخ محمد طيّب وعدد من أبناء الجامعة أعضاء في مجلس الشؤون الإدارية لجامعة عليكره.

وفي 1369 هـ زار الجامعة سفير "أفغانستان" بـ "الهند" فقال: مهما كانت دار العلوم ديوبند معهدا تعليميا أهليا لدى الشارع الأفغانستاني، لكني في ضوء ملاحظاتي أودّ أن أسجّل أنها ليست معهدا تعليميا فقط، ولكنها مركز للثقافة الإسلامية.

وفي 1/ ربيع الآخر 1371 هـ زار الجامعة أحد كبار القادة الهندوس "أشاريا ونوبا بهاوي"، فأبدى إعجابه الكبير بالجامعة في خطابه، الذي ألقاه في رحابها، كما قال في إحدى الحفلات الشعبية في مدينة ديوبند: إنها الجامعة الوحيدة التي حاربت الاستعمار منذ اليوم الأول، وخلال هذه المعركة قدمت تضحيات جسيمة على كلّ جبهة وقبل كلّ أحد.

وفي 1371 هـ زار الجامعة المثقّف المصري الأستاذ محمد رشاد بن عبد المطلب، الذي كان يتقن الإنكليزية، وقال في انطباعاته عن الجامعة: وجدت

ص: 114

الجامعة قائمة على أسس متينة، والمتانة ترجع إلى إخلاص مؤسّسيها وأعمالهم الصالحة.

وفي عام 1372 هـ زار الجامعة السيّد أنور السادات المتوفى 1401 هـ، الذي كان آنذاك أمينا عاما للمؤتمر الإسلامي، فأعجب إعجابا كبيرا بجوّها العلمي والروحاني.

وفي عام 1375 هـ بعثت جامعة الأزهر والمؤتمر الإسلامي إلى دار العلوم ديوبند أستاذين، وهما الشيخ عبد المنعم النمر، والشيخ عبد العال العقباوي، وبعد عامين رجعا إلى "مصر"، فبعثت الشيخ عبد الوهّاب محمود، وبفضل وجودهم انتعشت اللغة العربية في الجامعة، وأقبل الطلاب على الخطابة والكتابة فيها، وتحسّنت الحالة بشكل أكثر فيما بعد، بوجود الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي، المتوفى 1415 هـ، ومساعيه المضنية، التي واصلها عبر سنوات طويلة في مجال اللغة العربية، وعادت الجامعة تخرّج كتّابا ومؤلّفين وخطباء باللغة العربية بجانب اللغة الأردية، التي هي لغة التدريس فيها في الأغلب.

وفي عام 1382 هـ زار الجامعة محدّث "سوريا" الكبير وعالمها الشهير الشيخ الصالح عبد الفتّاح أبو غدّة، المتوفى 1417 هـ، الذي كان آنذاك أستاذا بجامعة "حلب"، وقد أبدى إعجابه البالغ بهذه الجامعة العتيدة وبمؤلّفات علمائها، التي تحتوي عنده على معان ومباحث، لا توجد، حتى في كثير من كتب المفسّرين ولا المحدّثين والعلماء المتقدّمين، ومن بين ما قاله رحمه الله تعالى في انطباعاته، التي سجَّلها في سجل الانطباعات: من فضل الله الكبير على العاجز كاتب هذه السطور أنه أتاح له زيارة مدن "الهند" والتجوال فيها، وعلى رأسها وفي مقدّمتها "ديوبند" وجامعتها الإسلامية دار العلوم، التي هي في الواقع بمثابة قلب حيّ مشحون بالعلم والتقوى، وهي مركز العلماء والمؤلّفين ومهوى طلّاب العلم والدين. وقد كانت زيارة هذا المركز

ص: 115

الإسلامي أمنية راودتني عبر حياتي وحلما من أحلام الليل والنهار التي ظلّت أحلم بها، وأحمد الله تعالى أنه أسعدني اليوم بزيارة هذه الدار، وتحقّقت أمنيتي القديمة. ولقد وجدتها رؤية أحسن مما كنت قد تصوّرت عنها في ضوء ما سمعت عنها. إن أنوار العلم تتفجّر من جنبات هذه الجامعة السعيدة، ففي فصولها وقاعاتها تدرّس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبيّن أحكام الدين والشريعة لعطشى العلم وطلّاب العلم والمعرفة والإحسان على منهاج مثالي من النظام والإدارة والدقّة واللباقة والفراسة، تتجلّى فيه روحانية ذوي القلوب المؤمنة وأولي العلم والبحث.

ومن فضل الله العظيم عليّ أن سعدت بالاستماع لبعض أجزاء درس في الحديث لمولانا الأجلّ بركة الأمة ذي الأنفاس الطاهرة سيّدي الشيخ المحدّث السيّد فخر الدين أحمد المرادآبادي، فقد تحدّث الشيخ على طلب من الأحبّة الطلَّاب ومراعاة لي حول حديث بني سلمة باللغة العربية، ذاك الحديث الذي جاء فيه أن بني سلمة رغبوا في أن يتركوا ديارهم إلى جوار المسجد النبوي، على صاحبه الصلاة والسلام، ولمَّا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبتهم هذه، قال: دياركم تكتب آثاركم.

وقد كانت محاضرته جامعة بين الدرر اليتيمة والنجوم المتلألئة، ومصداقا لـ "فيض الباري" و"عمدة القارئ". . . وأتضرّع إلى الله أن يجزيه خيرا عن السنّة المطهّرة والعاملين بها. وأن يديم هذه الجامعة متقدّمة زاهرة في ظلّ أمثال مولانا العلامة محمد إبراهيم البلياوي رئيس هيئة التدريس، ومولانا المقرئ محمد طيّب رئيس الجامعة، وغيرهما من الأئمة الأجلّة بدور الهدى ومصابيح الدجى.

وفي عهده بدئ تنفيذ مشروع تدوين "فتاوى دار العلوم" ديوبند، وصدر المجلّد الأول منها عام 1382 هـ، وقد صدرت لحد الآن 12 مجلّدا منها، والبقية قيد الإعداد.

ص: 116

وفي 14 ذو الحجّة 1376 هـ زار الجامعة أول رئيس للجمهورية الهندية، وهو د. راجندرا براشاد، الذي قال في حفلة مأدبة غداء، أقيمت على شرفه: إن العالم يسوده اليوم قلق من أجل التقدّم المادي، وعادت القلوب تفقد الطمأنينة والسكينة، وهما في الرواحانية، وإني أرى أن أسباب هذه الطمأنينة وتلك السكينة يوفرها شيوخ هذه الجامعة، وإني أرى أن الله إذا رضي بالإبقاء على هذا العالم، فإنه سيجعله يعود أخيرا إلى الخطّ الذي يسير عليه شيوخ هذه الجامعة. . .

وفي شوَّال 1384 هـ أصدرت الجامعة لأول مرّة في تاريخها مجلّة عربية باسم "دعوة الحق"، ظلّت تصدر أربع مرَّات في السنة مدَّة أعوام عديدة، يرأس تحريرها الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي رحمه الله المتوفى 1415 هـ، ثم حلّت محلّها تحت إشرافه رحمه الله جريدة عربية نصف شهرية باسم "الداعي"، صدر العدد الأول منها في 11 جادى الأخرى 1396 هـ.

ثم ارتأى المجلس الاستشاري في عهد ما بعد الشيخ محمد طيّب رحمه الله أن يحولها مجلّة شهرية، فصدر العدد الأول من مجلّة "الداعي" الشهرية في صفر، ربيع الأول، 1414 هـ، عندما كانت في سنتها 17. ولا تزال تصدر شهرية، وهي اليوم في 1420 هـ، في سنتها 23، ولله الحمد.

وفي عام 1392 هـ زار الجامعة وفد ثقافي مصري برياسة السيّد محمد توفيق عويضة. وقد قال رئيس الوفد لدى حديثه الودّي مع المسؤولين في الجامعة:

لقد صدق العلامة رشيد رضا عندما قال: ما قرّت عيني بشيء في "الهند" بمثلما قرّت برؤية مدرسة ديوبند.

وفي عام 1394 هـ زار الجامعة وفد من رابطة العالم الإسلامي بقيادة السيّد إبراهيم السقّاف، الذي اعتبر دار العلوم منارة علم ومركز إشعاع فكري، وسببا قويا في انتشار علم الحديث في "الديار الهندية".

ص: 117

وفي عام 1395 هـ زار الجامعة كلّ من شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله وكيل الأزهر، والشيخ عبد الرحمن بيصار، والشيخ محمد خاطر مفتي "الديار المصرية"، والشيخ محمد الفحام شيخ الأزهر السابق. وقد قال الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود في انطباعاته في الحفلة:

ولا يسعني إلا أن أعترف أن زهد رئيس الجامعة الشيخ محمد طيّب وتقواه وعلمه الغزير وإخلاصه الكبير، هو الذي يتجلّى في كلّ ما نلمسه في هذه الجامعة، الأمر الذي جعل خرّيجي هذه الجامعة يسودون مجالات الحياة كلّها في نجاح كبير.

هذا، وإلى جانب هذا التقدّم الهائل الذي شهدته الجامعة على عهد رياسته على كافّة الأصعدة البنائية والإدارية والتعليمية، وعلى صعيد السمعة المطبقة والصيت الذائع إلى الوقار والاعتبار الذين جعلاها جامعة شعبية فريدة منقطعة النظير في الشرق الإسلامي هذا، إلى جانب ذلك كان دوره طليعيا كذلك في الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

وذلك انطلاقا من أسوة مشايخ الجامعة: مؤسّسيها وأبنائها، الذين ظلّوا يحاربون الاستعمار الإنجليزي بكافّة الأسلحة، ثم ظلّوا في طليعة المحاربين للفرق الضالّة والطوائف المنحرفة، بما فيها القاديانية، والبريلوية، والحركات المستهدفة للإسلام من قبل الإحيائية الهندوسية والتبشير والمسيحي.

أما بالنسبة للقاديانية فقد شارك مع مشايخه وزملائه في كثير من المناظرات والمقاومات، كما كتب، وخطب طويلا في هذا الموضوع.

وبالنسبة للبريلوية فقد كان لسانا ناطقًا ضدّها بخطاباته، التي لا تحصى، والتي قلّما بقيت مدينة أو قرية في شبه القارة الهندية لم تستمع لها. وكانت معظم خطاباته تدور حول غرس الحقائق الأصيلة للإسلام في قلوب الجماهير.

ص: 118

والمطلع على أحوال "الهند" يعرف جيّدا أن قضيّة الحفاظ على الشرائع الإسلامية لم تقلّ أهمية في "الهند" المستقلّة، بل ربما أخذت أهمية متزايدة من أجل المآسي، التي شهدها الشعب المسلم، ولا يزال يشهدها في هذا الخصوص بشكل، لم يكن ليتصوّره في "الهند" المستعبدة، التي كان هو في مقدّمة المضحّين بالنفس والنفيس في سبيل تحريرها، وذاق في هذا السبيل ويلات لم يذقها بالتأكيد أيّ من طوائف البلاد.

ونحمد الله عز وجل أن الجامعة ظلّت بقيادة الشيخ محمد طيّب الحكيمة ملاذا للشعب المسلم الهندي بالنسبة لكلّ محاولة رامية لدينه وعقيدته، وقامت بالجهد المشكور في تحطيم المحاولة في مهدها، أو ظلّت تلاحقها لآخر مرحلة.

في الثمانينات من القرن الميلادي الحالي، ولا سيّما عام 1392 هـ، قامت محاولات للتدخّل في قانون الأحوال الشخصية لمسلمي "الهند" بشدّة غير عادية، وقيل: إن الشرائع الإسلامية عادت لا تفي بمطالب العصر.

فأمر رئيس الجامعة الشيخ محمد طيّب بتكوين لجنة من كبار أساتذة الجامعة لتقوم بتفنيد شبهات المشكّكين والمعترضين، ثم عقد رحمه الله في رحاب الجامعة يوم 26 صفر 1392 هـ اجتماعا، دعا إليه كبار علماء ديوبند، وآخرين من العلماء والمفكّرين والمثقّفين المسلمين، حتى يتّخذوا موقفا موحّدا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين والدفاع عنها، وتدارس المجتمعون جميع نواحي القضيّة، وأعدّوا مذكرة، تتضمّن أسئلة، وجهت للعلماء ورجال الإفتاء لشتى مدارس الفكر الإسلامية في "الهند"، وطلب إليهم أن يوافوا الجامعة بأجوبتهم في أوائل رجب 1392 هـ.

كما اتفق المجتمعون على عقد مؤتمر موسع لعموم "الهند" حول الموضوع، واتخذ رئيس الجامعة لهذا الاجتماع الموسّع لجانا عديدة تتضمّن رجال القانون ورجال الدعوة والفكر إلى رجال العلم والإفتاء.

ص: 119

واللجنة المحلّية في هذا الشأن عقدت اجتماعها في الجامعة يوم 2 جمادى الأخرى 1392 هـ، وقرّر أن يعقد اجتماع كبير في الجامعة في 5 - 6 رجب 1392 هـ، لدراسة أجوبة العلماء حول الأسئلة المشار إليها.

وحسب المقرّر عقد المؤتمر الموسّع لعموم "الهند" في مدينة "بومباي" في 20 - 21 ذو القعدة 1392 هـ. ونظرا لأهمية الموضوع ارتأى العلماء أن تكون الدعوة موجّهة من قبل رؤساء وقادة شتى المنظّمات الإسلامية المعروفة. وكان كذلك فقد اجتهدت جميع المنظّمات والجمعيات الإسلامية في عقد المؤتمر، وقد تكلّل بالنجاح من جميع الاعتبارات بشكل غير عادي، وبإجماع ممثلي جميع المنظّمات المساهمة في الدعوة لعقد هذا المؤتمر بما فيها أهل السنّة والشيعة والديوبندية والبريلوية، وأهل الحديث والجماعة الإسلامية، وكلّ من الطوائف، التي تنتمي إلى الإسلام، ويعتبرها الدستور الهندي مسلمة، أسندت رياسة المؤتمر إلى سماحة الشيخ محمد طيّب رحمه الله تعالى.

ومن على منبر هذا المؤتمر التاريخي المشهود أعلن الشعب المسلم بجميع طوائفه ومذاهبه أنه لن يتحمّل أيّ تدخّل للتغيير في أحواله الشخصية، وتمخّض المؤتمر عن قيام هيئة للأحوال الشخصيّة لعموم "الهند"، تمثل جميع المذاهب والمدارس الفكرية للمسلمين، وأجمع المؤتمرون على انتخاب الشيخ محمد طيّب رئيسا للهيئة، والشيخ منت الله الرحماني أمير الشريعة لولايتي بـ "يهار" و"أريسه" سابقا، المتوفى 1411 هـ. أمينا عاما للهيئة، وقد ظلّا يتولّيان مسؤوليتهما نحو الهيئة لآخر لحظة من حياتهما.

وبشهادة التاريخ يسجّل أن "الهند" المستقلّة لم تشهد منبرا موحّدا للدفاع عن الشريعة الإسلامية خصوصا، وقضايا الإسلام والمسلمين عموما أقوى من منبر هيئة الأحوال الشخصيّة لعموم "الهند".

ص: 120

‌الاحتفال المئوي المنقطع النظير للجامعة:

وفي عهده وقبل وفاته بثلاث سنين ونحو نصف، في الفترة ما بين 3 - 5 جمادى الأولى 1400 هـ، عقدت الجامعة احتفالا باسم "الاحتفال المئوي".

كان الاحتفال منقطع النظير حقًّا، حضره نخبة رجال العلم والفكر، والدعوة والتبليغ، والتعليم والتربية، والصَّحافة والإعلام، من أنحاء "الهند" وأرجاء العالمين العربي والإسلامي، ربما لم ير الناس هذا التجمّع الإنساني الإسلامي المائج في مكان ما في العالم فيما بعد "عرفات"، بشهادة العلماء الموثوق بهم، الذين أتيح لهم في هذا العصر أن يطوفوا في الدنيا كلّها ما لم يتح لغيرهم.

وكانت المسَاحَة التي أقيم عليها السرادق خصيصا لعقد الاحتفال (600000) قدم مربّع، بالإضافة إلى المخيمات المفردة لكلّ من الولايات والمديريات الهندية، ولكلّ من "الهند" و"باكستان" و"بنغلاديش".

ولاتخاذ الاستعدادات وإنجاح الاحتفال شكلت لجنة تضمّ كلّ منها عددا من الخبراء والمحبّين للجامعة والأساتذة.

وعبر نحو أسبوع أو أكثر ظلّت ديوبند هي محطّة الركاب المسلمين من أنحاء "الهند" كلّها، في معظم المدن الهندية ظلّت تزدحم المواقف والمحطّات بالمسافرين القاصدين لمدينة "ديوبند"، والسيّارات والحافلات والقطارات كلّها وجدت غاصّة بالركاب المسلمين في هذه الفترة، وبمن هم في زيّ العلماء والصالحين، حتى رأت الحكومة أن تجري قطارات خصوصية من وإلى "ديوبند"، من محطّات المدن الرئيسة في البلاد.

وأوفدت حكومات معظم البلاد العربية والإسلامية ممثّليها إلى هذا اللقاء الإسلامي التاريخي، وعلى رأسها "المملكة العربية السعودية"، و"جمهورية مصر"

ص: 121

العربية، و"دولة الكويت"، و"باكستان"، و"الجمهورية العراقية" و"المملكة الأردنية الهاشمية"، و"سلطنة عمان"، وغير ذلك من الحكومات.

أما على صعيد "الهند" فقد وجّه رئيس الجمهورية الراحل "نيلام سنجيفا ريدي" رسالة تهنئة حارّة، وحضرت الاحتفال رئيسة وزراء "الهند" الراحلة إندرا غاندي، (المتوفى 1404 هـ)، التي ألقت كلمة ضافية في الجلسة الافتتاحية يوم الجمعة المبارك 3 جمادى الأولى 1400 هـ، كما أن مصلحة البريد الهندية أصدرت هذه المناسبة طابعا تذكاريا، مشتملا على بعض المباني الجامعية الهامّة.

ويقدّر عدد الحضور بالمليونين ونصف، وقد ساهمت في تغطية المداولات بالإضافة إلى كبرى الصحف الهندية ووسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة المحلّية والعالمية، مجلّة البلاغ الكويتية، وجريدة أخبار العالم الإسلامي بمكّة المكّرمة، وعرب تائمز الكويتية، ومجلّة صوت الشرق القاهرية، ومجلّة الوعي الإسلامي الكويتية، ومجلّة منبر الإسلام المصرية، ومجلّة الشريعة الأردنية، وجريدة المدينة السعودية.

وظلت ذكريات الاحتفال حيّة في القلوب ومذكورة على الألسنة أياما طويلة.

وصدق الأستاذ إبراهيم محمد سرسيق ممثّل جريدة المدينة إذ كتب بعددها الصادر بيوم السبت 19/ 5/ 1400 هـ، في تقريره الطويل النفس عن الاحتفال وانطباعاته عنه وعن الجماعة وعن الهند:

إن ما رأيته من احتفاء الناس بهذه الجامعة، قد أثلج صدري حقًّا، فمن الصعب أن يوجد هذا التعاطف بين الناس ومؤسّساتهم العلمية هذه الدرجة من الحبّ والتلاحم والذوبان الروحي والتعلّق القلبي.

التعاطف هو الذي ساعدني على أن أرى مشهدا ما شهدته قطّ إلا في الحجّ الأكبر في عرفات الله

ص: 122

‌مكانته في الخطابة:

أشهِدُ الله عز وجل أني ما رأيت في حياتي رجلًا في طول شبه القارة الهندية وعرضه يجلس على منصّة الخطابة والوعظ، فيمتلك مشاعر المستمعين وقلوبهم مثله، بغزارة علمه، ووفرة اطلاعه، وكثرة محفوظاته، وتعمّقه في الكتاب والسنّة، وتشبّعه بأسرار الشريعة، وبروعة عرضه للدلائل على حقّية الإسلام وأحكامه وشرائعه، وبعذوبة منطقه، وجمال مظهره، وحسن هندامه، وبديع بيانه، وسلاسة لسانه، كأنه عندليب يغنِّي، أو ملك يتكلّم، يجري في خطابه في هدوء وعلى نسق واحد، كالأنهار الجارية في السهول، يستمع إليه الحاضرون ثلاث ساعات متتاليات أو أكثر دون أن يساورهم ملل، جلّ محاضراته في أيّ من المواضيع الإسلامية تطول أكثر من ساعتين على الأقلّ، يتحدّث ارتجالا دون أن يخونه التعبير أو تنقصه المعلومات، وكأن الألفاظ والمعاني كانت رهن إشارته. وقد رأينا المستمعين رغم كون محاضراته طويلة النفس يشكون في النهاية دائما عدم التشبّع، ويتطلّبون المزيد، كأنهم حرموا صحبة ممتعة، أو ظلّا ظليلا، أو أغنية مطربة تغذي الروح، أو حلوى غير عادية في اللذَّة والحلاوة، كانوا يتناولونها، فنزعت من أفواههم.

وكان القائمون على المؤسّسات والمدارس والجامعات الإسلامية في كلّ مكان ينتهزون وجوده، ويعقدون المناسبة دون تحضير مسبق، فيتوافد الناس لاستماع كلمته، وينجذبون إلى مكان الحفل فور علمهم بانعقاده، انجذاب القطع الحديدية للمغناطيس.

وكانت تكون خطاباته مملوءة بالاستشهاد بنصوص الكتاب والسنّة وأقوال السلف بألفاظهم، ومجملة بقصص طريفة، ونكت لطيفة، وإشارات دقيقة، تنشط الأذهان، وتبعث الدروس، وتشحذ الإيمان، وتصقل القلوب، وتحرّك الهمم، وتلفت الأنظار إلى مغزى آيات الله، المبعثرة في الكون.

ص: 123

خطابات، لم يُتعِبْ فيها قطّ صاحبها نفسه، برفع الصوت، وبذل الحماس الزائد، وإعمال التفاتات كريهة إلى جانبي اليمين والشمال، والتعمّد لاستخراج ضحكات الحضور، ولم يعتمد على تحريك يديه، والإشارة بالأصابع، ولم يُزَمْجِرْ، ولم يُزْبِد، ولم يحرص على التصفيق من الحضور، وإنما ظلّ يجري في رفق وتأن، كحلم لذيذ، يسري في الخاطر، وينعشه.

أجل، لم يتعب نفسه بذلك كلّه، كما أنه أراح الجمهور من أيّ تعب، فلم يصبه به عبر مشواره الخطابي ورحلته الدعوية، فكانوا يستمعون له ساعات طويلة متسمرّين مشدودين كأنَّ على رؤوسهم الطير.

وكان رحمه الله مكثرا من ضرب الأمثلة، وتقريب الموضوع إلى الحضور، بالمحاكاة والتشبيهات، وبالأساليب البيانية والصياغات اللغوية المتنوّعة، التي كان بارعا فيها، في أوائل ثمانينات القرن الحالي الميلادي كنت أستمع له بعد ظهر أحد أيام شهر محرّم الحرام، في حفلة مزدحمة بالحضور في (محيط شوكت علي) بمدينة "لكنو"، وكان الموضوع هو التأكيد على فضائل الصحابة في تلك البيئة، التي يتناولهم فيها سكّان المدينة الشيعة بالسباب بل بالشتائم.

وتطرّق في حديثه إلى موضوعات فرعية عديدة، من بينها: الطريق قد تتعدّد، ولكن المنزل يجب أن يكون واحدا، وضرب لذلك مثلا من كتب السلف القديمة، وكان المثل في قصّة طريفة ذات دروس كبيرة، موجَزها:

أن نحويا كان غاية في السواد، يغبطه في ذلك ظلام الليل، وكانت زوجته غاية في البَياض والجمال، كأنها قطعة من القمر أو طلعة من البدر، إذا اجتمعا ظهرا للناظر كأنهما الشمس والظلّ، أو الليل والنهار، أو المتناقضان كالماء والنار، وذات يوم كانا جالسين يتحدّثان في شتى المواضيع، إذا قال الزوج للزوجة: نحن كلانا سندخل الجنّة إن شاء الله. قالت الزوجة: قبل الله دعوتك، ولكني لا أؤمن بكونك نبيا، يطلع الله على بعض مغيباته لدى

ص: 124

الحاجة، فكيف علمت أننا من أهل الجنة؟ قال: للعلم بذلك لا حاجَة إلى أن يكون المرأ نبيا أو شيخا صالحا، ألا تعلمين أنك على جمال ربما لا تتمتّع به اليوم على ظهر البسيطة امرأة، ومع ذلك أنت مجتهدة في بذل الطاعة لي، والعبادة لله، واستيعاب الأوقات في الذكر والتلاوة، فأنا على منزلة في الشكر ربما لا يعتليها رجل اليوم في الدنيا، حيث استحضر كلّ وقت نعمة الله الغالية المتمثّلة في الزوجة الفريدة في الجمال مثلك، التي أعطيتها دونما حول مني ولا قوّة.

وبالعكس من ذلك أنا أقبح رجل على وجه الأرض، ربما لا يوجد نظيري في العالم في القبح، ورغم ذلك أنت تصبرين عليّ، وترضين بقسمة الربّ، فأنت على درجة من الصبر، ربما لم يفز بها اليوم أحد في الدنيا.

إذا فزوجك المتواضع غاية في الشكر، وأنت غاية في الصبر، فسندخل الجنة إن شاء الله، أما أنا فعن طريق الشكر، وأما أنت، فعن طريق الصبر.

وبعد ما حكى الشيخ القصّة، قال: فالمنزل ههنا واحد، وهو الجنة، وإن أحد القاصدين اختار طريق الشكر إليها، وثانيهما رضي طريق الصبر.

وقد ذكر أحد المترجمين له، قصّة أخرى طريفة تؤكّد مدى براعته في ضرب الأمثلة.

في مدينة "ملتان" بـ "باكستان" كان الشيخ يتحدّث إلى حفلة كبيرة جدا، عن موضوع الآداب التي يجب أن يتقيّد بها القائم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة من اللغات، وتطرّق في ذلك إلى أمور كثيرة، منها: أن المترجم البارع إنما يكون من له علم واسع بالأمثال والحكم والنكت المستخدمة في اللغة، التي يحاول أن يقوم بنقلها إلى لغة أخرى.

وضرب لذلك مثلا لضابط إنجليزي كان يشغل منصبا في عهد الاستعمار الإنجليزي في "الهند"، وكان مقيما بها منذ سنوات طويلة، فتعلم الأردية لطول عهده بها، وبالخدمة فيها واحتكاكه بالناطقين بها، فقال ذات

ص: 125

يوم مهتزا للجندي المخصّص لخدمته: إني قد أتقنت اللغة الأردية. فابتسم الجندي، لأنه كان من الناطقين بها، وقال له متأدّبا: إن اللغة الأردية لا يتقنها أحد إلا بعد طول ممارسة. فقال الضابط: ما تقول صحيح، ولكني قد أتقنتُها فعلا. قال الجندي: إذا هل تسمح لي بأن أختبرك في ذلك؟ قال الضابط طربا: بكلّ حرّية. قال الجندي: ما معنى القرع المرّ الصاعد على شجرة النيم، وبما أن النصّ الأردي للمثل يحمل بين القرع المرّ، وبين الصاعد على شجرة النيم، كلمة أور العاطفة المرادفة للواو في العربية، فتورّط الرجل أولا في هذه القضيّة، وقال للجنديّ: قد فهمت ما هو المراد من النصّ بين طرفي أور، ولكني لم أدر لماذا تخللت كلمة أور ههنا بدون معنى وبدون حاجة؟ أفهل هي للربط أو للعطف، وكلاهما باطلان ههنا؟ وابتسم الجندي ساخرا منه، وقال له: دع هذه القضيّة، ودلّني على معنى هذه الجملة صارفا نظرك عن أور، فتوقّف قليلا، ثم قال إن "كريلا""القرع المر" خضار، وأما "نيم" فمعناها النصف، وأما جرها الصاعد، فمعناها أن القائم بطبخ الخضار، قد وضعه في القدر على الموقد. ثم قال ضاحكا: إنك لتعلم أن كريلا خضار مرّ للغاية، فلو طبخه جاهل لما نضج جيّدا، وإنما بقي ناضجا وغير ناضج، فلم تزل مرارته، وإذن فالمعنى واضح!

واستخرج الموقف ضحكا طويلا من الجنديّ، ثم قال للضابط سيّدي! أما قلت: إنك لم تتقن الأردية بعد. وهنا شرح له معنى النصّ. فقال الضابط: حسنا إن ذهني لم يتطرّق إلى شجرة النيم، وإلا فإني كذلك كنت قد توصّلت إلى المعنى المراد الذي شرحته أنت.

قال الشيخ رحمه الله: إن الضابط عرف كريلا وعرف نيم، بمعنى النصف، ولم يعرف الكلمة في معنى الشجرة ههنا، فأفسد المثل وسلبه مزاياه، ولما شرح له الجندي المعنى الصحيح شعر بالندم، وقال: سلني عن أشياء أخرى، فسأجيبك صحيحا. فقال الجندي: إذا سألتك عن أشياء أخرى،

ص: 126

فستعود مقلبا نظرك يمينا وشمالا، واستخدم بالمناسبة الحكمة الأردية، التي معناها الحرفي ستعود ناظرا في إبطيك، فكشف الضابط عن أحد إبطيه، ونظر فيه، ثم كشف عن الثاني، ونظر فيه، وقال: لعلّك تريد أني سأفعل هكذا. ولم يستطع الجندي أن يتمالك نفسه تجاه الضحك، الذي سيطر عليه.

وجميع خطابات الشيخ زاخرة بأمثال هذه الأمثال والقصص، التي كانت تزداد طرافة على طرافة لحديثه الشيق المعسول المعجون بلذّة الشوكولاتة، الأمر الذي كان يجعل الحضور لا يكادون يتمالكون أنفسهم من الضحك العفوي، الذي كان يغلب عليهم لدى استماعهم لها، كما كان المتذوّقون للغة والثقافة يهتزون فرحا.

من مزايا خطاباته:

وكان من مزايا خطاباته أنه كان يشبع الحديث في كلّ موضوع يتحدّث عنه، ويوفيه حقّه من الشرح، ومن الدلائل ومن النقاش، ومن تفنيد كلّ شبهة، ومن التطرّق إلى جميع أبعاده، ومن توفير كلّ معلومة ممكنة، يحتاج إليها المستمع فيما يتعلق به، بالإضافة إلى إمداده بتجاربه الواسعة واطلاعاته الدقيقة على الحياة والناس وعلى المجتمعات البشرية.

وكان يقدر على أن يتحدّث في كلّ موضوع دقيق وجليل، وعن مقدرة بيانية عجيبة، وبمعلومات وعناصر مطلوبة، مهما كانت المناسبة، وأيا كان الوقت، وكيفما كان الموقف. مهما طلب إليه الحديث بدأ يتكلّم كأنه مسجّل ضغط على مفتاحه.

وربما تكلّم في موضوع تافه، فجعله شيئًا ذا بال بسحر حديثه، وعذوبة منطقه، وخفّة روحه، وحسن نكته، ولباقة عرضه، وقوّة عارضته، وغرائب معلوماته، واتّساق أطروحاته، وتدفّق رؤاه.

ص: 127

قد سمعت حديثه ذات مرّة حول فضيلة القناعة بالقليل وعيش الحياة كعابر سبيل، فتأكّد لديّ أن الحياة المثاليّة للمسلم الصحيح إنما هي ما عاشه سيّدنا أبو ذر وأمثاله من الصحابة والتابعين والزاهدين من هذه الأمّة، وأن ما لا يتفق، وهذه الحياة الإيمانية المغبوطة، فإنما هو هوس وجنون وهوى وفنون، يتأنّق فيها الراغبون في هذه الحياة الدنيا. حديث أبكى العيون، وغسل القلوب، وصقل الإيمان، وحطّم الأوهام، وأزال الأردان، وكسر الأهواء، وشفى المتهالكين على المادّة والمعدة من داء الجشع والأنانيّة، والدّوران حول الذات.

ثم استمعت إليه:

بعد سنوات طويلة، وهو يتحدّث عن فضيلة الثروة واقتناء المال والعناية باستثماره، فإنفاقه في وجوه الخير، التي لا تحصى، وأشار في ذلك إلى نواحي الخير، التي قد لا تتبادر إليها الأذهان، وقد لا تنال عناية من فاعلي الخير السبّاقين إلى البذل والحريصين على الخدمة الإنسانية والأعمال الإسلامية فما وسع الحضور، إلا أن كادوا يطيرون فرحا، وعادت المنصّة والمخيم المنعقد فيه الاحتفال، وما حوله من الجدران وما وراءها من الأشجار، ألسنة تلهج بالثناء، وترفع الصوت بالتصفيق والتهليل، والإشادة والدعاء.

وهنا ثارت الدواعي في قلبي، وأتأكّد أن الحضور كانوا شركائي في ذلك أن الفضيلة الأولى التي يجب أن يحظى بها الإنسان في حياته إنما هي فضيلة الثروة والغنى والحصول على المال الوفير، حيث إن هناك حسنات لا يمكن أن يحقّقها المرأ في دنياه، إلا عن طريق المال والثروة، وبذلك فيتمهّد له الطريق إلى التقرّب إلى ربه، ثم إلى دخول جنته بفضله ومنّته، إن شاء الله.

ص: 128

فحسم الأمر، وحكم في القضيّة فيما يتعلّق بمن يشكّون في شأن العناية بمجرّد الثروة والثريّ، وينظرون إلى مطلق المال كأنه لعنة، وإلى مطلق العناية بأسباب الراحة المباحة والنعيم الحلال بنظرة الشكّ والارتياب.

وأكّد أن مطلق المال والثروة ليس بحرام، وإنما الحرام هو الإخطاء بمواضع استحقاقه، ووجوه الإنفاق، التي أرشد إليها الإسلام، وفصّلتها الشريعة، وضعت لها مبادئ، وقعّدت لها قواعد.

وأن مطلق الفقر والزهد في الدنيا واللعنة على الأسباب، التي بسطها الله لحكمته في الكون ليس محمودا في الشريعة ومقبولا في الإسلام، وإنما المحمود هو الفقر الذي يبعث على المواساة، ويرقّق القلب، ويكسب لذّة اليقين، وجمالا في الدين، ويزيد المؤمن تقرّبا إلى الله، واحتسابا للأجر ورغبة في الذخر، وإلا فإن الفقر قد يؤدّي بغير المتوكّل على الله، وغير الصابر على البلاء، وغير العارف بآداب استمطار رحمات الربّ الغفور الرحيم، إلى الكفر، فإلى النار، أعاذنا الله وإيّاكم من كلّ موقف حرج في الدنيا، وبعدها في الآخرة.

اشترى طلّاب نادي اللغة العربية بالجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند في أيام تحصيلنا في منتصف التسعينات من القرن الرابع عشر الهجري الفائت، جهازا لمكبّر الصوت، وأشار مؤسّس النادي والمشرف عليه أستاذنا وأستاذ الجيل الإسلامي الجديد في شبه القارة الهندية، فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي رحمه الله تعالى، المتوفى 1415 هـ، أن نلتمس من الشيخ محمد طيّب رحمه الله أن يدشّنه بحديثه المبارك، فقبل دعوتنا مشكورا، وحضر الحفل الذي عقدناه على شرفه محمودا، وتحدّث فيه حول مكبّر الصوت: ذاك الجهاز التافِه العادي، ومنافعه وفضائله الكثيرة، وإمكانات توظيفه لخدمة الدين والدعوة، بشكل جامع مانع بدا لنا من أجله، كأنه يتحدّث عن فضائل أحد من الأئمة الأعلام: الحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، والغزالي، وابن تيمية، ومن إليهم.

ص: 129

وكان من خصائص خطاباته: أن المستمعين كلّهم كانوا يعودون يشاطرونه الآراء، التي كان يعرضها عليهم، كأنها هي آراؤهم، بل أحاديث قلوبهم، ونجاوى نفوسهم، فيتجاوبون معها تجاوب عبد مطيع مع سيّده، وينفذونها في حياتهم تنفيذ المحبّ لأوامر حبيبه، قلمّا رأى الهنود خطيبا إسلاميا مثله يجعل مستمعيه، يقتنعون بحديثه، ويتشبّعون بأفكاره، ويتلذّذون بأساليب عرضه، لهذا الحدّ العجيب.

وقد كان علمه الثرّ، ومحفوظاته الغزيرة، وذكاؤه الملتقط، وتأنّقه في الملابس، وجمال هيئته، وحسن هندامه، وجبّته المعروفة بشرواني، وعكازه الخفيف، وقلنسوته القائمة على رأسه بصورة منفردة، وجلسته الوقورة على كرسي الخطابة، وحلمه الزائد، وتواضعه الجمّ، وزهده التامّ في فضول القول، واقتصار كلامه على ما ينفع عباد الله، وتقيّده بالجدّيّة البالغة في الجلوس والقيام والمشي والكلام والحركات والسكنات، ووجهه الصبيح الوضّاء، وجسمه المعتدل بين السمن والنحل، وقامته المعتدلة، والصلاح الذي كان يعلو نوره وجهه، ويشمل كيانه، وحسبه المتوارث، الذي يضفي عليه براءة الملائكة، ويجعل الناس يجدون أنفسهم مضطرّين لحبّه. . كلّ ذلك بالمجموع كان ينحت منه شخصية علمية دينية قيادية خطابية فذّة كان عنوانها الشيخ محمد طيّب رئيس جامعة دار العلوم ديوبند، الذي كان يحمل تأثير السحر ومفعول كبسولة الإنعاش والسرور. . . شخصية وجدت فيه، وانتهت به، ولا يوجد مثيلها اليوم، كما كان لا يوجد حين كانت حيّة تؤدّي دورها في الحياة.

وفي الأغلب جرت العادة:

أن ذوي الكمال لا يعترفون لأمثالهم بالفضل، ولكن نوابغ الخطباء وعباقرة اللسن المعاصرين قد اعترفوا بفضل الشيخ محمد طيّب رحمه الله في مجال الخطابة، وعلى رأسهم الخطيب الإسلامي البليغ الشيخ عطاء الله شاه

ص: 130

البخاري، رحمه الله المتوفى 1381 هـ، وأديب الأردية وخطيبها المصقع، وكاتبها الفريد الشيخ أبو الكلام آزاد وزير التعليم الهندي الأول بعد الاستقلال، المتوفى 1377 هـ.

فقد روى بعض من ترجم للشيخ محمد طيّب رحمه الله أنه كان يتحدّث ذات مرّة في حفل كبير في مدينة "جالندهر"، بولاية "بنجاب" الهندية، وكان الصمت يلفّ الشجر والحجر، وكان الحضور كأنَّ على رؤوسهم الطير، فلو سقطت إبرة سمع لها صوت، وكان الشيخ محمد طيّب يتكلّم، وينشر لآلئ المعلومات، ويتلقّفها الحضور في لهفة ورغبة. وكان بينهم الخطيب الإسلامي المعروف الشيخ عطاء الله شاه البخاري، الذي لم يتمالك نفسه في بعض مواقف خطاب الشيخ عند ما تفتقت قريحته، فبلغ أوجه، وبرعت لفتاته، وتفردّت إشاراته، وبدعت أقواله، فنهض الشيخ البخاري من مكانه، وصعد إلى المنصّة، وأبدى إلى الحضور، غاية تقديره وإعجابه، وعواطف إشادته به، وأنشد قصيدة ارتجلها في مدحه، وقرّظ فيها سعة علمه، ومدى فضله، وغاية تبحّره، في علوم الشريعة، وتفرّده في عرض محاسن الإسلام.

أما العلامة أبو الكلام آزاد، فقد تحدّث الشيخ محمد طيّب رحمه الله بنفسه عن رأيه فيه في إحدى كتاباته، فقال: دعا الشيخ أبو الكلام آزاد عام 1368 هـ لعقد مؤتمر في مدينة "لكنو" بهدف دراسة القضايا التعليمية، واتفق أن طلب إليّ كذلك إلقاء الحديث فيه، وقد تناوله الشيخ آزاد بالاستحسان البالغ، الذي لا تزال كلماته تدوي في أذني لحد اليوم.

وإذا كان نبوغه في الخطابة:

يرجع إلى أسباب عديدة تفاعلت، كسنّة طبيعية إلهية، وحكمة ربّانية في تكوينه خطيبا إسلاميا، وداعية، فريدا في شبه القارّة الهندية، فإنه يرجع أولا إلى نزعته الذاتية إليها منذ صباه، وصقلتها تربية أساتذته ومشايخه. ولندع

ص: 131

الشيخ رحمه الله يتحدّث عن ذلك بدوره: كنت راغبا في الكتابة والخطابة منذ صباي، وكان مشايخي معنيّين بإذكاء رغبتي، وتشجيعي على المضيّ قدما في طريق التقدّم على هذا الخطّ، ففي أيام تحصيلي كلّفني سيّدي الأستاذ العلامة أنور شاه الكشميري، الذي استصحبني في زيارة له دعوية في منطقة "بنجاب"، بإلقاء كلمات في حفلات كبيرة في مدن كبيرة. والحادث الذي أذكره مضى عليه 60 - 65 عاما، ولكني أتذكّره بأبعاده، وهو أنني قد شاركت حفلة في "ملتان" في حالة أن ثيابي كلّها كانت قد ابتلّت، وكنت قد اشتملت لستر العورات ببطانية كبيرة، وكنت حافيا، حاسرا عن الرأس، وفي هذه الهيئة حضرت تلك الحفلة المزدحمة، وقدّمني أستاذي العلامة الكشميري رحمه الله إلى الحضور قائلا:

إن هذا الفقير الذي يخطب أمامكم، سيكون خطيبا كبيرا في المستقبل، ولا تظنّن أنه يَرْتَدي البطانية كالفقراء، فلا يملك رصيدا من العلم والفضل، بل تأكّدوا أن في هذه الثياب الرثّة لعلا (عقيقا أحمر). وكان ذلك تشجيعا لي من سيّدي الأستاذ، وإلا فأين طالب متواضع مثلي من اللعل والياقوت! وكان أمثاله من المشايخ هم الذين تولّوا تربيتي.

‌مؤلفاته القيّمة الممتعة:

وإلى جانب ذلك كلّه كان كاتبا قديرا باللغة الأردية، وشاعرا مطبوعا باللغتين: الأردية والفارسية.

دبّجت براعته مئات من المقالات والبحوث العلمية والفكرية والدعوية، نشرتها شتى المجلات الأردية في شبه القارة الهندية وخارجه.

كما ألّف رحمه الله كتبا بالأردية في مختلف الموضوعات الإسلامية، ونُقِلَ بعضُها إلى اللغتين: العربية والإنجليزية. ومن أهمّ مؤلفاته: "التشبّه في الإسلام)، و"أسباب تقدّم الأمم وانحطاطها"، و"الدين والسياسة"، و"مبادئ الدعوة الإسلامية"، و"المساواة الإسلامية"، و"الإسلام والعلم"، و"الاجتهاد والتقليد"، وصدر له ديوان باللغة الأردية.

ص: 132

‌مكانته في القلوب:

بما أنّه رحمه الله تعالى كان يجمع بين المؤهّلات والاهتمامات الكثيرة التي أشرنا إليها من قبل، وبين العلوّ في النسب الديني والنسب الطيني، وبين الوجاهة، والجمال الرجالي، والوقار العلمي، واللسان العذب.

وبما أنَّ الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، مهوى أفئدة الشعب المسلم في شبه القارة الهندية وأكبر وأقدم جامعة خاصّة بالمسلمين في هذه الديار، إليها يفزعون في كلّ ما يحزبهم من مشكلة دينية، ومنها يستنيرون في كلّ ظلام قاتم، وبها يلوذون في كلّ ما يمسّ الدين والعقيدة في هذه البلاد.

وقد أتيح له رحمه الله تعالى، أن يخدم مثل هذه الجامعة عبر هذه المدّة المديدة، التي تقارب ستين عاما، فأكسبه ذلك من الشعبيّة والإعجاب والتقدير ما لم أعرفه في حياتي أنا لأحد من علماء الدين، ورجال الأوساط الإسلامية، الذين عايشتُهم، إلا القلائل، الذين عرفوا بإخلاصهم وربّانيتهم وتعمّقهم في الكتاب والسنّة، مثل العلامة المحدّث الشيخ زكريا بن يحيى الكاندهلوي، الذي وافتْه المنية في "المدينة المنوّرة" في 1 شعبان 1402 هـ.

فمن أجل ذلك كلّه انساقتْ إليه مناصب متنوّعة، ولا سيّما منصب الرياسة والإشراف العام على عدد من المؤسّسات والهيئات الإسلامية، التي تضمّ مختلف القطاعات الدينية، والمذاهب الفكرية، والجماعات، والمنظّمات الإسلامية.

‌استقالته من منصب رئيس الجامعة قبل وفاته بأقلّ من عام:

في 18 ذو القعدة 1402 هـ استقال الشيخ إلى المجلس الاستشاري للجامعة من منصبه لكبر سنّه وانحرافاته الصحيّة وتعقّد الأمور الإداريّة في الجامعة آنذاك، حيث كان في 87، 88 من عمره عند الاستقالة، فقبل المجلس استقالتَه مع إبداء الأسف والتقدير لخدماته الجليلة الطويلة.

ص: 133

‌شمائله:

قد جمع الله فيه إلى جانب روح العمل، لين العريكة، ومرونة الخلق، وكرامة النفس، والمروءة والسماحة، والحلم الزائد، وطلاقة الوجه، التي كانت تعلو محياه طبيعيا وكلّ وقت، والتعمّق في الكتاب والسنّة وعلومهما وفي أسرار الشريعة، فقد ظلّ متوفّرا على دراسة كتب الإمام الغزالي، (أبي حامد محمد) المتوفى 505 هـ، والإمام ولي الله الدهلوي (أحمد بن عبد الرحيم) المتوفى 1176 هـ، وجدّه الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297 هـ، والعلامة الشيخ الكبير أشرف علي التهانوي المتوفى 1362 هـ، وغيرهم من العلماء، الذين تفرّدوا في الحديث عن أسرار الشريعة وأحكامها.

كما جمع الله فيه خفّة الروح، والأناقة في الملبس والمأكل، وجميع شؤون الحياة، واللسان الذرب البليغ السلسال في الخطابة والموعظة. كلّ من رآه وجد نفسه مضطرّا لحبّه والإعجاب به.

‌رحلاته:

زار شبه القارة الهندية من أقصاه إلى أقصاه، قد لا تخلو مدينة أو قرية لها شأن إلا وتشرّفت بزيارته ومحاضرته، وتكرّرت زيارته لمعظم الأقطار والمدن الهندية.

كما تكرّرت زيارته على دعوة فردية وجماعية لمعظم البلاد والمدن العربية والإسلامية والأوروبية، كما حضر فيها كثيرًا من المؤتمرات والندوات العلمية والإسلامية.

‌وفاته:

في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة تماما من 6 شوّال 1403 هـ، يوم الأحد، استأثرت به رحمة الله تعالى. في الساعة الثانية عشرة إلا الربع تماما كنت مشغولا في مكتبي: مكتب الداعي الكائن في الناحية

ص: 134

الغربية الشمالية بجنب السلّم الحجري، الذي ينزل إلى السكن الطلابي المعروف بـ الدار الجديدة، من الطابق الثاني للمبنى المركزي للجامعة، إذ لفت انتباهي كلّه تنفّس مكبر الصوت الذي دوّى من فوق منارتي الجامع القديم للجامعة، في مفاجأة عجيبة وبصورة غير عادية، تبعه صوت متقطّع موقّع على أوتار الحزن، ينعي أكبر عالم ديني في شبه القارة الهندية: سماحة الشيخ محمد طيّب الرئيس السابق للجامعة.

فحسبت كأن هملايا للعلم والفضل قد هوى، وكأن الشعب المسلم الهندي أصيبوا بفاجعة غير مسبوقة. وهرعت الجامعة مسؤولين وأساتذة وطلابا وموظّفين ومنسوبين إلى منزله رحمه الله، تزوره جثّة في هذه الدنيا الفانية زيارة أخيرة، وتعزّي أهله وذويه في المصاب العظيم. وسرى الخبر في "ديوبند" وما جاورها سريان النار في الهشيم، وخرجت "ديوبند"، على بكرة أبيها إلى أبناء المرحوم، تقدم لهم التعازي وتشاطرهم الحزن، وإذاعة "دهلي" أذاعت الخبر بعد نحو ساعتين، ثم أذاعت بعض انطباعات بعض معاصريه عنه في ليلة 18 يوليو، كما ساهمت في ذلك إذاعة "باكستان" الشقيقة، والصحف والجرائد اليومية في البلدين، مما أطار الخير في الشرق والغرب.

وصُلِّي عليه في داخل الحرم الجامعي في محيط مولسري بعد صلاة العشاء في الساعة الحادية عشرة. وورّي جثمانه في المقبرة القاسمية الملاصقة للجامعة.

كان رحمه الله لدى وفاته في 88 من عمره، وفعلت فيه الشيخوخة ما تفعل فيمن يبلغ هذه السنّ، وأنهكته الأمراض التي أصابته في الأيام الأخيرة، إلا أن قواه الفكرية لم تزل على ما هي عليه، حتى آخر لحظات حياته، فقد أصبح كالعادة، فصلّى الفجر، وتلا حزبه من القرآن الكريم، وقام بالأعمال الرتيبة اليومية، وفي نحو الساعة العاشرة استدعى أحد الأطبّاء الحاذقين في المدينة، وبدأ يشرح له ما طرأ عليه من الأحوال أخيرا، والطبيب واضع يده على نبضه، وما إن مضت دقائق حتى جعل النبض يفتر، وما هي إلا ثوان، حتى فاضت روحه إلى الرفيق الأعلى.

ص: 135

ونظرا إلى طول خدمته للإسلام والمسلمين، وجهوده وجهاده في سبيل العلم والدعوة، ونظرا إلى عبقريته الفذّة في صفوف العلماء وقادة الإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية، كان صانع تاريخ، وطوي بوفاته عهد، ولم تكن وفاته مصاب أسرة واحدة أو محيط إسلامي خاص، ولكنه خسارة الأوساط العلمية والعمل الإسلامي في "الهند" وفي "آسيا" وفي العالم الإسلامي كلّه.

‌أولاد الشيخ المقرئ محمد طيّب:

ولد له رحمه الله تعالى أربعة بنين، هم: السادة محمد سالم القاسمي، ومحمد عاصم القاسمي، ومحمد أسلم القاسمي، ومحمد أعظم القاسمي.

كما ولدت له أربع بنات، توفيت الاثنتان، ولا تزال البنتان على قيد الحياة.

* * *

‌2393 - الشيخ الفاضل الطَّيِّب بن جعفر بن كَمَارِي الواسِطيّ والد أحمد، المذكور في بابه

*

وجدُّ محمد بن أحمد، الآتي في محلِّه، إن شاء الله تعالى.

قال السَّمْعانِيّ: هذه النِّسْبَة بفتْح الكاف والميم وبعد الألِف راءٌ مُهْمَلة، وهو اسم لجَدِّ بعض العلماء، وهو الطيِّب بن جعفر بن كَمَارِي الواسِطِيِّ. قال: وجماعة من أولاده يُعْرَفون بابْنِ كَمَارِي. نقلتُه من "الجواهر".

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 111، 112.

وترجمته في الأنساب 486 ظ، والجواهر المضية برقم 675، واللباب 3:50.

ص: 136

‌2394 - الشيخ الفاضل القاضي طيّب بن القاضي قطب الدين محمد درويش بن محمد أفضل بن عاشق محي الدين العبّاسي، الجرياكوتي ثم الموي الإله آبادي

*

أحد الفقهاء الحنفية.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: تولّى القضاء بـ "فتحبور" مدّة، ثم سكن ببادية كانت على عشرة أميال من "إله آباد"

(1)

، وعمّرها، وهي التي يسمّونها "مؤ قاضي طيّب"، نسبة إليه، واليوم بلدة عامرة من أعمال "إله آباد".

* * *

‌2395 - الشيخ الفاضل طيّب بن معين بن حسن بن داود بن خليل العمري البنارسي

* *

أحد كبار المشايخ.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 208.

(1)

إله آباد: يحدّها من الشرق صوبة "بهار"، والغرب صوبة "آكره"، والشمال "آوده"، والجنوب "باندهو كده"، طولها ستون ومائة ميل، وعرضها عشرون ومائة ميل،

ولها عشرة "سركارات"، وسبع وأربعون عمالة. أما "سركاراتها" فهي "إله آباد"، "غازي بور"، "بنارس"، "جون بور"، "جنار كدة"، "كالنج"، "كورا"، "مانكبور". "كده"، "بهته".

* * راجع: نزهة الخواطر 5: 207، 208.

ص: 137

توفي أبوه في صغر سنّه، فتربّى في مهد عمّه، وقرأ القرآن الكريم، وبعض الرسائل المختصرة في بيته، ثم قرأ الصرف والنحو في مدرسة الشيخ نظام البنارسي، ثم سافر إلى "جونبور"، وقرأ على الشيخ نور الله بن طه الجونبوري "شرح الوقاية"، و"الحسامي"، ثم رجع إلى "بنارس"، وتزوّج بها، وأقام ثلاث سنوات، ثم تردّد إلى "جونبور"، وقرأ بعض كتب الفقه والأصول، وأقام بها سنة كاملة، ولقي بها الشيخ خواجه كلان بن نصير الدين الجهونسوي، فبايعه، ثم رجع إلى "بنارس"، فخدم بعض الأمراء مدّة من الزمان، واسترزق بها، ثم اعتزل عن الخدمة، ورحل إلى "شيخبوره"، وأخد الطريقة عن الشيخ خواجه كان المذكور، ثم أخذ عن صاحبه الشيخ تاج الدين الجهونسوي، ولازمه عشر سنين، وحصل له مثال الخلافة منه، ثم رجع إلى "بنارس"، وسكن بـ "مندواديه" مدّة من الزمان، ثم انتقل إلى مدينة "بنارس"، وسَكَن بها خارج البلدة، وحصلت له الإجازة في الطريقة القادرية

(1)

عن الشيخ عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي.

(1)

الطريقة القادرية فهي للسيّد الإمام عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، ومدارها على التقرّب بالنوافل ودوام الذكر، بحيث يتحقّق الحضور مع الله سبحانه في جميع تقلّباته في الأشغال، ولهذه الطريقة شعب كثيرة وأشغال متنوّعة، وأما رجال هذه الطريقة من أهل الهند فهم كثيرون، منهم: الشيخ محمد بن شاه مير بن علي بن مسعود بن أحمد بن صفي بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر الجيلاني المشهور بمحمد غوث المتوفى سنة 923 هـ. أخذ عن أبيه عن جدّه، وهلمّ جرا، وقدم الهند، وسكن بمدينة أج، ومنهم: الشيخ بهاء الدين الجنيدي المتوفى عنه 921 هـ، وهو أخذ عن أبي العبَّاس أحمد بن الحسن بن موسى بن علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن أبي النضر ابن أبي صالح بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر المذكور، عن أبيه عن جدّه، وهلمّ جرا، ومنهم: الشيخ قميص المتوفى سنة 992 هـ، ابن أبي الحياة ابن محمود بن محمد بن =

ص: 138

وكان زاهدا، متقلِّلا، متورِّعا، قنوعا، بشوشا، طيب النفس، يستمع الغنا في بدء حاله، ثم صار يجتنب عنه، ويحترز عن المزامير، وكان يأمر بالمعروف، وينها عن المنكر.

أخذ عنه الشيخ محمد رشيد بن مصطفى العثماني الجونبوري، والشيخ ياسين بن أحمد البنارسي، وخلق آخرون.

مات في ثامن شوّال سنة اثنتين وأربعين وألف، فدفن بـ "مندواديه"، كما في "كنج أرشدي".

* * *

‌2396 - الشيخ الفاضل طيبرس بن عبد الله، الشيخ الإمام العالم، الفقيه، النَّحْوِيّ، علاء الدين المعروف بالجندِيّ

*

= أحمد بن داود بن علي بن أبي صالح النضر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر المذكور، عن أبيه عن جدّه، وهلمّ جرا، ومنهم: الشيخ كمال الدين الكيتهلي المتوفى سنة 971 هـ، أخذ عن فضيل عن كدا رحمن عن شمس الدين العارف عن كدا رحمن بن أبي الحسن عن شمس الدين الصحرائي عن عقيل عن بهاء الدين عن عبد الوهاب عن شرف الدين القتّال عن عبد الرزاق عن أبي الشيخ عبد القادر الجيلاني المذكور. انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 179، 180.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 112.

وترجمته في بغية الوعاة 2: 21، والدرر الكامنة 2: 330، وشذرات الذهب 6: 161، وكشف الظنون 2:1111.

ص: 139

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذُكِر أنَّه قدِم من بلاده إلى "إلْبَيرة

(1)

"، فاشتراه بعضُ الأمراء بها، وعلَّمه الخطَّ والقرآن العظيم، وتقدَّم عنده، وأعطاه إقْطاعا، وأعتقَه، فلمَّا تُوُفِّيَ أسْتاذه، قدِم إلى "دمشق"، وقد جاوز عشرين سنة، وتفقَّه على مذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، واشتغل بالنحو واللغة، والعَروض، والأدب، والفَرائض، والأَصْلَيْن، حتى فاق أقْرانَه. وسَمَتْ هِمَّته، فصنَّف في النحو وغيره، ونَظَم كتاب "الطُّرفة" في النحو، جمع فيه بين "ألفيَّة ابن مالك"، و"مُقدِّمة ابن الحاجب"، وزاد عليهما، وهي تسعمائة بيت. وقرأها عليه جماعة، منهم: الشيخ صلاح الدين البَطائِنيّ، وشَرَحها، وكان الشيخ شمس الدين بن عبد الهادي يُثْنِي عليهما، وكان مُغْرًى بالنَّظْم من صِغَرِه. وكان حسَن المذاكرة، لطيفَ المعاشرة، مَخْبَرُه أحسنُ من مَنْظرِه، كثير التِّلاوة، يصلِّي بالليل كثيرًا.

وكانتْ وفاته سنة تسع وأربعين وسبعمائة بـ "الصَّالحِيَّة"، في طاعون "دمشق". رحمه الله تعالى.

وكان مولدُه سنة ثمانين وستّمائة تقريبًا.

ومن نَظْمه في كَيَّالٍ مليحٍ، له رفيق اسمُه الشمس، ويُلقَّب بالثَّور؛ لقُبْحِه، وبالذَّقَن لِطُولِ لِحْيتِه قوله:

نَفْسِي الفِداء لكَيَّالٍ بَرَى جَسَدِي

بأربعٍ زيَّنتْها أربعٌ أخَرُ

في رَدْفِه عِظَمٌ في خَصْرِه هِضَمٌ

في رِيقِه شُهُدٌ في طَرْفِه حَوَرُ

كأنَّ وَجْنَتَه في النَّقْعِ إذ عَرِقَتْ

ياقوتةٌ تحت تِبْرٍ فوقَها دُرَرُ

مِن أجْله الشمس من أَنْوارِه كُسِفَتْ

فَمن رأى الشمس غَشَّى نُورَها القمرُ

رَفيقة الذَقنِ ثَوْران. وذا عَجَبٌ

خِشْفٌ تُرافِقُه الثِّيرانُ والبقرُ

(2)

(1)

إلبيرة: كورة كبيرة من الأندلس. معجم البلدان 1: 348.

(2)

في النسخ ذا دون الواو.

ص: 140

ومنه أيضًا

(1)

:

قد بِتُّ في قصر حَجَّاجٍ فذكَّرنِي

بِضَنْكِ عِيْشَةِ من في النار يشْتعِلُ

بَق يطيرُ وبَق في الحصير سعَى

كأنَّه ظُلَلٌ من فوقها ظُلَلُ

ومنه أيضًا في عطَّار:

احْتَجْتُ إلى قَطْرِ نباتٍ وسنا

فابْتَعْتُهما من ذي اعْتدالٍ وسَنَا

من مَنْطقِه ووجهِه كم سلَبتْ

أجفانُ مُتَيَّمِي هواهُ وَسَنَا

وكذا نقلتُ هذه الترجمة من "أعْيان العصر" للصَّفَدِيّ، وحذفتُ من شعر صاحبها ما لا طائلَ تحته، على أنَّ غالب شعرِه ليس بذلك، رحمه الله تعالى.

* * *

(1)

بغية الوعاة 2: 21، شذرات الذهب 6:161.

ص: 141

‌حرف الظاء المعجمة

‌2397 - الشيخ الفاضل ظاهر بن علي الزيداني، الصفدي وطنا، الإسلامبولي قطنا، النقشبندي

*

له"أرجوزة سعادة الدارين في اتباع سيد الكونين".

كان حيا سنة 1215 هـ

* * *

‌2398 - العلامة المحقّق البحّاثة المدقّق، الثبت الحجّة، المفسّر المحدّث الفقيه الأصولي البارع الأريب، المؤرّخ الأديب، الورع الزاهد، الصوفي البصير، ظفر أحمد ابن لطيف العثماني التهانوي

* *

ولد في 13 من ربيع الأول سنة 1310 هـ، بدار آبائه بقرب دار العلوم في "ديوبند"، أعظم مراكز العلم في البلاد الهندية، وتوفّيت أمّه وهو ابن ثلاث

* راجع: معجم المؤلفين 5: 48.

ترجمته في هدية العارفين 1: 434، وفهرست الخديوية 2: 88، وإيضاح المكنون 2: 14، 15.

* * راجع: إعلاء السنن 1: 28 - 33.

ص: 142

سنين فربّته جدّته أحسن تربية، وكانت امرأة حاجّة صالحة، فتلقَّن منها صلاحها وتقواها.

ولما تمَّ له من العمر خمس سنوات شرع في قراءة القرآن الكريم عند كبار حفظته في "ديوبند"، مثل الحافظ نامدار مدرّس دار العلوم، ونائبه الحافظ غلام رسول، ومولانا نذور أحمد، وهو أخو جدّته.

ولما أتمّ السابعة شرع في قراءة الكتب الأردية والفارسية، كتب الحساب والرياضي، عند الشيخ الجليل مولانا محمد ياسين، وهو والد كبير علماء "باكستان". مولانا العلامة الشيخ محمد شفيع الديوبندي، والمفتي الأعظم في "كراتشي". ومؤسّس دار العلوم الإسلامية فيها، رحمه الله تعالى.

ثم انتقل من "ديوبند" إلى "تهانه بهون"، إلى مجلس خاله حكيم الأمة مولانا محمد أشرف علي التهانوي قدَّس الله سرّه، وشرع في قراءة الكتب العربية في الصرف والنحو والأدب عند العلامة المتمكّن مولانا محمد عبد الله الكنكوهي، وسمع من خاله حكيم الأمّة شيئًا من علم التجويد، ونبذا من التلخيصات العشر له، وأجزاء من "المثنوي" للجلال الرومي، وقرأ عند أخيه العالم مولانا سعيد أحمد شيئًا من التلخيصات.

ثم لما اشتغل خاله حكيم الأُمّة في تاليف كتابه العظيم "بيان القرآن" بالأردية ذهب به إلى "كانبور"

(1)

، وأدخله في المدرسة المسمّاة (جامع العلوم)، التي كان الشيخ حكيم الأمة قد أسّسها حين إقامته في "كانبور"، وفوّض تدريسه وتعليمه إلى أرشد تلامذته مولانا محمد إسحاق البردواني، ومولانا محمد رشيد الكانبوري، فقرأ عندهما كتب الحديث المقرّرة في تلك البلاد، وهي:

(1)

"كانبور" كانت معسكر الإنكليز، فتدرجت في العمارة، حتى صارت بلدة كبيرة، على شاطئ نهر "كنك" وهى اليوم مركز لتجارة متّسعة في الأديم، والثياب، وغيرها.

ص: 143

"صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود"، و"سنن النسائي"، و"سنن الترمذي"، و"سنن ابن ماجه"، و"مشكاة المصابيح"، مع ما يغزز دراستها من كتب المصطلح وعلوم الحديث، كما قرأ عندهما كتب الفقه والتفسير والأدب المقرّرة بكاملها، وشيئا من العلوم العقلية.

ولما فاز بسند العلوم الشرعية والعقلية، متميّزا بمواهبه وجده على سواه من الطلبة النابهين، انتقل إلى "سهارنفور"، وجلس في مدرسة (مظاهر العلوم)، وحضر دروس الحديث الشريف عند العارف بالله الإمام المحدّث الفقيه مولانا خليل أحمد السهارنفوري، مؤلّف "بذل المجهود في شرح سنن أبي داود".

وبعد مدّة من ملازمته لهذا العارف المحدّث الإمام، أجازه بالحديث وعلومه وبسائر العلوم النقلية والعقلية، وفاز بسند الإتمام والفراغ من الدراسة العليا في سنة 1328 هـ، فكانت سنّه حينئذ ابن 18 سنة، وهي سنّ صغيرة لا يرتقي فيها إلى ذروة هذه المرتبة إلا الأفذاذ النابغون.

وقد حضر في هذه المدّة أيضًا بعض كتب المنطق والهندسة والرياضي العالية، عند مدرّسيها في المدرسة المذكورة، ومنهم: مولانا عبد اللطيف ناظم المدرسة، ومولانا عبد القادر البنجابي.

ونظرا لمزيد تفوّقه وبالغ ذكائه ونبوغه عيّن مدرّسا في المدرسة المذكورة، فدرّس فيها زهاء سبع سنين: علم الفقه والأصول، والمنطق والفلسفة وغيرها، ثم انتقل منها إلى مدرسة (إمداد العلوم) في "تهانه بهون"، واشتغل بتدريس كتب السنّة المقرّرة هناك، وهي الكتب السبعة التي سبق ذكرها، وبتدريس الفقه والتفسير، فأفاد، وأجاد، وتخرّج على يديه جموع من العلماء الأفذاذ، نشروا العلم في تلك الربوع، وأناروا مسالك الشريعة للناس.

ثم فوّض إليه مولانا حكيم الأمة تأليف كتاب "إعلاء السنن" مع الإفتاء والتدريس، فقام بكلّ ذلك خير قيام، وبقي في تأليف "إعلاء السنن"

ص: 144

نحو عشرين سنة، فألّفه في جزءا بل مجلّدا، وألّف له مقدّمتين في جزئين أيضًا، فتم هذا الكتاب العجاب في عشرين جزءا، وأضاف إليها كتابا آخر، سماه:"إنجاء الوطن عن الازدراء بإمام الزمن"، ترجم فيه التراجم الواسعة الجيّدة للإمام أبي حنيفة وتلامذته وتلامذتهم وهكذا، مقتصرا فيه على الفقهاء المحدّثين منهم، وطبع الجزء الأول من هذا الكتاب في "كراتشي" سنة 1387 هـ.

ثم أمره مولانا حكيم الأمة بتأليف "دلائل القرآن على مسائل النعمان"، على منوال "أحكام القرآن للجصَّاص، وقد ألَّف منه مجلَّدين كبيرين، انتهيا بسورة النساء. وهو كتاب جدير أن يقال فيه بلسان الفقهاء والعلماء: النظر فيه نعيم مقيم، والظفر بمثله فتح عظيم.

وألّف كتبا عديدة بالأردية حين إقامته في "تهانه بهون"، منها:"القول المتين في الإخفاء بأمين"، و"شق الغين عن حق رفع اليدين"، و"رحمة القدوس في ترجمة بهجة النفوس"، و"فاتحة الكلام في القراءة خلف الإمام"، حقّق فيه أنه لا تجب القراءة خلف الإمام في الصلوات كلّها، وخاصّة الجهرية، أما في السرية فتجوز كما هي رواية عن الإمام أبي حنيفة أيضًا.

قال الشيخ عبد الفتاح: وقلت للشيخ حفظه الله تعالى أثناء زيارتي له، وقد ذكر في ذلك: وهو قول الإمام محمد أيضًا، فقال: نعم، وإن ردّه الكمال بن الهمام.

وله "كشف الدجى عن وجه الربا"، بالعربية، مطبوع وحده، وفي ضمن "الفتاوى الإمدادية" التي كان يجيب بها عن أسئلة المستفتين، التي كانت ترد على خاله حكيم الأمّة، مما يتعلّق بالفقه وغيره، حتى بلغت سبع مجلّدات ضخام، وسماها الشيخ حكيم الأمة "إمداد الأحكام في مسائل الحلال والحرام".

ص: 145

ثم انتقل إلى المدرسة المحمدية في "رنكون" في (بورما)، واشتغل هناك بالتبليغ والوعظ والتذكير زهاء سنتين، ثم رجع إلى "تهانه بهون"، وتابع في تأليف "دلائل القرآن" مع الإفتاء وتفقيه الناس.

ثم رحل إلى "داكا"

(1)

في شرقي باكستان قبل وجود "باكستان"، وعيّن بجامعتها مدرّسا للحديث والفقه والأصول، ثم عيّن صدر المدرّسين بالمدرسة العالية في "داكا"، وبقي كذلك ثماني سنين، وأسّس هناك (الجامعة القرآنية العربية)، وهي الآن أحسن مدرسة عليا في شرقي باكستان، لتعليم علوم القرآن والحديث والفقه وغيرها.

ثم انتقل إلى "غربي باكستان" حيث هو الآن، في أشرف آباد، تندو الله يار التابعة لـ "حيدر آباد"، السند

(2)

، في دار العلوم الإسلامية، صدر المدرّسين بها، يدرّس الحديث الشريف، ويقوم بالإفتاء للسائلين والمستفتين، وينفع بحاله ومقاله وصالح أعماله الطلبة والمستفيدين، مدّ الله في عمره الشريف، وبارك في حسناته وعلومه، وأسبغ عليه ثوب العافية، حتى يتضاعف

(1)

"داكا" بفتح الدال، يقال لها "جهانكير نكر" كانت من أحسن مدن "بنكاله" في القديم، تصنع بها الثياب الرفيعة، يسمّونها "جامداني"، ومنها تجلب إلى غيرها من البلاد، وهي على مائة وثمانين ميلا من "كلكتا".

(2)

"السند" بكسر السين المهملة، وسكون النون، آخرها دال مهملة: بلاد بين "الهند"، و"كرمان" و"سجستان"، وهو أول بلاد، وطئها المسلمون، وملكوها، والعرب كانوا يسمّونه إقليم الذهب، وهو إقليم حار، وفيه مواضع معتدلة الهواء، والبحر يمتدّ مع أكثره، وبه أنهار عديدة، وفيه نخيل ونارجيل، وموز، وبعض العقاقير النافعة، وفي بعض المواضع منه الليمون الحامض، والأنبج، في بعضها الأرز الحسن، وفيه البختي، وهو نوع من الإبل، له سنامان، مليح، وأشهر أنهاره "نهر السند"، ويسمّونه "مهران"، وفيه تفيض الأنهار الخمسة المشهورة ببلاد "بنجاب"، و"نهر كابل" فيصب في البحر عند "ديبل".

ص: 146

نفعه، وتم آثاره، ويبلغ من الله الرضوان العظيم. انتهى كلام الشيخ العلامة الشيخ عبد الفتاح أبي غدّة حفظه الله في مقدّمة تحقيقه لكتاب "قواعد في علوم الحديث". انتهى.

وكان مولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني رحمه الله حيا حينما طبع كتابه "قواعد في علوم الحديث" بتحقيق الشيخ العلامة عبد الفتّاح أبي غدّة، رحمه الله، وكان شيخ الحديث بدار العلوم الإسلامية في أشرف آباد (تندو أله يار) يدرّس فيها "صحيح البخاري" مع كبر سنّه وتوارد أمراضه وانتقاص قواه. قال شيخنا العلامة المفتي محمد تقي العثماني زيد مجده: قال لي مرة: إني كلّما شعرت بازدياد في مرضي زدت في تدريس "صحيح البخاري"، ويجعله الله تعالى شفاء لمرضي.

وكان مع ضعفه ومرضه ملتزما بالأذكار والنوافل، يشهد جميع الصلوات في المسجد، ويتحمّل لأجل ذلك عناء كبيرا، وكان لسانه في أواخر عمره رطبا بذكر الله في أكثر الأوقات، وفي شهر رمضان سنة 1394 هـ قد منعه الأطبّاء عن الصيام لأمراضه المتواردة، ولكنّه لم يرض بذلك، وقال: إن عبّاسا رضي الله عنه لم يترك الصيام، وهو في التسعين من عمره، وكان يلقى من الصوم شدّة وعناء، حتى كان يجلس في مركن من الماء، ولا يرضى بالافتداء، فكيف أرضى بالفدية، وهكذا عاش رحمه الله، حتى توفّاه الله تعالى في ذي القعدة من سنة 1394 هـ، أسكنه الله تعالى في جوار رحمته ورضاه، واستخرج ابنه تاريخا لوفاته بقوله:"إنه لفي روح وريحان وجنة نعيم".

‌حديث عن كتاب إعلاء السنن

.

كان حكيم الأمة مولانا الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله يرى منذ زمان أن بعض الناس يطيلون ألسنتهم في الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه،

ص: 147

ويقولون: إن مذهبه غير مؤيّد بالحديث، وإنه يقدّم القياس والرأي على الحديث الصحيح، إلى غير ذلك من الدعاوي، التي لا حجّة لها ولا دليل، وإن أدلّة الإمام أبي حنيفة رحمه الله ولو كانت مبسوطة في كثير من الكتب القديمة، غير أنها مبعثرة في كتب مختلفة ورسائل شتى، فأراد حكيم الأمة رحمه الله أن يجمعها في كتاب، فشرع لأجل ذلك في تأليف كتاب، سماه "إحياء السنن"، وجمع فيه أدلّة الإمام أبي حنيفة من الأحاديث الصحيحة في جميع الأبواب الفقهية، ولكن مسودة هذا الكتاب قد ضاعتْ عن المؤلّف قبل أن تطبع، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

ثم بعد برهة من الزمان عاد الشيخ إلى تأليفه وغيّر منهجه، وسماه "جامع الآثار"، وجمع فيه أحاديث استنبط منها الحنفية مذهبهم، مع التنبيه الموجز على كيفية إسنادها ووجه الاستدلال منها.

ثم أضاف إليه تعليقا باسم "تابع الآثار"، ذكر فيه توجيه الأحاديث، التي تعارضها في الظاهر، وقد طبع كلاهما في جزء لطيف من المطبع القاسمي بـ "ديوبند" في حوالي 1315 هـ طبعا حجريا.

ولكن كان كلا الكتابين في غاية من الاختصار، ولم يتجاوزا أبواب الصلاة، وكان يودّ رحمه الله أن يؤلّف مثل ما ألّف من قبل، ويبسط فيه الكلام على الأحاديث سندا ومتنا، ورواية ودراية، حتى استعدّ لهذه المهمّة مولانا الشيخ أحمد حسن السنبهلي رحمه الله، ففوّض إليه الشيخ التهانوي رحمه الله خدمة هذا التأليف، فجمع في المتن أحاديث وآثارا مع الكلام على إسنادها باختصار، وشرحها في التعليق متنا وإسنادا ببسط وتفصيل، وسما المتن بالاسم السابق "إحياء السنن"، والتعليق باسم "التوضيح الحسن"، وكان حكيم الأمة التهانوي رحمه الله ينظر في كلّ ما يكتب مولانا السنبهلي حرفا حرفا، ويغيّر مواضع منه حيث يجد الحاجة إليه، حتى بلغ كتاب الحجّ، ثم بدا

ص: 148

لمولانا السنبهلي أن ينظر فيه ثالثا، فغيّر كثيرا مما كتب قبل، واستقلّ بتغيير كثير مما أشار به الشيخ التهانوي من غير أن يرجع إليه، إلا في مواضع قليلة، حتى تغيّر الكتاب عن منهجه السابق، ولم يطلع الشيخ التهانوي على شيء من ذلك، حتى لما طبع مجلّده الأول، فإذا به من كتاب جديد على غير ما يودّه الشيخ رحمه الله، وفيه مسامحات كثيرة، فأمر الشيخ ابن عمّه مولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني رحمه الله أن يستدرك ما فات هذا المجلد الأول، وينبّه على ما سامح فيه مولانا السنبهلي، فكتب مولانا الشيخ العثماني جزءا، سماه "الاستدراك الحسن على إحياء السنن"، فطبع مستقلا.

ثم بعد اللتيا والتي عزم حكيم الأمة التهانوي رحمه الله على أن لا يطبع بقية ما ألّفه الشيخ السنبهلي، بل أمر مولانا العثماني رحمه الله أن يؤلّف الكتاب من جديد، فصنّف رحمه الله باقي الكتاب (من أبواب الصلاة إلى آخر الأبواب الفقهية) في ستة عشر جزءا، وكان من احتياط حكيم الأمة التهانوي ورعايته لجانب مولانا السنبهلي أنه لم يحبّ أن يبقى هذا الكتاب الذي ألّفه الشيخ العثماني على اسمه السابق "إحياء السنن"، وإنما غيّر اسم المتن إلى "إعلاء السنن"، واسم الشرح إلى "إسداء المنن"، فطبعت الأجزاء الستة عشر الباقية بهذا الاسم الجديد.

وبالجملة، فكانت نتيجة هذا الجميع أن طبع المجلّد الأول من هذا الكتاب باسم "إحياء السنن" وتتمته باسم "الاستدراك الحسن"، وطبع باقي الكتاب باسم "إعلاء السنن"، فكان هذا الاختلاف في الأسماء مما يشوّش الأذهان، فأراد مولانا الشيخ العثماني رحمه الله عند الطبع الثاني لهذا الكتاب أن يجعله اسما واحدا، ويدمج مباحث "الاستدراك الحسن" في غصون عبارات "إحياء السنن" مما يجعله كتابا واحدا مسلسلا، ففعل رحمه الله ذلك بعد وفاة حكيم الأمة التهانوي، وتحمّل لأجل ذلك جهدا شاقّا في كبر سنّه وانقطاع

ص: 149

عمره، حتى صار المجلّد الأول كتابا واحدا بما يجعله تصنيفا مستقلا للشيخ العثماني، ويصحّ أن يعدّ من مؤلّفاته رحمه الله، ويستقيم تسميته المجلّد الأول من "إعلاء السنن".

فهذه قصّة تأليف هذا الكتاب، وأسماءه المختلفة، وأما الآن فأصبح جميع الكتاب والحمد لله باسم واحد، وهو "إعلاء السنن" لمولّف واحد، وهو مولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني رحمه الله.

وأما مقدّمات هذا الكتاب فقد ألّف له ثلث مقدّمات لا بدّ هنا من ذكرها:

1 -

المجلد الأول من "إنهاء السكن إلى من يطالع إعلاء السنن"، وهي مقدّمة حديثية نفيسة للكتاب، ألّفها مولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني، وشرح فيها قواعد مهمّة من أصول الحديث، وهذه المقدّمة طبعت مرّة في "تهانه بهون" طبعا حجريا، وأخرى في "كراتشي" طبع الحروف. ثم قد أخرجها مرّة ثالثة العلامة المحقّق البحّاثة النقّاد الشيخ عبد الفتّاح أبو غدّة بـ "حلب الشام"، بتحقيقه وتعليقة القيّم، فضاعفها روعة وبهاء وإفادة، وسماها "قواعد في علوم الحديث" جزاه الله تعالى خيرا وأجزل أجرا.

2 -

المجلد الثاني من "إنهاء السكن"، وهي مقدّمة فقهية لكتاب "إعلاء السنن"، ألّفها مولانا الشيخ حبيب أحمد الكيرانوي رحمه الله، جمع فيها مباحث نفسية من أصول الفقه والحديث، طبع بـ "كرتشي" طبعا حجريا.

3 -

"إنجاء الوطن عن الازدراء بإمام الزمن"، وهو كتاب ألّفه الشيخ مولانا ظفر أحمد العثماني رحمه الله، وشرح فيه مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث وعلومه، وثناء أهل الحديث عليه، وذكر أساتذته وتلامذته من

ص: 150

المحدّثين الكبار، وخدماته في علم الحديث، وأجاب عن جميع ما يورد عليه من شبه واعتراضات.

هذا، وإن هذا العمل الذي عمله مولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني رحمه الله من دمج الاستدراك الحسن في أصل الكتاب وتسمية هذا الجميع "إعلاء السنن"، ولو حدث منه بعد وفاة حكيم الأمة الشيخ التهانوي رحمه الله، ولكنه كان قد أشار إليه في ما كتبه مقدمة للمجلّد الثاني من "إعلاء السنن"، وإليك عبارته بلفظه في الطبع الثاني من خطبة "إحياء السنن":

خطبة إحياء السنن في الطبع الثاني

الحمد لله أستعينه، وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصمهما فإنه لا يضرّ إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.

وبعد فهذه جملة من الأدلّة على بعض الفروع من مذهب أقدم الأئمة الأربعة المشهورين المجتهدين في الدين أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه وعنهم وعن أتباعهم أجمعين، مسّت الحاجة إليها في هذا الزمان، حيث أطال الطاعنون ألسنتهم فيه، فلم يبق للسكوت مساغ، وقد كنت سوّدت من قبل بسنين بعض ذلك في جميع الأبواب الفقهية، وسميته بـ "إحياء السنن"، لكنه قد ضاع عني، والحمد لله على كلّ حال، ثم بعد برهة من الزمان عدت في كتابة بعضه على منهج غير المنهج السابق، وسميته بـ "جامع الآثار"، وقد شاع بحمد الله تعالى، لكنه لم يتجاوز أبواب الصلاة، ولم يتيسّر لي أسباب تكميله وتتميمه، إلى أن منّ الله تعالى عليّ الآن، حيث وفّقني للعود إليه بإشارة بعض

ص: 151

الناس من المشتغلين لديّ بخدمة العلم، وشاركني في هذا الخطب، وأعانني عليه بحيث يصحّ أن يقال: إنه هو العامل وأنا المعين، وغيّرت منهجه عن منهج الجامع إلى المنهج السابق، لكونه سهلا خاليا عن التعب، مراعيا فيه ترتيب "الهداية"، ولم أكتف في هذه النوبة على المسائل الاختلافية المقصودة بالجمع، بل أضفت إليها بعض الفروع المتفق عليها، ولو قليلا، لفوائد مخصوصة.

ولما كان هذا مشاكلا لتسويد "إحياء السنن"، رأيت أن أسميه بذلك الاسم القديم، ليكون أيضًا إحياء للدارس الرميم، والله الموفّق لإتمام كلّ أمر عظيم وخطب جسيم، وعلّقت عليه تعليقا موضحا لمعاني الأحاديث، وباحثا عن أسانيدها، وسميتها بـ "التوضيح الحسن على إحياء السنن".

ثم اعلم أني قد كنت رأيت هذا الكتاب إلى كتاب الحجّ حرفا حرفا، بعد أن ألّفه المشير المذكور، وغيّرت مواضع منه حيث وجدت الحاجة إليه، ثم بدا له أن ينظر فيه ثانيا، ويغيّر ما يحتاج إلى التغيير لزعمه السعة في نظره، فأصلح مواضع كثيرة مما كتب قبل، وقد راجع إليّ في ما اشتبه عليه الأمر في قليل من هذه المواضع، واستقلّ بتحرير أكثره، حتى تغيّر الكتاب عن منهجه السابق وانقلب موضوعه، ولم أطلع على ذلك إلا بعد طبع الحصّة الأولى منه، وهي هذه في يدك: ولذا احتيج إلى تأليف الاستدراك عليه، كما ستجد الإحالة عليه في كثير من المواضع بالهندية على الحاشية، والله المستعان، وكان الشروع في ذلك للجمعة الأخيرة من رمضان المبارك سنة 1331 من الهجرة النبوية، على صاحبها ألف ألف سلام وتحية.

نمقه العبد الراجي رحمة ربه القوي

أشرف علي التهانوي

غفر له ذنبه الخفي والجلي.

ص: 152

وإليك الآن ما كتبه تمهيدا للمجلد الثاني من "إعلاء السنن":

خطبة المجلد الثاني من "إعلاء السنن"

الحمد لله أستعينه، وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدى الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضرّ إلا نفسه، ولا يضرّ الله شيئا.

أما بعد فيا أخي! انظر أولا في خطبة الحصّة الأولى من "إحياء السنن"، ينكشف لك حقيقة الرسالة، ثم اسمع ثانيا أنها مسّت الحاجة لأجل بعض الأسباب التي لا طائل تحت ذكرها إلى تفويض خدمة تأليفها إلى ابن أختي الفطن البارع الذكي المولوي ظفر أحمد، ثبّته الله على المنهج الأرشد، وتبديل اسمها من "إحياء السنن" إلى "إعلاء السنن" واسم تعليقها من "التوضيح الحسن" إلى "إسداء المنن"، مع بقاء اسم ترجمتها على حالها، وترميم بعض مقامات الحصة الأولى منها التي أشيعت سابقا، وتلقيب مجموع المضاف والمضاف إليها بالحصّة الأولى من "إعلاء السنن"، فإذن هذه هي الحصّة الثانية منها.

وسرحت النظر فيها كالأولى حرفا حرفا، فوجدتُها والحمد لله أحسن من الأولى رواية ودراية وكفاية في موضوعها، وباقي التزماتها في تغيير بعض المواضع، وهو يسير بكثير، وتميّز كلامي من كلامه، ونحوه ذلك كالأولى، ولله الحمد على ما أبدى وأسدى، وللآخرة خير لك من الأولى.

وأنا العبد الراجي رحمة ربه القوي

أشرف علي التهانوي الحنفي

غفر له ذنبه الجلي والخفي

والزمان وسط 1341 هـ.

من الهجرة النبوية على صاحبها ألف سلام وتحية.

ص: 153

فهذا ما كتبه حكيم الأمة مولانا الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله، ولم تكن الآن حاجة إلى نقل هاتين الخطبتين بعد ما طويت تلك القصص، وصار الكتاب كلّه واحدا باسم واحد لمؤلف واحد، غير أني أحببتُ نقلهما هنا لتكون ذكرى صالحة، وتتّضح القصّة لمن أراد الاطلاع عليها.

* * *

‌2399 - الشيخ الفاضل ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري، أحد الأدباء المشهورين

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد يوم الجمعة سنة خمس وسبعين ومائتين وألف بقرية "كوب قاضي".

واشتغل بالعربية أياما، وقرأ الحديث على المفتي علاء الدين محمد، تلميذ السيّد نذير حسين الدهلوي، وقرأ الكتب الدرسيّة على أبي أحمد مراد علي، تلميذ العلامة فضل حق الخيرآبادي، وعلى المولوي عبد الله، تلميذ المفتي سعد الله المرادآبادي، وعلى المولوي محمد الدين، تلميذ المفتي لطف الله الكوئلي، ثم تأدّب على الشيخ فيض الحسن السهارنبوري، وقرأ عليه الكتب الطبّية، وبعض المعقول والحديث، وأخذ الفقه والأصول عن الشيخ غلام قادر البهيروي، ثم ولي التدريس في المدرسة العالية بـ "لاهور"، فدرّس، وأفاد بها مدّة حياته.

* راجع: نزهة الخواطر 8: 219، 220.

وترجمته في تذكرة علماء أهل سنت وجماعت، بنجاب 1: 203، 204.

ص: 154

ومن مصنّفاته "الباكورة الشهية في شرح الألفية"، و"نيل المرام في أصول الأحكام"، و"نيل الأرب من مصادر العرب"، و"سلك الجواهر"، و"العلق النفيس"، و"سبيل النجاة"، وله غير ذلك من الرسائل.

وهو أصدر مجلّة شهرية في العربية من بلدة "لاهور"، سمّاها "نسيم الصبا"، وله شعر حسن بالعربي.

توفي لستّ بقين من رمضان سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌2400 - الشيخ الفاضل العلامة المفتي ظفير الدين الديوبندي أحد كبار المفتين في الهند

.

من مرتّبي "فتاوى دار العلوم" ديوبند.

من أساتذة دار العلوم ديوبند ومفتيها.

عالم كبير، فقيه بارع، له مهارة تامة في الفقه والفتاوى.

* * *

‌2401 - الشيخ الفاضل مولانا ظهور أحمد بن عبد العزيز البكاوي

*

ولد سنة 1318 هـ في موضع "بهيره" من أعمال "سَرْغُوْدَه"، من أرض "باكستان".

* راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت، بنجاب 1: 205 - 214.

ص: 155

قرأ مبادئ العلم في قريته، ودَرَس عدّة سنين العلوم العصرية، ثم التحق بدار العلوم ضياء شمس الإسلام بـ "سيال شريف" من أعمال "سَرْغُوْدَه"، وقرأ عند العلامة معين الدين الأجميري.

صنّف كتبا عديدة، منها:"اسلامي جهاد"، و"بركة آسماني بر خرمن قادياني"، و"تذكرة مشايخ بكويه"، و"هداية القرآن"، كلّها باللغة الأردية.

توفي 11 ربيع الثاني 1366 هـ.

* * *

‌2402 - الشيخ الفاضل ظهور الحسن بن نياز الله الرامبوري، أحد الأفاضل المشهورين

*

ولد، ونشأ بـ "رامبور"

(1)

.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: وقرأ العلم على مولانا إرشاد حسين، وعلى غيره من العلماء.

ودرّس زمانا في المدرسة العالية بـ "رامبور"،

ثم سافر إلى "راندير" بقرب "سورت"

(2)

، فأقام هناك مدّة،

* راجع: نزهة الخواطر 8: 221، 222.

(1)

"رام بور": بلدة عامرة قرب "مرادآباد"، وهي مقام الأمراء من أولاد علي محمد خان، لهم سلطة قوية تحت حكم الإنكليز.

(2)

"سورت": هي على مصبّ نهر، يسمّى باسمها، وهي ذات سور محيط نحو ستة أميال، وهذه المدينة من أقدم مدن الهند، لكن ليس عدد سكّانها في نمو في هذه الأيام، وقلعتها كانت من أبنية خواجه صقر الرومي، بناها بأمر بهادر شاه الكجراتي.

ص: 156

ثم تصدّر بالمدرسة الحنفية في "جونبور"، ودرّس بها، ثم رجع إلى "رامبور"، وولي التدريس في المدرسة الإنكليزية.

وكان يعتقد علم الغيب في النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوّز الأذان على القبر، ونحو ذلك من المسائل البدعية، وكان يعتقد في مولوي أحمد رضا خان البريلوي خيرا كثيرا.

مات في الثاني عشر من جمادى الثانية سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.

* * *

‌2403 - الشيخ الفاضل المولى ظهور الحق بن الشيخ أميد علي السلهتي

*

ولد سنة 1297 هـ في قرية "باتهاكوري" من مضافات "ذكي غنج" من "سلهت" من أرض "بنغلاديش".

تلقّى مبادئ العلم في قريته، ثم ارتحل إلى "داكا"، والتحق بالمدرسة المحسنية فيها.

قرأ فيها "مشكاة المصابيح"، وغيرها، من الكتب الدراسية سنة 1331 هـ، وفاز في الاختيار النهائي بدرجة الامتياز.

ثم سافر سنة 1333 هـ إلى "سهارنفور"، والتحق بمظاهر العلوم، ثم التحق بدار العلوم ديوبند، ومن أساتذته الكبار: الإمام أنور شاه الكشميري، وشيخ الإسلام شبير أحمد العثماني، ولقي بحكيم الأمة أشرف علي التهانوي،

* راجع: مائة رجال من مشاهير العلماء ص 74، 75.

ص: 157

وبايع على يده الكريمة، وأقام عنده مدّة، ثم أجازه بعد مدة في السلوك للإرشاد والتلقين، ذلك في سنة 1336 هـ.

وعيّن أستاذا في مظاهر العلوم "سهارنفور"، وأقام فيها عدّة سنين، ثم رجع إلى وطنه، فدرّس عدّة سنين في قاسم العلوم بـ "بِيَاني بازار""سلهت"، وعند دراسته في دار العلوم ديوبند كتب تقرير "السنن" لأبي داود السجستاني في درس الإمام الكشميري، وهذه التقارير كانت موجودة عند نجله العلامة عُبيد الحق الخطيب الجلال آبادي، رحمه الله تعالى.

توفي سنة 1365 هـ، وعمره إذ ذاك 66 سنة.

* * *

‌2404 - الشيخ الصالح ظهور الحق بن نور الحق بن عبد الحق بن مجيب الله الهاشمي الجعفري البهلواروي، أحد الفقهاء الحنفية

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد سنة أربع وثمانين ومائة وألف.

وقرأ العلم على مولانا جمال الدين الدهروي، ثم أخذ الإجازة العامّة في الحديث مكاتبة عن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي.

وأخذ الإجازة العامّة في الحديث مكاتبة عن الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وأخذ الطريقة عن والده، ولازمه مدّة، وانتقل من "بهلواري" إلى

* راجع: نزهة الخواطر 7: 252.

ص: 158

"عظيم آباد" مع والده سنة ثلاثين ومائة وألف، فسكن بها، وكان كثير الدرس والإفادة، وله مصنّفات في الفقه والسلوك.

مات لستّ عشرة خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف ببلدة "عظيم آباد"، فنقل جسده إلى "بهلواري"، كما في "مشجرة الشيخ بدر الدين".

* * *

‌2405 - الشيخ الفاضل المحدّث الكبير الفقيه الضليع العلامة محمد المكنى بأبي الخير، الشهير بظهير أحسن، المتخلّص بالشوق النيموي ابن العارف بالله الشيخ سبحان علي الصدّيقي، رحمهم الله القوي

*

والنِّيموي نسبة إلى "نِيْمي" بكسر النون وسكون الياء التحتانية وكسر الميم.

وهي قرية بـ "الهند" على أربعة فراسخ قبل المشرق من "عظيم آباد"، حفظهما الله عن الشرور والفساد.

ذكر نجله الفاضل العلامة عبد الرشيد ترجمته في أواخر "آثار السنن"، فقال: ولد أول نهار الأربعاء، الرابع من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين بعد الألف والمائتين من هجرة رسول الثقلين في دار خالته المكرّمة الساكنة في "صالح فور"، التي هي من قرى "البهار"

(1)

، فيها قبر للشيخ الأجلّ مخدوم

* آثار السنن 341 - 252.

(1)

"بهار" أرض خصبة، كثيرة الأرز، وقصب السكر، والموز، والأنبج، وورق التنبول، طولها من "كدى" إلى "رهتاس" مائة وعشرون ميلا، وعرضها =

ص: 159

الملك مولانا شرف الدين أحمد يحيى المنيري البهاري، من الأولياء الكبار، عليه رحمة الله الملك الغفّار.

وكان النِّيموي كثير العلم، كبير الحلم، وسيع النظر، رفيع القدر، فخيم الباع، عظيم الاطلاع، صدّيقي النسب والطباع، واحدا في دهره، إماما في عصره، نحيف بدنه، لا بطويله ولا بقليله، أسمر لونه، كثير لحيته، ورزقه الله تعالى ملكة قوية بحلّ الغموض، ومهارة كاملة في فنّ العروض، وكان متمذهبا بمذهب أبي حنيفة النعمان، وله في زمان واحد زوجتان.

أما الأولى فمخدومن بنت خالته، وأما الآخرة فكلثوم بنت عمّه، فمن الأولى أنا ابن النيموي المدعوّ بعبد الرشيد، كانت له جنة الفردوس نزلا من الله الحميد، ومن الآخرة من مات مراهقا محمد عبد السّلام غفر لهم الله العلام.

وله من المشايخ مولانا العلامة الحافظ لكلام الباري محمد عبد الله الغازيفوري، ومولانا شمس العلماء المحدّث محمد سعيد المتخلّص بالحسرت العظيم آبادي، ومولانا المحدّث المجدّد محمد عبد الحي اللكنوي الأنصاري، وسيّدنا المحدّث المجدّد قطب الزمان مولانا الشاه محمد فضل الرحمن المرادآباي، وغيرهم، رحمهم الله ذو الأيادي، وبايع على يد شيخه المرادآبادي.

ثم أنه توفي في بلدة "عظيم آباد" يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، الذي تنزّل فيه الرحمة والغفران بعد الظهيرة عند الخطبة من السنة

= من "ترهت" إلى سلسلة الجبال الشمالية مائة وعشرة أميال، يحدّها من الشرق "بنكاله"، ومن الغرب "ميان دوآب" و"أوده"، ومن الشمال والجنوب سلسلة الجبال، وأنهارها:"كنكا"، و"سون"، و"كرم ناسه" و"بُن بُن" بضم الباءين الهنديين.

ص: 160

الثانية والعشرين بعد الألف وثلاثمائة من هجرة سيّد المرسلين، وإلى وطنه المالوف نيمي حملوه، وبها يوم السبت دفنوه.

ثم الأولى بنت الخالة أنها ماتت ليلة الجمعة من سلخ ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثلاث عشرة مائة من الهجرة النبوية، وهي إلى جنبه الأيمن مدفونة، والآخرة الآن في قيد الحياة، نسئل الله عالم الخفيّات أن يغفر الخطيّات للمؤمنين والمؤمنات.

وللنيموي تأليفات مفيدة في فنون عديدة، منها:"آثار السنن"، وكان له الفراغ من تسويد جزءها الثاني في عام أربعة عشر وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة، كما صرّح هو بنفسه في الورقة الأولى من كتابه المجلّى، ولم يتفق له إتمامها، لأنه مات في أثناء تأليفها، لكنه أتم كتاب الصلاة، فإني وجدت بخطّه الجزء الثالث من كتاب الزكاة إلى ما لا يفيد إشاعته إفادة تامة، ومنها:"حبل المتين في الإخفاء بآمين"، و"جلاء العين في ترك رفع اليدين"، و"وسيلة العقبى في أحوال المرضى والموتى" بالفارسية، و"لامع الأنوار"، و"أوشحة الجيد في بيان التقليد"، و"إزاحة الأغلاط"، و"مثنوي سوز وكداز"، وغير ذلك. كتبه ابن النيموي سنة 1343 ألف وثلثمائة وثلث وأربعين هجرة.

قلت: ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: سافر إلى "لكنو"، وقرأ على العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي، وعلى غيره من العلماء، وبايع الشيخ الإمام فضل الرحمن بن أهل الله البكري المرادآبادي، واشتغل بقرض الشعر مدّة طويلة، ثم وفّقه الله سبحانه لخدمة الحديث الشريف، وكان قد رأى ذات ليلة في المنام أنه يحمل فوق رأسه جنازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعبّر هذا الرؤيا بأن يكون حاملا لعلمه، فشمّر عن ساق الجدّ، واشتغل بالحديث.

ص: 161

وصنّف "آثار السنن"، وهو كتاب نادر غريب، ثم علّق عليه تعليقا حسنا، سمّاه "التعليق الحسن على آثار السنن"، ثم علّق هذا التعليق تعليقا، سمّاه بـ "تعليق التعليق"، وكلّ ذلك من أول أبواب الطهارة إلى آخر أبواب الصلاة. أوله: نحمدك يا من جعل صدورنا مشكاة لمصابيح الأنوار، ونوّر قلوبنا بنور معرفة معاني الآثار، إلخ.

قال في خطبة الكتاب: إن هذه نبذة من الأحاديث والآثار، وجملة من الروايات والأخبار، انتخبتُها من الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد، وعزوتُها إلى من أخرجها، وأعرضتُ عن الإطالة بذكر الأسانيد، وبيّنتُ أحوال الروايات التي ليست في الصحيحين بالطريقة الحسن. انتهى. انظر: نزهة الخواطر 8: 222، 223.

‌عمدة العناقيد من حدائق بعض الأسانيد:

الحمد لله الواحد الصمد، الذي به يستعان، وبه يستمد، والصّلاة والسّلام على نبيّه السيّد المسند، وعلى آله وأصحابه، الذين هم الثبت، ومن به يستند.

أما بعد! فيقول الراجي رحمة الله القويّ الخادم للحديث النبوي محمد بن علي النيموي المكنى بأبي الخير، المدعو بظهير أحسن، صانه الله تعالى عن الشرور والفتن: إني أرسلتُ بعض الأجزاء المطبوعة من "آثار السنن"، الذي هو من أحسن تأليفاتي في الحديث، وعمدة الكتب في هذا الفنّ في شهر شعبان المعظّم سنة 1318 هـ الثامن عشر وثلاث عشرة ومائة من هجرة النبيّ المكرّم صلى الله عليه وسلم، إلى المحدّث العلامة الفقيه الفهّامة الشيخ الأجلّ والصوفي الأكمل ذي المناقب والمفاخر مولانا الشاه محمد عبد الحق المكّي المهاجر، وطلبتُ منه الإجازة، لتكون لي وسيلة المفازة، فلمّا أهلّ هلال شهر شوّال المكرّم تشرّفت ذات ليلة في المنام برؤية النبي صلى الله

ص: 162

عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، رأيتُه جالسا على السرير، وبجانبه الآخر امرأة بيضاء كالبدر المنير.

فقال عليه الصلاة والسلام: أنكحْني هذه المرأة ذات الإكرام، فذهبتُ إليها وقلتُ لها: قد أنكحتُك النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: قبلتُ متبسّمة بما حصل لها من النعم، فقام رسول الله صلى الله وسلّم، وطلبني، وذهب إلى حجرة، فذهبتُ على أثره، ودخلتُ الحجرة، فاستيقظتُ، وعبّرتُ الرؤيا بما عبّرتُ، وشكرتُ الله على ما شكرتُ.

ثم وصل إليّ مكتوب العلامة المذكور المشعر بالسرور والحبور من "مكّة المكرّمة" ذات المشاهد المعظمة، زادها الله شرفا وتعظيما وكرامة وتكريما، ما ملخّصه: أن هديتكم وصلتْ إليّ يوم العيد، وأزهارها قد زهرت لديّ في الساعة المباركة والحين السعيد، في جماعة من أحبابي وملأ من أصحابي، فطالعوها، وسرحوا الأنظار في مبانيها، وطرحوا الأفكار في معانيها، وفرحوا فرحا لا يسعه البيان، ودعوا لكم دعاء يضيق منه نطاق البيان.

ثم وصل إليّ من بعد شهر مكتوب آخر من لديه، مخبرا أن شيخ العلماء قد دعا لكم في المسجد الحرام رافعا يديه، وفي طي هذا المكتوب والسفر الحسن الأسلوب كانت الإجازة المطلوبة، التي هي الدرّة المكنونة المرغوبة، وصورتها هذه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل السنّة الغرّاء أضوأ من الصبح الأبلج، كما أنزل أحسن الحديث كتابا متشابها غير ذي عوج، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد خير مرسل وأفضل مَنْ إلى السماء عرج، وأعظم من أوتي الحكمة، وجاء بالمعجزات والحجج، وعلى آله طيّبي الأرج وعوالي الرتب والدرج، وأصحابه الذين بذلوا في إحياء سننه المهج، ومن في نظام سلكهم اندرج.

ص: 163

أما بعد! فقد التمس مني الشيخ الفاضل السابق في حلية الفضائل الباذل في تحصيل العلوم الشرعية الجهد المشمّر في اقتناصها عن ساعد الجدّ مولانا العلامة الفهّامة المحقّق المدقّق المولوي محمد ظهير أحسن، أدام الله بقاءه، وزاد كل يوم في مصاعد الفضل ارتقاه الإجازة فيما تجوز لي روايته، وتصحّ لي درايته، فأجبته لذلك، واسعفته إلى ما هنالك، وأني أحقر من أن أكون من فرسان هذا الميدان، وأقلّ من أن أذكر بلسان، أو يشار إليّ ببنان:

ولكن البلاد إذا اقشعرّت

وصوخ نبتها رعي الهشيم.

فأقول: قد أجزتُ الهمام المذكور بجميع ما يجوز لي روايته من كتب الحديث، كالكتب الستة والجوامع والسنن والمسانيد والأجزاء والمشيخات والمستخرجات والمستدركات والمسلسلات، وغير ذلك، ومن كتب التفسير وعلومه، كعلوم الحديث وأصوليهما وسائر المؤلّفات في المنقول والمعقول، وبالطريقة العالية الصوفية الصافية، قدّس الله أسرارهم، وبجمع الأوراد والأذكار، وغيرها، إجازة عامة تامة، كما أجازني شيوخنا الأجلّاء الأعلام النبلاء الكرام.

منهم: حامل لواء الرواية والإسناد، أمين الله على العباد، ملحق الأحفاد بالأجداد، ولي الله الكامل، جامع فنون العلوم وشتّات الفضائل، مولانا المفسّر المحدّث الحاج الشاه الحافظ عبد الغني الدهلوي المدني، قدّس سرّه، ومولانا المفسّر المحدّث محمد قطب الدين الدهلوي المكّي رحمة الله عليه، عن مولانا محمد إسحاق الدهلوي المكّي وغيره من علماء الحرمين الشريفين، و"الهند" و"الروم" إلى آخر السند المشهور المذكور في "حصر الشارد"، و"الانتباه"، و"اليانع الجني"، والرسالة المسماة بـ "العجالة النافعة"، وغيرها، وأوصي المجاز المذكور بتقوى الله تعالى، ولزوم طاعته وملازمة العلم والذكر، لا سيّما بلا إله إلا الله، وأوصيه بالشفقة والرأفة بالمؤمنين، خصوصا المقبلين على العلم والمتوجّهين، وأسأله أن لا ينساني من صالح دعواته في خلواته وجلواته، ووالدي

ص: 164

ومشايخي والمسلمين لا سيّما ببلوغ المرام وحسن الختام والفوز برضاء الملك العلام، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، وحسبنا الله، ونعم الوكيل، وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم، قاله خجلا الفقير إلى الله تعالى محمد عبد الحق غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، آمين! في الرابع من ذي القعدة، سنة الثامن عشر وثلثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، على صاحبها ألف ألف صلاة وتحية.

قال النيموي: إن المحدّث المشهور بين الآفاق مولانا الشاه محمد إسحاق يروي عن الشيخ الصفي النقي التقي المسند الشاه عبد العزيز الدهلوي، قدّس سرّهما، وقد أروي جميع الكتب الحديثية عاليا بدرجتين عن شيخها المحدّث قطب الزمان الجامع بين الشريعة والعرفان مولانا الشاه فضل الرحمن المرادآبادي، المتوفّى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة بعد الألف، نوّر الله مرقده لما حضرت عنده بعد ما فرغت عن تحصيل الكتب الدرسية من المعقولات والمنقولات، حدّثني بحديث الحرمة المسلسل بالأولية، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثني به الشاه عبد العزيز الدهلوي، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثني به أبي الشاه ولي الله الدهلوي، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثني به السيّد عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكّي من لفظه تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثني جدّي الشيخ عبد الله بن سالم البصري المكّي، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثنا الشيخ يحيى بن محمد الشهير بالشاوي، وهو أول حديث سمعناه منه، قال: أخبرنا به الشيخ سعيد بن إبراهيم الجزائري المفتي الشهير بقدوره، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا به الشيخ المحقّق سعيد بن محمد المقرئ، قال: وهو أول حديث سمعته منه، عن الشيخ الولي الكامل أحمد حجّي الوهراني، قال: وهو أول حديث سمعته منه، عن الشيخ الإسلام العارف بالله تعالى سيّدي إبراهيم التازي، قال: وهو أول

ص: 165

حديث سمعته منه، قال: قرأتُه على المحدّث الربّاني أبي الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين المراغي، قال: وهو أول حديث قرأته عليه، قال: سمعتُ من لفظ شيخنا زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدّثنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم البكري العيدومي، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا النجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرّاني، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أبي صالح النيسابوري، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا والدي أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذّن، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزّار، قال: وهو أول حديث سمعناه منه، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا سفيان بن عُيينة، قال: وهو أول حديث سمعته منه، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

قال الزين العراقي: هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والترمذي جميعا من طريق ابن عيينة بإسناده، وقال: للجملة الثانية متابعة عند أحمد، لفظها: ارحموا ترحموا. قلت: والجملة الأولى شواهدها كثيرة في "الصحيحين"، وغيرهما. انتهى.

قلت: ثم قرأت عليه عدّة أحاديث من "الجامع الصحيح" للإمام البخاري رحمه الله العليم الباري.

ص: 166

ثم أجازني بجميع مرويّاته من الأحاديث، وببعض من الأوراد، التي هي لخير الدارين مرجع ومعاد.

ثم حدّثني في بعض رحلاتي إليه بالحديث المسلسل بالمحبّة.

قال حدثني به الشاه عبد العزيز الدهلوي عن أبيه الشيخ ولي الله الدهلوي، قال: حدثني الشيخ أبو طاهر المدني سماعا من لفظه، قال: أخبرنا الشيخ أحمد النخلي بسماعه على الشيخ محمد البابلي، عن علي بن محمد، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العقلمي، عن أبي الفضل الجلال السيوطي، قال: أخبرني أبو الطيب أحمد بن محمد الحجازي الأديب سماعا، قال: أخبرنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الحنفي، قال أخبرنا الحافظ أبو سعيد العلائي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الأرموي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مكّي، قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الكريم، قال: أخبرنا علي بن شاذان، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان النجاد، قال: حدّثنا أبو بكر ابن أبي الدنيا، قال: حدّثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي، قال: حدّثنا عمرو بن مسلم التنيسي، قال: حدّثنا الحكم بن عبدة، قال: أخبرني حيوة بن شريح، قال: أخبرني عقبة بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ أني أحبّك، فقل: اللّهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. قلت: كلهم قالوا: أنا أحبّك، فقل أو نحوه. وقال لي سيدي: أني أحبّك فقل اللّهم إلخ. ثم أجازني بجميع مرويّاته وبأخذ العهد على طريق شيخه في الطريقة الشاه محمد آفاق المجدّدي.

قلت: إن شيخنا المرادآبادي قرأ الحديث على الشاه محمد إسحاق الدهلوي، وله إجازة عامة عنه، وقد أجاز له الشاه عبد العزيز الدهلوي أيضًا بجميع مروياته على ما نصّ عليه غير واحد من أهل العلم، منهم: الشيخ المحدّث أحمد بن عثمان المكّي في "إتحاف الإخوان".

ص: 167

وقد قالوا: إنه قرأ "الجامع الصحيح" علي الشاه عبد العزيز الدهلوي أيضًا، خلافا لهما، ذهب إليه صاحب "الإتحاف"، والله أعلم بالصواب.

قلت: فحصل لي ثلاث طرق إلى الشاه عبد العزيز الدهلوي.

أحدها: طريق العلامة المهاجر المكي أدام الله بركاته، وفيها بيني وبين الشاه عبد العزيز الدهلوي ثلاث وسائط.

وثانيتها: طريق شيخنا المرادآبادي عن الشاه محمد إسحاق الدهلوي، وفيها واسطتان.

وثالثتها: طريق شيخنا المرادآبادي، عن الشاه عبد العزيز الدهلوي، وفيها واسطة واحدة، والحمد لله على ذلك.

قلت: والشيخ العلامة الشاه عبد الغني شيخ شيخنا المكّي، أخذ عن غير واحد من أهل العلم.

منهم: الشيخ العلام محمد عابد السندي المدني المتوفّى سنة 1257 هـ سبع وخمسين بعد الألف والمائتين، وهو من كبار المحدّثين في عصره، فمن هذه الطريق بيني وبين الشيخ السندي المدني واسطتان.

وقد أجاز العلامة السندي بإجازته لكلّ من أهل عصره.

قال في "حصر الشارد في أسانيد محمد عابد": فقد أجزت كافة من أدرك حياتي من المسلمين أن يروي عني جميع ما اشتمل عليه هذا السفر بالأسانيد التي ذكرتها، وكان تمامه في بندر المخا في شهر رجب سنة 1240 هـ أربعين بعد الألف والمائتين. انتهى.

قلت: قد دخل شيخنا المرادآبادي في إجازته العامة، فمن هذه الطريق بيني وبين العلامة السندي المدني واسطة واحدة.

أقول بتوفيق الله العزيز العلام: قد أجزت بكتابي "آثار السنن" وما يتعلّق به من التعليقات وسائر تأليفاتي وبكلّ ما يجوز لي روايته، ويصحّ لي درايته، وما أخذته من العلوم العقلية والنقلية عن مشايخي الكرام لكلّ من

ص: 168

أدرك حياتي من أهل الإسلام سيّما لولدي محمد عبد الرشيد ومحمد عبد السلام، حفظهما الله تعالى عن شرور الليالي والأيام. كتبته يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1319 هـ تسع عشرة وثلثمائة بعد الألف من هجرة سيد الأنام على صاحبها ألف ألف تحية وسلام ما شرق الشمس الشارقة، وطلع البدر التمام.

هذه قصيدة في مدح المؤلّف للعلامة الأديب والفاضل اللبيب العارف بالله مولانا محمد أنور شاه الكشميري قدّس سرّه:

رويت وطبت نفسا في ارتواء

وعدت فازدري مآء السماء.

يحيى ذا المناقب والمعالي

شريف المجد غطريف العلاء

كريم الخلق محمود السبحايا

خليقا للمحامد والثناء.

أثيل المجد مفقود المثيل

سنيا في الفضائل والبهاء.

كثير العلم في فهم غزير

وسيع الحفظ في فضل ارتقاء.

رحيب الباع في رأي مصيب

طويل الطول في وسع الذكاء.

سنا علم الحديث كثير حفظ

وراوية الزمان بلا امتراء.

فذا هو رحلة الآفاق طرا

وحافظ عصره أهل اقتداء.

وعمدة قارئ إرشاد سار

وفتح المغلقات على وفاء.

وخير جار استوفى البرايا

أفاضته على طول البقاء.

وحيد العصر محسود النديد

سديد القول في حسن الصفاء.

رفيع القدر ذو القدر الرفيع .... بإعلال الرواية وانتقاء.

ظهير الحق مولانا الظهير

أضاء الأرض في نور اهتداء.

مصابيح الهدى مشكاة هدى

ومرقاة المعالي والسناء.

فشمس ذاك أو بصر العيون

ونور ذاك أو كحل الجلاء.

فزخار ومدرار مطير

وعين لا تكدر بالدلاء.

وشرعك في الشرائف والمسائل

وحسبك في اقتداء واقتفاء.

ص: 169

سحاب الفيض أو فيض السحاب

ضياء النور أو نور الضياء.

وجود الجود ذا أو جود جود

صدور الصادرين مجئ جاء.

وحبر ذاك أو بحر عميق

وعلم ذاك أو فيضان ماء.

مزيح الغوث أو غيث مغيث

رباب ربا ربيع الأربعاء.

فصيح ذاك أو سيح فسيح

بيان ذاك أو ماء الرواء.

فلا عين ولا غير وهذا

تفصّ صاح عن هذا العناء.

ولا تستطيع أنور مدح فضله

مرام ذاك في غير الرجاء.

فمد له الإله ظليل ظل

وجازاه بخير من جزاء.

* * *

‌2406 - الشيخ الفاضل ظَهيرةُ بن حسين بن علي بن أحمد بن عطيَّة بن ظَهيرةَ القُرَشِيُّ المكِّي

*

وُلِد ظَنًّا في سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

وسمع من العِزِّ ابن جماعة، والموَفَّق الحَنْبلِيّ، وغيرهما.

وأجاز له جماعة، منهم: أبو الفضل القلاشي، والخِلاطِيّ، وغيرهما.

وحدَّث، وسمع منه الحُفَّاظ، كالحافظ ابن حَجَرٍ، وغيره.

ومات في سنة تسع عشرة وثمانمائة

(1)

، رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 114.

وترجمته في إنباء الغمر 3: 107، وشذرات الذهب 7: 135، 136، والضوء اللامع 4: 15، والعقد الثمين 5: 77، 78.

(1)

تكملة من مصادر الترجمة.

ص: 170

‌حرف العين

باب من اسمه عابد، وعالم، وعالي

‌2407 - الشيخ العالم الصالح عابد حسين بن محمد حسين اللكنوي، ثم الفتحبُوري، من ذرية القاضي حبيب الله العثماني الكهوسوي، جدّ الشيخ غلام نقشبند بن عطاء الله اللكنوي، الأستاذ المشهور

*

كان من العلماء المتورّعين.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد، ونشأ ببلدة "لكنو"، وانتقل مع والده إلى "فتحبُور"، قرية جامعة من أعمال "باره بنكي" من بلاد "أوده"

(1)

، واشتغل بالعلم على مولانا نذير علي اللكنوي، فقرأ عليه الكتب الدرسية.

* راجع: نزهة الخواطر 8: 223.

(1)

"أوده": يحدّها من الشرق صوبة "بهار"، ومن الغرب "قنّوج"، ومن الشمال سلسلة الجبال، ومن الجنوب متصرفية "مانكبور"، طولها مائة وثلاثون ميلا، وعرضها خمسة عشر ومائة ميل، وأنهارها "كهاكهره"، و"سرجو"، "كومتي" و"سي"، ولها خمسة سركارات، وتسعون ومائة عمالة، أما سركاراتها فهي "أوده"، "كور كهبور"، "بهرائج"، "خيرآباد"، "لكنو".

ص: 171

ثم تصدّى للدرس والإفادة في حياة شيخه، وصار من أكابر العلماء.

قال: لقيتُه في "محمدبُور" من أعمال "باره بنكي"، فوجدتُه شيخا منوّرا، وقورا، متواضعا، حسن الشكل، حسن الأخلاق، حلوّ المنطق.

مات يوم الوقوف من ذي الحجّة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن بفناء مسجده بـ "فتحبُور" بجوار شيخه الشيخ نذير علي.

* * *

‌2408 - الشيخ الفاضل عابدين بن عبد الله السندي، المدني

*

شاعر. أقام بـ "دمشق".

توفي سنة 1213 هـ.

* * *

‌2409 - الشيخ الفاضل مولانا عارف الربّاني بن مولانا عبد الغني بن جبّار بخش بن شاه قلندر المومنشاهوي

* *

ولد 1328 هـ.

قرأ مبادئ العلم على جدّه من الأب، ثم التحق بمدرسة "مَنْتَلا" من مضافات "مُكْتَاغاسه"، وقرأ فيها الكتب الابتدائة أربع سنين، ثم التحق

* راجع: معجم المؤلفين 5: 49.

وترجمته في فهرس مخطوطات الظاهرية، وهدية العارفين 1:435.

* * راجع: مائة من مشاهير العلماء ص 274 - 276.

ص: 172

بالمدرسة العالية كَتْلَاشِنْ، وقرأ فيها مدّة قليلة، ثم أرسله جدّه مع خاله إلى "مرادآباد"، وقرأ في "أمروهه"

(1)

ستة أشهر، ثم في "مرادآباد" سنتين، وقرأ فيها على مولانا السيّد محمد ميان، ثم التحق بدار العلوم ديوبند، وقرأ فيها من "هداية النحو" إلى الصحاح الستّة.

تخرّج على شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، وعلى غيره من فحول العلماء، فمَهَر، وبَرَع، وتفنّن في أكثر العلوم، وسافر مع شيخه المدني كثيرا.

توفي سنة 1417 هـ.

* * *

‌2410 - الشيخ الفاضل عاصم بن زَمْزَم بن عاصم بن موسى البَلْخِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قدم "بغْداد" حاجّا، وحدَّث بها عن عبد الصمد بن حسَّان، ومَكِّيِّ بن إبراهيم، وعصام بن يوسف البَلْخِيِّين، وصالح بن محمد التِّرْمِذِيّ.

روَى عنه محمد بن مَخْلَد.

كذا ذكره الخطيب في "تاريخه".

(1)

"أمروهه": بفتح الهمزة وإسكان الميم، وضم الراء المهملة، وإسكان الواو، بعدها هاء، بلدة عامرة حسنة، بينها وبين "دهلي" مسيرة ثلاثة أيام.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 115.

وترجمته في تاريخ بغداد 12: 251.

ص: 173

وأخرج

(1)

عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، وكُلُّ حَرَم خَمْرٌ، وما أَسْكَرَ كثيرُه فالقَطْرَةُ منه حَرام" والله تعالى أعلم.

* * *

‌2411 - الأمير الفاضل عاصم بن قاسم بن مؤمن بن علي خان الأكبرآبادي، ثم الدهلوي، أمير الأمراء صمصام الدولة نواب خان دوران خان بهادر

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: كان من نسل الشيخ علاء الدين العطّار الموسوي الحسيني النقشبندي.

ولد بمدينة "أكبرآباد"

(2)

، ونشأ بها، وتقرّب إلى عظيم الشأن بن شاه عالم بن عالمغير، ثم إلى ولده فرخ سير، ثم إلى محمد شاه بن جهان شاه بن شاه عالم، وتدرّج إلى الإمارة في عهد فرخ سير، ونال أقصاها في عهد محمد شاه.

(1)

أي: الخطيب بسنده، تاريخ بغداد 12: 251، وانظر: باب النهي عن المسكر، من كتاب الأشربة، وسنن أبي داود 2: 295، والمسند للإمام أحمد 6:131.

* راجع: نزهة الخواطر 6: 128.

(2)

أكبرآباد: يحدّها من الشرق صوبة "إله آباد"، ومن الشمال نهر "كنك"، ومن الجنوب صوبة "مالوه" ومن الغرب صوبة "دهلي"، طولها مائة وخمسة وسبعون ميلا، وعرضها مائة ميل،. . . . ولها ثلاثة عشر "سركارا"، وثمان وستون ومائتا عمالة، أما "سركاراتها" فهي "أكبرآباد"، باري ألور، بجارا أيرج، كالبي، سالوتر، قنُّوج، كول، بروده، منداور، مندلابور، كواليار.

ص: 174

وكان رجلا حازما، شجاعا، فاتكا، مقداما، باسلا، محبّا لأهل العلم، محسنا إليهم، يجالسُهم بعد العشاء، ويذاكرهم في العلوم، قتل في المعركة في حرب نادر شاه سنة إحدى وخمسين ومائة وألف، كما في "مآثر الأمراء".

* * *

‌2412 - الشيخ الفاضل عافيَة بن يزيد بن قيس بن عافية بن شدّاد بن ثُمامة بن سَلَمة بن كعب بن أوْد بن صَعْب سعد العَشيرة بن مالك بن أُدَد بن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كَهْلان بن سَبَأ بن يشْجُب بن يعْرُب بن قَحْطان الكُوفِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو الإمام، العالم، العامل، أحد أعلام الأئمة، وأماثل قُضاة الأمّة.

ولّاه أمير المؤمنين المهديّ القضاء بـ "بغداد"، في الجانب الشرقيِّ.

وحدَّث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسليمان الأعْمَش، وغيرهما.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 115.

وترجمته في تاريخ بغداد 12: 307 - 310، وتقريب التهذيب 1: 376، وتهذيب التهذيب 5: 60، 61، والجواهر المضية برقم 676، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 304، وذيل الجواهر المضية 2: 543، 544، وسير أعلام النبلاء 7: 398، 399، وميزان الاعتدال 2:358.

ص: 175

وروَى الخطيب، عن إسحاق بن إبراهيم، أنه قال: كان أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، الذين يُذاكِرونه؛ أبو يوسف، وزُفَر، وداود الطَّائِيُّ، وأسَد بن عمرو، وعافية الأوْدِيّ، والقاسم بن مَعْن، وعلي بن مُسْهِر، ومَنْدَل وحِبَّان، ابنا عليِّ، وكانوا يخوضون في المسألة، فإن لم يحضُر عافيةُ، قال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه: لا تَرْفعوا المسألة حتى يحضُرَ عافيةُ. فإذا حضر عافيةُ، فإن وافقهم، قال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه: أثْبِتُوها، وإن لم يُوافقْهم، قال أبو حنيفة: لا تُثْبِتوها.

وقد كان المهدِيُّ أشْرَك في القضاء بينه وبين محمد بن عبد الله بن عُلاثَةَ الكِلابِيّ، فكانا يقْضيان جميعا في المسجد الجامع في الرُّصافة، هذا في أدْناه وهذا في أقصاه، وكان عافيةُ أكثرَهما دخولا على المهدِيِّ.

وحدَّث إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن أشياخه، قال: كان عافية القاضي يتقلَّد للمهدِيّ القضاء بإحدى جانِبِيْ "بغداد"، مكانَ ابن عُلاثَة، وكان عافية عالما زاهدا، فصار إلى المهدِيِّ في وقت الظهر في يوم من الأيَّام، وهو خالٍ، فاسْتأذَن عليه، فأدخله فإذا معه قِمَطْرُه، فاستَعْفاه من القضاء، واسْتأْذَنه في تسليم القِمَطْرِ إلى من يأمُرُ بذلك، فَظَنَّ أن بَعضَ الأولياء قد غضَّ منه أو أضْعَفَ يدَه في الحُكْم، فقال له في ذلك، فقال: ما جرى من هذا شيء. فقال: فما سببُ اسْتِعْفائِك؟ فقال: كان يتقدَّم إليَّ خَصْمان مُوسران وَجيهان منذ شهرين، في قضيّة مُعْضِلَة مُشْكِلَة، وكلُّ يدَّعِي بَيِّنَة وشُهودا، ويُدْلِي بِحُججٍ تحتاح إلى تأمُّل وتثَبُّب، فردَدْتُ الخصومة، رجاءَ أن يَصْطلحا، أو يَعِنَّ لي وجه فصل ما بينهما. قال: فوقف أحدُهما من خبري على أنِّي أُحِبّ الرُّطَب السُّكَّر، فعَمد في وقتِنا، وهو أوَّل أوقات الرُّطَب، إلى أن جمَع رُطبا سُكَّرا، لا يتهَيَّأ في وقتنا جَمْعُ مثلِه إلى أمير المؤمنين، وما رأيت أحسنَ منه، ورَشَا بَوَّابِي جملةَ دراهم، على أن يُدْخَلَ الطَّبَق إليَّ، ولا يُبالِي أن يُرَدَّ، فلمّا أُدْخِل إليَّ، أنْكَرتُ ذلك، وطَرَدْتُ بَوَّابِي، وأَمَرْتُ بردِّ الطَّبَق، فرُدَّ، فلمّا كان اليوم تقدَّم إليَّ مع خصْمِه، فما تساوَيا في قلبِي ولا في عينِي،

ص: 176

وهذا يا أميرَ المؤمنين ولم أقْبَلْ، فكيف يكونُ حالي لو قَبِلْتُ، ولا آمنُ أن يقعَ عليَّ حيلَةٌ في ديني فأهْلِكَ، وقد فسدَ الناس، فأقِلْنِي أقالَكَ الله، وأعْفِنِي، فأعْفاه.

ورُوِيَ عن بعضهم، أنَّه قال: كنتُ عند الرَّشيد يوما، فرُفِع إليه في قاضٍ كان استقْضاه يُقال له: عافية، فكَبُرَ عليه، وأمر بإحْضاره، فأُحْضِرَ، وكان في المجلس جَمْعٌ كثير، فجعل أميرُ المؤمنين يُخاطِبُه، ويُوقِفُه على ما رُفِع إليه، وطال المجلس، ثم إنَّ أميرَ المؤمنين عَطَسَ، فشمَّتَه من كان بالحَضْرَةِ ممن قَرُبَ منه سِواه، فإنَّه لم يُشَمِّتْه، فقال له الرشيد: ما بالُك لم تُشَمِّتْنِي كما فعل القوم؟ فقال له عافية: لأنك يا أمير المؤمنين لم تَحمد الله، فلذلك لم أشَمِّتْك، هذا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَطَسَ عنده رجلان، فَشَمَّتَ أحدَهما، ولم يُشمِّت الآخَرَ، فقال: يا رسول الله ما لَكَ شَمَّتَ ذلك ولم تشمِّتني. قال: لأنَّ هذا حَمِدَ اللهَ، فَشَمَّتناه، وأنتَ فلَمْ تَحْمَدْه فَلمْ أُشَمِّتْكَ

(1)

. فقال له الرشيد: ارْجِع إلى عملك، أنْتَ لم تُسامِحْ في عَطْسةٍ، تُسامحُ في غيرها. وصَرَفه مُنْصَرفًا جميلا، وزبر القوم الذين كانوا رفَعوا عليه.

(1)

أخرجه البخاري في باب الحمد للعطس، وباب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله، من كتاب الأدب، صحيح البخاري، 8: 60، 61، ومسلم في باب تشميت العاطس. . .، من كتاب الزهد والرقائق، وصحيح مسلم 4: 2292، وأبو داود، في باب في من يعطس، ولا يحمد الله، من كتاب الأدب، وسنن أبي داود 2: 604، والترمذي، في باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس، من كتاب الأدب، وعارضة الأحوذي 8: 202، وابن ماجه، في باب تشميت العاطس، من كتاب الأدب، وسنن ابن ماجه 2: 1223، والدارمي، في باب إذا لم يحمد الله لا يشمته، من كتاب الاستئذان، وسنن الدارمي 2: 283، 284، والإمام أحمد في المسند 3: 100، 117، 176.

ص: 177

وقال ابن الأعرابِيّ: خاصَم أبو دُلامةَ رجلا إلى عافية، رحمه الله تعالى، فقال

(1)

:

لقد خاصَمَتْنِي غُواةُ الرجال

وخاصَمْتُهم سَنَةً وافِيَهْ

فما أدْحَضَ الله لي حُجَّةً

وما خَيَّبَ الله لي قافيَهْ

فمن كنتُ من جَوْرِه خائفا

فلستُ أخاكَ يا عافيهْ

فقال له عافية: لأشكُوَنَّكَ إلى أمير المؤمنين. قال لم تَشْكُونِي؟ قال: لأنَّك هجَوْتَنِي. قال: والله لئن شَكَوْتَنِي إليه ليَعْزِلَنَّك. قال: ولم؟ قال: لإنَّك لا تعرف الهجاء من المديح، رحمه الله تعالى ما كان أصْفَيَ نِيَّتَهُ، وأسْلَم طَوِيَّتَه. - نَفعنا الله ببركاته، آمين -.

* * *

‌2413 - الشيخ الفاضل عالم بن عارف الكابلي

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: أحد العلماء المبرّزين في العلوم الآلية، ذكره البدايوني، قال: إنه كان مداعبا، مزاحا، حسن القصص، حلوّ الكلام، مليح الشمائل، يأتي بما يضحك الناس، حتى تكاد النفوس تزهق عن كثيرة الضحك، وقد كتب تعليقا على "شرح المقاصد" في كشكوله، وسماها "القصد"، وكان يقول: إنه من مصنّفاته، وكذلك كتب حاشية أو حاشيتين "المطوّل"، وسماها "الطول"، وادّعى أنه كتاب بسيط من مصنّفاته حذاء "المطول"، وألّف مجموعا في أخبار الأولياء، وسماه "فواتح الولاية"،

(1)

تاريخ بغداد 12: 310.

* راجع: نزهة الخواطر 4: 148، 149.

ص: 178

وأورد فيه كل فقير سائل ومجاور بقبول الأولياء، وأتى في أخبارهم بكلّ ما سمع من الناس.

قال: إنه دعاني مرّة لـ "فتحبُور"، ودعى صاحبنا نظام الدين النخشبي أيضًا، فلم يسعنا إلا القبول، فغدونا إلى بيته، وأحضر معجونا مشهيا للطعام، فتناولناه، ثم عرض علينا كتبه، فاشتغلنا بها إلى نصف النهار، وقد غلب علينا الجوع، وكنا نترقّب المائدة، فلمّا لم نر أثرا منها سألناه، فقال: إني كنت أظنّ أنكم أكلتم الطعام في بيوتكم! فاضطررنا إلى الخروج، وتركناه، وأكلنا ما وجدنا في بيوتنا.

قال: وكان يغبط على نظام الدين البدخشي أنه اخترع السجدة لصاحبه أكبر شاه، فأدخلها في آداب التحيّة له، قال: وكان يغبط على البدخشي وابن المبارك أنهما صارا من الأمراء، ولذلك دخل في الجندية، ولكنّه ما بلغ مبلغ الأمراء لسوء حظّه في الإمارة.

توفي سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة.

* * *

‌2414 - الشيخ الإمام العالم الكبير فريد الدين عالم بن العلاء الإندربتي

*

أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول والعربية.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: له "الفتاوى التاتارخانية" في الفقه المسمّى بـ "زاد السفر"، صنّفه في سنة سبع وسبعين وسبعمائة للأمير الكبير

* راجع: نزهة الخواطر 2: 69، 70، والطَّبَقات السَّنِيَّة 4:117.

وترجمته في كشف الظنون 1: 268، 947، وهدية العارفين 1: 435، وفيهما أن وفاته سنة ستّ وثمانين ومائتين.

ص: 179

تاتارخان، وسمّاه باسمه، وكان فيروز شاه يريد أن يسمّيه باسمه، فلم يقبله لصداقة كانتْ بينه وبين تاتارخان، كما في "كلزار أبرار".

قال الفاضل الجلبي في "كشف الظنون": هو كتاب عظيم في مجلّدات، جمع فيه مسائل "المحيط البرهاني"، و"الذخيرة"، و"الخانية"، و"الظهيرية". وجعل الميم علامة لـ "لمحيط"، وذكر اسم الباقي، وقدّم بابا في ذكر العلم، ثم رتّب على أبواب "الهداية"، وذكر أنه أشار إلى جمعه الخان الأعظم تاتارخان، ولم يسمّه، ولذلك اشتهر به. وقيل: إنه سمّاه "زاد المسافر".

ثم إن الإمام إبراهيم بن محمد الحلبي، المتوفى سنة ستّ وخمسين وتسعمائة لخّصه في مجلّد، وانتخب منه ما هو غريب، أو كثير الوقوع، وليس في الكتب المتداولة، والتزم بتصريح أسماء الكتب، وقال: متى أطلق "الخلاصة"، فالمراد به "شرح التهذيب"، وأما المشهورة فتقيد بالفتاوى. انتهى.

وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب: "زاد المسافر" في الفروع، وهو المعروف بـ "الفتاوى التاتارخانية" لعالم بن علاء الحنفي، المتوفّى سنة 286 هـ ستّ وثمانين ومائتين، انتخبها إبراهيم بن محمد الحلبي، أوله: الحمد لله ربّ العالمين. انتهى.

وأنت تعلم ما ذكرنا من سنة وفاته، لعلّه التبس عليه عدد السبع بالاثنين، لأنهما متقاربان في الشكل، فالمظنون أنه توفي سنة ستّ وثمانين وسبعمائة.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأتُ بخطِّ صاحبِنا الفاضل البارع، أحمد جلبِي بن قاضي القضاة حسن بن عبد المحسن، ما صورته: قال العبدُ الملْتجِي إلى رحمة الغَفّار، المنْتَسِبُ إلى الأنصار، عالم ابن العَلا، عصمَه الله من الزيغ والهوى، وهَداه إلى المنْهَج السَّوا.

ثم قال أحمد جلبي المذكور: هذه عبارة صاحب "الفتاوى التاتارخانيَّة"، في أوَّلها. انتهى.

ص: 180

وأما أنا فلم أقِفْ له على ترجمة سوى ما ذكَر، وإن وقفتُ على شيء سوى ذلك ألْحَقْتُه هنا، والله الموفِّق للصَّواب.

وذكره المفتي شبير أحمد القاسمي في مقدمة تحقيقه على "الفتاوى التاتارخانية"، وقال: إنني لم أقفْ على جملة وافرة مفصّلة من أحوال صاحب "الفتاوى التاتارخانية"، ولم أظفر بسنّ ولادته، غير أنّ بعض المؤرّخين البارزين في "الهند" ذكروا شذرات من أحواله في كتبهم، وحاصلها: أن صاحب "الفتاوى التاتارخانية" هو الإمام فريد الدين عالم بن العلاء الإندربتي الدهلوى الحنفي، المتوفى سنة 786 هـ.

كان من أجلّ العلماء الكبار في زمنه، وله شغف بالفقه، والفتاوى، والأصول العربية.

فلأجل ذلك نشأت الروابط العلمية بينه وبين الخان الأعظم الأمير تاتارخان، الذي كان قائد الجيش في عصر السلطان فيروز تغلق في "الهند"، وكان متديّنا، يحبّ العلماء، ويجالسهم، وهو الذي أشار الإمام فريد الدين عالم بن العلاء إلى تأليف "الفتاوى التاتارخانية"، فاشتغل عالم بن العلاء بتصنيفها امتثالا لأمره، وتفخيما لشأنه، ولم يزل يجتهد، ويسعى، ويقلّب الأوراق من أكثر من مائة كتاب، حتى فرغ من تأليفها في سنة سبع وسبعين وسبعمائة من الهجرة، وفي هذه السنة مضت على إمارة السلطان فيروز تغلق مدّة خمس وعشرين سنة.

ومن أهمّ ما استفيد من كتب التاريخ أن الأمير تاتارخان توفي قبل تكميل "الفتاوى التاتارخانية"، وتوفي المصنف عالم بن العلاء في عصر السلطان فيروز تغلق سنة 786 هـ ست ثمانين وسبعمائة من الهجرة، وتوفي السلطان فيروز تغلق 790 هـ سنة تسعين وسبعمائة من الهجرة

(1)

.

(1)

انظر: نزهة الخواطر 1: 67، وكلزار أبرار في اللغة الأردية ص 493.

ص: 181

وقال المؤرّخ الكبير محمد إسحاق البهتي في كتابه المسمّى بـ "علم الفقه في شبه القارة الهندية" الهند وباكستان (بر صغير باك وهند مين علم فقه) ناقلا عن "تاريخ فيروز شاهي" أن الأمير تاتارخان توفي بعد مضي سنوات من جلوس فيروز تغلق على عرش المملكة، وتم الانتهاء من تأليف "الفتاوى التاتارخانية" في سنة سبع وسبعين وسبعمائة بعد ما مضت خمس وعشرون سنة على إمارة فيروز تغلق، فعلم بذلك أن تاتارخان توفي قبل تكميل "الفتاوى التاتارخانية".

‌زلة من صاحب كشف الظنون

أورد المؤرّخ الكبير حاجي خليفة في "كشف الظنون" ذكر "الفتاوى التاتارخانية" على موضعين. الأول منهما تحت عنوان "تاتارخانية في الفتاوى"، والثاني تحت عنوان "زاد المسافر" في الفروع. وقال: في الثاني "زاد المسافر" في الفروع، وهو المعروف بـ "الفتاوى التاتارخانية" لعالم بن العلاء الحنفي، المتوفى سنة ستّ وثمانين ومائتين هـ.

قلت: قد اتفق المؤرّخون أن "الفتاوى التاتارخانية" صنّفت في عصر السلطان فيروز تغلق بعد عصر الملك محمد تغلق، وعصر السلطان فيروز تغلق في القرن الثامن من الهجرة، لأنه تولى المملكة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وتوفي سنة تسعين وسبعمائة، من 752 هـ إلى 790 هـ، ثم بناء على هذا التفصيل كيف يصحّ أن يقال: إن المصنف الإمام فريد الدين عالم بن العلاء توفي سنة 286 هـ قبل خمسمائة سنة من عصره، إلا أن نتأول كما تأول المؤرّخ الكبير عبد الحي الحسني في كتابه "نزهة الخواطر" بقوله: وأنت تعلم من سنة وفاته، لعلّه التبس عليه، يعني صاحب "الكشف" عدد السبع بالاثنين، لأنهما متقاربان في الشكل، فالمظنون أنه توفي سنة ستّ وثمانين وسبعمائة

(1)

.

(1)

انظر: نزهة الخواطر 2: 67.

ص: 182

‌نسبة المؤلف إلى إندربت

أولا نورد فيما يلي خلاصة ما قاله المؤرّخون البارزون عن "إندربت"، يقول الدكتور سر سيّد أحمد خان في كتابه المسمّى بـ "آثار الصناديد": إن "إندربت" اسم حيّ من أحياء "دهلي"، وكانت تتوسّط بين القلعة القديمة والباب المتلطّخ بالدماء، المعروفتين في الأردية باسم "برانا قلعة" و"خوني دروازه"، وكان اسمها الأول "إندربرسته"، ثم صار "إندربت" لكثرة الاستعمال. وقيل: إنه مركّب من لفظين هنديين: "إندر" و"بت"، ومعنى الأول ملك السماء، ومعنى الثاني الحاكم، أو المالك، فأما الملك الذي عمر تلك البلدة يقال له: ملك السماء، ومن ثم اشتهر اسمها بـ "إندربت".

وقال في موضع آخر من كتابه تحت عنوان "إندربرسته": هي قرية صغيرة، كانت واقعة في الموضع الذي بنيت اليوم فيه دوائر حكومية من أشهرها إدارة شؤون ضرائب الدخل، ثم اشتهرت هذه القرية فيما بعد على الألسن باسم "إندربت".

وقال الدكتور بشير الدين أحمد في كتابه المسمّى بـ "واقعات دار الحكومت دهلي": إن قرية "إندربت" آثارها كانت باقية إلى بضعة أعوام أخيرة مضت، وهي قطعة باقية من الجانب الداخلي من سور البلد، وكانت ممتدة في الجنوب إلى ضريح همايون، وفي الشمال إلى باب "دهلي المسمّى في الأردية بـ "دلي كيت".

وقال في موضع آخر من كتابه ص 20: إن "إندربرسته "وهو اسم قديم لمدينة "دهلي"، وحدودها كانت تبدأ من قرية أو كهلا، وتنتهي إلى قرية "برابري".

وألقى صاحب "آثار الصناديد" الضوء عند ذكره مدينة "دهلي" على أن "دهلي" كيف تغير اسمها من "إندربت" إلى "دهلي"، فقال: يروى أنه قبل المسيح عليه السلام بألف وأربعمائة عاما كانت عاصمة "الهند" مدينة "هستنا

ص: 183

فور"، وكان ملكها الأول يد هشتر، ثم بعد مضي ثلاث وعشرين ومائتين سنة تقريبا تولى المملكة الملك شهكر (جهكر) في عام (1100 ق م)، وجعل "إندربت" التي كانت قطعة من مدينة "دهلي" عاصمة البلاد، ثم استمرّ الأمر على هذا، حتى أعمر الملك دهلو الذي كان يحكم "قنّوج" مدينة، سمّاها باسم نفسه، (يعني دهلو) على أراضي "إندربت"، ثم تبدلت الواو ياء، وصار اسمها "دهلي".

قلت: وبهذه التفاصيل يظهر لي والله أعلم أن الصحيح ما قاله الدكتور سيّد أحمد في "آثار الصناديد" وفي ضوء ما كتبه نتوصّل إلى بضعة أمور:

الأمر الأول: أن مدينة "دهلي" كانت تسمّى بـ "دهلي" في عهد السلاطين التغلقية في "الهند"، كالسلطان غياث الدين تغلق المتوفى 725 هـ، والسلطان محمد تغلق المتوفى 752 هـ، والسلطان فيروز تغلق المتوفى 790 هـ.

الأمر الثاني: أنه كانت بقرب بلدة "دهلي" قرية اسمها "إندربت"، والإمام فريد الدين عالم بن العلاء مؤلّف "الفتاوى التاتارخانية" كان من سكّان هذه القرية، ولأجل ذلك نسبه المؤرّخون إلى "إندربت" وإلى "دهلي" معا.

الأمر الثالث: أن موضع هذه القرية بقرب من المكتب الرئيسي لجمعية علماء الهند، ومسجد عبد النبي الواقع بجوار بهادر شاه ظفر مارك"، وفي أراضي تلك القرية بنيت اليوم إدارة شؤون ضرائب الدخل والمركز الرئيسي لشرطة "دهلي".

‌الفتاوى التاتارخانية

لما تم تأليف "التفسير التاتارخاني" كما سيأتي تفصيله بعنوان يخصّ بذكر "التفسير التاتارخاني" وقعت في قلب الأمير تاتارخان فكرة بتأليف مجموعة في الفتاوى في مذهب الإمام أبي حنيفة، فانتخب للقيام بهذا العمل الجليل الإمام فريد الدين عالم بن العلاء الحنفي الإندربتي الدهلوي، الذي كان من أحد العلماء

ص: 184

المبرّزين في الفقه والفتاوى في عصره، وكلّفه بوضع مجموعة جامعة للفتاوى، وقد كانت بينهما صداقة، وكانت تربطهما روابط علمية من قبل، فرضي الشيخ عالم بن العلاء، واستجاب لدعوته، ثم وفّر الأمير له على حساب الحكومة كلّ كتاب في الفقه الحنفي، كان يوجد في ذلك العصر، فكلّ من يطالع "الفتاوى التاتارخانية" يعلم أن المؤلّف لم يكتف في النقل على كتاب أو كتابين أو ثلاثة كتب، فحسب، بل كانت عنده ذخيرة كبيرة من الكتب، كما قد ذكره المؤلّف نفسه ثلاثين كتابا في مقدمة الكتاب.

وقد تتبعت عند مقابلة المخطوطات، فاطلعت على أكثر من مائة كتب، نقل عنها المصنّف في فتاواه، ولم يذكرها في مقدمته، وقد ذكرتها ببعض التفاصيل في مقدمة التحقيق تحت الفصل السابع، وقد يكون هناك كثير من الكتب التي فاتت من إحصائي.

‌منهج المؤلف في كتابه

ومن المناسب أن نذكر بعض الأمور التي التزمها المؤلّف في "الفتاوى التاتارخانية"، ذكر المؤلّف في بداية الكتاب السبب الذي بعثه على تأليف الكتاب، فقال: إن السبب الذي حمله على تأليف الكتاب أنه كان تربطه صداقة ودّ بالأمير تاتارخان وزير الملك فيروز شاه تغلق، وقائد جيشه، وكان رجلا متديّنا، حنفيا، يحبّ العلم، ويحترم العلماء، هو الذي أمر الإمام فريد الدين عالم بن العلاء بتأليف كتاب في الفتاوى، يجمع جميع نواحي المسائل الفقهية في المذهب الحنفي.

وقد ذكر المصنّف ذلك في المقدّمة بقلمه، وأثنى على الأمير تاتارخان كثيرا في عبارة فصيحة وبليغة، وأوضع كثيرا أن إشارة الأمير هي التي وفّرت له فرصة تأليف "الفتاوى التاتارخانية"

(1)

(1)

انظر: مقدمة المؤلف.

ص: 185

الأمر الثاني: ثم بعد الحمد والثناء، وذكر السبب الباعث لتأليفها، أقام المؤلّف بابا في العلم والحثّ عليه، وجعله على سبعة فصول.

الفصل الأول: في فضيلة العلم، أورد فيه أحاديث، وآثارا في فضيلة العلم.

الفصل الثاني: في فضل العلم والفقه والعالم والمتعلّم والتعليم والتعلّم، أورد فيه أيضًا أحاديث وآثارا عديدة، وردت في فضل تلك الأشياء.

الفصل الثالث: في فرض العين والكفاية من العلوم.

أولا أورد فيه أيضًا أحاديث وآثارا عديدة، وردت في طلب العلم، وثانيا بين النافع وغير النافع من العلوم، مع بيان أن حفظ القرآن مقدار ما يجوز به الصلاة فرض عين على المسلمين.

الفصل الرابع: في آفة العلم. أورد فيه أحاديث وآثارا عديدة، وردت في آفة العلم.

الفصل الخامس: في بيان السنة والجماعة.

أورد فيه أثرا عن علي رضي الله عنه، وحديثا طويلا عن ابن عمر رضي الله عنهما في بيان أهل السنّة، ومتى يعلم الرجل أنه من أهل السنّة، لكن لم أجدهما في الكتب التي بين يديّ.

الفصل السادس: فيمن يحلّ له الفتوى، ومن لا يحلّ له، أورد فيه أقوال السلف في بيان العلوم والآداب، التي لا بدّ منها لأرباب الفتوى أن يعلموها.

الفصل السابع: في آداب المفتي والمستفتي، فيه بيان ما على المفتي عند اختلاف أقوال المذهب، وشرائط المفتي عند نقل المذاهب، ثم بعد ذلك أقام المصنّف تمهيدا لبداية كتاب الطهارة، وقسم فيه الأحكام الشرعية إلى حقوق الله وحقوق العباد، وما اجتمع فيه حقّان، وحقّ الله فيه غالب، وما اجتمع فيه حقان، وحق العبد فيه غالب.

ص: 186

الأمر الثالث: قام المؤلّف ببداية كتابه من كتاب الطهارة، وعند نقل المسائل اهتمّ بخمسة أمور:

الأول: نقل المسائل من الكتب المعتمدة بالإحالة إلى أساميها مصرّحا.

الثاني: لم يلتزم المؤلّف بالدلائل والنصوص، واكتفى على نقل المسائل فقط، لأن المقصود في الفتاوى هو الإخبار بنفس المسائل، لا الدلائل والنصوص.

الثالث: أحيانا نقل المؤلّف مسألة واحدة من كتب عديدة، مع تصريح أساميها.

الرابع: من الكتب المنقول عنها "المحيط البرهاني"، وإن المؤلّف وضع أساس كتابه عليه، فلكثرة دوره وتكراره جعل الميم رمزا لـ "محيط"، وذكر اسم الباقي.

الخامس: عدد جملة الكتب التي نقل عنها الإمام المؤلّف فريد الدين عالم بن العلاء في كتابه يبلغ أكثر من ثلاثين ومائة، إلا أنه ذكر ثلاثين كتابا منها في المقدمة فقط، وترك الباقي، فلأجل ذلك تتبعت عند المقابلة بين المخطوطات من أولها إلى آخرها، فوجدت مائة كتاب سوى ذلك، فذكرتها مع تعريفها وتعريف مؤلّفيها في تحقيق المقدمة بشيء من التفصيل، ومن هذا يظهر أنه كان عند المؤلّف ذخيرة عظيمة من الكتب الفقهية، التي لا يمكن الحصول عليها للمؤلّف وحده، بل لعلّه ساعده الأمير تاتارخان في تحصيلها وتوفيرها من البلدان على مستوى رسمي.

‌إزالة شبهة حول الفتاوى التاتارخانية

ومن مفاخر الأمير تاتارخان أنه شكّل جماعة من العلماء لأجل تأليف "التفسير التاتارخاني"، فقامت تلك الجماعة بتأليفه، حتى أكملته، كما سيأتي توضيح ذلك بعنوان "التفسير التاتارخاني".

ص: 187

فهذا الأمر ربما يورث شبهة بأن الفتاوى التاتارخانية هي أيضًا من تأليف الجماعة العلماء، التي قامت بأمر الأمير تاتارخان، كما زعم بعض العلماء.

قلت: تكفي لإزالة هذه الشبهة العبارتان من كلام المؤلّف الإمام فريد الدين عالم بن العلاء الإندربتي، اللتان تدلّان صراحة على أن المؤلّف هو وحده ألّف الكتاب من غير اشتراك آخرين من العلماء، وأما استعانة المؤلّف بتلاميذه وخدّامه فهذا الأمر لا يسع لأحد أن ينكره.

العبارة الأولى: يقول المؤلّف في بداية المقدمة: فقد أشار إليّ من إشارته حكم، وطاعته غنم، إلى أن قال: وزائر الحرمين، كالعين للإنسان، والإنسان للعين، الخان الأعظم، القهرمان المعظم، تاتارخان، الذي ألقى إليه الدهر قيادة.

العبارة الثانية: يقول المؤلّف في آخر المقدمة: قال العبد الملتجئ إلى رحمة الله الغفّار، المنتسب إلى الأنصار، عالم بن العلاء، عصمه الله عن الزيغ، وهداه إلى منهج السواء، فإن العبارة الأولى تدلّ صراحة إلى أن الأمير تاتارخان لم يشكّل الجماعة لتأليف "الفتاوى التاتارخانية"، بل أشار لتأليفها على المصنّف وحده، وأما العبارة الثانية فهي تصرّح بأن "الفتاوى التاتارخانية" هي من نتاج جهود عالم بن العلاء وحده، لا من جهد الجماعة.

‌الأمير تاتارخان الدهلوي

كان الأمير تاتارخان رجلا صالحا، متديّنا، متمسّكا بالشريعة في السفر والحضر، ويحافظ على الصلوات، ويحجّ البيت، ويحبّ العلماء، ويحسن إليهم.

هكذا ذكر من أوصاف الأمير، فإذا لا بدّ لنا أن نعرف أنه من هو؟ وأنه كيف توصّل إلى "دهلي"، وكان من أصل الترك؟ وبأيّ سبب سمي بتاتارخان؟ وأنه كيف توصّل إلى حضرة الملك فيروز تغلق؟ وبأيّ عمل لقّب بالخان الأعظم.

ص: 188

ذكر المؤرّخ الكبير محمد قاسم فرشته في كتابه المسمّى بـ "تاريخ فرشته"(1: 417) أن السلطان غياث الدين تغلق تولى المملكة في غرّة شعبان سنة 721 هـ إحدى وعشرين وسبعمائة.

وذكر في موضع آخر من ذلك الكتاب (1: 424): أن السلطان غياث الدين تغلق توفي سنة 725 هـ خمس وعشرين وسبعمائة، ومدّة حكومته كانت أربع سنين وشهورا، ثم بعد ثلاثة أيام من موته جلس محلّه ابنه سلطان محمد تغلق.

ونقل مولانا محمد إسحاق البهتي في كتابه المسمّى بـ "بر صغير باك وهند مين علم فقه": حكي أن ملكا من ملوك "خراسان" هجم على مناطق "ملتان" و"ديبالفور"، واستولى عليهما، وذلك في عهد السلطان غياث الدين تغلق، وكانت للملك زوجة حسناء، تضرب لها الأمثال في حسنها، وكان لا يفارقها عن نفسه أبدا، فأخرجها معه في هذه الغارة، وكانت حاملة، فولدت ولدا بعد دخول مناطق "ملتان" و"ديبالفور"، وبينما هم في ذلك إذ أغار السلطان غياث الدين تغلق على الجيش الخراساني ليلا، وشنَّ الغارة عليهم، وقتل النفوس، وسفك الدماء، وهرب الجيش الخراساني.

ووسط هذا القلق والاضطراب تركوا ذلك الصبي المولود في الأرجوحة، ثم التقطه جيش السلطان غياث الدين تغلق، وعرضوه عليه، فلمّا رآه السلطان أعجبه، وتبنّاه، وربّاه في مهد الإمارة، وسماه بتاتارملك.

ثم شبّ هذا الغلام، وبلغ أشدّه في عهد السلطان محمد تغلق، ونال الصيت، وصار وحيد دهره في الشجاعة والبسالة والمصارعة، وافتتح بلادا كثيرة بقوّة ساعده، وبإلاغارة عليها، ثم توفي السلطان محمد تغلق سنة 752 هـ اثنتين وخمسين وسبعمائة، ومدّة حكومته كانت سبع وعشرين سنة.

وقال القاسم فرشته في "تاريخ فرشته"(1: 494): تم بعد ذلك تولى المملكة السلطان فيروز تغلق في الثالث والعشرين من شهر الله المحرّم الحرام عام 752 هـ اثنين وخمسين وسبعمائة من الهجرة.

ص: 189

وقال مولانا محمد إسحاق البهتي في "بر صغير باك وهند مين علم فقه" ص 21 لما كان السلطان فيروز تغلق يجلس في البلاط الملكي يفسح المكان لجلوس الأمير تاتارخان في الجانب الأيمن من السلطان، الذي كان مختصا للوزراء في جانبه الأيسر يفسح المكان لخان جهان، وإن كان خان جهان وزيرا مقبولا، له مكانة عند السلطان، وكان السلطان فيروز تغلق يثق بتاتارخان ثقة كاملة، ويشاور معه في جميع الأمور، فكانت نتيجته أنه كان لا يصدر حكما في مهمّات الدولة إلا بعد موافقة الأمير تاتارخان، ومن توفيق الله وعونه أن الأمير سار إلى الحرمين الشريفين، فسعد بالحجّ والزيارة، ولم يزل يشتغل بالعلم، ويجالس العلماء، ويذاكرهم.

ومن الجدير بالذكر أنّ تاتارخان هو اسم رجلين، الأول الذي نحن بصدد ذكره، والثاني هو تاتارخان بن مظفّر الشاه، الذي كان أبوه حاكما على ولاية "كجرات"، وهو أيضًا كان أمير الجيش في عهد أبيه، كما صرّح بذلك صاحب "تاريخ فرشته"، (2: 500) فلذا أرى أن أنبّه هنا على أن تاتارخان الذي نحن بصدد ذكره، وهو ليس ابن المظفّر الشاه، بل هو ابن السلطان الخراساني، الذي تركه أبوه في المهد، ثم التقطه السلطان غياث الدين تغلق خلال غاراته على "ملتان"، و"ديبالفور"، تبنّاه، وربّاه، فلا يغترّ أحد بعبارة "تاريخ فرشته".

‌ذكر التفسير التاتارخاني

ذكر مولانا محمد إسحاق البهتي في كتابه المسمّى بـ "بر صغير باك وهند مين علم فقه" أن الأمير تاتارخان كان من أحسن الناس إكراما للعلماء ورجال الدين، وله شغف بالقرآن والحديث والفقه، وهذا الذي بعثه على أن يأمر بتألف كتاب جامع في التفسير، فجمع لنيل هذا الغرض جميع كتب التفسير، التي كانت توجد في عهده، وكوَّن جماعة من العلماء والفضلاء، فكان يجمع في

ص: 190

ضمن كلّ آية سائر الأقوال والآثار، التي وردت في تفسير الآية، والتي كتبها المفسّرون السابقون في تفاسيرهم، وبُذِلت أقصى الجهود في جمع الأقوال، وصرّح في النقل أسامي المفسّرين مع الإحالة إلى كتبهم، فيمكن لقائل أن يقال: إنه كتاب جمع فيه جميع تفاسير تلك العهد

(1)

.

ثم لما انتهى هذا التفسير، سماه الأمير بـ "التفسير التاتارخاني". وتلقي مجلة معارف العدد الصادر في شهر يوليو سنة 1409 هـ الضوءَ على أن "التفسير التاتارخاني" ألّفته جماعة من العلماء بأمر الأمير تاتارخان، كما أن "الفتاوى العالمكيري" ألّفتها جماعة من العلماء تحت إشراف السلطان الإمام أورنك زيب العالم الكبير.

ونقل المؤرّخ الكبير مولانا عبد الحي الحسني اللكنوي في كتابه "نزهة الخواطر"(2: 19) في ترجمة الأمير تاتارخان العبارة الآتية التي تتعلّق بـ "التفسير التاتارخاني"، قال شمس الدين عفيف في "تاريخه": إنه لم يزل يشتغل بالعلم، ويجالس العلماء، ويذاكرهم، ويحسن إليهم، وإنه صنّف كتابا في التفسير، وسماه "التاتارخاني"، وهو أجمع ما في الباب، فأسأل الله تعالى أن يخلق من الرجال من يعثر على مخطوطات "التفسير التاتارخاني"، ويقوم بإخراجه وإصداره، لكي ينتفع الناس به.

‌مفاخر علمية للملوك المسلمين في الهند

ساد المسلمون الهندَ ثمانمائة سنة إلا خمسين عاما، فأول ملوكهم هو السلطان شهاب الدين غوري، الذي حكم "الهند"، وجعل عاصمة "الهند" بلدة "دهلي" سنة 586 هـ، واستمرّ المسلمون يحكمون "الهند"، حتى غلب الإنكليزيون على "الهند" في أواخر القرن الخامس عشر المسيحي وبداية القرن الحادي عشر الهجري، وأقاموا فيها حكومتهم بعد نفي السلطان المغولي بهادر

(1)

انظر: تاريخ فيروز الشاهي 391 - 397.

ص: 191

ظفر الشاه من "الهند" سنة 1274 هـ، وهنا انتهت حكومة المسلمين على "الهند".

ويبلغ عدد السلاطين المسلمين الذي حكموا "الهند" في هذه المدّة الطويلة خمسة وستين ملكا، وامتاز عهد الاثنين منهم بأعمال علمية دينية، ومآثر جليلة

(1)

.

* * *

‌2415 - الشيخ العالم المحدّث عالم علي بن كفاية علي بن فتح علي الحسيني النكينوي، ثم المرادآبادي، أحد أكابر الفقهاء الحنفية

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد، ونشأ بـ "نكينه"، وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدرسية على المفتي شرف الدين الرامبوري، والشيخ غفران ابن تائب الفقيه الأفغاني، ثم سار إلى "دهلي"، وأخذ عن الشيخ مملوك العلي النانوتوي، وتطبّب على الحكيم نصر الله، وقرأ الحديث على الشيخ إسحاق بن أفضل العمري، وأسند عنه، ثم أقبل على الطبّ، والحديث إقبالا كليا، وسكن بـ "مرادآباد"

(2)

.

أخذ عنه خلق كثير من العلماء.

له شرح بسيط على "ضابطة التهذيب"، ورسالة في تنقيح مخرج الضاد، ورسالة فضل الصيام، ورسالة في فضائل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وله "الحجّة البالغة"، و"الوثيقة الباهرة".

(1)

راجع: مقدمة الفتاوى التاتارخانية ص 25 - 37.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 255، 256.

(2)

"مراد آباد": بلدة عامرة من أعمال "بدايون"، كان منها كثير من العلماء.

ص: 192

توفي لثلاث بقين من رمضان سنة خمس وتسعين ومائتين وألف، كما في "تذكرة العلماء" للناروي.

* * *

‌2416 - الإمام المجاهد المظفّر المنصور السلطان بن السلطان أبو المظفّر محي الدين محمد أورنك زيب عالمغير بن شاهجهان الغازي المؤيّد من الله القائم بنصرة الدين الذي أيّد الإسلام

*

وفتح الفتوحات العظيمة، وساس الأمور، وأحسن إلى الرعايا، وصرف أوقاته في القيام بمصالح الناس، وبما يرضى به ربّ العالمين من صيام وقيام ورياضة، لا يتيسّر بعضها لآحاد الناس، فضلا عن الملوك والسلاطين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد ليلة الأحد لخمس عشرة خلون من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وألف بقرية "دوحد" على مائة أميال من "أجين"، وسبعين ميلا من "بروده"، من بطن أرجمند بانو بنت آصف جاه أبي الحسن بن غياث الدين الطهراني في أيام جدّه جهانغير بن أكبر شاه، فعمل لولادته بعض العلماء تاريخا من "آفتاب عالمتاب"، ونشأ في مهد السلطة، وتنبّل في أيام جدّه وأبيه، وقرأ العلم على مولانا عبد اللطيف السلطانبوري، ومولانا محمد هاشم الكيلاني، والشيخ محي الدين بن عبد الله البهاري، وعلى غيرهم من الأساتذة.

وأخذ خطّ النسخ عن الحاج القاسم، والنستعليق عن السيّد علي بن محمد مقيم الماهرين في الخطّ، حتى كتب خطّ المنسوب، وصار مضرب المثل في جودة الخطّ، وبرَّز في كثير من العلوم والفنون.

* راجع: نزهة الخواطر 6: 129 - 143.

ص: 193

وبايع الشيخ محمد معصوم بن الشيخ أحمد السرهندي

(1)

، وأخذ الطريقة عن الشيخ سيف الدين بن محمد معصوم المذكور، وكان يلازمه بأمر والده لذلك، حتى حصلت له نفحة منه، وبشّره بأشياء، واشتهر ذكره في حياة والده، وعظم قدره، فولّاه والده الأعمال العظيمة في أرض "الدكن"، فباشرها أحسن مباشرة، ثم حصل لوالده مرض صعب عطله عن الحركة، وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه، فبسط يده على البلاد، وصار هو المرجع والسلطان معنى، فلم ترض نفوس إخوته بذلك، فنهض شجاع من "بنغاله"، ومراد بخش من "كجرات"، وعالمغير من أرض "الدكن"، كل منهم يريد أن يقبض على أخيه دارا شكوه، ويتولّى المملكة، فاتفق عالمغير ومراد بخش على ذلك، فقاتلاه، وغلبا عليه، ثم احتال عالمغير على مراد بخش، وقبض عليه، واعتقل أخويه، ثم قتلهما لأمور صدرتْ منهما، وأفتى العلماء أنهما استوجبا القتل، وحبس والده في قلعة "أكبرآباد"، وهيّأ له ما يشتهيه من الملبوس والمأكول وأهل الخدمة من الجواري والغلمان، وكانت جهان آرابيكم بنت شاهجهان تقيم مع والدها في القلعة، والسيّد محمد الحسيني القنّوجي يلازمه، يشتغل عليه، ويذاكره في ما ينفعه في عقباه.

وجلس عالمغير على سرير الملك سنة ثمان وستين وألف، فافتتح أمره بالعدل والإحسان، ورفع المظالم والمكُوس، وأسر غالب ملوك "الهند" المشهورين، وصارتْ بلادهم تحت طاعته، وجبيتْ له الأموال، وأطاعته

(1)

نسبة إلى "سرهند": بفتح السين، وسكون الراء المهملتين، معناها رأس "الهند". ويقال لها:"سهرند" بكسر السين المهملة، وفتح الراء، بعدها نون ساكنة، فدال مهملة، ومعناها: غابة الأسد، كانت بلدة عامرة في القديم، وإليها ينسب الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي إمام الطريقة المجددية رحمه الله تعالى.

ص: 194

البلاد والعباد، ولم يزل في اجتهاد من الجهاد، لم يرجع إلى مقرّ ملكه وسلطته بعد أن خرج منه، وكلما فتح بلادا شرع في فتح أخرى، حتى لحقتْ حدود ملكه في الجهة الشمالية إلى حدود "خيوا" و"بخارا"، وفي الجهة الجنوبية إلى البحر المحيط الهندي، وفي الجهة الغربية إلى "سومنات" على شاطئ بحر "الهند"، وفي الجهة الشرقية إلى "بوري" منتهى أرض "أريسه".

وكان عالمغير عالما ديّنا، تقيّا، متورّعا، متصلّبا في المذهب، ويتديّن بالمذهب الحنفي، لا يتجاوز عنه في قول ولا فعل، وكان يعمل بالعزيمة، وكان يصلّي الصلوات المفروضة في أوائل أوقاتها بالجماعة في المسجد مهما أمكن، ويقيم السنن والنوافل كلّها، ويصلّي صلاة الجمعة في الجامع الكبير، ولو كان غائبا عن البلدة لأمر من الأمور يأتيها يوم الخميس، ويصلّي صلاة الجمعة، ثم يذهب حيث شاء.

وكان يصوم في رمضان في شدة الحر، ويحيي الليالي بالتراويح، ويعتكف في العشرة الأخيرة من رمضان في المسجد، وكان يصوم يوم الاثنين والخميس والجمعة في كلّ أسبوع من أسابيع السنة، ويصوم في أيام ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم فيها.

وكان يخرج الزكاة من أمواله قبل أن يجلس على سرير الملك، وبعده مما خصّ لنفسه من عدة قرى، وبعض معادن الملح للمصارف الخاصّة من نقير وقطمير.

وكان يريد أن يرحل إلى الحرمين الشريفين للحجّ والزيارة في أيام والده، فلم يرض بفراقه، وبعد ذلك لم تمهله المصالح الملكية، ولكنه كان يرسل الناس إلى الحرمين الشريفين للحجّ والزيارة، ويبذل عليهم العطايا الجزيلة، ويبعث إليهما أموالا طائلة لأهل الحوائج في أيام الحجّ بعد سنة أو سنتين، ويؤظّف الذاكرين والذاكرات، ويجعل لهم الأرزاق السنية.

ص: 195

يداوم على الطهارة بالوضوء، ويحافظ على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أوقاته، ويحيى الليالي المتبرَّكة بالصلاة والصدقة وصحبة العلماء والمشايخ في المسجد، وكان يحترز عن كلّ سوء ومكروه منذ نعومة أظفاره، لم يشرب الخمر قطّ، ولم يقارب امرأة لا تحلّ له.

وكان لا يستمع الغناء بالمزامير منذ جلس على سرير الملك، مع أنه كان ماهرا بالإيقاع والنغم، وما كان أن يلبس الملبوسات غير المشروعة، وما كان أن يأكل في الظروف الذهبية والفضّية، وأمر أن يصاغ الجواهر الثمينة في الحجر اليشب مقام الذهب، ونهى الأمراء أن يلبسوا الغير المشروع، وكان يمنعهم أن يتذاكروا بين يديه بكذب وغيبة وقول الزور، وأمرهم أن يعبروا عن الأمور المستكرهة إن وقع لهم حاجة إلى ذلك بكناية واستعارة.

وكان موزّعا لأوقاته، فوقت للعبادة، ووقت للمذاكرة، ووقت لمصالح العساكر، ووقت للشكاة، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كلّ يوم وليلة من مملكته، لا يخلط شيئا بشيء، فإنه كان ينهض في الليل قبيل الصبح الصادق، فيتوضّأ، ويذهب إلى المسجد، ويصلّي الفجر بجماعة، ثم يشتغل بتلاوة القرآن والأوراد الموظّفة، ثم يجلس بدولت خانه، ويتمثّل بين يديه الأمراء المقرّبون، ويحضر لديه ناظر العدلية (داروغه عدالت) بجماعة من المتظلّمين، سواء كانوا من أهل "دهلي" أو من خارجها، فيقضي فيهم بما يبدو له من الشرع أو العرف.

ثم كان يذهب إلى البرج المشرف على نهر "جمن"، ويسمّونه "جهروكه درشن" على سنة أسلافه، وبعد مدّة من الزمان ترك ذلك، فكان يدخل المنزل، فيمكث به نحو ساعتين أو ثلاث ساعات، ثم يظهر في الديوان العام، ويجلس للناس، فيحضر لديه أبناء الملوك، وكبار الأمراء وعظماء "الهند" والسفراء، وكلّهم يقفون بين يديه، ومن ورائهم تقف عامّة الأمراء، ويتلوهم

ص: 196

الناس من كلّ صنف ودرجة أعلاهم وأدناهم، ثم يتمثّل بين يديه الأمراء الوافدون من بلاد، ويستأذنه الأمراء المأمورون إلى جهات، فيخلع عليهم، ويأذن لهم بالخروج، ويعرض عليه عرائض الأمراء والولاة ونذورهم، ويعرض عليه "المير بخشي" مطالب أهل المناصب و"المير آتش". أغراض "البرقندازية"، وغيرهم، وصدر الصدور يعرض عليه حوائج السادة والعلماء والمشايخ وغيرهم من أهل الاستحقاق، وناظر العرض المكرّر الأحكام السلطانية من المناصب والأقطاع والنقود وغيرها، ثم يعرض عليه ناظر الاصطبلات الأفراس الخاصّة وشحنة الفيلة الأفيال الشاهانية على الرسم المعتاد، وناظر الداغ والتصحيحة فرسان الأمراء، مع أفراسهم التي امتازت بالداغ والتصحيحة حالا.

وكان يجلس بالديوان العام نحو خمس ساعات، ثم يذهب إلى "دولت خانه"، فيحضر لديه الوزير والديوان والبخشي وصدر الصدور، وغيرهم من كبار الأمراء، فيكلّمه الوزير في مهمّات الدولة، والديوان في الأموال الخالصة "الشريفة، والمير بخشي في العسكرية، وصدر الصدور في أهل الحوائج، والسلطان يجاوبهم بما يبدو له من المعروف، ويكتب بيده بعض التوقيعات، ويأمر في بعضها أن يكتبه الوزير، ثم يعرض عليه المناشير، التي أنشأها الوزير، فيقرأها، ويصلحها إن رأى فيها خللا، ويجلس بها نحو خمس ساعات.

ثم يدخل المنزل، ويتغدّى، ويقيل نحو ساعة، ثم يتوضّأ، ويمشي إلى المسجد، ويصلّي الظهر بجماعة، ثم يذهب إلى "خلوت خانه"، ويشتغل بتلاوة القرآن، وكتابة المصحف، ومطالعة الكتب، وتحقيق المسائل، وربما يدعو بها بعض الأمراء، ويباشر المهمّات من أمور الدولة، وربما يدعو أهل المظالم والشكاوي، فيقضي بينهم بالمعروف، وربما يدعو المخدّرات، فيعرضن عليه حوائج النساء، فيبذل عليهن العطايا الجزيلة.

ص: 197

ثم يذهب إلى المسجد، ويصلّي العصر بجماعة، ثم يجلس بدولت خانه مرّة ثانية، فيتمثّل بين يديه الأمراء، ويكلّمونه في المهمات كأول النهار، كما تقدّم، ثم يخرج إلى المسجد، ويصلّى المغرب بجماعة، ويشتغل نحو ساعتين بالأذكار والأشغال، ثم يذهب إلى دولت خانه، ويشتغل بالمهمّات إلى وقت العشاء، ثم يذهب إلى المسجد، ويصلّي العشاء، ثم يدخل المنزل.

وأما يوم الأربعاء فكان لا يجلس بالديوان العام والخاص، ويجلس بدار العدل على سنة أسلافه، فيحضر لديه المفتون والقضاة، ويعرض عليه ناظر العدلية المتظلّمين واحدا بعد واحد، فيستنطقه السلطان بنفسه، ويسأله بكلّ هوادة ورفق، ويقضي بينهم بالمعروف.

وأما يوم الخميس فإنه كان يكتفي بالجلوس بالديوان العام والخاص على أول النهار، ويترك الجلوس بعد العصر، فكان يشتغل سائر أوقاته بالعبادة.

وكان يجلس للمذاكرة في الكتب الدينية كـ "الإحياء"، و"الكيمياء"، و"الفتاوى الهندية"، وغيرها في كلّ أسبوع ثلاثة أيام على السيّد محمد الحسيني القنّوجي، والعلامة محمد شفيع اليزدي، ونظام الدين البرهانبوري، وغيرهم من العلماء.

ومن مآثره الجميلة: أنه حفظ القرآن الكريم بعد جلوسه على سرير الملك، فأرّخ بعض العلماء لبدء حفظه من قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} ، ولتمامه من قوله:{لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} .

ومنها: أنه كانت له معرفة بالحديث، له "كتاب الأربعين"، جمع فيه أربعين حديثا من قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتولّى المملكة، وله كتاب آخر، جمع فيه أربعين حديثا بعد الولاية، وترجمهما بالفارسية، وعلّق عليهما الفوائد النفيسة.

ص: 198

ومنها: أنه كانت له مهارة تامة بالفقه، ويضرب به المثل في استحضار المسائل الجزئية، وقد صنّف العلماء بأمره "الفتاوى الهندية" في ستة مجلّدات كبار، فاشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية، وعمّ النفع بها، وصارت مرجعا للمفتين، وأنفق على جمعها مائتي ألف من النقود.

ومنها: أنه كان بارعا في الخطّ، يكتب النسخ والنستعليق وشكسته بغالِة الجودة والحلاوة، كتب مصحفا بيده قبل جلوسه على السرير، وبعثه إلى "مكّة المباركة"، وبعد جلوسه مصحفا آخر، وأنفق على التذهيب والتجليد سبعة آلاف روبية، ثم بعثها إلى "المدينة المنوّرة"، وكان انتسخ "الألفية" لابن مالك في صباه، فأرسل إلى "مكّة" بيد الحاج عبد الرحمن المفتي، لينتفع بها الناس من أهل البلدة المباركة.

ومنها: أنه كان ماهرا بالإيقاع، والنغم، ولكنّه كان يحترز من استماع الغناء تورّعا. قال مكرّم خان الصفوى: سألته يوما عن الغناء، فقال: لأهله مباح، فقلت له: إني لا أعلم أحدا يتأهّل له غيركم، فقال: إن الغناء بالمزامير لا سيّما بالبكهاوج حرام بالاتفاق، فإذنْ لا أرغب إلى الغناء بغيرها.

ومنها: أنه كان ماهرا بالإنشاء والترسّل، لم يكن له نظير في زمانه في ذلك، وقد جمع شيئا كثيرا منها أبو الفتح قابل خان التتوي في "آداب عالمغيري"، وعناية الله خان في "الكلمات الطيّبات"، و"الرقائم الكرائم"، وبعضهم في "دستور العمل"، وأما الشعر فإنه كان مقتدرا عليه، ولكنّه كان لا يعتني به، ويمنع الناس أن يضيّعوا أوقاتهم في الشعر، لقوله تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} ، ولله درّ الشافعي رحمه الله:

ولولا الشعر بالعلماء يزري

لكنتُ اليوم أشعرَ من لبيد

ص: 199

ومن شعره قوله:

غم عالم فراوان است ومن يك غنجه دل دارم

جسان در شيشة ساعت كنم ريك بيابان را.

ومنها: أنه كان ماهرا بالرمي والطعن والضرب والفروسية وغيرها من الفنون الحربية والتصيّد، كان شُجاعا، مقداما، باسلا، لا يظهر له في الهيجاء فزع ولا جزع ولا طيش ولا خفة ولا وجل ولا خطل، بل من رآه ظنّ أنه جاء من بعض المتنزّهات، وهو قد خرج من معركة تطير لها العقول، وتشيب لها الولدان، وترجف منها الأفئدة، وتخرس الألسن.

وإنك تقرأ في كتب الأخبار أن والده شاهجهان كان يوما يتفرّج في البرج المشرف على نهر "جمن" على مصارعة الأفيال، التي كانت في عرصة القلعة فيما بينها وبين النهر، والأفواج كانت قائمة بين ظهرانيها، وخلق كثير يتفرّجون عليها في تلك العرصة، وكان عالمغير أيضًا في ذلك الزحام، وهو يومئذ في الرابع عشر من سنّه، وكان على فرس على جري العادة، فإذا هو بفيلة، قد ثارت، وقصدت الأفواج، ففرّ الناس كلّهم من بين يديها إلا عالمغير، فإنه ثبت على مقامه، فتوجّهت إليه الفيلة، ولفت فرسه بخرطومها، وصرع عالمغير من صهوة الفرس، ثم قام، وسلّ السيف عليها، ثم جاء الناس، ودفعوها بالضرب والطعن وإيقاد النار وغير ذلك. وهذه مفخرة عظيمة في الثبات والعزيمة، لا تجدها لغيره من أبناء الملوك في تلك السنّ.

ومن مآثره:

أنه كان سخيا، جوادا، كريما، يبذل على الفقراء وأهل الحاجة العطايا الجميلة، ويسامحهم في الغرامات.

ومن ذلك: أنه أبطل ثمانين نوعا من المكوس في سنة تسع وستين وألف، وكانت تحصل له من تلك الأبواب ثلاثون لكا (ثلاثون ملايين) قي كلّ سنة.

ص: 200

ومن ذلك: أنه نهى المستوفين أن يطالبوا الأبناء بغرامات الآباء، ويصادروا أموالهم في القضاء، وأمرهم أن يميزوا في ذلك فيما بين أهل المناصب، فمن كان له منصب "دو بيستي" أو فوق ذلك إلى أربعمائة، فتعفى لهم المطالبة كلّها. ومن كان له منصب فوق تلك المناصب إلى سبعة آلاف فيؤخذ عنهم بقدر الوسع والحالة، فإن ورثوا من آبائهم مالا قدر المطالبة أو فوقها فيؤخذ عنه بالتقسيط في سنين عديدة، وإن ورثوا مالا أقلّ من المطالبة، فيؤخذ عنهم بقدر الميراث تدريجا، وإن علم أنهم لم يرثوا شيئا، فتعفى المطالبة، ولا يؤخذ عنهم شيء.

ومن ذلك: أنه بذل أموالا طائلة على إصلاح الشوارع والطرق في نواحي "الهند" من "أورنك آباد" إلى "أكبرآباد"، ومن "لاهور" إلى "كابل"، وكذلك من "لاهور" إلى "كشمير"، وحفر الآبار، وأجرى العيون، وأسّس الجسور، ورباطات وحمامات ومساجد وإصطبْلات لأبناء السبيل في تلك المسالك، ليستريح الناس بها، فظلّوا آمنين مطمئنّين.

ومن ذلك: أنه بذلَ الأموال الطائلة في بناء المساجد، وبنى مساجد كثرة في أرض "الهند"، وعمّر القديمة منها، وجعل الأرزاق للأئمّة والمؤذّنين والرواتب للمساجد من بسط وسرج وغير ذلك.

ومن ذلك: أنه أسّس دور العجزة (بلغو خانات) في أكثر البلاد فوق ما كانت في العصور الماضية، والمارستانات في أكثر بلاده.

ومن ذلك: أنه كان يرسل العطايا الجميلة إلى أهل الحرمين الشريفين - زادهما الله شرفا - بعد سنة أو سنتين.

ومن ذلك: أنه وظّف خلقا كثيرا من العلماء والمشايخ ليشتغلوا بالعلم والعبادة، منقطعين فارغي القلوب عن كلّ همّ، ولم يفرّق فيها بين أهل

ص: 201

الإسلام وكفّار "الهند"، توجد مناشيره عند أحبار الهنادك في "بنارس"

(1)

، وفي غير تلك البلدة، حتى اليوم.

وأما الصدقات التي يتصدّق بها في الأيام والمواسم، فكان والده شاهجهان، ومن قبله من الملوك التيمورية يتصدّقون باثني عشر ألفا في المحرّم واثني عشر ألفا في ربيع الأول، وعشرة آلاف في رجب، وخمسة عشر ألفا في شعبان، وعشرين ألفا في رمضان، فكانوا يتصدّقون بتسع وسبعين ألفا في كلّ سنة.

وأما عالمغير فإنه أمر أن يتصدّق بها في تلك الأيام، ويتصدّق بعشرة آلاف في كلّ شهر غير الأشهر المذكورة، فكان يتصدّق بتسع وأربعين ألفا ومائة ألف في السنة غير ما يتصدّق به في الأعياد والمواسم، كما في "مرآة العالم".

ومن مآثره:

أنه كان مقتصدا في الخيرات غير مسرف في المال، فإنه كان لا يعطي الشعراء شيئا، ولا لأهل الإيقاع والنغم خلافا لأسلافه، فإنهم كانوا يجيزون رجلا منهم بما لا يسعه أن يحمل تلك العطية، ويبذّرون في المال تبذيرا كثيرا، وكان عالمغير إذا وظّف العلماء، وأقطعهم أرضا أو اليومية يشترطها بالدرس والإفادة، لكيلا يجعلوها ذريعة لأخذ المال فقط، ومتى

(1)

"بنارس": مدينة مشهورة في "الهند"، لكونها عاصمة دينية للهنادك، موقعها على الضفة اليسرى من "كنك" في عرض 25 درجة 34 دقيقة شمالا، وطول 83 درجة ودقيقة واحدة شرقا، وهى مدينة البراهمة، فيها كثير من الهياكل، عددها ليس أقلّ من ألف هيكل، وأشهرها هيكل "شيو" الذهبي، إلا أنه ليس بجميل جدا، و"دركاكند"، وهو هيكل القردة المقدّسة عندهم، والهنادك يحجّون إليها من أقطار البلاد، ويزعمون أنه من مات بها نجا لا محالة، وهي مركز لتجارة متسعة في "الشيلان"، والبفتة، والألماس، وغير ذلك.

ص: 202

يبعث الأموال إلى الحرمين الشريفين - زادهما الله شرفا - يشترطها بأن تعطى لأهل الحاجة غير الأغنياء، ولذلك كان الناس ينسبونه إلى البخل، وحاشاه عن ذلك.

ومن مآثره:

أنه كان مجبولا على العدل والإحسان، وفصل القضاء على وفق الشريعة المطهّرة، ولذلك أمر العلماء أن يدوّنوا المسائل والأقضية من كلّ باب من أبواب الفقه، فدوّنوها، وصنّفوا "الفتاوى العالمغيرية" في ستة مجلّدات كبار، ثم إنه أمر القضاة أن يقضوا بها، وكان أسلافه يجلسون يوم الأربعاء من كلّ أسبوع بدار العدل، ويقضون بما يفتيهم العلماء، فإنه اقتدى بهم في ذلك، ولكنّه لشدّة ميله إلى هذا الأمر كان يبالغ فيه، وكان يظهر كلّ بوم بدار العدل بعد الإشراق، فيعرض عليه ناظر العدلية الأقضية، فيحكم بما ألقى الله سبحانه في روعه، ثم كان يطلب الناظر المذكور بالديوان الخاصّ أيضًا، فيعرض عليه المتظلّمين، فيستنطق المتخاصمين بحضرته، ويتأمّل في الأقضية، ويحكم بما أراه الله سبحانه، وربما يدعوهم بين الظهر والعصر أيضًا، ولا يكل من ذلك أبدا.

وهو أول من وضع الوكالة الشرعية في دور القضاء، فولّى رجالا من أهل الدين والأمانة في دور القضاء بكلّ بلدة وعمالة، ليكونوا وكلاءَ عنه فيما يستغاث عليه في الحقوق الشرعية والديون الواجبة عليه، وأجاز للناس أن يستغيثوا عليه عند القاضي، وهو أول من نصب المحتسبين في بلاده، وامتاز في الملوك التيمورية في ذلك.

وقد جمع سيرته كثير من الأخباريين في كتبهم، منهم بختاور خان العالمغيري، فإنه أورد شيئا واسعا من أخباره في كتابه المشهور "مرآة العالم"، ومحمد كاظم بن محمد أمين الشيرازي في "عالمغير نامه"، وهو مقتصر على عشر سنين من ولايته، وألّف مستعد خان كتابه "مآثر عالمغيري" في مآثره

ص: 203

الجميلة، وعاقل خان الرازي، وخافي خان في "منتخب اللباب"، والطباطبائي في "سير المتأخّرين"، وغيره في "مناقب عالمغيري"، وأطال الكلام في مناقبه، ونسخة منه موجودة في "المكتبة الحامدية" بـ "رامبور"، والشيخ محمد بقاء السهارنبوري صنّف كتابا حافلا في سيرته، وسمّاه "تاريخ عالمغيري"، صرّح به المؤلّف في كتابه "مرآة جهان نما".

قال المحبي في "خلاصة الأثر": ولما أراد الله تعالى بـ "الهند" خيرا وإحسانا، وقدر ظهور العدل فيهم كرما وامتنانا، أظهر في خافقها شموس السلطنة بلا ريب، وأنار في سماء سلطنتها أنوار بدور الملك السلطان أورنك زيب، وطوى بساط إخوته، ونتف جللهم، ومزق، وحرق بنار المظلومين لباسهم، وخرق، وقتل أخاه دارا شكوه، واقتلعه هو وأصحابه، وكان دارا شكوه ذا ذوق وفطنة بهيئة وصفات مستحسنة، إلا أنه في آخر عمره صارت سيرته مذمومة، وأحدث مظالم كثيرة، وقتل أخاه الثاني مراد بخش، وفرّ محمد شجاع أخوه الثالث، ولم يعرف أين ذهب.

وأورنك زيب ممن يوصف بالملك العادل الزاهد، وبلغ من الزهد مبلغا، أناف فيه على ابن أدهم، فإنه مع سعة سلطانه يأكل في شهر رمضان رغيفا من خبز الشعير من كسب يمينه، ويصلّي بالناس التراويح، وله نعم بارة وخيرات دارة جدا، وأمر من حين ولي السلطنة برفع المكوس والمظالم عن المسلمين، ونصب الجزية بعد أن لم تكن على الكفّار، وتمّ له ذلك، مع أنه لم يتمّ لأحد من أسلافه، أخذ الجزية منهم لكثرتهم وتغلبهم على إقليم "الهند"، وأقام فيها دولة العلم، وبالغ في تعظيم أهله، وعظمت شوكته، وفتح الفتوحات العظيمة، وهو مع كثرة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم، مشتغل بالعبادات، وليس له في عصره من الملوك نظير في حسن السيرة، والخوف من الله تعالى، والقيام بنصرة الدين. انتهى.

وقال المرادي في "سلك الدرر":

ص: 204

السلطان المشهور سلطان "الهند" في عصرنا، وأمير المؤمنين وإمامهم، وركن المسلمين ونظامهم، المجاهد في سبيل الله، العالم العلامة، الصوفي، العارف بالله، الملك القائم بنصرة الدين، الذي أباد الكفّار في أرضه، وقبرهم، وهدم كنائسهم، وأضعف شركهم، وأيّد الإسلام، وأعلى في "الهند" مناره، وجعل كلمة الله هي العليا، وقام بنصرة الدين، وأخذ الجزية من كفّار "الهند"، ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم كثرتهم، وفتح الفتوحات العظيمة، ولم يزل يغزوهم، وكلّما قصد بلدا ملكها، إلى أن نقله الله إلى دار كرامته، وهو في الجهاد، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين، وخدمة ربّ العالمين، من الصيام والقيام والرياضة، التي لا يتيسّر بعضها لأحاد الناس فضلا عنه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وكان موزّعا لأوقاته، فوقت للعبادة، ووقت للتدريس، ووقت لمصالح العسكر، ووقت للشكاة، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كلّ يوم وليلة من مملكته، لا يخلط شيئا بشيء.

والحاصل أنه كان حسنة من حسنات الزمان، ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مدان، وقد ألّفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية، وغيرها، فمن أرادها فليطلع عليها.

مولده سنة ثمان وعشرين وألف، وجاء تاريخه بالفارسية "آفتاب عالمتاب"، وربي في حجر والده، واشتغل بحفظ القرآن من صغره، حتى حفظه، وجوّده، واشتغل بالخط، حتى كتب الخطّ المنسوب، يضرب بحسنه المثل، وكتب مصحفا بخطّه، وأرسل للحرم النبوى، وهو معروف، ثم شرع في تحصيل العلوم، حتى حصل منها الكثير الطيب، وصار مرجعا للعلماء، وحضرته محطّ رجال الفضلاء.

ثم اشتغل بعلوم الطريق، وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله، حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى، وبشّره بأشياء حصلت له،

ص: 205

واشتهر ذكره في حياة والده، وعظم قدره، وولّاه الأعمال العظيمة، فباشرها أحسن مباشرة، ثم حصل لوالده فالج، عطله عن الحركة، وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه، فبسط يده على البلاد، وصار هو المرجع والسلطان معنى، فلم ترض نفس المترجم، وأخوه مراد بخش بذلك، فاتفقا على أن يقبضا عليه، ويتولى المملكة منهما مراد بخش، فقبضا عليه، ثم احتال أورنك زيب على مراد بخش أيضًا، وقبض عليه، ووضع أخويه في الحبس، ثم قتلهما لأمور صدرتْ منهما، زعم أنهما استوجبا بها ذلك، وحبس والده، واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين، وألّف، وأراد الله بأهل "الهند" خيرا، فإنه رفع المظالم والمكوس، وطلع من الأفق الهندي فجره، وظهر من البرج التيموري بدره، وفلك مجده دائر، ونجم سعده سائر، وأسر غالب ملوك "الهند" المشهورين، وصارت بلادهم تحت طاعته، وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد، ولم يرجع إلى مقرّ ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه، وكلما فتح بلادا شرع في فتح أخرى، وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة، وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة، تؤدّيها حقّها، والملك لله وحده، وأقام في "الهند" دولة العلم، وبالغ في تعظيم أهله، حتى قصده الناس من كلّ البلاد.

والحاصل أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الإسلام في حسن السيرة، والخوف من الله تعالى، والجدّ في العبادة، وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوى، تجمع جلّ مذهبهم، مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية، فجمعت في مجلّدات، وسمّاها بـ "القتاوى العالمغيرية"، واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية، وعمّ النفع بها، وصارت مرجعا للمفتين، ولم يزل على ذلك، حتى توفي بـ "دكن" في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف، وأقام في الملك خمسين سنة. انتهى.

* * *

ص: 206

‌2417 - الشيخ الفاضل عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي (ناصر الدين)

*

مفسّر، نحوي. أقام بـ "حلب".

من مؤلّفاته: "تقشير التفسير" في مجلّدين، و"شرح مقدّمة في النحو" لابن بابشاذ، و"مشارع الشرائع" في الفقه، و"المنابع في شرح المشارع".

قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية": أرّخ صاحب"الكشف" وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ونسب إليه "المنابع شرح المشارع"، ونسب "المشارع" إلى نجم الدين عمر بن محمد النسفي، المتوفى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وذكر أن أوله: الحمد لله الذي أغنى الفقهاء بالإمداد من نفائس كنوزه.

* * *

‌2418 - الشيخ الفاضل عالي بن أبي القاسم عليّ بن الإمام أبي منصور محمد بن عبد الجبّار التَمِيمِيّ أبو العلاء، السَّمْعانِيّ

* *

* راجع: معجم المؤلفين 5: 59.

ترجمته في الوافي 14: 136، وبغية النحاة 325، وكشف الظنون 466، 1804، وهدية العارفين 1:435.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 119.

ص: 207

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان إماما، عالما، علامة، فقيها بارعا، وهو إمام ابن إمام ابن إمام، من بيت العلم والفضل والتقدُّم.

ولم يذكرْه صاحب "الجواهر المضية".

وسيأتي له ذكرٌ في ترجمة جدّه أبي منصور محمد، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2419 - الشيخ الفاضل عَبّاد بن صُهَيْب

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره الطَّحاوِيُّ، عن شيخه ابن أبي عِمران، أنَّه قال: حدَّثني محمد بن شُجاع، قال: قلتُ لعَبّاد بن صُهَيْب: أخْرِج إليَّ ما عندك عن أبي حنيفة. فقال: عندى قِمَطْرٌ، ولكن لا أُحَدِّثك برأْيه، وأُحدِّثك بما شئتَ من حديثه، فقلتُ: ولم؟ قال: قدِمْتُ "الكوفةَ"، فسمعتُه يُفْتِي، فكتبتُ جَوابا

(1)

، ثم غِبْتُ عن "الكوفة" عشرَ سنِين، ثم قَدِمْتُها، فسمعتُه يُفْتي في تلك المسائل بغير ذلك الجواب.

قال محمد بن شُجاع: فوقَع في نفسي مثلُ الذي وقَع في نَفْس عَبّادٍ، فأتيتُ عبدَ الله بن داود، فذكرت ذلك له، فقال: هذا يَدُلُّك على سَعَة العِلم، لو كان عِلْمه ضَيِّقا لكان جَوابه

(2)

واحدا، ولكنَّ أمرَه واسع: يتناولُهُ كيف يشاء.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 119.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 677.

(1)

في الجواهر "جواباته".

(2)

تكملة من الجواهر.

ص: 208

‌2420 - الشيخ الفاضل عَبّاد بن العبّاس بن عبَّاد بن أحمد بن إدريس، أبو الحسن

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو والدُ الصاحب إسماعيل بن عبّاد، الوزير المشهور، والقلم المنْشور، والجواد المشْكور.

كان عبَّاد وزيرا لمؤيّد الدَّولة الحسن بن بُوَيْه.

حدَّه عن محمد بن حِبَّان المازِنِيّ، ومحمد بن يحيى المرْوَزِيّ، وأبي خليفة.

وعنه أبو الشَّيخ، وأبو بكر ابن المقْرِي، وولده إسماعيل.

ومن جُمْلة روايات ولده عنه، أنَّه قال: قال رجُلٌ لأبي: أنتَ على مذهب أبي حنيفة، ولا تشربُ النَّبيذ؟ قال: تركته لله إجْلالا، وللناس جَمالا.

وذكره ياقوتُ في "معجم البلدان"، في مَن يُنْسَب إلى" الطَّالِقان"، فقال: سمع أبا خَليفَةَ الفضلَ بن الحُباب، والبَغْدادِيِّين في طبقته. قال أبو الفضل: ورأيتُ في دار كتب ابنه أبي القاسم بن عبّاد بالرَّيِّ "كتابا في أحكام القرآن"، ينْصُر فيه مذهبَ الاعْتزال، اسْتَحْسَنه كلُّ مَن رآه. روَى عنه أبو بكر بن مَرْدويَه، والأصبهانيُّون، وابنه الصاحب أبو القاسم. روَى هو عن

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 120.

وترجمته في الأنساب للسمعاني 363 ظ، والأنساب المتفقة 94، 95، والبداية والنهاية 11: 18، والجواهر المضية برقم 678، واللباب 2: 77، ومعجم البلدان 3: 492، والمنتظم 7: 184، 185، والنجوم الزاهرة 4: 385، ووفيات الأعيان 1:232. ونسبته "الطالقاني".

ص: 209

البَغْدادِيّين والرّازِيِّين. [ووُلد سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة. ومات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة]

(1)

. انتهى.

قلتُ: والذي يَغْلِبُ على الظنّ، وتشْهَد به العادة، من أنَّ الخَلَف يكون على مذهب السَّلَف، أنَّ ولدَه أبا القاسم إسماعيل بن عبّاد المذكور، كان على مذهب أبيه في الفقه، كما كان على مذهبه في الاعتزال، فأحْبَبْتُ أن أذكرَه هنا، وأشرَحَ أحوالَه على سبيل الاختِصار، وأجْعلَ ذلك كالذَّيل لترجمة والدِه، فإن كان حنفيًّا، فنكون قد سلِمْنا من التَّقْصير في إغْفالِه، وإن كان غيرَ ذلك فالولدُ سِرّ أبيه، وهو من جملة مَحاسِنه أو مَساوِيه، فلا نكون خرجْنا بذكرِه عن المقصود، ولا أتَيْنا بأجْنَبِيٍّ ليس بمَعْهود، فنقول:

[إسماعيل بن عباد] هو الإمام العالم العلامة، البليغ المنْشئ، الذي طبَّق الآفاقَ ذكرُه، وملأ الخافِقَين حَمْدُه وشكرُه، وجمَّل كلُ أحدٍ من الأدباء بذكره تاريخَه وديوانه، وجعلوا أخبارَه زينَةَ المجالس، وبَهْجَة المجالِس، وسَلْوَة الحزين، ونُزْهة الطَّرْف.

ذكره الحافظ السُّيوطِيّ في "طبقات النحاة"، ومن خَطِّه نقلتُ، فقال: وُلد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وأخذ الأدب عن ابن فارِس، وابن العَمِيد. وسمع من أبيه وجماعة.

وكان نادرةَ عصرِه، وأعْجوبة دهره، في الفضائل والمكارم. حدَّث وقَعَد للإمْلاء، حضر الناسُ الكثير عنده، بحيث كان له سِتَّة مُسْتَمْلين. وكان في الغِّرَ إذا أراد المضِيِّ إلى المسجد ليقرأ، تُعْطيه والدته دينارا في كلّ يوم ودرهما، وتقول له: تصدّق بهذا على أوّل فقير تَلْقاه. فكان هذا دأبُه في شبابه إلى أن كَبِر، فصار يقول للفَرَّاش كلَّ ليلة: اطْرَح تحت المطَّرَح دينارا ودرهما، لئلا

(1)

هذا تاريخ ولادة ووفاة الصاحب إسماعيل ولده، انظر: وفيات الأعيان 1: 231، أما وفاة عباد فقد كانت سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاثمائة.

ص: 210

يَنْساه، فبَقِيَ على هذا مُدَّة، ثم إنَّ الفَرَّاش نَسِيَ ليلةً من الليالي أن يطْرح له الدرهم والدينار، فانْتَبَه وصلَّى، وقلَّب المطَّرحَ ليأخذ الدِّرهم والدينار ففقدهما، فتَطيَّر من ذلك، وظنَّ أنّه لقُرْب أجله، فقال للفرَّاشين: خذوا كلَّ ما هنا من الفراش، وأعْطوه لأوَّل فقير تلقونه، حتى يكونَ كفّارةً لتأخير هذا. فلَقَوْا أعْمًى هاشِميًّا يتَّكِئُ على يد امرأة، فقالوا: تَقْبَل هذا؟ فقال: ما هو؟ فقالوا: مُطَّرَحٌ وديباج، ومَخادُّ وديباج. فأُغْمِي عليه، فأعْلَمُوا الصاحب بأمره، فأحضره، ورَشَّ عليه ماء، فلمّا أفاق سأله، فقال: اسْألوا هذه المرآة إن لم تصدِّقونِي. فقال له: اشْرَح، فقال: أنا رجل شريف، ولي ابنةٌ من هذه المرأة، خطبها رجل، فزوَّجناه، ولي سنتين آخذ القَدْرَ الذي يفضُلُ عن قُوتنا واشْترِي به لها جِهازا، فلمّا كان البارحةَ قالتْ أمُّها: اشْتهَيْتُ لها مُطَّرح ديباج ومَخادَّ ديباج. فقلتُ من أين لي ذلك؟ وجرَى بيني وبينها خُصومة إلى أن سألتُها أن تأخذَ يدي، وتُخْرِجَني حتى أمْضِيَ على وجهي، فلمّا قال لي هولاء هذا الكلام، حُقَّ لي أن يُغْشَى عليَّ. فقال لا يكون الدِّيباج إلا مع ما يليق به. ثم اشترى له جهازا يليق بذلك المطَّرَح، وأحْضَر زَوْج الصَّبِيَّة، ودفع إليه بضاعة سَنِيَّة.

وَلِيَ الصاحبُ الوَزارة ثمانية عشر سنة وشهرا، لمؤيَّد الدولة بن ركن الدولة بن بُوَيْه، وأخيه فخر الدولة، وهو أوَّل من سُمِّي الصاحب مِن الوزراء؛ لأنه صحب مُؤيَّد الدولة من الصِّبا، وسمّاه الصاحب، فغلب عليه هذا اللَّقَب، ولم يُعَظِّمْ وزيرا مَخدومُه، ما عظَّمه فخرُ الدولة، ولم يجتمعْ بحضرة أحدٍ من العلماء والشعراء والأكابر، ما اجْتَمَع بحضرته.

وعنه أنَّه قال: مُدِحْتُ بمائة ألف قصيدة؛ عربية وفارسية، ما سرَّنِي شاعر كما سرَّني أبو سعيد الرُّسْتُمِيُّ الأصْبَهانِيّ بقوله:

* وَرِثَ الوَزارةَ كابرا عن كابرِ*

البَيْتين الآتيين في أثناء الترجمة.

ص: 211

ولم يكن يقوم لأحد من الناس، ولا يُشِيرُ إلى القيام، ولا يطمع أحدٌ منه في ذلك كائنا مَن كان.

وأمّا أبو حَيَّا التَّوْحِيدِيُّ، فإنّه أمْلَى في ذَمِّه وذمِّ ابن العَميد مُجلَّدة، سمّاها "ثَلْب الوزيرين" لنقص حَظٍّ نالَه منه، وعدَّه فيها قبائحَ له.

وللصاحب من التصانيف "المحيط باللغة"، عشر مجلَّدات، و"رسائله"، و"الكشف عن مساوي المتنبي"، و"جوهرة الجمهرة"، "ديوان شعره"، وغير ذلك.

وأرَّخ وفاته كما سيأتي، ثم قال: وأغْلِقَتْ له مدينة "الرَّيِّ"، واجْتمع الناس على باب قصرِه ينتظرون لجنازته، فلمّا خرج نعشُه، صاح الناس. وشُهرتُه تُغْنِي عن الإطناب. انتهى.

وأحسَنُ ترجمةٍ وقفتُ له عليها، في كتاب "يتيمة الدَّهر" للثَّعالبِيِّ، فإنَّه رحمه الله تعالى، قد أجاد فيها، وأفاد، وبلَغ أقْصَى غايات المراد، وها أنا أُلَخِّص منها ترجمة مُخْتصرة، غيرَ مُخِلَّة بالمقصود، ويَقَرُّ بها الناظر، ويُسَرُّ بها الخاطر، فأقول، وبالله التوفيق:

قال - أعني الثَّعالبي -: ليست تحْضُرني عبارة أرْضاها للإفصاح عن عُلُوِّ محلِّه في العلم والأدب، جلالة شأنه في العلوم والكَرَم، وتفَرُّده بغايات المحاسِن، وجَمْعِه أشْتات المفاخِر؛ لأنَّ هِمَّة قولي تنْخَفِض عن بُلوغ أدْنى فضائله ومَعاليه، وجُهْدَ وَصْفِي يقْصرُ عن أيْسَر فَواضله ومَساعِيه، ولكنِّي أقول: هو صَدْرُ المشرق، وتاريخ المجد، وغُرَّة الزمان، ويَنْبُوع العدل والإحسان، ومَن لا حَرَج في مَدْحه بكلِّ ما يُمْدَح به مخلوق، ولولاه ما قامتْ للفضل في دهرنا سوق، وكانتْ أيامه للعَلَوِيَّة والعُلماء والأدباء والشعراء، وحضرتُه مَحَطَّ رحالهم، وموسمَ فُضَلائهم، ومَنْزَعَ آمالهم، وأمْوالهُ مَصْروفةً إليهم، وصَنائعُه مقصورةً عليهم، وهِمَّته في مجدٍ يُشيِّده، وإنْعام يُجدِّده، وفاضلٍ يصْطَنِعه، وكلامٍ حسن يصنعُه أو يسمعه، ولما كان نادرةَ عُطارِد في البلاغة، وواسِطةَ عقْج الدَّهر في السَّماحة، جُلِب إليه من

ص: 212

الآفاق وأقاصِي البلاد كلُّ خطاب جَزْل، وقولٍ فصْل، وصارتْ حضرته مَشْرَعا لروائع الكلام، بدائع الأفهام، وثمار الخَواطر، ومجلسُه مَجْمَعا لصَوب العقول، وذَوْب العلوم، ودُرَرِ القرائح، فبلغَ من البلاغة ما يُعَدُّ في السِّحر، ويكاد يدخلُ في حَدِّ الإعجاز، وسار كلامه مَسِيرَ الشمس ونَظَم ناحِيَتَيِ الشرق والغرب، واحْتفَّ به من نُجوم الأرض، وأفْراد العصر، وأبناء الفضل، وفُرْسان الشِّعر، مَن يُرْبِي عددهم على شعراء الرشيد، ولا يقَصِّرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي، ومَلَكَ رِقَّ المعاني، فإنَّه لم يجْتمِعْ بباب أحد من الخلفاء والملوك، مثلُ ما اجْتمع بباب الرشيد من قُحولة الشعراء المذكورين، كأبي نُواس، وأبي العَتاهية، والعَتّابِيّ، والنَّمرِيّ، ومُسلم بن الوليد، وأبي الشيص، ومَرْوان بن أبي حَفْصة، ومحمد ابن مُناذر، وجمعتْ حضرةُ الصاحب بـ "أصْبَهانَ" و"الرَّيِّ" و"جُرجان" مثلَ أبي الحسن السَّلامِيِّ، وأبي بكر الخُوارَزْمِي، وأبي طالب المأْمونِيِ، وأبي الحسن البَدِيهِيِّ، وأبي سعيد الرُّسْتُمِيّ، أبي القاسم الزَّعْفَرانِيّ، وأبي العباس الضَّبِّيِّ، وأبي الحسن بن عبد العزيز الجُرجانِيِّ، أبي القاسم بن أبي العلاء، وأبي محمد الخازن، وأبي هاشم العَلَوِيّ، وأبي الحسن الجَوْهَرِيِّ، وبني المنَجِّم، وابن بابَك، وابن القاشانِيِّ، وأبي الفضل الهَمَذانِيّ، وإسماعيل الشّاشِّيِّ، وأبي العلاء الأسَدِيِّ، وأبي الحسن الغُوَيْريِّ، وأبي دُلّف الخَزْرجِيّ، وأبي حفص الشَّهْرَزُورِيّ، وأبي مَعْمَر الإسماعيليِّ، أبي الفَيّاض الطَّبَرِيّ، وغيرهم ممن لم يبْلُغْنِي ذِكرُه، أو ذهب عني اسمُه.

ومدحه مُكاتَبةً: ابنُ الموسَوِيِّ، وأبو إسحاق الصَّابِيُّ، ابنُ الحَجّاج، ابن سُكَّرةَ، ابن نُباتةَ

وما أحْس وأصْدق قولَ الصاحب، يعني صاحبَ الترجمة

(1)

:

إنّ خيرَ المدّاح مَن مدحَتْه

شعراءُ البلاد في كلِّ نادِ

(1)

يتيمة الدهر 3: 193.

ص: 213

وكان "أبو بكر الخُوارَزْمِيِّ يقول

(1)

: إنّ مولانا الصاحب، نشأ من الوَزارة في حِجْرها، ودبَّ ودَرج في وَكْرِها، ورضَع أفاويقَ دَرِّها، ووَرِثها أباه، كما قال أبو سعيد الرُّسْتُمِيُّ:

وَرِثَ الوَزارةَ كابرا عن كابرٍ

مَوْصولةَ الإسْناد بالإسْناد

يَرْوِي عن العباس عَبّادٌ وَزا

رتَه وإسماعيلُ عن عبّاد

قال: ولما ملَك فخرُ الدَّولة، واستَعْفَى الصاحبُ من الوزارة، قال له: لك في هذه الدَّولة من إرْثِ الوزارة، مالنا فيه من إرْث الإمارة، فسبيلُ كلِّ مِنّا أن يحتفظ بحَقِّه.

وقال أبو عبد الله محمد بن حامد الحامِدِيِّ

(2)

: عَهْدِي بأبي محمد الخازِن ماثِلا بين يَدَيِ الصاحب، يُنْشده قصيدةً له فيه، أوَّلُها:

هذا فؤادُك نُهْبَى بين أهْواء

وذلك رأيُك شُورَى بين آراء

(3)

هَواك بين العيون النُّجْلِ مُقْتسم

داءٌ لعَمْرُك ما أبْلاهُ من داءِ

لا تسْتَقِرُّ بأرضٍ أو تسيرُ إلى

أُخرَى بشَخْصٍ قريبٍ عَزْمُه ناءِ

يوما بحَزْوَى ويوما بالعَقيق ويَوْ

ما باعُذَيْب ويوما بالخُلَيْصاءِ

وتارةً تنْتَحِي نَجْدا وآوِنَةً

شِعْبَ الغُوَيْرِ ويوما قَصْرَ تَيْماءِ

(4)

قال: فرأيتُ الصاحب مُقْبِلا عليه بمَجامِعه، حسنَ الإصْغاء إلى إنشادِه، مُستعِيدا أكْثَر أبياته، مُظهِرا من الإعجاب والاهْتزاز له ما يُعْجِبُ الحاضرين، فلمّا بلغ قولَه:

أدْعَى بأسْماءَ نَبْزًا في قبائِلِها

كأنَّ أسْماءَ أضْحتْ بعضَ أسمائي

(1)

يتيمة الدهر 3: 194.

(2)

يتيمة الدهر 3: 195، 196.

(3)

في بعض النسخ "فوادك نهي".

(4)

في اليتيمة "شعب العقيق".

ص: 214

أطْلَعْتُ شِعْرِي وألْقتْ شَعْرَها طَرَبا

فألَّفا بين إصْباحٍ وإمساءِ

زحَف على دَسْتِه طربا. فلمّا بلَغ قولَه في المدح:

لو أنّ سَحْبانَ بارَاه لأسْحبَه

على خَجابتِه أذْيالَ فأْفاءِ

أرى الأقاليم قد ألْقَتْ مَقالِدَها

إليه مُسْتَبِقاتٍ أيَّ إلْقاءِ

فساسَ سَبْعتَها منه بأرْبَعةٍ

أمرٍ ونَهْيٍ وتثْبِيتٍ وإمْضاءِ

كذلك توحيدُه ألْوَى بأرْبعة

كُفْرٍ وجَبْرٍ وتِبيهٍ وإرْجاءِ

جعل يُحرِّك رأسَه، يسْتَحْسِن ذلك، فلما أنْشدَ:

نعم تجنَّب "لا" يومَ العطاء كما

تحنَّب ابنُ عَطاءٍ لَثْغةَ الرّاءِ

اسْتعادَه وصفَّق بيدَيه. ولما خَتَمها بهذه الأبيات:

أطْرِي وأُطْرِبُ بالأشعار أنْشِدُها

أحْسِنْ ببَهْجَة إطْرابِي وإطْرائي

ومِن مَنائح مولانا مَدائِحُه

لأنّ مِن زَنْدِه قدْحِي وإيرائِي

فخُذْ إليك ابنَ عَبّادٍ مُحبَّرَةً

لا البُحْتُرِيُّ يُدانِيها ولا الطّائِي

قال: أحسنتَ أحسنتَ، والله أنت. وتناوَل النُسْخة، وتشاغَل بإعادة نظرها فيها، ثم أمر له بخِلَعٍ وحِمْلان وصِلَةٍ وافرة.

ورُوِيَ عن الصاحب، أنَّه قال

(1)

: حضرتُ مجلسَ ابن العَميد عَشِيَّةً من عَشايا

(2)

شهر رمضان، وقد حضره الفقهاء والمتكلمون للمناظرة، وأنا ذاك في رَيْعان شبابي، فلمّا تَقَوَّض المجلس، وانْصرف القوم، وقد حَلَّ الإفْطار، أنْكَرْتُ ذلك فيما بينِي وبين نفسي، واسْتقْبَحْتُ إغْفالَهُ الأمرَ بتَفْطير الحاضرين، مع وُفورِ رياسته، واتِّسعِ حالِه، واعتقدتُ أن لا أُخِلَّ بما أخَلَّ به إذا قمتُ يوما مَقامه. فقال الناقل: فكان الصاحب لا يدخل عليه في شهر رمضان بعدَ العصر

(3)

كائنا من كان، فيخرُج من داره إلا بعد الإفطار عنده،

(1)

يتيمة الدهر 3: 197.

(2)

في بعض النسخ "عشية".

(3)

أي: أحد.

ص: 215

وكانت دارُه لا تخلو في كلِّ ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نَفْسٍ مُفْطِرةٍ فيها، وكانت صِلاتُه وصَدقاتُه وقُرُباتُه في هذا الشهر تبلُغ مَبْلغَ ما يُطلِق منها في جميع شهور السنة.

وعن أبي منصور الدِّينَوَرِيِّ، أنَّه قال

(1)

: أهْدَى العُمَيْرِيُّ قاضي "قَزْوِينَ". إلى الصاحب كُتبا، وكتب معها قولَه:

العُمَيْرِيُّ عبدُ كافي الكُفاةِ

ومَنِ اعْتُدَّ في وُجوهِ القُضاةِ

خدَم المجلسَ الرَّفيعَ بكُتْبٍ

مُفْعَماتٍ من حُسْنِها مُتْرَعاتِ

فوقَّع تحت التيتين:

قد قبِلْنا من الجميع كتابا

ورَدَدْنا لوَقْتِنا الباقياتِ

(2)

لستُ أسْتَغْنِمُ الكبيرَ فطَبْعِي

قولُ خُذْ ليس مَذْهَبِي قولَ هاتِ

(3)

وكتب إليه بعضُ العَلَوِيَّة

(4)

، يُخْبِرُه بأنَّه رُزِق مولودا، ويسأله أن يُسَمِّيَه ويُكَنِّيه. فوقَّع في رُقْعَته: أسْعَدك الله بالفارس الجديد، والطالِع السَّعيد، فقد والله ملأ العينَ قُرّةً، والنفسَ مَسَرَّة مُسْتقِرَّة، والاسم عليَّ؛ ليُعْليَ الله ذِكْرَه، والكُنْية أبو الحسن، ليُحْسِنَ الله أمرَه، فإنِّي أرجو له فضلَ جَدِّه، وسعادَةَ جَدِّه، وقد بعَثْتُ لتَعْوِيذه دينارا مِن مائة مثقال، قصدْتُ في مَقْصِدَ الفال، رجاءَ أن يعيشَ مائة عام، ويخْلُصَ خَلاصَ الذَّهَب الإبرِيز من نُوَبِ الأنام، والسّلام.

وعن أبي النصر العُتْبِيِّ، أنه قال

(5)

: كتب بعضُ أصحاب الصاحب رُقْعةً إليه في حاجة وفوقَّع فيها، ولما رُدَّتْ إليه لم يَرَ فيها تَوْقيعا، وقد تواترتِ الأخبار

(1)

يتيمة الدهر 3: 198.

(2)

في اليتيمة "لوقتها الباقيات".

(3)

في اليتيمة "أستغنم الكثير".

(4)

يتيمة الدهر 3: 198.

(5)

يتيمة الدهر 3: 199.

ص: 216

بوُقوعِ التَّوقيع فيها، فعَرضَها على أبي العباس الضَّبِّيِّ، فما زال يتصفَّحها حتى عَثَر بالتَّوقيع، وهو ألِفٌ واحدة، وكان في الرُّقْعَة: فإن رأي مولانا أن يُنْعِم بكذا فعَل. فأثْبَتَ الصاحب أمام "فَعَل" ألِفا، يعني "أفْعَلُ".

وقال أبو نصر سَهْل بن المرْزُبان

(1)

: كان الصاحب إذا شرِبَ ماءً بثَلْج، أنشدَ على أثَرِه:

قَعْقَعةُ الثَّلجِ بماءٍ عَذْبِ

تَسْتخْرِجُ الحمدَ مِنَ أقْصَى القَلْبِ

ثم يقول: اللهم جدِّد اللَّعْنَ على يزيد.

وانْتَحَل

(2)

أحدُ المتَشاعِرين شعرًا له، وبلَغه ذلك، فقال: بلَّغوه عنِّي:

سَرَقْتُ شِعْرِي وغيرِي

يُضامُ فيه يُخْدَعْ

فسوف أجْزِيكَ صَفْعا

يكُدُّ رأسا وأخْدُعْ

فسارقُ المال يُقْطَعْ

وسارقُ الشِّعْرِ يُصْفَعْ

فلمّا سمع المنْتَحِلُ ذلك، اتخذَ الليلَ جَمَلا، وهرَب من الرَّيِّ.

وعن القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجُرْجانِيّ

(3)

، أنه قال: إن الصاحب كان يَقْسِمُ لي من إقْباله وإكْرامِه بجُرجانَ، أكْثَرَ ممّا يتلَقَّانِي به في سائر البلاد، وقد اسْتَعْفَيْتُ يوما من فَرْط تَحَفِّيه بي، وتَواضُعِه لي، فأنْشَدنِي:

أكْرِمْ أخاك بأرْضِ مَوْلِده

وأمِدَّه من فِعْلِك الحَسَن

فالعِزُّ مطلوبٌ ومُلْتَمَسٌ

وأعَزُّه ما نِيلَ في الوطن

ثم قال لي قد فَرَغتَ من هذا المعنى في العَيْنِيَّة. فقلتُ: لعلَّ مولانا يُريد قولي:

وشيَّدْتُ مجدِي بين قومِي فلم أقُلْ

ألا ليتَ قَومِي يعلمون صَنِيعِي

(1)

يتيمة الدهر 3: 200.

(2)

يتيمة الدهر 3: 200.

(3)

يتيمة الدهر 3: 202، 203.

ص: 217

فقال: ما أردتُ غيره. والأصل فيه قول الله تعالى {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}

(1)

.

وعن عَوْن الهَمَذانِيّ قال

(2)

: أُتِيَ الصاحب بغلامٍ مُثاقِفٍ، فلعب بين يدَيه، فاسْتحْسَن صُورتَه، وأُعْجِب بمُثاقفته، فقال لأصحابه: قولوا في وَصْفِه. فلم يصْنعوا شيئا، فقال الصاحب، رحمه الله تعالى:

ومُثاقفٍ في غايةِ الحِذْقِ

فَاقَ حسانَ الغَرْبِ والشرقِ

شبَّهْتُه والسَّيْفُ في كَفِّه

بالبدر إذ يلعبُ بالبَرْقِ

ومن شِعْر الصاحب، ما أنْشَدَه أبو سعد بن دُوَسْت الفقيه، وهو

(3)

:

كم نِعْمَةْ عندَك مَوْفورةٍ

لله فاشْكُرْ يا ابن عَبّادِ

قُمْ فالْتَمِسْ زادَك وهْو التُّقَى

لن تسْلُك الطُّرْقَ بلا زادِ

ولما أتَتِ الصاحبَ البِشارةُ بسِبْطه أبي الحسن عَبّاد بن علي الحسَنِيّ، أنْشأ يقول

(4)

:

أحمْدُ اللهَ لِبُشْرَى

أقْبلَتْ عند العَشِيِّ

إذْ حَبانِي اللهُ سِبْطا

هو سِبْطٌ للنَّبِيِّ

مَرْحَبَا ثُمَّتَ أهْلا

بغُلامٍ هاشِمِيِّ

نَبَويٍّ عَلَوِيٍّ

حَسَنِيٍّ صاحِبِيِّ

ثم قال:

الحمدُ لله حَمْدا دائما أبدا

إذ صار سِبْطُ رسول الله لي وَلَدا

فقال أبو محمد الخازن قصيدةً على وَزْنِه ورَوِيِّه، أوَّلُها:

(1)

سورة يس: 26، 27.

(2)

يتيمة الدهر 3: 206.

(3)

يتيمة الدهر 3: 206.

(4)

يتيمة الدهر 3: 240، 241.

ص: 218

بُشْرَى فقد أنْجَزَ الإقْبالُ ما وعَدا

وكوكبُ المجدِ في أفْقِ العُلا صَعِدا

وقد تفرَّع في أرض الوَزارة عن

دَوْح الرِّسالة غُصْنٌ مُورِقٌ رَشَدا

لله أيَّةُ شمسٍ للعُلا وَلَدتْ

نجْما وغابةِ عِزٍّ أطْلَعتْ أسَدَا

وعُنْصُرِ من رسول الله واشَجَهُ

كريم عُنْصُرِ إسماعيلَ فاتَّحَدَا

وبِضعَةٍ من أمير المؤمنين زَكَتْ

اصْلا وفَرْغا وصحَّتْ لُحْمَةً وسُدَى

ومثلُ هذي السَّعادات القوِيَّة لا

يحوزُها غيرُه دامتْ له أبدا

يا دَهْرَه حُقَّ أن تُزْهَى بمَوْلِده

فمِثْلُه منذ كان الدّهر ما وُلدا

تعجَّبوا من هلال العيد يطْلُع في

شعبانَ أمرٌ عجيبٌ قطُّ ما عُهِدا

فمِنْ مُوالٍ يُوالِي الحمدَ مُبْتَهِلا

ومُخْلِصٍ يسْتديمُ الشكرَ مُجْتهدا

وكادت العادةُ الهَيْفاء من طرب

تُعْطِي مُبَشِّرَها الإرْهافَ والغَيَدَا

فلا رَعَى الله نفسا لو تُسَرَّ بها

ولا وَقاها وغَشَّاها رداءً رَدَى

وذي ضَغائِنَ طارتْ روحه شَفَقا

منه وطاحَتْ شَظايا نفسُه قَدَدا

عِلْمًا بأن لحُسامَ الصاحِبِيّ غدا

مُجَرَّدا والشِّهابَ الفاطِمِيِّ بَدَا

وأنَه أنْسَدَّ شِعْبٌ كان مُنْصَدِعا

به وأمْرَعَ شِعْبٌ كان مُخْتَضَدا

(1)

وأرْفَعُ المجْدِ أعْيانا وأسْمَعُه

مجدٌ يُناسِبُ فيه الوالدُ الوَلدَا

فلْيَهْنإِ الصاحبَ المولودُ ولْتَرِدِ السُّ

ـعودُ تَجْلو عليه الفارسَ النَّجُدَا

(2)

لم يَتَّخِذْ ولدا إلا مُبالغةً

في صِدْقِ تَوْحيدِ مَن لم يتَّخِذْ ولَدا

قال الثّعالبيُّ: ما أشْرَف معنى هذا البيت وأبْدَعَه وأبْرَعه.

وخذ إليك عَرُوسا بنْتَ لَيْلَتها

مِن خادمٍ مُخْلِصٍ وُدًّا ومُعْتَقَدا

أهْدَيتُها عَفْوَ طَبْعِي وانْتَحَيْتُ بها

سِحْرا وإن كنتُ لم أنْفِثْ له عُقَدَا

وازَنْتُ ما قلتَه شكرا لربِّك إذ

جاء المبَشِّرُ بيتا سارَ واطَّرَدَا

الحمدُ لله حَمْدا دائما أبدا

إذ صار سِبْطُ رسول الله لي ولَدا

(1)

في اليتمية "محتصدا"، ومختضد: ذاو.

(2)

رجل نجد: ماض فيما لا يستطيعه سواه.

ص: 219

وقال أبو الحسن الجَوهَرِيّ، في التهنئة أيضًا قصيدتَه التي منها

(1)

:

كافي الكُفاة بقَصْدٍ من صَرائِمِه

حامي الحُماة بحَصْدٍ من مَناصِلِه

ما زال يخْطُبُ منه الدين مُجْتَهِدا

قُرْبَى يُوَطِّدُ مِن عَلْيا وَسائِلِه

وكان بعدَ رسول الله كافِلَه

فصار جَدَّ بَنيه بعدَ كافِلِه

هَلُمَّ للخبرِ المأثورِ مُسْنِدُه

في الطّالِقان فقرَّتْ عَينُ ناقلِه

فذلك الكنزُ عَبّادٌ وقد وضَحتْ

عنه الإمامة في أولَى مَخائِلِه

قال الثَّعالبيُّ: لما روَتِ الشِّيعةُ أن بالطّالِقان كنزا من وَلد فاطمة، يَمْلأُ الله به الأرض عدلا، كما مُلِئتْ جَوْرا، والصاحب من قرية الطَّالقان من قُرَى أصْبَهان، ورُزِقَ سِبْطا فاطِمِيًّا، تأوَّلوا له هذا الخَبَر، وأنا بريء من عُهْدَتِه.

الصاحِبِيِّ نِجارا في مَطالعِه

والطّالِبِيُّ غِرارا في مَقاتِله

يَهْنِي الوزيرَ ظُبًى في وَجْه صارِمه

من هاشمٍ وشبًا في حَدِّ عامِلِه

وقال عبد الصمد

(2)

بن بابَك قصيدةً، منها:

كساكَ الصومُ أعْمارَ الليالي

وأعْقَبَك الغنيمةَ في المآبِ

ولا زالتْ سُعودُك في خلودٍ

تُباري بالمدَى يومَ الحساب

أتاك العِزُّ يسْحَب بُرْدَ تِيهٍ

على مَيْثاءَ حاليَةِ التُّراب

(3)

ببدرٍ من بني الزَّهْراء سارٍ

تَعَرَّى عنه جِلْبابُ السَّحابِ

تفرَّع في النُبُوَّة ثم ألْقَى

بضَبْعَيْه إلى خيرِ الصِّحابِ

تلاقَتْ لابن عَبّاد فروعُ النُـ

ـبُوَّةِ والوَزارة في نِصابِ

فلا تغْررْ برَقْدَتِه الليالي

ولا تشْحَذْ له الهِمَمَ النَّوابِي

فمَن خضَعتْ له الأسْدُ الضَّوارِي

ترفَّع عن مُراوَغَة الذِّئابِ

(1)

يتيمة الدهر 3: 241.

(2)

في بعض النسخ "عبد الملك"، والتصويب من اليتيمة 3:242.

(3)

الميثاء: الأرض السهلة.

ص: 220

وكان الصاحب إذا ذكر عبّادا أنْشَد

(1)

:

يا رَبِّ لا تُخْلِنِي من صُنْعِك الحسنِ

يا ربِّ حُطْنِيَ في عَبّادٍ الحَسَنِي

ولما فُطِم قال فيه:

فُطِمْتُ أيا عَبّادُ يا ابنَ الفواطِمِ

فقال لك السّاداتُ من آل هاشمِ

لئن فَطَمُوه عن رَضاعِ لِبانِه

لما فَطَموه عن رَضاع المكارمِ

ولما أمْلَكَ عَبّادٌ بكريمة بعض أقرباء فخْر الدَّولة أبي الحسن، قال أبو إبراهيم إسماعيل ابن أحمد الشّاشِيُّ قصيدةً، منها

(2)

:

المجدُ ما حَرَسَتْ أولاهُ أُخرَاهُ

والفخرُ ما الْتفَّ أقْصاه بأدْناه

والسَّعْيُ اجْلَبَه للحَمْد أصْعبُه

والذِّكْرُ أعْلاه في الاسْماع أغلاهُ

والفَرْع أذهَبُه في الجَوِّ أنْضَرُه

والأصلُ أرْسَخُه في الأرض أبْقاه

اليومَ أنْجزتِ الآمال ما وعَدَتْ

وأدْرك المجد أقصَى ما تَمنَّاه

اليومَ أسْفَرَ وَجْهُ الملْكِ مُبْتَسِما

وأقْبلَت ببَريدِ السَّعْد بُشْراهُ

اليوم رُدَّتْ على الدنيا بَشاشَتُها

وأُرْضِيَ الملْكُ والإسلامُ واللهُ

والملْكُ شُدَّتْ عُراهُ بالنُّبُوَّة فارْ

تَزَّتْ دعائمه واشْتدَّ رُكْناهُ

(3)

وصار يُعْزَى بنوساسانَ في مُضَرٍ

صُنْعا من الله أسْداه فأسناهُ

قد زُفَّ مَن جَدُّه كافي الكُفاة إلى

مَنْ خالُه مَلِكُ الدنيا شَهِنْشاهُ

سِبْطان سَدَّى رسول الله سِلْكَهما

فألْحَمَ الله ما قد كان سَدّاه

أولادُ أحمدَ رَيْحانُ الزمان وَموْ

لانا الوزيرُ مِن الرَّيْحانِ رَيَّانُ

أولاد أحمدَ منه لا يُمَيِّزُهم

عنه وَلاءٌ ولا مالٌ ولا جاهُ

متى ابْتَنَى واحدٌ منهم بواحدةٍ

فإنّها صافَحتْ يُمْناهُ يُسْراهُ

(1)

يتيمة الدهر 3: 242.

(2)

يتيمة الدهر 3: 242.

(3)

ارتزت دعائمه: ثبتت.

ص: 221

ومن مُلَحِه وجَواهِره

(1)

، التي سارتْ مَسيرَ الأمثال، واستعْمَلها في مُكاتباتهم فحول الرجال، ما أخرجَه الأمير أبو الفضل عُبيد الله بن أحمد، في كتابه "مُلَح الخواطر"، وما أخرَجه غيرهُ مما ساقه صاحب "اليتيمة"، رحمه الله تعالى، فمنه قولُه: من اسْتماح البحرَ العَذْب، اسْتخرج اللُّؤْلُؤَ الرَّطْب. مَن طالتْ يدُه بالمواهب، امْتدَّت إليه ألْسِنة المطالب. مَن كفَر النِّعمة، اسْتَوْجَب النِّقْمَة. مَن نبَتَ لحمُه على الحرام، لم يَحْصُدهُ غيرُ الحُسام. مَن غرَّتْه أيامُ السَّلامة، حدَّثَتْه ألْسُنُ الندامة. مَن يَكُنِ الحَذّاءُ أباه، تجِدّ نَعْلاه. مَن لم يهُزَّه يَسير الإشارة، لم ينْفَعْه كثير العبارة. رُبَّ لَطائف أقوال، تَنوب عن وظائف أموال. الصدر يطْفَح بما جمَعَه، وكلُّ إناء مُؤَدٍّ ما أودِعَه. اللَّبيبُ تكفيه اللَّمْحة، وتُغْنيه اللَّحْظة عن اللَّفظة. الشمسُ ينْبو ثم يقْطَع. العلمُ بالتّذاكر، والجهل بالتّناكر. إذا تكرَّر الكلام على السمع، تكرَّر في القلب. الضَّمائر الصِّحاح، أبْلَغُ من الألْسِنَة الفصاح. الشيء يَحْسُنُ في إبّانه، كما أنَّ الثَّمر يُسْتطابُ في أوانه. الآمال مَمْدودة، والعَوارِي مَرْدودة. الذِّكْرَى ناجعة، وكما قال الله نافعة. مَتْنُ السَّيف لَيِّنٌ، ولكن حَدَّه خَشِن، ومَتْنُ الحَيَّة ألْيَن، ونابها أخْشَن. عَقْدُ المنَن في الرِّقاب، لا يُبْلَغُ إلا بركُوب الصِّعاب. بعض الحِلم مَذَلَّة، وبعض الاسْتِقامة مَزَلَّة. كتاب المرء عُنْوان عقله، بل عيار قدره، ولسان فضله، بل ميزان علمه إنجاز الوعد،

من دلائل المجد. واعتراضُ المطْل، من أمارات البخل، تأخيرُ الإسْعاف، من قرائن الأخلاف. خيرُ البِرِّ ماضَفا وصفا، وشرُّه ما تأخر وتكدر. فراسة الكرم لا تبطي، وقيافة الشرف لا تُخْطِي. قد ينبح الكلب القمر، فيلقم النابح الحجر. كم متورِّط في عِثار، رجاء أن يُدْرك بثار. بعض الوعد كنَقْع الشراب، وبعضه كلمح السراب. قد يبلغُ الكلام، حيث تقصر السهام. ربما كان الإقرار

(1)

هذه الفصول القصار، في يتيمة الدهر 3: 243 - 246.

ص: 222

بالقصور، أنطق من لسان الشكور. ربما كان الإمساك عن الإطالة، أو صح في الإبانة والدلالة. لكلّ أمرٍ أجل، ولكلّ وقتٍ رجل. إن نفع القول الجميل، وإلا نفع السيف الصقيل. شُجاعٌ ولا كعَمْرو، ومندوب ولا كصخر. لا يذهبنّ عليك تفاوت ما بين الشيوخ والأحداث، النّسور والبُغاة. كُفْران النعم، عنوان النقم. جحدُ الصنائع، داعية القوارع. تلقّى الإحسان بالجحود، تعريض النِّعم، عنوان النِّقم. جحدُ الصنائع، داعية القوارع. تلقِّي الإحسان بالجُحود، تعريض النعم للشرود. قد يقوى الضعيف، ويصحو النزيف. ويستقيم المائد، ويستيقظ الهاجد. للصدر نفْثُه إذا أُحْرِج، وللمرء بثه إذا أُحْوِج. ما كلّ أمرٍ يسْتجيبُ للمُراد، ويُطيع يدَ الارْتياد. قد يَصْلى البرِيُّ بالسقيم، ويؤخذُ البَرُّ بالأثيم. ما كلُّ طالب حقٍّ يُعْطاه، لا كلُّ شائم مُزْنٍ يسقاه. إن الأحداث لا رياضة لهم بتدبير الحوادث، إن السنين تُغيِّر السُّننُ. من ثقُلتْ عليه النِّعمة خفَّ وَزنه، ومن استمرَّت به العِزّة طال حُزْنه. أطِعْ سلطان النُّهى، دون شَيْطان الهوى. أخْبرني عن سُفْرتك، وعما حصل بها في سَفْرتك. وجدتُ حَرًّا يشبِه قلبَ الصَّبّ، ويُذيبُ دِماغَ الضّبِّ. أنوبُ فيه نُيابةَ الوكيل المكْتَرَى، بل الممْلوكِ المشْترَى. قد تحمَّلْتُ مع يَسير الفُرْقة، عظيم الحُرْقَة، ومع قليل البُعْد، كثيرَ الوَجْد. عليَّ أن أُمَلَّ، وقد قصدْتُ أن أُجَلَّ. وأُعَقَّ، وقد قصدْتُ أن أقضي الحق. مرحبا بزائرٍ لباسه حرير، وأنْفاسهُ عبير. زائر وجهه وَسيم، وريحه نَسيم، وفضله جَسيم. بُستان رَقَّ نَوْرُه النضيد، وراق ورقه النَّضير. فلان بين سُكْرَيِ الشباب والشراب. غُصٌ طَلْعه نضير، وليس له نظير. خَطٌّ أحْسَنُ من عَطَفات الأصْداع، بلاغة كالأمل آذَنَ بالبلاغ. فِقَرٌ كما جيدَتِ الرِّياض، وفُصولٌ كما تَغامَرَتِ المقَلُ المراض. ألْفاظٌ كما نوَّرت الأشجار، ومعانٍ كما تنفَّست الأسحار. نَثْرٌ كنَثْرِ الوَرْد، ونَظْمٌ كنَظْم العِقْد. كتابك رُقْيَة القلب السَّليم، وغُرَّة العَيش البهيم. كلامٌ يدخلُ على

ص: 223

الأذُن بلا إذْن. فلان كريم مِلْءَ لباسه، مُوَفَّقٌ مَدَّ أنْفاسه. ذو جَدٍّ كعُلُوِّ الجَدِّ، وهَزْلٍ كحديقة الوَرد. عشرتُه ألْطف من نسيم الشمال، على أديم الماء الزُلال. وألْصق بالقلب، مِن علائق الحبِّ. شكرُه شكرُ الأسير لمن أطْلقَه، والممْلوكِ لمن أعْتَقَه. أُثْنِي عليه ثَناء العَطْشان الوارد، على الزُلال البارد. قلبٌ نَغِلٌ، وصدْر وغِلٌ. وعدُه بَرقٌ خُلَّب، ورَوَغان ثَعْلب. فلان يتعلق بأذْيال المعاذير، ويُحيلُ على ذُنوب المقادير.

وقد ساق له الثَّعالِبِيُّ في "اليتيمة" فصولا كثيرة من الجِدِّ والهَزْل، والاسْتِدعاء إلى مجالس الأُنس والطَّرَب والعِتاب، وغير ذلك، فلا بأس بذكر شيء يسير منه؛ فمن ذلك رُقْعة مُداعَبةٍ، صورتها

(1)

: خَبَرُ سيدي عندي، وإن كتَمه عنِّي، واسْتاثَر به دُوني، وقد عرَفتُ خبرَه البارحة في شُرْبه وأُنْسه، وغِناء الضيْفِ الطارق وعُرْسه.

* وكان ما كان مما لَستُ أذْكُرُه

(2)

*

وجرى ما جرى مما لست أنْشُره، وأقول: إن مولاىَ امْتطَى الأشْهَب، فكيف وجد ظهره، وركبَ الطَّيّار، فكيف شاهد جَرْيه، وهل سَلِم على حُزُونَة الطريق، كيف تصرَّف أفي سَعَةٍ أم ضيق، وهل أفْرَدَ الحَجَّ أم تمتَّع بالعُمرة، وقال في الحَمْلة بالكَرَّة، ليتفضَّل بتَعْريفي الخبر فما ينفعه الإنكار، ولا يُغنِي عنه إلا الإقرار، وأرْجو أن يُساعدَنا الشيخ أبو مُرَّة

(3)

، كما ساعَدَه مرَّة، فنُصلِّيَ للقِبْلة التي صلَّى إليها، ونتَمكَّنَ من الدرَجة التي خطَب عليها، هذا وله فضلُ السَّبْق إلى الميدان، الكثير الفُرْسان.

(1)

يتيمة الدهر 3: 252.

(2)

صدر بيت عجزه: فظن خيرا، ولا تسأل عن الخبر.

وهو ينسب إلى ابن المعتز. انظر ترجمته في الطبقات السنية برقم 1084.

(3)

أبو مرة: إبليس.

ص: 224

وله من رُقْعة أخرى

(1)

: قد انْفَرَدتَ يا سيدي بتلك انْفِرادَ من يحسَب مطلعَ الشمس من وَجْهها، ومَنْبِتَ الدُّرِّ من فَمِها، ومَلْقِطَ الوردِ من خدِّها، ومَنْبَع السِّحر من طَرْفها، وحِقاق العاجِ في ثَدْيها، ومَبادِي الليل في شَعْرها، ومَغْرِسَ الغُصْن في قَدِّها، ومَهِيلَ الرَّمل في رِدْفِها، وكَلّا فإنها شَوْهاء، وَرْهاء، خَرْقاء، خَلْقاء، كأنّ مُحَيَّاها أيامُ المصائب، وليالي النوائب، وكأنما فقد فيها الحبايب، وسوء العواقب، وكأنما وصْلها عَدَمُ الحياة، ومَوتُ الفُجاءة، وكأنما هَجْرُها قُوَّةُ المِنَّة وكأنما فَقْدُها ريحُ الجنة.

وله من كتاب مُداعَبة أيضًا

(2)

: اللهَ اللهَ في أخيك، لا تُظْهِرَ كتابَه فيُحْكَم عليه بالماليخوليا،

وبالتخاييل الفاسدة، فقد ذكر جالينوس، أن قوما يبلُغ بهم سوء التّخْييل، أن يُقَدِّروا أجسامهم زُجاجا، فيتَجنَّبوا مُلامسةَ الحيطان، وحكَى أن قوما يظنّون أنفسهم طيورا، فلا يغْتَذون إلا القَرْطم، والْحَظْ كتابي دَفْعةً، ثم مَزِّقه، فلا طائلَ فيه، ولا عائدةَ له، ولا فَرَج عنده. وعلى ذِكر الفَرَج، فقد كانت بهَمْدانَ شاعرةٌ مُجيدة، تُعْرَف بالحَنْظَلِيَّة، وخطَبها أبو عليِّ كاتبُ بكْر، فلمّا ألحَّ عليها وألْحف، كتبت إليه:

أيْرُك أيْرٌ ما له

عند حِرِي هذا فَرَجْ

فاصْرِفْه عن باب حِرِي

وادْخِلْه من حيث خَرَجْ

هذه - والله - في هذين البيتين أشْعَرُ من كَبْشةَ أُمِّ عمرو، والخَنْساء أخْتِ صَخْر، ومن كَعوب الهُذَليّة، وليلي الأخْيليَّة.

وله رُقْعة

(3)

إلى القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجُرجانِيّ، عند وُروده بابَ الرَّيِّ، وافدا عليه، وهي:

(1)

يتيمة الدهر 3: 252، 253.

(2)

يتيمة الدهر 3: 253.

(3)

يتيمة الدهر 3: 254، 255.

ص: 225

تحدَّثتِ الرِّكابُ بسَيْرِ أرْوَى

إلى بلدٍ حَطَطْتُ به خِيامِي

فكِدْتُ أطيرُ من تَوقِي إليها

بقادِمَةٍ كقادمةِ الحَمامِ

أفَحقٌّ ما قيل من أمر القادم، أم ظَنٌّ كأمانِيّ الحالم، لا والله، بل هو دَرْك العَنان، وإنه ونَيلُ المنَى سِيَّان، فمرْحبًا أيُّها القاضي براحِلَتِك ورَحْلِك، بل أهْلا بك وبكافَّة أهْلك، ويا سُرْعَة ما فاح نسيمُ مَسْراك، ووَجَدنا ريحَ يوسف من ريّاك، فحُثَّ المطِيِّ تَزُلْ غُلّتِي بسُقْياك، تُزَحْ عِلَّتِي بلُقْيك، ونُصَّ علي يوم الوُصول نَجْعَلْه عيدا مُشَرَّفا، ونتَّخِذْه مَوْسما ومُعَرَّفا، ورُدَّ الغُلام أسْرَع من رَجْع الكلام، فقد أمَرتُه أن يطيرَ على جَناح نَسْر، وأن يتركَ الصَّبا في عِقالِ أسْر،

سقَى الله داراتٍ مَرَرتَ بأرْضِها

فأدَّتْك نَحْوِي يا زياد بن عامرِ

أصائلُ قُرْبٍ أرْتَجِي أن أنالَها

بلُقْياك قد زَحْزَحْنَ حَرَّ الهواجر

وله أيضًا رُقْعة

(1)

، في ذكر مُصْحَف أُهْدَى إليه، وهي: البِرُّ - أدام الله عَزَّ الشيخ - أنواع، تطول به أبواع [وتقصر عنه أبواع]

(2)

، فان يكن فيها ما هو أكرم مَنْصِبا، أشْرَف مَنْسِبا؛ فتُحْفةُ الشيخ إذ أهْدَى ما لا تُشاكِلُه النِّعَم، ولا تُعادِلُه القيَم، كتاب الله وبيَانَه، وكلامَه وفُرقانَه، ووَحْيَه، وتنزيلَه، وهُداهُ وسَبيلَه، ومُعْجِزَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليله، طبع دون مُعارضيه علي الشِّفاه، وختم على الخَواطر والأفواه، فقصَّر عنه الثَّقَلان، وبَقِي ما بَقِيَ الملَوان، لائحٌ سِراجُه، واضحٌ مِنْهاجه، مُنيرٌ دليلُه، عَميقٌ تأويلُه يقْصِمُ كلَّ شيطان مَريد. ويُذِلُّ كلَّ جبّار عنيد، وفضائل القرآن، لا تُحصَى في ألْف قِران، فأصِفُ الحَظَّ الذي بهَر الطَّرْف، وفاق الوصف، وجمع صحَّةَ

(1)

يتيمة الدهر 3: 255.

(2)

تكملة من اليتمية.

ص: 226

الأقسام، وزاد في نَخْوة الأقلام، بل أصِفُه بتَرْك الوصف، فأخبارُه آثارهُ، وعينُه فِرارُه، وحقًّا أقولُ: إنِّي لا أحسب أحدا ما خَلا الملوك جمع من المصاحف ما جمَعْتَ، وابْتَدع في اسْتِكْتابها ما ابْتَدَعَتْ، وإنّ هذا المصحف لَزائدٌ على جميعها، زيادةَ الغُّرَّة على القُرْحَة

(1)

، بل زيادة الحجِّ على العُمْرة.

لقد أْدَيتَه عِلْقا نَفيسا وما يُهْدِي النَّفيس سِوى النَّفيسِ

قال الثَّعالِبيُّ: ومَحاسنُ فخر الصاحب تسْتَغْرِق الدفاتر، وتسْتَنْزِف في الانتخاب منها الخَواطر، وليس يتَّسع هذا الكتاب لغيضٍ من فيضها، وقَطْرة من سَيْحها.

ثم قال: هذا ما اخَتَرْتُه من مُلَح شعرِه في الغَزَلِ، وما يتعلَّق به، وأوْرَدَ منه شيئا كثيرا، منه قوله

(2)

:

تسَحَّبْ ما أرَدْتَ على الصِّباح

فهم ليلٌ وأنتَ أخو الصَّباح

لقد أوْلاك ربُّك كلَّ حُسْنٍ

وقد ولّاك مملكةَ الملاح

وبعدُ فليس يحضرنِي شَراب

فأنْعَمُ من رُضابك لي بِراح

وليس لَدَيَّ نَقْلٌ فارْتَهِنِّي

بنَقْلٍ من ثَناياك الوِضاح

وقوله أيضًا (2):

عليَّ كالغَزال وكالغزالهْ

رأيتُ به هلالا في غُلالَهْ

كأنَّ بياضَ غُرَّتِه رَشادٌ

كأنَّ سوادَ طُرَّتِه ضلالهْ

كأن اللهَ أرْسلَه نَبِيًّا

وصيَّر حُسنَه أقْوى دَلالَهْ

وقوله أيضًا (2):

وشادِنٍ أصبح فوق الصِّفَهْ

قد ظلم الصَّبَّ وما أنْصَفَهْ

(1)

القرحة، بالضم في وجه الفرس: دون الغرة.

(2)

يتيمة الدهر 3: 257.

ص: 227

كم قلتُ إذْ قبَّل كَفِّي وقد

تَيَّمَنِي ياليت كَفِّي شَفَهْ

وقوله أيضًا

(1)

:

وشادِنٍ جمالُه

يقْصُر عنه صَفَتِي

أهْوَى لتَقْبيل يدِي. .. فقلتُ لا بل شَفَتِي

وقوله أيضًا (1):

قُل لأبي القاسم إن جِئْتَه

هُنِّيتَ ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ

كلّ جمال فائقٍ رائق

أنتَ برَغْمِ البدرِ أُوتيتَهُ

وقوله أيضًا (1):

قُل لأبي القاسم الحُسَيْنِي

يا نارَ قلبِي ونُورَ عَيْنِي

البدرُ زَيْنُ السماء حُسْنا

وأنتَ زينٌ لكلّ زينِ

قوله، وهو من السائر المشهور (1):

قال لي إنّ رَقيبِي

سَيِّءَ الخُلْقِ فدَارِه

قلتُ دَعْنِي وجْهُك الجَنَّـ

ـةُ حُفَّتْ بالمكارِهْ

وقوله أيضًا (1):

أقول وقد رأيتُ له سَحابا

مِن الهِجْران مُقْبِلَةً إلينا

وقد سَحَّتْ عَزالِيها بِمَطْلٍ

حَوالَينا الصُّدودُ ولا عَلَيْنا

(2)

وقوله أيضًا

(3)

:

وشادِنٍ يُكْثِرُ من قول لا

أوْقَع قلبِي في ضُروب البَلا

قلتْ وقد تَيَّمَنِي طَرْفُه

هذا هو السِّحْرُ وإلا فلا

وقوله أيضًا (3):

وشادِنٍ ذي غَنَجٍ

طاوِي الحشا مُعْتَدِلِ

(1)

يتيمة الدهر 3: 258.

(2)

العزالي: جمع العزلاء، وهي مصبّ الماء من القربة ونحوها.

(3)

يتيمة الدهر 3: 259.

ص: 228

أنْشدْتُه شِعْرا بَدِيـ

ـعا حَسَنا مِن عَمَلِي

فقال في مَن ولمن

فقلتُ هذا فيك لِي

فطار في وَجْنَتِه

شُعاعُ نارِ الخَجَلِ

وقوله أيضًا

(1)

:

دَعتْنِي عَيْناك نَحو الصِّبا

دعاءً يُكَرَّر في كلّ ساعَه

ولولا تقادُمُ عهد الصِّبا

لقُلتُ لعَيْنَيْكَ سَمْعا وطاعَه

وقوله أيضًا

(2)

:

يا قمرا عارَضنِي على وَجَلْ

وِصالُه يُشْبِه تأخيرَ الأجَلْ

وقال تَبْغِي قُبلةً على عَجَلْ

قلتُ أجَلْ ثم أجَلْ ثم أجَلْ

وقوله، وهو من السائر المشهور (2):

بدا لنا كالبدر في شُروقِه

يشكو غَزالا لَجَّ في عُقوقِه

يا عجبًا للدَّهْر في طُروقِه

مِن عاشقٍ أحْسَن مِن مَعْشوقِه

ومن شعره، ويُرْوَى لغيره

(3)

:

رَشأ غدا وَجْدِي عليه كرِدْفِه

وغدا اصْطِبارِي في هَواه كخَصْرِه

وكأنَّ يومَ وِصالِه من وجهه

وكأنّ ليلة هَجْرِه من شَعْره

(4)

إن ذُقْتُ خمرا خِلْتُها من رِيقه

أوْرُمتُ مِسْكا نِلْتُه من نِشْرِه

وإذا تكبَّر واسْتطال بحُسْنِه

فعِذارُ عارِضِه يقوم يعذرِه

وقوله أيضًا

(5)

:

إن كنتَ تُنْكِرُه فالشمس تعرفُه

أو كنتَ تَظْلِمُه فالحُسْنُ يُنْصِفه

(1)

يتيمة الدهر 3: 259.

(2)

يتيمة الدهر 3: 260.

(3)

يتيمة الدهر 3: 261.

(4)

في بعض النسخ "يوم الوصل".

(5)

يتيمة الدهر 3: 262.

ص: 229

ما جاءَه الشِّعْر كَي يَمْحو مَحاسِنَه

وإنما جاءَه عمدا يُغَلِّفُه

(1)

وقوله أيضًا

(2)

:

لما بَدا العارضُ في الخَدِّ

زاد الذي ألْقَى من الوَجْد

وقلتُ للعُذّال يا مَن رأي

بَنَفْسَجا يطْلُع من وردِ

وقوله أيضًا (2):

دَبَّ العذارُ على مَيْدانِ وجْنَتِه

حتى إذا كاد أن يسْعَى به وَقَفا

(3)

كأنَّه كاتبٌ عَزَّ المِدادُ له

أراد يكْتُبُ لاما فابْتَدا ألِفا

وقوله من خَمْرِيّاته

(4)

:

رقَّ الزُّجاجُ ورَقَّتِ الخمرُ

فتَشابَها فتشاكَل الأمرُ

فكأنَّه خمرٌ ولا قَدَحٌ

وكأنَّه قَدَحٌ ولا خمرُ

(5)

وقوله أيضًا

(6)

:

أقْبَلَ الثلجُ فانْبسِطْ للسُّرور

ولشُرْب الكبير بعدَ الصغير

أقبلَ الجَوُّ في غَلائِلِ نُورٍ

وتهادَى بلُؤْلُوءٍ مُنْثورِ

فكأنَّ السماء صاهَرَتِ الأرْ

ضَ وصار النِّثارُ من كافورِ

قال الثَّعالِبِيُّ: أخَذه من قول ابنِ المعْتَزِّ

(7)

:

وكأنَّ الرَّبيع يجْلو عَرُوسا

وكأنما من قَطْرِه في نثارِ

(1)

بهذا البيت بياض، استكمل من اليتيمة.

(2)

يتيمة الدهر 3: 262.

(3)

في بعض النسخ "في ميدان".

(4)

يتيمة الدهر 3: 263.

(5)

في اليتيمة "فكأنما في الموضعين".

(6)

يتيمة الدهر 3: 265.

(7)

يتيمة الدهر 3: 265، وديوان ابن المعتز 2:43.

ص: 230

وقوله في الشَّمْع

(1)

:

ورائِقِ القَدِّ مُسْتَحَبِّ

يجْمَعُ أوْصاف كلِّ صَبِّ

صُفْرةَ لَوْنٍ وسَكْبَ دَمْعٍ

وذَوْبَ جسمٍ وحَرَّ قَلْبِ

وقوله في الخطِّ واللفظ

(2)

:

بالله قُلْ لي أقِرطاسٌ تخُطُّ به

من حُلَّةْ هو أم ألْبَسْتَه خُلَلا

بالله لفظُك هذا سال من عَسَل

أم قد صَبَبْتَ على أفواهِنا عَسَلا

وقوله من إخْوانيّاته

(3)

، مما كتب به إلى أبي الفضل بن شُعَيْب:

يا أبا الفضلِ لِمْ تأخَّرْتَ عنّا

فأسأْنا بحُسْنِ عَهْدِك ظَنَّا

كم تمنَّت نفسي صديقا صَدوقا

فإذا أنتَ ذلك المتَمَنَّى

فبِغُصْنِ الشباب لما تَثَنَّى

وبعَهْد الصِّبا وإن بانَ مِنَّا

كُنْ جَوابِي إذا قرأتَ كتابي

لا تقُل للرَّسول كان وكُنا

قال الثَّعالِبيِّ

(4)

: سمعتُ أبا الفتح، عليّ بن محمد البُسْتِيِّ يقول: لم أسْمَعْ في إنْفاذ الحَلْواءِ إلى الأصدقاء، أحسنَ من قول الصاحب:

حَلاوةُ حُبِّك يا سيِّدِي

تُسَوّغ بَعْثِي إليك الحَلاوَهْ

فقلتُ له: وأنا لم أسْمَع في النِّثار للرُّؤَساء احسنَ من قولِك:

ولو كنتُ أنْثُرُ ما تَسْتَحِقُّ

نَثَرْتُ عليك سُعودِ الفَلَكْ

ثم تذاكَرْنا في احْسَن ما نحفَظُه في كلِّ باب، فجَرَتْ نُكَتٌ كثيرة، فسألني أن أؤلِّف كتابا في الأحاسن، وأورِدَ فيه أحْسَنَ ما سمعتُه في كلِّ فنِّ فأجَبْتُه إلى ذلك، وحين ابْتَأتُه عرضَتْ مَوانِعُ وقَواطِعُ عن اسْتِتْمامه، أَقْواها غيْبتُه عن خُراسان، ثم وفاته، رحمه الله تعالى.

(1)

يتيمة الدهر 3: 266.

(2)

يتيمة الدهر 3: 266.

(3)

يتيمة الدهر 3: 267.

(4)

يتيمة الدهر 3: 268، 269.

ص: 231

ومن شِعْرْ الصاحب، رحمه الله تعالى

(1)

:

قولوا لإخْواننا جميعا

مَن كلُّهم سَيِّدٌ مُرَزَّا

مَن لم يَعُدْنا إذا مَرِضْنا

إن مات لم نشْهَدِ المعَزَّا

وقال يمدح عَضُدَ الدَّوْلة، من قصيدة

(2)

:

سُعودٌ يحارُ المشْتَرِي في طريقها

ولا تتأتَى في حساب المنجِّم

وكم عالمٍ أحْيَيْتَ من بعد عالمٍ

على حينَ صاروا كالهَشِيمِ المحَطَّم

فوالله لولا الله قال لك الورَى

مقالَ النَّصارَى في المسيح ابنِ مَرْيَمِ

مَحامِدُ لو فُضَّتْ ففاضَتْ عنى الورَى

لَما أبْصَرتْ عَيْناك وَجْهَ مُذَمَّمِ

وكلا ولكن لو حَظوا بزكَاتها

لما سَمِعَتْ أذناكَ ذِكْرَ مُلَوَّمِ،

ولو قلتُ إنَّ الله لم يخْلُقِ الورَى

لِغَيرك لم أُخْرَجْ ولم أتأثَّم.

وقال يهْجو

(3)

:

قال ابن مَتُّويَ لأصحابه

وقد حَشَوْه بأيُورِ العَبِيدْ

لئن شَكَرْتُم لأزيدَنَّكم

وإن كفَرْتُم فعَذابي شَديدْ

وقال أيضًا في المذكور (3):

سِبْطُ مَتُّويَ رَقيعٌ سَفِلَهْ

أبَدًا يُبدِّلُ فينا أسْفَلَهْ

اعْتَزْلنا نَيْـ

في دُبُرِه

فلهذا يلْعَنُ المعْتَزِلَة

(4)

وقال في رجل يتعصَّب للعَجَم على العرب، ويعيبُ العرب بأكْلِ الحيَّات

(5)

:

يا عائبَ الأعْراب جَهْلِه

لأكْلِها الحَيَّاتِ في الطُّعْمِ

(1)

يتيمة الدهر 3: 269.

(2)

يتيمة الدهر 3: 270.

(3)

يتيمة الدهر 3: 272.

(4)

في بعض النسخ "اعتزل ببكه".

(5)

يتيمة الدهر 3: 273.

ص: 232

والعجمُ طولَ الليل حَيَّاتُهم

تنْسابُ في الأختِ وفي الأمِّ

وقال يهجو بعضَ القضاة

(1)

:

لنا قاضٍ له راسٌ

من الخِفَّة مَمْلُوءُ

وفي أسْفَلِه داءٌ .. . بعيدٌ منكم السُّوءُ

وقال يهجو أيضًا

(2)

:

رأيتُ لبعض الناس فَضْلا إذا انْتَهى

يقصِّرُ عنه فضلُ عيسى ابنِ مَريَم

عَزَوْهُ إلى تِسْعٍ وتسعين والدا

وليس لعيسى والدٌ حين يَنْتَمِي

وقال في طُفَيلِيٍّ (2):

مُطَفِّف أطْفالُ من أشْعَبٍ

ما زال محروما ومَذْموما

لو أنَّه جاء إلى مالكٍ

لقال أطْعِمْنِيَ زَقُّوما

وقال في رجل كثيرِ الشُّرْبِ، بَطِيِّ السُّكْر

(3)

:

يقال لماذا ليس يسْكَرُ بعدما

توالتْ عليه من نَداماه قَرْقَفُ

فقلتُ سَبيلُ الخَمْرِ أن ينْقُصَ الحجا فإن لم يَجِد عَقْلا فماذا تَحَيَّفُ

وقال يهجو (3):

هذا ابنُ مَتُّويَ له آيةٌ

تَبْتلِع الايْرَ وأقْصَى الخُصَى

يكْفُر بالرُّسْل جميعا سِوَى

مُوسل بن عِمْرانَ لأجل العصا

وقال أيضًا (3):

أنتَ تَيْسٌ لا كالتُّيوس لأنَّ التَّيْـ

ـسَ ينْزُو وأنتَ يُنْزَى عليْكا

وقال أيضًا

(4)

:

كنتُ دهرا أقولُ بالاسْتطاعَهْ .. وأرَى الجَبْرَ ضَلَّةً وشَناعَهْ

(1)

يتيمة الدهر 3: 273.

(2)

يتيمة الدهر 3: 274.

(3)

يتيمة الدهر 3: 275.

(4)

يتيمة الدهر 3: 276.

ص: 233

ففَقَدْتُ اسْتطاعَتِي في هَوَى ظَبْـ

ي فسَمْعا لمجبِرِين وطاعَهْ

وقال أيضًا

(1)

:

ناصبٌ قال لي مُعاويةٌ خا

لُك خيرُ الأعمامِ والأخوالِ

فهْوَ خالٌ للمؤمنين جميعا

قلتُ خالِي لكن من الخير خالِ

وقال أيضًا في تَشَيُّعاتِه

(2)

، عامَلَه الله بما هو أهْلُه

(3)

:

حُبُّ عليَّ بنِ أبي طالبٍ

هو الذي يَهْدِي إلى الجَنَّهْ

إن كان تفْضلِي له بِدْعَةً

فلَعْنةُ الله على السُّنَّهْ

وقال يَرْثِي أبا منصور كَثير بن أحمد

(4)

:

يقولون لي أوْدَى كثيرُ بن أحمدَ

وذلك رُزْءٌ في الإمام جليلُ

فقلتُ دَعُونِي والعُلا نَبْكِه معا

فمُثلُ كثيرٍ في الرجال قليلُ

وقال أيضًا (4):

لقد صدَقوا والرّاقِصات إلى مِنَىً

بأنَّ مَوَدّاتِ العِدا ليس تنْفَعُ

ولو أنَّنِي دارَيْتَ عُمْرِيَ حَيَّةً

إذا مُكِّنَتْ يوما من اللَّسْعِ تَلْسَعُ

وقال أيضًا (4):

إذا أدْناك سُلْطانٌ فزِدْه

من التَّعْظيم واحْذَرْه ورَاقِبْ

فما السُّلْطانُ إلا البحرُ عُظْما

وقُرْبُ البحرِ مَحْذورُ العَواقِب

وقال أيضًا (4):

وقائِلِةٍ لِمْ عَرَتْكَ الهمومُ

وأمْرُك مُمْتثَلٌ في الأمَمْ

فقلتُ دَعِينِي على غُصَّتِي

فإنّ الهُمومَ بقَدْر الهِمَمْ

(1)

يتيمة الدهر 3: 277.

(2)

هنا في النسخ زيادة كلمة "فصائح"، وليست هذه المقدمة في اليتمية.

(3)

يتيمة الدهر 3: 277.

(4)

يتيمة الدهر 3: 278.

ص: 234

وقال أبوِ بكر الخُوارَزْمِيُّ

(1)

: قال بعضُ نُدَماء الصاحب يوما: أرَى مولانا قد أغار في قوله:

لبِسْنَ بُرُودَ الوَشْي لا لِتَجَمُّلِ

ولكنْ لِصَوْن الحُسْن بين بُرُودِ

على قَول المتَنَبِّي

(2)

:

لَبِسْنَ الوَشْيَ لا مُتَجمِّلاتٍ

ولكنْ كي يَصُنَّ به الجَمالا

فقال: كما أغار هو في قوله

(3)

:

ما بالُ هذِي النُّجوم حائرةً

كأنَّها العُمْيُ ما لها قائِدْ

علَى العبّاس بن الأحْنَف

(4)

:

والنَّجْمُ في كَبِدِ السماء كأنَّه

أعْمَى تحيَّر ما لَدَيْه قائدُ

وقال أبو بكر الخُوارَزْمِيُّ

(5)

: أنْشَدنِي الصاحبُ نُتْفَةً له، منها هذا البيت:

لئِن هو لم يكْفُفْ عَقارِبَ صُدْغِه

فقولوا له يَسْمَحْ بِتِرْياقِ ريقه

فاسْتَحْسَنْتُه جدًّا حتى حثمِمْتُ من حَسَدِي له عليه، ووَدَدْتُ لو أنَّه لي بألفِ بيتٍ من شِعْرِي.

قال الثَّعالِبِيُّ

(6)

: أنْشَدْتُ الأميرَ أبا الفضل عُبيْد الله بن أحمد الْمِيكالِيَّ هذا البيت، وحكَيْتُ له هذه الحكاية في المذاكرة، فقال لي: أتَعْرِف من أين سرَق الصاحبُ معنى البيت؟ فقلتُ: لا والله. قال إنما سرَقه من قول القائلو ونقَل ذِكْرَ العَيْن إلى ذِكْر الصُّدْغ:

(1)

يتيمة الدهر 3: 279.

(2)

ديوان أبي الطيب 129.

(3)

ديوان أبي الطيب 568.

(4)

ديوان العباس بن الأحنف 82.

(5)

يتيمة الدهر 3: 279.

(6)

يتيمة الدهر 3: 280.

ص: 235

لَدَغَتْ عَيْنُك قلبِي

إنما عَيْنُك عَقْرَبْ

لكنِ المصَّةُ مِن رِيـ

ـقِكَ تِرْيَاقٌ مُجَرَّبُ

فقلتُ: لله دَرُّ الأمير، فقد أوِتَى حَظَّا كثرا من التخَصُّص، بمعْرفة التَلَصُّص.

قال الثَّعالِبِيُّ: ومعنى قولِ الصاحب في الثلج:

وكأنَّ السماء صاهَرَتِ الأرْ

ضَ فكان النِّثارُ من كافُورِ

يَنْظُر إلى قول ابنِ المعْتَزِّ:

وكأنَّ الرَّبيعَ يجْلو عَرُوسًا

وكأنَّا من قَطْرِه في نِثارِ

وقول الصاحب

(1)

:

يقولون لي كم عَهْدُ عَيْنِك بالكَرَى

فقلتُ لهم مُذ غابَ بَدْرُ دُجاها

ولو تلْتَقِى عَيْنٌ على غيرِ دَمْعةٍ

لَصارَمها حتى يُقالَ نَفاها

مَأْخوذٌ لفظُ البيت الثاني من قول الوزير المهَلَّبِيِّ:

تَصارَمَتِ الأجْفانُ مُنْذُ صَرَمْتَنِي

فما تَلْتَقِي إلا على عَبْرَةٍ تَجْرِي

وقوله في القافية الأُخْرَى

(2)

:

وناصحٍ اسْرَفَ في النَّكيرِ

يقولُ لي سُدْتَ بلا نَظيرِ

فكيف صُغتَ الهَجْوَ في حَقيرٍ

مِقْدارُه أقلُّ من نَقيرِ

فقُلتُ لا تُنْكِرْ وكُنْ عَذِيْرِي

كم صارِمٍ جُرِّبَ في خِنْزيرِ

مأخوذٌ من قول الحَمْدُونِيِّ:

* هَبونِي امْرءًا جرَّبْتُ سَيْفِي علَى كَلْبِ *

قال الثَّعالِبِيّ

(3)

: ولما بلَغتْ سِنُوه السِّتين، اعْتَرَتْه آفة الكمال، وانْتابَتْه أمْراضُ الكِبَر، جعَل يُنْشِدُ قولَه:

(1)

يتيمة الدهر 3: 280.

(2)

يتيمة الدهر 3: 281، وفيها "لأخيرة".

(3)

يتيمة الدهر 3: 282.

ص: 236

أناخَ الشِّيْبُ ضيْفًا لم أرِدْهُ

ولكنْ لا أُطِيقُ لهْ مَرَدّا

رِدائِي للرَّدَى فيه دليلٌ

تَردَّى مَن به يوما تَرَدَّى

(1)

ولما كَنَى المنَجِّمون عن ما [هو بعَرَضِه]

(2)

في سنة مَوْتهِ، قال

(3)

:

يا مالِكَ الأرْواحِ والأجسام

وخالقَ النُجوم والأحكام

مُدَبِّرَ الضياءِ والظّلامِ

لا المشْتَرِي أرْجوه لإنعامِ

ولا أخافُ الضُرَّ من بَهْرامِ

وإنّما النجومُ كالأعلامِ

والعلمُ عندَ الملكِ العلامِ

يا ربِّ فاحْفَظْنِي من الأسْقامِ

ووَقِّنِي حَوادِثَ الأيّامِ

وهُجْنَة الأوزارِ والآثامِ

هِبْنِي لحُبِّ المصْطَفَى المعْتامِ

وصِنْوِه وآله الكرام

(4)

وكتب بخَطِّه على تَحْويل السنة التي دلَّت على انْقضاء عمرِه، هذه الأبيات

(5)

:

أرَى سَنَتِي قد ضُمِّنَتْ بعَجائِبِ

ورَبِّي يكْفِيْنِي جميعَ النَّوائِبِ

ويَدْفَعُ عَنِّي ما أخافُ بِمَنِّه .. . ويُؤْمِنُ ما قد خَوَّفوا من عَواقِبِ

(1)

تردى الأولى، من الردى، وهو الهلاك، والثانية من ارتداء الرداء.

(2)

في اليتيمة "يعرض له".

(3)

يتيمة الدهر 3: 282.

(4)

المعتام: المختار.

(5)

يتيمة الدهر 3: 282، 283.

ص: 237

إذا كان مَنْ أجْرَى الكواكبَ أمْرُه

مُعِينِي فما أخشَى صورفَ الكواكب

عليك أيا ربَّ الأنام تَوكُّلِي

فحُطْنِيَ من شَرِّ الخُطوبِ الحَوازِبِ

(1)

فكم سنَةٍ حُذِّرْتُها فتزَحْزَحَتْ

بخيرٍ وإقبالٍ وجدٍّ مُصابِ

ومن أضْمَرَ اللهُمَّ سُوءًا لمهْجَتِي

فرُدَّ عليه الكَيْدَ أخْيَبَ خائِبِ

فلستُ أريدُ السُّوءَ بالناس إنّما

أريدُ بهم خيرًا مَريعَ الجَوانِبِ

وأدْفَعُ عن أمْوالِهم ونُفُوسِهم

بِجِدِّي وجُهْدِي باذِلا للمَواهِب

ومَن لم يسَعْهُ ذلك مِنِّي فإنَّنِي

سأكْفاهُ إنّ الله أغْلَبُ غالِبِ

ووجَد

(2)

في بعض أيام مرضِه التي مات فيه خِفَّةً، فأذِن للناس، وحَلَّ وعقَد، وأمَر

ونَهَى، وأمْلَى كُتُبا تعجَّب الحاضرون من حُسْنِها، ومن فَرْط بلاغتِها، وقال:

كَلامُنا من غُرَرِ

وعَيْشُنا من غِرَرِ

إنِّي وحَقِّ خالقِي

على جَناحِ السَّفَرِ

ثم لما كانت ليلةُ الجمعة، الرابع والعشرون من صفر، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، انْتقَلَ إلى جوار ربِّه، ومحلِّ عَفْوِه وكَرامتِه، ومضَى من الدنيا يُمضِيِّه رَوْنَقُ حُسْنِها، وتاريخُ فضْلِها، رَضِيَ الله تعالى عنه وأرْضاه، وجعل الجنّة مأواه، بمَنِّه وكرمِه.

وقد رثاه الشُّعراء بقصائد كثيرة، لا يُمْكِنُ حَصْرُها، ولا يُسْتَوْعَبُ ذِكْرُها، فمنها ما قاله أبو سعيد الرُّسْتُمِيُّ، من قصيدة

(3)

:

أبَعْدَ ابنَ عَبّادٍ يَهَشُّ إلى السُّرَى

أخو أمَلِ أو يُسْتماحُ جَوادُ

أبَى الله إلا أن يموتا بمَوْتِه

فما لهما حتى المعاد معَادُ

(1)

في اليتيمة "الحوارب".

(2)

يتيمة الدهر 3: 283.

(3)

يتيمة الدهر 3: 284.

ص: 238

ولأبي العباس الضَّبِّيِّ، وقد مَرَّ بباب الصَّاحب

(1)

:

أيها البابُ لِمْ عَلاكَ اكْتِئابٌ

أين ذاك الحِجابُ والحُجَّابُ

أينَ مَن كان يفْزَعُ الدَّهْرُ منه

فهو اليومَ في التُّراب تُرابُ

ولبعْضِ بَنِي المنجِّم (2)، لما اسْتَوْزَر أبو العباس، ولُقِّب بالرَّئيس، وضُمَّ إليه أبو علي ولُقِّب بالجَليل، بعد مَوْتِ الصاحب، تغَمَّده الله تعالى برحمته:

والله والله لا أفْلَحْتُمُ أبدًا

بعدَ الوزير ابنِ عَبَّاد بن عبَّاسِ

إن جاء منكم جليلٌ فاجْلبُوا أجَلِي

أو جاء منكم رئيسٌ فاقْطَعوا رأسِي

ولأبي الحسن العَلَوِيِّ الهَمَذانِيّ، في مَرْئِيَّة الصاحب قولُه

(2)

:

نومُ العيون على الجُفونِ حرامُ

ودُمُوعهنَّ مع الدِّماء سِجامُ

تبْكِي الأنام سَليلَ عَبَّاد العُلا

والدِّينُ والقُرآن والإسلامُ

تبْكِيه مكةُ والمشاعرُ كلُّها

وحَجيجها والنُّسُكُ والإحرامُ

تبْكيه طَيْبَةُ والرسولُ ومَن بها

وعَقيقُها والسَّهْلُ والأعْلامُ

كافي الكُفاةِ قضَى حَمِيدا نَحْبَهُ

ذاك الإمامُ السَّيِّد الضِّرْغامُ

ماتَ المعالِي والعلومُ بمَوْته

فعلَى المعالِي والعلومِ سَلامُ

وقد آن أن نَحْبِسَ عِنانَ القلم عن الجَريِ في هذا البيان، فإنَّ في ذكر ما أوْرَدناه

من أوْصافه مَقْنَع، وأما بُلوغُ الغاية، وإدراكُ النَّهايةِ من أوصاف الصاحب، فلا سبيلَ إليه، ولا مَطْمَعَ فيه. وقد قصَدْنا أوَّلا أن نذكرَ ترجمته على سبيل الاخْتصار، لتكونَ كالذَّيْلِ لترجمة أبيه، فاستَغْرَقْنا في مَحاسِن أوْصافه، فاطَلْنا وأطْنَبْنا، إلى أن صارت ترجمة أبيه كالذَّيْل لترجمته، فلا يُعْترض علينا، لأن لملِيح لا يُتْرَك، والحَسَنَ لا يُمَلَّ؛ والله تعالى أعلم بالصواب.

* * *

(1)

يتيمة الدهر 3: 289، 290.

(2)

يتيمة الدهر 3: 290.

ص: 239

‌2421 - الشيخ الفاضل عَبّاد بن مُشَكان، القاضي مِن أهل "الكوفة

" *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وَليَ قضاء "أصْبهان" بعدَ أبي هانِئ.

وكان أيُّوبُ بن زِياد، والى "أصبَهان، يَبْعَثُ بأولاده إلى مجلسِه.

حكى محمد بن أيُّوب المذكور، قال: بَعَثَنِي أبي إلى "الكوفة"، اكتبُ الحديثَ، فقال لي شريك بن عبد الله القاضي: مَنْ يَتَوَلَّى القضاءَ ببلدِكم؟ قلتُ: عَبَّاد بن مُشكان. قال: بِقَوْلِ مَنْ يقول؟ قلتُ بقول أبي حنيفة. وفي رواية، قال بقول مَنْ يَقْضِي؟ قلتُ: بقول أبي حنيفة

(1)

. رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 147.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 679، وذكر أخبار أصبهان 2:137. و"مشكان" بضم الميم وفتح الشين، هكذا ضبطها المؤلف في الأبناء، اتباعا لصاحب الجواهر، وضبطها ابن حجر بسكون الشين المعجمة. وتبصير المنتبه 4: 1292. وانظر: المشتبه 593.

(1)

في ذكر أخبار أصبهان بعد هذا: قال: ذاك أضلّ له.

ص: 240

‌باب من اسمه عباس

‌2422 - الشيخ الفاضل عَبَّاس بن أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزْهَر، أبو خُبَيْبِ ابن القاضي البَرْتِيِّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تفقَّه على أبيه المتقدّم في مَحَلِّه. وروَى عنه، وسمع من عبد الأعْلَى النَّرْسِيِّ، وسَوَّار بن عبد الله العَنْبَرِيِّ، أبي بكر ابن أبي شَيْبَة.

وروى عنه أبو بكر الشافعِيُّ، وعبد العزيز بن أبي صابر، عمر بن شاهين، وابن المقْرِي، وآخرُون.

وأثْنَى عليه بعضُ الحُفّاظ.

ومات في شوَّال، سنة ثمان وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2423 - الشيخ الفاضل عَبَّاس بن حمدان أبو الفضل، الأصْبَهانِيّ

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 147.

وترجمته في الأنساب 71، وتاريخ بغداد 12: 152، 153، وتبصير المنتبه 1: 409، وتذكرة الحفاظ 2: 356، والجواهر المضية، برقم 680، واللباب 1: 107، والمشتبه 215، ومعجم البلدان 1: 546، والمنتظم 6: 158، 159.

ص: 241

أحدُ العلماء العاملين، والعُّبّاد الصالحين *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع منه محمد بن عيسى الدَّامَغانِيّ، وأبو يوسف بن محمد بن سابق.

وروَى عنه أبو القاسم الطَّبَرَانِيّ، وأبو الشِّيْخ.

وذكره ابنُ حِبَّان في "تاريخ أصْبَهان"، وقال: صنَّف "المسْنَد"، وكان عنده عن العِراقِيِّين والأصْبَهانِيِّين، [لا يخْلو من الصلاة والتلاوة، من عباد الله الصالحين]

(1)

.

قال: وكان [ثَبْتًا، مُتْقِنا، صَدُوقا]

(2)

. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2424 - الشيخ الفاضل العَبَّاس بن حمزة الواعظ، جَدُّ محمد بن عبد الله بن يوسف

(3)

النَّيْسابورِيِّ لأُمِّه

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 148.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 681، وذكر أخبار أصبهان 2:141.

وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائتين.

(1)

ليس في ذكر أخبار أصبهان.

(2)

في ذكر أخبار أصبهان: ثبت، ثقة.

(3)

ترجمته في الطبقات السنية برقم 2057، أنه محمد بن عبد الله بن محمد.

وفي ترجمته في الجواهر برقم 1349، أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 148. وترجمته في الأنساب 172، والجواهر المضية برقم 672، واللباب 1: 309.

ص: 242

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وكان محمد بن عبد الله يُعْرَف بالحَفيد؛ لأنَّه ابن بنت هذا. وسيأتِي في مَحَلِّه. إن شاء الله تعالى.

قال الصَّفَدِيُّ: تُوُفِّيَ - يعني صاحبَ الترجمة - في حُدُود التسعين ومائتين. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2425 - الشيخ الفاضل العَبَّاس بن الرَّبيع بن عبد رَبِّ بن مُخارِق ابن شَهْران العَنَزِيِّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، نقلا عن "الغُرَباء الذين قَدِموا مصر" للشيخ ابنُ يُونُس، قال: بَصْرِيٌّ، قَدِمَ "مصر"، وبها تُوُفِّي، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2426 - الشيخ الفاضل عَبَّاس بن سالم بن عبد الملك، أبو الفضل، الدِّمَشْقِيّ

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: إمامٌ، فقيه، سمع، وحدَّث، سمع بـ "دمشق"، من أبي عليِّ حَنْبَلِ بن عبد الله بن الفَرج، وبـ "حَلَب" من الشريف أبي هاشم عبد المطَّلِب بن الفضل الهاشِمِيِّ.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 149.

وترجمته في الجواهر المضية، برقم 683، وكنيته:"أبو الربيع".

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 149. وترجمته في الجواهر المضية برقم 684.

ص: 243

مَوْلِدُه سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ووفاته سنة ستّ وخمسين وستمائة، وبـ "دمشق"، ودُفِنَ بمقابر "باب الصغير". رحمه الله تعالى.

* * *

‌2427 - الشيخ الفاضل عَبَّاس بن الطَّيِّب الصَّاغَرْجِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تفقَّه عليه ابنُ بنْته الحسن بن علي بن جِبْرِيل الصَّاغَرْجِيّ، المذكور في حرف الحاء

(1)

، رحمهما الله تعالى.

* * *

‌2428 - الشيخ الفاضل المفتي عبّاس بن علي بن جعفر بن أبي طالب بن نور الدين ابن نعمة الله الموسوي الحرائري، التستري، ثم اللكنوي

* *

أحد كبار الأدباء.

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: قدم جدّه جعفر بن أبي طالب إلى "الهند"، وسكن بـ "لكنو"، وولد بها عبّاس في آخر ربيع الأول سنة أربع

* راجع: الطَّبَقات السُّنِيَّة 4: 149.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 685.

(1)

ترجمته في الطبقات السنية برقم 692، وكانت وفاته بعد سنة ستين وثلاثمائة.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 224 - 227.

ص: 244

وعشرين ومائتين وألف، ونشأ بها، واشتغل على عبد القوي الحنفي، تلميذ السيّد محمد مخدوم الحسيني اللكنوي.

وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية، ثم اشتغل على مولانا عبد القدّوس، الحنفي اللكنوي، وقرأ عليه رسائل النحو والصرف وغيرهما، ثم تتلمّذ على مولانا قدرة علي الحنفي اللكنوي، وقرأ عليه كتب المنطق، والحكمة، والحساب، والهيئة، والهندسة، وسائر الفنون المتعارفة، وقرأ الكتب الطبّية على مرزا غوث علي تلميذ آقا صاحب، وعلى حكيم مرزا علي خان اللكنوي، وتطبّب عليه.

ثم لازم السيّد حسين بن دلدار علي المجتهد اللكنوي، وقرأ عليه الفقه والحديث، وبعض الكتب الدرسية، وصحبه مدّة طويلة، حتى صار صاحب سرّه، وجعله السيّد حسين المذكور مجازا عنه في رواية الأخبار المأثورة، عن الأئمة الأخيار، وكتب له الإجازة، فاشتغل بالدرس والإفادة، وولي التدريس في المدرسة السلطانية في عهد أمجد علي شاه، واستقام على تلك الخدمة ثلاث سنين.

ثم ولي الإفتاء في ديوان الوزارة سنة إحدى وستين ومائتين وألف، ولم يزل على تلك الخدمة مدّة طويلة، ولقّب من قبل ملك "أوده" بتاج العلماء وافتخار الفضلاء، وكان واجد علي شاه آخر ملوك "أوده"، يبالغ في إكرامه، وطلبه إلى "كلكته"

(1)

، حيث كان منفيا، فأقام بها مدّة، ثم رجع بعد وفاته

(1)

"كلكته": مدينة حديثة العهد، مصّرها الإنكليز على نهر "هوكلي" حيث الطول الشرقي 28 درجة و 88 دقيقة، والعرض الشمالي 22 درجة و 33 دقيقة، وبينها وبين البحر مائة ميل، فجعلوها قصبة بلاد "الهند"، يسكن بها الحاكم العام للهند من قبل إنكلترا منذ مائة سنة، وفي سنة 1330 هـ 1911 م قدم جورج الحكومة من "كلكته" إلى "دهلي"، فانتقل نائبه "لورد هاردنك" من ذاك إلى هذا، ولها تجارة واسعة برا وبحرا، وهي أكبر مدن الهند في هذا العصر.

ص: 245

إلى "لكنو"، وانصرف إلى الدرس والإفادة والتأليف، واستفاد منه خلق كثير في الأدب والإنشاء من الشيعة وأهل السنة.

وكان بارعا في الأدب، والإنشاء، وقرض الشعر باللغة الفارسية والعربية، حافل القريحة، حاضر البديهة، من المؤلفين المكثرين، يكاد يبلغ عدد مؤلّفاته ما بين صغر كبير إلى مائة وخمسين.

له من المؤلّفات مزدوجات كثيرة طويلة، أشهرها من وسلوي، و"ديوان رطب العرب"، وقصائد كثيرة، و"معراج المؤمنين" في مجلّدين في الطهارة والصلاة، و"بناء الإسلام في الصوم"، و"الشريعة الغراء" في الفقه، و"رياض الإنشاء"، وأجزاء في التفسير، و"خلاصة جامع الأصول"، وحواش على "شروح السلّم"، وحواش على "تحرير الأقليدس"، و"الظلّ الممدود" في الإنشاء العربي، و"ظلّ ممدود" في الإنشاء الفارسي، وغير ذلك من المؤلّفات.

مات لأربع بقين من رجب سنة ستّ وثلاثمائة وألف في "لكنو"

(1)

، ودفن في حسينية العلامة السيّد دلدار علي المجتهد، كما في "تذكرة بى بها".

* * *

‌2429 - الشيخ العالم الفقيه عبّاس بن نصير الدين

بن

(1)

"لكنو" بلدة كبيرة على نهر "كومتي"، فيها أبنية رفيعة للأمراء، وبيوت المآتم للشيعة، انتقل إليها آصف الدولة من "فيض آباد"، فصارت مقام الأمراء، ولها شهرة في أعمال الخزف والوشي، ونشأ بها الأجلاء كالشيخ محمد أعظم، والشيخ محمد مينا، والشيخ عبد القادر، والشيخ نظام الدين، وولده بحر العلوم، وخلق كثير من العلماء، وكانت بها مدرسة للشيخ بير محمد.

ص: 246

سراج محمد البرهانبوري، أحد الفقهاء المبرّزين في العلم والمعرفة *

استقدمه شاهجهان إلى دار الملك "دهلي"، وأكرمه، وخصّه بأنظار العناية والقبول، ثم رخّصه إلى بلدته، فاعتزل في بيته، ومات، كما في "تحفة الكرام".

* * *

‌2430 - الشيخ الفاضل عبّاس علي الكلكتوي، أحد العلماء المبرّزين في الفنون الرياضية

* *

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: قرأ العلم على الشيخ مبين بن محبّ الله اللكنوي، والعلامة تفضّل حسين الكشميري.

وكان مفرط الذكاء، كبير الشأن.

له اليد الطولى في الفنون الرياضية، ولي الإفتاء بـ "كلكته"، ثم ولي القضاء الأكبر، فصار قاضي قضاة "الهند".

وله تعليقات شتى على "هداية الفقه"، وعلى غيرها من الكتب الدرسية.

مات لسبع بقين من رمضان سنة عشرين ومائتين وألف بـ "كلكته"، كما في "قسطاس البلاغة".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 5: 210.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 256.

ص: 247

‌باب من اسمه عبد الأحد، عبد الأعلى

‌2431 - الشيخ الفاضل العلامة السيّد عبد الأحد القاسمي بن السيّد إمام الدين المونكيري

*

من أهل بيت العلم والفضل.

ولد سنة 1339 هـ في موضع قصبة من أعمال "مونكير".

سافر والده سنة 1349 هـ إلى "داكا" فالتحق ابنه عبد الأحد بالمدرسة الإسلامية داكا، وتلقى العلم فيها سنتين، ثم قرأ العلوم والفنون على مولانا مدّثّر، ومولانا حسن راجه السلهتي، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، وقرأ فيها ثلاث سنين الفنون العالية وغيرها من الكتب الحديثية، من أساتذته الكبار فيها: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والسيّد أصغر حسين الديوبندي، وشيخ الأدب العلامة إعزاز علي الأمروهوي، شيخ المعقولات العلامة إبراهيم البلياوي، والعلامة شمس الحق الأفغاني.

وبعد إكمال الدراسة رجع إلى "داكا"، والتحق بالمدرسة الحمّادية، ثم بالمدرسة الإسلامية، ودرّس فيهما مدّة مديدة، ثم اشتغل بالتصنيف والتأليف سنة 1379 هـ، ثم التحق بالجامعة الإمدادية كشورغنج، وعيّن صدر المدرّسين وعميد التعليم فيها، وأقام فيها سنتين، وكان يدرّس "الجامع" للإمام الترمذي.

* راجع: تاريخ علم الحديث للعلامة نور محمد ص 228.

ص: 248

بايع في السلوك والطريقة على يد شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني، واعتكف معه سبع سنين في "سلهت".

وكان عالما جيدا، فاضلا محقّقا، مدققا، ماهرا في العلوم والفنون.

له "حياة إعزاز"، و"ترجمة علم التصوّف" للسيوطي، "أحكام رمضان وزكاة" أردو، "همارى مصنّفين"، و"ما لا يسمع للمفسّر جهله"، "أحكام رمضان وزكوة" بنغلا، و"آبكي درسي كتابين"، و"سيرت باك"، و"باكورة الأدب"، و"كوهر اردو"، و"بدور الفصاحة شرح دروس البلاغة"، و"أسباق الفصاحة شرح دروس البلاغة"، و"تعليقات تمرينات الحديقة"، و"الوصاف على الكشّاف"، و"العلالة الناجعة ترجمة العجالة النافعة"، و"مقدمة قدوري"، و"مقدمة عين العلم"، و"مقدمة مرقاة" و"مقدمة شرح تهذيب"، و"مقدمة ميزان"، و"مقدمة شرح جزري"، و"مقدمة مسلم الثبوت"، و"علم العروض"، و"مقدمة سراجي"، "مقدمة ديوان حماسة"، و"مقدمة مستطرف"، و"تاريخ إسلام" من بنى عباس إلى قيام باكستان، و"ترجمة ما لا بد منه"، و"شرح نور الأنوار"، و"ترجمة مرقات بنام المسقات"، و"شرح الأدب الجديد بنام معلم الأدب"، و"تفهيم المباني ترجمة تسهيل المعنى"، و"معراج المنطق ترجمة تلخيص المنار"، و"تاريخ فلسفة ومنطق".

* * *

‌2432 - الشيخ العالم الفقيه عبد الأحد بن زين العابدين بن عبد الحي بن محمد بن حبيب الله بن رفيع الدين العمري السرهندي

،

ص: 249

أحد المشايخ الجشتية

(1)

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، وقال: ولد، ونشأ ببلدة "سرهند"، واشتغل بالعلم أياما، ثم سافر إلى "كنكوه"، وأدرك بها الشيخ عبد القدّوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي، وأراد أن يدخل في أصحابه، فأبى الشيخ، وأمره بتكميل العلوم المتعارفة، فعاد إلى "سرهند"، وجدّ في البحث والاشتغال، حتى برع في العلم، وتأهّل للفتوى والتدريس، والشيخ المذكور قد مات قبل تكميله، فسافر إلى أقطار "الهند"، وأدرك كثيرا من المشايخ، واستفاض منهم، ثم دخل "كنكوه"، ولازم الشيخ ركن الدين بن عبد القدّوس الكنكوهي مدّة طويلة، فاستخلفه الشيخ سنة تسع وسبعين وتسعمائة، فرجع إلى بلدته، وتصدّر بها للدرس والإفادة.

وكانت له (زيادة على الاستفادة من الشيخ الكبير عبد القدّوس الكنكوهي وابنه الشيخ ركن الدين) صلة قريبة ومتينة بالشيخ الكبير كمال الكيتهلي، أحد مشايخ الطريقة القادرية الكبار، وكان صاحب مرتبة عالية، وصاحب أحوال وكيفيات، يعتبره بعض أهل النظر أنه قلّما يساويه أحد، ويبلغ درجته في السلسلة العلية القادرية بعد مؤسّسها الإمام الشيخ عبد القادر الكيلاني.

(1)

أما الطريقة الجشتية فهي لإمام الطريقة الشيخ معين الدين حسن السنجري المتوفى سنة 627 هـ، وجِشْت قرية شيوخه، ومدارها على الذكر الجلي بحفظ الأنفاس، وربط القلب بالشيخ على وصف المحبة والتعظيم، والدخول في الأربعينات، مع دوام الصيام والقيام، وتقليل الكلام والطعام والمنام، والمواظبة على الوضوء، وربط القلب بالشيخ، وترك الغفلة رأسا، ولهم أشغال غير ما ذكرناه.

انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 180.

* راجع: نزهة الخواطر 5: 210، 211.

ص: 250

أخذ، واستفاد الشيخ عبد الأحد منه، ومن حفيده الشيخ سكندر الكيتهلي، واستفاد من شيوخ آخرين باستثناء من رآه متلوّثا بالبدعة.

وكان يدرّس في العلوم كلّها من المعقول والمنقول، وله مهارة تامّة في جميع الفنون، لا سيّما الفقه والأصول والتصوّف، وكان يدرّس "التعرّف"، و"العوارف"

(1)

، و"الفصوص"، ويكشف القناع عن أسرار التوحيد، ومعارف الشيخ محي الدين بن عربي، ويقتفي أثره في ذلك.

وله مصنّفات في العلوم الدينية، منها:"كنوز الحقائق"، ومنها: رسالة في أسرار التشهّد، وله غير ذلك من الرسائل.

وكانت له اليد الطولى - كما يقول ابنه الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي، المشهور بمجدّد الألف الثاني - في علوم كثيرة، عقلية ونقلية، وكان متأدّبا غاية التأدّب للشعائر والشرائع الدينية، متواضعا غاية التواضع، كثير الاهتمام باتباع السنة، عاملا بالعزيمة، وكفاه شرفا وافتخارا أنه خلّف بعده ابنه الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي مجدّد الألف الثاني.

مات سنة سبع وألف بمدينة "سرهند"، كما في "زبدة المقامات".

* * *

(1)

ومن شروح "عوارف المعارف" للشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي، "الزوارف شرح العوارف" للشيخ علاء الدين علي بن محمد الشافعي المهائمي، و"المعارف شرح العوارف" بالعربي للسيّد محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي، المقبور بكلبركه، و"شرح العوارف" بالفارسي للسيّد محمد بن يوسف المذكور، و"شرح العوارف" للشيخ عبد القدوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي، و"شرح العوارف" للشيخ أحمد بن عبد الأحد العمرى السرهندي، و"شرح العوارف" للشيخ جال الدين الكجراتي، و"شرح العوارف" للسيد أشرف بن إبراهيم الحسيني الكجهوجهوي المتوفى سنة 808 هـ، و"تعليقات على العوارف" للشيخ فريد الدين مسعود العمري الأجودهني، كما في "كلزار أبرار". انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 188.

ص: 251

‌2433 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الأحد بن المنشئ ضياء الله الكُمِلائي

*

ولد سنة 1346 هـ في قرية "مَالِيْهَاتَا" من مضافات "برهمنباريه" من أعمال كملا.

قرأ مبادئ العلم على أبويه، ثم التحق بالمدرسة الواقعة في قريته، ثم اتّصل بالجامعة اليونسية، وقرأ فيها إلى "كنز الدقائق" في الفقه، و"شرح الجامي" في النحو، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند سنة 1360 هـ، وقرأ فاتحة الفراغ في سنة 1366 هـ.

بعد الفراغ رجع إلى وطنه، والتحق بالمدرسة الحمّادية داكا، ودرّس فيها سنتين، ثم التحق بالمدرسة الكريمية تَالْشَهَر، ودرّس فيها 29 سنة، بايع على يد شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، وكانت أوقاته معمورة بالذكر وتلاوة القرآن، حجّ مرتين، توفي سنة 1410 هـ.

* * *

‌2434 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الأحد بن مولانا عبد السميع، رحمهما الله تعالى

* *

تخرّج على شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، المتوفى سنة 1377 هـ.

كان من فحول العلماء.

* راجع: مشايخ برهمنباريه ص 260 - 262.

* * راجع: مقدمة أنوار الباري 2: 266.

ص: 252

وكان أستاذ الحديث بدار العلوم ديوبند.

* * *

‌2435 - الشيخ الفاضل العلامة السيّد عبد الأحد بن محمود الشويل المدني

*

ولد سنة 1321 هـ في "المدينة المنوّرة"، زادها الله شرفا.

كان والده الماجد من علماء "المدينة"، وفقهائه.

وكانت له معرفة ومؤدة بشيخ الحديث العلامة زكريا الكاندهلوي، رحمه الله تعالى.

إذا سافر الشيخ إلى "المدينة" يلاقي معه، فقال يوما أرسِلْ ابنَك الفطن الذكيّ معي إلى "الهند"، لكي يلتحق بمظاهر العلوم سهارنبُور، يقرأ فيها، فرضي، فالتحق بها، وكان لا يأكل في المدرسة من أموال الصدقة.

تخرّج على العلامة عبد الرحمن الكاملبُوري، والعلامة عبد اللطيف، والعلامة زكريا، رحمهم الله تعالى.

من زملائه: العلامة الخطيب الأعظم مولانا صدّيق أحمد، المفتي عزيز الحق، رحمهما الله تعالى.

وبعد إكمال الدراسة سافر إلى أماكن مختلفة من "الهند"، وجاء إلى "بنغلاديش" أيضًا، وتزوّج ببنت رجل صالح ذي ثروة، وأقام معها في "نواخالي"، وعيّن خطيبا في المسجد الجامع بـ "مَايِزْدي"، وكانت له مؤدة ومحبّة مع السيّد عبد الكريم المدني، وكان خطيبا بشاهي مسجد في "أندَرْ قلعة"، فيختلف إليه حينا بعد حين. فبعد أن توفي السيّد عبد الكريم سنة 1388 هـ أقيم مقامه بوصيته.

* تذكرة حياتي للعلامة سلطان ذوق 1: 305، 306.

ص: 253

توفي 28 رمضان المبارك سنة 1415 هـ، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في المقبرة العامة بوصيته.

* * *

‌2436 - الشيخ الفاضل العالم الجليل عبد الأعلى بن عبد العلي بن نظام الدين بن قطب الدين الأنصاري السهالوي اللكنوي، أحد العلماء المشهورين

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: ولد، ونشأ ببلدة "لكنو"، وقرأ العلم على والده، ولازمه ملازمة طويلة، ثم سافر إلى "كلكته"، وتقرّب إلى الولاة، وأقام بها زمانا، ولكنّه لم ينل ما كان يؤمله، فرجع إلى "لكنو"، ولبث بها مدّة، ثم ذهب إلى "كلكته"، فلمّا خابت مساعيه مرّة ثانية ذهب إلى "مدراس" عند والده، وابتلى بمرض هناك، فرجع إلى "لكنو"، ومات في أثناء السفر، وكان والده يمنعه عن ذلك السفر الطويل، نظرا إلى شدّة مرضه، كما في "الأغصان الأربعة".

قال عبد الباري في "آثار الأول": إنه صنّف كتبا كثيرة لا تخلو عن فوائد، منها:"شرح الفقه الأكبر"، وطال لسانه في حقّ سيّدنا معاوية رضي الله عنه، ومنها: رسالة في التاريخ، سمّاها "رساله قطبيه"، ومنها:"شرح المناقب الرزّاقية" لجدّه، وله رسالة في الأوراد. انتهى.

وإني ظفرتُ برسالتيه "شرح المناقب الرزّاقية"، وقد أطال الكلام فيه أيضًا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، و"رساله قطبيه" في أخبار جدّه الشيخ قطب الدين بن عبد الحليم السهالوي وأبنائه، وفيها فوائد كثيرة، تخلو عنها "الأغصان الأربعة"، وغيرها.

* راجع: نزهة الخواطر 7: 257 - 269.

ص: 254

ومن فوائده:

من "رساله قطبيه" أنه قال: إن العلم على نوعين، نقلي وعقلي، والنقلي على سبعة أنواع: لغة وصرف ونحو بلاغة ومناظرة وأصول وفقه. والفقه ثلاثة فنون: العقائد والأحكام والأخلاق. ولكلّ منها كتب على حدة، فصارت العلوم النقلية تسعة أنواع يجب تحصيلها، وبعد ذلك يستحبّ له أن يشتغل بعلم الوحي، وهو القرآن والحديث. ولها أربعة فنون أخر، ينبغي تحصيلها: القراءة والتاريخ وأحكام الناسخ والمنسوخ وأقسام أصول الحديث. وبهذا الاعتبار صارت العلوم النقلية أربعة عشر نوعا، فمن يجمع هذه العلوم بتحقيق وتدقيق فهو مجتهد، لأن الاجتهاد باق إلى الآن غير ماض، كما زعم بعض الحمقى، كيف يقصر على السلف؟ فإن المهديّ يكون أفضل المجتهدين في زمانه، وكذلك عيسى عليه السلام، ولأنّ الفيوض النبوية صلى الله على صاحبها وسلم - غير مقصورة على زمان دون زمان.

وأما العلوم العقلية فهي أيضًا على سبعة أنواع: الطبّ والمنطق والطبيعيات والإلهيات والنجوم والتكسير والرياضي.

أما الرياضيات فهي أربعة فنون: الحساب والهندسة والهيئة والموسيقى، ولكلّ منها كتب على حدة، فصارت العلوم العقلية عشرة أنواع، من يجمعها بتحقيق وتدقيق فهو حكيم، ومن يجمع هذه الأنواع كلّها عقليا كان أو نقليا فهو أعقل الناس وأشرفهم.

وقال في تلك الرسالة:

إن لكلّ من العلماء في التدريس طريقة على حدة مختلفة على حسب تفاوت الزمان والاستعداد، قال: كان الشيخ قطب الدين الشهيد السهالوي يدرّس كتابا واحدا من كلّ فنّ بتحقيق وتدقيق، فيتخرّج عليه العلماء المحقّقون، والشيخ نظام الدين كان يدرّس كتابين من كلّ فنّ لكلّ من الطلبة إلا الأذكياء منهم، فإنه كان يدرّسهم كتابا واحدا، وأما ولده عبد العلي فهو

ص: 255

يدرّس لبعضهم كتابا واحدا من كلّ فنّ، ولبعضهم كتابين، ولبعضهم ثلاثة كتب، على تفاوت الاستعداد. قال: وإني اخترت طريقة مرضيّة في التدريس، وهي أن يدرّس الطلبة في صغر سنّهم قبل بلوغهم إلى حدّ الحلم، فإن حافظتهم في هذا الزمان تكون أجود، فينبغي أن يدرّسهم في اللغة:"نصاب الصبيان"، و"نصاب الملحقات"، و"نصاب المثلّث"، و"نصاب البديع"، و"نصاب الإخوان"، و"ونصاب تجنيس اللغات".

وفي الصرف: "الميزان"، و"المنشغب"، و"الزبدة"، و"صرف مير"، و"التصريف من "بنج كنج"، و"دستور المبتدئ"، و"فصول أكبري".

وفي النحو: "نحو مير"، و"المائة"، و"الجمل"، و"التتمة"، و"الضريري"، و"المصباح"، و"هداية النحو".

ثم يدرّسهم كتابين، أحدهما من المنقول، وثانيهما من المعقول.

أما المنقول فيدرّس منه "الشافية"، و"الكافية"، و"الصراح"، و"الجاربردي" و"الفوائد الضيائية" و"مختصر المعاني" و"الرشيدية" و"شرح المنار"، و"شرح المسلّم"، و"العقائد السعدية"، و"العقائد الجلالية"، و"شرح الوقاية"، و"الهداية"، و"شرح الفصوص"، و"عين العلم"، و"الشاطبية"، وكتاب من التاريخ، و"المدارك"، و"صحيح البخاري".

وأما المعقول فمنه: "قال أقول"، و"بديع الميزان"، و"القطبي"، و"الميبذي"، و"مير زاهد رسالة"، و"مير زاهد ملا جلال"، و"شرح السلّم"، و"الصدرا"، و"الشمس البازغة"، و"مير زاهد شرح المواقف"، و"الحاشية القديمة"، و"شرح حكمة العين"، و"خلاصة الحساب"، و"الأقليدس"، و"شرح الجغميني"، و"قانونجه"، و"الموجز"، و"شرح الأسباب والعلامات"، ورسالة في الموسيقى.

ثم يأذن لهم أن يشتغلوا بالتدريس والتصنيف. انتهى.

وكانت وفاته لليلة بقيت من شعبان سنة سبع ومائتين وألف.

* * *

ص: 256

‌باب من اسمه عبد الأول

‌2437 - الشيخ الفاضل مولانا العلامة عبد الأول بن المولوي أشرف علي الكُمِلائي

*

ولد في قرية "دارا سُو" من مضافات "لكسام" من أعمال "كُمِلّا"، من أرض "بنغلاديش".

قرأ مبادئ العلم على مولانا محمد مصطفى، ثم سافر إلى "جاتجام"، والتحق بدار العلوم فيها، وقرأ فيها "مشكاة المصابيح"، وغيرها من الكتب الدراسية، ثم سافر إلى "كلكته"، والتحق بالمدرسة العالية فيها، وقرأ على أساتذتها الكبار الصحاح الستة وغيرها من الكتب الحديثية.

وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه الأليف، والتحق مدرّسا بالمدرسة العالية غازي مورا، ثم بدار العلوم جاتجام، ثم التحق بالمدرسة العالية سرسينه، وعيّن شيخ الحديث فيها، كان عالما جيّدا فاضلا محدّثا.

توفي سنة 1375 هـ.

* * *

‌2438 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الأول بن مولانا أبي بكر الفينوي

* *

* راجع: تاريخ علم الحديث للعلامة نور محمد ص 228.

* * راجع: مشايخ فيني 86 - 91.

ص: 257

ولد 29 ربيع الأول سنة 1329 هـ في قرية "جَرْلَكّيبُوي من أعمال "فيني".

قرأ مبادئ العلم في قريته، وقرأ في بيته اللغة الأردية والفارسية، ثم التحق بمدرسة بالُوَا جَوْمُوهاني الإسلامية، وقرأ فيها إلى الصفّ الخامس، ثم التحق بالمدرسة العالية فيني، وقرأ فيها إلى "مشكاة المصابيح"، ثم التحق بدار العلوم العالية في مدينة "جاتجام"، ثم رجع إلى المدرسة العالية مرّة ثانية بأمر أستاذه العلامة عُبيد الحق، ثم سافر 1352 هـ إلى "دهلي".

وقرأ فيها كتب الصحاح الستّة.

بعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه، ودرّس في عدّة مدارس.

توفي يوم الخميس 1411 هـ.

* * *

‌2439 - الشيخ الفاضل عبد الأوَّل بن حُسين الرُّومِي الشهير بابن أمِّ وَلَد

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأ على والده، وعلى المولى خُسْرُو، وتزوَّج بنتَه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 149.

وترجمته في إيضاح المكنون 2: 258، والشقائق النعمانية 1: 507، 508، كشف الظنون 2: 481، وهدية العارفين 1:493. من علماء دولة السلطان با يزيد خان ابن السلطان محمد خان، بويع له بالسلطنة سنة ستّ وثمانين ثمانمائة، وقيد كحالة وفاته بسنة خمسين وتسعمائة. انظر: معجم المؤلفين 67: 5.

ص: 258

وكان من فُضلاء "الدِّيار الرُّوميَّة". وعُمِّرَ حتى قارَبَ المائة، وخرِف، واعْتُقِل لِسانُه، ومات وهو كذلك.

وكان له مُشارَكة في غالب الفنون، خصوصا في الفقه، والحديث، القراءات.

وكان يسْتحْضِر أكثر "الكشاف"، وله "حَواشٍ" على "شرح الكافية" للْخَبِيصِيّ.

وكان من خِيار الناس. تغمَّده الله تعالى برحمته.

* * *

‌2440 - العالم الفاضل الكامل المولى عبد الأول بن حسين الشهير بابن أم الولد

*

ذكره صاحب "الشقائق النعمانية"، وقال: قرأ على علماء عصره، وعلى المولى خسرو.

وتزوّج بنته، ثم صار قاضيا بقصبة "سلوري" في زمن السلطان محمد خان.

يحكي والدي رحمه الله تعالى أنه كان قاضيا هناك، وأنا اقرأ وقتئذ على المولى علاء الدين العربي، وداوم المرحوم على منصب القضاء، وصار قاضيا بالبلاد الكبيرة المشهورة.

ثم صار معتوها، واعتقل لسانه، فاعتزل عن الناس، ولازم بيته بـ "قسطنطينية"، وسنّه إذ ذاك قريب من المائة. ومات وهو على تلك الحال، وكانت له مشاركة في العلوم، وخاصة في الفقه والحديث وعلوم القراءات.

* راجع: الشقائق النعمانية ص 202.

ص: 259

وكان أكثر المواضع من "الكشّاف" محفوظا له.

وكان في حفظه كثير من القصائد العربية.

وله حواش على "شرح الخبيصي" للكافية، ومن نظر فيها يعرف فضله في العلوم العربية.

وكان متواضعا لأهل الدنيا.

* * *

‌2441 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الأول بن المنشئ خورشيد الرحمن الكُمِلائي

*

ولد في قرية "أتَلَا" من مضافات "برهمنباريه" من أعمال "كملا".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم التحق سنة 1356 هـ بالجامعة اليونسية، وقرأ فيها من البداية إلى "الهداية" في الفقه، ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند، والتحق سنة 1365 هـ بها، وقرأ فيها عدّة سنين، حتى أتمّ الدراسة العليا.

من أساتذته: شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، والعلامة القارئ محمد طيّب، والعلامة إبراهيم البلياوي، والعلامة إعزاز علي الأمروهوي، والعلامة تاج الإسلام، رحمهم الله تعالى.

بعد الفرغ التحق مدرّسا بالمدرسة اليونسية، ودرّس فيها سنتين، ثم في سنة 1372 هـ التحق بدار العلوم الأحسنية داكا، ودرّس فيها خمسين سنة تقريبا، حجّ وزار سنة 1416 هـ.

توفي 25 جمادى الأخرى 1430 هـ في "داكا"، وصلي على جنازته في قريته، ودفن في مقبرة آبائه.

* * *

* راجع: مشايخ برهمنباريه ص 285 - 292.

ص: 260

‌2442 - الشيخ الفاضل عبد الأول بن المولى أبي الخير الكُمِلائي

*

ولد في سنة 1353 هـ في قرية "مَيْشَاير"، من مضافات "برورا"، من أعمال "كُمِلا"، من أرض "بنغلاديش". وكان والده محدّثا في المدرسة الإسلامية نواخالي. قرأ مبادئ العلم على أمّه، ثم التحق بإمداد العلوم مَيْشاير، ثم التحق بالمدرسة الإسلامية نواخالي، وفاز في كلّ من الاختبارات بدرجة الامتياز، من شيوخه فيها: العلامة غياث الدين، والمولى فضل الكريم، والمولى عبد السبحان، وغيرهم.

ثم التحق بالمدرسة العالية فيني، وقرأ فيها الصحاح الستة، ومن أساتذته فيها: المولى عبيد الحق، والمولى دلاور حسين، والمولى محبّ الرحمن. ثم التحق بالمدرسة العالية داكا، والتحق فيها بقسم التخصّص في الفقه الإسلامي، من أساتذته فيها المفتي عميم الإحسان، والمفتي دين محمد، وغيرهما.

وبعد الفراغ درس في عدّة مدارس، منها: المدرسة العالية بفريد غنج.

توفي سنة 1412 هـ، ودفن بعد أن صلّي على جنازته في مقبرة آبائه.

* * *

‌2443 - الشيخ العالم المحدّث عبد الأول بن علي بن العلاء الحسيني الجونبوري

* *

أحد كبار الفقهاء الحنفية.

* راجع: مشايخ كملا 2: 155 - 168.

* * راجع: نزهة الخواطر 4: 149، 150.

ص: 261

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: كان أصله من "زيدبور" من أعمال "جونبور"

(1)

، انتقل أحد آبائه إلى أرض "الدكن"، فولد، ونشأ بها عبد الأول، ولازم جدّه علاء الدين، وأخذ عنه الحديث، عن الشيخ حسين الفتحي، عن محمد بن محمد الجزري صاحب "الحصن الحصين"، عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الصفوي، وغيره ثم أخذ الطريقة عن بعض أبناء الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوى الدفين بـ "كلبركه"، ثم دخل "كجرات"، وسكن بها زمانا، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، فحجّ، وزار، ورجع إلى "الهند"، فأقام بـ "أحمد آباد" مدّة من الزمان، ودرّس، وأفاد.

أخذ عنه الشيخ طاهر بن يوسف السندي، وخلق كثير، وقدم "دهلي" في آخر عمره، فعاش بها سنتين، ومات.

وله مصنّفات عديدة، منها:"فيض الباري شرح صحيح البخاري"، و"منظومة" في المواريث، و"شرح بسيط" له على تلك المنظومة، وله "رسالة" في تحقيق النفس، و"مختصر" في السير، لخّصه من "سفر السعادة" للفيروزآبادي، وله تعليقات شتى على "الفتوحات المكية"، و"المطوّل"، وعلى غيرهما من الكتب.

توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة، كما في "أخبار الأخيار".

* * *

(1)

"جون بور": مدينة عامرة على بضعة فراسخ من "بنارس"، وكانت قصبة بلاد الشرق في القديم، بناها فيروز شاه الدهلوي، وسماه باسم ابن عمّه محمد شاه تغلق "جه بور"، فتغيّر على أفواه الرجال بـ "جونبور"، فيها أبنية رفيعة، ومدارس، وجوامع من أبنية السلاطين الشرقية، يدرس بها ملك العلماء شهاب الدين الدولة آبادي.

ص: 262

‌2444 - الشيخ الفاضل عبد الأول بن برهان الدين علي بن عماد الدين بن جلال الدين محمد بن زين الدين عبد الرحيم بن عماد الدين صاحب "الهداية" علي بن أبي بكر

*

فقيه، متقن، محدّث، مفسّر، جامع بين أشتات العلوم.

تفقّه على السيّد جلال الدين الكرلاني، وروى عنه "الهداية" معنعنا إلى جدّه الأعلى صاحب "الهداية"، وأخذ عنه شمس الدين القريمي، وكتب له إجازة سنة أربعة عشر وثمانمائة.

قلت: يأتي ذكرُ جدّه صاحب "الهداية" وأولاده وأحفاده في هذا الحرف، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2445 - الشيخ الفاضل عبد الأول بن كرامة علي بن إمام بخش بن جار الله بن كل محمد بن محمد دائم الجونبُوري، أحد الأدباء المشهورين

* *

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: ولد سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بجزيرة "سنديب" - بضم السين المهملة - من أرض البلاد الشرقية.

ونشأ في حجر والده، وحفظ القرآن، واشتغل. بالعلم على تلامذة مولانا عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي، وقرأ أوائل "التلويح على التوضيح"

* راجع: الفوائد البهية ص 85.

* * راجع: نزهة الخواطر 8: 227، 228.

ص: 263

على الشيخ الكبير مولانا محمد نعيم بن عبد الحكيم النظامي اللكنوي بمدينة "لكنو"، وقرأ "شرح العقائد"، و"شرح السلم" لملا حسن، و"شرح التهذيب" لملا جلال، و"الرسالة القطبية"، وحاشيتي "بحر العلوم" على السيّد شير علي البلندشهري بمدينة "جونبور".

ثم سافر إلى "الحجاز"، وأخذ عن الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الكيرانوي المهاجر، والشيخ عبد الله بن السيّد حسين المرحوم، قرأ عليه كتب الحديث، ثم لازم الشيخ عبد الحق بن شاه محمد الإله آبادي المهاجر، وقرأ عليه كتب التفسير والحديث، والأوراد، وسمع منه، وروى عنه.

وله إجازات عن محدّثي الحرمين، وكان في بلاد العرب أقلّ من سنتين، وحجّ مرتين: مرّة عن نفسه، ومرّة عن أمّه.

وهو واعظ، فصيح اللسان، ظاهر البيان، حسن العبارة، حلوّ الإشارة، مجوّد القراءة، حسن الخطّين، سريع اليراع، أسمر اللون، مربوع القامة، كثّ اللحية.

وله أشعار رائقة بالعربية، وقد جاوزت مؤلّفاته مائة كتاب ورسالة.

ومن مصنّفاته: "الطريف للأديب الظريف"، و"المنطوق في معرفة الفروق"، و"عرائس الأفكار في مفاخرة الليل والنهار"، و"التليد للشاعر المجيد"، و"الرديف لتالي الطريف"، و"أحسن الوسائل إلى حفظ الأوائل"، و"الطريق السهل إلى حال أبي جهل"، و"المحاكمة بين فضيلة عائشة وفاطمة"، و"البسطى في بيان الصلاة الوسطى".

ومن شعره قوله:

لعمرك ما الدنيا بذات تودّد

فلا تبغ فيها عيشة قم ومهد.

ألم تر أسلافا مضوا لسبيلهم

وما أخبروا عن حالهم مثل جلمد.

وبانوا عن الدنيا وعن دورهم نأوا

وأنت تلاقيهم فأعرض عن الدد.

ولم أر مثل الموت للناس منهلا

ويأتي ولو كانوا بقصر مشيّد.

ص: 264

ألا فاذكرن ضيق القبور ووحشة

وراقب منونا بالتقى والتزوّد.

ولا تفخرنّ بالجاه تلق الأسى به

ألا فاعبدن وازهد لنفسك تسعد.

مات لاثنتي عشرة خلون من شوّال سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف في "كلكته"، ودفن بها، وأرّخ لوفاته بعضهم بقوله:"فله أجر عظيم".

* * *

‌2446 - الشيخ الفاضل عبد الأوَّل بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهّاب المرْشِدِيِّ المكِّيِّ

*

من البيت المشهور في "مكة".

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِدَ في شعبان، سنة سبع عشرة وثمانمائة.

ونشأ بـ "مكة"، فحفظ القرآن الكريم، و"الأربعين النبويَّة"، و"العُمْدَة" للنَّسَفِيّ، و"المنار"، و"الكافية" في العربية لابن الحاجب، و"مختصر القُدورِيّ" في الفقه، وغيرَ ذلك من كتب القراءات وغيرها.

وعَرَض على جماعة، وأجازُوه، وتفقَّه بأبيه، وبالسَّعْدُ الدِّيْرِيّ، وابنِ الهُمام، وهو أجَلُّ من أخَذَ عنه، وبه انْتفَع، كتب له إجازةً، وصفَه فيها: بالشيخ الإمام، سَليلِ العلماء الأماثِل. وأذِن له أنْ يُقْرِئَ ما شاء من العلوم العقلية والنقلية، ويُفْتِيَ ويُدَرِّسَ، وكان يُجِلُّه، ويُعظِّمه، ويُثْنِي عليه بالفضل والذكاء.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 150.

وترجمته في الضوء اللامع 4: 21 - 23.

ص: 265

وأخذ عن الحافظ ابن حَجَر، وقرأ عليه، وسمع منه، ومدَحه، ووصَفه بالفاضل، الماهر، والأوْحَد، مُفيد الطالِبين، فخر المدرِّسين. وأذِن له في إفادة ما ألّفه وأنْشأه، لمن أراد ذلك منه.

ورحل إلى "اليمن" و"الشام" وغيرهما، وأخذ عن جماعة كثيرين.

وكان فصيح العبارة، قَوِيَّ المباحَثَة، حسن الخطِّ، لطيفَ الشِّكْل، غايةً في الذَّكاء، مُفنِّنا، يحفظ جُملةً من الأدبيّات.

وكان له في ابن عَرَبِيّ ظَنٌّ جميل، واعتقادٌ حسَن، كما ذَكَره السَّخاوِيُّ، قال: وكلَّمْتُه في ذلك مِرارا فما أفاد، وله معي ما جَرَياتٌ لطيفة، ومُكاتَبات ظَريفَة، أثْبَتُّها في موضعٍ آخَر.

وذكر أنَّه ماتَ غريبا بـ "الشام"، سنةَ تسع وسبعين وثمانمائة

(1)

. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2447 - الشيخ الفاضل العلامة عبد الأول الجونبُوري، رحمه الله تعالى

*

ولد سنة 1283 هـ في "سنديب" من أرض "بنغلاديش" عند سفر هادي البنغال العلامة كرامة علي الجونبوري، رحمه الله تعالى.

قرأ كتب الدرجة الابتدائية على مولانا مصلح الدين، ومولانا حامد البَبَاني كنجي، وقرأ كتب الدرجة المتوسطة على مولانا نظام الدين، ومولانا عبد الحي اللكنوي.

(1)

في الضوء أن وفاته كانت سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة.

* راجع: تاريخ علم الحديث للعلامة نور محمد رحمه الله تعالى ص 210.

ص: 266

ثم سافر إلى "مكة المكرّمة"، والتحق بالمدرسة الصولتية، وقرأ كتب الصحاح الستة على شيوخها.

ومن شيوخه الكبار: العلامة المحدّث الكبير عبد الحق الإله آبادي المكّي.

وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه المألوف، واشتغل بالدعوة والإرشاد ثلاثين سنة، وصنّف 121 كتبا.

توفي سنة 1339 هـ في "كلكته". كذا في "سيرة عبد الأول".

* * *

ص: 267

‌باب من اسمه عبد الله

‌2448 - الشيخ الفاضل الكبير عبد الله بن آل أحمد الحيسني الواسطي البلكرامي

*

أحد العلماء المشهورين في بلاد "الهند".

ولد لتسع بقين من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف ببلدة "بلكرام".

وقرأ العلم على مولانا سلامة الله البدايوني ثم الكانبُوري، والعلامة فضل حق الخيرآبادي، والمفتي نور الحسن الكاندهلوي، وعلى غيرهم من العلماء، وسافر إلى "الحجاز"، فحجّ، وزار، وأسند الحديث عن السيّد أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكّي بـ "مكة المباركة".

وكانت له اليد الطولى في العلوم الأدبية والمعارف الحكمية، أخذ عنه خلق كثير.

وله "فيض الصرف"، و"تشريح النحو"، و"عين الإفادة في كشف الإضافة"، و"التحفة العلية"، و"حاشية الهدية السعيدية"، وله "حاشية على هداية الفقه" من كتاب البيوع إلى كتاب الشفعة.

مات سنة خمس وثلاثمائة وألف.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 8: 303.

ص: 268

‌2449 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد، الطَّلَقِيِّ، الإسْتِراباذِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو شيخُ أصحاب أبي حنيفة بـ "جُرْجان" في وَقْتِه بلا مُدافعَة.

وكان مُعاصِرًا لأبي بكر محمد بن الفضل البُخارِيّ.

روَى عن أبي القاسم البَغَوِيّ، وغيرِه.

روَى عنه الحافظُ أبو سعد الإدْرِيْسِيّ، وذكَره في "تاريخ جُرْجان".

وذكره الذَّهَبِيُّ في "تاريخ الإسلام"، وأثْنَى عليه، وأرَّخ وفاته، في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2450 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن حسن بن محمد أمين بن الميرغني، أبو السيادة، عفيف الدين، المحجوب، فاضل، من فقهاء الحنفية

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 151.

وترجمته في الأنساب 371 ظ، وتاريخ جرجان 232، والجواهر المضية برقم 686، واللباب 2:89.

* * راجع: الأعلام للزكلي 4: 64.

ترجمته في معجم المؤلفين 6: 16، وحلية البشر 2: 384 - 386. =

ص: 269

مولده بـ "مكة"، ووفاته بـ "الطائف".

لقب بالمحجوب للزومه العزلة في داره نحو ثلاثين سنة.

له تصانيف، منها:"الإيضاح المبين بشرح فرائض الدين" فقه، و"المعجم الوجيز" في الحديث، و"ديوان العقد المنظم على حروف المعجم" من نظمه، و"الأنفاس القدسية" في مناقب عبد الله بن عباس، و"الرسائل الميرغنية" تصوّف.

توفي سنة 1193 هـ.

* * *

‌2451 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم القَزْوِيْنِيّ، كمال الدين الحلبِيّ، المعروف بابن الهَجِين

*

= وترجمته في الخزانة التيمورية 2: 207، ثم 3: 298، وفيه: وفاته سنة 1193 أو 1194، كما في الذهب الإبريز، ص 414 - 415، ومعجم المطبوعات 1828، ودار الكتب 5: 47، وفي هدية العارفين 1: 486 وفاته سنة 1207 هـ كما في Brock 2: 506 S 2: 523. وانظر مخطوطات الظاهرية 74، 75، 180 ففيها كتب من تصنيفه كتب آخرها سنة 1168 هـ.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 151.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 344.

ص: 270

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع من جدِّه عِدَّةَ أجزاء، منها "أحاديث شاكر"

(1)

، و"جزء ابن أبي عُرْوَة"

(2)

، و"جُزْء الكَدِيمِيّ"، و"نُسْخة نافع القاري"، جَمْعَ ابن المقْرِي، وسمع من فتح الدين ابن القَيْسَرانِيّ.

وذكره ابنُ رافع في "مُعْجمِه"، ونقَلَ عن القُطْب الحلبِيّ أنَّه طُعِن عليه في الشهادة. قال: وسَماعُه صحيح، لكنَّه اخْتلَط في آخر عمره.

ومات في صفر، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2452 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن يوسف بن مَيْمون بن قُدامَة

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تقدَّم أبوه في محَلِّه

(3)

. ويأتِي عمُّه عِصام، وعمُّه محمد، ابنا يوسف، ويأتِي أيضًا أخوه عبد الرحمن بن بنت أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، قاضي "مَلَطْيَة"، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2453 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إبراهيم الشبشيري، العجمي، ثم الرومي

* *

(1)

في الدرر "أحاديث شاكر بن جعفر".

(2)

في الدرر "عززة".

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 152. وترجمته في الجواهر المضية. برقم 687.

(3)

ترجمته. في الطبقات السنية برقم 110، وكانت وفاته سنة إحدى وأربعين ومائتين.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 17. =

ص: 271

عالم في العربية والعلوم العقلية.

من آثاره: "حواش على حاشية شرح المطالع" للسيّد الشريف، و"شرح على الكافية".

توفي سنة 926 هـ.

* * *

‌2454 - الشيخ الفاضل المحدث عبد الله بن أحمد بن بُهْلول

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره أبو القاسم عمر ابن العديم في "تاريخ حلب"، وقال: حدَّث بالوِجادَة، عن كتاب جدِّه

(1)

إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه.

وروَى عنه عمرُ بن الحسن بن عمر القاضي الأُشْنانِيّ

(2)

. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2455 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد

= ترجمته في شذرات الذهب 8: 146، والكواكب السائرة 1: 217، وهدية العارفين 1:472.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 152. وترجمته في الجواهر المضية برقم 688.

(1)

أي: الأعلى.

(2)

بضم الألف، وسكون الشين المنقوطة، وفتح النون الأولى، وكسر الثانية، هذه النسبة إلى بيع الأشنان وشرائه. اللباب 1:53.

ص: 272

ابن عَسْكَر القاضي *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تقدّم ولدُه أحمد، ووَلَدُه ولدِه الحسن بن أحمد.

وَلِيَ القضاء بالجانب الغَرْبِيّ بـ "بغداد"، بعدَ أبيه، في مُحرَّم، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، إلى أن تُوُفِّيَ سنة خمس وسبعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2456 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أحمد بن عَسْكَر، أبو محمد جَدُّ المذكور قبْلَه

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سَمع الحديثَ من أبي الفَوَارِس الزَّيْنَبِيّ.

وروَى عنه أبو سعد

(1)

.

ووَلِيَ القضاءَ بباب "الطاق" مُدَّة.

وكان خَصِيصا بقاضي القضاة أبي القاسم عليِّ بن الحسين الزَّيْنَبِيِّ. رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 153.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 689.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 153.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 690.

(1)

في الجواهر بعد هذا زيادة "على".

ص: 273

‌2457 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد، الفقيه النَّحْوِيّ، جلال الدين ابن الفَصيح، العِراقيِّ الكُوفِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: طلَب الحديث. وسمع من الجَزَرِيّ، والذَّهَبِيِّ.

وشارَك في الفضائل.

وكان مولدُه، في شوّال، سنة اثنتين وسبعمائة.

ووفاتُه، سنة خمس وأربعين وسبعمائة. قالَه الصَّلاح الصَّفَدِيّ.

وقال ابنُ حَبيب في "دُرَّة الأسْلاك": كان فاضلا مُفيدا، كاتبا مُجِيدا، وافرَ العِرْفان، مُثْمِر الأفنان، ذا نَظْمٍ طاب سماعه، وخطٍّ تُزْهِرُ بحُسْن المحَقَّق رِقاعُه.

سمع من الحُفّاظ بـ "بغداد"، وكتب وجمع وأفاد.

وأقام بـ "دمشق" مُسْتَوطِنا، واستمرَّ إلى أن أنشده الدَّهر:

يا مَن يَحيدُ عن الرَّدَى

طَرَقَ الفَنَا منك الْفِنا

وكانتْ وفاتُه بها، عن ثلاث وأربعين سنة، رحمه الله تعالى. انتهى.

* * *

‌2458 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 153. وترجمته في تاريخ علماء بغداد لابن رافع 64، 65، والدرر الكامنة 2: 349، 350.

ص: 274

ابن محمد بن حُسْكان *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو والدُ عُبيْد الله الآتي ذكرُه إن شاء الله تعالى.

وتقدَّم ابنُ ابْنِه صاعد بن عُبيد الله. ومحمد أخو صاعد يأتي في مَحَلِّه إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2459 - الشيخ الفاضل عبد الله

(1)

بن أحمد بن محمود، حافظ الدين أبو البَرَكات، النَّسفِيّ، أحدُ الزّهّاد المتأخِّرين، والعُلماء العاملين

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 154. وترجمته في الجواهر المضية برقم 691.

(1)

عدّه ابن كمال باشا من طبقة المقلّدين القادرين على التمييز بين القويّ والضعيف، الذي شأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة، والروايات الضعيفة، وهي أدنى طبقات المتفقّهين، منحطة عن درجة المجتهدين والمخرّجين، و المرجّحين، وعدّه غيره من المجتهدين في المذهب. وقال: إنه اختتم به، ولم يوجد بعده مجتهد في المذهب، وأما الاجتهاد المطلق فقد اختتم بالأئمة الأربعة، وفرّع عليه وجوب تقليد واحد منهم على الأمة، وقد ردّه بحر العلوم مولانا عبد العلي اللكنوي في "شرح تحرير الأصول" و"مسلّم الثبوت" بأنه قول لا يعبأ به، بعيد عن حيز الثبوت، بل هو رجم بالغيب بلا شكّ ولا ريب، وقد ذكرت أقسام المجتهدين وعدم اختتام الاجتهاد بتصريح المحقّقين في رسالتي "النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير"، فطالعها إن شئت.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 154. =

ص: 275

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو صاحبُ التَّصانيف المفيدَة في الفقه والأصول.

منها: "المسْتَصْفَى في شرح المنظومة"، وشرح "النافع"، سمَّاه بـ "المنافع"، وله "الكافي في شَرْح الوافي"، وكلاهما من تصْنيفه، و"الكَنْز" المشهور، و"المنار" في أصول الفقه، و"مَنارٌ" آخرُ في أصول الدين، و"العُمدة"، و"شَرْح الأخْسِيكَثِيِّ" في الأصول.

وروَى "الزِّيادات" عن أحمد بن محمد العَتّابِيّ.

وسمع ابنُ الشِّحْنَة في هذا الموضع على هامش نُسْخته من "الجواهر" ما صورتُه: قال سيِّدِي الجدُّ شيخُ الإسلام، في أوائل شَرْحه على "الهداية" المسمَّى "نهاية النِّهاية": وقفتُ على تاريخ وفاته - يعني وفاة الشيخ حافظ الدين النَّسَفي - بخَطِّ بعض الفُضَلاء، في شهر ربيع الأوّل، سنة إحدى وسبعمائة، في ليلة الجمعة، وأنَّه دُفِن في بلَدِه. "إيذَج"، و"إيذَج"، بكسر الهمزة، ثم تحتانيَّة ثم ذال مُعْجَمة مفتوحة ثم جيم: كُورَةٌ وبلدٌ بين "خُوزسْتان" و"أصْبهان"، وهي أجلُّ مُدُن هذه الكُورة، بها قَنْطرةٌ من عجائب الدنيا. و"إيذج" أيضًا: من قُرى "سَمَرْقَنْد". انتهى كلام سيِّدي الجدِّ.

وقرأتُ بخطِّ ابن الشِّحْنَة المذكور أيضًا: وشَرح "المنار"، وسماه "الكشف"، وشرح "العُمدة"، وسماه "الاعتماد". ولا يُعْرَف له شرحٌ على "الهداية".

= وترجمته في إيضاح المكنون 1: 98، وتاج التراجم 30، والجواهر المضية برقم 692، والدرر الكامنة 2: 352، والسلوك للمقريزِي 2: 348، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 113، والفوائد البهية 101، 102، وكتائب أعلام الأخيار برقم 478، وكشف الظنون 1: 119، 2: 1168، 1174، 1515، 1640، 1675، 1823، 1849، 1862، 1922، 1997، 2034، ومفتاح السعادة 2: 188، 189، وهدية العارفين 1:464.

ص: 276

ورأيتُ بخطِّ ابن سابِق الحنفيِّ ما معناه، أنَّ له شَرْحا أصْغَرَ على "المنار"، سماه "العَطْف من الكشف"، وشَرْحِيْن على الأخْسِيكَثِيّ، وله "المدارك"، في التفسير.

ونقل عن "تاج التراجم"، أنّه مات سنة عشر وسبعمائة. رحمه الله تعالى.

ورأيتُ بخطِّ بعضِ الناس، أنَّه تُوُفِّيَ في شهر ربيع الأول، في سنة إحدى وسبعمائة في بلدة "إيذَجْ".

قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية": قد انتفعت من تصانيفه بـ "الوافي"، و"الكافي"، و"المستصفى"، وهو الذي قد يسمّى بـ "النافع"، و"المنار"، وشرحه "الكشف"، وغير ذلك، وكل تصانيفه نافعة معتبرة عند الفقهاء، مطروحة لأنظار العلماء، وقد أرخ القارئ وفاته سنة إحدى وسبعمائة، وذكر أن من تصانيفه:"المدارك" في التفسير، وشرحان على "منتخب الأخسيكثي"، وشرحان على "المنار"، أحدهما "الكشف"، والثاني ألطف منه. انتهى. وقال قاسم بن قطلوبغا في رسالته "الأصل في بيان الوصل والفصل": إن موت النسفي بعد عشر وسبعمائة. انتهى. وفي "الجواهر المضية" حافظ الدين لقب إمامين، أحدهما محمد بن محمد بن نصر البخاري، سمع منه أبو العلاء، والآخر عبد الله بن محمود أبو البركات، صاحب التصانيف المفيدة في الفقه، سمع منه السغناقي، وكلاهما تفقها على شمس الأئمة محمد بن عبد الستّار الكردري. انتهى. وفيه أيضًا في حرف العين عبد الله بن أحمد حافظ الدين النسفي، تفقّه على الكردري، وروى "الزيادات" عن أحمد بن محمد العتابي. انتهى. وتبعه في هذا القارئ. وقال الكفوي في ترجمة العتّابي: قد نصّ في "الجواهر" أن العتّابي مات سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، وأنى تصحّ رواية شخص مات سنة عشر وسبعمائة عن شخص مات سنة ستّ وثمانين وخمسمائة. انتهى. وفي "كشف الظنون" عند ذكر "الهداية" وحواشيها: وشرح "الهداية" الإمام حافظ الدين أبو

ص: 277

البركات عبد الله ابن أحمد النسفي المتوفى سنة 710 هـ. وفي "طبقات تقي الدين" من خطّ ابن الشِّحْنة أنه لا يعرف له شرح على "الهداية". وفي هوامش "الجواهر" أنه دخل "بغداد"، وشرح "الهداية" سنة 600 هـ. وفيه عند ذكر "الوافي" ذكر الإتقاني في "غاية البيان" أن النسفي لما نوى أن يشرح "الهداية" سمع به تاج الشريعة، وهو من أكابر عصره، فقال: لا يليق بشأنه، فرجع عما نواه، وشرع في أن يصنّف كتابا مثل "الهداية"، فألّف "الوافي"، ثم شرحه، وسماه بـ "الكافي"، فكأنه شرح "الهداية"، وهو إمام كامل، فاضل، محرّر، مدّقق. انتهى.

* * *

‌2460 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أحمد بن محمود الكَعْبِيِّ، أبو القاسم البَلْخِيّ، صاحبُ التَّصانيف في علم الكلام

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكرهُ الخطيبُ، وقال: مِن مُتَكَلِّمِي المعْتزلَة البَغْداديِّين.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 155.

وترجمته في الأنساب 485، وإيضاح المكنون 2: 220، وتاج التراجم 31، وتاريخ بغداد 9: 384، والجواهر المضية برقم 693، وسير أعلام النبلاء 15: 255، 256، وشذرات الذهب 2: 281، والعبر 2: 176، وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة 297، والكامل 8: 236، كشف الظنون 1: 200، 446، 2: 1187، 1608، 1758، 1782، واللباب 3: 44، ولسان الميزان 3: 255، 256، والمنتظم 6: 238، وهدية العارفين 1: 444، ووفيات الأعيان 3:45.

ص: 278

أقام بـ "بغداد" مُدَّةً طويلة، واشْتهرتْ بها كُتُبه، ثم عاد إلى "بَلْخ" فأقام بها حين وفاته.

قال: وتُوُفِّي في أوّل شعبان، سنة تسع عشرة وثلاثمائة

(1)

. رحمه الله تعالى.

وذكره صاحبُ "الدُّرِّ الثَّمين في أسماء المصنِّفين"، وأرَّخ وفاته كما ذكره الخطيبُ، ثم قال: رأيتُ له "كتابا في تفسير القرآن المجيد"، على رَسْمٍ لم يُسْبَقْ إليه، في اثني عشر مُجلَّدا، وكتابَ "مَفاخِر خُراسان"، و"مَحاسِن الطاهر"، وكتاب "عُيون المسائل"، تسع مُجلَّدات، وكتاب "أوائل الأدلَّة"، وكتاب "المقالات"، وكتاب "المسْتَرْشد في الإمامة، وكتاب "الأسماء والأحكام"، وكتاب "تجْديد الجَدَل"، وكتاب "نَقْضِ كتاب أبي عليِّ الجُبَّائِيِّ في الإرادة"، وكتاب "أدب الجَدَل"، وكتاب "السُّنة والجماعة"، وكتاب "الفتاوى الواردة من جُرْجان والعراق"، وكتاب "نَقْضِ النَّقْض على المجَبِّرة"، وكتاب "الجَوابات"، وكتاب "الانْتقاد للعِلْم الإلهِيّ على محمد بن زكريا"، وكتاب "تُحَف الوُزَراء".

وكان يُصرّح بالاعْتزال في الكتب. وحضر عند بعضِ العلماء، فدعاه إلى شَراب النَّبيذ، فأنْشَدَه هذه الأبيات:

لو كنتُ واجدَ عَقْلٍ أشْتَرِيه إذا

جالستُ في زِينَة الدنيا مُحَيَّاهُ

لَكُنتُ أطْلبُه جُهْدِي فأجْمَعُه

إلى الذي هو عندي حيثُ ألْقاهُ

فكيف أشْرَبُ شيئا لا يُفارِقُنِي

حتى يُغَيِّرَ عقلِي حين أُسْقاهُ

* * *

‌2461 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إدريس بن يَزيد بن عبد الرحمن

(1)

في تاريخ وفاته اختلاف. انظر مصادر الترجمة.

ص: 279

الإمام القُدْوَة الحُجَّة، أحدُ الأعلام أبو محمد الأوْدِيِّ الكُوفِيِّ *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: حدَّث عن أبيه، وسُهيل بن أبي صالح، وحُصَيْن بن عبد الرحمن، وأبي إسحاق الشَّيْبانِي، وهشام بن عُرْوة، والأعْمَش، وابن جُرَيْج، وخَلْق.

وعنه الإمام مالك، وابنُ المبارك، وأحمد، وإسحاق، ويحيى، وابنا أبي شَيْبة، والحسن بن عَرَفة، وأبو كُرَيْب، وأحمد بن عبد الجَبَّار العُطارِدِيِّ، وخلائِقُ.

أقْدَمه الرَّشيد ليُوَلِّيَه القضاءَ فأبَى.

قال بِشْر الحافِي، رضي الله تعالى عنه: ما شَرِب أحدٌ ماءَ الفُرات فسَلِم، إلا عبدَ الله بن إدريس.

وقال أحمد بن حَنْبل، رحمه الله تعالى: كان عبد الله بن إدريس نَسِيجَ وَحْدِه.

وقال يعقوب بن شَيْبَة: كان عابدا فاضلا، يسْلُكُ في كثير من فُتْياه ومذاهبه مَسْلكَ أهلِ المدينة، ويخالِفُ الكوفيِّين، وكان صديقا لمالك، رحمه الله

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 156. وترجمته في تاريخ بغداد 9: 415 - 421، وتاريخ خليفة بن خياط (دمشق) 739، والتاريخ الكبير للبخاري 3: 1: 47، والتاريخ لابن معين 2: 295، وتذكرة الحفاظ 1: 282 - 284، وتهذيب التهذيب 5: 144 - 146، والجرح والتعديل 2: 2، 8، 9، والجواهر المضية برقم 694، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 190، ودول الإسلام 1: 121، وسير أعلام النبلاء 9: 42 - 48، وشذرات الذهب 1: 330، وطبقات الحفاظ 118، وطبقات خليفة بن خياط (دمشق) 399، وطبقات القراء 1: 410، والطبقات الكبرى لابن سعد 6: 271، والعبر 1: 308، والمشتبه 34، والمعارف 510.

ص: 280

تعالى عنه. قال: وقيل إنّ جميعَ ما يَرْويه مالكٌ، رحمه الله تعالى عنه، في "الموَطّأ"، بلَغَنِي عن عليٍّ أنَّه سمِعَه من ابن إدريس.

وعن أبي حاتم، رحمه الله تعالى وهو إمام من أئمة المسلمين، حُجَّة.

وقيل: لم يكُن بـ "الكوفة" أحدٌ أمْثَلَ منه.

وعن الحسَن بن عَرَفةَ، رحمه الله تعالى: لم أرَ بـ "الكوفة أحدا أفضلَ منه، وكان إذا لَحَن أحدٌ في كلامه لا يُحدِّثُه.

قال الحسن بن الربيع: قُرِئَ كتاب الخليفة إلى ابن إدريس، وأنا حاضر من عبد الله هارون، إلى عبد الله بن إدريس، فشَهِق، وسقط بعد الظهر، فُقْمنا العصرَ وهو على حالِه، فأتَيْتُه قبلَ المغرب، فصَبَبْنا عليه الماء، فلمّا أفاق قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صار يعْرفُنِي حتى يكتُبَ إليَّ، أيُّ ذَنْبٍ بلغَ بي هذا.

وعن وَكِيع، أنَّ عبدَ الله بن إدريس امْتَنَع من القضاء، وقال للرَّشيد: لا أصْلُح

(1)

.

فقال الرشيد: وَدَدْتُ أنِّي لم أكُن رأَيْتُك. قال وأنا وَدَدْتُ أنِّي لم أكُن رأيْتُك. فخرج ثم وَلَّى حَفْص بن غِياث، فبعثَ الرَّشيد بخمسة آلاف إلى ابن إدريس، فقال للرسول، وصاح به: مُرَّ من هنا. فبعَث إليه الرشيد، فقال: لم تَلِ لنا، ولم تقْبَلْ صِلَتَنا، فإذا جائك ابني المأمونُ فحدِّثْه. فقال: إن جاء مع الجماعة حدَّثْناه، وَحلَف أن لا يُكلِّمَ حَفْصا حتى يموتَ.

وكانتْ ولادة عبد الله، سنة عشرين ومائة

(2)

، ووفاته سنة اثنتين وتسعين ومائة.

(1)

في بعض النسخ زيادة "فقال الرشيد: لا أصلح" تكرار، وانظر الخبر في تاريخ بغداد 9: 416: 417.

(2)

ذكر الذهبي أن هذا قول شاذ، انظر سير أعلام النبلاء 9: 46، ودكر الخطيب أن ولادته كانت سنة خمس عشرة ومائة. انظر: تاريخ بغداد 9: 420.

ص: 281

ولما نزَل به الموتُ بكَتْ بنتُه، فقال: لا تَبْكِي، قد ختمتُ [القرآن]

(1)

في هذا البيت أربعة آلاف خَتْمَة.

ومَحاسِنُ عبد الله كثيرة، وفضائلُه شَهيرة.

ومن المنقول عنه من المسائل الفقهية، أنَّه قال: سألتُ مالكا وابن أبي الزِّناد

(2)

، عن رجلٍ قال لامْرأته: أنتِ طالق. ينْوِي ثلاثا. قالا: هُنَّ ثلاثُ تَطْليقات. قال ابنُ إدريس: وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: هي واحدةٌ.

قال يحيى: وبقَوْل أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه نأخذُ، ألا تَرَى أنَّ الله تعالى قال {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}

(3)

، فلا يكون الطلاق إلا باللسان، لا يكون بالنية. انتهى.

قال صاحب "إعلاء السنن": ذكره الذهبي في الحفّاظ، ووصفه بالإمام، القدوة، الحجّة، أحد الأعلام، حدّث عن أبيه، وسهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة، والأعمش، وابن جريج، وخلق، وعنه مالك الإمام، وابن المبارك، وإسحاق، ويحيى، وابنا أبي شيبة، وخلائق. قال أبو حاتم: هو إمام من أئمة المسلمين، حجّة. وقيل: لم يكن بـ "الكوفة" أحد أعبد منه. وقال الحسن بن عرفة: لم أر بـ "الكوفة" أفضل منه. في "جامع المسانيد": يقول: أضعف عباد الله، مع أنه شيخ مالك، يروي عن الإمام أبي حنيفة. وفي "التهذيب" قال النسائي: ثقة، ثبت. وقال ابن سعد: وكان ثقة، مأمونا، كثير الحديث، حجّة، صاحب سنة وجماعة. وقال الخليلي: ثقة، متفق عليه.

* * *

(1)

تكملة من تاريخ بغداد، والجواهر، وسير أعلام النبلاء.

(2)

في بعض النسخ "زياد"، والمثبت من الجواهر.

(3)

سورة البقرة 229.

ص: 282

‌2462 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إسحاق بن يعقوب النَّصْرِيّ

*

ذكره الحافظُ حمزة بن يوسف السَّهْمِيّ في "تاريخ جُرْجان"، فقال: من أصحاب أبي حنيفة، روَى عن عِمْران بن موسى السِّخْتِيانِيّ.

وروى عنه ابنُه إسحاق أبو يعقوب النَّصْرِيّ. وقد تقدَّم. انتهى من غير زيادة.

* * *

‌2463 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن أسلم بن نور محمد البهلوي، رحمه الله تعالى

* *

ولد في "بهلي" من مضافات "شجاع آباد" من أعمال "ملتان" 1 رمضان سنة 1313 هـ.

قرأ مبادئ العلم على مولانا محمد شاه، ومولانا قادر بخش شاه، ثم قرأ في عدّة مدارس، وسافر إلى دار العلوم ديوبند، والتحق بها، وقرأ في السنة الأولى "سلّم العلوم"، و"ملا حسن"، و"الميبذي"، و"التصريح".

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 158.

وترجمته في تاريخ جرجان 255، والجواهر المضية برقم 695.

* * راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت بنجاب 2: 271 - 287، وأكابر علماء ديوبند ص 333.

ص: 283

وقرأ في السنة الثانية كتب الصحاح الستّة، وغيرها من الكتب الحديثية، وذلك في سنة 1333 هـ، ثم التحق بشيخ التفسير مولانا العلامة أحمد علي اللاهوري، وقرأ عليه كتب التفسير سنة.

وبعد الفراغ رجع إلى وطنه الأليف، والتحق بمدرسة مظهر العلوم، ودرّس فيها 32 سنة.

بايع في الطريقة على يد الشيخ مولانا محمد أمير الدامادي، ثم بايع مرة ثانية على يد مولانا فضل علي القريشي، وحصلت له الإجازة منه.

صنّف كتبا كثيرة، منها:"تفسير القرآن الكريم"، و"قواعد القرآن"، و"القول الوجيز في أصول كلام العزيز"، و"الكلمة الراجحة في تفسير سورة الفاتحة" بالفارسية، و"المستدلّات الحنفية" بالعربية، و"خير الأذكار في حياة سيّد الأبرار"، و"شجرة طيبة"، و"آداب الشيخ والمريد"، وغيرها.

توفي 22 محرّم الحرام سنة 1398 هـ.

* * *

‌2464 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل اللدهيانوي

*

ولد في قرية "دبيله" من مضافات "لدهيانه" من أرض "الهند".

قرأ مبادئ العلم على أبيه، وبعد وفاته أقام في "لدهيانه" مدّة، ثم سافر إلى "أمرَتْسَر"، والتحق بمولانا نور أحمد، ومولانا المفتي محمد حسن، ثم ارتحل إلى دار العلوم، والتحق بها سنة 1328 هـ، وأتم فيها الدراسة العليا.

* راجع: أكابر علماء ديوبند 317 - 318.

ص: 284

وبعد إتمام الدراسة درّس في "لدهيانه"، وقد بايع في السلوك عند إقامته في "ديوبند" على يد شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، وحصَّل منه الإجازةَ لرواية الحديث النبوي، واستفاد من الإمام العلامة أنور شاه الكشميري أيضًا.

وبعد إتمام الدراسة رجع إلى وطنه الأليف، وأسّس المدرسة الأنورية، ثم المدرسة النعمانية.

وبعد تقسيم "الهند" صنّف عدّة كتب ورسائل، بايع بعد وفاة شيخه الأول على يد المفتي محمد حسن الأمرَتْسَري، وحصلت له الإجازة منه.

توفي سنة 1395 هـ.

* * *

‌2465 - الشيخ الفاضل عبد الله بن إله داد الجونبوري، أحد العلماء المبرّزين في العلوم العربية

*

ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، فقال: ولد، ونشأ بمدينة "جونبور"، واشتغل بالعلم من صباه، وقرأ على أبيه، ولازمه ملازمة طويلة، حتى برع، وفاق أقرانه في العلم والمعرفة، وإني أظنّ أن هذا هو الشيخ بهكاري، الذي ذكره البدايوني، فإن أهل "الهند" من عادتهم أنهم يسمّون أبنائهم باسم، ويدعونهم باسم آخر مختصر خفيف على لسانهم، والله أعلم.

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 4: 183.

ص: 285

‌2466 - الشيخ العالم الفقيه عبد الله بن أنصار علي بن أحمد على بن قطب علي بن غلام محمد الأنصاري، الأنبهتوي، أحد عباد الله الصالحين

*

ولد، ونشأ بـ "أنبهته" قرية من أعمال "سهارنبور"

(1)

، وقرأ العلم على خاله الشيخ يعقوب بن مملوك العلي، وصهره الشيخ قاسم بن أسد علي النانوتوي.

وقرأ فاتحة الفراغ سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وأسند الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري، والسيّد عالم النكينوي، والقارئ عبد الرحمن الباني بتي.

وقرأ "المثنوي المعنوي"

(2)

على الشيخ الأجلّ إمداد الله العمري التهانوي المهاجر، وولي الخطابة والموعظة في مدرسة العلوم بـ "عليكره" لانتسابه إلى

* راجع: نزهة الخواطر 8: 304.

(1)

"سهارنبور": فتح السين المهملة، والهاء، بعدها ألف، وراء مفتوحة، ونون ساكنة، مدينة عامرة ذات جوامع ومدارس.

"كليري": بفتح الكاف، وإسكان اللام، وفتح التحتية، بعدها راء مهملة، كانت بلدة كبيرة ذات جوامع وزوايا، وإليها ينسب الشيخ علاء الدين علي أحمد الصابر الكليري، وهي اليوم خاوية على عروشها.

(2)

ومن شروح "المثنوي المعنوي" للعارف الرومي: "شرح المثنوي" للسيد عبد الفتاح العسكري الأحمدآبادي، و"شرح المثنوي" للشيخ ولي محمد النارنولي، و"شرح المثنوي" للشيخ محمد أفضل بن عبد الرحمن العباسي الإله آبادي، =

ص: 286

الشيخ قاسم المذكور سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، وهو قليل الخبرة بالعلوم مع صلاح في الطريقة الظاهرة.

مات في نحو أربع وأربعين وثلاثمائة وألف في "بومبائي".

* * *

‌2467 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أبي بكر بن أبي عبد الله، أبو القاسم، النَّيْسابُورِيّ، الإمام العلامة

*

= و"شرح المثنوي" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الله العباسي، و"لطائف المعنوي" كناب في حل غربيه للشيخ عبد اللطيف المذكور، و"مكاشفات رضوي" شرحه للشيخ محمد رضا الشطاري اللاهوري، و"شرح المثنوي" للشيخ محمد أيوب القرشي اللاهوري، صنّفه سنة 1120 هـ، و"شرح المثنوي" للشيخ محمد معظم الصديقي النابهوي، و"شرح المثنوي" للشيخ عبد القادر بن شريف الدين الكنتوري، ثم المدراسي، و"شرح المثنوي" للعلامة عبد العلي بحر العلوم، و"كليد مثنوي" شرحه بالأردو للعلامة أشرف علي بن عبد الحق التهانوي، و"بوستان معرفت" شرح بالأردو للمولوي عبد المجيد البيلي بهيتي، و"شرح المثنوي" بالأردو للمولوي عبد الرحمن بن محمد حسين الدهلوي، و"بيراهن بوسفي" ترجمته بالأردو نظما بنظم للمولوي يوسف علي جلال الدين الجشتي النظامي الزنبيل شاهي الجاوري، و"ترجمة المثنوي" بالأردو نظما بنظم للمولوي أبي الحسن بن إلهي بخش الكاندهلوي، و"تكملة المثنوي" للمفتي إلهي بخش بن شيخ الإسلام الكاندهلوي، و"فتح الجمال" شرح على "المثنوي المعنوي" للشيخ جمال الدين بن ركن الدين الكجراتي. انظر: الثقافة الإسلامية في الهند 191، 192.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 159. وترجمته في الجواهر المضية برقم 696.

ص: 287

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو فَقيهُ أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، ومُناظِريهم، ومُذاكرِيهم

(1)

في عصرِه.

روَى "الشَّمائل" للتِّرْمِذِيّ، عن القاضي أبي طاهر محمد بن علي الإسْماعِيلِيّ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن خَلَف، عن الهَيْثَم بن كُلَيْب، عن التِّرمِذِيّ.

وكانتْ وفاتُه ليلة الجمعة، عشيَّة في جمُادَى الآخرة، سنة اثنتين وخمسمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2468 - الشيخ الفاضل عبد الله بن جعفر الرّازِيّ، أبو عليّ، الإمام

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو من أصحاب محمد بن سَمَاعة. روَى عنه، عن أبي يوسف: سمعتُ أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول: حَجَجْتُ مع أبي، سنة ثلاث وتسعين، ولي [سِتَّ عشرةَ]

(2)

سنة، فإذا شيخٌ قد اجْتمع عليه الناس، فقلتُ لأبي: مَن هذا الشيخُ؟ فقال: هذا رجلٌ قد صَحِبَ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم، يُقالُ له: عبد الله بن الحارث بن

(1)

في الجواهر "ومذكريهم".

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 159.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 697، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 51، والفوائد البهية 102، وكتائب أعلام الأخيار برقم 139.

(2)

في بعض النسخ "تسعة عشر"، والنقل عن الجواهر 2: 300، وأصله في جامع بيان العلم وفضله، كما يأتي.

ص: 288

جَزْء

(1)

قلتُ لأبي: فأيُّ شيءٍ عنده؟ قال: أحاديثُ سَمِعَها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فقلتُ لأبي: قدِّمْنِي إليه. حتَّى أسمعَ منه. فتقدَّمْتُ بين يدَيْه، وجعل يُفَرّج الناسَ حتى دَنَوتُ منهُ، فسمعتُه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَفَقَّه في دين الله، كَفَاهُ الله هَمَّهُ، ورَزَقهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتسِبُ".

قال أبو عمر ابن عبد البَرِّ

(2)

: أُخبِرْتُ عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد الصَّيْدَلانِيّ المكِّيّ، حدَّثنا أبو جعفر محمد بن عمرو

(3)

بن موسى العُقَيْلِيِّ، حدَّثنا أبو عليّ عبد الله بن جعفر الرّازِيّ. فذكره. قال أبو عمر (2): ذكر محمد بن سعد [كاتب]

(4)

الوَاقِدِيّ، أنّ أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، رأى أنَسَ بن مالك، رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبَيْدِيّ. هكذا ذكره، وسكت عنه. كذا في "الجواهر المضية".

قال ابنُ كثير في "تاريخه"

(5)

: وذكَر بعضهم، أنّه - يعني أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه - روَى عن سبعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وهم: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن أنيس، وعبد الله بن أبي أوْفَى، وعبد الله ابن الحارث بن جَزْء الزُّبَيْدِيّ، ومَعْقِل بن يَسار، وواثِلَة بن الأسْقَع، وعائشة بنت عَجْرَد، رضى الله تعالى عنهم. قال: وقد روَيْنا عن أبي حنيفة، عن

(1)

ذكر ابن حجر في التهذيب 5: 179، الاختلاف في سنة وفاته، وأبعد تاريخ ذكره سنة ثمان وثمانين، فكيف يتفق هذا مع تاريخ الحادثة الذي نقله المؤلف، وهو سنة ثلاث وتسعين.

(2)

في جامع بيان العلم وفضله 1: 54.

(3)

في بعض النسخ: "عمر"، والنقل عن جامع بيان العلم، والجواهر. وانظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 3:833.

(4)

تكملة من جامع بيان العلم، والجواهر.

(5)

انظر: البداية والنهاية 10: 107، ولم أجده في ترجمته فيها.

ص: 289

هؤلاء، عِدَّةَ أحاديثَ في صِحَّتها إلى أبي حنيفة نَظَرٌ؛ فإن في الإسناد إليه من لا يُعْرَف، وفي مَتْنِ بعْضِها نَكارةٌ شَديدة. وساق بسَنَده عن أبي حنيفة عن أنس، رضي الله تعالى عنه مرفوعا:"مَن قال لا إله إلا الله، خالصًا مُخْلِصا بها قَلْبُه، دَخَل الجنة، وَلَو تَوَكَّلْتُم على الله حَقَّ تَوَكُّلِه، لَرَزَقَكم كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِماصا، وتعودُ بِطانا"

(1)

؛ ثم قال - أعْنِي ابنَ كَثير - وعن جابر، رضي الله تعالى عنه: بَايَعْنا رَسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عَلَى السَّمْع والطَّاعة، والنُّصْح لكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ

(2)

.

وعن عبد الله بن أُنَيْس، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا:"رأيتُ في عارِضَيِ الجَنَّة مَكْتوبا ثلاثةَ أسْطُرٍ بالذهب الأَحْمَر، لا بماء الذهب، والسَّطْرُ الأوَّل لَا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، الثانِي الإمام ضامنٌ، المؤَذِّن مُؤْتَمَنٌ، فارْشُدِ الأئِمَّة واغْفِرْ للْمُؤَذِّنينَ، الثالث وَجَدْنا ما عَمِلْنا، رَبِحنا ما قَدَّمْنا، خَسِرْنا ما خَلَّفْنا، قَدِمْنا على رَبٍّ غَفُورٍ"

(3)

.

(1)

هذان حديثان، الأول: من قال لا إله إلا الله. . . عزاه صاحب كنز العمال 1: 295، إلى ابن النجار، والثاني: لو توكلتم. . . أخرجه الترمذي، في باب في التوكّل على الله، من أبواب الزهد، عارضة الأحوذي 9: 207، 208، وابن ماجه، في باب التوكل واليقين، من كتاب الزهد، وسنن ابن ماجه 2: 1394، والإمام أحمد في المسند 1: 30، 52، وهو مروي عن عمر.

(2)

ذكره صاحب كنز العمال 1: 323، من مسند جرير.

(3)

لم أعثر عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، فارشد الأئمة، واغفر للمؤذنين، أخرجه أبو داود في باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، من كتاب الصلاة، سنن أبي داود 1: 123، والترمذي، في باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، من أبواب الصلاة، وعارضة الأحوذي 2: 8، والإمام أحمد في المسند 2: 232، 284، 378، 382، 419، 424، 461، 472، 514، عن أبي هريرة.

ص: 290

وعن عبد الله بن أبي أوفَى، رضي الله تعالى عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "حُبُّكَ الشَّيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ، الدّالُّ عَلى الخير كَفَاعِله، وإنَّ الله يُحِبُّ إغاثَةَ الملْهُوفِ"، وفي لفظٍ:"اللَّهْفان"

(1)

.

وعن عبد الله بن الحارث بن جَزْء، مرفوعا:"إغاثَةُ الملْهوف فرْضٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ، ومن تَفَقَّه في دين الله كَفاه الله هَمَّه، ورَزَقهُ مِن حيثُ لا يَحْتَسِب"

(2)

.

وعن مَعْقِل بن يَسار، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا:"عَلامة المؤْمِن ثَلاثٌ: إذا قال صَدَق، وإذا وَعَد وَفى، وإذا حَدَّ لم يخُن".

وعن واثلة بن الأسْقَع، رضى الله تعالى عنه، مرفوعا:"لا يَظُنُّ أحدُكم أنَّه يَتَقَرَّبُ إلى الله تعالى بأقْرَبَ مِن هذه الرَّكَعات". يعني الصّلوات الخمس.

وعن عائشة بنت عَجْرَد، رضي الله تعالى عنها، مرفوعا:"الجَرَاد أكْثَرُ جُنُود الله في الأرض، لا آكلهُ"

(3)

.

انتهى ما رواه ابنُ كثير في "تاريخه"، من الأحاديث التي رواها أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقد كان

(1)

انظر: مسند أبي حنيفة 213 - 216، وقوله صلى الله عليه وسلم: حبك الشيء يعمي ويصم، أخرجه أبو داود، في باب في الهوى، من كتاب الأدب، وسنن أبي داود 2: 627، والإمام أحمد، في المسند 5: 194، عن أبي الدرداء، وقوله: الدال على الخير كفاعله، أخرجه الإمام أحمد، في المسند 5: 357، عن بريدة. وانظر لقوله: إن الله يحب إغاثة الملهوف، كنز العمال 6:360.

(2)

حديث: من تفقه في دين الله في الجامع الكبير 1: 764، وانظر مسند أبي حنيفة 20، وتنزيه الشريعة 1:271.

(3)

أخرجه أبو حنيفة في مسنده، صفحة 194، وذكره ابن الأثير، في أسد الغابة 7:193.

ص: 291

مَحَلُّها في هذه الطبقات في ترجمة الإمام الأعظم، ولكن لم نذكرُها هناك نِسْيانا، فذكَرْناها هنا للمُناسبة، وتدارُكا لما فات، والله تعالى أعلم.

* * *

‌2469 - الشيخ الفاضل عبد الله بن حَجَّاج بن عمر الكاشْغَرِيّ الصُّوفيِّ

*.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: أخذ عن الحُسام حُسَين بن علي بن حَجَّاج السِّغْناقِيّ.

قال ابن حَجَر: أخذ عنه شيخنا شمس الدين ابن شُكْر

(1)

بـ "مكة"، ودرَّس بـ "الشِّبْلِيَّة"، بصالِحِيَّة "دمشق"، عِوَضا عن شمس الدين الأذرَعِيّ، في سنة اثنتَيْ عشرةَ وسبعمائة.

ومن إنشاده، رضي الله تعالى عنه، عن السِّغْناقِيّ، عن حافظ الدين النَّسَّابة، عن شمس الأئمة الكَرْدَرِيّ، عن بُرْهان الدين المرْغِينانِي صاحب "الهداية"، قال: أنْشَدني مُعين الدين أبو العَلاء محمد بن محمد الغَزْنَوِيُّ النَّيْسابُورِيّ لنفسه

(2)

:

لَكَسْرةٌ مِن خَشِينِ الخُبْزِ تُشْبِعُنِي

وشَرْبةٌ من قَرَاح الماء تَرْوِيْني

وخِرْقَةٌ من حَرِيشِ الثّوب تسْتُرنِي

حَيّا وإن مُتُّ تَكْفِيْنِي لِتَكْفِينِي

ولا أرَدَّدُ في الأبْواب مُضْطَهَدا

كما ترَدَّد ثَوْرٌ في الفَدادِينِ

لأجْعَلَنَّ وِلاياتٍ فُتِنْتُ بها

فِداءَ عِرْضِيَ والدنيا فِدا دِينِي

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 162. وترجمته في الدرر الكامنة 2: 360، 361.

(1)

في الدرر "سكر".

(2)

الأبيات في الدرر 2: 360، 361.

ص: 292

‌2470 - الشيخ الفاضل الكبير الشيخ الفاضل عبد الله بن حسن العفيف الكازروني فقيه من علماء الحنفية

*

من أهل "مكة".

ولد، واشتهر بها.

لم يعرف تاريخ ولادته ولا وفاته. ولكنه كان حيا سنة 1102 هـ.

له تصانيف، منها:"أقرب المسالك إلى بغية الناسك"، كتب سنة 1079 هـ، و"الفتاوى"، زاد فيها أشياء على "إجابة السائلين" للحانوتي. ومن كتبه أيضًا:"التذكرة العفيفة في فقه الحنيفة"، و"حاشية على تفسير البيضاوي".

توفي بعد 1102 هـ.

* * *

‌2471 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد بن على بن عبد الملك

، قاضي القضاة، أبو القاسم، ابن القاضي أبي المظَفَّر، ابن القاضي أبي الحسين، ابن قاضي القضاة أبي الحسن، ابن

* راجع: الأعلام للزركلي 4: 79.

الأزهار الطيبة النشر. وجامعة الرياض 5: 8، ودار الكتب 1: 399، 450.

ص: 293

قاضى القضاة، أبي عبد الله الدّامَغانِيّ *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو أحدُ الأعْيان، من أولاد قاضي القضاة والعلماء والأئمة.

وأُذِن للشّهود بالشّهادة عنده وعليه، فيما يُسَجِّله عن الإمام الناصر لدين الله، فلم يزلْ عَلَى ولايته إلى أن عُزِل، في ثامن عشر رجب، من سنة أربع وتسعين وخمسمائة، ولَزِم منزلَه، وأُخْفِيَ ذِكْرُه مُدَّة طويلة، إلى أن تُوُفِّي رجلٌ، يُعْرَف بأبي الخَوافِي

(1)

، كان ناظرا في ديوان العَرْض، فظهرتْ له وَصِيَّةٌ إلى القاضي الدَّامَغانِيّ هذا، كانتْ بمبلغٍ من المال، فعُرضتْ على الخليفة، فلمّا رأى اسْمَه، قال: ما علمتُ أنّ هذا في الحياة إلى الآن. فأمَر بإحضارِه إلى دار الوزارة، وتقلَّد قضاء القضاة، فأُحْضِر يوم الاثنين

(2)

، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثلاث وستمائة، وقُلِّد قضاءَ القضاة، وشافَهَه بذلك الوزير ناصر الدين بن مَهْدِيّ العَلَوِيّ، وخَلَع عليه السَّوادَ، وقُرِيءَ عَهْدُه في جَوامِع "مدينة السلام"، وسَكَن بدار الخلافة المعَظَّمة، ولم يزلْ على ولايته إلى أن عُزِل، في الثالث والعشرون من رجب، سنة إحْدَى عشرة وستمائة، ولَزِمَ بَيْتَه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 163. وترجمته في البداية والنهاية 13: 82، والتكملة لوفيات النقلة 4: 357 - 359، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي 4: 1: 181، 182، والجواهر المضية برقم 698، وذيل الروضتين 110، 111، وشذرات الذهب 5: 63، والعبر 5: 56، والمختصر المحتاج إليه 2: 142، 143، والنجوم الزاهرة 6: 223، وبعض أخباره في الجامع المختصر لابن الساعي (انظر: فهرس الأعلام). ويلقب "عماد الدين، وزين الدين". وقد عدَّه المنذري شافعيا، وأجمع سائر من ترجمه على أنه حنفي.

(1)

في الجواهر "بأبي الحوامي".

(2)

في الجواهر "الثلاثاء".

ص: 294

وكان محمود السِّيرَة، سديدا الأفعال، مَرْضِيَّ الطريقة، نَزِها، عفيفا، مُتديِّنا، عالما بالقضاء

(1)

، والأحكام، غَزير الفضل، كاملَ النُّبْل، له يدٌ طولَى في المذهب والخلاف،

ويَعرفُ الفرائض والحساب، ويكتُب خَطًّا مَليحا حسنا، ويعرِف الأدبَ معرفةً حسنةً.

قال ابنُ النَّجّار: سمع الحديث من والِدِه، وعمِّه قاضي القضاة أبي الحسن عليّ، ومن شيوخِنا أبي الفَرَج ابنِ كُلَيْبِ، وغيره، وحدَّث باليسير. وسمعته يقول: مَوْلِدِي في رجب، سنة أربع وستين وخمسمائة.

ومات، رحمه الله تعالى، في سَلْخ ذي القَعْدة، سنة خمس عشرة وستمائة، وصلَّى عليه الحسين بن أحمد بن المهْتدِي

(2)

، خطيبُ جامع القصْر، بـ "المدْرسةِ النِّظامية"، يوم الأحد، ودُفِن على أبيه، بنَهْر "القَلايين". رحمهما الله تعالى.

* * *

‌2472 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الحُسين بن الحسن بن أحمد بن النَّضْر بن حَكيم النَّضْرِيّ، المرْوَزِيّ أبو العَبّاس، الحاكم

*

(1)

في الجواهر "بالقضايا".

(2)

في الجواهر "المهدي".

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 164.

وترجمته في تبصير المنتبه 1: 161، والجواهر المضية برقم 699، وشذرات الذهب 3: 24، والعبر 2: 308، 309، والمشتبه 84.

ص: 295

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تولَّى القضاء بـ "مَرْو" مُدَّةً.

ومات في سنة سبع وخمسين ثلاثمائة، عن سبع وتسعين سنة.

* * *

‌2473 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الحُسين بن عبد الله الهمدانِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال ابنُ النَّجّار: أبو القاسم، الفقيه الحنفيّ.

شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن عليّ بن محمد الدّامَغانيّ، في جمُادى الآخِرة، سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وزكَّاه العَدْلان أبو الخَطّاب محمود

(1)

بن أحمد الكَلْوَذانِيّ وأبو سعد المبارك بن علي المخَرِّمِيّ

(2)

، الحَنْبَلِيّان، فَقَبِلَ شهادتَه، ثم تولّى القضاء بـ "المدائن".

حدَّث باليسير، عن أبي القاسم عليِّ بن أحمد التُّسْتَرِيّ.

روَى عنه السِّلَفِيّ، وذكره في "مُعْجَم شُيوخِه". رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 164.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 700، وورد هكذا:"الهمدان" بالدال المهملة، وظني أنها بالمعجمة.

(1)

كذا جاء اسمه في الجواهر والعبر "محمود"، وهو في اللباب 3: 49، وفي ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1: 116 "محفوظ".

(2)

المخرمي: بضم الميم، وفتح الخاء، وكسر الراء المشددة، وفي آخرها ميم، نسبة إلى المخرم، محلة ببغداد، واللباب 3: 109، وانظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 1:166.

ص: 296

‌2474 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الحُسين، أبو محمد النّاصِحِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو قاضي القُضاة، وإمام المسلمين، وشيخ الحنفية في عصرِه، والمقدِّم على الأكابر من القُضاة والأئمة في دهرِه.

وَلِيَ القضاء للسُّلطان الكبير محمود بن سُبُكْتِكِين بـ "بُخارى".

وكان له مجلسٌ في النَّظر، والتَّدْريس، والفَتْوى، التَّصْنيف.

وله الطَّريقة الحَسنةُ في الفقه، المرْضِيَّة عند الفقهاء من أصحابه، [وكان]

(1)

وَرِعًا، مُجْتَهدا.

قَدِم "بغداد" حاجًّا، سنة اثنتَيْ عشرةَ وأربعمائة.

قال الخطيبُ: وكان ثِقَةً، دَيِّنا، صالحا، [وعُقِد له مجلسُ الإملاء]

(2)

.

وروَى الحديث عن بِشْر بن أحمد الإسْفَرَايِنِيّ، والحاكم أبي محمد

(3)

الحافظ، روَى عنه أبو عبد الله الفارسِيّ

(4)

، وغيرُه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 165.

وترجمته في إيضاح المكنون 1: 467، وتاج التراجم 31، وتاريخ بغداد 9: 443، والجواهر المضية برقم 701، وسير أعلام النبلاء 17: 660، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زاده، صفحة 80، والفوائد البهية 102، 103، وكتائب أعلام الأخيار برقم 246، وكشف الظنون 1: 21، 283، 2: 1400، 1676، وهدية العارفين 1: 451، 452.

(1)

تكملة لازمة.

(2)

ليس في تاريخ بغداد.

(3)

في تاريخ بغداد "أبي أحمد".

(4)

لعله محمد بن عبد العزيز بن محمد. انظر: العبر 3: 278.

ص: 297

وله "مختصر في الوُقوف"، ذكَر أنه اخْتصَره من كتاب الخَصّاف، وهِلال بن يَحْيى. وكانتْ وفاته، سنة سبع وأربعين وأربعمائة.

وقد تقدَّم ابن ابنه أحمد بن محمد، وابنه محمد يأتي في بابه، ويأتي عبد الرحيم ابن بنتِه قريبا، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2475 - الشيخ الفاضل عبد الله بن حمزة الغُوبَدِينِيّ، والِدُ أسْعد

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: روَى عنه ابنُه مُصَنَّفات محمد بن الحسن، عن أبي سعيد، عن جدِّه يعقوب، عن أبي سليمان الجُوزَجانِي، عن محمد بن الحسن.

* * *

‌2476 - الشيخ الفاضل عبد الله بن خليل بن عثمان الزّولِيّ، جمال الدين

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 166.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 702.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 166.

وترجمته في كذا ذكره المؤلف، والذي في السلوك 3: 1: 70، 71، والدرر الكامنة 2: 179: "جمال الدين خليل بن عثمان ابن الزوْلِي". وتصحف في الدرر إلى "الرومي". وتأتي ترجمة عبد الله بن محمد الزولي برقم 1103. ولعلّهما لمترجم واحد.

ص: 298

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكَره الجلال السُّيوطِيّ، في "تذْكَرَته" التي سمّاها "الفُلْك المشْحون".

وقال: كان شافعيا، ثم صار حنفيا، وكان عبدا صالحا، كثيرَ السُّكون، وله بـ "شيخون" اخْتِصاصٌ، ولشَيْخُون فيه اعْتقاد، ووَلِيَ تدريسَ الحديث بالخانْقاه "الشَّيْخُونِيَّة" أوَّلَ ما فُتِحت، والخطابةَ والإمامة بجامع "شَيْخون".

وتُوُفِّي في حادي عَشْرِي مُحرَّم، سنة ثلاث وستين وسبعمائة.

ذكره المقْرِيزِيّ.

قُلْتُ: رأيتُ له مُؤلَّفا يتعلَّق بـ "العُمْدة". انتهى.

* * *

‌2477 - الشيخ الفاضل عبد الله بن داود بن عامر بن الرّبيع، أبو عبد الرحمن الخُرَيْبِيّ. ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع الثَّوْرِيَّ، والأوْزاعِيَّ

*

وروَى عنه محمد بن بَشَّر، ومحمد بن المثَنَّى.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 167.

وترجمته في الإكمال 3: 286، والأنساب 196، والتاريخ الكبير للبخاري 3: 1: 82، وتذكرة الحفاظ 1: 117، 338، وتقريب التهذيب 1: 412، 413، وتهذيب التهذيب 5: 199، 200، والجرح والتعديل 2: 2: 47، والجواهر المضية برقم 704، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 196، ودول الإسلام 1: 130، وسير أعلام النبلاء 9: 346، وطبقات القراء 1: 418، والطبقات الكبرى لابن سعد 7: 295، واللباب 1: 359، ومرآة الجنان 2: 56، والمعارف 520.

ص: 299

قال عمرو بن علي: سمعتُ الخُرَيْبِيّ يقول: ما كذبتُ قطُّ إلا مَرَّةً في صَغَرِي، قال له أبي: أذهَبتَ إلى الكُتّاب؟ فقلتُ: بلَى

(1)

. ولم أكُن ذهبتُ.

روَى له الجماعة إلا مُسْلما.

قال الطَّحاوِيّ: حدَّثنِي القاضي أبو حازم، حدَّثني سعدُ بن رَوْح، عن عبد الله ابن داود، وقال له رجلٌ: ما عَيَّب

(2)

الناس فيه على أبي حنيفة؟ فقال: والله ما أعْلمُهم عابوا عليه في شيء إلا أنَّه قال فأصاب، وقالوا فأَخْطأوا، ولقد رأيتُه يسْعى بين الصفا والمرْوة وأنا معه، وكانت الأعْيُنُ مُحِيطَةً به.

وقيل لعبد الله بن داود: إنّ بعض الناس كتب عن أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، مَسائلَ كثيرة، ثم لَقِيَه بعدُ، فرجع عن كثير منها، فقال: لا يَصُدَّنَّك هذا، إن أبا حنيفة كان مُطَّلعا على الفِقْه، وإنما يرجِعُ الفقيه عن القَوْل في الفِقْه إذا اتَّسَعَ عِلْمُه.

مات رحمه الله تعالى، يوم الأحد، النِّصف من شوَّال، سنة ثلاث عشرة ومائتين. كذا ترجمه في "الجواهر المضية".

وتَرْجمَه الحافظ الذَّهبيُّ في "طبقات الحُفّاظ"؛ فقال: عبد الله بن عامر، الإمام الحافظ القُدْوَة، أبو عبد الرحمن الشَّعْبِيِّ الكوفِيّ الخُرَيْبِيّ، كان يسْكن محلَّةَ الخُرَيْبة بـ "البصرة"، سمع هشام بن عُرْوة، والأعْمَش، وابن جُرَيْج، والأوزاعِيَّ، وطبقتَهم.

وحدَّث عنه الحسن بن صالح، وسفيان بن عُيَيْنة، هما من شُيوخه، ومُسَدَّد، وبُنْدار، وبشر بن موسى، وخلائق.

قال أبو سعد: كان ثقةً، عابدا، ناسكا.

(1)

كذا في الطبقات والجواهر، وفي تهذيب التهذيب:"كان أبي قال لي: قرأت على المعلم؟ قلت: نعم".

(2)

عيّبه: نسبه إلى العيب.

ص: 300

وقال ابن مَعين: ثقةً، مأمون.

وعن وَكيع قال: النّظَرُ إلى وَجْه عبد الله بن داود عبادةٌ.

وكان الخُرَيْبِيُّ يقول: لَيْتَنِي لَبِنَةٌ في حائط، متى أدخلُ أنا الجنةَ!

وكان ممَّن وقَف في مسألة القرآن، تورُّعا وجُبْنا. وكان يقول: ليس الدين بالكلام، إنما الدين بالآثار. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2478 - الشيخ الفاضل عبد الله بن درويش الركابي، الدمشقي، الشهير بالسكري

*

عالم، مشارك في كثير من العلوم.

ولد بـ "دمشق" سنة 1230 هـ، وتوفي بها في 13 شوّال سنة 1329 هـ.

من مؤلفاته الكثيرة: "نعمة الباري في شرح صحيح الإمام البخاري"، و"شرح عقيدة الباجوري"، و"رسالة في الإضافة لياء المتكلم"، و"رسالة في إغاثة الملهوف"، و"الدر النفيس فيما يحتاج إليه في ابتداء التدريس" و"الجوهر واللآل" في مصطلح أهل الحديث ومراتب الرجال.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 53.

ترجمته في منتخبات التواريخ لدمشق 2: 759، 760، وفهرس التيمورية 1: 102، 3: 139، وفهرس المخطوطات الظاهرية 245، وإيضاح المكنون 1: 286 (م) الحقائق بدمشق 2: 238، 239.

ص: 301

‌2479 - الشيخ الفاضل عبد الله بن دستان مصطفى المناستري الأصل، القسطنطيني، الرومي

*

متكلّم. من آثاره: "الرسالة الصمصامية في الرد على الطائفة النصرانية"، و"رسالة في فضائل ذكر الله عز وجل"، و"برهان الهدى في رد قول النصارى".

توفي سنة 1303 هـ.

* * *

‌2480 - الشيخ الفاضل عبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن وطبان بن ربيعة بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي

* *

شاعر.

ولد في "الزبير"، وتوفي بها سنة 1273 هـ.

جمع شعره خالد بن محمد الفرج في ديوان النبط.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 54.

ترجمته في فهرس كتب منتخبة من خزائن إستانبول 86 (ط) فهرس التيمورية 2: 198، 4: 50: 133، وهدية العارفين 1:492.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 54.

ترجمته في خالد محمد الفرج: ديوان النبط 170 - 192.

ص: 302

‌2481 - الشيخ الفاضل العلامة عبد الله بن رحمة الله الفَتُوَاري النواخالوي

*

ولد في "رائبُور" من أعمال "نواخالي" من أرض "بنغلاديش".

أكمل الدراسة العليا في دار العلوم ديوبند على المحدّثين الكبار.

كان عالما كبيرا، فاضلا نبيلا.

توفي سنة 1332 هـ.

* * *

‌2482 - الشيخ الفاضل عبد الله بن سَلَمة بن يَزيد القاضي، أبو محمد، ابن سَلْمُويَه، الفقيه، النَّيْسابُورِيّ

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وَلِيَ قَضَاء "نَيْسابور"، بإشارة ابنِ خُزَيْمَة.

وكان إماما في الحنفية بـ "العراق"، وكان إماما في الشُّروط.

سمع بـ "خُراسان" إسحاق بن راهُويَه، ومحمد بن رافع، وغيرَهما. وبـ "العراق" يحيى بن طَلْحة اليَرْبوعِيّ، ومحمد بن شُجاع الثُّلْجِيِّ، شيخَ الحنفية بـ "العراق".

روَى عنه أبو سعد عبد الرحمن بن الحُسين، وأبو العباس أحمد بن هارون الفقيه، شيخُ الحنفية بـ "نَيْسابور".

* راجع: تاريخ علم الحديث للعلامة نور محمد ص 209.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 168.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 706.

ص: 303

قال الحاكم، في "تاريخ نَيْسابور": سمعت أبا طاهر محمد بن الفضل بن إسحاق بن خُزَيمْة، يقول: سمعتُ جَدِّي يقول: كتبَ إليَّ الأمير أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد، باختيار حاكمِ "نَيْسابُور"، فوقَعت الخِيَرَة على عبد الله بن سَلْمويَه، وهو لي مُخالِفٌ في المذهب، لأمانته، وفِقْهه، وتمَكُّنه من نفسه، فقُلِّدَ القضاء، وبَقِيَ محمودَ الأثَرِ إلى أن تُوُفِّيَ، سنة ثمان وتسعين ومائتين. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2483 - الشيخ الفاضل عبد الله بن سليمان بن الحسين، أبو الغَنائم

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو قاضي "الحِلَّة السَّيْفِيَّة"

(1)

وهو والدُ قاضي القُضاة عليّ الآتي في محلِّه، إن شاء الله تعالى.

روَى عنه مَعْمَرُ بن عبد الواحد الأصْبَهانيّ، في "مُعْجَم شُيوخه".

وذكره ابنُ النَّجّار، وروَى شيئا مما رَوَاه من الشِّعر

(2)

.

ولم أقف له على تاريخ مَوْلِدٍ ولا وفاةٍ، رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 168.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 705.

(1)

الحلة السيفية: هي حلة بني مزيد، مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، كانت تسمى الجامعين. معجم البلدان 2:322.

(2)

انظر هذا الشعر في الجواهر المضية برقم 2: 310.

ص: 304

‌2484 - الشيخ الفاضل عبد الله بن سِيرِين الهِنْدِيّ، كمال الدين

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكرهُ صاحبُ "الغُرَف العَلِيَّة"، وذكر أنَّه سمع وحدَّث، وأنَّه كان يُخْبِرُ عن "الهند" بعجائبَ كثيرة، وأنّه مات سنة تسع ثمانمائة، وأنّه خطَب بـ "البَرْقوقِيَّة"، وأنّ ابنَ المبَرِّد ذكره في "رِيَاضه".

* * *

‌2485 - الشيخ الفاضل عبد الله بن شريف الكجراتي، أحد العلماء المبرّزين في الفقه والأصول

* *

كان قاضيا بمدينة "أحمدآباد"، فتقرّب إلى محمد أعظم بن عالمغير حين ولي على "كجرات"

(1)

، فجعله قاضيا في معسكره، فاستقلّ به زمانا.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 169.

وترجمته في إنباء الغمر 2: 368، والضوء اللامع 5: 21، وفي الضوء:"ابن شيرين". نَزيلُ "القاهرة".

* * راجع: نزهة الخواطر 6: 172، 173.

(1)

"كجرات": بضم الكاف الفارسي، وإسكان الجيم، وإهمال الراء المهملة، بعدها ألف، فمثناة من فوق، طولها اثنان وثلاثمائة ميل، وعرضها ستون ومائتا ميل، وفيها ثلاث عشرة فرضة، أشهرها:"كنباية"، و"سومنات"، و"جوناكره"، و"سورت". وفي العصر الحاضر "بمبئي"، وفيها كور صغيرة، يسمّونها بأسماء أخرى، نحو "كوكن" أي: البلاد التي على ساحل البحر فيما بين "بمبئي" و"نياكاؤن"، ونحو "كاتهياوار" التي ينسب إليها الأفراس الحصان الجياد.

ص: 305

ثم ولّاه عالمغير بن شاهجهان سلطان "الهند" القضاء الأكبر سنة خمس وتسعين وألف مكان القاضي أبي سعيد الكجراتي، فصار قاضي قضاة "الهند"، واستقلّ به مدّة طويلة.

ثم ولي الصدارة.

ومات في زمان يسير من ولايته، مات سنة تسع ومائة وألف، كما في "مآثر عالمغيري".

* * *

‌2486 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن شيخ أحمد البيربومي الندوي

*

ولد سنة 1321 هـ تقريبا في قرية "نورْبور" من مضافات "نانور" من أعمال "بِيْرْبُوم" من أرض "بنغاله الغربية".

ثم انتقل منها إلى "كلكته"، ثم انتقل منها إلى "داكا"، واختار الإقامة في قرية "فيض آباد" من مضافات "تيْزْغَاون".

قرأ مبادئ العلم في قريته، ثم سافر إلى "دهلي"، والتحق بمدرسة الحاج علي جان.

من أساتذته: مولانا أحمد الله الإله آبادي، ومولانا عبد الرحمن الفاندوبي، رحمهما الله تعالى، وقرأ عليهما كتب الحديث والتفسير، ثم التحق بمدرسة فتحبُور، وقرأ على أساتذتها كتب الفنون، ونال سند الأدب العربي، ثم أتم درجة التكميل في ندوة العلماء لكنو، ومن أساتذته فيها: مولانا أمير علي المليح آبادي، ومولانا سعيد علي الزينبي، رحمهما الله تعالى.

* راجع: تاريخ علم الحديث للعلامة نور محمد ص 239.

ص: 306

وبعد إتمام الدراسة التحق بندوة العلماء لكنو، والمدرسة النظامية حيدرآباد، والمدرسة الرحمانية دهلي، ثم في سنة 1359 هـ التحق بالمدرسة العالية كلكته، وبعد تقسيم "الهند" التحق 1376 هـ بالمدرسة العالية سلهت.

* * *

‌2487 - الشيخ الفاضل الكبير عبد الله بن صابر علي الطوكي، أحد العلماء المشهورين في بلاد "الهند

" *

ولد، ونشأ ببلدة "طوك"، وسافر للعلم، وأخذ عن المفتي لطف الله ابن أسد الله الكوئلي، وعن غيره من العلماء، وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري المحدّث، ثم ولي التدريس بـ "دهلي" في مدرسة مولانا عبد الربّ، فدرّس، وأفاد بها مدّة، ثم ولي التدريس في كلّية العلوم الشرقية، أورنتيل كالج بـ "لاهور"، فدرّس بها مدّة طويلة، وحصلت له الوجاهة العظيمة من أهل تلك البلدة.

ثم ولي التدريس بدار العلوم في بلدة "لكنو"، فتصدّر بها زمانا، ثم ولي بالمدرسة العالية بـ "كلكته"، وابتلي بالفالج في زمان يسير، فاعتزل عن ذلك، وسار إلى "بوبال" عند ولده أنوار الحق، ومات بها.

له تعليقات على "شرح السلّم" المسمّى بـ "حمد الله"، و"عجالة الراكب في امتناع كذب الواجب" بالعربية، وله غير ذلك من المصنّفات، ومن شعره الرقيق الرائق قوله مادحا للوزير عبيد الله خان الطوكي:

طاب الأصيل وطابت الأسحار

واخضرت الأنجاد والأغوار.

في كلّ نحو روضة وقرارة

جادت عليها ديمة مدرار.

* راجع: نزهة الخواطر 8: 304، 305.

ص: 307

در الغمام على الخمائل والربى

فزكى النجوم وأوشع الأشجار.

وعلا الفروع لرندها وعرارها

واهتزت الأنوار والأزهار.

فشقائق النعمان تحسب أنها

قبسات نار فوقهن أوار.

ويفوح جاديها ونشر بهارها

ويروق ذاك الدلب والدر دار.

والياسمين قد ازدهى بجماله

والورد في ألوانه مفخار.

والأقحوان منور بجنوبها

والآس قد ملئت به الأقتار.

فترى النسيم إذا تهب خلالها

سكران خمرا وعليه دوار.

وترى على أوراقها وغصونها

تتغرد الذبان والأطيار.

والناس في دعة وعيش مخضل

ورفاهة لا يحتوي المقدار.

وتنعم حتى تقول كأنهم

في جنة تجري بها الأنوار.

فسألتهم ما بال ذا العيش الهني

ومن الذي انقادت له الأقدار.

فالأرض ما بخلت بحسن نباتها

والمزن ما انقطعت له الأقطار.

قالوا ألم تشعر بقيلهم الذي

نضرت بحسن نظامه الأمصار.

ومن الذي ازدخر الفضائل كلها

وله على كل المديح خيار.

كهف الورى هذا عبيد الله من

خشعت له الأصوات والأبصار.

ذلت صروف الدهر في سطواته

وتهيبته السهل والأغوار.

إلى غير ذلك من الأبيات الرائقة.

توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف بمدينة "بوبال".

* * *

‌2488 - الشيخ الفاضل عبد الله بن صاعد بن محمد، أبو محمد، القاضي، الزاهد

*

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 169. وترجمته في الجواهر المضية برقم 707.

ص: 308

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو أصْغَرُ أولاد عِماد الإسلام صاعد بن محمد.

شيخٌ عَفيفٌ، سمع، وحدَّثَ.

وكانتْ ولادته سنة تسع وأربعمائة.

ووفاته سنة ست وأربعين وأربعمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2489 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الصَّيْرَفِيّ، رحمه الله تعالى

*

* * *

‌2490 - الشيخ الفاضل عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي، الموصوف بفيض الله، والشهير بطورسون زاده

* *

من القضاة. توفي سنة 1019 هـ بـ "أسكدار"، وهو قاض عليها.

له من التصانيف: "حاشية على شرح الهداية"، و"حاشية على المفتاح"، و"ديوان شعر"، و"الرسالة القلمية"، و"حاشية على شرح الجامي" للكافية في النحو.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 255.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 742، وانظر ما يأتي.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 65.

وترجمته في خلاصة الأثر 3: 51، 52، وهدية العارفين 1: 474، وكشف الظنون 884، 1372، 1374.

ص: 309

‌2491 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله البرهانبوري، أحد العلماء المبرّزين في العلوم العربية

*

ولد، ونشأ بـ "ديول كهات" قرية من أعمال "أورنغ آباد"، وسافر للعلم إلى بلاد شتى، وقرأ على كبار الأساتذة، ثم دخل "حيدرآباد"، وولي التدريس في دار العلوم، فدرّس، وأفاد بها مدّة عمره.

مات سنة اثنتين وثلاثمائة وألف ببلدة "حيدرآباد".

* * *

‌2492 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله الدهلوي، أحد المشايخ الجشتية

* *

ولد، ونشأ بـ "دهلي".

وقرأ العلم على أساتذة عصره، وأخذ الطريقة عن الشيخ فخر الدين بن نظام الدين الأورنغآبادي ثم الدهلوي، ولازمه مدّة من الزمان.

ثم سافر إلى بلاد "الدكن"، وسكن بـ "أمراؤتي" من أرض "برار" في الجامع الكبير، وحصل له القبول التام عند أهل البلدة.

مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، كما في "محبوب ذي المنن".

* * *

* راجع: نزهة الخواطر 8: 308.

* * راجع: نزهة الخواطر 7: 340.

ص: 310

‌2493 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله الجيراجْبُوري الأعظم كرهي

*

أحد الأفاضل المشهورين.

ولد، ونشأ بـ "جراجبور" من أعمال "أعظم كره".

وسافر إلى "جونبور"، فقرأ الكتب الدرسية على المفتي يوسف بن محمد أصغر اللكنوي، وعلى غيره من العلماء في المدرسة الإمامية الحنفية.

ثم سافر إلى "دهلي" وأخذ الحديث عن السيّد نذير حسين الحسيني الدهلوي المحدّث.

وأخذ الصناعة الطبّية عن الحكيم محمود بن الصادق الشريفي، ثم رجع إلى بلاده، وعكف على الدرس والإفادة.

أخذ عنه المولوي سلامة الله، والمولوي شبلي، وخلق كثير من العلماء.

* * *

‌2494 - الشيخ الفاضل عبد الله [بن عبد الله] الجَمال الرُّومِيّ، نَزيلُ "الصَّرْغَتْمَشِيَّة

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأ على الأمين الأقْصُرائِيّ بـ "الجانَبْكِيَّة""المجْمع"، لابن السّاعاتِيّ، وأَذِن له في الإقراء، ووصَفه بالفاضل

* راجع: نزهة الخواطر 8: 307، 308.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 170.

وترجمته في الضوء اللامع 5: 28، والتكملة منه.

ص: 311

العلامة، الحَبْرِ الفَهّامة، والمدقِّق المتْقِن، وأرَّخها في ربيع الآخر، سنة ثلاث وثلاثين. ذكره في "الضوء اللامع" بحُروفه.

* * *

‌2495 - الشيخ العالم الكبير العلامة عبد الله بن عبد الحكيم بن شمس الدين السيالكوتي

*

أحد العلماء المشهورين بأرض "الهند".

ولد، ونشأ ببلدة "سيالكوت"

(1)

، وقرأ العلم على والده، وأخذ الحديث عن المفتي نور الحق بن عبد الحق المحدّث الدهلوي، ثم درّس، وأفاد، وألّف، وتميّز، واشتهر بالفضل والكمال، أخذ عنه خلق كثير.

وكان عالمغير بن شاهجهان التيموري سلطان "الهند"، وأبناؤه يكرمونه غاية الإكرام، أدركه عالمغير سنة ستّ وثمانين وألف بمدينة "لاهور"، واحتظّ بصحبته، ثم استقدمه إلى "أجمير"

(2)

ليولّيه الصدارة العظمى، وبعث كتابا إليه بخطّه، وأمر بختاور خان أن يحرضه على القبول، فكتب إليه بختاور خان،

* راجع: معجم المؤلفين 6: 67.

ترجمته في هدية العارفين 1: 478، وفهرست الخديوية 2:240.

(1)

"سيالكوت" بكسر السين المهملة، والعرب يسمّونها "سيلكوت"، و"سلكوت" بفتح السين، وهي على خمسة وستين ميلا من "لاهور"، ينسب إليها العلاهة عبد الحكيم.

(2)

صوبة "أجمير": يحدّها من الشرق صوبة "أكبرآباد"، ومن الغرب "ديبالبور"، ومن الشمال صوبة "دهلي"، ومن الجنوب "كجرات"، طولها من "ألانبير" إلى "جيسلمير" ثمان وستون ومائة ميل، وعرضها مائة وخمسون ميلا، ولها تسعة "سركارات"، وثلاث وعشرون ومائة عمالة.

ص: 312

فأجابه أن الزمان زمان الفراق، لا زمان كسب الشهرة في الآفاق، ولكنّه سيحضر لديه امتثالا للأمر المطاع، فسافر إلى "أجمير"، وأقام بها زمانا، ثم رجع إلى بلدته، واعتزل عن الناس، كما في "مآثر عالمغيري".

ومن مصنّفاته: "التصريح على التلويح" في أصول الفقه من البداية إلى المقدمات الأربع، ومنها: تفسير على سورة الفاتحة، ومنها: رسالة في حقائق التوحيد، صنّفها بأمر عالمغير، وله غير ذلك من الرسائل.

توفي في شهر رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، كما في "المآثر".

* * *

‌2496 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الحَقِّ بن أوْحَد الدين، الشيخ الإمام، العالم العامل، الوَرِع الفاضل، المفتي الكامل، العَدْل المرْتَضَى المخْتار، أبو المحاسن جمال الدين ابن تَقِيِّ الدين

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كذا ذكرَه في "الغُرَف العَليَّة"، وذكَر أنَّه صار خطيبا بـ "عَيْنَتاب"، و"تَلِّ نَصْر"، وأنَّه وقَف له على "شَرْح" في "مُلْحَة الإعْراب" للحَرِيرِيّ، وأنّه ذكر في آخره أنَّه فرغَ من تأليفه في العَشْر الأوَّل من رمضان، سنة خمس وثلاثين وسبعمائة.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 170.

وترجمته في كشف الظنون 2: 1817.

ص: 313

‌2497 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن بن الحَسَبَانِيّ، الأخ جمال الدين

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كذا ذكرَه في "الغُرَف العَلِيَّة"، وقال: حَفِظَ "الكَنْز"، و"المنار"، واشْتَغل، وتُوُفِّي بالطّاعون، في آخر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعمائة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2498 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن، خَيْر الدين الآمِدِيّ

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو ممَّن برَع في المعْقولات، وشارَك في علوم أُخَر.

ومات ببلاد "آمِدِ"، سنة خمس وثلاثين.

ذكره المقْرِيزِيّ في "عُقوده". ونَقَل عن الشِّهاب الكُورانِيّ، أنه قال: حلَّيْتُ على مشايخي مائةٌ وثلاثين تصْنيفا.

كذا نقلتُه بحُروفه من "الضوء اللامع".

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 170.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 171.

وترجمته في الضوء اللامع 5: 25، ووروده هنا خطأ في الترتيب.

ص: 314

‌2499 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن الكليسي، الحلبي

*

مفسّر.

أصولي، منطقي، متكلّم، مقرئ، نحوي.

من تصانيفه: "حاشية على أنوار التنزيل" للبيضاوي، و"حاشية على شرح التصورات والتصديقات" في المنطق، و"حاشية على عقائد النسفي"، و"حاشية على الجامي" في النحو، و"الزبدة في القراءات".

ولد سنة 1241 هـ، وتوفي سنة 1303 هـ.

* * *

‌2500 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن الهندي، الدهلي

* *

متكلم.

من آثاره: "روض المجال في الرد على أهل الضلال"، ألفه لما سافر من "مكة" إلى "الهند" سنة 299 هـ.

كان حيا 1299 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 71.

ترجمته في هدية العارفين 1: 492، 493.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 73.

ترجمته في فهرس التيمورية 4: 118.

ص: 315

‌2501 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد العزيز الباليكسري، الرومي، الخلوتي، الشهير بالصلاحي

*

محدث، أصولي، صوفي.

ولد سنة 1117 هـ.

أديب، شاعر، مشارك في بعض العلوم.

من تصانيفه الكثيرة: "شرح أصول الحديث"، و"شرح الخمرية" لابن الفارض، و"ديوان شعر"، و"مفتاح الوجود الأشهر في توجيه كلام الشيخ الأكبر"، و"طوالع منافع العلوم من مطالع مواقع النجوم".

توفي سنة 1197 هـ.

* * *

‌2502 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد العزيز السمرقندي

* *

فاضل.

له "شرح أسماء الله الحسنى"، و"شرح كلمتي الشهادة".

توفي سنة 953 هـ.

* * *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 74. وترجمته في هدية العارفين 1: 485، 486، وإيضاح المكنون 2: 38، 528، 600.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 75.

ترجمته في هدية العارفين 1: 472، وكشف الظنون 1033.

ص: 316

‌2503 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الغني المصري

*

فقيه.

من تصانيفه: "النور البادي في أحكام الأراضي"، فرغ منه سنة 1211 هـ. كان حيا 1211 هـ.

* * *

‌2504 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد القادر الصّالِحِيّ، الشهير بالحُصْرِيّ، جمال الدين، أبو محمد

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره في "الغُرف العَلِيَّة"، وقال: ميلادُه - كما أخبرني به - سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة.

وتُوُفِيّ في جُمادى الأولى، سنة سبع وتسعين وثمانمائة، ودُفِن بـ "تُرْبة الأماج"

(1)

بـ "سَفْح قاسيون".

وكان يحفظ "المختار"، و"المنار"، و"ألْفِيَّة ابنِ مالك". واشْتغَل على الشيخ عيسى الفلوجيّ وغيره. وأخذ عن القاضي حَميد الدين النُّعمانِيّ.

* راجع: معجم المؤلفين 6: 76.

ترجمته في هدية العارفين 1: 487، وفهرست الخديوية 3:144.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 171.

(1)

كذا، ولم أجد تصحيحا لها أو تعريفا بها.

ص: 317

قال ابنُ طُولون: قرأتُ عليه كتاب "المختار" تصحيحا بمَنْزِله، وأجازَني شِفاهًا بِسُؤالِ شيخِنا الجمال بن عبد الهادي.

* * *

‌2505 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن حمزة بن الثَّقَفِيّ، القاضي، أبو الفُتوح، ابن قاضي القضاة أبي حفص، ابن القاضي أبي الحسين، الكوفِيّ

*

تقدَّم ذِكْرُ جَدِّه وأخيه جعفر. ويأتي ذِكْرُ والده عبد الواحد، في محلِّه، إن شاء الله تعالى.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع الحديث من والده، من أبي الوَقْت الصُّوفِيّ، وأحمد بن يحيى بن ناقِه الكُوفِيّ.

ذكَره ابنُ النَّجَّار، وقال: ما أظُنُّه روَى شيئا. وشَهِد عند أخيه قاضي القُّضاة جعفر ابن عبد الواحد، فقَبِل شهادَته، واستنابهُ على الحُكْم والقضاءَ، مُدَّةَ ولايته إلى حين وَفاتِه، ثم وَلِيَ بعدَ وفاتِه القضاء والحِسْبَةَ بالجانب الغَرْبيّ من "بغداد"، و"البلاد المزْيَدِيَّة"، و"الكُوفة" في المحَرَّم، سنة ستّ وسبعين خمسمائة، ولم يزلْ على ولايته إلى حين وفاته.

قال: وتُوُفِّيَ، رحمه الله تعالى، يومَ السبت، لعَشْرٍ خلَوْنَ من شعبان، سنة ثمانين وخمسمائة.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 171.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 708.

ص: 318

‌2506 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن صائِن بن عبد الجليل بن الخليل بن أبي بكر الفَرْغانِيّ أبو بكر بن أبي الحسن على بن أبي بكر الفقيه الكبير

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو من أهل "مَرْغِينان"، من بلاد "فَرْغانة".

سكن "سَمَرْقَنْدَ"، وكان يتولّى الخطابة بها.

قال ابنُ النَّجَّار: قدم علينا "بغداد" حاجّا، في صفر سنة ستمائة. وسمع الحديث من شُيوخنا أبي أحمد الأمين، وأبي محمد بن الأخْضر، وعلى جماعة من أصحاب أبي القاسم ابن الحُصَين، وأبي غالِب [بن] البَنَّا

(1)

، وأبي بكر الأنْصارِيّ، وكتب بخطِّه، وحَصَّل. وحدَّثنا "أربعين حديثا" جَمَعَها عن شُيوخِه، بما بـ "ما وَرَاء النَّهْر"، فسمعناها منه، وسمع منِّي شيئا، وروَى عَنِّي في "أماليه" بـ "نَيْسابور"، وعُمْرِي إذ ذاك عشرون سنة. وكان إماما كبيرا في المذهب، والخلاف، والجَدَل، ومعرفة الحديث، والنحو، واللغة. وله النَّظْم والنثْر.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 173.

وترجمته في بغية الوعاة 2: 50، والتكملة لوفيات النقلة 4: 425، 426، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي 4: 2، برقم 1086، في من لقبه "عاد الدين"، والجواهر المضية برقم 711، وكتائب أعلام الأخيار برقم 442، والمختصر المحتاج إليه 2: 154، 155.

(1)

من الجواهر.

ص: 319

وما رأتْ عَيْنايَ إنْسانا جَمَع حُسْنَ الصورة، مع لُطْف الأخلاق، وكمال التّواضع، وغَزارة الفضل، ومتانة الدين، والوَرَع، والنَّزاهة، وحُسْن الخَطِّ، وسُرْعة القلم، القُّدرة على الإنشاء نَظْما ونَثْرا، وفَصاحة اللِّسان، وعُذُوبة الألفاظ، الصِّدْق، والنُّبْل، والثِّقة، غَيْرِه. فلقد كان من أفْراد الدَّهر، ونَوادِرِ العصر، كاملَ الصِّفات، بَعيدَ المِثْل، قَلَّ، أن تَلِدَ النِّساءُ مِثْلَه.

ولقد تأدَّبْناه بأخْلاقِه، واقْتَدَيْنا بأفْعالِه، وتعلَّمْنا مِن فوائِدِه، وفَرائِده، واقْتَبَسْنا من عُلومِه، ما يُنْقَشُ بالخَناجِر على الخَنَاجِرِ. وأنْشَدنِي لنفسه

(1)

:

تَحَرَّ فَدَيْتُكَ صِدْقَ الحديثِ

ولا تَحْسَبِ الكِذْبَ أمْرا يَسيرا

قال صاحب "إعلاء السنن": قتل شهيدا بـ "بخارى"، صابرا، محتسبا على يد الترك الكفرة، حين استولّوا عليها سنة 616 هـ.

فمَنْ آثر الصِّدْق في قَوْلِه

سيَلْقَى سُرُروا ويَرْقَى سَرِيرَا

ومن كان بالكذْب مُستَهْتَرا

سَيدْعو ثُبورا ويَصْلَى سَعيرا

(2)

سألتُ أبا بكر الفَرْغَانِيَّ عن مَوْلِدِه، فقال: أخْبَرَنِي والدِي، أنَّه يوم الاثنين، الثاني والعشرين

(3)

من رجب، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، بـ "مَرْغِينان".

وبلَغنا أنَّه قُتِلَ شهيدا بـ "بُخارَى"، صابرا مُحْتَسِبا، على يَدِ كَفَرة التُّرْك، حين اسْتَوْلَوا على "بُخارَى"، في ذي الحِجَّة، سنة ستّ عشرة وستمائة، - تغمَّده الله تعالى برحمته، وأسكنه فسيحَ جَنّاته -.

ويأتي ولدُه عبد الجليل. نقلت هذه الترجمةَ برمَّتها من "الجواهر المضية".

(1)

الأبيات في الجواهر 2: 315.

(2)

في بعض النسخ "وإن كان"، والمستهتر، بفتح التاء الثانية: المولع بالشيء، لا يبالي بما فعل فيه، وشتم له.

(3)

لم يرد: والعشرين في الجواهر.

ص: 320

وذكره السُّيوطِيُّ، في "طبقات النُّحاة" بنحو ما هنا.

* * *

‌2507 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان، جمال الدين المارِدِينيّ، المعروف بابن التُرْكُمانِيّ من أهلِ المائة الثامنة

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ولد سنة تسعَ عشرة وسبعمائة.

واشْتغل، ومهَر، وحَفِظَ "الهداية" في الفقه، وكمَّل "شَرْح والِده" عليها، وكان يسرُد منها في دَرْسه حفظا.

واسْتَقَرَّ في القضاء بـ "مصرَ استقْلالا بعدَ مَوتِ والدِه، فباشَر بصِيانةٍ وإحسان، مع المعرفة بالأحكام، والتَّرَفُّع على أهل الدولة، والتَّواضُع للفقراء، وكانتْ ولايته في شهر المحرم، سنة خمسين، بعناية الأمير شَيْخون، في سَلْطَنَة الناصر حسن الأُولى، وسكن "المدرسة الصَّالحِيَّة" بعِياله، واستمرَّ فيها، وأقام قاضيا نحو عشرين سنة مُتواليةً، لم يدخُلْ عليه فيها نَقْصٌ، ولا نُسب فيها إلى ما يُعابُ به.

وكان يعْتَنِي بالطلبة والنُّجَباء من الحنفية، فيُفْضِلُ عليهم، ويُنْعِشُ حالَ فقيرهم، ويُجِلُّ كبيرهم، ويتجاوَزُ عن مُسيئِهم، ويجمعُ الجميع على طعامه

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 174.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 712، وحسن المحاضرة 1: 184، والدرر الكامنة 2: 281، والفوائد البهية 103، وكتائب أعلام الأخيار برقم 570، وكشف الظنون 2: 2035، والنجوم الزاهرة 11: 99، وهدية العارفين 1:467.

ص: 321

غالبا، ويسْعى لهم في جميع ما يَعْرِض مما يتعلَّق به وبغيره من الأكابر، وربما رَكِب في ذلك بنفسه إلى مَن هو مثلُه، وإلى مَن هو دُونه، حتى ركب مَرَّة إلى صَيْرَفِيِّ بعضِ الأمراء في قضاء حاجة فقيه من الطلبة.

ولقد بالَغَ الشيخ تقيّ الدين المقْرِيزِيّ في إطْرائه، والثَّناء عليه، حتى قال: لو كتبتُ مناقبَه لاجْتمَع منها سِفْرٌ ضَخْمٌ.

وقال ابنُ حَبِيب في حقِّه: كان وافرَ الوَقار، لطيف الذّات، مُقدَّما عند الملوك، عارفا بالأحكام، لَيِّن الجانب، شديدا على المفْسِدين، متواضعا مع أهل الخير، وسَدَّ أبوابَ الرِّيَب، وامْتنَعَ من اسْتِبْدال الأوقاف، وصَمَّم على ذلك، ولم يُخَلِّف بعدَه مثلَه، خُصوصا من الحنفية. انتهى.

مات في حادي عِشْري شعبان، سنة تسع وستين وسبعمائة، وقيل في رمضان منها. رحمه الله تعالى.

قلت: أرّخ السيوطي ولادته سنة 710 هـ، وقال: ولي قضاء "الديار المصرية" بعد أبيه، ودرّس بالكاملية، وأفتى، وصنّف.

* * *

‌2508 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن عمر السِّنْجارِيّ، تاج الدين، أبو عبد الله، المعروف بابن قاضي "صَوْر

" *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 175.

وترجمته في تاج التراجم 32، والدرر الكامنة 2: 282، وشذرات الذهب 6: 365، والفوائد البهية 103، وكشف الظنون 1: 224، 2: 1249، 1623، وهدية العارفين 1:468. والصور: قلعة حصينة عجيبة على رأس جبل قرب ماردين بين الجبال. معجم البلدان 3: 435.

ص: 322

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.

وتفقَّه على الشيخ عِزِّ الدين حسن بن عيون، وغيره.

ونَظَم "المختار" في الفقه، و"السِّراجية" في الفرائض، وله كتاب "البحر الحاوي في الفتاوى"، جمعَ مذاهبَ الأئمة الأربعة، وأقْوالَ بعضِ الصَّحابة، والتابعين ونَظَم "سُلْوان المطاع"، وله "قصيدة في مكارم الأخلاق".

تُوُفِّيَ بـ "دمشق"، سنة ثمانمائة.

كذا نقلتُ هذه الترجمة من خطِّ أحمد ابن الشِّحْنة، ثم رأيتُ له ترجمةً في "الغُرف العَلِيَّة" مُتضَمِّنة لما ذكره ابنُ الشِّحْنة وزيادةً، وذكرَ أنّ صاحبَ "المنْهَل" قال في حقّه: الشيخ الإمام العلامة، تاج الدين أبو محمد، ابن قاضي "صَوْر"، بفتح الصاد المهْمَلة، و"صَوْر" بلدة بديار "بَكْر بن وائل".

وكان مولدُه بـ "سِنْجار"، وتفقَّه بها.

وكان عالما بارعا، مُفنِّنا في الفقه والأصول واللغة.

وألَّف عدَّة كُتُب. وعدَّ الكتب المذكورة، ثم قال: وناب في الحُكم بـ "دمشق" و"القاهرة"، وكان من مَحاسنِ الدنيا، دينا وخَيْرا، وعِلْما وكرَما.

* * *

‌2509 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفُرات، جمال الدين

*

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 172.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 278. وهو فيه: "عبد الله بن علي بن الحسن بن محمد".

ص: 323

مُوَقِّع الحُكْم.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سَمِع من ابن الشِّحْنة، وسِتِّ الوُزَراء.

وحدَّث، وكان عارفا بتذْهيب الكُتُب، مُحْتَرِزًا في الشّهادة، مع التَّواضُع والفضل، حُسْن العبارة.

ومات في العشرين من شهر رمضان، سنة تسع وستين وسبعمائة.

قال ابنُ حَجَر: وهو ابن عمِّ شيخنا ناصر الدين ابن الفُرات، صاحب "التاريخ الكبير".

* * *

‌2510 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن يحيى، أبو بكر الفقيه البَلْخِيّ

*

ذكَره في "الجواهر".

* * *

‌2511 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي البَزّار النَّيْسابورِيّ

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تفقَّه في "نَيْسابور" بالإمام الصَّنْدَلِيّ

(1)

، وجلس بعدَ وفاته مكانَه.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 172. ترجمته في الجواهر المضية برقم 709.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 176. وترجمته في الجواهر المضية برقم 713.

(1)

أبو الحسن علي بن الحسن، وكانت وفاته سنة أربع وثمانين وأربعمائة.

ص: 324

ودرَّس سنين كثيرة.

ذكرَه الهَمَدانِيّ في "طبقاته".

* * *

‌2512 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عليّ الكِنْدِيّ، الملقَّب سيف الدين، أبو محمد، من أقران شمس الأئمة السَّرخَسِيّ

*

وهو أستاذُ مسعود بن الحسين الكُشانِيّ.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: تقدَّم ابنُ ابنِه أحمد بن محمد.

ويأتي محمد بن عبد الله، في محلِّه، إن شاء الله تعالى.

* * *

‌2513 - الشيخ الفاضل عبد الله بن علي أبو عبد الله تاج الدين، المعروف بقاضي منصور

* *

ولد بـ "سجستان" سنة 722 هـ، ونظم "المختار" في الفقه، و"السراجية" في الفرائض، وله "البحر الجاري" في الفتاوى، جمع فيه المذاهب للأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.

مات سنة ثلاثمائة.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 176.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 714، وهو من رجال القرن الخامس.

* * راجع: الفوائد البهية ص 103.

ص: 325

قلت: ذكر صاحب "الكشف" أن "البحر" في الفتاوى لتاج الدين عبد الله بن علي البخاري المتوفى سنة 799 هـ. انتهى.

* * *

‌2514 - الشيخ العالم الفقيه أبو الخير عبد الله بن عمر بن أحمد سعيد النقشبندي، الدهلوي

*

أحد كبار المشايخ، من ذرية الشيخ الإمام أحمد بن عبد الأحد العمري السرهندي إمام الطريقة المجدّدية.

ولد لثلاث بقين من ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف بدار الملك "دهلي"، (وسمّاه جدّه محي الدين ووالده عبد الله)، وسافر في صغر سنّه إلى الحرمين الشريفين، مع أبيه وجدّه، فأقام بـ "مكّة المباركة" مدّة طويلة، وقرأ الكتب الدرسية على الشيخ عبد الحق بن شاه محمد الإله آبادي، والشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن العثماني الكيرانوي، والشيخ حبيب الرحمن الردولوي، والسيّد أحمد الدهّان المكّي، وعلى غيرهم من العلماء، وأخذ الطريقة عن والده، ولازمه، وسافر معه إلى "الهند"، ثم سكن بـ "دهلي" في زاوية الشيخ غلام علي النقشبندي الدهلوي، واعتزل بها عن الناس مدّة طويلة، ثم فتح الباب، ولازم الدرس والإفادة.

قال صاحب "النزهة": لقيته ببلدة "دهلي"، (وحصل له القبول العظيم والوجاهة العظيمة عند الأمراء وأهل الرياسة. وطالبي الطريقة النقشبندية

(1)

المجدّدية، خصوصا في الحدود الشمالية و"أفغانستان"

* راجع: نزهة الخواطر 8: 318، 319.

(1)

الطريقة النقشبندية فهي للشيخ بهاء الدين محمد نقشبند البخاري، مدارها على تصحيح العقائد ودوام العبودية، ودوام الحضور مع الحقّ سبحانه. =

ص: 326

و"بلوجستان"، وأقبل الناس إليه من البلاد البعيدة، واستقام على الطريقة مدّة طويلة.

وكان صاحب جذبة إلهية، ونسبة قوية، تروى له كشوف وكرامات.

كانت وفاته ليلة الجمعة لليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه جمع كبير، ودفن في زاوية جدّه.

* * *

‌2515 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عمر، ابن أبي جَرادة، قاضي القضاة جمال الدين الحلبيّ، الشهير بابن العَديم، قاضي "حَماة

" *

= وقالوا: إن طرق الوصول إلى الله سبحانه ثلاث، الذكر والمراقبة والرابطة بالشيخ، الذي سلوكه بطريقة الجذبة، أما الذكر فمنه النفي والإثبات بحبس النفس، وهو المأثور من متقدّميهم، ومنه الإثبات المجرّد، كأنه لم يكن عند المتقدّمين، وإنما استخرجه الشيخ عبد الباقي أو ممن يقرب منه في الزمان، وأما المراقبة وهي التوجّه بمجامع الإدراك إلى المعنى المجرد البسيط، الذي يتصوّره كلّ أحد عند إطلاق اسم الله تعالى، ولكن قلّ من يجرّده عن اللفظ، فينبغي للمراقب أن يجرّد هذا المعنى عن الألفاظ، ويتوجّه إليه من غير مزاحمة الخطرات، والتوجّه إلى الغير، وأما الرابطة بالشيخ إذا صحبه خلي نفسه عن كلّ شيء إلا محبته، وينتظر لما تفيض منه، فإذا أفاض شيء فليتبعه بمجامع قلبه، وإذا غاب عنه الشيخ يتخيّل صورته بين عينيه بوصف المحبّة والتعظيم، فتفيد صورته ما تفيد صحبته. انظر: الثقافة الإسلامية في الهند ص 182.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 178. وترجمته في العقد الثمين 5: 222. وفيه: "عبد الله بن عمرو".

ص: 327

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان إماما، فقيها، عالما.

أقام مُدَّة طويلة يُفْتِي، ويُدرِّس ببلده، وغيرها، إلى أن مات، في رابع عشر، ذي الحِجَّة، سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، بـ "مكة المشرَّفة"، ودُفِن بـ "المعْلاة". رحمه الله تعالى.

كذا نقلتُ هذه الترجمة من "الغُرَف العَلِيَّة".

* * *

‌2516 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عمر بن عثمان بن موسى الرومي، الشهير بمستجي زاده

*

عالم مشارك في التفسير والحكمة وعلم الكلام وغيرها.

توفي سنة 1150 هـ، ودفن في مقبرة كسكين ده ده.

له من التصانيف "حاشية على أنوار التنزيل" للبيضاوي إلى سورة يونس، و"المسالك في الخلافيات بين المتكلمين والحكماء".

* * *

‌2517 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدَّبوسِيّ

* *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 95.

ترجمته في هدية العارفين 1: 483، وإيضاح المكنون 1: 142، 2:473.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 177. =

ص: 328

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو صاحبَ "كتاب الأسْرار"، و"تَقْويم الأدلّة"، و"الأمَدِ الأقْصَى"، وغير ذلك.

وهو أوَّل مَن وضع علمَ الخلاف، وأبْرزَه إلى الوُجود.

قال السَّمْعانيُّ: كان مِن كبار الحنفية الفقهاء، ممَّن يُضْرَب به المثَلُ.

وكانتْ وفاته بـ "بُخارَى"، سنة ثلاثين وأربعمائة على الصحيح، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو أحد القُّضاة السَّبْعة المشهورين.

ولقد رَثاه بعضُ الأفاضل بقوله:

لو صُوِّرَ الكونُ عَيْنًا تسْتفيضُ دَمًا

بشَقِّ جَيْبٍ ولَطْمِ الوجه بالأيدِي

لم تُوفِ مِن حَقِّها ما كان يَلْزَمُها

من البُكاء على القاضي أبي زَيْدِ

ورُوِيَ أنَّه ناظَر بعضَ الفُقهاء، وكان كُلَّما ألْزَمه أبو زيد تبسَّم وضَحِك، فأنْشَد، رحمه الله تعالى عنه

(1)

:

ما لِي إذا أَلْزَمْتُه حُجَّةً

قابَلنِي بالضِّحْكِ والقَهْقَههْ

إن كان ضِحكُ المرْء مِن فِقْهه

فالقِرْدُ في الصَّحْراء ما أفْقَهَه

(2)

= وترجمته في الأنساب 221 ط، 222 و، والبداية والنهاية 46: 12، 47، وتاج التراجم 36، 86، والجواهر المضية برقم 901، وفي 2: 319، 4: 47، وشذرات الذهب 3: 245، 246، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 71، والعبر 3: 171، والفوائد البهية 109، وكتائب أعلام الأخيار برقم 242، وكشف الظنون 1: 84، 168، 196، 334، 352، 467، 568، 703، واللباب 1: 410، ومعجم البلدان 2: 546، ومفتاح السعادة 1: 307، 308، ووفيات الأعيان 3:48. وفي بعض هذه المصادر اسمه "عبيد الله". وقد أوردَه القرشي في الموضعين.

(1)

البيتان في الجواهر 2: 500، وبعض المراجع في حاشيته.

(2)

في الجواهر "فالدب في الصحراء". وانظر حاشيته.

ص: 329

ومنْ تَصانِيفه: كتاب سمّاه "تأسيس النَّظائر"، ليس له نَظيرٌ في بابه.

* * *

‌2518 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي، المعروف بالأفيوني

*

أديب، شاعر مشارك في بعض العلوم.

ولد بـ "طرابلس الشام"، وبها نشأ، وتوفي بـ "دمشق" سنة 1154 هـ.

من آثاره: "رنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني"، و"الزهر البسام في فضائل الشام"، و"العقود الدرية في رحلة الديار المصرية"، و"الفتوحات المحمدية على الكواكب الدرية"، و"ديوان شعر".

* * *

‌2519 - الشيخ الفاضل عبد الله بن عمر بن مَيْمون الرَّمَّاح، أبو محمد، قاضي "نَيْسابور

" * *

* راجع: معجم المؤلفين 6: 97.

ترجمته في سلك الدرر 3: 93 - 104، وهدية العارفين 1: 480، 481، والكشاف 291، وفهرست الخديوية 7: 1: 271، وإيضاح المكنون 1: 584، 617، 2: 114، 214، 217، 220، 379، 416، 579.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 177. =

ص: 330

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: روَى عن أبيه عمر، الآتي ذكرُه، وتفقَّه عليه.

* * *

‌2520 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن الشيخ غلام محمد

*

قرأ مبادئ العلم في بيته، ثم التحق بدار العلوم، وقرأ فيها كتب الصحاح الستّة وغيرها من الكتب الحديثية، من أساتذته: شيخ الإسلام حسين أحمد المدني، رحمه الله تعالى.

وبعد إتمام الدراسة اختار الإقامة في "ملتان"، والتحق بقاسم العلوم، ودرّس فيها مدّة مديدة.

بايع في السلوك على يد شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني، رحمه الله تعالى، ثم بعد وفاته بايع على يد بير خورشد أحمد الهمداني، رحمه الله تعالى، وحصلت منه الإجازة له.

= وترجمته في الأنساب 122 ط، 222 و، والبداية والنهاية 12: 46، 47، وتاج التراجم 36، 86، والجواهر المضية برقم 901، وفي 2: 319، 4: 47، وشذرات الذهب 3: 245، 246، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 71، والعبر 3: 171، والفوائد البهية 109، وكتائب أعلام الأخيار برقم 242، كشف الظنون 1: 84، 168، 196، 334، 352، 467، 568، 703، اللباب 1: 410، معجم البلدان 2: 546، ومفتاح السعادة 1: 307، 308، ووفيات الأعيان 3:48. وفي بعض هذه المصادر اسمه "عبيد الله". وقد أورده القرشي في الموضعين.

* راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت بنجاب 2: 253 - 266، ومقالات يوسفي 1: 238 - 242.

ص: 331

أقام لنشر الكتب الإسلامية "إدارة نشر وإشاعة إسلام"، ثم التحق بخير المدارس ملتان، ودرّس فيها حسبة لله، حتى توفّاه الأجل 3 جمادى الأولى سنة 1405 هـ.

* * *

‌2521 - الشيخ الفاضل عبد الله بن أبي الفَتْح الخَانْقاهِيّ من أهل "مَرْغِينان

" *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: روَى عنه، أبو الحسن علي بن أبي بكر صاحب "الهداية"، في "مُعْجَم شُيوخه"، وقال: كان إماما، شيخا، زاهدا، واعظا، من المشتغلين بالعبادة، المنْقطِعين إلى الله تعالى، صاحبَ كرامات ظاهرة، عُمِّر حتى بلغ مائة ونَيِّفا، سمعتُه بـ "مَرْغينان" يُنْشِد

(1)

:

جعلتُ هَدِيَّتِي منكم سِواكَا

ولم أوثِرْ به أحدا سِواكَا

(2)

سبعَثْتُ إليك عودا من أراكٍ

رجاءَ أن أعود وأن أراكا

* * *

‌2522 - الشيخ الفاضل عبد الله بن فخر الدين الأعرج الحسيني، الموصلي

* *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 159. وترجمته في الجواهر المضية برقم 2: 323.

(1)

البيتان في الجواهر 2: 323.

(2)

سواكا، الأول: ما يستاك به.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 101.

ترجمته في كشف الظنون 367، وهدية العارفين 1:485.

ص: 332

أديب، فلكي، متكلّم. ولي ديوان الإنشاء بـ "بغداد".

من آثاره: "سوانح القريحة في شرح الصفيحة" في الاسطرلاب، و"شرح تشريح الأفلاك" للبهاء العاملي، و"التحفة السنية" في الكلام.

توفي سنة 1188 هـ.

* * *

‌2523 - الشيخ الفاضل عبد الله بن فَرُّوخ الخُراسانِيّ، رحمه الله تعالى

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو أحد أصحاب الإمام الأعظم، رضي الله تعالى عنه، تفقَّه عليه، وحَمَل عنه المسائل.

ورحل إلى "الدِّيار المصرية".

قال عبد الله بن وَهْب: قَدِم علينا بعد مَوْت اللَّيْث بن سعد، فَرَجَونا أن يكونَ خَلَفًا منه، وكان اعْتماده في الفقه على مذهب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه.

وقيل: إنّه ناظَرَ زُفَرَ، في حَلْقةِ أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، فازدراه زُفَرُ، فلم يَزَلْ عبد الله بن فَرُّوخ يَعْلو عليه حتى قطعَه، ثم ناظَره أبو حنيفة فلم يزل به حتى أبانَ له.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 178. وترجمته في التاريخ الكبير للبخاري 3: 1: 169، 170، وترتيب المدارك 1: 339 - 347، وتقريب التهذيب 1: 400، وتهذيب التهذيب 5: 356، والجرح والتعديل 2: 2: 137، والجواهر المضية برقم 117، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 209، 210، ورياض النفوس 1: 113 - 122، وطبقات علماء أفريقية وتونس 107 - 111، ومعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان 1: 238 - 248، وميزان الاعتدال 2: 471، 472.

ص: 333

وكان يقول حين انصرف إلى "القَيْروان": كلُّ مَن لَقيتُه، صاحبُكم - يعني نفسَه - أفْقَه منه، إلا أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه

وذكره المزِّيُّ في "التَّهذيب"، ونقَل تَوْثيقَه عن ابن حِبَّان.

قيل: كان الناس يتبرَّكون بابن فَرُّوخْ، ويجلسون له على طريقه ليَدْعُوَ لهم.

وكان يقول بشُرْب النَّبيذ، وتَحْلِيلِه، ويَرْوِي أحاديثَ في ذلك.

وكان يَرَى الخُرُجَ على أهل الجَوْر.

قال ابنُ يونُس: تُوُفِيَّ، رحمه الله تعالى، بـ "مصر"، بعد انْصِرافه من الحجِّ، في سنة خمس وسبعين ومائة.

وروَى له أبو داود في "سُننه".

قال صاحب "إعلاء السنن": وفي "تهذيب التهذيب": روى عنه أسامة بن زيد الليثي، والثوري، والأعمش، وابن جريج، وهشام بن عروة، وغيرهم. وعنه سعيد بن أبي مريم، وخلاد بن هلال، وهشام بن عبيد الله الرازي. قال الجوزجاني: ما رأيت ابن أبي مريم حسن القول فيه، قال: وهو أرضى أهل الأرض عندي، وأحاديثه منكير، وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وقال: ربما خالف، وقال أبو العرب في "طبقات أفريقية": رحل في طلب العلم، ولقي بالمشرق مالكا، والثوري، وأبا حنيفة، وابن جريج، وغيرهم، وكان ثقة، وقد رمي بشيء من القدر، ثم تبيّنت براءتُه منه. وقال الذهلي في علل حديث الزهري، وابن فروخ: خراسانيّ الأصل، سكن المغرب، ثقة.

* * *

‌2524 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الفضل الخَيْزاخَزِيّ، رحمه الله تعالى

*

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 179. =

ص: 334

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: روَى عنه ابنُه أبو نصر أحمد بن عبد الله، المذكور في حرف الألف.

وروَى هو عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بن خَنْب

(1)

، وأبي بكر بن مجاهد القَطَّان البَلْخِي

(2)

، وغيرِهما.

وتفقَّه على أبي بكر محمد بن الفضل الكَمارِي.

ذكر القاضي

(3)

في "الغاية"، في مسألة المسْبوق يُتابع الإمام في التَّشهُّد إلى قولِه "عبده ورسوله" بلا خلاف، إلى أن قال: وروَى البَلْخِيّ

(4)

، عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، أنَّه يأتي بالدَّعَوات. وبه كان يُفتِي عبد الله بن الفضل الخَيْزاخَزِيّ.

وذكره في "القُنْية" في الصلاة. وذكره قاضي خَان في "شرح الجامع الصغير" في الصوم. كذا ترجمه في "الجواهر".

* * *

‌2525 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن المفتي فقير الله الرائبوري

*

= وترجمته في الجواهر المضية برقم 718، وكتائب أعلام الأخيار برقم 210، واللباب 1: 400، ومعجم البلدان 2:506.

(1)

في بعض النسخ "جنب". وانظر: حاشية الجواهر 2: 322.

(2)

في بعض النسخ "البخاري". والمثبت من: الجواهر. وانظر: ما يأتي.

(3)

يعني أبا العباس أحمد بن إبراهيم السروجي.

(4)

في بعض النسخ "الثلجي"، وهو موافق لنسخة من الجواهر.

* راجع: تذكره علماء أهل سنت وجماعت بنجاب 2: 311 - 328، ومقالات يوسفي 1: 259 - 275، وبينات ربيع الثاني 1406.

ص: 335

ولد 8 رمضان 1330 في مدرسة الرشيدية رائبُور من أعمال "جالندهر".

سماه أبوه بمسكين الله ثم سمّي بعبد الله، قرأ مبادئ العلم عند جدّه من الأم مولانا ميان الله راسي، وحفظ القرآن الكريم في صباه، ثم التحق بالمدرسة الرشيدية، وقرأ فيها الكتب الابتدائية من الفارسية والعربية، وقرأ "مشكاة المصابيح"، و"آثار السنن" على والده، ثم التحق بمدرسة فيض محمدي جالندهر، وقرأ فيها على خير محمد الجالندهري، ومولانا أحمد بخش، ومولانا غلام محمد، وقرأ في هذه المدرسة الصحاح الستّة.

وبعد إتمام الدراسة التحق بخير المدارس جالندهر، وبعد تقسيم "الهند" هاجر مع أبويه إلى "باكستان"، واختار الإقامة في "ساهيوال"، والتحق بالجامعة الرشيدية، ودرّس فيها إلى آخر حياته.

بايع في الطريقة على يد مولانا عبد القادر الرائُبوري، وحصلت له الإجازة منه، ثم أجازه في السلوك شيخ الحديث العلامة زكريا السهارنبوري.

توفي 26 رمضان سنة 1405 هـ.

* * *

‌2526 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الفَلَّاس

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كذا ذكره في "القُنْية".

وقال: الدَّم الذي ليس بمَسْفوحٍ طاهر.

كذا ذكره، وذكر اللَّذين قبلَه، صاحبُ "الجواهر"، من غير زيادةٍ.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 255. وترجمته في الجواهر المضية برقم 744.

ص: 336

‌2527 - الشيخ الفاضل مولانا عبد الله بن المولوي كرامة الله بن المنشئ هداية الله بن المنشئ أسد الله الكُمِلائي

*

ولد سنة 1323 هـ في قرية "دَلِي" من مضافات "قَصْبَه".

ماتت أمّه، وهو ابن خمس سنين، قرأ مبادئ العلم على عمّه المنشئ دائم الله، ثم التحق بمدرسة جمشيدبُور، ثم التحق بالجامعة اليونسية، وقرأ فيها عدّة سنين، ثم ارتحل إلى "داكا"، والتحق بأشرف العلوم بَرَاكَتْرَا.

من أساتذته: شيخ التفسير العلامة سراج الإسلام، والعلامة شمس الحق الفريدبُوري، والعلامة محمد الله الحافظجي، والعلامة عبد الوهّاب البيرجي.

ثم سافر إلى دار العلوم ديوبند

(1)

، والتحق بها، وقرأ فيها شهرين، ثم التحق بالجامعة الإسلامية دَابِيْل، وقرأ فيها في السنة الأولى "مشكاة المصابيح"، وغيرها من الكتب، وفي السنة الثانية "صحيح البخاري" على شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني، وقرأ فيها كتب الصحاح الستّة وغيرها من الكتب الحديثية، ثم التحق بمظاهر العلوم سهارنبُور، وقرأ "سنن أبي داود" على العلامة زكريا الكاندهلوي، وقرأ "صحيح البخاري" على العلامة عبد الرحمن الكاملبوري.

وبعد إتمام الدراسة ذهب إلى حكيم الأمة أشرف علي التهانوي، وأقام في "خانقاه تهانه بهون" خمسة عشر يوما، ثم رجع إلى وطنه المألوف، وبايع في

* راجع: مشايخ برهمنباريه ص 88 - 95.

(1)

"ديوبند": بكسر الدال المهملة، وإسكان التحتية، والواو، وفتح الموحّدة، وإسكان النون، والدال المهملة، بلدة من أعمال "سهارنبور"، فيها مدرسة كبيرة، بناها الشيخ الإمام قاسم بن أسد النانوتوي رحمه الله تعالى.

ص: 337

السلوك على يد أمير الشريعة محمد الله الحافظجي، ثم التحق مدرّسا بأشرف العلوم برَاكَتْرا، وعيّن إماما وخطيبا في شاهي مسجد في "عظيمبُور" من "داكا"، ثم درّس في عدّة مدارس في "داكا".

وحجّ وزار خمس مرار، وأسّس "مدرسة فيض العلوم" سنة 1384 هـ بـ "عظيمبُور". وصنّف عدّة كتب.

توفي في ليلة الجمعة سنة 1423 هـ، وصلى على جنازته العلامة عبيد الحق الجلال آبادي، ودفن بعد أن صلّي على جنازته بمقبرة عظيمبُور.

* * *

‌2528 - الشيخ الفاضل عبد الله بن الشيخ كمال الدين الرُّوميّ، المشهور بشيخ زاده

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأ على المولى سيِّدي محمد القُوجَوِيّ، والمولى محمد بن حسن السَّامُونِيِّ، وغيرِهما.

وصار مدرِّسا ببعض المدارس، ثم إنّه اختار العُزْلةَ، وانْقَطَع إلى العبادة، وترك الاخْتلاط بأهل الدنيا، إلى أن مات، في سنة سبع وخمسين وتسعمائة.

وكانتْ له مُشارَكة في العلوم العقلية، والنقلية، وله مَزِيدُ اختصاص بالتفسير، وكان من خِيارِ الناس، - تغمَّده الله برحمته -.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 180.

ص: 338

‌2529 - الشيخ الفاضل عبد الله بن لطْف الله بن محمد بن بهاء الدين، المشهور في "الدِّيار الرُّوميَّة" ببهاء الدين زاده، من فُضلاء مَوالي "الدِّيار الرومية

" *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: اشتغل وحصَّل، ودرَّس وأفاد، وبلغ من الفضائل غايات المراد، وصار ملازما من العلامة أبي السعود العِمادِيِّ، وكان له به عنايةٌ كاملة، واخْتلاط كثير، يتردَّد إليه في غالب الأوقات، ويُقَيَّد عنه كثيرا من الفوائد المهِمّات، إلى أن لَحِق باللَّطيف الخبير.

وقد وَلِيَ صاحبُ الترجمة مدارسَ مُتعدِّدة، من أجَلِّها إحْدى المدارس الثَّمان، والمدرسة السَّلِيمية، بمدينة "إستانْبول"، وإحدَى المدارس السُّلَيْمانية، ومنها تَوَلَّى قضاء "الغَلْطَة"، مُضافة إلى أبي أيُّوب الأنْصاري، رحمه الله تعالى، ثم وَلِيَ قضاءَ "بَرُوسَة"، ثم قضاءَ "أدِرْنَه"، ثم قضاءَ "إستانْبول"، ثم قضاء العَسْكَر، بولاية "أناطُولِي"، وأقام مدّة يسيرة، ثم عُزِل، وَلِيَ عِوَضا عنه مُلا أحمد الأنصاري، المتقدِّم ذكرُه في محلِّه.

وقد اجتمعتُ به في مدينة "إستانْبول"، في سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة، ورأيته كاملَ الأوصاف من العقل والتَّدبير، والعلم والمعرفة.

وذكر أنَّه صنَّف "حاشية" على "شرح المفتاح" للسيِّد، ولكنَّها في المسوَّدة ما بُيِّضَتْ، وأنَّ له بعضَ حَواشٍ على شُروح "الهداية"، ورسائل مفيدة في فنون عَديدة؛ وهو الآن مُقيم في "الديار الرُّومية"، حَيُّ يُرْزَق، يُؤمِّل ما يُناسِبُ مَقَامَه الشريف من المناصب السَّنِيّة، والرُّتَبِ العَلِيَّة، وهو أهلٌ لكلِّ ما يُسْدَى إليه، ويُنْعَم به عليه.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 180.

ص: 339

‌2530 - الشيخ الفاضل عبد الله بن لعل محمد الموي الأعظم كرهي

*

أحد العلماء الصالحين.

ولد بـ "مئو" سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف.

قرأ الكتب الدرسية بعضها على الشيخ عناية الله الواعظ، والشيخ الكبير سخاوة علي العمري الجونبوري، وأكثرها على مولانا تراب علي، ومولانا عبد الحليم بن أمين الله اللكنوي.

وأخذ الصناعة الطبّية عن غير واحد من الأطبّاء، أجلّهم الحكيم يعقوب اللكنوي، وسافر معه للحجّ والزيادة سنة أربع وثمانين، وسافر للحج مرّة ثانية سنة تسعين.

وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي المهاجر، ثم رجع إلى "الهند"، وأقام ببلدة "نوانكر"، كان يدرّس ويفيد، ولما كبر سنّه رجع إلى بلدته، واعتزل عن الناس.

توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف.

* * *

2531 -

الإمام الهمام، شيخ الإسلام، عالم زمانه، أمير الاتقياء في وقته،

* راجع: نزهة الخواطر 8: 314، 315.

وفي تراجم علماء أهل الحديث أنه ولد سنة ستين ومائتين وألف، وفي تذكرة علماء حال للشيخ إدريس النكرامي أنه ولد في سنة ثمان وستين ومائتين وألف.

ص: 340

أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام عبد الله بن المبارك بن واضح الإمام المشهور، العَلَم المنْشور *

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 181.

وترجمته في أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري 134 - 137، والانتقاء لابن عبد البر 132، 133، والأنساب للسمعاني 179، والبداية والنهاية 10: 177 - 179، وتاريخ بغداد 10: 152 - 169، والتاريخ الكبير للبخاري 3: 1: 212، والتاريخ لابن معين 2: 328، وتذكرة الحفاظ 1: 274 - 279، وترتيب المدارك 1: 300 - 309، تقريب التهذيب 1: 445، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 1: 285 - 287، وتهذيب التهذيب 5: 382 - 387، وجامع كرامات الأولياء 2: 104، والجرح والتعديل 2: 2: 179 - 181، والجواهر المضية برقم 720، في 4: 510، 511، وحلية الأولياء 8: 162 - 190، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 211، 212، ودول الإسلام 1: 117، والديباج المذهب 1: 407 - 409، وذيل الجواهر المضية 2: 529، 534، وسير أعلام النبلاء 8: 336 - 371، وشذرات الذهب 1: 295، وصفة الصفوة 4: 134 - 147، وطبقات خليفة بن خياط (دمشق) 2: 836، وطبقات الفقهاء، للشيرازي 94، وطبقات القراء 1: 446، والطبقات الكبرى لابن سعد 7: 2: 104، 105، والطبقات الكبرى للشعراني 1: 59، 60، والعبر 1: 280، والفهرست 319، والفوائد البهية 103، 104، وكتائب أعلام الأخيار برقم 86، وكشف الظنون 1: 57، 911، 2: 1410، 1422، والكواكب الدرية للمناوي 1: 131 - 133، واللباب 1: 324، ومرآة الجنان 1: 378 - 382، والمعارف لابن قتيبة 511، ومفتاح السعادة 2: 246 - 248، والنجوم الزاهرة 2: 103، 104، وهدية العارفين 1: 438، والورقة لابن الجراح 14 - 16، والولاة والقضاة للكندي 368، ووفيات الأعيان 3: 32 - 34.

ص: 341

الذي اتَّفقت الألْسُن على مدحه، والقلوب على حبِّه، ووقع الإجماع على أنَّه فريدُ عصرِه، ووحيدُ دهرِه، ونَسيجُ وَحْدِه، وواسِطة عِقْده.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره أبو إسحاق الشِّيرازِيّ في أصحاب أبي حنيفة، ثم حمله الانْحِراف عن الإمام الأعظم وأصحابه، كما هو المشهور عنه، أنْ قال: ثم تركه، ورجع عن مذهبه

(1)

. ولم يذكر لكلامه دليلا، ولا أتَى فيه بحُجّةٍ، ولا ذكَر إلى أيِّ مذهبٍ رجَع، إلى أيِّ طريق اتَّبع، وهل تفرّد بمذهب، وتمسّك بمَطْلب، وترك التقليد أصلا، واجْتهد كبقيَّة، أصحاب المذاهب المتَّبَعة أم لا، وحُسنُ رأي ابنِ المبارك في أبي حنيفة، ومَدْحُه له، وثَناؤه عليه، إلى أن توفّاه الله تعالى، كما هو مُسْتَفيضٌ عنه، ومَشْحونةٌ به الكتُب ومتفقِّهٌ عليه ألسُنُ الرُّواة، يدُلُّ على أنَّه لم يزلْ آخذا برأيه، مُصَوِّبا لأقوالِه، ذاهبا إلى مذهبه، رضي الله تعالى عنهما، وجمَع بينهما في دار كَرامته.

ولا يُلْتَفتُ إلى ما يُلَفِّقه الخطيبُ البغداديُّ في "تاريخه"، من كلام يحْكِيه عن ابن المبارك، ينْسُبُه إليه، ويَرْويه عنه، مما يريد الخطيبُ أن يُشنِّع به على أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه؛ فإنَّ تعصُّبه معلوم، وبُغْضه غيرُ مَكْتوم، حتى إنّ بعضَ الأفاضل صنَّف في الرّدِّ عليه كتابا سمّاه، "السَّهم المصيب في كَبِد الخطيبُ".

وحيث كان الأمر على ما ذكرْنا، والشأن على ما قرَّرنا، وجب أن نذْكُرَه في جملة الأصحاب، ونُجمِّل بنَشْر مَحاسِنه طَيّ هذا الكتاب، كما ذكَر جميعُ مَن صنَّف في تراجم الحنفية، وعَدُّوه [من] أئمَّتهم المرْضيَّة، فنقول وبالله التوفيق:

ذكرَه الحافظ الذهَبِيّ في "طبقات الحفّاظ"، وقال في حَقِّه

(2)

: الإمام الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، فخر المدرِّسين، قُدْوةُ الزاهدِين، أبو عبد

(1)

انظر: طبقات الفقهاء 137.

(2)

تذكرة الحفاظ 1: 274، وما بعدها.

ص: 342

الرحمن الحَنْظَلِيّ مولاهم، التُّرْكِيّ الأب، الخُوارَزْمِيّ الأُم، التاجر السَّفّار، صاحب التصانيف النافعة، والرِّحلات الشاسعة.

وُلِد سنة ثماني عشرة مائة، أو بعدَها بعام، وأفنَى عمره في الأسفار، حاجّا ومجاهدا، وتاجرا.

سمع سليمان التَّيْمِي، عاصما الأحْول، وحُمَيدا الطَّويل، والربيعَ بن أنس، وهشام بنَ عُرْوَة، الجَرِيرِيّ، إسماعيل بن أبي خالد، وخالدا الحَذّاء، يَزيدَ بن عبد الله بن أبي بُرْدَة، وأمَما سواهم، حتى كتب عمَّن هو أصْغَرُ منه.

دَوَّن العلمَ في الأبواب، وفي الغَزْو، والزهد، الرَقائق، غير ذلك.

حدَّث عنه خَلْق لا يُحْصون من أهل الأقاليم، فإنَّه من صِباه ما فَتَر عن السَّفَر، منهم: عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، ويحيى بن مَعين، وحِبّان بن موسى، وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وأحمد بن مَنيع، أحمد بن حَنْبَل المرْوزِيّ، والحسن بن عيسى بن ماسرْجِس، والحُسين بن الحسن المرْوَزِيّ، والحسن بن عَرَفة.

قال - أعنِي الذَهبي -: ووقَع لي من غيرِ وَجْهٍ عاليا، وبالإجازة بيني وبينه، سِتَّةُ أنْفُس، ووالله إنِّي لأُحِبُّه في الله، وأرجو الخيرَ بِحُّبه، لما مَنَحه الله من التقوى، والعبادة، والإخلاص، وسعة العلم، والإتقان، المواساة، والفُتُوَّة، والصِّفات الحميدة. انتهى.

وعن ابن مَهْدِيّ: الأئمة أربعة: مالك، والثَّورِيّ، حَمّادُ بن زيد، وابنُ المبارك، وعنه أيضًا، أنَّه فضَّلَه على الثَّوْرِيِّ. وقال مرَّةً: حدَّثنا ابنُ المبارك، وكان نسيجَ وَحْدِه.

وعن أحمد بن حنبل، رضي الله تعالى عنه: لم يكُن في زمن ابنِ المبارك أطْلَبَ منه للعلم.

وعن شُعَيب حرب، قال: ما لَقِيَ ابنُ المبارك مثلَ نفسه.

وعن شُعْبَة: ما قَدِمَ علينا مثلُ ابن المبارك.

ص: 343

وقال أبو إسحاق الفَزَارِيّ: ابنُ المبارك إمامُ المسلمين.

وعن ابن مَعين: كان ثِقَةً ثَبْتا، وكانتْ كتُبه التي حدَّث بها نحوا من عشرين ألف حديث.

وعن يحيى بن آدم قال: كنتُ إذا طلبتُ الدَّقيق من المسائل، فلم أجِدْه في كُتُب ابن المبارك، أيِسْتُ منه.

وعن إسماعيل بن عَيَّاش، قال: ما على وَجْه الأرض مثلُ ابن المبارك.

وقال العبّاس بن مُصْعَب: جمَع ابنُ المبارك الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، ومَحَبَّة الفِرق له.

وقال شُعيب بن حرب: لو جَهِدْتُ جُهْدِي على أن يكونَ في السنة ثلاثةُ أيام على ما عليه ابنُ المبارك، لم أقْدِر.

وقال أبو أسامة: هو أمير المؤمنين في الحديث.

وقال الحسن بن عيسى بن ماسَرْجِس: اجتمع جماعةٌ من أصحاب ابن المبارك، فقالوا: عُدُّوا خِصالَ ابن المبارك. فقالوا: جمَع العلمَ، الفقهَ، والأدبَ، والنحوَ، واللغةَ، والزُّهدَ، والشجاعة، والشعر، الفصاحة، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والفروسيَّة، وتَرْكَ الكلام فيما لا يَعْنيه، والإنصافَ وقِلَّةَ الخِلاف على أصحابه.

وروَى العبّاس بن مُصْعب في "تاريخه"

(1)

، عن إبراهيم بن إسحاق، عن ابن المبارك، قال: تحمَّلتُ عن أربعة آلاف شيخ، فروَيْتُ عن ألفٍ منهم. ثم قال العبّاس: وقَع لي من شيوخه ثمانمائة.

وعن علي بن الحسن بن شَقيق، قال: قُمْتُ مع ابن المبارك في ليلة باردة، ليَخْرُج من المسجد، فذاكَرني عند الباب بحديث، وذاكرْتُه، فما زال يُذاكِرُني حتى جاء المؤذِّن، فأذّن للفجر.

(1)

وهذا أيضًا عن تذكرة الحفاظ 1: 276.

ص: 344

وكان ابن المبارك من صِيانة العلم، وعدمِ ابْتذاله لأهل الدّوَل وأهلِ المناصب، ومَن ليس له بأهلٍ، على جانبٍ عظيم.

ورُوِيَ أنَّ رجلا من بني هاشم جاء إليه يسْمعُ منه، فامْتنع ابنُ المبارك، فقال الهاشِمِيُّ لغُلامِه: قُمْ بنا. فلمّا أراد الرُّكوب، جاء ابن المبارك ليُمْسِك برِكابه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، لا تَرَى أن تُحدِّثني، وتُمْسِكَ برِكابِي؟ فقال: رأيتُ أن أُذِلَّ لك بدنِي، ولا أُذِلُّ لك الحديث.

وعن الفُضيل بن عِياض، أنَّه قال، وهو بـ "مكة": وربِّ هذا البيتِ ما رأتْ عينايَ مثلَ ابن المبارك.

وقال عبد الله بن سِنان: قدم ابنُ المبارك "مكة" وأنا بها، فلمّا خرَج شيَّعه سُفْيان بن عُيَيْنَة، والفُضَيْل بن عِياض، وودَّعاهُ، فقال أحدُهما: هذا فقيه أهل المشرق. وقال الآخر: وفقيه أهل المغرب.

وقال نُعيم بن حَمّاد: كان ابنُ المبارك إذا قرأ كتاب "الزهد"، كأنَّه ثورٌ قد ذُبح، لا يقدرُ أن يتكلّم.

وقال أبو عمر ابن عبد البَرّ: لا أعلم أحدا من الفقهاء سَلِم أن يُقال فيه شيء، إلا عبدَ الله بن المبارك

(1)

.

وذكر ابنُ عَساكر في "تاريخ دمشق" لعبد الله بن المبارك ترجمة واسعة، أحْبَبْتُ أن ألخِّص منها ما يكون فيه قدوةٌ لأهل العلم، وهادٍ لأهل الرَّشاد، وطريقٌ لأهل النّجاة، ومُبِينٌ لما كان عليه عبد الله من العلم والدين والورع وغير ذلك، وإن كان فيما ذكرناه كفاية، فإنَّ مثلَ أخبار عبد الله وأوصافه، لا يَمَلُّ سمَاعَها إلا مُبْتدع، عَمِيَتْ بَصيرته، ولم تخْلُصْ من الكَدَر سَريرته؛ فمِن ذلك ما رُوِي، أنّ عبد الله بن المبارك، رضي الله تعالى عنه، قال - وقد سُئل عن أول زُهدِه - إنِي كنتُ يوما في بُستان، وأنا شابٌّ،

(1)

آخر النقل عن تذكرة الحفاظ.

ص: 345

مع جماعة من أتْرابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلْنا وشربنا، وكنتُ مولَعًا بضَرْب العُود، فقمتُ في بعض الليل، وإذا غُصْنٌ يتحرَّك عند رأسي، فأخذتُ العودَ لأضرب، فإذا بالوعد ينطِق وهو يقول:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

(1)

، قال: فضرَبْتُ بالعود الأرضَ فكسَرْتُه، وصرَفتُ ما عندي من جميع الأمور التي كنتُ عليها، مما يشْغَلُ عن الله تعالى، وجاء التوفيق من الله تعالى، فكان ما سهَّل لنا من الخير، بفَضْل الله ورحمته.

وقال عبد الله: نظر أبو حنيفة إلى أبي، فقال: أدَّت أمُّه إليك الأمانة، وكان أشْبَه الناس بعبد الله.

وقيل له: يا أبا عبد الرحمن، حتى متى تكتب الحديث؟ فقال: لعلَّ الكلمةَ التي أنتفع بها ما كتبتُها بعدُ. وفي رواية: لعلَّ الكلمة التي فيها نَجَاتِي لم أسمعْها بعدُ.

وعن عيسى بن سَلَمة بن وصيف، قال: اجتمع ابن المبارك ووكِيعٌ عند شَريك، يكْتُبان عنه، وكان ابن المبارك إذا سَوَّد ورقتَه تَرَكها تجفُّ، وقام يَرْكَع، قال: وسمع ابنُ المبارك وَكيعا يُقدِّم عليّا على عثمان، فقال: يا أبا سفيان، إنك لَعَلى هذا، لا كلَّمتُك حتى ألْقَى الله عز وجل.

وعن سفيان بن سعيد، أنَّه كان يقول: أحْبَبْتُ أن أكون خمسَة أيام على وتيرةِ ابن المبارك، فلم أقْدِر عليه، وأربعة أيام، فلم أقْدرْ عليه، وثلاثة أيام، فلم أقْدر عليه، ويَوْمَين، فلم أقْدِر عليه.

قال شُعيب بن حرب: وكنّا نأتِي ابنَ المبارك، فنَحْفَظُ عنه، ثم ننْظُر هل نستطيع أنْ نتعلَّق عليه بشيءٍ، فلا نقْدِر على شيء من ذلك.

وعن عمران بن موسى الطَّرَسوسيِّ، قال: جاء رجل، فسأل سفيانَ الثَّوْرِيّ عن مسألةٍ، فقال له: مِن أينَ أنتَ؟ قال: من أهلِ المشرق. قال:

(1)

سورة الحديد 16.

ص: 346

أوَليس عندكم أعلمُ أهل المشرق؟ قال: ومَن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: هو أعلمُ أهل المشرق؟ قال: نعم، وأهلِ المغرب.

وعن عبد الرحمن ابن أبي جَميل، قال: كنا حولَ ابن المبارك بـ "مكّة"، فقُلنا له: يا عالمَ المشرق حدِّثنا، وسفيان قريب منا، فقال: وَيْحكم، عالم المشرق والمغرب وما بينهما.

وعن سفيان بن عُيَيْنة، قال: نظرتُ في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك، فما رأيتُ لهم عليه فضلًا إلا بصُحْبَتهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وغَزْوهم معه.

وعن أبي إسحاق الفَزَارِيّ، أنَّه كان يقول: ابنُ المبارك عندنا إمام المسلمين. وفي رواية عنه: إمام المسلمين أجمعين.

وكان أبو إسحاق هذا يُجِلُّ ابنَ المبارك، يجلِسُ بين يديه، ويُسائله، ويسْتفيد منه، مع جَلالة أبي إسحاق، وعُلُوِّ قدره.

وسأله رجل مرَّةً عن مسألة

(1)

، فقال: هل كتبتَ فيها إلى إمام المسلمين. يعني عبدَ الله بن المبارك.

وكان ابنُ مَهْدِيّ يقول: كان ابن المبارك أعلمَ من سفيان الثَّورِيّ. وعنه أيضًا أنَّه قال: ما رأيتُ مثلَ ابن المبارك. فقال له يحيى بن سعيد القَطَّان: ولا سفيان ولا شُعْبة؟ قال: ولا سُفيان ولا شُعْبة، كان ابنُ المبارك عالما فقيها في علمه، حافظا، زاهدا عابدا، غنيَّا، حَجَّاجا، غَزَّاء، نحويّا، شاعرا، ما رأيتُ مثلَه.

وعن عبد الله بن إدريس، كان يقول: كلُّ حديث لا يعرفُه ابن المبارك، فنحن منه بَرَاء.

وعن ابن مَهْدِيّ، أنَّه كان يقول: ما رأتْ عينايَ مثلَ أربعة: ما رأيتُ أحفظَ للحديث من الثَّورِيِّ، ولا أشدَّ تقشُّفا من شعْبة، ولا أعْقلَ من مالك بن أنس، ولا أنْصحَ للأمَّة من عبد الله بن المبارك.

(1)

تكملة لازمة.

ص: 347

وعن إسماعيل بن عَيّاش، قال: ما على وجه الأرض مثلُ عبد اللهِ بن المبارك، ولا أعلَم أنَّ الله عز وجل خلقَ خَصْلةً من خِصالِ الخير إلا وقد جعَلَها في عبد الله بن المبارك.

ورُوِيَ عن عبد الله بن المبارك، أنَّه اسْتعار قلمًا بأرض "الشام"، ونَسِيَ أن يَرُدَّه إلى صاحبه، فلمَّا قَدِمَ "مَرْوَ"، رأى القلَم في أمْتعَته، فرجع إلى أرض "الشام" حتى رَدَّه إلى صاحبه.

وهذا من نهاية الوَرَع، الذي مَزيدَ عليه، رحمه الله تعالى، ورضي تعالى عنه، فما كان أزْهَدَه وأتْقاه.

وعن أبي وَهْب، أنَّه قال

(1)

: مَرَّ ابن المبارك برجلٍ أعمَى، فقال له، أسْألك أن تَدْعُوَ الله أن يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي. قال: فدعا الله، فرَدَّ عليه بصرَه وأنا أنْظُرُ.

وعن سُوَيْد بن سعيد، قال: رأيتُ عبد الله المبارك بـ "مكة" أتى "زَمْزَم"، فاسْتَقى منه شَرْبة، ثم اسْتقبل الكعبة فقال: اللّهم إن ابن الموَّال حدَّثنا، عن محمد بن المنْكَدِر، عن جابر، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أنَّه قال:"ماء زَمْزَمَ لما شُرِبَ له"

(2)

، وهذا أشْربُه لعطَش القيامة. ثم شَرِبَه.

وعن عبد الله بن سِنان، قال: كنتُ مع ابن المبارك، والمعْتَمِر بن سليمان، بـ "طَرَسُوسَ"، فصاح الناس: النَّفيرَ، النفير. قال: فخرج ابنُ المبارك والمعْتَمِر، وخرج الناس، فلما اصْطَفَّ المسلمون والعَدُوُّ، خرج عِلْجٌ من الروم يطلُب البِرازَ، فخرج إليه رجل مسلم، فشدَّ العِلْجُ على المسلم، فقتَلَ المسلم، حتى قتل سِتَّةً من المسلمين مُبارزة، فجعل يَتَبَخْتَرُ بين الصَّفين، يطلُب المبارزة، لا يخرج إليه أحدٌ، قال: فالتفَتَ إليَّ ابنُ المبارك فقال: يا عبدَ الله، إن

(1)

تاريخ بغداد 10: 167.

(2)

أخرجه ابن ماجه، في باب الشرب من زمزم، من كتاب المناسك، وسنن ابن ماجه 2:1018.

ص: 348

حدث في حدثُ الموت، فافعلْ كذا وكذا. قال: وحرَّك دابَّته، وخرج العلْج، فعالَج معه ساعة، فقتل العِلْج، طلب المبارزة، فخرج عِلْج آخَر، فقتَله، حتى قتل سِتَّةً من العُلوج مُبارزة، طلب البِراز، فكأنهم كاعوا عنه، فضرَب دابَّته، نظَر بين الصَّفَّين، وغاب، فلم أشْعُرْ بشيء إلا وابن المبارك في الموضع الذي كان فيه، فقال لي: يا عبدَ الله لئن حدَّثتَ بهذا أحدا وأنا حَيُّ. وذكر كلمةً. قال فما حدَّثتُ به أحدا وهو حيٌّ.

وعن محمد بن إبراهيم بن أبي سُكَيْنةَ، قال: أمْلَى علَيّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بـ "طَرَسوسَ"، وودَّعْتُه للخروج، وأنْفَذَها معي الفُضيل بن عِياض، في سنة سبعين ومائة، وفي رواية، سنة سبع وسبعين ومائة

(1)

:

يا عابدَ الحَرَمين لو أبْصَرْتَنا

لَعَلِمْتَ أنَّك في العبادة تَلْعَبُ

مَن كان يخْضِبُ خَدَّهُ بدُموعِه

فنُحورُنا بدمائنا تتَخضَّب

أو كان يبْعَثُ خَيْلَه في باطلٍ

فخُيُولنا يومَ الصَّبيحة تَتْعَب

(2)

رِيحُ العَبير لكم ونحن عبيرنا

رَهَجُ السنابِكِ والغُبارُ الأطْيَبُ

(3)

ولقد أتانا مِن مَقالِ نَبِيِّنا

قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكْذِبُ

لا يستوي وغبار خيل الله في

أنف امرئ ودخان نار تلهب

(4)

هذا كتابُ الله ينْطِقُ بيننا

ليس الشهيد بمَيِّتٍ لا يكْذبُ

قال: فلقيتُ الفُضَيل بن عِياض في المسجد الحرام بكتابِه، فلمّا قرأه ذَرَفتْ عَيْناه، ثم قال: صدَق أبو عبد الرحمن. ونصحني، ثم قال: أنتَ ممن

(1)

الشعر في سير أعلام النبلاء 8: 364، وطبقات الشافعية الكبرى 1: 286، 287.

(2)

في طبقات الشافعية "يوم الكريهة".

(3)

رهج السنابك: الغبار الذي تثيره أطراف حوافر الخيل.

(4)

انظر تخريج حديث: لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا، في حاشية سير أعلام النبلاء.

ص: 349

يكتُب الحديث؟ قلتُ: نعم يا أبا علي. قال: فاكْتُبْ هذا الحديث كِراءَ حَمْلِك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا. وأملَى عليَّ الفُضيل: حدَّثنا منصور بن المعْتَمِر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَلِّمنِي عملا أنالُ به ثَوابَ المجاهدين في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم، "هل تَسْتَطيع أن تُصَلِّيَ فلا تَفْتُرَ، وتَصومَ فلا تُفْطِرَ؟ " فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أضعفُ مِن أن أستطيع ذلك. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"فَوَالذي نَفْسِي بيَدِه، لو طوَّقْتَ ذلك، ما بَلَغْتَ فَضْلَ المجاهِدين في سبيل الله، أما عَلِمْتَ أن فرس المجاهد لَيَسْتَنُّ في طِوَلِه، فتُكْتَبُ بذلك الحَسَناتُ"

(1)

.

وعن عمر بن حفص الصُّوفِيّ، قال: خرج ابن المبارك من "بغداد"، يُريد "المصِّيصَةَ"، فصَحِبَه الصُّوفِيَّة، فقال: أنتم لكم أنْفُسٌ تحْتشمون أن يَنْفَق عليكم، يا غُلام، هات الطَّشتَ، فألْقى على الطَّشْتِ مِنْديلا، ثم قال: يُلْقِي كلُّ رجل منكم تحت المنْديل ما معه، قال: فجعل الرجل يُلْقِي عشرةَ دراهم، والرجل يُلْقِي عشرين درهمًا، فأنْفَق عليهم إلى "المصِّيصَة"، فلمّا بلغَ "المصِّيْصَة"، قال: هذه بلادُ نَفير، فقَسم ما بَقِي، فجعل يُعْطِي الرجلَ عشرين دينارا، فيقول: يا أبا عبد الرحمن، إنَّما أعْطَيْتُ عشرين درهمًا، فيقول: وما تُنْكِرُ إنَّ الله تبارك وتعالى يبارِك للغازِي في نَفَقته.

وعن سَلَمَة بن سليمان، قال

(2)

: جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك، فسأله أن يقْضِيَ دَيْنا عليه، فكتبَ له إلى وكيلٍ له، فلمَّا ورَد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألتَ فيه عبدَ الله أن يقْضيه؟ قال: سبعمائة

(1)

أخرجه البخاري في باب فضل الجهاد والسير، من كتاب الجهاد، صحيح البخاري 4:18. والنسائي في باب ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل، من كتاب الجهاد، والمجتبى 6: 17، والإمام أحمد، في المسند 2: 344.

(2)

تاريخ بغداد 10: 158: 159.

ص: 350

درهم. قال: فكتب إلى عبد الله: إن هذا الرجل سألك أن تقضيَ عنه سبعمائة درهم، وكتبتَ إلىَّ سبعة آلاف درهم، وقد فَنِيَتْ الغَلَّات. فكتبَ إليه عبد الله: إن كانت الغَلّات قد فَنِيَتْ، فإنَّ العمر أيضًا قد فَنِيَ، فأجْر له ما سبق به قلمِي له.

وفي رواية آخرى، أنَّه كتب إلى الوكيل في جواب كتابه: إذا أتاك كتابي هذا وقرأتَه، وفهمتَ ما ذكرتُ فيه، فادْفَعْ إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفا. فكتب إليه: إن كان على الفِعْل نَفْعَلُ، ما أسْرعَ ما نَبيع الضَّيْعة. فكتب إليه عبد الله، إنْ كنتَ وكيلِي فأنْفِذْ ما آمُرُك به، وإن كنتُ أنا وكيلك فتعالَ إلى موضِعِي حتى أصيرَ إلى مَوْضِعِك، فأنْفِذُ ما تأمُرُني به.

وعن محمد بن عيسى، قال

(1)

: كان عبد الله بن المبارك كثيرَ الاخْتلاف إلى "طَرَسوسَ"، وكان ينزلُ "الرَّقَّةَ" في خان، فكان شابٌّ يخْتَلِف إليه، ويقوم بحَوائِجه، ويسمع منه الحديث، قال: فقدِمَ عبد الله "الرَّقَّة" مرّة، فلم يرَ ذلك الشاب، وكان مُسْتَعْجلا، فخرج في النَّفير، فلما قفَل من غَزْوته، ورجع إلى "الرَّقَّة"، سأل عن الشاب، قال: فقالوا: إنَّه محبوس لدَينٍ رَكِبَه. قال فقال عبد الله: وكم مَبْلَغُ دَيْنِه؟ قالوا عشرةُ آلاف درهم، فلم يزلْ يسْتَقْصِي حتى دُلَّ على صاحب المال، فدَعا به ليلا، ووزَن له عشرة آلاف درهم، وحلَّفه أن لا يُخْبِرَ أحدا ما دام عبد الله حيّا، وقال: إذا أصْبَحْتَ فأخْرِج الرجل من الحَبْس. وأدْلَجَ عبدُ الله، فأُخْرِج الفتى، فقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا، وكان يذْكُرُك، وقد خرج، فخرج الفتى في إثْرِه، فَلَحِقه على مَرْحَلَتين أو ثلاثة من"الرَّقَّة"، فقال: يا فتى أين كنتَ، لم أرَك في الخان. قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنتُ محبوسا لدَيْنٍ علَيّ. قال: فكيف كان سببُ خلاصِك؟ فقال: جاء رجل، فقضى دَيْنِي، ولم أعْلَم به حتى خرجتُ من الحبس. فقال له عبد الله: يا فتى، احْمَدِ الله

(1)

تاريخ بغداد 10: 159.

ص: 351

على ما وفَّق لك من قضاء دَيْنِك. فلم يُخْبِر ذلكْ الرجلُ أحدًا إلا بعد موت عبد الله.

وعن عثمان بن سعيد، أنَّه قال

(1)

: سمعتُ نُعيمَ بن حَمّاد، يقول: كان ابنُ المبارك يكْثِرُ الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تسْتَوْحِشُ؟ فقال: كيف أسْتَوْحِشُ وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يعني النَّظَرَ في الحديث.

وعن أبي نُعيم، أنَّه قال: كان ابن المبارك يتَّجِرُ، ويقْدِمُ كلَّ سنة "مكة"، فيبْعثُ بالصّرر إلى أربابها، كفُضيل بن عِياض، ابن عُيَيْنة، وابن عُلَيَّة وغيرهم، فقَدِم سنة "مكة"، فوجد ابنَ عُلَيَّة قد وَلِيَ الصّدقات لهارون الرشيد، فبعث بالصُّرر إلى أربابها، ولم يَبْعث إلى ابن عُلَيَّة شيئًا، وكان يُعْطِيه في كلِّ سنة خمسمائة درهم، فركب ابنُ عُلَيَّة إليه، فسلَّم عليه، فلم يرفعْ له رأسا، ولم يكلِّمه، فكتبَ إليه: أسعدك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وحاطك بحياطته، قد كنت منتظر البر والصلة منك، لأتبرَّك بها، وجئتُك مسلما، فلم تُكلِّمْني، فأيّ شيء بدا منِّي، فعرِّفْنِي حتى أعْتَذِرَ منه. فلما قرأها ابنُ المبارك، قال: يأبى هذا الرجل إلا أنْ أقْشِرَ له العصا. وكتب إليه رحمه الله تعالى

(2)

.

يا جاعلَ العلم له بازيًا

يصيدُ أمْوالَ المسكين

(3)

احْتَلْت للدُّنيا ولذّاتها

بحِيلةٍ تذهب بالدين

فصِرْتَ مَجْنونا بها بعدَما

كنتَ دَواءٍ للمَجانِينِ

أينَ رِواياتُك في سردها

عن ابن عون وابن سيرين

(1)

تاريخ بغداد 10: 154.

(2)

الشعر في سير أعلام النبلاء 8: 364، وطبقات الشافعية الكبرى 1: 285، الورقة 15.

(3)

في السير والطبقات "يصطاد".

ص: 352

أين أحاديثك والقولُ في

لُزومِ أبوابِ السلاطينِ

(1)

إن قلتَ أكْرِهْتُ فما كان ذا

زَلَّ حمارُ العلم في الطِّين

(2)

فلمَّا قرأ الأبيات بكَى، ودخل على هارون، فاسْتعْفاهُ، فقال: لعلَّك التقيْتَ بالمرْوَزِيِّ؟ فقال له: ارْحَمْ شَيْبِي. فأقالَه، فبَعث إليه ابنُ المبارك برَسْنه.

وعن الأصْمعِيّ، قال: سمعتُ ابن المبارك يقول: إنَّه لَيُعْجبُنِي من القُرَّاء كلَّ طَلْقٍ مِضْحاك، فأمّا مَن تلْقاه بالبشر ويلْقاك بالعُبوس، كأنَّه يَمُنُّ عليك بعمله، فلا أكْثَر الله في القُّرَّاء مثله.

وسُئِل ابنُ المبارك: مَن أحسنُ الناس حالا؟ قال: مَن انْقطَع إلى الله عز وجل.

وكان يقول مَن بَخِلَ بالعلم ابْتُلِيَ بثلاث: إما يموت، فيذهبَ علمُه، أو ينْسَى أو يَتَّبعَ السُّلطان. وكان يقول: لأنْ أخرَّ من السماء، أحبُّ إلىَّ من أن أُدَلِّسَ حديثا.

وذُكِر عندَه رجلٌ مِمَّن كان يُدَلِّس، فقال فيه قولا شديدا، وأنْشَدَ فيه

(3)

:

دَلَّسَ للناس أحاديثه

والله لا يقْبَلُ تَدْليسا

وعنه أنَّه قال: مَن اسْتَخَفَّ بالعلماء ذهبتْ آخِرتُه، ومن اسْتخَفَّ بالأمراء ذهبتْ دنياه، ومن اسْتَخفَّ بالإخوان ذهَبت مُروْءتُه.

(1)

في السير والطبقات والورقة:

أين رواياتك فيما مضى

في ترك أبواب السلاطين.

(2)

سقط قوله: كان ذا من النسخ، وهو من الورقة، ومكانه في السير والطبقات: ذا كذا.

(3)

سير أعلام النبلاء 8: 361.

ص: 353

وعن محمد بن حُمَيد، قال: عَطِسَ رجلٌ عند ابن المبارك. قال: فقال له ابن المبارك: أيْش يقول الرجل إذا عَطِس؟ قال: يقول: الحمد لله. قال: فقال له ابن المبارك: يرْحَمُك الله. قال: فعجِبْنا كلُّنا من حُسْنِ أدبِه.

وكان يقول لأصحاب الحديث: أنتم إلى قليل من الأدب أحْوَجُ منكم إلى كثير من العلم.

وسُمع يُخاطبُ نفسَه، فيقول: يا ابنَ المبارك، إذا عرفتَ نفْسَك، لم يَضرُّك ما قيل فيك.

وعنه أنَّه قال: خَصْلَتان مَن كانتا فيه نَجا: الصِّدْق، وحُبُّ أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

ومِن شعرِ ابن المبارك، رحمه الله تعالى

(1)

:

إنِي امْرُؤُ ليس في دِيني لغامِزَةٍ

لِينٌ ولستُ على الإسلام طَعَّانا

شُغْلِي بقومٍ مَضَوْا كانوا لنا سَلَفا

وللرَّسولِ مع العِرفانِ أعْوانا

فما الدُّخول عليهم في الذي عَمِلوا

بالطَّعْن منِّي وقد فرَّطْتُ عِصْيانا

فلا أسُبُّ أبا بكر ولا عُمَرا

ولا أسُبُّ مَعاذَ الله عُثمانا

ولا ابنَ عمِّ رسول الله أشْتُمه

حتى أُلَبَّسَ تحت التُّرْبِ أكْفانا

ولا الزُّبَيْرَ حَواريَّ الرَّسول ولا

أهْدِي لِطَلْحةَ شَتْما عَزَّ أو هانا

ولا أقولُ عليّ في السَّحاب إذا

قد قلتُ والله ظلما ثُمَّ عُدْوانا

ولا أقول بقَوْلِ الجَهْم إنَّ له

قولا يُضارعُ أهْلَ الشِّرْكِ أحْيانا

ولا أقولُ تخلى من خليقته

رب العباد وولى الأمر شيطانا

ما قال فِرْعَوْنُ هذا في تَجَبُّره

فِرعونُ موسى ولا هامانُ طُغيانا

(2)

لكنْ على مِلَّة الإسلام ليس لنا

اسْمٌ سِواهُ بذاك الله سمّانا

إنَّ الجماعة حَبْلُ الله ما اعْتَصَموا

بها من العُرْوَة الوُثْقَى لمن دَانا

(1)

سير أعلام النبلاء 8: 365، 366، وطبقات الشافعية الكبرى 1:287.

(2)

في السير "في تمرده".

ص: 354

ومن نَظْمه أيضًا، وأظُنُّه من النظم الذي قبلَه، قولهُ:

إنِّي أُحِبُّ عليّا حُبُّ مُقْتَصِدٍ

ولا أرى دونَه في الفضلِ عثمانا

أمّا عليَّ فقد كانت له قَدَمٌ

في السّابقين بها في الناس قد بانا

وكان عثمانُ ذا صِدْقٍ وذا وَرَعٍ

بَرًّا حَيِيًّا جَزاه الله غُفْرانا

ما كان والله من قلبِي مُشايَعَةٌ

للمُبْغِضين عليًّا وابنَ عَفَّانا

لأمْنحَنَّهمُ بُغْضِي عَلانِيَةً

ولستُ أكْتُمه في الصَّدْر كِتْمانا

ولا أرَى حُرْمةً يومًا لمبْتَدِعٍ

وَهْنا يكون له مِنِّي وإدْهانا

وعن بعضِهم قال: سُئِل ابنُ المبارك: ما خيرُ ما أُعْطِيَ الإنسان؟ قال: غَزِيرُ عقل. قيل: فإن لم يكُن، قال: أدَبٌّ حسَن. قيل: فإن لم يكُن. قال: أخٌ صالح يسْتشيرُه. قيل: فإن لم يكُن، قال: صَمْتٌ طويل. قيل: فإن لم يكُن. قال مَوْتٌ عاجل.

وعن الحسن بن عيسى، قال: سمعتُ عبد الله بن المبارك، رضي الله تعالى عنه يقول

(1)

:

اغْتَنِمْ رَكْعتين زُلْفَى إلى اللـ

ـــه إذا كنتَ فارغا مُسْترِيحا

وإذا ما هَمَمْتَ بالزُّورِ والبا

طلِ فاجْعَلْ مكانَهْ تسْبيحا

(2)

فاغْتِنامُ السُّكوتِ أفْضلُ للمَرْ .... ءِ وإن كان بالكلامِ فَصيحا

(3)

وعن عبد السلام بن صالح، قال: سمع ابنُ المبارك رجلًا يتكلَّم بما لا يعْنِيه، فقال

(4)

:

تعاهَدْ لسانَك إنَّ اللسانَ

سريعٌ إلى المرءِ في قَتْلِه

(5)

(1)

ترتيب المدارك 1: 307، وسير أعلام النبلاء 8:368.

(2)

في السير "بالنطق بالباطل"، وفي الترتيب "هممت يوما بنطق".

(3)

في الترتيب، والسير "أفضل من خوف، وإن كنت".

(4)

ترتيب المدارك، والورقة 16.

(5)

في الورقة "احفظ لسانك

حريص إلى المرء".

ص: 355

وهذا اللسانُ بَريدُ الفؤادِ

يدُلُّ الرجالَ على عَقْلِه

(1)

وعن محمد بن إدريس الحَنْظَلِيّ، قال: قال عبد الله بن المبارك

(2)

:

أدَّبْتُ نفسِي فما وجدتُ لها

من بَعْدِ تَقْوَى الله من أدَبِ

(3)

في كلُّ حالاتِها وإن قَصُرَتْ

أفضلَ مِن صَمْتِها عن الكذب

(4)

وغِيتَة الناس إنّ غِيْبَتَهم

حَرَّمها ذو الجلال في الكُتُب

إن كان مِن فِضَّةٍ كلامُك يا

نَفْسُ فإنَّ السُّكوتَ مِن ذَهَبِ

وعن أبي أمَيَّة الأسْود، أنَّه قال: سمعتُ عبد الله بن المبارك، يقول: أُحِبُّ الصالحين ولستُ منهم، وأبْغِصُ الطّالحين وأنا شَرٌّ منهم. ثم أنْشأ

(5)

:

الصَّمْتُ زَيْنٌ بالفتَى

من مَنْطقٍ في غيرِ حِيْنِهْ

(6)

والصِّدْقُ أجْمَلُ بالفتَى

في القولِ عنْدِى مِن يَمِينِه

وعلى الفتى بوَقارِه

سِمَةٌ تلوحُ على جَبِينِه

مَنْ ذا الذي يَخْفَى عليْـ .... ــكَ إذا نَظَرْتَ إلى قَرِينهْ

رُبَّ امْرِيّ مُتَيَقِّنٍ

غلَب الشَّقاءُ على يَقينه

فأزالَه عن رأيه

فابْتاعَ دُنْياهُ بدِينِهْ

انتهى.

قلتُ: ومِمّا يُنْسَب إلى الإمام الشافعِيّ، رضي الله تعالى عنه، من النظم قولُه:

أحِبُّ الصالحين ولستُ منهم

ولكنِّي أرُومُ بهم شَفاعَهْ

(1)

في الورقة "وإن اللسان

دليل الرجال. . .".

(2)

سير أعلام النبلاء 8: 367.

(3)

في السير: "جربت نفسي".

(4)

في السير "وإن كرهت".

(5)

سير أعلام النبلاء 8: 369.

(6)

في السير "أزين بالفتى".

ص: 356

وأكْرَهُ مَن بِضاعتُه المعاصي

ولكنِّي شَريكٌ في البِضاعهْ

فكأنَّه أخذه من قول عبد الله بن المبارك المتقدِّم آنفا.

وكان ابن المبارك يقول: سَخاءُ النفى عمَّا في أيْدي الناس أكبرُ من سخاء النفس بالبذل، والقَناعةُ والرِّضا أكْبرُ من مُروءةِ الإعطاء.

وكان يُنْشِد:

ما ذاقَ طَعْمَ الغِنَى مَنْ لا قُنُوع له

ولن تَرَى قانعا ما عاشَ مُفْتَقِرا

والعرُفُ مَن يأتِه يحْمَدْ عَواقِبَهُ

ما ضاع عُرْفٌ وإن أوْليْتَه حجَرا

ومن شعره أيضًا قوله:

لا تَضْرَعَنَّ لمخلوقٍ على طمَعٍ

فإنّ ذاك مُضِرُّ منك بالدِّينِ

واسْتَرْزِقِ اللهَ مما في خَزائِنِه

فإنّما هي بين الكاف والنون

ألا تَرَى كلَّ مَن تَرْجو وتأمُلُه

مِن البَرِيَّة مسْكينَ بنَ مسكين

ومنه قوله

(1)

:

كلْ من الجاوَرْسِ والرُّزِّ

ومِن خُبْزِ الشَّعيرِ

(2)

واجْعَلَنْ ذاك حَلالا

تَنْجُ من نارِ السَّعيرِ

والْتَمِسْ رزقك من ذي

العرش والرب القدير

وارض يا وَيْحَك من دُنْـ

ـياكَ بالقُوتِ اليسيرِ

إنَّها دارُ بلاءٍ

وزَوالٍ وغرورِ

كم لَعَمْرِى صرَعَتْ قَبْـ

لك أصحابَ القُصورِ

(3)

وذَوى الهَيْئةِ في المجـ

ـلسِ والجمع الكثيرِ

أُخْرِجوا منها فما كا

ن لَدَيْهم من نَكيرِ

(1)

سير أعلام النبلاء 8: 366، 367.

(2)

الجاورس: حب.

وفي السير "كل من الجاروس والـ

آرز والخبز الشعير".

(3)

في السير: "ما ترى قد صرعت قبلك".

ص: 357

كم ببَطْنِ الأرضِ ثاوٍ

من شريفٍ ووزيرِ

وصغيرِ الشأنِ عبدٍ

خاملِ الذِّكْر حقيرِ

لو تصفَّحْتَ قبورَ الْـ

ـقومِ في يومٍ بَصيرِ

(1)

لم تُمَيِّزْهم ولم تعْـ

ـرِفُ غَنِيَّا من فقيرِ

خَمَدوا فالقومُ صَرْعَى

تحت أطْباقِ الصُّخورِ

(2)

اسْتَوَوا عند مَلِيكٍ

بمَساوِيهم خبيرِ

حَكَمٍ يَعْدِلُ لا يظْـ

ـلِمُ مِقْدارَ النَّقيرِ

ومن شعره أيضًا، رضي الله تعالى عنه

(3)

:

يا عائبَ الفقرِ ألا تَعْتَبِرْ

عَيْبَ الغِنَى أكبَر لو تَعْتَبِرْ

(4)

من شَرَفِ الفقرِ ومن فضلِه

على الغِنَى إن صحَّ منك النَّظرْ

أنَّك تَعْصَى لِتَنالَ الغِنَى

ولستَ تَعْصَى الله كي تفْتَقِرْ

وعن الفُضيلِ بن عِياض، قال: سُئِل عبد الله بن المبارك: مَنِ الناس؟ قال: العُلماء. قيل: فمن الملوك؟ قال: الزُّهّاد. قيل: فما السِّفْلة؟ قال: الذي يأكلُ بدينه. وفي رواية أخرَى عن الحسن بن عيسي، قيل له: فمَن الغَوْغاء؟ قال: خُزَيْمة بن خازِم وأصحابه، قيل: فما الدَّنِيّ؟ قال: الذي يذكُر غلاءَ السِّعْر عند الضيفِ.

وكان ابن المبارك يتمثَّل بقول بعضِهم

(5)

:

ركوبُ الذُّنوبِ يُميتُ القلوبَ

وقدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمانُها

(6)

(1)

في السير "وجوه القوم

نضير".

(2)

في السير "بين أطباق".

(3)

سير أعلام النبلاء 8: 368.

(4)

في السير "ألا تزدجر".

(5)

الورقة 15.

(6)

في الورقة "رأيتُ الذنوب

ويخترم العقل".

ص: 358

وتَرْكُ الذنوبِ حياة القلوبِ

وخيرٌ لنفسك عِصْيانُها

(1)

وكان يتمثَّلُ أيضًا بقول الآخر:

وكيف تُحِبُّ أنْ تُدْعَى حكيمًا

وأنتَ لكلِّ ما تَهْوَى رَكوبُ

وتضحك دائبا ظهرا لبطن

وتذكر ما عملت ولا تتوب

وسُمِع على سور "طَرَسوسَ" يقول هذين البيتين

(2)

:

ومن البَلاء وللبلاء عَلامةٌ

أن لا يُرَى لك عن هَواك نُزُوعُ

العبدُ عبدُ النَّفْسِ في شَهواتها

والحُرُّ يشْبَعُ مَرَّةً ويجوع

وأنشد الحسن بن إبراهيم البَجَلِيُّ لابن المبارك قولَه:

تَعْصَى الإله وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّه

هذا مِحالٌ في الفِعالِ بَديعُ

لو كان حُبُّك صادقا لأطَعْتَه

إن المحِبَّ لمن يُحِبُّ مُطيعُ

والذي يغْلِبُ على الظَّنِّ، أنَّ هذين البيتين أخَوَا البيتين اللذين قبلَهما.

ورُوِيَ أنَّ بعضَ أصحابه أراد أن يُسافِر إلى "مكة"، فقال له: أما تُوصِينا، أما تُقوِّينا؟ فقال: له عبد الله:

إذا صاحَبْتَ في الأسْفارِ قوما

فكُن لهُم كذِي الرَّحِمِ الشَّفيق

بِعَيْب النفس ذا بَصَرٍ وعِلْمٍ

غَبِيِّ النفس عن عَيْبِ الرَّفيق

ولا تأخُذْ بِعَثْرة كلِّ يوم

ولكنْ قل هَلُمَّ إلى الطريق

فإن تأخذْ بعَثْرتِهم يَقِلُّوا

وتَبْقَى في الزمان بلا صَديقِ

وقال بعضُهم: سمعتُ عبد الله بن المبارك يُنْشِدُ:

أعْداء غَيْبٍ أُخُوةُ التَّلاقِي

يا سُوءَنا من هذه الأخلاق

كأنَّما اشْتُقَّتْ من النّفاقِ

في إخْوان العَلانِيَة وأعْداء السَّريرة.

(1)

في الورقة "يبيع الفتى نفسه في رداه

وأسلم للنفس عصيانها".

(2)

سير أعلام النبلاء 8: 369.

ص: 359

وعن المسيِّب بن واضح، قال: سمعتُ عبد الله بن المبارك يقول: حَفَروا بـ "خُراسان" حَفيرا، فوجدوا رأس إنسان، فوزنوا سِنَّا من أسْنانِه، فإذا فيه سبعةُ أساتِير

(1)

.

وفي رواية أخرَى، عن محمد بن أعْيَن، حمل أبو جَميل سِنِّيْن من خارج حِصْنِ "مَرْوَ" إلى عبد الله بن المبارك، فوضَعهما عبد الله بين يديه، ودعا بالميزان، فوزَنهما أو وزَن أحدَهما، فإذا فيه مَنَوان وزيادةٌ في كلِّ سِنٍّ، فوضعَه عبد الله، وقال فيه شعرا

(2)

:

أتِيتُ بسِنَّيْن قد رَمَّتا

من الحِصْن لما أثاروا الدَّفينا

على وَزْنِ مَنَّيْن إحداهما

يُقِلُّ به الكفُّ شيئا رَزِينا

(3)

ثلاثين أخرَى على قَدْرِها

تباركْتَ يا أحسنَ الخالقِينا

(4)

فماذا يقوم لأفْواهِها

وما كان يَمْلأُ تلك البُطونا

إذا ما تذكَّرتُ أجْسامَهم

تقاصَرْتُ بالنفسِ حتى تَهونا

(5)

وكلُّ على ذاك لاقَى الرَّدَى

فبادوا جميعا فهم خامِدونا

ومن شعر عبد الله أيضًا قوله:

أيا ربِّ يا ذا العَرْشِ أنتَ رحيمُ

وأنتَ بما تُخْفِي الصّدورُ عليمُ

فيا ربِّ هبْ لي منك حِلْما فإنَّنِي

أرَى الحِلْمَ لم ينْدَمْ عليه حليمُ

ويا ربِّ هَبْ لي منك عَزْما على التُّقَى

أُقيمُ به في الناس حيث أُقيمُ

ألا إنَّ تَقْوَى الله أكْرَمُ نِسْبَةٍ

يُسامِي بها عند الفخارِ كريمُ

إذا أنتَ نافَسْتَ الرجالَ على التُّقَى

خرجْتَ من الدنيا وأنت سليمُ

(1)

الإستار: أربعة مثاقيل ونصف.

(2)

سير أعلام النبلاء 8: 368.

(3)

في السير "على وزن منوين"، والمن رطلان كالمنا. القاموس م ن ن.

(4)

في السير "ثلاثون سنا".

(5)

في السير "تصاغرت بالنفس حتى تهونا".

ص: 360

أراك امْرءًا ترجُو من الله عَفْوَهُ

وأنتَ على ما لا يُحِبُّ مُقيمُ

وإنَّ امْرءًا لا تَرْتَجِي الناسُ عَفْوه

ولم يأمَنوا منه الأذَى لَلَئيمُ

وعن عمر بن عقْبَة، عن ابن المبارك، أنَّه كان يقولُ في دعائه: اللهم إنِّي أسألُك الشهادة في غير جَهْدِ بَليَّة، ولا تَبْديلِ نِيَّة. وقد رُوِيَ أنَّ الله تعالى قد مَنَّ عليه بإجابة دَعْوَتِه، فأماتَه شهيدا غريبا في غير تُرْبتِه، من غير جَهْدٍ في الشهادة، ولا تَبْديلِ في الإرادة.

وعن الحسن بن عيسى، قال: لما حضرت ابنَ المبارك الوفاةُ: قال لنصر مَوْلاه: اجعل رأسَى على التُّراب. قال: فبكَى نصر، فقال له: ما يُبْكِيكَ؟ قال: أذْكُرُ ما كنتَ فيه من النَّعيم، وأنتَ هو تموتُ فقيرا غريبا. فقال له: اسْكُتْ، فإنِّي سألتُ الله تبارك وتعالى أن يُحيِيَنِي حياةَ الأغنياء، وأنْ يُمِيتَنِي مِيتَةَ القراء. ثم قال: لَقِّنِّي، ولا تُعِدْ عليَّ إلا أن أتكلَّم بكلامٍ ثانٍ.

ورُوِيَ أنّه لما حضرته الوفاة، جعل رجلٌ يُلَقِّنُه: قُلْ لا إله إلا الله. فأكْثَر عليه، فقال: إنَّك ليس تُحْسِنُ، أخاف أن تُؤْذِيَ بها رجلًا مسلما بعدِي، إذا لَقَّنْتَنِي فقُل: لا إله إلا الله. ثم إن لم أُحْدِث كلاما بعدَها فدَعْنِي، فماذا أحْدَثْتُ كلاما بعدَها، فلَقِّنِّي حتى تكونَ آخرَ كلامِي.

وعن أبي القاسم القُشَيْرِيّ، أنَّه قال: قيل فتَح عبدُ الله بن المبارك عيْنَيْه عندَ الوفاة فضحك، وقال:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}

(1)

.

ورُوِيَ أن رُؤْيَ على قبر عبد الله بن المبارك مكتوبٌ:

الموت بحرٌ مَوْجُه غالبٌ

تذْهَلُ فيه حِيَلُ السّابحِ

لا يَصْحَبُ المرءَ إلى قبره .. غيرُ التقي والعمل الصّالحِ

ولما مات ابنُ المبارك، وبلغ موتُه الرَّشيدَ، جلس للعَزاء، وأمر الأعيان أن يُعَزُّوه فيه، وعُدَّ ذلك من مَحاسن الرشيد.

(1)

سورة الصافات: 61.

ص: 361

ورُوِيَ عنْ أبي حاتم الفَرَبْرِيّ، أنَّه كان يقول: رأيتُ عبدَ الله بن المبارك في المنام، واقفا على باب الجنة، بيدِه مفتاحٌ، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن، ما يُوقِفُك ههنا؟ قال: هذا مفتاح باب الجنة، دفعه إليَّ محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزورَ الرَّبَّ سبحانه وتعالى، فكُنْ أمِيْنِي في السماء، كما كنتَ أمِينِي في الأرض.

وفي "تاريخ العَيْنِيّ" عن علي بن الحسن بن شَقيق، أنَّه قال: توجَّه ابنُ المبارك من "مَرْوَ" إلى "الكُوفة" للحجِّ، فخرج ثم رجع بعد ذلك عن قريبٍ، فسألتُه عن سببِ رجُوعِه، فقال: خرجتُ إلى موقِف "الكوفة"، وفي كُمِّي خمسمائة دينارُ، لأشْتَرِيَ به جِمالا، فرأيتُ امرأةً تُسارِقُ الناسَ من بعيدٍ، وتتقدَّم إلى مَزْبلةٍ هناك، عليها بَطَّةٌ ميِّتةٌ، تُريدُ أن تأخذَها، فإذا نَظَر إليها أحدٌ أمْسَكَتْ، فغَفِلَ الناسُ عنها، فأخذَتْها وأنا أسارِقُها النظرَ، فتَبِعْتُها وقلتُ لها: تأكُلِين الميْتَة! فقالت: يا أبا عبد الله، ألا تَسْألنِي؟ قال: فوقَع كلامُها في قلبِي، فألْحَحْتُ عليها، فقالتْ: قد أحْوَجْتَنِي إلى هَتْكِ سِتْرِي، وكشف سِرِّي، أنا امرأة شريفة، مات زوجِي، وترك أربعةَ بناتٍ يتامى، وليس يسْتُرنا إلا الحِيطان، ولنا أربعة أيام ما أكلْنا شيئًا، فخرجتُ أتسبّبُ لهن في شيء، فلم أجِدْ غيرَ هذه البطَّة، فأخذتُها لأُصْلِحَها، وأحملها إلى بناتِي، فيأكُلْنَها. فقلتُ: افْتَحِي حِجْرَك. ففتَحَتْه، فصبَبْتُ الدَّنانيرَ فيه، ونزعَ الله من قلبي شَهْوةَ الحجِّ في تلك السنة، وعُدْتُ إلى بلدِي، وأقمتُ حتى عاد الناس عن الحجِّ، فخرجتُ أتلَقَّاهم، فجعلتُ كلَّ مَنْ أقولُ له: قَبِلَ الله حَجَّك. يقول: وأنتَ قَبِلَ الله حَجَّك. وأكْثَرَ علَيَّ الناس، وبِتُّ متعجِّبا، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا ابنَ المبارك، لا تَعْجَبْ، فإنَّك أغَثْتَ مَلْهوفةً من وَلَدِي، فسألتُ الله أن يخْلُقَ على صُورَتك مَلَكا يَحُجُّ عنك إلى يوم القيامة، وهو يَحُجُّ عنك، فإن شِئْتَ أن تَحُجَّ وإن شئت أن لا تحُجَّ.

ص: 362

ورُوِيَ عن محمد بن فَضْل بن عِياض، أنَّه قال: رأيتُ عبد الله بن المبارك في المنام، فقلتُ أيُّ العمل، وفي رواية: أيُّ الأعمال وجَدْتَ أفضلَ؟ قال: الأمرُ الذي كنتُ في. قلتُ: الرِّباط والجِهاد؟ قال: نعم. قلتُ: فأيُّ شيء صُنِع بك؟ وفي رواية: صَنَع بك رَبُّك؟ قال غفر لي مغفرةً تَتْبَعها مغفرةٌ. وفي رواية: ما بعدَها مغفرةٌ، وكلَّمَتْنِي امرأةٌ من أهل الجنة وامرأة من الحور العِين.

ورُوِيَ أنَّ بعضَ الصُّلحاء رأى في منامه، كأنَّ غَمامةً على السماء مكتوبا عليها سَطْرٌ: من أراد النَّجاةَ، فعليه بكُتُب عبد الله بن المبارك.

وفي "تهذيب الأسماء واللُغات"

(1)

، للإمام النَّوَوِيّ، في ترجمة ابن المبارك، وروينا عن عَبْثَر

(2)

بن القاسم، قال: لما قَدِمَ هارون الرَّشيد "الرَّقَّة"، أشْرَفتْ أمُّ ولدٍ له من قصرٍ، فرأتِ الغَبَرَةَ قَد ارْتَفَعتْ، البغالَ قد تقطَّعت، وانجَفَل الناس، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من"خُراسان"، يقال له ابنُ المبارك. قالت: هذا والله الملْكُ، لا مُلْكُ هارون الذي لا يجْتَمعُ له الناس إلا بالسَّوْطِ والخُشُب.

قال عَمَّار بن الحسن يَمْدَحُ ابنَ المبارك، رضي الله تعالى عنه

(3)

:

إذا سار عبدُ الله من مَرْوَ ليلةً

فقدْ سار منها نُورُها وجَمالُها

إذا ذُكِرَ الأخْيارُ من كلِّ بلدة

فهم أنْجُمٌ فيها وأنتَ هِلالُها

(4)

(1)

تهذيب الأسماء واللغات 1: 1: 286، وانظر: تاريخ بغداد 10: 156، 157.

(2)

في بعض النسخ "عمر".

(3)

تاريخ بغداد 10: 163، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 1: 285، 286، وسير أعلام النبلاء 8:346.

(4)

في التهذيب والسير "ذكر الأحبار".

ص: 363

وكان ابنُ المبارك كثيرًا ما يتمثَّل بهذين البيتين

(1)

:

إذا صاحَبْتَ فاصْحَبْ ماجِدًا

ذا حَياءٍ وعَفافٍ وكَرَمْ

(2)

قولُه للشَّيءِ لا إن قلتَ لا

وإذا قلتَ نعم قال نعمْ

وأمّا رواياتُ عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة في الفقه وغيره فكثيرةٌ جدًّا؛ منها: أنه قال: سألتُ أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، عن الرجل يبْعَثُ بزكاة مالِه من بلدٍ إلى بلد آخر، فقال: لا بأس بأن يَبْعثَها من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، لِذِي قَرَابَتِه.

وقال ابنُ وَهْبٍ: سُئِل عبدُ الله بن المبارك عن أكْلِ لحم العَقْعَق

(3)

، فقال: كَرِهَه أبو حنيفة.

وسُئِل عن وقتِ عِشاء الآخِرة، فذكر عن أبي حنيفة: حتى يُصْبِحَ.

قال: وقال عبد الله بن المبارك: كان أبو حنيفة يقول: قَدِمَ أيُّوب بن أبي تَمِيمَة السَّخْتِيَانِيُّ، وأنا بـ "المدينة"، فقلتُ: لأنْظُرَنَّ ما يَصْنَعُ، فجعل ظَهْرَه مما يَلِيَ القِبْلةَ، ووَجْهَه مما يَلِيَ وَجْهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبَكَى غيرَ مُتَبَاكٍ، فقام مَقامَ رَجُلٍ فَقيه.

ومن كلام ابن المبارك: إذا غلَبتْ مَحاسِنُ الرجلِ لم نَذكُرِ المساوِي، وإذا غلَبتِ المساوِي على المحاسِن لم نَذْكُرِ المحاسِنَ.

وكان يقول: عِتْقُ الجارية الحسناء مَضْيَعَةٌ.

وسُئِلَ عن العُجْبِ ما هو؟ فقال: أن تَرَى عندك شيئًا ليس عندَ غيرِك.

وسُئِلَ عن الكِبْر، فقال: أن تَزْدَرِيَ الناسَ.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات 1: 1: 285، والجواهر المضية 2: 325، وطبقات القراء 1: 446، الطبقات الكبرى، للشعراني 1:99.

(2)

في التهذيب والجواهر "فاصحب صاحبا".

(3)

العقعق: طائر أبلق بسواد وبياض.

ص: 364

وسُئِلَ عن التَّواضُعِ، فقال: التَّكَبُّر على الأغنياء. فأخذ هذا المعنى شاعرٌ، فنظَمه، وقال:

لم ألْقَ مُسْتَغْنِيًا إلا تحرَّك لي

عندَ اللِّقاء له الكِبْرُ الذي فيه

ولا حَلالي من الدنيا ولَذَّتِها

إلا مقابلَتِي للتِّيه بالتِّيهِ

وقال أحمدُ بنُ عبد الله بن يونس: سمعتُ ابنَ المبارك قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: مَنْ زعَم أنَّ هذا مخلوقٌ فقد كفَر بالله العظيم.

وكان وفاةُ ابنِ المبارك - كما قالَه الذّهَبِيّ - بِـ "هِيتَ"، في رمضان، سنة إحدَى وثمانين ومائة، رحمه الله تعالى.

ومَحاسِنُ ابن المبارك ومَناقِبُه وفضائلُه لا تدخُل تحتَ الحَصْر، وفيما ذكَرناه منها مَقْنَعٌ، ونحن نسألُ الله تعالى، ونتوسَّلُ إليه بنبيِّه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وبأبيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وأولاده السّادة الأكْرمين، وجميع الأنبياء والمرسلين، وبعيد الله بن المبارك، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أن يتوفَّانا على الإسلام، وأن يُدْخِلَنا في شفاعةِ سيِّد الأنام، وأن لا يُعسِّر علينا مُرادا، وأن لا يَرُدَّ بخَيْبَة الحِرْمان لنا مُرْتادا، إنَّه جَواد كريم، رءوف رحيم، لا يُخَيِّبُ مَن سأله، ولا يَرُدُّ مَنْ قصدَه، آمين.

* * *

ص: 365

‌باب من اسمه عبد الله بن محمد

‌2532 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن غَنَائم بن المهندس، صلاح الدين

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكَره ابنُ حَجَرَ، في "الدُّرَر" فقال: وُلِد سنة إحدى وتسعين وستمائة.

وسمع من أحمد بن عبد المنعم، ومحمد بن مروان، وأبي نصر بن الشِّيرازِيّ، وأحْضر على عمر القَوّاس "مُعْجم ابن جُمَيْع". وأجاز له التَّقِيُّ الواسِطِيُّ، وجماعة. ونزل "حلَب"، وحدَّث بالكثير، وتفرَّد.

قال: وسمع منه شيخُنا الحافظ أبو الفضل.

وقال ابنُ رافع في "مُعْجَمِه": خرَّج له والدُه "أربعين حديثًا" من عَوالِيه، كتب بخطِّه بعضَ الطباق، واشْتغَل، ونزل بالمدارس، وحجَّ مِرارا على قدمَيه من "مصر" و"دمشق".

وقال: وأخْبَرَنِي أنَّه حفِظ "المختار"، وعَرضَه على القاضي الحَرِيرِيّ، سنة عشر، وحفظ قطعةً من"الهداية"، وكتب بخطِّه كثيرًا بالأجْرَةِ ولنفسه، وجَمع "تاريخا كبيرا لفُقَهاء الحنفية"، وتَعِبَ عليه، فإنَّه طالع عليه كتبا كثيرة ببلادِه،

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 201.

وترجمته في الدرر الكامنة 2: 387، وكشف الظنون 2: 1099، وهدية العارفين 1:466.

ص: 366

وقدِم "القاهرة" سنة إحدى وثلاثين، وسمِع قليلا، ومات في حادي عشر المحرَّم، سنة تسع وستين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2533 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد، الشيخ الإمام، الفقيه الفاضلُ، المحدِّث، شَرف الدين الوَانِي، أبو محمد

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو حَفيدُ الشيخ بُرْهان الدين المؤذِّنِ.

ذكَره في "الدُّرر"، وقال: أُحْضِرَ على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وعيسى المطْعِم، ويحيى بن سعد، والقاسم ابن عَساكر، وسمع عليهما، وعلى زينب بنت شُكْر، وطلَب بنفسه، وأكْثَر، وكان فصيحَ القراءة، سَرِيعَها، حادَّ الذِّهْن، عمل "أربعين بُلْدانِيَّة"، ومات سنة [تسع وأربعين]

(1)

وسبعمائة.

وذكره الصَّفَدِيُّ في "أعيان العَصْر"، وقال في حقِّه: كان قارئا مُطيقا، فصيحَ اللفظ، مِنْطِيقا، حادَّ الذِّهن، سريعَ الإدْراك، بديع الاشتراك، لو عاش لكان عجبا، وأبقَى في الغابرين نَبا، ولكنَّه مات غِبْطَة، وأضاع الموتُ حَقَّه،

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 203.

وترجمته في الدارس 1: 58، والدرر الكامنة 2: 388، وذيل العبر للحسينِي 277، والقلائد الجوهرية 134، وكشف الظنون 1: 55، وهدية العارفين 1:465.

(1)

سقط في الدرر المطبوع.

ص: 367

وتَحَصُّلَه وضَبْطَه، وتُوُفِّيَ، رحمه الله تعالى في أواخر جُمادَى الأولى سنة عشمر وسبعمائة.

وكان قد قرأ على شيخنا الذهبي وغيرهِ، كان فيه وَرَعٌ، وعمِل "أربعين بلديَّة"، وغير ذلك. انتهى.

وبين تاريخَي وفاتِه لابن حَجَر وللصفَدِيّ تَفاوُتُ تسعٍ وثلاثين سنة.

والأول هو الصحيح، كما ذكره الذهبيُّ

(1)

، وغيرُه.

* * *

‌2534 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن داود، الجَمَال، أبو محمد، ويُعْرَفُ كأبيه بابن الرّومِيِّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ولد قُبَيْلَ التسعين وسبعمائة بـ "القاهرة"، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم وكُتُبًا، واشْتغَل بالفقه والعربية والفرائض وغيرِها على أفاضِلِ زمنِه، ودرَّس وأفاد، وناب في القضاء، وحدَّث بـ "أخَرَة"، وسمع منه الفُضلاءُ.

وكان من أعيان السَّعادة الحنفية، ومن المتقدمين في النِّيابة.

ومات رحمه الله تعالى في سنة إحدى وستين وثمانمائة

(2)

.

* * *

(1)

يقصد "الحسيني"، فإن الذهبي توفي قبل هذا التاريخ.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 204.

وترجمته في الضوء اللامع 5: 44، 45.

(2)

في بعض النسخ "891"، والمثبت من الضوء.

ص: 368

‌2535 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن أحمد

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو جدُّ أحمد بن محمد بن عبد الله، الإمام المذكور في حرف الألف

(1)

. ويأتي ابنُه محمد، كذا قالَه في "الجواهر"، من غير زيادة.

* * *

‌2536 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن أحمد الفارِسِيّ، أبو بكر، القاضي، الكامل فاضل، ثقَةٌ

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كذا قالَه في "الجواهر" أيضًا، من غير زيادة.

وذكَره الثّعالِبِيّ في "يتيمة الدَّهر"، فقال: القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد البُسْتِيّ، آدَبُ قُضاة "نَيْسابورَ" وأشْعَرُهم، ولما تقلَّد قضاءَها في أيام

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 202.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 722.

(1)

ويعرف بابن أبي العوام السعدي، واسمه في الطبقات السنية أحمد بن محمد بن يحيى.

* * راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 202.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 723، ويتيمة الدهر 4:425. وفي نسبته: "البستي".

ص: 369

شَبِيَتِه مُضافا إلى ما كان يَليه من قضاء كُورةِ "نَسَا" لُقِّبَ بالكامل، وله شعرٌ حَسَن كثير، كتب لي بخطِّه صَدْرًا منه، وأنْشدنِي بعضَه، فمن ذلك

(1)

:

أنظُرْ إلى النَّفْسِ وهْيَ واقِفةٌ

نُصْبَ عُيونِ الوُشاة والحَرَسِ

يَخْفَى على النّاظرين مَوْقِفُها

كأنَّها نفْسٌ آخِرِ النَّفَسِ

وله أيضًا (1):

قُل للذي حبَس الفُؤادَ بصَدِّه

فودَدْتُ أنِّي عند ذاك فُؤادِي

مُسْتَرْخِص المبتاعِ لا يُغْلِي به

ولذاك ما أرْخَصْتُ بَيْعَ وِدادِي

وله أيضًا

(2)

:

حَبانِي بوَرْدٍ جامعٍ بين وَصْفِه

ووَصْفِيَ لما زُرْتُهم وجَفَوْنِي

على جانبٍ منه تورد خده

وفي جانبٍ منه تَلَوُّنُ لَوْنِي

وله في البَهارِ (2):

حَكانِي بَهارُ الرَّوْضِ حتَى ألِفْتُه

وكلُّ مَشوقٍ للْبَهار مُصاحِبُ

وقلتُ له ما بالُ لوْنِك شاحِبا

فقال لأنِيّ حين أقْلَبُ راهِبُ

وله أيضًا (2):

يا مَن قَنَعْتُ بحُسْنِ رَأ

ي منه لو أعْطِيتُ رأيَهْ

إن قمتُ في أمْرِي برَأ

يٍ صادقٍ أُعْطِيتَ رايَهْ

وله أيضًا (ضض 2):

مُسْتَبِدُّ برايِهِ

عازِبُ الرّأي مُعْجَبُ

وتمادِيَه بعدَما

عرَف الغَيَّ أعْجَبُ

وله أيضًا (2):

يُعْجِبُنِي من كلُ شِعْرٍ جَزْلِ

جَيِّدُ جَدٍّ ورَكِيكُ هَزْلِ

* * *

(1)

يتيمة الدهر 4: 424.

(2)

يتيمة الدهر 4: 425.

ص: 370

‌2537 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن بُدَيْل، أبو بكر، المعروف بالأشْقَر البُدَيْلِيّ، الفقيه الفاضل

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال السَّمعانِيّ: شيخُ الحنفية بـ "بُخارَى"، كثيرُ الحديث.

تُوُفِّيَ سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

وسمع من الإمام أحمد بن مَنْدَه.

وذكره الحكمُ في "تاريخ نَيْسابور"، وقال: شيخُ أصحاب أبي حنيفة في عصرِه بـ "بُخارَى"، وأكثرُهم تَعَصُّبا في المذهب. وكان كثيرَ الحديث، صحيحَ السماع، ورَد "نَيْسابور" رسولا من الأمير ابن قَراتَكين، في سنة أربعين وثلاثمائة، وكان إذ ذاك أبو أحمد المَرْوَزِيّ الحنفيّ عَلَى قضاء "نَيْسابور"، فأنزلَه في دارِه.

* * *

‌2538 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن جعفر بن هارون، أبو العبّاس ابن المعْتَزِّ بن المتوكّل بن الرَّشيد

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 205.

وترجمته في الأنساب 69، والجواهر المضية برقم 724، واللباب 1:103.

ص: 371

ابن المهْدِيّ بن المنصور *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو صاحب الشعر البديع، التشبيه الرفيع.

قال الزَّرْكَشِيّ: أخذ الأدبَ والعربية عن المبرِّد وثَعْلَب، وعن مُؤدِّبه أحمد بن سعيد الدِّمَشْقِيّ.

موْلِدُه في شعبان، سنة تسع وأربعين.

وقيل: في ربيع الآخر، سنة ستّ وتسعين ومائتين، وكان حنفيّ المذهب، لقَوْلِه من أبيات

(1)

:

فهاتِ عُقارا في قميصِ زُجاجة

كياقوتة في دُرَّةٍ تتوقَّدُ

(2)

وَقَتْنِيَ من نارِ الجحيم بنَفْسِها

وذلك من إحْسانِها ليس يُجْحَدُ

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 206.

وترجمته في أشعار أولاد الخلفاء 107 - 296، والأغاني 10: 274 - 286، وإيضاح المكنون 2: 193، 194، والبداية والنهاية 11: 108 - 110، وتاريخ بغداد 10: 95 - 101، وتاريخ الطبري 390: 9، ودور الإسلام 1: 179، 180، وروضات الجنات، وسير أعلام النبلاء 14: 42 - 44، وشذرات الذهب 2: 221 - 224، والعبر 2: 104، 105، والفهرست 168، 169، وفوات الوفيات 2/ 239 - 246، والكامل، وكشف الظنون 104، 623، 688، 960، 2: 1102، 1387، 1402، والمختصر لأبي الفدا 2: 66، ومرآة الجنان 2: 225 - 227، ومروج الذهب 2: 501 - 503، ومعاهد التنصيص 2: 38 - 47، ومفتاح السعادة 1: 246، 247، والمنتظم 6: 84 - 88، والنجوم الزاهرة 3: 165 - 167، ونزهة الألباب 233، 234، وهدية العارفين 1: 443، ووفيات الأعيان 3: 76 - 80.

(1)

البيتان في فوات الوفيات 2: 241، والأول في ديوانه 2:38.

(2)

في الديوان "فهاتا عقارا".

ص: 372

قلتُ: هذا الذي اسْتدلَّ به الزَّرْكَشِيُّ على أنَّه كان حنفيّ المذهب، يُعارِضه احْتمالُ كونِه قال ذلك على عادة الشعراء في التَّلَعُّبِ بالكلام، وإظهار الاقتدارِ في أشْعارِهم على الأبيات، بالمعانِي البديعة، والصنائع الحسنة، سواءٌ كانوا يعْتقِدون ما قالوه، ويعملون به، أم لا، وهو الغالب عليهم، والظاهر من أقوالهم وأفعالهم، ولكنْ يُؤيِّدُ كونَه من الحنفية، أنّ غالبَ الخلفاء العبّاسية المتقدِّمين كانوا يعتقدون مذهبَ الإمام الأعظم، ويأخذون بأكثر أقْواله، وكان أكثرُ قُضاتِهم من العُلماء الحنفية، ولما احْتمل واحتمل، وكان ابنُ المعْتَزّ من مَحاسِن الزمان، وأدباء الأوان، وممَّن انتهتْ إليه صناعةُ الشِّعر، أحْبَبْنا أن نأخذُ في ذلك بالأحْوَط، ونُجَمِّلَ كتابنا هذا بمَحاسنِه، التي حقُّها أن تُكْتَبَ بسواد الأبصار على بَياض الخدود، فنقولُ وبالله المستعان، وعليه التُّكْلانْ.

قال السَّيد عبد الرحيم العَبّاسِيّ: هو أوَّلُ مَن صنَّف في صَنْعة الشِّعر، وصنَع "كتاب البديع"، وهو أشْعر بني هاشم على الإطلاق، وأشْعرُ الناس في الأوصاف والتَّشْبيهات، وكان يقول: إذا قلتُ: "كأنَّ: ولم آتِ بعدَها بالتَّشْبيه، ففضَّ الله فايَ،

حدَّث جعفر بن قُدامة، قال

(1)

: كنتُ عندَ ابن المعْتَزِّ يومًا، وعنده شِرَّةُ

(2)

، يعني اسمَ مَحْبوبته، وكان يُحِبُّها يَهِيمُ بها، فخرجت علينا من صَدْر البستان في زمن الربيع، وعليها غُلالةٌ مُعَصْفرةٌ، وفي يدها جنابي من باكورةِ باقِلا، والجُنابَى: لعْبة للصِّبيان، فقالتْ له: يا سيِّدِي، تَلْعَبُ معي جُنابَى. فالْتفَتَ إلينا، وقال على بَدِيهته، غيرَ مُتوقِّفٍ ولا مُفَكِّر

(3)

:

فَدَيْتُ مَن يتمَشَّى في مُعَصْفَرةٍ

عَشِيَّةً فسقانِي ثم حَيّانِي

(1)

الأغاني 10: 280، 281، ومعاهد التنصيص 2:39.

(2)

في الأغاني "نشر"، وفي المعاهد" سرية"، وانظر المعاهد أيضًا 2:37.

(3)

البيتان في ديوانه 1: 97.

ص: 373

وقال تلعبُ جُنابَى فقلتُ له

مَن جَدَّ بالوَصْلِ لم يلعبْ بهِجْرانِ

(1)

وأمر، فغُنِّيَ فيه.

وحدَّث جعفر أيضًا، قال

(2)

: كان لعبد الله بن المعْتَزِّ غلامٌ يُحِبُّه، وكان يُغَنِّي غناءً صالحا، وكان يُدْعَى بنَشْوان، فجُدِّرَ، وجَزِع عبد الله لذلك جزَعا شديدا، ثم عُوفِيَ، ولم يُؤَثِّرِ الجُدَرِيُّ في وجهه أثَرا قبيحا، فدخلتُ عليه ذات يومٍ، فقال: يا أبا القاسم قد عُوفِيَ فلانُ بعدَك، وخرج أحسن مما كان، وقلتُ فيه بَيْتين. وغَنَّتْ هَزَارُ

(3)

فيهما رَمَلا ظريفا، فاسمَعْهما إنْشادا إلى أن تسمعَهما غناء. فقلتُ: يتفضَّلُ الأمير، أيَّدَه الله بإنشادِي إيّاهما. فأنشدنِي:

بي قمرٌ جدر لما اسْتَوَى

فَزَادَه حُسْنا وزالتْ هُمُومْ

أظُنُّه غَنَّى لشمسِ الضُّحى

فَنَقَّطَتْه طَرَبا بالنجومْ

فقلتُ: أحْسَنْتَ والله أيّها الأمير. فقال: لو سمعتَه من. زِرْياب كنتَ أشدَّ اسْتِحْسانا له. وخرجت هَزَارُ، فغَنَّتْه لنا في طريقه الرَّملِ غناءً شَرِبنا عليه عامَّة يومنا.

قال

(4)

: وغضِبَ هذا الغُلام عليه، فجَهِد أن يَترَضّاه، فلم يكن له فيه حِيلَةٌ، ودخلتُ إليه، فأنْشدَنِي:

بأبي أنتَ قديما قد تما

دَيْتَ في الهَجْرِ والغَضَبْ

واصْطِبارِي على صُدُو

دِك يومًا من العَجَبْ

ليس لي إن فَقَدْتُ وجْـ

ـهك في العَيْشِ من أرَبْ

رحمَ الله مَن أعا

ن على الصُّلْح واحْتَسَبْ

(1)

شدد جنابي للوزن.

(2)

الأغاني 10: 281، ومعاهد التنصيص 2:39.

(3)

في بعض النسخ والمعاهد "زرياب"، والتصحيح من الأغاني.

(4)

الأغاني 10: 281، 282، ومعاهد التنصيص 2: 39، 40.

ص: 374

قال: فمضَيْتُ إلى الغُلام، ولم أزَلْ أدارِيه، وأرفُقُ به، حتَى تَرْضَّيْتُه له، وجِئتُه به، فمرَّ لنا يومئذ أطْيب يومٍ وأحْسَنَه، وغَنَّتْنا هزارُ في هذا الشِّعر رَمَلا عجيبا.

وحدَّث عبد الله

(1)

بن موسى الكاتب، قال: دخلتُ على عبد الله بن المعْتَزِّ، وفي داره طبقاتٌ من الصُّناع، وهو يبْنِيها ويُبَيِّضُها، فقلتُ له: ما هذه الغَرامةُ الجادَّة؟ فقال: ذلك السَّيْلُ الذي جاء من ليالٍ، أحْدَث في داري ما أحْوَجَ إلى هذه الغَرامة الجادّة والكُلْفة، فقلتُ

(2)

:

ألا مَن لِنَفسٍ وأحْزانِها

ودارٍ تَداعَى بحِيطانِها

(3)

أظلُّ نَهارِيَ في شَمْسِها

شَقِيَّا مُعَنَّى ببُنيانِها

(4)

أُسَوِّدُ وَجْهِي بَتْبيِيضِها

وأهْدِمُ كيسي بعُمْرانها

(5)

ومن هنا أخذ الجَزَّارُ قولَه

(6)

:

أُكَلِّفُ نفسي كلَّ يومٍ وليلةٍ

هُمومًا على مَنْ لا أفوزُ بخَيْرِه

كما سَوَّد القصَّارُ في الشمس وَجْهَه

ليَجْهَدَ في تَبْييض أثْوابِ غيرِه

وحدَّث جعفر بن قُدامة، قال (6): كُنّا عندَ عبد الله بن المعتزِّ، ومعنا النَّمَرِيُّ، وحضَرتِ الصلاةُ، فقام النَّمَرِيُّ فصلَّى صلاةً خفيفةً جدًّا، ثم دعا

(1)

الأغاني 10: 283، ومعاهد التنصيص 2: 40، وفي بعض النسخ "عبيد الله".

(2)

الشعر في أشعار أولاد الخلفاء 116، وديوانه 2: 92، 93، ومعاهد التنصيص 2:40.

(3)

في الأشعار والديوان"تداعت".

(4)

في الأشعار "شقيا لقيا".

(5)

في الأشعار "تسود وجهي

وتخرب مالي"، وفي الديوان "لعمرانها".

(6)

الأغاني 10: 283، 284، ومعاهد التنصيص 2:41.

ص: 375

بعدَ انْقِضاء صَلَواتِه، وسجد سجدةً طويلةً جدًّا، حتى استَثْقَلَه جميعُ مَن حضر بسبِبها، وعبدُ الله ينظر مُتَعجِّبًا، ثم قال

(1)

:

صلاتُك بين الملا نَقْرةٌ

كما اخْتلَس الجَرْعَة الوَالِغُ

(2)

وتسجدُ من بعدِها سجدةً

كما خُتِمَ المزْوَدُ الفارِغُ

قال

(3)

: وكنّا عند ابن المعْتَزِّ يومًا، ومعنا النَّمَرِيّ، وعنده جاريةٌ لبعض بناتِ المعْتَزِّ تُغَنِّيه، وكانت مُحْسِنةً، إلا أنَّها، كانت في نهاية القُبْح، فجعل عبد الله يُجَمِّشُها

(4)

، ويتعاشَق، فلمَّا قامتْ، قال له النَّمَرِيُّ: أيها الأمير، سألتُك بالله، أتَعْشَقُ هذه التي قَطُّ ما رأيتُ أقْبَحَ منها؟ فقال وهو يضحك

(5)

:

قلبِي وَثَّابٌ إلى ذا وذا

ليس يَرَى شيئا فيأباهُ

(6)

يَهيمُ بالحُسْن كما ينْبَغِي

ويَرْحَمُ القُبْحَ فيَهْواهُ

قال

(7)

: وكنتُ أشربُ

(8)

مع عبد الله بن المعْتَزِّ، في يومٍ من أيام الربيع بالعبَّاسيَّة والدنيا كالجنَّة المزَخْرَفة، فقال عبد الله:

حَبَّذا آذارُ شهرا

فيه للنَّوْرِ انْتِشارُ

ينْقُصُ الليلُ إذا حَلَّ

ويَمْتَدُّ النهارُ

وعلى الأرضِ اصْفِرارُ

واخْضِرارُ واحْمِرارُ

(1)

البيتان في الديوان أيضًا 2: 16.

(2)

في الديوان "كما استلب".

(3)

الأغاني 10: 284، ومعاهد التنصيص 2:41.

(4)

التجميش: المغازلة والملاعبة.

(5)

البيتان في الديوان أيضًا 1: 63.

(6)

في الديوان "وأيرى وثاب".

(7)

الأغاني 10: 285، ومعاهد التنصيص 2: 41، 42.

(8)

في الأغاني "أسرح".

ص: 376

فكأنَّ الرَّوْضَ وَشْيٌ

بالَغَتْ فيه التِّجارُ

نَقْشُه آسٌ ونَسْرِيـ

ـنٌ ووَرْدٌ وبَهَارٌ

وكتب مَرَّةً إلى بعضِ أصدقائه

(1)

، وقد كان زارَه مرَّةً ولم يعُدْ بعد تأخُّرِ زائد:

قد جِئْتَنا مَرَّةً ولم تكَدْ

ولم تَزُرْ بعدَها ولم تَعُدِ

لستَ تُرَى واجدا بنا عِوضا

فأطْلُبُ وجرِّبْ واسْتَقْصِ واجْتَهِدِ

ناوَلَنِي حبْلَ وَصْلِه بيدِ

وهَجْرُهُ جاذِبٌ له بيَدِ

فلم يكُن بين ذا وذا أمَدٌ

إلا كما بين ليلةٍ وغدِ

ومن شعره أيضًا (2):

وإنِّي لمعْذورٌ على طُول حُبِّها

لأنَّ لها وجها يدُلُّ على عُذْرِي

إذا ما بَدَتْ والبدرُ ليلةَ تِمِّه

رأيت لها فضلا مُبينا على البدر

وتَهتَزُّ مِن تحت الثِّياب كأنَّها

قضِيبٌ من الرَّيْحانِ في الوَرَقِ الخُضْرِ

أبَى الله إلا أن أموتَ صبَابةً

بساحرةِ العَيْنَيْنِ طَيِّبةِ النَّشْرِ

ومنه أيضًا

(2)

:

مَن لي بقلبٍ صِيغَ من صخرةٍ

في جسدٍ من لؤْلُؤٍ رَطْبِ

جَرَحْتُ خَدَّيه بلَحْظِي فما

بَرِحْتُ حتى اقْتَصَّ من قلبِي

ومنه، ويُعْزَى لغيره

(3)

:

تفقَّدْ مَساقِطَ لَحْظ المريب

فإن العيونَ وُجوهُ القلوبِ

وطالِعْ بَوادِرُه بالكلام

فإنَّك تَجْنِي ثمارَ الغُيوبِ

ومنه أيضًا (3):

(1)

الأغاني 10: 286، ومعاهد التنصيص 2: 42، وفي الأغاني "أنه محمد بن عبيد الله بن طاهر".

(2)

معاهد التنصيص 2: 46.

(3)

معاهد التنصيص 2: 46.

ص: 377

سابِقْ إلى مالِكَ وُرَّاثَهْ

ما المرءُ في الدنيا بلَبَّاثِ

كم صامتٍ ثُخْنَقُ أكْياسُه

قد صاح في مِيزان مِيراثِ

(1)

ومنه أيضًا

(2)

:

يا طارقي في الدُّجَى والليلُ مُنْبَسِطٌ على البلاد بَهيمٌ ثابتُ الدُعُمِ

طَرَقْتَ بابَ غِنًى طابتْ مَوارِدُه

ونائلٍ كانْهمالِ العارض السَّجِمِ

حُكْمُ الضُّيوفِ بهذا الرَّبْعِ أنْفَذُ من

حُكْمِ الخَلائفِ آبائي على الأمَمِ

فكلُّ ما فيه مَبْذولٌ لطارقِه

ولا ذِمامَ به إلا على الحُرُمِ

ومنه أيضًا

(3)

:

قد انْقَضَتْ دولةُ الصِّيام وقد

بشَّر سُقْمُ الهلالِ بالعِيدِ

يتْلو الثُّرَيَّا كفاغِرٍ شَرِهٍ

يَفْتَحُ فاهُ لأكْلِ عُنْقودِ

ومنه أيضًا، يصف رَوْضةً

(4)

:

تُضاحِكُ الشمسُ أنْوارَ الرِّياض بها

كأنَّما نُثِرَتْ فيها الدَّنانيرُ

وتأخذُ الرِّيحُ من أرْجائِها عَبَقا

كأنَّ تُرْبَتَها مِسْكٌ وكافورُ

(5)

ومنه أيضًا

(6)

:

أطال الدَّهْرُ في بغداد هَمِّي

وقد يشْقَى المسافِرُ أو يَفوز

ظلَلْتُ بها على كُرْهِي مُقيما

كعِنِّين تُعانِقُه عَجوزُ

(7)

(1)

في المعاهد "تخفف أكياسه".

(2)

معاهد التنصيص 2: 46، 47.

(3)

فوات الوفيات 2: 244.

(4)

فوات الوفيات 2: 245.

(5)

في فوات الوفيات "من دخانها عبقا".

(6)

ديوان ابن المعتز 2: 122، وفوات الوفيات 2:245.

(7)

في الديوان "على كره".

ص: 378

ومنه أيضًا

(1)

:

يا ربِّ إنْ لم يكُنْ في وَصْلِه طَمَعٌ .. وليس لي فَرَجٌ من طُولِ جَفْوَتِه

(2)

فابْرِي السِّقامَ الذي في غَنْجِ مُقْلَتِه

واسْتُرْ مَلاحَة خَدَّيْهِ بلِحْيَتِه

(3)

ومنه أيضًا

(4)

:

يا رُبَّ ليلٍ سَحَرٌ كلُّه

مُفْتَضِحُ البدرِ عليلُ النَّسيمْ

لم أعْرفِ الإصباحَ في ضوْئِه

لما بدا إلا بسُكْرِ النَّديمْ

ومنه في القلم

(5)

:

قلمٌ ما أراهُ أو فَلَكٌ يَجْـ

ـري بما شاء قاسمٌ ويَسِيرُ

(6)

راكعٌ ساجدٌ يقَبِّلُ قِرْطا

سا كما قَبَّلَ البِساطَ شَكورُ

(7)

ومنه قولُ ابن طَبَاطَبا

(8)

:

قلمٌ يدورُ بكَفِّه فكأنَّه

فَلَكُ يَدورُ بنَحْسِه وسُعُودِه

وقوله فيه أيضًا (8):

أقْسمْتُ بالقلم الحُسام فلم يزَلْ

يَرْدَى به حَيٌّ ويَنْتاشُ الرَّدِي

وإذا رَضِيتَ فريقُه أرْيٌ وإنْ

أضْمَرْتَ سُخْطًا مَجَّ سَمَّ الأسْوَدِ

(9)

وكأنَّه فَلَكٌ بكَفِّكَ دائرٌ

يُجْرِي النُّجومُ بأنْحُسٍ وبأَسْعُدِ

(1)

ديوان ابن المعتز 1: 71، وفوات الوفيات 2:245.

(2)

في الديوان "من طول هجرته".

(3)

في الديوان "فاشف السقام الذي في لحظ مقلته"، وفابري أصله "فأبري".

(4)

ديوان ابن المعتز 2: 64، وفوات الوفيات 2:246.

(5)

أشعار أولاد الخلفاء 260، ومعاهد التنصيص 2:47.

(6)

في الأشعار "قاسم وبشير".

(7)

في الأشعار "ساجد خاشع ويلثم".

(8)

معاهد التنصيص 2: 47.

(9)

ديوان أبي الحسن التهامي 493، ومعاهد التنصيص 2:47.

ص: 379

وما أحْسَنَ قولَ الآخرِ فيه

(1)

:

قلَمٌ يفُلُّ الجيشَ وهو عَرَمْرَمٌ

والبِيضُ ما سُلَّتْ من الأغمادِ

وهَبَتْ له الآجامُ حين نَشا بها

كرمَ السُّيولِ وصَوْلَةَ الآسادِ

وقول التِّهامِيّ

(2)

:

تجلم يُقَلِّمُ ظُفْرَ كلَّ مُلِمَّةٍ

ويكُفُّ كَفَّ حوادِثِ الأيامِ

وقول أبي سعيد بن بوقةَ

(3)

:

قلم يَمُجُّ على العِداة سِمَامَهُ

لكنَّه للمُرْتجين سَماءُ

كم قد أسَلْتَ به لعبدِك رِيقَةً

سَوْداءَ فيها نِعْمةٌ بيضاءُ

ولابن المعْتزِّ، رحمه الله تعالى، تَصانِيفُ كثيرةٌ، منها: كتاب "الزَّهْر والرياض"، وكتاب "البديع"، وكتاب "مكاتبات الإخوان بالشعر"، وكتاب "الملوك"، وكتاب "الجوارح والصيد"، و"كتاب السَّرِقات"، و"كتاب أشْعار الملوك"، و"كتاب الآداب"، و"كتاب حَلْي الأخبار"، و"كتاب طبقات الشعراء"، وكتاب "الجامع في الغناء".

وله أرْجُوزَةٌ في ذَمِّ الصَّبوح، وقفتُ عليها، في "تاريخ الصَّفَدِيِّ"، وما منَعَنِي من إيرادِها هنا بتمامها وكمالها إلا لسقَم النُّسخة، كثرة تصْحِيفها، ولكن لا بأسَ بإيراد شيء منها، مما أمْكَنَ اسْتِخْراجُه.

قال رحمه الله تعالى

(4)

:

لي صاحبٌ قد لامَنِي وزادا

في تَرْكِيَ الصَّبوحَ ثم عادا

(5)

(1)

معاهد التنصيص 2: 47.

(2)

في المعاهد" فريقه أرب"، والأرى: العسل.

(3)

في بعض النسخ "موقة"، والمثبت من المعاهد 2:47.

(4)

الأرجوزة في ديوانه 2: 110 - 116، وأشعار أولاد الخلفاء 251 - 258.

(5)

في الأشعار "قد ملني

ثم زادا".

ص: 380

قال ألا تَشْرَبُ بالنهارِ

وفي ضِياءِ الفجر والأسْحارِ

(1)

والنَّجْمُ في حَوْض الغُروب واردُ

والفجرُ في إثْر الظلام طارِدُ

ونفَض الليلُ على الرَّوضِ النَّدَى

وحرَّكَتْ أغْصانُه ريحَ الصَّبا

وقد بدَتْ فوق الهلال كُرْبتُه

كهامةِ الأسود شابتْ لِحْيتُه

(2)

منها أيضًا:

أما تَرَى البُسْتان كيف نَوَّرَا

ونَشر المنْثورَ بُرْدا أصْفَرَا

(3)

وضحِك الوردُ إلى الشَّقائقِ

واعْتنَق القَطْرَ اعْتناقَ الوامِق

وياسَمِينًا في ذُرَى الأغصان

مُنَظَّما كقِطَع العِقْيانِ

(4)

والسَّرْوُ مثلُ قُضُبِ الزَّبَرْجدِ

قد اسْتَمَدَّ الماءَ مِن تُرْبٍ نَدِي

(5)

وجُلَّنارَ كاحْمِرارِ الخَدِّ

أو مِثْلِ أعْرافِ دُيوكِ الهِنْدِ

(6)

والأقْحوانُ كالثّنايا الغُرِّ

قد صُقِلَتْ أنْوارُه بالقَطْرِ

(7)

وأكثرَ الفُضولَ والأوصَافا

فقلتُ قد جَنَيْتَ لي الخِلافا

(8)

فاسمَعَ فإنِّي للصَّبوحِ عائبُ

عندِيَ مِن أخْباره عجائبُ

إذا أرَدت الشُّرْبَ عند الفجر

والنَّجْمُ في لُجَّة ليلٍ يَسْرِي

وكان بَرْدٌ فالنَّديمُ يَرْتَعِدْ

وريقُه على الثّنايا قد جَمَدْ

(9)

(1)

في الديوان "وقال لا".

(2)

في الأشعار "فوق الهلال غرته"، وفي الديوان "كرته".

(3)

في الديوان "ونشر المنشور"، وفي الأشعار "زهرا أصفرا".

(4)

في الديوان "وياسمين .. منتظما".

(5)

في الديوان "قطع الزبرجد"، وسقط الماء من بعض النسخ، ومكانه في الأشعار "العيش".

(6)

في الديوان "مثل حمر الخد".

(7)

في الديوان "أنوارها".

(8)

في الأشعار والديوان "قد جنبتك الخلافا".

(9)

في الديوان "بالنسيم يرتعد".

ص: 381

وللغُلام ضَجْرةٌ وهَمْهَمَهْ

وشَتْمَةٌ في صدْرِه مُجَمْجَمَهْ

يَمْشي بلا رِجْلٍ من النُّعاس

ويَدْفَقُ الكاسَ على الجُلّاسِ

ويَلْعَنُ المولَى إذا دعاهُ

ووَجْهُه إن جاء في قَفاهُ

وإن أحسنَ من نَديمٍ صَوْتا

قال مُجيبا طَعْنةً وموتا

فإن طَرَدْتَ البَرْدَ بالسُّتورِ

وجِئْتَ بالكانونِ والسّمُّورِ

(1)

فأيُّ فضلٍ للصَّبوحِ يُعْرَفُ

على الغبوقِ والظَّلامُ مُسْدِفُ

ولو دَسَسْتَ الماء مَحْمُوما لما

نَجَا من القَرِّ إذا ما صَمَّما

(2)

يُحِسُّ مِن رَوائِح الشَّمائل

صَرْصَرَةٌ تَرْسُبُ في المفاصلِ

(3)

حتى إذا ما ارْتفعَتِ شمس الضُّحَى

قيلَ فلانٌ وفلان قد أتَى

(4)

ورُبَّما كان ثَقِيلا مُحْتَشَمْ

فطوَّل الكلامَ حِينًا وجَثَمْ

(5)

ورُفِع الرَّيْحانُ والنَّبيذُ

وزال عنه عَيْشُه اللّذيذُ

(6)

وفي هذا القدر كفايةٌ من هذه الأرْجَوزة، وقد عارضها الشريف أبو الحسن علي بن الحسين ابن حَيْدَرة العَقِيلِيّ

(7)

، وعكَس مَقْصودَه فيها، ومدَح الصَّبوحَ، ولكن قال الصَّفَدِيّ: إنّ هذه دُرَّةٌ يَتِيمةٌ، وتلك مَرْجانةٌ.

(1)

في الديوان "فإن طردت الكاس بالسهور"، والسمور: دابة يتخذ من جلدها فراء مثمنة، وهو يعني هنا الفراء.

(2)

لم يرد هذا البيت في الأشعار ولا الديوان، وورد في بعض النسخ "ولو دستت في الماء محمود لما"، ولعل الصواب ما أثبته.

(3)

لم يرد هذا البيت في الأشعار، وفي الديوان "من رياحه الشمائل صوارما".

(4)

في الأشعار "فلان بن فلان".

(5)

في الأشعار "حينا وختم"، وفي الديوان "حينا وجشم".

(6)

في الديوان "ورفع الريحان والنبيذا

وزال عنا عيشنا اللذيذا".

(7)

انظر: ديوانه 301 - 307، وهي مزدوجة، أولها:

"وليل أيقظني معانق

والبدر قد أشرق في المشارق". وانظر مقدمة الديوان 22.

ص: 382

ومن شِعره الذي أوْرَده له الصَّفَدِيُّ في "تاريخه" قوله:

فطافَتْ بأقْداحِ المدامَةِ بيننا

بناتُ نَصارَى قد تَزَيَّنَّ بالخَفَرْ

وتحت زَنانيرَ شَدَدْنَ عُقودَها

زنانيرُ أعْكانٍ مَعاقِدُها السُّرَرْ.

ونقل التِّهامِيُّ هذا المعنى، فقال

(1)

:

وغادَرَتْ في العِدى طَعْنا يَحُفُّ به

ضَرْبٌ كما حَفَّتِ الأعْكانُ بالسُّرَرِ

ومنه أيضًا:

كأنَّما أقْداحُنا فِضَّةٌ

قد بُطِّنَتْ بالذهب الأحمرِ

ومنه في مَدْحِ بعض الوزراء

(2)

:

عَليمٌ بأعْقابِ الأمور كأنَّه

لِمُخْتَلَساتٍ الظَّنِّ يسْمَع أو يَرَى

(3)

إذا أخَذَ القِرْطاسَ خِلْتَ يَمِينَهْ

تُفَتِّحُ أنْوارًا وتَنْظِمُ جَوْهَرَا

(4)

وقال من أبياتٍ

(5)

:

ثِقْ بالوفاء فإنِّي لا تُغَيِّرُني

طُولُ الإقامة في دارٍ ولا الظَّعَنُ

ولا الخيانَةُ من شانِي ولا خُلُقِي

وليس عندِي لها عَيْنٌ ولا أُذُنُ

ومن خَمْرِيّاتِه، التي هي أرَقُّ من الصَّبا، ألْطَفُ من الصَّهبا، قولُه

(6)

:

سقَى الجزيرةَ ذاتَ الظِّلِّ والشجر

ودَيْرَ عَبْدونَ هَطَّالٌ من المطرِ

(7)

(1)

ديوان أبي الحسن التهامي 358.

(2)

ديوان ابن المعتز 1: 116.

(3)

في الديوان "بمختلسات الظن".

(4)

في الديوان "تفتح نورا أو تنظم جوهرا".

(5)

البيت الثاني في الديوان 1: 146.

(6)

الأبيات في معجم البلدان 2: 678، ووفيات الأعيان 3: 78، والأبيات السادس والسابع والثامن والعاشر في أشعار أولاد الخلفاء 187، 188.

(7)

في المعجم، والوفيات "سقي المطيرة"، وفيها 3: 80، أن المطيرة قرية من نواحي سر من رأى. وأن دير عبدون قرب جزيرة ابن عمر، بينهما =

ص: 383

فطالما نَبَّهَتْنِي للصَّبوحِ بها

في غُرَّة الفجرِ والعصفورُ لم يطِرِ

أصْواتُ رُهْبانِ دَيْرٍ في صلاتهِم

سودِ المدارعِ نَعّارين في السَّحِرِ

مُزَنَّرين على الأوْساطِ قد جعَلوا

فوق الرُّؤوس أكاليلا من الشَّعَرِ

كم فيهمُ مِن مَليحِ الوَجْه مُكْتَحِلٍ

بالسِّحْرِ يكْسِرُ جَفْنَيه على حَوَرِ

(1)

لاحَظْتُه بالهوى حتى اسْتقادَ له

طَوْعا وأسْلَفَنِي الميْعادَ بالنظَرِ

وجاءَنِي في قميص الليل مُسْتَتِرا

يسْتَعْجِلُ الخَطْوَ من خوفٍ ومن حَذَر

ولاح ضَوءُ هلالٍ كاد يفْضَحُه

مثلُ القُلامِة قَد قُصَّتْ من الطُّفُرِ

(2)

فقُمْتُ أفْرِشُ خَدِّي في الطريق له

ذُلًّا وأسْحَبُ أكْمامِي على الأثَر

وكان ما كان مما لستُ أذكْرهُ

فظُنَّ شَرًّا ولا تسأَلْ عن الخَبَر

(3)

وقال أيضًا

(4)

:

ألا مَن لقلبٍ في الهوى غيرِ مُنْتَهٍ

وفي الغَيِّ مِطْواعٍ وفي الرُّشْدِ مُكْرَهِ

أُشاوِرُه في تَوْبةٍ فيقولُ لا

فإن قلتُ تأتِي فِتْنَةً قال أين هِي

(5)

فيا ساقِيَيَّ اليومَ عُودا كأمْسِنا

بإبْريق راحٍ في الكُئوسِ مُقَهْقِهِ

أُوَرِّثُ نفسي مالَها قبلَ وارِثِي

أُنْفقُه فيما تُحِبُّ وتَشْتَهِي

وقال أيضًا

(6)

:

قد حَثَّنِي بالكاس أوَّلَ فَجْرِه

ساقٍ علامةُ دِينِه في خَصْرِه

= دجلة، وكان متنزها لأهلها، وعبدون هو ابن مخلد، أخو الوزير صاعد بن مخلد، وانظر أيضًا معجم البلدان.

(1)

في المعجم، والوفيات "يطبق جفنيه".

(2)

في الوفيات "كاد يفضحنا"، وليس البيت في معجم البلدان.

(3)

في الأشعار والمعجم والوفيات "فظن خيرا".

(4)

أشعار أولاد الخلفاء 206، وديوان ابن المعتز 2:67.

(5)

في الأشعار "تأتي غية".

(6)

أشعار أولاد الخلفاء 188، 189، وديوان ابن المعتز 2: 40، 41.

ص: 384

فكأنَّ حُمْرةَ لَوْنِها مِن خَدِّه

وكأنَّ طِيبَ رِياحِها مِن نَشْرِه

(1)

حتى إذا صَبَّ المزاجَ تبسَّمتْ

عن ثَغْرِها فحسِبْتَه عن ثَغْرِه

(2)

ما زال ينجز لي مواعد عينه

فمه وأحسب ريقه من خمره

(3)

يا ليلةً شغَل الرّقادُ غَيورَها

عن عاشقٍ في الحُبِّ هاتِكِ سِتْرِه

(4)

إن لم تَعودِي للمُتَيَّمِ مَرَّةً

أخْرَى فإنّكِ غَلْطةٌ من دَهرِه

وقال أيضًا

(5)

:

خَلِّ الزّمانَ إذا تقاعَسَ أو جَمَحْ

واشْكُ الهُمومَ إلى المدامَة والقَدَحْ

واحْفَظْ فُؤادَك إن شَرِبْتَ ثلاثةً

واحْذَرْ عليه أن يطيرَ من الفَرَحْ

هذا دواء للهمومِ مُجَرَّبٌ

فاقْبَلْ نصيحةَ صاحبٍ لك قد نَصَحْ

ودَعِ الزمانَ فكم رَفيقٍ حازمٍ

قد رام إصْلاحَ الزمانِ فما صَلَحْ

وقال أيضًا

(6)

:

شَرِبْنا بالصَّغيرِ وبالكبير

ولم نَحْفَلْ بأحْداثِ الدُّهورِ

فقد ركَضتْ بنا خيلُ الملاهِي

وقد طِرْنا بأجْنِحَةِ السرورِ

وقال أيضًا

(7)

:

قد مضى آب صاغِرًا لَعْنة اللـ

ـه عليهِ ولَعْنَةُ اللاعِنِينا

وأتانا أيْلولُ وهو يُنادِي

الصَّبوحَ الصَّبوحَ يا غافِلِينا

(1)

في الديوان "فكان حمرة خده من لونها".

(2)

في الديوان "فحسبتها"، وفي الأشعار "من ثغره".

(3)

في الأشعار "ينجزني".

(4)

في الأشعار "شغل الوقاد عذولها".

(5)

أشعار أولاد الخلفاء 183.

(6)

ديوان ابن المعتز 2: 46.

(7)

أشعار أولاد الخلفاء 206.

ص: 385

ومن غَزَلِيَّاتِه

(1)

:

قد صادَ قلبي قمرُ

يسْحَرُ منه النَّظَرُ

وقد فُتِنْتُ بعدَكمُ

وضاع ذاك الحَذَرُ

بوَجْنةٍ كأنما

يقْدَحُ فيها الشَّرَرُ

(2)

وشاربٍ قد هَمَّ أو

نَمَّ عليه الشَّعَرُ

ضَعِيفةٌ أجْفانُه

والقلبُ منه حَجَرُ

كأنما ألحاظُه

مِن فِعْلِه تَعْتذِرُ

لم أرَ وَجْها مثلَ ذا

نَجا عليه بَشَرُ

وقال أيضًا:

بُليتُ بشادِنٍ كالبدرِ حُسْنا

يُعَذِّبُنِي بأنواعِ البَلاءِ

ولي عَيْنانِ دَمْعُهما غَزيرٌ

ونَوْمُهما أعَزُّ من الوَفاءِ

وقال أيضًا:

ما أوْجَع القلب وما أغْفَلَكْ

يا مالِكًا يَزْهَدُ في مَن مَلَكْ

تركْتَنِي أغرَقُ في دَمْعَتي

ظُلْما بلا جُرْمٍ فما حَلَّ لَكْ

قد كنتَ وَصَّالا لِحَبْل الهَوَى

يا ظالِمِي دهرًا فمَن بَدَّلَكْ

وقال أيضًا:

وَرْدُ الخدودِ ونَرْجسُ اللَّحَظاتِ

وتَصافُحُ الشَّفَتَينِ في الخَلَواتِ

شيءٌ أُسَرُّ به وأعْلَمُ أنَّه

وحَياةِ مَن أَهْوَى من اللَّذَّاتِ

وقال أيضًا

(3)

:

أشكو إلى الله هَوَى شادِنٍ

أصْبَحَ في هَجْرِيِّ مَعْذورا

إن جاء في الليل تَجَلَّى وإن

جاء صباحًا زادَه نُورَا

(1)

ديوان ابن المعتز 1: 82.

(2)

في الديوان "يقدح منها".

(3)

ديوان ابن المعتز 1: 84.

ص: 386

فكيف أحْتالُ إذا زارَنِي

حتى يكونَ الأمرُ مَسْتُورَا

ومن نَثْرِه الجارِي مَجْرى الحِكَم والأمثال، قوله

(1)

: مَن تجاوَزَ الكفافَ لم يُغْنِه الإكثار. رُبَّمَا أوْرَدَ الطمعُ ولم يُصْدِر. مَن ارْتحَل الحِرْصَ أنضاهُ الطَّلبُ. الحَظُّ يأتي مَن لا يأتِيه. أشْقَى الناسي أقْرَبُهم من السُّلطان، كما أنَّ أقْرَب الأشياء من النار أسْرعُه إلى الاحْتراق. مَن شارَك السُّلْطان في عِزِّ الدنيا، شارَكه في ذُلِّ الآخرة. يكْفِيكَ للحاسد غَمُّه بسُرورك.

ولم يزلْ، رحمه الله تعالى

(2)

، في طِيْب عَيْشٍ ودَعَةٍ، وأمْنٍ من عَوادِي الزّمان، إلى أن قامت الجُنْدُ وأرْبابُ الدَّوْلة، ووثَبوا على المقْتدِرُ، وخَلَعوه، وطلبوا أن يُبايعوه بالخلافة، وألحّوا عليه في ذلك، فقال: بشَرْطِ أن لا يُقْتَلَ بسَبَبِي مسلمٌّ، فقَبِلوا ذلك منه، وبايَعوه، ولقَّبوه المرتضى بالله، وقيل: المنْصِف، وقيل: الغالب، وقيل: الرَّاضي.

وبعث إلى المقتدر يأمرُه بالتّحَوُّلِ إلى دار محمد بن طاهر، لكي ينْتقلَ هو إلى دار الخلافة، فاجاب، ولكن [ما] بَقِيَ معه غيرُ مُؤْنِس الخادم، ومُؤْنِس الخازن، وغريب [خالُه، وجماعةٌ]

(3)

من الخَدَم، فباكر الحُسين بن حَمْدان دارَ الخلافة، فقاتَلَها، فاجْتمع الخدمُ، فدفعوه عنها، بعد أن حمَل ما قدَرَ عليه من المال، وسار إلى "الموْصِل"، ثم قال الذين عندَ المقْتَدِر: يا قوم، نُسَلِّمُ هذا الأمرَ، ولا نجرِّب نفوسَنا في دَفْع ما نزَل بنا! فنزلُوا في الزَّوارق، ألْبسُوا جماعةً منه السِّلاح، وقصَدوا المخَرَّمَ، وبه عبد الله بن المعْتَزّ، فلمَّا رآهم مَن حولَ أَوْقَعَ الله في قلوبهم الرُّعْبَ، فانْصَرفوا مُنْهَزِمين بلا حرب، وخَرَج ابنُ المعْتَزّ، فركب فرسا، ومعه وزيرهُ محمد بن

(1)

معاهد التنصيص 2: 45، 46، وبعضه في أشعار أولاد الخلفاء 287.

(2)

نقل المؤلف هذا وما يليه عن معاهد التنصيص 2: 41، 43.

(3)

في بعض النسخ "خال جماعة"، والمثبت من المعاهد.

ص: 387

داود، وحاجبه يُمْن، وقد شهر سيفَه، وهو يُنادِي: مَعاشِرَ العامّة، ادْعوا لخليفتكم. وأشاروا إلى الجيش ليَتْبَعوهم إلى "سامَرَّا"، ليُثْبِتوا أمرهم، فلم يتْبَعْهم أحدٌ، فنزل ابنُ المعْتَزِّ عن دابَّته، دخل دار ابن الجَصَّاص الجَوْهَريّ، واخْتَفَى الوزير ابنُ داود، والقاضي [الحسنُ بن المُثَنَّى]

(1)

، ونُهِبَتْ دُورُهما، ووقَع النَّهْبُ والقتلُ في "بغداد".

وقَبَض المقْتِدرُ على الأمراء والقُضاة الذين خَلَعوه، وسلَّمهم إلى مُؤنِس الخازن، فقتلهم، واسْتقام الأمرُ، فاستوْزَرَ ابنَ الفرات، ثم بعَثَ جماعةً، فكَبَسوا دار ابن الجَصَّاص، وأخذوا ابن المعْتَزِّ وابن الجَصَّاص، وحُبِسَ ابنُ المعْتَزِّ، ثم أخْرِجَ بعدُ ميِّتا، وكان أمر الله قدَرًا مَقْدورا، ولا خاذِلَ لمن نصرَه، ولا ناصِر لمن خَذَله.

وحدَّث المعافَى بن زكريا الجَرِيريّ، قال

(2)

: لما خُلِع المقْتدرُ، وبُويع ابنُ المعْتَزِّ دخلوا على شيخنا محمد بن جرير، فقال: ما الخبر؟ فقيل: بُويع ابنُ المعْتَزِّ. قال: فمن رُشِّح للوزارة؟ فقيل: محمد بن داود. قال فمَن ذُكر للقضاء؟ فقيل: الحسن بن المثَنَّى. فأطْرَقَ. ثم قال: هذا أمْرٌ لا يَتِمُّ. قيل: وكيف؟ قال: كلُّ واحدٍ ممَّن سمَّيْتُم متقدّم في معناه على الرُّتْبَة، والدنيا مُوَلِّيَةٌ والزمانُ مُدْبِرٌ، وما أرَى هذا إلا إلى اضْمِحْلال، وما أرَى لِمُدَّته طُولا. فكان كما قال:

ورَوى أنَّ عبد الله ابن المعُتَزِّ أنْشَدَ لنفسه، في الليلة التي قُتِلَ في صَبيحتِها

(3)

:

يا نفسُ صَبْرًا لعلَّ الخيرَ عُقْباكِ

خانَتْكَ من بعدِ طولِ الأمْنِ دُنْياكِ

(1)

في بعض النسخ "أبو المثنى"، والمثبت في المصادر، وانظر ما يأتي.

(2)

معاهد التنصيص 2: 42، 43.

(3)

تاريخ بغداد 10: 100.

ص: 388

مرَّتْ بنا سَحَرًا طيرٌ فقلتُ لها

طوباكِ يا لَيْتَنِيْ إياكِ طُوبَاكِ

إن كان فَصْدُكِ شرقًا فالسَّلام على

شاطِي الصَّراة فأبلغِي مَسْراكِ

(1)

مِن مُوثَقٍ بالمنايا لا فَكاكَ له

يَبْكِي الدِّماءَ على إلْفٍ له باكِ

فرُبَّ آمِنَةٍ حانتْ مَنبَّتها

ورُبَّ مُفْلَتَةٍ من بين أَشْراكِ

أظُنُّه آخِرَ الأيام من عُمْرِي

وأوْشَكَ اليومَ أن يَبْكِي لي الباكي

ورُوِي أنَّه قال: عندما أقاموه للجهة التي أُتْلِفَ فيها

(2)

:

فقُلْ للشّامتين بنا رُوَيْدًا

أمامَكم المصائبُ والخُطوبُ

هو الدّهر الذي لا بُدَّ من أن

تكونَ إليكم منه ذَنوبُ

وكانت وَفاتُه، رحمه الله تعالى، يومَ الأربعاء، لليلة خلَتْ من شهر ربيع الأول، سنة ست وتسعين ومائتين، وهو ابن ثمان وأربعين سنة وسبعة أشهر وأيام، وحُمِل إلى دارِه التي على الصَّراة، فدُفِنَ بها.

ورثاه ابنُ بَسَّامٍ بقوله

(3)

:

لله دَرُّكَ من مَلْكٍ بِمَضْيَعَةٍ

ناهِيك في العقل والآداب والحَسَبِ

ما فيه لولا ولا ليتَ فتنْقُصُه

وإنما أدْرَكَتْه حرفةُ الأدَبِ

(4)

وهو من قول أبي تَمَّام

(5)

:

ما زِلْتُ أرْمِي بآمَالِي مَطالِبَها

لم يُخْلِقِ العِرْضَ مِنِّي سوءُ مُطَّلَبِي

(6)

(1)

في بعض النسخ "وتاريخ بغداد" شاطي الصراة ابلغي إن كان مسراك"، ولعلَّ الصواب ما أثبته. والصراة: نهر بالعراق.

(2)

تاريخ بغداد 1: 100.

(3)

تاريخ بغداد 10: 101، وسير أعلام النبلاء 14: 43، وفوات الوفيات 2: 240، ومعاهد التنصيص 2: 43، 44، ووفيات الأعيان 3:77.

(4)

في الفوات "لو ولا ليت"، وفي الوفيات "لو ولا لولا".

(5)

ديوان بشرح التبريزي 4: 550، ومعاهد التنصيص 2:44.

(6)

في الديوان "بآمالي مراميها".

ص: 389

إذا قصدْتُ لشأْوٍ خِلْتُ أنِّيَ قدْ .... أدْرَكْتُه أدْرَكَتْنِي حرْفةُ الأدَب

وقد تَلاعَبَ الشعراءُ بهذا المعنى، فقال ابنُ السَّاعاتِيّ (1):

عِفْتُ القَريضَ فلا أسْمُوله أبدًا

حتَى لقد عِفْتُ أن أرْوِيه في الكُتُبِ

هَجرْتُ نَظْمِي له لا مِنْ مَهانتِه

لكنَّها خِيفَةٌ مِن حرْفَةِ الأدَبِ

وقال ابنُ قلاقِسَ

(1)

:

لا أقْتَضيكَ لتَقْديمٍ وعَدْتَ به

من عادة الغَيْثِ أن يأتِي بلا طَلَبِ

عُيونُ جاهِكَ عَنِّي غيرُ نائمةٍ

وإنما أنا أخْشى حرْفَةَ الأدَبِ

* * *

‌2539 - الشيخ الفاضل عبد الله، وقيل عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن ناقِيَا - بفتح النّون - بن داود بن محمد بن يعقوب، أبو القاسم بن أبي الفتح، المعروف بالبُنْدار الشاعر المشهور، من أهل شارع دارِ الرَّقيق

*.

(1)

معاهد التنصيص 2: 44.

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 221.

وترجمته في إنباء الرواة 2: 133، 156، 157، والبداية والنهاية 12: 141، وبغية الوعاة 2: 67، وتاج التراجم 32، والجواهر المضية برقم 725، وخريدة القصر (الشام)، وطبقات المفسرين للداودي 1: 255، 256، والكامل 10: 218، وكشف الظنون 1: 129، 594، 769، 799، 2: 1273، 1817، ولسان الميزان 3: 384، 385، والمنتظم 9: 68، وميزان الاعتدال 2: 533، وهدية العارفين 1: 453، ووفيات الأعيان 3: 98، 99.

ص: 390

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان شاعرا مُجَوِّدا، عَذْبَ الألفاظ، مَليحَ المعانِي، وقد جَمَع شِعْرَه في "ديوان كبير".

وله مُصنَّفاتٌ في كلِّ فَنِّ، ومقاماتٌ أدبيَّة.

وكان حسَنَ المعرفة بالأدب، ظَريفا في مَحاسن الناس، إلا أنَّه كان مَطْعونا عليه في دينه وعقيدته، كثيرَ الهَزْلِ والمجون.

سمع من أبي القاسم عليّ بن محمد التَّنُوخِيّ وأبي الحُسين بن أحمد بن النَّقور وغيرهما.

وروَى عن جماعة من الشُّعراء؛ كأبي الخَطّاب محمد بن علي الجَبَّلِيّ، وأبي القاسم عبد الواحد بن محمد المطَرّز، وأبي الحسن محمد بن محمد البَصْرِيّ، ورَوَى مُصنَّفاتِه، ومَنْثورَه، ومَنْظومَه، وشيئا من حديثِه.

ورَوَى عنه عبد الوهّاب الأنْماطِيّ، ومحمد بن ناصر، وشُجاع بن فارس الذُّهْلِي، وغيرُهم.

ومن نظْمَه، وهو مريض:

تَبْقَى النُّجومُ دوائرًا أفْلاكُها

والأرضُ فيها كلَّ يومٍ داعِ

نَمْضِي كما مَضَتِ القَبَائلُ قَبْلَنا

لَسْنا بأَوَّلَ من دعاهُ الدّاعِي

وزَخارِفُ الدّنيا يجوزُ خِداعُها

أبدًا عَلَى الأبصار والأسماعِ

وقال أبو نَصْر هبة الله بن المحِلِّيِّ في حقِّه: شاعرٌ مَطْبوع، وله لفظ حَسَنٌ صحيح، ومُصنَّفاتُه مِلاحٌ؛ منها "الجُمان في مُشْتبهات القُرآن" سمعتُه، ولم يُسْبَق إلى مِثْلِه. وله "مُلَح الكتابة" في الرسائل، قرأتُه عليه أيضًا، وله "شرح الفصيح"، سمعتُه منه، وأحْسَن في وَضْعِه، انتهى.

وكانتْ ولادته في النِّصفِ من ذي القَعْدةِ، سنة عشر وأربعمائة. ووفاته يوم الأحد، رابع مُحَرَّم، سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ودفن في مقام "باب الشام".

ومن شعره الذي أوْرَدَه الصَّلاح الصَّفَدِيُّ في "تاريخه" قولهُ:

ص: 391

وإنِّي لآبي الدَّمْعِ فيك تطَيُّرا

علْيك وتأْبَى العَيْنُ إلاه جاريا

وأسْخَطُ لاسْتِمْرارِ هَجْرِكَ ساعةً

وتَغْلِبُ أشْواقِي فأرْجعُ راضيا

هَنِيئًا إن اسْتَحْلَلْتَ قَتْلِي فلا تُطِلْ

عَذابي ومَوْهوبٌ لعَيْنَيْكَ ثارِيا

وقوله أيضًا:

أَرَى كلَّ محْبوبٍ يُلاقِي مُحِبَّه

وما نَتَلاقَى والليالي تَصَرَّمُ

وقد علِمَت أنِّي مَشوقٌ وأنَّنِي

بها كَلِفٌ لكنَّه ليس تَرْحَمُ

وقوله أيضًا:

يا صاح أذَّنَ بالصَّباح بَشيرُ

والكاسُ تطْلُعُ تارةً وتَغُور

والرَّوْضُ مُبْتَسِمُ الثُّغُور نَسِيمُه

يسْتافُ منه المِسْكُ والكافورُ

والعُودُ يخْطُرُ في حَشاهُ أنامِلٌ

لم يَطْوِ سِرًّا دونَهُنَّ ضَمِيرُ

فاشْرَبْ على طَرَبِ النَّديم ولا تُطِلْ

حَبْسَ المدامَة فالزمانُ قصيرُ

ومن قوله ما كتب به لبعض الرُّؤَساء، وقد افْتَصَدَ:

جعل الله ذو المواهب عُقْبا

كَ من الفَصْدِ صِحَّةً وسَلامَهْ

قُلْ ليُمْناك كيف شِئْتِ اسْتَهِلِّي

لا عَدِمْتِ النَّدَى فأنْتِ غَمامَهْ

ومنه قوله أيضًا:

أخِلَّايَ ما صاحَبْتُ في العَيْشِ لَذَّة

ولا زال عن قلبي حَنِينُ التَّذَكُّرِ

ولا طاب لي طَعْمُ الرُّقادِ ولا اجْتَلَى

لخاطِرٍ مُذْ فارَقْتُكم حسنُ مَنْظَرِ

ولا عبَثتْ كَفِّي بكل مُدامَةٍ

يطوف بها ساقٍ ولا جَسِّ مِزْهَرِ

وقال الصَّفَدِيّ: وكان يقول: في السّماء نهر من خمر، ونهر من لبن، ونهر من عسل، لا يُنَقِّطُ منه شيءٌ، ويُنَقِّطُ هذا الذي يخْرِبُ البيوتَ، ويهْدِمُ السُّقوفَ! قال: وكانتْ بينه وبين ابن الشِّبْلِ مُنافَسةٌ ومُباعَدةٌ شائعة ظاهرة، فأنْشَدَه يومًا أبو الحسن ابن الدَّهَّانِ لابنِ الشِّبْلِ:

وما أسْجَدَ اللهُ الملائكَ كُلَّهم

لآدمَ إلا أنَّ في نَسْلِه مِثْلِي

ولو أنَّ إبْلِيسا درَى خَرَّ ساجِدًا

لآدمَ من قبْل الملائك من أجْلِي

ص: 392

ولكنَّ أنْسَى الله عنه تَكَوُّنِي

إلى أن زَهَتْ أنْوارُ فَضْلِي على النَّسْلِ

فيا رَبّ إبراهيم لم أُوتَ فَضْلَه

ولا فَضْلَ موسى والنَّبِيّ على الرُّسْلِ

فلِمْ لي وَحْدِى ألْفُ فِرْعَوْنَ في الوَرى

ولي ألْفُ نَمْرُودٍ وألْفٌ أبي جهْلِ

فلما سمِعها ابنُ ناقِيا: أشْهَدُ بين يَدَي الله تبارك وتعالى، أنه ما أخْرَجَ آدَمَ من الجنة، إلا أنَّه كان في ظَهْرِه. ثم قال: امْضِ إليه، فأنْشِدْه أبياتا منها:

إذا ما افْتَخَرْتَ فلا تَجْهَلَنْ

أباك وشَلَّاقَهُ والعَصا

ولو كان آدمُ ذا خِبْرَةٍ

بأنَّك مِن نَسْلِه لاخْتَصَى

وقيل له: ألم تكُنْ قرأتَ على ابن الشِّبْلِ؟ قال: بَلَى، وإلا من أينَ اكْتَسَبْتُ هذه البَلادة. فبلغ ذلك ابنَ الشِّبْلِ، فقال:

فقُلْ ما شِئْتَ إنَّ الحِلْمَ دأبِي

وشأْنِي الخيْرُ إن واصَلْتَ شَرَّا

فأنْتَ أقَلَّ أن تُلْقَى بِذَمٍّ

مُجاهَرَةً وأنْ تُغْتابَ سِرَّا

وبلغَ ابنَ الشِّبْلِ عنه كلام قبيح، فقال، وأْبلَغَ:

وسِتَّةٍ فيك لم يُجْمَعنَ في بشرٍ

كِذِبٌ وكِبْرٌ وبُخْلٌ أنتَ جامعُه

مع اللَّجاج وشَرِّ الحِقْدِ والحَسَدِ

وسِتَّةٍ فيَّ لم يُخْلَقْنَ في مَلَكٍ

حِلْمِي وعِلْمِي وإفْضالي وتَجْرِيبي

وحُسنُ خُلْقِي وبَسْطِي بالنَّوالِ يَدِيَ

ومن شِعْرِه الذي أورده له العماد الكاتب، في "الخريدة" قوله:

أتُرَى حال ذلك الحبُّ بُغْضا

وذَوَى غُصْنُه وقد كان غضَّا

أتُرَى كان ذلك الوصلُ زورا

فانْتَهَى بي إلى الصُّدُود وأفْضَى

قُلْ لمن ضَيَّعَ الوِدادَ وأغْرَى

بالتَّجَنِّي ورام للعهْدِ نَقْضا

قد جَعَلْنا الوِدادَ حَتْمًا علينا

ورأيْنا الوفاءَ بالعَهْدِ فَرْضا

وقوله أيضًا:

أما تَرَى السُّحْبَ أبْدَتْ

غَلائِلَ الأرْضَ خَضْرَا

قد أظْهَرَ الله فينا

زُهْرَ الكواكبِ زَهْرا

مثل اليَواقِيتِ راقَتْ

زُرْقًا وحُمْرًا وصُفْرَا

ص: 393

وكالخرائد أبدت

فرعا وخدا وساغرا

وقوله أيضًا:

فلا تَغْتَرِرْ بالبِشْر من وَجْه حاسِدٍ

بِبَرْدِ ابْتِسامِ الثَّغْرِ غَطَّى لَظَى الحِقْدِ

فإنَّ مَشوبَ الشَّكِّ لا شَكَّ قاتلٌ

وإن هو أخْفَتْ طَعْمَهُ لَذَّةُ الشُّهْدِ

حدَّث أبو الحسن عليّ بن محمد بن أحمد الدَّهَّان، المرَتَّبُ بجامع المنصور، قال: دخلتُ على أبي القاسم بن ناقِيا بعدَ مَوْتِه لأَغْسِلَه، فوجدتُ يَدَه اليُسْرى مَضْمُومَةً، فاجْتهدْتُ عَلَى فَتْحِها، فإذا فيها كتابةٌ بعضها على بعض، فتَمَهَّلتُ حتى قرأتُها، فإذا فيها مكتوب:

نزلتُ بِجَارٍ لا يُخَيِّبُ ضَيْفَه

أُرَجِّي نَجاتِي مِن عذاب جَهَنَّم

وإنِّي عَلَى خَوْفي مِن الله واثِقٌ

بِإنْعامِه والله أكْرمُ مُنْعِمِ

* * *

‌2540 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن سعد الله بن محمد بن عمر بن سالم البَجَلِيّ، الجَرِيرِيّ، أبو محمد ابن أبي عبد الله المعروف والده بابنِ الشّاعر

*

أسْمَعهُ أبوه في صِباهُ الكثيرَ من ابن الحُصِيْنِ، والأنْماطِيّ، وغيرِهما.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قرأ في الفِقْه حتى برَع.

وسكَن "دِمَشْقِ"، ودرَّس بها الفقه، وحدَّث.

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 225.

وترجمته في التكملة لوفيات النقلة 1: 182 - 184، والجواهر المضية برقم 726، وحسن المحاضرة 1: 464، والمختصر المحتاج إليه 2:162.

ص: 394

وصار له اخْتِصاصٌ بالملك الناصر صلاح الدين يوسف، وكان يُراسل مُلوك الأطْراف. ولما فتَح ديارَ "مصر"، سافر إليها، وأقام يُدرِّس، ويُفتِي، ويَعِظُ، ويُحَدِّث إلى حين وَفاتِه.

وكان فقيها فاضلًا، مليحَ الوَعْظ، غزيرَ الفضل، حَسَن الأخْلاق، مُتَديِّنا.

قال أبو محمد القاسم بن علي بن الحسين بن هبة الله بن الحافظ الدِّمَشقِي، فيما كتب به إلى بعض أصْحابِه: عبد الله بن محمد بن سعد الله أبو محمد البَغدادِيّ، الحنفيّ، الواعظ. أكبرُ تلامذة والِدي، وسمع منه الكثيرَ.

وقال لنا والدي: ما رأيتُ مِن الحنفية مَنْ يطلُبُ الحديثَ إلا ثلاثةً؛ شيخَنا أبا عبد الله البَلْخِيّ، ورفيقَنا أبا عليّ ابن الوزير الدِّمَشْقِيّ، وصاحبَنا الفقيه أبا محمد البَغْدادِيِّ.

وقال في "الجواهر": أبو عبد الله البَلْخِيّ، وأبو علي ابن الوزير، تقدَّم كلّ منهما، وأبو محمد البغْدادِىُّ هو صاحبُ الترجمة.

تفقَّه ببَلَدِه، ودرَّس بمسجد أسَد الدين.

وله أثَرٌ صالحٌ في التَّحْريض على قصْد "الديار المِصْرِيّة"، واسْتِنْقاذِها ممن كانتْ في يده.

وهو شديدُ التَّعَصُّب للسُّنَّة، مُبالِغٌ في عَداوَة الرّافِضة، حَسَنُ الأخْلاق.

تَولَّى التَّدريسَ بـ "القاهرة"، في مدرسة الحنفية السُّيوفِيَّة مُدَّةً، إلى أن مات بـ "مصر"، في سنة أربع وثمانين وخمسمائة. رحمه الله تعالى.

وكانتْ ولادتُه بـ "بغداد" في صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

* * *

ص: 395

‌2541 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد، قاضي القضاة، جمال الدين، ابن شيخ الإسلام شمس الدين

*

وهو ابن أخي قاضي القضاة سعد الدين الدَّيْرِيّ، المتَقَدِّم ذكرُه.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وَلِيَ قضاءَ "القُدْس" الشريف مَرّاتٍ مُتعدِّدة.

وتُوُفِّيَ بها صبيحةَ يوم الأربعاء، ثانِي عِشْري شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وقد بلغ من العمر نحو أربع وسبعين سنة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2542 - الشيخ الفاضل شمس الدين أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعد بن عبد الله الديري، ثم المقدسي، المتوفى سنة 827 سبع وعشرين وثمانمائة

* *

له "المسائل الشريفة في أدلة الإمام أبي حنفية".

* * *

* راجع: الطَّبَقَات السَنِيَّة 4: 238.

وترجمته في الضوء اللامع 64: 5، ولعلَّ الأمر اشتبه على المؤلف، فقد سبقت ترجمته باسم "عبد الله بن محمد ابن محمد" برقم 1094.

* * راجع: إيضاح المكنون 2: 474.

ص: 396

‌2543 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن عبد الله، أبو الفضل، الإمام الفقيه خَتَنُ قاضي القضاة أبي محمد النّاصِحِيِّ علَى ابْنتِه

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان رجلا فاضلا، مُفْتيا مشهورا في قومه، عفيفَ النَّفْس، مُتَدَيِّنا. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2544 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد حجازي بن عبد القادر بن محمد الحلبي، الشهير بابن قضيب البان

* *

فقيه، أديب، شاعر، كاتب.

من آثاره: "حل العقال"، و"ذيل على كتاب الريحانة" للخفاجي لم يكمل، "نظم الأشباه والنظائر" لابن نجيم، و"نفائح الأزهار في كشف الأسرار"، وكلاهما في فروع الفقه.

توفي سنة 1096 هـ.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 226.

وترجمته الجواهر المضية برقم 727.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 115.

ترجمته في خلاصة الأثر 3: 70 - 80، وهدية العارفين 1: 478، وأعلام النبلاء 6: 387 - 402، وإيضاح المكنون 1: 417، 2: 662: وفهرس الأزهرية 6: 349، والكشّاف 156، 277، 278.

ص: 397

‌2545 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن عُبَيد الله بن علي بن جعفر بن محمد بن زُرَيقْ الخَطِيبِيِّ، الأسدِيّ النسَفِيّ الأصْبَهَانِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو خَطيب الجامع الكبير، بـ "أصْبَهانْ". وهو ابنُ عَمِّ قاضي "أصْبَهان" عُبَيْد الله الخَطِيبِيّ، الآتي ذكْره قريبا إن شاء الله تعالى.

مولدُه سنة ثمان وأربعين وأربعمائة.

حدَّث عنه أبو موسى، وابن الجَوْزِيّ، وأبو سعد السَّمْعانِيّ، وقال: شيخٌ فاضل، عالمٌ جليل القدر، من بيت العِلْم، ثِقَةٌ، صالح، حسنُ السِّيادة.

وقال ابنُ النَّجَّار: قَدِم "بغداد" حاجًّا، سنة خمس وتسعين وأربعمائة.

وسمع منه الحسين ابن محمد بن خُسْرُوَا البَلْخِيّ، ثم قَدِمَها ثانيا، فرَوَى عنه ابنُ الجَوْزِيّ.

مات، رحمه الله تعالى، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.

* * *

‌2546 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن عطاء بن حسن بن عطاء بن جُبير بن جابر بن وُهَيْب الأذْرَعِيّ، قاضي القضاة، شمس الدين، أبو محمد

* *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 226.

وترجمته في التحبير 1: 378، وتلخيص مجمع الآداب 4: 2: برقم 1129.

* * راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 227. =

ص: 398

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِد سنة خمس وتسعين وخمسمائة.

وسمع أبا حفص عمر بن طَبَرْزَد.

وتفقَّه، وحدَّث، وأفتَى، ودرَّس، وناب في الحكم عن قاضي القضاة أحمد بن سَنِيِّ الدَّولَةِ الشَّافعِيّ، فلما جُددت القضاةُ الثلاثة في سنة أربع وستين وستمائة كان أوَّل من وَلِي القضاء بـ "دمشق" من الحنفية اسْتِقْلالا، ووصَل تقْلِيدُه بذلك، فقَبِلَ، وباشَر مُباشرةً تَلِيقُ به.

قال في "الجواهر": جاء من "مصر" ثلاثة عُهود لثلاثة من القضاة؛ شمس الدين ابن عطاء، وشمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر الحَنْبَلِيّ، وزين الدين عبد السلام الزَّواوِيّ المالِكِيّ، وكان قاضي القُضاة شمسُ الدين ابن خَلِّكان إذ ذاك قاضيَ الشافعية، فلم يقْبَلِ المالِكِيُّ والحنبَليّ، وقبِل الحنَفيّ، فورَد المرْسومُ بإلْزامهما بذلك، وأخْذِ ما بأيْديهما من الأوقاف إن لم يفْعلا، فأجابا، ثم أصبح المالكِيّ وعزَل نفسَه عن القضاء والأوقاف، ثم ورَد الأمرُ بإلْزامِه، واسْتمرَّ الجميعُ، لكن امْتنع المالكِيّ والحنبليُّ من الجامْكِيَّة.

وقال بعض الظُّرَفاء من أهل "دِمَشق"، لما رأى اجْتماع ثلاثة قُضاة كلُّ واحدٍ منهم لَقَبُه شمس الدين:

= وترجمته في البداية والنهاية 13: 268، وتذكرة الحفاظ 4: 1468، والجواهر المضية برقم 729، والدارس 1: 442، 443، 511، 512، ودول الإسلام 2: 175، وذيل مرآة الزمان لليونيني 3: 95، 96، وشذرات الذهب 5: 340، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، صفحة 116، والعبر 5: 301، والفوائد البهية 106، وكتائب أعلام الأخيار برقم 448، ومرآة الجنان 4: 173، والنجوم الزاهرة 7: 246، 247.

ص: 399

أهلُ دِمَشْقَ اسْترابوا

مِن كثرة الحُكَّامِ

إذ هم جميعا شُموسٌ

وحالُهم في ظلامِ

وله أيضًا:

بِدِمَشْقَ آية قد

ظَهَرَتْ للناس عاما

كُلَّما وُلِّيَ شمسٌ

قاضيًا زادتْ ظَلاما

وكان والدُ صاحب الترجمة محمد حَنْبَلِيّ المذهب، واشْتَغل ولدُه عبد الله في الفقه، على مذهب الإمام الأعظم، رَضِيَ الله تعالى عنه، وحَفِظَ "القُدوريِّ"، ولم يَزَلْ يَدْأَبُ ويُحَصِّلُ إلى أن صار مُشارًا إليه في مذهب الحنيفة، ووَلِيَ تَدْرِيسَ عِدَّة مَدارِسَ.

قال اليُونِينِيّ: وكان القاضي شمس الدين من العلماء الأعْلام، تامَّ الفضيلة، وافرَ الدِّيانة، كريمَ الأخْلاق، حسَنَ العِشْرة، كثيرَ التَّواضُع، عَديمَ النَّظير، قليلَ الرَّغْبة في الدنيا، يقْنَعُ منها باليَسير، ولا يُحابِي أحدا في الحق، واشْتَغَل عليه خلقٌ كثير، وانْتفَع به جَمٌّ غَفيرٌ. انتهى.

ولما وقَعَتِ الحَوْطَةُ على أمْلاكِ الناس في أيّام الملِك الظاهر، وأخْرَج فَتاوَى الحنفية باسْتِحْقاقها بحُكْم أنَّ "دمشقَ" فتحها عمرُ بن الخطَّاب، رضي الله تعالى عنه عَنْوةً، أراد السلطان من القاضي شمس الدين أن يَحْكُم له فيها بمُقْتَضى مَذْهَبِه، فقال للسُّلطان: هذه أمْلاكٌ بأيْدِي أرْبابِها، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يتعرَّضَ لها، ثم نَهض من المجلس مُغْضبا، فانْحَرفَ السلطان من ذلك انْحِرافا شديدا، ثم سكَن، وصار بعدَ ذلك يُثْنِي على القاضي شمس الدين ويَمْدَحُه.

أقول: هكذا يَنْبغي أن تكونَ القضاةُ في القيام مع الحقِ على الباطل، لا يَخافون سَطْوَةَ ظالم، ولا إقْدام جاهل، لا تأخُذُهم في الله لَوْمَة لائم، ولا يَصُدُّهم عن الحقِّ رَهْبةُ ظالم، لا كغالب قُضاة زَماننا الذين اتَّخذوا الحُكّامَ لهم آلهة، يَعْصون الله ويُطيعونهم، ويُغْضِبون الله ويُرْضونَهم، يَحْكمون بالهوَى،

ص: 400

ويتَّبعون الأهْواء، يدورُ الحقُّ عندَهم مع الرِّشوة والجاه، ولا يَرْهبون {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} .

قال ابن كثير: كان ابنُ عطاء من العلماء الأخيار، كثيرَ التَّواضُع، قليلَ الرَّغْبة في الدنيا وروَى عنه ابنُ جماعة. انتهى.

ولم يزلْ على القضاء إلى أن مات يوم الجمعة، تاسع جُمادَى الأولَى، سنة ثلاث وسبعين وستمائة، ودُفِن بسَفْح "قاسِيون"، بالقُرْبِ من "المدرسة المعَظَّمِيَّة"، رحمه الله تعالى.

قال النُّوَيْرِيُّ في "نهاية الأرب": ولما مات، عَزَل قاضي القضاة زينُ الدين الزَّوَاوِيُّ المالِكِيّ نفسَه عن القضاء حالَ دَفْنِه، فإنَّه أخذ بيَدِه من تُراب القبر وحَثاهُ عليه، وقال: والله لا حَكَمْتُ بعدَك؛ فإنَّ لك أربعين سنة تَحْكُمُ، ثم هذه مآلُك. وعزَلَ نفسَه عن الحُكْم، وبَقِيَ نائبُه القاضي جمال الدين يوسف الزَّواوِيُّ يحْكُمُ على حالِه، وفوَّض فضاء الحنفية بعدَه للقاضي عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر ابن العَديم. والله تعالى أعلم.

* * *

‌2547 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن عليّ بن محمد الدَّامَغانِيّ، أبو جعفر، ابن قاضي القضاة أبي عبد الله

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: شهد عند والِدِه، فقَبِلَ شهادَتَه، ووَلّاه أخوه قاضي القضاة أبو الحسن عليُّ بن محمد القضاءَ بـ "باب الطّاق"، ومِن أعْلَى "بغداد" إلى "الموْصِل"، وغيرهما من البلاد، في اليوم الذي تَوَلَّى فيه

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 229.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 730، والمنتظم 9:251.

ص: 401

قضاء القضاة، وهو الثالث والعشرون، من شهر شعبان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

ثم إنَّه تَرَك العَدالَةَ والقضاءَ، وخلَع الطَّيْلَسان، وتَولَّى حِجابَةَ باب النُّوبِيّ، والنَّظرَ في المظالم، وإقامة الحُدود، في شهر رمضان، سنة خمسمائة، ثم عُزِل، ثم أعيد، ثم عزل.

وكان شيخا جليلا، دَمِثَ الأخْلاق، خَلِيقا بالرياسة، ومُتَطلِّعا إلى قضاء حوائج الناس، مِن الطِّراز الأول.

سمِع الحديثَ من أبي جعفر محمد بن المسْلِمة، والخطيب. وحدَّث باليَسير.

روَى عنه أبو المعَمَّر الأنْصارِيّ، وغيرُه.

وكانتْ ولادتُه في ربيع الأول، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. وقيل: سنة ستّ وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين، ووفاتُه في ليلة الثلاثاء ثاني جمادى الأولَى، سنة ثمان عشرة وخمسمائة، ودُفِنَ بـ "الشُّونِيزِيّة". رحمه الله تعالى.

* * *

‌2548 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن عمرو القاضي، أبو القاسم

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو أحدُ وُجوه الفُقهاء والعُلماء الحنفية بـ "نَيْسابور".

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 230.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 731.

ص: 402

اسْتخْلفَه القاضي أبو العلاء صاعد للتَّدْريس في مدرسته، وإفادةِ المخْتَلِفة مِن الطَّلبة، سنة اثنتين وأربعمائة، عند خُروجِه للحَجَّة الثانية.

وتُوُفِّي رحمه الله تعالى، في شعبان سنة ثلاث وأربعمائة. انتهى.

* * *

‌2549 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد الصّاعِدِيّ الفُراوِيّ، أبو البركات، الملقَّب صَفِيّ الدين

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: هو فاضل، عفيفٌ، من بيت العلم والزُّهد والصّلاح.

وهو شيخُ صاحب "الهداية"، ذكره في "مشيخته"، وأجازه إجازةً مُطْلقَةً، مُشافَهَة، بـ "نَيْسابور".

ثم روَى عنه حديثا، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيّ، عن أبيه رضي الله تعالى عنه، أنَّه سمع رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم، يقولُ:"منْ وَحَّد اللهَ، وكَفَر بما يُعْبَدُ مِن دُوْنِه، حَرُم مالُه ودَمُه، وَحِسابُه على الله".

وذكر صاحبُ "الهداية" عنه، أنَّه أنْشَده بـ "نَيْسابور" فيما قرأه عليه لغيره:

إنّا علَى الدنيا ولَذّاتِها

نَدُورُ والموتُ علينا يَدورْ

نحنُ بَنو الأرْضِ وسُكّانُها

مِنها خُلِقْنا وإليها نَحورْ

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 231.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 732.

ص: 403

‌2550 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن فضل الله ابن ثامِر - بالمثلَّثة - بن إبراهيم الفَزَارِيِّ العَبْسِيّ اليَمَانِيّ، المعروف بالنَّجْرِيِّ، بفتح النُّون وسكون الجيم ثم مهملة نِسْبةً لقرية من بلاد "اليمن

" *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ولد في آخر الرَّبيعين سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، في قرية "حُوث"، بضمِّ المهْمَلة وآخرُه مثلَّثة: من بلاد "عَبْس"، بالموحدة، قبيلة من "نِزار" طَرَأتْ على "اليمن"، وهذه القرية من مُعامَلة تَعِزَّ، نشأ بها، وقرأ القرآن الكريم، وبَحثَ على والدِه في النحو والفقه والأصْلين، وعلى أخيه علي بن محمد، وحَجَّ، ورحل إلى "القاهرة"، وقرأ في النحو والصَّرْف على ابن قَديد، وأبي القاسم النُّوَيْرِيّ، وفي المعاني والبيان على الشُّمُنِّي، وفي المنطق على التَّقِيّ الحِصْنِيّ، وفي الفقه على الأمين الأقْصُرائي، والعَضُد السِّيرامِيّ

(1)

، وتقدَّم في غالب هذه العلوم، واشْتَهر فضلُه، وامْتَدَّ صِيْتُه، لا سِيَّما في العربية.

ومن نظمِه

(2)

:

بشاطئِ حُوثَ من دِيار بني حَرْب

لقلبِيَ أشْجانٌ مُعَذِّبةٌ قَلْبِي

* راجع: الطَّبَقات السَّنِيَّة 4: 205.

وترجمته في إيضاح المكنون 2: 722، والبدر الطالع 1: 397 - 399، والضوء اللامع 5: 62، وهدية العارفين 1:469.

(1)

في البدر، والضوء "الصيرامي".

(2)

البيتان في البدر الطالع، الضوء اللامع.

ص: 404

فهل لي إلى تلك المنازِلِ عَوْدةٌ

فيُفْرَجَ من غَمِّي ويُكْشَفْ من كَرْبِي

وكان موجودا في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2551 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن لاجين القاهِرِيّ المعروف بابن خاصِ بيك، وهو اسم ابن عمِّه، اشْتهَرَ بالنِّسْبة إليه لجلالته

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِد في حدود سنة سبع وسبعين، بـ "القاهرة"، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم، وبعض "الإلْمام" لابن دَقيق العيد، و"القُدورِيّ" في الفقه، و"المنار" في أصوله، و"ألْفية ابن مالك"، واشتغل في الفقه على جماعة، منهم: العلامة سراج الدين قارِئُ "الهداية".

وأخذ العربية عن الشِّهاب العبادِيّ، وغيره، وسمع "الصحيح" على ابن أبي المجْدِ، وخَتَمه على التَّنُوخِيّ، والعِراقِيّ، والهَيْثَمِي، وحجَّ، وزارَ بيتَ المقْدِس والخَليلَ.

وحدَّث، وسمع الفُضلاء، وكُفَّ، وكان إنسانا حسنا، خَيِّرا، دَيِّنا، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2552 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الله بن سعد

بن

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 231.

وترجمته في الضوء اللامع 5: 62، 63.

ص: 405

أبي بكر بن مُصْلِح بن أبي بكر الدَّيْرِيّ، من البيت المشهور بالفضل والقضاء *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وَلِيَ قضاءَ "القُدْس"، و"الخَليلَ"، و"الرَّمْلَة" غير مرّة.

وكانتْ ولادتُه سنة خمس وثمانمائة، ووفاته سنة ثمان وسبعين وثمانمائة.

وكان عنده فضيلة، رحمه الله تعالى.

* * *

‌2553 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن البَيْضاوِيّ، القاضي أبو الفتح، الآتي ذكْرُ أبيه محمد، وابنُه محمد

* *

وهو أخو قاضي القضاة أبو القاسم عليِّ بن الحسين الزَّيْنَبِيّ لأُمِّه.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: كان جدُّه محمد بن عبد الله من بَيْضاء "فارس"، وانْتقل إلى "بغداد"، وسكَنها، وأعْقَب بها.

وكان مولد صاحب الترجمة في ذي القَعْدَة، سنة تسع وأربعين وأربعمائة.

وقيل في ذي الحِجَّة.

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 232.

وترجمته في الضوء اللامع 5: 64.

* * راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 232.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 733، وشذرات الذهب 4: 115، ومرآة الجنان 3: 268، والمنتظم 10: 104، 105.

ص: 406

وسمع الكثيرَ، وحدَّث.

وروَى عنه عبد الوهّاب بن عليِّ الأمينُ.

واسْتنابَه القاضي أبو محمد عبيد الله بن محمد بن طلحة الدّامَغَانِيّ، بـ "الكَرْخِ".

وكتبَ عنه السَّمْعانِيّ الكثير.

وكان في قضائه مُتَحَرِّيا العَدْلَ والخيرَ والإنصاف.

وكانتْ وفاته في سنة، خمس وثلاثين وخمسمائة. ودُفِنَ بـ "باب حَرْبٍ". رحمه الله تعالى.

* * *

‌2554 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد العَفيف ابن إمام الحنفية، وشيخ البَاسِطِيَّة، البخاري الأصل، المكِّيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: وُلِدَ سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بـ "مكة"، وأُمُّه أمُّ ولد.

نشأ بـ "مكة" في كَنَفِ أبيه.

وأخذ عنه "المشارق" للصَّغانِيّ، وبعضَ "المشْتَبِه" للحافظ ابن حَجَر.

وسمع من السَّخاوِيّ، ودرَّس في العربية وغيرها.

وكان عندَه فضلٌ، وبَراعة، وفَهْم، وذكاء، مع عقلٍ وأدبٍ واحْتِمال، رحمه الله تعالى.

* * *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 233. وترجمته في الضوء اللامع 5: 66.

ص: 407

‌2555 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن مصطفى الخادمي، الرومي

*

فقيه، صوفي، أصولي، واعظ، مشارك في بعض من العلوم.

رحل إلى "الحجاز"، وولي الإفتاء ببلده.

من تصانيفه: "منافع الدقائق في شرح مجمع الحقائق" في الأصول، و"حاشية على الدرر" لمنلا خسرو في فروع الفقه الحنفي، و"شرح على الوصايا الخادمية" لوالده، و"رسالة في الذكر"، و"رسالة في الحروف والمقطعات في أوائل السور".

توفي سنة 1192 هـ.

* * *

‌2556 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن يحيى بن الفُوَيْرِه، شرف الدين بن بدر الدين

* *

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: اشْتغَل، وكتَبَ الإنشاء.

ووَلِيَ تَوْقيعَ الدَّسْتِ.

ودرَّس بـ "الزَّنْجِيليَّة".

* راجع: معجم المؤلفين 6: 141.

ترجمته في فهرس مخطوطات الظاهرية، وهدية العارفين 1: 485، وفهرست الخديوية 2: 163، وإيضاح المكنون 2:559.

* * راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 235.

وترجمته في الدارس 1: 526، والدرر الكامنة 2:410.

ص: 408

ومات وهو شابٌّ لم يُكْمِلْ أربعين، في المحرَّم، سنة ستّ وخمسين وسبعمائة، سقط عليه بيتٌ بـ "الصَّالحِيَّة"، فمات. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2557 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن أبي يَزيد الخَلَنْجِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: قال الخطيبُ: كان من أصحاب أبي عبد الله أحمد بن دُؤاد، حاذقا بالفقه على مذهب أبي حنيفة، واسع العِلْم، ضابِطًا.

وكان يصحب ابنَ سَماعة.

وتقلَّد المظالِمَ بالجَبَل، فأُخْبِرَ ابنُ أبي دُؤاد أنَّه فاضلٌ، عالمٌ بالقضاء ووُجوهِه، فسأل عنه ابنَ سماعَة، فشَهِد له، فكلَّم ابنُ أبي دُؤاد المعْتَصمَ، فَوَلّاه قضاءَ "هَمَذان"، فأقام نحوًا من عشرين سنة لا يُشْكَى، وتلطَّف له محمد بن الجَهْم في مالٍ عظيمٍ، فلم يَقْبَلْه.

ووَلِيَ أيضًا قَضاءَ "الشَّريفة" في أيَّام الواثقِ، ولما وَلِيَها ظهَرتْ عفَّتُه وديانتُه لأهل "بغداد" وكان فيه كِبْرٌ شديدٌ.

وكتبَ إليه المعْتصِمُ في أن يَمْتَحِنَ النَّاس في القَوْلِ بخَلْقِ القرآن، وكان يضْبِطُ نَفْسَه، فتقدَّمتْ إليه امرأة، فقالتْ: إنَّ زَوْجِي لا يقول بقَوْلِ أمير المؤمنين في القُرآن، ففَرِّقْ بيني وبينه. فصاح عليها وطردَها، فلمّا كان في سنة سبع وثلاثين في جُمادَى عَزَلَهُ المتَوَكِّلُ، وأمر أن يُكْشَفَ عنه ليَفْضَحه بسبب

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 235.

وترجمته في الأنساب 205 ظ، وتاريخ بغداد 10: 73، 74، والجواهر المضية برقم 736، واللباب 1:382.

ص: 409

ما امْتُحِن الناس به في القول بخَلْق القرآن، وفكُشِف عنه، فما انْكَشَف عليه أنَّه أخَذَ حَبَّةً واحدةً.

ورُوِيَ أنَّه لما تَوَلَّى قضاءَ "الشَّرْقِيَّة" كَثُر من يُطالِبُه بفَكِّ الحَجْر فدعا بالأُمَناء، فقال لهم: مَن كان في يَدِه منكم مالٌ ليَتيمٍ فلْيَشْتَرِ له مَرًّ وزِنْبيلا يكونُ قِبَلَه، ولْيَدْفَعْ إليه مالهُ، فإن أتْلَفَه عَمِلَ بالمرِّ والزِّنْبيل.

وذكره ابنُ عساكرُ في "تاريخ دمشق"، وقال: قرأت في كتاب علي بن الحسين ابن محمد الكاتب، حدَّثنا محمد بن خَلَف، حدَّثنا وَكيع، قال: كان الخَلَنْجِيّ القاضي، واسمُه عبد الله بن محمد، ابنُ أُخْتِ عَلَّوَيْه المغَنِّي، وكان تيَّاها صَلِفا، فتقلَّد في خلافة الأمين قضاء "الشَّرْقِيَّة"، فكان يجلس إلى أسْطونةٍ من أساطين المسجد، فيَسْتند إليها بجميع جسده ولا يتَحرَّك، فإذا تقدَّم إليه الخَصْمان، أقْبَل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد، حتى يفْصِل بينهما، ثم يعودُ إلى حالِه، فعَمَد بعضُ المجّان إلى رُقْعةٍ من الرِّقاعِ التي يكتبُ فيها الدَّعاوَى، وألْصَقَها في موضع دبيته، وطلاها بدِبْق، وجاء الخَلَنْجِيّ فجلس كما كان يجلس، فالتصَقت دبيته بالدِّبق، وتمكَّن منها، فلما تقدَّم إليه الخُصومُ، وأقبلَ عليهم بجميع جسدِه كما كان يفْعَلُ، انْكَشف رأسُه، وبَقِيتْ الدبية في مَوضعها مَصْلوبةً، وقام الخَلَنْجِيّ مُغْضبا، وعلم أنَّها حِيلةٌ وقعتْ عليه، فغطّى رأسَه بطَيْلَسانِه، وقام، فانصرف، وتركَها مَكانَها، حتى جاء بعضُ أعْوانِه، فأخذَها،

وقال بعض شُعراء ذلك العصر فيه:

إنَّ الخَلَنْجِيّ مِن تَتَايُهِه

أثْقَلُ بادٍ لنا بطَلْعَتِه

ماتِيهُ ذي نَخْوَةٍ مُناسبة

بين أخاوِينه وقَصْعَتِه

يُصالح الخَصْمَ مَن يُخاصُمُه

خوفًا من الجَوْر في قَضِيَّتِه

قال: وشُهِرت الأبياتُ والقصَّة بـ "بغداد"، وعمل عَلَّوَيْه حكاية أعطاها الرَّفَّايين والمخَنَّثين، فأخْرَجوه فيها، وكان عَلَّوَيه يُعاديه لمنازعةٍ كانتْ بينهما،

ص: 410

ففَضَحه، واسْتَعْفَى الخَلَنْجِيُّ من القضاء بـ "بغداد"، وسأل أنْ يُولَّى بعضَ الكُوَرِ البعيدة، فوُلِّيَ جُنْدَ "دمشق" أو "حمص"، فلما وُلِّيَ المأمونُ الخلافةَ، غَنّاه عَلَّويْه بشعر الخَلَنْجِيّ، هو هذا:

بَرِئْتُ من الإسلام إن كان ذا الذي

أتاك به الواشُون عنِّي كما قالوا

ولكنَّهم لما رأوْكِ غَرِيَّةً

بهَجْرِي تَواصَوْا بالنَّمِيمة واحْتالوا

فقد صِرْتِ أُذنًا للوُشاة سَمِيعةً

ينالون مِن عِرْضِي ولو شِئْتِ ما نالوا

فقال له المأمون: مَن يقول هذا الشعر؟ قال: قاضي "دمشق". فأمر المأمونُ بإحضاره، وكَتب إلى صاحب "دمشق" بإشخاصِه، فأُشْخِصَ، وجلس المأمونُ، أحْضَر عَلَّوَيْه، ودعا بالقاضي، فقال: أنْشِدْنِي قولَك:

* بَرِئْتُ من الإسلام إن كان ذا الذي *

فقال: يا أميرَ المؤمنين!، هذه الأبيات قلتُها من منذ أربعين سنة وأنا صَبِيٌّ، ووَالَّذي أكْرَمَك بالخلافة، ووَرَّثكَ ميراثَ النُّبُوَّة، ما قلتُ شعرا من أكْثر من عشرين سنة، إلا في زُهْدٍ، أو عتاب صديق. فقال له: اجلسْ. فجلس، فناوَلَه قدح نَبيذٍ كان في يده، فقال له: اشْرَبْ. فأُرْعِدَ وبَكَى، وأخَذَ القَدَح من يده، وقال: والله يا أمير المؤمنين! ما غَيَّرْتُ الماء بشيء قطُّ مما يُخْتَلَف في تَحْلِيلِه. فقال: لعلَّك تُريدُ نَبيذَ التَّمْرِ والزَّبيبِ؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين! ما أعْرِفُ شيئا منهما، فأخذَ القَدَحَ من يده، وقال: أما والله لو شرِبْتَ شيئا من هذا لَضَربْتُ عُنُقَك، ولكن ظنَنْتُ أنَّك صادقٌ في قولِك كلِّه، ولكن لا يتوَلّى القضاء أبدا رجلٌ بدأ في قولِه بالبراءة من الإسلام، انْصَرِفْ إلى منزِلك. وأمرَ عَلَّوَيْه فغيَّر هذه الكلمة، وجعل مكانها: حُرِمْتُ مُنائي مِنْكِ. ورُويَتْ هذه القصّةُ لغير الخَلَنْجِيّ. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

* * *

ص: 411

‌2558 - الشيخ العالم الكبير المحدّث البارع عبد الله

(1)

بن محمد بن يعقوب

بن

(1)

عدّه المحدّث ولي الله الدهلوي في رسالته "الانتباه من أصحاب الوجوه"، حيث قال: أما شمس الأئمة الحلواني فهو من المتقدّمين أهل التخريج، وكذلك أبو علي النسفي، وأبو بكر محمد بن الفضل، وعبد الله الأستاذ السبذموني، فكلّهم من أصحاب الوجوه، وإليهم مرجع الفقهاء الحنفية. انتهى. وفسّر هو في رسالته "الإنصاف في بيان سبب الاختلاف" أصحاب الوجوه بما يوجب أن تكون درجتهم بين المجتهد المنتسب وبين مجتهد المذهب، حيث قال: المشتغل بالفقه لا يخلو عن حالتين، إحداهما: أن يكون أكبر همته معرفة المسائل، التي قد أجاب فيها المجتهدون من أدلتها التفصيلية ونقدها، وتنقيح مأخذها، وترجيح بعضها على بعض، وهذا أمر جليل، لا يتمّ له إلا بإمام يتأسّى به، قد كفى مؤنة المسائل وإيراد الدلائل في كلّ باب، فيستعين به في ذلك، ثم يشتغل بالنقد والترجيح، ولا بدّ لهذا المقتدي أن يستحسن شيئا مما سبق إليه إمامه، ويستدرك عليه أشياء، فإن كان استدراكه أقلّ من موافقته عدّ من أصحاب الوجوه في المذهب، وإن كان أكثر لم يعدّ تفرّده وجها في المذهب، وكان مع ذلك منتسبا إلى صاحب المذهب، ممتازا عمن انتسب بإمام آخر في كثير من أصول مذهبه وفروعه، وهذا هو المجتهد المطلق المنتسب. وثانيتهما: أن يكون أكبر همه معرفة المسائل التي يستفتيه المستفتون فيها، مما لم يتكلّم فيه المتقدّمون، وحاجته إلى إمام يتأسّى به في الأصول الممهَّدة في كل باب أشدّ من حاجة الأول، لأن مسائل الفقه متعانقة، فروعها تتعلق بأمّهاتها، وقد يوجد بمثل هذا استدراكات على إمامه بالكتاب والسنّة، وآثار السلف والقياس، لكنّها قليلة بالنسبة إلى موافقاته، وهذا هو المجتهد في المذهب. والحالة الثالثة: أن يستفرغ جهده أولا في معرفة أدلّة ما سبق إليه، ثم يستفرغ جهده ثانيا في التفريع على =

ص: 412

الحارث الأستاذ السبذموني *

= ما اختاره، واستحسنه، وهي حالة بعيدة غير واقعة لبعد العهد من زمان الوحي، واحتياج في كثير، مما لا بدّ في علمه إلى من مضى من رواة الأحاديث على تشعّب متونها وطرقها، ومعرفة مراتب الرجال ومراتب صحة الحديث وضعفه، وجمع ما اختلف فيه من الأحاديث والآثار، ومن معرفة غريب اللغة، وأصول الفقه، ومن رواية المسائل، التي سبق التكلّم فيها من المتقدّمين، مع كثرتها جدّا، وتباينها، ومن توجيه أفكاره في تمييز تلك الروايات، وعرضها على الأدلة، وإنما كان هذا يتيسر للطراز الأول من المجتهدين، حين كان العهد قريبا، والعلوم غير متشعّبة، على أنه لم يتيسّر ذلك أيضًا، إلا للنفوس القليلة، وهم مع ذلك كانوا مقتدين بمشايخهم، معتمدين عليهم، ولكن لكثرة تصرّفاتهم في العلم صاروا مستقلّين. انتهى. وهو كلام حسن جدّا، ينبغي الاعتناء به، وحفظه. وقال أحمد بن حجر الهيتمي المكّي الشافعي في رسالته "شنّ الغارة على من أظهر معرة تقوله في الخنا وعواره": المجتهد إما مجتهد مطلق، أو منتسب، أو مجتهد مذهب أو فتوى، ثم مجتهدوا المذهب هم أصحاب الوجوه، وهي كما قال النووي عن ابن الصلاح لأصحاب الشافعي: المنتسبين إلى مذهبه، يخرّجون المسائل على أصوله، ويستنبطونها من قواعده، ويجتهدون في بعضها. انتهى. وفيه تفصيل حسن لبيان أقسام الاجتهاد والإفتاء، وتقسيم التخريج والترجيح، وذكر بعض من اتصف بها من العلماء، فليرجع إليه.

* راجع: الفوائد البهية ص 105، 106.

وترجمته في الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 233، والأنساب 30، 289، وتاج التراجم 30، 31، وتاريخ بغداد 10: 126، 127، وتبصير المنتبه 3: 122، وتذكرة الحفاظ 3: 854، والجواهر المضية، برقم 734، ودول الإسلام 1: 211، وسير أعلام النبلاء 15: 424، 425، وشذرات الذهب 2: 357، والعبر 2: 253، والفوائد البهية 104 - 106، وكتائب أعلام الأخيار برقم 159، وكشف الظنون 1: 485، 2: 1837، واللباب 1: 39، 528، =

ص: 413

عن السمعاني أنه كان كثير الحديث، وكان معروفا بالأستاذ.

ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات في شوّال سنة أربعين وثلاثمائة.

أخذ عن أبي عبد الله بن أبي حفص الكبير عن أبيه عن محمد.

وله "كشف الآثار الشريفة في مناقب أبي حنيفة".

قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية": ذكره السمعاني في ذكر السبذموني، بعد ما ذكر أنه نسبة إلى "سبذمون" بضمّ السين أو فتحها، وفتح الباء، وسكون الذال المعجمة، وضم الميم، في آخره نون: قرية من قرى "بخارى" على نصف فرسخ. وقال: المشهور منها أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث بن الخليل الكلاباذي الفقيه الحارثي السبذموني، المعروف بالأستاذ، كان شيخا مكثرا من الحديث، غير أنه كان ضعيف الرواية، غير موثوق به فيما ينقله من الرواية، رحل إلى "خراسان"، و"العراق"، و"الحجاز"، وأدرك الشيوخ، حدّث عن محمد بن الفضل البلخي، والفضل بن محمد، والحسين بن الفضل البلخي، ومحمد بن يزيد الكلاباذي، وعبد الله بن واصل، وسهل بن المتوكّل، وعلي بن حسين بن جنيد الرازي، وموسى بن هارون الحافظ، وغيرهم. وذكره أبو بكر الخطيب الحافظ. وقال عبد الله الأستاذ: صاحب عجائب وغرائب ومناكير، وليس بموضع الحجّة. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال الحاكم: صاحب عجائب، وأفرد عن الثقات، سكتوا عنه، وكانت ولادته في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات في شوال سنة أربعين وثلاثمائة. وذكر القارئ أنه قد روى عنه ابن مندة، وأكثر عنه، وأنه صنّف "مسند أبي حنيفة"، ولما أملى مناقب أبي حنيفة كان يستملي عليه أربعمائة مستملي.

= ومرآة الجنان 2: 331، 332، والمشتبه 555، 556، وميزان الاعتدال 2: 496، وهدية العارفين 1:445. ويقال له: "الأستاذ" و"البخاري"، و"الجوَّال".

ص: 414

قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية": ذكره اليافعي في "مرآة الجنان" في حوادث سنة ثلاث وسبعين وستمائة، حيث قال: فيها توفي قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد الأذرعي الحنفي المشار إليه في عصره، مع الدين والتواضع والصيانة والعفّة، وسيأتي ذكر ولده، والأذرعي بفتح أوله، ثم الذال المعجمة الساكنة، ثم الراء المهملة المفتوحة، نسبة إلى أذرعات بكسر الراء، ناحية بـ "الشام"، ذكره السيوطي في "لب اللباب في تحرير الأنساب".

قال صاحب "إعلاء السنن": قلت: له "كتاب كشف الآثار في مناقب أبي حنيفة"، وصنّف "مسند أبي حنيفة"، وما أملى مناقب أبي حنيفة، كان أبي يستملي عليه أربعمائة مستمل، ذكره الذهبي في "الميزان"، وقال: أكثر عنه ابن مندة، له تصانيف، ونقل عن ابن الجوزي أن أبا سعيد الرواس، قال: متهم بوضع الحديث. قال عبد الله بن محمد: أكبر وأجلّ من ابن الجوزي، ومن أبي سعيد الرواس، كذا في "الجواهر". قال الجامع: وصفه الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة" بالحافظ، واحتج بمسنده لأبي حنيفة في "تهذيب التهذيب"، والخوارزمي في "جامع المسانيد"، من طالع مسنده الذي جمعه للإمام أبي حنيفة علم تبحّرَه في علم الحديث، وإحاطته بمعرفة الطرق والمتون، ووصفه بالإمام الحافظ. وفي "اللسان" قال الخيلي: يعرف بالإسناد، له معرفة بهذا الشأن، وهو لين، ضعّفوه. وروى عنه ابن عقدة، وأبو بكر بن دارم، والجعابي، وآخرون. قلت: فلو كان عبد الله بن محمد متّهما، متروكا، لم يكثر عنه الحافظ الإمام الجوال محدّث العصر ابن مندة، ولم يرو عنه الحافظ مثل ابن عقدة، والجعابي، وغيرهم.

* * *

ص: 415

‌2559 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن يوسف بن الخَضِر بن عبد الله بن القاسم بن عبد الرحيم الفقيه الحلبِيّ، المتقدّم ذكر أخيه والآتي ذكر أبيه وجدّه

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكَره الدِّمْياطِيُّ في "مُعْجَم شُيوخِه"، وقال: مَوْلِدُه بـ "حَماهُ" سنة تسع وستمائة، وتُوُفِّيَ بقاعة الخطابة، من "القاهرة" سنة خمس وستين وستمائة، ودُفِن بـ "سَفْح المقَطَّم"، وحضرتُ الصلاة عليه. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2560 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنان الرومي، المعروف بعبد الله حلمي، ويوسف زاده، ويوسف أفندي، والأماسي

* *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 235.

وترجمته في الجواهر المضية برقم 735.

* * راجع: الأعلام للزركلي 4: 129.

ترجمته في كشف الظنون 1148، وسلك الدرر 3: 87، 88، والتحرير الوجيز 20، وهدية العارفين 1: 582، 583، وفهرس الأزهرية 1: 44، وإيضاح المكنون 1: 142، 2: 126، 626، والأعلام 4:274.

ص: 416

عالم بالتفسير والقراءات والحديث.

ولد في "أماسية" بـ "تركيا" سنة 1085 هـ، واتصل بالسلطان أحمد، والسلطان محمود، العثمانيين، فعرفا قدره.

ومات في "الآستانة" سنة 1167 هـ.

له كتب كثيرة، منها:"الائتلاف في وجوه الاختلاف" في القراءات العشر، وزبدة العرفان في وجوه القرآن"، و"حاشية على أنوار التنزيل" للبيضاوي، و"حاشية على العقائد النسفية"، و"روضة الواعظين"، و"عناية الملك المنعم" في شرح صحيح مسلم، ثلاث مجلّدات، و"نجاح القاري" في شرح البخاري، عشرون مجلّدا، منه جزء في طوبقبو.

وله نظم بالعربية والتركية والفارسية.

* * *

‌2561 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد الأخسقه وي، الأزغوري، (ضياء الدين، أبو محمد)

*

ولد سنة 1146 هـ.

عالم مشارك في أنواع من العلوم.

درس، وتوفي بـ "القسطنطينية" سنة 1212 هـ.

من تصانيفه الكثيرة: "جامع الفصول في على الفرع والأصول"، "رواميز الأعيان في بيان مزامير العهود والأزمان" في الجغرافيا، و"التراجم

* راجع: معجم المؤلفين 6: 109.

ترجمته في هدية العارفين 1: 487، وإيضاح المكنون 1: 356، 357، 414، 584، 585، 2:468.

ص: 417

والتاريخ" في أربع مجلدات، و"لوامع الأنوار" في مختصرات الكتب في الحديث في أربع مجلدات، و"مرقاة الطريقة المحمدية ومرضاة الشريعة الأحمدية"، و"جامع القواعد" في العربية.

* * *

‌2562 - الشيخ الإمام العلامة عبد الله بن محمد الأماسي، رحمه الله تعالى

*

كان محدّثا كبيرا، صنّف "شرح البخاري"، وسماه "نجاح القارئ في شرح البخاري"، و"شرح صحيح مسلم"، وسمّاه "عناية المنعم في شرح مسلم" في عدّة مجلّدات، وصل إلى نصفه.

توفي سنة 1167 هـ.

* * *

‌2563 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد التوني جوق زاده القسطنطيني

* *

مفسّر.

ولد بـ "القسطنطينية"، وبها نشأ، وولي القضاء بـ "المدينة"، وقضاء الجيش بـ "الأناطول".

* راجع: مقدمة أنوار الباري 2: 193، وتقدمة نصب الراية ص 40.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 110.

ترجمته في سلك الدرر 3: 106، 107، وهدية العارفين 1: 485، وإيضاح المكنون 1: 139، 366.

ص: 418

وتوفي بـ "القسطنطينية" سنة 1183 هـ.

من آثاره: "حاشية على تفسير البيضاوي".

* * *

‌2564 - الشيخ الفاضل الكبير العلامة عبد الله بن محمد الحسيني الشيخ جمال الدين، الدهلوي، المشهور بنقره كار

*

له "العباب شرح اللباب" في النحو، صنّفه سنة خمس وثلاثين وسبعمائة لمحمد شاه بن غياث الدين تغلق الدهلوي، ونسخة هذا الكتاب موجودة في مكتبة خدا بخش خان بمدينة "عظيم آباد"، كما في "محبوب الألباب".

ومن مصنّفاته: "شرح تنقيح الأصول" لصدر الشريعة عبد الله بن مسعود المحبوبي، وعلى هذا الشرح حاشية للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، ذكره الفاضل الجلبي في "كشف الظنون"، وذكر أنه توفي سنة خمسين وسبعمائة.

* * *

‌2565 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد الدارندي، الملقّب بعرفاني

* *

فاضل.

* راجع: نزهة الخواطر 2: 72.

* * راجع: معجم المؤلفين 6: 118.

ترجمته في هدية العارفين 1: 484.

ص: 419

من آثاره: "الفوائد اللطيفة في شرح البسملة الشريفة"، و"مسلك السالكين".

كان حيا سنة 1184 هـ.

* * *

‌2566 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد الزّولِيّ

*

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: سمع من الدِّمْياطِيّ، وعلِّي بن الصَّوَّاف، وغيرِهما.

وحدَّث، ونسَخ بخطِّه "الصَّحيحَيْن"، وقدَّمهما لـ "شَيْخُون"، فقرَّرَه في تَدْريسِ الحديث بـ "الشَّيْخونِيَّة"، فكان أوَّل من وَلِيها، وقرَّره أيضًا في خطابة الجامع، فباشرهما، إلى أن مات، فتقرَّر في الخطابة بعدَه القاضي زينُ الدين البِسْطامِيّ الحنفيّ، واسْتقَرّ في دَرْسِ الحديث صَدْرُ الدين عبد الكريم القُونَوِيّ.

وكانتْ وفاتُه سنة ثلاث وستين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.

* * *

‌2567 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد، أبو محمد، المعروف بالحاكم الكُفِينِيّ

* *

* راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 238. وترجمته في الدرر الكامنة 2: 418، 419، وانظر رقم 1050 المتقدمة وحاشيتها.

* * راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة 4: 238.

وترجمته في الأنساب 485 ظ، والجواهر المضية برقم 737، واللباب 3:46.

ص: 420

بضمِّ الكاف وكسْر الفاء وسُكون الياء آخِر الحروف، وفي آخرها النون؛ نسبةً إلى كُفين، وهي قُرَى "بُخارَى". كذا قال السَّمْعانِيّ.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: رَوَى عنه أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الكَرْمِينِيّ.

* * *

‌2568 - الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد الكوتاهيه وي، الرومي

*

عالم، فقيه، مشارك في أنواع من العلوم.

من آثاره: "خرائد الفنون في مائة وعشرين فنا من العلوم".

توفي سنة 1199 هـ.

* * *

آخر الجزء التاسع

ويليه الجزء العاشر، وأوله:

باب من اسمه عبد الله بن محمود

والحمد لله حق حمده

* راجع: معجم المؤلفين 6: 139.

ترجمته في هدية العارفين 1: 486، وإيضاح المكنون 3:183.

ص: 421

الكتب ومؤلفوها

(حرف الألف)

آبكي درسي كتابين: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

آثار الأول: مولانا عبد الباري

آثار السنن: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

آداب الشيخ والمريد: عبد الله بن أسلم بن نور محمد البهلوي

آداب عالمغيري: أبو الفتح قابل خان التتوي

إبكار الأفكار وفاكهة الأخيار: صالح بن محمد الغزي التمرتاشي

أبجد العلوم: العلامة صديق حسن خان القَنُّوجي

إجابة السائلين: العلامة الحانوتي

الاجتهاد والتقليد: محمد طيّب بن أحمد بن قاسم النانوتوي

أحسن الوسائل إلى حفظ الأوائل: عبد الأول بن كرامة على الجونبُوري

أحكام رمضان وزكاة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

إحياء السنن: ظفر أحمد بن لطيف العثماني التهانوي

أخبار الأخيار: العلامة عبد الحق الدهلوي

اختلاف العلماء: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

أدب الجَدَل: عبد الله بن أحمد الكَعْبِيّ أبو القاسم البَلْخِي

الأربعين في مناقب أبي حنيفة وأحاديثه: صالح المؤَدِّب

ارتقاء المسلمين في بنغاله: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

أرجوزة في الحديث: صنع الله بن صنع الله الحلبي المكّي

أرجوزة سعادة الدارين في اتباع سيد الكونين: ظاهر بن علي الصفدي

إزاحة الأغلاط: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

أسباب تقدّم الأمم وانحطاطها: محمد طيّب بن أحمد بن قاسم النانوتوي

ص: 422

أسباق الفصاحة شرح دروس البلاغة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

الاستدراك الحسن على إحياء السنن: ظفر أحمد العثماني التهانوي

إسداء المنن: ظفر أحمد ابن لطيف العثماني التهانوي

الأسرارية: العلامة السنبهلي

الإسلام أسس السعادة: طه مصطفى حبيب الأزهري

الإسلام والعلم: محمد طيّب بن أحمد بن قاسم النانوتوي

إسلامي جهاد: ظهور أحمد بن عبد العزيز البكاوي

الأسماء والأحكام: عبد الله بن أحمد الكَعْبِيّ البَلْخِي

أسهل المناهج في تفسير سورة المعارج: صالح محمد الخدائي التوقادي الرومي

الاعتقاد: صاعد بن محمد بن أحمد بن عُبيد الله

إعلاء السنن: ظفر أحمد بن لطيف العثماني التهانوي

أعيان العصر: العلامة الصَّفَدِي

أقرب المسالك إلى بغية الناسك: عبد الله بن حسن العفيف الكازروني

إكسير التقي في شرح الملتقي: صنع الله بن صنع الله الحلبي المكّي

الألفية: الإمام ابن مالك

إمداد الأحكام في مسائل الحلال والحرام: ظفر أحمد العثماني التهانوي

الأمَدِ الأقْصَى: عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدَّبوسِي

الإنْباء: الحافظ ابن حَجَر العسقلاني

الانتصار لسنّة سيّد الأبرار: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

الانْتقاد للعِلْم الإلهِي على محمد بن زكريا: عبد الله بن أحمد الكَعْبِيّ البَلْخِي

الأنفاس القدسية في مناقب ابن عباس: عبد الله بن إبراهيم المير غني

أنوار محمود: محمد صدّيق النجيب آبادي

أوائل الأدلَّة: عبد الله بن أحمد الكَعْبِيّ أبو القاسم البَلْخِي

أوشحة الجيد في بيان التقليد: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

الائتلاف في وجوه الاختلاف: عبد الله بن محمد المعروف بعبد الله حلمي

ص: 423

إنهاء السكن إلى من يطالع إعلاء السنن: ظفر أحمد العثماني التهانوي

الإيضاح المبين بشرح فرائض الدين: عبد الله بن إبراهيم الميرغني

(حرف الباء)

باكورة الأدب: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

الباكورة الشهية في شرح الألفية: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

البحر الحاوي في الفتاوى: عبد الله بن علي بن عمر السِّنْجارِي

بدور الفصاحة شرح دروس البلاغة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

بر صغير باك وهند مين علم فقه: مولانا محمد إسحاق البهتي

بركة آسماني بر خرمن قادياني: ظهور أحمد بن عبد العزيز البكاوي

البسطى في بيان الصلاة الوسطى: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

البصائر للمتوسّلين بأهل المقابر: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

بلاد الشام: صالح بن أحمد التمرتاشي الغزي

بناء الإسلام في الصوم: المفتي عبّاس بن علي التستري اللكنوي

(حرف التاء)

تابع الآثار: ظفر أحمد ابن لطيف العثماني التهانوي

تاج التراجم: العلامة قاسم بن قطلوبغا

تاريخ الإسلام: الإمام ابن كثير

تاريخ الإسلام: الإمام شمس الدين الذَّهَبِي

تاريخ إسلام: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

تاريخ أصبَهان: أبو زكَرِيّا ابن مَنْده

تاريخ بغداد: الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي.

تاريخ جُرْجان: الإمام حمزة

تاريخ جُرْجان: الحافظُ حمزة بن يوسف السَّهْمِي

تاريخ جُرْجان: الحافظُ أبو سعد الإدْرِيْسِي

تاريخ دمشق: ابن عَساكر

ص: 424

تاريخ عالمغيري: الشيخ محمد بقاء السهارنبوري

تاريخ فرشته: المولى فرشته

تاريخ فلسفة ومنطق: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

تاريخ نَيْسابور: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري

تجْديد الجَدَل: عبد الله بن أحمد الكَعْبِيّ البَلْخِي

التحفة السنية: عبد الله بن فخر الدين الأعرج الحسيني الموصلي

التذكرة العفيفة في فقه الحنيفة: عبد الله بن حسن العفيف الكازروني

تذكرة مشايخ بكويه: ظهور أحمد بن عبد العزيز البكاوي

ترجمة علم التصوّف: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

ترجمة ما لا بد منه: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

ترجمة مرقات بنام المسقات: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

التشبّه في الإسلام: محمد طيّب بن أحمد بن قاسم النانوتوي

التصريح على التلويح: عبد الله بن عبد الحكيم السيالكوتي

تعليقات على الصحيحين: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

تعليقات شتى على الفتوحات المكية: عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري

تعليقات على هداية الفقه: عبّاس علي الكلكتوي

تعليقات تمرينات الحديقة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

تعليق التعليق: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

تفسير الجلالين: جلال الدين السيوطي والمحلي

تفسير القرآن الكريم: عبد الله بن أسلم بن نور محمد البهلوي

تفهيم المباني ترجمة تسهيل المعني: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

تقشير التفسير: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي

تَقْويم الأدلّة: عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدَّبوسِي

تلخيض شرح أسماء رجال البخاري للكرماني: طاهر بن يوسف السندي

التلويح على التوضيح: العلامة سعد الدين التفتازاني

ص: 425

التليد للشاعر المجيد: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

تنظيم الأشتات في حلّ عويصات المشكاة: أبو الحسن البابونغري

التوضيح الحسن على إحياء السنن: ظفر أحمد العثماني التهانوي

التَّهذيب: الإمام المزِّي

(حرف الجيم)

جامع الآثار: ظفر أحمد ابن لطيف العثماني التهانوي

جامع الفصول في على الفروع والأصول: عبد الله بن محمد الأخسقه وي

جامع القواعد: عبد الله بن محمد الأخسقه وي

جلاء العين في ترك رفع اليدين: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

الجُمان في مُشْتبهات القُرآن: عبد الله المعروف بالبُنْدار

جَوَامع الفقه: صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرّازِي

الجوهر واللآل في مصطلح أهل الحديث ومراتب الرجال: عبد الله الدمشقي

جوهرة الجمهرة: عَبّاد بن العبَّاس بن عبَّاد بن أحمد

(حرف الحاء)

الحاشية على تفسير أنوار التنزيل للبيضاوي: الصيامي بن ولي الرومي

الحاشية على شروح السلّم: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

الحاشية على تحرير الأقليدس: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

الحاشية على شرح الكافية للْخَبِيصِيّ: عبد الأوَّل بن حُسين الرُّومِي

الحاشية سفر السعادة للفيروزآبادي: عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري

حاشية الهدية السعيدية: عبد الله بن آل أحمد البلكرامي

الحاشية على هداية الفقه: عبد الله بن آل أحمد البلكرامي

الحاشية على حاشية شرح المطالع: عبد الله بن إبراهيم الشبشيري العجمي

الحاشية على تفسير البيضاوي: عبد الله بن حسن العفيف الكازروني

الحاشية على شرح الهداية: عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي

الحاشية على المفتاح: عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي

ص: 426

الحاشية على شرح الجامي: عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي

الحاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي: عبد الله بن عبد الرحمن الكليسي

الحاشية على شرح التصورات والتصديقات: عبد الله الكليسي

الحاشية على عقائد النسفي: عبد الله بن عبد الرحمن الكليسي

الحاشية على الجامي في النحو: عبد الله بن عبد الرحمن الكليسي

الحاشية على الدرر لمنلا خسرو: عبد الله بن محمد الخادمي الرومي

الحاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي: عبد الله المعروف بعبد الله حلمي

الحاشية على العقائد النسفية: عبد الله بن محمد المعروف بعبد الله حلمي

الحاشية على تفسير البيضاوي: عبد الله جوق زاده القسطنطيني

حبل المتين في الإخفاء بآمين: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

الحجّة البالغة: عالم علي بن كفاية علي النكينوي المرادآبادي

الحصن الحصين: محمد بن محمد الجزري

حقيقة المودودي: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

حل العقال: عبد الله بن محمد حجازي الحلبي

حياة إعزاز: السيّد عبد الأحد القاسمي بن إمام الدين المونكيري

حوار مع الصحافيين: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

(حرف الخاء)

ختم النبوة: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

خرائد الفنون في مائة وعشرين فنا من العلوم: عبد الله بن محمد الدارندي

خلاصة الأثر: العلامة المحبي

خلاصة جامع الأصول: المفتي عبّاس بن علي التستري اللكنوي

خُلاصة الفَتَاوَى: طاهر بن أحمد بن عبد الرَّشيد البُخاريّ

خير الأذكار في حياة سيّد الأبرار: عبد الله بن أسلم البهلوي

(حرف الدال)

دُرَّة الأسْلاك: ابنُ حَبيب

ص: 427

الدُّرَر: الإمام ابنُ حَجَر العسقلاني

دستور المبتدئ: صفي الدين بن نصير الدين الردولوي

ديوان الشعر: عَبّاد بن العبّاس بن عبَّاد بن أحمد

ديوان الشعر: عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي

ديوان الشعر: عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي

(حرف الدال)

الذيل على كتاب الريحانة للخفاجي: عبد الله بن محمد حجازي الحلبي

ذيل الوَفَيات: التاج عبد الباقي

الذيل على مرآة الزمان: العلامة اليُونِينِيّ

(حرف الراء)

الرديف لتالي الطريف: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

رسالة في الإضافة لياء المتكلم: عبد الله بن درويش الركابي الدمشقي

رسالة في إغاثة الملهوف: عبد الله بن درويش الركابي الدمشقي

رسالة في تحقيق النفس: عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري

رسالة في الحروف المقطعات في أوائل السور: عبد الله الخادمي الرومي

رسالة في الذكر: عبد الله بن محمد الخادمي الرومي

رسالة في فضائل ذكر الله: عبد الله بن دستان مصطفى المناستري

الرسالة القطبية: الإمام قطب الدين الرازي

الرسالة الصمصامية في الرد على الطائفة النصرانية: عبد الله المناستري

الرسالة القلمية: عبد الله بن طورسون بن مراد الرومي

الرسائل الميرغنية في التصوّف: عبد الله بن إبراهيم المير غني

رنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني: عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي

رواميز الأعيان في بيان مزامير العهود والأزمان: عبد الله الأخسقه وي

روض المجال في الرد على أهل الضلال: عبد الله بن عبد الرحمن الدهلي

روضة الواعظين: عبد الله بن محمد المعروف بعبد الله حلمي

ص: 428

الرِيَاض: ابنَ المبَرِّد.

رياض الإنشاء: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

رياض الصالحين: طاهر بن يوسف بن ركن الدين السندي

(حرف الزاي)

الزبدة في القراءات: عبد الله بن عبد الرحمن الكليسي

زاد السفر: فريد الدين عالم بن العلاء الإندربتي

زواهر الجواهر النضائر على الأشباه والنظائر: صالح الغزي التمرتاشي

الزهر البسام في فضائل الشام: عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي

(حرف السين)

سبيل النجاة: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

سلك الدرر: العلامة المرادي

سمط الدرر في ربط الآيات والسور: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

السُّنة والجماعة: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

السُنن: الإمام أبو داود السجستاني

سوانح القريحة: عبد الله بن فخر الدين الأعرج الحسيني الموصلي

سير المتأخّرين: الطباطبائي

سيرت باك: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

سيف الله على من كذب على أولياء الله: صنع الله بن صنع الله الحلبي المكّي

(حرف الشين)

شأن النبوة: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

شرح على الوصايا الخادمية: عبد الله بن محمد الخادمي الرومي

شرح الأدب الجديد بنام معلم الأدب: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

شرح أسماء الله الحسنى: عبد العزيز السمرقندي

شرح الألفية: صالح بن محمد الغزي التمرتاشي

شرح البُرْدة: طاهر بن الحسن بن عمر أبو العِزِّ الحَلَبِي

ص: 429

شرح تشريح الأفلاك: عبد الله بن فخر الدين الأعرج الحسيني الموصلي

شرح التهذيب: العلامة الملا جلال الدين

شرح الجامع الصغير: الإمام قاضي خَان

شرح رشحات الأقلام على منظومة كفاية الغلام: صالح بن أسعد الحمصي

شرح السلّم: العلامة الملا حسن

شرح الفصيح: عبد الله وقيل عبد الباقي المعروف بالبُنْدار

شرح الفقه الأكبر: عبد الأعلى بن عبد العلي الأنصاري السهالوي اللكنوي

شرح كلمتي الشهادة: عبد العزيز السمرقندي

شرح المناقب الرزّاقية: عبد الأعلى بن عبد العلي السهالوي اللكنوي

شرح نور الأنوار: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

الشريعة الغراء: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

الشقائق النعمانية: العلامة طاشكبري زاده

(حرف الصاد)

صحيح البخاري: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري

صحيح مسلم: الإمام مسلم بن الحجّاج القُشَيري

(حرف الضاد)

ضابطة التهذيب: عالم علي بن كفاية علي النكينوي المرادآبادي

الضوء اللامع: الإمام السخاوي

ضياء النور لدحض البدع والفجور: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

(حرف الطاء)

طلبه كا مقصود زندكي: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

طبقات أفريقية: أبو العرب

طبقات الحفّاظ: الحافظ شمس الدين الذّهَبِي

طبقات المفسّرين: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

طبقات النحاة: الحافظ جلال الدين السُّيوطِي

ص: 430

الطريف للأديب الظريف: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

الطريق السهل إلى حال أبي جهل: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

طوالع منافع العلوم من مطالع مواقع النجوم: عبد الله الباليكسري الرومي

(حرف الظاء)

الظلّ الممدود في الإنشاء العربي: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

ظلّ ممدود في الإنشاء الفارسي: عبّاس بن علي التستري اللكنوي

(حرف العين)

عالمغير نامه: محمد كاظم بن محمد أمين الشيرازي

العباب شرح اللباب: عبد الله بن محمد الحسيني الدهلوي

عرائس الأفكار في مفاخرة الليل والنهار: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

العرفان من أصول القرآن: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

العُقود: الإمام المقْرِيزِي

العقود الدرية في رحلة الديار المصرية: عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي

العلالة الناجعة ترجمة العجالة النافعة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

العلق النفيس: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

علم الصيغة: المفتي عنايت أحمد الكاكوروي

علم العروض: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

العُمْدة: عبد الله بن خليل بن عثمان الزّولِي

العناية في شرح النقاية: صالح بن محمد الغزي التمرتاشي

عناية الملك المنعم في شرح صحيح مسلم: عبد الله المعروف بعبد الله حلمي

عناية المنعم في شرح مسلم: عبد الله بن محمد الأماسي

عين الإفادة في كشف الإضافة: عبد الله بن آل أحمد البلكرامي

عُيون المسائل: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

(حرف الغين)

غاية التحقيق: صفي الدين بن نصير الدين الردولوي

ص: 431

الغُرَباء الذين قَدِموا مصر: الشيخ ابنُ يُونُس

(حرف الفاء)

الفتاوى: عبد الله بن حسن العفيف الكازروني

الفتاوى الإمدادية: ظفر أحمد بن لطيف العثماني التهانوي

الفتاوى التاتارخانية: فريد الدين عالم بن العلاء الإندربتي

الفتاوى الواردة من جُرْجان والعراق: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي البَلْخِي

الفتاوى الهندية: محي الدين محمد أورنك زيب عالمغير

الفتوحات المحمدية على الكواكب الدرية: عبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي

الفُصول في علم الأصول: طاهر بن محمد أبي العباس الحَفْصِي

الفُلْك المشْحون: العلامة جلال الدين السُّيوطِي

الفوائد اللطيفة في شرح البسملة: عبد الله بن محمد الدارندي

فيض الباري شرح صحيح البخاري: عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري

فيض الصرف: عبد الله بن آل أحمد الحيسني الواسطي البلكرامي

(حرف القاف)

قسطاس البلاغة: السيّد عبد الأحد القاسمي بن إمام الدين المونكيري

القصد: عالم بن عارف الكابلي

قواعد القرآن: عبد الله بن أسلم بن نور محمد البهلوي

القول الجلي في ترجمة تقي الدين ابن تيمية الحنبلي: صفي الدين البخاري

القول الوجيز في أصول كلام العزيز: عبد الله بن أسلم البهلوي

(حرف الكاف)

الكافي في شَرْح الوافي: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

كتاب الأسْرار: عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدَّبوسِي

كتاب تُحَف الوُزَراء: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي البَلْخِي

كتاب المقالات: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

كتاب النِّصاب: طاهر بن أحمد بن عبد الرَّشيد البُخاري

ص: 432

الكشف عن مساوي المتنبي: عَبّاد بن العبّاس بن عبَّاد بن أحمد

كشف الدجى عن وجه الربا: ظفر أحمد ابن لطيف العثماني التهانوي

كشف الظنون: ملا كاتب الجلبي

الكلمة الراجحة في تفسير سورة الفاتحة: عبد الله بن أسلم البهلوي

الكلمات الطيّبات: عناية الله خان

كنج أرشدي: غلام رشيد الجونبوري

كنوز الحقائق: عبد الأحد بن زين العابدين العمري السرهندي

كَنْز الدقائق: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

(حرف اللام)

لامع الأنوار: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

(حرف الميم)

ما لا يسع للمفسّر جهله: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مبادئ الدعوة الإسلامية: محمد طيّب بن أحمد قاسم

المثنوي المعنوي: العلامة جلال الدين الرومي

محاسِن الاصْطلاح: طاهر بن الحسن بن عمر أبو العِزِّ الحَلَبِي

مَحاسِن الطاهر: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

المحاكمة بين فضيلة عائشة وفاطمة: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

المحيط باللغة: عَبّاد بن العبّاس بن عبَّاد بن أحمد

المجْمع: ابن السّاعاتِي

مجمع البحرين في تفسير القرآن الكريم: طاهر بن يوسف السندي

مختصر في السير: عبد الأول بن علي الحسيني الجونبوري

مختصر في الوُقوف: عبد الله بن الحُسين أبو محمد النّاصِحِي

مختصر تفسير المدارك: طاهر بن يوسف بن ركن الدين السندي

مختصر القُدورِي: الإمام أبو الحسين القدوري

مختصر قوت القلوب للمكّي: طاهر بن يوسف بن ركن الدين السندي

ص: 433

مذكرات في المقارنة الفقهية: طه مصطفى حبيب الأزهري

مرقاة الطريقة المحمدية ومرضاة الشريعة الأحمدية: عبد الله بن محمد الأخسقه وي

المسالك في الخلافيات: عبد الله بن عمر الرومي الشهير بمستجي زاده

المساواة الإسلامية: محمد طيّب بن أحمد قاسم

المسائل الشريفة في أدلة الإمام أبي حنفية: شمس الدين الديري المقدسي

مسلك السالكين: الشيخ عبد الله بن محمد الدارندي

المستدلّات: عبد الله بن أسلم بن نور محمد البهلوي

المسْتَرْشد في الإمامة: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي البَلْخِي

المسْتَصْفَى في شرح المنظومة: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

المسْنَد: عَبَّاس بن حَمْدان أبو الفضل الأصْبَهانِي

مشارع الشرائع: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي

المصافحة: طاهر بن غلام نبي البنج بيري

المعجم: العلامة البِرْزالِي

معجم البلدان: العلامة ياقوت الحموي

مُعْجَم الشُيوخِ: العلامة الدِّمْياطِي

مُعْجَم الشُيوخِ: العلامة السِّلَفِي

المعجم الوجيز في الحديث: عبد الله بن إبراهيم الميرغني

معراج المنطق ترجمة تلخيص المنار: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

معراج المؤمنين: المفتي عبّاس بن علي بن جعفر التستري اللكنوي

معراج النبي: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

مَفاخِر خُراسان: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

مفتاح الوجود الأشهر: عبد الله بن عبد العزيز الباليكسري الرومي

مقدمة ديوان حماسة: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مقدمة سراجي: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

المقدمة السلطانية في السياسة الشرعية: طوغان شيخ المحمدي المصري

ص: 434

مقدمة شرح تهذيب: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مقدمة شرح جزري: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مقدمة قدوري: السيّد عبد الأحد القاسمي بن إمام الدين المونكيري

مقدمة عين العلم: السيّد عبد الأحد القاسمي بن إمام الدين المونكيري

مقدمة مرقاة: السيّد عبد الأحد القاسمي بن إمام الدين المونكيري

مقدمة مستطرف: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مقدمة مسلم الثبوت: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مقدمة ميزان: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

مُلَح الكتابة: عبد الله وقيل عبد الباقي المعروف بالبُنْدار

المنابع في شرح المشارع: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي

المنار: الإمام النَّسَفِي

منتخب اللباب: خافي خان

منتخب مواهب اللدنية: طاهر بن يوسف بن ركن الدين السندي

المنطوق في معرفة الفروق: عبد الأول بن كرامة علي الجونبُوري

منهاج العابدين: الإمام أبو حامد الغزالي

المنافع: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

المنار في أصول الفقه: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

مَنار: عبد الله بن أحمد أبو البَرَكات النَّسفِي

منافع الدقائق في شرح مجمع الحقائق: عبد الله بن محمد الخادمي الرومي

مواعظ خطيب أعظم: الخطيب الأعظم صدّيق أحمد الجاتجامي

(حرف النون)

نجاح القارئ في شرح البخاري: عبد الله بن محمد الأماسي

نجاح القاري في شرح البخاري: عبد الله المعروف بعبد الله حلمي

نزهة الدهر فيما يصدر عن أفراد العصر: صالح منصور اليافي

نزهة الخواطر: العلامة عبد الحي الحسني

ص: 435

نسيم الصبا: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

نصيحة الإخوان في العشر للسلطان: الشيخ صالح كامل بن سليمان

نَظْم في الفرائض: طاهر بن الحسن بن عمر أبو العِزِّ الحَلَبِي

نَظَم سُلْوان المطاع: عبد الله بن علي بن عمر السِّنْجارِي

نعمة الباري في شرح صحيح الإمام البخاري: عبد الله بن درويش الدمشقي

نفائح الأزهار في كشف الأسرار: عبد الله بن محمد حجازي الحلبي

نَقْضِ كتاب أبي عليِّ الجُبَّائِي في الإرادة: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي البَلْخِي

نَقْضِ النَّقْض على المجَبِّرة: عبد الله بن أحمد الكَعْبِي أبو القاسم البَلْخِي

نور الإيضاح: الإمام الشرنبلالي

النور البادي في أحكام الأراضي: عبد الله بن عبد الغني المصري

نهاية الأرب: العلامة النُّوَيْرِي

نيل الأرب من مصادر العرب: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

نيل المرام في أصول الأحكام: ظفر الدين بن إمام الدين اللاهوري

(حرف الواو)

الوثيقة الباهرة: عالم علي بن كفاية علي النكينوي المرادآبادي

وسيلة العقبى في أحوال المرضى والموتى: ظهير أحسن المتخلّص بالشوق النيموي

الوصاف على الكشّاف: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري

(حرف الهاء)

هداية القرآن ظهور أحمد بن عبد العزيز البكاوي

همارى مصنّفين: السيّد عبد الأحد القاسمي المونكيري.

(حرف الياء)

يتيمة الدَّهر: العلامة الثَّعالبِي

* * *

ص: 436