الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب الْبيُوع)
أَتَى بِجمع الْكَثْرَة لتَعَدد أَنْوَاع البيع لِأَن الذوات الْمَبِيعَة إِمَّا عينا بِعَين أَو عرضا بِعرْض أَو عينا بِعرْض وَبِالْعَكْسِ، فالعين بِالْعينِ إِن كَانَت نوعا وَاحِدًا كالفضة بِمِثْلِهَا وَالذَّهَب بِمثلِهِ يشْتَرط فيهمَا أَمْرَانِ: التناجز والتساوي، ثمَّ إِن بِيعَتْ بالميزان سمي ذَلِك مراطلة، وَإِن بِيعَتْ بِالْعدَدِ سمي مُبَادلَة، وَإِن كَانَت نَوْعَيْنِ كذهب بِفِضَّة اشْترط فيهمَا التناجز فَقَط وَيُسمى صرفا وَحكم بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ كَالْعَيْنِ فِي الشُّرُوط الْمَذْكُورَة، كَمَا يَأْتِي للْمُصَنف فِي فَصلي بيع الطَّعَام وَبيع النَّقْدَيْنِ؛ وَأما الْعرض بِالْعرضِ وَهُوَ مَا سوى الْعين وَالطَّعَام وَمَا سوى الْأُصُول أَيْضا على مَا عِنْد النَّاظِم كَمَا يَأْتِي فِي فَصله، فَيشْتَرط أَن لَا يؤجلا مَعًا لِأَنَّهُ من الدّين بِالدّينِ المنهى عَنهُ فَإِن عجلا مَعًا صَحَّ بِجَمِيعِ وجوهه كَانَ أجل أَحدهمَا وَعجل الآخر، وَيُسمى حِينَئِذٍ سلما إِن توفرت شُرُوطه كَمَا يَأْتِي فِي فصل السّلم، وَكَذَا حكم الْعين بِالْعرضِ يمْنَع تأجيلهما، وَيجوز تعجيلهما وَإِن عجلت الْعين دون الْعرض يُسمى سلما، وَبِالْعَكْسِ يُسمى بيعا لأجل قَالَه ابْن بشير وَغَيره، فَعبر النَّاظِم بِلَفْظ الْجمع إِشَارَة إِلَى أَنه أَنْوَاع سِتَّة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه الخ. وَكلهَا دَاخِلَة فِي التَّقْسِيم الْمُتَقَدّم وَتَكون صَحِيحَة وفاسدة، ثمَّ إِن البيع مِمَّا يتَعَيَّن الاهتمام بِمَعْرِِفَة أَحْكَامه لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ إِذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلف من بيع وَشِرَاء فَيجب أَن يعلم حكم الله فِيهِ قبل التَّلَبُّس بِهِ، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس على موطأ مَالك بن أنس: البيع وَالنِّكَاح عقدان يتَعَلَّق بهما قوام الْعَالم لِأَن الله سُبْحَانَهُ خلق الْإِنْسَان مُحْتَاجا إِلَى الْغذَاء ومفتقراً إِلَى النِّسَاء وَخلق لَهُ مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا، وَلم يتْركهُ سدى أَي هملاً يتَصَرَّف كَيفَ شَاءَ فَيجب على كل مُكَلّف أَن يعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من بيع أَو غَيره، ثمَّ يجب عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمَا علم فيتولى أَمر شِرَائِهِ وَبيعه بِنَفسِهِ إِن قدر وإلاَّ فَغَيره
بمشورته وَلَا يتكل على من لَا يعرف الْأَحْكَام أَو يعرفهَا ويتساهل فِي الْعَمَل بمقتضاها اه. وَفِي القباب: لَا يجوز للْإنْسَان أَن يجلس فِي السُّوق حَتَّى يتَعَلَّم أَحْكَام البيع وَالشِّرَاء فَإِن علم ذَلِك حِينَئِذٍ فرض وَاجِب عَلَيْهِ، وَلَا يجوز أَن يُعْطي قراضا لمن لَا يعرف أَحْكَامه، وَلَا أَن يُوكل الذِّمِّيّ على البيع وَنَحْوه. وَلَا أَن يُشَارِكهُ إِلَّا إِذا لم يغب عَنهُ. وَالْبيع لُغَة مصدر بَاعَ الشَّيْء إِذا أخرجه عَن ملكه بعوض أَو أدخلهُ فِيهِ فَهُوَ من أَسمَاء الأضداد يُطلق على البيع وَالشِّرَاء كالقرء يُطلق على الْحيض وَالطُّهْر، لَكِن لُغَة قُرَيْش كَمَا للزناتي فِي شرح الرسَالَة اسْتِعْمَال بَاعَ إِذا أخرج وَاشْترى إِذا أَدخل. قَالَ: وَهِي أفْصح. وعَلى ذَلِك اصْطلحَ الْعلمَاء تَقْرِيبًا للفهم. وَقَالَ الْجُزُولِيّ فِي شرح الرسَالَة: إِن كل وَاحِد من المتعاوضين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما أَخذ من يَد غَيره، واصطلح الْفُقَهَاء أَن آخذ الْعِوَض يُسمى مُشْتَريا وآخذ الْعين يَعْنِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم يُسمى بَائِعا اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَمَعْرِفَة حَقِيقَته ضَرُورِيَّة حَتَّى للصبيان أَي: وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف إِذْ إِنَّمَا يحْتَاج للتعريف الْأُمُور النظرية. ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْمَعْلُوم ضَرُورَة هُوَ وجوده عِنْد وُقُوعه لِكَثْرَة تكرره وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته ثمَّ قسمه إِلَى أَعم وَإِلَى أخص فَقَالَ: البيع الْأَعَمّ عقد مُعَاوضَة على غير مَنَافِع وَلَا مُتْعَة لَذَّة فَتخرج الْإِجَارَة والكراء وَالنِّكَاح وَتدْخل هبة الثَّوَاب وَالصرْف والمراطلة وَالسّلم ثمَّ قَالَ: وَالْغَالِب عرفا أخص مِنْهُ بِزِيَادَة ذُو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب وَلَا فضَّة معِين غير الْعين فِيهِ فَتخرج الْأَرْبَعَة اه. وَقَوله: وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته الخ. قد يُقَال: يلْزم من وجود الْحَقِيقَة وتكرر وُقُوعه بَين يَدَيْهِ علمهَا فَتَأَمّله. وَلما ذكر الْبُرْزُليّ حد ابْن عَرَفَة واعتراضه على ابْن عبد السَّلَام وعَلى من عرفه بِأَنَّهُ دفع عوض فِي عوض، وَبِأَنَّهُ نقل الْملك بعوض قَالَ مَا نَصه: ظَاهر هَذِه الاعتراضات تدل على طلب علم حَقِيقَة الشَّيْء وماهيته فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره مَعَ أَن حقائق الْأَشْيَاء لَا يعلمهَا إِلَّا الله فَهُوَ الْمُحِيط بهَا من جَمِيع الْجِهَات فَهُوَ الْعَالم بِمَا يصلحها وَالْمَطْلُوب فِي معرفَة الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا إِنَّمَا هُوَ تمييزها من حَيْثُ الْجُمْلَة عَمَّا يشاركها فِي بعض حقائقها حَتَّى يخرج مِنْهَا مَا يسري إِلَى النَّفس دُخُوله مثل أَن يُقَال: مَا الانسان؟ فَيُقَال: منتصب الْقَامَة فَيحصل لَهُ تَمْيِيزه عَن بَقِيَّة الْحَيَوَانَات الَّتِي يسْرع إِلَى النَّفس دُخُولهَا فِي الْإِنْسَان لَا عَن كل حَقِيقَة لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ الْحَائِط والعمود وكل منتصب الْقَامَة، لَكِن لما كَانَ غير مَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام وَلم يَقع الِاحْتِرَاز مِنْهُ. قَالَ بعض حذاق المنطقيين: وَهَذَا الْمَعْنى كثيرا مَا يَقع من حكماء
الْمُتَقَدِّمين لِأَن قصدهم التَّنْبِيه على مَا يحسن بِهِ التَّمْيِيز فِي النَّفس وَلَو بِأَدْنَى خاصية فيعترض عَلَيْهِم الْمُتَأَخّرُونَ لاعتقادهم أَنهم يأْتونَ بالحقائق الَّتِي تشْتَمل على جَمِيع الذاتيات وهم لَا يقصدن ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم حقائق الْأَشْيَاء إِلَّا الله سُبْحَانَهُ، فَكل من عرف البيع وَنَحْوه بِمَا عرفه بِهِ إِنَّمَا هُوَ تصور معرفَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ الْجُمْلَة لَا من جَمِيع جهاتها وَالله أعلم اه كَلَام الْبُرْزُليّ. وَبِه يسْقط اعْتِرَاض ابْن عرفه على غَيره، وَاعْتِرَاض غَيره عَلَيْهِ فِي بعض حُدُوده كاعتراض (ح) عَلَيْهِ فِي حَده الْمُتَقَدّم وَغَيره. الغرناطي: تذكر فِي الْوَثِيقَة تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين وَمَا بِهِ يعرفان من صفاتهما وتذكر البيع وموضعه وحدوده وتذكر حُقُوقه ومرافقه وشجره وَشرب مَا لَهُ شرب وَوصف الْمَبِيع وَعدم شَرط الثنيا وَالْخيَار وَقدر الثّمن وَصفته، وَقبض البَائِع لَهُ أَو حُلُوله أَو تَأْجِيله إِلَى مُدَّة لَا تجَاوز أَرْبَعِينَ عَاما، وَمَعْرِفَة الْمُتَبَايعين بِقدر ذَلِك وحلول الْمُبْتَاع مَحل التبايع، والتبرىء من الْعُيُوب ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف فَلَا تعقد التبرىء مِنْهَا إِلَّا بعد تَمام البيع كالثنيا وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين ووصفهما بالطوع وَالصِّحَّة وَالْجَوَاز، وتضمن فِي بيع الْأَب على ابْنه الصَّغِير معرفَة صغر الابْن أَو كَونه فِي حجره بتجديد سفه أَو تَقْدِيم قَاض إِن كَانَ كَبِيرا، وَإِن بَاعَ ذَلِك لنَفسِهِ ذكرت معرفَة حَاجته، وَلَا بُد أَن تَقول فِيهِ مِمَّن يعرف أصل المَال للِابْن وابتياعه بِمَال وهبه لَهُ جَائِز، وَإِن لم تعرف الْهِبَة قبل ذَلِك وَلَا يثبت التوليج إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي وتضمن فِي بيع الْوَصِيّ معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن وَالْوَجْه الَّذِي يَبِيع ذَلِك لأَجله، وتضمن فِي بيع الحاضن معرفَة الحاضنة وَصغر الْمَحْضُون وفاقته وتفاهة الْمَبِيع. وَأَنه أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ، والسداد فِي الثّمن وَأَنه عشرُون دِينَارا فَأَقل ومعاينة قبض الثّمن، وتضمن فِي بيع الْوَكِيل معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره كالوصي وَالْوَكِيل والحاضن، وَكَذَلِكَ قبض الْمَحْجُور نَفَقَته أَو مَالا لاختباره فِي التَّجر، وَقبض العانس صَدَاقهَا والأصم والأبكم اه. أما تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين فَلَا بُد مِنْهَا لِأَنَّهُمَا ركنان فَإِن سقط وَاحِد مِنْهُمَا بَطل الرَّسْم، وَأما مَا يعرفان بِهِ من صفاتهما فَإِنَّمَا ذَلِك عِنْد عدم معرفتهما فَإِن سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف بَطل الرَّسْم كَمَا مر عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. الخ (خَ) : وَلَا على من لَا يعرف إِلَّا على عينه وَصفته وحليته، وَأما ذكر الْمَبِيع وموضعه فَلَا بُد مِنْهُ، فَإِن سقط بَطل الرَّسْم. وَأما حُدُوده فَإِن سُقُوطهَا لَا يضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ. لِأَنَّهُ قد يشْهد بالحدود غَيرهمَا فَلَا يفْسد البيع بِعَدَمِ ذكر الْحُدُود كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي التَّنْبِيه الثَّانِي، وَأما ذكر حُقُوقه ومرافقه فَلَا يضر سُقُوطهَا بِحَال، وَكَذَا ذكر شَجَره لِأَن ذكر الأَرْض يَتَنَاوَلهَا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: كَذَا قليب الأَرْض للْمُبْتَاع. وَأما شرب المَاء فَلَا بُد من ذكره وإلاَّ لم يدْخل إِلَّا إِن كَانَ عينا أَو بِئْرا فِي وسط الأَرْض، كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَأما وصف الْمَبِيع فَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ غَائِبا عَن مَوضِع العقد، فَإِن وصف حِينَئِذٍ وإلاَّ بَطل البيع، وَأما عدم شَرط الثنيا وَالْخيَار فَلَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن الأَصْل عدم ذَلِك، وَأما قدر الثّمن فَلَا بُد من ذكره، فَإِن سقط فَيجْرِي على مَا مر عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَة: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك الْعدَد. وَأما قبض البَائِع لَهُ. فَلَا يضر سُقُوطه وَالْأَصْل هُوَ بَقَاؤُهُ كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين، وكما يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال. وَأما حُلُوله أَو تَأْجِيله فَإِنَّهُمَا إِن سقطا لم يضر، وَيحمل على الْحُلُول كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَيْضا، وَكَذَا حُلُول الْمُبْتَاع مَحل البَائِع لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن
العقد يُوجِبهُ كَمَا يَأْتِي فِي الاعتصار عِنْد قَوْله: وَحَيْثُ جَازَ الاعتصار يذكر الخ. وَكَذَا التبرىء من الْعُيُوب لِأَن الأَصْل عدم وجودهَا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. فَرَاجعه هُنَاكَ. وَأما قَوْله: ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف الخ. الْوَظَائِف: جمع وَظِيفَة وَهِي مَا قدر على الأَرْض من الْخراج والمغرم، فَلَا يجوز بيع الأَرْض بِشَرْط أَن يتَحَمَّل الْمُبْتَاع مَا عَلَيْهَا من المغرم وَالْخَرَاج على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَإِذا لم يجز ذَلِك فِي صلب العقد فَيجوز التَّطَوُّع بِهِ كالثنيا كَمَا يَأْتِي ذَلِك فِي فصلها إِن شَاءَ الله. وَأما قَوْله: وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين الخ. فمراده أَنَّك تَقول فِي آخر الْوَثِيقَة شهد على إشهادهما بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا الخ. فَإِن لم تذكر إشهاداً لَا فِي صلب الْوَثِيقَة وَلَا فِي آخرهَا، وَإِنَّمَا قلت تشهد بِمَعْرِِفَة فلَان وَأَنه قد بَاعَ أَو ابْتَاعَ كَذَا أَو شَرط كَذَا أَو تطوع بِكَذَا فَإِن شَهَادَته لَا تجوز إِن لم يقل إِن علمه لذَلِك بإشهاد فلَان لَهُ عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا إِن كَانَ عَالما بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وَكَانَ من أهل الْعلم والتبريز فَتجوز حِينَئِذٍ، وَيحمل على أَنه علم ذَلِك بإشهادهما كَمَا قَالَه فِي أَوَائِل هَذِه الوثائق، وَتقدم الْكَلَام على هَذَا عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. وَسَيَأْتِي فِي الْحَبْس أَنه لَا بُد من الْإِشْهَاد فِي كل مَا لَيْسَ فِيهِ مُعَاوضَة، وَأما ذكر الطوع وَالْجَوَاز وَالصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يضر سُقُوطه لِأَنَّهُ الأَصْل وَمن ادّعى خلَافهَا فَعَلَيهِ الْبَيَان كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين حَيْثُ قَالَ: وَبيع من رشيد كَالدَّارِ ادّعى بِأَنَّهُ فِي سفه قد وَقعا
…
الخ وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ تَرْجِيح قبل الخ. وَأما معرفَة صغر الابْن فِي بيع الْأَب عَلَيْهِ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن المُشْتَرِي يَدعِي صِحَة العقد بِسَبَب صغر الابْن وَالِابْن يَدعِي فَسَاده، وتقرر أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل. وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ أَيْضا، وَأما معرفَة حَاجَة الابْن فِي شِرَاء الْأَب مَتَاع ابْنه فَلَا بُد مِنْهَا للتُّهمَةِ كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع عِنْد قَوْله: وَفعله على السداد يحمل. الخ. وَأما معرفَة أصل مَال الابْن فَلَا يضر سُقُوطهَا كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: وابتياعه بِمَال وهبه الخ. انْظُر فصل التوليج من اللامية، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَبيع من حابى من الْمَرْدُود الخ. وَأما معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن فسقوطها مُضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيع من وَصِيّ للمحجورإلا لمقْتَضى من الْمَحْظُور وَكَذَا معرفَة الحاضنة لَا بُد مِنْهَا مَعَ شُرُوط أخر تَأتي عِنْد قَوْله: وَجَاز بيع حاضن الخ. وَأما صغر الْمَحْضُون؛ فَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم قَرِيبا، وَأما مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره حاضناً كَانَ أَو غَيره فَلَا بُد مِنْهَا وَإِلَّا لم يبرأ الدَّافِع من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوكَالَة: وَإِن قَالَ قبضت وَتلف برىء وَلم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة الخ. وَكَذَا لَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي بيع الْأَصَم والأبكم وإلاَّ لم يبرأ الدَّافِع، وَكَذَا لَا بُد من معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد أَن تكون بإشهاد من الْمُوكل، وَإِلَّا لم تصح كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ. قَالَ: أَعنِي الغرناطي أول وثائقه: وَالْإِشْهَاد وَاجِب على كل من بَاعَ شَيْئا لغيره، فَإِن لم يشْهد ضمن اه. وَتقدم نَحْو هَذَا فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: والبالغ السَّفِيه بَان حَقه الخ. وَأَن كل من ولي مُعَاملَة لغيره فَإِنَّهُ يحلف إِن تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين وإلاَّ غرم وَمَا ذَاك إِلَّا لعدم إشهاده.
(وَمَا شاكلها) أَي شابهها فِي كَونه عقد مُعَاوضَة وَذَلِكَ كالمقاصة وَالْحوالَة وَالشُّفْعَة وَالْقِسْمَة وَالْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة والتصيير وَالسّلم، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أدمجه النَّاظِم فِي هَذَا الْبَاب، وَفصل بَين أَنْوَاعه بالفصول دون الْأَبْوَاب، وَلَيْسَ المُرَاد بِمَا شاكلها الْفُصُول السِّتَّة الْمشَار لَهَا بقوله: أصُول أَو عرُوض أَو طَعَام. إِلَى قَوْله: أَو حَيَوَان، لِأَن هَذِه الْفُصُول السِّتَّة هِيَ الَّتِي جمعهَا أَولا بقوله الْبيُوع خلافًا ل (ت) ومتبوعه حَيْثُ أَدخل الصّرْف هَهُنَا. مَا يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ أصُولٌ أَوْ عُروضٌ أَوْ طَعَامُ (مَا يستجاز) أَي مَا يعد بَيْعه جَائِزا أَو مَا يُوجد بَيْعه جَائِزا، فالسين وَالتَّاء للعد أَو للإصابة والوجدان كاستحسنه واستعظمه واستغفله أَي وجده كَذَلِك أَو عده قَالَه (ت) عَن التسهيل. وَيحْتَمل أَن يَكُونَا زائدتين أَي مَا يجوز (بَيْعه) فِي نظر الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ. (أَقسَام) سِتَّة (أصُول) كالدور وَالْأَرضين والبساتين والفنادق والحوانيت وَنَحْوهَا (أَو عرُوض) كالثياب وَالسِّلَاح وَنَحْوهمَا (أَو طَعَام) كالبر وَالسمن وَنَحْوهمَا من بصل وملح وَغَيرهمَا. أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ أَوْ حَيَوانٌ والْجميعُ يُذْكَرُ (أَو ذهب أَو فضَّة) بِأَن يُبَاع أَحدهمَا بصنفه وَهُوَ المراطلة أَو الْمُبَادلَة أَو أَحدهمَا بِالْآخرِ وَهُوَ الصّرْف كَمَا مر قَرِيبا. (أَو ثَمَر) كالفواكه والمقاثي والبقل، وأفردها عَن الطَّعَام لما اخْتصّت بِهِ من اشْتِرَاط بَدو الصّلاح فِي جَوَاز بيعهَا، وَغير ذَلِك. (أَو حَيَوَان) كالرقيق وَالدَّوَاب والأنعام وَالطير والوحش (والجميع) أَي: وكل وَاحِد مِنْهَا (يذكر) فِي فصل على حِدته مَعَ الْأَحْكَام المختصة بِهِ كالعيوب الْمُوجبَة للقيمة فِي الْأُصُول وَالرَّدّ فِي العهدتين فِي الرَّقِيق وَالْحَيَوَان والربا فِي النَّقْدَيْنِ والطعامين وَنَحْو ذَلِك، فَهَذِهِ فَائِدَة تَقْسِيم المبيعات إِلَى الْأَقْسَام السِّتَّة الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِن أصل البيع الْجَوَاز إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: وَأحل الله البيع} (الْبَقَرَة: 275) وَقد يعرض لَهُ الْوُجُوب كمن اضْطر لشراء طَعَام أَو شراب الْمشَار لَهُ بقول (خَ) فِي الزَّكَاة: وَترك مواساة وَجَبت وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر وَعمد وخشب فَيَقَع الْجِدَار وَله الثّمن إِن وجد الخ. وَالنَّدْب كمن أقسم على إِنْسَان
أَن يَبِيع لَهُ سلْعَته لَا ضَرُورَة عَلَيْهِ فِي بيعهَا فَينْدب إِلَى إجَابَته لِأَن إبرار الْمقسم فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَة مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالْكَرَاهَة كَبيع الهر والسبع لَا لجلده وَالتَّحْرِيم كالبيوع الْمنْهِي عَنْهَا قَالَه (ح) . وأركانه خَمْسَة. المتعاقدان وَالثمن والمثمن والصيغة. وَهِي رَاجِعَة إِلَى ثَلَاثَة: الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ والصيغة. وَلكُل شُرُوط. فالصيغة هِيَ كَمَا قَالَ (خَ) : مَا يدل على الرِّضَا وَإِن بمعاطاة بِأَن يُعْطِيهِ المُشْتَرِي الثّمن وَيُعْطِيه البَائِع الْمُثمن من غير لفظ، وَانْظُر إِذا ادّعى أَحدهمَا الْهزْل فِي البيع عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْخلف فِي مُطلق هزلا الخ. وَأما الْعَاقِد؛ فَشرط صِحَة عقده التَّمْيِيز وَشرط لُزُومه التَّكْلِيف كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَأما الْمَعْقُود عَلَيْهِ فشرطه كَمَا فِي (خَ) وَغَيره الطهاره وَالِانْتِفَاع بِهِ وَالْقُدْرَة على تَسْلِيمه وَعدم جهل بمثمن أَو ثمن إِلَى غير ذَلِك، وَلم يتَعَرَّض النَّاظِم لهَذِهِ الْأَركان وَلَا لشروطها إِلَّا مَا ذكره من بعض شُرُوط الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي قَوْله: وتحبس صفقته محظورة. وَمن شُرُوط الْعَاقِد فِي قَوْله فِي بيع الْأُصُول: مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال. فرع: يجوز شِرَاء الملاحة وَإِن كَانَ مَا يخرج مِنْهَا مَجْهُول الْقدر وَالصّفة، لِأَن ذَلِك فِي مُقَابلَة رفع الْيَد عَنْهَا، وَكَذَا يجوز أَخذ شَيْء من الدَّرَاهِم وَنَحْوهَا فِي مُقَابلَة إِبَاحَة صيد من بركَة مَاء أَو وَاد وَنَحْوهمَا قَالَه (ز) عِنْد قَول الْمَتْن فِي السّلم لَا فِيمَا يُمكن وَصفه كتراب الْمَعْدن الخ. قلت: وَفِي الْمواق عِنْد قَول المُصَنّف: وَجَاز سُؤال الْبَعْض ليكف عَن الزِّيَادَة أَنه يجوز للْإنْسَان أَن يَقُول لآخر: كف عني وَلَك دِينَار وَيلْزمهُ الدِّينَار اشْترى أم لَا. وَمن هَذَا الْمَعْنى بيع الجلسة وَالْجَزَاء الَّذِي جرى بِهِ عمل الْمُتَأَخِّرين الْمشَار لَهُ بقول ناظم الْعَمَل: وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء الخ. انْظُر شَرحه. تَنْبِيهَات. الأول: من الْجَهْل فِي الثّمن جمع الرجلَيْن سلعتهما فِي البيع لِأَن ذَلِك من الْجَهْل فِي التَّفْصِيل كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو تَفْصِيلًا الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو جهل كعبدين لِرجلَيْنِ بِثمن وَاحِد فالأشهر الْمَنْع وَفسخ إِن نزل فَإِن فَاتَ مضى بِالثّمن مفضوضاً على الْقيمَة، فَإِن سميا لكل ثمنا أَو قوما أَو دخلا على التَّسَاوِي قبل التَّقْوِيم أَو بعده جَازَ اه. وَنَحْوه فِي شرَّاح الْمَتْن. قلت: من هُنَا يعلم أَن قَوْلهم: وَلَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره أَو عيب أَكْثَره لِأَنَّهُ من التَّمَسُّك بِثمن مَجْهُول الخ. مَعْنَاهُ أَنه لما اسْتحق الْأَكْثَر أَو عيب انْتقض البيع فِيهِ، والأقل تَابع فَلَا يجوز التَّمَسُّك قبل أَن يعلم مَا يَنُوب الْبَاقِي من الثّمن، فَإِن كَانَ التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم صَحَّ لما مر من أَن للرجلين أَن يجمعا سلعتهما فِي البيع بعد التَّقْوِيم فالتمسك عقد ثَان، وَبِهَذَا يَنْتَفِي الْإِشْكَال وَهُوَ أَنه لَا يعْمل الْأَكْثَر من الْأَقَل إِلَّا بالتقويم، وَإِذا قوِّم فَيجوز التَّمَسُّك فَمَا وَجه الْمَنْع؟ وَالْجَوَاب: أَن العلّة وَهِي الْجَهْل بِالثّمن سَابِقَة على التَّمَسُّك ضَرُورَة إِن كل عِلّة سَابِقَة على معلولها فحرمة التَّمَسُّك إِنَّمَا هِيَ للْجَهْل وَلَا يَقع إِلَّا قبل التَّقْوِيم بِأَن يقطع ابْتِدَاء بِأَن هَذَا
الْمُسْتَحق هُوَ الْأَكْثَر أَو الْمَعِيب، فيتمسك بِالْأَقَلِّ قبل أَن يعرف مَا ينوبه، وَأما بعد التَّقْوِيم فَلم يتَمَسَّك إِلَّا بعد مَعْرفَته لما ينوبه، وَبِالْجُمْلَةِ فالتمسك بِالْأَقَلِّ بعد التَّقْوِيم لَا يكون إِلَّا برضاهما لِأَن الْفَرْض أَن العقد قد انْفَسَخ وَيبعد كل الْبعد أَن يمْنَع التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم بِمَا ينوبه إِذْ لَو منع ذَلِك لمنع بَيْعه بيعا مستأنفاً وَهُوَ لَا يَقُوله أحد، وَأما إِن اسْتحق الْأَقَل أَو عيب، فَإِن البيع لَا ينْقض فِي الْأَكْثَر والأقل تَابع لَهُ فَلَا يَنْفَسِخ العقد فالتمسك بِهِ قبل التَّقْوِيم غير مَمْنُوع لقلَّة الْغرَر فِيهِ هَذَا هُوَ التَّحْرِير فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم. وَقد نَص شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَبِمَا يَخُصُّهُ إِن صَاحب غَيره الخ. على أَن التَّمَسُّك بِأَقَلّ بعد التَّقْوِيم جَائِز، وَقَالُوا أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَإِن اتّحدت الصَّفْقَة وتعددت الحصص الخ. أَن حُرْمَة التَّمَسُّك بِأَقَلّ إِنَّمَا هُوَ إِذا تمسك قبل التَّقْوِيم وَالله أعلم. الثَّانِي: من اشْترى ملكا وَقَالَ فِي عقد شِرَائِهِ: يحده قبْلَة فلَان وجنوباً فلَان وشرقاً فلَان، وَاخْتلف المُشْتَرِي مَعَ جِيرَانه فَالْحكم فِي ذَلِك أَنه إِن خالفهم البَائِع وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَالْبيع صَحِيح وَيجْرِي مَا اسْتحق من تِلْكَ الْحُدُود على حكم الِاسْتِحْقَاق إِذا حكم بِهِ، وَالَّذِي يُخَاصم هُوَ المُشْتَرِي إِلَّا أَن يسلم بَيِّنَة الِاسْتِحْقَاق من أول الْأَمر فيخاصم البَائِع حِينَئِذٍ كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية، وَإِن صدقهم البَائِع وَخَالفهُم المُشْتَرِي فَلَا كَلَام للْبَائِع وَلَا شَهَادَة لَهُ، وَلَكِن ينظر فَإِن علم مَا عمره كل وَاحِد مِنْهُم من تِلْكَ الْحُدُود فَالْقَوْل للحائز مَعَ يَمِينه، وَإِلَّا تحَالفا وَقسم بَينهمَا، إِن البيع لَا يُفْسِدهُ إِدْخَال البَائِع غير ملكه فِي الْمَبِيع عِنْد تحديده لِأَن غَرَضه أَن مبيعه لم يخرج عَن تِلْكَ الْحُدُود لَا أَنه ملك جَمِيع محدوده وَالله أعلم. قَالَه بعض الموثقين يَعْنِي: وَلَكِن المُشْتَرِي إِن كَانَ يعْتَقد أَنه يملك الْجَمِيع فَالْقَوْل لَهُ وَيُخَير وَالله أعلم، وَيصدق فِي أَنه كَانَ يعْتَقد ذَلِك إِذْ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله. الثَّالِث: لَا بُد من تَسْمِيَة الْخط الْمشَاع وَبَيَان قدره وإلاَّ فسد البيع لِأَنَّهُ مَجْهُول كَمَا فِي نَوَازِل العلمي وَابْن سَلمُون، وَبِه تعلم فَسَاد مَا يَقع كثيرا من بيع بعض الْوَرَثَة نصِيبه فِي الْمِيرَاث من غير بَيَان قدره، وَلَا سِيمَا مَعَ تناسخ الوراثات وَهُوَ لَا يعرف ضرب الْحساب فَإِنَّهُ يصدق مدعي جَهله من الْمُتَعَاقدين وَيفْسخ البيع، وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة على أَنَّهُمَا عرفا قدره إِذْ لَا تمكنه مَعْرفَته إِلَّا بِضَرْب حِسَاب، وَالْفَرْض أَنه لَا يعرفهُ. وَمَا ذكره ابْن رشد وَغَيره من أَن الموثق إِذا نَص فِي الْوَثِيقَة على معرفتهما بِقدر الْمَبِيع لَا يصدق مدعي الْجَهْل مِنْهُمَا وَلَا يَمِين لَهُ على صَاحبه إِنَّمَا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مثله مِمَّن يعرف قدر الْمَبِيع، وَبِالْجُمْلَةِ إِذا سقط من الْوَثِيقَة معرفَة الْقدر فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ على الْمعرفَة لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مَا لم تكن قرينَة تدل على صدق مدعي الْجَهْل كَبيع جَمِيع النَّصِيب فِي الوراثة وَهُوَ لَا يعرف الْحساب، فَإِنَّهُ يصدق فِي ذَلِك وَلَو كتب الموثق معرفَة الْقدر لِأَن شَاهد الْحَال يكذبهُ. وَقد بسطنا الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي حاشيتنا على (ز) وعَلى مثل هَذِه الْمَسْأَلَة يحمل قَول شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي عدم الْقَبْض للصداق بعد الْقسم مَا نَصه: إِن قَول الموثق عرفا قدره جَار مجْرى التلفيق الخ. لَا أَنه من التلفيق مُطلقًا وَإِلَّا لم يقف عقد على سَاق، وَفِي جَوَاب للقوري نَقله العلمي: أَنه من لَا يعْمل بِمُقْتَضى المسطرة
والتلفيق إِلَّا فِي الموثق الَّذِي عرف مِنْهُ أَنه لَا يقدر معرفَة الْقدر على الْمُتَبَايعين. فرع: قَالَ (ح) عَن ابْن فَرِحُونَ: المتعاقدان محمولان على الْمعرفَة حَتَّى يثبت الْجَهْل، وعَلى جَوَاز الْأَمر حَتَّى يثبت السَّفه، وعَلى الرِّضَا حَتَّى يثبت الْإِكْرَاه وعَلى الصِّحَّة حَتَّى يثبت السقم، وعَلى الملاء حَتَّى يثبت الْفقر، وعَلى الْحُرِّيَّة حَتَّى يثبت الرّقّ، وعَلى الْإِسْلَام حَتَّى يثبت الْكفْر، وعَلى الْعَدَالَة حَتَّى يثبت الْجرْح، وَالْغَائِب مَحْمُول على الْحَيَاة حَتَّى يثبت الْمَوْت قَالَ (خَ) : وَمَا قَالَه ظَاهر إِلَّا مَا قَالَه فِي مَسْأَلَة الْعَدَالَة فَالْمَشْهُور الْعَكْس. والبَيْعُ والشَّرْطُ الْحَلالُ إنْ وَقَعْ مُؤَثِّراً فِي ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ (وَالْبيع) مُبْتَدأ (وَالشّرط) مَعْطُوف عَلَيْهِ لَا مَنْصُوب على الْمَعِيَّة لفقد الْجُمْلَة قبله (الْحَلَال) نعت (إِن وَقع) ذَلِك الشَّرْط حَال كَونه (مؤثراً) جهلا (فِي ثمن مِمَّا امْتنع) خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمِثَال مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم أَن يشْتَرط البَائِع على المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيع ذَلِك الشَّيْء الْمَبِيع وَلَا يَهبهُ فَنَفْس الشَّرْط، وَهُوَ كَون المُشْتَرِي يتَمَسَّك بِمَا اشْترى وَلَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ حَلَال جَائِز، وَاشْتِرَاط الدُّخُول عَلَيْهِ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الثّمن جهلا إِذْ البيع على هَذَا الْوَجْه لَا يَخْلُو عَن نقص فِي الثّمن غَالِبا لَو لم يكن ذَلِك الشَّرْط، وَمِقْدَار مَا انْتقصَ من الثّمن لأجل الشَّرْط الْمَذْكُور مَجْهُول وَفِيه عِلّة أُخْرَى للْمَنْع وَهِي كَون ذَلِك الْمُؤثر من بَاب اشْتِرَاط مَا يُوجب الحكم خِلَافه لِأَن الحكم يُوجب جَوَاز تصرف المُشْتَرِي فِي مشتراه على أَي وَجه شَاءَ، فالتحجير عَلَيْهِ بِأَن لَا يَبِيع وَلَا يهب شَرط مُنَاقض لمقْتَضى عقد البيع فَيفْسد البيع بِهِ، وعَلى هَذِه الْعلَّة اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وكبيع وَشرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَأَن لَا يَبِيع الخ. وَهِي أظهر لِئَلَّا يرد علينا اشْتِرَاط الرَّهْن والحميل فَإِنَّهُ مُؤثر جهلا مَعَ أَنه جَائِز كَمَا يَأْتِي، وَمثل اشْتِرَاطه أَن لَا يَبِيع اشْتِرَاطه أَن لَا يُخرجهَا من الْبَلَد أَو لَا يجيزها الْبَحْر أَو على أَن يتَّخذ الْجَارِيَة أم ولد أَو على أَن يعْزل عَنْهَا أَو على أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن الَّذِي تبَاع بِهِ، أَو الَّذِي بَاعهَا بِهِ الْآن كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْإِقَالَة، فَكل ذَلِك مِمَّا يُؤثر فِي الثّمن جهلا. وَمن الشَّرْط المناقض كَمَا مرّ. وَهَذَا إِذا اشْترط أَن لَا يَبِيعهُ عُمُوما أَو إلاَّ من نفر قَلِيل، وَأما على أَن لَا يَبِيع من شخص معِين أَو من بني فلَان وهم قَلِيلُونَ فَيجوز، وَإِذا وَقع شَيْء من هَذِه الشُّرُوط فَيفْسخ البيع إلاَّ أَن يسْقط ذُو الشَّرْط شَرطه فَيصح كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ إِن حذف شَرط السّلف أَو حذف شَرط كالتدبير، وَهَذَا إِذا لم يفت
وإلاَّ فقد قَالَ أَيْضا: وَفِيه إِن فَاتَ أَكثر الثّمن وَالْقيمَة. وَقَالَ أَيْضا: وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه، وَظَاهره: وَلَو كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْفَسَادِ وَهُوَ كَذَلِك انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ التحجير فِي مَسْأَلَة أَن لَا يَبِيع من البَائِع على المُشْتَرِي، وَأما الْعَكْس فقد قَالَ ابْن رشد فِي مَسْأَلَة الْأَنْكِحَة من أجوبته: لَو اشْترى رجل من رجل نصف بقْعَة على أَن لَا يقسمها مَعَه وَلَا يَبِيعهَا ويشتركان فِي حرثها لوَجَبَ أَن يجوز البيع وَيبْطل الشَّرْط وَلَا يفْسد البيع بالتحجير على البَائِع اه. وَنَقله الْبُرْزُليّ فَظَاهره أَن الشَّرْط بَاطِل فِي هَذِه وَلَو تمسك بِهِ المُشْتَرِي، وَلَا تتَوَقَّف صِحَة البيع على إِسْقَاط المُشْتَرِي شَرطه. وكلُّ مَا لَيْسَ لَهُ تَأثيرُ فِي ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثورُ (وكل مَا) أَي شَرط (لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي) جهل (ثمن) كَشَرط رهن أَو حميل أَو كَون الثّمن إِلَى أجل مَعْلُوم غير بعيد جدا (جَوَازه) مُبْتَدأ ثَان خَبره (مأثور) وَالْجُمْلَة خبر الأول أَي: مَرْوِيّ صَحِيح، ويشمل كَلَامه مَا يَقْتَضِيهِ العقد كَشَرط تَسْلِيم الْمَبِيع وَالرُّجُوع بدرك الْعَيْب والاستحقاق فَإِن اشْتِرَاط ذَلِك مُؤَكد. فَإِن قلت: شَرط الْأَجَل مِمَّا يزِيد فِي الثّمن وَشرط الرَّهْن والحميل مِمَّا ينقص مِنْهُ وَمِقْدَار الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَجْهُول. قلت: شَرط أَن لَا يَبِيع وَنَحْوه لَا يعود بمصلحة على أَحدهمَا، بل بمضرة على المُشْتَرِي بِخِلَاف الْحميل وَالرَّهْن وَالْأَجَل، فَإِن لكل مِنْهُمَا فِيهِ مصلحَة من توثق وَنقص فِي الثّمن وزيادته وَلَا ترد علينا مَسْأَلَة إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن لِأَن فِيهَا تحجيراً أَو نفعا لِأَن النَّفْع الَّذِي للْبَائِع فِي الشَّرْط الْمَذْكُور غير مُحَقّق لِأَن السّلْعَة قد تؤول إِلَى رخص فيبيعها المُشْتَرِي بِأَقَلّ من الثّمن الأول، فَإِذا أَخذهَا البَائِع بِالثّمن الأول لم يكن لَهُ نفع والنفع الْغَيْر الْمُحَقق كلا نفع وَأَحْرَى لَو كَانَ على أَن يَأْخُذهَا بِمَا بِيعَتْ بِهِ، إِذْ لَا يدْرِي بِأَيّ ثمن تبَاع، وَأما مَسْأَلَة اشْتِرَاط السّلف فِي البيع وَلَو ضمنا كَبَيْعِهِ مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ دين على شَرط أَن ينقده الثّمن وَلَا يقاصه بِهِ مَعَ حُلُول دينه، فالمنع فِيهَا لَيْسَ لخُصُوص التَّأْثِير فِي الثّمن، بل لما فِيهَا من الرِّبَا لِأَن المسلف ينْتَفع على سلفه بِنَقص الثّمن أَو زِيَادَته وَذَلِكَ عين الرِّبَا، وَلذَا كَانَ يظْهر لنا نقص فِي قَول (خَ) : أَو يخل بِالثّمن كَبيع وَسلف الخ. وَأَن حَقه أَن يَقُول: أَو يخل بِالثّمن وَفِيه رَبًّا كَبيع وَسلف لتخرج مَسْأَلَة الْأَجَل وَمَا مَعهَا لِأَنَّهَا تخل بِالثّمن، وَلَكِن لَا رَبًّا فِيهَا بل فِيهَا مصلحَة لِأَن هَذَا انْتفع بالأجل وَالْآخر انْتفع بِزِيَادَة فِي الثّمن أَو التَّوَثُّق. وَلذَا ورد الشَّرْع بجوازها هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل وَالله أعلم. فَلَو قَالَ النَّاظِم:
وَالْبيع وَالشّرط الْمنَافِي إِن وَقع لما من التحجير ذَا فِيهِ امْتنع وكل مَا لَيْسَ فِيهِ تحجير وَلَا رَبًّا جَوَازه مأثور لتنزل على مَا ذكرنَا. وَالشَّرْطُ إنْ كانَ حَرَاماً بَطَلَا بهِ المبيعُ مُطْلَقاً إنْ جُعِلا (وَالشّرط إِن كَانَ حَرَامًا) كَشَرط عدم منع الْجَارِيَة الرفيعة من الدُّخُول وَالْخُرُوج أَو شَرط أَنَّهَا مغنية وَقصد بذلك الزِّيَادَة فِي الثّمن بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة لَا أَن قَالَ: قصدت بذلك التبرىء من عيب الْغناء أَو شَرط الْخِيَار إِلَى أمد بعيد لَا يجوز مثله فِي تِلْكَ السّلْعَة، أَو بيع الدَّار على شَرط أَن تكون مجمعا لأهل الْفساد أَو بَاعهَا على شَرط أجل مَجْهُول كَقَوْلِه: لَا نؤديك الثّمن حَتَّى تبيع سلعتك أَو أَشْتَرِي سلْعَة بِثمن مُؤَجل على أَنه إِن مَاتَ فالثمن صَدَقَة عَلَيْهِ، أَو اشْترِي جَارِيَة على أَنه إِن وَطئهَا فَهِيَ حرَّة أَو عَلَيْهِ دِينَار أَو بَاعَ الدَّابَّة وَنَحْوهَا على شَرط الْحمل، أَو بَاعَ الثَّوْب على شَرط أَن لَا يقلبه وَلَا ينشره أَو على أَنه بِعشْرَة نَقْدا أَو أَكثر لأجل بِشَرْط الْإِلْزَام، وَهِي مَسْأَلَة بيعَتَيْنِ فِي بيعَة، أَو يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ شَيْئا من الثّمن وَيشْتَرط على المُشْتَرِي أَنه إِن كره البيع لم يعد إِلَيْهِ مَا دَفعه، وَإِن أحبه حاسب بِهِ من الثّمن وَهِي مَسْأَلَة بيع العربان وتصويرهم لَهَا يدل على أَن البيع وَقع على الْخِيَار كَمَا ترى، وَهُوَ نَص الْمُتَيْطِيَّة. وَأما إِن كَانَ على اللُّزُوم وَيدْفَع بعض الثّمن وَيتْرك السّلْعَة تَحت يَد البَائِع حَتَّى يكمل لَهُ، فَهَذَا لَا يمْنَع وَهُوَ الْوَاقِع فِي زمننا كثيرا فَإِذا لم يرجع المُشْتَرِي فَهُوَ ظَالِم فيرفع البَائِع أمره إِلَى الْحَاكِم فيبيع السّلْعَة ويقبضه بَقِيَّة ثمنهَا بعد أَن يثبت الشِّرَاء على الْحُلُول وغيبة المُشْتَرِي ويتبعه بِالْبَاقِي إِن لم يوف مَتى لقِيه أَو اشْتَرَاهُ على شَرط أَن البَائِع إِذا أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ وَهِي مَسْأَلَة الثنيا، وَسَتَأْتِي. فَهَذَا كُله مِمَّا يدْخل فِي النّظم فَإِذا وَقع شَيْء من ذَلِك (بطلا بِهِ الْمَبِيع) بِمَعْنى البيع فَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول وَإِرَادَة الْمصدر كالمفتون بِمَعْنى الْفِتْنَة، وَتقدم نَظِير ذَلِك قبيل بَاب الْيَمين (مُطلقًا) حذف الشَّرْط أم لَا أثر فِي الثّمن خللاً أم لَا. وَإِن كَانَ الشَّرْط من حَيْثُ هُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا يَخْلُو عَن تَأْثِير لِأَنَّهُ إِن كَانَ من البَائِع أثر الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ من المُشْتَرِي أثر النُّقْصَان، وَلَا يقْصد الْمُتَبَايعَانِ فِي الْغَالِب، إِلَى اشْتِرَاط مَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ نقص أَو زِيَادَة وَالله أعلم. (إِن جعلا) أَي وَقع وَقد تحصل مِمَّا مرّ أَن الشَّرْط الْحَرَام يبطل مَعَه البيع وَلَو حذف، وَالشّرط الْمنَافِي للمقصود وَشرط السّلف فِي البيع يبطل مَعَه البيع مَا لم يحذف الشَّرْط، وَإِذا بَطل فَيرد وَلَا غلَّة تصحبه، وَلَو علم المُشْتَرِي بِالْفَسَادِ
كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس وَالشّرط الْحَلَال الَّذِي لَا يُنَافِي العقد بل يعود عَلَيْهِ بمصلحة كَالرَّهْنِ وَنَحْوه يَصح فِيهِ البيع وَالشّرط؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وَبَقِي قسم رَابِع فَيصح فِيهِ البيع وَيبْطل الشَّرْط وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي التَّنَاوُل بقوله: وَالْعَبْد ثِيَاب مهنته. وَهل يُوفي بِشَرْط عدمهَا وَهُوَ الْأَظْهر أَو لَا. كمشترط زَكَاة مَا لم يطب وَأَن لَا عُهْدَة أَي إِسْلَام من عيب أَو اسْتِحْقَاق أَو لَا مواضعة أَو لَا جَائِحَة، أَو إِن لم يَأْتِ بِالثّمن لكذا فَلَا بيع الخ. أَي: فَالْبيع فِي ذَلِك كُله صَحِيح وَالشّرط بَاطِل، وَمعنى الْأَخير مِنْهَا مَا قَالَه أَبُو الْحسن فِي شرح خلع الْمُدَوَّنَة عِنْد قَوْلهَا: أَو الْوَعْد إِن ورطها. قَالَ: يقوم مِنْهَا أَن من بَاعَ سلْعَة بِشَرْط أَن لَا ينْعَقد البيع إِلَّا عِنْد دفع الثّمن أَن ذَلِك جَائِز كَمَا قَالَ فِي الْخلْع بِخِلَاف مَا إِذا انْعَقَد البيع بَينهمَا، ثمَّ قَالَ: إِن لم تأت بِالثّمن لكذا فَلَا بيع؛ فَهَذَا يبطل فِيهِ الشَّرْط وَيصِح فِيهِ البيع اه. ابْن عَرَفَة: وَالْبيع بِشَرْط أَن لَا يَبِيع إِن لم ينْعَقد إِلَى أجل قريب فِي فَسخه وَتَمَامه بِشَرْطِهِ تَمَامه بإبطاله. رَابِعهَا: يُوقف المُشْتَرِي إِن نقد مضى وَإِلَّا رد ثمَّ قَالَ فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا لمَالِك: من اشْترى سلْعَة على أَن لم ينْقد ثمنهَا إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام، وَفِي مَوضِع آخر إِلَى عشرَة أَيَّام، فَلَا بيع بَيْننَا لَا يُعجبنِي البيع على هَذَا فَإِن نزل جَازَ البيع وَبَطل الشِّرَاء اه. وَضَمان السّلْعَة وَإِن كَانَت حَيَوَانا من البَائِع حَتَّى يقبضهَا الْمُبْتَاع بِخِلَاف البيع الصَّحِيح تحبس فِيهِ بِالثّمن، فَإِن هلاكها من الْمُبْتَاع بعد عقده البيع اه كَلَامه. فَظَاهره أَن السّلْعَة إِذا هَلَكت قبل قبضهَا فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَإِن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع لحكمه لصِحَّة البيع فِيهَا على هَذَا القَوْل، وَلَا معنى للصِّحَّة إِلَّا تَرْتِيب آثارها عَلَيْهَا وَغَيره فَتَأَمّله وَالله أعلم. تَنْبِيه: بيع الْجَارِيَة لمن يعلم أَنه يسامحها فِي الزِّنَا وَلَا يمْنَعهَا الدُّخُول وَالْخُرُوج مَمْنُوع، وَإِن لم يشْتَرط البَائِع ذَلِك عَلَيْهِ، وَكَذَا بيع الْعِنَب لمن يعصرها خمرًا وَبيع السِّلَاح من الْكَفَرَة وعصاة الْإِسْلَام وَغير ذَلِك من كل مَا يتَأَذَّى بِهِ مُسلم، وَكَذَا بيع الدَّار لمن يعلم أَنه يتخذها مجمعا لأهل
الْفساد وَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ أَن يتخذها أَو يتخذها كَنِيسَة، وَكَذَا الْخَشَبَة لمن يتخذها صليباً والنحاس لمن يَتَّخِذهُ ناقوساً وكل شَيْء يعلم أَن المُشْتَرِي قصد بِهِ أمرا لَا يجوز. وَلما ذكر أَنه لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ الشَّرْط الْحَرَام أَو الْمنَافِي للمقصود ذكر أَنه لَا يجوز أَيْضا اجتماعه مَعَ شَيْء من عُقُود سِتَّة فَقَالَ: وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شَرْكةٍ وَمَعْ صَرْفٍ وَجُعْل وَنِكاحٍ امْتَنعْ وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ وَأَشْهَبُ الجَوازُ عَنْهُ مَاضِ أَي: لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه الْعُقُود السِّتَّة خلافًا لأَشْهَب لتنافي أَحْكَامهَا لِأَن حكم الصّرْف المناجزة، وَيجوز فِي البيع التَّأْخِير والمناجزة، وَإِذا اسْتحقَّت السّلْعَة الْمَبِيعَة مَعَ الصّرْف لم يجز التَّمَسُّك بِالصرْفِ، وَلَا يجوز الْخِيَار فِي الصّرْف، وَيجوز فِي البيع وَيجوز التَّصْدِيق فِي البيع وَلَا يجوز فِي الصّرْف. وَأما الْجعل؛ فَحكمه عدم اللُّزُوم بِخِلَاف البيع وَلَا يكون فِي الْجعل أجل بِخِلَاف البيع والجعل على الْأَمَانَة بِخِلَاف البيع، وَيجوز فِيهِ الْغرَر الْمُنْفَرد بِهِ بِخِلَاف البيع. وَأما النِّكَاح؛ فعلة عدم اجتماعه أَيْضا مَعَ البيع أَن النِّكَاح على المكارمة وَالْبيع على المكايسة، وَيجوز أَن لَا يدْخل بِالْمَرْأَةِ إِلَى سنة لموجب من صغر وَنَحْوه، وَلَا يجوز تَأْخِير الْقَبْض فِي الْمَبِيع الْمعِين الْحَاضِر. وَأما الْمُسَاقَاة فَلِأَنَّهُ يجوز فِيهَا الْغرَر دون البيع وفيهَا بيع التمرة قبل الطّيب، وَلَا يجوز ذَلِك فِي البيع وَهِي مُسْتَثْنَاة من الْإِجَارَة المجهولة وَالْبيع أصل فِي نَفسه. وَأما الشّركَة؛ فَلِأَنَّهَا على الْأَمَانَة وَلَا كَذَلِك البيع، وَيجوز فِيهِ الْأَجَل دون الشّركَة فَلَا تكون إِلَى أجل. وَأما الْقَرَاض؛ فَلِأَنَّهُ على الْأَمَانَة دون البيع وَهُوَ مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة المجهولة بِخِلَاف البيع فَهُوَ أصل فِي نَفسه. هَذَا معنى تنَافِي الْأَحْكَام، وَوجه قَول أَشهب بِجَوَاز اجْتِمَاع هَذِه الْعُقُود أَنه لما جَازَ كل عقد على انْفِرَاده جَازَ مجتمعاً. ابْن الْحَاج: من اشْترى نصف كرم وَاشْترط على البَائِع زِيَادَة فِي الْغَرْس والتزريب لَا يجوز لِأَن المغارسة من نَاحيَة الْجمل قارنها بيع فَلَا يجوز اجْتِمَاعهمَا، فَإِن فَاتَت وَجب تصحيحها بِالْقيمَةِ فِي نصف الْكَرم يَوْم الْقَبْض على الْمُبْتَاع وغراسه لَهُ، وللمبتاع قيمَة الْغَرْس فِي النّصْف الآخر على البَائِع قَائِما يَوْم الحكم على حَاله اه من الْبُرْزُليّ. الْقَرَافِيّ: ويجمعها قَوْلك: جص مشنق ونظمها بَعضهم فَقَالَ: عُقُود منعناها مَعَ البيع سِتَّة ويجمعها فِي اللَّفْظ جص مشنق
فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض منع هَذَا مُحَقّق وَزَاد أَبُو الْحسن الْقَرْض أَي السّلف، فَلَا يجْتَمع مَعَ البيع، وَيُمكن أَن يكون اسْتغنى عَنهُ النَّاظِم بِدُخُولِهِ فِيمَا قبله من الشَّرْط الْحَرَام، وكما لَا يجْتَمع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه السَّبع بِزِيَادَة الْقَرْض، كَذَلِك لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد لافتراق أَحْكَامهَا كَمَا عَلمته مِمَّا مرّ أَيْضا، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يُقَال: ثَمَانِيَة عُقُود لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد ونظمها (ح) فَقَالَ: عُقُود منعن اثْنَيْنِ مِنْهَا بعقدة لكَون مَعَانِيهَا مَعًا تتفرق فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض قرض بيع مُحَقّق قَالَ: وقرض يقْرَأ بِغَيْر تَنْوِين ومعاً بِمَعْنى جَمِيعًا. قلت: وكما لَا يجْتَمع الصّرْف مَعَ وَاحِد مِمَّا ذكر كَذَلِك لَا يجْتَمع مَعَ الْهِبَة. الْبُرْزُليّ: وَكَذَا لَا يجْتَمع بيع الْخِيَار وَبيع الْبَتّ وَلَا بيع السّلم وَبيع النَّقْد قَالَ: وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَه وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَه (ونجس) بِفَتْح الْجِيم أَي عين النَّجَاسَة كالميتة وجلدها وَلَو دبغ أَو مُتَنَجّس لَا يقبل التَّطْهِير كالزيت الْمُتَنَجس وَنَحْوه من سَائِر الْمَائِعَات الَّتِي حلتها النَّجَاسَة (صفقته محظورة) أَي مَمْنُوعَة على الْمَشْهُور، وَقيل: بِجَوَاز بَيْعه وَهِي رِوَايَة ابْن وهب انْظُر شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْغسْل بالصابون قد صنعه الخ. وَأما الْمُتَنَجس الَّذِي يقبل التَّطْهِير كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجس فَيجوز بَيْعه مَعَ الْبَيَان إِن كَانَ جَدِيدا مُطلقًا كَغَيْرِهِ إِن أفْسدهُ الْغسْل، وَإِن لم يبين فلمشتريه الرَّد لِأَنَّهُ عيب، فَإِن كَانَ غير جَدِيد وَلَا يُفْسِدهُ الْغسْل فَلَيْسَ بِعَيْب، وَلَكِن يجب الْبَيَان خشيَة أَن يُصَلِّي فِيهِ خُصُوصا إِن كَانَ بَائِعه مِمَّن يُصَلِّي قَالَ (ح) : وَانْظُر أَوَاخِر بُيُوع العلمي فَإِنَّهُ ذكر أَن الْعَمَل جَار على جَوَاز بيع الزَّيْت الْمُتَنَجس مِمَّن يصلح بِهِ الْقَنَاة أَو يستصبح بِهِ أَو يعْمل مِنْهُ الصابون، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَ المُشْتَرِي مِمَّن يوثق بِهِ وَلَا يغش، وَنَحْوه فِي العلميات حَيْثُ قَالَ: وَالْغسْل بالصابون الخ. (ورخصوا فِي الزبل) أَي فضلات الدَّوَابّ الْغَيْر المأكولات اللَّحْم ورجيع بني آدم (للضَّرُورَة) أَي
الِانْتِفَاع بِهِ، وَالْمَاء الْمُضَاف بالنجاسات كالزبل فِي جَوَاز بَيْعه للسقي بِهِ لضَرُورَة النَّاس إِلَيْهِ قَالَه فِي المقرب. قَالَ ابْن الْقَاسِم: سَمِعت مَالِكًا يكره بيع رجيع بني آدم وَلم أسمع مِنْهُ فِي الزبل شَيْئا وَلَا أرى بِهِ بَأْسا اه. وَفِي النَّوَادِر عَن ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس بِأَكْل مَا زبل بِهِ أَي برجيع بني آدم. وَقَالَ أَشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إِلَّا من اضْطر إِلَيْهِ، والمبتاع أعذر فِي شِرَائِهِ من بَائِعه. قَالَ (ح) : ويتحصل فِي بيع الْعذرَة أَرْبَعَة أَقْوَال. الْمَنْع لمَالِك على فهم الْأَكْثَر من أَن الْكَرَاهَة على التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة على فهم أبي الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا وَالْجَوَاز لِابْنِ الْمَاجشون. وَالْفرق بَين الِاضْطِرَار فَيجوز وَعَدَمه فَيمْنَع لأَشْهَب. قَالَ: وَأما الزبل فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. قاسه ابْن الْقَاسِم على الْعذرَة فِي الْمَنْع عِنْد مَالك، وَعَلِيهِ درج (خَ) فِي قَوْله: لَا كزبل الخ. وَقَول ابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَقَول أَشهب الْمُتَقَدّم وَأَن المُشْتَرِي أعذر من البَائِع، وعَلى مَا ذكره أَبُو الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا تكون الْأَقْوَال فِي الزبل أَرْبَعَة أَيْضا اه. بِبَعْض اخْتِصَار، وَزِيَادَة فِي الْإِيضَاح، وَعَلِيهِ فَلَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أَرَادَ بالزبل مَا يَشْمَل الْعذرَة كَمَا قَررنَا، وَأما بيع زبل الْمَأْكُول اللَّحْم وَهُوَ الْأَنْعَام من بقر وإبل وغنم فَجَائِز اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَب. تَنْبِيه: مَا تقدم من عدم جَوَاز بيع جلد الْميتَة وَلَو دبغ هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن وهب: يجوز بَيْعه بعد الدبغ بِشَرْط الْبَيَان، وعَلى الْمَشْهُور من عدم جَوَاز بَيْعه فَإِن وَقع وَاشْترى بِثمنِهِ غنما مثلا فتوالدت وَتعذر رده فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بِالثّمن فَقَط نَقله (ح) . وَمن اسْتَهْلكهُ قبل الدبغ أَو بعده فَعَلَيهِ قِيمَته. قَالَ ابْن نَاجِي فِي آخر كتاب الضَّحَايَا عِنْد قَوْلهَا: وَإِن كَانَ أَي الْكَلْب مَأْذُونا فِي اتِّخَاذه وقته غرم قِيمَته مَا نَصه: يقوم مِنْهَا أَن من قتل أم ولد رجل يغرم قيمتهَا، وَأَن من اسْتهْلك لحم أضْحِية فَكَذَلِك، وَكَذَلِكَ من اسْتهْلك زيتاً نجسا أَو جلد ميتَة أَو زرعا قبل بَدو صَلَاحه اه. وَانْظُر تَكْمِيل الْمنْهَج أول الْبيُوع.
(فصل فِي بيع الْأُصُول)
الأَرْض وَمَا اتَّصل بهَا فَيشْمَل الدّور والحوانيت والفنادق والجنات. البَيْعُ فِي الأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا إلاَّ بِشَرْطٍ فِي البُيُوعِ مُتَّقَى
(البيع) الَّذِي عقد مُعَاوضَة كَمَا مر (فِي الْأُصُول) الْمَذْكُورَة (جَازَ مُطلقًا) يَأْتِي تَفْسِيره فِي الْبَيْت بعده (إِلَّا بِشَرْط فِي الْبيُوع يتقى) يمْنَع لكَونه يُنَافِي الْمَقْصُود أَو حَرَامًا كَمَا مر. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا مر، وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره لِئَلَّا يتَوَهَّم شُمُول الْإِطْلَاق لَهُ. بِأَضْرُبِ الأَثْمَانِ وَالآجَالِ مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي المَالِ (بأضرب الْأَثْمَان) يتَعَلَّق بجاز وَهُوَ وَمَا بعده تَفْسِير للإطلاق أَي: يجوز بيع الْأُصُول بأصول مثلهَا أَو بِعَين أَو بِعرْض أَو طَعَام أَو حَيَوَان عَاقل أَو غير عَاقل بالحلول (و) ب (الْآجَال) الْمَعْلُومَة نصا أَو عرفا كَانَ الْمُؤَجل هُوَ الْمُثمن كَقَوْل (خَ) فِي الْإِجَارَة: وَبيع دَار لتقبض بعد عَام أَو الثّمن كبيعها بِعشْرَة إِلَى شهر مثلا. ابْن عَرَفَة: فمجهول الْأَجَل فَاسد ومعروفه بالشخص وَاضح، وبالعرف كَاف. روى مُحَمَّد: لَا بَأْس بِبيع أهل السُّوق على التقاضي وَقد عرفُوا ذَلِك بَينهم، ثمَّ قَالَ: وبعيد الْأَجَل مَمْنُوع فِيهَا، وَيجوز بيع السّلْعَة إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَسمع أصبغ ابْن الْقَاسِم: أكره الْعشْرين وَلَا أفسخه وَلَو كَانَ للسبعين لفسخته أنظر (ح) أَوَائِل بُيُوع الْآجَال. وَقَوله: وَقد عرفُوا قدر ذَلِك بَينهم الخ. فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة من الْمُدَوَّنَة عَن ابْن عمر رضي الله عنه، أَنه كَانَ يبْتَاع وَيشْتَرط على البَائِع أَنه يُعْطِيهِ الثّمن إِذا خرجت غَلَّته أَو إِلَى خُرُوج عطائه. ابْن عتاب: الْعَطاء كَانَ وقتئذ مَأْمُونا خُرُوجه فِي وقته الْمَعْلُوم لَا يتَخَلَّف فِي الْأَغْلَب. وَذكر ابْن حبيب فِي كِتَابه عَن أَشهب، أَنه سُئِلَ عَمَّن بَاعَ رزقه الَّذِي يخرج لَهُ سنتَيْن ثمَّ مَاتَ فَقَامَ
الْغَرِيم على الْوَرَثَة فِي ذَلِك أَيكُون ذَلِك حَلَالا؟ قَالَ: نعم ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم من مَال الْمَيِّت يعطونه قمحاً مثل الْقَمْح الَّذِي بَاعه من رزقه وعَلى صفته قَالَ فضل: هَذَا يدل على أَنه إِذا قطعه السُّلْطَان عَنهُ بعد مَا بَاعه فَإِن البَائِع يُؤْخَذ بِمثل ذَلِك عِنْد الْأَجَل الَّذِي هُوَ وَقت خُرُوجه اه. نَقله الْبُرْزُليّ. تَنْبِيهَات. الأول: الْعرُوض مثل الْأُصُول فِي هَذَا الْعُمُوم الَّذِي فِي النّظم بِخِلَاف الطَّعَام، وَبَعض الْحَيَوَانَات كَبيع صَغِير بكبير من جنسه إِلَى أجل يصير فِيهِ الصَّغِير كَبِيرا أَو يلد فِيهِ الْكَبِير صَغِيرا. الثَّانِي: إِن تعدّدت السكَك فِي الْبَلَد وَلم يبين فَإِن اتّحدت رواجاً قَضَاهُ من أَيهَا شَاءَ، وَإِن اخْتلفت قَضَاهُ من الْغَالِب إِن كَانَ وإلاَّ فسد البيع لعدم الْبَيَان وَهُوَ قَول (خَ) وَجَهل بمثمن أَو ثمن، وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وكل مَا يَصح ملكا يمهر. فقد نقلنا هُنَاكَ كَلَام الْمُتَيْطِيَّة. الْبُرْزُليّ: هَذَا إِذا كَانَت تخْتَلف اخْتِلَافا كثيرا وَإِن كَانَ يَسِيرا جدا جَازَ لِأَنَّهُ من الْغرَر الْيَسِير الَّذِي قل أَن تَخْلُو مِنْهُ المبيعات على مَا أَصله الْفُقَهَاء. انْظُر الورقة الثَّامِنَة عشر من أنكحته. الثَّالِث: لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قبض الثّمن بعد مُضِيّ عَام وَنَحْوه من يَوْم البيع فَقَالَ المُشْتَرِي: دَفعته لَك. وَقَالَ البَائِع: لم تَدْفَعهُ لي فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي على الْمُعْتَمد كَمَا فِي حَاشِيَة الصعيدي و (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي الْعُيُوب، ثمَّ قَضَاهُ إِن أثبت عُهْدَة مؤرخة الخ. خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي قَوْله: إِن القَوْل قَول البَائِع إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فَإِنَّهُ ضَعِيف. الرَّابِع: ظَاهر قَول النَّاظِم. بأضرب الْأَثْمَان والآجال. أَنه لَا فرق بَين أَن يكون الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل أَو الثّمن هُوَ الْمُؤَجل، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَررنَا، وَلَكِن إِذا كَانَ الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل فَهُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَفِيه تَفْصِيل فَإِن تَأَخّر لما يتَغَيَّر فِيهِ امْتنع وإلاَّ جَازَ، فالدار مثلا يجوز بيعهَا لمُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف صِحَّتهَا وَجدتهَا وَعدم ذَلِك فَلَا مَفْهُوم لعام فِي قَول (خَ) : وَدَار لتقبض بعد عَام فَالْمُعْتَبر فِي أجل مَنْفَعَة الرّبع مَا لَا يتَغَيَّر فِيهِ غَالِبا، فَيجوز فِيهِ العقد والنقد وَمَا لَا يُؤمن تغيره لطول مدَّته أَو ضعف بنائِهِ جَازَ فِيهِ العقد لَا النَّقْد، وَمَا غلب على الظَّن عدم بَقَائِهِ لمُدَّة لم يجز العقد عَلَيْهِ لتِلْك الْمدَّة قَالَه ابْن عَرَفَة. وَكَذَا الأَرْض يجوز بيعهَا لتقبض بعد عشْرين سنة كَمَا فِي (خَ) أَيْضا فاغتفر ذَلِك فيهمَا لانْتِفَاء الْغرَر إِذْ لَا يتغيران فِي تِلْكَ الْمدَّة غَالِبا وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فيهمَا لغَلَبَة سلامتهما فِي تِلْكَ الْمدَّة، وَأما الْحَيَوَان فَيجوز بَيْعه واستثناء ركُوبه الثَّلَاثَة لَا جُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط، وَيجوز كِرَاء الدَّابَّة واستثناء ركُوبهَا شهرا إِن لم ينْقد كَمَا فِي (خَ) فَفرق بَين البيع والكراء فَفِي البيع لَا يجوز إِلَّا اسْتثِْنَاء الثَّلَاثَة، وَفِي الْكِرَاء يجوز اسْتثِْنَاء الشَّهْر إِن لم ينْقد كَمَا ترى. وَالْفرق أَن ضَمَانهَا فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء من المُشْتَرِي بِخِلَافِهِ فِي الْكِرَاء فضمانها من الْمَالِك، وعَلى كل حَال فَفِي ذَلِك بيع ذَات الْمعِين أَو منفعَته يتَأَخَّر قَبضه، وَأما غير ذَلِك من السّلع فَيجوز إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ فِي السّلم الأول من الْمُدَوَّنَة: وَإِن شَرط قبض السّلْعَة الْمَبِيعَة بعد الْيَوْمَيْنِ جَازَ بِقرب الْأَجَل وَلَو شَرط فِي طَعَام بِعَيْنِه كَيْله إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، وَكَذَا السّلع كلهَا شَرط ذَلِك البَائِع أَو الْمُبْتَاع اه. هَذَا ضَابِط مَا يمْتَنع فِيهِ بيع معِين بِشَرْط تَأْخِير قَبضه فقد دعتني
القريحة إِلَى تَحْصِيله لِأَن كَلَام الْفُقَهَاء مشحون بِهِ، وَقد تعرض إِلَى تَفْصِيله ابْن عَرَفَة مَعَ ذكر الِاخْتِلَاف وَالْمُعْتَمد مَا تقدم. قَالَ طفي عِنْد قَول (خَ) فِي الصَدَاق: وَوَجَب تَسْلِيمه أَن تعين مَا نَصه ظَاهره أَن وجوب التَّسْلِيم حق لله وَأَن العقد يفْسد بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي إِذا وَقع العقد بِشَرْط التَّأْخِير وإلاَّ فَالْحق فِي التَّعْجِيل وَلَا مَحْظُور فِي ذَلِك لدُخُوله فِي ضَمَانهَا بِالْعقدِ فلهَا أَن تتركه عِنْد الزَّوْج على وَجه الْأَمَانَة، وَمحل فَسَاده بِاشْتِرَاط التَّأْخِير حَيْثُ لم يكن مُؤَجّلا بِأَجل مَعْلُوم يجوز التَّأْخِير إِلَيْهِ كَبيع دَار لتقبض بعد عَام الخ. وَقَالَ طفي أَيْضا قبل بُيُوع الْآجَال بعد نَقله كَلَام ابْن عَرَفَة مَا نَصه: وَيفهم من مَنعه تَأْخِير الْمعِين مَعَ الشَّرْط أَن من اشْترى شَيْئا معينا وَلم يقبضهُ لَا مَحْظُور فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك إِذا لم يَأْخُذهُ فِي دين فَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا وَإِن ابتعت ثوبا بِعَيْنِه بِدِينَار إِلَى أجل فَتَأَخر قبض الثَّوْب فلك قَبضه وَالْبيع تَامّ اه. فَظَاهره وَلَو تَأَخّر أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا. قلت: وَلذَا قَالُوا يجوز تَأْخِير رَأس المَال الْمعِين فِي السّلم بِلَا شَرط وَلَو إِلَى حُلُول أجل السّلم كَمَا فِي (ح) وَغَيره. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي فصل السّلم. وَأما الْمَأْخُوذ فِي الدّين فَلَا يجوز التَّأْخِير بِشَرْط أَو غَيره على ظَاهر كَلَامهم الْآتِي فِي فصل التصبير، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ مَا يدل على جَوَاز التَّأْخِير بِلَا شَرط فِي الْمَأْخُوذ عَن الدّين أَيْضا فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة أَيْضا، وَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي زرعا قد استحصد كل قفيز بِكَذَا نقدته الثّمن أم لَا. وَإِن تَأَخّر جذاذه إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَكَذَا فِي قسم الصُّوف على ظهر الْغنم اه. بِاخْتِصَار، وَبَعض زِيَادَة للإيضاح، ثمَّ اذا هلك الْمُشْتَرط تَأْخِيره فِي الْمدَّة الْجَائِزَة فضمانه من المُشْتَرِي وَفِي غَيرهَا من البَائِع لِأَنَّهُ بيع فَاسد فَلَا ينْتَقل ضَمَانه إِلَّا بِالْقَبْضِ. الْخَامِس: إِذا وَقع العقد بِثمن إِلَى أجل فِي وَثِيقَة بيع أَو سلف وَنَحْوه وَبعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمدَّة طَوِيلَة كالثلاثين سنة وَالْأَرْبَعِينَ مَعَ قيام الْأَحْكَام وَحُضُور رب الدّين والمدين قَامَ يَطْلُبهُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَة فَقَالَ الْمَدِين: قضيتك وباد شهودي وَنَحْو ذَلِك فَهَل يصدق الْمَدِين؟ وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فِي أول وَثِيقَة من الْبيُوع، وَفِي أنكحة الزياتي عَن بَعضهم أَنه الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل، وَمثله فِي الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ، أَو لَا يصدق وَيقْضى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ لعُمُوم قَوْله عليه السلام:(لَا يبطل حق امرىء مُسلم وَإِن قدم) . وَفِي أنكحة الزياتي أَيْضا عَن العبدوسي وَنَحْوه فِي دعاوى المعيار أَن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل قَالَ (ت) : وَبِه أفتى شُيُوخنَا. قلت: يجب أَن يُقيد القَوْل الثَّانِي بقيود أَن يكون الدّين ثَابتا بإشهاد الْمَدِين كَمَا أَشَرنَا فِي أصل الْمَسْأَلَة فَإِن كَانَ بِغَيْر كتاب أصلا أَو بِكِتَاب شهِدت بَيِّنَة بالمداينة على جِهَة الِاتِّفَاق لَا بإشهاد الْمَدِين إِيَّاهَا، فَإِن القَوْل للْمَدِين وَلَو لم يطلّ إِلَّا الْعَام والعامين كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث، وَذكر الامام الْخَرشِيّ فِي شَرحه عِنْد قَوْله فِي الْإِقْرَار أَو بقرض شكرا على الْأَرْجَح مَا نَصه: فَلَو أقرّ أَنه كَانَ تسلف من فلَان الْمَيِّت مَالا وقضاه إِيَّاه، فَإِن كَانَ مَا يذكرهُ من ذَلِك حَدِيثا لم يطلّ زَمَنه لم يقبل قَوْله، قَضيته إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِالْقضَاءِ، وَإِن كَانَ زمن ذَلِك طَويلا حلف الْمقر وبرىء اه. الْقَيْد الثَّانِي: أَن لَا يكون رب الدّين مَعْلُوما بالحرص على قبض دُيُونه إِذا خلت كَمَا هِيَ عَادَة كثير من تجار زمننا الْيَوْم، وإلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْقَضَاء. الْقَيْد الثَّالِث: أَن لَا يكون وَقع بَين ربه
والمدين شنآن وخصومة وَإِلَّا فَالْقَوْل للْمَدِين أَيْضا فَفِي أنكحة المعيار فِي من طلق زَوجته فَمَاتَتْ وَقَامَ وارثها عَلَيْهِ بصداقها فَادّعى الزَّوْج دَفعه أَنه لَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن يثبت أَنه كَانَ بَينهمَا شنآن وَالله أعلم. السَّادِس: إِذا وَقع عِنْد الْمُعَامَلَة إِلَى أجل فتغيرت السِّكَّة الْجَارِيَة وَقت العقد لزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو بطلت بِالْكُلِّيَّةِ قبل الْأَجَل أَو بعده، فَإِنَّهُ يجب على المُشْتَرِي أَو المتسلف أَن يَقْضِيه من تِلْكَ السِّكَّة وَلَا يعْتد بزيادتها كَمَا لَا يغرم نقصانها (خَ) : وَإِن بطلت فلوس فالمثل أَو عدمت فَالْقيمَة الخ. وَقيد الوانوغي عدم غرمه نقصانها أَو غرمها من أَصْلهَا إِذا أبطلت السِّكَّة بِالْكُلِّيَّةِ بِمَا إِذا لم يحصل من المُشْتَرِي أَو المتسلف مطل بعد حلولها، وَإِلَّا بِأَن حصل مِنْهُ مطل بعد الْحُلُول فتغيرت فِي مُدَّة مطله فَإِنَّهُ يغرم لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ظَالِم لقَوْله عليه الصلاة والسلام:(مطل الْغَنِيّ ظلم) . وارتضى تَقْيِيده الْمَذْكُور ابْن غَازِي وَغَيره، وَبحث فِيهِ الْبَدْر الْقَرَافِيّ وَتَبعهُ الشَّيْخ بناني وَغَيره بِأَن المماطل لَا يكون أَسْوَأ حَالا من الْغَاصِب، وَقد قَالَ (خَ) فِي الْغَاصِب: والمثلى وَلَو بغلاء بِمثلِهِ الخ. قلت: يرد بحثهم بِأَن الْمَسْأَلَة من بَاب التَّعَدِّي لَا من بَاب الْغَصْب، والمتعدي يضمن مَا آل الْأَمر إِلَيْهِ. أَلا ترى أَن الْمُتَعَدِّي على الْمَنْفَعَة يضمن الذَّات آل الْأَمر إِلَى تلفهَا، والمطل من ذَلِك لِأَنَّهُ يماطله لينْتَفع ويتوسع حَتَّى آل إِلَى التّلف للْكُلّ أَو الْبَعْض، وَقد علمت أَنه لَا يُقَاس التَّعَدِّي على الْغَصْب وَلَا الْعَكْس لاخْتِلَاف أحكامهما، وبحثهم أَيْضا بِأَن تَقْيِيد الوانوغي خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة، وَقد تقرر أَن ظَاهرهَا كالنص عِنْدهم الخ. يرد بِأَن الْمُطلق على إِطْلَاقه مَا لم يقم دَلِيل على تَقْيِيده، وَقد قَامَ الدَّلِيل على تقييدها من مَوَاضِع لَا تحصى، أَلا ترى أَن المماطل تسبب بمطله فِي إِتْلَاف الثّمن أَو بعضه على ربه فَهُوَ كمانع مدية الذَّكَاة حَتَّى تلف المذكى، وكالملد يتسبب فِي غرم الطَّالِب أُجْرَة العون، وكالولي يُؤَخر دفع مَال الْيَتِيم إِلَيْهِ بعد رشده حَتَّى تلف، وكالمودع عِنْده يُؤَخر دفع الْوَدِيعَة لِرَبِّهَا بعد طلبه إِيَّاهَا فَوَجَبَ الْغرم على المتسبب فِي ذَلِك كُله، بل ذكر السُّيُوطِيّ أَن نَاظر الْوَقْف إِذا قبض كِرَاء ربع الْوَقْف وَأخر صرفه لأربابه عَن وقته الْمَشْرُوط صرفه فِيهِ مَعَ إِمْكَانه حَتَّى تغير النَّقْد بِنَقص فَإِنَّهُ يضمن النَّقْص فِي مَاله لتعديه، وَهُوَ نَص فِي النَّازِلَة جَار على مَذْهَبنَا لما مر فِيمَن أخر مَال الْيَتِيم، وَكَذَا لَو بور الْوَلِيّ رباع الْيَتِيم حَتَّى دثرت مَعَ إِمْكَانه صيانتها فَإِنَّهُ ضَامِن لتعديه بِعَدَمِ فعل مَا وَجب عَلَيْهِ. وَقد نَص الإِمَام مَالك وَأَصْحَابه على مثل التَّقْيِيد الْمَذْكُور فِي نَظِير الْمَسْأَلَة فَفِي الْمسَائِل الملقوطة. وَنَقله (ح) أَوَاخِر الْعُيُوب مُسلما مَا مَعْنَاهُ: وَمن عَلَيْهِ طَعَام ومكنه من ربه مرَارًا فَأبى ربه من قَبضه حَتَّى غلا قَالَ مَالك: لَيْسَ لرَبه المكيلة وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَته يَوْم امْتنع من أَخذه وَلم يخْتَلف فِي هَذَا اه. فَهَذِهِ وَقع المطل فِيهَا من الْقَابِض وَمَا نَحن فِيهِ وَقع فِيهِ المطل من الدَّافِع وهما سَوَاء فِي الْمَعْنى، فالقيد الْمَذْكُور سلمه الأكابر وَوَجهه ظَاهر، وَلَا سِيمَا على مَا مر عَن الْمسَائِل الملقوطة من عدم الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك والتفريق بَين مطل الدَّافِع ومطل الْقَابِض عملا بِالْيَدِ لَا يَصح بِحَال وبحثهم أَيْضا بِأَن ربه كَانَ لَهُ طلبه عِنْد الْحَاكِم وَأَنه دخل على أَن يماطله أَو يفلس كُله لَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن المماطل إِنَّمَا ضمن بِسَبَب تعديه بترك فعل مَا وَجب عَلَيْهِ من الْأَدَاء بعد طلبه، ومطل الْغَنِيّ ظلم، وَلَا يخفى أَنه لم يدْخل مَعَه على
المماطلة المؤدية لتلف شَيْئه، وَلَو كَانَ عدم الدّفع للْحَاكِم حجَّة لم يكن لمطل الْقَابِض أثر وَلم يضمن الْوَلِيّ بِتَأْخِير الدّفع للرشيد لِأَنَّهُ لم يرفعهُ وَالله أعلم. السَّابِع: إِذا وَقع عقد الْمُعَامَلَة فِي وَقت يتَسَامَح النَّاس فِي اقْتِضَاء الدَّرَاهِم النَّاقِصَة، وَكَانَ الْقَضَاء بعد النداء على التَّعَامُل بالوازن فَقَالَ ابْن لب: يجب أَن ينظر إِلَى زمن العقد فَإِن كَانَت الدَّرَاهِم يَوْمئِذٍ نَاقِصَة وكاملة قضى بالكاملة لِأَن قَبضه للناقصة يَوْمئِذٍ إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف وَلَا يقْضى بِهِ، وَإِن كَانَت كلهَا يَوْمئِذٍ نَاقِصَة لم يقْض عَلَيْهِ إِلَّا بهَا اه. . قلت: قَوْله يتَسَامَح النَّاس الخ. فِيهِ إِشْعَار بِأَن النَّاس كَانُوا يقبضون النَّاقِص على وَجه التسامح وَالْمَعْرُوف، وَيفهم مِنْهُ أَنهم إِذا كَانُوا يقبضونه لَا على التسامح بل لكَونه يروج عِنْدهم، فَالْحكم هُوَ مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الثَّانِي لِأَنَّهُ من تعدد السكَك حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الثَّامِن: إِذا وَقع البيع فَاسِدا لبعد أَجله وَنَحْو ذَلِك وَفَاتَ الْمَبِيع بِالْقيمَةِ، فأجرة الْمُقَوّم على البَائِع كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي أقضية المعيار:(مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال) مُتَعَلق بمقدر بعد قَوْله: جَازَ أَي عقد الْمُعَاوضَة فِي الْأُصُول جَازَ وَلزِمَ مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال الخ. وَهُوَ الرشيد الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَلَا يلْزم عقد الْمُعَاوضَة من غير الرشيد وَإِن كَانَ عقده جَائِزا صَحِيحا حَيْثُ كَانَ مُمَيّزا، وَلَا من الرشيد المحجر عَلَيْهِ كالمفلس، بل يتَوَقَّف لُزُوم بيعهمَا وشرائهما على إجَازَة الْوَلِيّ والغرماء. وَهَذَا الشَّرْط لَيْسَ خَاصّا بِبيع الْأُصُول بل هُوَ عَام فِيهَا وَفِي غَيرهَا، فَإِن غفل الْوَلِيّ عَن رد تصرف مَحْجُوره فَلهُ هُوَ رده بعد رشده، وَالْغلَّة الْحَاصِلَة فِيمَا بَين تصرفه ورد فعله للْمُشْتَرِي إِن لم يعلم بحجره فَإِن علم رد الْغلَّة وَيرد الْغنم مَعَ نسلها وَالْأَرْض وَلَو بنيت وَله قيمَة بنائِهِ وغرسه مقلوعاً لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ، وَأما المُشْتَرِي من غير الْمُمَيز فَيرد الْغلَّة مُطلقًا علم أَو لم يعلم لِأَن بَيْعه بَاطِل لم يَصح، ثمَّ مَحل الرَّد للمحجور بعد رشده إِذا صرف الثّمن فِيمَا لَهُ غنى عَنهُ، وَأما إِن صرف فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله فَإِنَّهُ يمْضِي بَيْعه وَلَا قيام لَهُ قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَنَقله (ت) فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا الْبُرْزُليّ وَغَيره وَهِي أَن كل من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لم يفعل غَيره فَفعله مَاض ونقلها (ق) عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع: وَجَاز من الْأَب عَن الْمُجبرَة. وَجائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الهَواءُ لأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ (وَجَائِز أَن يشترى الْهَوَاء) بِالْمدِّ وَهُوَ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأما بِالْقصرِ فَهُوَ مَا تحبه النَّفس وتهواه. قَالَ ابْن مَالك فِي قصيدته فِي الْمَقْصُور والممدود: أَطَعْت الْهوى فالقلب مِنْك
هَوَاء أَي: تلطف قَلْبك ولان حَتَّى صَار كالهواء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. قسا كصفا قد بَان عَنهُ صفاء. (لِأَن يُقَام مَعَه الْبناء) أَي: يجوز شِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا من هَوَاء فَوق سقف بَيت مَوْجُود لأجل أَن يُقيم المُشْتَرِي فِي ذَلِك الْهَوَاء بِنَاء مَوْصُوفا، فَمَعَ بِمَعْنى (فِي) . وَكَذَا يجوز شِرَاء هَوَاء فَوق هَوَاء كَشِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا فَوق عشرَة أَذْرع يبنيها البَائِع إِذا وصف الْبناء الْأَسْفَل والأعلى فِي هَذِه لرغبة صَاحب الْأَعْلَى فِي وثاقة بِنَاء الْأَسْفَل، ورغبة صَاحب الْأَسْفَل فِي خفَّة بِنَاء الْأَعْلَى وَيملك صَاحب الْأَعْلَى مَا فَوْقه من الْهَوَاء فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَكِن لَا يَبْنِي فِيهِ إِلَّا بِرِضا صَاحب الْأَسْفَل. وَهَذَا يُفِيد أَن من ملك أَرضًا يملك هواءها إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. وَلذَا جَازَ لَهُ بَيْعه، وَكَذَا يملك بَاطِنهَا على الْمُعْتَمد، إِذا تهدم بِنَاء الْأَسْفَل فَيَقْضِي عَلَيْهِ أَو على وَارثه أَو المُشْتَرِي مِنْهُ بإعادته لِأَنَّهُ مَضْمُون كَمَا قَالَ (خَ) : وهواء فَوق هَوَاء إِلَى قَوْله وَهُوَ مَضْمُون إِلَّا أَن يذكر الْمدَّة بِإِجَارَة تَنْفَسِخ بانهدامه. وَمَا على الجِزَافِ والتَّكْسِيرِ يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الجُمْهُورِ (وَمَا) مُبْتَدأ (على الْجزَاف والتكسير) أَي الْكَيْل يتَعَلَّق بقوله: (يُبَاع مفسوخ) خَبَرهَا مَا وَهِي وَاقعَة على الْأُصُول لِأَن الْفَصْل مَعْقُود لَهَا أَي: وَالْأُصُول الَّتِي يُبَاع بَعْضهَا على الْجزَاف وَبَعضهَا على التكسير صَفْقَة وَاحِدَة مفسوخ بيعهَا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض جزَافا بدرهم على أَن تشتري مني الْقطعَة الْأُخْرَى كل ذِرَاع أَو فدان أَو مرجع مِنْهَا بدرهم أَو قَالَ: أبيعك هَذِه الأَرْض كل ذِرَاع بدرهم على أَن تشتري مني الشّجر الْفُلَانِيّ أَو الْكَرم الْفُلَانِيّ بِدِينَار، وَمَفْهُوم الْأُصُول أَن غَيرهَا يجوز بَيْعه على الْجزَاف والتكسير وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَيجوز بيع أَرض جزَافا مَعَ طَعَام كَيْلا أَو وزنا لمجيء كل مِنْهُمَا على الأَصْل وَيمْتَنع بيع حبه جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا، فالصور أَربع يمْتَنع مِنْهَا ثَلَاث وَهِي أَرض جزَافا مَعَ أُخْرَى كَيْلا وَهِي مَنْطُوق النّظم، أَو حب جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا. وَهَاتَانِ داخلتان فِي مَفْهُومه وهما ممنوعتان أَيْضا، وَتدْخل فِيهِ صُورَة أُخْرَى وَهِي أَرض جزَافا مَعَ حب كَيْلا أَو وزنا، وَهِي جَائِزَة فقد اشْتَمَل منطوقه على وَاحِدَة، وَمَفْهُومه على ثَلَاث يمْتَنع مِنْهَا اثْنَتَانِ أَيْضا، وَتجوز وَاحِدَة. وَقد استوفاها (خَ) عاطفاً على الْمَمْنُوع بقوله: وجزاف حب مَعَ مَكِيل مِنْهُ أَو أَرض مَعَ مكيلة لَا مَعَ حب الخ. وحاصلها أَنه إِذا اجْتمع مَعْلُوم ومجهول فَإِن جَاءَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَصله، فالجواز، فَإِن خرجا عَن أَصلهمَا أَو أَحدهمَا فالمنع كالصور الثَّلَاث، وَعلة الْمَنْع فِيهَا الْخُرُوج عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الْجزَاف الْمَنْع فإضافة غَيره إِلَيْهِ كَمَا فِي الصُّور الثَّلَاث خُرُوج عَن الْمحل الْوَارِد فِيهِ قَالَه (تت) وَعلله الْمَازرِيّ بِأَن الْمكيل مَعْلُوم مبلغه والجزاف مظنون، واجتماع مَعْلُوم ومظنون فِي عقد وَاحِد يصير فِي الْمَعْلُوم غرراً لم يكن فِيهِ اه. وَأما الصُّورَة الْجَائِزَة فَلَيْسَ فِيهَا خُرُوج
عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الأَرْض الْجزَاف، وَفِي الْحبّ الْكَيْل، فَإِذا قَالَ: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض بدرهم على أَن تشتري مني هَذِه الصُّبْرَة كل قفيز بِكَذَا جَازَ وَالله أعلم. (لَدَى الْجُمْهُور) وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَفهم مِنْهُ أَن غير الْجُمْهُور من الْعلمَاء يَقُول بِجَوَاز ذَلِك. وَتقدم أَن الْوَزْن كالكيل فَلَا يجوز بيع آنِية من سمن جزَافا مَعَ أُخْرَى وزنا، وَلَا شِرَاء قربَة لبن جزَافا بدرهم على وزن زبدها كل رَطْل بدرهم، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي الْجَمِيع جزَافا أَو اللَّبن كَيْلا على حِدته وَالسمن وزنا كَذَلِك قَالَ (ق) : انْظُر مَسْأَلَة تعم بهَا الْبلوى وَهِي أَن الْمَرْء يَشْتَرِي من الْعَطَّار وزنا مَعْلُوما من شَيْء ويفضل لَهُ دِرْهَم فَيَقُول لَهُ: أَعْطِنِي بِهِ أبزاراً والأبزار بالدرهم تكون جزَافا، فَهَذَا جَائِز إِن لم يدخلا على ذَلِك فِي أصل العقد اه. . تَنْبِيه: قَالَ ابْن الْعَطَّار: لَا يجوز بيع الأَرْض على التكسير حَتَّى يعرف طيب الأَرْض ومتوسطها من رديئها كَالَّذي يَشْتَرِي صبرَة شعير وصبرة قَمح كل قفيز بدرهم وَلَا يعرف كيل كل صبرَة، فَإِنَّهُ لَا يحل ذَلِك كَبيع الأَرْض الْمُخْتَلفَة الْأَثْمَان على التكسير اه. وَنَقله ابْن سَلمُون. قلت: قَالَ فِي النكت: إِنَّمَا لم يجز بيع صبرَة قَمح وصبرة شعير كل قفيز بِكَذَا لما فِي ذَلِك من التخاطر بَين الْمُتَعَاقدين لِأَن المُشْتَرِي يطْمع أَن يكون الْقَمْح أَكثر فَيكون أَخذه بِسعْر الشّعير، وَالْبَائِع يطْمع أَن يكون الشّعير أَكثر فَيكون بَاعه بِسعْر الْقَمْح اه. وَالْأَرْض الْمُخْتَلفَة فِي الْجَوْدَة والرداء كَذَلِك. هَذَا وَجه مَا قَالَه ابْن الْعَطَّار وَهُوَ ظَاهر. وَقَوله: وَلَا يعرف كيل كل صبرَة يَعْنِي وَقت العقد، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ كيل كل صبرَة محصوراً عِنْده مَعْرُوفا جَازَ، وَكَذَا لَو بَاعَ لَهُ بِعشْرَة مثلا قِطْعَة أَرض جزَافا مَعَ أَرْبَعَة أَذْرع مثلا من أُخْرَى بعد كيلها كل ذِرَاع بدرهم لِأَنَّهُمَا يعلمَانِ أَن الْأَرْبَعَة الأذرع ينوبها من الْعشْرَة أَرْبَعَة، وَالْبَاقِي وَهُوَ سِتَّة للْأَرْض الْجزَاف فَلَا جهل فَيجوز فِيمَا يظْهر وَلم أَقف عَلَيْهِ مَنْصُوصا وَالله أعلم. وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ لِبَائِعٍ إلاَّ بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي
(وآبر) بِمَعْنى مَأْبُور كدافق بِمَعْنى مدفوق وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي: وثمر آبر (من زرع أَو من شجر) وَسَيَأْتِي للناظم أَن التَّأْبِير فِي الزَّرْع هُوَ ظُهُوره للعيان، وَفِي ثمار الشّجر عقدهَا وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهَا فَمن بَاعَ أَرضًا فِيهَا زرع أَو شَجرا فِيهَا ثَمَر وَلم يتَعَرَّض للثمار وَلَا للزَّرْع فَمَا كَانَ من ذَلِك مؤبراً فَذَلِك كُله (لبائع إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) إِدْخَاله فِي البيع لقَوْله عليه الصلاة والسلام:(من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرها للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) اه. وأبرت فِي الحَدِيث الْكَرِيم بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة، وَلأبي ذَر: أبرت بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة وَهُوَ الْأَكْثَر قَالَه الْقُسْطَلَانِيّ، وَإِنَّمَا جَازَ للْمُشْتَرِي اشْتِرَاطه مَعَ أَنه لَا يَصح بَيْعه لعدم بَدو صَلَاحه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تبع للْأَصْل وَلَيْسَ بمقصود فِي نَفسه، وَلِهَذَا لَا بُد أَن يشْتَرط جَمِيع الثَّمر أَو الزَّرْع، فَإِن اشْترط بعض مَا أبر وَترك غَيره فسد البيع كَمَا قَالَ: وَلَا يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ وَإنْ جَرَى فَلا غِنَى عَنْ نَقْضِهِ (وَلَا يسوغ) البيع (بِاشْتِرَاط بعضه وَإِن جرى) أَي: وَقع اشْتِرَاط البيع (فَلَا غنى عَن نقضه) وَفسخ ذَلِك البيع من أَصله لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاط بعضه قصد لبيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا، وَكَذَا لَا يجوز اشْتِرَاطهَا إِذا اشْترى الأَصْل بِطَعَام أَو شراب أبرت أم لَا، إِلَّا أَن يشْتَرط الجذ مَكَانَهُ. تَنْبِيه: إِذا أبرّ الْبَعْض دون الْبَعْض فَإِن كَانَ المأبور قدر الثُّلُث فدون كَانَ تَابعا للْأَكْثَر وَيكون الْجَمِيع للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ المأبور الْأَكْثَر كَانَ للْبَائِع إِلَّا بِشَرْط الْمُبْتَاع، وَإِن تَسَاويا نظرت فَإِن كَانَ المأبور على حِدة كَانَ للْبَائِع وَمَا لم يؤبر كَانَ للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ مختلطاً فَقيل للْبَائِع وَقيل للْمُبْتَاع ثَالِثهَا للعتبية والموازية أَن البيع لَا يجوز إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يسلم الْجَمِيع للْمُبْتَاع. قَالَ ابْن الْعَطَّار: أَو يرضى الْمُبْتَاع أَن يتْرك ذَلِك للْبَائِع فَيصح بِهِ البيع. المتيطي: وَبِهَذَا الْقَضَاء اه. وَغَيْرُ مَا أُبِّرَ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلَا نِزَاعِ (وَغير مَا أبر) من زرع أَو ثَمَر فَهُوَ (للْمُبْتَاع بِنَفس عقده) على الأَصْل من غير احْتِيَاج إِلَى شَرطه (بِلَا نزاع) بَين الْفُقَهَاء أخذا بِمَفْهُوم الحَدِيث الْمُتَقَدّم لِأَنَّهُ لما قَالَ فِيهِ: تكون للْبَائِع دلّ ذَلِك على أَنَّهَا تكون للْمُبْتَاع إِذا لم تؤبر، وَاشْتِرَاط الْمُبْتَاع لَهُ زِيَادَة تَأْكِيد كَمَا هُوَ ظَاهر. قَالَ ابْن فتحون: وَإِذا كَانَ فِي الشّجر ثَمَرَة لم تؤبر أَو زرع لم يظْهر فَلَا يجوز للْبَائِع اسْتثِْنَاء ذَلِك كالجنين فِي بطن أمه وَهُوَ للْمُشْتَرِي بِمُقْتَضى العقد، وَلَا يجوز للْمُبْتَاع اشْتِرَاطه لِئَلَّا تقع لَهُ حِصَّة من الثّمن، وَقد يُمكن أَن لَا يثبت فَيكون من الْغرَر اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ ابْن عتاب: وَفِي نَوَازِل سَحْنُون أَنه جَازَ اشْتِرَاطه فِي العقد، وَلم يذكر ابْن رشد غَيره اه.
قلت: وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ غير المأبور يجب للْمُشْتَرِي بِالْعقدِ فاشتراطه زِيَادَة تَأْكِيد، وَقَوْلهمْ: اشْتِرَاطه يُوجب لَهُ حِصَّة من الثّمن يُقَال عَلَيْهِ كَونه لَهُ حِصَّة من الثّمن ثَابت بانعقاد ضمائرهما عَلَيْهِ، وَلَو لم يكن هُنَاكَ اشْتِرَاط إِذْ البَائِع يقْصد إِلَى بيع الأَرْض ببذرها وَالْمُشْتَرِي كَذَلِك، فَهَذَا وَجه مَا لسَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ إِذْ الْأَحْكَام إِنَّمَا تَدور على الْمَقَاصِد وَلَو خَالَفت الْأَلْفَاظ فَكيف إِذا وافقتها. وَلَا يَجُوزُ شَرطهُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ (وَلَا يجوز شَرطه للْبَائِع) أَي لَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي إبْقَاء غير المأبور من الثَّمر وَالزَّرْع لنَفسِهِ (وَالْبيع مفسوخ بِهِ) أَي بِشَرْط غير المأبور للْبَائِع (وَفِي الْوَاقِع) لِأَنَّهُ اسْتثْنى حِينَئِذٍ فِي الزَّرْع مَا فِي بطن الأَرْض، وَذَلِكَ لَا يجوز كَمَا لَا يجوز بيع الْحَامِل واستثناء جَنِينهَا، وَأما فِي الثَّمر فَإِنَّمَا يتمشى على القَوْل بِأَن الْمُسْتَثْنى مشترى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون فِيهِ شِرَاء الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بل وَقبل أبارها لَا على القَوْل الآخر من كَون الْمُسْتَثْنى مبقى. قَالَ الشَّارِح: وَهُوَ الْأَظْهر وَالْأول مُشكل، وَبِالْجُمْلَةِ فالشارح استظهر كَون الْمُسْتَثْنى مبقى وَضعف كَونه مشترى، وَظَاهره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي غَيرهَا وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده. وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الإِبَّارُ والزّرْعُ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ (وَفِي الثِّمَار) يتَعَلَّق بالْخبر بعده (عقدهَا) مُبْتَدأ خَبره (الْأَبَّار و) الْأَبَّار فِي (الزَّرْع أَن تُدْرِكهُ الْأَبْصَار) . حَاصله أَن الْأَبَّار فِي النّخل تذكيره أَي تَعْلِيق الذّكر على الْأُنْثَى، وَفِي سَائِر الْأَشْجَار العقد وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهُ بعد سُقُوط مَا يسْقط وَهُوَ الْمعبر عَنهُ فِي قَول القدماء باللقاح، وَفِي الزَّرْع خُرُوجه من الأَرْض وإدراكه بالأبصار قَالَه فِي الْمُفِيد وَغَيره. كَذَا قَلِيبُ الأَرْضِ لِلمُبْتَاعِ دُونَ اشْتِرَاط فِي الابْتِيَاعِ (كَذَا) حَال من الِاسْتِقْرَار بعده وَالْإِشَارَة لما لم يؤبر (قليب الأَرْض) مُبْتَدأ (للْمُبْتَاع) خَبره (دون اشْتِرَاطه) يتَعَلَّق بالاستقرار أَيْضا (فِي الابتياع) يتَعَلَّق باشتراطه وَالتَّقْدِير قليب الأَرْض كَائِن
للْمُبْتَاع دون اشْتِرَاطه كالثمرة الَّتِي لم تؤبر. ابْن عَاتٍ: وَإِن كَانَ فِي الْمَبِيع أَرض مَقْلُوبَة فالقليب للْمُبْتَاع وَإِن كَانَ لم يَشْتَرِطه وَلَا كَلَام فِيهِ للْبَائِع قَالَه حمديس وَغَيره وَبِه الْفَتْوَى. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون، وَعَلِيهِ فَالْمُرَاد بالقليب أَن تكون الأَرْض مَقْلُوبَة أَي محروثة بِلَا بذر فيبيعها رَبهَا بعد حرثها وَقبل بذرها فَلَا كَلَام للْبَائِع فِي أَن القليب لم يدْخل فِي الابتياع وَأَنه ينْتَفع بزراعة قليبه، ثمَّ يسلم الأَرْض لمشتريها حَيْثُ لم يشْتَرط ذَلِك فِي العقد فَإِن اشْتَرَطَهُ كَانَ لَهُ شَرطه لِأَنَّهُ يجوز بيع الأَرْض على أَن تقبض بعد عشر سِنِين فدون كَمَا مر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالقليب الْبِئْر الَّتِي تسقى بهَا الأَرْض، وَالْإِضَافَة حِينَئِذٍ على معنى (فِي) أَي فَمن بَاعَ أَرضًا وفيهَا بِئْر لم يستثنها، فَإِن العقد يَتَنَاوَلهَا وَتَكون للْمُبْتَاع كتناول الأَرْض للأشجار وَالنَّقْل شَاهد لكل من الِاحْتِمَالَيْنِ، لِأَن الأول نَص عَلَيْهِ ابْن عَاتٍ وَغَيره كَمَا مرّ، وَالثَّانِي هُوَ قَول (خَ) وتناولتهما أَي تناولت الأَرْض أَي بيعهَا مَا فِيهَا من بِنَاء وغرس وبئر وَعين وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يستثنيه البَائِع عِنْد العقد، لَكِن الْحمل الأول يضعف من جِهَة أَنه إِذا كَانَ الزَّرْع الْغَيْر المأبور للْمُبْتَاع فأحرى القليب الْمَذْكُور لِأَن غَايَته أَنه صفة للْمَبِيع فَهُوَ مَفْهُوم مِمَّا قبله بِالْأُخْرَى بِخِلَاف الْحمل الثَّانِي وَالله أعلم. والماءُ إنْ كانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ (وَالْمَاء إِن كَانَ يزِيد) أَي يكثر فِي بعض الْأَوْقَات (ويقل) فِي بَعْضهَا (فبيعه) اسْتِقْلَالا (لجهله لَيْسَ يحل) قَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن كَانَ الْمَبِيع شرب عين أَو حظاً من مَاء فَتَقول: اشْترِي جَمِيع شرب الْعين أَو الْبِئْر أَو نصفه أَو ربعه، ثمَّ قَالَ ابْن فتحون: وَتقول فِي النَّص أَي فِي الْوَثِيقَة بعد الْوُقُوف على قلَّة المَاء وكثرته والاختبار لَهُ فِي كل وَقت وزمان وإحاطة علم المُشْتَرِي بِهِ وَإِن كَانَ يقل وَيكثر وَلَا يُوقف على الْحَقِيقَة مِنْهُ لم يجز بَيْعه لِأَنَّهُ مَجْهُول اه. وَنَحْوه فِي نقل الشَّارِح على الْمُتَيْطِيَّة وَقَالَ عقبه: هَذَا مِمَّا يشكل عَلَيْهِ بيع شراب مَوَاضِع من المرية وَغَيرهَا فَإِنَّهَا تقل فِي السنين الجدبة وتكثر فِي غَيرهَا وَالظَّاهِر جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهَا لارتباطها بِمَا أجْرى الله تَعَالَى من الْعَادة فِيهَا، فالمتعاقدان يعلمَانِ ذَلِك ويدخلان عَلَيْهِ، فَهَذَا كالغرر المغتفر فِي بيع الْأُصُول، إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة فِي بعض السنين، وَيحمل الْبَيْت وَالنَّص على مَا إِذا جهل المتعاقدان مَعًا قلته وكثرته وَيكون من التلون بِحَيْثُ لَا يَأْخُذهُ الضَّبْط اه. فَقَوله: إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة الخ.
الصَّوَاب حذفه لِأَن الْمُشْتَرى هُوَ الْأُصُول لَا الْغلَّة قَالَه ابْن رحال قَالَ: وَمَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح من جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهِ هُوَ الْمُتَعَيّن اه. قلت: مَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح هُوَ عين مَا مرّ عَن ابْن سَلمُون لأَنهم إِنَّمَا أناطوا منع بَيْعه بِعَدَمِ علم حَقِيقَته بِحَيْثُ يقل فِي أَيَّام الشتَاء وَيكثر فِي بَعْضهَا يَوْمًا بِيَوْم وشهراً بِشَهْر، وَكَذَا هُوَ حكمه وعادته فِي سَائِر السّنة وَلَا تضبط قلته وَلَا كثرته فيهمَا فَمثل هَذَا هُوَ الَّذِي لَا تعلم حَقِيقَته، وَأما إِن علمت بالاختبار وَعلم المُشْتَرِي بقلته فِي بعض الْأَوْقَات كالصيف وكثرته فِي بَعْضهَا كالشتاء وَالربيع على مَا هُوَ الْمُعْتَاد فَلَا منع إِذْ ذَاك إِذْ لَا يجهله المتعاقدان، وَكَذَا قلّته فِي السنين الجدبة وكثرته فِي غَيرهَا لَا يخفى على أَحدهمَا لِأَن الْمِيَاه فِي السنين الجدبة رُبمَا يَبِسَتْ بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن قلتهَا، والسنون الجدبة بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا نادرة فَلَا حكم لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل للإشكال وَلَا للاستظهار لِأَنَّهُ استظهار فِي مَحل النَّص وَالله أعلم. ابْن سَلمُون: إِثْر مَا مرّ وَلَا يجوز بيع الْأَنْهَار الْعَامَّة إِلَّا أَن يصرف مِنْهَا شَيْء وَيملك بالإسداد فَيجوز بَيْعه. وَشَرْطُ إبْقَاءِ المَبِيعِ بِالثَّمَنْ رَهْناً سِوَى الأَصُولِ بِالمَنْعِ اقْتَرَنْ (وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع) المصدران مضافان لمفعوليهما (فِي الثّمن) يتَعَلَّق بقوله (رهنا) بِمَعْنى مَرْهُون مفعول ثَان بإبقاء (سوى الْأُصُول) حَال من الْمَبِيع (بِالْمَنْعِ) يتَعَلَّق بقوله (اقْترن) وَالْجُمْلَة خبر شَرط وَالتَّقْدِير؛ وَشرط البَائِع أَن يبقي بِضَم الْيَاء الْمَبِيع مَرْهُونا فِي الثّمن بِيَدِهِ أَو بيد أَمِين حَال كَون الْمَبِيع غير الْأُصُول اقْترن بِالْمَنْعِ، وَظَاهره كَانَ البيع حَالا أَو لأجل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَحَله إِذا كَانَ لأجل لَا يجوز اسْتثِْنَاء مَنْفَعَة الْمَبِيع إِلَيْهِ على مَا مر تَفْصِيله فِي أول هَذَا الْفَصْل، وَأما إِذا كَانَ حَالا فَللْبَائِع أَن يحبس سلْعَته إِلَى أَن يقبض ثمنهَا وَلَو لم يشْتَرط ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) : وبرىء المُشْتَرِي للتنازع الخ. فاشتراطه ذَلِك حِينَئِذٍ مُؤَكد، وَإِذا هَلَكت وَقت حَبسهَا فيضمنها البَائِع ضَمَان الرِّهَان كَمَا قَالَ (خَ) : وَضمن بِالْعقدِ إِلَّا المحبوسة للثّمن فكالرهن. وَقِيلَ بالجَوَازِ مَهْمَا اتّفَقَا فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا أصلا كَانَ أَو غَيره وَهُوَ مُسْتَغْنى مِنْهُ لِأَن الْكَلَام فِي غير الْأُصُول كَمَا هُوَ مَوْضُوعه، قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي أَن تبقى الدَّابَّة رهنا بِيَدِهِ فِي الثّمن إِلَى
أَجله، وَكَذَلِكَ لَا يجوز فِي سَائِر الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَالْبيع على ذَلِك مفسوخ روى ذَلِك ابْن وهب عَن مَالك فِي الْحَيَوَان. وَقَالَهُ ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض. قَالَ ابْن رشد: وَذَلِكَ جَائِز فِي الْأُصُول كلهَا لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل قَالَ: فَإِن وضعت هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يجوز ارتهانها عِنْد بيعهَا على يَد عدل كَانَ ذَلِك جَائِزا، وَقيل: إِنَّه لَا يجوز أَن يَبِيع الرجل شَيْئا من الْأَشْيَاء على أَن يكون رهنا بِحقِّهِ إِلَى أجل وَإِن وضع ذَلِك بيد عدل، وَهُوَ قَول أصبغ. وَرَوَاهُ عَن أَشهب وَسَمَاع سَحْنُون اه. قلت: قد علمت مِمَّا مرّ فِي أول الْفَصْل أَن إبْقَاء الْمَبِيع رهنا فِي الثّمن لأَجله هُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَتقدم هُنَاكَ تَحْصِيله وَعَلِيهِ فيفصل فِي الْأَجَل، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا لَو زَاد على الشَّهْر فِي الْحَيَوَان وعَلى ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْعرُوض وعَلى الْعشْر سِنِين فِي الأَرْض وَنَحْوهَا، فَيمْنَع ذَلِك وَيفْسخ مَعَه البيع وَهُوَ مُرَاد النَّاظِم وَغَيره هَهُنَا وَإِن كَانَ الْمَبِيع لَا يتَغَيَّر إِلَى ذَلِك الْأَجَل غَالِبا كَمَا لَو قصر الْأَجَل عَن تِلْكَ الْحُدُود جَازَ إبقائه رهنا إِذْ لَا غرر فِي ذَلِك، وَإِذا تقرر هَذَا فَظَاهر رِوَايَة ابْن وهب فِي الْحَيَوَان، وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض أَن ذَلِك لَا يجوز يَعْنِي للأجل الَّذِي يتغيران إِلَيْهِ كَانَ بيد عدل أَو عِنْد البَائِع وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ غرر، وَقَول ابْن رشد يجوز ذَلِك إِن وضعت تَحت يَد عدل لَا يجْرِي على مَا تقدم لِأَن الْأَجَل الَّذِي يتَغَيَّر إِلَيْهِ الْمَبِيع لَا يجوز على الرَّاجِح، وَلَو وضع بيد عدل، وَلَا يحمل كَلَامه على الْأَجَل الْجَائِز لِأَن الْجَائِز يجوز اشْتِرَاطه وَلَو بَقِي بيد البَائِع. وَقَوله فِي الْأُصُول لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل الخ. يَعْنِي الْأَجَل الَّذِي لَا تَتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشر، وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشرين، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ على النَّاظِم أَن لَا يتبعهُ فِي الْوَضع عِنْد أَمِين وَأَن لَا يَسْتَثْنِي الْأُصُول، وَأَن يقْتَصر على صَرِيح القَوْل الآخر فِي كَلَام ابْن سَلمُون من أَن ذَلِك لَا يجوز فِي الْأُصُول وَغَيرهَا لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، وَلِأَن الْأَجَل فِي كَلَامهم مَحْمُول على مَا يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمَبِيع فَلَو قَالَ: وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع مُرْتَهن لأجل بعطب فِيهِ فامنعن لوفى بِمَا مر. وَجَائزٌ فِي الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي الدَّار) أَن تبَاع إِلَى أجل بل وَلَو نَقْدا وَنقد بِالْفِعْلِ كَمَا فِي (ق) عَن سَماع يحيى
(ان يسْتَثْنى) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (سُكْنى بهَا) مُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا (كَسنة أَو أدنى) أَو أَكثر كسنتين وَقيل غير ذَلِك. قَالَ فِي ضيح: وَالْخلاف خلاف فِي حَال فَإِن كَانَت الْمدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا جَازَ انْتهى. وَنَحْوه فِي (ق) عَن الْمُدَوَّنَة فالتحديد بِالسنةِ فِي النّظم و (خَ) غير مُعْتَمد كَمَا مرّ فِي أول الْفَصْل. ابْن سَلمُون: فَإِن الْتزم المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيعهَا حَتَّى ينصف البَائِع من الثّمن، وَمَتى فعل ذَلِك فقد حل عَلَيْهِ الثّمن فَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا أَن يكون طَوْعًا بعد العقد، ثمَّ قَالَ: فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ البَائِع: وَقع طَوْعًا. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل شرطا فِي العقد فَالْقَوْل قَول مدعي الشَّرْط إِن كَانَ يَدعِي الْفساد لِأَنَّهُ الْعرف اه. تَنْبِيه: فَإِن انْهَدَمت الدَّار فضمانها فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء الْجَائِز من المُشْتَرِي وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا اشْتَرَطَهُ من السُّكْنَى فِي قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يَبِيعهَا الْمُبْتَاع فِي أثْنَاء الْمدَّة الْجَائِزَة فَلَا يخرج مِنْهَا البَائِع حَتَّى يَسْتَوْفِي مدَّته. وَأما إِن تهدمت فِي اسْتثِْنَاء الْمدَّة الْغَيْر الْجَائِزَة فضمانها من البَائِع إِلَّا أَن تنهدم بعد أَن قبضهَا المُشْتَرِي، وَلَو قبل انْقِضَاء مُدَّة الِاسْتِثْنَاء فضمانها مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلما قدم فِي قَوْله: وآبر من زرع أَو من شجر. حكم من اشْترى أَرضًا فِيهَا زرع فِي عقد وَاحِد أَو شجر فِيهَا ثَمَر، كَذَلِك أَشَارَ هُنَا إِلَى مَا إِذا اشْترى الأَرْض وَحدهَا ثمَّ اشْترى زَرعهَا أَو الشّجر وَحدهَا ثمَّ ثَمَرهَا فَقَالَ: وَمُشْتَرِي الأصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمرْ قَبْلَ الصَّلاح جائِزٌ فِيمَا اشْتَهَرْ (ومشتري الأَصْل) وَوجد فِيهِ ثَمَر مؤبر لم يَشْتَرِطه وَبَقِي لبَائِعه (شِرَاؤُهُ) ذَلِك (الثَّمر) المؤبر بعد ذَلِك (قبل) بَدو (الصّلاح) فِيهَا (جَائِز) مُطلقًا قرب مَا بَين العقد على الأَصْل وَالثِّمَار أم لَا. (فِيمَا اشْتهر) من أَقْوَال ثَلَاثَة. ثَانِيهَا: الْمَنْع مُطلقًا. ثَالِثهَا: يجوز إِذا قرب مَا بَين الْعقْدَيْنِ كالعشرين يَوْمًا لَا فِيمَا بعد. والزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصِبْ لِلْمُشْتَرِي (فالزرع) المؤبر الَّذِي لم يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع عِنْد شِرَاء أرضه يجْرِي (فِي) جَوَاز شِرَائِهِ مِنْهُ بعد (ذَلِك مثل) مَا جرى فِي شِرَاء ثَمَر (الشّجر) بعد شِرَائهَا وَحدهَا من جَرَيَان الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه وَقَبله مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ الخ. فَقَوله: مَعَ أَصله هُوَ مَا تقدم
للناظم فِي قَوْله: إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي. وَقَوله: أَو ألحق بِهِ هُوَ مَا ذكره النَّاظِم هَهُنَا، فَكل مِنْهُمَا تكلم على الصُّورَتَيْنِ رحمهمَا الله، وَوَجهه فِي الأولى أَنَّهُمَا تبع للْأَصْل، وَفِي الثَّانِيَة أَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ، وَفهم مِنْهُمَا أَنه لَو اشْترى الزَّرْع أَو الثَّمر قبل بدوه أَولا ثمَّ اشْترى الأَرْض وَالشَّجر لم يجز وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا أجيحت الثَّمَرَة الْمُشْتَرَاة مَعَ الأَصْل أَو الَّتِي ألحقت بِهِ فَلَا قيام لَهُ بالجائحة كَمَا قَالَ:(وَلَا رُجُوع أَن تصب) بِضَم التَّاء وَفتح الصَّاد مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير الثَّمر ومتعلقه مَحْذُوف أَي بالجائحة (للْمُشْتَرِي) خبر لَا وَعلل عدم الرُّجُوع بالجائحة فِيهَا لِأَنَّهَا تبع للْأَصْل، وَمَا كَانَ تبعا لَا جَائِحَة فِيهِ. وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن ابْن مُحرز أَن الْجَائِحَة لم تسْقط هُنَا عَن البَائِع لأجل أَن الثَّمَرَة تبع للْمَبِيع، وَقَول من قَالَ ذَلِك فَاسد وَيدل على ذَلِك أَنه لَو اشْترى ثَمَرَة وَمَعَهَا عرُوض كَثِيرَة فَكَانَت الثَّمَرَة تبعا لجَمِيع الصَّفْقَة لكَانَتْ فِيهَا الْجَائِحَة، وَإِنَّمَا سَقَطت الْجَائِحَة هُنَا لانْقِطَاع السَّقْي عَن البَائِع، وَيدل على ذَلِك أَن الثَّمَرَة لَو بِيعَتْ وَحدهَا وَقد استغنت عَن السَّقْي لم يكن فِيهَا جَائِحَة اه. وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ (وَبيع ملك) بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا الشَّيْء الْمَمْلُوك عقارا كَانَ أَو غَيره إِلَّا أَنه لَا يسْتَعْمل بِالضَّمِّ إِلَّا فِي مَوَاضِع الْكَثْرَة وسعة السُّلْطَان يُقَال لفُلَان ملك عَظِيم أَي مَمْلُوك كَبِير قَالَه أَبُو الْبَقَاء فِي إِعْرَاب الْقُرْآن (غَابَ) عَن مجْلِس العقد أَو الْبَلَد كَمَا هُوَ ظَاهره وَلم يبعد جدا كخراسان من إفريقية (جَازَ) بَيْعه على اللُّزُوم (بِالصّفةِ) الكاشفة لأحواله كَكَوْنِهِ إِن كَانَ أَرضًا قَرِيبا من المَاء أَو بَعيدا، وَكَون أرضه مستوية أَو معلقَة ذَات حِجَارَة أَو دونهَا قريبَة من الْعِمَارَة أَو بعيدَة عَنْهَا وَإِن أذرعها، كَذَا وَأَن مساحة الدَّار إِن كَانَ دَارا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وَأَن طولهَا كَذَا وعرضها كَذَا، وَطول بَيتهَا القبلي كَذَا وَعرضه كَذَا وعلوه كَذَا، وبناؤها بِالْحِجَارَةِ أَو الْآجر أَو طابية وَأَن لون الْحَيَوَان إِن كَانَ حَيَوَانا كَذَا وسنه كَذَا، وَهَكَذَا حَتَّى يَأْتِي على جَمِيع الْأَوْصَاف الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض فِي السّلم لِأَن بيع الْغَائِب مقيس على السّلم، وَسَوَاء كَانَ الْوَصْف من غير البَائِع أَو من البَائِع كَمَا هُوَ ظَاهره أَيْضا، لَكِن لَا يجوز النَّقْد فِيهِ بِوَصْف البَائِع ربعا كَانَ أَو غَيره. (أَو) ب (رُؤْيَة تقدّمت) قبل عقد البيع بِحَيْثُ لَا يتَغَيَّر بعْدهَا وَلم يبعد جدا كَمَا فِي (ز) . (أَو معرفَة) من عطف الْعَام على الْخَاص وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالرُّؤْيَةِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وبالمعرفة مَا هُوَ أَكثر، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر
بعْدهَا قطعا أَو شكا أَو بَعدت مسافته جدا كخراسان من إفريقية لم يجز بَيْعه باللزوم استناداً للرؤية السَّابِقَة. نعم يجوز بَيْعه على خِيَاره بِالرُّؤْيَةِ. وَاعْلَم أَن بيع الْغَائِب لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكون على الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ أَو على الصّفة باللزوم أَو على رُؤْيَة سَابِقَة، فالقسم الأول لم يتَعَرَّض لَهُ النَّاظِم لِأَنَّهُ على خِيَار المُشْتَرِي فَالْبيع لَازم للْبَائِع منحل من جِهَة المُشْتَرِي فَلهُ أَن يرجع قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا كَمَا فِي النَّقْل قَالَه (ز) وَلَا يشْتَرط فِيهِ وصف وَلَا رُؤْيَة سَابِقَة وَلَا عدم الْبعد جدا. وَأما الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ مَا بيع على الصّفة باللزوم فَيشْتَرط فِيهِ عدم الْبعد جدا كَمَا مر وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْغَيْبَة عَن الْبَلَد، بل عَن الْمجْلس فَقَط على الْمُعْتَمد كَانَ حَاضرا بِالْبَلَدِ أَو على مَسَافَة عشرَة أَيَّام أَو على أَكثر مِمَّا لم يبعد جدا، وَسَوَاء وَصفه للْبَائِع أَو غَيره كَمَا مرّ. نعم إِذا كَانَ حَاضرا مجْلِس العقد فَلَا بُد من رُؤْيَته وَلَا تَكْفِي فِيهِ الصّفة إِلَّا إِذا كَانَ فِي فَتحه مشقة كَعدْل البرنامج الَّذِي يشق فَتحه وشده أَو فَسَاد كقلل الْخلّ المطينة. وَأما الْقسم الثَّالِث، وَهُوَ مَا بيع على رُؤْيَة سَابِقَة فَيشْتَرط أَن لَا يتَغَيَّر من وَقت الرُّؤْيَة لوقت العقد وَأَن لَا يبعد جدا كَمَا مر وَيظْهر لي أَن عدم التَّغَيُّر بعْدهَا يُغني عَن الْبعد جدا لِأَنَّهُ يلْزم من الْبعد جدا تغيره تَحْقِيقا أَو شكا فَتَأَمّله. وَلَا يشْتَرط فِيهِ غيبته عَن الْمجْلس، بل يجوز وَلَو حَاضرا بِالْمَجْلِسِ، وَبِهَذَا تعلم أَن النَّاظِم أخل بِقَيْد عدم الْبعد جدا فِي الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ مَعًا على مَا فِيهِ ويقيد عدم التَّغَيُّر فِي الرُّؤْيَة السَّابِقَة. وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي المَشْهُورِ وَمُشتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ (وَجَاز شَرط النَّقْد فِي) الْعقار الْمَبِيع على اللُّزُوم بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف غير البَائِع وَإِن بعد لَا جدا، وَأما بِوَصْف البَائِع فَلَا يجوز النَّقْد فِيهِ وَلَو تَطَوّعا على (الْمَشْهُور) خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه اشْتِرَاط النَّقْد فِيهِ مَعَ الْبعد لَا جدا، وَسَوَاء على الْمَشْهُور بيع الْعقار جزَافا أَو مذارعة لِأَن الْمَقْصُود من الذرع فِي الْعقار إِنَّمَا هُوَ وَصفه وتحديده كَمَا مرّ قَالَه طفي، وَكَذَا لَا يجوز شَرط النَّقْد فِي الْمَبِيع غَائِبا غير الْعقار إِن قرب كاليومين كَمَا فِي (خَ) .
(تَنْبِيهَانِ. الأول) : إِذا اجْتمع البيع بِوَصْف أَو بِرُؤْيَة سَابِقَة مَعَ الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ فَالْحكم للخيار بِالرُّؤْيَةِ. الثَّانِي: ضَمَان الْمَبِيع غير الْعقار من البَائِع فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي، فَإِذا هلك قبل الْقَبْض فِي البيع على رُؤْيَة سَابِقَة فضمانه من بَائِعه، وَإِذا تغير وتنازعا فَقَالَ البَائِع: هَذِه الصّفة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن أَي وَقت الْقَبْض هِيَ الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت رؤيتك إِيَّاه، وَقَالَ المُشْتَرِي: بل تغير عَن الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت الرُّؤْيَة فَالْقَوْل للْبَائِع، وَأما الْعقار فضمانه من المُشْتَرِي كَمَا قَالَ:
(ومشتر) عقارا غَائِبا بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف (يضمن) مَا هلك مِنْهُ قبل قَبضه حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما (لِلْجُمْهُورِ) وَهُوَ مَا حَكَاهُ النَّاس عَن مَالك أَولا وَأَنه كَانَ يَقُول الضَّمَان من المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على البَائِع، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْعَكْس وَأَنه من البَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على المُشْتَرِي، وَفِي (ق) لم يخْتَلف قَول مَالك فِي الرباع والدور وَالْأَرضين وَالْعَقار أَن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع من يَوْم العقد وَإِن بَعدت، وَقَوْلِي حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما أَي بإقرارهما أَو بِقِيَام الْبَيِّنَة احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تنَازعا فَقَالَ المُشْتَرِي: أَدْرَكته الصَّفْقَة معيبا. وَقَالَ البَائِع: بل سالما، فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع على صفة وَللْبَائِع فِي الْمَبِيع على رُؤْيَة سَابِقَة كَمَا مرّ. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَينهمَا؟ قلت: قَالَ فِي ضيح: الْفرق بَينهمَا أَن البيع فِي مَسْأَلَة الرُّؤْيَة مُعَلّق على بَقَاء صفة الْمَبِيع الَّذِي رَآهُ عَلَيْهَا وَالْأَصْل بَقَاؤُهَا، فَمن ادّعى الِانْتِقَال مِنْهُمَا فَهُوَ مُدع وَهُوَ المُشْتَرِي بِخِلَاف البيع على الصّفة، فَإِن الأَصْل عدم وجود تِلْكَ الصّفة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل المُشْتَرِي. والأَجْنَبِيُّ جَائزٌ مِنْهُ الشَرَا مَلتزِمَ العُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى (وَالْأَجْنَبِيّ جَائِز مِنْهُ الشرا) ء لغيره حَال كَونه (مُلْتَزم الْعهْدَة فِيمَا يشترى) قَالَ الشَّارِح مَا حَاصله: لفظ الشِّرَاء مُحْتَمل لمعناه الْمُتَبَادر مِنْهُ عرفا، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَنه يجوز للرِّجَال أَن يَنُوب عَن غَيره فِي شِرَاء دَابَّة وَنَحْوهَا ويلتزم لَهُ عُهْدَة
الْعَيْب والاستحقاق، وَأَنه إِن حصل أَحدهمَا غرم لَهُ الثّمن، وَيحْتَمل لِأَن يكون بِمَعْنى البيع على حد قَوْله تَعَالَى: وشروه بِثمن بخس} (يُوسُف: 20) أَي باعوه، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَن الْأَجْنَبِيّ يجوز البيع مِنْهُ حَيْثُ اشْترى لغيره حَالَة كَونه مُلْتَزم عُهْدَة الْعَيْب والاستحقاق فِيمَا يَشْتَرِيهِ لذَلِك الْغَيْر، وَأَنه إِن حصل عيب أَو اسْتِحْقَاق غرم لَهُ الثّمن أَيْضا، وَقد علمت مِنْهُ أَن مآل الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِد وَأَن الْأَجْنَبِيّ مُشْتَر على كل حَال، وَإِنَّمَا تغاير الاحتمالان عِنْده من جِهَة أَن الشِّرَاء فِي كَلَام النَّاظِم هَل هُوَ بِمَعْنَاهُ الْعرفِيّ فَيجوز للْأَجْنَبِيّ أَن يَشْتَرِي لغيره دَابَّة مثلا مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ، أَو بِمَعْنى البيع فَيجوز لشخص أَن يَبِيع من الْأَجْنَبِيّ دَابَّة يَشْتَرِيهَا لغيره مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ أَيْضا فجَاء الاحتمالان بِاعْتِبَار مُتَعَلق الْجَوَاز وَذَلِكَ باخْتلَاف معنى الشِّرَاء فِي النّظم، وَهَذَا قَلِيل الجدوى وَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَن كلاًّ من الْمُتَعَاقدين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما بيد غَيره كَمَا تقدم أول الْبَاب، فالأجنبي حِينَئِذٍ بَائِع مُشْتَر فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة لمن اشْترى لَهُ وَتارَة يلتزمها لمن اشْترى مِنْهُ، فالأجنبي النَّائِب عَن غَيره إِذا اشْترى مثلا دَابَّة من عَمْرو لخَالِد بِثَوْب أَو دَرَاهِم فَهُوَ بَائِع للثوب أَو الدَّرَاهِم مُشْتَر للدابة، فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الدَّابَّة للَّذي اشْترى لَهُ وَهُوَ خَالِد، وَتارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الثَّوْب أَو الدَّرَاهِم للَّذي اشتراهما مِنْهُ وَهُوَ عَمْرو، وَسَوَاء حِينَئِذٍ حملنَا الشِّرَاء فِي النّظم على مَعْنَاهُ الْعرفِيّ أَو على البيع. وَلذَا بنى النَّاظِم يشترى للْمَفْعُول ليشْمل مَا إِذا الْتزم الْعهْدَة فِيمَا يَشْتَرِيهِ للْغَيْر أَو فِيمَا يَشْتَرِيهِ الْغَيْر مِنْهُ كَمَا ترى، وَسَوَاء الْتزم فِي هَذَا الثَّانِي الْعهْدَة ابْتِدَاء أَو انْتِهَاء كَمَا إِذا لم يعلم المُشْتَرِي مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكيل فِي البيع عَن غَيره، ثمَّ أثبت أَنه وَكيل فَإِن المُشْتَرِي يُخَيّر فِي الرَّد أَو التماسك لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا اشْتريت على أَن تكون عهدتي على مُتَوَلِّي البيع، وَلَا أرْضى أَن تكون على المنوب عَنهُ لعسره وَقلة ذَات يَده أَو لدده، فَإِذا رَضِي الْوَكِيل بِأَن تكون الْعهْدَة عَلَيْهِ سقط الْخِيَار وَلزِمَ البيع للْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالالتزام انْتِهَاء، وَإِنَّمَا قُلْنَا ثمَّ أثبت أَنه وَكيل الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يثبت ذَلِك فَإِن الْعهْدَة لَا تَنْتفِي عَنهُ وَلَا يثبت الْخِيَار لِأَنَّهُ يتهم أَن يكون هُوَ الْمَالِك، وَلكنه نَدم فِي البيع فَادّعى أَنه نَائِب فِيهِ عَن غَيره، لَعَلَّ المُشْتَرِي لَا يرضاه وَيفْسخ البيع فَكَلَام النَّاظِم شَامِل لهَذَا كُله إِلَّا أَنه أطلق الْجَوَاز على حَقِيقَته وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام ابْتِدَاء وعَلى مجازه وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام انْتِهَاء لِأَن الْجَوَاز فِيهِ بِمَعْنى اللُّزُوم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: الْتِزَام الْأَجْنَبِيّ للعهدة الْمَذْكُورَة هُوَ من ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَي ضَمَان مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم أول بَاب الضَّمَان، وَالله تَعَالَى أعلم.
(فصل فِي بيع الْعرُوض)
جمع عرض وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح مَا عدا الْعين وَالطَّعَام من الْأَشْيَاء كلهَا، والناظم أَرَادَ بِهِ هُنَا مَا عدا الْأُمُور الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه أَقسَام الخ. وَلذَا قَالَ: (من الثِّيَاب وَسَائِر السّلع)، بَيَان لما قبله: بَيْعُ العُروضِ بالعُرُوضِ إنْ قُصِدْ تَعاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ (بيع الْعرُوض بالعروض) مُبْتَدأ (إِن قصد) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (تعاوض) خبر الْمُبْتَدَأ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} (الْبَقَرَة: 70) وَيجوز أَن يكون تعاوض خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف جَوَاب الشَّرْط أَي: فَهُوَ تعاوض، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ. وَعَلِيهِ اقْتصر اليزناسني. (وَحكمه بعد يرد) وَحَاصِل صوره ثَمَانِيَة لِأَن الْعرض بِالْعرضِ إِمَّا يدا بيد وَإِمَّا أَن يتَأَخَّر أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا وَاحِدًا بِوَاحِد أَو بِأَكْثَرَ، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ. فإنْ يَكُنْ مَبيعُهَا يَداً بِيَدْ فإنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ (فَإِن يكن مبيعها) أَي الْعرُوض (يدا بيد، فَإِن ذَاك جَائِز) مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه والتماثل والتفاضل (كَيفَ انْعَقَد) فَإِن كَانَ وَاحِدًا بِوَاحِد كَثوب هروي بهروي أَو مَرْوِيّ بمروي أَو وَاحِد بمتعدد كهروي بمرويين فَأكْثر أَو مرويين فَأكْثر، وَهَذِه أَربع صور، وَمَفْهُوم قَوْله: يدا بيد صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَكُونَا مؤجلين مَعًا وَفِيهِمَا أَربع صور زِيَادَة على الثمان الْمُتَقَدّمَة، وَلم يتَعَرَّض لَهَا النَّاظِم. وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمَنْع لابتداء الدّين بِالدّينِ، وَالثَّانيَِة أَن يعجل أَحدهمَا ويؤجل الآخر وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَإنْ يَكُنْ مُؤَجَّلَا وَتَخْتَلِفْ أجُنَاسُهُ فَما تَفَاضُلُ أُنِفْ (وَإِن يكن) أحد الْعِوَضَيْنِ (مُؤَجّلا) وَالْآخر نَقْدا أَي حَالا فإمَّا أَن تتحد أجناسه وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْت بعده: (و) إِمَّا (تخْتَلف أجناسه) كتعجيل ثوب من حَرِير فِي ثوب أَو ثَوْبَيْنِ فَأكْثر
من صوف، أَو تَعْجِيل هروي فِي مَرْوِيّ أَو مرويين فَأكْثر (فَمَا تفاضل أنف) أَي منع كَمَا لَا يمْنَع التَّمَاثُل بالأحرى إِذْ لَا مُوجب للْمَنْع مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ من الْأَرْبَع الْبَاقِيَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وتختلف أجناسه وَفِيه صُورَتَانِ وَبِهِمَا تتمّ الصُّور الثمان فَقَالَ: وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِلأَمَدْ مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفاضُلٌ فقدْ (وَالْجِنْس) أَي وَبيع الْجِنْس (من ذَاك) الْمَذْكُور من الْعرُوض (بِجِنْس) مماثل لَهُ (لأمد) أَي لأجل: (مُمْتَنع فِيهِ تفاضل فقد) فَحسب أَي لَا غير كَثوب من حَرِير معجل فِي ثَوْبَيْنِ مِنْهُ إِلَى أجل للسلف بِمَنْفَعَة وَعَكسه لضمان بِجعْل، وَمَفْهُوم تفاضل أَنه مَعَ التَّمَاثُل كَثوب من صوف معجل فِي ثوب مثله، وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ أَجود من الْمُعَجل وَلَا أدنى جَائِز لِأَنَّهُ مَحْض سلف، ثمَّ اسْتثْنى من منع التَّفَاضُل فِي الْجِنْس الْوَاحِد فَقَالَ: إلاّ إذَا تَخْتَلِفُ المنافِعُ وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبضٍ مَانِعُ (إِلَّا إِذا تخْتَلف الْمَنَافِع) كسيف قَاطع معجل فِي اثْنَيْنِ دونه فِي الْقطع والجوهرية إِلَى أجل، وكجذع من الْخشب طَوِيل غليظ معجل فِي جذع أَو جُذُوع صغَار إِلَى أجل، وكثوب غليظ من الْكَتَّان معجل فِي ثوب رَقِيق مِنْهُ إِلَى أجل، أَو غزل غليظ فِي رَقِيق من جنسه وَبِالْعَكْسِ فَإِن ذَلِك كُله جَائِز لاخْتِلَاف الْمَنْفَعَة لِأَن اختلافها يصير الْجِنْس الْوَاحِد كجنسين، وَلَا يدْخل فِي النّظم هُنَا بيع صَغِير بكبير من جنسه وَعَكسه إِلَى أجل، لِأَن الْكَلَام فِي الْعرُوض لَا فِي الْحَيَوَان (وَمَا لبيع قبل قبض مَانع) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله خَبره، وَالْمعْنَى أَنه يجوز بيع الْعرُوض قبل قبضهَا كَانَ الْمُعَجل فِيهَا عرضا أَيْضا أَو دَرَاهِم أَو حَيَوَانا أَو طَعَاما من بيع أَو سلم بِخِلَاف الطَّعَام، فَإِنَّهُ لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه مُطلقًا حَيْثُ كَانَ من مُعَاوضَة لَا من قرض فَيجوز نَقْدا فَقَط وَظَاهره أَنه يجوز بيع الْعرض قبل قَبضه لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلغيره نَقْدا وَإِلَى أجل قبل حُلُوله وَبعده وَلَيْسَ كَذَلِك بل فِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَ لمن هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز بعد حُلُول أَجله وَقَبله بِشَرْط أَن يكون الثّمن الْمَأْخُوذ فِي الْعرض نَقْدا وَأَن يكون مِمَّا يَصح بَيْعه بِالثّمن الْمُعَجل فِي الْعرض الْمَذْكُور فَإِذا عجل دَرَاهِم أَو حَيَوَانا فِي ثوب من صوف لأجل مثلا، فَيجوز أَن يَأْخُذ عَن الثَّوْب بعد الْحُلُول أَو قبله ثوبا من كتَّان وحرير لَا دَنَانِير أَو لَحْمًا غير مطبوخ من جنسه لما فِيهِ من الصّرْف الْمُؤخر فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل دَرَاهِم والمأخوذ دَنَانِير وَبِالْعَكْسِ، وَلما فِيهِ من بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل حَيَوَانا والمأخوذ لَحْمًا من جنسه وَبِالْعَكْسِ، وَقَوْلِي نَقْدا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لأجل فَإِنَّهُ لَا يجوز لما
فِيهِ من فسخ الدّين فِي الدّين حَيْثُ كَانَ الْمَأْخُوذ أَكثر مِمَّا فِي الذِّمَّة أَو من غير الْجِنْس فَإِن كَانَ مثل مَا فِي الذِّمَّة جَازَ بعد الْأَجَل وَلَا إِشْكَال لِأَنَّهُ قَضَاء عَمَّا فِيهَا وَكَذَا قبل الْأَجَل حَيْثُ كَانَ الْقَضَاء فِي مَحَله أَي بَلَده لَا إِن كَانَ بِغَيْر مَحَله فَلَا يجوز، وَإِن حل لما فِيهِ من سلف جر نفعا لِأَن الْمُعَجل قبل الْبَلَد يعد مسلفاً كالمعجل قبل الْأَجَل فقد انْتفع بِإِسْقَاط الحمولة عَنهُ. هَذَا مُحَصل مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي آخر السّلم بقوله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه الخ. وَبِقَوْلِهِ قبله وَجَاز قبل زَمَانه قبُول صفته فَقَط كقبل مَحَله فِي الْعرض. الخ. وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا بَاعه لمن هُوَ عَلَيْهِ، وَأما إِذا بَاعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز قبل الْأَجَل وَبعده أَيْضا بِشَرْط أَن يكون الثّمن نَقْدا لَا مُؤَجّلا فَيمْنَع مُطلقًا لِأَنَّهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَأَن يكون من هُوَ عَلَيْهِ حَاضرا مقرا وَبيع بِغَيْر جنسه وَلَيْسَ ذَهَبا بِفِضَّة وَلَا عَكسه، وَلَيْسَ بَين مُشْتَرِيه وَبَين من هُوَ عَلَيْهِ عَدَاوَة وَلَا قصد إعانته كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا بقوله: وَمنع بيع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. وَبَيْعُ كُلَ جَائِزٌ بالْمَالِ عَلَى الْحُلُولِ وَإلى الآجالِ (وَبيع كل) من الْعرُوض (جَائِز بِالْمَالِ) من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَيَوَان الْعَاقِل وَغَيره، وَأما بَيْعه بِعرْض آخر فَهُوَ مَا قبله (على الْحُلُول وَإِلَى الْآجَال) الْمَعْلُومَة غير الْبَعِيدَة جدا كالسبعين وَالسِّتِّينَ سنة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال الخ. وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفيتُ شَكْلَهُ لَمْ يَضْمَنْ إلاّ حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ (وَمن يقلب مَا) أَي فخاراً أَو زجاجاً أَو سَيْفا أَو دَابَّة وَنَحْو ذَلِك (يفيت) بِضَم الْيَاء مضارع أفات، وفاعله ضمير التقليب وَمعنى الإفاتة الْهَلَاك (شكله) مَفْعُوله (وَلم يضمن) مَا سقط من يَده حِين التقليب فانكسر، أَو مَاتَت الدَّابَّة حِين الرّكُوب (إِلَّا حَيْثُ لم يُؤذن لَهُ) فِي التقليب الْمَذْكُور وَالرُّكُوب وَنَحْو ذَلِك أما مَعَ الْإِذْن نصا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا سقط من يَده، وَإِنَّمَا يضمن مَا سقط عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خطأ وَهُوَ كالعمد (خَ) : وَضمن بِسُقُوط شَيْء من يَده عَلَيْهَا الخ. وَأما مَعَ الْإِذْن حكما كَأَن يقلبها وصاحبها سَاكِت ينظر. فَقَوْلَانِ مشهوران مبنيان على أَن السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ أرجحهما أَنه لَيْسَ بِإِذن قَالَ فِي إِيضَاح المسالك، قَالَ ابْن رشد فِي كتاب الدَّعْوَى: وَالصُّلْح من الْبَيَان لَا خلاف أَن السُّكُوت لَيْسَ بِرِضا لِأَن الْإِنْسَان قد يسكت مَعَ كَونه غير رَاض، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَرجح كَونه لَيْسَ بِإِذن اه. ابْن سَلمُون: وَمن أَخذ قوساً أَو سَيْفا أَو آنِية ليقلبها فانكسر الْقوس أَو السَّيْف عِنْد الرَّمْي بِهِ
أَو الفخار، فَإِن كَانَ ذَلِك بِإِذن صَاحبه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ الدَّابَّة. قَالَ أصبغ: وَكَذَلِكَ إِن أَخذ الفخار وَصَاحبه يرَاهُ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَسقط وانكسر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم فِي ذَلِك أَنه ضَامِن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ اه. وَمَا رَوَاهُ عِيسَى هُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد كَمَا مرّ، وَكَذَلِكَ يضمن إِن سقط من يَده عِنْد التقليب بِسَبَب تغريره كَأَن يرفع الْقلَّة الْكَبِيرَة من أذن وَاحِدَة أَو بأصبع وَاحِد فتنكسر وَيضمن مَا سَقَطت عَلَيْهِ على كل حَال فَإِن ادّعى عَلَيْهِ رب الزجاجة وَنَحْوهَا حَيْثُ أذن لَهُ فِي تقليبها أَنه تعمد طرحها أَو فرط حَتَّى سَقَطت فَعَلَيهِ الْيَمين فَإِن نكل غرم بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة. وَالبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدْ فِي مَوْضَع آخَرَ إنْ حُدَّ الأَمَدْ (وَالْبيع جَائِز على) شَرط (أَن ينْتَقد) الثّمن أَو الْمُثمن (فِي مَوضِع) أَي بلد (آخر) غير بلد العقد (إِن حدّ الأمد) أَي الْأَجَل وإلاَّ لم يجز، قَالَ فِي التَّهْذِيب: وَمن بَاعَ سلْعَة بِعَين على أَن يَأْخُذهُ بِبَلَد آخر فَإِن سمى الْبَلَد وَلم يضْرب لذَلِك أَََجَلًا لم يجز، وَإِن ضرب لذَلِك أَََجَلًا جَازَ سمى الْبَلَد أَو لم يسمهَا، فَإِن حل الْأَجَل فَلهُ أَخذه بِالْعينِ أَيْنَمَا لقِيه، وَإِن بَاعَ السّلْعَة بِعرْض وَشرط قَبضه بِبَلَد آخر إِلَى أجل فَلَيْسَ لَهُ أَخذه بِهِ بعد الْأَجَل إِلَّا فِي الْبَلَد الْمُشْتَرط فَإِن أَبى الَّذِي عَلَيْهِ الْعرض بعد الْأَجَل أَن يخرج إِلَى ذَلِك الْبَلَد أجبر على أَن يخرج أَو يُوكل من يخرج فيوفي صَاحبه اه. وَحَاصِله أَن الْأَجَل لَا بُد مِنْهُ كَمَا قَالَ النَّاظِم: سَوَاء كَانَ البيع بِالْعينِ أَو بِالْعرضِ إِلَّا أَن شَرط قبض الْعين بِبَلَد آخر ملغى غير مُعْتَبر بِخِلَافِهِ فِي الْعرض فَإِنَّهُ مُعْتَبر، وَظَاهر النّظم كَانَ الْأَجَل نصف شهر أَو أقل أَو أَكثر وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ سلم فَلَا بُد أَن يكون أَجله نصف شهر فَأكْثر (خَ) : إِلَّا أَن يقبض بِبَلَد كيومين إِن خرج حِينَئِذٍ ببر بِغَيْر ريح، فَيجوز أقل من نصف شهر بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة. تَنْبِيه: مَا مر من أَنه لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا فسد البيع حكى عَلَيْهِ عِيَاض الِاتِّفَاق كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، ثمَّ ذكر عقبه عَن اللَّخْمِيّ أَنه إِذا قَالَ: أَشْتَرِي مِنْك بِالْعينِ لأقضي بِموضع كَذَا لِأَن لي بِهِ مَالا وَإِنَّمَا معي هَهُنَا مَا أتوصل بِهِ لذَلِك الْموضع أَو لَيْسَ معي مَا أَقْْضِي بِهِ هَهُنَا إِلَّا دَاري أَو ربعي وَلَا أحب بَيْعه لم يجْبر على الْقَضَاء إِلَّا بالموضع الَّذِي سمى، وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا أَََجَلًا كمن بَاعَ على دَنَانِير بِأَعْيَانِهَا غَائِبَة، وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين لاحتياجه فِيهِ لوجه كَذَا فعجلها المُشْتَرِي بِغَيْرِهِ لم يلْزم البَائِع قبُولهَا لخوفه فِي وصولها إِلَى هُنَاكَ، وَقد اشْترط شرطا جَائِزا فيوفي لَهُ بِهِ اه. وَنَقله (ح) أول بُيُوع الْأَجَل مستظهراً لَهُ قَائِلا: فيقيد بِهِ قَول الْمَتْن فِي الْقَرْض كأخذه بِغَيْر مَحَله إِلَّا الْعين اه.
قلت: وَكَذَا يُقيد بِهِ قَول النَّاظِم فِيمَا مر وَحَيْثُ يلغيه بِمَا فِي الذِّمَّة يَطْلُبهُ الخ. وَتَأمل قَول اللَّخْمِيّ: وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا. وَقَوله بعد: وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين الخ. فَالظَّاهِر حمل ذَاك على مَا إِذا كَانَ بصدد الذّهاب للبلد الْمعِين عَن قرب وَأَن مسافته مَعْلُومَة عِنْدهمَا لِئَلَّا يُؤَدِّي ذَلِك للْبيع بِأَجل مَجْهُول فيخالف مَا مرّ من الِاتِّفَاق وَالله أعلم. وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتاً بالرِّضا بالثَّمَنِ البَخْسِ أوِ العالي مَضَى (وَبيع مَا يجهل) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (ذاتاً) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل (بِالرِّضَا) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِالثّمن البخس أَو الغالي) وَقَوله (مضى) خبر عَن بيع، وَالْمعْنَى أَن بيع الشَّيْء الَّذِي يجهل المتعاقدان أَو أَحدهمَا ذَاته أَي حَقِيقَته المتضمن ذَلِك لجهل قِيمَته مَاض لَا يرد حَيْثُ سمياه أَو أَحدهمَا باسمه الْعَام، سَوَاء بيع ببخس أَو غلاء كَمَا لَو قَالَ البَائِع لشخص: أبيعك هَذَا الْحجر، أَو قَالَ المُشْتَرِي: بِعْ مني هَذَا الْحجر فيشتريه وَهُوَ يَظُنّهُ ياقوتة أَو زبرجدة فيجده غير ياقوتة، أَو يَبِيعهُ البَائِع يظنّ أَنه غير ياقوتة أَو زبرجدة فَإِذا هُوَ غير ذَلِك، فَيلْزم المُشْتَرِي الشِّرَاء فِي الصُّورَة الأولى، وَإِن علم البَائِع حِين البيع أَنه غير ياقوتة وَكَذَا يلْزم البيع للْبَائِع فِي الثَّانِيَة، وَإِن علم المُشْتَرِي حِين الشِّرَاء أَنه ياقوتة لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا سَمَّاهُ فِي الْقَرْض الْمَذْكُور باسمه الْعَام لِأَن الْيَاقُوت يُسمى حجرا، وَهَذَا إِذا كَانَ البَائِع أَو المُشْتَرِي غير وَكيل، وإلاَّ لم يلْزم البيع بِلَا نزاع، وَأما لَو سمي بِغَيْر اسْمه الْعَام بل باسمه الْخَاص أَو بِغَيْر اسْمه أصلا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الياقوتة أَو أَشْتَرِي مِنْك هَذِه الزجاجة فَتبين فِي الأولى أَنَّهَا غير ياقوتة، وَفِي الثَّانِيَة أَنَّهَا ياقوتة، فَلِلْمُشْتَرِي فِي الأولى الْقيام وَكَذَا البَائِع فِي الثَّانِيَة كَمَا قَالَ: وَمَا يُبَاعُ أَنه ياقوتَهْ أوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحوتَهْ (وَمَا يُبَاع) على (أَنه ياقوتة أَو) على (أَنه زجاجة منحوته. وَيَظْهَرُ العَكْسُ بِكُلَ منْهما جَازَ بِهِ قيامُ مِنْ تَظَلَّمَا وَيظْهر الْعَكْس بِكُل مِنْهُمَا جَازَ بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ (قيام من تظلما) أَي شكا أَنه مظلوم، وَأَنه لم يعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَقت البيع فَإِن ادّعى عَلَيْهِ الْعلم فَعَلَيهِ الْيَمين. وَالْفرق أَن التَّسْمِيَة بِغَيْر اسْمه مَظَنَّة الْجَهْل بِهِ فَكَانَ لَهُ الْقيام بِخِلَاف تَسْمِيَته باسمه الْعَام فَإِنَّهَا مَظَنَّة مَعْرفَته فَلَا يقبل دَعْوَاهُ خلَافهَا لِأَنَّهُ خلاف الْغَالِب وَكَانَ من حَقه أَن يتثبت لنَفسِهِ، وَالْفرق بَين حَقِيقَة هَذَا البيع وَبَين حَقِيقَة الْغبن الْآتِي فِي فَصله: أَن الْمَبِيع فِي الْغبن مَعْلُوم فِي الْحَقِيقَة وَالِاسْم لكل مِنْهُمَا، وَالْجهل مُتَعَلق بِالْقيمَةِ فَقَط. وَهنا الْجَهْل مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا تعلق بحقيقته، وَلَكِن لما عبر عَنْهَا باسمها
الْعَام لم يصدق مدعي الْجَهْل كَمَا مر قَالَ: مَعْنَاهُ (ز) ثمَّ. يبْقى أَن يُقَال مَا الْفرق بَين الْغَلَط والغبن على مَا بِهِ الْعَمَل من وجوب الْقيام بِهِ كَمَا يَأْتِي. فَالْجَوَاب: أَن الْفرق إِنَّمَا يطْلب بَينهمَا لَو اخْتلفَا فِي الْمَشْهُور أما حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُور فيهمَا عدم الْقيام فَلَا، لَكِن يَنْبَغِي حَيْثُ جرى الْعَمَل بِالْقيامِ بِالْغبنِ أَن يجْرِي الْعَمَل بِالْقيامِ بالغلط أَيْضا إِذْ كل مِنْهُمَا يتثبت بالسؤال لنَفسِهِ عَن حَقِيقَة الْأَمر، وَالْخلاف مَوْجُود فِي الْغبن والغلط كَمَا فِي (خَ) وَغَيره وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ ابْن رشد: وَاخْتلف فِيمَا إِذا أبهم أَحدهمَا لصَاحبه بِالتَّسْمِيَةِ وَلم يُصَرح فَقَالَ ابْن حبيب: إِن ذَلِك يُوجب الرَّد كَالصَّرِيحِ، وَحكي عَن شُرَيْح القَاضِي أَن رجلا مر بِرَجُل مَعَه ثوب مصبوغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَقَالَ: بكم هَذَا الْهَرَوِيّ؟ فَقَالَ: بِكَذَا فَاشْترى، ثمَّ تبين أَنه لَيْسَ بهروي وَإِنَّمَا صبغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَأجَاز بَيْعه قَالَ عبد الْملك: لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعه هروي الصَّبْغ حَتَّى يَقُول هروي النسج فَعِنْدَ ذَلِك يردهُ. الثَّانِي: قَالَ مَالك: فِي الْبَزَّاز يَبِيع ثوبا فيأمر بعض خدمته يَدْفَعهُ إِلَى الْمُبْتَاع أَو يَدْفَعهُ هُوَ بِنَفسِهِ ثمَّ يَقُول بعد انصراف الْمُبْتَاع: إِن الثَّوْب الَّذِي دفع إِلَيْك لَيْسَ هُوَ الْمَبِيع، بل وَقع غلط فِيهِ قَالَ: إِن كَانَ أَمر بِدَفْعِهِ حلف ورد ثَوْبه وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي دَفعه فَلَا قَول لَهُ إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ رقم أَكثر مِمَّا بَاعَ بِهِ أَو شَهَادَة قوم عرفُوا ذَلِك. انْظُر (ح) عِنْد قَول الْمَتْن وَلم يرد بغلط إِن سمي باسم الخ.
(فصل فِي حكم (بيع الطَّعَام))
حَاصِل حكمه أَن بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ بِالتَّأْخِيرِ مُمْتَنع مُطلقًا وَهُوَ قَوْله: البَيْعُ لِلطَّعام بالطَّعَامِ دون تناجُزٍ مِنَ الْحَرَامِ (البيع للطعام بِالطَّعَامِ) حَال كَونه (دون تناجز من الْحَرَام) كَيفَ مَا كَانَ متماثلاً أَو مُتَفَاضلا ربوياً كقمح بفول أَو شعير، أَو غير رِبَوِيّ كتفاح بمشمش، أَو أَحدهمَا كقمح بمشمش لحُرْمَة رَبًّا النِّسَاء فِيهِ مُطلقًا، وَمَفْهُوم قَوْله: دون تناجز أَنه إِذا كَانَ يدا بيد فإمَّا أَن يكون جِنْسا وَاحِدًا أَو جِنْسَيْنِ، وَفِي كل إِمَّا مثلا بِمثل أم لَا. فالجنس الْوَاحِد مثلا بِمثل كمد من قَمح بِمثلِهِ أَو بِمد من شعير هُوَ قَوْله: والبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ مِثْلاً بِمِثْلٍ مُقْتَضَى يَداً بِيَدْ
(وَالْبيع) مُبْتَدأ (للصنف بصنفه) يتعلقان بقوله (ورد) خبر أَي ورد جَوَازه حَال كَونه (مثلا بِمثل) وَحَال كَونه (مُقْتَضى يدا بيد) لقَوْله عليه الصلاة والسلام كَمَا فِي الصَّحِيح: (الْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد) ، وَمَفْهُوم مثلا بِمثل أَنه يمْنَع التَّفَاضُل فِيهِ، وَهُوَ معنى قَوْله بعد: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ تفاضلاً منع الخ. لَكِن مَحل الْمَنْع إِن كَانَ مقتاتاً مدخراً وَإِلَّا فَهُوَ قَوْله: وَغير مقتات وَلَا مدخر الخ. وَمَفْهُوم قَوْله هُنَا بصنفه أَنه مَعَ اخْتِلَاف صنفه يجوز وَهُوَ معنى قَوْله: وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَمعنى الْإِطْلَاق فِيهِ سَوَاء كَانَ مثلا بِمثل أم لَا. كَانَ مقتاتاً مدخراً أم لَا. ربوياً أم لَا. وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي التَّدَاخُل والتكرار فِي كَلَام النَّاظِم فَقَوله هَهُنَا: مُقْتَضى يدا بيد هُوَ مَوْضُوع هَذَا الْبَيْت والأبيات الثَّلَاثَة بعده. أَعنِي قَوْله: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ إِلَى قَوْله: بِاتِّفَاق، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ يَقُول: فَإِن لم يكن دون تناجز بل كَانَ مُقْتَضى يدا بيد فَإِن كَانَ صنفا بصنفه مثلا بِمثل جَازَ، وَإِن كَانَ لَيْسَ مثلا بِمثل امْتنع بِشَرْط الاقتيات والادخار، وَإِن كَانَ صنفا بِغَيْر صنفه جَازَ مُطلقًا مثلا بِمثل أم لَا. مدخراً مقتاتاً أم لَا غير أَن حَقه أَن يسْقط قَوْله مَعَ الإنجاز لِأَنَّهُ مَوْضُوع الأبيات الْأَرْبَعَة كَمَا ترى كَمَا أَن حَقه يُؤَخر عَنْهَا قَوْله: والبَيْعُ لِلطَّعام قَبْل القَبْضِ مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ عنْ قَرْضِ (وَالْبيع للطعام) رِبَوِيّ كقمح وشعير وزيت وَلبن أَو غَيره كتفاح ورمان (قبل الْقَبْض) لَهُ بكيل أَو وزن أَو عد حَيْثُ اشْترى على ذَلِك أَو أَخذ فِي صدَاق أَو خلع أَو فِي صلح عَن دم عمدا، وَفِي كِرَاء دَابَّة أَو فِي رزق قَاض أَو جند أَو إِمَام مَسْجِد أَو مُؤذن أَو مدرس وَنَحْو ذَلِك. فَكل ذَلِك (مُمْتَنع) لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه بكيل وَنَحْوه لَا مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا من غَيره، وَسَوَاء كَانَ معينا أَو مَضْمُونا فِي الذِّمَّة كطعام السّلم لَا إِن وَجب للْمَرْأَة فِي نَفَقَتهَا أَو نَفَقَة أَوْلَادهَا فَيجوز لَهَا أَن تبيعه قبل أَن تقبضه من زَوجهَا بكيل وَنَحْوه، وَلَا إِن اشْترى جزَافا لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِنَفس العقد وَلَيْسَ فِيهِ حق تَوْفِيَة، وَلَا إِن أَخذ عَن طَعَام مستهلك عمدا أَو خطأ فَيجوز أَيْضا (مَا لم يكن)
الطَّعَام ترَتّب (عَن قرض) وَأَحْرَى من هبة أَو صَدَقَة فَيجوز لمن تسلف طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل أَن يقبضهُ من مقرضه، ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه حَتَّى يَسْتَوْفِيه لِأَن ضَابِط الْمَنْع أَن يتوالى عقدتا بيع لم يتخللهما قبض، وَكَذَا يجوز لمن اشْترى طَعَاما أَن يسلفه لغيره قبل أَن يقبضهُ هُوَ من الَّذِي بَاعه لَهُ وَلَكِن لَا يَبِيعهُ لمتسلفه وَلَا لغيره إِلَّا بعد قَبضه، وَكَذَا يجوز لمن اشْتَرَاهُ أَيْضا أَن يقْضِي بِهِ طَعَاما فِي ذمَّته قبل أَن يقبضهُ من البَائِع أَيْضا وَلَا يَبِيعهُ الْمُقْتَضِي لَهُ إِلَّا بعد قَبضه لِئَلَّا يتوالى عقدتا بيع لَا قبض بَينهمَا كَمَا مرّ. وَهَذِه الَّتِي قبلهَا ليستا من البيع قبل الْقَبْض بل من السّلف قبل الْقَبْض أَو الْقَضَاء قبل الْقَبْض وَكَذَا يجوز لمن سلف لغيره طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل قَبضه من المتسلف، فَهَذِهِ الْفُرُوع الْأَرْبَعَة لَا يَشْمَل كَلَام النَّاظِم مِنْهَا إِلَّا الأولى وَالرَّابِعَة، وَأما الطَّعَام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَلَا إِشْكَال فِي جَوَاز بيعهمَا قبل قبضهما من الْمَوَاهِب والمتصدق ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه إِلَّا بعد قَبضه أَيْضا، وَحَيْثُ جَازَ البيع قبل الْقَبْض فِيمَا ذكر فَلَا بُد من تَعْجِيل الثّمن لِئَلَّا يُؤَدِّي لبيع الدّين بِالدّينِ وَتجوز الْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة وَالشَّرِكَة فِي الطَّعَام قبل قَبضه لِأَنَّهَا مَعْرُوف فاغتفر فِيهَا ذَلِك. ثمَّ رَجَعَ النَّاظِم لإتمام أَقسَام بيع الطَّعَام مُشِيرا لمَفْهُوم مثلا بِمثل فِي الْبَيْت الثَّانِي فَقَالَ: والجِنْسُ بالجِنْسِ تَفَاضُلاً مُنِعْ حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يجْتَمِعْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي وَبيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ أَي بصنفه كقمح بشعير لَا مثلا بِمثل بل (تفاضلاً) كمد قَمح بمدين من الشّعير (منع حَيْثُ اقتيات) وَهُوَ أَن تقوم بِهِ البنية أَي عِنْده لَا بِهِ (وادخار) وَهُوَ أَن يحبس وَلَا يفْسد لمُدَّة حَدهَا بَعضهم بِسِتَّة أشهر فَأكْثر (يجْتَمع) خبر عَن اقتيات وادخار، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا وجوابها مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهَا أَي منع بيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا حَيْثُ اقتيات وادخار يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَيمْنَع. وغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرِ يجُوزُ مَعْ تَفاضُلٍ كَالْخُضَرِ (وَغير مقتات وَلَا مدخر) كمشماش وقثاء أَو مقتات غير مدخر كلفت أَو مدخر غير مقتات كلوز وَجوز، وَأما التِّين فَهُوَ مقتات مدخر على الْمَذْهَب وَلَو لم ييبس خلافًا لما فِي (خَ) من عدم ربويته (يجوز) بَيْعه (مَعَ تفاضل) اتَّحد الْجِنْس كقنطار من تفاح بقنطارين مِنْهُ وَأَحْرَى لَو اخْتلف (كالخضر) من قثاء وَنَحْوهَا بمشماش. وَفِي اخْتِلَافِ الجِنْسِ بالإِطْلَاقِ جَازَ مَعَ الإنْجَازِ باتِّفَاقِ (وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله:(جَازَ مَعَ الإنجاز بِاتِّفَاق) أَي: وَجَاز
التَّفَاضُل فِي اخْتِلَاف الْجِنْس مُطلقًا من غير تَقْيِيد بربوي وَلَا غَيره بِشَرْط المناجزة لِأَن المناجزة هِيَ مَوْضُوع هَذِه الأبيات كَمَا مرّ تَحْصِيله فِي الْبَيْت الثَّانِي، وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس لقَوْله عليه الصلاة والسلام فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم:(فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِن كَانَ يدا بيد) . قَالَ الْعلمَاء: لما نَص عليه الصلاة والسلام على الْأَرْبَعَة الْمُسَمَّاة فِي الحَدِيث، أضَاف الْعلمَاء إِلَيْهَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا على مَا فَهموا من خطابه وعللوها بِأَنَّهَا مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فنصه صلى الله عليه وسلم على الْبر وَالشعِير تَنْبِيه على كل مقتات مدخر كالذرة والدخن والأرز والسمسم والقطاني كلهَا كالفول والعدس واللوبيا وكرسنة والحمص، وكل وَاحِد من هَذِه الْأَفْرَاد جنس على حِدته مَا عدا الْقَمْح وَالشعِير فهما جنس وَاحِد على الْمَشْهُور، وَكَذَلِكَ الْأدم كلهَا كاللحوم والخلول والألبان والزيوت والرب كل وَاحِد جنس على حِدته، وَكَذَا البصل والثوم لَهما حكم المقتات المدخر وكل مِنْهُمَا جنس على حِدته، وَنَصه عليه الصلاة والسلام على التَّمْر تَنْبِيه مِنْهُ على كل حلاوة مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فَيلْحق بِهِ التِّين وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالسكر، وَمَا فِي مَعْنَاهَا. وكل وَاحِد جنس على حِدته وَنَصه عليه الصلاة والسلام على الْملح تَنْبِيه على مصلح الطَّعَام المقتات فَيلْحق بِهِ التوابل من فلفل وكزبرة وكراوياء وأنيسون وَهُوَ الْمُسَمّى بِحَبَّة الْحَلَاوَة عندنَا وشمار كسحاب وكمونين وَنَحْوهَا. وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَا قَدْ جُهِلَا مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلَا (وَبيع) شَيْء (مَعْلُوم) قدره بكيل أَو وزن أَو عدد (بِمَا) أَي شَيْء (قد جهلا) قدره ومبلغه (من جنسه) أَي من جنس الْمَبِيع بِهِ (تزابن) أَي يُسمى بذلك (لن يقبلا) شرعا أَي لَا يجوز وَلَو كَانَ يدا بيد مَأْخُوذ من الزَّبْن بِمَعْنى المخاطرة أَو بِمَعْنى الدّفع لِأَن كلا من الْمُتَعَاقدين يخاطر صَاحبه أَو يدافعه عَن مُرَاده ويعتقد أَنه الْغَالِب وَمِنْه الزَّبَانِيَة لدفعهم الْكفَّار فِي النَّار، وَإِذا امْتنع بيع الْمَعْلُوم بِالْمَجْهُولِ فأحرى بيع الْمَجْهُول بِالْمَجْهُولِ. وَفِي صَحِيح مُسلم، نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الْعِنَب بالزبيب كَيْلا. الْمَازرِيّ: الْمُزَابَنَة عندنَا بيع مَعْلُوم بِمَجْهُول أَو مَجْهُول من جنس وَاحِد. ابْن عَرَفَة: يبطل عَكسه بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَيكون فِي الرِّبَوِيّ وَغَيره الخ. فَمن الْمُزَابَنَة فِي الرِّبَوِيّ بيع الرطب باليابس كَشِرَاء رطب تمر أَو تين أَو عِنَب فِي شَجَره
بيابس من جنس كل كَيْلا لِأَن الرطب مَجْهُول قدره إِذْ لَا يدْرِي قدره بعد يبسه هَل هُوَ قدر كيل التَّمْر الْيَابِس أَو التِّين الْيَابِس أَو الزَّبِيب أَو أقل أَو أَكثر، وَمِنْهَا أَيْضا بيع زرع قَائِم أَو محصود بكيل من الْبر أَو زيتون فِي شَجَره بكيل من الزَّيْتُون رطبا أَو جافاً، وَمِنْهَا فِي غير الرِّبَا بيع قِنْطَار من مشماش بصبرة مِنْهُ غير مَعْلُومَة الْوَزْن أَو بِمَا فِي رُؤُوس شَجَره لِأَنَّهُ وَإِن جَازَ فِيهِ التَّفَاضُل لَكِن منع لما فِيهِ من الْغرَر والمخاطرة والمغالبة، وَلذَا إِذا كثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة بِحَيْثُ لَا يشك أحد أَن أحد الْجِهَتَيْنِ أَكثر جَازَ لانْتِفَاء الْغرَر والمخاطرة، وَمِنْهَا فِي غير المطعومين بيع قِنْطَار من كتَّان أَو حَرِير بكتان أَو حَرِير مجهولي الْوَزْن إِلَّا أَن يكثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة كَمَا مر فِي الَّذِي قبله، وَمِنْهَا أَيْضا سلم الشَّيْء فِيمَا يخرج مِنْهُ كسلم حَدِيد فِي سيف أَو شعر فِي غزله وَلَو كَانَا معلومين وزنا، وَكَذَا سلم حب فِي دهنه وَلَو علما، وَبِهَذَا اعْترض ابْن عَرَفَة على الْمَازرِيّ بِأَن حَده للمزابنة غير جَامع إِذْ لَا يَشْمَل بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ مَعَ أَنه مزابنة، وَعدم شُمُوله إِنَّمَا هُوَ من جِهَة أَن بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ لَا يتَقَيَّد بكونهما مجهولين أَو مَجْهُول أَحدهمَا، بل يمْتَنع ذَلِك، وَلَو علما كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من جنسه إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر جنسه جَائِز وَهُوَ كَذَلِك فَيجوز بيع الْعِنَب بيابس التَّمْر صبرَة، وَكَذَا بيع صبرَة تفاح بصبرة مشماش مثلا لَكِن بِشَرْط المناجزة كَمَا تقدم لِامْتِنَاع النِّسَاء فيهمَا، وَيجوز أَيْضا بيع قِنْطَار من صوف بِشَيْء من الْحَرِير مَجْهُول الْوَزْن بالمناجزة أَو التَّأْخِير (خَ) عاطفاً على الْمنْهِي عَنهُ: وكمزابنة مَجْهُول بِمَعْلُوم أَو مَجْهُول من جنسه وَجَاز إِن كثر أَحدهمَا فِي غير رِبَوِيّ قَالَ (م) : فَلَو زَاد النَّاظِم بعد هَذَا الْبَيْت: كَذَاك مَجْهُول بِمَجْهُول عدا إِن كثر الْفضل فَلَا منع بدا وَسلم الشَّيْء بِشَيْء يخرج مِنْهُ تزابن وَذَاكَ الْمنْهَج لوفى بيع مَجْهُول بِمَجْهُول أَو بِمَا يخرج مِنْهُ. قلت: وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّنْصِيص عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ، وَأما الْمَجْهُول فَقدم مَا يُفِيد عدم جَوَازه فِي أول الْبَاب إِذْ من شَرط صِحَة البيع مُطلقًا علم عوضه.
(فصل فِي بيع النَّقْدَيْنِ)
أَي المسكوك من الذَّهَب وَالْفِضَّة. (والحلى) أَي المصوغ مِنْهَا (وَشبهه) وَهُوَ الْمحلى بِأحد النَّقْدَيْنِ أَو بهما. الصَّرْفُ أَخْذ فِضّةٍ بِذَهَب أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضَلَ أُبي (الصّرْف أَخذ) أَي بيع (فضَّة بِذَهَب أَو عَكسه) أَي أَخذ فضَّة فِي ذهب، إِنَّمَا يحْتَاج للتنصيص على الْعَكْس إِذا اعْتبر آخذ معِين وَإِلَّا فَهُوَ عين مَا قبله (وَمَا تفاضل أُبي) بِضَم الْهمزَة
أَي لَا يمْتَنع فِيهِ التَّفَاضُل فَيجوز أُوقِيَّة من فضَّة بأوقيتين من ذهب. وَإِنَّمَا يمْتَنع فِيهِ التَّأْخِير كَمَا سيقوله: والجِنْسُ بالجِنْس هُوَ الْمُرَاطَلَهْ بالوَزْنِ أَو بالعَدِّ فالْمُبَادَلَهْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي بيع الذَّهَب بِمثلِهِ أَو الْفضة بِمِثْلِهَا (هُوَ المراطلة) إِذا كَانَ ذَلِك (بِالْوَزْنِ) وَلها صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَجْعَل رَطْل ذهب فِي كفة حَتَّى يعتدلا، وَالْأُخْرَى أَن يَجْعَل أحد الذهبين فِي كفة وَالْحجر فِي كفة فَإِذا عادله نزع وَيجْعَل ذهب الآخر مَكَانَهُ حَتَّى يعادل الْحجر أَيْضا، وَهَذِه الصُّورَة كَمَا لِابْنِ رشد أرجح (خَ) : ومراطلة عين بِمثلِهِ بصنجة أَو كفتين الخ. وَسَوَاء كَانَت الصنجة أَو الْحجر مَعْلُومَة الْقدر أم لَا كَانَ الذَّهَب وَالْفِضَّة مسكوكين أَو أَحدهمَا أم لَا. كَانَ التَّعَامُل وزنا أَو عددا، وَإِنَّمَا يشْتَرط أَن لَا يَدُور الْفضل من الْجَانِبَيْنِ كسكة متوسطة فِي الْجَوْدَة تراطل بِأَدْنَى مِنْهَا أَو أَجود. (أَو) أَي وَأَن بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ (بالعد ف) هُوَ (الْمُبَادلَة) وَهِي جَائِزَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير إِذا اتّفق وزن الْآحَاد وَكَانَ التَّعَامُل بهَا عددا فَإِن كَانَ التَّعَامُل بِالْوَزْنِ لم يجز إِلَّا بِالْوَزْنِ وتعود مراطلة كَمَا فِي ضيح، وَإِن كَانَ أحد الْعِوَضَيْنِ أَو بعضه أوزن من الْعِوَض الآخر بسدس فَأَقل وَالْبَعْض الآخر مساوٍ امْتنعت إِلَّا فِي الْيَسِير وَهُوَ سِتَّة فدون على الْمَشْهُور (خَ) : وَجَازَت مُبَادلَة الْقَلِيل الْمَعْدُود دون سَبْعَة بأوزن مِنْهَا الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا بادله عشْرين بِعشْرين وَعشرَة مِنْهَا أوزن بِأَن يكون كل دِينَار أَو دِرْهَم مِنْهَا يزِيد بسدس فَأكْثر على مُقَابِله من الْجَانِب الآخر امْتنعت، وَإِن كَانَ سِتَّة مِنْهَا فدون يزِيد كل وَاحِد مِنْهَا بسدس فدون على مُقَابلَة جَازَت بِشَرْط أَن يكون التَّعَامُل بِالْعدَدِ كَمَا مر، وَأَن تكون بِلَفْظ الْمُبَادلَة وَأَن يكون الزَّائِد لمحض الْمَعْرُوف وَأَن تكون فِي مسكوك لَا فِي مكسور وتبر، وَلَا يشْتَرط اتِّحَاد السِّكَّة كَمَا فِي (ز) وَأَن تكون وَاحِدًا بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إِلَى سِتَّة لَا وَاحِد بِاثْنَيْنِ على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ كره إِبْدَال الدِّينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً وَلم يرخص فِيهِ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا أرى بِهِ بَأْسا. ابْن رشد: مَعْنَاهُ فِي القراريط الَّتِي تضرب من الذَّهَب كل قِيرَاط من ثَلَاث جِهَات فَتكون زنة المثقال أَي الدِّينَار أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فَيعْطى الرجل المثقال وَيَأْخُذ أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فكره ذَلِك مَالك إِذْ لَا يَخْلُو من أَن تزيد على المثقال أَو تنقص عَنهُ لِأَن الشَّيْء إِذا وزن مجتمعاً ثمَّ فرق زَاد أَو نقص فَقَوْل مَالك بِكَرَاهَة ذَلِك هُوَ الْقيَاس، لَا سِيمَا والصيرفيون يَزْعمُونَ أَن الدَّرَاهِم إِذا وزنت مفترقة ثمَّ جمعت نقصت فَيكون صَاحب القراريط إِنَّمَا ترك فضل عدد قراريطه لفضل الدِّينَار الوازن وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه على وزن قيراطه، وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم اسْتِحْسَانًا على وَجه الْمَعْرُوف فِي الدِّينَار الْوَاحِد كَمَا أَجَازُوا مُبَادلَة الدِّينَار النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف اه. قَالَ القباب: فحاصله أَن فِي الدَّنَانِير بالقراريط غير مراطلة قَوْلَيْنِ، وَإِذا قيل بِالْجَوَازِ فِي دِينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً فبكبير من الدَّرَاهِم بصغيرين أَحْرَى فِي الْجَوَاز، وَكَذَا كَبِير من الدَّرَاهِم بأَرْبعَة قراريط فضَّة مَا لم يتَبَيَّن أَن الدَّنَانِير أنقص من القراريط أَو بِالْعَكْسِ فتقبح الْمَسْأَلَة اه. وَحَاصِله: أَن كَلَام ابْن رشد وتعليله بدوران الْفضل يدل على أَن مَحل الْخلاف إِذا اتَّحد وزن
الدِّينَار والقراريط فمالك مَنعه لدوران الْفضل وَابْن الْقَاسِم أجَازه على وَجه الْمَعْرُوف وَمرَاده بِالْفَضْلِ الْفضل المترقب لَا الْحَاصِل كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه الخ. قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي بعض طرره، وَقَول القباب مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. ظَاهره وَلَو كَانَ أنقص بسدس فدون فتمتنع الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ اجْتمع للْمَنْع عِلَّتَانِ دوران الْفضل، وَكَون الدِّينَار أَو القراريط أنقص وَلَا يلْزم اغتفار أحد الْأَمريْنِ مَعَ اتحاده اغتفاره إِذا اجْتمع مَعَ غَيره، وَهَذَا الَّذِي فهمه القباب نَحوه فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ قَالَ: اخْتلف فِي استصراف الْجُمْلَة بالأجزاء مثل أَن يُعْطي دينارين فَيَأْخُذ نِصْفَيْنِ أَو درهما بقيراطين فَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم دون وزن كبدل النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف وَكَرِهَهُ مَالك الخ. ثمَّ قَالَ: بيع الدِّرْهَم بقيراطين دون مراطلة جَائِز وَإِن احْتمل أَن يكون بَينهمَا تفاضل فِي الْوَزْن إِذْ الْغَالِب التَّسَاوِي الخ. ثمَّ ذكر فِي مَوضِع آخر عَن ابْن عَرَفَة أَنه سُئِلَ هَل يجوز صرف الدِّينَار بالربيعيات من سكَّة بِغَيْر مراطلة اعْتِمَادًا على دَار السِّكَّة؟ فَأجَاب بِأَن فعل ذَلِك من غير مراطلة اتكالاً على دَار الضَّرْب لَا يجوز قبل الْيَوْم وَأَحْرَى الْيَوْم لظُهُور فعل الفسقة بِالْقطعِ من موزونات دَار الضَّرْب ذَهَبا أَو فضَّة فِي الْأَجْزَاء وَغَيرهَا اه. الْبُرْزُليّ: وَمَا ذكره من منع اقْتِضَاء الْأَجْزَاء الْيَوْم وَاضح وَأَحْرَى إِذا بادل بهَا من غير مراطلة، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة هِيَ مَعَ السَّلامَة من النَّقْص اه. بِنَقْل الملوي فقف على قَوْله، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم
…
الخ. فَكَلَام الْبُرْزُليّ هَذَا مُوَافق لما مر عَن القباب، وَأَن معنى مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم إِذا اتّفقت الْأَجْزَاء مَعَ الدِّينَار فِي الْوَزْن، وصريح كَلَام (م) هَهُنَا مَعَ من تبعه وَهُوَ ظَاهر فَتْوَى الإِمَام الْقصار. وَكَلَام غير وَاحِد من شرَّاح (خَ) أَن مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم أَعم مِمَّا إِذا تساوى العوضان وزنا أَو كَانَ أَحدهمَا أوزن لِأَن الشُّرَّاح قَالُوا: إِذا تساوى العوضان وزنا جَازَت الْمُبَادلَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَلَا يشْتَرط فيهمَا وَاحِد بِوَاحِد وَلَا غير ذَلِك من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وظاهرهم اتِّفَاقًا فَلَا يعْتَبر الدوران حِينَئِذٍ وَلَا غَيره، وَكَذَا الإِمَام الْقصار أطلق فِي فتواه على مَا نقلوه عَنهُ فَظَاهره الْعُمُوم وَصرح بِهِ (م) هَهُنَا فَقَالَ بعد نَقله كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم مَا نَصه: هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز إِبْدَال الدِّينَار بنصفي دِينَار أَو بأَرْبعَة أَرْبَاعه وَإِن لم يتساو العوضان فِي الْوَزْن، وعَلى هَذَا اعْتمد الإِمَام أَبُو عبد الله الْقصار فِي فتواه بِجَوَاز إِبْدَال ريال كَبِير بِعشْرين موزونة. يَعْنِي: أَو بِأَكْثَرَ حِين صغرت الدَّرَاهِم وَذَلِكَ فِي ريال وَاحِد لَا فِي أَكثر، ومأخذه فِي ذَلِك ظَاهر وَالله أعلم اه. فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَهموا مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم كَمَا ترى وَوَجهه ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم دوران الْفضل على مَا قَرَّرَهُ ابْن رشد، فَكَذَلِك يغْتَفر النَّقْص الْمُقَارن لَهُ من أحد الْجَانِبَيْنِ الَّذِي اتّفق هُوَ وَمَالك على اغتفاره لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع، إِذْ اغتفار الدوران مَعْرُوف عِنْده، واغتفار السُّدس فدون كَذَلِك عِنْد الْجَمِيع، فَإِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم كلاًّ على الِانْفِرَاد فَكَذَلِك عِنْد الِاجْتِمَاع وَالله أعلم، وَيُمكن أَن يُقَال معنى قَول القباب: مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. يَعْنِي بِأَكْثَرَ من سدس فيوافق حِينَئِذٍ هَؤُلَاءِ على أَن اللَّخْمِيّ والمازري والجلاب وَصَاحب التَّلْقِين وَغير وَاحِد كلهم أطْلقُوا القَوْل فِي قدر النَّقْص فَلم يحدوه بسدس وَلَا غَيره، وأجازوا مُبَادلَة السِّتَّة فدون بأنقص مِنْهَا، وَمَا ذَاك وَالله أعلم، إِلَّا لكَون الزِّيَادَة غير منتفع بهَا وَلَو كَانَت أَكثر من سدس وخلافهم رَحْمَة وَالله أعلم، ويترجح حِينَئِذٍ حمل مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم وَهُوَ مَا
عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك أحد، وَانْظُر مَا وَجه الْمَنْع فِي إِبْدَال ريالين مثلا بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما حَيْثُ كَانَ صرفه بِسِتَّة عشر درهما كَمَا فِي زمننا هَذَا مَعَ اتِّحَاد الْجَانِبَيْنِ فِي الْوَزْن أَو كَون أَحدهمَا أَزِيد بسدس، وَالظَّاهِر الْجَوَاز مَعَ اتِّحَاد الْوَزْن مُطلقًا أَو إِلَى سِتَّة مَعَ زِيَادَة أحد الْجَانِبَيْنِ بسدس فدون لِأَن الْمَسْأَلَة إِنَّمَا أجيزت على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم للمعروف وَهُوَ لَا يخْتَص بِالْوَاحِدِ وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فاشتراط لفظ الْمُبَادلَة إِنَّمَا هُوَ لكَونه دَالا على عدم المماكسة، وَفِيه إِشْعَار بِقصد الْمَعْرُوف، وَلَكِن الْعَامَّة الْيَوْم يعبرون عَنْهَا بِلَفْظ الصّرْف فَيَقُولُونَ: صرِّف لي هَذِه الدَّرَاهِم بِمِثْلِهَا أَو بريال مثلا، وَالظَّاهِر أَنه لَا ينْقض عقدهم لإخلالهم بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن الْمدَار فِي الْعُقُود على الْمَقَاصِد والمعاني لَا الْأَلْفَاظ، وَأما الريال بِالدَّرَاهِمِ الصغار فعلى مَا لهَؤُلَاء إِن كَانَ الريال يُوَافق وزن الْعدَد فَلَا إِشْكَال وَإِن كَانَ هُوَ أَزِيد بسدس فدون فَكَذَلِك، وَإِن كَانَت الدَّرَاهِم أَي مجموعها أَزِيد بسدس فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ ظَاهر المُصَنّف الْمَنْع لِأَنَّهَا أَزِيد من سِتَّة وَإِن كَانَ كل وَاحِد من أفرد الدَّرَاهِم يزِيد بسدس فَيحْتَمل الْمَنْع لِأَن الدَّرَاهِم السِّتَّة عشر تكون زَائِدَة على الريال بِثَلَاثَة دَرَاهِم غير ثلث دِرْهَم، وَذَلِكَ لَا تسمح بِهِ النُّفُوس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة غير منتفع بهَا كَمَا لَا يجوز إِبْدَال سِتَّة ريالات بِسِتَّة أُخْرَى أَو بِدَرَاهِم مَعَ كَون كل وَاحِد من ريال إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ زَائِدا على مُقَابِله بسدس، فيجتمع فِي تِلْكَ الأسداس ريال كَامِل، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِير وَلَو شَرْعِيَّة يجْتَمع فِيهَا دِينَار كَامِل وَذَلِكَ مِمَّا لَا تسمح بِهِ النُّفُوس، وَلَكِنَّك قد علمت أَن الْمدَار على كَون الزَّائِد لَا ينْتَفع بِهِ فِي التَّعَامُل، وكل مَا كَانَ كَذَلِك تسمح بِهِ النَّفس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز فَتَأمل ذَلِك. وَلَو شكّ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ هَل هُوَ أوزن من الآخر بسدس أَو أَكثر أَو مساوٍ؟ فَينْظر للْغَالِب فَإِن غلب التقصيص فِي الدَّرَاهِم امْتنع وإلاَّ جَازَ كَمَا تقدم، ودراهم زمننا الْيَوْم لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا يزِيد عَلَيْهَا فِي الْغَالِب إِلَّا بالشَّيْء التافه. فرع: وَفِي المعيار عَن التّونسِيّ: يجوز مراطلة الدَّرَاهِم الْقَدِيمَة وَهِي أَكثر فضَّة بالجديدة قَائِلا لِأَن معطى الجديدة متفضل لَا انْتِفَاع لَهُ بِمَا فِي الْقَدِيمَة من زِيَادَة الْفضة، إِذْ لَو سكت الْقَدِيمَة لخسر فِيهَا وَيغرم عَلَيْهَا لتصير جَدِيدَة قَالَ: وَيجوز قَضَاء الجديدة عَن الْقَدِيمَة، وَمن بَاعَ قبل قطعهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا هِيَ اه بِاخْتِصَار. وَنَقله (ح) قَالَ (ت) : وَهَذِه الْفَتْوَى مُخَالفَة للمشهور اه. قلت: وَجه مخالفتها دوران الْفضل من الْجَانِبَيْنِ. والشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَناجُزٌ فَقَطْ وَمَعَهُ المثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ (وَالشّرط فِي الصّرْف) الْمَذْكُور أَولا (تناجز) فَلَا يجوز التَّأْخِير فِي الْقَبْض للعوضين أَو أَحدهمَا مَعَ افْتِرَاق وَلَو قَرِيبا فَإِن كَانَ التَّأْخِير بِالْمَجْلِسِ من غير افْتِرَاق فَيمْنَع الطَّوِيل وَيكرهُ
الْقَرِيب. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي يصرف دِينَارا من الصَّيْرَفِي فيدخله تابوته ثمَّ يخرج الدَّرَاهِم: لَا يُعجبنِي، وَلَكِن يتْركهُ حَتَّى يرى الدَّرَاهِم فَيَأْخُذ وَيُعْطِي. (فَقَط) أَي انته عَن الزِّيَادَة على اشْتِرَاط التناجز فِي الصّرْف فَلَا تشْتَرط فِيهِ الْمُمَاثلَة، إِذْ يجوز فِيهِ التَّفَاضُل كدرهم بدينارين (وَمَعَهُ الْمثل) مُبْتَدأ والظرف قبله مَعَ الْمَجْرُور فِي قَوْله (بثان) يتعلقان بقوله (يشْتَرط) وَالْجُمْلَة خبر وَالْبَاء ظرفية بِمَعْنى (فِي) أَي: والمثل يشْتَرط مَعَ التناجز فِي الثَّانِي وَهُوَ بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ فَلَا يجوز فِيهِ التَّأْخِير وَلَا التَّفَاضُل معدودين كَانَا أَو مصوغين أَو مُخْتَلفين إِلَّا مَا تقدم من رخصَة الْمُبَادلَة فِي سِتَّة فدون بشروطها الْمُتَقَدّمَة فَوق هَذَا الْبَيْت. وبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اتُّخِذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نفَذا (وَبيع) مُبْتَدأ (مَا) شَيْء (حلي) بِذَهَب أَو فضَّة وَكَانَ يخرج مِنْهُ شَيْء مِنْهُمَا عِنْد سبكه أَي
حرقه وَكَانَ مستمراً بِحَيْثُ لَا ينْزع إِلَّا بِفساد (مِمَّا اتخذا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من مَا (بِغَيْر جنسه) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِنَقْد) وَقَوله (نفذا) خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَعَ تَشْدِيد الْفَاء، وَيجوز بِنَاؤُه للْفَاعِل مَعَ تَخْفيف الْفَاء وَالتَّقْدِير: وَبيع شَيْء محلى حَال كَونه مِمَّا يجوز اتِّخَاذه كالمصحف مُطلقًا وَالسيف للرِّجَال وَالثَّوْب للْمَرْأَة بِغَيْر جنسه بمعجل نَافِذ جَائِز كَانَت الْحِلْية تَابِعَة أَو متبوعة وَلَا يشْتَرط أَن يكون الْجَمِيع دِينَارا أَو يجتمعا فِيهِ للضَّرُورَة فَرخص فِيهِ لذَلِك، واحترزت بِقَوْلِي: وَكَانَ يخرج مِنْهُ الخ. مِمَّا إِذا كَانَ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء عِنْد الحرق فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر حِينَئِذٍ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيُبَاع بمؤجل ومعجل بصنفه وَبِغَيْرِهِ وبقولي: مسمراً الخ. مِمَّا لَو كَانَ غير مسمر كقلادة مثلا أَو لَا فَسَاد فِي نَزعه فَإِنَّهُ لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا على حكم اجْتِمَاع البيع وَالصرْف. نعم بِالْعرضِ يجوز وَبِقَوْلِهِ: مِمَّا اتخذا الخ. مِمَّا إِذا لم يجز اتِّخَاذه كدواة محلاة أَو سرج وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ بل بِعرْض إِلَّا أَن يقل عَن صرف دِينَار كاجتماع البيع وَالصرْف أَيْضا، وَبِقَوْلِهِ: بِغَيْر جنسه يَعْنِي كالمحلى بِالذَّهَب يُبَاع بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ احْتِرَازًا مِمَّا لَو بيع بِجِنْس غير الْحِلْية الَّتِي فِيهِ كَبيع الْمحلى بِذَهَب أَو الْمحلى بِفِضَّة، فَإِنَّهُ لَا يجوز لما فِيهِ من بيع ذهب وَعرض بِذَهَب أَو فضَّة وَعرض بِفِضَّة وَهُوَ الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ الْمشَار لَهُ بقوله. (خَ) : كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما هَذَا كُله مَعَ تحقق التَّمَاثُل فَكيف بِهِ مَعَ الشَّك فِيهِ كَمَا هُنَا لِأَن الْحِلْية لَا يَتَأَتَّى معرفَة قدرهَا إِلَّا بِالتَّحَرِّي كَمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَت الْحِلْية الثُّلُث فدون لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تبع، وَهل يعْتَبر الثُّلُث بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف فَإِن كَانَ وزن الْحِلْية عشْرين ولصياغتها تَسَاوِي ثَلَاثِينَ، وَقِيمَة النصل أَرْبَعُونَ فالمجتمع سَبْعُونَ، فَإِذا نسبت قيمَة الْحِلْية وَهِي ثَلَاثُونَ للسبعين كَانَت أَكثر من الثُّلُث فَلَا يجوز على الأول وَجَاز على الثَّانِي لِأَنَّهُ يعْتَبر الْوَزْن ووزنها عشرُون وَهِي ثلث، ثمَّ إِن الْوَزْن على القَوْل بِهِ يعْتَبر بِالتَّحَرِّي فَإِن لم يكن تحريه لعدم وجود من هُوَ أهل صَنعته فَتعْتَبر الْقيمَة حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا، وَاحْترز بقوله: بِنَقْد أَي بمعجل مِمَّا لَو بيع بمؤجل، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ لما فِيهِ من رَبًّا النِّسَاء. نعم يجوز بِعرْض وَإِلَى الْمَسْأَلَة بشروطها أَشَارَ (خَ) بقوله: وَجَاز محلى وَإِن كَانَ ثوبا يخرج مِنْهُ عين إِن سبك بِأحد النَّقْدَيْنِ إِن أبيحت وسمرت وَعجل بِغَيْر صنفه مُطلقًا وبصنفه إِن كَانَت الثُّلُث فَأَقل وَهل بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف.
وكُلُّ مَا الْفِضّةُ فيهِ والذَّهبْ فبالعُرُوضِ البَيْعُ فِي ذَاكَ وجَبْ (وكل مَا) أَي محلى (الْفضة فِيهِ وَالذَّهَب فبالعروض البيع فِيهِ قد وَجب) نَقْدا أَو إِلَى أجل، وَلَا يجوز بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلَو نَقْدا لما يلْزم عَلَيْهِ من الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع ذهب وَفِضة وَعرض بِذَهَب أَو بيع فضَّة وَعرض وَذهب بِفِضَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مجموعهما تبعا لقيمة الْمحلى، فَيجوز حِينَئِذٍ بَيْعه بِأَحَدِهِمَا لَا بهما مَعًا، وَمحل جَوَازه بِأَحَدِهِمَا مَعَ التّبعِيَّة إِذا توفرت الشُّرُوط الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْإِبَاحَة والتسمير والتعجيل (خَ) : وَإِن حلي بهما لم يجز بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَن تبعا الْجَوْهَر.
(فصل فِي بيع الثِّمَار وَمَا يلْحق بهَا)
من المقاثي وَالْخضر وَذي النُّور كالورد وَنَحْوه. بَيْعُ الثِّمَار والمَقاثي والْخُضَرْ بَدْوُ الصَّلَاحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ (بيع الثِّمَار) من عِنَب أَو تمر أَو تفاح أَو مشمش (والمقاثي) كالبطيخ والفقوس (وَالْخضر) كاللفت والجزر والبصل والفجل (بَدو) أَي ظُهُور (الصّلاح)(خَ) : وَهُوَ الزهو وَظُهُور الْحَلَاوَة والتهيؤ للنضج، وَفِي ذِي النُّور بانفتاحه والبقول بإطعامها (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز بيع جَمِيع مَا ذكر (شَرط مُعْتَبر) لَا بُد مِنْهُ (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه إِن لم يسْتَتر وَلَا يجوز بَيْعه قبل بَدو صَلَاحه كَمَا قَالَ: وحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُها امْتَنَعْ مَا لَمْ يَكُنْ بالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ (وَحَيْثُ لم يبد صَلَاحهَا امْتنع) بيعهَا، وَأما بدوه فِي بعض جنس وَلَو فِي نَخْلَة وَاحِدَة أَو دالية أَو اسوداد عنقود أَو حبات مِنْهُ، فَذَلِك كَاف فِي ذَلِك الْجِنْس كُله وَفِي مجاوره إِن لم تكن باكورة. (خَ) : وبدوه فِي بعض حَائِط كَاف فِي جنسه إِن لم تبكر الخ. وَيدخل فِي الثِّمَار الْحُبُوب كالقمح وَنَحْوه. وبدو الصّلاح فِيهَا اليبس فَإِن بيع قبله فَلَا يجوز إِلَّا أَن يكون البيع فِيهِ وَقع بعد الإفراك على أَن يتْركهُ حَتَّى ييبس أَو يكون ذَلِك لعرف فِيهِ فيمضي بِقَبْضِهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَمضى بيع حب أفرك قبل يبسه بِقَبْضِهِ، وَأما إِن لم يشْتَرط تَركه وَلَا كَانَ الْعرف ذَلِك فَالْبيع فِيهِ جَائِز
وَإِن تَركه مُشْتَرِيه حَتَّى ييبس قَالَه ابْن رشد، (مَا لم يكن) البيع للَّذي لم يبد صَلَاحه (بِالشّرطِ للْقطع وَقع) فَإِنَّهُ يجوز بِشُرُوط ثَلَاثَة. أَن ينْتَفع بِهِ فِي الْحِين كالحصرم والفول الْأَخْضَر والفريك، وَأَن يضْطَر أَي يحْتَاج الْمُتَبَايعَانِ أَو أَحدهمَا لبيعه كَذَلِك، وَأَن لَا يَقع من غير أهل مَحَله أَو أَكْثَرهم التوافق على بَيْعه للْقطع قبل بدوه أَو يعتادون ذَلِك، فان اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الثَّلَاثَة لم يجز لما فِي ذَلِك من الْفساد وإضاعة المَال فَتحصل مِمَّا هُنَا وَمِمَّا مرّ أَن الثَّمَرَة يجوز بيعهَا قبل بَدو صَلَاحهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. أَحدهَا: إِذا بِيعَتْ مُفْردَة على شَرط الْقطع كَمَا هُنَا. ثَانِيهَا وَثَالِثهَا: أَن تبَاع مَعَ أَصْلهَا أَو تلْحق بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: ومشتري الأَصْل شِرَاؤُهُ الثَّمر قبل الصّلاح جَائِز فِيمَا اشْتهر (خَ) : وَصَحَّ بَيْعه قبل الصّلاح مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ أَو على قطعه إِن نفع واضطر لَهُ وَلم يتمالأ عَلَيْهِ لَا على التبقية أَو الْإِطْلَاق. وَخِلْفَةُ القَصيل ملْكُهُ حَرِي لِبَائِعٍ إلاّ بِشَرْطِ المُشْتَرِي (وخلفة القصيل ملكه حري) أَي حقيق (البَائِع) فَإِذا بيع القصيل وَنَحْوه مِمَّا يجز ويخلف كالقرط والقضب فخلفته مَمْلُوكَة للْبَائِع، وَإِنَّمَا يملك المُشْتَرِي الجزة الأولى (إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) عِنْد العقد أَنه يَشْتَرِي القصيل بخلفته فَتكون لَهُ الخلفة حِينَئِذٍ، ثمَّ إِنَّه يشْتَرط فِي جَوَاز شِرَاء القصيل شَرْطَانِ: أَحدهمَا: أَن يبلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ، وَثَانِيهمَا: أَن لَا يشْتَرط تَركه إِلَى أَن يحبب لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع للحب قبل وجوده، فَإِذا وجد الشرطان وَبيع بخلفته فَيشْتَرط فِي جَوَاز اشْتِرَاطهَا ثَلَاثَة شُرُوط. أَن تكون مَأْمُونَة كأرض سقِِي بِغَيْر مطر، وَأَن يشترطها كلهَا لَا بَعْضهَا، وَأَن لَا يشْتَرط ترك الخلفة إِلَى أَن تجب أَيْضا لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدّمَة، وَكَذَا تشْتَرط هَذِه الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا اشْترى الخلفة بعد شِرَاء القصيل، لَكِن إِنَّمَا يجوز لَهُ شراؤها بشروطها الْمَذْكُورَة قبل جز القصيل لَا بعده لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غرر غير تَابع، فَإِن اخْتَلَّ شَرط من شرطي القصيل فسد العقد وَفسخ إِلَّا أَن يفوت فَفِيهِ الْقيمَة، وَكَذَا إِن اخْتَلَّ شَرط من شُرُوط الخلفة، وَكَلَام (ز) فِيهِ خلل وَالله أعلم. والقضب بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الضَّاد مَا يقضب أَي يقطع مرّة بعد مرّة، والقرط بِضَم الطَّاء العشب الَّذِي تَأْكُله الدَّوَابّ، ثمَّ إِن أَرض الْمغرب مُلْحقَة عِنْدهم بِأَرْض السَّقْي، وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ القصيل فِي فصل الشتَاء بلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ فَيجوز بَيْعه مَعَ خلفته الَّتِي يخلفها قبل فصل الصَّيف لأَنهم جعلُوا أَرض الْمغرب مِمَّا يجوز كراؤها بِشَرْط النَّقْد كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَة إِن شَاءَ الله.
وَلا يَجُوزُ فِي الثِّمَار الأجَلُ إلاّ بِما إثْمارُه مُتَّصِلُ (وَلَا يجوز فِي) بيع (الثِّمَار) الَّتِي تطعم بطوناً كالمقاثي والياسمين (الْأَجَل) كَأَن يَبِيعهُ مَا تطعمه المقاثي أَو الياسمين شهرا لاخْتِلَاف حملهَا قلَّة وَكَثْرَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، بل إِنَّمَا يجوز شراؤها على الْإِطْلَاق، وَيكون المُشْتَرِي جَمِيع بطونها وَلَو لم يشترطها (إِلَّا بِمَا) أَي إِلَّا فِي الشّجر الَّذِي (إثماره مُتَّصِل) لَا يَنْقَطِع فِي سَائِر السّنة كالموز فَلَا بُد فِيهِ من ضرب الْأَجَل لاستمرار إطعامه وَعدم تَمْيِيز بطونه (خَ) : وَللْمُشْتَرِي بطُون كياسمين ومقثاة، وَلَا يجوز بكشهر وَوَجَب ضرب الْأَجَل إِن اسْتمرّ كالموز. وَغَائِبٌ فِي الأرْضِ لَا يُبَاعُ إلاّ إذَا يَحْصُلُ الانْتِفَاعُ (وغائب فِي الأَرْض) كاللفت والجزر والفجل والبصل والثوم (لَا يُبَاع إِلَّا إِذا) بدا صَلَاحه وبدوه كَمَا للباجي أَن يسْتَقلّ ورقه وَيتم و (يحصل الِانْتِفَاع) بِهِ وَلم يكن فِي قلعه فَسَاد، وَهَذَا فِيهِ نوع تكْرَار مَعَ مَا قدمه أول الْفَصْل. وَجَائِزٌ فِي ذَاكَ أنْ يُسْتُثْنَى أكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي ذَاك) الْمَبِيع الْمُتَقَدّم من التَّمْر والمقاثي وَالْخضر (أَن يسْتَثْنى) البَائِع مِنْهُ (أَكثر من نصف لَهُ) أَي لنَفسِهِ (أَو أدنى) من نصف كربع وَثلث، وَهَذَا فِي اسْتثِْنَاء الشَّائِع بِدَلِيل قَوْله: وَدُونَ ثُلْثِ إنْ يَكُنْ مَا اسْتُثْنِي بِعَدَدٍ أوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ (وَدون) صَوَابه وَقدر كَمَا فِي (خَ) الخ. (ثلث إِن يكن مَا) أَي الْقدر الَّذِي (اسْتثْنِي) معينا محصوراً بِدَلِيل قَوْله: (بِعَدَد) كَأَن يَبِيعهُ بُسْتَان الْجَوْز ويستثني مِنْهُ عشرَة آلَاف جوزة أَو يَبِيعهُ مقثاة ويستثني مِنْهَا مائَة بطيخة (أَو) محصوراً ب (كيل) كَبَيْعِهِ فدان زرع قَائِم بعد يبسه ويستثني مِنْهُ وسْقا (أَو بِوَزْن) كَبَيْعِهِ ثَمَر حَائِطه ويستثني مِنْهُ قِنْطَارًا أَو نَحوه، فَإِن حزر أَن عشرَة آلَاف من الْجَوْز هِيَ قدر ثلث الْبُسْتَان فدون، وَالْمِائَة بطيخة قدر ثلث المقتاة فدون، والوسق قدر ثلث زرع الفدان فدون جَازَ الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور وإلاَّ امْتنع لِكَثْرَة الْغرَر، إِذْ لَا يدْرِي المُشْتَرِي مَا يبْقى لَهُ بعد دَفعه الْمُسْتَثْنى فَتحصل من النّظم أَن الْقدر الشَّائِع يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ مُطلقًا وَأَن الْقدر الْمعِين المحصور بِعَدَد وَنَحْوه يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ إِذا كَانَ قدر ثلث فدون وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الْجَائِز بقوله
وَبيع صبرَة وَثَمَرَة واستثناء قدر ثلث الخ. ثمَّ قَالَ: وجزء مُطلقًا. تَنْبِيه: إِذا كَانَت الثَّمَرَة أنواعاً وَاسْتثنى من نوع مِنْهَا أَكثر من ثلثه إِلَّا أَنه ثلث الْجَمِيع فَأَقل فَاخْتلف فِيهِ قَول مَالك، وَأخذ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب بِالْمَنْعِ نَقله (ز) قَالَ: وَمثل الِاسْتِثْنَاء فِي العقد إِذا أَرَادَ لما ذكر بعد العقد قبل قبض الثّمن أَو بعده وَقبل التَّفَرُّق الخ. أَي فَإِنَّهُ يجوز إِذا كَانَ الْعدَد أَو الْوَزْن الْمُشْتَرى قدر الثُّلُث فدون لِأَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ اُنْظُرْهُ. وَإنْ يَكُنْ لِثَمَراتٍ عَيَّنا فَمُطْلَقاً يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا (وَإِن يكن) البَائِع (لشجرات عينا) أَي اسْتثْنى ثَمَر شجرات بِأَعْيَانِهَا (فمطلقاً يسوغ) اسْتثِْنَاء (مَا تعينا) من الشجرات كهذه النَّخْلَة وَهَذِه كَانَ قدر الثُّلُث أَو أَكثر لِأَن الْمَبِيع هُوَ مَا سواهُ وَهُوَ معِين أَيْضا، فَهَذِهِ ثَلَاث مسَائِل: اسْتثِْنَاء الْجُزْء الشَّائِع كربع وَنَحْوه، واستثناء الْقدر المحصور بِعَدَد أَو كيل أَو وزن، واستثناء نخلات بِأَعْيَانِهَا، وَبقيت مَسْأَلَة رَابِعَة لم يذكرهَا النَّاظِم وَهِي: أَن يَبِيعهُ أصل حَائِطه مَعَ ثَمَرَته أَو ثَمَرَته فَقَط على أَن للْبَائِع ثَمَر خمس نخلات أَو سبع وَنَحْوهَا يختارها مِنْهُ، فَيجوز بِشَرْط أَن تكون ثَمَرَتهَا قدر الثُّلُث فدون (خَ) : إِلَّا البَائِع يسْتَثْنى خمْسا من جنابه أَي فَيجوز إِلَّا أَنه لَا مَفْهُوم للخمس فِي كَلَامه، بل الْمدَار على كَون ثَمَرَة مَا يختاره ثلثا فدون كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَفِي عَصيرِ الكَرَمِ يُشْرَى بالذَّهَبْ أوْ فِضَّةٍ أخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ (وَفِي عصير الْكَرم) أَو غَيره من الْأَطْعِمَة والأشربة مَا عدا المَاء (يشرى) أَي يُبَاع (بِالذَّهَب أَو فضَّة) أَو عرض (أَخذ الطَّعَام) كقمح أَو تفاح أَو غَيرهمَا (يجْتَنب) لما فِيهِ من اقْتِضَاء الطَّعَام عَن ثمن الطَّعَام وَهُوَ مَمْنُوع للتُّهمَةِ على بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة فَلَا مَفْهُوم لعصير الْكَرم. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يجوز لمن بَاعَ طَعَاما أَن يقبض فِيهِ طَعَاما من صنفه أَو من غير صنفه إِلَّا أَن يَأْخُذ مِنْهُ مَا بَاعه صفة وَقدرا إِن مَحْمُولَة فمحمولة وَإِن سمراء فسمراء وَهِي إِقَالَة اه. وَسَوَاء أَخذ ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده. ابْن عَرَفَة فِي بُيُوع الْآجَال: ضابطة جعل الْمُقْتَضى ثمنا للْمَبِيع، وَلذَا امْتنع أَخذه عَن كِرَاء أَرض بِعَين أَو عرض، وَكَذَا أَخذ اللَّحْم عَن ثمن الْحَيَوَان من جنسه وَعَكسه اه. وَكَذَا لَو أَخذ الدَّرَاهِم عَن الذَّهَب الَّذِي هُوَ ثمن الثَّوْب وَعَكسه، أَو أَخذ ثوب الْقطن عَن غزله إِذا كَانَ بعد مُدَّة يُمكن أَن ينسج فِيهَا لِأَنَّهُمَا يتهمان على بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَهُوَ مزابنة كَمَا مر.
تَنْبِيه: قَالَ فِيهَا أَيْضا: وَإِن أحلّت على ثمن طَعَام لَك من لَهُ عَلَيْك مثل الثّمن من بيع أَو من قرض لم يجز للمحال بِهِ أَن يَأْخُذهُ لَهُ من الطَّعَام إِلَّا مَا كَانَ يجوز لَك أَن تَأْخُذهُ من غريمك اه. تَنْبِيه آخر: قَالَ الْبُرْزُليّ: كَانَ شَيخنَا يَعْنِي ابْن عَرَفَة يُجِيز لمن عَلَيْهِ طَعَام أَن يُرْسل من يَشْتَرِي طَعَاما بِمَال الطَّالِب ثمَّ يتقاضاه مِنْهُ الطَّالِب قَالَ: وَظَاهره وَلَو كَانَ من ناحيته وَسَببه وَلَعَلَّه خففه مُرَاعَاة لمن يُجِيز أَن يَقْتَضِي من ثمن الطَّعَام طَعَاما وَهُوَ قَول خَارج الْمَذْهَب وَالله أعلم. وَنَقله العلمي فِي نوازله وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا سُئِلَ الْمَازرِيّ عَمَّن اضطرته الْحَاجة إِلَى اقْتِضَاء الطَّعَام من ثمن الطَّعَام؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز ثمَّ قَالَ فِي آخر كَلَامه: وَلَكِن إِن لم يقدر على خلاص الثّمن إِلَّا بِالطَّعَامِ فيفعلانه على وَجه سَائِغ يَأْخُذ الطَّعَام ويوكل بِهِ من يَبِيعهُ على ملك ربه فينفذه للحاضر وَيَقْضِي البَائِع ويفعله بإشهاد من غير تحيل على إِظْهَار مَا يجوز وَإِبْطَال مَا لَا يجوز. قلت: مثله يَقع الْيَوْم عندنَا يُعْطي الزَّرْع للبادية فَلَا يجد مَا يَأْخُذهُ فيعطيه الْحَيَوَان وَالسُّؤَال كالسؤال وَالْجَوَاب كالجواب اه. وَنَقله الملوي فِي مسَائِل التصيير.
(فصل فِي الْجَائِحَة فِي ذَلِك)
أَي فِي الثِّمَار وَمَا ألحق بهَا. وكُلُّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ جَائْحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَه (وكل مَا) أَي شَيْء (لَا يُسْتَطَاع الدّفع لَهُ) والاحتراز مِنْهُ إِذا أصَاب الثَّمر فأتلف ثلثهَا فَأكْثر فَهُوَ (جَائِحَة) لَهَا وَذَلِكَ (مثل الرِّيَاح المرسله) تسْقط الثَّمَرَة بهَا والثلج وَالْبرد والمطر الْغَالِب والعفن وَالْجَرَاد والدود وَالطير والفأر وَالنَّار وغاصب وسارق. وَالجَيْشُ مَعْدُودٌ مِع الجَوائِحِ كَفِتْنَةٍ وكالعَدُوِّ الكاشِحِ (والجيش) يمر بِالنَّخْلِ ليَأْخُذ ثَمَرَته (مَعْدُود من الجوائح) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع دَفعه (كفتنة) تقع فِي الْبَلَد فينجلي عَنهُ أَهله أَو يقل وارده بِسَبَبِهَا فَلَا يجد مُشْتَرِي الثَّمَرَة من يَبِيعهَا لَهُ كمن اكترى فندقاً أَو حَماما فانجلى أهل الْبَلَد عَنهُ أَو قل وارده وَلم يجد من يسكنهُ فَلَا كِرَاء علية انْظُر شرح
الشَّامِل. (وكالعدو الْكَاشِح) يمْنَع مُشْتَرِي الثَّمَرَة من الْوُصُول إِلَيْهَا حَتَّى سَقَطت الثَّمَرَة وَتَلفت، والكاشح الْمُضمر للعداوة ولبعضهم فِي نظم الجوائح مَا نَصه: جوائح أَشجَار الثِّمَار كَثِيرَة وعدتها سِتّ وَعشر فهاكها فقحط وثلج ثمَّ غيث وبردها وعفن وريح وَالْجَرَاد وفارها ودود وطير غَاصِب ثمَّ سَارِق وغرق وجيش والمحارب نارها والمحارب دَاخل فِي الْعَدو، والكاشح وَقد ذكر (خَ) مِنْهَا أموراً زَائِدَة على هَذَا فَانْظُر وَلَا بُد وَمحل كَون السَّارِق والجيش جَائِحَة مَا لم يعرف السَّارِق أَو وَاحِد من الْجَيْش وَإِلَّا اتبع السَّارِق بِقِيمَة مَا سرق وَلَو معدماً وَلَا يكون جَائِحَة، وَكَذَا الْوَاحِد من الْجَيْش يتبع بِالْجَمِيعِ لأَنهم كالحملاء عَن بَعضهم بَعْضًا مَا لم يكن ذَلِك الْوَاحِد معدماً غير مرجو يسره عَن قرب، فَالْأَظْهر أَنه جَائِحَة قَالَه ابْن عَرَفَة. فإنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ مَا اتَّفَقَا فالوَضْعُ لِلثَّمن فِيهِ مُطْلَقَا (وَإِن يكن من عَطش مَا اتفقَا) أَي وَإِن يكن مَا وَقع من الْجَائِحَة حصل من الْعَطش (فالوضع للثّمن فِيهِ مُطلقًا) بلغ الثُّلُث أَو لَا. كَأَن المجاح ثَمَرَة أَو مَا ألحق بهَا من بقول وَنَحْوه لِأَنَّهُ لما كَانَ سقِِي الثَّمَرَة على البَائِع أشبه مَا فِيهِ حق تَوْفِيَة قَالَه فِي ضيح. وإنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ مَا بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى المُعْتَبرْ (وَإِن تكن) الْجَائِحَة (من غَيره) أَي الْعَطش (فَفِي الثَّمر) والفول الْأَخْضَر والفريك وَنَحْوهَا لَا يوضع مِنْهَا إِلَّا (مَا بلغ الثُّلُث) من مكيله (فأعلى) لِأَن ثلث المكيلة فَأكْثر هُوَ (الْمُعْتَبر) عِنْدهم فِي وَضعهَا مِمَّا ذكر (خَ) وتوضع جَائِحَة الثِّمَار إِلَى قَوْله: إِن بلغت ثلث المكيلة الخ. أَي: وَلَا تُوضَع فِيمَا نقص عَن ثلث المكيلة وَلَو كَانَت قِيمَته ثلثا فَأكْثر كَمَا لَو أجيح سدس الثَّمَرَة الَّذِي طَابَ أَو لَا. وَقِيمَته لغلائه عشرَة وَقِيمَة مَا بَقِي لرخصه بِتَأْخِيرِهِ فِي الطّيب عشرُون لم تُوضَع على الْمَشْهُور. وَفي البُقولِ الوَضْعُ فِي الكَثِيرِ وَفي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِي الْبُقُول) وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض دون الدَّاخِل فِيهَا وَذَلِكَ كالكرنب والخس والهندبا وَنَحْو ذَلِك (الْوَضع فِي) المجاح (الْكثير) الَّذِي بلغ الثُّلُث فَأكْثر (وَفِي الَّذِي قل) عَن الثُّلُث كالسدس وَنَحْوه (على الْمَشْهُور) وَإِنَّمَا وضعت فِي الْبُقُول مُطلقًا لِأَن غالبها من الْعَطش وَحمل مَا أجيح مِنْهَا بِغَيْرِهِ عَلَيْهِ.
وَألْحَقُوا نَوْعَ المَقَاثي بالثَّمَرْ هِنَا وَمَا كالْيَاسَمِين والجَزَرْ (وألحقوا نوع المقاثي) وَهِي الَّتِي تطعم بَطنا بعد بطن كبطيخ وفقوس وقرع وباذنجان وَنَحْوهَا (بالثمر هُنَا) فَلَا تُوضَع الْجَائِحَة فِيهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا (مَا) كَانَ (كالياسمين) والورد من كل مَا يجنى وَيبقى أَصله (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا مغيب الأَصْل كالبصل (والجزر) واللفت وَنَحْوهَا. وَهَذَا القَوْل من أَن مغيب الأَصْل كالجزر واللفت والفجل مُلْحق بالثمار. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: هُوَ الَّذِي الْقَضَاء وَمُقَابِله أَنَّهَا كالبقول وَهُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الدونة، قَالَ فِيهَا: وَأما جَائِحَة الْبُقُول والسلق والبصل والجزر والفجل والكراث وَغَيرهَا فَيُوضَع قَلِيل مَا أجيح مِنْهُ وَكَثِيره اه. وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) إِذْ قَالَ: وتوضع جَائِحَة الثِّمَار وَإِن قلت كالبقول والزعفران وَالريحَان والقرط وورق التوت ومغيب الأَصْل كالجزر الخ. فَتحصل أَن المقاثي وَهِي مَا تطعم بَطنا بعد بطن مُلْحقَة بالثمار وَأَن مغيب الأَصْل كالبصل والكراث والجزر فِيهِ قَولَانِ. وَأَن الْجَائِحَة تُوضَع من الْعَطش مُطلقًا وَإِن كَانَت من غَيره فَفِي الثِّمَار والمقاثي لَا يرجع بهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث، وَفِي الْبُقُول وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض يرجع بهَا مُطلقًا. والقَصَبُ الحُلْوُ بِهِ قوْلانِ كَوَرَقِ التُّوتِ هُما سِيَّانِ (والقصب الحلو بِهِ) أَي فِيهِ (قَولَانِ) مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) أَنه لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاع بعد بَدو صَلَاحه بِظُهُور الْحَلَاوَة فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا تناهى طيبه وَمَا أجيح بعد تناهي الطّيب لَا جَائِحَة فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تُوضَع الْجَائِحَة فِي الْقصب الحلو. ابْن يُونُس: وَهُوَ الْقيَاس، وَصحح فِي الشَّامِل أَنه كالبقول إِذْ قَالَ: وتوضع من بقول وقصب سكر أَو غَيره، وَإِن قلت على الْأَصَح وَثَالِثهَا كالثمار اه. وَانْظُر مَا مُرَاده بقوله: أَو غَيره لِأَن غير الْقصب الحلو هُوَ الْقصب الْفَارِسِي وَهُوَ لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ خشب (كورق التوت) التَّشْبِيه فِي الْقَوْلَيْنِ (هما) أَي الْقَوْلَانِ (سيان) فِي الْقصب الحلو وورق التوت من غير تَرْجِيح، وَقد علمت أَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي الْقصب الحلو عدم الْجَائِحَة وَأَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي ورق التوت هُوَ الْجَائِحَة كَمَا مر عَن (خَ) . تَنْبِيه: موت دود الْحَرِير هُوَ من جَائِحَة ورقة كمن اكترى حَماما فَلم يجد من يسكنهُ كَمَا
مرّ، وَلما كَانَت الْجَائِحَة إِنَّمَا تُوضَع إِذا حصلت قبل انْتِهَاء الطّيب كَمَا قَالَ (خَ) إِن تناهت الثَّمَرَة فَلَا جَائِحَة الخ. نبه النَّاظِم على ذَلِك فَقَالَ: وَكُلُّهَا البَائِعُ ضَامِنٌ لَهَا إنْ كانَ مَا أُجِيحَ قَبْلَ الانْتِهَا (و) الثِّمَار (كلهَا البَائِع ضَامِن لَهَا وَإِن كَانَ مَا أجيح قبل الانتها) ، فمفهومه إِنَّه إِذا أجيحت بعده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَظَاهره كظاهر (خَ) أَنَّهَا بانتهاء الطّيب تخرج من ضَمَان البَائِع وَإِن لم يمض من الزَّمَان مَا يُمكن قطعهَا فِيهِ وَهُوَ أحد أَقْوَال ثَلَاثَة. وَالثَّانِي حَتَّى يمْضِي ذَلِك، وَالثَّالِث حَتَّى يمْضِي ذَلِك ويمضي مَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْخلاف ابْن عَرَفَة بقوله: فَفِي كَون ضَمَان الثَّمَرَة من مبتاعها بتناهي طيبها وَإِن لم يمض مَا يُمكنهُ فِيهِ جذها أَو بمضيها ثَالِثهَا بِمُضِيِّ ذَلِك وَمَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ اه. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ اقْتصر اللَّخْمِيّ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْعِنَب إِن أجيح قبل أَن تستكمل عُسَيْلَته كَانَ ضَمَانه من البَائِع، وَإِن استكملها وَكَانَ بَقَاؤُهُ ليأخذه على قدر حَاجته لِئَلَّا يفْسد عَلَيْهِ إِن قطعه دفْعَة وَاحِدَة كَانَ على البَائِع أَيْضا إِن كَانَت الْعَادة بَقَاءَهُ لمثل ذَلِك، وَإِن كَانَت الْعَادة جذه حِينَئِذٍ جَمِيعًا فَأَخَّرَهُ ليأخذه على قدر حَاجته كَانَ من المُشْتَرِي اه. وَعَلِيهِ فَإِذا أَخّرهَا بعد انْتِهَاء طيبها وَمضى مَا يُمكن جذها فِيهِ لجَرَيَان عرف النَّاس بِالتَّأْخِيرِ لبَقَاء النضارة والرطوبة فيأخذها بِقدر حَاجته، فالجائحة فِيهَا وَهِي رِوَايَة سَحْنُون وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا يفِيدهُ (خَ) وَغَيره، ويفيده كَلَام المتيطي فِي نهايته لقَوْله: إِذا أجيحت بعد انْتِهَاء طيبها وَإِمْكَان جذاذها بِمُضِيِّ مُدَّة يُمكنهُ جذها فِيهَا قبل بُلُوغ الْحَد، الَّذِي يعرف من التَّرَاخِي فِي جذها فَتجب الْجَائِحَة على قَول مَالك بالجائحة فِي الْبُقُول اه. وَأما إِن كَانَ تَأْخِيره لشغل عرض لَهُ أَو لسوق يَرْجُو إنفاقها فَلَا جَائِحَة كَمَا فِي (خَ) والبرزلي وَغَيرهمَا، فمفهوم النَّاظِم فِيهِ تَفْصِيل بَين أَن تجتاح بعد انْتِهَاء الطّيب وَبعد مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَلَا ضَمَان على البَائِع وَبَين أَن تجتاح قبل مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَالضَّمَان مِنْهُ، وَأما منطوقه فَمُسلم لِأَن مَا أجيح قبل انْتِهَاء الطّيب ضَمَانه من البَائِع اتِّفَاقًا، ثمَّ اعْلَم أَن الثِّمَار على قسمَيْنِ: مَا شَأْنه أَن ييبس ويدخر وَيحبس أَوله على آخِره كالتمر وَالْعِنَب وَالزَّيْتُون والجوز واللوز، فَهَذَا إِذا أجيح مِنْهُ ثلث المكيلة فَأكْثر وضع على المُشْتَرِي بِنِسْبَة ذَلِك فَإِن أجيح الثُّلُث وضع عَنهُ ثلث الثّمن أَو النّصْف فَنصف الثّمن وَهَكَذَا، وَلَا يلْتَفت هُنَا إِلَى الْقيمَة اتِّفَاقًا وَإِن
أجيح أقل من الثُّلُث فَلَا يوضع عَنهُ شَيْء. الثَّانِي: مَا لَا يحبس أَوله على آخِره كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح وَالرُّمَّان والخوخ والتين وَالْعِنَب فِي بعض الْبلدَانِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تخْتَلف أسواقه فِي أول مجناه ووسطه وَآخره فَإِن كَانَ الذَّاهِب ثلث المكيلة أَو وَزنه أَو عدده فَإِنَّهُ ينْسب فِي ذَلِك قيمَة مَا أجيح إِلَى قيمَة مَا بَقِي سليما وَتعْتَبر قيمَة المجاح فِي زَمَنه وَقِيمَة غَيره فِي زَمَنه أَيْضا، فَإِذا أجيح بطن من مقثاة اشْتريت بِتِسْعَة مثلا فَإِنَّهُ يحفظ عدده، ثمَّ إِذا جنى بطنين وانقطعت فَإِنَّهُ يحفظ عددهما أَيْضا وَينظر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَطن المجاح من البطنين السالمين، فَإِن كَانَ المجاح ثلث عدد بطُون المقثاة أَو ثلث وَزنهَا إِن كَانَت تبَاع وزنا فَيُقَال حِينَئِذٍ: مَا قيمَة الْبَطن المجاح يَوْم الْجَائِحَة وَمَا قيمَة الثَّانِي وَالثَّالِث يَوْم جذاذهما؟ فَإِذا قيل قيمَة الأول يَوْم الْجَائِحَة ثَلَاثَة لغلائه فِي وقته، وَقِيمَة الثَّانِي فِي زَمَنه اثْنَان لرخصه عَن الأول، وَقِيمَة الثَّالِث فِي زَمَنه أَيْضا وَاحِد فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِنصْف التِّسْعَة، وَكَذَا إِن كَانَت قيمَة الثُّلُث المجاح خَمْسَة أَسْدَاس الْقيمَة فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِخَمْسَة أَسْدَاس الثّمن. وَهَكَذَا. وَأما إِن كَانَ المجاح أقل من الثُّلُث فَإِنَّهُ لَا يوضع شَيْء هَذَا حكم مَا لَهُ بطُون، وَكَذَا النَّوْع الْوَاحِد الَّذِي لَا يحبس أَوله على آخِره كالعنب وَنَحْوه فِي بعض الْبلدَانِ لِأَنَّهُ قد تكون عَادَتهم جَارِيَة باستعجال بيع مَا طَابَ مِنْهُ وَأَن كل مَا طَابَ مِنْهُ شَيْء أَتَى بِهِ للسوق فَيكون حكمه كذوي الْبُطُون. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي النِّهَايَة: فَإِن ادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع كَانَ جذ قبل الْجَائِحَة كثيرا من الثَّمَرَة لَو أضيف إِلَى مَا بَقِي بعد الْجَائِحَة لم يبلغ المجاح مِنْهَا الثُّلُث فَهُنَا يُقَال للْمُبْتَاع: أثبت أَن مَا أَدْرَكته الْجَائِحَة فِي الثَّمَرَة ووقف الشُّهُود عَلَيْهِ هُوَ جَمِيع مَا ابتعته مِنْهَا فَإِن قدر على ذَلِك دون مدفع للْبَائِع فِيهِ حكم لَهُ بالجائحة وَإِن عجز عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ من أَنه لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا أَو جذ مِنْهَا شَيْئا يَسِيرا حلف لَهُ البَائِع وَلَا تحط لَهُ الْجَائِحَة وَله قلب الْيَمين عَلَيْهِ اه. وَعَن ابْن الْحَاج أَن أَرْبَاب الْمعرفَة يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع قبل وَيَقُولُونَ فِي شَهَادَتهم أَن الَّذِي أذهبت الْجَائِحَة ثلث ثَمَر الْجنَّة الْمَبِيعَة مَعَ مَا أكل الْمُبْتَاع قبل الْجَائِحَة، فَإِذا شهدُوا هَكَذَا وَجب الحكم بالجائحة وَإِن قصروا فِي تخمين مَا أكله الْمُبْتَاع. وَإِنَّمَا شهدُوا أَن الْجَائِحَة فِي ثلث مَا بَقِي فَهِيَ شَهَادَة نَاقِصَة وَالْوَاجِب أَن يحلف البَائِع أَن الْجَائِحَة أقل من ثلث الْبَاقِي مَعَ مَا جنى الْمُبْتَاع وَتسقط الْجَائِحَة، فَإِن نكل حلف الْمُبْتَاع أَنَّهَا فِي الثُّلُث وَحكم بهَا وَلَو أجيحت الْجنَّة كلهَا فاختلفا، فالبائع يَدعِي أَن الْمُبْتَاع جنى مِنْهَا والمبتاع يَنْفِي ذَلِك أَو يَدعِي قَلِيلا، فَإِن القَوْل للْمُبْتَاع فِي ذَلِك. وَلَو اخْتلف المقومون هَل المجاح الثُّلُث أَو أقل فَيحْتَمل أَن يقْضِي بأعدل الْبَيِّنَتَيْنِ أَو يحكم بِبَيِّنَة الثُّلُث لإيجابها حكما، وَهُوَ الْأَظْهر إِلَّا أَن يُقَال ينظر للأعدل مُرَاعَاة لمن يَقُول لَا جَائِحَة، وَلِأَن الشَّهَادَة فِي عين وَاحِدَة كَالشَّهَادَةِ على قدم الضَّرَر وحدوثه اه. وَذكر ابْن فتحون أَن تَقْدِير جَائِحَة الثَّمَرَة يكون بِوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: تقديرهم مَا تحمل هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين فَيُقَال وَهُوَ كَذَا. وَالثَّانِي: تقديرهم أَن هَذَا الَّذِي عاينوه مجاحاً سَاقِطا فِي أصُول الثَّمَرَة أَو فَاسِدا فِي رؤوسها هُوَ الثُّلُث الَّذِي قدروه من حملهَا على التَّوَسُّط وَأما لَو قدرُوا هَذَا المجاح فِيمَا بَقِي صَحِيحا فِي رُؤُوس الثَّمَرَة بِحَسب مَا أَعْطَاهُم مَا عاينوه فِيهَا من السَّالِم أَو المجاح لم يعْمل هَذَا العقد شَيْئا بِمُجَرَّدِهِ وافتقر إِلَى تَسْلِيم البَائِع أَن الْمُبْتَاع لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا اه. وَقد تحصل من هَذَا كُله أَن الثَّمَرَة إِذا أجيحت كلهَا فَالْقَوْل للْمُبْتَاع أَنه لم يجذ مِنْهَا شَيْئا بِيَمِينِهِ أَو أَنه
جذ شَيْئا قدره كَذَا، وَأما إِن أجيح بَعْضهَا وَادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع قد جذ من الثَّمَرَة قبل الْجَائِحَة وَأنكر الْمُبْتَاع ذَلِك أَو ادّعى أَنه جذ شَيْئا يَسِيرا، فَإِن الْمُبْتَاع يُكَلف بِإِثْبَات ذَلِك كَمَا مرّ عَن الْمُتَيْطِيَّة، وَكَيْفِيَّة إثْبَاته إِمَّا بِأَن يشْهد الشُّهُود بِأَنَّهُم عاينوا الثَّمَرَة وَقت الْمَبِيع والساقط مِنْهَا الْآن وَالْبَاقِي فِي رؤوسها وَأَن ذَلِك كُله هُوَ الْقدر الَّذِي رَأَوْهُ أَولا. وَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ نصف مَا كَانَ وَقت البيع وَالْبَاقِي فِي رؤوسها هُوَ ربعه فَيكون مَا جناه الْمُبْتَاع هُوَ الرّبع الآخر، وَإِمَّا بِأَن يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع حَيْثُ لم يعاينوها وَقت البيع كَمَا مرّ عَن ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة تحريه هُوَ مَا ذكره ابْن فتحون فَيَقُولُونَ: مَا تحمله هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين قِنْطَارًا أَو وسْقا مثلا، وَقدر الْبَاقِي مِنْهُ ربعه والساقط بالجائحة نصفه فَيكون الرّبع الآخر جناه الْمُبْتَاع، وَهَكَذَا إِذا أقرّ الْمُبْتَاع بِأَنَّهُ قد جنى مِنْهَا أَو نكل عَن الْيَمين الَّتِي قَلبهَا عَلَيْهِ البَائِع وَإِن ادّعى أَنه لَا يدْرِي قدر مَا جنى أَو غَابَ أَو مَاتَ، فَإِن الشُّهُود يتحرون التَّحْقِيق فِيمَا جناه كَمَا قَالَ ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة التَّحَرِّي لذَلِك هُوَ مَا تقدم عَن ابْن فتحون. هَذَا مَا ظهر لي فِي فهم هَذِه الأنقال والتوفيق بَينهَا، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنَّهَا كَثِيرَة الْوُقُوع. الثَّانِي: لَا بُد من قطع الشُّهُود بِحُصُول السَّبَب الَّذِي أجيحت وَلَا يَكْفِي قَوْلهم: ظهر لنا أَنَّهَا أجيحت من الْعَطش وَنَحْوه إِذْ قد يكون إِنَّمَا عَطش من عدم إِيصَال المَاء وَقد قَالَ فِي النِّهَايَة فِي صفة الشَّهَادَة بذلك مَا نَصه: فَمن علم نزُول الْمَطَر أَو الْبرد فِي الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَأَن الْجَائِحَة كَانَت بِسَبَبِهِ قَيده لسائله الخ. وَقَالَ فِي الْعَطش: وَإِنَّهَا قحطت بذهاب سد نهرها الَّذِي كَانَت تسقى مِنْهُ أَو بانهرار بِئْرهَا أَو تغوير مَائِهَا وَقد رأوأ مَا ذكر من ذهَاب السد وانهرار الْبِئْر وتغوير المَاء الخ.
(فصل فِي بيع الرَّقِيق وَسَائِر الْحَيَوَان)
وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ: بَيْعُ الرَّقِيقِ أَصْلُهُ السَّلامَهْ وَحَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فَلَا مَلَامَهْ (بيع الرَّقِيق أَصله السَّلامَة) من جَمِيع الْعُيُوب الْآتِيَة وَحِينَئِذٍ، فَإِذا نَص فِي العقد على السَّلامَة فَلَا إِشْكَال أَنه يقوم بِكُل عيب قديم يجده (وَحَيْثُ لم تذكر) السَّلامَة فِي العقد وَلَا شَرطهَا وَلم تذكر الْبَرَاءَة أَيْضا (ف) إِن للْمُشْتَرِي أَن يقوم بِكُل عيب يجده و (لَا ملامة) عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن شِرَاءَهُ مَحْمُول على السَّلامَة حَيْثُ لم تذكر هِيَ وَلَا الْبَرَاءَة كَمَا قَالَ: وَهُوَ مُبِيحٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَمَا يُوجِدُ عَيْبٌ بِالمَبِيعِ قَدُمَا
(وَهُوَ) أَي البيع الْمَحْمُول على السَّلامَة (مُبِيح للْقِيَام) بِالْعَيْبِ (عِنْدَمَا يُوجد عيب بِالْمَبِيعِ قدما) بِضَم الدَّال فَإِن اشْترى على شَرط الْبَرَاءَة فَلَا قيام لَهُ حِينَئِذٍ بِمَا يظْهر من عيب قديم إِلَّا أَن يثبت علم البَائِع بِهِ حِين العقد فَلِلْمُشْتَرِي الْقيام لِأَن البَائِع مُدَلّس حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. وَكَذَا لَا قيام للْمُشْتَرِي إِذا بَين البَائِع لَهُ عيوبه ووصفها حَيْثُ كَانَت تخفى كإباق وسرقة وَصفا كاشفاً شافياً وَحَيْثُ كَانَ ظَاهرا أرَاهُ إِيَّاه أَو وَقفه عَلَيْهِ وَلم يجمله فِي نَفسه كسارق أَو آبق حَتَّى يبين جنس سَرقته وَقدر إباقه وَلَا مَعَ غَيره بِأَن يَقُول: سَارِق آبق وَهُوَ سَارِق فَقَط أَو آبق فَقَط لِأَن المُشْتَرِي قد يعلم بَرَاءَته من الأول فيظن أَن الثَّانِي كَذَلِك (خَ) : وَإِذا علمه بَين أَنه بِهِ وَوَصفه أَو أرَاهُ لَهُ وَلم يجمله اه. وَفِي المعيار: إِن كَانَ الْعَيْب يتَفَاوَت فَلَا بُد من التَّوْقِيف على مِقْدَاره طولا وعرضاً وعمقاً وَإِن كَانَ لَا يتَفَاوَت فِي نَفسه فَالْمَذْهَب أَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكرِهِ اه. وَنَحْوه فِي ابْن عَرَفَة قَالَ: الْبَرَاءَة من الْعَيْب الْمعِين إِن لم يقبل التَّفَاوُت برىء بِذكرِهِ الْبَاجِيّ: كالعور يَعْنِي وَالزِّنَا وَإِلَّا لم يبع حَتَّى يبين قدره كالكي المتفاحش وَغَيره وَلَا يبرأ إِلَّا أَن يُخبرهُ بشنيع الكي أَو يرِيه إِيَّاه اه. والإباق وَالسَّرِقَة من الْعُيُوب المتفاوتة، فَلذَلِك كَانَ لَا يَكْتَفِي بقوله سَارِق بل حَتَّى يبين قدرهَا، إِذْ رُبمَا تكون عَادَته سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل كالرغيف وَنَحْوه فَقَوله: سَارِق حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَنْفَعهُ فِي سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل دون الْكثير، وَكَذَا الْإِبَاق إِذْ قد تكون عَادَته الْإِبَاق للموضع الْقَرِيب دون الْبعيد، وَكَذَا لَو قَالَ لَهُ: أبيعك عبدا معيبا بِجَمِيعِ الْعُيُوب أَو عظاماً فِي قفة وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَنْفَعهُ ذَلِك. قَالَ فِي الْمَدِينَة: لَو كثر فِي بَرَاءَته من ذكر أَسمَاء الْعُيُوب لم يبرأ إِلَّا من عيب يرِيه إِيَّاه ويوقفه عَلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ الرَّد إِن شَاءَ، وَقد منع عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه أَن يذكر فِي الْبَرَاءَة عيوباً لَيست فِي الْمَبِيع إِرَادَة التلفيق قَالَ اللَّخْمِيّ: لَو قَالَ لَهُ أبيعك لَحْمًا على بَارِية لم يبرأ حَتَّى يُسَمِّي الْعَيْب. قَالَ شُرَيْح: حَتَّى يضع يَده عَلَيْهِ. عِيَاض: بَارِية قيل الْحَصِير يقطع عَلَيْهِ اللَّحْم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: الْإِبَاق وَالسَّرِقَة عيب وَلَو وَقعا من صَغِير فِي حَال صغره كَمَا يَأْتِي عَن اللَّخْمِيّ عِنْد قَوْله: والإباق. الثَّانِي: هَل يَصح التبرىء من عيب يشك فِي برئه، فَذكر ابْن عَرَفَة فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ عَن اللَّخْمِيّ: إِن من اشْترى عبدا بِعَيْب مَشْكُوك فِي زَوَاله وبرئه مِنْهُ أَنه لَا رد لَهُ بِعَدَمِ برئه مِنْهُ اه. وَهَذَا مِمَّا يَقع كثيرا يَشْتَرِي الرجل الدَّابَّة أَو العَبْد وَبِهِمَا ورم مَشْكُوك فِي برئه فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِهِ إِذا لم يبرأ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ رده إِذا لم يبرأ فَيعْمل بِشَرْطِهِ. وَفِي الْبُرْزُليّ فِيمَن اشْترى بغلة
بهَا ورم تَبرأ لَهُ مِنْهُ البَائِع وَأرَاهُ إِيَّاه، وَشهد أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ لَا يُمكن التبرؤ مِنْهُ لعدم الْإِحَاطَة بِهِ. قَالَ: إِن قَالَ أهل الْمعرفَة بعيوب الدَّوَابّ أَن الأورام الَّتِي تكون فِي هَذَا الْموضع تخْتَلف فتبرأ فِي بَعْضهَا وَلَا تَبرأ من بعض، فَلَا تصح الْبَرَاءَة مِمَّا تَبرأ مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان اه. يَعْنِي: إِلَّا بِبَيَان أَنَّهَا تَبرأ من بعض وَلَا تَبرأ من بعض فتجري على مَا مر عَن اللَّخْمِيّ وَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من اشْترى مَرِيضا لم يبلغ حد السِّيَاق وَمثله فِي المعيار وَالله أعلم. وَالْعَيْبُ إمَّا ذُو تَعَلُّقٍ حَصلْ ثُبُوتُهُ فِيمَا يُبَاعُ كالشَّلَلْ (وَالْعَيْب) فِي الرَّقِيق لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه لِأَنَّهُ (إِمَّا ذُو تعلق) واتصال (حصل ثُبُوته فِيمَا) الرَّقِيق الَّذِي (يُبَاع) لَا ينْتَقل عَنهُ بِحَال (كالشلل) وَالْقطع والكي والعور والبرص والعمى والحول وَالْقَتْل، وَهُوَ قريب من الْحول والميل، وَهُوَ أَن يمِيل أحد الْخَدين إِلَى جِهَة الْأذن، والصور وَهُوَ أَن يمِيل الْعُنُق إِلَى أحد الشقين، والدور وَهُوَ أَن يمِيل الْمنْكب إِلَى أحد الشقين، والصدر وَهُوَ أَن يكون فِي الصَّدْر إشراف ونتوء، والعجر وَهُوَ كالحدبة فِي الظّهْر، والعسر وَهُوَ الْبَطْش بِالْيَدِ الْيُسْرَى، والحبط وَهُوَ أثر الْجرْح بعد الْبُرْء إِذا خَالف لون الْجَسَد وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ لَكِنَّه مُنْتَقِلٌ عَنْهُ كَمِثْلِ الْجِنَّهْ (أَو مَا) أَي عيب (لَهُ تعلق) بالرقيق واتصال بِهِ (لكنه منتقل عَنهُ) يُفَارِقهُ فِي بعض الْأَوْقَات دون بعض (كَمثل الْجنَّة) أَو الْبَوْل فِي الْفراش والأمراض الْمُخْتَلفَة فِي بعض الْأَوْقَات وَنَحْو ذَلِك. أَوْ بائِنٌ كالزَّوْجِ وَالإباقِ فالرَّدُّ فِي الجَمِيعِ بالإطْلَاقِ (أَو) عيب (بَائِن) عَنهُ أَي لَيْسَ مُتَعَلقا بِهِ حسا بل معنى فَقَط (كالزوج) وَالسَّرِقَة (والإباق) وَظَاهره وَلَو من صَغِير وَهُوَ كَذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَالْعَبْد الْكَبِير إِذا بيع وَقد أبق فِي صغره فَذَلِك عيب وَكَذَلِكَ السّرقَة فَيرد بذلك لِأَنَّهُ بَاقٍ على تِلْكَ الْعَادة إِلَّا أَن تكون من الصَّغِير بِحَيْثُ لَو
اختبر ذَلِك مِنْهُ فَلَا ينقص من ثمنه اه. وَنَقله (ح) وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة والمفيد وَإِذا أثبت المُشْتَرِي شَيْئا من هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة (فالرد) ثَابت لَهُ (فِي الْجَمِيع بِالْإِطْلَاقِ) كَانَ عَارِفًا بالعيوب أم لَا. قلب أم لَا. ثمَّ اسْتثْنى الْعَارِف بالعيوب من الْوَجْه الأول فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِالْعَيْبِ الظَّاهِر مِنْهُ حَيْثُ رأى الْمَبِيع وَقَلبه فَقَالَ: إلاَّ بِأَوَّلِ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ (إِلَّا بِالْأولِ) أَي إِلَّا فِي الْوَجْه الأول (فَمَا) أَي فالعيب الَّذِي (مِنْهُ ظهر) لَا رد بِهِ (لمن يكون بالعيوب ذَا بصر. وَالخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ وَالحَلِفْ يَلْزَمُ إلاَّ مَعَ تَدَيُّنِ عُرِفْ وَالْخلف فِي الْخَفي مِنْهُ) أَي من الْقسم الأول أَي: والموضوع بِحَالهِ من كَون المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة، فروى ابْن حبيب وَغَيره عَن مَالك أَنه لَا رد لَهُ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يردهُ بعد أَن يحلف مَا رَآهُ إِلَّا أَن يكون مَعَ بَصَره غير مُتَّهم لتدينه فَلهُ الرَّد فِي الظَّاهِر والخفي دون يَمِين وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْحلف يلْزم إِلَّا مَعَ تدين عرف) وَهَكَذَا نَقله ابْن سَلمُون، وَتَبعهُ النَّاظِم، وظاهرهما أَن غير ذِي البصيرة بالعيوب لَهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر والخفي مَعَ أَن الْعَيْب الظَّاهِر قِسْمَانِ. قسم مِنْهُ لَا يخفى على كل من قلب الْمَبِيع كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. كالإقعاد وَقطع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَقسم يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل، وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كالحول والفتل وَنَحْوهمَا مِمَّا تقدم، وَالْعَيْب الظَّاهِر يُطلق عِنْدهم على الْقسمَيْنِ مَعًا، فالقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل فضلا عَن الْعَارِف، وَالْقسم الثَّانِي يثبت الرَّد بِهِ على مَا لِابْنِ عَرَفَة مُعْتَرضًا على ابْن عبد السَّلَام إِذْ قَالَ مَا نَصه: وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين يدل على أَن الْعَيْب الظَّاهِر مُشْتَرك أَو مشكك يُطلق على الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى غَالِبا على كل من اختبر الْمَبِيع تقليباً ككون العَبْد مقْعدا أَو مطموس الْعَينَيْنِ، وعَلى مَا يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم
الْعَينَيْنِ، فَالْأول لَا قيام لَهُ بِهِ وَالثَّانِي يُقَام بِهِ اتِّفَاقًا فيهمَا اه. والتثنية فِي قَوْله فيهمَا ترجع للْأولِ وَالثَّانِي فَقَوْل النَّاظِم: فَمَا مِنْهُ ظهر الخ. شَامِل للقسمين الْمَذْكُورين مَعَ أَن الْقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل وَلَا للعارف، ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة. إِثْر مَا مر عَنهُ مَا نَصه: ثمَّ وقفت على نقل ابْن الْحَاج فِي نوازله عَن ابْن أبي زمنين قَالَ مَا نَصه: من اشْترى شَيْئا وَأشْهد على نَفسه أَنه قلب وَرَضي ثمَّ وجد عَيْبا مثله يخفى عِنْد التقليب حلف مَا رَآهُ، ورده إِن أحب وَإِن كَانَ ظَاهرا مثله لَا يخفى عِنْد التقليب لزمَه وَلَا رد لَهُ، وَإِن لم يشْهد أَنه قلب وَرَضي رد من الْأَمريْنِ مَعًا قَالَه عبد الْملك وَأصبغ اه. قلت: فَالْمُرَاد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر فِي كَلَام ابْن أبي زمنين هُوَ الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي يخفى على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى على غَيره وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة بِدَلِيل قَوْله فِيمَا بعد رد من الْأَمريْنِ مَعًا فَيكون قادحاً فِي الِاتِّفَاق الَّذِي حَكَاهُ ابْن عَرَفَة على الرَّد فِي الْقسم الثَّانِي وَلَعَلَّه لذَلِك قَالَ: ثمَّ وقفت الخ. وَقَوله عَن ابْن أبي زمنين: حلف مَا رَآهُ ورده الخ. ظَاهره أَنه يحلف مُطلقًا كَانَ دينا أم لَا. وَهُوَ الْمُوَافق للمشهور الْمَعْمُول بِهِ من أَن يَمِين التُّهْمَة تتَوَجَّه الْيَوْم مُطلقًا وَمَا مر عَن ابْن سَلمُون والناظم مَبْنِيّ على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه إِلَّا على أهل التهم، وَقَوله مثله لَا يخفى عِنْد التقليب الخ. يَعْنِي على ذِي البصيرة وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ، فالتقليب والتأمل بِمَعْنى وَاحِد، فالعيب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من لَهُ نظر إِلَى الْمَبِيع لَا قيام بِهِ مُطلقًا كَمَا مرّ فِي الْقسم الأول عَن ابْن عَرَفَة، وَالْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على من تَأمل وقلب وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة فَإِن ثَبت تقليبه وتأمله وَكَانَ المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة فَلَا رد لَهُ أَيْضا كَمَا قَالَ النَّاظِم وَابْن سَلمُون، وَبِه يُقيد إِطْلَاق ابْن أبي زمنين كَمَا مرّ وَلَا يعول على ظَاهر الِاتِّفَاق الَّذِي لِابْنِ عَرَفَة بِعَدَمِ الرَّد وَإِن كَانَ المُشْتَرِي لَيْسَ ذَا بَصِيرَة فَلهُ الرَّد لِأَنَّهُ يَقُول لَا علم لي بِأَن ذَلِك عيب كَمَا أَن لَهُ الرَّد إِذا لم يشْهد بالتقليب والتأمل كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. هَذَا كُله فِي الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر، وَأما الْخَفي فَحكى النَّاظِم قَوْلَيْنِ فِي ذِي البصيرة، وَظَاهر ابْن أبي زمنين أَنه يرد من غير خلاف فَيدل ذَلِك على أَن الرَّاجِح هُوَ الرَّد هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل، وَعَلِيهِ فيستثنى من كَلَام النَّاظِم الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من اختبر الْمَبِيع وَهُوَ الْقسم الأول عِنْد ابْن عَرَفَة، وَقَول ابْن عَرَفَة وَالثَّانِي يُقَام بِهِ يَعْنِي بعد الْيَمين وَقَوله اتِّفَاقًا فيهمَا ظَاهره أَن لَهُ الْقيام فِي الْقسم الثَّانِي كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. وَفِيه مُخَالفَة لما مر عَن ابْن سَلمُون والناظم وَابْن أبي زمنين، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل الِاتِّفَاق على غير ذِي البصيرة، وَانْظُر فصل الْعُيُوب فقد نقلنا عَن الْمَازرِيّ أَن كتب الموثق قلب وَرَضي هُوَ من التلفيق الَّذِي لَا يعْتد بِهِ. تَنْبِيهَات. الأول: لَا خُصُوصِيَّة للرقيق بِهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي فِي النّظم بل غَيره من الْحَيَوَان وَالْعرُوض كَذَلِك. الثَّانِي: قَالَ ابْن عَرَفَة: روى مُحَمَّد، إِن ابْتَاعَ نخاس غُلَاما فَأَقَامَ عِنْده ثَلَاثَة أشهر حَتَّى صرع وَنقص حَاله فَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ يشترى فَإِن وجد ربحا بَاعَ وَإِلَّا خَاصم اه. يَعْنِي لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه اطلع على الْعَيْب ورضيه، وَهَذَا فِي الْعَيْب الظَّاهِر الْمُتَعَلّق بِالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يخفى عِنْد التقليب كَمَا مرّ عَن النَّاظِم وَغَيره، وَأما غَيره مِمَّا يخفى كالجنون والإباق وَنَحْوهمَا فَلهُ الْقيام بعد الْيَمين.
الثَّالِث: إِذا تنَازعا فَقَالَ البَائِع: لقد علم بِالْعَيْبِ ورضيه وَأنكر المُشْتَرِي ذَلِك فَطلب البَائِع يَمِينه أَنه مَا علمه وَلَا رضيه فَفِي (خَ) وَلم يحلف مُشْتَر ادعيت رُؤْيَته إِلَّا بِدَعْوَى الإراءة وَلَا الرِّضَا بِهِ إِلَّا بِدَعْوَى مخبر الخ. قلت: وَهَذَا مَبْنِيّ وَالله أعلم على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه، وَهَذَا أحد قَوْلَيْنِ فِيهَا والمعمول بِهِ توجهها مُطلقًا وَعَلِيهِ فَلهُ أَن يحلفهُ وَإِن لم يدع إراءاته إِيَّاه وَلَا إِخْبَار غَيره أَنه رضيه. الرَّابِع: من ابْتَاعَ دَابَّة وَبَقِي عَلَيْهِ بعض الثّمن فَاطلع فِيهَا على عيب وَقَامَ ليرد فَقَالَ البَائِع: ادْفَعْ مَا بَقِي لي وَحِينَئِذٍ أحاكمك فِيهِ، فَينْظر فَإِن كَانَ الْعَيْب ظَاهرا لَا طول فِي الْقيام بِهِ فَلَا يدْفع لَهُ الْبَاقِي حَتَّى يحاكمه، وَإِن كَانَ خفِيا فِيهِ طول فَقَوْلَانِ قَالَه ابْن عَاتٍ ونظمه فِي اللامية. الْخَامِس: سُئِلَ القَاضِي أَبُو يحيى بن عَاصِم ولد النَّاظِم رحمهمَا الله عَمَّن ابْتَاعَ سلْعَة فَوجدَ فِيهَا عَيْبا فَطلب من البَائِع الْإِقَالَة فَأبى أَن يقيله، ثمَّ أَرَادَ أَن يقوم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ؟ فَقَالَ: ذَلِك لَهُ وَيحلف مَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ رضَا بِالْعَيْبِ وَيَردهُ اه. وَإِذا اخْتلفَا فِي قدم الْعَيْب وحدوثه فَالْقَوْل للْبَائِع فِي نفي قدمه كَمَا قَالَ. وَحَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِي الْغَيْبِ الْقِدَمْ كانَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَاكَ الْقَسَمْ (وَحَيْثُ لَا يثبت فِي الْعَيْب الْقدَم) الَّذِي ادَّعَاهُ المُشْتَرِي وَادّعى البَائِع حُدُوثه (كَانَ على البَائِع فِي) دَعْوَاهُ (ذَاك) الْحُدُوث (الْقسم) لِأَن القَوْل لَهُ فِي نفي الْعَيْب وَنفي قدمه وَكَيْفِيَّة قسمه أَن يَقُول فِي غير ذِي التوفية: لقد بِعته وَمَا هُوَ بِهِ، وَفِي ذِي التوفية: لقد بِعته وأقبضته وَمَا هُوَ بِهِ بثاً فِي الْعَيْب الظَّاهِر وعَلى نفي الْعلم فِي الْعَيْب الْخَفي كَمَا قَالَ: وَهْوَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا يَخفى وَفِي غَيْرِ الخَفِيِّ الحَلْفُ بِالْبَتِّ اقْتُفِي (وَهُوَ) أَي الْقسم (على) نفي (الْعلم بِمَا) أَي فِي الْعَيْب الَّذِي (يخفى) كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل فِي الْفراش (وَفِي غير) الْعَيْب (الْخَفي) وَهُوَ الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم الْعَينَيْنِ أَو فِي عينه حَوَل أَو فتل وَنَحْو ذَلِك. (الْحلف) بِسُكُون اللَّام (بالبت اقتفي) أَي اتبع، وَأما الْقسم الأول من قسمي الظَّاهِر فَلَا رد بِهِ وَلَا يَمِين فِيهِ على البَائِع. وَفِي نُكول بَائِعٍ مَنِ اشْترى يَحْلِفُ وَالحَلْفُ عَلَى مَا قُرِّرَا (وَفِي نُكُول بَائِع) يتَعَلَّق بيحلف (من اشْترى) مُبْتَدأ خَبره (يحلف) أَي من اشْترى يحلف فِي
نُكُول بَائِع على مَا ادَّعَاهُ أَن الْعَيْب قديم (وَالْحلف) مِنْهُ كَائِن (على مَا قررا) فِي حلف البَائِع، فَإِذا كَانَ الْعَيْب ظَاهرا فَيحلف على الْبَتّ أَنه قديم، وَإِذا كَانَ خفِيا فَيحلف على نفي الْعلم فَيَقُول: مَا أعلمهُ حدث عِنْدِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي كتاب مُحَمَّد، وَبِه الْقَضَاء. وَقيل: يحلف على الْبَتّ فيهمَا، وَقيل: على نفي الْعلم فيهمَا. وَلَيْسَ فِي صَغِيرَةٍ مُوَاضِعَهْ وَلَا لِوَخْشٍ حَيْث لَا مُجَامَعَهْ فِيهَا أَي فِي الوخش فَأطلق فِي الصَّغِيرَة، وَالْمرَاد بهَا الَّتِي لَا تطِيق الْوَطْء كَبِنْت ثَمَانِيَة أَعْوَام، وَظَاهره أَنه لَا مواضعة فِيهَا مُطلقًا عليا كَانَت أَو وحشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا للأمن من حملهَا إِذْ وَطْؤُهَا قبل الإطاقة كَالْعدمِ، وَأما الوخش فَلَا مواضعة فِيهَا أَيْضا حَيْثُ لم يقر البَائِع بِوَطْئِهَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَت عليا ترَاد للْفراش وَلَيْسَت صَغِيرَة وَجَبت الْمُوَاضَعَة سَوَاء أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا. بل وَلَو كَانَ البَائِع لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْء كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَة، وَكَذَا تجب إِذا كَانَت وخشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا (خَ) : وتتواضع الْعلية أَو وخش أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا اه. ابْن عَرَفَة: الْمُوَاضَعَة جعل الْأمة مُدَّة استبرائها فِي حرز مَقْبُول خَبره عَن حَيْضَتهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: والشأن كَونهَا على يَد امْرَأَة فَإِن وضعت على يَد رجل لَهُ أهل ينظرونها أَجْزَأَ، وَكَذَا لَا مواضعة أَيْضا فِي متزوجة وَلَا حَامِل ومعتدة وزانية كمردودة بِعَيْب أَو فَسَاد أَو إِقَالَة إِن لم يغب المُشْتَرِي كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنْ وَإنْ يَكنْ ذَاكَ بِطَوْعٍ فَحَسَنْ (وَلَا يجوز) لبائع الْأمة الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْمُوَاضَعَة (شَرط تَعْجِيل الثّمن) على المُشْتَرِي فَإِن بَاعهَا بِشَرْط تَعْجِيله فسد البيع لتردده بَين السلفية إِذا مَاتَت أَو لم تَحض والثمنية إِذا سلمت وحاضت وكل مَا تردد بَين السلفية والثمنية يرجح فِيهِ جَانب السلفية لِأَن الشَّيْء إِذا دَار بَين الْمَنْع وَالْجَوَاز يغلب فِيهِ جَانب الْمَنْع، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ اشْترط السّلف فِي العقد صَرَاحَة فينفسد العقد بِالشّرطِ وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ (وَإِن يكن ذَاك) التَّعْجِيل للثّمن (بطوع) من المُشْتَرِي بعد العقد (فَحسن) أَي فَجَائِز (خَ) : وَفَسَد إِن نقد بِشَرْط لَا تَطَوّعا الخ. إِلَّا أَن صَوَابه وَفَسَد بِشَرْط النَّقْد
لِأَن المضر هُوَ الشَّرْط، وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ كَمَا مرّ، وَعبارَته غير موفية بذلك لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنه إِنَّمَا يفْسد إِذا نقد بِالْفِعْلِ بِسَبَب الشَّرْط، ولفساد النَّقْد بِالشّرطِ وجوازه بالطوع نَظَائِر أَشَارَ لَهَا (خَ) فِي بَاب الْخِيَار بقوله: وَفَسَد أَي بيع الْخِيَار بِشَرْط نقد كغائب وعهدة ثَلَاث ومواضعة وَأَرْض لم يُؤمن ريها، وَجعل وَإِجَارَة مُحرز زرع وأجير تَأَخّر شهرا الخ. فَهَذِهِ الْمسَائِل تفْسد البيع بِشَرْط النَّقْد فِيهَا وَيجوز تَطَوّعا. والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتِ عِلْمِهِ (وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة) من كل عيب قديم يظْهر بِالْمَبِيعِ وَلَا علم بِهِ للْبَائِع (إِن نصت) أَي شرطت فِي أصل العقد أَو جرت الْعَادة بهَا لِأَنَّهَا كالشرط (على الْأَصَح بالرقيق) يتعلقان بقوله:(اخْتصّت) وفاعله ضمير الْبَرَاءَة على حذف مُضَاف أَي اخْتصَّ بيعهَا، وَالْجُمْلَة خبر عَن البيع، وَمَفْهُوم بَرَاءَة أَن البيع إِذا وَقع على غير شَرطهَا فللمبتاع الْقيام بِكُل عيب قديم يجده إِلَّا أَن يكون البَائِع قد بَينه لَهُ وَلم يجمله كَمَا تقدم أول الْفَصْل، وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن الْأَصَح اختصاصها بالرقيق هُوَ الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة وَمُقَابِله يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَعْضهمْ فِيهَا الْجَوَاز أطلقا، وَمحل عدم جَوَازهَا فِي غَيره إِذا لم يتَطَوَّع بهَا بعد العقد وإلاَّ جَازَ حَيْثُ لم يكن التَّطَوُّع بهَا فِي مُقَابلَة إِسْقَاط شَيْء من الثّمن، وإلاَّ لم يجز كَمَا فِي شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله فِي الْجَامِع: وَترك شَيْء للتطوع فَشَا الخ. فَانْظُرْهُ وَانْظُر شرَّاح اللامية، ثمَّ إِذا وَقع بيع الرَّقِيق على شَرط الْبَرَاءَة الْمَذْكُورَة فَلَا قيام للْمُشْتَرِي بِعَيْب قديم يجده إِذا لم يكن البَائِع عَالما بِهِ، فَإِن كَانَ عَالما بِهِ فَهُوَ قَوْله: والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتٌ عِلْمِهِ (وَالْفَسْخ) لبيع الْبَرَاءَة (إِن) بدا (عيب) قديم (بدا) كَائِن (من حكمه) فالمجرور يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله: وَالْفَسْخ، وَلَفظ عيب فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره بدا كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} (التَّوْبَة: 6)(مَعَ اعْتِرَاف) من البَائِع بِعلم قدمه (أَو ثُبُوت علمه) لقدمه بِبَيِّنَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار وَادّعى المُشْتَرِي أَن البَائِع عَالم بقدمه ودلس، وَادّعى البَائِع أَنه جَاهِل لقدمه فَإِنَّمَا على البَائِع الْيَمين كَمَا قَالَ: وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَع جَهل الخَفِي بِالْعِلم وَالظّاهِرُ بِالْبَتِّ حَفِي
(وَيحلف البَائِع مَعَ جهل) أَي مَعَ دَعْوَى جَهله الْعَيْب. (الْخَفي بِالْعلمِ) يتَعَلَّق بيحلف وباؤه بِمَعْنى على كَقَوْلِه تَعَالَى: وَمن أهل الْكتاب من أَن تأمنه بقنطار} (آل عمرَان: 75)(وَالظَّاهِر) مُبْتَدأ (بالبت) يتَعَلَّق بقوله (حفي) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبناء للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَمعنى حفي أظهر واستخرج أَي: وَالْعَيْب الظَّاهِر حفيت وأظهرت يَمِين البَائِع فِيهِ على الْبَتّ، وَهَذِه التَّفْرِقَة لِابْنِ الْعَطَّار، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الفخار وَقَالَ: يحلف بَائِع الْبَرَاءَة على الْعلم أَنه لم يعلم بِهِ ظَاهرا كَانَ الْعَيْب أَو خفِيا لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَبرأ مِمَّا لم يعلم وَإِنَّمَا تفترق الْيَمين فِي الْعَيْب الظَّاهِر والخفي فِيمَا بيع من العبيد بِغَيْر الْبَرَاءَة اه. فَمَا ذكره النَّاظِم تبعا لِابْنِ الْعَطَّار لَا يعول عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا نكل البَائِع عَن الْيَمين الْمَذْكُورَة فَإِن الْمَبِيع يرد عَلَيْهِ بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا تنْقَلب كَمَا قَالَ: وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا بِهِ المَبِيعُ لَا الْيَمِينُ رُدَّا (وحيثما نُكُوله) أَي البَائِع (تبدا) أَي ظهر (بِهِ) أَي بِسَبَب نُكُوله (الْمَبِيع لَا الْيَمين ردا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْمَبِيع أَي رد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِسَبَب نُكُوله لَا الْيَمين فَلَا ترد على المُشْتَرِي لِأَنَّهَا غير منقلبة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مُقَابل الْأَصَح فَقَالَ: وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الجَوَازَ أطْلَقَا وَشرطُهَا مَكْثٌ بِمِلْكٍ مُطْلَقَا (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ ابْن وهب وَرَوَاهُ ابْن حبيب عَن مَالك (فِيهَا الْجَوَاز) مفعول بقوله: (أطلقا) فَقَالَ: إِن الْبَرَاءَة جَائِزَة فِي كل شَيْء ولعَبْد الْوَهَّاب أَنَّهَا لَا تجوز فِي شَيْء، وَفِي الْمُوَطَّأ أَنَّهَا جَائِزَة فِي الْحَيَوَان مُطلقًا ذكر هَذِه الْأَقْوَال ابْن سَلمُون. فَإِن وَقع وَنزل واشترطت فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَاخْتلف بعد القَوْل بِالْمَنْعِ إِذا وَقع البيع بِشَرْط الْبَرَاءَة فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ أَشهب فِي كتاب مُحَمَّد: إِن وَقع فِي الْحَيَوَان لم أفسخه وَفِي الْعرُوض يفْسخ إِلَّا أَن يفوت فَلَا يفْسخ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: البيع صَحِيح وَالشّرط بَاطِل. قَالَ مُحَمَّد: وَفسخ الْجَمِيع أحسن اه بِنَقْل الْمُتَيْطِيَّة. وَمَا تقدم فِي النّظم من اختصاصها بالرقيق على الْأَصَح هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وتبرأ غَيرهمَا فِيهِ أَي فِي الرَّقِيق مِمَّا لم يعلم إِن طَالَتْ إِقَامَته الخ. وَإِلَى شَرط طول
الْإِقَامَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: (وَشَرطهَا) أَي الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق (مكث) لذَلِك الرَّقِيق زَمَانا (بِملك) البَائِع بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَنه لَو كَانَ بِهِ عيب لظهر كستة أشهر (مُطلقًا) اخْتصّت بالرقيق أم لَا. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو لم يطلّ مكثه عِنْد البَائِع بل بَاعه بِالْبَرَاءَةِ بفور شِرَائِهِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقيل: تَنْفَعهُ وَبِه الْعَمَل بفاس فَلَا يشْتَرط عِنْدهم طول الْمكْث عِنْد البَائِع كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد فِي بيع الرَّقِيق إِلَّا على بَرَاءَة كَمَا يَلِيق أَي: منع الشُّهُود أَن يشْهدُوا فِي بيع الرَّقِيق على الْعهْدَة، وَإِنَّمَا يشْهدُونَ على الْبَرَاءَة وَلَو لم تطل الْإِقَامَة، وَظَاهر الْعَمَل الْمَذْكُور أَنَّهَا جَارِيَة فِي جَمِيع عُيُوب الرَّقِيق وَالَّذِي عول عَلَيْهِ عَمَلهم الْيَوْم فِي حُدُود الْخمسين بعد الْألف والمائتين أَنَّهَا مَعْمُول بهَا فِيمَا عدا عُيُوب أَرْبَعَة، وَلذَا يكْتب موثقهم فِي ذَلِك مَا نَصه: وعَلى الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَالْجُنُون والجذام والبرص أَي: فَإِذا اطلع المُشْتَرِي على قدم وَاحِد من الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُ يرجع بِهِ، ثمَّ إِذا اشْترط البَائِع بِالْبَرَاءَةِ سُقُوط الْيَمين الْمُتَقَدّمَة عَنهُ ثمَّ عثر الْمُبْتَاع على عيب قديم فروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك فِي المستخرجة؛ أَنه يَنْفَعهُ شَرطه. المتيطي عَن ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن لبَابَة وَابْن زرب، وَقيل: لَا يَنْفَعهُ شَرطه إِن كَانَ مُتَّهمًا. المتيطي: وتعقد فِي الْجَائِز من ذَلِك على مَا تقدم من رِوَايَة أَشهب وَابْن نَافِع الْمَعْمُول بهَا مَا نَصه: وعَلى أَن لَا يَمِين تلْحقهُ فِيمَا يطلع عَلَيْهِ الْمُبْتَاع من عيب قديم اه. تَنْبِيهَات. الأول: مَفْهُوم قَوْله إِن نصت أَنَّهَا إِذا لم تشْتَرط حَقِيقَة وَلَا حكما لَا يعْمل بهَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر إِلَّا فِيمَا يَبِيعهُ القَاضِي على مُفلس وَنَحْوه أَو يَبِيعهُ الْوَصِيّ لإنفاذ وَصِيَّة أَو وَارِث لقَضَاء دين فَهُوَ بيع بَرَاءَة، وَإِن لم تشْتَرط كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع حَيْثُ قَالَ: وَكلما القَاضِي يَبِيع مُطلقًا بيع بَرَاءَة بِهِ محققا إِلَّا أَن ظَاهره هُنَاكَ أَن بيع القَاضِي بيع الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَالْمَشْهُور أَن بَيْعه بيع بَرَاءَة فِي الرَّقِيق فَقَط كَمَا قَالَ (خَ) وَمنع مِنْهُ أَي من الرَّد بِالْعَيْبِ بيع حَاكم، ووارث رَقِيقا فَقَط الخ. وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الثَّانِي: ذكرنَا ناظم الْعَمَل إِثْر مَا مر عَنهُ أَنه لَا عُهْدَة فِي سنة وَلَا ثَلَاث عِنْد أهل فاس وَمحل ذَلِك إِذا لم يكن شَرط وَلَا عَادَة إِمَّا مَعَ الشَّرْط فتلزمان بِهِ وَلَو فِيمَن عرفهم البيع على الْبَرَاءَة كَأَهل فاس، وَأما مَعَ الْعَادة فتلزم عُهْدَة الثَّلَاث أَيْضا لِأَنَّهَا يرد فِيهَا بِكُل حَادث، وَأما عُهْدَة السّنة فَكَذَلِك بِالنِّسْبَةِ لما حدث فِي السّنة من جُنُون وجذام وبرص، وَكَذَا بِمَا كَانَ قَدِيما من هَذِه الثَّلَاثَة على مَا مرّ أَن عَادَتهم الْيَوْم البيع على الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَهَذِه الثَّلَاثَة. الثَّالِث: ظَاهر قَول النَّاظِم: إِن نصت الخ. وَقَول ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد الخ. إِن الْبَرَاءَة تَنْفَع فِي سَائِر الْعُيُوب حَتَّى فِي حمل الرائعة، وَالْمَشْهُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والالتزامات أَن
حمل الرائعة لَا تصح الْبَرَاءَة مِنْهُ حَتَّى يكون ظَاهرا وإلاَّ فسد البيع لِأَن الرائعة مِمَّن يتنافس فِي ثمنهَا وَينْقص الْجمل من ثمنهَا نقصا كثيرا، وَرُبمَا أَتَى على مُعظم قيمتهَا فَإِذا لم يكن ظَاهرا فقد دخل البَائِع وَالْمُشْتَرِي على غرر، وَلذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز بيع أمة رائعة بِالْبَرَاءَةِ من الْحمل وَلَا بَأْس بذلك فِي الوخش اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة عَن اللَّخْمِيّ: وَلم يخْتَلف أَن العلى من الْجَوَارِي لَا يبعن على الْبَرَاءَة من الْحمل، وَسَوَاء فِي ذَلِك بيع السُّلْطَان وَغَيره إِلَّا أَن تكون لامْرَأَة أَو صبي أَو بِيعَتْ فِي السَّبي اه. قلت: وَهَذَا فِي غير مَا عَلَيْهِ الْعَمَل فِي فاس الْيَوْم لما مر أَن الْبَرَاءَة عِنْدهم إِنَّمَا هِيَ فِيمَا عدا الْعُيُوب الْأَرْبَعَة، وَأما هِيَ فَلَا بَرَاءَة فِيهَا عِنْدهم من غير فرق بَين وخش ورائعة. الرَّابِع: من اشْترى بِالْبَرَاءَةِ لَا يَبِيع بالعهدة وَإِن فعل فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا علم لِأَنَّهُ يَقُول: قد تعدم فَلَا أجد من أرجع عَلَيْهِ غَيْرك لِأَن غَرِيم الْغَرِيم غَرِيم وَهُوَ معنى قَول (خَ) كَبَيْعِهِ بعهدة مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَة الخ. وَكَذَلِكَ الحكم فِيمَن بَاعَ عبدا قد وهب لَهُ وَلم يبين ذَلِك عِنْد البيع إِذْ لَا عُهْدَة على الْوَاهِب قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يَبِيع بِالْبَرَاءَةِ مَا اشْتَرَاهُ بالعهدة فَفِيهِ قَولَانِ. أرجحهما الْجَوَاز على مَا يظْهر من كَلَامهم إِذْ لم يشترطوا فِي بيع الْبَرَاءَة إِلَّا طول الْمكْث، وَمَعَ ذَلِك الْعَمَل على خِلَافه وَلَو كَانَ يشْتَرط فِي بيع الْبَرَاءَة أَن لَا يَشْتَرِيهِ بالعهدة لنبهوا عَلَيْهِ وَالله أعلم. الْخَامِس: تقدم أَن الْبَرَاءَة إِذا لم تشْتَرط وَلم تجر بهَا عَادَة فَلهُ الْقيام بِكُل عيب قديم يجده وَظَاهره وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد مُدَّة طَوِيلَة. وَذكر الإِمَام الْأَبَّار فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر: إِن الْعَمَل جرى بِعَدَمِ الرَّد فِي الرَّقِيق بعد سِتَّة أشهر، وبعدم الرَّد فِي الرّبع وَالْعَقار بعد سنة كَمَا لَا ترد الدَّوَابّ بعد شهر. قلت: وَمَا ذكر هُوَ اللَّائِق بِهَذِهِ الْأَزْمِنَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَنهُ إِذْ تِلْكَ الْمدَّة مَظَنَّة الِاطِّلَاع وَالرِّضَا وَإِن كَانَ ناظم الْعَمَل لم يتَعَرَّض للأولين وَإِنَّمَا تعرض للثَّالِث حَيْثُ قَالَ: وَبعد شهر الدَّوَابّ بالخصوص بِالْعَيْبِ لَا ترد فَافْهَم النُّصُوص إِذْ لَا يلْزم من عدم تعرضه لذَلِك عدم صِحَة الْعَمَل الْمَذْكُور فيهمَا إِذْ الإِمَام الْأَبَّار أَمِين، وَلَا يَحْكِي إِلَّا مَا ثَبت فَلَعَلَّ الْعَمَل الَّذِي قَالَه الْأَبَّار فِي الرَّقِيق وَالرّبع لم يطلع عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل، إِذْ لَا يلْزم أَن يطلع على جَمِيع مَا بِهِ الْعَمَل فِي وقته، ثمَّ مَحل عدم الرُّجُوع بعد الْمدَّة الْمَذْكُورَة إِذا لم يكن البَائِع مدلساً وإلاَّ وَجب الرُّجُوع كَمَا نَقله شَارِح نظم الْعَمَل. وَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ فِي المَرْكُوبِ وَشِبْهِهِ اسْتُثْنِيَ لِلرُّكوبِ
(وَالْيَوْم) مُبْتَدأ (واليومان) مَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي المركوب) يتَعَلَّق باستثنى (وَشبهه) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على المركوب، وَيحْتَمل رَفعه بالْعَطْف على الْيَوْمَيْنِ، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر (اسْتثْنِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الْيَوْم واليومين، وأفرده أَيْضا بِاعْتِبَار مَا ذكر (للرُّكُوب) يتَعَلَّق بِمَا قبله، وَالتَّقْدِير وَالْيَوْم واليومان وشبههما وَهُوَ الثَّلَاثَة اسْتثْنِي هُوَ أَي مَا ذكر من الْيَوْم واليومين فِي المركوب وَشبهه كالثور وَالثَّوْب لأجل الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس (خَ) : وَجَاز بيعهَا واستثناء ركُوبهَا الثَّلَاثَة لَا الْجُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط الخ. فَإِن تلفت الدَّابَّة فضمانها من الْمُبْتَاع فِيمَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا يَنُوب الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس فِي الثَّوْب، وَفِيمَا لَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ ضَمَانهَا من البَائِع إِلَّا أَن تهْلك بيد المُشْتَرِي فَإِن قبضهَا وَلَو قبل مُدَّة الشَّرْط فَالضَّمَان مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلَمْ يَجُزْ فِي الحَيَوانِ كُلِّهِ شِرَاؤهُ عَلَى اشْتِرَاطِ حَمْلِهِ (وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله) عَاقِلا أم لَا مَأْكُولا أم لَا (شِرَاؤُهُ على اشْتِرَاط حمله) لِأَنَّهُ بِالشّرطِ يكون قد أَخذ للجنين ثمنا فَيكون من بيع الأجنة وَهُوَ مَمْنُوع للغرر، وَالشّرط الْمَذْكُور فِي غير الْعَاقِل لَا يكون إِلَّا للاستزادة فِي الثّمن فِي الْعَادة بِخِلَافِهِ فِي الْعَاقِل فَإِنَّهُ تَارَة يكون للاستزادة فِي الثّمن فَيمْنَع، وَسَوَاء كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ البَائِع كَأَن يَقُول: أبيعكها بِشَرْط أَنَّهَا حَامِل، أَو كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ المُشْتَرِي وَتارَة للتبرىء من حملهَا وخشاً كَانَت أَو عليا فَلَا يمْنَع لِأَن الْحمل عيب فِي الرَّقِيق بِالْإِطْلَاقِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. فَإِن لم يعلم هَل قصد بِالشّرطِ التبرىء أَو الاستزادة فَالَّذِي للخمي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَنه ينظر لعادة أمثالهم من الرَّغْبَة فِي الْحمل كَأَهل الْبَادِيَة فشرطه مَحْمُول على الاستزادة، وَمن عدم الرَّغْبَة فِيهِ كَأَهل الْحَاضِرَة فشرطه مَحْمُول على التبرىء (خَ) : وكبيع الْحَامِل بِشَرْط الْحمل الخ. وَظَاهره كالناظم أَن ذَلِك لَا يجوز لَو كَانَت ظَاهِرَة الْحمل، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَرِوَايَته فِي الْمُدَوَّنَة، وَصرح غير وَاحِد بِأَنَّهُ الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: يجوز ذَلِك مُطلقًا وَله ردهَا إِن لم يجدهَا حَامِلا. وَقَالَ سَحْنُون: يجوز ذَلِك إِن كَانَت ظَاهِرَة الْحمل. واستظهره ابْن رشد وَلَعَلَّ وَجهه أَن اشْتِرَاطه فِي ظَاهِرَة الْحمل إِخْبَار بِمَعْلُوم فَلَا يُؤثر اشْتِرَاطه منعا، وَاحْتِمَال كَونه ينفش مَعَ ظُهُوره ظهوراً بَينا نَادِر، والنادر لَا حكم لَهُ، فَالْحَمْد لله على اخْتِلَاف الْعلمَاء فَإِن اشْتِرَاط الْحمل قد ارْتَكَبهُ الْعَوام كثيرا. وَلما تضمن هَذَا الْبَيْت أَنه لَا يجوز بيع مَا فِيهِ غرر، وَكَانَ بعض البيعات يتَوَهَّم فِيهَا الْغرَر كالحامل الَّتِي قرب وَضعهَا وَالْمَرِيض وَالْعَبْد الْآبِق رفع ذَلِك التَّوَهُّم بقوله: وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الأصَحِّ بَيْعُهَا
(و) أمة (ذَات حمل) من نعتها وصفتها (قد تدانى) أَي قرب (وَضعهَا) بِأَن مَضَت لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر (لم يمْتَنع على الْأَصَح بيعهَا) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَي: لم يمْتَنع أَن تبَاع وَإِن احْتمل مَوتهَا من الْولادَة فَإِن ذَلِك نَادِر (خَ) وَجَاز بيع هر وحامل مقرب الخ. . قلت: وتفهم مَسْأَلَة الْحَامِل المقرب من مَسْأَلَة الْمَرِيض فِي غير السِّيَاق بالأحرى الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: كَذَا الْمريضُ فِي سِوَى السِّياقِ يَصِحُّ بِيْعُهُ عَلى الإطْلَاقِ (كَذَا الْمَرِيض فِي سوى) حد (السِّيَاق) أَي لم يشرف على الْمَوْت (يَصح بَيْعه) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَيْضا (على الْإِطْلَاق) كَانَ مَأْكُول اللَّحْم أم لَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا بلغ حد السِّيَاق لم يجز بَيْعه مُطلقًا أَيْضا، وَهُوَ كَذَلِك للغرر فِي حُصُول الْغَرَض من حَيَاته أَو صَيْرُورَته لَحْمًا فِي حُصُول ذَكَاته لاحْتِمَال عدم حركته بعد ذبحه قَالَه ابْن عَرَفَة خلافًا لما فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وانتفاع بِهِ لَا كمحرم أشرف الخ. وَصَوَابه لَا كحيوان أشرف أَي بلغ حد السِّيَاق فَلَا يجوز بَيْعه ليُوَافق الْمَنْصُوص لِابْنِ عَرَفَة وَغَيره. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: السِّيَاق عِنْد الْفُقَهَاء لَيْسَ هُوَ أَن صَاحبه يَمُوت قطعا بِحَسب الْعَادة، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدهم أَعلَى الْمَرَض وَإِن كَانَ يعِيش فِي بعض الأحيان، وَيدل لَهُ قَول ابْن يُونُس: إِذا مرض العَبْد فَبلغ حد السِّيَاق فَرجع مُشْتَرِيه بِقِيمَة الْعَيْب ثمَّ صَحَّ أَن ذَلِك حكم مضى اه. وَالعَبْدُ فِي الْإِبَاق مَعْ عِلْم مَحَلْ قَرَارِهِ مِمَّا ابْتياعٌ فِيهِ حَلْ (وَالْعَبْد) حَال كَونه (فِي الْإِبَاق مَعَ علم مَحل قراره) وَعلم أَنه مَوْقُوف لمَالِكه وَمَعَ علم صفته وَلَو بِوَصْف بائعة كَمَا مر فِي بيع الْغَائِب (مِمَّا ابتياع فِيهِ حل) خبر الْمُبْتَدَأ أَي مِمَّا يجوز فِيهِ البيع وَالشِّرَاء.
وَالبائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبَضَا وَإنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لَا تُرْتَضى (وَالْبَائِع) هُوَ (الضَّامِن) لَهُ إِن هلك (حَتَّى) إِلَى أَن (يقبضا) وَهَذَا نَص الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: وَيجوز بيع العَبْد الْآبِق إِذا علم الْمُبْتَاع مَوْضِعه وَصفته فَإِن وجد هَذَا الْآبِق على الصّفة الَّتِي علمهَا الْمُبْتَاع قَبضه وَصَحَّ البيع فِيهِ، وَإِن وجده قد تغير أَو تلف كَانَ من البَائِع ويسترجع الْمُبْتَاع الثّمن. وَقَالَ سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز ابتياع الْآبِق إِذا كَانَ فِي وثاق اه. وَمثله فِي ابْن سَلمُون وَقَالَ المتيطي: وَيجوز بيع الْحَيَوَان الْغَائِب على الصّفة إِذا علم صَاحبه مَكَانَهُ وَصفته اه. ثمَّ مَحل مَا فِي النّظم كَمَا لأبي مُحَمَّد صَالح وَغَيره إِذا كَانَ الَّذِي عِنْده الْآبِق قد أوقفهُ لمَالِكه وَعلم أَنه لَهُ كَمَا قَررنَا وإلاَّ كَانَ من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور، فَقَوْل سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ فِي وثاق تَقْيِيد للْمَذْهَب لَا خلاف لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ المتيطي أَي إِلَّا إِذا كَانَ مَوْقُوفا لأجل مَالِكه وَهُوَ معنى قَوْله فِي وثاق وَلذَا قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَلم يجز سَحْنُون بيع الْآبِق وَإِن عرف الْمُبْتَاع مَوْضِعه إِلَّا أَن يكون مَوْقُوفا لصَاحبه عِنْد غير ذِي سُلْطَان لَا خُصُومَة فِيهِ لأحد، فَإِن وقف عِنْد السُّلْطَان أَو كَانَت فِيهِ خُصُومَة لأحد لم يجز بَيْعه اه. وَبِهَذَا يُقيد إيضاً قَول (خَ) وقدرة عَلَيْهِ لَا كآبق وإبل أهملت الخ أَي إِنَّمَا يمْتَنع بيع الْآبِق إِذا لم يكن مَوْقُوفا لمَالِكه، أَو كَانَ مَوْقُوفا عِنْد سُلْطَان أَو عِنْد من يُخَاصم فِيهِ كَمَا لشراحه فَلَا مُخَالفَة بَينه وَبَين مَا فِي النّظم وَالله أعلم. (وَإِن تقع إِقَالَة) فِي الْمَبِيع غَائِبا مُطلقًا رَقِيقا كَانَ أَو غَيره (لَا ترتضى) جَوَاب الشَّرْط أَي: فَلَا تجوز قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: لم يخْتَلف قَول مَالك وَلَا ابْن الْقَاسِم أَن الْإِقَالَة فِي بيع الْغَائِب غير جَائِزَة لِأَنَّهُ من وَجه الدّين بِالدّينِ. قَالَ ابْن سَلمُون: لِأَن الثّمن قد ثَبت على المُشْتَرِي فَلَا يجوز أَن يصير فِيهِ شَيْئا غَائِبا لَا ينجز قَبضه وَيجوز بَيْعه من غَيره إِذا لم ينْتَقد اه. وَمَفْهُوم قَوْله: لِأَن الثّمن قد ثَبت الخ. أَنه إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد دفع الثّمن وَلَو بِشَرْط فِي الْعقار أَو فِي غَيره إِن قرب كاليومين جَازَت الْإِقَالَة وَهُوَ كَذَلِك لانْتِفَاء الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا لم ينْتَقد الخ. مَفْهُوم مُوَافقَة لِأَنَّهُ يجوز حِينَئِذٍ بالأحرى. وَامْتَنَعَ التَّفْرِيقُ لِلصِّغَارِ مِنْ أُمِّهِمْ إلاَّ مَعَ الإثْغارِ (وَامْتنع التَّفْرِيق للصغار من أمّهم) أَي لَا يجوز للسَّيِّد أَن يفرق بَين أمة وَوَلدهَا الصَّغِير بِأَن يَبِيع الْأُم دون وَلَدهَا أَو الْعَكْس أَو الْأُم لرجل وَالْولد لرجل آخر وَإِن لعَبْدِهِ (خَ) : وكتفريق أم
فَقَط من وَلَدهَا بقسمة لحَدِيث: (من فرق بَين الْأُم وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة) اه. (إِلَّا مَعَ الإثغار) وَهُوَ تَمام نَبَات بدل رواضعه كلهَا بعد سُقُوطهَا وَلَا يَكْتَفِي بنبات الْبَعْض وَلَو الْمُعظم فَحِينَئِذٍ تجوز التَّفْرِقَة على الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن حبيب: يفرق بَينهمَا إِذا بلغ سبع سِنِين، وَفِي كتاب مُحَمَّد إِذا بلغ عشرا. وروى ابْن غَانِم لَا يفرق بَينهمَا قبل الْبلُوغ وَلابْن عبد الحكم مَا عاشا. حكى هَذِه الْأَقْوَال صَاحب الْجَوَاهِر ومنشأ الْخلاف هَل محمل حَدِيث التَّفْرِقَة على عُمُومه وغايته أَو على أَقَله الحَدِيث:(أَلا لَا توله وَالِدَة) الخ. وَبِه يفهم مَا فِي (ق) عَن الْقَرَافِيّ من قَوْله: وَلها نَظَائِر تَحْرِيم الزَّوْجَة وحكايات الْأَذَان والإقرارات وَغسل الذّكر من الْمَذْي وَمسح الْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم والصعيد الطّيب فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فتلزم الثَّلَاث فِي التَّحْرِيم ويحكي الْأَذَان كُله، وَيلْزم أَكثر الْجمع فِي الْإِقْرَار بِدَرَاهِم مثلا وَيغسل الذّكر كُله وَيمْسَح الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَيتَيَمَّم على الصَّعِيد الطَّاهِر الْمُثبت وَكَمَال الرشد، أَو يحمل على أقل ذَلِك فِي الْجَمِيع اه. وَمعنى الْكَمَال فِي الرشد كَونه رشيدا فِي المَال وَالدّين وَأَدْنَاهُ الرشد فِي المَال فَقَط، وَهُوَ مَذْهَب مَالك ثمَّ الْمُعْتَبر فِي الإثغار هُوَ الْوَقْت الْمُعْتَاد لَا أَن تعجل أَو تَأَخّر عَنهُ. ثُمَّ بالإجْبارِ عَلَى الْجَمْعِ القَضَا وَالخَلْفُ إنْ يَكُنْ مِنَ الأمِّ الرِّضَا (ثمَّ) إِن وَقعت التَّفْرِقَة الْمنْهِي عَنْهَا أجبر الْمُتَبَايعَانِ على أَن يجمعاهما فِي ملك بِأَن يَبِيع أَحدهمَا الآخر مَا فِي يَده أَو يبيعا مَعًا لثالث وإلاَّ فسخ العقد الَّذِي حصلت بِهِ التَّفْرِقَة كَمَا قَالَ ثمَّ:(بالإجبار على الْجمع القضا) ء مُبْتَدأ خَبره بالإجبار (خَ) : وَفسخ مَا لم يجمعاهما فِي ملك (وَالْخلف) فِي جَوَاز التَّفْرِقَة (إِن يكن من الْأُم الرِّضَا) بهَا فَقيل تجوز بِنَاء على أَن الْحق فِي الْحَضَانَة للحاضن، وَصرح الْمَازرِيّ وَغير وَاحِد هُنَا بمشهوريته وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: مَا لم ترض، وَبِه أَيْضا صدر النَّاظِم فِي الْحَضَانَة حَيْثُ قَالَ: الْحق للحاضن فِي الْحَضَانَة الخ. وَقيل الْحق للمحضون، وَقيل لله تَعَالَى وَعَلَيْهِمَا فَلَا تجوز التَّفْرِقَة وَلَو رضيت الْأُم. وَفِي (ت) عَن القلشاني أَنه الْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن يُونُس، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من أمّهم أَن التَّفْرِقَة من الْأَب جَائِزَة وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن التَّفْرِقَة فِي الْحَيَوَان البهيمي جَائِزَة وَبِه صرح ابْن سَلمُون قَالَ: وَلَا يجوز أَن يفرق بَين الْأُم وَوَلدهَا الصَّغِير بِخِلَاف غَيرهَا من الْحَيَوَان اه. وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي قَالَ: وروى
عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم أَنَّهَا لَا تجوز وَأَن الْحَد فِيهِ أَن يَسْتَغْنِي عَن آبَائِهِ بالرعي نَقله التادلي. وَالْحَمْلُ عَيْبٌ قِيْلَ بالإطْلَاقِ وقيلَ فِي عَلْيةِ ذِي استْرْقَاقِ (وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ) وَفِي وخش الرَّقِيق وَعَلِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم (وَقيل) إِنَّمَا هُوَ عيب (فِي علية ذِي استرقاق) وَهُوَ قَول ابْن كنَانَة، وَيفهم ضعفه من عدم تصدير النَّاظِم، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله الخ. وَعند قَوْله: وَشَرطهَا مكث بِملك الخ. والافْتِضَاضُ فِي سِوَى الوَخْشِ الدَّني عَيْبٌ لَهَا مُؤَثَّرٌ فِي الثَّمن (والافتضاض فِي سوى الوخش الدني) القبيحة المنظر الَّتِي ترَاد للْخدمَة وَغَيرهَا هِيَ الرائعة (عيب لَهَا مُؤثر فِي الثّمن) وَظَاهر أَن الثيوبة فِي الرائعة عيب مُطلقًا كَانَت مِمَّن يفتض مثلهَا أم لَا، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا هِيَ عيب فِيمَن لَا يفتض مثلهَا وإلاَّ فَهِيَ مَحْمُولَة على الافتضاض (خَ) : عاطفاً على مَا لَا رد فِيهِ وثيوبة إِلَّا فِيمَن لَا يفتض مثلهَا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالثيوبة عيب فِي العلى الْغَيْر المطيقة فَقَط وَلَيْسَت بِعَيْب فِي الوخش مُطلقًا وَلَا فِي العلى المطيقة إِلَّا بِشَرْط خلافًا لظَاهِر (خَ) أَيْضا من أَنَّهَا عيب حَتَّى فِي الوخش الَّتِي لَا يفتض مثلهَا. والحَمْلُ لَا يَثْبُتُ فِي أقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشُّهْورِ فَاسْتَبِنْ (وَالْحمل) لحرة أَو أمة (لَا يثبت فِي أقل من ثَلَاثَة من الشُّهُور فاستبن.
وَلَا تَحَرُّكَ لهُ يَثْبُتُ فِي مَا دُونَ عِدَّةِ الوَفَاةِ فاعْرِفِ وَلَا تحرّك لَهُ يثبت فِي مَا دون عدَّة الْوَفَاة فاعرف) هَذَا كَقَوْل ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: لَا شكّ أَن الْحمل عيب وَيثبت بِشَهَادَة النِّسَاء وَلَا يتَبَيَّن فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر وَلَا يَتَحَرَّك تحريكاً بَينا يَصح الْقطع على تحريكه فِي أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر، فَإِذا شهِدت امْرَأَتَانِ أَن بهَا حملا بَينا لَا يشكان فِيهِ من غير تَحْرِيك ردَّتْ الْأمة فِيمَا دون ثَلَاثَة أشهر أَي من يَوْم الشِّرَاء، وَلَا ترد فِيمَا زَاد على ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا عِنْد المُشْتَرِي أَي: إِلَّا إِذا وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَترد حِينَئِذٍ، وَإِذا شهدتا أَن بهَا حملا يَتَحَرَّك ردَّتْ فِيمَا دون أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَلم ترد فِيمَا فَوق ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا مَا لم تضعه لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَإِن ردَّتْ ثمَّ وجد ذَلِك الْحمل بَاطِلا لم ترد إِلَى المُشْتَرِي إِذْ لَعَلَّهَا أسقطته اه بِبَعْض زِيَادَة للإيضاح. وَنَقله (ح) وَزَاد عَن النَّوَادِر مَا نَصه: وَمن ابْتَاعَ أمة فادعت الْحمل فليستأن بهَا، وَإِذا قَالَت النِّسَاء أَنَّهَا حَامِل ردَّتْ بذلك وَلَا ينْتَظر بهَا الْوَضع، ثمَّ إِن أنفش فَلَا تُعَاد إِلَى الْمُبْتَاع اه. قَالَ (م) فَلَو زَاد النَّاظِم هُنَا فَقَالَ مثلا: فَإِن بَين حمل قبيل أشهر ثَلَاثَة من دون تَحْرِيك حري ردَّتْ بِهِ كَذَا إِذا تحركا من قبل أَربع وَعشر فاسلكا فَإِن بِهِ ردَّتْ وَبعد يَنْتَفِي لَا رد لاحْتِمَال سقط قد خَفِي لَكَانَ قد صرح بنتيجة معرفَة زمن يثبت فِيهِ الْحمل أَو التحرك اللَّذَان فِي النّظم ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم تبعا لمن ذكر مُخَالف بِظَاهِرِهِ لقَوْل الْقَرَافِيّ فِي قَوَاعِده: الْوَلَد يَتَحَرَّك لمثل مَا يتخلق لَهُ وَيُوضَع لمثلي مَا يَتَحَرَّك فِيهِ وَهُوَ يتخلق فِي الْعَادة تَارَة لشهر فيتحرك لشهرين وَيُوضَع لسِتَّة، وَتارَة لشهر وَخمْس لَيَال فيتحرك لشهرين وَثلث وَيُوضَع لسبعة، وَتارَة لشهر وَنصف فيتحرك لثَلَاثَة وَيُوضَع لتسعة وَهُوَ الْغَالِب، وَمَعَ ذَلِك فالأحكام مَبْنِيَّة على الأول فَهُوَ مِمَّا قدم فِيهِ النَّادِر على الْغَالِب وَله نَظَائِر اه. وَيُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا مر عَن ابْن رشد بِأَن كَلَام الْقَرَافِيّ إِنَّمَا هُوَ فِي مُطلق التحرك أَعم من أَن يكون تحركاً بَينا أم لَا. وَكَلَام ابْن رشد فِي التحرك الْبَين الَّذِي يَصح الْقطع عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يتَبَيَّن فِي أقل من الْمدَّة الْمَذْكُورَة كَمَا يُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا فِي الحَدِيث الْكَرِيم (إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله ملكا فَيُؤْمَر بِأَرْبَع: برزقه وأجله وشقي أم سعيد) .
وَلم يذكر الرَّابِع. وَجَاء فِي رِوَايَة: أَنه ذكر أَو أُنْثَى اه. بِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث هُوَ جَمِيع خلقه أَي كَمَاله، وَالَّذِي فِي كَلَام الْقَرَافِيّ. أول جُزْء من التخلق فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَيُثْبِتُ العُيُوبَ أَهْلُ المَعْرِفَهْ بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فيهمْ لِصَفَهْ الْعَدَالَة عِنْد تعذرها (خَ) وَقيل للضَّرُورَة غير عدُول وَإِن مُشْرِكين وَالْوَاحد كَاف كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر وَاثْنَانِ أولى عِنْد كل ذِي نظر وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الْعُيُوب عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ.
(فصل)
وَاتَّفَقُوا أنَّ كِلَابَ المَاشِيَهْ يَجُوزُ بَيْعُها كَكَلْبِ البادِيَهْ (وَاتَّفَقُوا أَن كلاب الْمَاشِيَة) المتخذة لحراستها وحفظها مِمَّا يعدو عَلَيْهَا من السَّارِق والسبع وَنَحْوهمَا (يجوز بيعهَا ككلب) أهل (الْبَادِيَة) الَّذِي يحرس دُورهمْ وأمتعتهم لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق هُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون أَيْضا حَيْثُ قَالَ: وَيجوز بيع كلب الحرس والماشية وَفِي كلب
الصَّيْد وَالسِّبَاع قَولَانِ اه. إِلَّا أَنهم بحثوا مَعَ النَّاظِم فِي حِكَايَة الِاتِّفَاق فِي بَيْعه أقوالاً: الْجَوَاز وَالْكَرَاهَة وَالْمَنْع وَهُوَ أشهرها. قلت: لَعَلَّه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ اتِّفَاق الْمُتَأَخِّرين لقَوْل ابْن أبي زيد: لَو أدْرك مَالك زمننا لاتخذ أسداً ضارياً وكل مَا يتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ انتفاعاً شَرْعِيًّا تجوز الْمُعَاوضَة عَلَيْهِ، فكأنهم فَهموا أَن كلاب الحراسة لتأكد مَنْفَعَتهَا لَا يَنْبَغِي أَن يدخلهَا الْخلاف، وَأما مَا قيل من أَنه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ تَقْوِيَة القَوْل بِالْجَوَازِ إِذْ قَالَ بِهِ ابْن كنَانَة وَسَحْنُون وَابْن نَافِع، وشهره بَعضهم فَهُوَ بعيد من لَفظه إِذْ لَو كَانَ مَقْصُوده ذَلِك لقَالَ: ورجحوا أَو شهروا أَن كلاب الْمَاشِيَة الخ. ثمَّ إِن الْكَلْب إِذا لم يُؤذن فِي اتِّخَاذه يضمن ربه مَا أتلف مُطلقًا، وَأما مَا أتْلفه الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه فَإِنَّهُ يضمن ربه مَا مزقه أَو أتْلفه إِذا علم مِنْهُ العداء. وَتقدم الْكَلَام فِيهِ عِنْد السُّلْطَان. وَعِنْدَهُمْ قَوْلَانِ فِي ابْتِياعِ كِلابِ الاصْطِيادِ وَالسِّبَاعِ (وَعِنْدهم قَولَانِ فِي ابتياع كلاب الِاصْطِيَاد) أى الْكلاب الَّتِي يصطاد بهَا فالمنع لِابْنِ الْقَاسِم وَرِوَايَته عَن مَالك وَالْجَوَاز لِابْنِ كنَانَة وَمن مَعَه (و) عِنْدهم أَيْضا قَولَانِ فِي ابتياع (السبَاع) الَّتِي يصطاد بهَا كالمسمى عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بالنمس والفهد وَنَحْو ذَلِك. وَبَيْعُ مَا كالشَّاةِ واستِثناءِ ثُلُثِهِ فيهِ الجَوَازُ جاءِ (وَبيع مَا) أَي حَيَوَان مَأْكُول (كالشاة) وَالْبَقَرَة (واستثناء) أَي مَعَ اسْتثِْنَاء (ثلثه) أَو نصفه أَو ثَلَاثَة أَرْبَاعه إِذْ مَتى كَانَ الْمُسْتَثْنى جُزْءا شَائِعا (فِيهِ الْجَوَاز جَاءَ) اتِّفَاقًا. وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه: هَذَا أَحدهَا. وَلَا يجْبر الآبي مِنْهُمَا على الذّبْح فِي هَذَا الْوَجْه فَإِن تشاحا فِيهِ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَأخذ كل وَاحِد من ثمنهَا مَا وَجب لَهُ. الثَّانِي: أَن يسْتَثْنى أرطالاً من لَحمهَا وَهُوَ معنى قَوْله: أَوْ قَدْرِ رَطْلَيْنِ مَعاً مِنْ شَاةِ وَيُجْبَرُ الآبي عَلَى الذَّكَاةِ (أَو قدر) بِالْجَرِّ عطف على ثلثه (رطلين مَعًا) أَو ثَلَاثَة أَرْطَال أَو أَرْبَعَة قدر الثُّلُث فدون (من شَاة) وَنَحْوهَا وَفِي الْبَقَرَة والناقة يجوز اسْتثِْنَاء نَحْو الْعشْرَة، وَالثَّمَانِيَة الأرطال مِمَّا هُوَ قدر الثُّلُث أَيْضا فدون لِأَن ثلث كل شَيْء بِحَسبِهِ كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وارتضاه الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته
خلافًا لما فِي الشَّيْخ بناني (و) إِذا أَرَادَ البَائِع الذّبْح ليتوصل للأرطال وَامْتنع المُشْتَرِي أَو بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ (يجْبر الآبي) مِنْهُمَا (على الذَّكَاة) إِذْ لَا يتَوَصَّل كل مِنْهُمَا لما دخل عَلَيْهِ من اللَّحْم إِلَّا بهَا، وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ عَلَيْهَا فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا بِحَسب مَا لكل، فَلَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَن يُعْطِيهِ لَحْمًا من غَيرهَا لتبقى لَهُ الشَّاة حَيَّة لم يجز وَهُوَ معنى قَوْله: ولَيسَ يُعْطَى فِيهِ للتَّصْحِيحِ من غيرِه لحْماً على الصَّحيحِ (وَلَيْسَ) للْمُشْتَرِي أَن (يعْطى فِيهِ) أَي فِي الْمُسْتَثْنى الَّذِي هُوَ الأرطال (للتصحيح) أَي لتصح لَهُ الشَّاة وَتبقى لَهُ حَيَّة (من غَيره) أَي من غير الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ الشَّاة (لَحْمًا) بل وَلَا غير اللَّحْم كَثوب أَو دَرَاهِم وَنَحْوهَا (على) القَوْل (الصَّحِيح) وَهُوَ لأَشْهَب لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِنَاء على أَن الْمُسْتَثْنى مشترى، وَأما على أَنه مبقى فالعلة أَنه من بيع اللَّحْم المغيب وَهُوَ يمْنَع بِلَحْم وَغَيره قَالَه (ز) وَمُقَابل الصَّحِيح رَوَاهُ مطرف. الثَّالِث: أَن يسْتَثْنى الْجلد والساقط وهما الرَّأْس والأكارع وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَالخُلْفُ فِي الْجِلْدِ وَفي الرَّأْس صَدَرْ مَشْهُورُها الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفْرْ (وَالْخلف فِي) اسْتثِْنَاء (الْجلد وَفِي) اسْتثِْنَاء (الرَّأْس) والأكارع (صدر) أَي: وَقع بِالْمَنْعِ مُطلقًا وَالْجَوَاز كَذَلِك ثَالِثهَا (مشهورها الْجَوَاز فِي حَال السّفر) لخفة ثمنه فِيهِ دون الْحَضَر فَيمْنَع فِيهِ، فَإِن وَقع وَاسْتثنى فِي الْحَضَر فَظَاهر ضيح الْفَسْخ، وَفِي الْمُوازِية أَنه يكره، وَأبقى أَبُو الْحسن الْكَرَاهَة على بَابهَا قَالَه (ز) وَمَفْهُوم الْجلد وَالرَّأْس أَن اسْتثِْنَاء الكرش والكبد وَنَحْوهمَا حكمهَا حكم اللحوم فَيجْرِي حكمهَا عَلَيْهِ من كَون الْمُسْتَثْنى قدر الثُّلُث فدون فَيجوز وإلاَّ فَلَا. وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ وَالْحِفْظ وَغير ذَلِك فِي هَذَا الْوَجْه على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يجْبر على الذّبْح إِذْ لَو شَاءَ دفع جلدا وساقطاً من عِنْده فصارا كَأَنَّهُمَا فِي ذمَّته كَمَا فِي ابْن مُحرز خلافًا لِابْنِ يُونُس من أَن الْأجر عَلَيْهِمَا مَعًا على قدر قيمَة الْجلد وَاللَّحم (خَ) عاطفاً على الْجَائِز مَا نَصه: وَجلد وساقط بسفر فَقَط وتولاه المُشْتَرِي. وَفِي الضَّمانِ إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبْ ثَالِثُهَا فِي الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ يَجِبْ
(وَفِي الضَّمَان إِن تفانى) أَي مَاتَ الْحَيَوَان الَّذِي اسْتثْنى أَرْطَال مِنْهُ أَو جلد وساقطه (أَو سلب) أَي غصب أَو سرق ثَلَاثَة أَقْوَال. الضَّمَان من المُشْتَرِي فِي الْجَمِيع وَعَدَمه فِي الْجَمِيع (ثَالِثهَا) وَهُوَ مشهورها الضَّمَان (فِي الْجلد وَالرَّأْس) والأكارع (يجب) عَلَيْهِ فَقَط لَا فِي الأرطال فَلَا يضمنهَا كَمَا لَا يضمن فِي الْجُزْء الشَّائِع اتِّفَاقًا (خَ) وَلَو مَاتَ مَا اسْتثْنى مِنْهُ معِين ضمن المُشْتَرِي جلدا وساقطاً لَا لَحْمًا الخ. وَمرَاده بالمعين الْجلد والساقط والأرطال.
(فصل فِي بيع الدّين بِالدّينِ والمقاصة فِيهِ)
أَرَادوا: اقتضائه والمقاصة فِيهِ فَحذف عاطفاً ومعطوفاً بِقَرِينَة ذكره بعد قَالَه (ت) وَهُوَ ظَاهر. مِمَّا يَجُوزُ البيعُ بَيْعُ الدَّيْنِ مُسَوَّغٌ مِنْ عَرْضٍ أَوْ عَيْنِ (مِمَّا يجوز البيع) يتَعَلَّق بقوله مسوغ والعائد من الصِّلَة مَحْذُوف (بيع الدّين) مُبْتَدأ (مسوغ) خَبره (من عرض أَو من عين) بَيَان لما وَالتَّقْدِير بيع الدّين مسوغ أَي جَائِز بالشَّيْء الَّذِي يجوز البيع بِهِ من عرض إِن كَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما، وَمن عين إِن كَانَ عرضا أَو طَعَاما إِذْ هُوَ لَا يُبَاع إِلَّا بِغَيْر جنسه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي وَهَذَا فِي بَيْعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ، وَأما بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: والاقتضاء للديون الخ. ثمَّ إِن مُرَاده بِالْعرضِ مَا قَابل الْعين فَيشْمَل الطَّعَام فَلَا دور فِي كَلَامه خلافًا لمن ادَّعَاهُ كَمَا لَا يخفى. وَإِنَّمَا يَجوزُ مَعْ حُضورِ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَتَعْجِيلِ الثَّمَنْ (وَإِنَّمَا يجوز) بيع الدّين لغير من هُوَ عَلَيْهِ بِشُرُوط أَشَارَ لأولها وَثَانِيها بقوله: (مَعَ حُضُور من أقرّ بِالدّينِ) أَي مَعَ حُضُور الْمَدِين وَإِقْرَاره فَلَا يجوز مَعَ غيبَة الْمَدِين وَلَا مَعَ إِنْكَاره لِأَنَّهُ مَعَ الْغَيْبَة لَا يدْرِي حَاله من فقر أَو غنى، وَالثمن يخْتَلف باخْتلَاف حَاله فَيُؤَدِّي للْجَهْل قَالَه الْمَازرِيّ
وَغَيره، وَعَن ابْن الْقَاسِم فِي سَماع مُوسَى بن مُعَاوِيَة جَوَاز شِرَاء الدّين على الْغَائِب، وَبِه قَالَ أصبغ فِي نوازله. وَرَوَاهُ أَبُو زيد عَن مَالك وَبِه الْعَمَل فِي مَسْأَلَة قلب الرَّهْن كَمَا يَأْتِي، وَأما اشْتِرَاط الْإِقْرَار فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَمنع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. ولثالثها بقوله:(و) مَعَ (تَعْجِيل الثّمن) لِأَنَّهُ إِذا لم يعجل فِي الْحِين كَانَ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَلَا فرق بَين أَن يعجل حَقِيقَة أَو حكما كَبَيْعِهِ بمنافع عين أَو بِمعين يتَأَخَّر قَبضه إِذْ لَا يمْتَنع ذَلِك فِي بيع الدّين بِخِلَاف فَسخه. ولرابعها بقوله: وكوْنِهِ لَيْسَ طَعَامَ بَيْعِ وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسٍ مَرْعِي (و) مَعَ (كَونه لَيْسَ طَعَام بيع) وَإِلَّا لم يجز لما تقدم من منع بيع طَعَام الْمُعَاوضَة قبل قَبضه. ولخامسها بقوله: (وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي) لِأَنَّهُ إِذا بيع بِجِنْسِهِ كَانَ سلفا بِزِيَادَة لِأَن شَأْن الدّين أَن يُبَاع بِأَقَلّ. وَحَاصِله؛ أَنه إِذا بيع بِجِنْسِهِ وَكَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما امْتنع مُطلقًا وَلَو بعد حُلُوله لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل وَالنِّسَاء أَو النِّسَاء فَقَط، وَإِن كَانَ الدّين عرضا فَكَذَلِك إِن بيع بِأَقَلّ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة وَكَانَ الْعرض من سلف فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ من بيع وَلم يحل فَكَذَلِك أَيْضا لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك، وَإِن حل جَازَ كَمَا يجوز بِالْمثلِ حل أَو لَا. لكنه لَيْسَ من شَأْن الْعُقَلَاء دفع عَاجل ليَأْخُذ أقل مِنْهُ أَو مثله فِي البيع، بل يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي السّلف فَقَط. وَبَقِي على النَّاظِم شَرط سادس وَهُوَ أَن لَا يكون المُشْتَرِي عدوا
للْمَدِين، وسابع وَهُوَ أَن لَا يقْصد بِالشِّرَاءِ إعناته وضرره وإلاَّ رد بَيْعه (خَ) فِي الضَّمَان كأدائه رفقا لَا عنتاً فَيرد كشرائه، وَهل إِن علم بَائِعه وَهُوَ الْأَظْهر تَأْوِيلَانِ الخ: أَي: وَإِذا رد الشِّرَاء فَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِمَا دفع لَهُ، فَإِن فَاتَ بِيَدِهِ رد لَهُ عوضه وَإِن تعذر رده لغيبة البَائِع أَقَامَ الْحَاكِم من يقبض من الْمَدِين وَيدْفَع للْمُشْتَرِي قَالَه (ز) وَنَحْوه ل (ح) وضيح عَن اللَّخْمِيّ. قَالَ أَبُو الْحسن: وَقصد الضَّرَر من أَفعَال الْقُلُوب فَلَا يثبت إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي أَو بقرائن تدل الشُّهُود على أَنه قصد ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا بيع الدّين أَو وهب وَكَانَ فِيهِ رهن أَو حميل لم يدْخل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِشَرْط مَعَ حُضُور الْحميل وَإِقْرَاره بالحمالة وَإِن لم يرض بالتحمل لمن ملكه للسلامة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة لَكِن لرب الرَّهْن أَن يطْلب وَضعه عِنْد أَمِين قَالَه (ز) . الثَّانِي: قَالَ فِي الدّرّ النثير: انْظُر مَسْأَلَة من قَالَ لرجل: بِعني دينك الَّذِي على فلَان وَأَنا أعلم وُجُوبه لَك عَلَيْهِ وَإِقْرَاره بِهِ لَك، فَفِي نَوَازِل أصبغ من كتاب جَامع الْبيُوع من الْبَيَان جَوَاز البيع اتِّفَاقًا وَأَنه إِن أنكر بعده فمصيبة دخلت عَلَيْهِ اه. الثَّالِث: جرى الْعَمَل بِبيع دين الْغَائِب من غير حُضُوره وَلَا إِقْرَاره فِي الْمَسْأَلَة الملقبة عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بقلب الرَّهْن وَهِي أَن يكون بيد إِنْسَان رهن فِي دين مُؤَجل فَيحْتَاج إِلَى دينه قبل الْأَجَل فيبيعه بِمَا يُبَاع بِهِ وَلَو مَعَ غيبَة راهنه، وَيحل المُشْتَرِي للدّين مَحل بائعة فِي حوز الرَّهْن وَالْمَنْفَعَة إِن كَانَت الْمَنْفَعَة جعلت لَهُ وَالْبيع للرَّهْن بالتفويض الَّذِي جعل للْمُرْتَهن البَائِع للدّين وَغير ذَلِك وَيكْتب بِظهْر الْوَثِيقَة أَو طرتها: اشْترى فلَان جَمِيع الدّين أَعْلَاهُ أَو محوله بِكَذَا وَقبض البَائِع جَمِيع الثّمن مُعَاينَة أَو باعترافه بعد التقليب وَالرِّضَا كَمَا يجب، وَأحل المُشْتَرِي مَحَله فِي الرَّهْن وَالِانْتِفَاع بِهِ والحوز لَهُ والتفويض وتملك المُشْتَرِي مشتراه إِلَى آخر الْوَثِيقَة قَالَ (م) : وَهَذَا مَعَ التَّنْصِيص على دُخُول الرَّهْن فِي البيع وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ فِي وقتنا، إِذْ هُوَ الْمَقْصُود بشرَاء الدّين غَالِبا قَالَ: وللراهن أَن يَجْعَل رَهنه بيد المُشْتَرِي أَو يَجعله بيد رجل غَيره إِذا لم تشْتَرط منفعَته وإلاَّ فَلَا خِيَار للرَّاهِن حَيْثُ بَاعَ الْمُرْتَهن الدّين وَالْمَنْفَعَة مَعًا إِلَّا لحقه ضَرَر بجعله بيد المُشْتَرِي فيزال الضَّرَر ويكرى ذَلِك لغير المُشْتَرِي، والكراء لَهُ لِأَن الْمَنْفَعَة لمشترطها قَالَ: وَإِن بيع الدّين وَسكت عَن الرَّهْن لم يدْخل وَيبقى الرَّهْن بيد من هُوَ بِيَدِهِ، وَإِذا اخْتلفَا هَل وَقع البيع على شَرط دُخُول الرَّهْن حلفا وَفسخ انْتهى بِاخْتِصَار. وَإِنَّمَا وَجب التَّحَالُف لِأَن الرَّهْن لَهُ حِصَّة من الثّمن فَيرجع ذَلِك إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قدر الثّمن. وَفي طَعَامٍ إنْ يَكُنْ من قَرْضِ يَجُوزُ الابْتِيَاعُ قَبْلَ القَبْضِ (وَفِي طَعَام إِن يكن من قرض) يتَعَلَّق بقوله:(يجوز الابتياع قبل الْقَبْض) وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله فِيمَا مر: وَالْبيع للطعام قبل الْقَبْض مُمْتَنع مَا لم يكن من قرض
فَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَفْهُوم مَا تقدم لكفاه، وَفِي معنى الْقَرْض كل طَعَام وَجب بِغَيْر عوض كطعام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة كَمَا مرّ. وَالاِقْتِضَاءُ لِلدِّيُونِ مُخْتَلِفْ وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ (والاقتضاء للديون مُخْتَلف) حكمه فَمِنْهُ مَا هُوَ جَائِز بِالْجِنْسِ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْه مَا هُوَ مَمْنُوع كَذَلِك وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ الَّذِي الْكَلَام الْآن فِيهِ أَربع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الدّين إِمَّا عين أَو عرض، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض وكل من الْأَرْبَعَة إِمَّا حَال أَو مُؤَجل، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة مَضْرُوبَة فِي أَحْوَال الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِمَّا بِمثل الدّين قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَقَلّ قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة ثَلَاثَة فِي ثَمَانِيَة بأَرْبعَة وَعشْرين فصور الْمثل الثَّمَانِية جَائِزَة كلهَا كَمَا قَالَ:(وَالْحكم قبل أجل لَا يخْتَلف) فِي الْجَوَاز وَالْحَالة هَذِه. وَالمِثْلُ مَطْلُوبٌ وذُو اعْتِبارِ فِي الجَنْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي المِقْدَارِ (و) هِيَ أَن (الْمثل مَطْلُوب) أَي مَوْجُود (وَذُو اعْتِبَار) عطف تَفْسِير لَو حذفه مَا ضره (فِي الْجِنْس وَالصّفة والمقدار) فالجملة حَال مربوطة بِالْوَاو كَمَا قَررنَا وَمَفْهُوم قبل الْأَجَل أَن الْقَضَاء بِالْمثلِ بعد الْأَجَل يجوز بالأحرى، فَشَمَلَ كَلَامه الصُّور الثَّمَانِية الْجَائِزَة: أَرْبَعَة مِنْهَا بمنطوقه وَأَرْبَعَة مِنْهَا بمفهومه ويشملها قَول (خَ) وَقَضَاء قرض بمساوٍ ثمَّ قَالَ: وَثمن الْمَبِيع من الْعين كَذَلِك وَمَفْهُوم قَوْله: والمثل مَطْلُوب الخ. أَن الْمثل إِذا لم يُوجد بل قَضَاهُ بِأَقَلّ قدرا أَو صفة أَو بِأَكْثَرَ فيهمَا لم يجز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل وَهُوَ أَن يُقَال: فَإِن كَانَ الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة جَازَ صور حُلُول الْأَجَل الْأَرْبَع وَهِي عين أَو عرض من بيع أَو قرض ومنعت صور مَا قبل الْأَجَل كَذَلِك لما فِيهِ من ضع وتعجل لِأَن الْمُعَجل مسلف وَقد انْتفع على سلفه بِأَدَائِهِ أقل أَو أردأ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا ترى ويشملها أَيْضا قَول (خَ) وَإِن حل الْأَجَل بِأَقَلّ صفة أَو قدرا فمفهوم الشَّرْط أَنه لَا يجوز ذَلِك قبل الْحُلُول، وَأما إِن كَانَ الْقَضَاء بِأَكْثَرَ صفة أَو
قدرا فَيمْتَنع فِي الْأَكْثَر قدرا فِي الْقَرْض مُطلقًا عينا كَانَ أَو عرضا قبل الْأَجَل أَو بعده لقَوْل (خَ) لَا أَزِيد عددا أَو وزنا، وَكَذَا يمْتَنع فِي الْعرض من بيع قبل الْأَجَل لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَجَاز فِيهِ ذَلِك بعد الْأَجَل كَمَا يجوز فِي الْعين من بيع مُطلقًا قبل الْأَجَل أَو بعده لِأَن الْحق فِي الْأَجَل فِي الْعين لمن هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يدْخلهُ حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَإِن كَانَ بِأَفْضَل صفة جَازَ فِي الْقَرْض مُطلقًا وَفِي البيع بعد الْأَجَل، وَكَذَا قبله وَهُوَ عين وإلاَّ منع لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك. والناظم تكلم بمنطوقه وَمَفْهُومه على الصُّور الْجَائِزَة الثَّمَانِية كَمَا مر وَسكت عَمَّا عَداهَا فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ. وَأما الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس وَهُوَ بيع الدّين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فقد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَالعَيْنُ فيهِ مَعْ بُلُوغٍ أَجَلا صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عُجِّلَا (وَالْعين فِيهِ) الضَّمِير للعين، وَفِي بِمَعْنى (عَن) أَي وَقَضَاء الْعين عَن الْعين (مَعَ بُلُوغ أَََجَلًا) أَي مَعَ حُلُول أجل الدّين كقضاء ذهب عَن فضَّة حل أجلهَا كَانَت من بيع أَو قرض وَبِالْعَكْسِ (صرف) جَائِز إِن عجل الْمَأْخُوذ وَلم يَقع فِيهِ تَأْخِير فَقَوله: بعد أَن عجل مَحْذُوف من هُنَا لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بِصَرْف مَا فِي الذِّمَّة وَهُوَ جَائِز على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه (وَمَا) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَو مفعول بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وَلَك أَخذ مَا (تشاؤه) أَي وَخذ مَا تشاؤه عَن دين الْعين من عرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان أَو عقار (إِن عجلا) ذَلِك الْمَأْخُوذ والا امْتنع لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين إِن كَانَ الْمَأْخُوذ غير معِين، وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ التصيير وَفِي تَأْخِير حوزه وَقَبضه خلاف يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وغيرُ عينٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ خُذْ فيهِ مِنْ مُعَجَّل مَا تَصْطَفِي (وَغير عين) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف وَالْجُمْلَة الطلبية بعده خَبره على وَجه مَرْجُوح أَي وَدين غير الْعين (بعده) أَي بعد الْأَجَل حَال كَونه (من سلف خُذ فِيهِ من معجل) من غير جنسه (مَا تصطفي) وتختار من طَعَام أَو عرض أَو عقار أَو حَيَوَان كأخذك حَيَوَانا عَن ثوب فِي الذِّمَّة أَو أخذك دَرَاهِم عَن حَيَوَان فِي الذِّمَّة، وَهَكَذَا بِشَرْط التَّعْجِيل كَمَا فِي النّظم وَإِلَّا امْتنع لما فِيهِ من فسخ الدّين أَو التصيير الْغَيْر الْمَقْبُوض بالفور كَمَا تقدم فِي الَّذِي قبله، وَكَلَامه فِي الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما قَضَاؤُهُ بِالْجِنْسِ الْمُوَافق فقد تقدم فِي الْأَرْبَع وَالْعِشْرين صُورَة.
وَمَفْهُوم قَوْله: وَغير عين الخ. تقدم فِي الْبَيْت قبله، وَمَفْهُوم بعده أَنه قبل الْأَجَل لَا يجوز وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ إِذا اخْتلف الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فَلَا عَلَيْك فِي الْأَجَل والمقدار كَمَا فِي شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه الخ. وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُوم للظرف الْمَذْكُور، وَمَفْهُوم قَوْله: من سلف هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يكنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الأَمَدْ فالوَصْفُ فيهِ السَّمْحُ جائزٌ فَقَدْ (وَإِن يكن) الَّذِي هُوَ غير الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة (من سلم) أَي بيع (بعد الأمد) أَي الْأَجَل يتَعَلَّق بقوله جَائِز (فالوصف) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله جَائِز أَيْضا (السَّمْح) مُبْتَدأ ثَان (جَائِز) خَبره (فقد) أَي فَحسب رَاجع لقَوْله: بعد الأمد، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَالْجُمْلَة من الأول وَخَبره جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير؛ وَإِن يكن الدّين الْغَيْر الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة من بيع فالسمح فِي وَصفه جَائِز بعد الْأَجَل فَقَط بِأَن يَأْخُذ رب الدّين أقل من صفة دينه أَو يدْفع الْمَدِين أَجود مِنْهُ، وَيفهم مِنْهُ أَنه يجوز بِأَقَلّ قدرا أَو أَكثر كَذَلِك أَيْضا لِأَن زِيَادَة الْوَصْف فِي قَضَاء دين البيع كزيادة الْقدر ونقصانه كنقصانه كَمَا قَالَ (خَ) وَجَاز بِأَكْثَرَ وَلَيْسَ قَوْله:(فقد) رَاجعا للوصف حَتَّى يكون الْمَعْنى فالسمح جَائِز فِي الْوَصْف فَقَط لَا فِي الْقدر، بل هُوَ رَاجع لقَوْله: بعد الأمد كَمَا قَررنَا. وَمَفْهُوم بعد الأمد أَنه قبل الأمد لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك لما فِيهِ من حط الضَّمَان، وَأَزِيدك أَو ضع وتعجل قَالَ فِي النَّوَادِر: وَإِذا حل الدّين وَلَيْسَ بِذَهَب وَلَا فضَّة جَازَ أخذك أرفع أَو أدنى أَو أقل أَو أَكثر من صنفه أَو من غير صنفه نَقْدا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: وَلَو عجل عرضا قبل أَجله لم يجز إِلَّا مَعَ الْمُسَاوَاة والانفراد فَلَو كَانَ أَجود أَو أردأ وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من أحد الْجَانِبَيْنِ وَلَو نفعا بخطوة أَو كلمة لم يجز لِأَنَّهُ مِنْك وضيعة على تَعْجِيل حق، وَمِنْه طرح ضَمَان بِزِيَادَة. ثمَّ إِن كَلَام النَّاظِم ظَاهر فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ فَهُوَ دَاخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ، وَقد علمت أَن الْكَلَام فِي غَيره، فَلَو قدم هَذَا الْبَيْت قبل قَوْله: وَالْعين فِيهِ الخ. وَقَالَ مثلا: وَإِن يكن بِأَدْنَى مِنْهُ يشْتَرط حُلُوله وَقَبله الْمَنْع فَقَط وَيكون أَشَارَ بِهِ للصور الثَّمَانِية الكائنة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا مر ثمَّ يَقُول هَهُنَا:
وَإِن يكن من سلم فَيشْتَرط بَيْعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مُرْتَبِط وَإِن يَصح سلم رَأس المَال وَالْبيع قبل الْقَبْض فِي ذِي الْحَال لوفى بِشُرُوط قَضَاء السّلم بِغَيْر جنسه الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) وَبِغير جنسه إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه وَبيعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة، وَإِن يسلم فِيهِ رَأس المَال لَا طَعَام وَلحم بحيوان وَذهب وَرَأس المَال ورق وَعَكسه الخ. وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي فصل الْعرُوض عِنْد قَوْله: وَمَا لبيع قبل قبض مَانع. وَبِهَذَا يكون الْكَلَام مرتبطاً بعضه بِبَعْض وَلَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء من شُرُوط الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس، وَأما بِجِنْسِهِ فقد دخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم وَسلم من قَوْلنَا: وَإِن يَصح سلم رَأس المَال يقْرَأ بِسُكُون اللَّام للوزن، وَالْحَاصِل أَن قَضَاء الدّين بِغَيْر جنسه وَهُوَ بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ إِن كَانَ عينا فإمَّا أَن يَأْخُذ عَنهُ عينا أُخْرَى أَو عرضا فَالْأول صرف يشْتَرط فِيهِ حُلُول الدّين وتعجيل الْمَأْخُوذ، وَالثَّانِي يشْتَرط تَعْجِيله فَقَط وَإِن كَانَ الدّين غير عين فَيشْتَرط تَعْجِيل الْمَأْخُوذ أَيْضا لَا حُلُوله، وَيُزَاد فِيهِ إِن كَانَ من بيع أَن يجوز بَيْعه قبل قَبضه، وَأَن يسلم فِيهِ رَأس المَال وَأَن يُبَاع بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة الخ وَالله أعلم. وَلما تكلم على بيع الدّين واقتضائه شرع فِي الْكَلَام على الْمُقَاصَّة فِيهِ فَقَالَ: قد مضى الدَّيْنُ من الدَّيْنِ وَفِي عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَطَعَامٍ قَدْ يَفِي (قد مضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الدّين من الدّين) أَي يَقْتَضِي كل من رَبِّي الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد وَيَقْتَضِي رب الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من الدّين الَّذِي لصَاحبه عَلَيْهِ. هَذَا مُرَاده وإلاَّ فعبارته تَشْمَل الْحِوَالَة مَعَ أَن المُرَاد خُصُوص الْمُقَاصَّة فَلَو قَالَ: تطارح الدّين لجانبين بِشَرْطِهِ يجوز بَين اثْنَيْنِ فَمَا يكونَانِ الخ. لَكَانَ أحسن. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: متاركة مَطْلُوب بمماثل صنف مَا عَلَيْهِ لمآله على طَالبه فِيمَا ذكر عَلَيْهِمَا. فَقَوله: بمماثل مُتَعَلق بمطلوب وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي بدين مماثل، وَقَوله: صنف بِالرَّفْع فَاعل بمماثل، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِالْإِضَافَة من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي مَطْلُوب بصنف مَا عَلَيْهِ المماثل لمآله على طَالبه فَيخرج بِهِ المختلفان نوعا فَيَقْتَضِي أَن الْمُقَاصَّة فيهمَا لَا تصح، وَفِيه نظر كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: لمآله على طَالبه يتَعَلَّق بمماثل على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ، وَاللَّام زَائِدَة لتقوية الْعَامِل، وَمَا مفعول وَاقعَة على الدّين، وعَلى كَون لفظ صنف فَاعِلا لَو حذف مَا عَلَيْهِ وَقَالَ بمماثل صنفه لَكَانَ أحسن، وَقَوله: فِيمَا ذكر مُتَعَلق بمتاركة وَمَا ذكر هُوَ الصنفية. وَقَوله: عَلَيْهِمَا حَال مِمَّا ذكر أَي حَال كَون ذَلِك الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تَاركه فِي حق لَهما على شخص آخر فَإِن كَانَ لهَذَا عَلَيْهِ عرض وَللْآخر عَلَيْهِ مثله فِي الصنفية وَأخذ كل مِنْهُمَا مَا لصَاحبه فَلَيْسَتْ مقاصة. وَهَذَا الْحَد لَا يخفى مَا فِيهِ من التعقيد مَعَ كَونه لَا يَشْمَل الْمُقَاصَّة فِي النَّوْعَيْنِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد بالصنف الْجِنْس فَيشْمَل الْمُقَاصَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا جنس وَاحِد، وَإِذا جَازَت فِي مقتفى الْجِنْس فأحرى فِي مقتفى الصِّنْف، وَمَعْنَاهُ
حِينَئِذٍ أَن الْمُقَاصَّة هِيَ أَن يتارك الْمَطْلُوب بدين مماثل جنسه دينا لَهُ على طَالبه فِي الجنسية الْمَذْكُورَة لَا فِي الْقدر فَقَط حَال كَون الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا وأسهل مِنْهُ أَن يُقَال هِيَ تطارح المتداينين دينهما الْمُتَّفق الْجِنْس على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا مَا فِي ذمَّته فِي مُقَابلَة مَا لَهُ فِي ذمَّة صَاحبه وَالله أعلم. (وَفِي. عين وَعرض وَطَعَام قد يَفِي) أَي: يَأْتِي اقْتِضَاء الدّين من الدّين على وَجه الْمُقَاصَّة فِي الْعين وَفِي الْعرض وَفِي الطَّعَام وَفِي كل مِنْهُمَا سِتّ وَثَلَاثُونَ صُورَة فتنتهي إِلَى مائَة وَثَمَانِية. وبيانها: أَن الدينَيْنِ إِذا كَانَا عينين إِمَّا أَن يَكُونَا من بيع أَو من قرض، أَو أَحدهمَا من بيع، وَالْآخر من قرض وَفِي كل من الثَّلَاثَة إِمَّا أَن يتَّفق العينان جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا، فَهَذِهِ الْأَرْبَع فِي ثَلَاث قبلهَا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان أَو يحل أَحدهمَا فَقَط أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر بست وَثَلَاثِينَ، وَمثلهَا إِذا كَانَ الدينان عرضين فهما إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض، وَفِي كل إِمَّا أَن يتَّفقَا جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان مَعًا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ أَيْضا، وَكَذَا يُقَال فِيمَا إِذا كَانَا طعامين هَكَذَا حَاصِل هَذِه الصُّور فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد. وَقد تكلم النَّاظِم على بعض صور كل من الثَّلَاثَة الَّتِي فِي النّظم، وَلم يسْتَوْف جَمِيعهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْعينِ فَقَالَ: فَمَا يكونَانِ بِهِ عَيْناً إِلَى مُماثِلٍ وَذي اخْتِلافٍ فُضِّلا (فَمَا) أَي فَالْوَجْه الَّذِي (يكونَانِ) أَي الدينان (بِهِ عينا إِلَى مماثل) فِي الْقدر وَالنَّوْع وَالصّفة وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض (و) إِلَى (ذِي اخْتِلَاف) فِي النَّوْع وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الْقدر وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الصّفة وَفِيه ثَلَاث كَذَلِك (فضلا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول خبر مَا وَالْمَجْرُور بإلى مُتَعَلق بِهِ فالمجموع اثْنَتَا عشرَة صُورَة، وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ، وَقد علمت
أَن صور المماثل مِنْهَا تِسْعَة وصور الِاخْتِلَاف مِنْهَا سبع وَعِشْرُونَ، فَأَشَارَ إِلَى صور المماثل بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَفِي تَأَخّر الَّذِي يماثل الخ. وَإِلَى بعض مَا يجوز من صور الِاخْتِلَاف بقوله: فَمَا اخِتلافٌ وَحُلُول عَمَّهْ يَجُوزُ فيهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّهْ (فَمَا اخْتِلَاف) أَي فَالْوَجْه الَّذِي عَمه اخْتِلَاف يَعْنِي فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة، وَذَلِكَ كالذهب وَالْفِضَّة أَو محمدية ويزيدية (وحلول عَمه) أَي عَمه الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة لَا فِي الْقدر وَعَمه الْحُلُول بِأَن كَانَ الدينان مَعًا حَالين. (وَيجوز فِيهِ صرف مَا فِي الذمه) أَي مُبَادلَة مَا فِي الذِّمَّة وَفِي كل مِنْهُمَا ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك فالمجموع سِتّ صور جَائِزَة كلهَا إِلَّا أَنه فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع لَا يُرَاعى الِاتِّحَاد فِي الْقدر، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد من اتحاده كعشرة دَرَاهِم محمدية عَن عشرَة يزيدية، وتفهم صور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة من صور الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا جَازَ ذَلِك مَعَ الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بِشَرْطِهِ فَلِأَن يجوز مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة بالأحرى، فصور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة دَاخِلَة فِي النّظم كَمَا ترى، وَمَفْهُوم حُلُول الخ. اثْنَتَا عشرَة صُورَة: سِتّ فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع وَهِي عدم حلولهما مَعًا أَو عدم حُلُول أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وست فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك وَكلهَا غير جَائِزَة للصرف أَو الْبَدَل المؤخرين وَيُزَاد على ذَلِك تسع صور الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر، فَظَاهر النّظم جَوَاز مَا حل مِنْهَا لدخولها فِي عُمُوم قَوْله: فَمَا اخْتِلَاف مَعَ أَنَّهَا مَمْنُوعَة كلهَا لربا الْفضل كدينار فِي مُقَابلَة دينارين فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا بتسع تضم للاثني عشر قبلهَا الَّتِي هِيَ مَفْهُوم النّظم يكون الْمَجْمُوع إِحْدَى وَعشْرين صُورَة كلهَا مَمْنُوعَة، وَيبقى من صور الِاخْتِلَاف سِتّ صور جَائِزَة وَهِي مَنْطُوق النّظم كَمَا مر وَالله أعلم. وَفِي تَأَخُّرِ الذِي يُمَاثِلُ مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى تسع صور المماثل فَقَالَ:(وَفِي تَأَخّر) الدّين (الَّذِي يماثل) الدّين الْمَأْخُوذ عَنهُ (مَا) استفهامية أَي كَيفَ مَا (كَانَ) التَّأْخِير سَوَاء كَانَ فِي الدينَيْنِ مَعًا أَو فِي أَحدهمَا. وَفِي كلِّ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا (أَشهب) مُبْتَدأ خَبره (بِمَنْع قَائِل) فِي هَذِه السِّت كلهَا وَالْمَجْرُور
الأول وَالثَّانِي يتعلقان بالْخبر، وَفهم من نِسْبَة الْمَنْع فِيهَا لأَشْهَب وَحده أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْجَوَازِ وَهُوَ الْمَشْهُور، وَمَفْهُوم قَوْله: وَفِي تَأَخّر الخ. أَنَّهُمَا إِذا حلا مَعًا وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا جَازَ على كلا الْقَوْلَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ الانْتِصَافِ اتَّفَقَا (وَفِي) الْعَينَيْنِ (اللَّذين بالحلول) مُتَعَلق بقوله (اتفقَا) صلَة الْمَوْصُول (على جَوَاز الانتصاف) أَي الْمُقَاصَّة لِأَن كل وَاحِد ينصف من حَقه بهَا (اتفقَا) أَي اتّفق أَشهب وَابْن الْقَاسِم على جَوَاز الْمُقَاصَّة فِي الْعَينَيْنِ اللَّذين اتفقَا فِي الْحُلُول، وَقد تماثلا نوعا وَصفَة وَقدرا كعشرة محمدية عَن مثلهَا أَو يزيدية عَن مثلهَا، فَهَذِهِ التسع الَّتِي هِيَ صور التَّمَاثُل تضم إِلَى سَبْعَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ صور الِاخْتِلَاف يكون الْمَجْمُوع سِتا وَثَلَاثِينَ، وَبهَا تمت صور الْعَينَيْنِ وَإِلَى صور التَّمَاثُل أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز الْمُقَاصَّة فِي ديني الْعين مُطلقًا أَي من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. وَأَشَارَ إِلَى صور الِاخْتِلَاف بقوله: وَإِن اخْتلفَا صفة مَعَ اتِّحَاد النَّوْع أَو اختلافه فَكَذَلِك إِن حلا وَإِلَّا فَلَا الخ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان عرضا فَقَالَ: وَذَاكَ فِي العَرْضَيْنِ لَا المِثْلَيْنِ حَلْ بِحيْثُ حلاَّ أوْ توافَقَ الأجلْ (وَذَاكَ) الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة (فِي العرضين لَا) أَي غير (المثلين) كَثوب وَفرس وَكسَاء وقميص وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (حل) أَي جَازَ (بِحَيْثُ حلاَّ) أَي حل أجل العرضين مَعًا (أَو) تأجلا و (توَافق الْأَجَل) فيهمَا، وَالتَّقْدِير وَذَاكَ الانتصاف الَّذِي هُوَ الْمُقَاصَّة جَائِز فِي العرضين الْمُخْتَلِفين جَوَازًا مُقَيّدا بحلول الدينَيْنِ مَعًا أَو توَافق أجلهما حِين الْمُقَاصَّة، وَيدخل فِي العرضين غير المثلين سبع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الِاخْتِلَاف إِمَّا فِي الْجِنْس كَثوب وَفرس، أَو فِي الصّفة كَثوب كتَّان وثوب قطن، وَمن ذَلِك هروي ومروي أَو فِي الْقدر كثوبين من كتَّان عَن وَاحِد من قطن، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، فَهَذِهِ تسع. وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا، فَأخْبر النَّاظِم أَن الْجَائِز مِنْهَا سِتّ صور وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا جِنْسا وحلا حَقِيقَة أَو حكما لتوافق الْأَجَل فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا. وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا صفة كَذَلِك، وَيفهم مِنْهُ أَن الْأَحَد وَالْعِشْرين الْبَاقِيَة كلهَا مَمْنُوعَة وَهُوَ كَذَلِك فِي السِّت
الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، وَهِي مَا إِذا لم يحلا حَقِيقَة وَلَا حكما أَو حل أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَكَذَا فِي السِّت الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لما فِي ذَلِك من بيع الدّين بِالدّينِ فِي الْجَمِيع، وَأما التسع الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر وَهِي كَونهَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا مَعًا أَو أَحدهمَا فَفِيهَا تَفْصِيل، فَإِن كَانَا من بيع وحلا جَازَ وَإِن كَانَا من قرض لم يجز لما فِيهِ من قَضَاء الْقَرْض بِأَكْثَرَ خلافًا لظَاهِر النّظم من جَوَاز ذَلِك وَلَو فِي الْقَرْض وَأما إِن كَانَا مؤجلين أَو أَحدهمَا فَيمْنَع كَمَا هُوَ مَفْهُوم النّظم لما فِيهِ من ضع وتعجل مُطلقًا أَو حط الضَّمَان وَأَزِيدك حَيْثُ كَانَا من بيع. فَإِن قيل: تقدم فِي الْعين أَنَّهَا لَا تجوز مَعَ التَّأْجِيل وَلَو اتّفق الْأَجَل فَلم جَازَت فِي الْعرض مَعَ اتفاقه؟ قُلْنَا: لِأَن اللَّازِم فِي الْعين صرف مُؤخر وَبَاب الصّرْف أضيق من بيع الدّين اللَّازِم فِي العرضين، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر بيع الدّين فِي المتفقين أَََجَلًا لِأَن ذَلِك حِينَئِذٍ فِي معنى المبارأة لِأَنَّهُ لما كَانَ لَا يقدر أَحدهمَا على طلب دينه إِلَّا عِنْد أجل الآخر كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْحَالين وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: لَا المثلين أَن العرضين إِذا كَانَا متفقين فِي الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر جَازَت الْمُقَاصَّة فِي تسع صورها كَانَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا أَو أَحدهمَا لِأَن العرضين المتماثلين يبعد قصد المكايسة والمغالبة فيهمَا، فَيكون الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْرُوف فَلَا تدخل فِي غير الْحَالين تُهْمَة من تعجل مَا أجل يعد مسلفاً، وَإِلَى الْمُقَاصَّة فِي العرضين المتماثلين أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا أَي اتحدا جِنْسا وَصفَة أَي وَقدرا، وَإِلَى جَوَازهَا فِي الْمُخْتَلِفين بِشَرْط الْحُلُول أَو اتِّفَاق الْأَجَل بقوله: كَأَن اخْتلفَا جِنْسا واتفقا أَََجَلًا وَإِن اخْتلفَا أَََجَلًا منعت إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ. قلت: لَو قَالَ أَعنِي (خَ) : وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا إِن اتفقَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة لَا إِن اخْتلفَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة وَلم يحلا أَو لم يتَّفق الْأَجَل وإلاَّ جَازَ فِي الْأَخيرينِ كَالْأولِ إِن وحلا هما من بيع لكفاه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان طَعَاما وَفِيه سِتّ وَثَلَاثُونَ أَيْضا أَشَارَ إِلَى اثْنَي عشر مِنْهَا بقوله: وَفِي تَوَافُقِ الطَّعَامَيْنِ اقُتُفِي حَيْثُ يَكونان مَعًا مِنْ سَلَفِ
(وَفِي توَافق الطعامين) يتَعَلَّق بقوله (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الانتصاف أَي اقتفي وَاتبع الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة فِي الطعامين المتفقين فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة (حَيْثُ يكونَانِ مَعًا من سلف) حلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث من الاثْنَي عشر الْمَذْكُورَة. وفِي اختِلافٍ لَا يَجوزُ إلاّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ حَلَا (وَفِي اخْتِلَاف) يتَعَلَّق بقوله (لَا يجوز) أَي: وَلَا يجوز الانتصاف فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْجِنْس كقمح وفول، أَو فِي الصّفة كعشرة سمراء عَن مثلهَا مَحْمُولَة، أَو فِي الْقدر كخمسة مَحْمُولَة عَن سَبْعَة مَحْمُولَة ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد على خَمْسَة فِي الذِّمَّة (إِلَّا إِن كَانَ كل مِنْهُمَا قد حلا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُبَادلَة يدا بيد:(خَ) والطعامان من قرض كَذَلِك أَي فَتجوز مَعَ الِاتِّفَاق مُطلقًا وَمَعَ الِاخْتِلَاف بِشَرْط الْحُلُول فقد دخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور لِأَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْجِنْس وهما من سلف كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث. وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر بتسع، حكى الْجَوَاز فِيمَا إِذا حلا مَعًا وَبقيت صور تأجيلهما مَعًا أَو تَأْجِيل أَحدهمَا على حكم الْمَنْع لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة، واحترزت بِقَوْلِي: ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد فِي الذِّمَّة الخ. عَمَّا إِذا لم يدخلا على ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز، وَلَو حلا لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل، وَكَذَا يُقَال فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد أَن يدخلا على إِلْغَاء الزَّائِد إِن كَانَ هُنَاكَ زَائِد وَإِلَّا لم يجز لربا الْفضل أَيْضا، وَلَا يشْتَرك ذَلِك فِي الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، فصورتا الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَالْقدر يُزَاد فيهمَا على شَرط الْحُلُول أَن يدخلا على عدم إِلْغَاء الزِّيَادَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثنتي عشرَة صُورَة الَّتِي فِي الطعامين من بيع فَقَالَ: وَإنْ يَكونا مِنْ مَبيعٍ وَوَقَعْ فيهِ بالإطْلَاقِ اخْتِلَافٌ امْتَنَعْ (وَإِن يَكُونَا) أَي الطعامان (من مَبِيع) اسْم مفعول بِمَعْنى الْمصدر أَي: من بيع (وَوَقع فِيهِ) يتَعَلَّق بِوَقع (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بامتنع آخر الْبَيْت (اخْتِلَاف) فَاعل وَقع (امْتنع) جَوَاب الشَّرْط وَالتَّقْدِير: وَإِن يكن الطعامان من بيع وَاخْتلفَا فِي الْجِنْس أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر امْتنعت الْمُقَاصَّة بِالْإِطْلَاقِ حلا أَو أَحدهمَا أم لَا. فَتدخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور كَمَا ترى.
وَأَشَارَ إِلَى الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة لتَمام الاثْنَي عشر وَهِي: إِذا اتَّحد الطعامان جِنْسا وَصفَة وَقدرا فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا بقوله:
وَفي اتِّفَاقِ أجَلَيْ مَا اتّفقَا هُوَ لَدَى أَشْهَبَ غَيْرُ مُتَّقَى (وَفِي اتِّفَاق أَجلي مَا) أَي الطعامان اللَّذين (اتفقَا) جِنْسا وَصفَة وَقدرا (هُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الانتصاف الْمُتَقَدّم (لَدَى أَشهب غير متقى) خبر عَن الْمُبْتَدَأ والظرف وَالْمَجْرُور بفي يتعلقان بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَهُوَ أَي الانتصاف غير مَمْنُوع عِنْد أَشهب فِي الطعامين المنفقين أَََجَلًا وجنساً وَصفَة وَقدرا بِنَاء على أَنَّهَا إِقَالَة، وَأَحْرَى أَن يجوز عِنْده ذَلِك إِذا حلا مَعًا، وَفهم من تَخْصِيصه الْجَوَاز بأشهب أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْمَنْعِ، وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ومنعا أَي الطعامان من بيع وَلَو متفقين الخ. قَالَ (ز) : لعلل ثَلَاث بيع الطَّعَام قبل قَبضه وَهَذِه عَامَّة، وَطَعَام بِطَعَام، وَدين بدين نَسِيئَة وَهَاتين فِي غير الْحَالين. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثْنَي عشر الَّتِي فِي الطعامين من بيع وقرض وَهِي كَمَال سِتّ وَثَلَاثِينَ صُورَة الَّتِي فِي الطعامين فَقَالَ: وَشَرْطُ مَا من سَلَفٍ وَبَيْع حُلُول كُلَ وَاتِّفَاقُ النَّوْعِ (وَشرط مَا) أَي الطعامين اللَّذين أَحدهمَا (من سلف و) الآخر من (بيع حُلُول كل) مِنْهُمَا (واتفاق النَّوْع) أَي: أَو الْقدر كمحمولة عَن مثلهَا قدرا وَصفَة، فَالْمُرَاد بالنوع الصّفة إِذْ لَا يَكْفِي الِاتِّفَاق فِي النَّوْع مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة، وَبِالْجُمْلَةِ فالطعامان من بيع وَسلف إِذا اتفقَا جِنْسا وَصفَة وَقدرا فَفِي ذَلِك ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. حكى الْجَوَاز فِي صُورَة وَهِي حلولهما مَعًا وَبقيت صورتا تأجيلهما أَو أَحدهمَا. حكى فِي جَوَاز الْمُقَاصَّة فيهمَا خلافًا بقوله: والْخُلْفُ فِي تَأَخُّرِ مَا كَانَا ثَالِثُهُمَا مَعْ سَلَمٍ قَدْ حَانَا (وَالْخلف فِي تَأَخّر مَا كَانَا) أَي كَيفَ كَانَ التَّأْخِير فِي طَعَام البيع أَو طَعَام الْقَرْض أَو فيهمَا
أَي: والموضوع بِحَالهِ من اتِّفَاق الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر، فَمنع ذَلِك ابْن الْقَاسِم مُطلقًا تأخرا مَعًا أَو الْقَرْض أَو السّلم وَهُوَ الْمَشْهُور، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب مُطلقًا (ثالثهما) لغَيْرِهِمَا تجوز (مَعَ سلم) من نَعته وَصفته (قد حانا) أَي: وصل حِينه وَالْفرق على هَذَا الثَّالِث أَن طَعَام السّلف لما كَانَ الْمَدِين قَادِرًا على تَعْجِيله جبرا على ربه، وَقد حل دين السّلم أَي البيع صَار الدينان حَالين مَعًا فِي الْمَعْنى بِخِلَاف الْعَكْس، وَعلة الْمَنْع عِنْد ابْن الْقَاسِم أَن الْأَغْرَاض تخْتَلف باخْتلَاف الْأَجَل فيترجح جَانب بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع، وَلِأَن الْمُعَجل لما فِي الذِّمَّة مسلف، وَعلة الْجَوَاز عِنْد أَشهب تَغْلِيب الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا لم ينظر فِي صُورَة حلولهما مَعًا لبيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع تَغْلِيبًا لجَانب الْقَرْض لِأَنَّهُ مَعْرُوف وانضم لذَلِك أَن الْمُقَاصَّة مَعْرُوف أَيْضا فجازت هَذِه الصُّورَة على كل قَول، فَقَوْل النَّاظِم: واتفاق النَّوْع إِمَّا أَن يُرِيد بالنوع الْجِنْس فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفيها أَي وَالصّفة وَالْقدر، وَإِمَّا أَن يكون أَرَادَ بالنوع الصّفة فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفاً وَاحِدًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ إِذْ الِاتِّفَاق فِي الْجِنْس وَالْقدر لَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَو اخْتلفَا قدرا ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم يجز، وَلَو حلا لربا الْفضل كَمَا لَا يجوز إِذا اخْتلفَا جِنْسا أَو صفة، وَلَو حلا واتفقا قدرا، وَقد علمت من هَذَا أَن مَنْطُوق النَّاظِم شَامِل لثلاث صور: حكى الْجَوَاز فِي وَاحِدَة مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَحكى الْخلاف فِي الصُّورَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله: واتفاق النَّوْع أَي الْجِنْس أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِيهِ أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم تجز وَلَو حلا وَذَلِكَ شَامِل لتسْع صور لِأَنَّهُمَا فِي اخْتِلَاف الْجِنْس إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا. وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الصّفة، وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الْقدر حَيْثُ دخلا على إِلْغَاء الزَّائِد وَكلهَا مَمْنُوعَة، وَلَو حلا كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) بقوله: وَمن قرض وَبيع تجوز إِن اتفقَا وحلاّ لَا إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ
…
فَتحصل أَن الاثنتي عشرَة صُورَة الْجَارِيَة فِي طَعَامي البيع وَالْقَرْض تجوز مِنْهَا صُورَة وَاحِدَة وَمَا عَداهَا مَمْنُوع إِمَّا اتِّفَاقًا أَو على الْمَشْهُور.
(فصل فِي الْحِوَالَة)
مَأْخُوذَة من التَّحَوُّل عَن الشَّيْء لِأَن الطَّالِب تحول من طلبه لغريمه إِلَى غَرِيم غَرِيمه قَالَه عِيَاض، وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله عليه الصلاة والسلام:(مطل الْغَنِيّ ظلم، وَمن أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ) . عِيَاض: الصَّوَاب تسكين التَّاء يَعْنِي فِي اللفظتين قَالَ: وَبَعض الْمُحدثين والرواة يشددها. يُقَال: تبِعت فلَانا بحقي وَأَنا أتبعه سَاكِنة التَّاء، وَلَا يُقَال أتبعه بِفَتْحِهَا وتشديدها إِلَّا من الْمَشْي خَلفه. قَالَ: وَالْأَمر فِيهَا للنَّدْب عِنْد أَكثر شُيُوخنَا، وَحملهَا بَعضهم على الْإِبَاحَة لما أشبهت بيع الدّين بِالدّينِ. قَالَ: وَهِي عِنْد أَكثر شُيُوخنَا مُسْتَثْنَاة من الدّين بِالدّينِ وَبيع الْعين
بِالْعينِ غير يَد بيد كَمَا خصت الشّركَة وَالتَّوْلِيَة وَالْإِقَالَة فِي بيع الطَّعَام قبل قَبضه، وكما خصت الْعرية من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة لما كَانَ سَبِيل هَذِه التخصيصات الْمَعْرُوف، وَذهب الْبَاجِيّ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَ حكمهَا حكم البيع وَلَا هِيَ من هَذَا الْبَاب، بل هِيَ عِنْدهم من بَاب النَّقْد لبراءة الْمُحِيل بِنَفس الإحالة اه. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: طرح الدّين عَن ذمَّة بِمثلِهِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَلَا ترد الْمُقَاصَّة إِذْ لَيست طرحاً بِمثلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاع تعلق الدّين بِذِمَّة من هُوَ لَهُ اه. والطرح فعل الْفَاعِل أَي طرح الْمحَال للدّين عَن ذمَّة الْمُحِيل الخ. وَاعْترض بِأَنَّهُ غير جَامع لخُرُوج من تصدق على رجل بِشَيْء ثمَّ أَحَالهُ بِهِ على من لَهُ عَلَيْهِ مثله ولخروج الْحِوَالَة بالمنافع، وَلذَا عرفهَا فِي التَّلْقِين بِأَنَّهَا تَحْويل الْحق من ذمَّة إِلَى ذمَّة تَبرأ بهَا الأولى قَالَ فِي ضيح: لفظ حق أفضل من لفظ الدّين الَّذِي عبر بِهِ ابْن الْحَاجِب، لِأَن الْمُتَبَادر من الدّين مَا قَابل الْمَنَافِع بِخِلَاف لفظ الْحق فَإِنَّهُ يَشْمَل الْمَنَافِع وَغَيرهَا اه. وَلَعَلَّ ابْن عَرَفَة أطلق الدّين على دين الْمَنَافِع وَغَيرهَا فَلَا يرد عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض الثَّانِي. وامْنَعْ حَوَالَةً بِشَيْءٍ لم يَحِلْ وبالَّذِي حَلَّ بالإطلَاقِ أَجلْ (وامنع حِوَالَة بِشَيْء) عين أَو عرض أَو غَيرهمَا (لم يحل) أَجله لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من بيع ذمَّة بِذِمَّة فيدخله مَا نهي عَنهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَمن بيع الْعين بِالْعينِ غير يَد بيد قَالَه ابْن رشد. قَالَ: إِلَّا أَن يكون الدّين الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ حَالا ويقبضه قبل أَن يعترفا مثل الصّرْف فَيجوز ذَلِك أَي: لِأَنَّهَا إِذا خرجت عَن مَحل الرُّخْصَة فتجري على حكم أَصْلهَا الَّذِي هُوَ البيع كَمَا يَأْتِي (وَبِالَّذِي حل بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله: (أحل) أَي أَجْزَأَ لحوالة بِمَا حل مُطلقًا كَانَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ حَالا أَيْضا أم لَا لِأَنَّهُ إِن حل فَظَاهر وَإِن لم يحل فَزِيَادَة مَعْرُوف لِأَنَّهُ قبل الْحِوَالَة وَالتَّأْخِير. والرِّضا والعِلْمِ مِنْ مُحَالِ عَلَيْهِ فِي المَشْهُورِ لَا تُبَالِ
للاتفاق على أَن لصَاحب الْحق أَن يُوكل من شَاءَ على قبض دينه، وَحكى ابْن شعْبَان قولا بِاشْتِرَاط رِضَاهُ وَمحل عدم اشْتِرَاط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ على الْمَشْهُور إِذا لم تكن هُنَاكَ عَدَاوَة بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا بُد من رِضَاهُ وإلاَّ لم تصح كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَمَفْهُوم النّظم أَن الْمُحِيل والمحال لَا بُد من رضاهما وَبِه صرح (خَ) حَيْثُ قَالَ: شَرط الْحِوَالَة رضَا الْمُحِيل والمحال فَقَط الخ. وَظَاهر النّظم و (خَ) أَنه لَا يشْتَرط حُضُور الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا إِقْرَاره بِالدّينِ وَهُوَ الَّذِي شهره ابْن سَلمُون، وَقيل: لَا بُد من حُضُوره وَإِقْرَاره وَصدر بِهِ فِي الشَّامِل وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم فَقَالَ: وَفِي اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره كانتفاء عَدَاوَة بَينهمَا. قَولَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وَعبد الْملك اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَلَعَلَّ الْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف هَل الْحِوَالَة تستثنى من بيع الدّين بِالدّينِ أَو هِيَ أصل مُسْتَقل بِنَفسِهِ؟ فعلى الأول يسْلك بهَا مَسْلَك الْبيُوع إِلَّا الَّذِي وَردت الرُّخْصَة فِيهِ، وعَلى الثَّانِي لَا يشْتَرط الْحُضُور وَيبقى حَدِيث الْحِوَالَة على عُمُومه إِذْ لَا معَارض لَهُ من مُخَالفَة أصل بيع الدّين بِالدّينِ اه. وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم اقْتصر فِي الِاسْتِغْنَاء قَائِلا: لَا تجوز الْحِوَالَة على الْغَائِب وَإِن وَقع ذَلِك فسخ حَتَّى يحضر إِذْ قد يكون للْغَائِب من ذَلِك بَرَاءَة اه. وَنَحْوه فِي الْإِرْشَاد وَالْكَافِي والمتيطي وَابْن فتوح وَقَبله ابْن عَرَفَة وَجزم بِهِ أَبُو الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة، والمشذالي فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) وَهَذَا يُفِيد أَن قَول ابْن الْقَاسِم بِاشْتِرَاط الْحُضُور وَالْإِقْرَار هُوَ الْمُعْتَمد، وَصرح ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا وَشَرحه لخليل بِأَن تشهير ابْن سَلمُون خلاف الرَّاجِح، وَتَبعهُ على ذَلِك الشَّيْخ بناني وَغَيره، ورد ذَلِك الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته قَائِلا، بعد نَقله مَا لِابْنِ رحال وَغَيره مَا نَصه: وَفِي ذَلِك كُله نظر، وَالظَّاهِر مَا قَالَه ابْن سَلمُون نقلا وَمعنى، أما معنى فلأنهم عللوا اشْتِرَاط حُضُوره بِأَنَّهُ قد يكون للْغَائِب بَرَاءَة من ذَلِك، وَهَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن عِلّة الْمَنْع إِذا لم يحضر ويقل الْغرَر، وَقد علمت أَن الْحِوَالَة من نَاحيَة الْمَعْرُوف وَالْمَعْرُوف لَا يُؤثر فِيهِ الْغرَر، وَكَونهَا من الْمَعْرُوف مُصَرح بِهِ فِي كَلَام غير وَاحِد ويسلمه هَؤُلَاءِ المعترضون، ثمَّ نقل عَن التّونسِيّ والمازري وَغَيرهمَا مَا يشْهد لاعتراضه على زَعمه وَأطَال فِي ذَلِك. قلت: مَا ذكره كُله للنَّظَر فِيهِ مجَال أما أَولا فَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مَعْرُوفا فَإِنَّمَا يغْتَفر فِيهَا على قَول ابْن الْقَاسِم مَا اغتفره الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عِنْده بيع فَمَا وَردت الرُّخْصَة بِهِ فِيهَا كَعَدم المناجزة فِي الْعين اغتفر، وَمَا لم ترد بِهِ فَهِيَ على أصل البيع فِيهِ، وَعدم اشْتِرَاط المناجزة مُصَرح بِهِ فِي الحَدِيث الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ:(وَمن اتبع مِنْكُم) الخ. إِذْ الِاتِّبَاع لَا مناجزة فِيهِ، وَكَذَا يفهم مِنْهُ أَنه لَا يشْتَرط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ إِذْ الْمُطلق على إِطْلَاقه فَلَا يُقيد إِلَّا بِنَصّ صَرِيح، وَإِنَّمَا خص المليء بِالذكر لِأَن الْغَالِب فِي النَّاس الملاء كَمَا أَن الْغَالِب فيهم جحد الدُّيُون من أَصْلهَا وَإِرَادَة الطعْن فِي رسومها أَو إِثْبَات الْبَرَاءَة مِنْهَا، وَإِن لم يكن هَذَا غَالِبا فَلَا أقل أَن يستويا كَمَا هُوَ مشَاهد، وَلذَا أَمر الله تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ: وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} (الْبَقَرَة: 282) وأياً مَا كَانَ فَهُوَ غرر كثير وَلَيْسَت هِيَ متمحضة للمعروف كَالْهِبَةِ حَتَّى يغْتَفر فِيهَا الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض، بل هِيَ مُعَاوضَة حَقِيقَة روعي فِيهَا جَانب الْمَعْرُوف بِعَدَمِ اعْتِبَار بعض شُرُوط البيع فِيهَا، وَلَو كَانَ كل مَا روعي فِيهِ جَانب الْمَعْرُوف يغْتَفر فِيهِ الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض لم يشترطوا فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا أَي بكيلها، إِذْ لَا حَاجَة لَهُ حِينَئِذٍ وَلأَجل هَذَا قَالَ ابْن رشد: إِذا خرجت
الْحِوَالَة عَن مَحل الرُّخْصَة أَي بِعَدَمِ الْحُلُول يَعْنِي أَو بِعَدَمِ الْحُضُور وَالْإِقْرَار على قَول ابْن الْقَاسِم فأجروها على قَوَاعِد البيع فَإِن أدَّت لممنوع وَإِلَّا فأجز اه. وَأما ثَانِيًا فَإِن مَا ذكره من أَنَّهَا مَعْرُوف فَإِنَّمَا ذَلِك على إِحْدَى الطريقتين كَمَا نَقله هُوَ بِنَفسِهِ عَن الْمَازرِيّ قَائِلا: وَالْحوالَة لَيست بِبيع على إِحْدَى الطريقتين عندنَا بل طريقتها الْمَعْرُوف اه. وَنَحْوه تقدم عَن ابْن عبد السَّلَام فِي سر الْخلاف بَين ابْن الْقَاسِم والغير، وغالب النقول الَّتِي احْتج بهَا على جَوَاز الْغرَر بِعَدَمِ الْإِقْرَار كلهَا فِي عدم اشْتِرَاط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم من تشهيرهم عدم الْكَشْف عَن ذمَّته عدم اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره، إِذْ قد يحضر ويقر وَلَا يدْرِي هَل مَلِيء أَو مُعسر، وَإِنَّمَا اغتفروا الْكَشْف عَنهُ على الْمَشْهُور لِأَن غَالب النَّاس الملاء وَالْحكم للْغَالِب وَكَونه عديماً نَادِر، وَالْغرر النَّادِر مغتفر فِي الْبياعَات إِذْ لَو اعْتبر الْغرَر النَّادِر فِيهَا مَا جَازَ بيع بِحَال إِذْ مَا من مَبِيع إِلَّا وَيجوز اسْتِحْقَاقه أَو ظُهُور عيب بِهِ فَلَا يدْرِي هَل يتم فِيهِ البيع أم لَا؟ وَلكَون غَالب النَّاس الملاء علق فِي الحَدِيث الْكَرِيم الِاتِّبَاع على الملىء كَمَا مر وَالله أعلم. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحالَ إلاّ فِيمَا يُجَانِسُ لِدَيْنٍ حَلاَّ (وَلَا يجوز أَن يُحَال إِلَّا فِيمَا يجانس لدين حلا) (خَ) عاطفاً على شُرُوطهَا وتساوي الدينَيْنِ قدرا وَصفَة أَي: لَا تجوز الْحِوَالَة إِلَّا إِذا كَانَ الدّين الْمحَال بِهِ مجانساً أَي مماثلاً للدّين الْمحَال عَلَيْهِ فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة كذهب وَذهب أَو فضَّة وَفِضة أَو عرض على مثله قدرا وَصفَة فَلَا يُحَال بِعَين على عرض أَو على مَنَافِع عين لما فِيهِ من فسخ الدّين وَلَا بِذَهَب على فضَّة وَلَا بِدِينَار على دينارين لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحيله على أَحدهمَا فَقَط وَيبقى الآخر لصَاحبه أَو يقبض الْعِوَض الْمحَال عَلَيْهِ مَكَانَهُ، وَأما الْمَنَافِع فَلَا يجوز لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر وَلَا بالأدنى صفة على الْأَعْلَى كإحالته بيزيدية على محمدية، وَفِي الْعَكْس وَهُوَ أَن يحيله بالمحمدية على اليزيدية أَو بِالْأَكْثَرِ قدرا على الْأَقَل مِنْهُ كإحالته بدينارين على دِينَار تردد (خَ) وَفِي تحوله على الْأَدْنَى أَو الْأَقَل تردد أَي بِالْجَوَازِ. اللَّخْمِيّ والمازري: لِأَنَّهُ زِيَادَة مَعْرُوف وَالْمَنْع لِابْنِ رشد وعياض وَهُوَ ظَاهر الْعُتْبِيَّة والموازية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي للتفاضل بَين الْعَينَيْنِ، وَظَاهر النّظم أَنه درج على مَا لِابْنِ رشد لاقتصاره على التجانس أَي فِي الْقدر وَالصّفة، فيفهم مِنْهُ أَنه الرَّاجِح عِنْده قَالَه ابْن رشد. الثَّانِي من شُرُوط الْحِوَالَة: أَن يكون الدّين الَّذِي يحيله بِهِ مثل الَّذِي يحيله عَلَيْهِ فِي الْقدر وَالصّفة لَا أقل وَلَا أَكثر وَلَا أدنى وَلَا أفضل؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ أقل أَو أَكثر أَو مُخَالفا لَهُ فِي الصّفة لم تكن حِوَالَة وَكَانَ بيعا على وَجه المكايسة فيدخلها مَا نهى عَنهُ من الدّين بِالدّينِ اه. ثمَّ مَحل الْمَنْع فِي التَّحَوُّل على الْأَعْلَى صفة إِذا لم يقبضهُ قبل الِافْتِرَاق وإلاَّ جَازَ إِن حلا مَعًا إِذْ ذَاك حِينَئِذٍ مُبَادلَة وَشرط جَوَازهَا الْحُلُول وَالْقَبْض، وَكَذَا مَحل الْمَنْع فِي الْمُخْتَلِفين جِنْسا إِذا لم يحلا ويقبضا فِي الْحِين كَمَا قَالَ:
وَلَا تُحِلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي ثانِيهِمَا إلاَّ إِن القَبْضُ اقْتُفِي (وَلَا تحل بِأحد النَّقْدَيْنِ) الْحَالين (فِي) أَي على (ثَانِيهمَا إِلَّا أَن الْقَبْض اقتفي) أَي اتبع بِحَضْرَة الثَّلَاثَة فِي مجْلِس لم يطلّ، وَقَوْلِي الْحَالين احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ، فَلَا يجوز إِذْ صرف مَا فِي الذِّمَّة شَرطه الْحُلُول، وَأما حُلُول الْمحَال بِهِ فَهُوَ الْمَوْضُوع. وَفِي الطّعامِ مَا إحَالَةٌ تَفِي إلاّ إذَا كَانَا مَعاً مِنْ سَلَفِ (وَفِي الطَّعَام مَا) نَافِيَة (إِحَالَة) مُبْتَدأ خَبره (تفي) أَي تَجِيء وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي لَا تَجِيء الْحِوَالَة فِي الطَّعَام وَلَا تجوز فِيهِ أنْفق الطعامان أم لَا. اسْتَوَت رُؤُوس أموالهما أم لَا. حلا أَو احدهما أَو لَا. خلافًا لأَشْهَب فِي إِجَازَته إِيَّاهَا إِذا اتّفق الطعامان ورؤوس أموالهما على أَنَّهَا من معنى الْإِقَالَة أَو التَّوْلِيَة إِذْ أَخذ الْمثل عَن مثله إِقَالَة أَو تَوْلِيَة (إِلَّا إِذا كَانَا) أَي الطعامان (مَعًا من سلف) فَتجوز حِينَئِذٍ، وَإِن لم يحل الدّين الْمحَال عَلَيْهِ لِأَن طَعَام الْقَرْض يجوز بَيْعه قبل قَبضه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا مَعًا من بيع فَإِنَّهَا لَا تجوز، وَلَو حلا وَلَو قَبضه الْمحَال بِحَضْرَة الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه إِذْ طَعَام البيع لَا يقبضهُ إِلَّا ربه، فَإِذا قَبضه الْمحَال كَانَ بيعا لَهُ قبل قَبضه قَالَ ابْن الْمَوَّاز. وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَفٍ وَقَرْضِ يُشْتَرَطُ الحُلُولُ فِي ذَا الْقَبْضِ (وَفِي اجْتِمَاع) طَعَام (سلف و) طَعَام (قرض يشْتَرط) فِي جَوَاز الْحِوَالَة بِأَحَدِهِمَا على الآخر (الْحُلُول) أَي فِي الْمحَال بِهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع و (فِي) الطَّعَام (ذَا الْقَبْض) أَي الْمَقْبُوض حسا وَهُوَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ كَانَ هُوَ السّلم أَو الْقَرْض، فَلَا بُد من حلولهما مَعًا وإلاَّ لم تجز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه إِلَّا ابْن الْقَاسِم: تجوز وَإِن لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا كَانَا مَعًا من سلف. ابْن يُونُس: وَقَوْلهمْ أصوب وَوَجهه أَن الْعلَّة الَّتِي هِيَ البيع قبل الْقَبْض ضعفت عِنْدهم لما كَانَ أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من سلم قَالَه أَبُو الْحسن، وَأَيْضًا فَإِن الْعلَّة جَارِيَة وَلَو مَعَ حلولهما مَعًا كَمَا قَالَه (ت) وعَلى قَوْلهم عول (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي تعداد شُرُوطهَا: وَأَن لَا يَكُونَا
طعامين من بيع الخ. أَي بل كَانَا من سلف أَو أَحدهمَا، فَعلم من هَذَا أَن مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم ضَعِيف، فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط فِي كَلَام النَّاظِم: حُلُول الْمحَال بِهِ، ورضا الْمُحِيل والمحال، وتساوي الدينَيْنِ وَأَن لَا يَكُونَا طعامين من بيع وَبَقِي عَلَيْهِ شَرط خَامِس وَهُوَ الصِّيغَة. قَالَ فِي الشَّامِل: وَشَرطهَا صِيغَة بلفظها أَي الْخَاص بهَا كأحلتك بحقك على فلَان أَو أَنْت محَال بِهِ عَلَيْهِ، وَمثله فِي (خَ) ابْن نَاجِي: وَاشْتِرَاط الصِّيغَة هُوَ ظَاهر الْكتاب قَالَ: وَعَلِيهِ لَو قَالَ خُذ حَقك من هَذَا أَو يَأْمُرهُ بِالدفع لَيْسَ بحوالة لِأَنَّهُ يَقُول لَيْسَ هَذَا احتيال بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا أردْت أَن أكفيك التقاضي، وَإِنَّمَا الْحِوَالَة أَن تَقول: أحيلك بِالْحَقِّ على هَذَا وَهُوَ نَص سَماع يحيى عَن ابْن الْقَاسِم اه. وعَلى اشْتِرَاط الصِّيغَة اقْتصر ابْن يُونُس وَاللَّخْمِيّ وَأَبُو الْحسن والفشتالي وَفِي وثائقه وَأَبُو مُحَمَّد صَالح فِي شرح الرسَالَة وَابْن الْفَاكِهَانِيّ، وَوَقع لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان أَنَّهَا تكون بلفظها أَو مَا يقوم مقَامه كخذ من هَذَا حَقك وَأَنا بَرِيء من دينك واستظهره (ح) وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن عَرَفَة: الصِّيغَة مَا دلّ على ترك الْمحَال دينه من ذمَّة الْمُحِيل بِمثلِهِ فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ اه. وَشرط سادس وَهُوَ وجود دين للْمُحِيل فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَكَذَا للمحال على الْمُحِيل فَإِن لم يكن دين للمحال على الْمُحِيل فَهِيَ وكَالَة لَا حِوَالَة وَإِن لم يكن دين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ فَهِيَ حمالَة يشْتَرط فِيهَا رضَا الْمحَال عَلَيْهِ، وَلذَا قَالُوا: لَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه، وَالثَّانيَِة أَن تكون بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ عَدَاوَة، وَإِذا كَانَت حمالَة فَإِذا أعدم الْمحَال عَلَيْهِ رَجَعَ الْمحَال بِدِينِهِ على الْمُحِيل، وَإِذا أدّى الْمحَال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرجع على الْمُحِيل بِمَا أدّى وَلَو مُقَومًا كَمَا تقدم فِي بَاب الضَّمَان، وَقَوْلِي: وجود دين أَي كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو تَصْدِيق الْمحَال (خَ) فِي تعداد شُرُوطهَا وَثُبُوت دين لَازم فَإِن أعلمهُ بِعَدَمِهِ وَشرط الْبَرَاءَة صَحَّ، ثمَّ فرع على توفر شُرُوط الْحِوَالَة قَوْله: ويتحول حق الْمحَال على الْمحَال عَلَيْهِ وَإِن أفلس أَو جحد إِلَّا أَن يعلم الْمُحِيل فَقَط بإفلاسه وَحلف على نَفْيه إِن ظن بِهِ الْعلم قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا أحالك غريمك على من لَهُ عَلَيْهِ دين فرضيت باتباعه بَرِئت ذمَّة غريمك وَلَا ترجع عَلَيْهِ فِي غيبَة الْمحَال عَلَيْهِ أَو عَدمه اه. قَالَ الْمُغيرَة: إِلَّا أَن يشْتَرط الْمحَال على الْمُحِيل الرُّجُوع عَلَيْهِ إِن أفلس فَلهُ شَرطه وَيرجع على الْمُحِيل، وَنَقله الْبَاجِيّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَب ابْن رشد، وَهَذَا صَحِيح لَا أعلم فِيهِ خلافًا. ابْن عَرَفَة: وَفِيه نظر لِأَن شَرطه مُنَاقض لعقد الْحِوَالَة وأصل الْمَذْهَب فِي الشَّرْط المناقض أَنه يُفْسِدهُ اه. وَقد ذكر ابْن رحال مَا يسْقط اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة فَانْظُرْهُ وَلَا أقل أَن يرد اعتراضه بِأَنَّهَا مَعَ الشَّرْط الْمَذْكُور حِوَالَة إِذن وَهِي تَوْكِيل فَلَا يرد حِينَئِذٍ مَا قَالَه ثمَّ مثل الْعلم بالإفلاس الْعلم باللدد فيفصل فِيهِ بَين أَن يعلم بِهِ الْمُحِيل فَقَط فَيرجع عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا. وَأما علمه بِأَنَّهُ مسيء
الْقَضَاء فَفِيهِ قَولَانِ. أَحدهمَا أَنه كاللدد وَالْآخر أَنه لَا يضر، وَأما علمه بِأَنَّهُ يجْحَد فَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه علم من حَاله أَنه بعد تَمام الْحِوَالَة يجْحَد إِقْرَاره الْحَاصِل حِين الْحِوَالَة، فَهَذَا لَا يُوجب رُجُوعه على الْمُحِيل فِيمَا يظْهر قَالَه (ز) وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه لم يُوجد الدّين فِي ذمَّته لَا بِبَيِّنَة وَلَا بِتَصْدِيق الْمحَال فَإِنَّهُ لَا حِوَالَة حِينَئِذٍ لاختلال شَرطهَا.
(فصل فِي بيع الْخِيَار)
أَي: الشرطي وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة بيع وقف بته أَولا على إِمْضَاء يتَوَقَّع الخ. فَقَوله: أَولا مُتَعَلق بوقف وَخرج بِهِ الْخِيَار الْحكمِي أَي خِيَار النقيصة فَإِن بته لم يُوقف أَولا بل آخرا. فَيُقَال: فِيهِ بيع آيل إِلَى خِيَار فَهُوَ مُتَأَخّر عَن العقد، وَسَببه مُتَقَدم عَلَيْهِ بِخِلَاف الْخِيَار الشرطي فموجبه الَّذِي هُوَ الشَّرْط مُقَارن للْعقد. (والثنيا) أَي وَبيع الثنيا وَهِي خِيَار فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَنه شَرط النَّقْد فِيهِ فَالْخِيَار إِذا لم يشْتَرط فِيهِ نقد الثّمن لَيْسَ بثنيا، وَإِن اشْترط فِيهِ ذَلِك وَشرط مَعَه أَنه إِن أَتَاهُ بِالثّمن فمبيعه مَرْدُود عَلَيْهِ فَهُوَ الثنيا قَالَ فِيهَا: من ابْتَاعَ سلْعَة على أَن البَائِع مَتى رد لَهُ الثّمن فالسلعة لَهُ لَا يجوز بَيْعه لِأَنَّهُ سلف جر نفعا اه. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي خصّه الْأَكْثَر بالثنيا وَهُوَ الْمَعْرُوف الْيَوْم بذلك وَإِن كَانَ ابْن رشد: عممه فِي جَمِيع الشُّرُوط المنافية للمقصود. بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزُ الْوُقُوعِ لأَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ (بيع الْخِيَار) الَّذِي يَشْتَرِطه أحد الْمُتَبَايعين على الآخر أَو كل مِنْهُمَا على صَاحبه أَو جرت الْعَادة باشتراطه لِأَنَّهَا كالشرط صَرَاحَة كَمَا فِي (ز)(جَائِز الْوُقُوع) حَيْثُ كَانَ الْخِيَار مَضْرُوبا (لأجل) مَعْلُوم (يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَالشَّهْرِ فِي الأَصْلِ وَبالأَيَّامِ فِي غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَالطّعَامِ كالشهر فِي الأَصْل) من دَار وَنَحْوهَا وأدخلت الْكَاف مَا زَاد على الشَّهْر بالشَّيْء الْيَسِير كالخمسة الْأَيَّام والستة (و) يُؤَجل (بِالْأَيَّامِ) القلائل (فِي غَيره) أَي الأَصْل (كَالْعَبْدِ) فيؤجل الْخِيَار فِيهِ بِالْجمعَةِ وَنَحْوهَا، وَفِي الدَّابَّة وَالثَّوْب يُؤَجل الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَنَحْوهَا. (وَالطَّعَام) الَّذِي لَا يفْسد وَيحْتَاج فِيهِ النَّاس للمشورة يكون أجل الْخِيَار فِيهِ بِقدر حَاجَة النَّاس مِمَّا لَا يَقع فِيهِ تَغْيِير وَلَا فَسَاد
قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. فَقَوله: لأجل أَي مَعْلُوم كَمَا فِي الْأَمْثِلَة احْتِرَازًا من الْمَجْهُول كَكَوْنِهِ بِالْخِيَارِ إِلَى قدوم زيد أَو إِلَى أَن ينْفق سوق السّلْعَة الْفُلَانِيَّة وَلَا وَقت يعلم قدومه فِيهِ أَو نفاق سوق تِلْكَ السّلْعَة فِيهِ، فَإِن البيع فَاسد يرد مَعَ الْقيام ويمضي بِالْقيمَةِ مَعَ الْفَوات، وَمَفْهُوم قَوْله لأجل إِنَّه إِذا وَقع بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا مَعْلُوما وَلَا مَجْهُولا يكون فَاسِدا وَلَيْسَ كَذَلِك فَفِيهَا من ابْتَاعَ شَيْئا بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا جَازَ البيع وَجعل لَهُ من الأمد مَا يَنْبَغِي فِي تِلْكَ السّلْعَة اه. فَكتب عَلَيْهِ أَبُو الْحسن مَا نَصه مَعْنَاهُ: إِذا عثر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ أمد الْخِيَار، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى مضى الْقدر الَّذِي يضْرب لتِلْك السّلْعَة فَإِن الإِمَام يوقفه فَأَما أَن يخْتَار أَو يرد اه. قلت: هَذَا ظَاهر إِذا عثر عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء الأمد الْمَذْكُور، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى زَاد على أمده بِكَثِير فَيظْهر فَسَاد البيع فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَإِذا علمت هَذَا وَجب أَن يعلق قَوْله لأجل بِبيع أَو بِالْخِيَارِ لَا بِمَحْذُوف شَرط فِي الْجَوَاز كَمَا هُوَ ظَاهره وقررناه عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير بيع الْخِيَار لأجل مَعْلُوم يَلِيق بِالْمَبِيعِ جَائِز الْوُقُوع، فَهُوَ حِينَئِذٍ سَاكِت عَن بيع الْخِيَار الَّذِي لم يضْرب لَهُ أجل فيستظهر عَلَيْهِ من خَارج. وهُوَ بِالاشْتِرَاطِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ النَّقْدِ (وَهُوَ) أَي الْخِيَار (بالاشتراط عِنْد العقد) كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة فَإِن لم يشْتَرط فَلَا خِيَار وَلَو بِالْمَجْلِسِ على مَذْهَبنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة المجموعين فِي قَول الْقَائِل: أَلا كل من لَا يَقْتَدِي بأئمه فقسمته ضيرى عَن الْحق خَارجه فخذهم عبيد الله عُرْوَة قَاسم سعيد أَبُو بكر سُلَيْمَان خَارجه وَخَالف الشَّافِعِي فِي ذَلِك متمسكاً بِمَا ورد فِي الصحح من قَوْله عليه الصلاة والسلام: (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) . وَوَافَقَهُ على ذَلِك ابْن حبيب وَعبد الحميد الصَّائِغ وَلما ذكر أَبُو الْحسن الحَدِيث الْكَرِيم قَالَ: حمل الشَّافِعِي الِافْتِرَاق فِي الحَدِيث على الِافْتِرَاق بالأبدان، وَحمله مَالك على الِافْتِرَاق بِاللَّفْظِ اه. وَلما ذكر مَالك الحَدِيث فِي موطئِهِ قَالَ: وَالْعَمَل عندنَا على خِلَافه أَي عمل أهل الْمَدِينَة على خِلَافه، وَإِلَى رد مَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه أَشَارَ (خَ) بقوله: إِنَّمَا الْخِيَار بِشَرْط كشهر فِي دَار وَلَا تسكن وكجمعة فِي رَقِيق واستخدمه وكثلاثة فِي دَابَّة الخ. (وَلَا يجوز فِيهِ) أَي فِي بيع الْخِيَار (شَرط النَّقْد) وَظَاهره أَنه يفْسد البيع باشتراطه لِأَن الأَصْل فِيمَا لَا
يجوز الْفساد وَهُوَ كَذَلِك، وَإِن لم يحصل النَّقْد بِالْفِعْلِ على الْمُعْتَمد لتردده مَعَ حُصُوله بِشَرْط بَين السلفية والثمينة وَلكَون الْغَالِب مَعَ شَرطه فَقَط حُصُوله فَنزل الْغَالِب، وَإِن لم ينْقد فِيهِ حَتَّى مضى زمن الْخِيَار منزلَة النَّقْد بِالْفِعْلِ قَالَه (ز) وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يَصح البيع وَلَو حذف الشَّرْط وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف مَسْأَلَة البيع بِشَرْط السّلف فَإِن البيع يَصح إِذا حذف الشَّرْط كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ أَن حذف الخ. وَالْفرق أَن الْغرَر فِي شَرط النَّقْد أقوى إِذْ لَا يدْرِي هَل الْمَقْبُوض كُله ثمن أَو سلف بِخِلَاف البيع بِشَرْط السّلف فثمن السّلْعَة مَقْبُوض، وَالسَّلَف وَإِن أثر فِي الثّمن زِيَادَة أَو نقصا فتأثيره موهوم غير مُحَقّق إِذْ يجوز أَن يكون الثّمن المجعول للسلعة هُوَ ثمنهَا الْمُعْتَاد لرغبة المُشْتَرِي فِي السّلْعَة يدْفع ثمنهَا الْمُعْتَاد ويزيده السّلف، أَو لرغبة البَائِع فِي مُعَاملَة المُشْتَرِي لاتصافه وَنَحْو ذَلِك يَبِيعهَا بالمعتاد ويزيده السّلف فغرر البيع، وَالسَّلَف أَضْعَف من الأول كَمَا هُوَ ظَاهر، وَهَذَا مُرَاده فِي ضيح بِأَن الْفساد فِي مَسْأَلَة البيع موهوم خَارج عَن الْمَاهِيّة أَي مُوجب الْفساد موهوم لَا مُحَقّق بِخِلَاف مَسْأَلَة النَّقْد بِشَرْط، وَأما قَوْله: خَارج عَن الْمَاهِيّة فَلَعَلَّ الصَّوَاب حذفه إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه تَأْكِيد لما قبله لِأَنَّهُ إِذا لم يتَحَقَّق وجوده فِي الْمَاهِيّة فَهُوَ خَارج عَنْهَا فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَمَفْهُوم شَرط أَنه إِذا تطوع لَهُ بِالنَّقْدِ لم يمْنَع وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم مِنْهُ أَنه يجوز النَّقْد بعد العقد تَطَوّعا وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم من تحديده أجل الْخِيَار بِمَا مر من الشَّهْر وَالْأَيَّام أَنه إِذا زَاد أجل الْخِيَار على ذَلِك وعَلى مَا قرب مِنْهُ يكون البيع فَاسِدا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وَفَسَد بِشَرْط مُشَاورَة بعيد عَن أمد الْخِيَار، أَو مُدَّة زَائِدَة أَو مَجْهُولَة أَو غيبَة أَحدهمَا على مَا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو لبس ثوب ورد أجرته وَيلْزم بانقضائه ورد فِي كالغد وبشرط نقد الخ. ثمَّ إِذا فسد بِوَاحِد من هَذِه الْأُمُور فضمانه من بَائِعه إِن هلك وَلَو بيد المُشْتَرِي على الرَّاجِح، وَقيل: من المُشْتَرِي إِن قَبضه انْظُر (ح) وَلَا بُد، وَقَول (خَ) : وَيلْزم بانقضائه الخ أَي بِانْقِضَاء أمده الْمُشْتَرط وانقضاء مَا ألحق بِهِ من الْيَوْم واليومين. وَقَوله: وَورد فِي كالغد إِنَّمَا هُوَ فِي الزَّمن الملحق فَلَا تدافع فِي كَلَامه. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن كَانَ أَي الرَّد بعد غرُوب الشَّمْس من آخر أَيَّام الْخِيَار أَو كالغد أَو قرب ذَلِك فَذَلِك لَهُ. قَالَ أَبُو الْحسن: يَعْنِي بِالْقربِ الْيَوْم واليومين والبعد ثَلَاثَة أَيَّام اه. وَتقدم أَن الْخَمْسَة أَيَّام مُلْحقَة بالشهر يَعْنِي فِي الدَّار يجوز أَن يشْتَرط فِي أجل خِيَارهَا شهر أَو خَمْسَة أَيَّام مثلا، وَالْكَلَام هُنَا فِيمَا قرب من زمن الِانْقِضَاء يَعْنِي أَنه إِذا رد بعد انْقِضَاء الْأَجَل الْمُشْتَرط بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَلهُ ذَلِك فَلَا مُعَارضَة وَالله أعلم. وَقد قَالَ أَبُو الْحسن عِنْد قَوْلهَا فِي الضَّمَان إِن قَالَ للطَّالِب فَإِن لم أوافك غَدا فَالَّذِي تدعيه حق، فَهَذِهِ مخاطرة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ مَا نَصه. وَانْظُر مَا قَالَه فِي بيع الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُبْتَاع فَشرط عَلَيْهِ البَائِع أَنه إِن لم يَأْتِ بِالثَّوْبِ فِي آخر أَيَّام الْخِيَار لزمَه البيع لم يجز هَذَا البيع. أَرَأَيْت إِن مرض أَو حَبسه سُلْطَان اه. والْبَيْعُ بِالثُّنْيَا لِفَسْخِ دَاعِ والخَرْجُ بِالضَّمَانِ لُلْمُبْتَاعِ (وَالْبيع بالثنيا) أَي بشرطها بِأَن يَقُول لَهُ فِي صلب العقد: أبيعك هَذِه السّلْعَة على شَرط أَنِّي إِن أَتَيْتُك بِثمنِهَا وَقت كَذَا أَو مهما أَتَيْتُك بِثمنِهَا فَهِيَ مَرْدُودَة عَليّ (لفسخ دَاع) لفساده وَاخْتلف
فِي علته فعلله فِي بُيُوع الْآجَال مِنْهَا بِالْبيعِ وَالسَّلَف. أَبُو الْحسن: مَعْنَاهُ تَارَة يكون بيعا وَتارَة يكون سلفا أَي لِأَنَّهُ خِيَار بِشَرْط النَّقْد وَجعلا مدَّته أَكثر من مُدَّة الْخِيَار إِن حداه بِأَجل أَو لمُدَّة مَجْهُولَة إِن لم يحداه، وَعلله سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ سلف جر نفعا، وَبِه عللت الْمُدَوَّنَة أَيْضا فِي نَصهَا الأول عِنْد قَوْله: والثنيا الخ. وعَلى الأول فَهُوَ بيع فَاسد يفْسخ وَلَو أسقط الشَّرْط على الْمَذْهَب كَمَا مر مَا لم يفت فيمضي بِالْقيمَةِ وفوات الْأُصُول بالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس لَا بحوالة الْأَسْوَاق، وَهل يفوت بطول الزَّمَان كالعشرين سنة؟ قَولَانِ. أرجحهما على مَا قَالَه (ت) فِي تحفة الإخوان فَوَاته بذلك، وَقَالَ فِي الْمُهَذّب الرَّائِق: وَلَا يفيت الْأُصُول حِوَالَة الْأَسْوَاق وَلَا طول الزَّمَان وَبِه الْقَضَاء. قَالَ ابْن أبي زمنين: إِلَّا مَا كَانَ مثل عشْرين عَاما وَنَحْوهَا اه. وعَلى الثَّانِي فَهُوَ رهن يفْسخ أبدا وَلَا يفوت بِشَيْء بهدم وَلَا غَيره وَيرد المُشْتَرِي فِيهِ الْغلَّة وَلَو طَال الزَّمَان، والناظم درج على الأول لِأَنَّهُ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فِي وقته وَلذَا قَالَ:(والخرج) بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى: أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير} (الْمُؤْمِنُونَ: 72)(بِالضَّمَانِ للْمُبْتَاع) ظَاهره كَانَ لأجل أم لَا. أَي الْغلَّة فِيهِ للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بيع فَاسد ينْتَقل ضَمَانه بِالْقَبْضِ، وَمن عَلَيْهِ الضَّمَان فَلهُ الْغلَّة إِلَّا ثَمَرَة مأبورة يَوْم الشِّرَاء فَإِنَّهَا لَيست بغلة لِأَن لَهَا حِصَّة من الثّمن فَيجب ردهَا مَعَه إِن كَانَت قَائِمَة ورد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو جذت رطبا. وَلَا كِرَاءَ فِيهِ هَبْهُ لأَجَلْ أوْ لَا وَذَا الَّذِي بِهِ جَرَى العَمَلْ (وَلَا كِرَاء) وَلَا غلَّة (فِيهِ) أَي فِي بيع الثنيا ويفوز المُشْتَرِي بالثمرة بالزهو وَهُوَ ظُهُور الْحَلَاوَة وَإِن ظهر فِي نَخْلَة وَاحِدَة من نخيل كثير على الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب فِي فوز المُشْتَرِي بالغلة فِي البيع الْفَاسِد بذلك، وَأما إِن طابت فَهُوَ أَحْرَى (هبه) أَي بيعهَا (لأجل أَو لَا وَذَا) أَي كَونه لَا كِرَاء وَلَا غلَّة فِيهِ للْبَائِع على المُشْتَرِي مُطلقًا هُوَ الْمَشْهُور (الَّذِي بِهِ جرى الْعَمَل) عِنْد الْقُضَاة كَمَا
فِي مُخْتَصر الْمُتَيْطِيَّة، وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَمُقَابِله أَنه رهن لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فالغلة للْبَائِع لَا للْمُبْتَاع قَالَه الشَّيْخ أَحْمد زَرُّوق وَهُوَ الْمَشْهُور. قَالَ عبد الْبَاقِي: وَهُوَ ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى وَهُوَ توافقه مَعَ المُشْتَرِي على أَن يرد لَهُ الْمَبِيع، وَعلل أَيْضا بِأَنَّهَا ثمن السّلف وَهُوَ حرَام محرم، وَفِي وثائق ابْن مغيث عَن الْقَابِسِيّ أَن حكمه قبل انْقِضَاء أجل الثنيا حكم البيع الصَّحِيح فالغلة فِيهِ للْبَائِع لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّهْن وَهُوَ بعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمَنْزِلَة الْبيُوع الْفَاسِدَة اه. أَي: فالغلة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت زِيَادَة على مَا أَفَادَهُ الشّطْر الَّذِي قبله إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْخلاف والتعميم فِي نفي الْغلَّة نصا وجريان الْعَمَل. تَنْبِيهَات. الأول: يجب أَن يُقيد الْخلاف الْمَذْكُور بِمَا إِذا لم يجر الْعرف بالرهنية كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَلذَا يَقع البيع بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير ويسمونه بيعا وإقالة فيبيع الرجل بالإقالة مَا يُسَاوِي الْألف بِخَمْسِمِائَة أَو مَا يُسَاوِي الْمِائَة بستين أَو بِثَلَاثِينَ وَنَحْو ذَلِك. فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا رهن حَيْثُ اشْترطت الْإِقَالَة فِي العقد إِذْ لم يسمح البَائِع بسلعته إِلَّا على ذَلِك وتجد البَائِع إِذا سُئِلَ عَن سلْعَته أَو أرضه يَقُول: إِنَّهَا مَرْهُونَة وَيطْلب زِيَادَة الثّمن فِيهَا ويعرضها للْبيع وَهِي بيد مشتريها، وَإِذا سُئِلَ المُشْتَرِي عَنْهَا أَيْضا قَالَ: إِنَّهَا مَرْهُونَة عِنْدِي أَو عِنْدِي فِيهَا بيع وإقالة وَأَن البَائِع لم يكمل البيع فِيهَا وَنَحْو ذَلِك فَالْبيع وَالْإِقَالَة عِنْدهم مرادف للرَّهْن يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، فَعرف النَّاس الْيَوْم ومقصودهم فِي هَذَا البيع إِنَّمَا هُوَ الرهنية كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَإِذا كَانَ الْعرف فِيهَا الرهنية فيتفق على رد الْغلَّة وَعدم الْفَوات لِأَن الْأَحْكَام تَدور مَعَ الْأَعْرَاف ومقاصد النَّاس وَمن أدل دَلِيل على الرهنية كَونه بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير إِلَى غير ذَلِك وَقد قَالُوا كَمَا للقرافي وَغَيره: إِن حمل النَّاس على أعرافهم ومقاصدهم وَاجِب وَالْحكم عَلَيْهِم بِخِلَاف ذَلِك من الزيغ والجور، وَلِهَذَا لما سُئِلَ الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي حَسْبَمَا فِي نوازله عَن بيع الثنيا فِي هَذَا الزَّمَان هَل تفوت بأنواع التفويت لِأَنَّهَا بيع فَاسد، وَكَيف إِذا جهل قصد المفوت؟ فَقَالَ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ فِي بياعات نواحي سوس وجبال درن أَنَّهَا رهون لأَنهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا على ملك بَائِعهَا وَيطْلبُونَ فِيهَا زِيَادَة الْأَثْمَان وَالْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه، وَإِذا كَانَ هَكَذَا فَلَا يفوت بِشَيْء بل هِيَ على ملك الأول إِلَّا أَن يرضى بإمضاء البيع فِيهَا وَالسَّلَام اه. بِلَفْظِهِ. وَلَا يخفى أَنَّهَا فِي نواحي فاس وجبالها كَذَلِك وَلَا يشك منصف فِيهِ وَالله أعلم. وَفِي نَوَازِل الزياتي أَيْضا مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ: سُئِلَ بعض الْفُقَهَاء عَن الْغلَّة فِي بيع الثنيا وَكَيف الحكم إِن كَانَ عرف الْبَلَد الرهنية إِلَّا أَنَّهُمَا تحيلا بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة؟ فَأجَاب: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ. قيل: الْغلَّة للْمُشْتَرِي، وَقيل: للْبَائِع. وَأما إِن كَانَ عرف الْبَلَد أَنهم يَعْتَقِدُونَ الثنيا فِي بُيُوتهم ويتحرفون بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة فَإِن الْغلَّة لَازِمَة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا مَعَ
يَمِين الرَّاهِن أَنه كَانَ رهنا فِي نفس الْأَمر، وَبِهَذَا صدرت الْفَتْوَى من أَهلهَا اه. بِلَفْظِهِ، وَفِيه أَيْضا عَن سَيِّدي عَليّ بن هَارُون مَا نَصه: اخْتلف فِي بيع الثنيا فَقيل إِنَّه من بَاب البيع الْفَاسِد، وَقيل إِنَّه سلف جر مَنْفَعَة وَهُوَ الَّذِي يتَرَجَّح فِي هَذَا البيع لِأَن مَقْصُود النَّاس أَن يَأْكُلُوا الْغلَّة فِي مُقَابلَة السّلف الَّذِي سموهُ ثمنا ثمَّ قَالَ: فعلى قَول ابْن الْقَاسِم لَا يرد الْغلَّة وعَلى قَول غَيره يردهَا، ويترجح هَذَا القَوْل كَمَا قدرناه ليعرف النَّاس وَالله أعلم. وَكتبه عَليّ بن هَارُون اه. بِاخْتِصَار. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن أَن يخْتَلف فِيهِ اثْنَان فِي هَذِه الْأَزْمَان لِأَن الْعرف كالشرط بِلَا نزاع، وَانْظُر مَا يَأْتِي قَرِيبا عِنْد قَوْله: فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع الخ. فَإِن فِيهِ تأييداً لما قُلْنَاهُ وَالله أعلم. الثَّانِي: يفهم من قَول النَّاظِم وَغَيره: والخرج بِالضَّمَانِ الخ. أَن الْغلَّة إِنَّمَا تكون للْمُشْتَرِي على القَوْل بِأَنَّهَا بيع فَاسد إِذا قبض ذَلِك الْمَبِيع لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا ينْتَقل للْمُشْتَرِي فِي الْفَاسِد بِالْقَبْضِ كَمَا فِي (خَ) وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه الخ. وَأما إِذا لم يقبض المُشْتَرِي ذَلِك الْمَبِيع بل تَركه بيد البَائِع بِإِجَارَة أَو اشْترى مِنْهُ الْبُسْتَان وَنَحْوه بالثنيا وَتَركه بِيَدِهِ بمساقاة وَنَحْوهَا ليَأْتِيه بغلته، فَإِنَّهُ لَا غلَّة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لم ينْتَقل ضَمَانه إِلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ الشِّرَاء بِالثّمن الْمُعْتَاد أَو بِأَقَلّ بِكَثِير أَو قَلِيل بِدَلِيل التَّعْلِيل بل لَو قَبضه ثمَّ رده إِلَيْهِ بِعقد إِجَارَة أَو مُسَاقَاة أَو نَحْوهمَا لم تكن لَهُ غلَّة لِأَن مَا خرج من الْيَد عَاد إِلَيْهَا لَغْو كَمَا هُوَ مُقَرر فِي بُيُوع الْآجَال قَالَه (ح) . الثَّالِث: على القَوْل بِأَنَّهُ بيع فَاسد إِذا وَقع الْإِمْضَاء فِيهِ قبل فسخ العقد الْفَاسِد فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ تتميم للْفَسَاد. قَالَ أَبُو الْحسن: الْمَنْصُوص فِي كل مَوضِع أَن البيع الْفَاسِد لَا يَصح إِمْضَاء البيع فِيهِ إِلَّا بعد فسخ الْعقْدَة الْفَاسِدَة، وَإِذا لم يتَعَرَّض لفسخها فسخت الثَّانِيَة وَبقيت الأولى على فَسَادهَا اه. وَالشَّرْحُ لِلثُنْيَا رُجُوعُ ملْكِ مَنْ بَاعَ إلَيْهِ عِنْدَ إحْضَارِ الثَّمَنْ (وَالشَّرْح للثنيا) أَي لحقيقتها وماهيتها هُوَ (رُجُوع ملك من بَاعَ إِلَيْهِ) أَي إِلَى البَائِع (عِنْد إِحْضَار) البَائِع (الثّمن) وَدفعه للْمُشْتَرِي كَمَا تقدم فِي نَص الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر خلافًا لِابْنِ رشد
حَيْثُ عممها فِي بياعات الشُّرُوط كَمَا مرّ. وَفِي كَلَام النَّاظِم مُخَالفَة للتَّرْتِيب الطبيعي إِذْ هُوَ يَقْتَضِي تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت على قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَن التَّصَوُّر مقدم على الحكم طبعا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمه وضعا كَمَا قَالَ فِي السّلم: إِدْرَاك مُفْرد تصوراً علم ودرك نِسْبَة بِتَصْدِيق وسم وَقدم الأول عِنْد الْوَضع لِأَنَّهُ مقدم بالطبع وتقديمه إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة لَا على جِهَة الْوُجُوب، لِأَنَّهُ وَارِد فِي الْعَرَبيَّة، وَلَا يلْزم عَلَيْهِ دور وَلَا غَيره حَتَّى يمْنَع فَهُوَ كَقَوْل (خَ) : يرفع الْحَدث وَحكم الْخبث بالمطلق وَهُوَ مَا صدق عَلَيْهِ اسْم مَاء بِلَا قيد وَكَقَوْلِه فِي الدِّمَاء: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس الخ. وَكَقَوْلِه فِي الحَدِيث: (لَهَا كلاليب مثل شوك السعدان هَل رَأَيْتُمْ شوك السعدان) : فَلَو قَالُوا لَا لأراهم إِيَّاهَا وصورها لَهُم، وَإِذا علمت هَذَا فَالْجَوَاب عَمَّا ورد من ذَلِك بِأَنَّهُ من بَاب تَقْدِيم الحكم على التَّصْوِير لَا على التَّصَوُّر، والممنوع إِنَّمَا هُوَ الثَّانِي كَمَا قَالُوهُ عِنْد قَول (خَ) : يرفع الْحَدث. الخ. كُله غير سديد، لِأَن ذَلِك إِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ للمخاطب كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من كَلَامهم فَالْحكم وَاحِد لما علمت من أَن التَّصْوِير فعل الْفَاعِل وَهُوَ أَيْضا حد للصورة وَشَرحه إِيَّاهَا، والتصور حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الذِّهْن بِسَبَب ذَلِك التَّصْوِير أَو بِغَيْرِهِ فَيلْزم من التَّصْوِير حُصُول الصُّورَة، والمقدم على الأَصْل مقدم على الْفَرْع، فَيلْزم من تَقْدِيمه على التَّصْوِير تَقْدِيمه على التَّصَوُّر، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال: تَقْدِيم الحكم على التَّصَوُّر بِالنِّسْبَةِ للمخاطب غير مَمْنُوع لِأَن الْمُخَاطب قد يكون تصور الشَّيْء من جِهَة أُخْرَى، وَإِذا لم يتصوره صوره لَهُ الْمُتَكَلّم بعد إِن شَاءَ أَو إِن سَأَلَهُ الْمُخَاطب عَنهُ كَمَا فعل النَّاظِم و (خَ) وَإِذا لم يسئل عَنهُ لكَونه مصوراً عِنْده لم يصوره لَهُ كَمَا فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب إِدْخَال الحكم فِي الْحَد حَتَّى يكون مَمْنُوعًا كَمَا قَالَ فِي السّلم: وَعِنْدهم من جملَة الْمَرْدُود أَن تدخل الْأَحْكَام فِي الْحُدُود لِأَن النَّاظِم لم يدْخل الحكم فِي الْحَد كَمَا ترى، وَإِنَّمَا قدمه عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَإِن كَانَ ذَلِك بِالنِّسْبَةِ للمتكلم فَمن أَيْن لنا بِأَن النَّاظِم وَنَحْوه لم يتصوره بل تصَوره عِنْد الحكم بِالْفَسْخِ ثمَّ صوره للْغَيْر بعد ذَلِك، وَعَلِيهِ فَلَا حَاجَة لهَذَا الْإِيرَاد بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لَا يحكم أحد على غَيره بِأَنَّهُ لم يتَصَوَّر كَذَا وَهُوَ لم يطلع على مَا فِي ضَمِيره حَتَّى يحْتَاج للجواب عَنهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلهم لِأَن الحكم على الشَّيْء فرع تصَوره هَذَا صَحِيح بِالنِّسْبَةِ للمتكلم إِذا اطَّلَعْنَا على مَا فِي ضَمِيره وَأَنه حكم قبل أَن يتَصَوَّر حَقِيقَة الشَّيْء الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ: كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن لَا تحكم على شَيْء حَتَّى تتصوره، وَأما بِالنِّسْبَةِ للمخاطب فَلَا لِأَنَّهُ قد يحكم لَهُ على الشَّيْء، ثمَّ بعد ذَلِك يصور لَهُ ذَلِك الشَّيْء إِن لم يكن عرفه، وَقد لَا يصور لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لكَونه قد عرفه من جِهَة أُخْرَى أَو يسْأَل عَن حَقِيقَته شخصا آخر كَقَوْلِهِم: صحت الْإِجَارَة، وكقولهم صَحَّ وقف مَمْلُوك وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ كثير فقد حكمُوا بِالصِّحَّةِ قبل أَن يصوروا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ للمخاطب لكَونه مَعْرُوفا عِنْده، أَو لكَونه يسْأَل عَنهُ الْغَيْر. وَجَازَ إنْ وَقَعَ بَعْدَ العَقْدِ طَوْعاً بِحْدَ وَبِغَيْرِ حَدِّ
(وَجَاز) أَي البيع بالثنيا (إِن وَقع) بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي (بعد) انبرام (العقد) وَتَمَامه (طَوْعًا) مِنْهُمَا (بِحَدّ) كَقَوْل المُشْتَرِي للْبَائِع: إِن جئتني بِالثّمن لسنة أَو عشْرين سنة مثلا فالمبيع مَرْدُود عَلَيْك (أَو بِغَيْر حد) كَقَوْلِه: مَتى جئتني بِالثّمن فالمبيع لَك قَالَ الْفَقِيه رَاشد فِي جَوَاب لَهُ نَقله فِي المعيار: وَهَذِه الْإِقَالَة يَعْنِي التَّطَوُّع بهَا بعد العقد قد أجازوها إِلَى غير غَايَة وَإِلَى غير حد مُؤَجل، وأجازوها أَيْضا إِلَى أجل قريب أَو بعيد اه ثمَّ إِنَّه فِي الْمُطلقَة مَتى أَتَاهُ بِالثّمن لزمَه رد الْمَبِيع إِلَيْهِ، وَيجوز للْمُشْتَرِي فِيهِ التفويت بِالْبيعِ أَو غَيره، ويفوت بِهِ على البَائِع الْمقَال إِلَّا أَن يفيته بالفور مِمَّا يرى أَنه أَرَادَ قطع مَا أوجبه على نَفسه كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره وَهُوَ قَول (خَ) لَا إِن قصد بِالْبيعِ الإفاتة. قَالَ ابْن رشد القفصي: فَإِن قَامَ عَلَيْهِ حِين أَرَادَ التفويت فعلى السُّلْطَان مَنعه من تفويته إِذا أحضرهُ البَائِع الثّمن فَإِن بَاعه بعد أَن مَنعه السُّلْطَان رد وَإِن بَاعه قبل الْقَضَاء عَلَيْهِ بذلك نفذ البيع اه. وَأما فِي الْمقيدَة فَلَا يجوز لَهُ تفويته فَإِن فَوته رد على مَا للموثقين، وَقَيده الْبَاجِيّ بِمَا إِذا لم يبعد أجلهَا كالعشرين سنة فَيكون حكمهَا حكم المبهمة فِي فَوَاتهَا على البَائِع وَعدم ردهَا، وَإِذا جَاءَهُ البَائِع بِالثّمن فِي خلال الْأَجَل أَو عِنْد انقضائه أَو بعده على الْقرب مِنْهُ بِيَوْم وَنَحْوه لَا أَكثر لزمَه قبُوله ورد الْمَبِيع على بَائِعه، وَلَا كَلَام لَهُ فِي أَنه لَا يقبض الثّمن إِلَّا بعد الْأَجَل كَمَا صرح بِهِ المتيطي والقفصي فِي وثائقهما، وَصرح بِهِ أَيْضا العبدوسي فِي جَوَاب لَهُ، وَانْظُر إِذا لم يَأْتِ بِالثّمن حَتَّى انْقَضى الْأَجَل بأيام فَلم يقبل مِنْهُ وَأَرَادَ الْقيام بِالْغبنِ هَل تعْتَبر السّنة من يَوْم البيع أَو يَوْم الِانْقِضَاء وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ الْيَوْم الَّذِي تمّ فِيهِ البيع وَالله أعلم. ثمَّ مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَن كَلَامه فِي الثنيا وَهُوَ ظَاهر سِيَاقه وَبِه يرتبط الْكَلَام بعضه بِبَعْض، وَيحْتَمل على بعد أَنه أَشَارَ إِلَى مَسْأَلَة الْخِيَار بعد الْبَتّ الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) : وَصَحَّ بيع بت الخ. وَيكون الْمَعْنى وَجَاز الْخِيَار إِن وَقع بعد العقد بِأَجل وَبِغير أجل، لَكِن إِن وَقع بِغَيْر أجل لَا بُد أَن يضربا لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بذلك الْمَبِيع كَمَا كرّ أول الْفَصْل فَقَوله حِينَئِذٍ: وَبِغير حد أَي وَقع الْخِيَار بعد العقد وَلم يتعرضا لأجل، لَكِن يضْرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَمَا مر فَفِيهَا من اشْترى سلْعَة من رجل ثمَّ جعل أَحدهمَا لصَاحبه الْخِيَار بعد تَمام البيع، فَذَلِك جَائِز وَهُوَ بيع مؤتنف بِمَنْزِلَة بيع المُشْتَرِي لَهَا من غير البَائِع الخ.
تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ ابْن عَرَفَة: لَا أعلم مُسْتَندا لأقوال الشُّيُوخ بِصِحَّة الطوع بالثنيا بعد العقد لِأَن التزامها إِن عد من جِهَة الْمُبْتَاع عقدا بتاً فَهُوَ من جِهَة البَائِع خِيَار فَيجب تَأْجِيله لقولها: من اشْترى من رجل سلْعَة إِلَى آخر مَا مرّ قَرِيبا مَعَ قَوْلهَا من ابْتَاعَ سلْعَة بِالْخِيَارِ وَلم يضربا أَََجَلًا جَازَ وَضرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَنْبَغِي فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة اه. وَنَقله (ح) فِي التزاماته وَقَالَ عقبه. قلت: الظَّاهِر أَنه لَيْسَ هُنَا عقد بيع، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف أوجبه على نَفسه وَالله أعلم اه. قلت: مستندهم فِي ذَلِك ظَاهر، وَهُوَ أَن المُشْتَرِي إِنَّمَا أوجب على نَفسه البيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد فِي جَوَاب لَهُ طَوِيل. ومحصله أَنه لَا يَقع الْإِيجَاب فِي الْإِقَالَة بِنَفس القَوْل، وَإِنَّمَا يَقع الْإِيجَاب بعد الْمَجِيء بِالثّمن وَأَنه لَيْسَ فِي الْحَالة الراهنة إِلَّا الْتِزَام وَتَعْلِيق على وَجه الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا يُوجد البيع فِي ثَانِي حَال حَيْثُ يُوجد الْمُعَلق عَلَيْهِ. الثَّانِي: الثَّمَرَة المؤبرة الْحَادِثَة فِي الثنيا المتطوع بهَا بعد العقد كَمَا هُوَ موضوعنا للْمُشْتَرِي المقيل عملا بقول (خَ) : وَلَا الشّجر المؤبر الخ. وَأَحْرَى إِذا أزهت أَو طابت، وَقَول ابْن هِلَال فِي نوازله: وَالثَّمَرَة للْبَائِع الْمقَال مُطلقًا أبرت أم لَا. لِأَن الْمُبْتَاع ألزم نَفسه مُتَبَرعا بِأَن البَائِع مَتى أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ، وَقد فرقوا بَين مَا توجبه الْأَحْكَام وَمَا يُوجِبهُ الْمَرْء على نَفسه اه. تعقبه بعض بِأَنَّهُ كَلَام غير صَحِيح لِأَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا، فَإِذا جَاءَ الْمقَال بِالثّمن فَحِينَئِذٍ يَقع البيع كَمَا مر عَن أبي الْفضل رَاشد فَتكون الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة للمقيل الَّذِي هُوَ الْمُبْتَاع إِلَّا أَن يشترطها البَائِع الَّذِي هُوَ الْمقَال اه. الثَّالِث: إِذا مَاتَ المتطوع بالثنيا قبل الْأَخْذ بهَا بطلت كَانَت لأجل أَو لغير أجل كَمَا هُوَ ظَاهر إطلاقاتهم لِأَنَّهَا هبة لم تقبض قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحسن. قَالَ القوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي وَبِه الْقَضَاء وَالْفَتْوَى، وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج. لَا تبطل بِنَاء على أَنَّهَا بيع، وَأما إِذا مَاتَ البَائِع فوارثه بِمَنْزِلَتِهِ اتِّفَاقًا. الرَّابِع: إِذا وَقعت الْإِقَالَة مُطلقَة وَلم يقل إِن أتيتني بِالثّمن فَأفْتى فِيهَا بعض بِأَنَّهَا إِقَالَة لَازِمَة للْمُشْتَرِي ولورثته قَالَ: لِأَن الْقَاعِدَة المذهبية أَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا وعقود الْمُعَاوَضَات لَا تفْتَقر إِلَى حِيَازَة وَلَيْسَت هَذِه من نَاحيَة من أوجب على نَفسه الْإِقَالَة إِذا أَتَى بِالثّمن الَّذِي اخْتلف فِيهِ أَبُو الْفضل رَاشد وَأَبُو إِبْرَاهِيم للْفرق الظَّاهِر بَين الْمُطلقَة والمقيدة من وُجُوه لَا تخفى مِنْهَا: أَن الْإِقَالَة الْمُخْتَلف فِيهَا بَين من ذكر هبة لِأَنَّهَا تجوز لغير أجل بِإِجْمَاع وَلَو كَانَت بيعا لما جَازَت لغير أجل، وَالْإِقَالَة الْمُطلقَة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا بيع يشْتَرط فِيهَا شُرُوطه، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة إِذا تصرف فِيهَا المتطوع بِبيع أَو نَحوه قبل أَن يَأْتِيهِ بِالثّمن مضى تصرفه حَتَّى قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن ذَلِك يجوز لَهُ ابْتِدَاء إِذا وَقعت لغير أجل وَلَو كَانَت بيعا مَحْضا جَازَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك الْغَيْر، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة الْغلَّة فِيهَا للْمُشْتَرِي وَعَلِيهِ الضَّمَان مَا دَامَ البَائِع لم يَأْته بِالثّمن وَذَلِكَ دَلِيل على أَنَّهَا على ملكه بِخِلَاف الْمُطلقَة فضمانها من الْمقَال وَالْغلَّة لَهُ من يَوْم العقد،
وَهَذَا أَمر لَا يخْتَلف فِيهِ. وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة لم تقع فِيهَا إِقَالَة أصلا وَإِنَّمَا وَقع فِيهَا تَعْلِيق إنْشَاء الْإِقَالَة عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن، فَإِذا مَاتَ المُشْتَرِي قبل الْإِتْيَان بِهِ فقد مَاتَ قبل وُقُوعهَا وَقبل أَن يُخَاطب بهَا فَهِيَ عِنْد مَوته على ملكه وتنتقل إِلَى ورثته ففاتت كَمَا تفوت إِذا بَاعهَا المُشْتَرِي المقيل، وَلَا كَذَلِك الْمُطلقَة فَإِنَّهَا بيع قد تمّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول اه. بِاخْتِصَار من خطّ أبي الْعَبَّاس الملوي رحمه الله. الْخَامِس: أَن الْمُبْتَاع إِذا بنى فِي الدَّار أَو غرس فِي الأَرْض بعد أَن طاع بذلك للْبَائِع وَقبل انْقِضَاء الْأَجَل فَقَالَ ابْن رشد: لَهُ قِيمَته منقوضاً لتعديه كَمَا إِذا بنى البَائِع فِي دَار بَاعهَا على أَن الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار أَو بنى الْمُبْتَاع قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار وَكَانَ الْخِيَار للْبَائِع اه. قلت: هَذَا إِذا كَانَت مُؤَجّلَة بِأَجل، وَأما إِذا كَانَت غير مُؤَجّلَة فيفهم مِنْهُ أَن الْبناء وَالْغَرْس فَوت على الْمقَال فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا بِمَنْزِلَة البيع كَمَا مر. السَّادِس: الشُّفْعَة ثَابِتَة فِي هَذَا البيع الَّذِي تطوع فِيهِ بالإقالة، وَلَو حصلت الْإِقَالَة بِالْفِعْلِ مَا لم يجر الْعرف بشرطية ذَلِك فِي العقد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وإلاَّ فَهُوَ بيع فَاسد لَا شُفْعَة فِيهِ أصلا إِلَّا بعد فَوَاته إِن قُلْنَا إِنَّهَا رهن كَمَا مر. السَّابِع: إِذا أحضر البَائِع الثّمن قبل انْقِضَاء الْأَجَل أَو عِنْده أَو أحضرهُ فِي حَيَاة المتطوع فِي الْمُطلقَة فَلم يقبله المتطوع الْمَذْكُور حَتَّى مَاتَ أَو انْقَضى الْأَجَل بأيام فَقَالَ سَيِّدي يحيى: الْمُتَقَدّم ذكره إِذا أثبت البَائِع أَو ورثته ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْفَعهُمْ وَيرد إِلَيْهِم الأَصْل بذلك وَلَا يفوت عَلَيْهِم بِمَوْتِهِ وَلَا بِانْقِضَاء الْأَجَل. الثَّامِن: اخْتلف إِذا بَاعه شَيْئا عقارا أَو غَيره وَطلب البَائِع الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ: أَخَاف أَن تبيعه لغيري فَقَالَ: إِن أَو إِذا بِعته لغيرك فَهُوَ لَك بِالثّمن الأول وَبِالَّذِي أبيعه بِهِ فأقاله المُشْتَرِي، فَإِذا بَاعه البَائِع لغيره، فَهُوَ لَهُ، إِن بَاعه بِالْقربِ على مَا فِي سَماع ابْن خَالِد لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة لَا إِن بَاعهَا بعد بُعد، والقرب أَن يَبِيعهَا فِي زمن تلْحقهُ فِيهِ التُّهْمَة، والبعد أَن يَبِيعهَا بعد زمَان تَنْقَطِع فِيهِ التُّهْمَة عَن البَائِع وَيظْهر مِنْهُ حُدُوث رَغْبَة فِي البيع كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، هَذَا إِذا عبّر بِأَن أَو إِذا كَمَا مرّ، وَأما إِذا عبر بمتى فَهُوَ لَهُ وَلَو بَاعه بعد بُعد لِأَن مَتى لَا تَقْتَضِي قرب الزَّمَان كَمَا قَالَه ابْن رشد قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْط فِي الْإِقَالَة لِأَنَّهَا مَعْرُوف، ولمحمد بن خَالِد أَن الْإِقَالَة على هَذَا الشَّرْط لَا تجوز كَالْبيع اه. الْبُرْزُليّ أَوَائِل الْبيُوع من ديوانه عَن الْمَازرِيّ، وَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب فَسَاد هَذِه الْإِقَالَة لما فِي ذَلِك من التحجير وَهِي بيع من الْبيُوع، فَإِذا نزلت فسخت الْإِقَالَة وَإِن طَال ذَلِك وفاتت الأَرْض وَنَحْوهَا بِالْبيعِ مضى البيع وفاتت الْإِقَالَة بِهِ لِأَنَّهُ بيع صَحِيح اه. ثمَّ مَا تقدم من الْفرق بَين إِن وَمَتى هُوَ مَا فهمه ابْن رشد وَفهم صَاحب ضيح أَنه لَا فرق بَينهمَا لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب والبعد. وَفِي الالتزامات لِابْنِ رشد قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن استقاله فَقَالَ: أخْشَى أَنَّك إِنَّمَا سَأَلتنِي الْإِقَالَة أَو البيع لربح ظهر لَك لَا لرغبة فِي الْمَبِيع فَقَالَ: بل لرغبتي فِيهِ فأقاله أَو بَاعه على أَنه أَحَق بِهِ إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالْقربِ وَإِن لم يقل لَهُ شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا أقاله أَو بَاعه على أَنه إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالثّمن لم يجز ذَلِك فِي البيع، وَيخْتَلف فِي الْإِقَالَة لِأَن بَابهَا الْمَعْرُوف لَا المكايسة اه. وَقد تحصل أَن فِي الْمَسْأَلَة أقوالاً مشهورها الْفساد،
وَالثَّانِي اخْتِيَار ابْن رشد، وَالثَّالِث صِحَة الْإِقَالَة وَيفرق بَين الْقرب والبعد، وَهل يشْتَرط أَن يعبر بإن أَو إِذا لَا بمتى وَإِلَّا لزمَه الشَّرْط، وَإِن بَاعَ بعد طول. وَهُوَ فهم ابْن رشد أَو مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام ضيح لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب وَالْعَبْد، وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة هُنَا تستثنى هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة التَّطَوُّع بهَا بعد العقد من قَوْلهم: لَا يقبل البيع تَعْلِيقا كَمَا قيل: لَا يقبل التَّعْلِيق بيع وَنِكَاح فَلَا يَصح بِعْت ذَا إِن جا فلاح وَالْفرق بَين هَذِه وَبَين التَّطَوُّع بالإقالة حَتَّى جرى فِي هَذِه خلاف، وَجَاز التَّطَوُّع بِإِجْمَاع ظَاهر لِأَنَّهُ فِي التَّطَوُّع الْتزم بعد العقد أَن ينشىء الْمَبِيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا مر. وَهَذِه الْتزم فِي صلب عقد الْإِقَالَة إِنَّه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا وَالله أعلم. وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة فَهَل تبطل بِمَوْت الْمقَال لِأَنَّهَا مَعْرُوف كَمَا مرّ عَن ابْن رشد وَبِه أفتى بَعضهم. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَيظْهر لي أَنَّهَا لَا تبطل بِمَوْتِهِ بل هِيَ لَازِمَة لوَرثَته لِأَن الظَّاهِر فِي الْمَسْأَلَة أَنَّهَا من بَاب الِالْتِزَام الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الْمقَال الْتزم للمقيل أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا على شَرط أَن يقبله فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَة من بَاب التَّبَرُّع الْمَحْض، وَإِنَّمَا هِيَ من بَاب هبة الثَّوَاب. وَقد ذكره فِي الالتزامات فِي التَّنْبِيه الثَّالِث قبل الْكَلَام على بيع الثنيا أَن الِالْتِزَام على الْفِعْل الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ لَا يبطل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُعَاوضَة، وَتقدم قبل التَّنْبِيه الْمَذْكُور: من الْتزم لغيره مَالا على أَن يُطلق زَوجته لَا يفْتَقر لحيازة وَتقدم صدر الالتزامات قَول ابْن رشد: من الْتزم نَفَقَة زَوْجَة وَلَده فِي صلب العقد فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِمَوْتِهِ، وَتَأمل قَوْلهم: لَا تفْتَقر النحلة إِلَى حِيَازَة فالجاري على قَوَاعِد الْمَذْهَب لُزُوم ذَلِك لوَرثَته إِن لم يحصل طول لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوف صرف حَتَّى يبطل بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوضَة لِأَنَّهُ مَا أقاله إِلَّا ليلتزم، وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي الطوع بالثنيا من النزاع بَين الْفَقِيه رَاشد وَغَيره، فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَن ذَلِك طوع بالإقالة لَا شَرط فِيهِ اه. بِاخْتِصَار من خطه رحمه الله، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِكَثْرَة وُقُوعهَا. وَمن الْفُقَهَاء المهرة من يَقُول بِصِحَّة الْإِقَالَة فِيهَا، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم قَالَ فِي الالتزامات بعد نقل قولي مَالك وَابْن الْقَاسِم بِالْجَوَازِ، وَنقل كَلَام ابْن رشد واختياره مَا نَصه: الْحَاصِل أَن هَذَا الشَّرْط لَا يجوز فِي البيع ويفسده وَلَيْسَ فِي ذَلِك خلاف، وَأما فِي الْإِقَالَة فَاخْتلف قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ أَي على جَوَازه الشَّيْخ خَلِيل فِي كَلَامه السَّابِق فِي شُرُوط النِّكَاح، وَاقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا غير وَاحِد من الموثقين، وَالْخلاف جَار وَلَو كَانَ فِي أمة فَإِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي سَماع مُحَمَّد بن خَالِد فِيمَن يَبِيعهُ أرضه أَو جَارِيَته ثمَّ يستقيله، وَمُقْتَضى كَلَامهم أَن ذَلِك لَا يُوجب منع البَائِع من وَطئهَا بعد الْإِقَالَة وَهُوَ ظَاهر وَالله أعلم اه. فَكَلَامه هَذَا يُفِيد أَن الْمُعْتَمد فِي الْمَسْأَلَة هُوَ الْجَوَاز، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ فِي ضيح كَمَا قَالَ: وَلَا سِيمَا وَقد ذكره فِي ضيح فِي معرض الِاحْتِجَاج على أَن الْمَرْأَة إِذا وضعت شَيْئا من صَدَاقهَا خوف طَلاقهَا فَإِن طَلقهَا بِالْقربِ رجعت بِمَا وضعت وإلاَّ فَلَا. قَالَ: كَمَا قَالُوا إِذا سَأَلَ البَائِع المُشْتَرِي الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي: إِنَّمَا مرادك البيع لغيري، فَيَقُول لَهُ البَائِع: مَتى بعتها فَهِيَ لَك بِالثّمن الأول أَنه إِن بَاعَ عقب الْإِقَالَة أَو قَرِيبا مِنْهَا فَللْبَائِع شَرطه وَإِن بَاعَ بعد طول أَو لحدوث سَبَب فَالْبيع مَاض اه. وَمثله لِابْنِ عبد السَّلَام. وَمَعْلُوم أَنه لَا يحْتَج بمختلف فِيهِ فقد نزلا الْقَائِل بِالْمَنْعِ منزلَة الْعَدَم وَلَو كَانَ القَوْل بِالْمَنْعِ مَشْهُورا كَمَا قَالَ الْمَازرِيّ مَا صَحَّ لَهما الِاحْتِجَاج، وَقد علمت أَنه فِي سَماع
مُحَمَّد بن خَالِد وَمثله لسَحْنُون فِي سَمَاعه عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا وَأَنه قَول مَالك فِي سَماع أَشهب وَابْن الْقَاسِم أَيْضا مستدلاً على جَوَاز الْإِقَالَة الْمَذْكُورَة بِمَسْأَلَة الوضيعة للطَّلَاق، وَصحح استدلاله ابْن رشد كَمَا فِي الالتزامات وَذَلِكَ كُله من أدل دَلِيل على أرجحيته. وَلذَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم فِي فصل الْإِقَالَة، وَكَذَا اقْتصر عَلَيْهِ غير وَاحِد من الموثقين، والاقتصار من عَلَامَات التشهير وَعَلِيهِ فاعتراض (ت) وَالشَّيْخ بناني فِي حاشيتهما على (ز) الَّذِي اعْتمد الْجَوَاز فِي الْمَسْأَلَة تبعا للأجهوري بتشهير الْمَازرِيّ، وَبقول ابْن رشد الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس، وَالنَّظَر عِنْدِي أَنه لَا فرق بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي هَذَا الخ. لَا يتم وَلَا يحسن لما علمت من قُوَّة القَوْل بِالْجَوَازِ وَتَحْصِيل (ح) يُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَلِأَن ابْن رشد لم يقْتَصر على هَذَا، بل زَاد وَاخْتَارَ التَّفْصِيل الَّذِي تقدم عَنهُ، فاختياره قَول ثَالِث كَمَا مر، وَلِأَنَّهُ لما تكلم على مَا فِي سَماع سَحْنُون صحّح الْجَوَاز وعضده، وَلِأَن التحجير الَّذِي فِي كَلَام الْمَازرِيّ يَنْتَفِي بالطول الَّذِي تَنْتفِي مَعَه التُّهْمَة فيمضي تصرفه أَو لِأَنَّهُ مغتفر لجَانب الْمَعْرُوف، وَلِأَن (ح) لم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ فِي الالتزامات أصلا، وَكَذَا لم يذكرهُ ابْن عَرَفَة وَلَا غَيره، وَلما نقل (ح) كَلَام الْمَازرِيّ عِنْد قَول المُصَنّف وَالْإِقَالَة بيع قَالَ: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي ابْن عبد السَّلَام وضيح وبهرام الْكَبِير فِي فصل الصَدَاق إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن الْجَمَاعَة على خلاف تشهيره، وَكَذَا الْمواق فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد قَول (خَ) : كَانَ لَا يَبِيع مَا نَصه الْإِقَالَة بيع فَإِن أقاله على أَن لَا يَبِيع فبينها وَبَين البيع على هَذَا الشَّرْط فرق كَالزَّوْجَةِ تضع مهرهَا على شَرط أَن لَا يطلقهَا الخ. فَلم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ الَّذِي نَقله الْبُرْزُليّ مَعَ أَنه كثيرا مَا ينْقل كَلَامه، بل اعْتمد فِي ذَلِك نَص الرِّوَايَة وَلِأَنَّهُم قَالُوا كَمَا للشَّيْخ طفي وَغَيره: إِذا اتّفق قَول سَحْنُون وَابْن الْقَاسِم لَا يعدل عَنهُ فَكيف إِذا وافقهما قَول الإِمَام؟ ذكر ذَلِك فِي بَاب الزَّكَاة، وَبِمَا لمَالِك فِي سَماع أَشهب أفتى سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب الشريف حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي، وَمَا كَانَ يخفى على مثله وَلَا على غَيره تشهير الْمَازرِيّ وَالله أعلم. وَحَيْثُمَا شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ فَالأَحْسَنُ الكَتْبِ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلْ (وحيثما شَرط على الطوع جعل) لَو قَالَ وحيثما الثنيا لسلم من التدافع الَّذِي بَين شَرط وطوع قَالَه (ت)(فَالْأَحْسَن الْكتب) لذَلِك الطوع (بِعقد مُسْتَقل) عَن رسم البيع قَالَه ابْن مغيث، وَالَّذِي مضى عَلَيْهِ الْعَمَل أَن يكْتب فِي عقد الطوع بالثنيا على انْفِرَاده لِأَنَّهُ أبعد من المظنة وَإِن وَقع ذَلِك فِي عقد الابتياع أَي قبل تَقْيِيد الْإِشْهَاد وَبعد وصف البيع بِأَنَّهُ لَا شَرط فِيهِ وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار جَازَ ذَلِك اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون. ثمَّ إِذا كتب ذَلِك الطوع فِي عقد مُسْتَقل أَو فِي آخر رسم الابتياع وَادّعى أَحدهمَا أَن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ شرطا مَدْخُولا عَلَيْهِ وَالْآخر أَنه طوع حَقِيقِيّ.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطّوْعِ لَا مُدَّعِيَ الشَّرْطِ بِنَفْسِ البَيْعِ (فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع) بِيَمِين وَقيل بِلَا يَمِين للبينة الَّتِي قَامَت لَهُ وَثَالِثهَا يحلف الْمُتَّهم فَقَط (لَا) قَول (مدعي الشَّرْط بِنَفس البيع) وأنهما دخلا على الثنيا فِي أصل العقد. هَذَا قَول ابْن الْعَطَّار قَائِلا لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة، وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن المشاور إِن القَوْل لمُدعِي الشّرطِيَّة فَيحلف وَيفْسخ البيع لما جرى من عرف النَّاس قَالَ: وَبِذَلِك الْفَتْوَى عندنَا اه. وَلذَا اعْترض الشَّارِح هَذَا الْبَيْت على أَبِيه قَائِلا: إِن ابْن الْعَطَّار وقف مَعَ قَوْلهم أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة دون مَا قيد من قَوْلهم إِلَّا حَيْثُ يغلب الْفساد يَعْنِي وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا يغلب فِيهَا الْفساد فَيجب أَن يكون القَوْل فِيهَا لمدعيه كَمَا قَالَ ابْن الفخار اه. وَمِمَّا يرجحه قَول ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي صِحَة العقد وفساده فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يكون جلّ أهل ذَلِك الْبَلَد أَن معاملتهم على الْمَكْرُوه وَالْحرَام فَالْقَوْل قَول مدعي ذَلِك مَعَ يَمِينه لِأَن استفاضة ذَلِك وشهرته فِي الْبَلَد صَار كالبينة القاطعة وَالشَّهَادَة التَّامَّة وعَلى مدعي الْحَلَال الْبَيِّنَة اه. هُوَ قَول (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يغلب الْفساد اه. وَظَاهر هَذَا أَن الْخلاف جَار وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة أَن البيع وَقع دون شَرط وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَنَقله العلمي أَيْضا. وَفِي المعيار سُئِلَ ابْن رشد عَمَّا يكْتب من الشُّرُوط على الطوع وَالْعرْف يَقْتَضِي شرطيتها فَقَالَ: إِذا اقْتضى الْعرف شرطيتها فَهِيَ مَحْمُولَة على ذَلِك وَلَا ينظر لكتبها على الطوع لِأَن الْكتاب يتساهلون فِيهَا وَهُوَ خطأ مِمَّن فعله. وَأجَاب ابْن الْحَاج بِأَن الحكم للمكتوب لَا للْعُرْف اه. وعَلى مَا لِابْنِ رشد عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَشرط نِكَاح إِن نزاع بطوعه جرى مُطلقًا فاعمل على الشَّرْط واعدلا وَلَا مَفْهُوم لنكاح، وَبِهَذَا كُله يعلم مَا فِي قَول الْمُتَيْطِيَّة إِنَّه إِذا قَالَ فِي الْوَثِيقَة: دون شَرط
وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار فَمحل اتِّفَاق أَن القَوْل لمُدعِي الطوع الخ. بل الْخلاف مَوْجُود كَمَا ترى، وَفِي نَوَازِل المجاصي أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب: بِأَنَّهُ قد تكَرر مني جَوَاب بعد جَوَاب غير مرّة وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، ورأيي فِيهَا تَابع لرأي بعض شُيُوخنَا رحمهم الله، وَأَنه مَتى ثَبت رسم الْإِقَالَة وَلَو بِصُورَة التَّطَوُّع فَهُوَ مَحْمُول على أَنه شَرط فِي نفس العقد، وَقَول المتيطي: مَا لم يقل وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار الخ. ذَلِك عرف وقته إِذْ لَا تعرف عَامَّة زمننا الثنيا بل يسمونه بيعا وإقالة، وَالشُّهُود يجرونَ المساطير من غير تَحْقِيق لِمَعْنى مَا يَكْتُبُونَ اه. وَنَحْوه فِي (م) و (ت) قَالَا: وَيدل عَلَيْهِ أَن البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، فلولا أَن البَائِع يعْتَقد أَن ذَلِك بيد المُشْتَرِي كَالرَّهْنِ مَا رَضِي بذلك الثّمن وَلَا بِمَا يقرب مِنْهُ اه. قلت: كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير مِمَّا يدل على أَنه رهن، وَأَنه شَرط فِي صلب العقد كَمَا يَأْتِي لَا على أَنه شَرط فِي العقد فَقَط، وَيُؤَيّد مَا نَحن بصدده من أَن القَوْل لمُدعِي الْعرف مَا يَأْتِي للناظم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين: فَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل أَو صِحَة فِي كل فعل فعل مَا لم يكن فِي ذَاك عرف جَار على خلاف ذَاك ذُو اسْتِقْرَار وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا مر عَن ابْن سَلمُون عِنْد قَوْله فِي بيع الْأُصُول: وَجَاز فِي الدَّار أَن يسْتَثْنى الخ. أَن المُشْتَرِي إِذا الْتزم أَن لَا يَبِيع حَتَّى ينصف من الثّمن فَإِن كَانَ فِي صلب العقد فَهُوَ فَاسد وإلاَّ صَحَّ فَإِن اخْتلفَا فِي كَونه فِي العقد أَو بعده فَالْقَوْل لمُدعِي الشَّرْط لِأَنَّهُ الْعرف اه. وَظَاهره وَلَو كتب على الطوع فَهَذَا كُله يدل على صِحَة اعْتِرَاض الشَّارِح وَمن تبعه على النَّاظِم، وَلذَا قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هَهُنَا مَا قَالَ يَعْنِي (م) كُله صَحِيح، وَعَلِيهِ الْمعول فِي هَذِه الْمسَائِل وَلَا محيد عَنهُ أصلا فَإِنَّهُ مُوَافق لكَلَام الْمُحَقِّقين اه. وَنَحْوه لَهُ فِي شرح الْمُخْتَصر. قلت: هَذَا كُله يُؤَيّد مَا مر فِي التَّنْبِيه الأول عِنْد قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْعرف يجب اتِّبَاعه فِي هَذِه، وَإِن خَالفه الْمَكْتُوب فَكَذَلِك فِي تِلْكَ يجب اتِّبَاعه، وَإِن كتبُوا أَنَّهَا بيع لِأَن الْعرف أَنهم يتحيلون بكتب البيع على إِسْقَاط الْغلَّة كَمَا مر، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَت الْإِقَالَة شرطا فِي صلب عقد البيع كَمَا مر، وَكَذَا يُقَال: إِذا كتبت طَوْعًا بعد العقد وَادّعى البَائِع شرطيتها فِيهِ وَأَنَّهَا رهن كتبت بِصُورَة البيع تحيلاً لإِسْقَاط الْغلَّة أَو الْحِيَازَة فَإِنَّهُ يصدق حَيْثُ ثَبت الْعرف بالشرطية والارتهان كَمَا مر، فَفِي الْبُرْزُليّ مَا نَصه فِي أَحْكَام ابْن حَدِيد: إِذا ادّعى البَائِع أَن البيع كَانَ فِي أَصله رهنا فَالَّذِي نقُول بِهِ إِن الْمُبْتَاع إِن كَانَ من أهل الْعينَة وَالْعَمَل بِمثل هَذَا وَشبهه، فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه أَنه رهن وَلَا يخفى أَن النَّاس الْيَوْم على ذَلِك الْعَمَل من كَونهم لَا يتورعون عَن اكْتِسَاب الأشرية بمَكَان الارتهان كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان. وَفِي المعيار عَن أبي يُوسُف الزغبي مَا نَص: الْغَرَض مِنْهُ أَن بَيِّنَة البيع هِيَ الْمَعْمُول بهَا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَن عرف الْبَلَد فِي البيع الَّذِي يَقع الْحَوْز فِيهِ بالمعاينة على الرَّهْن، ثمَّ تقع الثنيا بعده أَنه رهن فِي كل مَا يَقع من ذَلِك وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء فَحِينَئِذٍ يحمل الْأَمر على الرَّهْن اه. لَكِن قَوْله: وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء الخ. فِيهِ شَيْء بل كَذَلِك إِذا غلب ذَلِك لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَفِي نَوَازِل السجتاني بعد مَا مر عَنهُ عِنْد قَوْله: لفسخ دَاع الخ. بأوراق أَنه سُئِلَ
عَمَّا يَفْعَله أهل الْجبَال من ارتكابهم البيع الَّذِي تعقبه الْإِقَالَة تحيلاً على إِسْقَاط الْغلَّة لَو عقدوه بِلَفْظ الرَّهْن، وقصدهم فِي ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ الرَّهْن بِهَذَا تقرر عرفهم فَقَالَ: حمل أَمرهم على مَا جرى بِهِ عرفهم وَاجِب محتم فِي الْقَضَاء وَالْفَتْوَى لَا مندوحة عَن ذَلِك قَالَ تَعَالَى: خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) وَإِذا وَجب حمل مَا يعقدونه من الثنيا الطوعي على الرَّهْن جرى فِي بيع ذَلِك على سَائِر بياعات الرِّهَان من جَوَاز بَيْعه بيد الْمُرْتَهن بِشَرْطِهِ، وَالسُّكُوت عَنهُ السنين الطَّوِيلَة لَا يضر اه. فَتبين بِهَذَا أَن الْمدَار على الْعرف فَإِذا جرى بالرهنية فَالْعَمَل عَلَيْهَا كَانَت الثنيا شرطا فِي العقد أَو طَوْعًا بعده وَيدل على الرهنية الْمَذْكُورَة كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، وَأَنَّهُمْ يبيعونه وَهُوَ بيد مُشْتَرِيه وَيَقُولُونَ: وضع ملكه بيد فلَان إِلَى غير ذَلِك مِمَّا مر عَن السجسْتانِي و (م) وَكفى بِهِ دَلِيلا على الارتهان الْمَذْكُور. وَتقدم أَن ابْن رحال صحّح جَمِيع مَا فِي (م) . تَنْبِيه: مَا تقدم من أَن القَوْل لمُدعِي الشَّرْط وَالْفساد مَحَله إِذا لم يكن قد أشهد فِي عقد الطواعية بِإِسْقَاط دَعْوَى الْفساد، وإلاَّ فَلَا يلْتَفت لدعواه وَلَو أثبتها بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا قَالَه فِي أَوَاخِر بُيُوع المعيار، وَأَشَارَ لَهُ (خَ) وَمحله أَيْضا وَالله أعلم إِذا لم يبعد مَا بَين التَّطَوُّع بهَا وَالْبيع كالأربعة أشهر وَنَحْوهَا، وإلاَّ فَيَنْبَغِي أَن تحمل على التَّطَوُّع حَقِيقَة حَيْثُ كَانَ الثّمن هُوَ قيمَة الْمَبِيع أَو مَا يقرب مِنْهَا. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته الخ.
(فصل فِي بيع الْفُضُولِيّ)
وَهُوَ الَّذِي يَبِيع مَال غَيره بِغَيْر تَوْكِيل وَلَا إيصاء عَلَيْهِ. (وَمَا يماثله) كَهِبَة واستفادة الزَّوْج مَال زَوجته وَقِسْمَة تَرِكَة الْمديَان قبل أَدَاء الدّين. وَحَاضِرٌ بِيعَ عَلَيَهِ مَالُهُ بِمَجْلِسٍ فِيهِ السُّكُوتُ حَالُهُ (وحاضر) وَلَو امْرَأَة (بيع عَلَيْهِ مَاله بِمَجْلِس فِيهِ السُّكُوت حَاله) فَلم يُنكر وَلم يُغير وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ ملكه سَاكِت بِلَا عذر، فَإِن كَانَ لَهُ عذر فسيذكره. وَقد اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن وَإِقْرَار أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن وَلَا بِإِقْرَار إِلَّا فِيمَا يعلم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ فَيكون إِذْنا وإقراراً كَمَا ذكره (ح) عَن ابْن رشد فِي بَاب الْإِقْرَار. يَلزَمُ ذَا البَيْعُ وَإنْ أَقَرَّ مَنْ بَاعَ لَهُ بِالْمَلِكِ أُعْطِيَ الثَّمَنْ (يلْزم ذَا) فَاعل يلْزم (البيع) نعت لَهُ أَو بدل، وَالْجُمْلَة خبر عَن قَوْله: وحاضر الخ. وَسَوَاء كَانَ البَائِع أَجْنَبِيّا أَو شَرِيكا بَاعَ الْجَمِيع وَانْظُر آخر الشُّفْعَة من ابْن سَلمُون. وَقَوْلِي: وَلَو امْرَأَة أَعنِي أَجْنَبِيَّة أَو زَوْجَة أَو أُخْتا للْبَائِع، وَلَا مقَال للْأُخْت فِي أَنَّهَا إِنَّمَا لم تغير خشيَة قطيعة أَخِيهَا. قَالَ أَبُو الْحسن الصَّغِير: وَأما إِذا بَاعَ الْأَخ نصِيبه وَنصِيب أُخْته وَعلمت بِهِ فالشأن أَنَّهُنَّ
يقمن على المُشْتَرِي وَلَا يسكتن عَنهُ، فيعد سكوتهن رضَا إِن لم يمنعهن مَانع أَي بِخِلَاف استغلاله ملك أُخْته وَهِي ساكتة عَالِمَة، فلهَا الرُّجُوع بالغلة لِأَن عَادَة نسَاء الْبَادِيَة والحاضرة أَن يطلبن ميراثهن من قرابتهن وَلَا يطلبن الْغلَّة خوفًا من قطيعة رحمهن اه. بِاخْتِصَار. وَانْظُر الِاسْتِحْقَاق من المعيار فِيمَن بيع عَلَيْهَا حظها، وَقَالَ الشُّهُود: وَلَا يعلمونها قَامَت عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك أَن قَوْلهم ذَلِك لَا يُفِيد لاحْتِمَال أَن تكون فِي دارها لَا تتصرف، وَلَا نعلم حَتَّى يَقُولُوا إِنَّهَا كَانَت ترى ذَلِك وتشاهده وتمر عَلَيْهِ وَلَا تنكره اه. فَانْظُر ذَلِك فِيهِ وراجعه فَإِن فِيهِ كلَاما حسنا، وَظَاهر النّظم أَن السَّاكِت الْمَذْكُور لَا يعْذر بِالْجَهْلِ إِذا ادّعى أَنه جهل لُزُوم البيع بسكوته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّوْضِيح وَنَقله (ح) وَلها نَظَائِر ذكرهَا (تت) فِي بَاب الطَّلَاق من شَرحه على الرسَالَة، وَذكرهَا فِي ضيح فِي النِّكَاح، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل مَا يُخَالِفهُ فَانْظُرْهُ. وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا كَلَام للْمُشْتَرِي فِي حَال العقد عَن نَفسه لانتقال عقدته، وَفِيه أَقْوَال انظرها فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي تَرْجَمَة عُهْدَة الْوَصِيّ وَالْوَكِيل (و) إِذا لزم البيع للساكت الْمَذْكُورَة ف (إِن أقرّ من بَاعَ) فَاعل بأقر (لَهُ بِالْملكِ) يتعلقان بأقر (أعطي) الْمقر لَهُ (الثّمن) مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ سَوَاء أقرّ بِالْمَجْلِسِ أَو بعده بطول أَو قرب قَامَ الْمَالِك يطْلب الثّمن فِي الْحِين أَو بعد سِنِين، إِذْ طول السنين لَا يبطل حَقه الْمقر لَهُ بِهِ. وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وان أقرّ الخ فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ وَقْتَ المبِيعِ بائِعُهْ لِنَفْسِهِ ادَّعَاهُ وَهْوَ سَامِعُهْ (وَإِن يكن وَقت الْمَبِيع) هُوَ اسْم مفعول بِمَعْنى الْمصدر كَقَوْلِه تَعَالَى: بأيكم الْمفْتُون} (الْقَلَم: 6) أَي الْفِتْنَة. أَي: وَإِن يكن وَقت البيع. (بَائِعه) اسْم يكن (لنَفسِهِ ادَّعَاهُ) وَلم يقرّ بِهِ للْمَالِك بل قَالَ: أَنا أبيع مَا لي وملكي (وَهُوَ) أَي الْمَالِك (سامعه) حِين كَانَ يَقُول ذَلِك، وَمَعَ ذَلِك سكت فَلم يُغير وَلم يُنكر حَتَّى انْقَضى الْمجْلس، وَتمّ البيع، فَإِن قَامَ قبل السّنة وَأثبت أَنه ملكه وَالْبَائِع لَا زَالَ على إِنْكَاره وَلكنه لم يجد مطعناً فِيمَا أثْبته الْمَالِك فَيَقْضِي على البَائِع بِدفع الثّمن للْمَالِك وَلَا ينْقض البيع لِأَنَّهُ بسكوته لزمَه، وَأما إِن قَامَ بعد السّنة من يَوْم البيع فَهُوَ قَوْله: فَمَا لَهُ إنْ قَامَ أيَّ حِينِ فِي ثَمنٍ حَقّ وَلَا مَثْمُونِ (فَمَا لَهُ إِن قَامَ أَي حِين) أَي بعد حِين وَهُوَ السّنة (فِي ثمن حق وَلَا مثمون) هَذَا مَا يفِيدهُ كَلَام ابْن رشد الْمَنْقُول فِي (ح) وَنَصه قَالَ ابْن رشد: إِن كَانَ حَاضر الصَّفْقَة فَسكت حَتَّى انْقَضى الْمجْلس لزمَه البيع وَكَانَ لَهُ الثّمن، وَإِن سكت بعد انْقِضَاء الْمجْلس حَتَّى مضى الْعَام وَنَحْوه اسْتحق البَائِع الثّمن بالحيازة مَعَ يَمِينه اه. زَاد (ق) عَنهُ فِي آخر الشَّهَادَات مَعَ يَمِينه أَنه انْفَرد بِهِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يذكرهُ من ابتياع أَو مقاسمة وَمَا أشبه ذَلِك اه. وَمعنى كَلَامه أَنه كَانَ يُنكره، وَلَكِن
أثبت الْمَالِك بعد سُكُوته أَنه ملكه وَلم يجد البَائِع مطعناً فِيهِ، وَلَكِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بابتياع أَو مقاسمة أَو هبة وَنَحْوه، فَالْبيع لَازم بسكوته وَله الثّمن إِن قَامَ قبل السّنة لَا بعْدهَا، وَبِه يسْقط إِشْكَال (ت) الَّذِي أَشَارَ لَهُ فِي حَاشِيَته على (ز) من أَنه إِذا كَانَ البَائِع يَدعِي ملكه فَلَا وَجه للتَّقْيِيد بِالسنةِ إِذْ القَوْل قَوْله وَلَو داخلها لحوزه وتصرفه، وَإِن كَانَ مقرا بِأَنَّهُ ملك لغيره فالثمن لَهُ وَلَو بعد سِنِين اه. جَوَابه هُوَ مَا تقدم من أَنه كَانَ يُنكره لكنه لما اتَّصل سُكُوته من ابْتِدَاء البيع إِلَى تَمام السّنة تقَوِّي جَانب البَائِع وَصدق فِي الْوَجْه الَّذِي يذكرهُ، وَلم تعْتَبر بَيِّنَة الْمَالِك بِخِلَاف مَا إِذا لم يتَّصل سُكُوته وَقَامَ بالفور، فَلَو أبدل النَّاظِم أَي: ببعد لَكِن أحسن. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا لم يحضر للْبيع فَقَالَ: وَغَائِبٌ يَبْلُغهُ مَا عَمِلَهْ وَقَامَ بَعْدَ مُدّةٍ لَا شَيْءَ لَهْ (وغائب) عَن مجْلِس عقد البيع (يبلغهُ مَا عمله) الْفُضُولِيّ فِي مَاله من بَيْعه وادعائه لنَفسِهِ فَلم يقم حِينَئِذٍ (و) إِنَّمَا (قَامَ بعد) انْقِضَاء (مُدَّة) الْحِيَازَة وَأثبت ملكية ذَلِك وَعجز الْفُضُولِيّ عَن الطعْن فِيهَا فَإِنَّهُ (لَا شَيْء لَهُ) أَي الْمَالِك لَا من ثمن وَلَا غَيره لِأَن سُكُوته بعد الْعلم الْمدَّة الطَّوِيلَة دَلِيل على صدق البَائِع فِيمَا يذكرهُ من الْوَجْه الَّذِي صَار بِهِ إِلَيْهِ كَمَا مر. وَمَفْهُوم قَوْله بعد مُدَّة إِنَّه إِذا قَامَ قبلهَا كَانَ لَهُ مقَال وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ ابْن رشد إِثْر مَا مر عَنهُ: وَإِن لم يعلم بِالْبيعِ إِلَّا بعد وُقُوعه فَقَامَ حِين أعلم أَخذ حَقه وَإِن لم يقم إِلَّا بعد الْعَام وَنَحْوه لم يكن لَهُ إِلَّا الثّمن وَإِن لم يقم حَتَّى مَضَت مُدَّة الْحِيَازَة لم يكن لَهُ شَيْء ويستحقه الْحَائِز بِمَا ادَّعَاهُ بِدَلِيل حيازته إِيَّاه اه. بِنَقْل (ح) و (ق) وَهَكَذَا نَقله أَبُو الْحسن والمتيطي والبرزلي وَغَيرهم وسلموه، وَقَوله حِين علم أَي بفور علمه قبل مُضِيّ مُدَّة تدل على رِضَاهُ بِالْبيعِ وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الثّمن، وَلَو قَامَ قبل السّنة على مَا يَأْتِي عَن أَحْمد بن عبد الْملك فِي الْبَيْت بعده وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَقَوله: أَخذ حَقه الخ. يَعْنِي إِن شَاءَ فسخ البيع وَإِن شَاءَ أَمْضَاهُ وَأخذ الثّمن وَهُوَ قَول (خَ) : ووقف ملك غَيره على رِضَاهُ الخ. وَانْظُر مَا مُرَاده بِمدَّة الْحِيَازَة، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهما مَا زَاد على الْعَام وَنَحْوه زِيَادَة لَهَا بَال تدل على صدق البَائِع وَكذبه هُوَ فِي دَعْوَاهُ لَا أَنَّهَا الْعشْر سِنِين وإلاَّ حصل التدافع والتعارض فِي كَلَامه كَمَا لَا يخفى، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بهَا الْعشْر فَلَا معنى لتحديد كَون الثّمن لَهُ بِالْعَام وَنَحْوه. وَغَيْرُ مَنْ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ حَضَرْ وبالمبيع بَائِعٌ لَهُ أَقَرْ (وَغير من فِي عقدَة البيع حضر) هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ هُوَ قَوْله: وغائب الخ. وَعَلِيهِ فَلَو أسقط هَذَا الْبَيْت وَقَالَ بدله مَا نَصه: إِن بَائِع بَاعَ وَملكه ذكر وَإِن بِملك بَائِع لَهُ أقرّ
وَقَامَ بالفور الخ. (وبالمبيع بَائِع لَهُ أقرّ) بِأَن قَالَ: أبيع مَتَاع فلَان عِنْد العقد أَو بعده بِقرب أَو بعد وَصدقه المُشْتَرِي. وَقَامَ بالْفَوْرِ فَذا التَّخْيَيرُ فِي إمْضائِهِ البَيْعَ أوِ الْفَسْخَ اقْتُفِي (وَقَامَ) فلَان (بالفور) أَي بفور علمه (فَذا) مُبْتَدأ (التَّخْيِير) مُبْتَدأ ثَان (فِي إمضائه البيع أَو الْفَسْخ) بِالْجَرِّ عطفا على إمضائه وأو بِمَعْنى الْوَاو وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بالتخيير (اقتفي) خبر أَي: فَهَذَا الَّذِي قَامَ بالفور التَّخْيِير فِي الْإِمْضَاء وَالْفَسْخ اقتفى لَهُ، وَظَاهره أَن البيع جَائِز وَلَو علم المُشْتَرِي بتعدي البَائِع وَهُوَ كَذَلِك على أحد قَوْلَيْنِ مشهورين وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَملك غَيره على رِضَاهُ وَلَو علم المُشْتَرِي الخ. ابْن عَرَفَة قَالَ الْمَازرِيّ: لَو علم المُشْتَرِي بتعديه فَفِي إمضائه بإمضاء مُسْتَحقّه قَولَانِ مشهوران، وَيَنْبَغِي حمله على أَنَّهُمَا دخلا على بت البيع مُطلقًا وَعدم تَمْكِين مُسْتَحقَّة من فَسخه، وَلَو دخلا على تَمْكِينه من فَسخه لم يَنْبغ أَن يخْتَلف فِي فَسَاده اه. وَعَلِيهِ فَبيع ملك الْغَيْر على ثَلَاثَة أَقسَام: تَارَة يجهله الْمُبْتَاع وَلَا يعلم بتعديه إِلَّا بعد العقد فَالْبيع لَازم للْمُشْتَرِي إِن أَمْضَاهُ ربه، وَتارَة يعلم الْمُبْتَاع بتعديه فَهُوَ بيع خِيَار وَإِن دخلا على عدم تَمْكِين ربه من رده، فَالَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) هُوَ أحد قَوْلَيْنِ مشهورين جَوَازه وَهُوَ خِيَار أَيْضا، ولربه إمضاؤه أَو فَسخه. وَكَلَام النَّاظِم شَامِل لذَلِك كُله فَقَوله: وَقَامَ بالفور يَعْنِي فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة. قَالَ ابْن بطال: قَالَ لي أَحْمد بن عبد الْملك: وَالْمرَاد بِهِ أَبُو عمر الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن المكوي فِي الرجل الَّذِي لم يحضر البيع إِذا علم وَسكت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو مَا قرب فَإِن لَهُ الْقيام وَيفْسخ البيع مَا لم تكْثر الْأَيَّام فَيلْزمهُ اه. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد النَّاظِم خلافًا لما لِابْنِ زرب من أَن لَهُ الْقيام فِي السّنة والسنتين من يَوْم الْعلم الخ. وَانْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الحاضن، وَانْظُر شَارِح نظم الْعَمَل للْإِمَام الرباطي عِنْد قَول ناظمه فِي الصَّفْقَة والزم البيع وَلَا كلَاما الخ. ثمَّ لَا بُد حَيْثُ علم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي أَن لَا تبعد غيبَة الْمَالِك وَأَن لَا يشْتَرط البَائِع على المُشْتَرِي النَّقْد حِينَئِذٍ. وَأَن يكتبا إِلَيْهِ فِي الْقَرِيبَة وَإِلَّا فسد البيع كَمَا مر فِي الْخِيَار، وَهَذَا وَالله أعلم هُوَ معنى قَول ابْن عَرَفَة: وَلَو دخلا على تَمْكِين الْمَالِك من فسخ البيع لم يَنْبغ أَن يخْتَلف فِي فَسَاد البيع أَي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع خِيَار بمشورة بعيد أَو بِشَرْط النَّقْد أَو لمُدَّة مَجْهُولَة حَيْثُ لم يدخلا على الْكِتَابَة إِلَيْهِ فِي الْقَرِيبَة،
وكل ذَلِك مُوجب للْفَسَاد وَفِيه مُخَالفَة حِينَئِذٍ لما مر عَن ابْن بطال الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم لأنّ ظَاهره أَن البيع لَازم إِذا كثرت الْأَيَّام، وَلَو علم المُشْتَرِي بتعديه لَكِن مَا لِابْنِ عَرَفَة هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ قَوْلهَا فِي الْخِيَار إِذا دخلا على الْخِيَار وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بِتِلْكَ السّلْعَة اه. فمفهومه أَنه إِذا غفلا وَلم يضربا لَهَا مَا يَلِيق بهَا كَانَ البيع فَاسِدا كَمَا مر، وَهنا حَيْثُ علم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي دخلا على خِيَار الْمَالِك وغفلا عَن ضرب مَا يَلِيق بِالْمَبِيعِ فَتَأَمّله. وَأما إِذا لم يعلم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي حِين العقد بل بعده أَو دخلا على عدم تَمْكِين الْمَالِك من فَسخه فالشراء لَازم لَهُ فِي الْقَرِيبَة وَيكْتب لمَالِك كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وَفِي الْبَعِيدَة: لَا يلْزمه. وَله أَن يحل عَن نَفسه لما يلْحقهُ بِسَبَب الصَّبْر من الضَّرَر كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن لم يعلم المُشْتَرِي حَتَّى قدم الْغَائِب فَأمْضى البيع فَهُوَ مَاض وَلَا مقَال للْمُشْتَرِي اه. قلت: وَيبقى النّظر إِذا علم المُشْتَرِي وَالْغَائِب الْبعيد الْغَيْبَة وَرَضي المُشْتَرِي بِالصبرِ لقدومه فَظَاهر كَلَامهم أَن البيع صَحِيح وَلَو طَالَتْ الْغَيْبَة أَكثر من زمن الْخِيَار فِي تِلْكَ السّلْعَة فَتَأَمّله. وَلَكِن ظَاهر مَا تقدم عَن أبي الْحسن فِي الْخِيَار أَن البيع يفْسد فَانْظُرْهُ. وَقَوْلِي: وَصدقه المُشْتَرِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أكذبه فَإِنَّهُ لَا يمْضِي قَوْله عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْإِجَارَة لَا بِإِقْرَار الْمَالِك أَي: لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة عقدهَا بِإِقْرَار مَالك الدَّابَّة أَو الدَّار أَنَّهُمَا لغيره وَالْبيع كَذَلِك لَا يقبل فِيهِ قَول البَائِع إِن الْمَبِيع لغيره إِلَّا إِذا أَقَامَ الْغَيْر بَيِّنَة أَنه لَهُ فَيثبت لَهُ الْخِيَار حِينَئِذٍ وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الثّمن أَو الْأُجْرَة. تَنْبِيه: حَيْثُ نقض الْمَالِك بيع الْفُضُولِيّ فَلِلْمُشْتَرِي الْغلَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال لِأَن الضَّمَان مِنْهُ إِلَّا إِذا علم بِالتَّعَدِّي حِين العقد، وَلم تكن للْبَائِع شُبْهَة من كَونه من نَاحيَة الْمَالِك أَو يتعاطى أُمُوره وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي شرَّاح (خَ) . ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم وَقَامَ بالفور فَقَالَ: وإنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضى زَمَنْ فالبَيْعُ مَاضٍ وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنْ (وَإِن) لم (يقم) بالفور وَإِنَّمَا قَامَ (من بعد أَن مضى زمن) زَاد على الْخَمْسَة أَيَّام والستة على مَا يظْهر من النَّص السَّابِق (فَالْبيع مَاض وَله) أَي للْمَالِك (أَخذ الثّمن) مِنْهُ لِأَنَّهُ أقرّ بِأَنَّهُ لَا يسْتَحقّهُ وَلَا يسْقطهُ عَنهُ سكُوت الْمَالِك وَلَو طَال الزَّمَان كَمَا مرّ أول الْبيُوع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَحل لُزُوم البيع فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب فِيمَا تقدم إِذا سكت لغير عذر فَقَالَ: إنْ كَانَ عَالِماً بِفَعْلِ البَائِعِ وَسَاكِتاً لغيرِ عُذْرٍ مَانِعِ (إِن كَانَ) الْمَبِيع عَلَيْهِ مَاله الْحَاضِر أَو الْغَائِب (عَالما) حِين العقد فِي الْحَاضِر أَو بعده فِي الْغَائِب (بِفعل البَائِع وساكتاً) حَتَّى انْقَضى الْمجْلس فِي الْحَاضِر أَو حَتَّى مَضَت مُدَّة تدل على رِضَاهُ فِي الْغَائِب (من غير عذر مَانع) لَهُ من التَّغْيِير وَالْإِنْكَار، وَمَفْهُومه أَنه إِن لم يعلم بِفعل البَائِع أَو
علم وَسكت لعذر من سطوة البَائِع أَو كَانَ ذَلِك فِي بِلَاد السائبة وَنَحْو ذَلِك فَلهُ الْقيام وَهُوَ كَذَلِك إِذا أشهد الْعُدُول بِأَنَّهُ غير رَاض بِمَا فعله البَائِع وَقَامَ بفور زَوَال الْعذر وَالله أعلم. وحاضِرٌ لِوَاهِبٍ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأى مِن حَالِهِ (و) مَالك (حَاضر لواهب) فُضُولِيّ (من مَاله) شَيْئا كدار أَو دَابَّة وَنَحْوهمَا (وَلم يُغير مَا رأى من حَاله) أَي حَال الْوَاهِب وَلم يُنكره بل هُوَ عَالم سَاكِت بِلَا عذر. الحُكْمُ مَنْعُهُ القِيَامَ بِانْقِضَا مَجْلِسهِ إذْ صَمْتُهُ عَيْنُ الرِّضَا (الحكم مَنعه الْقيام) فِي نقض تِلْكَ الْهِبَة وفسخها (بانقضا مَجْلِسه) أَي العقد (إِذْ صمته) وسكوته حَتَّى انْقَضى الْمجْلس (عين الرِّضَا) بِعقد الْهِبَة فِي مَاله وَظَاهره سَوَاء وهبه الْفُضُولِيّ وَهُوَ يَدعِيهِ لنَفسِهِ أَو يَدعِيهِ للْمَالِك، وَهُوَ كَذَلِك وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ من قيمَة الْمَوْهُوب وَلَا غَيرهَا. وَالْعِتْقُ مُطْلقاً عَلى السَّوَاءِ معْ هِبَةٍ وَالْوَطْءِ للإمَاءِ (وَالْعِتْق) أَي عتق الْفُضُولِيّ لرقيق الْغَيْر وَالْمَالِك حَاضر سَاكِت بِلَا عذر (مُطلقًا) ناجزاً كَانَ أَو لأجل أَو تَدْبِير أَو كِتَابَة (على السوَاء مَعَ هبة) فِي اللُّزُوم (وَالْوَطْء للإماء) كَذَلِك مسْقط الْحق الْمَالِك فِيهِنَّ حَيْثُ كَانَ الواطىء يَدعِي الملكية للموطوءة، وَأَن سَيِّدهَا كَانَ وَهبهَا لَهُ أَو اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك وسيدها حَاضر سَاكِت بِلَا عذر وَلم يُغير وَلم يُنكر، ثمَّ قَامَ يُنَازع فَلَا حق لَهُ، وَإِن قصرت الْمدَّة وَأثبت الملكية. وَأما إِذا كَانَ الواطىء لَا يَدعِي شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ زانٍ وسكوت الْمَالِك لَا يسْقط الْحَد عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: حَاضر إِنَّه إِذا لم يحضر مجْلِس عقد الْهِبَة أَو الْعتْق أَو الْوَطْء وَلَكِن بلغه ذَلِك فَإِن قَامَ بفور علمه كَالْيَوْمِ واليومين فَلهُ الْفَسْخ والإمضاء وَإِلَّا لزمَه ذَلِك كَمَا مر فِي البيع إِلَّا أَنه هُنَا لَا شَيْء لَهُ، لِأَنَّهُ فَوته بِغَيْر عوض. قَالَ ابْن رشد فِي كتاب الِاسْتِحْقَاق من بَيَانه إِثْر مَا مر عَنهُ: وَأما إِذا فَوته أَي الْفُضُولِيّ بِالصَّدَقَةِ أَو الْهِبَة أَو التَّدْبِير أَو الْعتْق فَإِن كَانَ حَاضرا فَسكت حَتَّى انْقَضى الْمجْلس لم يكن لَهُ شَيْء، وَإِن لم يكن حَاضرا فَقَامَ حِين علم كَانَ على حَقه، وَإِن لم يقم إِلَّا بعد الْعَام وَنَحْوه كَانَ القَوْل قَول الْحَائِز وَلم يكن لَهُ هُوَ
شَيْء، وَأما إِذا فَوته بِالْكِتَابَةِ فيتخرج ذَلِك على الِاخْتِلَاف فِيهَا هَل تحمل محمل البيع أَو الْعتْق. وَكَذَا إِذا حَاز الْكل بِالْوَطْءِ فَهِيَ حِيَازَة، وَإِن لم تطل الْمدَّة اه بِاخْتِصَار. وَقَوْلِي: حِين علم الخ. يجْرِي فِيهِ من الْبَحْث مَا تقدم عِنْد قَوْله: يبلغهُ مَا عمله الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم فِي الْوَطْء سَيَأْتِي لَهُ مثله فِي الْحَوْز حَيْثُ قَالَ: وَالْوَطْء للإماء بِاتِّفَاق مَعَ علمه حوز على الْإِطْلَاق وَمَا تقدم عَن ابْن رشد هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ أَبُو الْحسن والبرزلي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْمُوَافق للنظم دون مَا لمطرف من أَنه إِذا كَانَ حَاضرا حَتَّى انْقَضى الْمجْلس وَقَامَ بحدثانه فَإِنَّهُ يرجع على حَقه وَيرد مَا وَقع فِيهِ من بيع وَنَحْوه الخ. فَإِنَّهُ لَا يُوَافق النّظم وَلَا يتنزل عَلَيْهِ، بل قَالَ الرجراجي فِي منهاجه على قَول مطرف مَا نَصه: لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يبادروا بالإنكار حِين علمهمْ أَو يتراخوا عَنهُ فَإِن بَادرُوا فِي الْحَال فَلهم رد البيع وَالْعِتْق وَالصَّدَََقَة، وَإِن لم يبادروا بالإنكار فِي الْحَال إِلَّا أَنهم قَامُوا بِالْقربِ فَلهم الثّمن فِي البيع وَالْقيمَة فِي الإيلاد وَالْعِتْق بعد أَن يحلفوا أَنهم مَا سوغوه ذَلِك وَلَا تَرَكُوهُ ليأخذوا الثّمن وَالْقيمَة ويردون الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والإصداق بعد أَيْمَانهم أَنهم مَا تراخوا عَن الْقيام بِنَفس الْعلم إِلَّا للتدبير والتمري فِي إِقَامَة الْحجَّة وَهَذَا تَفْسِير مَا وَقع لمطرف فِي الْوَاضِحَة فَإِن تراخوا عَن الْإِنْكَار مُدَّة طَوِيلَة يفهم مِنْهَا إِسْقَاط الْحجَّة وَتَسْلِيم الشَّيْء لحائزه وتسويغ فعله فَلَا خلاف أعلمهُ فِي الْمَذْهَب أَن ذَلِك يدل على مَالك الْحَائِز اه. فَأَيْنَ هَذَا من كَلَام النَّاظِم حَتَّى يشْرَح بِهِ؟ تَنْبِيه: إِذا فَوت الْكل فَلَا إِشْكَال أَن حكمه مَا مر للناظم، وَإِن فَوت الْأَكْثَر فالأقل تَابع لَهُ على قَول ابْن الْقَاسِم، وَقيل: لَا يكون تبعا وَهُوَ ظَاهر سَماع سَحْنُون وَإِن فَوت الْأَقَل فَقيل: لَا يكون تبعا وَإِن فَوت النّصْف وَمَا قاربه فَلَا يكون أَحدهمَا تبعا للْآخر بِلَا خلاف قَالَه ابْن رشد، وَهَذَا الَّذِي ذكره إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ يَدعِيهِ لنَفسِهِ لِأَن الشَّيْء الْبَاقِي بِلَا تَفْوِيت يبْقى حِينَئِذٍ للحائز البَائِع والواهب وَلَا تسمع دَعْوَى الْقَائِم فِيهِ، وَأما إِن كَانَ يقر بِهِ للْمَالِك، فَلَا يكون شَيْء من ذَاك تبعا بل الْبَاقِي يبْقى للْمَالِك وَالله أعلم. وَالزَّوْجَةُ اسْتَفَادَ زَوْجٌ مَا لهَا وَسَكَتَتْ عَنْ طَلَبٍ لِمَا لهَا (وَالزَّوْجَة اسْتَفَادَ زوج مَا لَهَا) فاستغل حائطها أَو حرث أرْضهَا أَو تولى كِرَاء رباعها للْغَيْر وَقبض أكريتها أَو قبض لَهَا ديوناً أَو أَثمَان المبيعات (وسكتت عَن طلب لما) اسْتَقر (لَهَا) فِي ذَلِك كُله أَو فِي شَيْء مِنْهُ فَلم تغير وَلم تنكر حَتَّى مضى زمَان، ثمَّ أَرَادَت أَن تقوم عَلَيْهِ. لَهَا القِيَامُ بَعْدُ فِي المَنْصُوصِ وَالخُلْفُ فِي السُّكْنَى عَلَى الْخُصُوصِ (لَهَا الْقيام بعد) سكُوتهَا وَلَو طَال (فِي الْمَنْصُوص) لمَالِك من رِوَايَة أَشهب وَابْن نَافِع قَالَ
بَعضهم: وَلم يخْتَلف قَول مَالك فِي ذَلِك قَالَه فِي كتاب الشُّرُوط من أنكحة الْمُتَيْطِيَّة قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا أنفقت عَلَيْهِ من مَالهَا ثمَّ طلبته بذلك أَن ذَلِك لَهَا وَإِن كَانَ عديماً فِي حَال النَّفَقَة بعد يَمِينهَا أَنَّهَا لم تنْفق عَلَيْهِ وَلَا تركته يَأْكُل مَالهَا إِلَّا لترجع عَلَيْهِ اه. وَفِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح من ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن استغل الزَّوْج مَال زَوجته وازدرعه وانتفع بِهِ وَهِي تَحْتَهُ من غير مُتْعَة، ثمَّ قَامَت تطلبه بالكراء كَانَ ذَلِك لَهَا، وَإِن ازدرعه بأمرها وَأكله وَلَا يعلم هَل كَانَ عَن طيب نفس مِنْهَا أم لَا. ثمَّ طلبته بالكراء كَانَ لَهَا ذَلِك بعد يَمِينهَا أَنَّهَا لم تهب ذَلِك وَلَا خرجت عَنهُ، وَسُئِلَ بَعضهم عَن الْمَرْأَة تُعْطِي زَوجهَا طَعَاما أَو ذَهَبا أَو ثيابًا عَن طيب نفس مِنْهَا إِلَى أَعْوَام ثمَّ يَقع بَينهمَا كَلَام فتطلب ذَلِك وتزعم أَنه كَانَ سلفا فَقَالَ: القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا وَلها أَخذ ذَلِك اه. قلت: مَا فِي النّظم ظَاهر إِذا لم يدع أَنه كَانَ يدْفع لَهَا غَلَّتهَا وَمَا قَبضه من أكرية أراضيها وأثمان مَا بَاعه لَهَا وَإِلَّا فَإِن ادّعى هُوَ أَو ورثته أَن موروثهم دفع ذَلِك قبل مَوته فَيجْرِي على مَا تقدم فِي قَوْله فِي الْوكَالَة: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل فِيمَا من الْقَبْض لما باعت يَلِي فراجع ذَلِك هُنَاكَ، وَمحله أَيْضا إِذا لم تكن بَينهمَا مَوَدَّة وَرَحْمَة وَقَامَت بِالْقربِ وإلاَّ فَهُوَ مَحْمُول على الصِّلَة وَالْمَعْرُوف فَلَا قيام لَهَا، فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ سُئِلَ ابْن رشد عَمَّن استغل ربع زَوجته ثمَّ قَامَت تطلب مَا استغل لَهَا من تركته؟ فَأجَاب: إِن علم أَنه كَانَ يستغل ذَلِك على سَبِيل الصِّلَة وَالْمَعْرُوف فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِن علم استغلاله لذَلِك وَلم يعلم هَل كَانَ يصرف ذَلِك فِي مَنَافِعه أَو مَنَافِعهَا؟ فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا فِيمَا قرب من الْمدَّة أَنه لم يدْفع ذَلِك وَيكون ذَلِك لَهَا فِي مَاله اه. فَأَنت ترَاهُ قيد ذَلِك بِمَا إِذا لم يكن ذَلِك على وَجه الصِّلَة. وَمِمَّا إِذا قَامَت بِالْقربِ، وبمثله أجَاب أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن التازغددي حَسْبَمَا فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات المعيار قَائِلا: إِن كَانَ الزَّوْج مِمَّن يَسْطُو عَلَيْهَا ويقهرها فتأخذ جَمِيع مَا أكل لَهَا على هَذِه الصّفة وَإِن كَانَ بَينهمَا من الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة مَا جرت الْعَادة بِهِ بَين الزَّوْجَيْنِ فَيكون مَا أكله من مَالهَا وفوته بعلمها وعَلى عينهَا سَاقِط عَنهُ إِلَّا أَن يَبِيع بِالثّمن الْكثير الَّذِي لَهُ خطر وتدعي أَنَّهَا لم تتْرك ذَلِك إِلَّا على وَجه الْأَمَانَة فتحلف على ذَلِك وتستحقه اه. وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه إِذا كَانَت بَينهمَا مَوَدَّة لَا شَيْء لَهَا فَتَأَمّله مَعَ مَا مر عَن ابْن سَلمُون، وكل مَا لَا يطْلب إِلَّا عِنْد الشنآن وَالْخِصَام فَهُوَ مَحْمُول على الصِّلَة كَمَا فِي ظَنِّي أَنِّي وقفت عَلَيْهِ كَذَلِك، وَلم أذكر الْآن مَحَله، ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت عَلَيْهِ نصا للخمي ونقلته فِي بَاب الْعَارِية، وَانْظُر مَا تقدم عَن المعيار فِي آخر فصل مَا تهديه الزَّوْجَة لزَوجهَا بعد العقد وَلَا يخفى أَن عَادَة الْبَوَادِي أَن ذَلِك للصلة وَالْقَضَاء بِمَا بِهِ الْعَادة وَاجِب كَمَا مرّ فِي الثنيا، وَعَلِيهِ فَمَا يَقع بَينهم من النزاع عِنْد الشنآن فِي رِعَايَة مَاشِيَة الزَّوْجَة فيطلبها الزَّوْج بِأُجْرَة رعايته، وتطلبه هِيَ بِمَا أكل من لَبنهَا وَبَاعه من صوفها وكراء حرثه على بقرها لَا يقْضِي لأَحَدهمَا على الآخر بِشَيْء لِأَن ذَلِك كُله كَانَ على وَجه الصِّلَة على مَا تقررت بِهِ عوائدهم وَمَا يُوجد من فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين من أَنَّهَا تحاسبه بالغلة ويحاسبها هُوَ بالرعاية وَمن لَهُ فضل أَخذه إِنَّمَا هُوَ إِذا علم تسوره عَلَيْهَا وقهره لَهَا وَلم تعلم مَوَدَّة بَينهمَا كَمَا ترى، وَلَا سِيمَا وَقد تقدم أَن السُّكُوت لَيْسَ بِإِذن وَلَا رضَا إِلَّا فِيمَا علم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضَاهُ وَالله
أعلم. ثمَّ لَا خُصُوصِيَّة للزَّوْجَة بِهَذَا الْمَعْنى بل غَيرهَا مِمَّا علم أَنه للصلة كَذَلِك وتذكر قَول (خَ) فِي النَّفَقَات: إِلَّا لصلة الخ. وَفِي الِاسْتِحْقَاق من العلمي عَن الونشريسي أَن لوَرَثَة الزَّوْجَة طلب الزَّوْج بِمَا اغتله من مَال زَوجته وَله استحلافهم إِن ادّعى عَلَيْهِم إِذْنهَا بِأَكْلِهِ بِغَيْر عوض وَهِي من دَعْوَى يَمِين الْمَعْرُوف ومعروف الْمَذْهَب توجيهها، وَكَذَا يرجع على بعض الْوَرَثَة إِن استبد باغتلال موروثهم مَا لم يكن سكوتهم عَنهُ على وَجه الْهِبَة اه. وَفِي المعيار إِثْر مَا مر عَنهُ بِنَحْوِ الورقتين عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الأغصاوي أَنه سُئِلَ عَن رجل لَهُ ابْن بَالغ متزوج بَائِن عَنهُ، فَكَانَ الابْن يحرث أَرضًا لوالده ويستغلها لنَفسِهِ بِمحضر وَالِده وَعلمه، وَرُبمَا حرثها ببقر وَالِده ثمَّ مَاتَ الْأَب وَالِابْن فَقَامَ وورثة الْأَب على وَرَثَة الابْن يطلبونهم بغلة الأَرْض الْمَذْكُورَة، وَلَا يدْرِي بِمَا استغلها الابْن هَل بِإِذن وَالِده أم لَا؟ فَأجَاب: لَا شَيْء لوَرَثَة الْأَب على وَرَثَة الإبن من الْغلَّة الَّتِي استغل فِي حَيَاة أَبِيه اه. وَانْظُر شَارِح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي الْبَوَادِي الخ. فَفِيهِ أَن الْمَرْأَة لَا أُجْرَة لَهَا على زَوجهَا فِيمَا جرت الْعَادة بخدمتها من نسج وغزل ورعاية وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم. وَانْظُر نَوَازِل الْغَصْب والتعدي من العلمي إِن شِئْت، وَانْظُر أَيْضا مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَة عَن العبدوسي. (وَالْخلف) فِي استغلاله (بِالسُّكْنَى) مَعهَا فِي دارها (على الْخُصُوص) فَفِي كتاب الْعدة مِنْهَا أَن لَهَا الْكِرَاء إِن كَانَ الزَّوْج مُعسرا حِين السُّكْنَى مَعهَا وإلاَّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَفِي كتاب كِرَاء الدّور مِنْهَا لَا كِرَاء لَهَا عَلَيْهِ، وَإِن كَانَت تسكن بالكراء إِلَّا إِن تبين لَهُ ذَلِك وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَإِن تزوج ذَات بَيت وَإِن بكرا فَلَا كِرَاء إِلَّا أَن تبين الخ. وَهَذَا إِذا كَانَت رَشِيدَة وإلاَّ فلهَا الْكِرَاء، وَظَاهر القَوْل بالسقوط الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) أَنه لَا كِرَاء حَيْثُ لم تبين وَلَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة بِأَن لَا يسكن فِي دارها إِلَّا بالكراء وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْن لب كَمَا فِي المعيار قَائِلا: لِأَن الْقَائِل بالسقوط أطلق وَمَا فصل وَلَا قيد وَفِيمَا قَالَه شَيْء لقَوْل الْقَرَافِيّ: الْأَحْكَام مَبْنِيَّة على العوائد
تَدور مَعهَا حَيْثُ دارت بِإِجْمَاع. انْظُر شرحنا للشامل، وَمثل دارها دَار أمهَا أَو أَبِيهَا وَأما دَار أَخِيهَا أَو عَمها فَإِن طَالَتْ الْمدَّة فَلَا شَيْء لَهما عَلَيْهِ، وَإِذا قصرت الْمدَّة حلفا أَنَّهُمَا إِنَّمَا أسكناه بِالْأَجْرِ قَالَه اللَّخْمِيّ. كَذَاكَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ مُتِّعَ إنْ مَاتَ كَمثْلِ مَا سَكَنْ (كَذَاك مَا استغله) الزَّوْج (من غير أَن متع) أَي من غير أَن تبيح لَهُ ذَلِك الاستغلال وَتسقط رُجُوعهَا بِهِ عَلَيْهِ نصا أَو عَادَة وَهِي رَشِيدَة فَالْحكم فِيهِ (إِن مَاتَ) الزَّوْج فَمَا من قَوْله مَا استغله مُبْتَدأ صلته مَا بعده وَخَبره (كَمثل مَا سكن) وَقَوله. فِيهِ خِلافٌ وَالَّذِي بِهِ الْعَمَلْ فِي المَوْتِ أَخْذُهَا كِرَاء مَا اسْتَغَلْ (فِيهِ خلاف) مُبْتَدأ وَخبر. وَقَوله: كَذَاك حَال مِنْهُ أَي مَا استغله من غير تمتيع إِن مَاتَ الزَّوْج كَائِن كَمثل مَا سكن فِيهِ خلاف حَال كَونه كالخلاف فِي السُّكْنَى، فعلى مَا فِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الْعدة لَهَا ذَلِك، وعَلى مَا فِي كتاب كِرَاء الدّور لَا شَيْء لَهَا. هَكَذَا أجْرى بَعضهم الْخلاف فِيهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وحكاية الْخلاف هَهُنَا توجب جَرَيَانه فِي قَوْله لَهَا الْقيام بعد فِي الْمَنْصُوص إِذْ لَا فرق بَين مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ إِلَّا كَون الزَّوْج قد مَاتَ هُنَا وَهُنَاكَ لَا زَالَ حَيا، وَلَيْسَت حَيَاته مُوجبَة اخْتِصَاصه بِحكم لَا يثبت لَهُ فِي مَوته لِأَن وَارثه قَائِم مقَامه فَكَأَنَّهُ حَيّ، فَلَو اسْتغنى النَّاظِم بِمَا مر عَمَّا هُنَا لكفاه. (وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل فِي الْمَوْت أَخذهَا كِرَاء مَا استغل) وَحَاصِله؛ أَن قَول مَالك لم يخْتَلف فِي رُجُوعهَا بِمَا أكله من مَالهَا كَمَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة، لَكِن خرج الْخلاف فِيهِ من اخْتِلَاف قَوْله فِي السُّكْنَى كَانَ حَيا أَو مَيتا، ويقيد هَذَا الْعَمَل بِمَا تقدم عَن ابْن رشد وَغَيره وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: من غير أَن متع أَنَّهَا إِن متعته بذلك لَا رُجُوع لَهَا وَهُوَ كَذَلِك، إِلَّا أَن التمتيع إِذا كَانَ فِي عقد النِّكَاح فَإِن النِّكَاح فَاسد كَمَا مرّ. فرع: قَالَ فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين من التَّبْصِرَة: إِذا بنى الرجل فِي دَار امْرَأَته وَأنْفق فِي ذَلِك نَفَقَة ثمَّ قَامَ يطْلب ذَلِك وَقَالَت هِيَ: إِن النَّفَقَة كَانَت من مَالِي، فَإِن أقرّ أَن الْبناء لَهَا كَانَ القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا على الْأَظْهر من الْأَقْوَال، وَإِن قَالَ: إِنَّمَا بنيت لنَفْسي بأمرها وبمالي فَالْقَوْل قَوْله إِن النَّفَقَة من مَاله من غير خلاف اه. وَحَاضِرٌ لِقَسْمِ مَتْرُوكٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ أَهْمَلَهُ (وحاضر) عَالم بِدِينِهِ سَاكِت بِلَا عذر (لقسم) مَال (مَتْرُوك) عَن ميت (لَهُ) أَي لذَلِك الْحَاضِر (عَلَيْهِ) أَي على الْمَيِّت الَّذِي ترك المَال (دين لم يكن أهمله) أَي أسْقطه بِوَجْه. لَا يُمْنَعُ الْقِيَامَ بَعْدَ أَنْ بَقِي لِلْقَسْم قَدْرُ دَيْنِهِ المُحَقَّقِ (لَا يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْقيام) بِدِينِهِ (بعد) صُدُور ذَلِك الْقسم (إِن بَقِي للقسم) أَي
لأجل الْقسم فِي الْمُسْتَقْبل (قدر دينه الْمُحَقق) لِأَنَّهُ يَقُول: إِنَّمَا سكت لكَون الْبَاقِي بِلَا قسم فِيهِ وفاه بديني. وَيَقْتَضِي مِنْ ذَاكَ حَقًّا مَلَكَهْ بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا تَرَكَهْ (وَيَقْتَضِي من ذَاك) الْبَاقِي بِلَا قسم (حَقًا) أَي دينا (ملكه) وَثَبت لَهُ (بعد الْيَمين) يتَعَلَّق بيقتضي أَي يَقْتَضِي حَقه من ذَلِك الْبَاقِي بعد حلفه (أَنه مَا تَركه) وَلَا أسْقطه بسكوته حَال الْقسم، ثمَّ بعد هَذِه الْيَمين يحلف يَمِين الْقَضَاء فَعَلَيهِ يمينان. الأولى لرفع احْتِمَال أَن يكون أسقط دينه بسكوته حَال الْقسم، وَالثَّانيَِة لرفع احْتِمَال أَن يكون اقْتضى حَقه من الْمَيِّت فِي حَيَاته أَو أَحَالهُ بِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَمَفْهُوم إِن بَقِي قدر دِيَته أَنه إِن بَقِي أقل فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلَّا ذَلِك الْأَقَل بعد يَمِينه أَيْضا وَأَنه إِن لم يبْق شَيْء فَلَا شَيْء لَهُ، وَظَاهره وَسَوَاء قسم ذَلِك الْغُرَمَاء أَو الْوَرَثَة وَهُوَ كَذَلِك وَلَا مَفْهُوم لدين بل كَذَلِك لَو كَانَت لَهُ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا، أَو كَانَ شَرِيكا مَعَه فِي دَار وَنَحْوهَا فَقَسمهَا الْوَرَثَة أَو الْغُرَمَاء أَو باعوها وَهُوَ حَاضر ينظر فَلَا قيام لَهُ، بل ذكر فِي الْمُدَوَّنَة أَن رب الدّين إِذا حضر تفليس الْغَرِيم فَلم يقم بَطل حَقه، وَإِن لم يحضر الْقِسْمَة قَالَ فِيهَا: وَمن كَانَ من الْغُرَمَاء حَاضرا عَالما بتفليسه فَلم يقم مَعَ من قَامَ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْغُرَمَاء، وَذَلِكَ رضَا مِنْهُ بِبَقَاء دينه فِي ذمَّة الْغَرِيم، ابْن يُونُس، قَالَ بعض الْفُقَهَاء: اخْتلف ابْن الْقَاسِم وَغَيره إِذا كَانُوا حضوراً حَال التَّفْلِيس وَلم يحضروا حَال الْقِسْمَة، فَأَما إِن حَضَرُوا حَال الْقِسْمَة وسكتوا فَلَا رُجُوع لَهُم على الْغُرَمَاء بِلَا خلاف، وَقَوْلِي: عَالما بِدِينِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَ مَا علمت بِالدّينِ إِلَّا حِين وجدت الْوَثِيقَة فَإِنَّهُ يحلف وَيكون لَهُ الْقيام اتِّفَاقًا فقد قَالَ ابْن حَارِث: اتَّفقُوا على أَن من أَخذ من رجل مَالا يجب لَهُ بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء ثمَّ ثَبت الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ يرد مَا أَخذه اه. بل فِي (ح) أَوَائِل الِاسْتِحْقَاق: أَن من اشْترى شَيْئا وَهُوَ يرى أَن لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجد بَينته فَلهُ الْقيام وَأخذ الثّمن من البَائِع، وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه إِنَّمَا اشْتَرَاهُ لما ذكر اه. قَالَ ابْن رحال: وَأَحْرَى لَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ غير عَالم أَنه لَهُ اه. وَقَوْلِي: بِلَا عذر احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لَهُ عذر كسلطان يتمنعون بِهِ أَو لم يعرف شُهُوده أَو كَانُوا غيباً أَو لم يجد ذكر حَقه إِلَّا عِنْد قِيَامه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعْذر بِهِ فَإِنَّهُ يحلف مَا كَانَ تَركه الْقيام إِلَّا للْوَجْه الَّذِي ذكره، ثمَّ يكون على حَقه وَإِن طَال زَمَانه قَالَه فِي التَّبْصِرَة. وَقَوله: أَو لم يجد ذكر حَقه الخ. نَحوه لِابْنِ سَلمُون فِي فصل الْإِقْرَار وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه لَو قَالَ: كنت أعلم
ديني وَلَكِن كنت أنْتَظر الْوَثِيقَة وَخفت إِن قُمْت عجزني القَاضِي، أَو قَالَ: لم أجد الْوَثِيقَة الَّتِي نقوم بهَا فَلذَلِك سكت حِين الْقسم، والآن وَجدتهَا لَكَانَ ذَلِك من الْعذر الَّذِي لَا يبطل بِهِ حَقه، وَهُوَ الَّذِي رَجحه الونشريسي فِي شرح ابْن الْحَاجِب، وَنَقله العلمي فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْغَصْب من نوازله، وَرجحه أَيْضا الرهوني فِي حَاشِيَته فَمَا فِي (ح) عَن الْجُزُولِيّ وَالشَّيْخ يُوسُف بن عمر من أَن ذَلِك لَيْسَ بِعُذْر لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله فِي فصل الْحَوْز. فَإِن قلت: قد قَالَ (خَ) فِي بَاب الصُّلْح: لَا إِن علم بَيِّنَة وَلم يشْهد الخ. والجاري عَلَيْهِ أَنه لَا يعْذر بقوله: إِنَّمَا لم أقِم لعدم وجودي للوثيقة أَو لكَون الشُّهُود غيباً لعدم إشهاده بذلك. قُلْنَا: قد يفرق بَينهمَا بِأَنَّهُ فِي الصُّلْح وجد مِنْهُ عقد فَلَا يصدق فِي ذَلِك مَعَ عدم الْإِشْهَاد، وَهَذَا إِنَّمَا وجد مِنْهُ سكُوت وَهُوَ لَيْسَ بِرِضا كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن إِلَّا فِيمَا علم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضا كَمَا فِي بيع الْفُضُولِيّ وهبته قَالَه ابْن رشد أَيْضا، وَنقل (ح) بعضه فِي بَاب الْإِقْرَار فالساكت أَضْعَف من الْعَاقِد للصلح وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي نَوَازِل الِاسْتِحْقَاق من المعيار: سُئِلَ ابْن الفخار عَن إخْوَة ورثوا عَن أَبِيهِم أملاكاً فاعتمروها زَمَانا واقتسموها فِيمَا بَينهم، وَلَهُم أَخَوَات فِي بُيُوتهنَّ ساكنات مَعَهم فِي الْقرْيَة أَو فِي قَرْيَة بَائِنَة بِالْقربِ مِنْهُم، ثمَّ يقوم الْأَخَوَات على الْإِخْوَة بعد الْقِسْمَة ويحتج الْإِخْوَة عَلَيْهِنَّ بِالْقِسْمَةِ ويدعين الْجَهْل وأنهن لم يعلمن أَن الْقسم يقطع حقوقهن. فَأجَاب: بأنهن يحلفن على ذَلِك ويأخذن حقوقهن اه. قلت: هَذَا مُخَالف لما مر أول الْفَصْل من أَن السَّاكِت لَا يعْذر بجهله، وَأَن السُّكُوت يقطع حَقه، وَمَا لِابْنِ الفخار كَأَنَّهُ اعْتمد فِيهِ أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه صدق، وَنَحْوه لأبي الْحسن وَنَقله عَنهُ فِي وَصَايَا المعيار فِي بكر تَصَدَّقت بميراثها على إخوتها فَتزوّجت، واقتسم الْأُخوة ذَلِك وَبَاعُوا وَبعد عشر سِنِين قَامَت زاعمة أَنَّهَا إِنَّمَا سكتت لجهلها بِأَن الْبكر الْمُهْملَة لَا تلزمها صدقتها فَقَالَ: القَوْل قَوْلهَا لِأَن مَا ادَّعَت الْجَهْل فِيهِ مِمَّا يجهله الْعَوام غَالِبا وَلَا يعرفهُ إِلَّا أهل الْفِقْه، وقاعدتهم أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه غَالِبا فَالْقَوْل قَوْله فِي جَهله والنصوص فِي ذَلِك كَثِيرَة اه. وَمثله فِي الْبُرْزُليّ فِي مَوَاضِع من ديوانه، فَانْظُرْهُ بعد الْكَلَام على بعث الْحكمَيْنِ بأوراق، وَلَكِن لما نقل فِي المعيار مَا مر عَن أبي الْحسن قَالَ منكتاً عَلَيْهِ مَا نَصه، قَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَن كل مَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر لَا يعْذر الْجَاهِل فِيهِ بجهله، وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فَإِن كَانَ مِمَّا يَسعهُ ترك تعلمه عذر بجهله وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَسعهُ ترك تعلمه لم يعْذر بجهله، فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة يرد إِلَيْهَا مَا شَذَّ عَنْهَا اه. قَالَ: فَتَأَمّله مَعَ ضَابِط الشَّيْخ يَعْنِي أَبَا الْحسن اه. وَقد أَشَارَ فِي الْمنْهَج إِلَى هَذِه الْقَاعِدَة وَصدر بِمَا لِابْنِ رشد فَانْظُرْهُ وَقد قَالَ الْمقري فِي قَوَاعِده: الْجَهْل بِالسَّبَبِ عذر كتمكين الْمُعتقَة جاهلة بِالْعِتْقِ وبالحكم قَولَانِ للمالكية كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار، وَالصَّحِيح أَن الْفرق بَين مَا لَا يخفى غَالِبا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَمَا قد يخفى مثل تمكينها بِأَن لَهَا الْخِيَار اه. وَقد جرى على هَذَا التَّصْحِيح (خَ) فِي قَوْله فِي الْعُيُوب: وَخير مُشْتَر ظَنّه غَيرهمَا، وَبِالْجُمْلَةِ فالجهل بِالسَّبَبِ عذر اتِّفَاقًا، وَالْجهل بالحكم غير مُؤثر على الْمَشْهُور
كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار وكإسقاط الشُّفْعَة جَاهِلا بِالْبيعِ عَالما وُجُوبهَا، وَالصَّحِيح الْفرق بَين مَا لَا يخفى كجهل الحكم فِي الزِّنَا وَالشرب وَالسَّرِقَة وَبَين مَا قد يخفى كجهل الْمُعتقَة أَن لَهَا الْخِيَار، وَلذَلِك علل ابْن الْعَطَّار الْمَشْهُور بِمَا إِذا اشْتهر ثُبُوت الْخِيَار لَهَا بِحَيْثُ لَا يخفى على أمة وَأما إِن أمكن جهلها فَلَا اه. قَالَ فِي ضيح: الْأَقْرَب بِأَن قَول ابْن الْعَطَّار تَقْيِيد وَظَاهر ابْن الْحَاجِب وَغَيره أَنه مُقَابل اه. وَقد جرى على هَذَا التَّقْيِيد والتصحيح شرَّاح الْمَتْن عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات: وليجب عَن الْقصاص العَبْد، وَعَن الْأَرْش السَّيِّد، وَعند قَوْله: وليبين الْحَاكِم حكمه. وَجرى عَلَيْهِ (ح) فِي الْوكَالَة حَيْثُ نقل عَن الرعيني أَن الْعَاميّ إِذا أنكر أصل الْمُعَامَلَة لَا يضرّهُ، وَأهل التوثيق قاطبة على خلَافَة وَقد أطْلقُوا وَمَا فصلوا وَلَا قيدوا، وَكَذَا مَا ذكره ابْن عبد السَّلَام من أَن الشَّاهِد إِذا شهد وَحلف لَا تسْقط شَهَادَته وَهُوَ خلاف إِطْلَاق (خَ) وَغَيره. انْظُر الْعمريّ من شرح الشَّامِل، وَانْظُر مَا ذكره شرَّاح الْمَتْن فِي الرَّاهِن لَا يقْضى عَلَيْهِ بالتعجيل إِذا وهب الرَّهْن ظَانّا أَنه لَا يقْضى عَلَيْهِ بفكه عِنْد قَوْله فِي الْهِبَة ورهناً لم يقبض، وَمِنْهَا مَا قَالُوهُ فِيمَن اشْترى شِقْصا جَاهِلا بِأَن شريك بَائِعه مُتحد مدخله مَعَ بَائِعه فَهُوَ عيب يرد بِهِ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي الصَّفْقَة من اللامية إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يدْخل تَحت الْقَاعِدَة، وَقد وَقع النزاع فِي النَّازِلَة وَقت ولايتنا خطة الْقَضَاء بفاس، فَكتبت فِي النَّازِلَة مَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ فِي نَوَازِل الْحجر من نوازلنا وَالله أعلم. الثَّانِي: كثيرا مَا يَقع فِي الْبَوَادِي يقسم الْإِخْوَة وَنَحْوهم وَتعلم الْأُخْت وَنَحْوهَا أَن حظها خرج مَعَ شقيقها مثلا وَهِي ساكتة ثمَّ يَبِيع الْأَخ الْكل أَو الْبَعْض، ثمَّ تقوم الْأُخْت وتريد نقض الْقِسْمَة لِأَنَّهَا لم ترض فَلَا كَلَام لَهَا على مَا مر عَن ضيح وَغَيره، وَلها ذَلِك على مَا لِابْنِ الفخار إِن جهلت أَن السُّكُوت يقطع حَقّهَا.
(فصل فِي بيع المضغوط)
وَهُوَ من أكره على البيع أَو على سَببه قَالَ فِي الْقَامُوس: الضغطة بِالضَّمِّ الضّيق وَالْإِكْرَاه والشدة، (وَمَا أشبهه) من بيع الْمَغْصُوب مِنْهُ للشَّيْء الْمَغْصُوب. وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقَ شَرْعِي بالْقَهْرِ مَا لَا تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي (وَمن يبع فِي غير حق شَرْعِي بالقهر) مُتَعَلق بقوله يبع (مَا لَا) مفعول كَانَ ذَلِك المَال أصلا أَو غَيره (تَحت ضغط) أَي ضيق وَشدَّة (مرعي) أَي مُعْتَبر بِأَن يكون كَمَا فِي (خَ) بخوف مؤلم من
قتل أَو ضرب أَو سجن أَو قيد أَو صفع لذِي مُرُوءَة بملأ أَو قتل وَلَده أَو أَخذ مَاله، وَهل إِن كثر تردد اه.؟ فَإِذا خَافَ نزُول شَيْء بِهِ من هَذِه الْأُمُور حَالا أَو مَآلًا فَبَاعَ، وَأَحْرَى لَو نزل بِهِ بَعْضهَا بِالْفِعْلِ فَإِن بَيْعه غير لَازم لعدم تَكْلِيفه لِأَنَّهُ مكره وَالْمكْره غير مُكَلّف. قَالَ الشَّارِح: والإهانة الملزمة لمن لَا تلِيق بِهِ إِكْرَاه قَالَ فِي نَوَازِل الْكفَالَة من الْبُرْزُليّ فِي قوم تضامنوا لعداوة كَانَت بَينهم: إِن مَا ذهب لأَحَدهم ضمنه الْآخرَانِ الْكفَالَة غير لَازِمَة لوُجُود الْإِكْرَاه بالخوف من رُجُوع الْعَدَاوَة، وَسَوَاء اسْتمرّ التخويف بِمَا تقدم حَتَّى وَقع عقد البيع أَو لم يسْتَمر بل وَقع الْإِكْرَاه على نفس البيع أَو على سَببه، ثمَّ ترَاخى البيع إِلَى نَحْو الشَّهْر والشهرين مثلا كَمَا قَالَه ولد النَّاظِم، وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما لِابْنِ لب من أَنه لَا ضغط حَيْثُ تَأَخّر العقد عَنهُ وَاحْترز بقوله: مرعي مِمَّا بيع حَيَاء أَو رَغْبَة أَو على مَال تافه، وَأما الْخَوْف على أَجْنَبِي فصصح ابْن بشير قَول أَشهب: بِأَنَّهُ لَا إِكْرَاه، وَقَالَ ابْن بزيزة: إِنَّه الْمَشْهُور وَأَحْرَى خَوفه على قتل أَبِيه أَو عَمه، بل صرح ابْن فَرِحُونَ بِأَن المعرة إِكْرَاه وَلَا يخفى أَن قتل الْأَجْنَبِيّ عِنْد الْمُؤمن أعظم من صفع قَفاهُ وَمَفْهُوم قَوْله فِي غير حق شَرْعِي: إِن مَا إِكْرَاه على بَيْعه لحق شَرْعِي لَيْسَ بأكراه كقضاء دين أَو لتوسيع مَسْجِد وَنَحْوهمَا من النَّظَائِر الَّتِي ذكرهَا الشَّارِح عِنْد قَول (خَ) : لَا إِن أجبر عَلَيْهِ جبرا حَرَامًا الخ. وَانْظُر الْبَاب الثَّانِي من التَّبْصِرَة و (ح) أول الْغَصْب وَسَائِر الشُّرُوح عِنْد قَوْله: وَلَو عين السّرقَة أَو أخرج الْقَتِيل. فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ بَاعَ يَجُوزُ المُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ (فَالْبيع إِن وَقع) على وَجه الضغط الْمَذْكُور سَوَاء بَاعَ المضغوط بِنَفسِهِ أَو وكل عَلَيْهِ (مَرْدُود) على بَائِعه بِإِجْمَاع فِيمَا إِذا أكره على نفس البيع وَيرد الثّمن للْمُشْتَرِي إِلَّا أَن تقوم الْبَيِّنَة على تلفه عِنْد البَائِع بِغَيْر سَببه، فَإِن تقم الْبَيِّنَة بذلك بل ادَّعَاهُ البَائِع فَقَط فَفِي تَصْدِيقه قَولَانِ لسَحْنُون، وَيظْهر رُجْحَان الأول لِأَن الثّمن لم يقبضهُ البَائِع لحق نَفسه إِذْ هُوَ غير رَاض بِهِ فَهُوَ عِنْده كالأمانة فَيصدق فِي تلفهَا بِغَيْر سَببه، وَأما إِن أكره على سَبَب البيع كَمَا إِذا أكره على إِعْطَاء مَال ظلما فَبَاعَ أمتعته لذَلِك، فَالْمَشْهُور أَنه مَرْدُود أَيْضا وَيَأْخُذ البَائِع شَيْئه بِلَا ثمن كَمَا قَالَ:(وَمن بَاعَ يجوز) الشَّيْء (المُشْتَرِي) مِنْهُ (دون ثمن) يَدْفَعهُ للْمُشْتَرِي، وَظَاهره أَنه يَأْخُذهُ بِلَا ثمن وَلَو لم يعلم المُشْتَرِي بالضغط وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون و (ح) وَغير وَاحِد من شرَّاح (خَ) قَالَ فِي الشَّامِل: إِلَّا أَن الْعَالم آثم كَالْغَاصِبِ وَعَلِيهِ الضَّمَان مُطلقًا وَلَا غلَّة لَهُ
وَلغيره الْغلَّة وَلَا يضمن الْعقار وَيضمن مَا أكل أَو لبس وَيبْطل عتقه وَوَقفه اه. خلافًا لما لِابْنِ رشد فِي نوازله من أَنه إِنَّمَا يَأْخُذهُ دون ثمن إِن علم المُشْتَرِي بالضغط وإلاَّ فَلَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِالثّمن، وَظَاهره أَيْضا أَنه يَأْخُذهُ دون ثمن علم أَن الظَّالِم أَو وَكيله قَبضه من المضغوط أَو من المُشْتَرِي أَو جهل هَل دَفعه المُشْتَرِي للظالم أَو لوَكِيله أَو لرب الْمَتَاع أَو هَل دَفعه المضغوط للظالم أَو بَقِي عِنْده، وَهل صرفه فِي مَصَالِحه أَو لَا؟ وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع وَوَجهه أَنه لما ثَبت أصل الضغط حمل على أَخذ الظَّالِم لَهُ عِنْد الْجَهْل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن علم بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَنه صرفه فِي مصَالح نَفسه أَو أتْلفه عمدا أَو خطأ فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ بِالثّمن حِينَئِذٍ. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن الْمَبِيع مَرْدُود عَلَيْهِ بِلَا ثمن فِيمَا إِذا أكره على سَبَب البيع هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن كنَانَة: البيع لَازم نَافِذ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مأجور لِأَنَّهُ أنقذه من الْعَذَاب، وَبِه أفتى السيوري وَاللَّخْمِيّ، وَعَلِيهِ الْعَمَل بفاس ونواحيها قَالَ ناظمه: وَبيع مضغوط لَهُ نُفُوذ الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا أسلم للمضغوط فِي زيتون وَنَحْوه فالسلم لَازم لَهُ، وَإِذا تسلف مَالا لفكاك نَفسه أَو أعْطى حميلاً فغرم الْحميل عَنهُ فَإِن المسلف والحميل يرجعان عَلَيْهِ وَلَا مقَال لَهُ، وَهَذَا إِذا كَانَت الْحمالَة وَالسَّلَف بسؤال من المضغوط وإلاَّ فَلَا إِذا كَانَ يُرْجَى فكاكه بِدُونِ مَال، وَإِذا لزمَه البيع على مَا بِهِ الْعَمَل فأحرى أَن يلْزم أَبَاهُ أَو أَخَاهُ أَو عَمه أَو أَجْنَبِيّا إِذا باعوا مَتَاع أنفسهم لفكاكه ويرجعون عَلَيْهِ بِمَا غرموا عَنهُ إِذْ غَايَته أَنهم مسلفون، بل لَو أكره الظَّالِم يَتِيما مراهقاً أَو سَفِيها على إِعْطَاء مَال فَبَاعَ كافله شَيْئا من أمتعته لفكاكه وَكَانَ البيع على وَجه السداد لَكَانَ مَاضِيا عَلَيْهِ كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ وَنَقله اليزناسني وَغَيره، وَكَذَا لَو أكره رجلا على أَن يغرم عَن أَخِيه الْغَائِب مَالا فَبَاعَ الرجل شَيْئا من مَتَاع أَخِيه فَالْبيع نَافِذ كَمَا قَالَه فِي الِاسْتِحْقَاق من المعيار فِي رجل أكرهه السُّلْطَان على أَن يغرم مَالا عَن أَخِيه فَبَاعَ مَتَاعه ومتاع أَخِيه أَن البيع نَافِذ وَيرجع على أَخِيه بِمَا غرمه اه. وَكَذَا وقفت عَلَيْهِ لبَعض فُقَهَاء الفاسيين فِي امْرَأَة أكرهها الْحَاكِم على أَن تُؤدِّي عَن وَلَدهَا الْغَائِب ثمنا فباعت شَيْئا من مَتَاع الْوَلَد أَن البيع لَازم، وَاحْتج بِمَا عَن المعيار.
قلت: وَعَلِيهِ فَلَو أَخذ السُّلْطَان رجلا بِمَال ظلما أَو فِي جِنَايَة اتهمَ بهَا فهرب فَأخذت جمَاعَة بِسَبَبِهِ فباعوا أملاكه على وَجه السداد لأَدَاء مَا أخذُوا بِهِ، فَالْبيع لَازم لَهُ فَتَأَمّله، وَمَا مر عَن المعيار نَحوه لَهُ فِي الْوَصَايَا مِنْهُ أَيْضا فِي وَصِيّ أَخذ بِسَبَب مَحْجُوره حَتَّى أدّى مَالا فَإِن ذَلِك يكون فِي مَال الْمَحْجُور، وَمثله فِي الْأَقْضِيَة مِنْهُ. وَانْظُر مَا كتبناه فِي أجوبتنا لحاج عبد الْقَادِر محيي الدّين على الحَدِيث الْكَرِيم الَّذِي رَوَاهُ مُسلم، وَنَقله ابْن فَرِحُونَ وَغَيره فِي أَحْكَام السياسة فِي كَون الرجل يُؤَاخذ بجريرة قومه، وَهِي أجوبة نفيسة مُشْتَمِلَة على نَحْو الْخمس كراريس تعينك على ضبط هَذَا الْبَاب وتفيدك عدم مُعَارضَة الحَدِيث الْكَرِيم لقَوْله تَعَالَى: وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 164) أَي لَا تؤاخذ نفس بذنب غَيرهَا، وفيهَا الْكَلَام على حكم الفكاك الْوَاقِع بَين الْقَبَائِل وَالله أعلم. الثَّانِي: الضغط على الشِّرَاء كالضغط على البيع، فَفِي المعيار عَن القلشاني أَن من اشْترى سلْعَة مُعينَة يَدْفَعهَا فِي مظْلمَة وَالْبَائِع يعلم بضغطه هُوَ بِمَنْزِلَة بيع المضغوط وَيرجع بَائِعهَا بِالثّمن أَو بِأَعْيَانِهَا إِن وجدت على الضاغط اه. وعَلى مَا بِهِ الْعَمَل يكون الشِّرَاء لَازِما للْمُشْتَرِي المضغوط على شِرَائهَا. قلت: وَيبقى النّظر إِذا أكرها مَعًا هَذَا أكره على البيع وَالْآخر أكره على الشِّرَاء وَالثمن يَأْخُذهُ الضاغط، وَذَلِكَ لِأَن الضاغط أَرَادَ أَن يغرم البَائِع مَالا فَلم يجد البَائِع من يَشْتَرِي مِنْهُ فضغط المُشْتَرِي أَيْضا على الشِّرَاء ليدفع الثّمن للْبَائِع فَيَأْخذهُ الضاغط وَالْمُشْتَرِي عَالم بالضغط أَو يكون الضاغط إِنَّمَا أَرَادَ أَخذ مَال المُشْتَرِي فيكرهه على شِرَاء دَار فلَان مثلا، فعلى الْمَشْهُور لَا شكّ أَن البَائِع لَا يلْزمه البيع وَيرجع المُشْتَرِي بِثمنِهِ على الضاغط فَإِن تلف الْمَبِيع بِيَدِهِ فَلَا يضمنهُ البَائِع، وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل فَانْظُر هَل يكون البيع لَازِما لَهُ هَهُنَا أَيْضا نظرا للسبب أَو لَا يكون لَازِما نظرا إِلَى كَون المُشْتَرِي مكْرها، فَهُوَ قد دفع الثّمن لينقذ نَفسه من الْعَذَاب فَهُوَ الْمُكْره فِي الْحَقِيقَة وإكراه الآخر صوري فَقَط وَهُوَ الظَّاهِر، وَوَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة أَيَّام الْفِتْنَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من هَذَا الْقرن فبيعت على الْوَجْه الْمَذْكُور دور وحوانيت لَا تحصى حَتَّى إِنَّهُم باعوا حوانيت الأحباس ودور الْأَيْتَام وَلَا يخفى أَن الْمُكْره فِي حوانيت الأحباس والأيتام هُوَ المُشْتَرِي فَقَط لعدم تعلق الْإِكْرَاه بالأحباس والأيتام الصغار، وَانْظُر حاشيتنا على (ز) : وَإِذا زَالَ الْإِكْرَاه فعلى الْمَشْهُور لَا بُد من الْقيام بفور زَوَاله، كَمَا مر فِي بيع الْفُضُولِيّ إِذْ زَالَ عذر مَالِكه وَالله أعلم. وَانْظُر أَوَاخِر الكراس الأول من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر أَنه لَا يتَعَرَّض لنقض مُعَاملَة الْمُلُوك لقِيَام الْفِتْنَة بذلك، وَإِن كَانَ الْوَالِي جائراً وَذَلِكَ رَاجع إِلَى كَون المضغوط ينفذ بَيْعه وشراؤه الخ. وَالخُلْفُ فِي الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مُغْتَصَبْ ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِمَّنْ غَصَبْ (وَالْخلف فِي البيع لشَيْء مغتصب) على ثَلَاثَة أَقْوَال جَوَازه مُطلقًا وَمنعه مُطلقًا (ثَالِثهَا) وَهُوَ الْمَشْهُور (جَوَازه مِمَّن غصب) (خَ) ومغصوب أَي لَا يجوز بَيْعه إِلَّا من غاصبه زَاد: وَهل إِن رد
لرَبه مُدَّة تردد، وَاقْتصر فِي بَاب الْغَصْب على الْجَوَاز بِدُونِ الشَّرْط الْمَذْكُور حَيْثُ قَالَ: وَملكه إِن اشْتَرَاهُ وَلَو غَابَ الخ. فيستروح مِنْهُ عدم اشْتِرَاط الشَّرْط الْمَذْكُور وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْن رحال أَي: لَا يشْتَرط الرَّد وَلَا الْغرم عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله مِمَّن غصب أَنه لَا يجوز بَيْعه من غير الْغَاصِب قبل قَبضه من الْغَاصِب على هَذَا القَوْل الْمَشْهُور وَهُوَ كَذَلِك، وَلَو كَانَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِالْغَصْبِ وَهُوَ مِمَّن تَأْخُذهُ الْأَحْكَام لِأَنَّهُ شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَالْمَشْهُور مَنعه.
(فصل فِي مسَائِل من أَحْكَام البيع)
لَو قَالَ فِي أَحْكَام مسَائِل من البيع قَالَه (ت) . أَبٌ عَلَى بَنِيهِ فِي وِثَاقِ حجْرٍ لهُ يَبِيعُ بِالإطْلَاقِ (أَب) مُبْتَدأ سوغه قصد الْجِنْس (على بنيه فِي وثاق حجر لَهُ يَبِيع) خبر الْمُبْتَدَأ وعَلى بنيه مُتَعَلق بِهِ، وَفِي وثاق حَال من بنيه (بِالْإِطْلَاقِ) ذكر السَّبَب الَّذِي وَقع البيع لأَجله أم لَا. كَانَ السَّبَب أحد الْأَسْبَاب الَّتِي يَبِيع لَهَا الْوَصِيّ أم لَا كَبَيْعِهِ ليتجر لَهُ بِثمنِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَشَمل قَوْله: يَبِيع الخ. هبة الثَّوَاب لِأَنَّهَا بيع بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَيْسَ لَهُ أَن يهب للثَّواب، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِطْلَاقِ أَنه يَبِيع لسَبَب ولغير سَبَب أصلا كَمَا قد يتَبَادَر، إِذْ لَا يجوز فِيمَا بَينه وَبَين الله أَن يَبِيع لغير سَبَب أصلا. وَفِعْلُهُ عَلى السَّدَادِ يُحْمَلُ وَحَيْثُ لَا رَدَّ ابْنُهُ مَا يَفْعَلُ (وَفعله على السداد يحمل) حَتَّى يثبت خِلَافه إِلَّا أَن يكون هُوَ المُشْتَرِي لمَال ابْنه أَو يَشْتَرِي لوَلَده من نَفسه أَن يَبِيع لأَجْنَبِيّ ليصرف الثّمن فِي مصَالح نَفسه أَو لينفق مِنْهُ على نَفسه لفقره فِي زَعمه فَإِنَّهُ يحمل حِينَئِذٍ على غير السداد وَيرد كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو معدماً وَلَيْسَ لَهُ بَيْعه للإنفاق مِنْهُ على نَفسه إِلَّا بعد إِثْبَات الْعَدَم، وَظَاهره أَنه يحمل على مَا ذكر من السداد وَأَنه بَاعَ لمصْلحَة الْوَلَد، وَلَو بَاعَ باسم
نَفسه وَلم يذكر أَنه بَاعَ عَن وَلَده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون وضيح عَن ابْن الْقَاسِم وَأَحْرَى إِذا ذكر أَنه يَبِيعهُ عَن وَلَده وَلَا يدْرِي هَل بَاعه لمصْلحَة نَفسه أَو لوَلَده كَمَا فِي الْمُفِيد، وَظَاهر هَذَا أَنه يمْضِي بَيْعه وَيُمكن من قبض ثمنه وَلَو كَانَ فَقِيرا، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة فِي نِكَاح التَّحْكِيم وَنَقله أواسط الكراس الثَّالِث من أنكحة المعيار وَنَحْوه فِي الْفَائِق عَنهُ، وَبِه حكم ابْن عبد الرفيع أَنه لَا يُمكن من قبض مَال وَلَده حَيْثُ كَانَ فَقِيرا وَعَلِيهِ عول فِي لامية الزقاق حَيْثُ قَالَ: هَكَذَا منع وَالِد فَقير من أَخذ المَال للْوَلَد اعملا وَحِينَئِذٍ فيقيد مَا مر عَن ضيح والمفيد بِمَا إِذا كَانَ الْأَب مُوسِرًا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ فَقِيرا فالغالب أَنه يَبِيعهُ لمصْلحَة نَفسه فَلَا يحمل على السداد وعَلى فرض وجود السداد فَلَا يُمكن من قَبضه، وَهَذَا شَاهد لنزع الْوَصِيّ الْفَقِير من التَّقْدِيم كَمَا هُوَ ظَاهر وَلَا يَشْمَل قَوْله وَفعله الخ. الصَّدَقَة بِمَال وَلَده، وَفِي مَعْنَاهَا البيع بالمحاباة فَإِن ذَلِك يرد ابْن رشد حكم مَا بَاعه الْأَب من مَال وَلَده الصَّغِير لمصْلحَة نَفسه أَو حابى بِهِ حكم مَا وهبه أَو تصدق بِهِ يفْسخ فِي الْقيام كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو معدماً، وَحكمه فِي الْفَوات مَا ذكرته فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة غير أَنه إِذا غرم يرجع على الْأَب بِالثّمن اه. وَقَالَ قبل هَذَا: فرق ابْن الْقَاسِم بَين أَن يعْتق الرجل عبد ابْنه الصَّغِير أَو يتَصَدَّق بِهِ أَو يتَزَوَّج بِهِ فَقَالَ: إِن الْعتْق ينفذ إِذا كَانَ مُوسِرًا وَيغرم الْقيمَة وَيرد إِن كَانَ معدماً إِلَّا أَن يطول الأمد. قَالَ أصبغ: لاحْتِمَال أَن يكون حدث لَهُ أثْنَاء ذَلِك يسر لم يعلم بِهِ، وَأما إِن علم أَنه لم يزل عديماً فِي ذَلِك الطول فَإِنَّهُ يرد وَقَالَ: إِن الصَّدَقَة ترد كَانَ مُوسِرًا أَو معدماً فَإِن تلفت الصَّدَقَة بيد الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ بِأَمْر من السَّمَاء لم يلْزمه شَيْء وَغرم الْأَب الْقيمَة وَإِن فَاتَت بِيَدِهِ باستهلاك أَو أكل وَالْأَب عديم لزمَه غرم قيمتهَا وَلم يكن لَهُ على الْأَب رُجُوع. وَقَالَ فِي التَّزْوِيج: إِن الْمَرْأَة أَحَق بِهِ دخل بهَا أم لَا مُعسرا كَانَ الْأَب أَو مُوسِرًا وَيتبع الابْن أَبَاهُ بِقِيمَتِه اه. من طفي، ثمَّ قَالَ: فَالْحَاصِل على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم لَا فرق بَين يسر الْأَب وعسره فِي رد البيع وَالْهِبَة وَعدم رد مَا يتَزَوَّج بِهِ، وَإِنَّمَا الْفرق بَين الْيُسْر والعسر فِي الْعتْق وَهَذَا هُوَ مُرَاد (خَ) بقوله: كأبيه إِن أيسر الخ. قَالَ: وَأطَال (ح) بجلب كَلَام الْأَخَوَيْنِ وَترك مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمد وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك، ثمَّ إِذا وَقع البيع بالمحاباة وَالْأَب عديم وَفَاتَ فَإِن المُشْتَرِي يضمن الْمُحَابَاة هَذَا مَا يظْهر من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم. وَإِذا غرمها فَلَا يرجع على الْأَب كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. قَالَ فِي وكالات المعيار: إِذا بَاعَ الْأَب بالمحاباة بِالْأَمر الْبَين وَظهر سوء نظره لم يجز بَيْعه وَنقض وَلم يُمكنهُ القَاضِي بعد من النّظر فِي مَال وَلَده اه. بِاخْتِصَار. (وَحَيْثُ لَا) سداد بِأَن بَاعَ لمصْلحَة نَفسه أَو بمحاباة وغبن أَو جهل، هَل بَاعَ لمصْلحَة نَفسه أَو لوَلَده وَهُوَ فَقير على مَا تقدم عَن ابْن عَرَفَة (رد ابْنه) إِن رشد أَو القَاضِي إِذا اطلع عَلَيْهِ وَكَانَ الابْن لم يرشد (مَا يفعل) إِن كَانَ الْمَبِيع قَائِما وَإِن فَاتَ فَيجْرِي على مَا تقدم.
تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا شهِدت بَيِّنَة أَن البيع عَلَيْهِ سداد وَشهِدت أُخْرَى أَنه غير سداد فَإِن بَيِّنَة السداد تقدم حَيْثُ نُودي عَلَيْهِ الْمدَّة الْمُعْتَبرَة فِي بيع الأَصْل. قَالَه فِي شَهَادَات المعيار وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الْأَب إِذا اشْترى مَال وَلَده لنَفسِهِ مَحْمُول على غير السداد هُوَ الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة وضيح، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل، وَالَّذِي لِابْنِ سهل فِي أَحْكَامه أَن الْعَمَل جرى عِنْدهم على أَن الْأَب إِذا بَاعَ من ابْنه أَو ابْتَاعَ من مَاله لنَفسِهِ لم يعْتَرض وَيحمل أمره على التَّمام إِلَّا أَن يثبت الْغبن الَّذِي لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ، بِخِلَاف الْوَصِيّ إِذا بَاعَ من الْيَتِيم أَو ابْتَاعَ من مَاله لنَفسِهِ فَالْبيع مفسوخ إِلَّا أَن يثبت السداد اه. وَنَحْوه فِي الفشتالي قَائِلا: وَإِن عاوض الْأَب وَلَده الصَّغِير من نَفسه جَازَ ذَلِك كَالْبيع، وَبِه مضى الْعَمَل اه. وَنَحْوه لِابْنِ مغيث. وَنقل ذَلِك كُله ناظم الْعَمَل الْمُطلق فِي شَرحه فَتَأمل ذَلِك، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يحمل مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وضيح على مَا إِذا كَانَ الْأَب مِمَّن يتهم لكَونه غير متسع المَال، وَمَا فِي ابْن سهل وَمن مَعَه على مَا إِذا كَانَ متسع المَال وَالله أعلم. وَبَيْعُ مَنْ وصِّيَ لِلْمَحْجُورِ إلاّ لِمُقْتَضِ مِنَ المَحْظُورِ (وَبيع من وَصِيّ) مُبْتَدأ (للمحجور) يتَعَلَّق بِبيع وَاللَّام بِمَعْنى (على)(إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لمقتض) يتَعَلَّق بِبيع مُقَدّر (من الْمَحْظُور) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير: وَبيع الْوَصِيّ على مَحْجُوره مَمْنُوع إِلَّا أَن بِبيع لمقتض وَمُوجب أَي حَاجَة لنفقة أَو كسْوَة فَيجوز كَانَ الْمَبِيع عقارا أَو غَيره، وَلَا يحْتَاج إِلَى
إِثْبَات الْحَاجة للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله: وَأما إِن بَاعَ لغَيْرهَا من غِبْطَة كَمَا فِي (خَ) أَي كَثْرَة فِي الثّمن أَو لكَونه موظفاً ليوظفه بِمَا لَا توظيف عَلَيْهِ، أَو لكَونه حِصَّة لِيُبدلَهُ بكامل أَو لقلَّة غَلَّته لِيُبدلَهُ مِمَّا كثرت غَلَّته، أَو لكَونه بَين ذميين أَو جيران سوء وَهُوَ للسُّكْنَى لَا للغلة أَو لإِرَادَة شَرِيكه بيعا وَلَا مَال لَهُ يضم بِهِ صَفْقَة البيع أَو لخشية انْتِقَال الْعِمَارَة أَو لخوف الخراب وَلَا مَال لَهُ أَو لَهُ، وَالْبيع أولى فَهَل لَا بُد من إثْبَاته الْوَجْه الَّذِي يَبِيع لَهُ من هَذِه الْوُجُوه كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم. وَلَا يَكْفِي مُجَرّد ذكره بِاللِّسَانِ كَمَا فِي (ق) عَن ابْن رشد وَهُوَ قَول أبي عمرَان وَغَيره، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُدَوَّنَة كَمَا لأبي الْحسن، وَعَلِيهِ فَلَا يتم البيع حَتَّى يضمن الشُّهُود فِي الْوَثِيقَة معرفَة الْغِبْطَة والتوظيف وَنَحْو ذَلِك، وَإِلَّا كَانَ على المُشْتَرِي إِثْبَات ذَلِك وَإِلَّا نقض البيع وَلَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْوَجْه الَّذِي يَبِيع لَهُ، بل يَكْفِي ذكره لَهُ بِلِسَانِهِ، وَإِن لم يذكرهُ كَانَ البيع مَاضِيا لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فَيتم بَيْعه، وَإِن لم يذكر السَّبَب وعَلى الْمَحْجُور إِثْبَات أَنه بَاعَ لغير سَبَب وَهُوَ قَول الأندلسيين. الجزيري: وَهُوَ الْمَشْهُور. ابْن عاث: وَهُوَ قَول الشُّيُوخ قَدِيما وَبِه الْعَمَل، وَنَحْوه لأبي الْحسن والبرزلي وَغَيرهم فهما قَولَانِ شهر كل مِنْهُمَا (خَ) : ثمَّ وَصِيّه وَهل كَالْأَبِ أَو إِلَّا الرّبع فببيان السَّبَب خلاف، وَرجح ابْن رحال فِي الْحَاشِيَة هَهُنَا أَنه كَالْأَبِ فَمحل هَذَا الْخلاف إِذا بَاعَ عقار الْيَتِيم كَمَا ترى، وإلاَّ فَلَا يحْتَاج لبَيَان السَّبَب اتِّفَاقًا، وَلَكِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده فِي زَمَاننَا هَذَا هُوَ قَول أبي عمرَان لقلَّة ديانَة الأوصياء وَهُوَ ظَاهر النّظم كَمَا مر. وَلذَلِك قَالَ الْبُرْزُليّ: وَقع فِي أَحْكَام ابْن زِيَاد أَنه إِذا أقيم فِيمَا بَاعه الْوَصِيّ كَانَ على المُشْتَرِي إِثْبَات أَنه ابْتَاعَ بيعا صَحِيحا، وَأَنه بَاعَ لغبطة أَو فاقة أَو حَاجَة وَيتم الشِّرَاء اه. قلت: ولقلة ديانتهم جرى الْعَمَل بِإِدْخَال مَال الْأَيْتَام فِي ذمتهم فَيَقُولُونَ فِي زِمَام التَّرِكَة وَمَا صَار للمحجور فلَان هُوَ فِي ذمَّة حاجره فلَان إِلَى أَن يبرأ مِنْهُ بِمُوجب شَرْعِي، وَقد نصوا على أَنهم إِنَّمَا أدخلوها فِي ذمتهم خشيَة ادِّعَاء ضياعها لقلَّة ديانتهم وَالله أعلم. وَفِي الدّرّ النثير عَن أبي الْحسن: أَن الْوَصِيّ إِذا بَاعَ لغير حَاجَة بل لتزليج الدَّار فَإِن بَيْعه ينْقض، وَانْظُر إِذا بَاعَ الْمَحْجُور بِمحضر وليه فِي آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين عِنْد قَوْله: وَعكس هَذَا لِابْنِ سَحْنُون نمي الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي الْوَصَايَا من الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الموثقين مَا نَصه: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل أَن حكم مقدم القَاضِي حكم الْوَصِيّ فِي جَمِيع أُمُوره اه. وَكَذَا قَالَ ابْن رحال فِي الْحَاشِيَة: أَنه كالوصي، وَيظْهر مِنْهُ أَنه يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي الْوَصِيّ هَل لَا بُد من إِثْبَات
السَّبَب أم لَا؟ وَفِيه شَيْء إِذْ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) أَنه لَيْسَ كالوصي لِأَنَّهُ جعل مرتبته بعد مرتبته وَشرط فِيهِ شُرُوطًا لم يشترطها فِي الْوَصِيّ حَيْثُ قَالَ: ثمَّ حَاكم وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وإهماله وَملكه لما بيع وَأَنه الأولى وحيازة الشُّهُود لَهُ والتسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد والسداد فِي الثّمن، وَفِي تصريحه بأسماء الشُّهُود قَولَانِ الخ. فَعلم مِنْهُ أَن هَذِه الْأُمُور شُرُوط صِحَة فِي بَيْعه وَأَن القَاضِي أَو نَائِبه يَبِيع لوَاحِد من الْأَسْبَاب الْمُتَقَدّمَة بعد ثُبُوته اتِّفَاقًا أَو على الْمَشْهُور، إِذْ حَيْثُ كَانَ يجب عَلَيْهِ أَن يثبت أَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ مثلا وَنَحْوه وَلَا يصدق فِي ذَلِك، فأحرى أَنه يجب عَلَيْهِ إِثْبَات السَّبَب الَّذِي وَقع البيع لأَجله من كَونه قد قلت غَلَّته أَو بَين ذميين وَنَحْو ذَلِك، وَيبعد كل الْبعد أَن يُقَال يصدق فِي كَون الرّبع قد قلت غَلَّته على مَا للأندلسيين فِي الْوَصِيّ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّه كَهُوَ وَلَا يصدق فِي التسوق وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ مثلا على أَن الشَّيْخ طفي قَالَ: إِنَّمَا يَبِيع للأسباب الْمُتَقَدّمَة الْوَصِيّ، وَأما القَاضِي أَو نَائِبه فَإِنَّمَا يبيعان للْحَاجة وَهُوَ معترض بِمَا ل (ت) فِي شرح اللامية وَبِمَا فِي الدّرّ النثير حَسْبَمَا نَقله الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته وَالله أعلم. ثمَّ إِن المُرَاد بالسداد فِي الثّمن الخ. أَن لَا يُبَاع بالمحاباة وَأَن يكون الثّمن عينا لَا عرضا، وَلَا يشْتَرط بُلُوغه الْقيمَة كَمَا يَأْتِي فِي البيع على الْغَائِب، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِإِثْبَات ملكه إِثْبَات أَنه محوز بِيَدِهِ لِأَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا يَدعِي ملكيته لَهُ أَنه لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي بيع الْغَائِب. الثَّانِي: يفهم من كَون الْأُمُور الْمَذْكُورَة شُرُوط صِحَة فِي بيع الْحَاكِم أَنه إِذا بَاعَ تَرِكَة لقَضَاء الدُّيُون أَو لحَاجَة الْأَيْتَام وَنَحْو ذَلِك قبل إِثْبَات الموجبات فَإِنَّهُ ينْقض البيع، وَإِن فَاتَ لزمَه الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم يَوْم تعدِي، وَكَذَا إِذا بَاعَ وفرط فِي قبض الثّمن حَتَّى غَابَ المشترون اه. قَالَ السيوري: فَظَاهره أَنه مَحْمُول على غير وجودهَا وَهُوَ الصَّوَاب خلاف مَا فِي الكراس الأول من معاوضات المعيار ونوازل ابْن رشد من أَن بيع القَاضِي مَحْمُول على اسْتِيفَاء الموجبات وعَلى من ادّعى انخرامها إثْبَاته الخ. وَلما نقل بَعضهم مَا فِي المعيار أعقب ذَلِك بقوله: وَلَكِن مَا ذكر فِي غير قُضَاة الْوَقْت أما هم فَيحمل أمره على عدم إِثْبَات الموجبات لِأَن قصارى أَمر بيعهم أَن يكون بِمَنْزِلَة تَصْرِيح القَاضِي بِأَنَّهُ ثَبت عِنْدِي مَا يُوجب البيع، وَقد ذكرُوا أَن القَاضِي لَا يصدق فِي قَوْله ثَبت عِنْدِي على الْمَعْمُول بِهِ، وَإِن كَانَ فِي الْمُتَيْطِيَّة ذكر أَنه يصدق، لَكِن قَالَ الْجلاب وَابْن الْقصار: لَا يصدق وَمَال إِلَيْهِ الْمَازرِيّ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: أَنه الْأَشْبَه بقضاة الْوَقْت. قَالَ النالي وَابْن حجُّوا: هُوَ الْمَعْمُول بِهِ، ثمَّ قَالَ المتعقب الْمَذْكُور ثمَّ اطَّلَعت على أَوَائِل مسَائِل الصُّلْح من المازونية فَوَجَدته ذكر أجوبة مُتعَدِّدَة عَن سُؤال مضمنها أَنه يجب على المُشْتَرِي من الْقُضَاة إِثْبَات مُوجبَات البيع فَإِن لم يثبت ذَلِك رد البيع اه. والأجوبة فِي المازونية لسيدي عَليّ بن عُثْمَان وسيدي سعيد العقباني وَأبي الْفضل العقباني. زَاد أَبُو الْفضل: إِذا علم المُشْتَرِي بِأَن القَاضِي بَاعَ مِنْهُ قبل إِثْبَات الموجبات فَإِنَّهُ يرد الْغلَّة اه. من خطّ أبي الْعَبَّاس الملوي رحمه الله، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد بِغَيْر إِثْبَات ملكه لِأَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا أَنه يملكهُ كَمَا يَأْتِي فِي البيع على الْغَائِب، وَفِي بَاب الْقِسْمَة أَيْضا وَأَن يُقيد أَيْضا بِغَيْر البيع للْحَاجة للإنفاق وإلاَّ فَهُوَ مُصدق إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله كَمَا مر، لَكِن لَا بُد من ثُبُوت التسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد الخ. قلت: وَلَا بُد فِي بَيْعه للملوك الَّذِي غَابَ سَيّده أَن يكلفه إِثْبَات كَون سَيّده لم يتْرك لَهُ
نَفَقَة، وَأَنه لَيْسَ لَهُ صَنْعَة تقوم بِنَفَقَتِهِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِر فصل البيع على الْغَائِب، وَقَوله: ينْقض البيع الخ. مَحَله إِذا لم يثبت المُشْتَرِي الموجبات من كَونه بَاعَ لحَاجَة أَو غِبْطَة وإلاَّ صَحَّ البيع كَمَا فِي ضيح، وَسَيَأْتِي نَحوه فِي بيع الحاضن، وَإِذا صَحَّ ذَلِك فِي بيع الحاضن فأحرى أَن يَصح فِي الْحَاكِم لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ، وَقَوله لزمَه الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم الخ. يَعْنِي إِذا كَانَت الْقيمَة أَكثر من الثّمن يضمن الزَّائِد، وَالظَّاهِر أَن مَحل ضَمَانه حَيْثُ كَانَ من قُضَاة الْعدْل وَأهل الْعلم إِذا تحقق تعديه كَمَا لَو تبين أَنه بَاعَ مَا لَيْسَ أولى بِالْبيعِ مثلا وإلاَّ بِأَن بَقِي الْأَمر مُحْتملا فَلَا، كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية. الثَّالِث: مقدم القَاضِي كَهُوَ فِي كَونه لَا يَبِيع إِلَّا بعد إِثْبَات الموجبات الْمُتَقَدّمَة، وَيُزَاد أَنه لَا يَبِيع ربع الْأَيْتَام إِلَّا بمشورة القَاضِي لِأَنَّهُ كوكيل مَخْصُوص على شَيْء بِعَيْنِه وَهُوَ قَول القَاضِي إِسْمَاعِيل، وَبِه الْعَمَل الْيَوْم قَالَ ناظم الْعَمَل الْمُطلق: وَلَيْسَ كالوصي ذَا التَّقْدِيم فَلَا يبع ربعا على الْيَتِيم إِلَّا إِذا مَا أذن القَاضِي لَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَيرد فعله وَقَيده ابْن كوثر بِمَا إِذا أمكنه الرّفْع إِلَى القَاضِي وَلم يفعل، وَقَيده ابْن الْحَاج بِمَا إِذا لم يثبت عِنْد القَاضِي مَا يُوجب البيع وإلاَّ فَلَا يرد بَيْعه كَمَا فِي المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح مِنْهُ. الرَّابِع: إِذا زعم الْوَصِيّ أَو مقدم القَاضِي أَنه دفع عَن الْيَتِيم الْعشْر والمغارم والجعائل للمخزن فَإِنَّهُمَا يصدقان إِذا كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بِالْبَلَدِ وادعيا مَا يشبه قَالَه ابْن زرب، وَنَقله العلمي فِي الْبيُوع. وَجَازَ بَيْعُ حَاضِنٍ بِشَرْطِ أَنْ أُهْمِلَ مَحْضُونٌ وَلا يَعْلُو الثَّمَنْ (وَجَاز بيع حاضن) أَو حاضنة عقار يتيمه كَانَ الحاضن قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا فِي بَدو أَو حضر (بِشَرْط أَن) بِفَتْح الْهمزَة (أهمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (محضون) أَي بِأَن لَا يكون لَهُ ولي من وَصِيّ أَو مقدم (و) أَن (لَا يَعْلُو الثّمن) بل لَا بُد أَن يكون يَسِيرا مثل. عِشْرِينَ دِينَاراً مِنَ الشَّرْعِيِّ فِضَيَّةً وَذَا عَلَى المَرْضِيِّ (عشْرين دِينَارا) فدون عِنْد ابْن الْعَطَّار وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَلابْن زرب ثَلَاثُونَ، وَلابْن الْهِنْدِيّ عشرَة وَأَن يثبت السداد فِي الثّمن، وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ، وَأَنه مُحْتَاج إِلَى بَيْعه لكَونه لَا يُمكنهُ التَّوَصُّل إِلَى معيشته بصناعة وَلَا بِتَصَرُّف مَا فَلَا بُد أَن تشهد بَيِّنَة مُعْتَبرَة بِهَذِهِ الشُّرُوط كلهَا، فَحِينَئِذٍ يَصح البيع وَيتم للْمُشْتَرِي ملكه، وَإِذا اخْتَلَّ شَرط مِنْهَا فَلَا يتم للْمُشْتَرِي ملكه إِلَّا بإثباته، وإلاَّ فللمحضون إِذا كبر الْخِيَار فِي رد البيع أَو إمضائه قَالَه أَبُو الْحسن وَابْن رشد وَغَيرهمَا. زَاد فِي الْمُفِيد وَأَصله لِابْنِ رشد عَن ابْن الْعَطَّار: إِن من الشُّرُوط أَن تشهد الْبَيِّنَة أَن الحاضن أنْفق الثّمن على الْيَتِيم وَأدْخلهُ فِي مَصَالِحه وإلاَّ فللمحجور الْقيام وَهُوَ شَرط غَرِيب
أسْقطه كثير من الْمُحَقِّقين فَلم يذكرهُ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَلَا أَبُو الْحسن وَلَا ابْن هِلَال وَلَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق، وَإِنَّمَا ذكرُوا مَا عداهُ من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وَذَلِكَ يدل على ضعفه قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رحمه الله. قلت: وَصدق رحمه الله فِي كَونه شرطا ضَعِيفا وَإِن نَقله فِي ضيح والشامل والتبصرة وسلموه، إِذْ لَا وَجه لاشتراطه مَعَ عسر الشَّهَادَة بِهِ، وغايته أَنه حَيْثُ جَازَ بَيْعه فَهُوَ كالمقوم وَلَا يشْتَرط فِي الْمُقَوّم إِلَّا مَا مر عَن (خَ) من ثُبُوت يتمه وإهماله الخ. وَظَاهر النّظم أَن بيع الحاضن بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة جَائِز وَلَو كَانَ القَاضِي بِالْبَلَدِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يرفع الْأَمر إِلَيْهِ وَلَا إِلَى ثُبُوت ملكه لما بيع وَلَا إِلَى التسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد وَهُوَ كَذَلِك. ابْن رشد: لما رأى الْفُقَهَاء أَن الْيَتِيم رُبمَا ضَاعَ قبل إِثْبَات ذَلِك عِنْد القَاضِي أَجَازُوا للحاضن البيع دون مطالعته إِذْ لَو طولع بذلك لم يكن لَهُ بُد من ثُبُوت تِلْكَ الموجبات الَّتِي تشْتَرط فِي بيع القَاضِي (من) الدِّينَار (الشَّرْعِيّ) عِنْد أهل قرطبة وَصَرفه عِنْدهم ثَمَانِيَة دَرَاهِم وزنة الدِّرْهَم الْوَاحِد وَقت حكمهم فِي الْمَسْأَلَة سِتّ وَثَلَاثُونَ حَبَّة. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلذَا قَالَ (غ) : المُرَاد بالدينار هُنَا هُوَ ثَمَانِيَة دَرَاهِم من دَرَاهِم دخل أَرْبَعِينَ، وَمَعْنَاهُ أَن مائَة وَأَرْبَعين مِنْهَا تعدل مائَة كَيْلا أَي شَرْعِيَّة وزنة الدِّرْهَم الْوَاحِد مِنْهَا سِتّ وَثَلَاثُونَ حَبَّة وَهُوَ خَمْسَة أَسْبَاع دِرْهَم الْكَيْل وَدِرْهَم الْكَيْل مِنْهَا مثل وخمسا الْمثل، وَهُوَ معنى قَوْله:(فضية) أَي فالدينار هُنَا أقل مِنْهُ فِي بَاب الزَّكَاة لِأَن صرفه هُنَاكَ عشرَة دَرَاهِم وَهنا ثَمَانِيَة فينقص الْخمس، ثمَّ وزن الدِّرْهَم هُنَاكَ خَمْسُونَ وخمسا حَبَّة وَهنا سِتّ وَثَلَاثُونَ بِنَقص سبعيه، فَصَارَت الْعشْرُونَ دِينَارا قرطبية أحد عشر دِينَارا شَرْعِيَّة وَثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّينَار، وبيانها أَن صرف الْعشْرين دِينَارا شَرْعِيَّة فِي الزَّكَاة مائَة دِرْهَم شَرْعِي، وَصرف الْعشْرين دِينَارا قرطبية فِي الْحَضَانَة مائَة وَسِتُّونَ درهما لِأَن صرفه هُنَاكَ عشرَة وَصَرفه هُنَا ثَمَانِيَة فقد نقصت الْخمس عَن صرفهَا فِي الزَّكَاة، ثمَّ هَذِه الْمِائَة وَالسِّتُّونَ يحط سبعاها لِأَن كل دِرْهَم مِنْهَا ينقص سبعين عَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ وسبعاها سِتَّة وَأَرْبَعُونَ درهما يبْقى بعد حط مَا ذكر مائَة دِرْهَم وَأَرْبَعَة عشر درهما فمائة وَعشرَة بِأحد عشر دِينَارا، وَالْأَرْبَعَة دَرَاهِم الْبَاقِيَة هِيَ ثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّينَار وَالله أعلم. (وَذَا) أَي مَا ذكر من جواميع الحاضن بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة (على) القَوْل (المرضي) من أَقْوَال أَرْبَعَة: الْجَوَاز مُطلقًا وَالْمَنْع مُطلقًا وَالْجَوَاز فِي بلد لَا سُلْطَان فِيهِ وَالْجَوَاز فِي الْيَسِير الَّذِي قدره عشرُون دِينَارا وَهُوَ المرضي الْمَعْمُول بِهِ. تَنْبِيه: القَوْل بِالْجَوَازِ مُطلقًا رَجحه ابْن سهل فِي أَحْكَامه الْكُبْرَى كَمَا فِي (ق) آخر
الْقِسْمَة، وَبِه أفتى أَبُو الْحسن فِي آخر مَسْأَلَة من نوازله، ثمَّ نقل رِوَايَة ابْن غَانِم عَن مَالك أَن الكافل بِمَنْزِلَة الْوَصِيّ، وَنقل عَن شَيْخه أبي الْفضل رَاشد أَن أَبَا مُحَمَّد صَالحا قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة جَيِّدَة لأهل الْبَادِيَة لإهمالهم الْإِيصَاء والتقديم اه. وَقَالَ ابْن هِلَال: وَبِذَلِك أَقُول وأتقلد الْفَتْوَى بِهِ فِي بلدنا الْيَوْم لِأَنَّهُ كالبادية، فَالصَّوَاب الْآن الْعَمَل بقول من أنزل الكافل بِمَنْزِلَة الْوَصِيّ فِي البيع وَالْقِسْمَة وَغير ذَلِك اه. انْظُر شرح الشَّامِل. وَمَا اشْتَرَى المَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا إنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الامْتِنَاعَا (وَمَا اشْترى الْمَرِيض) فِي مَرضه وَلَو مخوفا، وَتقدم بَيَانه فِي الْخلْع وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي فصل الصَّدَقَة وَالْهِبَة إِن شَاءَ الله (أَو مَا باعا) فِي مَرضه (إِن هُوَ مَاتَ) مِنْهُ، وَأَحْرَى إِذا مَاتَ بعد أَن صَحَّ مِنْهُ (يَأْبَى) ذَلِك البيع (الامتناعا) وَالْفَسْخ، بل يجب نُفُوذه ومضيه بِالثّمن الَّذِي وَقع بِهِ إِن لم يكن فِيهِ مُحَابَاة إِذْ لَا حجر على الْمَرِيض فِي الْمُعَاوَضَات كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بِمَفْهُوم قَوْله: وَحجر على مَرِيض فِي غير مُؤْنَته وتداويه ومعاوضة مَالِيَّة الخ. فَإنْ يَكُنْ حَابَى بِهِ فَالأَجْنَبي مِنْ ثُلْثِهِ يَأْخُذُ مَا بِهِ حُبِي (فَإِن يكن حابى بِهِ) أَي فِيهِ بِأَن بَاعَ أقل من الْقيمَة بِكَثِير بِقصد نفع المُشْتَرِي أَو يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من ذَلِك بِقصد نفع البَائِع فَمَا نقص عَن الْقيمَة أَو زَاد عَلَيْهَا أَو هبة يجْرِي على حكمهَا فَإِن لم يكن ذَلِك بِقصد نفع من ذكر بل للْجَهْل بِالْقيمَةِ فَهُوَ الْغبن الْآتِي قَالَه ميارة، فَإِن كَانَت الْمُحَابَاة الْمَذْكُورَة لأَجْنَبِيّ (فالأجنبي من ثلثه) أَي الْمَيِّت (يَأْخُذ مَا بِهِ حُبي) لِأَن الْمُحَابَاة عَطِيَّة والعطية فِي الْمَرَض الْمخوف حكمهَا حكم الْوَصِيَّة تجْرِي على حكمهَا، وَأما فِي غير الْمخوف فَحكمهَا حكم الْعَطِيَّة فِي الصِّحَّة تفْتَقر للحيازة قبل حُصُول الْمَانِع وإلاَّ بطلت، وَعَلِيهِ فَإِذا زَادَت الْمُحَابَاة فِي الْمخوف على الثُّلُث فَإِنَّهُ ينفذ مِنْهَا مَا حمله الثُّلُث وَيبْطل الزَّائِد، وَلَو حازه الْأَجْنَبِيّ قبل الْمَوْت إِذْ لَا حكم لحيازة الْعَطِيَّة فِي الْمخوف، فَإِن أجَاز الْوَرَثَة لَهُ ذَلِك الزَّائِد فَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر للحوز على الْمَشْهُور. 4 وَمَا بِهِ الْوَارِثَ حَابَى مُنِعَا وَإنْ يُجزْهُ الوَارِثُونَ اتُّبِعَا (وَمَا بِهِ الْوَارِث) مفعول بقوله (حابى) زَاد مَا حابى بِهِ على الثُّلُث أَو نقص (منعا) أَي
منعت الْمُحَابَاة فَقَط، وَيصِح مَا عَداهَا فَإِذا بَاعه بِمِائَة مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ مثلا فَيكون للْوَارِث نصف الْمَبِيع فَقَط وَيبْطل النّصْف الآخر، وَأما فِي الْأَجْنَبِيّ فَإِنَّهُ لَا يبطل النّصْف الآخر بل يكون لَهُ مِنْهُ مَا حمله الثُّلُث، وَإِنَّمَا بطلت فِي الْوَارِث لِأَنَّهَا وَصِيَّة لَهُ وَهِي مَمْنُوعَة. (وَإِن يجزه الوارثون اتبعا) فعلهم فِي الْوَارِث وَالْأَجْنَبِيّ وَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم يعْتَبر فِيهَا الْحَوْز. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر قَوْله: يَأْخُذ مَا بِهِ حُبي الخ. بل صَرِيحه أَنه لَا يبطل البيع وَهُوَ معَارض لما يَأْتِي فِي الْإِقْرَار حَيْثُ قَالَ: وَبيع من حابى من الْمَرْدُود أَو ثَبت التوليج بالشهود فَصرحَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ يبطل، وَظَاهره لَو كَانَ لوَارث أَو غَيره فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض، فَإِذا بَاعه بِمِائَة مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَلم يجزه حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يبطل الْجَمِيع وَيرد إِلَى المُشْتَرِي مَا دفع من الثّمن، وَهُوَ الَّذِي فِي الْفَائِق عَن ابْن الْقَاسِم قَائِلا: إِن للْوَرَثَة نقض البيع كُله لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التوليج، وَلَو أتم هُوَ بَقِيَّة الثّمن مَا كَانَ ذَلِك لَهُ لِأَن أصل البيع على التوليج إِلَيْهِ اه. وَنَحْوه لأبي الْحسن وَابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير، وَمثله فِي الْمُعَاوَضَات من المعيار فِي الكراس الْحَادِي عشر من مَسْأَلَة الْوَصَايَا اخْتلف فِيهَا أهل بجاية، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة وَابْن نَاجِي عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا أَنه يكون لَهُ من الْمَبِيع بِقدر مَا دفع من الثّمن وَيبْطل الزَّائِد فِي الْوَارِث، وَيكون للْأَجْنَبِيّ مِنْهُ مَا حمله الثُّلُث. هَذَا كُله إِذا لم يجزه حَتَّى مَاتَ كَمَا مر، وَأما إِن حازه المُشْتَرِي فِي الصِّحَّة حوزاً تَاما فَيخْتَص بِهِ على الرَّاجِح لَا أَن حازه فِي الْمَرَض فَكَأَنَّهُ لم يجزه حَتَّى مَاتَ، ثمَّ مَا للناظم هُنَا هُوَ الْمُوَافق لما لِابْنِ عَرَفَة وَابْن نَاجِي كَمَا ترى، وَهُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) وشراحه وَغَيرهم، فَتحصل أَنَّهُمَا قَولَانِ بِالْبُطْلَانِ مُطلقًا وبالصحة مُطلقًا درج النَّاظِم هُنَا على الثَّانِي، وَفِي بَاب الْإِقْرَار على الأول، وللشيخ الرهوني فِي حَاشِيَته بعد نقُول تَحْرِير عَجِيب ملخصه مَا ذكرنَا، إِلَّا أَنه رجح فِي الْمُحَابَاة فِي الصِّحَّة مَا تضمنه النَّاظِم فِي بَاب الْإِقْرَار وَهُوَ مَا للفائق وَمن مَعَه، وَرجح فِي الْمُحَابَاة فِي الْمَرَض للْوَارِث، وَالْأَجْنَبِيّ مَا للناظم هُنَا وَهُوَ مَا لِابْنِ عَرَفَة وَمن مَعَه، وَلَكِن يلْزم من رجح الْبطلَان فِي الصِّحَّة أَن يرجح الْبطلَان فِي الْمَرَض بالمساواة أَو بالأحرى فَالْأولى التَّمَسُّك بِمَا عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة و (خَ) وشراحه. الثَّانِي: مَا تقدم للناظم إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُحَابَاة فِي ثمن الْمَبِيع كَمَا مرّ فِي التَّقْرِير، وَأما إِن كَانَت الْمُحَابَاة فِي عين الْمَبِيع مثل أَن يقْصد إِلَى خِيَار دوره أَو عبيده فيبيعه من وَلَده بِمثل الثّمن أَو أَكثر فللورثة نقض البيع فِي ذَلِك قَالَه اللَّخْمِيّ والتونسي، وَمثله فِي سَماع أبي زيد قَالَ مُحَمَّد: وَهَذَا أحسن نَقله فِي الْفَائِق وَغَيره مُسلما.
الثَّالِث: مُحَابَاة الْمَرِيض للْأَجْنَبِيّ وتبرعه لَا ينفذ إِلَّا بعد مَوته (خَ) : ووقف تبرعه لَهُ إِلَّا لمَال مَأْمُون وَهُوَ الْعقار فَإِن مَاتَ فَمن الثُّلُث وَإِلَّا مضى الخ. وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقَا بَيْعُ بَرَاءَةٍ بِهِ تَحَقَّقَا (وكل مَا القَاضِي يَبِيع) من حَيَوَان أَو عقار أَو غَيرهمَا (مُطلقًا) بَاعه على مُفلس أَو يَتِيم أَو غَائِب (بيع بَرَاءَة بِهِ تحققا) فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي رده بِعَيْب يجده قَدِيما فِيهِ وَأما بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يرجع بِثمنِهِ وَلَا إِشْكَال، وَظَاهره أَنه لَا رد للْمُشْتَرِي وَلَو أَتَى الْعَيْب على جلّ ثمنه وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمَا ذكره النَّاظِم من أَنه بيع بَرَاءَة فِي كل شَيْء هُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ عَن مَالك، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا خَاصَّة بالرقيق، فعلى النَّاظِم الدَّرك فِي اعْتِمَاده غير رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، قَالَ فِي النِّهَايَة: وَأما مَا بَاعه السُّلْطَان على مُفلس أَو فِي مغنم أَو لقَضَاء دين أَو وَرَثَة أَو على صَغِير فَهُوَ بيع بَرَاءَة وَإِن لم يَشْتَرِطه وَلَيْسَ للْمُبْتَاع رده بِعَيْب قديم وَلَا فِي ذَلِك عُهْدَة ثَلَاث وَلَا سنة. هَذَا قَول مَالك الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فَهَل يكون بيع السُّلْطَان بيع بَرَاءَة فِي كل شَيْء أَو فِي بيع الرَّقِيق خَاصَّة؟ عَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ. أَحدهمَا: أَنَّهَا فِي كل شَيْء رَوَاهَا ابْن حبيب عَن مَالك وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون ومطرف وَأصبغ وَغَيرهم، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الرَّقِيق خَاصَّة رَوَاهَا ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب عَنهُ وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم اه. فَوَجَبَ صرف التشهير وَالْعَمَل لرِوَايَة ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهَا مُقَدّمَة على رِوَايَة غَيره، وَلذَا عول عَلَيْهَا (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَمنع مِنْهُ أَي من الرَّد بِالْعَيْبِ بيع حَاكم ووارث رَقِيقا فَقَط بَين أَنه إِرْث الخ. وَمحل كَون بيع القَاضِي بيع بَرَاءَة إِذا لم يعلم هُوَ أَو الْمُفلس بِالْعَيْبِ وإلاَّ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّد، وَعَن اللَّخْمِيّ أَنه لَا يكون من الْحَاكِم بيع بَرَاءَة حَتَّى يسْأَل الْمَبِيع عَلَيْهِ هَل علم عَيْبا أم لَا اه. وَإِذا ثَبت علمه بِالْعَيْبِ بعد البيع فَهَل يرجع المُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن على الْغُرَمَاء أَو بِقِيمَة الْعَيْب؟ رِوَايَتَانِ. فَفِي الْمُوازِية يرجع بِالثّمن، وَفِي الْمُدَوَّنَة بِقِيمَة الْعَيْب فَقَط ويرجعون هم بِهِ على الْمُفلس، وَقَالَهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن نَافِع فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَالخُلْفُ فِيما باعَهُ الوَصِيُّ أَوْ وَارثٌ وَمَنْعُهُ المَرْضِيُّ (وَالْخلف فِيمَا بَاعه الْوَصِيّ) للإنفاق على الْيَتِيم أَو لقَضَاء دين أَو تَنْفِيذ وَصِيَّة لَا أَن بَاعَ مَال نَفسه (أَو وَارِث) بَاعَ لما ذكر أَيْضا لَا أَن باعوه للانفصال من شركَة بَعضهم بَعْضًا وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يكون بيع بَرَاءَة إِلَّا أَن تشْتَرط كَمَا مر فِي بيع الرَّقِيق (وَمنعه) أَي منع كَون بيع من ذكر بيع بَرَاءَة هُوَ (المرضي) الْمَعْمُول بِهِ فِي كل شَيْء.
إلاَّ بِمَا الْبَيْعُ بِهِ يَكُونُ برَسْمِ أَنْ تُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ (إِلَّا بِمَا البيع بِهِ) الْبَاء الأولى وَالثَّانيَِة ظرفيتان أَي: إِلَّا فِي الشَّيْء الَّذِي البيع فِيهِ (يكون برسم أَن تقضى بِهِ) أَي بِثمنِهِ (الدُّيُون) هَذَا مَحل الْخلاف، فَلَو حذف هَذَا الْبَيْت وأبدل الْبَيْت الأول بقوله مَا نَصه: كَذَلِك الْوَارِث وَالْوَصِيّ جَوَازه أَن بَينا المرضي لأجاد وَأفَاد شَرط كَون بيع الْوَصِيّ وَالْوَارِث بيع بَرَاءَة إِذا بَينا أَن الْمَبِيع إِرْث بِخِلَاف الْحَاكِم فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط ذَلِك فِيهِ، وَمَفْهُوم قَوْلنَا للإنفاق أَو لقَضَاء دين أَو تَنْفِيذ وَصِيَّة الخ. أَنه إِذا بَاعَ للتِّجَارَة للْيَتِيم فَإِن الْعهْدَة عَلَيْهِ إِذا لم يكن للْيَتِيم مَال. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تجر الْوَصِيّ ليتيمه أتبعت ذمَّته كَالْوَكِيلِ الْمُفَوض إِلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا يَبِيعهُ للإنفاق على الْيَتِيم لِأَن ذَلِك ضَرُورَة اه. وَأَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَمنعه المرضي الخ. إِلَى قَوْله فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. وَأما مَا بَاعه الْوَصِيّ لأيتامه أَو الْوَرَثَة الْكِبَار لقَضَاء دين الْمَيِّت أَو وَصَايَاهُ فَلَا يكون بيع بَرَاءَة إِلَّا أَن يشترطها الْوَصِيّ، أَو يُصَرح بِأَنَّهَا مِيرَاث، أَو يعلم بذلك الْمُبْتَاع فَيكون بيع بَرَاءَة، وَإِن لم يعلم الْمُبْتَاع بِأَنَّهُ بيع مِيرَاث أَو سُلْطَان فَهُوَ مُخَيّر فِي الرَّد والإمساك اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَخير مُشْتَر ظَنّه غَيرهمَا اه. قَالَ ابْن شَاس: وَإِنَّمَا حمل بيع الْوَارِث وَالْحَاكِم وَالْوَصِيّ على الْبَرَاءَة لكَون الدُّيُون والوصايا يجب تَعْجِيلهَا لأَهْلهَا إِن طلبوها فهم مطالبون باستعجال الْحق لأَهله غير عَالمين بأحوال الْمَبِيع، فَلذَلِك حمل بيعهم على الْبَرَاءَة بِخِلَاف بيع الْإِنْسَان مَال نَفسه. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر النّظم و (خَ) أَنه لَا يعْذر إِن جهل كَون بيع الْحَاكِم أَو الْوَارِث بيع بَرَاءَة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَأرى إِن علم المُشْتَرِي أَنه بيع سُلْطَان أَو مِيرَاث وَجَهل أَن ذَلِك بيع بَرَاءَة أَن تكون لَهُ الْعهْدَة اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة مُسلما. قلت: وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة آخر بيع الْفُضُولِيّ، وَإِذا ادّعى المُشْتَرِي على الْوَارِث أَو الْوَصِيّ أَنَّهُمَا عالمان بِالْعَيْبِ فعلَيْهِمَا الْيَمين لِأَنَّهُمَا المتوليان للمعاملة إِلَّا أَن يشترطا سُقُوط الْيَمين عَنْهُمَا فِي العقد كَمَا مرّ فِي فصل بيع الرَّقِيق عِنْد قَوْله: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت على الْأَصَح بالرقيق اخْتصّت الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة. إِثْر مَا مر عَنهُ: وَأما الْوَصِيّ إِذا بَاعَ لمن يَلِي لنفقته أَو لغير ذَلِك من مُؤنَة وَبَين ذَلِك فَلَا تباعة عَلَيْهِ وَيرجع الْمُبْتَاع فِي عين ذَلِك الثّمن إِن كَانَ قَائِما فَإِن أنفقهُ على الْأَيْتَام لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَبيع القَاضِي كَبيع الْوَصِيّ فِي أَن لَا تباعة عَلَيْهِ. قَالَ اللَّخْمِيّ: ويفترق
الْجَواب فِيمَن أصرف إِلَيْهِ الثّمن فَإِن كَانَ البيع للإنفاق على الْأَيْتَام أَو الصَّدَقَة رَجَعَ على من قبض الثّمن إِن كَانَ قَائِما فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَإِن أنفقهُ لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء وَلَو اشْترى بِهِ رَقَبَة فأعتقت فَفِي رد الْعتْق قَولَانِ. فَفِي الْمُدَوَّنَة يرد الْعتْق وَلَا شَيْء على الْوَصِيّ، وَفِي الْمُوازِية لَا يرد وَيغرم الْوَصِيّ قَالَ: وَالْأول أحسن وَإِن كَانَ البيع لإنفاذ دُيُون على مُفلس رَجَعَ على قَابض المَال كَانَ المَال قَائِما أَو استهلكوه أَو ضَاعَ مِنْهُم اه. وَنقل بعضه (م) : وَفِي فصل بيع الْوَصِيّ من ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن استنفد الثّمن فِي نفقات الْمَحْجُور ثمَّ اسْتحق الْمَبِيع فَإِنَّهُ لَا يرجع على الْوَصِيّ بِشَيْء وَيرجع بذلك فِي مَال الْمَحْجُور إِن كَانَ لَهُ مَال، فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَلَا شَيْء على الْوَصِيّ فَقَوله أَي المتيطي لَا تباعة على الْوَصِيّ يَعْنِي: وَإِنَّمَا التباعة فِي مَال الْأَيْتَام. وَقَوله فِي الِاسْتِحْقَاق: وَالْعَيْب يَعْنِي فِي غير عيب الرَّقِيق أَو فِيهِ، وَلكنه علم بِعَيْبِهِ وكتم وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْوَصِيّ وَلَا على الْأَيْتَام لِأَنَّهُ بيع بَرَاءَة كَمَا مر. وَانْظُر هَذَا كُله مَعَ قَول ناظم الْعَمَل: وَمَال ميت إِذْ مَا بَاعه وَصِيّه بَين كي يَنْفَعهُ فَإِنَّهُ جَار على الْمَشْهُور مَعَ أَنه بصدد نظم مَا بِهِ الْعَمَل الْمُخَالف للمشهور، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاده أَنه يَنْفَعهُ ذَلِك فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَفِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب فَيكون الْعَمَل بِرِوَايَة ابْن حبيب الْمُتَقَدّمَة لِأَن تَعْلِيل ابْن شَاس الْمُتَقَدّم يدل على جريانها فِي الْوَصِيّ وَالْوَارِث أَيْضا أَي: فَيكون بيع بَرَاءَة فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَفِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَإِنَّمَا الْعهْدَة فِي مَال الْأَيْتَام إِن كَانَ وإلاَّ فَلَا تباعة على الْوَصِيّ وَالْوَارِث حَيْثُ بَينا وَكَانَ البيع للإنفاق أَو الدّين لَا للتِّجَارَة كَمَا مرّ.
(فصل)
وَمِنْ أصَمَّ أبْكَمَ الْعُقُودُ جَائِزَةٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ (وَمن أَصمّ أبكم الْعُقُود) من نِكَاح وَغَيره من الْمُعَاوَضَات والتبرعات (جَائِزَة) لِأَنَّهُ يدْرك الْأَشْيَاء ببصره، وَيفهم عَنهُ مَا أَرَادَ بإشارته كَمَا قَالَ:(وَيشْهد الشُّهُود) عَلَيْهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول. بِمُقْتَضَى إشارةٍ قد أَفْهَمَتْ مقْصُودَهُ وبرضاهُ أَعْلَمَتْ بِحَيْثُ لَا يَشكونَ فِي مُرَاده من ذَلِك. فَإنْ يَكُنْ مَعْ ذَاكَ أَعْمَى امْتَنَعَا لِفَقْدِهِ الإفْهَامَ وَالْفَهْمَ مَعَا (فَإِن يكن مَعَ ذَاك) الصمم والبكم (أعمى امتنعا) أَي العقد مَعَه وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ (لفقده الأفهام) لغيره (والفهم) مِنْهُ (مَعًا) وَإِنَّمَا يعْقد عَلَيْهِ النِّكَاح وَنَحْوه وليه وَمثله فِي منع مُعَامَلَته
بِنَفسِهِ إِذا كَانَ أَصمّ أعمى لوُجُود الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ أبكم أعمى وَهُوَ يسمع تجوز مُعَامَلَته لِأَن الْإِشَارَة مِنْهُ مُمكنَة. كَذَاكَ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ يُمْنَعُ وَالسَّكْرَانِ لِلْجُمْهُورِ (كَذَاك للمجنون وَالصَّغِير يمْنَع) أَي يمْنَع العقد من الصَّغِير وَالْمَجْنُون اللَّذين لَا تَمْيِيز مَعَهُمَا بِحَيْثُ إِذا بِشَيْء من مَقَاصِد الْعُقَلَاء لَا يفهمانه وَلَا يحسنان الْجَواب عَنهُ، كامتناعه للأصم الأبكم الْأَعْمَى (و) كَذَا يمْنَع العقد من (السَّكْرَان) الطافح الَّذِي لَا تَمْيِيز مَعَه بِسَبَب سكر حرَام أدخلهُ على نَفسه وتسبب فِيهِ أَي لَا ينْعَقد بَيْعه وَلَا غَيره على مَا (لِلْجُمْهُورِ) بعد أَن يحلف بِاللَّه أَنه مَا عقل حِين فعل، وَهَذِه طَريقَة ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَابْن شعْبَان، وَمُقَابل الْجُمْهُور قَول ابْن نَافِع أَنه يَصح عقده، وَطَرِيقَة ابْن رشد والباجي أَنه لَا يَصح عقده اتِّفَاقًا. وَقَوْلِي الَّذِي لَا تَمْيِيز مَعَه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ مَعَه ضرب من التَّمْيِيز فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي صِحَة عقده، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي لُزُومه وَالْمُعْتَمد عَدمه قَالَه (ز) . وَقَوْلِي بِسَبَب سكر حرَام احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سكر بحلال كشرب خمر يَظُنّهُ غَيره أَو لغصة فَإِن بَيْعه لَا يَصح اتِّفَاقًا، وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ لعقوده وَإِقْرَاره وَأما جِنَايَته وعتقه وطلاقه وحدوده فَإِنَّهَا لَازِمَة لَهُ، وَعَلِيهِ عول ابْن عَاشر بقوله: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَذو العَمى صلى الله عليه وسلم
1648 -
; يَجُوزُ الابْتِياعَ لَهْ وَبَيْعُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ أَعْمَلَهْ (وَذُو الْعَمى) فَقَط (يجوز الابتياع لَهُ) أَي مِنْهُ (وَبيعه) من غَيره (و) يجوز مِنْهُ أَيْضا (كل عقد عمله) من نِكَاح وَهبة وَإِجَارَة وَغير ذَلِك، وَالْأَعْمَى هُوَ من تقدم لَهُ إبصار، وَأما من ولد أعمى فيسمى أكمه وَالْحكم فيهمَا سَوَاء على الْمَشْهُور. وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدْ أَعْمَى وَمَنْ عَمَاهُ مِنْ بَعْدُ وُجِدْ
(وَبَعْضهمْ) وَهُوَ جَعْفَر الْأَبْهَرِيّ (فرق بَين من ولد أعمى) فَلَا يَصح بَيْعه، وَفِي مَعْنَاهُ من عمي صَغِيرا بِحَيْثُ لَا يتخيل الألوان كَأبي الْعَلَاء المعري (و) بَين (من عماه بعد) أَي بعد وِلَادَته وتخيله الألوان (قد وجد) فَيصح بِعْهُ وابتياعه، وَمحل الْخلاف فِيمَا يتَوَقَّف على الرُّؤْيَة لَا فِيمَا يتَوَقَّف على شم أَو ذوق كمسك وسكر فَيجوز مُطلقًا قَالَه (ز) .
(فصل فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين)
لذات أَو مَنْفَعَة تَثْنِيَة متبايع بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت دون همز وَهُوَ إِمَّا فِي قدر الثّمن أَو فِي جنسه أَو فِي الْأَجَل أَو فِي انقضائه أَو فِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة أَو فِي الصِّحَّة وَالْفساد أَو فِي تَابع الْمَبِيع، وَتكلم على هَذِه الْأَنْوَاع كلهَا وَبَقِي عَلَيْهِ اخْتِلَافهمَا فِي الْبَتّ أَو الْخِيَار واختلافهما فِي العقد، أما اخْتِلَافهمَا فِي وُقُوعه على الْبَتّ أَو الْخِيَار فَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ لِأَنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن يغلب البيع بِالْخِيَارِ فَالْقَوْل لمدعيه، وَأما اخْتِلَافهمَا فِي العقد فَالْقَوْل لمنكره إِجْمَاعًا، وَلَكِن يبْقى النّظر فِيمَا إِذا ادّعى أَحدهمَا البيع وَالْآخر الْقَرْض أَو الْعَارِية فَقَالَ ابْن رشد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ: القَوْل لمُدعِي الْقَرْض قولا وَاحِدًا، وَسَيَأْتِي شَيْء من ذَلِك آخر الْقَرَاض، وَكَذَا القَوْل لمُدعِي الْعَارِية كَمَا فِي ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين، وَأما إِن قَالَ رب المَال هُوَ قرض وَقَالَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ: بل هُوَ قِرَاض أَو وَدِيعَة وَتلف، فَإِن القَوْل لرب المَال. قَالَ ابْن الْقَاسِم: لِأَنَّهُ قَالَ: أخذت المَال مني على الضَّمَان، وَقَالَ الآخر: أَخَذته على غير الضَّمَان فَهُوَ قد أقرّ بِالْمَالِ وَيَدعِي نفي الضَّمَان عَنهُ فَلَا يصدق، وَكَذَا إِن ادّعى أَحدهمَا البيع وَالْآخر الرَّهْن فَإِن القَوْل لمُدعِي الرهنية إِلَّا أَن تفوت الأَرْض بيد مدعي الشِّرَاء بالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس قَالَه فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار، وَكَذَا إِن قَالَ الْمَالِك: بِعْت السّلْعَة الْفُلَانِيَّة مِنْك فادفع لي ثمنهَا، فَقَالَ الآخر: لم تبعها مني وَإِنَّمَا أَمرتنِي بِبَيْعِهَا وَقد تلفت، فَفِي سَماع عِيسَى من ابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ اقْتصر فِي كتاب الْقَرَاض من الْمُتَيْطِيَّة أَن القَوْل لرب السّلْعَة وَيحلف أَنه بَاعهَا مِنْهُ يُرِيد لينفي دَعْوَاهُ الْوكَالَة فَإِن نكل حلف الآخر وبرىء. قلت: فَإِن حلف صَاحب الثَّوْب أَنه بَاعه مِنْهُ وَاخْتلفَا فِي الصّفة، قَالَ: يصف المُشْتَرِي الثَّوْب وَيحلف على صفته ثمَّ يقومه أهل الْبَصَر. قلت: فَإِن نكل؟ قَالَ: يصفه صَاحب الثَّوْب وَتقوم تِلْكَ الصّفة وَيغرم المُشْتَرِي. قَالَ: فَإِن أَتَيَا جَمِيعًا بِمَا يستنكر فِي الصّفة ونكلا صدق المُشْتَرِي؟ قلت: فَإِن كَانَ قِيمَته أدنى من الثّمن الَّذِي بَاعَ بِهِ؟ قَالَ: يُقَال للَّذي بَاعَ الثَّوْب اتَّقِ الله إِن
كَانَ أَمرك بِبيعِهِ كَمَا زعمت فادفع إِلَيْهِ بَقِيَّة ثمن ثَوْبه وَلَا تبخسه وَلَا يقْضى عَلَيْهِ بذلك، لِأَن صَاحب الثَّوْب يَدعِي أَنه بَاعه مِنْهُ اه. وَبِه أفتى العقباني وَنَقله صَاحب شرح المغارسة وَنَحْوه فِي المقرب قَائِلا: لَو قَالَ رجل لآخر: أَعْطِنِي ثمن الثَّوْب الَّذِي بِعْتُك. فَقَالَ: إِنَّمَا أَمرتنِي بِبيعِهِ حلف أَنه بَاعه وَأخذ ثمنه، فَإِن نكل حلف الآخر وبرىء. وَفِي الدُّرَر المكنونة فِيمَن قَالَ لرجل: خلصني فِي ثمن السّلْعَة الَّتِي أخذت مني فَإِنِّي عاملتك فِيهَا بيعا وَشِرَاء وَكنت بعتكها بِالذَّهَب، وَقَالَ الرجل: إِنَّمَا كنت تُعْطِينِي السّلع وتقومها عَليّ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِالذَّهَب فأبيعها وَأُعْطِيك مَا كنت قومتها بِهِ عَليّ وَالْبَاقِي نقسمهُ بَيْننَا فَهَل القَوْل لمُدعِي البيع؟ وَهل يقبل قَوْله إِنَّهَا مبيعة بِالذَّهَب؟ فَقَالَ: قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي مَسْأَلَة رجل قَالَ لآخر: أَعْطِنِي ثمن الثَّوْب الَّذِي بِعته مِنْك. فَقَالَ: مَا بِعته مني إِنَّمَا أَمرتنِي بِبيعِهِ القَوْل لرب الثَّوْب مَعَ يَمِينه وَالْمَسْأَلَة المسؤول عَنْهَا ترجع إِلَى هَذِه، فَإِذا قبل قَوْله بِيَمِينِهِ يصير الْخلاف بَينهمَا فِي جنس الثّمن، وَقد علمت أَن الْمَنْصُوص لأهل الْمَذْهَب التَّحَالُف والتفاسخ فَيرجع فِي السّلْعَة إِن كَانَت قَائِمَة، وَفِي الْقيمَة مَعَ الْفَوات اه. وَانْظُر الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر الْمَسْأَلَة أَيْضا وَقَالَ: إِن القَوْل لِرَبِّهَا بعد أَن يحلف أَنه مَا وَكله على بيعهَا وَيَأْخُذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة بِيَدِهِ أَو بيد من بَاعهَا إِلَيْهِ أَو قيمتهَا إِن فَاتَت. قلت: وتلخيصه أَن الْمَالِك إِذا حلف أَنه بَاعهَا مِنْهُ فَإِن صدقه الآخر على قدر الثّمن فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ مِنْهُ وَهُوَ معنى قَوْله فِي المقرب: وَأخذ ثمنه وَإِن كذبه وَادّعى أقل فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان وَيَأْخُذ الْمَالِك حِينَئِذٍ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة وَهُوَ معنى قَول الْبُرْزُليّ. وَيَأْخُذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة فَإِن فَاتَت فَالْقيمَة على وصف المُشْتَرِي كَمَا مر فِي النَّص، وَإِنَّمَا ترد مَعَ الْقيام فِيمَا إِذا كَانَ الْمَأْمُور بَاعهَا إِذا صدقهما المُشْتَرِي أَنَّهَا للْمَالِك أَو قَامَت بذلك بَيِّنَة وإلاَّ فَلَا ترد، وَيغرم الْمَأْمُور الْقيمَة مَا لم تكن أَكثر من الثّمن الَّذِي ادَّعَاهُ رَبهَا انْظُر الْبُرْزُليّ. وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِكَثْرَة وُقُوعهَا وَقد وَقعت فِي هَذَا الأوان فَادّعى الْقَابِض للسلعة وَكَانَت عقدا من جَوْهَر أَنه قَبضه ليَبِيعهُ لَهُ، وَقد تلف وَادّعى آخر أَنه قَبضه ليقلبه وَقد تلف قبل إِمْضَاء البيع فِيهِ، فَلم يتفطن الْحَاكِم لتِلْك النُّصُوص، وَقد قَالَ (ز) عِنْد قَول (خَ) أول الْبيُوع وَعدم دفع رَدِيء أَو نَاقص مَا نَصه: فَإِن اخْتلفَا فِي صفة الْقَبْض هَل ليزنها أَو على المفاصلة؟ فَالْقَوْل للدافع اه. وَحَيْثُمَا اخْتَلَفَ بَائِعٌ وَمَنْ مِنْهُ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي قَدْرِ الثَّمَنْ (وحيثما اخْتلف بَائِع وَمن مِنْهُ اشْترى إِن كَانَ) الِاخْتِلَاف (فِي قدر الثّمن) كَقَوْلِه بِعشْرَة وَقَالَ المُشْتَرِي بِثمَانِيَة، أَو كَانَ الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمَبِيع كَقَوْلِه: هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل هُوَ وَهَذِه الشَّاة بِعشْرَة، فَاكْتفى النَّاظِم بِالثّمن عَن الْمُثمن لِأَن كلاًّ من الْعِوَضَيْنِ ثمن للْآخر.
وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ فَالْفَسْخُ إذَا مَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا قَدْ أُنْفِذَا (وَلم يفت مَا بيع) بحوالة سوق فأعلى، وَسَوَاء كَانَت قَائِمَة بيد البَائِع أَو قبضهَا المُشْتَرِي، وَسَوَاء انتقد البَائِع الثّمن أم لَا انتقد كُله أَو بعضه، وَلَا يكون انتقاده مرجحاً لقَوْله فِيهِ ابْن رشد لِأَن ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة لم ير قبض السّلْعَة فوتاً كَمَا أَنه لم ير قبض الثّمن قوتاً (ف) الْوَاجِب فِي ذَلِك كُله (الْفَسْخ إِذا مَا) زَائِدَة (حلفا) مَعًا (أَو نكلا) مَعًا (قد أنفذا) فَإِن حلف أَحدهمَا فَقَط قضى لَهُ. وَالْبَدْءُ بِالْبَائِع ثُمَّ المُشْتَرِي فِي الأَخْذِ وَالْيَمِينُ ذُو تَخَيُّرِ (والبدء) فِي الْيَمين (بالبائع) على الْمَشْهُور (ثمَّ المُشْتَرِي فِي الْأَخْذ وَالْيَمِين ذُو تخير) أَي: ثمَّ إِذا حلف البَائِع فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ الْمَبِيع بِمَا حلف عَلَيْهِ البَائِع وَهُوَ عشرَة، وَإِن شَاءَ حلف أَن البيع بِثمَانِيَة. ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدُ الرِّضَا وقِيلَ إنْ تَحَالَفَا الْفَسْخُ مَضَى (ثمَّ) إِذا حلفا مَعًا (لكل وَاحِد) مِنْهُمَا (بعد) أَي بعد حلفهما (الرِّضَا) بِمَا قَالَ صَاحبه على الرَّاجِح، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن الْفَسْخ عِنْده إِنَّمَا يَقع إِذا حكم الْحَاكِم بِهِ، وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: حلفا وَفسخ إِن حكم بِهِ. (وَقيل) لَا يتَوَقَّف الْفَسْخ على الحكم بِهِ بل (إِن تحَالفا) أَو نكلا مَعًا وَقع (الْفَسْخ) بَينهمَا (وَمضى) إِنَّمَا كَانَ الْفَسْخ يَقع بِمُجَرَّد ذَلِك التَّحَالُف أَو النّكُول لِأَنَّهُ قد. وَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إِلَى حُكْمٍ وَسَحْنُونٌ لَهُ قَدْ نَقَلَا (قيل لَا يحْتَاج فِي الْفَسْخ إِلَى حكم) كاللعان (وَسَحْنُون لَهُ) أَي عَنهُ (قد نقلا) فالواو فِي قَوْله: وَقيل للتَّعْلِيل، وَلَو حذف النَّاظِم هَذَا الْبَيْت لَكَانَ أحسن، وَمثل اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر
اخْتِلَافهمَا فِي الرَّهْن والحميل فَيجْرِي على التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَإِذا فسخ فَإِنَّهُ يفْسخ ظَاهرا وَبَاطنا، فَإِذا كَانَ الْمَبِيع أمة فَيحل للْبَائِع وَطْؤُهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله، وَيحل لَهُ استخدامها، وَهَكَذَا. وَقيل: يفْسخ فِي الظَّاهِر دون الْبَاطِن فَلَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِذْ الْقَضَاء لَا يحل حَرَامًا، وَفِي الْمَسْأَلَة نزاع شهير اُنْظُرْهُ فِي الشَّامِل وَغَيره، وَفِي أقضية المعيار عَن ابْن أبي زيد أَن المُشْتَرِي إِذا حلف فَإِنَّهُ يعد ذَلِك مِنْهُ تَسْلِيمًا لِلْجَارِيَةِ بِالثّمن فَيحل حِينَئِذٍ للْبَائِع وَطْؤُهَا إِن رَضِي بقبولها فِي الثّمن، وَإِن لم يقبلهَا فليبعها وَيشْهد عَدْلَيْنِ أَنه إِنَّمَا بَاعهَا على ذَلِك وَيقبض ثمنهَا الَّذِي بَاعَ بِهِ أَولا، وَيُوقف مَا زَاد عَلَيْهِ فَمَتَى أقرّ المُشْتَرِي الأول فَهُوَ لَهُ اه. وَهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي لِابْنِ أبي زيد هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله وَلم يفت مَا بيع فَقَالَ: وَإنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ لِلَّذِي اشْتَرَى وَذَا الَّذِي بِهِ الْقَضَاءَ قَدْ جَرَى (وَإِن يفت) الْمَبِيع بيد المُشْتَرِي أَو بيد البَائِع كَمَا هُوَ ظَاهره وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الشَّامِل (فَالْقَوْل للَّذي اشْترى) بِيَمِينِهِ إِذا أشبه وإلاَّ فَالْقَوْل للْبَائِع إِذا أشبه فَإِن لم يشبها فعلى الْمُبْتَاع الْقيمَة وَيصدق فِي الصّفة، وَإِن قَالَ عبدا أعمى مقْعدا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَقد تقدم مثله عَن ابْن الْقَاسِم، وَقد أخل النَّاظِم بِقَيْد الشّبَه اتكالاً على أَن الْغَالِب عدم الْخُرُوج عَنهُ (خَ) : وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ. (وَذَا) القَوْل الَّذِي يَقُول يصدق المُشْتَرِي إِن أشبه مَعَ الْفَوات هُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَهُوَ: (الَّذِي بِهِ الْقَضَاء قد جرى) كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا وَقع الْخلاف فِي الْجِنْس فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ فِي جِنْسِهِ الخُلْفُ بَدَا تَفَاسَخَا بَعْدَ اليَمِينِ أَبَدَا (وَإِن يكن فِي جنسه الْخلف بدا) فَقَالَ أَحدهمَا: الْمَبِيع هَذَا الثَّوْب بِدِينَار، وَقَالَ الآخر: بل هَذَا الْفرس بِدِينَار أَو يَقُول: اشْتريت الثَّوْب بِدِينَار، وَيَقُول الآخر: بل بقفيز من شعير مثلا أَو ادّعى أَحدهمَا أَن البيع بِذَهَب وَالْآخر بِفِضَّة. (تفاسخا بعد الْيَمين أبدا) كَانَ الْمَبِيع قَائِما أَو فائتاً
أشبه أَحدهمَا أم لَا. إِذْ لَا ينظر لشبه مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس إِذْ لَيْسَ قَول أَحدهمَا بِأولى من قَول الآخر. ابْن عَرَفَة: إِن اخْتلفَا فِي جنس أحد الْعِوَضَيْنِ كتمر وبر تحَالفا وتفاسخا. ابْن حَارِث: اتِّفَاقًا اه. واختلافهما فِي الصِّنْف السمراء والمحمولة كاختلافهما فِي الْجِنْس كَمَا مر فِي الشَّامِل، وَكَذَا اخْتِلَافهمَا فِي ذكران الْخَيل وإناثها فَقَالَ أَحدهمَا: وَقع العقد على الذّكر، وَقَالَ الآخر: على الْأُنْثَى فَمَا يكون من الْمَبِيع قَائِما فِي ذَلِك كُله ردّ بِعَيْنِه. وَمَا يَفُوتُ وَاقْتَضَى الرُّجُوعَا بِقِيمَةٍ فَذَاكَ يَوْمَ بِيعَا (وَمَا يفوت) مِنْهُ (وَاقْتضى الرجوعا) فِي مثلي فبمثله أَو (بِقِيمَة فَذَاك) أَي فَيعْتَبر قِيمَته (يَوْم بيعا) لَا يَوْم الْفَوات، وَأما الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كالجودة والرداءة فَيجْرِي على الِاخْتِلَاف فِي الْقدر على الْمُعْتَمد ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ: اخْتِلَافهمَا فِي الْجَوْدَة كاختلافهما فِي الْكَيْل اه. فَإِن اخْتلفَا فِي السِّكَّة فَقَالَ أَحدهمَا بيزيدية وَقَالَ الآخر بمحمدية، فقد تقدم تَفْصِيل ذَلِك فِي صدر الْبيُوع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَل وَهُوَ إِمَّا فِي أَصله أَو فِي انقضائه أَو فِي قدره فَقَالَ: وَحَيْثُمَا المبيعُ باقٍ واخْتُلِفْ فِي أَجَلٍ تَفَاسَخَا بَعْدَ الحَلِفْ (وحيثما الْمَبِيع بَاقٍ) قَائِما لم يفت (وَاخْتلف فِي) أصل (أجل) فَادّعى أَحدهمَا البيع بِالنَّقْدِ وَالْآخر بِالنَّسِيئَةِ لشهر مثلا (تفاسخا بعد الْحلف) وَهَذَا قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم. وَقِيلَ ذَا إنِ ادَّعَى المُبْتَاعُ مَا يَبْعُدُ وَالْعُرْفَ بهِ قَدْ عُدِمَا (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا (ذَا) أَي مَا ذكر من التَّحَالُف والتفاسخ (إِن ادّعى الْمُبْتَاع مَا يبعد) من الْأَجَل (و) الْحَال أَن (الْعرف بِهِ قد عدما) أَي لم يجر عرف عِنْد النَّاس فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة بالأجل فَقَط، بل هُوَ جَار بالأجل تَارَة وبعدمه أُخْرَى، أَو هُوَ جَار فِي مثلهَا بالأجل فَقَط، وَلَكِن لم يجر بذلك الْأَجَل الْبعيد الَّذِي ادَّعَاهُ، وَمَفْهُومه أَنه إِن ادّعى اجلاً بتبايع النَّاس إِلَى مثله فَالْقَوْل قَوْله. هَذَا وَجعل فِي الشَّامِل وَغَيره الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا لم يكن عرف أصلا فَقَالَ: وَلَو اخْتلفَا فِي تَعْجِيله وتأجيله صدق مدعي الْعرف بِيَمِين، وَإِن فقد الْعرف فَقيل يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان، وَقيل القَوْل للْبَائِع الخ. وَحِينَئِذٍ فَيجب أَن يكون قَوْله: وَالْعرْف بِهِ الخ. هُوَ مَوْضُوع الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِه وَفِي الَّتِي بعْدهَا وَبِالْجُمْلَةِ إِذا كَانَ هُنَاكَ عرف فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة من كَونهَا تبَاع بِالنَّقْدِ أَو بِالنَّسِيئَةِ لمثل ذَلِك الْأَجَل فَالْقَوْل لمدعيه، وَإِن لم يكن عرف بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ بل كَانَ التبايع بهما مَعًا أَو كَانَ الْعرف النَّسِيئَة، وَلَكِن ادّعى أَََجَلًا بَعيدا لَا بتبايع النَّاس إِلَى مثله
فَقيل يَتَحَالَفَانِ، وَقيل القَوْل للْبَائِع وَالْمُعْتَمد مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِيمَا إِذا كَانَ التبايع بهما مَعًا، وَأَن القَوْل للْبَائِع فِي الْعرف بِالنَّسِيئَةِ إِذا ادّعى الْمُبْتَاع أَََجَلًا بَعيدا وَادّعى هُوَ مَا يشبه. تَنْبِيه: قَوْلهم الأَصْل فِي الثّمن الْحُلُول كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله أول الْإِجَارَة بعاقد وَأجر كَالْبيع إِنَّمَا يتمشى على مَا إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بِهِ فَقَط كَمَا هُوَ الْغَالِب عندنَا الْيَوْم فَقَوْلهم: الأَصْل فِيهِ الْحُلُول أَي الْغَالِب فِيهِ الْحُلُول، وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله الْمَبِيع بَاقٍ فَقَالَ: وَإنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ عِنْدَ مَالِكِ لِبَائِعٍ نَهْجَ الْيَمِينِ سَالِكِ (وَإِن يفت) بِوَجْه من وُجُوه الْفَوْت كتغير ذَات أَو حِوَالَة سوق أَو خُرُوج عَن يَد (فَالْقَوْل عِنْد مَالك) من رِوَايَة ابْن وهب (لبائع نهج الْيَمين) مفعول بقوله (سالك) أَي حَال كَونه سالكاً نهج الْيَمين. وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ وَالقَوْلانِ لِحافِظِ المَذْهَبِ مَنْقُولَانِ (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم القَوْل (للْمُبْتَاع وَالْقَوْلَان لحافظ الْمَذْهَب) وَهُوَ ابْن رشد (منقولان) . وَظَاهر النّظم أَنه مَعَ الْفَوات لَا ينظر لعرف وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِن كَانَ هُنَاكَ عرف فَيتبع ويرجح قَول مدعيه كَالَّتِي قبلهَا، وَإِن لم يكن عرف فَيَأْتِي الْقَوْلَانِ حِينَئِذٍ، وَالْمُعْتَمد مِنْهُمَا أَن القَوْل للْمُبْتَاع إِن كَانَ ادّعى أمداً قَرِيبا لَا يتهم فِيهِ فَإِن ادّعى أمداً بَعيدا فَالْقَوْل للْبَائِع، وَأَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي انقضائه فَقَالَ: وَفِي انْقِضَاءِ أَجَلٍ بِذَا قُضِي حَتَّى يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ (و) إِن اخْتلفَا (فِي انْقِضَاء أجل) بِسَبَب اخْتِلَافهمَا فِي مبدئه بعد اتِّفَاقهمَا على أَصله وَقدره كشهر مثلا أَي وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا وفاتت السّلْعَة (بذا) أَي يكون القَوْل للْمُبْتَاع بِيَمِينِهِ لِأَن الْإِشَارَة لأَقْرَب مَذْكُور وَهُوَ الْمُبْتَاع فِي الْبَيْت قبله (قضي مَتى يَقُول إِنَّه لم ينْقض)(خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي الخ. وَشَمل الْمُبْتَاع مبتاع الذَّات وَالْمَنَافِع فَالْقَوْل للمكتري فِي عدم انْقِضَاء أجل الْكِرَاء، وَظَاهره سَوَاء أشبه أم لَا. فَاتَت أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل مَحَله إِذا أشبه سَوَاء أشبه الآخر أم لَا، فَإِن أشبه البَائِع وَحده فَقَوله بِيَمِينِهِ، فَإِن لم يشبه وَاحِد مِنْهُمَا حلفا وَغرم الْقيمَة، وَهَذَا كُله مَعَ الْفَوات فَإِن لم تفت حلفا وَفسخ، وَلَا ينظر لشبه، فَإِن
أَقَامَ الْبَيِّنَة عمل بِبَيِّنَة البَائِع لكَونهَا أقدم تَارِيخا. وَسكت النَّاظِم عَن اخْتِلَافهمَا فِي قدر الْأَجَل بعد اتِّفَاقهمَا على أَصله ومبدئه الَّذِي هُوَ أول رَجَب مثلا فَقَالَ أَحدهمَا لشعبان، وَقَالَ الآخر بل لرمضان، فَالْمَشْهُور الْحلف وَالْفَسْخ إِن لم تفت السّلْعَة فَإِن فَاتَت صدق المُشْتَرِي إِن أشبه فالاختلاف فِي قدر الْأَجَل كالاختلاف فِي قدر الثّمن، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَقَالَ: وَالقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بَعْدَ الحَلِفْ فِي القَبْضِ فِيما بَيْعُهُ نَقْداً عُرِفْ (فَالْقَوْل قَول مُشْتَر بعد الْحلف فِي الْقَبْض) للثّمن (فِيمَا) أَي مَبِيع (بَيْعه نَقْدا عرف) كالخبز والفاكهة وَاللَّحم وَالْخضر وَالْحِنْطَة وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره أَن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي دفع الثّمن فِيمَا عرف بَيْعه بِالنَّقْدِ سَوَاء كَانَ الِاخْتِلَاف قبل الِافْتِرَاق والبينونة أَو بعدهمَا كثر ذَلِك الْمَبِيع أَو قل ادّعى الدّفع قبل قبض اللَّحْم وَنَحْوه أَو بعده، وَهُوَ كَذَلِك على مَا فِي الْمُنْتَخب عَن مَالك وَنَحْوه فِي اللّبَاب كَمَا فِي (ح) عَن ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الْجَوَاهِر و (خَ) وَغَيرهمَا أَن مَحل تَصْدِيقه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف بعد الِافْتِرَاق وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِن ادّعى دَفعه بعد قبض اللَّحْم وَنَحْوه فَإِن ادّعى دَفعه قبله فأقوال. وَالْحَاصِل على مَا فِي الْجَوَاهِر و (خَ) وَغَيرهمَا أَنه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف بعد الِافْتِرَاق والبينونة فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي، وَإِن وَقع قبل ذَلِك فَتَارَة يَدعِي الدّفع بعد قبض اللَّحْم وَشبهه فَلَا يقبل قَوْله اتِّفَاقًا كَمَا لِابْنِ رشد، وَحكى غَيره فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ، وَتارَة لَا يكون قد قبض اللَّحْم وَنَحْوه وَيَدعِي أَنه دفع الثّمن فَلَا يقبل قَوْله اتِّفَاقًا أَيْضا، وَتارَة يَدعِي الدّفع قبل قبض اللَّحْم وَشبهه أَي: وَهُوَ قَابض لَهُ فَفِي ذَلِك أَقْوَال ثَلَاثَة حَكَاهَا ابْن رشد. قلت: ومبنى الْخلاف فِي هَذَا وَالله أعلم اخْتِلَاف عرف النَّاس فِي تِلْكَ الْأَزْمَان، فَمَا للناظم وَصَاحب الْمُنْتَخب من تَصْدِيق المُشْتَرِي مُطلقًا مَبْنِيّ على أَن عرف النَّاس فِي ذَلِك الْوَقْت هُوَ دفع الثّمن عِنْد قبض اللَّحْم وَنَحْوه وَهُوَ الْمُوَافق لوقتنا الْيَوْم فَيجب اعْتِمَاده، وَالْحكم بِهِ فِي هَذِه الْأَزْمَان وَمَا للجواهر وَغَيرهَا مَبْنِيّ على أَن الْعرف التَّفْصِيل بَين الْبَيْنُونَة وَعدمهَا وادعاء الدّفع بعد قبض الْمَبِيع أَو قبله، وَلذَا قَالَ فِي الْمُفِيد عَن بَعضهم: الأَصْل فِي هَذَا أَن يرجع إِلَى عرف الْبَلَد فِي بيع ذَلِك الشَّيْء فيحملان عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: قَالَ عبد الْحق: وَالصَّوَاب فِي هَذَا كُله مُرَاعَاة عرف النَّاس فِي انتقاد الثّمن وتأخيره فقد تتفق الْأَقْوَال على مُرَاعَاة هَذَا وَهُوَ من أصل مَذْهَب مَالك اه. وَقَالَ الْقَرَافِيّ: اتِّبَاع الْعرف أَمر مجمع عَلَيْهِ لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَإِنَّمَا يَقع الْخلاف فِي تَحْقِيقه هَل وجد أم لَا؟ قَالَ: وَالْوُقُوف على المنقولات أَي من غير اعْتِبَار عرف فِيمَا يُرَاعى فِيهِ الْعرف ضلال، وَهَذَا عَام فِي أَبْوَاب كَثِيرَة اه. وَهَذَا كُله فِيمَا الشَّأْن فِيهِ الانتقاد عِنْد الْقَبْض كالأمثلة الْمَذْكُورَة، وَأما غير ذَلِك فَالْقَوْل فِيهِ للْبَائِع كَمَا قَالَ:
وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ فِيما عَدَا مُسْتَصْحَبِ النقَّدِ وَلَوْ بَعْدَ مَدَا فَالضَّمِير فِي قَوْله: وَهُوَ رَاجع لِلْقَوْلِ أَي كَمَا أَن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع الَّذِي عرف بَيْعه بِالنَّقْدِ كالأمثلة الْمُتَقَدّمَة، كَذَلِك القَوْل للْبَائِع فِي عدم قبض ثمن الْمَبِيع الَّذِي لم يعرف بَيْعه بِالنَّقْدِ، وَلَا باستصحاب تَعْجِيله عِنْد قَبضه، بل كَانَ تَارَة يُبَاع بِالنَّقْدِ وَتارَة بِالتَّأْخِيرِ، وَأَحْرَى إِن كَانَ يعرف بَيْعه بِالتَّأْخِيرِ فَقَط هَذَا إِذا قَامَ البَائِع يَطْلُبهُ فِي الْحِين، بل وَلَو قَامَ يَطْلُبهُ بعد مُدَّة وَحين وَذَلِكَ. كَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَد الابْتِيَاعِ (كالدور وَالرَّقِيق والرباع) والبز وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعرف بَيْعه بِالْوَجْهَيْنِ أَو بِالتَّأْخِيرِ فَقَط كَمَا مرّ، فَإِن القَوْل للْبَائِع (مَا لم يُجَاوز حدّ الابتياع) الَّذِي لَا يُمكن الصَّبْر إِلَيْهِ عَادَة كالعام والعامين عِنْد ابْن حبيب وَالْعِشْرين سنة عِنْد ابْن الْقَاسِم، فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. ابْن بشير: وَذَلِكَ رَاجع إِلَى العوائد، وَصرح غير وَاحِد من شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الْعُيُوب، ثمَّ قضى إِن أثبت عُهْدَة مؤرخة الخ. بِأَن قَول ابْن الْقَاسِم ضَعِيف، وَالْمُعْتَمد مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حبيب وَهُوَ ظَاهر إِذْ لَا تَجِد أحدا يَبِيع سلْعَته بِتَأْخِير ثمنهَا إِلَى عشر سِنِين فضلا عَن الْعشْرين، وَبِالْجُمْلَةِ فَذَلِك رَاجع للْعُرْف الَّذِي يتبايع النَّاس إِلَى مثله فِي ذَلِك الْبَلَد كَمَا مرّ، وَلذَا قَالَ فِي الشَّامِل: وَإِن كَانَ الْمَبِيع كدار أَو عرض صدق مُشْتَر وَافقه عرف إِن طَال الزَّمَان طولا يقْضِي الْعرف بِهِ أَي بالانتقاد وَدفع الثّمن، فَإِنَّمَا أناط ذَلِك بِالْعرْفِ وَلم يُقيد بِسنة وَلَا غَيرهَا، وَلما ذكر اللَّخْمِيّ مَذْهَب مَالك فِي الثِّيَاب وَالْعرُوض قَالَ: يُرِيد مَا لم يقم دَلِيل على أَن المُشْتَرِي لَا يسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع إِلَّا بعد دفع الثّمن كَكَوْنِهِ بدوياً أَو عَرَبيا لَا يعرف، أَو كَونه فَقِيرا أَو من لَا يُؤمن إِلَيْهِ، وَهَذَا يعرف عِنْد النُّزُول اه. وَهُوَ مُرَاد الشَّامِل بقوله: وَافقه عرف الخ. وَقد أصلح (ز) وَغَيره قَول (خَ) وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما إِلَّا لعرف كلحم وبقل الخ. فَقَالَ: لَو قَالَ عقب قَوْله إِلَّا لعرف فَيعْمل بِدَعْوَى مُوَافقَة لجرى على مَا بِهِ الْفَتْوَى. وَالْقَبْضُ لِلسَّلْعَةِ فِيهِ اخُتُلِفَا جَازَ كَقَبْضٍ حُكْمُهُ قَدْ سَلَفَا (وَالْقَبْض للسلعة فِي اخْتلفَا) بِأَن قَالَ المُشْتَرِي: لم أَقبض الْمَبِيع، وَقَالَ البَائِع: بل قَبضته (جَار ك) الِاخْتِلَاف فِي (قبض) الثّمن الَّذِي (حكمه قد سلفا) وَتقدم فَمَا كَانَ الْعرف فِيهِ قبض الْمَبِيع عِنْد قبض الثّمن كَاللَّحْمِ والفاكهة وشبههما، فَالْقَوْل فِيهِ للْبَائِع وَمَا لم يكن فِيهِ عرف أصلا
بل كَانَ يَقع بِالْوَجْهَيْنِ، أَو كَانَ الْعرف تَأْخِير قبض الْمَبِيع فَالْقَوْل فِيهِ للْمُشْتَرِي أَنه لم يقبضهُ. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا أشهد المُشْتَرِي بتقرر الثّمن فِي ذمَّته فَذَلِك مُقْتَض لقبض مثمنه فَلَا يصدق فِي عدم قَبضه، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين على البَائِع إِن بَادر وَقَامَ فِي نَحْو الْعشْرَة الْأَيَّام من وَقت الْإِشْهَاد كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَكَذَا إِذا أشهد المُشْتَرِي أَيْضا بِدفع الثّمن للْبَائِع، ثمَّ قَامَ يطْلب الْمَبِيع فَالْقَوْل للْبَائِع أَيْضا أَنه دَفعه إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذا أشهد المُشْتَرِي أَيْضا بِأَنَّهُ قبض الْمَبِيع ثمَّ قَامَ يَطْلُبهُ وَقَالَ: إِنَّمَا أشهدت على نَفسِي بِقَبْضِهِ ثِقَة مني للْبَائِع فَإِنَّهُ لَا يصدق، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين إِن بَادر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور فِي إِشْهَاد المُشْتَرِي، وَأما إِن أشهد البَائِع بِأَن الْمَبِيع فِي ذمَّته على وَجه السّلم فَذَلِك مُقْتَض لقبض ثمنه أَيْضا كَمَا قَالَه (ز) . وَكَذَا إِن أشهد البَائِع أَيْضا بِدفع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي ثمَّ قَامَ يطْلب الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي أَنه دَفعه إِلَيْهِ، وَكَذَا إِن أشهد بِقَبض الثّمن ثمَّ قَامَ يَطْلُبهُ وَقَالَ: إِنَّمَا أشهدت على نَفسِي بِهِ ثِقَة مني بالمشتري فَإِنَّهُ لَا يصدق، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين على المُشْتَرِي إِن بَادر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور أَيْضا فِي البَائِع فالمجموع سِتّ صور، وَانْظُر الْمَسْأَلَة فِي الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَفْهُوم أشهد أَنه إِذا شهِدت بَيِّنَة على رجل من غير إشهاده إِيَّاهَا أَن لفُلَان عَلَيْهِ مائَة دِينَار من ثمن سلْعَة اشْتَرَاهَا مِنْهُ لم يلْزمه الثّمن حَتَّى يَقُولَا وَقبض السّلْعَة، وَكَذَا لَو أشهد أَنه بَاعه سلْعَة بِكَذَا لم يقْض عَلَيْهِ بِالثّمن إِذْ لَيْسَ فِي شَهَادَتهمَا مَا يُوجب قبض السّلْعَة اه. أَي: لِأَنَّهُ إِشْهَاد بِوُقُوع العقد فَقَط قَالَه اللَّخْمِيّ عَن ابْن عبد الحكم. وَنَقله ابْن عَرَفَة وَابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته و (ح) فِي بَاب الْقَضَاء. زَاد فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الرَّهْن: وَكَذَا إِن شهِدت أَنه خاط لفُلَان ثوبا بدرهم لم يجب للخياط شَيْء حَتَّى يَقُولَا إِنَّه رد الثَّوْب مخيطاً، وَكَذَلِكَ جَمِيع الصناع اه. فإطباقهم على نَقله مُسلما يدل على أَنه لَازم اه. وَبِه تعلم بطلَان مَا فِي (ز) من أَن الشَّهَادَة بِمَنْزِلَة الْإِشْهَاد، لَكِن قَالَ الْبُرْزُليّ بعد نَقله مَا مر عَن ابْن عبد الحكم مَا نَصه: وَوَقعت فَأفْتى شَيخنَا الْفَقِيه بِالْعَمَلِ بهَا مُطلقًا، وظاهرها أَي الْمُدَوَّنَة أَن التَّوَجُّه فِي الطّلب الإجمالي صَحِيح خلاف مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيّ عَن ابْن عبد الحكم أَن الطّلب لَا يقبل إِلَّا مفصلا اه. قيل: وعَلى مَا لِابْنِ عبد الحكم الَّذِي اعتمدوه كَذَلِك لَو شهِدت أَنه قرض لفُلَان كَذَا لم يجب للمقرض شَيْء حَتَّى يَقُولَا إِن المفترض أقبضهُ لِأَن الْقَرْض يلْزم بالْقَوْل. الثَّالِث: جرت الْعَادة بِمصْر، وَكَذَا بفاس بكتب الْوُصُول قبل الْقَبْض، فَإِذا ادّعى المشهد على نَفسه أَنه لم يقبض فَلهُ أَن يحلف مدعي الدّفع وَلَو طَال الأمد قَالَه النَّاصِر اللَّقَّانِيّ، وَانْظُر الْفَرْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من الْفَائِق فَإِنَّهُ ذكر جَرَيَان هَذِه الْعَادة فِي السّلم وَالْقَرْض والقراض قَالَ: فَإِذا ادّعى الْمُعْتَرف بِالْقَبْضِ أَنه لم يقبض وَتمسك الدَّافِع بِظَاهِر الْوَثِيقَة فَالْقَوْل قَول الْمُعْتَرف، وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ، وَإِنَّمَا يخْتَلف هَل بِيَمِين أم لَا؟ وَنَحْوه فِي المعيار، وَنَقله ابْن رحال فِي الشَّرْح فَتَأَمّله مَعَ مَا للناصر. قلت: وَلَكِن الْوَاجِب أَن مَا فِي الْفَائِق والمعيار إِنَّمَا هُوَ إِذا فَرضنَا أَن الْعرف هُوَ كتب الْوُصُول قبل الْقَبْض فِي جَمِيع الافتراضات والبياعات أَو غلب ذَلِك كَمَا مرّ عَن أبي يُوسُف الزغبي آخر الثنيا، فَحِينَئِذٍ يعْمل بِهَذَا الْعرف فِيمَا جرى فِيهِ بعد النّظر فِي كَون الْكَاتِب قبل
الْوُصُول قَامَ بِالْقربِ فَيصدق أَو بالبعد فَلَا يصدق، أما إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بالكتب قبل الْوُصُول تَارَة وَبعد الْوُصُول أُخْرَى كَمَا هُوَ مشَاهد الْيَوْم فَلَا يشْهد الْعرف لوَاحِد مِنْهُمَا وَغَايَة مَا يُوجِبهُ هَذَا الْعرف الْيَمين، وَلَو طَال الأمد فَمَا قَالَه النَّاصِر يحمل على مَا إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بِالْوَجْهَيْنِ، وَمَا فِي الْفَائِق والمعيار يحمل على مَا إِذا تمحض الْعرف لأَحَدهمَا أَو غلب فِيهِ كَمَا مر فَلَا تعَارض وَالله أعلم. الرَّابِع: لَو شهد شَاهد بِقَبض الثّمن وزكى وَحكم بِشَهَادَتِهِ ثمَّ استفسر وَقَالَ: لم أعاين الْقَبْض فَإِنَّهُ لَا تبطل شَهَادَته إِذْ لَا تنَاقض فِي ذَلِك مَعَ مَا شهد بِهِ فِي الْوَثِيقَة وَمَا حكم بِهِ القَاضِي مَاض قَالَه فِي شَهَادَات المعيار، وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا استفسر قبل الحكم فَلَا يعْمل بِشَهَادَتِهِ حَتَّى يذكر مُسْتَند علمه على الْإِقْرَار أَو المعاينة وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي الصِّحَّة وَالْفساد أَو فِي الشَّرْط وَعَدَمه فَقَالَ: القَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِ لِلأَصْلِ أَوْ صِحْةٍ فِي كُلِّ فِعْلٍ فِعْلِ (وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل) كدعوى أَحدهمَا أَن البيع وَقع بِشَرْط الثنيا، أَو شَرط أَن لَا يَبِيع مثلا، أَو بِشَرْط رهن أَو حميل أَو النِّكَاح وَقع بِشَرْط أَن يُؤثر عَلَيْهَا، أَو بِشَرْط إِن أخرجهَا من بَلَدهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا وَادّعى الآخر عدم الِاشْتِرَاط فِي ذَلِك كُله، فَإِن القَوْل لَهُ لِأَن الأَصْل عدم الشَّرْط، وَكَذَا إِذا اخْتلف الْوَكِيل وموكله فَادّعى الْوَكِيل أَنه أمره بشرَاء هَذِه السّلْعَة وَأنْكرهُ الْمُوكل وَقَالَ: لم آمره بِشَيْء، أَو ادّعى الْمُوكل أَنه أمره بشرَاء حِنْطَة وَقَالَ الْوَكِيل: بل بشعير وَقد اشْتَرَيْته فَإِن القَوْل للْمُوكل فِي الأولى لِأَن الأَصْل عدم الْأَمر، وللوكيل فِي الثَّانِيَة لِأَن الأَصْل عدم العداء كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوكَالَة: وَالْقَوْل لَك يَا مُوكل إِن ادّعى الْإِذْن أَو صفة لَهُ إِلَّا أَن يشترى بِالثّمن فَزَعَمت أَنَّك أَمرته بِغَيْرِهِ الخ. وَلَا يحسن شَرحه بِدَعْوَى أَحدهمَا أَن البيع وَقع بتاً وَادّعى الآخر أَنه وَقع بِخِيَار، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ القَوْل لمُدعِي الْبَتّ كَمَا مرّ أول الْفَصْل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي بياعات النَّاس لَا لأجل أَنه الأَصْل كَمَا قيل: وَالْغَالِب وَالْأَصْل قد يتعارضان وَقد تفرد أَحدهمَا كَمَا مر بَيَانه عِنْد قَول النَّاظِم: وَقيل من يَقُول قد كَانَ ادّعى وَلم يكن لمن عَلَيْهِ يدعى (أَو) اخْتِلَافهمَا فِي (صِحَة) وَفَسَاد فَادّعى أَحدهمَا فَسَاد العقد لاختلال ركن لدخولهما على عدم علم قدر الثّمن مثلا، أَو شَرط لدخولهما على عدم المناجزة فِي الصّرْف، أَو على عدم ضرب الْأَجَل فِي السّلم وَنَحْو ذَلِك، وَادّعى الآخر علمهما بِقدر الثّمن ودخولهما على المناجزة
وَضرب الْأَجَل، فَإِن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة لِأَنَّهَا الأَصْل أَي الْغَالِب فِي عُقُود الْمُسلمين فَقَوْلهم: الأَصْل فِي عُقُود الْمُسلمين الصِّحَّة الخ. مُرَادهم بِالْأَصْلِ الْغَالِب، وَذَلِكَ ظَاهر لِأَن الأَصْل عدم علم قدر الثّمن وَعدم ضرب الْأَجَل، لَكِن ذَلِك الأَصْل عَارضه الْغَالِب وَهُوَ علم قدر الثّمن فِي البيع. وَوُجُود ضرب الْأَجَل فِي السّلم والمناجزة فِي الصّرْف، فَصَارَ الحكم لَهُ فَصدق مدعيه بِمَنْزِلَة اخْتِلَافهمَا فِي الْعسر واليسر، فَالْأَصْل الْعسر، لَكِن غلب على النَّاس الملاء فكأنهم يَقُولُونَ القَوْل لمُدعِي الأَصْل إِن لم يُعَارضهُ غَالب إلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْغَالِب (فِي كل فعل فعل) أَي عِنْد كل عقد عقد بيعا كَانَ أَو غَيره كَمَا مرّ، وَظَاهره اخْتلف الثّمن بهما أم لَا؟ فَاتَ البيع أم لَا؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وحذاق أهل الْمَذْهَب كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، والمفيد أَن مَحل كَون القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِذا فَاتَ الْمَبِيع وإلاَّ فيتحالفان ويتفاسخان. مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَاكَ عُرْفٌ جاري عَلَى خِلَافِ ذَاكَ ذُو اسْتِقْرَارِ (مَا لم يكن فِي ذَاك) الْمَبِيع (عرف جَار) فِيهِ (على خلاف ذَاك) الأَصْل أَو الصِّحَّة (ذُو اسْتِقْرَار) نعت لعرف بعد نَعته بجار فَإِنَّهُ يتبع حِينَئِذٍ ذَلِك الْعرف الْمُخَالف للْأَصْل كَالْبيع بِشَرْط الثنيا لِأَن الأَصْل هُوَ عدم الشَّرْط أَو الْمُخَالف للْغَالِب كالصرف لعدم المناجزة، لِأَن الْغَالِب كَانَ فِيهِ وُقُوعه على الصِّحَّة وَهُوَ المناجزة، فَإِذا غلب فِي بلد أَو وَقت وُقُوعه على عدمهَا فَإِنَّهُ يتبع ويترجح بذلك قَول مدعي عدمهَا وَكَذَا الْجعل مثلا فَإِن الْغَالِب كَانَ فِيهِ وُقُوعه على الصِّحَّة بتوفر شُرُوطه وأركانه فَكَانَ القَوْل لمُدعِي صِحَّته، فَإِذا غلب فِي بلد أَو وَقت وُقُوعه على الْفساد باختلال شَرط أَو ركن كَشَرط النَّقْد فِيهِ أَو عدم علم عوضه، أَو ضرب الْأَجَل لعمله، فَإِنَّهُ يتَرَجَّح قَول مدعيه، وَهَكَذَا وَقد غلب فِي هَذَا الأوان وَقَبله بِزَمَان أَن الْجعل والمزارعة والمغارسة وَالشَّرِكَة وَالرَّهْن والثنيا وَبيع الثِّمَار لَا يَقع إِلَّا على الْوَجْه الْفَاسِد كَمَا فِي اللامية وَغَيرهَا، وَيلْحق بهَا مَا عَداهَا. فَإِذا جرى الْعرف فِي السّلم مثلا بِتَأْخِير رَأس مَاله أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهُ يتَرَجَّح بذلك قَول مدعي تَأْخِيره، وَهَكَذَا فِي سَائِر الْعُقُود، وَلَا بُد من ثُبُوت ذَلِك الْعرف بعدلين فَأكْثر، وظاهرهم أَن القَوْل لمُدعِي الْفساد إِذا غلب وَثبتت أغلبيته فِي عقد، وَلَو لم يبين وَجه فَسَاده. وَالصَّوَاب أَنه يسْأَل عَن وَجه الْفساد فَإِذا ذكر وَجها مُعْتَبرا كَأَن يَقُول: بَاعَ لي ثَمَر جَمِيع الْحَائِط الْمُشْتَمل على أَنْوَاع قبل بَدو صَلَاح بعض أَنْوَاع بزهو حَبَّة مِنْهُ أَو ظُهُور حلاوتها فَإِنَّهُ يتبع قَوْله وإلاَّ فَلَا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي تَابع الْمَبِيع فَقَالَ: وَتَابِعُ الْمبيع كَالسَّرْجِ اخْتُلِفْ فيهِ يُرَدُّ بَيْعُهُ بَعْدَ الحَلِفْ (وتابع الْمَبِيع كالسرج) والإكاف أَي البرذعة واللجام للدابة وَالثَّمَرَة المؤبرة وَمَال العَبْد
وخلفة القصيل، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتَنَاوَلهُ العقد إِلَّا بِشَرْط (اخْتلف فِيهِ) فَادّعى المُشْتَرِي أَن البيع وَقع على الدَّابَّة بِلِجَامِهَا وإكافها، وعَلى الْأُصُول بثمرها، وعَلى العَبْد بِمَالِه والقصيل بخلفته وَادّعى البَائِع أَن البيع وَقع على الدَّابَّة أَو الْأُصُول أَو العَبْد أَو القصيل فَقَط (يرد بَيْعه) وَيفْسخ (بعد الْحلف) أَي بعد حلفهما مَعًا لِأَن هَذَا رَاجع إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمُثمن، وَهُوَ كالاختلاف فِي قدر الثّمن كَمَا مر أول الْبَاب فَيجْرِي على حكمه، وَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَا مر لكفاه. وَذَاكَ إنْ لَمْ يَفُتِ الْمبيعُ وَيَبْدأُ الْيَمِينَ مَنْ يَبِيعُ (وَذَاكَ) الرَّد وَالْفَسْخ (إِن لم يفت الْمَبِيع) بحوالة سوق فأعلى فِي غير الْعقار وبالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس فِيهِ (وَيبدأ الْيَمين من يَبِيع) كَمَا مر فِي الِاخْتِلَاف فِي الثّمن. وَذَا الذِي قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإنْ يَفُتْ فَلاِجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (وَذَا الَّذِي قَالَ بِهِ ابْن الْقَاسِم) وَهُوَ الْمَشْهُور (وَإِن يفت) الْمَبِيع بِشَيْء مِمَّا مر (فلاجتهاد الْحَاكِم) أَي فَإِن الْحَاكِم يجْتَهد ويتثبت فِيمَن أشبه مِنْهُمَا، فَإِن ظهر لَهُ أَن الشّبَه للْمُشْتَرِي عمل على قَوْله مَعَ يَمِينه سَوَاء أشبه البَائِع أَيْضا أم لَا. وَكَذَا إِن ظهر لَهُ أَن الشّبَه للْبَائِع وَحده فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِن لم يشبها مَعًا تحَالفا وَمضى بِالْقيمَةِ فِي الْمُقَوّم والمثل فِي المثلى إِلَّا السّلم فَيسلم وَسطه كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ادّعَيَا مَا لَا يشبه فِي السّلم فَسلم وسط الخ. وَبَيْعُ مَنْ رُشِّدَ كَالدَّارِ ادَّعَى بِأَنَّهُ فِي سَفَهٍ قَدْ وَقَعَا (وَبيع من رشد كَالدَّارِ) أَي مثل الدَّار وَنَحْوهَا فالكاف بِمَعْنى مثل مفعول بقوله بيع ثمَّ بعد بَيْعه لدارك قَامَ و (ادّعى بِأَنَّهُ) أَي البيع (فِي سفه قد وَقعا) وَأَنه لم يحصل لَهُ الرشد الَّذِي هُوَ متصف بِهِ الْآن إِلَّا بعد وُقُوع ذَلِك البيع، وَإِنَّمَا ادّعى ذَلِك ليتَمَكَّن من رد سلْعَته إِن وجدت أَو أَخذ قيمتهَا إِن فَاتَت ويضيع الثّمن على المُشْتَرِي حَيْثُ لم يصن بِهِ البَائِع مَاله لِأَنَّهُ سَفِيه على دَعْوَاهُ. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل وَقع البيع بعد الرشد وَلَا تَارِيخ للشراء يدل على تقدمه على تَارِيخ الترشيد أَو تَأَخره، فَإِن الْبَيِّنَة على البَائِع أَنه بَاعَ قبل رشده فَإِن لم تكن لَهُ بَيِّنَة. لِلْمُشْتَرِي القَوْلُ بِهِ مَعْ قَسَمِ وَعَكْسُ هَذَا لابْنِ سُحْنُونٍ نَمِي ف (للْمُشْتَرِي القَوْل بِهِ) أَي فِي هَذَا البيع (مَعَ قسم) أَنه بَاعَ وَهُوَ رشيد فَإِن نكل حلف البَائِع وَأخذ الْمَبِيع بعد رده الثّمن إِن كَانَ صون بِهِ مَاله هَذَا ظَاهره، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده
خلافًا لما فِي الْفَرْع السَّابِع من فروع النِّكَاح من الْفَائِق عَن ابْن زرب أَنه لَا يَمِين على المُشْتَرِي قَائِلا: لَا أرى الْيَمين على الْمُبْتَاع وَالْبيع لَازم للْبَائِع وَلَا تَنْفَعهُ دَعْوَاهُ. قَالَ: أَرَأَيْت لَو نكل الْمُبْتَاع عَن الْيَمين أَيكُون البَائِع مولى عَلَيْهِ وَيكون بذلك سَفِيها؟ مَا أرى الْيَمين فِي مثل هَذَا وَلَا يفْسخ بَيْعه اه. (وَعكس هَذَا) وَهُوَ القَوْل للْبَائِع (لِابْنِ سَحْنُون نمي) أَي نسب قَالَ ولد النَّاظِم: وَكَأَنَّهُ رأى أَن السَّفه سَابق للْبَائِع وَالْمُشْتَرِي يُسلمهُ لَهُ، فَحمل الْحَال على الِاسْتِصْحَاب اه. وَمَا صدر بِهِ النَّاظِم هُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة وَالْبَائِع يَدعِي عدمهَا، وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا أجَاب بِهِ أَبُو الضياء مِصْبَاح فِي وَصِيّ بَاعَ على أيتامه أَرضهم، وَكَانَ فيهم غَائِب لم يَشْمَلهُ التَّقْدِيم، فَلَمَّا بلغ الْأَيْتَام قَامُوا على الْمُبْتَاع بِحَق الْغَائِب وَأَرَادُوا إيقافه وَالشُّفْعَة، فَادّعى الْمُبْتَاع أَن الْغَائِب توفّي وَأقَام بَيِّنَة بذلك، غير أَن الْبَيِّنَة لم تحقق وَقت الْمَوْت هَل قبل البيع أَو بعده؟ فَقَالَ: القَوْل قَول الْمُبْتَاع إِنَّه مَاتَ قبل البيع وَقد بَاعَ نصِيبهم جَمِيعه الْوَصِيّ اه. تَنْبِيهَات. الأول: لَو بَاعَ الْمَحْجُور وَصَرفه فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله مضى بَيْعه قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَنَقله اليزناسني هُنَا مُقْتَصرا عَلَيْهِ. قلت: وَهَذَا مُخَالف لقَوْل (خَ) فِي الْحجر: وَلَو حنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ. إِذْ لَا يكون قد وَقع الْموقع إِلَّا إِذا بَاعَ للْحَاجة وَصرف الثّمن فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ أَي: وَقع الْموقع فِي سَبَب البيع وَصرف الثّمن وَإِن كَانَ الأول هُوَ الْمُوَافق لقَولهم: كل من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لم يفعل غَيره فَفعله مَاض كَمَا نَقله (ق) عَن الْبُرْزُليّ فِي بَاب الْخلْع. الثَّانِي: إِذا فعل الْمَحْجُور مَا لَيْسَ بمصلحة من بيع وَنِكَاح وَغَيرهمَا بِمحضر وليه، فَإِن الْوَلِيّ يضمنهُ لِأَنَّهُ أَمِين عَلَيْهِ، وكل أَمِين إِذا ضيع أَمَانَته أَو غرر بهَا أَو تعدى عَلَيْهِ بِوَجْه فَهُوَ ضَامِن لَهَا قَالَه فِي الطرر. الثَّالِث: إِذا تصرف الْمَحْجُور بمرأى من وَصِيّه وَلم يظْهر فِي تصرفه مُحَابَاة ووليه سَاكِت فَإِن تصرفه مَاض وَيلْزمهُ مَا لحقه من الدّين وَيحمل الْأَمر على أَن وليه قصد بسكوته إجَازَة ذَلِك. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَبِه الْعَمَل. انْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: فَإِن بَاعَ الْمُمَيز بِلَا إِذن. وَمَنْ يَكُنْ بِمَالِ غَيْرِهِ اشْتَرَى وَالْمُشْتَرَى لَهُ لِلأَمْرِ أَنْكَرَا (وَمن يكن بِمَال غَيره اشْترى) شَيْئا وَادّعى أَن رب المَال أمره بذلك الشِّرَاء (والمشترى لَهُ) وَهُوَ رب المَال (لِلْأَمْرِ أنكرا) وَقَالَ: لم آمره بشرَاء ذَلِك بل بِحِفْظ ذَلِك المَال فَقَط، فَإِن الْمَشْهُور
أَن القَوْل للْآمِر إِذا حلف كَمَا مر عَن (خَ) عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل الخ. لِأَن هَذَا من أَفْرَاده وَإِنَّمَا أَعَادَهُ ليرتب عَلَيْهِ قَوْله: وَحَلَفَ الآمِرُ فَالْمَأْمُورُ مِنْهُ ارْتِجاعُ مَالِهِ مَأثُورُ (و) إِذا (حلف الْآمِر) على أَنه لم يَأْمُرهُ بِمَا قَالَ (فالمأمور) وَهُوَ المُشْتَرِي وَسَماهُ مَأْمُورا بِاعْتِبَار دَعْوَاهُ (مِنْهُ) أَي الْمَأْمُور (ارتجاع مَاله) أَي الْآمِر (مأثور) مَرْوِيّ عَن أصبغ يَعْنِي أَنه إِذا حلف الْآمِر فَإِنَّهُ يرتجع مَاله وَيَأْخُذهُ من الْمَأْمُور. وَمَا لَهُ شَيْءٌ عَلَى مَنْ بَاعا مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَدَّقَ المُبْتاعا (وَمَا لَهُ شَيْء على من باعا) أَي: وَلَا يرجع على البَائِع بِشَيْء (مَا لم يكن) البَائِع (قد صدق المبتاعا) فِي أَن المَال للْآمِر فَإِن صدقه فَإِن الْآمِر يأخد مَاله من البَائِع حِينَئِذٍ هَذَا قَول أصبغ كَمَا مرّ. وَقِيلَ بَلْ يَكُونُ ذَا تَخَيُّرِ فِي أَخْذِهِ مِنْ بَائِعٍ أوْ مُشْتَرِي (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجشون إِذا حلف الْآمِر فَلَا يتَعَيَّن رُجُوعه على الْمَأْمُور (بل يكون ذَا تخير فِي أَخذه) مَاله (من بَائِع أَو) من (مُشْتَر) فَإِن أَخذه من المُشْتَرِي فَلَا إِشْكَال وَإِن أَخذه من البَائِع فَإِنَّهُ يرجع بِهِ على المُشْتَرِي. وَالبَيْعُ فِي القَوْلَيْنِ لَنْ يَنْتَقِضَا وَالْمُشْتَرِي لَهُ المبيعُ مُقْتضَى (وَالْبيع فِي) كل من (الْقَوْلَيْنِ لن ينتقضا) بل هُوَ لَازم للمتبايعين، سَوَاء قُلْنَا بقول أصبغ أَو بقول ابْن الْمَاجشون (و) إِذا كَانَ لَازِما ف (المُشْتَرِي) يكون (لَهُ الْمَبِيع) حَال كَونه (مُقْتَضى) وَمَفْهُوم قَوْله: وَالْمُشْتَرِي لَهُ للْآمِر أنكرا الخ. أَنه إِذا لم يُنكر فَإِن الشَّيْء الْمُشْتَرى يكون لَهُ وَلَا إِشْكَال، وَكَذَا لَو ادّعى الْمَأْمُور أَنه إِنَّمَا اشْترى بذلك المَال لنَفسِهِ لَا لمُوكلِه لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي التَّصَرُّف وكل من أذن لَهُ فِي التَّصَرُّف كَالْوَكِيلِ والمقارض والمبضع مَعَه إِذا ادّعى الشِّرَاء لنَفسِهِ لَا يُمكن من أَخذ الشَّيْء الْمُشْتَرى لِأَنَّهُ لَا يربح على تعديه بِالشِّرَاءِ لنَفسِهِ كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْقَرَاض: ككل آخذ مَالا للتنمية فتعدى، بِخِلَاف من لم يُؤذن لَهُ فِي التَّصَرُّف كَالْمُودعِ وَالْوَصِيّ وَالْغَاصِب
إِذا ادعوا الشِّرَاء لأَنْفُسِهِمْ فَإِن الشَّيْء الْمُشْتَرى يكون لَهُم وَالرِّبْح لَهُم والخسارة عَلَيْهِم، وَكَذَا الْوَكِيل إِذا أتجر بِالثّمن الَّذِي بَاعَ بِهِ أَو أَخذ مَالا لشراء سلْعَة فتجر بِهِ قبل شِرَائهَا فَإِن الرِّبْح لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّهُ كَالْمُودعِ عِنْده مَا لم يقل الْوَكِيل وَنَحْوه: اشْتَرَيْته بِمَالي وَكَانَ لَهُ مَال من غير مَال مُوكله فَإِنَّهُ يصدق قَالَه (ز) آخر بَاب الْوكَالَة، وَانْظُر قبل ثَمَانِيَة أوراق من أَوَاخِر الْوكَالَة من ابْن عَرَفَة، وَانْظُر مَا تقدم فِي الْوكَالَة عِنْد قَوْله: وَمن خُصُومَة مُعينَة الخ.
(فصل فِي حكم البيع على الْغَائِب)
قَالَ (م) : الأولى وَالله أعلم أَن يَقُول: فصل فِي الحكم على الْغَائِب ليشْمل الطَّلَاق عَلَيْهِ وَالْعِتْق، وَقد ذكرهمَا هُنَا. وَأجَاب عَن ذَلِك: بِأَن الْفَصْل إِنَّمَا هُوَ للْبيع وَالطَّلَاق وَالْعِتْق إِنَّمَا ذكرا اسْتِطْرَادًا. وَاعْلَم أَنه إِذا حضر الطَّالِب وَحده عِنْد القَاضِي فَلَا يَخْلُو الْمَطْلُوب إِمَّا أَن يكون تَحت إيالته أَو خَارِجا عَنْهَا، فَإِن كَانَ تَحت إيالته فَلَا يَخْلُو أمره من ثَلَاثَة أَحْوَال، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون حَاضرا مَعَه فِي الْبَلَد فَيُرْسل إِلَيْهِ أحد أعوانه، وَإِمَّا أَن يكون خَارِجا عَن الْبَلَد بِيَسِير الأميال مَعَ أَمن الطَّرِيق فَإِنَّهُ يكْتب إِلَيْهِ بِأَن يحضر أَو يُوكل، وَإِمَّا أَن يكون بَعيدا حسا أَو معنى كالخوف، فَالْحكم أَن يكْتب القَاضِي لأمثل أَمِين هُنَاكَ أَن يفعل مَا يجب من إنصاف أَو إصْلَاح أَو إزعاج الْمَطْلُوب للخصام كَمَا تقدم ذَلِك فِي فصل رفع الْمُدعى عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَ خَارِجا عَن إيالته فَلهُ حالتان: إِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنْهَا لكَون ذَلِك هُوَ وَطنه وَمحل قراره فَهُوَ قَوْله فِيمَا مر: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ. وَإِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنْهَا لزيارة أَو تِجَارَة أَو نَحْوهمَا، وَهُوَ متوطن بِمحل ولَايَة القَاضِي أَو لَهُ مَال بهَا أَو وَكيل أَو حميل، فَهَذِهِ مَحل الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْآتِيَة فِي النّظم، وإلاَّ لم يحكم عَلَيْهِ بل تنقل الشَّهَادَة فَقَط من غير حكم كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره. لِطَالِبِ الحُكْمِ عَلَى الغُيَّابِ يُنْظَرُ فِي بُعْدٍ وَفِي اقْتِرَاب (لطَالب الحكم على الغياب) جمع غَائِب كعذال جمع عاذل (ينظر فِي بُعد) جدا كإفريقيه من مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو لَا جدا كالعشرة الْأَيَّام مَعَ الْأَمْن أَو الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف (وَفِي اقتراب) كثلاثة أَيَّام مَعَ الْأَمْن.
فَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ الأَيَّامِ وَنَحْوِهَا يُدْعَى إِلَى الأَحْكامِ (فَمن) كَانَ (على ثَلَاثَة الْأَيَّام وَنَحْوهَا) فَهُوَ كالحاضر (يدعى إِلَى الْأَحْكَام) فَتسمع الْبَيِّنَة وتزكيتها ثمَّ يعلم بهَا ويعذر إِلَيْهِ فِي وصولها والطعن فِيهَا، فَإِن أبدى مطعناً ووكل من يُخَاصم أَو قدم بِنَفسِهِ فَذَاك وَإِلَّا حكم عَلَيْهِ حَتَّى فِي اسْتِحْقَاق الْعقار وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وَبيع عَلَيْهِ مَاله من أصُول وَغَيرهَا لقَضَاء دُيُونه أَو نَفَقَة زَوجته، وَلَا ترجى لَهُ حجَّة فِي شَيْء كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُعْذِرُ الحَاكِمُ فِي وَصُولِهِ بِنَفْسِهِ لِلحُكْم أَوْ وَكيلِهِ (ويعذر الْحَاكِم) أَي يقطع عذره بِضَرْب أجل يَسعهُ (فِي وُصُوله بِنَفسِهِ للْحكم أَو وَكيله) ويسعه لِلطَّعْنِ فِي بَينته. فإنْ تَمَادى وَالمَغِيبُ حَالُهُ بِيعَ بِإطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ (فَإِن تَمَادى والمغيب حَاله) أَي تَمَادى على غيبته وَلم يُوكل وَلم يقدم وَلم يطعن (بيع) بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا إِذْ كل مَا يَبِيعهُ الْحَاكِم فَهُوَ على الْخِيَار ثَلَاثًا، وَإِن لم يَشْتَرِطه إِلَّا أَن يجهل المُشْتَرِي كَونه بِالْخِيَارِ فَلهُ الرَّد والإمضاء، فَإِن بَاعَ بِغَيْر خِيَار فَلِكُل من الْغَائِب والغرماء الرَّد لتضررهم بذلك كَذَا يَنْبَغِي قَالَه (ز) . وَانْظُر حاشيتنا على اللامية عِنْد قَوْلهَا: وَمن غَابَ عَن قرب كمن هُوَ حَاضر الخ. (بِإِطْلَاق عَلَيْهِ مَاله) أصلا كَانَ أَو غَيره، وَلَكِن إِنَّمَا يُبَاع. بَعْدَ ثُبُوتِ المُوجِبَات الأُوَّلِ كالدَّيْنِ وَالْغَيْبَةِ والتَمَوُّلِ (بعد ثُبُوت الموجبات الأول) أَي السَّابِقَة على البيع المشترطة فِي بيع الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَول (خَ) : وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وإهماله وَملكه لما بيع الخ. فيبدل الْيُتْم والإهمال هُنَا بِالدّينِ والغيبة كَمَا قَالَ: (كَالدّين والغيبة والتمول) أَي كَون ذَلِك المَال للْغَائِب فَيصير الْمَعْنى هَكَذَا: وَبيع مَاله بعد ثُبُوت مُوجبَات البيع من الدّين أَو النَّفَقَة والغيبة وقربها أَو بعْدهَا، وَأَنه أعذر لَهُ فِي الْقَرِيبَة فَلم يقدم وَأَن هَذَا الْمَبِيع ملكه وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ وحيازة الشُّهُود لَهُ والتسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد والسداد فِي الثّمن وَفِي تصريحه بأسماء الشُّهُود قَولَانِ الخ. وَالْعَمَل على تصريحه بهما كَمَا مرّ
فَإِن بَاعَ بِغَيْر ثُبُوت هَذِه الموجبات فَهُوَ ضَامِن كَمَا مرّ فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع، وَالْمرَاد بالسداد أَن لَا تكون فِيهِ مُحَابَاة وَأَن يكون عينا لَا عرضا، وَلَيْسَ المُرَاد بُلُوغه الْقيمَة فَأكْثر كَمَا يتَوَهَّم، فَفِي الْبُرْزُليّ عَن السيوري أَنه سُئِلَ عَن بيع القَاضِي على غَائِب أَو مَحْجُور بِمَا أعْطى فِيهِ بعد النداء عَلَيْهِ وَلم يلف زِيَادَة من غير شَهَادَة أَنه بيع مغالاة واستقصاء، هَل يجوز هَذَا البيع؟ فَأجَاب: إِن ثَبت أَنه لم يُوجد فِيهِ إِلَّا مَا بيع بِهِ وَلم تقع مُحَابَاة وَلَا عجلة فِي البيع وَلَا تَقْصِير، فَهُوَ نَافِذ بِكُل حَال اه. الْبُرْزُليّ وَمثله لِابْنِ رشد فِي بيع ربع الْيَتِيم أَو غلاته فِي نَفَقَة الْمَحْجُور فَقَالَ: يستقصى وَيُبَاع وَلَا ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة، لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور اه. وَكَذَا قَالَ ابْن مُحرز فِيمَن بيع عَلَيْهِ ربعه للدّين، فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ أجل شَهْرَيْن، فَإِذا انْقَضى الْأَجَل فَإِنَّهُ يُبَاع، وَلَو لم يبلغ الْقيمَة وَجَهل من قَالَ ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة اه. ثمَّ إِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَن الثّمن سداد وَالْأُخْرَى أَنه على غير سداد فَلَا يلْتَفت إِلَى بَيِّنَة غير السداد حَيْثُ لم يُوجد فِيهِ إِلَّا مَا بيع بِهِ بعد النداء عَلَيْهِ، كَمَا فِي المعيار عَن ابْن رشد. قلت: يفهم من هَذَا أَنه لَا قيام بِالْغبنِ فِي هَذَا البيع إِذْ الْغبن هُوَ أَن يُبَاع بِأَقَلّ مِمَّا يُسَاوِيه وَقت البيع، وَلَا شكّ أَنه وَقت البيع لم يساو غير مَا وقف عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِك قِيمَته وَقَوْلهمْ: لَا ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة الخ. يعنون الْقيمَة الَّتِي كَانَ يعتادها قبل ذَلِك، وَلَا شكّ أَن الْقيمَة الَّتِي كَانَ يساويها قبل ذَلِك لَا ينظر إِلَيْهَا، وَلذَلِك جهل ابْن مُحرز من قَالَ: ينْتَظر بِهِ بُلُوغهَا، وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا عِنْد قَول النَّاظِم: وَبيع ملك لقَضَاء دين قد أجلوا فِيهِ إِلَى شَهْرَيْن وَمَا تقدم من أَنه لَا بُد من ثُبُوت ملكه لما بيع هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ غير وَاحِد، وَصدر فِي الشَّامِل بِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات ملكه. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب بل قَالَ أهل طليطلة: إِنَّه يهجم عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ لَهُ مَا يعرف للرِّجَال أَو للرِّجَال وَالنِّسَاء اه. قلت: وَهُوَ اللَّائِق بزماننا وَيدل لرجحانه أَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا يَدعِي ملكيته يصدق فِي دَعْوَاهُ وَيحمل على أَنه ملكه، وَكَونه بِيَدِهِ وَدِيعَة أَو من غصب أَو سَرقَة على خلاف الأَصْل، وَقَالَهُ ابْن رحال فِي ارتفاقه. وَمَا مِنَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا وكالطَّلاقِ والعِتَاقِ أُمْضِيَا (و) إِذا قبض الثّمن فَإِن (مَا) ثَبت (من الدّين عَلَيْهِ قضيا) بذلك الثّمن بعد الْإِعْذَار للْغُرَمَاء فِي بَعضهم بَعْضًا حَيْثُ ضَاقَ مَاله عَن دُيُونه وَبعد يَمِين الْقَضَاء، لِأَن هَذَا الْغَائِب وَإِن كَانَ كالحاضر فَيحلف كل وَاحِد من الْغُرَمَاء لحق غَيره لَا لحق الْغَائِب الْمَذْكُور خشيَة كَون الْغَائِب أَو الْمُفلس حاباه بِعَدَمِ طلبه يَمِينه، وَإِذا حلفوا فَهَل يستأني بقسم المَال عَلَيْهِم؟ فَإِن لم يعرف بِالدّينِ فَلَا استيناء وَإِن عرف بِهِ فَالْمَشْهُور أَنه يستأني بِهِ فِي الْمَوْت فَقَط (خَ) : واستؤني بِهِ أَي بالقسم إِن عرف بِالدّينِ فِي الْمَوْت فَقَط. (وكالطلاق) الْكَاف اسْم بِمَعْنى مثل مُبْتَدأ (وَالْعتاق) تقوم الْبَيِّنَة
بهما أَو بِأَحَدِهِمَا على الْغَائِب الْمَذْكُور فيعذر إِلَيْهِ وَيسْتَمر على غيبته (أمضيا) عَلَيْهِ بِحكم الْحَاكِم بعد ثُبُوت الموجبات أَيْضا من كَون هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة لَهُ وَثُبُوت شَرطهَا عَلَيْهِ الطَّلَاق بغيبته إِن كَانَ الطَّلَاق بِهِ، أَو ثُبُوت الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ إِن كَانَ الطَّلَاق بِهِ وَالْيَمِين على نَصه كَمَا مرّ فِي الطَّلَاق بالإعسار، وَمن ثُبُوت غيبَة السَّيِّد فِي الْعتْق وَثُبُوت ملكه لهَذَا الْمَمْلُوك، وَثُبُوت حريَّة هَذَا الْمَمْلُوك بالإصالة أَو الشَّهَادَة على السَّيِّد بِعِتْقِهِ أَو عدم النَّفَقَة لأم وَلَده الَّتِي لَا صَنْعَة لَهَا أَو لَهَا صَنْعَة لَا تقوم بنفقتها. وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجاءُ فِي شَأْنِ مَا جَرَى بِهِ القَضَاءُ (و) إِذا بيع مَاله وقضيت دُيُونهم وَقدم ف (مَا لَهُ) أَي الْغَائِب الْمَذْكُور (بِحجَّة) مُتَعَلق بقوله (إرجاء فِي شَأْن مَا جرى بِهِ الْقَضَاء) وَالطَّلَاق أَو الْعتْق عَلَيْهِ مَاض وَكَذَا البيع. وَلَو أثبت الْبَرَاءَة من الدّين أَو النَّفَقَة أَو جرح شُهُود الطَّلَاق أَو الْعتْق وَنَحْو ذَلِك. إلاّ مَعَ اعْتِقَالِهِ مِنْ عُذْرِ مِثْلِ العَدْوِّ وَارْتِجَاجِ البَحْرِ (إِلَّا مَعَ اعتقاله) عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل (من) أجل (عذر) حصل لَهُ وَقت الْإِعْذَار لَهُ (مثل) الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالْمَرَض الفادح أَو (الْعَدو) الْكَافِر أَو اللُّصُوص أ (وارتجاج الْبَحْر) بِأَن يكون الْوَقْت لَا يركب فِيهِ لِكَثْرَة هوله، وَنَحْو ذَلِك من الْإِعْذَار فَإِنَّهُ ترجى لَهُ الْحجَّة حِينَئِذٍ لما تقدم من أَن الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف بِمَنْزِلَة الْبعد، وَيرد الطَّلَاق وَالْعِتْق وَيرجع بِالثّمن على من قَبضه من المُشْتَرِي فِي البيع كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْغَيْبَة الْبَعِيدَة لَا جدا فَقَالَ: والحُكْمُ مِثْل الحَالَةِ المُقَرَّرَه فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَهْ (وَالْحكم) مُبْتَدأ خَبره (مثل الْحَالة المقررة) لقريب الْغَيْبَة وَقَوله (فِيمَن) مُتَعَلق بالحكم أَي وَالْحكم فِيمَن غَابَ غيبَة متوسطة وَهُوَ مَا كَانَ (على مَسَافَة كالعشرة) الْأَيَّام مَعَ الْأَمْن أَو الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف مماثل للحالة المقررة فِي قريب الْغَيْبَة إِلَّا أَن الأول يحكم عَلَيْهِ فِي كل شَيْء كَمَا مر. وَفِي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلَا والخُلْفُ فِي التَّفْلِيسِ مح عِلْمِ المَلَا (و) هَذَا (فِي سوى اسْتِحْقَاق أصل أعملا) الحكم عَلَيْهِ (خَ) : والقريب كالحاضر ثمَّ قَالَ: وَالْعشرَة أَيَّام أَو اليومان مَعَ الْخَوْف يقْضِي عَلَيْهِ مَعَ يَمِين الْقَضَاء فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار الخ. أَي: وَأما اسْتِحْقَاق الْعقار فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ فِيهِ لِكَثْرَة المشاحة فِيهِ، بل تسمع بَيِّنَة الْقَائِم وليشهد بِمَا ثَبت عِنْده، ثمَّ يصبر حَتَّى يقدم الْغَائِب، وأشعر قَوْله فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار أَنه يقْضِي
عَلَيْهِ بِبيع الْعقار لقَضَاء دين أَو دفع نَفَقَة زَوْجَة كَمَا يحكم بذلك على حَاضر ملد بِالْحَقِّ قَالَه (ز) . (وَالْخلف فِي التَّفْلِيس) لهَذَا الْغَائِب غيبَة متوسطة (مَعَ علم الملا) حِين خُرُوجه للسَّفر فَقيل: يفلس فَتحل دُيُونه المؤجلة، وَمن وجد سلْعَته قَائِمَة فَهُوَ أَحَق بهَا. وَقيل: لَا يفلس حَتَّى يكْتب إِلَيْهِ ويكشف عَن حَاله وَهُوَ الْمُعْتَمد فِي مَوضِع النّظم الَّذِي هُوَ علم الملاء كَمَا أَن قريب الْغَيْبَة لَا يفلس حَتَّى يكْشف عَن حَاله كَانَ مَعْلُوم الملاء حِين خُرُوجه أم لَا. وَمَفْهُوم علم الملاء أَنه فِي المتوسطة إِذا علم عَدمه حِين خُرُوجه أَو جهل حَاله يفلس من غير خلاف، وَأما بعيد الْغَيْبَة كمن على شهر أَو أَكثر فيفلس وَلَو علم ملاؤه اتِّفَاقًا عِنْد ابْن رشد، وَعند اللَّخْمِيّ: إِنَّمَا يفلس إِذا لم يعلم ملاؤه حِين خُرُوجه أَيْضا كالمتوسطة، وَبِالْجُمْلَةِ فيتفق الشَّيْخَانِ فِي الْقَرِيبَة على أَنه لَا يفلس حَتَّى يكْشف عَن حَاله، وَأَن المتوسطة مُقَيّدَة بِمَا إِذا لم يعلم ملاؤه، وَأما إِن علم فَلَا يفلس على الْمَشْهُور ويختلفان فِي الْبَعِيدَة، فاللخمي يقيدها كالمتوسطة، وَابْن رشد لَا يقيدها، وعَلى مَا للخمي درج ابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وفلس حضر أَو غَابَ إِن لم يعلم ملاؤه الخ. وَذَا لهُ الْحُجَّةُ تُرْجى والذِي بِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ مِنْ مُنْقِذِ (وَذَا) أَي الَّذِي على مَسَافَة كالعشرة (لَهُ الْحجَّة ترجى) فَيرد عتقه وطلاقه إِن أبطل الْبَيِّنَة الشاهدة عَلَيْهِ بهما (و) أما (الَّذِي بيع عَلَيْهِ) من أصل أَو غَيره لقَضَاء دينه أَو نَفَقَة زَوجته وَفَاتَ بيد مُشْتَرِيه بِتَغَيُّر ذَات وَنَحْوه لَا بحوالة سوق ف (مَا لَهُ من منقذ) أَي مخلص، وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوع بِالثّمن حَيْثُ أثبت الْبَرَاءَة أَو أبطل الشَّهَادَة على من قَبضه من رب زَوْجَة أَو رب دين كَمَا قَالَ:
وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ مِنَ الغَرِيمِ ثَمَنُ المَبِيعِ (وَيَقْتَضِي) هُوَ أَي الْغَائِب (بِمُوجب الرُّجُوع من الْغَرِيم) وَهُوَ رب الدّين هُنَا أَو الزَّوْجَة (ثمن الْمَبِيع) مفعول يَقْتَضِي والمجروران يتعلقان بِهِ، وَقَوْلِي: وَفَاتَ الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يفت الْمَبِيع بل كَانَ قَائِما بيد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ ينْقض البيع وَيرد إِلَى الْغَائِب بعد أَن يرد الثّمن للْمُشْتَرِي على الْمُعْتَمد كَمَا فِي ابْن رحال وَغَيره وَقَالَهُ (ز) أَيْضا عِنْد قَول (خَ) فِي النَّفَقَات: وبيعت دَاره بعد ثُبُوت ملكه الخ. وَهُوَ الْمَأْخُوذ من قَول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: وَإِن أنفذت وَصِيَّة مُسْتَحقّ برق لم يضمن وَصِيّ وحاج إِن عرفا بِالْحُرِّيَّةِ، وَأخذ السَّيِّد مَا بيع عَلَيْهِ إِلَى قَوْله: وَمَا فَاتَ فالثمن الخ. وَهَذَا خلاف إِطْلَاق النَّاظِم، وَإِن كَانَ الْإِطْلَاق هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْحَاج وَغَيره، وَكَانَ وَجه الْإِطْلَاق أَنه لَو رد البيع مَعَ حكم الْحَاكِم بِهِ مَا اشْترى أحد مبيعه لتوقع فَسخه وَلَا يخفى مَا فِي
ذَلِك لِأَن توقع الْفَسْخ بِإِثْبَات الْبَرَاءَة أَو تجريح الْبَيِّنَة نَادِر كتوقعه بِثُبُوت الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب النَّادِر لَا حكم لَهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْبَعِيدَة جدا فَقَالَ. وَغَائِبُ مِنْ مِثْلِ قُطْرِ المَغْرِبِ لِمِثْلِ مَكَّةَ وَمِثْلِ يَثْرِبِ (وغائب) غيبَة بعيدَة (من مثل قطر الْمغرب لمثل مَكَّة وَمثل يثرب) على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. مَا الحُكْمُ فِي شيءٍ عَلَيْه يَمْتَنِعْ وهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مَا تَنْقَطِعْ (مَا) نَافِيَة أَي لَيْسَ (الحكم فِي شَيْء) من الْأَشْيَاء حَتَّى اسْتِحْقَاق الْعقار (عَلَيْهِ يمْتَنع) بعد ثُبُوت الموجبات الْمُتَقَدّمَة وَيَمِين الْقَضَاء، وَمثل الْغَائِب الْمَذْكُور الْمَحْجُور وَلَو كَانَ لَهُ وَصِيّ أَو مقدم (وَهُوَ) أَي الْغَائِب وَمن هُوَ فِي حكمه (على حجَّته) إِذا قدم (مَا تَنْقَطِع) لَهُ بطول الْغَيْبَة. وَظَاهره أَنه يحكم عَلَيْهِ فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا، وَلَا يُقيم لَهُ وَكيلا يُخَاصم عَنهُ، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَمذهب الْمُدَوَّنَة لِأَن الْوَكِيل وَكَذَا الْوَصِيّ والمقدم لَا يعْرفُونَ الْحجَج الَّتِي يُقَام بهَا. وَقَالَ سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون: يُقيم لَهُم وَكيلا وَلَا ترجى لَهُم حجَّة. قَالَ ابْن نَاجِي: وَالْعَمَل عندنَا بالقيروان على الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ فيقيم لَهُم وَكيلا على قَول سَحْنُون وترجى لَهُم الْحجَّة على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة اه. قلت: وَبِهَذَا شاهدنا الْعَمَل بفاس وَيُسمى عِنْدهم وَكيل الغياب والمحاجير. والحُكْمُ مَاضٍ أَبَدَاً لَا يُنْقَضُ وَمَا بِهِ أُفِيتَ لَا يَنْتَقِضُ (وَالْحكم) بِالْبيعِ لمتاع هَذَا الْغَائِب (مَاض) عَلَيْهِ (أبدا لَا ينْقض) يَعْنِي إِذا فَاتَ الْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه بِتَغَيُّر ذَات وإلاَّ فينقض كَمَا مر فِي الَّتِي قبلهَا (وَمَا بِهِ) أَي الحكم (أفيت لَا ينْتَقض) هَذَا الشّطْر تَأْكِيد للشطر الَّذِي قبله وَلَيْسَ فِيهِ معنى زَائِد عَلَيْهِ. لَكِنَّ مَعْ برَاءَةٍ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهِ مِنَ الغَرِيمِ مَا لَهُ (لَكِن مَعَ) إِثْبَات (بَرَاءَة) ذمَّة الْغَائِب من الدّين أَو النَّفَقَة اللَّذين بيع مَا لَهُ فيهمَا وأبطل الشَّهَادَة عَلَيْهِ بتجريح شهودها (يقْضى لَهُ بِأَخْذِهِ من الْغَرِيم مَاله) وَقَوْلِي بِالْبيعِ احْتِرَازًا من حكمه بِاسْتِحْقَاق الْعقار أَو غير فَإِنَّهُ ينْقض فَاتَ بالهدم وَالْغَرْس أم لَا. وَقَوْلِي: هَذَا الْغَائِب احْتِرَازًا من حكمه بِبيع مَتَاع الْمَحْجُور لقَضَاء دين وَنَحْوه، ثمَّ ظَهرت الْبَرَاءَة مِنْهُ فَإِن للمحجور إِذا رشد أَن
ينْقض البيع وَلَو فَاتَ كَمَا يُؤْخَذ من قَول (خَ) وَغَيره فِي الْحجر، وَله إِن رشد وَلَو حنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ فَتَأَمّله. وَالله أعلم. وَإِلَى هَذَا الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْغَائِب أَشَارَ (خَ) بقوله: والبعيد جدا كإفريقية قضى عَلَيْهِ بِيَمِين الْقَضَاء وسمى الشُّهُود وإلاَّ نقض الخ. وَهل يَمِين الْقَضَاء وَاجِبَة أَي لَا يَصح الحكم بِدُونِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد أَو هِيَ استظهار واحتياط فَيتم الحكم بِدُونِهَا؟ قيل: وَبِه الْعَمَل لِأَنَّهُ يَقُول: لَا تحلفني إِذْ لَعَلَّه يقر بِأَن حَقي بَاقٍ عَلَيْهِ. تَنْبِيه: إِذا صير الْحَاكِم دَار الْمَدِين الْغَائِب لرب الدّين فِي دينه، فَلَمَّا قدم الْغَائِب أثبت الْبَرَاءَة من دينه أَو جرح شُهُوده، فَإِن الدَّار ترد إِلَى رَبهَا مَا لم تفت بهدم أَو بِنَاء فيمضي بِالْقيمَةِ كَمَا يفهم من كَلَام الشَّارِح لِأَنَّهُ جعلهَا من قبيل مَسْأَلَة الْجَارِيَة الْوَاقِعَة لشيخه قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم بن سراج وَصورتهَا: تَاجر تسرى جَارِيَة بغرناطة وَغَابَ بِنَاحِيَة تونس وَادعت الضَّيْعَة فكفلها بعض حَاشِيَة السُّلْطَان مِمَّن لَهُ وجاهه، وَكتب على سَيِّدهَا النَّفَقَة إِلَى أَن تجمل لَهُ قريب من ثمنهَا فَرفع أمره إِلَى القَاضِي وَأثبت دينه ذَلِك وغيبة الْمَالِك وَملكه لِلْجَارِيَةِ، وَحلف على المتجمل لَهُ وقومت الْجَارِيَة وصيرت فِي النَّفَقَة لكافلها فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا، ثمَّ قدم مَالِكهَا فتظلم من بيعهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور وَادّعى أَنه ترك لَهَا مَا يقوم بنفقتها لأكْثر من مُدَّة مغيبه وَأَن لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا أَو يُمكنهَا إتْمَام نَفَقَتهَا مِنْهَا، وَتعلق من الدولة بِجِهَة لَا تقصر عَن جِهَة خَصمه، فَكَانَ هَذَا الْخِصَام مكافئاً فِي الِاسْتِظْهَار بالوجاهة بَين هذَيْن الْخَصْمَيْنِ اللَّذين بغى بعضهما على بعض، وَثَبت القَاضِي الْمَذْكُور على حكمه من تصيير الْجَارِيَة وَخَالفهُ غَيره قَالَ: وَلم يلم القَاضِي الْمَذْكُور بِإِثْبَات عجزها عَن النَّفَقَة من صَنْعَة يَدهَا وَلَا إِثْبَات كَون مَالِكهَا لم يتْرك لَهَا نَفَقَة، وَقد قَالَ ابْن عبد الرفيع فِي معينه: إِذا قَامَت مَمْلُوكَة عِنْد القَاضِي وَذكرت غيبَة مَالِكهَا وَأَنه لم يتْرك لَهَا نَفَقَة كلفها إِثْبَات غيبته وَبعدهَا وَملكه لَهَا، وَأَنه لم يخلف لَهَا نَفَقَة وَلَا بعث لَهَا بِشَيْء، ثمَّ يَأْمر بِبَيْعِهَا وإيقاف ثمنهَا للْغَائِب. وَزَاد غَيره أَنه يكفلها أَيْضا إِثْبَات كَونهَا عاجزة عَن اسْتِعْمَالهَا فِيمَا
يسْتَعْمل فِيهِ مثلهَا لتنفق مِنْهُ على نَفسهَا قَالَه ابْن عتاب فِي أم الْوَلَد. فالمملوكة أَحْرَى وَأولى بِهَذَا الحكم اه. . قلت: قد فقد من تصيير القَاضِي الْمَذْكُور أَيْضا التسوق وَعدم إِلْغَاء الزَّائِد، إِذْ لَا يلْزم رَبهَا بيعهَا بِقِيمَتِهَا من غير تسويق، وفقد مِنْهُ أَيْضا أَنَّهَا أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لَهُ غَيرهَا، لَكِن هَذَا الثَّانِي قد لَا يتَّجه لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ غَيرهَا لَكَانَ قد ترك لَهَا نَفَقَة فَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: وَإنَّهُ لم يتْرك لَهَا نَفَقَة، ثمَّ قَالَ الشَّارِح: حكم الْحَاكِم إِذا لم يُصَادف محلا لكَونه مَبْنِيا على أُمُور مظنونة، ثمَّ ينجلي الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود تَعْتَد بعد ضرب الْأَجَل وتتزوج ثمَّ يقدم الزَّوْج الأول، وكمسألة الحكم بِالنَّفَقَةِ للحامل ثمَّ ينفش، وكمسألة البيع على الْغَائِب ثمَّ تظهر الْبَرَاءَة وكمسألة الخارص يخرص أَرْبَعَة أوسق ثمَّ يظْهر أَكثر، وكمسألة مُثبت الْعَيْب فِي العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقد مرض العَبْد أَو كَاتبه فغرم قِيمَته، ثمَّ صَحَّ العَبْد أَو عجز عَن الْكِتَابَة فرق وَذهب عَنهُ البيع، فَلَا رُجُوع للْبَائِع فِي الْقيمَة لِأَنَّهُ حكم نفذ. وكمسألة الرَّحَى تحدث بِحكم الْحَاكِم لعدم ضررها بِالَّتِي فَوْقهَا بِشَهَادَة أهل الْمعرفَة، ثمَّ يتَبَيَّن ضررها بِالَّتِي قبلهَا وَقطعت المَاء عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تنقض. وكمسألة من نزل المَاء فِي عينه بِسَبَب ضَرْبَة فَأخذ دِيَتهَا ثمَّ بَرِئت وَرجعت لحالها، فَإِن الدِّيَة ترد. وكمسألة الْمَشْهُود بِمَوْتِهِ فتقسم تركته وتباع عروضه وتتزوج زَوجته وَلم تعذر الْبَيِّنَة، بل ظهر تعمدها للزور فَإِنَّهُ يرد لَهُ جَمِيع ذَلِك كَمَا فِي (خَ) . وكمسألة اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي موت العَبْد فِي عُهْدَة الثَّلَاث فَيرد ثمنه، ثمَّ يَأْتِي حَيا فَإِن رد الثّمن بِحكم فَهُوَ للْمُبْتَاع وإلاَّ فَللْبَائِع على مَا قَالَه ابْن رشد. وكمسألة من ادّعى نِكَاح امْرَأَة فأنكرته فَادّعى بَيِّنَة بعيدَة لَا تُؤمر الْمَرْأَة بانتظارها، فَحكم القَاضِي بِسُقُوط دَعْوَاهُ، ثمَّ قدمت الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا ترد إِلَيْهِ تزوجت أم لَا. وَنَحْو ذَلِك لَا يَخْلُو حكمه الْمَذْكُور من كَونه مَبْنِيا على مُوجب قَطْعِيّ أَو ظَنِّي، فَإِن كَانَ الأول فإمَّا أَن يُعَارضهُ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فَالْأول محَال وجوده لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَقع التَّعَارُض بَين قطعيين، وَأما الثَّانِي فَلَا ينْقض بِمُوجب ظَنِّي مَا ثَبت أَو لَا بِمُوجب قَطْعِيّ، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْمسَائِل مِثَال لوَاحِد من هذَيْن الْقسمَيْنِ، وَأما الثَّانِي من الْقسم الأول، وَهُوَ مَا ثَبت بِمُوجب ظَنِّي فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُعَارضهُ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي وأيّاً مَا كَانَ فإمَّا أَن يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر أَو يطْرَأ فَوت أَو يعْتَبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَالْأول وَهُوَ مَا إِذا عَارض الْقطعِي الظني وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر، وَلَا طَرَأَ فَوت وَلَا غَيره فينقض الحكم وَذَلِكَ كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود تَعْتَد زَوجته بعد الْأَجَل وَقبل أَن تتَزَوَّج أَو بعد العقد، وَقبل دُخُول الثَّانِي قدم الأول فَإِنَّهَا ترد للْأولِ لِأَنَّهُ تبين للعيان خلاف الظني الَّذِي بنى عَلَيْهِ الحكم، وَكَذَا انفشاش حمل الْمُطلقَة وَكَون العَبْد للمتاع فِي مَسْأَلَة عُهْدَة الثَّلَاث، وَكَذَا خارص الْأَرْبَعَة أوسق لِأَنَّهُ انْكَشَفَ خَطؤُهُ اه. قلت: وَكَذَا مَسْأَلَة نزُول المَاء فِي الْعين، وَأما إِذا عَارض الْقطعِي الظني وَتعلق بِهِ حق الْغَيْر أَو طَرَأَ الْفَوْت فَذَلِك كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود بعد دُخُول الثَّانِي بهَا فَإِن الحكم لَا ينْقض. قلت: وَعَلِيهِ تنزل مَسْأَلَة الرَّحَى أَيْضا، وَمَسْأَلَة مُثبت الْعَيْب فِي العَبْد وَقد مرض أَو كَاتبه، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة الغسال يتْلف بِيَدِهِ الثَّوْب فَيغرم قِيمَته ثمَّ يجده، فَإِن الثَّوْب يكون لَهُ، وَكَذَا من فرط فِي أَمَانَة فَيغرم قيمتهَا ثمَّ وجدت. وَأما الْقسم الثَّالِث: وَهُوَ مَا إِذا عَارض الظني الظني
وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر، وَلَا طَرَأَ الْفَوْت، وَلَا اعْتبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَذَلِك كتصيير دَار الْغَائِب لرد الدّين ثمَّ يقدم وَيثبت الْبَرَاءَة فَلَا إِشْكَال فِي نقض البيع، وكمسألة الْجَارِيَة الْمُتَقَدّمَة إِذا فَرضنَا أَن مَالِكهَا ترك لَهَا نَفَقَة أَو لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا فَلَا إِشْكَال فِي النَّقْض حَيْثُ لم يحدث فِيهَا عتق أَو تَزْوِيج، وإلاَّ فَهِيَ من الْقسم الَّذِي بعده، وَمن هَذَا الْقسم مَسْأَلَة الزَّوْجَة تطلق بِعَدَمِ النَّفَقَة ثمَّ يظْهر إِسْقَاطهَا فَإِنَّهَا ترد إِلَيْهِ، وَأما الْقسم الرَّابِع: وَهُوَ مَا إِذا عَارض الظني الظني وَتعلق بِهِ حق الْغَيْر أَو طَرَأَ الْفَوْت أَو اعْتبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَذَلِك كَمَسْأَلَة دَار الْغَائِب إِذا بِيعَتْ لغير رب الدّين فَإِنَّهَا لَا ترد لِرَبِّهَا إِذا أثبت الْبَرَاءَة على أحد قَوْلَيْنِ تقدما، وَلَو لم تفت لتَعلق حق الْغَيْر بهَا ولخوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام على هَذَا القَوْل، وَهُوَ ظَاهر النّظم كَمَا مرّ. قَالَ الشَّارِح: وَلَا يَخْلُو هَذَا القَوْل من اسْتِحْسَان، وَالْقَوْل بِنَقْض البيع أَقيس، وَلَا سِيمَا مَعَ تزوير بَيِّنَة أصل الدّين. وكمسألة الْجَارِيَة الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهُ طَرَأَ فَوتهَا بِالْعِتْقِ وَالتَّزْوِيج اه. مَا للشَّارِح هَهُنَا بِاخْتِصَار. وَزِيَادَة للإيضاح إِلَّا أَنه أورد على مَسْأَلَة الْمَفْقُود بعد دُخُول الثَّانِي من قَالَ: عَائِشَة طَالِق. وَقَالَ: أردْت زَوْجَة لي غَائِبَة اسْمهَا عَائِشَة فَطلقت عَلَيْهِ الْحَاضِرَة لعدم تَصْدِيقه، ثمَّ ظهر صدقه فِيمَا قَالَ، فَإِن الَّتِي طلقت عَلَيْهِ ترد إِلَيْهِ وَلَو تزوجت وَدخل بهَا، فَإِن قُلْنَا بِالرَّدِّ فِي هَذِه؟ فَيُقَال: بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود بالأحرى لاحْتِمَال أَن يكون طلق عَائِشَة الْحَاضِرَة ثمَّ نَدم، بِخِلَاف مَسْأَلَة الْمَفْقُود فَلَا احْتِمَال فِيهَا أصلا، ثمَّ ظَاهر مَا مر عَن ابْن سراج وَالشَّارِح وَمن وافقهما أَنهم حملُوا بيع القَاضِي على اسْتِيفَاء الموجبات، وَإِن على من ادّعى انخرامها إِثْبَات ذَلِك، وَهُوَ خلاف مَا مر عَن السيوري فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع من أَنه مَحْمُول على عدم استيفائها، وَعَلِيهِ فَيغرم مَا زَاده ثمنهَا على قيمتهَا بِتَقْدِير تسويقها وَلَا يُكَلف رَبهَا إِثْبَات أَنَّهَا لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم.
(فصل فِي الْعُيُوب)
أَي عُيُوب غير الْحَيَوَان، وَأما عُيُوب الْحَيَوَان من رَقِيق وَغَيره، فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي فصل بيع الرَّقِيق وَغَيره من سَائِر الْحَيَوَان، فمراده هُنَا عُيُوب الْأُصُول وَالْعرُوض لَا غير، ثمَّ إِن النَّاظِم كَغَيْر وَاحِد من أهل الْمَذْهَب قسم عُيُوب الْأُصُول إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: قَلِيل فَهُوَ كَالْعدمِ، وَكثير يثبت لَهُ بِهِ الرَّد، ومتوسط يتَعَيَّن فِيهِ الرُّجُوع بِالْأَرْشِ فَقَالَ: وَمَا مِنَ الأَصُولِ بِيعَ وَظَهَرْ لِلْمُشْتَرِي عَيْبٌ بِهِ كانَ اسْتَترْ (وَمَا من الْأُصُول بيع وَظهر للْمُشْتَرِي) بعد عقد الشِّرَاء (عيب بِهِ كَانَ استتر) وَيخْفى عِنْد
التقليب وَمثل المُشْتَرِي من لَا يعرف ذَلِك الْعَيْب وإلاَّ فَلَا قيام لَهُ بِهِ كَمَا مر تَفْصِيله فِي عُيُوب الرَّقِيق، وَإِذا ادّعى البَائِع أَن المُشْتَرِي أحَاط بِالدَّار معرفَة وعلماً، وَقد كتب فِي الْوَثِيقَة مثل ذَلِك فَإِن ذَلِك لَا يَنْفَعهُ إِذا كَانَ الْعَيْب مِمَّا يخفى قَالَه الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ قَائِلا: وَلَا حجَّة فِي قَول الموثق إِنَّه أحَاط بهَا علما إِذْ ذَاك من تلفيقهم، وَالْعَادَة تَقْتَضِي عدم قَصده بِالْإِشْهَادِ اه. قلت: وَكَذَا قَول الموثق قلب ورضى هُوَ من التلفيق أَيْضا، إِذْ هُوَ من معنى قَوْلهم: أحَاط بهَا علما قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي. فإنْ يَكُنْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ فِي ثَمَنٍ فَخَطْبُهُ يَسِيرُ (فَإِن يكن) ذَاك الْعَيْب الَّذِي اطلع عَلَيْهِ المُشْتَرِي (لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي ثمن) كسقوط شرافات أَو شقّ يسير أَو نَحْوهمَا (فخطبه) قَالَ فِي الْقَامُوس: الْخطب الشَّأْن وَالْأَمر (يسير) لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ كَالْعدمِ. وَمَا لِمَنْ صَارَ لَهُ الْمَبِيعُ رَدٌّ وَلَا بِقَيمَةٍ رُجُوعُ (وَمَا لمن صَار لَهُ الْمَبِيع) وَهُوَ المُشْتَرِي (رد) بذلك الْعَيْب (وَلَا) لَهُ (بِقِيمَة رُجُوع) على بَائِعه. وَإنْ يَكُنْ يَنْقُصُ بَعْضُ الثَّمَنِ كالعَيْبِ عَنْ صَدْعِ جِدَارٍ بَيِّنِ (وَإِن يكن) ذَلِك الْعَيْب (ينقص بعض الثّمن كالعيب) الناشىء (عَن صدع) شقّ (جِدَار بَين) ظَاهر إِذا لم تبلغ قِيمَته ثلث الثّمن وَلَيْسَ هُوَ وجاهة الدَّار وَلَا خيف عَلَيْهَا مِنْهَا السُّقُوط، فَحِينَئِذٍ يكون من الْمُتَوَسّط الْمشَار إِلَى حكمه بقوله: فالمُشْتري لَهُ الرجُوعُ هَاهُنَا بقيمةِ العَيْبِ الّذي تَعَيَّنا (فَالْمُشْتَرِي) يتَعَيَّن (لَهُ) أَي عَلَيْهِ (الرُّجُوع هَهُنَا بِقِيمَة الْعَيْب الَّذِي تعينا) فَيقوم سالما بِعشْرَة مثلا ومعيباً بِثمَانِيَة، وَيرجع بِمَا نَقصه الْعَيْب وَهُوَ خمس الثّمن فِي الْمِثَال كَانَ الثّمن عشرَة أَو أَكثر أَو أقل، وَقَوْلِي: إِذا لم تبلغ قِيمَته ثلث الثّمن الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا بلغت ثلثه فَهُوَ حِينَئِذٍ من الْكثير
على مَا لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا يَأْتِي بعد، وَكَذَا إِن كَانَ وجاهة الدَّار أَي فِي مهماتها أَو خيف عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا قَالَ (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ وعيب قل بدار وَرجع بِقِيمَتِه كصدع جِدَار لم يخف عَلَيْهَا مِنْهُ الخ. وَظَاهره كالنظم أَنه يجْبر الآبي على أَخذ الْأَرْش فِي الْعَيْب الْمُتَوَسّط كَانَ الآبي هُوَ البَائِع أَو المُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَالَّذِي لِابْنِ الْحَاج فِي نوازله أَن البَائِع لَا يجْبر على أَخذ قيمَة الْعَيْب، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رد الْقيمَة وَإِن شَاءَ قَالَ للْمُشْتَرِي: اصرف على الْمَبِيع وَخذ جَمِيع ثمنك إِلَّا أَن يفوت الْمَبِيع فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِالْأَرْشِ اه. قَالَ (ق) : وَهَذَا هُوَ الَّذِي أتحمل عهدته لِكَثْرَة الْحِيَل يكون المُشْتَرِي مغتبطاً بِالْمَبِيعِ وَيطْلب مَعَ ذَلِك عيوباً ليحط عَنهُ شَيْء من الثّمن. قَالَ (م) : وبفتوى ابْن الْحَاج هَذِه جرى الْعَمَل عندنَا بفاس اه. وَنَقله عَنهُ فِي شرح العمليات ثمَّ قَالَ: وَقَالَ شَيخنَا ابْن سَوْدَة: الَّذِي بِهِ الْعَمَل هُوَ الرَّد بالمتوسط كالكثير فَلَا يغْتَفر إِلَّا الْقَلِيل كالشرافات. قَالَ ابْن رحال: وَمَا قَالَه ابْن سَوْدَة صَحِيح وَهُوَ قَول فِي الْمَذْهَب حَكَاهُ الْبَاجِيّ وَابْن الْحَاجِب وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم. وَقَالَ الْمَازرِيّ: إِنَّه مُقْتَضى الْقيَاس وعَلى مَا لِابْنِ سَوْدَة اقْتصر فِي نظم الْعَمَل فَقَالَ: وبالكثير الْمُتَوَسّط لحق فِيمَا من الْعَيْب الْأُصُول قد لحق قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل على مَا لِابْنِ سَوْدَة إِلَى الْآن وَالْفرق بَين مَا لِابْنِ الْحَاج وَمَا لِابْنِ سَوْدَة أَن المُشْتَرِي على الأول لَا يُمكن من الرَّد، وَإِنَّمَا يُمكن من الرُّجُوع بِقِيمَة الْعَيْب، لَكِن إِنَّمَا يُمكن مِنْهُ إِذا لم يقل لَهُ البَائِع إِمَّا أَن تتمسك بِالْمَبِيعِ أَو ترده وَتَأْخُذ ثمنك، وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ بِشَيْء، وَإِنَّمَا يتَمَسَّك أَو يرد وَيَأْخُذ ثمنه بِخِلَافِهِ على الثَّانِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين الرَّد والتماسك ابْتِدَاء. وَإنْ يَكُنْ لِنَقْصِ ثُلْثِهِ اقْتَضَى فَمَا عَلَا فَالرَّدُّ حَتْمٌ بالقَضَا (وَإِن يكن) الْعَيْب (لنَقص ثلثه) أَي الثّمن (اقْتضى فَمَا علا) عطف على ثلثه مَدْخُول لنَقص وَاللَّام فِيهِ زَائِدَة أَي: وَإِن يكن الْعَيْب اقْتضى نقص ثلث الثّمن فأعلى (فالرد حتم) وَاجِب للْمُشْتَرِي (بالقضا) ء وَمَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم فِي حد الْكثير بِالثُّلثِ فأعلى هُوَ قَول أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن كَمَا مر، وَهُوَ أحد أَقْوَال خَمْسَة ذكرهَا ابْن عَرَفَة وَغَيره، وَانْظُر الكراس الْخَامِس من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر للدور عيوباً، وَرُبمَا ننقل بَعْضهَا عِنْد قَوْله: والبق عيب الخ. وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن لَهُ الرَّد بالكثير، وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد سنة أَو أَكثر من يَوْم الشِّرَاء، وَهُوَ كَذَلِك وَتقدم عَن الْأَبَّار عِنْد قَوْله: وَالْبيع من بَرَاءَة إِن نصت الخ. أَن الْعَمَل على عدم الرَّد بعد سنة فِي الدّور وَفِي الرَّقِيق بعد سِتَّة أشهر.
وَكُلُّ عَيْبٍ يَنْقُصُ الأَثْمَانَا فِي غَيْرِهَا رُدَّ بِهِ مَا كَانَا (وكل عيب ينقص الأثمانا فِي غَيرهَا) أَي فِي غير الْأُصُول من الْعرُوض وَالْحَيَوَان والمثليات (رد) ذَلِك الْمَبِيع (بِهِ مَا كَانَا) نقص عَن الْعشْر مثلا أَو زَاد عَلَيْهِ إِذا كَانَ يخفى عِنْد التقليب كَمَا مر، وَقَامَ بفور اطِّلَاعه عَلَيْهِ كَمَا يَقُوله، فعيوب غير الْأُصُول قِسْمَانِ قَلِيل لَا قيمَة لَهُ فَلَا شَيْء فِيهِ وَكثير وَهُوَ مَا نقص من الثّمن نقصا لَهُ بَال فَيرد بِهِ. ابْن سَلمُون: كل عيب ينقص الثّمن فالرد بِهِ وَاجِب اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة والمقرب عَن ابْن الْقَاسِم وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: والبق عيب الخ. وَبَعْضُهُمْ بِالأصْلِ عَرْضاً ألْحَقَا فِي أَخْذِ قِيمَةٍ عَلى مَا سَبَقَا (وَبَعْضهمْ بِالْأَصْلِ عرضا ألحقا فِي أَخذ قيمَة) للمعيب إِن كَانَ متوسطاً، وَفِي الرَّد بِهِ إِن كثيرا وَالْكثير الثُّلُث فَأكْثر (على مَا سبقا) فِي عيب الْأُصُول فَفِي الْمُفِيد روى زِيَاد عَن مَالك فِيمَن بَاعَ ثوبا فَإِذا فِيهِ خرق يسير يخرج فِي الْقطع لم يرد بِهِ، وَوضع عَنهُ قدر الْعَيْب اه. وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد الَّذِي صدر بِهِ النَّاظِم، وَالْفرق على الْمَشْهُور بَين الْأُصُول وَغَيرهَا، حَتَّى كَانَ الرَّد فِي غَيرهَا بِكُل مَا نقص الثّمن بِخِلَافِهَا، فَإِنَّمَا يرد فِيهَا بِالثُّلثِ فَأكْثر أَن الْأُصُول لَا تنفك عَن عيب غَالِبا، وَلِأَن عيبها الْمُتَوَسّط يَزُول بالإصلاح، فَلَو ردَّتْ بِهِ لأضر ذَلِك بالبائع قَالَه (ح) . ثُمَّ العُيوبُ كُلُّهَا لَا تُعْتَبَرْ إلاَّ بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ (ثمَّ الْعُيُوب) الَّتِي من شَأْنهَا أَن تخفى عِنْد التقليب لَا مَا كَانَ ظَاهرا لَا يخفى كَمَا مر فِي فصل بيع الرَّقِيق (كلهَا لَا تعْتَبر إِلَّا بقول من لَهُ بهَا بصر) وَلَو كَانُوا غير عدُول حَيْثُ تعذر الْعُدُول كَمَا مر فِي قَوْله: وَيثبت الْعُيُوب أهل المعرفه بهَا وَلَا ينظر فيهم لصفه ثمَّ إِنَّه يقْدَح فِي غير الْعُدُول بجرحة الْكَذِب اتِّفَاقًا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَكَذَا يعْذر فيهم
ليَأْتِي الْمَطْلُوب بِمن هُوَ أتقى مِنْهُم أَو أثبت وَمحل قبُول غير الْعُدُول من أَرْبَاب الْبَصَر إِذا كَانَ الْحَيَوَان الْمَشْهُود بِعَيْبِهِ حَيا حَاضرا فَإِن كَانَ مَيتا أَو غَائِبا فَلَا يقبل غير الْعُدُول كَمَا قَالَه فِي الطرر وشراح (خَ) وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهم. وَنَقله شَارِح نظم عمل فاس عِنْد قَوْله: ويتساهل بأرباب الْبَصَر. فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وانظره أَيْضا عِنْد قَوْله: كَذَاك فِي مُحْتَمل الشَّهَادَة وَعند قَوْله: واختص عدل بِالشَّهَادَةِ على أَرْبَاب الْأَبْصَار كَمَا قد انجلى وَذَلِكَ كُله فِي بَاب الْقَضَاء من الْعَمَل الْمَذْكُور، ثمَّ مَحل كَون الْمَيِّت كالغائب فِي أَنه لَا بُد فِيهِ من عَدْلَيْنِ من أهل الْمعرفَة إِذا دفن أَو تغير حَاله بِحَيْثُ يخفى الْعَيْب مَعهَا، أَو كَانَ الْعَيْب يخفى بِمَوْتِهِ، وَإِن لم يتَغَيَّر حَاله فَإِن لم يدْفن وَلَا تغير حَاله وَلَا كَانَ الْعَيْب يخفى بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كالحي فَيَكْفِي فِيهِ وَلَو الْوَاحِد الموجه من قبل القَاضِي لَا إِن أوقفهُ الْمُبْتَاع من ذَات نَفسه، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي كَمَا قَالَه غير وَاحِد، وَإِذا كَانَ كالحي فَلَا تقبل الشَّهَادَة بِعَيْبِهِ حَتَّى يَقُولُوا وقفنا عَلَيْهِ بفور الْمَوْت قبل تغيره وَطول مَوته الْيَوْم وَنَحْوه، وَأَنه بذلك الْعَيْب مَاتَ، وَأَنه أقدم من أمد التبايع لِأَن الْحَيَوَان سريع التَّغَيُّر فِي الْحَيَاة، فَكيف بعد الْمَمَات فَلَا تقبل فِيهِ الشَّهَادَة من البياطرة مجملة، وَلما قَالَ فِي نظم الْعَمَل: وَبعد شهر الدَّوَابّ بالخصوص بِالْعَيْبِ لَا ترد فَافْهَم النُّصُوص قَالَ ابْن رحال: يسْتَثْنى من ذَلِك عيب الذُّبَاب فَإِن الدَّوَابّ ترد بِهِ وَلَو بعد شهر ذكر ذَلِك أَوَاخِر تأليفه فِي تضمين الضّيَاع، وانتقد عَلَيْهِ ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَن كل من أفتى من الْمُتَأَخِّرين بِأَن الدَّوَابّ لَا ترد بعد شهر كالعبدوسي والمكناسي وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي وَأبي عبد الله القوري وسيدي عَليّ بن هَارُون وَغَيرهم لم يفرقُوا بَين عيب الذُّبَاب وَغَيره، وتعليلهم ذَلِك بِأَن الْحَيَوَان لَا يكَاد يبْقى على حَال مَعَ قَول مَالك فِي الَّذِي يَشْتَرِي، فَإِن وجد ربحا وإلاَّ خَاصم مَعَ جهل البياطرة وَكَثْرَة جرأتهم وَقلة صدقهم وَكَثْرَة احتيال النخاسين واستهاناتهم للدواب بِالْخدمَةِ، مَعَ مَا قَالَه ابْن هَارُون من كَون الرجل يَشْتَرِي الدَّابَّة ويسخرها وينهكها وَيَقْضِي بهَا وطره، ثمَّ يلطم بهَا وَجه صَاحبهَا دَلِيل على اسْتِوَاء الْعُيُوب كلهَا ذبابها وَغَيره انْتهى بِاخْتِصَار. وَمَا قَالَه هَذَا المنتقد ظَاهر من حَال الْعَامَّة فَإِنَّهُم لما تفطنوا لما قَالَه ابْن رحال صَارُوا لَا يقومُونَ بعد موت الْحَيَوَان إِلَّا بِعَيْب الذُّبَاب ويبقرون على الدَّابَّة بعد مَوتهَا، وَيشْهد البياطرة بِأَن فِي مجنتها دوداً هُوَ
الْمُسَمّى بالذباب، وَلَا تَجِد أحدا مَاتَت لَهُ دَابَّة إِلَّا وَقَامَ بذلك، وَرُبمَا لَا يبقرونها إِلَّا بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ من مَوتهَا، وَرُبمَا كَانَ ذَلِك الدُّود متولداً أَي شَيْئا يشبه الدُّود كَمَا يُوجد ذَلِك بخياشم الشَّاة الصَّحِيحَة، وَرُبمَا يكون أَيْضا حدث بعد الْمَوْت لسرعة تغيره وَهَكَذَا. وَقَوْلِي: وَإنَّهُ من ذَلِك الْعَيْب مَاتَ أَعنِي: وَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه إِن كَانَ البَائِع مدلساً وإلاَّ فَلَا يرجع إِلَّا بِأَرْش الْعَيْب كَمَا قَالَ (خَ) : وَفرق بَين مُدَلّس وَغَيره أَن نقص كهلاكه بِعَيْب التَّدْلِيس الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنْكَار البَائِع مَا رد عَلَيْهِ أَنه مبيعه مَقْبُول. ابْن عَاتٍ: إِن قَالَ أَشك أَنه الْمَبِيع رد عَلَيْهِ اه. . الثَّانِي: هَذَا التَّفْصِيل الَّذِي فِي الْحَيَوَان بَين حَيَاته وَمَوته يجْرِي فِي غَيره من الدّور وَشبههَا، فَإِذا تهدمت الدَّار مثلا فَلَا يقبل فِي أَنَّهَا كَانَت مُعينَة إِلَّا اثْنَان عَدْلَانِ، وَإِن كَانَ شَارِح الْعَمَل توقف فِي ذَلِك لَكِن لَا وَجه للتوقف كَمَا لَا يخفى، إِذْ الْمدَار على فَوَات الْمَبِيع وَعدم قيام عينه فَيُفَرق فِيهَا حِينَئِذٍ بَين المدلس وَغَيره وَالله أعلم. الثَّالِث: قَالَ فِي الْأَقْضِيَة من الْبُرْزُليّ: إِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَن الْعَيْب قديم وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ حَادث فَأجَاب ابْن عَاتٍ: بِأَن الأَصْل السَّلامَة إِذا شهد عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لم يكن بِهِ شَيْء يَوْم البيع. وَأجَاب ابْن الْقطَّان: لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِك مذهبان، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن بَيِّنَة الْقدَم أعمل. وَأجَاب ابْن مَالك: بِأَن بَيِّنَة الْقدَم أعمل إِذا شهد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن علمه لمعرفته بالدابة، أَو شهِدت كل بَيِّنَة بِالدَّلِيلِ، وَأما إِن شهِدت بَيِّنَة بِالدَّلِيلِ وَالْأُخْرَى بِالْقطعِ، فَبَيِّنَة الْقطع أولى، الْبُرْزُليّ: يُرِيد ابْن الْقطَّان من مسَائِل الْمُدَوَّنَة أَن من أثبت أولى مِمَّن نفى قَالَ: وَلَو قَالَت هَذِه يجب بِهِ الرَّد، وَقَالَت الْأُخْرَى هُوَ عيب لَا يجب بِهِ الرَّد، فَهُوَ تكاذب وَلَا يرد حَتَّى يثبت، وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَالْبَاب الثَّامِن وَالْخمسين من التَّبْصِرَة قَالَ: وَكَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ بِأَن الدِّرْهَم جيد وآخران بِأَنَّهُ رَدِيء لم يلْزم الْقَابِض قبُوله حَتَّى يتَّفقَا على جودته، وَكَذَا لَو قَبضه ورده لم يلْزم الْمَرْدُود عَلَيْهِ قبُوله حَتَّى يتَّفقَا على رداءته، ثمَّ قَالَ: وَلَو شهد شَاهد بِعَيْب قديم وَشهد آخر بِعَيْب غير الأول، فَلَا توجب شَهَادَتهمَا حكما حَتَّى يشهدَا على عيب وَاحِد، وَقَالَ فِي بَاب التَّدْلِيس بالعيوب عَن الغرناطي: لَا يُفْتِي الْفَقِيه فِي الرَّد بِالْعَيْبِ فِي الْأمة إِلَّا بِشُرُوط أَن ينظر إِلَى الْعَيْب امْرَأَتَانِ ويشهدان عِنْد القَاضِي على عين الْأمة بِصفة عيبها، وَيشْهد طبيبان أَن هَذِه الصّفة تدل على أَن الْعَيْب أقدم من زمن البيع، وَأَن يشْهد تجار الرَّقِيق أَنه يسْقط من الثّمن فيفتي حِينَئِذٍ بِوُجُوب الرَّد بعد الْإِعْذَار اه. فَهُوَ صَرِيح فِي وجوب الْإِعْذَار فِي أَرْبَاب الْبَصَر، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل. وَلما كَانَ للرَّدّ بِالْعَيْبِ مَوَانِع أَحدهَا: الْبَرَاءَة وَقد تقدّمت، وَأَنَّهَا خَاصَّة بالرقيق وَلَا تصح فِي غَيره إِلَّا إِذا تطوع بهَا بعد العقد كَمَا مر. الثَّانِي: زَوَال الْعَيْب كنزول المَاء فِي الْعين ثمَّ يبرأ بعد الرَّد برأَ لَا يحْتَمل مَعَه رُجُوع وَنَحْو ذَلِك. الثَّالِث: فَوت الْمَبِيع حسا قبل الِاطِّلَاع كالهدم فِي الدَّار وَالْمَوْت فِي الْحَيَوَان فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِالْأَرْشِ فَقَط كَمَا مرّ أَو حكما كَالْعِتْقِ والاستيلاء، فَيرجع بِالْأَرْشِ أَيْضا. الرَّابِع: مَا يدل على الرِّضَا. وَلم يتَعَرَّض النَّاظِم للثَّانِي وَالثَّالِث، وَأَشَارَ إِلَى الرَّابِع بقوله:
وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ وبَعْدُ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قِيَامُهُ مُنِعْ (وَالْمُشْتَرِي الشَّيْء) أَي شَيْء كَانَ (وَبعد يطلع فِيهِ على عيب) قديم (قِيَامه) مُبْتَدأ ثَان (منع) خَبره وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي قِيَامه، وَإِنَّمَا يمْنَع قِيَامه بذلك الْعَيْب إِذا تصرف أَو سكت مُدَّة تدل على الرِّضَا كاليومين وَنَحْوهمَا من غير عذر، وَلذَا قَالَ: إلاَّ مَعَ الفَوْرِ وَمَهْمَا اسْتَعْمَلا بَعْدَ اطِّلَاعِهِ المعِيبَ بَطَلَا (إِلَّا مَعَ) قِيَامه ب (الْفَوْر وَمهما استعملا) اسْتِعْمَالا منقصاً (بعد اطِّلَاعه الْمَعِيب) مفعول باستعملا أَي: مَتى اسْتعْمل الْمَعِيب الِاسْتِعْمَال المنقص بعد اطِّلَاعه على عَيبه سَوَاء اسْتَعْملهُ زمن الْخِصَام أَو قبله (بطلا) الرَّد بِالْعَيْبِ لِأَن الِاسْتِعْمَال أَو السُّكُوت من غير عذر دَلِيل على الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَمثل للاستعمال المنقص بقوله: كاللُّلْبسِ وَالرُّكُوبِ وَالبِنَاءِ وَالهَدْمِ وَالجِمَاعِ لِلإِمَاءِ (كاللبس) للثوب (وَالرُّكُوب) للدابة فِي الْحَضَر اخْتِيَارا وَكَذَا لَو تَسوق أَو سَافر بعد الِاطِّلَاع، وَمَفْهُوم اخْتِيَارا أَنه لَو اضْطر لركوب الدَّابَّة أَو الْحمل عَلَيْهَا لاطلاعه على عيبها فِي سَفَره أَو لتعذر قودها فِي الْحَضَر، فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من الرَّد وَهُوَ كَذَلِك على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَمَفْهُوم كاللبس أَن الِاسْتِعْمَال الَّذِي لَا ينقص الْمَبِيع كسكنى الدَّار واقتطاف الثَّمَرَة وَلبن الشَّاة ومناظرة فِي كتب لَا يمْنَع الرَّد، وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ فِي زمن الْخِصَام، فَإِن كَانَ قبله منع (خَ) عاطفاً على مَا يمْنَع الرَّد مَا نَصه: وَمَا يدل على الرِّضَا إِلَّا مَا لَا ينقص كسكنى الدَّار وَحلف إِن سكت بِلَا عذر فِي كاليومين لَا كمسافر اضْطر لَهَا أَو تعذر قودها لحاضر الخ. وَالْحَاصِل أَن الِاسْتِعْمَال قبل الِاطِّلَاع لَا يمْنَع الرَّد مُطلقًا وَبعده فِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَ منقصاً كاستخدام العَبْد وَالدَّابَّة وَلبس الثَّوْب منع مُطلقًا طَال أم لَا، كَانَ زمن الْخِصَام أَو قبله إِلَّا لعذر كسفر، وَإِن كَانَ غير منقص كحلب الشَّاة وسكنى الدَّار بِنَفسِهِ أَو كرائها لغيره، فَإِن كَانَ زمن الْخِصَام فَلهُ الرَّد، وَإِن كَانَ قبله مَعَ السُّكُوت يَوْمَيْنِ فَأكْثر فَلَا رد، وَإِن كَانَ الْيَوْم فدون فَلهُ الرَّد بعد يَمِينه كَمَا أَنه لَهُ الرَّد إِذا سكت أَكثر لعذر من خوف وَنَحْوه وَثَبت عذره وَمَا مر من أَن الِاضْطِرَار فِي السّفر لَا يمْنَع الرَّد ظَاهرا، وَلَو كَانَ ذَلِك الِاضْطِرَار فِي الذّهاب وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الشَّامِل: وَعذر مُسَافر وَلَا يلْزمه ردهَا إِلَّا فِيمَا قرب وَخفت مُؤْنَته، وَيسْتَحب لَهُ أَن يشْهد أَن ذَلِك لَيْسَ رضَا مِنْهُ اه. وَلَكِن إِذا رجعت لحالها ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن عجفت ردهَا وَمَا نَقصهَا أَو يَأْخُذ قيمَة الْعَيْب قَالَه
ابْن الْقَاسِم. (وَالْبناء وَالْهدم وَالْجِمَاع للإماء) يَعْنِي التَّصَرُّف بِهَذِهِ الْأُمُور بعد الِاطِّلَاع، وَلَو زمن الْخِصَام مِمَّا يدل على الرِّضَا وَيمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ، وَلَا شَيْء لَهُ من أرش وَلَا غَيره، وَكَذَا الْعتْق بعد الِاطِّلَاع. تَنْبِيه: فَإِن غَابَ بَائِع الْمَعِيب فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ صَبر إِلَى قدومه وَيسْتَحب لَهُ الْإِشْهَاد بِأَنَّهُ لم يرض، وَإِن شَاءَ رفع أمره للْحَاكِم فَيكْتب لقريب الْغَيْبَة وَيبِيع الْمَعِيب على بعيدها وَيَقْضِي مِنْهُ الثّمن، فَإِن فضلت فضلَة بقيت بيد الْحَاكِم كَمَا فِي اللامية. قَالَ أَبُو الْحسن: يتم الحكم بِالْبيعِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِتِسْعَة شُرُوط، وَثَلَاثَة أَيْمَان. أَحدهَا: أَن يثبت أَنه ابْتَاعَ. الثَّانِي: مِقْدَار الثّمن، الثَّالِث: أَنه نَقده. الرَّابِع: أمد التبايع. قلت: وَهَذِه الْأَرْبَعَة يتضمنها عقد الشِّرَاء فِي الْغَالِب، وَالْخَامِس: ثُبُوت الْعَيْب: السَّادِس: أَنه ينقص من الثّمن. السَّابِع: أَن الْعَيْب أقدم من أمد التبايع. قلت: وَهَذِه السَّبْعَة يُشَارِكهُ فِيهَا الْحَاضِر. الثَّامِن: ثُبُوت الْغَيْبَة. التَّاسِع: كَونهَا بعيدَة أَو بِحَيْثُ لَا يعلم، وَأما ثَلَاثَة أَيْمَان؛ فَإِنَّهُ يحلف أَنه ابْتَاعَ بيعا صَحِيحا وَأَنه لم يتبرأ إِلَيْهِ من الْعَيْب وَلَا بَيِّنَة لَهُ وَلَا أرَاهُ إِيَّاه. وَالثَّالِثَة أَنه مَا رَضِي بِالْعَيْبِ حِين علم بِهِ، وَله أَن يجمعها فِي يَمِين وَاحِدَة انْظُر ضيح و (ح) . قلت: ظَاهره أَنه يحلف أَنه مَا أرَاهُ إِيَّاه وَأَنه مَا رَضِي بِهِ، وَلَا تتَوَقَّف يَمِينه على دَعْوَى الْمخبر وَلَا الإراءة، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن هَذَا غَائِب فَلَا أقل لَو حضر أَن يَدعِي أَنه أخبرهُ بِرِضَاهُ مخبر، أَو أَنه أرَاهُ إِيَّاه بِخِلَاف الْحَاضِر فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلفهُ على ذَلِك إِلَّا بِدَعْوَى الْمخبر والإراءة كَمَا قَالَ (خَ) : وَلم يحلف مُشْتَر ادعيت رُؤْيَته بِدَعْوَى الإراءة، وَلَا الرِّضَا بِهِ إِلَّا بِدَعْوَى مخبر الخ. وَتقدم فِي عُيُوب الرَّقِيق أَن هَذَا إِنَّمَا يجْرِي على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوت ملك البَائِع لما بَاعَ إِلَى وَقت بَيْعه خلافًا لما فِي ضيح تبعا لِابْنِ عبد السَّلَام، من أَنه لَا بُد مِنْهُ زِيَادَة على التِّسْعَة الْمُتَقَدّمَة، وَهُوَ مِمَّا لَا وَجه لَهُ لِأَن الأَصْل فِيمَن بَاعَ شَيْئا أَنه إِنَّمَا بَاعَ مَا يملكهُ، وَكَونه بَاعَ غير ملكه خلاف الأَصْل، كَمَا فِي الارتفاق. وَتقدم ذَلِك فِي البيع على الْغَائِب، وَلِأَن هَذَا يملك الرَّد عَلَيْهِ بَاعَ ملك نَفسه أَو ملك غَيره بوكالة أَو نَحْوهَا حَيْثُ لم يعلم المُشْتَرِي بوكالته أَو بِأَنَّهُ يَبِيع ملك غَيره، وَقد يكون للْإنْسَان السّلْعَة أَو الدَّار ويبيعها بفور شرائهما قبل أَن يعرف النَّاس أَنَّهُمَا ملكه ويغيب بعد ذَلِك فيتعذر على الْقَائِم ثُبُوت ملك البَائِع، فَلَعَلَّ مَا لِابْنِ عبد السَّلَام إِنَّمَا هُوَ إِذا أَبى أَن يحلف أَنه مَا بَين لَهُ أَنه يَبِيع ملك الْغَيْر لتَكون الْعهْدَة على ذَلِك الْغَيْر لَا على الْغَائِب وَالله أعلم.
تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: وَمن ابْتَاعَ ثيابًا وسافر بهَا لمصر مثلا فَوجدَ بِبَعْضِهَا عَيْبا فَإِنَّهُ يشْهد على الْمَعِيب مِنْهَا ويبيعها على بَائِعهَا لَا أَنه رَضِي بهَا فَإِن رَجَعَ قَامَ على البَائِع فَإِن دلّس فَعَلَيهِ كراؤها. وَإِن لم يُدَلس فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ اه. يَعْنِي عَلَيْهِ كراؤها وَمَا نَقصه الْعَيْب انْظُر تَمَامه فِي الكراس السَّادِس من بيوعه فَإِنَّهُ زَاد إِثْر مَا مر مَا نَصه: إِن كَانَ النَّقْص يَسِيرا ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، ونقلها على البَائِع وَإِن كَانَ لَهُ مُؤنَة كَثِيرَة فَهُوَ كالعيب الْكثير يحدث فَيُخَير بَين الْأَخْذ والإمساك وَالرُّجُوع بِقِيمَة الْعَيْب أَو يردهَا، وَقِيمَة الْعَيْب وردهَا لموضعها هُوَ قيمَة الْعَيْب وَسَوَاء دلّس أم لَا اه. الثَّانِي: قَالَ فِي نَوَازِل الزياتي: سُئِلَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر عمر الزويري عَن السّلْعَة الْمَبِيعَة إِذا ردَّتْ بِعَيْب وضاعت فِي الطَّرِيق بِسَرِقَة أَو لصوص أَو غير ذَلِك فَمِمَّنْ يكون الضَّمَان؟ فَقَالَ: إِذا ردهَا الْمُبْتَاع لم يفعل فعلا يدل على رِضَاهُ فَهِيَ مُصِيبَة نزلت للْبَائِع اه. وكامِنٌ يَبدُو مَعَ التَّغْيِيرِ كَالسُّوسِ لَا يُرَدُّ فِي المَأْثُورِ (و) عيب (كامن) يَسْتَوِي الْمُتَبَايعَانِ فِي الْجَهْل بِهِ عِنْد العقد و (يَبْدُو) وَيظْهر (مَعَ التَّغْيِير كالسوس) يظْهر فِي الْخشب بعد شقَّه وَالْفساد يظْهر فِي الْجَوْز بعد كَسره والقثاء تظهر مرارتها بعد كسرهَا (لَا يرد فِي الْمَأْثُور) من الْمَذْهَب، وَمَفْهُوم قَوْله يَبْدُو مَعَ التَّغْيِير أَنه إِذا كَانَ يعرف فَسَاده قبل التَّغْيِير كالبيض فَإِنَّهُ يرد (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ، وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا بتغيير كسوس الْخشب والجوز وَمر قثاء ورد الْبيض الخ. وَمَا مر من عدم الرَّد إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يشْتَرط المُشْتَرِي السَّلامَة من ذَلِك، وإلاَّ فَلهُ الرَّد وَالْعَادَة كالشرط، وَلذَا تَجِد النَّاس الْيَوْم يردون القثاء بِسَبَب مرارتها بل ذكر الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْمَوَّاز مَا نَصه: إِذا ابْتَاعَ قثاء فَوَجَدَهُ كُله مرّاً فَإِنَّهُ يردهُ بذلك لِأَن صَاحبه يعرفهُ اه. وَيدخل تَحت الْكَاف أَيْضا من اشْترى شَاة فَوَجَدَهَا عجفاء أَو جوفها أَخْضَر فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ كَمَا فِي سَماع أَشهب قَالَه (ق) قَالَ: وَانْظُر اضْطِرَاب الشُّيُوخ فِيمَن اشْترى أضْحِية فَوَجَدَهَا عجفاء لَا تجزىء أضْحِية فِي بَاب الْعُيُوب من ابْن سهل اه.
فرع: قَالَ (عج) : من اشْترى شَعِيرًا بِشَرْط أَنه للزِّرَاعَة أَو فِي أَبَانهَا بِثمن مَا يُرَاد لَهَا فَلم ينْبت فَإِن كَانَ البَائِع مدلساً رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن وَأُجْرَة الأَرْض وَمَا صرفه فِي زرعه، وَإِن كَانَ غير مُدَلّس فَإِن كَانَ الْمَبِيع لَا ينْتَفع بِهِ فِي غَيرهَا كزريعة الْحِنَّاء والبرسيم رَجَعَ المُشْتَرِي بِثمنِهِ وَلَا يدْفع عوضا للْمَبِيع، وَإِن كَانَ ينْتَفع بِهِ فِي غَيرهَا كأكله أَو علفه، فَهَل يرجع بِثمن الْجَمِيع أَيْضا، وَلَكِن يرجع البَائِع بِمثل مَتَاعه وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، أَو يرجع الْمُبْتَاع بِمَا بَين قِيمَته نابتاً وَغير نابت من الثّمن وَهُوَ قَول سَحْنُون. قَولَانِ اه. وَقَالَ ابْن عبد الرفيع: يُقَال لمن اشْترى زريعة فَلم تنْبت أثبت أَنَّك زرعت الزريعة الَّتِي اشْتَرَيْتهَا من هَذَا بِعَينهَا، وَأَنَّك زرعتها فِي الأبان، وَفِي أَرض ثرية، وَأَنَّهَا لم تنْبت وَلَك الرُّجُوع اه. وَنَقله (م) عَن القلشاني وَأَصله فِي الجزيرية كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَالَ فِيمَن ابْتَاعَ زريعة بصل، وَزعم المُشْتَرِي أَنَّهَا لم تنْبت مَا نَصه: إِن كَانَت الْبَيِّنَة لم تُفَارِقهُ حَتَّى زَرعهَا فِي أَرض مذللة ناعمة وَلم يضيع سقيها فِي وَقت السَّقْي رَجَعَ بِالثّمن على البَائِع، وَلم يكن عَلَيْهِ مثل زريعته إِذْ لَا فَائِدَة فِيهَا، وَإِن فارقته الْبَيِّنَة وَنظر الْعُدُول إِلَى الأَرْض ورأوها لم يصلح نباتها حلف البَائِع أَنه لم يغره وَأَنه أعطَاهُ زريعة جَيِّدَة فِي علمه، وَإِن لم يكن هَذَا وَلَا هَذَا فَلَا يَمِين فِيهَا اه. وَهَذَا كُله إِذا لم يبْق من الزَّرْع شَيْء وإلاَّ فيجرب ليعلم صدق المُشْتَرِي أَو كذبه كَمَا لِابْنِ رشد قَالَ: فَإِن عرف كذبه فَلَا شَيْء لَهُ، وَإِن عرف صدقه بالتجربة الْمَذْكُورَة رَجَعَ بِقِيمَة الْعَيْب إِن لم يُدَلس البَائِع وَإِن دلّس رَجَعَ بِجَمِيعِ الثّمن اه. فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى تَرْجِيح قَول سَحْنُون الْمُتَقَدّم، وَقَول (عج) أَو فِي إبانها الخ. يَعْنِي لِأَنَّهُ إِذا اشْتَرَاهَا فِي الإبان فَكَأَنَّهُ اشْترط زراعتها كمن اشْترى ثوراً فِي إبان الحراثة فَوَجَدَهُ لَا يحرث فَإِن لَهُ رده، وَإِن لم يشْتَرط أَنه للحراثة قَالَه ابْن الْحَاج وَغَيره، وزراعة دود الْحَرِير يذكر بَائِعهَا أَنَّهَا جَيِّدَة ثمَّ يظْهر نسجها فَاسِدا تجْرِي على مَا تقدم من زراعة الْحِنَّاء وَنَحْوهَا قَالَه (ت) . قلت: بل وَلَو لم يذكر بَائِعهَا ذَلِك لِأَنَّهَا إِنَّمَا تشترى فِي الأبان على أَن نسجها صَالح كَمَسْأَلَة الثور الْمُتَقَدّمَة وَالله أعلم. وَانْظُر العلمي فِي الْمُحَابَاة والتوليج.
وَالبَقُّ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الدُّورِ وَيُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى المَشْهُورِ (والبق) والنمل (عيب من عُيُوب الدّور وَيُوجب الرَّد على الْمَشْهُور) وَمرَاده بالمشهور مَا وَقع الحكم بِهِ لَا الْمَشْهُور المصطلح عَلَيْهِ من كَونه الَّذِي قوي دَلِيله أَو كثر قَائِله أَو مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَظَاهره أَن البق عيب وَلَو قل، وَالَّذِي فِي الطرر نَاقِلا عَن الْمُوازِية هُوَ مَا نَصه: وَسُوء الْجَار فِي الدَّار المكتراة عيب إِذا لم يعلم بِهِ وَقَالَ غَيره: لَيْسَ ذَلِك عَيْبا فِي الْمَبِيع وَقد قَالَ أَبُو صَالح الجواني: سَمِعت مَالِكًا يَقُول: ترد الدَّار من سوء الْجِيرَان والحفرة، والبئر والمرحاض بِقرب حيطان الدَّار عيب، وَكَذَا جرى مَاء غَيرهَا عَلَيْهَا عيب فِيهَا وَكَثْرَة البق عيب فِيهَا، وَنزلت بقرطبة وَحكم بردهَا. وَأَخْبرنِي الثِّقَات أَن الْعَمَل بقرطبة أَيْضا برد السرير المبقق وَإِن نحت وَبيع وَلم يبين رد أَيْضا وَحكم بِهِ فِيهَا. وَعَن ابْن عبد الغفور عَن بعض أَصْحَابنَا أَن كَثْرَة الْقمل فِي الثِّيَاب ترد بِهِ بزاً كَانَت أَو صُوفًا أَو كتاناً المشاور والغفائر الغسيلة المصبوغة بِالسَّوَادِ إِن بَين بَائِعهَا وإلاَّ وَجب الرَّد لِأَنَّهُ عيب وغش قَالَ: والصيبان فِي الثَّوْب عيب لِأَنَّهُ ملازم كالقمل اه. بِنَقْل الْبُرْزُليّ، فَظَاهره أَن قَلِيل البق لَا رد بِهِ، وَلذَا أصلحه وَلَده بقوله: وَكَثْرَة البق تعيب الدورا وتوجب الرَّد لأهل الشورى قلت: لَعَلَّ النَّاظِم فهم أَن التَّعْبِير بِالْكَثْرَةِ فِي النَّص غير مَقْصُود، وَيدل لَهُ مَا قَالَه فِي السرير وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون البق لَا يَنْضَبِط وَلَا يسْتَقرّ على حَال، فَهُوَ وَإِن قل فِي وَقت يكثر فِي الْحِين فَمَا للناظم من الْإِطْلَاق أحسن وَمَا ذكره فِي الْجَار السوء نَحوه فِي الْعُتْبِيَّة. قَالَ ابْن رشد: المحنة بالجار السوء عَظِيمَة، وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَن الدَّار ترد من سوء الْجَار اه. بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: وَفِي الْمجَالِس أَن من ابْتَاعَ دَارا بِمَدِينَة أَو قَرْيَة بِنَاحِيَة وَاد فَحمل الْوَادي فِي بعض الزَّمَان وَوصل إِلَيْهَا، فَإِن ثَبت أَنه بلغ إِلَيْهَا فِيمَا مضى وَلَو مرّة كَانَ لَهُ ردهَا، وَإِن لم يعلم ذَلِك فَهِيَ مُصِيبَة نزلت بالمبتاع. وَلابْن رشد فِيمَن ابْتَاعَ كرماً فَظهر أَنه شَارف فَقَالَ: إِنَّه من الْعُيُوب الظَّاهِرَة الَّتِي لَا رد بهَا، وَفِي الطرر أَن الرَّحَى المتربة ترد بِكُل حَال علم المُشْتَرِي بتتريبها أم لَا. لِأَنَّهُ لَا نفع بهَا إِذْ هِيَ إِنَّمَا تبَاع للطحن فَإِذا كَانَت مَتْرَبَة لم تسو إِلَّا قيمَة حجر ملقى، فَإِن فَاتَت رَجَعَ بِقدر الْعَيْب وَهَذَا القَوْل أولى وَبِه الْعَمَل اه. وَفِي الكراس الثَّانِي من معاوضات المعيار أَن الدَّار الْمُعْتَادَة لنزول الأجناد ترد لِأَن ذَلِك عيب، وَفِي المعيار أَيْضا أَن الْحَدِيد إِذا وجده مبتاعه أحرش فَإِن لَهُ رده على بَائِعه، وَهَكَذَا حَتَّى يرد على الَّذِي أخرجه من الْمَعْدن، وَمَا مر من أَن النَّمْل ترد بِهِ كالبق هُوَ مَا أفتى بِهِ ابْن لب قَائِلا: إِذا قَالَ الْجِيرَان إِن ذَلِك قديم بهَا يظْهر من فصل الرّبيع إِلَى الخريف الخ. وَهَذَا كُله يدْخل تَحت قَول النَّاظِم فِيمَا مر: وكل عيب ينقص الأثمانا الخ. لَكِن لَا تَجِد أحدا عندنَا الْيَوْم يقوم بِعَيْب البق والنمل وَلَعَلَّه لعدم نُقْصَان ثمن الدَّار بذلك عَادَة عِنْدهم، وَأما قتل الْإِنْسَان فِي دَار أَو بُسْتَان فَإِن ذَلِك لَيْسَ عَيْبا فَلَا حجَّة للْمُشْتَرِي
فِي أَن الدَّار صَارَت بِسَبَب الْقَتْل الْمَذْكُور موحشة تنفر النُّفُوس مِنْهَا وَتظهر للعيال بِسَبَب ذَلِك خيالات وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي الشَّارِح. وَأُجْرَةُ السِّمْسَارِ تُسْتَرَدُّ حَيْثُ يَكونُ لِلْمَبِيعِ رَدُّ (وَأُجْرَة السمسار تسترد حَيْثُ يكون للْمَبِيع رد) وَهَذَا إِذا كَانَت الْأُجْرَة على وَجه الْجعَالَة وَلم يُدَلس وَكَانَ الرَّد بِالْبيعِ بِحكم حَاكم فَإِن دلّس البَائِع فَلَا يرد السمسار الْجعل مَا لم يتَّفق مَعَ البَائِع على التَّدْلِيس فَإِنَّهُ يردهُ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَكَذَا لَا يرد الْجعل إِن كَانَ على وَجه الْإِجَارَة كَمَا لَو أجره بدرهم على سمسرة الدَّار عشرَة أَيَّام مثلا وبيعت فِي آخرهَا، ثمَّ ردَّتْ بِعَيْب فَإِن بِيعَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَلهُ من الدِّرْهَم بِحِسَاب ذَلِك، وَكَذَا إِن قبله البَائِع يُغير حكم فَإِنَّهُ لَا يردهُ كَمَا لَو أقاله أَو اسْتحق قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. قَالَ فِيهَا أَيْضا: وللسمسار تَحْلِيف البَائِع أَنه لم يُدَلس اه. قَالَ (ز) : وَأما مَا دَفعه المُشْتَرِي حلاوة للسمسار على تَحْصِيل الْمَبِيع فَلَا يرجع بِهِ إِلَّا أَن يعلم السمسار عَيْبا بِالْمَبِيعِ اه. أَي: وَللْمُشْتَرِي تَحْلِيفه على عدم علمه بِهِ أَيْضا فَإِن نَادَى السمسار على السّلْعَة فَلم يجد فِيهَا البيع وردهَا إِلَى رَبهَا فَبَاعَهَا رَبهَا بِالَّذِي وَقعت عَلَيْهِ أَو بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِن بَاعهَا فِي ذَلِك السُّوق بِالْقربِ فللسمسار الْجعل وَإِن بَاعهَا بعد بعُد أَو فِي غير ذَلِك السُّوق فَلَا جعل لَهُ قَالَه فِي المعيار. وَحَيْثُمَا عَيَّنَ قَاضٍ شُهِدَا لِلْعَيْبِ فَالإعْذَارُ فِيهِمْ عُهِدَا (وحيثما عين قَاض شَهدا للعيب) أَي لإثباته وشهدوا بِهِ (فالإعذار) والقدح (فيهم) من جِهَة الْمعرفَة وبجرحة الْكَذِب (عهدا) عِنْد الْأَئِمَّة لَا من جِهَة الْعَدَالَة لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدمهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ. فالإعذار الْمَعْهُود فيهم وَلَو مُشْرِكين إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْمعرفَة وَالْكذب لَا من جِهَة الْعَدَالَة. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: والإعذار فيهم من طَرِيق الْعلم لَا من
طَرِيق الْعَدَالَة فَإِن أَتَى البَائِع مِمَّن هُوَ أعلم من هَؤُلَاءِ الشُّهُود سمع مِنْهُ وإلاَّ فَلَا حجَّة لَهُ اه. وَكَلَامه صَرِيح فِي كَونهم موجهين من قبل القَاضِي لأَنهم إِذا لم يَكُونُوا موجهين من قبله، بل أوقفهم الْمُبْتَاع من ذَات نَفسه فَلَا يقبل غير الْعُدُول بِاتِّفَاق من مَالك وَأَصْحَابه كَمَا صرح بِهِ هُوَ نَفسه، والإعذار فيهم حِينَئِذٍ من جِهَة الْعَدَالَة والمعرفة فالتفصيل فِي الْإِعْذَار من طَرِيق الْعلم لَا من طَرِيق الْعَدَالَة إِنَّمَا هُوَ فِي شُهُود الْعَيْب الموجهين من قبل القَاضِي، وَإِذا علمت هَذَا فَمَا فِي ابْن سَلمُون من أَنَّهُمَا إِذا كَانَ القَاضِي قد نصبهما إِلَى ذَلِك فشهدا عِنْده بِالْعَيْبِ، وَأَرَادَ البَائِع أَن يعْذر إِلَيْهِ فِي شَهَادَتهمَا وَيَدْعُو غَيرهمَا إِلَى الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك اه. مُخَالف لما مر عَن الْمُتَيْطِيَّة والناظم فَيجب حمله على مَا إِذا أَرَادَ الْإِعْذَار فيهم من جِهَة الْعَدَالَة، فَإِذا قدح فيهمَا وأبطل شَهَادَتهمَا دَعَا غَيرهمَا إِلَى الشَّهَادَة بنقيض مَا شهد بِهِ المقدوح فيهمَا، وإلاَّ فَهُوَ مُخَالف للْمَذْهَب لِأَن أَرْبَاب الْبَصَر إِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِمَا خلص لَهما باجتهادهما وَقد يخطئان هَذَا فِي المعروفين بالتقوى وَالدّين، فَكيف بِمن عرف بِعَدَمِ الْعَدَالَة أَو كَانَ مُشْركًا بِخِلَاف الموجهين للحيازة والتحليف فيشهدان بِأَمْر محسوس لَا اجْتِهَاد فِيهِ وَالله أعلم. تَنْبِيه: إِذا شهد أَرْبَاب الْبَصَر بِأَنَّهُ عيب وَأَنه ينقص من الثّمن كثيرا جَازَت الشَّهَادَة، وَقيل إِنَّمَا على الطَّبِيب صفة الدَّاء خَاصَّة وَأَنه قديم وَأما نُقْصَان الثّمن فَيشْهد بِهِ عَدْلَانِ سَوَاء بعد أَن يصف لَهما الدَّاء لِأَن الضَّرُورَة قد ارْتَفَعت فِي هَذِه الزِّيَادَة قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أحسن لِأَن من لَا يدْرِي الدَّاء كَيفَ يدْرِي نقص الثّمن بِسَبَبِهِ قَالَه فِي النِّهَايَة. وَانْظُر اعْتِرَاض ابْن سهل فِيهَا أَيْضا وَفِي الْبَاب الثَّامِن وَالْخمسين من التَّبْصِرَة وَبَعضه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَقَالَ ابْن سَلمُون: إِن كَانَ الطبيبان لَا يعرفان الْقيمَة فَيشْهد الطبيبان بِالْعَيْبِ وَيشْهد عَدْلَانِ من أهل الْمعرفَة بِالْقيمَةِ بِنَقص الثّمن اه. فمفهومه أَنَّهُمَا إِذا كَانَا يعرفان الْقيمَة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي الْعَيْب وَالْقيمَة، وَهَذَا يبين كَلَام الغرناطي الَّذِي قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ.
(فصل فِي الْغبن)
بِفَتْح الْغَيْن وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ عبارَة عَن شِرَاء السّلْعَة بِأَكْثَرَ من الْقيمَة بِكَثِير فيغبن المُشْتَرِي أَو يَبِيع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير فيغبن البَائِع قَالَه (م) وَهُوَ يَقْتَضِي أَن لكل من البَائِع
وَالْمُشْتَرِي الْقيام بِالْغبنِ. وَلَا يُقَال الثّمن يتبع الرغبات فقد يرغب المُشْتَرِي فِي الشَّيْء فيعطي فِيهِ أَكثر من قِيمَته بِكَثِير، فَكيف يصدق فِي الْغبن وَأَنه لم يكن لَهُ رَغْبَة فِيهِ؟ لأَنا نقُول ثُبُوت كَونه جَاهِلا بِالْقيمَةِ يَنْفِي عَنهُ إِذْ لَا يُقَال زَاد على الْقيمَة للرغبة حَتَّى يكون عَارِفًا بهَا، وَإِذا قُلْنَا إِن كلا من الْعِوَضَيْنِ مَبِيع بِالْآخرِ كَمَا مرّ أول الْبيُوع فَيكون هَذَا الْحَد شَامِلًا لما تقدم فِي فصل بيع الْعرُوض من قَوْله: وَبيع مَا يجهل ذاتاً بِالرِّضَا الخ. فَإِذا جرى الْعَمَل بِالْقيامِ بِالْغبنِ فِي الثّمن فَكَذَلِك يجْرِي بِهِ فِي الْمُثمن كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَالله أعلم. ثمَّ الْمَشْهُور عدم الْقيام بِالْغبنِ كَمَا قَالَ (خَ) وَلم يرد بغلط إِن سمي باسمه وَلَا بِغَبن وَلَو خَالف الْعَادة الخ. وَهَذَا كُله إِذا لم يستأمنه ويخبره بجهله بِالْقيمَةِ فَيَقُول لَهُ: إِن قِيمَته كَذَا وَالْأَمر بِخِلَافِهِ، وإلاَّ فَلهُ الْقيام بِاتِّفَاق عِنْد ابْن رشد من غير شَرط من الشُّرُوط الْآتِيَة فَمحل الشُّرُوط إِنَّمَا هُوَ إِذا درجنا على مُقَابل الْمَشْهُور كَمَا قَالَ: وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا فَشَرْطُهُ أنْ لَا يَجُوزَ العَامَا (وَمن يغبن فِي مَبِيع) عقارا أَو حَيَوَانا أَو غَيرهمَا (قاما) وَأَرَادَ الرَّد بِهِ (فشرطه) أَي الْقيام بِهِ (أَن لَا يجوز العاما / وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِمَا صَنعْ وَاغَبْنُ بالثُلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ وَأَن يكون) الْقَائِم (جَاهِلا بِمَا صنع) من بَيْعه بِأَقَلّ من الْقيمَة أَو شِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا (و) أَن يكون (الْغبن بِالثُّلثِ) يتَعَلَّق بقوله وَقع (فَمَا زَاد وَقع) وَقيل: لَا قيام بِهِ إِلَّا إِذا زَاد على الثُّلُث، وَقيل يُقَام بِهِ مُطلقًا وعَلى مَا للناظم فَالثُّلُث هُنَا كثير فيزاد على قَول ابْن غَازِي: وَالثلث نزر فِي سوى المعاقله وَفِي الجوائح وَحمل العاقله وَكَذَا يُزَاد عَلَيْهِ مَا مر فِي قَول النَّاظِم فِي عيب الْأُصُول:
وَإِن يكن لنَقص ثلثه اقْتضى فَمَا علا فالرد حتم بالقضا الخ وَظَاهر النّظم أَنه إِذا وجدت الشُّرُوط الثَّلَاثَة ثَبت لَهُ الْقيام كَانَ البيع بالمزايدة أَو بالمساومة عرض البَائِع سلْعَته على أنَاس شَتَّى أم لَا. وَالَّذِي فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات المعيار مُسلما مَا نَصه: سُئِلَ الْفَقِيه بَرَكَات البازوي عَن الْقيام بِالْغبنِ هَل يعم جَمِيع الْبيُوع أَو يخْتَص بِغَيْر بيع المزايدة، وَهل يتنزل منزل بيع المزايدة تعويض صَاحب السّلْعَة بِبَيْعِهَا على أنَاس شَتَّى وترغيبه إيَّاهُم فِيهَا وَهِي أصل أَو غَيره، وَهل تَنْفَع شَهَادَة من عرضت عَلَيْهِ إِن أنكر الْقَائِم ذَلِك؟ فَأجَاب: أما بيع المزايدة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن وَكَذَلِكَ غَيره فِي مَعْرُوف الْمَذْهَب وَلَا بيع الاستئمان، وَفِيه ورد الحَدِيث: ومشهر سلْعَته لَا غبن فِيهِ، وَشَهَادَة من عرضت عَلَيْهِ حائزة اه. فَقَوله: لَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن يَعْنِي اتِّفَاقًا بِدَلِيل قَوْله: وَكَذَلِكَ غَيره فِي مَعْرُوف الْمَذْهَب لِأَنَّهُ إِنَّمَا حكى الْخلاف فِي غَيره وَهُوَ المساومة، وَقَوله: وَلَا بيع الاستئمان الخ. إِنَّمَا يتمشى على مَا لِابْنِ عبد السَّلَام من أَن الْمَشْهُور عدم الْقيام بِالْغبنِ، وَظَاهره وَلَو استأمنه واسترسله، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْفَتْوَى جَارِيَة فِي بيع المساومة على الْمَشْهُور وَفِي الاستئمان على ظَاهر مَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَالْمَقْصُود مِنْهَا أَن بيع المزايدة لَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون قِيمَته هِيَ مَا وقفت عَلَيْهِ، وَلَا سِيمَا فِي الْأُصُول بعد المناداة عَلَيْهَا الشَّهْر والشهرين، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن السيوري وَابْن رشد فِي البيع على الْغَائِب والمحجور والمفلس بعد المناداة وَعدم إِلْغَاء زَائِد خلافًا لما فِي الكراس الثَّانِي عشر من المعيار أَيْضا عَن ابْن الْبَراء من أَن الْغَائِب لَهُ الْقيام بِالْغبنِ إِذا أثْبته اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل مَا لِابْنِ الْبَراء على أَن الْغُرَمَاء باعوا بِغَيْر تسويق وَلَا مناداة إِذْ لَيْسَ فِي السُّؤَال أَنهم باعوا الدَّار بعد تسويقها فَيكون حِينَئِذٍ مُوَافقا لما قبله وَالله أعلم. وَإِذا علمت هَذَا بَطل مَا يَفْعَله أَرْبَاب الْبَصَر من شَهَادَتهم بِالْغبنِ فِي الدّور والأجنات الَّتِي وَقع النداء عَلَيْهَا الشَّهْر والشهرين وَنَحْو ذَلِك، وَقَوله: وَلَا بيع الاستئمان الخ. تقدم أَن هَذَا مَحل اتِّفَاق عِنْد ابْن رشد، وَأَنه لَا يحْتَاج فِيهِ لشرط، والاستئمان والاسترسال والاستسلام بِمَعْنى وَاحِد خلافًا فَالظَّاهِر (خَ) وَقَوله: وَفِيه ورد الحَدِيث يَعْنِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: (عين المسترسل ظلم) الخ. والاسترسال أَن يَقُول لَهُ: بِعني كَمَا تبيع النَّاس أَو اشْتَرِ مني كَمَا تشتري من النَّاس. فَيَقُول: نشتري من النَّاس بِكَذَا ونبيع مِنْهُم بِكَذَا، وَيظْهر الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: كَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ فِي الْغبن الْوَاقِع فِي بيع الرشيد مَتَاع نَفسه، وَأما بيع الْوَصِيّ وَالْوَكِيل فالغبن فِيهِ مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا، وَإِن لم يبلغ الثُّلُث. وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْوكَالَة: وَتعين فِي الْمُطلق نقد الْبَلَد ولائق بِهِ وَثمن الْمثل الخ. وَانْظُر (ح) وشراح نظم الْعَمَل قبل جَامع مسَائِل من أَبْوَاب قَالَ (ق) : وَانْظُر قد نصوا أَن بَيت المَال أولى مَا يحْتَاط لَهُ، فَالْبيع عَلَيْهِ كَالْبيع على الْمَحْجُور قَالَ: وَانْظُر إِذا لم يقم الْمَحْجُور إِلَّا بعد أَعْوَام، فقد سُئِلَ ابْن لب عَن دَار مُشْتَركَة بَين قوم مِنْهُم مَالك أَمر نَفسه، وَمِنْهُم مَحْجُور باعوها من الْغَيْر ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بعد أَعْوَام؟ فَأجَاب: بِأَن الْمَالِك أَمر نَفسه مُرُور الْعَام قَاطع لحكم قِيَامه، وَأما الْمَحْجُور فَينْظر لَهُ، لَكِن ترك الْوَصِيّ النّظر لمحجوره من غير عذر مَعْلُوم كَأَنَّهُ مشْعر بتفريط حق الْمَحْجُور بطول الْمدَّة وَتصرف المُشْتَرِي طول عِمَارَته فِي ذَلِك، فَالصَّوَاب أَن لَا يتَعَرَّض للْمُشْتَرِي وَأَن تكون التباعة للمحجور بِمَا نَقصه على النَّاظر عَلَيْهِ اه. فَظَاهره أَنه لَا تباعة لَهُ على المُشْتَرِي وَلَا ينْقض
البيع وَلَو لم يفت وَهُوَ مُخَالف لما فِي نَوَازِل العلمي عَن المجاصي وَغَيره من أَن طول الْمدَّة لَا يضر، يَعْنِي إِذا قَامَ قبل مُضِيّ الْعَام من رشده قَالَ: فَإِن فَاتَ الْمَبِيع فَلَا ينْقض البيع فِيهِ، وَإِنَّمَا تكمل الْقيمَة على المُشْتَرِي فَإِن تعذر تكميلها فعلى النَّاظر على الْمَحْجُور أيّاً كَانَ أَو غَيره لتَفْرِيطه وليحتفظ القَاضِي على عدم نقض الْعُقُود مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهَا لَا تنْتَقض إِلَّا بِالْأَمر الْبَين اه. فَعلم مِنْهُ أَن طول الْمدَّة إِنَّمَا يمْنَع الْقيام مَعَ الْفَوات لَا مَعَ عَدمه، وَعَلِيهِ يحمل قَول العلمي أَوَاخِر الْبيُوع من نوازله مَا نَصه: وَأما السَّفِيه يَبِيع عَنهُ وَصِيّه فَلهُ الْقيام وَلَو بعد السّنة إِذا بَاعَ بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ وَلَو لم يبلغ الثُّلُث اه. وَهَذَا كُله إِذا تحقق الْغبن مَعَ طول الْمدَّة وَلم يَقع فِيهِ اشْتِبَاه وَلَا شكّ، وإلاَّ فَفِيهِ أَيْضا بعد هَذَا عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ يرد لَهُ فِي مَحْجُور قَامَ بِالْغبنِ مَا نَصه: الْقيام بِالْغبنِ فِيمَا بَاعه الْإِنْسَان من غَيره مَعْمُول بِهِ، لَكِن مَعَ طول الْمدَّة وَهُوَ ضَعِيف من جِهَة عدم تحَققه لِأَن النَّاس سِيمَا الْعَامَّة يغلب عَلَيْهِم الْميل إِلَى الْحَالة الراهنة، وَيشْتَبه عَلَيْهِم حَال الْمدَّة الْمَاضِيَة لَا سِيمَا مَعَ طول الْمدَّة، فَإِذا كَانَ الشَّيْء فِي الْحَال مغتبطاً بِهِ فَرُبمَا توهموا أَن الِاغْتِبَاط فِيهِ قديم، فَفتح الْقيام بِالْغبنِ مَعَ طول الْمدَّة يَتَّسِع مَعَه الْخرق، لكنني لم أَقف على النَّص فِي عينهَا، وَالله أعلم. قلت: ولعمري أَن هَذَا لَهو الْحق لِأَن الْغبن إِذا كَانَ يعْتَبر يَوْم العقد وَمَضَت الْمدَّة المديدة فَكيف يُمكنهُم الْجَزْم بِوُجُود الْغبن وَقت العقد وَلَا سِيمَا مَعَ قلَّة ديانَة أَرْبَاب الْبَصَر فِي هَذَا الْوَقْت، وَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي تلمحه ابْن لب فِي فتواه الْمُتَقَدّمَة حَتَّى قَالَ: إِنَّه لَا يتَعَرَّض للْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا التباعة على النَّاظر، وَمَا ذَاك إِلَّا لعدم تحقق وجوده مَعَ طول الْمدَّة المديدة، وإلاَّ فَيفْسخ البيع إِن لم يفت فَإِن فَاتَ فالتباعة على المُشْتَرِي أَو وجد مَلِيًّا وَإِلَّا فعلى النَّاظر كَمَا مر فالناظر مُتَأَخّر فِي الغرامة قطعا لِأَنَّهُ كواهب لمَال غَيره وَالله أعلم. الثَّانِي: قَالَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه على الْمُخْتَصر مَا نَصه: الْغبن على القَوْل بِهِ إِنَّمَا يعْتَبر يَوْم البيع فَلَا يعْتَبر تغير الْأَسْوَاق بعد ذَلِك، وَعَلِيهِ فَمَا وَقع فِي عصرنا هَذَا فِي شِرَاء الْغلَّة الصيفية وَكَذَلِكَ شراؤهم ورق التوت وَمن يَشْتَرِي ذَلِك الْغَالِب عَلَيْهِم أَنهم من أهل الْمعرفَة بأثمان ذَلِك، فَحصل كساد كَبِير أذهب رُؤُوس الْأَمْوَال لأربابها فَقَامُوا بذلك فأفتوا بِأَنَّهُم لَا قيام لَهُم لِأَنَّهُ لَيْسَ بجائحة، وَلِأَن الْغبن يعْتَبر فِيهِ وَقت العقد، وَلِأَن المُشْتَرِي لذَلِك من أهل الْمعرفَة اه. الثَّالِث: مَا تقدم من أَن النَّاظر يغرم هُوَ أحد قَوْلَيْنِ. قَالَ الْبُرْزُليّ عقب قَول ابْن رشد: وَالْوَصِيّ قد أَخطَأ على مَال الْأَيْتَام يَعْنِي حَيْثُ بَاعه بِغَبن مَا نَصه: يُرِيد بعد اجْتِهَاد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَيغرم من حصل تَحت يَده مَعَ الْفَوْت كَمَا إِذا أنْفق التَّرِكَة على الْأَيْتَام، ثمَّ ظهر دين وَيتَخَرَّج على مَا فِي كتاب ابْن الْمَوَّاز من كتاب الْوَصَايَا أَن الْوَصِيّ هُنَا يغرم وَلَا يغرم من حصل فِي يَده لِأَنَّهُ جعل الْوَصِيّ يغرم فِي الْخَطَأ وَهُوَ يجْرِي على الْخلاف فِي الْمُجْتَهد يخطىء هَل يُعَزّر بخطئه أم لَا اه. فَتَأَمّله مَعَ مَا تقدم عَن ابْن لب والمجاصي وَقَالَ (ز) فِي بَاب الْغَصْب: لَا شَيْء على مُجْتَهد أتلف شَيْئا بفتواه وَيضمن غَيره إِن انتصب وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَانْظُر الْقسم الثَّالِث من تبصرة ابْن فَرِحُونَ قَالَ فِيهِ مَا يُخَالِفهُ.
وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالأَحْكَامِ وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ (وَعند ذَا) أَي عِنْد اجْتِمَاع الشُّرُوط الْمَذْكُورَة (يفْسخ) البيع (بِالْأَحْكَامِ) وَظَاهره وَلَو تمم المُشْتَرِي الْقيمَة وَهُوَ كَذَلِك وَمحل فَسخه مَا لم يفت بيد مُشْتَرِيه بِشَيْء من مفوتات البيع الْفَاسِد، وإلاَّ فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِتمَام الْقيمَة كَمَا مرّ وَقَالَهُ ابْن رشد وَصرح بِهِ ابْن سَلمُون وَغَيره خلاف مَا يُوهِمهُ (ح) فِي آخر كَلَامه حَيْثُ قَالَ: وَأما الْقيام بِالْغبنِ يفوت بِالْبيعِ الخ. فَإِنَّهُ يجب تَأْوِيله بِأَن الْمَعْنى وَالْقِيَام بِفَسْخ البيع بِالْغبنِ يفوت بِالْبيعِ الخ. لَا الرُّجُوع بِتمَام الْقيمَة فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ، ثمَّ إِذا فسخ البيع حَيْثُ لم يفت فَلَا شُفْعَة لمن رجعت لَهُ حِصَّته فِيمَا بَاعَ شَرِيكه بعد الْغبن وَقبل نقضه وَلَا لشَرِيكه شُفْعَة أَيْضا فِيمَا رَجَعَ لمَالِكه قَالَه ابْن رشد، (ح) والبرزلي وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم. (وَلَيْسَ للعارف) بِقِيمَة الْمَبِيع (من قيام) بِالْغبنِ إِلَّا أَن يستأمنه ويسترسله فَلهُ الْقيام، وَلَو كَانَ عَارِفًا كَمَا مر، وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله: وَأَن يكون جَاهِلا بِمَا صنع.
(فصل فِي الشُّفْعَة)
بِضَم فَسُكُون من الشفع وَهُوَ ضد الْوتر لِأَن الْآخِذ بهَا يضم حِصَّة غَيره إِلَى حِصَّة نَفسه فَصَارَت شفعاً بعد أَن كَانَت وترا والشافع هُوَ الْجَاعِل الْوتر شفعاً، وَالشَّفِيع فعيل بِمَعْنى فَاعل. ابْن عَرَفَة: هِيَ اسْتِحْقَاق شريك أَخذ مَبِيع شَرِيكه بِثمنِهِ الخ. وَالْمرَاد بِالِاسْتِحْقَاقِ هُنَا ثُبُوت حَالَة للشَّرِيك اسْتحق بهَا الْأَخْذ بِسَبَب البيع لَا مَا ذكره هُوَ فِي حد الِاسْتِحْقَاق من قَوْله: رفع ملك شَيْء بِثُبُوت ملك قبله الخ. وَفِي الأَصُولِ شُفْعَةٌ مِمَّا شُرعْ فِي ذِي الشَّيَاعِ وَبِحَدَ تَمْتَنِعْ (وَفِي الْأُصُول) الأَرْض وَمَا اتَّصل بهَا من بِنَاء وَشَجر (شُفْعَة) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بِهِ (مِمَّا شرع) خبر (فِي ذِي الشياع) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْمعْنَى أَن الشُّفْعَة فِي الْأُصُول مَشْرُوعَة فِي ذِي
الشياع مِنْهَا حِين البيع لَا أَنَّهَا إِنَّمَا تجب للشَّرِيك بِجُزْء شَائِع لَا بأذرع مُعينَة أَو غير مُعينَة كَمَا فِي (ح) أَوَائِل الشُّفْعَة، وَمن ادّعى الشياع فَعَلَيهِ إثْبَاته ليشفع، وَإِنَّمَا تجب أَيْضا إِذا اسْتمرّ الشياع إِلَى حِين البيع كَمَا قَالَ:(وبحد تمْتَنع) أَي فَلَا شُفْعَة فِيمَا قسم وَضربت حُدُوده وصرفت طرقه كَمَا فِي الحَدِيث لِأَن كل وَاحِد صَار جاراً للْآخر، وَلَا شُفْعَة للْجَار كَمَا يَأْتِي. وَظَاهره أَن ذَا الشياع من الْأُصُول فِيهِ الشُّفْعَة كَانَ يقبل الْقِسْمَة أَو لَا يقبلهَا، لَكِن إِذا كَانَ يقبلهَا فَفِيهِ الشُّفْعَة بِاتِّفَاق، وَكَذَا إِن كَانَ لَا يقبلهَا فِي نَفسه إِلَّا بِفساد وَهُوَ تَابع لما يقبلهَا فَمحل اتِّفَاق أَيْضا كَمَا قَالَ: وَمِثْلُ بِئْرٍ وَكَفَحْلِ النَّخْلِ تَدْخُلُ فِيهَا تَبعَاً لِلأَصْلِ (وَمثل بِئْر وكفحل) أَي ذكار (النّخل) وأدخلت الْكَاف ساحة الدَّار وَطَرِيق الدَّار والبستان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ تَابع لما يقبلهَا (تدخل) الشُّفْعَة (فِيهَا) أَي الْمَذْكُورَات (تبعا للْأَصْل) الَّذِي يقبل الْقِسْمَة، فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه من الْبِئْر وَالْأَرْض الَّتِي تزرع عَلَيْهَا أَو من النخيل والفحل أَو من الساحة وَالدَّار أَو من الطَّرِيق والبستان، فَإِن للشَّرِيك الشُّفْعَة فِي التَّابِع والمتبوع اتِّفَاقًا. وَالمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ احْكُمْ وَوَحْدُهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمِ (وَالْمَاء) الْجَارِي كَالْعَيْنِ والساقية من النَّهر وَنَحْوهمَا حَال كَون ذَلِك المَاء (تَابع لَهَا) أَي لِلْأُصُولِ الَّتِي تسقى بِهِ وتزرع عَلَيْهِ (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك المَاء (احكم) بِالشُّفْعَة أَيْضا إِذا بيع مَعَ متبوعه لِأَن هَذَا التَّابِع الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ لَا يقبل الْقِسْمَة فِي نَفسه لكنه حكم لَهُ بِحكم متبوعه حَيْثُ بيع مَعَه اتِّفَاقًا (و) كَذَا يحكم لَهُ بِحكمِهِ اتِّفَاقًا أَيْضا إِذا بيع (وَحده أَن أرضه) وَنَحْوهَا من المتبوعات (لم تقسم) مَاء كَانَ ذَلِك التَّابِع الَّذِي لم يقسم متبوعه أَو بِئْرا أَو فحلاً أَو ساحة أَو طَرِيقا، فَإِن بيع التَّابِع بعد قسم متبوعه فَفِيهِ خلاف. اللَّخْمِيّ: فَإِن بَاعَ أَحدهمَا حَظه من الساحة
خَاصَّة بعد قسم الْبيُوت كَانَ لشَرِيكه أَن يرد بَيْعه إِذا بَقِي البَائِع يتَصَرَّف إِلَى الْبيُوت كَمَا كَانَ لِأَن ذَلِك ضَرَر، وَإِن كَانَ قد أسقط تصرفه من الساحة وَتصرف إِلَى بيوته من دَار أُخْرَى، فَإِن كَانَ بَيْعه من أهل الدَّار جَازَ ولبقية إشراكه الشُّفْعَة على أحد قَوْلَيْنِ فِي وجوب الشُّفْعَة فِيمَا لم يَنْقَسِم، وَإِن كَانَ بَيْعه من غير أهل الدَّار فَلهم الْأَخْذ بِالشُّفْعَة أَو فسخ بَيْعه اه. وَفِي الْمُوازِية إِن قسمت الشَّجَرَة فَلَا شُفْعَة فِي مَحل النّخل الْبَاقِي وَلَا فِي ذكار الشّجر، وَإِن كَانَت مشاعة فَفِي الْفَحْل والذكار الشُّفْعَة وَهُوَ كالبئر وَالْعين لَا شُفْعَة فيهمَا إِلَّا أَن تكون الأَرْض مشاعة اه. وَفِي الْمُوازِية إِنَّمَا هُوَ على أَنه لَا شُفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم الَّذِي صدر بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ مَا نَصه: إِن انقسم وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ وَإِلَى كَون الشُّفْعَة جَارِيَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم وَيدخل فِي ذَلِك جَمِيع التوابع الْمَذْكُورَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَالفُرْنُ وَالحَمَّامُ وَالرَّحى القَضَا بالأَخْذِ بالشُّفْعَةِ فِيهَا قَدْ مَضَى لِأَنَّهُ قَول مَالك وَأَشْهَب وَابْن الْمَاجشون وَمُقَابِله لِابْنِ الْقَاسِم وَأَنه لَا شُفْعَة وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا صدر بِهِ (خَ) . الْبَاجِيّ: الْخلاف فِي ذَلِك جَار على الِاخْتِلَاف فِي الشُّفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم كالنخلة والشجرة إِذْ لَا تقسم الْعين والبئر كَمَا لَا تقسم النَّخْلَة والشجرة، وَقَالَ الرجراجي: من هَذَا الْمَعْنى اخْتلَافهمْ فِي الْحمام وَالْبَيْت الصَّغِير والدكان فِي السُّوق مِمَّا لَا يَنْقَسِم إِلَّا على ضَرَر مثل الرَّحَى والشجرة الْوَاحِدَة والنخلة الْوَاحِدَة والماجل والبئر الْوَاحِدَة إِذا لم يكن مَعهَا أصل وَلَا أَرض، وَغير ذَلِك من الرباع وَالْأُصُول الَّتِي لَا تَنْقَسِم على قَوْلَيْنِ. وجوب الشُّفْعَة وسقوطها وَسبب الْخلاف اخْتلَافهمْ هَل شرعت الشُّفْعَة لرفع ضَرَر الْقِسْمَة أَو ضَرَر الشّركَة؟ فَمن قَالَ بِالثَّانِي قَالَ بِالشُّفْعَة، وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ لَا شُفْعَة اه. بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي الْكَافِي قَائِلا: وَالْأَشْهر عَن مَالك وجوب الشُّفْعَة فِي الْحمام، وَفِي كل مَا لَا يحمل الْقِسْمَة اه. وَإِذا تقرر هَذَا علمت أَنه لَا خُصُوصِيَّة للفرن وَالْحمام والرحى، بل الْمدَار على كَونه لَا يقبل الْقِسْمَة فَيدْخل فِي
ذَلِك جَمِيع التوابع الْمَذْكُورَة كَمَا مر، وَسَوَاء كَانَت الْبِئْر وَاحِدَة أَو مُتعَدِّدَة كَانَ لَهَا فنَاء أم لَا. قَالَ فِي الْعَمَل الْمُطلق: وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِي الْحمام وَنَحْوه نسب للْإِمَام قَالَ فِي الشَّرْح: وَقَوله وَنَحْوه يَعْنِي من الأرحية والآبار والعيون والشجرة الْوَاحِدَة وَشبه ذَلِك اه. وَكَأن النَّاظِم يَقُول: التَّابِع إِذا بيع مَعَ أَصله فَفِيهِ الشُّفْعَة، وَكَذَا إِذا بيع وَحده وَلم يقسم متبوعه فَإِن قسم فَفِيهِ خلاف، وَالَّذِي بِهِ الْقَضَاء فِيهِ وَفِي الفرن وَالْحمام والرحى وَمَا فِي مَعْنَاهَا وجوب الشُّفْعَة، وَهَذَا الْعَمَل هُوَ الَّذِي نبه عَلَيْهِ (خَ) بقوله: وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ الخ. وَفِي المعيار عَن العقباني مَا نَصه فِي مَسْأَلَة مَا لَا يقبل الْقِسْمَة اضْطِرَاب، وَمذهب الْمُدَوَّنَة ثُبُوت الشُّفْعَة وَالْعَمَل بِهِ أَكثر وَإِن كَانَ من الموثقين من أَشَارَ إِلَى أَن عمل أهل قرطبة على القَوْل الآخر، لَكِن النَّاس الْيَوْم على مَا ذكرت لَك أَولا اه. وَبِهَذَا كُله تعلم مَا فِي حَاشِيَة الرهوني من عدم الشُّفْعَة فِي الشَّجَرَة الْوَاحِدَة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ خلاف الْمَعْمُول بِهِ. تَنْبِيه: قَول النَّاظِم: والرحى يَعْنِي إِذا بَاعَ حَظه من الأَرْض وَالْحجر الْمَبْنِيّ فِيهَا، وَأما إِذا بيع الْحجر وَحده فَلَا شُفْعَة فِيهِ انْظُر الْمُتَيْطِيَّة وَالْعَمَل الْمُطلق. وَفِي الثِّمَارِ شُفْعَةٌ إنْ تَنْقَسِمْ وَذَا إنِ المَشْهُورُ فِي ذَاكَ الْتُزِمْ (وَفِي الثِّمَار) تبَاع مَعَ الْأُصُول مؤبرة يَوْم البيع أم لَا، مزهية أم لَا. (شُفْعَة) فِيهَا وَفِي أشجارها (إِن تَنْقَسِم) هِيَ أَي أشجارها أَي قبلت الْقِسْمَة (وَذَا) أَي اشْتِرَاط الْقسم فِي أشجارها (أَن الْمَشْهُور فِي ذَاك الْتزم) وَهُوَ مَا صدر بِهِ (خَ) فِي قَول: إِن انقسم الخ. وَيدل على أَن الضَّمِير فِي تَنْقَسِم رَاجع لأصول الثَّمَرَة قَوْله: إِن الْمَشْهُور الخ. وَقَوله بعد: وَمثله مُشْتَرك الخ. وَلِأَن الثِّمَار كلهَا قَابِلَة للْقِسْمَة فَلَا وَجه لاشْتِرَاط الانقسام فِيهَا، ثمَّ إِذا اشْتَرَاهَا مَعَ أُصُولهَا وَهِي لم تؤبر فَقَامَ الشَّفِيع قبل أبارها أَيْضا فيأخذها مَعَ الْأُصُول اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَأْخُذهَا مَعهَا إِن قَامَ بعد أبارها أَو زهوها على الْمَشْهُور، لَكِن بعد أَن يغرم السَّقْي والعلاج، وَإِن زَاد على قيمتهَا وَالْقَوْل لَهُ فِيمَا أنْفق وَإِنَّمَا يَأْخُذهَا من جِهَة الِاسْتِحْقَاق لَا من جِهَة الاستشفاع إِذْ الثَّمَرَة لم تقع لَهَا حِصَّة من الثّمن لِأَنَّهَا لم تكن مأبورة يَوْم البيع، وَمُقَابِله لأَشْهَب أَنَّهَا للْمُبْتَاع لِأَن الشُّفْعَة بيع جَدِيد، وَقد قَالَ عليه السلام:(من بَاعَ نخلا وفيهَا ثَمَرَة قد أبرت فثمرها للْبَائِع) اه. فَإِذا لم يقم الشَّفِيع فِي هَذِه الْحَالة حَتَّى فَاتَت باليبس فَلَا يحط للثمرة عَنهُ شَيْء من الثّمن لِأَنَّهَا يَوْم البيع لَا ثمن لَهَا.
ابْن رشد: المُرَاد باليبس حُصُول وَقت جذاذها للتيبيس إِن كَانَت مِمَّا ييبس أَو للْأَكْل أَخْضَر إِن كَانَت مِمَّا لَا ييبس إِذْ لَا تيبس الثَّمَرَة فِي أُصُولهَا، وَأما إِن اشْتَرَاهَا مَعَ أُصُولهَا وَهِي مأبورة أَو مزهية فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا بِالشُّفْعَة أَيْضا بعد أَن يغرم السَّقْي والعلاج مَا لم تفت باليبس فَإِن فَاتَت بِهِ فيحط عَن الشَّفِيع حصَّتهَا من الثّمن. وَمِثْلُهُ مشْتَرَكٌ مِع الثَّمَرْ لِلْيُبْس إنْ بَدْوِ الصَّلَاحِ قَدْ ظَهَرْ (وَمثله) أَي مثل مَا ذكر من بيع الشَّرِيك حِصَّته من الأَصْل وَالثَّمَرَة بيع (مُشْتَرك من الثَّمر) دون أَصْلهَا سَوَاء كَانَت الشّركَة بِسَبَب حبس أَو هبة أَو شِرَاء أَو مُسَاقَاة، فَإِن الشُّفْعَة ثَابِتَة للشَّرِيك الَّذِي لم يبع حِصَّته مِنْهَا وتنتهي شفعته (لليبس) فَإِن يَبِسَتْ فَلَا شُفْعَة فِيهَا. ابْن عَرَفَة ظَاهر الرِّوَايَات أَن المُرَاد بيبسها ارْتِفَاع مَنْفَعَتهَا ببقائها فِي أَصْلهَا لَا حُضُور وَقت قطافها اه. أَبُو الْحسن: كل مَا بيع من سَائِر الثِّمَار فَلَا شُفْعَة فِيهِ بعد يبسه كَمَا لَا جَائِحَة فِيهِ بعد ذَلِك بِحَيْثُ يجب وضع الْجَائِحَة تَحت الشُّفْعَة وَحَيْثُ لَا تُوضَع تسْقط الشُّفْعَة. قَالَ فِي كتاب الجوائح مِنْهَا لَو اشْترى ذَلِك حِين الزهو ثمَّ أجيح بعد إِمْكَان جذاذه ويبسه فَلَا جَائِحَة فِيهِ اه. وَالظَّاهِر أَنه لَا مُخَالفَة بَين مَا لِابْنِ عَرَفَة وَمَا مر عَن ابْن رشد، ثمَّ مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن شفعته تَنْتَهِي لليبس هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ الَّذِي صدر بِهِ (خَ) وَكَلَام ابْن سَلمُون وَغَيره يُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَوَقع فِيهَا أَيْضا أَن لَهُ أَخذهَا مَا لم تجذ وَهل خلاف؟ تَأْوِيلَانِ. وَقَوله:(إِن بَدو الصّلاح) فِيهِ (قد ظهر) شَرط فِي جَوَاز بيع الثَّمَرَة حَتَّى ترَتّب عَلَيْهِ الشُّفْعَة وإلاَّ فَهُوَ بيع فَاسد لَا شُفْعَة فِيهِ إِلَّا بعد فَوَاته بِقِيمَتِه، وَيدخل فِي الثِّمَار المقاثي كَمَا يَأْتِي لَهُ التَّنْصِيص عَلَيْهِ والباذنجان والقرع وَالزَّيْتُون والقطن وورق التوت، وَنَحْو ذَلِك من كل أصل مَا لَهُ تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله فَيخرج الزَّرْع إِلَّا الفول الَّذِي يُبَاع أَخْضَر، فَإِن فِيهِ الشُّفْعَة والجائحة كَمَا لأبي الْحسن. قلت: وَعمل فاس على عدم الشُّفْعَة فِيهِ قَالَ ناظمه: وورق التوت بِهِ الشُّفْعَة لَا فِي الفول الْأَخْضَر على مَا فصلا تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: كَانَ ابْن مغيث لَا يرى الشُّفْعَة فِي القليب، وَكَانَ أَبُو الْمطرف يُفْتِي بِوُجُوب الشُّفْعَة فِيهِ، وَأفْتى بِهِ بعض أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ مِمَّا يثبت بِالْأَرْضِ بالثمرة اه.
وَمرَاده بالقليب الأَرْض المقلوبة بِدَلِيل تشبيهه لَهُ بالثمرة. الثَّانِي: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل بفاس ونواحيها أَن الشُّفْعَة فِي الثِّمَار الخريفية وَلَو لبيعها دون الصيفية فَلَا شُفْعَة فِيهَا وَلَو ليأكلها. قَالَ ناظم الْعَمَل: وشفعة الخريف لَا المصيف كَذَا التَّصَدُّق على الشريف أَي: كَمَا جرى الْعَمَل بِجَوَاز الصَّدَقَة على الشريف، وَإِن كَانَ الْمَشْهُور أَنَّهَا تحرم عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَحُرْمَة الصدقتين عَلَيْهِ وعَلى آله الخ. وَلَمْ تُبِحْ لِلْجَارِ عِنْدَ الأَكْثَرِ وَفِي طَرِيقٍ مُنِعَت وَأَنْدَرِ (وَلم تبح) الشُّفْعَة (للْجَار عِنْد الْأَكْثَر) من الْعلمَاء كمالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا محتجين بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدّم، وَهُوَ فِي البُخَارِيّ وَمُسلم: الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة، وَمُقَابل الْأَكْثَر لأبي حنيفَة قَالَ: يقدم الشَّرِيك فِي الْمنزل ثمَّ الشَّرِيك فِي الطَّرِيق ثمَّ الْجَار، وَاحْتج بِحَدِيث:(الْجَار أَحَق بصقبه) . والصقب الْقَرِيب، وَبِحَدِيث (الْجَار أَحَق بشفعة جَاره) . وَأجَاب الْأَكْثَر عَن الْحَدِيثين بِأَنَّهُ لم يبين الأحقية فِيمَا ذَا هِيَ، فَيحْتَمل أَنه يُرِيد أَن يعرض ملكه عَلَيْهِ إِذا أَرَادَ بَيْعه لحَدِيث مُسلم:(لَا يحل لِشَرِيك أَن يَبِيع حَتَّى يُؤذن شَرِيكه) الخ. وَإِذا وقف على ثمن فَهُوَ أَحَق بِهِ أَي قبل أَن ينفذ البيع، فَإِذا نفذ البيع فَلَا شَيْء لَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا، وَمَا احْتمل سقط بِهِ الِاسْتِدْلَال وَلِأَن ذَلِك كَمَا قَالَ ابْن شعْبَان: يُؤَدِّي إِلَى أَن تصير الشُّفْعَة بَين أهل الْمَدِينَة كلهَا لِأَن هَذَا لصيق وَالْآخر لصيق لمن يَلِيهِ، وكل جِدَار رجل يتَّصل بجدار الآخر، وَهَذَا لَا يَقُوله الْمُخَالف فبطلت حجَّته قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. بل تقدم أول الْكتاب عَن الْقَرَافِيّ أَن حكم الْعدْل الْعَالم بِالشُّفْعَة للْجَار ينْقض لضعف مدرك القَوْل بهَا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: إِنَّه من الْخَطَأ الْبَين الَّذِي ينْقض بِهِ حكم الْحَاكِم. (وَفِي طَرِيق) يمر عَلَيْهَا الشُّرَكَاء بَاعَ أحدهم جَمِيع دَاره ونصيبه فِي الطَّرِيق (منعت) لِأَن الطَّرِيق تبع للدَّار وَلَا شُفْعَة لَهُ فِي الْمَتْبُوع لكَونه من الشُّفْعَة للْجَار، فَكَذَلِك تَابِعَة، وَكَذَا لَو بَاعَ نصِيبه فِي الطَّرِيق فَقَط وَصَارَ ينْصَرف لداره من مَحل آخر كَمَا تقدم عَن اللَّخْمِيّ فِي الساحة عِنْد قَوْله: إِن أرضه لم تقسم. (و) منعت أَيْضا فِي (أندر) بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال الْمُهْملَة مَوضِع تيبيس الثَّمر وَالزَّرْع يكون مُشْتَركا بَين أَرْبَاب الدّور، فيبيع أحدهم دَاره مَعَ حَظه فِي الأندر، وَهَذَا قَول سَحْنُون قَائِلا لِأَنَّهُ كالفناء للدَّار فَحكمه كالطريق، وَقَالَ ابْن وهب وَأَشْهَب: فِيهِ الشُّفْعَة وَبِه صدر فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمَا ذكره النَّاظِم فِي الطَّرِيق والأندر دَاخل فِي قَوْله: وَمثل بير وكفحل النّخل الخ كَمَا مرّ. وَقد تقدم أَن الْعَمَل على وجوب الشُّفْعَة فِي تِلْكَ التوابع، وَقد تقدم كَلَام اللَّخْمِيّ فِي الطَّرِيق والساحة وَعَلِيهِ الْمعول.
تَنْبِيه: الْحَائِط الَّذِي يكون بَين دارين لِرجلَيْنِ والحائط وَحده مُشْتَرك بَينهمَا فَبَاعَ دَاره مَعَ حَظه فِي الْحَائِط، فَإِن فِيهِ الشُّفْعَة على الْمَذْهَب فتقوم الدَّار بِغَيْر نصف الْحَائِط، وَتقوم أَيْضا بِهِ فَمَا نَاب نصف الْحَائِط استشفع بِهِ، وَقَالَ ابْن نَافِع: لَا شُفْعَة فِيهِ وَعَلِيهِ عول ناظم عمل فاس إِذْ قَالَ: وكالطريق الْحَائِط الْمُشْتَرك مَا بَين دارين الشَّفِيع يتْرك قَالَ فِي شَرحه عَن شَيْخه ابْن سَوْدَة: وَإِذا كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة فعلى مَا يحمل المُشْتَرِي خشبه وَغَيرهَا، وَمَا نَقله (ق) عَن نَوَازِل الشّعبِيّ من أَن الدَّار تقوم بِغَيْر نصف الْحَائِط لَعَلَّه خلاف الْمَذْهَب، وَلم أر من حكم بِهِ قَدِيما وَلَا حَدِيثا اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَالنَّاس الْيَوْم على مَا قَالَه ابْن سَوْدَة فَلم أر من يطْلب الشُّفْعَة فِيهِ وَإِن كَانَ الْمَذْهَب هُوَ وُجُوبهَا لَهُ إِن طلبَهَا، ولعلهم لم يمكنوا مِنْهَا فتركوا طلبَهَا لذَلِك. وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْبِيرِ وجُمْلَةِ العُرُوضِ فِي المَشْهُورِ (و) منعت أَيْضا فِي (الْحَيَوَان كُله) عَاقل أَو غَيره إِلَّا أَن يكون تَابعا لما فِيهِ الشُّفْعَة كَمَا لَو كَانَ يعْمل عَلَيْهِ فِي كحائط وَبَاعَ حَظه فِي الْحَائِط وَالْحَيَوَان فَفِيهِ الشُّفْعَة حِينَئِذٍ، فَإِن بَاعَ حَظه من الْحَيَوَان فَقَط دون الْحَائِط فَلَا شُفْعَة (و) منعت أَيْضا فِي (البير) بعد قسم أرْضهَا، وَظَاهره اتّحدت الْبِئْر أَو تعدّدت كَانَ لَهَا فنَاء أم لَا. وَهُوَ أحد تأويلين. والتأويل الآخر أَن مَحل عدم الشُّفْعَة إِن اتّحدت وَلم يكن لَهَا فنَاء وإلاَّ فَفِيهَا الشُّفْعَة، وَمَا ذكره من عدم الشُّفْعَة فِيهَا جَار على القَوْل بِأَن الشُّفْعَة خَاصَّة بِمَا يقبل الْقِسْمَة، وَتقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه (و) منعت أَيْضا فِي (جملَة الْعرُوض) كالثياب وَالسِّلَاح وَغَيرهمَا (فِي الْمَشْهُور) وَمُقَابِله حَكَاهُ الاسفرايني عَن مَالك، وَمحل الْمَشْهُور إِذا لم يطلع الشَّرِيك على الثّمن الَّذِي وقف بِهِ الْعرُوض إِلَّا بعد انبرام البيع، وَأما قبل انبرامه فالشريك أَحَق بِالثّمن الَّذِي وقف عَلَيْهِ جبرا على صَاحبه رفعا لضرره، وَلَيْسَ هَذَا شُفْعَة لِأَنَّهَا أَخذ من يَد المُشْتَرِي، وَهَذَا أَخذ من يَد البَائِع، وَنَحْو هَذَا قَول ابْن عَرَفَة: كل مُشْتَرك لَا شُفْعَة فِيهِ فَبَاعَ بعض الشُّرَكَاء نصِيبه مِنْهُ فَلِمَنْ بَقِي أَخذه بِالثّمن الَّذِي يعْطى فِيهِ مَا لم ينفذ البيع اه. وَقَوْلنَا جبرا يَعْنِي وَكَانَ مُرِيد البيع أَرَادَ أَن يمْضِي البيع بذلك الثّمن، فَحِينَئِذٍ يقْضِي بِهِ لشَرِيكه جبرا، وَمحله أَيْضا مَا لم يكن مُرِيد البيع بَاعَ صَفْقَة حَيْثُ يجوز لَهُ ذَلِك، وإلاَّ فللآخر الضَّم وَلَو نفذ البيع انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْقِسْمَة عِنْد قَوْله: وَمن ادّعى لبيع مَا لَا يَنْقَسِم. وَفِي الزُّرُوعِ وَالبُقُولِ وَالخُضَرْ وَفِي مُغَيّبٍ فِي الأرْضِ كالجَزَرْ
(و) منعت أَيْضا (فِي الزروع) بَاعَ حِصَّته مِنْهُ وَلَو بأرضه وَالشُّفْعَة فِي الأَرْض فَقَط بِمَا ينوبها من الثّمن، سَوَاء بيع بعد يبسه أَو وَهُوَ أَخْضَر أَو قبل نَبَاته. انْظُر تَفْصِيل الْمَسْأَلَة فِي الشَّامِل وَشَرحه. (و) منعت أَيْضا فِي (الْبُقُول) وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض دون الدَّاخِل فِيهَا كالكرنب والخس والهندبا وَنَحْو ذَلِك. (وَالْخضر) لَعَلَّه عطف تَفْسِير على الْبُقُول (و) منعت أَيْضا (فِي) كل (مغيب) الأَصْل وَهُوَ مَا كَانَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم مِنْهُ دَاخل (فِي الأَرْض ك) البصل والفجل و (الجزر) واللفت فَإِن كَانَ تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله كالقرع والقثاء فَهُوَ قسم ثَالِث سَيَأْتِي. وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَه وَشِبْهِهَا وَفِي البيوعُ الفاسِدَه (و) منعت أَيْضا فِي (نَخْلَة حَيْثُ تكون وَاحِدَة وَشبههَا) أَي شبه النَّخْلَة كالزيتونة الْوَاحِدَة، وَهَذَا على أَن الشُّفْعَة لَا تجب إِلَّا فِيمَا لَا يَنْقَسِم، وَتقدم أَن الْمَعْمُول بِهِ وَهُوَ قَول مَالك خِلَافه. (و) منعت أَيْضا (فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة) لِأَنَّهَا مفسوخة شرعا فَإِن أَخذ الشَّفِيع قبل علمه بفساده فسخ بيع الشُّفْعَة وَالْبيع الأول إِلَّا أَن يفوت عِنْد الشَّفِيع، فَيكون عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته يَوْم قَبضه هُوَ أَو الْقيمَة الَّتِي وَجَبت على المُشْتَرِي كَمَا فِي الرجراجي وَمحل سُقُوط الشُّفْعَة فِيهَا. مَا لَمْ تُصَحَّحْ فَبقِيمَةٌ تَجِبْ كَذَاك ذُو التَّعْوِيضِ ذَا فِيهِ يَجِبْ (مَا لم تصحح) تِلْكَ الْبيُوع الْفَاسِدَة بِفَوَات الْمَبِيع بيد المُشْتَرِي، فَإِن فَاتَت بِيَدِهِ فإمَّا بِغَيْر البيع كالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس لَا بحوالة سوق لِأَنَّهَا لَا تفيت الْعقار (ف) الشُّفْعَة حِينَئِذٍ (بِقِيمَة تجب) لِأَنَّهَا الَّتِي تلْزم المُشْتَرِي وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم الْقَبْض، وَإِن كَانَ الْفَوات بِالْبيعِ فإمَّا بِبيع فَاسد أَو صَحِيح، فَإِن كَانَ الثَّانِي وَلَكِن قصد بِهِ الإفاتة فَالْبيع الأول وَالثَّانِي كِلَاهُمَا مَرْدُود، وَإِن لم يقْصد بِهِ الإفاتة فَللشَّفِيع الْأَخْذ بِالثّمن فِيهِ إِن قَامَ قبل دفع المُشْتَرِي الْقيمَة للْبَائِع والأخير بَين الْأَخْذ بهَا أَو بِثمن البيع الصَّحِيح، وَإِن كَانَ الأول وَلم يفت عِنْد الثَّانِي فَإِنَّهُمَا يتفاسخان وَلَا شُفْعَة، وَإِن فَاتَ عِنْد الثَّانِي فَلهُ الْأَخْذ من أَيهمَا شَاءَ بِالْقيمَةِ الَّتِي لَزِمته بعد علمهما بهَا، فَإِن أَخذ قبل علمهما بهَا فَذَلِك بَاطِل، وَهَذَا كُله فِي الْمُتَّفق على فَسَاده، وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فَإِن لم يفت فسخ، وَإِن فَاتَ فَالشُّفْعَة فِيهِ بِالثّمن. تَنْبِيهَانِ. الأول: بيع الثنيا من البيع الْفَاسِد حَيْثُ اشْترطت فِي العقد فَيجْرِي على مَا تقدم، فَإِن تطوع بهَا بعد العقد كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة بِالثّمن وَتقدم أَنَّهَا مَحْمُولَة على الشَّرْط، وَإِن كتبت طَوْعًا
على الْمُعْتَمد وَهَذَا كُله إِذا قُلْنَا إِنَّهَا بيع، وَأما إِن قُلْنَا إِنَّهَا رهن وَهُوَ عرف النَّاس الْيَوْم فَلَا شُفْعَة أصلا انْظُر مَا تقدم. الثَّانِي: إِن أحدث المُشْتَرِي فِي الدَّار بِنَاء والموضوع بِحَالهِ من فَسَاد البيع لم يَأْخُذ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة حَتَّى يدْفع إِلَى المُشْتَرِي قيمَة مَا أنْفق مَعَ الْقيمَة الَّتِي وَجَبت للْبَائِع على المُشْتَرِي، وَإِن كَانَت الدَّار قد انْهَدَمت لم يوضع عَن الشَّفِيع للهدم شَيْء من الثّمن بل يَأْخُذهَا بِجَمِيعِ الثّمن أَو يتْرك، وَكَذَا إِن كَانَ البيع صَحِيحا وَلم يقم الشَّفِيع لعدم علمه بِالْبيعِ وَنَحْو ذَلِك حَتَّى بنى المُشْتَرِي أَو غرس، فَإِنَّهُ لَا يُمكن من الشُّفْعَة حَتَّى يدْفع جَمِيع الثّمن وَقِيمَة الْبناء وَالْغَرْس قَائِما، وَيسْقط عَنهُ من الثّمن قيمَة النَّقْض إِن أَعَادَهُ المُشْتَرِي فِي الْبناء، فَإِن لم يعده فِيهِ فَللشَّفِيع أَخذه وَيدْفَع جَمِيع الثّمن كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَإِن هدم وَبنى فَلهُ قِيمَته قَائِما وللشفيع النَّقْض الخ. (كَذَاك) الشّقص (ذُو التعويض ذَا) أَي الشُّفْعَة بِالْقيمَةِ (فِيهِ تجب) . وَالْمرَاد قيمَة مَا دفع فِي الشّقص لَا قيمَة الشّقص الْمَشْفُوع، فَإِذا عوضه عَن نصف دَار مثلا عرضا أَو حَيَوَانا أَو نصف حَائِط أَو دَار أُخْرَى وَهِي المناقلة، فللشريك فِي الدَّار أَن يشفع بِقِيمَة الْعرض أَو الْحَيَوَان وَنصف الْحَائِط وَنصف الدَّار الْأُخْرَى لَا بِقِيمَة نصف الدَّار الْمَشْفُوع إِلَّا أَن يكون نصف الدَّار وَقع خلعاً أَو صلحا عَن عمد، وَنَحْوهمَا من الْمسَائِل السَّبع الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: إِلَّا نِكَاحا وخلعة وَصلح عمد ومقاطعاً عَن عبد أَو مكَاتب أَو عمرى الخ. فَالشُّفْعَة فِي ذَلِك بِقِيمَة الشّقص الْمَشْفُوع وَتعْتَبر قِيمَته يَوْم عقد الْخلْع وَالنِّكَاح وَيَوْم عقد بقيتها لَا يَوْم قيام الشَّفِيع وَأما الْمَدْفُوع فِي صلح الْخَطَأ فَالشُّفْعَة فِيهِ بدية الْخَطَأ على تنجيمها، وَمَا تقدم من أَن المناقلة فِيهَا الشُّفْعَة مُطلقًا هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ المتيطي: وَإِن كَانَت الدّور أَو الْحَائِط بَين شُرَكَاء فناقل أحدهم بعض إشراكه بِأَن جعل لَهُم حَظه من هَذِه الدَّار. وَهَذَا الْحَائِط فِي الدَّار الْأُخْرَى أَو الْحَائِط الآخر فَلَا شُفْعَة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لم يرد البيع، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّوَسُّع فِي حَظه وَجمعه للِانْتِفَاع، روى ذَلِك مطرف وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك. وبهذه الرِّوَايَة الْقَضَاء وَعَلَيْهَا الْعَمَل، وَكَانَ ابْن الْقَاسِم يَقُول: إِن مَالِكًا رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ فِيهِ الشُّفْعَة، وَأما إِن ناقل نصِيبه من هَذِه الدَّار الْمُشْتَركَة أَو الأَرْض الموصوفة إِلَى دَار أُخْرَى لَا شركَة لَهُ فِيهَا فَفِيهَا الشُّفْعَة، سَوَاء ناقل بعض أشراكه أَو أَجْنَبِيّا اه. بِلَفْظ النِّهَايَة. وَنَحْوه فِي الدّرّ النثير وَالْعَمَل الْمُطلق، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده كَمَا يدل لَهُ كَلَام ابْن نَاجِي وَغَيره. وَالخَلْفُ فِي صنف المقاثي اشْتَهَرْ وَالأَخْذُ بالشُّفْعَةِ فِيهِ مُعْتَبَرْ (وَالْخلف) فِي وجوب الشُّفْعَة وَعدم وُجُوبهَا (فِي صنف المقاثي) بِالْهَمْز على الأَصْل جمع مقثأة كالفقوس والبطيخ والباذنجان (اشْتهر) هُوَ أَي الْخلف بِمَعْنى الْخلاف (وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِيهِ
الْمُعْتَبر) لِأَنَّهُ الرَّاجِح وَالْمَشْهُور لِأَنَّهَا من الثِّمَار كَمَا مر (خَ) وكثمرة ومقاثي وباذنجان الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يسْقط الشُّفْعَة بعد وُجُوبهَا فَقَالَ: وَالَّترْكُ لِلقِيَامِ فَوْقَ العَامِ يُسْقِطُ حَقَّهُ مَعَ المُقَامِ (وَالتّرْك للْقِيَام) بِالشُّفْعَة والسقوط عَن طلبَهَا (فَوق الْعَام) من يَوْم الْعلم بِالْبيعِ لَا من وَقت عقد البيع (يسْقط حَقه) فِي الْأَخْذ بهَا (مَعَ الْمقَام) أَي مَعَ حُضُوره بِالْبَلَدِ وَعلمه بِالْبيعِ وَهُوَ بَالغ رشيد لَا مَانع يمنعهُ من مرض وَخَوف وَنَحْوهمَا، وَظَاهره أَنَّهَا لَا تسْقط إِلَّا بِمَا زَاد على الْعَام وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: إِن مَا قَارب السّنة كالشهرين وَالثَّلَاثَة لَهُ حكمهَا اه. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة والجزيري: أَن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل، وَمذهب الرسَالَة أَنَّهَا تَنْقَطِع بِمُجَرَّد مُضِيّ الْعَام، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك وَبَالغ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ: إِذا غربت الشَّمْس من آخر أَيَّام السّنة فَلَا شُفْعَة. قَالَ أَبُو الْحسن، حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير: وَعَلِيهِ الْعَمَل عِنْد الْقُضَاة وَنَحْوه فِي وثائق الفشتالي ومجلس المكناسي والمعيار وَغَيرهم، فَتبين بِهَذَا أَنه عمل بِكُل من الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الثَّانِي فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ وَيُمكن تمشية النَّاظِم عَلَيْهِ بِأَن يُرَاد بالفوقية أول جُزْء مِنْهَا. وَسَيَأْتِي أَن سكُوت الْوَلِيّ من أَب أَو وَصِيّ عَن الْأَخْذ بِالشُّفْعَة للمحجور هَذِه الْمدَّة مسْقط لشفعة الْمَحْجُور، وَمَفْهُوم قَوْله فَوق الْعَام أَنه إِذا قَامَ قبل الْعَام فَإِنَّهَا لَا تسْقط وَهُوَ كَذَلِك، لكنه يحلف إِذا بعد مَا بَين الْعلم وقيامه كالسبعة الْأَشْهر وَنَحْوهَا وَاشْتِرَاط مُضِيّ الْعَام إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يبين المُشْتَرِي أَو يغْرس، وإلاَّ فَتسقط شفعته وَلَا ينْتَظر مُضِيّ الْعَام قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ثمَّ صرح بِمَفْهُوم قَوْله مَعَ الْمقَام فَقَالَ: وغائبٌ باقٍ عَلَيْها وَكذَا ذُو العُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذَا (وغائب) عَن الْبَلَد وَقت البيع أَو بعد البيع وَقبل علمه بِهِ (بَاقٍ عَلَيْهَا) أَي على شفعته مَا لم يمض الْعَام من وَقت علمه بعد حُضُوره فَإِن شفعته تسْقط حَيْثُ لَا مَانع يمنعهُ وَظَاهره وَلَو قربت غيبته وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَيْضا قَالَ فِيهَا: وَالْغَائِب على شفعته وَإِن طَالَتْ غيبته وَهُوَ عَالم بِالشِّرَاءِ، وَإِن لم يعلم فَهُوَ أَحْرَى. ابْن يُونُس، وَقَالَ أَشهب: إِلَّا أَن تكون غيبَة الشافع قريبَة لَا مُؤنَة عَلَيْهِ فِي الشخوص وَطَالَ زَمَانه بعد علمه بِوُجُوب الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة لَهُ، وَظَاهر أبي الْحسن وَابْن عَرَفَة وَغَيرهمَا: أَن قَول أَشهب تَقْيِيد، وَصرح بذلك ابْن نَاجِي فَقَالَ على قَوْلهَا وَالْغَائِب على شفعته الخ. مَا نَصه: يُرِيد إِن كَانَت الْغَيْبَة بعيدَة وَأما الْقَرِيبَة فَلَا مُؤنَة فِي الشخوص على الشَّفِيع فِيهَا فَهُوَ كالحاضر لنَصّ أَشهب بذلك اه. فَتبين أَن قَول أَشهب تَقْيِيد للْمَذْهَب فَيجب التعويل عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوَافق لقَولهم فِي بَاب الْقَضَاء والقريب كالحاضر، وَهَذَا
كُله فِي غير الضَّعِيف من الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَأما الضَّعِيف مِنْهُمَا فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة عَن ابْن مزين أَن الرجل الضَّعِيف وَالْمَرْأَة الضعيفة يغيبان على نَحْو الْبَرِيد لَا تسْقط شفعتهما وَينظر السُّلْطَان فِي ذَلِك، وَفِي الطرر وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون: الْمَرْأَة لَا تَنْقَطِع شفعتها إِن كَانَت على مَسَافَة يَوْم وَسلمهُ ابْن عَرَفَة وَغَيره، ثمَّ قَالَ فِي الطرر: وَالرجل على ثَلَاثَة أَيَّام فَأكْثر لَا تَنْقَطِع شفعته، وَأما الْيَوْم واليومان فَهُوَ كالحاضر اه. وَنَحْوه فِي العبدوسي قَائِلا: لَا إِشْكَال أَن ثَلَاثَة أَيَّام مسافتها بعيدَة، وَإِنَّمَا النّظر فِي الْيَوْمَيْنِ اه. وَقَوْلِي: أَو بعد البيع وَقبل علمه بِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا غَابَ بعد علمه بِهِ فَإِنَّهَا تسْقط شفعته بِمُضِيِّ الْعَام (خَ) : كَأَن علم فَغَاب إِلَّا أَن يظنّ الأوبة قبلهَا فعيق عَن الْقدوم بفتنة أَو مرض، فَإِنَّهَا لَا تسْقط وَلَو مضى الْعَام، وَهَذَا كُله إِذا غَابَ الشَّفِيع، وَأما إِذا غَابَ المُشْتَرِي فَللشَّفِيع أَن يرفع إِلَى القَاضِي وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة بعد إِثْبَات الموجبات كَمَا تقدم فِي الْقَضَاء على الْغَائِب قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، لَكِن قَالَ ابْن يُونُس، عَن ابْن الْمَوَّاز: لاستثقال النَّاس الرّفْع إِلَى الْقُضَاة كَانَت غيبَة المُشْتَرِي عذرا. ابْن عَرَفَة: وَهَذَا يحسن فِيمَن يعلم مِنْهُ ذَلِك فَأَما من يعلم مِنْهُ الطّلب وَالدُّخُول إِلَى الْقُضَاة فَلَا شُفْعَة لَهُ اه. وَقَيده ابْن عَرَفَة أَيْضا بِغَيْر قريب الْغَيْبَة، وَأما هُوَ فكالحاضر. وَفِي المعيار: إِذا غَابَ المُشْتَرِي فَإِن الشَّفِيع يشْهد على نَفسه أَنه شفع وَأَن الثّمن بَاقٍ عَلَيْهِ، فَإِذا قدم دفع إِلَيْهِ الثّمن، فَإِن غفل عَن هَذَا الْإِشْهَاد وطالت غيبَة المُشْتَرِي أَكثر من عَام سَقَطت شفعته، وَفِيه أَيْضا قبل هَذَا بِنَحْوِ ثَلَاث وَرَقَات أَنه لَا يلْزمه أَن يرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم لِأَنَّهُ يكلفه إِثْبَات الموجبات وَرُبمَا عسرت عَلَيْهِ اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْإِشْهَاد وَاجِب على الشَّفِيع عِنْد غيبَة المُشْتَرِي وَإِلَّا سَقَطت، فَتَأَمّله مَعَ مَا قبله. وَأما غيبَة الْعقار الْمَشْفُوع مَعَ حُضُور الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فَلَيْسَتْ عذرا قَاطعا (وَكَذَا) الشَّفِيع (ذُو الْعذر) لَا يسْقط حَقه فِيهَا حَيْثُ (لم يجد إِلَيْهَا منفذا) بِسَبَب الْعذر من سطوة أَو فتْنَة أَو حجر، وَأثبت ذَلِك بِمُوجبِه ابْن يُونُس قَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: وَالْمَرِيض الْحَاضِر وَالصَّغِير وَالْبكْر كالغائب، وَلَهُم بعد زَوَال ذَلِك الْعذر مثل مَا للحاضر كَانُوا عَالمين بِالشُّفْعَة أم لَا. وَقَالَ أصبغ: الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ لقدرته على التَّوْكِيل إِلَّا أَن يشْهد فِي مَرضه قبل مُضِيّ وَقت الشُّفْعَة أَنه على شفعته، وَأَنه ترك التَّوْكِيل عَجزا عَنهُ وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُ. ابْن حبيب: وَالْأول أحب إِلَيْنَا. العبدوسي: الْمَشْهُور أَن الْمَرِيض يعْذر خلاف مَا قَالَه أصبغ. وَفِي
أَن الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ وَقيل كالغائب، وَفِي الأَجْهُورِيّ أَن كَونه كَالصَّحِيحِ هُوَ الرَّاجِح اه. . قلت: الظَّاهِر مَا للعبدوسي من أَنه يعْذر، وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم من أَن استثقال النَّاس الرّفْع للقضاة يعد عذرا فَلم يَقُولُوا إِن المستثقل للرفع يُوكل لِأَن إدلاءه لحجج نَفسه أقوى من إدلاء غَيره، وَلِأَنَّهُ لَا يجد فِي الْغَالِب ناصحاً لَهُ، وَقد علم مَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم من قبُول الرشا وَفِي وكالات المعيار مَا يشْهد لذَلِك وَالله أعلم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَأما الْغَالِب وَالصَّغِير المهمل وَالسَّفِيه الَّذِي مَاتَ وليه واليتيم وَالْبكْر فَلَا تَنْقَطِع شفعتهم إِلَّا بعد عَام من قدوم الْغَائِب وبلوغ الْيَتِيم وَالْبكْر وترشيد السَّفِيه وَنِكَاح الْبكر ورشدها. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل اه. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قَامَ الْحَاضِر بعد مُضِيّ السّنة وَأنكر علمه بِالْبيعِ فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ وَلَو قَامَ بعد مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر (خَ) : وَصدق إِن أنكر علمه الخ. أَي أنكر علمه بِالْبيعِ أَو بِأَن الشّقص ملكه، وَهَذَا إِذا كَانَ البَائِع يَلِي النّظر مَعَ الشَّفِيع وَأما إِذا كَانَ المُشْتَرِي يَلِي النّظر مَعَه فَلَا يقبل قَوْله إِنَّه لم يعلم لِأَن شَاهد الْحَال يكذبهُ إِذْ لَا يكَاد يخفى عَلَيْهِ بِأَيّ وَجه يَلِي النّظر مَعَه قَالَ الْبُرْزُليّ على الطرر، وَقَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا قَالَ: وَقد قَالَ فضل فِي وثائقه: إِذا كَانَ الشَّفِيع يرى المُشْتَرِي يحرث الأَرْض ويعملها بِحَيْثُ لَا يخفى على مثله فَلَا كَلَام لَهُ إِذا طَال ذَلِك انْتهى بِاخْتِصَار نَقله ابْن رحال وَغَيره مُسلما، فَيجب اعْتِمَاده، وَإِن كَانَ الزياتي نقل فِي نوازله عَن ابْن خجوا أَن مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة لَا يُفْتى بِهِ فِي بلدنا، لكنه لَا يَنْبَغِي أَن يعول عَلَيْهِ وَالله أعلم. الثَّانِي: إِذا قَالَ الْمُبْتَاع: نسيت الثّمن فَإِن مضى من طول الْمدَّة مَا يندرس فِيهِ الْعلم وَتَمُوت الْبَيِّنَة فَالشُّفْعَة سَاقِطَة، وَلَو كَانَ الشَّفِيع صَغِيرا أَو غَائِبا بعد أَن يحلف أَنه نَسيَه وَأَنه مَا يعلم قدره، وَأما فِي قرب الأمد مِمَّا يرى أَن الْمُبْتَاع أخْفى الثّمن ليقطع الشُّفْعَة فَإِن الشَّفِيع يشفع بِقِيمَة الشّقص يَوْم البيع نَقله (ح) وَنَحْوه فِي الشَّامِل. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَو جهل ثمن الشّقص فَإِن كَانَ لطول الزَّمَان سَقَطت الشُّفْعَة وَإِن كَانَت الْمدَّة قريبَة فَللشَّفِيع أَخذ الشّقص بِقِيمَتِه هَذَا قَوْله فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ تَحْصِيل مَذْهَب مَالك وَعَلِيهِ الْعَمَل اه. وَنَقله فِي الدّرّ النثير وَالْعَمَل الْمُطلق. الثَّالِث: لَا شُفْعَة فِي التمخي قَالَ ابْن الْقَاسِم فِيمَن تصدق بحظه على أُخْت لَهُ وَقَالَ: كنت أخذت من موروثها مَالا وَلَا يعلم قدر مَا أَخذ من مَالهَا مَا نَصه: ذَلِك الْحَظ لَهَا وَلَا أرى لأحد فِيهِ الشُّفْعَة لِأَن مَالِكًا قَالَ: لنا مَا طَال من الشُّفْعَة حَتَّى نسي ثمنه وَلم ير أَن صَاحبه أخْفى ذَلِك لقطع الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة فِيهِ إِذا أَتَى من يَطْلُبهُ اه. بِاخْتِصَار. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من ادّعى حَقًا فِي دَار بيد رجل فَصَالحه مِنْهُ فَإِن جهلاه جَمِيعًا جَازَ ذَلِك وَلَا شُفْعَة فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وَإِن ادَّعَت سدس دَار بيد رجل فَأنْكر فصالحك مِنْهُ على شقص دَفعه إِلَيْك من دَار أُخْرَى، فَالشُّفْعَة فِي الشّقص الَّذِي لَا دَعْوَى فِيهِ بِقِيمَة الْمُدعى فِيهِ لِأَن قابضه مقرّ أَنه اشْتَرَاهُ وَدفع فِي ثمنه السُّدس وَلَا شُفْعَة فِي الشّقص الْمُدعى فِيهِ لِأَن قابضه يَقُول: إِنَّمَا أخذت حَقي وافتديته بِمَا دفعت فِيهِ وَلم أشتره اه. وَفِي ابْن سَلمُون: لَا شُفْعَة فِي التمخي عِنْد ابْن الْقَاسِم وَغَيره إِلَّا أَن يكون صلحا عَن طلب فَفِيهِ الشُّفْعَة وَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْبيع اه. الرَّابِع: لَيْسَ لأحد الْمُتَفَاوضين شُفْعَة فِيمَا بَاعه الآخر لِأَن بيع أَحدهمَا يلْزم صَاحبه، وَهَذَا
بِخِلَاف الْوَكِيل فَفِي الْمُدَوَّنَة وَمن وكل رجلا ليبيع لَهُ شِقْصا أَو يَشْتَرِيهِ وَالْوَكِيل شفيعه فَفعل لم يقطع ذَلِك شفعته اه. وعامل الْقَرَاض كَالْوَكِيلِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَكَذَا إِذا بَاعَ الْوَصِيّ أَو الْأَب حِصَّته فِي دَار مُشْتَركَة بَينه وَبَين يتيمه، فَلهُ أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لنَفسِهِ أَو ليتيمه كَمَا قَالَ (خَ) وشفع لنَفسِهِ أَو ليتيم آخر وَعَلِيهِ فَمَا فِي الْبُرْزُليّ والتتائي ونوازل العلمي من أَن الْوَكِيل وَالْوَصِيّ وَالْأَب لَا شُفْعَة لَهُم خلاف الْمَذْهَب. الْخَامِس: قَالَ ابْن رشد فِي أجوبته: إِن كَانَ بعض الأشراك أَحَق بِالشُّفْعَة من بعض فَلَيْسَ للأبعد أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة حَتَّى يُوقف الْأَقْرَب على الْأَخْذ أَو التّرْك، وَإِذا لم يقم وَاحِد مِنْهُم بِطَلَب الشُّفْعَة حَتَّى مضى أمد انقطاعها بطلت شفعتهم جَمِيعًا الْقَرِيب والبعيد وَلَا حجَّة للبعيد فِي أَن الْقَرِيب كَانَ أَحَق بِالشُّفْعَة مِنْهُ، فَلذَلِك لم يقم بطلبها لِأَن سُكُوته عَن أَن يقوم بشفعته فيأخذها إِن كَانَ الْأَقْرَب غَائِبا أَو يوقفه عَن الْأَخْذ وَالتّرْك إِن كَانَ حَاضرا مسْقط لحقه فِيهَا اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد وَصَاحب الطرر، وَلما نَقله ابْن عَرَفَة قَالَ عقبه: هَذَا كالمنافي لما قَالَه مُحَمَّد من أَن استثقال النَّاس الرّفْع إِلَى الْقُضَاة يعد عذرا اه. السَّادِس: إِذا أشهد الشَّفِيع بِالْأَخْذِ وَلم يعلم المُشْتَرِي بذلك إِلَّا بعد مُضِيّ الأمد الْمسْقط فَلَا شُفْعَة لَهُ على مَا بِهِ عمل فاس قَالَه المسناوي عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ بردلة وَقَول ناظم الْعَمَل: وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة سرا ينفع الخ. لَا عمل عَلَيْهِ. السَّابِع: للشفعة مَرَاتِب أَربع يقدم فِيهَا ذُو الْفَرْض ثمَّ الْعصبَة ثمَّ الْمُوصى لَهُم ثمَّ الْأَجَانِب وكل مِنْهُم يدْخل على من بعده دون الْعَكْس، فَإِذا كَانَت دَار مُنَاصَفَة بَين رجلَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا عَن زَوْجَتَيْنِ وابنتين وأخوين وَأوصى بِثلث نصفه لِرجلَيْنِ، فَإِذا باعت إِحْدَى الزوجتين أَو البنتين فالأخرى أَحَق بنصيبها لقَوْل (خَ) وَقدم مشاركه فِي السهْم، فَإِذا أسقطت الشُّفْعَة فَالشُّفْعَة للبنتين والأخوين على قدر الْأَنْصِبَاء دون الْمُوصى لَهما، فَإِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ فَالشُّفْعَة للْأَخ الآخر وللزوجتين والبنتين لقَوْله أَيْضا: وَدخل على غَيره أَي وَدخل ذُو الْحَظ والسهم على غَيره من الْوَرَثَة والأخوان وَرَثَة، وَكَذَا إِذا مَاتَت إِحْدَى البنتين أَو أحد الْأَخَوَيْنِ عَن ثَلَاثَة أَوْلَاد مثلا فَبَاعَ أحد الْأَوْلَاد، فَإِن الْوَلَدَيْنِ الباقيين أَحَق لقَوْله وَقدم مشاركه فِي السهْم لِأَن الْمَيِّت من الْأَوْلَاد ذُو سهم وَاحِد وَأَوْلَاده شُرَكَاء فِيهِ، وَإِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ أَو الْبِنْت الْبَاقِيَة أَو إِحْدَى الزوجتين وأسقطت الْبَاقِيَة فَإِن أَوْلَاد الْمَيِّت الثَّانِي يدْخلُونَ مَعَ الأعلين وهم الزَّوْجَة الْبَاقِيَة والأخوان لقَوْله أَيْضا: وَدخل على غَيره لِأَن أهل وراثة الْمَيِّت الثَّانِي ذُو سهم وَاحِد فَيدْخلُونَ مَعَ الأعلين، وَإِذا بَاعَ أحد الْمُوصى لَهما دخل مَعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور الزوجتان والبنتان والأخوان لقَوْله: ووارث على موصى لَهُم وَلَا يدْخل الْمُوصى لَهما إِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ أَو إِحْدَى الزوجتين أَو البنتين وأسقطت الْأُخْرَى كَمَا مر، فَإِذا أسقط الْمُوصى لَهُم وَمن قبلهم الشُّفْعَة انْتَقَلت للْأَجْنَبِيّ وَهُوَ شريك الْهَالِك الأول وَالْمُشْتَرِي من كل مِمَّن ذكر يتنزل مَنْزِلَته، فَإِذا كَانَت الشّركَة بَين أَرْبَعَة فَبَاعَ أحدهم نصِيبه وَأسْقط الْآخرُونَ للْمُشْتَرِي الشُّفْعَة، ثمَّ بَاعَ بعض البَاقِينَ نصِيبه، فَإِن المُشْتَرِي الأول يكون شَفِيعًا مَعَ من بَقِي وَيسْقط حَقهم فِي التَّقْدِيم عَلَيْهِ قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك. ابْن رشد: وَهَذَا مِمَّا لَا أعلم فِيهِ خلافًا لِأَن الْمُبْتَاع يحل مَحل بَائِعه اه. وَعَلِيهِ فَإِذا باعت إِحْدَى
الزوجتين نصِيبهَا وأسقطت الْأُخْرَى مَعَ بَاقِي الْوَرَثَة الشُّفْعَة، ثمَّ باعت الزَّوْجَة الثَّانِيَة المسقطة يكون المُشْتَرِي أَحَق بِالشُّفْعَة من بَاقِي الْوَرَثَة لِأَنَّهُ منزل منزلَة ضَرَّتهَا فَتَأَمّله. وَمَا تقدم عَن مَالك وَابْن رشد لَا يُعَارضهُ مَا فِي الكراس الثَّالِث عشر من معاوضات المعيار من أَن الْإِنْسَان إِذا بَاعَ نصف دَاره وَمَات فَبَاعَ بعض ورثته بعض النّصْف الآخر، فَإِن الشُّفْعَة للْوَارِث الآخر لَا للْأَجْنَبِيّ لما بَينهمَا من الْفرق الظَّاهِر، وَلما نقل الرهوني مَا مر عَن ابْن رشد نقل أَيْضا عَن ابْن الْمَوَّاز أَن أحد أَوْلَاد الْمَيِّت إِذا أوصى بحظه لرجل، ثمَّ بَاعَ وَاحِد من بَقِيَّة الْأَوْلَاد فَإِن من أوصى لَهُ الْوَلَد يدْخل فِي ذَلِك مَعَ بَقِيَّة الْإِخْوَة وَلم يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا، وَلَيْسَ كَالَّذي أوصى لَهُ أبوهم الَّذِي ورثوا الدَّار عَنهُ لِأَنَّهُ كمبتاع من أحد الْبَنِينَ فَيحل مَحل بَائِعه ثمَّ قَالَ: وَأما إِذا اشْترى السهْم كُله جمَاعَة فَبَاعَ أحدهم حَظه فَقَالَ ابْن رشد عَن ابْن الْقَاسِم: لَا يكون إشراكه أَحَق بِالشُّفْعَة من إشراك البَائِع، وَقَالَ أَشهب: إشراكه أَحَق لأَنهم كَأَهل سهم وَاحِد وَأَصله فِي الشَّامِل ثمَّ قَالَ: وَإِذا بَاعَ أحد الْإِخْوَة حَظه من أَرض المغارسة فالعامل كأحدهم فِي الشُّفْعَة إِذا وَقع البيع بعد تَمام الْعَمَل، وَأما إِن بَاعَ قبله فالعامل لَا يشفع حَتَّى يبلغ الْغَرْس فبلوغ الْغَرْس كوضع الْحمل، فَكَمَا أَن الْوَصِيّ لَا يشفع للْحَمْل حَتَّى يوضع فَكَذَلِك المغارسة اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر المغارسة وَمَا أسلفناه من الْمِثَال فِيهِ تقريب على الْمُبْتَدِي وَفِيه إِشْعَار بِأَن الصَّوَاب حذف قَول (خَ) كذي سهم على وَارِث وَلذَا أصلحه بَعضهم بقوله: وَقدم مشاركه فِي السهْم ثمَّ الْوَارِث وَلَو عاصباً وَدخل على الْمُوصى لَهُم، ثمَّ الْأَجْنَبِيّ بعدهمْ اه. وَقد اسْتُفِيدَ مِمَّا مر أَن وَرَثَة الْوَارِث مقدمون على شُرَكَاء الْوَارِث ويدخلون عَلَيْهِم. وَأَن وَرَثَة المُشْتَرِي مقدمون على شركائه ويدخلون عَلَيْهِم أَيْضا، وَأَن المشترين لجزء إِمَّا من مُشْتَر أَو وَارِث فَلَا يكونُونَ أَحَق من شُرَكَاء البَائِع إِذا بَاعَ أحدهم بل هم مَعَهم سَوَاء خلافًا لأَشْهَب فِي قَوْله: إِنَّهُم أَحَق من شُرَكَاء البَائِع وَالله أعلم. الثَّامِن: الْمحبس عَلَيْهِم لَا شُفْعَة لَهُم إِلَّا أَن يكون مرجع الْحَبْس لأَحَدهم ملكا فَلِمَنْ لَهُ الْمرجع الشُّفْعَة وَانْظُر المتطوع بالإقالة فِي الثنيا، فَإِن الشُّفْعَة لِشَرِيك البَائِع وَلَو حصل التَّطَوُّع الْمَذْكُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، فَإِن بَاعَ شريك البَائِع حَظه بعد التَّطَوُّع الْمَذْكُور فعلى أَنَّهَا رهن، فَللْبَائِع الأول الشُّفْعَة وعَلى أَنَّهَا بيع فَهُوَ بيع بِخِيَار كَمَا يفهم من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم فِي الثنيا وَعَلِيهِ فَيجْرِي ذَلِك على قَول (خَ) : وَوَجَبَت لشَرِيكه أَن بَاعَ نِصْفَيْنِ خياراً ثمَّ بتلا فامضى الخ. وَمَعْلُوم أَن المغارسة بيع تجْرِي على بيع الْخِيَار فَلَا تجب فِيهَا الشُّفْعَة إِلَّا بعد تَمام الْعَمَل بِالْإِطْعَامِ كَمَا أَن الْخِيَار لَا تجب الشُّفْعَة فِيهِ إِلَّا بعد الْإِمْضَاء قَالَه العلمي فِي نوازله، فَانْظُر ذَلِك فِيهِ. وَأما إِذا بَاعَ الْعَامِل فِي المغارسة حِصَّته قبل الْإِطْعَام فَانْظُر حكمه فِي الشُّفْعَة من نوازلنا. التَّاسِع: فِي المعيار عَن ابْن مَحْسُود: أَن الشَّفِيع إِذا طلب من المُشْتَرِي أَن يوليه الشّقص فَأبى أَن لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة قَائِلا وَلَيْسَ هِيَ كَمَسْأَلَة المساومة اه. وَمَسْأَلَة المساومة قَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا قَالَ إِنَّمَا ساومته لَعَلَّه يَبِيع بِأَقَلّ وَإِلَّا رجعت إِلَى الشُّفْعَة، فَإِنَّهُ يحلف وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة، وَإِن قَالَ: لَا أَشْتَرِي إِن بَاعَ بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ فَذَلِك إِسْقَاط لشفعته اه. وَنَحْوه فِي ضيح فَيجب أَن يُقيد بِهِ قَول (خَ) وَسَقَطت إِن قَاسم أَو اشْترى أَو ساوم الخ. الْعَاشِر: إِذا قَامَ الشَّفِيع وَدفع الثّمن للْمُشْتَرِي فَلم يقبله مِنْهُ وَبَقِي يتَصَرَّف مُدَّة طَوِيلَة إِلَى
أَن أذعن لقبضه أَو جبره الْحَاكِم على قَبضه فَطلب الشَّفِيع من المُشْتَرِي غلَّة الأَرْض مُدَّة امْتِنَاعه، فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بهَا على المُشْتَرِي لِأَن الشّقص الْمَبِيع يملك بِدفع الثّمن قَبضه مِنْهُ المُشْتَرِي أم لَا. قَالَه فِي نَوَازِل الزياتي، وَفِي (خَ) وَدفع ثمن قَالَ (تت) : رَضِي بِأَخْذِهِ أَو لَا اه. وَالأَبُ والوصيُّ مَهْمَا غَفَلَا عَنْ حَدِّهَا فَحُكْمُهَا قَد بَطَلَا (وَالْأَب وَالْوَصِيّ مهما غفلا عَن) الْأَخْذ بهَا للمحجور إِلَى انْقِضَاء (حَدهَا) الْمسْقط لَهَا وَهُوَ السّنة (فَحكمهَا قد بطلا) فَلَا أَخذ لَهما بعده وَلَا لَهُ هُوَ إِن رشد لِأَن إعراضهما عَن الْأَخْذ كإعراضه هُوَ بعد رشده، فَلم يَأْخُذ وَلم يتْرك حَتَّى انْقَضى أمدها، وَظَاهره كَانَ الْأَخْذ نظرا أم لَا. وَهُوَ الْمُوَافق لإِطْلَاق (خَ) فِي الْحجر حَيْثُ قَالَ: وللولي ترك التشفيع وَالْقصاص فيسقطان الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم قَالَ الفشتالي وَصَاحب الْمُفِيد: عَلَيْهِ الْعَمَل عِنْد أَصْحَاب الوثائق، وَمَفْهُوم غفلا أَنَّهُمَا إِذا أسقطاها بِالْفِعْلِ فَإِنَّهَا تسْقط بالأحرى وإسقاطهما مَحْمُول عِنْد الْجَهْل على النّظر، بل وَلَو ثَبت غير النّظر لِأَنَّهُ إِذا جرى الْعَمَل بِالْإِطْلَاقِ فِي السُّكُوت الَّذِي تَارَة يصدر عَن قصد وَتارَة لَا، فأحرى أَن يجْرِي فِي الْإِسْقَاط الَّذِي لَا يصدر، إِلَّا عَن قصد خلافًا لما فِي (خَ) فِي الشُّفْعَة حَيْثُ قَالَ عاطفاً على مَا لَا تسْقط فِيهِ شُفْعَة الْمَحْجُور أَو أسقط وَصِيّ أَو أَب بِلَا نظر الخ. قَالَ الإِمَام الرهوني فِي حَاشِيَته: أَنه لَا فرق بَين السُّكُوت والإسقاط وَأَن الْعَمَل على سُقُوطهَا مُطلقًا لنظر أَو غير نظر قَالَ: وَمَا فِي (خَ) خلاف الْمُعْتَمد اه. بِاخْتِصَار. قلت: الْخلاف مَبْنِيّ على أَن الشُّفْعَة شِرَاء أَو اسْتِحْقَاق فعلى أَنَّهَا شِرَاء وَهُوَ الْمَشْهُور لَا يلْزمه أَن يَشْتَرِي لمحجوره وعَلى أَنَّهَا اسْتِحْقَاق يلْزمه الْأَخْذ بهَا حَيْثُ كَانَ نظرا، وَقد كنت أجبْت فِي النَّازِلَة بِالْفرقِ بَين الْإِسْقَاط وَالسُّكُوت وجوابنا مُثبت فِي نَوَازِل الشُّفْعَة من نوازلنا فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَمَفْهُوم الْأَب وَالْوَصِيّ أَن مقدم القَاضِي لَيْسَ كهما فَلَا تسْقط الشُّفْعَة إِذا سكت عَن الْأَخْذ بهَا أَو أسقطها لغير نظر، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن مقدم القَاضِي أَضْعَف مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي مقدم القَاضِي قَولَانِ. الْأَرْجَح عدم السُّقُوط. تَنْبِيه: اخْتلف فِي الْغَائِب وَالْمَرِيض والمهمل فَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن ثَبت أَن لَهُم مَالا يَوْم البيع أَو اكتسبوه دَاخل السّنة كَانَت لَهُم الشُّفْعَة وإلاَّ فَلَا شُفْعَة لَهُم، وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْمُعْتَبر فِي
السداد هُوَ يَوْم الْوُقُوع، وَالْمَشْهُور الَّذِي بِهِ الْعَمَل بفاس الْآن أَن الْمُعْتَبر فِيهِ يَوْم النّظر وَعَلِيهِ فَلهم الشُّفْعَة وَلَو لم يكن لَهُم مَال يَوْم الْوُقُوع، وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُم يَوْم النّظر. وَإنْ يُنَازِعْ مُشْتَرٍ فِي الانْقِضَا فَلِلشَّفِيعِ مَعْ يَمِينِهِ الْقَضَا (وَأَن يُنَازع) بِفَتْح الزَّاي مَبْنِيّ للْمَجْهُول (مُشْتَر فِي الانقضا) ء للسّنة بِأَن يَقُول: اشْتريت وَقد مَضَت سنة من يَوْم الشِّرَاء وَيَقُول الشَّفِيع: بل السّنة لم تنقض وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فَللشَّفِيع مَعَ يَمِينه القضا) ء قَالَ فِي الطرر، عَن ابْن فتحون: لِأَن الشُّفْعَة قد وَجَبت لَهُ وَالْمُشْتَرِي يَدعِي مَا يُسْقِطهَا فَلَا يصدق اه. وَمثله دَعْوَى المُشْتَرِي عَلَيْهِ الْعلم مُنْذُ سنة وَأنكر، فَالْقَوْل للشَّفِيع مَعَ يَمِينه. وَلَيْسَ الإسْقَاطُ بِلَازِمٍ لِمَنْ أَسْقَطَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا عِلْمَ الثَّمَنْ (وَلَيْسَ الْإِسْقَاط بِلَازِم لمن أسقط قبل البيع) وَلَو على وَجه التَّعْلِيق الصَّرِيح كَقَوْلِه قبل البيع: إِذا وَجَبت لي الشُّفْعَة عَلَيْك فقد سلمتها لَك، أَو إِن اشْتريت أَنْت فقد اسقطت أَنا شفعتي، وَظَاهره كَانَ الْإِسْقَاط على مَال أم لَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن سلم قبل البيع على مَال أَخذه بَطل ورد المَال وَكَانَ على شفعته اه. وَقَوْلها أَخذه الخ. يَقْتَضِي أَنه إِذا لم يَأْخُذهُ وَلَكِن قَالَ لَهُ: إِن اشْتريت ذَلِك الشّقص فقد سلمت لَك شفعتي على دِينَار تعطيه إيَّايَ، فَإِن لم يَبِعْهُ لَك فَلَا شَيْء لي عَلَيْك. قَالَ اللَّخْمِيّ: ذَلِك جَائِز وَلَو اشْترط النَّقْد لم يجز اه. وَنَقله (ح) فِي التزاماته مُسلما وَخرج اللَّخْمِيّ فِي مَسْأَلَة التَّعْلِيق قولا بِلُزُوم الْإِسْقَاط قَالَ قِيَاسا على من قَالَ: إِن اشْتريت عبد فلَان فَهُوَ حر، وَإِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، وَفرق ابْن رشد فِي الْأَجْوِبَة بِأَن الطَّلَاق وَالْعِتْق من حق الله بِخِلَاف الشُّفْعَة، ابْن عبد السَّلَام: وَهَذَا الْفرق لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَيظْهر لبادي الرَّأْي صِحَة تَخْرِيج اللَّخْمِيّ، وَذكر ابْن عَرَفَة عَن شَيْخه ابْن الْحباب أَنه فرق بِأَن التَّزْوِيج وَشِرَاء العَبْد كِلَاهُمَا من فعل الْمُلْتَزم بِخِلَاف شِرَاء الشّقص الْمَشْفُوع فَلَيْسَ من فعله وَتعقبه الأبي فِي شرح مُسلم بِأَن ابْن الْحباب لم يكن عَارِفًا بالفقه، وَإِنَّمَا كَانَ عَارِفًا بالعقليات. قلت: لَعَلَّه إِنَّمَا قَالَ لَيْسَ عَارِفًا بالفقه لِأَن التَّعْلِيق لَا فرق فِيهِ بَين أَن يعلق على فعل نَفسه أَو على فعل غَيره، وَقد قَالَ (خَ) وَإِن علق على فعل غَيره فَفِي الْبر كنفسه وَالله أعلم. (لَا علم) بِالْجَرِّ عطفا على البيع أَي لَا إِن أسقطها بعد البيع وَقبل علم (الثّمن) فَإِن الْإِسْقَاط يلْزمه. ابْن سَلمُون: فَإِن أسقطها قبل أَن يعلم مِقْدَار الثّمن لزمَه ذَلِك اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة: إِن سلم
الشُّفْعَة بعد البيع لزمَه وَلَو جهل الثّمن. ابْن رشد: إِلَّا أَن يَأْتِي من ذَلِك مَا لَا يكون ثمنا لمثله فَلَا يلْزمه تَسْلِيمه اه. قلت: وَإِنَّمَا لزمَه ذَلِك لِأَن الْإِسْقَاط لَا مُعَاوضَة فِيهِ بِخِلَاف الْأَخْذ بهَا قبل معرفَة الثّمن وجنسه، فَإِن الْأَخْذ يكون فَاسِدا وَيجْبر على فَسخه بِنَاء على أَن الْأَخْذ بهَا بيع، وَصرح ابْن رشد وَغَيره بمشهوريته فَفِيهِ شِرَاء بِثمن مَجْهُول وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَزِمَه إِن أَخذ وَعرف الثّمن الخ. فمفهومه أَنه إِذا لم يكن عرفه فَلم يَصح الْأَخْذ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَبِه صدر فِي الشَّامِل خلافًا لما فِي ضيح عَن الْمَازرِيّ من أَنه إِذا أَخذ قبل علم الثّمن فَلهُ الرَّد اتِّفَاقًا وَكَذَا لَهُ التَّمَسُّك على الْمَشْهُور اه. قلت: وَلَعَلَّ وَجهه أَنه كَأَنَّهُ اشْترى على أَنه بِالْخِيَارِ عِنْد علم الثّمن أَو هُوَ مَبْنِيّ على أَن الشُّفْعَة اسْتِحْقَاق لَا بيع وَالله أعلم. ثمَّ إِن فسخ أَخذه على الْمُعْتَمد فَلَا تسْقط شفعته بل لَهُ أَخذهَا بعد مَعْرفَته بِالثّمن. كَذَاكَ لَيْسَ لَازِماً مَنْ أُخْبِرَا بِثَمنٍ أَعْلَى وَبالنَّقْصِ الشِّرَا (كَذَاك) التَّشْبِيه رَاجع للمسألة الأولى الَّتِي الْإِسْقَاط فِيهَا غير لَازم أَي: فَكَمَا لَا يلْزم الْإِسْقَاط قبل البيع كَذَلِك (لَيْسَ لَازِما من) أَي شَفِيعًا (أخبرا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول أَي قيل لَهُ إِن الشِّرَاء وَقع (بِثمن أَعلَى) كمائة (و) تبين أَنه (بِالنَّقْصِ الشرا) ء كخمسين فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْإِسْقَاط وَله الشُّفْعَة بعد أَن يحلف أَنه مَا أسقط إِلَّا لما أخبر بِهِ من الثّمن العالي، وَمثل الْإِسْقَاط السُّكُوت الْقَاطِع للشفعة، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ ابْن الْمَوَّاز قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن سلم الشَّفِيع ثمَّ أثبت أَن الثّمن كَانَ أقل مِمَّا ذكره الْمُبْتَاع فَإِنَّهُ يحلف أَن تَسْلِيمه لم يكن إِلَّا لِكَثْرَة الثّمن وَتَكون لَهُ الشُّفْعَة، وَحكى مُحَمَّد أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ لظُهُور عذره اه. قلت: وَهَذَا يدل على أَن إخْبَاره بِكَثْرَة الثّمن ثَابت بِالْبَيِّنَةِ لَا بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يصدق أَنه إِنَّمَا سلم لكَونه أخبر بِالْكَثْرَةِ، وَمثل مَا فِي النّظم لَو أسقط لكذب فِي الْمُشْتَرى بِفَتْح الرَّاء وَالْمُشْتَرِي بِكَسْرِهَا بِأَن قيل فلَان اشْترى نصف نصيب شريكك فأسقط، ثمَّ تبين أَنه اشْترى جَمِيع نصِيبه أَو قيل لَهُ: إِن المُشْتَرِي هُوَ فلَان فأسقط، ثمَّ ظهر أَن المُشْتَرِي غَيره، أَو قيل لَهُ: إِن المُشْتَرِي مُتَعَدد فأسقط فَتبين أَنه وَاحِد وَبِالْعَكْسِ (خَ) : أَو أسقط لكذب فِي الثّمن وَحلف أَو فِي الْمُشْتَرى أَو انْفِرَاده الخ. وَمثل الْإِسْقَاط فِي ذَلِك كُله السُّكُوت حَتَّى مضى الأمد الْمسْقط كَمَا مر. وَشُفْعَةٌ فِي الشِّقْصِ يُعْطَى عَنْ عِوَضِ وَالمَنْعُ فِي التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضِ (وشفعة) مُبْتَدأ خَبره (فِي الشّقص) وَجُمْلَة (يعْطى عَن عوض) حَال من الْخَبَر وَأطلق فِي
الْعِوَض فَشَمَلَ المالي وَغَيره، وَالشُّفْعَة فِي الأول بِمثل الثّمن، إِن كَانَ مثلِيا أَو دينا فبمثله أَيْضا وَلَو عرضا، وَأما الْعرض غير الدّين فَيشفع بِقِيمَتِه وَغير المالي كخلع وَنَحْوه يشفع بِقِيمَة الشّقص، وَهَذَا الشّطْر مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله فِيمَا مر: كَذَاك ذُو التَّفْوِيض ذَا فِيهِ تجب الخ. كَمَا مر شَرحه هُنَاكَ. تَنْبِيه: إِذا وَقع العقد بِعَين وَنقد عرضا أَو الْعَكْس، فالراجح من أَقْوَال خَمْسَة. وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَن الشُّفْعَة بِمَا عقد عَلَيْهِ دون مَا نقد، وَكَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَالْإِقَالَة. قَالَ الفشتالي: إِنَّمَا يكون الرُّجُوع فِي الِاسْتِحْقَاق بِمَا عقد عَلَيْهِ لَا بِمَا نقد، وَكَذَلِكَ فِي الشُّفْعَة، وَلَيْسَ عِنْد الشُّيُوخ مَا يُخَالِفهُ إِلَّا مَا وَقع فِي الِاسْتِحْقَاق من الْمُدَوَّنَة فِيمَن اشْترى بِدَنَانِير فَدفع دَرَاهِم ثمَّ وَقع اسْتِحْقَاق فِي الْمَبِيع، فَإِنَّهُ يرجع بِمَا دَفعه لِأَن رُجُوعه بِمَا عقد عَلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى صرف مستأخر اه. وَفِي الكراس الْحَادِي عشر من معاوضات المعيار فِيمَن بَاعَ خَادِمًا بِدَنَانِير فَأخذ عَنْهَا شَعِيرًا ثمَّ تفاسخا لعيب ظَاهر أَو لإقالة قَالَ: يرجع بِالدَّنَانِيرِ وَأَخذه الشّعير عقد ثَان إِلَّا أَن يكون أَخذ الشّعير على وَجه التجاوز وَالتَّخْفِيف وَالثمن أَكثر فِي الْوَقْت الْمَأْخُوذ فِيهِ الشّعير، فَإِنَّهُ يرجع بشعير مثله اه. وَإِلَى الْمَسْأَلَة الَّتِي استثناها الفشتالي مَعَ مَا عَداهَا أَشَارَ ابْن عَرَفَة بقوله: وفيهَا من رد معيبا دفع عَن ثمنه الدَّنَانِير دَرَاهِم أَو عرضا رجعت فِي الدَّرَاهِم بهَا، وَفِي الْعرض بِالدَّنَانِيرِ زَاد فِي السماع إِلَّا أَن يشبه كَونهَا ثمنا فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا قيمَة الْعرض. ابْن الْقَاسِم: يُرِيد أَخذه إِلَّا على وَجه التجاوز وَالتَّخْفِيف كَكَوْنِهِ مُعسرا اه. (وَالْمَنْع) من الشُّفْعَة (فِي التَّبَرُّعَات) من صَدَقَة أَو هبة لغير ثَوَاب ونحلة وَهِي مَا يُعْطِيهِ الْأَب لوَلَده عِنْد الزواج (مفترض) وَاجِب. وَتقدم أَنه لَا شُفْعَة أَيْضا فِيمَا يَدْفَعهُ الْوَلِيّ لمحجوره تمخياً، وَأما هبة الثَّوَاب فَفِيهَا الشُّفْعَة بعد تعْيين الثَّوَاب أَو دَفعه بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَهبة بِلَا ثَوَاب وإلاَّ فَفِيهِ الشُّفْعَة بعده، وَمَا ذكره النَّاظِم من منع الشُّفْعَة فِي التَّبَرُّعَات هُوَ الْمَشْهُور. قَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَبِه الْعَمَل، وروى ابْن الْجلاب ثُبُوتهَا قي التَّبَرُّعَات بِقِيمَة الشّقص، وَذكر الزقاق وناظم الْعَمَل أَن الْعَمَل بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَبِه أفتى أَبُو عمر الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن المكوي وفتواه تَقْيِيد للمشهور. قَالَ ابْن نَاجِي: وَمحل الْمَشْهُور عِنْدِي مَا لم يكثر التحيل من النَّاس على
إِسْقَاطهَا وإلاَّ فَيحكم بهَا، وَبِه قَالَ أَبُو عمر الإشبيلي قَالَ سَيِّدي عمر الفاسي فِي شرح الزقاقية: مَا قَالَه أَبُو عمر الإشبيلي غير مُخَالف للمشهور، بل هُوَ جَار عَلَيْهِ على مَا قَالَه ابْن نَاجِي، وَقَالَ الشَّيْخ ميارة: مَا قَالَه ابْن المكوي هُوَ الظَّاهِر أَو الْمُتَعَيّن لَا سِيمَا حَيْثُ تحتف بذلك قَرَائِن الْعِوَض وَيبعد فِيهِ التَّبَرُّع اه. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا ذكره الزقاق: لَا نوافق عَلَيْهِ فِي الْهِبَة للمبرز فِي الْعَدَالَة وَإِن كَانَ يحلف على مَا بِهِ الْعَمَل، وَلَكِن ينظر إِلَى قَرَائِن الْأَحْوَال إِن كَانَ الْحَاكِم عدلا مبرزاً عَالما وإلاَّ فَيرجع لما قَالَه الزقاق وَجل الْقُضَاة أَو كلهم فِي زمننا لَا يوثق بهم اه. بِاخْتِصَار. فيفهم مِنْهُ أَن التحيل على إِسْقَاط الشُّفْعَة بالتبرع مَوْجُود غَالِبا فِي وقته، وَلَكِن ينظر إِلَى الْحَاكِم إِذْ لَعَلَّه لَا يُرَاعى تِلْكَ الْحِيَل لغَلَبَة الْهوى عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذا كثر التحيل على إِسْقَاطهَا بِالزِّيَادَةِ فِي الثّمن كَأَن يَقُول المُشْتَرِي: إِذا اشْتَرَيْته مِنْك بِمِائَة يُؤْخَذ مني بِالشُّفْعَة فَخذ سلْعَة تَسَاوِي مائَة بمائتين إِلَى أجل ثمَّ صير إِلَى الشّقص فِيهَا. انْظُر حاشيتنا على الزقاقية. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن وهب شِقْصا لغير ثَوَاب فعوض فِيهِ فَقبل الْعِوَض فَإِن رئي أَنه لصدقة أَو صلَة رحم فَلَا شُفْعَة فِيهِ. ابْن الْمَوَّاز: وَكَذَلِكَ لَو أثابه شِقْصا فِي دَار لم يكن أَيْضا فِي الثَّوَاب شُفْعَة لِأَن هَذَا دفع شقصه فِيمَا لم يكن يلْزمه. ابْن نَاجِي: وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْفَتْوَى. وَالْخُلْفُ فِي أكْرِيَةِ الرِّبَاعِ وَالدُّورِ وَالحُكْمُ بِالامْتِنَاعِ (وَالْخلف) فِي وجوب الشُّفْعَة (فِي أكرية الرباع والدور) يَشْمَل مَا إِذا كَانَا يملكَانِ الرَّقَبَة فأكرى أَحدهمَا نصِيبه أَو يملكَانِ الْمَنْفَعَة فَقَط، فأكرى أَحدهمَا حِصَّته أَيْضا أَو أَحدهمَا يملك الرَّقَبَة وَالْآخر الْمَنْفَعَة. فَقَالَ ابْن الْقَاسِم والمغيرة وَابْن الْمَاجشون: بِعَدَمِ الشُّفْعَة فِي ذَلِك كُله وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد (خَ) . وَقَالَ ابْن فتحون: بِهِ الْقَضَاء وَالْحكم وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: (وَالْحكم بالامتناع) وَقَالَ أَشهب ومطرف وَأصبغ، وَرُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا فِيهِ الشُّفْعَة. القلشاني: وَبِه الحكم بالمغرب والأندلس اه. وعَلى وجوب الشُّفْعَة فِيهِ عمل فاس قَالَ ناظمه: وشفعة الكرا لشرك قَائِم الخ. وَظَاهره شفع لَيْسَ مَا يسكن من دَار أَو حَانُوت أَو رحى وَغير ذَلِك، أَو ليكرى ذَلِك لغيره، وَالَّذِي للمنجور والمكناسي وَغَيرهمَا أَنه إِنَّمَا يُمكن مِنْهَا إِذا كَانَ يسكن بِنَفسِهِ أَو يعْمل فِي الرَّحَى وَنَحْوهَا بِنَفسِهِ وَهُوَ مَبْنِيّ على أَنه لَا يشفع ليبيع وَالْمَعْرُوف تَمْكِينه من الشُّفْعَة ليبيع قَالَه المنجور، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي: الْعَمَل عندنَا بإفريقية على التَّمْكِين من الشُّفْعَة من غير شَرط أصلا.
قلت: وَهُوَ ظَاهر مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم فَإِنَّهُم لَا يلتفتون للشّرط الْمَذْكُور. تَنْبِيه: الْخلاف فِي الْمُسَاقَاة كالخلاف فِي الْكِرَاء كَمَا فِي التَّوْضِيح وَغَيره، وَكَذَا الرَّهْن بِمَنْفَعَة فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور لِأَنَّهُ بيع وكراء، وَكَذَا الجلسة فِيهَا الْخلاف الْمَذْكُور، وَأما الرَّهْن فَإِن البَائِع إِذا بَاعَ السّلْعَة بِعشْرَة مثلا إِلَى أجل وَأَعْطَاهُ المُشْتَرِي نصف دَار رهنا فِي دينه وأباح لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ إِلَى الْأَجَل، فقد بَاعَ سلْعَته بشيئين الْعشْرَة المؤجلة وَمَنْفَعَة النّصْف الْمَرْهُون، فبعض السّلْعَة فِي مُقَابلَة الْعشْرَة بيع وَبَعضهَا فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة كِرَاء، فعلى أَن الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء يكون لِشَرِيك الرَّاهِن بِقِيمَة الْمَنْفَعَة فَيُقَال: مَا يُسَاوِي كِرَاء هَذَا النّصْف منحل للأجل الْمُسَمّى، فَإِذا قيل عشرَة فَيشفع بهَا بِشَرْط أَن يسكن بِنَفسِهِ على مَا مر. قَالَ العلمي فِي نوازله: وَالْعَمَل بفاس على شُفْعَة مَنْفَعَة الرَّهْن الْمشَاع اه. قلت: قيد بَعضهم عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ بردلة: أَن الْعَمَل على عدم الشُّفْعَة فِيهِ، وَإِن كَانَت قَاعِدَة ثُبُوت الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء توجب الشُّفْعَة فِيهِ لَكِن الْأَشْيَاخ لم يعملوا بِمُقْتَضى الْقَاعِدَة وعَلى تَقْدِير عَمَلهم بمقتضاها فَيشفع بِقِيمَة الْمَنْفَعَة اه. مَا وجدته مُقَيّدا عَن بعض المفتيين، وَلَكِن الصَّوَاب مَا فِي العلمي إِذْ لَا وَجه لِخُرُوجِهِ عَمَّا بِهِ الْعَمَل فِي الْكِرَاء، فَهَذَا الَّذِي يجب اعْتِمَاده على مَا يَأْتِي فِي الجلسة، وَأما الجلسة وَتسَمى عِنْد أهل مصر بالخلو فَهِيَ كِرَاء مَحْض أَيْضا إِذْ غَايَته أَن أَرض الْحَبْس أَو غَيرهَا تكرى لمن يغرسها أَو يَبْنِي فِيهَا بدرهم فِي السّنة مثلا مُدَّة من عشْرين سنة أَو بدرهم فِي كل سنة إِلَى غير أجل مَحْدُود، وَيغرم الْكِرَاء عطل بناءه أَو انْتفع بِهِ وضمائرهم منعقدة على أَن الْمُكْتَرِي لَا يخرج إِلَّا بِرِضَاهُ لجَرَيَان عَادَتهم بذلك، فَإِذا وَقعت عَلَيْهِ زِيَادَة فِي الْكِرَاء فَإِن شَاءَ أَخذه بِتِلْكَ الزِّيَادَة وَكَانَ أَحَق بِهِ من الَّذِي زَاد عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ أَخذ أنقاضه وَرفع نزاعه إِن امْتنع ذُو الأَصْل من إبقائه بالكراء الأول، فتقديم الْمُكْتَرِي على الْغَيْر بِمَا أعطَاهُ ذَلِك الْغَيْر من الْكِرَاء وانعقاد ضمائرهم عَلَيْهِ عِنْد العقد هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بالكراء على التَّأْبِيد، وَلَكِن لما كَانَ أَحَق بِهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَة لم يزدْ أحد فِي الْغَالِب عَلَيْهِ لعدم الْفَائِدَة، وَلذَا قَالَ فِي نظم الْعَمَل:
وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء جرى على التبقية الْقَضَاء ثمَّ إِذا مَاتَ الْمُكْتَرِي ذُو الجلسة فَإِنَّهَا تورث عَنهُ وَيقوم وَارثه مقَامه، وَهَكَذَا مَا دَامَ هُوَ أَو وَارثه وَلَو سفل قَائِما بحياطتها وصيانتها، فَإِن فرط فِيهَا حَتَّى اندثر بِنَاؤُه وغرسه فقد بَطل حكمهَا وَلَا شَيْء لصَاحِبهَا فِي الأَرْض، ثمَّ قبل اندثارها لبَعض الشُّرَكَاء أَن يكْرِي حَظه مِنْهَا أَو يَبِيعهُ وَفِي الْحَقِيقَة أَن بيعهَا كِرَاء، فَإِذا أكراه أَو بَاعه فللآخرين الشُّفْعَة لَا لرب الأَرْض على مَا مر من وجوب الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء، وَبِه أفتى فِيهَا ابْن رحال والشدادي وَغَيرهمَا، وَأفْتى الشَّيْخ التاودي بِأَن الَّذِي وَقع بِهِ الحكم وَالْفَتْوَى فِي الجلسة إِذا بيع جُزْء مِنْهَا أَنه لَا شُفْعَة فِيهِ للشَّرِيك قَالَ: هَكَذَا ذكره القَاضِي بردلة عَن أبي عبد الله بن سَوْدَة وَأبي عبد الله المجاصي قَالَ: وَإِذا لم تجب فِي بيع جُزْء مِنْهَا فَلَا تجب فِي كِرَاء جُزْء مِنْهَا بالأحرى لِأَن الْكِرَاء أَضْعَف اه. وَنَحْوه للمسناوي عَن بردلة الْمَذْكُور قَائِلا عَنهُ: وسمعتهم
يعللون ذَلِك بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور، وَهُوَ أَن يسكن بِنَفسِهِ لَا يكَاد يتَحَقَّق فِيهَا فِي الْغَالِب لِأَن ملاكها فِي الْغَالِب لَا يعتمرونها لأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يستغلونها بالكراء للْغَيْر اه. ونقلنا ذَلِك كُله فِي كتاب الشُّفْعَة من نوازلنا وَانْظُر بَقِيَّة أَحْكَامهَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور. وَفِي الكراس الثَّانِي من الْإِجَارَة وَالرَّهْن، وَانْظُر قَوْلهم عَن بردلة: أَنه لَا شُفْعَة فِي بيع جُزْء مِنْهَا مَعَ أَن ذَلِك بيع لجزء أنقاضها وأشجارها، وَقد قَالَ فِي ضيح: يَنْبَغِي أَن يتَّفق فِي الإحكار الَّتِي عندنَا بِمصْر أَن تجب الشُّفْعَة فِي الْبناء الْقَائِم فِيهِ لِأَن الْعَادة أَن رب الأَرْض لَا يخرج صَاحب الْبناء أصلا فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة صَاحب الأَرْض اه. نَقله (ز) وَزَاد عقبه: أَي وَلَا شُفْعَة لرب الأَرْض وَإِنَّمَا الشُّفْعَة للشَّرِيك قَالَ: وَكَذَلِكَ الأَرْض الخراجية إِذا بَاعَ أحدهم حِصَّته مِنْهَا فَالشُّفْعَة للشَّرِيك فِي الْخراج لَا لرب الأَرْض اُنْظُرْهُ عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة وَقدم معبر الخ. قَالُوا: والإحكار جمع حكر وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بفاس بالجزاء، وَبِالْجُمْلَةِ فَالَّذِي يُوجِبهُ النّظر هُوَ وجوب الشُّفْعَة فِي الجلسة وَالْجَزَاء بيعا وكراء لِأَن الشُّفْعَة إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر وَلَا سِيمَا فِي بيع جُزْء من هَذَا الْكِرَاء الَّذِي لَا يخرج مكتريه إِلَّا بِرِضَاهُ على مَا مر، فَالْعَمَل لَو لم يجر بِالشُّفْعَة فِي مُطلق الْكِرَاء لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يجْرِي بِالشُّفْعَة فِي هَذَا الْكِرَاء الَّذِي هُوَ الجلسة بِخُصُوصِهِ لدوام ضَرَره، وَلما فِيهَا من بيع الأنقاض فِي بيعهَا وَبيع الأنقاض وَالْبناء فِيهِ الشُّفْعَة اتِّفَاقًا، وَمَا ذَكرُوهُ عَن بردلة ضَعِيف عقلا ونقلاً وكونهم لَا يستغلونها لأَنْفُسِهِمْ لَا يُوجب سُقُوطهَا، لما تقدم عَن ابْن نَاجِي: أَن الْعَمَل على عدم اشْتِرَاط السُّكْنَى، وَلقَوْل المنجور الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب تَمْكِين الشَّفِيع من أَن يشفع ليبيع وَلما تقدم عَن الشدادي وَابْن رحال من وجوب الشُّفْعَة فِيهَا وهم متأخرون عَن القَاضِي بردلة فَلَا يخفى عَلَيْهِم الْعَمَل الَّذِي انْفَرد هُوَ بنقله، وَقَوله: سمعتهم يعللون ذَلِك بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور لَا يكَاد يتَحَقَّق الخ. لَا وَجه لَهُ لِأَن الْعَمَل إِذا جرى بِمُوجب الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء فِي الشَّرْط الْمَذْكُور، فَيجب أَن يطرد ذَلِك الْعَمَل بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور فِي جَمِيع أَفْرَاد الْكِرَاء الَّذِي مِنْهُ الجلسة وَالْجَزَاء، وَكَونه يعْتَبر الشَّرْط الْمَذْكُور فِي بعض الْأَفْرَاد دون بعض هُوَ من التحكم الَّذِي لَا يخفى بُطْلَانه، وَأَيْضًا يصير هَذَا الْعَمَل بالتفصيل فِي الْكِرَاء من كَون الشُّفْعَة فِي بعض أَفْرَاده دون بعض غير مُسْتَند لقَوْل من أَقْوَال الْمَذْهَب، وَقد نصوا على أَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَول وَلَو شاذاً وَإِلَّا لم يعْمل بِهِ، وَقَوله لِأَن ملاكها فِي الْغَالِب لَا يعتمرونها الخ. يَقْتَضِي أَن مَا ارْتَكَبهُ الْملاك من عدم الاعتمار لأَنْفُسِهِمْ يتبايعون عَلَيْهِ ويمكنون مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْعَمَل إِذا جرى بِاشْتِرَاط الشَّرْط الْمَذْكُور فَلَا يمكنون من الشُّفْعَة إِلَّا بِهِ ويحملهم الْحُكَّام عَلَيْهِ جبرا وإلاَّ أدّى إِلَى أَن الْعَامَّة إِذا تمالؤا على أَمر يتابعون عَلَيْهِ ويمكنون مِنْهُ، وَلَو خَالف الْأَقْوَال المذهبية، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُوله أحد. هَذَا وَقد رَأينَا أَن صَاحب الأَصْل فِي الحوانيت والفنادق يكريها صَفْقَة على صَاحب الجلسة، وَبِالْعَكْسِ فَيَأْتِي الآخر ويضمها من يَده ويكريها لغيره بِزِيَادَة أَو غَيرهَا، ويمكنهم الْقُضَاة من ذَلِك. وَهَذَا أَمر شَائِع ذائع فِي هَذِه الْبَلدة وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا ذَلِك شُفْعَة إِذْ لَا يملك أَحدهمَا التصفيق على صَاحبه حَتَّى يكون لَهما لعدم اتِّحَاد الْمدْخل فهم يسمونه صَفْقَة وضماً، وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ شُفْعَة وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ عَمَلهم فِي الْكِرَاء على مَا نَقله القَاضِي بردلة، بل على مَا لِابْنِ نَاجِي وَمن وَافقه.
وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مِنْ تَأْخِيرِ فِي الأَخْذِ أَوْ فِي التَّرْكِ فِي المَشْهُورِ (وَلَيْسَ للشَّفِيع من تَأْخِير) ليتروى ويستشير (فِي الْأَخْذ أَو فِي التّرْك) هَل يَأْخُذ أَو لَا يَأْخُذ بل يجْبرهُ الْحَاكِم حَيْثُ أوقفهُ المُشْتَرِي عِنْده على الْأَخْذ أَو التّرْك وَلَا يُؤَخِّرهُ وَلَو سَاعَة (فِي) القَوْل (الْمَشْهُور) الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا فَإِن أَخذ فَلَا يَخْلُو ذَلِك من ثَلَاثَة أوجه، وَتقدم حكمهَا فِي فصل الْآجَال عِنْد قَوْله: كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع للثّمن فأنظرها هُنَاكَ وَمَفْهُوم قَوْله فِي الْأَخْذ أَو التّرْك أَنه إِذا طلب التَّأْخِير لينْظر للْمَبِيع فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر لَهُ إِلَّا نَحْو سَاعَة (خَ) : واستعجل إِن قصد ارتياء أَو نظرا للْمُشْتَرِي إِلَّا كساعة الخ. وَالِاسْتِثْنَاء رَاجع للثَّانِيَة فَقَط. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا عذر للشَّفِيع بمغيب الْحَائِط عَنهُ، وَإِن كَانَ لم يره أَو رَآهُ وَطَالَ عَهده ويوصف لَهُ كَمَا تُوصَف الدَّار الغائبة اه. وَقَوْلنَا: حَيْثُ أوقفهُ المُشْتَرِي عِنْده أَي عِنْد الْحَاكِم احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أوقفهُ المُشْتَرِي وَحده لَا عِنْد حَاكم، فَإِنَّهُ على شفعته حَتَّى يُصَرح بالإسقاط أَو يمْضِي الأمد لَهَا كَمَا فِي الشَّامِل. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شُفْعَةٍ وَلَا هِبَتُهَا وَإرْثُهَا لَنْ يُبْطَلَا (وَلَا يَصح بيع شُفْعَة وَلَا هبتها) ظَاهره قبل الْأَخْذ بهَا أَو بعده بَاعهَا أَو وَهبهَا لأَجْنَبِيّ أَو للْمُشْتَرِي، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل فَإِن بَاعهَا أَو وَهبهَا لأَجْنَبِيّ قبل الْأَخْذ فَلَا خلاف فِي عدم صِحَّته قَالَه ابْن رشد وَغَيره. ابْن يُونُس: لِأَنَّهُ بيع مَا لَيْسَ عنْدك، وَإِذا لم يَصح ذَلِك فَيفْسخ البيع وَالْهِبَة وَتسقط شفعته، وَإِن بَاعهَا أَو وَهبهَا بعد الْأَخْذ بهَا، فَكَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يشفع ليبيع وَلَا شُفْعَة لَهُ بعد. اللَّخْمِيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح خلافًا لقولها للْمُفلس أَن يشفع مَعَ أَنه إِنَّمَا يشفع ليبيع فِي الدّين اه. وَنَحْوه لِابْنِ رشد، وَبِه أفتى العبدوسي وَابْن عَطِيَّة والونشريسي وَالشَّيْخ ميارة حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي قَالُوا: وَبيعه بِقرب الْأَخْذ دَلِيل على أَنه شَفِيع ليبيع، وَللْمُشْتَرِي الْقيام وَلم يذكرُوا حد الْقرب مَا هُوَ قَالَ بَعضهم: وَظَاهر عباراتهم الرُّجُوع للقرينة وَشَاهد الْحَال كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَة: من أَعْطَتْ زَوجهَا عَطِيَّة أَو وضعت عَنهُ الصَدَاق فَطلقهَا ووقفت على فَتْوَى لشَيْخِنَا سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ذكر فِيهَا أَن حد الْقرب فِي ذَلِك مَا دون سِتَّة أشهر، هَذَا وَقد
أفتى ابْن مَرْزُوق حَسْبَمَا فِي المعيار بِأَن لَهُ أَن يشفع ليبيع حَيْثُ كَانَ لَهُ نفع فِيهِ قَالَ: وَلَا تبطل شفعته إِلَّا إِذا كَانَ لَا غَرَض لَهُ وَلَا نفع إِلَّا مُجَرّد إِيصَال النَّصِيب للْغَيْر، وَمَسْأَلَة أَخذ الْمُفلس بِالشُّفْعَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا تدل على ذَلِك لِأَن أَخذ الْمُفلس وَإِن كَانَ للْبيع لكنه لمَنْفَعَة نَفسه فِي أَدَاء دينه، وَمن هُنَا كَانَ قَول ابْن رشد ضَعِيفا لإيهامه منع البيع للآخذ مُطلقًا، وَهَذَا بَاطِل لاستلزامه أَن الشَّفِيع لَا يَأْخُذ إِلَّا للاقتناء وَلَو صَحَّ لَكَانَ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة حَرَامًا لِأَنَّهُ بيع على أَن لَا يَبِيع وَالشُّفْعَة بيع اه. بِمَعْنَاهُ. قلت: وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن رشد وَغَيره إِذا قَالَ الشَّفِيع: أخذت، وَقَالَ المُشْتَرِي: سلمت، فَإِن الْأَخْذ لَازم لَهما وَيُبَاع الشّقص فِي الثّمن وَلَا يفْسخ الْأَخْذ الْمَذْكُور إِلَّا بتراضيهما عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَلزِمَ أَن أَخذ وَعرف الثّمن فَبيع للثّمن الخ. فآل إِلَى أَنه شفع ليبيع لِأَنَّهُ حَيْثُ علم عَجزه عَن الثّمن، فقد شفع للْبيع وَمَعَ ذَلِك قَالُوا: لَا يفْسخ إِلَّا بتراضيهما، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن الشُّفْعَة بيع على الْمَشْهُور، وَأَن الشَّفِيع إِذا أسقط لكذب فِي المُشْتَرِي بِالْكَسْرِ لَا يلْزمه كَمَا مر عَن (خَ) أَيْضا فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن من شفع ليبيع يَقُول: لم أَرض بشركة هَذَا المُشْتَرِي لسوء عشرته وَكَثْرَة ضَرَره فَأخذت وبعت من هَذَا لحسن عشرته وَقلة ضَرَره، كَمَا أَنه يَقُول ذَلِك فِي الْإِسْقَاط لكذب فِي المُشْتَرِي، وَمَعْلُوم أَن الْحق فِي الشُّفْعَة فَلَا يحْجر عَلَيْهِ فِيهِ، وَلِهَذَا وَالله أعلم قَالَ الإِمَام المنجور: الْمَعْرُوف تَمْكِين الشَّفِيع من أَن يشفع ليبيع، وَقَالَ ابْن هِلَال فِي نوازله فِيمَن أَخذ بِالشُّفْعَة ثمَّ بَاعَ فِي حِينه أَو بعد زمَان قريب مَا نَصه: وَأما الشَّفِيع إِذا أَخذ بِالشُّفْعَة ثمَّ بَاعَ بعد ذَلِك فَلَا يُنَازع فِي مَاله إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن شَاءَ تمسك إِلَّا أَن يظْهر أَنه رد للْغَيْر فَلَا يتْرك الشّقص بِيَدِهِ إِن شَاءَ المُشْتَرِي اه. وَقَوله: إِلَّا أَن يظْهر أَنه رد للْغَيْر الخ. يَعْنِي بِأَن لَا يكون لَهُ نفع فِي الْأَخْذ بهَا أصلا إِلَّا مُجَرّد إِيصَال النَّصِيب للْغَيْر كَمَا مر عَن ابْن مَرْزُوق، وَأما إِذا كَانَ لَهُ نفع فِيهَا لزِيَادَة فِي الثّمن أَو لكَون المُشْتَرِي سيىء الْعشْرَة أَو لكَونه ذَا سطوة لَا يَسْتَقِيم لَهُ مَعَه الْوُصُول إِلَى حَقه كَمَا يَقع فِي زمننا كثيرا فَإِن لَهُ أَن يشفع ليبيع، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده عِنْدِي لقُوَّة دَلِيله، وَمَا مر عَن اللَّخْمِيّ وَمن وَافقه. قد علمت ضعفه كَمَا صرح بِهِ ابْن مَرْزُوق، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُور أَن الشُّفْعَة بيع فَكيف يحْجر عَلَيْهِ فِي شَيْء اشْتَرَاهُ ويضيع عَلَيْهِ ربحه فِيهِ أَو يلْزم بشركة ذِي السطوة أَو سيىء الْعشْرَة حَيْثُ لم يكن لَهُ ثمن يشفع بِهِ مَعَ أَن الْمَشْهُور فِيهَا أَنَّهَا إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر وَالضَّرَر يزِيد فِي بعض الشُّرَكَاء، وَينْقص فِي الْبَعْض الآخر كَمَا مر. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: من وَجَبت لَهُ شُفْعَة فَأَتَاهُ أَجْنَبِي فَقَالَ لَهُ: خُذ شفعتك لي بِمثل الثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ المُشْتَرِي وَلَك مائَة دِينَار ربحا لم يجز، وَيرد ذَلِك إِن وَقع وَلَا يجوز أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لغيره الخ. فَإِنَّمَا لم يجزه لكَونه من أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ولكونه لَا غَرَض لَهُ إِلَّا الْأَخْذ للْغَيْر، وَإِنَّمَا سَقَطت شفعته لكَون الشَّفِيع كَانَ معرضًا عَن الْأَخْذ بهَا لَوْلَا الْجعل الَّذِي دَفعه لَهُ الْأَجْنَبِيّ فَهَذَا أعطَاهُ ربحا ليَأْخُذ لَهُ بهَا فَهُوَ من الْجعل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة للْغَيْر لَا من البيع بعد الْأَخْذ بهَا لنَفسِهِ وَهُوَ معنى قَول (خَ) : كَأَن أَخذ من أَجْنَبِي مَالا الخ. وَمحل مَا فِي الْمُدَوَّنَة من رد الْأَخْذ للْغَيْر إِذا ثَبت ذَلِك بِإِقْرَار الشَّفِيع والمبتاع لَا بِإِقْرَار أَحدهمَا كَمَا فِي المتيطي وَغَيره، وَقَالَ ابْن نَاجِي على قَوْلهَا وَلَا يجوز البيع قبل الْأَخْذ الخ. قَالَ بعض شُيُوخنَا: مَفْهُومه أَنه يجوز لَهُ البيع بعد الْأَخْذ اه. وَأما إِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ: خُذ بِالشُّفْعَة لنَفسك وَأَنا أدفَع لَك ثمنهَا سلفا
أَو هبة فَهَذَا جَائِز وَلَو قصد الْأَجْنَبِيّ الْإِضْرَار بالمشتري فَلَا يُمكن من ذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْبَراء قَائِلا: وَحقّ الشَّفِيع مَتى قَامَ بِهِ وَمَعَهُ الثّمن بشرَاء أَو سلف أَو هبة أَو غير ذَلِك فَلهُ الْأَخْذ بهَا، وَقَالَ قبل ذَلِك: إِلَّا أَن يتَبَيَّن من المسلف الضَّرَر فَلَا يُمكن من ذَلِك اه. يَعْنِي لَا يُمكن من الضَّرَر إِذا ثَبت ذَلِك بِإِقْرَارِهِ، وَأما شُفْعَة الشَّفِيع فَلَا تسْقط بِقصد المسلف الضَّرَر بالمشتري، بل لَا زَالَ على شفعته وَالله أعلم. وَهَذَا كُله إِذا بَاعهَا أَو وَهبهَا من أَجْنَبِي، وَأما إِذا بَاعهَا أَو وَهبهَا للْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي الْجَوَاهِر: إِذا دفع المُشْتَرِي للشَّفِيع عوضا دَرَاهِم أَو غَيرهَا على ترك الْأَخْذ بِالشُّفْعَة جَازَ لَهُ أَخذهَا وتملكها إِن كَانَ ذَلِك بعد الشِّرَاء فَإِن كَانَ قبله بَطل ورد المَال وَكَانَ على شفعته اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) بِخِلَاف أَخذ مَال بعده ليسقط الخ. وَقَالَ أَيْضا: وَلم يلْزمه إِسْقَاط قبل البيع، وَمَفْهُومه أَنه بعد البيع يلْزمه وَكَذَا هبتها، وَهَذَا إِذا اتَّحد الشَّفِيع، وَأما إِذا تعدد فَصَالح المُشْتَرِي أحد الشفعاء بعد البيع على إِسْقَاط شفعته وَقَامَ الْبَاقُونَ وَأخذُوا بِالشُّفْعَة فَإِن شُفْعَة الْمصَالح تسْقط على الْمَشْهُور، لَكِن ذكر ابْن كوثر حَسْبَمَا فِي المعيار أَن البَاقِينَ لَهُم الشُّفْعَة بِمَا بذله الْمُبْتَاع على الْإِسْقَاط مَعَ الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الابتياع، وَعَن ابْن رشد فِي نوازله أَن البَاقِينَ يشفعون بِالثّمن فَقَط وَلَا رُجُوع للْمُشْتَرِي على الْمسْقط بِمَا دَفعه إِلَيْهِ بل ضَاعَ عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة: الْأَظْهر الرُّجُوع بِمَنْزِلَة من صَالح على أَمريْن اسْتحق أَحدهمَا وَمَا لِابْنِ رشد فِي الْمُقدمَات من أَن الشُّفْعَة لَا تسْقط، وَلَكِن الشَّفِيع يرد المَال الَّذِي أَخذه وَترجع الشُّفْعَة لَهُ كَمَا كَانَت قبل البيع، وَقرر بِهِ الشَّيْخ (م) وَغَيره كَلَام المُصَنّف خلاف الْمَشْهُور كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره انْظُر شرح الشَّامِل. تَنْبِيهَانِ. الأول: تطلق الشُّفْعَة على الشّقص الْمَشْفُوع من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول، وَمن ذَلِك مَا فِي النّظم وَنَحْوه قَول المعونة، وَلَا تجوز هبة الشُّفْعَة وَلَا بيعهَا وَذَلِكَ كُله كَقَوْل الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز بيع الشّقص قبل أَخذه إِيَّاه بشفعته اه.، وَفِي الْمُدَوَّنَة: إِن سلم الشُّفْعَة بعد البيع لزمَه وَلَو جهل الثّمن. ابْن يُونُس: إِلَّا أَن يَأْتِي من ذَلِك مَا لَا يكون ثمنا بِمثلِهِ فَلَا يلْزمه تَسْلِيمه اه. فَظَاهره كَانَ تَسْلِيمه على مَال أم لَا. الثَّانِي: أَخذ المَال للإسقاط لَيْسَ بيعا بِدَلِيل أَنه إِذا وجد عَيْبا لَا يرجع بِهِ لِأَنَّهُ أَخذ المَال فِي مُقَابلَة رفع يَده عَن الْأَخْذ بهَا، وَيحْتَمل أَن يرجع بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ إِذا وجد الدَّرَاهِم زُيُوفًا فَلهُ ردهَا، فَكَذَلِك الشّقص إِذا وجده المُشْتَرِي معيبا فَلهُ رده فَيكون الْأَخْذ للإسقاط حِينَئِذٍ بيعا. (وإرثها) أَي الشُّفْعَة (لن يبطلا) لِأَن من مَاتَ عَن حق فلوارثه فَإِذا مَاتَ بعد وجوب الشُّفْعَة وَقبل الْأَخْذ بهَا فوارثه يقوم مقَامه، وَعَلِيهِ فتلفق الْمدَّة المسقطة كَمَا تلفق فِي الْحِيَازَة القاطعة لحق الْقَائِم، فَإِذا سكت الْمَوْرُوث سِتَّة أشهر مثلا وَمَات فَسكت وَارثه بَقِيَّة الْعَام، فَإِنَّهُ لَا شُفْعَة لَهُ وَإِذا مَاتَ بعد أَن بَاعَ الشّقص الَّذِي يشفع بِهِ، فَالْمَشْهُور أَنه لَا شُفْعَة للْوَارِث كَمَا أَنه لَا شُفْعَة للموروث (خَ) : أَو بَاعَ حِصَّته الخ. وَهَذَا إِذا بَاعَ وَهُوَ عَالم بِوُجُوبِهَا لَهُ وإلاَّ فَلهُ الشُّفْعَة على أظهر الْأَقْوَال، وَبِه الْقَضَاء كَمَا فِي النِّهَايَة، وَكَذَا لَا تسْقط إِذا بَاعَ بعض حِصَّته، وَلَكِن إِنَّمَا
لَهُ الشُّفْعَة بِقدر مَا بَقِي على الْمُعْتَمد وَللْمُشْتَرِي الأول شُفْعَة الْكل فِيمَا إِذا بَاعَ الْكل وشفعة الْبَاقِي فِيمَا إِذا بَاعَ الْبَعْض. وَحَيْثُمَا فِي ثَمَنِ الْشَّقْصِ اخْتُلِفْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ الْحَلِفْ (وحيثما فِي ثمن الشّقص اخْتلف) فَقَالَ المُشْتَرِي: بِعشْرَة. وَقَالَ الشَّفِيع: بِخَمْسَة. وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فَالْقَوْل قَول مُشْتَر مَعَ الْحلف) إِن أشبه سَوَاء أشبه الشَّفِيع أَيْضا أم لَا. كَمَا قَالَ: إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ يَبْعُدُ وَقِيلَ مُطَلَقاً وَلَا يُعْتَمَدُ (إِن كَانَ مَا ادَّعَاهُ) من الثّمن الَّذِي هُوَ الْعشْرَة (لَيْسَ يبعد) عِنْد النَّاس كَونه ثمنا للشقص فَإِن بعد وأشبه مَا قَالَه الشَّفِيع فَقَط فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِن لم يشبها حلفا وَتَقَع الشُّفْعَة بِقِيمَة الشّقص (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِين ككبير يرغب فِي مجاورته، وإلاَّ فَللشَّفِيع وَإِن لم يشبها حلفا ورد إِلَى الْوسط أَي قيمَة الشّقص الخ. وَظَاهره كالناظم أَن المُشْتَرِي يحلف حقق الشَّفِيع عَلَيْهِ الدَّعْوَى أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل من توجه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا، وَلَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا مَا فِيهِ معرة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وتهمة إِن قويت بهَا تجب الخ. وَإِذا قَالَ المُشْتَرِي: إِن الأَرْض مقسومة، وَقَالَ الشَّفِيع: لم تقسم، فَالْقَوْل للشَّفِيع كَمَا فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين من التَّبْصِرَة. (وَقيل) وَهُوَ لمطرف القَوْل قَول المُشْتَرِي (مُطلقًا) أشبه أم لَا (و) لَكِن هَذَا القَوْل (لَا يعْتَمد) عَلَيْهِ. وابْنُ حَبِيبٍ قَالَ بَلْ يُقَوِّمُ وباخْتِيارٍ لِلشَّفِيعِ يُحْكَمُ (وَابْن حبيب قَالَ) لَا ينظر لقَوْل المُشْتَرِي وَلَا لقَوْل الشَّفِيع (بل يقوم) الشّقص قيمَة عدل (وباختيار للشَّفِيع يحكم) أَي: وَيُخَير الشَّفِيع فِي أَن يَأْخُذ بِتِلْكَ الْقيمَة أَو يتْرك، فَهَذِهِ أَقْوَال ثَلَاثَة. وَالْمَشْهُور أَولهَا كَمَا مر فَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار عَلَيْهِ، وَإِذا وَجَبت الْيَمين على المُشْتَرِي لشبهه فَلهُ أَن لَا يحلف حَتَّى يشْهد على الشَّفِيع بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَة، كَمَا أَن من قَامَ لَهُ شَاهد بِحَق فَلَا يحلف حَتَّى يعْذر للْمَشْهُود عَلَيْهِ هَل يجرح شَاهده أم لَا؟ لِئَلَّا يجرح فتذهب يَمِينه بَاطِلا قَالَه
فِي المعيار. قَالَ: وَحَاصِله كل يَمِين يتَوَقَّع عدم إفادتها للْحَالِف فَلهُ أَن يقف عَنْهَا حَتَّى يتَحَقَّق إفادتها، وَذكر أَيْضا أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل لفساد الزَّمَان عدم اعْتِبَار دفع الثّمن بِالْبَيِّنَةِ وَأَن الْيَمين تجب مَعَ ذَلِك فاعرفه اه. وَذكر فِي الطرر عَن المشاور مثل مَا مر عَن المعيار قَالَ: لَو قَالَ المُشْتَرِي: لَا أَحْلف حَتَّى يلْتَزم الشَّفِيع الْأَخْذ بِالشُّفْعَة، وَلَا يكون عَليّ بِالْخِيَارِ فَذَلِك لَهُ، وَمَتى حلف لزمَه الْأَخْذ على مَا أحب أَو كره اه. وَفهم مِنْهُ أَنه لَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يَقُول: لَا أَحْلف حَتَّى يحضر الشَّفِيع المَال، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا أفتى بِهِ الجولاني وَغَيره، وَإِنَّمَا على الشَّفِيع أَن يلْتَزم الْأَخْذ كَمَا ترى، وَفهم من قَول النَّاظِم فَالْقَوْل قَول مُشْتَر الخ. أَن الْخلاف بَين الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي كَمَا قَررنَا، وَأما لَو كَانَ الْخلاف بَين المُشْتَرِي وَالْبَائِع فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان حَيْثُ لم يفت الشّقص بهدم أَو بِنَاء أَو نَحْوهمَا وَلَا شُفْعَة حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو أنكر المُشْتَرِي البيع وَحلف فَلَا شُفْعَة أَيْضا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ قَول (خَ) أَو أنكر المُشْتَرِي الشِّرَاء وَحلف الخ. وَالْحَاصِل أَن الشَّفِيع إِذا ادّعى البيع عَلَيْهِمَا فَأقر بِهِ أَحدهمَا وَأنكر الآخر وَلم يحلف فَتجب الشُّفْعَة بِلَا يَمِين على الشَّفِيع حَيْثُ كَانَت دَعْوَى اتهام، فَإِن أنكرا مَعًا فَقَالَ ابْن لبَابَة: إِن حلف البَائِع سَقَطت دَعْوَى الشُّفْعَة، فَإِن نكل حلف المُشْتَرِي وَسَقَطت الشُّفْعَة أَيْضا، فَإِن نكل حلف الشَّفِيع وَأخذ بِالشُّفْعَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد صَالح: لَا شُفْعَة وَلَا يَمِين على وَاحِد مِنْهُمَا، وَصَوَّبَهُ ابْن سهل وَكَذَا الْبُرْزُليّ قَائِلا: فمفهوم قَوْلهَا تحَالفا أَنَّهُمَا لَو لم يحلفا وتفاسخا فَيكون أَحْرَى فِي عدم الشُّفْعَة، لِأَنَّهَا إِذا لم تثبت بإنكار أَحدهمَا فأحرى أَن لَا تثبت بإنكارهما مَعًا اه. وَأما إِذا فَاتَ الشّقص بيد المُشْتَرِي فَالْقَوْل قَوْله إِن أشبه فَإِن نكل بعد الْفَوات أَو قبله وَحلف البَائِع أَن البيع وَقع بِعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، فَهَل يَأْخُذ الشَّفِيع شفعته بهَا أَو يَأْخُذهَا بِمَا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي؟ وَهُوَ خَمْسَة لِأَن مَا زَاد عَلَيْهَا قد ظلمه بِهِ البَائِع، وَلَو رَجَعَ المُشْتَرِي إِلَى مَا قَالَه البَائِع لم يقبل مِنْهُ قَولَانِ. ثَانِيهمَا هُوَ الَّذِي صدر بِهِ اللَّخْمِيّ وَرجحه قَالَ: وَإِن أحب الشَّفِيع قبل أَن يفْسخ البيع أَن يشفع بِعشْرَة وَيكْتب عهدته على المُشْتَرِي بِخَمْسَة وعَلى البَائِع بِخَمْسَة كَانَ ذَلِك لَهُ على قَول ابْن الْقَاسِم، وَإِن كره المُشْتَرِي وَلَيْسَ ذَلِك لَهُ على قَول أَشهب قِيَاسا على قوليهما إِذا اسْتحق بعض الأَرْض وَكَانَ ذَلِك عَيْبا يُوجب الرَّد فَرضِي الشَّفِيع بِالْأَخْذِ وَأَرَادَ المُشْتَرِي الرَّد فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: ذَلِك للشَّفِيع، وَلم يرد ذَلِك أَشهب للعهدة الَّتِي تكْتب عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الِاخْتِلَاف فِي الثّمن أحسن فَلهُ الشُّفْعَة قبل التَّحَالُف أَو بعد يَمِين أَحدهمَا الشُّفْعَة وَإِن حلفا على القَوْل إِن البيع مُنْعَقد حَتَّى يحكم بفسخه انْتهى بِاخْتِصَار. وَمَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مَهْمَا يَدَّعِي بَيْعاً لِشَقْصٍ حِيزَ بِالتَّبَرُّعِ (وَمن لَهُ الشُّفْعَة مهما يَدعِي بيعا لشقص حيّز بالتبرع) أَي أشهد صَاحبه أَنه تبرع عَلَيْهِ بِهِبَة الشّقص أَو صدقته. فَمَا ادَّعَاهُ فعَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ وَخَصْمُهُ يَمِينُهُ مُعَيَّنَهْ
(فَمَا ادَّعَاهُ) الشَّفِيع من البيع (فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة) أَنه بيع لَا تبرع (و) إِذا لم يجد بَيِّنَة تشهد بِالْبيعِ وَقَالَ: أَخَاف أَن يكون قد بَاعه فِي السِّرّ وَأشْهد بالتبرع فِي الْعَلَانِيَة فَإِن (خَصمه) وَهُوَ الْمُتَبَرّع عَلَيْهِ (يَمِينه مُعينَة) وَاجِبَة عَلَيْهِ مُتَّهمًا كَانَ أم لَا. وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على البَائِع وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يحلف أحد ليستحق غَيره، وَمحل مَا للناظم مَا لم يكثر التحيل بِإِظْهَار التَّبَرُّع لإِسْقَاط الشُّفْعَة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض. وَالشِّقْصُ لاثَنْينِ فأَعْلَى مُشْتَرَى يُمْنَعُ أَنْ يُؤُخذ مِنْهُ مَا يَرَى (والشقص) مُبْتَدأ (لاثْنَيْنِ فأعلى) كثلاثة أَو أَكثر (مشترى) حَال ولاثنين مُتَعَلق بِهِ، وَالْجُمْلَة بعده خبر، وَالْمعْنَى أَن الشّقص فِي حَال كَونه مشترى لاثْنَيْنِ فَأكْثر (يمْنَع أَن يَأْخُذ) الشَّفِيع (مِنْهُ مَا يرى) من نصيب أحد المشتريين دون الآخر إِلَّا بِرِضَاهُ. إنْ كَانَ مَا اشْتَرَى صَفْقَةً وَمَا فِي صَفَقَاتٍ مَا يَشَاءُ الْتَزَمَا (إِن كَانَ مَا اشْترى صَفْقَة) أَي عقدا وَاحِدًا شَرط فِي الْمَنْع الْمَذْكُور فالمدار على اتِّحَاد الصَّفْقَة أَي العقد وَكَلَامه شَامِل لأَرْبَع صور. إِحْدَاهَا: أَن يتحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي كمن بَاعَ حِصَّة من دَار أَو دور صَفْقَة لشخص فَلَيْسَ للشَّرِيك فِي تِلْكَ الدّور أَن يشفع بعض الدّور دون الْبَعْض الآخر، وَهِي مفهومة من كَلَامه بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا لم يشفع بعض مَا اشْتَرَاهُ الِاثْنَان فَأكْثر فأحرى أَن لَا يشفع بعض مَا اشْتَرَاهُ الْوَاحِد. الثَّانِيَة: أَن يتحد البَائِع والشقص ويتعدد المُشْتَرِي كمن بَاعَ حِصَّته من دَار لثَلَاثَة مثلا صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِن الشَّفِيع كَانَ وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا إِمَّا أَن يشفع الْجَمِيع أَو يتْرك الْجَمِيع، وَلَيْسَ لَهُ أَن يشفع من بعض لعدم رِضَاهُ بشركته دون بعض لرضاه بِهِ. الثَّالِثَة: أَن يَتَعَدَّد البَائِع والشقص وَالْمُشْتَرِي كَأَن يكون لثَلَاثَة مَعَ رَابِع شركَة هَذَا يُشَارِكهُ فِي دَار، وَهَذَا يُشَارِكهُ فِي حَانُوت، وَهَذَا يُشَارِكهُ فِي بُسْتَان فَبَاعَ الثَّلَاثَة أنصباءهم من رجل وَاحِد بعد تقويمها أَو بعد تَسْمِيَته لكل نصِيبه ثمنا صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِن الشَّفِيع وَاحِدًا كَانَ كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور أَو مُتَعَددًا حَيْثُ اشْتَركُوا مَعَهم فِي كل حِصَّة، إِمَّا أَن يَأْخُذ الْجَمِيع أَو يتْرك الْجَمِيع. الرَّابِعَة: كَالَّتِي قبلهَا
إِلَّا أَن المُشْتَرِي مُتحد وَيفهم حكمهَا مِمَّا قبلهَا بالأحرى، فمنطوق النَّاظِم هُوَ الصورتان الوسطيان والطرفان مفهومان مِنْهُ بالأحرى، وَإِنَّمَا اقْتصر على الوسطيين لِأَنَّهُمَا مَحل الْخلاف، فمذهب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم وَنَحْوه. قَول (خَ) : وَإِن اتّحدت الصَّفْقَة وتعددت الحصص وَالْبَائِع لم يَتَبَعَّض كتعدد المُشْتَرِي على الْأَصَح الخ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ والتونسي هُوَ مَذْهَب أَشهب وَسَحْنُون: إِن للشَّفِيع أَن يَأْخُذ مِمَّن شَاءَ من المشتريين وَيتْرك من شَاءَ. ابْن رشد: وَهُوَ الْأَصَح. ابْن يُونُس عَن بعض الْفُقَهَاء: إِنَّه الصَّحِيح لِأَن الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ إِذْ قد أَخذ مِنْهُ جَمِيع مَا فِي يَده، وَبِه كَانَ ابْن الْقَاسِم يَقُول بِهِ أَولا، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ إِلَى مَا فِي النّظم و (خَ) ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيح الْمُفْتى بِهِ فِي تعدد المُشْتَرِي خلاف مَا فِي النّظم و (خَ)، وَلذَا جعل بعض شراحه التَّشْبِيه فِي مَفْهُوم قَوْله: وَإِن اتّحدت أَي فَإِن لم تتحد فَيجوز التَّبْعِيض كتعدد المُشْتَرِي الخ. فَهُوَ يُشِير إِلَى أَن مَا فِي الْمُدَوَّنَة لَا يُقَاوم مَا صَححهُ الشُّيُوخ، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر من أَن الشَّفِيع إِذا أسقط لكذب فِي المُشْتَرِي بِالْكَسْرِ لَا يلْزمه الْإِسْقَاط (وَمَا) مُبْتَدأ (فِي صفقات) أَي عُقُود يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة الْمَوْصُول (مَا يَشَاء) مفعول بقوله (التزما) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: وَالْعَقار الَّذِي اشْترى فِي صفقات من بَائِع وَاحِد أَو مُتَعَدد الْتزم الشَّفِيع وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا مَا يَشَاء مِنْهُ، فَيَأْخُذ مَا يَشَاء وَيتْرك مَا يَشَاء غير أَنه إِذا شفع الصَّفْقَة الأولى فَلَا دُخُول للْمُشْتَرِي، وَإِلَّا دخل مَعَه، فَإِذا باعت إِحْدَى الزوجتين مثلا حظها فِي ثَلَاث صفقات بِرَجُل وَاحِد أَو لثَلَاثَة رجال، فَإِن أخذت الْأُخْرَى الصَّفْقَة الأولى فَلَا دُخُول للْمُشْتَرِي مَعهَا، وَإِن أخذت الثَّانِيَة وسلمت الأولى فَإِن المُشْتَرِي يشاركها بِقدر نصِيبه، وَكَذَا إِن أخذت الثَّالِثَة فَإِنَّهُ يشاركها فِيهَا بِقدر الصفقتين الْأَوليين لِأَن المُشْتَرِي ينزل منزلَة البَائِع كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه السَّابِع عِنْد قَوْله: وغائب بَاقٍ عَلَيْهَا وَكَذَا الخ. وَالشُّرَكَاءُ لِلشَّفِيعِ وَجَبَا أَنْ يَشْفَعُوا مَعهُ بِقَدْرِ الأَنصِبَا (و) الشفعاء (الشُّرَكَاء للشَّفِيع) فِي الشُّفْعَة (وجبا أَن يشفعوا مَعَه بِقدر الانصبا) ء فَمن كَانَ لَهُ الرّبع فَلهُ ربع الْمَبِيع، وَمن لَهُ الثّمن فَلهُ ثمنه، وَهَكَذَا فَإِذا كَانَت دَار بَين أَرْبَعَة مثلا لوَاحِد الثّمن وَللْآخر الثّمن أَيْضا وَللْآخر الرّبع وَللْآخر النّصْف بَاعه لأَجْنَبِيّ، فَإِن الْمَبِيع يقسم بَينهم فَلصَاحِب الرّبع نصفه ولصاحبي الثمنين النّصْف الآخر، فَيكون لصَاحب الرّبع نصفهَا، وَلكُل من صَاحب الثّمن ربعهَا، فَإِن بَاعه لأحد الشُّرَكَاء فَإِنَّهُ يتْرك لَهُ حِصَّته على تَقْدِير أَن لَو كَانَ بَاعه
لأَجْنَبِيّ، فَإِن بَاعه لمن هُوَ أقعد بهَا كَمَا لَو باعت إِحْدَى الزوجتين حظها لِلْأُخْرَى فَإِنَّهُ يتْرك لَهَا الْجَمِيع (خَ) : وَهِي على قدر الانصباء وَترك للشَّفِيع حِصَّته الخ. وَتعْتَبر الانصباء يَوْم قيام الشَّفِيع على الْمُعْتَمد لَا يَوْم الشِّرَاء وَتظهر الثَّمَرَة فِيمَا إِذا بَاعَ بعض حِصَّته يَوْم بيع شَرِيكه كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: وارثها لن يبطلا، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا على قدر الانصباء فِيمَا يَنْقَسِم وَمَا لَا يَنْقَسِم وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد خلافًا لمن قَالَ: إِنَّهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِم على عدد الرؤوس. وَمَا بَعَيْبٍ حُطّ بالإطْلَاقِ عنِ الشَّفِيعِ حُطَّ باتِّفَاقِ (وَمَا لعيب) يتَعَلَّق بقوله: (حط بِالْإِطْلَاقِ عَن الشَّفِيع) مُتَعَلق بقوله: (حط بِاتِّفَاق) . وَالْمعْنَى أَن مَا حطه البَائِع من الثّمن على المُشْتَرِي لأجل عيب ظهر بِالْمَبِيعِ، سَوَاء كَانَ ذَلِك الْعَيْب يُوجب قِيمَته لقلته وَهُوَ مَا لَا رد مَعَه كَمَا مرّ فِي عُيُوب الْأُصُول أَو كَانَ عَيْبا يُوجب الرَّد فَصَالحه على حط بعض الثّمن أَو حدث عِنْد المُشْتَرِي عيب يمْنَع الرَّد، فَرجع بِأَرْش الْقَدِيم فَإِن ذَلِك يحط عَن الشَّفِيع فِي الْوُجُوه كلهَا (خَ) : وَحط مَا حط لعيب أَو لهبة إِن حط عَادَة أَو أشبه الثّمن بعده الخ. وَنَحْوه قَول الشَّامِل: وَحط عَن الشَّفِيع مَا حط لموجب كَغَيْرِهِ إِن اُعْتِيدَ وأشبه أَن يكون مَا بَقِي ثمنا اه. وَهَذَا إِذا اطلع على الْعَيْب قبل أَخذ الشَّفِيع، وَأما لَو اطلع المُشْتَرِي على الْعَيْب بعد أَخذ الشَّفِيع فَإِنَّهُ لَا شَيْء لَهُ فَإِن رد الشَّفِيع عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ رد هُوَ حِينَئِذٍ على البَائِع كَمَا فِي ابْن شَاس. تَنْبِيه: فَإِن زَاد المُشْتَرِي للْبَائِع شَيْئا بعد البيع فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب: لَا يلْزم الشَّفِيع شَيْء من ذَلِك. قَالَ أَشهب: وللمبتاع أَن يرجع على البَائِع بِمَا زَاده بعد أَن يحلف مَا زَاده إِلَّا فِرَارًا من الشُّفْعَة وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَلَا يُحِيلُ مُشَتَرٍ لِبائِعِ على الشَّفِيع لاقْتِضاءٍ مَانِعِ (و) إِذا بَاعَ شقصه بِثمن إِلَى أجل مثلا فَقَامَ الشَّفِيع وَأَخذه بِمثل الثّمن للأجل ف (لَا يحِيل مُشْتَر لبائع) اللَّام زَائِدَة أَي يحِيل المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن الْمُؤَجل (على الشَّفِيع لاقْتِضَاء مَانع)
بِالْإِضَافَة لِأَن الْحِوَالَة إِنَّمَا تصح بِمَا حل كَمَا مر وَدين البَائِع لم يحل على المُشْتَرِي حَتَّى يحيله بِهِ على الشَّفِيع (خَ) : وَلَا تجوز إِحَالَة البَائِع بِهِ الخ. فَإِن كَانَ الشَّفِيع معدماً لزمَه الضَّامِن أَو التَّعْجِيل كَمَا سيقوله، وَإِلَّا منعت شفعته فَلَو قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي: أَنا أضمن لَك الثّمن عَن الشَّفِيع لم يجز أَيْضا كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ عَنْ مُسْتَشْفِعٍ لِمُشْتَرٍ مِنْهُ الثَّمَنْ (وَلَيْسَ للْبَائِع أَن يضمن عَن مستشفع لمشتر مِنْهُ الثّمن) مفعول يضمن، وَإِنَّمَا لم يجز ضَمَانه لما لَهُ فِي ذَلِك من الْمَنْفَعَة، إِذْ لَعَلَّ الشّقص لَا يُسَاوِي الثّمن، فَإِذا لم يشفع الشَّفِيع لم يجد البَائِع عِنْد المُشْتَرِي وَفَاء بِثمنِهِ عِنْد حُلُول الْأَجَل والحمالة مَعْرُوف كالقرض، فَلَا يجوز أَن يَأْخُذ عَنْهَا عوضا وَلَا يجر بهَا نفعا قَالَه ابْن رشد، وَنَقله ابْن سَلمُون وَأَبُو الْحسن وَغَيرهمَا مُسلما. قلت: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة رَاجع لِمَعْنى الإحالة لِأَن الشَّفِيع إِذا لم يؤد الثّمن فَإِن البَائِع يسْقطهُ عَن المُشْتَرِي فَكَأَن البَائِع قَالَ: أَنا أرْضى بِاتِّبَاع ذمَّة الشَّفِيع إِن لم يؤد الثّمن، وَهَذِه حِوَالَة فِي الْمَعْنى فَيكون البَائِع قد بَاعَ الدّين الَّذِي لَهُ فِي ذمَّة المُشْتَرِي بِالدّينِ الَّذِي فِي ذمَّة الشَّفِيع فَلَو عللت الْمَسْأَلَة بِهَذَا لَكَانَ أظهر لِأَنَّهَا جَارِيَة، وَلَو كَانَ الشّقص يُسَاوِي الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ البيع وَالله أعلم. وَيَلْزَمُ الشَّفِيعُ حَالُ مَا اشْتُرِي مِنْ جِنْسٍ أَوْ حُلُولٍ أَوْ تَأَخُّرِ (وَيلْزم الشَّفِيع حَال) أَي صفة (مَا) أَي الثّمن الَّذِي (اشْترى) بِهِ الشّقص (من جنس) بَيَان لحَال، وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ الصِّنْف أَي فَيلْزمهُ أَن يشفع بصنف الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الشِّرَاء، فَإِذا وَقع الشِّرَاء بِذَهَب أَو شعير لزم الشَّفِيع مثل ذَلِك، وَهَكَذَا فِي سَائِر الْمِثْلِيَّات وَيدخل فِيهَا الْعرض الْمَوْصُوف، فَإِذا اشْترى شِقْصا بِعرْض مَوْصُوف فِي ذمَّته لشهر فَإِن الشُّفْعَة تكون بِمثل ذَلِك الْعرض لذَلِك الْأَجَل. نعم يشفع فِي الْمُقَوّم الْمعِين كَثوب أَو عبد مُعينين بِقِيمَتِه يَوْم العقد كَمَا مر فِي قَوْله: كَذَاك ذُو التعويض ذَا فِيهِ يجب. وَتقدم هُنَاكَ أَنه يشفع بِقِيمَة الشّقص الْمَأْخُوذ مهْرا أَو خلعاً أَو صلح عمد أَو مقاطعاً بِهِ عَن عبد أَو مكَاتب أَو عمرى، وَفِي الْمُدَوَّنَة: مَا اشْترى بكرَاء بل إِلَى مَكَّة فبمثل كرائها إِلَى مَكَّة، وَمَا
اشْترِي بِإِجَارَة أجِير سنة فبقيمة الْإِجَارَة اه. وَيدخل فِي قَوْلهَا: وَمَا اشْترى بِإِجَارَة الخ. المغارسة لِأَنَّهَا من الْجعل كَمَا فِي ابْن يُونُس وَغَيره، فَإِذا أعطَاهُ أَرضًا مغارسة وَله إشراك حُضُور لم يعقدوا مَعَ الغارس شَيْئا أَو كَانُوا غيباً، فَإِن الشَّرِيك يَأْخُذ نصِيبه بعد دفع قيمَة الْغَرْس مقلوعاً، وَله أَن يَأْخُذ نصيب الغارس بعد وُجُوبه لَهُ بإطعام وَنَحْوه بِالشُّفْعَة وَلَا تسْقط شفعته إِلَّا بِمُضِيِّ سنة من يَوْم اسْتَحَقَّه الغارس بِتمَام عمله أَي مَعَ حُضُور الشَّفِيع وَعلمه كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وغائب بَاقٍ عَلَيْهَا الخ. وَظَاهر النّظم أَنه يَأْخُذ بِجِنْس الثّمن، وَلَو كَانَ الشّقص مأخوذاً عَن دين فِي ذمَّة البَائِع وَأَنه إِنَّمَا يشفع بِمثل ذَلِك الدّين وجنسه وَهُوَ كَذَلِك على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ معنى قَول (خَ) بِمثل الثّمن وَلَو دينا وَمحله مَا لم يتحيل بِالزِّيَادَةِ فِي الدّين على إِسْقَاطهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض الخ. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يشفع بِقِيمَة الدّين لَا بِمثلِهِ فَيقوم الدّين بِالْعرضِ ويدفعه الْآن. قَالَ: لِأَن حكمه حكم الْعرض حل أَو لم يحل، وعَلى الأول فَإِن أَخذه عَن دين لم يحل أَو حل وَقَامَ الشَّفِيع وَأخذ بِالشُّفْعَة فَإِنَّهُ يسْتَأْنف لَهُ أجل قدر أجل الدّين على الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. (أَو حُلُول) أَي فَإِن كَانَ الثّمن حَالا فَإِنَّهُ يلْزم الشَّفِيع أَن يُؤَدِّيه حَالا أَيْضا، ويؤجل لَهُ ثَلَاثًا كَمَا مر فِي فصل الْآجَال. (أَو تَأَخّر) أَي تَأْجِيل فَإِذا اشْترى الشّقص بِثمن إِلَى سنة مثلا فَإِن الشَّفِيع يُؤَخر بِهِ إِلَى مثل السّنة، وَظَاهره أَنه يُؤَخر إِلَى مثل السّنة وَلَو شفع عِنْد انْقِضَائِهَا وَهُوَ كَذَلِك عِنْد مَالك ومطرف وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب وَابْن يُونُس وَابْن رشد وَاللَّخْمِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي (ز) لِأَن الشَّفِيع يجب أَن ينْتَفع بِتَأْخِير الثّمن كَمَا انْتفع بِهِ المُشْتَرِي، وَقَالَ أصبغ وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة: إِذا شفع عِنْد انْقِضَاء الْأَجَل فَلَا يسْتَأْنف لَهُ أجل ثَان لِأَن الْأَجَل الأول مَضْرُوب لَهما مَعًا. قَالَ الشَّيْخ بناني: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَفهم من قَوْله حَال المُشْتَرِي أَن المُشْتَرِي إِذا أعْطى رهنا أَو حميلاً فَإِن الشَّفِيع يلْزمه مثل ذَلِك وإلاَّ فَلَا شُفْعَة لَهُ، وَلَو كَانَ مَلِيًّا إِلَّا أَن يعجل الثّمن وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. فَإِن اشْترى بِغَيْر رهن وَلَا حميل فَإِن الشَّفِيع لَا يلْزمه وَاحِد مِنْهُمَا حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا أَو تساوى مَعَ المُشْتَرِي فِي الْعَدَم على الْمُخْتَار عِنْد اللَّخْمِيّ، وإلاَّ بِأَن لم يتساو مَعَه فِي الْعَدَم، بل كَانَ أَشد مِنْهُ عدماً فَلَا شُفْعَة لَهُ إِلَّا أَن يعجل الْحق أَو يَأْتِي بضامن كَمَا قَالَ: وَحَيْثُمَا الشَّفِيعُ لَيْسَ بالْمَلِي قِيلَ لَهُ سُقْ ضَامِناً أَوْ عَجِّلِ (وحيثما الشَّفِيع لَيْسَ بالملي قيل لَهُ سُقْ ضَامِنا أَو عجل) . وَإِذا عجله فَلَا يلْزم الْمُبْتَاع أَن
يعجله للْبَائِع، فَإِن عجز الشَّفِيع عَن الضَّامِن أَو التَّعْجِيل وأبى المُشْتَرِي من أَخذ الشّقص وَقَالَ: لَا أقبله مِنْهُ لِأَنَّهُ قد لزمَه بِالْأَخْذِ، فَإِن الشّقص يُبَاع مَعَ الْحَظ الَّذِي وَجَبت بِهِ الشُّفْعَة ويعجل للْمُشْتَرِي ثمنه كَمَا مر عِنْد قَوْله: كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع للثّمن الخ. وَمَا يَنُوبُ المُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى يَدْفَعَهُ لَهُ الشفِيعُ مُحْضَرا (وَمَا يَنُوب المُشْتَرِي فِيمَا اشْترى) من أُجْرَة دلال حَيْثُ كَانَت عَلَيْهِ فِي عَادَة الْبَلَد وَكتب عقد الشِّرَاء أَو ثمن مَا يكْتب فِيهِ (يَدْفَعهُ لَهُ الشَّفِيع محضرا) من غير تَأْجِيل وَهُوَ مَنْصُوب على الْحَال وَلَيْسَ ضَرُورِيّ الذّكر لِأَنَّهُ يُغني عَنهُ قَوْله: وَيلْزم الشَّفِيع حَال مَا اشْترى الخ. وَهَذَا إِذا دفع فِي ذَلِك الْمُعْتَاد من الْأُجْرَة وإلاَّ فَلَا يلْزمه مَا زَاد عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه يلْزمه دفع المكس إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد أعطَاهُ، وَهُوَ كَذَلِك على قَول فيفهم مِنْهُ تَرْجِيحه لِأَن المُشْتَرِي لم يتَوَصَّل للشقص إِلَّا بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَدْخُول عَلَيْهِ الْبِسَاطِيّ وَمِمَّا يتَوَقَّف فِيهِ إِذا دفع أَكثر من الْمُعْتَاد لتحصيله بِأَقَلّ من ثمنه الْمُعْتَاد اه. قلت: الظَّاهِر إِن ذَلِك لَازم للشَّفِيع لِأَنَّهُ قد عَاد نفع ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا وَجه للتوقف فِيهِ قَالَ: وَإِذا جرت الْعَادة بِأَن على البَائِع من الْغرم كَذَا وعَلى المُشْتَرِي كَذَا، فَدفع المُشْتَرِي مَا وَجب على البَائِع من ذَلِك، ثمَّ أَخذ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم الشَّفِيع إِلَّا مَا يلْزم إِلَّا المُشْتَرِي، وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع لِأَنَّهُ لم يتم لَهُ البيع اه. قلت: وَمِمَّا يَقع فِي هَذَا الزَّمَان كثيرا أَن المُشْتَرِي يَشْتَرِي بِمِائَة مثلا، وَيشْتَرط على البَائِع أَن يذهب للشركاء بوكالة مِنْهُ ويخاصمهم حَتَّى يسلمُوا أَو يشفعوا، فَصَارَ بعض الثّمن أُجْرَة على الْخِصَام، فَإِن شفع الشُّرَكَاء كلهم فَلَا إِشْكَال أَنه يحط عَنْهُم من الثّمن مَا يَنُوب أجره الْمثل لِأَنَّهُ لم يعد عَلَيْهِم نفع من تِلْكَ الْوكَالَة وَإِن أَخذ بعض وَأسْقط الْبَعْض الآخر فَيُقَال: قد انْتفع الْآخِذ بِتِلْكَ الْوكَالَة وَعَاد نَفعهَا عَلَيْهِ فَيلْزمهُ مَا بذله المُشْتَرِي من الْأُجْرَة زِيَادَة على الثّمن الْمُعْتَاد مَا لم يسرف وَالله أعلم.
(فصل فِي الْقِسْمَة)
وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة تصيير مشَاع من مَمْلُوك مالكين معينا وَلَو باختصاص تصرف فِيهِ بِقرْعَة أَو ترَاض اه. فَقَوله: من مَمْلُوك يتَعَلَّق بمشاع، وَمن للْبَيَان أَي الْمشَاع الَّذِي هُوَ مَمْلُوك لمالكين وَلَو حذفهما وَجعل مَمْلُوكا صفة لمشاع لكفاه، وَفِي بعض النّسخ فَأكْثر بعد قَوْله مالكين، وَبِه يصير الْحَد جَامعا. وَقَوله: معينا مفعول ثَان لتصيير، ومفعوله الأول هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَلم يَأْتِ بِمعين للإخراج بل للإيضاح وَالْبَيَان، لِأَن قيود الْحُدُود لَا يلْزم أَن تكون كلهَا للإخراج والاحتراز، فَلَا يُقَال احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا صيره غير معِين لِأَنَّهُ لَا يُمكن، وَقَوله: وَلَو باختصاص الخ. مَا قبل الْمُبَالغَة مَحْذُوف وَتَقْدِيره صيره معينا باختصاص فِي الرّقاب بِقرْعَة أَو ترَاض، بل وَلَو كَانَ التَّعْيِين باختصاص فِي الْمَنَافِع فَقَط مَعَ بَقَاء الأَصْل مشَاعا كسكنى دَار أَو خدمَة عبد هَذَا شهرا وَهَذَا شهرا اه. وَلِهَذَا كَانَ الأولى أَن يُؤَخر هَذِه الْمُبَالغَة عَن قَوْله بِقرْعَة أَو ترَاض وَيصير الْحَد هَكَذَا تصيير مشَاع مَمْلُوك لمالكين فَأكْثر معينا بِقرْعَة أَو ترَاض، بل وَلَو باختصاص تصرف فِيهِ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيدْخل قسم مَا على مَدين وَلَو غَائِبا يَعْنِي لقَوْله فِي الْمُدَوَّنَة؛ وَإِن ترك ديوناً على رجال لم يجز للْوَرَثَة أَن يقسموا الرِّجَال فيصيروا ذمَّة بِذِمَّة، وليقسموا مَا على كل وَاحِد اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَجَاز أَخذ وَارِث عرضا وَآخر دينا إِن جَازَ بَيْعه الخ. وَيخرج تعْيين مُعتق أحد عَبْدَيْنِ أَحدهمَا أَو تعْيين مُشْتَر أحد ثَوْبَيْنِ أَحدهمَا، وَتَعْيِين مُطلق عدد موصى بِهِ من أَكثر مِنْهُ بِمَوْت الزَّائِد عَلَيْهِ قبل تَعْيِينه بِالْقِسْمَةِ اه. وَخُرُوج الثَّلَاثَة بقوله: مشَاع الخ. إِذْ لَا شياع فِي الثَّلَاثَة، وَيحْتَمل أَن تخرج بقوله بِقرْعَة أَو ترَاض إِذْ لَا قرعَة فِي الثَّلَاثَة أَيْضا. ثمَّ هِيَ ثَلَاثَة أَنْوَاع: قسْمَة قرعَة بعد تَعْدِيل وتقويم، وَقِسْمَة مراضاة كَذَلِك، وَقِسْمَة مراضاة من غير تَعْدِيل وَلَا تَقْوِيم، فالقسم الأول هُوَ الَّذِي يحكم بِهِ وَهُوَ بيع عِنْد مَالك، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَقيل: إِنَّهَا تَمْيِيز حق وَهُوَ الْأَصَح عِنْد عِيَاض وَابْن رشد وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وقرعة وَهِي تَمْيِيز حق. وَأما الْقسم الثَّانِي: فَبيع على الْمَشْهُور، وَأما الثَّالِث: فَبيع بِلَا خلاف وَإِلَى هَذِه الْأَنْوَاع أَشَارَ النَّاظِم بقوله: ثَلَاثٌ الْقِسْمَةُ فِي الأَصُولِ وَغَيْرِهَا تَجُوزُ مَعْ تَفْصِيلِ
(ثَلَاث) خبر عَن قَوْله (الْقِسْمَة فِي الْأُصُول وَغَيرهَا) يَعْنِي من الْعرُوض وَالْحَيَوَان ثمَّ أجَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ: وَمَا حكمهَا وَهل هِيَ جَائِزَة فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة؟ فَقَالَ: (تجوز مَعَ تَفْصِيل) فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ثمَّ بَين هَذَا التَّفْصِيل فَقَالَ: فَقِسْمَةُ القُرْعَةِ بالتَّقْوِيمِ تَسُوغُ فِي تَماثُلِ المَقْسُومِ (فقسمة الْقرعَة بالتقويم) لكل حَظّ (تسوغ فِي تماثل الْمَقْسُوم) أَو تقاربه غير أَنه إِذا تَسَاوَت أَجزَاء الْمَقْسُوم فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْوِيم لِأَنَّهُ يعرف التَّسَاوِي بِدُونِهِ، وَيقسم حِينَئِذٍ بالذراع والمساحة أَو الْعدَد وَنَحْو ذَلِك. نعم مَا تفاوتت أجزاؤه فَلَا بُد فِيهِ من التَّقْوِيم فتجمع الدّور على حدتها، والأقرحة أَي الْفَدادِين على حدتها، والأجنات على حدتها، وَالْبَقر صغيرها وكبيرها على حدتها، وَالْإِبِل كَذَلِك على حدتها، وَالرَّقِيق كَذَلِك على حِدته، وَالْحمير صغيرها وكبيرها على حِدته، وَالْبِغَال كَذَلِك. وَهَكَذَا، ثمَّ يجزأ الْمَقْسُوم من كل نوع بِالْقيمَةِ على أقلهم نَصِيبا ويقترعون، وَلَيْسَ لَهُم أَن يجْعَلُوا الْبَقر مثلا فِي نَاحيَة وَالْعَقار أَو الْإِبِل الَّتِي تعادلها فِي الْقيمَة فِي نَاحيَة ويقترعون، لِأَن الْقرعَة لَا يجمع فِيهَا بَين جِنْسَيْنِ وَلَا يَفِي ذَلِك من الْغرَر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: كَذَاك فِي اخْتِلَاف الْأَجْنَاس الخ. فَإِن كَانَ هُنَاكَ نوع لَا يقبل الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَإِنَّهُ لَا يضم إِلَى غَيره فِي الْقرعَة، بل يتْرك حَتَّى يتراضيا على شَيْء فِيهِ أَو يُبَاع وَيقسم ثمنه وَيشْتَرط فِي جمع الدّور والأقرحة أَن تتساوى رَغْبَة ونفاقاً كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَعطف النِّفَاق على الرَّغْبَة من عطف التَّفْسِير كَمَا حَقَّقَهُ طفي، فَالْمُرَاد بالنفاق على هَذَا كَون كل من الدّور والفدادين فِي مَحل مَرْغُوب فِيهِ، إِمَّا عِنْد الشُّرَكَاء والأجانب، أَو عِنْد الشُّرَكَاء فَقَط، وَيجمع البعل للسيح على الْمَشْهُور، فَإِن اخْتلف فِي النِّفَاق كَمَا لَو كَانَ بَعْضهَا مجاوراً لِلْمَسْجِدِ أَو السُّوق أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يرغب فِي الْقرب مِنْهُ، وَغَيره فِي مَحل آخر لَا يرغب فِيهِ لم يجمع وَيقسم كل على حِدته إِن أمكن وإلاَّ بيع، وَقسم ثمنه إِن لم يتراضيا على شَيْء، وَيشْتَرط أَيْضا أَن تتقارب أمكنتها فِي الْمسَافَة كميل أَو ميلين. اللَّخْمِيّ:
فَإِن كَانَت الداران فِي محلّة وَاحِدَة أَو محلتين متقاربتين جمعتا فِي الْقرعَة، وَسَوَاء كَانَتَا فِي طرف الْبَلَد أَو وَسطه، وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا فِي طرفه وَالْأُخْرَى فِي وَسطه أَو فِي طَرفَيْهِ لم يجمعا، وَإِن كَانَتَا فِي وَسطه وتباين مَا بَين الْمَوْضِعَيْنِ كإحداهما فِي محلّة شريفة وَالْأُخْرَى فِي محلّة مَرْغُوب عَنْهَا لم يجمعا، وَقد يسْتَحق ذَلِك فِي الْبَلَد الصَّغِير وَإِن اخْتلف الدّور فِي الصّفة فَكَانَ مِنْهَا الْجَدِيد وَالْقَدِيم الرث، وَهِي ذَات عدد قسم الْجَدِيد على حِدة وَالْقَدِيم الرث على حِدة، وَإِن كَانَتَا دارين جَدِيدَة وقديمة جمعتا فِي الْقرعَة وَهِي ضَرُورَة، وَلَيْسَ كَالْأولِ لِأَن الأول لَهُ فِيهِ مندوحة اه. وَلَا تجمع أَيْضا دور غير غلَّة للحوانيت وَلَا لفندق أَو حمام، وَأما دور الْغلَّة فتجمع للحوانيت كَمَا فِي الشَّامِل. وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وأفرد كل نوع وَجمع دور وأقرحة إِن تَسَاوَت قيمَة ورغبة وتقاربت كالميل الخ. تَنْبِيه: إِذا كَانَ بعض الْفَدادِين أَو الدّور طيبا فَلَا بَأْس أَن يُزَاد لغير الطّيب ضعفه ليَقَع التعادل ويقترعان. قَالَ فِي الْمُنْتَخب، قلت: فَإِن كَانَت دور أَو داران بَين رجلَيْنِ وهما فِي الْموضع سَوَاء إِلَّا أَن الْبُنيان بعضه أطرى من بعض، فَجعل الْقَاسِم مَكَان الْبُنيان الْجَدِيد ضعفه من الْبُنيان الَّذِي قدرتّ وبلي وَعدل ذَلِك كُله بِالْقيمَةِ، ثمَّ ضرب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ أَيجوزُ هَذَا؟ قَالَ: نعم وَهَذَا هُوَ وَجه الْقِسْمَة اه. ثمَّ إِذا طلب بعض الشُّرَكَاء أَن يقسم كل فدان على حِدته وَلَا يضم إِلَى غَيره مَعَ وجود شُرُوط الضَّم أَو كل دَار على حدتها مَعَ وجود شُرُوط الضَّم أَيْضا وأبى غَيره من ذَلِك وَقَالَ: لَا بُد من الْجمع ليخرج حَظه مجتمعاً فِي فدان أَو أفدنة أَو دَار أَو دور متحدة، فَإِن القَوْل لطَالب الضَّم وَالْجمع وَلَا مقَال لمن قَالَ: أَنا لَا أخرج من هَذِه الدَّار وَلَا من هَذَا الفدان وَنَحْو ذَلِك. وَأما الأجنات فَإِنَّهُ يقسم كل صنف مِنْهَا على حِدته أَيْضا إِن قبل الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَإِن لم يقبلهَا فَإِنَّهُ يضم حَائِط التفاح لحائط الرُّمَّان وَيقسم إِن أمكن فَإِن لم يُمكن أَيْضا فَإِنَّهُ يُبَاع وَيقسم ثمنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وأفرد كل صنف كتفاح إِن احْتمل، فمفهومه أَنه إِذا لم يحْتَمل فَإِنَّهُ يضم إِلَى غَيره، وَإِن اخْتلفَا رَغْبَة وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فِي الْعقار والرباع لَا تشْتَرط فِي أَصْنَاف الثِّمَار كَمَا للأجهوري، وَيفهم من هَذَا أَن الْحَائِط الَّذِي فِيهِ شجر مُخْتَلفَة مختلطة يقسم مَا فِيهِ بِالْقُرْعَةِ بالأحرى، وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا يصير فِي حَظّ أحدهم من الألوان للضَّرُورَة، ثمَّ مَا تقدم من أَنه لَا يجمع فِيهَا بَين نَوْعَيْنِ وَلَا بَين متباعدين فِي النِّفَاق والمسافة، وَإِن رَضوا هُوَ الْمَشْهُور لما فِي ذَلِك من الْغرَر والخطر. وروى ابْن عَبدُوس عَن أَشهب أَنه يجوز الْجمع برضاهم وَلَو مَعَ اختلال الشُّرُوط، فَمن أَخذ بِهِ لَا يعنف عَلَيْهِ، وَأما الْبَز فَكَأَنَّهُ صنف وَاحِد أطلقهُ فِي الْكتاب على كل مَا يلبس صُوفًا كَانَ أَو خَزًّا أَو كتاناً أَو قطناً أَو حَرِيرًا، وَلَو كَانَ بعضه مخيطاً فَيقوم كل صنف على حِدته وَتجمع فِيهِ الْقرعَة مَا لم يحمل كل نوع الْقسم بِانْفِرَادِهِ، وإلاَّ فَلَا يجمع على الْمُعْتَمد (خَ) : وَجمع بز وَلَو كصوف وحرير الخ. وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرُ وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرُ (وَمن أَبى الْقسم بهَا) أَي بِالْقُرْعَةِ مَعَ وجود شُرُوطهَا (فَيجْبر) لمن دَعَا إِلَيْهَا وَيحكم عَلَيْهِ
بهَا (خَ) : وأجبر لَهَا كل إِن انْتفع كل الخ. وَبِهَذَا خَالَفت الْقرعَة قسْمَة المراضاة فَإِن المراضاة كَانَت مَعَ تَعْدِيل وتقويم أم لَا. لَهَا حكم البيع فِي الْعَيْب والاستحقاق وَالْقِيَام بِالْغبنِ وَعدم الْجَبْر وَنَحْو ذَلِك. وَأما الْقرعَة فتخالفها فِي الْجَبْر الْمَذْكُور وَفِي أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا فِيمَا تجانس أَو تماثل كَمَا مرّ. وَفِي الْقيام بِالْغبنِ فِيهَا (خَ) : وَنظر فِي دَعْوَى جور أَو غلط وَحلف الْمُنكر، فَإِن تفاحش أَو ثَبت نقضت كالمراضاة إِن أدخلا مُقَومًا الخ. وَفِي أَنَّهَا لَا يجمع فِيهَا بَين حظين كَمَا قَالَ:(وَجمع حظين بهَا مستنكر) أَي مَمْنُوع وَظَاهره اتّفقت الْأَنْصِبَاء أَو اخْتلفت كَانَت الْوَرَثَة ذَوي فرض فَقَط كَأُمّ وَزَوْجَة وأخوة لأم وأخوات لأَب أَو ذَوي فرض وعصبة أَو موصى لَهُم أَو عصبَة فَقَط أَو عصبَة وموصٍ لَهُم، وَهُوَ كَذَلِك على قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجمع حَظّ رجلَيْنِ بالقسم وَإِن أَرَادَ ذَلِك الْبَاقُونَ إِلَّا فِي مثل هَذَا أَي الْعصبَة مَعَ أهل السهْم. عِيَاض: تَأَوَّلَه ابْن الْقَاسِم على أَنه لَا يجمع سهم اثْنَيْنِ اتفقَا أَو اخْتلفَا رَضِيا أَو كرها جمعهم سهم أَو فرقهم إِلَّا الْعصبَة إِذا رَضوا بذلك قَالُوا: وَتَأْويل ابْن الْقَاسِم هَذَا خلاف قَول مَالك وَغير مُرَاده، وَإِنَّمَا معنى قَول مَالك: إِذا اسْتَوَت الْأَنْصِبَاء كثلاثة لكل وَاحِد الثُّلُث، وَأما إِن اخْتلفت فَكَانَ لقوم الثُّلُث ولآخرين السُّدس ولآخرين النّصْف، فَإِنَّهُ يجمع كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْقرعَة وَإِن كَرهُوا ذَلِك كُله، فَإِذا خرج نصيب كل فريق قسم على رؤوسهم إِن أَحبُّوا قَالُوا: وَهَذَا قَول جَمِيع أَصْحَابنَا اه. كَلَام عِيَاض. وَالْحَاصِل أَن فِي أهل السهْم الْوَاحِد قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا لِابْنِ الْقَاسِم أَنهم لَا يجمعُونَ وَإِن رَضوا إِلَّا الْعصبَة إِذا كَانُوا مَعَ زَوْجَة فَإِنَّهُم يجمعُونَ أَولا برضاهم حَتَّى تخرج الزَّوْجَة أَو نَحْوهَا من ذَوي الْفُرُوض، ثمَّ يقسمون بَينهم. ابْن نَاجِي: مَا ذكره فِي الْمُدَوَّنَة من أَنه لَا يجمع حَظّ اثْنَيْنِ وَإِن أَرَادَ ذَلِك الْبَاقُونَ هُوَ الْمَشْهُور الخ. ابْن يُونُس: وَإِنَّمَا لم يجز سهم رجلَيْنِ فِي الْقسم لِأَن الْقسم بِالْقُرْعَةِ غرر، وَإِنَّمَا جوز للضَّرُورَة إِذْ كل وَاحِد يحْتَاج إِلَى تَمْيِيز حَظه وَلَا ضَرُورَة فِي جمع رجلَيْنِ فَأكْثر نصِيبهم فَمنع مِنْهُ لاتساع الْغرَر وَخُرُوج الرُّخْصَة عَن موضعهَا اه. وَنَحْوه لعبد الْحق. وَهَذَا التَّعْلِيل يدل على أَن جمع حَظّ اثْنَيْنِ لَا يجوز وَلَو رَضِي الْعصبَة مَعَ نَحْو كَالزَّوْجَةِ فَتَأَمّله. ثَانِيهمَا: أَنهم يجمعُونَ وَإِن أَبَوا وَهُوَ قَول جَمِيع الْأَصْحَاب، وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد
الِاتِّفَاق فَإِن قَالَ: أما أهل السهْم الْوَاحِد كالزوجات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات والجدات وَالْمُوصى لَهُم بِالثُّلثِ، فَلَا خلاف أحفظه أَنه يجمع حظهم فِي الْقِسْمَة شاؤوا أَو أَبَوا لأَنهم بِمَنْزِلَة الْوَاحِد اه. وَنَحْوه اللَّخْمِيّ. وَبحث ابْن نَاجِي وَابْن عَرَفَة فِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور بِمَا نَقله عِيَاض من الْخلاف الْمُتَقَدّم، فَتحصل أَن كلاًّ من الْقَوْلَيْنِ شهر إِذْ مَا حكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق لَا أقل أَن يكون مَشْهُورا، وَإِن جمع الْعصبَة مَعَ كَالزَّوْجَةِ مُعْتَبر فِيهِ رضاهم بِخِلَاف جمع أهل السهْم كالزوجات، فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ رضاهن على الثَّانِي وَكَانَ حق النَّاظِم حَيْثُ درج على الأول أَن يَسْتَثْنِي الزَّوْجَة مَعَ الْعصبَة، وَقد جمع (خَ) بَين الْقَوْلَيْنِ على مَا قَرَّرَهُ بِهِ (ز) فَأَشَارَ إِلَى الأول بقوله: وَلَا يجمع بَين عاصبين إِلَّا برضاهم مَعَ كَزَوْجَة، وَإِلَى الثَّانِي بقوله: كذي سهم أَو وَرَثَة والتشبيه فِي مُطلق الْجمع لَا بِقَيْد الرِّضَا. قَالَ (ز) : وَانْظُر مَا وَجه الْجمع برضاهم حَيْثُ كَانَ مَعَهم صَاحب فرض وَعَدَمه حَيْثُ لم يكن مَعَهم ذُو فرض، وَالتَّعْلِيل بِأَنَّهُ يقل الْغرَر مَعَ وجود ذِي الْفَرْض وَيكثر مَعَ فَقده لَا ينْهض اه. قلت: لَا يظْهر لمنع الْجمع برضاهم وَجه لِأَن العاصبين أَو الشَّرِيكَيْنِ إِذا رَضِيا أَن يخرجَا بِالْقُرْعَةِ فِي مَحل وَاحِد، ثمَّ يقسمان أَو يستمران على الشّركَة فَلَا مقَال لغَيْرِهِمَا من الْعصبَة لِأَن الْحق فِي ذَلِك لَهما، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ نصيب اللَّذين رَضِيا بِالْجمعِ لَا يقبل الْقِسْمَة كثلاثة رجال مثلا لأَحَدهم النّصْف وَللْآخر الثُّلُث وَللْآخر السُّدس، وَكَانَ الْمَقْسُوم لَا يقبل الْقِسْمَة على سِتَّة ويقبلها مُنَاصَفَة فَرضِي صَاحب السُّدس وَالثلث أَن يخرجَا بِالنِّصْفِ لأَحَدهمَا ثُلُثَاهُ وَللْآخر ثلثه ليقل ضَرَر الشّركَة أَو يخف فَهَذَا لَا وَجه لمَنعه كَمَا لَا وَجه لمنع الْجمع حَيْثُ رَضِيا بِجمع نصيبهما فِي الْفَرْض الْمَذْكُور مَعَ كَون الْمَقْسُوم يقبل الْقِسْمَة على سِتَّة. وَقد أشارت تبعا لغيره إِلَى جَوَاز الْجمع مَعَ الرِّضَا مُطلقًا. وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ بِمَا تقدم من الْغرَر لَا ينْهض لِأَن الْغرَر الْمَذْكُور حَاصِل حَتَّى مَعَ عدم الْجمع، وَحَاصِل فِي جمع الْعصبَة مَعَ ذِي فرض، وَلَا تَخْلُو الْقِسْمَة بِالْقُرْعَةِ عَن غرر إِذْ لَا يدْرِي فِي أَي مَحل يخرج سَهْمه، وَالتَّعْلِيل بالغرر مَبْنِيّ على أَنَّهَا بيع، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا تَمْيِيز حق وَالْقِسْمَة إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر أَو تخفيفه، وَلَا إِشْكَال فِي رَفعه أَو تخفيفه بِمَا ذكر، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ الْمَقْسُوم لَا يقبل الْقِسْمَة، إِلَّا مَعَ الْجمع الْمَذْكُور، إِذْ قسمته مَعَ الْجمع أولى من تفويته عَلَيْهِمَا بِالْبيعِ، وَأَيْضًا إِذا كَانَ لصَاحب السُّدس وَالثلث أَن يرجعا إِلَى الشّركَة بعد الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَلَا يمنعان من بقائهما على الشّركَة ابْتِدَاء وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّعْلِيل بالغرر مَبْنِيّ على أَنَّهَا بيع لقَوْل اللَّخْمِيّ: الأَصْل منع الْقسم بِالْقُرْعَةِ لتضمنها بيع الْإِنْسَان ملكه بِغَيْر رِضَاهُ، وَالْغرر فِيمَا يصير لَهُ، وَإِنَّمَا استخف ذَلِك لعظم الضَّرَر فِي خُرُوج الْملك من يَده إِن لم يمكثا من الْقِسْمَة اه. . تَنْبِيه: قَول (خَ) أَو وَرَثَة الخ. مِثَاله: شريكان مَاتَ أَحدهمَا عَن وَرَثَة فَإِن الْوَرَثَة يجمعُونَ فِي الْقسم أَولا جبرا فَيقسم الْملك نِصْفَيْنِ نصفه للشَّرِيك وَنصفه للْوَرَثَة، ثمَّ يقسم الْوَرَثَة ثَانِيًا فِيمَا بَينهم. هَكَذَا فِي ابْن الْحَاجِب وضيح وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَبِه تعلم مَا فِي المعيار عَن ابْن العواد فِي رجلَيْنِ كَانَت بَينهمَا قَرْيَة مشاعة نِصْفَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا عَن وَرَثَة فَقَالَ شريكهم: تقسم مُنَاصَفَة ثمَّ اقسموا نصفكم. وَقَالَ الْآخرُونَ: بل تقسم على أقل الانصباء. فَأجَاب هُوَ وَابْن رشد
وَأصبغ وَابْن عمر: لَا تكون الْقِسْمَة إِذا تشاح الْوَرَثَة إِلَّا على أقل الانصباء بِالْقُرْعَةِ على مَا مضى بِهِ الْعَمَل فِي الْقرعَة اه. كَذَاكَ فِي اخْتِلَافٍ الأَجْنَاسِ وَفِي مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ المَنْعُ اقْتُفي (كَذَاك فِي اخْتِلَاف الْأَجْنَاس) أَي كَمَا منع جمع حظين فِي الْقرعَة كَذَلِك يمْنَع فِيهَا جمع الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة أَو الْأَصْنَاف الْمُخْتَلفَة، فَلَا تجمع الْخَيل مَعَ البغال أَو الرَّقِيق مَعَ الْعقار كَمَا مرّ فِي مَفْهُوم قَوْله: يسوغ فِي تماثل الْمَقْسُوم (وَفِي مَكِيل) كالقمح (أَو مَوْزُون) كَاللَّحْمِ وَالسمن (الْمَنْع) مُبْتَدأ (اقتفي) خَبره وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَظَاهره أَنَّهَا تمنع فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون، سَوَاء قسموا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن أَو بِالتَّحَرِّي، وَفِي كل خلاف وَوجه الْمَنْع فِي الأول أَنه إِذا كيل أَو وزن فقد اسْتغنى عَن الْقرعَة فَلَا معنى لدخولها فِيهِ. ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد والباجي: لَا تجوز الْقرعَة فِي شَيْء مِمَّا يُكَال أَو يُوزن، وَعَزاهُ ابْن زرقون لسَحْنُون قَالَ: وَكَذَا عِنْدِي مَا قسم بِالتَّحَرِّي لِأَن مَا يتساوى فِي الْجِنْس والجودة وَالْقدر لَا يحْتَاج إِلَى سهم كالدنانير وَالدَّرَاهِم اه. وَنَقله طفي وَقَالَ عقبه: نعلم أَن المثلى إِذا قسم بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن لَا تدخل الْقرعَة فِيهِ، وَزَاد ابْن زرقون: إِذا قسم تحرياً على القَوْل بِجَوَازِهِ اه. أَي: على القَوْل بِجَوَاز قسم الْمكيل وَالْمَوْزُون بِالتَّحَرِّي، وعَلى مَا لِابْنِ رشد والباجي اقْتصر صَاحب الْمعِين والناظم وَهُوَ خلاف مَا للخمي من جَوَاز الْقرعَة فِيمَا قسم بِالْوَزْنِ وَنَحْوه لأبي الْحسن قَائِلا: يقوم من قَوْلهَا يقسم الحلى بِالْوَزْنِ الخ. جَوَاز الْقرعَة فِي الوزيعة إِذا اسْتَوَت فِي الْوَزْن وَالْقيمَة، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع المدخرات اه. وَنَقله الشَّيْخ بناني قَالَ: وَأما عدم دُخُولهَا فِيمَا يقسم بِالتَّحَرِّي كَمَا قَالَ ابْن زرقون فَهُوَ خلاف مَا قَالَه الْبَاجِيّ فِي قسْمَة الثِّمَار فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّحَرِّي أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بِالْقُرْعَةِ، واستظهره سَيِّدي عِيسَى بن علال، وَمَسْأَلَة الوزيعة تجْرِي عَلَيْهِ، وَذكر عَن العبدوسي أَنَّهَا إِن قسمت الوزيعة وزنا فَإِن شاؤوا اقترعوا أَو تركُوا على مَا للخمي، وَإِن قسمت تحرياً فَهُوَ مَوضِع الْقرعَة اه. تَنْبِيه: قَالَ ابْن سَلمُون عَن ابْن حبيب: أجَاز مَالك رحمه الله فِيمَا لَا يُكَال من الطَّعَام الَّذِي لَا يجوز التَّفَاضُل فِيهِ، وَإِنَّمَا يُبَاع وزنا كَاللَّحْمِ وَالْخبْز وَفِيمَا لَا يُبَاع وزنا وَلَا كَيْلا كالبيض أَن يقسم بِالتَّحَرِّي، وَذَلِكَ فِيمَا قل لِأَن التَّحَرِّي يُحِيط بِهِ، فَإِذا كثر لم يجز اقتسامه بِالتَّحَرِّي اه. قلت: وَإِذا قسم بِالتَّحَرِّي فَهَل تجب الْقرعَة فِيهِ أَو تمنع؟ يجْرِي فِيهِ مَا تقدم عَن الْبَاجِيّ وَابْن زرقون، وَانْظُر قسْمَة الوزيعة بِالتَّحَرِّي وَمَا فِيهَا عِنْد قَول ناظم الْعَمَل: وَهَكَذَا وزيعة فِي اللَّحْم الخ.
وَلَا يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئاً وَلَا يُزَادُ فِي حَظَ لِكَيْ يُعَدَّلَا (وَلَا يزِيد بَعضهم) أَي لَا تجوز الْقرعَة على أَن يزِيد أَحدهمَا للْآخر (شَيْئا) من الدَّرَاهِم مثلا. فَإِذا كَانَت قيمَة إِحْدَى الدَّاريْنِ مائَة وَقِيمَة الْأُخْرَى خمسين فَلَا يجوز أَن يقترعا على أَن من صَارَت لَهُ ذَات الْخمسين زَاده الآخر خَمْسَة وَعشْرين، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يدْرِي هَل يرجع أَو يرجع عَلَيْهِ. وَظَاهر النّظم أَنه لَا يجوز ذَلِك، وَلَو قلت الزِّيَادَة كَنِصْف الْعشْر وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا فِي القلشاني. ابْن نَاجِي: وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن كَانَت قيمَة أَحدهمَا مائَة وَالْأُخْرَى تسعين لَا بَأْس أَن يقترعا على أَن من صَارَت لَهُ ذَات الْمِائَة أعْطى صَاحبه خَمْسَة لِأَن هَذَا مِمَّا لَا بُد مِنْهُ اه. وَصَوَّبَهُ القلشاني وَاسْتَحْسنهُ ورد اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة عَلَيْهِ وعَلى مَا للخمي درج (خَ) إِذْ قَالَ عاطفاً على الْمَنْع أَو فِيهِ تراجع إِلَّا أَن يقل اه. وانتصر لَهُ ابْن رحال وَغَيره وَالله أعلم. (و) كَذَا (لَا يُزَاد) أَيْضا من التَّرِكَة شَيْء مُخَالف لجنس الْمَقْسُوم (فِي حَظّ لكَي يعدلا) أَي الحظان مَعًا ويصيرا فِي الْقِسْمَة، سَوَاء كَمَا لَو كَانَت أحد الدَّاريْنِ بِمِائَة وَالْأُخْرَى بِثَمَانِينَ فيزاد لذات الثَّمَانِينَ عشرُون درهما أَو ثوب أَو عبد من التَّرِكَة قِيمَته عشرُون ويقترعان، فالمزيد فِي الأول من غير التَّرِكَة وَفِي هَذِه مِنْهَا. ابْن سَلمُون: وَلَا يجوز أَن تصير الشَّجَرَة الْوَاحِدَة من إِحْدَى السِّهَام فِي سهم الآخر وَلَا يزِيد دَرَاهِم أَو دَنَانِير فِي هَذِه الْقِسْمَة بِوَجْه وَلَا غَيرهمَا من الثِّيَاب وَالْحَيَوَان. وَبَيْنَ أَهْلٍ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ قَسْمٌ بِهَا وَمُدَّعِي الغَبْنَ سُمِعْ (وَبَين أهل الْحجر) من صبي أَو سَفِيه أَو غَيرهمَا. (لَيْسَ يمْتَنع) للْوَصِيّ وَالْقَاضِي ومقدمه (قسم بهَا) أَي بِالْقُرْعَةِ، بل يجوز وَيَقْضِي بهَا عَلَيْهِ بعد ثُبُوت ملكيتها للموروث وحيازتها على مَا يَأْتِي قَرِيبا (ومدعي الْغبن) فِيهَا (سمع) مِنْهُ مَا يَدعِيهِ ويكلف بإثباته، فَإِذا أثْبته وَكَانَ قد قَامَ بِالْقربِ وَحده ابْن سهل: بِسنة نقضت الْقِسْمَة وَإِن لم يُثبتهُ أَو قَامَ بعد الْعَام حلف الْمُنكر (خَ) وَنظر فِي دَعْوَى جور أَو غلط وَحلف الْمُنكر، فَإِن تفاحش أَو ثَبت نقضت وأعيدت أَي: مَا لم يفت الْمَقْسُوم بِبِنَاء أَو هدم أَو حِوَالَة سوق فِي غير الْعقار إلاَّ وَجَبت فِي ذَلِك القمية يقتسمونها، فَإِن فَاتَ الْبَعْض اقتسموا مَا لم يفت مَعَ قيمَة مَا فَاتَ. قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ابْن عَرَفَة: وفوته بِبيع لَغْو مَا لم يفت بِبِنَاء مبتاعه، فَإِن فَاتَ بِهِ رَجَعَ ذُو النَّقْص على بَائِعه فَإِن وجد عديماً رَجَعَ على مبتاعه والجور مَا كَانَ عَن عمد والغلط بِخِلَافِهِ. أَبُو الْحسن: والثبوت يكون بِالْبَيِّنَةِ من أهل
الْمعرفَة يَقُولُونَ فِي هَذِه الْقِسْمَة تغابن وَإِن لم يبلغ الثُّلُث على ظَاهرهَا اه. بل وَلَو كَانَ يَسِيرا. وَعَزاهُ عِيَاض للْمُدَوّنَة وَأَشْهَب وَابْن حبيب، وَقيل: يُعْفَى عَن الْيَسِير كالدينار فِي الْعدَد الْكثير وَهُوَ لِابْنِ أبي زيد والتفاحش مَا ظهر حَتَّى لغير أهل الْمعرفَة. قَالَ (ز) : وَيَنْبَغِي أَن لَا تنقض الْقِسْمَة فِيهِ وَلَو قَامَ بِالْقربِ حَيْثُ سكت مُدَّة تدل على الرِّضَا، فَإِن لم يسكت مَا يدل على رِضَاهُ حلف لاحْتِمَال اطِّلَاعه عَلَيْهِ وَرضَاهُ بِهِ، فَيحلف أَنه مَا اطلع عَلَيْهِ وَلَا رضيه الخ. الْبَاجِيّ: إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِالْغبنِ وَلم تفسر أَو شهدُوا بِهِ مُجملا فشهادتهم تَامَّة إِذا كَانُوا من أهل الْمعرفَة وَالْبَصَر لِأَنَّهَا صناعتهم اه. وَإِنَّمَا تمت شَهَادَتهم وَلَو لم يفسروها لِأَن الْغبن هُنَا لَا يشْتَرط فِيهِ بُلُوغ الثُّلُث كَمَا مر، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم دخل على قيمَة مقدرَة وَكيل مَعْلُوم، فَإِذا وجد نقصا فَلهُ نقض الْقِسْمَة بِخِلَاف الْغبن فِي البيع فَلَا بُد من بُلُوغه الثُّلُث كَمَا مرّ فِي فَصله، وَلَا بُد من استفسار شُهُوده إِذا أجملوا. وَه صلى الله عليه وسلم
1648 -
; ذِهِ القِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ يَظْهَرُ فِيهَا أنَّها تمييزُ حَقْ (وَهَذِه الْقِسْمَة) يَعْنِي قسْمَة الْقرعَة (حَيْثُ تسْتَحقّ) وَتجب شرعا بِطَلَب بعض الشُّرَكَاء لَهَا (يظْهر فِيهَا) عِنْد ابْن رشد وعياض وَغَيرهمَا (أَنَّهَا تَمْيِيز حق) لَا بيع، وَلذَا يجْبر عَلَيْهَا من أَبَاهَا أَن تماثل الْمَقْسُوم وتجانس كَمَا مرّ وانتفع كل من الآبي والطالب انتفاعاً مجانساً للِانْتِفَاع الأول فِي سكناهُ ومدخله ومخرجه، فَإِن لم ينْتَفع كل فَلَا جبر. ابْن رشد: الَّذِي بِهِ الْعَمَل عندنَا أَن الدَّار لَا تقسم حَتَّى يكون لكل وَاحِد من الساحة والبيوت مَا ينْتَفع بِهِ ويستتر فِيهِ عَن صَاحبه، فَإِن لم تحمل الساحة الْقِسْمَة واحتملت الْبيُوت قسمت الْبيُوت وأقرت الساحة بَينهم يرتفقون بهَا كالفناء إِلَى أَن يتفقوا على قسمتهَا اه. وَرُوِيَ عَن مَالك أَن قسْمَة الْقرعَة بيع، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَيَنْبَنِي على الْخلاف لَو ورث ثَلَاثَة أخوة ثَلَاثَة أعبد فاقتسموهم لكل وَاحِد عبد فَمَاتَ عبد أحدهم وَاسْتحق عبد الآخر، فعلى أَنَّهَا تَمْيِيز حق لَا يرجع الْمُسْتَحق من يَده على من مَاتَ عَبده بِشَيْء، وَإِنَّمَا يرجع على الَّذِي بَقِي عِنْده العَبْد فَيكون لَهُ ثلثه وَلمن بِيَدِهِ العَبْد ثُلُثَاهُ، وعَلى أَنَّهَا بيع يرجع الْمُسْتَحق من يَده على الَّذِي مَاتَ عَبده بِثلث قِيمَته وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضا قسم الْوَرَثَة أضْحِية موروثهم، وَقسم الثَّمر فِي رُؤُوس الشّجر فعلى أَنَّهَا تَمْيِيز لَا جَائِحَة وعَلى أَنَّهَا بيع فِيهِ الْجَائِحَة إِلَى غير ذَلِك. وَلما فرغ من الْكَلَام على قسْمَة الْقرعَة شرع فِي الْكَلَام على قسْمَة المراضاة وَهِي نَوْعَانِ أَشَارَ لأولهما بقوله: وَقِسْمَةُ الوِفاق والتَّسْلِيمِ لَكِنْ مَعَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ (وَقِسْمَة الْوِفَاق وَالتَّسْلِيم) أَي توَافق الشُّرَكَاء عَلَيْهَا وَسلم كل مِنْهُم لصَاحبه مَا أَخذه من غير قرعَة (لَكِن مَعَ التَّعْدِيل) لأجزاء الْمَقْسُوم (والتقويم) المحصل لذَلِك التَّعْدِيل إِذْ لَا يحصل
التَّعْدِيل إِلَّا بِهِ، وَظَاهره سَوَاء أدخلُوا مُقَومًا يقوم لَهُم أَو قومُوا لأَنْفُسِهِمْ وَهُوَ كَذَلِك فَقَوله: قسْمَة مُبْتَدأ خَبره. جَمْعٌ لِحظَيْنِ بِهَا لَا يُتَّقَى وتَشْمَلُ المَقْسُومَ كُلاًّ مُطْلَقا (جمع لحظين بهَا لَا يتقى) أَي لَا يمْنَع لِأَنَّهُ برضاهما (وتشمل الْمَقْسُوم كلا مُطلقًا) اتّفق الْجِنْس أَو اخْتلف، فَيجوز أَن يتراضيا على أَن يَأْخُذ هَذَا عبدا قِيمَته عشرَة، وَهَذَا ثوبا قِيمَته كَذَلِك أَو فرسا، وَكَذَا إِن أَخذ هَذَا قمحاً وَالْآخر قطنية مماثلة لَهُ فِي الْقيمَة فَإِن اتَّحد جنس الطَّعَام الْمَقْسُوم فَلَا بُد من الْمُمَاثلَة كَيْلا أَو وزنا وَإِلَّا امْتنع كَمَا قَالَ: فِي غَيْرٍ مَا مِنَ الطَّعامِ الْمُمْتَنِعْ فِيهِ تَفَاضُلٌ وَفِيهِ تَمْتَنِعْ (فِي غير مَا) هُوَ (من الطَّعَام الْمُمْتَنع فِيهِ تفاضل) وَهُوَ الْجِنْس الْوَاحِد المقتات المدخر كوسق من شعير قوم بِسِتَّة وَنصف وسق من قَمح قوم بِسِتَّة أَيْضا، وتوافقا على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا الْقَمْح وَالْآخر الشّعير. (فَفِيهِ تمْتَنع) الْقِسْمَة للتفاضل بَين الطعامين لِأَن قسْمَة المراضاة بيع فَيمْتَنع فِيهَا مَا يمْتَنع فِيهِ، وَكَذَا النِّسَاء فَلَا يجوز أَن يَأْخُذ أَحدهمَا وسْقا من قَمح الْآن ليَأْخُذ الآخر مثله من جنسه أَو من غير جنسه غَدا، فَإِن كَانَ غير مقتات أَو غير مدخر جَازَ التَّفَاضُل وَامْتنع النِّسَاء، وَظَاهر النّظم أَن التَّفَاضُل مُمْتَنع فِيمَا اتَّحد جنسه وَلَو تمحض الْفضل الْبَين لأحد الْجَانِبَيْنِ، وَالَّذِي فِي (خَ) جَوَازه مَعَ تبين الْفضل إِذْ قَالَ عاطفاً على الْجَائِز: وَفِي قفيز أَخذ أَحدهمَا ثُلثَيْهِ وَالْآخر ثلثه إِلَى أَن قَالَ: وَفِي كثلاثين قَفِيزا وَثَلَاثِينَ درهما أَخذ أَحدهمَا عشرَة دَرَاهِم وَعشْرين قَفِيزا. يَعْنِي: وَيَأْخُذ الآخر مَا بَقِي، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن أَحدهمَا ترك للْآخر فضلا وَهُوَ مَحْض مَعْرُوف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِك فِي الثَّانِيَة من بيع طَعَام ودراهم بمثلهما، بل كَأَنَّهُمَا قسما الدَّرَاهِم وَحدهَا على التَّفَاوُت والمكيل وَحده كَذَلِك، فترجع الثَّانِيَة للأولى، وَظَاهره أَن ذَلِك جَائِز وَلَو بالتراخي. وَقد صرح بذلك اللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن ذَلِك مَعْرُوف فَهُوَ كمن أَخذ مائَة دِينَار قرضا ليردها بعد سنة وَلَيْسَ ذَلِك على وَجه الْمُبَايعَة حَتَّى يمْنَع التَّرَاخِي، وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره مُسلما، وَعَلِيهِ فَيجوز مَا يَقع الْيَوْم بَين المتزارعين أَن يحمل أَحدهمَا مَا تصفى من الزَّرْع لمنزله حَتَّى ليَوْم آخر يحمل شَرِيكه مَا تصفى بعد ذَلِك إِلَى دَاره، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابَة أَيْضا أَن لأحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَن يَأْخُذ النَّجْم الأول بِإِذن شَرِيكه حَتَّى يَأْخُذ الشَّرِيك النَّجْم الآخر. قَالَ (ق) : وَكَذَا فِي قسم الزَّيْتُون وَنَحْوه حبا يَأْخُذ أَحدهمَا زِيَادَة عَن صَاحبه، ثمَّ يعاوضه فِي الْيَوْم الَّذِي بعده، وَكَذَا الحراثون يزرع أَحدهمَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ويزرع الآخر مثل ذَلِك بعده وَالله أعلم.
تَنْبِيه: وَلَا يجوز قسم اللَّبن فِي ضروع وَلَو بالمراضاة فَلَا يجوز للوارثين مثلا أَن يحلب أَحدهمَا بقرة وَالْآخر بقرة أَو شَاة لِأَنَّهُ مخاطرة وقمار وَبيع لبن بِلَبن من غير كيل إِلَّا لفضل بَين، فَيجوز قسمه حِينَئِذٍ بِالتَّرَاضِي كَمَا مر فِي القفيز، وَفِيه الْجَوَاز فِي الْمُدَوَّنَة مَعَ الْفضل الْبَين بِكَوْنِهِ على وَجه الْمَعْرُوف، وَكَونه إِذا هلك مَا بِيَدِهِ من الْغنم رَجَعَ فِيمَا بيد صَاحبه قَالَ فِيهَا: لِأَن أَحدهمَا ترك للْآخر حِينَئِذٍ فضلا بِغَيْر معنى الْقسم اه. قَالَ أَبُو الْحسن: يظْهر من هَذَا التَّعْلِيل أَنه حَيْثُ كَانَ يتْرك أَحدهمَا للْآخر فضلا بِغَيْر معنى الْقسم أَن ذَلِك لَا يمْتَنع فِي جَمِيع مَا يحرم فِيهِ التَّفَاضُل، وَهَذَا تَنْبِيه على الْعلَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: فَإِنَّهُ رِجْس أَو فسقاً} (الْأَنْعَام: 145) وَذكر الْفَقِيه رَاشد عَن شَيْخه أبي مُحَمَّد صَالح أَنه قَالَ: الْأَدِلَّة الَّتِي بنى عَلَيْهَا مَالك مذْهبه سِتَّة عشر: نَص الْكتاب وَظَاهر الْكتاب وَهُوَ الْعُمُوم، وَدَلِيل الْكتاب وَهُوَ مَفْهُوم الْمُخَالفَة، وَمَفْهُوم الْكتاب وَهُوَ بَاب آخر، وتنبيه الْكتاب وَهُوَ التَّنْبِيه على الْعلَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: فَإِنَّهُ رِجْس أَو فسقاً} . وَمن السّنة أَيْضا مثل هَذِه الْخَمْسَة، فَهَذِهِ عشرَة. وَالْحَادِي عشر الْإِجْمَاع، وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر عمل أهل الْمَدِينَة، وَالرَّابِع عشر قَول الصَّحَابِيّ، وَالْخَامِس عشر الِاسْتِحْسَان، وَالسَّادِس عشر الحكم بسد الذرائع. وَاخْتلف قَوْله فِي السَّابِع عشر وَهُوَ مُرَاعَاة الْخلاف فَمرَّة يراعيه وَمرَّة لَا يراعيه. أَبُو الْحسن: وَمن ذَلِك الِاسْتِصْحَاب اه. وَأُعْمِلَتْ حتَّى عَلَى المَحْجُورِ حَيْثُ بدا السَّدَادُ فِي المَشْهُورِ (وأعملت) هِيَ أَي قسْمَة الْوِفَاق والمراضاة وَلَو فِي الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة والأصناف المتباينة والبعيدة بَعْضهَا من بعض على النَّاس كلهم (حَتَّى على الْمَحْجُور) مِنْهُم كصبي وسفيه وَمَجْنُون ومفلس (حَيْثُ بدا) ظهر (السداد) أَي وَثَبت بِالْبَيِّنَةِ (فِي الْمَشْهُور) الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لِابْنِ الْهِنْدِيّ فِي قَوْله: بِعَدَمِ جَوَاز الْقسم بهَا على الْمَحْجُور وَنَحْوه فِي الْعُتْبِيَّة. قَالَ الْبَاجِيّ: وإجازته فِي الْمُدَوَّنَة شِرَاء الْوَصِيّ لبَعض مَا يَلِيهِ من بعض. يرد قَول ابْن الْهِنْدِيّ اه. وَمحل جَوَازهَا على الْمَحْجُور إِذا لم تكن بَينه وَبَين حاجره وإلاَّ فَلَا يجوز، وَلَو ظهر السداد على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ من أَنه لَا بُد من الرّفْع للْإِمَام فَيقدم من يقسم بَينه وَبَين محاجره، فَإِن لم يرفع للْإِمَام فسخت لِأَنَّهُ بَاعَ مَال مَحْجُوره من نَفسه، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: فَإِن يكن مشاركاً لمن حجر الخ. نعم إِذا كَانَ مَعَ الحاجر والأيتام شريك أَجْنَبِي، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يقاسم الْأَجْنَبِيّ وَيتْرك نصِيبه وَنصِيب الْأَيْتَام على الإشاعة مَعَهم كَمَا يَأْتِي للناظم أَيْضا: فَإِذا أَرَادَ أَن يقاسمهم رفع إِلَى السُّلْطَان كَمَا مر. تَنْبِيه: إِذا رفع الْوَصِيّ أَو الْوَرَثَة الْأَمر إِلَى الإِمَام ليقسم بَينهم فَإِنَّهُ لَا يقسم بَينهم حَتَّى يثبتوا أصل الْملك للموروث واستمراره وحيازته وَالْمَوْت والإراثة كَمَا لِابْنِ فَرِحُونَ وَغَيره وَذكر فِي المعيار عَن الإِمَام السنوسي أَن الْعَمَل عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدهُ كَمَا فِي الارتفاق لِابْنِ رحال مَا قَالُوهُ من
إِن القَاضِي لَا يُمكن الْمُرْتَهن من بيع الرَّهْن حَتَّى يثبت ملكيته للرَّاهِن، وَأَنه لَا يُمكن الْغُرَمَاء من بيع مَال الْمُفلس حَتَّى يثبتوا ملكيته لَهُ، وَأَنه لَا يَبِيع دَار الْغَائِب لنفقة زَوجته حَتَّى تثبت ملكيتها لَهُ كَمَا قَالَ (خَ) وبيعت دَاره بعد ثُبُوت ملكه الخ. وَقَالَ فِي الْحجر أَيْضا: وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وَملكه لما بيع الخ. وَالْقِسْمَة بالمراضاة بيع فَهَذَا كُله يشْهد لصِحَّة الْعَمَل الَّذِي فِي المعيار، وَلَكِن قَالَ ابْن عبد الْبر كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن قسم القَاضِي بَينهم دون أَن يثبتوا أصل الْملك، فليذكر فِي كتاب الْقِسْمَة أَن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ بإقرارهم اه. وَاقْتصر عَلَيْهِ (ق) آخر بَاب الْقِسْمَة فَدلَّ ذَلِك على أَن ثُبُوت ملكية الْمَوْرُوث شَرط كَمَال فَقَط، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن الشَّامِل وَابْن عبد السَّلَام فِي فصل البيع على الْغَائِب، إِذْ الأَصْل فِيمَن بَاعَ شَيْئا أَنه لَهُ وَأَنه يملكهُ، وَكَونه تعدى عَلَيْهِ وَكَونه لغيره خلاف الأَصْل فقسمة القَاضِي بَين الْوَرَثَة أَو بَيْعه على الْغَائِب وَنَحْوه دون ثُبُوت أصل الْملك نَافِذ حَتَّى يثبت أَن الْملك لغير الْغَائِب والموروث، وَلَا ينْقض البيع وَالْقسم بِمُجَرَّد احْتِمَال كَون الْمَقْسُوم وَالْمَبِيع للْغَيْر لِأَنَّهُ احْتِمَال ضَعِيف كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. وَمَا مَزيدُ العَيْنِ بالمَحْظُورِ وَلَا سِواهُ هَبْهُ بالتَّأَخِيرِ (وَمَا) نَافِيَة (مزِيد) أَي زِيَادَة (الْعين بالمحظور) أَي الْمَمْنُوع (وَلَا) زِيَادَة (سواهُ) أَي الْعين كالعرض (هبة) أَي ذَلِك الْمَزِيد (بِالتَّأْخِيرِ) كدار بِمِائَة وَعبد بمائتين فتراضيا على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا العَبْد وَيزِيد للْآخر خمسين أَو ثوبا نَقْدا أَو إِلَى أجل. وَمَنْ أَبى القَسْمَ بِهَا لَا يُجْبَرُ وقائِمٌ بالْغَبْنِ فِيهَا يُعْذَرُ (وَمن أَبى الْقسم بهَا لَا يجْبر) لِأَنَّهَا بيع على الْمَشْهُور وَلَا يجْبر أحد على بيع شَيْئه (وقائم بِالْغبنِ فِيهَا يعْذر) وَيسمع قَوْله لِأَنَّهُمَا لما دخلا على قيمَة مقدرَة سَمِعت دَعْوَاهُ الْغبن، فَإِن أثْبته عمل بِمُقْتَضَاهُ وَإِلَّا حلف الْمُنكر كَمَا تقدم فِي الْقرعَة، وَظَاهره أَن الْغبن هُنَا مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا وَلَو لم يبلغ الثُّلُث، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي الْقرعَة لِأَن الْقَائِم لم يتسبب فِي الْغبن، بل المتسبب فِيهِ هُوَ الْمُقَوّم الْأَجْنَبِيّ أَو كل الشُّرَكَاء إِن قومُوا لأَنْفُسِهِمْ، فَلِذَا كَانَ يقوم بِهِ وَلَو لم يبلغ الثُّلُث، وَهَذَا إِذا قَامَ بِالْقربِ فَإِن طَال كالسنة فَلَا قيام لَهُ كَمَا يَأْتِي لَهُ فِي قَوْله: والغبن من يقوم فِيهِ بعد الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي المراضاة فَقَالَ: وقِسْمَةُ الرِّضا والاتِّفاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ عَلَى الإطْلَاقِ (وَقِسْمَة الرِّضَا والاتفاق من غير تَعْدِيل) وَلَا تَقْوِيم (على الْإِطْلَاق.
كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّراضِي فِيما عَدَا الغَبْنَ مِنَ الأَغْرَاضِ كقسمة التَّعْدِيل والتراضي) فَقَوله: وَقِسْمَة الرِّضَا مُبْتَدأ وكقسمة التَّعْدِيل خَبره، وعَلى الْإِطْلَاق حَال من الضَّمِير المستقر فِي الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ أَن قسْمَة الرِّضَا من غير تَعْدِيل وَلَا تَقْوِيم كائنة كقسمة الرِّضَا بتعديل وتقويم على الْإِطْلَاق أَي فِي جَمِيع أَحْكَامهَا، فَتجوز فِي الْجِنْس الْوَاحِد والمختلف والمكيل وَالْمَوْزُون، وَيجمع فِيهَا بَين حظين وَيحرم التَّفَاضُل فِي المقتات المدخر من طعامها على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم، وَلَا يمْنَع فِيهَا زِيَادَة الْعين أَو غَيرهَا إِلَّا أَنه لَا قيام فِيهَا بِالْغبنِ كَمَا قَالَ:(فِيمَا عدا الْغبن من الْأَغْرَاض) بالغين الْمُعْجَمَة أَي فَإِنَّهُ لَا قيام بِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ مَا خرج بِهِ على قيمَة مقدرَة وَلَا على ذِرَاع مَعْلُوم، وَلَا على أَنه مماثل لما خرج عَنهُ فَهِيَ كَبيع المساومة بِاتِّفَاق وَهُوَ لَا قيام فِيهِ بِالْغبنِ وَلَو بلغ الثُّلُث على الْمَشْهُور، وَأما على مَا مر للناظم فِي فصل الْغبن فيقام بِهِ فِيهَا لِأَن الحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا كَالْبيع يُوجب لَهَا حكمه وَقد تقدم أَنه يُقَام فِيهِ بِالْغبنِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَإِن كَانَ خلاف الْمَشْهُور فَكَانَ على النَّاظِم حَيْثُ درج فِيمَا تقدم على أَن البيع يُقَام فِيهِ بِالْغبنِ أَن لَا يستثنيه هَهُنَا، وَقد يُقَال: إِنَّمَا اسْتثْنى غبن الْقِسْمَة وَهُوَ النَّقْص عَن الْقيمَة نقصا بَينا أَي: فالنقص عَن الْقيمَة الَّذِي لم يبلغ الثُّلُث لَا يُقَام بِهِ فِي هَذَا النَّوْع، بِخِلَاف النَّوْعَيْنِ قبله، فَإِنَّهُ يُقَام بِهِ فيهمَا، وَأما مَا بلغ الثُّلُث فَإِنَّهُ يُقَام بِهِ فِي هَذِه وَفِيمَا قبلهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب حمل النَّاظِم عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَمحل عدم قِيَامه بِهِ فِي هَذِه مَعَ نَقصه عَن الثُّلُث إِذا لم يكن الْعَاقِد للْقِسْمَة وَكيلا وإلاَّ فللموكل الْقيام بِهِ إِذا ثَبت كَمَا لِابْنِ زرب وَغَيره، وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) فِي الْوكَالَة: وَتعين نقد الْبَلَد وَثمن الْمثل والأخير الخ. وَذَلِكَ لِأَن النَّائِب عَن غَيره لَا يمْضِي من فعله إِلَّا مَا هُوَ سداد ومصلحة. وَمُدْعٍ غَبْناً بهَا أَوْ غَلَطَا مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضاً شَططا (و) إِذا لم يكن لَهُ الْقيام بِالْغبنِ ف (مُدع غبناً بهَا) أَي بقسمة المراضاة بِلَا تَعْدِيل (أَو) مُدع (غَلطا) وَهُوَ مَا صدر من غير قصد (مُكَلّف) بِكَسْر اللَّام الْمُشَدّدَة خبر عَن قَوْله مُدع (إِن رام) أَي قصد (نقضا) للْقِسْمَة (شططا) مفعول ثَان بمكلف، وَالْمَفْعُول الأول مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير مُكَلّف الْحَاكِم شططاً أَي ظلما وجوراً إِن رام نقضهَا لكَون دَعْوَى الْغَلَط والغبن فِيهَا لَا تسمع، وَهَذَا الْبَيْت تَصْرِيح بِمَفْهُوم قَوْله: فِيمَا عدا الْغبن. وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ مُطْلَقاً عَلَى مَحْجُورِهِ مَعْ غَيْرِهِ لَنْ تُحْظَلَا (وَقِسْمَة الْوَصِيّ) مُبْتَدأ (مُطلقًا) حَال من الضَّمِير فِي تحظلا (على مَحْجُور مَعَ غَيره) متعلقان
بقسمة، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِغَيْر رَاجع للْوَصِيّ (لن تحظلا) خبر عَن الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الْمَحْجُور إِذا كَانَ مشاركاً لغير حاجره فَإِن قسْمَة حاجره عَلَيْهِ لَا تحظل وَلَا تمنع مُطلقًا كَانَت بِالْقُرْعَةِ أَو بالمراضاة بنوعيها، لَكِن مَعَ ظُهُور السداد ومصادفة الصَّوَاب لِأَن الْوَصِيّ حِينَئِذٍ نَائِب عَن مَحْجُوره لَا يمْضِي من فعله إِلَّا مَا كَانَ سداداً كَمَا مر (خَ) وَقسم عَن صَغِير أَب أَو وَصِيّ وملتقط كقاض عَن غَائِب الخ. وَإِنَّمَا عبر بِالْإِطْلَاقِ الشَّامِل لأنواع الْقِسْمَة الثَّلَاثَة مَعَ تَقْدِيم حكم الْقِسْمَة عَلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ، أَو بالمراضاة مَعَ تَعْدِيل لأجل قَوْله: فَإنْ يَكُنْ مُشَارِكَاً لِمَنْ حَجَرْ فِي قِسْمَةٍ فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتَهَرْ (فَإِن يكن) الْوَصِيّ أَو الْأَب (مشاركاً لمن حجر) سَوَاء شاركهما أَجْنَبِي أَيْضا أم لَا. (فِي قسْمَة) أَي فِي مقسوم من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول أَي كَانَ مشاركاً لَهُ فِي الشَّيْء الْمَقْسُوم فقاسم عَن نَفسه ومحجوره من غير رفع للْحَاكِم، وَيحْتَمل أَن يكون على حذف مُضَاف أَي فِي ذِي قسْمَة (فَمَنعه) أَي الْوَصِيّ (مِنْهَا) أَي من الْقِسْمَة مَعَ مَحْجُوره بأنواعها الثَّلَاثَة كَمَا هُوَ ظَاهره (اشْتهر) لِأَنَّهُ من بيع الْوَصِيّ مَال مَحْجُوره من نَفسه، وَهُوَ لَا يجوز وَإِن وَافق السداد (خَ) : فِي بَاب الْوكَالَة عاطفاً على الْمَمْنُوع وَبيعه من نَفسه ومحجوره الخ. وَقيل: يجوز إِن ظهر السداد وَلم يُجَاب، وَالْخلاف مَبْنِيّ على أَن الْمُخَاطب هَل يدْخل تَحت الْخطاب أم لَا؟ التَّوْضِيح. وَالظَّاهِر وَإِن قُلْنَا إِنَّه يدْخل فَلَا يمْضِي للتُّهمَةِ وَلَا يُقَال تبين انتفاؤها بِالْبيعِ بِالْقيمَةِ فَأكْثر لأَنا نقُول: يحْتَمل أَنه اشْتَرَاهَا بذلك لما رأى أَن من النَّاس من يرغب فِي شِرَائهَا بِأَكْثَرَ اه. وعَلى هَذَا عول فِي الشَّامِل فِي بَاب الْوكَالَة وَأَنه إِذا بَاعَ من نَفسه فلموكله ومحجوره الْخِيَار، وَهُوَ الْمُوَافق للْعَمَل الَّذِي يَأْتِي عَن الْمُتَيْطِيَّة فِي الْبَيْتَيْنِ بعده، وَلما تقدم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع من أَن بيع الْأَب مَال وَلَده من نَفسه مَحْمُول على غير السداد، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْأَب فأحرى فِي الْوَصِيّ، وعَلى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْجَوَاز إِن لم يُجَاب عول (خَ) فِي بَاب الْوَصِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَلَا اشْتَرَاهُ من التَّرِكَة وإلاَّ تعقب بِالنّظرِ فيمضي الْأَصْلَح للْيَتِيم وَيرد غَيره وَنَحْوه للقرطبي فِي تَفْسِيره وَابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه قَالَا: مَشْهُور مَذْهَب مَالك الْجَوَاز إِن لم يحاب، وَعَلِيهِ اقْتصر آخر الكراس الأول من أنكحة المعيار، وَبِه أفتى المجاصي لما سُئِلَ عَن وَصِيّ قاسمت عَن نَفسهَا ومحجورها مَعَ اشْتِرَاك
وأخرجت للمحجور نصِيبه على حِدة وَلها نصِيبهَا على حِدة، ثمَّ قَامَ الْمَحْجُور بعد تَفْوِيت بعض الِاشْتِرَاك نصِيبه بِالْبيعِ فَقَالَ الْوَصِيّ: لَا يقاسم مَحْجُوره، فَإِن وَقع وَنزل تعقب بِالنّظرِ، فَإِن كَانَ سداداً مضى وإلاَّ نقض قَالَه ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة، فَإِن فَاتَ بيد المُشْتَرِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِتمَام الْقيمَة أَو على البَائِع وَإِن تعذر الرُّجُوع على من ذكر كَانَ الرُّجُوع على الْوَصِيّ الْعَالم لتَفْرِيطه قَالَه أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج، وَكَذَلِكَ إِن طَالَتْ عمَارَة المُشْتَرِي فَلَا يتَعَرَّض لَهُ قَالَه الْأُسْتَاذ ابْن لب، وَمثله لِابْنِ سهل قَالَ: وَمِنْه استيلاد الْأمة، وَهَذَا حكم البيع وَمثله قسْمَة المراضاة بوجهيها لِأَنَّهَا بيع من الْبيُوع اه. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد فِي الْأَب يُرِيد أَن يقاسم وَلَده الصَّغِير قَالَ: يَنْبَغِي لَهُ الرّفْع إِلَى القَاضِي ليجعل لَهُ من يَلِي الْقسم مَعَ الْأَب، فَإِن قَاسم لنَفسِهِ مضى إِلَّا أَن تظهر مُحَابَاة بَيِّنَة فللولد الْقيام إِن بلغ اه. ثمَّ اسْتثْنى من عُمُوم قَوْله: مشاركاً لمن حجر لِأَنَّهُ شَامِل لثلاث صور: لما إِذا شاركهما أَجْنَبِي، وَخرج كل بِنَصِيبِهِ على حِدة، وَلما إِذا لم يشاركهما أحد، وَلما إِذا شاركهما غَيرهمَا وَخرج نصيب الْمَحْجُور مشَاعا مَعَ وَصِيّه فَأخْرج هَذِه الْأَخِيرَة من ذَلِك الْعُمُوم بقوله: إلاَّ إَذَا أَخْرَجَهُ مُشاعا مَعْ حَظِّهِ قَصْداً فَلَا امْتِنَاعَا (إِلَّا إِذا أخرجه مشَاعا مَعَ حَظه قصدا فَلَا امتناعا) لِأَنَّهُ لَا تلْحقهُ تُهْمَة حِينَئِذٍ، وَمحل الْمَنْع فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوليين إِذا تولى الْوَصِيّ الْقِسْمَة بِنَفسِهِ وَلم يرفع للْحَاكِم كَمَا مرّ، فَإِن رفع الْأَمر إِلَيْهِ وَقدم من يقاسمه فَلَا منع كَمَا قَالَ: وَيَقْسِمُ القَاضِي عَلَى المَحْجُورِ مَعْ وَصِيِّهِ عِنْدَ اقْتِفَاءِ مَنْ مَنَعْ (وَيقسم القَاضِي على الْمَحْجُور مَعَ وَصِيّه عِنْد اقتفاء) اتِّبَاع (من منع) قسمه مَعَه من الْفُقَهَاء كَابْن أبي زمنين وَغَيره وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل قَالَه فِي المعيار عَن الإِمَام السنوسي، وَأَصله فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنَصّ اختصارها: فَإِن كَانَ الْوَصِيّ شَرِيكا للأيتام نظرت فَإِن كَانَ مَعَهم غَيرهم جَازَ لَهُ أَن يقاسم عَنهُ وعنهم الأجنبيين، وَيكون نصِيبه ونصيبهم على الإشاعة وَنصِيب الْأَجْنَبِيّ مُنْفَردا. وَقَالَ ابْن أبي زمنين وَغَيره: لَا يجوز ذَلِك وَيفْسخ، وَإِن كَانَ سداداً فَإِن الْوَصِيّ شَرِيكا لَهُم وَحده فَقَالَ ابْن أبي زمنين: لَا يجوز أَن يقسم هُوَ لَهُم وليرفع للْإِمَام فَيقدم من يقاسم عَن الْأَيْتَام، فَإِذا تميز حظهم رَجَعَ فِيهِ النّظر للْوَصِيّ، وَقيل: يجوز مقاسمة الْوَصِيّ لَهُ وَلَهُم إِذا ضمن الشُّهُود معرفَة السداد وَهُوَ ظَاهر قَول مَالك فِي العتيبة قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أولى وَبِه الْقَضَاء اه. وَإِذا كَانَ الْعَمَل وَالْقَضَاء بقول ابْن أبي زمنين، وَهُوَ يَقُول بِوُجُوب الْفَسْخ فِيمَا إِذا قَاسم عَنهُ وعنهم الأجنبيين فأحرى أَن يَقُول بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصِيّ شَرِيكا لَهُم وَحده، فَيكون الْمَعْمُول بِهِ من الْخلاف الْمُتَقَدّم قَرِيبا فَوق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ هُوَ الْفَسْخ وَالله أعلم.
كَذَا لَهُ القَسْمُ عَلى الصِّغَارِ وَغَائِبٍ مُنْقَطِع الأخْبَارِ (كَذَا) أَي كَمَا يجب أَن يقسم القَاضِي على الْمَحْجُور مَعَ وَصِيّه كَذَلِك يجب (لَهُ الْقسم على الصغار) الَّذين لَا أَب لَهُم وَلَا وَصِيّ وَطلب شركاؤهم الْقِسْمَة، ومقدم القَاضِي كَهُوَ فيقاسم عَن الْأَيْتَام على الأجنبيين أَو الأكابر من إخْوَانهمْ بمشورة القَاضِي لِأَن الْمُقدم لَا يَبِيع ربع الْيَتِيم إِلَّا بمشورة القَاضِي على الْمَعْمُول بِهِ وَالْقِسْمَة بيع، وَهَذَا إِذا كَانَ يُمكنهُ الرّفْع إِلَيْهِ ومشاورته وَلم يَأْمُرهُ بِالْقِسْمَةِ، وَلم يثبت عِنْد القَاضِي مَا يُوجب الْقسم وإلاَّ فقسمته مَاضِيَة وَلَو لم يشاوره قَالَه فِي نَوَازِل الصُّلْح من المعيار (و) كَذَا لَهُ الْقسم على (غَائِب مُنْقَطع الْأَخْبَار) حَيْثُ طلب شركاؤه ذَلِك فَإِن علم خَبره فَكَذَلِك إِن بَعدت غيبته وَإِلَّا انْتظر، وَالظَّاهِر أَن الْقَرِيبَة مَا كَانَت على ثَلَاثَة والبعيدة مَا فَوْقهَا كَمَا يَشْمَلهُ قَول (خَ) فِي الْقَضَاء: وَالْعشرَة أَيَّام أَو اليومان مَعَ الْخَوْف يقْضِي عَلَيْهِ مَعهَا فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار الخ. وَالْقِسْمَة من الْقَضَاء عَلَيْهِ فِي غير الِاسْتِحْقَاق الْمَذْكُور. وَحَيْثُ كانَ القَسْمُ للْقُضَاةِ فَبَعْدَ إثْباتٍ لِمُوجِبَاتِ (وَحَيْثُ كَانَ الْقسم للقضاة) لكَون الْمَقْسُوم مُشْتَركا بَين الْوَصِيّ ومحجوره، أَو بَين غَائِب وَغَيره، أَو بَين أَجْنَبِي ومحجور لَا وَصِيّ لَهُ، أَو بَين وَرَثَة فيهم رشيد ومحجور، أَو بَين وَرَثَة رشداء وطلبوا مِنْهُ الْقِسْمَة بَينهم (ف) إِن الْقُضَاة لَا يقسمون إِلَّا (بعد إِثْبَات لموجبات) من ثُبُوت الشّركَة وَالْحجر والغيبة وَبعدهَا وإهمال الْيَتِيم وَطلب الشَّرِيك الْقِسْمَة وملكية الشَّيْء الْمَقْسُوم كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، فَإِن قسم قبل إِثْبَاتهَا فقد تقدم عَن السيوري أَن بَيْعه ينْقض وَالْقِسْمَة بيع، وَلَكِن هَذَا فِي غير ثُبُوت الْملك لما تقدم عِنْد قَوْله: وأعملت حَتَّى على الْمَحْجُور الخ. من إِثْبَات الملكية لَا ينْقض الْقسم بعد إثْبَاته فَرَاجعه هُنَاكَ، وراجع مَا تقدم فِي البيع على الْغَائِب، وَفِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع عِنْد قَوْله: وَبيع من وَصِيّ للمحجور الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: فِي جَوَاز قسم الحاضن كأخ أَو عَم أَو أَجْنَبِي عَن محضونه أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه كالوصي على كل حَال فيبيع وَيقسم وَهِي رِوَايَة ابْن غَانِم وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك، وَهَذِه الرِّوَايَة جَيِّدَة لأهل الْبَوَادِي لإهمالهم الْإِيصَاء، وَبهَا الْعَمَل كَمَا مر فِي بيع الحاضن. وَثَانِيها: أَنه كَالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ مذهبها. وَثَالِثهَا: لِابْنِ وهب كالوصي إِن كَانَ أما أَو من الأجداد والجدات، وَرَابِعهَا: لِابْنِ كنَانَة كالوصي إِن كَانَ من الأجداد والجدات والأخوة لَا من غَيرهم من الْقرَابَات. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز قسم الْأَب عَن ابْنه الْكَبِير وَإِن غَابَ وَلَا الْكَافِر عَن ابْنَته الْمسلمَة الْبكر كَمَا لَا يُزَوّجهَا، وَلَا يجوز قسم الزَّوْج لزوجته الْبكر وَلَا قبض مَالهَا، وَالْأَب أَو
وَصِيّه أولى بذلك وَإِن دخلت حَتَّى يؤنس رشدها بعد الدُّخُول فَيدْفَع إِلَيْهَا حِينَئِذٍ مَالهَا، وَلَيْسَ للزَّوْج قبض مَالهَا قبل الدُّخُول وَلَا بعده، وَإِن مَاتَ الْأَب وَلم يوص لم يجز للزَّوْج أَن يقسم لَهَا إِلَّا بِأَمْر القَاضِي اه. ويقيد بِمَا تقدم فِي الْوكَالَة من قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَيُتْرَكُ القَسْمُ عَلَى الأصاغِرِ لحَال رَشْدٍ أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِ (وَيتْرك الْقسم على الأصاغر لحَال رشد) أَي إِلَى أَن يرشدوا (أَو لوجه ظَاهر) كَأَن يكون شريكهم ذَا سطوة فَلَا ينصفهم من حَقهم فَيتْرك الْقسم بَينه وَبينهمْ حَيْثُ لم يَطْلُبهُ الشَّرِيك إِلَى أَن يملكُوا أنفسهم. ابْن سَلمُون: وَإِذا كَانَت الْأَمْلَاك بَين الأصاغر وأربابها كلهم محاجير فَإِنَّهَا تتْرك إِلَى أَن يرشدوا فيقتسمونها، أَو يرشد أحدهم فيطلب ذَلِك إِلَّا أَن يثبت فِي ذَلِك النّظر لَهُم، فَحِينَئِذٍ يقسم بَينهم فَإِن كَانَ عَلَيْهِم وَصِيّ فبادر إِلَيْهَا فَقَسمهَا، فقد أجَاز ذَلِك سَحْنُون وَالْأولَى مَا تقدم اه. وَمَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمْ لَمْ يُسْمَع إلاَّ حَيْثُ إضْرارٌ حُتِمْ (وَمن دَعَا) من الشُّرَكَاء (لبيع مَا لَا يَنْقَسِم) أصلا كالرقيق الْوَاحِد وَالْفرس الْوَاحِد أَو يَنْقَسِم بِفساد كالياقوتة الْوَاحِدَة والخف الْوَاحِد وَالثَّوْب الْوَاحِد أَو دَار أَو بُسْتَان لَا يقسمان على أقل الحظوظ وَلَا يصير لأَصْحَاب الْحَظ الْقَلِيل مَا ينْتَفع بِهِ. (لم يسمع) قَوْله: وَلَا يُجَاب إِلَى مَا ادَّعَاهُ وَيبِيع نصِيبه مُفردا إِن شَاءَ حَيْثُ لم يتحد مدخله مَعَ شَرِيكه ولصاحبه الشُّفْعَة إِن كَانَ من الْأُصُول لَا من الْعرُوض كَمَا مرّ فِي الشُّفْعَة فَقَوله: مَا لَا يَنْقَسِم شَامِل لجَمِيع مَا مرّ، وَسَوَاء كَانَ مَا لَا يَنْقَسِم على أقل الحظوظ من الرباع المتخذة للغلة أَو المتخذة للِانْتِفَاع بهَا بِعَينهَا، ثمَّ أخرج هَذَا الثَّانِي من الْعُمُوم الْمَذْكُور بقوله:(إِلَّا حَيْثُ إِضْرَار) فِي دوَام اشتراكه (حتم) لكَونه متخذاً للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه. مِثْلُ اشْتِراكِ حائِطٍ أَوْ دَارِ لَا كالرَّحَى وَالْفُرْنُ فِي المُخْتَارِ (مثل اشْتِرَاك حَائِط) أَي بُسْتَان (أَو دَار) متخذين للِانْتِفَاع بهما بعينهما فَإِنَّهُ يُجَاب من دَعَا إِلَى بَيْعه حَيْثُ اتَّحد مدخله مَعَ شَرِيكه، وَسَوَاء كَانَ الْمُدَّعِي للْبيع ذَا الْحَظ الْكثير أَو الْقَلِيل، وَمرَاده بمثلهما كل مَا يتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه فَيدْخل فِيهِ الْخُف وَالْعَبْد وَالثَّوْب وَالْحمام الْمُتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه وَنَحْو ذَلِك، وَإِنَّمَا مثل بِالْحَائِطِ وَالدَّار لما فيهمَا من الْخلاف لِأَن مَالِكًا رحمه الله يرى الْقِسْمَة فيهمَا وَلَو لم يصر لصَاحب الْحَظ الْقَلِيل مَا ينْتَفع بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَمذهب ابْن الْقَاسِم أَنه لَا يجوز قسمهَا إِلَّا إِذا صَار لكل مِنْهُمَا مَا ينْتَفع بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْقَضَاء (خَ) : وأجبر لَهَا أَي للقرعة كل أَن انْتفع كل الخ. اللَّخْمِيّ: وَلَو قيل يمْنَع قسم الْحمام وَنَحْوه وَلَو رَضِيا كَمَا يمْنَع
قسم اللؤلؤة لَكَانَ وَجها. (لَا) مَا كَانَ (كالرحى والفرن) وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يقبل الْقِسْمَة، وَهُوَ متخذ للغلة فَقَط لَا للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه، فَإِنَّهُ لَا يجْبر شَرِيكه على البيع مَعَه، وَلَو اتَّحد مدخلهما وَهُوَ مِثَال لما قبل الِاسْتِثْنَاء وَمَا قبله مِثَال لما بعده (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار) عِنْد ابْن رشد وعَلى التَّفْرِيق بَين رباع الْغلَّة فَلَا يجْبر، وَلَو اتَّحد مدخلهما بِخِلَاف غَيرهَا فَيجْبر حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل عول (خَ) إِذْ قَالَ: وأجبر البيع إِن نقصت حِصَّة شَرِيكه مُفْردَة لَا كربع غلَّة أَو اشْترى بَعْضًا الخ. وَالْمذهب وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل الْإِطْلَاق، وَأَنه لَا فرق بَين رباع الْغلَّة وَغَيرهَا كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام واليزناسي وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم، وَهَذِه هِيَ مَسْأَلَة الصَّفْقَة وَصورتهَا؛ أَن تكون دَار مثلا أَو عبد بَين رجلَيْنِ فَأكْثر فيعمد أحدهم إِلَى ذَلِك الْملك وَيبِيع جَمِيعه بِغَيْر إذْنهمْ فَيثبت الْخِيَار لشركائه بَين أَن يكملوا البيع أَو يضموا لأَنْفُسِهِمْ ويدفعوا للْبَائِع مناب حِصَّته من الثّمن وَلها شُرُوط. أَحدهَا: أَن يكون الشَّيْء لَا يقبل الْقِسْمَة، وَأما إِن كَانَ يقبلهَا فَمن دَعَا إِلَى قسمه أجبر لَهُ الَّذِي يُرِيد بَيْعه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، وَهَذَا الشَّرْط هُوَ معنى قَول النَّاظِم: وَمن دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم. ثَانِيهَا: أَن يكون ذَلِك الشَّيْء مِمَّا يتَضَرَّر بالاشتراك فِيهِ لكَونه متخذاً للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه كَالدَّارِ والبستان لَا أَن كَانَ متخذاً للِانْتِفَاع بغلته فَقَط كالفرن والرحى وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: مثل حَائِط أَو دَار الخ. وَهَذَا على مَا لِابْنِ رشد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْمَعْرُوف عَادَة أَن شِرَاء الْجُمْلَة أَكثر ثمنا فِي رباع الْغلَّة وَغَيرهَا إِلَّا أَن يكون ذَلِك بِبِلَاد الأندلس وَإِن كَانَ فَهُوَ نَادِر اه. قلت: تَأمل قَوْله: فَهُوَ نَادِر هَل هُوَ نَادِر بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهم أَو فِيمَا هُوَ بَينهم؟ فَإِن كَانَ الأول فَلَا يجوز لغوه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم، وَإِن كَانَ الثَّانِي فلغوه ظَاهر، لَكِن ابْن رشد إِنَّمَا بنى ذَلِك على عاداتهم فَلَا يحسن الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، فَحق ابْن عَرَفَة أَن يسْقط قَوْله: وَإِن كَانَ فَهُوَ نَادِر الخ.
ثَالِثهَا: أَن يتحد مدخلهما بِأَن يشترياه دفْعَة وَاحِدَة أَو يرثاه كَذَلِك، أما إِن كَانَ كل مِنْهُمَا اشْترى حِصَّته مُفْردَة أَو ورثهَا كَذَلِك فَلَا يجْبر أَحدهمَا للْآخر، وَهُوَ معنى قَول (خَ) أَو اشْترى بَعْضًا. رَابِعهَا: أَن ينقص ثمن حِصَّة مُرِيد البيع إِذا بِيعَتْ وَحدهَا عَن ثمن الْجُمْلَة وإلاَّ فَلَا جبر. خَامِسهَا: أَن لَا يلْتَزم الْمُمْتَنع من البيع أَدَاء النَّقْص الْحَاصِل
لشَرِيكه. سادسها: أَن لَا يكون الْمُشْتَرك فِيهِ للتِّجَارَة وإلاَّ فَلَا يجْبر على بَيْعه كَمَا لَا يجْبر على قسمه على مَا للخمي قَائِلا: لِأَنَّهُ على الشّركَة دخل فِيهِ حَتَّى يُبَاع جملَة، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن دُخُوله على بَيْعه جملَة مُؤَكد لقبُول دَعْوَاهُ بَيْعه جملَة، فَكيف يَصح قَوْله: لَا يجْبر على البيع من أَبَاهُ وَإِنَّمَا يَصح اعْتِبَار مَا دخلا عَلَيْهِ من شِرَائِهِ للتجر إِذا اخْتلفَا فِي تَعْجِيل بَيْعه وتأخيره؟ وَالصَّوَاب فِي ذَلِك اعْتِبَار مُعْتَاد وَقت بيع السّلْعَة حَسْبَمَا ذكره فِي الْقَرَاض من الْمُدَوَّنَة. سابعها: أَن لَا يبعض طَالب البيع حِصَّته بِأَن يَبِيع بَعْضهَا ثمَّ يُرِيد أَن يصفق بِالْبَعْضِ الْبَاقِي، فَإِنَّهُ لَا يُجَاب. ثامنها: أَن لَا يرضى البَائِع بِبيع حِصَّته مُفْردَة وَفِي عد هَذَا من الشُّرُوط شَيْء، لِأَن الْكَلَام والموضوع أَنه طلب إِجْمَال البيع، فَهَذَا هُوَ مَوْضُوع الشُّرُوط. تاسعها: أَن يكون المُشْتَرِي أَجْنَبِيّا غير شريك، وإلاَّ فَهُوَ تبعيض على نزاع فِيهِ بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية. وَهَذَا كُله على مَا للأقدمين، وَأما على مَا بِهِ عمل الْمُتَأَخِّرين فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر من هَذِه الشُّرُوط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل، وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَمن دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم فَغَيره بجبره قد يحكم إِن كَانَ مدْخل لَهُ قد اتَّحد وَحَيْثُ لَا فجبره لَهُ يرد لوفى بالمراد، وَمَعَ ذَلِك يُقَال: لَا مَفْهُوم لقَوْله مَا لَا يَنْقَسِم بل مَا يقبل الْقِسْمَة كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا قَالَ ناظمه: فِي قَابل الْقسم وَمَا لم يقبل لَا تشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل ثمَّ إِن وجد هَذَا الشَّرْط على مَا بِهِ الْعَمَل أَو وجدت كلهَا على مُقَابِله، فلمريد البيع أَن يَبِيع الْجَمِيع من غير رفع للْحَاكِم على مَا بِهِ الْعَمَل، وَإِن لم يرض شَرِيكه بذلك، لَكِن إِذا تمّ بَيْعه فللممتنع من البيع الْخِيَار إِن شَاءَ أمضى وَأخذ حِصَّته من الثّمن وَإِن شَاءَ ضم، وَإِذا ضم فَلهُ أَن يَبِيعهُ أَو مَا شَاءَ مِنْهُ عقب ذَلِك بالفور، بِخِلَاف الشُّفْعَة فَلَيْسَ لَهُ البيع عقب الْأَخْذ بهَا على أحد قَوْلَيْنِ تقدما هُنَاكَ. وَالْفرق أَنه هُنَا مجبور فَإِن كَانَ المصفق عَلَيْهِ غَائِبا رفع المُشْتَرِي أمره للْحَاكِم فيمضي عَلَيْهِ البيع أَو يضم لَهُ، وَحَيْثُ أَمْضَاهُ مضى وَلَو كَانَ لَهُ مَال وإلاَّ أَخذ نظر أَو مصلحَة. تَنْبِيه: قَوْلهم: لَا يشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل الخ. يَقْتَضِي أَن عدم تبعيض الْحصَّة وَهُوَ الشَّرْط السَّابِع لَا يشْتَرط، وَأَن من بَاعَ بعض حِصَّته فَلهُ أَن يصفق بِالْبَاقِي، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَعَلِيهِ فحقهم أَن يَقُولُوا: لَا يشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل وَعدم التَّبْعِيض، وَأَيْضًا فَإِن الشَّرْط الأول لَا وَجه لإلغائه لِأَن الضَّرَر يرْتَفع بِالْقِسْمَةِ، وَالْفَرْض أَن الْمُشْتَرك يقبلهَا، وَرُبمَا كَانَ الْمُمْتَنع من البيع لَا يقدر على أَدَاء ثمن حِصَّة شَرِيكه لارتفاعه فَيُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيت حِصَّته عَلَيْهِ لينْتَفع شَرِيكه بِزِيَادَة الثّمن فِي حِصَّته، فهم قد راعوا حق مُرِيد البيع وأخلوا بِحَق الْمَبِيع عَلَيْهِ، إِذْ لَا يضر بِأحد لينْتَفع غَيره وَلَا يرفع ضَرَر بِضَرَر لقَوْله عليه السلام:(لَا ضَرَر وَلَا ضرار) . فَالْوَاجِب فِي هَذَا هُوَ التَّمَسُّك بالمشهور، وَكَذَا يُقَال فِي الشَّرْط الْخَامِس؛ وَهُوَ أَن لَا يلْتَزم الْمُمْتَنع أَدَاء النَّقْص الْحَاصِل لشَرِيكه الخ. لَا وَجه لإلغائه أَيْضا لِأَن إلغاءه يُوجب لُحُوق الضَّرَر لكاره البيع إِذْ قد لَا تكون لَهُ قدرَة على أَدَاء ثمن حِصَّة الشَّرِيك، وَله قدرَة على جبر النَّقْص الْحَاصِل بالانفراد، فَإِذا ألزمناه أَخذ الْجَمِيع مَعَ عدم الْقدر عَلَيْهِ لزم جبره على البيع من غير ضَرَر يلْحق البَائِع لِأَن ضَرَره قد ارْتَفع بِالْتِزَام النَّقْص، وَكَذَا يُقَال: إِذا لم ينقص ثمن الْحصَّة عَن ثمن الْجُمْلَة فَهَذِهِ الشُّرُوط الْأَرْبَع يجب على من راقب الله اعْتِبَارهَا كاتحاد الْمدْخل، وقديماً كنت متأملاً فِي ذَلِك فَلم يظْهر لي وَجه إلغائها بل هُوَ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَالله أعلم. وَكلُّ مَا قِسْمَتُهُ تَعْذَّرُ تُمْنَعُ كَالَّتِي بِهَا تَضَرُّرُ (وكل مَا قسمته تعذر) بِفَتْح التَّاء وَحذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَي تتعذر لقَوْل ابْن مَالك: وَمَا بتاءين ابتدى قد يقْتَصر فِيهِ على تا كتبين العبر (تمنع) بِضَم التَّاء (ك) الْقِسْمَة (الَّتِي بهَا تضرر) كياقوتة أَو كخفين، وَإِذا منعت قسمته فإمَّا أَن يتَّفقَا على الِانْتِفَاع بِهِ مُشْتَركا وَإِمَّا أَن يُبَاع عَلَيْهِمَا حَيْثُ طلب أَحدهمَا ذَلِك واتحد مدخلهما، فَإِن لم يتحد بَاعَ حِصَّته مُفْردَة كَمَا مر، ثمَّ إِذا قُلْنَا من دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل على مَا مر، فَإِذا بَاعَ الشَّرِيك الْجَمِيع من غير رفع للْحَاكِم مضى بَيْعه على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي اللامية وَغَيرهَا. وَكَانَ لصَاحبه الْخِيَار فِي الضَّم وَعَدَمه، وَإِن وَقع وَرفع الْأَمر للْحَاكِم فَإِنَّهُ ينظر فَإِن اتَّحد الْمدْخل أمره بِبيع الْجَمِيع وَيثبت الْخِيَار أَيْضا، وَإِن لم يتحد أمره بتسويق حِصَّته مُفْردَة ثمَّ لصَاحبه الشُّفْعَة إِذا كَانَ عقارا على الْمَعْمُول بِهِ من أَن الشُّفْعَة جَارِيَة حَتَّى فِيمَا لَا يَنْقَسِم مِنْهُ كَمَا مر، وَأما على مُقَابِله فَهُوَ كالعروض، وَحكمهَا أَنه يحكم عَلَيْهِ بِبيع حِصَّته مُفْردَة أَيْضا لعدم اتِّحَاد الْمدْخل كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، فَإِذا وقفت على ثمن كَانَ لشَرِيكه أَخذه بذلك الثّمن رفعا لضرره، فَإِن لم يعلم الشَّرِيك حَتَّى انْعَقَد البيع فَلَا شُفْعَة وَلَا ضم، وَقد فَاتَ ذَلِك عَلَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن عَرَفَة: كل مُشْتَرك لَا شُفْعَة فِيهِ فَبَاعَ بعض الشُّرَكَاء نصِيبه مِنْهُ فَلِمَنْ بَقِي أَخذه بِالثّمن الَّذِي يعْطى فِيهِ مَا لم ينفذ البيع اه. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم فِي الشُّفْعَة: وَجُمْلَة الْعرُوض فِي الْمَشْهُور الخ. قَالَ فِي شرح العمليات: إِذا وقف الْمَبِيع من عرُوض أَو حَيَوَان على ثمن فَيُقَال للشَّرِيك: أَنْت أَحَق بِهِ فَلَا يشترى حَتَّى تسلم فِيهِ فَإِن أَخذه بِمَا بلغ منع مِنْهُ غَيره الخ. هَذَا كُله إِذا طلب أحدهم البيع وأبى غَيره، وَلم يسْأَل طَالب البيع من القَاضِي فِيمَا إِذا اتَّحد الْمدْخل أَن يُنَادي لَهُ على الْجَمِيع بل رَضِي أَن يتَوَلَّى بيع الْجُمْلَة بِنَفسِهِ، وَأما إِن طلب مُرِيد البيع مِنْهُ المناداة على الْجَمِيع أَو طلب جَمِيع الشُّرَكَاء البيع وَلَا ينظر فِي هَذِه لِاتِّحَاد الْمدْخل وَلَا لعدمه فَإِنَّهُ يُجِيبهُمْ إِلَى مَا طلبُوا فِي الصُّورَتَيْنِ. ويَحْكُمُ القَاضِي بِتَسْوِيقٍ وَمَنْ يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنْ (وَيحكم القَاضِي) حِينَئِذٍ (بتسويق) جَمِيع الْمَبِيع (وَمن يُرِيد أَخذه) مِنْهُم بِمَا وقف عَلَيْهِ لَا
يُمكن مِنْهُ إِلَّا أَن (يزِيد فِي الثّمن) فَإِن سلمه لَهُ صَاحبه فَذَاك وَإِلَّا تزايدا حَتَّى يقف على أَحدهمَا فَيَأْخذهُ بِمَا وقف بِهِ عَلَيْهِ. وَإنْ أَبَوْا قَوَّمَهُ أَهْلُ البَصَرْ وآخِذٌ لَهُ يُقَضِّي مَنْ يَذَرْ (وَإِن أَبَوا) التسويق لكساد سوقه مثلا (قومه أهل الْبَصَر) فَإِذا سلم أَحدهمَا لصَاحبه بذلك التَّقْوِيم فَذَاك وَإِلَّا تزايدا (وآخذ لَهُ) بِمَا وقف بِهِ عَلَيْهِ. (يقْضِي) بِفَتْح الْقَاف أَي: يُؤدى الثّمن (من يذر) أَي لمن يتْرك أَخذه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَيُرِيد بَيْعه لصَاحبه بِمَا وقف عَلَيْهِ. وَإن أبَوْا بِيعَ عَلَيْهِمْ بالْقَضَا واقَتْسَمُوا الثَّمَنَ كَرْهاً أوْ رِضَا (وَإِن أَبَوا) أَي امْتَنعُوا كلهم من أَخذه بِمَا قومه أهل الْبَصَر أَو بِمَا وقف عَلَيْهِ فِي التسويق (بيع عَلَيْهِم بالقضا واقتسموا الثّمن كرها أَو رضَا) وَمَا قَررنَا بِهِ النّظم هُوَ الْمُتَعَيّن الْمُوَافق لما بِهِ الْعَمَل، وَالْمَشْهُور من اتِّحَاد الْمدْخل الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) فِي قَوْله: أَو اشْترى بَعْضًا. وَمَا نقلوه هُنَا عَن المتيطي والمدونة وَغَيرهمَا مِمَّا ظَاهره أَنه يحكم بتسويق مَا لَا يَنْقَسِم من عقار وَغَيره، سَوَاء اتَّحد الْمدْخل أم لَا. وَمن يُرِيد أَخذه يزِيد فِي الثّمن مُخَالف لما تقدم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل ذَلِك على مَا إِذا اتَّحد مدخله وَطلب مُرِيد البيع من القَاضِي أَن يُنَادي لَهُ على الْجَمِيع أَو توَافق الْجَمِيع على البيع كَمَا قَررنَا، لَكِن يُقَال: إِذا اتَّحد الْمدْخل فَلَا يحْتَاج الْمُمْتَنع من البيع إِلَى المزايدة، لِأَن الْخِيَار لَهُ فِي الضَّم وَعَدَمه وَلَو أمضى البيع، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى المزايدة إِذا طلب الْجَمِيع الْمَبِيع كَمَا هُوَ ظَاهره وَالله أعلم. وَأما إِذا لم يتحد الْمدْخل فَإِنَّهُ يحكم عَلَيْهِ بِبيع حِصَّته مُفْردَة كَمَا مر، فَقَوْل الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِم بيع عَلَيْهِم الخ. يَعْنِي حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل أَو توَافق الْجَمِيع على البيع وطلبوا مِنْهُ البيع عَلَيْهِم كَمَا قَررنَا قَالَ: إِلَّا أَن يُرِيد من كره البيع أَن يَأْخُذ ذَلِك بِمَا يعْطى فِيهِ فَهُوَ أَحَق، فَإِن اخْتلفُوا فِي أَخذه بعد بُلُوغه فِي النداء ثمنا تزايدوا فَإِن قَالَ بَعضهم: ابْتِدَاء نتزايد، وَقَالَ بَعضهم: يقومه أهل الْمعرفَة، فَالْقَوْل لمن دَعَا للمزايدة، فَإِن طلب أحدهم المزايدة وَالْآخر البيع نُودي عَلَيْهِ فَإِذا وقف على ثمن كَانَ لصَاحب المزايدة أَخذه بذلك إِلَّا أَن يزِيد عَلَيْهِ الآخر فليتزايد الخ. قلت: وَهَذَا الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة أحد أَقْوَال ثَلَاثَة، وَانْظُر شَارِح العمليات عِنْد قَوْلهَا صدر الْبيُوع. ولشريك الْمَبِيع بِثمن بلغ دون الْغَيْر يرضى حَيْثُ عَن
وَعند قَوْلهَا بعد ذَلِك: وَلَيْسَ يجْبر على المقاومه وحظ مَا لَا يقبل المقاسمه فَإِنَّهُ قَالَ: كَون الشَّرِيك يَأْخُذ نصيب شَرِيكه بِالثّمن الَّذِي أعْطى فِيهِ وَاضح فِيمَا بيع مبعضاً، وَأما مَا بيع صَفْقَة فَكَذَلِك إِن كَانَ الْآخِذ غير مُرِيد البيع، وَأما مريده فَفِي أَخذه نصيب شَرِيكه المجبور على البيع صَفْقَة بِالثّمن الَّذِي بلغ وَمنعه إِلَّا بِزِيَادَة، ثَالِثهَا إِن لم يكن قَصده إِخْرَاج الشَّرِيك والاستبداد بالشَّيْء الْمُشْتَرك فَلهُ وإلاَّ فَلَا حَتَّى يزِيدهُ اه. يَعْنِي: وَإِذا زَاد فلصاحبه الزِّيَادَة أَيْضا، ويتزايدان حَتَّى يقف على أَحدهمَا. وَذكر فِي ضيح أَن الْعَمَل على أَنه لَا يُمكن من أَخذه حَتَّى يزِيد كَانَ هُوَ طَالب البيع أَو غَيره، وَفِي الدّرّ النثير: إِن الْعَمَل على القَوْل الثَّالِث، وَفِي ابْن نَاجِي: إِن الْعَمَل عِنْدهم على أَن مُرِيد البيع لَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِزِيَادَة بِخِلَاف غَيره فَيَأْخذهُ بِدُونِهَا. تَنْبِيه: وَحَيْثُ حكم لمريد البيع بالتمكن مِنْهُ وَطلب إخلاء الدَّار للتسويق، فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك بِخِلَاف الحوانيت وَشبههَا فَإِنَّهَا لَا تخلى. انْظُر حاشيتنا على اللامية. والرَّدُّ لِلْقِسْمَةِ حَيْثُ يُسْتَحَقْ مَنْ حِصَّةٍ غَيْرُ يَسِيرٍ مُسْتَحَقْ (وَالرَّدّ للْقِسْمَة) مُبْتَدأ (حَيْثُ يسْتَحق) أَي يُؤْخَذ بِالِاسْتِحْقَاقِ (من حِصَّة) بيد أحد الشَّرِيكَيْنِ أَو الشُّرَكَاء شَيْء (غير يسير مُسْتَحقّ) خبر الْمُبْتَدَأ أَي ثَابت، وَحَاصِل للْمُسْتَحقّ مِنْهُ. وَظَاهره كَانَ الْمُسْتَحق جُزْءا معينا أَو شَائِعا فِي حِصَّة أَحدهمَا أَو فِي بَعْضهَا، وَشَمل غير الْيَسِير مَا زَاد على النّصْف وَالنّصف وَالثلث، وَالْحكم فِي ذَلِك مُخْتَلف على الْمَشْهُور، فَإِن كَانَ الْمُسْتَحق زَاد على النّصْف فَيتَعَيَّن النَّقْض جبرا عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَ النّصْف أَو الثُّلُث فَلَا يتَعَيَّن النَّقْض، بل إِن شَاءَ أبقى الْقِسْمَة على حَالهَا وَلَا يرجع على شَرِيكه بِشَيْء، وَإِن شَاءَ رَجَعَ شَرِيكا بِقدر نصف ذَلِك مِمَّا فِي يَد صَاحبه، وَمَفْهُوم قَوْله: غير يسير إِنَّه إِذا اسْتحق الْيَسِير كالربع فدون أَنه لَا رد
لَهُ، وَإِنَّمَا يرجع على شَرِيكه بِقِيمَة نصف مَا قَابل الْجُزْء الْمُسْتَحق ثمنا، وَهَذَا هُوَ معنى التَّخْيِير فِي قَول (خَ) : وَإِن اسْتحق نصف أَو ثلث خير لَا ربع الخ. كَمَا قَالَه طفي وَغَيره، وَهُوَ معنى قَول ابْن شَاس: وَإِن اسْتحق بعض معِين وَكَانَ كثيرا كَانَ لَهُ أَن يرجع بِقدر نصف ذَلِك مِمَّا فِي يَد صَاحبه يكون بِهِ شَرِيكا. يَعْنِي: وَله أَن لَا يرجع بِشَيْء وَيتْرك الْقِسْمَة على حَالهَا. قَالَ: وَإِن كَانَ تافهاً يَسِيرا رَجَعَ بِنصْف قيمَة ذَلِك دَرَاهِم، وَلَا يكون شَرِيكا لصَاحبه هَذَا قَول مَالك اه. وَمثله قَول الْمُدَوَّنَة: نظر أبدا إِلَى مَا اسْتحق فَإِن كَانَ كثيرا كَانَ لَهُ أَن لَا يرجع بِقدر نصف ذَلِك فِيمَا بيد صَاحبه شَرِيكا فِيهِ إِن لم يفت، وَفِي الْيَسِير يرجع فِيهِ بِنصْف قيمَة ذَلِك ثمنا اه. أَبُو الْحسن: مُرَاده بالكثير النّصْف لِأَنَّهُ يُقَال فِيهِ كثير وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ وَالثلث كالنصف، وَالْعَيْب يطْرَأ كالاستحقاق. ابْن يُونُس عَن بعض أهل الْقرَوِيين: الَّذِي يتَحَصَّل عِنْدِي فِي طرُو الْعَيْب والاستحقاق بعد الْقسم أَن ينظر، فَإِن كَانَ ذَلِك كالربع فَأَقل رَجَعَ بِحِصَّة ذَلِك ثمنا، وَإِن كَانَ نَحْو النّصْف أَو الثُّلُث فَيكون بِحِصَّة ذَلِك شَرِيكا فِيمَا بيد صَاحبه وَلَا ينْتَقض الْقسم، وَإِن كَانَ فَوق النّصْف انْتقصَ الْقسم وابتدأه، وَبِالْجُمْلَةِ فمالك وَابْن الْقَاسِم اتفقَا على نقض الْقِسْمَة وجوبا فِي اسْتِحْقَاق الْأَكْثَر أَو عَيبه كالثلثين فَأكْثر، وعَلى عدم نقضهَا فِي الْأَقَل كالربع فدون، وَإِن اخْتلفَا فِي النّصْف وَالثلث فَابْن الْقَاسِم حكم لَهما بِحكم الْأَقَل وَأَنه لَا يرجع بذلك شَرِيكا وَهُوَ تَأْوِيل فضل على الْمُدَوَّنَة وَمَالك جعل لَهُ الْخِيَار فِي أَن يرجع شَرِيكا أَو يتَمَسَّك بِمَا بَقِي وَلَا شَيْء لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمد. وَهَذَا كُله إِن لم يفت مَا بيد شَرِيكه فَإِن فَاتَ بِبيع أَو هدم أَو نَحْوهمَا من حِوَالَة الْأَسْوَاق فِي غير الْأُصُول فَإِنَّهُ يرجع بِنصْف قيمَة مُقَابل مَا اسْتحق من غير فرق بَين الْأَكْثَر والأقل، فَقَوْل النَّاظِم: غير يسير شَامِل لِلنِّصْفِ وَمَا فَوْقه فَيَقْتَضِي أَن الرَّد مُسْتَحقّ ثَابت فيهمَا وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه فِيمَا فَوق النّصْف يتَعَيَّن الرَّد وجوبا إِذْ لَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره فِي
البيع وَالْقِسْمَة لَهَا حكمه فِيهِ، وَإِن كَانَت بِالْقُرْعَةِ وَفِي النّصْف وَالثلث إِن شَاءَ رد وَإِن شَاءَ تمسك وَلَا شَيْء لَهُ كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله: من حِصَّة أَنه إِذا اسْتحق جُزْء شَائِع من جَمِيع الحصص لَا رُجُوع لأَحَدهمَا على الآخر وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قد اسْتحق من كل مثل مَا اسْتحق من الآخر، وَإِنَّمَا الْكَلَام للْمُسْتَحقّ إِن شَاءَ أبقى حَظه شَائِعا مَعَ جَمِيعهم، وَإِن شَاءَ نقض الْقِسْمَة وابتدأها لما عَلَيْهِ من الضَّرَر فِي تَفْرِيق حَقه، وَإِن اسْتحق نصيب أَحدهمَا بِكَمَالِهِ رَجَعَ فِيمَا بيد صَاحبه شَرِيكا كَأَن الْمَالِك لم يخلف غَيره. تَنْبِيه: مَا زَاد على الرّبع وَلم يبلغ الثُّلُث قَالَ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته: الَّذِي يفِيدهُ النَّقْل أَن مَا زَاد على الرّبع وَقرب من الثُّلُث يعْطى حكم الثُّلُث، وَاسْتدلَّ لذَلِك بأنقال فانظرها فِيهِ. وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بَعْدَا أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلّ قَدْ تَعَدَّى (والغبن) الَّذِي اطلع عَلَيْهِ أحد المتقاسمين بعد الْقِسْمَة بِالْقُرْعَةِ أَو بالمراضاة مَعَ التَّعْدِيل، وَكَذَا بِغَيْر تَعْدِيل على مَا مر للناظم فِي فَصله من الْقيام بِهِ فِي البيع على مَا بِهِ الْعَمَل (من يقوم) بِهِ مِنْهُمَا يُخَاصم (فِيهِ) وَيطْلب نقض الْقِسْمَة بِسَبَبِهِ (بعد أَن طَال) عَاما فَأكْثر (و) سَوَاء (اسْتَقل) الْحَظ الْمَقْسُوم فِي ذَلِك الْعَام أم لَا. (قد تعدى) فِي الْقيام بِهِ وَطلب نقضهَا بِسَبَبِهِ فَلَا يسمع مِنْهُ ذَلِك وَلَا تقبل لَهُ دَعْوَى، وَكَانَ حَقه أَن يقدم هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله: ومدعي الْغبن سمع الخ. أَو عِنْد قَوْله: وقائم بِالْغبنِ فِيهَا يعْذر فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ. (و) إِذا اخْتلفَا الشُّرَكَاء فَادّعى بَعضهم قسْمَة الْبَتّ وَادّعى الآخر قسْمَة الْمَنْفَعَة والاستغلال فَالْقَوْل لمُدعِي الاستغلال. وَالمُدَّعِي لِقِسْمَةِ البَتَاتِ يُؤْمَرُ فِي الأَصَحِّ بالإثْبَاتِ و (الْمُدَّعِي لقسمة الْبَتَات يُؤمر فِي) القَوْل (الْأَصَح) الْمَعْمُول بِهِ (بالإثبات) لما ادَّعَاهُ من الْبَتَات فَإِن أثْبته وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُ إِلَّا الْيَمين على مدعي الاستغلال. قَالَ فِي الْمُفِيد: وَهُوَ الصَّوَاب وَبِه الْعَمَل، وَإِلَى تصويبه أَشَارَ النَّاظِم بالأصح، وَهَذَا إِذا لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة على التَّفْصِيل الَّذِي يَأْتِي فِي حِيَازَة الشَّرِيك قريب أَو أَجْنَبِي، وإلاَّ فَالْقَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي قسْمَة الْبَتّ قَالَه أَبُو الْحسن، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا مَضَت مُدَّة الْحِيَازَة صَار بِمَثَابَة من حَاز شَيْئا مُدَّة الْحِيَازَة الْمُعْتَبرَة وَقَالَ: اشْتَرَيْته من
الْقَائِم فَإِنَّهُ يصدق وَلَا يُكَلف بإثباته كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل الْحَوْز حَيْثُ قَالَ: وَالْيَمِين لَهُ. حَيْثُ ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله الخ. وَقد علمت أَن الْقِسْمَة بيع وَمُقَابل الْأَصَح لِابْنِ الْحَاج والمشاور أَن القَوْل لمُدعِي الْبَتّ قَالَا: لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة اخْتِلَافهمَا فِي البيع على الْبَتّ أَو الْخِيَار، وَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ فِيهِ لَا لمُدعِي الْخِيَار، وَهَذَا كُله إِذا اتفقَا على الْقسم وَاخْتلفَا فِي وَجهه، وَأما إِن اخْتلفَا فِي أصل الْقسم فَادَّعَاهُ أَحدهمَا ونفاه الآخر، وَقَالَ: إِنَّمَا اقتطع كل وَاحِد منا أَرضًا يعمرها من غير قسم، فَإِن القَوْل لمنكر الْقسم كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَظَاهره اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهر لِأَن ذَلِك كاختلافهما فِي وُقُوع عقد البيع، وَقد قَالُوا: إِن القَوْل لمنكره اتِّفَاقًا بل إِجْمَاعًا، وَهَذَا مَا لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة أَيْضا وإلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ كَمَا مر. وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرْ مَعَ الأصُولِ وَالتَّنَاهِي يُنْتَظَرْ (وَلَا يجوز) بِالْقُرْعَةِ أَو المراضاة (قسم زرع أَو ثَمَر) بعد أبارهما وَقبل بَدو صلاحهما وانتهاء طيبهما أَو بعد ذَلِك (مَعَ الْأُصُول) الَّتِي هِيَ الأَرْض وَالشَّجر (ح) : مشبهاً فِي الْمَمْنُوع كقسمه بِأَصْلِهِ، وَمحل الْمَنْع فِيمَا قبل بَدو الصّلاح إِذا دخلا على السكت أَو شَرط أَن تبقى الثَّمَرَة وَالزَّرْع فِي الشّجر وَالْأَرْض إِلَى الْجذاذ والحصاد لما يؤول إِلَيْهِ من بيع طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض، فَإِن دخلا على شَرط قطع الزَّرْع وَالثِّمَار الْآن جَازَ حَيْثُ بلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ لِأَنَّهُ بيع لَهُ على الْقطع فَلَا تَأتي الْعلَّة الْمَذْكُورَة. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا ورث قوم شَجرا أَو نخلا وفيهَا ثَمَر فَلَا يقتسموا الثَّمر مَعَ الأَصْل، وَإِن كَانَ الثَّمر بلحاً أَو طَعَاما وَلَا يقسم الزَّرْع مَعَ الأَرْض، وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالْأُصُول وَحدهَا وتترك الثَّمَرَة وَالزَّرْع حَتَّى يحل بيعهمَا فيقسموا ذَلِك حِينَئِذٍ كَيْلا أَو يُبَاع وَيقسم ثمنه. أَبُو الْحسن: وَيدخل فِي قسم الزَّرْع مَعَ الأَرْض طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض اه. وَإِلَى قَوْلهَا: وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالْأُصُول وتترك الثَّمَرَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: (والتناهي ينْتَظر) فالجملة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر استئنافية أَي: وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالشَّجر وَحدهمَا وينتظر بالزرع وَالثَّمَرَة تناهي الطّيب أَو بَدو الصّلاح وتقسم كَيْلا أَو تبَاع، وَيحْتَمل أَن تكون الْجُمْلَة حَالية قيدا فِيمَا قبلهَا أَي: لَا يجوز قسم زرع أَو ثَمَر مَعَ الْأُصُول فِي حَال انْتِظَار تناهي الطّيب، أما فِي حَال عدم انْتِظَاره بل دخلا على قطعه فَيجوز كَمَا مر. وَهَذَا الِاحْتِمَال هُوَ الْمُتَعَيّن فِيمَا يظْهر وإلاَّ تكَرر هَذَا مَعَ قَوْله بعد: وَمَعَ مَأْبُور وَيصِح الْقسم فِي الخ. وَقَوْلِي: بعد أبارهما احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ قبل الْأَبَّار فَإِنَّهُ يمْنَع مُطلقًا كَمَا قَالَ: وَحَيْثُم صلى الله عليه وسلم
1648 -
; االإبَّارُ فِيهِمَا عُدِمْ فَالمَنْعُ مِنْ قِسْمَةِ الأصْلِ مُنْحَتِمْ
(وحيثما الإبار فيهمَا) أَي فِي الزَّرْع وَالثَّمَر (عدم فالمنع من قسْمَة الأَصْل منحتم) لَا وَحده وَلَا مَعَ ثمره وزرعه لِأَن قسْمَة الْأُصُول وَحدهَا فِيهِ اسْتثِْنَاء ثَمَر وَزرع لم يؤبرا، وَالْمَشْهُور مَنعه لِأَنَّهُ كاستثناء الْجَنِين فِي بطن أمه وَقسمهَا بثمرها فِيهِ طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض، وَإِنَّمَا جعل الثَّمر الَّذِي لم يؤبر طَعَاما لِأَنَّهُ يؤول إِلَيْهِ وَسَوَاء اشْترطَا استثناءه أَو سكتا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة بِخِلَافِهِ فِي البيع، فَإِنَّهُ يجوز للْمُشْتَرِي اشْتِرَاط غير المأبور، بل هُوَ لَهُ بِنَفس العقد مَعَ السكت عَنهُ لانْتِفَاء طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض كَمَا تقدم للناظم فِي بيع الْأُصُول حَيْثُ قَالَ: وَغير مَا أبر للْمُبْتَاع بِنَفس عقده بِلَا نزاع. . الخ وَمَعَ مَأْبُورٍ يَصِحُّ القَسْمُ فِي أُصُولِهِ لَا فِيهِ مَعْهَا فَاعْرِف (وَمَعَ مَأْبُور) مُتَعَلق بقوله: (يَصح الْقسم فِي أُصُوله) وَحدهَا وتترك الثَّمَرَة وَالزَّرْع إِلَى تناهي الطّيب أَو بَدو الصّلاح وتقسم كَيْلا أَو تبَاع (لَا) يَصح الْقسم (فِيهِ) أَي المأبور (مَعهَا) أَي الْأُصُول (فاعرف) وَهَذَا الشّطْر تكْرَار مَعَ قَوْله: وَلَا يجوز قسم زرع أَو ثَمَر مَعَ الْأُصُول على الِاحْتِمَال الثَّانِي هُنَاكَ، وَأما على الِاحْتِمَال الأول فالبيت كُله تكْرَار، فَافْهَم فَلَو حذفه مَا ضرّ، وَهَذَا كُله فِي قسْمَة الْأُصُول وَحدهَا أَو مَعَ الثِّمَار، وَأما قسْمَة الثِّمَار وَحدهَا على رُؤُوس الْأَشْجَار فَأَشَارَ لَهُ بقوله: وَقَسْمُ غَيْرِ التَّمْرِ خَرْصاً وَالْعِنَبْ مِمَّا عَلَى الأشْجَارِ مَنْعُهُ وَجَبْ (وَقسم غير التَّمْر خرصاً) بِفَتْح الْخَاء أَي حزراً جزَافا وتحرياً مصدر خرص من بَاب قتل وَالِاسْم بِالْكَسْرِ (وَالْعِنَب) مَعْطُوف على تمر (مِمَّا) أَي من الثِّمَار الَّتِي (على الْأَشْجَار) من زيتون وفول أَخْضَر وَجوز وفستق وتين وَزرع فِي الْفَدادِين أَو قثاء وَغير ذَلِك (مِنْهُ وَجب) لِأَن الْقسم بيع، وَالشَّكّ فِي التَّمَاثُل كتحقق التَّفَاضُل، وَظَاهره بدا صَلَاحه أم لَا. دخلا على قطعه فِي الْحِين أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا لم يبد صَلَاحه ودخلا على قِطْعَة جَازَ قسمه تحرياً كَمَا مر (خَ) : وثمر أَو زرع إِن لم يجذاه الخ. وَمَفْهُوم غير التَّمْر وَالْعِنَب أَن التَّمْر وَالْعِنَب يجوز قسمهما فِي رُؤُوس أشجارهما خرصاً، لَكِن إِذا قلا وَحل بيعهمَا وَاخْتلفت حَاجَة أهلهما وَإِن بِكَثْرَة أكل واتحد الْمَقْسُوم من بسر أَو رطب وَقسم بِالْقُرْعَةِ لَا بالمراضاة كَمَا فِي (خَ) : عبد الْحق: الْفرق بَين سَائِر
الثِّمَار وَالنَّخْل وَالْعِنَب فِي الْقسم بالخرص أَن ثَمَرَة النّخل وَالْعِنَب متميزة عَن الشّجر وورقه، وَلَيْسَ كَذَلِك سَائِر الثِّمَار لِأَنَّهَا مختلطة بالورق وَلَا تتَمَيَّز اه. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب، عَن مَالك فِي الْعُتْبِيَّة: لَا بَأْس بقسم جَمِيع الثِّمَار بالخرص من نخل وعنب وتين وَغير ذَلِك كَانَت مدخرة أم لَا. إِن وجد من يحسن الْخرص وَحل بَيْعه إِلَى آخر الشُّرُوط، وَقَالَ ابْن حبيب: يجوز ذَلِك فِي المدخر دون غَيره فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال. وَاعْلَم أَن الطارىء على الْقِسْمَة الْمُقْتَضِي لنقضها على مَا فِي النّظم خَمْسَة. اسْتِحْقَاق وَقد تقدم فِي كَلَامه، وعيب وَحكمه حكمه كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، ووارث أَو دين أَو وَصِيَّة وإليها أَشَارَ بقوله: وَيَنْقُضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيما اشْتَهَرْ (وينقض الْقسم لوَارث ظهر) كثلاثة عصبَة اقتسموا التَّرِكَة، ثمَّ طَرَأَ رَابِع فتنقض الْقِسْمَة لأَجله إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كدار وحيوان وَنَحْوهمَا فَإِن كَانَ عينا أَو مثلِيا رَجَعَ الطارىء على كل وَاحِد بِمَا أَخذه زَائِدا على حَقه، وَلَا تنقض الْقِسْمَة وَلَا يَأْخُذ مَلِيًّا عَن معدم وَلَا حَاضرا عَن غَائِب أَو ميت، وَسَوَاء علم المطرو عَلَيْهِ بالطارىء أم لَا على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة خلافًا لِابْنِ الْحَاجِب. (أَو دين) ظهر بعد قسم الْوَرَثَة التَّرِكَة كَانَت فِيهَا وَصِيَّة أم لَا. فَإِن الْقِسْمَة تنقض، وَظَاهره كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كدار أَو مثلِيا وَهُوَ كَذَلِك، فَيكون مَا هلك أَو نما من جَمِيعهم، وَفَائِدَة نقضهَا فِي المثلى كَون الضَّمَان من جَمِيعهم إِذا تلف بسماوي، وَلَو كَانَت صَحِيحَة فِيهِ مَا كَانَ الضَّمَان مِنْهُم جَمِيعًا، وَلذَا لَا نقض فِي المثلى إِن كَانَ قَائِما إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ كَمَا لِابْنِ رشد فَغير المثلى ينْقض مُطلقًا والمثلى إِنَّمَا ينْقض مَعَ الْهَلَاك فَقَط، وَمَا فِي (خَ) من أَنَّهَا لَا تنقض فِي المثلى خلاف الْمَشْهُور الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لِابْنِ الْقَاسِم كَمَا فِي الْبَيَان قَالَه طفي وَغَيره. وَإِذا انْتقض الْقسم على مَا هُوَ الْمَشْهُور فَيَأْخُذ المليء عَن المعدم والحاضر عَن الْغَائِب وَالْمَيِّت مَا لم يُجَاوز مَا قَبضه، وَسَوَاء علمُوا بِالدّينِ أم لَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا طَرَأَ الْغَرِيم على الْوَرَثَة، وَقد أتلف بَعضهم حَظه وَبَقِي فِي يَد بَعضهم حَظه فلربه أَخذ دينه مِمَّا بِيَدِهِ اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُقدمَات: لَا خلاف بَين جَمِيعهم أَن الْوَرَثَة لَا يضمنُون للْغُرَمَاء مَا تلف بعد الْقِسْمَة بِأَمْر من السَّمَاء ويضمنون مَا أكلوه واستهلكوه. قَالَ: وَمَا ادعوا تلفه من الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا يُغَاب عَلَيْهَا صدقُوا فِي ذَلِك مَعَ أَيْمَانهم بِخِلَاف الْعرُوض الَّتِي يُغَاب عَلَيْهَا فَلَا يصدقون إِلَّا بِبَيِّنَة اه. وَيفهم مِنْهُ أَنهم قبل الْقِسْمَة مصدقون مُطلقًا وَلَو فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ لأَنهم لم يحوزوا لأَنْفُسِهِمْ شَيْئا. الثَّانِي: إِذا بَاعَ الْوَرَثَة التَّرِكَة بعد الْقِسْمَة أَو قبله فبيعهم مَاض لَا ينْقض كَانَ فِيهِ مُحَابَاة أم لَا. وَإِنَّمَا اخْتلف هَل يرجع الْغَرِيم بالمحاباة على الْوَاهِب الَّذِي هُوَ البَائِع أَو على الْمَوْهُوب لَهُ وَهُوَ المُشْتَرِي؟ وَكَذَا يمْضِي مَا اشْتَرَاهُ الْوَرَثَة من التَّرِكَة فحوسبوا بِهِ فِي ميراثهم، وَلَو كَانَت السّلْعَة
قَائِمَة بيد المُشْتَرِي أَو كَانَ الْوَرَثَة معدمين بِالثّمن فَلَا مُطَالبَة على المُشْتَرِي فِي ذَلِك كُله، لَكِن مَحل إِمْضَاء بيعهم إِذا لم يعلم الْوَرَثَة بِالدّينِ حِين الْقسم، أَو جهلوا أَن الدّين قبل الْقسم كَمَا فَرْضه فِي الْمُدَوَّنَة، أما مَعَ علمهمْ بِتَقْدِيم الدّين فباعوا فللغرماء نقض البيع وانتزاع الْمَبِيع مِمَّن هُوَ فِي يَده قَالَه فِي كتاب الْمديَان من الْمُدَوَّنَة انْظُر طفي. 5 (أَو وَصِيَّة) ظَهرت بعد قسم الْوَرَثَة، فَإِن الْقِسْمَة تنقض (فِيمَا اشْتهر) . وَظَاهره كَانَت الْوَصِيَّة بِعَدَد أَو بِالثُّلثِ، أما الْوَصِيَّة بِالْعدَدِ فَهِيَ كَالدّين فينقض الْقسم لأَجلهَا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا أَو مثلِيا، وَيكون مَا هلك أَو نما من جَمِيعهم كَمَا مر، وَأما الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ فَإِنَّمَا ينْقض الْقسم لَهَا إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كَمَا مر فِي طرُو الْوَارِث على مثله، ثمَّ مَحل نقض الْقِسْمَة فِي الدّين وَالْوَصِيَّة بِعَدَد إِذا لم يلْتَزم الْوَرَثَة بأَدَاء الدّين وإلاَّ فَلَا نقض كَمَا قَالَ: إِلَّا إذَا مَا الوارِثُونَ بَاؤُوا بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ مَا شاؤوا (إِلَّا إِذا مَا) زَائِدَة (الوارثون باؤوا) رجعُوا كلهم (بِحمْل دين) وأدائه لرَبهم (فَلهم مَا شاؤوا) من إِمْضَاء الْقِسْمَة وإبقائها على حَالهَا إِذْ لَا حق لرب الدّين فِي عين التَّرِكَة، وَكَذَلِكَ إِذا تطوع أحدهم بِدفع جَمِيع الدّين من عِنْده لاغتباطه بِحقِّهِ، فَذَلِك لَهُ وَتبقى الْقِسْمَة على حَالهَا أَيْضا، وَأما إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يدْفع مَا ينوبه من الدّين ويتمسك بحظه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يرضى بذلك غَيره. انْظُر شرح الشَّامِل فِيمَا إِذا ثَبت الدّين بِشَهَادَة أحد الْوَرَثَة. وأصل بَاء رَجَعَ متحملاً، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أَن تبوء بإثمي} (الْمَائِدَة: 29) أَي ترجع متحملاً بإثمي، وَبَقِي على النَّاظِم طرُو الْغَرِيم على مثله، أَو طرُو الْمُوصى لَهُ على مثله، أَو طرُو موصى لَهُ بِجُزْء على وَارِث، أَو طرُو الْغَرِيم على الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة، أَو طرُو الْمُوصى لَهُ بِجُزْء على الْمُوصى لَهُ بِجُزْء وعَلى الْوَرَثَة، أَو طرُو الْغَرِيم على الْوَرَثَة وعَلى الْمُوصى لَهُم بِأَقَلّ من الثُّلُث، فَهَذِهِ سِتَّة أَشَارَ (خَ) إِلَى الثَّلَاثَة الأول بقوله: وَإِن طَرَأَ غَرِيم أَو موصى لَهُ على مثله أَو موصى لَهُ بِجُزْء على وَارِث اتبع كل بِحِصَّتِهِ أَي: وَلَا تنقض الْقِسْمَة، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مثلِيا وَإِلَّا نقضت كَمَا مرّ فِي طرُو الْوَارِث على مثله. وَانْظُر حكم الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي (ح) والشامل. وَالْحَلْيُ لَا يُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِهِ إِلَّا بِوَزْنٍ أَوْ بِأَخْذِ كلِّهِ (والحلى) الْمُشْتَرك (لَا يقسم بَين أَهله إِلَّا) على أحد وَجْهَيْن (بِوَزْن) معتدل حَيْثُ أمكن فِيهِ ذَلِك لتعدده مثلا (أَو بِأخذ كُله) وَيَأْخُذ الْوَارِث الآخر عينا من نَوعه بِالْوَزْنِ فَتكون مراطلة أَو
عينا من غير نَوعه على حكم الصّرْف كَمَا مرّ فِي بيع النَّقْدَيْنِ أَو عقارا أَو عرضا لَا عرضا وعيناً من نَوعه لما فِيهِ من بيع عين وَهُوَ الحلى بِعَين وَعرض وَهُوَ مَمْنُوع كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما الخ. وَكَذَا عرض وَعين من غير نَوعه إِلَّا أَن يكون الْجَمِيع قدر دِينَار أَو يَجْتَمِعَانِ فِيهِ. وأجْرُ منْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ عَلَى الرُّؤُوسِ وَعليْهِ العمَلُ (وَأجر من يقسم) أَو غَيرهَا (أَو يعدل) أَي يقوم الْمَقْسُوم من أصُول وَغَيرهَا، وَظَاهره أَن الْمعدل غير الْقَاسِم وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الظَّاهِر كَمَا فِي (ح) أَن الْقَاسِم هُنَا هُوَ الَّذِي يقوم الْمَقْسُوم ويعد لَهُ اه. وَاعْتِرَاض طفي وَابْن رحال لَا ينْهض لمن تَأمل وأنصف، بل قَالَ الشَّيْخ الرهوني مَا اسْتَظْهرهُ (ح) : يجب الْجَزْم بِهِ وَمَا فِي (ق) عَن ابْن عَبدُوس عِنْد قَوْله: إِلَّا كحائط فِيهِ شجر الخ. صَرِيح فِي أَن الْقَاسِم هُوَ الْمُقَوّم. (على الرؤوس) . وَلَو اخْتلفت الانصباء كَنِصْف وَثلث وَسدس (خَ) : وأجره بِالْعدَدِ أَي الرؤوس لِأَن تَعب الْقَاسِم فِي تَمْيِيز النَّصِيب الْقَلِيل كتعبه فِي تَمْيِيز الْكثير أَو أَكثر. قَالَ المتيطي: وَبِهَذَا الْقَضَاء، وَتَبعهُ النَّاظِم فَقَالَ:(وَعَلِيهِ الْعَمَل) وَقيل إِنَّهَا على قدر الانصباء كالشفعة. قَالَ الْبَاجِيّ فِي وثائقه: وَبِه الْعَمَل فهما قَولَانِ عمل بِكُل مِنْهُمَا. كَذلِكَ الكَاتِبُ لِلْوَثِيقَهْ لِلْقَاسِمِينَ مُقْتَفٍ طرِيقَهْ (كَذَلِك الْكَاتِب للوثيقه للقاسمين مقتف طَرِيقه) بِالتَّاءِ المبدلة هَاء للْوَقْف، وللقاسمين نعت لَهُ تقدم عَلَيْهِ فيعرب حَالا، ومقتف خبر عَن الْكَاتِب أَي كَاتب الْوَثِيقَة مقتف طَريقَة ثَابِتَة للقاسمين حَال كَونه كَائِنا كَذَلِك فِي كَون الْأُجْرَة على الرؤوس على الْمَعْمُول بِهِ. قلت: وحاسب الْفَرِيضَة أَي ضاربها ككاتب وَثِيقَة الْقِسْمَة، وَلَكِن الْعَمَل الْيَوْم فِي ذَلِك كُله على مَا للباجي لَا على مَا للناظم، وللمسألة نَظَائِر كنس المرحاض فَإِنَّهُ على الرؤوس وسكنى الحاضنة مَعَ محضونها، وَكَذَا صيد الْكلاب فَلَا ينظر لِكَثْرَة الْكلاب، وَإِنَّمَا ينظر إِلَى رُؤُوس الصيادين، وَكَذَا حارس الْبَسَاتِين وأعدال الْمَتَاع وبيوت الطَّعَام على مَا قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره وَلَكِن الْعَمَل عندنَا فِي الحارس وكنس المرحاض على أَنه على قدر الْأَنْصِبَاء كالشفعة والفطرة على العَبْد الْمُشْتَرك وَنَفَقَة الْوَالِدين، فَإِنَّهَا على قدر الْيَسَار وَأُجْرَة الدلالين وَنَفَقَة عَامل الْقَرَاض على قدر الْمَالَيْنِ، وَمَا طَرحه أهل السَّفِينَة خوف الْغَرق على قدر الْأَمْوَال والساعي يتَعَدَّى على الشَّاة فتؤخذ
من الْبَعْض، فَهِيَ على قدر الْغنم وَجِنَايَة مُعتق رجلَيْنِ على عاقلتيهما بِقدر حظيهما وَالْوَصِيَّة بِمَجْهُول (خَ) فِي الْوَصِيَّة وَضرب لمجهول فَأكْثر بِالثُّلثِ، وَهل يقسم على الحصص؟ قَولَانِ. هَذَا هُوَ الَّذِي يعْتَمد فِي هَذِه الْمسَائِل كَمَا هُوَ ظَاهر، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض مُخَالفَة لما قَالَه طفي وَغَيره فِي فصل كاة الْفطر. وَأُجْرَةُ الكيَّالِ فِي التَّكْسِيرِ مِنْ بَائِعٍ تُؤْخَذُ فِي المَشْهُورِ (وَأُجْرَة الكيال فِي التكسير) أَي فِي كيل الأَرْض إِذا بِيعَتْ على الْكَيْل (من بَائِع تُؤْخَذ) تِلْكَ الْأُجْرَة (فِي الْمَشْهُور. كَذَاكَ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ الْحَكْمُ ذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ كَذَاك فِي الْمَوْزُون والمكيل) من الطَّعَام أَو غَيره إِذا بيع على الْكَيْل أَو الْوَزْن فأجرة ذَلِك على البَائِع لقَوْله تَعَالَى: وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الْكَيْل} (يُوسُف: 88) والمخاطب بذلك هُوَ يُوسُف عليه السلام، إِذْ هُوَ كَانَ البَائِع للطعام من إخْوَته (الحكم ذَا من غير مَا تَفْصِيل) وَهَذَا إِذا لم يجر الْعرف بِأَن الْأُجْرَة فِي الْكَيْل وَالْوَزْن على المُشْتَرِي وَإِلَّا فَيحكم بهَا عَلَيْهِ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَل الْيَوْم لِأَن الْعرف كالشرط.
(فصل فِي الْمُعَاوضَة)
وَهِي بيع الْعرض بِالْعرضِ كحيوان بِثَوْب أَو حَيَوَان بِمثلِهِ أَو ثوب بِمثلِهِ أَو أَرض بِمِثْلِهَا وَنَحْو ذَلِك، وتسميها الْعَامَّة الْيَوْم الْمُعَامَلَة فَهِيَ من أَنْوَاع البيع كَمَا قَالَ: يَجُوزُ عَقْدُ البَيْعِ بالْتَّعْويضِ فِي جُمْلَةِ الأصُولِ وَالْعُرُوض (يجوز عقد البيع بالتعويض فِي جملَة الْأُصُول وَالْعرُوض) وَظَاهره؛ وَلَو لم يتعرضا لقيمة كل من الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ كَذَلِك، ثمَّ إِذا وَقعت فِي غير الْأُصُول أَو فِي الْأُصُول الَّتِي لَا ثَمَرَة فِيهَا أصلا
فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز كَمَا يُسْتَفَاد من هَذَا الْبَيْت وَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَائِز فِي الْحَيَوَان كُله الخ. وَأما إِن وَقعت فِي الْأُصُول الَّتِي فِيهَا ثَمَرَة فإمَّا أَن تكون تِلْكَ الثَّمَرَة غير مأبورة بِأَن لم ينْعَقد الثَّمر وَلَا خرج الزَّرْع على وَجه الأَرْض، وَإِمَّا أَن تكون مأبورة فَأَشَارَ إِلَى الأول بقوله: مَا لَمْ يَكُنْ فِي الأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ لَمْ يُؤْبَرَا فمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ (مَا لم يكن فِي الأَصْل زرع أَو ثَمَر لم يؤبرا) فَإِن الْمُعَاوضَة حِينَئِذٍ لَا تجوز وَإِن وَقعت (فَمَا انْعِقَادهَا يقر) بل يجب فَسخهَا بِكُل حَال، كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى بيع طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض كَمَا تقدم فِي الْقِسْمَة حَيْثُ قَالَ: وحيثما الإبار فيهمَا عدم فالمنع من قسْمَة الأَصْل منحتم وَمَا مر عَن ابْن فتحون فِي بيع الْأُصُول بثمرها إِنَّمَا هُوَ إِذا بِيعَتْ بِعَين أَو بِأَصْل لَا ثَمَرَة فِيهِ أصلا، كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله: وَصَحَّ بالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ مِنْ جَهَةٍ أوْ بَقِيا مَعاً فَقَطْ (وَصَحَّ) عقد الْمُعَاوضَة (بالمأبور) من الْجَانِبَيْنِ (حَيْثُ يشْتَرط) لأَحَدهمَا (من جِهَة) دون الْأُخْرَى وَأفهم قَوْله بالمأبور أَن كلا من الْأَصْلَيْنِ فِيهِ مَأْبُور إِلَّا أَن أَحدهمَا اشْترط لنَفسِهِ مَأْبُور الآخر وَأبقى مَأْبُور أَصله لنَفسِهِ أَيْضا، وغايته أَنه اشْترى أصلا مَعَ مأبوره بِأَصْل فَقَط دون مأبوره وَلَا مَحْذُور فِيهِ بِمَنْزِلَة مَا لَو اشْترى أصلا مَعَ مأبوره بِعَين أَو ثوب، وَأَحْرَى وَأولى فِي الْجَوَاز إِذا كَانَ أحد الْأَصْلَيْنِ لَا ثَمَرَة فِيهِ أصلا فَبَاعَهُ ربه بِأَصْل فِيهِ مَأْبُور وَاشْترط المأبور لنَفسِهِ، وَكَذَا إِن كَانَ ثَمَر أحد الْأَصْلَيْنِ قد أبر وثمر الآخر لم يؤبر، فَيجوز على أَن تكون الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة تبقى للَّذي صَارَت لَهُ الثَّمَرَة الَّتِي لم تؤبر، وَلَا يجوز أَن يشترطها الآخر قَالَه ابْن سَلمُون، وَفهم من قَوْله: من جِهَة أَنه إِذا اشْترط كل مِنْهُمَا مَأْبُور صَاحبه لنَفسِهِ لم يجز وَهُوَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ عرض وَطَعَام بِعرْض وَطَعَام أَي يؤول إِلَى ذَلِك كَمَا تقدم فِي الْقِسْمَة قَرِيبا، وَسَوَاء كَانَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ كأرض فِيهَا زرع مؤبر بشجرة فِيهَا ثَمَر مؤبر أَيْضا للشَّكّ فِي التَّمَاثُل فِي الْجِنْس، وَوُجُود النَّسِيئَة فِي الصُّورَتَيْنِ خلافًا للشَّيْخ (م) فِي إِجَازَته صُورَة الجنسين على جِهَة الترجي قَائِلا
لِأَن الْمُمَاثلَة غير مَطْلُوبَة والمناجزة حَاصِلَة لِأَن النّظر إِلَى الْجزَاف قبض الخ. لما علمت من أَن الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة لَيست طَعَاما الْآن، وَلِأَن كَون النّظر إِلَى الْجزَاف قبضا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ مِمَّا ينْتَفع بِهِ فِي الْحَال وتقطع الثَّمَرَة من الْآن كَمَا مر فِي الْقِسْمَة وَالله أعلم. (أَو بقيا) مَعْطُوف على يشْتَرط مَدْخُول لحيث أَي وَصَحَّ حَيْثُ بقيا أَي المأبوران (مَعًا) أَي عقدا على أَن يبْقى لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَأْبُور أَصله، لِأَن الْمُعَاوضَة حِينَئِذٍ إِنَّمَا وَقعت فِي الْأَصْلَيْنِ (فَقَط) دون الثَّمَرَة، فَقَوله: فَقَط رَاجع لقَوْله: من جِهَة وَإِذا اشْترط المأبور من أحد الْجَانِبَيْنِ فإصابته جَائِحَة فَإِنَّهَا لَا تُوضَع عَنهُ لِأَن شَرط وضع الْجَائِحَة أَن لَا تشتري مَعَ أَصْلهَا وَإِلَّا فَلَا جَائِحَة فِيهَا كَمَا قَالَ (خَ) وأفردت أَو ألحق أَصْلهَا لَا عَكسه أَو مَعَه، وَإِذا اسْتحق أحد الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُعَاوضَة أَو رد بِعَيْب انْفَسَخت الْمُعَاوضَة وَرجع كل وَاحِد من الْعِوَضَيْنِ لصَاحبه إِلَّا أَن يفوت فَيرجع بِالْقيمَةِ كَمَا قَالَ (خَ) أَيْضا. وَفِي عرض بِعرْض بِمَا خرج من يَده أَو قِيمَته الخ. وَسَائِغٌ للمُتَعَاوِضَيْنِ مِنْ جَهَةٍ فَقَطْ مَزِيدُ العَيْنِ (وسائغ) أَي جَائِز (للمتعاوضين من جِهَة فَقَط مزِيد) أَي زِيَادَة (الْعين) حَيْثُ يكون أحد الْعِوَضَيْنِ أَكثر من قيمَة الآخر، وَهُوَ معنى قَوْله: لأَجُلِ مَا كانَ مِنَ التَّفْضِيلِ بالنَّقْدِ وَالْحُلُولِ والتأجيل (لأجل مَا كَانَ من التَّفْضِيل) أَي إِنَّمَا زيدت الْعين لكَون عرض أَحدهمَا يفضل على عرض الآخر فِي الْقيمَة، فتزاد الْعين ليَقَع التعادل، وَفهم من قَوْله: من جِهَة فَقَط أَنه لَا يجوز من الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّهُ عين وَعرض بِعَين وَعرض، فالعين مَعَ الْعرض من الْجَانِبَيْنِ إِن كَانَت من جنس وَاحِد قد اجْتمع فِيهَا الْمُبَادلَة وَالْبيع، وَذَلِكَ مؤد للربا الْمَعْنَوِيّ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما الخ. وَإِن كَانَت من جِنْسَيْنِ اجْتمع فِيهَا البيع وَالصرْف الْمشَار إِلَيْهِ بقوله أَيْضا. وَحرم بيع وَصرف إِلَّا أَن يكون الْجَمِيع دِينَارا أَو يجتمعا فِيهِ الخ. وَالْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة أَن الْعرض الْمُقَارن للطعام طَعَام والمقارن للعين عين، وَلذَلِك امْتنع بيع عرض وَعين بِعَين من جِنْسهَا، وَكَذَا من غير جِنْسهَا حَيْثُ لم يكن الْجَمِيع دِينَارا وَلَا اجْتمعَا فِيهِ (بِالنَّقْدِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الْعين أَي جَازَت زِيَادَة الْعين لفضل أحد الْعِوَضَيْنِ على مُقَابِله فِي الْقيمَة حَال كَون الْعين كائنة بِالنَّقْدِ أَي: منقودة ومدفوعة فِي الْحِين (والحلول والتأجيل) الْوَاو بِمَعْنى (أَو) فيهمَا أَي أَو كَانَت غير منقودة وَلكنهَا بالحلول
مَتى طُولِبَ بهَا أَدَّاهَا أَو كَانَت بالتأجيل إِلَى أجل مَعْلُوم أَو بَعْضهَا بِالنَّقْدِ وَبَعضهَا لأجل مَعْلُوم أَيْضا كل ذَلِك جَائِز. وَجَائِزٌ فِي الْحَيوَانِ كلِه تَعَاوُضٌ وإنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ (وَجَائِز فِي الْحَيَوَان كُله) أَي الرَّقِيق والأنعام وَالدَّوَاب (تعاوض) كَانَا من جِنْسَيْنِ كَعبد بجمل أَو جملين نَقْدا فِي الْعِوَضَيْنِ أَو تَعْجِيل أَحدهمَا وتأجيل الآخر لَا أَن تأجلا مَعًا لِأَنَّهُ من ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ أَو كَانَا من جنس وَاحِد كَعبد بِعَبْد وَهُوَ قَوْله: (وَإِن يكن بِمثلِهِ) أَي فِي الجنسية وَالْقدر كَانَا نَقْدا مَعًا أَو عجل أَحدهمَا لَا أَن تأجلا مَعًا كَمَا مر، وَأما إِن اخْتلف الْقدر كجمل فِي جملين مثله جودة ورداءة، فَإِن عجل العوضان مَعًا جَازَ، وَإِن تأخرا مَعًا امْتنع، وَكَذَا إِن تَأَخّر أَحدهمَا لِأَنَّهُ مَعَ تَقْدِيم الجملين ضَمَان بِجعْل وَمَعَ تأخيرهما وتعجيل الْمُنْفَرد سلف جر نفعا، وَكَذَا إِن عجل الْمُنْفَرد وَأحد الجملين اللَّذين فِي مُقَابلَته لِأَن الْمُؤَجل هُوَ الْعِوَض، والمعجل زِيَادَة لأجل السّلف. ابْن يُونُس: كل شَيْء أَعْطيته إِلَى أجل فَرد إِلَيْك مثله وَزِيَادَة فَهُوَ رَبًّا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) فِي السّلم حَيْثُ قَالَ: لَا جمل فِي جملين مثل عجل أَحدهمَا الخ. وَلَا مَفْهُوم لجمل فِي جملين بل غَيرهمَا من الثِّيَاب وَسَائِر الْعرُوض كَذَلِك، وَمُقَابل الْمَشْهُور الْجَوَاز لِأَن تَعْجِيل الْمُنْفَرد مَعَ أحد الجملين بيع، والجمل الآخر مَحْض زِيَادَة وَالْقَوْلَان لمَالِك قَالَ فِي ضيح: وَالْأَقْرَب جَريا على قَوَاعِد الْمَذْهَب القَوْل الْمَشْهُور، لِأَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة تَقْديرا يمْنَع وتقديراً يُجِيز وَالْأَصْل فِي مثله تَغْلِيب الْمَنْع اه. ابْن بشير: جرت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مناظرة بَين الْمُغيرَة وَأَشْهَب، فالتزم أَشهب الْجَوَاز فألزمه الْمُغيرَة ذَلِك فِي دِينَار بدينارين عجل أَحدهمَا فَالْتَزمهُ، وَقد لَا يلْزمه لِأَن بَاب الرِّبَا أضيق من غَيره، وَلَا سِيمَا الشَّافِعِي يُجِيز الزِّيَادَة فِي سلم الْعرُوض لأجل اه. فَمَا قَالَه أَشهب مُقَابل للمشهور، وَاعْتِرَاض (ق) على (خَ) بِمَا نَقله عَن الْمَازرِيّ مَرْدُود بِكَلَام ضيح وَابْن عبد السَّلَام وَعبد الْحق وَأبي إِسْحَاق، وَمَفْهُوم قَول (خَ) مثله أَنَّهُمَا لَو كَانَا مَعًا أَجود بِكَثْرَة حمل أَو سبق جَازَ مُطلقًا أَََجَلًا مَعًا أَو أَحدهمَا وَعجل الآخر لمخالفتهما للمنفرد فصارا كجنسين.
(فصل فِي الْإِقَالَة)
وَهِي رُجُوع كل من الْعِوَضَيْنِ لصَاحبه. ابْن عَرَفَة: هِيَ ترك الْمَبِيع لبَائِعه بِثمنِهِ وَأكْثر اسْتِعْمَالهَا قبل قبض الْمَبِيع وَهِي رخصَة وعزيمة اه. يَعْنِي رخصَة فِي الطَّعَام قبل قَبضه، وَالْمرَاد بالعزيمة أحد أَقسَام الحكم الشَّرْعِيّ وَهُوَ الْإِبَاحَة هَهُنَا فَهِيَ رخصَة فِيمَا يمْتَنع بَيْعه قبل قَبضه جَائِزَة فِيمَا عداهُ لِأَنَّهَا بيع من الْبيُوع تَنْعَقِد بِمَا يدل على الرِّضَا وَإِن بمعاطاة، ثمَّ إِن وَقعت بِأَقَلّ من الثّمن أَو أَكثر فَهِيَ بيع اتِّفَاقًا فتمتنع فِي الطَّعَام قبل قَبضه، وَتجوز فِي غَيره مَعَ وجود شُرُوط البيع من كَون الْمقَال فِي مَقْدُورًا على تَسْلِيمه غير وَاقعَة وَقت نِدَاء الْجُمُعَة إِلَى غير ذَلِك، وَإِن وَقعت بِمثل الثّمن فَثَلَاثَة أَقْوَال. ثَالِثهَا: الْمَشْهُور أَنَّهَا بيع إِلَّا فِي الطَّعَام فَتجوز مِنْهُ قبل قَبضه بِنَاء على أَنَّهَا نقض للْبيع، وإلاَّ فِي الشُّفْعَة فَلَيْسَتْ بيعا وَلَا نقضا للْبيع، بل هِيَ بَاطِلَة إِذْ لَو كَانَت بيعا لخير الشَّفِيع فِي أَن يَأْخُذ بِالْبيعِ الأول وَالثَّانِي وَيكْتب عهدته على من أَخذ بِبيعِهِ مَعَ أَنه إِنَّمَا يَأْخُذ بِالْبيعِ الأول وَيكْتب عهدته على المُشْتَرِي، وَلَو كَانَت نقضا للْبيع لسقطت الشُّفْعَة وإلاَّ فِي الْمُرَابَحَة، فَهِيَ فِيهَا حل بيع، فَمن اشْترى سلْعَة بِعشْرَة وباعها مُرَابحَة بِخَمْسَة عشر، ثمَّ أقَال مِنْهَا مَا لم يبعها ثَانِيًا مُرَابحَة إِلَّا على أَن رَأس مَاله عشرَة، وَلَا يَبِيعهَا على أَن رَأس مَاله خَمْسَة عشر إِلَّا إِذا بَين وَهَذَا معنى قَول (خَ) وَالْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة الخ. إقالَةٌ تجُوزُ فِيمَا حَلاَّ بالمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلاًّ (إِقَالَة) مُبْتَدأ سوغه قصد الْجِنْس وَخَبره (تجوز فِيمَا حلا) كَانَ الثّمن عينا أَو عرضا أَو طَعَاما غَابَ عَلَيْهِ أم لَا. للسلامة من التُّهْمَة الْآتِيَة فِيمَا لم يحل الْمشَار إِلَيْهِ بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يُقَال حَيْثُ لم يَأْتِ الْأَجَل (بِالْمثلِ) يتَعَلَّق بتجوز (أَو أَكثر أَو أقلا) وَهَذَا التَّعْمِيم يجب أَن يخصص بِغَيْر الطَّعَام قبل قَبضه، وَأما فِيهِ قبل قَبضه فَلَا تجوز إِلَّا بِالْمثلِ كَمَا تقدم، وَظَاهره أَنَّهَا جَائِزَة فِيمَا حل وَلَو على تَأْخِير الثّمن وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الْمَبِيع معينا كَالْعَبْدِ وَالثَّوْب وَنَحْوهمَا، وَأما إِن كَانَ
الْمَبِيع غير معِين كالشيء الْمُسلم فِيهِ، فَإِنَّهُ يجب فِيهِ رد رَأس المَال عَاجلا وإلاَّ أدّى لفسخ الدّين فِي الدّين لِأَن دينه كَانَ عرضا ففسخه فِي دَرَاهِم لَا يتعجلها الْآن بِخِلَاف تَأْخِير رَأس المَال فِي غير الْإِقَالَة فَيجوز كَمَا قَالَ (خَ) : شَرط السّلم قبض رَأس المَال كُله أَو تَأْخِيره ثَلَاثًا وَلَو بِشَرْط، وَذَلِكَ لِأَن اللَّازِم فِيهِ ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ وَهُوَ أخف من فسخ الدّين فِي الدّين الَّذِي هُوَ لَازم فِي الْإِقَالَة، وَظَاهره أَيْضا جَوَازهَا فِيمَا حل وَلَو من بعضه وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الثّمن مِمَّا يعرف بِعَيْنِه كعرض أَو مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه وَلم يغب عَلَيْهِ وإلاَّ كَانَ مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه كالطعام وَالْعين وَغَابَ عَلَيْهِ غيبَة يُمكنهُ فِيهَا الِانْتِفَاع بِهِ وَلم تجز الْإِقَالَة إِلَّا من الْجَمِيع لَا من الْبَعْض كَانَ الْمَبِيع طَعَاما أَو غَيره حل الْأَجَل أم لَا، لِأَنَّهُ يدْخلهُ بيع وَسلف مَعَ مَا فِي الطَّعَام من بَيْعه قبل قَبضه لِأَن الْغَيْبَة على المثلى تعد سلفا، فَإِذا أسلم لَهُ عشرَة دَرَاهِم فِي ثَوْبَيْنِ أَو وسقين وَبعد الْغَيْبَة على الْعشْرَة أقاله قبل الْأَجَل أَو بعده فِي أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الوسقين ورد لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم امْتنعت الْإِقَالَة لِأَنَّهُ آل الْأَمر إِلَى أَنه دفع عشرَة وَغَابَ عَلَيْهَا خَمْسَة مِنْهَا فِي مُقَابلَة الْخَمْسَة الَّتِي ردهَا سلف، وَخَمْسَة مِنْهَا فِي مُقَابلَة أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الوسقين، فقد اجْتمع البيع وَالسَّلَف فِي الْأَمريْنِ وَزَاد أحد الوسقين بعلة أُخْرَى وَهِي بيع الطَّعَام قبل قَبضه. تَنْبِيه: إِذا بَاعَ سلْعَة فحملها المُشْتَرِي ثمَّ تَقَايلا فَإِن سَأَلَ البَائِع الْإِقَالَة فأجرة الْحمل فِي ردهَا عَلَيْهِ، وَإِن سَأَلَهَا المُشْتَرِي فأجرة الْحمل فِي ردهَا للْبَائِع عَلَيْهِ قَالَه الْبُرْزُليّ قَالَ: وَعَلِيهِ تجْرِي مَسْأَلَة تقع الْيَوْم وَهِي مَا إِذا أقاله فِي أصل بَاعه إِيَّاه قد كَانَ دفع أُجْرَة السمسار فَمن طلب الْإِقَالَة فالأجرة عَلَيْهِ أما البيع الْفَاسِد فحملها أَولا وآخراً على المُشْتَرِي سَوَاء دلّس البَائِع أم لَا. وَكَذَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ نَقله (ح) . وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ بحَادِثٍ يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ (و) إِذا بَاعَ عبدا مثلا فَحدث فِيهِ عيب عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ وَقعت الْإِقَالَة ف (للمقال) الَّذِي هُوَ البَائِع (صِحَة الرُّجُوع) فِي الْإِقَالَة وَيرد العَبْد على المُشْتَرِي (بحادث) ذَلِك الْعَيْب الَّذِي (يحدث) عِنْد المُشْتَرِي (فِي) ذَلِك (الْمَبِيع) لِأَن الْإِقَالَة بيع فالبائع اشْترى العَبْد وَلم يطع وَقت البيع على الْعَيْب الْحَادِث عِنْد المُشْتَرِي، فَإِذا اطلع عَلَيْهِ بعد فَلهُ الرَّد بِهِ. وَفِي القَدِيم مِنْهُ لَا مَحَالَهْ بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الإقَالَهْ (وَفِي الْقَدِيم مِنْهُ) أَي من الْعَيْب وَهُوَ مَا كَانَ مَوْجُودا وَقت البيع (لَا محَالة) يرجع البَائِع
(بزائد) الثّمن (إِن كَانَ) قد زَاده (فِي الْإِقَالَة) زِيَادَة على الثّمن الأول كَمَا لَو بَاعه لَهُ بِثمَانِيَة فأقاله على عشرَة، ثمَّ اطلع البَائِع على عيب قديم لم يعلم بِهِ وَقت البيع الأول وَلَا المُشْتَرِي وَقت الْإِقَالَة فَإِن للْبَائِع أَن يرجع بالاثنين اللَّذين زادهما للْمُشْتَرِي عِنْد الْإِقَالَة، وَقَوْلِي: لم يعلم بِهِ وَقت البيع الأول احْتِرَازًا مِمَّا إِذا علم بِهِ وقتئذ، فَإِنَّهُ لَا يرجع على المُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَلَا يرد الْمَبِيع على المُشْتَرِي لعلمه بِالْعَيْبِ وتدليسه بِهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَفرق بَين مُدَلّس وَغَيره فِي أَخذه مِنْهُ بِأَكْثَرَ الخ. وَقَوْلِي: وَلَا المُشْتَرِي وَقت الْإِقَالَة احْتِرَازًا مِمَّا إِذا علم بِهِ المُشْتَرِي وَعدل عَن الرَّد بِهِ إِلَى الْإِقَالَة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ حدث عِنْده، وَللْبَائِع حِينَئِذٍ أَن يردهُ عَلَيْهِ إِذا لم يعلم بِهِ وَقت الْإِقَالَة، وإلاَّ فَلَا لدُخُوله عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله بزائد أَنه إِذا أقاله فِيهِ بِمثل الثّمن أَو بِأَقَلّ لَا يرجع بِشَيْء وَهُوَ كَذَلِك فِي الْمثل، سَوَاء أقاله بعد اطِّلَاعه على الْعَيْب أم لَا. كَانَ الْمقَال مدلساً فِي بَيْعه الأول أم لَا. غير أَنه إِذا لم يكن مدلساً فَلهُ رده على المُشْتَرِي إِذا أقاله بعد اطِّلَاعه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَا حدث عِنْده كَمَا مر، وَأما فِي الْأَقَل فَإِن أقاله المُشْتَرِي قبل اطِّلَاعه على الْعَيْب فَإِن البَائِع يجب عَلَيْهِ أَن يكمل لَهُ الثّمن سَوَاء دلّس أم لَا. وَإِن أقاله بعد اطِّلَاعه عَلَيْهِ لم يكمل لَهُ دلّس أم لَا. وَإِلَى تَفْصِيل هَذِه الْمَسْأَلَة أَشَارَ (خَ) فِي الْعُيُوب بقوله: فَإِن بَاعه أَي أقاله بِمثل الثّمن أَو بِأَكْثَرَ إِن دلّس فَلَا رُجُوع وإلاَّ رد ثمَّ رد عَلَيْهِ وبأقل كمل الخ. وَإِنَّمَا يرجع البَائِع بِالزَّائِدِ فِيمَا إِذا أقاله بِأَكْثَرَ. بَعْدَ اليَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ يَعْلَمُهُ فِيما مَضَى مِنْ زَمَنِ (بعد الْيَمين أَنه لم يكن يُعلمهُ فِيمَا مضى من زمن) وَهِي يَمِين تُهْمَة لَا تقلب وَيثبت الْحق بِمُجَرَّد نُكُوله عَنْهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُحَقّق المُشْتَرِي عَلَيْهِ دَعْوَى الْعلم، فَإِنَّهَا تقلب وَلَا تسْقط عَن المُشْتَرِي الزِّيَادَة حَيْثُ نكل البَائِع إِلَّا بعد يَمِينه. وَالْفَسْخُ فِي إقالَةٍ مِمَّا انْتُهِجْ بالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالغَزْل انْتُسِجْ (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ خَبره (فِي إِقَالَة) من غزل مثلا اشْتَرَاهُ ثمَّ أقَال فِيهِ بعد أَن نسجه وَلم يعلم الْمقَال بنسجه (مِمَّا) أَي من أجل مَا (انتهج) الْمَبِيع أَي سلك (بالصنعة) مَنْهَج (التَّغْيِير) مفعول مُطلق على حذف مُضَاف كَمَا ترى وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: الْفَسْخ وَاجِب فِي هَذِه الْإِقَالَة من أجل سلوك الْمَبِيع طَرِيق التَّغْيِير بِسَبَب الصَّنْعَة لِأَن التَّغْيِير فَوت، فَلَا يلْزم الْمقَال أَخذه مَعَ فَوته إِلَّا بِرِضَاهُ وَذَلِكَ (كالغزل) حَالَة كَونه (انتسج) بعد بَيْعه وأقاله فِيهِ قبل أَن يعلم البَائِع بنسجه كَمَا مر، فَإِن علم بنسجه فالإقالة لَازِمَة كَانَت بِمثل الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، فَإِن تنَازعا بعد وُقُوعهَا فَادّعى المُشْتَرِي أَنه أقاله بِمثل الثّمن وَيزِيد أُجْرَة نسجه، وَادّعى الْمقَال أَنه أقاله بِالْمثلِ فَقَط
فَذَلِك كاختلاف الْمُتَبَايعين فِي الثّمن فيتحالفان ويتفاسخان وَلَا تلْزم الْإِقَالَة. إلَا إذَا الْمُقَالُ بالرِّضَا دَفَعْ لِمَنْ أَقال أُجْرَةٌ لما صَنَعْ (إِلَّا إِذا الْمقَال بِالرِّضَا دفع. لمن أقَال أُجْرَة لما صنع) فتلزم الْإِقَالَة حِينَئِذٍ. ابْن سَلمُون قَالَ ابْن الْمَاجشون: من أقَال رجلا فِي بيع أَو ابتياع فَوجدَ شَيْئا قد زَاد أَو نقص أَو فَاتَ هُوَ لَا يعلم لم تلْزمهُ إِلَّا فِي الطَّعَام وكل مَا يُوجد مثله فَيلْزمهُ قَالَ المشاور: وَلَا تجوز الْإِقَالَة فِي شَيْء قد دَخلته صَنْعَة من الصَّنَائِع كالخياطة فِي الثَّوْب والدباغ فِي الْجلد وَنَحْو ذَلِك وَيفْسخ إِلَّا أَن يَقُول المقيل: أقيلك على أَن تُعْطِينِي فِي خياطتي أَو دباغتي كَذَا وَكَذَا فَرضِي بذلك وإلاَّ فَلَا اه. فَقَوْل المشاور: وَلَا تجوز الْإِقَالَة يَعْنِي لَا تلْزم حَيْثُ لم يعلم بتغيره وَظُهُور تغيره كعيب بِهِ فَلَا بُد من رِضَاهُ بِهِ، وَإِذا علم بالتغير وَسكت عَن دفع الْأُجْرَة فَلَا تلْزم أَيْضا بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء بعده فَيكون مُوَافقا لِابْنِ عيشون لِأَن الصَّنْعَة فَوت وتزيد وتنقص فَلَا تلْزم الْإِقَالَة للمقال إِلَّا بعد علمه بالتغير ورضاهما على أَخذ الْأُجْرَة وَدفعهَا أَو على تَركهَا، وَإِلَّا فسخت الْإِقَالَة. هَذَا هُوَ المُرَاد فَقَوله: كالغزل الخ. أخرج بِهِ المثلى لِأَنَّهُ وَإِن تغير وَهُوَ لَا يعلم بتغيره فالإقالة فِيهِ لَازِمَة وَيَأْخُذ مثله وَلَا كَلَام لوَاحِد مِنْهُمَا كَمَا تقدم، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي إِشْكَال الشَّارِح حَيْثُ قَالَ: لم يتَبَيَّن لي وَجه فسخ الْإِقَالَة إِذا رَضِي الْمقَال بذهاب عمله مجَّانا، فَكَمَا يجوز لَهُ قبض أُجْرَة ذَلِك يجوز أَن يتْركهُ مجَّانا اه. لما علمت أَنه لَيْسَ مُرَاد المشاور دفع الْأُجْرَة حتما وَأَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بدفعها لما علمت من أَن الْإِقَالَة بيع فَتجوز بِالْمثلِ أَو بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ حصل تغير فِي الْمَبِيع كتفصيل الثَّوْب وخياطته أم لَا. وَإِنَّمَا مُرَاده أَنَّهَا لَا تلْزمهُ عِنْد التَّنَازُع فِي كَونهَا وَقعت على دفع الْأُجْرَة أَو على تَركهَا إِلَّا مَعَ الْبَيَان أَو رضَا الْمقَال بدفعها بعد علمه بالتغير، فَكَلَام المشاور تَفْسِير لكَلَام ابْن الْمَاجشون لَا أَنه مُسْتَقل كَمَا فهموه، وَأما قَول من قَالَ وَجه منعهَا بعد حُدُوث الصَّنْعَة هُوَ تُهْمَة سلف جر نفعا فَغير سديد لما علمت أَن الْغَيْبَة على الْمُقَوّم الْمعِين لَا تعد سلفا كَمَا مر فِي غير مَا مَوضِع، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن من اشْترى سلْعَة وأحدث فِيهَا صَنعته لَا يَبِيعهَا من بَائِعهَا إِلَّا بعد دفع أُجْرَة الصَّنْعَة، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد، وَقد تحدث الصَّنْعَة فِيهَا نقصا، وَأَيْضًا أَي نفع يحصل للمقترض بالغيبة على الْجلد وَالثَّوْب والغزل حَتَّى يحملهُ ذَلِك على الاستقراض ويتهم عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَلَا يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الأَجَلْ بِثَمنٍ أدْنى وَلَا وَقْتٍ أَقَلْ (وَلَا يُقَال) مضارع أقَال مَبْنِيّ للْمَفْعُول أَي لَا تجوز الْإِقَالَة لمن بَاعَ ثوبا بِعشْرَة إِلَى شهر مثلا (حَيْثُ لم يَأْتِ الْأَجَل) الَّذِي هُوَ آخر الشَّهْر (بِثمن أدنى) كثمانية نَقْدا (وَلَا وَقت) أَي: وَلَا لوقت
(أقل) من الشُّهُور. أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لأَمَدْ أبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمدْ (أَو ثمن أَكثر مِنْهُ) أَي من الثّمن الأول الَّذِي هُوَ الْعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كَأَن يقيله على اثْنَي عشر (لأمد) أجل (أبعد مِمَّا) أَي للأجل الَّذِي (كَانَ) هُوَ أَي الأمد (فِيهِ الْمُعْتَمد) خبر كَانَ وَفِيه مُتَعَلق بِهِ وضميره للْبيع أَي أَو أقاله على ثمن أَكثر من الأول لأجل أبعد من الْأَجَل الَّذِي كَانَ هُوَ أَي: الْأَجَل مُعْتَمدًا لَهما فِي البيع وَلَو قَالَ: أَو ثمن أَكثر مِنْهُ لأجل أبعد مِمَّا كَانَ فِي البيع حصل لَكَانَ أسهل وأوضح. وَالْحَاصِل أَن من بَاعَ سلْعَة لأجل وأقال بَائِعه فِيهَا، فَأَما أَن يقيله بِمثل الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، وَفِي كل إِمَّا نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه أَو لأبعد مِنْهُ ثَلَاث فِي أَربع باثنتي عشرَة صُورَة منع مِنْهَا ثَلَاثَة وَهِي مَا عجل فِيهِ الْأَقَل كَمَا فِي (خَ) وَهِي الْمَذْكُورَة فِي النّظم، وَعلة الْمَنْع فِيهَا تُهْمَة سلف جر نفعا وضابطها أَن يعود لليد السَّابِقَة بالعطاء أَكثر مِمَّا خرج مِنْهَا، فَإِن اسْتَوَت الْأَثْمَان بِأَن أقاله أَو اشْترى مِنْهُ بِمثل الثّمن، فالجواز مُطلقًا نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه أَو لأبعد مِنْهُ كَمَا قَالَ: وهْي إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ المالِ جائِزةٌ فِي كل حَالٍ حَالِ وَكَذَا تجوز بِأَقَلّ للأجل أَو لأبعد مِنْهُ أَو بِأَكْثَرَ نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه، فَهَذِهِ تسع صور من الاثنتي عشرَة الْمُتَقَدّمَة كلهَا جَائِزَة لِأَنَّهُ لم يعد لليد السَّابِقَة بالعطاء أَكثر مِمَّا خرج مِنْهَا، بل عَاد إِلَيْهَا فِي صور الْمثل الْأَرْبَعَة مثل مَا خرج مِنْهَا وَعَاد إِلَيْهَا فِيمَا عَداهَا أقل مِمَّا خرج مِنْهَا، وَفِي الصُّورَة الْأَخِيرَة وَهِي بِأَكْثَرَ للأجل نَفسه تقع مقاصة وَلَا يَد سَابِقَة هُنَاكَ فانتفت التُّهْمَة، وَهَذِه الْمَسْأَلَة من فصل بُيُوع الْآجَال وَهُوَ كثير التفاريع وَقد تكفل بهَا (خَ) وَغَيره. تَنْبِيه: فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ: وَأما من عَلَيْهِ دين حل أَجله أَو قرب فَلَا يجوز أَن يستدين من رب الدّين دينا آخر كَانَ الأول برهن أم لَا. وَلَو زعم أَنه لغيره إِذا كتبه باسمه، وَسَوَاء كَانَ الْغَرِيم مَلِيًّا أَو عديماً وَالْعلَّة سلف جر نفعا. والبرزلي: ظَاهر مسَائِل الصّرْف من الْمُدَوَّنَة أَنه إِذا
كَانَت السّلْعَة الثَّانِيَة غير الأولى أَو الأولى وَلم يردهَا عَلَيْهِ فِي الْحَال أَو مَا قرب وَلم يكن بَينهمَا شَرط وَلَا عَادَة أَنه جاهز اه. وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرطا أَخْذَ الْمبِيع إنْ يَبِعْ تَغَبُّطَا (ومشتر) لشَيْء (أقَال) بَائِعه فِيهِ (مهما اشْترطَا) المُشْتَرِي فِي إقالته على البَائِع الْمقَال (أَخذ الْمَبِيع) الَّذِي وَقعت فِيهِ الْإِقَالَة (إِن يبع) أَي أَن يَبِعْهُ البَائِع (تغبطا) بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي متغبطاً بِهِ، وَهُوَ حَال إِمَّا من فَاعل اشْترط أَو فَاعل يبع، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا لأَجله. بالثَّمَنِ الأَوَّلِ فهْو جائِزُ والمُشْتَرِي بهِ المَبِيعُ حَائِزُ (بِالثّمن الأول) مُتَعَلق بِأخذ (فَهُوَ) أَي اشْتِرَاط أَخذ الْمَبِيع بِالثّمن الأول إِذا بيع (جَائِز) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط الَّذِي هُوَ مهما وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ (و) إِذا جَازَ ذَلِك (فَالْمُشْتَرِي بِهِ) أَي بذلك الِاشْتِرَاط (الْمَبِيع) مفعول بقوله:(حائز) أَي وَإِذا بَاعه البَائِع الْمقَال فَإِن بَيْعه يفْسخ، ويحوز المُشْتَرِي الْمَبِيع وَيَأْخُذهُ بِالثّمن الأول بِسَبَب شَرطه الْمَذْكُور قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة، وَنَصّ عَلَيْهِ ابْن فتحون، وَنَقله ابْن سَلمُون قَائِلا: إِلَّا أَن يَبِيعهَا البَائِع بعد طول من الزَّمن ترْتَفع عَنهُ فِيهِ التُّهْمَة فَلَا شَيْء للْمُشْتَرِي المقيل وتبعهم النَّاظِم، وَفِي الْمَسْأَلَة نزاع واضطراب بسطنا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الثنيا عِنْد قَوْله: وَجَاز إِن وَقع بعد العقد طَوْعًا بِحَدّ أَو بِغَيْر حد، فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَلَا مَفْهُوم لقَوْله الأول، بل كَذَلِك إِذا شَرط عَلَيْهِ المُشْتَرِي فِي إقالته أَخذه بِالثّمن الَّذِي يَبِيعهُ بِهِ البَائِع ثَانِيًا كَمَا مر هُنَاكَ، وَعبارَة الأَجْهُورِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ مَا نَصه: ذكر الْحطاب فِي التزاماته مَا يَقْتَضِي أَن تَعْلِيق الْإِقَالَة يجوز بِخِلَاف تَعْلِيق البيع فِي غير الْإِقَالَة، فَإِذا قَالَ المقيل للمقال: لَا أقيلك إِلَّا على أَنَّك مَتى بعتها لغيري فَهِيَ لي بِالثّمن فَرضِي بذلك، فَإِن ذَلِك جَائِز، وَمَتى بَاعهَا كَانَت للمقيل بِالثّمن الأول، وَسَوَاء بَاعهَا بِالْقربِ أَو بعد بُعد حَيْثُ أَتَى بمتى وينقض البيع فِيهَا وَترد للمقيل، لِأَن مَتى لَا تَقْتَضِي قرب الزَّمَان، وَأما إِن أَتَى بِأَن أَو بإذا فَهِيَ لَهُ إِن بَاعهَا بِالْقربِ فَقَط بِخِلَاف لَو وَقع هَذَا الشَّرْط فِي البيع، فَإِذا بَاعه على أَنه مَتى بَاعه فَهُوَ لَهُ بِالثّمن وَلَو الأول، فَإِن البيع يفْسد هَذَا هُوَ الْمعول عَلَيْهِ قَالَه (ح) اه
ثمَّ قَالَ الأَجْهُورِيّ الْمَذْكُور: وَالْحَاصِل أَن البيع يفْسد بِهَذَا الشَّرْط اتِّفَاقًا بِخِلَاف الْإِقَالَة فَفِيهَا خلاف يَعْنِي: والمعول عَلَيْهِ الْجَوَاز قَالَ: وَهنا أُمُور يَنْبَغِي التنبه لَهَا. الأول، قَالَ ابْن رشد: إِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْط فِي الْإِقَالَة لِأَنَّهَا مَعْرُوف فعله مَعَه وَاشْتِرَاط أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهِ بِمَعْرُوف فَلَزِمَ ذَلِك فِيهَا بِخِلَاف البيع اه. وَهَذَا هُوَ وَجه الْفرق بَين البيع وَالْإِقَالَة. الثَّانِي: قَالَ فِي النَّوَادِر: من أقَال بَائِعه من حَائِط اشْتَرَاهُ على أَنه مَتى بَاعه البَائِع فَهُوَ للمقيل بِالثّمن الَّذِي يَبِيعهُ بِهِ فَرضِي ثمَّ بَاعه فَقَامَ المقيل بِشَرْطِهِ كَانَ ذَلِك لَهُ وَيرد البيع وَيَأْخُذهُ بِالثّمن الَّذِي بَاعه بِهِ اه وَقَوله: كَانَ ذَلِك لَهُ أَي كَانَ لَهُ الْقيام بِشَرْطِهِ. وَقَوله: وَيرد البيع وَيَأْخُذهُ أَي فَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ بعد علمه بِهِ، فَلَيْسَ هُوَ من الشِّرَاء بِثمن مَجْهُول. وَالْحَاصِل أَنه إِن قَالَ فِي مَسْأَلَة الْإِقَالَة: إِن بِعته فَهُوَ لي بِالثّمن الأول فَإِنَّهُ يكون لَهُ بِمُجَرَّد البيع إِلَّا أَن يَشَاء عدم أَخذه، وَأما إِن قَالَ: إِن بِعته فَهُوَ لي بِالثّمن الَّذِي تبيعه بِهِ فَإِنَّهُ لَا يكون لَهُ إِن شَاءَ أَخذه إِلَّا بعد معرفَة الثّمن الَّذِي بيع بِهِ لَا قبل ذَلِك لِئَلَّا يكون من الْمَبِيع بِثمن مَجْهُول. الثَّالِث: لم يعينوا حد الْقرب وَلَا حد الْبعد فِي هَذَا الْموضع، وَقد ذكرُوا فِي مَسْأَلَة النِّكَاح أَن الْبعد السنتان كَمَا ذكره الشَّارِح عِنْد قَول المُصَنّف، وَفِي تشطير هَدِيَّة الخ. والأنسب تَفْسِير الْقرب هُنَا بِمَا فسر بِهِ الْقرب فِي الثنيا المحدودة بِأَجل فَإِنَّهُم فسروا الْقرب فِيهَا بِالْيَوْمِ وَنَحْوه اه. كَلَام الأَجْهُورِيّ بِاخْتِصَار. وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اكْتُرِي إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الكِرَاءَ الْمُكْتَرِي (وسوغت إِقَالَة فِيمَا اكتري) من دَار أَو دَابَّة أَو غَيرهمَا (إِن لم يكن أعْطى الْكِرَاء الْمُكْتَرِي) . وَظَاهره جَوَازهَا حَيْثُ لم يكن أعْطى الْكِرَاء سَوَاء سكن بعض الْمدَّة أَو ركب بعض الْمسَافَة أَو لم يسكن وَلم يركب وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَن الْإِقَالَة بعد نقد الْكِرَاء لَا تجوز وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ سكن بعض الْمدَّة أَو ركبهَا لِأَنَّهُ كِرَاء وَسلف كسلع بَاعهَا وَقبض ثمنهَا وَغَابَ عَلَيْهِ غيبَة يُمكنهُ الِانْتِفَاع بِهِ، ثمَّ أقَال من بَعْضهَا لتهمة بيع وَسلف كَمَا تقدم فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل، وَهُوَ مَفْهُوم قَول (خَ) فِي الْعُيُوب: وإقالة من الْجَمِيع، فمفهومه إِذا كَانَت من الْبَعْض لَا تجوز إِن كَانَ قد غَابَ على الثّمن الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه، وَقد أَشَارَ فِي كِرَاء الدَّابَّة لذَلِك أَيْضا حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز وإقالة بِزِيَادَة قبل النَّقْد وَبعده إِن لم يغب، وإلاَّ فَلَا إِلَّا من الْمُكْتَرِي فَقَط إِن اقْتصر أَو بعد سير كَبِير الخ. وَأما إِن نقد الْكِرَاء وَلم يسكن وَلم يركب فالإقالة جَائِزَة إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهَا شَيْء، فمفهوم الشَّرْط فِي النّظم فِيهِ تَفْصِيل كَمَا ترى.
(فصل فِي التَّوْلِيَة)
وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة تصيير مُشْتَر مَا اشْتَرَاهُ لغير بَائِعه بِثمنِهِ. (والتصيير) وَهُوَ دفع شَيْء معِين وَلَو عقارا فِي دين سَابق. توْليةُ الْمبيعِ جَازتْ مُطْلقَا وَلَيْسَ فِي الطَّعَامِ ذَاك مُتَّقَى (تَوْلِيَة) الشَّيْء (الْمَبِيع) لغير بَائِعه بِثمنِهِ (جَازَت مُطلقًا) كَانَت قبل قبض المُشْتَرِي للْمَبِيع أَو بعده (وَلَيْسَ ذَاك فِي الطَّعَام) قبل قَبضه (متقى) أَي مَمْنُوعًا، بل تجوز فِيهِ قبل قَبضه كالشركة فِيهِ وَالْإِقَالَة لِأَن الثَّلَاثَة مَعْرُوف رخص فِيهَا الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهِ كَمَا رخص فِي اشْتِرَاء الْعرية الْمشَار إِلَيْهَا بقوله. (خَ) : وَرخّص لمعير أَو قَائِم مقَامه اشْتِرَاء ثَمَرَة تيبس أَن لفظ بالعرية وبدا صَلَاحهَا وَكَانَ يخرصها ونوعها الخ. وَقَوْلنَا: لغير بَائِعه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لبَائِعه فَإِنَّهُ إِقَالَة. وَقَوْلنَا بِثمنِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ بيع فَلَا تجوز فِيهِ قبل قَبضه، وَظَاهره أَن التَّوْلِيَة فِي الطَّعَام وَغَيره جَائِزَة وَلَو على تَأْخِير الثّمن لأجل مَعْلُوم، وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يكن الشَّيْء الْمولى بِالْفَتْح سلما وإلاَّ فَلَا بُد أَن يتعجل الْمولي بِالْكَسْرِ رَأس المَال ناجزاً لِئَلَّا يدْخلهُ بيع الدّين بِالدّينِ، وَهُوَ أَشد من ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ لما مر أَن ابتداءه يجوز تَأَخره ثَلَاثًا، وَلَو بِشَرْط. والشَّرْطُ فِي التصْيير أنْ يُقَدَّرَا دَيْنٌ والإنْجَازُ لمَّا تَصَيَّرَا (وَالشّرط فِي) صِحَة (التصيير) وَتَمَامه أَمْرَانِ أَحدهمَا (أَن يقدر دين) أَي يعلم قدره لِأَنَّهُ ثمن للمصير بِالْفَتْح (و) ثَانِيهمَا (الإنجاز) لقبض (مَا تصيرا) وَمَفْهُوم الشَّرْط الأول أَنه إِذا لم يعرفا مَعًا أَو أَحدهمَا قدر الدّين لم يجز، وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مبايعة فَلَا يجوز مَعَ جهل الْعِوَضَيْنِ أَو أَحدهمَا إِلَّا إِذا تَعَذَّرَتْ الْمعرفَة بِكُل حَال، فَيجوز حِينَئِذٍ على وَجه التَّحَلُّل كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَة التمخي آخر الْفَصْل، وكما تقدم فِي قَوْله فِي الصُّلْح: وَجَائِز تحلل فِيمَا ادّعى وَلم تقم بَيِّنَة للْمُدَّعى فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ، وَمَفْهُوم الشَّرْط الثَّانِي أَنه إِن تَأَخّر الْقَبْض للشَّيْء الْمصير وَلَو لبعضه لِأَن الصَّفْقَة إِذا بَطل بَعْضهَا بطلت كلهَا، فَإِن التصيير لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الشَّيْء الْمصير غير معِين كَأَن يصير لَهُ فِي الدّين الَّذِي عَلَيْهِ عرضا أَو حَيَوَانا أَو طَعَاما مَوْصُوفا فَيمْنَع، وَلَو وَقع
الْقَبْض فِي الْبَعْض دون الْبَعْض بِلَا خلاف لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين، وَأما إِن كَانَ الْمصير معينا كحيوان أَو عرض مُعينين أَو دَار كَذَلِك فَفِيهِ خلاف واضطراب كثير، وَالْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم الْمَنْع، وَلَو وَقع الْقَبْض فِي الْبَعْض دون الْبَعْض أَيْضا، وَبِه أفتى (خَ) فِي قَوْله: وككالىء بِمثلِهِ فسخ مَا فِي الذِّمَّة فِي مُؤخر وَلَو معينا يتَأَخَّر قَبضه كغائب ومواضعة ومتأخر جذاذه وَمَنَافع عين الخ. وَاعْلَم أَن تصيير الْمعِين فِي الدّين من بَاب بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه، وَقد تقدم تَفْصِيله صدر الْبيُوع فِي بيع الْأُصُول، وَلذَا كَانَ القَوْل بِعَدَمِ افتقاره للحيازة قَوِيا صَوبه ابْن سهل، وَرجحه ابْن يُونُس، وَصَححهُ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَنَقله (ز) وَأفْتى بِهِ اليزناسني لِأَنَّهُ من نَاحيَة الْمُعَاوَضَات وَهِي لَا تفْتَقر للحيازة لدُخُول الْمعِين الْحَاضِر فِي ضَمَان المُشْتَرِي بِالْعقدِ، وَمثله الْعقار الْغَائِب لِأَنَّهُ يدْخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ أَيْضا، وَالْقَوْل بافتقاره لَهَا رَاعى فِيهِ شبه فسخ الدّين فِي الدّين وَلَيْسَ ذَلِك فسخا حَقِيقِيًّا، وَلذَا قَالَ الشَّيْخ (م) : والجاري على الْقَوَاعِد أَن تصيير الْمعِين لَا يفْتَقر إِلَى قبض إِذْ الْمعِين لَا تحمله الذمم، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من فسخ الدّين فِي الدّين اه. وَلذَا قَالَ ابْن سَلمُون أَيْضا: وَأما إِن كَانَت يَعْنِي الدَّار المصيرة قد نظرت إِلَيْهَا فالتصيير جَائِز بِلَا خلاف، يَعْنِي وَلَو تَأَخّر قبضهَا. وَلَعَلَّ مَا ذكره من عدم الْخلاف هُوَ طَريقَة لَهُ، وَفِي أَوَاخِر الصُّلْح من المعيار جَوَاب لمؤلفه قَالَ فِيهِ مَا حَاصله: إِذا كَانَ التصيير فِي معِين مُؤخر وَالتَّأْخِير يسير كالثلاثة الْأَيَّام فَفِي جَوَازه وَمنعه اضْطِرَاب، وَمذهب الْمُدَوَّنَة الْمَنْع وسَاق كَلَامهَا ثمَّ قَالَ: وَإِن كَانَ التَّأْخِير كثيرا فإمَّا بِشَرْط أَو غَيره، فَإِن كَانَ بِشَرْط فَيبْطل وَإِن كَانَ بِغَيْرِهِ فَابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة يمْنَع وَأَشْهَب فِي الْعُتْبِيَّة يُجِيز، وَبقول ابْن الْقَاسِم جرى عمل الموثقين والحكام اه. بِاخْتِصَار. وَمرَاده بِالتَّأْخِيرِ الْكثير هُوَ مَا يتَغَيَّر الْمعِين إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا مرّ صدر الْبيُوع، وَإِذا أجَاز أَشهب التَّأْخِير الْكثير بِغَيْر شَرط فأحرى أَن يُجِيز الْيَسِير، وظاهرهم أَن التَّأْخِير وَلَو فِي الْمعِين الْحَاضِر يفْسد التصيير على الْمَعْمُول بِهِ وَلَو لم يدخلا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ يَسِيرا وَيفْسخ مَعَ الْقيام وَلَو قَبضه الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن يفوت بِبيع صَحِيح وَنَحْوه مِمَّا يفوت البيع الْفَاسِد، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَه سَيِّدي مِصْبَاح حَسْبَمَا فِي المعيار فِيمَن صير لزوجته أَرضًا فِي صَدَاقهَا فَلم تقبضها إِلَّا بعد أشهر أَو أَعْوَام أَو يَوْم. قَالَ فِي الْجَواب الَّذِي اتَّصل بِهِ الْعَمَل: أَن التصيير لَا يتم إِلَّا بالحوز بإثر العقد وَإِن ترَاخى الْقَبْض عَن ذَلِك كَانَ بيعا فَاسِدا يرد مَعَ الْقيام، وَإِن فَاتَ بِمَا يفوت بِهِ البيع كَانَت فِيهِ الْقيمَة يَوْم الْقَبْض اه. قلت: فَظَاهر قَوْله فِي السُّؤَال أَو يَوْم أَن التَّأْخِير الْيَسِير لَا يغْتَفر، وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بعده مَا يُخَالِفهُ، وَأَيْضًا كَون التَّأْخِير الَّذِي لم يدخلا عَلَيْهِ مُفْسِدا للتصيير مُخَالف لما فِي صلح المعيار من أَنه إِذا وَقع الصُّلْح بِدَنَانِير عَن دَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ وتأخرت من غير شَرط فَالصُّلْح جَائِز قَالَ: وَهُوَ صَرِيح قَوْلهَا أول الْكتاب: وَإِن تَأَخَّرت الدَّنَانِير من غير شَرط جَازَ اه. وَإِذا جَازَ هَذَا فِي صرف مَا فِي الذِّمَّة مَعَ كَون بَاب الصّرْف أضيق فأحرى أَن يجوز فِي التصيير، وَلَا سِيمَا التصيير فِي الْمعِين لِأَنَّهُ أَمر جر إِلَيْهِ الْحَال وَلم يدخلا عَلَيْهِ وَلَا قصداه، وَلِأَنَّهُ من بيع الْمعِين الَّذِي يدْخل
فِي الضَّمَان بِالْعقدِ وَلَا تحمله الذِّمَّة كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَإِذا حازه الْمصير إِلَيْهِ بعد ذَلِك التَّأْخِير الْحَاصِل من غير شَرط لم يفْسخ وَيجْبر الآبي على حيازته، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن العقد وَقع على الصِّحَّة أَي على أَن يقبضهُ الْآن، وَالْعقد الْوَاقِع على الصِّحَّة لَا يفْسخ بِمَا طَرَأَ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي مُسَاقَاة الْحَائِط الْغَائِب أَنه يشْتَرط أَن يصله الْعَامِل قبل طيبه، وَأَنه إِن ترَاخى فوصله بعد طيبه لم تفْسد، فَالَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده أَو يجب عدم الْفَسْخ فِيمَا إِذا حصل التَّأْخِير من غير شَرط، وَلِهَذَا قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْإِقْرَار: إِذا صير الْإِنْسَان لامْرَأَته فِي كالئها أَو فِي دين يعلم سَببه نصف دَاره وَسكن مَعهَا إِلَى أَن مَاتَ فَهُوَ تصيير جَائِز إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهَا السُّكْنَى فِيهَا، وَقيل مَرْدُود وَالْأول أظهر اه. وَقَالَ ابْن سراج كَمَا فِي (ق) : إِذا خدم مَعَك من لَك عَلَيْهِ دين بِغَيْر شَرط فَإِنَّهُ يجوز لَك أَن تقاصه عِنْد الْفَرَاغ من الَّذِي عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أفتى ابْن رشد لظُهُوره عِنْده إِذْ مَا كَانَ يخفى عَلَيْهِ قَول ابْن الْقَاسِم اه. فَقَوله لظُهُوره عِنْده صَرِيح فِي أَنه اعْتمد فِي فتواه قَول أَشهب، فَيكون ابْن الْقَاسِم على هَذَا لَا يُجِيز الْمُقَاصَّة وَلَو بعد الْفَرَاغ لِأَنَّهُ عِنْده عقد فَاسد لاتهامهما على تصيير الْخدمَة الْمُتَأَخِّرَة عِنْد الِاسْتِيفَاء فِي الدّين فَلَا يصدقان فِي عدم الْقَصْد وَالشّرط، وَإِذا فسد العقد عِنْده فَيرجع الْعَامِل بِأُجْرَة مثله ويتحاسبان لِأَن مذْهبه أَن التَّأْخِير الْيَسِير مَمْنُوع، وَقَول الشَّيْخ بناني مُعْتَرضًا على الشَّيْخ (ز) مَا أفتى بِهِ ابْن رشد من الْمُقَاصَّة مُوَافق لِابْنِ الْقَاسِم لَا مُخَالف لَهُ فِيهِ نظر كَمَا ترى وَبعد كتبي مَا تقدم عَن المعيار والمدونة وقفت على مثله لأبي الْعَبَّاس الملوي فِي تحريره، فَالْحَمْد لله على الْمُوَافقَة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا شهِدت بَيِّنَة بحوز الْمصير لَهُ شهرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى يَد الْمصير بعد ذَلِك لم يبطل التصيير قَالَ ناظم الْعَمَل: وللحيازة افْتقر التصيير وحوزه شهر وَذَاكَ تَكْثِير وَأما إِن شهِدت إِحْدَاهمَا بحوز الْمصير لَهُ ونزوله فِي الدَّار بالمعاينة أَو الِاعْتِرَاف وَلم تشهد باستمرار الْحِيَازَة شهرا أَو شهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ لم يزل بيد الْمصير وَأَنه لم يخرج من يَده أصلا فَإِن الشَّهَادَة بِعَدَمِ خُرُوجه من يَده تقدم لِأَنَّهَا أَثْبَتَت اسْتِمْرَار عدم الْحِيَازَة وَالْأُخْرَى لم تتعرض للاستمرار، فَيمكن أَن يكون رَجَعَ ليده بعد مُعَاينَة الْحَوْز قبل مُضِيّ الشَّهْر، وَقد بَينا ذَلِك فِي حَاشِيَة اللامية، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ من الْخلاف فِي أَوَائِل الْحَبْس إِن شَاءَ الله الثَّانِي: إِذا لم تقع حِيَازَة فِي التصيير حَتَّى مَاتَ الْمصير فحازه الْمصير لَهُ بعد مَوته وَبَاعه فَقَامَ وَارِث الْمصير على المُشْتَرِي محتجاً بِفساد التصيير، فالجاري على مَا بِهِ الْعَمَل أَنه بيع فَاسد وَهُوَ يفوت بِالْبيعِ الصَّحِيح لِأَن الْفساد حصل بِمُجَرَّد التَّأْخِير سَوَاء وَقع الْقَبْض فِي حَيَاة الْمصير أَو بعد مَوته كَمَا هُوَ ظَاهر من كَلَام سَيِّدي مِصْبَاح الْمُتَقَدّم وَغَيره، وفتوى بَعضهم بِنَقْض البيع فِيهِ لِأَن قَبضه بعد الْمَوْت كَالْعدمِ فبيعه بعده تصرف فِي ملك الْغَيْر الخ. غير سديد لِأَن هَذَا إِنَّمَا يتم لَو كَانَ التصيير مَحْض هبة، وَقد علمت أَنه مُعَاوضَة بِاتِّفَاق، وَلَكِن تَأْخِير الْقَبْض فِيهِ يصيره مُعَاوضَة فَاسِدَة على الْمَعْمُول بِهِ يجْرِي على حكمهَا، لَكِن كَانَ الْقيَاس أَنه يمْضِي مَعَ الْفَوات بِالثّمن لِأَنَّهُ بيع مُخْتَلف فِيهِ لَا بِالْقيمَةِ كَمَا قَالَ سَيِّدي مِصْبَاح إِلَّا أَن يُقَال مَا فِي (خَ) من مُضِيّ الْمُخْتَلف فِيهِ بِالثّمن قَاعِدَة أغلبية فَقَط لأَنهم أوردوا على مُضِيّ الْمُخْتَلف فِيهِ بِالثّمن مسَائِل قَالَه الملوي.
الثَّالِث: اخْتلف على القَوْل بِاشْتِرَاط الْحِيَازَة هَل لَا بُد من المعاينة أَو يَكْفِي فِيهِ اعْتِرَاف الْمصير والمصير لَهُ؟ قَولَانِ: وَالثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَإِذا تنَازعا فَادّعى أَحدهمَا الْحَوْز على الْفَوْر وَادّعى الآخر التَّأْخِير جرى على الِاخْتِلَاف فِي دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد فِي البيع، وَقد علمت أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة قَالَه أَبُو عمرَان، وَبِه أفتى العقباني وَغَيره كَمَا فِي شرح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا بُد فِيهِ من فَور الْحَوْز أَي لَا بُد أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ أَو باعترافهما أَو يَدعِيهِ أَحدهمَا، وَإِذا كَانَ القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة فمحله إِذا لم يغلب الْفساد، وَقد قَالَ الملوي فِي تحريره: الْغَالِب فِي التصيير للزَّوْجَة عدم حوزها فَيكون القَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي عدم فَور الْحَوْز، فالتصيير مُخَالف للهبة. وَنَحْوهَا من التَّبَرُّعَات إِذْ لَا بُد فِيهَا من المعاينة كَالرَّهْنِ وَمحل هَذَا إِذا لم يكن فِي التصيير مُحَابَاة وغبن وإلاَّ فَلَا بُد من المعاينة لِأَن الْمُحَابَاة هبة، وَفِي الطرر: وَإِذا ثَبت الْغبن والمحاباة فِي التصيير وَلم تصح فِيهِ الْحِيَازَة بَطل اه. وَمحله أَيْضا إِذا لم يكن الدّين ثَبت بِإِقْرَار وإلاَّ فَلَا بُد من المعاينة لاتهامهما على قصد الْهِبَة والتحيل على إِسْقَاط الْحِيَازَة فَلَا تَنْتفِي التُّهْمَة إِلَّا بالمعاينة، وَهَذَا كُله على مَا مر من أَن الْمَشْهُور ثُبُوت الْحَوْز بالاعتراف، وَأما على مَا صدر بِهِ فِي الْمعِين من أَن الِاعْتِرَاف بالحوز غير كَاف وَنَحْوه فِي الطرر وَابْن سَلمُون قَائِلا: بِهِ الْعَمَل، فَلَا فرق بَين التصيير والتبرعات فِي وجوب مُعَاينَة الْحَوْز. (الرَّابِع) : فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن حَدِيد: إِذا صير الزَّوْج دَار سكناهُ لزوجته وَلم يخلها من مَتَاعه وَعَمله فَذَلِك دين بدين وَبيع فَاسد على قَول ابْن الْقَاسِم، وَبِه قَالَ شُيُوخ قرطبة ابْن لبَابَة وَغَيره وَبِه الْعَمَل اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله فِي المعيار أَيْضا عَن بَعضهم وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: لَا يجوز تصيير دَار السُّكْنَى للزَّوْجَة إِلَّا أَن يخليها من سكناهُ وأمتعته فَيتم لَهَا قبضهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ اه. وَخَالف ابْن رحال فِي هَذَا فَقَالَ: إِن التصيير فِي غير مَسْأَلَة الزَّوْجَة شَرطه الْحَوْز وإلاَّ فسد، وَمَسْأَلَة الزَّوْجَة فِيهَا خلاف وَالصَّوَاب هُوَ الْمُضِيّ لِأَن مَسْأَلَة الزَّوْجَة حائزة بعض الْحَوْز وَلَا كَذَلِك من لم يحز أصلا بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُصدق وَتَصِح اه. وَأَشَارَ بقوله: بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُتَصَدّق الخ. إِلَى مَا صدر بِهِ ابْن سهل حَسْبَمَا فِي (ق) آخر الْقَرْض من أَن التصيير لَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة، وَبِه أفتى ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان وَابْن مَالك فِي مَسْأَلَة تصيير نصف دَار السُّكْنَى قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ قَول مَالك فِيمَن وهب أَجْنَبِيّا جُزْءا من مَاله مشَاعا وَاعْتمر الْمَوْهُوب لَهُ مَعَ الْوَاهِب أَنه جَائِز اه. وَفِيه نظر لِأَن الزَّوْجَة فِي مَسْأَلَة تصيير نصف الدَّار لَهَا أَو تصييرها كلهَا لَهَا لم تعتمر لنَفسهَا شَيْئا فِي الْحَقِيقَة إِذْ سكناهَا على الزَّوْج والمعتمر فِي الْحَقِيقَة هُوَ الزَّوْج بِخِلَاف مَسْأَلَة صَدَقَة الْجُزْء الْمشَاع فالمتصدق عَلَيْهِ قد حَاز لنَفسِهِ. الْخَامِس: تقدم فِي النِّكَاح أَن عَادَة الْبَوَادِي أَن يسموا فِي الصَدَاق عينا ويدفعوا عَنْهَا عرضا أَو حليا أَو شورة أَو عقارا وَذَلِكَ جَائِز لَا يفْتَقر لحيازة وَأَنه لَيْسَ من التصيير. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي بعد نقُول مَا نَصه: قد بَان لَك من هَذَا أَن من عقد على شَيْء وَالْمَقْصُود دفع غَيره فَالْعِبْرَة بذلك الْمَقْصُود وَكَأن العقد وَقع عَلَيْهِ ابْتِدَاء، فَإِذا تزوج بِنَقْد وَالْمَقْصُود بِالشّرطِ أَو الْعَادة دفع عقار فَكَأَنَّهُ تزوج بذلك الْعقار ابْتِدَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة وَالْعَادَة دفع الشورة فَكَأَنَّهُ تزوج بالشورة ابْتِدَاء فَيجْرِي على قَول (خَ) : وَجَاز بشورة الخ اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي الأول فصل الْإِجَارَة فَفِيهِ مَا
يُوَافقهُ. السَّادِس: إِذا لم يحز الْمصير لَهُ الشَّيْء الْمصير على الْفَوْر فَبَاعَهُ الْمصير، فَهَل يكون بَيْعه نقضا للتصيير؟ قَولَانِ. وَالرَّاجِح كَمَا يفِيدهُ (ح) : أَنه نقض للتصيير ويمضي البيع الْوَاقِع مِنْهُ وَالْهِبَة كَالْبيع، وَهَذَا كُله حَيْثُ وَقع البيع قبل فَوَاته بيد الْمصير لَهُ وإلاَّ فبيعه غير مُعْتَبر قَالَه الملوي. السَّابِع: فِي أقضية المعيار: من توفّي عَن زَوْجَة وَأَوْلَاد صغَار فطلبت الزَّوْجَة مهرهَا فصير لَهَا فِيهِ ربع من التَّرِكَة بِغَيْر نِدَاء عَلَيْهِ وَلَا حَاكم فَقَالَ: إِذا لم يكن بالموضع حَاكم وَاجْتمعَ وُجُوه الْموضع وعدوله وطلبوا الزِّيَادَة فِي مظانها أَو لم يشيدوه، وَلَكِن قوم بِقِيمَة مستوفاة بِحَيْثُ لَا تمكن فِيهِ الزِّيَادَة لرشيد فالتصيير مَاض وَلَا مقَال للْوَرَثَة، وَلَو لم يكن شَيْء من ذَلِك فَلهم الْقيام. وَالْعَرْضَ صَيِّرْه بِلَا مُنَازَعَهْ وَالْحَيَوَانَ حَيْثُ لَا مُوَاضَعَهْ (وَالْعرض) بِالنّصب على الرَّاجِح من بَاب الِاشْتِغَال (صيره) فِي الدّين (بِلَا مُنَازعَة) أَي بِلَا خلاف فِي جَوَاز تصييره، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه يفْتَقر للحيازة أم لَا كَمَا مر. (وَالْحَيَوَان) صيره أَيْضا بهيمياً كَانَ أَو عَاقِلا كالرقيق (حَيْثُ لَا مواضعة) تجب فِي الْأمة المصيرة وَلم يَقع التصيير على عُهْدَة الثَّلَاث أَو خِيَار لأَحَدهمَا فِي الْإِمْضَاء وَالرَّدّ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُوجب تَأْخِير قبض الشَّيْء الْمصير وَعدم دُخُوله فِي ضَمَان الْمصير إِلَيْهِ كَمَا مر فِي قَول (خَ) وَلَو معينا يتَأَخَّر قَبضه كغائب ومواضعة الخ. وَجَائِزٌ فيهِ مزِيدُ العَيْنِ حَيْثُ يَقِلُّ عَنهُ قدْرُ الدَّيْنِ (وَجَائِز فِيهِ) أَي فِي التصيير (مزِيد) مصدر ميمي أَي زِيَادَة (الْعين) من الْمصير لَهُ (حَيْثُ يقل عَنهُ) أَي عَن ثمن الشَّيْء الْمصير (قدر الدّين) بِأَن يكون الدّين مائَة وَيصير لَهُ فِيهِ دَارا تَسَاوِي مائَة وَعشْرين على أَن يزِيدهُ رب الدّين عشْرين، وَظَاهر إِطْلَاقه جَوَاز ذَلِك وَلَو تَأَخَّرت الْعشْرُونَ المزيدة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لصَاحب التَّيْسِير والتسهيل، وَبِه قررت كَلَام النَّاظِم وَقَول ابْن سَلمُون والمتيطية وَغَيرهَا إِن كَانَ التصيير فِي دين وَزِيَادَة زَادهَا فَلَا بُد لَهُ من الْقَبْض الناجز الخ. إِنَّمَا يعنون قبض الْملك الْمصير لَا الزِّيَادَة إِذْ لَا وَجه لمنع تَأْخِيرهَا لأجل مَعْلُوم خلافًا لما فهمه
ابْن رحال و (م) من تناجز قبض الزِّيَادَة وَالله أعلم. وَأما عكس النّظم وَهُوَ مَا لَو كَانَ الدّين مائَة وَدفع الدَّار فِي ثَمَانِينَ فَجَائِز أَيْضا إِن بقيت الْعشْرُونَ لأَجلهَا أَو قبضهَا بِحَضْرَة العقد وَإِلَّا بِأَن أَخّرهُ بهَا عَن أجلهَا امْتنع للْبيع وَالسَّلَف. وَالْخُلْفُ فِي تصْييرِ مَا كَالسُّكْنَى أوْ ثَمَرٍ مُعَيَّنٍ لِيُجْنَى (وَالْخلف فِي تصيير مَا) هُوَ مَنْفَعَة (ك) تصيير (السُّكْنَى) فِي دَار أَو حَانُوت أَو ركُوب دَابَّة أَو سفينة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يقبض دفْعَة وَاحِدَة بل شَيْئا فَشَيْئًا فَابْن الْقَاسِم يمْنَع وَلَو شرع فِي قبض الْمَنْفَعَة أثر العقد لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر عِنْده، وَأَشْهَب يُجِيز لِأَن قبض الشَّيْء عِنْده قبض لجَمِيع مَنَافِعه. قَالَ بعض الْقرَوِيين: وَهُوَ أَقيس. قَالَ ابْن سراج: يجوز فسخ الدّين فِي معِين الْيَوْم وَنَحْوه، فَإِذا كَانَ للْإنْسَان دين على آخر فَقَالَ لَهُ: احرث معي غَدا واقتطع لَك من دينك، فَهَذَا جَائِز على قَول أَشهب، وَرجحه ابْن يُونُس. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة يجوز فِي الشَّيْء الْيَسِير أَن تُعْطِي غريمك ثوبا يخيطه لَك من دينك عَلَيْهِ وَشبه ذَلِك فَإِن كثر الْعَمَل لم يجز اه. وَظَاهره أَن هَذَا على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَأما على مَذْهَب أَشهب فَلَا فرق بَين الْعَمَل الْقَلِيل وَالْكثير فَيُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز التَّأْخِير الْيَسِير فِي حِيَازَة التصيير كَالْيَوْمِ واليومين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، إِذْ فسخ الدّين فِي الدّين يغْتَفر فِيهِ مَا قرب كَمَا قَالَ (خَ) : والأضيق صرف إِلَى قَوْله ثمَّ إِقَالَة عرُوض وَفسخ الدّين بِنَاء على أَن معنى الضّيق وَالسعَة فِي ذَلِك جَوَاز التَّأْخِير الْيَسِير فِيمَا عدا الصّرْف، فالتأخير الْيَسِير مَعَ اشْتِرَاطه جَائِز على مَا يَقْتَضِيهِ شراحه هُنَالك، وَأما مَعَ عدم الِاشْتِرَاط فَتقدم أَنه لَا فرق بَين الْيَسِير وَالْكثير. (أَو ثَمَر معِين ليجنى) فَابْن الْقَاسِم يمْنَع أَن يَأْخُذ عَن دينه ثمراً معينا فِي رُؤُوس أشجاره يقتطفه بعد تناهي طيبه لِأَنَّهُ فسخ فِي معِين كَمَا مر، وَأَشْهَب يُجِيزهُ كَمَا يُجِيز أَخذ الدَّابَّة الغائبة وَالْأمة الَّتِي تتواضع وَالْعَبْد بِالْخِيَارِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا مر.
وَامْتَنَعَ التَّصْييرُ لِلصَّبِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ (وَامْتنع التصيير) من مَدين عَلَيْهِ دين (للصَّبِيّ إِن لم يكن) الصَّبِي (ذَا أَب أَو وَصِيّ) أَو مقدم بل كَانَ مهملاً، وَإِنَّمَا امْتنع لِأَنَّهُ تصيير يتَأَخَّر قَبضه إِذا قبض الصَّبِي كلا قبض فيدخله فسخ الدّين فِي الدّين على مَا مر. وَالتَّعْلِيل بِكَوْن قبض الصَّبِي يتَعَذَّر لكَونه كلا قبض نَحوه لِابْنِ سَلمُون عَن ابْن فتحون، وَمَعْنَاهُ أَن الصَّبِي بِالْخِيَارِ فِي إِمْضَاء عقد التصيير إِن رشد كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْحجر: وَله إِن رشد الخ. فَيكون حِينَئِذٍ تصييراً بِخِيَار وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَذْهَب كَمَا مر، فَقَبضهُ حِينَئِذٍ كَالْعدمِ وَبِهَذَا يُفَارق حكم الْهِبَة الَّتِي يعْتَبر فِيهَا قَبضه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. وَبِهَذَا يعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله للصَّبِيّ، بل المُرَاد الْمَحْجُور وَلَو بَالغا، وَمَفْهُوم الشَّرْط الْجَوَاز إِذا قَبضه الْأَب أَو الْوَصِيّ من الْمصير فَإِن تَأَخّر قبضهما جرى على مَا مر، فَإِن كَانَ الْأَب وَالْوَصِيّ هما المصيران للمحجور فِي دين مَعْلُوم لَهُ عَلَيْهِمَا وحازا ذَلِك لَهُ صَحَّ وَجَاز لِأَن كلا مِنْهُمَا يحوز لمحجوره مَا يعرف بِعَيْنِه، وَإِن لم تشاهد الْبَيِّنَة حوزهما بل إقرارهما بالحوز لَهُ كَاف، وَإِن قدما من يحوز لَهُ فَكَذَلِك قَالَه فِي المعيار عَن أبي الضياء مِصْبَاح وَأبي الْحسن الصَّغِير قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: اسْتُفِيدَ من ذَلِك أَن حِيَازَة الْأَب لِابْنِهِ مَا صيره لَهُ فِي دين ترَتّب لَهُ عَلَيْهِ مَاض كَمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَن الِاعْتِرَاف بالحوز كَاف حَتَّى فِيمَا يحوزه الْأَب أَو نَائِبه للِابْن، وَيفهم مِنْهُ أَيْضا أَن اعْتِرَاف الْمصير وَحده كَاف، وَلَكِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي التصيير للمحجور اه. قلت: تقدم أَن الِاعْتِرَاف بالحوز كَاف على الْمَشْهُور، وَلَو كَانَ التصيير لغير الْمَحْجُور وأنهما إِذا اخْتلفَا فِي فَور الْحِيَازَة وَعدم فوريتها فَالْقَوْل لمُدعِي فوريتها لِأَن ذَلِك رَاجع لدعوى الصِّحَّة وَالْفساد فِي البيع، وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الِاعْتِرَاف بالحيازة من أَحدهمَا كَاف وَلَو فِي غير الْمَحْجُور فَلَا حَاجَة لقَوْله: وَلَكِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة الخ. وَقَوْلِي فِي دين مَعْلُوم لَهُ عَلَيْهِمَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ الدّين مَجْهُولا أَصله أَو قدره فَيجوز أَيْضا كَمَا قَالَ: والأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي التَّصْييرِ تَمَخِّيَاً بالجْهْلِ لِلْمَحْجُورِ (وَالْأَب كالوصي فِي التصيير) للمحجور (تمخياً) أَي تبرياً من تمخيت من الشَّيْء إِذا تبرأت مِنْهُ وتحرجت قَالَه الْجَوْهَرِي وَهُوَ مفعول لأَجله أَي لأجل التمخي (ب) سَبَب (الْجَهْل) بِقدر مَا فِي الذِّمَّة أَو بِأَصْلِهِ (للمحجور) يتَعَلَّق بالتصيير أَي وَيصير الْوَصِيّ أَو الْأَب لمحجوره مَا يتحَرَّى بِهِ بَرَاءَة ذمَّته حَيْثُ جهل قدر الدّين أَو جهل أَصله وَالْأول وَاجِب وَالثَّانِي مَنْدُوب، وَيصِح قَبضه
للشَّيْء الْمصير مَا لم يكن دَار سكناهُ، وإلاَّ فَلَا بُد من إخلائها كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس وَالْهِبَة فَإِن قوم كراءها بعدلين وَاسْتمرّ سَاكِنا بهَا صَحَّ ذَلِك وَلم تبطل الْهِبَة قَالَه فِي هبات المعيار. وَالظَّاهِر أَن التصيير كَذَلِك كَمَا أَن الظَّاهِر أَنه إِذا اسْتمرّ سَاكِنا بِنِصْفِهَا فِي التصيير من غير تَقْوِيم لكرائها فَإِنَّهُ يبطل ذَلِك النّصْف فَقَط، وَإِن سكن الجل بَطل الْجَمِيع كَالْهِبَةِ وَالله أعلم. وَتقدم فِي الشُّفْعَة أَن هَذَا التمخي لَا شُفْعَة فِيهِ.
(فصل فِي السّلم)
وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد مُعَاوضَة يُوجب عمَارَة ذمَّة بِغَيْر عين وَلَا مَنْفَعَة غير متماثل الْعِوَضَيْنِ فَقَوله: عقد مُعَاوضَة جنس يَشْمَل جَمِيع أَنْوَاع البيع والكراء، وَقَوله: يُوجب عمَارَة أخرج بِهِ بيع الْمعِين وكراءه. وَقَوله: بِغَيْر عين أخرج بِهِ بيع الْمعِين وكراءه بِثمن عين إِلَى أجل، وَقَوله: وَلَا مَنْفَعَة أخرج بِهِ الْكِرَاء الْمَضْمُون. وَقَوله: غير متماثل للعوضين أخرج بِهِ السّلف، وَأما حكمه فَقَالَ المشذالي: صرح فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ رخصَة مُسْتَثْنى من بيع مَا لَيْسَ عنْدك اه. وَقد فهم من قَوْله: يُوجب عمَارَة ذمَّة أَنه لَا بُد أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَوْصُوفا لِأَن الذِّمَّة لَا تعمر إِلَّا بِمَا كَانَ جَائِزا شرعا فَيعلم مِنْهُ أَنه لَا يجوز فِي المعينات لِأَنَّهَا لَا تحملهَا الذمم وَلَا فِيمَا لم تضبطه الصِّفَات، لِأَن عدم التَّعَرُّض لضبط صِفَاته يُؤَدِّي لمبيع مَجْهُول الْعين وَالصّفة وَهُوَ لَا يجوز، وَلذَا قَالَ: فِيمَا عدا الأُصُولِ جَوِّزِ السَّلمْ وَلَيْسَ فِي المالِ وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ (فِيمَا عدا الْأُصُول) من عرُوض مَوْصُوفَة وحيوان وَطَعَام كَذَلِك (جوز السّلم وَلَيْسَ) هُوَ
أَي السّلم كَائِنا (فِي المَال) الْمعِين بِقَرِينَة قَوْله (وَلَكِن فِي الذمم) جمع ذمَّة كقربة وَقرب أَي: وَلَكِن الشَّرْط كَون الْمُسلم فِيهِ من عرض وَنَحْوه دينا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة كَمَا مر وَوجه عدم جَوَاز السّلم فِي الْأُصُول أَن السّلم فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْيِينهَا إِذْ لَا بُد فِيهَا من وصف بِمَا تخْتَلف فِيهِ الْأَغْرَاض كَمَا يَأْتِي للناظم وكما قَالَ (خَ) فِي تعداد شُرُوطه، وَإِن تبين صِفَاته الَّتِي تخْتَلف بهَا الْقيمَة فِي السّلم عَادَة كالجودة والرداءة الخ. وَوصف الْعقار بِمَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة يُؤَدِّي إِلَى تعْيين مَحَله ومجاوره لكَون الْقيمَة تخْتَلف بذلك، وتعيينها يُؤَدِّي إِلَى السّلم فِي الْمعِين وَهُوَ لَا يجوز إِذا لم يكن ذَلِك الْمعِين فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ بِلَا خلاف للغرر، إِذْ قد لَا يَبِيعهُ مَالِكه وَإِن كَانَ فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ فَهُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه، فَإِن كَانَ التَّأْخِير بِشَرْط وَكَانَ إِلَى أجل يتَغَيَّر ذَلِك الْمعِين إِلَيْهِ كأكثر من ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب، وَأكْثر من عَام فِي الدَّار وَنَحْوهَا امْتنع للغرر فِي بَقَائِهِ على تِلْكَ الصّفة، وَإِن كَانَ لأجل لَا يتَغَيَّر إِلَيْهِ غَالِبا كثلاثة أَيَّام فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب وكعام فِي الدَّار وَنَحْوهَا، لِأَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْمَبِيع جَازَ كَمَا تقدم تَحْصِيله فِي بيع الْأُصُول، وَأما تَأْخِيره بِغَيْر شَرط فَجَائِز إِذْ غَايَته أَن المُشْتَرِي تَركه أَمَانَة عِنْد البَائِع إِلَى أَي وَقت شَاءَ، وَدخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَجَاز تَأْخِير حَيَوَان جعل رَأس مَال بِلَا شَرط الخ. قَالُوا: وَلَو أخر إِلَى حُلُول أجل السّلم فَإِنَّهُ لَا يفْسد العقد وَالثَّوْب الْمعِين مثل الْحَيَوَان كَمَا يَأْتِي للناظم آخر الْفَصْل، وَإِذا جَازَ هَذَا فِي السّلم مَعَ كَونه يُؤَدِّي إِلَى شبه ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ فأحرى أَن يجوز فِي بيع معِين بِثمن نَقْدا معجلا، أَو يتَأَخَّر قبض الْمعِين بِلَا شَرط كَمَا مرّ فِي بيع الْأُصُول، وَقَول ضيح فِي تَعْلِيل منع السّلم فِي الْمعِين لِأَنَّهُ يلْزم فِيهِ ضَمَان بِجعْل لِأَن الْمُسلم يزِيد فِي الثّمن ليضمنه لَهُ الْمُسلم إِلَيْهِ الخ. يرد بِأَن الْمعِين يدْخل فِي ضَمَان المُشْتَرِي بِالْعقدِ كَمَا مرّ، وَقَوله أَيْضا فِي تَعْلِيل الْمَنْع: وَلِأَنَّهُ إِن لم ينْقد اخْتَلَّ شَرط السّلم الخ. هَذَا إِذا كَانَ عدم النَّقْد مَشْرُوطًا وَكَانَ إِلَى أجل يتَغَيَّر إِلَيْهِ كَمَا مر وَلما قَالَ: وَلَكِن فِي الذمم يَعْنِي حَقِيقَة الذِّمَّة مَا هِيَ؟ فَقَالَ: وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا يَقْبَل الالْتِزَامُ وَالإِلْزَاما (وَالشَّرْح للذمة وصف) اعتباري كالطهارة وَالْقَضَاء يعتبره الْعقل ويقدره لَا حسي كالبياض
والطول وَلَا عَقْلِي حَقِيقِيّ كَالْعلمِ والحلم (قاما) بالإنسان (يقبل) هُوَ أَي ذَلِك الْوَصْف الاعتباري الَّذِي يقدر قَائِما بِهِ (الِالْتِزَام) بِمَا الْتَزمهُ اخْتِيَارا من نَفَقَة يَتِيم وَنَحْوهَا (و) يقبل أَيْضا (الإلزاما) لما ألزمهُ الشَّرْع إِيَّاه من زَكَاة وَأرش جِنَايَة وَنَحْو ذَلِك وَظَاهره أَن الصَّبِي والمحجور لَا ذمَّة لَهما إِذْ لَا يلْزمهُمَا مَا التزماه اخْتِيَارا وَهَذَا نَحْو قَول الْقَرَافِيّ: الذِّمَّة معنى شَرْعِي يقدر فِي الْمُكَلف قَابل للالتزام واللزوم أَي: الْإِلْزَام. وَهَذَا الْمَعْنى جعله الشَّرْع مسبباً عَن أَشْيَاء خَاصَّة مِنْهَا: الْبلُوغ، وَمِنْهَا الرشد فَمن بلغ سَفِيها لَا ذمَّة لَهُ، وَمِنْهَا ترك الْحجر كَمَا فِي الْفلس، فَمن اجْتمعت لَهُ هَذِه الشُّرُوط رتب الشَّرْع عَلَيْهَا تَقْرِير معنى يقبل إِلْزَامه أروش الْجِنَايَات وَأجر الْإِجَارَات وأثمان الْمُعَامَلَات وَنَحْو ذَلِك من التَّصَرُّفَات، وَيقبل الْتِزَامه إِذا الْتزم شَيْئا اخْتِيَارا من قبل نَفسه، وَهَذَا الْمَعْنى الْمُقدر هُوَ الَّذِي تقرر فِيهِ الْأَجْنَاس الْمُسلم فِيهَا وأثمان المبيعات وصدقات الْأَنْكِحَة وَسَائِر الدُّيُون وَمن لَا يكون لَهُ هَذَا الْمَعْنى مُقَدرا فِي حَقه لَا ينْعَقد فِي حَقه سلم وَلَا ثمن إِلَى أجل وَلَا حِوَالَة وَلَا حمالَة وَلَا شَيْء من ذَلِك، ثمَّ قَالَ: الذِّمَّة يشْتَرط فِيهَا الْبلُوغ من غير خلاف أعلمهُ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يظْهر لي وأجزم بِهِ أَن الذِّمَّة من خطاب الْوَضع ترجع إِلَى التقادير الشَّرْعِيَّة وَهُوَ إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود الخ. يَعْنِي لِأَن الذِّمَّة لَيست مَوْجُودَة فِي الْخَارِج، وَلكنهَا تُعْطِي حكم الْمَوْجُود فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي ظهر لَهُ وَجزم بِهِ من كَونهَا من خطاب الْوَضع هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْن الشَّاط قَالَ: وَالْأولَى عِنْدِي أَن الذِّمَّة قبُول الْإِنْسَان شرعا للُزُوم الْحُقُوق دون التزامها، فعلى هَذَا يكون للصَّبِيّ ذمَّة لِأَنَّهُ يلْزمه أرش الْجِنَايَات وقيم الْمُتْلفَات، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَونهَا من خطاب الْوَضع الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف وَلَا غَيره كَمَا قَالَ (خَ) : وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أودعته حِنْطَة. فخلطها صبي أَو أَجْنَبِي بشعير للْمُودع ضمن الصَّبِي ذَلِك فِي مَاله، فَإِن لم يكن لَهُ وَقت ذَلِك مَال فَفِي ذمَّته، قَالَ الشَّيْخ المسناوي: وَإِثْبَات الذِّمَّة للصَّبِيّ كَمَا قَالَ ابْن الشَّاط صَحِيح، وَعَلِيهِ فَلَا يشْتَرط فِي الذِّمَّة التَّمْيِيز فضلا عَن التَّكْلِيف، فالذمة ثَابِتَة للمميز اتِّفَاقًا وَلغيره على الرَّاجِح. قَالَ: وَابْن عَاصِم إِنَّمَا درج فِي تحفته على مَا للقرافي وفَاقا للأجهوري وتلميذ (ز) لَا على مَا لِابْنِ الشَّاط خلافًا للشَّيْخ (م) كَمَا هُوَ مُبين اه. انْظُر تأليفه الْمُسَمّى: بِصَرْف الهمة إِلَى تَحْقِيق معنى الذِّمَّة، وَكَونه فِي الذِّمَّة هُوَ أول الشُّرُوط فِي النّظم، وَثَانِيهمَا مَا أَشَارَ بقوله: وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى مُتَّصِفاً مُؤَجَّلَا مُقَدَّرا (وشروط مَا يسلم فِيهِ أَن يرى متصفاً) أَي مضبوطاً بِالصّفةِ الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض فِي السّلم اخْتِلَافا يتَغَابَن بِهِ عَادَة بِخِلَاف مَا لَا يتَغَابَن بِهِ لسهولته فَلَا يحْتَاج لبيانه (خَ) : وَإِن تبين صِفَاته الَّتِي تخْتَلف بهَا الْقيمَة فِي السّلم عَادَة كالجودة والرداءة وَبَينهمَا واللون فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب
وَالْعَسَل ومرعاه الخ. وَتَعْبِيره بِالْقيمَةِ مسَاوٍ لتعبير غَيره بالأغراض كَمَا حَقَّقَهُ ابْن رحال قَائِلا: كل مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة تخْتَلف بِهِ الْأَغْرَاض وَبِالْعَكْسِ، وَأطَال فِي الِاحْتِجَاج لذَلِك بِكَلَام الْأَئِمَّة، ونقلنا كَلَامه فِي شرح الشَّامِل، وثالث الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مُؤَجّلا) بِأَجل مَعْلُوم لقَوْله عليه الصلاة والسلام كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ:(من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم)(خَ) : وَأَن يُؤَجل بِمَعْلُوم زَائِد على نصف شهر وَمرَاده نصف الشَّهْر فَأكْثر، وَإِنَّمَا اشْترط فِيهِ الْأَجَل لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى بيع مَا لَيْسَ عنْدك الْمنْهِي عَنهُ فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره، وَإِنَّمَا اشْترط كَونه نصف شهر فَأكْثر لِأَنَّهُ مَظَنَّة تغير الْأَسْوَاق غَالِبا فَإِن أجل بيومين أَو ثَلَاثَة فَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنه يفْسخ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز. وَعَن أصبغ أَنه لَا يفْسخ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحرَام بَين وَلَا مَكْرُوه بَين، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب، وَأما إِن عري عَن الْأَجَل رَأْسا فَإِنَّهُ يفْسخ وَلَا يكون للْمُسلمِ إِلَّا رَأس مَاله إِلَّا أَن يكون أجل السّلم فِي ذَلِك الْجِنْس متعارفاً محدوداً عِنْد أهل الْبَلَد لَا يخْتَلف فِيهِ فيحملان عَلَيْهِ وَلَا يفْسخ قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَمحل اشْتِرَاط كَون الْأَجَل نصف شهر لَا أقل إِذا لم يشْتَرط قَبضه بِبَلَد آخر غير بلد العقد وإلاَّ فَلَا يطْلب فِيهِ نصف شهر، بل يشْتَرط أَن يكون الْبَلَد الَّذِي يقبض فِيهِ على مَسَافَة يَوْمَيْنِ فَأكْثر لِأَنَّهُ مَظَنَّة تغير سوق البلدين وَأَن يقبض فِيهِ رَأس المَال بِمَجْلِس العقد أَو قربه لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى عين الكالىء بالكالىء قَالَه الْبَاجِيّ، وَأَن يشْتَرط الْخُرُوج إِلَيْهِ فِي العقد وَأَن يخرجَا بِالْفِعْلِ، وَأَن يكون سفرهما إِلَيْهِ ببر أَو بَحر بِغَيْر ريح كَمَا قَالَ (خَ) : إِلَّا أَن يقبض بِبَلَد كيومين إِن خرج حِينَئِذٍ ببر أَو بِغَيْر ريح كالمنحدرين احْتِرَازًا من السّفر بِالرِّيحِ كالمقلعين، لِأَنَّهُ قد يصل فِي يَوْم فَيكون من السّلم الْحَال، وَإِذا وَقع السّلم على هَذِه الشُّرُوط فطرأ عذر أَو فتْنَة منعت من السّفر فَإِن كَانَ مِمَّا ينْكَشف عَن قريب فهما على سلمهما، وَإِن كَانَ مِمَّا يطول جرى على حكم من أسلم فِي ثَمَرَة وَانْقطع أَبَانهَا الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : وَإِن انْقَطع مَاله أبان أَو من قَرْيَة خير المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ والإنفاء بِمَاء لقابل. تَنْبِيه: يجوز الشِّرَاء من أَرْبَاب الْحَرْف وَسَوَاء قدم النَّقْد أَو أَخّرهُ، وَذَلِكَ بِشَرْط أَن يشرع فِي الْأَخْذ وَأَن يكون أصل ذَلِك عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ، وَأَن يبين مَا يَأْخُذهُ فِي كل يَوْم وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْفَسْخ إِن وَقع الشِّرَاء على جملَة أَرْطَال يَأْخُذهَا مفرقة على أَيَّام، وَأما إِن عقد مَعَه على أَن يَشْتَرِي مِنْهُ كل يَوْم رطلا مثلا فَلِكُل الْفَسْخ كَمَا يَنْفَسِخ بِمَوْت الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الأولى أَو مَرضه أَو فلسه، وَيَأْخُذ بَقِيَّة رَأس مَاله فِي الْمَوْت وَالْمَرَض ويحاص بذلك فِي الْفلس وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَجَاز الشِّرَاء من دَائِم الْعَمَل كالخباز وَهُوَ بيع، وَإِن لم يدم فَسلم فَلَا بُد من اعْتِبَار شُرُوط السّلم كلهَا.
ورابع الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مُقَدرا مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ مِمَّا يُصابُ غَالِباً عِنْدَ الأَمَدْ بِوَزْن) كسمن وقطن (أَو كيل) كحنطة (وذرع) فِي ثوب وحبل (أَو عدد) فِي رمان وبيض (خَ) : وَأَن يضْبط بعادة من كيل أَو وزن أَو عدد كالرمان وَقيس بخيط وَالْبيض أَو بِحَبل وجرزة فِي كقصيل الخ. وخامس الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مِمَّا يصاب) أَي يُوجد أَي مَقْدُورًا على تَحْصِيله (غَالِبا عِنْد) حُلُول (الأمد) أَي الْأَجَل الْمعِين بَينهمَا، وَظَاهره وَإِن انْقَطع قبله وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : ووجوده عِنْد حُلُوله وَإِن انْقَطع قبله، ثمَّ قَالَ: فَيجوز فِيمَا طبخ واللؤلؤ والعنبر والجوهر والزجاج والجص والزرنيخ وأحمال الْحَطب وَالصُّوف بِالْوَزْنِ لَا بالجزاز الخ. وَإِن انْقَطع قبله الخ. يَعْنِي الْمُشْتَرط وجوده عِنْد حُلُول أَجله، وَلَو انْقَطع فِي أثْنَاء الْأَجَل كالثمار وَنَحْوهَا قَالَ فِيهَا: مَا يَنْقَطِع من أَيدي النَّاس فِي بعض السّنة من الثِّمَار الرّطبَة وَغَيرهَا لَا يشْتَرط أَخذ سلمه إِلَّا فِي أبانه، وَإِن اشْترط أَخذه فِي غير أبانه لم يجز لِأَنَّهُ شَرط مَا لَا يقدر عَلَيْهِ اه. خلافًا لأبي حنيفَة فِي اشْتِرَاطه وجوده من حِين السّلم فِيهِ إِلَى حُلُوله لِئَلَّا يَمُوت الْمُسلم إِلَيْهِ فِيهِ أَو يفلس فَتحل دُيُونه، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا تَقْتَضِي مِنْهُ الخ. وَلم يعْتَبر مَالك وَغَيره ذَلِك لندوره، وَاحْترز بقوله غَالِبا مِمَّا إِذا كَانَ لَا يُوجد غَالِبا عِنْد الْأَجَل كالسلم فِي كبار اللُّؤْلُؤ الْخَارِج عَن الْعَادة لِئَلَّا يتَرَدَّد رَأس المَال بَين كَونه تَارَة ثمنا إِن وجد وَتارَة سلفا إِن لم يُوجد (خَ) : وَلَا يجوز السّلم فِيمَا لَا يُمكن وَصفه كتراب الْمَعْدن والجزاف وَلَا فِيمَا لَا يُوجد غَالِبا الخ. وَظَاهر التَّعْلِيل بِكَوْنِهِ تَارَة سلفا وَتارَة ثمنا أَنه جَار وَلَو فِيمَا يعرف بِعَيْنِه وَهُوَ كَذَلِك على مَا اسْتَظْهرهُ فِي ضيح. فرع: إِذا كَانَ للْمُسلمِ فِيهِ أبان فَمَاتَ الْمُسلم إِلَيْهِ قبله، فَإِن التَّرِكَة يُوقف قسمهَا إِلَى الأبان. ابْن رشد: إِلَّا إِن قل السّلم وَكَثُرت التَّرِكَة، فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دُيُون أخر فههنا يتحاص فِي تركته وَيضْرب لصَاحب السّلم بِمَا يشترى لَهُ بِهِ بعد الأبان لَا بِمَا يشترى لَهُ بِهِ الْآن (خَ) فِي بَاب الْفلس: وَقوم مُخَالف النَّقْد يَوْم الحصاص وَاشْترى لَهُ منًّا بِمَا يَخُصُّهُ وَمضى أَن رخص أَو غلا الخ. وَلما فرغ من شُرُوط الْمُسلم فِيهِ وعدها خَمْسَة ذكر مَا يشْتَرط فِي رَأس المَال فَقَالَ: وَشَرْطَ رأسِ المالِ أنْ لَا يُخْظَلَا فِي ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّلا
(وَشرط رَأس المَال أَن لَا يحظلا) يمْنَع (فِي ذَاك) أَي الْمُسلم فِيهِ (دَفعه) فالمجرور بفي يتَعَلَّق بِهَذَا الْمصدر الْمُضَاف إِلَى ضمير رَأس المَال، وَاحْترز بِهِ من سلم ذهب فِي فضَّة وَبِالْعَكْسِ، أَو طَعَام فِي طَعَام أَو لحم فِي حَيَوَان وَبِالْعَكْسِ، أَو شَيْء فِي أَكثر مِنْهُ أَو أَجود من جنسه كالعكس كَثوب فِي ثَوْبَيْنِ أَو ثَوْبَيْنِ فِي ثوب لِئَلَّا يُؤَدِّي للصرف الْمُؤخر والنسيئة فِي الطَّعَام، وَبيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ أَو سلف جر نفعا وتهمة ضَمَان بِجعْل، وَإِنَّمَا اعتبروها هَهُنَا وألغوها فِي بُيُوع الْآجَال لِأَن تعدد العقد هُنَاكَ أضعفها (خَ) : وَيشْتَرط أَن لَا يَكُونَا أَي رَأس المَال وَالْمُسلم فِيهِ طعامين وَلَا نقدين وَلَا شَيْئا فِي أَكثر مِنْهُ أَو أَجود كالعكس إِلَّا أَن تخْتَلف الْمَنْفَعَة كفاره الْحمر فِي الأعرابية الخ. وَشرط رَأس المَال أَيْضا أَن يقبض كُله عِنْد العقد أَو مَا فِي حكمه كَمَا قَالَ: (وَأَن يعجلا. وَجَازَ إنْ أَخَّرَ كالْيَوْمَيْنِ وَالعَرْضُ فِيهِ بِخِلَافِ العَيْنِ وَجَاز إِن أخر كاليومين) وَالثَّلَاثَة وَظَاهره وَلَو بِشَرْط وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : شَرط السّلم قبض رَأس المَال كُله أَو تَأْخِيره ثَلَاثًا وَلَو بِشَرْط الخ. وَظَاهره أَنه لَا يجوز تَأْخِيره أَو بعضه مَعَ الشَّرْط أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَو قلت الزِّيَادَة عَلَيْهَا سَوَاء كَانَ عينا أَو عرضا أَو حَيَوَانا وَهُوَ كَذَلِك وَيفْسد السّلم وَيرد إِلَيْهِ رَأس مَاله مَعَ الْقيام أَو قِيمَته مَعَ الْفَوات، وَإِنَّمَا فسد فِي الْعرض وَالْحَيَوَان لِأَنَّهُ بيع معِين تَأَخّر قَبضه لما يتَغَيَّر إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا مر، وَأما تَأْخِيره أَكثر من الثَّلَاثَة بِغَيْر شَرط فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ عينا فسد أَيْضا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ عين الكالىء بالكالىء (و) أما (الْعرض) الْمعِين وَمثله الْحَيَوَان وَالطَّعَام فيهم (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز التَّأْخِير بِلَا شَرط (بِخِلَاف الْعين) فَيجوز تأخيرهم وَلَو إِلَى حُلُول أجل السّلم، إِلَّا أَن جَوَاز التَّأْخِير فِي الْعرض وَالطَّعَام مصحوب بِكَرَاهَة، وَهل الْكَرَاهَة فيهمَا مُطلقًا أَو إِذا لم يحضر الْعرض وَلم يكل الطَّعَام وإلاَّ جَازَ تأخيرهما من غير كَرَاهَة. قَولَانِ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَجَاز تَأْخِير حَيَوَان بِلَا شَرط، وَهل الطَّعَام وَالْعرض كَذَلِك إِن كيل وأحضر أَو كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلَانِ. قَالَ فِي ضيح: وَيَنْبَغِي فِي الْعرض إِذا أحضر الْجَوَاز وَفِي الطَّعَام إِذا لم يكل أَن تكون الْكَرَاهَة للتَّحْرِيم الخ. وَهُوَ ظَاهر لِأَن الْعرض الْحَاضِر يدْخل فِي ضَمَان الْمُسلم إِلَيْهِ بِالْعقدِ، فَلهُ أَن يتْركهُ عِنْد الْمُسلم أَمَانَة إِلَى أَي وَقت شَاءَ بِخِلَاف الطَّعَام إِذا لم يكل فَفِيهِ حق تَوْفِيَة فَلَا يدْخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْعَيْنِ لَا يجوز تَأْخِيره أَكثر من ثَلَاثَة وَلَو بِغَيْر شَرط.
تَتِمَّة: لَيْسَ من الشُّرُوط أَن يذكرَا مَوضِع قَضَاء الْمُسلم فِيهِ، بل إِذا تعرضا لموْضِع قَضَائِهِ فَإِن كَانَ متسعاً كَمَا لَو دخلا على قَضَائِهِ بِمصْر وَلم يسميا موضعا مِنْهَا يقبض فِيهِ فسخ لِأَن مصر متسعة إِذْ هِيَ مَا بَين الْبَحْر المالح وأسوان، وَمن اسكندرية إِلَى أسوان وَإِن لم يتعرضا لموْضِع قَضَائِهِ بل سكتا عَنهُ، فَإِنَّهُ لَا يفْسد وَيقْضى بِمحل عقده (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي مَوضِع قَضَائِهِ صدق مدعي مَوضِع عقده، وإلاَّ فَللْبَائِع وَإِن لم يشبها حلفا وَفسخ كفسخ مَا يقبض بِمصْر وَجَاز بالفسطاط وَقضى بسوقها وإلاَّ فَفِي أَي مَكَان.
(بَاب الْكِرَاء)
للدور وَالْأَرضين والرواحل والسفن وَهِي فِي الِاصْطِلَاح الْمُعَاوضَة على مَنَافِع غير الْآدَمِيّ، وَالْإِجَارَة والجعل؛ وهما فِي الِاصْطِلَاح الْمُعَاوضَة على مَنَافِع الْآدَمِيّ. (وَمَا يتَّصل بِهِ) من الْأَبْوَاب المستثناة من الْأُصُول الممنوعة كالمساقاة والمزارعة والمغارسة والقراض وأدمج الشّركَة بَينهمَا، وَعقد لكل مِنْهَا فصلا يَخُصُّهُ كَمَا يَأْتِي، وغرر هَذِه الْأَبْوَاب المستثناة ظَاهر للْجَهْل بِالْعِوَضِ، وَلكنه اغتفر لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا، وَمَا تقدم من أَن الْإِجَارَة والجعل لمنافع الْآدَمِيّ والكراء لمنافع غَيره هُوَ مُجَرّد اصْطِلَاح كَمَا مر قَرِيبا، وَقد يُطلق أَحدهمَا على الآخر. ابْن عَرَفَة: الْكِرَاء عقد على مَنَافِع غير الْآدَمِيّ أَو مَا يبان بِهِ وينقل غير سفينة اه. فَأخْرج بِغَيْر الْآدَمِيّ مَنَافِع الْآدَمِيّ، فَإِنَّهَا إِجَارَة أَو جعل. وَقَوله: أَو مَا يبان بِهِ مَعْطُوف على غير مَدْخُول لمنافع، وَأدْخل بِهِ الدَّابَّة وَالثَّوْب والفأس والمنشار وَنَحْو ذَلِك، وَلَو قَالَ: عقد على مَنَافِع غير آدَمِيّ من سفينة لَكَانَ أخصر وأوضح لِأَن مَا يبان بِهِ من الدَّابَّة وَنَحْوهَا دَاخل فِي غير الْآدَمِيّ، وَأخرج بقوله غير سفينة العقد على مَنَافِع السَّفِينَة فَإِن ذَلِك جعَالَة لِأَن كراءها إِنَّمَا يكون على الْبَلَاغ فَلَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، فَمن هَذَا الْوَجْه أشبهت الْجعَالَة وَإِن كَانَ كراؤها يلْزم بِالْعقدِ بِخِلَاف الْجعل، وَمثل السَّفِينَة مشارطة الطَّبِيب على الْبُرْء والمعلم على حفظ الْقُرْآن كُله أَو جُزْء معِين مِنْهُ، والمغارسة فَإِنَّهَا
كلهَا على الْبَلَاغ لَا يسْتَحق الْعَامِل فِيهَا شَيْئا إِلَّا بالتمام وَتلْزم بِالْعقدِ كَالْإِجَارَةِ قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَشِبْهِهَا الكِرَا لمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا (يجوز فِي الدّور وَشبههَا) من حوانيت وفنادق وأرحية وَنَحْوهَا (الكرا) وَيكون على وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن يكون (لمُدَّة) مُعينَة قد (حدت) بِإِشَارَة إِلَيْهَا أَو تَسْمِيَتهَا كَقَوْلِه: أكتريها مِنْك هَذِه السّنة أَو هَذَا الشَّهْر أَو هَذَا الْيَوْم أَو يَقُول لَهُ: أكتريها مِنْك شهر كَذَا أَو سنة كَذَا، أَو يَقُول: أكتريها مِنْك سنة أَو سنتَيْن أَو ثَلَاثًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثًا، أَو يَقُول: أكتريها مِنْك إِلَى وَقت كَذَا، وَهَذِه الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة كلهَا لَازم الْكِرَاء فِيهَا بِالْعقدِ إِذا وَقعت هَكَذَا (وَشَيْء) من الْعِوَض (قدرا) أَي فِيهَا لتِلْك الْمدَّة الْمعينَة كدينار أَو دِرْهَم وَيُسمى هَذَا الْوَجْه من الْكِرَاء وجيبة. وَلَا خُرُوجَ عَنه إلاَّ بالرِّضا حَتَّى يُرَى أمَدُهُ قدِ انْقَضَى (وَلَا خُرُوج عَنهُ) لوَاحِد مِنْهُمَا قبل انْقِضَاء مدَّته للزومه لَهما بِالْعقدِ (إِلَّا بِالرِّضَا) مِنْهُمَا مَعًا على فَسخه وإلاَّ فَلَا فسخ (حَتَّى يرى أمده قد انْقَضى) ثمَّ إِن عين المبدأ فِي الْوَجْهَيْنِ الآخرين من الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الَّتِي تسمى وجيبة وَاضح، وَالأَصَح العقد وَحمل الْأَمر على أَن أول الْمدَّة من حِين العقد لِأَنَّهُ لَو لم يحمل على ذَلِك لزم فَسَاد العقد، لِأَن الْكِرَاء لَا يجوز على سنة وَنَحْوهَا غير مُعينَة (خَ) : عاطفاً على الْجَوَاز وَعدم بَيَان الِابْتِدَاء وَحمل من حِين العقد وَعَلِيهِ، فَإِن كَانَ العقد فِي أول الشَّهْر لزمهما الْكِرَاء فِي ذَلِك الشَّهْر على الْهلَال من نقص أَو تَمام، وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر لزمهما الْكِرَاء فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا من يَوْم عقداه. تَنْبِيه: ظَاهر قَول النَّاظِم لمُدَّة حدت أَنه يجوز ذَلِك وَلَو طَالَتْ الْمدَّة، وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَت تبقى إِلَيْهَا غَالِبا، قَالَ فِي الشَّامِل: وَيجوز كِرَاء الدَّار وَشبههَا لمُدَّة تبقى فِيهَا غَالِبا وَجَاز النَّقْد فِيهَا إِن لم تَتَغَيَّر غَالِبا الخ. فالضابط لجَوَاز العقد والنقد عدم التَّغَيُّر فِي تِلْكَ الْمدَّة، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: الْمُعْتَبر فِي أجل مَنْفَعَة الرّبع مَا لَا يتَغَيَّر فِيهِ غَالِبا فَيجوز فِيهِ العقد والنقد، وَمَا لَا يُؤمن تغيره لطول مدَّته أَو ضعف بنائِهِ جَازَ فِيهِ العقد لَا النَّقْد، وَمَا غلب على الظَّن بعد بَقَائِهِ لمُدَّة لم يجز العقد عَلَيْهِ لتِلْك الْمدَّة اه. وَالْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي الْكِرَاء أَن يكون العقد وَقع بَينهمَا
مشاهرة وَهُوَ مَا ىشار لَهُ بقوله: وَجَائِزٌ أنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ مُعَيَّنٍ فِي الْعَام أَو فِي الشَّهْرِ (وَجَائِز أَن يكترى بِقدر. معِين فِي الْعَام أَو فِي الشَّهْر) كَأَن يَقُول: أكتري مِنْك دَارك كل شهر بِدِينَار أَو كل سنة بِعشْرَة أَو كل يَوْم بدرهم، فَإِذا عينا المبدأ فَوَاضِح وإلاَّ حمل من حِين العقد كَمَا مرّ فِي الوجيبة، وَالْعقد على هَذَا الْوَجْه يُسمى مشاهرة وَهُوَ غير لَازم إِلَّا بِنَقْد فبقدره كَمَا قَالَ: وَمَنْ أرَادَ أنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ كانَ لهُ مَا لَمْ يَحُدَّ بعَدَدْ (وَمن أَرَادَ) مِنْهُمَا (أَن يحل) عَن نَفسه (مَا انْعَقَد) بَينهمَا من كِرَاء المشاهرة (كَانَ لَهُ) ذَلِك وَقَوله: (مَا لم يحدّ بِعَدَد) مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا حد بِعَدَد كسنتين أَو شَهْرَيْن أَو يَوْمَيْنِ كَانَ من الْوَجْه الأول الَّذِي هُوَ الوجيبة. وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر مَا سَكَنْ (وحيثما حل) عقد (الكرا) ء وَفسخ فِي المشاهرة لعدم لُزُوم العقد لَهما فِيهَا حَيْثُ لم يكن الْمُكْتَرِي نقد شَيْئا أَو فسخ فِي الوجيبة برضاهما مَعًا (يدْفع من قد اكترى مِنْهُ) أَي من الْكِرَاء (بِقدر مَا سكن) حَيْثُ كَانَ سكن شَيْئا من الْمدَّة، وَقَوْلِي: حَيْثُ لم يكن الْمُكْتَرِي نقد شَيْئا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ نقد بعض مُدَّة المشاهرة فَإِنَّهُ يلْزمهُمَا الْكِرَاء فِي قدر المنقود حَيْثُ سكن شَيْئا بعد أَن نقد كَمَا قَالَ: كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الكِرَاءِ قُدِّما فَقَدْرُهُ مِنَ الكِرَاءِ لَزِمَا (كَذَاك) يلْزم عقد الْكِرَاء فِي المشاهرة (إِن بعض الْكِرَاء قدما) فِيهَا وأرادا فَسخهَا بعد أَن سكن شَيْئا من مُدَّة النَّقْد، فَإِن ذَلِك لَا يجوز ويلزمهما إتْمَام مُدَّة النَّقْد كَمَا قَالَ:(فقدره) أَي قدر النَّقْد الْمُقدم (من) مُدَّة (الْكِرَاء لزما) لَهما، وَظَاهره أَن قدر مُدَّة النَّقْد لَازم لَهما وَلَو تَرَاضيا على الْفَسْخ، وَهُوَ كَذَلِك إِن سكن بعض مُدَّة النَّقْد كَمَا قَررنَا، فَإِذا اكترى مِنْهُ كل شهر بِدِينَار وَقدم لَهُ دينارين وَسكن نصف شهر مثلا لزمهما إتْمَام الشَّهْرَيْنِ اللَّذين هما قدر المنقود وَلَيْسَ لَهما الْفَسْخ فِيمَا بَقِي من مُدَّة النَّقْد وَلَو رَضِيا لِأَن الْفَسْخ حِينَئِذٍ إِقَالَة وَهِي حِينَئِذٍ لَا تجوز لِأَن الْمَرْدُود
من النَّقْد سلف والمقابل مِنْهُ لنصف الشَّهْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كِرَاء فَيُؤَدِّي إِلَى كِرَاء وَالسَّلَف وهما وَإِن لم يدخلا على ذَلِك لَكِن يتهمان عَلَيْهِ كَمَا مر للناظم فِي الْإِقَالَة حَيْثُ قَالَ: وسوغت إِقَالَة فِيمَا اكترى مَا لم يكن أعْطى الْكِرَاء المكترى وَأما إِذا نَقْدا وتقايلا برضاهما قبل أَن يسكن شَيْئا فَذَلِك جَائِز لانْتِفَاء الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَأما إِذا أَرَادَ أَحدهمَا الْفَسْخ بعد النَّقْد وأبى الآخر، فَإِن مريده لَا يُجَاب إِلَيْهِ وَلَو لم يكن سكن شَيْئا كَمَا تقدم أَنه ظَاهر عُمُوم النّظم (خَ) : ومشاهرة وَلم يلْزم لَهما إِلَّا بِنَقْد فبقدره الخ. وَانْظُر الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَن كِرَاء الدَّابَّة كل يَوْم بدرهم لَا يجوز وَلَا بُد من ضرب الْأَجَل كشهر وَنَحْوه، وَانْظُر إِذا أكرى الدَّار ثمَّ بَاعهَا فِي فصل أَحْكَام الْكِرَاء. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر قَوْله: وَمن أَرَادَ أَن يحل مَا انْعَقَد كَانَ لَهُ الخ. لَا يلْزمه فِي المشاهرة شَيْء من الْمدَّة وَلَو أقل مَا سميا كشهر، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم ينْقد على الْمَشْهُور. وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَسَوَاء سكن بعض الشَّهْر أم لَا إِلَّا أَن يكون الْمُكْتَرِي أَرضًا وحرثها أَي قَلبهَا وَأَحْرَى لَو زَرعهَا فَتلْزمهُ السّنة بحراثتها، وَلَيْسَ للمكري إِخْرَاجه مِنْهَا قبل السّنة لتَعلق حق الْمُكْتَرِي بحراثتها، وَمُقَابل الْمَشْهُور لمطرف وَابْن الْمَاجشون أَنه يلْزمهُمَا أقل مَا سمياه، فَإِن قَالَ كل شهر بِكَذَا لزمَه فِي شهر أَو كل سنة بِكَذَا لزمَه فِي سنة، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَابْن حبيب، وَثَالِثهَا رِوَايَة ابْن أبي أَوْس عَن مَالك أَيْضا أَنه يلْزمه الْأَقَل إِن شرع فِي السُّكْنَى وبهذه الرِّوَايَة الْعَمَل بفاس، وَعَلِيهِ فَإِذا سكن بعض الشَّهْر فِي المشاهرة أَو بعض السّنة فِي المسانهة لزم كلا مِنْهَا بَقِيَّة الشَّهْر وَالسّنة وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْفَسْخ إِلَّا بِرِضا صَاحبه وَسَوَاء سكن يَوْمًا أَو بعض يَوْم. الثَّانِي: يُقيد عدم اللُّزُوم فِي كِرَاء المشاهرة إِذا لم ينْقد بِمَا إِذا لم يجر الْعرف باللزوم كَالَّذي يكْرِي المطمر ليطمر فِيهَا زرعه كل سنة بِكَذَا، فَلَيْسَ للمكري أَن يُخرجهُ إِلَّا إِذا تَغَيَّرت الْأَسْوَاق إِلَى مَا الْعَادة أَن يُبَاع بِمثلِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ، وَنَقله أَبُو الْحسن والمكناسي فِي مجالسه. ابْن رحال: وَهُوَ صَحِيح لِأَن الْعرف كالشرط اه. وَلم يلتفتوا إِلَى اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة عَلَيْهِ اُنْظُرْهُ فِي شرح الشَّامِل. الثَّالِث: قَالَ ابْن رشد: من اكترى دَارا مشاهرة فنص فِي الْوَثِيقَة أَو غَيرهَا على دفع كِرَاء شهر معِين فَلذَلِك بَرَاءَة للدافع مِمَّا قبل ذَلِك، لِأَن الْبَرَاءَة من شَيْء تَقْتَضِي الْبَرَاءَة مِمَّا قبله اه.
وَنَقله غير وَاحِد، وَلما نَقله فِي الالتزامات قَالَ: وَمثله يُقَال فِي الْإِشْهَاد على مُسْتَحقّ وقف بوصول مَعْلُوم سنة أَو شهرا أَنه شَاهد للدافع بوصول مَا قبل ذَلِك اه. بِلَفْظِهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ فِي الدَّار نَخْلَة أَو دالية وَنَحْوهمَا وَاشْترى الْمُكْتَرِي ثَمَرَتهَا فَقَالَ: وشَرْطُ مَا فِي الدُّورِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ إذَا بَدَا الصَلَاحُ فيهِ مُعَتَبَرْ (وَشرط) الْمُكْتَرِي فِي عقد الْكِرَاء أَن يكون لَهُ (مَا فِي الدَّار من نوع الثَّمر) جَائِز (إِذا) كَانَ قد (بدا الصّلاح فِيهِ) بالزهو وَظُهُور الْحَلَاوَة وَلَو فِي حَبَّة مِنْهُ (مُعْتَبر) شَرطه لذَلِك مُطلقًا زَادَت قِيمَته على ثلث الْكِرَاء أَو نقصت، إِذْ غَايَته أَنه اجْتمع البيع والكراء وَهُوَ جَائِز فالظرف مُتَعَلق بمعتبر الَّذِي هُوَ خبر الْمُبْتَدَأ، وَفهم من قَوْله: شَرط أَن الْمُكْتَرِي إِذا لم يشترطها فَهِيَ للمكري وَهُوَ كَذَلِك سَوَاء بدا صَلَاحهَا أم لَا. وَظَاهره أَنه يجوز اشْتِرَاطهَا مَعَ بَدو الصّلاح كَانَ الْكِرَاء وجيبة أَو مشاهرة كَانَت الوجيبة تَنْتَهِي قبل طيب الثَّمَرَة أَو بعد انتهائه وَهُوَ كَذَلِك فِي الوجيبة، وَأما المشاهرة فقد علمت أَنَّهَا غير لَازِمَة مَا لم يسكن فَإِنَّهُ يلْزمه أقل مَا سَمَّاهُ على مَا بِهِ الْعَمَل، فَإِذا سكن ذَلِك الْأَقَل وَلم يكن انْتهى طيبها أَو لم يسكن شَيْئا وَأَرَادَ الْفَسْخ عَن نَفسه، فَالَّذِي يظْهر أَن البيع لَازم فِي الثَّمَرَة بِمَا ينوبها من أُجْرَة الْكِرَاء وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا بدا الصّلاح أَنه إِذا لم يبد لم يجز إِلَّا بِشُرُوط نبه النَّاظِم على شرطين مِنْهَا فَقَالَ: وغَيْرُ بادِي الطَّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرطْ حَيْثُ يُطيبُ قَبْلَ مَالِهُ ارْتُبِطْ (و) الثَّمر الَّذِي هُوَ (غير بَادِي الطّيب) بِأَن لم يُوجد أصلا أَو وجد، وَلكنه لم يبد صَلَاحه لِأَن الْقَضِيَّة السالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع (إِن قل) بِأَن كَانَت قِيمَته ثلث جملَة الْكِرَاء فدون (اشْترط) أَي جَازَ اشْتِرَاطه (حَيْثُ) كَانَ (يطيب قبل مَاله ارْتبط) فَغير بَادِي الطّيب مُبْتَدأ، وَجُمْلَة اشْترط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره والعائد ضمير الْمُبْتَدَأ وَحَيْثُ شَرْطِيَّة مُجَرّدَة عَن الظَّرْفِيَّة، وَالتَّقْدِير: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل صَحَّ اشْتِرَاطه، وَجَاز إِن كَانَ يطيب قبل الأمد الَّذِي ارْتبط إِلَيْهِ وَالدَّار أَو الأَرْض الْمَرْهُونَة يجوز اشْتِرَاط ثَمَرَتهَا حَيْثُ اشْترط الْمُرْتَهن مَنْفَعَة الدَّار لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مكتراة فِي الْحَقِيقَة، فهذان شَرْطَانِ فِي كَلَامه أَحدهمَا الْغلَّة بِأَن تكون قيمَة ثلث الْكِرَاء فدون وَيعرف ذَلِك بالتقويم بِأَن يُقَال: مَا قيمَة كِرَاء الدَّار بِلَا ثَمَرَة فَيُقَال عشرَة مثلا. قيل: وَمَا قيمَة الثَّمَرَة الَّتِي تطعمها هَذِه الشَّجَرَة أَو الدالية على الْمُعْتَاد الْمُتَعَارف مِنْهَا كل عَام بعد طرح قيمَة الْمُؤْنَة وَالْعَمَل؟ فَإِذا قيل خَمْسَة فَأَقل جَازَ وإلاَّ منع، وَثَانِيهمَا أَن يعلم أَن الثَّمَرَة يَنْتَهِي طيبها قبل انْقِضَاء مُدَّة
الْكِرَاء وإلاَّ لم يجز اشْتِرَاطهَا، وَيفهم من هَذَا أَن الْكِرَاء وجيبة، فَإِن كَانَ مشاهرة لم يجز لِأَن الْمدَّة فِيهَا غير محدودة كَمَا مر. وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يشْتَرط جَمِيعهَا فَإِن اشْترط بَعْضهَا لم يجز على الْمَشْهُور لِأَن اشْتِرَاط الْبَعْض يدل على قصد الْمُعَاوضَة كاشتراط بعض المأبور وخلفة القصيل كَمَا مر فِي بيع الْأُصُول لَا على قصد دفع الضَّرَر الْحَاصِل بِدُخُول رب الدَّار لإِصْلَاح ثَمَرَته. تَنْبِيه: الأَرْض مثل الدَّار فِيمَا ذكر وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم فِي الْفَصْل بعده: وَإِن تكن شَجَرَة بِموضع جَازَ اكتراؤها بِحكم التبع (خَ) : وَجَاز كِرَاء شَجَرَة للتجفيف عَلَيْهَا لَا لأخذ ثَمَرَتهَا واغتفر مَا فِي الأَرْض مَا لم يزدْ على الثُّلُث بالتقويم الخ. فَإِن كَانَت قيمتهَا أَكثر من ثلث جملَة الْكِرَاء وَكَانَ قد زرع الأَرْض أَو سكن الدَّار، فَإِن الثَّمَرَة لِرَبِّهَا وَيقوم على الْمُكْتَرِي كِرَاء الأَرْض وَالدَّار بِغَيْر ثَمَرَة وَيُعْطى أجر مَا سقى بِهِ الثَّمَرَة إِن كَانَ سَقَاهَا إو كَانَ لَهُ فِيهَا عمل فَإِن فَاتَت الثَّمَرَة عِنْده غرم لِرَبِّهَا مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت مكيلتها لفساد الْكِرَاء. وَهَذَا كُله فِي الثَّمَرَة، وَأما الزَّرْع الْمَوْجُود فِي الأَرْض المكتراة فَيجوز اشْتِرَاطه أَيْضا إِن كَانَ دون الثُّلُث لَا إِن كَانَ ثلثا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَالْفرق أَن الزَّرْع أَخفض رُتْبَة من الْأُصُول. أَلا ترى أَنه لَا يجوز مساقاته إِلَّا بِشُرُوط ستأتي إِن شَاءَ الله. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا اكترى دَارا أَو أَرضًا سِنِين وَبهَا شجر اشْترط ثَمَرَته فَإِن كَانَت قِيمَته فِي كل سنة الثُّلُث فَأَقل جَازَ، وَإِن كَانَت فِي سنة الثُّلُث فَأَقل، وَفِي سنة أَكثر، وَإِذا نظر إِلَى قيمَة جَمِيعه من الْكِرَاء فِي الْمدَّة كَانَت الثُّلُث لم يجز، وَيكون الْكِرَاء فَاسِدا فِي الْمدَّة جَمِيعهَا وَيجْرِي حكمه على مَا فَوْقه. الثَّانِي: سُئِلَ ابْن رشد عَمَّن بَاعَ شَجرا وَاشْترط على المُشْتَرِي أَن لَا يقبضهُ إِلَّا بعد عَام وَلَيْسَ الْآن فِيهِ ثَمَر هَل يجوز قِيَاسا على شِرَاء الأَرْض وَالدَّار وتراخي الْقَبْض إِلَى هَذَا الْقدر أم لَا لحدوث الثَّمَرَة؟ فَأجَاب: هَذَا يجْرِي على الْخلاف فِي الْمُسْتَثْنى هَل مبقي على ملك البَائِع فَيجوز أَو المُشْتَرِي فَلَا يجوز لِأَنَّهُ من بيع الثَّمَرَة قبل أَن تخلق أَو تزهو اه. وَتقدم فِي بيع الْأُصُول أَن الْمُسْتَثْنى مبقي على الْمُعْتَمد. وَمَا كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلقَا دُخُولُهُ فِي الاكترَاءِ مُتَّقى (وَمَا كنحل) بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي جبح أَو غَار فِي الدَّار أَو الأَرْض (أَو حمام) فِي برج الدَّار (مُطلقًا) قل أَو كثر (دُخُوله) بِشَرْط (فِي) عقد (الاكتراء متقى) لقُوَّة الْغرَر فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ من نفس الدَّار وَلَا من جِنْسهَا بِخِلَاف الشّجر، وَهَذَا فِي الْكِرَاء، وَأما فِي بيع رَقَبَة الدَّار ببرج حمامها أَو بجباح نحلهَا فَيجوز قَالَه فِي الطرر وَانْظُر (ز) صدر الْبيُوع عِنْد قَوْله: وحمام ببرج الخ. فَإِنَّهُ ذكر هُنَاكَ فروعاً مُنَاسبَة من كَون الْحمام والنحل إِذا أضرا بالثمار وَالزَّرْع هَل على رب الزَّرْع وَالثِّمَار حفظهَا أَو يمْنَع ذُو الْحمام والنحل من اتِّخَاذه، وَأَن الرجل إِذا وجد نحلاً فِي شَجَرَة أَو
صَخْرَة لَا بَأْس أَن ينْزع عسلها إِذا لم يعلم أَنَّهَا لأحد إِلَى غير ذَلِك، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الضَّرَر عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع الخ. وجازَ شَرْطُ النّقْدِ فِي الأرْحاءِ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى انقِطَاعُ الماءِ (وَجَاز شَرط النَّقْد فِي) كِرَاء (الأرحاء) إِذا كَانَت (بِحَيْثُ لَا يخْشَى انْقِطَاع المَاء) عَنْهَا لكَون الْعَادة جَارِيَة بدوام جريه وَعدم انْقِطَاعه لانقضاء الْمدَّة، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ يخْشَى انْقِطَاعه لم يجز اشْتِرَاط النَّقْد وَهُوَ كَذَلِك لتردده بَين السّلف والكراء، وَإِنَّمَا يجوز كراؤها حِينَئِذٍ بِدُونِ شَرط النَّقْد، وَأما تَطَوّعا فَيجوز أَمن عدم انْقِطَاع مَائِهَا أَو لَو يُؤمن. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أكراها بِشَرْط النَّقْد لوُجُود الشَّرْط الَّذِي هُوَ عدم انْقِطَاع المَاء فِي غَالب الظَّن وَالْعَادَة، فتخلفت تِلْكَ الْعَادة وَانْقطع المَاء واكتراها بِغَيْر شَرط النَّقْد وَانْقِطَاع المَاء أَيْضا، أَو انجلى أهل ذَلِك الْمَكَان عَنْهَا لفتنة وَنَحْوهَا، أَو انْقَطع الطَّعَام من الْبَلَد لمجاعة وَنَحْوهَا، فَإِن الْكِرَاء يفْسخ إِذا لم يرج عوده أَو يُرْجَى عَن بعد، وَأما إِن كَانَ يُرْجَى عَن قرب فَإِنَّهُ لَا يفْسخ وَلَكِن يحط عَنهُ من الْكِرَاء بِقدر ذَلِك، وَلَا يجوز فِيمَا إِذا نقد أَن يخلف عوض مَا انْقَطع مِمَّا بعد الْأَجَل لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر وَإِذا فَسخه وَهُوَ يرى أَنه لَا يعود عَن قرب فَتخلف ظَنّه وَرجع المَاء قبل انْقِضَاء الْمدَّة عَادَتْ عقدَة الْكِرَاء لتبين خطئه فَهُوَ كمن خرص عَلَيْهِ أَرْبَعَة أوسق فَدفع خَمْسَة. اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يكون الْمُكْتَرِي بعد الْفَسْخ عقد موضعا غَيره بوجيبة أَو غَيرهَا فيمضي الْفَسْخ، وَلَا يجْبر الْمُكْتَرِي على إتْمَام الْمدَّة اه. وَإِن اخْتلفَا فِي قدر مُدَّة انْقِطَاعه صدق رَبهَا حَيْثُ اخْتلفَا فِي ابْتِدَاء انْقِطَاعه مثل أَن يكتري مِنْهُ سنة أَولهَا الْمحرم فسكن الْمحرم وصفر فَيَقُول الْمُكْتَرِي: انْقَطع المَاء فِي ربيع وَعَاد فِي جُمَادَى، وَيَقُول رب الرحا: لم يَنْقَطِع إِلَّا فِي ربيع الآخر وَحده فَالْقَوْل لرب الرحا لِأَن السَّاكِن مُدع عَلَيْهِ فِي انْقِطَاعه فِي ربيع الأول، فَلَا يصدق فِي إِسْقَاط الْكِرَاء بِدَعْوَاهُ، وَأما لَو اتفقَا على ابْتِدَاء انْقِطَاعه وَاخْتلفَا مَتى عَاد، فَالْقَوْل للمكتري بِيَمِينِهِ من غير خلاف لِأَن رب الرحا قد أقرّ بِانْقِطَاع المَاء وَسُقُوط الْكِرَاء عَنهُ مدعى عَلَيْهِ إِيجَاب الْكِرَاء بِعُود المَاء قَالَه ابْن يُونُس. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَكَذَا إِن اخْتلفَا فِي انهدام الدَّار فِي بعض الْمدَّة. انْظُر شرح الشَّامِل. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن اسْتَأْجر رَحا مَاء شهرا على أَنه إِن انْقَطع المَاء قبل الشَّهْر لزمَه جَمِيع الْأُجْرَة لم يجز، وَفِي الْعُتْبِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم فِيمَن لَهُ مَوضِع رَحا فَأعْطَاهُ رجلا يعْمل فِيهِ رَحا على أَن لِلْعَامِلِ غلَّة يَوْم وَلَيْلَة من كل جُمُعَة فَعمل على ذَلِك نَحْو ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ علم بفساده قَالَ: تكون الْغلَّة كلهَا لِلْعَامِلِ وَيغرم لصَاحب الأَصْل كِرَاء ذَلِك الْموضع لجَمِيع السنين الَّتِي انْتفع بهَا بِقدر رَغْبَة النَّاس أَو زهادتهم فِيهِ على النَّقْد،
وَيُقَال لصَاحب الأَصْل: إِن شِئْت أَمرته بخلع النفض وإلاَّ فاعطه قِيمَته مقلوعاً وَتَكون لَك الرحا. وبالدَّقِيقِ والطّعام تُكتَرَى والبَدُّ بالزَّيْتِ ويُنْفَذُ الكِرَا (وبالدقيق) كصاع مِنْهُ (وَالطَّعَام) كمد من حِنْطَة أَو قسط من زَيْت (تكترى) هِيَ أَي الرحا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على الْجَوَاز وكراء رَحا مَاء بِطَعَام أَو غَيره، وَظَاهره أَنه يجوز كراؤها بذلك نَقْدا أَو إِلَى أجل وَهُوَ كَذَلِك قَالُوا: وَإِنَّمَا نَص على ذَلِك فِي الْمُدَوَّنَة لِأَنَّهَا لما كَانَت مثبتة فِي الأَرْض وَيعْمل فِيهَا الطَّعَام فقد يتَوَهَّم أَنه من كِرَاء الأَرْض بِالطَّعَامِ (والبدُّ) بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة أَي المعصرة الَّتِي يعصر فِيهَا الزَّيْت تكترى (بالزيت) كقلة مِنْهُ نَقْدا أَو إِلَى أجل (وينقد) فِيهَا (الكرا) ء بِشَرْط أَو غَيره. قَالَ فِي الْمُفِيد: وَتجوز قبالة معصرة الزَّيْت بالزيت الموصوفة إِلَى أجل كَمَا تجوز قبالة الملاحة بالملح، وَلَا يجوز لصَاحب الْيَد اشْتِرَاط النَّوَى لِأَن بعضه أرطب من بعض وَلَا يحاط بِصفتِهِ اه. وَالْمرَاد بالنوى الفيتور أَي التفل والقبالة بِفَتْح الْقَاف أَي الْكِرَاء ثمَّ قَالَ فِي الْمُفِيد: وَإِنَّمَا جَازَ كِرَاء الملاحة بالملح لِأَن الْملح لَيْسَ يخرج مِنْهَا، وَإِنَّمَا يتَوَلَّد فِيهَا بالصناعة بجلب المَاء للأحواض وَتَركه للشمس حَتَّى يصير ملحاً وَتجوز الْمُعَامَلَة فِيهَا على الْإِجْزَاء لِلْعَامِلِ النّصْف أَو الثُّلُث أَو مَا اتفقَا عَلَيْهِ ولرب الملاحة النّصْف أَو الثُّلُث أَو مَا اتفقَا عَلَيْهِ، وَلَا يدْخل فِي هَذَا عِنْد من أجَازه كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا إِذْ لَيست الأَرْض تنْبت الْملح وَلَا يخرج مِنْهَا وَإِنَّمَا يتَوَلَّد فِيهَا اه. قلت: انْظُر هَل يجوز كِرَاء الرحا والمعصرة بِعشر زَيْت ودقيق مَا يطحن فيهمَا من الْقَمْح وَالزَّيْتُون كَمَا فِي الملاحة أم لَا؟ وَالظَّاهِر عدم الْجَوَاز للْجَهْل بِالْقدرِ ولاختلاف صفة خُرُوج الزَّيْت والدقيق بِخِلَاف الْملح، فَإِن لم يخْتَلف الْخُرُوج وَكَانَ بقسط مَعْلُوم كمد مِنْهُ أَو من دَقِيق جَازَ كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَاع دَقِيق مِنْهُ أَو من زَيْت لم يخْتَلف الخ. وَسَيَأْتِي فِي فصل الْإِجَارَة عدم جَوَاز إِجَارَة الدَّلال بِربع عشر الثّمن وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا كُله فِي الْملح الَّتِي يجلب مَاؤُهَا للأحواض، وَأما ملح الْمَعَادِن الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى علاج وَلَا إِلَى جلب للأحواض كملح الْمَعْدن الصَّحِيحَة فقد قَالَ فِي نظم الْعَمَل تَشْبِيها فِي الْجَوَاز: كَذَلِك الردود للصيادة. للحوت كالملاحة الْمُعْتَادَة الخ. أَي: فَيجوز كراؤهما لأجل رفع الْحجر عَنْهُمَا مُدَّة مَعْلُومَة بالملح وَغَيره انْظُر شَارِحه.
(فصل فِي كِرَاء الأَرْض وَفِي الْجَائِحَة فِيهِ)
قَالَ فِي الْمُقدمَات: قد اخْتلف أهل الْعلم فِي جَوَاز كِرَاء الأَرْض اخْتِلَافا كثيرا فَقيل: لَا يجوز كراؤها أصلا بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلَا بِشَيْء من الْأَشْيَاء لنَهْيه عليه الصلاة والسلام عَن كِرَاء الْمزَارِع، وَقيل: لَا يجوز كراؤها إِلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم خَاصَّة. وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء إِذا كَانَ مَعْلُوما مَا عدا الطَّعَام، وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء إِذا كَانَ مَعْلُوما وَلَو طَعَاما، وَإِنَّمَا لَا يجوز بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا لِأَنَّهُ غرر وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَهُوَ ظَاهر قَول مَالك فِي الْمُسَاقَاة من موطئِهِ، وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء وَلَو طَعَاما وبالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا كَانَ طَعَاما أم لَا. وَبِه قَالَ اللَّيْث. وَأخذ بِهِ أَكثر الأندلسيين وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خالفوا فِيهَا مَالِكًا، وَقيل: وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأكْثر أَصْحَابه أَنه يجوز كراؤها بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم وَالْعرُوض وَالثيَاب وَالْحَيَوَان مَا عدا كراءها بِالطَّعَامِ وَإِن لم تنبته كالسمن وَالزَّيْت وَبِمَا تنبته وَلَو غير طَعَام كالقطن والكتان اه بِاخْتِصَار. وَتَقْدِيم وَتَأْخِير وعَلى قَول مَالك وَأكْثر أَصْحَابه عول (خَ)، إِذْ قَالَ عاطفاً على المتع مَا نَصه: وكراء الأَرْض بِطَعَام أَو بِمَا تنبته إِلَّا كخشب الخ. وَعَلِيهِ درج النَّاظِم أَيْضا فَقَالَ: والأرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءِ تُخْرِجُهْ والفَسْخُ مَعْ كِرَاءٍ مِثْلِ مَخْرَجُهْ (وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه) ككرائها لمن يحرثها زرعا أَو مقثأة أَو قطناً أَو كتاناً مثلا على أَن لِرَبِّهَا النّصْف أَو الرّبع من ذَلِك الَّذِي يخرج مِنْهَا (و) إِن وَقع ذَلِك وَنزل واطلع عَلَيْهِ قبل حرثها فالفسخ لَيْسَ إِلَّا وَإِن فَاتَت بحرثها فالزرع أَو المقثاة كُله للمكتري وَعَلِيهِ لِرَبِّهَا كِرَاء الْمثل عينا. هَذَا إِن اكتراها لسنة وَاحِدَة فَإِن اكتراها بِجُزْء مِمَّا تخرجه سِنِين واطلع على ذَلِك فِي أَثْنَائِهَا ف (الْفَسْخ) لباقي الأعوام (مَعَ كِرَاء مثل) عينا لماضيها (مخرجه) بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء أَي ذَلِك هُوَ وَجه الْخُرُوج مِنْهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي مَا يُقَال أَن الْفَسْخ لَا يُجَامع كِرَاء الْمثل كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ كِرَاء الْمثل إِنَّمَا يجب مَعَ الْفَوات لَا مَعَ الْفَسْخ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامه إِذْ الْفَسْخ إِنَّمَا يجب قبل الْفَوات. وَلَا بِما تنبُتُهُ غَيْرَ الخَشَبْ مِنْ غَيْرِ مَزْروعٍ بِها أوِ الْقَصَبْ (وَلَا) تكرى أَيْضا (بِمَا تنبته) وَلَو غير طَعَام كقطن وكتان وقصب وتبن وعصفر وزعفران أَي مِمَّا شَأْنه أَن ينْبت فِيهَا وَلَو لم يصلح لزراعته فِي هَذِه الأَرْض المكتراة فَإِنَّهُ لَا يجوز كراؤها بِهِ (غير الْخشب) بِفتْحَتَيْنِ مُسْتَثْنى من عُمُوم مَا أَي: فَيجوز كراؤها بِهِ وَلَو كَانَت تنبته وَمثله الْعود
والصندل والحطب والحشيش والحلفاء والقصب. قيل لسَحْنُون: وَلم جَازَ كراؤها بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وَهِي كلهَا مِمَّا تنبته الأَرْض؟ فَقَالَ: هَذِه الْأَشْيَاء يطول مكثها ووقتها فَلذَلِك سهل فِيهَا وَقَوله: (من غير مزروع بهَا) بَيَان لما وَقَوله. (أَو الْقصب) عطف على الْخشب وَالتَّقْدِير وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه مِمَّا هُوَ مزروع بهَا وَلَا بِمَا تنبته من غير مزروع بهَا كقطن وكتان لَا يصلحان للزِّرَاعَة فِي هَذِه الأَرْض المكتراة بخصوصها وَأَحْرَى فِي عدم الْجَوَاز إِذا كَانَا يصلحان للزِّرَاعَة فِيهَا إِلَّا الْخشب والقصب وَنَحْوهمَا من صندل وحلفاء، فَيجوز كراؤها بذلك فَقَوله وَلَا بِمَا تنبته مَعْطُوف على بِجُزْء من عطف المغاير لَا من عطف عَام على خَاص كَمَا لَا يخفى، إِذْ معنى الْمَعْطُوف أَنه أكراها مِنْهُ بِعشْرَة أَرْطَال من قطن أَو كتَّان كَانَت الأَرْض تصلح لزراعتهما وزرعا فِيهَا أَو لَا تصلح لذَلِك، وَبِهَذَا تعلم أَنه لَو حذف قَوْله من غير مزروع بهَا لَكَانَ أحسن. وَلَا بِما كانَ مِنَ المَطْعُومِ كالشّهْدِ واللّبَنِ واللُّحْومِ (وَلَا) تكرى أَيْضا (بِمَا كَانَ من المطعوم) وَإِن لم تنبته وَلَا خرج مِنْهَا (كالشهد وَاللَّبن واللحوم) والنبيذ وَالْملح والفلفل وزريعة الْكَتَّان وزريعة الفجل وطير المَاء الَّذِي للذبح وشَاة اللَّحْم وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَغَيره. تَنْبِيهَات. الأول: كَانَ حق النَّاظِم أَن يُؤَخر قَوْله: وَالْفَسْخ الخ. عَن هَذَا الْبَيْت وَأَن يحذف قَوْله: من غير مزروع بهَا كَمَا مر فَلَو قَالَ: وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه أَو بِطَعَام هَب بِمَا لَا تنبته كَذَا بِمَا تنبته غير الْخشب وَإِن يفت فَخرج مثل قد وَجب لَكَانَ أسهل وأخصر والخرج بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج أَي الْأجر. الثَّانِي: تقدم أَن مَذْهَب اللَّيْث وَبِه أَخذ أَكثر الأندلسيين جَوَاز كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا وَعَلِيهِ رد النَّاظِم بقوله: وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه الخ. وَلَكِن عمل عَامَّة النَّاس الْيَوْم على مَذْهَب اللَّيْث وَمن أَخذ بِهِ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك راد. ابْن الْعَرَبِيّ: وَأما كِرَاء الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا فَهُوَ مَذْهَب فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة وَالْمقنع فِيهَا قوي، وَذَلِكَ أَنا رَأينَا الله تبارك وتعالى قد أذن لمن كَانَ لَهُ نقد أَن يتَصَرَّف فِي طلب الرِّبْح أَو يُعْطِيهِ لغيره يتَصَرَّف فِيهِ بِجُزْء مَعْلُوم فالأرض مثله،
وإلاَّ فَأَي فرق بَينهمَا وَهَذَا قوي وَنحن نفعله اه. فَانْظُر قَوْله: وَنحن نفعله وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف أهل الأندلس فِيهَا مَالِكًا، وَمِنْهَا تَوْجِيه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا إِلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ معرة كالسرقة وَالْغَصْب، وَمِنْهَا توجه الْيَمين بِدُونِ خلْطَة، وَمِنْهَا الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد إِلَى غير ذَلِك، وَذكر آخر الْمُفِيد مِنْهَا نَحْو الثَّمَانِية عشر وَتَقَدَّمت فِي بَاب الضَّمَان. الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من أكرى أرضه بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير مُؤَجّلَة فَحلت فَلَا يَأْخُذ بهَا طَعَاما وَلَا إدَامًا وليأخذ مَا يجوز أَن تكرى بِهِ قَالَ: وَيجوز أَن تكرى أَرْضك بأصول شجر لَيْسَ فِيهَا ثَمَر، فَإِن كَانَ فِيهَا ثَمَر وقتئذ لم يجز كَمَا كره مَالك شِرَاء شجر فِيهَا ثَمَر بِطَعَام عَاجل أَو آجل، وَيجوز بيع رَقَبَة الأَرْض بشجر فِيهَا ثَمَر كَمَا يجوز أَن تبَاع بِطَعَام عَاجل أَو آجل اه. الرَّابِع: قَالَ سَحْنُون: من اكترى أَرضًا بِمَا يخرج مِنْهَا فَذَلِك جرحة فِي حَقه، وتأوله أَبُو مُحَمَّد بِمَا إِذا كَانَ عَالما بِالْمَنْعِ وَهُوَ مذْهبه أَو قلد مَذْهَب الْمَانِع وإلاَّ فَلَا انْظُر (ح) والشامل. وتُكْتَرَى الأرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ مِنْ سَنَةٍ والعَشْرُ مُنْتَهَى الأَمَدْ (وتكترى الأَرْض لمُدَّة تحد من سنة) أَو سنتَيْن أَو ثَلَاث (وَالْعشر) سِنِين (مُنْتَهى الأمد) وَظَاهره كَانَت أَرض سقِِي أَو بعل اكتريت بِشَرْط النَّقْد أَو بِدُونِهِ، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يجوز كراؤها لأكْثر من عشر سِنِين، وَلَيْسَ كَذَلِك فِي هَذَا الْأَخير، ويقيد جَوَاز شَرط النَّقْد فِي الْأَوَّلين بِمَا إِذا كَانَت مَأْمُونَة. اللَّخْمِيّ: الأمد فِي الْمُسْتَأْجر يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْن وَالْخَوْف فِي تِلْكَ الْمدَّة فأوسعها فِي الْأَجَل الأرضون ثمَّ الدّور ثمَّ العبيد ثمَّ الدَّوَابّ ثمَّ الثِّيَاب، فَيجوز كِرَاء الأَرْض ثَلَاثِينَ سنة وَأَرْبَعين بِغَيْر نقد إِلَّا أَن تكون مَأْمُونَة الشّرْب فَيجوز مَعَ النَّقْد وَيجوز ذَلِك فِي الدّور إِذا كَانَت جَدِيدَة مَأْمُونَة الْبناء، وَإِن كَانَت قديمَة فدون ذَلِك بِقدر مَا يرى أَنه يُؤمن سلامتها إِلَيْهِ فِي الْغَالِب انْظُر (ح) عِنْد قَوْله: وَعبد خَمْسَة عشر عَاما. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَبِه الحكم أَنه يجوز كِرَاء الرباع الْعشْر سِنِين وَالْعِشْرين عَاما وأزيد من ذَلِك وَلَا بَأْس بتعجيل الوجيبة كلهَا. هَذَا مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه الحكم وَذَلِكَ إِذا كَانَ الشَّيْء المكترى ملكا للمكري، وَأما إِن كَانَ محبساً عَلَيْهِ وعَلى غَيره وَجعل لَهُ السُّكْنَى فِيهِ حَيَاته، فَلَا يجوز أَن يكريها بِالنَّقْدِ إِلَّا سنة أَو سنيتن، وَجَائِز لَهُ أَن يكريها إِلَى مَا شَاءَ من السنين وَإِن طَالَتْ إِذا كَانَ الْكِرَاء منجماً على الْمُكْتَرِي،
فَكلما انْقَضى نجم دفع كِرَاء أَو كلما دخل نجم قدم كِرَاء إِذا كَانَ النَّجْم يَسِيرا السّنة والسنتين على مَا قدمْنَاهُ اه. وَقد أَشَارَ (خَ) إِلَى ضَابِط جَوَاز النَّقْد فِي مثل هَذَا بقوله: وَجَاز النَّقْد فِيهِ أَي فِي الشَّيْء الْمُسْتَأْجر إِن كَانَ لَا يتَغَيَّر فِي مُدَّة الْإِجَارَة غَالِبا. وَقَالَ فِي الْمُقدمَات: الْكَلَام فِي الْأَرْضين على ثَلَاثَة أوجه جَوَاز عقد الْكِرَاء وَجَوَاز النَّقْد ووجوبه فَأَما جَوَاز عقد الْكِرَاء فَجَائِز على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة من غير تَفْصِيل كَانَت أَرض مطر أَو غَيرهَا مَأْمُونَة كَانَت أم لَا. وَأما جَوَاز النَّقْد فِيهَا فَإِن كَانَت مَأْمُونَة كأرض النّيل وَأَرْض السَّقْي بالأنهار والعيون والآبار وَأَرْض الْمَطَر المأمونة يَعْنِي الَّتِي لَا يتَخَلَّف عَنْهَا الْمَطَر غَالِبا كأرض الْمغرب فالنقد فِيهَا للأعوام الْكَثِيرَة جَائِز، وَأما غير المأمونة فَلَا يجوز النَّقْد فِيهَا إِلَّا بعد أَن تروى وَيُمكن من الْحَرْث كَانَت من أَرض النّيل أَو الْمَطَر أَو السَّقْي بالعيون والآبار، وَأما وجوب النَّقْد فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب وَيقْضى بِهِ على الْمُكْتَرِي فِي أَرض النّيل إِذا رويت لِأَنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى سقِِي فِيمَا يسْتَقْبل، وَأما أَرض السَّقْي والمطر فَلَا يجب على الْمُكْتَرِي دفع الْكِرَاء حَتَّى يتم الزَّرْع ويستغني عَن المَاء، وَكَذَا إِذا كَانَت أَرضًا تزرع بطوناً فَلَا يلْزمه نقد الْكِرَاء فِي الْبَطن حَتَّى يَسْتَغْنِي عَن المَاء اه. بِاخْتِصَار. وَبِهَذَا تعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْل النَّاظِم وَالْعشر مُنْتَهى الأمد الخ. وَلَا لقَوْل (خَ) : وَأَرْض مطر عشرا إِن لم ينْقد وَإِن سنة إِلَّا المأمونة كالنيل أَو الْمعينَة فَيجوز الخ. فَقَوله: وَأَرْض مطر عشرا الخ. أَي: وَهِي غير مَأْمُونَة الخ. وَقَوله: وَإِن سنة مُبَالغَة فِي مَفْهُوم إِن لم ينْقد أَي فَإِن نقد فِي غير المأمونة بِشَرْط امْتنع، وَإِن شَرط نقد حِصَّته سنة فَقَط فَشرط النَّقْد مُؤثر فِي الْمَنْع سَوَاء نقد بِالْفِعْلِ أم لَا. وَقَوله: فَيجوز أَي فَيجوز العقد والنقد وَلَو لأربعين سنة كَمَا مر عَن اللَّخْمِيّ والمتيطي. وَإِن تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ جازَ اكتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ (وَإِن تكن شَجَرَة بِموضع) من الأَرْض (جَازَ اكتراؤها) أَي اشْتِرَاط ثَمَرَتهَا (بِحكم التبع) لكراء الأَرْض كَمَا مر تَفْصِيله فِي قَوْله: وَشرط مَا فِي الدَّار من نوع الثَّمر إِلَى قَوْله: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل اشْترط الخ. وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن التَّابِع يُعْطي حكم متبوعه أَنه لَا قسط لَهُ من الثّمن، وَأما على أَنه يُعْطي حكم نَفسه فَلَا إِشْكَال أَن لَهُ حِصَّة من الثّمن وَعَلِيهِ فَلَا يجوز اشْتِرَاطهَا لما فِيهِ من شِرَاء الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بل وَقبل وجودهَا قَالَه (م) . تَنْبِيه: قَالَ فِي الْجَوَاهِر: وَإِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرع فِيهَا صنفا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يزرع فِيهَا غَيره
مِمَّا هُوَ أقل ضَرَرا بِالْأَرْضِ لَا مَا ضَرَره أَكثر فَإِن اسْتَأْجرهَا للقمح أَو غَيره فزرع مَا هُوَ أضرّ بِالْأَرْضِ مِنْهُ فللمالك الْقلع فِي الْحَال، فَإِن لم يقْلع حَتَّى مَضَت الْمدَّة فَلهُ أَخذه بالكراء الأول وَمَا بَين الْقِيمَتَيْنِ اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة أَن الشّعير أضرّ من الْقَمْح، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة يجوز أَن يكتري الأَرْض ليزرع فِيهَا مَا شَاءَ وَلَا كَلَام لِرَبِّهَا بعد ذَلِك، فَإِن قَالَ ليزرعها وَسكت عَمَّا يزرع فِيهَا فَذَلِك جَائِز وَلَا يزرع فِيهَا إِلَّا مَا يشبه أَن يزرع فِي مثلهَا، فَإِن شَرط أَن يَزْرَعهَا شَعِيرًا فَلَا يَزْرَعهَا إِلَّا ذَاك أَو مَا مضرته كمضرة الشّعير أَو أقل، فَإِن زَرعهَا مَا هُوَ أضرّ بهَا فلربها كِرَاء الشّعير وَقِيمَة زِيَادَة الضَّرَر اه. وَقَوله: فلربها كِرَاء الشّعير الخ. يَعْنِي إِذا مَضَت مُدَّة الزِّرَاعَة وإلاّ فربها مُخَيّر كَمَا مر عَن الْجَوَاهِر، وَهَذَا بِمَنْزِلَة من اكترى رَاحِلَة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا فَأَرَادَ أَن يحمل عَلَيْهَا غَيره الْمشَار لَهُ بقول (خَ) : وَفعل الْمُسْتَأْجر وَمثله ودونه لَا أضرّ الخ. وَقَوله: حَتَّى مَضَت الْمدَّة يَعْنِي حَتَّى فَاتَ إبان الزِّرَاعَة. ابْن عَرَفَة: وَحَال الْمُكْتَرِي فِي حرثه الأَرْض كَحال مَسْأَلَة من حرث أَرض غَيره بِغَيْر إِذْنه. وحاصلها، إِن قَامَ رَبهَا فِي الأبان وَأقر الْحَارِث بالعداء فلربها أمره بقلعه إِن كَانَ ينْتَفع بِهِ، وَلَا يجوز لَهُ أَخذه بِقِيمَتِه مقلوعاً لِأَنَّهُ بيع لَهُ قبل بَدو صَلَاحه، وَأَجَازَهُ التّونسِيّ وَهُوَ خلاف مذهبها وَإِن لم ينْتَفع بِهِ فلربها أَخذه مجَّانا، وَإِن ادّعى حرثها بِغَيْر اكتراء مِنْهُ لَكِن بِعِلْمِهِ وحضوره وَهُوَ لَا يُغير وَلَا يُنكر، فَإِن حلف رَبهَا على نفي الْعلم فَكَمَا مرّ، وَإِن نكل حلف الْحَارِث وَبَقِي لَهُ زرعه ولربها كِرَاء الْمثل وَإِن ادّعى حرثها باكتراء مِنْهُ فَإِن حلف رَبهَا على نَفْيه فَكَمَا مر وَإِن نكل حلف الْحَارِث لقد أكراها مِنْهُ بِكَذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ من الْكِرَاء قَلِيلا لَا يشبه أَو كثيرا أَكثر من كِرَاء الْمثل، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْله حَيْثُ ادّعى مَا لَا يشبه لِأَن رَبهَا قد مكنه من ذَلِك بِنُكُولِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن ادّعى أَنه اكتراها مِنْهُ وَأَنه حرثها بِعِلْمِهِ حلف رَبهَا على نفيهما وَخير فِي أَخذه بِمَا أقرّ بِهِ من الْكِرَاء وَأَخذه أرضه ويأمره بقلع زرعه إِن انْتفع بِهِ، وَإِن لم يكن لَهُ بِهِ منتفع أَخذه رب الأَرْض مجَّانا وَلَا يجوز تَركه للمكتري بِمَا أقرّ بِهِ من الْكِرَاء وَلَا بكرَاء الْمثل لِأَنَّهُ بيع لَهُ بِمَا يَأْخُذهُ من الْكِرَاء، وَإِن نكل حلف الْحَارِث فَإِن نكل أَخذ رب الأَرْض أرضه، وَلَو قَالَ رب الأَرْض أَحْلف أَنِّي مَا علمت بحرثه وَلَا أَحْلف أَنه مَا اكترى مني لم يُمكن من ذَلِك إِلَّا أَن ينكل الْحَارِث عَن الْيَمين ثمَّ قَالَ: وَلَو قَامَ بعد الأبان فَإِن صدقه أَنه لم يكن مِنْهُ كِرَاء فَلهُ كِرَاء الْمثل دون يَمِينه ادّعى حرثه بِحُضُورِهِ وَعلمه أم لَا. وَإِن ادّعى أَنه أكراها مِنْهُ لَا أَنه حرثها بِعِلْمِهِ حلف رَبهَا، وَأخذ كِرَاء الْمثل فَإِن نكل حلف الْحَارِث على مَا ادّعى من الْكِرَاء اه. وَقَوله: وَأَجَازَهُ التّونسِيّ الخ. يَعْنِي لِأَن التّونسِيّ قَالَ: الْأَشْبَه أَن يجوز لرب الأَرْض شِرَاء مَا فِيهَا قبل بَدو صَلَاحه لِأَن الأَرْض ملك لَهُ فَصَارَ مَقْبُوضا بِالْعقدِ وَمَا يحدث فِيهِ من نَمَاء إِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَان مُشْتَرِيه لكَونه فِي أرضه، وَإِنَّمَا منع النَّبِي صلى الله عليه وسلم من بيع الثِّمَار قبل بَدو صَلَاحهَا لكَون ضَمَانهَا من البَائِع لِأَنَّهَا فِي أُصُوله، وعَلى هَذَا التَّعْلِيل أجَاز عبد الْملك شِرَاء جنان فِيهِ ثَمَرَة بقمح أَو بجنان آخر فِيهِ ثَمَرَة تخالفها لِأَن كل ثَمَرَة مَقْبُوضَة. قَالَ العبدوسي: وَأخذ الشُّيُوخ مِمَّا قَالَه التّونسِيّ جَوَاز شِرَاء صَاحب الزَّرْع نصيب الخماس قبل بَدو صَلَاحه لِأَنَّهُ قَابض لَهُ بِنَفس الشِّرَاء وعَلى مذهبها فَلَا، وَقِيَاس التّونسِيّ لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص من الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ على منع مَا لم يبد صَلَاحه اه.
ومُكْتَرٍ أرْضاً وبَعْدَ أَنْ حَصَدْ أصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بالبَرَدْ (ومكتر أَرضًا) فزرعها (وَبعد أَن) طَابَ زَرعهَا وَقبل أَن يحصده الْمُكْتَرِي أَو بعد أَن (حصد) هـ وَجعله قثاء فِي الفدان أَو الأندر (أصَاب زرعه) فِي الْحَالَتَيْنِ (انتثار بالبرد) وَنَحْوه. فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنَ المُنْتَثِرِ هُوَ لِرَبِّ الأرْضِ لَا للْمُكْتَري (فنابت بعد) فِي السّنة الْقَابِلَة (من) ذَلِك الزَّرْع (المنتثر هُوَ لرب الأَرْض) الْمَالِك للفدان أَو الأندر (لَا للمكتري) على الْأَصَح، وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة، وَقيل: يكون لزارعه وَعَلِيهِ لرب الأَرْض كراؤها كَمَا إِذا تمت السّنة وَله زرع أَخْضَر، وَظَاهر النّظم أَنه لرب الأَرْض وَلَو انتثر كُله بالبرد وَهُوَ كَذَلِك فَفِي سَماع عِيسَى: من اكترى أَرضًا فزرعها فَلَمَّا استحصد زرعه أَتَاهُ برد أسقط حبه كُله فِي الفدان فأخلف فَهُوَ لرب الأَرْض لَا للمكتري لِأَن سنته قد انْقَضتْ كَقَوْل مَالك فِيمَن جر السَّيْل زرعه لأرض غَيره فنبت، ابْن رشد الْقيَاس صَحِيح، وَلَا فرق بَينهمَا لِأَن الْبذر مستهلك فِي كلتا الْحَالَتَيْنِ لَا يقدر صَاحبه على أَخذه من أَرض غَيره، وَمعنى قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة: جر السَّيْل زرعه أَي بذره لقَوْله: فنبت لِأَن الزَّرْع لَا يُقَال فِيهِ نبت اه. وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن انتثر للمكتري حب فنبت قَابلا فَهُوَ لرب الأَرْض كمن جَرّه السَّيْل إِلَيْهِ الخ. وَالضَّمِير فِي قَوْله جَرّه يعود على الْحبّ أَي الْبذر، وَأما إِذا جَرّه إِلَيْهِ بعد نَبَاته فَقيل: هُوَ لرب الأَرْض أَيْضا، وَظَاهر الشَّامِل أَنه الْمَشْهُور، وَقيل هُوَ لزارعه وَرجحه الرهوني فِي حَاشِيَته مستدلاً على ذَلِك بأنقال، وَلَكِن لَا يظْهر مِنْهَا مَا أَشَارَ لَهُ من التَّرْجِيح لمن تَأمل وأنصف وَالله أعلم. وَلَا مَفْهُوم لقَوْل النَّاظِم بالبرد، بل لَو انتثر بِسَبَب الْحَصاد لَكَانَ لرب الأَرْض أَيْضا. أَبُو الْحسن: اتِّفَاقًا لِأَن شَأْن الْحَصاد أَن ينتثر مِنْهُ الْحبّ وَالْعَادَة أَن من تَركه لَا يعود إِلَيْهِ أَي: فَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الْجَارِي فِي المنتثر بالبرد، وَمَفْهُوم قَوْله: انتثار أَنه إِذا زرع وَلم ينْبت فِي سنة بذره وَنبت فِي السّنة الْقَابِلَة أَن الزَّرْع لَا يكون للمكتري بل لرَبه وَهُوَ كَذَلِك وَعَلِيهِ كراؤه وكراء الْعَام الَّذِي لم ينْبت فِيهِ إِن كَانَ لغير عَطش قَالَه (ز) وَأَصله لِابْنِ بشير فَإِن زرع فِي أرضه خلاف ذَلِك النَّوْع فنبتا مَعًا فَلِكُل زرعه إِن عرف وتبعيض الْكِرَاء عَلَيْهِمَا انْظُر الشَّامِل وَشَرحه. وَمَفْهُوم قَوْله: فنابت أَنه إِذا أنجر إِلَيْهَا حب من الأندر وَلم ينْبت بل لَا زَالَ على وَجه الأَرْض فلربه أَخذه وَلَا يكون لرب الأَرْض، وَأما الشّجر يجره السَّيْل لأرض الْغَيْر فينبت فِيهَا فَلَيْسَ حكمه حكم الزَّرْع، بل ينظر فَإِن كَانَت إِن وَقعت وَردت إِلَى أرضه نَبتَت فِيهَا فَلهُ قلعهَا وإلاَّ فللآخر دفع قِيمَته حطباً أَو أمره بقلعه قَالَه سَحْنُون.
تَنْبِيه: من اشْترى قصب فول ليوقده فَنزل الْمَطَر فحيي الْقصب واخضر وأثمر فولاً فَهَل هُوَ للْمُشْتَرِي أَو لرَبه؟ قَالَ فِي صدر معاوضات المعيار عَن الْفَقِيه الْجَعْد: أَنه يفْسخ البيع وَيكون الفول لرب الْقصب وَيرد الثّمن اه. بِاخْتِصَار. قلت: الْجَارِي على مَا تقدم أَنه إِن حييّ الْقصب نَفسه فثمره للْمُشْتَرِي وَعَلِيهِ لرب الأَرْض كِرَاء الْمثل مُدَّة بَقَائِهِ بعد عقد الشِّرَاء فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَاهُ ليأخذه فِي الْحِين فَتَركه حَتَّى أثمر يُوجب الْكِرَاء عَلَيْهِ وَلَا وَجه لفسخ البيع فِيهِ، وَإِن كَانَ الْقصب حييّ من غير أُصُوله فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ أَن ثمره لرب الأَرْض وَلَا يفْسخ البيع أَيْضا لِأَن الْقصب الْمُشْتَرى لَا زَالَ يَابسا يجزه مُشْتَرِيه وَيَأْخُذهُ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَجائِزٌ كِراءُ الأرْضِ بالسَّنَه وَالشّهْرِ فِي زَرَاعَةٍ مُعيِّنه (وَجَائِز كِرَاء الأَرْض بِالسنةِ) مسانهة ككل سنة بِكَذَا أَو مُعينَة كهذه السّنة كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور، ثمَّ إِن عينت وحدت بِاثْنَيْ عشر شهرا أَو بِسِتَّة أشهر مثلا فَوَاضِح أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي إِلَّا بِتَمَامِهَا وَإِن لم تحد، وَإِنَّمَا قَالَ: أكتري مِنْك أَرْضك هَذِه السّنة أَو السّنة الَّتِي بعد هَذِه فَإِن كَانَت أَرض مطر فتتم السّنة فِيهَا بالحصاد للزَّرْع الَّذِي اكتريت لَهُ كَانَت تزرع مرّة فِي السّنة أَو مرَارًا وَلَا ينْتَظر مُرُور الاثْنَي عشر والحصاد فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ أَي بحصده أَو قطعه أَو جذه أَو رعيه كالزرع والبرسيم واللفت والكمون وَنَحْو ذَلِك، فَلَو كَانَ مِمَّا يخلف بطوناً فتتم السّنة فِيهَا بآخر بطن، وَإِن كَانَت أَرض سقِِي فتتم فِيهَا بالشهور الاثْنَي عشر، فَإِن تمت الشُّهُور الْمعينَة أَو الَّتِي لم تعين حَيْثُ كَانَت أَرض سقِِي وَله فِيهَا زرع أَخْضَر فَيلْزم رب الأَرْض أَن يبقيه فِيهَا إِلَى تَمام طيبه، وعَلى الْمُكْتَرِي كِرَاء الْمثل فِيمَا زَاد على تِلْكَ الشُّهُور، وَقيل من حِسَاب الْكِرَاء الأول (خَ) : وَالسّنة فِي الْمَطَر بالحصاد، وَفِي السَّقْي بالشهور فَإِن تمت وَله زرع أَخْضَر فكراء مثل الزَّائِد الخ
…
وَظَاهره أَن عَلَيْهِ كِرَاء الْمثل فِي الزَّائِد وَلَو علم عِنْد الزِّرَاعَة أَن الزَّرْع إِنَّمَا يتم بعد السّنة بِكَثِير وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد قَالَه (ز) . قَالَ (م) : وَمن اكترى دَارا أَو حانوتاً أَو غَيرهمَا لمُدَّة مُعينَة فتمضي وَيبقى الْمُكْتَرِي سَاكِنا على المساكنة فَيجْرِي حكمه على مَا تقدم فالجاري على الْمَشْهُور أَنه يلْزمه كِرَاء مثل الزَّائِد، وَقيل من حِسَاب الْكِرَاء الأول واستظهرت أَن لَهُ فِي هَذِه بِحِسَاب الْكِرَاء الأول. قلت: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم لِأَن رب الأَرْض فِي الأولى مجبور على بَقَاء الزَّرْع فِي أرضه وَفِي هَذِه لَا جبر على رب الدَّار والحانوت وَنَحْوهمَا فَتَركه سَاكِنا بعد انْقِضَاء الْمدَّة رضَا مِنْهُ أَن لَهُ بِحِسَاب الأول واستمرار الْمُكْتَرِي ساكتاً رضَا مِنْهُ أَيْضا بِدفع ذَلِك وَالله أعلم. (والشهر) أَي وَجَائِز الْكِرَاء لشهر معِين أَو كل شهر بِكَذَا، ثمَّ إِذا كَانَ كل من السّنة
والشهر معينا كهذه السّنة أَو هَذَا الشَّهْر فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم الْكِرَاء بِالْعقدِ وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الانحلال إِلَّا بِرِضا صَاحبه، إِن كَانَ كل مِنْهُمَا غير معِين ككل شهر بِكَذَا أَو كل سنة بِكَذَا فَلَا يلْزم بِالْعقدِ وَلكُل الانحلال مَا لم يحرث الْمُكْتَرِي كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور وَأول السّنة أَو الشَّهْر من حِين العقد إِن كَانَت خَالِيَة من مزروع، وإلاَّ فَمن يَوْم تَخْلُو مِنْهُ، وَهَذَا إِذا كَانَت تزرع فِي السّنة كلهَا وإلاَّ فأولها وَقت الزِّرَاعَة (فِي زراعة مُعينَة) أَي لَا بُد من تعْيين مَا يزرعه فِيهَا حَيْثُ لم يكن عرف، وَكَأن بعض المزروع أضرّ من الآخر كَمَا مر عَن الْجَوَاهِر. ومُتَوالِي القَحْطِ والأمْطَار جائِحةُ الكِراءِ مثْلُ الفَارِ (وبتوالي الْقَحْط والأمطار) خبر عَن قَوْله (جَائِحَة الكرا) ء وَقَوله (وَمثل الفار) بِالْجَرِّ عطف على بتوالي وَمَعْنَاهُ أَن من اكترى أَرضًا للزِّرَاعَة فتوالى إِلَى الْقَحْط عَلَيْهَا أَي عدم الْمَطَر وَلَو بعد زراعتها فِي الأبان أَو توالي الْمَطَر عَلَيْهَا فغرقت حَتَّى فَاتَ أبان حراثتها، أَو هلك زَرعهَا النَّابِت فِيهَا بدود أَو فار، أَو وَقعت فتْنَة منعته من زراعتها فَإِن ذَلِك كُله جَائِحَة توجب سُقُوط الْكِرَاء عَن الْمُكْتَرِي كَمَا قَالَ: ويَسْقُط الكِراءُ إمَّا جُمْلَهْ أَوْ بِحِسَابِ مَا الفَسَادُ حَلَّهْ (وَيسْقط الْكِرَاء) بِمَا ذكر من الْقَحْط وَمَا بعده (إِمَّا جمله) وَذَلِكَ إِذا أجيح الزَّرْع كُله (أَو) يسْقط مِنْهُ (بِحِسَاب مَا الْفساد حلّه) حَيْثُ لم يجح جَمِيعه، وَظَاهره وَلَو قل المجاح فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ كَذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك كجائحة الثِّمَار، وَأما إِن أجيح الجل وَسلم الْقَلِيل كخمسة أفدنة أَو سِتَّة من مائَة فدان فَإِنَّهُ لَا كِرَاء عَلَيْهِ أصلا كَمَا قَالَ (خَ) : عكس تلف الزَّرْع لِكَثْرَة دودها أَو فارها أَو عَطش أَو بَقِي الْقَلِيل الخ. وَظَاهر كَلَام ابْن يُونُس وَغَيره أَنه لَا فرق بَين أَن تكون الْفَدادِين السالمة القليلة فِي نَاحيَة وَاحِدَة أَو فِي نواح مُتَفَرِّقَة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِنَّمَا يسْقط عَنهُ الْكِرَاء جملَة إِذا كَانَت مُتَفَرِّقَة لِأَن كثيرا من النَّاس لَا يتَكَلَّف جمعهَا، وَأما إِن كَانَت مجتمعة فِي نَاحيَة فَعَلَيهِ من الْكِرَاء مَا ينوبها. وَلَيْسَ يَسْقُطُ الكِرَا فِي مُوجَدِ بِمِثْلِ صَرٍ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ (وَلَيْسَ يسْقط الكرا فِي) أَي بِسَبَب (موجد) بِفَتْح الْجِيم (بِمثل صر) وَهُوَ الْبرد الشَّديد أَو الْحر الشَّديد (أَو بِمثل برد) وَهُوَ مطر مُنْعَقد وَأدْخل لفظ مثل الطير والجليد وَالْغَاصِب وَالسَّارِق
والجيش وَالْجَرَاد لَكِن مَحل عدم جَائِحَة الْجَرَاد إِنَّمَا هُوَ إِذا أَتَى بعد أبان الحراثة وَإِلَّا بِأَن أَتَى فِي أَبَانهَا فمنعته من الزِّرَاعَة خيفة أَن يُؤْذِي هُوَ أَو وَلَده مَا يخرج مِنْهَا فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ قَالَه الْبَاجِيّ وَغَيره. وَمحل عدم السُّقُوط بِمَا ذكره من الْبرد وَمَا مَعَه إِذا لم تقحط السَّمَاء، وَأما إمن أجيح بِشَيْء مِمَّا ذكر فقحطت السَّمَاء حَتَّى إِنَّه لَو لم يجح لم يتم الزَّرْع لأجل الْقَحْط فَإِنَّهَا لَا تسْقط كَمَا أفتى بِهِ ابْن رشد، وَقَالَ الْبُرْزُليّ: وَكَذَا لَو اسْتهْلك شخص زَرعهَا ثمَّ أَصَابَهُ قحط بِحَيْثُ لَو بَقِي لهلك ذَلِك الزَّرْع بِالْقَحْطِ فَإِنَّهُ لَا يضمن قيمَة الزَّرْع على الرَّجَاء وَالْخَوْف، وَإِنَّمَا سقط الْكِرَاء بِالْقَحْطِ وَالْغَرق والفار وَلم يسْقط بالبرد وَمَا مَعَه، لِأَن هَذِه عاهة لَا سَبَب للمكري فِيهَا من قبل مَائه وَلَا من قبل أرضه، فَذَلِك كغاصب غصب الزَّرْع خَاصَّة بِخِلَاف الْقَحْط وَمَا مَعَه فَإِن لأرضه سَببا فِيهِ والقحط والفار جَائِحَة مُطلقًا بِخِلَاف الْغَرق، فَإِنَّمَا هُوَ جَائِحَة إِذا كَانَ فِي الأبان فَإِن زَالَ قبل فَوَات الأبان أَو حدث بعده لزمَه الْكِرَاء كَمَا قَالَ (خَ) : أَو غرق بعد وَقت الْحَرْث أَو عَدمه بذراً. تَنْبِيه: إِذا أَصَابَته الْجَائِحَة فَلَا حق للمكتري فِي قليلها كَمَا يَأْتِي فِي الْمُزَارعَة، وَالله أعلم.
(فصل فِي أَحْكَام من الْكِرَاء)
لَو قَالَ فِي كِرَاء الْعرُوض وَأَحْكَام من الْكِرَاء لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُورَان فِي هَذَا الْفَصْل لوفى بالمراد. والعَرْضُ إنْ عُرِفَ عينا فالكِرا يَجُوزُ فيهِ كالسُّروجِ وَالفِرَا (وَالْعرض إِن عرف عينا) تَمْيِيز محول عَن النَّائِب أَي إِن عرفت عينه بِحَيْثُ لَا يلتبس رده برد مثله (فالكرا يجوز فِيهِ كالسروج) للدواب (والفرا) بِكَسْر أَوله وبالمد وقصره ضَرُورَة جمع فرو بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء، قَالَ فِي الْخُلَاصَة: فعل وفعلة فعال لَهما. قَالَ الْجَوْهَرِي: الفرو الَّذِي يلبس وَالْجمع الْفراء نَقله (م) أَي: وَهُوَ ثوب مَعْلُوم يلْبسهُ أهل مصر وَغَيرهم، وَمَفْهُوم الشَّرْط
أَن الْعرض الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه كقدور الفخار يسودها الدُّخان حَتَّى لَا تعرف بِعَينهَا لَا يجوز كراؤها، وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ الْعَطَّار وَابْن الفخار، وَنَقله فِي ضيح مُسلما، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَابْن سَلمُون قَائِلا: لَا تجوز فِيمَا لَا يعرف بِعَيْنِه كالدراهم وَالدَّنَانِير وقدور الفخار اه. وَظَاهر الْمُدَوَّنَة جَوَاز كرائها كَانَت تعرف بِعَينهَا أم لَا. وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق (خَ) أَيْضا حَيْثُ قَالَ: وَإِجَارَة ماعون كقصعة وَقدر الخ. ابْن نَاجِي: وَيُجَاب بِأَن قَوْلهَا عَام قَابل للتخصيص فَيُقَال مَعْنَاهُ فِيمَا يعرف بِعَيْنِه اه. وَعَلِيهِ فيخصص كَلَام (خَ) بذلك أَيْضا، لَكِن لَا يظْهر وَجه لما قَالَه ابْن الْعَطَّار وَمن وَافقه من منع كرائها وَالتَّعْلِيل بِكَوْنِهِ قد يرد مثلهَا فَيكون سلفا جر نفعا لَا يتم لِأَنَّهُ إِن كَانَ النَّفْع هُوَ عين الْأُجْرَة فيتهمان على قصد السّلف لأخذ الْأُجْرَة. قُلْنَا: كَذَلِك إِذا كَانَ الْعرض يعرف بِعَيْنِه لِأَن الْعرض يجوز فِيهِ رد الْعين المستقرضة فَيكون سلفا بِمَنْفَعَة أَيْضا، فَمَا لزم على الْعرض الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه يلْزم على غَيره، وَلَعَلَّه لذَلِك ضعف شرَّاح (خَ) قَول ابْن الْعَطَّار الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وتمسكوا بِظَاهِر الْمُدَوَّنَة و (خَ) وَقَالُوا: إِنَّه الْمُعْتَمد الْمَشْهُور وَالْفرق بَين الدَّنَانِير والقدور الَّتِي لَا تعرف أَن الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم لَا ينْتَفع بهَا إِلَّا باستهلاك عينهَا فتحقق فِيهَا السّلف بنفع بِخِلَاف الْقدر وَالله أعلم. ومُكْترٍ لِذاكَ لَا يَضْمَنُ مَا يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى أنْ ظَلَمَا (ومكتر لذاك) الْعرض (لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده) مِنْهُ (سوى أَن ظلما) بِفَتْح الْهمزَة أَي إِلَّا أَن يظلم بتعد أَو تَفْرِيط باعترافه أَو بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَيضمن حِينَئِذٍ، وَظَاهره أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ مَعَ عدم التَّفْرِيط وَلَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي النَّص بذلك فِي فصل كِرَاء الرَّوَاحِل، وَأما إِن لم يثبت تعديه وَلَا تفريطه. وهْو مُصَدَّقٌ مَعَ اليَمِين وإنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بالمأْمُونِ (فَهُوَ مُصدق مَعَ الْيَمين) لقد ضَاعَ وَمَا أخفاه وَأَن ضيَاعه لم يكن بتعد مِنْهُ وَلَا تَفْرِيط. هَذَا إِذا كَانَ مَأْمُونا بل (وَإِن يكن) الْمُكْتَرِي (من) بِفَتْح الْمِيم (لَيْسَ بالمأمون) فَإِنَّهُ يصدق أَيْضا لِأَنَّهُ لما أكراه مِنْهُ فقد أَمنه عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا صدق فِي الضّيَاع بِيَمِينِهِ فَإِنَّهُ يلْزمه الْكِرَاء كُله على الْمَشْهُور، وَقَول ابْن الْقَاسِم: إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة على وَقت الضّيَاع فَإِذا ادّعى تلفهَا قبل انْقِضَاء مُدَّة الْكِرَاء وَثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو ثَبت أَنه نشدها فِي ذَلِك الْوَقْت وَحلف على مَا ذكر سقط عَنهُ الضَّمَان، وَيغرم من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع إِلَى وَقت التّلف، وَقيل: إِنَّه مُصدق فِي الضّيَاع، وَفِي الْوَقْت الَّذِي ضَاعَ فِيهِ وَلَا يلْزمه من الْكِرَاء إِلَّا بِقدر مَا انْتفع. ابْن يُونُس: وَجه قَول ابْن الْقَاسِم أَن
الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة يصدق مكتريها فِي ضياعها وَلَا يصدق فِي دفع كرائها وزواله من ذمَّته إِلَّا بِبَيِّنَة، فَلَمَّا اجْتمعَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أجْرى كل على أصل بَابه فيرفع عَنهُ الضَّمَان وإغرامه الْكِرَاء إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِمَا يُوجب رفع الْكِرَاء عَنهُ، وَوجه قَول غَيره أَنه لما صدقه فِي الضّيَاع كَانَ ذَلِك كقيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَن يسْقط عَنهُ كِرَاء مَا زَاد على الْوَقْت الَّذِي ادّعى الضّيَاع فِيهِ وَهُوَ الصَّوَاب اه بِاخْتِصَار. وَقَوله: إِن الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة الخ. يَشْمَل حَتَّى الدَّابَّة إِذا ادّعى ضياعها فِي أثْنَاء الْمسَافَة فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا وَيلْزمهُ جَمِيع الْكِرَاء على الْمَشْهُور إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة على وَقت الضّيَاع. ابْن سَلمُون: وَلَا ضَمَان على الْمُكْتَرِي فِيمَا يتْلف عِنْده من الحلى وَالثيَاب وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يتَعَدَّى أَو يفرط، وَمن اكترى ثوبا يلْبسهُ فَسقط عَلَيْهِ شَيْء أفْسدهُ فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ إِن سقط من يَده على جليسه فَإِن ادّعى أَنه ضَاعَ أَو سرق فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ وَيغرم الْكِرَاء كَامِلا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَنه ادّعى تلفهَا قبل مُدَّة الْكِرَاء ونشدها إِذْ ذَاك فَيغرم من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع، وَكَذَلِكَ يصدق فِي رد ذَلِك إِلَى صَاحبه مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يكون قَبضه بإشهاد فَلَا يبرأ إِلَّا بِهِ، وَمن ادّعى فِي حلى ضَاعَ عِنْده أَنه اسْتَأْجرهُ وَقَالَ ربه: بل أعرته إياك فَإِن كَانَ رب الحلى مثله مِمَّن يكريه فَالْقَوْل للَّذي ضَاعَ عِنْده وإلاَّ فَالْقَوْل لرب الحلى أَنه أَعَارَهُ وَيلْزم الآخر ضَمَانه كَمَا قَالَ: قرض وَالْآخر قِرَاض اه بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي نَوَازِل الْعَارِية من المعيار، وَانْظُر مَسْأَلَة من ضلت لَهُ دَابَّة من دَوَاب اكتراها فتبعها فَوجدَ الْأُخْرَى قد ضَاعَت فِي فصل كِرَاء الرَّوَاحِل الْآتِي. والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا (والمكتري) دَارا سنة أَو دَابَّة وجيبة بِعشْرَة مثلا (إِن مَاتَ) أَو فلس قبل أَن يسكن أَو سكن بعض الْمدَّة (لم يحن كرا) ء أَي لم يبلغ حِينه أَي لم يحل عَلَيْهِ بالفلس أَو الْمَوْت إِذْ لَا يحل عَلَيْهِ شَيْء لم يقبض عوضه الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَة، فَإِذا اكترى ذَلِك لسنة وَسكن سِتَّة أشهر ثمَّ مَاتَ أَو فلس فَإِنَّمَا يحل عَلَيْهِ كِرَاء الْأَشْهر السِّتَّة الْمَاضِيَة دون الْبَاقِيَة، وَإِذا مَاتَ أَو فلس قبل السُّكْنَى لم يحل عَلَيْهِ شَيْء ابْن رشد: هَذَا أصل ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ لَا يرى قبض أَوَائِل الْمَنَافِع قبضا لأواخرها، وعَلى هَذَا فَإِذا كَانَ على الْمُكْتَرِي دُيُون فَإِن رب الدَّار إِنَّمَا يحاصص بكرَاء مَا سكن الْمُكْتَرِي فَقَط، وَيَأْخُذ دَاره فِي الْفلس ويتنزل الْوَرَثَة مَنْزِلَته فِي الْمَوْت لِأَن من مَاتَ عَن حق فلوارثه، فَإِذا أَرَادوا أَن يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَلهم ذَلِك إِلَّا أَن يَقُول رب الدَّار: لَا أرْضى بذممهم فَيكون لَهُ الْفَسْخ، وَإِن لم يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَالْحكم أَن تكرى الدَّار لما بَقِي من الْمدَّة المضروبة مَعَ الْمَيِّت فَإِن نقص عَن الْعشْرَة الَّتِي وَقع الْكِرَاء بهَا للْمَيت وقف من التَّرِكَة قدر النُّقْصَان كَمَا قَالَ:(واستؤنف الْكِرَاء) للدَّار فِي الْمدَّة أَو مَا بَقِي مِنْهَا (كَيفَ قدرا) أَي بِمَا أمكن من قَلِيل أَو كثير.
حَيْثُ أَبَى الوارِثُ إتْمامَ الأمَدْ واسْتَوْجَبُو أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي العَدَدْ (حَيْثُ أَبى الْوَارِث إتْمَام الأمد) على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم، وَمَفْهُومه أَنهم إِذا أَرَادوا إتْمَام الْمدَّة على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم لَكَانَ لَهُم ذَلِك كَمَا مر (واستوجبوا) أَي استحقوا (أَخذ الْمَزِيد فِي الْعدَد) الَّذِي اكتريت بِهِ للْمَيت كَمَا لَو اكتريت فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِخَمْسَة عشر فالخمسة لَهُم. والنَّقْصُ بَيْنَ العَدَدَيْن إنْ وُجِدْ لهُ وَفَاءٌ مِن تُرَاثِ مَنْ فُقِد (وَالنَّقْص بَين العددين إِن وجد) كَمَا لَو اكتريت بِثمَانِيَة (لَهُ) أَي لذَلِك النَّقْص (وَفَاء من تراث من فقد) أَي مَاتَ فَيُؤْخَذ من التركه قدر النُّقْصَان وَيدْفَع للمكري عِنْد وُجُوبه لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ إِذا أَبى الْوَرَثَة من إتْمَام الْمدَّة على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم فَإِن الدَّار تكرى بِمَا أمكن من قَلِيل أَو كثير وَالزِّيَادَة لَهُم وَالنُّقْصَان يُوقف من التَّرِكَة بِقَدرِهِ إِن كَانَ فِيهَا وَفَاء بِهِ، وَيدْفَع للمكري عِنْد انْقِضَاء الْمدَّة فَإِن لم يكن فِيهَا وَفَاء بِهِ فقد ضَاعَ الْبَاقِي على الْمكْرِي لعدم وجود من يرجع بِهِ عَلَيْهِ هَذَا كُله فِي الْمَوْت. وَأما فِي الْفلس فللمكري أَخذ دَاره كَمَا مرّ، وَمَا ذكره النَّاظِم تبع فِيهِ ابْن رشد فِي فتواه بذلك، وَالْمَشْهُور خِلَافه (خَ) : وَحل بِهِ وبالموت مَا أجل وَلَو دين كِرَاء الخ. وَإِذا قُلْنَا بالمشهور وَإنَّهُ يحل غير المستوفي منفعَته فَفِي الْمَوْت يبْقى الْكِرَاء لَازِما للمكري وَالْوَرَثَة ويحاصص المكرى بِهِ إِن كَانَت عَلَيْهِ دُيُون وَلَا خِيَار لَهُ، وَأما فِي الْفلس فَيُخَير الْمكْرِي بَين أَن يسلم الْمَنْفَعَة للْغُرَمَاء ويحاصص بالكراء، وَبَين أَن يرجع فِي عين شَيْئه كُله إِن لم يسْتَوْف بِشَيْء من الْمَنْفَعَة، فَإِن استوفى بَعْضهَا حَاص بِمَا يُقَابل مَا استوفى مِنْهَا وَيُخَير فِيمَا إِذا لم يسْتَوْف فِي الرُّجُوع فِيمَا بَقِي من الْمَنْفَعَة وَفِي إِسْلَامه والمحاصة بِمَا ينوبه من الْكِرَاء، فَإِذا اكتراها سنة مثلا بِاثْنَيْ عشر دِينَارا ونقده سِتَّة دَنَانِير وَسكن سِتَّة أشهر وفلس، فَإِنَّهُ يُخَيّر فِي إِسْلَامه بَقِيَّة السُّكْنَى ويحاصص بالستة دَنَانِير الْبَاقِيَة، وَأخذ بَقِيَّة السُّكْنَى ورد منابها مِمَّا قبض وحاص بِمَا رد، فَإِن لم ينقده شَيْئا فَإِنَّهُ يحاصص بِمَا يُقَابل سِتَّة أشهر الَّتِي سكنها من غير خلاف وَيُخَير فِي السِّتَّة الْبَاقِيَة إِن شَاءَ رَجَعَ فِيهَا، ويحاصص بِمَا يُقَابل السِّتَّة المسكونة فَقَط، وَإِن شَاءَ أسلمها وحاص بِمَا يقابلها أَيْضا، وَيَأْخُذ مَا نابه فِي الحصاص معجلا على الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ الْمَشْهُور فَمحل الْخلاف والتشهير إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم تستوف منفعَته، وَأما مَا استوفيت منفعَته فَمحل اتِّفَاق.
فرع: إِن بَاعَ صَاحب الدَّار دَاره بعد عقد الْكِرَاء فِيهَا وَقبل انْقِضَاء مدَّته فإمَّا أَن يَبِيعهَا من الْمُكْتَرِي أَو أَجْنَبِي، فَإِن بَاعهَا من أَجْنَبِي فَإِن لم يعلم بالكراء فَهُوَ عيب إِن شَاءَ رد أَو تمسك، وَإِن علم بِهِ فَلَا رد لَهُ وَلَا كِرَاء إِلَّا أَن يَشْتَرِطه وَإِن اشْتَرَطَهُ، فَإِن وَجب الْكِرَاء للْبَائِع أَو بعضه بِمُضِيِّ الْمدَّة فَلَا خلاف فِي الْمَنْع إِذا بِيعَتْ الدَّار بِذَهَب وَهُوَ ذهب وَلَا بالورق على قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يكون الثّمن نَقْدا، وَيكون أقل من صرف دِينَار وَإِن لم يجب شَيْء من الْكِرَاء على المُشْتَرِي للْبَائِع الْمَذْكُور لكَونه لم يمض من الْمدَّة شَيْء واشترطه فِي العقد، فَفِي جَوَازه قَولَانِ. فَابْن رزقون يُجِيزهُ وَوَافَقَهُ غَيره، ابْن رشد: وَهُوَ الْأَصَح، وَمِنْهُم من مَنعه وَنسبه لِابْنِ الْقَاسِم فِي الدمياطية، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ للْمُبْتَاع اشْتَرَطَهُ أم لَا. وَأما إِن بَاعهَا من الْمُكْتَرِي فَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عمرَان الفاسي: هُوَ جَائِز وَهُوَ فسخ لما تقدم من الْكِرَاء فِي قَول ابْن عبد الرَّحْمَن، وَلما بَقِي من الْمدَّة من قَول أبي عمرَان بن سهل، وَجَوَاب أبي بكر أميل إِلَى الصَّوَاب اه. وَنَقله ابْن سَلمُون إِثْر مَا ذكره النَّاظِم، وَكَذَا نَقله (ح) مَعَ زِيَادَة عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة واستئجار مؤجر الخ. فَانْظُر. ثمَّ مَا تقدم فِي الْأَجْنَبِيّ إِنَّمَا يَقُول إِذا ثَبت عقد الْكِرَاء فِيهَا قبل بيعهَا بِبَيِّنَة، وَأما إِذا لم تقم بَيِّنَة وَإِنَّمَا أقرّ رَبهَا بِعقد الْكِرَاء فِيهَا قبل بيعهَا فَإِن قَوْله لَا يمْضِي على المُشْتَرِي لِأَن رَبهَا يتهم على فسخ البيع فِيهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْإِجَارَة بقوله: لَا بِإِقْرَار الْمَالِك الخ. وَانْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: أَوَاخِر الْإِجَارَة، وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِإِقْرَار رَبهَا بِبَيْعِهَا وَنَحْوه الخ. وَانْظُر الكراس الْخَامِس من بُيُوع مُخْتَصر نَوَازِل الْبُرْزُليّ فِيمَن بَاعَ سلْعَة بعد بيعهَا من آخر، فقد أَطَالَ فِيهَا. وَمثله إِذا واجرها ثمَّ بَاعهَا، وَأَنه إِذا ثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة فَهِيَ للْأولِ مُطلقًا، وَبِه تعلم أَن مَا فِي معاوضات المعيار عَن ابْن أبي زمنين من أَنَّهَا للْأولِ إِلَّا أَن يقبضهَا الثَّانِي، وَيحلف أَنه غير عَالم بشرَاء الأول فَيكون لَهُ خلاف الْأُصُول لِأَن الْعَاقِد هُنَا مُتحد وبسبب اتحاده لَا يتَصَوَّر فِيهِ أَنه غير عَالم بِالْبيعِ الأول، فَلَا يَصح قياسها على ذَات الوليين وَلَا على قَول (خَ) فِي الْوكَالَة: وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض الخ. فَلَا تغتر بِمَا لِابْنِ أبي زمنين، وَقد ذكر (ح) فِي الضَّمَان عِنْد قَوْله: وَلم يبعد إثْبَاته أَن من أَخذ كَفِيلا بِدِينِهِ فَأَقَامَ شخص آخر بِبَيِّنَة أَنه كَانَ اسْتَأْجرهُ قبل ذَلِك أَن الْإِجَارَة أولى بِهِ، وَلَا يحبس فِي الدّين، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعه أَولا من زيد فَلَا عِبْرَة بِمَا يعقده ثَانِيًا مَعَ عَمْرو مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حق الأول، وَذكر فِي موت أحد الظئرين عَن اللَّخْمِيّ: أَن الظِّئْر إِذا ثَبت أَنَّهَا تكفلت قبل الْإِجَارَة وَوَجَب سجنها سجنت، وَإِن تكفلت بعد الْإِجَارَة لم تسجن. وَفِي امْرِىءٍ مُمَتَّعٍ فِي المَالِ يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الاسْتِغْلَالِ (وَفِي امرىء) خبر مقدم عَن قَوْله قَولَانِ بعده (ممتع فِي المَال) أَي متعته زَوجته بعد عقد النِّكَاح بِأَرْض يحرثها مثلا على أَنه لم يشْتَرط عَلَيْهَا ذَلِك التمتيع أَو انطوت ضمائرهما عَلَيْهِ فِي العقد، وإلاَّ فسد النِّكَاح كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته وَهُوَ على الطوع اقتفي
(يَمُوت) صفة بِالْجُمْلَةِ بعد الْمُفْرد (قبل وَقت الاستغلال) الَّذِي هُوَ طيب الزَّرْع وحصاده وَبعد الزِّرَاعَة. وقامَتِ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الكِرا قَوْلَانِ والفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا (وَقَامَت الزَّوْجَة تطلب الكرا) الْوَاجِب لأرضها فِي الْأَيَّام الْبَاقِيَة بعد موت الزَّوْج إِلَى طيب الزَّرْع لِأَنَّهَا إِنَّمَا متعت الزَّوْج لَا ورثته (قَولَانِ) أَحدهمَا لَا كِرَاء لَهَا. وَهُوَ قَول ابْن حبيب فِي الْعُمْرَى الَّتِي هِيَ كالتمتيع فِي هبة الْمَنْفَعَة لمُدَّة مَجْهُولَة تَنْتَهِي بِوُقُوع أَمر مَجْهُول الْوَقْت، فَلَا فرق بَين أَن يسكنهُ عمره أَو حَيَاة فلَان، أَو إِلَى قدومه، أَو يمتعه كَذَلِك فَمَا قيل فِي أحد هَذِه الْوُجُوه يُقَال فِي بقيتها كَمَا فِي (م) . وَالْقَوْل الثَّانِي لَهَا مَا ينوبها من كِرَاء الْجُمْلَة فِي الْمدَّة الَّتِي بَين الْمَوْت وَالطّيب، وَهُوَ لِابْنِ حبيب عَن غَيره. قَالَ الشَّارِح: وَوَجهه ظَاهر. (و) ثَالِثهَا (الْفرق) بَين أَن يَمُوت بعد فَوَات أبان الزِّرَاعَة فَلَا كِرَاء لَهَا أَو قبل فَوَاته فلهَا الْكِرَاء، وَهَذَا القَوْل (ل) بعض (من تأخرا) وَهُوَ مُحَمَّد بن بكر شيخ أبي سعيد كَمَا يَأْتِي، ثمَّ ذكر النَّاظِم أَن القَوْل بمنعها من الْكِرَاء هُوَ الظَّاهِر، وَأَن شَيْخه أَبَا سعيد بن لب رحمه الله رَجحه فَقَالَ: وحالَةُ المَنْع هِيَ المُسْتَوْضَحَة وَشَيْخُنا أبُو سعيدٍ رَجّحَه (وَحَالَة الْمَنْع) من الْكِرَاء (هِيَ المستوضحة) الظَّاهِرَة (وَشَيخنَا أَبُو سعيد) وَهُوَ فرج بن قَاسم بن لب الثَّعْلَبِيّ الأندلسي شيخ شُيُوخ غرناطة وخطيب جَامعهَا الْأَعْظَم انْفَرد برئاسة الْعلم، وَكَانَ إِلَيْهِ المفزع فِي الْفَتْوَى كتب إِلَيْهِ بعض ملاعين الْيَهُود مَا نَصه: أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ تحير دلوه بأوضح حجَّة اذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي
قضى بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا فها أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي دَعَاني وسد الْبَاب دوني فَهَل إِلَى دخولي سَبِيل بينوا لي قصتي
إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة فَهَل أَنا عَاص بِاتِّبَاع الْمَشِيئَة وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حكمه فبالله فاشفوا بالبراهين علتي فَأَجَابَهُ أَبُو سعيد رحمه الله بنظم طَوِيل حَسْبَمَا فِي جَامع المعيار وَهَذَا مِنْهُ: قضى الرب كفر الْكَافرين وَلم يكن ليرضاه تكليفاً لَدَى كل مِلَّة نهى خلقه عَمَّا أَرَادَ وُقُوعه وإنفاذه وَالْملك أبلغ حجَّة فنرضى قَضَاء الرب حكما وَإِنَّمَا كراهتنا مصروفة للخطيئة إِلَى أَن قَالَ: دَعَا الْكل تكليفاً ووفق بَعضهم فَخص بِتَوْفِيق وَعم بدعوة
…
الخ. وَمعنى قَوْله: فنرضى قَضَاء الرب الخ. أَي: نرضى بِقَضَائِهِ سُبْحَانَهُ من جِهَة حكمه ونكرهه من جِهَة كَونه خَطِيئَة، فالرضا بِقَضَائِهِ بالمعصية وَحكمه بهَا مَصْرُوف لما مضى من الزَّمَان، وبالنسبة للمستقبل يجب الإقلاع عَنْهَا وَعدم الثَّبَات عَلَيْهَا لِأَن الْمعْصِيَة لم يرض الله تَعَالَى أَن يتدين بهَا عباده، والإقلاع عَنْهَا فِي طوقهم قَالَ تَعَالَى: وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} (الزمر: 7) وَقَالَ: إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} (الْقَمَر: 49)(رَجحه) لِأَنَّهُ بحرث الأَرْض وزراعتها حَاز مَنْفَعَة السّنة كلهَا، فَلم يمت إِلَّا وَالْمَنْفَعَة فِي ملكه، ثمَّ بَين القَوْل الثَّالِث الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: وَالْفرق لمن تَأَخّر فَقَالَ: وشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكرِ إِلَى الوَفاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ (وَشَيْخه) أَي شيخ أبي سعيد وَهُوَ القَاضِي أَبُو عبد الله (مُحَمَّد بن بكر) بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف الْمَفْتُوحَة (إِلَى الْوَفَاة مَال عِنْد النّظر) أَي مَال عِنْد نظره فِي الْمَسْأَلَة إِلَى اعْتِبَار وَقت الْوَفَاة، وَرجح اعْتِبَار ذَلِك وَقَالَ بِهِ فالمجرور بإلى يتَعَلَّق بِالنّظرِ. فإنْ تَكُنْ وَالاِزْدِرَاعُ قَدْ مَضَى إبَّانُهُ فَلَا كِرَاءَ يُقْتَضَى (فَإِن تكن) الْوَفَاة (و) الْحَال أَن (الازدراع قد مضى أبانه فَلَا كِرَاء يقتضى. وإنْ تَكُنْ وَوقْتُ الازْدرَاعِ باقٍ فمَا الكِرَاءُ ذُو امْتنَاعِ
وَإِن تكن وَوقت الازدراع. بَاقٍ فَمَا الْكِرَاء ذُو امْتنَاع) . وَوجه هَذَا القَوْل الْحمل على الِاسْتِحْقَاق، وَالظَّاهِر أَن القَوْل الأول لَا يُخَالف فِي هَذَا إِلَّا أَن يُقَال: إِن هَذَا ينظر لفَوَات الأبان وَعَدَمه وَالْأول ينظر للزِّرَاعَة فَإِذا زَرعهَا فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ وَلَو لم يفت الأبان وَالله أعلم. وَفِي الطّلَاقِ زرْعُهُ لِلزَّارِعِ ثُمَّ الكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ (وَفِي الطَّلَاق) يَقع من الزَّوْج الممتع بعد أَن زرع الأَرْض، وَقبل الطّيب الثَّلَاثَة الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة اقْتصر النَّاظِم فِيهَا على الثَّانِي مِنْهَا وَهُوَ أَن (زرعه للزارع) وَهُوَ الزَّوْج (ثمَّ الْكِرَاء) لباقي الْمدَّة أَي مَا ينوبها من كِرَاء الْجُمْلَة (مَا لَهُ من مَانع) يمْنَع وُجُوبه على الزَّوْج لِأَن التمتيع وَقع فِي تَحْسِين الْعشْرَة وَلَيْسَ بعد الطَّلَاق عشرَة يصانع عَلَيْهَا، فالأقوال الثَّلَاثَة الَّتِي فِي موت الزَّوْج جَارِيَة فِي طَلَاقه، وباقتصار النَّاظِم على وجوب الْكِرَاء هُنَا يعلم أَن الرَّاجِح فِي الْمَوْت هُوَ وُجُوبه أَيْضا فحقه أَن يقْتَصر عَلَيْهِ هُنَاكَ أَو يَقُول: وَحَالَة الكرا هِيَ المستوضحة الخ. فَمَا رَجحه أَبُو سعيد هُنَالك لَا يَخْلُو عَن بحث كَمَا قَالَه الشَّارِح فِي موت الزَّوْجَة. هَذَا كُله إِن طلق بعد الزِّرَاعَة وَإِن طلق قبل أَن يَزْرَعهَا. وخُيِّرَتْ فِي الْحرْثِ إِلَى إعْطاءِ قِيمَتِهِ والأخْذِ لِلْكِرَاءِ (و) بعد أَن حرثها أَي قَلبهَا (خيرت) الزَّوْجَة (فِي الْحَرْث) أَي (فِي إِعْطَاء قِيمَته) وَتَأْخُذ أرْضهَا وَفِي تَركه للزَّوْج (وَالْأَخْذ للكراء) وَاللَّام للتعدية كَقَوْلِه تَعَالَى: فعال لما يُرِيد} ومصدقا لما مَعكُمْ} (النِّسَاء: 47) وَفِي إِعْطَاء بدل مِمَّا قبله هَذَا حكم موت الزَّوْج وطلاقه، وَأما إِن مَاتَت الزَّوْجَة فَهُوَ قَوْله: وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فالكِرا عَلَى الأصَحِّ لازِمٌ مَنْ عَمَّرَا (وحيثما الزَّوْجَة) الَّتِي متعت زَوجهَا (مَاتَت) بعد الْحَرْث وَقبل الزِّرَاعَة أَو بعد الزِّرَاعَة وَقبل الطّيب (فالكرا) ء كُله فِي الأولى أَو مَا يَنُوب بَاقِي الْمدَّة (على الْأَصَح لَازم من عمرا) الأَرْض وحرثها وَهُوَ الزَّوْج لِأَنَّهَا إِنَّمَا أمتعته مَنْفَعَة مَا تملكه، وَقد زَالَ ملكهَا بموتها، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَشَاء وارثها فِي مَوتهَا بعد الْحَرْث وَقبل الزِّرَاعَة أَن يدْفع لَهَا قيمَة حرثه فَلهُ ذَلِك كَمَا مرّ فِي الطَّلَاق، وَمُقَابل الْأَصَح قَولَانِ عدم لُزُوم الْكِرَاء أصلا وَالْفرق بَين فَوَات الأبان وَعدم فَوَاته، فالأقوال
الثَّلَاثَة الَّتِي فِي موت الزَّوْج جَارِيَة فِي موت الزَّوْجَة أَيْضا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَنَقله الشَّارِح قَائِلا: وَمن هُنَا يظْهر أَن من أوجب الْكِرَاء فِي مَوته يُوجِبهُ فِي مَوتهَا لِأَن الْحق قد انْتقل للْغَيْر فِي الصُّورَتَيْنِ، فَمَا رَجحه أَبُو سعيد فِي موت الزَّوْجَة لَا يَخْلُو من بحث اه. بِمَعْنَاهُ. ثمَّ إِذا قُلْنَا بِلُزُوم الْكِرَاء فِي هَذِه الصُّورَة فَإِنَّمَا يلْزمه من كِرَاء الْجُمْلَة. بِقَدْرِ مَا بَقِيَ للحَصَادِ مِنْ بَعْدِ رَعْي حَظِّهِ الْمُعْتَادِ (بِقدر) مَا يَنُوب (مَا بَقِي) من الْمدَّة بعد الْمَوْت وَالطَّلَاق (للحصاد) كَمَا مر تَقْرِيره إِلَّا أَنه فِي مَوتهَا يُرَاعِي إِرْثه مِنْهَا فيحط عَنهُ من ذَلِك الْكِرَاء اللَّازِم لَهُ قدر إِرْثه مِنْهُ كَمَا قَالَ:(من بعد رعي حَظه الْمُعْتَاد) لَهُ فِي إِرْثه مِنْهَا وَهُوَ النّصْف مَعَ فقد الْوَلَد وَالرّبع مَعَ وجوده فيحط عَنهُ وَيلْزمهُ الْبَاقِي فَقَوله: بِقدر مَا بَقِي الخ. رَاجع لجَمِيع مَا مرّ وَقَوله: من بعد رعى حَظه الخ. خَاص بِمَوْت الزَّوْجَة، وَقد تبين أَن النَّاظِم رجح لُزُوم الْكِرَاء فِي الطَّلَاق وموتها دون مَوته هُوَ، وَقد علمت أَن عدم لُزُومه فِي مَوته مبحوث فِيهِ. وإنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الفُرْقَه فالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ (وَأَن تقع) الْفرْقَة بموتها أَو مَوته أَو طَلَاقه (و) الْحَال أَنه (قد تناهى) الزَّرْع وطاب ويبس فَقَوله (الفرقه) فَاعل تقع (فالزوج) أَو وَارثه (دون شَيْء) من الْكِرَاء (اسْتَحَقَّه) أَي الزَّرْع قَالَه ابْن سَلمُون وَغَيره. وَنُزِّلَ الوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ وَعَكْسِهِ منْزِلَة المَوْرُوثِ (وَنزل الْوَارِث فِي التَّأْنِيث) وَهُوَ موت الزَّوْجَة (وَعَكسه) وَهُوَ موت الزَّوْج (منزلَة الْمَوْرُوث) فَلَا كِرَاء إِن كَانَ الْمَوْت بعد الطّيب وتجري الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا كَانَ قبله. وَهَذَا الْبَيْت قَلِيل الجدوى لعلم حكمه مِمَّا مر. تَنْبِيه: فَإِن أمتعت الزَّوْجَة زَوجهَا بكرم أَو ثَمَرَة فَإِن وَقعت الْفرْقَة بِشَيْء مِمَّا ذكر بعد بَدو الصّلاح فِي الْكَرم أَو طيب الثَّمَرَة فالغلة للزَّوْج أَو لوَرثَته، وَإِن كَانَ الْفِرَاق قبل ذَلِك فالغلة للزَّوْجَة أَو لورثتها قَالَه ابْن سَلمُون فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح مِنْهُ قَالَ: وَهَكَذَا حكم الْحَبْس والعمرى المراعى فيهمَا بَدو الصّلاح وَظُهُور الطّيب، وَكَذَلِكَ حكم الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ
وَمرَاده بِالْحَبْسِ الْحَبْس الموقت بحياة الْمحبس عَلَيْهِ قَالَ: إِلَّا أَن الزَّوْج مَتى كَانَت الْغلَّة للزَّوْجَة أَو ورثتها لَا يرجع بِمَا سقى وعالج اه. وَاخْتَارَ أَبُو سعيد بن لب أَنه يرجع بِقِيمَة سقيه وعلاجه كَمَا فِي الشَّارِح واليزناسني.
(فصل فِي اخْتِلَاف الْمكْرِي والمكتري)
وهما كَمَا قَالَ (ت) : إِمَّا فِي قدر الْمدَّة وَعَلِيهِ تكلم فِي الأبيات الْخمس الأول، أَو فِي الْقَبْض وَالْجِنْس وَعَلَيْهِمَا تكلم فِي الْبَيْت الْأَخير، أَو فِي قدر الْكِرَاء وَعَلِيهِ تكلم فِيمَا بَينهمَا. القَوْلُ لِلْمُكرِي مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ فِي مُدَّةِ الكِراءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ (القَوْل للمكري مَعَ الْحلف) بِسُكُون اللَّام (اعْتمد) فِيمَا إِذا اخْتلفَا (فِي مُدَّة الْكِرَاء) فَقَالَ الْمكْرِي بدرهم لشهر، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: بل بدرهم لشهرين وَهَذَا (حَيْثُ ينْتَقد) أَي يقبض الْمكْرِي الْكِرَاء الَّذِي هُوَ الدِّرْهَم فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَظَاهره سَوَاء سكن الْمُكْتَرِي الشَّهْر الَّذِي يَدعِيهِ الْمكْرِي أَو لم يسكنهُ أشبه فِيمَا يَدعِيهِ إِن قَالَ النَّاس مثل تِلْكَ الدَّار تكرى بِمَا قَالَ لتِلْك الْمدَّة الَّتِي يدعيها أَو لم يشبه، وَهُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون والمتيطي، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَأما إِن سكن الشَّهْرَيْنِ فَالْقَوْل قَول الْمُكْتَرِي (ح) : لترجح جانبة بحيازة السُّكْنَى الَّتِي يدعيها، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ ينْتَقد أَنه إِذا لم يكن الْمكْرِي انتقد الْكِرَاء وَلَا قَبضه فَإِنَّهُ تعْتَبر السُّكْنَى حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ: وَمَعْ سُكْنَى مُكْتَرِ وَمَا نَقَدْ تحَالفا والفَسْخُ فِي بَاقِي الأَمَدْ (و) إِن اخْتلفَا (مَعَ) وجود (سُكْنى مكتر) بعض الْمدَّة (و) الْحَال أَنه (مَا نقد) للمكري شَيْئا من الْكِرَاء (تحَالفا) وَيبدأ الْمكْرِي بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ البَائِع للمنافع (و) يجب (الْفَسْخ فِي بَاقِي الأمد. ثمَّ يؤدِّي مَا عَليهِ حَلَفا فِي أمدِ السّكنَى الذِي قَدْ سَلَفَا ثمَّ يُؤَدِّي) الْمُكْتَرِي (مَا عَلَيْهِ حلفا. فِي أمد السُّكْنَى الَّذِي قد سلفا) فَإِن اخْتلفَا بعد أَن سكن نصف الشَّهْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ربع الدِّرْهَم وَبعد سكناهُ الشَّهْر وَالنّصف الآخر يُؤَدِّي ثَلَاثَة أَرْبَاعه. وَإِن يكُونا قبل سُكْنَى اختلَفَا فالفسخُ مهما نكَلا أَو حَلَفا
(وَإِن يَكُونَا قبل سُكْنى اخْتلفَا) والموضوع بِحَالهِ من كَون الْمُكْتَرِي لم ينْقد شَيْئا (فالفسخ) أَيْضا (مهما نكلا) مَعًا (أَو حلفا) مَعًا فَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر فِي هَذِه أَو فِي الَّتِي قبلهَا قضى للْحَالِف على الناكل كَمَا قَالَ: والقَوْلُ فِي ذلِك قولُ الحالِفِ فِي لاحِقِ الزَّمانِ أَوْ فِي السالِفِ (وَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول الْحَالِف) وَحده إِذا نكل صَاحبه سَوَاء اخْتلفَا بعد السُّكْنَى أَو قبلهَا وَقَوله: (وَفِي لَاحق الزَّمَان أَو فِي السالف) خَاص بالاختلاف بعد السُّكْنَى وَالِاخْتِلَاف فِي قدر مُدَّة الأَرْض المكتراة سِنِين كالاختلاف فِي قدر مُدَّة السُّكْنَى، وَمَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات مثله فِي ابْن سَلمُون والمتيطية والنوادر، وظاهرهم أَنه لَا ينظر فِي ذَلِك لشبه، وَالظَّاهِر إِنَّه لَا بُد مِنْهُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْأُجْرَة وَقدر الْمدَّة الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : وَإِن قَالَ اكتريت عشر سِنِين بِخَمْسِينَ، وَقَالَ الْمكْرِي: بل خمس سِنِين بِمِائَة حلفا وَفسخ حَيْثُ لم يزرع وَلم يسكن، وَإِن زرع بعض السنين أَو سكن بَعْضهَا فلربها مَا أقرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي أَن أشبه وَحلف وإلاَّ فَقَوْل رَبهَا إِن أشبه وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَفسخ الْبَاقِي مُطلقًا وَإِن نَقْدا وأشبها مَعًا أَو الْمكْرِي فَقَط فتردد هَل هُوَ كالمتقدم فِي قبُول قَول الْمكْرِي بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذ بِحِسَاب دَعْوَاهُ فِيمَا مضى وَيفْسخ الْبَاقِي أَو يعْمل بقوله وَلَا فسخ؟ وَيلْزم الْمُكْتَرِي إتْمَام الْمدَّة بِجَمِيعِ الْمِائَة، وَأما إِذا نَقْدا وَلم يشبها مَعًا أَو أشبه الْمُكْتَرِي فَقَط فَحكم ذَلِك حكم مَا ذكر فِيمَا إِذا لم ينْقد، وَإِنَّمَا قُلْنَا: الظَّاهِر إِنَّه لَا بُد من اعْتِبَار الشّبَه فِيمَا إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمدَّة فَقَط الَّذِي ذكره النَّاظِم لِأَنَّهُ يلْزم من الِاخْتِلَاف فِي الْمدَّة الِاخْتِلَاف فِي قدر الْأُجْرَة، وَلذَا قَالُوا: يُؤَدِّي فِيمَا سكن بِحِسَاب مَا قَالَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يلْزم من اعْتِبَار الشّبَه فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر الْأُجْرَة والمدة اعْتِبَاره فِي قدر الْأُجْرَة فَقَط أَو الْمدَّة فَقَط وَإِنَّمَا تَركه من تَركه للْعلم بِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الشّبَه من مرجحات الدَّعْوَى، وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: حَيْثُ ينْتَقد يَعْنِي وأشبه، وَيلْزم الْمُكْتَرِي إِن لم يسكن إتْمَام الْمدَّة بِمَا قَالَ الْمكْرِي: كَمَا هُوَ أحد شقي التَّرَدُّد. وَقَوله: ثمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حلفا يَعْنِي: إِذا أشبه فِيمَا يَدعِيهِ من الْمدَّة، وإلاَّ فَالْقَوْل لِرَبِّهَا وَيَأْخُذ من الْكِرَاء لماضي الْمدَّة بِحِسَاب مَا قَالَ وَيفْسخ الْبَاقِي لِأَن شِرَاء الْمَنَافِع كَشِرَاء الذوات فَمَا فَاتَ مِنْهَا يصدق فِيهِ المُشْتَرِي إِن أشبه وإلاَّ صدق البَائِع وَيفْسخ العقد فِيمَا لم يفت مِنْهَا وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي البيع: وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ الخ. وَقَوله: وَإِن يَكُونَا قبل سُكْنى الخ. يَعْنِي وَلَا ينظر هُنَا لشبه لعدم فَوَات الْمَنَافِع وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْقدر فَقَالَ: وَإِن يكُنْ فِي القَدْر قَبْلَ السُّكْنى تحالَفا والفَسْخُ بَعْدُ سُنَّا
(وَإِن يكن) الِاخْتِلَاف (فِي الْقدر) للكراء كَأَن يَقُول الْمكْرِي بِعشْرَة وَيَقُول الْمُكْتَرِي بِثمَانِيَة فَإِن كَانَ ذَلِك (قبل السُّكْنَى. تحَالفا وَالْفَسْخ بعد) أَي بعد حلفهما (سنا) أَي شرع، وَظَاهره أَنه لَا ينظر لشبه وَلَا لنقد وَهُوَ كَذَلِك لعدم فَوَات الْمَنَافِع كَمَا فِي البيع. وإنْ يكن من بعدِ سُكْنَى أَقْسَمَا وفسْخُ باقِي مُدَّةٍ قد لَزِمَا (وَإِن يكن) الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور (من بعد سُكْنى) بعض الْمدَّة أَو زراعة بَعْضهَا (أقسما) أَي حلفا مَعًا (وَفسخ بَاقِي مُدَّة قد لزما. وَحِصَّةُ السكْنَى يُؤْدِّي المكْتَرِي إنْ كَانَ لَمْ يَنْقُد لماضي الأَشْهُرِ وَحِصَّة) مُدَّة (السُّكْنَى) والزراعة الْمَاضِيَة (يُؤَدِّي الْمُكْتَرِي) من حِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الثَّمَانِية فِي الْمِثَال لِأَنَّهُ يصدق فِيمَا مضى وَفَاتَ إِذا أشبه كَمَا مرّ سَوَاء أشبه الْمكْرِي أم لَا. فَإِن انْفَرد الْمكْرِي بالشبه فَيَأْخُذ لماضي الْمدَّة من حِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الْعشْرَة بعد يَمِينه، وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَمحل الْفَسْخ فِي الْبَاقِي وتصديق الْمُكْتَرِي عِنْد شبهه (إِن كَانَ لم ينْقد لباقي الْأَشْهر) فَإِن نقد خَمْسَة مثلا وَقَالَ: هَذَا المنقود هُوَ كِرَاء السّنة كلهَا، وَقَالَ الآخر: بل هُوَ كِرَاء سِتَّة أشهر مِنْهَا وَبَقِي لي عنْدك من تَمام كِرَاء السّنة خَمْسَة أُخْرَى فَإِن أشبها مَعًا أَو الْمكْرِي فَقَط جَاءَ التَّرَدُّد الْمُتَقَدّم هَل يصدق الْمكْرِي بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذ لماضي الْمدَّة بِحِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الْعشْرَة وَيفْسخ بَاقِي الْمدَّة أَو يعْمل بقوله فِي الْمَاضِي والمستقبل وَيلْزم الْمُكْتَرِي إتْمَام الْمدَّة بِجَمِيعِ الْكِرَاء؟ وَأما إِذا نَقْدا وَلم يشبها مَعًا أَو أشبه الْمُكْتَرِي فَقَط فَفِي الأولى يجب عَلَيْهِ كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَيفْسخ الْبَاقِي، وَفِي الثَّانِيَة يكون عَلَيْهِ فِيمَا مضى بِحِسَاب مَا قَالَ، وَينظر إِلَى الدَّار فَإِن احتملت الْقِسْمَة وَلَا ضَرَر على الْمُكْتَرِي فِي سُكْنى نصفهَا سكنها فِي نصف الْخَمْسَة الْبَاقِيَة فِي الْمِثَال، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر فسخت بَقِيَّة الْمدَّة ورد المكرى عَلَيْهِ نصف الْخَمْسَة المقبوضة قَالَه المتيطي إِلَّا إِنَّه لم يُقيد بالشبه، وَقد علمت أَنه لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ معَارض لما مرّ عَن (خَ) من أَنه يفْسخ الْبَاقِي مُطلقًا، وَمن أَنه إِنَّمَا يصدق فِي الْمَاضِي مَعَ الشّبَه والفوات وَالله أعلم. والقَوْلُ من بعدِ انْقِضَاء الأَمَدِ لِلْمُكْتَري والحَلْفُ إنْ لَمْ يَنْقُدِ (وَالْقَوْل) فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْأُجْرَة كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع (من بعد انْقِضَاء الأمد) أَي وَهُوَ أمد الْكِرَاء (للمكتري) بِشَرْط الشّبَه كَمَا مرّ لِأَنَّهُ مُعْتَبر مَعَ فَوَات كل الْمَنَافِع أَو بَعْضهَا، وبشرط
أَن يحلف وَأَن لَا يكون نقد شَيْئا كَمَا قَالَ: (وَالْحلف إِن لم ينْقد) فَإِن لم يشبه بل أشبه الْمكْرِي وَحده وَنكل الْمُكْتَرِي عَن الْيَمين أَو كَانَ نقد الْعشْرَة مثلا، وَزعم بعد انْقِضَاء الْمدَّة أَن الْكِرَاء إِنَّمَا هُوَ خَمْسَة مِنْهَا والخمسة الْأُخْرَى قرض أَو وَدِيعَة، فَالْقَوْل للمكري إِن الْجَمِيع كِرَاء بِيَمِينِهِ إِن أشبه وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل، ثمَّ شبه فِي كَون القَوْل للمكتري مَا إِذا اتفقَا على الْأُجْرَة وَقدر الْمدَّة وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي انْقِضَائِهَا فَقَالَ: كَذَاكَ حُكْمُهُ مَعَ ادعائِهِ لِقدْرِ باقِي مُدَّةِ اكْتِرَائِهِ (كَذَاك حكمه) أَي الْمُكْتَرِي (مَعَ ادعائه لقدر) اللَّام زَائِدَة (بَاقِي مُدَّة اكترائه) لَو قَالَ بَقَاء قدر مُدَّة اكترائه لَكَانَ أحسن وَسلم من زِيَادَة اللَّام. وَاعْلَم أَنه لَا يَتَأَتَّى الِاخْتِلَاف فِي انْقِضَاء الْمدَّة إِلَّا بالاختلاف فِي مبدئها، وَمحل كَون القَوْل للمكتري بِيَمِينِهِ إِذا أشبه الآخر أم لَا؟ فَإِن أشبه الْمكْرِي فَقَوله بِيَمِينِهِ وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى، وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف قبل أَن يمْضِي شَيْء من الْمدَّة حلفا وتفاسخا وَلَا ينظر لشبه لعدم فَوَات الْمَنَافِع، فَإِن أَقَامَ كل الْبَيِّنَة قدمت بَيِّنَة الْمكْرِي لتقدم تاريخها، وَهَذَا الحكم عَام فِي الْكِرَاء وَالْبيع. (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي جنس الْكِرَاء أَو قَبضه فَقَالَ: والقولُ فِي الْقَبْض وَفي الْجِنْسِ لِمَنْ شَاهدُه مَعْ حَلْفِهِ حَالُ الزمَنْ (وَالْقَوْل) فِي الِاخْتِلَاف (فِي الْقَبْض وَفِي) الِاخْتِلَاف فِي (الْجِنْس لمن شَاهده مَعَ حلفه حَال الزَّمن) بِالرَّفْع خبر عَن شَاهده وَمَعَ حلفه حَال من القَوْل، فَإِذا اخْتلفَا فِي جنس الْكِرَاء فَزعم الْمكْرِي أَنه بِالدَّنَانِيرِ، وَزعم الآخر أَنه بِعرْض، فَإِنَّهُ ينظر لعرف الْبَلَد فِي مثل ذَلِك الْكِرَاء من كَونه بِالدَّنَانِيرِ أَو بِالْعرضِ، فَمن شهد لَهُ عرف الْبَلَد مِنْهُمَا صدق مَعَ يَمِينه كَمَا مر فِي البيع فِي التَّنْبِيه الثَّانِي عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال. أَنه لَا فرق بَين بيع الذوات وَالْمَنَافِع، وَأما إِذا اخْتلفَا فِي الْقَبْض فَإِنَّهُ ينظر للقرب والبعد، فَإِن كَانَ الْكِرَاء مشاهرة أَو مسانهة وَدفع بِبَيِّنَة كِرَاء شهر معِين أَو سنة مُعينَة فَذَلِك بَرَاءَة لما قبل ذَلِك من الشُّهُور والسنين كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور فِي
التَّنْبِيه الثَّالِث، وَإِن لم يدْفع كِرَاء شهر معِين وَلَا سنة بِعَينهَا فَالْقَوْل للمكتري فِيمَا مضى إِلَّا فِي الشَّهْر الْأَخير وَالسّنة الْأَخِيرَة، فَالْقَوْل لرب الدَّار إِن قَامَ بحدثان ذَلِك فَإِن تطاول ذَلِك حَتَّى حَال نَحْو الشَّهْر فِي الشُّهُور وَالسّنة فِي السنين، فالمكتري مُصدق مَعَ يَمِينه قَالَه ابْن سَلمُون وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا وَبِه الْعَمَل، وَكَذَلِكَ قيام الصناع بعد رد الْمَتَاع ثمَّ يطْلبُونَ بعد ذَلِك أجرتهم يفصل فِيهِ بَين الْقرب والبعد، وَالْعَمَل بفاس أَن يقبل قَول الْمكْرِي فِي الثَّلَاثَة الْأَشْهر الْأَخِيرَة أَنه لم يقبض كراءها مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْمجَالِس المكناسية وَلَا يقبل قَوْله فِيمَا زَاد عَلَيْهَا، فَقَوْل النَّاظِم حَال الزَّمن يَعْنِي يعْتَبر فِي كل مَا يَلِيق بِهِ، فَفِي الْقَبْض يعْتَبر الْقرب والبعد فِي الزَّمَان، وَفِي الْجِنْس يعْتَبر عرف الْبَلَد فِي ذَلِك الزَّمَان وَالله أعلم. تَنْبِيه: فَإِن لم يبينا فِي عقد الْكِرَاء وَقت أَدَائِهِ وَاخْتلفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُكْتَرِي: تعجله فِي أول الشَّهْر، وَقَالَ الْمكْرِي فِي آخِره حملا على عرف الْبَلَد كَمَا قَالَ (خَ) : وَعجل إِن عين أَو بِشَرْط أَو عَادَة الخ. فَإِن لم يكن عرف لزمَه أَن يُؤَدِّي فِي كل يَوْم بِحِسَابِهِ.
(فصل فِي كِرَاء الرَّوَاحِل)
جمع رَاحِلَة وَهِي النَّاقة النجيبة الْكَامِلَة الْخلق الْحَسَنَة المنظر المدربة على الرّكُوب وَالسير وَالْحمل، بِهَذَا فسر عِيَاض قَوْله عليه الصلاة والسلام:(النَّاس كإبل مائَة لَا تكَاد تَجِد فِيهَا رَاحِلَة) عِيَاض: وَأَصلهَا من الرحل الْمَوْضُوع عَلَيْهَا اه. وَالْمرَاد بهَا هُنَا الدَّابَّة من حَيْثُ هِيَ من فرس وبغل وحمار وجمل. (والسفن) جمع سفينة. وَفِي الرَّوَاحِلِ الكِرَاءُ والسُّفُنُ عَلَى الضَّمانِ أَوْ بِتَعْيِينِ حَسَنُ (وَفِي الرَّوَاحِل الْكِرَاء) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله مُتَعَلق بِهِ (والسفن) جمع سفينة عطف على الرَّوَاحِل (على الضَّمَان) خبر (أَو بِتَعْيِين حسن) عطف عَلَيْهِ: وَالْمعْنَى أَن الْكِرَاء فِي الرَّوَاحِل
والسفن كَائِن على وَجْهَيْن إِمَّا على الضَّمَان كأكتري مِنْك ركُوب دَابَّة أَو سفينة إِلَى مَوْضُوع كَذَا، أَو أكتري مِنْك دابتك الْبَيْضَاء أَو السَّوْدَاء أَو الَّتِي عنْدك أَو أَكْرِي لَك دَابَّتي وَلَيْسَ لي غَيرهَا، فَهَذِهِ الصُّور كلهَا من الْمَضْمُون، وَإِمَّا على التَّعْيِين كأكتري مِنْك دابتك هَذِه إِلَى مَحل كَذَا، فالكراء الْمعِين هُوَ مَا وَقع العقد فِيهِ على مشار إِلَيْهِ والمضمون مَا كَانَ بِخِلَافِهِ. ابْن الْمَوَّاز: وَلَو اكترى مِنْهُ دَابَّة أَو سفينة ليحمله لبلد كَذَا وَلَا يعلم لَهُ غَيرهَا وَقد أحضرها رَبهَا عِنْد العقد وَلم يقل تحملنِي على هَذِه، فَهُوَ على الضَّمَان وعَلى الْمكْرِي خلفهَا إِذا هَلَكت حَتَّى يصل الْغَايَة اه. قَالُوا: لِأَن الْكِرَاء الْمَضْمُون كَشِرَاء سلع مَضْمُونَة إِذا هَلَكت قبل الْقَبْض أَو اسْتحقَّت مُطلقًا لزمَه أَن يَأْتِيهِ بِمِثْلِهَا، وَإِذا قدم فِيهِ الْمكْرِي دَابَّة للمكتري فركبها فَلَيْسَ لَهُ أَن يزيلها من تَحْتَهُ إِلَّا بِرِضَاهُ والكراء الْمعِين إِذا هلك قبل الْغَايَة انْفَسَخ الْكِرَاء وَلَا يلْزمه أَن يَأْتِيهِ بغَيْرهَا لِأَنَّهُ كَشِرَاء السّلْعَة الْمعينَة من مَكِيل وموزون إِذا هلك قبل أَن يُوفيه كَيْله أَو وَزنه انْفَسَخ البيع، فَإِذا تَرَاضيا بعد الْفَسْخ فِي الْمعينَة على أَن يخلفها بغَيْرهَا وَكَانَ لم ينْقد جَازَ لِأَنَّهُ كِرَاء مُسْتَأْنف، وَإِن كَانَ نقد لم يجز لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين إِلَّا أَن يكون فِي مفازة أَي مَحل لَا يجد فِيهِ دَابَّة للكراء، فَيجوز حِينَئِذٍ وَإِن أدّى لفسخ الدّين قَالَ ابْن الْمَوَّاز: وَلَا يجوز اسْتِئْجَار عبد أَو دَابَّة أَو سفينة بِعَيْنِه على أَنه إِن هلك أَتَاهُ بِمثلِهِ كَمَا أَنه لَا يجوز بيع شَيْء بِعَيْنِه على أَنه إِن هلك قبل الْقَبْض ضمن البَائِع مثله سَوَاء كَانَ الْمَبِيع حَيَوَانا أَو طَعَاما أَو عرضا اه. وَإِذا وَقع الْكِرَاء على الضَّمَان فَلَا بُد أَن يذكر جنس الدَّابَّة ككونها من الْخَيل أَو البغال ونوعها من برذون وعربي وذكورة وأنوثة كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ضمنت بِجِنْس وَنَوع وذكورة الخ. وَإِذا كَانَت مُعينَة واكتراها للرُّكُوب فَيَنْبَغِي أَن يختبر سَيرهَا ليعلم سرعتها من بطئها، فَرب دَابَّة كَمَا قَالَ مَالك الْمَشْي خير من ركُوبهَا، فَإِن لم يختبرها لم يلْزمه الْكِرَاء، ثمَّ مَحل ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فِي الْمَضْمُونَة إِنَّمَا هُوَ إِذا أكريت للرُّكُوب، وَأما على كرائها للْحَمْل وَنَحْوه فَلَا يحْتَاج لذَلِك لعدم تعلق الْأَغْرَاض بِهِ إِلَّا فِي حمل زجاج وَنَحْوه كدهن فَيحْتَاج لوصفها خوف أَن تكون جموحاً أَو عثوراً فتفسده، وَإِذا قدم لَهُ جموحاً أَو عثوراً وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ يحمل عَلَيْهَا ذَلِك، فَالظَّاهِر ضَمَان الْمكْرِي حَيْثُ لم يعلم الْمُكْتَرِي بِكَوْنِهَا جموحاً أَو عثوراً وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: من اكترى دَوَاب بأحلاسها وغرائرها فهربت دَابَّة بحملها فتبعها فَرجع فَوجدَ الْأُخْرَى قد ذهبت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الأولى وَلَا فِيمَا عَلَيْهَا إِلَّا أَن يتَبَيَّن كذبه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَة أَيْضا وَلَا فِيمَا عَلَيْهَا إِن تَركهَا عِنْد ثِقَة وَإِلَّا ضمن اه. قلت: قَوْله: وإلاَّ ضمن الخ. نَحوه قَوْله فِي الدّرّ النثير فِي الرَّاعِي تذْهب الشَّاة فيتبعها وَلَا يتْرك الْغنم عِنْد أحد فتضيع كلهَا أَو بَعْضهَا: أَنه ضَامِن لِأَنَّهُ مفرط حِين علم أَنه مَوضِع الْخَوْف فَرجع إِلَى الْأَقَل وَترك الْأَكْثَر لِأَنَّهُ مَأْمُور بِحِفْظ الْأَكْثَر اه. وَمَفْهُوم قَوْله حِين علم أَنه مَوضِع الْخَوْف الخ. أَنه إِذا علم أَو غلب على ظَنّه أَنه مَحل أَمن لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله
فتبعها أَنه إِذا لم يتبعهَا وَلَا طلبَهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَلَا يكون عدم طلبَهَا تفريطاً يُوجب الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ خَافَ على الْبَاقِي لكَونه فِي غير مَحل أَمن وإلاَّ ضمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. الثَّانِي: قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الدمياطية فِي مكتري الدَّابَّة يشْتَرط عَلَيْهِ الضَّمَان: أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ قَالَ: والمناجل وَآلَة الْحَرْب يضمنهَا. ابْن رشد قَوْله بِضَمَان المناجل وَنَحْوهَا مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ شذوذ وَلَا أعلم خلافًا أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو مَعَ الشَّرْط، وَظَاهر كَلَامه فِي اشْتِرَاط ضَمَان الدَّابَّة عَلَيْهِ أَنه كِرَاء فَاسد وَعَلِيهِ كِرَاء الْمثل فِي الْفَوات قَالَ: وَحكم كِرَاء الْعرُوض على شَرط الضَّمَان حكم بيع الثنيا يفْسخ إِلَّا أَن يسْقط الشَّرْط، فَإِن لم يعثر على ذَلِك حَتَّى فَاتَ الْكِرَاء فَفِيهِ الْأَكْثَر من الْمُسَمّى وكراء الْمثل دون شَرط اه. وَبِه تعلم مَا فِي اشْتِرَاط تضمين الماشطة مَا تلف بِيَدِهَا مِمَّا اكترته من حلى الأعراس انْظُر (م) فِي الْبَيْت بعد هَذَا. الثَّالِث: قَالَ الوانوغي: وَفِي سَماع أَشهب فِيمَن يتكارى دَابَّة لمَكَّة كل يَوْم بدرهم؟ قَالَ: مَا هَذَا من بُيُوع النَّاس وَلَعَلَّه يمْكث بذلك شَهْرَيْن وَلَو ضرب لذَلِك أَََجَلًا كاكترائه لَهَا شهرا كل يَوْم بدرهم، فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز. وَأما إِذا اكتراها مِنْهُ إِلَى مَكَّة كل يَوْم بدرهم فَلم يجز ذَلِك هُنَا، وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَة كِرَاء الرَّاحِلَة بعلفها إِلَى مَوضِع كَذَا، وَهَذَا اخْتِلَاف من القَوْل إِذْ لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ إِذا أَبْطَأَ فِي السّير كثر عَلَيْهِ الْعلف، وَإِن عجل قل عَلَيْهِ الْعلف، فآل ذَلِك إِلَى الْجَهْل بمبلغ الْكِرَاء، وَلَو أكرى مِنْهُ الدَّابَّة بعلفها إِلَى مَكَّة أَو كل يَوْم بدرهم أسْرع أَو أَبْطَأَ فِي السّير لم يجز اتِّفَاقًا، فَالْخِلَاف إِنَّمَا هُوَ إِذا وَقع الْكِرَاء مُبْهما دون بَيَان، فَحَمله فِي هَذِه الرِّوَايَة على الظَّاهِر من الْوُصُول إِلَى مَكَّة قرب أَو بعد، وَحمله فِي الْمُدَوَّنَة على الْوُصُول على السّير الْمُتَعَارف فَأَجَازَهُ اه. وَاقْتصر فِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار على أَن كِرَاء الدَّابَّة كل يَوْم بدرهم لَا يجوز إِلَّا مَعَ الْأَجَل كالشهر وَنَحْوه. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى وجوب تَعْجِيل الْأجر فِي الْكِرَاء الْمَضْمُون دون الْمعِين فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ التَّعْجِيل والتأجيل فَقَالَ: ويُمْنَعُ التَّأجِيلُ فِي المَضْمُونِ وَمُطْلَقاً جَازَ بذِي التعْيين (وَيمْنَع التَّأْجِيل) لِلْأجرِ (فِي) الْكِرَاء (الْمَضْمُون) وَظَاهره منع التَّأْجِيل وَلَو شرع فِي السّير وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِذا شرع وَلَو حكما كتأخير شُرُوعه الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لم يمْنَع تَأْجِيله، وَإِنَّمَا كَانَ الشُّرُوع حكما كالشروع بِالْفِعْلِ لِأَن حكم الْكِرَاء الْمَضْمُون حكم السّلم فِي جَوَاز التَّأْخِير ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا فِي الْمُقدمَات، وَإِنَّمَا جَازَ التَّأْجِيل مَعَ الشُّرُوع وَلَو حكما لِأَن قبض أَوَائِل الْمَنْفَعَة قبض لأواخرها، فَلَا يلْزم ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ الْمُرَتّب على التَّأْجِيل وَعدم الشُّرُوع، وَهَذَا إِذا كَانَ الْعَمَل الْمَشْرُوع فِيهِ يَسِيرا كَمَا فِي الْمُقدمَات، فَإِن كَانَ كثيرا وَجب تَعْجِيل الْأجر سَوَاء شرع أم لَا. إِذْ لَا يكون قبض الْأَوَائِل كقبض الْأَوَاخِر إِلَّا فِي الْيَسِير، وَظَاهر النّظم أَيْضا أَن التَّأْجِيل مَمْنُوع وَلَو للْبَعْض وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كل كِرَاء مَضْمُون لَا يركب فِيهِ إِلَّا فِي وَقت مَعْلُوم، وَوَقع العقد قبل
حُصُول وقته كَانَ كِرَاء حج أَو غَيره يَكْتَفِي فِيهِ بتعجيل الْيَسِير، وَيجوز تَأْجِيل مَا بَقِي كَمَا قَالَه مَالك لاقتطاع الأكرياء أَمْوَال النَّاس، وَأما إِن وَقع بعد حُصُول وقته فَلَا بُد من الشُّرُوع وَلَو حكما أَو تَعْجِيل جمع الْأجر إِذْ لَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ تستدعي تَعْجِيل الْيَسِير فَقَط، (ومطلقاً جَازَ بِذِي التَّعْيِين) أَي وَجَاز عقد الْكِرَاء مُطلقًا كَانَ الْأجر معجلا أَو مُؤَجّلا فِي الدَّابَّة الْمعينَة أَو السَّفِينَة الْمعينَة كهذه الدَّابَّة أَو السَّفِينَة وَنَحْو ذَلِك، وَمحل الْجَوَاز مَعَ التَّعْجِيل إِذا كَانَ يَسْتَوْفِي الْمَنَافِع فِي الْحَال أَو يُؤَخر استيفاءها الْأَيَّام القلائل كالعشرة وإلاَّ لم يجز لتردد النَّقْدَيْنِ الْكِرَاء إِن لم تهْلك وَالسَّلَف إِن هَلَكت كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْخِيَار عاطفاً على الْمَنْع وأجير تَأَخّر شهرا وَأما مَعَ التَّأْجِيل للنقد فَيجوز تَأْخِير استيفائها الشَّهْر وَنَحْوه كَمَا قَالَ فِي الْإِجَارَة وكراء دَابَّة شهرا إِن لم ينْقد. تَنْبِيه: وكما يجب التَّعْجِيل لِلْأجرِ فِي الْكِرَاء الْمَضْمُون الَّذِي لم يشرع فِيهِ كَذَلِك يجب تَعْجِيل الْأجر الْمعِين كَثوب مثلا. وَحَاصِله؛ أَن الْأُجْرَة إِذا كَانَت مُعينَة كَثوب بِعَيْنِه أَو دَرَاهِم بِعَينهَا فَإِنَّهُ يجب تَعْجِيلهَا وَيقْضى بِهِ لحق الله تَعَالَى سَوَاء اشْترط التَّعْجِيل أم لَا. كَانَ المستوفي مِنْهُ الْمَنْفَعَة معينا أم لَا. وَالْإِجَارَة صَحِيحَة مَعَ الشَّرْط وَلَو لم يعجل بِالْفِعْلِ، وَكَذَا مَعَ عَدمه إِن كَانَ عرفهم التَّعْجِيل فَإِن كَانَ عرفهم التَّأْخِير أَو لَا عرف أصلا وَلم يشْتَرط التَّعْجِيل فَسدتْ وَلَو عجلت بِالْفِعْلِ، وَأما إِن كَانَت الْأُجْرَة غير مُعينَة كدراهم أَو ثوب فِي الذِّمَّة، فَإِنَّمَا يجب التَّعْجِيل إِن كَانَ الْمُسْتَوْفى مِنْهُ مَضْمُونا لم يشرع فِي اسْتِيفَاء مَنَافِعه فَإِن كَانَ معينا فَلَا يجب التَّعْجِيل وَلَا يقْضِي بِهِ عِنْد طلبه إِلَّا إِذا اشْتَرَطَهُ أَو جرى الْعرف بِهِ، لِأَن أصل ابْن الْقَاسِم أَن الثّمن فِي الْإِجَارَة على التَّأْخِير إِلَى تَمام الْعَمَل إِلَّا أَن يَشْتَرِطه أَو يجْرِي الْعرف بِهِ فَيَقْضِي لَهُ بتعجيله حِينَئِذٍ، وَبِالْجُمْلَةِ مهما اشْترط التَّعْجِيل أَو جرت الْعَادة بِهِ فَفِي الْمعِين يجب التَّعْجِيل مَضْمُونَة كَانَت أم لَا. وَكَذَا غير الْمعِين فِي الْمَضْمُونَة لَا بُد فِيهِ من التَّعْجِيل لحق الله فِي الْجَمِيع للُزُوم بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه فِي الْأَوَّلين وللزوم ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ فِي الثَّالِث، وَأما غير الْمعِين فِي غير الْمَضْمُونَة فَفِي الشَّرْط أَو الْعَادة يقْضِي بِهِ فَقَط لِأَن الْحق حِينَئِذٍ للآدمي، وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وَعجل إِن عين بِشَرْط أَو عَادَة أَو فِي مضمونه لم يشرع فِيهَا إلاَّ كِرَاء حج فاليسير إِلَى قَوْله: وفسدت إِن انْتَفَى عرف تَعْجِيل الْمعِين الخ. إِلَّا أَن عِبَارَته رحمه الله غير موفية بالمراد، فَلَو قَالَ: وَعجل بِشَرْط أَو عَادَة فِي الْمعِين مُطلقًا كَغَيْرِهِ فِي الْمَضْمُونَة وتفسد بِعَدَمِهِ كانتفاء عرف تَعْجِيل الْمعِين لَا غَيره فِي غَيرهَا، وَيَقْضِي بِهِ فَقَط مَعَ الشَّرْط أَو الْعَادة لأجاد وَالله أعلم. وحيثُ مُكْتَرٍ لعُذْرٍ يَرْجِعُ فَلَازِمٌ لهُ الكِرَاءُ أَجْمَعُ (وَحَيْثُ مكتر) دَابَّة ليزف عَلَيْهَا عروساً أَو ليشيع عَلَيْهَا رجلا أَو ليرْكبَهَا لموْضِع كَذَا أَو اكتراها لحج أَو ليرْكبَهَا فِي يَوْم كَذَا فَتَركهَا حَتَّى مضى الْيَوْم (لعذر) من مرض أَو عدم رفْقَة أَو
سقط أَو مَاتَ أَو حَبسه غَرِيم فِي دينه وَنَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار الَّتِي عاقته عَن الْعَمَل عَلَيْهَا (يرجع) عَن ذَلِك الزفاف وَنَحْوه (فلازم لَهُ الْكِرَاء أجمع) إِن كَانَ حَيا أَو لوَرثَته إِن مَاتَ وَله أَو لوَارِثه كِرَاء الدَّابَّة فِي مثل مَا اكتراها لَهُ حَيْثُ كَانَ الزَّمَان الَّذِي اكتراها للرُّكُوب فِيهِ بَاقِيا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة وَنَحْوه قَول ابْن سَلمُون: وَمن اكترى دَابَّة إِلَى مَوضِع فَرجع بهَا من الطَّرِيق فالكراء لَازم لَهُ يَعْنِي: وَله أَن يكريها فِي مثله، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا تستوفى بِهِ الْمَنْفَعَة لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بتلفه أَو وجود عائق كموت الْمُكْتَرِي للدابة ومرضه وحبسه وَعَدَمه رفْقَة وَنَحْو ذَلِك كتلف الْمَتَاع الْمَحْمُول على الدَّابَّة أَو أَخذ اللُّصُوص لَهُ أَو موت الْأمة المبعوثة مَعَه بِأَجْر ليوصلها لفُلَان، سَوَاء تلف أَو غصب قبل الْخُرُوج أَو بعده، وكل مَا تستوفى مِنْهُ الْمَنْفَعَة تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بتلفه كموت الدَّابَّة الْمعينَة وانهدام الدَّار المكتراة، وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله، والناظم تكلم على الْكُلية الأولى وَسكت عَن الثَّانِيَة و (خَ) تكلم عَلَيْهِمَا مَعًا حَيْثُ قَالَ: وفسخت بِتَلف مَا يسْتَوْفى مِنْهُ لَا بِهِ واستثنوا من الْكُلية الَّتِي تعرض لَهَا النَّاظِم أَربع مسَائِل وَهِي صبيان وفرسان صبي التَّعْلِيم وَالرضَاعَة وَفرس النزو والرياضة فَقَالُوا: إِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ فِيهَا وَله من الْكِرَاء بِحِسَاب مَا عمل مَعَ كَونهَا مِمَّا تستوفي بهَا الْمَنْفَعَة وألحقوا بذلك كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره المؤاجرة على الْحَصاد فيتلف الزَّرْع وَلَيْسَ لرَبه غَيره وعَلى بِنَاء حَائِط فَيمْنَع من الْبناء مطر وَنَحْوه وثوب يدْفع لخياط أَو غزل يدْفع لنساج فيتلف كل مِنْهُمَا وَلَيْسَ لربهما غَيره، والطبيب يُؤَاجر لمداواة العليل مُدَّة فَيَمُوت العليل قبلهَا والمؤاجرة على ثقب جَوْهَر نَفِيس فينكسر وعَلى الحراثة فينكسر المحراث وَنَحْو ذَلِك قَالَ فِي ضيح: وَالْعلَّة فِيهَا كلهَا تعذر الْخلف غَالِبا اه. وَعَلِيهِ فالمدار على تعذر خلف الْمُسْتَوْفى بِهِ فَلَا مَفْهُوم للمسائل الْأَرْبَع وَلَا لما ألحقوه بهَا وَالْحق أَنَّهُمَا قَولَانِ. مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الَّذِي شهره فِي الْبَيَان أَن الْإِجَارَة لَا تَنْفَسِخ فِي ذَلِك وَعَلِيهِ جَمِيع الْكِرَاء وَله أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي مثله، وَهُوَ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم و (خَ) وَصَححهُ ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب، وَالْقَوْل الآخر إِنَّهَا تَنْفَسِخ وَعَلِيهِ درج فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي تخلفه عَن زفاف الْعَرُوس، واستظهره (م) فِي الْبَيْت بعده وشهره فِي الْمُقدمَات قَائِلا: الْمَشْهُور انْفِسَاخ الْإِجَارَة إِذا تلف ثوب الْخياطَة، وَمرَاده إِذا كَانَ اللبَاس يتَعَذَّر خَلفه حِينَئِذٍ لَا للتِّجَارَة وَلعدم تعذر خَلفه، فهما قَولَانِ. شهر كل مِنْهُمَا، لَكِن مَحل الْخلاف إِذا لم يجر الْعرف بِالْفَسْخِ عِنْد تعذر الْمُسْتَوْفى بِهِ، وإلاَّ فَيعْمل بِالْعرْفِ لِأَنَّهُ كالشرط فَكَأَنَّهُ اشْترط عَلَيْهِ أَنه إِن عاقه عائق انْفَسَخ العقد بَينهمَا،
وَرُبمَا يرشد إِلَيْهِ قَول ابْن عَرَفَة: لَا يدْخل هَذَا الْخلاف فِي نَوَازِل وقتنا بتونس لِأَن الْعرف تقرر عِنْدهم بِفَسْخ الْإِجَارَة بِكَثْرَة الْمَطَر ونزول الْخَوْف اه. وَالْعرْف عندنَا بفاس الْيَوْم الْفَسْخ بِحُصُول الْعذر حَتَّى إِنَّك لَا تَجِد اثْنَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِك وَالله أعلم. وَهَذَا كُله فِي تخلف الْمُكْتَرِي للْعُذْر الْمَذْكُور، وَأما لَو خَالف الْمكْرِي فَلم يَأْتِ بالدابة فَقَالَ فِيهَا: وَإِن اكترى دَابَّة إِلَى بلد ليرْكبَهَا فِي غده فأخلفه الْمكْرِي وَلم يَأْته بهَا إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ركُوبه، وَلَو فَاتَهُ مَا كَانَ يرومه أَي من تشييع رجل وَنَحْوه، وَإِن اكتراها أَيَّامًا مُعينَة انْتقض الْكِرَاء فِيمَا غَابَ مِنْهَا كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجر شهرا بِعَيْنِه يمرض فِيهِ فتفسخ إِجَارَته اه. فقولها: وَلَو فَاتَهُ مَا كَانَ يرومه الخ. قَالَ ابْن الْمَوَّاز: لِأَن ذَلِك كَشِرَاء سلْعَة بِعَينهَا أَو مَضْمُونَة يَدْفَعهَا غَدا فَمَا لَهُ بذلك حَتَّى فَاتَ مَا يُرِيد فَلَا حجَّة لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ السّلْعَة. وَقَالَ مَالك فِي الْأَضَاحِي: يسلم فِيهَا فيأتيه بهَا بعد أَيَّام النَّحْر اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على مَا لَا تَنْفَسِخ فِيهِ أَو خلف رب الدَّابَّة فِي غير معِين وَحج، وَإِن فَاتَ مقْصده الخ. تَنْبِيه: إِذا ضلت الدَّابَّة بالمتاع فَلَا كِرَاء لصَاحِبهَا فَإِن أدّى جعلا لمن جَاءَ بهَا فالجعل على رب الدَّابَّة وَإِن ضلت بتفريطه فغرم قيمتهَا، ثمَّ وجدت بعد ذَلِك وَلم تَتَغَيَّر فَأَرَادَ رَبهَا أَخذهَا ورد الْقيمَة فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَهِي للَّذي غرم قيمتهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون. وَفِي الْمُدَوَّنَة وكل مَا عطب من سَبَب حامله من دَابَّة أَو غَيرهَا فَلَا كِرَاء فِيهِ إِلَّا على الْبَلَاغ، وَلَا يضمن الْجمال إِلَّا أَن يغر أَي يتَعَدَّى، وَكَذَلِكَ مَا حمله الرجل على ظَهره فَعَطب فَلَا كِرَاء لَهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِينَة إِذا غرقت فِي ثُلثي الطَّرِيق فَلَا كِرَاء لَهَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء مِمَّا فِيهَا. وَرَأى مَالك أَن ذَلِك على الْبَلَاغ. ابْن يُونُس: وَجه قَول مَالك إِنَّه إِنَّمَا دفع إِلَيْهِ الْكِرَاء ليحصل لَهُ غَرَضه فَلم يحصل لَهُ شَيْء فَأشبه ذَلِك الْجعل الَّذِي بطلَان تَمَامه من أجل الْأَجِير، وَأَيْضًا الْعرف قد جرى بَين النَّاس أَن الْكِرَاء فِي ذَلِك على الْبَلَاغ فَكَانَ الْمكْرِي دخل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ كل مَا سَار شَيْئا أَخذ بِحِسَابِهِ فَلهُ ذَلِك اه. وَوَاجِبٌ تَعْيينُ وَقْتِ السَّفَرِ فِي السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلّذِي اكتُرِي (وواجب تعْيين وَقت السّفر فِي) كِرَاء (السفن) بِسُكُون الْفَاء لضَرُورَة الْوَزْن، وَكَذَا يجب تعْيين وَقت السّفر فِي كِرَاء الدَّابَّة أَيْضا لاخْتِلَاف الْأَسْفَار غلاء ورخصاً باخْتلَاف الْأَوْقَات فِي كرائهما مَعًا فَلَا مَفْهُوم للسفن فِي وجوب التَّعْيِين (و) وَجب أَيْضا تعْيين (الْمقر) الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ السّير وَيُوضَع الْمَتَاع فِيهِ (للَّذي اكتري) وَلَا يضربا لذَلِك أَََجَلًا لاخْتِلَاف الرِّيَاح وَالسير فِي الدَّابَّة
فَإِن ضرباه فسد الْكِرَاء كَمَا قَالَ (خَ) : وَهل يفْسد إِن جَمعهمَا أَي الْعَمَل وَالْأَجَل وتساويا أَو مُطلقًا خلاف. وَهُوَ عَلَى الْبَلَاغِ إنْ شَيءٌ جَرَى فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِع الْكِرَا (وَهُوَ) أَي كِرَاء السفن عِنْد مَالك وَابْن الْقَاسِم (على الْبَلَاغ إِن شَيْء جرى فِيهَا) أَي السفن (فَلَا شَيْء لَهُ) أَي لِرَبِّهَا (من الكرا) ء لِأَنَّهَا كالجعل الَّذِي لَا يسْتَحق الْأجر فِيهِ إِلَّا بِتمَام الْعَمَل فَمحل كرائها على الْجعَالَة إِلَّا أَن يشْتَرط أَن لَهُ بِحِسَاب مَا سَار فَتكون إِجَارَة كَمَا مرّ بِالْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِك قبل هَذَا الْبَيْت، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ أَيْضا أول كِرَاء الدّور، وَظَاهره أَنه يجوز النَّقْد فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَظَاهره أَنه لَا كِرَاء لِرَبِّهَا وَلَو غرقت بمرسى مَحل النُّزُول وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يفرط رب الْمَتَاع فَلم ينْقل مَتَاعه بفور النُّزُول حَتَّى غرقت، فَإِنَّهُ يلْزمه الْكِرَاء كُله حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو شرعوا فِي التفريغ فغشيهم الموج ومنعهم مِنْهُ حَتَّى غرق بعضه وَسلم الْبَعْض الآخر، فَإِن كِرَاء السَّالِم لَازم، وَكَذَا لَو غرقت فِي أثْنَاء الطَّرِيق وسلمت حملاتها كلهَا أَو بَعْضهَا فاكترى رب الْمَتَاع سفينة أُخْرَى وَحمل مَتَاعه فِيهَا، فَإِن لرب السَّفِينَة الأولى من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع بِهِ رب الْمَتَاع السَّالِم بِبُلُوغِهِ إِلَى الْموضع الَّذِي غرقت فِيهِ كَمَا قَالُوا فِي الْبِئْر يحْفر بَعْضهَا ثمَّ يتْرك ويكملها غَيره أَن للْأولِ بِقدر مَا انْتفع بِهِ رب الْبِئْر، وَلَا فرق على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن كراءها على الْبَلَاغ بَين وُقُوع الْكِرَاء على قطع الْبَحْر أَو الرِّيف أمكنهم النُّزُول فِي قَرْيَة حاذوها أم لَا. كَانُوا مسافرين بِالرِّيحِ أَو بِغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْن نَافِع: كراؤها ككراء الدَّابَّة فَإِذا غرقت أَو ردّها الرّيح أَو اللُّصُوص فَيلْزمهُ من الْكِرَاء بِحَسب سَيرهَا. وَقَالَ أصبغ: إِن وصلت لمحل يُمكن السّفر مِنْهُ أَو حاذوه فردتهم الرّيح أَو اللُّصُوص فكالدابة وَإِلَّا فعلى الْبَلَاغ، وعَلى الْمَشْهُور من أَنَّهَا على الْبَلَاغ لَو زَادَت بِهِ الرّيح على الْمحل الْمَقْصُود فَلَا كِرَاء لَهُ إِلَّا أَن يردهُ الْمَقْصُود، وَإِن عرض لَهُم الْعَدو أَو هول فِي الْبَحْر فليقصدوا موضعا للنزول فِيهِ حَتَّى يتهيأ لَهُم السّفر، وَمن أَرَادَ مِنْهُم أَن ينزل أَو ينزل مَتَاعه فَذَلِك لَهُ وَعَلِيهِ أَدَاء الْكِرَاء كُله. انْظُر ابْن سَلمُون. تَنْبِيه: وَيجب طرح مَا ترجى بِهِ نجاة الْمركب من الْمَتَاع لخوف غرق وَلَا يطْرَح الْآدَمِيّ وَلَو
ذِمِّيا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا خَشوا الْهَلَاك إِن لم يُخَفف من الْمركب فيقرع على من يرْمى حَتَّى من الْآدَمِيّ وَالرِّجَال وَالْعَبِيد، وَأهل الذِّمَّة فِي ذَلِك سواءْ ابْن عَرَفَة: وَنسبَة بَعضهم لخرق الْإِجْمَاع إِذْ لَا يرْمى الْآدَمِيّ لنجاة غَيره وَلَو ذِمِّيا، وَقَاعِدَة الْإِجْمَاع على وجوب ارْتِكَاب أخف الضررين لدرء أشدهما شاهدة لقَوْل اللَّخْمِيّ وَهِي هُنَا، وَإِن كَانَت لإتلاف النَّفس فَهِيَ فِيهِ لحفظها اه.
(فصل فِي أَحْكَام الْإِجَارَة)
مَأْخُوذَة من الْأجر الَّذِي هُوَ الثَّوَاب فَمَعْنَى آجره اسْتَعْملهُ بِأَجْر أَي بِثَوَاب على عمله من قَوْلهم: آجرك الله أَي أثابك. عِيَاض: يُقَال أجرت فلَانا وآجرته بِالْقصرِ وَالْمدّ، وَكَذَلِكَ أجره الله وآجره وَالْإِجَارَة بيع مَنَافِع مَعْلُومَة بعوض مَعْلُوم وَهِي مُعَاوضَة صَحِيحَة يجْرِي فِيهَا جَمِيع مَا يجْرِي فِي الْبيُوع من الْحَلَال وَالْحرَام، فَلَا بُد أَن تكون الْمَنْفَعَة وَالْأَجْر مَقْدُورًا على تسليمهما مُنْتَفعا بهما ظَاهِرين إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يشْتَرط فِي البيع، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: بِبيع مَنْفَعَة مَا أمكن نَقله غير سفينة وَلَا حَيَوَان لَا ينْقل بعوض غير ناشىء عَنْهَا بعضه يَتَبَعَّض بتبعيضها الخ. فَقَوله: بيع أطلق البيع على العقد لِأَن الْإِجَارَة مباينة للْبيع لَا تدخل فِيهِ، وَلَا بُد أَن يَأْتِي فِي الْحَد بِالْجِنْسِ الشَّامِل للمحدود وَغَيره، ثمَّ يخرج غَيره بالفصول فَلَو قَالَ: عقد على مَنْفَعَة الخ. لَكَانَ أحسن قَالَه الرصاع وَخرج بقوله مَنْفَعَة بيع الذوات، وَبِقَوْلِهِ مَا أمكن نَقله كِرَاء الدّور وَالْأَرْض، وَبِقَوْلِهِ وَلَا حَيَوَان لَا يعقل كِرَاء الرَّوَاحِل، وَبِقَوْلِهِ غير ناشىء عَنْهَا الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ فيهمَا مَنْفَعَة الْعَامِل وَالثَّمَرَة وَالرِّبْح ناشئان عَن عمله، وَالضَّمِير فِي قَوْله بعضه عَائِد على الْعِوَض، وَفِي تبعيضها على الْمَنْفَعَة، وَخرج بقوله الْجعل لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّض فِيهِ الْعِوَض بتبعيض الْمَنْفَعَة فَقَوله: بعضه الخ. مخرج للجعل ومدخل للنِّكَاح الَّذِي وَقع صداقه مَنْفَعَة مَا يُمكن نَقله أَي: بعضه يَتَبَعَّض بتبعيضها وَبَعضه لَا يَتَبَعَّض كالبضع، فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّض بتبعيض الْمَنْفَعَة بِهَذَا أجَاب ابْن عَرَفَة عَن زِيَادَة لَفْظَة بعضه الخ. بعد مَا توقف هُوَ وَأهل مَجْلِسه فِي زيادتها، وَرغب الله تَعَالَى فِي فهمها وَلَو قَالَ: جله يَتَبَعَّض بتبعيضها يَعْنِي وَغير الجل لَا يَتَبَعَّض كالبضع الْوَاقِع فِي مُقَابلَة الْوَارِد فِي قَوْله تَعَالَى: إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} (الْقَصَص: 27) الْآيَة لَكَانَ أوضح وَبعد هَذَا يعْتَرض عَلَيْهِ كَمَا للوانوغي بِأَنَّهُ يلْزمه دُخُول الْجعل بِمَا دخل بِهِ النِّكَاح فَيلْزم فَسَاد طرده على أَنه لَو حذف لَفْظَة بعضه، وَاقْتصر على مَا بعده لم يلْزم خُرُوج النِّكَاح لِأَن تبعيض الْمَنْفَعَة فِيهِ يُوجب للْأَجِير الرُّجُوع فِي صدَاق الْمثل لِأَن الْمَنْفَعَة إِنَّمَا وَقعت فِي مُقَابلَته حكما، فَإِذا تبعضت تبعض مقابلها الَّذِي هُوَ صدَاق الْمثل فَيَأْخُذ منفعَته مِنْهُ، فَالصَّوَاب حذف لَفْظَة بعضه. فرع: قَالَ الْبُرْزُليّ: صدر الْإِجَارَة فِي كتاب الْغرَر مِنْهَا أَن قَالَ: بِعْتُك سُكْنى دَاري سنة فَذَلِك غلط فِي اللَّفْظ وَهُوَ كِرَاء صَحِيح، فَأخذ مِنْهَا إِذا تَعَارَضَت الْحَقِيقَة المرجوحة، وَالْمجَاز الرَّاجِح عمل عَلَيْهِ، وَفِيه أَقْوَال فِي أصُول الْفِقْه اه. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كتاب الصّرْف، مِنْهَا: إِن
صرفت مِنْهُ دِينَارا بدرهم على أَن تَأْخُذ بهَا سمناً أَو زيتاً وَتسَمى صفته ومقداره نَقْدا أَو مُؤَجّلا، أَو على أَن تقبضها ثمَّ تشتري مِنْهُ هَذِه السّلْعَة لأجل السّلم فَذَلِك جَائِز، وَالْكَلَام الأول لَغْو فَإِن ردَّتْ السّلْعَة بِعَيْب رجعت بدينارك لِأَن البيع إِنَّمَا وَقع بالدينار، وَإِنَّمَا ينظر مَالك إِلَى فعلهمَا لَا إِلَى قَوْلهمَا، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْعَارِية والأطعمة والنقود قرض، وَانْظُر مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الْخَامِس من التصيير فَإِن هُنَاكَ مَا يُوَافقهُ. العَمَلْ الْمَعَلُومُ مِنْ تَعَيينِهِ يَجُوزُ فِيهِ الأَجْرُ مَعْ تَبْيينِهِ (الْعَمَل الْمَعْلُوم من) أجل (تَعْيِينه) أَي تعْيين حَده بِالْعَمَلِ أَو بالأجل وَذكر صفته، فَالْأول كَقَوْلِه: أَو أجرك على صبغ هَذَا الثَّوْب أَو دبغ هَذَا الْجلد أَو خياطَة هَذَا الثَّوْب، وَبَين لَهُ صفة الصَّبْغ والدبغ والخياطة. وَالثَّانِي كَقَوْلِه: أوأجرك على بِنَاء يَوْم أَو خياطَة شهر أَو حراثة يَوْمَيْنِ وَنَحْو ذَلِك، فَالْعَمَل الَّذِي هُوَ الدبغ والصبغ وَنَحْوهمَا لَا بُد أَن يكون مَعْلُوما لَهما، وَلَا بُد أَيْضا أَن يكون محدوداً إِمَّا بالفراغ مِنْهُ كخياطة ثوب وطحن أردب، وَإِمَّا بِضَرْب أجل كخياطة يَوْم أَو صبغه ودبغه وطحنه فالمصنوعات أما أَن تحد بالفراغ وبالأجل وَغَيرهَا كالرعاية والخدمة الْمَعْرُوفَة وَنَحْوهمَا يحد بِضَرْب الْأَجَل لَا غير، فَإِن جمع بَين الْأَجَل وَالْعَمَل كَقَوْلِه: خطّ هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا الْيَوْم بدرهم أَو أكتري مِنْك دابتك لتركبها إِلَى مَحل كَذَا فِي هَذَا الْيَوْم أَو أَو أجرك لتوصل الْكتاب لمحل كَذَا فِي هَذَا الْيَوْم أَو الشَّهْر بدرهم، فَهَل تفْسد مُطلقًا أَو إِنَّمَا تفْسد إِن كَانَ الْأَجَل مُسَاوِيا للْعَمَل أَو أنقص مِنْهُ لَا إِن كَانَ الْأَجَل أَكثر من الْعَمَل فَلَا تفْسد فِيهِ؟ خلاف (خَ) : وَهل تفْسد إِن جَمعهمَا وتساويا أَو مُطلقًا؟ خلاف. وَمن ذَلِك الِاسْتِئْجَار على بيع ثوب مثلا، لَكِن لما لم يكن البيع فِي مَقْدُور الْأَجِير كَانَ جعَالَة أَن حَده بِالْعَمَلِ وَهُوَ تَمام الْعَمَل وَإِجَارَة إِن حَده بالزمن وَيسْتَحق أجره بِمُضِيِّ الزَّمن حِينَئِذٍ وَإِن لم يبع (يجوز فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْعَمَل الْمَعْلُوم (الْأجر) أَي تعويض الْأجر الَّذِي هُوَ ثمن للْعَمَل أَي: يجوز معاوضته بِالْأَجْرِ الَّذِي هُوَ ثمن لَهُ وَعَلِيهِ، فَلَا حَاجَة لدعوى الِاسْتِخْدَام (مَعَ تبيينه) أَي الْأجر أَي تَبْيِين جنسه وَقدره وَصفته إِن كَانَ غَائِبا عَن الْمجْلس، وإلاَّ فَلَا حَاجَة لذكر صفته وَلَا جنسه وَقدره، وَتقدم أَن الْإِجَارَة كَالْبيع يشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِيهِ، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يبين قدر الْأجر لم يجز، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وروى ابْن الْقَاسِم أَنه لَا بَأْس بِاسْتِعْمَال الْخياط المخالط الَّذِي لَا يكَاد يُخَالف مستعمله دون تَسْمِيَة أجر، فَإِذا فرغ أرضاه بِشَيْء يُعْطِيهِ إِيَّاه، وَمن هَذَا أعمل على دَابَّتي فَمَا حصل فلك نصفه، وَعَن ابْن سراج أَنه أجَاز إِعْطَاء السَّفِينَة بالجزء مِمَّا يحصل عَلَيْهَا وَمثله الجباح بالجزء من عسله وَالزَّرْع مِمَّن يَحْرُسهُ بِجُزْء مِنْهُ، وَمذهب السّلف جَوَاز الْإِجَارَة بِجُزْء مِنْهُ قِيَاسا على الْقَرَاض انْظُر (ق) أَوَائِل الْإِجَارَة، وعَلى ذَلِك تخرج أُجْرَة الدَّلال بِربع عشر الثّمن مثلا، وَنَصّ على جَوَازهَا بذلك صَاحب المعيار فِي نَوَازِل الشّركَة وَمِنْه إِعْطَاء الْبَقَرَة لمن يرعاها، بِنصْف زبدها كَمَا فِي نَوَازِل الفاسي، وَقد أجَاز فِي الْمُدَوَّنَة كِرَاء الْبَقَرَة للحرث وَاشْتِرَاط لَبنهَا مَعَ جهل قدره، وَانْظُر مَا يُؤَيّدهُ فِي أول الْمُزَارعَة أَيْضا.
وَلْلأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكمَّلَهْ إِن تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قد عَمِلَهْ (وللأجير أُجْرَة مكملة إِن تمّ) عمله كَانَ صانعاً أَو رَاعيا أَو غَيرهمَا (أَو) لَهُ من الْأُجْرَة إِن عاقه عائق عَن الْإِتْمَام كَمَرَض وَنَحْوه (بِقدر مَا قد عمله) أَي بِقدر عمله فَمَا مَصْدَرِيَّة، وَهَذَا إِن لم يزل العائق حَتَّى تمت الْمدَّة فِي الرِّعَايَة وَنَحْوهَا، أَو تَرَاضيا على عدم الْإِتْمَام، وإلاَّ أجبر على الْإِتْمَام من أَبَاهُ وَيُؤْخَذ من الآبي كَفِيل ويسجن لَهُ وَيضْرب إِن تَمَادى على الِامْتِنَاع، لِأَن عقد الْإِجَارَة لَازم لكل مِنْهُمَا. فَإِن تروغ الرَّاعِي أَو معلم الصّبيان مثلا وخرجا قبل انْقِضَاء الْمدَّة من غير عذر وَلَا عائق، فَفِي ابْن عَرَفَة: سمع عِيسَى بن الْقَاسِم: من واجر أَجِيرا مُدَّة مُعينَة شهرا أَو يَوْمًا لعمل خياطَة أَو بِنَاء أَو غَيره فرَاغ عَنهُ حَتَّى انْقَضى الْأَجَل انْفَسَخت الْإِجَارَة فِيمَا بَطل، وَإِن عمل شَيْئا فبحسابه اه. ابْن رشد: هَذَا صَحِيح لَا خلاف فِيهِ اه. ابْن عَرَفَة: وَبِه أَفْتيت فِي الرَّاعِي وأجراء الْحَرْث لأشهر مُعينَة يروغ الْأَجِير فِي بَعْضهَا فَيَأْتِي بعد الْمدَّة أَن لَهُ بِحِسَاب مَا عمل اه. قلت: وَمَا أفتى بِهِ وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق هُوَ الَّذِي شهره فِي المازونية. وَقَالَ فِي الطرر: إِن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل وَمُقَابِله أَنه لَا شَيْء لَهُ لِأَنَّهُ ترك مَا كَانَ يجب لَهُ بترك تَمام مَا عومل عَلَيْهِ قَالَه أَبُو مَيْمُونَة الدراس فَقِيه فاس وَغَيره وَصدر بِهِ فِي الطرر قَالَ: وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن من أَرَادَ مِنْهُمَا قطع الْمُعَامَلَة فقد رَضِي بترك حَقه إِذا لم يتم شَرطه، وَهَذَا وَجه الْقيَاس اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَعَلِيهِ فَهَذَا الْأَجِير بتروغه وهروبه منع الْمُسْتَأْجر من اسْتِيفَاء مَنَافِعه الَّتِي بَاعهَا فَهُوَ ظَالِم متْلف عمله على الَّذِي اسْتَحَقَّه فَيجب عَلَيْهِ غرم قِيمَته لِأَنَّهُ بتروغه وهروبه غَاصِب
لمنافع نَفسه وغاصب الْمَنَافِع يضمنهَا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَإِذا كَانَ غَاصبا للمنافع الَّتِي بَاعهَا فَيجب عَلَيْهِ ضَمَان قيمتهَا بِمَنْزِلَة من بَاعَ سلْعَة فأتلفها، وَقد قَالَ (خَ) : وَإِتْلَاف المُشْتَرِي قبض وَالْبَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغرم، وَقد تقدم قَرِيبا أَنه يجْرِي فِي الْإِجَارَة مَا جرى فِي البيع، وَإِذا تقرر هَذَا فَمَا فِي السماع. وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق وشهره فِي المازونية مَبْنِيّ على أَن الْأَجِير لما كَانَ معينا تستوفى مِنْهُ الْمَنَافِع انْفَسَخت الْإِجَارَة بتروغه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تلفه، وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو كَانَ التّلف بِغَيْر اخْتِيَاره، وَأما حَيْثُ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَالْوَاجِب هُوَ تَضْمِينه قيمَة الْمَنَافِع الَّتِي تلفهَا فيحاسبه الْمُسْتَأْجر لَهُ بِقِيمَتِهَا فَإِذا اسْتَأْجر سنة مثلا بِاثْنَيْ عشر درهما ورعى أَو خدم ثَلَاثَة أشهر مِنْهَا وتروغ فِي الْبَاقِي، فَإِذا كَانَت قيمَة هَذَا الَّذِي تروغ فِيهِ سِتَّة دَرَاهِم قاصه بِثَلَاثَة مِنْهَا فِي الثَّلَاثَة الْوَاجِبَة لَهُ أَي: وَغرم الرَّاعِي لَهُ ثَلَاثَة، وَإِذا رعى تِسْعَة وتروغ فِي ثَلَاثَة وَقيمتهَا ثَلَاثَة أَو سِتَّة لشدَّة بردهَا أَو حرهَا فِي السّنة، فَإِن الْمُسْتَأْجر يغرم لَهُ فِي الأولى تِسْعَة وَفِي الثَّانِيَة يغرم لَهُ الرَّاعِي ثَلَاثَة، وَهَكَذَا هَذَا هُوَ الْحق وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا شَيْء لَهُ لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل إِنَّمَا ذَلِك فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَإِنَّمَا تركُوا التَّفْصِيل الْمَذْكُور اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وعَلى هَذَا فلأرباب الْغنم وآباء الصّبيان أَن يضمناه قيمَة الْمَنَافِع الْبَاقِيَة ويؤاجرا من يرْعَى أَو يعلم الصَّبِي عَلَيْهِمَا بَقِيَّة الأمد، فَإِن قدرا عَلَيْهِ يَوْمًا مَا أخذا مِنْهُ ذَلِك إِن زَاد على مَا وَجب لَهُ فِيمَا رعى، وَإِن نقص عَنْهَا كَانَ لَهُ الْبَاقِي. هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْأُصُول، وقديماً كنت أُفْتِي بِمثل هَذَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا وقفت عَلَيْهِ لبَعْضهِم ناسباً لَهُ لنوازل ابْن سَحْنُون بعد أَن قرر الْخلاف هَل لَهُ شَيْء أم لَا؟ قَالَ، قَالَ مُحَمَّد، وَأَنا أَقُول: إِن وَقعت الْإِجَارَة بَينهمَا فَاسِدَة فَلهُ أجر مثله فِيمَا رعى، وَإِن كَانَت صَحِيحَة اُسْتُؤْجِرَ على رعايته سنة مُعينَة وَلَيْسَ لَهُ شَيْء إِلَّا بِتمَام عمل السّنة يَعْنِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا فضل عَن تَمام السّنة إِن فضل لَهُ شَيْء كَمَا مر. نعم إِذا لم يضمناه قيمَة عمل الَّذِي أتْلفه وَلم يؤاجرا عَلَيْهِ من يكمل لَهُ عمله، وَجَاء بعد انْقِضَاء الْمدَّة يطْلب مَا وَجب لَهُ، فَإِن لَهُ بِحِسَابِهِ، وَعَلِيهِ فيقيد النّظم بِمَا إِذا عاقه العائق حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة أَو تَرَاضيا على الْفَسْخ أَو لم يعقه شَيْء وَلَا تَرَاضيا وَلم يضمناه وَلَا واجرا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يكون لَهُ بِحِسَاب مَا عمل، وَقد كثر السُّؤَال عَن هَذِه الْمَسْأَلَة ويفتي فِيهَا من لَا تَأمل مَعَه بِمَا فِي النّظم من أَن لَهُ بِقدر مَا عمل مُطلقًا، وَذَلِكَ غير سديد. وتعليلهم بِأَن لَهُ ترك مَا كَانَ يجب لَهُ فِي ماضي الْمدَّة بترك تَمام مَا عومل عَلَيْهِ فِي بقيتها كَالصَّرِيحِ فِي أَن مَا اسْتَحَقَّه لماضي الْمدَّة يُؤَاجر عَلَيْهِ بِهِ فِي بقيتها، وَالْغَالِب أَن مَا اسْتَحَقَّه فِي الْمَاضِي لَا يَفِي بِمَا أتْلفه من عمله إِن خرج بعد رعايته من السّنة نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة، فَإِن وفى بِهِ وَزَاد كَانَت لَهُ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ قد يخرج وَيبقى لتَمام السّنة نَحْو الشَّهْر أَو الشَّهْرَيْنِ، وَإِن نقص كَانَ عَلَيْهِ النُّقْصَان فهم إِنَّمَا أطْلقُوا اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وَلِهَذَا قَالَ (ت) : يَنْبَغِي اعْتِمَاد قَول من قَالَ لَا شَيْء لَهُ، وَحقه أَن يَقُول يجب اعْتِمَاده إِذْ مَا فِي السماع ضَعِيف الْمدْرك كَمَا ترى وَالله أعلم. وَهَذَا كُله فِي الْأَجِير الْبَالِغ الرشيد، وَأما غَيره فَلهُ بِحِسَاب مَا عمل حَيْثُ تروغ وأتى بعد انْقِضَاء الْمدَّة لِأَن غير الْبَالِغ وَغير الرشيد لَا يضمنَانِ مَا أتلفاه من منافعهما لِأَنَّهُمَا مأمونان عَلَيْهِمَا. وَقد قَالَ (خَ) : وَضمن مَا أفْسدهُ إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ فَإِن لم يتروغ وَكَانَ حَاضرا وَهُوَ رشيد فَإِنَّهُ يضْرب ويسجن وَيُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل بذلك حَتَّى يفعل كَمَا مر، فَإِن تروغ وَجَاء قبل انْقِضَاء الْمدَّة أَو صَحَّ من مَرضه أَو زَالَ عذره قبل انْقِضَائِهَا أَيْضا، فَإِنَّهُ يجْبر على
إِتْمَامهَا وَيسْقط من أجرته بِقدر مَا عطل، وَلَا يجوز إِن كَانَ نَقده الْأُجْرَة أَن يتَّفقَا على قَضَاء مُدَّة الهروب أَو الْمَرَض بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة وَيَأْخُذ جَمِيع الْأُجْرَة لِأَنَّهُ فسخ مَا فِي الذِّمَّة فِي مُؤخر إِذْ قد وَجب للْمُسْتَأْجر مَا يُقَابل مُدَّة الهروب من الْأُجْرَة فيفسخها فِي شَيْء لَا يتعجله الْآن، فَإِن كَانَ لم ينقده جَازَ قَضَاء مُدَّة الهروب بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة لانْتِفَاء الْعلَّة، وَهَذَا كُله مَعَ التَّعْيِين، وَأما مَعَ عَدمه كَقَوْلِه: اعمله بِنَفْسِك أَو بغيرك فَهُوَ من الْإِجَارَة الْمَضْمُونَة وَلَا تَنْفَسِخ بتروغه أَو مَوته ويستأجر من تركته من يكمله، وَإِن لم يكن وَفَاء فِي التَّرِكَة خص الْمُسْتَعْمل غرماءه. تَنْبِيه: إِذا واجره على الْعَمَل بِنَفسِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَن يسترعي غَيره إِلَّا بِإِذن رَبهَا فِي أحد قولي ابْن الْقَاسِم اه. ابْن رحال: وَالرَّاجِح الضَّمَان إِن استرعى من هُوَ مثله بِغَيْر إِذن رَبهَا، وَأَحْرَى إِن استرعى من هُوَ دونه. ابْن نَاجِي: وَهَذَا إِذا لم يجر عرف الْبَلَد بِأَن الرَّاعِي يَأْتِي بِمن هُوَ مثله لضَرُورَة، وإلاَّ فَلَا ضَمَان اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْعرف إثْبَاته بِدُونِهِ لِأَن الْعرف كالنص. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِن الحارس يحرس الطَّعَام فَذهب واستخلف من لَا يقوى على الحراسة قَالَ: هُوَ ضَامِن إِلَّا أَن يكون الْمُسْتَخْلف مطيقاً على الحرس فَلَا ضَمَان الْبُرْزُليّ: وَالصَّوَاب الضَّمَان إِلَّا أَن يكون اسْتخْلف لضَرُورَة اه. وَتقدم فِي آخر كِرَاء الرَّوَاحِل مَا إِذا ذهب لَهُ بعض الْغنم فَذهب يفتش فَوجدَ الْأُخْرَى قد ضَاعَت فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. فرع: إِذا واجر بعض الْجَمَاعَة إِمَامًا للصَّلَاة أَو الْأَذَان فَإِن ذَلِك يلْزم من غَابَ عَن العقد كَمَا أَقَامَهُ ابْن نَاجِي من الْمُدَوَّنَة، وَبِه أفتى ابْن الْحَاج حَيْثُ جرى عرف الْقرْيَة بذلك، وَبِه أفتى ابْن هِلَال والقباب وسيدي يحيى السراج قَائِلا: إِن النَّاس يجب عَلَيْهِم إِقَامَة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة ويوظف عَلَيْهِم أُجْرَة الإِمَام على قدر رؤوسهم، وَلَيْسَ لأحد أَن يمْتَنع، وَقد نَص على ذَلِك غير وَاحِد من الشُّيُوخ كَالْقَاضِي عِيَاض وَابْنه وَابْن الْحَاج وَغَيرهم اه. قلت: وعَلى هَذَا عمل النَّاس فِي الْبَادِيَة فَيجب اعْتِمَاده وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا سواهُ، وَانْظُر شرحنا للشامل أَوَائِل الْإِجَارَة وَعند قَوْله: فَإِن كَانَت أُجْرَة الإِمَام من الأحباس الخ. فَفِيهِ فَوَائِد نفيسة مُنَاسبَة للمقام، وَانْظُر فِيهِ أُجْرَة الكرائين والخط وَحل المعقودين وَنَحْو ذَلِك. فرع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن كَانَت لَهُ غنم فَبَاعَ نصفهَا على أَن يرْعَى الْمُبْتَاع نصفهَا، وَالثَّانِي مُدَّة مَعْلُومَة جَازَ ذَلِك وتكتب فِيهِ: بَاعَ فلَان من فلَان نصف مائَة شَاة ضئناً على السوَاء بِكَذَا دِينَار أَو قبضهَا مِنْهُ أَو أَخّرهُ بهَا إِلَى وَقت كَذَا، وعَلى أَن يرْعَى لَهُ الْمُبْتَاع النّصْف الْبَاقِي على ملكه مِنْهَا طول هَذِه الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَقبض الْمُبْتَاع جَمِيع الْغنم الْمَذْكُورَة بعد أَن قَلبهَا ورضيها وَصَارَت تَحت رعايته لَهُ نصفهَا بِهَذَا الابتياع، وَالنّصف الثَّانِي بَاقٍ على ملك البَائِع حَتَّى يقتسماها إِذا دعِي أَحدهمَا إِلَى ذَلِك، وعَلى البَائِع خلف مَا هلك أَو بَاعَ من نصِيبه مُدَّة الِاسْتِئْجَار الْمَذْكُور، وَلَهُمَا سنة الْمُسلمين فِي بيعهم واستئجارهم شهد عَلَيْهِمَا الخ اه. وَفِي المغارسة من العلمي أَن الشَّيْخ العبدوسي سُئِلَ عَن شركَة تقع من أهل الْبَادِيَة يَبِيع الرجل من الرجل نصف غنمه وَنَحْوهَا بِثمن مَعْلُوم مُؤَجل، فَمنهمْ من يضْرب للثّمن أَََجَلًا، وَمِنْهُم من لَا يضْربهُ، فَإِذا وَقع النزاع بَينهم يَقُول المُشْتَرِي للْبَائِع: أَعْطِنِي أُجْرَة الرَّبْط والحل، فَهَل البيع فَاسد أم لَا؟ وَهل يلْزم البَائِع فِي نصفه
أجر الْحل والربط، وَإِذا تطوع الْمُبْتَاع بذلك فَهَل لامْرَأَته قيام أم لَا: فَأجَاب: بِأَنَّهُمَا إِن ضربا للثّمن أَََجَلًا فَلَا شكّ فِي الْجَوَاز، وَأما إِن جعلاه لوقت الْقِسْمَة أَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة بذلك، أَو كَانَ مِنْهُمَا إِضْمَار على ذَلِك فَالْبيع فَاسد، وعَلى البَائِع أُجْرَة الْحل والربط حَيْثُ كَانَ الْمُبْتَاع مِمَّن يَأْخُذ ذَلِك عَادَة أَو جهل حَاله بعد أَن يحلف أَنه لم يقْصد بذلك التَّطَوُّع إِلَّا أَن يكون أشهد على ذَلِك أَو لَا. فَلَا يَمِين عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يَأْخُذ ذَلِك عَادَة لنسبه وحسبه فَلَا أُجْرَة لَهُ، وَأما إِن كَانَت الْمَرْأَة فِي المتولية لذَلِك فَإِنَّمَا ترجع بذلك على زَوجهَا إِن كَانَت مِمَّن تَأْخُذ ذَلِك لِأَن زَوجهَا لما تطوع بِهِ سقط عَن البَائِع وَوَجَب على زَوجهَا لتطوعه فترجع على من وَجب عَلَيْهِ لَا على من سقط عَنهُ، وَاشْتِرَاط الْحل والربط على المُشْتَرِي فِي أصل العقد إِلَى غير أمد مَعْلُوم لَا يجوز، وَإِنَّمَا يجوز إِلَى أمد مَعْلُوم بِشُرُوط وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَكتب عبد الله العبدوسي اه. بِبَعْض اخْتِصَار وَتَأمل قَوْله: لِأَن زَوجهَا لما تطوع الخ. فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، وَتقدم آخر بيع الْفُضُولِيّ جملَة من ذَلِك، وَقَوله: إِن كَانَت مِمَّن تَأْخُذ ذَلِك إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْقَاعِدَة الْآتِيَة فِي الْبَيْت بعده. وَالقَوْلُ للعامِلِ حَيْثُ يَخْتَلِفْ فِي شأْنِهَا بَعْدَ الفَرَاغِ إنْ حَلَفْ (وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ) أَي الْأَجِير (حَيْثُ يخْتَلف) هُوَ وَمن واجره (فِي شَأْنهَا) أَي الْإِجَارَة أَي فِي شَأْن عقدهَا (بعد الْفَرَاغ) من الْعَمَل فَقَالَ الْأَجِير: ادْفَعْ لي أُجْرَة الصَّبْغ أَو الْخياطَة مثلا. وَقَالَ رب الثَّوْب: لم أواجرك على ذَلِك، وَإِنَّمَا كَانَ عنْدك وَدِيعَة أَو قَالَ صبغته أَو خطته لي مجَّانا، فَإِن القَوْل للْأَجِير إِنَّه صبغه أَو خاطه بِأَجْر وَيصدق فِي قدره (إِن) أشبه و (حلف) أَنه لقد واجره بِمَا ذكر (خَ) : وَالْقَوْل للْأَجِير إِنَّه وصل كتابا أَو أَنه اصْطنع، وَقَالَ ربه وَدِيعَة الخ. وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للْأَجِير مَعَ أَن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا كَمَا تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين لِأَن الْغَالِب فِيمَا يدْفع للصانع هُوَ الاصطناع والإيداع نَادِر لَا حكم لَهُ كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ، وَقَوله فِي شَأْنهَا صَادِق بِمَا إِذا قَالَ ربه وَدِيعَة أَو مجَّانا كَمَا مر، وَبِمَا إِذا سرق مني، وَهَذَا الثَّانِي يجب إِخْرَاجه من النّظم لِأَن الحكم فِيهِ عدم قبُول قَول الْأَجِير كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ادَّعَاهُ وَقَالَ: سرق مني وَأَرَادَ أَخذه دفع قيمَة الصَّبْغ بِيَمِين إِن زَادَت دَعْوَى الصابغ عَلَيْهَا الخ. وَالْفرق أَن رب الْمَصْنُوع فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة معترف بِأَنَّهُ أذن فِي وضع يَد الصَّانِع على الْمَصْنُوع بِخِلَاف السّرقَة، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ يخْتَلف فِي شَأْنهَا أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على عدم عقدهَا أَنه لَا شَيْء على رب الْمَصْنُوع وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ كَانَ رب الْمَصْنُوع لَا حَاجَة لَهُ فِي تِلْكَ الصَّنْعَة، أَو كَانَت الصَّنْعَة مِمَّا يَليهَا بِنَفسِهِ أَو عبيده، وَإِلَّا لزمَه أُجْرَة الْمثل. قَالَ فِي الشَّامِل: وكل من أوصل لَك نفعا بِعَمَل أَو مَال وَإِن بِغَيْر قصد نفعك كَانَ حرث أَرْضك ظَانّا أَنَّهَا لَهُ أَو لم تَأمره بِهِ مِمَّا لَا بُد لَك مِنْهُ كحرثه أَرْضك أَو سقيه إِيَّاهَا أَو حصد زرعك أَو طحن حبك أَو حفر بئرك أَو بِنَاء دَارك أَو انفق على زَوجتك أَو ولدك أَو عَبدك لزمك أُجْرَة الْعَمَل، وَمثل المَال الَّذِي أنفقهُ على الزَّوْجَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ قد قَامَ عَنْك بِوَاجِب، فَإِن فعل ذَلِك بِقصد أَن يَأْخُذهُ لنَفسِهِ فَهُوَ غَاصِب لَا شَيْء لَهُ، وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه فعل ذَلِك بِقصد الرُّجُوع
بِالْأُجْرَةِ، وبمثل المَال الْمُنفق فَإِن كَانَ عملا لَا تحْتَاج لَهُ كحفر بِئْر فِي أَرْضك لَا حَاجَة لَك بِهِ، أَو انفق على من لَا تلزمك نَفَقَته، أَو كَانَ الْعَمَل مِمَّا تليه بِنَفْسِك أَو عبيدك أَو دوابك فَلَا شَيْء عَلَيْك اه. بِاخْتِصَار. وَتَقْدِيم وَتَأْخِير وَزِيَادَة للإيضاح. وَهَذِه الْكُلية ذكرهَا ابْن حَارِث فِي أصُول الْفتيا فِي بَاب الضَّمَان، ونقلها ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَابْن عَرَفَة فِي بَاب الْإِجَارَة وسلموها، وَلم يعترضوا مِنْهَا شَيْئا. انْظُر نصهم فِي شرح الشَّامِل. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله بعد الْفَرَاغ فَقَالَ: وإنْ جَرَى النِّزَاعُ قبلَ العَمَلِ تَحَالَفَا والرَّدُّ بَيِّنٌ جَلِي (وَإِن جرى) أَي وَقع (النزاع) بَين الْأَجِير وَرب الْمَتَاع (قبل) الشُّرُوع فِي (الْعَمَل) أَو بعد الشُّرُوع فِيهِ بِشَيْء يسير (تحَالفا وَالرَّدّ) لعقد الْإِجَارَة أَي فَسخه (بَين جلي) وَظَاهره مُطلقًا كَانَ نزاعهما فِي عقدهَا وَعدم عقدهَا أَو فِي قدر الْأُجْرَة أَو فِي نوعها أَو جِنْسهَا أَو فِي انْتِهَاء الْمسَافَة أَو فِي ابتدائها، وَنَحْو ذَلِك. وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يُرَاعى شبههما وَلَا شبه أَحدهمَا لِأَن الْقَاعِدَة أَنه لَا ينظر لشبه قبل الْعَمَل (خَ) : وَإِن قَالَ بِمِائَة لبرقة، وَقَالَ بل لإفريقية حلفا وَفسخ إِن عدم السّير أَو قل وَإِن نقد الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي شَأْنهَا أَي عقدهَا، وَهُوَ مَا إِذا اتفقَا على العقد وَاخْتلفَا فِي الصّفة أَو النَّوْع أَو الْقدر فَقَالَ: وَإنْ يكن فِي صِفَةِ المَصْنُوعِ أَوْ نوعِهِ النِّزَاعُ ذَا وقُوعِ (وَإِن يكن فِي صفة الْمَصْنُوع) كَقَوْلِه: أَمرتنِي بصبغه أَحْمَر، وَقَالَ الآخر: بل أصفر مثلا (أَو نَوعه) كَقَوْلِه: أَمرتنِي بخياطة عَرَبِيَّة وَقَالَ الآخر: بل برومية وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله: (النزاع) وَهُوَ اسْم يكن وَقَوله: (ذَا وُقُوع) خَبره. فَالقولُ لِلصَّانِعِ من بَعْدِ الْحَلِفْ وَذَاكَ فِي مقدارِ أُجرةٍ عُرِفْ (فَالْقَوْل للصانع) فِي الصُّورَتَيْنِ (من بعد الْحلف) وَهَذَا إِذا أشبه أشبه الآخر أم لَا، فَإِن انْفَرد الآخر بالشبه لكَون غَالب أَمْثَاله لم يلبسوا إِلَّا الْأَصْفَر أَو الْمخيط برومية فَقَوله: بِيَمِينِهِ فَإِن لم يشبها فأجرة الْمثل مَا لم تزد على دَعْوَى الصَّانِع أَو تنقص عَن دَعْوَى ربه فَلَا ينقص وَلَا يُزَاد. (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة إِلَى كَون القَوْل للصانع مَعَ حلفه وَشبهه (فِي) نزاعهما فِي (مِقْدَار أُجْرَة) بِأَن قَالَ بِعشْرَة وَقَالَ الآخر بل بِثمَانِيَة (عرف) خبر وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَظَاهره أَن القَوْل لَهُ فِي قدرهَا حَيْثُ أشبه وَحده كَانَ الْمَصْنُوع محوزاً بِيَدِهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فَإِن أشبه ربه وَحده، فَالْقَوْل لَهُ وَلَو محوزاً بيد الصَّانِع، فَإِن أشبها مَعًا فَالْقَوْل للحائز مِنْهُمَا، وَإِن لم يشبها مَعًا فأجرة الْمثل (خَ)
عاطفاً على مَا فِيهِ القَوْل للصانع مَا نَصه: أَو خُولِفَ فِي الصّفة أَو فِي الْأُجْرَة إِن أشبه وَحَازَ لَا أَن لم يحز كبناء. وإنْ يَكُنْ مِنه نُكُولٌ حَلَفَا ربُّ المَتاعِ وَلهُ مَا وَصَفَا (وَإِن يكن مِنْهُ) أَي الصَّانِع (نُكُول) عَن الْيَمين حَيْثُ القَوْل لَهُ فِي هَذِه الْفُرُوع (حلفا رب الْمَتَاع) على دَعْوَاهُ (وَله مَا وَصفا) من قدر الْأُجْرَة وَمن الصَّبْغ والخياطة وَيُؤمر الصَّانِع بِإِعَادَة الصَّبْغ والخياطة إِن أمكنه ذَلِك من غير فَسَاد، وإلاَّ ضمن قِيمَته أَبيض من غير صبغ وَلَا خياطَة. وَالقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ المَتَاعِ فِي تَنَازُعٍ فِي الرَّدِّ مَعْ حَلْفٍ قُفِي (وَالْقَوْل قَول صَاحب الْمَتَاع فِي تنَازع) بَينه وَبَين الصَّانِع (فِي الرَّد) للشَّيْء الْمَصْنُوع فَقَالَ الصَّانِع: رَددته إِلَيْك بعد الصَّنْعَة. وَقَالَ ربه: بل هُوَ بَاقٍ عنْدك فَالْقَوْل لرَبه (مَعَ حلف) مِنْهُ (قفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لحلف، وَظَاهره أَن القَوْل لرَبه سَوَاء قَبضه بِبَيِّنَة أَو بِغَيْر بَيِّنَة استصنع بِأَجْر أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قَبضه على الضَّمَان فَلَا يبرأ مِنْهُ كَمَا قَالَ مَالك: إِلَّا بِبَيِّنَة بِخِلَاف الْمُودع عِنْده إِذا قبض الْوَدِيعَة بِغَيْر بَيِّنَة فَهُوَ مُصدق فِي الرَّد لِأَنَّهُ لم يقبضهَا على الضَّمَان، وَهَذَا كُله فِي الْمَصْنُوع الَّذِي يُغَاب عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوه، وَأما مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كغلام دَفعه لمن يُعلمهُ أَو دَابَّة لمن يعلمهَا حسن السّير، فَالْقَوْل للصانع فِي رده كقبول دَعْوَى تلفه إِلَّا أَن يكون قَبضه بِبَيِّنَة مَقْصُودَة للتوثق فَلَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد والتلف، والمقصودة للتوثق هِيَ الْمَقْصُودَة بِالْإِشْهَادِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حضرت على وَجه الإتفاق فَشَهِدت بِمَا وَقع بمحضرها من غير أَن يشهدها رب الْمَتَاع والصانع، فَهَذِهِ الْبَيِّنَة لم تقصد بِالْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا حضرت على وَجه الِاتِّفَاق فَهِيَ كَالْعدمِ كَمَا أوضحنا ذَلِك فِي شرحنا للشامل فِي بَاب الْوَدِيعَة (خَ) عاطفاً على مَا لَا يقبل فِيهِ قَول الصَّانِع مَا نَصه: وَلَا فِي رده فلربه وَإِن بِلَا بَيِّنَة الخ. وَفهم من النّظم أَن دَعْوَى التّلف وَالْغَصْب كدعوى الرَّد فَلَا يقبل قَول الصَّانِع فيهمَا أَيْضا لِأَن من لم يقبل دَعْوَاهُ الرَّد لم يقبل دَعْوَاهُ التّلف وَالْغَصْب إِلَّا بِبَيِّنَة عَلَيْهِمَا من غير تَفْرِيط وَيضمن قيمَة ذَلِك يَوْم الدّفع، وَلَيْسَ لرَبه أَن يَقُول: أَنا أدفَع الْأُجْرَة وآخذ قِيمَته مَعْمُولا إِلَّا أَن يقر الصَّانِع أَنه تلف بعد الْعَمَل قَالَه فِي الْمُوازِية. وَمحل الضَّمَان إِن غَابَ على الْمَصْنُوع وَنصب نَفسه لتِلْك الصَّنْعَة لسَائِر النَّاس فَإِن لم يغب على الْمَصْنُوع بل صنعه بِبَيْت ربه وَلَو بِغَيْر حُضُوره أَو بِحُضُورِهِ، وَلَو بِغَيْر بَيِّنَة، أَو لم ينصب نَفسه لسَائِر النَّاس، بل كَانَ يصنع لشخص خَاص أَو لجَماعَة مخصوصين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه (خَ) عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو صانع أَي عَلَيْهِ الضَّمَان فِي مصنوعه لَا فِي غَيره، وَلَو مُحْتَاج لَهُ
عمل، وَإِن بِبَيِّنَة أَو بِلَا أجر إِن نصب نَفسه وَغَابَ عَلَيْهِ فبقيمته يَوْم دَفعه، وَلَو شَرط نَفْيه أَو دعِي لأَخذه إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَي بتلفه فَتسقط الْأُجْرَة الخ. تَنْبِيه: ألْحقُوا السمسار بالصانع فَلَا تقبل مِنْهُ دَعْوَى الرَّد وَلَا التّلف. قَالَ فِي الْعَمَل الْمُطلق: والحقوا السمسار بالصناع فضمنوه غَائِب الْمَتَاع فرع: ذكر اللَّخْمِيّ وَابْن عَرَفَة فِي كتاب الْوَدِيعَة: من اكترى دَابَّة فَلَمَّا قدم قَالَ: أودعتها لِأَنَّهَا وقفت عَليّ فِي الطَّرِيق فَإِنَّهُ يصدق، وَلَو أنكر ذَلِك الْمُودع عِنْده وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الشَّأْن دفع الودائع بِغَيْر بَيِّنَة اه. والقَوْلُ لِلأَجِيرِ أَنْ كَانَ سَأَلَ بالقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ أَجْرَ العَمَلْ (وَالْقَوْل للْأَجِير) فِي عدم قَبضه الْأُجْرَة (إِن كَانَ سَأَلَ) أَي جَاءَ يسْأَلهَا ويطلبها (بِالْقربِ من فَرَاغه) كاليومين وَنَحْوهمَا (أجر الْعَمَل) مفعول بقوله سَأَلَ، وَهَذَا إِذا كَانَ قد دفع الْمَصْنُوع لرَبه أَو لم يحزه أصلا كبناء وإلاَّ بِأَن كَانَ الْمَصْنُوع بَاقِيا تَحت يَده، فَالْقَوْل لَهُ فِي عدم الْقَبْض وَإِن طَال (خَ) : وَله وللجمال بِيَمِين فِي عدم قبض الْأُجْرَة وَإِن بلغا الْغَايَة إِلَّا لطول فلمكتريه بِيَمِين، وَكَانَ حق النَّاظِم أَن يُؤَخر هَذَا الْبَيْت عَن الأبيات بعده لارتباطها بِمَا قبله، وَظَاهر قَوْله بِالْقربِ من فَرَاغه أَنه لَا فرق بَين الصناع وكراء الرَّوَاحِل والسفن والدور وَالْأَرضين وَغير ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن كَانَ الْكِرَاء مشاهرة أَو مسانهة وَاخْتلفَا فِي الدّفع صدق الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينه فِيمَا انْقَضى من الشُّهُور فِي المشاهرة، وَمن السنين فِي المسانهة إِلَّا فِي الشَّهْر الْأَخير وَالسّنة الْأَخِيرَة، فَيصدق الْمكْرِي مَعَ يَمِينه إِن قَامَ بحدثان ذَلِك. قَالَ بعض الموثقين: والشهر بعد انْقِضَاء الْمدَّة فِي ذَلِك قريب انْتهى. قَالَ المكناسي فِي مجالسه: الْعرف بفاس أَن القَوْل قَول الْمكْرِي للدَّار وَنَحْوهَا فِي سالف الْمدَّة مَا عدا شَهْرَيْن من آخرهَا فَإِن القَوْل فِيهَا قَول الْمكْرِي انْتهى. قلت: وَالْعَمَل الْيَوْم بفاس على مَا للمكناسي بِزِيَادَة شهر فَيكون القَوْل للمكتري فِيمَا عدا الثَّلَاثَة الْأَشْهر الْأَخِيرَة، فَإِن القَوْل فِيهَا قَول الْمكْرِي مَعَ يَمِينه فِي الدّور والحوانيت والفنادق وَنَحْو ذَلِك لَا فِي الصناع والرواحل، فَإِن الْعَمَل فِيهَا على مَا فِي النّظم وَالله أعلم. ثمَّ إِذا قُلْنَا
يضمن قيمَة الْمَصْنُوع فِي دَعْوَاهُ التّلف وَالرَّدّ يَوْم الدّفع كَمَا مر، فَإِن اتفقَا عَلَيْهَا فَلَا كَلَام، وَإِن اخْتلفَا فِيهَا تواصفاه، ثمَّ قوِّم، فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للصانع لِأَنَّهُ غَارِم، وَهَذَا إِن أشبه وَحلف كَمَا قَالَ: بَقِي هُنَا بَيت وَهُوَ: بَعْدَ يَمِينِهِ لمِنْ يُنَاكِرُ وَبَعْدَ طُولٍ يَحْلِفُ المُستَأْجِرُ وَالوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ لمَا تَلفْ فِي يَدِهِ يُقْضى صلى الله عليه وسلم
1648 -
; بِه بَعْدَ الحَلِفْ (وَالْوَصْف) مُبْتَدأ (من مستهلك) بِكَسْر اللَّام يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الْكَائِن من مستهلك، وَسَماهُ بذلك لهلاك الشَّيْء تَحت يَده ونكره ليعم الصَّانِع وَالْمُرْتَهن وَالْغَاصِب وَغَيرهم كَمَا سَيَقُولُ: وكل من ضمن شَيْئا الخ. (لما تلف) يتَعَلَّق بِالْوَصْفِ (فِي يَده) أَي الْمُسْتَهْلك يتَعَلَّق بِتَلف (يقْضِي بِهِ) خبر أَي يقْضِي بوصفه عِنْد اخْتِلَافهمَا فِيهِ دون وصف صَاحبه (بعد الْحلف) من الْمُسْتَهْلك (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف تواصفاه، ثمَّ قوم، فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للْمُرْتَهن الخ. (ز) : وَلَو ادّعى شَيْئا يَسِيرا لِأَنَّهُ غَارِم، وَقَالَ أَشهب: إِلَّا أَن يتَبَيَّن كذبه لقلَّة مَا ذكره، وَنَحْوه قَول الْمُدَوَّنَة: من غصب أمة فَادّعى هلاكها وَاخْتلفَا فِي صفاتها صدق الْغَاصِب فِي الصّفة مَعَ يَمِينه إِذا أَتَى بِمَا يشبه فَإِن أَتَى بِمَا لَا يشبه صدق الْمَغْصُوب مِنْهُ فِي الصّفة حِينَئِذٍ مَعَ يَمِينه انْتهى. وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: وَشَرْطُهُ إتْيَانُهُ بِمشْبِهِ وَإنْ بِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ يَنْتَهِي (وَشَرطه) أَي شَرط قبُول وَصفه مَعَ الْحلف. (إِتْيَانه بمشبه) فَإِن أَتَى بِمَا لَا يشبه صدق الآخر إِن أشبه وَحلف، فَإِن نكل الْمُسْتَهْلك أَو قَالَ لَا أَدْرِي صفته صدق الآخر كَمَا قَالَ:(وَإِن بِجَهْل أَو نُكُول يَنْتَهِي) الْمُسْتَهْلك بِكَسْر اللَّام. فَالقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ فِي وَصْفِهِ مُسْتَهْلِكاً بِمُشْبِهٍ مَعْ حَلْفِهِ (فَالْقَوْل قَول خَصمه) وَهُوَ رب الْمُسْتَهْلك بِفَتْح اللَّام (فِي وَصفه مُسْتَهْلكا) بِالْفَتْح مَعْمُول بِوَصْف (بمشبه) يتَعَلَّق بِوَصْف (مَعَ حلفه) مُتَعَلق بقوله خَصمه أَو حَال مِنْهُ، فَإِن لم يشبه رب الْمُسْتَهْلك أَيْضا فوسط من الْقيم بعد أيمانهما كَمَا لِابْنِ نَاجِي، وَالظَّاهِر أَنه كَذَلِك إِذا تجاهلا أَي ادّعى كل جهل صفته، وَهَذَا فِي غير الْمَرْهُون، وَأما هُوَ فَإِنَّهُمَا إِذا تجاهلاه فالرهن بِمَا فِيهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن تجاهلا فالرهن بِمَا فِيهِ، وَلما بَين أَن القَوْل للمستهلك بِكَسْر اللَّام فِي وصف الْمُسْتَهْلك بِفَتْحِهَا أَشَارَ إِلَى مَا يضمنهُ بعد الْوَصْف وَالْيَمِين فَقَالَ:
وَكلُّ مَنْ ضَمِنَ شَيْئاً أتْلَفَهْ فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ (وكل من ضمن شَيْئا أتْلفه) من مثلى أَو مقوم (فَهُوَ مطَالب) بِفَتْح اللَّام (بِهِ أَن يخلفه) سَوَاء أتْلفه عمدا أَو خطأ. وَفي ذَوَاتِ المِثْلِ مِثلٌ يَجِبُ وَقِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ تَسْتَوْجِبُ (وَفِي ذَوَات الْمثل مثل) مُبْتَدأ سوغه تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر عَلَيْهِ على حد قَول ابْن مَالك: بهَا كَلَام قد يؤم (يجب) خَبره وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَكَانَ حَقه أَن يفرعه بِالْفَاءِ فَيَقُول فَفِي ذَوَات الْمثل الخ. (وَقِيمَة فِي غَيره) أَي المثلى وَهُوَ الْمُقَوّم (تستوجب) أَي يُوجِبهَا الشَّرْع، والمثلى كل مَا يُكَال أَو يُوزن كالذهب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والصفر والنحاس وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَسَائِر المأكولات، والمقوم مَا لَا يُكَال وَلَا يُوزن كالثياب وَسَائِر الْعرُوض وَالرَّقِيق وَالْحَيَوَان. تَنْبِيه: من اسْتهْلك طَعَاما فِي الغلاء وطولب بِهِ فِي الرخَاء فَإِنَّهُ يلْزمه مثله على الْمَشْهُور، وَكَذَلِكَ من اسْتهْلك فُلُوسًا فَانْقَطع التَّعَامُل بهَا فَإِنَّهُ يلْزمه الْمثل، وَإِذا تعذر الْمثل فَإِنَّهُ يصبر حَتَّى يُوجد كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْغَصْب: والمثلى وَلَو بغلاء بِمثلِهِ وصبر لوُجُوده ولبلده الخ. وَقَوْلِي: وطولب بِهِ فِي الرخَاء احْتِرَازًا مِمَّا إِذا طُولِبَ بِهِ فِي الغلاء وَكَانَ مَوْجُودا فماطله الْمُسْتَهْلك أَو الْغَاصِب أَو الْمُقْتَرض حَتَّى رخص فَإِنَّهُ يضمن قِيمَته وَقت الطّلب كَمَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم صدر الْبيُوع: بأضرب الْأَثْمَان والآجال الخ. تَنْبِيه آخر: إِذا أتلف عجل بقرة أَو ولد شَاة فَإِنَّهُ يضمن قيمَة الْعجل وَقت التّلف وَيضمن أَيْضا مَا نقص من حليب الْبَقَرَة أَو الشَّاة على أَنَّهَا تحلب بنتاجها، وَهَذَا إِذا لم يكن اللَّبن هُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا وإلاَّ خير الْمَالِك بَين أَن يضمنهُ قيمتهَا أَو يَأْخُذهَا وَمَا نَقصهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي فصل التَّعَدِّي بقوله: فَإِن أفات الْمَقْصُود كَقطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة أَو لبن شَاة هُوَ الْمَقْصُود لَا إِن لم يفته كلبن بقرة الخ. وَانْظُر أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الدِّمَاء كجنين الْبَهِيمَة، وَانْظُر أَيْضا من أتلف ثَمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات كالإتلاف بِلَا تَأْخِير للحصول. وَانْظُر شرح الشَّامِل لهَذَا النَّص الَّذِي فِي الشَّهَادَات من رعى كرماً أَو أشجاراً، وَانْظُر من أتلف زرعا قبل بَدو صَلَاحه عِنْد قَوْله فِي الشّرْب: وَمَا أتلفته الْبَهَائِم لَيْلًا الخ. أَي فَإِنَّهُ يغرم قِيمَته على الرَّجَاء وَالْخَوْف، قَالَ ابْن رشد: وَلَا خلاف فِي تقويمه إِذا أيس من عوده لهيئته، وَأما إِن رعى صَغِيرا أَو رجى أَن يعود لهيئته فَاخْتلف هَل يستأني بِهِ أم لَا؟ فَقَالَ مطرف: إِنَّه لَا يستأني بِهِ، وَقَالَ سَحْنُون: يستأني بِهِ، وَإِذا حكم بِالْقيمَةِ فِيهِ على قَول مطرف ثمَّ عَاد لهيئته مَضَت الْقيمَة لصَاحب
الزَّرْع وَقيل ترد كالبصل يعود، وَإِذا لم يحكم بِالْقيمَةِ حَتَّى عَاد لهيئته فَإِن الْقيمَة تسْقط. وَقَالَ أصبغ: لَا تسْقط، قَالَ الشَّيْخ بناني: وَرُبمَا يستروح من كَلَام ضيح أَن قَول مطرف هُوَ الرَّاجِح فِي الْجَمِيع انْتهى. وَقَوله: مَضَت الْقيمَة إِلَى قَوْله، وَقيل ترد الخ. صَرِيح أَن الزَّرْع وَالْقيمَة يكونَانِ لرب الزَّرْع لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ الْقيمَة إِلَّا على الرَّجَاء وَالْخَوْف وَهُوَ الظَّاهِر خلاف مَا فِي حَاشِيَة الرهوني عَن الْمَقْصد الْمَحْمُود من أَن الزَّرْع يكون لدافع الْقيمَة، وَالله أعلم.
(فصل فِي الْجعل)
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} (يُوسُف: 72) فقد جعل لَهُ جعلا على الْإِتْيَان فِي الصواع وَلم يضْرب لَهُ أَََجَلًا فَدلَّ ذَلِك على أَنه إِن طلب وَلم يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ وَالْأَصْل فِيهِ حَدِيث الرّقية، وَهُوَ أَن نَفرا من الصَّحَابَة سافروا حَتَّى نزلُوا على حَيّ من الْعَرَب فاستضافوهم فَلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فَأتى الملدوغ لبَعض أُولَئِكَ الصَّحَابَة يرقيه فرقاه على أَن جعل لَهُ قطيعاً من الْغنم فبرىء ووفى لَهُ بجعله، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُم:(إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله) الخ. والقصة فِي البُخَارِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ونقلها (ح) وَغَيره. وعرفه ابْن عَرَفَة بتعريفين أوجزهما، وَعَلِيهِ نقتصر عقد معاوضه على عمل آدَمِيّ يجب عوضه بِتَمَامِهِ لَا بعضه بِبَعْضِه، فَخرج بقوله عمل آدَمِيّ كِرَاء الرَّوَاحِل والسفن وَالنِّكَاح وكراء الْأَرْضين، وَبِقَوْلِهِ يجب عوضه بِتَمَامِهِ الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة وَالشَّرِكَة فِي الْحَرْث لجَوَاز عدم الرِّبْح وَالْغلَّة وَالزَّرْع، وَبِقَوْلِهِ لَا بعضه بِبَعْضِه الْإِجَارَة لوُجُوب بعض الْعِوَض إِذا ترك الْأَجِير الْعَمَل قبل تَمَامه. الجُعْلُ عَقْدٌ جائِزٌ لَا يَلْزَمُ لَكِن بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ (الْجعل عقد جَائِز لَا يلْزم) فَكل مِنْهُمَا أَن يفسخه قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل على الْمَشْهُور
(لَكِن بِهِ) أَي باللزوم (بعد الشُّرُوع يحكم) على الْجَاعِل فَقَط، وَهُوَ باذل الْعِوَض فالمجرور والظرف متعلقان بيحكم، وَأما المجعول فَلهُ التّرْك وَلَو بعد الشُّرُوع أَو الْعَمَل الْكثير، وَلَا يلْزمه الْإِتْمَام بِحَال (خَ) : ولزمت الْجَاعِل بِالشُّرُوعِ. وَاعْلَم أَن الْجعَالَة تفارق الْإِجَارَة من وُجُوه، فَمِنْهَا أَن ضرب الْأَجَل يُفْسِدهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي بقوله: وَلَا يحد بِزَمَان لَاحق الخ. أَي: لَا يُؤَجل بِأَجل إِلَّا أَن يشْتَرط المجعول التّرْك مَتى شَاءَ بِخِلَاف الْإِجَارَة فَلَا تصح بِدُونِ أجل، وَمِنْهَا أَنَّهَا عقد غير لَازم كَمَا قَالَ النَّاظِم هَهُنَا فَهُوَ كالقراض وَالتَّوْكِيل والتحكيم بِخِلَاف الْإِجَارَة، فَإِنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ، وَقد نظم ابْن غَازِي مَا يلْزم بِالْعقدِ وَمَا لَا يلْزم بِهِ وَمَا فِيهِ خلاف هَل يلْزم بِهِ أم لَا فَقَالَ: أَرْبَعَة بالْقَوْل عقدهَا فرا بيع نِكَاح وسقاء وكرا لَا الْجعل والقراض وَالتَّوْكِيل وَالْحكم بِالْفِعْلِ بهَا كَفِيل لَكِن فِي الْغِرَاس والمزارعه والشركات بَينهم منازعه وفرا آخر الشّطْر الأول بِالْفَاءِ بِمَعْنى قطع، وَمِنْه فرى الْأَوْدَاج أَي قطعهَا، وَالْوَجْه الثَّالِث الَّذِي يُخَالف فِيهِ الْجعل الْإِجَارَة أَنه لَا شَيْء لَهُ إِلَّا بِتمَام الْعَمَل كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ شَيْئاً سِوَى إذَا يَتِمُّ العَمَلُ (وَلَيْسَ يسْتَحق) المجعول (مِمَّا) أَي الْجعل الَّذِي (يَجْعَل) لَهُ (شَيْئا) مفعول يسْتَحق (سوى إِذا يتم الْعَمَل) فَإِن لم يتمه فَلَا شَيْء لَهُ بِخِلَاف الْإِجَارَة فَإِن لَهُ فِيهَا بِحِسَاب مَا عمل (خَ) : صِحَة الْجعل بِالْتِزَام أهل الْإِجَارَة جعلا يسْتَحقّهُ السَّامع بالتمام ككراء السفن إِلَّا أَن يسْتَأْجر على التَّمام فنسبة الثَّانِي الخ. أَي مَحل كَونه لَا شَيْء لَهُ إِذا لم يتمه الْجَاعِل بِنَفسِهِ أَو عبيده أَو يسْتَأْجر عَلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ فبنسبة الثَّانِي فَإِذا جاعله على الْإِتْيَان بخشبة إِلَى مَوضِع كَذَا بِخَمْسَة دَرَاهِم مثلا فحملها نصف الطَّرِيق وَتركهَا فَلَا شَيْء لَهُ، فَإِذا جَاعل صَاحبهَا شخصا آخر على بَقِيَّة الطَّرِيق بِعشْرَة فَإِنَّمَا يكون للْأولِ عشرَة لِأَنَّهَا الَّتِي تنوب فعله من عمل الثَّانِي لِأَن الثَّانِي لما اُسْتُؤْجِرَ نصف الطَّرِيق بِعشْرَة علم أَن قيمَة الْإِتْيَان بهَا فِي الطَّرِيق كلهَا يَوْم اُسْتُؤْجِرَ عشرُون، وَلَو حملهَا الأول ربع الطَّرِيق وَتركهَا وَحملهَا الثَّانِي بَقِيَّة الطَّرِيق بِعشْرَة أَيْضا كَانَ للْأولِ ثَلَاثَة وَثلث لِأَن الثَّانِي حمل كل ربع من الثَّلَاثَة الأرباع بِثَلَاثَة وَثلث، وَقس على ذَلِك لَو حملهَا الأول ثَلَاثَة أَربَاع الطَّرِيق وَنَحْو ذَلِك والحفر فِي الْبِئْر مثل الْخَشَبَة وَإِذا حملهَا بَقِيَّة الطَّرِيق بِنَفسِهِ أَو عَبده يُقَال مَا قيمَة ذَلِك أَن لَو جوعل أَو اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ. ابْن رشد: وَشبه هَذَا الدَّلال يَجْعَل لَهُ الْجعل على شَيْء فيسوقه ثمَّ يَبِيعهُ
ربه بِغَيْر حَضرته، وَلَو بَاعه دلال آخر بِجعْل كَانَ الْجعل بَين الدلالين بِقدر عنائهما، لِأَن الدَّلال الثَّانِي هُوَ المنتفع بتسويق الأول اه. وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم من كَون الدَّلال الثَّانِي يستبد بِجَمِيعِ الْجعل وَذَلِكَ ظلم للْأولِ كَمَا ترى، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ الدَّلال الثَّانِي دلل الثَّوْب مثلا فِي الْيَوْم الَّذِي دلله فِيهِ الأول، وَفِي ذَلِك السُّوق بِعَيْنِه وإلاَّ فَلَا شَيْء للْأولِ بِخِلَاف تدليل الْأُصُول الْجُمُعَة والشهر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ يُشَارك الثَّانِي وَلَو دللها فِي غير يَوْمهَا وسوقها ثمَّ مَا مر من أَن للْأولِ بِنِسْبَة الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُور، وَاعْتَرضهُ التّونسِيّ وَابْن يُونُس قَالَا: لِأَن الأول إِذا رَضِي أَن يحملهَا جَمِيع الطَّرِيق بِخَمْسَة، فَكَانَ يجب إِذا تَركهَا فِي نصف الطَّرِيق أَن يعْطى نصف الْخَمْسَة، وَأجَاب ابْن عبد السَّلَام بِأَن عقد الْجعل لما كَانَ منحلاً من جِهَة الْعَامِل بعد الْعَمَل فَلَمَّا ترك بعد حمله نصف الْمسَافَة صَار تَركه إبطالاً للْعقد من أَصله وَصَارَ الثَّانِي كاشفاً لما يسْتَحقّهُ الأول اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: أَرْكَان الْجعل ثَلَاثَة: عَاقد وَشَرطه أَهْلِيَّة البيع وَعمل وَهُوَ كعمل الْإِجَارَة من كَونه مَنْفَعَة تتقوم قدر على تَسْلِيمهَا بِلَا اسْتِيفَاء عين وَلَا حظر وَتعين الخ. إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط الْعلم بِهِ هُنَا إِذْ مَسَافَة الْآبِق والضالة مَجْهُولَة انْظُر شرحنا للشامل. وَجعل وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما مُنْتَفعا بِهِ ظَاهرا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يشْتَرط فِي ثمن الْمَبِيع، وَتقدم عَن ابْن سراج فِي فصل الْإِجَارَة أَنه أجَاز كِرَاء السَّفِينَة بالجزء من ربحها إِذا دعت إِلَى ضَرُورَة قَالَ: لِأَنَّهُ قد علم من مَذْهَب مَالك رحمه الله مُرَاعَاة الْمصلحَة إِذا كَانَت كُلية حاجية، وَأَيْضًا فَإِن ابْن حَنْبَل وَجَمَاعَة من عُلَمَاء السّلف أَجَازُوا الْإِجَارَة بالجزء فِي جَمِيع الْإِجَارَات قِيَاسا على الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة، وَقد اخْتلف الأصوليون فِي جَوَاز الِانْتِقَال من مَذْهَب إِلَى آخر فِي بعض الْمسَائِل، وَالصَّحِيح من جِهَة النّظر جَوَازه قَالَ: وَمِمَّا يدل للْجُوَاز أَيْضا مَا ذكره الشّعبِيّ عَن أصبغ من أَن جَمِيع مَا يضْطَر إِلَيْهِ النَّاس وَلَا يَجدونَ مِنْهُ بدًّا مثل حَارِث الزَّرْع يسْتَأْجر بِجُزْء مِنْهُ، وَلَا يجد من يحرس لَهُ إِلَّا بذلك الْوَجْه فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس اه بِاخْتِصَار. وَنقل ولد النَّاظِم كَلَامه فِي فصل الْإِجَارَة وَقَالَ عقبه: إِن عمل بِمُقْتَضى هَذِه الْفَتْوَى فتحت مسَائِل كَثِيرَة ظَاهرهَا الْمَنْع على أصل الْمَذْهَب اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْفَتْوَى اعتمدها غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين ومحلها عِنْدهم وَعند ابْن سراج إِذا دعت الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك وَلم يجد فِي الْبَلَد من يعْمل بِالْأَجْرِ الْمَعْلُوم كَمَا ترى، وَتقدم فِي فصل الْإِجَارَة أَن مجاعلة الدَّلال من هَذَا الْقَبِيل وإلاَّ فَهِيَ مَمْنُوعَة. انْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَالْعَمَل فِي الْجعل من شَرطه عدم تَأْجِيله الخ. وَمِمَّا يجوز فِيهِ الْجعل مَعَ جهل الْعِوَض أَيْضا قَوْله: اقتض ديني وَمَا اقتضيت فلك نصفه، أَو القط زيتوني وَمَا لقطت فلك نصفه، وجذ من نخلي مَا شِئْت، أَو احصد من زرعي مَا شِئْت وَلَك نصف مَا تحصد أَو تجذ، فَإِن ذَلِك كُله جعَالَة وَله التّرْك مَتى شَاءَ كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَغَيره، فَإِن قَالَ: احصد زرعي هَذَا سَوَاء قَالَ كُله أم لَا. كَمَا فِي الرجراجي أَو قَالَ: جذ نخلي هَذَا أَو القط زيتوني هَذَا وَلَك نصفه، فَهُوَ إِجَارَة لَازِمَة لِأَنَّهُ مَعْلُوم بالحزر وَلَيْسَ لَهُ التّرْك كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة. الثَّانِي: كل مَسْأَلَة يَصح الْجعل فِيهَا مَعَ اعْتِبَار شُرُوطه من عدم ضرب الْأَجَل وَنَحْوه تصح فِيهَا الْإِجَارَة مَعَ اعْتِبَار شُرُوطهَا أَيْضا من ضرب الْأَجَل وَغَيره، وَلَا عكس. أَلا ترى أَن حفر الْآبَار يَصح بجعالة كَمَا قَالَ:
كالحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الآبِقِ وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لاحِقِ (كالحفر للبئر) بِشَرْط أَن تكون فِي غير ملك الْجَاعِل، وَأَن يعرفا شدَّة الأَرْض ورخاوتها على مَا لصَاحب المعونة لَا على مَا لِابْنِ رشد وَابْن الْحَاجِب فَإِنَّهُمَا لَا يشترطان معرفَة شدتها ورخاوتها وَهُوَ أظهر والآلات والفؤوس على الْحَافِر إِلَّا أَن يشترطها على الْجَاعِل وَيصِح إِجَارَة أَيْضا كَانَت فِي أَرض يملكهَا الْجَاعِل أم لَا. والآلة والفؤوس على الْمُسْتَأْجر بِالْكَسْرِ، وَكَذَا بيع الثِّيَاب يَصح إِجَارَة وجعالة وَكَذَا مشارطة الطَّبِيب. (ورد الْآبِق) والشارد يَصح فيهمَا الْأَمْرَانِ أَيْضا وتنفرد الْإِجَارَة بخياطة الثَّوْب وحفر الْبِئْر فِي ملك الْجَاعِل وَنَحْوهمَا مِمَّا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل بعد التّرْك فَإِنَّهُ لَا يَصح جعَالَة وَإِنَّمَا يَصح إِجَارَة فَالْإِجَارَة أَعم من الْجعل مُطلقًا كَمَا قَالَ (خَ) : فِي كل مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَة بِلَا عكس الخ. وَهَذَا وَاضح على الْمَشْهُور من أَن مَا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل بعد التّرْك لَا تصح فِيهِ الْجعَالَة، وَأما على مُقَابِله وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم من صِحَة الْجعل فِيمَا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل فيتساوى الْجعل وَالْإِجَارَة وَلَا ينْفَرد أَحدهمَا عَن الآخر بِشَيْء. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَكره مَالك الْجعل على الْخُصُومَة على أَنه لَا يَأْخُذ شَيْئا إِلَّا بِإِدْرَاك الْحق لِأَنَّهُ لَا يعرف لفراغها غَايَة فَإِن عمل هَذَا فَلهُ أجر مثله اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: وَيجوز فِي أحد قولي مَالك أَن يجاعل الطَّبِيب على الْبُرْء والخصم على إِدْرَاك الْحق وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ عِنْد الموثقين اه. وَنَحْوه فِي الْمجَالِس المكناسية، وَمَا تقدم فِي الطَّبِيب مَحَله إِذا كَانَ الدَّوَاء من عِنْد العليل وَإِلَّا لم يجز لِأَنَّهُ غرر إِن برىء أَخذ حَقه وإلاَّ ذهب دواؤه بَاطِلا. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه حكمت ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. الثَّانِي: من سرق لَهُ شَيْء أَو ضَاعَ لَهُ مثلا فالتزم ربه الْجعل الْمُسَمّى بالبشارة الْيَوْم، فَإِنَّهُ يجوز ذَلِك الِالْتِزَام وَيَقْضِي للمبشر بِأَخْذِهِ بِشَرْطَيْنِ أَن يلْتَزم لَهُ ذَلِك قبل وجود الْمَسْرُوق وَنَحْوه، وَأَن يكون مَكَانَهُ مَجْهُولا، فَمن وجد الْآبِق أَو الْمَسْرُوق أَو علم مكانهما ثمَّ جَاءَ إِلَى ربه، فَطلب أَن يلْتَزم لَهُ بالبشارة على رده أَو على الدّلَالَة على مَكَانَهُ فَلَا جعل لَهُ وَإِن قَبضه رده قَالَ فِي العمليات: وَخذ بِشَارَة بِجعْل جعلا قبل الْوُجُود وَالْمَكَان جهلا انْظُر الأنقال على ذَلِك فِي شَرحه، لَكِن ذكر أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي بعض تقاييده وَنَحْوه
فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور أَن بعض قُضَاة فاس أفتى بِوُجُوب الحكم بالبشارة مُطلقًا مُرَاعَاة للْمصَالح الْعَامَّة وخوفاً من ضيَاع أَمْوَال الْمُسلمين بكتمان الضوال والمسروق. قَالَ: وَقد نَص الْعلمَاء على أَن الْفَتْوَى دَائِرَة على مُقْتَضى الْحَال وَحَيْثُ أخذت الْبشَارَة من الْمَسْرُوق لَهُ، فَإِنَّهُ يرجع بهَا على السَّارِق لِأَنَّهُ ظَالِم تسبب فِي إغرام رب الْبشَارَة. قلت: وَهَذِه الْفَتْوَى جَارِيَة على مَا تقدم عَن ابْن سراج وَغَيره من رعي الْمصَالح وعَلى مقتضاها عَامَّة الْمُسلمين الْيَوْم فَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن كتمان الضوال راد إِن لم يَأْخُذُوا الْبشَارَة وَالله أعلم. (وَلَا يحد بِزَمَان لَاحق) أَي لَا يجوز أَن يُؤَجل عمل الْجعل بِأَجل وَلَا يقدر بِزَمن كَيَوْم أَو عشرَة مثلا لِأَنَّهُ قد يَنْقَضِي الْأَجَل قبل تَمام الْعَمَل، فَيذْهب سَعْيه بَاطِلا. (خَ) : بِلَا تَقْدِير زمن إِلَّا بِشَرْط ترك مَتى شَاءَ فَيجوز حِينَئِذٍ ضرب الْأَجَل فِيهِ كَمَا مر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عدم الشَّرْط دخل على التَّمام فقوى الْغرَر بِسَبَب ذَلِك مَعَ ضرب الْأَجَل، بِخِلَاف مَا إِذا شَرط التّرْك مَتى شَاءَ مَعَ الْأَجَل فقد دخلا على التَّخْيِير فخف بذلك الْغرَر وَسكت النَّاظِم عَن شَرط النَّقْد فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوع لتردد المنقود بَين السلفية والثمنية لَا إِن نقد تَطَوّعا فَيجوز، وَهل على اخْتِلَافهمَا فِي قدر الْجعل وَحكمه أَنه كالصانع، فَإِن كَانَ الْآبِق مثلا محوزاً بِيَدِهِ وأشبه قَوْله، فَالْقَوْل لَهُ أشبه الْجَاعِل أم لَا، وإلاَّ صدق الْجَاعِل إِن أشبه وَإِلَّا تحَالفا وَكَانَ لَهُ جعل مثله.
(فصل فِي الْمُسَاقَاة)
مفاعلة من السَّقْي وَأَصله مساقية تحركت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا فتكتب بِالْهَاءِ وتنصب الفتحة لِأَنَّهَا مُفْردَة ولفظها مفاعلة، أما من الْوَاحِد وَهُوَ قَلِيل كسافر وَعَافَاهُ الله أَو يُلَاحظ فِيهَا العقد وَهُوَ مِنْهُمَا، فَيكون من التَّعْبِير بالمتعلق بِالْفَتْح وَهُوَ الْمُسَاقَاة عَن الْمُتَعَلّق بِالْكَسْرِ وَهُوَ العقد وَهِي رخصَة مُسْتَثْنَاة من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا، وَذَلِكَ فِي بعض صورها كالبياض الَّذِي بَين الْأَشْجَار يعْمل فِيهِ الْعَامِل بِجُزْء من زرعه وَمن بيع الثَّمَرَة وَالْإِجَارَة بهَا قبل طيبها وَقبل وجودهَا، وَمن الْإِجَارَة المجهولة وَمن بيع الْغرَر قَالَه عِيَاض. قَالَ فِي الْكَافِي: وَمعنى الْمُسَاقَاة أَن يدْفع الرجل كرمه أَو حَائِط نخله أَو شَجَرَة تينه أَو زيتونه أَو سَائِر مثمر شَجَره لمن يَكْفِيهِ الْقيام بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من السَّقْي وَالْعَمَل على أَن مَا أطْعم الله من ثَمَرهَا يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَو على جُزْء مَعْلُوم من الثَّمَرَة. ابْن عَرَفَة: هِيَ عقد على عمل مُؤنَة النَّبَات بِقدر لَا من غير غَلَّته لَا بِلَفْظ بيع أَو إِجَارَة أَو جعل فَيدْخل قَوْلهَا لَا بَأْس بالمساقاة على أَن كل الثَّمَرَة لِلْعَامِلِ ومساقاة البعل انْتهى. فَقَوله: بِقدر يَشْمَل مَا إِذا كَانَ الْقدر كل الثَّمَرَة أَو بَعْضهَا، وَلذَا قَالَ: فَيدْخل الخ. وَلَو عبر بِجُزْء لم يَشْمَل ذَلِك وَهُوَ عطف على مُقَدّر أَي يقدر من غَلَّته لَا من غير غَلَّته وَلَا تَنْعَقِد عَن ابْن الْقَاسِم إِلَّا بلفظها، وَعند سَحْنُون بِكُل مَا يدل عَلَيْهَا وَلَو بِلَفْظ الْإِجَارَة
وَهُوَ مُقْتَضى تَعْرِيف ابْن عَرَفَة الْمُتَقَدّم، وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم صدر الْإِجَارَة من أَنه إِذا قَالَ لَهُ: بِعْتُك سُكْنى دَاري فَذَلِك غلط فِي اللَّفْظ وَهُوَ كِرَاء صَحِيح. وَقَالَ ابْن يُونُس حَسْبَمَا نَقله الْبُرْزُليّ وَغَيره فِي المغارسة مَا نَصه: وَلَا فرق بَين أساقيك وأواجرك وَلَا يضر قبح اللَّفْظ إِذا حسن الْعَمَل، وَلم يفرق ابْن الْقَاسِم بَينهمَا وَهُوَ أصوب انْتهى. فعلى هَذَا لِابْنِ الْقَاسِم قَولَانِ وَافق فِي أَحدهمَا قَول سَحْنُون، وَصَوَّبَهُ ابْن يُونُس كَمَا ترى وَذَلِكَ مِمَّا يرجح مَا عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم من عقدهَا بِغَيْر لَفظهَا، وَإِن كَانَ (خَ) اقْتصر على الأول فَقَالَ: بساقيتك الخ. فَلَا يشوش بِهِ على النَّاس الْيَوْم وَالله أعلم. إنَّ المُسَاقَاةَ عَلَى المُخْتَارِ لَازِمْةٌ بالْعَقْدِ فِي الأَشْجَارِ (إِن الْمُسَاقَاة على) القَوْل (الْمُخْتَار) وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَالْأَكْثَر (لَازِمَة بِالْعقدِ) وَإِن لم يشرع فِي الْعَمَل وَقيل إِنَّمَا تلْزم بِالشُّرُوعِ، وَقيل بالحوز كَمَا فِي ابْن عَرَفَة (فِي الْأَشْجَار) مُتَعَلق بالمساقاة أَو بتجوز مُقَدرا. وَالزرْعِ لَمْ يَيْبَسْ فَقَدْ تَحَقَّقَا قيلَ مَعَ العَجْزِ وقيلَ مُطْلَقَا (و) تجوز أَيْضا فِي (الزَّرْع) حَال كَونه (لم ييبس) أَي لم يطب، وَهَذَا الشَّرْط لَا يخْتَص بالزرع بل هُوَ شَرط حَتَّى فِي ثَمَر الْأَشْجَار وَمثل الزَّرْع المقثاة والباذنجان والقرع والبصل والقصب واللفت والجزر. وَلما كَانَت هَذِه الْأُمُور مُلْحقَة بالثمار لِأَن السّنة إِنَّمَا وَردت بالمساقاة فِيهَا خَاصَّة اشْترط الإِمَام لجَوَاز الْمُسَاقَاة فِي هَذِه الْأُمُور شُرُوطًا. أَحدهَا: عدم الطّيب وَهُوَ لَا يخْتَص بالزرع والملحق بِهِ كَمَا مر، وَثَانِيها: أَن تبرز من الأَرْض وتستقل لتصير مشابهة للشجر وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقد تحققا) أَي: وَالْحَال أَنه قد تحقق كَونه زرعا بِأَن بزر من الأَرْض واستقل فَلَا تصح الْمُسَاقَاة فِيهَا قبل ذَلِك، وَثَالِثهَا: أَن يعجز رَبهَا عَن الْقيام بعملها الَّذِي لَا تتمّ وَلَا تنمو إِلَّا بِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: (قيل مَعَ الْعَجز) أَي إِنَّمَا تجوز الْمُسَاقَاة فِيهَا إِذا عجز عَن الْقيام بهَا بِخِلَاف ثمار الْأَشْجَار، فَإِنَّهَا تجوز الْمُسَاقَاة فِيهَا، وَإِن لم تبرز ثَمَرَتهَا وَإِن لم يعجز رَبهَا وَاشْتِرَاط الْعَجز فِي الزَّرْع، وَمَا ألحق بِهِ هُوَ الْمَشْهُور. 6 (وَقيل مُطلقًا) وَهُوَ لِابْنِ نَافِع تجوز فِي الزَّرْع وَمَا ألحق بِهِ، وَإِن لم يعجز عَنهُ ربه وعَلى الأول اقْتصر (خَ) إِذْ قَالَ: كزرع وقصب ومقثاة إِن عجز ربه وَخيف مَوته وبرز وَلم يبد صَلَاحه. وَأَلْحَقُوا المقاثِي بالزَّرْعِ وَمَا كالْوَرْدِ وَالْقُطْنِ عَلَى مَا قُدِّمَا (وألحقوا المقاثي بالزرع) فِي الْجَوَاز بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة كَمَا مر. (وَمَا) مُبْتَدأ (كالورد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (والقطن) مَعْطُوف عَلَيْهِ (على مَا قدما) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر، وَالتَّقْدِير وَمَا ثَبت
كالورد وَالريحَان والياسمين والقطن تجوز مساقاته على مَا تقدم من الْخلاف فِي الزَّرْع هَل يشْتَرط الْعَجز أم لَا (خَ) : وَهل كَذَلِك الْورْد وَنَحْوه والقطن لَا تجوز مُسَاقَاة ذَلِك إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فِي الزَّرْع أَو هِيَ كالأشجار فَلَا يشْتَرط فِيهَا ذَلِك، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، بل حكى ابْن رشد عَلَيْهِ الِاتِّفَاق فَلَا أقل أَن يكون ذَلِك مَشْهُور، تَأْوِيلَانِ ومحلهما فِي الْقطن الَّذِي تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله يُثمر مرّة أُخْرَى، وَأما مَا لَا يجنى إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ كالزرع بِاتِّفَاق. وَامْتَنَعَتْ فِي مَخْلِفِ الإِطْعَام كَشَجَرِ المَوْزِ عَلَى الدَّوَام (وامتنعت) الْمُسَاقَاة (فِي مخلف اطعام كشجر الموز) إِلَّا تبعا لما تجوز مساقاته (خَ) : إِنَّمَا تصح مُسَاقَاة شجر ذِي ثَمَر وَلم يحل بَيْعه وَلم يخلف إِلَّا تبعا، وأدخلت الْكَاف القضب بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بالفصة والكزبرة، والقرط بِضَم الْقَاف مَا يرْعَى من العشب، والبقل، وَتقدم تَفْسِيره فِي الجوائح وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخلف بعد جذه (على الدَّوَام) يتَعَلَّق بمخلف وَلَا بَأْس بشرَاء ثَمَرَة الموز إِذا حل بيعهَا وَشرط بَطنا أَو شهرا (خَ) : وَوَجَب ضرب الْأَجَل ان اسْتمرّ كالموز، وَقد تحصل أَن الْأُصُول ثَلَاثَة أَصْنَاف أصُول ثَابِتَة، وَإِنَّمَا تجذ ثَمَرَتهَا فَتجوز مساقاتها وأصول غير ثَابِتَة وَهِي الَّتِي يجذ أَصْلهَا مَعَ ثَمَرَتهَا كالزرع واللفت وَنَحْوهمَا، فَلَا تجوز مساقاتها إِلَّا أَن يعجز رَبهَا ويبرز من الأَرْض وأصول تجذ وتخلف كالبقل والكراث والقضب والموز لَا تجوز مساقاته قَالَه ابْن يُونُس. وَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مِنَ الثَّمَرْ وَغَيْرِ مَا يُطْعِمُ مِنْ أَجْلِ الصِّغَرْ (و) امْتنعت أَيْضا فِي (مَا يحل بَيْعه من الثَّمر) لطيبه إِلَّا تبعا لما لم يطب فَإِن لم يكن تبعا لم يجز لَهُ لِأَنَّهُ ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الْمُسَاقَاة حِينَئِذٍ لجَوَاز بيعهَا بالثمر إِذا عجز عَن جذاذها، وَلِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَيْضا أَن يَدْفَعهَا لمن يجذها بِالنِّصْفِ أَو الرّبع إِجَارَة وجعالة كَمَا مر فِي الْجعل وَهُوَ قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة: واحصد هَذَا وَلَك نصفه وَمَا حصدت فلك نصفه. (و) امْتنعت أَيْضا فِي (غير مَا
يطعم) من عَامه (من أجل الصغر) كالودي وَهُوَ صغَار النّخل إِلَّا تبعا لما يطعم من عَامه. وَفي مُغَيَّبٍ فِي الأَرْضِ كالْجَزَرْ وَقَصَبِ السُّكَّرِ خُلْفٌ مُعْتَبَرْ (وَفِي) جَوَاز مُسَاقَاة (مغيب فِي الأَرْض) خبر مقدم (كالجزر) واللفت والفجل (و) فِي (قصب السكر) وَنَحْوه وَعدم جَوَاز الْمُسَاقَاة فِي ذَلِك (خلف) مُبْتَدأ (مُعْتَبر) صفة لَهُ، وَالْمَشْهُور الْجَوَاز بِشُرُوط الزَّرْع كَمَا تقدم. وَإنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ وَرَبُّهُ يُلْغيهِ فَهْوَ مُغْتَفَرْ (وَإِن) قل (بَيَاض) فَاعل مَحْذُوف يفسره (قل) كَمَا قَررنَا وَهُوَ الْمحل الْخَالِي من الْغَرْس سمي بَيَاضًا لإشراق أرضه بضوء الشَّمْس نَهَارا وبنور الْكَوَاكِب لَيْلًا، فَإِذا اشترت الأَرْض بزرع أَو شجر سميت سواداً لحجبها عَن بهجة الْإِشْرَاق (مَا) زَائِدَة (بَين الشّجر) حَال (وربه يلغيه) جملَة حَالية (فَهُوَ مغتفر) جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن الْبيَاض سَوَاء كَانَ بَين الشّجر أَو مُنْفَردا عَنْهَا بِنَاحِيَة إِذا قلّ بِأَن يكون كراؤه مُنْفَردا مائَة وَالثَّمَرَة على الْمُعْتَاد مِنْهَا بعد إِسْقَاط مَا أنْفق عَلَيْهَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ يغْتَفر إلغاؤه لِلْعَامِلِ فَيخْتَص بِمَا يزرع فِيهِ، وَسَوَاء ألغي لَهُ باشتراطه إِيَّاه عِنْد العقد أَو سكتا عَنهُ عِنْده (خَ) : وألغي لِلْعَامِلِ إِن سكتا عَنهُ أَو اشْتَرَطَهُ الخ. وَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال: من أَنه عِنْد السُّكُوت يبْقى لرَبه على الرَّاجِح خلاف الْمُعْتَمد كَمَا فِي حَاشِيَة الرهوني. ابْن يُونُس: وَلَو ادّعى رب الْحَائِط قبل الْعَمَل أَنه اشْتَرَطَهُ لنَفسِهِ تحَالفا وتفاسخا، وَإِذا ألغي لِلْعَامِلِ فزرعه لنَفسِهِ ثمَّ أجيحت الثَّمَرَة كَانَ عَلَيْهِ كِرَاء الْبيَاض لِأَنَّهُ لم يُعْطه إِيَّاه إِلَّا على عمل السوَاد، فَلَمَّا ذهب السوَاد كَانَ لَهُ أَن يرجع بالكراء، وَكَذَا لَو عجز عَن إتْمَام الْعَمَل كَانَ عَلَيْهِ الْبيَاض بكرَاء مثله، وَمَفْهُوم قَوْله: قل إِنَّه إِذا لم يكن تبعا بل كَانَ كراؤه أَكثر من مائَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور لم يجز إلغاؤه بل يبْقى لرَبه فَإِن اشْتَرَطَهُ الْعَامِل فَسدتْ. وَجازَ أنْ يَعْمَلَ ذَاكَ العامِلُ لكِنْ بِجُزْءِ جُزْئهَا يُمَاثِلُ
(وَجَاز أَن يعْمل ذَاك) الْبيَاض الْقَلِيل كَمَا فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم (الْعَامِل) فِي الشّجر وَتَكون فَائِدَته بَينهمَا (لَكِن) بِشُرُوط أَحدهَا أَن يكون عمله فِيهِ (بِجُزْء) من نَعته وَصفته (جزئها) أَي الْمُسَاقَاة مفعول بقوله (يماثل) كالربع أَو النّصْف فيهمَا مَعًا، فَلَو كَانَ على الرّبع فِي الثَّمَرَة وَالنّصف فِي الْبيَاض لم يجز على الْمَشْهُور، وَمذهب ابْن الْقَاسِم لِأَن الْمُسَاقَاة إِنَّمَا جَازَت فِيهِ بِحَسب التبع فَلَا بُد أَن يكون جزؤه مُوَافقا لما هُوَ تبع لَهُ، وَذهب أصبغ إِلَى عدم اشْتِرَاط مُوَافقَة جُزْء الْبيَاض للحائط وَعَلِيهِ فَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم من مُسَاقَاة الْبيَاض بِأَكْثَرَ من جُزْء الْحَائِط لَهُ مُسْتَند، فَلَا يشوش عَلَيْهِم بارتكابهم لغير الْمَشْهُور قَالَه المسناوي، وَأَشَارَ لثاني الشُّرُوط بقوله: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يَزْدَرِعُ مِنْ عِنْدِهِ وَجُزْءُ الأَرْضِ تَبَعُ (بِشَرْط أَن يكون مَا يزدرع) فِي الْبيَاض (من عِنْده) أَي من عِنْد الْعَامِل لِأَنَّهُ من جملَة مُؤنَة الْمُسَاقَاة، وَلِأَنَّهُ لم يرد عَنهُ عليه السلام أَنه بعث إِلَى أهل خَيْبَر بزريعة وَلَا غَيرهَا، فَلَو كَانَ بذره من عِنْد ربه أَو من عِنْدهمَا فَسدتْ لخُرُوج الرُّخْصَة عَن محلهَا، وَأَشَارَ لثالث الشُّرُوط بقوله:(وجزء الأَرْض) أَي والجزء الَّذِي هُوَ الأَرْض الْبيَاض (تبع) لقيمة ثَمَرَة الْحَائِط كَمَا تقدم فِي الْمِثَال وَهَذَا الشَّرْط مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله (قل) إِلَّا أَن يكون قصد بِهِ تَفْسِير الْقلَّة (خَ) : وكبياض نخل أَو زرع إِن وَافق الْجُزْء وبذره الْعَامِل وَكَانَ ثلثا بِإِسْقَاط كلفة الثَّمَرَة الخ. وَالْحَاصِل أَن الْبيَاض لَا يجوز إِدْخَاله فِي الْمُسَاقَاة إِلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوط الثَّلَاثَة فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا فسد عقد الْمُسَاقَاة وَيرد الْعَامِل إِلَى مُسَاقَاة مثله فِي الْحَائِط وَإِلَى أُجْرَة مثله فِي الْبيَاض. وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الأَرْضِ فَائِدَهُ فَالْفَسْخُ أمْرٌ مَقْضِي (وحيثما شَرط رب الأَرْض فائده) أَي الْبيَاض الْيَسِير لنَفسِهِ (فالفسخ) لعقد الْمُسَاقَاة (أَمر مقضي) بِهِ على الْمَشْهُور لِأَن سقِِي الْعَامِل يَنَالهُ فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة اشْتِرَاطهَا رب الْحَائِط على الْعَامِل، وَقيل يجوز لرَبه اشْتِرَاطه لنَفسِهِ لِأَن الْعَامِل لَا يتَكَلَّف لذَلِك زِيَادَة فِي الْعَمَل لِأَنَّهُ يسْقِي شَجَره وَمَا ينْتَفع بِهِ الْبيَاض بعد ذَلِك كَالَّذي ينْتَفع بِهِ الْجَار اه. وَعَلِيهِ فَلَا يشوش على من فعله كَمَا مر عَن المسناوي، وَهَذَا إِذا كَانَ يَنَالهُ سقِِي الْعَامِل، وَأما إِن كَانَ لَا يَنَالهُ أَو كَانَ بعلاً فَلَا إِشْكَال أَنه لرَبه، وَهَذَا كُله فِي الْبيَاض الْيَسِير كَمَا مر. وَأما الْكثير فَلَا يَصح إِدْخَاله فِي الْمُسَاقَاة
وَلَا أَن يلغى لِلْعَامِلِ، بل يبْقى لرَبه كَمَا مر، وَظَاهر إطلاقاتهم وَلَو كَانَ سقِِي الْعَامِل يَنَالهُ. وَقَوْلنَا: فالفسخ الخ. ظَاهره وَلَو بعد الْعَمَل وَهُوَ كَذَلِك وَيكون لَهُ أُجْرَة مثله فِيهِ ومساقاة مثله فِي الْحَائِط. وَلَا تَصِحُّ مَعْ كِرَاءٍ لَا وَلَا شَرْطِ البَيَاضِ لِسوَى مَنْ عَمِلا (وَلَا تصح) الْمُسَاقَاة (مَعَ كِرَاء) فِي عقد وَاحِد كَقَوْلِه: اكتر لي دَارك بدرهم على أَن نعمل فِي حائطك مُسَاقَاة بِربع الثَّمَرَة لِأَنَّهَا من الْعُقُود الَّتِي لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد كَمَا مر صدر الْبيُوع (لَا) توكيد للا الَّتِي قبلهَا (وَلَا) تصح أَيْضا مَعَ (شَرط الْبيَاض) الْيَسِير (لسوى من عملا) وَهُوَ رب الْحَائِط أَو الْأَجْنَبِيّ وَأما شَرطه لِلْعَامِلِ فَهُوَ جَائِز، وَهَذَا الشّطْر مُكَرر مَعَ قَوْله قبله وحيثما الخ. وَلَا اشْتِرَاط عَمَلٍ كَثِيرِ يَبْقَى لَهُ كَمِثْلِ حَفْرِ بِيرِ (وَلَا) يَصح أَيْضا مَعَ (اشْتِرَاط عمل كثير) على الْعَامِل (يبْقى لَهُ) أَي لرب الْحَائِط (كَمثل حفر بير) أَو عين أَو بِنَاء حَائِط أَو بَيت، وَمَفْهُوم كثير أَن الْعَمَل الْقَلِيل لَازم لَهُ (خَ) : وَلزِمَ عاملها مَا يفْتَقر لَهُ عرفا أَي وَلَا يشْتَرط تَفْصِيله لقِيَام الْعرف مقَام الْوَصْف، فَإِن لم يكن عرف أصلا أَو كَانَ وَلم يَنْضَبِط أَو انضبط وَلم يُعلمهُ الْعَامِل فَلَا بُد من الْبَيَان وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ أَنه لم يُعلمهُ، ثمَّ إِن الَّذِي يجب عَلَيْهِ هُوَ مَا يتَعَلَّق بإصلاح الثَّمَرَة. قَالَ فِي الْمُقدمَات: عمل الْعَامِل إِن لم يتَعَلَّق بإصلاح الثَّمَرَة لم يلْزم الْعَامِل وَلَا يَصح أَن يشْتَرط عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير كشد الحظيرة بالظاء المشالة أَي الزرب الَّذِي بِأَعْلَى الْحَائِط يمْنَع التسور عَلَيْهِ من الْحَظْر وَهُوَ الْمَنْع، وكإصلاح الضفيرة وَهِي عيدَان تضفر وتطين ليجتمع فِيهَا المَاء كالصهريج قَالَ: وَإِن تعلق بإصلاح الثَّمَرَة وَكَانَ يَنْقَطِع بانقطاعها أَو يبْقى بعْدهَا الشَّيْء الْيَسِير، فَهَذَا يلْزم المساقي وَذَلِكَ كالحفر الَّذِي يمْنَع الدُّخُول للحائط والسقي وزبر الْكَرم وتقليم الشّجر وَإِصْلَاح مَوَاضِع السَّقْي وجلب المَاء وجذاذ الثَّمَرَة وتبقية مَنَافِع الشّجر وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَا يبْقى بعد انقطاعها وَينْتَفع بِهِ رَبهَا كحفر بِئْر أَو بِنَاء بَين يجمع فِيهِ ثَمَرهَا كالجرين أَو إنْشَاء غرس، فَلَا يلْزم الْعَامِل وَلَا يجوز اشْتِرَاطه عَلَيْهِ اه. بِاخْتِصَار وَزِيَادَة للإيضاح. وَلَا اخْتِصَاصِهِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدْ أَوْ نَخْلةٍ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدْ
(وَلَا) تصح أَيْضا مَعَ اشْتِرَاط (اخْتِصَاصه) أَي رب الْحَائِط أَو الْعَامِل (بكيل) كوسق لي وَالْبَاقِي بَيْننَا على الْجُزْء الَّذِي دَخَلنَا عَلَيْهِ (أَو عدد) كألف رمانة أَو مائَة أترجة أَو بطيخة وَالْبَاقِي بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ، (أَو) شَرط اخْتِصَاصه بثمر (نَخْلَة مِمَّا) أَي من النخيل الَّذِي (عَلَيْهِ قد عقد) الْمُسَاقَاة يتنازعه الْكَيْل وَمَا بعده، وَمَفْهُوم قَوْله: مِمَّا عَلَيْهِ قد عقد أحروي فِي الْمَنْع، فَلَا يجوز اشْتِرَاط اخْتِصَاص الْعَامِل أَو رب الْحَائِط بكيل من حِنْطَة أَو ثَمَرَة نخل أَو عدد من دَنَانِير أَو عرض أَو من الرُّمَّان مثلا أَو ثَمَر نَخْلَة من غير مَا وَقعت عَلَيْهِ الْمُسَاقَاة، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الدَّافِع من عِنْده هُوَ الْعَامِل فقد خرجا عَن الْمُسَاقَاة إِلَى بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا وَإِن كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط فَهُوَ إِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ واجره على الْعَمَل بِمَا أعطَاهُ لَهُ وبجزء من ثَمَرَة مَا يعْمل فِيهِ فَيرد الْعَامِل إِلَى أُجْرَة مثله فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَا شَيْء لَهُ فِي الثَّمَرَة كَمَا قَالَ (خَ) : فَلهُ أُجْرَة مثله إِن خرجا عَنْهَا كَانَ ازْدَادَ عينا أَو عرضا الخ. نعم إِذا لم يجد رب الْحَائِط عَاملا إِلَّا مَعَ دَفعه لَهُ شَيْئا زَائِدا على الْجُزْء فَإِنَّهَا تصح للضَّرُورَة كَمَا تقدم عَن ابْن سراج فِي الْإِجَارَة قَالَه (ز) وَاحْترز بقوله بكيل الخ. مِمَّا إِذا ساقاه على أَن لأَحَدهمَا جُزْءا من عشرَة أَو خَمْسَة أَو أقل أَو أَكثر أَو الْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ مثلا فَإِنَّهُ جَائِز لِأَن ذَلِك يرجع إِلَى جُزْء مَعْلُوم لأَحَدهمَا خَمْسَة وَنصف وَللْآخر أَرْبَعَة وَنصف قَالَه اللَّخْمِيّ. وَهيَ بِشَرْطٍ أَوْ بِمَا قَد اتُّفِقْ بِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقْ (وَهِي) أَي الْمُسَاقَاة تصح (بِشَطْر) من الثَّمَرَة أَي نصفهَا (أَو بِمَا قد اتّفق) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (بِهِ) أَي عَلَيْهِ من ثلث الثَّمَرَة أَو ربعهَا أَو خمسها أَو ثَلَاثَة أرباعها أَو كلهَا كَمَا مر عَن ابْن عَرَفَة من أَنه تجوز الْمُسَاقَاة على أَن كل الثَّمَرَة لِلْعَامِلِ اللَّخْمِيّ: وَالْمُسَاقَاة تجوز على النّصْف حَسْبَمَا ورد فِي الحَدِيث، أَنه عليه السلام ساقى أهل خَيْبَر بِشَطْر الثَّمَرَة وعَلى الثُّلُث وَالرّبع وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل الخ (خَ) : بِجُزْء قل أَو كثر شاع وَعلم الخ. (وحد أمد) أَي أجل من سنة فَأكْثر (لَهَا يحِق) وَظَاهره الْوُجُوب وَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة والشأن فِي الْمُسَاقَاة إِلَى الْجذاذ قَالَ: وَلَا تجوز شهرا وَلَا سنة محدودة وَهِي للجذاذ إِذا لم يؤجلا وَإِن كَانَت تطعم فِي الْعَام مرَّتَيْنِ فَهِيَ إِلَى الْجذاذ الأول حَتَّى
يشْتَرط الثَّانِي اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : واقتت بالجذاذ وحملت على أول إِن لم يشْتَرط الخ. وَقَالَ فِي الْمعِين: وَالصَّوَاب أَن تؤرخ الْمُسَاقَاة بالشهور العجمية الَّتِي فِيهَا الْجذاذ فَإِن أرخت بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِن انْقَضتْ قبل الْجذاذ تَمَادى الْعَامِل إِلَيْهِ إِلَّا أَنه يسْتَحبّ أَن تكون الْمُسَاقَاة من سنة إِلَى أَربع، فَإِن طَالَتْ السنون جدا فسخت اه. وَفِي (ح) مَا نَصه: فَتحصل أَن الْمُسَاقَاة تؤقت بالجذاذ سَوَاء عقداها لعام وَاحِد أَو لسنين مُتعَدِّدَة فَإِن عقداها وأطلقا حملت على الْجذاذ، وعَلى أَنَّهَا لعام وَاحِد، وَإِن عقداها لسنة أَو سنتَيْن وأطلقا حملت أَيْضا على الْجذاذ، وَإِن أَرَادَ التَّحْدِيد بِانْقِضَاء السّنة الْعَرَبيَّة أَو السنين الْعَرَبيَّة لم تجز وتفسد الْمُسَاقَاة بذلك اه. تَنْبِيه: قَالَ أَبُو الْحسن: الْمُسَاقَاة تجوز بِثمَانِيَة شُرُوط. أَولهَا: أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا فِي أصل يُثمر أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من ذَوَات الأزهار والأوراق المنتفع بهَا كالورد والآس يَعْنِي الريحان. ثَانِيهَا: أَن تكون قبل طيب الثَّمَرَة وَجَوَاز بيعهَا. ثَالِثهَا: أَن تكون إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة مَا لم تطل جدا أَو إِلَى الْجذاذ إِذا لم يؤجلا. رَابِعهَا: أَن تكون بِلَفْظ الْمُسَاقَاة لِأَن الرُّخص تفْتَقر إِلَى أَلْفَاظ تخْتَص بهَا. خَامِسهَا: أَن تكون بِجُزْء مشَاع لَا على عدد من آصَع أَو أوسق. سادسها: أَن يكون الْعَمَل كُله على الْعَامِل. سابعها: أَن لَا يشْتَرط أَحدهمَا من الثَّمَرَة وَلَا من غَيرهَا شَيْئا معينا خَاصّا بِنَفسِهِ. ثامنها: أَن لَا يشْتَرط على الْعَامِل أَشْيَاء خَارِجَة عَن الثِّمَار أَو مُتَعَلقَة بالثمرة وَلَكِن تبقى بعد الثَّمَرَة مِمَّا لَهُ قدر وبال اه. وَزَاد بَعضهم تاسعاً وَهُوَ أَن يكون الشّجر مِمَّا لَا يخلف اه. وجلها فِي النّظم كَمَا يعلم بِأَدْنَى تَأمل، وَقد تقدم أول الْبَاب مَا فِي الشَّرْط الرَّابِع من الْخلاف. وَالدَّفْعُ لِلزَّكَاةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيْنَهُمَا بِنِسْبِةِ الْجُزْءِ فَقَطْ (وَالدَّفْع لِلزَّكَاةِ) مُبْتَدأ (إِن لم يشْتَرط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُبْتَدَأ (بَينهمَا) خبر (بِنِسْبَة الْجُزْء) حَال من الضَّمِير فِي مُتَعَلق الْخَبَر (فَقَط) وَالْمعْنَى أَن المتساقيين إِذا عقدا الْمُسَاقَاة وَلم يشْتَرط أَحدهمَا على صَاحبه إِخْرَاج الزَّكَاة من نصِيبه، فَإِنَّهَا تخرج ابْتِدَاء، ثمَّ يكون الْبَاقِي بَينهمَا
على مَا اتفقَا عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ يبْدَأ بهَا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا قد أعْطى من الزَّكَاة بِقدر نصِيبه من الثَّمَرَة وَهُوَ معنى قَوْله: بِنِسْبَة الْجُزْء أَي جُزْء الْغلَّة فَمن لَهُ مِنْهَا ربع فقد أعْطى عشر الرّبع وَهَكَذَا. وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنه إِذا اشْترطت الزَّكَاة على أَحدهمَا كَانَت عَلَيْهِ وَحده وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا بَأْس أَن تشْتَرط الزَّكَاة فِي حَظّ أَحدهمَا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى جُزْء مَعْلُوم ساقى عَلَيْهِ فَإِن لم يشْتَرط شَيْئا فشأن الزَّكَاة أَن يبْدَأ بهَا ثمَّ يقتسمان مَا بَقِي ثمَّ إِن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب وَيبدأ بهَا إِن كَانَ رب الْحَائِط أَهلا لَهَا وثمره أَو مَا يضمه لَهُ من غَيره نِصَابا وَإِن كَانَ الْعَامِل من غير أَهلهَا لِأَنَّهُ أجِير، فَإِن لم يكن ربه من أَهلهَا كَكَوْنِهِ رَقِيقا أَو كَافِرًا أَو لم تبلغ هِيَ أَو مَعَ مَا لَهُ من غَيرهَا نِصَابا لم تجب عَلَيْهِ وَلَا على الْعَامِل فِي حِصَّته، وَلَو كَانَت نِصَابا وَهُوَ من أَهلهَا لِأَنَّهُ أجِير، وَلذَا قَالَ اللَّخْمِيّ: يزكّى الْحَائِط مُدَّة الْمُسَاقَاة على ملك ربه فَإِن كَانَ جَمِيعه خَمْسَة أوسق كَانَت فِيهِ الزَّكَاة وَإِن لم ينب كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا وسقان وَنصف ويزكى الْعَامِل وَإِن كَانَ عبدا أَو نَصْرَانِيّا وَإِن كَانَ الْحَائِط لعبد أَو نَصْرَانِيّ لم يزك الْعَامِل وَإِن صَار لَهُ نِصَاب وَهُوَ حر مُسلم اه. تَنْبِيه: فَإِن لم تجب الزَّكَاة لنقصانها عَن النّصاب وَقد اشترطها أَحدهمَا على صَاحبه فَقيل: يلغى الشَّرْط وَتَكون الثَّمَرَة بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ، وَبِه صدر فِي الشَّامِل، وَقيل: وَهُوَ الْمُعْتَمد وَبِه صدر فِي الْمُتَيْطِيَّة يقتسمان الثَّمَرَة عشرَة أَجزَاء وَيكون لِلْعَامِلِ مِنْهَا أَرْبَعَة حَيْثُ ساقاه على النّصْف ولربها سنة حَيْثُ اشْترطت على الْعَامِل وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ. قَالَ اللَّقَّانِيّ فِي حَوَاشِي ضيح: هَذَا القَوْل هُوَ الْجَارِي على الصَّحِيح فِي بَاب الْقَرَاض من أَن جُزْء الزَّكَاة لمشترطه (خَ) : وَهُوَ للمشترط وَإِن لم تجب الخ. تَنْبِيه: قَالَ الشَّيْخ بناني فِي حَاشِيَته عَن بعض شُيُوخه: وَالصَّوَاب أَيْضا أَن الخماس كالمساقي فالزكاة على رب الزَّرْع إِن كَانَ من أَهلهَا وَكَانَ عِنْده نِصَاب وإلاَّ فَكَمَا تقدم فِي المساقي ثمَّ مَا فضل بعد أَخذ الزَّكَاة يكون بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ اه. قلت: ذكر فِي المعيار عَن الْبُرْزُليّ أَنه اخْتلف فِي شركَة الخماس فَقيل: جَائِزَة لِأَنَّهُ شريك وَهُوَ قَول سَحْنُون وَقيل غير جَائِزَة لِأَنَّهُ أجِير وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي الزَّكَاة فعلى قَول ابْن الْقَاسِم إِنَّمَا لَهُ إجَازَة مثله فزكاة الزَّرْع على ربه، وعَلى قَول سَحْنُون على الخماس زَكَاة زرعه اه. وعَلى جَوَازهَا للضَّرُورَة درج فِي العمليات إِذْ قَالَ: وَأُجْرَة الخماس أَمر مُشكل وللضرورة بهَا تساهل وَحِينَئِذٍ فعلى الخماس زَكَاة زرعه كَمَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم، وَقد قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الزَّكَاة مَا نَصه: وَلَا زَكَاة على شريك فِي مِيرَاث أَو غَيره حَتَّى يبلغ نصِيبه نِصَابا وَمثله الخماس الْيَوْم لِأَنَّهُ شريك اه. وَقد ذكر فِي المعيار عَن ابْن لب أَن مَا ارْتَكَبهُ النَّاس وتقادم فِي عرفهم وَجرى بِهِ عَمَلهم يَنْبَغِي أَن يلْتَمس لَهُ وَجه شَرْعِي مَا أمكن على خلاف أَو وفَاق، إِذْ لَا يلْزم ارتباط الْعَمَل بِمذهب معِين وَلَا بِمَشْهُور من قَول قَائِل اه. وَالله أعلم. وَأما الَّذِي يُسمى عِنْد النَّاس الْيَوْم بالمقاطع فَإِنَّمَا يَأْخُذهُ إِجَارَة قطعا فزكاة مَا يَأْخُذهُ على رب الزَّرْع وَكَذَا عَلَيْهِ زَكَاة مَا يلقطه اللقاط الَّذِي اشْترط لقطه مَعَ الْحَصاد بِأُجْرَة، سَوَاء كَانَ الْحَصاد الَّذِي اشْترط لقطه اللقاط مَعَه هُوَ الْمُسَمّى بالمقاطع أَو غَيره. ذكر ذَلِك شَارِح الْعَمَل عَن (خَ) عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي
الْبَوَادِي الخ. وَنقل عَن المعيار أَن أُجْرَة الْحَصاد بِشَرْط اللقاط مَعَه فَاسِدَة وَإِن كَانَ زَكَاة مَا يلقطه على رب الزَّرْع لِأَن مَا يلقطه حِينَئِذٍ مؤاجر بِهِ، وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا زَكَاة على ربه فِيمَا يلقطه إِذا لم يشْتَرط لقطه وَكَانَ اللقاط يَأْخُذهُ لنَفسِهِ. وَعَاجِزٌ مِنْ حَظَّهِ يُكَمَّلُ بالْبَيْعِ مَعْ بَدْوِ الصَّلَاحِ العَمَلُ (و) عَامل فِي الْمُسَاقَاة (عَاجز من حَظه) يتَعَلَّق بقوله (يكمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه الْعَمَل آخر الْبَيْت وَالْجُمْلَة خبر عَن عَاجز و (بِالْبيعِ) يتَعَلَّق بيكمل (مَعَ بَدو الصّلاح الْعَمَل) حَال وَالتَّقْدِير وعاجز عَن إتْمَام عمله يكمل عمله من حَظه بِبيعِهِ حَال كَون عَجزه مَعَ بَدو صَلَاح الثَّمَرَة. وَحَاصِله أَنه إِذا عجز بعد بَدو الصّلاح فَإِنَّهُ يُبَاع حَظه من الثَّمَرَة ويستأجر بِثمنِهِ من يكمل الْعَمَل، فَإِن كَانَ لَهُ فضل فَلهُ وَإِن كَانَ نقص فَيتبع بِهِ إِلَّا أَن يُرْضِي رب الْحَائِط أَخذه ويعفيه من الْعَمَل فَذَلِك لَهُ قَالَه فِي ضيح، وَفهم من النَّاظِم أَنه لَا يجوز لِلْعَامِلِ أَن يساقي غَيره فِي هَذَا الْوَجْه وَهُوَ كَذَلِك، إِلَّا مُسَاقَاة فِي ثَمَر حل بَيْعه كَمَا مر. وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ ولَا يُوجَد مَنْ يَنُوبُ فِي ذَاكَ مَنَابَ مُؤْتَمَنْ (وَحَيْثُ) عجز الْعَامِل أَو ورثته بعد مَوته (وَلم يبد) صَلَاح الثَّمَرَة (وَلَا يُوجد من) أَي أَمِين (يَنُوب) عَنهُ (فِي ذَاك) الْعَمَل (مناب) الْعَامِل الَّذِي هُوَ (مؤتمن) عَن رب الْحَائِط. فَعَامِلُ يُلْق صلى الله عليه وسلم
1648 -
; ى لَهُ مَا أَنْفَقَا وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ واخْرُجْ مُتَّقى (فعامل يُلقى لَهُ مَا اتفقَا) على الثَّمَرَة وَلَا شَيْء لَهُ مِنْهَا وَلَا من أُجْرَة عمله. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا عجز الْعَامِل عَن السَّقْي قبل طيب الثَّمَرَة قيل لَهُ سَاق من شِئْت أَمينا فَإِن لم يجد أسلم الْحَائِط إِلَى ربه (خَ) : فَإِن عجز وَلم يجد أسلمه هدرا، وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة وَالنّظم أَن الْعَامِل إِذا أسلمه وألغى نَفَقَته لزم رب الْحَائِط قبُوله وَلَا مقَال لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَهُ أَن لَا يقبل إِذْ من حجَّته أَن يَقُول: أَنا لَا أقبل تَسْلِيمه هدرا وَلَكِن أَنا أستأجر من يعْمل تَمام الْعَمَل وأبيع مَا صَار لَهُ من الثَّمَرَة وأستوفي مَا أدّيت، فَإِن فضل فَلهُ وَإِن نقص اتبعته بِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَابْن يُونُس، وَكَذَا قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي المتزارعين، فعجز أَحدهمَا بعد الْعَمَل وَقبل الطّيب فَإِنَّهُ يُقَال لصَاحبه: اعْمَلْ فَإِذا طَابَ الزَّرْع بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقك فَمَا فضل كَانَ لَهُ وَمَا نقص اتبعته بِهِ لِأَن الْعَمَل كَانَ لَهُ لَازِما. قَالَ فِي ضيح: وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيّن خلاف مَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام من أَنه يلْزم ربه قبُوله، وَظَاهر (خَ) أَيْضا كالمدونة وَالنّظم أَنه لَا شَيْء لِلْعَامِلِ إِذا رَضِي رب الْحَائِط بقبوله وَلَو انْتفع رب الْحَائِط بِمَا عمل الْعَامِل فِيهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَهُ قيمَة مَا انْتفع بِهِ من الْعَمَل الأول قِيَاسا على قَوْلهم فِي الْجعل على حفر الْبِئْر، ثمَّ يتْرك اخْتِيَارا وَأتم صَاحب الْبِئْر
حفرهَا اه. وَشَمل قَوْلهَا أَمينا من هُوَ مثله فِي الْأَمَانَة أَو أَعلَى أَو أقل، وأصل الْأَمَانَة لَا بُد مِنْهَا فَإِن ساقى غير أَمِين ضمن وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي عَن (خَ) وَمَفْهُوم قَوْله: وَلَا يُوجد من يَنُوب الخ. أَنه إِذا وجد أَمينا يَنُوب عَنهُ فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يساقيه سَوَاء عجز أَو لم يعجز وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز: ومساقاة عَامل آخر وَلَو أقل أَمَانَة وَحمل على ضدها وَضمن اه. وَدخل فِي قَول (خَ) آخر الخ. رب الْحَائِط فَإِن لِلْعَامِلِ أَن يساقيه بِجُزْء أقل من جزئه أَو مُسَاوِيا لَا بِأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لدفع بعض الثَّمَرَة من حَائِط آخر وَهُوَ خلاف سنة الْمُسَاقَاة كَمَا فِي (ز) فَإِن أَرَادَ الْعَامِل أَن يساقي غَيره بِأَقَلّ أَو مُسَاوِيا طلب رب الْحَائِط أَن يَأْخُذهُ بذلك الْجُزْء الَّذِي يَأْخُذهُ بِهِ غَيره، فَالْقَوْل لَهُ وَهُوَ أَحَق بِهِ وَلَا مقَال لِلْعَامِلِ فِي ذَلِك إِن كَانَ الْجُزْء مُسَاوِيا كَمَا فِي اللَّخْمِيّ. وَأما إِن كَانَ بِأَقَلّ فَهَل لِلْعَامِلِ أَن يَقُول لَا أرْضى بأمانته إِذْ هُوَ مَحْمُول على عدمهَا حَتَّى يثبتها وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَمحل جَوَاز مُسَاقَاة الْعَامِل آخر مَعَ عجز أَو بِدُونِهِ إِذا لم يشْتَرط رب الْحَائِط عمل الْعَامِل بِعَيْنِه وَإِلَّا منع من مساقاته آخر كَمَا فِي (ز) وَمَفْهُوم قَوْله يلغى الخ. أَنه لَا يجوز عدم الإلغاء بِأَن يَأْخُذ الْعَامِل من رب الْحَائِط قبل الطّيب ثمنا أَو ثَمَرَة من غير الْحَائِط وينصرف وَهُوَ معنى قَوْله:(وَقَول) رب الْحَائِط لِلْعَامِلِ قبل بَدو الصّلاح (خُذ مَا نَاب) عَمَلك الْآن (واخرج) عني (متقى) أَي مَمْنُوع لِأَنَّهُ من بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا، وَأما بعد بدوه فَيجوز بِغَيْر طَعَام كدراهم أَو عرض لَا بِطَعَام لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة وبالتفاضل والنسيئة إِن كَانَ الطَّعَام من جِنْسهَا. وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ من الْإِقَالَة بعد الْعَمَل على شَيْء يَأْخُذهُ الْعَامِل من رب الْحَائِط قَالَ فِيهَا: وَمن ساقيته حائطك لم يجز أَن يقيلك على شَيْء تعطيه إِيَّاه كَانَ قد شرع فِي الْعَمَل أم لَا. لِأَنَّهُ غرر إِن أثمر النّخل فَهُوَ بيع الثَّمر قبل زهوه، وَإِن لم يُثمر فَهُوَ أكل المَال بِالْبَاطِلِ اه. وَقَالَ فِيهَا أَيْضا: وَمن ساقى رجلا ثَلَاث سِنِين فَلَيْسَ لأَحَدهمَا المتاركة حَتَّى تَنْقَضِي لِأَن الْمُسَاقَاة تلْزم بِالْعقدِ، وَإِن لم يعْمل وَلَيْسَ لأَحَدهمَا التّرْك إِلَّا أَن يتتاركا بِغَيْر شَيْء يَأْخُذهُ أَحدهمَا من الآخر فَيجوز، وَبِه تعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله مَا نَاب الخ. بل كَذَلِك إِذا لم يعْمل كَمَا مر عَن الْمُدَوَّنَة، وَمَفْهُوم قَوْله: خُذ الخ. أَنه إِذا تَقَايلا مجَّانا جَازَ كَمَا مر أَيْضا عَن الْمُدَوَّنَة (خَ) وتقايلهما هدر الخ. وَكَذَا يجوز إِذا قَالَ: أَنا أكفيك الْمُؤْنَة الخ. وَخذ حظك كَامِلا بعد جذاذها من عينهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: وعاجز من حَظه يكمل الخ. وَمحل مَا فِي النّظم إِذا كَانَت الْإِقَالَة على شَيْء من غير ثَمَرَة الْمُسَاقَاة كَمَا قَررنَا أَو على مكيلة مُسَمَّاة مِنْهَا أَو على ثَمَرَة نَخْلَة مَعْرُوفَة مِنْهَا، وَأما على جُزْء شَائِع من ثَمَرَة الْمُسَاقَاة وَلم تطب فَإِنَّهُ يجوز قبل الْعَمَل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ هبة لِلْعَامِلِ، وَكَذَا بعده عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لسَمَاع أَشهب، كَذَا لِابْنِ رشد. وَظَاهر قَول الْمُدَوَّنَة الْمُتَقَدّم؛ أَنه لَا يجوز التقايل على شَيْء يُعْطِيهِ إِيَّاه مُطلقًا كَانَ جُزْءا شَائِعا من ثَمَرَتهَا أم لَا. قبل الْعَمَل أم لَا. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط، وَكَذَا إِن كَانَ الْعَامِل
دفع لرب الْحَائِط دَرَاهِم وَنَحْوهَا ليقيله فَإِنَّهُ يمْنَع أَيْضا، وَإِن وَقع رد لَهُ الْمَدْفُوع إِن عثر عَلَيْهِ قبل الْجذاذ وَرجع لمساقاته وَبعد الْجذاذ فَلهُ جزؤه من الثَّمَرَة كَامِلا وَعَلِيهِ أُجْرَة مَا عمل عَنهُ رب الْحَائِط فيهمَا، فَإِن فَاتَت الثَّمَرَة فَإِنَّهُ يرد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت كَمَا قَالُوهُ فِي بيع الثنيا الْفَاسِد، وَقد كَانَ فِي الْأُصُول ثَمَر مَأْبُور وَقت البيع وكما قَالُوهُ أَيْضا فِي المغارسة الْفَاسِدَة، وَكَذَا يُقَال فِيمَا إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ الْمَدْفُوع قبل الْجذاذ الخ.
(فصل فِي الاغتراس)
ابْن عَرَفَة: المغارسة جعل وإجازة وَذَات شركَة اه. فالجعل أَن يَقُول الرجل لآخر: اغترس لي هَذِه الأَرْض أصولاً كرماً أَو تيناً أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَك فِي كل شَجَرَة تنْبت أَو تثمر كَذَا، وَكَذَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وسينبه النَّاظِم عَلَيْهِ آخر الْفَصْل. وَالْإِجَارَة أَن يَقُول: اغرس لي هَذِه الأَرْض كرماً أَو تيناً أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَك كَذَا دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرضا صفته كَذَا، فَهَذِهِ إِجَارَة محدودة بِالْعَمَلِ كخياطة الثَّوْب، وَلَا يجوز أَن يجمع فِيهَا بَين الْأَجَل وَالْعَمَل كَمَا تقدم فِي الْإِجَارَة، وَمحل جَوَازهَا جعَالَة أَو إِجَارَة إِذا كَانَت الغروس من عِنْد رب الأَرْض سمى لَهُ عدد مَا يغْرس أَو لم يسم لِأَن ذَلِك مَعْرُوف عِنْد النَّاس، وَإِن كَانَت الغروس من عِنْد الغارس فتمتنع حَيْثُ كَانَت للغروس قيمَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بيع وجعالة وهما لَا يَجْتَمِعَانِ، أَو بيع وَإِجَارَة وَيجْرِي حكمهَا على من واجر بِنَاء على أَن الْآجر والجص من عِنْد الْبناء، وفيهَا تَفْصِيل اُنْظُرْهُ فِي الْمُقدمَات والمتيطية، فالجعالة لَا شَيْء فِيهَا لِلْعَامِلِ إِلَّا بِتمَام عمله بنبات الشّجر أَو أثمارها على مَا شرطاه بِخِلَاف الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يسْتَحق أجره على مُجَرّد عمله من غير زِيَادَة عَلَيْهِ، وَإِن لم يتمه فَلهُ بِحِسَاب مَا عمل. وَقَوله: أَو ذَات شركَة هَذَا الْقسم هُوَ الْمَقْصُود للناظم وَغَيره، وَأما مَا قبله فَهُوَ دَاخل فِي بَابي الْإِجَارَة والجعل، وَهِي أَن يُعْطي الرجل أرضه لآخر ليغرسها بِجُزْء مَعْلُوم مِنْهَا يسْتَحقّهُ بِالْإِطْعَامِ أَو بِانْقِضَاء الْأَجَل الَّذِي ضرباه على مَا يَأْتِي تَفْصِيله. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَهَذَا الْقسم لَيْسَ بِإِجَارَة مُنْفَرِدَة وَلَا جعل مُنْفَرد، وَإِنَّمَا أَخذ شبها من الْإِجَارَة للزومه بِالْعقدِ يَعْنِي: وَجَوَاز تحديدها بالأجل كَمَا يَأْتِي وشبهاً من الْجعَالَة لِأَن الغارس لَا شَيْء لَهُ إِلَّا بعد نَبَات الْغَرْس وبلوغه الْحَد الْمُشْتَرط، فَإِن بَطل قبل ذَلِك لم يكن لَهُ شَيْء وَلَكِن من حَقه أَن يُعِيدهُ مرّة أُخْرَى. الاغْتِرَاسُ جَائِزٌ لِمَنْ فَعلْ مِمَّنْ لهُ البُقعَةُ أَوْ لَهُ العَمَلْ (الاغتراس) أَي العقد على غرس الأَرْض أصولاً كرماً أَو تيناً أَو نَحْوهمَا مِمَّا يطول مكثه سِنِين كقطن وزعفران فِي بعض الْأَرْضين لَا مَا لَا يطول مكثه كزرع وبقل، فَلَا يجوز فِيهِ (جَائِز)
لَازم على الرَّاجِح (لمن فعل) أَي لمن عقد ذَلِك سَوَاء كَانَ العقد (من لَهُ الْبقْعَة) أَي الأَرْض (أَو) مِمَّن (لَهُ الْعَمَل) وَهُوَ الْعَامِل بِمَعْنى أَن عقد الاغتراس جَائِز من رب الأَرْض وَالْعَامِل، فأو بِمَعْنى الْوَاو وَلَكِن يَنْبَغِي تَحْدِيد عمل الغارس إِمَّا بِالسِّنِينَ كَأَن يتعاقدا على أَن الْعَامِل هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى الْعَمَل وَحده مُدَّة أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين، وَنَحْو ذَلِك من الْمدَّة الَّتِي لَا يُثمر النّخل وَلَا يطعم الشّجر قبلهَا قَالَه فِي النِّهَايَة. وَإِن سميا عدَّة سِنِين يعْمل الْعَامِل إِلَيْهَا ثمَّ يكون ذَلِك بَينهمَا جَازَ. وَقَالَ قبل ذَلِك: مَا لم تكن أَشجَار تثمر قبل الْأَجَل وإلاَّ لم يجز اه. وَمَا لِابْنِ حبيب عَن مَالك من أَنَّهَا لَا تجوز بالأجل لِأَنَّهَا جعل لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْن يُونُس، وَأما أَن يحداها بالمقدار كَأَن يتعاقدا على أَن يتَوَلَّى الْعَمَل وَحده إِلَى أَن تبلغ الْأَشْجَار قدرا مَعْلُوما سمياه كقامة أَو نصفهَا أَو سِتَّة أشبار وَنَحْوهَا مِمَّا لَا تطعم الْأَشْجَار قبله أَيْضا، فَإِن كَانَت تطعم قبل بُلُوغهَا الْقدر الْمُسَمّى من قامة وَنَحْوهَا أَو قبل الْأَجَل الْمَضْرُوب فِي الصُّورَة الأولى فَسدتْ لِأَن الْعَامِل تكون لَهُ تِلْكَ الثَّمَرَة إِلَى أَن يبلغ الشّجر الْأَجَل أَو الشَّبَاب الَّذِي سمياه ثمَّ يكون لَهُ نصف الشّجر بأرضه فَكَأَنَّهُ أجر نَفسه بثمر لم يبد صَلَاحه وبنصف الأَرْض وَمَا ينْبت فِيهَا قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره. وَأما بالأثمار كَأَن يتَّفقَا على تَوليته الْعَمَل إِلَى إطعامها كَمَا قَالَ: والحدّ فِي خِدْمَتِهِ أَنْ يُطْعِمَا وَيَقَعُ القَسْمُ بِجُزْءٍ عُلِمَا (وَالْحَد فِي خدمته) أَي الغارس أَو الشّجر الْمَفْهُوم من السِّيَاق فَهُوَ من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله أَو مَفْعُوله. (أَن يطعما) هُوَ أَي الشّجر وتفسد إِن شرطا زِيَادَة عَلَيْهِ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدّمَة، فالإطعام هُوَ أحد الْأُمُور الَّتِي تحد المغارسة بِهِ كَمَا ترى لَا أَنَّهَا لَا تحد إِلَّا بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ النّظم فَإِن سكتا وَلم يحداها بإطعام وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّا ذكر فَهِيَ جَائِزَة صَحِيحَة عِنْد ابْن حبيب. وَتَكون إِلَى الْإِطْعَام، وَقيل هِيَ فَاسِدَة وَالْأول الْمُعْتَمد، وَعَلِيهِ اقْتصر غير وَاحِد، وَلذَا قُلْنَا يَنْبَغِي تَحْدِيد عمل الغارس الخ. لصحتها عِنْد السكت، وَلَكِن مَحل صِحَّتهَا عِنْده إِذا كَانَ الْعرف التَّحْدِيد بِالْإِطْعَامِ وَنَحْوه مِمَّا تقدم كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَأما إِذا كَانَ الْعرف أَن الْعَامِل يبْقى عَاملا مَا عَاشَ فَهِيَ فَاسِدَة عِنْد السكت لِأَن الْعرف كالشرط وَيُمكن أَن يحمل النّظم على مَسْأَلَة السكت وَأَن الْحَد فِيهَا إِذا سكتا هُوَ الْإِطْعَام وَهُوَ الظَّاهِر وَعَلِيهِ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا انْقَضى مَا حدث بِهِ فَإِنَّهُمَا يقتسمان كَمَا قَالَ:(وَيَقَع الْقسم) فَيَأْخُذ كل وَاحِد نصِيبه من الأَرْض وَالشَّجر وَلَهُمَا الْبَقَاء على الشّركَة مشاعة، وَيكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا على قدر الْأَنْصِبَاء، وَقد تحصل مِمَّا مر أَن من شُرُوطهَا أَن لَا يزِيد الْأَجَل أَو الشَّبَاب أَو الْعَمَل الْمُشْتَرط على الْإِطْعَام كَمَا مر، وَمن شُرُوطهَا أَيْضا أَن تكون (بِجُزْء علما) كَنِصْف أَو ثلث أَو ربع فَهُوَ مُتَعَلق بقوله جَائِز: وَمن شُرُوطهَا أَيْضا: أَن يدخلا على أَن
هَذَا الْجُزْء شَائِع فِي الشّجر وَالْأَرْض أَو فِي الشّجر ومواضع أُصُولهَا من الأَرْض دون بَقِيَّة الأَرْض فَهِيَ لِرَبِّهَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَشرط بقيا غير مَوضِع الشّجر الخ. وَلَو قدمه هُنَا لَكَانَ أحسن فَإِن سكتا وَلم يشترطا شَيْئا فَيحمل الْأَمر على شيوعه فِي الأَرْض وَالشَّجر، وَأما إِن دخلا على شيوعه فِي الشّجر خَاصَّة وَلَا حق لأصولها فِي الأَرْض أَو على أَن الأَرْض بَينهمَا دون الشّجر فَهِيَ فَاسِدَة. وَمن شُرُوطهَا أَيْضا: أَن تكون الأَرْض بَيْضَاء احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَت مشعرة كلهَا أَو جلها فَإِن المغارسة حِينَئِذٍ لَا تجوز كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَشرط مَا يثقل كالجدار الخ. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عَمِلا شَيْءٌ إِلَى مَا جَعَلَاهُ أَجَلا (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عملا شَيْء إِلَى) وُصُول (مَا جعلاه أَََجَلًا) من إطْعَام أَو شباب أَو أجل. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ فِي أَرض وَلَا شجر حَتَّى يبلغ الْغَرْس مَا شرطاه مِمَّا ذكرنَا جَوَازه، وَقَالَ قبل ذَلِك: فَإِن بَطل الْغَرْس يَعْنِي بحرق أَو آفَة قبل بُلُوغه الْحَد الْمُشْتَرط لم يكن لَهُ شَيْء اه. لِأَنَّهَا جعل فَهِيَ كحافر الْبِئْر ينهدم قبل فَرَاغه فَلَا شَيْء لَهُ. قَالَ المتيطي والفشتالي وَغَيرهمَا: وَلَكِن إِذا بَطل الْغَرْس بحرق وَنَحْوه فَمن حق الْعَامِل أَن يُعِيدهُ مرّة أُخْرَى اه. زَاد الْبُرْزُليّ: يُعِيدهُ أبدا إِلَى أَن يتم أَو ييأس مِنْهُ اه. وَمَفْهُوم النّظم أَنه إِذا وصل الْغَرْس الْأَجَل
الْمُشْتَرط فَإِنَّهُ يكون لَهُ نصِيبه مِنْهُ، فَلَو احْتَرَقَ الْغَرْس أَو طرأت عَلَيْهِ آفَة قبل الْقسم فَإِن الأَرْض تكون بَينهمَا لِأَن الْعَامِل قد اسْتحق نصِيبه مِنْهَا بِتمَام الْغَرْس قَالَه ابْن سَلمُون. قَالَ: وَلَو كَانَ فِي الأَرْض شَجَرَة قبل المغارسة فَهِيَ لرب الأَرْض وَلَا يكون لِلْعَامِلِ فِيهَا شَيْء وَلَا يسوغ لَهُ أَن يشْتَرط أَن تكون بَينهمَا مَعَ الْغَرْس وللعامل أُجْرَة سقيها وعلاجها اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا: وَلَا تصح المغارسة على الْبيَاض الَّذِي بَين السوَاد، وَيدخل الشّجر فِي المغارسة وَإِن كَانَ على إِخْرَاجه فَإِن كَانَ لَا يصل إِلَى شَجَره مَنْفَعَة سقِِي أَو غَيره فَهُوَ جَائِز وإلاَّ لم يجز اه. قلت: وَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض مُشْتَمِلَة على أَشجَار فيشتري الْعَامِل نصف الْأَشْجَار على شَرط أَن يغْرس الْبيَاض الَّذِي بَينهمَا مُنَاصَفَة فَاسد لما فِيهِ من اجْتِمَاع المغارسة وَالْبيع، وهما يَجْتَمِعَانِ كَمَا مرّ صدر الْبيُوع عَن ابْن الْحَاج، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرتكب فِي ذَلِك مَذْهَب أَشهب إِذْ هَذِه الصُّورَة لَا سَبِيل لجَوَاز المغارسة فِيهَا. وَلَو فَرضنَا أَنه يؤاجره على خدمَة الْأَشْجَار لمُدَّة مَعْلُومَة بعوض مَعْلُوم، لِأَن الْإِجَارَة من نَاحيَة البيع والمغارسة من نَاحيَة الْجعل كَمَا مر. نعم على مَذْهَب أَشهب يجوز ذَلِك، وَقد تقدم فِي الْبَاب قبله عَن ابْن لب أَن مَا جرى بِهِ عرف النَّاس يلْتَمس لَهُ وَجه مَا أمكن، إِذا لَا يلْزم الْعَمَل بِمذهب معِين وَلَا بِمَشْهُور من قَول قَائِل، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا فِي الْبُرْزُليّ فِي بَاب الْقَرَاض قَالَ، قَالَ الْمَازرِيّ: وقفت على كتاب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بِخَط يَده وَفِيه من قَالَ لرجل: إِذا جَاءَك فلَان فَخذ السّلع الَّتِي بِيَدِهِ وادفع إِلَيْهِ دِينَارا عَن أجرته وَبَقِيَّة الثّمن ادفعه إِلَيْهِ قراضا إِن ذَلِك جَائِز، الْمَازرِيّ: وَاسْتشْكل هَذَا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَاز اجْتِمَاع الْقَرَاض وَالْإِجَارَة والجعل فِي عقد وَاحِد. الْبُرْزُليّ: وَعَلِيهِ اكثر قراضات النَّاس الْيَوْم اه. وَشَرْطُ بُقْيا غَيْرِ مَوْضِعِ الشِّجَرْ لِرَبِّ الأَرْضِ سَائِغٌ إذَا صَدَرْ (وَشرط بقيا) أَي بَقَاء (غير مَوضِع الشّجر) من الأَرْض (لرب الأَرْض سَائِغ إِذا صدر) مِنْهُ فَيجب أَن يُوفى لَهُ بِهِ كَمَا مر. الْبُرْزُليّ: إِذا غارسه على أَخذ مَوَاضِع الشّجر فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْء من بَقِيَّة الأَرْض وَلَيْسَ عَلَيْهِ عمل فِيهَا، ويتصرف رب الأَرْض فِيهَا كَيْفَمَا شَاءَ مَا عدا مَوَاضِع الشّجر. وَشَرْطُ مَا يَثْقُلُ كالجِدَارِ مُمْتَنِعٌ وَالعَكْسُ أمْرٌ جَارِي (وَشرط مَا يثقل) على الْعَامِل (كالجدار) يبنيه حول أَرض المغارسة أَو حفر بِئْر فِيهَا تكْثر نَفَقَته أَو تكون الأَرْض مشعرة كلهَا أَو جلها، فَيشْتَرط عَلَيْهِ إِزَالَة شعرهَا، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يثقل عَلَيْهِ عمله وتعظم مُؤْنَته (مُمْتَنع) للغرر لِأَن الْغَرْس رُبمَا بَطل أَو هلك قبل بُلُوغ الْحَد الْمُشْتَرط فترجع لِرَبِّهَا، وَقد انْتفع بِإِزَالَة شعرهَا وَبِنَاء جدارها وحفر بِئْرهَا فَيذْهب عمل الْعَامِل بَاطِلا، وَقد علمت أَن المغارسة من نَاحيَة الْجعل وَهُوَ لَا يجوز إِلَّا فِيمَا لَو ترك الْعَامِل لم ينْتَفع الْجَاعِل بِشَيْء
كَمَا مر، فَإِن كَانَ فِيهَا لمع يسيرَة من الشّعْر تخف إِزَالَتهَا أَو حفر شرب يخف أمره وَنَحْو ذَلِك من تزريب وَنَحْوه فَلَا بَأْس باشتراطه كَمَا فِي النِّهَايَة، وَهُوَ معنى قَوْله:(وَالْعَكْس) وَهُوَ شَرط مَا يخف (أَمر جَار) عِنْد النَّاس جَائِز شرعا. تَنْبِيهَات. الأول: يفهم من النّظم أَنه لَا يشْتَرط بَيَان نوع الْغَرْس من زيتون أَو تفاح وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا يطْلب بَيَانه فَقَط حَيْثُ كَانَ بعض الْغَرْس أضرّ من بعض، فَإِن لم يبيناه فَالْعقد صَحِيح وَيمْنَع من غرس الأضر كَمَا قَالُوهُ فِيمَن اكترى أَرضًا للغرس وَلم يبين نوع مَا يغْرس فِيهَا، فمذهب ابْن الْقَاسِم صِحَة العقد وَيمْنَع من فعل الأضر، وَقَالَ غَيره: يفْسد العقد كَمَا فِي ضيح، وَنَقله فِي حَاشِيَة الشَّيْخ الْبنانِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة: أَو لم يعين فِي الأَرْض بِنَاء أَو غرس وَبَعضه أضرّ وَلَا عرف الخ. وَقد علمت أَن المغارسة أخذت شبها من الْكِرَاء كَمَا مر، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الرَّابِع، وَهَذَا كُله إِذا لم يقل لَهُ: اغرس فِي الأَرْض مَا شِئْت وإلاَّ جَازَ مُطلقًا أَو جرت الْعَادة بذلك لِأَنَّهَا كالشرط وإلاَّ جَازَ مُطلقًا. وَقَول صَاحب كتاب المغارسة: وَوَجَب بَيَان مَا يغْرس لاخْتِلَاف الْأَشْجَار فِي مُدَّة الأثمار وَفِي قلَّة الْخدمَة وَكَثْرَتهَا غير ظَاهر، لِأَن الْعَامِل إِذا غرس مَا يطول أثماره وَمَا تكْثر خدمته فقد رَضِي بطول عمله وَكَثْرَة خدمته لغَرَض لَهُ فِي ذَلِك المغروس، وَالنَّاس عندنَا الْيَوْم لَا يبينون شَيْئا للْعَادَة وَلَا يتشاحون فِي مثل ذَلِك، فَلَا يتَعَرَّض لفسخ عقدهم بِعَدَمِ الْبَيَان وَلَا سِيمَا على مَا مر قَرِيبا عَن ابْن لب. الثَّانِي: مَا نبت فِي أَرض المغارسة بِنَفسِهِ بعد عقدهَا وَلم يغرسه الغارس فَهُوَ بَينهمَا كالمغروس. الثَّالِث: إِذا حددت المغارسة بِالْإِطْعَامِ فَإِن أطْعم جلها فَالَّذِي لم يطعم تبع لما أطْعم وَيسْقط عَن الْعَامِل الْعَمَل فِي الْجَمِيع ويقتسمان إِن شاءا، وَإِن لم يطعم جلها بل أقلهَا فَإِن كَانَ ذَلِك الْأَقَل إِلَى نَاحيَة كَانَ بَينهمَا وَسقط الْعَمَل فِيهِ وَلَزِمَه الْعَمَل فِي غَيره، وَإِن كَانَ مختلطاً لزمَه الْعَمَل فِي الْجَمِيع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. الرَّابِع: قيد بعض الْمُتَأَخِّرين مغارسة الْأَنْوَاع أَو النَّوْع الْوَاحِد بِمَا إِذا كَانَت تطعم فِي زمن وَاحِد أَو متلاحق وَأما إِذا كَانَت تخْتَلف بالتبكير وَالتَّأْخِير فَلَا يجوز فِي عقد وَاحِد. الْبُرْزُليّ: وَظَاهر إِطْلَاق قَول ابْن حبيب: إِذا لم يسميا أَََجَلًا وَلَا شبَابًا فَهِيَ إِلَى الْإِطْعَام أَنَّهَا تجوز وَلَو لم تتلاحق الْأَنْوَاع أَو النَّوْع الْوَاحِد فِي الْإِطْعَام اه. قلت: مَا ذكره من الْجَوَاز على ظَاهر ابْن حبيب هُوَ الْمُتَعَيّن، إِذْ النَّوْع الْوَاحِد قد يتَأَخَّر كثير من أَفْرَاده عَن الْبَعْض الآخر فِي الْإِطْعَام تَأْخِيرا كثيرا كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، فَكيف بذلك فِي الْأَنْوَاع الْمُخْتَلفَة؟ وَلذَا قَالُوا: إِذا أطْعم الْأَكْثَر فالأقل تَابع كَمَا مر، وَإِنَّمَا يحسن أَن يُقَال بِالْمَنْعِ فِي هَذَا لَو كَانَ ثمره مَا أطْعم يكون لِلْعَامِلِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون آجر نَفسه بثمر لم يبد صَلَاحه كَمَا مر، وَمَعَ ذَلِك يُقيد بِمَا إِذا كَانَ مَا أطْعم غير تَابع، وإلاَّ فَلَا ينظر لَهُ. وَلَو كَانَ ثَمَر لِلْعَامِلِ كَمَا هُوَ ظَاهر مَا تقدم لِأَن التوابع يغْتَفر فِيهَا مَا لَا يغْتَفر فِي متبوعاتها، وَهَذَا يبين لَك صِحَة مَا قدمْنَاهُ فِي التَّنْبِيه الأول، وَإِن مَا ذكره صَاحب كتاب المغارسة من وجوب بَيَان المغروس
لاخْتِلَاف الْأَشْجَار فِي مُدَّة الإثمار الخ. إِنَّمَا يتمشى على مَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ: وَإِن اقْتصر عَلَيْهِ فِي النِّهَايَة قَائِلا: وَيفْسخ إِن كَانَت لَا تتلاحق إِلَّا بعد بُعد وللعامل أجر مثله إِن عمل غير ظَاهر كَمَا ترى وَالله أعلم. الْخَامِس: إِذا واجره بِنصْف الأَرْض على أَن يغْرس النّصْف الْبَاقِي فَإِن ذَلِك لَا يجوز سَوَاء شرطا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس أَو بعد غرس الْجَمِيع قَالَه ابْن رشد فِي أجوبته، وَعلله بِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا يخرج لَهُ بِالسَّهْمِ فَصَارَ الْعِوَض مَجْهُولا، وَمَا لَا يجوز بَيْعه لَا يجوز أَن يكون أُجْرَة، وَأطَال فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ: فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار على غرس نصف الأَرْض بِنِصْفِهَا الآخر على الإشاعة إِلَّا أَن تكون مستوية تعتدل فِي الْقِسْمَة بالذراع، ويشترطان قسمتهَا قبل الْغَرْس ويعينا الْجِهَة الَّتِي يَأْخُذ الْأَجِير مِنْهَا النّصْف لنَفسِهِ فِي أجرته، والجهة الَّتِي يغرسها لرب الأَرْض اه. بِتَقْدِيم وَتَأْخِير. وَمَا علل بِهِ من أَن لَا يدْرِي مَا يخرج لَهُ بِالسَّهْمِ هُوَ قَول (خَ) فِي الْقِسْمَة: وَمنع اشْتِرَاط الْخَارِج الخ. وَهَذِه إِجَارَة لَا مغارسة، فَلِذَا امْتنعت بِالْجَهْلِ الْمَذْكُور لِأَن الْأَجِير يملك نصف الأَرْض بِالْعقدِ، وَلَا يدْرِي فِي أَي مَحل يخرج لَهُ بِخِلَاف المغارسة فَلَا يملكهُ بِالْعقدِ بل بِتمَام الْعَمَل وَيكون شَرِيكا. السَّادِس: إِذا عجز الغارس قبل تَمام الْعَمَل أَو أَرَادَ سفرا فَلهُ أَن يَأْتِي بِمن هُوَ مثله يكمل عمله بِأَقَلّ من الْجُزْء الَّذِي دخل عَلَيْهِ أَو بمساوٍ لَهُ إِلَّا أَن يَقُول رب الأَرْض: أَنا آخذه بذلك الْأَقَل أَو الْمسَاوِي، فَإِن سلمه هدرا وَلم يرض رب الأَرْض وَقَالَ: أَنا اسْتَأْجر من يكمل الْعَمَل وأبيع حِصَّته فالفضل لَهُ وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ، فَلهُ ذَلِك كَمَا تقدم فِي عَامل الْمُسَاقَاة كَذَا يَنْبَغِي قَالَه فِي شرح كتاب المغارسة. قلت: وَكَذَا قَالَ الْبُرْزُليّ: الْجَارِي على الْمُسَاقَاة جَوَاز إعطائها بِجُزْء، بل وَنقل بعد ذَلِك عَن ابْن رشد أَنه يجوز لَهُ أَن يُعْطِيهَا لرب الأَرْض أَو غَيره بجزئها الَّذِي أَخذهَا بِهِ، وَلَا مقَال لرب الأَرْض فِي ذَلِك. السَّابِع: فِي المغارسة الْفَاسِدَة وَإِن اخْتلفت أَنْوَاع فَسَادهَا كَمَا لِابْنِ الْحَاج حَسْبَمَا فِي الْبُرْزُليّ، يَعْنِي ككونها مُؤَقَّتَة بِأَجل أَو شباب تثمر الْأَشْجَار قبله، أَو شَرط بِنَاء جِدَار وتعظم مُؤْنَته، أَو كَانَت الأَرْض مشعرة كلهَا أَو جلها، أَو شَرط عَلَيْهِ الْقيام على الْغَرْس مَا عَاشَ، أَو شَرط إِدْخَال مَا كَانَ من الشّجر مَوْجُودا، أَو أَن الأَرْض بَينهمَا دون الشّجر، أَو لَا حق للشجر من الأَرْض وَنَحْو ذَلِك. ثَلَاثَة أَقْوَال لِابْنِ الْقَاسِم. أَحدهَا: أَنَّهَا تمْضِي لِأَنَّهَا بيع فَاسد فَاتَت بالفراغ وبلوغ الْإِطْعَام، وَيكون على الْعَامِل نصف قيمَة الأَرْض يَوْم قبضهَا براحاً، وَله على رب الأَرْض قيمَة عمله وغراسه فِي النّصْف الَّذِي صَار إِلَيْهِ إِلَى أَن بلغ وَله أجرته فِيهِ أَيْضا من يَوْمئِذٍ إِلَى يَوْم الحكم، وَإِن اغتل الْغلَّة قبل ذَلِك مَضَت بَينهمَا، وَإِن اغتلها الغارس وَحده رد نصف ذَلِك إِلَى رب الأَرْض وَبِهَذَا القَوْل صدر ابْن يُونُس قَائِلا، وَاسْتَحْسنهُ ابْن حبيب، وَبِه قَالَ مطرف وَأصبغ، وَاسْتَحْسنهُ عِيسَى أَيْضا مثل ابْن حبيب، وَرجع إِلَيْهِ ابْن الْقَاسِم وَثَبت عَلَيْهِ اه. وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب الْمُفِيد والمعين وَصَاحب النِّهَايَة. ثَانِيهَا: أَنَّهَا بيع فَاسد أَيْضا قد فَاتَ فالغلة كلهَا لِلْعَامِلِ، وَيرد رب الأَرْض مَا أَخذ مِنْهَا إِن
قبضهَا رطبا رد قيمتهَا أَو تَمرا رد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت، وعَلى الْعَامِل قيمَة نصف الأَرْض يَوْم قبضهَا وَعَلِيهِ كِرَاء نصف الأَرْض الَّذِي لِرَبِّهَا، وَيُخَير رب الأَرْض فِي نصف الْغَرْس الَّذِي صَار إِلَيْهِ بَين أَن يُعْطِيهِ قِيمَته مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَهَذَا القَوْل رَوَاهُ عِيسَى وحسين بن عَاصِم عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا، وَبِه أفتى بعض الشُّيُوخ حَسْبَمَا فِي المعيار إِلَّا أَنه أجمل قَوْله: وَاقْتصر عَلَيْهِ شَارِح العمليات عِنْد قَوْله: واعط أَرض حبس مغارسه الخ. وَبِه أفتى الْفَقِيه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن الفاسي حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي قَائِلا: وَهُوَ الَّذِي رَجحه القَاضِي أَبُو الْوَلِيد، وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى تَصْحِيح ابْن رشد لَهُ فِي الْمُقدمَات على مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الرهوني فِي حَاشِيَته. ثَالِثهَا: إِن لِلْعَامِلِ قيمَة غرسه أَي الأعواد الَّتِي غرسها، وَقِيمَة عمله أَي معالجته إِلَى يَوْم الحكم وَالْغَرْس كُله لرب الأَرْض وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ فِيهِ، وَيرد مَا أَخذه من الثَّمَرَة أَي مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا، وَبِه قَالَ سَحْنُون وَصدر بِهِ فِي الْبَيَان والمقدمات، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَابْن سَلمُون، وَتقدم مثله عَن النِّهَايَة فِي التَّنْبِيه الرَّابِع، فَصَاحب النِّهَايَة اقْتصر على الأول أَولا وعَلى الثَّالِث ثَانِيًا، وَبِه افتى الرهوني فِي حَاشِيَته حَسْبَمَا ذكره فِي بَاب الْمُسَاقَاة قَائِلا: إِنَّه الَّذِي أفتى بِهِ ابْن عتاب وَابْن مَرْزُوق وَابْن رشد، وَنقل كَلَام الْجَمِيع. لَكِن مَا ذكره من ان ابْن رشد أفتى بِهِ فَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَا أفتى بِهِ ابْن رشد إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا واجره بِنصْف أرضه على غرس النّصْف الْبَاقِي كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الْخَامِس، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: سَوَاء شرطا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس الخ. لِأَن المغارسة لَا تتأتى فِيهَا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس، وعَلى أَن ذَلِك إِجَارَة اخْتَصَرَهُ أحلولو لنوازل الْبُرْزُليّ، وَالْخلاف الْمَذْكُور جَار على الْجعل هَل يرد إِلَى صَحِيح نَفسه أَو فَاسد أَصله وَهُوَ الْإِجَارَة؟ فالأولان يردانها إِلَى صَحِيح مثلهَا بِخِلَاف الثَّالِث. قَالَ مَعْنَاهُ الْبُرْزُليّ، ثمَّ إِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده من هَذِه الْأَقْوَال هُوَ أَولهَا لِكَثْرَة قَائِلهَا، وَرُجُوع ابْن الْقَاسِم إِلَيْهِ وثبوته عَلَيْهِ، واستحسان ابْن حبيب وَعِيسَى لَهُ تَارِكًا مَا رَوَاهُ عَنهُ مَعَ حُسَيْن بن عَاصِم، وَإِن كَانَ الثَّانِي رَجحه ابْن رشد، وَالثَّالِث قَالَ بِهِ سَحْنُون، وَاخْتَارَهُ ابْن عتاب لِأَن ترجيحهما لَا يُقَاوم ذَلِك، وَقَوْلهمْ: لَا يعدل عَن قَول ابْن الْقَاسِم إِن وَافقه سَحْنُون مَحَله إِذا لم يرجع ابْن الْقَاسِم إِلَى غَيره وَيثبت عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَالله أعلم. وَانْظُر كَيْفيَّة تَقْوِيم الأَرْض المشعرة بعد الْفَوات فِي ابْن عرضون، وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر الْقَرَاض من أَن مَا فِيهِ قِرَاض أَو مُسَاقَاة الْمثل يمْضِي بِالشُّرُوعِ فالمغارسة والجعل كَذَلِك، لِأَن الْجَمِيع مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة. الثَّامِن: مَسْأَلَة التقليم وَهِي تركيب الزَّيْتُون الحلو أَو نَحوه فِي المر الْمَنْصُوص منعهَا حَسْبَمَا للقوري عَن العبدوسي، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَنَّهَا تجْرِي مجْرى المغارسة فَتَصِح مَعَ توفر شُرُوطهَا وتفسد مَعَ عدمهَا، وَهُوَ ظَاهر الْبُرْزُليّ، بل صَرِيحه، وَعَلِيهِ اخْتَصَرَهُ الونشريسي وَنَصّ اختصاره. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَإِن دفع أشجاراً من زيتون أَو خروب على أَن يركبهَا صنفا طيبا وَيقوم عَلَيْهَا حَتَّى تثمر، فَإِن وَقعت على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فِي المغارسة فَجَائِز، وَإِلَّا فَلَا اه. وَنَحْوه فِي اخْتِصَار أحلولو لَهُ وَنَصه: وَمن هَذَا مَسْأَلَة تقع بجبل وسلات وَهِي أَن يعْطى الرجل شجر زيتون وَنَحْوه على أَن يركبهَا صنفا طيبا وَيقوم عَلَيْهَا حَتَّى تثمر فَتكون الثَّمَرَة بَينهمَا حَتَّى تبلى الشَّجَرَة وَلَا يكون
لَهُ فِي الأَرْض شَيْء، فَهِيَ من معنى مَا تقدم من المغارسة حَتَّى تبلى الْأُصُول فَتبقى الأَرْض لِرَبِّهَا وَهِي فَاسِدَة وَيجْرِي الْأَمر فِيهَا إِذا وَقعت على مَا تقدم من الْخلاف اه. وَمَفْهُوم قَوْله: حَتَّى تبلى الْأُصُول فَتبقى الأَرْض لِرَبِّهَا الخ. أَنَّهُمَا إِذا دخلا على أَن الشّجر ومواضعها من الأَرْض بَينهمَا فَهِيَ جَائِزَة، فَمَا قَالُوهُ من منعهَا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الأَرْض تبقى لِرَبِّهَا إِذا بليت الْأَشْجَار، وَكَانَ ابْن حسون المزجاري يجيزها وَلَو على هَذَا الشَّرْط ويعلل ذَلِك لِأَن سطح الشَّجَرَة كسطح الأَرْض، فَيجوز فِيهَا مَا يجوز فِي المغارسة فِي الأَرْض، فَإِذا بليت الْأَشْجَار فَكَمَا لَو بليت الأَرْض بزلزلة وَنَحْوهَا، ثمَّ إِذا وَقعت جَائِزَة وبليت الشَّجَرَة الْوَاجِبَة لِلْعَامِلِ فِي نصِيبه، فَلهُ أَن يغْرس أُخْرَى مَكَانهَا لِأَنَّهُ قد ملكهَا مَعَ محلهَا. التَّاسِع: إِذا غرس الشَّرِيك أَو بنى بِإِذن شَرِيكه أَو بِغَيْر إِذْنه فَلهُ قِيمَته مقلوعاً، كَمَا نظم ذَلِك بَعضهم بقوله: فقيمة الْبناء مقلوعاً أَتَت فِي سَبْعَة مَعْدُودَة قد ثبتَتْ فِي الْغَصْب والثنيا وَفِي العواري وَفِي الكرا وغرس أَرض الْجَار كَذَاك فِي أَرض لموروث وَفِي أَرض الشَّرِيك حصلنه تقتفي بِإِذن أَو بِغَيْرِهِ قد نقلا عَن ابْن الْقَاسِم إِمَام النبلا وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي الِاسْتِحْقَاق من شرحنا للشامل وفيهَا اضْطِرَاب. وَفِي اخْتِصَار الونشريسي للبرزلي مَا نَصه: وَمن أول كتاب الِاسْتِحْقَاق من الْبَيَان إِذا بنى الشَّرِيك أَو غرس بِإِذن شَرِيكه فَهَل يكون لشَرِيكه نصِيبه من المغروس وَيدْفَع فِيمَا نابه مِنْهُ قِيمَته قَائِما للشُّبْهَة وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْمَذْهَب أَو قِيمَته مقلوعاً؟ قَالَ: وَمِنْه مَا هُوَ مَنْصُوص لأهل الْمَذْهَب أَن من عمل فِي أَرض زَوجته ثمَّ مَاتَ فلورثته قِيمَته قَائِما وَقيل مقلوعاً. قلت: الظَّاهِر أَن ذَلِك بِغَيْر إِذْنهَا أَو يُقَال كَانَت مُكْرَهَة وَلَا سِيمَا حَيْثُ لَا أَحْكَام اه. قلت: وَقد اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أَو لَيْسَ بِإِذن؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ كَمَا مر فِي بيع الْفُضُولِيّ أَنه لَيْسَ بِإِذن إِلَّا فِيمَا يعلم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضا مِنْهُ، فَيكون إِذْنا ورضا، وَعَادَة الشُّرَكَاء الْيَوْم التشاح التَّام فِي الْغَرْس وَالْبناء فِي الأَرْض الْمُشْتَركَة فالسكوت إِذن ورضا، وَقد علمت فِيهِ أَنه يَأْخُذ قِيمَته قَائِما على قَول الْأَكْثَر وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَعَلِيهِ اقْتصر الفشتالي فِي وثائقه، وَبِه شاهدت الْأَحْكَام وَقت الشبيبة، وَبِه كنت أُفْتِي وَأنْظر كَيْفيَّة التَّقْوِيم قَائِما فِي نَوَازِل الشّركَة من العلمي، وَأما إِن بنى أَو غرس بِغَيْر إِذْنه وَلَا سُكُوته فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَته مقلوعاً قولا وَاحِدًا. نعم إِن غرس أَو بنى قدر حِصَّته فَقَط فَأَقل فَلَا غلَّة عَلَيْهِ وَلَا كِرَاء فِي نصِيبهم إِن أَرَادوا الْقِسْمَة وَله عَلَيْهِم الْكِرَاء فِي حصتهم من الزَّبْن والخدمة والتزريب فِي كل سنة لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِم بِوَاجِب، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا غلَّة عَلَيْهِ لقَوْل ناظم الْعَمَل: وَمَا على الشَّرِيك يَوْمًا إِن سكن فِي قدر حَظه لغيره ثمن فَلَا مَفْهُوم لسكن بل كَذَلِك إِذا حرث أَو غرس، وَإِنَّمَا قُلْنَا: وَله عَلَيْهِم الْكِرَاء للقاعدة الْمُتَقَدّمَة عِنْد قَول النَّاظِم فِي الْإِجَارَة: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. فراع شُرُوطهَا هُنَا. وَهَذَا كُله مَعَ وجود الْأَحْكَام، وَأما مَعَ عدمهَا فَإِذا غرس الغارس أَو بنى أَو قلع البور والغابة
وَنَحْوهَا. وَكَانَ ذَلِك قدر حَظه فَقَط وَترك قدر حَظّ الآخر المماثل لما غرسه وبناه وقلعه فِي الْجَوْدَة وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ يخْتَص بغرسه وتقليعه لِأَنَّهُ قد فعل فعلا لَو رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره إِذْ ذَاك غَايَة الْمَقْدُور، وكل مَا كَانَ كَذَلِك فَفعله مَاض كَمَا ذكر هَذِه الْقَاعِدَة أَبُو الْحسن والبرزلي وَغَيرهمَا. ونقلها (ق) عِنْد قَوْله فِي الْخلْع: وَجَاز من الْأَب عَن الْمُجبرَة الخ. وَعَادَة الْبَوَادِي الْيَوْم بل وَبَعض الحواضر الاستخفاف بِالْأَحْكَامِ وَعدم المبالاة بهَا على مَا شَاهَدْنَاهُ، وَحِينَئِذٍ فللغارس غرسه وَلَو لم يطْلب الْقِسْمَة بِحَضْرَة الْعُدُول وَلَا أشهدهم على الطّلب الْمَذْكُور، إِذْ لَا فَائِدَة فِي الطّلب وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَت عَادَتهم مَا ذكر وَمَا علم بمستقر الْعَادة عَدمه لَا يطْلب الْمَرْء بِفِعْلِهِ وَالله أعلم. الْعَاشِر: فِي الطرر عَن المشاور: إِذا بنى الْوَارِث بِحَضْرَة شَرِيكه وَعلمه وَلَا يُغير عَلَيْهِ ثمَّ بَاعه أَو بعضه فَقَامَ الشَّرِيك فَأَرَادَ أَخذ نصِيبه مِنْهُ وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَة، فَإِن قَامَ عَلَيْهِ أَو على ورثته قبل انْقِطَاع حجَّته وَذَلِكَ الْأَرْبَعُونَ سنة فَأَقل، فَإِنَّهُ يقسم ذَلِك فَمَا صَار فِي حق الْقَائِم كَانَ لَهُ وَكَانَ بِالْخِيَارِ فِي دفع قيمَة الْبُنيان وَالْغَرْس مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَلم يكن لَهُ كِرَاء فِيمَا سكن من نصِيبه، وَلَا غلَّة فِيمَا اغتل لِأَنَّهُ أذن لَهُ فِيهِ إِذا كَانَ بِعِلْمِهِ، وَلم تكن لَهُ شُفْعَة لِأَن البيع يفْسخ وَلَا يتم العقد إِلَّا بعد الْقسم إِن أحب الْمُبْتَاع ذَلِك، وَإِن لم يعلم بذلك حَتَّى قَامَ فَلهُ كِرَاء مَا صَار لَهُ من الْبقْعَة على الْبَانِي والغارس، وَقيل: إِنَّه يَأْخُذهُ قَائِما اه. فَقَوله: وَكَانَ بِالْخِيَارِ الخ. مَحَله إِذا قُلْنَا: إِن السُّكُوت لَيْسَ بِإِذن لعدم التشاح فِي الْغَرْس وَنَحْوه كَمَا مر، وَمحل دفع قِيمَته مقلوعاً الخ. إِذا كَانَ الغارس يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ أَو عبيده وإلاَّ فللغارس عَلَيْهِ أُجْرَة عمله وقيامه وعلاجه، كَمَا أَشَرنَا لَهُ قبل فِي الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة. وَقَوله: وَلَا غلَّة فِيمَا اغتل مَبْنِيّ على أَن السُّكُوت إِذن، وَقَوله: لِأَن البيع يفْسخ الخ. أَي لِأَن اسْتِحْقَاق بعض الْمَبِيع كعيب بِهِ، وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي الْعُيُوب: وَخير المُشْتَرِي إِن غيب أَو عيب أَو اسْتحق شَائِع وَإِن قل الخ. الْحَادِي عشر: تقدم فِي الشُّفْعَة أَن المغارسة فِيهَا الشُّفْعَة لِأَنَّهَا بيع لَكِن بعد تَمام الْعَمَل وَأما قبله فَفِيهِ خلاف، فَقَالَ ابْن الْحَاج: لَا يجوز البيع لِأَنَّهُ لم يجب لَهُ نصِيبه إِلَّا بِتمَام عمله وَلَو مَاتَ لخير وَارثه وَلَو بَيت مَال بَين الْعَمَل أَو التّرْك. الْبُرْزُليّ: إِجْرَاء لَهَا على الْمُسَاقَاة، فَلِذَا يُخَيّر الْوَارِث لكَونهَا فِي الذِّمَّة ولزومها بِالْعقدِ، وَعَلِيهِ نقل بعض الْمُتَأَخِّرين عَن الرماح وَغَيره عَن الْمَذْهَب، أَنه يجوز لكل وَاحِد مِنْهُمَا بيع نصِيبه من الأَرْض وَالشَّجر إِذا كَانَ المُشْتَرِي يعْمل فِي ذَلِك كعمل البَائِع اه. ثمَّ نقل بعد هَذَا عَن ابْن رشد، أَنه يجوز لِلْعَامِلِ أَن يَبِيع من رب الأَرْض أَو غَيره أَو يُعْطِيهَا لَهُ أَو بِغَيْرِهِ بجزئها الَّذِي أَخذهَا بِهِ اه. قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي: وبعدم صِحَة البيع تجْرِي الْأَحْكَام هَهُنَا فِي فاس الْيَوْم. قَالَ: وَإِذا لم يَصح البيع فَلَا شُفْعَة وعَلى صِحَّته فَالشُّفْعَة وَاجِبَة قَالَ: وَالْمَسْأَلَة ناظرة إِلَى قَاعِدَة الشّركَة الَّتِي يُوجِبهَا الحكم هَل تجب الشُّفْعَة فِيهَا قبل تقررها أم لَا؟ ابْن رشد: وَقَول مَالك بِأَنَّهُ لَا شُفْعَة فِيهَا أصح. الثَّانِي عشر: قَالَ أصبغ: من أعْطى أرضه مغارسة فَلم يتم الْعَمَل حَتَّى عجز الْعَامِل أَو غَابَ فَأدْخل رب الأَرْض فِي الْغَرْس من قَامَ بِهِ وَعمل مَا بَقِي أَو تولاه رب الأَرْض الْمَذْكُور
بِيَدِهِ، ثمَّ قدم الْعَامِل وَقَامَ فَهُوَ على حَقه، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حَاضرا وَلم يسلم ذَلِك وَلم ير أَنه تَركه وَيُعْطِي للثَّانِي قدر مَا تكلّف مِمَّا لَو وليه لزمَه مثله اه من اخْتِصَار الونشريسي واحلولو. وَعَن ابْن خجوا فِي رجلَيْنِ أخذا أَرضًا مغارسة فغرساها وَتَوَلَّى أَحدهمَا الْخدمَة وَالْقِيَام إِلَى الْإِطْعَام قَالَ: يكون للقائم بالغرس أُجْرَة مثله ويقتسمان مَا غرساه على مَا دخلا عَلَيْهِ اه. من نَوَازِل الزياتي وَهُوَ يبين لَهُ مَا قبله. وَجَازَ أَنْ يُعْطَى بِكُلِّ شَجَرَهْ تَنْبُتُ مِنْهُ حِصَّةً مُقَدَّرَهْ (وَجَاز) أَي العقد على (أَن يعْطى) الغارس (بِكُل شَجَرَة تنْبت مِنْهُ) أَي من الْغَرْس (حِصَّة مقدرَة) . وَهَذَا جعل مَحْض إِن كَانَ الْمُعْطى دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرضا وَله التّرْك مَتى شَاءَ، كَمَا مر أول الْفَصْل إِلَّا أَن قَول النَّاظِم حِصَّة شَامِل لجزء من الأَرْض والمغروس، وَفِيه ورد النَّص عَن ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن يُونُس وَنَصه قَالَ ابْن الْقَاسِم: لَو قَالَ أستأجرك على أَن تغرس لي فِي هَذِه الأَرْض كَذَا وَكَذَا نَخْلَة فَمَا نبت فَهُوَ بيني وَبَيْنك فَهُوَ جعل وَلَيْسَ إِجَارَة، وَلَو شَاءَ أَن يتْرك ترك وَلَو لم يكن جعلا مَا جَازَ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيتم أم لَا اه. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذِه الصُّورَة هِيَ عين المغارسة الَّتِي تقدم الْكَلَام فِيهَا إِلَّا أَن ابْن الْقَاسِم ذهب فِي هَذَا القَوْل على إِنَّهَا لَا تلْزم بِالْعقدِ وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد من لُزُومهَا بِهِ كَمَا مر وَلذَا قَالَ الْبُرْزُليّ عقب نَقله قَول ابْن الْقَاسِم مَا نَصه: قلت هَذَا خلاف مَا حَكَاهُ الْمَازرِيّ عَن عبد الحميد الصَّائِغ أَن المغارسة وَالْإِجَارَة على الْبَلَاغ مِمَّا يلزمان بِالْعقدِ، وَإِن كَانَ من أَبْوَاب الْجعل وأنهما خرجا عَنهُ فِي هَذَا. وَفِي كَون الْجعَالَة فيهمَا لَهَا مُؤنَة كَثِيرَة للضَّرُورَة إِلَيْهَا اه. وَقَوله: لَهَا مُؤنَة كَثِيرَة الخ. يَعْنِي أَن الْجعل لَا يجوز على الْعَمَل الْكثير كَمَا قَالَ (خَ) : إِلَّا كَبيع سلع لَا يَأْخُذ شَيْئا إِلَّا بِالْجَمِيعِ، والمغارسة وَالْإِجَارَة على الْبَلَاغ خالفاه فِي هَذَا فيجوزان على الْعَمَل الْكثير للضَّرُورَة، وخالفاه أَيْضا فِي اللُّزُوم بِالْعقدِ.
(فصل فِي الْمُزَارعَة)
ابْن عَرَفَة هِيَ شركَة الْحَرْث. وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه عَن
النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (لَا يغْرس مُسلم غرساً وَلَا يزرع زرعا فيأكل مِنْهُ إِنْسَان أَو دَابَّة أَو شَيْء إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة) . الْقُرْطُبِيّ: يسْتَحبّ لمريد الْبذر فِي الأَرْض أَن يَقُول بعد الِاسْتِعَاذَة: أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} (الْوَاقِعَة: 63) الْآيَة. ثمَّ يَقُول: الله الزَّارِع والمنبت والمبلغ، اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّد وارزقنا ثمره وجنبنا ضَرَره، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكِرِينَ، فَإِنَّهُ أَمَان لذَلِك الزَّرْع من جَمِيع الْآفَات الدُّود وَالْجَرَاد وَغير ذَلِك. وَقد جرب فَوجدَ كَذَلِك اه. الْبُرْزُليّ: وَيسْتَحب أَن يَنْوِي أَنه يزرع ويغرس لينْتَفع بِهِ هُوَ وَجَمِيع الْمُسلمين فَيحصل لَهُ ثَوَابه مَا دَامَ قَائِما على أُصُوله، وَإِن تبدلت ملاكه اه. وللمزارعة عشر صور خَمْسَة جَائِزَة وَخَمْسَة مَمْنُوعَة فَمن الْجَائِز قَوْله: إنْ عَمِلَ العَامِلُ فِي المَزَارَعَهْ وَالأَرْضُ مِنْ ثَانٍ فَلَا مُمَانَعَهْ (إِن عمل الْعَامِل فِي الْمُزَارعَة وَالْأَرْض من ثَان فَلَا ممانعة) . وَالْمرَاد بِالْعَمَلِ عمل الْيَد وَالْبَقر، فَإِذا أخرج أَحدهمَا ذَلِك وَأخرج الآخر الأَرْض جَازَت هَذِه الشّركَة بشرطها الْمشَار لَهُ بقوله: إنْ أَخْرَجَا البذْرَ عَلَى نِسْبَةِ مَا قَدْ جَعَلَاهُ جُزْءاً بَيْنَهُمَا (إِن أخرجَا) مَعًا (الْبذر على نِسْبَة مَا قد جعلاه جُزْءا) بِضَم الزَّاي لُغَة فِيهِ (بَينهمَا) فِي المصيف، فَإِن دخلا على أَن مَا يحصل فِي المصيف يكون لذِي الْعَمَل نصفه ولرب الأَرْض نصفه جَازَ إِذا أخرج كل مِنْهُمَا نصف الزريعة، وَإِذا دخلا على أَن لصَاحب الْعَمَل أَو الأَرْض سدس مَا يحصل جَازَ أَيْضا إِذا أخرج كل مِنْهُمَا من الزريعة بِقدر مَا يَأْخُذ فِي المصيف وَهَكَذَا. وَهُوَ معنى قَوْله: كالنِّصْفِ أَوْ كَنِصْفِهِ أَوْ السُّدُسْ وَالعَمَلُ اليَوْمَ بِهِ فِي الأَنْدَلُسْ (كالنصف أَو كنصفه) وَهُوَ الرّبع (أَو السُّدس) فَمَا بعد الْكَاف مِثَال للجزء الَّذِي دخلا على أَخذه فِي المصيف وَظَاهره الْجَوَاز، وَلَو كَانَت قيمَة الْعَمَل لَا تعادل قيمَة كِرَاء الأَرْض وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ كَذَلِك على القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط
السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الْمُزَارعَة، وَعَلِيهِ فَتجوز وَلَو لم يقوِّما الْعَمَل وَلَا عرفا كِرَاء الأَرْض وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد والجزائري وَابْن مغيث وتبعهم النَّاظِم فَقَالَ:(وَالْعَمَل الْيَوْم بِهِ) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت (فِي) جَزِيرَة (الأندلس) ، بل وَكَذَلِكَ فِي مغربنا الْيَوْم لِأَن عَملنَا تَابع لعملهم، وَسميت جَزِيرَة لِأَن الْبَحْر مُحِيط بهَا من جهاتها إِلَّا الْجِهَة الشمالية فَهِيَ مُثَلّثَة الشكل، وَأول من سكنها بعد الطوفان أندلس بن يافث بن نوح عليه السلام فسميت بِهِ. وَمَفْهُوم قَوْله: إِن أخرجَا الخ. أَنَّهُمَا إِذا لم يخرجَا الْبذر على نِسْبَة مَا ذكر كَمَا لَو دخلا على المناصفة فِيمَا يحصل فى المصيف، وَلَكِن الْبذر على أَحدهمَا ثُلُثَاهُ وعَلى الآخر ثلثه، فَإِن ذَلِك لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ رب الأَرْض فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر فِي مُقَابلَة الْعَمَل أَو هبة، وَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ الْعَامِل فَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا بِقدر بذره جَازَ، وَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل نصف الزَّرْع امْتنع، لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض، فَإِن نزل فَلِكُل وَاحِد من الزَّرْع بِقدر بذره ويتراجعان فِي فصل الأكرية. قَالَ سَحْنُون: انْظُر شرحنا للشامل، وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ من كِرَاء الأَرْض بِطَعَام، وَتقدم فِي فصل كِرَاء الأَرْض مَنعه، وَتقدم هُنَاكَ أَيْضا من يَقُول بِجَوَاز كرائها بِكُل شَيْء وَلَو طَعَاما، وَعَلِيهِ فَإِذا اعتادوا فِي بلد التَّفَاوُت فِي الْبذر لَا يُنكر عَلَيْهِم كَمَا مر نَظِيره عَن المسناوي وَابْن لب فِي الْبَابَيْنِ قبله، وَلَا سِيمَا إِذا لم يجد من يتعامل مَعَه على الْوَجْه الْجَائِز وَقد قَالَ الْبُرْزُليّ: تجوز الْمُعَامَلَة الْفَاسِدَة لمن لَا يجد مندوحة عَنْهَا كَالْإِجَارَةِ والمزارعة وَالشَّرِكَة وَغير ذَلِك من سَائِر الْمُعَامَلَات، وَقد رُوِيَ عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه خَافَ على زرعه الْهَلَاك فآجر عَلَيْهِ إِجَارَة فَاسِدَة حِين لم يجد الْجَائِزَة قَالَ: وَمثله لَو عَم الْحَرَام فِي الْأَسْوَاق وَلَا مندوحة عَن غير ذَلِك، والمبيح الضَّرُورَة كَمَا جَازَ للْمُضْطَر أكل الْميتَة اه. وَتقدم نَحْو هَذَا عَن ابْن سراج فِي الْإِجَارَة، وَقَالَ الْجُزُولِيّ عِنْد قَول الرسَالَة: وَلَا بَأْس للْمُضْطَر أَن يَأْكُل الْميتَة ويشبع الخ مَا نَصه. انْظُر على هَذَا لَو اضْطر إِلَى الْمُعَامَلَة بالحرام مثل أَن يكون النَّاس لَا يتعاملون إِلَّا بالحرام وَلَا يجد من يتعامل بالحلال هَل لَهُ أَن يتعامل بالحرام أم لَا؟ وَقد قَالَ عليه السلام: (لَو كَانَت الدُّنْيَا بركَة دم لَكَانَ قوت الْمُؤمن مِنْهَا حَلَالا) وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يجد من يزرع إِلَّا بكرَاء الأَرْض بِمَا تنبته أَو كَانَ لَا يجد إِلَّا من يشْتَرط شركَة فَاسِدَة وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَة إِلَّا الْحَرْث أَو مثل الْحَصاد بالقبضة إِذا كَانَ لَا يجد من يحصد إِلَّا بهَا. قَالَ الشَّيْخ: أما إِذا تحققت الضَّرُورَة فَيجوز، وَقد سَمِعت بعض الشُّيُوخ يَقُول فِي قوم نزلُوا بِموضع قد انجلى أَهله عَنهُ وَكَانَ الَّذين نزلُوا بِهِ لَا صَنْعَة لَهُم إِلَّا الْحَرْث: أَنه يجوز لَهُم أَن يحرثوا تِلْكَ الأَرْض الَّتِي ارتحل أَهلهَا عَنْهَا. قَالَ: وَذكر عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه حصد زرعه بِإِجَارَة فَاسِدَة لأجل الضَّرُورَة اه. وَفِي السّفر الثَّالِث من المعيار قَالَ أصبغ: ينظر إِلَى أَمر النَّاس فَمَا اضطروا إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُد لَهُم مِنْهُ وَلَا يَجدونَ الْعَمَل إِلَّا بِهِ، فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس إِذا عَم اه. فَهَذَا كُله مِمَّا يدل للْجُوَاز مَعَ الضَّرُورَة، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يُقَال مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض إِذا كَانَ كِرَاء الأَرْض يزِيد على قيمَة الْعَمَل، وإلاَّ فَهُوَ مَحْض هبة وَتقدم أَنه على مَا بِهِ الْعَمَل لَا يشْتَرط معرفَة قيمَة الأَرْض وَلَا الْعَمَل وَمُقَابل الْعَمَل الَّذِي فِي النّظم هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِن سلما من كِرَاء الأَرْض بممنوع وقابلها مساوٍ الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَت قيمَة الأَرْض مائَة وَقِيمَة الْعَمَل خمسين ودخلا على المناصفة فِي الْبذر وَمَا يحصل فِي المصيف لم يجز لوُجُود التَّفَاوُت.
وَقد اشْتَمَل كَلَام النَّاظِم على ثَلَاث صور من صور الْمُزَارعَة اثْنَتَانِ جائزتان وهما صُورَة الْمَنْطُوق وَوَاحِدَة من صُورَتي الْمَفْهُوم كَمَا مر، وَسَتَأْتِي الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة من الْخمس الْجَائِزَة عِنْد قَوْله: وَجَاز فِي الْبذر اشْتِرَاك الخ. وَالتُزِمَتْ بالعَقْدِ كَالإجَارَه وَقِيلَ بَلْ بالبَدْءِ لِلْعِمَاره (والتزمت) لَو قَالَ: ولزمت (بِالْعقدِ كَالْإِجَارَةِ) وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَسَحْنُون وَابْن الْقَاسِم فِي كتاب ابْن سَحْنُون، وَبِه قَالَ ابْن زرب وَابْن الْحَارِث وَابْن الْحَاج وَوَقع الحكم بِهِ، وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن رشد وَصَححهُ فِي الشَّامِل فَقَالَ: عقد الْمُزَارعَة لَازم قبل الْبذر على الْأَصَح، وَقيل لَا تلْزم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل وَهُوَ لِابْنِ كنَانَة فِي الْمَبْسُوط وَابْن رشد وَبِه جرت الْفَتْوَى بقرطبة. (وَقيل) لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ (بل بالبذر للعمارة) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: لكل فسخ الْمُزَارعَة إِن لم يبذر. وَمَعْنَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد أَنَّهَا تلزمهما فِيمَا بذرا من قَلِيل أَو كثير وَلَا تلزمهما فِيمَا بَقِي وَلكُل فَسخهَا، فَإِن عجز أَحدهمَا بعد الْبذر فَإِنَّهُ يُقَال لشَرِيكه: اعْمَلْ فَإِذا طَابَ الزَّرْع بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقك وَالزِّيَادَة لَهُ وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ يتبع بِهِ كَمَا مر فِي الْمُسَاقَاة وَقَالَهُ فِي النَّوَادِر، فَإِذا أذهب السَّيْل بذر أَحدهمَا فَأبى أَن يُعِيد بذراً آخر فَإِنَّهُ لَا يجْبر لِأَن عملهما قد تمّ، وَأما على مَا صدر بِهِ النَّاظِم فَإِنَّهُ إِذا أَبى أَحدهمَا من إِتْمَامهَا بعد عقدهَا صَحِيحَة فَإِنَّهُ يجْبر على الْإِتْمَام، وَكَذَا يُقَال على لُزُومهَا بِالشُّرُوعِ أَيْضا. وَمِمَّا يَنْبَنِي على الْخلاف لَو زارع رجل شخصا آخر، فَلَمَّا قلب الأَرْض عَامل غَيره على عَملهَا من أجل عجز عَنْهَا أَو غَيره أَن الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الآخر وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ الأول شَيْء وَله كراؤه على الْعَامِل الآخر ثمنا وَسَوَاء علم الْأَخير بِالْأولِ أم لَا، قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا على أَن الْمُزَارعَة لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فَأشبه عَامل الْقَرَاض إِذا أَخذ الْقَرَاض وَأَعْطَاهُ قبل الْعَمَل فَلَيْسَ لَهُ من الرِّبْح شَيْء، وعَلى القَوْل بلزومها بِالْعقدِ أَو الشُّرُوع الشّركَة الثَّانِيَة لِلْعَامِلِ الأول وَالثَّانِي، وَيبقى نصيب رب الأَرْض على حَاله كالمساقاة اه. وَهَذَا إِذا أَدخل الْعَامِل الأول الثَّانِي لعجز وَنَحْوه أَو لم يدْخلهُ بل أدخلهُ رب الأَرْض كَمَا ترى. وَفِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ: الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الْأجر بِالْجِيم الساكنة، وَصَوَابه الآخر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بِدَلِيل قَوْله: وَلَيْسَ للوسط شَيْء يَعْنِي الْعَامِل الأول لِأَنَّهُ يُفِيد أَن الآخر يَأْخُذ من الزَّرْع لَا أَنه يَأْخُذ الْأُجْرَة فَقَط، وبدليل تَشْبِيه الْبُرْزُليّ لَهُ بعامل الْقَرَاض يُعْطِيهِ للْغَيْر قبل الْعَمَل الْمشَار لَهُ بقول (خَ) أَو قارض بِلَا إِذن وَغرم لِلْعَامِلِ الثَّانِي إِن دخلا على أَكثر الخ. كَذَا كتبه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رحمه الله. وعَلى أَنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ يجوز إِدْخَال الخماس فِيمَا حرثه رب الزَّرْع قبله وَيجوز السّلف أَيْضا على أَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بالبذر، فَيجوز فيهمَا. انْظُر شرحنا للشامل.
وَلما كَانَ المُرَاد بِالْعَمَلِ فِي الْمُزَارعَة إِذا أطلق هُوَ عمل الْحَرْث فَقَط، وَأما الْحَصاد والدراس والتصفية فَإِنَّهَا لَا تندرج فِيهِ عِنْد السكت بل ذَلِك عَلَيْهِمَا على قدر الْأَنْصِبَاء إِلَّا لشرط نبه عَلَيْهِ النَّاظِم فَقَالَ: وَالدَّرْسُ وَالنَّقْلَةُ مَهْمَا اشْتُرِطَا مَعْ عَمَلٍ كَانَ عَلَى مَا شُرِطَا (والدرس) للزَّرْع (والنقلة) لَهُ من الفدان (مهما اشْترطَا مَعَ عمل) الحراثة (كَانَ) ذَلِك الشَّرْط لَازِما (على مَا شرطا) وَالْعَادَة كالشرط وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي رِوَايَة حُسَيْن بن عَاصِم عَنهُ، وَبِه الْعَمَل حَسْبَمَا للجزيري فِي وثائقه. وَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز اشْتِرَاط ذَلِك لِأَنَّهُ مَجْهُول، وَاخْتَارَهُ ابْن يُونُس. قَالَ أَبُو حَفْص: تكلم ابْن الْقَاسِم على أَرض النّيل الَّتِي أمرهَا مَعْرُوف بِالْعَادَةِ، وَتكلم سَحْنُون على أَرض إفريقية الَّتِي يخْتَلف الْأَمر فِيهَا فَمرَّة تخصب فَتكون مُؤنَة الْحَصاد كَثِيرَة الثّمن، وَرُبمَا لم يكن خصب فيقل ثمن ذَلِك اه. وَيُمكن أَن يُقَال مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الْجَوَاز فِي أَرض النّيل وَغَيرهَا، كَمَا أَفَادَهُ النَّاظِم لِأَن الْغَالِب إتْيَان الزَّرْع على مُقْتَضى الْعَادة وإتيانه على خلَافهَا نَادِر وَهُوَ لَا حكم لَهُ. الْبُرْزُليّ: لَو قَالَ أَحدهمَا عَلَيْك أُجْرَة الحصادين وَعلي الْغَدَاء وَالْعشَاء جَازَ ذَلِك إِن عرف قدره اه. وَالشَرْطُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَعْمُورِ مِثْلَ الَّذِي أَلْفَى مِنَ المَحْظُورِ (وَالشّرط) أَي اشْتِرَاط رب الأَرْض على الْعَامِل إِذا دخل وَالْأَرْض معمورة أَي مَقْلُوبَة (أَن يخرج) بعد حصاد الزَّرْع (عَن معمور) الأَرْض فيقلبها لَهُ حَتَّى تصير (مثل) القليب (الَّذِي ألفى) وَقت دُخُوله (من الْمَحْظُور) خبر عَن الشَّرْط وَهُوَ بالظاء المشالة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَمَا كَانَ عَطاء رَبك مَحْظُورًا} (الْإِسْرَاء: 20) أَي مَمْنُوعًا وَلَعَلَّ وَجه الْمَنْع أَنه من بَاب قَول (خَ) : وأجير تَأَخّر شهرا، لِأَن رب الأَرْض قد نَقده الْعِمَارَة فِي مثلهَا بعد شهور فَإِن دخلا على الشَّرْط الْمَذْكُور فسخ العقد كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ لِلشِّرْكَةِ مَعْهُ مِنْ بَقَا وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا (وَلَيْسَ للشَّرِكَة مَعَه) بِالسُّكُونِ أَي الشَّرْط (من بقا) بل يتحتم فَسخهَا، وَهَذَا قبل الْعَمَل فَإِن فَاتَت بِالْعَمَلِ فَإِن الأَرْض تقوم بِتِلْكَ الْعِمَارَة وَيقوم عمل الْعَامِل فَمَا فضل من قيمَة كِرَاء الأَرْض بِتِلْكَ الْعِمَارَة على قيمَة عمل الْعَامِل، أَو من قيمَة الْعَمَل على كِرَاء الأَرْض أَخذه مِنْهُ
صَاحب الزِّيَادَة، قَالَه ابْن سَلمُون والمتيطية وَنَحْوه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة انْظُر (م) . (وَبيعه) أَي القليب الْمَذْكُور (مِنْهُ) أَي الْعَامِل (يسوغ مُطلقًا) بمعجل أَو مُؤَجل كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَلَيْسَ هَذَا من اجْتِمَاع البيع وَالشَّرِكَة فِي عقد وَهُوَ لَا يسوغ كَمَا مرّ صدر الْبيُوع لِأَن القليب الْمَذْكُور هُوَ فِي نفس الشَّيْء الْمُشْتَرك فِيهِ لَا ينْفَصل عَنهُ وَلَا يزايله قَالَه اليزناسني وَأما هِبته لِلْعَامِلِ فَيجوز أَيْضا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاط السَّلامَة من التَّفَاوُت لَا على مُقَابِله لِأَنَّهُ لَهُ خطر وبال كالأرض الَّتِي لَهَا ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَحَيْثُ لَا بَيْعَ وَعَامِلٌ زَرَعْ فَغَرْمُهُ القِيمَةَ فِيهِ مَا امْتَنَعْ (وَحَيْثُ لَا بيع) وَلَا هبة للقليب الْمَذْكُور (وعامل زرع) فِيهِ من غير تعرض لبيع وَلَا لغيره (فغرمه) أَي الْعَامِل (الْقيمَة) لذَلِك القليب (فِيهِ) مُتَعَلق بقوله (مَا امْتنع) أَي مَا يمْتَنع من غرمه الْقيمَة وَلَا محيد لَهُ عَنهُ كَمَا مر عَن ابْن سَلمُون، فَإِن ادّعى الْعَامِل أَنه وهبه لَهُ فَلهُ الْيَمين على رب الأَرْض كَمَا فِي نَوَازِل ابْن رشد وَهِي من دَعْوَى الْمَعْرُوف ومعروف الْمَذْهَب توجيهها قَالَه الونشريسي فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي فِي الْغَصْب والتعدي. وَحَقُّ رَبِّ الأَرْضِ فِيما قَدْ عَمَرْ باقِ إذَا لَمْ يَنْبُتِ الَّذِي بَذَرْ (وَحقّ رب الأَرْض) صَوَابه وَحقّ ذَلِك الْعَامِل كَمَا قَالَ وَلَده (فِيمَا قد عمر بَاقٍ إِذا لم ينْبت الَّذِي بذر) أَي إِذا قلب الْعَامِل الأَرْض وزرعها وَلم ينْبت زرعه فحقه بَاقٍ قي الْعِمَارَة لَهُ أَن يَزْرَعهَا مرّة أُخْرَى أَو يَبِيعهَا مِمَّن شَاءَ، بِخِلَاف مَا إِذا نبت الزَّرْع ويبس أَو أَصَابَته آفَة من جَراد وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا حق لَهُ كَمَا قَالَ: بِعَكْسِ مَا كانَ لَهُ نَبَات وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لهُ ثَبَاتُ (بعكس مَا كَانَ لَهُ نَبَات وَلم يكن بعد) أَي بعد النَّبَات (لَهُ ثبات) قَالَه ابْن فتحون وَغَيره. قلت: وعَلى هَذَا تجْرِي مَسْأَلَة الْمُكْتَرِي للْأَرْض يجاح زرعه بعد النَّبَات أَو لَا ينْبت أصلا فَلَا حق لَهُ فِي القليب فِي الأول دون الثَّانِي وَالله أعلم. وَجَازَ فِي البَذْرِ اشْتِرَاكٌ وَالْبَقَرْ إنْ كانَ مِنْ نَاحِيَةٍ مَا يُعْتَمَرْ (وَجَاز) للمتزارعين (فِي الْبذر اشْتِرَاك و) فِي (الْبَقر) عطف على الْبذر (إِن كَانَ من نَاحيَة)
أَي من أَحدهمَا فَقَط (مَا يعْتَمر) وَهُوَ الأَرْض، وَظَاهره سَوَاء قابلها عمل يَد الآخر كَمَا لَو كَانَ عمل الْيَد عَلَيْهِ وَحده أَو كَانَ عمل الْيَد عَلَيْهِمَا مَعًا أَيْضا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره وَلَو كَانَت الأَرْض فِي الصُّورَة الثَّانِيَة لَهَا خطر وبال وَهُوَ كَذَلِك لما مر من أَنه لَا يشْتَرط عدم التَّفَاوُت على الْمَعْمُول بِهِ، وَظَاهره أَيْضا سَوَاء كَانَ يَأْخُذ كل وَاحِد من الزَّرْع بِقدر مَا أخرج من الْبذر أم لَا كَمَا لَو أخرج أَحدهمَا الأَرْض وَنصف الْبَقر وثلثي الْبذر، وَأخرج الآخر عمل يَده وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر على أَن يكون الزَّرْع بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا تقدم فِي الصُّورَة الأولى من صُورَتي مَفْهُوم الْبَيْت فِي أول الْفَصْل، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يخرج أَحدهمَا عمل الْيَد وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر، وَيخرج الآخر الأَرْض وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر فَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا من الزَّرْع بِقدر بذره جَازَ، وَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل نصف الزَّرْع امْتنع لِأَن الْعَامِل نقص لَهُ عَن نِسْبَة بذره، وَذَلِكَ يُوجب أَن سدس بذره فِي مُقَابلَة الأَرْض كَمَا مر (خَ) : أَو بعضه إِن لم ينقص مَا لِلْعَامِلِ عَن نِسْبَة بذره، وَيفهم من النّظم أَنَّهُمَا إِذا اسْتَويَا فِي الأَرْض وَالْبَقر وَالْبذْر وَالْيَد تجوز بالأحرى. (خَ) : مشبهاً فِي الْجَوَاز إِن كَانَ تَسَاويا فِي الْجَمِيع. عِيَاض: وُجُوه الْمُزَارعَة ثَلَاثَة. وَجه جَائِز بِاتِّفَاق وَهُوَ اشتراكهما فِي الأَرْض والآلة وَالْعَمَل وَالْبذْر بِحَيْثُ إِذا ضَاعَ شَيْء يكون ضَمَانه مِنْهُمَا مَعًا، وَوجه لَا يخْتَلف فِي مَنعه وَهُوَ اخْتِصَاص أَحدهمَا بِكَوْن الْبذر من عِنْده خَاصَّة وَمن عِنْد الآخر الأَرْض الَّتِي لَهَا قيمَة اشْتَركَا فِي غير ذَلِك أم لَا. اخْتلفُوا فِيمَا سواهُ أَو تساووا لِأَنَّهُ كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا إِلَّا على مَا للداودي وَيحيى فِي جَوَاز كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا على مَذْهَب اللَّيْث، وَذَلِكَ خَارج عَن مَذْهَب مَالك. وَالْوَجْه الثَّالِث هُوَ مَا عدا هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَيْفَمَا قدرته اه. وَمن الْجَائِز أَيْضا أَن تكون الأَرْض مِنْهُمَا مَعًا وَالْبذْر من أَحدهمَا وَعمل الْبَقر وَالْيَد أَو عمل الْيَد فَقَط من الآخر وَمِنْه أَيْضا أَن يكون الْبذر مِنْهُمَا مَعًا وَالْأَرْض من أَحدهمَا وقابلها عمل من الآخر. وَهِي الْمُتَقَدّمَة فِي أول الْفَصْل وَالْفرق بَينهَا وَبَين مَا فِي النّظم هَهُنَا أَن مَا تقدم عمل الْبَقر وَالْيَد من أَحدهمَا. وَالْأَرْض من الآخر بِخِلَاف مَا هُنَا. وَمِنْه أَيْضا أَن تكون الأَرْض وَالْبذْر مِنْهُمَا وَعمل الْيَد وَالْبَقر على أَحدهمَا وَمِنْه أَيْضا أَن يكون لأَحَدهمَا الْجَمِيع إِلَّا عمل الْيَد وَهِي مَسْأَلَة الخماس وَالْعَمَل على جَوَازهَا للضَّرُورَة كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَأُجْرَة الخماس أَمر مُشكل وللضرورة بهَا تساهل وَظَاهر قَوْله: للضَّرُورَة وَلَو عقداها بِلَفْظ الْإِجَارَة أَو أطلقا، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر أول هَذَا الْفَصْل وَمَا مر عَن ابْن يُونُس أول الْمُسَاقَاة من أَن قبح اللَّفْظ لَا يضر مَعَ اتِّفَاق الْمَعْنى، وَتقدم هُنَاكَ أَيْضا الْخلاف فِي زَكَاة زرع الخماس على من تكون وَأَن زَكَاة الْحَصاد بِأُجْرَة من الزَّرْع على
رب الزَّرْع، وَكَذَا عَلَيْهِ زَكَاة مَا يلقطه اللقاط إِن شَرط الْحَصاد لقطه مَعَه لَا إِن لم يشْتَرط لقطه وَكَانَ اللقاط يلقطه لنَفسِهِ. فروع. الأول: سُئِلَ ابْن أبي زيد عَمَّن يدْفع الأَرْض بربعها وَيخرج ربع الزريعة أَيْضا وَيَأْخُذ ربع الزَّرْع؟ فَقَالَ: يجوز ذَلِك إِذا تقاربت قيمَة الأَرْض مَعَ قيمَة الْعَمَل اه. قلت: إِنَّمَا يشْتَرط التقارب الْمَذْكُور على الْمَشْهُور الَّذِي يشْتَرط عدم التَّفَاوُت لَا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاطه كَمَا مر. الثَّانِي: إِعْطَاء الثور لمن يحرث عَلَيْهِ بالخمس من الزَّرْع أجَازه الْفَقِيه رَاشد قِيَاسا على الْخمس، وَمنعه أَبُو عمرَان وَعمل النَّاس الْيَوْم على الأول، وَأما إِعْطَاء الأَرْض بِجُزْء مِمَّا تنبته فَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِرَاء الأَرْض. الثَّالِث: إِن عجز أحد المتزارعين فِي أثْنَاء الْحَرْب وَسلم لصَاحبه فِيمَا كَانَا حرثاه مَعًا فَذَلِك لَازم لَهُ قَالَه الْبُرْزُليّ، وَنَقله صَاحب كتاب المغارسة. الرَّابِع: تقدم من اشْترى زريعة فَوَجَدَهَا لم تنْبت أنظرها فِي عيب الْأُصُول، وَقد ذكر الْمَسْأَلَة هُنَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَالزَّرْعُ لِلزارِعِ فِي أَشْيَاءَ وَرَبُّ الأَرْضِ يَأْخُذُ الكِرَاءَ (وَالزَّرْع للزارع) وَحده (فِي أَشْيَاء وَرب الأَرْض يَأْخُذ الْكِرَاء) وَلَا حَظّ لَهُ فِي الزَّرْع، وَذكر النَّاظِم من ذَلِك أَرْبَعَة مسَائِل فَقَالَ: كَمِثْلِ مَا فِي الْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ وَمَوْتِ زَوْجَيْنِ وَالاسْتِحْقَاقِ (كَمثل مَا فِي الْغَصْب) يزرع الأَرْض ويقر بالعداء أَو يفوت الإبان فَعَلَيهِ كِرَاء الْمثل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَإِن زرع أَي الْغَاصِب فاستحقت أَي قَامَ مَالِكهَا فَإِن لم ينْتَفع بالزرع أَخذ بِلَا شَيْء، وإلاَّ فَلهُ قلعه إِن لم يفت وَقت مَا ترَاد لَهُ وإلاَّ فَلهُ كِرَاء الْمثل الخ. وَقد تقدم تَحْصِيل ذَلِك فِي فصل الْكِرَاء والجائحة فِيهِ فراجع تَفْصِيله هُنَاكَ. (وَالطَّلَاق) يَعْنِي أَن من أمتعته زَوجته بأرضها فزرعها ثمَّ طَلقهَا فالزرع لَهُ، وَفِي الْكِرَاء الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي فصل أَحْكَام من الْكِرَاء (وَمَوْت) أحد (زَوْجَيْنِ) بعد أَن أمتع صَاحبه بأرضه وزرعها فالزرع لَهُ وَفِي الْكِرَاء الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي الْفَصْل الْمَذْكُور (والاستحقاق) يَعْنِي أَن من زرع أَرضًا بِشُبْهَة شِرَاء أَو إِرْث أَو اكتراء وَلم يعلم بِغَصب بَائِعهَا أَو مكتريها أَو موروثة فاستحقت من يَده قبل فَوَات الإبان فَلهُ الزَّرْع وَعَلِيهِ كِرَاء
الْمثل، فَإِن لم تسْتَحقّ إِلَّا بعد فَوَاته فالزرع لَهُ أَيْضا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من الْكِرَاء، وَهَذَا هُوَ الْفرق بَينه وَبَين الْغَاصِب. (خَ) : كذي شُبْهَة أَو جهل حَاله الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا شَيْء لمستحقها فِي زرع ذِي شُبْهَة وَنَحْوه إِن فَاتَ الإبان وإلاَّ فَلهُ كِرَاء سنة اه. وَمن هَذَا أَيْضا مَا فِي ابْن يُونُس عَن أصبغ قَالَ: من زرع أَرض جَاره وَقَالَ: غَلطت، أَو كَانَ مكترياً لَهَا وَلَا يعرف ذَلِك، إِلَّا من قَوْله، أَو بنى فِي عَرصَة جَاره وَقَالَ: غَلطت فَلَا يعْذر الْبَانِي وَيُعْطِيه قِيمَته مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَفِي الْحَرْث يشبه أَن يكون غلط فَيحلف ويقر زرعه وَيُؤَدِّي كِرَاء الْمثل فَاتَ الإبان أم لَا. وَهُوَ على الْخَطَأ حَتَّى يتَبَيَّن الْعمد انْظُر الْبُرْزُليّ وَابْن سَلمُون والمتيطية. وَالخُلْفُ فِيه هَا هُنَا إنْ وَقَعَا مَا الشَّرْعُ مُقْتَضٍ لَهُ أَنْ يُمْنَعَا (وَالْخلف فِيهِ) أَي الزَّرْع لمن يكون (هَهُنَا) فِي بَاب الْمُزَارعَة (إِن وَقعا مَا) أَي شَيْء (الشَّرْع) مُبْتَدأ خَبره (مُقْتَض لَهُ أَن يمنعا) وَالْجُمْلَة صفة لما أوصله والرابط الْمَجْرُور بِاللَّامِ أَي: إِن وَقع. وَفِي الْمُزَارعَة شَيْء يُوجب الْفساد وَالشَّرْع مُقْتَض الْمَنْع لَهُ فَإِن اطلع على ذَلِك قبل الْفَوات بِالْعَمَلِ فسخ، وَإِن فَاتَ بِهِ فَاخْتلف فِي الزَّرْع لمن يكون على أَقْوَال سِتَّة. قيلَ لِذِي البِذْرِ أَو الحِراثَهْ أَوْ مُحْرزٍ لاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَهْ (قيل) الزَّرْع كُله (لذِي الْبذر) أَي لمخرجه وَيُؤَدِّي لأَصْحَابه كِرَاء مَا أَخْرجُوهُ فَإِن أَخْرجَاهُ مَعًا فالزرع بَينهمَا على نِسْبَة بذريهما ويترادان فِي كِرَاء غَيره وَهُوَ رِوَايَة ابْن غَازِي (أَو) أَي وَقيل الزَّرْع كُله لصَاحب (الحراثة) أَي الْعَمَل وَهُوَ تَأْوِيل أبي زيد عَن ابْن الْقَاسِم (أَو) أَي وَقيل الزَّرْع كُله ل (مُحرز لاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة) وَهِي الأرْضِ وَالبَذْرِ وَالاعْتِمارِ وَفِيهِ أَيْضاً غَيْرُ ذَاكَ جَارِي (الأَرْض وَالْبذْر والاعتمار) أَي الْعَمَل بِالْيَدِ وَالْبَقر أَو الْيَد فَقَط، فَيكون الزَّرْع لمن لَهُ الأَرْض مَعَ الْبذر، أَو الأَرْض مَعَ الْعَمَل، أَو الْبذر مَعَ الْعَمَل فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة وَاجْتمعَ لوَاحِد مِنْهُم شَيْئَانِ مِنْهَا دون صَاحِبيهِ كَانَ الزَّرْع لَهُ دونهمَا، وَإِن اجْتمع لكل وَاحِد مِنْهُم شَيْئَانِ مِنْهَا أَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم بِشَيْء مِنْهَا كَانَ الزَّرْع بَينهم أَثلَاثًا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز وَهُوَ الْمُعْتَمد، فَكَانَ على النَّاظِم أَن يصدر بِهِ أَو يقْتَصر عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ على أَحدهمَا ثلثا الْبذر وعَلى الآخر الأَرْض وَثلث الْبذر وَالْبَقر بَينهمَا وَعمل الْيَد على أَحدهمَا فالزرع كُله لعامل الْيَد وَعَلِيهِ للْآخر كِرَاء أرضه وبقره، وَمثل بذره لقَوْله فِي النِّهَايَة. قَالَ ابْن الْمَوَّاز عَن
ابْن الْقَاسِم: إِن الزَّرْع كُله فِي فَسَاد الْمُزَارعَة لمن ولي الْعَمَل، فَإِن كَانَ رب الأَرْض هُوَ الْعَامِل فَعَلَيهِ للْآخر مثل بذره، وَإِن كَانَ صَاحب الْبذر هُوَ الْعَامِل فَعَلَيهِ للْآخر كِرَاء أرضه، وَإِن عملا جَمِيعًا غرم هَذَا لهَذَا نصف بذره وَهَذَا لهَذَا نصف كِرَاء أرضه وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَإِن فَسدتْ وتكافآ عملا فبينهما وترادا غَيره وَإِلَّا فللعامل الخ. أَي عَامل الْبَقر وَالْيَد أَو الْيَد فَقَط كَمَا مر، وَظَاهره أَن الزَّرْع لصَاحب الْبذر إِذا انضاف إِلَيْهِ عمل وَلَو أسلف نصفه لصَاحبه، وَالَّذِي فِي الْبُرْزُليّ أَن الزَّرْع يكون بَينهمَا على مَا شرطا، ولمسلف الزريعة أَخذهَا من صَاحبه وَيرجع من لَهُ فضل على الآخر. (وَفِيه) أَي الزَّرْع (أَيْضا غير ذَاك) أَي غير مَا ذكر من الْأَقْوَال الثَّلَاثَة (جَار) فقد قيل: إِنَّه لمن اجْتمع لَهُ ثَلَاثَة أَيْضا على هَذَا التَّرْتِيب وَهِي أَرض وبقر وَعمل يَد، وَقيل هُوَ لمن اجْتمع لَهُ اثْنَان من أَرْبَعَة. الأَرْض وَالْعَمَل وَالْبذْر وَالْبَقر، وَقيل وَهُوَ لِابْنِ حبيب إِن سلمت الْمُزَارعَة من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا فالزرع بَينهمَا على مَا شرطا ويترادان فِي الزَّائِد، وَإِن لم تسلم من ذَلِك فالزرع لصَاحب الْبذر. حكى الْأَقْوَال السِّتَّة صَاحب الْمُقدمَات وإليها رمز ابْن غَازِي بقوله: الزَّرْع لِلْعَامِلِ أَو للباذر فِي فَاسد أَو لسوى المخابر أَو من لَهُ حرفان من إِحْدَى الْكَلم عَابَ وعاث ثاعب لمن فهم وَالْمرَاد بالمخابر هُنَا الَّذِي يُعْطي أرضه بِمَا يخرج مِنْهَا والعينات للْعَمَل والألفات الثَّلَاث للْأَرْض والباءان للبذر والثاءان المثلثتان للثيران. وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الاكْتِرَا لَا الازْدِرَاعِ مَعْ يَمِينٍ أُثِرَا (و) إِذا تنَازعا بعد الْفَوات فَادّعى الْعَامِل الاكتراء للْأَرْض، وَادّعى رب الأَرْض الْمُزَارعَة أَو الْعَكْس فَالْقَوْل (قَول مُدع لعقد الاكترا) كَأَن مدعيه هُوَ رب الأَرْض أَو الْعَامِل وَلَا يصدق الْعَامِل فِي دَفعه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة (لَا) قَول مُدع (الازدراع) وَمن صدق مِنْهُمَا فَذَلِك (مَعَ يَمِين أثرا) أَي رُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم وَبِه قَالَ ابْن حبيب وَظَاهره كَانَ الْغَالِب الازدراع أَو الْكِرَاء، وَالَّذِي تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَن القَوْل لمُدعِي الْغَالِب، فَإِن لم يكن غَالب فقد تقدم أَن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا فَكل مِنْهُمَا يُنكر عقد صَاحبه وَيَدعِي عقدا آخر، والناظم درج على أَن الْمُزَارعَة تلْزم بِالْعقدِ
كالكراء، وَحِينَئِذٍ إِذا لم يكن غَالب وتنازعا قبل الْعَمَل تحَالفا وتفاسخا، فَإِن فَاتَت بِهِ فَالْقَوْل لمُدعِي الْكِرَاء إِن كَانَ هُوَ الْعَامِل لِأَن الآخر يُرِيد أَن يُشَارِكهُ فِي الزَّرْع بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فَانْظُر ذَلِك وتأمله وَالله أعلم. وَعَن سَحْنُون إِن اخْتلفَا بعد الطّيب فَقَالَ الْعَامِل: الزَّرْع بَيْننَا وَقد تساوينا فِي الزريعة، وَقَالَ رب الأَرْض: الزَّرْع لي وَإِنَّمَا أَنْت أجِير فَإِن عرفت الزريعة أَنَّهَا من عِنْد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، وَإِن لم يعلم مخرجها فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ لِأَن الْعَادة فِي شركَة النَّاس أَن الْعَامِل يخرج الْبذر أَو نصفه انْظُر الْمُتَيْطِيَّة والبرزلي. وَحَيْثُ زَارِعٌ وَرَبُّ الأرْضِ قَدْ تَدَاعَيَا فِي وَصْفِ حَرْثٍ يُعْتَمَدْ (وَحَيْثُ زراع وَرب الأَرْض قد تداعيا) وتنازعا (فِي وصف حرث) أَي قلب كَمَا لَو قَالَ رب الأَرْض: دَخَلنَا على أَن تحرثها أَي تقلبها مرَّتَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك تبذرها. وَقَالَ الْعَامِل: بل مرّة وَاحِدَة (يعْتَمد) يقتصد صفة للحرث وَهُوَ تتميم. فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَاليَمِينُ وقلْبُهَا إنْ شَاءَ مُسْتَبِينُ (فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ وَالْيَمِين) عَلَيْهِ (وقلبها) أَي الْيَمين (إِن شَاءَ) أَي أَن يقلبها على رب الأَرْض (مستبين) وَاضح بيِّن. قَالَ فِي النَّوَادِر: وَإِن تزارعا على أَن الأَرْض وَالْبذْر من عِنْد أَحدهمَا وَمن الآخر الْبَقر والحرث فَطلب أَن يحرثها أَي يقلبها مرّة، وَقَالَ الآخر: بل مرَّتَيْنِ، فليحملا على سنة الْبَلَد فَإِن لم تكن لَهُم سنة وَكَانُوا يَفْعَلُونَ هَذَا وَهَذَا إِلَّا أَن الزَّرْع فِي حرثتين أكمل، فَفِي قِيَاس قَول سَحْنُون أَن لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حرثة وَاحِدَة إِلَّا أَن يشْتَرط حرثتين فَيجوز وَتلْزَمهُ، وَلَو عقدا على أَنه إِن حرث حرثة فَلهُ الرّبع، وَإِن حرث حرثتين فَلهُ النّصْف لم يجز وَالزَّرْع لرب الْبذر وَعَلِيهِ للْآخر أجر عمله وبقره اه. وَهَذَا كُله يبين لَك أَن كَلَام النَّاظِم هُنَا مَبْنِيّ على أَن الْمُزَارعَة تلْزم بِالْعقدِ، وَأما على مُقَابِله من أَنَّهَا إِنَّمَا تلْزم بالبذر فَلِكُل فَسخهَا قبله وللعامل أجر قلبه إِن كَانَ قَلبهَا وَالله أعلم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن اخْتلف بعد الْقلب وَقبل الزِّرَاعَة فَقَالَ الْعَامِل: دَخَلنَا على أَن الْقلب عَليّ وحدي وَأَن الْعَمَل فِي الزِّرَاعَة بَيْننَا. وَقَالَ رب الأَرْض: بل الْعَمَل كُله عَلَيْك واتفقنا على التَّسَاوِي فِي الْبذر فَالْقَوْل قَول من يَدعِي مِنْهُمَا الِاعْتِدَال والتساوي فِي الزِّرَاعَة، ثمَّ قَالَ: وَإِن اخْتلفَا بعد انْقِضَاء الزِّرَاعَة فَقَالَ الْعَامِل: إِن جَمِيع مَا زرعت من عِنْدِي وَأَن نصفهَا سلف مني لرب الأَرْض وَكذبه رب الأَرْض وَقَالَ: بل دفعت نَصِيبي فَالْقَوْل قَول الْعَامِل بِيَمِينِهِ، فَإِذا حلف واستوجب سلفه كَانَ الزَّرْع بَينهمَا ويتراجعان الْفضل لِأَن الشّركَة بَينهمَا فَاسِدَة مَا لم يدع الْعَامِل أَن السّلف تطوع بِهِ بعد العقد، وإلاَّ فَهِيَ صَحِيحَة وَلَا يتراجعان اه بِاخْتِصَار. وَهَذَا على أَنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ وإلاَّ فالسلف يُفْسِدهَا وَلَو فِي أَثْنَائِهَا.
(فصل فِي الشّركَة وأقسامها وأحكامها)
وَهِي بِكَسْر الشين وَفتحهَا مَعَ سُكُون الرَّاء فيهمَا وبفتح الشين وَكسر الرَّاء وَالْأول أفصحها، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بتعريفين أَحدهمَا عَام وَالْآخر خَاص فَقَالَ: الأعمية تقرر مُتَمَوّل بَين مالكين فَأكْثر ملكا فَقَط، والأخصية بيع مَالك بعض مَاله بِبَعْض كل الآخر مُوجب صِحَة تصرفهما فِي الْجَمِيع فَيدْخل فِي الأول شركَة الْإِرْث وَالْغنيمَة لَا شركَة التَّجر، وهما فِي الثَّانِيَة على الْعَكْس وَشركَة الْأَبدَان والحرث بِاعْتِبَار الْعَمَل فِي الثَّانِيَة وَفِي عوضه فِي الأولى اه. فَأخْرج بقوله: مُتَمَوّل مَا لَيْسَ كَذَلِك كثبوت النّسَب بَين كإخوة، وَقَوله:(ملكا) أخرج بِهِ ملك الِانْتِفَاع كَمَا إِذا كَانَا ينتفعان بِحَبْس الْمدَارِس فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ تقرر مُتَمَوّل الخ. لكنه لَيْسَ بِملك على أَنه لَا يدْخل ملك الِانْتِفَاع حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه لِأَن ذكر المالكين يُخرجهُ، وَاحْترز بقوله: فَقَط من الشّركَة الأخصية فَإِن فِيهَا زِيَادَة التَّصَرُّف، وَهَذِه لَا تصرف فِيهَا، وَقَوله: بعض مَاله الخ. أخرج بِهِ مَاذَا بَاعَ الْكل بِالْكُلِّ أَو الْبَعْض بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بشركة وَقَوله: صِحَة مفعول باسم الْفَاعِل قبله، وَهَذَا الْقَيْد خَاص بشركة التَّجر، وَاحْترز بِهِ من شركَة غير التَّجر كَمَا إِذا خلطا طَعَاما للْأَكْل فِي الرّفْقَة فَإِن ذَلِك لَا يُوجب التَّصَرُّف الْمُطلق للْجَمِيع، وَضمير تصرفهما عَائِد على المالكين، وَذَلِكَ يدل على أَن كل وَاحِد وَكيل لصَاحبه فِي تصرفه فِي ملكه، فشركة الْإِرْث وَالْغنيمَة يدخلَانِ فِي الأول دون الثَّانِي، وَشركَة التَّجر تدخل فِي الثَّانِي دون الأول وهما معنى قَوْله على الْعَكْس، وَقَوله: وَشركَة الْأَبدَان لِأَن شركَة الْأَبدَان وَمَا شابهها يصدق عَلَيْهَا بيع مَالك كل الخ. لِأَن كل وَاحِد بَاعَ بعض مَنَافِعه بِبَعْض مَنَافِع الآخر مَعَ كَمَال التَّصَرُّف، وَأما عوض ذَلِك فَيدْخل تَحت أعمها وَلَيْسَ فِيهِ تصرف. تَنْبِيه: قَالَ الرصاع: وَفِي استثنائه شركَة التَّجر نظر لِأَن فَائِدَة الْأَعَمّ أَن يكون صَادِقا على الْأَخَص فَهِيَ دَاخِلَة فِيهِ وَإِن لَا لم يكن فِيهِ عُمُوم اه. وَعَلِيهِ فَلَو خذف قَوْله ملكا فَقَط كَانَ أولى وَالشَّرِكَة تلْزم بِالْعقدِ على الْمَشْهُور، فالتبرع وَالْهِبَة وَالسَّلَف من أَحدهمَا للْآخر بعد العقد جَائِز، وَكَذَا فِي العقد إِن قصد الرِّفْق بِصَاحِبِهِ فَفِي الْمُتَيْطِيَّة، وَإِن تشاركا على أَن أخرج أَحدهمَا مَالا وأسلف الآخر نصفه ليعملا بِهِ، أَو أخرج أَحدهمَا مَالا وَالْآخر أقل مِنْهُ فأسلفه الأول حَتَّى اسْتَويَا
ليعملا بِهِ وَيكون الرِّبْح والوضيعة بَينهمَا بِحَسب ذَلِك، فَإِن كَانَ أسلفه رفقا بِهِ وطلباً للثَّواب من عِنْد الله تَعَالَى أَو صلَة لقرابة مِنْهُ لَا لحَاجَة إِلَيْهِ وَلَا لقُوَّة تبصر بالتجر ونفاذه فِيهِ أَكثر مِنْهُ وَلَا لشرط كَانَ بَينهمَا، فَفِي ذَلِك عَن مَالك رِوَايَتَانِ الْجَوَاز، وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالْأُخْرَى الْكَرَاهَة وَإِن كَانَ على غير ذَلِك لم يجز لِأَنَّهُ سلف جر نفعا اه. وَلما نقل (ق) الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: فمقتضاه أَن مَالِكًا مرّة قَصده وَمرَّة اتهمه، وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله فَذَلِك جَائِز إِذا قصد الرِّفْق بِهِ اه. وعَلى الْجَوَاز إِذا قصد الرِّفْق بِهِ اقْتصر (ز) عِنْد قَول (خَ) : وَله التَّبَرُّع وَالسَّلَف وَالْهِبَة بعد العقد عَلَيْهِ، فَقَوْل الْمُتَيْطِيَّة وَلَا لشرط كَانَ بَينهمَا الخ. لَو حذفه كَانَ أولى لِأَن مَوْضُوع كَلَامه ذَلِك كَانَ على الشَّرْط. وَذكر النَّاظِم للشَّرِكَة أَرْبَعَة أَقسَام فَقَالَ: شَرِكَةٌ فِي مالٍ أَوْ فِي عَمَلِ أَوْ فيهمَا تَجُوزُ لَا لأَجَلِ (شركَة فِي مَال) وتحتها ثَلَاثَة أَقسَام شركَة مُضَارَبَة وَهِي الْقَرَاض مَأْخُوذَة من الضَّرْب فِي الأَرْض، وَسَتَأْتِي فِي الْفَصْل بعد هَذَا، وَشركَة مُفَاوَضَة وَهِي أَن يُطلق كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف لصَاحبه فِي المَال الَّذِي أَخْرجَاهُ غيبَة وحضوراً وبيعاً وَشِرَاء وضماناً وتوكيلاً وكفالة وقراضاً، فَمَا فعل أَحدهمَا من ذَلِك لزم صَاحبه إِذا كَانَ عَائِدًا على شركتهما، وَلَا يكونَانِ شَرِيكَيْنِ إِلَّا فِيمَا يعقدان عَلَيْهِ الشّركَة من أموالهما دون مَا ينْفَرد بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا من مَاله وَسَوَاء اشْتَركَا فِي كل مَا يملكانه أَو فِي بعض أموالهما وَتَكون يَد كل مِنْهُمَا كيد صَاحبه وتصرفه كتصرفه مَا لم يتَبَرَّع بِشَيْء قَالَه فِي الْجَوَاهِر. وَسَوَاء تفاوضا فِي جَمِيع أَنْوَاع المتاجر أَو فِي نوع وَاحِد مِنْهَا كرقيق يتفاوضان فِي التِّجَارَة فِيهِ فَقَط، وَسَوَاء أَيْضا عين كل مِنْهُمَا لصَاحبه نوعا أَو شَيْئا يعْمل فِيهِ أم لَا، وَلكُل مِنْهُمَا أَن يَبِيع بِالدّينِ وَيَشْتَرِي فِيهِ وَيلْزم ذَلِك صَاحبه (خَ) : ثمَّ إِن طلقا التَّصَرُّف وَإِن بِنَوْع فمفاوضة وَلَا يُفْسِدهَا انْفِرَاد أَحدهمَا بِشَيْء من المَال غير مَال الشّركَة يعْمل فِيهِ لنَفسِهِ، وَلكُل مِنْهُمَا أَن يتَبَرَّع إِن استلف أَو خف ويبضع ويقارض وَيقبل وَيُؤَدِّي ويولي وَيقبل الْمَعِيب وَإِن أَبى الآخر، ويقر بدين لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَبيعه بدين لَا الشِّرَاء بِهِ الخ. لَكِن مَا ذكره من عدم الشِّرَاء بِالدّينِ خلاف الْمَذْهَب كَمَا مر، أما إِن لم يُطلق كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف للْآخر بل شرطا أَن لَا يتَصَرَّف وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِحَضْرَة صَاحبه وموافقته فَهِيَ شركَة الْعَنَان لِأَن كل مِنْهُمَا أَخذ بعنان صَاحبه أَي بناصيته وَهِي جَائِزَة (خَ) : وَإِن شرطا نفي الاستبداد فعنان الخ. وَعَلِيهِ فَلَا يمْضِي فعل أَحدهمَا فِي شَيْء مِمَّا مر أَو غَيره إلاَّ بموافقة صَاحبه، وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام شركَة المَال. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَلَا يكون الرجل شَرِيكا للرجل إِلَّا إِذا شَاركهُ فِي رِقَاب الْأَمْوَال على الإشاعة، وَأما إِن لم يُشَارِكهُ فِي رِقَاب الْأَمْوَال فَلَيْسَ بِشريك وَإِنَّمَا هُوَ خليط اه.
تَنْبِيه: إِذا أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه شَرِيكه فِيمَا بأيديهما وَلم تزد، فَإِن لم يكن هُنَاكَ عرف يصرفهما للمفاوضة أَو الْعَنَان فَالْحق أَنه لَا يتَصَرَّف وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بعد مُرَاجعَة صَاحبه واتفاقهما على تَخْصِيص أَو تَعْمِيم لِأَن الشّركَة تَوْكِيل، وَإِذا قَالَ: وَكلتك فَقَط فَالْمَشْهُور عدم اعْتِبَارهَا حَتَّى يخصص أَو يعمم، وَانْظُر عدم صِحَة هَذِه الشَّهَادَة عِنْد قَول النَّاظِم: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة الخ. وَحَاصِله أَن الْمسَائِل ثَلَاث: تَارَة تشهد الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمَا متفاوضان وَقد تقدم الْكَلَام فِي الْمحل الْمَذْكُور على صِحَة هَذِه الشَّهَادَة وَعدم صِحَّتهَا. وعَلى صِحَّتهَا فالشركة عَامَّة فِي جَمِيع مَا بأيديهما إِلَّا مَا قَامَت بَيِّنَة بِمُوجب الِاخْتِصَاص بِهِ، وَتارَة تشهد بِأَنَّهُمَا شريكان فِيمَا بأيديهما فَهِيَ كالأولى، وَتارَة تشهد بِأَنَّهُمَا شريكان وَلم تزد، وَهَذِه على تَقْدِير صِحَّتهَا وَبَيَان مُسْتَند علمهَا فِيهَا لَا تعم جَمِيع مَا بأيديهما لِأَن ذَلِك يَقع على بعض المَال وعَلى جَمِيعه قَالَه اللَّخْمِيّ. وَحِينَئِذٍ فَإِذا أنكر أَحدهمَا هَذِه الشَّهَادَة الثَّالِثَة جرى على مَا تقدم فِي قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا الخ. وَانْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَلَو شهِدت بَيِّنَة بمفاوضة شَمل مَا بأيديهما الخ. تَتِمَّة: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن تَسَاويا فِي المَال وَالْعَمَل على أَن يكون لأَحَدهمَا فضل من الرِّبْح لم يجز، وَكَذَلِكَ إِن تَسَاويا فِيهِ أَو تفاضلا على أَن يكون الْعَمَل على أَحدهمَا فَلَا يجوز ويقسمان الرِّبْح والوضيعة على قدر أموالهما وَيرجع الْعَامِل على الآخر بِأَجْر عمله فِي حَظه وَإِن تفاضلا فِي المَال ليَكُون الْعَمَل بَينهمَا على السوَاء لم يجز ويقتسمان المَال على مَا ذكرنَا، وللقليل المَال الرُّجُوع على الآخر بِفضل عمله وَلَا يضم للْآخر نصف مَا فَضله بِهِ وَلَيْسَ بمسلف لِأَن ربحه لرَبه، وَإِن خسر المَال كُله وركبهما دين فَذَلِك عَلَيْهِمَا أَيْضا بِقدر أموالهما إِلَّا على مَا شرطاه من الشَّرْط الْفَاسِد، وَإِن تَسَاويا فِي المَال وَجعل أَحدهمَا دَابَّة ليعْمَل الآخر عَلَيْهَا فِي جَمِيع المَال أَو ليعملا مَعًا فَلَا يجوز اه. وَهَذَا كُله من دخولهما على التَّفَاوُت فِي الشّركَة وَهُوَ لَا يجوز فِي مَال وَلَا فِي عمل، وَسَتَأْتِي علته فِي الْبَيْت بعده. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل الخ. (أَو) شركَة (فِي عمل) وَهِي شركَة الْأَبدَان وَسَيَأْتِي شَرط جَوَازهَا فِي قَول النَّاظِم: وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل الخ. (أَو) شركَة (فيهمَا) أَي فِي المَال وَالْعَمَل مَعًا كَأَن يخرجَا مَالا ويشتريا بِهِ ثيابًا أَو جُلُودًا ويفصلانها ويخيطانها نعالاً أَو غفائر وَنَحْوهمَا ويبيعانها مخيطة ويشتريان بذلك الثّمن غَيرهَا وَهَكَذَا وَذَلِكَ كثير، وَلَا بُد حِينَئِذٍ من شُرُوط شركَة الْأَبدَان الْآتِيَة لِأَن هَذَا الْقسم مركب من شركَة الْأَبدَان وَشركَة المَال. وَقَوله:(تجوز) خبر عَن قَوْله شركَة وسوغه تعلق الْجَار بِهِ وَقَوله: (لَا لأجل) عطف على مُقَدّر أَي تجوز لغير أجل لَا لأجل، وَظَاهره أَنَّهَا إِن وَقعت لأجل فَهِيَ فَاسِدَة أَو يُقَال هِيَ صَحِيحَة، وَلَكِن لَا يلْزمه الْبَقَاء مَعَه إِلَى ذَلِك الْأَجَل وَهُوَ الظَّاهِر قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَالشَّرِكَة لَا تكون إِلَى أجل وَلكُل مِنْهُمَا أَن ينْحل عَن صَاحبه ويقاسمه فِيمَا بَين أَيْدِيهِمَا من ناض وعروض مَتى شَاءَ اه. وَنَحْوه قَول الْعَوْفِيّ: وَإِذا تفاصلا اقْتَسمَا مَا صَار بَينهمَا كَمَا لَو أخرج أَحدهمَا عينا وَالْآخر عرضا، فَإِذا تفاصلا كَانَ لكل وَاحِد
مِنْهُمَا نصف الْعين وَنصف الْعرض اه. وَذَلِكَ كُله يدل على أَن المفاصلة فِي الشّركَة لَا تحْتَاج إِلَى نضوض المَال خلاف قَول الأَجْهُورِيّ: لَو أَرَادَ أَحدهمَا المفاصلة وَامْتنع الآخر عمل بامتناعه حصل خلط أم لَا للزومها بِالْعقدِ، فَإِذا أَرَادَ نضوضه بعد الْعَمَل فَيَنْبَغِي أَن ينظر الْحَاكِم كالقراض اه. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال كَمَا هُوَ الظَّاهِر مَا للعوفي والمتيطي إِنَّمَا هُوَ مَعَ تراضيهما على المفاصلة، أَو مَبْنِيّ على أَنَّهَا لَا تلْزم بِالْعقدِ كَمَا هُوَ نَص الْمُقدمَات، وَمَا للأجهوري فِيمَا إِذا تنَازعا وَفِيمَا إِذا قُلْنَا تلْزم بِالْعقدِ وَالله أعلم. فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وَالْقسم الأول الَّذِي هُوَ شركَة المَال تَحْتَهُ ثَلَاثَة أَنْوَاع كَمَا مرّ وَأَشَارَ للقسم الرَّابِع بقوله: وَفُسِخَتْ إنْ وَقَعَتْ عَلى الذِّمَمْ وَيَقْسِمَانِ الرِّبحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ (وفسخها) أَي الشّركَة (إِن وَقعت على الذمم) جمع ذمَّة وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَالشَّرْح للذمة وصف قاما الخ. وَشركَة الذمم أَن يتعاقدا على أَن يشتريا بِلَا مَال أَو بِمَال قَلِيل ويتفقا على أَن مَا اشْتَرَاهُ كل مِنْهُمَا بِالدّينِ فربحه بَينهمَا وَالضَّمان عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: هِيَ بَاطِلَة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُول لصَاحبه تحمل عني نصف مَا اشْتريت وأتحمل عَنْك نصف مَا اشْتريت، فَهُوَ ضَمَان بِجعْل إِلَّا أَن يجتمعا فِي شِرَاء سلْعَة مُعينَة حَاضِرَة أَو غَائِبَة فتبايعاها بدين، فَيجوز ذَلِك إِذا كَانَا حاضرين لِأَن الْعقْدَة وَقعت عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِن ضمن أَحدهمَا فَقَط عَن صَاحبه فَذَلِك جَائِز اه. وَقَوله: إِلَّا أَن يجتمعا الخ. هُوَ قَول (خَ) فِي الضَّمَان إِلَّا فِي اشْتِرَاء شَيْء بَينهمَا أَو بَيْعه كقرضهما على الْأَصَح (و) إِذا فسخت فَمَا كَانَ اشترياه مَعًا أَو أَحدهمَا (يقسمان الرِّبْح) الْحَاصِل فِيهِ والخسارة عَلَيْهِمَا. وَقَوله: (حكم مُلْتَزم) خبر عَن قَوْله: وفسخها. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ اللَّخْمِيّ: فَإِن كَانَ البَائِع عَالما بِهَذِهِ الشّركَة وَلم يعلم مَا عقداه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ الْحَاضِر مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثّمن، وَإِن لم يكن هُوَ الْمُتَوَلِي للشراء وَإِن كَانَ عَالما بفسادها لم يكن لَهُ ذَلِك وَأخذ هَذَا بِنصْف الثّمن وَلم يُطَالِبهُ بِمَا على صَاحبه، وَإِن لم يكن عَالما بِالشّركَةِ. وَإِن كَانَ الْحَاضِر الْمُوسر هُوَ الْمُتَوَلِي كَانَ للْبَائِع أَن يَأْخُذهُ بِجَمِيعِ الثّمن لِأَنَّهُ دخل على أَن الْمُبَايعَة مِنْهُ وَلم يدْخل مَعَه على أَنه وَكيل لغيره فِي النّصْف الآخر، وَإِن كَانَ الْحَاضِر الْمُوسر هُوَ الَّذِي لم يتول الشِّرَاء أَخذه بِنصْف الثّمن لَا أَكثر لِأَن البَائِع لما لم يعلم بِالشّركَةِ لم يدْخل على حمالَة هَذَا وَكَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِنصْف الثّمن لِأَنَّهُ ملك نصف سلْعَته. الثَّانِي: إِذا قَالَ رجل لآخر: اجْلِسْ فِي هَذَا الْحَانُوت تبيع فِيهِ وَأَنا أَشْتَرِي الْمَتَاع بوجهي وَالضَّمان عَليّ وَعَلَيْك فَإِنَّهُ لَا يجوز، فَإِن وَقع فَالرِّبْح لَهما على مَا تعاملا عَلَيْهِ وَيَأْخُذ أَحدهمَا من
صَاحبه أُجْرَة مَا يفضله بِهِ فِي الْعَمَل وَالضَّمان عَلَيْهِمَا لِأَن الرِّبْح تَابع للضَّمَان، فَإِن اشْترط الضَّمَان على الْجَالِس وَحده فَالرِّبْح لَهُ وَعَلِيهِ كِرَاء الْحَانُوت، وَإِن اشْترط الضَّمَان على ذِي الْحَانُوت فَالرِّبْح لَهُ وَعَلِيهِ كِرَاء الْجَالِس قَالَه ابْن رشد. وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يجوز فِيهَا الدُّخُول على التَّفَاوُت (خَ) : وتفسد بِشَرْط التَّفَاوُت وَإِن وَقع فَلِكُل أجر عمله للْآخر وَعلة فَسَادهَا بِهِ الْخطر والقمار بِوُجُود الرِّبْح فيغبن صَاحب الْكثير وبعدمه فيغبن صَاحب الْقَلِيل لذهاب عمله بَاطِلا كَذَا لِابْنِ شَاس. وَعلله ابْن رشد بِأَن صَاحب الْكثير إِنَّمَا سمح بفضله رَجَاء الْبَقَاء مَعَه على الشّركَة، وَذَلِكَ لَا يلْزم صَاحبه فَكَانَ غرراً اه. قلت: وَفِي كلتا العلتين شَيْء لِأَنَّهُمَا دخلا على تَجْوِيز وجود الرِّبْح وَعدم وجوده وعَلى أَن صَاحبه يبْقى مَعَه أَو لَا يبْقى فَصَاحب الْفضل وَغَيره مجوز لذَلِك كُله، وَحِينَئِذٍ فَصَاحب الْفضل إِن قصد الرِّفْق بِصَاحِبِهِ كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس جَازَ لَهُ ذَلِك كَمَا مر فِي السّلف، وَلَا سِيمَا على مَا عَلَيْهِ النَّاس من عدم تَقْوِيم الْأَعْمَال الَّتِي يعملها كل مِنْهُمَا. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. الثَّالِث: بَقِي على النَّاظِم من أَقسَام الشّركَة شركَة الْوُجُوه وَشركَة الْجَبْر فَالْأولى هِيَ كَمَا قَالَ (خَ) : أَن يَبِيع وجيه من التُّجَّار يرغب النَّاس فِي الشِّرَاء مِنْهُ لاعتقادهم أَنه لَا يتجر إِلَّا فِي الْجيد من السّلع مَال خامل بِجُزْء من ربحه وَهِي بَاطِلَة لِأَنَّهَا إِجَارَة بِمَجْهُول وتسميتها شركَة مجَاز، فَإِن وَقعت فللوجيه جعل مثله، وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مُخَيّر على مُقْتَضى الْغِشّ إِن كَانَت السّلْعَة قَائِمَة وَإِن فَاتَت فَفِيهَا الْأَقَل من الثّمن وَالْقيمَة قَالَه (ز) . قلت: وَلَوْلَا مَا فِي هَذِه الْإِجَارَة من الْغِشّ والتدليس لأمكن أَن يُقَال بجوازها ابْتِدَاء على مَا مرّ عَن ابْن سراج وَغَيره فِي بَاب الْإِجَارَة، وَأما إِذا قَالَ شخص لآخر دلّ على من يَشْتَرِي مني سلْعَة كَذَا وَلَك كَذَا فَإِنَّهُ جَائِز لَازم، قَالَه فِي الْعُتْبِيَّة مَا لم يكن على وَجه التحيل بَين الدَّال وَبَين بَائِعهَا فَيَأْتِي الدَّال بالمشتري ويوهم أَنه حَرِيص على شِرَائهَا وَيظْهر المكايسة وَهُوَ فِي الْبَاطِن على خلاف ذَلِك لتقدم الِاتِّفَاق مِنْهُ مَعَ بَائِعهَا على ذَلِك، فَإِذا انْصَرف المُشْتَرِي بالسلعة رَجَعَ الدَّال إِلَى البَائِع وَأخذ مِنْهُ الْجعل فَإِن ذَلِك لَا يجوز بِإِجْمَاع بِلَا شكّ لِأَنَّهُ مكر وخديعة، وَهَذَا كثير وُقُوعه فِي هَذَا الزَّمَان. وَأما الثَّانِيَة وَهِي شركَة الْجَبْر فَهِيَ جَائِزَة بشروطها الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : وأجبر عَلَيْهَا أَن اشْترى شَيْئا بسوقه إِلَّا لكسفر أَو قنية وَغَيره حَاضر لم يتَكَلَّم من تجاره الخ. وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا تَركهمَا لِأَن شركَة الْوُجُوه من قبيل الْإِجَارَة وَشركَة الْجَبْر لَا عقد فِيهَا فتسميتها شركَة إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار الْمَآل وَالله أعلم. وَإن يَكُنْ فِي العَيْنِ ذَاكَ اعْتُمِدَا تَجُزْ إنِ الْجِنْسُ هُنَاكَ اتَّخَذَا (وَإِن يكن فِي الْعين ذَاك) الِاشْتِرَاك فَهُوَ اسْم يكن، وَفِي الْعين مُتَعَلق بقوله (اعتمدا) وَالْجُمْلَة خَبَرهَا وَفِي بِمَعْنى الْبَاء (تجز) بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط وحذفت واوه لالتقاء الساكنين وفاعله ضمير الشّركَة (إِن الْجِنْس) من الذَّهَب أَو الْفضة (هُنَاكَ اتحدا) بِأَن كَانَت بِفِضَّة من الْجَانِبَيْنِ
أَو ذهب من الْجَانِبَيْنِ متفقين صرفا ووزناً وجودة ورداءة كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَسَوَاء اتّحدت سكتهما أم لَا كهاشمية ودمشقية ومحمدية ويزيدية مَعَ اتِّفَاقهمَا فِيمَا ذكر، فَإِن اخْتلفَا فِي وَاحِد من الصّرْف وَمَا مَعَه لم يجز لدخولهما على التَّفَاوُت إِلَّا أَن يكون يَسِيرا على الْمَشْهُور، وَظَاهر النّظم هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي أَنه لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الشّركَة حَيْثُ سلما من رَبًّا الْفضل وَالنِّسَاء فِي الطَّعَام وَالْعين، وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم فِي الْمُزَارعَة من أَنه لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت على الْمَعْمُول بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر قَرِيبا من أَنه إِذا قصد الرِّفْق بالسلف فِي العقد جَازَ فالهبة والتفاوت فِي الْعَمَل كَذَلِك، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الشّركَة بيع من الْبيُوع كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة: وَهُوَ يجوز فِيهِ الْغبن، وَهبة بعض الثّمن أَو بعض الْمُثمن، وَمَفْهُوم الشَّرْط فِي النّظم أَنه إِذا كَانَ الذَّهَب من جَانب وَالْفِضَّة من الآخر أَو ذهب وَفِضة من كل جَانب لم تجز، وَهُوَ كَذَلِك فِي الأول لِأَنَّهَا شركَة وَصرف وهما لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا مر صدر الْبيُوع، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب وَسَحْنُون وَقَالَ: إِنَّمَا يمْنَع الصّرْف مَعهَا إِذا كَانَ خَارِجا عَن ذَاتهَا لَا إِن كَانَ دَاخِلا فِي ذَاتهَا كَمَا هُنَا فَيجوز ابْن الْمَوَّاز وَهُوَ غلط. وَمَا علمت من أجَازه لِأَنَّهُ صرف لَا يبين بِهِ صَاحبه لبَقَاء يَد كل مِنْهُمَا فَإِن وَقع وَعَملا فَلِكُل رَأس مَاله ويقتسمان الرِّبْح لكل عشرَة من الدَّنَانِير دِينَار، وَلكُل عشرَة دَرَاهِم دِرْهَم والخسر كَذَلِك قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَأما الثَّانِي وَهُوَ ذهب وَفِضة من كل جَانب فَلَا خلاف فِي الْجَوَاز قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. وَالْمرَاد أَن كلا مِنْهُمَا أخرج من الذَّهَب بِقدر ذهب الآخر وَمن الْفضة كَذَلِك، وإلاَّ لم يجز لوُجُود الصّرْف الْمَذْكُور (خَ) : كاشتركنا بذهبين أَو ورقين اتّفق صرفهما أَو بهما مِنْهُمَا الخ. فَفِي مَفْهُوم الشَّرْط تَفْصِيل كَمَا ترى. وَبالطَّعَامِ جَازَ حَيْثُ اتَّفَقَا وهوَ لمالِكٍ بِذَاكَ مُتَّقَى (وبالطعام) مُتَعَلق بقوله (جَازَ) أَي وَجَاز الِاشْتِرَاك بِالطَّعَامِ من كل جَانب (حَيْثُ اتفقَا) أَي الطعامان جِنْسا وَصفَة وَكيلا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم قِيَاسا مِنْهُ على جَوَازهَا بِالدَّنَانِيرِ من الْجَانِبَيْنِ بِجَامِع حُصُول المناجزة حكما لَا حسا، فَكَمَا اغتفر هَذَا فِي الدَّنَانِير من الْجَانِبَيْنِ أَو الدَّرَاهِم كَذَلِك يغْتَفر فِي الطعامين كَذَلِك، ومنعها مَالك بِالطَّعَامِ مُطلقًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله:(وَهُوَ) أَي الِاشْتِرَاك (لمَالِك بِذَاكَ) الطَّعَام مُتَّفقا جِنْسا وَكيلا أَو مُخْتَلفا (متقى) خبر عَن الضَّمِير، والمجروران يتعلقان بِهِ وَاللَّام بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) وَعلة
الْمَنْع عِنْده أَنه يدخلهَا بيع الطَّعَام قبل قَبضه لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاعَ نصف طَعَامه بِنصْف طَعَام صَاحبه وَلم يَجْعَل قبض لبَقَاء يَد كل وَاحِد على مَا بَاعَ، فَإِذا باعا لأَجْنَبِيّ يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا بَائِعا للطعام قبل قَبضه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ توالى عَلَيْهِ عقدتا بيع لم يتخللهما قبض قَالَه عبد الْحق. ابْن يُونُس: وَهُوَ الْأَصَح، وَعَلِيهِ درج (ح) إِذْ قَالَ: لَا بِذَهَب من جَانب وورق من الآخر وبطعامين وَلَو اتفقَا، وَظَاهر النّظم أَن الأول هُوَ الْمُعْتَمد عِنْده لتصديره بِهِ ويرشحه جَوَازهَا حَتَّى عِنْد مَالك بِطَعَام من جَانب وَعرض أَو عين من الآخر مَعَ أَن عِلّة بيع الطَّعَام قبل قَبضه مَوْجُودَة فِيهِ قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ اتفقَا أَنه إِذا اخْتلف الطعامان جِنْسا أَو صفة لم تجز اتِّفَاقًا من مَالك وَابْن الْقَاسِم وَهُوَ كَذَلِك، وأجازها سَحْنُون حَيْثُ اتفقَا قيمَة وَكيلا جَريا مِنْهُ على مذْهبه من جَوَازهَا بِالدَّنَانِيرِ من جَانب وَالدَّرَاهِم من الآخر. تَنْبِيهَانِ. الأول: الشّركَة فِي الأجباح مَمْنُوعَة اتِّفَاقًا لما فِيهَا من الْعَسَل فيدخلها التَّفَاضُل قَالَه الغرناطي، وَكَذَا قسمتهَا لَا تجوز إِن كَانَ فِيهَا عسل وإلاَّ فَتجوز، وَكَانَ ابْن عَرَفَة يَقُول: إِن الْعَسَل الَّذِي يَكْفِي النَّحْل لَا عِبْرَة بِهِ مُطلقًا. الثَّانِي: إِذا فَسدتْ الشّركَة بالطعامين فرأس مَال كل مِنْهُمَا مَا بيع بِهِ طَعَامه إِذْ هُوَ فِي ضَمَانه حَتَّى يُبَاع، وَلَو خلطاه قبل البيع جعلت رَأس المَال قيمَة طَعَام كل وَاحِد يَوْم خلطاه وبقدر ذَلِك يكون الرِّبْح والوضيعة قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَجَازَ بالعَرْضِ إذَا مَا قُوِّما مِنْ جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ فاعْلَمَا (وَجَاز) الِاشْتِرَاك (بِالْعرضِ إِذا مَا) زَائِدَة (قوما) حَال كَونه (من جِهَة) فَقَط ويقابله من الْأُخْرَى عين أَو طَعَام وبقدر قيمَة الْعرض وَالطَّعَام يكون الْعَمَل وَالرِّبْح والخسر (أَو) بِالْعرضِ من (جِهَتَيْنِ فاعلما) وَرَأس مَال كل مَا قوم بِهِ عرضه أَو طَعَامه يَوْم أحضر الِاشْتِرَاك بِهِ إِن صحت شركتهما، وَإِلَّا فَلَا تعْتَبر يَوْم الْإِحْضَار بل يَوْم البيع إِذْ كل لَا زَالَ على ملك ربه وَفِي ضَمَانه إِلَى يَوْم البيع فَإِذا قوم فِي الصَّحِيحَة أَو بيع فِي الْفَاسِدَة عرض هَذَا بِعشْرين وَعرض هَذَا أَو طَعَامه بِعشْرَة، فالشركة بَينهمَا على الثُّلُث والثلثين وبقدر ذَلِك يكون الْعَمَل وَالرِّبْح والخسر، وَسَوَاء دخلا على قيمَة الْعرض فِي الصَّحِيحَة أَو سكتا عَنْهَا فَالْعِبْرَة بِقِيمَتِه يَوْم الْإِحْضَار، وَلَا تفْسد الشّركَة بِالسُّكُوتِ عَنْهَا قَالَه فِي المعونة فَإِن لم يعرف مَا بيع بِهِ فِي الْفَاسِدَة فَتعْتَبر قِيمَته يَوْم البيع قَالَه ابْن يُونُس. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تشاركا على التَّسَاوِي وَقبل التَّقْوِيم فَلَمَّا قوم سلعهما تفاضلت قيمتهَا فَإِن لم يعملا أَخذ كل وَاحِد سلْعَته وانفسخت الشّركَة وَإِن عملا بعد فَوَات سلعهما فرأس مَال كل مَا بيع بِهِ سلعه وَالرِّبْح والوضيعة بِحَسب ذَلِك، وَيرجع الْقَلِيل مِنْهُمَا على الآخر بِفضل عمله وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي فضل سلع صَاحبه لِأَنَّهُ لم يَقع بَينهمَا فِي ذَلِك الْفضل بيع أَي شركَة اه.
كَذَا طَعَامُ جِهَةٍ لَا يَمْتَنعْ وَعَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ لدَى الأُخْرَى وُضِعْ (كَذَا طَعَام جِهَة لَا يمْتَنع وَعين أَو عرض لَدَى الْأُخْرَى) يتَعَلَّق بقوله: (وضع) أَي لَا يمْتَنع وضع طَعَام من جِهَة وَوضع عين أَو عرض من الْأُخْرَى وَلم يقل وضعا بِأَلف التَّثْنِيَة لِأَن الْعَطف بِأَو وَهُوَ لَا تجب فِيهِ الْمُطَابقَة. وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله: وَجَاز بِالْعرضِ إِذا مَا قوما من جِهَة الخ (خَ) : عاطفاً على الْجَوَاز وبعين وَعرض وبعرضين مُطلقًا وكل بِالْقيمَةِ يَوْم أحضر لَا فَاتَ الخ. وَالمَالُ خَلْطُهُ وَوَضْعُهُ بِيَدْ وَاحِدٍ أَو فِي الاشْتِرَاكِ مُعْتَمَدْ (وَالْمَال) الَّذِي أخرجه كل مِنْهُمَا (خلطه) مُبْتَدأ ثَان (وَوَضعه) عطف عَلَيْهِ، وَالْوَاو بِمَعْنى (أَو) وَخَبره مُعْتَمد آخر الْبَيْت وَالْمعْنَى: أَن خلط الْمَالَيْنِ حسا بِحَيْثُ لَا يتَمَيَّز أحد الْمَالَيْنِ من الآخر، أَو حكما بِأَن يوضعا مَعًا (بيد وَاحِد) مِنْهُمَا أَو وَاحِد غَيرهمَا (أَو) وضعا مَعًا أَيْضا (فِي) مَحل (الِاشْتِرَاك) بَينهمَا بِأَن يجعلاهما فِي بَيت وَاحِد، وقفلا عَلَيْهِ بقفلين أَخذ أَحدهمَا مِفْتَاح أحد القفلين وَأخذ الآخر مِفْتَاح الآخر، وَأَحْرَى إِذا كَانَ قفلاً وَاحِدًا وبيد كل مِنْهُمَا مفتاحه (مُعْتَمد) أَي شَرط فِي حُصُول الضَّمَان مِنْهُمَا، فَإِذا خلطا حسا أَو حكما فالتالف مِنْهُمَا وَإِن لم يحصل خلط لَا حسا وَلَا حكما فالتالف من ربه وَمَا اشْترى بالسالم فبينهما على رب التَّالِف نصف ثمنه، فالخلط الْمَذْكُور شَرط فِي الضَّمَان مِنْهُمَا كَمَا قَررنَا لَا فِي الصَّحِيحَة لِأَنَّهَا صَحِيحَة مَعَ توفر شُرُوطهَا وَلَو لم يخلطا وَلَا فِي اللُّزُوم لِأَنَّهَا لَازِمَة بالْقَوْل (خَ) : ولزمت بِمَا يدل عرفا من قَول كاشتركنا أَو بِمَا يقوم مقَامه من فعل كخلط الْمَالَيْنِ وَالْعَمَل بهما، ثمَّ ذكر مَا هُوَ شَرط فِي الضَّمَان فَقَالَ: إِن خلطا وَلَو حكما وَإِلَّا فالتالف من ربه وَمَا ابتيع بِغَيْرِهِ فبينهما الخ. وَتقدم قَرِيبا أَنَّهَا وَإِن كَانَت لَازِمَة بالْقَوْل فَكل مِنْهُمَا لَهُ بعد الْعَمَل الانحلال لَا قبله فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بتراضيهما وَإِلَّا لم تكن فَائِدَة للزومها بالْقَوْل. تَنْبِيهَات. الأول: علم من كَون الشّركَة تَنْعَقِد بِمَا يدل عرفا أَن الْعم أَو الْأَخ إِذا كَانَ كل
مِنْهُمَا مَعَ أَوْلَاد أَخِيه أَو مَعَ إخْوَته على مائدة وَاحِدَة يخدمون ويأكلون فهم كالمتفاوضين فَمَا اشْتَرَاهُ أحدهم من أصُول أَو غَيرهَا باسم نَفسه يدْخل مَعَه غَيره، ويشاركه فِيهِ على قدر عمله إِن كَانَ المَال الْمُشْتَرى بِهِ نَشأ عَن أَيْديهم، أَو على قدر نصِيبه فِي المَال إِن كَانَ الْمُشْتَرى بِهِ مَالا موروثاً وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا إِذا كَانُوا كلهم رشداء أَو فيهم صَغِير يُمَيّز معنى الشّركَة وَوَقع مِنْهُ مَا يدل على الرِّضَا بهَا، إِلَّا أَنه يُخَيّر بعد رشده فِي إِمْضَاء الشّركَة أَو أَخذ حَظه من المَال الْوَاقِع بِهِ الشِّرَاء، وَأما من لم يُمَيّز أصلا فَإِنَّهُ لَا حق لَهُ فِي المُشْتَرِي وَإِنَّمَا لَهُ واجبه من الثّمن الْمُشْتَرى بِهِ إِلَّا أَن يكون المُشْتَرِي أدخلهُ مَعَه فِي شِرَائِهِ، فَإِنَّهُ يُخَيّر بعد رشده فِي قبُول ذَلِك أَو أَخذ واجبه من المَال، وَذَلِكَ لِأَن الشّركَة عقد لَا يَصح إِلَّا من أهل التَّوْكِيل والتوكل، وَالَّذِي لم يُمَيّز لم يَقع مِنْهُ عقد وَلَا مَا يدل عَلَيْهِ قَالَه سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب حَسْبَمَا نَقله العلمي. وَوَجهه ظَاهر خلاف مَا فِي المعيار عَن التازغدري آخر الْوَصَايَا مِنْهُ من أَن القَوْل قَوْله فِي شِرَاء الْأَمْلَاك لنَفسِهِ بِمَالِه الْخَاص بِهِ، وَنَحْوه فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى مِنْهُ، ثمَّ مَا تقدم من أَن الشّركَة تكون فِيمَا نَشأ عَن أَيْديهم على قدر أَعْمَالهم هُوَ الصَّوَاب خلافًا لمن أطلق فِي ذَلِك، إِذْ لَيْسَ الْقوي كالضعيف وَلَا الصَّانِع كَغَيْرِهِ وَلَا خدمَة الْمَرْأَة كالذكر وَلَا من يرد أُوقِيَّة كمن يرد ثمنهَا قَالَه سَيِّدي أَحْمد الزواوي وَنَقله شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي الْبَوَادِي الخ. وَهَذَا فِي المَال الْحَاصِل بِمُجَرَّد تكسبهم وَعمل أبدانهم، وَأما إِن كَانَ أصل المَال الَّذِي بَين أَيْديهم مَمْلُوكا لأَحَدهم فَقَط وَلكنه نما بخدمتهم وقيامهم عَلَيْهِ، فَإِن النَّمَاء لمَالِك الأَصْل وَعَلِيهِ أُجْرَة الْمثل لمن عداهُ اه. وَكَذَا الْوَلَد يقوم مَعَ أَبِيه سِنِين بعد بُلُوغه إِلَى أَن زوَّجه، وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة يتَوَلَّى الْحَرْث والحصاد وخدمة الْأَمْلَاك بِنَفسِهِ، ثمَّ افترق مِنْهُ وَأَرَادَ مقاسمته فِي الْأَمْلَاك فَلَيْسَ لَهُ شَيْء فِيهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أجر عمله ويحاسبه أَبوهُ بِنَفَقَتِهِ وَكسوته وَبِمَا زوَّجه قَالَه الجلالي يَعْنِي: وَكَذَا يُحَاسب غير المتزوج من الْأُخوة المتزوج مِنْهُم بِنَفَقَة زَوجته وصداقها كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِلَّا حسبا كانفرادهما بِهِ أَي بِالْإِنْفَاقِ وَالزَّوْجَة. الثَّانِي: إِذا كَانَ الابْن يقوم بِأُمُور أَبِيه ثمَّ مَاتَ الْأَب فاستظهر الابْن برسوم أَمْلَاك اشْتَرَاهَا باسم نَفسه إِن أثبت أَنه كَانَ لَهُ مَال، وَأَن أَبَاهُ كَانَ سلم لَهُ فِيهَا فَهِيَ لَهُ، وَإِن أثبت أَنه كَانَ لَهُ مَال فَقَط فَهِيَ لَهُ إِن حلف، وَإِن لم يثبت وَاحِد مِنْهُمَا فالجميع مِيرَاث قَالَه سَيِّدي يحيى وسيدي رَاشد. قلت: وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الابْن لما كَانَ يقوم بِأُمُور أَبِيه فَهُوَ كَالْوَكِيلِ عَنهُ بِالْعَادَةِ فَلذَلِك إِذا لم يكن للِابْن مَال كَانَ الْجَمِيع مِيرَاثا. الثَّالِث: سُئِلَ سَيِّدي إِبْرَاهِيم بن هِلَال عَن أَخَوَيْنِ متفاوضين وَكَانَ أَحدهمَا مشارطاً على الْإِمَامَة ثمَّ أَرَادَ قسْمَة مَالهمَا فَأَرَادَ المشارط أَن يستبد بِجَمِيعِ مَا استفاده من الشَّرْط؟ فَأجَاب: مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا فِي المفاوض يُؤَاجر نَفسه فِي شَيْء أَنه يخْتَص بِهِ وَلَا يدْخل مَعَه شَرِيكه، وَقَالَ أَشهب وَأصبغ وَابْن حبيب: لَا يستبد بِهِ بل يكون بَينهمَا، وَرَأَوا أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ملك مَنَافِع صَاحبه بالتفاوض، وَلم يرد ذَلِك ابْن الْقَاسِم وَلَا محيد عَن قَوْله ومذهبه، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمن لَهُ تحرف إِن عمله الخ. قَالَ: وَإِذا تقرر ذَلِك فَهَل لِأَخِيهِ أجر عمله فِي غير ذَلِك مِمَّا عمله وفضله بِهِ من الْعَمَل أم لَا؟ صرح ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية أَنه لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ
ذَلِك. وَقَالَ أصبغ: إِذا حلف أَنه لم يتَطَوَّع بِالْعَمَلِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقدر مَا بَاشر وَعمل مُفَاوَضَة حِين شغل نَفسه بِمَا آجرها فِيهِ. قَالَ بعض الْقرَوِيين: لِأَنَّهُ تطوع لَهُ بِالْعَمَلِ ظنا مِنْهُ أَنه يعْمل فِي المَال مثل مَا عمل، فَإِذا شغل مَنَافِعه فِيمَا انْتفع بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ صَاحبه بِمَا عمله عَنهُ. قَالَ هَذَا الْقَرَوِي الْمَذْكُور: وَمَا قَالَه ابْن الْقَاسِم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا قصد أَن لَا يرجع بِمَا عمل وإلاَّ وَجب لَهُ الرُّجُوع اه. بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الجلالي: إِذا غَابَ أحد الْأَخَوَيْنِ للْقِرَاءَة أَو الْحَج فَقدم وَقد وجد أَخَاهُ قد زَاد أملاكاً على مَا ترك عِنْده، فَإِنَّهُ يُشَارِكهُ فِي جَمِيعهَا حَيْثُ غَابَ وَلَيْسَ لَهما من المَال إِلَّا مَا هما مشتركان فِيهِ وَلَيْسَ لأَحَدهمَا مَال يخْتَص بِهِ اه. قلت: وَلَا يخفى أَنه يرجع الْحَاضِر عَلَيْهِ بِأُجْرَة عمله لما تقدم فِي الْكُلية الْمَذْكُورَة عِنْد قَوْله فِي الْإِجَارَة: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. وَلَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا مَا علم أَنه للصلة حَسْبَمَا تقدم آخر بيع الْفُضُولِيّ. وَحَيْثُما يَشْتَرِكانِ فِي الْعَمَلْ فَشَرْطُهُ اتَّحَادُ شُغْلٍ وَمَحَلْ (وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل) فَقَط (فشرطه) أَي الِاشْتِرَاك الْمَذْكُور (اتِّحَاد شغل) أَو تلازمه، فَالْأول كخياطين أَو حدادين أَو نجارين أَو صيادين، وَالثَّانِي ككون أَحدهمَا ينسج وَالْآخر يَدُور أَو يحول، أَو أَحدهمَا يغوص لطلب اللُّؤْلُؤ وَالْآخر يمسك ويقذف عَلَيْهِ، فَإِن لم يتحد شغلهما وَلَا تلازم كخياط ونجار لم يجز لِأَنَّهُ قد تكسد صَنْعَة أَحدهمَا فَيَأْخُذ مَال صَاحبه بِغَيْر حق. (و) شَرطه أَيْضا اتِّحَاد (مَحل) أَو تقاربه أَيْضا، فَلَو كَانَ أَحدهمَا يخيط فِي مَحل وَالْآخر يخيط فِي مَحل آخر، فَإِن تقاربت أسواقهما ومنافعهما أَو كَانَت يَد أَحدهمَا تجول فِي المحلين لقربهما جَازَت شركتهما، وَإِلَّا امْتنعت لِأَنَّهُ قد ينْفق أحد المكانين دون الآخر فَيَأْخُذ غَيره مَاله بِغَيْر حق وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط التَّسَاوِي فِي الْعَمَل بل يجوز، وَلَو كَانَت قيمَة عمل أَحدهمَا الثُّلثَيْنِ وَقِيمَة عمل الآخر الثُّلُث ودخلا على أَن مَا يحصل بَينهمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ كَذَلِك على قَول من لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الشّركَة كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: وَإِن يكن فِي الْعين ذَاك اعتمدا الخ. وَعَلِيهِ تخرج شركَة الْعُدُول إِذْ كثيرا مَا يكْتب أَحدهمَا العقد وَلَا يعْمل فِيهِ غَيره إِلَّا الشَّهَادَة لعدم مَعْرفَته بكيفية تركيب فُصُول الْوَثِيقَة، وَكَذَا شركَة الطّلبَة فِي طلب الأسعار يذهب كل وَاحِد مِنْهُمَا لأندر أَو طلب الْمَعْرُوف من الدّور، وَانْظُر نَوَازِل الشّركَة من نوازلنا فَإِن أَبَا زيد الفاسي قَالَ: كل مَا جرى فِي الْمُزَارعَة يجْرِي فِي الشّركَة، وَأما على الْمَشْهُور من اشْتِرَاط عدم التَّفَاوُت فَلَا يجوز إِلَّا إِذا كَانَ كل وَاحِد يَأْخُذ مِمَّا يحصل بِقدر قيمَة عمله، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَازَت بِالْعَمَلِ إِن اتحدا أَو تلازما وتساويا فِيهِ أَو تقاربا وَحصل التعاون وَإِن بمكانين الخ. وَقَالَ قبل ذَلِك: وتفسد بِشَرْط التَّفَاوُت وَإِن وَقع فَلِكُل أجر عمله للْآخر الخ. وَقَوْلِي فِي الْعَمَل فَقَط إِشَارَة إِلَى أَنه يشْتَرط اتِّحَاد
الشّغل وَالْمَكَان إِذا اشْتَركَا فِي صَنْعَة أَيْدِيهِمَا من غير احْتِيَاج لمَال يخرجانه، أَو كَانَا مُحْتَاجين لذَلِك. وَالْمَقْصُود عِنْدهمَا الصَّنْعَة لَا مَا يخرجانه من المَال، وَأما لَو كَانَت صَنْعَة أَيْدِيهِمَا تبعا وَالْمَقْصُود هُوَ التَّجر كَمَا لَو أخرجَا مَالا مُتَسَاوِيا ليعْمَل بِهِ هَذَا فِي صَنْعَة كَذَا وَهَذَا فِي صَنْعَة كَذَا، فَإِن ذَلِك جَائِز من غير اشْتِرَاط اتِّحَاد شغل وَلَا مَحل. تَنْبِيه: زَاد الغرناطي اتِّحَاد صنعتيهما فِي الْجَوْدَة فَقَالَ: وَشركَة الْأَبدَان تجوز بِخَمْسَة شُرُوط، أَن تكون الصَّنْعَة وَاحِدَة وحركتهما فِي السرعة والإبطاء وَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْجَوْدَة والدناءة وَاحِدَة أَو مُتَقَارِبَة ويعملان فِي مَوضِع وَاحِد والآلة بَينهمَا على السوَاء اه. اللَّخْمِيّ: وَإِن تباينت صنعتاهما بالجودة والدناءة وَكَانَ أَكثر مَا يصنعانه ويستعملان فِيهِ الْأَدْنَى جَازَت الشّركَة لِأَن الْأَعْلَى يعْمل الْأَدْنَى وَلَا حكم للقليل، وَإِن كَانَ أَكثر مَا يدْخل إِلَيْهِمَا مَا يعمله الْأَعْلَى أَو كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كثيرا لم تجز للغرر والتفاضل اه. قلت: وَهَذِه الشُّرُوط قَلما تجدها متوفرة فِي هَذَا الزَّمَان، وغالب عُقُود شركَة النَّاس الْيَوْم الْفساد لأَنهم لَا يقومُونَ عملا وَلَا غَيره، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: يغْتَفر لَهُم الدُّخُول على التَّفَاوُت على نَحْو مَا تقدم فِي الْمُزَارعَة كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ. وَحَاضِرٌ يَأْخُذُ فَائِداً عَرَض فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ الثَّلَاثِ أَوْ مَرَضْ (وحاضر يَأْخُذ فائداً عرض) وَحصل لَهُ ذَلِك الفائد (فِي غيبَة) صَاحب غيبَة (فَوق ثَلَاث أَو مرض) فَوق ثَلَاث أَيْضا كالعشرة أَيَّام وَمَا قاربها، وَمَفْهُوم فَوق ثَلَاث أَن الثَّلَاثَة وَمَا قاربها تلغى وَلَا يُحَاسب الْحَاضِر أَو الصَّحِيح الْغَائِب أَو الْمَرِيض بهَا، فالقريب اليومان وَالثَّلَاثَة والبعيد الْعشْرَة وَمَا بَينهمَا من الوسائط يرد مَا قَارب الْقَرِيب إِلَى الْقرب وَمَا قَارب الْبعيد إِلَى الْبعد قَالَ أَبُو الْحسن. وَظَاهر النّظم أَن الْحَاضِر وَالصَّحِيح يأخذان أُجْرَة مَا انفردا بِعَمَلِهِ فِي الْغَيْبَة وَالْمَرَض البعيدين وَلَا يرجع عَلَيْهِمَا الْغَائِب وَالْمَرِيض بِشَيْء، وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ يُونُس وَابْن سَلمُون وَهُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وأتى مرض كيومين أَو غيبتهما لَا إِن كثر الخ. وَلَكِن الرَّاجِح أَن للْغَائِب وَالْمَرِيض أَن يرجعا على الْحَاضِر، وَالصَّحِيح بحصتهما فِي الرِّبْح الزَّائِد على أجر عمل مثله كَمَا لَو قبضا ثوبا مثلا للخياطة بِعشْرَة وَغَابَ أَحدهمَا أَو مرض كثيرا فخاطه الآخر، فَإِذا
قيل: أجر مثل هَذِه الْخياطَة أَرْبَعَة أَخذهَا وَتبقى سِتَّة يرجع عَلَيْهِ الْمَرِيض أَو الْغَائِب بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَهُوَ ثَلَاثَة حَيْثُ كَانَت الشّركَة على النّصْف فَإِن لم يفضل شَيْء عَن أجر مثله فَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء، وَهَذَا إِذا قبضا الثَّوْب مَعًا ثمَّ مرض أَحدهمَا أَو غَابَ كثيرا وَمثله إِذا قبله أَحدهمَا مَعَ وجود الآخر أَو فِي مَرضه أَو غيبته القريبين أما مَا قبله أَحدهمَا بعد طول غيبَة الآخر أَو مَرضه فَهِيَ لَهُ وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء لِأَن الضَّمَان مِنْهُ وَحده كَمَا فِي ابْن يُونُس: فَإِن شرطا إِلْغَاء الطول فَسدتْ. وَالْحَاصِل أَن شَرِيكي الصَّنْعَة إِذا غَابَ أَحدهمَا أَو مرض يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَمَا قاربها على مَا مر، فالفائد بَينهمَا وَلَا شَيْء للحاضر أَو الصَّحِيح على الْغَائِب وَالْمَرِيض، وَسَوَاء مرض بعد أخذهما الْعَمَل أَو أَخذه الصَّحِيح بعد مَرضه، وَأما إِن قَبضه الْحَاضِر الصَّحِيح بعد طول مَرضه أَو غيبته فَهُوَ لِلْعَامِلِ مُطلقًا لِأَنَّهُ لَا ضَمَان بَينهمَا، وَأما إِن غَابَ أَو مرض بعد أَخذ المَال أَكثر من ثَلَاثَة وَمَا قاربها فالفائد بَينهمَا وَيرجع الْحَاضِر الصَّحِيح على شَرِيكه بِأَجْر مثله كَمَا مرّ، وَهل تلغى اليومان من الْعشْرَة أَو لَا؟ الرَّاجِح عدم الإلغاء، وَهَذَا فِي الصَّحِيحَة، وَأما فِي الْفَاسِدَة بِاشْتِرَاط إِلْغَاء الطول فَمن عمل شَيْئا يخْتَص بِهِ وَإِن كَانَ الْفساد بِغَيْر مَا ذكر فالرجوع على من لم يعْمل مُطلقًا والفائد بَينهمَا، وَكَذَلِكَ فِي شركَة الْأَمْوَال فالرجوع بالطويل وَغَيره صَحَّ من شرح ابْن رحال. وَهَذَا كُله فِي الشُّرَكَاء فِي الْعَمَل من صبغ وخياطة وَنَحْوهمَا، وَأما الأجراء فَلَيْسَ حكمهم كَذَلِك، فَإِذا اسْتَأْجر أجيرين لحفر بِئْر مثلا فَمَرض أَحدهمَا وَعمل الآخر جَمِيع الْعَمَل فللآخر نصِيبه وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَطَوّع بِالْعَمَلِ عَنهُ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَهَذَا فِي غير المستأجرين مياومة وإلاَّ فَلَا يُشَارك غَائِب أَو مَرِيض غَيره مُطلقًا لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ الْيَوْم انْقَطَعت إِجَارَة الْمَرِيض وَنَحْوه. وَمَنْ لَهُ تَحَرُّفٌ إنْ عَمِلَه فِي غَيْرِ وَقْتٍ تَجْرِهِ الفَائِدُ لَهْ (وَمن لَهُ) من الشَّرِيكَيْنِ مُفَاوَضَة (تحرف) أَي صَنْعَة (إِن عمله) أَي التحرف (فِي غير وَقت تجره) كليل أَو زمَان لَا يشتغلان فِيهِ بِالتِّجَارَة ف (الفائد) أَي مَا حصله من الْأُجْرَة (لَهُ) يستبد بِهِ (خَ) : واستبد آخذ قِرَاض أَو متجر بوديعة بِالرِّبْحِ والخسر الخ. يَعْنِي إِذا كَانَ لَا يشْغلهُ عَن الْعَمَل فِي الشّركَة، وَمَفْهُوم فِي غير وَقت تجر أَنه إِذا عمله فِي وَقت تجر فَإِن صَاحبه يرجع عَلَيْهِ بِأُجْرَة مَا عمله عَنهُ كَمَا مرَّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث، وَانْظُر كَلَام اللَّخْمِيّ عِنْد قَول الشَّامِل: واختف آخذ قِرَاض الخ. فرع: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي حَيَوَان مثلا بميراث أَو غَيره لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف إِلَّا بِإِذن شَرِيكه فَلَو بَاعَ نصِيبه وَسلم الْجَمِيع للْمُشْتَرِي بِغَيْر إِذن شَرِيكه كَانَ ضَامِنا
على مُقْتَضى الْقَوَاعِد، وَبِه أفتى شُيُوخنَا من الشَّافِعِيَّة لِأَن أحسن أَحْوَاله أَن يكون كَالْمُودعِ فِي الْأَمَانَة، وَهَذَا إِذا وضع يَد الْأَجْنَبِيّ يضمن لتعديه. فَإِن قيل: يلْزم عدم صِحَة البيع لعدم قدرته على التَّسْلِيم. قُلْنَا: إِن كَانَ شَرِيكه حَاضرا سلم الْمَبِيع لَهُ وَتَقَع الْخُصُومَة بَينه وَبَين المُشْتَرِي، أَو غَائِبا رفع أمره إِلَى الْحَاكِم يَأْذَن لَهُ فِي البيع وَوضع مَال الْغَائِب تَحت يَده اه. قلت: قَوْله: وَتَقَع الْخُصُومَة الخ. يَعْنِي فِي ذَلِك الْحَيَوَان عِنْد من يكون وَمن يقوم بِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد أَن الَّذِي لم يبع يُنكر نصيب البَائِع حَتَّى يكون من بيع مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور كَمَا فهمه الشَّيْخ سَالم، وَفِي معاوضات المعيار: من بَاعَ نصف فرسه لرجل وسافر المُشْتَرِي عَلَيْهَا فعطبت فَهُوَ ضَامِن لنصف شَرِيكه إِلَّا أَن يُسَافر عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَو جرت الْعَادة بَينهمَا أَن يُسَافر مثل ذَلِك السّفر فَلَا ضَمَان اه.
(فصل فِي الْقَرَاض)
بِكَسْر الْقَاف مَأْخُوذ من الْقَرْض وَهُوَ مَا يجازى عَلَيْهِ الرجل من خير أَو شَرّ، لِأَن المتقارضين قصد كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى مَنْفَعَة الآخر فَهُوَ مقارضة من الْجَانِبَيْنِ، وَقيل: من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع لِأَن رب المَال قطع من مَاله قِطْعَة دَفعهَا لِلْعَامِلِ بِجُزْء من الرِّبْح الْحَاصِل بسعيه، وَأهل الْعرَاق يسمونه مُضَارَبَة من قَوْله تَعَالَى: وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض} (المزمل: 20) ابْن عَرَفَة: وَهُوَ تَمْكِين مَال لمن يتجر بِهِ بِجُزْء من ربحه لَا بِلَفْظ إِجَارَة فَيدْخل بعض الْفَاسِد كالقراض بِالدّينِ والوديعة وَيخرج عَنهُ قَوْلهَا: من أعْطى رجلا مَالا يعْمل بِهِ على أَن الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَان على الْعَامِل لَا بَأْس بِهِ اه. وَمرَاده بالتمكن الْإِذْن لَا الْإِعْطَاء بِالْفِعْلِ وإلاَّ لم يَشْمَل الْقَرَاض بِالدّينِ، وَأخرج بقوله: بِجُزْء من ربحه الأبضاع وَالْإِجَارَة، وَكَذَا الشّركَة لِأَن الرِّبْح فِي الشّركَة نَشأ عَن الْمَالَيْنِ فَلم يَأْخُذ كل مِنْهُمَا إِلَّا ربح مَاله. وَقَوله: لَا بِلَفْظ إِجَارَة أخرج بِهِ مَا إِذا قَالَ: آجرتك على التَّجر فِي هَذَا المَال بِجُزْء من ربحه فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد بذلك فَإِن عمل فَيجْرِي على الْإِجَارَة الْفَاسِدَة، وَيفهم من قَوْله: وَلَا ضَمَان على الْعَامِل الخ. أَنه إِذا لم ينف الضَّمَان عَنهُ وَلم يسمه قراضا فَإِن الضَّمَان يكون على الْعَامِل وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَضَمنَهُ فِي الرِّبْح لَهُ إِن لم ينفه وَلم يسم قراضا الخ. وَقَرِيب من هَذَا التَّعْرِيف قَول النَّاظِم: إعْطَاءُ مالِ مَنْ بِهِ يُتَاجِرُ لِيَسْتَفِيدَ دَافِعٌ وَتَاجِرُ (إِعْطَاء مَال) من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله الثَّانِي وكمل بِالْأولِ الَّذِي هُوَ قَوْله (من بِهِ يتاجر) وَاللَّام فِي (ليستفيد) لَام كي التعليلية (دَافع) فَاعل (وتاجر) عطف عَلَيْهِ.
مِمَّا يُفَادُ فِيهِ جُزْءاً يُعْلَمُ هُو القِرَاضُ وَبِفعْلٍ يَلْزَمُ (مِمَّا) مُتَعَلق بيستفيد وَمَا وَاقعَة على الرِّبْح (يفاد) بِمَعْنى يحصل صلَة مَا أَو صفة (فِيهِ) مُتَعَلق بيفاد (جُزْءا) مَفْعُوله يَسْتَفِيد (يعلم) صفة لَهُ (هُوَ الْقَرَاض) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة خبر إِعْطَاء، وَالتَّقْدِير: إِعْطَاء مَال لمن يتجر بِهِ لأجل أَن يَسْتَفِيد ربه وَالْعَامِل من ربح يحصل فِيهِ جُزْءا مَعْلُوما كَنِصْف لكل مِنْهُمَا أَو ربع لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي لرَبه، وَنَحْو ذَلِك من الْأَجْزَاء هُوَ الْمُسَمّى بالقراض اصْطِلَاحا، وَلَك أَن تَقول: هُوَ إِعْطَاء مَال لمن يتجر بِهِ ليستفيد كل من ربحه جُزْءا مَعْلُوما وَأقرب مِنْهُ وأخصر لَو قَالَ: تَوْكِيل فِي تجر بِجُزْء علما من ربحه هُوَ الْقَرَاض فاعلما وَأَشَارَ بقوله: (وبفعل يلْزم) إِلَى أَنه من الْعُقُود الْجَائِزَة الَّتِي تلْزم بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل لَا قبل الشُّرُوع فِيهِ بسفر أَو إِنْفَاق لِلْمَالِ فَلِكُل مِنْهُمَا فَسخه (خَ) : وَلكُل فَسخه قبل عمله وَإِن تزَود لسفر إِن لم يظعن وَإِلَّا فلنضوضه. وَلما كَانَ قَوْله إِعْطَاء مَال شَامِلًا للعروض وللعين الغائبة والجزاف نبه على أَن الْقَرَاض لَا يجوز بِشَيْء من ذَلِك فَقَالَ: وَالنَّقْدُ وَالحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ (والنقد) أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة مسكوكين، وَمثل المسكوك التبر الَّذِي يتعامل بِهِ فَإِن كَانَ لَا يتعامل بِهِ وَوَقع وَنزل وَدفع التبر قراضا مضى بِالْعَمَلِ وَيرد مثله عِنْد المفاصلة إِن عرف وَزنه وإلاَّ فَيرد مَا بيع أَو مَا خرج فِي ضربه (والحضور) أَي كَون النَّقْد حَاضرا عِنْد العقد (وَالتَّعْيِين) لعدده أَو وَزنه إِن تعامل بِهِ وزنا (من شَرطه) أَي الْقَرَاض رَاجع للأمور الثَّلَاثَة، وَاحْترز بِالنَّقْدِ من الْقَرَاض بالعروض وَالطَّعَام فَإِنَّهُ لَا يجوز فَإِن وَقع فَلهُ أجر بَيْعه وقراض مثله فِي ربحه، وَمثل الْعرُوض الْفُلُوس إِلَّا أَن يكون التَّعَامُل بهَا كالنقد وَلَا يتَغَيَّر سعرها غَالِبا كَمَا عندنَا الْيَوْم فَيجوز وبالحضور من الْقَرَاض بِالدّينِ فَإِنَّهُ لَا يجوز سَوَاء كَانَ الدّين على الْعَامِل فَقَالَ: اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي لي فِي ذِمَّتك قراضا أَو كَانَ على غَيره كَقَوْلِه: أَقبض الدّين الَّذِي لي على فلَان واعمل بِهِ قراضا، فَإِن وَقع فَفِي الْوَجْه الأول يسْتَمر دينا عَلَيْهِ وَالرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي يكون لَهُ أجر مثله فِي قَبضه وقراض مثله فِي ربحه، وبالتعيين من الْجزَاف كَمَا لَو دفع لَهُ صرة من الذَّهَب أَو الْفضة قراضا فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الْجَهْل بِالْمَالِ يُؤَدِّي إِلَى الْجَهْل بِالرِّبْحِ، وَهَذَا يُغني عَنهُ قَوْله فِيمَا مر جُزْءا يعلم الخ: فَإِن وَقع فَانْظُر هَل يصدق الْعَامِل فِي عدده أَو وَزنه وَيكون لَهُ قِرَاض مثله فِي ربحه كمن قَالَ: اعْمَلْ بِهَذَا المَال الَّذِي عدده كَذَا وَلَك جُزْء من ربحه، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الْعَامِل أَمِين أَو لَا يصدق فِي عدده وَلَا وَزنه لِأَنَّهُ يتهم على أَن يجلب بذلك نفعا لنَفسِهِ فِي كَثْرَة الرِّبْح. (وَيمْنَع التَّضْمِين) أَي: لَا يجوز أَن يشْتَرط فِي العقد على الْعَامِل ضَمَان
رَأس المَال إِذا تلف أَو خسر، أَو أَنه غير مُصدق إِن ادّعى ضيَاعه أَو تلفه، فَإِن وَقع فَالشَّرْط بَاطِل. وَقَوله مَقْبُول فِي التّلف والخسر. ابْن الْقَاسِم: وَيكون فِيهِ على قِرَاض الْمثل، وَمثل الشَّرْط مَا إِذا طاع الْعَامِل بِالضَّمَانِ قبل أَن يشرع لِأَن العقد غير لَازم فَهُوَ كاشتراطه فِي العقد، فَإِن طاع بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَفِي لُزُوم غرمه وَعَدَمه قَولَانِ لِابْنِ عتاب وَغَيره، ونظمها فِي اللامية فَقَالَ: وطوع بغرم فِي قِرَاض نعم وَلَا. ابْن رحال: وَيظْهر من إِيضَاح المسالك رُجْحَان عدم اللُّزُوم اه. قلت: بل هُوَ الْمُتَعَيّن لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان كَمَا يَقْتَضِيهِ قَول (خَ) فِي الْقَرَاض وَحرم هَدِيَّة لم يتَقَدَّم مثلهَا كرب الْقَرَاض وعامله وَلَو بعد شغل المَال على الْأَرْجَح. وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إِلَى أَجَلْ وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجبٌ إذَا نَزَلْ (وَلَا يسوغ جعله) أَي الْقَرَاض (إِلَى أجل) كَقَوْلِه: اعْمَلْ بِهِ سنة من الْآن وَلَا تعْمل بِهِ بعْدهَا، أَو إِن جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو السّنة الْفُلَانِيَّة فاعمل بِهِ فَإِن وَقع فَلهُ قِرَاض مثله، وَأما إِن قَالَ لَهُ: لَا تعْمل بِهِ إِلَّا فِي الصَّيف أَو الشتَاء أَو موسم الْعِيد وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ وَإِن كَانَ فَاسِدا أَيْضا لَكِن الرَّاجِح أَن فِيهِ أُجْرَة الْمثل. وَالْفرق أَن أُجْرَة الْمثل فِي الذِّمَّة وقراض الْمثل فِي الرِّبْح كَمَا يَأْتِي. (وفسخه) أَي مَا ذكر من التَّضْمِين وَالْأَجَل وَعدم الْحُضُور والنقد وَالتَّعْيِين (مستوجب) بِفَتْح الْجِيم (إِذا) وَقع و (نزل) شَيْء من ذَلِك كَمَا مَّر. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ اللَّخْمِيّ: مَا أفْسدهُ الشَّرْط تفسده الْعَادة يَعْنِي لِأَنَّهَا كالشرط فَلَو أَخذ الْقَرَاض من عَادَته السّفر وَلَيْسَ شَأْنه التَّجر فِي الْمقَام فَاشْترى مَا يجلس بِهِ للتِّجَارَة لَكَانَ مُتَعَدِّيا، وَكَذَلِكَ إِذا أَخذ المَال بزاز صَاحب دكان فَاشْترى غير صَنعته وَمَا لَا يخزن لَكَانَ مُتَعَدِّيا. انْظُر مَا بَقِي من نَحْو هَذِه الْمسَائِل فِي شرحنا للشامل عِنْد قَوْله أَو قَالَ لَا تعامل إِلَّا فلَانا الخ. الثَّانِي: تقدم أَنه إِذا قَالَ لَهُ: إِن جَاءَ الشَّهْر الْفُلَانِيّ فاعمل فَهُوَ فَاسد وَمثله إِذا قَالَ: إِن وصلت الْبَلَد الْفُلَانِيّ فاعمل بِهِ (خَ) : أَو لَا يَشْتَرِي إِلَى بلد كَذَا الخ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن شَرط عَلَيْهِ التَّجر فِي بلد معِين فَإِن كَانَ حَيْثُ عين الْقَرَاض وَكَانَ لَا يعْدم فِيهَا التَّجر لعظم الْبَلَد فَذَلِك جَائِز وإلاَّ فالمنع، فَإِن شَرط عَلَيْهِ الْخُرُوج لبلد يتجر فِيهِ فَيجوز أَيْضا فَإِن شَرط عَلَيْهِ هَل السّلع من بَلَده إِلَى بلد آخر للْبيع هُنَاكَ أَو يجلبها مِنْهُ فيبيعها بِبَلَدِهِ فلابن الْقَاسِم عَن مَالك الْمَنْع وَقَالَهُ ابْن حبيب. وروى أصبغ عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة الْجَوَاز وَقَالَهُ ابْن الْمَاجشون اه. قلت: وعَلى رِوَايَة أصبغ عمل عَامَّة النَّاس الْيَوْم وَلَا يردهم عَن ذَلِك راد فَلَا يشوش عَلَيْهِم بِمذهب مَالك فِي الْمُدَوَّنَة، وَقد استظهر ابْن رحال رِوَايَة أصبغ الْمَذْكُورَة وَاحْتج لَهَا بِمَا يطول ذكره.
الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن نهيته عَن شِرَاء سلْعَة فَالرِّبْح بَينهمَا والخسارة عَلَيْهِ وَحده لِأَنَّهُ فر بِالْمَالِ من الْقَرَاض حِين تعدى ليَكُون لَهُ ربحه، وَكَذَلِكَ إِن تسلف من المَال مَا ابْتَاعَ بِهِ سلْعَة لنَفسِهِ ضمن مَا خسر وَمَا ربح كَانَ بَينهمَا اه. وَيفهم من قَوْله: لِأَنَّهُ فرَّ بِالْمَالِ الخ. أَن من نَهَاهُ عَن التَّجر فِي بلد معِين فتجر فِيهِ فَالرِّبْح بَينهمَا والخسارة عَلَيْهِ وَيبقى النّظر فِيمَا إِذا سمى لَهُ بَلَدا وَسكت عَن غَيرهَا فَذهب الْعَامِل إِلَى غَيرهَا فَهَل مُجَرّد التَّسْمِيَة نهي عَن الْغَيْر وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ قَول الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْوكَالَة لَو قَالَ للْوَكِيل: بِعْ من زيد فَلَا يبع من غَيره لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل أَو لَا يكون ذَلِك نهيا عَن الْغَيْر كَمَا قَالُوا فِيمَن اكترى أَرضًا ليزرع فِيهَا صنفا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يزرع فِيهَا غَيره مِمَّا هُوَ مثله أَو دونه لَا أضرّ مِنْهُ، وكما قَالُوا أَيْضا فِيمَن اكترى دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يحمل مثله ودونه وَبِه كنت أَفْتيت. الرَّابِع: قَالَ ابْن عَرَفَة فِي الْوكَالَة: إِن تَأْخِير سلْعَة الْقَرَاض لما يُرْجَى لَهَا من السُّوق وَاجِب فَإِن بَاعَ قبله ضمن لِأَن مخصصات الْمُوكل مُعْتَبرَة اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : هُنَاكَ تخصص وتقيد بِالْعرْفِ الخ. الْخَامِس: إِذا اخْتلفَا فِي تَعْجِيل بيع السّلْعَة وتأخيرها فَإِنَّهُ يعْتَبر مُعْتَاد وَقت بيع تِلْكَ السّلْعَة فِي ذَلِك الْبَلَد كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة (خَ) : وَإِن استنضه فالحاكم الخ. وَتقدم نَحْو هَذَا فِي الشَّرِيكَيْنِ. وَلَا يَجُوزْ شَرْطُ شَيْءٍ يُنْفَرَدْ بِهِ مِنَ الرِّبْحِ وَإنْ يَقَعْ يُرَدْ (وَلَا يجوز) لأحد المتقارضين (شَرط شَيْء) لنَفسِهِ (ينْفَرد بِهِ) وَيخْتَص كدرهم وَنَحْوه (من الرِّبْح) وَالْبَاقِي بَينهمَا لِأَنَّهُ قد لَا يحصل فِي الرِّبْح إِلَّا ذَلِك الدِّرْهَم الْمُشْتَرط فَيذْهب عمل الْعَامِل بَاطِلا (وَإِن يَقع) ذَلِك الشَّرْط فَإِن الْقَرَاض (يرد) وَيفْسخ وَيكون لِلْعَامِلِ بعد الْعَمَل أجر مثله وَالرِّبْح لرب المَال وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ، وَمثله مَا إِذا قلت لَهُ: بِعْ سلعتي فَمَا بعتها بِهِ من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك، أَو قلت لَهُ فَمَا زَاد على مائَة فَهُوَ بَيْننَا فَذَلِك كُله لَا يجوز وَالثمن لَك وَله أجر مثله. قَالَ ابْن غَازِي فِي التَّكْمِيل: وَمن معنى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تقوم ثَمَرَة الْحَائِط على المساقي أَو غَيره بِمِائَة مثلا وَيَقُول لَهُ: بِعْهُ وَمَا زَاد على الْقيمَة فبيننا مُنَاصَفَة أَو أَربَاعًا وَنَحْو ذَلِك، فَإِن ذَلِك لَا يجوز وللعامل أجر مثله اه. وَهَذِه تقع كثيرا فِي زيتون بلدنا فاس وعنبها وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: جذ نخلي أَو انفض زيتوني وَلَك نصفه فَإِنَّهُ جَائِز كَمَا تقدم فِي الْجعل وَالْإِجَارَة، وَظَاهر النّظم عدم الْجَوَاز. وَلَو كَانَ الْمُشْتَرط مَعْلُوم الْجُزْئِيَّة كَقَوْلِه: لي دِينَار من كل عشرَة من الرِّبْح وَالْبَاقِي بَيْننَا نِصْفَانِ مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يؤول الْأَمر فِي هَذَا الْمِثَال وَنَحْوه إِلَى أَن يكون للمشترط من الرِّبْح قل أَو أَكثر خَمْسَة أَجزَاء وَنصف وللعامل أَرْبَعَة أَجزَاء وَنصف قَالَه ابْن شَاس وَغَيره. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله من الرِّبْح بل شَرط الِانْفِرَاد بِشَيْء من غَيره كَذَلِك ابْن الْمَوَّاز. قَالَ مَالك وَأَصْحَابه: لَا يجوز مَعَ الْقَرَاض شَرط سلف وَلَا بيع وَلَا كِرَاء وَلَا شَرط قَضَاء حَاجَة وَلَا كتاب
صحيفَة وَلَا شَرط أَحدهمَا لنَفسِهِ شَيْئا خَالِصا، وَلَا أَن يُولى الْعَامِل شَيْئا وَلَا أَن يكافىء فِي ذَلِك، فَإِن نزل هَذَا كُله فالعامل أجِير إِلَّا أَن يسْقط الشَّرْط قبل الْعَمَل اه. وَقد ذكر النَّاظِم من شُرُوط الْقَرَاض ثَلَاثَة: النَّقْد والحضور وَالتَّعْيِين، وَمن الْمَوَانِع ثَلَاثَة: الضَّمَان وَالْأَجَل وَاشْتِرَاط شَيْء ينْفَرد بِهِ أَحدهمَا وَالشّرط مَا يطْلب وجوده وَالْمَانِع مَا يطْلب عَدمه، وَقد بَقِي عَلَيْهِ شُرُوط أخر وموانع أخر انظرها فِي (خَ) وَغَيره. وَالقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ إنْ يُخْتَلَفْ فِي جُزْءِ القِراضِ أَوْ حَالِ التَّلَفْ (وَالْقَوْل قَول عَامل أَن يخْتَلف) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (فِي جُزْء الْقَرَاض) بعد الْعَمَل كَمَا لَو قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي بِنصْف الرِّبْح. وَقَالَ الآخر: بِالثُّلثِ لشروط أَحدهمَا: إِن يشبه أشبه الآخر أم لَا. ثَانِيهَا: أَن يكون المَال كُله أَو ربحه فَقَط أَو الْحصَّة الَّتِي يدعيها مِنْهُ بِيَدِهِ أَو يَد نَائِبه أَو وَدِيعَة عِنْد أَجْنَبِي أَو عِنْد ربه بِأَن دَفعه لَهُ على وَجه الْإِيدَاع حَتَّى يقتسماه وَصدقه ربه أَو قَامَت بذلك بَيِّنَة. ثَالِثهَا: أَن يحلف على مَا يَدعِيهِ (خَ) : وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ فِي جُزْء الرِّبْح إِن ادّعى مشبهاً وَالْمَال بِيَدِهِ أَو وَدِيعَة وَإِن عِنْد ربه وَحلف ولربه إِن ادّعى الْأَشْبَه فَقَط الخ. فَإِن لم يشبها حلفا مَعًا وَوَجَب قِرَاض الْمثل. (أَو) يخْتَلف فِي (حَال التّلف) فَإِذا ادَّعَاهُ الْعَامِل وَادّعى ربه عَدمه فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ اتِّفَاقًا بِيَمِينِهِ لِأَن ربه رضيه أَمينا وَلَو لم يكن أَمينا فِي الْوَاقِع، وَسَوَاء ادَّعَاهُ قبل الشّغل أَو بعده مَا لم يظْهر كذبه كدعواه التّلف يَوْم كَذَا فَتشهد الْبَيِّنَة أَنه ريء عِنْده بعد ذَلِك أَو دَعْوَاهُ التّلف وَهُوَ فِي رفْقَة لَا يخفى ذَلِك فِيهَا فَسئلَ عَن ذَلِك أهل الرّفْقَة فَلم يعلم ذَلِك أحد مِنْهُم. وَفِي الْبُرْزُليّ سُئِلَ ابْن الضَّابِط عَن مقارض ادّعى ضيَاع صرة كَانَت وسط صرر وَلم يضع سواهَا؟ فَأجَاب: بِالضَّمَانِ لتبين كذبه بِدَعْوَاهُ ضياعها دون غَيرهَا مِمَّا مَعهَا، فَتَأَمّله فَإِن السَّارِق قد يختطف مَا تيَسّر لَهُ أَخذه أَو تسْقط وَنَحْو ذَلِك. كَذَاكَ فِي ادِّعَائِهِ الخَسَارَهْ وَكَوْنِهِ قِرَاضاً أوْ إجَارَهْ (كَذَا فِي ادعائه الخسارة) مَا لم يظْهر كذبه أَيْضا كَأَن يَدعِي الخسارة فِي سلْعَة لم يعلم ذَلِك فِيهَا لشهرة سعرها وَنَحْو ذَلِك فَأَنَّهُ ضَامِن. وَنقل ابْن عبد السَّلَام عَن البادي أَن الْعَامِل إِذا لم يبين وَجه الخسارة فِي الْقَرَاض فَهُوَ ضَامِن اه. انْظُر شرح الشَّامِل. وَلَا فرق فِي كَون القَوْل لِلْعَامِلِ فِي التّلف والخسر بَين الْقَرَاض الصَّحِيح وَالْفَاسِد كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: إِذا سُئِلَ الْعَامِل عَن الْقَرَاض فَقَالَ هُوَ وافر وَفِيه ربح فَلَمَّا دَعَاهُ إِلَى الْقِسْمَة ادّعى الخسارة وَأَن ذَلِك من قَوْله، إِنَّمَا كَانَ لعِلَّة أَن يتْركهُ عِنْده حَتَّى يسْعَى فِي جبره لم يقبل قَوْله وَهُوَ ضَامِن مَا لم تقم بَيِّنَة أَو دَلِيل على مَا قَالَ. (و) القَوْل لِلْعَامِلِ أَيْضا فِي (كَونه) أَي المَال (قراضا) وَقَالَ ربه: لِكَثْرَة
ربحه بضَاعَة بِأَجْر (أَو) قَالَ الْعَامِل (إجاره) أَي بضَاعَة بِأَجْر لفقد الرِّبْح، وَقَالَ ربه: قِرَاض وَهَذَا إِذا أشبه وَحلف وَكَانَ التَّنَازُع بعد الْعَمَل انْظُر شرح الْمَتْن، وَأما إِن ادّعى رب المَال أَنه قرض وَقَالَ الْعَامِل: بل قِرَاض أَو وَدِيعَة فَإِن القَوْل لرب المَال بِيَمِينِهِ مُطلقًا اخْتلفَا قبل الْعَمَل أَو بعده لِأَن الْعَامِل مقرّ بِوَضْع يَده الَّذِي هُوَ سَبَب الضَّمَان مُدع لدفع ذَلِك السَّبَب، وَكَذَا إِذا قَالَ رب الطَّعَام لقابضه: بِعته لَك بِثمن لأجل، وَقَالَ قابضه: بل أسلفته لي فَالْقَوْل لمُدعِي السّلف قَالَه ابْن رشد وَنَقله الفشتالي وَغَيره. وَكَذَا لَو قَالَ: أشهدكم بأنى أبرأت فلَانا من الْمِائَة دِينَار الَّتِي لي عَلَيْهِ، فَلَمَّا لَقِي الشُّهُود فلَانا وَأَخْبرُوهُ بِالْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورَة قَالَ لَهُم: كذب مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْء وَإِنَّمَا أسلفته الْمِائَة الَّتِي ذكرهَا، فَالْقَوْل للمسلف مَعَ يَمِينه عِنْد ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُفِيد. ابْن سهل: وَإِن ادّعى وَرَثَة على رجل أَن موروثهم بَاعَ من الْمُدعى عَلَيْهِ سلْعَة وَبَقِي ثمنهَا عِنْده وَقَالَ الْمَطْلُوب: لم أشترها مِنْهُ وَإِنَّمَا أَنا دلال أبيع للنَّاس فبعتها بِثمن دَفعته إِلَيْهِ وَأخذت أجرتي، فَإِن القَوْل للْوَرَثَة عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب كَمَسْأَلَة دَعْوَى الْقَرَاض وَالْآخر الْقَرْض وَهُوَ الصَّوَاب اه. ابْن يُونُس: وَإِن قَالَ الْعَامِل: خسرت فِي الْبَز فَادّعى رب المَال أَنه نَهَاهُ عَنهُ، فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ إِنَّه لم يَنْهَهُ بِخِلَاف لَو اسْتَدَانَ فَادّعى أَن رب المَال أمره بذلك فَإِن القَوْل لرب المَال إِنَّه لم يَأْمُرهُ بِهِ. تَنْبِيه: القَوْل لِلْعَامِلِ أَيْضا فِي دَعْوَى رد الْقَرَاض لرَبه إِن قَبضه بِلَا بَيِّنَة مَقْصُودَة للتوثق. (خَ) : وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ فِي تلفه وخسره ورده إِن قبض بِلَا بَيِّنَة الخ. والمقصودة للتوثق هِيَ الَّتِي أشهدها الدَّافِع والقابض على الدّفع وَالْقَبْض مَعًا سَوَاء علم الْعَامِل وَفهم أَن رب المَال قصد بِهَذَا الْإِشْهَاد خوف دَعْوَى الرَّد أم لَا. فَلَو أشهدها الْقَابِض على نَفسه بِالْقَبْضِ بِغَيْر حُضُور رب المَال، وأشهدها رب المَال مقرا بِأَن الْإِشْهَاد لَا لخوف الْجُحُود وَدَعوى الرَّد بل لخوف إِنْكَار الْوَرَثَة الْعَامِل إِن مَاتَ أَو حضرت الْبَيِّنَة على سَبِيل الإتفاق، وَلم يقل لَهَا الْقَابِض والدافع: اشْهَدُوا علينا فَذَلِك كُله كَالْقَبْضِ بِلَا بَيِّنَة فَيصدق فِي الرَّد فِيهِ كَمَا أفْصح عَن ذَلِك (ز) فِي شَرحه للنَّص الْمُتَقَدّم، وَبِه قَرَار الْخَرشِيّ وَغَيره قَوْله فِي الشّركَة: ولمقيم بَيِّنَة بِأخذ مائَة إِن أشهد بهَا عِنْد الْأَخْذ الخ. وَمِمَّا يُوضح ذَلِك قَول الْبُرْزُليّ مَا نَصه: وَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم إِذا أعطَاهُ قراضا أَو بضَاعَة يأْتونَ إِلَى الْعُدُول ويكتبون رسماً بذلك هِيَ الْبَيِّنَة الْمَقْصُودَة للتوثق اه. وَاحْترز بالمقصودة للتوثق من الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة على وَجه الِاتِّفَاق. قَالَ ابْن يُونُس: وَمن أَخذ الْوَدِيعَة بِمحضر قوم وَلم يقْصد إشهادهم عَلَيْهِ فَهُوَ كقبضه بِلَا بَيِّنَة حَتَّى يقْصد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ اه. وَبِهَذَا كُله تعلم أَن مَا فِي (ح) وَابْن رحال فِي بَاب الْوَدِيعَة من اشْتِرَاط حكم الْمُودع عِنْده وفهمه عِنْد الْإِشْهَاد أَنه لَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد إِلَّا بِبَيِّنَة، فَحِينَئِذٍ تكون مَقْصُودَة للتوثق خلاف النَّقْل كَمَا فِي (ق) وَغَيره. وَقد أوضحناه فِي شرح الشَّامِل فَانْظُرْهُ. وَقَوْلِي: مقرا بِأَن الْإِشْهَاد الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سكت
عِنْد الْإِشْهَاد وَادّعى بعد ذَلِك أَنه قصد بِهِ التَّوَثُّق وَخَوف دَعْوَى الرَّد فَإِنَّهُ يصدق. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غَيْرِ السَّفَرْ نَفَقَةٌ والتَّرْكُ شَرْطٌ لَا يُقَرْ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غير السّفر نَفَقَة) من مَال الْقَرَاض وَلَا كسْوَة قَالَ فِيهَا: وَإِذا كَانَ الْعَامِل مُقيما فِي أَهله فَلَا نَفَقَة لَهُ من المَال وَلَا كسْوَة اللَّخْمِيّ: وَهَذَا إِذا لم يشْغلهُ الْعَمَل فِي الْقَرَاض عَن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت تقوم مِنْهَا نَفَقَته وإلاَّ فَلهُ النَّفَقَة كالمسافر بِهِ، وَتَقْيِيد اللَّخْمِيّ مُعْتَبر وَمَفْهُوم غير السّفر أَنه إِذا سَافر تكون لَهُ الْكسْوَة وَالنَّفقَة بِالْمَعْرُوفِ بِشَرْط أَن يحْتَمل المَال ذَلِك، وَأَن لَا يُسَافر لأجل غَزْو أَو حج أَو زَوْجَة بنى بهَا أَو صلَة رحم، وإلاَّ فَلَا نَفَقَة لَهُ ذَهَابًا وإياباً لِأَن مَا لله لَا يُشَارك بِهِ غَيره. (خَ) : وَأنْفق إِن سَافر وَلم يبن بِزَوْجَة وَاحْتمل المَال لغير أهل وَحج وغزو بِالْمَعْرُوفِ وَتَكون نَفَقَته فِي الْقَرَاض فَقَط، فَلَو أنْفق من غَيره ثمَّ تلف المَال أَو زَادَت عَلَيْهِ لم يتبع رب المَال بِشَيْء واكتسى إِن بعد ووزع إِن خرج لحَاجَة وَإِن أَخذه بعد أَن اكترى للْحَاجة وتزود لَهَا، ومعروف الْمَذْهَب عِنْد اللَّخْمِيّ وَغَيره أَنه لَا نَفَقَة لَهُ فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من سَافر لأَهله. تَنْبِيهَانِ. الأول: اخْتلف فِي المَال الْكثير الَّذِي يحمل الْإِنْفَاق والقليل الَّذِي لَا يحملهُ، فَعَن مَالك السبعون دِينَارا يسير لَا ينْفق مِنْهَا، وَعنهُ أَيْضا ينْفق فِي الْخمسين فَجمع بَينهمَا بِحمْل الأول على السّفر الْبعيد فَإِن الْإِنْفَاق يجحف بِالْمَالِ وَالثَّانِي على الْقَرِيب، وَلَو كَانَ أَخذ قراضا بالفسطاط وَله بهَا أهل وَخرج إِلَى بلد لَهُ بهَا أهل أَيْضا فَلَا نَفَقَة لَهُ فِي ذَهَابه وَلَا إيابه، فَإِن لم يكن لَهُ أهل فِي الْبَلَد الَّتِي أَخذ فِيهَا الْقَرَاض فَلَا نَفَقَة لَهُ فِي ذَهَابه وَله النَّفَقَة فِي رُجُوعه. الْبِسَاطِيّ: يُؤْخَذ من هَذَا أَنه إِذا سَافر عَن وَطنه لَا نَفَقَة لَهُ فِي الرُّجُوع إِلَيْهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَة نَفَقَة الْعَامِل ذَاهِبًا وراجعاً، وفيهَا أَيْضا: لَا نَفَقَة لَهُ فِي رُجُوعه من غير بَلَده. الْبِسَاطِيّ: فَيحمل الأول على الذّهاب وَالرُّجُوع لغير وَطن اه. فَإِن سَافر لتنمية المَال بِزَوْجَتِهِ فَلهُ النَّفَقَة على نَفسه فَقَط فِي سَفَره ذَهَابًا وإياباً، وَأما فِي إِقَامَته فِي بَلَده للتِّجَارَة فَهَل لَهُ النَّفَقَة فِي مُدَّة الْإِقَامَة بِنَاء على أَن الدَّوَام كالابتداء؟ وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَيْسَ كالابتداء قَالَه الأَجْهُورِيّ. الثَّانِي: لَو قَالَ الْعَامِل بعد الْمُقَاسَمَة وَدفع المَال لرَبه بربحه: أنفقت من مَالِي ونسيت الرُّجُوع بِهِ قبل الْقِسْمَة أَو نسيت الرُّجُوع بِالزَّكَاةِ وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يصدق بِمَنْزِلَة من ادّعى الْغَلَط بعد المحاسبة قَالَه ابْن يُونُس وَابْن رشد. الْبُرْزُليّ: وَسَوَاء قَامَ بِالْقربِ أَو بعد طول وَهُوَ الصَّوَاب بِخِلَاف الْجمال يدْفع الحمولة ثمَّ يطْلب الْكِرَاء بِالْقربِ اه. وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ يُحَاسب نَفسه ثمَّ بعد ذَلِك يَدعِي أَنه غلط فِي الْحساب وَأَنه نسي أجرته وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يصدق قِيَاسا على مَسْأَلَة الْقَرَاض قَالَه العبدوسي. (و) شَرط (التّرْك) للإنفاق من المَال الْكثير الَّذِي يحْتَمل الْإِنْفَاق (شَيْء لَا يقر) لعدم
جَوَازه، فَإِن وَقع وَنزل وَشرط عَلَيْهِ عدم الْإِنْفَاق مِنْهُ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فالعامل أجِير قَالَه ابْن سَلمُون. وَعِنْدَما مَاتَ وَلَا أَمِينَ فِي وُرَّاثِهِ وَلَا أَتَوْا بالخَلْفِ (وعندما مَاتَ) الْعَامِل قبل نضوضه (وَلَا أَمِين فِي وراثه) يقوم مقَامه ويكمل عمله (وَلَو أَتَوا) أَي الوراث (بالخلف) أَي بأمين كموروثهم فِي الْأَمَانَة. رُدَّ إِلَى صاحِبِهِ المالُ وَلا شيْءٌ مِن الرِّبْحِ لِمِنْ قَدْ عَمِلَا (رد إِلَى صَاحبه المَال) وسلموه لَهُ مجَّانا (وَلَا شَيْء من الرِّبْح لمن قد عملا) وَلم يتم عمله وَهُوَ الْمَوْرُوث أَي: فَلَيْسَ لوَارِثه شَيْء مِمَّا عمل، وَمَفْهُومه أَنه لَو كَانَ فيهم أَمِين وَلَو دون موروثهم فِي الْأَمَانَة أَو أَتَوا بأمين أَجْنَبِي مثل الْمَوْرُوث فِيهَا بَصيرًا بِالْبيعِ لَا يخدع فِيهِ، فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُم بتكميله ويستحقون مَا كَانَ لموروثهم من الرِّبْح (خَ) : وَإِن مَاتَ فلوارثه الْأمين أَن يكمله وَإِلَّا أَتَى بأمين كَالْأولِ وَإِلَّا سلموه هدرا الخ. وَظَاهره كالناظم أَن الْوَارِث مَحْمُول على عدم الْأَمَانَة حَتَّى يثبتها لِأَن الأَصْل عدمهَا وَهُوَ كَذَلِك، قَالَ أَبُو الْحسن: حملهمْ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَة على غير الْأَمَانَة وَفِي الْمُسَاقَاة على الْأَمَانَة لِأَن الْقَرَاض مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَالْعَمَل فِيهِ تعلق بِعَين الْعَامِل بِخِلَاف الْمُسَاقَاة، فَإِن الْعَمَل تعلق بِذِمَّة الْعَامِل فَإِذا مَاتَ أَخذ من مَاله مَا يسْتَأْجر بِهِ على كَمَال عمله وَقَوله وَلَا شَيْء من الرِّبْح الخ. نَحوه المساقي يعجز أَو يَمُوت كَمَا مّر فِي الْمُسَاقَاة، وَهَذَا كُله إِذا مَاتَ عَامل الْقَرَاض، وَأما لَو مَاتَ ربه فَإِن الْعَامِل يبْقى على قراضه فَإِن أَرَادَ الْوَرَثَة أَخذه فَلهم ذَلِك إِن كَانَ قد نض وإلاَّ صَبَرُوا لنضوضه، فَإِن حركه الْعَامِل بعد نضوضه وَقبل علمه بِمَوْتِهِ مضى على الْقَرَاض حَتَّى ينض وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، كَالْوَكِيلِ يتَصَرَّف قبل علمه بِمَوْت مُوكله، وَقيل: يضمن لخصمه على مَال الْوَارِث فَإِن حركه بعد علمه بِمَوْتِهِ ضمن وَالرِّبْح لَهما إِلَّا أَن يتجر لنَفسِهِ فَالرِّبْح لَهُ وَحده لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُودعِ عِنْده تجر بالوديعة وَيصدق فِي أَنه اشْترى لنَفسِهِ
إِن نازعه الْوَارِث كَمَا يصدق الْوَكِيل فِي الشِّرَاء لنَفسِهِ إِن نازعه الْمُوكل كَمَا فِي (ز) آخر الْوكَالَة. والقراض تَوْكِيل. وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين. وهوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ (وَهُوَ) أَي الْعَامِل (إِذا أوصى بِهِ) أَي بالقراض وَمثله الْوَدِيعَة (مُصدق) سوء أوصى بِهِ (فِي صِحَة أَو مرض يستوثق) الْمَرِيض بِهِ وَيهْلك بِسَبَبِهِ، وَظَاهره التَّصْدِيق سَوَاء عين ذَلِك كَهَذا قِرَاض لزيد أَو وَدِيعَة أَو بضَاعَة أَو لم يعين شَيْئا، وَسَوَاء عرف أصل ذَلِك أم لَا. كَانَ عَلَيْهِ دين فلس فِيهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذا عينه فَإِن الْمعِين لَهُ يَأْخُذهُ وَيقدم على سَائِر الْغُرَمَاء الثَّابِتَة دُيُونهم بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فِي صِحَة أَو مرض مَا لم يعين ذَلِك حِين تفليسه أَو قيام الْغُرَمَاء عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ تشهد أَن عِنْده لفُلَان وَدِيعَة أَو قراضا، فَإِن قَامَت بذلك قبل قَوْله وَلَو لم يتهم عَلَيْهِ، وَأما إِن لم يعين شَيْئا بل قَالَ: عِنْدِي قِرَاض أَو وَدِيعَة لزيد قدرهما كَذَا فَإِن لم يكن مُفلسًا قبل إِقْرَاره وَيُؤْخَذ ذَلِك من تركته، وَإِن كَانَ مُفلسًا بَطل إِقْرَاره مَا لم تكن على أَصله بَيِّنَة وإلاَّ حاصص بِهِ الْغُرَمَاء كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم. هَذَا كُله إِذا أقرّ بِمَا هُوَ فِيهِ أَمِين، وَأما إِن أقرّ بدين فِي ذمَّته فَإِن كَانَ أقرّ بِمَجْلِس قيام الْغُرَمَاء أَو بِقُرْبِهِ قبل إِقْرَاره وحاص الْغُرَمَاء إِن كَانَت دُيُونهم ثَابِتَة بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة (خَ) : فِي الْفلس وَقبل إِقْرَاره بِالْمَجْلِسِ أَو بِقُرْبِهِ إِن ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة، ثمَّ قَالَ: وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ. وَقَالَ فِي الْقَرَاض وَتعين بِوَصِيَّة وَقدم فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض الخ. فَكَلَام النَّاظِم مُقَيّد بِغَيْر الْمُفلس وإلاَّ فَلَا يصدق إِلَّا إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْل مَا يوصى بِهِ، وَمَفْهُوم أوصى بِهِ أَنه إِذا لم يوص بِشَيْء فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من تركته مَا ثَبت عَلَيْهِ مِنْهُ بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة، وَإِن لم يُوجد وحاص غرماءه لَكِن مَحَله إِذا لم يتقادم عَهده كعشرة أَعْوَام كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وَضمن بِمَوْتِهِ وَلم يوص وَلم يُوجد إِلَّا لكعشر سِنِين وَمَا لم يدع مَا يسْقطهُ من تلف وَنَحْوه قبل مَوته أَو لم يدع الْوَرَثَة أَن موروثهم رده لرَبه أَو تلف مِنْهُ قبل مَوته فَإِنَّهُم يصدقون لِأَن الْوَارِث قَائِم موروثه كَمَا مّر فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وكما قَالُوهُ عِنْد قَول (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وبدعوى الرَّد على وارثك، وَمَا لِابْنِ رحال فِي بَاب الْقَرَاض من عدم تَصْدِيق الْوَرَثَة لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُؤْخَذ من تركته إِذا لم يُوجد ويحاصص بِهِ حَيْثُ لم يتقادم عَهده مَعَ احْتِمَال كَونه تلف أَو خسر فِيهِ أَو رده لرَبه، لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب هُوَ السَّلامَة وَعدم الخسر وَالرَّدّ، وَلِهَذَا أوجبوا أَخذه من تركته وعمروا بِهِ
ذمَّته حَتَّى صَار ربه يحاصص بِهِ كَمَا مّر، وَبِه نعلم سُقُوط مَا فِي حَاشِيَة الشَّيْخ الرهوني من اعْتِبَار ذَلِك الِاحْتِمَال قَائِلا: لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذمم وَلَا تعمر إِلَّا بِيَقِين الخ. لأَنا نقُول كَمَا لَا تعمر إِلَّا بِيَقِين لَا تَبرأ إِلَّا بِهِ، وَهنا عمرت بِيَقِين وَاحْتِمَال طرُو التّلف وَمَا مَعَه كاحتمال طرُو الْقَضَاء فِي الدّين الثَّابِت فَهُوَ خلاف الأَصْل، وَالْغَالِب الَّذِي هُوَ اسْتِصْحَاب مَا كَانَ على مَا كَانَ وَمَا ذكره من الْبَحْث أَصله فِي الْبُرْزُليّ عَن بَعضهم، وَلَكِن قد علمت مَا فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي المعيار قبل نَوَازِل الهبات فِيمَن سَافر بالقراض لبلد السودَان بِإِذن ربه وَطَالَ مقَامه إِحْدَى عشرَة سنة قَالَ: إِن هَذَا الْعَامِل قد تعدى بإبطائه هَذِه الْمدَّة الَّتِي سَافر فِيهَا النَّاس وجاؤوا فَيجوز لرب المَال الْقيام عَلَيْهِ وَيضمنهُ مَا ثَبت من رَأس المَال ويحاصص بِهِ غرماءه اه. بِاخْتِصَار. فَهُوَ قد ضمنه رَأس المَال مَعَ احْتِمَال التّلف والخسر وَمَا ذَاك إِلَّا لِكَوْنِهِمَا خلاف الأَصْل وَالْغَالِب، وَبِه كنت أَفْتيت فِي عَامل غَابَ بالقراض مُدَّة طَوِيلَة ووافقني عَلَيْهِ مفتي قَاض شَيخنَا سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَوَقع الحكم بِهِ، وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع فِي هَذِه الْبلدَانِ وَيفهم من قَوْله: وَيضمنهُ مَا ثَبت من رَأس المَال أَنه لَا يضمنهُ شَيْئا من الرِّبْح وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الأَصْل عدم وجوده إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة بِأَنَّهُ قد ربح بمحضرهم كَذَا أَو أقرّ عِنْدهم بذلك فَإِنَّهُ يحاصص بِحِصَّتِهِ مِنْهُ أَيْضا لِأَن الأَصْل حِينَئِذٍ بَقَاؤُهُ، وَلذَا قَالَ الْبُرْزُليّ: وَلَا يقْضى على التَّرِكَة بِالرِّبْحِ إِلَّا أَن يتَحَقَّق الخ. ثمَّ ذكر عَن ابْن عَرَفَة بعد هَذَا بِوَرَقَة وَنَحْوهَا أَنه حكم فِيهَا بِالْمَالِ وَبِمَا يقدر لَهُ من الرِّبْح فَانْظُر ذَلِك فِيهِ. وأجْرُ مِثْلٍ أوْ قِرَاضُ مِثْلِ لعامِلِ عِنْد فَسَادِ الأَصْلِ (وَأجر مثل أَو قِرَاض مثل) يجب أَحدهمَا (لعامل عِنْد فَسَاد الأَصْل) أَي الْقَرَاض. وأو فِي كَلَامه بِمَعْنى قيل لِأَنَّهُمَا قَولَانِ مرويان عَن مَالك ومنشؤهما هَل مَا فسد من العقد يرد إِلَى صَحِيح نَفسه أَو إِلَى فَاسد أَصله كَمَا مَّر مثله فِي المغارسة والجعل لِأَن الْقَرَاض مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة،
وَالْفرق بَينهمَا أَن أُجْرَة الْمثل فِي الذِّمَّة وقراض الْمثل فِي الرِّبْح فَإِن لم يكن ربح فَلَا شَيْء لَهُ، وَأُجْرَة الْمثل يحاص بهَا الْغُرَمَاء، وقراض الْمثل يقدم فِيهِ عَلَيْهِم وَمَا فِيهِ قِرَاض الْمثل لَا يفْسخ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْمَسْأَلَة رِوَايَة ثَالِثَة بالتفصيل وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم أَن الْقَرَاض إِذا كَانَ بِالْعرضِ أَو بِجُزْء مُبْهَم أَو إِلَى أجل أَو بدين أَو بِضَمَان أَو قَالَ لَهُ: اشْتَرِ سلْعَة فلَان ثمَّ اتّجر فِي ثمنهَا أَو شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يتجر إِلَّا فِي سلْعَة كَذَا وَهِي يقل وجودهَا أَو لَا يشترى إِلَّا بدين أَو أعطَاهُ دَنَانِير وَشرط عَلَيْهِ أَن يصرفهَا ثمَّ يتجر فِي ثمنهَا، فَهَذِهِ تِسْعَة كلهَا فِيهَا قِرَاض الْمثل، وزيدت عاشرة وَهِي مَا إِذا اخْتلفَا فِي الرِّبْح وَلم يشبها فَإِنَّهُمَا يردان إِلَى قِرَاض الْمثل كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: وَالْقَوْل قَول عَامل إِن يخْتَلف الخ. وَفِيمَا فسد مِمَّا عدا هَذِه الْمَذْكُورَات أُجْرَة الْمثل، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة درج (خَ) إِذا قَالَ: كفلوس وَعرض إِن تولى بَيْعه كَأَن وَكله على دين أَو ليصرف ثمَّ يعْمل فأجر مثله فِي توليه، ثمَّ قِرَاض مثله فِي ربحه كلك شرك وَلَا عَادَة أَو مُبْهَم أَو أجل أَو ضمن أَو اشْتَرِ سلْعَة فلَان ثمَّ أتجر فِي ثمنهَا أَو بدين أَو مَا يقل كاختلافهما فِي الرِّبْح وادعيا مَا لَا يشبه وَفِيمَا فسد غَيره أُجْرَة مثله. وَقد تقدم فِي النّظم بعض مَا فِيهِ قِرَاض الْمثل وَبَعض مَا فِيهِ أُجْرَة الْمثل مشروحاً فَرَاجعه فِيمَا مّر. تَنْبِيه: ذكر ابْن مغيث وَصَاحب النِّهَايَة أَن الْعَمَل جرى بقراض الْمثل فِي أَرْبَعَة فَقَط وَهِي: الْقَرَاض بالعروض أَو بالجزء الْمُبْهم أَو إِلَى أجل أَو بِضَمَان، ويجمعها قَوْلك: ضمن الْعرُوض إِلَى أجل مُبْهَم، وَمَا عدا هَذِه الْأَرْبَع فِيهِ أُجْرَة الْمثل. وَذكر الْبُرْزُليّ عَن ابْن يُونُس أَن كل مَا يرجع لقراض الْمثل يفْسخ مَا لم يشرع فِي الْعَمَل فيمضي وَكَذَا الْمُسَاقَاة وكل مَا يرجع إِلَى أجر الْمثل يفْسخ أبدا.
(بَاب التَّبَرُّعَات)
الْحَبْس وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَمَا يتَّصل بهَا من الْعُمْرَى والإرفاق والحيازة، قَالَ الغرناطي: تذكر فِي الْوَثِيقَة تَسْمِيَة الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ وَالْحَبْس وموضعه وتحديده والمعرفة بِقَدرِهِ وتوليته الْحِيَازَة لِبَنِيهِ الصغار إِلَى أَن يبلغُوا مبلغ الْقَبْض وَعقد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وَمَعْرِفَة الشُّهُود لملك الْمحبس، فَإِن كَانَ سَاكِنا فِيهِ ضمنت مُعَاينَة الشُّهُود لإخلائه إِلَّا أَن يحبس بِكُل مَا فِيهَا فَلَا يحْتَاج إِلَى إخلائها وَإِن كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ مَالِكًا أمره ذكرت قَبضه للحبس ونزوله فِيهِ وقبوله وضمنت مُعَاينَة الْقَبْض، وَكَذَا تعقد فِي الصَّدقَات والهبات اه. قلت: أما تَسْمِيَة الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ وَالشَّيْء الْمحبس فَهِيَ أَرْكَان لَا بُد من ذكرهَا فَإِن سقط وَاحِد من الأول وَالثَّالِث بَطل، وَإِن سقط الْمحبس عَلَيْهِ وَقَالَ: دَاري حبس وَسكت فَإِنَّهُ يَصح وَتَكون وَقفا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين عِنْد مَالك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَأما تحديده فَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه. أَنه شَرط فِي الحكم بِهِ لَا فِي صِحَة التحبيس، وَأما معرفَة قدره فَإِنَّهُ مَحْمُول على مَعْرفَته بل هبة الْمَجْهُول أَو تحبيسه جَائِز، وَأما تَوليته الْحِيَازَة لِبَنِيهِ فسقوطه من الْوَثِيقَة لَا يضر كَمَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه، وَأما عقد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ فَهُوَ شَرط فِي الصَّغِير وَالْكَبِير كَمَا يَأْتِي فِي الْمحل الْمَذْكُور أَيْضا، وَأما معرفَة الشُّهُود لملك الْمحبس فَإِن عدم ذكره لَا يضر كَمَا مر فِي شَهَادَة السماع. نعم هُوَ شَرط فِي اسْتِحْقَاق الْملك بِالْحَبْسِ كَمَا مرّ هُنَاكَ، وَانْظُر مَا تقدم فِي البيع على الْغَائِب أَيْضا إِن شِئْت، وَأما معرفَة صغر الْبَنِينَ فَسَيَأْتِي أَيْضا فِي شرح الْبَيْت الْمُتَقَدّم، وَأما مُعَاينَة الشُّهُود للإخلاء فَهُوَ قَول النَّاظِم: وَمن يحبس دَار سكناهُ الخ، وَأما قبض الْمَالِك أمره فَهُوَ شَرط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ. وَأما قبُوله فَإِنَّهُ لَا يضر سُقُوطه كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَلمن سيوجد الخ. ثمَّ قَالَ أول وَثِيقَة النِّكَاح: وَلَا بُد من ذكر الصِّحَّة أَي صِحَة الْعَاقِد فِي النِّكَاح والهبات وَالصَّدقَات والأحباس وكل مَا لَيْسَ فِيهِ عوض اه. وَمُقْتَضَاهُ أَن القَوْل لمُدعِي الْمَرَض عِنْد النزاع وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ تَرْجِيح الخ. ثمَّ إِن الْوَقْف سنة قَائِمَة عمل بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده. وَفِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ) اه. وَقد اتَّفقُوا على جَوَاز تحبيس الْمَسَاجِد والقناطر والطرق والمقابر، وَإِنَّمَا خَالف أَبُو حنيفَة فِي لُزُوم تحبيس غير مَا ذكر لَا
فِي جَوَازه، فَإِنَّهُ يَقُول بِجَوَازِهِ لكنه عِنْده إِنَّمَا يلْزم بِحكم الْحَاكِم وَهُوَ قبل الحكم على ملك الْوَاقِف قبض أم لَا. وَله الرُّجُوع عَنهُ بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَيُورث عَنهُ عِنْده إِن مَاتَ قَالَه فِي المعونة. ابْن عَرَفَة: وَالْوَقْف إِعْطَاء مَنْفَعَة شَيْء مُدَّة وجوده لَازِما بَقَاؤُهُ فِي ملك معطيه وَلَو تَقْديرا فَتخرج عَطِيَّة الذوات وَالْعَارِية والعمرى وَالْعَبْد المخدم حَيَاته بِمَوْت قبل سَيّده لعدم لُزُوم بَقَائِهِ فِي ملك معطيه لجَوَاز بَيْعه بِرِضَاهُ مَعَ معطاه اه. فَخرج بقوله: مَنْفَعَة إِعْطَاء الذوات، وَقَوله شَيْء يشْعر بِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون متمولاً لَا تافهاً، وَقَوله مَنْفَعَة هَذَا هُوَ الأَصْل وَإِن كَانَ الْحَبْس قد يكون للِانْتِفَاع كالمدارس لِأَن الِانْتِفَاع إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِن شَرطه الْمحبس أَو جرى عرفه بِهِ، وَالْفرق أَن مَالك الْمَنْفَعَة لَهُ أَن يكريها ويعيرها لغيره بِخِلَاف مَالك الِانْتِفَاع فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الِانْتِفَاع بِنَفسِهِ فَلَا يكْرِي وَلَا يعير، وَبِقَوْلِهِ: مُدَّة وجوده الْعَارِية والعمرى وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْحَبْس لَا يكون إِلَّا مُؤَبَّدًا وَإِطْلَاق الْحَبْس على غير المؤبد مجَاز عِنْده كَمَا صرح بِهِ هُوَ بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالرِّوَايَات وَاضِحَة بِإِطْلَاق الْحَبْس على مَا حبس مُدَّة يصير بعْدهَا ملكا وَهُوَ مجَاز اه. وعَلى ذَلِك يَنْبَنِي قَوْله: لَازِما بَقَاؤُهُ الخ. وَأخرج بِهِ العَبْد المخدم وَإِنَّمَا قَيده بقوله: يَمُوت قبل سَيّده لِأَنَّهُ فِيهِ يظْهر قَوْله مُدَّة وجوده، وَأما إِن مَاتَ سَيّده قبله فَإِنَّهُ يبطل إخدامه وَيرجع للْوَرَثَة فَهُوَ خَارج حِينَئِذٍ بقوله مُدَّة وجوده. وَقَوله: وَلَو تَقْديرا يحْتَمل أَن يكون مُبَالغَة فِي الْإِعْطَاء أَي: وَلَو كَانَ الْإِعْطَاء تَقْديرا كَقَوْلِه: إِن ملكت دَار فلَان فَهِيَ حبس، وَيحْتَمل أَن يكون رَاجعا لِمَعْنى قَوْله: لَازِما بَقَاؤُهُ فِي ملك معطيه أَي لَا يخرج عَن ملكه وَلَو تَقْديرا. وَقَوله: حَيَاته يَعْنِي حَيَاة السَّيِّد أَو حَيَاة العَبْد أَو المخدم بِالْفَتْح فَإِن أطلق فَيحمل على حَيَاة العَبْد وَالْكل خَارج بِمَا ذكر إِلَّا أَنه إِن أخدمه حَيَاة العَبْد وَمَا بعده فَإِن الْخدمَة لَا تبطل بِمَوْت السَّيِّد لِأَنَّهَا مَنْفَعَة قد حيزت بحوز أَصْلهَا وتورث عَن المخدم بِالْفَتْح فِي إخدامه حَيَاة العَبْد أَو إِطْلَاقه كَمَا يدل لَهُ قَول (خَ) فِي الْوَصِيَّة: وبمنافع عبد ورثت عَن الْمُوصى لَهُ. تَنْبِيه: من حبس على بنيه الصغار جَمِيع أملاكه وَقَالَ فِي تحبيسه: كل مَا يملكهُ مُدَّة حَيَاته فَهُوَ حبس فَإِن كل مَا يملكهُ بعد التحبيس لَاحق بِالْحَبْسِ إِن ملكه وَهُوَ سَالم من الدّين الْمُسْتَغْرق وَكَانَ صَحِيح الْجِسْم، فَإِن كَانَ يَوْم ملكه مدينا فَلَا حبس إِلَّا فِيمَا تقدم الدّين، وَكَذَا إِن كَانَ مَرِيضا وَمَات من مَرضه ذَلِك قَالَه فِي معاوضات المعيار. الحَبْسُ فِي الأُصُولِ جَائِزٌ وَفِي مُنَوَّعِ العَيْن بِقَصْدِ السَّلَفِ (الْحَبْس) بِالسُّكُونِ تَخْفِيفًا للوزن (فِي الْأُصُول) كالدور وَالْأَرضين والحوائط والطرق والآبار والمصانع وَهِي الْحِيَاض يجمع فِيهَا مَاء الْمَطَر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ
تخلدون} (الشُّعَرَاء: 129)(جَائِز) بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة كَمَا تقدم وَهُوَ لَازم بالْقَوْل عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَخَالف أَبُو حنيفَة فِي غير تحبيس الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا كَمَا مرّ وَقَالَ: لَا يلْزم إِلَّا بالحكم كَمَا مر، وَعنهُ أَيْضا أَنه لَا يجوز فِي غير الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا لقَوْله تَعَالَى: مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} (الْمَائِدَة: 103) وَقَوله تَعَالَى: وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ من الْحَرْث} الْآيَة (الْأَنْعَام: 136) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا حجَّة لَهُ فِي ذَلِك لِأَن الْآيَة إِنَّمَا تَقْتَضِي التوبيخ على مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تحرمه على نَفسهَا تديناً وافتراء على الله اه. وَصرح الْبَاجِيّ بِأَنَّهُ بَاقٍ على ملك الْمحبس قَالَ: وَهُوَ لَازم تَزْكِيَة حَوَائِط الأحباس على ملك محبسها (خَ) : وَالْملك للْوَاقِف، وَقَالَ أَيْضا فِي الزَّكَاة كنبات وحيوان ونسله على مَسَاجِد الخ. (و) جَائِز أَيْضا (فِي منوع الْعين) من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف أَي الْعين المنوعة إِلَى ذهب وَفِضة (بِقصد السّلف) كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الزَّكَاة وَهُوَ الْمَشْهُور. وَلا يَصِحُّ فِي الطَّعَامِ واخْتَلَفْ فِي الحَيوانِ والعُرُوضِ مَنْ سَلَفْ (وَلَا يَصح) الْحَبْس (فِي الطَّعَام) وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه إِذا غيب عَلَيْهِ، وَظَاهره وَلَو للسلف وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن شَاس وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا مَعَ اسْتِهْلَاك عينه وَالْمذهب جَوَاز وَقفه للسلف أَيْضا كَالْعَيْنِ وَينزل رد مثله بِمَنْزِلَة دوَام عينه وتزكي الْعين على ملك رَبهَا كَمَا قَالَ (خَ) : وزكيت عين وقفت للسلف الخ. فَكَانَ حق النَّاظِم أَن لَا يفرق بَين الطَّعَام وَالْعين. (وَاخْتلف) بِفَتْح اللَّام (فِي) جَوَاز تحبيس (الْحَيَوَان) ناطقاً أم لَا (وَالْعرُوض) من سلَاح وَثيَاب وَنَحْوهمَا وَعدم جَوَاز تحبيس ذَلِك (من سلف) فَاعل بقوله: اخْتلف، وَالْقَوْلَان مرويان عَن الإِمَام، وَالْمَشْهُور الْجَوَاز لحَدِيث:(من حبس فرسا فِي سَبِيل الله إِيمَانًا بِاللَّه وَتَصْدِيقًا بوعده كَانَ شبعه وريه فِي مِيزَانه) . وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: صَحَّ وقف مَمْلُوك وَلَو حَيَوَانا ورقيقاً كَعبد على مرضى وَفِي وقف كطعام تردد الخ. وَظَاهره كالناظم أَن الْمَمْلُوك يَصح وَقفه وَلَو جُزْءا شَائِعا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَفِي جُزْء مشَاع حكم تحبيس قفي الخ.
ولِلْكِبارِ والصِّغارِ يُعْقَدُ ولِلْجَنِينِ ولِمَنْ سَيُولَدُ (و) يشْتَرط فِي الْمحبس عَلَيْهِ أَن يكون أَهلا للتَّمَلُّك حَقِيقَة كزيد والفقراء أَو حكما كقنطرة وَمَسْجِد وَلَا يشْتَرط كَونه كَبِيرا وَلَا مَوْجُودا بل (للكبار وَالصغَار يعْقد وللجنين) الْمَوْجُود فِي بطن أمه بل (وَلمن) لم يُوجد فِي الْبَطن وَلَكِن (سيولد) فِي الْمُسْتَقْبل وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْوَصِيَّة مثل الْحَبْس فِي ذَلِك، وَيتم ذَلِك وَيلْزم باستهلال من فِي الْبَطن أَو سيوجد (خَ) كمن سَيكون إِن اسْتهلّ أَي إِذا قَالَ: هُوَ حبس أَو صَدَقَة على من سيولد لفُلَان فَإِن ذَلِك صَحِيح قبل الْولادَة غير لَازم للمحبس وَنَحْوه حَتَّى يُوجد ويستهل، وَلذَا كَانَ للمحبس وَنَحْوه أَن يَبِيع أَو يهب قبل الْولادَة بِالْكُلِّيَّةِ على الْمَذْهَب فَإِن بَاعَ بعد أَن ولد لَهُ وَمَات الْوَلَد وَلم يحصل الْيَأْس من ولادَة غَيره فَلَا يجوز اتِّفَاقًا، وَيفهم من هَذَا أَنه لَو قَالَ: هُوَ حبس على مَا يُولد لي أَو لفُلَان وبعدهم على الْمَسَاكِين فَمَاتَ قبل أَن يُولد لَهُ أَو حصل لَهُ الْيَأْس من ولادتهما أَن الْحَبْس يبطل وَيرجع مِيرَاثا، وَأما إِن وجد الْوَلَد وَمَات فَإِنَّهُ يسْتَمر حبسا على الْمَسَاكِين، وَيفهم من هَذَا أَيْضا أَن الْغلَّة لَا توقف بل هِيَ للمحبس أَو ورثته حَتَّى يُوجد الْوَلَد ويستهل وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهُ لَا يلْزم إِلَّا بالاستهلال كَمَا مرّ. تَنْبِيهَانِ. الأول: يشْتَرط قبُول الْمحبس عَلَيْهِ حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو قَبضه وَصَارَ يتَصَرَّف فِيهِ لِأَن ذَلِك أقوى فِي الدّلَالَة على الرِّضَا من التَّصْرِيح بِهِ، فَإِذا سقط لفظ الْقبُول من الْوَثِيقَة فَإِن ذَلِك لَا يضر حَيْثُ وجد الْقَبْض الْمَذْكُور فالقبض يسْتَلْزم الْقبُول وَالْقَبُول لَا يسْتَلْزم الْقَبْض، وَلذَا إِذا لم يقبض الْحَبْس حَتَّى مَاتَ الْمحبس أَو الْمحبس عَلَيْهِ الْمعِين لَهُ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهُ يبطل وَلَو تضمن الرَّسْم الْقبُول فَإِن حبس شِقْصا على شخص أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ وعرفه بذلك فَسكت وَلم يقل قبلت وَترك ذَلِك زَمَانا، ثمَّ قَامَ وَأَرَادَ قبض ذَلِك وحيازته فَلهُ ذَلِك حَيْثُ لم يكن مَانع من موت أَو مرض أَو فلس، فَإِن طلب غلَّة ذَلِك حلف أَنه لم يسكت على وَجه التّرْك وَرجع بهَا قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء وَنَقله ابْن عَرَفَة قَالَ: وَفِيه مَعَ ركنية الْقبُول نظر الْأَعْلَى أَن بت الْخِيَار مُوجب بته يَوْم
عقده اه. أَي: لِأَن الْقبُول إِذا كَانَ ركنا فمعلوم أَن الْمَاهِيّة تنعدم بانعدام بعض أَرْكَانهَا وَذَلِكَ مُوجب لكَونه لَا غلَّة لَهُ، نعم مَا فِي الِاسْتِغْنَاء هُوَ الْجَارِي على من تصدق بِأمة فَلم يقبلهَا الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ حَتَّى ولدت أَوْلَادًا فَإِنَّهَا تكون لَهُ هِيَ وَأَوْلَادهَا، وَلَو أَخذ السَّيِّد أرش قتل بعض أَوْلَادهَا فَإِن الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يرجع عَلَيْهِ بِهِ قَالَه فِي سَماع عِيسَى، وَلَا يظْهر فرق بَين أَوْلَاد الْأمة وَالْغلَّة الْمَذْكُورَة، وَبحث ابْن عَرَفَة وَغَيره. لَا يدْفع الْفِقْه كَمَا تقرر عِنْدهم وَالله أعلم. وَأما الْمَحْجُور من صَغِير وسفيه فَإِنَّهُ يُقَام لَهُ من يقبل من وَصِيّ ومقدم، فَإِن لم يقبل من لَهُ أَهْلِيَّة الْقبُول دفع لغيره مِمَّن يسْتَحق ذَلِك بِاجْتِهَاد الْحَاكِم وَلَا يرد للمحبس، فَإِن لم تكن فِيهِ أَهْلِيَّة للقبول كالمساجد والقناطر والفقراء فَلَا يشْتَرط قبولهم، وَالْوَصِيّ وَنَحْوه لَيْسَ لَهُ أَن يرد مَا وقف على مَحْجُوره فَإِن رد لم يَصح رده. الثَّانِي: إِذا قَالَ: حبس على فلَان وَأطلق وَلم يُقيد بِأَجل وَلَا بحياته فَإِنَّهُ يرجع بعد موت الْمحبس عَلَيْهِ ملكا على الْمُعْتَمد، وَأَحْرَى إِن قيد بِالْحَيَاةِ أَو بالأجل وَاخْتلف إِذا قَالَ: هُوَ صَدَقَة عَلَيْك وعَلى ولدك أَو على عقبك هَل يكون ملكا أَو حبسا. اللَّخْمِيّ: وَالْأول أحسن وَلَكِن يمْنَع الأول من التفويت لحق الثَّانِي كَذَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَسَيَأْتِي نَفسه فِي الْهِبَة إِن شَاءَ الله. ويَجِبُ النَّصُّ عَلَى الثِّمَارِ وَالزَّرْع حَيْثُ الحَبْسُ لِلصِّغار (و) إِذا كَانَ فِي الأَرْض أَو فِي الْأَشْجَار المحبسة زرع أَو ثَمَر مَأْبُور فِي رؤوسها ف (يجب النَّص على) إِدْخَال تِلْكَ (الثِّمَار و) ذَلِك (الزَّرْع) فِي الْحَبْس فَإِن لم ينص على دخولهما وَحصل مَانع قبل الْجذاذ والحصاد بَطل (حَيْثُ) كَانَ (الْحَبْس) من الْأَب (للصغار) من بنيه لِأَنَّهُ قد شغل الْحَبْس بزرعه وثمرته فَلم تتمّ فِيهِ حيازته لَهُم، وَهَذَا إِذا كَانَ الزَّرْع وَالثَّمَر فِي أَكثر الحباسة فَإِن كَانَا فِي ثلثه فَأَقل نفذ الْحَبْس فِي الْأَمْلَاك دون الثَّمَرَة لِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَن يسْتَثْنى من حَبسه أَو صدقته قدر ثلث المساكن فِي الدَّار وَثلث الْغلَّة فِيمَا لَهُ غلَّة ثمَّ يلْحق بعد مَوته بِالْحَبْسِ أَو الصَّدَقَة قَالَه
فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَفِي المعيار: أَن هبة الدَّار المكتراة لَا بُد أَن يدْخل الْكِرَاء فِي هبة الدَّار وإلاَّ جرى فِيهَا مَا تقدم، ثمَّ إِنَّمَا يتم إِلْحَاقه بعد مَوته إِذا كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ غير وَارِث وَحمل ذَلِك ثلثه قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. فَقَوْل النَّاظِم: وَيجب الخ يَعْنِي على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة لِأَنَّهُ إِذا لم ينص على ذَلِك أَو لم يرد إِدْخَال ذَلِك فِي الْحَبْس وَلم يحصل مَانع قبل الْجذاذ والحصاد فالحيازة تَامَّة، وَقَوْلِي: مَأْبُور احْتِرَازًا من غَيره فَإِنَّهُ للمحبس عَلَيْهِ فَلَا تَأتي فِيهِ الْعلَّة الْمُتَقَدّمَة، وَمَفْهُوم للصغار وَمن فِي معناهم من سَفِيه ومعتوه أَنه إِذا حَبسه على الْكِبَار الرشداء وقبضوا الْأُصُول بِمَا فِيهَا فَإِن حيازتهم تَامَّة وَإِن كَانَت الثَّمَرَة لِرَبِّهَا، وَكَذَا لَو حبس على غَيرهم دَار فقبضوها وفيهَا مَتَاع لَهُ فَإِن الْحِيَازَة تَامَّة لأَنهم قبضوها وزائداً مَعهَا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون. وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر الْهِبَة من أَنه يجوز أَن يهب لَهُ أَرضًا ويستثني غَلَّتهَا سِنِين وَهَذَا فِي غير دَار سكناهُ كَمَا قَالَ: وَمَنْ يُحَبِّسْ دارَ سُكْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ إلاّ أنْ يُعَايَنَ الْخَلَا (وَمن يحبس دَار سكناهُ) على بنيه أَو على غَيرهم (فَلَا يَصح) الْحَوْز (إِلَّا أَن يعاين الخلا) مِنْهَا وَيشْهد عَدْلَانِ بمعاينتها خَالِيَة من شواغل الْمحبس وَيسْتَمر على خُرُوجه مِنْهَا عَاما كَامِلا، فَإِن رَجَعَ لسكناها قبله وَبَقِي فِيهَا حَتَّى مَاتَ أَو حصل مَانع بَطل إِلَّا أَن يكون الْمحبس مَرِيضا أَو طريداً فآواه الْمحبس عَلَيْهِ فَمَاتَ فَذَلِك كلا رُجُوع كَمَا فِي كتاب الصَّدَقَة من ابْن سَلمُون (خَ) عاطفاً على المبطلات أَو عَاد لسكنى مَسْكَنه قبل عَام، وَظَاهر هَذَا وَلَو رَجَعَ إِلَيْهَا بكرَاء عقده فِيهَا بِأَن قَومهَا أَرْبَاب الْمعرفَة بكرَاء قدره كَذَا وسكنها بذلك الْكِرَاء، وَبِه صرح المتيطي فِي الصَّدَقَة قَالَ: وَلَو جَازَ ذَلِك بالكراء لجَاز بِغَيْر كِرَاء. قَالَ: فَإِن لم يسكنهَا وَلَكِن أسكنها غَيره فَإِن أسْكنهُ إِيَّاهَا على وَجه الْعُمْرَى أَو الإسكان بطلت، وَإِن كَانَ بكرَاء صحت، وَإِن شكّ هَل بكرَاء أَو إسكان صحت، وَأما غير دَار السُّكْنَى إِذا عَاد إِلَيْهِ قبل الْعَام بكرَاء كَمَا لَو وهب لصغير فداناً من أَرض ثمَّ حرثه قبل الْعَام بكرَاء قوَّمه بِهِ أَرْبَاب الْمعرفَة فَإِنَّهُ لَا يبطل كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي هبات المعيار. إِلَّا أَن يعاين الْخَلَاء يَعْنِي لكلها أَو جلها كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْهِبَة: وَدَار سكناهُ إِلَّا أَن يسكن أقلهَا ويكرى لَهُ الْأَكْثَر وَإِن سكن النّصْف بَطل فَقَط، وَالْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع الخ. وَالْهِبَة وَالْحَبْس من وَاد وَاحِد كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره أَنه لَا بُد من إخلائها وَلَو حَبسهَا على مَحْجُوره مَعَ مَا فِيهَا من الْأَمْتِعَة. انْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله فِي الْهِبَة: وَإِن يكن مَوضِع سكناهُ وهب الخ. وَنَافِذٌ تَحْبِيسُ مَا قَدْ سَكَنَهْ بِما كالاكِتراءِ مِنْ بَعْدِ السَّنَهْ (ونافذ تحبيس مَا قد سكنه) بعد تحبيسه (بِمَا كالاكتراء من بعد السنه) الظَّاهِر أَن مَا وَالْكَاف زائدتان، وَظَاهره أَن الْكِرَاء شَرط فِي صِحَة حيازته وَلَيْسَ كَذَلِك بل مهما رَجَعَ بعد السّنة
فالحيازة تَامَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو رَجَعَ بِغَيْر كِرَاء كَمَا أَن قَوْله: إنْ كانَ مَا حُبِّسَ لِلْكِبَارِ وَمِثْلُ ذاكَ فِي الهباتِ جَارِي (إِن كَانَ مَا حبس للكبار) إِنَّمَا يتمشى على طَريقَة ابْن رشد، وَأما على الْمَشْهُور فَلَا مَفْهُوم للشّرط الْمَذْكُور كَمَا هُوَ ظَاهر مَفْهُوم نَص (خَ) الْمُتَقَدّم. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين الصغار والكبار فِي صِحَة الْحَبْس إِن رَجَعَ بعد الْعَام كَانَ رُجُوعه بكرَاء أَو إرفاق أَو غير ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: لَو تصدق عَلَيْهِ بدار حازها لَهُ سنتَيْن ثمَّ سكنها بكرَاء أَو غَيره وَمَات فِيهَا فَهِيَ مَاضِيَة اه. وَنَحْوه فِي الْمجَالِس والمفيد وَغَيرهمَا خلافًا لما فِي زمن أَنه إِذا رَجَعَ إِلَيْهَا بإرفاق بَطل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتمشى على طَريقَة ابْن رشد الَّتِي درج النَّاظِم عَلَيْهَا وَهِي مُعْتَرضَة كَمَا نظم ذَلِك الإِمَام المزواري بقوله: رُجُوع وَاقِف لما قد وَقفا بعد مُضِيّ سنة قد خففا على صبي كَانَ أَو ذِي رشد واعترضت طَريقَة ابْن رشد (وَمثل ذَاك) الحكم الْمَذْكُور فِي الْحَبْس (فِي الهبات) وَالصَّدقَات (جَار) لِأَنَّهَا من وَاد وَاحِد فِي وجوب الْحِيَازَة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا ثَبت رُجُوعه قبل السّنة أَو بعْدهَا فَلَا إِشْكَال وَإِن جهل الْحَال هَل رَجَعَ قبل السّنة أَو بعْدهَا فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الوانشريسي وَنَقله الفاسي فِي جَوَاب لَهُ: أَنه يحمل على رُجُوعه قبل السّنة وَلَا يُعَارضهُ مَا فِي أحباس المعيار فِيمَن حبس على صَغِير ثمَّ بَاعه من أَنه إِذا ثَبت أَن بَيْعه قبل الْعَام فَالْبيع صَحِيح وَلَا قيام للمحبس عَلَيْهِ وَلَا لمن مرجعه لَهُ، أما لَو تمّ الاحتياز بانصرام الْعَام فَالْبيع مفسوخ وَيجب الرُّجُوع بِالثّمن على البَائِع أَو على تركته إِن مَاتَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تكلم على مَا إِذا ثَبت ذَلِك قبل الْعَام أَو بعده، وَأما عِنْد الْجَهْل فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَوْله: إِذا ثَبت أَن بَيْعه قبل الْعَام الخ. رُبمَا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنه إِذا لم يثبت وَجَهل أمره يحمل على مَا بعد الْعَام الخ. لِأَنَّهُ لَا يُعَارض صَرِيح بِظَاهِر وَلَا بمحتمل، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: والحوز شَرط الخ.
الثَّانِي: لَا بُد أَن يضمن الشُّهُود فِي الرَّسْم معرفَة صغر الْمحبس عَلَيْهِ لِئَلَّا يقوم عَلَيْهِ قَائِم وَهُوَ كَبِير فَيَقُول لَهُ: لم يتَصَدَّق عَلَيْك إِلَّا وَأَنت كَبِير وَلم تحز، وَيَقُول هُوَ: كنت صَغِيرا، وَقد اخْتلف فِي قَول أَيهمْ يقبل، وَالظَّاهِر أَنه يقبل قَول الصَّغِير لِأَنَّهُ يَدعِي الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْأَب بعد بُلُوغ الابْن وَالْحَبْس أَو الْهِبَة بِيَدِهِ فَإِن كَانَ الابْن مَعْرُوف الرشد وَقت بُلُوغه بَطل، وَإِن كَانَ مَعْرُوف السَّفه صَحَّ، وَإِن كَانَ مشكوكاً وَمَضَت لَهُ سنة من موت الْأَب بَطل قَالَه فِي هبات المعيار. وَإِذا بلغ بَعضهم وَلم يبلغ الْبَعْض الآخر حَاز الْكَبِير لنَفسِهِ وللصغار بوكالة الْأَب، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنهم محمولون على السَّفه حَتَّى يتَبَيَّن الرشد وَهُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: فان آنستم مِنْهُم رشدا} (النِّسَاء: 6) وَعَلِيهِ فَإِذا مَاتَ الْأَب بعد الْبلُوغ لَا تبطل الْهِبَة قَالَه أَبُو الْحسن. وَقَوله: بوكالة الْأَب لَا مَفْهُوم لَهُ، وَقَوله: لَا تبطل الْهِبَة يَعْنِي حَتَّى يمْضِي لَهُ عَام من يَوْم موت الْأَب كَمَا مر، وَقَوْلهمْ: إِذا رشد وَلم يحز لنَفسِهِ بَطل مَحَله إِذا لم يكن الْأَب قدم من يحوزه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَينفذ التحبيس فِي جَمِيع مَا. الخ. الثَّالِث: إِشْهَاد الْوَلِيّ بِالْحَبْسِ على مَحْجُوره لَا بُد مِنْهُ وَذَلِكَ حوز لِابْنِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَقُول: رفعت يَد الْملك وَأثبت يَد الْحَوْز، وَلَا إِلَى أَن يَقُول الموثق وَحَازَ لَهُم إِلَى أَن يبلغُوا مبلغ الْحَوْز كَمَا فِي المعيار وَابْن سَلمُون فِي فصل الصَّدَقَة وَيتم حوزه لَهُ بعد الْإِشْهَاد بِصَرْف الْغلَّة فِي مصَالح ابْنه تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا، فَإِن علم أَنه كَانَ يصرف الْغلَّة فِي مصَالح نَفسه دون مصَالح ابْنه بَطل، وَالْعلم بذلك إِنَّمَا هُوَ بِإِقْرَارِهِ أَو بِقَرِينَة كَمَا فِي الدّرّ النثير، فَإِذا أقرّ أَنه صرفهَا لنَفسِهِ أَو فِي مصَالح ابْنه فَإِنَّهُ يصدق وَتُؤْخَذ من تركته فِيمَا إِذا قَالَ: إِنَّهَا مَوْضُوعَة تَحت يَده قدرهَا كَذَا فَإِن لم يقر بِشَيْء حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مَحْمُول على أَنه صرفهَا لِابْنِهِ، وَكَذَا يُقَال فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَمَا للشَّيْخ الرهوني فِي بَاب الْهِبَة مِمَّا يُخَالف هَذَا لَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْهِبَة وَقد أَفْتيت فِي بَيِّنَة جَاءَت من سجلماسة شهِدت بِأَن الْمحبس كَانَ ىأكل غلَّة مَا حَبسه على صغَار بنيه بِمَا نَصه: هَذِه الْبَيِّنَة قد أجملت فِي مُسْتَند علمهَا هَل كَانَ ذَلِك بمحضرها أَو بِإِقْرَارِهِ لَدَيْهَا، وَلَا يتم أَن يكون ذَلِك بمحضرها إِلَّا إِذا كَانَت تصاحبه فِي أوقاته كلهَا وَذَلِكَ مُتَعَذر، وَلذَا قَالَ ابْن لبَابَة: هُوَ من الْغمُوس الَّذِي لَا يجوز، وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهَا ذَلِك مهمل مِمَّا لَا يدل على تَعْمِيم أَو تبعيض، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَحْمُول على التَّبْعِيض لِأَنَّهُ الْمُحَقق وَغَيره مَشْكُوك، فَيكون الْمَعْنى أكل بعض ثمره أَو زرعه، وعَلى أَنه أكل الْجَمِيع فَيحْتَمل أَن يكون أكل الْجَمِيع فِي بعض السنين دون بعض، وَهَذَا الْبَعْض إِمَّا الجل أَو النّصْف أَو الْأَقَل وَلَا يبطل شَيْء من العطايا باستغلال الْأَقَل فَلَا يبطل الْحَبْس الْمَذْكُور إِلَّا بِثُبُوت أكل الْجَمِيع أَو الْأَكْثَر وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَالله أعلم. ثمَّ أَن الْإِشْهَاد شَرط صِحَة فِي التَّبَرُّعَات من حَيْثُ هِيَ وَفِي كل مَا كَانَ من غير عوض كالتوكيل وَالضَّمان وَنَحْوهمَا، وَلَا يخْتَص الْإِشْهَاد بالتبرع على الصَّغِير فَقَط إِذْ لَا معنى لكَونه شرطا فِي الصَّغِير دون الْكَبِير كَمَا قد يتَبَادَر، وَحِينَئِذٍ فَإِذا قَالَ: حبست أَو تَصَدَّقت أَو وكلت أَو أوصيت وَلم يقل اشْهَدُوا عَليّ بذلك وَلم يفهم من حَاله أَنه قصدهم إِلَى الْإِشْهَاد عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصح شَيْء من ذَلِك، وَكَذَا لَو كتب ذَلِك وَلم يشهدهم عَلَيْهِ فَلَا ينفذ شَيْء مِنْهُ لِأَنَّهُ قد يَقُول أَو يكْتب وَهُوَ غير عازم على شَيْء من ذَلِك كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْوَصِيَّة. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: مثله فِي الرجل يَقُول لوَلَده: أصلح نَفسك وَلَك كَذَا فَإِنَّهُ إِذا لم يشْهد لَا شَيْء لَهُ لاحْتِمَال أَنه يُرِيد التحريض
نَقله (ح) فِي بَاب الْهِبَة، وَقَالَ ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الْوَكِيل: فَإِن لم يبينا فِي شَهَادَتهمَا أَن الْمُوكل أشهدهما بِالْوكَالَةِ فشهادتهما بَاطِلَة لَا يعْمل بهَا اه. وَقد قَالُوا أَيْضا: إِن الْمَوْهُوب لَهُ إِذا وهب الْهِبَة وَأشْهد فَذَلِك حوز وإلاَّ فَلَا كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْهِبَة: أَو وهب إِذا أشهد وأعلن الخ. وَإِذا لم يكن حوز إِلَّا مَعَ الْإِشْهَاد فَكَذَلِك لَا تكون هبة إِلَّا مَعَه أَيْضا. الرَّابِع: إِذا حبس الْوَلِيّ على محجورة جُزْءا شَائِعا فِي جَمِيع مَاله وَله أصُول وَربَاع وعروض ورقيق وماشية وناض وَطَعَام صَحَّ ذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَرِوَايَته عَن مَالك فِي جَمِيع مَا كَانَ يملك يَوْم الْهِبَة من الْأُصُول والرباع وَالْعرُوض والماشية حاشا مَا سكن من الدَّار أَو لبس من الثِّيَاب، وَأما الطَّعَام والناض فَيبْطل الْحَبْس فِيهِ إِذْ لَا يعرف بِعَيْنِه إِلَّا أَن يَضَعهُ على غير يَده قَالَه فِي الْبَيَان، وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي أول كتاب الْهِبَة من الْمُدَوَّنَة قَائِلا: الْمَشْهُور صِحَة هبة الْمشَاع مَعَ بَقَاء يَد الْوَاهِب تجول فِيهِ مَعَ الْمَوْهُوب لَهُ اه. لَكِن الْكَبِير لَا بُد أَن يتَصَرَّف مَعَ الْوَاهِب، وَأما الصَّغِير فَإِن حوز الْأَب لَهُ كَاف كَمَا مرّ. وَقَوله فِي الْبَيَان: صَحَّ ذَلِك حَتَّى فِي الْعرُوض والماشية الخ. هَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ مُنَازع وإلاَّ فَلَا يقْضِي للِابْن إِلَّا بِمَا عين مِنْهُمَا بتوقيف الشُّهُود عَلَيْهِمَا أَو بِوَصْف يتَحَصَّل بِهِ تمييزها كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَابْن عتاب، وَمَا ذَلِك إِلَّا لالتباسهما بِمَا اكْتَسبهُ الْأَب بعد الْهِبَة بشرَاء وَنَحْوه فَلَا يحكم للِابْن إِلَّا بِمَا شهِدت الْبَيِّنَة أَن الْحَبْس أَو الْهِبَة وَقعا على عينه بِخِلَاف الْأُصُول، فَإِن الْغَالِب عدم الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَإِن زَاد شَيْئا فَإِن الْغَالِب شهرته عِنْد النَّاس كَمَا قَالُوهُ فِيمَن أنكر أصل الْمُعَامَلَة فَقَامَتْ بَيِّنَة بِالْقضَاءِ، وَلذَا قَالَ ابْن سهل فِي بَاب الْوَصَايَا عَن ابْن لبَابَة وَغَيره: أَن الصَّدَقَة إِذا كَانَت على ابْنه بِجَمِيعِ مَاله فَلَا حِيَازَة على الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْد إِرَادَة الحكم، وَإِن كَانَ تصدق بأحقال بِأَعْيَانِهَا فَالْمَال موروث حَتَّى تحوز الْبَيِّنَة الأحقال لِأَنَّهَا لَا تتَمَيَّز من الْمَوْرُوث إِلَّا بالحيازة والتحديد، وَهَذَا إِذا تنازعوا فِي الْحُدُود وإلاَّ فَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم:
وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود توَافق الْخَصْمَيْنِ فِي الْحُدُود
وَهَذَا يبطل مَا فِي المعيار عَن العبدوسي فِيمَن حبس جَمِيع مَا يملكهُ بقرية كَذَا من الدّور والجنات على صغَار بنيه وحازه لَهُم ثمَّ توفّي قَالَ فِي الْجَواب: إِن الْحَبْس بَاطِل لعدم تعْيين الْأَمْلَاك المحبسة الخ. وَلما نقل ابْن رحال جَوَاب العبدوسي قَالَ: الْحق فِي النَّازِلَة أَن الْحَبْس صَحِيح وكل مَا عرف للمحبس بِتِلْكَ الْقرْيَة فَلَا إِرْث فِيهِ الخ. وَكَأَنَّهُ لم يقف على مَا تقدم عَن ابْن سهل وإلاَّ فَهُوَ أولى مَا يرد بِهِ جَوَاب العبدوسي، وَقَالَ الإِمَام القَاضِي سَيِّدي عِيسَى السجتاني فِي نوازله: إِنَّمَا يشْتَرط التَّحْدِيد فِي صِحَة الحكم بِالْحَبْسِ، وَمن ظن أَنه شَرط فِي صِحَة الْحَبْس فَهُوَ غالط نعم يشْتَرط معرفَة الشَّيْء الْمحبس عِنْد إِرَادَة الحكم لِئَلَّا يلتبس بِالْمِيرَاثِ. وَحَيْثُ لَا لبس لَا يضر عدم التَّحْدِيد كَمَا إِذا قَالَ الْمحبس: حبست جَمِيع الْملك الْفُلَانِيّ فِي مَوضِع كَذَا اه. وَهَذَا كُله كَاف فِي رد جَوَاب العبدوسي، وَأما إِن تصدق عَلَيْهِ بِعَدَد كمائة من غنمه أَو عبيده فَإِن وسم الْغنم أَو وصفت بِأَعْيَانِهَا صحت وإلاَّ بطلت قَالَه الإِمَام مَالك. ابْن رشد: قَوْله هَذَا فِي الَّذِي تصدق على ابْنه بِعَدَد من غنمه أَو خيله هُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَقد كَانَ يَقُول فِي حيازته للعدد جَائِزَة وَإِن لم يسمهَا وَلَا قسمهَا كالجزء الْمشَاع اه. وَقد تحصل أَنه إِذا تصدق عَلَيْهِ
بِجَمِيعِ ملكه الَّذِي فِي مَحل كَذَا فَلَا حِيَازَة عِنْد إِرَادَة الحكم بل كل مَا عرف للمحبس أَو الْمُتَصَدّق بذلك الْمحل فَهُوَ للمحبس أَو الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بأحقال وَلم يتوافقا على حُدُودهَا فَلَا بُد من الْحِيَازَة عِنْد إِرَادَة الحكم، وَأما إِن تصدق بِجُزْء مشَاع أَو بِعَدَد من مائَة مثلا فالأقوال ثَلَاثَة، الصِّحَّة فيهمَا عدمهَا فيهمَا صِحَّتهَا فِي الْمشَاع دون الْعدَد وَهُوَ الْمُعْتَمد. الْخَامِس: إِذا اسْتحقَّت الدَّار وَنَحْوهَا بِالْحَبْسِ فَلَا يقْضى للقائم بِهِ إِلَّا بعد إِثْبَات التحبيس وَملك الْمحبس لما حبس يَوْم التحبيس والإعذار فِيهِ للمقوم عَلَيْهِ لاحْتِمَال أَن يكون حبس غير ملكه كَمَا أَن المُشْتَرِي لَا يقْضِي لَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ إِلَّا بعد ثُبُوت الْملك لبَائِعه. انْظُر مَا تقدم فِي شَهَادَة السماع عِنْد قَوْله: وَحبس جَازَ من السنين الخ. وَمعنى ثُبُوت ملكه هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَصِحَّة الْملك بِالتَّصَرُّفِ وَعدم مُنَازع وحوز طَال كعشرة أشهر الخ. وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله. وكلّ مَا يَشْتَرِطُ المُحَبِّسُ مِنْ سائِغٍ شَرْعاً عَلَيْهِ الْحبْسُ (وكل مَا يشْتَرط الْمحبس) مُبْتَدأ أَو عطف على قَوْله، تحبيس مَا قد سكنه (من سَائِغ شرعا) بَيَان لما وَقَوله (عَلَيْهِ الْحَبْس) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر خبر عَن كل وَهَذَا على أَنه مُبْتَدأ، وَأما على عطفه على مَا تقدم فالحبس فَاعل بِفعل مَحْذُوف مَعْطُوف بِحَذْف العاطف على جملَة يشْتَرط، وَالتَّقْدِير: ونافذ كل مَا يَشْتَرِطه الْمحبس وَيَقَع الْحَبْس عَلَيْهِ أَي على اشْتِرَاطه من سَائِغ شرعا وَمثل للسائغ بقوله: مثْلِ التَّساوي ودُخولِ الأَسْفَلِ وَبَيْعِ حظِّ مَنْ بِفَقْرٍ ابْتُلِي (مثل) اشْتِرَاط عدم (التَّسَاوِي) بِأَن يَقُول فِي حَبسه: للذّكر مثل خطّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 11) أَو الْعَكْس فَإِن أطلق حمل على التَّسَاوِي (و) مثل عدم (دُخُول الْأَسْفَل) من الطَّبَقَات مَعَ الْأَعْلَى مِنْهَا فَإِن لم يشْتَرط عدم دُخُوله فَهُوَ دَاخل إِن عطف بِالْوَاو، وَلذَا قَدرنَا لَفْظَة عدم لِأَن الأَصْل دُخُوله مَعَ الْوَاو وَالْإِطْلَاق حَتَّى يشْتَرط عدم الدُّخُول، فَإِن عطف بثم فَلَا يدْخل الْأَسْفَل حَتَّى ينقرض الْأَعْلَى إِلَّا أَن من مَاتَ من الْأَعْلَى فولده يقوم مقَامه وَيدخل مَعَ أَعْمَامه كَمَا فِي (ح) فَإِن قَالَ: هُوَ حبس على فلَان ثمَّ على عقبه وعقب عقبه فَفِي دُخُول عقب الْعقب مَعَ الْعقب لعطفه بِالْوَاو وَكَونه بعده على أَن التَّرْتِيب لأجل تقدم الْعَطف بثم قَولَانِ ذكرهمَا ابْن عَرَفَة. وَيظْهر مِنْهُ رُجْحَان الأول، وَمن هَذَا من حبس على أَوْلَاد أَوْلَاده الثَّلَاثَة الثُّلُث لأَوْلَاد كل وَاحِد فَلَو قلوا أَو كَثُرُوا وَقَالَ فِي تحبيسه: من مَاتَ من أَوْلَاده الثَّلَاثَة من غير عقب فَنصِيبه يرجع لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ ثمَّ مَاتَ أحدهم عَن غير عقب فَهَل نصِيبه يقسم على عدد رُؤُوس أَخَوَيْهِ نظرا إِلَى عدم التَّفْصِيل فِي الْمرجع أَو يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ نظرا إِلَى التَّفْصِيل فِي أصل التحبيس؟
فأفتيت بِأَنَّهُ يتَخَرَّج ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى ذكر التَّرْتِيب أَولا وأسقطه ثَانِيًا، وَفِي مَسْأَلَة التَّخْرِيج ذكر التَّفْصِيل أَولا وأسقطه ثَانِيًا، فالمحبس وَإِن أبهم فِي قَوْله رَجَعَ الخ. فَإِن ذَلِك يحمل على مَا فَصله أَولا فِي أصل تحبيسه، وَلِهَذَا قَالَ ابْن رشد وَغَيره: إِذا كَانَ كَلَام الْمحبس مُحْتملا لوَجْهَيْنِ فَأكْثر فَإِنَّهُ يحمل على أظهر محتملاته، وَأظْهر المحتملات هُنَا جَرَيَان الْمرجع على التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي أصل التحبيس وَالله أعلم. (و) مثل اشْتِرَاط (بيع حَظّ من بفقر ابْتُلِيَ) فَإِنَّهُ يتبع شَرطه أَيْضا وَيجوز لَهُ بيع حَظه عِنْد فقره (ح) : وَاتبع شَرطه إِن حَاز كتخصيص مَذْهَب أَو نَاظر أَو تبدية فلَان بِكَذَا الخ. لِأَن أَلْفَاظ الْوَاقِف تتبع كألفاظ الشَّارِع قَالَه فِي ضيح، وَمَفْهُوم من سَائِغ شرعا أَنه إِذا شَرط مَا هُوَ مُتَّفق على عدم جَوَازه شرعا لم يتبع وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ كاشتراط إِخْرَاج الْبَنَات من وَقفه إِذا تَزَوَّجن فَإِنَّهُ يتبع انْظُر (ح) وَمحل الِاتِّبَاع الْمَذْكُور إِذا أمكن فَإِن لم يُمكن كشرطه الِانْتِفَاع بِكِتَاب فِي خزانَة لَا يخرج مِنْهَا أَو تعذر صرفه فِي الْوَجْه الَّذِي عينه لَهُ كالقنطرة أَو الْمَسْجِد يهدمان وَلَا يُرْجَى عودهما فَإِنَّهُ لَا يتبع وَينْتَفع بِالْكتاب فِي غير الخزانة وبأنقاض القنطرة وَالْمَسْجِد فِي مثليهما. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا عين الْمحبس نَاظرا فَلَيْسَ لَهُ عَزله لتَعلق حق الْمحبس عَلَيْهِم بنظره لَهُم حَتَّى يثبت مَا يُوجب تَأْخِيره من تَقْصِيره وتفريطه قَالَه فِي المعيار عَن ابْن لب قَالَ: وَهَذَا بِمَنْزِلَة مقدم القَاضِي على النّظر فِي أَمر الْمَحْجُور أَو الْمحبس فَلَا يعزله أحد لَا القَاضِي الَّذِي ولاه وَلَا غَيره إِلَّا أَن يثبت مَا يُوجب عَزله، وَنَحْوه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَالْوَصِيّ إِذا ترك دين يتيمة حَتَّى أفلس من عَلَيْهِ الدّين فَإِن تَركه التّرْك الْمَعْهُود فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن تَركه وَأَهْمَلَهُ جدا ضمن وناظر الأحباس فِيمَا يقبضهُ من الْكِرَاء كالوصي فِيمَا مرّ، فَفِي الوكالات من الْبُرْزُليّ أَن نَاظر الأحباس إِذا فرط فِي قبضهَا وَقَالَ: إِنَّه بَاقٍ عِنْد سكانه أَن ابْن عَرَفَة أفتى بتضمينه، وبمثله حكم ابْن عبد السَّلَام قبله قَالَ: وَنَحْوه لِابْنِ سهل فِي الْوَصِيّ إِذا بور ربع الْيَتِيم. الثَّانِي: ذكر فِي المعيار عَن سَيِّدي عبد الله العبدوسي أَنه إِذا ثَبت بِالْعَادَةِ المستمرة أَن السُّلْطَان يَأْخُذ جباية الأحباس فَالْقَوْل للنَّاظِر مَعَ يَمِينه، لقد جمع مَا زعم أَن السُّلْطَان أَخذه مِنْهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَحَيْثُ جَاءَ مُطْلقاً لفْظُ الوَلَدْ فَوَلَدْ الذُّكورِ داخِلٍ فَقَدْ (وَحَيْثُ جَاءَ مُطلقًا لفظ الْوَلَد) من غير تَفْسِير بفلان وفلانة كَمَا فِي الصُّورَة الْآتِيَة، بل قَالَ: حبست على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي أَو قَالَ على وَلَدي وَولد وَلَدي، لِأَن المُرَاد الْجِنْس
وَأَحْرَى لَو أفرد فَقَالَ: على وَلَدي أَو على أَوْلَادِي من غير عطف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يدْخل فِي ذَلِك كُله أَوْلَاده ذُكُورا وإناثاً وَأَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور فَقَط كَمَا قَالَ: (فولد الذُّكُور) ذُكُورا وإناثاً (دَاخل فقد) فَحسب وَلَا وَلَدُ الإنَاثِ إلاَّ حَيْثُما بِنْتٌ لِصُلْبٍ ذِكْرُها تَقَدَّما (لَا) يدْخل (ولد الْإِنَاث) وَمن يُدْلِي إِلَى الْمحبس بأنثى وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) وَنَحْوه فِي ابْن الْحَاجِب والشامل، وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة: الْمَشْهُور دُخُول ولد الْبِنْت فِيمَا إِذا عطف إِلَى حَيْثُ انْتهى لفظ الْوَاقِف قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يدْخل ولد الْبِنْت على مَذْهَب مَالك فِيمَا إِذا أفرد وَلم يعْطف، وَتَبعهُ فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد وَمحل ذَلِك إِذا كَانَ لفظ الْوَلَد يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى فِي عرفهم أَو لَا عرف لَهُم أصلا، وَأما إِن كَانَ إِطْلَاقه الْعرف على الذّكر فَقَط كَمَا عندنَا الْيَوْم فَإِنَّهُ لَا يدْخل الْإِنَاث وَلَو من صلبه إِلَّا أَن يُصَرح بِهن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَمَفْهُوم قَوْله مُطلقًا أَنه إِذا جَاءَ لفظ الْوَلَد مُفَسرًا كَقَوْلِه: حبست على أَوْلَادِي فلَان وفلانة وأولادهما فَإِن ولد الْبِنْت دَاخل كَمَا أَشَارَ لَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطع فِي قَوْله: (إِلَّا حَيْثُمَا بنت لصلب ذكرهَا تقدما) أَي لَكِن حَيْثُ تقدم تَفْسِير لفظ الْوَلَد بِذكر بنت الصلب، فَإِن ولد الْبِنْت يدْخل إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي لفظ الْوَلَد الملتبس بضميرها، فَإِذا قَالَ: حبس على أَوْلَادِي فلَان وَفُلَان وفلانة وَأَوْلَادهمْ الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَوْلَادهمْ، فَإِنَّهُ يدْخل ولد الْبَنَات وَولد ولد الْبَنَات لَا من بعدهمْ من أَوْلَادهنَّ إِلَّا أَن يَقُول: وَأَوْلَادهمْ وَأَوْلَاد أَوْلَادهم، وَيذكر طبقَة رَابِعَة أَو أَكثر فَإِن أَوْلَاد الْبَنَات يدْخلُونَ إِلَى الطَّبَقَة الَّتِي سمى ثمَّ يخرجُون، وَقَول الْمحبس مَا تَنَاسَلُوا وامتدت فروعهم لَا يُوجب دُخُول ولد الْبِنْت فِي غير الطَّبَقَة الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا، فَإِن قَالَ: حبس على ابْنَتي وَوَلدهَا دخل وَلَدهَا الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن مَاتُوا كَانَ لأَوْلَاد الذُّكُور ذكورهم وإناثهم وَلَا شَيْء لِابْنِ بنت ذكر أَو أُنْثَى. تَنْبِيه: لَو قَالَ: حبست على وَلَدي فلَان وفلانة وَترك آخَرين فَلَا يدْخل فِي تحبيسه من لم يذكرهُ بِخِلَاف الْإِيصَاء على أَوْلَاده ذَاكِرًا بَعضهم فَيعم من سمى وَمن لم يسم لِأَن الْمَقْصُود من الْإِيصَاء الْقيام بالأولاد فَهُوَ مَظَنَّة التَّعْمِيم قَالَه الوانوغي وَغَيره.
ومثْلُهُ فِي ذَا بنيَّ والعَقِبْ وشامِلٌ ذُرِّيَّتي فُمُنْسَحِبْ (وَمثله) أَي مثل لفظ الْوَلَد الْمُطلق (فِي ذَا) أَي فِي دُخُول ولد الذُّكُور فَقَط دون المدلي بأنثى (بني والعقب) كَقَوْلِه: حسبت على بني أَو على عَقبي أَو على نسلي فَلَا يدْخل ولد الْبِنْت إِلَّا لعرف. وَقَالَ الوانشريسي: الَّذِي بِهِ الْعَمَل دُخُوله فِي عَقبي إِلَى آخر طبقَة سَمَّاهَا نَقله فِي المعيار عَن سَيِّدي يحيى بن علال، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. ثمَّ إِنَّه مَعْلُوم أَن أَلْفَاظ الْوَاقِف تجْرِي على الْعرف، وَلَا يُقَال إِنَّمَا يعْمل بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَص بِخِلَافِهِ. لأَنا نقُول مَحَله فِي نَص غير مَبْنِيّ عَلَيْهِ لَا فِي مَبْنِيّ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا قَالَه الزّرْقَانِيّ. (وشامل) خبر عَن قَوْله (ذريتي) وَقَوله (فمنسحب) عطف تَفْسِير على شَامِل، وَالْمعْنَى أَنه إِذا قَالَ: حبس على ذريتي فَإِنَّهُ يدْخل ولد الْبِنْت، وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْمَسْأَلَة المستثناة قبله أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتَنَاول الذُّرِّيَّة وَوَلَدي فلَان وفلانة أَو أَوْلَادِي الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَوْلَادهمْ الْحَفِيد الخ. فَقَوله: الْحَفِيد مفعول بقوله تنَاول، وَظَاهره كالناظم أَن لفظ الذُّرِّيَّة يتَنَاوَل الْحَفِيد وَهُوَ ولد الْبِنْت وَإِن سفل، وَهُوَ ظَاهر التَّعْلِيل بقَوْلهمْ: لِأَن عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عليهما السلام وَهُوَ ولد بنت بِخِلَاف قَوْله حبس على وَلَدي فلَان وفلانة الخ. وَمَا بعده فَإِن ولد الْبِنْت يدْخل إِلَى الطَّبَقَة الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا فَقَط كَمَا مرّ. فَائِدَة: اخْتلف فِيمَن أمه شريفة وَأَبوهُ لَيْسَ كَذَلِك فَأفْتى ابْن مَرْزُوق وناصر الدّين من فُقَهَاء بجاية وَجل فقهائها بِأَنَّهُ شرِيف لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة النَّبِي عليه السلام كَمَا يَشْمَل قَول الْمحبس على ذريتي وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: وَمن ذُريَّته دَاوُد} إِلَى قَوْله عِيسَى} (الْأَنْعَام: 84) فَجعل عِيسَى من الذُّرِّيَّة وَهُوَ ولد بنت، وَأفْتى ابْن عبد الرفيع وَغَيره بِأَنَّهُ لَيْسَ بشريف، وَصرح ابْن عبد السَّلَام بتخطئة من قَالَ بشرفه متمسكاً بِالْإِجْمَاع أَن نسب الْوَلَد إِنَّمَا هُوَ لِأَبِيهِ لَا لأمه. انْظُر الْبُرْزُليّ فِي الأحباس فَإِن أَطَالَ فِي ذَلِك. وَالحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّحْبيسِ قبْلَ حُدُوثِ مَوتٍ أوْ تَفْلِيسِ (والحوز شَرط صِحَة التحبيس) وَكَذَا سَائِر التَّبَرُّعَات من هبة أَو صَدَقَة أَو نحلة إِلَّا أَن ينْعَقد النِّكَاح عَلَيْهَا كَمَا مر فِي قَوْله: ونحلة لَيْسَ لَهَا افتقار إِلَى حِيَازَة الخ. (قبل) مُتَعَلق بالحوز
(حُدُوث موت) أَو مَرضه (أَو تفليس) وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط التحويز وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف الرَّهْن كَمَا مرّ (خَ) : وحيز وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ الخ. والحوز رفع يَد الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ من التَّصَرُّف فِي الْملك ورد ذَلِك إِلَى يَد الْمُعْطى لَهُ أَو نَائِبه من وَكيل أَو مقدم أَو وَصِيّ هَذَا معنى مَا أَشَارَ لَهُ ابْن عَرَفَة فِي حَده، وَهُوَ يُفِيد أَنه وضع الْيَد على الشَّيْء، وَأما الِاسْتِمْرَار وَعَدَمه فشيء آخر فَلَو لم يحزه حَتَّى مَاتَ الْمحبس أَو فلس أَو مرض وَمَات مِنْهُ بَطل كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وبانسحاب نظر الْمحبس الخ. وَكَذَا يبطل أَيْضا بالتفويت من هبة وَبيع وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الْمُقدمَات، وَهُوَ مفَاد (خَ) فِي الْهِبَة حَيْثُ قَالَ: أَو وهب لثان وَحَازَ. وَقَالَ فِي بيعهَا: وَإِلَّا فالثمن للمعطي رويت بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا وَهَذَا فِي الْهِبَة، وَأما فِي الْحَبْس فَإِن الثّمن يكون للمحبس كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه. وَهُوَ الْجَارِي على مَا يَأْتِي فِي الْجُزْء الْمشَاع من أَنه يَجْعَل ثمنه فِي مثله ندبا، وَأما الصَّدَقَة فَإِن الثّمن يكون للمعطى لَهُ، وإلاَّ كَانَ كَالْكَلْبِ الْعَائِد فِي قيئه كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن يَصح قَبضه وَمَا قبض، فَلَا بُد من مُرَاجعَة مَا يَأْتِي هُنَاكَ إِن شَاءَ الله، وَالْمذهب أَنه لَا بُد فِيهِ من المعاينة وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَار بالحوز من الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ بِخِلَاف التصيير فَيَكْفِي فِيهِ الْإِقْرَار لوُجُود المعاينة فِيهِ، فَلَو قَالُوا فِي الْوَثِيقَة حوزاً تَاما وَلم يَقُولُوا مُعَاينَة لم يكف ذَلِك لِأَنَّهُ مُحْتَمل للمعاينة وَالْإِقْرَار فَإِن كَانَ الشُّهُود أَحيَاء استفسروا وَإِن مَاتُوا بَطل الْوَقْف إِلَّا أَن يَكُونُوا من الْعلمَاء العارفين بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فَيصح قَالَه العبدوسي، فَلَو وجد الْحَبْس بيد الْمحبس عَلَيْهِ بعد حُصُول الْمَانِع وَادّعى أَنه حازه قبله فَإِنَّهُ لَا يصدق اتِّفَاقًا عِنْد ابْن رشد إِلَّا أَن تقوم لَهُ بَيِّنَة على دَعْوَاهُ كَمَا مرَّ فِي الرَّهْن، وَظَاهره أَن الْحَوْز شَرط سَوَاء كَانَ على معِين أم لَا. كالفقراء والمساجد وَهُوَ كَذَلِك (خَ) عاطفاً على المبطلات أَو لم يخل بَين النَّاس وَبَين كمسجد الخ. ثمَّ مَا تقدم من أَن الِاسْتِمْرَار وَعَدَمه شَيْء آخر الخ. هُوَ الَّذِي للقرافي فِي الْفرق الثَّامِن وَالْعِشْرين والمائتين قَالَ فِيهِ: إِذا شهِدت بيِّنة بالحيازة قبل الْمَوْت وَشهِدت الْأُخْرَى بِرُؤْيَتِهِ يَخْدمه فِي مرض الْمَوْت قدمت بيِّنة عدم الْحَوْز إِذا لم تتعرض الْأُخْرَى لاستمراره اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: فَإِن قَامَ وَصِيّ على أَيْتَام فَأثْبت أَن أباهم كَانَ أوقف عَلَيْهِم وعَلى أَعْقَابهم ملكا وَأَنه حوزه لغيره فحازه لَهُم بالمعاينة وأعذر إِلَى زَوجته فَأثْبت أَن أباهم لم يزل يعمر الْملك وَيدخل مَا اغتل مِنْهُ فِي مَصَالِحه إِلَى أَن توفّي عَنهُ فأعذر إِلَى الْوَصِيّ فِي شَهَادَة الاعتمار فَلم يَأْتِ بمطعن فَحكم القَاضِي بعد مشورة الْفُقَهَاء بِنَقْض الْحَبْس ورده مِيرَاثا اه. وَذكر فِي هبات المعيار عَن ابْن المكوي أَن بِهَذَا القَوْل الْقَضَاء قَائِلا: إِلَّا أَن تشهد بَيِّنَة للْمَوْهُوب لَهُ أَنه حَاز الْهِبَة سنة اه. وَنَقله أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي التَّحْرِير لمسائل التصيير، وَظَاهر هَذِه النُّصُوص أَنه لَا فرق بَين أَن يَقُولُوا إِنَّه رَجَعَ لوقفه قبل السّنة أَو أبهموا ذَلِك كَمَا ترى، وَأَنه يحمل أمره عِنْد الْإِبْهَام على أَنه رَجَعَ قبل السّنة كَمَا قَالَه الوانشريسي كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ. وَبِه أجَاب سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي فِي نوازله قَائِلا إِن الأَصْل فِي هَذَا الْحَوْز الَّذِي شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة الأولى الِاسْتِصْحَاب، لَكِن ذَلِك حَيْثُ لم يُعَارض وَهَهُنَا قد عارضته شَهَادَة اللفيف أَن الْوَاهِب مَا فَارقه قطّ وَلَا رفع يَده عَنهُ مُدَّة من سنة وَنَحْوهَا قَالَ: وَهُوَ مَحْمُول
عِنْد جهل التَّارِيخ أَنه رَجَعَ قبلهَا قَالَه الوانشريسي اه بِاخْتِصَار. وَانْظُر مَا تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ آخر الشَّهَادَات، وَمَا للشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته فِي بَاب الْهِبَة من رد مَا للفاسي والوانشريسي لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل لَهُ على ذَلِك فِي نَقله، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد مَا بِهِ الْقَضَاء وَعَلِيهِ الحكم كَمَا مرَّ عَن المعيار والمتيطية وَإِن وجد مَا يُخَالِفهُ فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم من بطلَان الْحَبْس بِعَدَمِ الْحَوْز إِنَّمَا هُوَ إِذا حبس فِي الصِّحَّة، فَإِن حبس فِي الْمَرَض أَو وهب فِيهِ فَهُوَ وَصِيَّة ينفذ مِنْهُ مَا حمله ثلثه، وَكَذَا كل مَا يَفْعَله الْمَرِيض فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ من بت عتق أَو صَدَقَة هُوَ فِي ثلثه إِلَّا أَن يَصح من مَرضه فَينفذ إِن حيّز عَنهُ قَالَه مَالك وَأَصْحَابه، وَمثله من حبس فِي صِحَّته أَو وهب فِيهَا وَقَالَ: ينفذ بعد الْمَوْت أَو قَالَ هبة صرفهَا من مَاله حَيّ أَو مَاتَ، فَإِن ذَلِك يكون فِي الثُّلُث إِن كَانَ الْمَوْهُوب أَو الْمحبس عَلَيْهِ غير وَارِث قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. الثَّانِي: مُرَادهم بالمعاينة بِالنِّسْبَةِ للعقار التطوف عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ من سَائِر جهاته وَإِن لم تعاين الْبَيِّنَة حرثه للْأَرْض وَلَا نُزُوله فِيهَا وَلَا قطف ثمار الْأَشْجَار وَلَو مَاتَ بعد ذَلِك قبل إبان الحراثة أَو بعده لم يضر، وَكَذَلِكَ الدَّار إِذا عاينوها فارغة وخلى بَينهَا وَبَين الْمحبس عَلَيْهِ بِقَبض مفاتحها وَنَحْو ذَلِك فَذَلِك حِيَازَة، وَإِن لم يعاينوا سُكْنى الْمحبس عَلَيْهِ فِيهَا بِهَذَا جرى الْعَمَل والفتيا قَالَه ابْن الْعَطَّار وَغَيره. وَإِذا حيّز الْحَبْس بإكرائه أَو بِعقد الْمُزَارعَة فِيهِ أَو مساقاته إِن كَانَ مِمَّا يسقى كَانَ حِيَازَة تَامَّة وَاسْتغْنى بذلك عَن الْحِيَازَة بِالْوُقُوفِ على الأَرْض ونزول الْمحبس عَلَيْهِ فِيهَا على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَإِنَّمَا لم يكتف عَن المعاينة بِإِقْرَار الْمحبس لِأَن المنازع فِي صِحَة الْحَبْس أما الْوَارِث أَو الْغَرِيم فَلَو اكْتفى فِي ذَلِك بِالْإِقْرَارِ لزم قبُول إِقْرَار الْإِنْسَان على غَيره وَهُوَ بَاطِل إِجْمَاعًا. لحائِزِ القَبْضِ وَفِي المَشْهورِ إِلَى الوَصِيَّ القَبْضُ للمَحْجُورِ (لجائز الْقَبْض) يتَعَلَّق بقوله الْحَوْز أَي والحوز لجائز الْقَبْض وَهُوَ الرشيد شَرط صِحَة التحبيس الخ. وَمَفْهُومه أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ من صبي وسفيه لَا يَصح حوزه وَهُوَ مُقْتَضى قَوْله:(وَفِي الْمَشْهُور إِلَى الْوَصِيّ) يَجْعَل (الْقَبْض للمحجور) وَلَكِن سَيَأْتِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. فَمَا ذكره هُنَا لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ مَا يَأْتِي من نُفُوذ حيازته، وَمُقَابِله لإسحاق بن إِبْرَاهِيم التجِيبِي أَنه لَا يَصح قبض الْمَحْجُور لنَفسِهِ وَنَحْوه للباجي فِي وثائقه. قَالَ ابْن رشيد: وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ لَهُ ولي وإلاَّ صحت حيازته لنَفسِهِ اتِّفَاقًا. ويُكْتَفَى بِصحَّةِ الإشْهَادِ إنْ أَعْوَزَ الحوزُ لِعَذْرٍ بَادِي
(ويكتفى بِصِحَّة الْإِشْهَاد) على الْحَوْز (إِن أعوز) أَي تعذر (الْحَوْز) الْحَقِيقِيّ من التطوف بِالْأَرْضِ وَنَحْوه (لعذر باد) قَالَ فِي كتاب الْهِبَة من الْمُدَوَّنَة: وَمن تصدق على رجل بِأَرْض فَإِن كَانَ لَهَا وَجه تحاز بِهِ من كِرَاء تكرى أَو حرث تحرث أَو غلق تغلق، فَإِن أمكنه شَيْء من ذَلِك فَلم يَفْعَله حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَلَا شَيْء لَهُ، وَإِن كَانَت أَرضًا قفاراً أَي خَالِيَة مِمَّا لَا تحاز بغلق وَلَا إكراء وَلَا أَتَى لَهَا إبان حرث تزرع فِيهِ أَو تمنح أَو يحوزها بِوَجْه يعرف حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ نَافِذَة وحوز هَذِه الْإِشْهَاد، وَإِن كَانَت دَارا حَاضِرَة أَو غَائِبَة فَلم يحزها حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي بطلت وَإِن لم يفرط لِأَن لَهَا وَجها تحاز بِهِ اه. قَالَ فِي الْبَيَان: فرق ابْن الْقَاسِم بَين الدَّار الغائبة وَالْأَرْض الَّتِي لَا تمكن حيازتها فَقَالَ فِي الدَّار: إِنَّهَا بَاطِلَة إِذا لم يخرج لحوزها. وَقَالَ فِي الأَرْض: إِن مَاتَ الْمُتَصَدّق قبل إِمْكَان حيازتها اكْتفى بِالْإِشْهَادِ فِيهَا وَلم تبطل، وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى فَهُوَ اخْتِلَاف من قَوْله اه بِاخْتِصَار. وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره مُسلما، وبمثله أجَاب أَعنِي ابْن رشد لما سُئِلَ عَمَّن تصدق على ابْن لَهُ كَبِير بأملاك مُشْتَمِلَة على أَرض وحديقة أعناب ودور وأرحى وَأشْهد بذلك وَحَازَ الابْن بَعْضهَا وَالْبَاقِي لم يتطوف عَلَيْهِ وَلَا خرج إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي قطر مخوف من الْعَدو أهلكه الله لَا يَأْمَن فِيهِ من دخله وَلَا يجتاز عَلَيْهِ أحد إِلَّا على غرر ومخافة شَدِيدَة، وَالْأَب الْمَذْكُور لم يعْتَمر هَذَا الْموضع الْمخوف مُنْذُ ثَلَاثِينَ عَاما لهَذَا الْغرَر، ثمَّ مَاتَ الْأَب قبل أَن يحوز الْوَلَد هَذَا الْموضع الْمخوف بتطوف الشُّهُود عَلَيْهِ. فَقَالَ: إِذا حَال الْخَوْف اكْتفى بِالْإِشْهَادِ وَلَا تبطل الصَّدَقَة إِذا مَاتَ قبل إِمْكَان الْوُصُول إِلَيْهَا. هَذَا معنى مَا فِي الْمُدَوَّنَة اه. من أجوبته بِاخْتِصَار. قلت: وفتواه هَذِه جَارِيَة على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة سَوَاء ألحقنا الدَّار بِالْأَرْضِ كَمَا هُوَ ظَاهره أَو ألحقنا الأَرْض بِالدَّار، لِأَن قَول الْمُدَوَّنَة: وَإِن لم يفرط الخ. مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يتهيأ لِلْخُرُوجِ أَو التَّوْكِيل كَمَا فِي الْبَيَان، فَعدم التَّفْرِيط حِينَئِذٍ صَادِق بالتهيء لِلْخُرُوجِ وَالتَّوْكِيل وباليأس من الْوُصُول إِلَى تِلْكَ الْأَمْلَاك، وَالَّذِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: أَنه لَيْسَ بِعُذْر هُوَ الأول دون الثَّانِي لِأَن التهيء وَالتَّوْكِيل لما حصل الْيَأْس من الْوُصُول إِلَيْهِ عَبث وَالْخُرُوج إِلَيْهِ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق فَالْأول فِيهِ نوع مَا من التَّفْرِيط إِذْ لَا خوف فِيهِ بِخِلَاف الثَّانِي، وَبِهَذَا كُله يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني هَذِه الْفَتْوَى وَقَالَ تبعا لِابْنِ رحال: أَنَّهَا مَبْنِيَّة على القَوْل بِأَن عدم التَّفْرِيط فِي الْحَوْز لَا يضر وَهُوَ قَول أَشهب، ومذهبها أَنَّهَا مضرَّة فرط أَو لم يفرط فَلَا تغتر بذلك الِاعْتِرَاض أصلا إِذْ لَا يظْهر لَهُ وَلَا للبحث مَعَ ابْن رشد وَجه. وَقد تقرر من كَلَامهم أَن الْبَحْث لَا يدْفع الْفِقْه وَالله أعلم. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: أَو يحوزها بِوَجْه يعرف الخ. يَعْنِي بالتطوف عَلَيْهَا كَمَا تقدم أَنه بِهِ الْعَمَل أَي وَلَا أَتَى لَهَا إبان يحوزها فِيهِ الخ.
وَيَنْفُذُ التَّحْبِيسُ فِي جَمِيعِ مَا مُحَبِّسٍ لِقَبضِهِ قَدْ تَقَدَّمَا (وَينفذ التحبيس) وَيتم (فِي جَمِيع مَا) أَي حبس (محبس) بِكَسْر الْبَاء (لقبضه قد تقدما) بِفَتْح الدَّال كَانَ الْحَبْس على غير معِين كالمساجد وَنَحْوهَا أَو على معِين وَلَو رشيدا حَاضرا فَإِذا قدم الْمحبس من يحوزه للمعين أَو غَيره جَازَ وَصَحَّ فيهمَا وَإِن لم يقدم وأبقاه بِيَدِهِ بَطل فيهمَا، وَمَفْهُوم التحبيس أَنه فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لَا ينفذ بِتَقْدِيم الْوَاهِب والمتصدق على الْحَوْز، وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ حَاضرا رشيدا فَهُوَ مِيرَاث إِلَّا أَن يحوزه لنَفسِهِ قبل الْمَانِع فَإِن كَانَ غَائِبا أَو مَا فِي مَعْنَاهُ كالمحجور وَلَو سَفِيها أَو عبدا أَو كالمساجد والفقراء صَحَّ تَقْدِيمه، وَلَو كَانَ للمحجور ولي وَقدم الْوَاهِب غَيره كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن وهب لصغير هبة وَقدم من يحوز لَهُ إِلَى أَن يبلغ فَذَلِك حوز كَانَ لَهُ أَب أَو وَصِيّ أَو لم يكن لِأَن هَذَا إِنَّمَا قدم من يحوزها خوف أَن يأكلها لَهُ الْوَلِيّ اه من الْمواق عِنْد قَوْله فِي الْحجر وَالْوَلِيّ الْأَب الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَإِن قدم الْوَاقِف من يحوز لَهُ جَازَ، وَفِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة يجوز للْغَائِب فَقَط اه. وَالْفرق بَين الْهِبَة وَالْحَبْس أَن الْحَبْس لَيْسَ بِتَمْلِيك وَإِنَّمَا هُوَ إِجْرَاء غلَّة، وَأما الْملك فَهُوَ للْوَاقِف بِخِلَاف الْهِبَة، وَإِذا قدم الْأَب وَنَحْوه من يحوز للصَّغِير فَلَيْسَ لَهُ هُوَ أَن يحوز لَهُ بعد ذَلِك لِأَنَّهُ لما قدم الْغَيْر على حيازته صرفه عَنهُ وَأسْقط حَقه مِنْهَا، فَإِن عَاد إِلَى حيازته بَطل كَمَا فِي ابْن عَرَفَة قَالَ: وَلَو أشهد حِين رُجُوعهَا لَهُ أَن يحوزها لَهُ فَفِي صِحَّتهَا مُطلقًا أَو إِن وجد بِمن حازها لَهُ سفه أَو سوء ولَايَة. قولا مطرف وَابْن الْمَاجشون مَعَ أصبغ اه. وَمَفْهُوم قَوْله: محبس قد قدما أَنه إِذا وكل الْمحبس عَلَيْهِ من يقبضهُ لَهُ جَازَ بالأحرى، لِأَن قبض الْوَكِيل كقبض مُوكله وَسَوَاء كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَهل يَكْفِي قبض غَيره لَهُ بِغَيْر تَوْكِيل؟ قَولَانِ. فَقَالَ مطرف: يَصح، وَقَالَ أصبغ وَرَوَاهُ ابْن الْقَاسِم: لَا يَصح إِلَّا بتوكيل قَالَه فِي ضيح، وَنَحْوه فِي بَاب الْهِبَة من الشَّامِل، وَيفهم من الْعزو أَن الثَّانِي هُوَ الرَّاجِح وَإِن كَانَ ظَاهر قَول النَّاظِم فِي الْهِبَة: وحوز حَاضر لغَائِب إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ بهَا قد أنفذا أَنه درج على قَول مطرف، لَكِن من الْمَعْلُوم أَن قَول الإِمَام مقدم على قَول غَيره، وَعَلِيهِ فَإِذا وهب على ولديه الرشيدين فحازها أَحدهمَا لنَفسِهِ ولأخيه بِغَيْر إِذن الْأَخ، ثمَّ مَاتَ هَذَا الْأَخ فوهب الْأَب الْجَمِيع للحائز الأول وَحَازَ حوزاً ثَانِيًا فَإِنَّهُ لَا شَيْء لأَوْلَاد الْأَخ الَّذِي لم يُوكل على الْحَوْز، وَكَذَا لَو كَانَ حَيا ووهب الْأَب نصِيبه للْأولِ كَمَا مرَّ فِي قَول (خَ) أَو وهب لثان وَحَازَ،
وَمحل الْقَوْلَيْنِ إِذا كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ مِمَّن يعْتَبر إِذْنه وتوكيله، وَأما من لَا يعْتَبر إِذْنه كالمحجور وَلَو عبدا فَإِنَّهُ يَصح حوز الرشيد لنَفسِهِ وَلمن مَعَه من مَحْجُور عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ: والأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ وَجَبْ مَعَ اشْتِرَاكٍ وبِتَقدِيمٍ مِنْ أبْ (وَالْأَخ) الرشيد مُبْتَدأ (للصَّغِير) يتَعَلَّق بقوله (قَبضه) وَقَوله (وَجب) خبر عَن الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول (مَعَ اشْتِرَاك) فِي شَيْء حبس أَو وهب عَلَيْهِمَا (وبتقديم من أَب) عطف على مَعَ اشْتِرَاك وَلَا مَفْهُوم لَهُ بل لَو حازه الْكَبِير بِغَيْر تَقْدِيم لصَحَّ كَمَا مر، وَلِأَن الْأَب لَو امْتنع من التَّقْدِيم رَأْسا لَا جبر عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) وَخير وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو عبد الله المجاصي فِي نوازله: إِن التَّوْكِيل من الْأَب لَيْسَ بِشَرْط وَإِن أوهمته عبارَة العاصمية وَمن تقدمه وَلكنه مُسْتَحبّ فَقَط اه. وَمَفْهُومه أَنه إِذا قبض الْأَخ الرشيد حِصَّته وَحَازَ الْأَب حِصَّة الصَّغِير على الشُّيُوع بَينهمَا لم يَصح كَمَا قَالَ: وَالأَبُ لَا يقبِضُ للصَّغيرِ مَعْ كبيرِهِ وَالْحُبْسُ إرْثٌ إنْ وَقَعْ (وَالْأَب لَا يقبض للصَّغِير) وَمن فِي مَعْنَاهُ من سَفِيه وَعبد (مَعَ كبيره وَالْحَبْس) جَمِيعه (إِرْث إِن وَقع) ذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، والمفيد والدر النثير وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَمثل هَذَا يجْرِي فِي الْهِبَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَللْأَب التَّقْدِيم للكبير الخ. قلت: وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده من أَن الشُّيُوع لَا يُنَافِي الْإِقْبَاض على الْمَشْهُور من الْقَوْلَيْنِ فالجاري عَلَيْهِ أَن قبض الْأَب للصَّغِير مَعَ الْكَبِير صَحِيح كَمَا يَقُوله مُقَابل الْمَعْمُول بِهِ وَقد يُقَال بِأَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي فعل مقدوره إِذْ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى حوز الْجَمِيع بِخِلَافِهَا هُنَا. إلاّ إذَا مَا أمْكَنَ التّلَافِي وصُحِّحَ الحَوْزُ بِوَجْهٍ كافِي (إِلَّا إِذا مَا أمكن التلافي وَصحح الْحَوْز) من الْكَبِير أَو من مَحْجُور عَلَيْهِ قبل حُصُول الْمَانِع (بِوَجْه كَاف) من التطوف على الأَرْض أَو إخلاء الدَّار وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ عِنْد قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ وَسَيَأْتِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. فحوز الصَّغِير مَعَ الْكَبِير صَحِيح كَمَا يَأْتِي: وإنْ يُقَدِّمْ غَيْرَه جازَ وَفِي جُزْءٍ مُشاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفي (وَإِن يقدم) الْأَب (غَيره) أَي الْكَبِير ليحوز مَعَه نصيب الصَّغِير (جَازَ) كَمَا فِي المتطية
وَغَيرهَا (وَفِي) تحبيس (جُزْء مشَاع) مَعَ غير الْمحبس أَو مَعَه (حكم تحبيس) مُبْتَدأ خَبره (قفي) أَي اتبع وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بِهِ، أَي: لَهُ حكم تحبيس غير الْمشَاع فِي الْجَوَاز وَوُجُوب الْحِيَازَة وَنَحْو ذَلِك، لَكِن إِذا حبس مشَاعا مَعَ غَيره كَنِصْف دَار يملكهُ فَإِن كَانَت تقبل الْقِسْمَة قسمت وأجبر الْوَاقِف عَلَيْهَا إِن أرادها الشَّرِيك، وَإِن لم تقبلهَا لم يجز التحبيس ابْتِدَاء إِلَّا بِإِذن شَرِيكه فَإِن حبس دون إِذْنه أَو مَعَ إبايته فَقَوْلَانِ. الْبطلَان لما على الشَّرِيك من الضَّرَر لتعذر البيع وفقد من يصلح مَعَه، وَالثَّانِي الصِّحَّة وَعَلِيهِ فَيجْبر الْوَاقِف على البيع إِذا أَرَادَهُ الشَّرِيك وَيجْعَل ثمن حِصَّته فِي مثل وَقفه، وَهل ندبا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، أَو جبرا وَهُوَ قَول عبد الْملك، وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: ووقف جُزْء شَائِع لَا يَنْقَسِم من غير إِذن من شَرِيكه علم وَحَيْثُ لم يرض يُبَاع وَالثمن فِي مثله يَجْعَل جبرا حَيْثُ عَن هَذَا حكم الْمشَاع مَعَ الْغَيْر، وَأما الْمشَاع مَعَه فَفِي الْمُنْتَخب عَن أصبغ قَالَ: سَمِعت ابْن الْقَاسِم يَقُول فِيمَن تصدق عَن ابْن لَهُ صَغِير بِنصْف غنمه أَو ثلثهَا أَو عَبده أَو دَاره أَن ذَلِك جَائِز وحوز الْأَب فِيهِ حوز تَامّ اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن اللؤْلُؤِي، وَسَوَاء كَانَت لَهُ غلَّة كالرحى والفرن وَنَحْوهمَا أَو كَانَ للسُّكْنَى. قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: من تصدق بِسَهْم مِمَّا لَا يَنْقَسِم كالفرن وَالْحمام وَلَا يتَجَزَّأ إِلَّا بخراب أَصله وَكَانَ لَهُ غلَّة فَإِن قبض الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ الْغلَّة فِي حَيَاة الْمُتَصَدّق مَضَت صدقته وتمت حيازته اه. . وَهَذَا على أَن الشُّيُوع لَا يُنَافِي الْقَبْض، وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ: إِن هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، لَكِن الرشيد لَا بُد أَن يتَصَرَّف مَعَ الْمحبس أَو الْوَاهِب بِخِلَاف الْمَحْجُور، فَإِن حوز الْأَب لَهُ كَاف وَأَحْرَى لَو تصرف مَعَ الْوَاهِب أَيْضا لِأَن الصَّغِير يحوز لنَفسِهِ على الْمَشْهُور كَمَا قَالَ: ونافِذٌ مَا حازَهُ الصَّغيرُ لِنَفْسِهِ وبالِغٌ مَحْجُورُ (ونافذ مَا حازه الصَّغِير) من الْحَبْس وَسَائِر العطايا (لنَفسِهِ و) أَحْرَى مَا حازه من ذَلِك
(بَالغ مَحْجُور) عَلَيْهِ لِأَن الْقَصْد خُرُوج ذَلِك من يَد الْمحبس وَذهب إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم التجِيبِي إِلَى عدم نُفُوذه وَنَحْوه للباجي فِي وثائقه، وَمحل الْخلاف إِن كَانَ لَهُ ولي وَإِلَّا جَازَت حيازته اتِّفَاقًا كَمَا تقدم عَن ابْن رَاشد وَظَاهر قَوْله: ونافذ الخ أَنه يكره ابْتِدَاء وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ زرب. (تَنْبِيه:) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا سكن الْأَب دَارا تصدق بهَا على صغَار بنيه دونهم حَتَّى مَاتَ بطلت الصَّدَقَة، وَإِن سكنها وهم مَعَه فَظَاهر قَول مَالك إِنَّهَا تبطل أَيْضا. وَقَالَ ابْن حبيب: تتمّ لَهُم الْحِيَازَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا سكن مَعَهم لحضانته لَهُم اه. وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ الْمَحْجُور مِمَّن يعقل أمره وَأشْهد أَنه يتَوَلَّى الْحِيَازَة لنَفسِهِ فَلَا يضرّهُ سُكْنى الْمُتَصَدّق مَعَه على مَا لِابْنِ حبيب وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم غَيره. وبانْسِحابِ نَظَرِ المُحَبِّس لِلْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحُبُسِ (وبانسحاب نظر الْمحبس) واستمراره على الْحَبْس وَنَحْوه (للْمَوْت) أَي إِلَى حُصُول الْمَانِع لَهُ من الْمَوْت والفلس وَمرض الْمَوْت (لَا يثبت حكم الْحَبْس) وَيبْطل جملَة لعدم حيازته سَوَاء كَانَ على معِين كزيد أَو على غَيره كالفقراء وَالْمَسَاكِين وَلَا يكون فِي ثلث وَلَا غَيره إِلَّا أَن يَقُول: هُوَ حبس أَو هبة صرفه من مَاله حييّ أَو مَاتَ فَإِنَّهُ يكون فِي الثُّلُث إِن لم يحزه كَمَا تقدم عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَانْظُر مَا يماثله فِي شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: وَالْوَقْف من رَأس مَاله إِن وَقع فِي الصِّحَّة وَإِلَّا فَمن الثُّلُث الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ: لِأَن الشَّرْط يلْزم من عَدمه الْعَدَم فَيلْزم من عدم الشَّرْط الَّذِي هُوَ الْحَوْز عدم صِحَة الْحَبْس وَنَحْوه. تَنْبِيه: إِذا قَالَ الرجل لوَلَده: أصلح نَفسك وَتعلم الْقُرْآن وَلَك الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة أَو قَالَ لزوجته النَّصْرَانِيَّة: أسلمي وَلَك دَاري وَأشْهد بذلك كُله، فَأسْلمت الزَّوْجَة وَأصْلح نَفسه الْوَلَد وَتعلم الْقُرْآن فَإِن ذَلِك يكون لَهما وَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة على مَا رَجحه ابْن رشد، لِأَن ذَلِك ثمن الْإِسْلَام والتعلم، وَبِه جزم صَاحب الْمعِين، وَحكى مُقَابِله بقيل بِصِيغَة التمريض رَاجعه فِي أواثله، وَانْظُر (ح) فِي بَاب الْهِبَة وَفِي الْبَاب الثَّالِث من التزاماته. وَمَنْ لِسُكْنَى دَارِ تَحْبيسٍ سَبَقْ تضيقُ عَمَّنْ دُونَه بِهَا أَحَقْ (وَمن) مُبْتَدأ (لسكنى دَار تحبيس) يتَعَلَّق بقوله (سبق) وَالْجُمْلَة صلَة مَا وَجُمْلَة (تضيق عَمَّن
دونه) صفة لدار أَو حَال وَقَوله (بهَا) يتَعَلَّق بقوله (أَحَق) وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة خبر من أَي من سبق لدار الْحَبْس بِالسُّكْنَى بِوَصْف الأحوجية وَقد ضَاقَتْ عَمَّن دونه فَهُوَ أَحَق بهَا وَلَا كِرَاء عَلَيْهِ لغيره، وَظَاهره وَإِن صَار غَنِيا عَن السُّكْنَى بهَا والغير مُحْتَاج إِلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ سكن بِوَجْه جَائِز فَلَا يرْتَفع الحكم بارتفاع سَببه الَّذِي هُوَ الأحوجية لِأَن عودتها لَا تؤمن، وَظَاهره سكن بِأَمْر الْحَاكِم أَو بَادر إِلَى ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك إِذا سكن بِاسْتِحْقَاق وصف الأحوجية كَمَا قَررنَا. وَأما إِذا بَادر بَعضهم إِلَى السُّكْنَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك بابتداره، وَلَكِن ينظر الإِمَام أحوجهم وأقربهم كَمَا فِي ضيح عَن ابْن كنَانَة، وَظَاهره أَيْضا كَانَت حبسا على من لَا يحاط بهم كالفقراء وطلبة الْعلم أَو على قوم وَأَعْقَابهمْ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك فِي الْحَبْس على الْقَوْم وَأَعْقَابهمْ أَو على أَوْلَاده وَأَوْلَاد فلَان بِنَاء على إِلْحَاق فلَان بِغَيْر المعينين فَإِن عينهم فَحق من لم يسكن بَاقٍ حضر أَو غَابَ فَيَأْخُذ واجبه من كرائه، وَأما على من لَا يحاط بهم فَإِن من اسْتغنى مِنْهُم يخرج لغيره كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد قَالَ: وَمن اسْتحق مسكنا من حبس هُوَ على الْفُقَرَاء لفقره أخرج مِنْهُ أَن اسْتغنى اه. وَبِالْجُمْلَةِ: فالمحبس إِن حبس على من لَا يحاط بهم فَإِن كَانَ لوصف خَاص كَطَلَب الْعلم والغزو والتدريس وَسكن أحدهم فَلَا يخرج وَإِن اسْتغنى لِأَن الْوَصْف لَا زَالَ قَائِما فَإِن زَالَ الْوَصْف الْمحبس لأَجله أخرج كالفقر والمسكنة يزولان وَطلب الْعلم والغزو يتركان، وَنَحْو ذَلِك فالمدار على زَوَال الْوَصْف الْمحبس لأَجله وَعدم زَوَاله، وَبِه يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ الْبنانِيّ على طفي، وَمحل مَا تقدم إِذا لم يكن هُنَاكَ شَرط من الْوَاقِف وإلاّ فَيتبع (خَ) : وعَلى من لَا يحاط بهم أَو على قوم وَأَعْقَابهمْ أَو على كولده وَلم يعينهم فضل الْمُتَوَلِي أهل الْحَاجة والعيال فِي غلَّة وسكنى وَلم يخرج سَاكن لغيره إِلَّا لشرط أَو سفر انْقِطَاع أَو بعيد. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُنْتَخب: إِذا استبد الذُّكُور بالاغتلال زَمَانا ظنا مِنْهُم أَن لَا حق للنِّسَاء فِي الْحَبْس، ثمَّ علم النِّسَاء أَن لَهُنَّ حَقًا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يرجع النِّسَاء على الذُّكُور بنصيبهن من الْغلَّة فِيمَا مضى كمن سكن فِي الدَّار المحبسة ثمَّ قدم غَيره اه. وَنَحْوه فِي الْمُقدمَات قَائِلا: إِذا استغل بعض الْحَبْس عَلَيْهِم وهم يرَوْنَ أَنهم ينفردون بِهِ أَو سكنوه فَإِنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهِ الطارىء بِشَيْء من الْغلَّة وَلَا بالسكن على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَقيل: يرجع عَلَيْهِم بالغلة وَالسُّكْنَى وَهُوَ الْقيَاس اه. وَفهم من قَوْله ظنا مِنْهُم الخ
…
وَقَوله: وهم يرَوْنَ أَنهم ينفردون بِهِ الخ
…
أَنهم إِذا علمُوا بِأَن للْغَيْر حَقًا فِيهِ فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِم وَفِي أحباس المعيار أَن من أخْفى رسم الْحَبْس ظلما وَكَانَ
يتَصَرَّف فِي الْغلَّة وَحده فَإِن غَيره يرجع عَلَيْهِ. ومَن يَبيعُ مَا عَليْهِ حُبِّسا يُرَدُّ مُطْلَقاً ومعْ عِلْمٍ أسا (وَمن يَبِيع مَا) أَي شَيْئا (عَلَيْهِ حبسا يرد) بَيْعه وَيفْسخ (مُطلقًا) فَاتَ بهدم أَو بِنَاء أَو خُرُوج من يَد أم لَا كَمَا فِي (ح) آخر الِاسْتِحْقَاق: علم البَائِع بِكَوْنِهِ حبسا أم لَا كَانَ بَائِعه مُحْتَاجا أم لَا إِلَّا إِذا جعل لَهُ البيع فِي أصل التحبيس كَمَا مرَّ فِي اتِّبَاع شَرط الْمحبس (و) إِذا بَاعه (مَعَ علم) بتحبيسه عَلَيْهِ فَيكون قد (أسا) ء وأثم فيعاقب بالأدب والسجن عِنْد ثُبُوت علمه بِهِ إِذا لم يكن لَهُ فِي بَيْعه عذر يعْذر بِهِ قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَلَعَلَّ مُرَاده بالعذر أَنه ادّعى جهل عدم جَوَاز بيع الْحَبْس أَو ادّعى أَنه بَاعه لفاقته واضطراره الَّذِي يُبِيح لَهُ أكل الْميتَة وَنَحْو ذَلِك. وَالخلْفُ فِي الْمُبْتَاع هلْ يَعْطِي الكِرا واتَّفَقُوا مَعْ عِلْمِهِ قبلَ الشِّرا (وَالْخلف فِي الْمُبْتَاع) الَّذِي لم يعلم بالتحبيس وَهُوَ مَحْمُول على عَدمه عِنْد الْجَهْل استصحاباً للْأَصْل (هَل يُعْطي الكرا) ء وَالْغلَّة وَيرد ذَلِك للمحبس عَلَيْهِ بعد أَن يرجع بِثمنِهِ ويتقاصان أَو لَا يعْطى شَيْئا لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَهُوَ الْمَذْهَب وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي معاوضات المعيار وَنَحْوه فِي (ح) عِنْد قَوْله: لَا صدَاق حرَّة. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي يفِيدهُ (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق بقوله: وَالْغلَّة لذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول للْحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يُعلمهُ. (وَاتَّفَقُوا) أَي جلّ الْفُقَهَاء على رد الْغلَّة والكراء (مَعَ علمه) بالتحبيس (قبل الشرا) ء أَو بعده وَتَمَادَى على استغلاله فَإِنَّهُ يرد غلَّة مَا استغله بعد علمه وَيرد مكيلة الْمثل من ثَمَرَة وَنَحْوهَا إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت، وَقَوْلِي: جلّ الْفُقَهَاء إِشَارَة إِلَى فَتْوَى ابْن سهل بِخِلَاف ذَلِك، وَأَنه لَا يرد الْغلَّة وَإِن علم فِي المُشْتَرِي بالتحبيس. قَالَ الشَّارِح: وفتواه لَا تَخْلُو من نظر لما فِي ذَلِك من تَمْكِين الْمُبْتَاع من غلَّة عقد بَاطِل لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخ بناني فِي فصل الِاسْتِحْقَاق: وَفِيه أَيْضا سلف جر نفعا إِذا علمه بالتحبيس قبل الشِّرَاء دُخُول على فسخ البيع وَرُجُوع الثّمن لَهُ بعد غيبَة البَائِع عَلَيْهِ وَهُوَ سلف وَالْغلَّة مَنْفَعَة فِي السّلف اه. قلت: وَيُجَاب عَن ابْن سهل بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ عقدا بَاطِلا فَاسِدا فَإِن الضَّمَان ينْتَقل فِيهِ بِالْقَبْضِ (خَ) : وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه، وَقد علمت أَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَسَوَاء كَانَ سَبَب الْفساد سلفا بِمَنْفَعَة أَو غَيره. قَالَ الزّرْقَانِيّ: ظَاهر قَوْله وَلَا غلَّة الخ. وَلَو كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْفَسَادِ وَوُجُوب الرَّد اه. . وَقَيده التتائي تبعا للسنهوري بِمَا قبل علمه بِوُجُوب
الرَّد اه. وَاعْتَرضهُ مصطفى وَغَيره بمخالفة الْقَيْد الْمَذْكُور لإِطْلَاق الْمُدَوَّنَة فِي عدم رد الْغلَّة، وَكَذَا ابْن الْحَاجِب وَابْن عبد السَّلَام والتوضيح وَابْن عَرَفَة قَالُوا: وَالْإِطْلَاق هُوَ الْمُوَافق للخراج بِالضَّمَانِ إِذا علمه بِوُجُوب الرَّد لَا يُخرجهُ عَن ضَمَانه. قَالَ طفي: وَلم أر الْقَيْد الَّذِي ذكره التتائي لغيره اه. وَلما ذكر (ح) فِي التزاماته أثْنَاء الْكَلَام على الثنيا أَنه سمع من وَالِده يَحْكِي عَن بعض من عاصره أَنه لَا يحكم للْمُشْتَرِي بالغلة فِي البيع الْفَاسِد إِلَّا إِذا كَانَ جَاهِلا بفساده حَال العقد، وَأما إِن كَانَ عَالما بذلك، وتعمده فَلَا غلَّة لَهُ قَالَ عقبه مَا نَصه: وَلم أَقف على ذَلِك مَنْصُوصا وَظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا فرق بَين الْجَاهِل والعالم، بل قَالَ ابْن سهل فِي أَحْكَامه: الْجَاهِل والعالم فِي البيع الْفَاسِد سَوَاء فِي جَمِيع الْوُجُوه اه. وَالْعلم بِفساد الثنيا يُوجب سلفا جر نفعا كَمَا مرّ فِي فَصله، وَمَعَ ذَلِك قَالُوا: الْغلَّة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَهَذَا كُله يشْهد لما لِابْنِ سهل ويرجحه، وَقد اقْتصر (ح) فِي فصل الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله: لَا صدق حرَّة على مَا لِابْنِ سهل، وَكَذَا الزّرْقَانِيّ فِي الِاسْتِحْقَاق أَيْضا وَعند قَوْله: وَلَا غلَّة تصحبه الخ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن يُونُس: وَمعنى قَوْله عليه السلام: (الْخراج بِالضَّمَانِ) الخ أَن المُشْتَرِي للشَّيْء الَّذِي اغتله لَو هلك فِي يَده كَانَ مِنْهُ وَذهب الثّمن الَّذِي نقد فِيهِ فالغلة لَهُ بضمانه اه. ويَقْتَضِي الثَّمَنَ إِن كَانَ تَلفْ منْ فائِدِ الْمَبِيع حَتَّى يَنْتَصِفْ (و) إِذا رد البيع مَعَ علم المُشْتَرِي أَو مَعَ عَدمه فَإِن المُشْتَرِي يرجع على البَائِع بِالثّمن إِن كَانَ مَلِيًّا وَإِن كَانَ عديماً وَثَبت عَدمه وَحلف أَنه لَا مَال لَهُ فَإِنَّهُ (يَقْتَضِي الثّمن) الَّذِي دَفعه (إِن كَانَ تلف) عِنْد البَائِع وَلَيْسَ لَهُ غَيره (من فائد) أَي غلَّة (الْمَبِيع) يدْفع إِلَيْهِ عَاما بعد عَام حَتَّى يَسْتَوْفِي ثمنه وَذَلِكَ (حَيْثُ يَتَّصِف) البَائِع بِالْحَيَاةِ. وإنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلُ لَا شَيءَ لهُ وَلَيْسَ يَعْدُو حُبْسٌ مَحَلَّهُ (وَإِن يمت) البَائِع (من قبل) أَي قبل استكمال المُشْتَرِي ثمنه فَإِنَّهُ (لَا شَيْء لَهُ) من الثّمن أَو بَاقِيه لِأَن الْحَبْس قد انْتقل لغير البَائِع (وَلَيْسَ يعدو حبس مَحَله) الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ بعد موت البَائِع فَهُوَ كالتعليل أَي: لَا شَيْء لَهُ لِأَن الْحَبْس لَا يعدو مَحَله الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر قَوْله: يرد مُطلقًا أَنه يرد وَلَو كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ بَاعه لخوف الْهَلَاك على نَفسه لمجاعة وَنَحْوهَا، وَبِه أفتى البرقي وَابْن المكوي والفقيه الصديني قَائِلا: وَمَا علمت جَوَاز بَيْعه لما ذكر لأحد من أهل الْعلم وينقض إِن وَقع درج عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل فَقَالَ: بيع الْمحبس على الْمِسْكِين لم يَقع مَعَ الْحَاجة عِنْد من حكم وَأفْتى القَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ بن مَحْسُود بِجَوَاز البيع لخوف الْهَلَاك بِالْجُوعِ وَنَحْوه، وَظَاهره كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ معينا محصوراً أم لَا. وَاسْتشْكل فتواه هَذِه أَبُو زيد سَيِّدي عبد الرَّحْمَن
الفاسي قَائِلا: وَلَا أعرف مُسْتَندا بِهَذِهِ الْفَتْوَى ولعلها اجْتِهَاد. نعم مستندها فِي الْجُمْلَة الْمصَالح الْمُرْسلَة وارتكاب أخف الضررين. قَالَ: وَالْحَاصِل أَن تِلْكَ الْفَتْوَى مِمَّا تندرج بِالْمَعْنَى فِيمَا استثنوه من بيع الْوَقْف لتوسيع الْمَسْجِد وَنَحْوه اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَتَأمل مَا قَالَه الْفَقِيه الصديني وَأَبُو زيد الفاسي مَعَ نقل ابْن رحال، جَوَاز البيع عَن اللَّخْمِيّ وَعبد الحميد وَنَصه: وَمن حبس عَلَيْهِ شَيْء وَخيف عَلَيْهِ الْمَوْت لمثل مجاعَة فَإِن الْحَبْس يُبَاع وَينْفق على الْمحبس عَلَيْهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَعبد الحميد. وَعلل اللَّخْمِيّ ذَلِك بِأَن الْمحبس لَو حضر لَكَانَ إحْيَاء النَّفس عِنْده أولى اه. بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ فَتْوَى البرقي حَيْثُ لَا يغلب على الظَّن الْهَلَاك إِن لم يبع اه. كَلَام ابْن رحال بِاخْتِصَار. وَفِي المعيار عَن العبدوسي أَنه يجوز أَن يفعل فِي الْحَبْس مَا فِيهِ مصلحَة مِمَّا يغلب على الظَّن حَتَّى كَاد يقطع بِهِ أَنه لَو كَانَ الْمحبس حَيا لفعله وَاسْتَحْسنهُ اه. وَذكر ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ فِيمَن حبست على ابْنَتهَا دَنَانِير وشرطت أَن لَا تنْفق عَلَيْهَا إِلَّا إِذا نفست قَالَ: ذَلِك نَافِذ فِيمَا شرطت وَلَو نزلت شدَّة بالابنة حَتَّى خيف عَلَيْهَا الْهَلَاك لأنفق عَلَيْهَا مِنْهَا لِأَنَّهُ قد جَاءَ أَمر يعلم مِنْهُ أَن المحبسة أَرغب فِيهِ من الأول اه. فَهَذَا كُله يُؤَيّد فَتْوَى ابْن مَحْسُود ويرجحها وَيدل على أَنَّهَا أولى بالاتباع وَالْعَمَل وَالله أعلم. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الْمُسْتَحق من يَده الْحَبْس لَا يرد الْغلَّة عَن الْمَذْهَب للشُّبْهَة مَحَله إِذا لم يكن الْمُسْتَحق من يَده يستغل ذَلِك من جِهَة الْوَاقِف بِإِرْث أَو وَصِيَّة، فَإِذا أوصى لشخص بِثُلثِهِ مثلا فاستغل ثمَّ ظهر بعد ذَلِك أَن الْمُوصي كَانَ أوصى لِلْمَسْجِدِ بِالثُّلثِ أَيْضا أَو بعرصة وفدان وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْمُوصى لَهُ يلْزمه كِرَاء مناب الْحَبْس من وَقت انتفاعه إِلَى وَقت ظُهُور الْوَصِيَّة لِلْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْوَارِث إِذا استغل عقار الْمَيِّت زَمَانا ثمَّ قَامَ عَلَيْهِم نَاظر الأحباس بِالْوَصِيَّةِ أَو بِأَن ذَلِك الفدان حَبسه موروثهم وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يلْزمهُم رد الْغلَّة قَالَه فِي المعيار عَن العبدوسي قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة من اسْتحق من يَده ملك بالحباسة وَلم يعلم بهَا أَنه لَا يرجع عَلَيْهِ بالغلة على قَول ابْن الْقَاسِم وَبِه الْعَمَل اه. قَالَ الشَّيْخ الرهوني: وَوَجهه ظَاهر لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة طرُو وَارِث يَحْجُبهُ الطارىء. قَالَ فِي الْمُقدمَات: وَأما مَا لم يؤد فِيهِ ثمنا وَلَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ضَمَان كالوارث يَرث ثمَّ يَأْتِي من هُوَ أَحَق مِنْهُ فَلَا اخْتِلَاف أَنه يرد الْغلَّة اه. وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا تقدم عَن (خَ) لِأَن المُرَاد بالوارث فِي كَلَامه وَارِث ذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول أَو المُشْتَرِي من الْغَاصِب الَّذِي لم يعلم بغصبه كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ شراحه، وَيدل لَهُ قَوْلهم الْخراج بِالضَّمَانِ وَلَا ضَمَان على الْمُوصى لَهُ وَلَا على الْوَارِث الْمَذْكُورين كَمَا تقدم عَن ابْن يُونُس.
وغيْرُ أصْلٍ عَادِمِ النَّفع صُرِفْ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وُقِفْ (و) حبس (غير أصل) كحيوان وَثيَاب من نَعته وَصفته (عادم النَّفْع) فِيمَا حبس عَلَيْهِ وَينْتَفع بِهِ فِي غَيره كفرس حبس على الْجِهَاد صَار بِحَيْثُ لَا ينْتَفع بِهِ فِيهِ وَلَكِن ينْتَفع بِهِ فِي الطَّحْن
وَنَحْوه فَإِنَّهُ يُبَاع و (صرف ثمنه فِي مثله ثمَّ وقف) أَي فِي فرس آخر يصلح للْجِهَاد إِن بلغ ثمنه ذَلِك، فَإِن لم يبلغهُ فَإِنَّهُ يستعان بِهِ فِي مثله (خَ) : وَبيع مَا لَا ينْتَفع بِهِ من غير عقار وَصرف ثمنه فِي مثله أَو شقصه أَي إِن وجد وإلاَّ صرف فِي السَّبِيل وَبيع فضل الذُّكُور وَمَا كبر من الْإِنَاث وَصرف ثمنه فِي إناث الخ
…
وَمَفْهُوم غير أصل أَن الْأُصُول من الدّور وَالْأَرضين لَا يجوز بيعهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور (خَ) : لَا عقار وَإِن خرب الخ. أَي لِأَنَّهُ قد يُوجد من يصلحه بإجارته سِنِين فَيَعُود كَمَا كَانَ، وَمُقَابِله لِرَبِيعَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك أَنه يجوز بيع مَا خرب مِنْهُ، وَبِه أفتى الحفار وَابْن لب وَغَيرهمَا وَعَلِيهِ الْعَمَل قَالَ ناظمه: كَذَا مُعَاوضَة ربع الْحَبْس على شُرُوط أسست للمؤتسي والمعاوضة من قبيل البيع بل قَالَ المكناسي فِي مجالسه: أَن الْجنان إِذا كَانَ لَا تفي غَلَّته بخدمته فَإِنَّهُ يُبَاع ويشترى بِثمنِهِ مثله قَالَ: وَبِه الْعَمَل اه. وَأَصله لِابْنِ الفخار وَيَأْتِي مثله فِي التَّنْبِيه الثَّانِي عَن ابْن عَرَفَة وَعَلِيهِ فَلَا مَفْهُوم للمعاوضة على هَذَا وَإِن كَانَ شَارِح الْعَمَل نقل عَن ناظمه أَن الْعَمَل إِنَّمَا هُوَ بالمعاوضة لَا بِالْبيعِ، وَالظَّاهِر أَنه حَيْثُ لم تُوجد الْمُعَاوضَة فَإِنَّهُ يُصَار للْبيع وَيَشْتَرِي بِثمنِهِ مثله كَمَا قَالَ المكناسي وَغَيره. وَهَذَا أغبط للحبس وَأولى من تَركه للضياع والاندثار. وَشرط الْمُعَاوضَة فِي الْحَبْس أَو البيع أَن يكون خرباً، وَأَن لَا تكون لَهُ غلَّة يصلح بهَا، وَأَن لَا ترجى عودته إِلَى حَالَته بإصلاح أَو غَيره وَأَن لَا يُوجد من يتَطَوَّع بإصلاحه قَالَه فِي المعيار. وَمَفْهُوم عادم النَّفْع أَن مَا فِيهِ نفع للحبس لَا يُبَاع بِحَال وَهُوَ كَذَلِك، وَالْمرَاد النَّفْع التَّام الَّذِي يحصل من أَمْثَاله، وَأما مَا قل نَفعه فَإِنَّهُ يُبَاع ويشترى بِثمنِهِ مَا هُوَ تَامّ النَّفْع كَمَا قَالَه ابْن الفخار وَغَيره: وَمن عادم النَّفْع فيض مَاء الأحباس فَإِنَّهُ يجوز بيعهَا. قَالَ ناظم الْعَمَل: وفيض مَاء حبس يُبَاع وَمَا بِهِ للحبس انْتِفَاع قَالَ فِي شَرحه: وَإِذا جَازَ البيع جَازَ الِاسْتِئْجَار بالأحرى. تَنْبِيهَانِ. الأول: علم من جَوَاز الْمُعَاوضَة وَالْبيع على مَا بِهِ الْعَمَل أَن الْحَبْس يحاز عَلَيْهِ، فَإِذا كَانَت دَار مثلا بيد شخص مُدَّة الْحِيَازَة فَقَامَ عَلَيْهِ نَاظر الأحباس وَأثبت بِالْبَيِّنَةِ العادلة أَنَّهَا حبس، وَادّعى الآخر أَنه عاوضها أَو اشْتَرَاهَا أَو ادّعى ورثته ذَلِك، فَإِن القَوْل للحائز بِيَمِينِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله الخ
…
بل وَكَذَلِكَ لَو لم يكن يَدعِي الْحَائِز عشر سِنِين وَلَا وَارثه شَيْئا لِأَنَّهُ يحمل على أَنَّهَا انْتَقَلت إِلَيْهِ بِوَجْه جَائِز وَلَا تنْزع من يَده مَعَ قيام احْتِمَال انتقالها إِلَيْهِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور مَعَ شدَّة حرص النظار فِي هَذِه الْبَلدة على حفظ الأحباس وَعدم تَركهَا للْغَيْر يتَصَرَّف فِيهَا، وَمُجَرَّد الِاحْتِمَال مَانع من الْقَضَاء إِجْمَاعًا كَمَا لِابْنِ عتاب وَغَيره. وَقَول
الْعَامَّة: الْحَبْس لَا يحاز عَلَيْهِ إِنَّمَا ذَلِك حَيْثُ لم يجز الْعَمَل بالمعاوضة فِيهِ وَالْبيع وإلاَّ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مَا لم يكن الْحَائِز مَعْلُوما بالجاه والكلمة وإلاَّ فَلَا يعْمل بحيازته كَمَا يُوجد من بعض أهل هَذِه الْبَلدة أَيْضا. وَبِالْجُمْلَةِ، فَيجب التثبت فِي مثل هَذَا التثبت التَّام، وَقد عَمت الْبلوى فِي هَذِه الْبَلدة بِكَوْن الرجل يعاوض أَو يسْتَأْجر مَا خرب من الْحَبْس أَو قل نَفعه وتمزق رسوم مَا عاوض بِهِ، وَيَأْخُذ رسم الْمُعَاوضَة وَلَا يكْتب على الْحِوَالَة بِإِزَاءِ مَا وَقعت فِيهِ الْمُعَاوضَة أَن ذَلِك الْمحل انْتقل للرجل بالمعاوضة للاستخفاف بِحُقُوق النَّاس والاتكال على رسم الْمُعَاوضَة الَّذِي بيد الرجل فيضيع رسم الْمُعَاوضَة الَّذِي بِيَدِهِ لطول الْعَهْد وَنَحْو ذَلِك، فَيقوم نَاظر الأحباس عَلَيْهِ أَو على ورثته بِمَا فِي دفتر الأحباس وحوالتها، ويحتج عَلَيْهِ بِأَن الْمحل الَّذِي بِيَدِهِ حبس، وَأَن الْحَبْس لَا يجاز عَلَيْهِ فَلَا يجد الرجل مَا يَدْفَعهُ بِهِ فيأخد النَّاظر المحلين الْمحل الَّذِي دفع الرجل لَهُ لتصرف الْحَبْس فِيهِ الْمدَّة الطَّوِيلَة، وَالْمحل الَّذِي أَخذه بِالِاسْتِحْقَاقِ من الرجل، وَهَذَا كثير وُقُوعه فِي هَذِه الْبَلدة، وَلَا تجدهم يَكْتُبُونَ الْمُعَاوضَة أَو الْجَزَاء والاستئجار بِإِزَاءِ مَا فِي الْحِوَالَة إِلَّا فِي النزر الْقَلِيل. هَذَا كُله لَو كَانَ مَا قَامَ بِهِ النَّاظر ثَابتا فِي الْحِوَالَة بعدلين مَعَ ثُبُوت ملك الْمحبس والحيازة عَنهُ وَادّعى الْحَائِز معاوضته أَو لم يدع شَيْئا على مَا مر بَيَانه، أما إِذا كَانَ فِي الْحِوَالَة مُجَرّد زِمَام فَقَط كَمَا هُوَ غالبها فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِهِ بِحَال على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا قَالَ الْبُرْزُليّ فِيمَا يُوجد مَكْتُوبًا على ظهر الْكتب أَنَّهَا حبس، أَو على فَخذ الْفرس أَنَّهَا حبس قَالَ: لَا يعْمل بذلك على مَا بِهِ الْعَمَل إِلَّا إِذا ثَبت أصل تحبيسه بعدلين معروفين، وَثَبت أَن الأَصْل كَانَ ملكا للمحبس إِلَى أَن حَبسه وَثبتت حيازته عَنهُ، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَلَا فرق بَين مَا فِي الْحِوَالَة من أَن الْمحل الْفُلَانِيّ حبس، وَبَين مَا يكْتب من التحبيس على ظهر أوراق الْكتاب أَو فَخذ الْفرس، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يزِيد على أَن هَذَا الْمحل حبس فَالْكل مَحْض زِمَام بِغَيْر شَهَادَة وَمَا فِي أحباس المعيار عَن الشاطبي من أَن زِمَام الأحباس يعْمل بِهِ إِذا لم يُوجد مَا هُوَ أثبت مِنْهُ لَعَلَّه مُقَابل لما بِهِ الْعَمَل فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ أَو يُقَال ذَلِك مَعَ الشُّهْرَة كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: بحبست ووقفت الخ. وَمَا رَأينَا أحدا الْيَوْم يقْضِي بزمام الْحِوَالَة وَالْقَضَاء بِهِ يفْتَقر إِلَى الْإِعْذَار فِيهِ وَلَا اعذار فِي مُجَرّد زِمَام كَمَا مرَّ فِي فصل الْإِعْذَار، وَتقدم فِي شَهَادَة السماع مَا يُؤَيّد هَذَا وَالله أعلم. الثَّانِي: النَّاظر على الْوَقْف يقدم إِصْلَاحه وعمارته إِن كَانَ عقارا وَنَفَقَته إِن كَانَ حَيَوَانا على الْمحبس عَلَيْهِم وَلَو شَرط الْوَاقِف عدم التبدئة بذلك لم يعْمل بِشَرْطِهِ ابْن عَرَفَة: الْحَاصِل أَن نَفَقَة الْحَبْس من فَائِدَة فَإِن عجز بيع وَعوض من ثمنه مَا هُوَ من نَوعه فَإِن عجز صرف ثمنه فِي مصرفه اه. (ق) . وَكَثِيرًا مَا يتَّفق أَن يتْرك الْحَبْس بِلَا إصْلَاح والمحبس عَلَيْهِ يستغله هَل يلْزمه فِي مَاله إصْلَاح مَا وهى؟ وَفِي ابْن سهل: إِن ترك الْوَكِيل جنَّات الْمَحْجُور وكرومه حَتَّى تبورت ويبست فَعَلَيهِ قيمَة مَا نقص مِنْهَا لتضييعه إِيَّاهَا اه. وناظر الأحباس كالوصي فِي ذَلِك كَمَا مرّ عَن الْبُرْزُليّ عِنْد قَوْله: وكل مَا يشْتَرط الْمحبس الخ
…
وَحبس الإِمَام والمؤذن إِذا خرب فَإِنَّهُ يجب على الإِمَام والمؤذن أَن يردا من غَلَّته مَا يصلح بِهِ كَمَا فِي أحباس المعيار فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. مِنْهَا فِي أَولهَا ووسطها وَآخِرهَا، وَلَكِن نَص أَبُو الْحسن فِي أجوبته على أَن دَار إِمَام الْمَسْجِد تصلح من غلَّة الْحَبْس إِذا امْتنع الإِمَام من أَدَاء الْكِرَاء كَمَا يُعْطي هُوَ وَسَائِر خدمَة الْمَسْجِد من غلَّة أحباسه مِمَّا يصرف عَن غلَّة الْحَبْس فِي الْإِصْلَاح على وزان مَا يعْطى من الْغلَّة للْإِمَام إِجَارَة على
الْإِمَامَة اه. وَهُوَ الصَّوَاب انْظُر الدّرّ النثير. وَلَا تُبَتّ قِسْمَةٌ فِي حُبُسِ وطالِبٌ قِسْمَةَ نَفْعٍ لَمْ يُسي (وَلَا تبت) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد التَّاء الْأَخِيرَة مَبْنِيا للْمَفْعُول (قسْمَة فِي حبس) أَي إِذا طلب الْمحبس عَلَيْهِم المعينون قسْمَة الْحَبْس قسْمَة بت فَإِنَّهُم لَا يجابون إِلَى ذَلِك (و) أما (طَالب قسْمَة نفع) واستغلال فَإِنَّهُ يُجَاب لِأَنَّهُ (لم يسي) ء فِي طلبه لذَلِك وَيجْبر غَيره عَلَيْهِ على الْمَعْمُول بِهِ لما فِي بَقَائِهِ على الإشاعة من التعطيل والضياع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَبْس دوراً أَو أَرضًا لَا شجر فِيهَا، وَأما الْأَشْجَار فَلَا تقسم قسْمَة الاستغلال كَمَا فِي المقرب لما فِيهِ من قسم مَا لم يبد صَلَاحه، وَإِنَّمَا يقسمون الْغلَّة فِي أوانها وَلَو فِي رُؤُوس أشجارها بعد بَدو صَلَاحهَا بشروطها الْمُتَقَدّمَة فِي الْقِسْمَة عِنْد قَوْله: وَقسم غير التَّمْر خرصاً وَالْعِنَب الخ
…
(فصل فِي الصَّدَقَة وَالْهِبَة وَمَا يتَعَلَّق بهما)
وحكمهما لذاتهما النّدب. وَعرف ابْن عَرَفَة الْعَطِيَّة الَّتِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة من أَنْوَاعهَا بقوله: تمْلِيك مُتَمَوّل بِغَيْر عوض إنْشَاء، فَخرج بقوله مُتَمَوّل مَنْفَعَة كَانَ أَو رَقَبَة تمْلِيك الْإِنْكَاح كَأَن يَقُول: مَلكتك تزوج ابْنَتي من زيد أَو مِمَّن أَحْبَبْت، أَو تَقول الْمَرْأَة ذَلِك لوَلِيّهَا، وَيخرج بِهِ أَيْضا تمْلِيك الطَّلَاق للزَّوْجَة أَو لغَيْرهَا إِذْ الْكل لَيْسَ بمتمول، وَخرج بِغَيْر عوض البيع وَنَحْوه من الْمُعَاوَضَات، وَخرج بقوله إنْشَاء الحكم بِاسْتِحْقَاق وَارِث إِرْثه لِأَنَّهُ لَا إنْشَاء فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِير لما ثَبت وَقيل: إِن هَذَا خَارج بِتَمْلِيك لِأَن الْإِرْث لَا تمْلِيك فِيهِ من الْمَوْرُوث فَلَا حَاجَة لقَوْله إنْشَاء وَيدخل فِيهَا الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْحَبْس والنحلة والعرية وَهِي هبة الثَّمَرَة، والمنحة وَهِي هبة لبن الشَّاة، والهدية وَهِي مَعْرُوفَة، والإسكان وَهُوَ هبة مَنَافِع الدَّار مُدَّة من الزَّمَان كنسة، والعمرى وَهِي تمْلِيك الْمَنْفَعَة مُدَّة عمره، وَالْعَارِية وَهِي تمْلِيك مَنَافِع الدَّابَّة وَنَحْوهَا بِغَيْر عوض، فَإِن كَانَ بعوض فَهُوَ إِجَارَة، والإرفاق وَهُوَ إِعْطَاء مَنَافِع الْعقار كَمَا يَأْتِي، وَالْعدة وَهِي إِخْبَار عَن إنْشَاء الْمخبر مَعْرُوفا فِي الْمُسْتَقْبل وَالْوَفَاء بهَا مَطْلُوب غير لَازم، والإخدام إِعْطَاء مَنْفَعَة خَادِم غُلَاما كَانَ
أَو جَارِيَة، والصلة وَهِي مَعْرُوفَة بَين الْأَقَارِب، والحباء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ الْعَطاء الَّذِي يُعْطِيهِ الزَّوْج لوَلِيّ الزَّوْجَة عِنْد العقد أَو قبله، فَهَذِهِ كلهَا من أَنْوَاع الْعَطِيَّة وَكلهَا تفْتَقر لحيازة مَا عدا النحلة كَمَا مرّ فِي قَوْله: ونحلة لَيْسَ لَهَا افتقار إِلَى حِيَازَة الخ
…
ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: وَالْهِبَة لَا لثواب تمْلِيك ذِي مَنْفَعَة لوجه الْمُعْطى بِغَيْر عوض، وَالصَّدَََقَة كَذَلِك لوجه الله تَعَالَى بدل لوجه الْمُعْطى فَخرج بقوله: ذِي مَنْفَعَة الْعَارِية وَنَحْوهَا ولوجه الْمُعْطى خرج بِهِ الصَّدَقَة لِأَنَّهَا لوجه الله تَعَالَى، وَبِقَوْلِهِ: لَا لثواب هبة الثَّوَاب. وَأَحْكَام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة سَوَاء إِلَّا فِي وَجْهَيْن. أَحدهمَا أَن الْهِبَة تعتصر دون الصَّدَقَة كَمَا يَأْتِي، وَالثَّانِي أَن الْهِبَة يجوز للْوَاهِب شراؤها وقبولها بِهِبَة بِخِلَاف الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يكره فِيهَا ذَلِك. صَدَقَةٌ تَجوزُ إِلَّا مَعْ مَرضْ مَوْتٍ وبالدَّينِ المُحِيطِ تُعْتَرَضْ (صَدَقَة) وَتقدم تَعْرِيفهَا (تجوز) أَي تصح وَتلْزم بالْقَوْل، أَو يُقَال المُرَاد بِالْجَوَازِ الْإِذْن الشَّامِل للنَّدْب إِذْ هِيَ مَنْدُوب إِلَيْهَا كَمَا مر، وَظَاهره وَإِن كَانَ الْمُتَصَدّق بِهِ مَجْهُولا عِنْد الْمُتَصَدّق وَهُوَ كَذَلِك وَلَو خَالف ظَنّه بِكَثِير (خَ) : وَصحت فِي كل مَمْلُوك ينْقل وَإِن كَلْبا ومجهولاً، وَلابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة أَن الْجَهْل إِن خَالف الظَّن فَلهُ نقضهَا، وَبِه أفتى ابْن هِلَال حَسْبَمَا فِي العلمي وَهُوَ ضَعِيف. انْظُر الشَّامِل وَشَرحه (إِلَّا) إِن تصدق (مَعَ) تلبسه ب (مرض موت) فَإِنَّهَا تكون وَصِيَّة مِنْهَا مَا حمله الثُّلُث إِن كَانَت لغير وَارِث وَإِلَّا توقفت على إجَازَة الْوَرَثَة فَإِن أجازوها فَهِيَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر للحوز، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يمت من ذَلِك الْمَرَض بل صَحَّ صِحَة بَيِّنَة ثمَّ مَاتَ فَإِن الصَّدَقَة تصح وتنفذ إِن حيزت كَانَت على وَارِث أَو غَيره، وَمرَاده بِمَرَض الْمَوْت الْمَرَض الْمخوف الَّذِي حكم أهل الطِّبّ بِكَثْرَة الْمَوْت بِهِ، وَقد تقدم بَيَانه فِي الْخلْع. وَأما غير الْمخوف كالأمراض المزمنة المتطاولة كالفالج وَحمى الرّبع والجرب والسعال المزمن، فَحكمه فِي ذَلِك كُله كَالصَّحِيحِ، فَإِذا حيزت عَنهُ فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِنَّهَا تصح لوَارث وَغَيره بل الْمخوف فِيهِ تَفْصِيل فقد قَالَ الرجراجي فِي مناهجه: وَالْمَرَض الْمخوف المتطاول كالسل إِذا طَلقهَا فِيهِ وأعقبه الْمَوْت قبل المطاولة فَإِنَّهَا تَرثه على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، ففهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يعقبه الْمَوْت إِلَّا بعد المطاولة فَإِنَّهَا لَا تَرثه، وَالْهِبَة كَذَلِك فالخوف إِن أعقبه الْمَوْت بِالْقربِ بِطَلَب وإلاَّ صحت نَقله الملوي. وَأما غير الْمخوف فمهما شهدُوا بِأَن مَرضه وَقت الْهِبَة كَانَ غير مخوف وَأَنه مَاتَ بِمَرَض حدث بعْدهَا فَهِيَ صَحِيحَة للْوَارِث وَغَيره إِن حازها هَذَا الْحَادِث وَمَا تقدم عَن الرجراجي نَحوه قَول ابْن لب فِي
فتواه إِذا كَانَ الْوَاهِب مُلْتَزما للْفراش واتصل حَاله كَذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد ذَلِك بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة فهبته لوَرثَته بَاطِلَة الخ. فمفهوم قَوْله: بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة أَنه مَاتَ بعد طول فالهبة صَحِيحَة بشرطها الْحَوْز وَالْمَرَض الملزم للْفراش وَهُوَ الْمخوف لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف مَعَه، وَلما قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من حبس فِي مَرضه قَالَ أَبُو الْحسن: مُرَاده الْمَرَض الْمخوف، وَأما غَيره فَحكمه الصَّحِيح، وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: إِذا مرض الْأَب مَرضا متطاولاً فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَيصِح للِابْن قبض الْحَبْس فِي ذَلِك الْحَال اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَظَاهر كَلَام الرجراجي وفتوى ابْن لب وَغَيرهمَا أَن الْمخوف المتطاول فِيهِ التَّفْصِيل بَين الْقرب والبعد، وَأما غير الْمخوف فَحكمه حكم الصَّحِيح والمدار فِيهِ على كَونه غير مخوف، وَأما الشَّهَادَة فَإِنَّهُ مَاتَ بِمَرَض حدث بعده فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا على الْمَذْهَب، إِلَّا على قَول ابْن عَرَفَة الَّذِي يَقُول: إِن غير الْمخوف إِذا أعقبه الْمَوْت يصير مخوفا، وَاعْتَمدهُ ابْن رحال فِي شَرحه وَهُوَ مَرْدُود بِأَن الْمَرَض الْخَفِيف لَا يحصل مِنْهُ الْمَوْت إِلَّا بِزِيَادَتِهِ وَبهَا صَار مخوفا فَهُوَ كَمَرَض طَرَأَ. وَقد تقدم نَحْو هَذَا فِي بَاب الْخلْع، وَفهم مِمَّا مر أَنَّهَا لَا تقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة الْأَطِبَّاء العارفين بالمخوف وَمن غَيره، وَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة غَيرهم كَمَا تقدم فِي قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ
…
تَنْبِيه: لَو كَانَت الصَّدَقَة على مجهولين مَحْصُورين مِمَّا يتَوَقَّع انقطاعهم كَقَوْلِه: تَصَدَّقت على ولد فلَان أَو فلَان وَولده، فَقيل عَن مَالك وَغَيره أَنَّهَا حبس مؤبد ترجع الأحباس قَالَه الْبُرْزُليّ، وَهِي كَثِيرَة الْوُقُوع، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا يصلح أَن يشْتَرط الْمُتَصَدّق فِي صدقته إِذا مَاتَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ أَن ترجع الصَّدَقَة إِلَى غَيره من الْأَقَارِب أَو الْأَجَانِب، فَإِن وَقع ذَلِك نفذ وَمضى كَشَرط اعتصارها وَلَيْسَ للمتصدق عَلَيْهِ بيعهَا إِلَّا أَن يَمُوت الَّذِي اشْترط رُجُوعهَا إِلَيْهِ فِي حَيَاة الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ، فَيكون لَهُ ذَلِك انْتهى، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّة عِنْد قَوْله: وصححت لولد الْأَوْلَاد الخ. (وبالدين الْمُحِيط تعترض) وَتبطل وَلَو بحدوثه فِيمَا بَين الْهِبَة والحوز لِأَن حُدُوثه قبل الْحَوْز مَانع مِنْهُ وَكَذَا الْحَبْس. (خَ) : وَبَطلَت إِن تَأَخّر لدين مُحِيط أَي وللغرماء إجَازَة ذَلِك ورده، وَإِن كَانَ الْمَوْهُوب عبدا أَو دَارا مثلا وزادت قِيمَته على الدّين فَإِنَّهُ يُبَاع والفضلة للْوَاهِب كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره. وَالْحَاصِل أَن الدّين الْمُسْتَغْرق إِذا تحقق سبقه على الْعَطِيَّة بطلت، وَإِن تحقق سبق الْعَطِيَّة لَهُ صحت إِن حيزت قبل الدّين أَو جهل الْحَال هَل تقدّمت حيازتها عَلَيْهِ أَو تَأَخَّرت كَانَت لصغير أَو غَيره؟ وَإِن جهل السَّابِق هَل الْعَطِيَّة أَو الدّين فَإِن حازها كَبِير أَو أَجْنَبِي لصغير صحت وَإِن حازها لَهُ أَبوهُ بطلت. وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ للمصدِّق وَمِلْكُهَا بغيرِ إرْثٍ اتُّقي (وَلَا رُجُوع بعد) أَي بعد تبتيلها لَا رُجُوع فِيهَا وَلَا اعتصار وَلَو قبل حيازتها (للمصدق)
بإدغام التَّاء فِي الصَّاد لِأَن الصَّدَقَة لَا تعتصر وَهِي لَازِمَة بالْقَوْل على الْمَشْهُور وَيجْبر على الْحَوْز كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا الْهِبَة وَالْحَبْس. وَعَن مَالك أَنَّهَا لَا تلْزم بالْقَوْل وَله الرُّجُوع فِيهَا مَا لم تقبض وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَتقدم فِي الْحَبْس أَنه لَا يبطل بِتَأْخِير القَوْل وَلَو سِنِين، وَأَحْرَى بِتَأْخِير الْحَوْز حَيْثُ لم يحصل مَانع من موت أَو إحاطة دين، وَتقدم فِي الرَّهْن أَنه لَا يشْتَرط التحويز فِيهَا بِخِلَاف الرَّهْن. (وملكها) أَي الصَّدَقَة (بِغَيْر إِرْث) من شِرَاء أَو قبُولهَا بِهِبَة وَنَحْوهَا (اتقِي) (خَ) : وَكره تمْلِيك صَدَقَة بِغَيْر مِيرَاث وَلَا يرقبها أَو يَأْكُل غَلَّتهَا وَينْفق على أَب افْتقر مِنْهَا، وَقيل يحرم التَّمَلُّك الْمَذْكُور لخَبر:(الْعَائِد فِي صدقته كَالْكَلْبِ الْعَائِد فِي قيئه) وَمَفْهُوم الصَّدَقَة أَن الْهِبَة لَا يكره فِيهَا ذَلِك كَمَا مرّ أول الْبَاب، وَمَفْهُوم بِغَيْر إِرْث أَن التَّمْلِيك بِإِرْث لَا كَرَاهَة فِيهِ لِأَنَّهُ جبري. كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلأَيْتَامِ والفُقراءِ وأُولِي الأرْحَامِ (كَذَاك) لَا رُجُوع فِي (مَا وهب للأيتام والفقراء وأولي الْأَرْحَام) من عمَّة وَخَالَة وَابْنَة أَخ وخال وَنَحْو ذَلِك لِأَن الْهِبَة فِي ذَلِك كُله فِي معنى الصَّدَقَة فَيكْرَه تَملكهَا بِغَيْر إِرْث وَلَا يَصح اعتصارها كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وفقر موهوب لَهُ مَا كَانَا الْمَنْع لاعتصاره قد بانا وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي قَوْله: وَالأُم مَا حييّ أَب تعتصر الخ. والأبُ حَوْزُهُ لما تُصُدِّقَا بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى (وَالْأَب) لَو عبر بالولي ليشْمل الْوَصِيّ والمقدم (حوزه لما تصدقا بِهِ) أَو وهبه (على مَحْجُوره) وَلَو بَالغا سَفِيها ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَلَو تزوجت الْأُنْثَى وَالذكر (لن يتقى) بل يجوز وَيصِح مَا داما سفيهين وَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِشْهَاد، بِأَنَّهُ يحوز لَهُ بل يَكْفِيهِ الْإِشْهَاد بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة، وَيحمل على أَنه يحوز لَهُ إِلَّا أَن تكون دَار سكناهُ فَلَا بُد من مُعَاينَة إخلائها كَمَا مر قبل قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ
…
فَإِن بلغ الْمَحْجُور رشيدا أَو رشد السَّفِيه وَلم يحز حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدّق بِطَلَب كَمَا مر فِي الْمحل الْمَذْكُور أَيْضا.
ولِلْمُعَيِّنِينَ بالحَوْزِ تَصِحْ وجَبرُه مهْما أباهُ مُتَّضِحْ (و) الصَّدَقَة أَو الْهِبَة (للمعينين) كزيد وَعَمْرو وَبكر أَو فلَان وعقبه (بالحوز) مُتَعَلق بقوله: (تصح وجبره) أَي الْمُتَصَدّق وَكَذَا الْوَاهِب على الْحَوْز (مهما أَيَّاهُ متضح) بيِّن للزومها بالْقَوْل كَمَا مر (خَ) : وحيز وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ، وَقد مر ذَلِك عِنْد قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ
…
وَظَاهره أَنه يجْبر وَلَو تصدق بِجَمِيعِ مَاله وَهُوَ كَذَلِك لقصده الْقرْبَة وَيتْرك لَهُ مَا يتْرك للْمُفلس، وَكَذَا يجْبر لَو قَالَ: إِن فعلت كَذَا فَعَبْدي فلَان أَو عَبدِي وَلَا عبد لَهُ سواهُ حر، وَحنث بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: التزمت أَن أعتق عَبدِي فلَانا الْآن أَو بعد شهر فَإِنَّهُ لَا يجْبر بِالْقضَاءِ عَلَيْهِ، وَظَاهر النّظم أَيْضا كَغَيْرِهِ أَنَّهَا تصح بالحوز، وَلَو كَانَ الْمُتَصَدّق أَو الْوَاهِب غَائِبا لَا يدرى حَاله من موت أَو فلس لِأَنَّهُ على الْحَيَاة وَالصِّحَّة، وَهُوَ اخْتِيَار ابْن حبيب وَقَول ابْن الْمَاجشون كَمَا فِي الْفَصْل الرَّابِع فِي تَقْسِيم الْمُدعى لَهُم من الْقسم الثَّانِي من الْكتاب الأول من التَّبْصِرَة، وَبِه أفتى سَيِّدي عمر الفاسي قَائِلا: يَكْتَفِي فِي رجحانه اخْتِيَار ابْن حبيب لَهُ، وَوَافَقَهُ على ذَلِك قَاضِي مكناسة الزَّيْتُون قَائِلا: وَهُوَ الْجَارِي على مَذْهَب مَالك فِي الحكم على الْغَائِب، وتبعهما على ذَلِك غَيرهمَا من المعاصرين مَعَ علمهمْ باقتصار ابْن سَلمُون على خِلَافه قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رحمه الله. وَفِي سِوى المعَيَّنينَ يُؤْمَرُ بالحوْزِ والخلْفُ أَتَى هَل يُجْبَرُ (و) الصَّدَقَة وَالْهِبَة وَالْحَبْس (فِي سوى) أَي غير (المعينين) كالمرضى والفقراء وطلبة الْعلم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمعين (يُؤمر) الْمُتَصَدّق والواهب والمحبس (بالحوز) وَدفعهَا للمتصدق والمحبس عَلَيْهِ والموهوب لَهُ (وَالْخلف أَتَى هَل يجْبر) إِن أَبى من دَفعهَا أَو لَا يجْبر لكَون الطَّالِب غير معِين وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَمثله إِذا تصدق أَو وهب أَو حبس بِيَمِين وَلَو لمُعين كَقَوْلِه: إِن فعلت كَذَا فداري صَدَقَة أَو حبس على الْفُقَرَاء أَو على زيد، أَو قَالَ: وَالله إِن فعلت كَذَا لأتصدقن على الْفُقَرَاء أَو على زيد، أَو إِن فعلت كَذَا فعلي نذر، أَو قَالَ لزوجته: إِن تزوجت عَلَيْك فلك ألف دِرْهَم، أَو إِن فعلت كَذَا فعلي عتق رَقَبَة وَلم يعينها فَإِنَّهُ لَا يجْبر على شَيْء من ذَلِك على الْمُعْتَمد، وَلَو خَالف وَفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقْصد الْقرْبَة، وَإِنَّمَا قصد اللجاج والحرج كَمَا لِابْنِ رشد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين لم يقْض
عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة أَو حبس على مَسْجِد معِين فَهَل يجْبر نظرا لتعيين الْمَسْجِد فَهُوَ كمن تصدق على رجل بِعَيْنِه أَو لَا يجْبر نظرا للمصلين؟ فِيهِ وهم غير مُعينين وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَبِه الحكم وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن نَاجِي قَولَانِ. والجَبْرُ مَحتُومٌ بذِي تعَيُّنِ لِصِنْفِهِمْ مِنْ جِهَةِ المُعَيَّنِ (و) لَو تصدق بداره على زيد الْمعِين ثمَّ بعده على الْفُقَرَاء مثلا ثمَّ مَاتَ زيد قبل حوزها وَأَحْرَى بعده وطلبها غير الْمعِين ب (الْجَبْر) على دَفعهَا للْفُقَرَاء وتحويزها لَهُم (محتوم) مقضى بِهِ وَإِنَّمَا قضى بِهِ مَعَ كَونهم غير مُعينين لِأَنَّهُ لما وَجب الْقَضَاء (ب) سَبَب كَونهَا أَو لَا على (ذِي تعين) وَهُوَ زيد وَجب الْقَضَاء أَيْضا لَهُم تبعا فَقَوله (لصنفهم) مُتَعَلق بالجبر وضميره لغير المعينين أَي: فالجبر لصنف غير المعينين محتم وَاجِب بِسَبَب وُقُوعهَا أَو لَا على معِين وانتقالها إِلَيْهِم (من جِهَة) ذَلِك (الْمعِين) قَالَه ابْن الْحَاج وَغَيره. ولِلأَبِ التَّقْدِيمُ للكَبِيرِ لِقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بالصَّغيرِ (وَللْأَب) أَو الْوَصِيّ والمقدم فِيمَا إِذا وهبوا للكبير وَالصَّغِير (التَّقْدِيم للكبير) وَلَو سَفِيها أَو لأَجْنَبِيّ (لقبض مَا يخْتَص بالصغير) فَإِن لم يقدموا أحدا لحوز مَا يجب للصَّغِير وَحَازَ الْكَبِير حِصَّته فَقَط، أَو لم يحز شَيْئا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِب بطلت عِنْد ابْن الْقَاسِم وَبِه الْعَمَل كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: وَالْأَب لَا يقبض للصَّغِير مَعَ كبيره وَالْحَبْس إِرْث إِن وَقع وَقيل: يَصح نصيب الصَّغِير فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة خَاصَّة لِأَن الْأَب يحوز لَهُ بِخِلَاف الْحَبْس لِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِم، وَقَوْلِي: وَحَازَ الْكَبِير حِصَّته فَقَط احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حَاز حِصَّته وَحِصَّة الصَّغِير بِغَيْر تَقْدِيم فَإِنَّهَا تصح كَمَا تقدم عَن المجاصي عِنْد قَوْله: وَالْأَخ للصَّغِير حوزه وَجب الخ
…
وَهَذَا أَيْضا إِذا لم يحز الصَّغِير حِصَّته مَعَ الْكَبِير وَالأَصَح أَيْضا لقَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. . وحوزُ حاضِرٍ لِغَائِبٍ إِذا كَانَا شَرِيكيْنِ بِهَا قَدْ أُنفِذا (وحوز حَاضر لغَائِب إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ بهَا) أَي فِيهَا أَي فِي الصَّدَقَة وَالْهِبَة، وَمثلهمَا الْحَبْس بِأَن تصدق أَو حبس عَلَيْهِمَا مَعًا وحازها الْحَاضِر (قد أنفذا) حوزه وَصَحَّ لَهما، وَظَاهره وَإِن لم يُوكله بل وَإِن لم يعلم الْغَائِب بِالْهبةِ كَمَا فِي المقرب عَن ابْن الْقَاسِم، وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَهل
يَكْفِي حوز غَيره لَهُ بِغَيْر إِذْنه كَزَوج حَاز لزوجته هبة أَبِيهَا أَو لَا يَكْفِي إِلَّا بوكالتها؟ قَولَانِ اه. وَأَصله فِي التَّوْضِيح، وعزى الأول لمطرف وَالثَّانِي لأصبغ، وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَهُوَ يَقْتَضِي رُجْحَان الثَّانِي لِأَن الأول وَإِن كَانَ لمطرف وَابْن الْقَاسِم، لَكِن رِوَايَته عَن الإِمَام تقدم عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر حَيْثُ أمكنه الْحَوْز بِنَفسِهِ أَو التَّوْكِيل عَلَيْهِ، فَإِن لم يفعل وَحَازَ شَرِيكه الْجَمِيع وَحصل الْمَانِع فَإِن حِصَّة الْحَائِز تصح دون غَيره لتَفْرِيطه، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَينفذ التحبيس فِي جَمِيع مَا. الخ
…
وَبِهَذَا يفْتَرق حوز الْكَبِير حِصَّة الصَّغِير فَإِنَّهُ يَصح الْجَمِيع دون الْكَبِير يحوز حِصَّة غَيره بِغَيْر وكَالَة فَإِنَّهُ لَا يَصح لقدرته على التَّوْكِيل أَو الْحَوْز بِنَفسِهِ فَلم يفعل وَالله أعلم. وَمَا عَلَى البَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنا فَهْو لَهُ ومَنْ تَعدَّى ضَمِنا (وَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ وَاقعَة على الصَّدَقَة (على الْبَتّ لشخص) يتعلقان بقوله (عينا) وَالْمعْنَى أَن مَا عَزله الشَّخْص من مَاله صَدَقَة على مِسْكين سَمَّاهُ بِلِسَانِهِ أَو نَوَاه بِقَلْبِه، فَإِن بتله وأمضاه لَهُ بقول أَو نِيَّة حازماً بذلك غير مترو فِيهِ (فَهُوَ لَهُ) أَي لذَلِك الْمِسْكِين (وَمن تعدى) من متصدق أَو نَائِب عَنهُ وَأَعْطَاهُ لغيره (ضمنا) ذَلِك للمبتل لَهُ حَيْثُ لم تكن قَائِمَة بيد الْمُعْطى لَهُ ثَانِيًا، وَإِلَّا ردَّتْ للْأولِ كَمَا فِي الشَّامِل، وَمَا ذكره النَّاظِم بِهِ أفتى ابْن رشد فِي نوازله وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره، وَالضَّمان ظَاهر فِيمَا إِذا أعطَاهُ نَائِب الْمُتَصَدّق بِغَيْر إِذن الْمُتَصَدّق، وَأما إِن أعطَاهُ هُوَ أَو نَائِبه بِإِذْنِهِ فَإِنَّمَا يتمشى على أحد قولي ابْن الْقَاسِم فِيمَن وهب لثان وَحَازَ إِنَّهَا تكون للْأولِ لِأَن الْهِبَة تلْزم بالْقَوْل فَلم يهب الْوَاهِب للثَّانِي إِلَّا مَا ملك غَيره. قَالُوا: وَهُوَ الْقيَاس. أما على قَوْله الآخر وَهُوَ الْمُعْتَمد من أَنَّهَا تكون للثَّانِي كَمَا قَالَ (خَ) : أَو وهب لثان وَحَازَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَان، وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَقضى بهَا لثان حازها قبل الأول لَا لأوّل على الْأَصَح، وَلَا فرق بَين أَن يفرط الأول فِي حوزها أم لَا مضى لَهُ زمَان يُمكنهُ فِي الْحَوْز وَلم يحز أم لَا. وغيْرُ مَا يُبَتُّ إذْ يُعَيَّنُ رجُوعُهُ لِلْمِلْكِ لَيْسَ يُحْسُنُ (وَغير مَا يبت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (إِذْ) ظرف (يعين) فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ وَالتَّقْدِير: وَغير المبتل للمسكين وَقت تعينه أَي لم يبتل لَهُ بقول وَلَا نِيَّة، فالمسكين معِين فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي التبتيل وَعَدَمه فَفِي التبتيل يضمن على مَا قَالَ النَّاظِم إِن أعطَاهُ للْغَيْر، وَفِي عَدمه لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَكِن (رُجُوعه) فِي عدم التبتيل (للْملك) أَي لملك الْمُتَصَدّق (لَيْسَ يحسن) أَي يكره وَكَذَا يكره أَن يُعْطِيهِ للْغَيْر كَرَاهَة تَنْزِيه فيهمَا. وَلْلأَبِ القَبْضُ لما قَدْ وَهَبَا ولدَهُ الصَّغيرَ شَرْعاً وجَبَا (وَللْأَب) يتَعَلَّق بوجب آخر الْبَيْت (الْقَبْض) مُبْتَدأ (لما وَقد وهبا) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَده) مفعول
بوهب (الصَّغِير) نعت لَهُ (شرعا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (وجبا) خَبره، وَالتَّقْدِير: وَالْقَبْض للصدقة الَّتِي وَهبهَا لوَلَده الصَّغِير وَاجِب للْأَب بِالشَّرْعِ، وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَلَده حِينَئِذٍ عَائِد على مُتَأَخّر معنى لَا لفظا والمضر هُوَ عوده على مُتَأَخّر لفظا وَمعنى، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: وَالْأَب حوزه لما تصدقا. الخ
…
وَإِنَّمَا أَعَادَهُ ليرتب عَلَيْهِ قَوْله: إلاّ الَّذِي يَهَبُ مِنَ نَقْدَيْهِ فَشَرْطُهُ الخروجُ مِنْ يَدَيْهِ (إِلَّا الَّذِي يهب) الحاجر أَبَا أَو غَيره لمحجوره (من نقديه) الذَّهَب وَالْفِضَّة وَمثلهمَا كل مَا لَا يعرف بِعَيْنِه من الْمِثْلِيَّات من مَكِيل أَو مَوْزُون أَو مَعْدُود (فشرطه) أَي شَرط صِحَّته (الْخُرُوج من يَدَيْهِ) ويدفعه. إِلَى أمِينٍ وَعَن الأَمِينِ يُغْنِي اشْتِرَاءُ هَبْه بَعْدِ حِينِ (إِلَى أَمِين) بحوزه بمعاينة الْبَيِّنَة وَلَا يَكْفِي بِغَيْر المعاينة وَلَا حوز الحاجر لمحجوره فِي شَيْء من ذَلِك، وَلَو ختم عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعرُوض وَالْأُصُول فَيَكْفِي وَهُوَ مَا قبل الِاسْتِثْنَاء (خَ) : إِلَّا مَا لَا يعرف بِعَيْنِه وَلَو ختم. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن تصدق على وَلَده الصَّغِير فِي صِحَّته بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم فليدفعها بعده لمن يحوزها عَنهُ بمعاينة بَيِّنَة. قَالَ ابْن زرب: فَإِن لم تعاين الْبَيِّنَة الْحَوْز فَهِيَ بَاطِلَة، وَإِن جعلهَا الْأَب فِي صرة وَختم عَلَيْهَا بِمحضر بَيِّنَة وحازها لَهُ فَوجدت بعد مَوته على حَالهَا فَلَا يجوز ذَلِك على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، وَبِه الحكم وَعَلِيهِ الْعَمَل ثمَّ قَالَ: وَحكم الطَّعَام وَمَا لَا يعرف بِعَيْنِه حكم الْعين اه. ابْن عَرَفَة: وَفِي السماع لَو تصدق على ابْنه بِعَبْد مَوْصُوف فِي ذمَّة رجل صَحَّ. قَبضه الْأَب أَو لم يقبضهُ وَلَو تصدق عَلَيْهِ بِدَنَانِير فِي ذمَّة رجل وَمَات الْأَب وَهِي فِي ذمَّة الرجل صحت لِأَنَّهَا قد حيزت بِكَوْنِهَا على الْغَرِيم، وَكَذَا لَو تصدق عَلَيْهِ بِدَنَانِير ووضعها على يَد غَيره، ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ لسفره أَو بعد مَوته لِأَنَّهَا قد حيزت كَالدَّارِ يحوزها عَنهُ السنتين وَالسّنة ثمَّ يسكنهَا وَيَمُوت فِيهَا فصدقته مَاضِيَة اه. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رشد فِيمَن وهب لابنته الصَّغِيرَة مَا فِي دَاخل تابوته المقفول عَلَيْهِ وَأشْهد على ذَلِك عُدُولًا دون أَن يعاينوا مَا فِيهِ ثمَّ مَاتَ وَيُوجد فِيهِ الحلى وَالثيَاب: أَنه لَا شَيْء لَهَا من
ذَلِك إِلَّا أَن يكون دفع مَفَاتِيح القفل إِلَى الشُّهُود عِنْد الْإِشْهَاد وعاينوه مقفولاً عَلَيْهِ وَيُوجد بعد موت الْوَاهِب على ذَلِك فَيصح حِينَئِذٍ للابنة مَا وجد دَاخله اه. انْظُر شرحنا للشامل فَفِيهِ زِيَادَة فَوَائِد. (وَعَن الْأمين يُغني اشْتِرَاء هبه) أَي الاشتراء وَقع (بعد حِين) من هبة الْعين وَنَحْوهَا يَعْنِي أَن مَحل دفع الْعين الْمَوْهُوبَة وَنَحْوهَا للأمين إِذا لم يَقع بهَا اشْتِرَاء، وَأما إِذا اشْترى الْأَب وَنَحْوه ملكا لمحجوره بِمَال زعم أَنه من مَال وَلَده، وَأَنه لَا يعلم للِابْن مَال فَإِن ذَلِك صَحِيح للِابْن، وَلَو كَانَ الْأَب يعتمده لنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ على الصَّحِيح الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهُ من بَاب الْإِقْرَار بِالثّمن فِي الصِّحَّة الَّتِي لَا تلْحقهُ فِي تُهْمَة وَلَا توبيخ قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَكَذَا لَو اشْترى دَارا مثلا وَأشْهد أَنه اشْتَرَاهَا لِابْنِهِ، وَلم يذكر أَن ذَلِك من مَال الابْن فَإِن ذَلِك صَحِيح أَيْضا، وَيحمل على أَنه اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَال وهبه إِيَّاه، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يحوزه لَهُ لِأَنَّهُ بِنَفس الشِّرَاء كَانَ ملكا للِابْن فَلم يَتَقَرَّر للْأَب عَلَيْهِ ملك حَتَّى يحْتَاج للحوز وَالثمن قد حيّز بِنَفس الشِّرَاء قَالَه فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَغَيره. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الصَّغِير فأحرى الرشيد كَمَا يدل لَهُ التَّعْلِيل، وَهَذَا إِذا اشْترى لَهُ ملك غَيره، وَأما إِن وهب لَهُ ناضاً أَو مَا لَا يعرف بِعَيْنِه ثمَّ بَاعَ مِنْهُ ملكا لنَفسِهِ، فَإِنَّهُ إِذا لم يكن بَين البيع وَالْهِبَة فسحة كالسنة وَنَحْوهَا فَإِن ذَلِك بَاطِل لِأَنَّهُ لما قرب اتهمَ أَنه أَرَادَ هبة الأَصْل وَجعل الناض جنَّة لسُقُوط الْحِيَازَة، وَإِن كَانَ بَين البيع وَالْهِبَة فسحة وَأخرج الناض وَنَحْوه من يَده لمن يحوزه سنة ثمَّ بَاعَ مِنْهُ ملكا فَإِنَّهُ يَصح لانْتِفَاء التُّهْمَة قَالَه فِي وَاسِطَة الدُّرَر، وَنَحْوه فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود والورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين من معاوضات المعيار. وَإِن يَكُنْ موضِعَ سُكْنَاهُ يَهَبْ فَإنّ الإِخلاء لهُ حُكْمٌ وَجَبْ (وَإِن يكن) الْأَب وَنَحْوه (مَوضِع سكناهُ يهب) لمحجوره وَلَو بَالغا وعبداً (فَإِن الإخلاء لَهُ) أَي لموْضِع سكناهُ (حكم وَجب) لَا بُد مِنْهُ، وَظَاهره أَنه مَحْمُول على أَنه كَانَ يسكنهَا لنَفسِهِ حَتَّى يثبت إخلاؤه لَهَا وَأَنه لم يكن قبل وَفَاته يسكنهَا لَا يشغلها بأمتعته، وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف غير دَار السُّكْنَى فَإِنَّهُ مَحْمُول على أَنه كَانَ يستغلها لصغار بنيه قَالَه ابْن رشد، وَنَقله الْبُرْزُليّ وَغَيره، وَتقدم قَول النَّاظِم فِي الْحَبْس: وَمن يحبس دَار سكناهُ فَلَا يَصح إِلَّا أَن يعاين الخلا رَاجع مَا تقدم هُنَاكَ (خَ) عاطفاً على مَا لَا يَصح قَبضه لمحجوره مَا نَصه: وَدَار سكناهُ إِلَّا أَن يسكن أقلهَا ويكرى لَهُ الْأَكْثَر وَإِن سكن النّصْف بَطل فَقَط، وَالْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع الخ. وَهَذَا فِي الصغار. وَأما الْكِبَار الرشداء فَيصح لَهُم مَا حازوه وَلَو قل، وَهَذَا فِي دَار السُّكْنَى، وَأما
غَيرهَا من الْعقار وَالْعرُوض على محاجيره فيكفيه الْإِشْهَاد كَمَا مرَّ وَلَكِن لَا بُد من إخلائه من شواغله أَيْضا فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَنه لم يخله من شواغله فَيكون بِمَنْزِلَة من رَجَعَ إِلَيْهِ قبل عَام فَيجْرِي على مَا تقدم فِي الْحَبْس، وراجع مَا مر عِنْد قَوْله فَيجب النَّص على الثِّمَار الخ
…
وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه لَا بُد من مُعَاينَة الإخلاء وَلَو تصدق بِمَا فِيهَا من الْأَمْتِعَة والأثاث وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الطلاع فِي إِجَازَته ذَلِك قَائِلا لِأَنَّهُ بسكناه فِيهَا حِينَئِذٍ صَار كالقابض لِابْنِهِ. وَلما ذكر ابْن عَرَفَة فِي كتاب الْهِبَة مَا أجَازه ابْن الطلاع قَالَ مَا نَصه: ظَاهر الرِّوَايَات بطلَان الصَّدَقَة لِأَنَّهُ قَادر على أَن يخرج مَا فِي الدَّار لينْظر فِيهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم فِي الْحَبْس أَن صرف الْمحبس الْغلَّة لنَفسِهِ يُبْطِلهَا، وَكَذَلِكَ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لِأَنَّهَا من بَاب وَاحِد كَمَا للفاسي فِي نوازله، ونقلنا على ذَلِك أنقالاً فِي الْحَبْس وَالْهِبَة من الشَّامِل، وَرجح الشَّيْخ الرهوني أَن صرف الْأَب الْغلَّة فِي مصَالح نَفسه لَا يُبْطِلهَا، وَنقل على ذَلِك أنقالاً وَهِي كلهَا حجَّة عَلَيْهِ لمن تأملها من ذَلِك مَا نَقله عَن ابْن لب من أَنه إِذا صرف الْغلَّة لنَفسِهِ فَالْمَشْهُور بُطْلَانهَا وَالصَّحِيح صِحَّتهَا اه. فَقَالَ: أَعنِي الرهوني عقبه، وَقد علمت أَن مُقَابل الصَّحِيح فَاسد فَيكون الْمَشْهُور فَاسِدا على قَوْله. وَقد تقدم عَن ابْن فَرِحُونَ عِنْد قَول النَّاظِم أول الْكتاب: مَعَ كَونه الحَدِيث للفقه جمع الخ
…
مَا يرد احتجاجه، وَأَيْضًا فَهُوَ حِينَئِذٍ يحْتَج على الشَّخْص بِمذهب مثله وَهُوَ لَا يَقُوله أحد، وَإِنَّمَا مُرَاد ابْن لب أَن الصَّحِيح من جِهَة الْمَعْنى فَهُوَ كَقَوْل ابْن الْعَطَّار وَغَيره لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ على بُطْلَانهَا بِصَرْف الْغلَّة لنَفسِهِ لَكَانَ الْقيَاس أَن لَا يكون تعدِي الْأَب على الْغلَّة نقضا للحبس، لَكِن جرت الْفتيا وَعمل الْقُضَاة بِبُطْلَانِهِ وَرَأَوا أَنه كسكنى الدَّار وَلبس الثِّيَاب الَّتِي حبس اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا وَقَالَ فِي هبات المعيار: إِن صرف الْوَاهِب الْغلَّة لنَفسِهِ فَإِن ذَلِك يمْنَع الْحَوْز الْحكمِي ويأباه على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ اه. وَمِنْهَا بَحثه فِي كَون الْغلَّة يثبت صرفهَا لنَفسِهِ بِإِقْرَار الْوَاهِب أَو الْمحبس مَعَ أَنه نَقله عَن أبي الْحسن وَسلمهُ فِي الدّرّ النثير وَغَيره. وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِن أبحاثه لَا تسلم وعَلى تَسْلِيمهَا فَإِنَّهَا لَا تدفع الْفِقْه، وَانْظُر قَول ابْن الْعَطَّار وَغَيره: لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ الخ
…
فَلم يعتمدوا فِي ذَلِك أبحاثهم وَلَا قياساتهم. وَمِنْهَا قَوْله: وَمَا أَدْرِي مَا مُسْتَند المتيطي وَمن تبعه فِي تشهير الْبطلَان بِصَرْف الْغلَّة لنَفسِهِ الخ
…
فَإِنَّهُ لَو لم يكن للمتيطي مُسْتَند إِلَّا قَول ابْن الْعَطَّار وَغَيره: لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ الخ
…
لَكَانَ كَافِيا فِي مُسْتَنده، فَكيف وَقد قَالَه غير وَاحِد مِمَّن لَا يُحْصى وَأما مَا نَقله عَن القلشاني من أَن ابْن عَرَفَة أفتى بِصِحَّة الْحَبْس مَعَ صرف الْمحبس الْغلَّة لنَفسِهِ فَذَلِك اخْتِيَار مِنْهُ لمقابل الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَإِن ثَبت عَنهُ وَلَا تكون فتواه حجَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ لما مر من أَن مَذْهَب الشَّخْص ومختاره لَا يكون حجَّة على غَيره، وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ: احكم علينا بالمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ، وَتقدم أول الْكتاب أَن الحكم بِخِلَاف ذَلِك ينْقض كَمَا قَالَه ابْن عَرَفَة وَغَيره، ففتوى ابْن عَرَفَة الْمُتَقَدّمَة: لَو حكم حَاكم بهَا لوَجَبَ نقض حكمه، وَهَكَذَا شَأْن هَذَا الشَّيْخ رَحْمَة الله يعْتَمد فِي كثير من اعتراضاته على أبحاثه الَّتِي تظهر لَهُ وكثيرها لَا يسلم وعَلى تَسْلِيمهَا لَا تدفع الْفِقْه لقَوْل (ح) وَغَيره الْمُعْتَمد فِي كل نازلة على مَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهَا، وَلَا يعْتَمد على الْقيَاس والتخريج وَالله أعلم.
الثَّانِي: إِذا وهب لمحجوره دوراً مُتعَدِّدَة صَفْقَة وَاحِدَة فَإِن حكم ذَلِك حكم الدَّار الْوَاحِدَة، فَإِن سكن وَاحِدَة مِنْهَا وَهِي الْأَقَل وأكرى الْبَاقِي لَهُ صَحَّ الْجَمِيع، وَإِن سكن الْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع، وَإِن سكن النّصْف بَطل مَا سكن، فَإِن كَانَ ذَلِك فِي عُقُود مُتعَدِّدَة فَإِنَّمَا يبطل من ذَلِك مَا سكن كَانَ الْأَقَل أَو الْأَكْثَر، وَكَذَلِكَ لَو كَانَت أَشْيَاء مُخْتَلفَة من دور وأجنات وفدادين، فَمَا كَانَ فِي صَفْقَة وَاحِدَة يجْرِي على تَفْصِيله، وَمَا كَانَ فِي صفقات فَإِنَّهُ يبطل مَا عمره فَقَط كَمَا لأبي الْحسن. قَالَ ابْن الْقَاسِم: فَإِن تَصْدِيق على رشيد بدور مُتعَدِّدَة أَو دَار وَاحِدَة، فَإِن سكن الْأَب كثيرا بَطل مَا سكن فَقَط وَصَحَّ مَا حيّز عَنهُ قلَّ أَو كثر، وَإِن سكن الْأَب قَلِيلا صَحَّ الْجَمِيع. أَبُو الْحسن: ظَاهره أَن الرشيد إِذا حَاز الْيَسِير صَحَّ ذَلِك لَهُ بِلَا خلاف، وَظَاهر عِيَاض وجود الْخلاف فِيهِ. ومَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَمَا قَبَضْ مُعْطاهُ مُطْلَقاً لتفْرِيطٍ عَرَضْ (وَمن يَصح قَبضه) للهبة وَنَحْوهَا وَهُوَ الْكَبِير الرشيد قَرِيبا كَانَ أَجْنَبِيّا (وَمَا قبض معطاه مُطلقًا) كَانَ الْمُعْطِي أصلا أَو غَيره وَكَانَ تَركه للقبض (لتفريط) مِنْهُ (عرض) لَهُ. يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلا خِلَافٍ إِن فَاتَهُ فِي ذَلِك التّلَافِي (يبطل حَقه بِلَا خلاف إِن فَاتَهُ فِي ذَلِك التلافي) بِأَن مَاتَ الْمُعْطِي أَو فلس أَو أحَاط بِهِ الدّين أَو اسْتهْلك الْهِبَة أَو وَهبهَا لثان وحازها الثَّانِي على مَا مرّ قَرِيبا عَن (خَ) وَكَذَا لَو فرط حَتَّى بَاعهَا الْوَاهِب بعد علمه بهَا، وَلَكِن يكون لَهُ الثّمن على الرَّاجِح من إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِن لم يعلم أَو علم وَلم يفرط فِي حيازتها فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي نقض البيع أَو إمضائه وَأخذ الثّمن، وَهُوَ مَحْمُول عِنْد الْجَهْل على التَّفْرِيط حَتَّى يثبت عدم تفريطه كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن حَارِث، وَمحل الْخِيَار إِذا كَانَ الْوَاهِب حَيا، وَأما إِن مَاتَ فَلَا شَيْء للْمَوْهُوب لَهُ بِيعَتْ أَو لم تبع كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون والمفيد. وَسُئِلَ ابْن الْقَاسِم عَمَّن قَالَ: ثلث غنمي هَذِه صَدَقَة على ابْني وثلثها فِي السَّبِيل ثمَّ بَاعهَا وَمَات وَابْنه صَغِير؟ فَقَالَ: صَدَقَة الابْن ثَابِتَة يَأْخُذهَا من تركته لِأَنَّهُ الْحَائِز لَهُ وَلَا شَيْء لأهل السَّبِيل لِأَنَّهُ لم يُخرجهُ من يَده اه. وَظَاهره أَن بيعهَا لَا يكون اعتصاراً وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي فَصله، وَانْظُر شرح الشَّامِل فِيمَا إِذا وهبه ثمَّ رَهنه فَإِن الْهِبَة تصح وَيبْطل الرَّهْن إِلَّا أَن يَمُوت قبل أَن يحوزها الْمَوْهُوب لَهُ فَتبْطل الْهِبَة علم بهَا أَو لم يعلم، وَمَفْهُوم التَّفْرِيط أَنه إِذا لم يفرط كاشتغاله بتزكية شُهُود الْهِبَة أَو إِقَامَة ثَان لم تبطل. (خَ) : وَصَحَّ إِن قبض ليتروى أوجد فِيهِ أَو فِي تَزْكِيَة شَاهده الخ. وَلَيْسَ من عدم التَّفْرِيط موت الْوَاهِب قبل
علم الْمَوْهُوب بل الْهِبَة بَاطِلَة على الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ رشد خلافًا لما صَححهُ فِي الشَّامِل، وَأما إِن مَاتَ الْمَوْهُوب قبل علمه والواهب حَيّ لم يقم بِهِ مَانع، فَإِن الْهِبَة صَحِيحَة ويتنزل وَارثه مَنْزِلَته إِلَّا أَن يكون الْوَاهِب قصد عين الْمَوْهُوب لَهُ فَلَا شَيْء لوَرثَته حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ بعد علمه وَقبل الْحِيَازَة فَإِن ورثته يحوزونها كَمَا تقدم لِابْنِ رشد. وَتقدم أول بَاب الْحَبْس أَن الْقبُول لَا تشْتَرط فوريته. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا وهب شخص أَرضًا أَو دَارا وَاسْتثنى غلَّة ذَلِك سِنِين إِلَّا أَنه حوزه الرَّقَبَة ثمَّ مَاتَ الْوَاهِب، فَإِن الْهِبَة لَا تبطل على مَا بِهِ الْعَمَل ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَيجب النَّص على الثِّمَار حَيْثُ يكون الْحَبْس للصغار وَتَقَدَّمت كَيْفيَّة الْحَوْز فِي الْحَبْس. الثَّانِي: من الهبات الْبَاطِلَة هبات بَنَات الْقَبَائِل وَالْأَخَوَات لقرابتهن كَمَا فِي نظم الْعَمَل وَشَرحه ونوازل العلمي والمعيار والدر النثير، وَقد أجبْت على ذَلِك بِجَوَاب طَوِيل أثْبته فِي نَوَازِل الْحجر من نوازلنا فَعَلَيْك بِهِ، وَمن الْهِبَة الْبَاطِلَة أَيْضا هبات الْهَرم من الرِّجَال وَالنِّسَاء كَمَا فِي العلمي وَغَيره، وَالْقَوْل قَوْلهمَا إنَّهُمَا وهبا ليقوم الْمَوْهُوب لَهُ بنفقتهما ومؤنتهما فَيكون من أَفْرَاد قَول (خَ) : وكبيعه بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاته، وَمَعْلُوم أَن الْإِنْسَان مُصدق فِي الْوَجْه الَّذِي أخرج بِهِ مَاله عَن ملكه كَمَا قَالَ أَيْضا: وَالْقَوْل لَهُ إِنَّه لم ينْفق حسبَة وَقَالَ: إِلَّا أَن تهبه على دوَام الْعشْرَة، وَأما الْجَهْل بِقدر الْمَوْهُوب فَلَا يُبْطِلهَا كَمَا مر أول الْبَاب. الثَّالِث: قَالَ ابْن رشد: إِن تصدق على ابْنه الصَّغِير بدار سكناهُ ثمَّ بَاعهَا قبل أَن يرحل مِنْهَا فَإِن الثّمن يكون للِابْن، وَإِن مَاتَ الْأَب فِي الدَّار لِأَنَّهَا للمتشري لَا لِابْنِهِ إِلَّا أَن يكون بَاعهَا لنَفسِهِ استرجاعاً للصدقة فَلم يعثر على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فَإِن الصَّدَقَة تبطل، وَلَو عثر على ذَلِك فِي حَيَاته وَصِحَّته لفسخ البيع وَردت الدَّار لوَلَده، وَلَو بَاعهَا بعد أَن رَحل مِنْهَا وحازها لِابْنِهِ لجَاز البيع على الابْن وَكَانَ لَهُ الثّمن من مَال أَبِيه حَيا كَانَ أَو مَيتا، وَإِن لم ينص على أَنه بَاعَ لِابْنِهِ إِلَّا أَن يَبِيع نصا استرجاعاً لصدقته فبيعه مَرْدُود إِلَى الْوَلَد حَيا كَانَ أَو مَيتا وَالثمن للْمُشْتَرِي فِي مَال الْأَب بِخِلَاف مَا لَو حَبسهَا ثمَّ بَاعهَا قبل أَن يرحل مِنْهَا وَلم يعثر على ذَلِك حَتَّى مرض أَو مَاتَ، وَلَو عثر على ذَلِك فِي صِحَّته لفسخ البيع وَصَحَّ الْحَبْس بالحيازة اه. بِنَقْل الْبُرْزُليّ قَائِلا اُنْظُرْهُ فِي رسم أوصى.
(فصل فِي الاعتصار)
ابْن عَرَفَة: هُوَ ارتجاع الْمُعْطِي فِي عطيته دون عوض بِلَا طوع الْمُعْطى أخرج بِهِ هبة الْمُعْطى بِالْفَتْح للمعطي بِالْكَسْرِ وصيغته مَا دلّ عَلَيْهِ لفظا كَانَ بمادة الاعتصار أَو الرُّجُوع أَو الرَّد أَو غير ذَلِك، وَهُوَ يَصح فِي الْهِبَة والعطية والعمرى والنحلة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَأما الْحَبْس فَإِن كَانَ بِمَعْنى الصَّدَقَة لم يعتصر، وَإِن كَانَ فِي معنى الْهِبَة بِكَوْنِهِ سُكْنى أَو عمرى إِلَى شهر أَو شَهْرَيْن ثمَّ مرجعها إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يعتصر. الاعْتِصَارُ جَازَ فِيمَا يَهَبُ أَوْلَادَهُ قَصْداً لِمَحَبَّةِ الأبُ (الاعتصار) مُبْتَدأ خَبره (جَازَ فِيمَا يهب أَوْلَاده) مفعول بِهِ (قصدا لمحبة) مفعول لأَجله (الْأَب) فَاعل يهب، وَظَاهره كَانَ الْأَوْلَاد كبارًا أَو صغَارًا وَهُوَ كَذَلِك، وَاحْترز بِقصد الْمحبَّة مِمَّا إِذا كَانَت الْهِبَة لله وَالدَّار الْآخِرَة أَو كَانَت هبة ثَوَاب فَإِنَّهُ لَا اعتصار فِي ذَلِك، وَاحْترز بِالْأَبِ من جد وَجدّة وَعم وأجنبي فَإِنَّهُ لَا اعتصار لَهُم إِلَّا أَن يشترطوه عِنْد الْهِبَة. والأمُّ مَا حَيُّ أبٌ تَعْتصِرُ وَحَيْثُ جَازَ الاعْتِصَارُ يُذْكَرُ (وَالأُم مَا حييّ أَب تعتصر) أَي تعتصر مَا وهبته لولدها الصَّغِير مُدَّة حَيَاة الْأَب مَا لم تفت الْهِبَة، فَإِن فَاتَت الْهِبَة بزيد أَو نقص وَنَحْوهمَا فَلَا اعتصار لَهَا، وَظَاهر أَنه إِذا مَاتَ الْأَب لَا اعتصار لَهَا أَيْضا وَلَيْسَ كَذَلِك (خَ) كَأُمّ فَقَط وهبت ذَا أَب وَلَو تيتم على الْمُخْتَار، وَهَذَا فِي الصَّغِير وَأما الْكَبِير فتعتصر مِنْهُ وَمَا وهبته مُطلقًا (وَحَيْثُ جَازَ) مِمَّن ذكر (الاعتصار) فَإِنَّهُ (يذكر) فِي الْوَثِيقَة أَن يَقُول: وسلط عَلَيْهَا حكم الاعتصار أَو هبة يَصح اعتصارها أَو من شَأْنهَا الاعتصار وَنَحْو ذَلِك، فَإِن لم يذكر ذَلِك فِي الْوَثِيقَة فَلَا يسْقط حكم الاعتصار لِأَن ذكره إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْكَمَال وحسم مَادَّة الْخلاف لِئَلَّا يُنَازع الْوَلَد أَبَاهُ إِذا اعتصر مِنْهُ، وإلاَّ فَالسنة أوجبت لَهُ الاعتصار، وَإِن لم يذكرهُ الْأَب وَلَا الموثق فِي وثيقته، وَنَظِيره: كتب الموثق رضَا الْمَضْمُون بِالضَّمَانِ حسماً لمادة الْخلاف وإلاَّ فَالْمَشْهُور عدم اعْتِبَار إِذْنه وَرضَاهُ كَمَا تقدم فِي قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا. وَكَذَا كتبه فِي بيع الْأُصُول وَحل الْمُبْتَاع مَحل بَائِعه فِيمَا ابتاعه وَنزل فِيهِ مَنْزِلَته وأبرأه من دَرك الْإِنْزَال الخ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكْتب حسماً لمادة الْخلاف، وإلاَّ فَالْعقد يُوجِبهُ
وَيدخل فِي ضَمَانه بِمُجَرَّدِهِ (خَ) وَضمن بِالْعقدِ الخ
…
قَالَ ابْن سهل: مضى عمل الأندلس بالإنزال أَي بكتبه. قَالَ: وَلَا معنى لَهُ إِذا لَا يلْزم عَلَيْهِ ضَمَان وَلَا غَيره اه. [يَعْنِي: وَإِنَّمَا يكتبونه خُرُوجًا من خلاف أَشهب الَّذِي يَقُول البيع هُوَ العقد مَعَ الْقَبْض لَا العقد فَقَط فَلَا ينْتَقل ضَمَان الْمَبِيع للْمُشْتَرِي على قَوْله: بِالْقَبْضِ، فحسموا مَادَّة الْخلاف بالتنصيص على الْحُلُول والإنزال فِي الْمَبِيع كَمَا مرَّ صدر الْبيُوع وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ
…
أَن الْعَمَل على الْإِنْزَال، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ جَازَ الخ
…
أَن الْهِبَة إِذا كَانَت فِي معنى الصَّدَقَة فَإِنَّهُ لَا يذكر فِيهَا إِلَّا أَن يَشْتَرِطه كَمَا مرّ. وضُمِّنَ الوِفَاقُ فِي الحُضُورِ إنْ كَانَ الاعْتِصَارُ مِنْ كَبِيرِ (وَضمن) فِي رسم الاعتصار (الْوِفَاق فِي الْحُضُور) أَي حُضُور الابْن الْكَبِير (إِن كَانَ الاعتصار من كَبِير) فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون وَإِن كَانَ الابْن كَبِيرا قلت: وبمحضر الابْن وموافقته على ذَلِك اه. وَهَذَا من بَاب قطع النزاع أَيْضا لِأَنَّهُ قد يَدعِي مَا يمْنَع الاعتصار من صَدَقَة أَو فَوَات بدين وَنَحْوه فحضوره وموافقته يقطع ذَلِك، فالتضمين الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْكَمَال كَالَّذي قبله وَإِلَّا فَهُوَ يعتصرها مِنْهُ جبرا عَلَيْهِ. وكلُّ مَا يَجْرِي بِلفظِ الصَّدقة فَالاعتِصارُ أبَداً لنْ يَلْحَقَه (وكل مَا يجْرِي) من الْعَطِيَّة والنحلة والعمرى (بِلَفْظ الصَّدَقَة) أَو كَانَ بِلَفْظ الْهِبَة ودلت الْقَرَائِن على قصد الصَّدَقَة وَالدَّار الْآخِرَة (فالاعتصار أبدا لن يلْحقهُ) إِلَّا أَن يَشْتَرِطه عِنْد عقد الصَّدَقَة كَمَا مر (خَ) كصدقة بِلَا شَرط الخ
…
وَمَفْهُومه أَنَّهَا إِذا كَانَت بِشَرْط فيعتصرها. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: فَإِن قيل كَيفَ يجوز أَن يشْتَرط فِي الصَّدَقَة الاعتصار وَالصَّدَََقَة لَا تعتصر؟ قيل: وَسنة الْحَبْس لَا يُبَاع وَإِذا شَرطه الْمحبس فِي نفس الْحَبْس كَانَ لَهُ شَرطه اه. فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنه كَمَا يعْمل بِشَرْط الاعتصار فِي الصَّدَقَة من الْأَب وَالأُم يعْمل بِشَرْطِهِ فِيهَا على أَجْنَبِي وَهُوَ كَذَلِك خلافًا للمشدالي. وَلَا اعِتصَارَ مَعَ موتٍ أَوْ مَرَضْ لهُ أَوِ النِّكاحِ أَوْ دَيْنٍ عَرَضْ (وَلَا اعتصار) أصلا (مَعَ) حُصُول (موت) للْمَوْهُوب لَهُ أَو الْوَاهِب (أَو) حُصُول (مرض)
مُتَّصِل بِمَوْت (لَهُ) أَي للْوَاهِب أَيْضا (أَو) حُصُول (النِّكَاح) للْمَوْهُوب لَهُ بعد الْهِبَة (أَو) حُصُول (دين عرض) أَي حدث للْمَوْهُوب لَهُ أَيْضا بعد الْهِبَة لتَعلق حق الْغَيْر بهَا فِي النِّكَاح وَالدّين لأَنهم إِنَّمَا أنكحوه وداينوه لأَجلهَا، وَلِأَنَّهُ فِي مرض الْوَاهِب يعتصر لغيره وَفِي مرض الْمَوْهُوب لَهُ تعلق بهَا حق ورثته، وَأَحْرَى بخروجها من يَد الْوَلِيد بِبيع أَو هبة وَنَحْوهمَا لتَعلق حق المُشْتَرِي والموهوب لَهُ بهَا، وَكَذَا لَو فَاتَت الْهِبَة بِزِيَادَة أَو نقص فِي ذَاتهَا لِأَن تغيرها بذلك يصيرها غير الْمَوْهُوب، وَكَذَا لَو وطىء الْوَلَد الْبَالِغ الْأمة الْمَوْهُوبَة أَو أعْتقهَا أَو كاتبها، وَأما حِوَالَة الْأَسْوَاق فَلَا تفيته، وَمَفْهُوم قَوْله: عرض الخ
…
أَن الْمَرَض وَالنِّكَاح وَالدّين إِذا لم يعرض وَاحِد مِنْهَا بل كَانَ مَوْجُودا وَقت الْهِبَة فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الاعتصار، وَكَذَا لَو صَحَّ من الْمَرَض الْعَارِض بعْدهَا فَإِن الاعتصار يعود وَيصِح. (خَ) وَللْأَب اعتصارها من وَلَده كَأُمّ إِن لم تفت لَا بحوالة سوق بل بزيد أَو نقص وَلم ينْكح أَو يداين لَهَا أَو يطَأ وَلَو ثَيِّبًا أَو يمرض كواهب إِلَّا أَن يهب على هَذِه الْأَحْوَال وَيَزُول الْمَرَض على الْمُخْتَار أَي: بِخِلَاف زَوَال النِّكَاح وَالدّين فَلَا يعود مَعَه الاعتصار لِأَن الْمَرَض إِذا زَالَ تَنْقَطِع توابعه، وَالنِّكَاح وَالدّين لَا تَنْقَطِع توابعهما لِأَن الصَدَاق قد يسْتَحق، وَكَذَا مَا دَفعه للْغُرَمَاء بِمُجَرَّد النِّكَاح وَالدّين مَانع بِخِلَاف الْمَرَض. وَفَقْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ مَا كَانَا لِمَنْعِ الاعْتِصَارِ قد أَبَانا (وفقر موهوب لَهُ مَا كَانَا) صَغِيرا أَو كَبِيرا رشيدا أَو سَفِيها وَهُوَ مُبْتَدأ (لمنع الاعتصار) مِنْهُ (قد أَبَانَا) خبر وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ. قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: إِذا كَانَت هبة الْأَبَوَيْنِ على فَقير من بنيهما فَلَيْسَ لَهما الاعتصار لِأَن من وهب لفقير قد علم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الصِّلَة وَالْأَجْر اه. بِنَقْل (م) وَمثله فِي ابْن سَلمُون، فظاهرهما كالناظم كَانَ الْوَلَد صَغِيرا أَو كَبِيرا كَمَا قَررنَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِي اعتصار الْأَب إِذا كَانَ الْوَلَد كَبِيرا فَقِيرا فَقيل: للْأَب أَن يعتصر، وَمنع ذَلِك سَحْنُون وَقَالَ: إِنَّمَا يعتصر إِذا كَانَ الْوَلَد فِي حجره أَو بَائِنا عَنهُ وَله مَال كثير. اللَّخْمِيّ: يُرِيد إِذا كَانَ فِي حجره فَلهُ أَن يعتصر وَإِن كَانَ فَقِيرا لِأَن الْقَائِم لَهُ والمنفق عَلَيْهِ فَهُوَ فِي معنى الْمُوسر الخ
…
فخلاف سَحْنُون إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَقِير الْكَبِير وَمَعَ ذَلِك صدر بِأَنَّهُ يعتصر كَمَا ترى، وَكَذَا صدر بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَكَذَا لَهُ أَن يعتصر من ولد فَقير، وَمنعه سَحْنُون قَائِلا: لَا يعتصرها إِلَّا مِمَّن فِي حجره أَو أَن بَان عَنهُ وَله وَمَال الخ
…
وَذَلِكَ كُله يُفِيد أَنه يعتصر فِي الصَّغِير اتِّفَاقًا،
وَكَذَا فِي الْكَبِير على الْمَذْهَب، وَلذَا لم يذكر فِي (خَ) الْفقر من مَوَاضِع الاعتصار، وَهَذَا كُله مَا لم يُصَرح فِي هِبته بِقصد الثَّوَاب وَالْأَجْر وإلاَّ فَلَا اعتصار كَمَا مرَّ. وَمَا اعْتِصَارٌ بيعُ شيءٍ قَدْ وُهِبْ منْ غَيْرِ إشْهَادٍ بهِ كَمَا يَجِبْ (وَمَا) نَافِيَة (اعتصار) خبر عَن قَوْله (بيع شَيْء قد وهب) وَالتَّقْدِير: وَمَا بيع شَيْء قد وهب اعتصار (من غير إِشْهَاد بِهِ) أَي بِأَن بَيْعه لذَلِك اعتصار (كَمَا يجب) فِيهِ، وَبيعه مَحْمُول على أَنه لغبطة أَو مصلحَة فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون: ولبعض فُقَهَاء الشورى فِيمَن وهب لِابْنِهِ الصَّغِير هبة سلط عَلَيْهَا حكم الاعتصار ثمَّ بعد ذَلِك بَاعهَا باسم نَفسه وَمَات إِن الثّمن للِابْن فِي تَرِكَة أَبِيه وَلَيْسَ بَيْعه باسم نَفسه عصرة مِنْهُ إِلَّا أَن يشْهد عِنْد البيع أَو قبله أَن بَيْعه عصره مِنْهُ لَا هبة وإلاَّ فَلَا اه. زَاد فِي الطرر: وَلَا يَصح الاعتصار بعد البيع لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا، وَلَا مَفْهُوم لشرطه الاعتصار لِأَنَّهُ شَرط مُؤَكد فقد لِأَن سنتها الاعتصار وَلَو لم يشْتَرط. وَفِي ابْن عَرَفَة قَالَ بعض فُقَهَاء الشورى من شَرط فِي هبة ابْنه الاعتصار ثمَّ بَاعهَا إِلَى آخر مَا مر فأسقط التَّقْيِيد بالصغير، فَظَاهره كالناظم أَنه لَا يكون عصرة مُطلقًا، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون البيع لَيْسَ صَرِيحًا فِي الاعتصار فِيهَا مَعًا حَتَّى يَقع الْإِشْهَاد بِهِ كَمَا ترى. قَالَ فِي الكراس الثَّالِث عشر من معاوضات المعيار راداً على من قَالَ: إِن البيع عصرة مَا نَصه: فَأَما إيحاب العصرة بِلَفْظ مُحْتَمل يتسلط عَلَيْهِ التَّأْوِيل فَلَا يَصح لِأَن الْهِبَة قد صَارَت ملكا للْمَوْهُوب لَهُ فَلَا يَصح نقلهَا عَن ملكه إِلَى ملك الْأَب بِأَمْر مُحْتَمل لقَوْله صلى الله عليه وسلم: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس) اه. الْغَرَض مِنْهُ وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه لَا فرق بَين الْكَبِير وَالصَّغِير لِأَن الْأَب يكون قد أَرَادَ أَخذ ذَلِك الثّمن مَعَ كَونه لم يقْصد بِالْبيعِ الاعتصار من غير طيب نفس الْوَلَد بِهِ، لَكِن إِذا لم يكن اعتصار فِي الْكَبِير أَيْضا فيفصل فِيهِ بَين أَن يكون الْأَب بَاعهَا قبل أَن يحوزها الْكَبِير بعد علمه وتفريطه فَيجْرِي على مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَمن يَصح قَبضه وَمَا قبض الخ
…
أَو يكون بَاعهَا بعد حوزه إِيَّاهَا فَيجْرِي على بيع الْفُضُولِيّ، وَقد مر الْكَلَام عَلَيْهِ فِي فَصله. وَظَاهر قَوْلهم: إِلَّا أَن يشْهد عِنْد البيع أَو قبله أَن قَول الْأَب بعده إِنَّمَا قصد بِهِ الاعتصار غير مَقْبُول، وَهَذَا كُله فِي البيع. وَيفهم مِنْهُ أَنه فِي الْهِبَة لَا يكون اعتصار إِلَّا بِالْإِشْهَادِ أَيْضا فِي الصَّغِير وَالْكَبِير لِأَن الصَّغِير هُوَ الَّذِي يحوز لَهُ فِيهِ هبة ثَابِتَة بعد الْحَوْز لَا تصح للثَّانِي وَلَو حازها. وَكَذَا فِي الْكَبِير بعد حوزه إِيَّاهَا لَا قبل حوزه فَتكون للثَّانِي إِن حَاز كَمَا مر. (تَنْبِيه) : ذكر فِي الكراس الرَّابِع من معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح: أَن من حبس على ابْنه ملكا ثمَّ بَاعه فَإِن ذَلِك يعد مِنْهُ اعتصاراً وَهُوَ مُخَالف لما مر من أَنه لَا يكون اعتصاراً حَتَّى يشْهد بِأَن بَيْعه اعتصار. وَلما ذكر أَن تصرف الْأَب فِي الْهِبَة وَالْبيع لَا يعد اعتصاراً استدرك مَا إِذا
صير الْهِبَة الَّتِي وَهبهَا لِابْنِهِ فِي دين لَهُ على أَبِيه فَقَالَ: لكنَّهُ يُعَدُّ مهْما صَيَّرَا ذَاك لموْهُوبٍ لَهُ مُعَتَصِرَا (لكنه يعد مهما) أشهد بِأَنَّهُ (صيرا ذَاك) الْمَوْهُوب (لموهوب لَهُ) الَّذِي هُوَ الابْن فِي الدّين الَّذِي للِابْن عَلَيْهِ (معتصرا) لَهُ وَيصير الْمَوْهُوب ملكا للْوَلَد عوضا عَن الدّين الَّذِي كَانَ لَهُ على أَبِيه، لَا بِالْوَجْهِ الأول الَّذِي هُوَ الْهِبَة، فَقَوله: معتصراً مفعول ثَان ليعد، وَالْفرق أَن التصيير على هَذَا الْوَجْه لَا يحْتَمل غير الاعتصار لِأَن إِدْخَال الْمَوْهُوب فِي ملك الْوَلَد بِسَبَب الدّين الَّذِي لَهُ على الْأَب فرغ إدخالها فِي ملك الْأَب، وإلاَّ لم يكن قَضَاء لدينِهِ بِخِلَاف البيع، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يقْصد بِهِ الاعتصار، وَيحْتَمل أَن يكون قصد بِهِ الْغِبْطَة والمصلحة، فَإِذا لم يكن أشهد أَنه قصد بِهِ الاعتصار لم يكن اعتصاراً إِذْ لَا ينْتَقل الْملك عَن مَالِكه بِأَمْر يحْتَمل كَمَا مر، وَهَذَا فِي التصيير للصَّغِير، وَأَحْرَى فِي التصيير للكبير إِذْ لَا يكون إِلَّا بِرِضَاهُ. وَظَاهر هَذَا القَوْل كَأَن يعرف الابْن بِالْمَالِ أم لَا. وَقيل بل يَصِحُّ إِن مالٌ شُهِرْ لهُ وإلاَّ فَلِحَوْزٍ يَفْتَقِرْ (وَقيل بل) إِنَّمَا (يَصح) التصيير الْمَذْكُور (إِن مَال شهر لَهُ) أَي للِابْن وَعرف بِهِ بِأَن تشهد بَيِّنَة أَن لَهُ مَالا وَرثهُ من أمه أَو حصله من كسب يَده وَإِن لم يبين قدره (وَإِلَّا) يكن مَعْرُوفا بِالْمَالِ (فلحوز يفْتَقر) إِن وجد بِأَن كَانَ يصرف الْغلَّة فِي مصَالح وَلَده أَو جهل حَالَة تمت الْهِبَة وَصحت وإلاَّ بِأَن كَانَ يصرفهَا فِي مصَالح نَفسه فَلَا تصح لما مر عِنْد قَوْله: وَعَن الْأمين يُغني الاشتراء الخ
…
من أَنه أَرَادَ هبة الأَصْل وَجعل إِقْرَاره بِالدّينِ وتصيير الْهِبَة فِيهِ جنَّة لسُقُوط الْحِيَازَة، لِأَن
التصيير إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر لحيازة لِأَنَّهُ من قبيل البيع وَإِمَّا لِأَنَّهُ يفْتَقر لحيازة شهر فَقَط كَمَا مرَّ فِي فَصله، وَالْهِبَة لَا بُد أَن تحاز عَاما فَأكْثر فَإِذا رَجَعَ إِلَيْهَا بعد الْعَام لم تبطل كَمَا مرَّ، وَبِهَذَا تعلم أَن هَذَا القَوْل الْمفصل هُوَ الَّذِي أصَاب الْمفصل لَا مَا صدر بِهِ النَّاظِم تبعا لِابْنِ الْحَاج وَالله أعلم.
(فصل فِي الْعُمْرَى وَمَا يلْحق بهَا من المنحة والإخدام)
ابْن عَرَفَة: هِيَ تمْلِيك مَنْفَعَة مُدَّة حَيَاة الْمُعْطِي بِغَيْر عوض إنْشَاء فَخرج بِالْمَنْفَعَةِ تمْلِيك الذَّات وبحياة الْمُعْطِي الخ
…
الْحَبْس وَالْعَارِية والمعطى بِفَتْح الطَّاء خرج بِهِ حَيَاة الْمُعْطِي بِكَسْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُسمى عمرى حَقِيقَة، وَإِن كَانَ جَائِزا كحياة أَجْنَبِي غَيرهمَا وَخرج بقوله: بِغَيْر عوض مَا إِذا كَانَ بعوض فَإِنَّهَا إِجَارَة فَاسِدَة، وَبِقَوْلِهِ: إنْشَاء الحكم بِاسْتِحْقَاق الْعُمْرَى لِأَنَّهُ تَقْرِير لَهَا لَا إنْشَاء، وَهَذَا الْحَد يُوجب جَوَازهَا فِي الْأُصُول والحلى وَالثيَاب وَغير ذَلِك. أَبُو الْحسن: إِلَّا أَنه إِن بَقِي من الثَّوْب شَيْء رده وإلاّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وخصها النَّاظِم بالأصول لكثرتها فِيهَا فَقَالَ: هِبَةُ غَلّةِ الأصُول العُمْرَى بِجَوْزِ الأصْلِ حوْزُها اسْتقَرا (هبة غلَّة الْأُصُول) كالدور وَالْأَرضين والحوانيت (الْعُمْرَى) وَلَا بُد فِيهَا من الْحَوْز كَمَا قَالَ (بحوز أصل حوزها استقرا) لِأَن الْمَنْفَعَة تحاز بحوز أُصُولهَا كَمَا مرَّ، والحيازة للصَّغِير فِيهَا بِصَرْف الْغلَّة كَمَا مرَّ فِي الْهِبَة. طول حَيَاة معمَرٍ أَو مُدّه مَعْلُومةٍ كالعَامِ أَو مَا بعْدَه (طول) بِالنّصب ظرف لقَوْله: هبة وَهِي خبر عَن قَوْله: الْعُمْرَى، وَالتَّقْدِير: الْعُمْرَى هبة غلَّة الْأُصُول طول (حَيَاة المعمر) بِالْفَتْح (أَو) هبة غلَّة الْأُصُول (مده مَعْلُومَة كالعام أَو مَا بعده) كالعامين أَو الْعشْرَة، وحوزها اسْتَقر بحوز أَصْلهَا. اللَّخْمِيّ: والعمرى أَقسَام مُقَيّدَة بِأَجل، وحياة المعمر بِالْفَتْح ومطلقة ومعقبة، فالمقيدة بِأَجل أَو حَياتِي أَو حياتك هِيَ إِلَى ذَلِك الْأَجَل، وَإِن أطلق وَلم يُقيد كَانَ محمله على عمر الْمُعْطى لَهُ حَتَّى يَقُول: عمري أَو حَياتِي وَإِن عَقبهَا فَقَالَ: أعمرتك أَنْت وَعَقِبك لم ترجع إلىه إِلَى أَن ينقرض الْعقب. قَالَ: وَيحمل قَوْله: كسوتك هَذَا الثَّوْب وحملتك على هَذَا الْفرس على هبة الرّقاب بِخِلَاف قَوْله: أعمرتك أَو أسكنتك أَو أخدمتك فَإِنَّهُ يحمل على الْعُمْرَى، وَإِن قَالَ: أَذِنت لَك أَن تسكن دَاري وتزرع أرضي أَو تركب دَابَّتي أَو
تلبس ثوبي كَانَ عَارِية فَيجْرِي على حكمهَا من ضرب الْأَجَل وَعَدَمه اه. يَعْنِي إِذا لم يضْرب الْأَجَل فَإِن الْعَارِية تنقض بِمُضِيِّ مَا يعار لمثله. وَقَوله: حَيَاة المعمر يَقْتَضِي أَن الْجَهْل بِمدَّة الْحَيَاة لَا يضر وَهُوَ كَذَلِك، لِأَن الْغرَر إِنَّمَا يمْنَع فِي الْمُعَاوَضَات دون التَّبَرُّعَات وَذكر الْمواق فِي الضَّمَان إِحْدَى عشرَة مَسْأَلَة يجوز الْجَهْل فِيهَا الْخَمَالَة وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة والبراءة من الْمَجْهُول وَالصُّلْح يَعْنِي: إِذا لم يعرفا قدر الْحق الْمصَالح فِيهِ كَمَا مرّ فِي بَابه، وَالْخلْع وَالصَّدَاق والقراض وَالْمُسَاقَاة والمغارسة وَالصَّدَََقَة اه. وَقَوْلهمْ: أرسل من يدك بالغرر وَلَا تَأْخُذ بِهِ مَعْنَاهُ أرسل من يدك بالغرر من غير عوض وَلَا تَأْخُذ بِهِ بعوض فكأنهم قَالُوا وَلَا تعاوض بِهِ. تَتِمَّة: إِذا مَاتَ المعمر بِالْفَتْح أَو انْقَضى الْأَجَل فَإِنَّهَا ترجع للمعمر بِالْكَسْرِ أَو وَارثه. (خَ) : وَرجعت للمعمر أَو وَارثه الخ. وَالْمُعْتَبر فِي الْوَارِث هُوَ يَوْم الْمَوْت لَا يَوْم الْمرجع، فَإِذا مَاتَ المعمر بِالْكَسْرِ عَن أَخ مُسلم وَابْن كَافِر أَو رَقِيق فورث الْمُسلم أَخَاهُ ثمَّ أسلم الابْن أَو عتق الرَّقِيق ثمَّ مَاتَ المعمر بِالْفَتْح، فَإِن الْعُمْرَى ترجع للْأَخ، الْمُسلم كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ. وبيعُها مُسوَّغٌ لِلمُعْمَرِ منْ مُعمِرٍ أَو وارِثٍ لِلمُعْمِر (وَبَيْعهَا) أَي الْعُمْرَى أَن مَنْفَعَتهَا (مسوغ للمعمر) بِالْفَتْح أَي يَبِيع مَاله من الْمَنْفَعَة مُدَّة حَيَاته (من معمر) بِالْكَسْرِ (أَو) من (وَارِث للمعمر) بِالنَّقْدِ وَالْعرُوض وَالطَّعَام وَغير ذَلِك نَقْدا أَو نَسِيئَة وَتَسْمِيَة ذَلِك بيعا مجَازًا وَإِنَّمَا هُوَ كِرَاء، وَفهم مِنْهُ أَنه لَا يجوز بيعهَا من غير المعمر أَو وَارثه وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت حَيَاة المعمر لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ إِجَارَة مَجْهُولَة، وَإِنَّمَا اغتفر مؤاجرتها للمعمر أَو وَارثه مَعَ وجود الْجَهْل أَيْضا للمعروف كَمَا جَازَ للمعري اشْتِرَاء عريته يخرصها تَمرا مَعَ مَا فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة للمعروف أَيْضا وَأما إِن كَانَت مُقَيّدَة بِأَجل كعام وَنَحْوه فَلهُ عقد الْكِرَاء فِيهَا مَعَ المعمر أَو غَيره إِلَى تِلْكَ الْمدَّة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره ثمَّ أَشَارَ إِلَى المنحة وَهِي هبة لبن الشَّاة كَمَا مرّ أول بَاب الْهِبَة فَقَالَ: وَغَلَّةٌ للحيوانِ إنْ تُهَبْ فَمِنْحَةٌ تُدْعَى وَلَيْسَتْ تُجْتَنَبْ (وغلة للحيوان) كلبن بقرة أَو شَاة (أَن تهب) لشخص حَيَاة الممنوح أَو مُدَّة مُعينَة فَإِن أطلق فَهُوَ مُصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْمدَّة فَإِن مَاتَ أَو غَابَ، فَالظَّاهِر أَنه يحمل على حَيَاة الْحَيَوَان الممنوح (فمنحة تدعى) أَي تسمى (وَلَيْسَت تجتنب) بل هِيَ مَنْدُوبَة لكَونهَا من الْمَعْرُوف، وَلَا يدْخل فِي
غلَّة الْحَيَوَان ركُوب الدَّابَّة لِأَن هَذِه عَارِية كَمَا تقدم قَرِيبا عَن اللَّخْمِيّ، وَتقدم أَيْضا أول بَاب الْهِبَة ثمَّ أَشَارَ إِلَى الإخدام فَقَالَ: وخِدْمَةُ العَبْدِ هِي الإخْدامِ وَالحَوْزُ فِيهَا لَهُ الْتزامِ (وخدمة العَبْد) أَو الْأمة أَن تهب لشخص حَيَاة العَبْد أَو المخدم بِالْكَسْرِ أَو المخدم بِالْفَتْح أَو لمُدَّة مَعْلُومَة كعام وَنَحْوه (هِيَ الإخدام) فِي الِاصْطِلَاح فَإِن أطلق وَقَالَ: أخدمتك هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ يحمل على حَيَاة العَبْد كَمَا مرّ أول بَاب الْحَبْس (والحوز فيهمَا) أَي فِي المنحة والاخدام قبل حُصُول الْمَانِع (لَهُ الْتِزَام) فَلَا يصحان بِدُونِهِ كَمَا مرَّ. حَياةُ مُخْدَمٍ أوِ المَمْنُوحِ أَوْ أَمَدٍ عُيِّنَ بالتَّصْرِيحِ (حَيَاة مخدم) ظرف لتهب الْمُقدر بعد خدمَة العَبْد (أَو) حَيَاة (الممنوح) ظرف لتهب الْمَذْكُور فِي كَلَامه من اللف والنشر المعكوس (أَو) إِلَى (أمد) كعام أَو شهر (عين) فيهمَا (بالتصريح) فَإِن أطلق وَلم يعين فقد مر حكمه. وأُجْرَةُ الرَّاعِي لما قَدْ مُنِحا عَلَى الذِي بِمِنْحَةٍ قد سَمِحَا (وَأُجْرَة الرَّاعِي لما) أَي للحيوان الَّذِي (قد منحا) لبنه وَاجِبَة (على) الشَّخْص (الَّذِي بمنحه قد سَمحا) أَو على المانح وَظَاهره أَنه إِذا اشْترطت أجرته على الممنوح أَو جرى عرف بهَا لِأَنَّهُ كالشرط لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهَا تنْقَلب حِينَئِذٍ إِجَارَة بِمَجْهُول وَهُوَ كَذَلِك، فَفِي نَوَازِل الفاسي: لَا يجوز إِعْطَاء بقرة لمن يرعاها على أَن يَأْخُذ نصف زبدها قَالَ: وَلَكِن فِي الْمواق والمعيار عَن ابْن سرج مَا يُؤذن بالترخيص فِي ذَلِك من أجل الِاضْطِرَار لِأَن مَذْهَب مَالك مُرَاعَاة الْمصلحَة إِن كَانَت كُلية حاجية اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ أول الْإِجَارَة وَلَا مَفْهُوم للزبد وَلَا لنصفه بل كَذَلِك بِكُل الزّبد أَو اللَّبن، وَمثل هَذَا مَا يَقع كثيرا فِي إِجَارَة معلم الصّبيان يجْعَلُونَ لَهُ مخضة على كل وَاحِد فَقَالَ العقباني: إِن ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يدْخل مَعَهم على تَحْدِيد مَا يَأْخُذهُ من الزّبد بِالْوَزْنِ، وَإِنَّمَا دخل على أَن يَأْخُذ مخضة لَا يدْرِي قدرهَا، وَلما نَقله ابْن رحال عِنْد قَوْله (خَ) فِي الْإِجَارَة: أَو حميم ذِي الْحمام. قَالَ عقبَة: الصَّوَاب الْجَوَاز، وَأَشَارَ إِلَى مَا تقدم عَن ابْن سراج والمعيار، وَأما علف الدَّابَّة المعارة فقد قَالَ (خَ) آخر الْعَارِية: وَفِي علف الدَّابَّة قَولَانِ. أَي: هَل هُوَ على الْمُعير أَو الْمُسْتَعِير؟ ومحلهما مَعَ السكت وَعدم الْعرف، وَأما الشَّرْط أَو الْعرف فَهُوَ على من اشْترط عَلَيْهِ أَو قضى الْعرف أَنه عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يجوز كِرَاء الدَّابَّة بعلفها كَمَا قَالَ (خَ) : وَجَاز على أَن عَلَيْك
عَلفهَا الخ
…
وَالْعرْف عندنَا بفاس أَن علف الْعَارِية على الْمُسْتَعِير حَيْثُ باتت عِنْده فَإِن لم تبت فعلى رَبهَا، وَأما نَفَقَة المخدم فاقتصر فِي الِاسْتِغْنَاء كَمَا فِي الْمواق على أَنَّهَا على المخدم بِالْفَتْح، وَفِي الْمُدَوَّنَة أَنَّهَا على المخدم رُوِيَ بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا، وَهَذَا مَعَ السكت أَو عدم الْعرف أَيْضا وإلاَّ فَهِيَ على المخدَم بِالْفَتْح اتِّفَاقًا إِذْ لَا يجوز مؤاجرة الْأَجِير بِأَكْلِهِ وتنفسخ إِذا ظهر أكولاً قَالَ (خَ) : كظهور مُسْتَأْجر أوجر بأجره أكولاً الخ
…
وَزَكَاة فطره حِينَئِذٍ على سَيّده قطعا لِأَنَّهُ الْمَالِك الْمُنفق عَلَيْهِ. وجائِزٌ لِمَانِحٍ فِيهَا الشِّرا بِما يَرَى نَاجِزاً أوْ مُؤَخَّرَا (وَجَائِز لمانح فِيهَا) أَي المنحة (الشرا بِمَا) أَي بِالثّمن الَّذِي (يرَاهُ) المانح ويرضى بِهِ كَانَ ذَلِك الثّمن طَعَاما أَو غَيره (ناجزاً) كَانَ (أَو مُؤَخرا) وَلَا يدْخلهُ بيع اللَّبن الْمَجْهُول بِدَنَانِير أَو بِطَعَام نَسِيئَة لِأَن ذَلِك كُله مَعْرُوف رخص لَهُ فِيهِ كَمَا مرَّ فِي الْعُمْرَى. وَلَا يجوز لغيره شِرَاؤُهُ إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة عِنْد شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الْإِجَارَة: وشَاة للبنها، وَيفهم من النّظم أَنه يجوز للمخدِم بِالْكَسْرِ شِرَاء خدمَة مخدمه كالمنحة والعمرى إِذْ لَا فرق بَين الْجَمِيع وَالله أعلم.
(فصل فِي الإرفاق)
وَهُوَ إِعْطَاء مَنَافِع الْعقار. إرْفَاقُ جَارٍ حَسَنٌ للجارِ بِمَسْقَى أَوْ طَرِيقٍ أَو جِدَارِ (إرفاق جَار حسن) أَي مُسْتَحبّ (للْجَار) لحَدِيث: (مازال جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه) . وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام: مَا لَهُ حق وَاحِد وَهُوَ الْجَار الذِّمِّيّ، وَمَا لَهُ حقان وَهُوَ الْجَار الْمُسلم الْأَجْنَبِيّ، وَمَا لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق وَهُوَ الْجَار الْمُسلم الْقَرِيب. قَالَ تَعَالَى: وبالوالدين إحسانا} إِلَى قَوْله: الْجَار ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجنب} (النِّسَاء: 36) . وحد الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب (بمسقى) يتَعَلَّق بإرفاق فَيحْتَمل أَن يكون اسْم مَكَان أَي يرفقه بِموضع يُوصل مِنْهُ المَاء ليسقي حَائِطه أَو دَاره، وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا أَي يسْقِي مَاء فضل عَنهُ ليسقي الْجَار بِهِ حَائِطه وَنَحْوه أَو ب (طَرِيق) فِي أرضه يمر عَلَيْهَا لحائطه أَو دَار أَيْضا (أَو) ب (جِدَار) يغرز فِيهِ خَشَبَة
وَنَحْوهَا. (خَ) : وَندب إِعَارَة جِدَار لغرز خَشَبَة وإرفاق بِمَاء وَفتح بَاب ليمر عَلَيْهَا الخ
…
وَهَذَا كُله حَيْثُ لم يكن على الْمرْفق بِالْكَسْرِ فِيهِ ضَرَر فَحِينَئِذٍ يتَعَلَّق النّدب بِهِ. وَقد حض عليه الصلاة والسلام على الْجَار فَقَالَ: (لَا يمْنَع أحدكُم جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره) وَقَالَ: (الْجَار أَمِين على جَاره فَعَلَيهِ أَن يسد حجابه عَنهُ أَي عَلَيْهِ ويكف أَذَاهُ عَنهُ ويغض بَصَره عَنهُ وَإِن رأى عَورَة سترهَا أَو سَيِّئَة غفرها أَو حَسَنَة شكرها) وَقَالَ: (لَا يدْخل الْجنَّة من خَافَ جَاره بوائقه) . والحَدُّ فِي ذَلِكَ إنْ حُدَّ اقْتُفي وعُدَّ فِي إرْفَاقِهِ كالسَّلَفِ (وَالْحَد فِي ذَلِك) الإرفاق (إِن حد) بِزَمن كَسنة أَو عشر سِنِين أَو إِلَى الْأَبَد مثله (اقتفي) وَاتبع وَكَانَ لَازِما للمرفق لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع قبله (و) إِن أطلق وَلم يُقيد بِأَجل (عد) الْمرْفق بِالْكَسْرِ (فِي اطلاقه كالسلف) يتسلفه الْإِنْسَان وَلَا يتعرضان لأَجله فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يتْركهُ مُدَّة ينْتَفع بِهِ فِيهَا عَادَة أَمْثَاله، فَكَذَلِك هَذَا لَا بُد أَن يتْرك للمرفق بِالْفَتْح ينْتَفع بِهِ الْمدَّة الْجَارِيَة بَين الْجِيرَان عَادَة، وَظَاهره أَن الحكم هُوَ مَا ذكر سَوَاء كَانَ الإرفاق بالغرز أَو فتح بَاب أَو سقِِي مَاء وَغير ذَلِك كإعارة عَرصَة للْبِنَاء، وَالْمُعْتَمد أَنه فِي الغرز لَا رُجُوع بعد الْإِذْن طَال الزَّمَان أَو قصر عَاشَ أَو مَاتَ إِلَّا أَن ينهدم الْجِدَار فَلَا يُعِيد الغرز إِلَّا بإرفاق ثانٍ حَيْثُ علم أَن الْخَشَبَة وضعت أَولا بالإرفاق وإلاَّ فَلهُ ردهَا كَمَا كَانَت من غير إِذن قَالَه ابْن الرَّامِي. وَأما إِعَارَة الْعَرَصَة للْبِنَاء فالراجح أَن لَهُ الرُّجُوع حَيْثُ لم يقيدا بِأَجل وَلَو قبل أَن يمْضِي مَا يرفق ويعار لمثله فِي الْعَادة، وَلَكِن بعد أَن يدْفع مَا أنْفق أَو قِيمَته (خَ) : وَله أَن يرجع وفيهَا إِن دفع مَا أنْفق وَقِيمَته. وَقَالَ أَيْضا: وَله الْإِخْرَاج فِي كبناء إِن دفع مَا أنْفق، وفيهَا أَيْضا قِيمَته الخ. وَالْفرق بَين الْعَرَصَة والجدار أَن بعض أهل الْعلم يرى الْقَضَاء بإعارة الْجِدَار إِذا امْتنع ربه من إعارته للغرز وَلَيْسَ فِيهِ عَلَيْهِ ضَرَر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَابْن كنَانَة وَابْن حَنْبَل، قَالَ الأبي: وَكَانَ الشَّيْخ يَعْنِي ابْن عَرَفَة يَقُول: لَيْسَ المُرَاد بالغرز الْمَنْدُوب إِلَيْهِ أَن يغرز ليبني فَوق ذَلِك لِأَن ذَلِك مَعْلُوم كَونه مضراً بالجدار، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَن يغرز للتسقيف. تَنْبِيه: مَا تقدم من أَن لَهُ الْإِخْرَاج فِي الْعَرَصَة هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا رَأَيْته، وَجعل ابْن رشد وَابْن زرقون ذَلِك جَارِيا فِي الْجِدَار أَيْضا لِأَن كلا مِنْهُمَا هبة مَنْفَعَة، وَرجحه ابْن رحال فَقَالَ: قد تبين أَن الْمَذْهَب لَا فرق بَين الْجِدَار والعرصة فِي أَن لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع حَيْثُ لم يقيدا بِأَجل بعد أَن يُعْطي كلا مِنْهُمَا مَا أنفقهُ المعار والمرتفق، وإلاَّ فَلَيْسَ لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع إِلَّا بعد أَن يمْضِي مَا يرفق ويعار لَهُ بِحَسب الْعَادة اه بِاخْتِصَار. وَهُوَ مُخَالف لما تقدم من أَنه لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاج فِي الْجِدَار على الْمُعْتَمد فشدّ يدك على مَا تقدم للْفرق الْمُتَقَدّم وَلِأَن الْعَرَصَة لَا تضطر الْحَاجة إِلَيْهَا كاضطراره للغرز، وَلذَا قيل بِوُجُوبِهِ للأحاديث القوية فِيهِ والخاصة بِهِ وَالله أعلم.
(فصل فِي حكم الْحَوْز)
ذكر خَلِيل وَغَيره مَسْأَلَة الْحِيَازَة آخر الشَّهَادَات لِأَنَّهَا مبينَة لصَاحِبهَا على تَصْدِيق دَعْوَاهُ وَتقدم عِنْد قَوْله: وَالْمُدَّعِي فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ الخ
…
أَن الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَة الْحِيَازَة تسمع ويكلف الْمَطْلُوب بجوابها لَعَلَّه يقر أَو يُنكر فَيحلف، وَقَوْلهمْ: لَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته الخ
…
مَعْنَاهُ لَا تسمع سَمَاعا يُوجب قبُول بَيِّنَة لَا أَنه لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ بل يُؤمر بِهِ كَمَا مرَّ. وَتقدم أَيْضا أَن الدَّعَاوَى الَّتِي كلهَا توجب الْيَمين بِدُونِ خلْطَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا الدَّعَاوَى الَّتِي فِيهَا معرة كدعوى السّرقَة وَالْغَصْب على من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك فيؤدب الْمُدَّعِي وَلَا يَمِين على الْمَطْلُوب وَاعْلَم أَن الْحِيَازَة على قسمَيْنِ حِيَازَة مَعَ جهل أصل الْملك لمن هُوَ، وحيازة مَعَ علم أصل الْملك لمن هُوَ فَالْأولى يَكْفِي فِيهَا عشرَة أشهر فَأكْثر كَانَ المحوز عقارا أَو غَيره، وَالثَّانيَِة لَا بُد فِيهَا من عشر سِنِين فَأكْثر فِي الْعقار، أَو عَاميْنِ فَأكْثر فِي الدَّوَابّ وَالْعَبِيد وَالثيَاب كَمَا يَأْتِي، وكل من الحيازتين لَا بُد فِي الشَّهَادَة بِهِ من ذكر الْيَد وَتصرف الْحَائِز تصرف الْمَالِك فِي ملكه وَالنِّسْبَة وَعدم المنازع، وَطول الْمدَّة عشرَة أشهر فِي الأولى وَعشر سِنِين فِي الثَّانِيَة وَعدم التفويت فِي علمهمْ فَلَا تقبل الشَّهَادَة مَعَ فقد هَذِه الْأُمُور أَو وَاحِد مِنْهَا على الْمَعْمُول بِهِ إِلَّا إِن كَانَ من أهل الْعلم كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية، وَهل يشْتَرط زِيَادَة مَال من أَمْوَاله. ابْن عَرَفَة: وَفِي لَغْو شَهَادَة الشَّاهِد فِي دَار بِأَنَّهَا ملك فلَان حَتَّى يَقُول وَمَال من أَمْوَاله وقبولها مُطلقًا: ثَالِثهَا: إِن كَانَ الشُّهُود لَهُم نباهة ويقظة الأول لِابْنِ سهل عَن مَالك قَائِلا: شاهدت الْقَضَاء بِهِ اه. وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة ذَلِك أَن تَقول: يشْهد الْوَاضِع شكله إثره بمعرفته لفُلَان وَمَعَهَا يشْهد بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ وعَلى ملكه مَالا من أَمْوَاله وملكاً خَالِصا من جملَة أملاكه جَمِيع كَذَا الْمَحْدُود بِكَذَا يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك فِي ملكه وينسبه لنَفسِهِ، وَالنَّاس إِلَيْهِ من غير علم مُنَازع وَلَا معَارض مُدَّة من عشرَة أشهر أَو عشر سِنِين، وَلَا يعلمُونَ أَنَّهَا خرجت عَن ملكه إِلَى الْآن أَو إِلَى أَن تعدى عَلَيْهَا فلَان أَو إِلَى أَن غَابَ أَو إِلَى أَن توفّي وَتركهَا لمن أحَاط بميراثه الخ
…
فَإِذا أَثْبَتَت هَذِه الْوَثِيقَة هَكَذَا وأعذر فِيهَا للمقوم عَلَيْهِ فَلم يجد مطعناً فَلَا إِشْكَال أَنَّهَا تدل دلَالَة ظنية على أَن الْملك لهَذَا الْقَائِم وَلَا تفِيد الْقطع لِأَن الشَّهَادَات من حَيْثُ هِيَ إِنَّمَا تفِيد غَلَبَة الظَّن فَقَط، وَهُوَ معنى قَوْلهم: إِنَّمَا تعْمل فِيمَا جهل أصل ملكه لِأَن أصل الْملك لمن هُوَ مَجْهُول عندنَا حَتَّى شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة لهَذَا الْقَائِم، وَحِينَئِذٍ فَيقْضى لَهُ بِهِ حَيْثُ لَا مطْعن بعد أَن يسْأَل الْحَائِز أَولا هَل لَك حجَّة، وَلَعَلَّه يقر بِأَن الْملك للقائم وَأَنه دخل بكرَاء أَو عَارِية فَإِن قَالَ: حوزي وملكي وَبِيَدِي وَأثبت حِيَازَة ذَلِك عَنهُ عشر سِنِين فِي الْأُصُول أَو عَاميْنِ فِي غَيرهَا بالقيود الْمَذْكُورَة أَيْضا من الْيَد وَالنِّسْبَة وَدَعوى الْملك وَالتَّصَرُّف وَعدم المنازع الخ
…
وَالْحَال أَن الْقَائِم حَاضر سَاكِت بِلَا مَانع الخ
…
فقد سقط حق الْقَائِم
وَتبقى الْأَمْلَاك بيد حائزها وَلَا يُكَلف بِبَيَان وَجه تملكه وَلَا غير ذَلِك كَمَا يَأْتِي، وَبِالْجُمْلَةِ فمهما ثبتَتْ الْحِيَازَة عشرَة أشهر فَأكْثر بالقيود الْمَذْكُورَة أَولا لَا تقطعها الْحِيَازَة الْوَاقِعَة بعْدهَا إِلَّا أَن تكون عشر سِنِين فَأكْثر بالقيود الْمَذْكُورَة أَيْضا، وَهُوَ معنى قَوْلهم: حِيَازَة عشرَة أَعْوَام مَعَ علم أصل الْملك لمن هُوَ عَامله أَي لِأَنَّهَا قطعت حجَّة الْقَائِم مَعَ علم أصل ملكه وَمحل قطعهَا لذَلِك إِذا لم يعلم أصل مدخله أما إِذا علم كَكَوْنِهِ دخل بكرَاء من الْقَائِم أَو إسكان أَو مُسَاقَاة وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تقطعها وَلَو طَالَتْ، وَهَذِه الثَّانِيَة هِيَ مَقْصُود النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل، وَأما الأولى فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهَا وَتكلم عَلَيْهِمَا مَعًا (خَ) فَقَالَ فِي الأولى: وَصِحَّة الْملك بِالتَّصَرُّفِ وَعدم مُنَازع وحوز طَال كعشرة أشهر وَأَنَّهَا لم تخرج عَن ملكه فِي علمهمْ الخ. وَقَالَ فِي الثَّانِيَة: وَإِن حَاز أَجْنَبِي غير شريك وَتصرف ثمَّ ادّعى حَاضر سَاكِت بِلَا مَانع عشر سِنِين لم تسمع بَينته إِلَّا بِإِسْكَان وَنَحْوه، وَقد علمت من هَذَا أَن أصل الْملك وأصل الْمدْخل شَيْئَانِ متغايران وهما وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا يشْتَرط جَهله لَكِن الأول شَرط فِي قبُول بَيِّنَة الْقَائِم إِذْ هِيَ لَا تقبل إِلَّا إِذا لم يعلم أَن أصل ذَلِك الْملك لغيره. وَالثَّانِي شَرط فِي إِعْمَال حِيَازَة الْمُقَوّم عَلَيْهِ إِذْ لَا يعْمل بحيازته إِلَّا إِذا جهل أصل مدخله، أما إِذا علم بِإِسْكَان وَنَحْوه فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِع حجَّة الأول بل هِيَ حِينَئِذٍ كَالْعدمِ، وَانْظُر الْكَلَام على الْقُيُود الْمَذْكُورَة من الْيَد وَالنِّسْبَة وَغَيرهمَا فِي حاشيتنا على اللامية. وَاعْلَم أَيْضا أَن النَّاظِم قدم الْكَلَام أَولا على الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم ثمَّ فرع عَلَيْهَا مسَائِل: الأولى: أَن يثبت الْقَائِم أصل مدْخل الْحَائِز من إسكان وَنَحْوه. الثَّانِيَة: أَن يَدعِي الحائزان الْقَائِم تبرع عَلَيْهِ بذلك المحوز أَو اشْتِرَاء مِنْهُ. الثَّالِثَة: أَن يثبت الْقَائِم الشِّرَاء من الْحَائِز فيدعي الْحَائِز الْإِقَالَة ثمَّ الْحَائِز إِمَّا أَجْنَبِي من الْقَائِم أَو قريب جدا كَالْأَبِ مَعَ ابْنه وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ النَّاظِم، وَسَيَأْتِي عَن (خَ) أَن الْحِيَازَة بَينهمَا إِنَّمَا تكون فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة الَّتِي يَنْقَطِع فِيهَا الْعلم أَو تهْلك فِيهَا الْبَينَات وَإِمَّا قريب لَا جدا كالإخوة والأعمام والأصهار والموالي وَهُوَ مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْأَقْرَبُونَ حوزهم مُخْتَلف الخ
…
وَفِي كل إِمَّا أَن يكون بَين الْقَائِم والمقوم عَلَيْهِ شركَة أم لَا فَأَشَارَ إِلَى الْقسم الأول بقوله: والأَجَنبِيُّ إنْ يَحُزْ أصلا بِحَقْ عَشرَ سنينَ فالتَملُّكَ استَحَقْ (وَالْأَجْنَبِيّ) شريك أَو غَيره (إِن يحز أصلا) كأرض وَدَار وَنَحْوهمَا يتَصَرَّف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ من غير مُنَازع الخ. والقائم حَاضر عَالم بَالغ رشيد لم يمنعهُ من الْقيام مَانع، وَسَوَاء كَانَ تصرفه بالازدراع وَالسُّكْنَى والاستغلال فِي جَمِيع الْعشْر أَو فِي أول جُزْء مِنْهَا، أَو كَانَ يبور الأَرْض سنة ويزرعها أُخْرَى، وَأَحْرَى تصرفه بالهدم وَالْبناء الْغَرْس، وَهَذَا فِي غير الشَّرِيك، وَأما الْأَجْنَبِيّ
الشَّرِيك فَلَا بُد أَن يكون تصرفه بالهدم وَالْبناء أَو الْغَرْس وإلاَّ لم يعْتَبر. (خَ) كشريك أَجْنَبِي حَاز فِيهَا إِن هدم وَبنى (بِحَق) أَي بِوَجْه شَرْعِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حازه بِغَصب أَو تعد أَو كَانَ مَعْرُوفا بذلك فَإِن حيازته كَالْعدمِ، وَإِن سكت الْقَائِم بعد زَوَال سلطة الْغَاصِب وقهره فَإِن سُكُوته لَا يضرّهُ إِلَّا أَن يفوتهُ الْغَاصِب بِبيع أَو غَيره بعد زَوَال سلطنته، أَو يَمُوت فَيقسم ورثته المَال بِحَضْرَتِهِ فَلَا شَيْء لَهُ كَمَا فِي الْمعِين والمقصد الْمَحْمُود وَغَيرهمَا، وَيدخل فِي الشَّرْعِيّ مَا إِذا قَالَ: اشْتريت مِنْهُ أَو من أَبِيه أَو وهبه لي على مَا يَأْتِي أَو ورثته أَو اشْتَرَيْته من فلَان وَلَا أَدْرِي بِأَيّ وَجه صَار إِلَى الَّذِي ورثته عَنهُ أَو اشْتَرَيْته مِنْهُ، وَمَا إِذا لم يقل شَيْئا من ذَلِك كُله كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ الْحَائِز لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه وَبِأَيِّ سَبَب صَار لَهُ لِأَنَّهُ يَقُول: ملكته بِأَمْر لَا أُرِيد إِظْهَاره كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن يُونُس، وكما لِابْنِ أبي زمنين وَغَيره خلافًا لما جزم بِهِ ابْن رشد من أَنه لَا بُد من بَيَان سَبَب ملكه من شِرَاء أَو إِرْث قَالَ: وَأما مُجَرّد دَعْوَى الْملك دون أَن يَدعِي شَيْئا من هَذَا فَلَا ينْتَفع بِهِ مَعَ الْحِيَازَة إِذا ثَبت أصل الْملك لغيره اه. وَهُوَ وَإِن اقْتصر عَلَيْهِ (ت) هَهُنَا فَإِنَّهُ خلاف الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالْغَصْبِ والاستطالة فَلَا بُد أَن يبين بِأَيّ وَجه صَار إِلَيْهِ وَلَا يَنْفَعهُ قَوْله: اشْتَرَيْته من الْقَائِم أَو غَيره أَو ورثته بل لَا بُد من إثْبَاته ذَلِك فَإِن لم يُثبتهُ فَعَلَيهِ الْكِرَاء فِي جَمِيع الْمدَّة الَّتِي كَانَ بِيَدِهِ بِمَا يَقُوله أهل الْمعرفَة قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَقَالَ أَيْضا: إِن عرف أَن دُخُوله كَانَ بباطل لم يَنْفَعهُ طول الْحِيَازَة وَإِن ادّعى شِرَاءَهُ إِلَّا أَن يطول ذَلِك نَحْو الْخمسين سنة وَنَحْوهَا والقائم حَاضر لَا يُغير وَلَا يَدعِي شَيْئا. تَنْبِيهَانِ. الأول: لما قَالَ ابْن رشد مُجَرّد الْحِيَازَة لَا ينْقل الْملك اتِّفَاقًا وَلَكِن يدل عَلَيْهِ كالعفاص والوكاء فِي اللّقطَة قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه عقبه: هُوَ عِنْدِي غير صَحِيح بل ينْقل الْملك وَنقل على ذَلِك أنقالاً ثمَّ قَالَ: وَإِن أَرَادَ ابْن رشد أَن الْملك لَا يقطع بنقله كَمَا قَالَه ابْن عَرَفَة وَغَيره فَلَا خُصُوصِيَّة للحيازة بل كَذَلِك الْإِرْث وَالشَّهَادَة الصَّرِيحَة وَغير ذَلِك اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَلَكِن مُرَاد ابْن رشد هُوَ مَا قَالَه ثَانِيًا من أَنه لَا يقطع بنقله بِدَلِيل قَوْله: وَلَكِن يدل عَلَيْهِ كَمَا نبينه إِن شَاءَ الله عِنْد قَوْله: أَو يَدعِي حُصُوله تَبَرعا الخ
…
وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجه لاعتراض الشَّيْخ الرهوني على ابْن رحال لِأَن ابْن رحال إِنَّمَا أجال الْأَمر وَالنَّظَر بَين أَن يَقُول أَرَادَ لَا يَنْقُلهُ فَلَا يَصح وَبَين أَن يُرِيد لَا يقطع بنقله فَهُوَ صَحِيح وَلَكِن لَا خُصُوصِيَّة لَهَا. الثَّانِي: تقدم أَن الشَّرِيك الْأَجْنَبِيّ لَا يعْتَبر تصرفه إِلَّا بالهدم أَو الْبناء وَالْغَرْس، وَأما الْأَجْنَبِيّ الَّذِي لَيْسَ بِشريك فَهَل الْهدم وَالْبناء وَالْغَرْس حوز فِي حَقه من حِينه وَوَقته وَإِن لم تمض الْعشْر سِنِين وَلَا مَا دونهَا أَو لَا يكون حوزاً إِلَّا بِمُضِيِّ الْعشْر؟ قَولَانِ لِابْنِ الْمَاجشون وَابْن
الْقَاسِم. وَالْأول هُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ شرَّاح الرسَالَة كَابْن عمر وَابْن نَاجِي، وَكَذَا أَبُو مُحَمَّد صَالح عَلَيْهَا قَائِلا هَذَا إِذا لم يحدث فِي الْعشْر سِنِين بِنَاء وَلَا غرساً أَو هدماً، وَإِن أحدث فِيهَا شَيْئا من ذَلِك فَإِن ذَلِك يسْقط كَلَام الْمُدَّعِي بِنَفس الْفِعْل يَعْنِي إِن لم يُنكر بِمُجَرَّد علمه الخ
…
وَنَحْوه فِي ابْن يُونُس قَالَ ابْن رحال: وَكَونه حوزاً من حِينه وَوَقته هُوَ الَّذِي يظْهر لَا غير اه. قلت: بل هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِكَثْرَة المشاحة وَعدم الْمُسَامحَة فِي الْبناء وَالْغَرْس فِي هَذَا الزَّمَان، وَإِن كَانَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه لَا بُد من الْعشْر وَهَذَا إِذا هدم صَحِيحا لَهُ قدر وبال ليتوسع فِيهِ أَو يَبْنِي غَيره مَكَانَهُ أَو ليزيده مسكنا آخر لَا أَن هَدمه لخوف سُقُوط أَو لأجل إصْلَاح حق فَإِن ذَلِك لَا يسْقط حق الْقَائِم وَلَو مَضَت الْعشْر أَو أَكثر لِأَن رب الدَّار يَأْمر الْمُكْتَرِي بِأَن يصلح من كرائها. (عشر سِنِين) ظرف لقَوْله إِن يحز، وَظَاهره أَنه لَا بُد مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مَا دونهَا من ثَمَان أَو تسع وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ، ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم: وَمَا قَارب الْعشْر هُوَ مثلهَا. ابْن رشد: يُرِيد بِمَا قَارب الشَّهْر والشهرين وَمَا هُوَ ثلث الْعَام فَأَقل اه. (فالتملك) مُبْتَدأ (اسْتحق) خَبره وضميره للحائز عشر سِنِين وَالْجُمْلَة خَبرا لأَجْنَبِيّ. وانْقَطَعَتْ حِجّةُ مدَّعيهِ مَع الحضورِ عَن خِصامٍ فيهِ (وانقطعت حجَّة مدعيه) الَّذِي أثبت أَنه كَانَ يملكهُ قبل هَذَا عشرَة أشهر فَأكْثر وَلَو مائَة سنة فَلَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَا بَينته وَإِن سلمت من الطعْن (مَعَ الْحُضُور) ظرف ليحز أَيْضا أَي مَعَ حُضُور الْقَائِم فِي جَمِيع الْعشْر فَإِن حضر خمْسا أَو ثمانياً وَغَابَ الْبَاقِي فَهُوَ على حَقه كَمَا يفِيدهُ كَلَام ابْن مَرْزُوق وَغَيره، فَإِن تكَرر قدومه وسفره فَلَا حق لَهُ انْظُر ابْن سَلمُون. فَقَوله: مَعَ الْحُضُور أَو وَمَعَ علمه بِأَنَّهُ ملكه وَبِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ ملكا كَمَا فِي القلشاني وَأبي الْحسن، وَاسْتغْنى النَّاظِم بالحضور عَن الْعلم بِمَا ذكر لِأَنَّهُ إِذا لم يعلم بذلك فَكَأَنَّهُ غير حَاضر (عَن خصام) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي حَال كَونه ساكتاً عَن خصام (فِيهِ) وَلَا مَانع يمنعهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ هُنَاكَ مَانع فَهُوَ غير سَاكِت حكما إِذْ لَا يشْتَرط الشَّيْء إِلَّا مَعَ إِمْكَان وجوده فَقَوله: إِن يحز الخ. حذف مُتَعَلّقه أَي إِن يحز بِتَصَرُّف مَعَ نسبته إِلَيْهِ كَمَا قَررنَا، وكما فسر بِهِ ربيعَة قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام (من حَاز شَيْئا عشر سِنِين فَهُوَ لَهُ) قَالَ ربيعَة: معنى ذَلِك إِذا كَانَ الْحَائِز
ينْسب ذَلِك لنَفسِهِ بِحَضْرَة الْمُدَّعِي أَي وَلَو مرّة وَاحِدَة فَصَارَ تَقْدِير كَلَام النَّاظِم هَكَذَا: وَالْأَجْنَبِيّ إِن يحز أصلا بتصرفه فِيهِ ونسبته إِلَيْهِ مَعَ حُضُور الْقَائِم وَعلمه بِأَنَّهُ ملكه وَبِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ حَال كَونه ساكتاً عَن خصام فِيهِ وَلَا مَانع يمنعهُ عشر سِنِين فالتملك اسْتحق الخ. وَقَوله أصلا احْتَرز بِهِ من غير الأَصْل فَإِنَّهُ سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي قَوْله: وَفِي سوى الأَصْل حوز النَّاس الخ. وَقَوله: بِحَق احْتَرز بِهِ من الْحَوْز بِغَصب أَو تعد كَمَا مرّ. وَقَوله: مَعَ الْحُضُور احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا كَانَ غَائِبا على أَرْبَعَة أَيَّام فَمَا فَوْقهَا الخ. كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وقائم ذُو غيبَة بعيدَة الخ. فَإِنَّهُ لَا يسْقط حَقه وَلَو كَانَ عَالما بالحيازة وَيصدق فِي دَعْوَاهُ أَنه كَانَ عَاجِزا عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل وَإِن لم يعرف إِلَّا من قَوْله على الْمَذْهَب، وَتقدم فِي الشُّفْعَة أَن الْمَرْأَة وَالرجل الضَّعِيف فِي معنى الْغَائِب، وَكَذَا السَّفِيه وَغير الْعَالم بِأَنَّهُ ملكه أَو بِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ فَإِن الْحِيَازَة لَا تعْمل عَلَيْهَا إِلَّا بعد أَن يرشد السَّفِيه أَو يعلم غَيره وتحاز عَلَيْهِمَا الْأَمْلَاك عشرَة أَعْوَام من يَوْم الرشد وَالْعلم وهما ساكتان بِلَا مَانع، وَأما الْغَيْبَة الْقَرِيبَة كاليومين فَهُوَ كالحاضر. ابْن رشد: وَهُوَ مَحْمُول على عدم الْعلم بالحيازة حَيْثُ يثبت علمه وَكَذَلِكَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد فَإِنَّهُ مَحْمُول على عدم الْعلم أَيْضا قَالَ (ح) عَن ابْن نَاجِي وَنَحْوه تقدم فِي الشُّفْعَة. وَقَوله: عَن خصام فِيهِ احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا خَاصم فَإِن حَقه لَا يسْقط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْمُدَّعِي إِن أثبت النزاع مَعَ الخ. وَظَاهره كظاهر (خَ) وَلَو مرّة فِي أَي وَقت من الْعشْر سِنِين وَهُوَ ظَاهر الوثائق الْمَجْمُوعَة والفشتالي وَغَيرهمَا حَيْثُ قَالُوا: لَا يعلمونه نازعه فِي ذَلِك طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن مَاهِيَّة النزاع تحصل بالمرة الْوَاحِدَة وَبهَا يخْتل السُّكُوت الْمُشْتَرط فِي قطع حجَّة الْقَائِم وبوجود الْمُنَازعَة مرّة تنخرم مَاهِيَّة الْحِيَازَة خلافًا لما فِي القلشاني وَابْن سَلمُون عَن سَحْنُون من أَنه لَا تَنْفَعهُ فِي الْمُنَازعَة مرّة أَو مرَّتَيْنِ، بل حَتَّى يتَكَرَّر ذَلِك مِنْهُ مرَارًا فَإِنَّهُ لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا لِابْنِ رحال فِي شَرحه وحاشيته، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ بِمَا لسَحْنُون خلاف مَا أطبق عَلَيْهِ أهل التوثيق إِذْ لَو كَانَ يشْتَرط التّكْرَار لقالوا: لَا يعلمُونَ تكْرَار نزاع فِيهِ، ولقال النَّاظِم: وَغَيره سَاكِت عَن تكَرر خصام فِيهِ، وَهَكَذَا مَعَ أَنهم لم يقولوه فَدلَّ ذَلِك على عدم اشْتِرَاطه، نعم إِذا سكت عشر سِنِين بعد الْمُنَازعَة فَإِنَّهُ يسْقط حَقه وَظَاهر كَلَامهم أَيْضا أَن مُجَرّد النزاع كَاف وَلَو لم يكن عِنْد القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لما فِي ابْن عمر من أَن الْمُنَازعَة إِذا لم تكن عِنْد القَاضِي لم ينْتَفع بهَا فَإِنَّهُ لَا يعول عَلَيْهِ أَيْضا، وَإِن زعم الشَّيْخ الرهوني أَيْضا أَنه الرَّاجِح إِذْ لَا دَلِيل لَهُ على رجحانه. وَظَاهر كَلَام الرسَالَة وَغَيرهَا خِلَافه، وَعَلِيهِ اقْتصر الزّرْقَانِيّ وَغَيره وَمن تتبع كَلَامهم وجدهم أطْلقُوا وَلم يقيدوا بِكَوْنِهَا عِنْد القَاضِي أَو عِنْد غَيره وإطلاقهم حجَّة، وَاحْترز بِهِ أَيْضا مِمَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ مَانع مَنعه من الْخِصَام كصغر أَو سفه
وللحائز عَلَيْهِ دين أَو كَون الْحَائِز ذَا سطوة أَو استناد لذِي سطوة كَمَا مرَّ أَو كَانَت الْحِيَازَة فِي مَحل لَا تناله الْأَحْكَام أَو كَانَ المحوز عَلَيْهِ امْرَأَة ذَات زوج غيور عَلَيْهَا شَدِيد الضَّبْط لَهَا مَانع لَهَا من الْخُرُوج كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، فَإِنَّهُ مَعَ وجود وَاحِد من هَذِه الْأُمُور غير سَاكِت وَلَا يسْقط حَقه إِلَّا أَن يُقيم الْحَائِز بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ أَنه اشْتَرَاهَا من الْقَائِم أَو أَبِيه وَقد حازها عشر سِنِين، فَإِنَّهُ يسْقط حق الْقَائِم وَلَو مَعَ الْعذر الْمَذْكُور كَمَا مر فِي شَهَادَات السماع، وَأما إِن قَالَ: جهلت أَن الْحِيَازَة تِلْكَ الْمدَّة تقطع الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يعْذر بذلك لِأَن الْعرف يكذبهُ كَمَا قَالَه الْجُزُولِيّ والعبدوسي فَإِن قَالَ: إِنَّمَا تركت الْقيام لاشتغالي بِالْخدمَةِ غدواً ورواحاً فَقَالَ ابْن زرب: إِذا ثَبت أَنه كَانَ يشْهد الشُّهُود أَنه غير تَارِك لحقه فَلهُ الْقيام قَالَه فِي نَوَازِل الضَّرَر من المعيار، وَظَاهره وَلَو كَانَ يشهدهم بِغَيْر حَضْرَة الْحَائِز وَأَنه لَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات التقية من سطوة الْحَائِز وَنَحْو ذَلِك وَفِيه دَلِيل لما تقدم من أَن الْمُنَازعَة عِنْد غير القَاضِي كَافِيَة لِأَن هَذَا انْتفع بإشهاد الشُّهُود على عدم تَركه لحقه فَكيف لَا ينْتَفع بالمنازعة عِنْد غير القَاضِي من جمَاعَة الْمُسلمين أَو محتسب أَو قَائِد إِذْ لَا أقل أَن يكون هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة الشُّهُود الَّذين يشهدهم على عدم ترك حَقه، وَأما إِن قَالَ: كنت عَالما بِأَنَّهُ ملكي وبتصرف الْحَائِز وَلَكِن سكت لغيبة شهودي أَو لعدم وجود رسمي، والآن وجدت ذَلِك فَأَرَدْت الْقيام فَالَّذِي نَقله العلمي عَن الوانشريسي فِي شَرحه لِابْنِ الْحَاجِب أَن الصَّوَاب قبُول عذره. قَالَ: وَبِه الحكم وَالْقَضَاء اه. وَكَذَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه الْحق أَنه يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه قَالَ: وتصويب ابْن نَاجِي عدم الْقبُول غير ظَاهر اه. وَسَيَأْتِي أول الِاسْتِحْقَاق أَن الْإِنْسَان إِذا اشْترى شَيْئا وَهُوَ يرى أَنه لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجدهَا أَن لَهُ الْقيام وَيَأْخُذ الثّمن من البَائِع، وَقد أَطَالَ الشَّيْخ الرهوني فِي الِانْتِصَار لقبُول عذره فِي بَاب الْفلس عِنْد قَول (خَ) : وَإِن ظهر دين الخ. وَكَلَام الوانشريسي الَّذِي صرح فِيهِ بِأَنَّهُ بِهِ الحكم كَاف فِي ذَلِك وَإِن كَانَ هُوَ أَعنِي الوانشريسي بحث فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات معياره مَعَ ابْن الْحَاج الَّذِي جعل غيبَة الرَّسْم عذرا قَائِلا: إِنَّمَا يكون عذرا إِذا لم يعلم بِأَنَّهُ ملكه حَتَّى وجد الرَّسْم وإلاَّ فَلَا يكون عذرا اه. بِاخْتِصَار، وَلَكِن الْمعول عَلَيْهِ أَنه عذر كَمَا ترى وَبِه يبطل قَول (ت) هَهُنَا. لَيْسَ من الْمَانِع جهل الحكم وَلَا مغيب شَاهد أَو رسم وَلَا جَهَالَة بدين فِي الْأَصَح الخ. بل مغيب الشَّاهِد والرسم كِلَاهُمَا عذر كَمَا ترى وَكَذَا الْجَهَالَة بهما يَعْنِي هَل لَهُ رسم على ذَلِك أم لَا؟ وَهل يجد من يشْهد لَهُ أَنه ملكه أم لَا؟ وَالْعجب مِنْهُ كَيفَ اقْتصر عِنْد قَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. على كَلَام ابْن الْحَاج وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح مَعَ أَن ابْن الْحَاج يَقُول: إِن غيبَة الشَّاهِد والرسم عذر. وَقَوله: لَيْسَ من الْمَانِع جهل الحكم الخ. يَعْنِي: جهل كَون الْحِيَازَة قَاطِعَة لحجته كَمَا تقدم عَن الْجُزُولِيّ وَغَيره. وَأما جهل كَونه ملكا لَهُ فَإِنَّهُ عذر بعد يَمِينه على الْمَشْهُور كَمَا مرَّ، وَانْظُر مَا قَدمته آخر بيع الْفُضُولِيّ وَلَا بُد. وَاعْلَم أَن مُدَّة الْحِيَازَة تلفق بَين الْوَارِث والموروث، فَإِذا تصرف الْمَوْرُوث خمْسا بالقيود الْمَذْكُورَة وَمَات ثمَّ تصرف وَارثه خمْسا أَيْضا فَإِن ذَلِك قَاطع لحجة الْقَائِم كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَمَا فِي المعيار من أَنَّهَا لَا تلفق لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وكما تلفق الْحِيَازَة من وَارِث وموروث كَذَلِك يلفق السُّكُوت من وَارِث وموروث أَيْضا كَمَا فِي الدّرّ النثير عَن أبي الْحسن قَائِلا: إِن الْحِيَازَة الَّتِي تشهد بِنَقْل الْملك لمن ادَّعَاهُ كَمَا يحكم بهَا على سَاكِت وَاحِد كَذَلِك يحكم بهَا ملفقة من سكُوت
وَارِث وموروث اه. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْمَسْأَلَة الأولى من الْمسَائِل الَّتِي فرعها على الْحِيَازَة القاطعة فَقَالَ مستثنياً من قَوْله: فالتملك اسْتحق. وانقطعت حجَّة مدعيه الخ
…
إلاّ إِذا أَثْبَتَ حَوْزاً بالكِرَا أَو مَا يُضاهِيهِ فلنْ يُعْتَبَرَا (إِلَّا إِذا أثبت) الْقَائِم (حوزاً بالكرا) أَي أثبت بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار أَن ابْتِدَاء حوز الْحَائِز إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب الْكِرَاء مِنْهُ أَو من أَبِيه (أَو مَا يضاهيه) أَي الْكِرَاء كالإسكان مجَّانا وَالْمُسَاقَاة والعمرى وَالْعَارِية وَالْغَصْب وَنَحْو ذَلِك (ف) بإن حوز الْحَائِز عشر سِنِين فَأكْثر بالقيود الْمُتَقَدّمَة (لن يعتبرا) لِأَنَّهُ قد علم حِينَئِذٍ أَن أصل مدخله الْكِرَاء وَنَحْوه فَلَا تَنْفَعهُ حيازته، وَهُوَ معنى قَوْلهم: إِذا أثبت أصل الْمدْخل بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فَلَا حِيَازَة، وَتارَة يَقُولُونَ: إِنَّمَا تَنْفَع الْحِيَازَة إِذا جهل أصل الْمدْخل هَل بكرَاء وَنَحْوه أَو بشرَاء وَنَحْوه، أما إِذا علم فَإِن كَانَ بكرَاء وَنَحْوه لم ينْتَفع بِهِ حَتَّى يَأْتِي بِأَمْر مُحَقّق من شِرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة من الْقَائِم أَو أَبِيه، وَظَاهره أَنه لَا تَنْفَعهُ الْحِيَازَة مَعَ علم أصل الْمدْخل وَلَو طَالَتْ كالخمسين سنة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل صرح ابْن فَرِحُونَ وَصَاحب الوثائق الْمَجْمُوعَة بِأَنَّهَا إِن طَالَتْ الْخمسين سنة وَنَحْوهَا والقائم حَاضر لَا يُغير وَلَا يَدعِي شَيْئا فَإِنَّهَا تَنْفَعهُ وَإِن لم يثبت ابتياعاً وَلَا صَدَقَة وَنَحْوه لِابْنِ رشد كَمَا فِي حَاشِيَة الشَّيْخ بناني. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الْمسَائِل المفرعة عاطفاً على الِاسْتِثْنَاء فَقَالَ: أَو يَدَّعِي حُصولَهُ تَبرُّعا مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتنَّ مَا ادَّعَا (أَو يَدعِي) الْحَائِز عشر سِنِين فَأكْثر (حُصُوله) أَي الشَّيْء المحوز بِيَدِهِ (تَبَرعا) بِهِبَة أَو صَدَقَة. (من قَائِم) أَو موروثه (فليثبتن) الْحَائِز (مَا ادعا) هـ من التَّبَرُّع وَيتم ملكه. أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ وَاليَمِينُ لَهْ إِن ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْملَهْ (أَو يحلف الْقَائِم) إِن لم يثبت ذَلِك وَيَأْخُذ شَيْئه بِخِلَاف مَا لَو ادّعى الْحَائِز الشِّرَاء من الْقَائِم أَو موروثه فَإِنَّهُ لَا يُكَلف إثْبَاته وَيصدق فِي أَنه اشْتَرَاهُ مَعَ يَمِينه كَمَا قَالَ: (وَالْيَمِين لَهُ) أَي للقائم على الْحَائِز (إِن ادّعى) الْحَائِز (الشِّرَاء مِنْهُ) أَي من الْقَائِم (معمله) هَذَا وَكَأن النَّاظِم يَقُول الْحَائِز عشر سِنِين إِن أقرّ بِمَا لَا ينْقل الْملك كالإسكان وَنَحْوه لم ينْتَفع بحيازته، وَإِن أقرّ بِمَا يَنْقُلهُ كَالْهِبَةِ وَالشِّرَاء فَفِيهِ تَفْصِيل فينتفع بالحيازة وَالشِّرَاء دون الْهِبَة، وَلَكِن مَا ذكره من التَّفْرِقَة وَالتَّفْصِيل
بَين الْهِبَة وَالشِّرَاء خلاف الْمُعْتَمد كَمَا مرَّ عَن ابْن رشد وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس قَائِلا: الصَّوَاب لَا فرق بَين البيع وَالْهِبَة وَنَحْوه فِي التَّوْضِيح، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْحِيَازَة عشر سِنِين كقيام الْبَيِّنَة على انْتِقَال الْملك إِلَى الْحَائِز بشرَاء وَنَحْوه سَوَاء كَانَ الْحَائِز هُوَ البَائِع أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم وَغَيره، وَلِهَذَا كَانَ لَا يُكَلف الْحَائِز بِبَيَان وَجه ملكه للشَّيْء المحوز على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مرَّ، لَكِن إِن وَقع وَنزل وَبَين وَجهه فَإِن بَينه بِمَا لَا ينْقل الْملك أَو قَامَت بَيِّنَة بِهِ فَهُوَ قَوْله: إِلَّا إِذا أثبت حوزاً بالكراء وَإِن بَينه بِمَا يَنْقُلهُ من صَدَقَة أَو شِرَاء وَنَحْوهمَا فَقَوله مَقْبُول بِيَمِينِهِ كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره، وَسَوَاء قَالَ: اشْتَرَيْته مِنْك أَو من وكيلك وَلَا يُكَلف بِإِثْبَات الْوكَالَة خلافًا لما فِي ابْن سَلمُون وأقضية المعيار، لِأَن الْحِيَازَة دَلِيل على نقل الْملك إِلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَكَانَ حق النَّاظِم أَن يحذف قَوْله: أَو يَدعِي حُصُوله تَبَرعا. الْبَيْتَيْنِ. لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتمشى على قَول من يَقُول إِنَّه يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه تبرع بِالْبَيَانِ من غير تكلّف كَمَا قَررنَا. تَنْبِيه: مَا تقدم من أَنه لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَغَيره فِي وَثِيقَة الاعتمار وَنَحْوه فِي نَوَازِل العلمي قَائِلا: لَا يسْأَل الْحَائِز عَن شَيْء وَارِثا كَانَ أَو غَيره. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل. قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل عَلَيْهِ إِلَى الْآن، وَعَلِيهِ فَلَا يلْتَفت إِلَى مَا قَالَه الشَّيْخ الرهوني من أَن الرَّاجِح هُوَ تَكْلِيفه بِبَيَان وَجه ملكه إِذْ هُوَ مُخَالف للمعمول بِهِ، وَقَول ابْن رشد مُجَرّد الْحِيَازَة لَا ينْقل الْملك الخ. يَعْنِي فِي نفس الْأَمر وَفِيمَا بَينه وَبَين الله بِدَلِيل قَوْله مُتَّصِلا بِهِ، وَلَكِن يدل على الْملك كإرخاء السّتْر وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء فِي اللّقطَة، وَقَول ابْن رحال فِي شَرحه وحاشيته هَهُنَا: بل ينْقل الْملك للحائز عِنْد وجود الشُّرُوط الخ. يَعْنِي يقْضى لَهُ بذلك فِي الظَّاهِر، وَهُوَ معنى قَول ابْن رشد وَلَكِن يدل على الْملك الخ. وَإِذا كَانَت تدل على نقل الْملك وتوجب الْقَضَاء بِهِ فِي الظَّاهِر فَلَا وَجه لتكليفه بِبَيَان وَجه ملكه، وَإِنَّمَا يحسن تَكْلِيفه بِالْبَيَانِ على القَوْل الَّذِي يفصل بَين الْهِبَة وَالشِّرَاء لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِذا ادّعى الْهِبَة يُكَلف بإثباتها، وَقد علمت أَنه خلاف الْمُعْتَمد، وَبعد كتبي هَذَا وقفت على أَن أَبَا الْحسن قَالَ بعد ذكره الْخلاف فِي تَكْلِيفه بِالْبَيَانِ مَا نَصه: وَلَعَلَّ الْقَائِل بالتفصيل بَين البيع وَالْهِبَة هُوَ الَّذِي يَقُول يكْشف عَن وَجه ملكه، وَأما الْقَائِل بِأَن البيع وَالْهِبَة سَوَاء فَلَا فَائِدَة فِي كشفه اه. وَقَالَ ابْن رحال أَيْضا: ظَاهر قَول (خَ) : لم تسمع وَلَا بَيِّنَة الخ. ادّعى الْحَائِز أَن الْحَوْز حصل لَهُ من الْقَائِم بِبيع أَو هبة أَو لم يدع ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك كَمَا رَأَيْته من تصويب ابْن يُونُس اه. وَهَذَا كُله إِذا ادّعى الْحَائِز أَنه ملكه، وَأما إِن ادّعى أَنه حوزه فَقَط فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يَنْفَعهُ ذَلِك. وَيثبِتُ الدَّفْعَ وَإلاّ الطالِبُ لَهُ اليَمينُ وَالتقضِّي لَازِبُ
(و) إِذا قبل قَول الْحَائِز فِي الشِّرَاء بِيَمِينِهِ فَلَا بُد أَن (يثبت الدّفع) للثّمن فَيبرأ مِنْهُ (وَإِلَّا) يُثبتهُ ف (الطَّالِب لَهُ) أَي عَلَيْهِ (الْيَمين) مَا قَبضه وَلَا شَيْئا مِنْهُ (والتقضي) أَي قَضَاء الثّمن وَدفعه للطَّالِب (لازب) أَي لَازم للحائز وَيدْفَع من الثّمن مَا أشبه أَن يكون ثمنا وإلاَّ فَالْقيمَة وَلَا يسْقط عَنهُ إِلَّا أَن يطول إِلَى الأمد الَّذِي لَا يُتَابع النَّاس إِلَى مثله قَالَه المشاور، وَفِيه دَلِيل على أَن الشَّهَادَة بِالشِّرَاءِ دون تَسْمِيَة قدر الثّمن صَحِيحَة تَامَّة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا الخ. وَبَيَانه أَن الْبَيِّنَة هُنَاكَ شهِدت بِأَصْل الشِّرَاء لَا بِالثّمن والحيازة هُنَا دلّت على الشِّرَاء لَا على قدر الثّمن، فَكَمَا قَالُوا هُنَا يَصح البيع وَيدْفَع مَا أشبه من الثّمن أَو الْقيمَة، فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يُقَال هُنَاكَ كَمَا مر. ثمَّ لَا يُقَال كَيفَ يُمكن الْقَائِم من الثّمن وَهُوَ لَا يَدعِيهِ، لأَنا نقُول إِنَّمَا يُمكن إِذا رَجَعَ إِلَى تَصْدِيق المُشْتَرِي الْمُدَّعِي للحيازة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد. قلت: وَأَيْضًا فَإِن الْمُتَبَايعين إِذا اخْتلفَا فِي عقد البيع وأثبته المُشْتَرِي أَو حلف وَنكل البَائِع فَإِنَّهُ يَأْخُذ الثّمن وَإِن كَانَ لَا يَدعِيهِ. تَنْبِيه: مَا ذكره النَّاظِم من أَنه يثبت الدّفع للثّمن إِنَّمَا يتمشى على قَول ابْن الْقَاسِم الْقَائِل: يصدق البَائِع فِي عدم قَبضه إِلَى عشْرين سنة لَا على قَول غَيره الَّذِي تقدم صدر الْبيُوع أَنه الْمُعْتَمد وَعرف النَّاس الْيَوْم عَلَيْهِ لِأَن مُضِيّ الْعَام والعامين يدل على دَفعه فَكيف يمْضِي الْعشْر مَا لم يكْتب الثّمن فِي كتاب، وإِلاَّ فَيجْرِي على حِيَازَة الدّين الْمُتَقَدّمَة هُنَاكَ أَيْضا كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة المفرعة على قطع حجَّة الْقَائِم فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ مُدَّعياً إقَالَهْ فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ المَقْالَهْ (وَإِن يكن) الْحَائِز (مُدعيًا إِقَالَة) من الْقَائِم الَّذِي أثبت الشِّرَاء من الْحَائِز (فَمَعَ يَمِينه) أَي الْحَائِز (لَهُ الْمقَالة) فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج: لَو قَالَ الْحَائِز أقلتني فِيهَا بعد أَن بعتها مِنْك لَكَانَ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَتبقى الْأَمْلَاك بِيَدِهِ اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: وَلَو قَالَ الْقَائِم إِنِّي اشْتَرَيْتهَا ثمَّ أعرتك إِيَّاهَا أَو أكريتها مِنْك وَلذَلِك لم أقِم بهَا عَلَيْك لَكَانَ أبين فِي أَن يحلف إِذا استظهر بوثيقة الشِّرَاء ويأخذها اه. فَظَاهره أَنه يَأْخُذهَا وَإِن لم يدع غيبَة الْوَثِيقَة وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فَيجب حمله على مَا إِذا ادّعى مَعَ ذَلِك غيبتها، وَقد علمت أَن الْإِقَالَة بيع فَهَذَا حِينَئِذٍ دَاخل فِي الْبَيْت الَّذِي قبله يَلِيهِ فَلَو حذفه مَا ضره، ثمَّ لَا مَفْهُوم لقَوْله مُدعيًا إِقَالَة بل كَذَلِك إِذا لم يدع شِرَاء وَلَا غَيره، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ حوزي وملكي أَو ورثته من أبي وَهَذِه مُدَّة الْحِيَازَة على عَيْنك وَأَنت حَاضر عَالم الخ. كَمَا مر قَرِيبا من أَنه لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه، وكما يَأْتِي أَيْضا وَيحمل الْأَمر على أَنَّهَا رجعت للحائز بِهِبَة أَو شِرَاء أَو إِقَالَة كَمَا صرح بذلك ابْن جزي
فِي تكملته، وَنَقله ابْن رحال وشارح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: لَا يُوجب الْملك عُقُود الأشرية الخ. قَالَ: وَيُوَافِقهُ كَلَام ابْن الْحَاج لِأَنَّهُ إِنَّمَا جعل الْقيام للْمُشْتَرِي على البَائِع بعد مُدَّة الْحِيَازَة وَهُوَ بيد البَائِع إِذا قَالَ: إِنَّمَا سكت لكوني لم أجد وَثِيقَة الشِّرَاء أما لَو لم يعْتَذر بذلك لم يقْض لَهُ بِأخذ الْأَمْلَاك من يَد البَائِع اه. وَمَا نقل عَن العبدوسي مِمَّا يُخَالِفهُ لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن ظَاهره وَلَو ادّعى البَائِع إِقَالَة أَو شِرَاء أَو نَحْوهمَا فَإِن المُشْتَرِي يَأْخُذهُ من يَده وَهُوَ مُخَالف لما للناظم وَغَيره الَّذِي تلقى غير وَاحِد بِالْقبُولِ وسلموا لَهُ هَذَا الْفَرْع، وَمَا للعبدوسي لَعَلَّه مَبْنِيّ على مَا يَأْتِي عَن ابْن رشد فِي حِيَازَة الْأَقَارِب، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ بل لَو لم يدع شَيْئا لم يضرّهُ كَمَا مرَّ وَفِي دعاوى المعيار عَن ابْن لب قَالَ فِي أثْنَاء جَوَاب لَهُ مَا نَصه: وَلِأَن الْعَادة تقضي أَن المُشْتَرِي لَا يدْفع الثّمن وَيبقى الشَّيْء الْمُشْتَرى بيد البَائِع السنتين وَالثَّلَاث، إِذْ من الْمَعْلُوم فِي ذَلِك الِاسْتِهْلَاك والتغيير وَذَهَاب الْغلَّة اه. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي السنتين وَالثَّلَاث فَكيف بِمن بَقِي بِيَدِهِ مُدَّة الْحِيَازَة؟ وَقَالَ ابْن يُونُس مستدلاً على أَن الْحِيَازَة تنقل الْملك مَا نَصه: وَلما كَانَ الْإِنْسَان فِي أغلب الْأَحْوَال لَا يحاز عَنهُ شَيْئه وَيرى الْحَائِز يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك دلّ ذَلِك على أَنه خرج عَن ملكه فَإِذا قَامَ يُطَالِبهُ وَيُقِيم الْبَيِّنَة أَن ذَلِك لَهُ صَار مُدعيًا لغير الْعرف فَلم يقبل قَوْله اه. فَلم يفرق بَين كَون الْحَائِز هُوَ البَائِع أَو غَيره وَلَا بَين كَونه ادّعى بيعا وَنَحْوه أَو لم يدع شَيْئا والأنقال فِي مثل هَذَا كَثِيرَة. تَنْبِيه: علم مِمَّا مر أَن قَوْلهم عُقُود الأشرية لَا تفِيد الْملك وَلَا ينتزع بهَا من يَد حائز مَحَله إِذا لم يكن الْحَائِز هُوَ البَائِع وَإِلَّا فينتزع بهَا من يَده إِذا لم تطل مُدَّة الْحِيَازَة الْعشْر سنتَيْن فَأكْثر، وإلاَّ فَلَا ينتزع بهَا من يَد البَائِع كَمَا مر فشدّ يدك عَلَيْهِ لِأَن الْمُوَافق للنَّقْل فِي النّظم وَغَيره، وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا سواهُ وَلَا يتَّجه اعْتِرَاض الوانشريسي على ابْن الْحَاج لِأَن ابْن الْحَاج إِنَّمَا جعل لَهُ الْقيام مَعَ الِاعْتِذَار بِعَدَمِ وجود الْوَثِيقَة، فَجعل عدم وجودهَا من مَوَانِع الْقيام كالصغر والسفه كَمَا تقدم وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَنَّهُ الْمُوَافق للنَّقْل لما مرّ لِأَن صَاحب المعيار بِنَفسِهِ قَالَ فِي أثْنَاء جَوَابه مَا نَصه: وَأما مُجَرّد الْحِيَازَة من غير تعرض لضميمه دَعْوَى الْملك فِي المحوز بِوَجْه من وُجُوه النَّقْل من شِرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة فَلَا تنقل الْملك عَن المحوز عَنهُ إِلَى الْحَائِز اه. وَهُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ رشد الْقَائِل: إِن الْحَائِز يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه كَمَا يَأْتِي، وَتقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَنه إِنَّمَا يحسن الْبَيَان إِذا كَانَ هُنَا فرق بَين الْهِبَة وَغَيرهَا وَلم يفرق ابْن رشد وَلَا غَيره فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وَالشِّرَاء بَين كَونهمَا من بَائِع أَو غَيره، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالبائع إِذا ادّعى الشِّرَاء أَو الْإِقَالَة فَقَوله
مَقْبُول كَمَا ترى فِي النّظم وَغَيره، بل وَكَذَا إِن ادّعى الْهِبَة كَمَا ترى أَيْضا فِي كَلَام ابْن رشد وَغَيره، وَإِنَّمَا يبْقى الْكَلَام إِذا لم يدع الْجَائِز وَلَو بَائِعا شَيْئا، وَتقدم أَن الْعَمَل على عدم كشفه وَالله أعلم. وَالْعجب مِنْهُم كَيفَ جعلُوا كَلَام ابْن الْحَاج مُفِيدا لكَون عُقُود الأشرية تفِيد الْملك وصاروا يَتَكَلَّمُونَ مَعَه من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَمنهمْ من يَقُول: إِن كَلَامه صَحِيح لِأَنَّهَا تفِيد الْملك إِذا كَانَ البَائِع هُوَ الْحَائِز لَا غَيره، وَمِنْهُم من يَقُول كالوانشريسي: أَنَّهَا تفِيد الْملك مَعَ أَن ابْن الْحَاج إِنَّمَا جعل الْقيام للْمُشْتَرِي على البَائِع الْحَائِز بِسَبَب دَعْوَاهُ عدم وجود الْوَثِيقَة كَمَا مر، وَأَيْضًا فَإِن مَا فِي النّظم من دَعْوَى الْإِقَالَة هُوَ لِابْنِ الْحَاج أَيْضا، فَلَو كَانَت عُقُود الأشرية عِنْده تفِيد الْملك وينتزع بهَا من يَد البَائِع مَا صدقه فِي دَعْوَى الْإِقَالَة. وَلما قدم أَن الْعشْر سِنِين لَا بُد مِنْهَا للْحَدِيث الْمُتَقَدّم ذكر أَن مَا قاربها من تسع سِنِين أَو ثَمَانِيَة بعطى حكمهَا فَقَالَ: وَالتِّسْعُ كالعَشْرِ لَدَى ابْن القَاسِمِ أَو الثَّمانِ فِي انقِطاعِ القَائِمِ (وَالتسع) سِنِين (كالعشر) الْمُتَقَدّم ذكرهَا (لَدَى) عِنْد (ابْن الْقَاسِم أَو الثمان) كَذَلِك عِنْده (فِي انْقِطَاع) حق (الْقَائِم) . وَلَكِن الْمَعْمُول هُوَ الْعشْر كَمَا مر. وَالْمُدَّعِي إنْ أثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ خَصِيمهِ فِي مُدةِ الحَوْزِ انْتَفَعْ (وَالْمُدَّعِي إِن أثبت النزاع مَعَ خصيمه فِي مُدَّة الْحَوْز) الَّتِي هِيَ الْعشْر سِنِين (انْتفع) بذلك وَظَاهره وَلَو نازعه مرّة وَاحِدَة وَلَو عِنْد غير القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك مَا مرّ وكما هُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ جعل عشر سِنِين ظرفا لحاضر سَاكِت بِلَا مَانع الخ. فتتنازعه العوامل الثَّلَاثَة. وَقَائمٌ ذُو غَيْبَةٍ بَعيدهْ حَجَّتُهُ باقِيَةٌ مُفيدَهْ (وقائم ذُو غيبَة بعيدَة) عَن مَحل الْحَوْز (حجَّته بَاقِيَة مفيدة) وَظَاهره وَلَو غَابَ بعد الْحِيَازَة عَلَيْهِ سِتّ سِنِين أَو ثَمَان سِنِين لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ أَنه لم تجز عَلَيْهِ عشر سِنِين إِذْ مَا بعد الْغَيْبَة لَا يحْسب عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يفِيدهُ ابْن مَرْزُوق وكما يفِيدهُ جعل (ح) عشر سِنِين ظرفا لحاضر وَهَذَا مَا لم يتَكَرَّر قدومه وسفره كَمَا مرّ. . وَالْبُعْدُ كالسَّبْعِ وكَالثَّمانِ وَفي الَّتي تَوسَّلَتْ قَوْلَانِ (والبعد كالسبع) مراحل (وكالثمان) وَظَاهر بلغه الْعلم بالحيازة عَلَيْهِ أم لَا كَانَت الْحِيَازَة عَلَيْهِ بالهدم وَالْبناء أَو بالاستغلال وَالسُّكْنَى ثَبت عَجزه عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك
اتِّفَاقًا (وَفِي) انْقِطَاع حجَّته فِي الْغَيْبَة (الَّتِي توسطت) كالثلاثة وَالْأَرْبَعَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى السَّبع (قَولَانِ) أَولهمَا لِابْنِ حبيب وَابْن الْقَاسِم أَنه يسْقط حَقه إِذا لم يثبت عَجزه عَن الْقدوم أَو التَّوْكِيل، وَثَانِيهمَا لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يسْقط حَقه وَلَو لم يثبت عَجزه وَيصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْعَجز عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل لِأَنَّهُ قد يكون مَعْذُورًا كمن لم يتَبَيَّن عذره وَهُوَ الْمُعْتَمد، قَالَ المشاور: وَبِه الْعَمَل. ابْن رشد: وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا علم بالحيازة عَلَيْهِ. وَكالحُضُورِ اليَوْمُ واليَوْمَانِ بِنِسْبَةِ الرِّجَالِ لَا النِّسْوَانِ (وكالحضور) فِي عدم سَماع دَعْوَاهُ وبينته (الْيَوْم واليومان) مَعَ الْأَمْن لَا مَعَ الْخَوْف وَالْقُدْرَة على الْقدوم أَو التَّوْكِيل لَا مَعَ ثُبُوت الْعَجز عَنْهُمَا وَالْعلم بالحيازة عَلَيْهِ لَا مَعَ عَم علمه. ابْن رشد: وَهُوَ مَحْمُول على عدم الْعلم حَتَّى يثبت علمه، وَتقدم أَن الْحَاضِر كَذَلِك، وَهَذَا (بِنِسْبَة الرِّجَال لَا النسوان) فَلَا يَنْقَطِع حقهن وَلَو على مَسَافَة يَوْم أَو أقل على مَا تقدم فِي الشُّفْعَة وَلَو علِمْنَ بالحيازة عَلَيْهِنَّ وَهن محمولات على الْعَجز عَن الْقدوم وَعدم الْقُدْرَة على التَّوْكِيل لقَوْله عليه الصلاة والسلام:(لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر يَوْمًا وَلَيْلَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم) الخ. وَلَا مَفْهُوم لليوم وَاللَّيْلَة. وَأما التَّوْكِيل فقد لَا يجدن من يحسن الْخِصَام وَمن يثقن بِهِ، وَمَفْهُوم الْيَوْم واليومان أَن مَا فَوْقهمَا لَا يقطع حَقه وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مرّ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَالْأَجْنَبِيّ إِن يجز أصلا الخ. فَقَالَ: والأقْرَبُونَ حَوْزُهُم مُخْتَلِفُ بحَسَب اعْتمارِهم يَخْتَلِفُ (وَالْأَقْرَبُونَ) غير الْأَب وَابْنه من الْإِخْوَة والأعمام وَأَبْنَائِهِمْ والأخوال وَأَبْنَائِهِمْ، وَفِي معناهم الأصهار والموالي كَانُوا شُرَكَاء أم لَا. (حوزهم) أَي أمد حوزهم (مُخْتَلف بِحَسب اعتمارهم) أَي تصرفهم فِي الشَّيْء المحوز (يخْتَلف) فَتَارَة يكون اعتمارهم وتصرفهم أقوى الْأَشْيَاء كالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس وَسَيَأْتِي، وَتارَة يكون بِغَيْر ذَلِك وَهُوَ قَوْله: فإنْ يَكُنْ بمثْلِ سُكْنَى الدَّارِ وَالزَّرْعِ لْلأَرْضِ وَالَاعْتِمارِ للحوانيت بِأخذ أكريتها والاستغلال للثمار فِي الْأَشْجَار. فَهُوَ بِمَا يجَوزُ الأرْبعِين وَذُو تَشَاجُرٍ كالأَبْعَدِين (فَهُوَ) أَي أمد الْحِيَازَة الْقَاطِع للحجة فِيمَا بَينهم (بِمَا يجوز الْأَرْبَعين) عَاما فَإِذا حازها أحدهم الْمدَّة الْمَذْكُورَة فَأكْثر فَلَا حق للمحوز عَنهُ على مَا جرى بِهِ عمل أهل الوثائق قَالَ ابْن لب: وَهَذَا إِذا لم يكن بَينهم تشاجر وَلَا عَدَاوَة أَو أشكل أَمرهم، وَأما من عرف التشاح بَينهم فهم
كالأجانب كَمَا قَالَ: (وَذُو تشاجر) مِنْهُم (كالأبعدين) فيكتفي فيهم بِعشر سِنِين، وَمرَاده بالتشاجر التشاح وَعدم الْمُسَامحَة كَمَا فِي النَّقْل عَن ابْن يُونُس والمواق وَغَيرهمَا وَمَا فِي الدّرّ النثير من أَن عشْرين سنة إِلَى ثَلَاثِينَ غَايَة الْمدَّة فِي حِيَازَة الْأَقَارِب لِكَثْرَة التشاح فِي أهل هَذَا الزَّمَان الخ. لَا يعول عَلَيْهِ بل الْعشْر سِنِين كَافِيَة كَمَا للناظم وَغَيره. ومِثْلُه مَا حِيزَ بِالْعَتَاقِ مَا كَان أَو بالبْيع باتِّفاقِ (وَمثله) أَي اعتمار صَاحب التشاجر (مَا حيّز بالعتاق) كَيفَ (مَا كَانَ) ناجزاً أَو مُؤَجّلا أَو كِتَابَة أَو تدبيراً (أَو) مَا تصرف فِيهِ (بِالْبيعِ) فتنقطع فِيهِ حجَّة الْقَائِم بِمُضِيِّ عشر سِنِين وَهُوَ لَا يُنكر وَلَا يُغير (بِاتِّفَاق) وَفِيه نظر فَإِن الْعتْق وَالْبيع يسقطان حق البَائِع بِمُجَرَّد علمه وسكوته وَإِن لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة من غير فرق بَين أَجْنَبِي أَو قريب كَمَا مرّ فِي فصل بيع الْفُضُولِيّ حَيْثُ قَالَ: وحاضر بيع عَلَيْهِ مَاله الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى حوزهم بأقوى الْأَشْيَاء فَقَالَ: وَفِيه بالْهَدْمِ والبُنْيانِ وَالغْرْسِ أَو عقْدِ الكِرَا قَوْلانِ (وَفِيه) أَي وَفِي مِقْدَار أمد حوز الْأَقْرَبين (بالهدم) لما لَا يخْشَى سُقُوطه بل ليتوسع فِيهِ أَو ليبني غَيره مَكَانَهُ كَمَا مر (وبالبنيان) الْغَيْر الْخَفِيف (وَالْغَرْس) كَذَلِك (أَو عقد الكرا) ء فِي الدَّار وَنَحْوهَا وَقَبضه باسم نَفسه بِمحضر غَيره من الْأَقَارِب (قَولَانِ) أَحدهمَا أَن الْعشْر سِنِين كَافِيَة كالشريك الْأَجْنَبِيّ، وَثَانِيهمَا أَنَّهَا لَا تَكْفِي بل بِمَا يُجَاوز الْأَرْبَعين كالحيازة بِالسُّكْنَى والازدراع، وَهُوَ الْمَذْهَب مَا لم يكن بَينهم تشاح فالعشر كَافِيَة كَمَا مر (خَ) : وَفِي الشَّرِيك الْغَرِيب مَعَهُمَا أَي الْهدم وَالْبناء قَولَانِ. لَا بَين أَب وَابْنه إِلَّا أَن يطول مَعَهُمَا مَا تهْلك فِيهِ الْبَينَات وَيَنْقَطِع الْعلم. تَنْبِيهَات. الأول: فَإِن حَاز الْوَارِث الشَّرِيك مثل سَهْمه أَرْبَعِينَ سنة فَهُوَ لَهُ وَلَا شَيْء لَهُ فِي الْبَاقِي، وَإِن ادّعى أَن مَا حازه خَاص بِهِ وَأَن حَقه ثَابت فِيمَا بَقِي لم يكن لَهُ ذَلِك إِذا ادّعى إشراكه إِنَّمَا تَرَكُوهُ ليَكُون لَهُ سَهْمه وسهامهم فِيمَا بَقِي وحلفوا على ذَلِك، وَإِن حَاز أقل من سَهْمه كمل لَهُ بَقِيَّة سَهْمه مِمَّا بَقِي، وَإِن حَاز أَكثر من سَهْمه فَهُوَ لَهُ كُله قدر سَهْمه بسهمه مَا زَاد على سَهْمه بالحيازة قَالَه مطرف فِي الْوَاضِحَة. قَالَ الرجراجي: وَهُوَ الْمَذْهَب وَنَحْوه فِي ابْن يُونُس وَغَيره، قَالَ الرجراجي: فَإِن حَاز كل من الْوَرَثَة طَائِفَة من الأَرْض يحرث ويعمر حَتَّى يَمُوت بَعضهم فَيكون وَلَده كَذَلِك فِيمَا تركُوا وَقد اقتسم ورثته أَو لم يقتسموا ثمَّ طلب وَرثهُ الْجد
الْقسم، فَإِن طَال الزَّمَان فِيمَا يندرس فِيهِ علم الْمُقَاسَمَة فَذَلِك بَاقٍ على حَاله وَلَا يقبل قَول من طلب الْقسم ثَانِيًا إِلَّا أَن يكون عِنْده بَيِّنَة وَلَو بِسَمَاع أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُم على التجاوز والمسامحة دون الْمُقَاسَمَة، فليستأنف الْقسم فَمن وَقع حَقه فِيمَا بني أَو غرس فَهُوَ لَهُ، وَمن وَقع بِنَاؤُه فِي حق غَيره فليحلف مَا بني إِلَّا بمقاسمة ثمَّ يُخَيّر صَاحبه بَين أَن يُعْطِيهِ قيمَة الْبناء وَالْغَرْس قَائِما وَبَين أَن يُعْطِيهِ الْبَانِي قيمَة أرضه، وَإِن أَبَيَا كَانَا شَرِيكَيْنِ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة قَاطِعَة أَنه حازه بِغَيْر مقاسمة، أَو ينكل عَن الْيَمين وَيحلف الآخر فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ قِيمَته منقوضاً أَو يَأْمر بقلعه فَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة قَاطِعَة أَو نكلاً أعطَاهُ قِيمَته قَائِما على مَا ذكرنَا اه. وَانْظُر مَا تقدم فِي المغارسة. الثَّانِي: ذكر (ح) آخر الْحِيَازَة مستدلاً بحيازة الدّين عَن سَماع يحيى أَن الْإِنْسَان إِذا أصدق لزوجة ابْنه أحقالاً وَبقيت بِيَدِهِ سِنِين حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَتْ أَخذ ذَلِك فَقَالَ لَهَا الْوَرَثَة: قد عاينته زَمَانا وَهِي بِيَدِهِ وَلَا نَدْرِي وَلَعَلَّه أرضاك من حَقك أَتَرَى للْمَرْأَة فِي ذَلِك حَقًا؟ . قَالَ: نعم وَلَا يَضرهَا طول مَا تركت ذَلِك بيد أَب زَوجهَا لِأَن الصَدَاق لَيْسَ من الْأَثْمَان وَلَيْسَ هُوَ صَدَقَة حَتَّى يحْتَاج للحوز. قَالَ ابْن رشد: وَهَذِه الْمَسْأَلَة صَحِيحَة لَا إِشْكَال فِيهَا وَلَا اخْتِلَاف لِأَن حَقّهَا تركته فِي يَد حميها فَلَا يَضرهَا ذَلِك طَال الزَّمَان أم قصر، وَلَيْسَ هَذَا من وَجه الْحِيَازَة الَّتِي ينْتَفع بهَا الْحَائِز وَيفرق فِيهَا بَين الْقَرَابَة والأصهار إِذْ قد عرف وَجه كَون الأحقال بيد الحم فَهِيَ على ذَلِك مَحْمُولَة حَتَّى يعرف تصييرها إِلَيْهِ بِوَجْه صَحِيح لِأَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته إِلَّا إِذا جهل أصل مدخله فِيهَا، وَهَذَا أصل فِي الحكم بالحيازة اه. فَقَوله لِأَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته الخ. يَقْتَضِي أَن البَائِع الْحَائِز الْمدَّة الْمُعْتَبرَة بَين الْأَقَارِب والأصهار أَو بَين الْأَجَانِب وَادّعى أَنه رَجَعَ إِلَيْهِ بإقالة أَو شِرَاء لَا يقبل مِنْهُ لِأَنَّهُ قد عرف أصل مدخله، وَهُوَ كَونهَا كَانَت بِيَدِهِ وَقت العقد أَو الْمُسَامحَة وَنَحْوهَا، وَمثله تقدم عَن العبدوسي. وبكلام ابْن رشد هَذَا اسْتدلَّ الشَّيْخ الرهوني على أَن حِيَازَة البَائِع لَا يعْمل بهَا على المُشْتَرِي مِنْهُ وَلَو طَالَتْ وَادّعى الْإِقَالَة وَنَحْوهَا وَهُوَ مُخَالف لقَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. الَّذِي تَلقاهُ غير وَاحِد بِالْقبُولِ ومخالف لما مرّ عَن الرجراجي قَرِيبا من أَن من ادّعى الْقِسْمَة مَعَ طول الْمدَّة يصدق وَالْقِسْمَة بيع وَقد عرف وَجه دُخُوله وَهُوَ الْمُسَامحَة وَنَحْوهَا. وَمَا كَانَ يخفى على أُولَئِكَ الشُّيُوخ كَلَام ابْن رشد هَذَا لِأَن مَا قَالَه مَبْنِيّ على مذْهبه من أَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته إِذا لم يدع ابتياعاً أَو هبة كَمَا مر عَنهُ، وَالْوَرَثَة إِنَّمَا قَالُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: لَا نَدْرِي، وَلَعَلَّه أرضاك من حَقك فَلم يجزموا بِالْخرُوجِ من يَدهَا بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَلَو جزموا بذلك مَا جعل لَهُ الْقيام كَمَا مر عَنهُ. قَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا: حوز عشر سِنِين يقطع دَعْوَى الْحَاضِر مَا نَصه: وَهَذَا إِذا ادّعى الِانْتِقَال بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَأما لَو لم يدع إِلَّا مُجَرّد الْحِيَازَة فَقَالَ ابْن رشد: لَا خلاف أَنه لَا يَنْفَعهُ لِأَنَّهُ مقرّ بِالْملكِ لغيره مكذب لشاهد الْعرف الَّذِي هُوَ الْحِيَازَة اه. وَلَكِن تقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَن الِاتِّفَاق الَّذِي حَكَاهُ غير مُسلم. قَالَ الرجراجي: وَاخْتلف هَل يُكَلف الْحَائِز من أَي صَار لَهُ؟ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّه يُكَلف أَنه كَانَ بشرَاء أَو هبة، وَالثَّانِي أَنه لَا يُكَلف إِذا ادّعى أمرا لَا يُرِيد إِظْهَاره أَو لم يدع شَيْئا إِلَّا مُجَرّد الْحِيَازَة وَهُوَ قَول مطرف، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي قَامَت الدَّار بِيَدِهِ سِنِين يحوزها ويكري ويهدم، ثمَّ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَن الدَّار دَاره أَو أَنَّهَا لِأَبِيهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِن كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي حَاضرا يرَاهُ فَلَا حجَّة لَهُ وَذَلِكَ يقطع دَعْوَاهُ، وَلم يقل إِنَّه يسْأَل من أَيْن صَارَت إِلَيْهِ اه. بِلَفْظِهِ. وَقد تقرر عِنْدهم أَن
ظَاهر الْمُدَوَّنَة كالنص، وَلِهَذَا أفتى ابْن أبي زمنين وَغَيره، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن يُونُس كَمَا مرّ، وَتقدم أَن الْعَمَل عَلَيْهِ وَأَنه إِنَّمَا يُكَلف بِالْبَيَانِ على القَوْل الَّذِي يفرق بَين البيع وَالْهِبَة وإلاَّ فَلَا فَائِدَة فِيهِ، وَإِذا علمت هَذَا فَالْوَجْه اعْتِمَاد مَا تقدم تحريره عِنْد قَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. وَإِنَّمَا أطلنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وكررنا الْكَلَام فِيهَا مرَارًا لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا ولاعتماد الْكثير من طلبة الزَّمَان على كَلَام ابْن رشد وَالله أعلم. الثَّالِث: حِيَازَة الدُّيُون تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا صدر الْبيُوع وَمِنْهَا الْوَصِيّ يقوم عَلَيْهِ الْيَتِيم بعد طول الزَّمَان وينكر قبض مَاله من الْوَصِيّ، فَإِن كَانَت مُدَّة يهْلك فِي مثلهَا شُهُود الْوَصِيّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وإلاَّ فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة بِالدفع اه. نَقله (ح) قبيل مَا مر عَنهُ. الرَّابِع: تقدم فِي الْحَبْس أَن الْحَبْس لَا يحاز عَلَيْهِ، وَتقدم مَا فِيهِ حَيْثُ جرى الْعَمَل بِأَنَّهُ يُبَاع. وَاعْلَم أَن عدم المنازع وَنَحْوه كَعَدم التفويت فِي علمهمْ وَكَونه مَالا من أَمْوَاله إِنَّمَا شرطوه فِي الشَّهَادَة بِالْملكِ لَا فِي الشَّهَادَة بِالْحَبْسِ، وَإِنَّمَا شرطُوا فِي الشَّهَادَة بِهِ أَنَّهَا تحرم بِحرْمَة الأحباس كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَإِن كَانَ النَّص بذلك إِنَّمَا هُوَ فِي شَهَادَة السماع فالشهادة بِالْقطعِ كَذَلِك بل أولى لِأَنَّهَا أقوى مِنْهَا، وَيصِح قطعهم بذلك إِن كَانَ السماع مُفِيدا للْقطع، فَإِذا سمع مِمَّن لَا يُحْصى أَن هَذَا حبس على مَسْجِد كَذَا فَإِنَّهُ يعْتَمد الشَّاهِد على ذَلِك وَيقطع بِأَنَّهُ يحترم بِحرْمَة الأحباس وَلَا يسند ذَلِك إِلَى السماع، وَلَا سِيمَا إِن رأى نَائِب الْمَسْجِد الْمَذْكُور يتَصَرَّف لَهُ طول الْمدَّة وينسب ذَلِك إِلَيْهِ، ثمَّ إِذا وكل أهل الْمَسْجِد وَاحِدًا مِنْهُم يُخَاصم وَشهد باقيهم لذَلِك الْمَسْجِد بِمَا ذكر فَإِن شَهَادَتهم جَائِزَة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن عَاتٍ فِي بَاب الشَّهَادَات وَلَا تتَوَجَّه يَمِين الِاسْتِحْقَاق على الْحَبْس وَلَا يَمِين الْقَضَاء، وَإِن شهد لِلْمَسْجِدِ شَاهد وَاحِد فَيجْرِي على قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات وَإِن تعذر يَمِين بعض الخ. وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة ذَلِك أَن تَقول: يعرف شُهُوده الْمحل الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود بِكَذَا وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُ حبس على مَسْجِد كَذَا، وَأَنه يحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس ويحترم بحرمتها إِلَى الْآن أَو إِلَى وَقت كَذَا، فَإِن كَانَت شَهَادَة سَماع قلت وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُم لم يزَالُوا يسمعُونَ سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَنه حبس على بني فلَان أَو على مَسْجِد كَذَا ويعرفونه يحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس ويحترم بحرمتها إِلَى الْآن أَو إِلَى وَقت كَذَا انْظُر ابْن سَلمُون وَغَيره. وَإِذا ثبتَتْ الشَّهَادَة بِالْقطعِ فَلَا إِشْكَال أَنه ينْزع بهَا من يَد الْحَائِز، وَكَذَا بِالسَّمَاعِ على ظَاهر ابْن عَرَفَة كَمَا تقدم عِنْد قَوْله فِي شَهَادَة السماع: وَحبس حَاز من السنين الخ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم قَوْله: إِن يحز أصلا فَقَالَ: وَفِي سوى الأصولِ حوزُ النَّاس بالعَامِ والعامَيْنِ فِي اللِّباسِ (وَفِي سوى الْأُصُول) من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا (حوز النَّاس) الْأَجَانِب يكون (بِالْعَام والعامين فِي اللبَاس) فحوز النَّاس مُبْتَدأ وَفِي سوى الْأُصُول يتَعَلَّق بِهِ وبالعام والعامين خَبره، وَفِي اللبَاس بدل من قَوْله فِي سوى الْأُصُول بدل بعض من كل.
وَمَا كَمَرْكوبٍ فَفِيهِ لَزِما حوزٌ بعَامَيْن فَمَا فوقَهُما (وَمَا) كَانَ (كمركوب) من الدَّوَابّ اسْم شَرط (فَفِيهِ لزما) جَوَابه (حوز بعامين) فَاعل (فَمَا فَوْقهمَا) عطف عَلَيْهِ. وَفِي العبيد بثَلَاثةٍ فَمَا زَاد حُصُولُ الحَوْزِ فِيمَا اسْتُخْدِما (وَفِي العبيد بِثَلَاثَة) من الأعوام (فَمَا زَاد) عَلَيْهَا (حُصُول الْحَوْز فِيمَا استخدما) فحصول الْحَوْز مُبْتَدأ وَفِي العبيد يتَعَلَّق بِهِ وبثلاثة خَبره وَفِيمَا استخدما بدل من قَوْله فِي العبيد بدل بعض من كل أَيْضا، وَمعنى الأبيات ظَاهر، وَمَا ذكره من أَن الْأُصُول تفارق غَيرهَا فِي حِيَازَة الْأَجَانِب أَصله لأصبغ كَمَا فِي الْمُفِيد وَغَيره، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا تفترق الدَّار من غَيرهَا فِي الْأَجْنَبِيّ، فَفِي الدَّابَّة وَأمة الْخدمَة السنتان وَيُزَاد فِي عبد وَعرض الخ. إِلَّا أَنه اعْترض عَلَيْهِ بِحَسب مَفْهُومه لِأَن مَفْهُوم قَوْله: فِي الْأَجْنَبِيّ أَن الْعقار وَغَيره سَوَاء فِي حِيَازَة الْأَقَارِب فَلَا بُد فِيهِ من الْأَرْبَعين سنة، وَهَذَا لَا يَقُوله أصبغ بل هُوَ كَمَا فرق بَين الْأَجَانِب فِي الْأُصُول فرق فِي غَيرهَا من الْأَقَارِب، فَجعل الْحِيَازَة بَينهم فِي غَيرهَا فَوق الْعشْرَة أَعْوَام وَدون الْأَرْبَعين بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَأما ابْن الْقَاسِم فسوى بَين الْأُصُول وَغَيرهَا فِي الْأَجْنَبِيّ كَمَا سوى بَينهمَا فِي الْأَقَارِب، فَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن الْقَاسِم: من حَاز على حَاضر عرُوضا أَو حَيَوَانا أَو رَقِيقا فَذَلِك كالحيازة فِي الرّبع اه. وَعَلِيهِ فمفهوم قَوْله فِي الْأَجْنَبِيّ لَا يتمشى على قَول أصبغ كَمَا ترى وَلَا على قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن الحكم لَا يخْتَلف عِنْده فِي الْأُصُول وَغَيرهَا، فالأجانب بِالْعشرَةِ فيهمَا والأقارب بِمَا يزِيد على الْأَرْبَعين فيهمَا فَتوجه عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض، وَأما النَّاظِم فَكَلَامه خَاص بالأجانب كَمَا قَررنَا، وَأما حوز الْأَقَارِب لغير الْأُصُول فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَتَكون الْحِيَازَة بَينهم فِيهِ بِمَا فَوق الْعشْرَة وَدون الْأَرْبَعين على قَول أصبغ الَّذِي درج عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَلَكِن مُسْتَند (خَ) فِيمَا ذكره هُوَ قَول ابْن رشد مَا نَصه: وَلَا فرق فِي مُدَّة حِيَازَة الْوَارِث على وَارثه بَين الرباع وَالْأُصُول وَالثيَاب وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان، وَإِنَّمَا يفْتَرق ذَلِك فِي حِيَازَة الْأَجْنَبِيّ مَال الْأَجْنَبِيّ اه. قَالَ طفي: وَلم أر التَّفْصِيل الَّذِي سلكه ابْن رشد من التَّفْرِيق فِي الْأَجْنَبِيّ فَقَط إِلَّا أَنه رجل حَافظ وَلَعَلَّه فقه لَهُ اه. والوطْءُ لِلإِماءِ باتِّفاقِ مَعَ عِلمْهِ حَوْزٌ عَلَى الإطْلَاقِ (وَالْوَطْء للإماء بِاتِّفَاق مَعَ علمه) أَي الْقَائِم وسكوته بِلَا مَانع (حوز على الْإِطْلَاق) طَالَتْ الْمدَّة أم لَا. فَقَوله: بِاتِّفَاق يتَعَلَّق بقوله حوز، وَمَعَ علمه يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ، وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله فِي فصل بيع الْفُضُولِيّ:
وَالْعِتْق مُطلقًا على السوَاء مَعَ هبة وَالْوَطْء للإماء وَالماءُ لِلأَعْلَيْنَ فِيمَا قَدُما والأَسْفَلُ الأقْدَمُ فِيهِ قُدِّما (و) إِذا غرس قوم غروساً أَو زرعوا زروعاً على مَاء مُبَاح غير مَمْلُوك كَمَاء الأمطار أَو مَاء الْأَنْهَار ف (المَاء للأعلين) الَّذين يجْرِي عَلَيْهِم أَولا (فِيمَا قدما) بِضَم الدَّال أَي تقدم غرساً أَو زرعا وَكَذَا لَو تساووا بِأَن غرسوا أَو زرعوا دفْعَة وَاحِدَة أَو شكّ من الْمُتَقَدّم والمتأخر فَإِن الأعلين يقدمُونَ فِي السَّقْي فِي ذَلِك كُله، فَإِن غرس الأسفلون أَولا أَو زرعوا كَذَلِك تَحْقِيقا فَهُوَ قَوْله:(والأسفل الأقدم) غرساً أَو زرعا (فِيهِ) أَي المَاء (قُدِّما) بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الدَّال الْمَكْسُورَة مَبْنِيا للْمَفْعُول وكل من قضى بتقديمة فَإِنَّمَا يمسك المَاء للكعب ثمَّ يُرْسل جَمِيعه للْآخر على الْمَذْهَب خلافًا لِابْنِ رشد حَيْثُ استظهر مَذْهَب الْأَخَوَيْنِ أَنه يُرْسل مَا زَاد على الْكَعْبَيْنِ لَا جَمِيع المَاء. وَالْحَاصِل أَن المَاء الَّذِي تحقق عدم ملكه فَإِن الْأَعْلَى يقدم فِيهِ سَوَاء تقدم فِي الْغَرْس وَالزَّرْع أَو سَاوَى، وَسَوَاء تحقق تقدمه أَو مساواته أَو شكّ فِي ذَلِك، وَأَن الْأَسْفَل الْمُتَقَدّم فِي الْغَرْس والزراعة يقدم على الْأَعْلَى مُطلقًا خيف على زرعه الْهَلَاك أم لَا. وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مهزور بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء ومذينب وهما واديان من أَوديَة الْمَدِينَة يسيلان بالمطر، وَمحل تَقْدِيم الأقدم إِذا لم يكن الأقدم رحى أَو حَماما والأقدم سقِِي الْجنان وَنَحْوهَا عَلَيْهِمَا، وَلَو تقدّمت فِي الْأَحْيَاء وَكَانَت أقرب للْمَاء كَمَا لِابْنِ رشد لِأَن مَاء الْجنان يصرف إِذا بلغ إِلَى الكعب للرحى وَلَا يصرف مَاء الرَّحَى وَنَحْوهَا لَهُ، وَلِأَن تَأْخِير سقِِي الْجنان قد يُؤَدِّي لتلف مَا فِي الْحَائِط وَتَأْخِير المَاء عَن الرَّحَى لَا يُؤَدِّي لتلفها بل لتعطيلها فَقَط قَالَه الأَجْهُورِيّ. وَاعْلَم أَن مَاء الْأَنْهَار وَالْخَارِج من العناصر والعيون من جبل ثمَّ يجْرِي لأراضٍ تَحْتَهُ إِمَّا أَن يكون أَصله مَمْلُوكا بِبَيِّنَة عدلة أم لَا، فَإِن كَانَ مَمْلُوكا فربه أَحَق بِهِ وَله مَنعه وَبيعه وَله صرفه حَيْثُ شَاءَ، وَلَو غرس عَلَيْهِ غَيره بعارية وَانْقَضَت أَو بِغَيْر إِذن وربه سَاكِت عَالم الخ. فَإِن ذَلِك لَا يضر لِأَن المَاء الْمَعْلُوم ملكيته بِالْبَيِّنَةِ لَا يحاز بِالِانْتِفَاعِ بِهِ دون اسْتِحْقَاق أَصله لاحْتِمَال أَن سكُوت الْمَالِك طول الزَّمَان إِنَّمَا هُوَ لعدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بملكيته لأحد بل جهل أمره وَلم يدر السَّابِق من اللَّاحِق وَلَا الْمَالِك من غَيره لتقادم الْأَعْصَار وهلاك الْبَينَات الْقَدِيمَة فَإِنَّهُ يبْقى كل وَاحِد على انتفاعه كَمَا كَانَ وَلَو كَانَ الْآن يَنْبع فِي أَرض مَمْلُوكَة إِذْ لَا يدْرِي أَصله كَيفَ كَانَ
وَالْأَصْل بَقَاء الْأَشْيَاء على مَا كَانَت عَلَيْهِ حَتَّى يدل دَلِيل على خِلَافه لاحْتِمَال أَن يكون أَصله مَمْلُوكا للْجَمِيع أَو يكون مَمْلُوكا للأسفل. وَهَذَا مُحَصل مَا للفقيه النوازلي سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي، وَنَقله فِي نَوَازِل العلمي وَاسْتدلَّ على ذَلِك بنقول وَوَجهه ظَاهر وَالله أعلم. وَبِهَذَا كنت حكمت فِي عناصر وادراس لما تحاكم إِلَيّ أهل الْمنزل مَعَ من فَوْقهم وَكَانَ لأهل الْمنزل سواقي قديمَة مَبْنِيَّة فَأَرَادَ الأعلون أَن يقطعوا ذَلِك المَاء عَنْهُم، فحكمت بقسمته بَينهم على مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِذْ لَا يدرى السَّابِق من اللَّاحِق وَلَا الْمَالِك من غَيره، وَوَافَقَ على ذَلِك المعاصرون من الْفُقَهَاء وَالله حسيب من بدل أَو غير. تَنْبِيه: إِذا مَال الْوَادي عَن مجْرَاه الْقَدِيم وَصَارَ الْموضع الَّذِي كَانَ يمر عَلَيْهِ يَابسا فَقيل مَوْضِعه لمن أَلْقَاهُ النَّهر إِلَيْهِ وحازه لَهُ وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار وَابْن الْمَاجشون، وَبِه أفتى ابْن حمديس وَابْن الْحَاج. قَالَ سَيِّدي يحيى السراج: وَهُوَ الرَّاجِح حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي، وَقيل هُوَ بِمَنْزِلَة الْموَات. قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى الأندلسي فِي آخر وثائقه: وَهَذَا الْخلاف إِذا تغير عَن جريه الْمَعْرُوف وَبَقِي مَوْضِعه يَابسا، وَأما مَا اقتطعه النَّهر من أَرض الْغَيْر فَالصَّوَاب بَقَاء مَا غَيره النَّهر واقتطعه على ملك ربه وَيُقَال: وَكَذَلِكَ لَو انحرف النَّهر عَن مجْرَاه وَجرى فِي أَرض رجل ثمَّ عَاد إِلَى مَوْضِعه أَو يبس لعادت أرضه إِلَى ملك رَبهَا اه. وَمَا رَمَى البَحْرُ بهِ من عَنْبَرِ ولؤْلؤٍ واجدُهُ بهِ حَرِي (وَمَا رمى الْبَحْر بِهِ من عنبر) وصدف بِالدَّال الْمُهْملَة (ولؤلؤ) غير مثقوب وَإِلَّا فَهُوَ لقطَة (واجده) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ حري) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول (خَ) : وَمَا لَفظه الْبَحْر من كعنبر فلواجده بِلَا تخميس الخ. وَأَحْرَى الْحُوت الَّذِي يصطاد من الْبَحْر فَلَيْسَ للْإِمَام وَلَا لغيره أَن يَأْخُذ الصيادين فِيهِ خمسه أَو عشره أَو نَحْو ذَلِك، ويحكى أَنه كَانَت بحيرة فِي تونس يخرج مِنْهَا حوت كثير فَكَانَ يعِيش بِهِ خلق كثير حَتَّى وضع عَلَيْهِ الإِمَام مكساً فَذهب بِالْكُلِّيَّةِ وَلم يخرج مِنْهَا شَيْء.
(فصل فِي الِاسْتِحْقَاق)
ابْن عَرَفَة: هُوَ رفع ملك شَيْء بِثُبُوت ملك قبله أَو حريَّة كَذَلِك بِغَيْر عوض الخ. فَقَوله: بِثُبُوت ملك قبله أخرج بِهِ رفع الْملك بِالْهبةِ وَالْبيع والاعتصار وَالْعِتْق وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ رفع ملك
بِثُبُوت ملك بعده فِي ذَلِك كُله وَقَوله: أَو حريَّة عطف على ملك من قَوْله بِثُبُوت ملك بعده يَعْنِي أَو رفع ملك بِثُبُوت حريَّة كَذَلِك أَي قبله، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الِاسْتِحْقَاق بِالْحُرِّيَّةِ وَبِقَوْلِهِ بِغَيْر عوض وَأخرج بِهِ مَا وجد فِي الْمَغَانِم بعد بَيْعه أَو قسمه فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلَّا بِالثّمن كَمَا يَأْتِي وَيدخل فِي الْحَد مدعي الْحُرِّيَّة إِذا اسْتحق برق لِأَن مدعي الْحُرِّيَّة يملك مَنَافِع نَفسه واستحقاقه برقية بِرَفْع ذَلِك الْملك، كَذَا يدْخل الِاسْتِحْقَاق بِالْحَبْسِ إِن قُلْنَا هُوَ على ملك الْوَاقِف، وَكَذَا إِن قُلْنَا هُوَ ملك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ. قَالَ (ح) : وَلَا يتَصَوَّر الِاسْتِحْقَاق إِلَّا بِمَعْرِِفَة حَقِيقَته وَحكمه وَسَببه وشروطه وموانعه، أما حَقِيقَته فَهُوَ مَا ذكر، وَأما حكمه فَقَالَ ابْن عَرَفَة: حكمه الْوُجُوب عِنْد تيَسّر أَسبَابه فِي الرّبع وَالْعَقار بِنَاء على عدم يَمِين مُسْتَحقّه وعَلى يَمِينه هُوَ مُبَاح كَغَيْر الْعقار وَالرّبع لِأَن الْحلف مشقة اه. وَتعقبه ابْن رحال وَغَيره بِأَنَّهُ لَا مُقْتَضى للْوُجُوب هُنَا لِأَن هَذَا حق مَخْلُوق فَكيف يَأْثَم بِعَدَمِ الْقيام بِهِ اه.؟ قلت: وَقد يُجَاب بِأَن مُرَاد ابْن عَرَفَة إِذا لم تسمح نَفسه بذلك لما فِيهِ حِينَئِذٍ من إطْعَام الْحَرَام لغيره مَعَ الْقُدْرَة على مَنعه مِنْهُ، وَقد قَالَ عليه الصلاة والسلام:(لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) . وَقَالَ (انصر أَخَاك وَإِن ظَالِما) وَنَصره أَن تَمنعهُ عَن ظلمه فالمستحق حِينَئِذٍ آثم بِعَدَمِ قِيَامه بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ ترك وَاجِبا عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجع إِلَى تَغْيِير الْمُنكر وَهُوَ وَاجِب على كل من قدر عَلَيْهِ، والمستحق من ذَلِك الْقَبِيل وَهَذَا عَام سَوَاء كَانَ الِاسْتِحْقَاق من ذِي الشُّبْهَة أَو من غَاصِب لِأَن الْمُسْتَحق يجب عَلَيْهِ أَن يعلم ذَا الشُّبْهَة بِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ فِيهِ، وَأَنه يسْتَحقّهُ مِنْهُ، وَأَنه لم تسمح نَفسه بِهِ ويطلعه على بَيَان ملكه للشَّيْء الْمُسْتَحق وَإِذا لم يُعلمهُ كَانَ قد ترك وَاجِبا عَلَيْهِ آثِما بذلك وَهُوَ معنى وجوب قِيَامه بِالِاسْتِحْقَاقِ خلافًا لما للشَّيْخ الرهوني من أَنه لَا يظْهر وُجُوبه بِالنِّسْبَةِ لذِي الشُّبْهَة اه. قَالَ (ح) : وَأما سَببه فَهُوَ قيام الْبَيِّنَة على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق أَنه ملك للْمُدَّعِي لَا يعلمونه خرج عَن ملكه إِلَى أَن وجده بيد فلَان الخ. وَيَأْتِي هَذَا للناظم فِي قَوْله: وَمَا لَهُ عين عَلَيْهِ يشْهد إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة. ثمَّ إِن الشَّهَادَة بِأَنَّهَا لم تخرج عَن ملكه إِنَّمَا تكون على نفي الْعلم فِي قَول ابْن الْقَاسِم الْمَعْمُول بِهِ قَالَ: وَأما شُرُوطه فَثَلَاثَة. الأول: الشَّهَادَة على عينه إِن أمكن وإلاَّ فبحيازته الخ. قلت: هَذَا هُوَ عين قَوْله وَأما سَببه كَمَا لَا يخفى وَقَالَهُ ابْن رحال وَجَوَاب الشَّيْخ الرهوني عَنهُ لَا يظْهر. الثَّانِي: الْإِعْذَار فِي ذَلِك إِلَى الْحَائِز وَسَيَأْتِي هَذَا فِي قَول النَّاظِم: وَإِن يكن لَهُ مقَال أَََجَلًا الخ. الثَّالِث: يَمِين الِاسْتِحْقَاق وَفِي لُزُومهَا ثَلَاثَة أَقْوَال. الْمَعْمُول بِهِ عِنْد الأندلسيين أَنه لَا يحلف فِي الْعقار وَيحلف فِي غَيره، وَسَيَأْتِي هَذَا للناظم أَيْضا: وَلَا يَمِين فِي أصُول مَا اسْتحق الخ. ثمَّ قَالَ (ح) : وَأما موانعه فَفعل أَو سكُوت. أما السُّكُوت فَمثل أَن يتْرك الْقيام من غير مَانع حَتَّى يمْضِي أمد الْحِيَازَة أَي الْمُتَقَدّمَة فِي الْفَصْل قبل هَذَا، وَأما الْفِعْل فَمثل أَن يَشْتَرِي مَا ادَّعَاهُ من عِنْد حائزه فَلَو قَالَ: إِنَّمَا اشْتَرَيْته خوف أَن يفوتهُ عَليّ فَإِذا أثْبته رجعت عَلَيْهِ بِالثّمن لم يكن لَهُ مقَال. وَقَالَ أصبغ: إِلَّا أَن تكون بَينته بعيدَة جدا أَو يشْهد
قبل الشِّرَاء أَنه إِنَّمَا اشْتَرَاهُ لذَلِك فَذَلِك يَنْفَعهُ، وَلَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ يرى أَن لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجد بَيِّنَة فَلهُ الْقيام وَأخذ الثّمن مِنْهُ اه. وَأَحْرَى لَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ غير عَالم أَنه لَهُ قَالَه ابْن رحال وَهُوَ ظَاهر. المُدّعي اسْتِحْقَاق شيءٍ يلزَمُ بَيِّنَةً مثبِتةً مَا يَزْعَمُ (الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاق) ملك (شَيْء يلْزم) بِفَتْح الزَّاي المخففة مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُدَّعِي (بَيِّنَة) مَفْعُوله الثَّانِي (مثبتة مَا) أَي الْملك الَّذِي (يزْعم) بِأَن يُقيم بَيِّنَة تشهد على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق أَنه ملكه وَمَال من مَاله وَتَحْت يَده تصرف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ من غير مُنَازع لَهُ فِي ذَلِك وَلَا معَارض مُدَّة من عشرَة أشهر فَأكْثر وَأَن حَده كَذَا إِن كَانَ أَرضًا وَنَحْوهَا وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَى أَن ألفاه الْآن بيد فلَان أَو إِلَى أَن توفّي وَتَركه لمن أحَاط بميراثه كَمَا تقدم أول فصل الْحَوْز. وَاخْتلف هَل هَذِه الْقُيُود لَا بُد أَن يُصَرح بهَا الشَّاهِد فَإِذا سقط شَيْء مِنْهَا بطلت الشَّهَادَة إِن تعذر سُؤَالهمْ بِأَن مَاتُوا أَو غَابُوا أَو لَا يحْتَاج إِلَى التَّصْرِيح بذلك، وَإِنَّمَا يعْتَمد عَلَيْهَا فِي بَاطِنه فَقَط، وَالْأول هُوَ الْمَعْمُول بِهِ. وَقد بسطنا الْكَلَام على ذَلِك فِي حَاشِيَة اللامية. ثمَّ إِن هَؤُلَاءِ الشُّهُود يؤدون على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق إِن أمكن وَإِلَّا فيبعث القَاضِي من يحوز الدَّار وَنَحْوهَا كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: بَيِّنَة يَعْنِي أَو إِقْرَار الْمَطْلُوب، فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد من طلبت مِنْهُ أُخْته مِيرَاثهَا من أَمْلَاك أَبِيهَا فَقَالَ: بيَدي ربع ملكته من أبي وَربع ملكته بكسبي وغفل عَنهُ حَتَّى مَاتَ أَن على ورثته إِثْبَات مَا ادّعى أَنه استفاده بعد أَبِيه وإلاَّ حَلَفت مَا علمت بِمَا استفاده وَقسم بَينهمَا اه. بِنَقْل (ح) فِي بَاب الْإِقْرَار، ونقلنا مثله عَن ابْن أبي بكر اللؤْلُؤِي فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق من شرح الشَّامِل. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن الْمُدَّعِي يلْزم بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمُتَقَدّمَة فَقَالَ: من غَيْرِ تَكْليفٍ لِمَنْ تملَّكهْ من قبل ذَا بأيِّ وَجْهٍ مَلَكَهْ (من غير تَكْلِيف لمن تملكه) أَي حَاز الشَّيْء الْمُسْتَحق وَادّعى ملكيته (من قبل ذَا) يتَعَلَّق بِملكه من قَوْله (بِأَيّ وَجه ملكه) وَالْإِشَارَة للاستحقاق أَي يلْزم الْمُدَّعِي بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَة من غير تَكْلِيف لمن ادّعى ملكيته بِأَيّ وَجه ملكه من قبل هَذَا الِاسْتِحْقَاق، بل يَكْفِي الْمَطْلُوب أَن يُقَال: حوزي وملكي. وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِن الْمُدَّعِي إِمَّا أَن يَدعِي أَن هَذَا الشَّيْء ملكه فَإِن الْمَطْلُوب يُوقف على الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار خَاصَّة فَإِن قَالَ: حوزي وملكي فَلَا يُكَلف بِأَكْثَرَ من ذَلِك ويكلف الْمُدَّعِي بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمُتَقَدّمَة فَقَط، وَإِمَّا أَن يَدعِي أَنه ملك جده مثلا فَإِن الْمَطْلُوب لَا يُوقف على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار حَتَّى يثبت الْمُدَّعِي موت جده وإراثته فَإِن أثبت ذَلِك وقف الْمَطْلُوب على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار أَيْضا، فَإِن قَالَ: حوزي وملكي فَلَا يُكَلف بِأَكْثَرَ من ذَلِك ويكلف
الْمُدَّعِي بالإتيان بملكية جده على الْوَصْف الْمُتَقَدّم فَإِن عجز الْمُدَّعِي عَن إِثْبَات موت جده وإراثته فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ كَمَا تقدم فِي فصل الْمقَال فَرَاجعه هُنَاكَ. وَإِذا وَقع وَنزل وكلفه بِوَجْه ملكه قبل إِثْبَات الملكية فَقَالَ: ملكته بشرَاء ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ: حوزي وملكي فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه إِذْ مَا كَانَ للْقَاضِي أَن يكلفه بِبَيَان وَجه ملكه قبل أَن يثبت الْمُسْتَحق الملكية وَقبل الْإِعْذَار لَهُ فِيهَا قَالَه فِي اسْتِحْقَاق المعيار. فَإِذا أثبت ملكية نَفسه أَو ملكية جده وإراثته على الْوَجْه الْمُتَقَدّم وأعذر للمطلوب فِي ذَلِك وَلم يجد مطعناً كلف الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ من أَيْن صَار لَهُ وَبِأَيِّ وَجه ملكه فَإِن قَالَ: حوزي وملكي وَقد حُزْته عشر سِنِين وَالْمُدَّعِي عَالم سَاكِت بِلَا مَانع كلف إِثْبَات ذَلِك فَإِذا أثْبته أعذر فِيهِ للْمُدَّعِي فَإِذا لم يجد مطعناً سَقَطت دَعْوَاهُ كَمَا مر فِي الْفَصْل قبله، فَإِن لم يدع الْمَطْلُوب حيازته عشر سِنِين أَو ادَّعَاهَا وَلم يثبتها على الْوَجْه الْمَطْلُوب بل أثبت أقل مِنْهَا أَو اخْتَلَّ شَرط من شُرُوطهَا الْمُتَقَدّمَة فَلَا بُد حِينَئِذٍ أَن يبين من أَيْن صَار لَهُ وَبِأَيِّ وَجه ملكه وَلَا يَكْفِيهِ قَوْله: حوزي وملكي، فَإِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بِالْبيعِ وَنَحْوه من غير الَّذِي أثبت الْملك وَله وَهُوَ الطَّالِب أَو موروثه لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يَنْفَعهُ ذَلِك وَلَو أثْبته لِأَنَّهُ قد يَبِيعهُ أَو يَهبهُ من لَا يملكهُ فَإِن أثبت مَعَ ذَلِك ملكية بَائِعه أَو واهبه فَينْظر فِيمَا بَين الملكيتين بالمرجحات الْمُتَقَدّمَة فِي الشَّهَادَات، وَإِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بِالْبيعِ وَنَحْوه من قبل الطَّالِب أَو موروثه كلف إِثْبَات ذَلِك، فَإِن أثْبته وَعجز الطَّالِب عَن الطعْن فِيهِ بطلت دَعْوَاهُ وَإِن عجز عَن إِثْبَات ذَلِك للطَّالِب بِهِ بعد يَمِين الِاسْتِحْقَاق فِي غير الْأُصُول كَمَا قَالَ: وَلا يَمِين فِي أصُولِ مَا استُحِقْ وَفِي سِوَاها قَبُلُ الإعْذَارِ يَحِقْ (وَلَا فِي يَمِين أصُول مَا) زَائِدَة (اسْتحق وَفِي سواهَا) أَي الْأُصُول من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا (قبل الْإِعْذَار) للْمُسْتَحقّ مِنْهُ (يحِق) هُوَ أَي الْيَمين بِأَن يَقُول: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا بَاعَ الشَّيْء الْمُسْتَحق وَلَا وهبه وَلَا خرج عَن ملكه بِوَجْه إِلَى الْآن. قَالَ المتيطي: وَاتَّفَقُوا فِي غير
الْأُصُول أَنه لَا يقْضى للْمُسْتَحقّ بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يحلف اه. وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين لِأَن الشُّهُود إِنَّمَا قَالُوا وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه كَمَا مر، فهم يشْهدُونَ على نفي الْعلم وَلَا تقبل مِنْهُم إِلَّا كَذَلِك، وَقد يكون الْملك خرج عَن ملكه وهم يعلمُونَ فاستظهر بِهَذِهِ الْيَمين على بَاطِن الْأَمر، وَإِنَّمَا سَقَطت هَذِه الْيَمين فِي الْأُصُول لِأَن انْتِقَال الْملك فِيهَا لَا يكَاد يخفى والتفريق بَين الْأُصُول وَغَيرهَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل عِنْد الأندلسيين وَغَيرهم كَمَا مرّ. وَفِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن زرقون أَن الْمَشْهُور لُزُوم الْيَمين حَتَّى فِي الْأُصُول، وَفِي المعيار عَن ابْن لب أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل ودرج عَلَيْهِ ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ:
كَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق لِلْأُصُولِ القَوْل بِالْيَمِينِ من مَعْمُول وَقَوله قبل الْإِعْذَار يحِق صَوَابه بعد الْإِعْذَار لِئَلَّا يطعن الْمُسْتَحق مِنْهُ فِي الْبَيِّنَة فتذهب يَمِين الْمُسْتَحق بَاطِلا كَمَا تقدم نَظِيره فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد. تَنْبِيه: من شهد لَهُ بِملك أمة فولدها بمنزلتها يَأْخُذهُ الْمُسْتَحق مَعهَا إِن أمكن أَن يكون وَلدته بعد التَّارِيخ الَّذِي شهد لَهُ بملكها فِيهِ قَالَه فِي الْمعِين. وَمن اسْتحق من يَده شجر وَقد كَانَ أنْفق عَلَيْهَا وَسَقَى وعالج وَهُوَ ذُو شُبْهَة فَإِنَّهُ يرجع بِأُجْرَة سقيه وعلاجه كَمَا فِي (ح) عِنْد قَول (خَ) أَوَائِل الْبيُوع: وتراب صائغ وَله الْأجر الخ. قَالَ: وَكَذَا لَو اشْترى آبقاً ففسخ البيع بعد أَن أنْفق عَلَيْهِ. وَانْظُر أقضية المعيار فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَنه يصدق فِي قدر الْغلَّة وَلَا يصدق فِي قدر الْإِنْفَاق، وَانْظُر تَحْصِيل اسْتِحْقَاق الأَرْض بعد زَرعهَا فِي فصل كِرَاء الأَرْض والجائحة فِيهِ، وَإِذا أعذر للْمُسْتَحقّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ أَنْت مُخَيّر بَين أَن تسلم أَو تخاصم فَإِن قَالَ: أَنا أخاصم فَسَيَأْتِي وَإِن قَالَ: سلمت فَهُوَ قَوْله: وَحيثما يقُولُ مَا لي مَدْفَعُ فَهُوَ على من بَاعَ مِنْهُ يَرْجِعُ (وحيثما يَقُول) الْمُسْتَحق مِنْهُ عِنْد الْإِعْذَار لَهُ فِيمَا أثْبته الْمُسْتَحق (مَا لي) أَي لَيْسَ لي (مدفع) وَطعن فِي الْبَيِّنَة الشاهدة لَهُ وَلَا أخاصمه بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا أراجع الشُّهُود وَلَا استفسرهم وَلَا أسأَل الْعلمَاء عَن فُصُول الْوَثِيقَة فَإِنَّهُ يحكم القَاضِي حِينَئِذٍ بِاسْتِحْقَاق من يَده (فَهُوَ) أَي الْمُسْتَحق مِنْهُ (على من بَاعَ مِنْهُ يرجع) بِثمنِهِ الَّذِي دَفعه لَهُ، وَللْبَائِع حِينَئِذٍ أَن يُخَاصم أَو يسلم، وَهَكَذَا وَلَيْسَ للْمُسْتَحقّ مِنْهُ أَن يرجع على البَائِع بِالثّمن قبل الحكم عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي الْأَقْضِيَة والشهادات من الْبُرْزُليّ، بل وَلَا يُطَالب أَيْضا بِالْخُصُومَةِ كَمَا فِي الْمديَان والدعاوى والأيمان من المعيار قَائِلا: إِن البَائِع لَا يُطَالب بِالْخُصُومَةِ حَتَّى يحكم على المُشْتَرِي مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، ثمَّ إِذا رَجَعَ على البَائِع بِالثّمن فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون البَائِع مَعَه فِي الْبَلَد فَالْأَمْر وَاضح، وَإِن كَانَ بِبَلَد
آخر فَلهُ أَن يذهب بالدابة وَنَحْوهَا ليرْجع عَلَيْهِ بعد أَن يضع قيمتهَا بِبَلَد الِاسْتِحْقَاق، وَإِن كَانَ الْمُسْتَحق بِالْفَتْح جَارِيَة لم تدفع إِلَيْهِ حَتَّى يثبت أَنه مَأْمُون عَلَيْهَا وإلاَّ دفعت إِلَى أَمِين ثِقَة يتَوَجَّه بهَا مَعَه وأجرته عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَيْهِ نَفَقَتهَا فِي ذهابها ورجوعها وَأُجْرَة حملهَا، ويؤجل فِي ذَلِك أَََجَلًا بِقدر بعد الْموضع وقربه فَإِن رَجَعَ بهَا عِنْد الْأَجَل فَذَاك وإلاَّ أَخذ الْمُسْتَحق الْقيمَة، فَإِن جَاءَ بهَا سَالِمَة بعد أَخذه الْقيمَة فَلَا شَيْء لَهُ فِيهَا، وَإِن جَاءَ بهَا عِنْد الْأَجَل قبل أَن يقْضى لَهُ بِالْقيمَةِ وَقد تَغَيَّرت خير فِي أَخذهَا أَو الْقيمَة، وَإِن مَاتَت فمصيبتها من الذَّاهِب بهَا وَأخذ الْمُسْتَحق الْقيمَة، وَإِن تلفت الْقيمَة وَالشَّيْء الْمُسْتَحق فمصيبة كل من صَاحبه انْظُر ابْن سَلمُون واللامية وشروحها. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَل يتسلسل الذّهاب فَيذْهب البَائِع بهَا إِلَى بَائِعه أَيْضا وهلم جرًّا كَمَا فِي الْمُقدمَات أَو الذّهاب بهَا مَخْصُوص بِالْأولِ؟ وَأما غَيره فَيرجع بِالِاسْمِ وَالصّفة وَهُوَ الَّذِي فِي المعيار والمفيد. قَالَ الْحميدِي: وَبِه الْعَمَل لَكِن مَحل الْخلاف إِذا أَرَادَ الرُّجُوع بِالثّمن، وَأما إِذا أَرَادَ الذّهاب بهَا ليثبت أَنَّهَا ملك البَائِع المرجوع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع وهلم جرًّا. لِأَن الْإِثْبَات لَا يكون إِلَّا على عينهَا قَالَه الشدادي فِي حَوَاشِي اللامية، وَنَحْوه تقدم عَن ابْن رحال فِي فصل التَّوْقِيف، وَتقدم هُنَاكَ مَا إِذا أَرَادَ الْمُسْتَحق بِالْكَسْرِ الذّهاب بهَا ليقيم الْبَيِّنَة على عينهَا. وَانْظُر الْعَمَل الْمُطلق فِي الِاسْتِحْقَاق فَإِنَّهُ ذكر أَن الْمُسْتَحق مِنْهُ يرجع على بَائِعه بِالصّفةِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمَا لَهُ عين عَلَيْهَا يشْهد الخ. الثَّانِي: قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي: إِذا اخْتَار الْمُسْتَحق من يَده عدم الْخِصَام فَإِن الْخُصُومَة ترجع بَين البَائِع والمستحق، فَإِذا خَاصم البَائِع الْمُسْتَحق وغلبه كَانَ الشَّيْء الْمُسْتَحق للْبَائِع لَا للْمُسْتَحقّ من يَده لِأَنَّهُ قد أسلمه وَقد انْفَسَخ البيع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا لم يسلم وَقَالَ: أَنا أخاصم فَقَالَ: وإنْ يَكُن لَهُ مَقَالٌ أُجِّلَا فَإِن أَتَى بِمَا يَفِيدُ أُعْمِلا (وَإِن يكن لَهُ) أَي الْمُسْتَحق مِنْهُ (مقَال) فِي الْبَيِّنَة الشاهدة بِالِاسْتِحْقَاقِ وَسَأَلَ الاعذار فِيهَا ليجرحها، أَو قَالَ شهِدت بزور أَو كذب وَنَحْو ذَلِك (أَََجَلًا) لإِثْبَات مَا أَعَادَهُ من التجريح وَمَا مَعَه أَََجَلًا قدره شهر كَمَا مرّ فِي فصل الْآجَال حَيْثُ قَالَ: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل فِيهِ الخ. (فَإِن أَتَى بِمَا يُفِيد) فِي تجريحها وَنَحْوه (أعملا) مَا أَتَى بِهِ وَبَقِي الشَّيْء بِيَدِهِ (و) إِن لم يَأْتِ بِشَيْء وَعجز
عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ حكم القَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ لمدعيه. وَما لهُ فِي عجْزهِ رجُوعُ عَلَى الذِي كانَ لهُ المبيعُ (وَمَا لَهُ) للْمُسْتَحقّ مِنْهُ (فِي) حَال (عَجزه) الْمَذْكُور (رُجُوع) بِالثّمن (على الَّذِي كَانَ لَهُ) الشَّيْء (الْمَبِيع) لِأَنَّهُ يَقُول رُجُوعه: أَنْت بعتني مَا لَيْسَ لَك بِدَلِيل هَذِه الْبَيِّنَة الشاهدة للْمُسْتَحقّ وَهُوَ قد كذبهَا بِدَعْوَاهُ تجر وَنَحْوه، وَحَيْثُ كطبها فَهُوَ مقرّ بِصِحَّة ملك البَائِع فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَلَيْهِ بِمَا تَقْتَضِيه شَهَادَتهمَا على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا معاوضات المعيار عَن أبي الْحسن، وفيهَا أَيْضا عَن العبدوسي فِي رجل بَاعَ أملاكاً فاستغلها المُشْتَرِي أَرْبَعَة أَعْوَام فَاسْتحقَّ حَظّ مِنْهَا بِالْحَبْسِ وَأخذ المُشْتَرِي يُخَاصم إِلَى أَن حكم عَلَيْهِ قَالَ: لَا رُجُوع لَهُ على بَائِعه لِأَن مخاصمته تَتَضَمَّن أَنه إِنَّمَا بَاعه مَا ملك، وَأَن دَعْوَى الْمُسْتَحق فِيهِ بَاطِلَة فَكيف يرجع عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل اه. وَقَوله: لِأَن مخاصمته تَتَضَمَّن الخ. صَرِيح فِي أَنه كَانَ لَا يرجع لعلمه صِحَة مَالك البَائِع لِأَنَّهُ بالتكذيب وَدَعوى التجريح مقرّ بذلك، وَهُوَ إِذا أقرّ بِصِحَّة ملكه ثمَّ يرجع لِأَنَّهُ معترف بِأَن الْمُسْتَحق قد ظلمه والمظلوم لَا يظلم غَيره كَمَا قَالَ (خَ) : فِي الِاسْتِحْقَاق تَشْبِيها فِي عدم الرُّجُوع مَا نَصه: كعلمه صِحَة ملك بَائِعه الخ. فجواب العبدوسي الْمَذْكُور صَرِيح فِي أَن مَسْأَلَة النَّاظِم رَاجِعَة لعلم صِحَة ملك البَائِع وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا لِأَنَّهُ اقْتصر على علم صِحَة ملك البَائِع وَلم يتَعَرَّض لمسألة النَّاظِم كَمَا أَن النَّاظِم لم يتَعَرَّض لعلم صِحَة ملك البَائِع، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَعْنى وَاحِد كَمَا ترى، وَاقْتصر غير وَاحِد فِي مَسْأَلَة النَّاظِم على عدم الرُّجُوع وَصرح العبدوسي وَأَبُو الْحسن بِأَن الْعَمَل بِهِ كَمَا ترى، وَبِالْجُمْلَةِ فَعلم صِحَة ملك البَائِع إِمَّا أَن يكون بِإِقْرَار الْمُبْتَاع كَمَا لَو كتب الموثق فِي رسم الشِّرَاء وَعلم الْمُبْتَاع وَأقر بِصِحَّة ملك البَائِع عِنْد العقد، وَإِمَّا أَن يكون بِدَعْوَى التجريح والتكذيب لبينة الِاسْتِحْقَاق إِذْ ذَلِك كُله رَاجع لصِحَّة ملك البَائِع كَمَا مرَّ عَن العبدوسي، وَالْأَحْكَام إِنَّمَا تَدور على الْمعَانِي لَا الْأَلْفَاظ، وَقد ذكرُوا فِي علم صِحَة ملك البَائِع رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْن رشد: لكل مِنْهُمَا وَجه من النّظر فَوجه الرِّوَايَة بِعَدَمِ الرُّجُوع هُوَ أَنه لَا يَصح لَهُ أَن يرجع على البَائِع بِمَا يعلم أَنه لَا يجب عَلَيْهِ وَوجه الرُّجُوع أَن البَائِع أَدخل المُشْتَرِي فِي ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يبطل شَهَادَة من شهد عَلَيْهِ بباطل حَتَّى لَا تُؤْخَذ السّلْعَة من يَد المُشْتَرِي ويتهم إِذا لم يفعل ذَلِك أَنه قصر فِي الدّفع إِذا علم أَن المُشْتَرِي لَا يتبعهُ بِالثّمن فَأَرَادَ أَن يكلفه من الدّفع مَا هُوَ ألزم لَهُ مِنْهُ اه. وَقد ذكر أَبُو الْحسن حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير أَن بالرواية الأولى الْعَمَل، وَقَالَ ابْن الْمُدَوَّنَة وَنَحْوه فِي الْفَائِق والمعين والفشتالي وَغَيرهم، وَصرح المكناسي فِي مجالسه بِأَنَّهُ
الْمَشْهُور، وَقد تبين أَن كلا من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ فِيمَا إِذا علم حِصَّة ملك بَائِعه، وَلَكِن أَكثر الموثقين على القَوْل بِالرُّجُوعِ، وَوَجهه ظَاهر كَمَا مر عَن ابْن رشد فَيجب اعْتِمَاده والتعويل عَلَيْهِ، وَأما مَسْأَلَة التَّكْذِيب وَدَعوى التجريح فَلم يقتصروا فِيهَا إِلَّا على عدم الرُّجُوع، وَمِنْهُم من صرح بِأَن الْعَمَل عَلَيْهِ كَمَا مرّ مَعَ أَنَّهَا أَضْعَف أَضْعَف من علم صِحَة المكل إِذْ لَا يلْزم من التَّكْذِيب والطعن علم صِحَة الْملك للْبَائِع إِذْ قد يكذبها وَيُرِيد الطعْن فِيهَا. وَصِحَّة ملك البَائِع مشكوكة عِنْده إِذْ كل من قَامَت عَلَيْهِ شَهَادَة يجوز كذبهمْ وَصدقهمْ وكونهم مِمَّن يقْدَح فيهم وَالشَّرْع جوز لَهُ الْبَحْث عَن ذَلِك، فَإِذا تبين صدقهم وكونهم مِمَّن لَا يقْدَح فيهم رَجَعَ على بَائِعه فالتكذيب وَإِرَادَة الطعْن أَعم من الْعلم بِصِحَّة ملك البَائِع، والأعم لَا إِشْعَار لَهُ بأخص معِين فَيلْزم الْقَائِل بِالرُّجُوعِ فِي علم صِحَة الْملك أَن يَقُول بِهِ فِي التَّكْذِيب وَإِرَادَة الطعْن بالأحرى. وحينئذٍ فَيجب التعويل فِيهَا على مَا مر فِي علم صِحَة الْملك وَلَا وَجه للتفريق بَينهمَا، وَلِهَذَا لم يفرق بَينهمَا (م) فِي شرح اللامية بل جعل الرِّوَايَتَيْنِ جاريتين فِي مَسْأَلَة النَّاظِم، وَهَذَا كُله إِذا طلب الْإِعْذَار للتكذيب وَالتَّجْرِيح كَمَا قَررنَا، وَأما إِذا طلبه بِقصد طلب رجوعهم عَن الشَّهَادَة وسؤالهم عَن كَيْفيَّة شَهَادَتهم وَهل فِيهَا تنَاقض أَو سقط فصل من فصولها وأركانها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يقتضى التَّكْذِيب كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس الْيَوْم، فَإِن ذَلِك لَا يبطل حَقه فِي الرُّجُوع قطعا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ لِأَنَّهُ لم يكذبهم قَالَه ابْن رحال. قَالَ: وَكَذَا لَو يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الإعتقاد أَو الشَّك كَمَا مرّ، وَبِهَذَا كُله يسْقط مَا قد قيل: إِن التَّكْذِيب أضرّ من علم صِحَة الْملك كَمَا فِي شرح الْعَمَل الْمُطلق وَالله أعلم. والأَصْل لَا تَوْقِيفَ فِيهِ إلاّ مَعَ شُبْهَةٍ قويَّةٍ تَجَلّى (وَالْأَصْل) إِذا ادّعى شخص اسْتِحْقَاقه وَطلب أَن يعقله ويوقفه فَإِنَّهُ (لَا تَوْقِيف فِيهِ) وَلَا يُجَاب إِلَى مَا طلب (إِلَّا مَعَ شُبْهَة قَوِيَّة تجلى) أَي تتضح وَتظهر كَشَهَادَة عدل وَلَو مُحْتَاجا للتزكية أَو اثْنَيْنِ كَذَلِك أَو عَدْلَيْنِ مقبولين وَبَقِي الْإِعْذَار فيهمَا كَمَا مر فِي فصل التَّوْقِيف. وَفِي سِوَى الأصْلِ بِدَعْوَى المُدِّعِي بيّنةً حاضِرةً فِي المَوضِعِ (وَفِي سوى الأَصْل) من الْعرُوض وَالْحَيَوَان يُوقف (بِدَعْوَى الْمُدَّعِي بَيِّنَة حَاضِرَة بالموضع) كَمَا تقدم لَهُ تَفْصِيل ذَلِك فِي الْفَصْل الْمَذْكُور، وَلذَلِك أجمل هَهُنَا. وَما لهُ عَينٌ عَلَيْهَا يَشْهَدُ من حيوانٍ أوعُرُوضٍ تُوجَدُ (وَمَا) مُبْتَدأ (لَهُ عين) يتَعَلَّق بتوجد آخر الْبَيْت (عَلَيْهَا يشْهد) خبر الْمُبْتَدَأ (من حَيَوَان أَو عرُوض) بَيَان لما (تُوجد) صلَة (مَا) وَالتَّقْدِير: وَمَا تُوجد لَهُ عين أَي ذَات من حَيَوَان أَو عرُوض
يشْهد شُهُود الِاسْتِحْقَاق ويؤدون شَهَادَتهم على عينهَا، وَهَذَا الْإِعْرَاب ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى، وَلَكِن فِيهِ تَقْدِيم النَّائِب عَن فعله، وَيجوز أَن يكون لَهُ عين هُوَ صلَة (مَا) وتوجد صفة لعين أَي: وَالَّذِي اسْتَقر لَهُ عين مَوْجُودَة فِي الْبَلَد من حَيَوَان أَو عرُوض لَا بُد أَن يُؤَدِّي شُهُود الِاسْتِحْقَاق عِنْد الْحَاكِم أَو نَائِبه شَهَادَتهم على عينهَا كَمَا مرَّ أول الْفَصْل وَفهم من قَوْله: تُوجد إِنَّهَا لَو لم تكن مَوْجُودَة بل كَانَت غَائِبَة لجازت الشَّهَادَة فِيهَا على الصّفة وَهُوَ كَذَلِك، فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة إِذا كَانَت الْجَارِيَة غَائِبَة فالشهادة فِيهَا على النَّعْت وَالِاسْم جَائِزَة فَإِن وجدت جوارٍ كَثِيرَة على تِلْكَ الصّفة كلف الحاك الْمُسْتَحق أَن يثبت عِنْده أَنَّهَا وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يُوجد سواهَا لم يُكَلف شَيْئا انْتهى. وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي الْقَضَاء وَحكم بِمَا يتَمَيَّز غَائِبا بِالصّفةِ كَدين الخ. قلت: وَكَذَا يُقَال فِي الْمُسْتَحق من يَده فَإِنَّهُ يرجع على بَائِعه بِالصّفةِ مَا لم تكن هُنَاكَ دَوَاب أَو جوَار على تِلْكَ الصّفة وَإِلَّا كلف تَعْيِينهَا كَمَا مرّ وَكَذَا يُقَال إِذا هلك الشَّيْء الْمُسْتَحق بيد مُشْتَرِيه ثمَّ ثَبت الِاسْتِحْقَاق بِالصّفةِ وَلَا مشارك لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يرجع الْمُسْتَحق بِالثّمن على قابضه وَهُوَ البَائِع أَو على غاصبه وَلَا شَيْء على المُشْتَرِي كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ وَغَيره فِي بَاب الْفلس عِنْد قَوْله: وَإِن تلف نصيب غَائِب عزل فَمِنْهُ، وَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج من أَن اسْتِحْقَاق الْكتاب بِالصّفةِ بعد فَوَاته لَا يَصح يجب حمله على مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ من الْكتب مَا يُشَارِكهُ فِي صفته وخطه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: من حَيَوَان أَو عرُوض فَقَالَ: وَيُكْتَفَى فِي حَوْزِ الأصْلِ المستحَقْ بِوَاحدٍ عَدْلٍ والاثنَانِ أحَقْ (ويكتفى فِي حوز الأَصْل الْمُسْتَحق) من دَار وَأَرْض وكل مَا لَا يُمكن نَقله فَإِن الْحِيَازَة فِيهِ (بِوَاحِد عدل) يقدمهُ القَاضِي لَهَا كَافِيَة عَن حُضُوره عِنْد الْحَاكِم وَأَدَاء الشَّهَادَة على عينه لتعذر ذَلِك فِيهِ وشغل القَاضِي عَن الذّهاب إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا اكْتفى بِالْعَدْلِ الْوَاحِد لِأَنَّهُ موجه من قبل القَاضِي فَهُوَ نَائِب عَنهُ (والاثنان أَحَق) وَأولى من تَوْجِيه الْوَاحِد للحيازة الْمَذْكُورَة لِأَن الْحِيَازَة شَهَادَة وَهِي يطْلب فِيهَا التَّعَدُّد كَمَا مر فِي قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر الخ. وَمعنى النّظم أَنه إِذا شهد عَدْلَانِ بملكية الْمُسْتَحق للدَّار وَالْأَرْض وَنَحْوهَا وذكرا حُدُودهَا وتناسخ الوراثات إِلَى
أَن خلصت لهَذَا الْقَائِم على الْكَيْفِيَّة الْمُتَقَدّمَة فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل، فَإِن كَانَ من شهد بتناسخ الوراثات هم الشُّهُود بِالْملكِ للْجدّ مثلا وَنَحْوه وصلوا شَهَادَتهم بِأَنَّهُم لَا يعلمُونَ أحدا من الْوَارِثين فَوت حَظه من ذَلِك إِلَى أَن توفّي أَو إِلَى الْآن وَإِن كَانُوا سواهُم لم يكلفوا بذلك، فَإِذا ثَبت ذَلِك فَإِن أنكر الْمَطْلُوب الْحُدُود الَّتِي فِي الرَّسْم وَقَالَ: لَا أَدْرِي هَذِه الأَرْض الَّتِي يُنَازع فِيهَا وَلَا حُدُودهَا وَجب حِينَئِذٍ أَن يعين شُهَدَاء الْملك مَا شهدُوا بِهِ بالحيازة فيوجه القَاضِي مَعَهم عدلا وَاحِدًا أَو عَدْلَيْنِ ويقولان لَهما أَو لَهُ بعد تطوفهما على الْحُدُود: هَذَا الَّذِي حزناه وتطوفنا على حُدُوده هُوَ الَّذِي شَهِدنَا بِملكه لفُلَان عِنْد القَاضِي هَذَا إِن كَانَ شَاهدا الْملك يعرفان الْحُدُود وَكَانَا حاضرين، فَإِن كَانَا لَا يعرفان ذَلِك وَإِنَّمَا شَهدا بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بِكَذَا ملك لفُلَان وَمَال من أَمْوَاله إِلَى آخر مَا تقدم من غير تعرض لحدوده لعدم معرفتهما بهَا أَو لغيبتهما أَو مَوْتهمَا، وَكَانَ شَاهِدَانِ آخرَانِ يعرفان حُدُود الْموضع الْمَذْكُور وَلَا يعرفان كَونه ملكا لفُلَان الْمَذْكُور فَإِن القَاضِي يُوَجه عَدْلَيْنِ أَو عدلا أَيْضا يَقُول لَهما أَو لَهُ شُهُود الْحِيَازَة هَذَا الَّذِي حزناه وتطوفنا على حُدُوده هُوَ الَّذِي يُسمى بِكَذَا وَهُوَ الْمَشْهُود بِملكه لفُلَان عِنْد القَاضِي فلَان كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَاز أَن يثبت ملكا شَهدا الخ. فَيكون مَجْمُوع الشُّهُود فِي هَذَا الْوَجْه سِتَّة وَفِي الأول أَرْبَعَة وَلَا تبطل شَهَادَة شُهُود الْملك بِعَدَمِ تعرضهم لتحديد الْمَشْهُود بِهِ إِذا وجد من يشْهد بتحديده كَمَا تقدم صدر الْبيُوع وَقَالَ فِي بَاب الْقَضَاء من الْعَمَل الْمُطلق: وَفِي التخالف أجز أَن يشهدَا بالحوز غير من بِملك شَهدا الخ. هَذَا كُله إِذا أنكر الْحُدُود كَمَا ترى، وَأما إِن أقرّ الْمَطْلُوب بِأَن الْحُدُود الَّتِي فِي الرَّسْم هِيَ الَّتِي تَحت يَده فَلَا حِيَازَة حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ: وناب عَن حيازةِ الشُّهُودِ توافُقُ الخَصْمَيْنِ فِي الحدُودِ فَإِذا تمت الشَّهَادَة بالحيازة أَو بتوافق الْخَصْمَيْنِ على الْحُدُود وَجب عقل الْمَشْهُود بِهِ بتوقيف
الْخراج وَالْمَنْع من الْحَرْث كَمَا مر، ثمَّ أعذر للمطلوب فِي شُهُود الْملك فَقَط أَو فيهمَا وَفِي شُهُود الْحِيَازَة فِي الْوَجْه الثَّانِي دون الْوَجْهَيْنِ من قبل القَاضِي فَإِنَّهُ لَا إعذار فيهمَا على مَا مر بَيَانه فِي فصل الْإِعْذَار. تَنْبِيهَات. الأول: قد علمت مِمَّا مر أَن الموجهين يَشْهَدَانِ بأمرين بتوجيه العدلين للحيازة وَلَو كَانَا شُهُود الْملك وبأنهما قد حازا وعينا حُدُود الْمَشْهُود بِهِ ويكتبان ذَلِك كُله فِي رسم تَحت شَهَادَة الْملك، وَأما شَهَادَتهمَا على القَاضِي بِصِحَّة رسم الملكية فَإِن خطابه عَلَيْهِ بالاستقلال وَالْقَبُول كَاف إِذْ هُوَ عين الصِّحَّة عِنْده فَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِشْهَاد عَلَيْهِ مَعَ الْخطاب الْمَذْكُور نعم حكمه بِنَقْل الْملك أَو بِبَقَائِهِ وَنَحْوه لَا بُد أَن يشْهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَانَا شُهُود الْحق أَو غَيرهمَا كَمَا فِي التَّبْصِرَة قبيل الْقسم الثَّانِي وَنَحْوه فِي الْمواق خلافًا لمن قَالَ لَا بُد أَن يكون شَاهد الحكم غير شَاهد الْحق. الثَّانِي: تقدم فِي فصل الْمقَال وَالْجَوَاب أَن الطَّالِب إِذا أثبت الوراثة وجر ذَلِك إِلَى نَفسه وَعجز عَن إِثْبَات وراثة سَائِر الْوَارِثين أَنه يقْضى لَهُ بِحقِّهِ، وَانْظُر فصل التَّوَارُث من الْمُتَيْطِيَّة فقد اقْتصر فِيهِ على أَن الشُّهُود إِذا عرفُوا عدد الْوَرَثَة وَلم يعرفوا أَسْمَاءَهُم فَهِيَ شَهَادَة تَامَّة، وَذكر فِيهَا أَيْضا أَنهم إِذا سموهم وَلم يشْهدُوا على عينهم أَي: وَلم يذكرُوا أَنهم يعرفونهم فَهِيَ تَامَّة إِلَّا أَن يَقع بَينهم فِي ذَلِك تنَازع. الثَّالِث: قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى الأندلسي فِي آخر وثائقه: إِذا توافقا المتداعيان فِي الْحُدُود سَقَطت الْحِيَازَة إِلَّا أَن يفْتَقر الْمَحْكُوم لَهُ إِلَى الْإِنْزَال فَلَا بُد من الْحِيَازَة اه. قلت: الْإِنْزَال هُوَ الْقَبْض كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنَقله فِي الارتفاق قَالَ: وَيجب على البَائِع الْإِنْزَال إِن لم يقر المُشْتَرِي لَهُ بِالْملكِ خيفة أَن يكون بَاعَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ اه. وتأمله فَإِنَّهُ لَا معنى لوُجُوبه كَمَا مرَّ صدر الْبيُوع وَمَا علل بِهِ من خشيَة بَيْعه مَا لَيْسَ لَهُ لَا يَدْفَعهُ الْإِنْزَال الْمَذْكُور، ثمَّ وقفت على قَول ابْن مغيث مَا نَصه: إِن سقط من وَثِيقَة الابتياع ذكر الْإِنْزَال فَطَلَبه الْمُبْتَاع بذلك لزمَه أَن ينزله فِي ذَلِك فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ الْمُبْتَاع: من هُنَا إِلَى هُنَا ابتعت مِنْك، وَقَالَ البَائِع: بل من هُنَا إِلَى هُنَا فَإِن كَانَ ذَلِك على قرب من تَارِيخ التبايع تحَالفا وتفاسخا البيع إِذا عدمت الْبَيِّنَة، وَإِن مضى لتاريخ البيع سنة سقط الْإِنْزَال، وَإِن كَانَ فِي وَثِيقَة الابتياع بَرَاءَة الْإِنْزَال لَكَانَ القَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه، وَبِهَذَا مضى الْعَمَل اه. وَنَقله ابْن سَلمُون فِي تَرْجَمَة الْعقار وَالْأَرْض الْبَيْضَاء. وواجبٌ إعْمَالُهَا إنِ الحَكَمْ بِقِسْمَةٍ عَلى المَحَاجِيرِ حَكَمْ (وواجب) خبر مقدم (إعمالها) مُبْتَدأ وضميره للحيازة (إِن الحكم) لُغَة فِي الْحَاكِم (بقسمة على المحاجير حكم) وَكَذَا إِن حكم بهَا على غير المحاجير من الشُّرَكَاء. قَالَ الْبَاجِيّ: الَّذِي أجمع
عَلَيْهِ مَالك وقدماء أَصْحَابه أَنه لَا يجوز للْقَاضِي أَن يَأْذَن للْوَرَثَة فِي الْقِسْمَة حَتَّى يثبتوا أصل الْملك لموروثهم واستمراره وحيازته وَالْمَوْت والوراثة، وَبِه جرى عمل الْقُضَاة بقرطبة وطليطلة اه. وَنَقله فِي المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح فَقَوله للْوَرَثَة شَامِل للمحاجير وَغَيرهم، وَفِي الْمُفِيد عَن الْبَاجِيّ أَيْضا أَنه طلب بعض الشُّرَكَاء قسْمَة الْملك الَّذِي بَينهم من القَاضِي فَلَا يحكم لَهُم بذلك حَتَّى يثبت عِنْده أَن الْملك لَهُم اه. وَنَحْوه فِي المقرب كَمَا نَقله (م) وعللوا وجوب الْحِيَازَة بِأَنَّهُم رُبمَا أدخلُوا فِي قسمتهم مَا لَيْسَ لَهُم. قلت: وَقد علمت أَن الْقِسْمَة بيع وَالْقَاضِي لَا يجوز لَهُ البيع وَلَا الْإِذْن فِيهِ حَتَّى يثبت عِنْده ملك البيع عَلَيْهِ وحيازته لَهُ كَمَا تقدم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع، وَفِي فصل البيع على الْغَائِب فَإِن وَقع وَنزل وَقسم أَو بَاعَ بِدُونِ ثُبُوت الْملك والحيازة فَالظَّاهِر عدم نقض ذَلِك حَتَّى يثبت أَنه قسم، أَو بَاعَ ملك الْغَيْر إِذْ الأَصْل أَنه بَاعَ أَو قسم مَا يملكونه حَتَّى يثبت خِلَافه كَمَا مر فِي البيع على الْغَائِب، وَلَا يعجل بِالنَّقْضِ بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال فَقَوْل النَّاظِم: وواجب أَعمالهَا يَعْنِي ابْتِدَاء، وَالله أعلم. وَجَاز أنْ يُثْبِتَ مِلكاً شُهدا وَبالْحِيَازَةِ سِوَاهم شَهِدا (وَجَاز أَن يثبت) بِضَم الْيَاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة مضارع أثبت الرباعي (ملكا شَهدا) بِضَم الشين وَفتح الْهَاء جمع شَهِيد ككريم وكرما فَهُوَ مدود وقصره ضَرُورَة فَاعل يثبت وملكا مَفْعُوله أَي وَجَاز لمن ادّعى ملكا بيد غَيره أَن يُثبتهُ أَي يشْهد لَهُ بِهِ شُهَدَاء لَا يعْرفُونَ حُدُوده وَلَا يقدرُونَ على حيازته (وبالحيازة) فَقَط (سواهُم شَهدا) بِفَتْح الشين وَكسر الْهَاء أَي: وسواهم شهد بالحيازة لَا غير لأَنهم لَا يعْرفُونَ الْملك لمن هُوَ فَإِن الشَّهَادَتَيْنِ تلفقان، وَيثبت الْملك للْمُدَّعِي الْمَذْكُور كَمَا تقدم قبل قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ
…
وَإِنَّمَا تلفق الشهادتان. إنْ كانَ ذَا تَسْمِيَةٍ مَعْروفهْ وَنِسْبَةٍ مشهورةٍ مَأْلُوفهْ (إِن كَانَ) الْملك الْمَشْهُود بِهِ للْمُدَّعِي (ذَا تَسْمِيَة مَعْرُوفَة) كحجاجة والزيات بفاس (و) ذَا (نِسْبَة مَشْهُورَة مألوفة) كجنان الْخَادِم وعرصة الجيار بفاس أَيْضا فَتشهد بَيِّنَة بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بعرصة الجيار مثلا هُوَ ملك لفُلَان وَمَال من أَمْوَاله وَتَحْت يَده يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك فِي ملكه وينسبه لنَفسِهِ إِلَى آخر الْوَثِيقَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل وَلَا يتعرضون لذكر حُدُوده لأَنهم لَا يعرفونها أَو لغيبتهم أَو مَوْتهمْ، وَتشهد بَيِّنَة أُخْرَى بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بِمَا ذكر حَده من نَاحيَة الْقبْلَة كَذَا، وَمن الغرب كَذَا، وَمن الْجنُوب كَذَا، وَأَن التَّسْمِيَة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تطلق على مَا دخل الْحُدُود لَا على مَا خرج مِنْهَا وَلَا يعْرفُونَ الْموضع لمن هُوَ إِلَّا أَنهم كَانُوا يخدمونه مثلا أَو
يعْرفُونَ حُدُوده خلفا عَن سلف، فَإِن الشَّهَادَتَيْنِ تلفقان كَمَا مر. وَيُوجه القَاضِي مَعَهُمَا شَاهِدين يَشْهَدَانِ على حيازتهما فَيكون مَجْمُوع الشُّهُود سِتَّة كَمَا مرَّ وَيثبت حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاق انْظُر (ح) فَإِن فِيهِ بعض زِيَادَة وإيضاح. وَلما أنهى الْكَلَام على اسْتِحْقَاق الْكل أَشَارَ إِلَى الحكم فِي اسْتِحْقَاق الْبَعْض، وَحَاصِله كَمَا فِي (ت) أَن الْمُسْتَحق بعضه إِمَّا مثلي أَو مقوم، والمقوم إِمَّا أَن يسْتَحق مِنْهُ بعض معِين أَو شَائِع، والشائع إِمَّا أَن يكون فِيمَا يقبل الْقِسْمَة كمتعدد من حَيَوَان أَو عرُوض أَو دَار متسعة أَو دور أَو فِيمَا لَا يقبلهَا كدار ضيقَة أَو عبد وَاحِد. وَفِي كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة إِمَّا أَن يكون الْبَعْض قَلِيلا أَو كثيرا، فَفِي المثلى إِن كَانَ الْمُسْتَحق كثيرا خير فِي رد مَا لم يسْتَحق وَيَأْخُذ جَمِيع ثمنه أَو التَّمَسُّك فِيهِ بِمَا ينوبه من الثّمن كَمَا قَالَ: وَمُشْتَرِي المثليّ مَهْمَا يُسْتَحَقْ مُعْظَمُ مَا اشتُرِي فَالتّخيير حَقْ (ومشتري المثلى) أَو الْمصَالح بِهِ (مهما يسْتَحق) أَو يتْلف مِنْهُ أَو يتعيب وَقت ضَمَان البَائِع (مُعظم مَا اشْترى) أَو صولح بِهِ، والمعظم هُوَ الثُّلُث فَأكْثر كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وَإِن انْفَكَّ فَللْبَائِع الْتِزَام الرّبع بِحِصَّتِهِ فَقَط لَا أَكثر خلافًا للشَّارِح حَيْثُ جعل الْمُعظم مَا جَاوز الثُّلُث، وعَلى مَا فِي (خَ) عول الأَجْهُورِيّ فِي نظمه حَيْثُ قَالَ: ثمَّ الْكثير الثُّلُث فِي المثلى وَفِي مقوم مَا فَاتَ نصفا فاعرف (لَهُ التَّخْيِير حق) وَاجِب للْمُشْتَرِي، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ مَعَ جَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ لَكِن التَّخْيِير مُخْتَلف فَفِي الِاسْتِحْقَاق والتلف وَقت ضَمَان البَائِع يُخَيّر. فِي الأَخْذِ للبَاقي من المَبيعِ بِقِسْطِهِ وَالرَّدُّ للجَميعِ (وَالْأَخْذ للْبَاقِي من الْمَبِيع بِقسْطِهِ) من الثّمن (وَالرَّدّ للْجَمِيع) أَي لجَمِيع الْبَاقِي بعد الِاسْتِحْقَاق والتلف وَيَأْخُذ جيمع ثمنه وَفِي التعييب وَقت ضَمَان البَائِع يُخَيّر فِي رد الْجَمِيع وَأخذ ثمنه أَو التَّمَسُّك بِجَمِيعِ الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن، وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَسَّك بالسالم من الْعَيْب بِمَا ينوبه من
الثّمن إِلَّا بِرِضا البَائِع، وَقد علمت من هَذَا أَن الصُّلْح مثل الشِّرَاء لِأَنَّهُ بيع وَأَن التّلف والتعييب قبل كَيْله أَو وَزنه أَو عده مثل الِاسْتِحْقَاق. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله مُعظم فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ مِنْه اليَسِيرُ مَا استُحِقْ يَلزمُهُ الْبَاقِي بِمَا لهُ بِحَقْ (وَإِن يكن مِنْهُ) أَي المثلى (الْيَسِير) بِالنّصب خبر يكن (مَا اسْتحق) اسْمهَا وَمِنْه يتَعَلَّق باستحق فَهُوَ مَعْمُول للصلة وَصَحَّ تَقْدِيمه على الْمَوْصُول لِأَنَّهُ من الظروف وهم يتوسعون فِيهَا أَي: وَإِن يكن الْمُسْتَحق من المثلى الْيَسِير وَهُوَ مَا دون الثُّلُث فَالْمُشْتَرِي (يلْزمه الْبَاقِي بِمَا لَهُ يحِق) من الثّمن. قَالَ فِي الشَّامِل: بِخِلَاف اسْتِحْقَاق مثلى فَإِنَّهُ يلْزم مُشْتَرِيه بِحِصَّتِهِ إِلَّا الثُّلُث فَأكْثر فَيُخَير اه. وَقَالَ (خَ) : وَحرم التَّمَسُّك بِالْأَقَلِّ إِلَّا المثلى أَي: فَإِنَّهُ لَا يحرم التَّمَسُّك بأقله حَيْثُ اسْتحق أَكْثَره بل يُخَيّر فِي التَّمَسُّك وَالرَّدّ كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الْبَعْض الْمُسْتَحق مُقَومًا معينا وَفِيه صُورَتَانِ أَيْضا إِمَّا أَن يكون الْبَعْض الْمُسْتَحق كثيرا وَهُوَ مَا زَاد على النّصْف أَو قَلِيلا وَهُوَ النّصْف فدون فَقَالَ: وَمَا لَهُ التَّقْوِيم باستِحقاقِ أَنْفَسِهِ يَرَدُّ بالإطلَاقِ (وَمَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الشَّيْء (لَهُ التَّقْوِيم) مُبْتَدأ وَخبر صلَة مَا (بِاسْتِحْقَاق أنفسه) يتَعَلَّق بقوله (يرد) وَالْجُمْلَة خبر و (بِالْإِطْلَاقِ) حَال أَي وَالشَّيْء الْمَبِيع الْمُقَوّم يرد بِاسْتِحْقَاق أنفسه مُطلقًا تَرَاضيا على التَّمَسُّك بِالْبَاقِي بِمَا ينوبه أم لَا. والتلف والتعييب وَقت ضَمَان البَائِع والاستحقاق كَمَا مر. إنْ كانَ فِي مُعَيِّنٍ وَلا يَحِلْ إمساكُ باقيهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ (إِن كَانَ) ذَلِك الِاسْتِحْقَاق (فِي) مقوم (معِين) كعبدين اسْتحق أفضلهما أَو خَمْسَة أَثوَاب مُتَسَاوِيَة فِي الْقيمَة اسْتحق ثَلَاثَة مِنْهَا أَو داران اسْتحقَّت إِحْدَاهمَا وينوبها أَكثر الثّمن لكَون قيمتهَا أَكثر من قيمَة الْأُخْرَى فَيفْسخ فِي الْجَمِيع وَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه (وَلَا يحل) للْمُشْتَرِي (إمْسَاك بَاقِيه) بعد الِاسْتِحْقَاق بِمَا ينوبه من الثّمن وَلَو وَافقه البَائِع على ذَلِك (لما فِيهِ جهل) أَي لأجل الثّمن الَّذِي جهل فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما اسْتحق الْأَكْثَر انْتقض البيع فِي الْجَمِيع لِأَن الْأَقَل تَابع للْأَكْثَر الَّذِي هُوَ وَجه الصَّفْقَة فالتمسك بِالْأَقَلِّ إنْشَاء عقد بِثمن مَجْهُول إِذْ لَا يدْرِي مَا ينوبه من الثّمن إِلَّا
بعد التَّقْوِيم (خَ) : وَلَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَإِن كَانَ الْمُسْتَحق وَجه الصَّفْقَة انْتقض البيع، وَلَا يجوز أَن يتَمَسَّك بِمَا بَقِي بِمَا ينوبه من الثّمن وَإِن رَضِي البَائِع إِذْ لَا يعرف ثمنه حَتَّى يقوم وَقد وَجب الرَّد فَصَارَ بيعا مؤتنفاً بِثمن مَجْهُول اه. فمفهومها أَنه إِذا قوم وَعلم مَا ينوبه صحّح التَّمَسُّك بِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرَّ فِي صدر الْبيُوع فَرَاجعه هُنَاكَ قَالَ مصطفى: قد أطبق من وقفت عَلَيْهِ من الشُّرَّاح على تَقْيِيد حُرْمَة التَّمَسُّك بِالْأَقَلِّ بِعَدَمِ الْفَوات فَانْظُرْهُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله أنفسه فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ أقلَّهُ فالحكمُ أنْ يَرْجِعُ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنْ (وَإِن يكن) الْمُسْتَحق (أَقَله) وَهُوَ النّصْف فدون (فَالْحكم أَن يرجع) المُشْتَرِي (فِي حِصَّته) أَي الْأَقَل (من الثّمن) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ العقد بِاسْتِحْقَاق الْأَقَل لِأَنَّهُ لما صَحَّ البيع فِي الْأَكْثَر كَانَ الْأَقَل تَابعا لَهُ فَلم يَنْفَسِخ العقد أصلا وَلم يكن التَّمَسُّك بِهِ إنْشَاء عقد، وَإِنَّمَا لَهُ أَن يرجع بِمَا يَنُوب الْأَقَل من الثّمن وَلَا كَلَام لَهُ فِي الرَّد وَلَا للْبَائِع إِلَّا برضاهما مَعًا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الْبَعْض الْمُسْتَحق شَائِعا وَهُوَ مَفْهُوم قَوْله: إِن كَانَ فِي معِين الخ. وَفِيه أَربع صور لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون مِمَّا يقبل الْقِسْمَة أم لَا. وَفِي كل إِمَّا أَن يكون الْمُسْتَحق كثيرا أَو قَلِيلا وَلم يحرر النَّاظِم ذَلِك بل قَالَ: وإنْ يَكُن على الشِّياع المُسْتَحَقْ وَقَبْلَ القِسْمة فالقَسْمُ استَحَقْ (وَإِن يكن على الشياع الْمُسْتَحق و) الْحَال أَنه (قبل الْقِسْمَة) كربع أَو عشر من أَرض أَو ثِيَاب مُتعَدِّدَة أَو دَار تقبل الْقِسْمَة على ذَلِك من غير ضَرَر (فالقسم) مفعول بقوله (اسْتحق) أَي فَالَّذِي يسْتَحقّهُ المُشْتَرِي هُوَ الْمُقَاسَمَة ويتمسك بِالْبَاقِي وَيرجع بِحِصَّة مَا اسْتحق، وَظَاهره كَانَ متخذاً للغلة أم لَا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا قَلِيلا كَانَ الْمُسْتَحق أَو كثيرا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك إِذا كَانَ قَلِيلا كَمَا قَررنَا، وَأما إِن كَانَ كثيرا كثلث فِي دَار وَنصف فِي أَرض فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين التَّمَسُّك بِالْبَاقِي وَيرجع بِحِصَّة الْمُسْتَحق وَبَين الرَّد فَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه منقسماً كَانَ أم لَا متخذاً للغلة أم لَا. وَبِالْجُمْلَةِ فالدار الْوَاحِدَة الثُّلُث فِيهَا كثير وَالْأَرْض النّصْف فِيهَا كثير وَمَا عدا ذَلِك لَا خِيَار فِيهِ إِلَّا مَا زَاد على النّصْف وَعَلِيهِ فَقَوْل الأَجْهُورِيّ فِي نظمه الْمُتَقَدّم مَا فَاتَ نصفا الخ. يَعْنِي فِيمَا عدا الأَرْض وَالدَّار، وَمَفْهُوم قَوْله: وَقبل الْقِسْمَة والموضوع بِحَالهِ من كَون الْمُسْتَحق قَلِيلا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله:
وَالخُلْفُ فِي تمسُّكٍ بِمَا بَقي بِقِسْطِهِ ممَّا انْقِسَامُه اتُّقي (وَالْخلف فِي تمسك بِمَا بَقِي) بعد اسْتِحْقَاق الْقَلِيل هَل لَهُ أَن يتَمَسَّك بِهِ (بِقسْطِهِ) من الثّمن أَو لَا؟ قَولَانِ. حَكَاهُمَا ابْن سَلمُون وَذَلِكَ الْخلاف (مِمَّا) أَي فِي الْمشَاع الَّذِي (انقسامه اتقِي) وَمنع لعدم قبُوله إِيَّاه كشجرة وَاحِدَة أَو دَار ضيقَة وَنَحْوهمَا، وَالْمُعْتَمد أَنه إِذا لم يكن متخذاً للغلة فَالْخِيَار للْمُشْتَرِي بَين التَّمَسُّك بِالْبَاقِي بِمَا ينوبه وَبَين الرَّد فَيرجع ثمنه، وَإِن كَانَ متخذاً للغلة فَلَا خِيَار لَهُ بل يلْزمه الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ من الثّمن، وَبِالْجُمْلَةِ فالكثير يُخَيّر فِيهِ مُطلقًا، وَأما الْقَلِيل فَمَا لم يَنْقَسِم وَلم يتَّخذ للغلة فَكَذَلِك وَمَا اتخذ للغلة أَو انقسم فَلَا خِيَار لَهُ بل يلْزمه الْبَاقِي بِمَا ينوبه قَالَه الزّرْقَانِيّ. قَالَ: وَعَلِيهِ فيقيد الْقَلِيل فِي قَول (خَ) أَو اسْتحق شَائِع وَإِن قلَّ الخ. بِمَا إِذا كَانَ الْقَلِيل غير منقسم وَلَا متخذ للغلة اه. قَالَ ابْن رشد فِي الْبَيَان مَا نَصه: إِذا اشْترى دَارا وَاسْتحق عشرهَا فَإِن كَانَت لَا تَنْقَسِم أصلا أَو تَنْقَسِم وَلم يكن لكل جُزْء مدْخل ومخرج على حِدة أَو كَانَ لكل جُزْء مدْخل ومخرج إِلَّا أَن الْقسم ينقص من ثمنهَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك كُله، وَإِن كَانَت تَنْقَسِم وَلكُل مدْخل ومخرج وَلم ينقص ذَلِك من ثمنهَا فَلَا خِيَار لَهُ، وَإِنَّمَا يرجع بِمَا ينوبه وَهَذَا فِي دَار السُّكْنَى، وَأما دَار الْغلَّة فَلَا ترد إِلَّا بِاسْتِحْقَاق الثُّلُث اه. بِنَقْل (م) وَقد اقْتصر (ح) فِي الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله:: ّوإن اسْتحق بعض فكالعيب الخ. على أَن اسْتِحْقَاق الشَّائِع يُوجب الْخِيَار مُطلقًا قلّ أَو كثر وَهُوَ خلاف تَقْيِيد الزّرْقَانِيّ لَهُ. وَإنْ يكُن فِي الْفَيءِ مَالُ المُسْلِمِ فهْوَ لَهُ من قبلِ قُسْمِ المغْنمِ (وَإِن يكن فِي الْفَيْء) أَرَادَ بِهِ الْغَنِيمَة بِدَلِيل قَوْله قبل قسم الْمغنم، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ مَا يَشْمَل الْفَيْء الْحَقِيقِيّ وَالْغنيمَة وَمَا هُوَ مُخْتَصّ بِأَخْذِهِ لِأَن مَا ملك من مَال الْحَرْبِيّ إِمَّا غنيمَة وَهُوَ مَا أَخذ بِقِتَال وَمَا فِي حكمه كفرارهم عَنهُ بعد نزُول الْجَيْش عَلَيْهِم، وَإِمَّا فَيْء كفرارهم عَنهُ قبل خُرُوج الْجَيْش وهدية الطاغية قبل دُخُول الْمُسلمين بلدهم وصلحهم على مَال وَنَحْو ذَلِك. وَإِمَّا مُخْتَصّ بِأَخْذِهِ كهروب أَسِير بِشَيْء من مَالهم وَنَحْوه، فمراده بالفيء مَا يَشْمَل الْجَمِيع إِذْ الحكم
فِي الْجَمِيع وَاحِد (مَال الْمُسلم) أَو الذِّمِّيّ (فَهُوَ لَهُ) مجَّانا حَيْثُ اطلع ربه عَلَيْهِ (من قبل قسم الْمغنم) أَو من قبل قسم الْفَيْء على مستحقيه أَو من قبل الْأَسير مَا هرب بِهِ، وَظَاهره أَنه لَهُ وَلَو بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يشْهد لَهُ بِهِ وَاحِد وَلَو غير عدل على الْمُعْتَمد كَمَا يفِيدهُ قَوْله (خَ) فِي الْجِهَاد: وَأخذ معِين وَإِن ذِمِّيا مَا عرف لَهُ قبله أَي الْقسم مجَّانا وَحلف أَنه بَاقٍ على ملكه إِلَى الْآن. وَإنْ يَقُمْ من بعدِ مَا قد قُسِما فهْوَ بهِ أَوْلى بِمَا تَقَوَّما (وَإِن يقم) ربه (من بعد مَا قد قسما) مَاله فِي الْمغنم والفيء أَو من بعد بَيْعه (فَهُوَ بِهِ أولى بِمَا تقوما) بِهِ يَوْم الْقِسْمَة على القَوْل بِأَن الْغَنِيمَة تقسم أعيانها بعد تقويمها، وعَلى القَوْل بِأَنَّهَا تبَاع وَيقسم ثمنهَا فَهُوَ أَحَق بِهِ بعد دفع الثّمن الَّذِي بيع بِهِ (خَ) : وَله بعده أَي: الْقسم أَخذه بِثمنِهِ وبالأول إِن تعدد البيع الخ. فَإِن عرف المَال أَنه لمُسلم غَائِب حمل لَهُ إِن كَانَ الْحمل خيرا وإلاَّ بيع لَهُ وَحمل لَهُ ثمنه، فَإِن كَانَ المَال مِمَّا لَا يمكله إِلَّا الْمُسلم كنسخة البُخَارِيّ والمصحف وَنَحْوهمَا وَلم يعرف ربه، فَالْمَشْهُور أَنه يقسم بَين الْمُجَاهدين تَغْلِيبًا لحقهم، فَإِن هرب الْأَسير وَنَحْوه بِشَيْء من مَتَاعهمْ وَبَاعه فاستحقه مُسلم وَأثبت أَنه لَهُ. فَإِن الْمُسْتَحق لَا يَأْخُذهُ من يَد مُشْتَرِيه إِلَّا بِالثّمن الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيرجع بِهِ الْمُسْتَحق على الْأَسير الَّذِي بَاعه لِأَن الْأَسير لَا يملك مَال الْمُسلم الَّذِي بيد الْحَرْبِيّ وبمجرد هروبه بِهِ إِذْ دَار الْحَرْب لَا تملك على الْمَشْهُور. وَمُشْتَرٍ وحائزٌ مَا سَاقَ مَنْ أُمِّنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بالثَّمَنْ (ومشتر وحائز) بِالْهبةِ وَنَحْوهَا (مَا سَاق من) بِفَتْح الْمِيم (أَمن) بِضَم الْهمزَة وَكسر الْمِيم الْمُشَدّدَة مَبْنِيا للْمَفْعُول (لَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِالثّمن) أَي إِذا أَتَى الْمُؤمن إِلَيْنَا وسَاق مَعَه شَيْئا من أَمْوَال الْمُسلمين فَبَاعَهُ من مُسلم أَو ذمِّي أَو وهبه لَهُ أَو لذِمِّيّ فَلَيْسَ لمَالِكه الْمُسلم أَخذه من يَد مُشْتَرِيه أَو حائزه بِالْهبةِ بِثمن وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ على ذَلِك أعْطى الصُّلْح وَعَلِيهِ وَقعت الْهُدْنَة، وَلَكِن يكره لغير مَالِكه شِرَاء ذَلِك من الْمُسْتَأْمن (خَ) : وَكره لغير الْمَالِك اشْتِرَاء سلْعَة وفاتت بِهِ وبهبتهم لَهَا الخ. وَمَفْهُوم قَوْله مَا سَاق من أَمن أَنه إِذا لم يَأْتِ إِلَيْنَا بل دخل بعض الْمُسلمين بلدهم فَاشْترى مِنْهُم أَو
وهبوه ذَلِك بدارهم وَقت الْهُدْنَة أَو الْحَرْب فَإِن ربه يكون أَحَق بِهِ بِالثّمن فِي البيع وبدونه فِي الْهِبَة (خَ) : وَلمُسلم أَو ذمِّي أَخذ مَا وهبوه بدارهم مجَّانا وبعوض بِهِ إِن لم يبع فَإِن بيع مضى ولمالكه الثّمن فِي الْمَوْهُوب أَو الزَّائِد على الثّمن الأول فِي البيع. وَيُؤْخَذُ المَأْخُوذُ مِنَ لِصَ بِلا شيْءٍ وَمَا يُفْدى بِمَا قَدْ بُذِلا (و) إِذا عدا لص وَنَحْوه على مَال شخص فنهبه أَو سَرقه فَأتى من لَهُ حُرْمَة ووجاهة أَو غَيره وافتكه من يَد اللص أَو السَّارِق بِلَا شَيْء فَإِن ربه (يَأْخُذ) مَاله (الْمَأْخُوذ من لص) وَنَحْوه (بِلَا شَيْء) أَيْضا أَي بِلَا أجر يَدْفَعهُ لمن افتكه من اللص وَنَحْوه (و) أما (مَا يفدى) من يَد اللص وَنَحْوه بعوض فَإِن ربه لَا يَأْخُذهُ إِلَّا (بِمَا) أَي بِالْعِوَضِ الَّذِي (قد بذلا) أَي أعْطى فِيهِ وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهِ بِدُونِهِ على الْمُخْتَار عِنْد الشُّيُوخ، إِذْ لَو أَخذه مَالِكه بِلَا شَيْء كَانَ سد الْبَاب الْفِدَاء مَعَ شدَّة حَاجَة النَّاس إِلَيْهِ قَالَه ابْن نَاجِي وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَالْأَحْسَن فِي المفدى من أَمن أَخذه بِالْفِدَاءِ الخ. وَمحله إِذا لم يقدر ربه على تَخْلِيص مَتَاعه من اللص من غير شَيْء وإلاَّ فَيَأْخذهُ من يَد فاديه بِغَيْر عوض، وَمحله أَيْضا إِذا فدَاه بِقصد رده إِلَى ربه، وَأما إِن فدَاه أَو اشْتَرَاهُ بِقصد تملكه فَإِن ربه يَأْخُذهُ من يَده مجَّانا كالاستحقاق، وَالْقَوْل قَول الفادي فِي أَنه فدَاه بِقصد رده إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله: وَلَا مَحل للتوقيف فِيهِ، وَمحله أَيْضا إِذا ثَبت أَنه فدَاه بذلك الْعِوَض الَّذِي ادَّعَاهُ وإلاَّ فلربه أَخذه بِلَا شَيْء مَا لم تكن الْعَادة جَارِيَة بِالْفِدَاءِ وإلاَّ فَيجب عَلَيْهِ فدَاء الْمثل فِيمَا يظْهر. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من أَن ربه يَأْخُذهُ مجَّانا حَيْثُ لم يدْفع الفادي عَلَيْهِ عوضا ظَاهر إِذا كَانَ الفادي لم يتَكَلَّف سفرا وَلَا تزَود لافتكاكه بل افتكه بِغَيْر سفر إِلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ أجر مثله عملا بالقاعدة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة وَهِي كل من أوصل لَك نفعا بِعَمَل أَو مَال لزمك أجر الْعَمَل وَمثل المَال انظرها عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. ثمَّ هَل يرجع ربه بِتِلْكَ الْأُجْرَة على اللص وَالسَّارِق والمحارب وَنَحْوهم؟ وَهُوَ الْمُعْتَمد لأَنهم تسببوا فِي إغرامه تِلْكَ الْأُجْرَة، فَفِي المازونية عَن أبي الْفضل العقباني فِيمَن هرب بِأمة فاستأجر رَبهَا من يبْحَث عَلَيْهَا وَأعْطى عطايا على استخلاصها فَقَالَ: على الهارب بالأمة جَمِيع مَا خسره رَبهَا فِي استخلاصها مَا لم يُجَاوز مَا خسره قيمتهَا فَلَا يلْزمه مَا زَاد على الْقيمَة اه. الثَّانِي: إِذا غرم رب المَال الْفِدَاء للفادي فَلهُ أَن يرجع بِمَا غرمه على اللص وَالسَّارِق والمحارب وَنَحْوهم لأَنهم أَخَذُوهُ بِغَيْر حق من غير خلاف فِي ذَلِك، فَإِذا لم يقدر عَلَيْهِم وَإِنَّمَا قدر على بعض أهلهم وأقاربهم فَينْظر فَإِن كَانَ أهلهم وأقاربهم يمنعونهم ويذبون عَنْهُم إِن أُرِيد
أَخذهم من الْإِنْصَاف مِنْهُم فَإِن أهلهم وأقاربهم يؤاخذون بهم لأَنهم معينون لَهُم على ظلمهم وَهِي الْمَسْأَلَة الْمَعْرُوفَة عِنْد النَّاس بالكفاف (خَ) فِي بَاب الْحِرَابَة والقتال: يجب قَتله وَلَو بإعانة الخ. قَالُوا وَقَوله: وَلَو بإعانة أَي على الْقَتْل وَلَو بالتقوى بجاهه وَإِن لم يَأْمر بقتْله وَلَا تسبب فِيهِ لِأَن جاهه إِعَانَة عَلَيْهِ حكما عَلَيْهِ اه. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدِّمَاء فأحرى فِي المَال، وَإِن كَانَ أهلهم لَا يَذبُّونَ عَنْهُم وَلَا يمْنَعُونَ أحدا من الانتصاف مِنْهُم فَإِنَّهُم لَا يؤاخذون بهم، والمعلوم من عَادَة قبائل الزَّمَان الْيَوْم هُوَ الذب عَنْهُم. انْظُر أجوبتنا لأسئلة الإِمَام محيي الدّين الْحَاج عبد الْقَادِر فقد بسطنا الْكَلَام فِي ذَلِك وَالله أعلم. الثَّالِث: إِذا افتكه الفادي بعوض دَفعه من عِنْده للص وَنَحْوه، وَقُلْنَا لَا يَأْخُذهُ ربه إِلَّا بذلك الْعِوَض وَطلب الفادي زِيَادَة أُجْرَة مَشْيه وذهابه فَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: حَيْثُ دفع الْفِدَاء من عِنْده فَلَا إِشْكَال فِي مَنعه أَخذ الْأُجْرَة لما فِيهِ من الْإِجَارَة وَالسَّلَف وإلاَّ فللنظر فِيهِ مجَال اه. قلت: أما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من إجالة النّظر فَلَا مَحل لَهُ مَعَ الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة، وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من الْمَنْع للإجارة وَالسَّلَف فقد قَالَ (ت) : قد يغْتَفر ذَلِك للضَّرُورَة كالسفاتج إِذا عَم الْخَوْف مَعَ أَن فِيهَا صَرِيح السّلف بِمَنْفَعَة للْحَاجة إِلَيْهَا. الرَّابِع: إِذا تلف الشَّيْء المفدى بعد الْفِدَاء وَقبل الْوُصُول لرَبه فَإِن ذَلِك مُصِيبَة نزلت بالفادي وَلَا شَيْء لَهُ على ربه من ثمن الْفِدَاء وَلَا من النَّفَقَة وَأُجْرَة الْحمل بِخِلَاف مَا إِذا أوصله إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجب لَهُ ذَلِك كُله إِذا أَرَادَ بِهِ أَخذه قَالَ فِي العمليات: وَمن فدى بِغَيْر إِذن فَعرض قبل الْوُصُول تلف لَا يفترض الْخَامِس: إِذا فدَاه بنية تملكه فَاسْتحقَّ من يَده فَفِي رُجُوعه بِالْفِدَاءِ على المفدى مِنْهُ قَولَانِ. الرَّاجِح مِنْهُمَا أَن لَهُ الرُّجُوع كمن اشْترى شَيْئا مَغْصُوبًا عَالما بغصبه فَاسْتحقَّ من يَده فَإِن لَهُ الرُّجُوع على الْغَاصِب على الْمُعْتَمد. السَّادِس: قَالَ فِي الشَّامِل: وَفَاتَ بيع مكافىء ومشتر على الْمَنْصُوص ولربه مَا زَاد على الثّمن الأول إِن كَانَ فَإِن بَاعه من وهب لَهُ مضى على الْمَشْهُور وَيرجع بِهِ فَقَط على الْمَوْهُوب
لَهُ اه. وَمَعْنَاهُ إِن من أهْدى لَهُ اللص شَيْئا مِمَّا غصبه فكافأه عَلَيْهِ بِشَيْء أَو اشْتَرَاهُ من اللص وَلم يعلم بغصبه فيهمَا فَبَاعَهُ المُشْتَرِي أَو المكافىء فَإِنَّهُ يفوت ذَلِك على مَالِكه، فَإِن بَاعه من وهبه لَهُ اللص مضى أَيْضا ولربه الثّمن على الْمَوْهُوب لَهُ.
(فصل فِي الْعَارِية والوديعة والأمناء)
الْعَارِية: بتَشْديد الْيَاء وَقيل بتخفيفها قَالَه فِي التَّوْضِيح هِيَ من المعاورة وَهِي الْأَخْذ والإعطاء يُقَال: هم يتعاورون من جيرانهم أَي يَأْخُذُونَ ويعطون وَقَالَ الأبي: هِيَ من عرا كغزا بِمَعْنى قصد فَهِيَ عريوة ثمَّ صَارَت عرية لِاجْتِمَاع الْيَاء وَالْوَاو فَهِيَ بِمَعْنى مَطْلُوبَة ومقصودة. وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: هِيَ تمْلِيك مَنْفَعَة مُؤَقَّتَة لَا بعوض فَتدخل الْعُمْرَى والإخدام لَا الْحَبْس فَخرج بقوله: مَنْفَعَة تمْلِيك الذوات بِبيع أَو هبة وَنَحْوهمَا، وَخرج بهَا أَيْضا تمْلِيك الِانْتِفَاع لِأَن مَالك الْمَنْفَعَة لَهُ أَن يستوفيها بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ بِخِلَاف مَالك الِانْتِفَاع كسكان الْمدَارِس والزوايا والربط فَإِنَّهُم لَا يَنْتَفِعُونَ إِلَّا بِأَنْفسِهِم، وَلَيْسَ لَهُم أَن يؤاجروا ذَلِك أَو يعيروه لغَيرهم وَالنِّكَاح من الِانْتِفَاع لَا من الْمَنْفَعَة، وَكَذَا الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد والسوق، وَبِالْجُمْلَةِ فالانتفاع هُوَ الَّذِي قصد بِهِ الْمُعْطِي خُصُوص من قَامَ بِهِ الْوَصْف أَو خُصُوص ذَات الْمُعْطى بِالْفَتْح كسكنى بيُوت الْمدَارِس وَنَحْوهَا وكمستعير مَنعه الْمَالِك من الِانْتِفَاع بِغَيْرِهِ، وَمِنْه النِّكَاح بِخِلَاف الْمَنْفَعَة فَهِيَ الَّتِي قصد فِيهَا الِانْتِفَاع بِالذَّاتِ استوفاها الْمُعْطى لَهُ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فَلهُ أَن يعيرها أَو يستأجرها لمثله، وَبِهَذَا تعلم أَن الْحَبْس على قسمَيْنِ مِنْهُ مَا قصد بِهِ الْمحبس خُصُوص تمْلِيك الِانْتِفَاع لمن قَامَ بِهِ الْوَصْف كالفقراء، فَهَذَا لَا يجوز لمن اسْتَحَقَّه أَن يَهبهُ وَلَا أَن يؤاجره وَلَا أَن يعيره الْمدَّة الْكَثِيرَة، وَمِنْه مَا قصد بِهِ تمْلِيك الْمَنْفَعَة وَذَلِكَ كالحبس على شخص معِين وأعقابه مثلا، فَهَذَا تجوز فِيهِ الْهِبَة وَالْإِجَارَة والإعارة، وَاخْتلف فِي الْحَبْس على الإِمَام والخطيب والمدرّس هَل هُوَ من الْقسم الأول أَو الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِر، وَخرج بقوله: مُؤَقَّتَة تمْلِيك الْمَنْفَعَة الْمُطلقَة كَمَا لَو ملك عَبده مَنْفَعَة نَفسه فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ ذَلِك وَلَيْسَ بعارية وَلَيْسَ عتقا أَيْضا بِدَلِيل أَن الْأمة إِذا ملكهَا مَنْفَعَة نَفسهَا ثمَّ تزَوجهَا فَإِن أَوْلَادهَا يرقون لسَيِّدهَا، وَخرج بِهِ أَيْضا الْقسم الثَّانِي من قسمي الْحَبْس فَإِنَّهُ تمْلِيك مَنْفَعَة غير مُؤَقَّتَة فَلَيْسَ بعارية وَالْحَبْس على مُخْتَار. ابْن عَرَفَة: لَا يكون إِلَّا مُؤَبَّدًا وَتَسْمِيَة الْمُؤَقت مِنْهُ حبسا مجَاز عِنْده فَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الْحَبْس قد يكون مؤقتاً كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا يشْتَرط التَّأْبِيد وَخرج بقوله لَا بعوض الْإِجَارَة. وَأما حَدهَا بِالْمَعْنَى الاسمي فَيُقَال: هِيَ مَال ذُو مَنْفَعَة مُؤَقَّتَة ملكت بِغَيْر عوض. وَحكمهَا
النّدب لِأَنَّهَا مَعْرُوف وإحسان وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ، وَقد يعرض وُجُوبهَا كغنى عَنْهَا لمن يخْشَى هَلَاكه بعدمها كإبرة لجائفة وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر إِلَيْهِ وحرمتها ككونها مُعينَة على مَعْصِيّة وكراهتها ككونها مُعينَة على مَكْرُوه. قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي سُورَة آل عمرَان: من الْغلُول منع الْكتب من أَهلهَا. قَالَ: وَكَذَا غَيرهَا والماعون الَّذِي توعد الله على مَنعه فِي قَوْله تَعَالَى: وَيمْنَعُونَ الماعون} (الماعون: 7) الْآيَة. إِنَّمَا هُوَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مَالك رحمه الله وَجُمْهُور أهل الْعلم. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما؛ أَنه عَارِية مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يتعاطاه النَّاس فِيمَا بَينهم. وَمَا اسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجَبُ وَمَا ضمانُ المُسْتَعِير يَجِبُ (وَمَا استعير) أَي شَيْء كَانَ (رده) لرَبه (مستوجب) أَي وَاجِب لقَوْله عليه السلام: (الْعَارِية مُؤَدَّاة) أَي يجب ردهَا وتأديتها لِرَبِّهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكهَا الْمُسْتَعِير عِنْده بعد أَن قضى مِنْهَا وطره حَتَّى يَأْتِي رَبهَا إِلَيْهَا. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم إِشْعَار بِمَا اخْتَارَهُ ابْن رشد من أَن أُجْرَة ردهَا على الْمُسْتَعِير (خَ) : وَمؤنَة أَخذهَا على الْمُسْتَعِير كردها على الْأَظْهر، وَفِي علف الدَّابَّة قَولَانِ الخ. ومحلهما مَا لم يكن عرف وإلاَّ فيحملان عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالشرط وَتَكون حِينَئِذٍ إِجَارَة، إِذْ يجوز كِرَاء الدَّابَّة بعلفها وَالْعرْف بفاس أَن علف الْعَارِية على الْمُسْتَعِير حَيْثُ باتت عِنْده فَإِن لم تثبت فعلى رَبهَا كَمَا تقدم (وَمَا) نَافِيَة (ضَمَان الْمُسْتَعِير يجب) أَي لَا يجب على الْمُسْتَعِير ضَمَان الْعَارِية إِن هَلَكت. إلاَّ بقابِلِ المَغيب لَم تَقُمْ بَيِّنةُ عَلَيهِ أَنَّه عُدِمْ (إِلَّا) بِأحد أَمريْن. أَحدهمَا: أَن تكون الْعَارِية وَقعت (بقابل) أَي فِي قَابل (المغيب) عَلَيْهِ فالباء بِمَعْنى (فِي) وَذَلِكَ كالثياب والسفينة السائرة والحلى وَسَائِر الْعرُوض، فَإِنَّهُ إِذا ادّعى تلف شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ يضمنهُ لآخر رُؤْيَة رئي عِنْده حَيْثُ (لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ) ب (أَنه) قد (عدم) وَتلف بِغَيْر سَببه، فمفهوم قَابل المغيب أَنه إِذا كَانَ لَا يقبل الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالحيوان وَالْعَقار وسفينة بالمرسى لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن ادّعى تلفه وَهُوَ مُصدق فِيهِ مَا لم يظْهر كذبه كدعواه موت دَابَّة يَوْم كَذَا فَشَهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهَا ريئت عِنْده بعد ذَلِك أَو دَعْوَاهُ مَوتهَا فِي رفْقَة أَو مدشر وَلم يعلم أحد مِنْهُم بموتها، وَمَفْهُوم لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ أَنه إِذا شهِدت بَيِّنَة بِتَلف مَا يُغَاب عَلَيْهِ بِغَيْر تَفْرِيط لم يضمن لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ، وَقد انْتَفَت بِقِيَام الْبَيِّنَة فَإِن شهِدت، أَنه تلف بتعديه أَو تفريطه وَهُوَ الْأَمر الثَّانِي من الْأَمريْنِ فَهُوَ ضَامِن كَمَا قَالَ عاطفاً على قَابل المغيب أَي لَا ضَمَان إِلَّا فِي قَابل للمغيب.
أَو مَا المُعَارُ فِيهِ قَدْ تُحُقِّقا تَعَدَ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ مُطْلَقا (أَو) فِي (مَا) أَي فِي الَّذِي (المعار فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله (قد تحققا تعد) نَائِب الْفَاعِل بتحققا (أَو فرط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل (فِيهِ مُطلقًا) كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا وَقد تحصل مِنْهُ أَن مَا ثَبت فِيهِ تعد أَو تَفْرِيط يضمنهُ مُطلقًا وَمَا لم يثبت ذَلِك فِيهِ فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يعاب عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان إِلَّا أَن يظْهر كذبه فَإِن ادّعى تلف دَابَّة وَلم يظْهر كذبه فَلَا يضمنهَا وَيضمن سرجها ولجامها، وَمَا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على تلفه بِغَيْر سَببه، وَظَاهره أَنه يضمن المغيب عَلَيْهِ مَعَ عدم الْبَيِّنَة، وَلَو شَرط نفي الضَّمَان عَنهُ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. ابْن نَاجِي: وَبِه الْفَتْوَى وَمُقَابِله أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَرجحه اللَّخْمِيّ والمازري قَالَا: لِأَن الْعَارِية مَعْرُوف وَإِسْقَاط الضَّمَان مَعْرُوف آخر لَا مَانع مِنْهُ وَهُوَ الْجَارِي على مَا لِابْنِ أبي زيد عَن أَشهب فِي الصَّانِع: يشْتَرط أَن لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن شَرطه عَامل لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى فِي الصَّانِع مَعَ الشَّرْط فأحرى فِي الْمُسْتَعِير لِأَنَّهُ فعل مَعَه مَعْرُوفا من وَجْهَيْن كَمَا علمت، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا لَا يقبل الْغَيْبَة وَلَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَضمن المغيب عَلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة وَهل إِن شَرط نَفْيه تردد لَا غَيره وَلَو بِشَرْط الخ. لَكِن الْعَارِية مَعَ شَرط الضَّمَان تنْقَلب إِجَارَة لِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور يخرج الْعَارِية عَن حكمهَا إِلَى الْإِجَارَة الْفَاسِدَة لِأَن رب الدَّابَّة لم يرض أَن يعيره إِيَّاهَا إِلَّا بِشَرْط أَن يحوزها فِي ضَمَانه فَهُوَ عوض مَجْهُول يرد إِلَى الْمَعْلُوم فَيلْزمهُ إِجَارَة الْمثل فِي اسْتِعْمَاله الْعَارِية قَالَه ابْن رشد. وَهُوَ مقدم على اللَّخْمِيّ الْقَائِل: إِنَّهَا لَا تنْقَلب إِجَارَة مَعَ الشَّرْط بل تمْضِي على حكم الْعَارِية وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أجر لِأَن الْقَاعِدَة عِنْد الشُّيُوخ أَن مَا اسْتَظْهرهُ ابْن رشد من عِنْده مقدم على مَا اسْتَظْهرهُ اللَّخْمِيّ من عِنْده أَيْضا كَمَا قَالَه الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الزَّكَاة: كالتمر نوعا أَو نَوْعَيْنِ وَقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ أول الْكتاب فَلَا تلْتَفت إِلَى مَا للشَّيْخ الرهوني فِي
حَاشِيَته. تَنْبِيهَانِ. الأول: مثل قيام الْبَيِّنَة فِي قَابل الْغَيْبَة مَا إِذا أَتَى بِالثَّوْبِ محروقاً أَو بِهِ قرض فار أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يعلم أَن إِتْلَافه نَشأ عَن غير فعله. قَالَ فِي الشَّامِل: وَحلف مَا فرط فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه كسوس وقرض فار وَحرق نَار الخ. وَنَحْوه قَول (خَ) : وَحلف فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه وكسوس أَنه مَا فرط الخ. إِذْ من جملَة مَا يدْخل تَحت الْكَاف قرض الفار وَالنَّار وَهُوَ الَّذِي عزاهُ اللَّخْمِيّ لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة، وَاخْتَارَهُ ابْن رشد. ابْن رحال: وَهُوَ الرَّاجِح لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن النَّار لَيست من سَبَب كَمَا لأبي الْحسن وَابْن نَاجِي اه. وَذكر مصطفى أَن حرق النَّار لَيْسَ كالسوس وقرض الفار لِأَن النَّار يحْتَمل أَن يكون هُوَ الَّذِي تسبب فِي إيقادها فَيجب ضَمَانه حَتَّى يثبت أَنَّهَا بِغَيْر سَببه كَمَا قَالَه فِي تضمين الصناع من الْمُدَوَّنَة. وانتصر لَهُ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته. وَبِالْجُمْلَةِ: فهما قَولَانِ فِي الْمُدَوَّنَة، وَلَكِن الْمُعْتَمد أَن حرق النَّار كقرض الفار إِذْ الأَصْل عدم العداء وَأَن النَّار لَيست من سَببه، وَلذَا سوى بَينهمَا فِي الشَّامِل. وَقَالَ (خَ) فِي الرَّهْن: وَلم تشهد بَيِّنَة بحرقه فَلم يشترطا فِي عدم الضَّمَان قيام الْبَيِّنَة على كَون النَّار لَيست من سَببه، وَلَا سِيمَا وَقد اخْتَارَهُ ابْن رشد وَهُوَ مقدم على غَيره كَمَا مر. (الثَّانِي) : إِذا اسْتعَار نَحْو الفأس والمنشار وَالسيف لِلْقِتَالِ وَنَحْو ذَلِك فَأتى بِشَيْء من ذَلِك مكسوراً فَقَالَ (ح) : وبرىء فِي كسر كسيف إِن شهد لَهُ أَنه مَعَه فِي اللِّقَاء أَو ضرب بِهِ ضرب مثله الخ. وَهَذَا قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ عِيسَى بن دِينَار ومطرف وَأصبغ: لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِذْ أَتَى بِمَا يشبه وَيرى أَنه ينكسر فِي ذَلِك الْفِعْل بل يصدق بِيَمِينِهِ. ابْن حبيب: وَبِه أَقُول. ابْن يُونُس: وَهُوَ عِنْدِي أبين. ابْن رشد: وَهُوَ أصوب الْأَقْوَال. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ أقرب لِأَن الْمُسْتَعِير قد فعل مَا أذن لَهُ فِي فعله وَلم يقم دَلِيل على كذبه بل قَامَ مَا يصدقهُ اه. فَيجب أَن يكون هَذَا القَوْل هُوَ الْمُعْتَمد لما ترى من اخْتِيَار الشُّيُوخ لَهُ، وَلِأَن الأَصْل عدم العداء، وَسبب الْخلاف هَل يُقَاس تعييب الشَّيْء المعار على ذهَاب عينه أم لَا؟ فَمن جعل تعييبه كذهاب عينه قَالَ: الْمُسْتَعِير ضَامِن، وَمن جعل تعييبه مُخَالفا لذهاب عينه قَالَ: يصدق بِيَمِينِهِ. ثمَّ مَا تقدم من أَنه يحلف مَا فرط الخ. هُوَ عَام فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ، فَإِن نكل فَيضمن الْقيمَة بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة. وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم انْقِضَاء أجل الْعَارِية على مَا ينقصها الِاسْتِعْمَال الْمَأْذُون فِيهِ قَالَ ابْن رشد: وَالقولُ قولُ مُسْتعِير حَلَفا فِي رَدِّ مَا اسْتَعَارَ حَيْثُ اخْتَلَفَا (وَالْقَوْل قَول مستعير) من نَعته وَصفته (حلفا فِي رد مَا اسْتعَار) يتَعَلَّق بقوله (حَيْثُ اخْتلفَا) وَهَذَا إِذا كَانَ لَا يُغَاب عَلَيْهِ (خَ) كدعواه رد مَا لم يضمن الخ. وَإِلَّا فَالْقَوْل للْمُعِير فِي عدم رده كَمَا قَالَ: مَا لم يكن مِمَّا يُغَابُ عَادَه عليْهِ أَوْ أُوخِذَ بالشِّهَادَه (مَا لم يكن) الشَّيْء المعار (مِمَّا يُغَاب عَاده عَلَيْهِ) كالعروض والحلى وَنَحْوهمَا (أَو) مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَلَكِن (أَخذ) من يَد الْمُعير (بِالشَّهَادَةِ) الْمَقْصُودَة للتوثق وَتَقَدَّمت حَقِيقَتهَا فِي الْقَرَاض.
فالقولُ للمُعِيرِ فِيمَا بَيَّنَه وَمُدّعِي الرَّدِّ عليْه البيِّنَه (فَالْقَوْل) فِي الصُّورَتَيْنِ حِينَئِذٍ (للْمُعِير فِيمَا بَينه) أَي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ من عدم ردهَا (ومدعي الرَّد) فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَعِير (عَلَيْهِ الْبَيِّنَة) أَنه ردهَا وَمثل الْعَارِية فِي ذَلِك كُله الْوَدِيعَة وَالشَّيْء الْمُسْتَأْجر والقراض وَالرَّهْن والصناع قَالَ فِي الْمُقدمَات: كل مَوضِع يصدق فِيهِ الْقَابِض فِي دَعْوَى الضّيَاع مثل الْوَدِيعَة والقراض وَرهن مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يصدق فِي دَعْوَى الرَّد إِذا قَبضه بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن قَبضه بِبَيِّنَة لم يصدق فِي الرَّد ثمَّ قَالَ: وكل مَوضِع لَا يصدق فِيهِ دَعْوَى الضّيَاع لَا يصدق فِيهِ فِي الرَّد قبض بَيِّنَة أم لَا. وَتقدم أَن الْمُكْتَرِي لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مرَّ فِي فصل أَحْكَام من الْكِرَاء حَيْثُ قَالَ: ومكتر لذاك لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده سوى أَن ظلما فَيَقْتَضِي أَنه مُصدق فِي الرَّد مُطلقًا مَا لم يقبضهُ بِبَيِّنَة، وَبِه تعلم أَن الحلى وَنَحْوه الَّذِي يكرى لتزيين الْعَرُوس لَا ضَمَان فِيهِ، وَأَنه مُصدق فِي ضيَاعه كَمَا يصدق فِي رده مَا لم يقبضهُ بِبَيِّنَة، فَلَو اكترى دَابَّة فَلَمَّا قدم قَالَ: أودعتها لِأَنَّهَا وقفت عَليّ فِي الطَّرِيق فَإِنَّهُ يصدق وَلَو أنكر الْمُودع عِنْده وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الشَّأْن دفع الودائع بِغَيْر بَيِّنَة كَمَا تقدم فِي بَاب الْكِرَاء. وَانْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا يصدق إِن خَافَ عَورَة مَوْضِعه، وَظَاهر النّظم و (خَ) أَنه يصدق فِي دَعْوَى رد مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ حَيْثُ أَخذه بِغَيْر بَيِّنَة، وَلَو رده مَعَ عَبده أَو غُلَامه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَإِذا ادّعى الرَّسُول أَنَّهَا عطبت أَو ضلت فَلَا يضمن الْمُسْتَعِير لِأَن شَأْن النَّاس على ردهَا مَعَ الرَّسُول، وَلَو لم يعلم ضياعها إِلَّا من قَوْله وَلَو غير مَأْمُون كَمَا فِي (ح) . والقولُ فِي المُدّةِ للمُعيرِ مَعْ حَلْفِهِ وَعَجْزِ مُسْتَعِير (وَالْقَوْل) فِي اخْتِلَافهمَا (فِي الْمدَّة) فَقَالَ الْمُسْتَعِير: أعرتني ليومين أَو شَهْرَيْن، وَقَالَ الْمُعير: بل ليَوْم أَو شهر، وَكَانَ ذَلِك قبل انْقِضَاء الْمدَّة الَّتِي يدعيها الْمُسْتَعِير بِدَلِيل قَوْله بعد: وَالْقَوْل من بعد الرّكُوب ثبتا الخ. (للْمُعِير مَعَ حلفه) بِسُكُون اللَّام (وَعجز مستعير) عَن إِثْبَات مَا يَدعِيهِ، وَفهم من قَوْله: مَعَ حلفه أَن الْعَارِية تلْزم بِالْعقدِ وَهُوَ كَذَلِك وَإِلَّا لم يكن على الْمُعير يَمِين فَإِن أثبت الْمُسْتَعِير مَا يَدعِيهِ من الْمدَّة وَنكل الْمُعير فَالْقَوْل لَهُ. كَذَاكَ فِي مَسَافَةٍ لما رَكِبْ قبلَ الرُّكوب ذَا لَهُ فِيهِ يَجِبْ
(كَذَاك) تجب الْيَمين على الْمُعير (فِي) قدر (مَسَافَة لما ركب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل أَي لما شَأْنه أَن يركب أَو يحمل عَلَيْهِ إِذا اخْتلفَا (قبل الرّكُوب) أَو الْحمل أصلا أَو بعد ركُوب أَو حمل الْمُتَّفق عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُسْتَعِير: أعرتني لبلد كَذَا، وَقَالَ الْمُعير: لبلد أقرب مِنْهُ أَو أسهل مِنْهُ (ذَا) أَي كَون القَوْل (لَهُ) أَي للْمُعِير (فِيهِ) أَي الِاخْتِلَاف الْمَفْهُوم من السِّيَاق مِقْدَار أَو فِي مَسَافَة وَقبل الرّكُوب متعلقان بِهِ (يجب) خبر عَن اسْم الْإِشَارَة، وَالتَّقْدِير: ذَا أَي كَون القَوْل للْمُعِير يجب وَيثبت فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر مَسَافَة لمركوب قبل ركُوبه حَال كَون القَوْل لَهُ كَذَلِك أَي مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا و (مَا) على هَذَا مَصْدَرِيَّة، وَإِذا حلف الْمُعير فِي هَذَا الْمَوْضُوع خير الْمُسْتَعِير فِي ركُوب الْمسَافَة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا أَو الطَّرِيق السهلة وَفِي أَن يتْرك وَلَا يركب وَلَا يحمل شَيْئا كَمَا قَالَ: والمدّعي مخيَّرٌ أنْ يَرْكبا مِقْدَارَ مَا حَدَّ لَهُ أَوْ يَذْهَبا (وَالْمُدَّعِي مُخَيّر) فِي (أَن يركبا مِقْدَار مَا حد لَهُ أَو يذهبا) وَكَذَا يُخَيّر فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْمدَّة، وَإِذا اخْتَار الرّكُوب وَالْحمل فَلَا تسلم لَهُ الدَّابَّة إِن خشِي مِنْهُ العداء بركوب الطَّرِيق الصعبة أَو إِلَّا بعد إِلَّا بتوثق مِنْهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله قبل الرّكُوب فَقَالَ: والقولُ من بَعْدِ الرّكُوبِ ثَبَتا لِلْمُسْتَعير إنْ بِمُشْبِهٍ أَتَى (وَالْقَوْل من بعد الرّكُوب) للمسافة الْمُخْتَلف فِيهَا كلهَا أَو ركُوب الْمدَّة الْمُخْتَلف فِيهَا أَيْضا (ثبتا للْمُسْتَعِير) لِأَن الأَصْل عدم العداء (إِن بمشبه أَتَى) وَحِينَئِذٍ فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ إِن سلمت وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن عطبت أَو تعيبت. وَإن أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يُشْبِه فالقولُ للْمُعِير لَا يَشْتَبه (فَإِن أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يشبه) كدعواه مَسَافَة لَا يعير النَّاس أَو هَذَا الْمُعير إِلَى مثلهَا أَو مُدَّة كَذَلِك أَو أَتَى بِمَا يشبه فيهمَا وَنكل عَن الْيَمين (فَالْقَوْل للْمُعِير لَا يشْتَبه) أَي لَا يلتبس بِشَيْء وَيَأْخُذ كِرَاء تِلْكَ الزِّيَادَة إِن سلمت وَيُخَير فِي أَخذ قيمتهَا أَو كِرَاء الدَّابَّة إِن عطبت كزيادة الْحمل فِيمَا يظْهر (خَ) مشبهاً فِي كَون القَوْل للْمُعِير كزائد الْمسَافَة إِن لم يزدْ، وَإِلَّا فللمستعير فِي نفي الضَّمَان والكراء يَعْنِي إِن أشبه وَإِن برَسُول مُخَالف للْمُعِير أَو الْمُسْتَعِير. والقولُ قَوْلُ مدّعي الكِراءِ فِي مَا يُسْتَعارُ مَعَ يمينٍ اقْتفي (و) إِن أَخذ شخص دَابَّة من غَيره أَو ثوبا وَنَحْوه فَانْتَفع بذلك وَادّعى أَنه أَعَارَهُ إِيَّاهَا
وَادّعى رَبهَا كراءها لَهُ ف (القَوْل قَول مدعي الْكِرَاء) لِأَن الْمُسْتَعِير ادّعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا وَالْأَصْل عَدمه (فِي مَا) أَي فِي الشَّيْء الَّذِي (يستعار مَعَ يَمِين) مِنْهُ على ذَلِك فَيُؤْخَذ مِنْهُ توجه الْيَمين فِي دَعْوَى الْمَعْرُوف وَهُوَ الْمَشْهُور وَتقدم نَحوه فِي الضَّمَان (اقتفي) أَي اتبع نعت ليمين، فَإِن نكل حلف الْمُسْتَعِير فَإِن نكل غرم الْكِرَاء وَهَذَا مَا لم يكن مثله لَا يكْرِي الدَّوَابّ لشرف قدره وعلو منصبه وإلاَّ فَالْقَوْل للْمُسْتَعِير قَالَه ابْن الْقَاسِم وَهُوَ معنى قَوْله: مَا لَمْ يَكُن ذَلِكَ لَا يَليقُ بهِ فَقَلْبُ القَسَم التّحَقيقُ (مَا لم يكن ذَلِك لَا يَلِيق بِهِ) أَي بِالَّذِي ادّعى الْكِرَاء (فَقلب الْقسم) على الْمُسْتَعِير هُوَ (التَّحْقِيق) فَيحلف وَلَا كِرَاء عَلَيْهِ، فَإِن نكل حلف الْمُعير وَأخذ كراءه فَإِن نكل أَيْضا فَلَا شَيْء لَهُ (خَ) وَإِن ادَّعَاهَا الْآخِذ وَالْمَالِك الْكِرَاء فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِين إِلَّا أَن يأنف مثله عَنهُ الخ. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من كَون القَوْل لِرَبِّهَا وَلُزُوم الْكِرَاء ظَاهر إِذا كَانَ الشَّيْء قَائِما أَو قَامَت على هَلَاكه بَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم بَيِّنَة بِأَنَّهُ تلف بتفريط مِمَّن كَانَ بِيَدِهِ، وَأما إِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم بَيِّنَة بتلفه فَمُقْتَضى كَون القَوْل لرَبه حَيْثُ كَانَ مثله لَا يأنف من ذَلِك أَنه يجب الْكِرَاء وَيسْقط الضَّمَان لِأَن الْكِرَاء لَا ضَمَان فِيهِ وَلَو فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مر، وَالْغَالِب حِينَئِذٍ أَن رَبهَا إِنَّمَا يَدعِي الْكِرَاء فِي هَذِه الصُّورَة إِذا كَانَ أَكثر من قيمَة ذَلِك الشَّيْء، فَإِن تَسَاويا فَالْمَال وَاحِد وَيظْهر أَنه لَا يَمِين على الْمَالِك إِذْ ذَاك لِأَنَّهُ قَادر على أَخذ ذَلِك بِإِقْرَار منازعه وَإِن كَانَ الْكِرَاء أقل فَلَا يَدعِيهِ غَالِبا وعَلى تَقْدِير ادعائه ذَلِك فَعدم الْحلف أَحْرَى من صُورَة الْمُسَاوَاة قَالَه الشَّيْخ الرهوني. الثَّانِي: عكس هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَن يَدعِي رَبهَا الْعَارِية وَيَدعِي الآخر الْكِرَاء لِئَلَّا يضمن قد تقدم حكمه فِي فصل أَحْكَام الْكِرَاء عَن ابْن سَلمُون وَصَاحب المعيار. الثَّالِث: سُئِلَ ابْن الْقطَّان عَمَّن ذهب إِلَى صهره يستعير مِنْهُ حمارة فَلم يجده وَوجد الحمارة فَأَخذهَا ثمَّ ردهَا وَهِي مَرِيضَة فعطبت فِي دَار صَاحبهَا، فَلَمَّا قدم صَاحبهَا أنكر مَرضهَا وَذهب إِلَى إغرام دَابَّته بعد أَن سكت مُدَّة من ثَلَاثَة أَعْوَام لم يطْلبهَا إِلَّا بعد خصام وَقع بَينهمَا. فَأجَاب بِأَن لَهُ طلب حَقه وَيضمن أَخذ الدَّابَّة قيمَة الدَّابَّة اه. نَقله ابْن سَلمُون. قلت: مَا لِابْنِ الْقطَّان ظَاهر إِذا لم تكن هُنَاكَ عَادَة بالإعارة وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهر أَيْضا حَيْثُ لم يطْلبهَا إِلَّا لخصام وَقع بَينهمَا فقد قَالَ القوري فِي الْأَقَارِب والأصهار وَمن فِي معناهم: يَأْخُذ أحدهم مَتَاع الآخر من غير مشورته وَلَا إِذْنه، وَذَلِكَ على عَادَتهم وسيرتهم إِلَى أَن هلك بعض الْمَأْخُوذ من الْمُسْتَعِير لَا ضَمَان على الْمُسْتَعِير حَيْثُ ثبتَتْ عَادَتهم بذلك وَكَانَت مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَهَلَكت لغير تَضْييع وَلَا تَفْرِيط. قَالَ: وَقد نَص اللَّخْمِيّ على أَن كل مَا لَا يطْلب إِلَّا عِنْد المشاجرة والمخاصمة لَا يحكم بِهِ لطالبه اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج فِيمَن غارت عَلَيْهِم خيل الْعَدو، وعادتهم أَن من
وجد فرسا رَكبه فَأخذ الْعَدو الْفرس غَلَبَة وقهراً عَلَيْهِ أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. بِاخْتِصَار. الرَّابِع: لَا يجوز الصُّلْح على شَيْء قد فَاتَ حَتَّى تعرف قِيمَته وَيكون الصُّلْح بمعجل لَا بمؤجل لِئَلَّا يكون دينا بدين، وَقد تقدم ذَلِك فِي الصُّلْح ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى بعض أَحْكَام الْوَدِيعَة فَقَالَ:
(فصل فِي الْوَدِيعَة)
وَهِي بِالْمَعْنَى المصدري كَمَا قَالَ (خَ) : تَوْكِيل على مُجَرّد حفظ مَال فَخرج بِهِ إِيدَاع الْأَب وَلَده لمن يحفظه لانْتِفَاء لَوَازِم الْوَدِيعَة من الضَّمَان وَنَحْوه، وَخرج أَيْضا الْأمة المتواضعة لِأَن الْقَصْد إِخْبَار الْأمين بحيضتها وَعَدَمه لَا حفظهَا، وَخرج بقوله مُجَرّد حفظ الخ. الْإِجَارَة على حراسة المَال ويشمل قَوْله مَال الرباع وَنَحْوهَا، وإذكار الْحُقُوق لِأَنَّهَا منضمة لِلْمَالِ وَتحفظ لأَجله وبالمعنى الاسمي مَال نقل لمُجَرّد حفظه. وَيضْمَنُ المُودَعُ معْ ظُهُورِ مخَايلِ التَّضييع والتّقصيرِ (وَيضمن الْمُودع) بِفَتْح الدَّال الرشيد مَا تلف من الْوَدِيعَة (مَعَ ظُهُور مخايل) أَي دَلَائِل (التضييع) مِنْهُ كلبس الثَّوْب الْمُودع وركوب الدَّابَّة المودعة فهلكا وَقت الِانْتِفَاع بهما (وَالتَّقْصِير) فِي الْحِفْظ كَعَدم تفقد الثَّوْب الْمُودع حَتَّى تسوس كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الْعَارِية: وَحلف فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه الخ. قَائِلا يُؤْخَذ من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه يجب عَلَيْهِ تفقد الْعَارِية، وَكَذَا يجب عَلَيْهِ تفقد الرَّهْن وَالشَّيْء الْمُودع الخ. وَمن ذَلِك من أودع مائَة مِثْقَال مثلا فَجَعلهَا فِي دَاره على سَرِيره أَو فِي كوَّة وَلَو غير نَافِذَة وسرقت، فَإِنَّهُ يضمنهَا لِأَنَّهُ مضيع ومفرط بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل بَيته وتقطع يَد السَّارِق إِذا سَرَقهَا لِأَن الْمُودع عِنْده لَيْسَ بمضيع لَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيّ قَالَه السوداني (خَ) : وَضمن بِسُقُوط شَيْء من يَد الْمُودع عَلَيْهَا وَضمن أَيْضا بانتفاعه بهَا فَهَلَكت وبخلطها حَيْثُ تعذر تمييزها وبنسيانها فِي مَوضِع إيداعها وبدخوله الْحمام بهَا وبخروجه بهَا يَظُنهَا لَهُ فَتلفت، لَا إِن نَسِيَهَا فِي كمه فَوَقَعت أَي سَقَطت أَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَلَا ضَمَان فِيهِ للسَّفيهِ وَلا الصَّغِير معْ ضَياعٍ فِيهِ (وَلَا ضَمَان فِيهِ)
أَي فِي الشَّيْء الْمُودع والمعار (للسفيه) أَي عَلَيْهِ فالللام بِمَعْنى (على) كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7)(وَلَا) على. (الصَّغِير) ، الْمُمَيز وَأَحْرَى غَيره (مَعَ ضيَاع فِيهِ) أَي فِي الشَّيْء الْمُودع وَشَمل كَلَامه مَا إِذا قَامَت بَيِّنَة على تضييعهما أَو تقصيرهما أَو تعمدهما للإتلاف، وَمُجَرَّد الدَّعْوَى من وليهما بذلك فَالْكل لَا ضَمَان فِيهِ لِأَن رَبهَا سلطه عَلَيْهَا وَلَو ضمن لبطلت فَائِدَة الْحجر، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يصون بِهِ مَاله فَيضمن فِي المَال الَّذِي صونه أَي حفظه خَاصَّة، فَإِذا بَاعَ الْوَدِيعَة مثلا وَصرف بعض ثمنهَا فِي نَفَقَته الَّتِي لَا غنى عَنْهَا وَتلف الْبَعْض الآخر أَو أكل بَعْضهَا وَتلف الْبَعْض الآخر فَلَا يضمن إِلَّا الْقدر الَّذِي صرفه فِي نَفَقَته الَّتِي لَا غنى لَهُ عَنْهَا دون الَّذِي تلف أَو الَّتِي لَهُ غنى عَنْهَا وَيضمن فِي المَال الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَقت الْإِنْفَاق فَقَط، فَإِن تلف مَا كَانَ بِيَدِهِ وقتئذ أَو لم يَفِ بِمَا أنفقهُ وَأفَاد غَيره لم يضمن فِيهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره. وَحَاصِله أَن يضمن الْأَقَل مِمَّا بِيَدِهِ أَو أنفقهُ فَإِذا كَانَ المَال الَّذِي بِيَدِهِ يُسَاوِي عشرَة الْوَدِيعَة عشرُون وَقد أنفقها لم يضمن إِلَّا عشرَة، وَكَذَلِكَ الْعَكْس وَهُوَ مَحْمُول على أَنه أنفقهُ فِيمَا لَهُ غنى عَنهُ حَتَّى يثبت أَنه أنفقهُ فِيمَا لَا غنى عَنهُ فَيضمنهُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَه ابْن رشد. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضا أول بَاب الرشد، وَمَفْهُوم الْإِيدَاع أَن الْمَحْجُور صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا إِذْ أتلف مَا لم يودع عِنْده وَلَا أَمن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يضمنهُ وَيتبع بِهِ فِي ذمَّته إِن لم يكن لَهُ مَال وَقت الْإِتْلَاف قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة. وَمن أودعته وَدِيعَة فاستهلكها ابْنه فَذَلِك فِي مَال الابْن فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي ذمَّته اه. وَهُوَ مَنْطُوق قَول (خَ) وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ، وَمَفْهُومه هُوَ مَا صرح بِهِ فِي الْوَدِيعَة حَيْثُ قَالَ: وَإِن أودع صَبيا أَو سَفِيها أَو أقْرض أَو بَاعَ فأتلف لم يضمن الخ. وَهُوَ مَا للناظم هُنَا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم أَيْضا فِي الْحجر بِهِ وَكلما أتْلفه الْمَحْجُور فغرمه من مَاله الْمَشْهُور الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أودع الْمَحْجُور وَدِيعَة عِنْد رشيد فَتلفت فَإِن الرشيد يضمنهَا وَلَو تلفت بِغَيْر سَببه وَلَو لم يعلم الرشيد بحجره قَالَه الرزقاني وَهُوَ ظَاهر لتعديه بقبضها ونقلها بِغَيْر إِذن مُعْتَبر، بل ذكر الْمواق عَن الْبُرْزُليّ عِنْد قَول (خَ) : وَإِن أودع صَبيا الخ. أَن أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد أفتى بِضَمَان رجل أعطَاهُ صبي مَالا ثمَّ رده عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رد لمن يجوز لَهُ أَن يعطاه اه. وَأما الْمَحْجُور إِذا أَمن مَحْجُورا أَو عَامله فأتلف الثّمن فَإِن الضَّمَان على الْمُتْلف بِكَسْر اللَّام قَالَه ابْن رحال عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: ولولي صَغِير فسخ عقده الخ. الثَّانِي: من أدّى عَن مَحْجُوره مَا لزمَه من مَتَاع كَسره أَو أفْسدهُ أَو اختلسه فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِهِ فِي مَاله وَيتبع بِهِ فِي ذمَّته لم يكن لَهُ مَال، وَهَذَا إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قد أَمن عَلَيْهِ لم يتبع بِهِ فِي ذمَّته، وَإِنَّمَا يرجع عَلَيْهِ فِي المَال الَّذِي بِيَدِهِ إِن كَانَ صون بِهِ مَاله لَا فِيمَا أَفَادَ بعد ذَلِك. وَالتَّجْرُ بالمودَعِ مِنْ أَعْمَلَهُ يَضْمَنُه وَالرِّبْحُ كلُّه لهُ (والتجر بالمودع) مُبْتَدأ (من) مُبْتَدأ ثَان (أعمله) صلته وَالضَّمِير للتجر (يضمنهُ) أَي الْمُودع
بِالْفَتْح وَلَو تلف بِغَيْر سَببه لِأَن التَّجر بِهِ يتَضَمَّن سلفه وَضَمان السّلف من المتسلف (وَالرِّبْح) الْحَاصِل بِسَبَب التِّجَارَة (كُله لَهُ) أَي للْمُودع بِالْفَتْح لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَإِنَّمَا يطيب لَهُ الرِّبْح إِذا رد رَأس المَال كَمَا هُوَ وَإِلَّا فَلَا يحل لَهُ مِنْهُ قَلِيل وَلَا كثير قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين، وَظَاهر النّظم أَن الرِّبْح كُله لَهُ كَانَت الْوَدِيعَة عينا أَو مثلِيا أَو مُقَومًا وَهُوَ كَذَلِك غير أَنه إِذا كَانَت مُقَومًا أَو كَانَ الْمُودع بِالْفَتْح معدماً حرمت التِّجَارَة ابْتِدَاء، وَإِن كَانَت عينا أَو مثلِيا كرهت ابْتِدَاء أَيْضا (خَ) : وَحرم أَي على الْمُودع سلف مقوم ومعدم وَكره النَّقْد والمثلى كالتجارة وَالرِّبْح لَهُ وبرىء إِن رد غير الْمحرم الخ. أَي إِذا تسلف الْوَدِيعَة ليتجر بهَا وَنَحْو ذَلِك. وَادّعى رد مثلهَا لمحله فَإِن كَانَ لَا يحرم تسلفها كالنقد والمثلى فَإِنَّهُ يصدق فِي رده وَفِي تلفه بعده، وَإِن كَانَ يحرم تسلفها كالعرض فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي رده وَلَا فِي تلفه بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: الْوَصِيّ وَالْغَاصِب كَالْمُودعِ فِي كَون الرِّبْح لَهما إِذا اتجرا بِالْمَالِ لأنفسهما بِخِلَاف الْمُقَارض والمبضع مَعَه فَلَيْسَ لَهما أَن يتجرا لأنفسهما، فَإِن فعلا فالتلف والخسر عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح لرب المَال، وَكَذَا الْوَكِيل. وَتقدم آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين مَا إِذا قَالَ الْوَكِيل: اشْتَرَيْته لنَفْسي، وَقَالَ الْمُوكل: بل لي فَانْظُرْهُ هُنَاكَ قَالَ فِي الْمنْهَج: وَالرِّبْح تَابع لِلْمَالِ مَا عدا غصبا وَدِيعَة وتفليساً بدا وَمرَاده الْمُفلس يُوقف مَاله فيتجر فِيهِ فَالرِّبْح لَهُ لَا للْغُرَمَاء، وَهَذَا على القَوْل بِأَن ضَمَانه إِذا تلف مِنْهُم لَا من الْمُفلس، وَأما على أَن الضَّمَان من الْمُفلس فَذَلِك بَاقٍ على قَاعِدَة اتِّبَاع الرِّبْح لِلْمَالِ، وَالْمَشْهُور أَن ضَمَان الْعين مِنْهُم وَضَمان الْعرض مِنْهُ وَعَلِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِك بِالنِّسْبَةِ للْمُفلس فِي ربح الْعين فَقَط. الثَّانِي: كَون الرِّبْح للْمُودع وَمن فِي مَعْنَاهُ وَاضح إِن كَانَت الْوَدِيعَة دَنَانِير أَو دَرَاهِم وَإِن كَانَت عرضا فربها مُخَيّر فِي الثّمن أَو الْقيمَة يَوْم التَّعَدِّي فَإِن اخْتَار الْقيمَة فَلَا كَلَام، وَإِن اخْتَار الثّمن فَإِن كَانَت فِيهَا زِيَادَة قبل البيع فَهِيَ للْمُودع بِالْكَسْرِ وَمَا حدث بعد البيع فللمودع بِالْفَتْح كَأَن يكون الْعرض بِعشْرَة فَبَاعَهُ بِعشْرين وَاشْترى بِهِ سلْعَة بَاعهَا بِثَلَاثِينَ فَالرِّبْح فِي الْبيعَة الأولى وَهُوَ عشرَة لِرَبِّهَا، وَفِي الثَّانِيَة وَهُوَ عشرَة للْمُودع بِالْفَتْح، وَأما إِذا كَانَ يَبِيع الْعرض بِالْعرضِ وهلم جرّا فَلَا ربح لَهُ وَله الْأُجْرَة قَالَه الزّرْقَانِيّ. وَمحل التَّخْيِير فِي الثّمن وَالْقيمَة إِذا مَاتَ، وَأما إِن كَانَ قَائِما فَيُخَير بَين الْإِجَارَة وَأخذ الثّمن أَو رد البيع وَأخذ عرضه. وَالقَوْلُ قَولُ مُدَّعِ فِيمَا تَلِفْ وَفي ادَّعَاءِ رَدَّهَا مَعَ الْحَلِفْ (و) إِذا طُولِبَ الْمُودع برد الْوَدِيعَة فَقَالَ تلفت أَو قَالَ رَددتهَا فَفِي الأول (القَوْل قَول مُدع
فِيمَا تلف) مِنْهَا مُطلقًا كلا أَو بَعْضًا قبضهَا بإشهاد أم لَا. لِأَنَّهُ أَمِين وَيحلف إِن حققت عَلَيْهِ الدَّعْوَى كَانَ مِمَّن يتهم أم لَا. فَإِن لم تحقق عَلَيْهِ حلف الْمُتَّهم (و) فِي الثَّانِي القَوْل لَهُ أَيْضا (فِي ادِّعَاء ردهَا) لِرَبِّهَا (بعد الْحلف) مُتَّهمًا كَانَ أم لَا. حقق عَلَيْهِ رَبهَا الدَّعْوَى أَو اتهمه فَقَط فِي عدم الرَّد، فَإِن نكل حلف رَبهَا فِي دَعْوَى الرَّد مُطلقًا، وَفِي دَعْوَى التّلف إِن حقق عَلَيْهِ عَدمه فَإِن اتهمه فَقَط غرم بِمُجَرَّد نُكُوله وَمحل كَون القَوْل لَهُ فِي الرَّد. مَا لمْ يَكُن يَقْبَضُهُ ببَيِّنَه فَلَا غِنَى فِي الرَّدِّ إنْ يُبَيِّنَه (مَا لم يكن) الْمُودع بِالْفَتْح (يقبضهُ) أَي الشَّيْء الْمُودع (ببينه) مَقْصُودَة للتوثق وَتَقَدَّمت حَقِيقَتهَا فِي الْقَرَاض (ف) إِنَّه حِينَئِذٍ (لَا غنى) لَهُ (فِي) دَعْوَى (الرَّد) عَن (أَن يُبينهُ) وَيُقِيم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد بِدُونِهَا إِذا مَا قبض بإشهاد لَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِهِ. تَنْبِيه: من ادعِي عَلَيْهِ بوديعة فجحدها وَأقَام رَبهَا بَيِّنَة بالإيداع فَأَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة بِالرَّدِّ فَهَل تقبل بَيِّنَة الْمُودع أم لَا؟ لِأَنَّهُ كذبهَا بالجحد الأول فِي ذَلِك خلاف جَار على ضمن الْإِقْرَار هَل هُوَ كصريحه أم لَا، وَقد تقدم قَول النَّاظِم: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ الخ. وَبَعْضهمْ يُقيد ذَلِك بِمن كَانَ عَارِفًا بِمَا يَتَرَتَّب على جَحده، فَحِينَئِذٍ لَا تَنْفَعهُ بَيِّنَة الرَّد وإلاَّ نفعته. وَاعْتمد هَذَا التَّقْيِيد (ح) والرهوني وَغَيرهمَا، وَفِيه نظر فَإِن الْمَعْمُول بِهِ هُوَ الْإِطْلَاق كَمَا مر فِي شرح نَص النّظم الْمَذْكُور وَنَحْوه فِي نظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ: وَلَا تصدق جَاحد الْإِيدَاع من أَصله فِي الرَّد والضياع وَنقل عَن سَيِّدي مِصْبَاح وَغَيره أَن كَون مضمن الْإِقْرَار كصريحه هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه الْعَمَل وَالْقَضَاء اه. وَكثير من النَّاس من يحْتَج لصِحَّة التَّقْيِيد الْمَذْكُور بقاعدة من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه فَهُوَ مُصدق الخ. وَهِي قَاعِدَة مبحوث فِيهَا فَإِن صَاحب المعيار لما نقلهَا عَن أبي الْحسن قَالَ منكتاً عَلَيْهِ مَا نَصه؛ قَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَن كل مَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر لَا يعْذر الْجَاهِل فِيهِ بجهله وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فَإِن كَانَ مِمَّا يَسعهُ ترك تعلمه عذر بجهله، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَسعهُ ترك تعلمه لم يعْذر بجهله، فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة يرد إِلَيْهَا مَا شرد مِنْهَا اه. ونظم كَلَامه صَاحب الْمنْهَج، وَلذَا قَالُوا الْجَهْل بِالسَّبَبِ مُؤثر اتِّفَاقًا كتمكين الْمُعتقَة جاهلة بِالْعِتْقِ وَإِسْقَاط الشُّفْعَة قبل علمه بِالْبيعِ وَالْجهل بالحكم غير مُؤثر على الْمَشْهُور كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار، وَإِسْقَاط الشُّفْعَة عَالما بِالْبيعِ جَاهِلا وُجُوبهَا اه. وَمَعَ هَذَا كُله فَلَيْسَ الْكَلَام فِي الْمَشْهُور من الْأَقْوَال، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْمَعْمُول بِهِ مِنْهَا، وكل من حكى الْعَمَل من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين لَا يُقَيِّدهُ بالعارف بِمَا يَتَرَتَّب على حجره كَمَا تقدم، وَلَو حكمت تِلْكَ الْقَاعِدَة وَعمل بمقتضاها وَقُلْنَا يعْذر بِالْجَهْلِ فِي الحكم لم يقف عقد على سَاق، إِذْ النَّاس كلهم أَو جلهم عوام جهال إِلَّا الْفَرد
النَّادِر الَّذِي فِي حكم الْعَدَم، فَيلْزم على ذَلِك أَن من أقرّ بِأَلف من خمر مثلا إِذا قَالَ: جهلت لُزُوم الْإِقْرَار وَأَن لَفْظَة من خمر تعد من التعقيب بالرافع أَنه يصدق لدعواه من يجهله أَبنَاء جنسه، وَيلْزم أَن من بيع عَلَيْهِ مَاله مثلا بِحَضْرَتِهِ وسكوته وَادّعى أَنه جَاهِل بِكَوْن السُّكُوت يعد رضَا أَنه يصدق، وَيلْزم أَن من شهد لَهُ أَبوهُ أَو ابْنه بِحَق فَأقر الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَادّعى أَنه أقرّ اتكالاً على صِحَة الشَّهَادَة أَنه يصدق، وَيلْزم أَيْضا أَن من جهل لُزُوم الطَّلَاق هزلا يصدق، وَأَن الْمُعتقَة إِذا ادَّعَت أَنَّهَا جهلت كَون التَّمْكِين يقطع خِيَارهَا أَنَّهَا تصدق، وَهَكَذَا مِمَّا لَا ينْحَصر فَيُؤَدِّي إِلَى حل عُقُود الْعَوام كلهَا أَو جلها مَعَ تعلق حق الْغَيْر بهَا، وَأي شغب أَكثر من فتح هَذَا الْبَاب وَلِهَذَا قَالَ ابْن رشد مَا قَالَ، وَأطلق الْعَمَل جَمِيع من تقدم من الموثقين فِي مَسْأَلَة التَّكْذِيب للبينة وَلم يفصل بَين جَاهِل وَغَيره وَمَا كَانَ يخفى عَلَيْهِم عذره بِالْجَهْلِ. وَقد رجح ابْن رحال فِي بَاب الْوكَالَة أَن الْإِنْكَار لأصل الْمُعَامَلَة مُضر مُطلقًا فِي الْأُصُول وَغَيرهَا اه. وَانْظُر حاشيتنا على اللامية وَلما ذكر أَن الْمُودع وَالْمُسْتَعِير كل مِنْهُمَا أَمِين لَا ضَمَان على الْمُودع مُطلقًا وَلَا على الْمُسْتَعِير فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مرَّ ناسب أَن يذكر كل من شاركهما فِي الْأَمَانَة كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّرْجَمَة فَقَالَ: وَالأُمنَاءُ فِي الّذِي يَلُونا لَيْسُوا لشيءٍ مِنه يَضْمنُونَا (والأمناء) جمع أَمِين (فِي الَّذِي يلونا) مضارع ولي الْأمين الشَّيْء يَلِيهِ إِذا تولاه بِوَجْه من الْوُجُوه (لَيْسُوا لشَيْء مِنْهُ) أَي من الَّذِي يلون (يضمنونا) وعدهم النَّاظِم سَبْعَة عشر فأولهم ولي الْمَحْجُور. كالأَبِ وَالوصِيِّ وَالدَّلَالِ ومُرْسِلِ صُحْبَتَهُ بالمَال (كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ) ووصيه ومقدم القَاضِي وَالْكَافِر واللقيط فِيمَا التقطه فَإِنَّهُم مصدقون فِيمَا ادعوا تلفه من مَال الْمَحْجُور، وَالَّذِي حازوه بِأَيْدِيهِم كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا صَدَاقا كَانَ أَو غَيره، وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِي شَيْء من ذَلِك (خَ) : وَقَبضه مجبر ووصي وصدقا وَلَو لم تقم بَيِّنَة، وَكَذَا يصدقون أَيْضا فِي قدر النَّفَقَة، وَأما دفع المَال لَهُ بعد بُلُوغه ورشده فَلَا (خَ) : وَالْقَوْل فِي قدر النَّفَقَة لَا فِي دفع مَاله بعد بُلُوغه الخ. وَالْمرَاد بالكافل من حَاز طفْلا بِمَالِه من غير تَقْدِيم عَلَيْهِ لعدم الْوُصُول للْقَاضِي أَو لكَوْنهم بِبَلَد لَا قَاضِي بهَا إِذْ الْقيام بالطفل وَحفظ مَاله حِينَئِذٍ فرض كِفَايَة على أهل الْبَلَد وَيسْقط بِقِيَام بَعضهم بِهِ، وأشعرت الْكَاف أَنهم غير مَحْصُورين فِي السَّبْعَة عشر الَّتِي ذكرهَا فَيدْخل الزَّوْج وَالزَّوْجَة إِذا كَانَ الصَدَاق مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَهُوَ بيد
أَحدهمَا وطلق قبل الْبناء فَإِن ضَمَانه مِنْهُمَا وَلَا يرجع أَحدهمَا على الآخر بِنصفِهِ، فَإِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم على هَلَاكه بَيِّنَة فضمانه من الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ (خَ) : وضمانه أَي الصَدَاق إِن هلك بِبَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ مِنْهُمَا وإلاَّ فَمن الَّذِي فِي يَده، وَتدْخل الْأمة المتواضعة أَيْضا إِذا كَانَت تَحت يَد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ مُصدق فِي ضياعها وضمانها حِينَئِذٍ من بَائِعهَا، وَيدخل أَيْضا من قلب فخاراً أَو زجاجاً بِحَضْرَة ربه فَيسْقط من يَده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا مرّ فِي فصل بيع الْعرُوض حَيْثُ قَالَ: وَمن يقلب مَا يفيت شكله لم يضمن إِلَّا حَيْثُ لم يُؤذن لَهُ وَيدخل الْوَارِث إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ دين أَو وَارِث وَادّعى تلف مَا كَانَ بِيَدِهِ بعد الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يصدق فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ دون غَيره كَمَا مرَّ عَن ابْن رشد عِنْد قَوْله فِي الْقِسْمَة: وَينْقص الْقسم لوَارث ظهر الخ. وَأما قبل الْقِسْمَة فهم مصدقون مُطلقًا وَيدخل أَيْضا الْمُكْتَرِي لما يُغَاب عَلَيْهِ، وَأَحْرَى غَيره كَمَا قدمه فِي قَوْله: ومكتر لذاك لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده سوى أَن ظلما (والدلال) وَيُقَال لَهُ السمسار فَيصدق فِيمَا ادّعى ضيَاعه كَمَا يصدق فِي رده إِلَّا أَن يَأْخُذهُ بِبَيِّنَة فَلَا يصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره. ابْن رحال فِي بَاب الْوكَالَة: وَهَذَا على الْمَشْهُور من عدم ضَمَانه وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل من أَنه يضمن مَا يُغَاب عَلَيْهِ فَلَا يقبل مِنْهُ دَعْوَى الرَّد اه. وَفِي المعيار أَن عياضاً كَانَ يحكم بتضمين السماسرة، وَاسْتَحْسنهُ ابْنه قَالَ: وَلَا سِيمَا فِي وقتنا هَذَا حَيْثُ قلت الْأَمَانَة اه. وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي رِوَايَة الْأُمَّهَات آخر الْعُيُوب وَاسْتَحْسنهُ فضل. ابْن رشد: وَله وَجه من الْقيَاس لأَنهم نصبوا أنفسهم لذَلِك فَصَارَ حِرْفَة وصناعة لَهُم، وَلِهَذَا الْمَعْنى ضمن الْعلمَاء الرَّاعِي الْمُشْتَرك وحارس الْحمام لتنزيلهم منزلَة الصناع. ابْن الْحَاج: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْعَمَل أَن السماسرة كالصناع فيضمنون مَا يُغَاب عَلَيْهِ دون غَيره اه. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ناظم الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: وألحقوا السمسمار بالصناع فضمنوه غَائِب الْمَتَاع وَعَلِيهِ فَهُوَ ضَامِن لما يُغَاب عَلَيْهِ وَلَو ظهر خَيره خلافًا لقَوْل (خَ) : وسمسار ظهر خَيره على الْأَظْهر، بل أفتى ابْن المكوى بضمانهم مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَيْضا، وَاخْتَارَهُ ابْن رحال فِي تأليف لَهُ قَائِلا: لقلَّة أَمَانَة النخاسين. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا ادّعى السمسار بيع السّلْعَة من رجل بِعَيْنِه وَدفعهَا لَهُ فَأنكرهُ الرجل فَقَالَ ابْن رشد: لَا خلاف أَنه يضمن وَلَو كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد إِذْ لَيست هَذِه الْمَسْأَلَة من الْمسَائِل الَّتِي يُرَاعى فِيهَا الْعرف لافتراق مَعَانِيهَا اه. فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن شَهَادَة السمسار عَلَيْهِ بِالْبيعِ لَا تجوز وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر. وَقَوله: وَلَو كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد خَالفه فِي ذَلِك ابْن أبي زيد قَائِلا: لَا ضَمَان إِن كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد. قَالَ ابْن رشد: وَمَا حدث عِنْد نشر السمسار الثَّوْب من تمزيق مِسْمَار وَنَحْوه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِن قَالَ أهل الْمعرفَة: مَا حدث فِيهِ لَا يكون إِلَّا عَن عداء ضمن، وَإِن قَالُوا أَنه مُحْتَمل فَهَل يحمل على العداء أَو على عَدمه؟ فِي ذَلِك خلاف وَالصَّوَاب حمله على العداء اه.
الثَّانِي: إِذا أرسل شخص سمساراً ليَأْتِيه بِثَوْب يَشْتَرِيهِ مثلا فَأَخذه من ربه وَتلف فِي يَده فضمانه من الدَّافِع، وَقيل من الْمُرْسل بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أَمِين لَهما جَمِيعًا فَاخْتلف أَي الأمانتين تغلب وَالْأَظْهَر تَغْلِيب أَمَانَة الْمُرْسل لِأَنَّهَا سَابِقَة اه. وَعَن الْقَابِسِيّ فِيمَن بعث الرجل يطْلب لَهُ ثيابًا فيضيع مِنْهَا ثوب أَن ضَمَانه من الْآمِر إِن اعْترف بإرساله أَو ثَبت عَلَيْهِ وَيحلف السمسار أَنه مَا فرط وَهَذَا دَاخل فِي قَوْله:(ومرسل) بِفَتْح السِّين سمساراً كَانَ أَو غَيره (صحبته) كائنة (بِالْمَالِ) ليَشْتَرِي بِهِ ثوبا لَك مثلا أَو يوصله لشخص فَادّعى تلفه قبل الشِّرَاء أَو بعده، وَكَذَا إِن ادّعى تلفه قبل وُصُوله للمرسل إِلَيْهِ فَإِن ادّعى أَنه دَفعه للمرسل إِلَيْهِ وَتلف وَصدقه الْمُرْسل إِلَيْهِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن كذبه فَهُوَ ضَامِن (خَ) فِي الْوَدِيعَة عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو الْمُرْسل إِلَيْهِ الْمُنكر الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن بعثت مَعَه بِمَال إِلَى رجل صَدَقَة أَو صلَة أَو سلفا أَو ثمن مَبِيع أَو يبْتَاع لَك بِهِ سلْعَة فَقَالَ: قد دَفعته إِلَيْهِ وَكذبه الرجل لم يبرأ الرَّسُول إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن صدقه برىء، وَكَذَلِكَ إِن أَمرته بِصَدقَة على قوم مُعينين إِن صدقه بَعضهم أَو كذبه بَعضهم ضمن حِصَّة من كذبه، وَلَو أَمرته بِصَدقَة على قوم غير مُعينين صدق مَعَ يَمِينه وَإِن لم يَأْتِ بِبَيِّنَة اه. وَعَامِلِ القِرَاض وَالموَكِّلِ وصَانِعٍ لم يَنْتَصِبْ لِلْعَملِ (وعامل الْقَرَاض) مُصدق فِي التّلف والخسر وَالرَّدّ إِن قبض بِلَا بَيِّنَة كَمَا مر فِي بَابه (وَالْمُوكل) مفوضاً أم لَا إِلَّا أَن غير الْمُفَوض إِذا وكل على قبض دين وَنَحْوه وَادّعى تلفه بعد قَبضه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا يبرأ الْمَدِين مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِدَفْعِهِ للْوَكِيل (خَ) : وَلَو قَالَ غير الْمُفَوض قبضت وَتلف برىء وَلم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة الخ. وَكَذَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا ضَاعَ الثّمن مِنْهُ قبل دَفعه للْبَائِع وَلزِمَ الْمُوكل غرمه (خَ) : وَلَزِمَه غرم الثّمن إِلَى أَن يصل لرَبه أَي البَائِع، وَكَذَا يصدق فِي دفع مَا قَبضه من دين وَنَحْوه لمُوكلِه (خَ) : وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ فَلَا يُؤَخر للإشهاد، وَأما إِذا وَكله على دفع الثّمن للْبَائِع وَنَحْوه فَادّعى أَنه دَفعه إِلَيْهِ وَأنْكرهُ البَائِع فَإِنَّهُ ضَامِن وَلَا يصدق (خَ) : وَضمن ان أَقبض الدّين وَلم يشْهد (وصانع) كخياط وصباغ (لم ينْتَصب للْعَمَل)
للنَّاس وَإِنَّمَا شَأْنه أَن يصْبغ أَو يخيط لنَفسِهِ فَقَط فواجره بعض النَّاس على خياطَة ثوب أَو صبغه وَادّعى ضيَاعه فَإِنَّهُ يصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَمثله الصَّانِع الْخَاص بِرَجُل أَو جمَاعَة وَلَو كَثُرُوا فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ أَيْضا، وَمَفْهُوم لم ينْتَصب الخ. أَنه إِذا نصب نَفسه لجَمِيع النَّاس وَمن تِلْكَ الصَّنْعَة معاشه، سَوَاء كَانَ يصنع بداره أَو بحانوته وكل من أَتَاهُ بِثَوْب خاطه أَو صبغه مثلا فَإِنَّهُ ضَامِن وَلَو قَبضه بِغَيْر أجر إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على تلفه بِغَيْر سَببه أَو صنعه بِحَضْرَة ربه أَو بمنزل ربه فَضَاعَ أَو سرق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ فِي عَمَلِهْ بِحَضْرَةِ الطَّالِب أَو بمنزِلِه (وَذُو انتصاب) للصنعة (مثله) أَي مثل غير المنتصب فِي التَّصْدِيق وَعدم الضَّمَان حَيْثُ سرع (فِي عمله) بحانوته أَو دَاره (بِحَضْرَة الطَّالِب) أَي ربه وَاسْتمرّ مَعَه وَلم يغب عَنهُ إِلَى أَن تلف الْمَصْنُوع بِغَيْر سَببه (أَو) غَابَ الصَّانِع على الْمَصْنُوع وَلَكِن كَانَ يعمله (بمنزله) أَي منزل الطَّالِب الَّذِي هُوَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ أَيْضا، وَإِن كَانَ منتصباً للصنعة لِأَنَّهُ لما ضَاعَ بِحَضْرَة ربه أَو فِي منزله انْتَفَت عَنهُ التُّهْمَة. تَنْبِيه: ضَمَان المنتصب إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَصْنُوع لَا فِيمَا لَا صَنْعَة لَهُ فِيهِ كالكتاب الَّذِي ينْسَخ لَهُ مِنْهُ، وظرف الْقَمْح عِنْد الطَّحَّان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الظّرْف وَالْكتاب الْمَنْسُوخ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَيْضا إِذا لم يكن فِي الصَّنْعَة تغرير، فَإِن كَانَ فِيهِ تغرير مثل نقش فص وثقب لُؤْلُؤ وتقويم سيف وَحرق خبز بفرن وَحرق ثوب بِقدر صباغ فَلَا ضَمَان إِلَّا أَن يَأْخُذ الصَّنْعَة من غير وَجههَا لعدم مَعْرفَته بهَا أَو يعرفهَا، وَلَكِن تعدى فَأَخذهَا على غير وَجههَا فَيضمن حِينَئِذٍ، وَمثل ذَلِك البيطار يطْرَح الدَّابَّة فتموت، أَو الخاتن يختن الصَّبِي فَيَمُوت، أَو الطَّبِيب يسْقِي الْمَرِيض فَيَمُوت أَو يكويه فَيَمُوت من كيه أَو يقطع مِنْهُ شَيْئا فَيَمُوت من قطعه، أَو الْحجام يقْلع ضرس الرجل فَيَمُوت فَلَا ضَمَان على وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِي مَاله وَلَا فِي عَاقِلَته لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ تغرير مَا لم يَأْخُذ الصَّنْعَة على غير وَجههَا قَالَه ابْن رشد. والمستعيرُ مِثْلُهم والمرتهِنْ فِي غَيْر قابِلِ الْمَغيبِ فاستبِنْ (وَالْمُسْتَعِير مثلهم) أَي الْأُمَنَاء فَهُوَ مُصدق فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مر (وَالْمُرْتَهن) كَذَلِك أَيْضا هُوَ مُصدق (فِي غير قَابل المغيب) كالحيوان وَالْعَقار، وَفهم مِنْهُ أَن قَابل الْغَيْبَة لَا يصدق فِيهِ الْمُسْتَعِير وَلَا الْمُرْتَهن وَهُوَ كَذَلِك (فاستبن) تتميم. وَمُودَعٌ لدَيْهِ وَالأَجِيرُ فِيمَا عليهِ الأَجْرُ والمأْمُورُ (ومودع لَدَيْهِ) أَي عِنْده هُوَ مُصدق أَيْضا فِي التّلف مُطلقًا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. قَبضه بإشهاد أم لَا. وَيحلف إِن حققت عَلَيْهِ الدَّعْوَى مُطلقًا فَإِن لم تحقق حلف الْمُتَّهم كَمَا مر (خَ) وَحلف الْمُتَّهم وَلم يفده شَرط نَفيهَا الخ. وَكَذَا يصدق فِي الرَّد إِن قَبضه بِغَيْر إِشْهَاد كَمَا مرّ
(والأجير) على غسل ثوب أَو سقِِي دَابَّة وَنَحْوهمَا هُوَ أَمِين مُصدق (فِي) ضيَاع (مَا) أَخذ (عَلَيْهِ الْأجر) حَيْثُ لم يكن مَنْصُوبًا لذَلِك، وَيدخل فِيهِ أجِير الصَّانِع وصائغه اللَّذَان تَحت يَده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا، فالصانع يضمن بِشُرُوط وَهِي أَن نصب نَفسه وَغَابَ عَلَيْهِ وَلم يكن فِي الصَّنْعَة تغرير الخ. وأجيره وصانعه لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا صانعان لخاص (خَ) عاطفاً على مَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وأجير لصانع الخ. لَكِن قَالَ أَشهب: مَحل عدم ضمانهما إِذا لم يغيبا فَقَالَ فِي الغسال تكْثر عَلَيْهِ الثِّيَاب فيؤاجر أجراء يَبْعَثهُم إِلَى الْبَحْر بالثياب يغسلونها فتتلف أَنهم ضامنون، وَكَذَلِكَ أجراء الْخياط يَنْصَرِفُونَ بالثياب إِلَى بُيُوتهم فتتلف أَنهم ضامنون. ابْن ميسر: وَهَذَا إِذا واجره على عمل أَثوَاب مقاطعة أَي كل ثوب بِكَذَا، ابْن يُونُس: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كصانع دفع إِلَى صانع مَا اسْتعْمل عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَ واجره يَوْمًا أَو شهرا فَدفع إِلَيْهِ شَيْئا يعمله فِي دَاره وَغَابَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَكَلَام ابْن ميسر تَفْسِير لكَلَام أَشهب، كَمَا أَن قَول أَشهب تَقْيِيد للْمُدَوّنَة كَمَا يفهم من كَلَام ابْن يُونُس وَابْن عَرَفَة وَغَيرهمَا. (والمأمور) بالإتيان لحَاجَة أَو ردهَا أَو وَضعهَا فِي مَحل كَذَا بِغَيْر أجر فيدعي تلفهَا فَهُوَ مُصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ بِأَجْر فَهُوَ مَا قبله على أَن الْمَأْمُور هُوَ الْوَكِيل. وَمثْلُهُ الرَّاعِي كَذَا ذُو الشّرِكَه فِي حالةِ البضَاعَةِ المشترَكَه (وَمثله) فِي التَّصْدِيق وَعدم الضَّمَان (الرَّاعِي) غير الْمُشْتَرك وَهُوَ الرَّاعِي الْخَاص بِوَاحِد أَو جمَاعَة فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه بِغَيْر تعد وَلَا تَفْرِيط، وَهُوَ مَحْمُول على عدم العداء والتفريط (خَ) : وَهُوَ أَمِين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو شَرط إثْبَاته إِن لم يَأْتِ بسيمة الْمَيِّت الخ. وَهَذَا فِي الرَّاعِي الْمُكَلف الرشيد لَا غير الرشيد، فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو تعمد إِتْلَاف الْمَاشِيَة كَمَا مرَّ فِي قَوْله: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ. وراعي الدولة بالنوبة كَالرَّاعِي الْخَاص لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه وَإِن كَانَ مَحْجُورا واسترعاه أَرْبَاب الْمَاشِيَة فِي نوبَته أَو نَائِبا عَن غَيره عَالمين بِهِ أَو عَادَتهم ذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو تعمد الْإِتْلَاف كَمَا مر. وَأما الرَّاعِي الْمُشْتَرك وَهُوَ الَّذِي ينصب
نَفسه لرعي كل من يَأْتِيهِ بِدَابَّة أَو بقرة أَو شَاة فَإِنَّهُ ضَامِن لما ادّعى تلفه قَالَ فِي العمليات: ضَمَان راعي غنم النَّاس رعى ألحقهُ بالصانع فِي الْغرم تعى وَإِذا ألحق بالصانع على الْمَعْمُول بِهِ فَلَا يصدق فِي الرَّد كَمَا مر عَن الْمُقدمَات، وَأَن كل من لَا يصدق فِي التّلف لَا يصدق فِي دَعْوَى الرَّد، وَبِه أفتى (ت) وَغَيره وَهُوَ ظَاهر. وَإِن كَانَ كالصانع أَيْضا فَلَا ضَمَان على أجيره الَّذِي يَجعله تَحت يَده لِأَنَّهُ أجِير لخاص كَمَا مرَّ فَلم ينصب نَفسه لرعي كل دَابَّة يُؤْتى إِلَيْهِ بهَا مثلا (كَذَا ذُو الشّركَة) كل مِنْهُمَا مُصدق فِي التّلف والخسر وَغَيرهمَا (فِي حَالَة البضاعة الْمُشْتَركَة) لِأَن كلا من الشَّرِيكَيْنِ وَكيل عَن صَاحبه (خَ) وكل وَكيل عَن الآخر الخ. فَيجْرِي فيهمَا مَا تقدم فِي الْوَكِيل كَانَت شركَة مُفَاوَضَة أَو عنان وأيديهما تجول فِي الْمَالَيْنِ. وَحامِلٌ للثَّقْلِ بالإطْلَاقِ وَضَمِنَ الطعامَ باتّفَاقِ (و) وَكَذَا (حَامِل للثقل) فَإِنَّهُ مُصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ (بِالْإِطْلَاقِ) حمل على ظَهره أَو دَابَّته أَو سفينته كَانَ الْمَحْمُول مُقَومًا أَو مثلِيا غير طَعَام كقطن وحناء وَنَحْوهَا مَا لم يفرط أَو يقر بِفعل كعلمه بِضعْف الْحَبل، وَمَعَ ذَلِك ربط بِهِ حمل الدَّابَّة فَانْقَطع أَو انحل فَسقط الْمَحْمُول فَتلف فَإِنَّهُ يضمن الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم بِموضع التّلف، وَله من الْكِرَاء بِحَسب مَا سَار لِأَن الْغرَر بِالْفِعْلِ تَفْرِيط (خَ) عاطفاً على مَا لَا ضَمَان فِيهِ أَو انْقَطع الْحَبل وَلم يغر بِفعل الخ. وَإِنَّمَا يضمن مَعَ الْغرُور إِذا هلك الْمَتَاع من نَاحيَة الْغرُور لَا إِن غر وَسلم من نَاحيَة الْغرُور وَأَخذه اللُّصُوص أَو سرق مثلا فَلَا ضَمَان. وَمن الْغرُور بِالْفِعْلِ من دفع قمحه إِلَى رجل ليطحنه فطحنه بأثر نقش الرَّحَى فأفسده بِالْحِجَارَةِ فَلم يضمن لَهُ مثل قمحه كَمَا فِي الْمُنْتَخب، وَمَفْهُوم بِفعل أَنه إِذا غر بالْقَوْل كَقَوْلِه لرب الْمَتَاع الْحَبل صَحِيح مَعَ علمه بضعفه فَتَوَلّى رب الْمَتَاع الرَّبْط بِهِ فَهُوَ غرور بالْقَوْل، وَكَذَا إِن أسلم الدَّابَّة لمن يحمل عَلَيْهَا وَهُوَ عَالم بعثارها فَحمل عَلَيْهَا فَهُوَ من الْغرُور بالْقَوْل أَيْضا، وَكَمن سَأَلَ خياطاً قِيَاس ثوب فَقَالَ: يَكْفِيك وَهُوَ يعلم أَنه لَا يَكْفِيهِ أَو قلب دَرَاهِم عِنْد صيرفي فَقَالَ: إِنَّهَا جِيَاد وَهُوَ يعلم أَنَّهَا رَدِيئَة، وكبيعه خابية عَالما بِكَسْرِهَا وَهُوَ يعلم أَن المُشْتَرِي يعْمل فِيهَا زيتاً فَجعله المُشْتَرِي فِيهَا فَتلف فَلَا ضَمَان، كَمَا لَو دلّس فِي بيع عبد بِسَرِقَة فَسرق من المُشْتَرِي شَيْئا، وَالْمَشْهُور فِي الْغرُور بالْقَوْل عدم الضَّمَان مَا لم يَنْضَم إِلَيْهِ عقد كَمَا لَو أكرى خابية عَالما بِكَسْرِهَا لمن يعْمل فِيهَا زيتاً فَإِنَّهُ يضمنهُ. وَالْفرق بَين البيع والكراء أَن الْمَنَافِع فِي ضَمَان الْمكْرِي حَتَّى يستوفيها الْمُكْتَرِي بِخِلَاف البيع. انْظُر شرح الشَّامِل آخر الْإِجَارَة ثمَّ اخْرُج النَّاظِم الطَّعَام من الْإِطْلَاق الْمُتَقَدّم فَقَالَ:(وَضمن الطَّعَام بِاتِّفَاق) وَإِن لم يفرط وَلَا تعدى على دَعْوَاهُ، وَبِه قَالَ الْفُقَهَاء السَّبْعَة لسرعة الْأَيْدِي إِلَيْهِ كَانَ الطَّعَام من الأقوات كالقمح وَالشعِير والأدام أَو من الْفَوَاكِه كالترمس وَنَحْوه، وَهُوَ ظَاهر، وَأَنه لَا فرق بَين أَن يَدعِي ضيَاعه بعثار دَابَّة أَو سَرقَة أَو بِغَصب أَو بسماوي من الله تَعَالَى وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بذلك من غير تَفْرِيط أَو ضَاعَ بِصُحْبَة ربه لِأَن ضيَاعه بِحَضْرَة ربه أقوى من قيام الْبَيِّنَة على ضيَاعه لما ذكر. وَاخْتلف إِن حمله فِي بَحر وربه مَعَه.
اللَّخْمِيّ: وَالضَّمان أحسن وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس عَن القبايسي لأَنهم يخونونه بِاللَّيْلِ، وَتَحْصِيل مَا يضمنهُ الحمالون أم لَا كَمَا فِي ابْن يُونُس على خَمْسَة أوجه. الأول: هلك بِسَبَب حامله من عثار أَو ضعف حَبل وَلم يغر أَو بهروب دَابَّة أَو سفينة بِمَا عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَة، وَلَا يَأْتِي بِمثلِهِ ليحمله وَرجع بالكراء إِن دَفعه لِأَنَّهُ على الْبَلَاغ. وَالثَّانِي: مَا هلك بِسَبَب غرور حامله من عثار أَو ضعف حَبل فَهَلَك، فَإِنَّهُ يضمن قيمَة ذَلِك الْعرض بِموضع الْهَلَاك وَله من الْكِرَاء بِحِسَابِهِ. وَالثَّالِث: مَا هلك بِأَمْر من الله عز وجل بِالْبَيِّنَةِ من عرض أَو غَيره فللمكري الْكِرَاء بأسره وَعَلِيهِ حمل مثله من مَوضِع هلك فِيهِ. وَالرَّابِع: مَا هلك من الطَّعَام وَلم يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْلهم فَلَا يصدقون فِيهِ ويضمنون مثله بِموضع حملوه إِلَيْهِ وَلَهُم جَمِيع الْكِرَاء. الْخَامِس: مَا هلك بقَوْلهمْ من الْعرُوض وَلم يعلم إِلَّا من قَوْلهم فهم مصدقون فِيهِ وَلَهُم الْكِرَاء بأسره، وَعَلَيْهِم حمل مثله من مَوضِع هلك فِيهِ إِلَى مَوضِع يحملهُ إِلَيْهِ كَالَّذي هلك بِالْبَيِّنَةِ بِأَمْر من الله اه. وَنَقله أَبُو الْحسن والقرافي وَغَيرهمَا مُسلما. قلت: قَوْله: وَعَلَيْهِم حمل مثله الخ. لَعَلَّه إِذا كَانَ ربه يقدر على خِلَافه وإلاَّ فتنفسخ الْإِجَارَة وَله من الْكِرَاء بِحِسَاب مَا سَار كَمَا قَالُوهُ فِيمَن اُسْتُؤْجِرَ على حصاد زرع لَيْسَ لرَبه غَيره فَتلف أَو اُسْتُؤْجِرَ على الْحَرْث فِي يَوْم فانكسر المحراث وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ كَمَا مرَّ فِي الْإِجَارَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم من أَنه يضمن مثل الطَّعَام فِي الْمحل الَّذِي يحملهُ إِلَيْهِ مَحَله إِذا علم كَيْله وَإِلَّا فَيضمن قِيمَته. اللَّخْمِيّ: وَأَنا أرى إِن تحاكما فِي مَوضِع هَلَاكه غرم مثله فِيهِ وَإِن تحاكما فِي مَوضِع وُصُوله غرمة فِيهِ انْظُر بَقِيَّته. الثَّانِي: إِن شَرط الْحمال سُقُوط الضَّمَان فِي الطَّعَام أَو لُزُوم الضَّمَان فِي الْعرُوض، فروى مُحَمَّد أَن الشَّرْط سَاقِط وَالْعقد فَاسد فَإِن فَاتَ فَلهُ كِرَاء الْمثل. وَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ الْفُقَهَاء السَّبْعَة: لَا يكون كِرَاء بِضَمَان أَي فِي الْعرض إِلَّا أَن يشْتَرط على الْحمال أَن لَا ينزل بِبَلَد كَذَا أَو وَادي كَذَا وَلَا يسير بلَيْل فيتعدى مَا شَرط عَلَيْهِ فَتلف شَيْء مِمَّا حمل فِي ذَلِك التَّعَدِّي فَيضمنهُ اه. وَكَذَا يُقَال فِي الطَّعَام مَعَ قيام الْبَيِّنَة وَقد شَرط عَلَيْهِ مَا ذكر. وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة: سعيد بن الْمسيب بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة، وَعُرْوَة بن الزبير، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وخارجة بن زيد بن ثَابت، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، وَسليمَان بن بسار. وَاخْتلف فِي السَّابِع فَقيل: هُوَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن. فَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ مَالك: علم الْقَضَاء كَغَيْرِهِ من الْعُلُوم، وَلَا أعلم بِهَذَا الْبَلَد أحدا أعلم بِالْقضَاءِ من أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ أَخذ شَيْئا من علم الْقَضَاء من أبان بن عُثْمَان، وَأخذ ذَلِك أبان من أَبِيه عُثْمَان اه. وَقيل: هُوَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم، قَالَ الْبُرْزُليّ فِي أول الْأَقْضِيَة: اخْتلف فِي هذَيْن أَيهمَا أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة فَقيل: الأول، وَقيل: الثَّانِي وَالْآخر أحد النظراء. وهم أَي النظراء السَّبْعَة: سَالم بن عبد الله، وَأَبَان بن عُثْمَان، وَعلي بن الْحُسَيْن، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعلي بن عبد الله بن عَبَّاس، وَأَبُو بكر بن عمر بن حزم، وَعبد الله بن هُرْمُز، فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عشر من التَّابِعين أفقه أهل زمانهم. قَالَ: وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة حجَّة عِنْد مَالك اه. وعَلى كَون أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن
الْحَارِث بن هِشَام هُوَ أحد الْفُقَهَاء لَا أحد النظراء نظم بَعضهم حَيْثُ قَالَ: أَلا كل من لَا يقْتَدى بأئمة فقسمته ضيزى عَن الْحق خَارجه فخذهم عبيد الله عُرْوَة قاسما سعيد أَبَا بكر سُلَيْمَان خَارجه والقولُ قَوْلُهُمْ بِلَا يمينِ والاتِّهام غَيْرُ مُسْتَبينِ (وَالْقَوْل قَوْلهم) أَي الْأُمَنَاء الْمُتَقَدِّمين (بِلَا يَمِين) عَلَيْهِم (و) الْحَالة هَذِه وَهِي كَون (الاتهام غير مستبين) فَإِن اتهمَ أحدهم وَكَانَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بهَا وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين كَمَا مر عَن (خَ) فِي الْمُودع حَيْثُ قَالَ: وَحلف الْمُتَّهم. وقِيلَ مِنْ بَعْدِ اليمينِ مُطْلَقا وَالأَوَّلُ الأَوْلى لَدَى مَن حَقّقَا (وَقيل) القَوْل قَوْلهم (من بعد الْيَمين مُطلقًا) كَانَ مِمَّن يتهم أم لَا (وَالْأول) وَهُوَ عدم الْيَمين إِذا لم يتهم هُوَ (الأولى) وَالْمُعْتَمد (لَدَى من حققا) وَعَلِيهِ درج (خَ) كَمَا مر. وَانْظُر مَا تقدم فِي شرح قَوْله: وتهمة إِن قويت بهَا تجب يَمِين متهوم الخ. وَحَارِسُ الحَمَّامِ لَيْسَ يَضْمَنُ وَبَعْضُهُمْ يقولُ بلْ يُضَمَّنُ (وحارس الْحمام لَيْسَ يضمن. وَبَعْضهمْ يَقُول بل يضمن) اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِي تضمين صَاحب الْحمام مَا ذهب من الثِّيَاب فَقَالَ مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كتاب مُحَمَّد: يضمن إِلَّا أَن يَأْتِي بحارس، وَإِذا أُتِي بحارس سقط عَنهُ الضَّمَان وَعَاد الْخلاف فِي الحارس فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَكتاب مُحَمَّد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبيب: يضمن لِأَنَّهُ أجِير مُشْتَرك وَعدم الضَّمَان أحسن اه. وَقَالَ ابْن رشد: حارس الثِّيَاب إِن اسْتَأْجرهُ صَاحب الْحمام لحفظ ثِيَاب الداخلين بِأُجْرَة ثَابِتَة فِي ذمَّته فَلَا خلاف فِي عدم ضَمَانه إِلَّا أَن يفرط، وَأما إِن كَانَ يحرس ثِيَاب النَّاس يجمل بِأَخْذِهِ من كل دَاخل فَقَالَ مَالك: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن لبَابَة: وَمَا سواهُ خطأ. وَقيل: يضمن لِأَنَّهُ كَالرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حبيب اه. وَقد علمت أَن صَاحب الْحمام
هُوَ مكتريه لَا حارس الثِّيَاب وَالْخلاف فيهمَا مَعًا، وَالْمَشْهُور عدم الضَّمَان فيهمَا كَانَ بِأُجْرَة أم لَا. (خَ) : كحارس وَلَو حمامياً الخ. ابْن عبد الْبر: كلا الْقَوْلَيْنِ مَعْمُول بِهِ على حسب الِاجْتِهَاد، ابْن يُونُس: روى مُحَمَّد إِن نَام حارس بَيت فَسرق مَا فِيهِ لم يضمنهُ وَله أجره، وَكَذَلِكَ حارس النّخل قَالَ مُحَمَّد: لَا يضمن جَمِيع الحراس إِلَّا بتعد كَانَ مَا يحرسونه طَعَاما أَو غَيره. ابْن عَرَفَة: قَوْله لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي نَومه يجب تَقْيِيده بِكَوْنِهِ فِي وَقت نَومه الْمُعْتَاد لَهُ لَا فِي نَومه فِي وَقت حَاجَة العسس والحرس. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد فِيمَن اكترى مخزناً للطعام وصاحبها سَاكن فِيهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الطَّعَام إِذا ذهب. الشّعبِيّ: من اكترى بَيْتا فِي دَاره أَو حَيْثُ يسكن لخزن الطَّعَام فَضَاعَ كُله أَو بعضه لَا شَيْء على صَاحب الْبَيْت وَلَا يَمِين إِن كَانَ صَالحا وَإِن كَانَ مُتَّهمًا حلف. قلت: لِأَنَّهُ وَدِيعَة بِأُجْرَة وَأخذ الْأُجْرَة لَا يُخرجهُ عَن الْأَمَانَة. وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا قبل هَذَا: إِن شَرط الضَّمَان على الحراس لَا يلْزم وَلَهُم أجر مثلهم فِيمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وتأمله مَعَ مَا فِي اليزناسني عَن (تت) أَن الْعرف الْآن ضَمَان الحراس لأَنهم إِنَّمَا يستأجرون على ذَلِك اه. لِأَن الْعرف غَايَته أَن يكون كالشرط وَالشّرط بالصراحة لَا ضَمَان فِيهِ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: حارس الطَّعَام إِذا اسْتخْلف غَيره فَالصَّوَاب ضَمَانه إِلَّا أَن يسْتَخْلف لضَرُورَة قَوِيا مثله على الحرس. الثَّانِي: جزم ابْن رحال فِي تضمين الصناع بِأَن حارس الفندق وحارس الحوانيت بِاللَّيْلِ ضَامِن قَالَ: وَكَذَا حارس الطَّعَام فِي المطمر وَهُوَ الْمُسَمّى بالمراس قلت: وَمَا قَالَه من ضَمَان حارس الفندق والسوق والمطمر ظَاهر لِأَن كلا مِنْهُم حارس لغير منحصر وَلَا مَخْصُوص. أَلا ترى أَن صَاحب الفندق نصب نَفسه لحراسة أَمْتعَة كل من دخل إِلَيْهِ وَوضع أمتعته فِيهِ كَانَت مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. فَهُوَ فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَقد جرى الْعَمَل بتضمينه وَفِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ كالسمسار وَالْعَمَل بتضمينه أَيْضا، وَكَذَا البيات فِي السُّوق نصب نَفسه لحراسة أَمْتعَة كل من اكترى حانوتاً فِي ذَلِك الْمحل وَوضع أمتعته فِيهِ أيّاً كَانَ طلع لهَذَا الْحَانُوت فِي هَذَا الشَّهْر أَو السّنة أَو غَيرهمَا، وحارس المطمر كَذَلِك نصب نَفسه لكل من يخزن الطَّعَام فِي ذَلِك الْمحل وعَلى قِيَاسه يُقَال: حارس الْحمام كَذَلِك لِأَن الْعَادة عندنَا الْيَوْم أَن مكتري الْحمام يُؤَاجر أَجِيرا تَحْتَهُ يقبض أُجْرَة الداخلين للاغتسال ويحرس ثِيَاب النِّسَاء وَالرِّجَال ناصباً نَفسه لذَلِك وهم مخصوصين وَلَا منحصرين، وَلذَا قَالَ المتيطي عَن بعض الشُّيُوخ مَا فِي الْمُدَوَّنَة: من عدم الضَّمَان على حارس ثِيَاب الْحمام لَا يَقْتَضِي سُقُوط الضَّمَان عَن مكتري الْحمام لِأَن أجِير الصَّانِع لَا يضمن وَيضمن الصَّانِع وَصَاحب الْحمام فِي حكم الصَّانِع لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ التَّنْظِيف والاغتسال فَيضمن فِيمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ على الائتمان عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ابْن حبيب فِي الطَّحَّان: يضمن الْقَمْح
وظرفه إِلَّا أَن يطحنه بِحَضْرَة صَاحبه أَو يكون كالحمال يضمن الطَّعَام لِأَنَّهُ مِمَّا جرت الْعَادة بِسُرْعَة الْأَيْدِي إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ صَاحب الْحمام جرت الْعَادة بِجِنَايَتِهِ على ثِيَاب النَّاس فيضمنها اه. وَقد علمت أَن الصَّوَاب هُوَ الضَّمَان فِي الْجَمِيع لما تقدم أَن كلا الْقَوْلَيْنِ مَعْمُول بِهِ، وترجح الضَّمَان بِمَا عللوا بِهِ من جري الْعَادة بِالْجِنَايَةِ وَقد قَالَ اليزناسني فِي السمسار: أَن مَا قَالَه ابْن عبد الْبر من ضَمَانه هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعْمل بِهِ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الَّتِي قل فِيهَا الصدْق عِنْد من يظنّ بِهِ فضلا عَن غَيره اه. وَهَذَا التَّعْلِيل جَار فِي جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ. وَحكي أَيْضا عَن عِيَاض أَن الحكم بن نصر حكم بسوسة بتضمين صَاحب الْحمام قَالَ القلشاني: عدل عَن الْمَشْهُور إِلَى الحكم بالشاذ مُرَاعَاة للْمصْلحَة الْعَامَّة الَّتِي شهد لَهَا الشَّرْع بِالِاعْتِبَارِ فَمنع من بيع الْحَاضِر للبادي وَمن بيع التلقي على القَوْل بِأَنَّهُ لحق المجلوب إِلَيْهِم اه. وَفِي هَذَا كُله كِفَايَة لمن اكْتفى. الثَّالِث: لَو قَالَ حارس الثِّيَاب أَو الفندق دفعت ثِيَابك أَو بهيمتك لمن شبهته بك أَو قَالَ: رَأَيْت من أَخذهَا وَتركته يَأْخُذهَا لظني أَنه أَنْت فَإِنَّهُ يضمن بِلَا خلاف، لِأَن غَايَته أَن يكون مفرطاً أَو مخطئاً وَالْخَطَأ والعمد فِي أَمْوَال النَّاس سَوَاء، والتفريط هُوَ أَن يفعل مَا لَا يَفْعَله النَّاس كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَهُوَ مُوجب للضَّمَان كَمَا تقدم.
(فصل فِي الْقَرْض وَهُوَ السّلف)
بِفَتْح الْقَاف وَقيل بِكَسْرِهَا، وَفِي الذَّخِيرَة هُوَ من أعظم الْمَعْرُوف وَأجل الْقرب وَأَصله النّدب وَقد يجب فِي مسغبة وَنَحْوهَا. وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:(قرض مرَّتَيْنِ يعدل صَدَقَة مرّة) خرَّجه الْبَزَّار وَصَححهُ عبد الْحق، وَرُوِيَ أَن دِرْهَم الْقَرْض بِثمَانِيَة عشرَة وَدِرْهَم الصَّدَقَة بِعشْرَة كَذَا رَآهُ صلى الله عليه وسلم مَكْتُوبًا على بَاب الْجنَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَسَأَلَ جِبْرِيل:(مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة) فَقَالَ: إِن السَّائِل يسْأَل وَعِنْده كِفَايَة، والمقترض لَا يقترض إِلَّا لحَاجَة، وَهَذَا يُعَارض مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث البرَاز من أَن الصَّدَقَة أفضل. وعرفه ابْن عَرَفَة بقوله: الْقَرْض دفع مُتَمَوّل فِي عوض غير مُخَالف لَهُ لَا عَاجلا تفضلاً فَقَط لَا يُوجب إِمْكَان عَارِية لَا تحل مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ اه. فَخرج بقوله مُتَمَوّل غير المتمول كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَيدخل جلد الْميتَة المدبوغ، فَإِنَّهُ يجوز قرضه ليرد لَهُ مثله على الرَّاجِح لِأَنَّهُ مُتَمَوّل، وَأما جلد الْأُضْحِية فَلَا يجوز قرضه لِأَنَّهُ بيع لَهُ، وَبِقَوْلِهِ فِي عوض دَفعه هبة، وَبِقَوْلِهِ غير مُخَالف لَهُ البيع، وَقَوله لَا عَاجلا عطف على مُقَدّر أَي حَال كَونه مُؤَجّلا لَا عَاجلا أخرج بِهِ الْمُبَادلَة المثلية فَإِنَّهُ يصدق الْحَد عَلَيْهَا لَوْلَا الزِّيَادَة. وَبِقَوْلِهِ تفضلاً الخ. قصد نفع نَفسه أَو أَجْنَبِي، وَبِقَوْلِهِ لَا يُوجب الخ قرض الْجَارِيَة، وَبِقَوْلِهِ مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ الخ. نَحْو دفع شَاة فِي أُخْرَى بِعَينهَا لأجل ثمَّ قَالَ: وَلَو قُلْنَا مماثل بدل غير مُخَالف لم يَشْمَل إِلَّا مَا شَرط فِيهِ الْمثل لِامْتِنَاع مماثلة الشَّيْء نَفسه اه. وَاعْترض بِأَنَّهُ جعل جنسه الدّفع مَعَ أَن الْقَرْض يُوجد وَيلْزم بِلَا دفع لِأَنَّهُ يلْزم بالْقَوْل وَقد يُجَاب بِأَن الْمَعْنى عقد على دفع مُتَمَوّل الخ.
القَرْضُ جَائزٌ وفِعْلٌ جَارِي فِي كلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الجَوَارِي (الْقَرْض جَائِز) بل مَنْدُوب إِلَيْهِ كَمَا مر، وَإِنَّمَا عبر بِالْجَوَازِ لأجل الْإِخْرَاج فِي قَوْله: مَا عدا الْجَوَارِي (وَفعل جَار فِي كل شَيْء) من النُّقُود والأطعمة والمقومات والمثليات وَالْحَيَوَان (مَا عدا الْجَوَارِي) فَإِنَّهُ لَا يجوز قرضهن لغير محرم مِنْهُنَّ ولغير امْرَأَة وصغير لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى عَارِية الْفروج، لِأَن الْمُقْتَرض لما كَانَ مُتَمَكنًا من رد الْمثل وَالْعين بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ مَا لم تَتَغَيَّر صفته كَانَ رد الْعين فِي معنى عَارِية الْفرج، لِأَنَّهُ يسْتَمْتع بهَا مَا شَاءَ ثمَّ يردهَا بِعَينهَا وَيقْضى على الْمقْرض بقبولها حَيْثُ لم تَتَغَيَّر صفتهَا، وَلذَلِك انْتَفَى الْمَنْع إِذا كَانَ الْمُقْتَرض محرما مِنْهَا كَبِنْت أَخِيه أَو كَانَ امْرَأَة أَو صَغِيرا أَو كَانَت الْجَارِيَة لَا يُوطأ مثلهَا وَلَا تبلغ فِي مُدَّة الْقَرْض سنّ من يُوطأ مثلهَا، وَمثل الْجَوَارِي فِي الْمَنْع الْمَذْكُور مَا لَا يُمكن الْوَفَاء بِمثلِهِ كالدور وَالْأَرضين أَو مَا لَا تحصره الصّفة كتراب الْمَعَادِن، وَكَذَا الْجزَاف فَإِنَّهُ لَا يجوز قرضه إِلَّا مَا قل كرغيف برغيف، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا لَا يَصح السّلم فِيهِ كهذه الْأُمُور لَا يجوز قرضه. (خَ) : يجوز قرض مَا يسلم فِيهِ فَقَط إِلَّا جَارِيَة تحل للمستقرض أَي فَإِنَّهُ يجوز السّلم فِيهَا وَلَا يجوز قرضها، فَإِن وَقع وَنزل وأقرضت لمن يحل لَهُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهَا ترد إِذا لم تفت بِوَطْء وَنَحْوه من غيبَة عَلَيْهَا وَإِلَّا رد قيمتهَا، وَمحل الْمَنْع فِي استقراض الْجَوَارِي إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ رد الْمثل وإلاَّ جَازَ عِنْد ابْن عبد الحكم وَالْأَكْثَر على أَنه وفَاق للْمَذْهَب حِينَئِذٍ. تَنْبِيه: لَا يجوز تَصْدِيق الْقَرْض فِي كيل الطَّعَام أَو وَزنه أَو عده لِئَلَّا يجد الْمُقْتَرض نقصا فيغتفره رَجَاء أَن يُؤَخِّرهُ عِنْد الْأَجَل، فَإِن وَقع وَصدقه لم يفْسخ كَمَا فِي ابْن يُونُس (خَ) : وتصديق فبه كمبادلة ربويين ومقرض الخ. وشَرْطُهُ أَن لَا يَجُرَّ مَنْفَعَه وَحَاكِمٌ بِذَاكَ كلٌّ مَنَعَه (وَشَرطه) : أَي الْقَرْض (أَن لَا يجر مَنْفَعَة) للمقرض أَو الْأَجْنَبِيّ فَإِن جرها لأَحَدهمَا أَولهمَا امْتنع كَمَا قَالَ (و) قرض (حَاكم بِذَاكَ) أَي بجر الْمَنْفَعَة للمقرض أَو لأَجْنَبِيّ وَلَو قلت كسلف طَعَام عفن أَو سايس أَو مبلول أَو رطب أَو قديم أَخذ سَالم عَنهُ أَو يَابِس أَو جَدِيد (كل مَنعه) إِن لم تكن مسغبة، فَإِن كَانَت والنفع للمقترض وَحده بِحَيْثُ لَو
بَاعه ربه أمكنه أَن يَشْتَرِي بِثمنِهِ فِي زمن الرَّد مثله أَو أَكثر فَيجوز (خَ) : إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على أَن الْقَصْد نفع الْمُقْتَرض فَقَط فِي الْجَمِيع كفدان مستحصد خفت مؤنه عَلَيْهِ يحصده ويدرسه وَيرد مثله، وَإِن كَانَ النَّفْع للمقرض والمقترض مَعًا كَمَا لَو كَانَ بِحَيْثُ لَو بَاعه لم يُمكنهُ أَن يَشْتَرِي بِهِ مثله، بل أقل، فَالْمَشْهُور الْمَنْع. وروى أَبُو الْفرج: الْجَوَاز. قلت: وَيَنْبَغِي التَّمَسُّك بِهِ نظرا لحَاجَة الْمُقْتَرض، وَقَوْلِي: بِشَرْط أَخذ سَالم الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا جرت بِهِ عَادَة، وَإِنَّمَا تطوع الْمُقْتَرض بِقَضَاء السَّالِم عَن العفن وَنَحْوه، فَإِنَّهُ جَائِز (خَ) : وَقَضَاء قرض بمساو وَأفضل صفة إِلَى قَوْله لَا أَزِيد عددا أَو وزنا الخ. وَفِي ابْن يُونُس عَن ابْن عمر رضي الله عنهما؛ أَن رجلا قَالَ: أسلفت لرجل سلفا واشترطت عَلَيْهِ أفضل مِنْهُ. فَقَالَ ابْن عمر: ذَلِك الرِّبَا. قَالَ: وَأرى أَن تمزق الصَّحِيفَة أَي الرَّسْم، فَإِن أَعْطَاك مثل الَّذِي أسلفته قبلته وَإِن أَعْطَاك دونه فَأَخَذته أجرت عَلَيْهِ، وَإِن أَعْطَاك فَوق ذَلِك طيبَة بذلك نَفسه فَذَلِك شكر شكره لَك وَلَك أجر مَا أنظرته اه. تَنْبِيه: من سلف بِمَنْفَعَة مَسْأَلَة السفتجة وَهِي البطاقة الَّتِي يكْتب فِيهَا الإحالة بِالدّينِ، وَذَلِكَ أَن يسلف الرجل مَالا فِي غير بَلَده لبَعض أَهله وَيكْتب الْقَابِض لنائبه أَو يذهب مَعَه بِنَفسِهِ ليدفع عوضه فِي بلد المسلف وَهِي مَمْنُوعَة على الْمَشْهُور، إِلَّا أَن يعم الْخَوْف. وروى ابْن الْجلاب عَن مَالك الْكَرَاهَة، وأجازها ابْن عبد الحكم مُطلقًا عَم الْخَوْف أم لَا. وَهَذِه الْمَسْأَلَة تقع الْيَوْم كثيرا فِي مناقلة الطَّعَام فَيكون للرجل وسق من طَعَام مثلا فِي بلد فيسلفه لمن يَدْفَعهُ لَهُ فِي بَلَده أَو قريب مِنْهُ فتجري فِيهَا الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة إِن كَانَ ذَلِك على وَجه السّلف لَا على وَجه الْمُبَادلَة وَالْبيع، وَحِينَئِذٍ فَلَا يشوش على النَّاس بالمشهور إِذْ لَهُم مُسْتَند فِي جَوَاز ذَلِك، وَلَا يُنكر على الْإِنْسَان فِي فعل مُخْتَلف فِيهِ كَمَا مرَّ فِي بَيَاض الْأَشْجَار فِي الْمُسَاقَاة وأوائل الْإِجَارَة والمزارعة وَالله أعلم. وَكَذَا اخْتلف فِي ثمن الجاه فَمن قَائِل بِالتَّحْرِيمِ، وَمن قَائِل بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاق، وَمن مفصل بَين أَن يكون ذُو الجاه يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وتعب وسفر فَأخذ مثل أجره فَذَلِك جَائِز وإلاَّ حرم. وَهَذَا هُوَ الْحق وَلَكِن لَا يُنكر على دافعه وَلَا على آخذه مُطلقًا لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا يُنكر على من دَفعه لمن يتَكَلَّم فِي أمره مَعَ السُّلْطَان وَنَحْوه كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس الْيَوْم، ثمَّ الْمَشْهُور أَن الْقَرْض يملك بالْقَوْل فَيصير مَالا من أَمْوَال الْمُقْتَرض وَيدخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ كَغَيْرِهِ من الْعُقُود الصَّحِيحَة مَا لم يكن فِيهِ حق تَوْفِيَة وإلاَّ فَلَا يدْخل فِي ضَمَانه إِلَّا بالتوفية وَإِذا لزم بالْقَوْل فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بِهِ وَيبقى بِيَدِهِ إِلَى الْأَجَل أَو قدر مَا يرى فِي الْعَادة أَنه قد انْتفع بِهِ إِن لم يضربا أَََجَلًا كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ باللازم أنْ يُرَدَّا قبلَ انقِضَاءِ أَجْلٍ قد حُدَّا (وَلَيْسَ باللازم) للمقترض (أَن يردا) الْقَرْض لمقرضه (قبل انْقِضَاء أجل قد حدا) بِنَصّ أَو عَادَة لِأَن الْعَادة كالشرط (خَ) وَملك بالْقَوْل وَلم يلْزم رده إِلَّا بِشَرْط أَو عَادَة الخ. وَإِن رأى مسَلِّفٌ تَعْجيلَهُ أُلْزِمَ مَنْ سَلَّفَهُ قُبَولَهُ (وَإِن رأى مسلف) بِفَتْح اللَّام (تَعْجِيله) أَي السّلف لرَبه قبل أَجله (ألزم من سلفه قبُوله)
كَانَ عينا أَو غَيرهَا، وَلَو نفس المَال الْمُقْتَرض بِالْفَتْح إِن لم يتَغَيَّر أَو تغير بِزِيَادَة، فَإِن تغير بِنَقص خير وَهَذَا إِذا قَضَاهُ بِمحل قَبضه وإلاَّ فَلَا يلْزم ربه أَخذه لما فِيهِ من زِيَادَة الكلفة عَلَيْهِ إِن كَانَ غير عين، وإلاَّ لزمَه قبُوله إِن كَانَ الْمحل مَأْمُونا (خَ) : كأخذه بِغَيْر مَحَله إِلَّا الْعين. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تنَازعا فِي اشْتِرَاط الْأَجَل فَقَالَ الْمقْرض: على الْحُلُول، وَخَالفهُ الْمُقْتَرض فَالْقَوْل للمقترض على الْمُعْتَمد فَإِن اخْتلفَا فِي قدر مُدَّة تَأْجِيله فَالْقَوْل للمقرض، فَإِن الْتزم المتسلف تَصْدِيق المسلف فِي عدم الْقَضَاء بِلَا يَمِين، فَذكر ابْن نَاجِي أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل هُوَ أَعمال الشَّرْط فَلَا يحلف. الثَّانِي: لَو جَاءَ الْمديَان بِبَعْض الْحق وَقَالَ ربه: لَا أقبل إِلَّا كُله فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ الْغَرِيم مُوسِرًا لم يجْبر رب المَال على أَخذ مَا جَاءَ بِهِ، وَإِن كَانَ مُعسرا أجبر وَقيل يجْبر وَلَو مُوسِرًا، وَظَاهر الْجُزُولِيّ أَنه الرَّاجِح. الثَّالِث: يَصح السّلف على شَرط على شَرط أَن يردهُ من مَال بِعَيْنِه وَأَخذه بَعضهم من قصر سلف الْيَتِيم على مَا فِي ملكه يَوْم السّلف كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي السّلم وأوائل الْقَرْض.
(بَاب فِي الْعتْق وَمَا يتَّصل بِهِ)
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ: (من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار حَتَّى فرجه بفرجه) . ابْن عَرَفَة: الْعتْق رفع ملك حَقِيقِيّ لَا بسباء محرم عَن آدَمِيّ حَيّ فَخرج بِملك رفع غير الْملك كرفع الحكم بالنسخ مثلا، وَخرج بحقيقي اسْتِحْقَاق عبد بحريّة لِأَن الْمُسْتَحق من يَده لَيْسَ بِمَالك فِي الْحَقِيقَة، وَبِقَوْلِهِ: لَا بسباء محرم فدَاء الْمُسلم من حَرْب سباه أَو مِمَّن صَار لَهُ مِنْهُ لِأَن ملك الْحَرْبِيّ لَهُ سباء محرم وَهُوَ عطف على مُقَدّر أَي بسباء حَلَال لَا بسباء محرم، وَبِقَوْلِهِ: حَيّ الخ. رَفعه عِنْد الْمَوْت وَأورد عَلَيْهِ أَن قَوْله: لَا بسباء محرم مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: ملك حَقِيقِيّ لِأَن مُحْتَرزه لَيْسَ فِيهِ ملك حَقِيقِيّ، وَأورد عَلَيْهِ أَيْضا أَنه غير مَانع لصدقه بِبيع العَبْد فَإِنَّهُ رفع ملك أَيْضا. وَقد يُجَاب عَن هَذَا الثَّانِي بِأَن ملك فِي سِيَاق النَّفْي فَيعم وَلَا يتَحَقَّق عُمُومه إِلَّا بِرَفْع كل ملك وَالْبيع فِيهِ رفع ملك البَائِع وَثُبُوت ملك المُشْتَرِي.
العِتْقُ بالتدْبيرِ وَالْوَصاةِ وبالْكِتَابَةِ وبَالبَيّنَاتِ (الْعتْق) على أَرْبَعَة أوجه (بِالتَّدْبِيرِ) وَهُوَ كَمَا فِي (خَ) تَعْلِيق مُكَلّف رشيد وان زَوْجَة فِي زَائِد الثُّلُث الْعتْق بِمَوْتِهِ على غير وَجه الْوَصِيَّة لَا على وَجه الْوَصِيَّة فَقَوله: الْعتْق مَعْمُول تَعْلِيق وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: تعليقة نُفُوذ الْعتْق لِأَن الْمُعَلق إِنَّمَا هُوَ نُفُوذ الْعتْق، وَأما إنْشَاء الْعتْق فَهُوَ من الْآن فالتدبير تَعْلِيق على وَجه الانبرام واللزوم، وَالْوَصِيَّة تَعْلِيق على وَجه الانحلال وَالرُّجُوع. والتعاليق ثَلَاثَة: معنوي ولفظي ونحوي، وكل وَاحِد أخص مِمَّا قبله، فَالْأول يَشْمَل أم الْوَلَد لِأَن حريتها معلقَة على موت سَيِّدهَا وَلَا لفظ فِي ذَلِك التَّعْلِيق، واللفظي يَشْمَل النَّحْوِيّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يكون إِلَّا بأداة الشَّرْط ويشمل نَحْو: أَنْت مُدبر ودبرتك وَنَحْوه لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِغَيْر أَدَاة الشَّرْط، واللفظي هُوَ مُرَاد الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْبَاب، وَعَلِيهِ فَإِذا أَتَى بأداة الشَّرْط فَقَالَ: إِن كلمت فلَانا أَو دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي، أَو فَأَنت مُدبر فَدخل الدَّار أَو كلم فلَانا فَذَلِك تَدْبِير لَازم سَوَاء نوى التَّدْبِير أم لَا. لِأَنَّهُ حانث فِي يَمِينه وبوقوع الْمُعَلق عَلَيْهِ لزمَه ذَلِك وَلَا ينفذ إِلَّا بعد مَوته لِأَنَّهُ شَرط ذَلِك فِي يَمِينه، وَإِن لم يَأْتِ بأداة الشَّرْط فَتَارَة يَأْتِي بِأَلْفَاظ صَرِيحَة فِي التَّدْبِير كَقَوْلِه: دبرتك وَأَنت مُدبر أَو حر عَن دبر مني فَإِنَّهُ يكون تدبيراً لَازِما لَا رُجُوع فِيهِ، وَلَو لم ينْو لُزُومه لِأَن الصِّيغَة الصَّرِيحَة فِي بَابهَا لَا تَنْصَرِف لغَيْرهَا إِلَّا بِبَيِّنَة أَو قرينَة كَقَوْلِه: مَا لم أغير ذَلِك أَو أرجع عَنهُ، فَإِن نوى بذلك عدم اللُّزُوم وَأَن لَهُ الرُّجُوع والانحلال، فَظَاهر التَّوْضِيح أَنه ينْصَرف للْوَصِيَّة وَأَحْرَى، إِذا أَتَى بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة على عدم اللُّزُوم، وَتارَة يَأْتِي بِأَلْفَاظ صَرِيحَة فِي الْوَصِيَّة كَقَوْلِه: إِن مت من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فَأَنت حر أَو مُدبر فَذَلِك وَصِيَّة غير لَازِمَة، وَله الرُّجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ لما علقه على الْمَوْت من ذَلِك الْمَرَض أَو السّفر وَقد ينشأ عَنْهُمَا موت وَقد لَا ينشأ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن لَهُ الرُّجُوع وَإِن لم يمت فِي ذَلِك الْمَرَض أَو السّفر كَانَ ذَلِك قرينَة صارفة عَن التَّدْبِير إِلَّا أَن يَنْوِي لُزُوم الْحُرِّيَّة وَالتَّدْبِير فَلَا رُجُوع لَهُ وتنصرف للتدبير حنيئذ، وَكَذَا إِذا قَالَ فِي صِحَّته: أَنْت حر بعد موتى أَو يَوْم أَمُوت فَهُوَ وَصِيَّة لِأَن ذَلِك من صيغتها الصَّرِيحَة حَتَّى يَنْوِي بذلك اللُّزُوم، أَو يَأْتِي بِقَرِينَة فَيَقُول مثلا: هُوَ حر بعد موتِي لَا يُغير عَن ذَلِك فَيَنْصَرِف للتدبير. وَقد تحصل أَن الْعتْق بعد الْمَوْت إِذا الْتَزمهُ بنية اللُّزُوم وَعدم الرُّجُوع أَو أَتَى بِقَرِينَة فَهُوَ التَّدْبِير وَلَو كَانَ بِصِيغَة الْوَصِيَّة الصَّرِيحَة، وَإِن كَانَ الْتَزمهُ بعد الْمَوْت أَيْضا بنية الرُّجُوع فِيهِ والانحلال أَو أَتَى بِقَرِينَة فَهُوَ الْوَصِيَّة، وَلَو كَانَ بِصَرِيح التَّدْبِير فَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا قرينَة فَإِن كَانَ بِصَرِيح التَّدْبِير فتدبير وبصريح الْوَصِيَّة فوصية وَإِنَّمَا كَانَ ينْصَرف صَرِيح التَّدْبِير للْوَصِيَّة بِالنِّيَّةِ والقرينة وَبِالْعَكْسِ لتقارب هذَيْن الْبَابَيْنِ، وَهَذَا إِذا لم يعلقه بالأداة على شَيْء وَحنث فِيهِ وإلاَّ فليزمه بِالْحِنْثِ، وَلَو نوى عدم اللُّزُوم مُؤَاخذَة لَهُ بِظَاهِر لَفظه الْمُخَالف لنيته كَمَا مرَّ أول التَّقْرِير، وَأما لَو قَالَ: هُوَ حر بعد موتِي بِيَوْم أَو شهر أَو أَكثر فَهُوَ وَصِيَّة لمُخَالفَته للتدبير
بِكَوْنِهِ غير مُعَلّق على الْمَوْت إِلَّا أَن يُرِيد التَّدْبِير، وَبِهَذَا كُله يظْهر الْفرق بَين الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا لَا ينفذ إِلَّا من الثُّلُث. قَالَ سَحْنُون لِابْنِ الْقَاسِم: أَي شَيْء هَذَا التَّدْبِير فِي قَول مَالك؟ فَقَالَ: هُوَ إِيجَاب أوجبه السَّيِّد على نَفسه والإيجاب عِنْد مَالك لَازم، ثمَّ قَالَ: وَمَا الْوَصِيَّة؟ فَقَالَ: إِنَّهَا عدَّة، وَالْعدة لَيست بِإِيجَاب وَالتَّدْبِير إِيجَاب والإيجاب لَيْسَ بعده اه. وَقَالَ فِيمَن قَالَ: أَنْت حر بعد موتِي يسْأَل؟ فَإِن نوى التَّدْبِير أَو الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يصدق وَيلْزمهُ مَا نوى اه. وَلأَجل أَن الْعتْق فِي التَّدْبِير لَازم لَا رُجُوع فِيهِ استتبع الْأَوْلَاد وَكَانُوا مُدبرين كأمهم بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَإِن الْأَوْلَاد لَا يتبعُون أمّهم كَمَا قَالَه ابْن الْقصار. وَحكى عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَقَول (خَ) : وَإِن زَوْجَة فِي زَائِد ثلثهَا الخ. إِنَّمَا كَانَ يلْزمهَا وَلَو فِي زَائِد ثلثهَا بل وَلَو فِي عبد لَا تملك غَيره. مَعَ أَنَّهَا محجر عَلَيْهَا فِي زَائِد الثُّلُث، لِأَن الزَّوْج لَا ضَرَر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ الْآن زَائِدا على الثُّلُث فَلَا ينفذ بعد الْمَوْت إِلَّا مِنْهُ فَلَا ضَرَر عَلَيْهِ. تَنْبِيه: اعْترض ابْن عَرَفَة تَعْرِيف ابْن الْحَاجِب للتدبير الَّذِي هُوَ كتعريف (خَ) الْمُتَقَدّم وَقَالَ: إِنَّه حد تركيبي وَهُوَ وقف معرفَة الْمُعَرّف على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى أَجْنَبِيَّة عَنهُ لَيست أَعم وَلَا أخص وَهِي هُنَا وَصِيَّة، فَإِن الْوَصِيَّة تفْتَقر إِلَى حَدهَا أَيْضا وَهِي مباينة للتدبير فَلَا يعرف حِينَئِذٍ التَّدْبِير إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْوَصِيَّة، وَالْحَد التركيبي يجْتَنب فِي الْحُدُود. وَيُجَاب عَن ذَلِك بِأَن ابْن الْحَاجِب أَرَادَ الْوَصْف اللَّازِم للْوَصِيَّة فَكَأَنَّهُ قَالَ: التَّدْبِير تَعْلِيق على وَجه اللُّزُوم لَا على وَجه غير اللُّزُوم. (و) ب (الوصاة) بِفَتْح الْوَاو أَي الْوَصِيَّة كَقَوْلِه: إِن مت من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فَأَنت حر أَو مُدبر أَو حر بعد موتِي وَلم يرد بِهِ التَّدْبِير أَو حر بعد موتِي بيومٍ أَو شهر وَلم ينْو بِهِ التَّدْبِير كَمَا مرَّ. (وبالكتابة) وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عتق على مَال مُؤَجل من العَبْد مَوْقُوف على أَدَائِهِ فَيخرج مَا على مَال معجل، وَلذَا قَالَ فِيهَا: لَا تجوز كِتَابَة أم الْوَلَد وَيجوز عتقهَا على مَال معجل، وَيخرج عتق العَبْد على مَال مُؤَجل على أَجْنَبِي الخ. فَقَوله: على مَال أخرج بِهِ الْعتْق على غير مَال سَوَاء كَانَ بتلا أَو لأجل، وَقَوله: مُؤَجل أخرج بِهِ القطاعة، وَقَوله: مَوْقُوف على أَدَائِهِ أخرج بِهِ الْعتْق الْمُعَجل على أَدَاء مَال إِلَى أجل، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِتَابَة عرفا، وَلَكِن الْعتْق لَازم للسَّيِّد معجلا وَلزِمَ المَال للْعَبد معجلا إِن كَانَ مُوسِرًا وَيتبع بِهِ دينا فِي ذمَّته إِن كَانَ مُعسرا. قَالَ ابْن مَرْزُوق: وَالصَّوَاب أَن يَقُول عقد يُوجب عتقا الخ لِأَنَّهَا سَبَب فِي الْعتْق لَا نَفسه. (وبالبتات) وَهُوَ الْعتْق الناجز على غير مَال كَمَا مر. وصيغته: إِمَّا صَرِيحَة وَهِي الَّتِي لَا تَنْصَرِف عَن الْعتْق بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِه: أَعتَقتك أَو حررتك أَو أَنْت حر أَو فَككت رقبتك أَو أَنْت مفكوك الرَّقَبَة، فَإِنَّهُ لَا يصدق أَنه أَرَادَ بِهَذِهِ الصِّيَغ وَنَحْوهَا غير الْعتْق فَإِن كَانَت هُنَاكَ قرينَة لفظية كَقَوْلِه: أَنْت حر الْيَوْم من هَذَا الْعَمَل وَقَالَ: لم أرد عتقه صدق بِيَمِينِهِ ثمَّ لَا يَسْتَعْمِلهُ فِي ذَلِك الْيَوْم كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة، وَكَذَا لَو قَالَ: أَنْت حر الْيَوْم
فَقَط وَقَالَ: لم أرد عتقا وَإِنَّمَا أردْت من عمل خَاص فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ أَو قرينَة معنوية كَمَا لَو رَآهُ صنع شَيْئا فأعجبه فَقَالَ: مَا أَنْت إِلَّا حر، أَو قَالَ لَهُ لما عَصَاهُ: تعال يَا حر، وَقَالَ: لم أرد بذلك عتقا وَإِنَّمَا أردْت فِي الأول أَنه حر الْفِعْل، وَفِي الثَّانِي أَنه فِي معصيتي شَبيه بِالْحرِّ فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاء. وَإِمَّا كِنَايَة وَهِي قِسْمَانِ: ظَاهِرَة كَقَوْلِه: لَا سَبِيل لي عَلَيْك أَو لَا ملك لي عَلَيْك وَنَحْوهَا، فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْعتْق وَلَكِن ينْصَرف عَنهُ بِالنِّيَّةِ وَنَحْوهَا، فَإِذا قَالَ السَّيِّد ذَلِك لعَبْدِهِ جَوَابا لكَلَام وَقع من العَبْد لَا يَلِيق بالسيد، وَقَالَ: لم أرد بذلك عتقا صدق بِيَمِينِهِ فَإِن قَالَ ذَلِك فِي غير جَوَاب أصلا أَو جَوَابا لكَلَام يَلِيق بالسيد وَلم يعلم هَل كَانَ جَوَابا لكَلَام أم لَا عتق عَلَيْهِ، وَإِمَّا كِنَايَة خُفْيَة كَقَوْلِه لَهُ: اسْقِنِي مَاء أَو اذْهَبْ أَو اغرب فَإِنَّهُ لَا يلْزَمنِي شَيْء إِلَّا إِذا قَالَ: نَوَيْت بِهِ الْعتْق والعزب الْبعد فَتبين أَن الْقَرِينَة يعْمل بهَا فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة الظَّاهِرَة، وَأما فِي الْخفية فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء إِلَّا بِالنِّيَّةِ. وليْسَ فِي التّدْبير والتبْتِيل إِلَى الرُّجُوع بَعْدُ مِنْ سبِيلِ (وَلَيْسَ فِي التَّدْبِير و) لَا فِي (التبتيل إِلَى الرُّجُوع بعد) أَي بعد عقدهما بالصيغ الْمُتَقَدّمَة فيهمَا (من سَبِيل) هُوَ اسْم لَيْسَ. وَمن زَائِدَة، وَالتَّقْدِير: لَيْسَ هُنَاكَ سَبِيل إِلَى الرُّجُوع فِي التَّدْبِير والتبتيل بعد عقدهما كَمَا لَهُ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة بعد عقدهَا، بل هما نافذان لازمان لَا يقبل من السَّيِّد رُجُوع فيهمَا. نعم يبطلان مَعًا بدين مُحِيط سَابق عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا من التَّبَرُّع وَهُوَ بَاطِل بِالدّينِ الْمُحِيط (خَ) : للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه الخ. اللَّاحِق فَإِنَّهُ لَا يبطل التبتيل وَيبْطل التَّدْبِير إِن مَاتَ السَّيِّد لَا إِن كَانَ حَيا كَمَا قَالَ الأَجْهُورِيّ: وَيبْطل التَّدْبِير دين سبقا إِن سيد حَيّ وَإِلَّا مُطلقًا أَي: وَإِلَّا يكن حَيا أبْطلهُ مُطلقًا سَابِقًا أَو لاحقاً. وَالعِتْقُ بالمالِ هُوَ المُكاتَبَهْ وَمَا لَهُ بالجَبْرِ مِنْ مُطَالَبَهْ (وَالْعِتْق بِالْمَالِ) الْمُؤَجل (هُوَ الْمُكَاتبَة) فَإِن وَقع الْعتْق بِالْمَالِ على السكت وَلم يشترطا تنجيمه وَلَا تَأْجِيله وَجب تنجيمه على قد مَا يرى من كِتَابَة مثله وَقدر قوته، وَإِن كره سَيّده لِأَن عرف النَّاس فِي الْكِتَابَة أَنَّهَا منجمة فيحملان عَلَيْهِ عِنْد السكت. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَإِن شرطا تَعْجِيله فَهِيَ قطاعة كَمَا مر فِي حد ابْن عَرَفَة. (وَمَا لَهُ بالجبر من مُطَالبَة) أَي لَيْسَ للسَّيِّد أَن يجْبر عَبده
على الْكِتَابَة وَلَا للْعَبد أَن يجْبر سَيّده عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تصح برضاهما مَعًا على الْمَشْهُور، لَكِن إِذا طلبَهَا العَبْد من سَيّده ندب للسَّيِّد أَن يجِيبه إِلَيْهَا، وَإِذا طلبَهَا السَّيِّد جَازَ للْعَبد الْقبُول وَعَدَمه (خَ) ندب مُكَاتبَة أهل التَّبَرُّع وَحط جُزْء آخر، وَلم يجْبر العَبْد عَلَيْهَا، والمأخوذ مِنْهَا الْجَبْر الخ. فَمَا نَافِيَة وَضمير لَهُ لوَاحِد مِنْهُمَا لتقدم ذكرهمَا باللزوم، إِذْ الْعتْق يسْتَلْزم معتقاً بِالْكَسْرِ ومعتقاً بِالْفَتْح، و (من) زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء، ومطالبة مُبْتَدأ خَبره لَهُ وبالجبر يتَعَلَّق بمطالبة أَي لَيْسَ لوَاحِد من السَّيِّد وَالْعَبْد مُطَالبَة الآخر بالجبر على الْكِتَابَة. وَلما كَانَ الْمُوجب لِلْعِتْقِ أسباباً أَرْبَعَة: أَولهَا: الْعتْق، بِاللَّفْظِ وَتقدم، وَثَانِيها: الْعتْق بِالْقَرَابَةِ وَلم يتَكَلَّم النَّاظِم عَلَيْهِ، وَأَشَارَ (خَ) بقوله: وَعتق بِنَفس الْملك الأبوان وَإِن علوا وَالْولد وَإِن سفل كَبِنْت وَأَخ وَأُخْت مُطلقًا الخ. وَثَالِثهَا: الْعتْق بالمثلة وَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَعتق من سَيّده يمثل. الخ. وَرَابِعهَا: الْعتْق بِالسّرَايَةِ وَله وَجْهَان أَحدهمَا: أَن يكون يملك جَمِيع العَبْد وَلَو بشائبة كَأُمّ وَلَده فَيعتق جزأ مِنْهُ كثلثه أَو ربعه أَو يَده أَو رجله أَو شعره أَو رِيقه وجماله فَإِنَّهُ يكمل عَلَيْهِ وَيعتق جَمِيعه كَمَا قَالَ: وَمُعْتِقٌ بِالجُزْءِ مِنْ عَبْدٍ لَهْ مُطَالَبٌ بالحُكْمِ أَن يكْمِلَهْ (ومعتق للجزء من عبد لَهُ) وَلَو ذَا شَائِبَة كمدبره (مطَالب بالحكم أَن يكمله) لِأَنَّهُ كمن قَالَ لزوجته: يدك طَالِق أَو شعرك طَالِق فَإِنَّهُ يلْزمه الطَّلَاق فِي جَمِيعهَا، وَظَاهره كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا أَو مُعسرا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره كَانَ الْمُعْتق مُسلما أَو ذِمِّيا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الذِّمِّيّ إِذا أعتق بعض عَبده الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا يكمل عَلَيْهِ. وَكَذَا الزَّوْجَة وَالْمَرِيض فِي زَائِد الثُّلُث وَفهم من قَوْله بالحكم إِنَّه لَا يكمل عَلَيْهِ بِنَفس عتق الْجُزْء بل لَا بُد من حكم الْحَاكِم بالتكميل وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَعَلِيهِ فأحكام الرّقّ قبل الحكم جَارِيَة عَلَيْهِ فَلَا يحد قَاذفه وَلَا يقْتَصّ من قَاتله الْحر الْمُسلم ويرثه سَيّده دون ورثته وَهَكَذَا. وَالْوَجْه الثَّانِي: وَهُوَ أَن يكون العَبْد مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره فَيعتق مِنْهُ حَظه كُله أَو جُزْء من حَظه، فَإِنَّهُ يكمل عَلَيْهِ حَظه وَيقوم عَلَيْهِ حَظّ شَرِيكه وَيدْفَع قِيمَته للشَّرِيك وَيعتق جَمِيعه كَمَا قَالَ: وحَظُّ مَنْ شَارَكَهُ يَقُوْمُ عَلَيْهِ فِي اليُسْرِ وعِتْقاً يَلْزَمُ (وحظ من شَاركهُ يقوم عَلَيْهِ فِي) حَال (الْيُسْر وعتقا يلْزم) ولتقويمه شُرُوط: أَولهَا: أَن يكون الْمُعْتق لجزئه مُوسِرًا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّاظِم بقوله: فِي الْيُسْر أَي بِأَن يكون
مُوسِرًا يَوْم الحكم بِقِيمَة حَظّ شَرِيكه بِمَا يُبَاع على الْمُفلس، فَإِن كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِهَا عتق مِنْهُ بِقدر ذَلِك الْبَعْض، فَإِن لم يكن مُوسِرًا بكلها وَلَا بِبَعْضِهَا لم يقوم عَلَيْهِ شَيْء وَيعلم عسره بِأَن لَا يكون لَهُ مَال ظَاهر، ويسئل عَنهُ جِيرَانه وَمن يعرفهُ فَإِن لم يعلمُوا لَهُ مَالا حلف وَلَا يسجن، فَإِن لم يحكم عَلَيْهِ بالتقويم وَهُوَ مَلِيء حَتَّى مَاتَ أَو فلس لم يعْتق مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ أعْتقهُ وَلَا يقوم عَلَيْهِ حَظّ شَرِيكه كَمَا رَوَاهُ أَشهب. ثَانِيهَا: أَن يدْفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ فَإِن قوم عَلَيْهِ وَلم يَدْفَعهَا حَتَّى مَاتَ العَبْد وَرثهُ سَيّده دون ورثته فَدفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ شَرط فِي نُفُوذ الْعتْق وَتَمَامه لَا فِي وجوب الحكم بالتقويم، فَإِذا توفرت شُرُوط التَّقْوِيم وَجب الحكم بتقويمه وعتقه، وَإِذا حكم فَلَا ينفذ الْعتْق وَيتم إِلَّا بدفعها، فَإِن أَبى شَرِيكه من قبضهَا قبضهَا الْحَاكِم. ابْن الْحَاجِب: وَلَا يعْتق إِلَّا بعد التَّقْوِيم وَدفع الْقيمَة على أظهر الرِّوَايَتَيْنِ. ثَالِثهَا: أَن يعْتق الْجُزْء بِاخْتِيَارِهِ لَا إِن أعتق عَلَيْهِ بِغَيْر اخْتِيَاره كَمَا لَو ورث جُزْءا من أَبِيه مثلا فَإِنَّهُ لَا يقوم عَلَيْهِ مَا لم يَرِثهُ، وَلَو وهب لَهُ جُزْء من أَبِيه أَو اشْتَرَاهُ قوّم عَلَيْهِ حِصَّة شَرِيكه لِأَنَّهُ متسبب بِقبُول الْهِبَة وَالشِّرَاء. رَابِعهَا: أَن يكون السَّيِّد مُسلما أَو العَبْد لَا إِن كَانَ الِاثْنَيْنِ كَافِرين. خَامِسهَا: أَن يبتدأ الْعتْق لَا إِن كَانَ العَبْد حرا لبَعض وَقد أَفَادَ (خَ) هَذِه الشُّرُوط بقوله: وبالحكم جَمِيعه إِن أعتق جُزْءا وَالْبَاقِي لَهُ كَانَ بَقِي لغيره إِن دفع الْقيمَة حَال كَونهَا مُعْتَبرَة يَوْم الحكم وَالْمُعتق مُسلما أَو العَبْد وأيسر بهَا أَو بِبَعْضِهَا فمقابلها وفضلت عَن مَتْرُوك مُفلس وَحصل عتقه بِاخْتِيَارِهِ لَا بِإِرْث، وابتدأ الْعتْق لَا إِن كَانَ حر الْبَعْض الخ. والشروط رَاجِعَة لما بعد الْكَاف من قَوْله كَانَ بَقِي الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْعتْق بالمثلة فَقَالَ: وَعِتْقُ مَنْ سَيِّدُهُ يُمثِّلُ بهِ إذَا مَا شَانَهُ يُبَتَّلُ (وَعتق من) أَي العَبْد الَّذِي (سَيّده يمثل بِهِ) عمدا (إِذا مَا) زَائِدَة (شانه) أَي عابه ذَلِك التَّمْثِيل الْمَفْهُوم من قَوْله يمثل (يبتل) أَي ينجز عتقه عَلَيْهِ بالحكم لَا بِنَفس التَّمْثِيل (خَ) : وبالحكم إِن عمد السَّيِّد لشين برقيقه وَلَو ذَا شَائِبَة كَأُمّ وَلَده ومدبر مدبره أَو رَقِيق رَقِيقه أَو رَقِيق وَلَده الصَّغِير وَهُوَ غير سَفِيه وَلَا عبد وَلَا ذمِّي وَلَا مَدين وَلَا زَوْجَة وَلَا مَرِيض فِي زَائِد الثُّلُث، وإلاَّ فَلَا يعْتق كَمَا إِذا لم يتعمدها والمثلة كخصاء وَقلع ظفر وَقطع بعض أذن أَو جَسَد أَو سنّ أَو سحلها أَي بردهَا بالمبرد أَو خرم أنف أَو حلق شعر أمة رفيعة أَو لحية تَاجر الخ. وَالْمُعْتَمد أَن
حلق الشّعْر ولحية التَّاجِر ليسَا بمثلة لِأَن الشّعْر يعود كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ وَنَحْوه فِي الشَّامِل قَائِلا: وَلَا مثلَة بحلق لحية عبد وَإِن تَاجِرًا أَو رَأس أمة وَإِن رفيعة عِنْد مَالك لَا عِنْد الْمَدَنِيين كَابْن الْمَاجشون فَهُوَ مثلَة. وَاخْتَارَ اللَّخْمِيّ القَوْل الأول إِن عَاد الشّعْر، وَالثَّانِي إِن لم يعد الخ. وَبِه يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ بناني والوسم بالنَّار لَيْسَ بمثلة إِلَّا أَن يكْتب بهَا فِي جَبهته آبق وَنَحْوه. تَنْبِيه: إِذا مثل الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ فلهَا التَّطْلِيق كَمَا مرّ فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ. وَمَنْ بِمَالٍ عِتْقُهُ مُنَجَّمِ يَكُونُ عَبْداً مَعْ بَقَاءِ دِرْهَمِ (وَمن) مُبْتَدأ (بِمَال عتقه) مُبْتَدأ ثَان وَالْمَجْرُور قبله خَبره (منجم) أَي مُؤَجل يَدْفَعهُ شَيْئا فَشَيْئًا فَهُوَ بالخفض نعت لمَال، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره صلَة من وَهِي وَاقعَة على العَبْد الْمكَاتب (يكون عبدا مَعَ بَقَاء دِرْهَم) عَلَيْهِ من كِتَابَته، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: منجم بل كَذَلِك إِذا قاطعه على مَال حَال وَعجز عَن أَدَاء بعضه وَلَو درهما فَإِنَّهُ يرق، وَهَذَا إِن اتّفق السَّيِّد وَالْعَبْد على التَّعْجِيز وَلم يكن للْعَبد مَال ظَاهر وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الْعَجز على الْمَشْهُور، وَلَو اتفقَا عَلَيْهِ فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ السَّيِّد: أردْت التَّعْجِيز وَامْتنع العَبْد أَو بِالْعَكْسِ فَلَا بُد من نظر الْحَاكِم فِي ذَلِك قَالَه فِي التَّوْضِيح. والقوْلُ للسَّيِّدِ فِي مالٍ حَصَلْ وَالخُلْفُ فِي قَدْرٍ وَجَنسٍ وَأجَلْ (وَالْقَوْل للسَّيِّد) بِيَمِين كَمَا فِي ابْن عَرَفَة: إِذا اخْتلف مَعَ عَبده (فِي) نفي أَدَاء (مَال حصل) فِي ذمَّة العَبْد بِسَبَب الْكِتَابَة فَقَالَ العَبْد: أديته كُله أَو بعضه، وَأنكر السَّيِّد ذَلِك فَإِن نكل حلف الْمكَاتب وَعتق وَمحل الْيَمين مَا لم يشْتَرط السَّيِّد فِي صلب عقد الْكِتَابَة التَّصْدِيق بِلَا يَمِين، وإلاَّ فَيعْمل بِشَرْطِهِ كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عَن الجزيري، وَتقدم نَحوه فِي الْقَرْض. وَكَذَا القَوْل للسَّيِّد أَيْضا فِي نفي الْكِتَابَة إِذا ادَّعَاهَا العَبْد وأنكرها السَّيِّد، لَكِن بِلَا يَمِين لِأَنَّهَا من دَعْوَى الْعتْق (خَ) : وَالْقَوْل للسَّيِّد فِي نفي الْكِتَابَة وَالْأَدَاء. (وَالْخلف) أَي الْخلاف ثَابت فِي اخْتِلَافهمَا (فِي قدر) فَقَالَ السَّيِّد: بِمِائَة، وَقَالَ العَبْد: بِخَمْسِينَ، فَإِن القَوْل للْعَبد بِيَمِين على الْمَشْهُور إِن أشبه وَحده أَو مَعَ السَّيِّد،
فَإِن أشبه السَّيِّد وَحده فَقَوله بِيَمِين فَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَبَت كِتَابَة الْمثل كاختلاف الْمُتَبَايعين بعد الْفَوْت وَالْكِتَابَة هُنَا فَوت ونكولهما كحلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل. (وجنس) فَقَالَ السَّيِّد: كاتبتك بِثِيَاب من نعتها كَذَا. وَقَالَ العَبْد: بل كاتبتني بحيوان من نَعته كَذَا، وَالْمَشْهُور وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ اللَّخْمِيّ والمازري أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وعَلى العَبْد كِتَابَة مثله فِي الْعين. (وَأجل) هُوَ شَامِل لاختلافهما فِي وجوده وَعَدَمه أَو فِي قدره أَو فِي حُلُوله، أما الأول فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب أَنَّهَا منجمة مَا لم يَأْتِ من كَثْرَة النُّجُوم بِمَا لَا يشبه، وَكَذَا يصدق الْمكَاتب أَيْضا إِذا اخْتلفَا فِي قدره أَو حُلُوله (ح) : لَا اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر وَالْأَجَل وَالْجِنْس يَعْنِي فَإِن القَوْل لَا يكون للسَّيِّد فِي هَذِه الثَّلَاث، وَإِنَّمَا القَوْل للْعَبد فِي الْأَوَّلين فِي كَلَامه على التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَفِي الثَّالِث يَتَحَالَفَانِ كَمَا مرَّ فَإِن أَقَامَ كل الْبَيِّنَة على مَا يَدعِيهِ قضى بأعدلهما، فَإِن تكافأتا سقطتا وَجرى ذَلِك على مَا مرَّ إِلَّا إِن شهِدت إِحْدَاهمَا أَن الْكِتَابَة بِمِائَة وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا بتسعين قضى بِبَيِّنَة السَّيِّد لِأَنَّهَا زَادَت كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. وَحُكْمُهُ كَالحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ ومَنْعُ رَهْنٍ وَضَمانٍ اقْتُفِي (وَحكمه) أَي الْمكَاتب (كَالْحرِّ فِي التَّصَرُّف) فَلهُ البيع وَالشِّرَاء وَغير ذَلِك من الْمُعَاوَضَات بِلَا إِذن من سَيّده لَا إِن تصرف بِغَيْر مُعَاوضَة فَلَا يمْضِي كَالْعِتْقِ وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَغير ذَلِك من التَّبَرُّعَات. (خَ) : وللمكاتب بِلَا إِذن بيع واشتراء ومشاركة ومقارضة ومكاتبة عَبده واستخلاف عَاقد لأمته وإسلامها أَو فداؤها إِن جنت بِالنّظرِ وسفر لَا يحل فِيهِ نجم وَإِقْرَار فِي رقبته أَي فِي ذمَّته بدين وَنَحْوه، وَأَحْرَى إِقْرَاره بِمَا يُوجب حدا عَلَيْهِ، وَله إِسْقَاط شفعته لَا عتق وَإِن قَرِيبا وَهبة وَصدقَة وتزويج وَإِقْرَار بِجِنَايَة خطأ وسفر بعد إِلَّا بِإِذن من سَيّده (وَمنع رهن وَضَمان اقتفي) فِي الْكِتَابَة. فَلَا يجوز أَن يكاتبه على أَن يَأْخُذ رهنا من غير مكَاتبه ليستوفي مِنْهُ الْكِتَابَة إِن عجز العَبْد عَنْهَا أَو مَاتَ لِأَن الرَّهْن كالحمالة، والحمالة فِي الْكِتَابَة لَا تجوز لِأَن الْكِتَابَة منجمة، والضامن يُؤَدِّي مَا حل مِنْهَا وَقد يعجز العَبْد عَن أَدَاء بَاقِيهَا فَيَأْخُذ السَّيِّد مَا كَانَ أَخذه من الضَّامِن بَاطِلا وَلِهَذَا إِذا أعطَاهُ الضَّامِن على أَن يعجل عتقه من الْآن أَو كَانَت الْكِتَابَة نجماً وَاحِدًا. وَقَالَ الضَّامِن: هُوَ عَليّ إِن عجز صَحَّ ذَلِك وَجَاز كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، فَإِن وَقع وَنزل وَأَعْطَاهُ ضَامِنا أَو رهنا فِي حَالَة عدم الْجَوَاز صحت الْكِتَابَة وَبَطل الرَّهْن والحميل كَمَا فِي ابْن نَاجِي. (خَ) : صَحَّ الضَّمَان فِي دين لَازم أَو آيل إِلَى اللُّزُوم لَا كِتَابَة الخ. أَي: فَإِنَّهَا لَيست بدين
لَازم وَلَا آيل إِلَيْهِ. أَلا ترى إِن مَاتَ الْمكَاتب وَعَلِيهِ دين لم يحاصص السَّيِّد مَعَ الْغُرَمَاء، وَإِن عجز كَانَت الدُّيُون فِي ذمَّته يتبع بهَا إِن عتق يَوْمًا إِن لم يُبْطِلهَا عَنهُ سيد أَو سُلْطَان وَلَا يدْخلُونَ مَعَ السَّيِّد فِي رقبته، وَقد قَالُوا يلْحق بِالْكِتَابَةِ سَبْعَة أَشْيَاء وَهِي: الصّرْف وَالْقصاص وَالْحُدُود والتعازير ومبيع بِعَيْنِه وَعمل أجِير يعْمل بِنَفَقَتِهِ وحمولة دَابَّة بِعَينهَا، فَوجه الْمَنْع فِي الصّرْف هُوَ أَن يُؤَدِّي للتأخير، وَوَجهه فِي الْقصاص وَالْحُدُود والتعازير أَنه لَا يُمكن استيفاؤها من الضَّامِن عِنْد هروب الْمَضْمُون، وَوَجهه فِي الْمَبِيع بِعَيْنِه أَنه إِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يَأْتِي بِهِ عِنْد تعذره بِهَلَاك وَنَحْوه، فَهَذَا غير مُمكن. وَإِن كَانَ الْمَعْنى أَنه يضمن قِيمَته عِنْد تعذره فَذَلِك جَائِز، لكنه لم يصدق عَلَيْهِ أَنه تحمل بِعَيْنِه بل يقيمته وَوَجهه فِي الْأَجِير يعْمل بِنَفَقَتِهِ أَي أكله أَنه إِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يقوم مقَام الْأَجِير فِي الْعَمَل، وَالْأكل عِنْد تعذره بِمَرَض وَنَحْوه، فَهَذَا الضَّامِن قد يقل عمله وَيكثر، وَكَذَا أكله قد يقل وَيكثر فَفِيهِ خطر مَعَ أَنه دخل على اسْتِيفَاء الْعَمَل من شخص معِين، وَإِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يَأْتِي بِهِ وَلَو هلك أَو تروغ، فَهَذَا لَا يُمكن وَهُوَ وَجه الْمَنْع فِي حمولة دَابَّة بِعَينهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالضَّمَان شغل ذمَّة أُخْرَى كَمَا مرَّ، والمعينات لَا تقبلهَا الذمم، وَكَذَا الْحُدُود وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلقَة بالأبدان وَعَن هَذِه الْأُمُور احْتَرز (خَ) بقوله: إِن أمكن اسْتِيفَاؤهُ من ضامنه الخ. وَبِقَوْلِهِ شغل ذمَّة أُخْرَى الخ.
(بَاب فِي الرشد والأوصياء وَالْحجر وَالْوَصِيَّة وَالْإِقْرَار وَالدّين والفلس)
ذكر فِي هَذِه التَّرْجَمَة سَبْعَة أَبْوَاب، ثمَّ ميز بَعْضهَا من بعض بالفصول وَبَدَأَ بِبَيَان الرشد فَقَالَ: الرُّشْدُ حِفْظُ المَالِ مَعْ حُسْن النَّظَرْ وَبَعْضُهُمْ لَهُ الصَّلَاحُ مُعْتَبَرْ (الرشد) الَّذِي يخرج بِهِ السَّفِيه من الْولَايَة هُوَ (حفظ المَال مَعَ حسن النّظر) فِي تنميته والتجر فِيهِ وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك صَلَاح الدّين، فَهُوَ إِذا كَانَ فَاسِقًا متمرداً فِي الْمعاصِي، وَكَانَ مَعَ ذَلِك ضابطاً لمَاله يحسن تنميته والتجر فِيهِ فقد اسْتحق الْإِطْلَاق وَالْخُرُوج من الْولَايَة، وَأَحْرَى أَن لَا يحْجر عَلَيْهِ إِن لم يكن مولى عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وشارب الْخمر إِذا مَا ثمرا الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم من اشْتِرَاط حسن النّظر مَعَ حفظ المَال هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَصفَة من يحْجر عَلَيْهِ من الْأَحْرَار أَن يكون يبذر مَاله سَرفًا فِي لذاته من الشَّرَاب وَالْفِسْق وَيسْقط فِيهِ سُقُوط من لَا يعد المَال شَيْئا، وَأما من أَخذ مَاله وأنماه وَهُوَ فَاسق فِي حَاله غير مبذر لمَاله فَلَا يحجز عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ
لَهُ مَال عِنْد وَصِيّ قَبضه اه. فَانْظُر إِلَى قَوْلهَا: وأنماه الخ. هُوَ ظَاهر فِي اشْتِرَاط التنمية كَمَا فِي (ح) وعَلى اشْتِرَاطهَا درج فِي الشَّامِل حَيْثُ قَالَ: وَزَالَ السَّفه برشد وَهُوَ حفظ المَال وَحسن تنميته وَإِن من غير جَائِز الشَّهَادَة على الْمَشْهُور الخ. فَيكون قد درج على ظَاهر الْمُدَوَّنَة من اشْتِرَاط التنمية، وعَلى ظَاهرهَا أَيْضا عول ابْن سَلمُون قَائِلا: وَبِه الحكم، وَنَحْوه لِابْنِ مغيث قَائِلا: وَعَلِيهِ الْعَمَل، وَقد علمت أَن النَّاظِم يتبع مَا عَلَيْهِ عمل الْحُكَّام، وَإِن كَانَ مُخَالفا للمشهور، لِأَن الْعَمَل مقدم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن الْمَشْهُور فِي الرشد إِنَّمَا هُوَ حفظ المَال فَقَط، وَلَا يشْتَرط مَعَه حسن تنميته وَلَا صَلَاح دين كَمَا هُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِلَى حفظ مَال ذِي الْأَب الخ. واحترزت بِقَوْلِي: الَّذِي يخرج بِهِ السَّفِيه من الْولَايَة الخ. من الرشد الَّذِي لَا يحْجر مَعَه على صَاحبه فَإِن اللَّخْمِيّ قد حكى الِاتِّفَاق على أَن من لَا يحسن التَّجر وَيحسن الْإِمْسَاك لَا يحْجر عَلَيْهِ الخ. وَعَلِيهِ فالرشد رشدان رشد يخرج بِهِ من الْولَايَة، وَهُوَ مَحل الْخلاف الْمُتَقَدّم ورشد لَا يسْتَحق التحجير مَعَه إِن لم يكن مولى عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ كَذَا فِي (ح) وضيح (و) قَالَ (بَعضهم) وهم المدنيون من أَصْحَاب مَالك (لَهُ) أَي مَعَه (الصّلاح) فِي الدّين (مُعْتَبر) زِيَادَة على مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن التَّصَرُّف فِيهِ، فَاللَّام فِي لَهُ بِمَعْنى (مَعَ) وَقد حَكَاهُ فِي الْمُغنِي عَن بَعضهم، وَالضَّمِير لما ذكر كَمَا قَررنَا، وَالْجُمْلَة معمولة لِلْقَوْلِ الْمُقدر، وَيحْتَمل أَن تكون اللَّام بِمَعْنى (عِنْد) وَالضَّمِير للْبَعْض وَعَلِيهِ فبعضهم مُبْتَدأ، وَالصَّلَاح مُبْتَدأ ثَان. وَله يتَعَلَّق بمعتبر، وَلَا بُد فِي هَذَا الْوَجْه من تَقْدِير كَلَام أَي: وَبَعْضهمْ الصّلاح مُعْتَبر عِنْده مَعَ مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ، فَالْوَجْه الأول أحسن إِذْ لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى تَقْدِير، إِذْ الضَّمِير فِي (لَهُ) عَائِد على مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ وَوجه هَذَا القَوْل إِنَّه إِذا لم يكن صَالحا فِي دينه بل كَانَ فَاسِقًا شريباً مثلا أدّى إِطْلَاقه من الْحجر إِلَى فنَاء مَاله، وَلَكِن الْمَعْمُول بِهِ مَا تقدم من اعْتِبَار حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ وَلَا زَالَ الْعَمَل عَلَيْهِ إِلَى الْآن، وَأما حسن الدّين فَلَا وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وشارب الْخمر إِذا مَا ثمرا لما يَلِي من مَاله لن يحجرا والتثمير التنمية. وَالابْنُ مَا دامَ صَغِيرا للأَبِ إِلَى بُلُوغٍ حَجْرُهُ فِيمَا اجْتُبي
(وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (للْأَب إِلَى الْبلُوغ حجره) مُبْتَدأ ثَان وَخَبره للْأَب و (فِيمَا اجتبى) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر أَي: فِيمَا اجتبى عِنْد جَمِيع أهل الْعلم، وَلَا مَفْهُوم للْأَب بل وَالْوَصِيّ والمهمل كَذَلِك، وَظَاهره أَنه لَا يخرج من الْحجر وَلَو ظهر رشده وَحسن تصرفه وَهُوَ كَذَلِك اتِّفَاقًا كَمَا فِي ضيح وَعَلِيهِ فَإِذا تصرف بِغَيْر مُعَاوضَة من هبة وَعتق فَإِن ذَلِك لَا يمْضِي وَلَو بِإِذن وليه كَمَا فِي الْمُقدمَات وَإِن تصرف بمعاوضة من بيع وَشِرَاء وَنَحْوهمَا، فَذَلِك مَوْقُوف على نظر وليه إِن رَآهُ مصلحَة أَمْضَاهُ وإلاَّ، رده فَإِن لم يكن لَهُ ولي وغفل عَن ذَلِك حَتَّى احْتَلَمَ ورشد كَانَ النّظر إِلَيْهِ فِي إِنْفَاذ ذَلِك أَو رده، وَلَو وَافق فعله السداد والمصلحة على الْمَشْهُور (خَ) : وللولي رد تصرف مُمَيّز وَله إِن رشد وَلَو حلف بحريّة عَبده فِي صغره وَحنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي أَوَائِل النِّكَاح: إِذا كَانَ الْمَحْجُور يَبِيع وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذ وَيُعْطِي بِرِضا حاجره وسكوته، فَيحمل على أَنه هُوَ الَّذِي فعله بذلك أفتى شَيخنَا الإِمَام وَوَقع الحكم بِهِ قَالَ: وَلَا يبعد أَن يجْرِي على حكم مَا إِذا أعطي مَالا لاختبار حَاله وَفِيه قَولَانِ فِي الْمُدَوَّنَة اه. وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. وَمَا تقدم عَن الْبُرْزُليّ نَقله (ح) صدر الْبيُوع عِنْد قَوْله: ولزومه تَكْلِيف الخ. قَائِلا: وَبِه أَفْتيت، وَمُقَابِله للأبهري أَن سُكُوته لَيْسَ بِرِضا يَعْنِي: وَلَا بِإِذن، وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزمه ذَلِك، وعَلى الأول فَإِن كَانَ صَوَابا ومصلحة لزم، وَإِن كَانَ غير مصلحَة نقض مَا دَامَ البيع قَائِما بيد المُشْتَرِي، فَإِن فَاتَ بِيَدِهِ بِبيع أَو غَيره لم ينْقض وَرجع على المُشْتَرِي بِكَمَال الْقيمَة على مَا أفتى بِهِ ابْن رشد فَإِن تعذر الرُّجُوع على المُشْتَرِي بِكُل وَجه وَكَانَ الْوَصِيّ عَالما بِأَنَّهُ غير مصلحَة فَالظَّاهِر أَنه يضمن اه. الثَّانِي: لَيْسَ معنى قَوْلهم: إِذا كَانَ الْمَحْجُور يَبِيع وَيَشْتَرِي بِحَضْرَة وليه وسكوته الخ أَنه يكون مُطلق الْيَد وَيخرج بذلك من الْحجر حَتَّى يمْضِي مَا فعله بِغَيْر حَضْرَة وليه كَمَا توهمه عبارَة الْمواق وَتمسك بهَا بَعضهم الْيَوْم فَأفْتى بذلك، وَإِنَّمَا مُرَادهم أَن مَا فعله بِحَضْرَتِهِ وسكوته من بيع وَنَحْوه يحمل على أَنه أجَاز خُصُوص ذَلِك البيع، وَنَحْوه الْوَاقِع بِحَضْرَتِهِ لِأَن سُكُوته عَنهُ إِذن فِيهِ حكما، وَأما مَا عداهُ مِمَّا لم يكن بِحَضْرَتِهِ فَلَا يمْضِي إِلَّا بإمضائه وَقد قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة. لَيْسَ الْإِذْن للسفيه فِي البيع مزيلاً للسفه اه. وَإِذا كَانَ الْإِذْن بالصراحة لَيْسَ مزيلاً للسفه فأحرى السُّكُوت الَّذِي هُوَ منزل مَنْزِلَته، بل ذكر (ح) فِي الْإِقْرَار عِنْد قَوْله: لَا أقرّ الخ. خلافًا فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أَو لَيْسَ بِإِذن؟ قَالَ عَن ابْن رشد: وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن الخ. وَعَلِيهِ فَمَا تقدم عَن الْأَبْهَرِيّ هُوَ الْأَظْهر لَوْلَا أَن الحكم وَالْفَتْوَى وَقعت بِخِلَافِهِ فِي خُصُوص النَّازِلَة كَمَا مر فَيجب اتِّبَاعه. الثَّالِث: إِذا بَاعَ الْمَحْجُور شَيْئا من عقاره وَنَحْوه بِغَيْر إِذن وليه فللولي الرَّد والإمضاء كَمَا مرَّ، ثمَّ الْمُبْتَاع إِن وجد الثّمن بيد الْمَحْجُور وَشهِدت بَيِّنَة لم تُفَارِقهُ أَنه الثّمن الْمَدْفُوع أَو كَانَ مِمَّا
يعرف بِعَيْنِه أَخذه، وَكَذَا إِن شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ صرفه فِي مَصَالِحه مِمَّا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُد قَالَه ابْن سَلمُون. وَنَقله فِي الْمواق صدر الْبيُوع وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَحكي عَن العبدوسي أَن الْعَمَل عَلَيْهِ. إنْ ظَهَرَ الرُّشْدُ وَلَا قوْلَ لأَبْ وَبالغٌ بِالعَكْسِ حَجْرُهُ وَجَبْ (إِن ظهر الرشد) : شَرط فِيمَا قلبه، وَالْمعْنَى أَن الصَّبِي إِمَّا أَن يبلغ ظَاهر الرشد متحققه فيرتفع الْحجر عَنهُ حِينَئِذٍ (وَلَا قَول لأَب) فِي رد شَيْء من أَفعاله وَلَو لم يشْهد على إِطْلَاقه من الْولَايَة لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بِبُلُوغِهِ وَظُهُور رشده، وَإِمَّا أَن يبلغ ظَاهر السَّفه متحققه وَهُوَ معنى قَوْله:(وَبَالغ بِالْعَكْسِ حجره وَجب) فَلَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله وَلَو لم يحْجر عَلَيْهِ على مَا عَلَيْهِ الْعَمَل الْيَوْم حَتَّى يثبت رشده، وَإِمَّا أَن يبلغ مَجْهُول الْحَال مشكوكاً فِيهِ، فَإِن جدد عَلَيْهِ أَبوهُ الْحجر بفور الْبلُوغ كَانَ مَرْدُود الْأَفْعَال أَيْضا كَمَا قَالَ: كَذَاكَ مَنْ أبُوهُ حَجْراً جَدَّدَا عَلَيْهِ فِي فَوْرِ البُلُوغِ مُشْهِدَا (كذك) يسْتَمر (من أَبوهُ حجرا جددا عَلَيْهِ) الْحجر (فِي فَور الْبلُوغ) حَال كَونه (مشهداً) بذلك بِأَن يشْهد الشُّهُود أَنه جدد الْحجر عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يمْضِي لَهُ فعل إِلَّا بعد تبين رشده وإطلاقه من ثقاف الْحجر الخ. فَيكون قَوْله: كَذَاك حجر الخ. هُوَ فِي مَجْهُول الْحَال قبل مُضِيّ الْعَام والعامين أَي فِي مَعْلُوم السَّفه، وَفَائِدَته فِي مَعْلُوم السَّفه أَنه لَا يخرج من الْحجر إِلَّا بِالْإِطْلَاقِ على القَوْل بِاعْتِبَار الْولَايَة وَهُوَ قَول مَالك لَا على القَوْل بِاعْتِبَار الْحَال الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَصح أَن يكون كَلَامه هُنَا فِيمَن بلغ مَعْلُوم الرشد لِأَن هَذَا لَا يَصح تحجيره وَلَو بفور الْبلُوغ كَمَا فِي النَّقْل، وكما قدمه النَّاظِم فِي قَوْله: وَلَا قَول لأَب الخ. وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} (النِّسَاء: 6) إِذْ لَا يجوز إمْسَاك مَاله حِينَئِذٍ عَنهُ، وَمن أمْسكهُ فَهُوَ ضَامِن كَمَا يَأْتِي للناظم آخر الْبَاب خلافًا لما فِي الشَّيْخ بناني عَن ابْن عَاشر من أَنه يجوز التَّجْدِيد مَعَ كَونه حَافِظًا لمَاله الخ. وَظَاهر قَوْله: بفور الْبلُوغ أَن تجديده عَلَيْهِ قبله لَا يَصح لِأَنَّهُ من تَحْصِيل الْحَاصِل كَمَا لَا يَصح تَجْدِيد الْحجر على الْبِنْت الْبكر قبل الْبناء قَالَه ابْن رشد، وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي قَائِلا: وَبِه الْقَضَاء وَالْعَمَل. ثمَّ لَا بُد أَن يضمنوا بُلُوغه فِي رسم التَّجْدِيد وإلاَّ بَطل لاحْتِمَال أَن يكون جدد قبل الْبلُوغ فَلم يُصَادف محلا كَمَا أَنه لَا بُد أَن يضمنوا فِي الْبِنْت وَقت الدُّخُول وإلاَّ بَطل لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة قَالَه فِي دعاوى المعيار. ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم من جَوَاز التَّجْدِيد الْمَذْكُور. قَالَ المتيطي عَلَيْهِ انْعَقَدت الْأَحْكَام، وَقَالَ ابْن مغيث: بِهِ مضى الْعَمَل من شُيُوخنَا قَالَ: وَلَا يجوز حِينَئِذٍ من أَفعاله شَيْء. قَالَ: وَكَذَا لَا يلْزمه مَا أقرّ بِهِ بعد التحجير بِمدَّة، وَأما مَا أقرّ بِهِ بِالْقربِ من تحجيره فَيلْزمهُ ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق قَالَ: وَمَا
ذكره من التَّفْصِيل فِي إِقْرَاره مَبْنِيّ على قَول مَالك أَن فعل السَّفِيه قبل الْحجر مَحْمُول على الْإِجَازَة وَهُوَ قَول مَالك، فَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ بِالْقربِ من تحجيره لِئَلَّا يضيع مَال من عَامله بِخِلَافِهِ بعد الطول من حجره لبعد وَقت التَّعَامُل اه. وَمَفْهُوم قَوْله: بفور الْبلُوغ أَنه إِذا تَأَخّر تَجْدِيد الْحجر عَن الْبلُوغ بِكَثِير، وَالْمرَاد بذلك مَا زَاد على الْعَام والعامين كَمَا فِي التَّوْضِيح وَغَيره لم يجز تجديده وَلم يلْزم، وَعَلِيهِ يحمل مَا فِي وَصَايَا المعيار عَن سَيِّدي مُوسَى العبدوسي من أَن شُهُود التَّجْدِيد إِن لم يضمنوا علمهمْ بِسَفَه الْوَلَد فَلَا أثر للتجديد وَلَا عمل عَلَيْهِ اه. وَقَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَلَا يجدد الْأَب الْحجر على ابْنه الذّكر إِلَّا فِي فَور بُلُوغه فَإِن ترَاخى قَلِيلا لم يجز إِلَّا بِالشَّهَادَةِ باتصال سفهه، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بِهِ خرج من ولَايَته وَلَا يدْخل تحتهَا إِلَّا أَن يثبت عِنْد القَاضِي سفهه ويعذر إِلَيْهِ، فَإِن لم يكن لَهُ مدفع ولى عَلَيْهِ أَبَاهُ أَو غَيره اه. وَنَحْوه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن جدد تسفيه ابْنه الْبَالِغ عِنْد حَدَاثَة بُلُوغه جَازَ ذَلِك. قَالَ ابْن الْعَطَّار إِلَى عَام، وَقَالَ الْبَاجِيّ: هُوَ على السَّفه إِلَى عَاميْنِ حَتَّى يثبت رشده، وَإِن تبَاعد فَهُوَ على الرشد حَتَّى يثبت سفهه عِنْد القَاضِي ويعذر إِلَيْهِ، يقدم عَلَيْهِ نَاظرا أَبَاهُ أَو غَيره اه. وَبالغٌ وَحَالُهُ قدْ جُهِلَا عَلَى الرَّشَادِ حَمْلُهُ وَقِيلَ لَا (وَبَالغ وحاله قد جهلا على الرشاد حمله) حَتَّى يثبت سفهه، وَهِي رِوَايَة ابْن زِيَاد عَن مَالك، وَهُوَ ظَاهر مَا فِي نِكَاح الْمُدَوَّنَة إِذا احْتَلَمَ الْغُلَام فَلهُ أَن يذهب حَيْثُ شَاءَ إِلَّا أَن يتَأَوَّل أَنه أَرَادَ نَفسه لَا بِمَالِه كَمَا تَأَوَّلَه ابْن أبي زيد (وَقيل لَا) يحمل على الرشد بل على السَّفه وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد والتوضيح، وَهُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِلَى حفظ مَال ذِي الْأَب الخ. أَي إِلَى وجوده، وَفِي الْجَهْل لم يُوجد لَهُ حفظ، وَلذَلِك كَانَ للْأَب أَن يحْجر عَلَيْهِ بفور بُلُوغه كَمَا مرّ. وَفِي الشَّامِل: وَللْأَب تسفيه وَلَده بعد بُلُوغه مَا لم يعلم رشده الخ. لَكِن هَذَا القَوْل الْمَشْهُور ظَاهر فِي أَنه مَحْمُول على السَّفه حَيْثُ يثبت رشده وَلَو طَال، وَتقدم أَنه إِذا طَال حَتَّى زَاد على العامين فَإِنَّهُ يحمل على الرشد وَلَيْسَ للْأَب تسفيهه حِينَئِذٍ إِلَّا بِالرَّفْع وَإِثْبَات سفهه كَمَا مرَّ وَهُوَ قَول ثَالِث. وَكَانَ النَّاظِم لما قدم القَوْل بالتجديد إِثْر الْبلُوغ حسن مِنْهُ أَن يُشِير إِلَى الْقَوْلَيْنِ الباقيين فِي الْمَسْأَلَة وإلاَّ فَهَذَا الْبَيْت لَا حَاجَة إِلَيْهِ، وَرُبمَا يكون ذكره مشوشاً ومعارضاً لما قدمه وَالله أعلم. وَإنْ يَمُتْ أبٌ وقَدْ وَصَّى عَلَى مُستَوْجِبٍ حَجْراً مَضَى مَا فَعَلا
(وَإِن يمت أَب و) الْحَال أَنه (قد وصّى على مستوجب) بِكَسْر الْجِيم اسْم فَاعل (حجرا) مَفْعُوله من صَغِير أَو سَفِيه يثبت سفهه بِبَيِّنَة وَقت الْإِيصَاء أَو مَجْهُول حَال لم يمض عَلَيْهِ الْعَام والعامين من بُلُوغه، لِأَن الْإِيصَاء عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كتجديد الْحجر عَلَيْهِ (مضى مَا فعلا) من تحجيره، والإيصاء عَلَيْهِ وَلَا يخرج حِينَئِذٍ من الْولَايَة إِلَّا بِإِطْلَاق من وَصِيّ أَو سُلْطَان وأفعاله كلهَا مَرْدُودَة قبل الْإِطْلَاق، وَإِن علم رشده أَو مَاتَ وَصِيّه وَلم يقدم عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَوْله (خَ) : إِلَى فك وَصِيّ أَو مقدم الخ. وَلَكِن الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْآن هُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه إِذا علم رشده وَثَبت فَلَا ترد أَفعاله، وَإِن كَانَ وَصِيّه أَو أَبوهُ مَوْجُودا فضلا عَن مَوْتهمَا وَإِن ثَبت سفهه فأفعاله مَرْدُودَة وَإِن لم يكن مولى عَلَيْهِ قَالَ ناظم الْعَمَل: وينتفي الْحجر إِذا بدا الرشاد فَمن تصرف مضى وَلَا فَسَاد وَهَذَا الْعَمَل مطرد فِي الذّكر وَالْأُنْثَى وَذي الْأَب وَالْوَصِيّ والمهمل. تَنْبِيه: ظَاهر قَول النَّاظِم مضى مَا فعلا الخ. أَن الْأَب إِذا شَرط فِي إيصائه أَن وَلَده يكون مُطلق التَّصَرُّف بعد بُلُوغه أَنه يعْمل بِشَرْطِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا صدر بِهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة: والمعين مَا لم يثبت سفهه فتستمر عَلَيْهِ الْولَايَة وَترد أَفعاله، وَقَالَ ابْن عَرَفَة: إِن شَرط الْأَب فِي إيصائه بِابْنِهِ إِطْلَاقه بعد بُلُوغه عشْرين سنة فَمَاتَ وَصِيّه وبلع الْيَتِيم الْمدَّة وَتصرف وَهُوَ مَجْهُول الْحَال فَفِي وقف تصرفه على ثُبُوت رشده وإطلاقه بِشَرْطِهِ قَولَانِ. قلت: وبالأول عمل الْقُضَاة من ذَوي الْعلم ببلدنا اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله ابْن غَازِي فِي التَّكْمِيل. وَيَكْتَفِي الوَصِيُّ بالإِشْهَادِ إذَا رَأَى مَخَايلَ الرَّشَادِ (ويكتفي الْوَصِيّ) من قبل الْأَب ووصيه (بِالْإِشْهَادِ) على نَفسه أَنه أطلق مَحْجُوره من ثقاف الْحجر، وَإِن لم تشهد بَيِّنَة برشده وَحسن تصرفه (إِذا رأى مخايل) دَلَائِل (الرشاد) وَهُوَ مُصدق فِيمَا يذكرهُ من رشده وَحسن تصرفه، وَإِن لم يعرف إِلَّا من قَوْله وَسَوَاء كَانَ مَحْجُوره ذكرا أَو أُنْثَى، قَالَ فِي الشَّامِل: وَزَوَال الْحجر ببلوغ ورشد بَينهمَا اختبار ثمَّ قَالَ: واختباره يكون بِدُخُول الْأَسْوَاق ومخالطة النَّاس فِي البيع وَالشِّرَاء فينكر على المغبون ويغبط الرابح وَهل يختبر بِدفع شَيْء
يسير من مَاله قَولَانِ. وَسَيَأْتِي أَن الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ جَوَاز اختباره بالشَّيْء الْيَسِير فِي قَول النَّاظِم: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. وَإِنَّمَا كَانَ لَا يجوز الترشيد إِلَّا بعد الاختبار لقَوْله تَعَالَى: وابتلوا الْيَتَامَى} إِلَى قَوْله: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} الْآيَة (النِّسَاء: 6) ابْن دبوس: اخْتلف فِي إِطْلَاق الْوَصِيّ مَحْجُوره فَقَالَ مَالك: إِطْلَاقه جَائِز وَالْوَصِيّ مُصدق فِيمَا يذكر من حَاله، وَقيل لَا يجوز إِطْلَاقه إِلَّا أَن يعلم رشده بِبَيِّنَة وَهِي رِوَايَة أصبغ، وعَلى الأول الْعَمَل اه. بِاخْتِصَار. وَمَفْهُوم مخايل الرشاد أَنه إِذا لم يرهَا لم يجز لَهُ أَن يُطلقهُ إِلَّا أَن يثبت رشده بِالْبَيِّنَةِ وَيحكم القَاضِي عَلَيْهِ بِهِ، وَكَذَا مقدم القَاضِي الَّذِي هُوَ مَفْهُوم الْوَصِيّ لَيْسَ لَهُ أَن يُطلقهُ بِمَا يعرفهُ من حَاله بل لَا بُد من إِذن القَاضِي وَشَهَادَة الْبَيِّنَة برشده كَمَا قَالَ: وَفِي ارْتِفَاعِ الحَجْرِ مُطْلقاً يَجِبْ إثْبَاتُ مُوجِبٍ لترشِيدٍ طُلِب (وَفِي ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا) كَانَ من مقدم القَاضِي أَو الْوَصِيّ حَيْثُ لم ير مخايل الرشاد وإلاَّ فَهُوَ مَا قبله (يجب إِثْبَات مُوجب لترشيد طلب) أَي: طلبه الْمَحْجُور فَلَا يُجَاب إِلَيْهِ بعد إِثْبَات مُوجبَة من الْبَيِّنَة برشده وَحسن حَاله، وَأَنه مِمَّن لَا يخدع فِي بيع وَلَا ابتياع ويعذر القَاضِي للْوَصِيّ والمقدم فِي تِلْكَ الْبَيِّنَة فَإِذا لم يجد مطعناً حكم بِإِطْلَاق حِينَئِذٍ وَمَا ذكره النَّاظِم فِي مقدم القَاضِي من أَنه لَا يرشده إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَو عمل رشده هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الشَّامِل ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ قَائِلا: لفساد حَال النَّاس الْيَوْم إِذْ كثيرا مَا يقدم غير الْمَأْمُون فيتهم أَن يَقُول رشيد فِيمَن لَيْسَ برشيد ليسامحه الْمولى عَلَيْهِ وَيشْهد لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا يؤتمن أحد الْيَوْم إِلَّا أَن يثبت رشده اه. وَنَحْو ذَلِك لِابْنِ عَطِيَّة فِي قَوْله تَعَالَى: وابتلوا الْيَتَامَى} (النِّسَاء: 6) قَائِلا: الصَّوَاب فِي أوصياء زَمَاننَا أَن لَا يسْتَغْنى عَن الرّفْع للسُّلْطَان وَثُبُوت الرشد عِنْده لما حفظ من تواطىء الأوصياء على ترشيد محاجيرهم ويبرئهم الْمَحْجُور لسفهه وَقلة تَحْصِيله فِي ذَلِك الْوَقْت اه. وَنقل ذَلِك ابْن رحال فِي شَرحه، وَعَلِيهِ فَالْعَمَل الَّذِي فِي مقدم القَاضِي يجْرِي فِي الْوَصِيّ لِاتِّحَاد الْعلَّة بِفساد الزَّمَان لِأَن ذَلِك إِذا كَانَ فِي زمَان ابْن عَطِيَّة فَكيف بِهِ فِي زَمَاننَا الَّذِي هُوَ بعده بقرون كَثِيرَة؟ وَلذَا قَالَ الشَّيْخ الرهوني: الْعَمَل بذلك مُتَعَيّن فِي زَمَاننَا. تَنْبِيه: علم من هَذَا أَن مقدم القَاضِي إِذا دفع المَال للمحجور بِمَا يعرفهُ من حَال رشده دون بَيِّنَة وَدون حكم القَاضِي عَلَيْهِ بِهِ فَهُوَ ضَامِن لَهُ كَمَا أَن الْوَصِيّ إِذا دَفعه لَهُ قبل مخايل الرشاد ضمن أَيْضا وَكَذَا بعد مخايله على مَا تقدم عَن ابْن عَطِيَّة. وَيَسْقُطُ الإعْذَارُ فِي الترشِيدِ حَيْثُ وَصِيُّه مِنَ الشُّهُودِ
(وَيسْقط الْإِعْذَار فِي الترشيد حَيْثُ وَصِيّه من الشُّهُود) إِذْ لَا مُنَازع لَهُ غَيره. مَفْهُومه أَنه إِذا لم يشْهد بترشيده فَلَا بُد من الْإِعْذَار إِلَيْهِ إِن طلبه فَإِن أبدى مطعناً فَذَاك وإلاَّ لزمَه ترشيده، وَمَفْهُوم وَصِيّه أَنه لَا يسْقط الْإِعْذَار حَيْثُ كَانَ الْمُقدم من الشُّهُود، وَهَذَا كُله على مَا تقدم من أَن للْوَصِيّ الترشد بِمَا يعرف من حَال مَحْجُوره بِخِلَاف مقدم القَاضِي، وَأما على مَا مر عَن ابْن عَطِيَّة من مُسَاوَاة الْوَصِيّ للمقدم فَلَا يسْقط الْإِعْذَار ويكلفهما القَاضِي بِأَن يبحثا عَن أَحْوَال الشُّهُود، فَإِن اتَّهَمَهُمَا فِي التَّقْصِير عَن الْبَحْث لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة فيبحث هُوَ بِنَفسِهِ أَو يَأْمر من يبْحَث لَهُ. وَلما فرغ من الْكَلَام على ذِي الْأَب وَالْوَصِيّ أَشَارَ إِلَى المهمل وَذكر فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال فَقَالَ: وَالبَالِغُ المَوْصُوف بالإهْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الحَالِ (والبالغ الْمَوْصُوف بالإهمال) أَي لَيْسَ لَهُ أَب وَلَا وَصِيّ وَلَا مقدم من قَاض بل وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ أحد هَؤُلَاءِ فَلَا مَفْهُوم للإهمال على قَول ابْن الْقَاسِم هَذَا (مُعْتَبر) حكمه (بوصفه فِي الْحَال) أَي: فِي حَال تصرفه بِبيع أَو شِرَاء وَغَيرهمَا ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ وفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رُدَّ كُلُّهُ (فَظَاهر الرشد) حَال تصرفه وَشهِدت بِهِ بَيِّنَة مُعْتَبرَة (يجوز فعله) وتصرفه وَلَو بِهِبَة وَنَحْوهَا ويمضي ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا مقَال لِأَبِيهِ وَلَا لغيره فِي فَسخه مَا لم يكن فِي بَيْعه وابتياعه غبن فَيجْرِي على حكمه الْمُتَقَدّم فِي فَصله. (وَفعل ذِي السَّفه) الظَّاهِر الَّذِي شهِدت بَيِّنَة أَيْضا (رد) فعله (كُله) كَانَ فِيهِ غبن أم لَا كَانَ لَهُ ولي أم لَا لِأَنَّهُ مَحْجُور شرعا وَفِي نفس الْأَمر فَلَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله وَلَو وَافَقت السداد. وذَاك مُرْوِيٌّ عَن ابْن القَاسِمِ مِنْ غير تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ (وَذَاكَ) أَي هَذَا القَوْل (مَرْوِيّ عَن ابْن الْقَاسِم) مُطلقًا (من غير تَفْصِيل) بَين أَن يتَّصل سفهه أَو لَا بِخِلَافِهِ فِي القَوْل الثَّالِث فَإِنَّهُ يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور (لَهُ) مُتَعَلق بقوله (ملائم) نعت لتفصيل، وَبِهَذَا القَوْل الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل إِلَى الْآن، وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم خلافًا لما فِي (خَ) من تصديره بقول مَالك الْمشَار لَهُ بقوله: ومَالِكٌ يُجِيزُ كلَّ مَا صَدَرْ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْه من غَيْرِ نَظَرْ (وَمَالك يُجِيز كل مَا صدر بعد الْبلُوغ عَنهُ) يتَعَلَّق بصدر (من غير نظر) إِلَى كَونه رشيدا أَو
سَفِيها مُعْلنا بالسفه أم لَا اتَّصل سفهه بِالْبُلُوغِ أم لَا وَظَاهره وَلَو تصرف بِغَيْر عوض كعتق وَهبة وَصدقَة وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْعلَّة عِنْده فِي رد فعله وجود الْولَايَة وَهِي لم تُوجد وَبِهَذَا صدر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وتصرفه قبل الْحجر مَحْمُول على الْإِجَازَة عِنْد مَالك لَا ابْن الْقَاسِم الخ. وَعَن مُطَرَّفٍ أَتَى مَنِ اتَّصَلْ سَفَهُهُ فَلَا يَجُوزُ مَا فَعَلْ (و) القَوْل الثَّالِث (عَن مطرف) وَابْن الْمَاجشون (أَتَى) أَن (من) شهِدت فِيهِ بَيِّنَة بِأَنَّهُ (اتَّصل سفهه) من حِين بُلُوغه إِلَى وَقت تصرفه بِبيع وَنَحْوه (فَلَا يجوز مَا فعل) وَيرد بَيْعه وَغَيره. وإنْ يَكُنْ سُفِّه بَعْدَ الرُّشْدِ ففِعْلُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ رَدِّ (وَإِن يكن) طَرَأَ (سفه بعد) أَن شهِدت بَيِّنَة ب (الرشد) وَحفظ المَال (فَفعله) الَّذِي فعله من حَال طرُو السَّفه (لَيْسَ لَهُ من رد) بل هُوَ لَازم لَهُ وَهَذَا. مَا لم يَبِعْ مِنْ خَادعٍ فَيُمْنَعُ وَبالّذِي أَفَاتَهُ لَا يُتْبَعُ (مَا لم يبع من خَادع) أَي مَا لم يكن بَيْعه بيع غبن وخديعة بِبَيِّنَة كَأَن يَبِيع مَا يُسَاوِي ألفا بِمِائَة أَو يَشْتَرِي كَذَلِك (فَيمْنَع) بَيْعه وابتياعه ويفسخان وَيَقْضِي عَلَيْهِ برد الثّمن فِي الابتياع وَالثمن فِي البيع إِن بقيا بِيَدِهِ (و) أما إِن فَاتَ (بِالَّذِي أفاته) من ذَلِك (لَا يتبع) حَيْثُ لم يصون بِهِ مَاله وَإِلَّا ضمن الْأَقَل مِنْهُ وَمِمَّا صونه كَمَا مر عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ إِذْ غَايَته أَن المُشْتَرِي هُنَا سلطه على الثّمن وَالْبَائِع سلطه على الْمُثمن، فَهُوَ أَمِين فيهمَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فيهمَا حَيْثُ لم يصن بهما مَاله على قَول مطرف، وَكَذَا على قَول ابْن الْقَاسِم حَيْثُ كَانَ ظَاهر السَّفه بِخِلَافِهِ على قَول مَالك، ثمَّ قَول مطرف لم يفرق فِيهِ بَين معلن السَّفه وَغَيره بل بالاتصال وَعَدَمه، وَفرق بَينهمَا أصبغ وَهُوَ رَابِع الْأَقْوَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ أفعالَهُ وَالْعَكْسُ فِي العَكْسِ انْدَرَجْ (ومعلن) أَي ظَاهر (السَّفه) لكل أحد
لَا يُصِيب السداد فِي شَيْء من أَفعاله (رد) أصبغ (ابْن الْفرج) جَمِيع (أَفعاله وَالْعَكْس) أَي صَاحب الْعَكْس وَهُوَ غير معلن السَّفه وَلَا ظَاهره لكل أحد بل يُصِيب السداد فِي الْبَعْض دون الْبَعْض (فِي الْعَكْس اندرج) فتمضي أَفعاله وَلَا يرد شَيْء مِنْهَا وبقولي: لكل أحد الخ. تظهر الْمُغَايرَة من قولي أصبغ ومطرف إِذْ مطرف لَا يشْتَرط ظُهُوره لكل أحد بل يَكْتَفِي ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ وَإِن لم يظْهر بغَيْرهَا وَيعْتَبر الِاتِّصَال وَعَدَمه، وَأصبغ يشْتَرط ذَلِك وَلَا يعْتَبر الِاتِّصَال وَعَدَمه وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْبَالِغ المهمل الْمَجْهُول الْحَال الَّذِي لم تشهد بَيِّنَة بِظُهُور رشده وَلَا بضده فَقَالَ: وَفِعْلُ مَنْ يُجْهِلُ بالإِطْلَاقِ حَالَتهُ يَجوزُ باتِّفَاقِ (وَفعل من يجهل) مُبْتَدأ (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بقوله يجوز (حَالَته) نَائِب فَاعل يجهل (يجوز) خبر الْمُبْتَدَأ (بِاتِّفَاق) حَال أَي: وَفعل من يجهل حَاله يجوز بِالْإِطْلَاقِ كَانَ بعوض أَو لَا حَال كَون الْجَوَاز بِاتِّفَاق الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة، وَيجوز أَن يكون بِاتِّفَاق يتَعَلَّق بيجوز وبالإطلاق حَال. وَقَوْلِي: المهمل احْتِرَازًا من الْمَجْهُول ذِي الْأَب أَو الْوَصِيّ أَو الْمُقدم فَإِنَّهُ لَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله إِلَى ظُهُور رشده، نعم ذُو الْأَب إِذْ بلغ مَجْهُول الْحَال وَلم يجدد عَلَيْهِ الْحجر حَتَّى مضى الْعَام وَنَحْوه فَهُوَ على الرشد كَمَا مر. وَحَاصِل مَا تقدم من أول الْبَاب أَن غير الْبَالِغ من الذُّكُور أَفعاله كلهَا مَرْدُودَة، وَلَو ظهر لَهُ شبه رشد فَلَا عِبْرَة بذلك إِلَّا أَن يكون تصرفه بِرِضا وليه وسكوته كَمَا مر، والبالغ مِنْهُم إِن ثبتَتْ لَهُ حَالَة رشد فأفعاله مَاضِيَة وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ وَلَا عِبْرَة بِحجر وَلَا فك كَانَ لَهُ أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو لم يكن لَهُ شَيْء من ذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم الْمَعْمُول بِهِ من مُرَاعَاة الْحَال مُطلقًا كَمَا مر، وَإِن كَانَ قد بلغ مَجْهُول الْحَال وَلم يثبت سفهه وَلَا رشده فَإِن كَانَ ذَا أَب وجدد عَلَيْهِ الْحجر بالفور كَمَا مر مضى على حجره حَتَّى يثبت رشده فَيخرج، وَلَو لم يُطلقهُ أَبوهُ، وَإِن كَانَ ذَا وَصِيّ أَو مقدم فَهُوَ على حجره حَتَّى يثبت رشده فَيخرج أَيْضا وَلَا يحْتَاج إِلَى فكهما على الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لما فِي حَاشِيَة ابْن رحال من اشْتِرَاط الفك وَإِن لم يكن لَهُ حاجر أصلا فأفعاله جَائِزَة. هَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ فِي الذُّكُور، وَأما الْإِنَاث فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِنَّ فِي النّظم إِن شَاءَ الله. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَن الْمَحْجُور إِذا بَاعَ فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ وَوَافَقَ السداد أَو بَاعَ مَا لَيْسَ بمصلحة بِحَضْرَة وليه أَو تصرف بِغَيْر مُحَابَاة بِمحضر وليه وسكوته، فَإِن ذَلِك مَاض اُنْظُرْهُ هُنَاكَ، وَانْظُر أَيْضا مَا تقدم أول هَذَا الْبَاب وَتقدم أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ. أَن الْمَحْجُور إِذا أودع وَدِيعَة عِنْد رشيد فَإِن الرشيد يضمنهَا، وَأَن الْمَحْجُور إِذا أَمن مَحْجُورا أَو عَامله فأتلف الثّمن فَإِن الضَّمَان على الْمُتْلف بِكَسْر اللَّام، وَإِذا طلب المُشْتَرِي من الْمَحْجُور أَو البَائِع مِنْهُ تَحْلِيف الْوَلِيّ أَنه مَا أذن لمحجوره فِي البيع وَالشِّرَاء حَيْثُ لم يكن ذَلِك بِمحضر وليه فَلَا يَمِين عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا أعطَاهُ بعض مَاله مختبرا
الثَّانِي: قَالَ فِي الكراس الثَّانِي من معاوضات المعيار: أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الْمَحْجُور إِذا مَاتَ وليه فالحجر منسحب عَلَيْهِ حَتَّى يُطلق اه. يَعْنِي بترشيد حاجره أَو ثُبُوت رشده على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال كَمَا مر، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَلَيْسَ للمحجور من تخلص إِلَّا بترشيد إِذا مَاتَ الْوَصِيّ وَالله أعلم. وَيَجْعلُ القَاضي بكلِّ حَالِ عَلَى السَّفِيهِ حاجِراً فِي المَالِ (وَيجْعَل القَاضِي بِكُل حَال على السَّفِيه) الثَّابِت سفهه (حاجراً فِي المَال) يحفظه لَهُ ويمنعه من التَّصَرُّف فِيهِ لِئَلَّا يضيعه والسفه خفَّة الْعقل وَمِنْه ثوب سَفِيه أَي خَفِيف قَالَه السوداني، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مَا يَشْمَل الصَّبِي، وَانْظُر إِذا أخبر القَاضِي بسفهه وَلم يَجْعَل عَلَيْهِ حاجراً حَتَّى أتلف مَاله، وَالظَّاهِر أَنه يجْرِي على قَول (خَ) كتخليص مستهلك من نفس أَو مَال فَيضمن، وَكَذَا يضمن الشُّهُود إِذا علمُوا وَلم يخبروا القَاضِي بذلك أَيْضا. وَانْظُر أَيْضا فِي الرجل أَو الْمَرْأَة يضع يَده على مَال الْأَيْتَام من غير إيصاء وَلَا تَقْدِيم وَأمكنهُ الرّفْع إِلَى الْحَاكِم فَلم يفعل أَنه مُصدق فِيمَا يَدعِي تلفه وَيَده فِي ذَلِك يَد أَمَانَة كالملتقط وحافظ المَال الَّذِي لَا حَافظ لَهُ قَالَه فِي وَصَايَا المعيار، ثمَّ إِذا جعل عَلَيْهِ حاجراً فَإِنَّهُ ينْفق على الْمَحْجُور مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يتجر بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا يسْتَحبّ ذَلِك فَقَط كالوصي، وَإِذا تلف فِي حَال التِّجَارَة أَو قبلهَا أَو بعْدهَا فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ كَالْمُودعِ مَا لم يفرط ويشترى لَهُ بِهِ الرَّقِيق للغلة وَالْحَيَوَان من الْمَاشِيَة كَمَا فِي (ح) وَأَحْرَى إِذا كَانَ الْحَيَوَان من مَتْرُوك أَبِيه فَإِنَّهُ يتْركهُ لَهُ للغلة إِن كَانَ مصلحَة وَمَا يَقُوله الْعَامَّة من الطّلبَة من أَن الْمَحْجُور لَا يتْرك لَهُ الْحَيَوَان لسرعة تغيره خطأ لما علمت من أَن ذَلِك بِحَسب الْمصلحَة، والمصلحة فِي الْبَوَادِي هُوَ ترك ذَلِك لَهُم وشراؤه لَهُم، وَفِي الحواضر عدم الشِّرَاء وَالتّرْك لعدم من يصونه فِي الْغَالِب، فَإِن وجد من يصونه ترك لَهُم، وَانْظُر ابْن سَلمُون. وَلَا يجوز أَن تدخل أَمْوَال الْيَتَامَى فِي ذمَّة الأوصياء بِأَن يكون لَهُم ربحها وَعَلَيْهِم ضَمَانهَا لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة نَقله (ح) لَكِن ذكر الشَّيْخ مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بردلة: أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَنه جرى الْعَمَل بِجعْل المَال فِي ذمَّة الْوَصِيّ والمقدم قَائِلا: وَلم ندرك الْأَمر إِلَّا على ذَلِك، وفعلوا ذَلِك لكَونه من الْمصَالح الْعَامَّة فَلَمَّا قلت الْأَمَانَة وَصَارَ الأوصياء يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ويزعمون تلفهَا جعل الْعلمَاء ذَلِك فِي ذمتهم احْتِيَاطًا للمحجور كَمَا جعلُوا أُجْرَة الدَّلال جعلا إِن بَاعَ قبضا وإلاّ فَلَا لقلَّة الْأَمَانَة فِي السماسرة اه. قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل على مَا قَالَه إِلَى الْآن فَيَقُول الموثق فِي وَثِيقَة زِمَام التَّرِكَة بعد إِخْرَاج صوائرها مَا نَصه: وَمَا بَقِي من الْمَتْرُوك بعد الصوائر الْمَذْكُورَة وَقدره كَذَا هُوَ للمحجور فِي ذمَّة الْوَصِيّ أَو الْمُقدم لَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِمُوجب الخ. وإلاَّ فَكَانَ الْوَاجِب على مَا مر عَن (ح) أَن يَقُول:
وَمَا بَقِي فَهُوَ أَمَانَة تَحت يَد الْوَصِيّ وَحفظه إِلَى رشد مَحْجُوره وَدفعه لَهُ بِمُوجب، فَإِذا ادّعى التّلف صدق على هَذَا لَا على مَا بِهِ الْعَمَل. وَلما فرغ من الْكَلَام على مَا يخرج بِهِ الذّكر من الْحجر شرع فِي الْكَلَام على مَا تخرج بِهِ الْأُنْثَى وَأَنَّهَا أَرْبَعَة أَقسَام: ذَات أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو مُهْملَة فَقَالَ: وَإنْ تَكُنْ بِنْتٌ وَحَاضَتْ وَالأَبُ حَيٌّ فَلَيْسَ الْحَجْرُ عَنْهَا يَذْهَبُ (وَإِن تكن) أَي تُوجد (بنت) فَاعل (و) الْحَال أَنَّهَا (حَاضَت و) أَن (الْأَب حَيّ) احْتَرز بِالْأولِ مِمَّا إِذا لم تَحض فَإِنَّهَا دَاخِلَة فِي قَوْله فِيمَا مر: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَبِالثَّانِي مِمَّا إِذا مَاتَ الْأَب فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُوصي عَلَيْهَا غَيره أَو يَتْرُكهَا مُهْملَة، وَسَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا (فَلَيْسَ الْحجر عَنْهَا) أَي عَن الَّتِي حَاضَت وَلها أَب حَيّ (يذهب) بل تستمر فِي حجره وَلَا تخرج مِنْهُ. إلاّ إذَا مَا نَكَحَتْ ثمَّ مَضَى سَبْعَةُ أَعْوامٍ وذَا بهِ القَضَا (إِلَّا) بِأحد أَمريْن أَولهمَا (إِذا مَا) زَائِدَة (نكحت) أَي إِلَّا إِذا تزوجت وَوَطئهَا الزَّوْج (ثمَّ مضى سَبْعَة أَعْوَام) من يَوْم وَطئه إِيَّاهَا فَإِنَّهَا تخرج حيئذ بمضيها حَيْثُ جهل حَالهَا، فَإِن عرفت بالسفه فَلَا تخرج وَلَو مضى لَهَا أَكثر من عشرَة أَعْوَام (وَذَا) القَوْل (بِهِ القضا) ء وَالْعَمَل كَمَا لِابْنِ رشد وَمحل خُرُوجهَا بِمُضِيِّ الْمدَّة الْمَذْكُورَة مَعَ جهل الْحَال. مَا لم يُحَدِّدْ حَجْرِهَا إثْرَ البِنا أَوْ سَلَّمَ الرُّشْدَ الَّذِي تَبَيّنا (مَا لم يحدد) أَبوهَا (حجرها إِثْر الْبَنَّا) ء بهَا ووطئه إِيَّاهَا بِأَن يَقُول للشُّهُود: اشْهَدُوا عَليّ بِأَنِّي جددت الْحجر على بِنْتي فُلَانَة الْمَذْكُورَة فِي رسم النِّكَاح أَعْلَاهُ بِحَيْثُ لَا تفعل فعلا إِلَّا بإذني وَمهما فعلت بِغَيْر إذني فَهُوَ رد، وَلَا بُد أَن ينصوا فِي هَذَا الرَّسْم على أَنه قَالَ لَهُم ذَلِك بعد الْبناء وَالْوَطْء، فَإِن لم ينصوا على ذَلِك بَطل التَّجْدِيد لاحْتِمَال أَن يكون التَّجْدِيد قبل الْوَطْء، إِذْ لَا يلْزم من الدُّخُول وَالْبناء الْوَطْء بِالْفِعْلِ إِذْ كِلَاهُمَا عبارَة عَن إرخاء السّتْر عَلَيْهَا، نعم إِذا كَانَ عرفهم أَن الْبناء وَالدُّخُول لَا يطلقان إِلَّا على الْوَطْء بِالْفِعْلِ فَيَكْفِي أَن يَقُولُوا: وَذَلِكَ بعد الْبناء وَالدُّخُول الخ. فَإِذا ثَبت هَذَا الرَّسْم فَإِنَّهَا لَا تخرج حِينَئِذٍ إِلَّا بترشيده إِيَّاهَا وَلَو لم يعرف إِلَّا من قَوْله: أَو بِثُبُوت رشدها وَلَو لم يرشدها على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال كَمَا مر. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن الْأَب إِذا مَاتَ قبل السَّبْعَة أَعْوَام وَقبل التَّجْدِيد أَن القَاضِي يقدم عَلَيْهَا كَمَا يقدم على الصغار وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ الْحَاج، وَمرَاده بالإثر أَن يكون التَّجْدِيد دَاخل الْمدَّة الَّتِي تخرج بهَا وَهِي سَبْعَة أَعْوَام، فَإِذا خرجت لم يَصح التَّجْدِيد كَمَا لَا يَصح قبل الدُّخُول أَيْضا لِأَنَّهَا محجورة، فالتجديد من تَحْصِيل الْحَاصِل كَمَا مر عَن العبدوسي، ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم تبعا لِابْنِ رشد وَغَيره من أَن
الْعَمَل على أَنَّهَا لَا تخرج من الْحجر إِلَّا بِمُضِيِّ سَبْعَة أَعْوَام هُوَ أحد أَقْوَال سَبْعَة ذكرهَا (ح) وَقيل إِنَّهَا تخرج من الْحجر بِانْقِضَاء عَاميْنِ إِلَّا أَن يجدد الْأَب الْحجر قبل هَذِه الْمدَّة، وَهِي رِوَايَة ابْن نَافِع عَن مَالك، قَالَ ابْن رشد: وَهِي رِوَايَة غراء أغفلها الشُّيُوخ المتقدمون وحكموا بِرِوَايَة شَاذَّة منسوبة لِابْنِ الْقَاسِم لَا يعلم لَهَا مَوضِع، أَنَّهَا لَا تخرج إِلَّا بِمُضِيِّ سَبْعَة أَعْوَام قَالَ الوانشريسي فِي أنكحة المعيار: فَإِذا مَاتَ أَبوهَا بعد مُضِيّ العامين من بِنَاء زَوجهَا فَلَا كَلَام فِي مُضِيّ أفعالها إِن لم تعرف بِسَفَه على هَذِه الراوية الغراء اه. وَذكر ناظم عمل فاس أَن عَمَلهم على هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: وَالْبكْر حجرها أَب مَا جدده تخرج بالعامين من بعد الدُّخُول جَائِزَة الْأَفْعَال للرشد تؤول فَيكون الْعَمَل الَّذِي ذكره النَّاظِم قد تبدل فَتَأَمّله وَثَانِي الْأَمريْنِ اللَّذين تخرج بهما من الْحجر مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم عاطفاً على نكحت بقوله: (أَو) أَي إِلَّا إِذا نكحت أَو لم تنْكح وَلَكِن ثَبت رشدها بِالْبَيِّنَةِ و (سلم الرشد الَّذِي تَبينا) وَثَبت وَلم يجد الْأَب فِيهِ مطعناً فَإِنَّهَا تخرج من الْحجر أَيْضا ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَالْأَب حَيّ الخ. وَهُوَ مَا إِذا مَاتَ فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون قد أوصى عَلَيْهَا فَهُوَ قَوْله: وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ حَتى يَزُولَ حُكْمُهُ بِما يَجِبْ (وَحجر من وصّى عَلَيْهَا) أَبوهَا (ينسحب) وَيسْتَمر وَلَو دخل الزَّوْج وَبنى بهَا وَمَضَت لَهَا سَبْعَة أَعْوَام فَأكْثر من دُخُوله وَلَا يحْتَاج فِي اسْتِمْرَار وانسحابه إِلَى تَجْدِيد دَاخل السَّبْعَة (حَتَّى يَزُول حكمه) أَي الْحجر (بِمَا يجب) من ترشيده إِيَّاهَا وَلَو لم يعرف إلاَّ من قَوْله على مَا مر فِي قَول النَّاظِم: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ
…
لَا على مَا لِابْنِ عَطِيَّة هُنَاكَ من ثُبُوت رشدها بِالْبَيِّنَةِ وَلم يجد الْوَصِيّ مطعناً فِيهَا. والعَمَلُ اليَوْمَ عَلَيْهِ ماضِي وَمِثْلهُ حَجْرُ وصِيِّ القَاضِي (وَالْعَمَل الْيَوْم عَلَيْهِ) أَي على مَا ذكر من ترشيده إِيَّاهَا أَو ثُبُوت رشدها (مَاض وَمثله) أَي مثل الْوَصِيّ من قبل الْأَب (حجر وَصِيّ القَاضِي) أَي مقدمه فِي كَونه ينسحب، وَيسْتَمر أَيْضا حَتَّى يَزُول حكمه بِالْبَيِّنَةِ فَقَط وَلَا يَكْفِي ترشيده إِيَّاهَا على مَا قدمه فِي قَوْله: وَفِي ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا يجب الخ. وَإِمَّا أَن يَمُوت وَلَا يُوصي عَلَيْهَا أحدا وَهُوَ قَوْله:
وَإنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الإهْمَالِ فإنّها مَرْدُودَةُ الأفَعْالِ (وَإِن تكن) الَّتِي حَاضَت (ظَاهِرَة الإهمال) بِحَيْثُ لم يوص عَلَيْهَا أَبوهَا وَلَا قدم القَاضِي عَلَيْهَا أحدا (فَإِنَّهَا مَرْدُودَة الْأَفْعَال) كلهَا من تبرعات ومعاوضات وَلَا يمْضِي مِنْهَا شَيْء وَلها إِن رشدت رد ذَلِك كُله وَلَو طَال. إِلَّا مَعَ الوُصُولِ لِلتَّعْنِيسِ أَوْ مُكْثِ عَامٍ أَثَرَ التَّعْرِيسِ (إِلَّا مَعَ الْوُصُول للتعنيس) وَهُوَ خَمْسُونَ سنة كَمَا يَأْتِي (أَو) مَعَ (مكث عَام) من دُخُول الزَّوْج بهَا (أثر) بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة (التَّعْرِيس) وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم. وقِيلَ بَلْ أفْعَالُها تُسَوَّغُ إنْ هِيَ حَالَةَ المَحِيضِ تَبْلُغُ (وَقيل) وَهُوَ لسَحْنُون (بل أفعالها تسوغ) وَتجوز (إِن هِيَ حَالَة الْمَحِيض) بِالنّصب مفعول مقدم بقوله (تبلغ) أَي تمْضِي أفعالها بِمُجَرَّد الْبلُوغ لِأَنَّهَا عِنْده بِمَنْزِلَة الذّكر السَّفِيه الَّذِي لم يول عَلَيْهِ فتمضي أَفعاله عِنْد مَالك لَا ابْن الْقَاسِم. وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ من خَمْسِينِ فِيما بِهِ الْحُكْمُ إِلَى السِّتينِ (وَالسّن فِي التعنيس من خمسين) سنة (فِيمَا بِهِ الحكم) وَالْقَضَاء (إِلَى السِّتين) سنة. وَتَحْصِيل مَا بِهِ الْعَمَل فِي النسْوَة من قَوْله: وَإِن تكن بنت وحاضت إِلَى هُنَا أَن من لم تبلغ الْمَحِيض مِنْهُنَّ ففعلها مَرْدُود مُطلقًا كَمَا مر فِي قَوْله: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَمن بلغت مِنْهُنَّ إِن ثبتَتْ لَهَا حَالَة رشد فأفعالها مَاضِيَة وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ، وَلَا عِبْرَة بِحجر وَلَا فك كَانَ لَهَا أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو لم يكن لَهَا شَيْء من ذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ من مُرَاعَاة الْحَال مُطلقًا كَمَا مر فِي الذّكر، وَإِن بلغت الْمَحِيض وَهِي مَجْهُولَة الْحَال فَإِن كَانَت ذَات أَب فَلَا يمْضِي فعلهَا إِلَّا بعد مُضِيّ سَبْعَة أَعْوَام من دُخُولهَا على مَا للناظم أَو مُضِيّ عَاميْنِ على مَا لناظم عمل فاس حَيْثُ لم يجدد الْأَب عَلَيْهَا الْحجر دَاخل السَّبْعَة أَو العامين وَإِلَّا فَلَا يمْضِي فعلهَا أبدا إِلَّا بِثُبُوت رشدها أَو ترشيده إِيَّاهَا، وَإِن كَانَت ذَات وَصِيّ أَو مقدم والموضوع بِحَالهِ من جهل الْحَال فَلَا يمْضِي شَيْء من أفعالها أَيْضا حَتَّى يثبت رشدها وَلَا تحْتَاج إِلَى فك أَو يرشدها الْوَصِيّ بِمُجَرَّد قَوْله على مَا للناظم لَا على مَا لِابْنِ عَطِيَّة كَمَا مر، وَإِن كَانَت مُهْملَة والموضوع بِحَالهِ أَيْضا ففعلها يمْضِي بالتعنيس أَو مُضِيّ عَام من دُخُولهَا.
وَحَيْثُ رَشَّدَ الوصيّ مَنْ حَجَرْ ولايَةُ النِّكاحِ تَبْقَى بالنَّظَرْ (وَحَيْثُ رشد الْوَصِيّ من حجر) أَي رشد محجورته فولاية المَال تذْهب عَنْهَا وتزول و (ولَايَة النِّكَاح تبقى بِالنّظرِ) فَلَا يعْقد نِكَاحهَا غَيره كَمَا لَو رشدها أَبوهَا فَإِنَّهُ لَا يعْقد نِكَاحهَا غَيره أَيْضا إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ من يتَقَدَّم على الْأَب كالابن وَابْنه فيتقدم على الْوَصِيّ أَيْضا وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله فِي النِّكَاح: وَإِن يرشدها الْوَصِيّ مَا أَبى فِيهَا ولَايَة النِّكَاح كَالْأَبِ وَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ مِنْ تَخَلُّصِ إلاّ بترشيدٍ إذَا مَات الوَصِي (وَلَيْسَ للمحجور) ذكرا أَو أُنْثَى (من تخلص) من الْحجر (إِلَّا بترشيد) ثَابت شهِدت بِهِ بَيِّنَة مُعْتَبرَة وَحكم الْحَاكِم بِهِ (إِذا مَاتَ الْوَصِيّ) أَو الْمُقدم وَبَقِي من كَانَ فِي حجرهما مهملاً أَي فَإِنَّهُ لَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله حَتَّى يثبت رشده وَيحكم الْحَاكِم بِإِطْلَاقِهِ. وَبَعْضُهُمْ قد قَالَ بالسَّرَاحِ فِي حقّ مَنْ يُعْرَفُ بالصَّلَاحِ (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ ابْن الْقَاسِم (قد قَالَ) إِذا مَاتَ وَصِيّه وَتَركه مهملاً (بالسراح) من ثقاف الْحجر (فِي حق من يعرف بالصلاح) فِي التَّصَرُّف فتمضي أَفعاله من حِين حسن تصرفه وَلَو لم يحكم الْحَاكِم بِإِطْلَاقِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مر لِأَن الْعبْرَة عِنْده بِالْحَال لَا الْولَايَة وَالْأول هُوَ قَول مَالك يعْتَبر الْولَايَة لَا الْحَال وَكَانَ الْعَمَل بِهِ قَدِيما ثمَّ تبدل، وَلذَا نقل (ح) عَن الْبُرْزُليّ أَنه إِذا تصرف بعد موت وَصِيّه فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن تصرفه حِينَئِذٍ كتصرفه قبل مَوته إِلَّا أَن يعرف فِيهِ وَجه الصَّوَاب اه. فَهَذَا الْعَمَل إِنَّمَا هُوَ على مَا لِابْنِ الْقَاسِم. وَالشَّأْنُ الإِكثارُ مِنَ الشُّهُودِ فِي عَقْدَي التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ (والشأن) الَّذِي بِهِ الْعَمَل عِنْد الموثقين (الْإِكْثَار من الشُّهُود فِي عقدي التسفيه) وَهُوَ الشَّهَادَة
بِأَنَّهُ مبذر لمَاله لَا يحسن التَّصَرُّف فِيهِ وَيسْقط فِيهِ سُقُوط من لَا يعد المَال شَيْئا كَمَا مر أول الْبَاب عَن الْمُدَوَّنَة فَيسْتَحق بذلك الضَّرْب على يَده وَيمْنَع من التَّصَرُّف فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبل وَترد أَفعاله الْمَاضِيَة على الْمَعْمُول بِهِ من اعْتِبَار الْحَال لَا على مُقَابِله فَإِنَّهُ لَا يرد الْمَاضِي من أَفعاله (والترشيد) أَي الشَّهَادَة بِأَنَّهُ حَافظ لمَاله حسن النّظر فِيهِ فَيجب بهَا مُضِيّ أَفعاله وَإِن لم يُطلقهُ وليه وَلَا الْحَاكِم على الْمَعْمُول بِهِ أَيْضا. وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العَدْلانِ وَفِي مَرَدِّ الرُّشْدِ يَكْفِيَانِ (وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العدلان) بل الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة من الْعُدُول وَمن اللفيف السِّتَّة عشر إِلَى الْعشْرين كَمَا لناظم الْعَمَل فِي شَرحه عِنْد قَوْله: وَقدره فِي الْغَالِب اثْنَا عشرا وزد لكالرشد وضد أكثرا وَنقل عَن الكلالي أَن السِّتَّة من اللفيف تقوم مقَام الْعدْل الْوَاحِد، وَظَاهره أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك وَلَو عجز السَّفِيه عَن أَكثر من شَاهِدين، وَالَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ أصبغ فِي الْمُوازِية: لَا تجوز شَهَادَة رجلَيْنِ فِي ترشيد حَتَّى يكون ذَلِك فاشياً قَالَ فِي الْوَاضِحَة: فَإِن لم يكن فاشياً لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله غير أَن شَهَادَتهمَا فِي تَجْوِيز مَا فعله من عتق وَغَيره مَاضِيَة، ثمَّ بعد كَلَام نقل عَن أصبغ أَن السَّفِيه إِن عجز عَن أَكثر من شَاهِدين لم يمْنَع من أَخذ مَاله اه. وَنَحْوه فِي أقضية الْبُرْزُليّ قَائِلا: إِذا لم يُمكنهُ الاستكثار يَكْفِيهِ العدلان الخ. يَعْنِي وَمَا يقوم مقَامهَا من اللفيف وَهُوَ الاثنا عشر كَمَا مر. قَالَ ابْن فَرِحُونَ آخر الْبَاب الأول من الْقسم الثَّانِي مَا نَصه: الشَّهَادَة فِي الترشيد والتسفيه. قَالَ ابْن الْمَاجشون وَغَيره من أَصْحَاب مَالك: يشْتَرط فيهم الْكَثْرَة وَأَقلهمْ أَرْبَعَة وَالْمَشْهُور أَنه يجزىء فِي ذَلِك اثْنَان اه. قلت: وَهَذَا الْمَشْهُور لَا أقل أَن يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الْعَجز عَن الاستكثار فَيجب أَن يُكَلف بالاستكثار ابْتِدَاء فَإِن عجز فيكفيه اثْنَان لِأَنَّهُمَا النّصاب الَّذِي شَرطه الْحق سُبْحَانَهُ فِي سَائِر الْحُقُوق فَلَا تغتر بِمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من عدم الِاكْتِفَاء بالاثنين مَعَ الْعَجز مَعَ أَن الْمَشْهُور من القَوْل كَمَا ترى، فَقَوْل النَّاظِم: وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العدلان يَعْنِي مَعَ إِمْكَان أَكثر وَإِلَّا اكْتفى بهما، ثمَّ إِذا شهد بِالرشد أَرْبَعَة عدُول فَأكْثر وَشهد عَدْلَانِ بالسفه فَإِن شَهَادَة السَّفه أعمل كَمَا قَالَ:(وَفِي مرد الرشد يكفيان) وَقد تقدم ذَلِك فِي تعَارض الشَّهَادَات.
تَنْبِيه: لَا خُصُوصِيَّة للترشيد والتسفيه بالاستكثار الْمَذْكُور بل قَالَ فِي الْفَائِق: كَذَلِك يَنْبَغِي الاستكثار فِي كل مَوضِع تكون الشَّهَادَة فِيهِ على الظَّن الْغَالِب مِمَّا لَا سَبِيل فِيهِ إِلَى الْقطع كالتفليس وَحصر الْوَرَثَة والاستلحاق والاستحقاق وانتقال الْملك للْوَارِث وَالشَّهَادَة للْمَرْأَة بغيبة زَوجهَا، وَعدم رُجُوعه إِلَيْهَا وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ إِلَى غير ذَلِك اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فوثائق الاسترعاء كلهَا يَنْبَغِي فِيهَا الاستكثار مَعَ الْإِمْكَان كَمَا مر وَالله أعلم. وَجَازَ لِلْوَصِيِّ فيمَنْ حَجَرا إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبِرَا لَهُ بِهِ بِشَرْطَيْنِ أَن يعلم مِنْهُ خيرا وَإِن يكون المَال يَسِيرا كالخمسين وَالسِّتِّينَ دِينَارا كَمَا لأبي الْحسن، وَظَاهر النّظم أَنه يجوز للْوَصِيّ ذَلِك وَلَو قبل بُلُوغ الْمَحْجُور، وَقيل لَا يجوز إِلَّا بعد الْبلُوغ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَجْعَل الْوَصِيّ على الصَّبِي من يرقبه أَو كَانَ متطلعاً عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِر، لِأَن الاختبار السَّابِق على الْبلُوغ لَا يُوجب خُرُوجه من الْحجر وَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ الْوَصِيّ فِي إطلاقة مِنْهُ كَمَا مر، وَكَذَا يجوز ذَلِك للمقدم بِإِذن القَاضِي فَإِن تلف المَال الْمَدْفُوع للاختبار فَلَا ضَمَان على الدَّافِع إِلَّا أَن يرى أَنه لَا يصلح مثله للاختبار لشدَّة سفهه فَيكون عَلَيْهِ الضَّمَان، وَلذَلِك يكْتب الشُّهُود فِي رسم الدّفع أَن الْيَتِيم مِمَّن يَصح اختباره فِي علمهمْ. قَالَ ابْن سَلمُون: وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة. فرعان. الأول: فَإِن لحقه دين فَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يلْزمه الدّين لَا فِيمَا دفع إِلَيْهِ وَلَا فِي غَيره، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون و (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن أودع صَبيا إِلَى آخر مَا يَأْتِي، وَقَالَ أَشهب وَابْن الْمَاجشون: يكون ذَلِك الدّين فِي المَال الَّذِي اختبره بِهِ. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: يَنْبَغِي أَن يُبَاع مِنْهُ بِالنَّقْدِ فَمن بَايعه بِالنَّقْدِ فَهَذَا الَّذِي لَا يكون لَهُ فِي المَال المختبر بِهِ شَيْء على قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يكون فِي يَده أَكثر من الَّذِي دفع إِلَيْهِ وليه فَيكون حق الَّذِي داينه فِي الزَّائِد إِذا كَانَ الزَّائِد من مُعَامَلَته إِيَّاه. وَوجه قَول أَشهب: إِن أذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة يَقْتَضِي تعلق دين من داينه عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ على ذَلِك داينه. وَوجه قَول مَالك: إِن الْإِذْن لم يخرج بِهِ من الْولَايَة وَإِنَّمَا هُوَ لاختبار حَاله فَهُوَ كالمولى عَلَيْهِ بعامل قَالَه ابْن يُونُس. قلت: أفتى ابْن الْحَاج وَابْن رشد أَنه إِذا تصرف بمرأى من وليه وَطَالَ تصرفه فَإِن مَا لحقه من الدّين يلْزمه وتصرفه مَاض. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَبِه الْعَمَل، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر، ظَاهر الْمُدَوَّنَة: أَنه مَتى رَآهُ وليه يتَصَرَّف وَسكت فَإِنَّهُ مَاض وَيحمل على أَنه قصد ذَلِك وَبِه جرى الْعَمَل اه. وَهَذَا إِذا كَانَ تصرفه سداداً ومصلحة وإلاَّ فَلَا، وَتقدم عَنهُ أَيْضا نَحوه فِي التَّنْبِيه الأول عِنْد قَوْله: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَذَلِكَ كُله يَقْتَضِي أَن الحكم وَالْعَمَل بقول أَشهب، ثمَّ مَحل قَول ابْن الْقَاسِم إِذا لم
يثبت أَنه أَدخل ذَلِك الدّين فِي مَصَالِحه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة يَعْنِي أَنه صرفه فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وإلاَّ فيلحقه فِي المَال الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَلَو لم يكن دفع للاختبار كَمَا مر فِي الْوَدِيعَة وكما يَأْتِي. الثَّانِي: قَالَ فِي فصل تَقْسِيم الْمُدعى عَلَيْهِم من التَّبْصِرَة مَا نَصه: وَإِذا فرعنا على القَوْل بلحوق الدّين لما بِيَدِهِ فَإِن شهِدت الْبَيِّنَة على بَيْعه أَو إسلافه مُعَاينَة أنفذ ذَلِك وَعمل بِهِ، وَإِن شهدُوا على إِقْرَاره لم يلْزمه شَيْء إِلَّا أَن يشْهدُوا أَن إِقْرَاره كَانَ بِحَضْرَة الْمُبَايعَة وبفورها وَإِن كَانُوا لم يحضروها لكِنهمْ علمُوا أَن ذَلِك كَانَ فِي مجْلِس التبايع، فَتجوز حِينَئِذٍ ويفدى رب الْحق فِيمَا بيد السَّفِيه من المَال بعد الْإِعْذَار إِلَى وليه فِيمَا ثَبت عَلَيْهِ من ذَلِك اه. تَنْبِيه: ذكر الزّرْقَانِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وَإِن أودع صَبيا أَو سَفِيها أَو أقْرضهُ أَو بَاعه فأتلف لم يضمن وَإِن بِإِذن أَهله الخ. مَا نَصه. ثمَّ عدم الضَّمَان مُقَيّد بِمَا إِذْ لم ينصبه فِي حانوته فَإِن نَصبه فِيهِ ضمن مَا أتْلفه مِمَّا اشْتَرَاهُ أَي: لِأَنَّهُ لما نَصبه للْبيع وَالشِّرَاء وَقبُول الْقَرْض والوديعة فقد أطلق لَهُ التَّصَرُّف فَيضمن كَذَا علله اللَّقَّانِيّ، وَالْمرَاد يضمن وليه الناصب لَهُ لَا الصَّبِي اه. فَتَأمل قَوْله: وَالْمرَاد يضمن وليه الناصب لَهُ الخ. فَإِنَّهُ يجب أَن يحمل على مَا إِذا نَصبه وَهُوَ يرى عدم صلاحيته للاختبار كَمَا مر، أَو لم ينصبه بِقصد الاختبار وإلاَّ فَلَا ضَمَان على الْوَلِيّ وَلَا سِيمَا على القَوْل بِجَوَاز اختبار الصَّبِي، بل وَلَا على القَوْل بِعَدَمِ جَوَازه لِأَن التَّفْرِيط إِنَّمَا جَاءَ من قبل من عَامله لَا من قبل من نَصبه وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ، فَلم يظْهر وَجه قَوْله: وَالْمرَاد يضمن وليه الخ. وَإِن لم ينصبه بِقصد الاختبار لِأَن التَّفْرِيط إِنَّمَا جَاءَ من قبل عَامله كَمَا يَأْتِي عَن الْمُدَوَّنَة وَمَا تقدم من أَنه يضمن حَيْثُ علم أَن مثله لَا يصلح للاختبار إِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَان مَال الْمَحْجُور لَا فِي ضَمَان مَال من عَامله. وَقَول (خَ) : وَإِن بِإِذن أَهله خَاص بالوديعة، وَأما بَيْعه وشراؤه بِإِذن وليه فَهُوَ مَاض إِن كَانَ سداداً بل وَلَو لم يكن إِذن وَإِنَّمَا كَانَ هُنَاكَ سكُوت فَإِنَّهُ مَاض أَيْضا كَمَا مر. تَنْبِيه آخر: ابْن حبيب: وَإِذا دفع الْوَصِيّ مَالا ليتيمه ليختبره فَأنْكر ذَلِك الْيَتِيم فالوصي مُصدق فِيمَا دفع إِلَيْهِ إِذا علم أَن الْيَتِيم كَانَ يتجر اه. ثمَّ تقدم من الْخلاف فِي كَون الدّين اللَّاحِق يكون فِي المَال المختبر بِهِ أَو لَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ الْوَلِيّ كَمَا مر، وَأما لَو دفع أَجْنَبِي إِلَى مَحْجُور عَلَيْهِ من يَتِيم أَو عبد مَا لَا يتجر بِهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: مَا لحقهما من دين فِيهِ يكون فِي ذَلِك المَال خَاصَّة قَالَ بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَا يلْزم ذمتهما وَلَا ذمَّة الدَّافِع بِشَيْء. أَبُو الْحسن: لِأَن الَّذِي عَامله فرط إِذْ لم يبْحَث ويتثبت لنَفسِهِ اه. تقدم أَن أَشهب وَابْن الْمَاجشون خالفاه فِي الْوَصِيّ. تَنْبِيه آخر: قَالَ فِي أنكحة المعيار عَن ابْن لب: أَن للْوَصِيّ أَن يَشْتَرِي للمحجور عَلَيْهِ وَيبِيع عَلَيْهِ وَلَا يفْتَقر فِي ذَلِك إِلَى إِثْبَات سداد وَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ، نعم إِن كَانَ عَلَيْهِ مشرف فَلَا بُد من مُوَافَقَته، فَإِن امْتنع مِنْهُ أثبت حِينَئِذٍ السداد فِيمَا فعل بعد مُدَّة. تَنْبِيه آخر: إِذا اشْترى عبد أَو يَتِيم سلْعَة فَأَرَادَ السَّيِّد أَو الْوَصِيّ فسخ ذَلِك فَلَهُمَا ذَلِك فَإِن أَرَادَ المُشْتَرِي مِنْهُمَا أَو البَائِع أَن يحلف السَّيِّد أَو الْوَصِيّ مَا أذنا لَهما فِي ذَلِك فَلَيْسَ لَهما ذَلِك اه. قَالَه الرعيني فِي كتاب الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار.
وَكلُّ مَا أتْلَفَهُ المحْجُورُ فَغُرْمُهُ مِن مَالِهِ المشْهُورُ (وكل مَا أتْلفه الْمَحْجُور) صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا سَفِيها من مَال غَيره تَعَديا، بِأَكْل أَو حرق أَو كسر وَنَحْو ذَلِك وَلم يكن قد أَمن عَلَيْهِ (فغرمه من مَاله) الَّذِي بِيَدِهِ هُوَ (الْمَشْهُور) ظَاهره سَوَاء صرفه فِيمَا لَا بُد مِنْهُ أَو لَا، وَهُوَ كَذَلِك أَي: وَظَاهره أَيْضا وَلَو لم يكن بِيَدِهِ مَال وَقت إِتْلَافه فَإِنَّهُ يتبع بِهِ فِي ذمَّته إِن حصل لَهُ يسر فِي يَوْم مَا وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أودعته وَدِيعَة فاستهلكها ابْنه فَذَلِك فِي مَال الابْن فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي ذمَّته، وَقَالَ الرجراجي فِي كتاب الْمديَان إِن جِنَايَة الصَّغِير على الْأَمْوَال لَازِمَة لمَاله وذمته اه. وَظَاهر النّظم أَيْضا ضَمَانه لما أتْلفه وَلَو كَانَ غير مُمَيّز كَابْن شهر، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة أَن الصَّبِي الَّذِي سنه فَوق شهر يَصح أَن يَتَّصِف بِمَا يُوجب غرمه وَهُوَ جِنَايَته على المَال مُطلقًا وعَلى الدِّمَاء فِيمَا قصر عَن ثلث الدِّيَة بِخِلَاف ابْن شهر، لِأَن فعله كالعجماء حَسْبَمَا تقرر فِي أول كتاب الْغَصْب اه. بل ذكر فِي الشَّامِل وضيح فِي بَاب الْغَصْب أَي: فِيمَن لم يُمَيّز لجنون أَو صغر كَابْن شهر أَو سِتَّة أشهر أَو سنة أَو سنتَيْن أَو أَكثر ثَلَاثَة أَقْوَال. قيل، هدر، وَقيل المَال هدر دون الدَّم فَهُوَ على الْعَاقِلَة إِن بلغ الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَاله، وَثَالِثهَا المَال فِي مَاله وَالدَّم على عَاقِلَته إِن بلغ الثُّلُث، واستظهره ابْن عبد السَّلَام وضيح لِأَن الضَّمَان من خطاب الْوَضع الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف وَلَا تَمْيِيز، وَهَذِه الطَّرِيقَة أرجح مِمَّا تقدم عَن ابْن عَرَفَة فالمميز لَا خلاف فِي ضَمَانه وَغَيره فِيهِ طرق وَالرَّاجِح الضَّمَان فتعبير النَّاظِم بالمشهور صَحِيح بِالنِّسْبَةِ لغير الْمُمَيز، وَهَذَا كُله إِذا لم يُؤمن عَلَيْهِ كَمَا قَررنَا، وَأما إِن كَانَ قد أَمن عَلَيْهِ فَفِيهِ تَفْصِيل أَشَارَ لَهُ بقوله: إلاَّ إذَا طَوْعاً إلَيْهِ صَرَفَهْ وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أتْلَفَهْ (إِلَّا إِذا طَوْعًا إِلَيْهِ صرفه) : بِأَن أَمنه عَلَيْهِ فَيصدق بِمَا إِذا أقْرضهُ إِيَّاه أَو بَاعه أَو ودعه أَو أَعَارَهُ إِيَّاه وَنَحْو ذَلِك. (و) الْحَال أَنه (فِي سوى مصلحَة) لنَفسِهِ (قد أتْلفه) الصَّبِي أَو السَّفِيه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لَا فِي المَال الَّذِي بِيَدِهِ وَلَا فِي غَيره لِأَن ربه بتأمينه إِيَّاه قد سلطه عَلَيْهِ، وَلذَا لَو بَاعَ الْوَدِيعَة أَو العَبْد الَّذِي بَعثه للإتيان بِهِ وأتلف ثمنه فِي غير مصلحَة فَإِن رب العَبْد أَو الْوَدِيعَة
يأخذهما من مشتريهما وَالثمن قد ضَاعَ على المُشْتَرِي، وَمَفْهُوم قَوْله فِي سوى مصلحَة أَنه إِذا أتْلفه فِي مصْلحَته بِأَن أكله أَو لبسه أَو صرف ثمنه فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يضمن الْأَقَل مِنْهُ وَمِمَّا صونه كَمَا مر فِي الْوَدِيعَة، وَهُوَ مَحْمُول مَعَ جهل الْحَال على أَنه صرفه فِي غير مصلحَة حَتَّى يثبت أَنه صرفه فِيهَا على الْمُعْتَمد كَمَا مر. وَفِعْلُهُ بِعَوَضِ لَا يُرْتَضَى وَإنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى (وَفعله) أَي الْمَحْجُور صَبيا كَانَ أَو سَفِيها مولى عَلَيْهِ أم لَا (بعوض) كَبَيْعِهِ لشَيْء من مَاله أَو إِجَارَته وَنَحْو ذَلِك (لَا يرتضى) أَي لَا يمْضِي بل هُوَ مَوْقُوف على إجَازَة وليه أَو الْحَاكِم إِن لم يكن لَهُ ولي (و) لذَلِك (إِن أجَازه وَصِيّه) وَنَحْوه من أَب أَو مقدم أَو الْحَاكِم إِن كَانَ مهملاً (مضى) حَيْثُ كَانَ فعله من بيع وَنَحْوه سداداً أَو عبطة أَو مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي نَفَقَته وإلاَّ لم يمض، وَلَو أَمْضَاهُ من ذكر لأَنهم معزولون عَن غير الْمصلحَة، وَتقدم قَرِيبا لِأَنَّهُ لَا يَمِين على الْوَلِيّ إِن ادّعى المُشْتَرِي من الْمَحْجُور أَن وليه أذن لَهُ فِي البيع وَنَحْوه، وَتقدم قَرِيبا أَيْضا أَنه إِذا تصرف بِمحضر وليه وسكوته فَإِنَّهُ مَاض لِأَن سُكُوته رضَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَ فعله سداداً ومصلحة وإلاَّ فَلَا، فَإِن لم يكن لَهُ ولي أَو كَانَ وَلم يعلم بِفِعْلِهِ حَتَّى رشد كَانَ النّظر إِلَيْهِ فِي الْإِجَازَة وَالرَّدّ وَلَو كَانَ سداداً، وَهَذَا إِذا لم يُغير الْحَال فِيمَا بَاعه بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فِيمَا اشْتَرَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد، وَانْظُر مَا تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين عِنْد قَوْله: وَعكس هَذَا لِابْنِ سَحْنُون نمى الخ. وَتعْتَبر الْمصلحَة فِي رده وإمضائه يَوْم النّظر فِيهِ لَا يَوْم عقده على الْمُعْتَمد، وَهَذَا فِي عقد الْمُمَيز. وَأما غَيره فبيعه بَاطِل (خَ) : وَشرط عاقده تَمْيِيز الخ. وَفِي التَّبرُّعاتِ قد جَرَى العَمَلْ بِمَنْعِهِ وَلَا يُجازُ إنْ فَعَلْ (وَفِي التَّبَرُّعَات) الصادرة من الْمَحْجُور كعتق وَهبة وَصدقَة أَو حبس (قد جرى الْعَمَل بِمَنْعه) مِنْهَا (وَلَا يجاز) فعله لَهَا (إِن) هُوَ (فعل) بل يتَعَيَّن على الْوَلِيّ ردهَا، فَإِن أجازها الْوَلِيّ أَو سكت عَنْهَا حَتَّى رشد وَملك أمره كَانَ النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَلَا يخرج من ذَلِك إِلَّا عتق أم وَلَده فَإِنَّهُ يمْضِي وَكَذَا وَصيته فَإِنَّهَا مَاضِيَة كَمَا يَأْتِي.
وَظَاهِرُ السَّفَهِ جازَ الْحُلْمَا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا (وَظَاهر السَّفه) ثَابِتَة بِالْبَيِّنَةِ من نَعته وَصفته (جَازَ الحلما) حَال كَونه (من غير حجر) عَلَيْهِ بل بَقِي مهملاً لم يول عَلَيْهِ (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز فعله وَعدم جَوَازه (خلف علما) أَي قَولَانِ. أَحدهمَا. جَوَازُ فَعْلِهِ بأَمْرٍ لازِمِ لِمَالِكٍ والمَنْعُ لابنِ القَاسِمِ (جَوَاز فعله) وَلَو بِغَيْر عوض كعتق (بِأَمْر لَازم) وَهُوَ (لمَالِك) وكبراء أَصْحَابه لِأَنَّهُ يُرَاعِي فِي رد أَفعاله وجود الْولَايَة وَهِي مفقودة الْآن. (و) ثَانِيهمَا (الْمَنْع) من جَوَازه وَلَو بعوض وَوَافَقَ السداد (لِابْنِ الْقَاسِم) فَيكون لمن يولي عَلَيْهِ بعد النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَإِن لم يول عَلَيْهِ فالنظر لَهُ إِن رشد وَبِهَذَا الْعَمَل كَمَا مرّ، لِأَن ابْن الْقَاسِم يعْتَبر الْحَال وَبِه تعلم أَن خلاف ابْن الْقَاسِم لَيْسَ خَاصّا بالمهمل بل هُوَ حَتَّى فِي الْمولى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجوز فعله إِذا ظهر رشده وَلَو لم يُطلقهُ وليه كَمَا مر عِنْد قَوْله: والبالغ الْمَوْصُوف بالإهمال الخ. فالبيتان تكْرَار مَعَه. وبالّذي على صَغيرٍ مُهْمَلِ يُقْضَى إِذا صحَّ بمُوجبٍ جَلي (وَبِالَّذِي) ثَبت بِالْبَيِّنَةِ العادلة (على صَغِير مهمل) لَا وَصِيّ لَهُ وَلَا مقدم (يقْضِي) أَي يقْضِي القَاضِي بِالَّذِي ثَبت على المهمل من الْحُقُوق دُيُون أَو غَيرهَا من اسْتِحْقَاق أصُول أَو غَيرهَا بعد يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق (إِذا صَحَّ) الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ (بِمُوجب) بِكَسْر الْجِيم (جلي) بيِّن لَا مطْعن فِيهِ، وَلَا مَفْهُوم لصغير بل غَيره من سَفِيه مهمل أَحْرَى. وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغائِبِ إِلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ (وَهُوَ) أَي المهمل بَاقٍ (على حجَّته) إِذا وجد بَرَاءَة من الْحق أَو جرح بِبَيِّنَتِهِ فَإِنَّهُ ينفع (كالغائب) الْمُتَقَدّم فِي فَصله (إِلَى بُلُوغه) رشيدا حَال كَون بَقَائِهِ على الْحجَّة (بِحكم وَاجِب) فَقَوله: إِلَى بُلُوغه يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ بَاقٍ على حجَّته إِلَى بُلُوغه ورشده، كَمَا أَن الْغَائِب بَاقٍ عَلَيْهَا إِلَى قدومه وَإِلَى بِمَعْنى (عِنْد) وَلَا مَفْهُوم لقَوْله مهمل بل ذُو الْوَلِيّ كَذَلِك فِي بَقَائِهِ على حجَّته وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله فِي اللامية: بتعجيز ذِي الْإِيصَاء قَولَانِ حصلا الخ. وأصحهما كَمَا فِي أقضية المعيار أَنه بَاقٍ على حجَّته لِأَن وليه يعرف حججه الَّتِي تبطل مَا أثْبته الْقَائِم.
وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كلَّ مَا يَجِبْ مِنْ مَالِ مَنْ فِي حِجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ (وَيدْفَع الْوَصِيّ كل مَا يجب) وَيثبت على مَحْجُوره بعد عَجزه عَن الطعْن فِيمَا يثبت عَلَيْهِ (من مَال من فِي حجره) لَا من مَال نَفسه (مهما طلب) بذلك الدّفع وَحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بِهِ وَيبقى الْمَحْجُور على حجَّته على أصح الْقَوْلَيْنِ كَمَا مرّ. وَنَظَرُ الوصِيِّ فِي المَشْهُورِ مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي المحْجُورِ (وَنظر الْوَصِيّ فِي الْمَشْهُور) الَّذِي بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان (منسحب على بني الْمَحْجُور) وَبنَاته تبعا لَهُ، وَظَاهره كَانُوا موجودين وَقت الْإِيصَاء أَو حدثوا بعده، وَخَالف ابْن زرب فِي ذَلِك وَقَالَ: لَا نظر للْوَصِيّ على بني مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي قَالَ المكناسي فِي آخر مجالسه: وَبِه الْعَمَل وَالْقَضَاء، وَنَحْوه فِي وثائق الغرناطي والخرشي والزرقاني عِنْد قَوْله: وَالْوَلِيّ الْأَب الخ. فَتبين أَن كلا من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ، وَلَكِن الَّذِي عول عَلَيْهِ ناظم عمل فاس هُوَ مَا للمكناسي وَمن مَعَه فَقَالَ: وَلَا انسحاب الْمُوصي على أَوْلَاد مَحْجُور بِمَوْت حصلا أَي: بِمَوْت الْوَصِيّ لَا بِمَوْت الْمَحْجُور، وَإِن كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري قَالَ: يظْهر لي أَن مَحل الْقَوْلَيْنِ فِي انسحاب نظر الْوَصِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْمَحْجُور حَيا، أما بعد مَوته فَيَنْبَغِي أَن يتَّفق أَن لَا يبْقى لَهُ نظر عَلَيْهِم لِأَن النّظر عَلَيْهِم إِنَّمَا كَانَ بِحَسب التبع لأبيهم، وَالْقَاعِدَة أَنه إِن عدم الْمَتْبُوع عدم التَّابِع اه. بِنَقْل (م) لَكِن بحث فِي شرح الْعَمَل مَعَ الْمقري الْمَذْكُور وَقَالَ: إِنَّه مُخَالف للمنصوص فَانْظُرْهُ فَوَجَبَ حمل مَا لناظم فاس على موت الْمُوصي كَمَا مر عَن المكناسي وَغَيره لَا على مَا قَالَ الْمقري إِذا لم يذكر أحد أَن الْعَمَل عَلَيْهِ مَعَ أَنه مُخَالف للمنصوص، وَأما مقدم القَاضِي فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل فِيهِ كَمَا فِي ابْن سهل أَنه لَا نظر لَهُ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي، وَأما الْأَب فالمنصوص عَن مَالك أَنه ينطر لأَوْلَاد ابْنه السَّفِيه كَمَا ينظر لَهُ ويوصي عَلَيْهِم كَمَا يُوصي على ابْنه السَّفِيه كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: وَإِنَّمَا يوصى على الْمَحْجُور عَلَيْهِ أَب الخ. نقل ذَلِك كُله شَارِح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَفِي مَفْهُوم الْوَصِيّ فِي النّظم تَفْصِيل، وَظَاهر كَلَام الشَّامِل أَن الْعَمَل على أَنه لَا نظر للْوَلِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره وَصِيّا كَانَ أَو أَبَا أَو مقدما لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي نظر ولي السَّفِيه على ابْنه أَو لَا نظر لَهُ إِلَّا بِتَقْدِيم مُسْتَأْنف وَبِه الْعَمَل قَولَانِ اه. وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ لِلإِمَاءِ وَالنَّصُّ فِي عَقْدِ البناتِ جاءِ (ويعقد) الْوَصِيّ (النِّكَاح للإماء) اللَّاتِي يملكهن مَحْجُوره بِلَا خلاف (وَالنَّص فِي عقد)
النِّكَاح على (الْبَنَات) أَي بَنَات مَحْجُوره (جَاءَ) اسْم فَاعل أَي مَرْوِيّ عَن مَالك فيعقد على الْأَبْكَار البالغات والثيبات اللَّاتِي لم يملكن أَمر أَنْفسهنَّ وَرَآهُ وَصِيّا عَلَيْهِنَّ بِكَوْنِهِ وَصِيّا على أبيهن وَقيل لَا يكون وَصِيّا عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِتَقْدِيم وَهُوَ مَا تقدم عَن ابْن زرب، وَأما بَنَاته اللَّاتِي ملكن أَمر أَنْفسهنَّ فَلَا يعْقد عَلَيْهِنَّ وَكَذَا لَا يعْقد على أَخَوَات مَحْجُوره وَسَائِر قراباته فَإِن فعل مضى على مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْهِنْدِيّ قَالَه فِي الْمُفِيد. وَفِي وثائق ابْن فتحون: أَن للْوَصِيّ أَن يعْقد على كل من كَانَ يعْقد عَلَيْهِ الْمَحْجُور لَو كَانَ رشيدا فَيدْخل إماؤه وأخواته وَسَائِر قراباته لِأَنَّهُ منزل فِي ذَلِك منزلَة محجورة، وَهَذَا كُله فِي الْأَبْكَار والثيبات البالغات. وَعْقَدُهُ قَبْلَ البُلُوغِ جَارِ بِجَعْلِهِ فِي البكْرِ كالإجْبَارِ (و) أما (عقده) على بَنَات مَحْجُوره (قبل الْبلُوغ) فَهُوَ (جَار بجعله) أَي العقد (فِي الْبكر) من بَنَات صلبه أَي: فَإِذا جعل لَهُ أَن يعْقد على بَنَات صلبه من غير جبر كَانَ لَهُ أَن يعْقد على بَنَات ذُكُور محاجيره من غير جبر أَيْضا (كالإجبار) أَي كَمَا أَنه إِذا جعل لَهُ إِجْبَار على بَنَات صلبه كَانَ لَهُ أَن يجْبر بَنَات ذُكُور محاجيره وَإِن جعله وَصِيّا وَأطلق وَلم يُقيد بجبر وَلَا عَدمه فعلى القَوْل بِأَنَّهُ يجْبر بَنَات صلبه فَإِنَّهُ يجْبر بَنَات مَحْجُوره كَذَلِك، وعَلى القَوْل بِعَدَمِ جبر بَنَات صلبه فَلَا يجْبر بَنَات مَحْجُوره، وَهَذَا كُله هُوَ الملائم لقَوْله: منسحب على بني الْمَحْجُور. وَقد قَالَ (خَ) : وجبره وَصِيّ أمره أَب بِهِ أَو عين الزَّوْج وَإِلَّا فخلاف، وسبك كَلَام النَّاظِم وعقده على بَنَات مَحْجُوره قبل بلوغهن جَار أَي جَائِز نَافِذ بِسَبَب جعله لَهُ فِي أبكار بَنَاته كَمَا أَن إجبارهن كَذَلِك جَار على جعله لَهُ فِي أبكار بَنَات صلبه، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ للْمُوصي ذُكُور وإناث وَجعل لَهُ الْجَبْر وَعَدَمه فِي الْإِنَاث، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا الذُّكُور وَأوصى عَلَيْهِم فَيجْرِي فِي جبر بناتهم الْخلاف الْمَذْكُور فِي بَنَات الصلب إِن أوصى عَلَيْهِنَّ وَأطلق وَالله أعلم. وَالنَّقْلُ لِلإيصَاءِ غَيْرُ مَعْمَلٍ إلاَّ لِعُذْرٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلِ (وَالنَّقْل للإيصاء غير معمل) يَعْنِي أَن الْحَاكِم إِذا أَرَادَ أَن ينْقل الْإِيصَاء عَن الْوَصِيّ إِلَى غَيره، أَو أَرَادَ الْوَصِيّ أَن يتخلى عَن الْإِيصَاء بعد قبُوله إِيَّاه وَمَوْت الْمُوصي سَوَاء قبل بِاللَّفْظِ أَو بِالتَّصَرُّفِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يعْمل على ذَلِك (إِلَّا لعذر) كاختلال عقل الْوَصِيّ أَو طرُو فسقه أَو سَفَره سفرا بَعيدا (أَو حُلُول أجل) مَوته فَإِن للْحَاكِم أَن ينْقل الْإِيصَاء حِينَئِذٍ مَعَ الْعذر الْمَذْكُور،
وللوصي أَن يُوصي بِهِ إِلَى غَيره عِنْد وَفَاته أَو سَفَره سفر انْقِطَاع أَو بَعيدا، وَهَذَا إِذا أَرَادَ أَن يعْزل نَفسه بعد موت الْمُوصي وقبوله الْإِيصَاء كَمَا قَررنَا، وَأما فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ أَن يعْزل نَفسه (خَ) : وَله عزل نَفسه فِي حَيَاة الْمُوصي وَلَو قبل لَا بعدهمَا أَي بعد الْقبُول وَمَوْت الْمُوصي أَي قبل ثمَّ مَاتَ الْمُوصي أَو مَاتَ ثمَّ قبل، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور خلافًا لما فِي الطرر عَن ابْن زرب من أَنه إِذا قبل فِي حَيَاة الْمُوصي فَلَا يقبل مِنْهُ عزل نَفسه إِلَّا لعذر، وَإِن قبل بعد مَوته فللقاضي أَن يعفيه لغير عذر الخ فَإِنَّهُ مُقَابل لَا يعول عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بالعذر فِي كَلَام النَّاظِم الْعذر الشَّديد الَّذِي تَنْتفِي مَعَه قدرَة الْمُوصي على الْقيام بمصالح الْمَحْجُور بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْعذر الَّذِي يشق مَعَه الْقيام قَالَه فِي الطرر وَنَقله شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَلَا انحلال لوصي الْتزم إِلَّا لعذر بَين لما الْتزم وَلَا يَرُدُّ العَقْدَ بَعْدَ أَنْ قَبِلْ إنْ مَاتَ مُوصٍ وَلِعُذْرٍ يَنْعَزِلْ هَذَا الْبَيْت غير ضَرُورِيّ الذّكر لِأَن مَا قبله يُغني عَنهُ كَمَا قَررنَا، وَقَوله: إِن قبل أَي بِاللَّفْظِ أَو بِمَا يدل عَلَيْهِ كالتصرف بِالْبيعِ وَقبض الدّين وَنَحْوهمَا، وَسَوَاء قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَاسْتمرّ عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُوصي أَو قبل مَوته، وَأما إِن قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَلم يسْتَمر عَلَيْهِ بل رَجَعَ عَنهُ فَإِن لَهُ ذَلِك وَإِن لم يقلهُ الْمُوصي كَمَا مر عَن (خَ) خلافًا لما فِي الْمُفِيد من أَنه إِذا قَالَه الْمُوصي جَازَت إقالته وَإِلَّا لزمَه النّظر اه. وَلَا رُجُوعَ إنْ أَبَى تَقَدُّمَه مِنْ بَعْدِ أَنْ مَاتَ الَّذِي قَدْ قَدَّمَه (وَلَا رُجُوع) للْوَصِيّ إِلَى قبُول الْإِيصَاء (إِن) كَانَ قد (أَبى تقدمه) أَي قبُوله إِيَّاه (من بعد أَن مَاتَ الَّذِي قد قدمه) (خَ) : وَإِن أَبى الْقبُول بعد الْمَوْت فَلَا قبُول لَهُ بعده أَي: لِأَن إبايته صيرته أَجْنَبِيّا فقبوله بعد إبايته يحْتَاج لاستئناف إيصاء وَهُوَ مَفْقُود بفقد مَحَله، وَلَا مَفْهُوم للظرف بل كَذَلِك إِن أَبى الْقبُول قبل موت الْمُوصي، ثمَّ أَرَادَ أَن يقبل بعد مَوته فِيمَا يظْهر بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمُتَقَدّم، وَهَذَا على أَن من بعد يتَعَلَّق بأبى، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله: وَلَا رُجُوع أَي لَا رُجُوع لَهُ لقبُول الْإِيصَاء بعد موت الْمُوصي إِن كَانَت سبقت مِنْهُ إباية فِي حَيَاة الْمُوصي أَو بعد مَوته.
وَكلُّ مَنْ قُدِّمَ مِنْ قاضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلَا أَي: فَلَا يُوكل غَيره على أُمُور مَحْجُوره وَلَا يوصى عَلَيْهِ عِنْد حُضُور وَفَاته بِخِلَاف الْوَصِيّ، فَلهُ أَن يُوكل ويوصي، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر فِي الْوكَالَة وَتقدم هُنَاكَ أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل جَوَاز تَوْكِيله وَلَا زَالَ الْعَمَل على ذَلِك إِلَى الْآن. تَنْبِيه: كل من الْوَصِيّ والمقدم إِذا وكلا غَيرهمَا لَيْسَ لَهما أَن يجعلا الْإِقْرَار للْوَكِيل كَمَا أَنَّهُمَا لَيْسَ لَهما الْإِقْرَار على الْمَحْجُور، وَقد وَقعت نازلة فِي هَذَا الأوان وَهِي أَن رجلا ادّعى على وَصِيّ أَو مقدم أَن أَبَا محاجيره كَانَ تولى قبض مَتْرُوك وَالِده بوكالة مِنْهُ وزمم لَهُ زمامات تَرِكَة أَبِيه أَحدهَا باسكندرية وَآخر بالجزائر وَآخر بفاس وَحَازَ الزمامات الثَّلَاث وَطلب الْآن مِنْهُ إِحْضَار الزمامات الْمُدَّعِي بهَا على أبي محاجيره وإعمال الْحساب فِيهَا، أَو الْجَواب بِمَا يظْهر لَهُ حضر وَصِيّ المحاجير أَو مقدمهم، وَأجَاب: بِأَن أَبَا محاجيره كَانَ وَكيلا للْمُدَّعِي الْمَذْكُور وَقبض مَا وَجب من مَتْرُوك وَالِده بالزمامات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة، وَإِن أَرَادَ الْحساب يُعْطِيهِ إِيَّاه وَالنَّظَر للشَّرْع المطاع عرفا قدره الخ. وتقيد عقبه بِعدْل وَاحِد مَا نَصه بَعْدَمَا طلب الْمُدَّعِي أَعْلَاهُ من الْمُجيب إِحْضَار زِمَام تَرِكَة الجزائر، وَزعم الْمُجيب الْمَذْكُور أَن الزِّمَام الْمَذْكُور تلف لَهُ وطولب بإحضاره حضر أَحْمد بن عبد الله وَأشْهد أَنه ضمن عَنهُ مَا يجب عَلَيْهِ شرعا فِي إِحْضَار الزِّمَام الْمَذْكُور ضمانا لَازِما بِرِضا الْمَضْمُون لَهُ عرفا قدره الخ. وَقد كَانَ القَاضِي سدده الله سجن الْوَصِيّ الْمَذْكُور حَتَّى يحضر الزِّمَام الْمَذْكُور وَطَالَ سجنه، وسئلت عَن ذَلِك فأجبت بِأَن نَائِب المحاجير من وَصِيّ ومقدم ووكيل لَا يُؤمر وَاحِد مِنْهُم بِجَوَاب الْمُدَّعِي على موروثهم إِذْ من شَرط صِحَة الدَّعْوَى الَّتِي يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها أَن تكون بِحَيْثُ لَو أقرّ بهَا الْمَطْلُوب لزمَه إِقْرَاره احْتِرَازًا من الدَّعْوَى على الْمَحْجُور أَو موروثه، فَإِن الْمَحْجُور ونائبه لَا يُكَلف وَاحِد مِنْهُمَا بجوابها إِذْ إقرارهما بهَا لَا يُفِيد كَمَا فِي التَّبْصِرَة و (ح) وشراح اللامية، وَقد قَالَ (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل ونائب الْمَحْجُور كالمحجور فَكَمَا لَا يُؤَاخذ الْمَحْجُور بِإِقْرَارِهِ كَذَلِك لَا يُؤَاخذ نَائِبه فتكليف نَائِب الْمَحْجُور بِالْجَوَابِ خطأ مِمَّن فعله، وَكَذَا أَخذ الضَّامِن مِنْهُ، وَلذَا قَالَ ابْن عرضون وَغَيره: ولتحذر أبدا أَن تبيح للْوَكِيل الْمَذْكُور الْإِقْرَار إِذْ ذَاك لَا يلْزم الْمَحْجُور وَإِن وكل الْأَب أَو الْوَصِيّ عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره. قلت: وكل فلَان فلَانا عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره لينوب عَنهُ فِي المحاكمة والمخاصمة وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فِي حق نَفسه وعَلى الْإِنْكَار دون الْإِقْرَار فِي حق مَحْجُوره اه. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن قَامَ الطَّالِب بدين على ميت فَإِن القَاضِي يَأْمُرهُ أَن يثبت موت الْمَطْلُوب وعدة ورثته من أجل مَا يحْتَاج من الْإِعْذَار إِلَيْهِم إِن كَانُوا مالكين أَمر أنفسهم، وَإِن كَانُوا صغَارًا وَجعل عَلَيْهِم وَصِيّ كلفه القَاضِي إِثْبَات الْإِيصَاء وَقبُول الْوَصِيّ بِالشَّهَادَةِ على عينه والإعذار فِيهَا إِلَيْهِ بِمَا ثَبت عِنْده من ذَلِك وَإِثْبَات صغَار الْوَرَثَة، فَإِذا أثبت الطَّالِب جَمِيع ذَلِك كَانَت الْخُصُومَة بَينه وَبَين الْوَصِيّ أَو الْمَالِك أَمر نَفسه أَن الْوَصِيّ لَا يُكَلف جَوَابا لِأَن إِقْرَاره لَا يعْمل، وَإِنَّمَا يُقَال للْمُدَّعِي
أُثبت مَا تدعيه على الْمَحْجُور فَإِن أثْبته مكن الْوَصِيّ من الطعْن فِيهِ فَإِن عجز عَن الطعْن حكم على الْمَيِّت بِالدّينِ بعد يَمِين الْقَضَاء اه. وَقَالَ فِي نظم عمل أهل فاس فِي بَاب الْوَصَايَا مِنْهُ: وَمَا من الدّين بِهِ الْوَصِيّ قد أقرّ فِي تَرِكَة الْمَيِّت فسد فَهَذِهِ النُّصُوص كلهَا صَرِيحَة فِي أَن نَائِب الْمَحْجُور لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ، وَأَن جَوَابه بِأَن موروثهم قد قبض جَمِيع مَا وَجب لَهُ غير لَازم للمحاجير وَلَا إِشْكَال، وَكَذَا لَا يلْزمه هُوَ لِأَنَّهُ لم يقر على نَفسه بِشَيْء، وَإِنَّمَا أقرّ عَن الْغَيْر وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة فِي حد الْإِقْرَار: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط الخ. فَخرج بقوله على قَائِله كَمَا للرصاع الشَّهَادَة إِذْ الْخَبَر إِن أوجب حكمه على غَيره هُوَ الشَّهَادَة وَالْوَصِيّ أَو الْمُقدم أَو الْوَكِيل إِذا شهد على منوبه بِشَيْء وَكَانَ عدلا وَاسْتمرّ عَلَيْهَا وَلم يرجع عَنْهَا جَازَت شَهَادَته، وإلاَّ فَلَا. وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة وَنَقله (ح) وَغَيره عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات: وَلَا من شهد لَهُ بِكَثِير وَلغيره بِوَصِيَّة الخ. هَذَا كُله لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مَعْرُوف الْقدر وَالْجِنْس وَأما حَيْثُ كَانَت الدَّعْوَى فِي الزمامات من غير بَيَان قدر مَا فِيهَا وَلَا جنسه وَلَا صفته فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها، وَلَو كَانَ غير مَحْجُور فضلا عَن كَونه مَحْجُورا أَو نَائِبا عَنهُ لكَونهَا من الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ فَفِي الْجَوَاهِر لَو قَالَ: لي عَلَيْك شَيْء لم تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَة، وَالْحكم بِالْمَجْهُولِ مُتَعَذر إِذْ لَيْسَ بعضه أولى من بعض اه. فَقَوله فِي الْمقَال قبض لَهُ مَتْرُوك وَالِده مَجْهُول الْقدر وَالْجِنْس كَقَوْلِه: قبض لَهُ أَشْيَاء من مَتْرُوك وَالِده وَلَا يدْرِي مَا هِيَ تِلْكَ الْأَشْيَاء هَل هِيَ من ذَوَات الْقيم أَو ذَوَات الْأَمْثَال وَلَا يدْرِي عَددهَا وَلَا وَزنهَا. وَقد قَالَ ابْن سهل: فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي شَيْء فِي الذِّمَّة بَين قدره أَو فِي شَيْء من ذَوَات الْأَمْثَال بَين الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْعدَد أَو فِيمَا تضبطه الصّفة فَلَا بُد من بَيَان الْقيمَة اه. وَهُوَ معنى قَول اللامية: لَكِن إِن كَانَ مُجملا كَلَام يبين الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) فيدعي بِمَعْلُوم مُحَقّق الخ. وَإِذا كَانَ الْبَالِغ الرشيد لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُجيب عَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَو أقرّ وَقَالَ: نعم لَهُ عَليّ مَا يَدعِيهِ وَأنكر وَقَامَت الْبَيِّنَة بذلك لم يحكم عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار وَلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَة إِذْ الْكل مَجْهُول وَالْحكم بِهِ مُتَعَذر كَمَا مر، فَكيف يقْضى بِهِ على الْمَحْجُور أَو نَائِبه وَيلْزم بضامن فِيهِ، وَأما قَوْله بِالْعَدْلِ الْوَاحِد أَن الزِّمَام قد تلف لَهُ فقد سَاقه هَذَا الْعدْل مساق الْحِكَايَة فَلَا يُفِيد، نعم استفسر عَنهُ وَقَالَ: إِنَّه أقرّ عِنْدِي بذلك أَو أشهدني بِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يسْأَل الْوَصِيّ أَو الْمُقدم عَن ذَلِك، فَإِن قَالَ: إِنَّه تلف بعد وجوده فِي تَرِكَة أبي محاجيره وَقبل دُخُوله ليده أَو بعد دُخُوله، وَلَكِن بِغَيْر سَببه وَلَا تفريطه فَهُوَ مُصدق إِذْ الأَصْل عدم العداء وَهُوَ حِينَئِذٍ مقرّ عَن الْغَيْر إِذْ لَا يضمن مَا فِيهِ حِينَئِذٍ لعدم تسببه فِي تلفه وَيجْرِي حكمه على مَا مر من كَونه مقرا أَو شَاهدا، وَإِن قَالَ: تلف بِسَبَبِهِ فَهُوَ ضَامِن لما فِيهِ لقَوْل (خَ) فِي الزَّكَاة عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو بإمساك وَثِيقَة أَو تقطيعها وَلَكِن يصدق بِقدر مَا فِيهِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لم تقم عَلَيْهِ بَيِّنَة بذلك لقَوْله أَيْضا فِي الْغَصْب وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي قدره وتلفه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كذاكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَزِلا إلاَّ لِعُذْرٍ بَيِّنٍ إنْ قَبِلَا
(كَذَاك لَا يجوز) للمقدم من قَول القَاضِي (أَن ينعزلا) أَي يعْزل نَفسه أَو يعزله القَاضِي عَن التَّقْدِيم (إِلَّا لعذر بَين) من طرُو فسق أَو اختلال عقل كَمَا مر (إِن) كَانَ (قبلا) فَإِن كَانَ لم يقبل فَلَا إِشْكَال فِي أَن لَهُ أَن لَا يقبل. وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا فِي المَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجرا (و) شخص (صَالح) فِي دينه لَا يشرب وَلَا يفسق (لَيْسَ يجيد) أَي لَا يحسن (النّظر فِي المَال) الَّذِي بِيَدِهِ (إِن خيف الضّيَاع) على مَاله لكَونه لَا يحسن إِمْسَاكه بل يبذره لكَونه لَا يعده شَيْئا أَو لكَونه يخدع فِي تَصَرُّفَاته مِمَّا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ (حجرا) عَلَيْهِ أَي ولى الْحَاكِم عَلَيْهِ من يتَصَرَّف لَهُ ويحفظ مَاله وَأَحْرَى أَن لَا يُطلق من الْحجر إِذا كَانَ مولى عَلَيْهِ، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله أول الْبَاب الرشد حفظ المَال الخ. إِذْ مَفْهُومه أَنه إِذا لم يكن حَافِظًا لمَاله لم يكن رشيدا وَوَجَب تحجيره وَإِن كَانَ صَالحا فِي دينه. وَشَارِبُ الخَمْرِ إِذا مَا ثَمَّرَا لمَا يَلي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا (و) شخص (شَارِب الْخمر) فَاسق فِي دينه (إِذا مَا) زَائِدَة (ثمرا) أَي أحسن النّظر والتنمية (لما يَلِي من مَاله لن يحجرا) عَلَيْهِ لِأَن التحجير إِنَّمَا هُوَ لضبط المَال لَا لفساد الْأَمْوَال لِأَن فَسَاد أَمْوَال الرجل لَا تعدوه إِلَى غَيره، وَإِذا بذر مَاله وأتلفه صَار عَالَة على الْمُسلمين وَرجعت نَفَقَته إِلَى بَيت مَالهم فوصل ضَرَره بتبذيره إِلَى جَمِيع الْمُسلمين، فَلهَذَا وَجب تحجيره قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ أَيْضا بمنطوق قَوْله: الرشد حفظ المَال مَعَ حسن النّظر فِيهِ الخ. إِذْ لَا يشْتَرط صَلَاح الدّين على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ خلافًا للمدنيين من اشْتِرَاط صَلَاح الدّين أَيْضا كَمَا مر. وَلِلْوَصِيِّ جائزٌ أَنْ يَتْجَرَا لكنه يَضْمَنُ مَهْمَا غَرَّرَا (وللوصي جَائِز أَن يتجرا) بأموال الْيَتَامَى على أَن الرِّبْح لَهُم والخسارة عَلَيْهِم (خَ) : وَله دفع مَاله قراضا أَو بضَاعَة وَلَا يعْمل هُوَ بِهِ الخ. وَإِنَّمَا لم يجز أَن يعْمل هُوَ بِهِ مَخَافَة أَن يحابي نَفسه فَإِن عمل بِهِ بِنَفسِهِ بقراض مثله جَازَ وَلم يكن عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان إِن تلف وَكَانَ الرِّبْح بَينهمَا على مَا شَرط، وَإِن خسر لم يضمن وَإِن عمل بِهِ يجزء أَكثر من قِرَاض مثله فَإِنَّهُ يرد إِلَى جُزْء قِرَاض مثله فَإِن خسر أَو تلف فَاخْتلف هَل يضمن أم لَا؟ وَالْمُعْتَمد عدم الضَّمَان قَالَه ابْن رشد، وَظَاهره أَن لَهُ أَن يَدْفَعهُ قراضا وبضاعة وَلَو برا وبحراً وَهُوَ كَذَلِك مَعَ الْأَمْن كَمَا يفِيدهُ قَوْله: (لكنه يضمن
مهما غررا) فِي تجره هُوَ بِهِ فِي وَقت فتْنَة وبلد خوف لَا تنالها الْأَحْكَام أَو يَدْفَعهُ لغير أَمِين يتجر بِهِ، أَو لمن يُسَافر بِهِ فِي الْبَحْر فِي وَقت هوله، أَو يسْلك بِهِ فِي طَرِيق مخوف وَنَحْو ذَلِك وأشعر قَوْله: وللوصي جَائِز أَن يتجرا الخ. أَنه لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ تنمية مَال مَحْجُوره على الْمَشْهُور، وَقَول عَائِشَة رضي الله عنها: اتَّجرُوا بأموال الْيَتَامَى لِئَلَّا تأكلها الزَّكَاة الخ. مَحْمُول على النّدب كَمَا لِابْنِ رشد، وَلَا مَفْهُوم لقَوْله؛ أَن يتجرا بل كَذَلِك لَهُ أَن يَشْتَرِي لَهُم الرَّقِيق وَالْغنم للغلة وَيبِيع عَلَيْهِم وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى إِثْبَات سداد كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. لَكِن هَذَا كُله على أَن أَمْوَال الْيَتَامَى تبقى بيد الأوصياء على وَجه الْوَدِيعَة وَلَا تدخل فِي ذمتهم، وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل من إدخالها فِي ذمتهم كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَيجْعَل القَاضِي بِكُل حَال الخ. فَإِن الْوَصِيّ وَنَحْوه إِذا اتّجر بهَا فَإِن الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ بل لَو بقيت بِيَدِهِ على وَجه الْإِيدَاع وَلم تدخل فِي ذمَّته واتجر بهَا لنَفسِهِ لَا لَهُم لَكَانَ الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: واتجر بالمودع من أعمله الخ. تَنْبِيهَات. الأول: لَو قَالَ الْمُوصي: قبضت القراضات أَو الدُّيُون مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ فَذَلِك بَرَاءَة للْغُرَمَاء، وَكَذَا الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ بِخِلَاف الْوَكِيل الْمَخْصُوص فَإِن ذَلِك لَا يكون بَرَاءَة إِلَّا بِبَيِّنَة على الدَّافِع، وَلَو قَالَ الْوَصِيّ أَو الْمُفَوض إِلَيْهِ: قبضت وَتلف مني صدق أَيْضا وَكَانَ بَرَاءَة لَهُم فَإِن ادّعى الْغُرَمَاء أَنهم دفعُوا للْوَصِيّ الدّين أَو الْقَرَاض وَأنكر ذَلِك حلف وَإِن نكل ضمن وَإِن قضى الْوَصِيّ غُرَمَاء الْمَيِّت بِغَيْر بَيِّنَة فَأنْكر وأضمن قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَإِذا دفع دينا على الْمَيِّت بِلَا يَمِين الْقَضَاء فَإِنَّهُ ضَامِن قَالَه (م) فِي شرح اللامية عِنْد قَوْله: يَمِين قَضَاء ذِي وَتلْزم مُطلقًا الخ. وَتقدم فِي بَاب الصُّلْح أَن للْوَصِيّ أَن يُصَالح عَن مَحْجُوره وَلَو فِي يَمِين الْقَضَاء إِذا رأى غَرِيمه الْخصم عَلَيْهَا وَنَقله (ح) فِي الصُّلْح والبرزلي فِي الْوكَالَة. الثَّانِي: ذكر أَبُو الْحسن عَن ابْن زرب أَنه سُئِلَ عَن الْوَصِيّ يَقُول: دفعت عَن الْيَتِيم الْعشْر والمغارم والجعائل لأهل الشرطة ونائب الْعَمَل فَقَالَ: إِن كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بِالْبَلَدِ وَادّعى مَا يشبه أَن يُؤْخَذ بِهِ عَنهُ صدق اه. وتأمله مَعَ مَا فِي وَصَايَا المعيار من أَن الْوَصِيّ إِذا زعم أَنه كَانَ يخرج زَكَاة يتيمه فِي حَال صغره وَخَالفهُ الْيَتِيم فِي ذَلِك فَإِن الْوَصِيّ لَا يصدق حَتَّى يثبت ذَلِك اه. وَمثله فِي نَوَازِل السجسْتانِي وَفِي (ح) عِنْد قَول (خَ) : وَإِخْرَاج فطرته وزكاته الخ. أَن الْوَصِيّ إِذا لم يشْهد على إِخْرَاج زَكَاته يصدق إِن كَانَ مَأْمُونا قَالَ: وَانْظُر إِذا لم يكن مَأْمُونا هَل يلْزمه غرم المَال أَو يحلف لم أر فِيهِ نصا اه. قلت: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي وَصَايَا المعيار إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن مَأْمُونا وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة عِنْد قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. من قلَّة أَمَانَة أوصياء الزَّمَان، وَتقدم أَيْضا أَن ذَلِك هُوَ الْمُوجب لإدخال مَال المحاجير فِي ذمتهم، وَعَلِيهِ فَإِذا أَخذ نَائِب الشرطة الْوَصِيّ بِمَال الْمَحْجُور فَهَل يغرمه الْوَصِيّ للمحجور بِنَاء على أَن مَا فِي الذِّمَّة يتَعَيَّن أَو لَا يغرمه بِنَاء على أَنه لَا يتَعَيَّن؟ وعَلى الأول اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَمَا من الدّين لَهَا رب دفع لغاصب غَرِيمه لم يتبع وَفِي وَصَايَا المعيار أَن الْمَحْجُور إِذا جنى جِنَايَة فَأخذ وَصِيّه فِي جِنَايَته فَإِن ثَبت أَن الْوَصِيّ
أَخذ بِسَبَب مَحْجُوره وَأَنه امْتنع حَتَّى أكره بالتهديد فَإِنَّهُ يكون مَا الْتَزمهُ من المَال مُتَعَلقا بِمَال الْمَحْجُور، وَأما الْقَرِيب إِذا أَخذ بِجِنَايَة قَرِيبه فقد بَينا حكمه فِي أسئلة محيي الدّين. الثَّالِث: على القَاضِي أَن يفْرض للْوَصِيّ أُجْرَة على نظره بِقدر شغله بِالنّظرِ فِي مَال الْيَتِيم من تصرف فِي غلات أُصُوله وَشِرَاء نَفَقَته إِذا طلب الْوَصِيّ أَو الْمُقدم ذَلِك فَإِن تورعا عَن ذَلِك فَهُوَ خير لَهما وللوصي والكافل والحاضن والمقدم أَن يؤاجروا محجورهم صَبيا كَانَ أَو سَفِيها وَيجوز دفع الْأُجْرَة لَهُ مَا لم يكن لَهَا بَال وَيكون الدّفع بمعاينة الشُّهُود قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَانْظُر ابْن سَلمُون وأوائل الْإِجَارَة من شرح الشَّامِل. الرَّابِع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيصدق الْوَصِيّ فِي الْإِنْفَاق على الْيَتِيم إِن كَانَ فِي حجره مَا لم يَأْتِ بسرف وَإِن ولي النَّفَقَة عَلَيْهِم غَيرهم مِمَّن يحضنهم من أم أَو غَيرهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة إِلَى من يليهم إِلَّا بِبَيِّنَة اه. فقولها فِي الْإِنْفَاق أَي فِي أَصله وَقدره والحاضن والمقدم والكافل مثل الْوَصِيّ فِي ذَلِك، وَظَاهر قَوْلهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة الخ. أَنه لَا يصدق وَلَو علم فقر الحاضن من أم وَنَحْوهَا، وللخمي فِي ذَلِك تَفْصِيل (خَ) وَالْقَوْل لَهُ فِي قدر النَّفَقَة الخ. الْخَامِس: قَالَ مَالك فِي رجل أوصى لزوجته فَتزوّجت فخيف على المَال فَإِنَّهَا تكشف عَمَّا قبلهَا اه. وَفِي الطرر: إِذا علم أَنَّهَا صَالِحَة الْحَال وافرة المَال ظَاهِرَة السداد حَسَنَة النّظر أقرَّت بعد أَن يُحْصى المَال عِنْدهَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِن جهل حَالهَا شُورِكَ فِي النّظر مَعهَا غَيرهَا وَيكون المَال عِنْده وَلَا يتْرك عِنْدهَا وَلَا تعزل عَن الْإِيصَاء إِلَّا أَن يثبت مَا يُوجِبهُ، وَلابْن رشد إِن جهل حَالهَا جعل القَاضِي عَلَيْهَا مشرفاً اه. وَهُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله: وطرو الْفسق يعزله، وَفِي ابْن سَلمُون إِذا قَامَ قريب الْمَحْجُور يُرِيد كشف وَصِيّه عَمَّا بِيَدِهِ لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يكون الْوَصِيّ لَا مَال لَهُ أَو يكون عَلَيْهِ دُيُون فَإِن القَاضِي ينظر فِي ذَلِك حِينَئِذٍ. أنظر بَقِيَّته فِيهِ وَانْظُر المعيار فِي الْوَصَايَا. وَعِنْدَمَا يأْنَسُ رشْدَ منْ حَجَرْ يُطْلِقُهُ ومالَه لَه يَذَرْ (وعندما يأنس) يبصر الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو غَيره والظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه وَمَا مَصْدَرِيَّة (رشد) مفعول بِهِ (من) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقع على الْمَحْجُور (حجر) صلَة من وَالتَّقْدِير وَعند إيناس الْوَلِيّ رشد مَحْجُوره (يُطلقهُ) أَي يجب عَلَيْهِ أَن يُطلقهُ من ثقاف الْحجر (وَمَاله) مفعول بقوله. (لَهُ يذر) أَي يتْرك لَهُ مَاله ويدفعه إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم
أَمْوَالهم} إِلَى قَوْله: فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) أَي لِئَلَّا تغرموا لِأَن القَوْل للمحجور فِي عدم الدّفع على الْمَشْهُور. وَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَصَدَّى أَنْ يَضْمَنَ المَالَ لأنْ تَعَدَّى (وَحَيْثُ) علم الْوَلِيّ رشده وَوَجَب عَلَيْهِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ و (لم يفعل فقد تصدى) أَي تهَيَّأ (أَن يضمن المَال) إِذا تلف سَوَاء تلف بِبَيِّنَة أَو بغَيْرهَا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. (لِأَن تعدى) أَي لِأَنَّهُ قد تعدى بِعَدَمِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ فَهُوَ كغاصب حِينَئِذٍ وَالْغَاصِب يضمن مُطلقًا، وَظَاهره لَا فرق بَين أَن يعلم الْوَصِيّ وَحده برشده وَلم تقم بَيِّنَة بِهِ أَو لم يُعلمهُ وَقَامَت بِهِ بَيِّنَة لم يجد مطعناً فِيهَا فَإِنَّهُ يضمن فِي ذَلِك كُله، وَهَذَا ظَاهر على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم فِي قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. وَأما على مَا تقدم هُنَاكَ عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة من عدم قبُول قَوْله فِي ترشيده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا إِذا علم هُوَ فَقَط، وَإِنَّمَا يضمن مَعَ بَيِّنَة الرشد.
(فصل فِي الْوَصِيَّة)
وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد يُوجب حَقًا فِي ثلث عاقده يلْزم بِمَوْتِهِ أَو نِيَابَة عَنهُ بعده فَقَوله: يُوجب حَقًا الخ. أخرج بِهِ مَا يُوجب حَقًا فِي رَأس مَاله مِمَّا عقده على نَفسه من دين وَنَحْوه وَلَو بِإِقْرَار فِي صِحَّته أَو مَرضه لمن لَا يتهم عَلَيْهِ أَو هبة وَنَحْوهَا فِي صِحَّته لَا فِي مَرضه، فَإِنَّهَا فِي ثلثه. وَقَوله: يلْزم بِمَوْتِهِ أخرج بِهِ الْمَرْأَة إِذا وهبت أَو التزمت ثلث مَالهَا وَلها زوج، أَو من الْتزم ثلث مَاله لشخص فَإِنَّهُ يلْزم بعقده لَا بِمَوْتِهِ، وَكَذَا يخرج بِهِ التَّدْبِير أَيْضا لِأَنَّهُ يلْزم بعقده، وَقَوله: أَو نِيَابَة عَنهُ بعده عطف على حَقًا، وَالتَّقْدِير أَو يُوجب نِيَابَة عَن عاقده بعد مَوته فَيدْخل الْإِيصَاء بِالنّظرِ الَّذِي تضمنه الْكَلَام على الأوصياء فِي الْبَاب قبله. (وَمَا يجْرِي مجْراهَا) : من عدم محاسبة الْأَوْلَاد بِمَا أنفقة الْأَب عَلَيْهِم إِذا أوصى بذلك أَو كَانَ مَالهم عينا،. وَهِي أَي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَنْدُوبَة من خَصَائِص هَذِه الْأمة تكثيراً للزاد وأهبة للمعاد، وَفِي صَحِيح مُسلم: (مَا من حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي بِهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا
ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه) اه. أَي: لَيْسَ من حَقه أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ دون أَن يكْتب وَصيته وَقد تجب كَدين لَا يتَوَصَّل لَهُ إِلَّا بهَا وَتحرم بِمحرم كنياحه وَتكره بمكروه كوصية بإطعام كَافِر من أضحيته المذبوحة فِي حَيَاته، أَو يُوصي بجز صوفها قبل الذّبْح ثمَّ تذبح وتباح بمباح كَبيع كَذَا وتنفيذ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَاجِب وَغَيرهمَا حكمه حكم أَصله. فِي ثُلُثِ المالِ فأَدْنَى فِي المرَضْ أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ (فِي ثلث المَال فأدنى) كالربع وَالْخمس، وَقد اسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن لَا تبلغ الثُّلُث لقَوْله صلى الله عليه وسلم:(وَالثلث كثير) . (فِي الْمَرَض) الَّذِي مَاتَ مِنْهُ (أَو صِحَة وَصِيَّة) مُبْتَدأ (لَا تعترض) خَبره وَفِي ثلث الخ. يتَعَلَّق بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَالْوَصِيَّة لَا تعترض فِي ثلث المَال فأدنى سَوَاء كَانَت فِي الْمَرَض أَو فِي الصِّحَّة بل هِيَ صَحِيحَة. حَتَّى مِن السَّفِيهِ والصَّغِيرِ إنْ عَقَلَ القُرْبَةَ فِي الأُمُورِ (حَتَّى من السَّفِيه وَالصَّغِير) بِشَرْط وَهُوَ (إِن عقل الْقرْبَة فِي الْأُمُور) فَإِن لم يعقل الْقرْبَة فَلَا تصح وَصيته، وَأما إِصَابَته وَجه الْوَصِيَّة بِأَن لَا يكون فِيهَا تنَاقض وَلَا تَخْلِيط فَإِنَّهُ شَرط فِي صِحَة كل وَصِيَّة كَانَت من صَغِير أَو غَيره كَمَا يشْتَرط أَن يكون الْمُوصى لَهُ غير وَارِث وإلاَّ بِطَلَب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وامتنعت لوَارث الخ. وَظَاهره أَن الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ فدون نَافِذَة، وَلَو قصد الْمُوصي بهَا الضَّرَر بالورثة وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح، وَبِه الحكم كَمَا فِي ابْن نَاجِي على الْمُدَوَّنَة. وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلقا وَهْي مِنَ الكُفَّارِ لَيْسَتْ تُتَّقى (وَالْعَبْد لَا تصح) الْوَصِيَّة (مِنْهُ مُطلقًا) كَانَ خَالص الرّقّ أَو ذَا شَائِبَة، وَكَذَا لَا تصح من الْمَجْنُون إِلَّا أَن يُوصي حَال إِفَاقَته الَّتِي يعقل فِيهَا مَا يُوصي بِهِ فَإِن شهدُوا بِأَنَّهُ أوصى حَالَة إِفَاقَته وَشهد آخَرُونَ أَنه كَانَ ذَاهِب الْعقل فشهادة الْإِفَاقَة أولى. (وَهِي من الْكَافِر لَيست تتقى) بل تمْضِي وَإِن لمُسلم إِلَّا بكخمر (خَ) صَحَّ إيصاء حر مُمَيّز وَإِن سَفِيها وصغيراً وكافراً إِلَّا بكخمر لمُسلم. وَلها أَرْكَان: أَولهَا: الْمُوصي وَقد تقدم، وَثَانِيها: الْمُوصى لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَهْيَ لِمَنْ تَمَلُّكٌ مِنْهُ يَصِحْ حَتَّى لِحَمْلِ وَاضِحٍ أَوْ لم يَضِحْ (وَهِي) تصح (لمن تملك مِنْهُ يَصح) حَقِيقَة كآدمي أَو حكما كقنطرة وَمَسْجِد بل تصح أَيْضا
(حَتَّى لحمل وَاضح) أَي ظَاهر (أَو لم يضح) أَي لم يظْهر كَقَوْلِه: أوصيت لمن سيوجد من ولد فلَان أَو فُلَانَة أَو لمن يولدهما (خَ) صَحَّ إيصاء لمن يَصح تملكه كمن سَيكون إِن اسْتهلّ. لكنَّهَا تَبْطُل إنْ لم يَسْتَهلْ وَللعبيدِ دونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ (لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل) صَارِخًا وَلَا تحققت حَيَاته بِكَثْرَة رضَاع وَنَحْوهَا لِأَن الْمَيِّت لَا يملك (وللعبيد) وَلَو (دون إِذن) من السَّيِّد فِي قبُولهَا (تستقل) وَتَصِح وَتَكون للْعَبد حَتَّى ينتزعها مِنْهُ السَّيِّد (خَ) وَلم يحْتَج رق لإذن فِي قبُول كإيصائه بِعِتْقِهِ الخ. أَي بل يقبلهَا وَإِن بِغَيْر إِذن سَيّده وتنفذ وَصيته بِالْعِتْقِ وَإِن لم يقبل، وَإِذا بطلت حَيْثُ لم يستهل فترجع مِيرَاثا ثمَّ إِذا أوصى لمن سيوجد من ولد فلَان فَإِنَّهُ يخْتَص بهَا مَا يتكون من حمل زَوجته أَو أمته وَلَا يدْخل الْحمل الْمَوْجُود إِلَّا أَن يعلم أَنه قصد دُخُوله بِقَرِينَة خَارِجَة عَن اللَّفْظ فَإِن قَالَ: أوصيت لمن يُولد لَهُ فَالظَّاهِر شُمُول اللَّفْظ للْحَمْل الْمَوْجُود بِوَقْت الْإِيصَاء، وَأما لَو قَالَ: أوصيت لوَلَده وَالْحَال أَنه لَا ولد لَهُ حِين الْوَصِيَّة وَلَا حمل فَلَا يَخْلُو فإمَّا أَن يعلم الْمُوصى بذلك أم لَا. فَإِن لم يعلم فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَإِن تنَازعا فِي الْعلم وَعَدَمه فَالْقَوْل للْوَرَثَة كَمَا فِي (ح) وَإِن علم فَهِيَ صَحِيحَة وَتَكون لكل من يُولد لَهُ، وَإِذا صحت فِي هَذِه الصُّور وَولد لَهُ ولد واستهل فَيكون جَمِيع الْوَصِيَّة بِيَدِهِ على معنى الِانْتِفَاع على الرَّاجِح وكل من ولد بعد ذَلِك يدْخل فِيهَا وَالذكر وَالْأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء إِلَّا أَن ينص على التَّفْضِيل، وَمن مَاتَ مِنْهُم لم يُمكن ورثته من الدُّخُول فِي حَقه حَتَّى ينقرضوا جيمعاً ثمَّ يكون لورثتهم أَجْمَعِينَ، وَإِذا أَخذ المَال من وجد من الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ أصل لتبقى عينه وَينْتَفع بغلته، وَقيل يتجر لَهُ بذلك المَال ثمَّ كَذَلِك كلما ولد ولد يتجر لَهُ مَعَ الأول، وَمن بلغ التَّجر تجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء فِي حِين التَّجر للصَّغِير لم يضمن لِأَن الصَّغِير لَا تعمر ذمَّته بذلك وَقد رَضِي الْمُوصى بِالْوَصِيَّةِ لَهُ على مَا توجبه الْأَحْكَام فِي الضَّمَان وَإِن بلغ وتجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء ضمن الخسارة والتلف قَالَه الرجراجي وَاخْتلف إِذا قَالَ: أوصيت لولد فلَان وَالْحَال أَن لَهُ ولدا مَوْجُودا وحملاً ثَابتا هَل يخْتَص بهَا الْمَوْجُود من الْحمل وَالْولد أَو تعم الْمَوْجُود وَمن لم يُوجد وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا فِي تَكْمِيل الْمنْهَج قَالَ: وَالْخلف فِي وَلَده وَلم يزدْ هَل يدْخل الْوُجُود قطّ أَو يشْتَمل جَمِيعهم وَذَا ارتضى إِذْ ينْتَقل خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ، وَعَلِيهِ فَيجْرِي على حكم الْأَقْسَام قبله فِي التَّجر وَغَيره، وَأما إِن
قَالَ: أوصيت لأَوْلَاد فلَان وهم عشرَة مثلا وَلَا ترجى لفُلَان ولادَة بعد، فَإِن من مَاتَ مِنْهُم قبل الْقسم فورثته يقومُونَ مقَامه سَوَاء سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة كهؤلاء النَّفر أَو لم يسمهم وَلم يعينهم بِإِشَارَة وَلَا غَيرهَا اتِّفَاقًا فِي الأول وعَلى الْمَشْهُور فِي الثَّانِي، وَكَذَا إِذا كَانَ لَهُ أَوْلَاد وترجى لَهُ ولادَة فَإِنَّهُ إِذا سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة فَإِن الْوَصِيَّة مَقْصُورَة عَلَيْهِم، وَمن مَاتَ مِنْهُم فوارثه قَائِم مقَامه وَلم يدْخل مَعَهم من يُوجد بعد وَإِن لم يسمهم وَلَا عينهم بِإِشَارَة فَتقدم أَن الرَّاجِح دُخُول من يُوجد بعد. تَنْبِيهَات. الأول: مَسْأَلَة التَّنْزِيل وَهِي أَن ينزل الْإِنْسَان أَوْلَاد وَلَده الْمَيِّت منزلَة أَبِيهِم جَارِيَة مجْرى الْوَصِيَّة وتقسم بَين المنزلين للذّكر مثل حَظّ الأثنين، كَمَا أفتى بِهِ أَبُو عبد الله المنصوري وَالشَّيْخ (ت) وَغَيرهمَا. الثَّانِي: اخْتلف فِي الْغلَّة الْحَاصِلَة قبل الْوَضع والاستهلال هَل هِيَ لوَرَثَة الْمُوصي لِأَن الْمُوصى لَهُ لَا يكمل إِلَّا بعد استهلاله وَتحقّق الْحَيَاة فِيهِ أَو هِيَ للْمُوصى لَهُ أَو لوَرثَته إِلَى أَن يستهل فتوقف إِلَى وَضعه وَالْمُعْتَمد الأول قَالَ ناظم الْعَمَل: وغلة قبل وجود الْمُوصى لَهُ لوَارث أنل تَخْصِيصًا الثَّالِث: إِذا تعلّقت الْوَصِيَّة بِمن يُولد لَهُ مُسْتَقْبلا وَمَات قبل أَن يُولد لَهُ أَو أيس من وِلَادَته رجعت الْوَصِيَّة مِيرَاثا، وَكَذَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل موت الْمُوصي وَهُوَ معنى قَوْله: على مَا يُوجد فِي بعض النّسخ. وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ لِمَنْ يُوصَى لَهُ إلاَّ إِذا الْمُوصِي يَمُوتُ قَبْلَهُ وَظَاهره أَنه لَا شَيْء لَهُ إِذا مَاتَ قبل موت الْمُوصي وَلَو كَانَ قبلهَا وَهُوَ كَذَلِك ثمَّ أَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْمُوصى بِهِ فَقَالَ: وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حَتَّى الثَّمَرْ وَالدَّيْنِ وَالحَمْلِ وَإنْ لَم يَظْهَرْ (وَهِي) تصح (بِمَا يملك) أَي بِكُل مَا يَصح ملكه وَإِن مَجْهُولا (حَتَّى الثَّمر) الْمَوْجُود فِي رُؤُوس الشّجر أَو قبل وجودهَا كغلة هَذَا الْعَام (وَالدّين) وَلَو على غَائِب أَو معدم (وَالْحمل) الظَّاهِر فِي جَارِيَته أَو نَاقَته بل (وَإِن لم يظْهر) كَقَوْلِه: مَا تلده أمتِي أَو نَاقَتي فِي هَذِه السّنة أَو إِلَى عشر سِنِين فَهُوَ لفُلَان وَتَصِح أَيْضا بآبق وبعير شارد وَلَا تصح بِمَا لَا يملك كخمر وخنزير. تَنْبِيهَانِ. الأول: قبُول الْوَصِيَّة شَرط فِي لُزُومهَا (خَ) : وَقبُول الْمعِين شَرط بعد الْمَوْت فالملك لَهُ بِالْمَوْتِ وَقوم بغلة حصلت بعده أَي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَيكون لَهُ مَا حمله الثُّلُث من ذَلِك، فَإِذا أوصى لَهُ بحائط يُسَاوِي ألفا وَهِي ثلث الْمَيِّت وَحصل فِيهِ بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول
غلَّة تَسَاوِي مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يكون لَهُ خَمْسَة أَسْدَاس الْحَائِط وَثلث سدسه كَمَا فِي طفي. قلت: وَهَذَا فِي الْوَصِيَّة، وَأما مَا بتله الْمَرِيض من حبس أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا، فَهُوَ وَإِن كَانَ يجْرِي على حكم الْوَصِيَّة فِي كَونه يَصح فِي الثُّلُث أَو فِيمَا حمل مِنْهُ لَكِن الْغلَّة إِذا حدثت بعد التبتيل فَإِنَّهَا تكون للمعطى لَهُ حَيْثُ حمل الثُّلُث قَالَه أَبُو الْحسن فِي كتاب الْحَبْس. قَالَ: وَالْفرق أَن لَهُ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة وَلَا رُجُوع لَهُ فِي التبتيل قَالَ: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يلفظ بِلَفْظ البتل أَو بِلَفْظ الْوَصِيَّة أَو بِلَفْظ يصلح لَهما، فَإِن لفظ بالبتل كَانَ بتلاً، وبالوصية كَانَ وَصِيَّة، وبالمحتمل ينظر للقرائن فَإِن لم تكن قرينَة فَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة حمل على البتل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي الصَّحِيح، وَإِن كَانَ فِي الْمَرَض حمل على الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ الْغَالِب فِيهِ اه. الثَّانِي: إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ فِي حَيَاة الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة كَمَا مر، وَإِن مَاتَ بعده من قبل الْعلم بِالْوَصِيَّةِ أَو علم وَلم يقبل كَانَ ورثته مَكَانَهُ قَالَه اللَّخْمِيّ وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة. ابْن رحال: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح وَأَن الْوَارِث يتنزل منزلَة الْمُوصى لَهُ علم بذلك أم لَا. قبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ قبل مَوته أم لَا. فَإِذا قبل بَعضهم ورد الْبَعْض الآخر فحظ من رد وَلم يقبل يرجع مِيرَاثا، وَإِذا رد الْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ قبُولهَا بعد مَوته كَمَا لِابْنِ الْحَاج عَن مَالك قَائِلا: لِأَنَّهُ ردهَا فِي وَقت لم تجب لَهُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجب بِالْمَوْتِ. وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلاّ مَتَى إنْفَاذُ بَاقِي الْوَارِثِين ثَبتا (وامتنعت لوَارث) لقَوْله عليه الصلاة والسلام: (إِن الله قد أعْطى لكل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث)(إِلَّا مَتى إِنْفَاذ بَاقِي الْوَارِثين ثبتا) أَي إِلَّا أَن يجيزها بَقِيَّة الْوَرَثَة فَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم على الْمَشْهُور فتفتقر للحوز بمعاينة الْبَيِّنَة كَسَائِر العطايا، وَقد تقدم فِي الْحَبْس أَن الْحَوْز أقوى فِي الدّلَالَة على الْقبُول فَلَا وَجه لاعتراض الشَّيْخ الرهوني على مصطفى بِأَن الْقبُول العاري عَن الْحَوْز وَالْقَبْض لَا أثر لَهُ، فَإِن لم تحز حَتَّى حصل الْمَانِع من استحداث دين وَنَحْوه بطلت وَلَو كَانَ قد قبلهَا لِأَن الدّين الْحَادِث للمجيز من مَوَانِع الْحِيَازَة. (خَ) : وَبَطلَت إِن تَأَخّر لدين مُحِيط، وَقَوله فِي التَّوْضِيح: إِذا أجَاز الْوَارِث الْوَصِيَّة وَلَا دين عَلَيْهِ وَلم يقبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ حَتَّى اسْتَدَانَ الْوَارِث أَو مَاتَ الخ. صَوَابه وَلم يقبض من الْقَبْض الَّذِي هُوَ الْحَوْز كَمَا فِي نقل (ح) والمتيطي وكما فِي مصطفى وشارح الْعَمَل، وَاعْتِرَاض الرهوني على مصطفى سَاقِط لَا وَجه لَهُ كَمَا مر. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر النّظم أَن إجَازَة الْوَارِث لَازِمَة لَهُ وَلَو أجَاز فِي مرض الْمُوصي الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِك لَكِن بِشُرُوط أَشَارَ لَهَا (خَ) بقوله: وَلُزُوم إجَازَة الْوَارِث بِمَرَض لم يَصح بعده إِلَّا لتبين عذر كَكَوْنِهِ فِي نَفَقَته الخ.
الثَّانِي: قَالَ الْبَاجِيّ: تجوز الْوَصِيَّة لِابْنِ وَارثه أَو لأحد من قرَابَته مِمَّن يظنّ أَنه يردهَا للْوَارِث. روى ذَلِك يحيى عَن ابْن الْقَاسِم وَقَالَهُ مَالك فِي الْمَجْمُوعَة، وَوَجهه أَنه وَصِيَّة لغير وَارِث وَمَا يظنّ بِهِ من صرف ذَلِك للْوَارِث لَا يمْنَع الْوَصِيَّة لِأَن مُقْتَضى ملكه لمن أوصى لَهُ بِهِ أَنه يُعْطِيهِ لمن شَاءَ، فَإِن قصد ذَلِك الْمُوصي فَهُوَ آثم قَالَ: وَلَا يَمِين على الْمُوصى لَهُ أَن الْوَصِيَّة على وَجه التوليج لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة فِيمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَلَا الْمَنْع ثمَّ قَالَ: وَإِذا صرفه الْمُوصى لَهُ إِلَى الْوَارِث جَازَ ذَلِك وَكَانَ للْوَارِث أَخذه أَو تَركه اه. وَمَا ذكره من عدم الْيَمين نَحوه فِي ابْن سَلمُون عَن أصبغ، لَكِن قَالَ ابْن رشد: هُوَ جَار على الْخلاف فِي يَمِين التُّهْمَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور توجيهها. قَالَ: وَإِن قطع الْوَارِث بِأَن ذَلِك كَانَ توليجاً وَوجه الدَّعْوَى بذلك فاليمين وَاجِبَة بِاتِّفَاق اه. وَنقل (م) عَن أَوَائِل وَصَايَا المعيار إِنَّه إِذا اتهمَ أَن يكون اتّفق مَعَ الْمُوصى لَهُ أَن يردهَا على الْوَارِث وَأَن ذَلِك تحيل على الْوَصِيَّة للْوَارِث فَإِن الْمُوصى لَهُ يحلف للتُّهمَةِ الْمَذْكُورَة، فَإِن لم يحلف لم يُعْط الْوَصِيَّة اه. فَهُوَ جَار على توجه يَمِين التُّهْمَة. وَفِي الْمُنْتَخب وَصيته لأم وَلَده وَمَعَهَا ولد جَائِزَة وَلَا ترد الْوَصَايَا بالمظنة إِذْ الْأمة غير وارثة، وَفِيه أَن الزَّوْجَة لَا توصي لأم ولد زَوجهَا إِلَّا باليسير قَالَ: وَأما لأقارب زَوجهَا كأبويه وَصديقه الملاطف وكل مَا يخْشَى أَن يكون أَرَادَت أَن يرد ذَلِك على زَوجهَا فَهُوَ مَاض، وَلَو كَانَ الْإِيصَاء بِالْمهْرِ الَّذِي على زَوجهَا اه. وَهَذَا كُله إِذا لم يثبت أَنه أَرَادَ صرفهَا لبَعض الْوَرَثَة. قَالَ فِي المعيار عَن ابْن لب: إِن قَامَت شَهَادَة فِي الْعَهْد بِالثُّلثِ أَنه كَانَ من الْمعَاهد على وَجه الصّرْف على بعض الْوَرَثَة دون بعض فسد الْعَهْد وَصَارَ الْمَعْهُود بِهِ مِيرَاثا، وَالشَّهَادَة تكون بِالسَّمَاعِ أَي الفاشي أَو بِاشْتِرَاط من العاهد أَو باعتراف الْمَعْهُود لَهُ بذلك وَإِن لم تقم بَيِّنَة بذلك حلف الْمَعْهُود لَهُ أَن الْعَهْد لم يكن من العاهد على وَجه الصّرْف وَكَانَ لَهُ ملكا اه. وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتجَاعُ مَا يَرَى مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دَبَّرَا (وللذي أوصى) فِي صِحَة أَو مرض بِعِتْق أَو غَيره (ارتجاع مَا يرى) من وَصيته كلهَا أَو بَعْضهَا أَو تغيرها لِأَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بِالْمَوْتِ كَمَا مر (من غير مَا بتل) فِي مَرضه من صَدَقَة وَعتق وَأَحْرَى فِي صِحَّته (أَو مَا دبرا) فيهمَا أَيْضا فَإِنَّهُ لَا رُجُوع فِيمَا بتل أَو دبر. قَالَ فِي المعونة: الْوَصِيَّة فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء لِأَنَّهَا تنفذ بعد الْمَوْت وَلَيْسَت بلازمة وَله الرُّجُوع فِيهَا مَتى شَاءَ إِلَّا التَّدْبِير فَلَا رُجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ إِيجَاب فِي الْحَيَاة، وَإِن كَانَ لَهُ حكم الْوَصِيَّة من بعض الْوُجُوه وَهُوَ خُرُوجه من الثُّلُث، وَكَذَلِكَ الْعتْق المبتل فِي الْمَرَض اه. وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا فِي الْمَرَض مثل الْعتْق فِيهِ فَإِنَّهَا تخرج من الثُّلُث إِن مَاتَ مِنْهُ وَلَا رُجُوع لَهُ فِيهَا. انْظُر مَا تقدم فِي التَّدْبِير، وَظَاهر قَوْله: ارتجاع مَا يرى الخ. سَوَاء كَانَ الارتجاع فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض كَانَ بالْقَوْل كرجعت عَنْهَا أَو
أبطلتها أَو لَا تنفذوها أَو بِالْفِعْلِ كبيعها أَو عتقهَا (خَ) : وَبَطلَت بِرُجُوع فِيهَا وَإِن بِمَرَض بقول أَو بيع أَو عتق وَكِتَابَة وإيلاد الخ. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَن لَهُ أَن يرجع وَإِن الْتزم فِيهَا عدم الرُّجُوع وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ، وَذكر ابْن نَاجِي فِي الرهون وَكتاب التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك أَن بِهِ الْعَمَل، وَصرح بَعضهم بمشهوريته وَالْقَوْل الآخر إِنَّه لَا رُجُوع لَهُ. قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنَّه الْأَصَح، وَقَالَ (ح) فِي التزاماته: أَنه الرَّاجِح، وَذكر القوري عَن العبدوسي أَن بِهِ الْعَمَل وَالْقَضَاء وَهُوَ الْأَقْوَى من جِهَة النَّقْل إِذْ بِهِ أفتى أَكثر الشُّيُوخ، وَقد علمت أَن عمل فاس لَا يتبع عمل تونس، وَإِنَّمَا يتبع عمل الأندلس كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَلَا وَجه لما ذكر ناظم عمل فاس من جَرَيَان الْعَمَل بِالصُّلْحِ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَالصُّلْح فِي الْوَصِيَّة الَّتِي الْتزم أَنه لَا يرجع فِيهَا قد حكم وَإِن قَالَ إِنَّه قد حكم بِهِ سَيِّدي عَليّ بن هَارُون وسيدي عبد الْوَاحِد الونشريسي لِأَن الْعَمَل لَا يثبت بِحكم قَاض أَو قاضيين، وَأَيْضًا فَإِن ذَاك الْعَمَل لَا يُوَافق قولا من أَقْوَال الْمَسْأَلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند فِيهِ إِلَى قَول، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي التعويل على قَول الْأَكْثَر الْمَعْمُول بِهِ فِي هَذَا الْقطر من لُزُوم عدم الرُّجُوع وَمحل الْخلاف مَا لم يقل فِي الْتِزَامه كلما رجعت عَنْهَا فرجوعي تَأْكِيد لَهَا. أَو مهما وجد رسم برجوعي عَنْهَا فَهُوَ كذب فَإِن ذَلِك لَازم لَهُ خَارج عَن مَحل الْخلاف كَمَا فِي أجوبة الفاسي. وَفِي الَّذِي عَلِمَ موصٍ تَجْعَلُ وَدَيْنِ مَنْ عنِ اليَمِينِ يَنْكُلُ (و) الْوَصِيَّة (فِي الَّذِي علم موص) بِهِ قبل مَوته (تجْعَل) وَلَو أَفَادَهُ بعد الْوَصِيَّة وَلَو عمرى كَانَ مرجعها إِلَيْهِ بعد انْقِضَاء مدَّتهَا أَو بَعِيرًا شارداً أَو آبقا رجعا بعد مَوته أَو هبة أَو صَدَقَة لم تقع فيهمَا حِيَازَة حَتَّى مَاتَ على مَا رَجحه ابْن مَنْظُور وَلِأَن ذَلِك كُله مَعْلُوم لَهُ لَا فِيمَا جَهله قبل مَوته وَلم يعلم بِهِ فَإِنَّهَا لَا تكون فِيهِ (خَ) : وَهِي ومدبر إِن كَانَ بِمَرَض فِيمَا علم الخ. أَي لَا فِيمَا أقرّ بِهِ فِي مَرضه لمن يتهم عَلَيْهِ، وَهُوَ يظنّ أَن إِقْرَاره عَامل فِي ذَلِك أَو أقرَّ بِهِ فِي صِحَّته وَكذبه الْمقر لَهُ وَلم يعلم بتكذيبه حَتَّى مَاتَ وَلَا فِيمَا وَرثهُ وَلم يعلم بِهِ وَلَا فِيمَا أوصى بِهِ لوَارث وَلم تجزه الْوَرَثَة، وَإِنَّمَا تجْعَل فِيمَا علمه قبل مَوته كَمَا مر وَنَحْوه (و) فِي (دين من عَن الْيَمين ينكل) قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا تدخل الْوَصَايَا إِلَّا فِيمَا علمه الْمُوصي دون مَا لم يُعلمهُ من إِرْث وَنَحْوه، ثمَّ قَالَ: فَإِن أقرّ بدين لمن يجب إِقْرَاره لَهُ فنكل عَن يَمِين الْقَضَاء فَإِن الْوَصِيَّة تدخل فِي ذَلِك اه.
وَكَذَا إِذا نكل عَن يَمِين النّصاب حَيْثُ لم يكن لَهُ إِلَّا شَاهد وَاحِد فَيجمع ذَلِك الدّين لبَقيَّة مَاله وَتخرج الْوَصِيَّة من الْمَجْمُوع. قَالَ ابْن زرب: لَو قَالَ الْوَرَثَة بعض المَال لم يعلم بِهِ الْمُوصي، وَقَالَ الْمُوصى لَهُ: بل علمه فعلى الْمُوصى لَهُ إِثْبَات أَنه علمه وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا أقرّ الْوَارِث بِعِلْمِهِ. وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الأوْلَادِ والأَبُ لِلميراثِ بالمِرْصَادِ (وصححت) الْوَصِيَّة (لولد الْأَوْلَاد و) الْحَال أَن (الْأَب) وَهُوَ أَب الْمُوصى لَهُ (للميراث بالمرصاد) خبر عَن قَوْله الْأَب وللميراث يتَعَلَّق بِهِ أَي يرصد مِيرَاث أَبِيه الْمُوصى ويرتقيه. قَالَ تَعَالَى: إِن رَبك لبالمرصاد} (الْفجْر: 14) أَي يرصد أَعمال الْعباد لَا يفوتهُ مِنْهَا شَيْء فيجازيهم عَلَيْهَا يُقَال: رصدته أَي ارتقبته، وَإِنَّمَا صحت لولد الْوَلَد لِأَنَّهُ غير وَارِث، وَلذَا صَار وَارِثا كَمَا لَو مَاتَ أَبوهُ قبل موت الْمُوصي لم تصح (خَ) : وَالْوَارِث يصير غير وَارِث وَعَكسه الْمُعْتَبر مآله الخ. وَظَاهر النّظم كَانَ الْوَلَد الْمُوصي لوَلَده مَوْجُودا وَقت الْإِيصَاء أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: حَتَّى لحمل وَاضح أَو لم يضح لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل
…
الخ وَهَذَا الْبَيْت رُبمَا يسْتَغْنى عَنهُ بذلك وبمفهوم قَوْله: وامتنعت لوَارث وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره دفعا لما يتَوَهَّم من أَن الْوَصِيَّة لولد الْوَلَد وَصِيَّة للْوَلَد، وَأَنَّهَا تبطل بالتهمة. وَقد تقدم أَنَّهَا لَا تبطل، وَتقدم أَيْضا أَن مَا حصل من الْغلَّة قبل وجود الأحفاد هُوَ للْوَرَثَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَأَنَّهَا إِذا لم يكن فِيهَا لفظ حبس فَهِيَ مَحْمُولَة على التَّمْلِيك وتقسم رقبَتهَا على الأحفاد بِالسَّوِيَّةِ بعد انْقِطَاع ولادَة الْأَب بيأس مِنْهَا أَو مَوته، وَتقدم أَيْضا أَن من وجد من الأحفاد يخْتَص بالغلة وتقسم بَينه وَبَين من وجد مَعَه بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَن ينص الْمُوصي على التَّفْضِيل وينتقض الْقسم كلما وجد ولد أَو مَاتَ إِلَى أَن ينْتَهوا بِمَوْت الْأَب، أَو الْيَأْس من وِلَادَته فَيقسم الأَصْل على الْمَوْجُودين من الأحفاد وَلَا يحيى الْمَيِّت بِالذكر، وَمن مَاتَ مِنْهُم فَيكون نصِيبه لباقي الأحفاد فَإِن مَاتُوا كلهم قسم الأَصْل على وَرَثَة من تقدم فِي الْمَوْت، وَمن تَأَخّر فيحيى الْمَيِّت بِالذكر وَيكون نصِيبه لوَرثَته فَإِن قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد أَوْلَادِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَمَاتَ أحدهم بعد موت الْمُوصي وَقبل أَن يُولد بِهِ رَجَعَ حَظه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ وَلَا يرجع لوَرَثَة الْمُوصي، وَإِذا عقبوا وَولد لكل مِنْهُم فَإِنَّهُ يقسم الثُّلُث على عدد من حضر من الأحفاد يَوْم الْقسم دون من مَاتَ قبله، وَهَذَا إِذا أجمل فِي
الْوَصِيَّة، وَأما إِذا عين لأَوْلَاد كل قدرا من ذَلِك كَمَا لَو قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد زيد وَأَوْلَاد عَمْرو وَأَوْلَاد بكر لأَوْلَاد كل وَاحِد ثلثه، فَإِن حَظّ من مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يُولد لَهُ يكون للْوَرَثَة وَتبطل الْوَصِيَّة فِيهِ وَلَا تدخل الْوَصَايَا فِيمَا بَطل من ذَلِك وتقسم الْغلَّة أَثلَاثًا لأَوْلَاد كل فريق ثلثا قلوا أَو كَثُرُوا، وَمحل بطلَان حَظّ من مَاتَ إِذا لم يقل من مَاتَ عَن غير عقب يرجع نصِيبه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ فَإِن قَالَ ذَلِك فَلَا تبطل وَيرجع لأولادهما، وَهل يقسم هَذَا الرَّاجِع على عدد الرؤوس أَو لَا يجْرِي فِيهِ مَا تقدم فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وكل مَا يشْتَرط الْمحبس الخ. فرع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الصَّدَقَة: من تصدق على ابْنه الصَّغِير وعَلى من يُولد للمتصدق جَازَ، فَإِن مَاتَ الابْن الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِي حَيَاة أَبِيه وقفت الصَّدَقَة بيد الْأَب حَتَّى ينظر أيولد لَهُ شَيْء أم لَا. وَلَا يجوز لَهُ بيعهَا فَإِن مَاتَ الْأَب عَن زَوْجَة فِي حَيَاة الابْن فَلَا يجوز للِابْن أَن يحدث فِيهَا شَيْئا إِلَّا بعد أَربع سِنِين أَو خمس على الِاخْتِلَاف فِي أقْصَى أَو بِالْحملِ، وَذَلِكَ إِذا لم تتَزَوَّج الْمَرْأَة بعده فَإِن لم يتْرك الْأَب زَوْجَة انْطَلَقت يَد الابْن فِي الصَّدَقَة، وَقد قيل أَنه إِذا تصدق على ابْنه وعَلى من يُولد للْأَب من مَجْهُول من يَأْتِي فَذَلِك حبس لَا سِيمَا إِذا أَدخل فِيهِ أَعْقَابهم اه. وَتقدم فِي الصَّدَقَة أَن القَوْل بِأَنَّهَا حبس هُوَ قَول مَالك، وَانْظُر التزامات (ح) فِي الْكَلَام على الشُّرُوط فِي الْهِبَة. فرع: لَو قَالَ الْمُوصي الَّذِي كتب وَصيته بِخَطِّهِ: فليشهد على خطي من وقف عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تنفذ وَلَو لم يشْهد عَلَيْهَا قَالَه اللَّخْمِيّ. وَنَقله فِي الْمجَالِس وَمثله لعياض قَائِلا: وَأما لَو كتبهَا بِخَطِّهِ وَقَالَ: إِذا مت فلينفذ مَا كتب بخطي فَإِنَّهَا تنفذ إِذا عرف أَنه خطه اه. فَقَوله: وَقَالَ الخ. يَعْنِي كتب لذَلِك ليُوَافق كَلَام اللَّخْمِيّ لَا أَنه قَالَ ذَلِك للنَّاس لِأَنَّهُ فِي معنى الْإِشْهَاد عَلَيْهَا، وَلَا خلاف حِينَئِذٍ فِي تنفيذها وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَإِن ثَبت أَن عِنْده خطه أَو قَرَأَهَا وَلم يشْهد أَو يقل أنفذوها لم تنفذ الخ. فمفهومه أَنه لَو كتب بِخَطِّهِ أنفذوها فَإِنَّهَا تنفذ وَنَحْوه قَول صَاحب الْعَمَل:
وَكَاتب بِخَطِّهِ لم يشْهد عَلَيْهِ أَو يقل تنفذ أردد وَإنْ أبٌ مِنْ مالِهِ قَدْ أنْفَقَا عَلَى ابْنِهِ فِي حَجْرِهِ تَرَفَّقَا (وَإِن أَب من مَاله قد أنفقا على ابْنه) الصَّغِير وَله مَال وَقت الْإِنْفَاق حَال كَون الابْن (فِي حجره ترفقا) أَي على وَجه الترفق فَهُوَ رَاجع لقَوْله فِي حجره لَا للإنفاق لِأَنَّهُ لَو أنْفق عَلَيْهِ ترفقاً لم يكن لَهُ عَلَيْهِ رُجُوع. . فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ فِي الحَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ المَالِ (فَجَائِز رُجُوعه فِي الْحَال) أَي حَال قِيَامه (عَلَيْهِ من حِين اكْتِسَاب المَال) بِإِرْث أَو هبة أَو وَصِيَّة، وَمَفْهُومه أَن مَا أنفقهُ عَلَيْهِ قبل كَسبه المَال لَا رُجُوع لَهُ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن نَفَقَته حِينَئِذٍ وَاجِبَة على أَبِيه قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: يلْزم الْأَب نَفَقَة أَوْلَاده الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْإِنَاث حَتَّى يدْخل بِهن أَزوَاجهنَّ إِلَّا أَن يكون للصَّبِيّ كسب أَي عمل يَد يَسْتَغْنِي بِهِ أَو مَال ينْفق عَلَيْهِ مِنْهُ اه. وَمحل رُجُوع الْأَب على وَلَده إِذا كَانَت عَادَة الْآبَاء الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على أَوْلَادهم كَمَا تقدم عَن السيوري فِي النَّفَقَة، وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على الْأَب أَنه أنْفق ليرْجع وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْفلس كاليمين المتوجهة على أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُمَا لَا يحلفان وَأما إِذا مَاتَ الابْن وَطلب الْأَب النَّفَقَة فَأَرَادَ وَرَثَة الابْن إحلافه فَسَيَأْتِي آخر الْبَاب، هَذَا حكم رُجُوع الْأَب بِنَفسِهِ فَإِن مَاتَ الْأَب وَأَرَادَ الْوَرَثَة أَن يحاسبوا الابْن بِمَا أنفقهُ عَلَيْهِ أَبوهُ من وَقت اكتسابه لِلْمَالِ فَقَالَ ابْن رشد: لَا يَخْلُو مَال الْوَلَد من أَرْبَعَة أوجه. أَحدهَا: أَن يكون عينا قَائِما فِي يَد الْأَب. وَالثَّانِي: أَن يكون عرضا قَائِما فِي يَده أَيْضا. وَالثَّالِث: أَن يكون الْأَب قد اسْتهْلك مَال ابْنه الْعين وَحصل فِي ذمَّته. وَالرَّابِع: أَن يكون مَال الابْن لم يصل إِلَى يَده. فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْوَجْه الأول بقوله: وَإنْ يَمُتْ وَالمالُ عَيْنٌ باقِي وَطَالَبَ الوَارِثُ بالإنْفَاقِ (وَإِن يمت) الْأَب (و) الْحَال أَن (المَال) أَي مَال الابْن (عين بَاقِي) فِي تَرِكَة الْأَب مَعْرُوف بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهِ أَو الشَّهَادَة عَلَيْهِ أَنه مَاله (وطالب الْوَارِث) الرُّجُوع على الابْن (بالانفاق) مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي بِالْمَالِ الْمُنفق عَلَيْهِ. فمَا لَهم إِلَيْهِ مِن سَبِيلِ وَهُوَ لِلابْن دُونَ مَا تَعْلِيل (فَمَا لَهُم) أَي الْوَرَثَة (إِلَيْهِ) أَي الرُّجُوع (من سَبِيل وَهُوَ) أَي المَال الْمُنفق (للِابْن دون مَا)
زَائِدَة (تَعْلِيل) لِأَن ترك الْأَب الْإِنْفَاق مِنْهُ عَلَيْهِ مَعَ تيسره دَلِيل على تبرعه. إلاَّ إذَا أوْصَى عَلَى الحِسَاب وَقَيَّدَ الإنْفَاقَ بالْكِتابِ (إِلَّا إِذا أوصى) الْأَب (على الْحساب و) كَانَ قد (قيد الانفاق بِالْكتاب) بِأَن كتبهَا بِخَطِّهِ وَأَحْرَى إِن أشهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ أَنه يُحَاسب، فَحِينَئِذٍ يُمكن الْوَارِث من الرُّجُوع فِي المَال الْعين، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أوصى وَلم يَكْتُبهَا أَو كتبهَا وَلم يوص لم يكن للْوَارِث رُجُوع على الْوَلَد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ ابْن رشد، وَوَجهه فِي الأول أَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث، وَفِي الثَّانِي أَنه قد يَكْتُبهَا متروياً كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذا كَانَ مَال الابْن عرضا فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ عَرْضاً وَكانَ عِنْدَهُ فَلَهُمْ الرَّجُوع فيهِ بَعْدَهُ (وَإِن يكن عرضا) كأثاث ولباس وفراش وأصول ورثهَا من أمه أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ (وَكَانَ) ذَلِك (عِنْده) أَي عِنْد الابْن مَوْجُودا بِعَيْنِه فِي تركته (فَلَهُمَا الرُّجُوع) على الابْن كتبهَا عَلَيْهِ الْأَب أم لَا (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك المَال بِعَيْنِه (بعده) أَي بعد الْأَب فَإِن زَاد الْإِنْفَاق على ذَلِك المَال فَلَا تباعة على الابْن بِالزَّائِدِ. إلاّ إذَا مَا قَال لَا تُحَاسِبُوا وَتَرَكَ الكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا (إِلَّا إِذا مَا) زَائِدَة (قَالَ لَا تحاسبوا و) كَانَ قد (ترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا) الابْن بِشَيْء، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يقل لَا تحاسبوا فَإِنَّهُ يُحَاسب وَلَو كتبهَا لِأَنَّهُ قد يَكْتُبهَا متروياً غير عازم عَلَيْهَا، وَمَفْهُوم وَترك الْكتب أَنه إِذا كتب فَإِنَّهُ يُحَاسب وَإِن أوصى أَن لَا يُحَاسب لِأَنَّهُ لما كتب تقوى جَانب عدم التَّبَرُّع فَكَانَت وَصيته بِعَدَمِ المحاسبة وَصِيَّة لوَارث. وكالْعُرُوضِ الحَيوانُ مُطْلَقَا فِيهِ الرُّجوعُ بِالَّذِي قدْ أَنْفَقَا (وكالعروض الْحَيَوَان مُطلقًا) عَاقِلا كَانَ كالرقيق أَو غير عَاقل كالدواب والأنعام (فِيهِ
الرُّجُوع) للْوَارِث على الابْن (بِالَّذِي قد أنفقا) عَلَيْهِ أَبوهُ إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوه وَيتْرك الْكتب كَمَا مر فِي الْعرض. ثمَّ أَشَارَ للْوَجْه الثَّالِث، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْأَب قد اسْتهْلك مَال الابْن الْعين فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ عَيْناً وَرَسْماً أصْدَرَا بأنَّهُ ذمَّتَهُ قدْ عَمَّرَا (وَإِن يكن عينا) سَوَاء كَانَ عينا بِالْأَصَالَةِ أَو كَانَ عرضا واستهلكه الْأَب وترتبت قِيمَته فِي ذمَّته أَو بَاعه واستهلك ثمنه (ورسماً أصْدرَا) أَي أشهد الْأَب عَدْلَيْنِ فِي رسم (بِأَنَّهُ) أَي المَال الْعين أدخلهُ فِي (ذمَّته) وَأَنه (قد عمرا) ذمَّته بِهِ. فَمَا تَحَاسُبٌ لِمُسْتَحِقِّ وَهُو كالحَاضِرِ دونَ فَرْقِ (فَمَا تحاسب لمستحق وَهُوَ) أَي المَال الْمَشْهُود بِهِ فِي الذِّمَّة (كالحاضر) عينا (دون فرق) بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول فَكَمَا لَا يُحَاسب فِي الْوَجْه الأول إِلَّا إِذا أوصى وَقيد بِالْكتاب فَكَذَلِك الحكم هَهُنَا. وَقد سُئِلَ ابْن رشد عَن وَصِيّ أشهد عِنْد مَوته أَن ليتيمة عِنْده عشْرين دِينَارا، فَلَمَّا طالبت بهَا قَالَ لَهَا الْوَرَثَة: إِنَّه كَانَ ينْفق عَلَيْك وأثبتوا ذَلِك فَقَالَ إِشْهَاد الْوَصِيّ لَهَا عِنْد مَوته بالعشرين دِينَارا يُوجِبهَا لَهَا وَتبطل حِينَئِذٍ دَعْوَى الْوَرَثَة عَلَيْهَا وَلَا يحاسبونها بِشَيْء اه. وَأَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: ورسماً أصْدرَا والموضوع بِحَالهِ فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ فِي مالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ (وَإِن يكن) المَال الْعين (فِي مَاله قد أدخلهُ) بِأَن لم يُوجد بِعَيْنِه فِي تَرِكَة الْأَب وَلَا أشهد بِأَنَّهُ أدخلهُ فِي ذمَّته كَمَا قَالَ: (من غير إِشْهَاد بِذَاكَ أعمله. مَعْ عِلْمِ أَصْلهِ فَهَاهُنَا يَجِبْ رَجُوعُ وَارِثٍ بِإنْفَاقٍ طُلِبْ مَعَ علم أَصله) أَي علم أصل مَال الابْن بِبَيِّنَة شهِدت أَنه كَانَ ورث من أمه مائَة مثلا أَو تصدق عَلَيْهِ بهَا وَلم تُوجد بِعَينهَا فِي تَرِكَة الْأَب، وَلَا أشهد أَنه أدخلها فِي ذمَّته فَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله يَلِيهِ هُوَ الْإِشْهَاد وَعَدَمه وَالْمَال عين على كل حَال (فههنا) أَي فِي عدم الْإِشْهَاد (يجب رُجُوع وَارِث بإنفاق طلب) صفة لإنفاق أَي طلب من الابْن، وَلَو قدم النَّاظِم قَوْله: وَإِن يكن عينا ورسماً أصْدرَا إِلَى قَوْله: طلب. إِثْر قَوْله: وَقيد الْإِنْفَاق بِالْكتاب، لَكَانَ أحسن لِأَن المَال الْعين فِيهِ ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يُوجد فِي التَّرِكَة بِعَيْنِه فَلَا حِسَاب إِلَّا إِذا أوصى وَقيد فِي الْكتاب، وَإِمَّا أَن لَا يُوجد فِي التَّرِكَة فَإِن أشهد أَنه فِي ذمَّته فَلَا حِسَاب أَيْضا كَالْأولِ، وَإِن لم يشْهد حُوسِبَ. تَنْبِيه: لم يذكر النَّاظِم حكم مَا إِذا لم يُوجد الْعرض فِي تَرِكَة الْأَب وَلم يشْهد بعمارة ذمَّته
بِثمنِهِ، وَالْحكم أَن الابْن يُحَاسب بِالنَّفَقَةِ بالأحرى مِمَّا إِذا وجد قَالَه (م) : ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الرَّابِع وَهُوَ مَا إِذا لم يدْخل مَال الابْن بيد الْأَب فَقَالَ: وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الإطْلَاقِ كالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ باتِّفَاقِ (وَغير مَقْبُوض) من مَال الابْن (على الْإِطْلَاق) عينا كَانَ أَو عرضا (كالعرض فِي الرُّجُوع) إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوا وَترك الْكتب فَلَا رُجُوع (بِاتِّفَاق) . ثمَّ أَشَارَ إِلَى حكم موت الابْن قبل الْأَب وَطلب الْأَب محاسبته فَقَالَ: وَمَوْتُ الابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ الأَبِ وَقيلَ فِي يُسْرِ أبٍ حَلْفٌ وَجَبْ (وَمَوْت الابْن) فِي حَيَاة أَبِيه إِذا أَرَادَ الرُّجُوع عَلَيْهِ (حكمه كموت الْأَب) فِي جَمِيع التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم من كَون المَال عينا أَو عرضا الخ. وَلَا يَمِين على الْأَب إِذا أَرَادَ الْوَرَثَة إحلافه أَنه أنْفق ليرْجع لأَنهم قائمون مقَام الابْن وَلَا يَرِثُونَ عَنهُ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ وَلَيْسَ للِابْن أَن يحلف أَبَاهُ. (وَقيل) وَهُوَ لمَالِك فِي سَماع ابْن الْقَاسِم يفرق فَفِي عدم الْأَب وأمانته لَا يَمِين عَلَيْهِ و (فِي يسر أَب) وَعدم أَمَانَته (حلف وَجب) عَلَيْهِ، قَالَ فِي المقرب: سُئِلَ مَالك عَن الرجل يَمُوت وَلَده وَقد كَانَ للْوَلَد مَال فتقوم جدته أَو أمه تطلب مِيرَاثهَا فَيَقُول الْأَب: قد أنفقته عَلَيْهِ أَتَرَى عَلَيْهِ يَمِينا؟ فَقَالَ: إِن كَانَ رجلا مقلاً مَأْمُونا فَلَا أرى ذَلِك عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُوسِرًا غير مَأْمُون أرى أَن يحلف لِأَن جلّ الأباء يُنْفقُونَ على أبنائهم وَإِن كَانَ لَهُم مَال اه. وَقَوله: لِأَن جلّ الْآبَاء الخ. يَقْتَضِي أَن الْغَالِب هُوَ إنفاقهم بِعَدَمِ قصد الرُّجُوع، ولذ قَالَ السيوري كَمَا مر فِي النَّفَقَات ينظر للْعَادَة. فرع: سُئِلَ ابْن لب عَن الَّذِي يلْتَزم لزوجته النَّفَقَة على أَوْلَادهَا على أَن يستغل مَا يكون لأولادها من المَال مُدَّة الزَّوْجِيَّة؟ فَقَالَ: الأَصْل فِي الْمَنْع لوجوه لَا تخفى إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين من الموثقين جرت عَادَتهم بِالتَّخْفِيفِ فِي ذَلِك إِذا كَانَ فائد المَال المستغل يَسِيرا بِحَيْثُ أَن الْغَرَض الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ التَّبَرُّع بِالنَّفَقَةِ، وَيكون فائد المَال لَا يبلغ إِلَّا بعض النَّفَقَة.
(فصل فِي الْإِقْرَار)
وَهُوَ لُغَة الِاعْتِرَاف. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْإِقْرَار وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَة كلهَا إخبارات، وَالْفرق بَينهَا أَن الْإِخْبَار إِن كَانَ يقْتَصر حكمه على قَائِله فَهُوَ الْإِقْرَار، وَإِن لم يقْتَصر فإمَّا أَن لَا يكون للمخبر فِيهِ نفع فَهُوَ الشَّهَادَة أَو يكون وَهُوَ الدَّعْوَى اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط بِلَفْظِهِ أَو بِلَفْظ نَائِبه الخ. فَقَوله: خبر أخرج بِهِ الإنشاآت كبعت وَطلقت، وَقَوله: يُوجب حكم صدقه على قَائِله أخرج بِهِ الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ: الصَّلَاة وَاجِبَة مثلا فَذَلِك خبر أوجب حكم صدقه على مخبره وَغَيره، وَإِذا شهد على رجل بِحَق فَإِنَّهُ خبر أوجب حكم صدقه على غَيره، وَإِذا قَالَ: فِي ذِمَّتِي دِينَار فَهُوَ خبر أوجب حكم صدقه على الْمخبر وَحده وَهُوَ معنى قَوْله: فَقَط. وَأخرج بِهِ أَيْضا قَول الْقَائِل: زيد زَان لِأَنَّهُ وَإِن أوجب حكما على قَائِله فَقَط وَهُوَ حد الْقَذْف، لَكِن ذَلِك لَيْسَ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ الصدْق لِأَن الَّذِي اقْتَضَاهُ الصدْق هُوَ جلد غَيره مائَة أَو رجمه إِن كَانَ مُحصنا، وَزَاد قَوْله: أَو بِلَفْظ نَائِبه ليدْخل قَول الرجل لآخر أقرّ عني بِأَلف فَإِنَّهُ إِقْرَار لَا وكَالَة يحْتَاج فِيهَا إِلَى إِقْرَار الْوَكِيل كَمَا مّر فِي الْوكَالَة، وليدخل إِقْرَار الْوَكِيل عَن مُوكله. وَمَالِكٌ لأَمْرِهِ أقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لأَجْنَبِيَ اقتُفِي (وَمَالك لأَمره) أَي بَالغ رشيد غير مكره لِأَن الْمُكْره لَا يملك أمره وَلَا يلْزمه إِقْرَار كَمَا لَا يلْزم الْمَحْجُور من صبي وسفيه وَعبد وسكران ومرتد (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل لم يكذبهُ الخ. لِأَن فَائِدَة الْحجر على من ذكر هِيَ رد تصرفاتهم الَّتِي من جُمْلَتهَا الْإِقْرَار بِالدّينِ إِلَّا أَن يُجِيزهُ السَّيِّد من العَبْد والسكران ومحجور عَلَيْهِ فِيمَا يتَعَلَّق بالأموال والمعاوضات بِخِلَاف الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالْجِنَايَة فَإِنَّهَا تلْزمهُ كَمَا قَالَ: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَالْمُرْتَدّ مَحْجُور عَلَيْهِ بعد إيقافه للاستتابة وَلَا إِشْكَال فِي ذَلِك إِن قتل، وَأما إِن رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا الْمُفلس فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل يحاصص الْمقر
لَهُ الْغُرَمَاء أم لَا (خَ) : وَقبل إِقْرَاره بِالْمَجْلِسِ إِن ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة وَهُوَ فِي ذمَّته الخ. وَدخل فِي كَلَامه الزَّوْجَة لِأَنَّهَا لَا حجر عَلَيْهَا فِي الْإِقْرَار وَلَو فِي زَائِد الثُّلُث، إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّبَرُّع، وَكَذَا الْمَرِيض فَإِن إِقْرَاره مَاض لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَلَو فِي الزَّائِد على الثُّلُث، وَقَول (خَ) لم يكذبهُ يَعْنِي فَإِن كذبه بَطل سَوَاء كذبه قبل الْإِقْرَار أَو بعده وَلَا يقبل رُجُوعه لتصديقه إِلَّا بِإِقْرَار ثَان، وَنَظِيره من قَالَ لامْرَأَة: تَزَوَّجتك فأنكرت ثمَّ قَالَت: نعم فَأنْكر فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن من شَرط صِحَة الْإِقْرَار أَن يتَّفق الْمقر وَالْمقر لَهُ فِي تَصْدِيق كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فِي وَقت وَاحِد، وَهَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ عذر وإلاَّ فرجوع الْمقر لَهُ لتصديق الْمقر بعد تَكْذِيبه مَقْبُول مثل أَن يقر أحد الْوَرَثَة أَن مَا تَركه أَبوهُ مِيرَاث بَينهم على مَا عهد فِي الشَّرِيعَة ثمَّ جَاءَهُ شُهُود أَخْبرُوهُ أَن أَبَاهُ أشهدهم أَنه تصدق عَلَيْهِ فِي صغره بِهَذِهِ الدَّار وحازها لَهُ، فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ عَن إِقْرَاره فَإِن التَّرِكَة كلهَا موروثة لَا هَذِه الدَّار الْمَشْهُود لَهُ بهَا دون الْوَرَثَة. وَاعْتذر بأخبار الْبَيِّنَة وَأَنه لم يكن عَالما بذلك حِين أقرّ بناه على الْعَادة فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وعذره وَلَا يكون إِقْرَاره السَّابِق مُكَذبا للبينة قادحاً فِيهَا قَالَه الْقَرَافِيّ فِي فروقه. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: اعْتمد مَا للقرافي غير وَاحِد من الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين وتلقوه بِالْقبُولِ مِنْهُم: أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم اليزناسي اه. وَبِه تعلم ضعف مَا فِي (خَ) عَن سَحْنُون من أَن إِقْرَاره الأول مكذب للبينة فَلَا ينْتَفع بهَا. نَقله فِي بَاب الْإِقْرَار وَالْقِسْمَة بعد ان نقل عَن الْمَازرِيّ أَنه أفتى بِمثل مَا للقرافي، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد مَا للقرافي وَبِه كنت أَفْتيت. انْظُر شرحنا للشامل، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر أول الِاسْتِحْقَاق. ثمَّ اعْلَم إِن الْمَالِك لأَمره تَارَة يقر فِي صِحَّته وَتارَة فِي مَرضه، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يكون الْمقر لَهُ وَارِثا أَو أَجْنَبِيّا فَأخْبر هُنَا أَن الْمَالِك لأَمره إِذا (أقرَّ فِي صِحَّته لأَجْنَبِيّ اقتفي) إِقْرَاره وَاتبع وَلزِمَ فَقَوله: اقتفى خبر عَن قَوْله وَمَالك لأَمره، وَالْجُمْلَة بعده صفة لَهُ وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ هُوَ قَوْله: وَمَا لِوَارِثٍ ففيهِ اخْتُلِفَا وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهمْةٍ نَفَى (وَمَا) أقرّ بِهِ فِي صِحَّته أَيْضا (لوَارث فَفِيهِ اخْتلفَا) فَمنهمْ من أبْطلهُ للتُّهمَةِ وهم المدنيون فِي روايتهم عَن مَالك، وَمِنْهُم من أجَازه وهم المصريون فِي روايتهم عَن الإِمَام أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ:(ومنفذ لَهُ) أَي لإِقْرَاره (لتهمة نفى) عَنهُ لكَونه فِي حَال الصِّحَّة فَلَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج. وَرَأْس مَتروكٍ المُقِرِّ أَلزَمَا وَهْوَ بهِ فِي فَلَسٍ كالغُرَمَا
(و) إِذا لم يلْحقهُ ذَلِك ف (رَأس مَتْرُوك الْمقر) بِنصب رَأس مفعول بقوله: (ألزما) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير المنفذ وهم المصريون (و) إِذا كَانَ يُؤْخَذ من رَأس مَاله ومتروكه فَإِن وفى بِهِ فَلَا كَلَام، وَإِن لم يوف بِهِ لاستغراق الدُّيُون تركته ف (هُوَ) أَي الْمقر لَهُ يحاصص (بِهِ فِي فلس كالغرما) يحاصص بَعضهم بَعْضًا، وَلَكِن إِنَّمَا ذَلِك فِي الدّين الْحَادِث بعد الْإِقْرَار، وَأما الْقَدِيم قبل الْإِقْرَار فمقدم اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ح) ثمَّ إِن مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من نُفُوذ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه هُوَ الْمَشْهُور. قَالَ المتيطي: وَعَلِيهِ الْعَمَل، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن حَارِث، وَكَذَا صَاحب الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وكل من أقرّ لوَارث أَو غير وَارِث فِي صِحَّته بِشَيْء من المَال أَو الدّين أَو الْبَرَاءَة أَو قبض أَثمَان المبيعات فَإِقْرَاره عَلَيْهِ جَائِز لَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج، وَالْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث فِي ذَلِك سَوَاء، وَكَذَا الْقَرِيب والبعيد والعدو وَالصديق فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة سَوَاء اه. ثمَّ مَحل الْخلاف فِي إِقْرَار الصَّحِيح للْوَارِث إِن كَانَ لَا يعرف وَجه مَا أقرّ بِهِ وَلَا سَببه، وَأما إِن عرف ذَلِك ككون أم الْمقر لَهُ مَاتَت وَتركت مَالا وَأقر أَبوهُ لَهُ بِهِ، أَو أقرّ لزوجته بِقدر كالىء صَدَاقهَا، أَو أقرّ لابنته بِعَدَد يعلم مِنْهُ أَنه كَانَ يلابسها وَيبِيع لَهَا مَا اكتسبته بِيَدِهَا، فَهُوَ جَائِز نَافِذ بِاتِّفَاق المصريين والمدنيين، وَإِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث مَعَ علم السَّبَب كَذَلِك يجوز اتِّفَاقًا أَيْضا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحينما الْإِقْرَار فِيهِ للْوَلَد الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المقَّر بِهِ لكَونه مَعْرُوفا بالتكسب وَالْإِرْث من أمه وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يشبه أَن يكون تكسب أَو ورث مثل هَذَا المَال المقّر بِهِ بل مَا أقرّ بِهِ أَكثر مِمَّا يشبه تكسبه أَو إِرْثه أَو كَانَ لَا يعرف بتكسب وَلَا إِرْث أصلا فَلَا يعْمل بذلك الْإِقْرَار. قَالَ أَبُو الْفضل الْبُرْزُليّ فِي مسَائِل الْبيُوع من ديوانه مَا نَصه: إِقْرَار الْأُم بدين للابنة فِي صِحَّتهَا نَافِذا لَا أَن تكون الِابْنَة غير مَعْرُوفَة بتكسب وَلَا فائد من مِيرَاث أَو غَيره فإقرارها حِينَئِذٍ بِمَا لَا يشبه أَن يكون لَهَا مَحْض توليج اه. قلت: وَلذَلِك قَالُوا: إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة من مَتَاع الْبَيْت الَّذِي شَأْنه أَن يكون للنِّسَاء مَا لَا يشبه أَن تملكه لضعف حَالهَا وَقلة صَدَاقهَا وَعدم مَعْرفَتهَا بالتكسب لَا يكون لَهَا مِنْهُ إِلَّا قدر صَدَاقهَا كَمَا مر، فَكَذَلِك هَذَا لَا يكون لَهُ مِنْهُ إِلَّا قدر تكسبه أَو إِرْثه، وَظَاهر النّظم أَن إِقْرَاره نَافِذ وَلَو لم يتَقَدَّم من الْمقر لَهُ طلب فِي صِحَة الْمقر، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَلَكِن فِي نظم الْعَمَل أَن الْمقر لَهُ لَا ينْتَفع بِالْإِقْرَارِ إِلَّا مَعَ قيام الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يطْلب الْمقر بِمَا أقرّ بِهِ فِي حَيَاته وَصِحَّته وَنَصه: والسر فِي الْإِقْرَار للْوَارِث مَا ينفع دون طلب قد علما وَمحل الْخلاف أَيْضا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ وَنَحْوه مِمَّا لَا يعرف أصل ملكه للْمقر يَعْنِي بِعَيْنِه وَأما إِقْرَار الرجل فِي صِحَّته أَو مَرضه بِمَا يعرف ملكه لَهُ من شَيْء بِعَيْنِه أَنه لفُلَان وَفُلَان وَارِث
أَو غير وَارِث فَإِنَّهُ يجْرِي مجْرى الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَيحل محلهَا إِن حَاز ذَلِك الْمقر لَهُ بِهِ فِي صِحَة الْمقر جَازَ لَهُ، وإلاَّ لم يجز بِلَا خلاف قَالَه ابْن رشد وَنَقله (ح) وَغَيره. وَفِي نَوَازِل الهبات من المعيار مَا نَصه: قَالَ ابْن دحون لِابْنِ زرب: فَلَو أَن رجلا أقرّ بدار لِابْنِ لَهُ صَغِير فَقَالَ: يحل هَذَا الْإِقْرَار مَحل الْهِبَة إِن كَانَت الدَّار مَعْرُوفَة للْأَب وسكنه فَإِن خرج مِنْهَا وحازها لِابْنِهِ بعد الْإِقْرَار وإلاَّ بَطل، وَإِن كَانَت غير دَار سكناهُ نفذ إِقْرَاره يَعْنِي لِأَن الْأَب يحوز لِابْنِهِ الصَّغِير غير دَار السُّكْنَى كَمَا قَالَ (خَ) إِلَّا لمحجوره إِذْ أشهد وَصرف الْغلَّة لَهُ وَلم تكن دَار سكناهُ الخ. قَالَ ابْن زرب: وَإِن لم يعلم فِي دَار السُّكْنَى أَو فِي غَيرهَا أَنَّهَا ملك للْمقر جَازَ وَإِن لم يحزها اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَمَا لم يعلم أَصله للْمقر وَصَحَّ فِيهِ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه وَمَا علم أَصله لَهُ من المعينات من أصُول وأثاث وحيوان أَن يجْرِي إِقْرَاره فِيهِ مجْرى الْهِبَة إِن حيّز فِي صِحَّته صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَيعرف أَصله للْمقر بِأَن كَانَ يحوزه ويتصرف فِيهِ سِتَّة أشهر أَو عشرَة كَمَا للوانشريسي إِثْر جَوَاب ابْن رشد، وَأما إِن أقرّ بأملاك لابنته عِنْد عقد نِكَاحهَا فَإِنَّهَا نَافِذَة وَلَو لَو تحز كَمَا تقدم فِي النِّكَاح. تَنْبِيه: وعَلى الْمقر لَهُ بِالدّينِ فِي الصِّحَّة الْيَمين أَنه ترَتّب لَهُ ذَلِك الْمقر لَهُ كَمَا فِي المعيار عَن ابْن لب، وَنَقله شَارِح الْعَمَل فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَنَحْوه فِي (ح) ونظم الْعَمَل الْمُطلق خلافًا لما فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْعِشْرين من الْقسم الثَّانِي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الْمَرِيض بقسميه لِأَنَّهُ إِمَّا لأَجْنَبِيّ أَو قريب فَقَالَ: وَإنْ تَكُنْ لأجْنَبِيَ فِي المَرَضْ غَيْرِ صَدِيقٍ فَهْوَ نَافِذُ الغَرَضْ (وَإِن يكن) الْإِقْرَار (لأَجْنَبِيّ فِي الْمَرَض) الْمخوف (غير صديق) صفة لأَجْنَبِيّ (فَهُوَ) أَي الْإِقْرَار (نَافِذ الْغَرَض) مَعْمُول بِهِ ورث كَلَالَة أم لَا. وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ أَنه إِذا كَانَ فِي الْمَرَض لقريب أَو لصديق ملاطف فَهُوَ قَوْله: وَلِصَدِيقٍ أوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ يَبْطُلُ مِمن بِكلالةٍ وَرِثْ (ولصديق) ملاطف (أَو قريب لَا يَرث) كالخال والعمة وَالْخَالَة (يبطل) الْإِقْرَار حَيْثُ وَقع
(مِمَّن بكلالة ورث) . وَمَفْهُومه أَنه إِذا ورث بِغَيْر كَلَالَة فَإِن إِقْرَاره صَحِيح وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره. وَهَذَا حَيْثُ لَا دين مُحِيط عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يقبل إِقْرَاره لقريب وَلَا لملاطف، وَالْمرَاد بالكلالة هُنَا الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل بِأَن كَانَ فِيهَا أَبَوَانِ أَو زَوْجَة أَو عصبَة، وَأما الْكَلَالَة فِي بَاب الْمِيرَاث فَهِيَ الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وفيهَا يَقُول الْقَائِل: ويسألونك عَن الْكَلَالَة هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محَالة وَلَا وَالِد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود وقِيل بلْ يَمْضِي بكلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مَا يُؤْخَذُ بالإِبْطَالِ (وَقيل بل يمْضِي) إِقْرَار الْمَرِيض لمن ذكر (بِكُل حَال) ورث كَلَالَة أَو لَا. وَالْقَوْلَان قائمان من الْمُدَوَّنَة ومشهورهما مَا تقدم. (وَعند مَا يُؤْخَذ) بالْقَوْل (بالإبطال) لكَونه ورث كَلَالَة وَهُوَ القَوْل الأول. قيل بإطْلاقٍ ولابنِ القَاسِمِ يمْضِي مِنَ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جازِمِ (قيل) يبطل (بِالْإِطْلَاقِ) وَلَا يكون للْمقر لَهُ شَيْء لَا من ثلث وَلَا رَأس مَال وَهُوَ الْمُعْتَمد (و) قيل وَهُوَ (لِابْنِ الْقَاسِم يمْضِي) إِقْرَاره (من الثُّلُث) إِن حمله أَو مَا حمله مِنْهُ (بِحكم جازم) وَعَلِيهِ فَتْوَى ابْن سراج فِي رجل كفل يَتِيما فَأشْهد لَهُ فِي صِحَّته بِعشْرَة دَنَانِير وَفِي مَرضه بِخَمْسِينَ دِينَارا عَن أُجْرَة لَهُ فَمَاتَ ونازعه الْوَرَثَة؟ فَأجَاب: أما الْعشْرَة فَتجب لَهُ، وَأما الْخَمْسُونَ فَإِن كَانَت قدر أجرته الْوَاجِبَة لَهُ فَتجب من رَأس مَاله وَإِن كَانَت أَكثر مِمَّا يجب لَهُ فِي إِجَارَته كَانَ قدر الْإِجَارَة من رَأس مَاله وَالزَّائِد من ثلثه اه. وَبَيَانه أَن الكافل يلاطف مكفوله، لَكِن مَا أقرّ لَهُ بِهِ فِي الصِّحَّة يمْضِي لَهُ على مَا مر من رِوَايَة المصريين، وَمَا أقرّ بِهِ لَهُ فِي الْمَرَض يمْضِي حَيْثُ كَانَ للإقرار سَبَب اتِّفَاقًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهُ علم أَنه كَانَ يؤاجره، نعم قَوْله الزَّائِد على قدر الْإِجَارَة يكون فِي الثُّلُث إِنَّمَا يتمشى على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ ضَعِيف. ثمَّ أَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: لَا يَرث الخ. وَهُوَ إِقْرَاره لولد أَو زَوْجَة أَو غَيرهمَا كأخ مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار أَو عدم ظُهُوره فَقَالَ:
وَحَيْثُما الإقْرَارُ فِيهِ لِلْوَلَدْ مَعْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ فيهِ مِنْ مَرَدْ (وحيثما الْإِقْرَار فِيهِ) أَي الْمَرَض (للْوَلَد مَعَ) وجود (غَيره) من الْوَرَثَة بَنِينَ أَيْضا أَو غَيرهم (فَلَيْسَ فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْإِقْرَار (من مرد) بل هُوَ صَحِيح لَازم. مَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الإقْرَارِ فإنْ يَكُنْ ذَاكَ عَن اخْتِيَارِ (مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار) اتِّفَاقًا كَأَن تشهد بَيِّنَة بِأَن الْأَب قد قبض للْوَلَد أَمْوَالًا ورثهَا من أمه، أَو بَاعَ لَهُ أسباباً وَقبض أثمانها، أَو أوصى لَهُ بِوَصِيَّة وَقَبضهَا أَبوهُ، وَإِن لم يبينوا قدر الْمَقْبُوض لِأَن ظُهُور السَّبَب يَنْفِي التُّهْمَة بِشَرْط أَن يكون الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المَال المقرّ بِهِ، وإلاَّ فَلَا كَمَا مر قَرِيبا فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة. (فَإِن يكن ذَاك) الْإِقْرَار (عَن اخْتِيَار) بِأَن لم يظْهر سَبَب صِحَّته. فَذُو عُقوقٍ وَانْحِرَافٍ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ وَذُو البُرُورِ يُحْرَمُ (ف) ولد (ذُو عقوق) لِأَبِيهِ (وانحراف) عَن طَاعَته (يحكم لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يتهم على أَن يُعْطِيهِ وَيحرم الْبَار (و) الْوَلَد (ذُو البرور يحرم) من إِقْرَار الْأَب لَهُ للتُّهمَةِ، وَظَاهره أَنه يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور سَوَاء أقرّ لَهُ وَحده أَو مَعَ أَجْنَبِي وَهُوَ كَذَلِك فنصيب الْوَلَد يفصل فِيهِ بَين ظُهُور السَّبَب فَيصح وَبَين عَدمه فذو عقوق يَصح أَيْضا وَذُو برور يحرم، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ أحد قَوْلَيْنِ متساويين فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ تَشْبِيها فِي الْقَوْلَيْنِ: كإقراره للْوَلَد الْعَاق الخ. فيستفاد من النَّاظِم أَن القَوْل بِالصِّحَّةِ هُوَ الرَّاجِح، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أقرّ لأحد المتساويين فِي العقوق أَو البرور أَو أقرّ للأقرب مَعَ وجود الْأَبْعَد كإقراره لابنته أَو لأمه مَعَ وجود الْعصبَة فَإِنَّهُ يبطل اتِّفَاقًا فيهمَا (خَ) : لَا الْمسَاوِي وَالْأَقْرَب الخ. وَأما إِن أقرّ للأبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود الْأُم أَو الْبِنْت فَإِقْرَاره صَحِيح. وَإنْ يَكن لِزَوْجَةٍ بِهَا شُغِفْ فَالمَنْعُ وَالْعَكْسُ بعكْسٍ يتَّصِفْ (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لزوجة بهَا شغف) حبا فَإِن ظهر لإِقْرَاره سَبَب كَكَوْنِهِ قبض لَهَا مَالا أَو عرف أَنه بَاعَ لَهَا أسباباً فلإقرار صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا مر، وَكَذَا لَو أقرّ لَهَا بِقدر كالىء صَدَاقهَا لِأَنَّهُ لَو لم يقرّ بِهِ لَأَخَذته من تركته إِذْ الْعَادة بَقَاؤُهُ كَمَا مر فِي النِّكَاح عِنْد قَوْله: وَأجل
الكوالىء الْمعينَة الخ. وَإِن لم يظْهر لإِقْرَاره لَهَا سَبَب وَلَا كَانَ بكالىء صَدَاقهَا. (فالمنع) من صِحَة الْإِقْرَار لَهَا وَاجِب إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن لَا يكون مشغوفاً بحبها بل كَانَ يعرف ببغضها (بعكس يَتَّصِف) فَيلْزم الْإِقْرَار وَيصِح وَرثهُ ولد أم لَا. انْفَرَدت بالصغير أم لَا. على الْمُعْتَمد، وَانْظُر الْإِقْرَار بالمجمل للزَّوْجَة أَو غَيرهَا فِي (ح) وَمَا فِيهِ من الْخلاف أول بَاب الْإِقْرَار، وَقد أفتى هُوَ بِصِحَّتِهِ عِنْد قَوْله: كَزَوج علم بغضه لَهَا فيستفاد من فتواه أَن الرَّاجِح صِحَّته. وَإنْ جَهِلْنَا عِنْدَ ذَاكَ حَالَهْ فَالمَنْعُ مِمَّنْ إرْثُهُ كَلَالَهْ (وَإِن جهلنا عِنْد ذَاك) الْإِقْرَار (حَاله) مَعهَا من محبتها والميل إِلَيْهَا أَو بغضه إِيَّاهَا فَإِن ورث كَلَالَة لم يَصح إِقْرَاره كَمَا قَالَ: (فالمنع مِمَّن إِرْثه كَلَالَة) وَإِن لم يُورث كَلَالَة بِأَن وَرثهُ ابْن وَاحِد ذكر صَغِير أَو كَبِير مِنْهَا أَو من غَيرهَا صَحَّ إِقْرَاره كَمَا قَالَ: وَمَعَ وَاحِدٍ مِنَ الذُّكُورِ فِي كلِّ حَالٍ لَيْسَ بالمَخظُورِ (وَمَعَ وَاحِد من الذُّكُور فِي كل حَال لَيْسَ بالمحظور) وَإِن وَرثهُ بنُون ذُكُور فَقَط أَو ذُكُور وإناث فالإقرار صَحِيح أَيْضا كَمَا قَالَ: 1413 كَذَاكَ مَعْ تَعَدُّدٍ فِيهِمْ ذَكَرْ مَا مِنْهُمُ ذُو صِغَرٍ وَذُو كِبَرْ (كَذَاك مَعَ تعدد) الْأَوْلَاد حَال كَونهم (فيهم ذكر) وَاحِد أَو مُتَعَدد كَانُوا كلهم مِنْهَا، أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا كبارًا كَانُوا أَو صغَارًا أَو مُخْتَلفين كَمَا قَالَ:(مَا مِنْهُم ذُو صغر و) لَا (ذُو كبر) يخْتَص بِصِحَّة الْإِقْرَار مَعَه بل هُوَ صَحِيح لَهَا مَعَ وجود كل من الْفَرِيقَيْنِ أَو أَحدهمَا، لَكِن إِن كَانَ فيهم صغَار فَيشْتَرط أَن يكون الصغار من غَيرهَا فَقَط أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا، أما إِذا كَانَ الصغار مِنْهَا فَقَط وَلَو إِنَاثًا وَبَقِيَّة الْوَرَثَة كبارًا مِنْهَا وَمن غَيرهَا أَو مِنْهَا فَقَط، فَإِن الْإِقْرَار لَا يَصح اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ الشَّارِح: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا فَيَقُول:
إِلَّا إِذا مَا كَانَ مِنْهَا الْأَصْغَر وَكَانَ من أم سواهَا الْأَكْبَر
وَلَو قَالَ: وَكَانَ من غير وَمِنْهَا الْأَكْبَر وَتَكون الْوَاو فِي قَوْله: وَمِنْهَا بِمَعْنى (أَو) لوفي بِمَا تقدم. وَإنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ مَطْلقَا قِيلَ مُسَوَّغٌ وقيلَ مُتَّقى (وَإِن يكن) أَي إِقْرَار الْمَرِيض للْمَجْهُول حَاله مَعهَا متلبساً (بِغَيْر ذَاك) أَي بِغَيْر مَا ذكر من الْكَلَالَة وَمن وجود الابْن أَو البنتين، بل كَانَ الْإِقْرَار لَهَا مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (مُطلقًا) صغَارًا كن من غَيرهَا أَو كبارًا مِنْهَا فَقَط أَو مِنْهَا وَمن غَيرهَا فَقَوْلَانِ (قيل) الْإِقْرَار (مسوغ) لَهَا نظرا إِلَى أَنَّهَا أبعد من الْبِنْت (وَقيل متقى) نظرا إِلَى أَنَّهَا أقرب من الْعصبَة فَإِن وَرثهُ مَعَ الْعصبَة صَغِيرَة أَو أَكثر مِنْهَا لم يَصح إِقْرَاره لَهَا اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ وَلَده: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا أَيْضا فَيَقُول: إِلَّا إِذا كن صغَارًا أجمعا مِنْهَا فَحكم ذَاك أَن يمتنعا وَالْمرَاد بالعصبة مَا عدا الابْن وإلاَّ فَهُوَ مَا تقدم (خَ) : كَزَوج علم بغضه لَهَا أَو جهل وَورثه ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن تنفرد بالصغير وَمَعَ الْإِنَاث والعصبة قَولَانِ الخ. وَلم أَقف على من رجح وَاحِدًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا يظْهر من كَلَام الشَّامِل من رُجْحَان الأول، وَكَذَا النَّاظِم حَيْثُ صدر بِهِ هَذَا حكم الْإِقْرَار للْوَلَد وَالزَّوْجَة. وَإنْ يَكُنْ لِوَارِثٍ غَيْرِهما مَعْ وَلدٍ فَفي الأَصَحِّ لَزِما (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لوَارث غَيرهمَا) بِالْجَرِّ نعت لوَارث حَال كَون الْوَارِث (مَعَ) وجود (ولد) للْمقر وَلَو أُنْثَى كإقراره لأم مَعَ وجود ولد أَو لأخت مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (فَفِي الْأَصَح) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَرَوَاهُ ابْن عبد الحكم عَن مَالك (لزما) وَمُقَابِله نَقله ابْن سهل عَن ابْن زرب فِيمَا إِذا كَانَ الْوَلَد بِنْتا. وَدونَهُ لمالِكٍ قولانِ بالمَنْعِ وَالجَوَازِ مَرْوِيَّانِ (ودونه) أَي الْوَلَد أَي وَإِقْرَاره لوَارث غَيرهمَا دون وجود ولد لَهُ (لمَالِك) فِيهِ (قَولَانِ) أَحدهمَا (بِالْمَنْعِ و) الآخر ب (الْجَوَاز مرويان) عَنهُ، ومحلهما إِن كَانَ الْمقر لَهُ مُسَاوِيا كإقراره لأحد
إخْوَته المتساويين فِي الدرجَة أَو بني عَمه كَذَلِك، أَو كَانَ أقرب كإقراره لأم مَعَ وجود أَخ أَو عَم وَالرَّاجِح مِنْهُمَا الْمَنْع كَمَا تقدم فِي مَفْهُوم قَوْله: فذو عقوق وانحراف يحكم لَهُ بِهِ الخ. وَأما إِذا أقرّ لوَارث أبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود أم أَو أقرَّ لأخ لأَب أَو لأم مَعَ وجود شَقِيق فَإِن إِقْرَاره صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ق) عَن ابْن رشد، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: ومريض إِن وَرثهُ ولد لأبعد الخ. وَصَوَابه ومريض لوَارث أبعد كَمَا لشراحه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض هُوَ كإقراره لَهَا فِي التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فَقَالَ: وَحَالة الزَّوْجَةِ والزَّوْجُ سَوا وَالْقَبْضُ للدَّيْنِ مَعَ الدَّيْنِ اسْتَوَى (وَحَالَة) إِقْرَار (الزَّوْجَة) لزَوجهَا (و) إِقْرَار (الزَّوْج) لزوجته (سوا) ء بِفَتْح السِّين فيفصل فِيهِ بَين حبها لَهُ أَو بغضها أَو جهل حَالهَا على مَا مر (و) إِقْرَار أَحدهمَا للْآخر ب (الْقَبْض للدّين مَعَ) إِقْرَاره ب (الدّين اسْتَوَى) ابْن رشد. إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض كإقراره هُوَ لَهَا فِيهِ، وَلَا فرق بَين أَن يقر أَحدهمَا لصَاحبه بدين فِي ذمَّته أَو بِأَنَّهُ قبض مَاله عَلَيْهِ اه. وإطلاقه يَشْمَل الأصدقة وَغَيرهَا، فَإِذا قَالَت فِي مَرضهَا: قبضت ديني أَو مُؤخر صَدَاقي فَإِن عرف بغضها لَهُ صَحَّ، وَكَذَا إِن جهل وورثها ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن ينْفَرد بالصغير مِنْهَا، وَأما إِقْرَاره بِأَن كالىء صَدَاقهَا بَاقٍ فِي ذمَّته فَهُوَ عاطل مُطلقًا وَإِنَّمَا يفصل فِي غَيره كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَإِن يكن لزوجة بهَا شغف الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تعدد الْإِقْرَار فَقَالَ: وَمُشْهِدٌ فِي مَوْطِنَيْنِ بِعَدَدْ لِطَالِبٍ يُنْكِرُ أنَّه اتَّحَدْ (ومشهد) على نَفسه (فِي موطنين) أَي زمنين مثلا (بِعَدَد) وَاحِد مثل أَن يقر لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ، ثمَّ يقر لَهُ فِي موطن آخر بِمِائَة دِرْهَم أَيْضا، وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ آخرَانِ وَلم يَأْمُرهُم بالكتب وَلَا ذكر السَّبَب الَّذِي من أَجله ترَتّب عَلَيْهِ ذَلِك فالإقراران مَعًا (لطَالب) وَاحِد (يُنكر أَنه) أَي الْمَشْهُود بِهِ فِي الموطنين (اتَّحد) وَيَدعِي أَنَّهُمَا مِائَتَان وَقَالَ الْمَطْلُوب: هِيَ مائَة وَاحِدَة أشهد لَهُ بهَا مرَّتَيْنِ. لَهُمْ بِهِ قَوْلان وَالْيَمِينُ عَلَى كلَيْهِمَا لَهُ تَعْيينُ (لَهُم بِهِ) أَي بِهَذَا الْفَرْع (قَولَانِ) لمَالِك فَقَالَ مرّة: القَوْل للطَّالِب بِيَمِينِهِ، وَقَالَ مرّة: القَوْل
للمطلوب بِيَمِينِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْيَمِين على كليهمَا لَهُ تعْيين) وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح أَن القَوْل للمطلوب، وَكَذَا لَو ادّعى على رجل بِمِائَة فَأقر لِرَبِّهَا وَادّعى الْقَضَاء وَأقَام شَاهِدين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين وَآخَرين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين فَقَالَ رب الْحق هِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة من الْمِائَة أشهدت لَك بهَا قوما بعد قوم فَهِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة إِلَّا أَن يكون أشهدهم فِي كتابين كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَقَوْلِي: وَلَا ذكر السَّبَب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا ذكره فَإِنَّهُ إِن اتَّحد فَهِيَ مائَة وَاحِدَة، وَإِن تعدد ككونها من بيع وَالْأُخْرَى من سلف فمائتان، وَقَوْلِي: وَلم يَأْمُرهُم بالكتب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أَمرهمَا بِهِ أَولا وَثَانِيا فَهُوَ قَوْله: مَا لَمْ يَكُنْ ذَاك بِرَسميْنِ ثَبَتْ فَمَا ادَّعَاهُ مُشْهِدٌ لَا يُلْتَفَتْ (مَا لم يكن ذَاك) الْإِشْهَاد (برسمين ثَبت) فِي مَحل الْخلاف مُدَّة كَون الْإِشْهَاد لم يثبت فِي رسمين بل كَانَ فِي رسم وَاحِد أَو بِغَيْر رسم أصلا أَو برسمين بِأَمْر الْمقر لَهُ، أما إِذا كَانَا فِي رسمين بِأَمْر الْمقر (فَمَا ادَّعَاهُ مشْهد) من أَنَّهَا مائَة وَاحِدَة (لَا يلْتَفت) إِلَيْهِ وَيجب عَلَيْهِ المائتان. ابْن رشد: لَا خلاف فِي أَنه إِن كَانَ فِي كتاب وَاحِد أَنه حق وَاحِد، وَكَذَا الإخلاف فِي أَنه إِن أشهد قوما فِي كتاب ثمَّ أشهد آخَرين فِي كتاب آخر أَنه يقْضِي عَلَيْهِ بالمائتين، وَإِنَّمَا مَسْأَلَة الْخلاف وَإِذا أشهد شُهُودًا بعد شُهُود بِغَيْر كتاب وَبَينهمَا مُدَّة من الزَّمَان، وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا شهد عَلَيْهِ كل جمَاعَة كتابا على حِدة لم يخرج بذلك عَن الْخلاف اه. وَحَاصِله أَن الصُّور الثَّلَاث: أَن يشْهد الْمقر جمَاعَة بعد أُخْرَى وَلم يكتبا أصلا أَو كتبا فِي كتاب وَاحِد، فَالْقَوْل للْمقر بِيَمِينِهِ أَنه حق وَاحِد على الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَأخذ الْمِائَتَيْنِ. وَالثَّانيَِة: أَن يشهدهما الْمقر ويأمرهما بِكِتَابَة مَا أشهدهما بِهِ فكتباه فِي ذكرين فَيلْزمهُ المائتان كَمَا فِي النّظم. الثَّالِثَة: أَن يأمرهما بِالْكِتَابَةِ الْمقر لَهُ فَيَقُول، لكل جمَاعَة: اكتبا لي مَا سمعتما من فلَان فَإِن الْمقر لَا يلْزمه إِلَّا مائَة على الرَّاجِح أَيْضا، وَهَذِه هِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا ابْن رشد بقوله: وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا أشهد عَلَيْهِ الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: مشْهد الخ. أَنه لَو شهد اثْنَان أَنه قبض مائَة بمحضرهما يَوْم الْأَحَد، وَشهد آخرَانِ أَنه قبضهَا بمحضرهما يَوْم الِاثْنَيْنِ فَعَلَيهِ مِائَتَان أَيْضا انْظُر الشَّيْخ (م) وَلَا بُد.
وَمَنْ أَقَرَّ مَثَلَا بِتِسْعَه وَصَحَّ أنْ دَفَعَ مِنْها السَّبْعَه (وَمن أقرّ) لزيد (مثلا بِتِسْعَة) دَنَانِير (وَصَحَّ) بِإِقْرَار زيد (إِن) قد (دفع) الْمقر (مِنْهَا السَّبْعَة) مثلا. ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِ ذَا بِبَيِّنَه بِقَبْضِ دِينارَيْنِ منْهُ مُعْلنَه (ثمَّ) لما طَالبه زيد بالاثنين الباقيين (أَتَى) الْمقر (من بعد ذَا) أَي إِقْرَار زيد (بِبَيِّنَة) شاهدة لَهُ (بِقَبض دينارين مِنْهُ معلنة) بذلك وبرىء على زَعمه، فَادّعى زيد المقرّ لَهُ أَن الدينارين الْمَشْهُود بهما داخلان فِي السَّبْعَة. فالْقَوْلُ قَوْلُه إنِ الخَصْمُ ادَّعَى دُخولَ دينَارَيْنِ فِيمَا انْدَفَعَا (فَالْقَوْل قَوْله) أَي الْمقر أَنَّهُمَا داخلان فِي السَّبْعَة (إِن) بِكَسْر الْهمزَة (الْخصم) وَهُوَ زيد (ادّعى دُخُول دينارين فِيمَا اندفعا) وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِهِ لقَوْل ابْن سَلمُون. وَعَن ابْن الْقَاسِم وَأصبغ: لَو أقرّ لَك بِاثْنَيْ عشر دِينَارا فَثَبت قبضك تِسْعَة مِنْهَا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَله بَيِّنَة بأَدَاء ثَلَاثَة، فَزَعَمت أَنَّهَا من التِّسْعَة فَالْقَوْل قَوْله بِأَنَّهَا سواهَا وبرىء من الْجَمِيع، وَنَحْوه فِي (ح) آخر الْإِقْرَار فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَتَأمل قَول ابْن سَلمُون بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار، فَإِن الصَّوَاب حذف قَول بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت لَهَا قبض تِسْعَة وَبَيِّنَة أُخْرَى ثَلَاثَة بالمعاينة فيهمَا فَإِنَّهُ يبرأ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَو شهِدت وَاحِدَة أَنه قبض مِنْهُ تِسْعَة بمحضرها ثمَّ ثَلَاثَة بمحضرها أَيْضا. وَبيْعُ مَن حَابَى من المُرْدُودِ إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ بالشُّهُودِ (وَبيع من حابى من الْمَرْدُود) تقدم بيع الْمُحَابَاة وتفصيله فِي فصل مصائلم من أَحْكَام البيع،
أَنَّهُمَا قَولَانِ درج النَّاظِم هُنَاكَ على أَحدهمَا وَهنا على الآخر، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير لقصد نفع المُشْتَرِي أَو بِأَكْثَرَ لقصد نفع البَائِع، فَإِن لم يقْصد نفع من ذكر بل وَقع للْجَهْل بِقدر الثّمن فَهُوَ غبن، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي فَصله. وَأما قَوْله:(إنْ ثَبت التوليج بالشهود) فَهُوَ بِأَو العاطفة على حابى أَي: وَبيع من حابى أَو ثَبت توليجه بالشهود فَهُوَ من الْمَرْدُود، وَهَذِه النُّسْخَة هِيَ الصَّوَاب لِأَن التوليج والمحاباة متباينان، لِأَن التوليج هُوَ الْعَطِيَّة فِي صُورَة البيع، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة أَو بِأَكْثَرَ كَمَا مر، وَأما نُسْخَة إِن ثَبت الخ. بِأَن الشّرطِيَّة فَلَا تصح إِلَّا على تَأْوِيل حابى بولج، فَيكون الْمَعْنى وَبيع توليج من الْمَرْدُود وَإِن ثَبت التوليج بالشهود الخ. وَهِي حِينَئِذٍ على هَذِه النُّسْخَة مَسْأَلَة وَاحِدَة بِخِلَافِهِ على النُّسْخَة الْأُخْرَى فهما مَسْأَلَتَانِ. أما مَسْأَلَة الْمُحَابَاة على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا فَلَا فرق فِيهَا بَين الْوَارِث وَغَيره، فَإِذا بَاعَ من أَجْنَبِي أَو ابْنه أَو زَوجته أَو أم ولد لَهُ مَا يُسَاوِي مائَة بِعشْرَة وَيشْهد بذلك أَرْبَاب الْبَصَر وَلم يُخرجهُ من يَده وَلَا حيّز عَنهُ حَتَّى حصل الْمَانِع فبيعه مَرْدُود، وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي إِلَّا ثمنه على أحد قَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا للناظم هَهُنَا كَمَا مرّ والاتفاق الَّذِي فِي ابْن سَلمُون لَا يتم بِدَلِيل مَا تقدم فِي فصل أَحْكَام البيع، وَأما مَسْأَلَة التوليج فَلَا يرد البيع فِيهَا إِلَّا بِأحد أَمريْن. إِمَّا بِالإقْرَارِ أَوْ الإشْهَادِ لَهُم بهِ فِي وَقْتٍ الانْعِقَادِ (إِمَّا) بِأَن يشْهد الشُّهُود (بِالْإِقْرَارِ) من المُشْتَرِي بعد البيع وَحُصُول الْمَانِع للْبَائِع من موت أَو فلس أَو مرض أَن البيع إِنَّمَا كَانَ صُورَة وَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّة (أَو الْإِشْهَاد لَهُم) أَي للشُّهُود أَي أشهدهم المُشْتَرِي وَالْبَائِع (بِهِ) أَي بالتوليج (بِوَقْت الِانْعِقَاد) للْبيع فَيَقُولَانِ لَهُم وَقت العقد: اشْهَدُوا علينا بِأَن هَذَا البيع لَا حَقِيقَة لَهُ، وبمنزلة الْإِشْهَاد مَا إِذا حَضَرُوا مَعَهُمَا على وَجه الِاتِّفَاق وسمعوا مِنْهُمَا ذَلِك من غير إشهادهما إيَّاهُم. قَالَ ابْن سَلمُون: وَكَيْفِيَّة ثُبُوت التوليج أَن يَقُول الشُّهُود: توسطنا العقد بَينهمَا واتفقا مَعًا على أَن مَا عقداه من البيع والتصيير سمعة لَا حَقِيقَة لَهُ، أَو يَقُولُوا أقرّ لنا بذلك المُشْتَرِي بعد البيع اه. زَاد الشَّارِح: أَو يَقُولُوا أشهدنا فلَانا وَفُلَانًا على شَهَادَتهمَا بِأحد هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اه. وَمَا زَاده إِنَّمَا هُوَ من بَاب النَّقْل للشَّهَادَة فَلَيْسَ خَارِجا عَمَّا
فِي النّظم وَقَوْلِي: وَحُصُول الْمَانِع الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحصل للْبَائِع مَانع فَإِن ذَلِك لَا يبطل بل هُوَ للْمُشْتَرِي إِن حازه كَانَ وَارِثا أم لَا. فَإِن ثَبت التوليج بِأحد الْأَمريْنِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن لم يثبت بِمَا ذكر فَإِن لم يثبت ميل البَائِع للْمُشْتَرِي فَلَا يَمِين وَالْبيع صَحِيح. وَمَعْ ثُبُوتِ مَيلِ بائعٍ لِمَنْ مِنْه اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفع الثَّمَنْ (وَمَعَ ثُبُوت ميل بَائِع لمن) وَقع (مِنْهُ اشْترى يحلف) المُشْتَرِي (فِي دفع الثّمن) أَي أَنه دَفعه وَأَنه اشْترى شِرَاء صَحِيحا وَيصِح البيع، فَإِن نكل بَطل البيع بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا ترد، وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين وَارِث وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك، وَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن فُقَهَاء قرطبة خلاف الْمُعْتَمد لِأَن التوليج لم يثبت بِأحد أَمريْن كَمَا فِي مصطفى، وَظَاهره أَيْضا أَنه يحلف وَلَو عَايَنت الْبَيِّنَة دَفعه وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مَعَ الْميل قد يدْفع إِلَيْهِ الثّمن ليَرُدهُ إِلَيْهِ وينتفي الْيَمين عَنهُ، وَقد عقد فِي لامية الزقاق للتوليج فصلا أَطَالَ فِيهِ، وَذكرنَا فِي حاشيتنا عَلَيْهِ مَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله، فَعَلَيْك بِهِ. وَانْظُر الكراس الْحَادِي عشر من معاوضات المعيار فِي مَسْأَلَة الْوَصَايَا اخْتلف فِيهَا فُقَهَاء بجاية إِن أردْت زِيَادَة التوسيع فِي هَذَا الْمَعْنى.
(فصل فِي حكم الْمديَان)
الصِّيغَة للْمُبَالَغَة، وَالْمرَاد الْمَدِين. وقسمه النَّاظِم إِلَى أَقسَام: أَولهَا الْغَنِيّ الْمُوسر بِالدّينِ وَهُوَ معنى قَوْله: وَمَن عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِمَّا مُوسِرُ فَمَطْلِ ظُلْمٌ وَلَا يُؤَخَّرُ (وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا مُوسر) فِي ظَاهر الْحَال يتهم بِمَال أخفاه كَمَا لِابْنِ سهل وَهُوَ يلبس الثِّيَاب الفاخرة وَله خدم وَلَا يعلم بأصول وَلَا عرُوض (فمطله ظلم) لقَوْله عليه السلام: (مطل الْغَنِيّ ظلم)(وَلَا يُؤَخر) إِن لم يعد بِالْقضَاءِ وَلم يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره بل يسجن حَتَّى يُؤَدِّي فَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ التَّأْجِيل كاليومين وَالثَّلَاثَة أعْطى حميلاً بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لما وعد بِالْقضَاءِ ظَهرت قدرته على المَال فَلم يقبل مِنْهُ إِلَّا حميل بِهِ وإلاَّ سجن، وَإِن سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فَإِنَّهُ يُؤَجل
بحميل بِوَجْهِهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون: بِالْمَالِ ووفق بَينهمَا بِأَن قَول سَحْنُون فِي الملد وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي غَيره، وَقَوله فِيمَا يَأْتِي وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم الخ. هُوَ فِي ظَاهر الملاء أَيْضا فَالْأولى حذفه والاستغناء عَنهُ بِمَا هُنَا. تَنْبِيه: إِذا سجن ظَاهر الملاء وَطلب الْخُرُوج من السجْن لطلب مَا يَنْفَعهُ بحميل بِوَجْهِهِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ إِن عجز عَن إِثْبَات مَا يَنْفَعهُ، فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك قَالَه عِيَاض وَثَانِي الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْسِرٌ قَضاؤُهُ إضْرارُ فَينْبَغِي فِي شَأْنِهِ الإنْظَارُ (أَو مُعسر) لَا يعرف بناض وَلَكِن لَهُ عرُوض وأصول يحْتَاج فِي بيعهَا إِلَى فسحة وتوسعة فَإِنَّهُ يُؤَخر بِالِاجْتِهَادِ على قدر كَثْرَة المَال وقلته إِذْ (قَضَاؤُهُ) أَي القَاضِي بِبَيْعِهَا عَلَيْهِ عَاجلا من غير تَأْخِير فِيهِ (إِضْرَار) بِهِ (فَيَنْبَغِي) أَي يجب (فِي شَأْنه الإنظار) وَالتَّأْخِير بِقدر قلَّة المَال وكثرته كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وسلعة الْمديَان رهنا تجْعَل الخ. إِذْ هُوَ من تَتِمَّة مَا هُنَا وَظَاهره أَنه يُؤَخر بِدُونِ حميل لِأَن الرَّهْن كالحميل كَمَا يَأْتِي عَن ناظم عمل فاس إِذْ حَيْثُ جعلت السّلْعَة رهنا للأجل الْمَضْرُوب فَلَا سَبِيل لِرَبِّهَا إِلَى تفويتها، وَإِن فعل لم يمض تفويته إِيَّاهَا إِلَّا بعد أَدَاء مَا عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك ثمَّ هَذَا الْقسم دَاخل فِي مَعْلُوم الملاء (خَ) : وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ. تَنْبِيه: فَإِن ادّعى رب الدّين أَن لَهُ مَالا ناضاً وَطلب تَحْلِيفه فَيجْرِي ذَلِك على الِاخْتِلَاف فِي يَمِين التُّهْمَة والمعمول بِهِ توجيهها كَمَا مّر فِي بَاب الْيَمين، وَمُقَابِله لأبي عمر الأشبيلي أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ محتجاً بقول مَالك: جلّ النَّاس لَيْسَ لَهُم ناض أَي: وَالْحمل على هَذَا الْغَالِب وَاجِب وَإِلَى هَذَا الْخلاف أَشَارَ (خَ) بقوله: فَفِي حلفه على عدم الناض تردد وَمحله إِذا لم يُحَقّق الدَّعْوَى عَلَيْهِ وإلاَّ تَوَجَّهت اتِّفَاقًا، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وأجبر الْمَطْلُوب على الْأَدَاء وَلَا يُؤَخر قَلِيلا وَلَا كثيرا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وثالث الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْدِمٌ وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَه فواجِبٌ إنظارُهُ لميْسِرَه (أَو معدم و) الْحَال أَنه (قد أبان) أَي أثبت (معذرة) بِأَن شهِدت بَيِّنَة لَا مطْعن فِيهَا بِعَدَمِهِ وَحلف مَعهَا وأخرجها أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم (فَوَاجِب إنظاره لِميسرَة) لقَوْله تَعَالَى: وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} الْآيَة (الْبَقَرَة: 280) وَمَفْهُوم قَوْله: وَقد أبان معذرة الخ. إِنَّه إِذا لم يثبت عَدمه أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا ظَاهر الملاء، وَقد تقدم أَو مَجْهُول الْحَال وَيحبس لثُبُوت عسره إِن لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما يجهل حَال من طلب الخ: تَنْبِيه: ظَاهره أَنه لَا يلْزم بالتكسب وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يداينه النَّاس ليقضيهم من صَنعته فقد قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْمُفلس الصَّانِع يداين ليعْمَل وَيَقْضِي من عمله، ثمَّ عطل أجبر على الْعَمَل فَإِن
لد اُسْتُؤْجِرَ فِي صَنعته تِلْكَ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيلْزم مثله فِي الزَّوْج فِي النَّفَقَة إِذا ترك صَنعته، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَلَا خلاف أَنه لَا يجْبر على الصَّنْعَة قَالَه الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح. ورابع الْأَقْسَام قَوْله: ومَنْ عَلَى الأَمْوَالِ قد تَقَعَّدَا فالضَّرْبُ والسِّجْنُ عَلَيْهِ سَرْمَدَا (وَمن) كَانَ مَعْلُوم الملاء و (على الْأَمْوَال قد تقعدا) ويشمل الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض الْمُتَقَدّم فِي الْقسم الثَّانِي كَمَا مر. قَالَ فِي التَّوْضِيح: ومثلوا مَعْلُوم الملاء بِمن أَخذ أَمْوَال النَّاس وَيقْعد للتِّجَارَة، ثمَّ يَدعِي ذهابها وَلم يثبت مَا يصدقهُ من احتراق منزله أَو سَرقته أَو نَحْوهمَا، (فالضرب والسجن عَلَيْهِ سرمدا) عِيَاض: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل لِأَنَّهُ ملد ظَالِم إِلَّا أَن يلْتَزم الْحميل دفع المَال فِي الْحَال إِن عرف أَنه من أهل الناض. ابْن عبد السَّلَام: وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يَبِيع عروضه كَمَا يَبِيعهَا على الْمُفلس لِأَن الْمُفلس قد ضرب على يَده وَمنع من مَاله. وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا لبيِّنه لما ادَّعَى مِن عَدَمِ مُبيِّنه (وَلَا الْتِفَات عِنْد ذَا) أَي عِنْد تقعده على أَمْوَال النَّاس وادعائه الْعَدَم (لبينة لما ادّعى من عدم مبينَة) صفة لقَوْله لبينة، وَلما ادّعى مُتَعَلق بِهِ أَي: لَا يلْتَفت للبينة الشاهدة بِعَدَمِهِ دون أَن يشْهدُوا أَنه احْتَرَقَ منزله، أَو أَنه ذهب مَا بِيَدِهِ بِسَرِقَة أَو غصب أَو نزُول الْأَسْوَاق بِهِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا للخمي وَنَصه: وَإِن شهِدت بَيِّنَة بالفقر سُئِلت كَيفَ علمت ذَلِك فَإِن كَانَ من قَول الْغَرِيم وشكواه ذهب مَا فِي يَدي وخسرت وَمَا أشبه ذَلِك لم تكن شَهَادَة، وَإِن قَالُوا: كُنَّا نرى تصرفه فِي بَيْعه وشرائه وَقدر أرباحه ونزول الْأَسْوَاق عَلَيْهِ وَنَفَقَته على عِيَاله وَنقص رَأس مَاله شَيْئا بعد شَيْء كَانَت شَهَادَة تَامَّة اه. وَنَحْوه للمازني، ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَلَا تقبل بَيِّنَة من علم ملاؤه إِلَّا بذهاب مَاله بِأَن تَقول: كُنَّا نرى بَيْعه وشراءه وَنَفَقَته وَنقص مَاله اه. وإنْ أَي بِضَامِنِ فبالأَدَا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قَعَدَا (وَإِن أَتَى) مَعْلُوم الملاء (بضامن ف) إِنَّه يقبل مِنْهُ الضَّامِن (بالأدا) ء كَمَا مّر عَن عِيَاض (حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا)، وَظَاهره: أَن مَعْلُوم الملاء إِذا أَرَادَ أَن يُؤَدِّي بعض الْحق وأبى ربه من قبُوله إِلَّا بأَدَاء الْجَمِيع فَإِن القَوْل لرَبه وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد (خَ) : وَإِن علم بالناض لم يُؤَخر وَضرب مرّة بعد مرّة الخ. وَالظَّاهِر أَن ظَاهر الملاء إِذا سجن وتخلد فِي السجْن يجْرِي فِيهِ قَوْله
فالضرب الخ. وَكَذَا الْمُعسر الَّذِي لَهُ أصُول وَأجل لبيعها فَلم يفعل بعد السجْن فَإِنَّهُ يضْرب أَيْضا إِذْ كل من لم يفد فِيهِ السجْن يضيق عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ. تَنْبِيه: بِمَنْزِلَة مَعْلُوم الملاء من أقرّ بالملاء ثمَّ ادّعى الْعَدَم فَفِي ابْن فتوح كتب الموثقين أَن الْمَدِين مَلِيء بِالْحَقِّ الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ حسن فَإِن ادّعى الْعَدَم لم يصدق وَإِن قَامَت لَهُ بِهِ بَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا إِلَّا أَن تشهد بَيِّنَة بعطب حل بِهِ بعد إِقْرَاره، وَفِي وثائق الفشتالي والمعيار: أَن عدم قبُول الْبَيِّنَة بِالْعدمِ مِمَّن اعْترف بالملاء هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، ويسجن أبدا حَتَّى يُؤَدِّي دينه أَو تبيض عَيناهُ مَا لم تقم بَيِّنَة بطروء آفَة أذهبت مَاله بِنَهْب أَو سَرقَة أَو احتراق اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي التَّنْبِيه السَّابِع عِنْد قَوْله: وَالْخلْع سَائِغ الخ. وخامس الْأَقْسَام قَوْله: وَحَيْثُما يُجْهَلُ حَالُ مَنْ طُلِبْ وَقصَدَ اخْتبارُهُ بِمَا يَجِبْ (وحيثما يجهل حَال من طلب) بدين هَل هُوَ مَلِيء أَو معدم فَإِنَّهُ يسجن إِلَى ثُبُوت فقره مَا لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ فَإِن أَتَى بِهِ لم يسجن وَأخر لإِثْبَات عسره فَإِن أنقضى الْأَجَل وَلم يُثبتهُ أَو لم يَأْتِ بحميل أول الْأَمر فَلَا بُد من اختباره بالسجن والتضييق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: (وَقصد اختباره بِمَا يجب) من السجْن الْمَذْكُور، وَلَعَلَّ لَهُ مَالا أخفاه وَلَكِن حَبسه يخْتَلف بقلة المَال وكثرته كَمَا قَالَ: فَحَبْسُهُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرِ إنْ يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِير القَدْرِ (فحسبه مِقْدَار نصف شهر إِن يكن الدّين يسير الْقدر) كالدريهمات كَمَا فِي الْمُقدمَات. والحَبْسُ فِي تَوَسُّطِ شَهْرَان وضعفُ ذين فِي الخَطِير الشّانِ (والحَبْسُ فِي توَسط) أَي فِي المَال الْمُتَوَسّط بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة (شَهْرَان وَضعف دين) وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فَيحْبس (فِي) المَال (الخطير الشان) وَوجه ذَلِك أَنه يحبس لاختبار حَاله، فَوَجَبَ أَن يكون على قدر الْحق الَّذِي عَلَيْهِ وَلم يذكرُوا للخطير حدا، وَلَعَلَّه يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس قَالَه (ت) فَإِذا انْقَضى نصف الشَّهْر أَو الشهران فِي الْمُتَوَسّط أَو الْأَرْبَعَة فِي الْكثير سرح من السجْن وخلي سَبيله (خَ) : وَأخرج الْمَجْهُول إِن طَال حَبسه بِقدر الدّين والشخص. وَحَيْثُ جاءَ قبلُ بالْحميلِ بِالْوَجْهِ مَا لِلسِّجْنِ منْ سَبِيلِ (وَحَيْثُ جَاءَ) الْمَجْهُول وَمثله ظَاهر الملاء (قبل) أَي قبل حَبسه (بالحميل بِالْوَجْهِ) وَطلب التَّأْجِيل ليثبت عَدمه ف (مَا للسجن من سَبِيل) بل يُؤَجل، فَإِذا انْقَضى الْأَجَل وَلم يثبت مَا ادَّعَاهُ حبس حِينَئِذٍ للاختبار كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أول التَّقْرِير (خَ) : وَحبس لثُبُوت عسره إِن جهل حَاله وَلم
يسئل الصَّبْر لَهُ بحميل بِوَجْهِهِ الخ. وَإِنَّمَا يحبس فِي مُجَرّد الدَّعْوَى بعد حلف الْمُدَّعِي أَن مَا ادَّعَاهُ حق كَمَا مر. عِنْد قَوْله: وضامن الْوَجْه على من انكرا دَعْوَى امرىء خشيَة ان لَا يحضرا الخ وَسِلعةُ المِدْيان رهنا تُجْعَلُ وَبَيْعُهَا عَلَيْهِ لَا يُعَجَّلُ (وسلعة الْمديَان) يُرِيد رب الدّين تَعْجِيل بيعهَا عَلَيْهِ وَطلب رَبهَا أَن لَا تفوت عَلَيْهِ وتوضع رهنا ويؤجل أَيَّامًا فَينْظر فِي الدّين فَإِن رَبهَا يُجَاب إِلَى ذَلِك، و (رهنا تجْعَل وَبَيْعهَا عَلَيْهِ لَا يعجل) لما فِي التَّعْجِيل من الضَّرَر بِهِ. وَحَقُّهُ مَعْ ذَاكَ أنْ يُؤَخَّرَا بِحَسَب المالِ لِما القاضِي يَرَا (وَحقه مَعَ ذَاك) أَي مَعَ جعلهَا رهنا (أَن يؤخرا) أَََجَلًا (بِحَسب المَال) قلَّة أَو كَثْرَة (لما القَاضِي يرى) بِاجْتِهَادِهِ. هَذَا الَّذِي جرى بِهِ الحكم وَمضى بِهِ الْعَمَل، وتدل عَلَيْهِ الرِّوَايَات عَن مَالك وَأَصْحَابه قَالَه ابْن رشد. وَتقدم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة الْقسم الثَّانِي، بل لَو اسْتغنى بِهِ عَنْهَا لكفاه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يُؤَجل من غير رِضَاهُ بجعلها رهنا فأحرى مَعَ رِضَاهُ بذلك. تَنْبِيه: فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ مَا نَصه: كتب إِلَى شُيُوخ قرطبة فِيمَن عَلَيْهِ دين وَله أصُول مَأْمُونَة فَسَأَلَ تَأْخِيره حَتَّى يَبِيع الْأُصُول هَل يعْطى حميلاً بِالْوَجْهِ على مَا يُفْتِي بِهِ أهل طليطلة؟ فَأجَاب ابْن عتاب: يلْزمه حميل بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أصُول أَو لم يكن، وَبِه جرى الْعَمَل. قَالَ: وَيلْزم الْحميل وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن حَتَّى ينصفه وَهُوَ مَذْهَب الشُّيُوخ، وَأفْتى ابْن مَالك إِن كَانَ الْمَطْلُوب مَعْرُوف الْعين ظَاهر الملاء فَلَا أرى الْحميل بِالْأَمر اللَّازِم اه. وَإِلَى الأول أَشَارَ (خَ) بقوله: وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ كَمَا مر، وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة وَهِي أَنه يلْزمه الضَّامِن بِالْمَالِ وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن وتأمله مَعَ قَوْله بعد. سُئِلَ سَحْنُون عَمَّن وَجب عَلَيْهِ غرم مَال؟ فَقَالَ: هَذَا ربعي لم أجد من يَشْتَرِيهِ فَطلب مِنْهُ الطَّالِب حميلاً بِالْوَجْهِ فَقَالَ: لَا حميل عَلَيْهِ إِذا بذل من نَفسه ذَلِك وَلم يتهم، فَإِن زعم الطَّالِب أَنه يَقُول للْمُشْتَرِي: لَا تشتري
فَإِن الْحَاكِم يشيده ثمَّ يَبِيعهُ بِالْخِيَارِ رَجَاء الزِّيَادَة اه. وَلَكِن مَا أفتى بِهِ ابْن مَالك وَقَالَهُ سَحْنُون هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل فاس قَالَ ناظمه: وَمن بدين قد أقرّ بسجن إِن لم يجىء برهن أَو من يضمن وَإِذا جعله رهنا وأشاده الْحَاكِم للْبيع بعد انْقِضَاء مَا أَجله إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجْرِي على قَول (خَ) : وَعجل بيع الْحَيَوَان وَاسْتوْفى بعقاره كالشهرين الخ. وَقد تقدم أَنه إِذا انْقَضى الشهران يُبَاع وَلَو لم يبلغ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور، وَكَذَا قَالَ ابْن رشد فِي بيع ربع الْيَتِيم للنَّفَقَة عَلَيْهِ اه. وَالحَبْسِ لِلْمُلِدِّ وَالمُتَّهَمْ إِلَى الأداءِ أَوْ ثُبُوتِ العَدَمْ (وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم) يسْتَمر (إِلَى الْأَدَاء أَو ثُبُوت الْعَدَم. ولَيْسَ يُنْجِيه مِن اعتقالِ إلاَّ حميلٌ غارمٌ للمالِ و) إِن وعد بِقَضَاء ف (لَيْسَ ينجيه من اعتقال. إِلَّا حميل غَارِم لِلْمَالِ) هَذَا هُوَ ظَاهر الملاء الْمُتَقَدّم، وَظَاهره أَنه لَا بُد لَهُ من حميل بِالْمَالِ وعد بِالْقضَاءِ أَو سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره، وَهَذَا قَول سَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُقدمَات وَابْن سَلمُون، وتبعهما النَّاظِم. وَلَكِن الْمَشْهُور التَّفْصِيل بَين أَن يعد بِالْقضَاءِ فيؤجل بالحميل بِالْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَبَين أَن يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فبحميل بِالْوَجْهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون بِالْمَالِ أَيْضا. قَالَ ابْن سهل: وَأما من ظَاهره الملاء وَلم يعلم ملاؤه وَلَكِن يتهم على إخفاء المَال فَقَالَ سَحْنُون وَغَيره: يسجن حَتَّى يتَبَيَّن أمره. قَالَ سَحْنُون: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل بِالْوَجْهِ وَلَكِن بِالْمَالِ. قَالَ ابْن الْقَاسِم: يُؤْخَذ مِنْهُ الْحميل، وفهموه على أَنه يُرِيد حميل الْوَجْه، وَاخْتلف فِي قَول ابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون فَقيل خلاف، وَقيل وفَاق. فَيحمل قَول سَحْنُون على إِنَّه كَانَ ملداً ظَاهر الملاء. وَقَول ابْن الْقَاسِم على غَيره اه. وَنَقله فِي التَّوْضِيح ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَمن تفالس وَظَاهره الملاء سجن أَيْضا وَلَو شهِدت بَيِّنَة بفقره إِن لم تزك وَحَيْثُ يقبل مِنْهُ الْحميل فَهَل بِمَال أَو وَجه؟ وَرجح قَولَانِ وَهل الْقَوْلَانِ على ظاهرهما أَو الأول للملد وَالثَّانِي لغيره؟ خلاف اه. ابْن رحال: الرَّاجِح فِيمَا يظْهر لنا أَنه وفَاق بِدَلِيل اقْتِصَار العبدوسي عَلَيْهِ اه. وَقد علمت من هَذَا أَن الرَّاجِح قَول ابْن الْقَاسِم وَإِن كَانَ فِي الْمُقدمَات اقْتصر على قَول سَحْنُون وَتَبعهُ ابْن سَلمُون والناظم وَقَررهُ (م) وَمن تبعه على ظَاهره، وَقد علمت أَيْضا أَن هَذَا لَيْسَ قسما زَائِدا على الْأَقْسَام الْمُتَقَدّمَة، وَأَن جعلهم الْمَجْهُول يَنْقَسِم إِلَى مُتَّهم وَغَيره غير سديد إِذْ لم يقلهُ أحد لِأَن الملد الْمُتَّهم غير الْمَجْهُول إِذْ لَا يحكم عَلَيْهِ باللدد والتهمة حَتَّى يكون ظَاهره يُخَالف دَعْوَاهُ وَهُوَ ظَاهر الملاء حِينَئِذٍ وَالله أعلم.
وَبِالْجُمْلَةِ: فالأقسام ثَلَاثَة: مَجْهُول الْحَال، وَظَاهر الملاء وَعنهُ عبر ابْن رشد بالملد وَالْمُتَّهَم، وَمَعْلُوم الملاء وَيدخل فِيهِ الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ ثَابت الْعَدَم من أول الْأَمر كَانَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة، وَلِهَذَا كَانَ الأولى للناظم حذف الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَيذكر ثَانِيهمَا عقب قَوْله: وَلَا يُؤَخر، ويحذف أَيْضا قَوْله: أَو مُعسر لِأَنَّهُ دَاخل فِي قَوْله: وَمن على الْأَمْوَال قد تقعدا الخ. كَمَا يحذف أَيْضا قَوْله: وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلى المَالِ إِلَى أدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقِلا (وَحبس من غَابَ على المَال) مُسْتَمر (إِلَى أَدَائِهِ أَو مَوته معتقلا) إِذْ هُوَ مَعْلُوم الملاء. وَقد تقدم لَهُ حكمه، وَبِالْجُمْلَةِ فقد وَقع للناظم رحمه الله فِي هَذِه الأبيات الْخَمْسَة عشر مَعَ الأبيات الثَّلَاثَة بعْدهَا من التَّدَاخُل والإطناب وَعدم التَّرْتِيب والإخلال بِبَعْض الْقُيُود مَا لَا يخفى، وَقد كنت أصلحتها فِي هَذِه الأبيات وَنَصهَا: وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا ظَاهر أَو مُبْهَم فِي حَاله أَو مُوسر فَأول يسجن للْأَدَاء مَا لم يكن وعد بِالْقضَاءِ فبحميل الْوَجْه جَاءَ ينظر عَنْهُم بِغَيْر ذَاك لَا يُؤَخر وَإِن يكن سَأَلَ للعدم الاجل فبحميل الْوَجْه فِي القَوْل الْأَجَل وَحَيْثُ جَاءَ الثَّانِي بالحميل بِالْوَجْهِ مَا للسجن من سَبِيل وَإِن يكن عَن الْحميل عَجزه فَوَاجِب بِالسنةِ اختباره فالدين إِن كَانَ يسير الْقدر فسجنه مِقْدَار نصف شهر وَالْحَبْس فِي توسيطه شَهْرَان وَضعف ذين فِي الخطير الشان وثالث بِالضَّرْبِ والسجن حكم وعسره الثَّابِت بعد كَالْعدمِ إِلَّا إِذا أشهد بالذهاب لِلْمَالِ بالحرق والاغتصاب وَإِن أَتَى بضامن فبالأدا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا وكل من سَأَلَ تأجيلا لما يَبِيع من عروضه مُلْتَزما فبحميل المَال قد يُؤَجل بِقدر دينه يكون الْأَجَل وَقَوْلنَا: وكل من سَأَلَ الخ. يَشْمَل مَعْلُوم الملاء وَظَاهره ومجهوله إِذْ بِطَلَبِهِ التَّأْجِيل للْبيع علم ملاؤه. وَغَيْرُ أهْلِ الوَفْرِ مَهْمَا قَصَدا تأْخِيرَهُ وَبالقَضَاءِ وَعَدا
(وَغير أهل الوفر) وَهُوَ فِي اللُّغَة المَال الْكثير، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مُطلق المَال وَغير أَهله هُوَ ظَاهر الملاء ومجهوله (مهما قصدا) أَي طلب (تَأْخِيره وبالقضاء وَعدا. مُكِّنَ مِنْ ذَاكَ بِضَامِنِ وإنْ لم يأتِ بالضَّامِنِ لِلْمَالِ سُجِنْ مكن من ذَاك بضامن) بِالْمَالِ (وَإِن لم يَأْتِ بالضامن بِالْمَالِ سجن) كَمَا مر فِي قَول (خَ) وَإِن وعد بِقَضَاء وَسَأَلَ تَأْخِيرا كاليومين أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَإِلَّا سجن الخ. وَإِنَّمَا أدخلنا فِي كَلَامه الْمَجْهُول لِأَنَّهُ بوعده بِالْقضَاءِ انْتَفَى جَهله. وَمَنْ لَهُ وَفْرٌ فَلَيْسَ يُضْمَنُ فَإنْ قَضَى الْحَقَّ وَإلاَّ يُسْجَنُ (وَمن لَهُ وفر) وَهُوَ مَعْلُوم الملاء الْمَعْرُوف بالناض (فَلَيْسَ يضمن) وَلَا يُؤَخر (فَإِن قضى الْحق) الَّذِي عَلَيْهِ بذلك الناض فَذَاك (وَإِلَّا) يقضه (يسجن) (خَ) : وَإِن عرف بالناض لم يُؤَخر وَضرب الْمرة بعد الْمرة. وَأَوْجَبَ ابْنُ زَرْبٍ أَنْ يُحَلّفَا مَنْ كَانَ باكْتِسَابِ عَيْنٍ عُرفا (وَأوجب) القَاضِي أَبُو بكر (ابْن زرب أَن يحلفا من كَانَ باكتساب عين عرفا) وهم التُّجَّار لِأَن الْغَالِب على أَحْوَالهم حُضُور الناض، وَتقدم عِنْد قَوْله: أَو مُعسر الخ. أَن هَذِه الْيَمين جَارِيَة على إِيمَان التهم وَالْمَعْرُوف توجهها من غير فرق بَين تجار وَغَيرهم، وَابْن زرب توَسط فِي ذَلِك فأوجبها على التُّجَّار دون غَيرهم. ومُحْمِلُ النَّاسِ عَلَى حَال المَلَا عَلَى الأَصَحِّ وَبِهِ الحُكْمُ خَلا (ومحمل النَّاس على حَال الملا) ء فَمن ادّعى الْعَدَم فَعَلَيهِ إثْبَاته (على الْأَصَح) قَالَه ابْن الْحَاج (وَبِه الحكم) وَالْعَمَل (خلا) وَمضى. وَهَذَا مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل لِأَن الْإِنْسَان يُولد وَلَا شَيْء لَهُ لَكِن الْغَالِب عَلَيْهِ التكسب وَصفَة الشَّهَادَة بِالْعدمِ أَن يَقُولُوا: نَعْرِف فلَانا الْمعرفَة التَّامَّة ونشهد بِأَنَّهُ فَقير عديم لَا نعلم لَهُ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، فَإِن قطع الشُّهُود وَقَالُوا: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا فَقيل: لَا تجوز لِأَنَّهَا تحمل على ظَاهرهَا من الْبَتّ، وَقيل تجوز وَتحمل على الْعلم، فَإِن صَرَّحُوا بالبت وَالْقطع لم تجز قولا وَاحِدًا قَالَه ابْن رشد. وَقد يغْتَفر للعوام التَّصْرِيح بِالْقطعِ فِيهَا قِيَاسا على مَا قيدوا بِهِ قَول (خَ) : أَو شهد وَحلف.
وَيَشْهَدُ الناسُ بِضْعَفٍ أَوْ عَدَمْ وَلا غِنَى فِي الحَالَتيْنِ مِنْ قَسَمْ (و) يجوز أَن (يشْهد النَّاس) للْمَدِين (بِضعْف) لحاله وَقلة ذَات يَده لضعف صَنعته أَو تِجَارَته، وصفتها أَن يَقُولُوا: يعرف شُهُوده فلَانا ويعلمونه ضَعِيف الْحَال بَادِي الإقلال قَلِيل ذَات الْيَد مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي رزقه وحاله مُتَّصِلَة على ذَلِك إِلَى الْآن فِي علمهمْ، فَإِذا ثَبت هَذَا الرَّسْم أَخذ مِنْهُ الْقَلِيل الَّذِي فِي يَده وَدفع للْغُرَمَاء بعد أَن يحلف أَن لَا شَيْء لَهُ غَيره (أَو عدم) أَي كَمَا يجوز أَن يشْهد النَّاس للْمَدِين بِالْعدمِ الْمَحْض وَأَنه لَا شَيْء لَهُ فِي علمهمْ كَمَا مر قَرِيبا فَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا بالضعف أَو الْعَدَم وَشهِدت أُخْرَى لرب الْحق بالملاء فَإِن بَيِّنَة الملاء تقدم على الْمَعْمُول بِهِ بيّنت أم لَا. كَمَا فِي الأَجْهُورِيّ خلافًا لما فِي (خَ) من أَنَّهَا لَا تقدم إِلَّا إِذا بيّنت أَنه أخْفى مَالا أَو عينت لَهُ دَارا مثلا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ. وَتَقَدَّمت هَذِه الْمَسْأَلَة آخر الشَّهَادَات عِنْد الْكَلَام على تعَارض الْبَينَات فانظرها هُنَاكَ مَعَ نظائرها. (وَلَا غنى فِي الْحَالَتَيْنِ) وهما شَهَادَتهم بالضعف وشهادتهم بِالْعدمِ (من) أَي عَن (قسم) من الْمَدِين لِأَنَّهُ إِنَّمَا شهدُوا لَهُ بِظَاهِر الْحَال، فَلَا بُد من حلفه على الْبَاطِن وَاخْتلف هَل يحلف. بمَا اقْتَضاه الرَّسْمُ لَا اليقينِ إذْ لَا يَصِحُّ بَتُّ ذِي اليَمِينِ (بِمَا) أَي على وفَاق مَا (اقْتَضَاهُ الرَّسْم) فَيقسم أَنه لَا يعلم لنَفسِهِ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا على طبق مَا شهدُوا لَهُ بِهِ فِي الرَّسْم و (لَا) يُكَلف الْحلف على (الْيَقِين) والبت بِأَن يَقُول: لَا مَال لي وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ (خَ) والناظم وَعلله بقوله: (إِذْ لَا يَصح بت ذِي الْيَمين) لِإِمْكَان إِرْثه مَالا لم يعلم بِهِ أَو يحلف على الْبَتّ وَالْقطع فَيَقُول: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وَإِن وجده ليقضينه وَهُوَ الْمَذْهَب، فَإِذا حلف أخر المعدم وَأخذ من الضَّعِيف مَا بِيَدِهِ وَدفع للْغُرَمَاء (خَ) : وَترك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، ثمَّ إِذا ادّعى الطَّالِب عَلَيْهِ بعد هَذِه الْيَمين أَنه أَفَادَ مَالا لم يحلف الْمَدِين لرد هَذِه الدَّعْوَى لِأَنَّهُ قد حلف على ذَلِك حَيْثُ قَالَ: وَإِن وجده ليقضينه إِذْ لَا فَائِدَة لتِلْك الزِّيَادَة إِلَّا ذَاك. وَمَنْ نُكُولُهُ عَن الحَلْفِ بَدَا فَإنَّهُ يُسْجَنُ بَعْدُ أَبَدَا (وَمن نُكُوله عَن الْحلف بدا فَإِنَّهُ يسجن بعد أبدا) وَلَا يسرح حَتَّى يُؤَدِّي دينه لِأَن نُكُوله تُهْمَة.
وَحَيْثُ تَمَّ رَسْمُهُ وَعُدَّمَا كانَ عَدِيماً لأولاءِ الغُرَمَا (وَحَيْثُ تمّ رسمه) وَحلف مَعَه (وعدما) بتَشْديد الدَّال أَي حكم الْحَاكِم بِعَدَمِهِ أَو ضعفه (كَانَ عديماً لأولاء الغرما) فَلَا مُطَالبَة لَهُم عَلَيْهِ وَلَو طَال الزَّمَان. إلاَّ إذَا اسْتَفَادَ مِنْ بعدِ العَدَمْ مَالا فَيَطْلُبُونَهُ بالمُلْتَزَمْ (إِلَّا أَن) يعلم أَنه (اسْتَفَادَ من بعد الْعَدَم) الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ (مَالا) بِإِرْث أَو هبة أَو تِجَارَة (ف) إِنَّهُم حِينَئِذٍ (يطلبونه بالملتزم) من الدّين الْبَاقِي فِي ذمَّته وَلَو داين غَيرهم من بعد ثُبُوت عَدمه فَقَامَ عَلَيْهِ غير الْأَوَّلين فَلَا دُخُول للأولين مَعَهم إِلَّا فِيمَا يحصل لَهُ من الرِّبْح، وَإِذا مَضَت مُدَّة من الْعَدَم الأول فَإِنَّهُ يُكَلف تَجْدِيد عدم للآخرين، وَإِن عَدمه الأول مُتَّصِل إِلَى الْآن وَلَا يعلمُونَ أَنه اسْتَفَادَ مَالا إِلَى قيام هَؤُلَاءِ الآخرين عَلَيْهِ، لِأَن الآخرين لم يحكم عَلَيْهِم وَلَا عذر لَهُم فِي شُهُود الْعَدَم الأول فَيجب أَن يجدد الْبَيِّنَة باتصال عَدمه ويعذر إِلَيْهِم فِيهَا قَالَه فِي الطرر وَابْن سَلمُون. وَمَفْهُوم قَوْله: إِلَّا إِن اسْتَفَادَ مَالا أَنه إِذا لم يعلم أَنه اسْتَفَادَ شَيْئا فَهُوَ على عَدمه وَإِن طَال الزَّمَان كَمَا قَررنَا. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَفِي المعيار وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج: إِنَّمَا ينْتَفع بِبَيِّنَة عَدمه إِلَى سِتَّة أشهر فَإِن زَادَت الْمدَّة عَلَيْهَا فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف عدم آخر. قَالَ ابْن عَاشر فِي طرره: وَبقول ابْن الْحَاج رَأَيْت الْعَمَل بفاس اه. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَيَنْبَغِي إعْلانُ حَالِ المُعْدَمِ فِي كلِّ مَشْهَدٍ بِأَمْرِ الحَاكِمِ (و) إِذا ثَبت الْعَدَم بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا مطْعن فِيهَا ف (يَنْبَغِي إعلان حَال المعدم) وإشهار عَدمه (فِي كل مشْهد) فيطاف بِهِ فِي الْمجَالِس والأسواق (بِأَمْر الْحَاكِم) ليعلم النَّاس عَدمه فَلَا يغتر بِهِ أحد وَلَا يعامله أحد إِلَّا على بَصِيرَة من أمره قَالَ الشَّارِح: مَا ذكره النَّاظِم من إعلان حَاله وَهُوَ الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل من قُضَاة الْعدْل. وَالْأَصْل فِي ذَلِك فعل عمر رضي الله عنه اه. وَهَذَا الإشهار نَظِير إشهار من حجر عَلَيْهِ القَاضِي وَقدم عَلَيْهِ (خَ) : ونادى بِمَنْع مُعَاملَة يَتِيم وسفيه، وَفِي المعيار عَن العبدوسي فِي امْرَأَة مُسِنَّة باعت حظها من دَار ثمَّ ثَبت حجرها قَالَ: وَأما النداء عَلَيْهَا فَلَيْسَ من حق المُشْتَرِي خَاصَّة بل من حُقُوق الْمُسلمين كَافَّة يُنَادى عَلَيْهَا فِي المحافل مكشوفة الْوَجْه لتعرف هَذِه فُلَانَة الساكنة
بِموضع كَذَا ثَبت عِنْد القَاضِي حجرها فكونوا على حذر من معاملتها الخ. ويقام كل من الْمُفلس والمحجر عَلَيْهِ من السُّوق قَالَ فِي الشَّامِل: ويقام الْمُفلس من السُّوق على الْأَصَح كسفيه حجر عَلَيْهِ اه. وَذكر ابْن نَاجِي أَن الْعَمَل على عدم إشهار المعدم وَعدم إطاقته قَالَ: وَكَذَا الْعَمَل أَنه لَا يُقَام من السُّوق ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق أَيْضا، وَلَكِن تقدم فِي غير مَا مَوضِع أَن عمل فاس تَابع لعمل الأندلس لَا لعمل تونس فَلَا يعول على مَا لِابْنِ نَاجِي لما فِيهِ من غرر الْمُسلمين، وَلِأَن الرجل إِذا علم إشهاره عِنْد عَدمه لم يتجرأ على أَخذ الدّين وَإِذا أَخذه حمله ذَلِك على الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ الْوَارِد عَن السّلف فَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي إهمال هَذَا الْفَصْل بِحَال، وإلاَّ فقد تعرض لتضييع حُقُوق الْمُسلمين وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ حفظهَا وَالله أعلم. وَمُثْبِتٌ لِلضَّعف حالُ دَفْعهِ لغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ (ومثبت) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للضعف) بِهِ (حَال دَفعه) مُبْتَدأ ثَان (لغرمائه) يتَعَلَّق بِدفع (بِقدر وَسعه) خبر الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَتقدم أَنه يدْفع لغرماء مَا بِيَدِهِ بعد حلفه وَهُوَ مُرَاده بِقدر وَسعه وطاقته، وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ. وَطَالِبٌ تَفْتِيشَ دَارِ المُعْسِرِ ممتَنِعٌ إسْعَافُهُ فِي الأَكْثَرِ (وطالب تفتيش دَار) الْمَدِين (الْمُعسر) أَي مدعي الْعسر وَقبل ثُبُوته وحلفه نازعه رب الدّين وَادّعى أَن لَهُ أَمْوَالًا وأمتعة بداره وَسَأَلَ تفتيشها (مُمْتَنع إسعافه) أَي فَلَا يُجَاب إِلَى تفتيشها (فِي) قَول (الْأَكْثَر) ابْن عتاب وَابْن مَالك وَمن وافقهما. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل وَمُقَابِله لفقهاء طليطلة، وَقَالَهُ ابْن شعْبَان وَابْن الْقطَّان وَرجحه ابْن رشد. وَقَالَ ابْن سهل: أَنا أرَاهُ حسنا فِيمَن ظَاهره اللدد والمطل اه. قَالَ بعض: وَهُوَ اللَّائِق بِهَذَا الزَّمَان لِكَثْرَة اللدد والمطل. قلت: وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده وَعَلِيهِ فَمَا ألفى فِي دَاره من مَتَاع النِّسَاء فادعته زَوجته فَهُوَ لَهَا، وَمَا ألفى فِيهَا من مَتَاع الرِّجَال بيع وَقضى مِنْهُ دينه وَهُوَ مَحْمُول على أَنه لَهُ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَول
النَّاظِم: وَهُوَ مُصدق إِذا مَا عينا الخ. من أَنه لَا يصدق فِي دَعْوَاهُ أَنه عَارِية أَو وَدِيعَة حَتَّى يثبت ذَلِك بل يعين رَبهَا وَيشْهد لَهما النَّاس بذلك كَمَا قَالَ (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ أَي: بِأَن عِنْده قراضا أَو وَدِيعَة وَإِن لم تشهد بِعَينهَا، وَمَفْهُوم دَار أَنه إِذا سَأَلَ تفتيش جيبه أَو كمه أَو كيسه فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أخف من الدَّار. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه حكمت.
(فصل فِي الْفلس)
مُشْتَقّ من الْفُلُوس عِيَاض: لِأَن الْمُفلس صَار ذَا فلوس بعد أَن كَانَ ذَا ذهب وَفِضة الخ. وَالْمرَاد أَنه صَار وضيعاً بعد أَن كَانَ ذَا عز وَشرف، وَفِي الْخَبَر الصَّحِيح:(إِن نفس الْمُؤمن مَرْهُونَة بِدِينِهِ) أَي محبوسة عَن مقَامهَا الْكَرِيم فِي البرزخ فَلَا تكون منبسطة فِيهِ مَعَ الْأَرْوَاح المنبسطة فِيهِ، ومحبوسة أَيْضا بِمَعْنى معوقة عَن دُخُول الْجنَّة حَتَّى يرضيه الله من عِنْده، أَو يعوضه بِقدر دينه من حَسَنَاته إِن وجدت فَإِن لم تُوجد طرح عَلَيْهِ من سيئاته انْظُر (ز) . وَاعْلَم أَن لمن أحَاط الدّين بِمَالِه ثَلَاثَة أَحْوَال: الأولى: قبل قيام الْغُرَمَاء فَلَا يجوز لَهُ تصرف فِي شَيْء من مَاله بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق وَالْإِقْرَار لمن يتهم عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذِه الْحَالة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لَا يَمْضي لَهُ تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلا (وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين لَا يمْضِي لَهُ تبرع) من عتق وَمَا ذكر مَعَه وَلَهُم رده إِن لم يعلمُوا بِهِ إِلَّا حِين قيامهم (إِن) هُوَ (فعلا) وَمعنى أحَاط زَاد أَو سَاوَى لِأَن الْعلَّة وَهِي إِتْلَاف مَال الْغُرَمَاء دَاخِلَة فِي المساوى، وَهَذَا إِذا ثبتَتْ الْإِحَاطَة فَإِن لم تثبت فتبرعه مَاض حَتَّى تثبت فَيرد، وَمَفْهُوم تبرع أَن تصرفه بِالْبيعِ وَالشِّرَاء مَاض وَهُوَ كَذَلِك إِن لم يحاب، وَإِلَّا فالدين أَحَق بالمحاباة لِأَنَّهُ هبة وَكَذَا تمْضِي نَفَقَته على أَبِيه وَابْنه وَنَفَقَة عيدين وأضيحة لِأَنَّهَا لَيست من التَّبَرُّع وَلَو أسرف فِي ذَلِك وَفَاتَ بذهاب عينه تبعه بالسرف فَإِن كَانَت عينه قَائِمَة فَيرد السَّرف وَدخل فِي قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ: الْحميل إِذا تحمل بِمَا يُحِيط بِمَالِه فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّبَرُّع قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم
أحَاط إِن من لم يحط الدّين بِمَالِه إِذا قَامَ عَلَيْهِ ربه، فَأَما ان يكون مَعْلُوم الملاء أَو ظَاهره أَو مَجْهُول الْحَال فَيجْرِي على مَا تقدم فِي الْفَصْل قبله، فَإِن ادّعى الْعَدَم وَأثبت ربه ملكا معينا لَهُ، فَإِن أقرّ بذلك أمره الْحَاكِم بِبيعِهِ فَإِن أَبى حكم عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ والسجن حَتَّى يَبِيعهُ وَلَا يَبِيعهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ كَبَيْعِهِ على الْمُفلس كَمَا مر، لِأَن هَذَا لم يفلس وَإِن أنكر أَنه ملكه بَاعه الْحَاكِم حِينَئِذٍ نَقله (ح) . تَنْبِيه: وكما للْغَرِيم مَنعه من تبرعه كَذَلِك لَهُ أَن يمنعهُ من سَفَره إِن كَانَ الدّين يحل بغيبته وَلم يُوكل من يَقْضِيه وَلَا ضمنه مُوسر، وإلاَّ فَلَا يمنعهُ فَإِن خشِي سَفَره حلف أَنه مَا يُرِيد سفرا فَإِن نكل كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال وَمحل تَحْلِيفه إِذا علم وُقُوفه عِنْد الْيَمين، فَإِن علم أَو ظن عدم وُقُوفه عِنْدهَا كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال لِأَن الْيَمين إِنَّمَا شرعت لحفظ المَال، فَإِن علم أَو ظن عدم الْحِفْظ لم تشرع وَيكون الْمَشْرُوع مَا يحصل بِهِ الْحِفْظ اه. انْظُر شرحنا للشامل، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَهُوَ بِوَجْه أَو بِمَال جَار الخ. من أَن الْإِنْسَان إِذْ بَاعَ سلْعَة إِلَى أجل فَظهر من المُشْتَرِي إخلال وَأَنه لَا يُوجد لَهُ عِنْد الْأَجَل شَيْء فَإِنَّهُ يُكَلف بحميل أَو رهن أَو يضْرب على يَده فِيمَا بِيَدِهِ. وَالْحَالة الثَّانِيَة بعد قيام الْغُرَمَاء وَقبل حكم الْحَاكِم بخلع مَاله فَلَا يجوز لَهُ تصرف بِبيع وَلَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: وَإنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أمْرِهِ تَشَاوُراً فَلَا غِنًى عنْ حجْرِهِ (وَإِن يكن للغرما فِي أمره تشاوراً) بِأَن قَامُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا تفليسه وَلَو لم يرفعوه للْحَاكِم (فَلَا غنى عَن حجره) لَهُم بِأَن لَا يمْضِي لَهُ بيع وَقع بعد قيامهم وَلَا شِرَاء وَلَا قَضَاء بعض غُرَمَائه دون بعض، وَلَا إِقْرَاره إِلَّا إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ بِمَجْلِس الْقيام أَو قربه، وَالْحَال أَن جَمِيع دينه ثَابت بِإِقْرَار لَا إِن ثَبت جَمِيع دينه بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ أَدخل نقصا على من ثَبت دينه بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّد قَوْله بِأَن كَانَ بعضه بِإِقْرَار وَبَعضه بِبَيِّنَة، فَإِنَّهُ يدْخل مَعَ من ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة، وَلَو تداين فِي هَذِه الْحَالة دخل الْأَولونَ مَعَ الآخرين فِيمَا بِيَدِهِ وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن التشاور هُوَ حد التَّفْلِيس هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَقيل التَّفْلِيس هُوَ حكم الْحَاكِم، وَقيل هُوَ سجن الْمَدِين. وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَن يقومُوا ويرفعوه للْحَاكِم وَيحكم بخلع مَاله لَهُم، وفائدتها أَنه إِذا تداين بعد الحكم الْمَذْكُور فَلَا دُخُول للأولين فِيمَا بِيَدِهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل ربح كَمَا أَنه إِذا مكنهم قبل الرّفْع من مَاله فباعوا واقتسموا، ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين إِلَّا إِذا بَقِي بِيَدِهِ فضل ربح أَيْضا وَأَشَارَ (خَ) إِلَى الْحَالة الأولى بقوله: للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه وسفره إِن حل بغيبته، وَإِلَى الْحَالة الثَّانِيَة بقوله: وفلس حضر أَو غَابَ إِن لم يعلم ملاؤه
بِطَلَبِهِ دينا حل فَمنع من تصرف مَالِي الخ. فَقَوله: فلس أَي حجر، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْله: بِطَلَبِهِ يعود على رب الدّين لَا على التَّفْلِيس كَمَا لشراحه أَي: بِطَلَب رب الدّين دينه الْحَال زَاد على مَاله أَو بَقِي مَا لَا يَفِي بالمؤجل وَطَلَبه هُوَ قِيَامه عَلَيْهِ بِهِ فيستتر الْمَدِين عَنهُ أَو يواعده للمحاسبة وَنَحْو ذَلِك، فيبيع أَو يَشْتَرِي فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن ذَلِك يرد لِأَنَّهُ بقيامه حكم الشَّرْع بحجره لَهُ، وَإِلَى الثَّالِثَة بقوله: وَلَو مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين كتفليس الْحَاكِم الخ. وكل حَالَة من هَذِه الْأَحْوَال تمنع بِمَا تَمنعهُ الَّتِي قبلهَا وَلَا عكس. وَلما كَانَت الْحَالة الثَّانِيَة حجرا شَرْعِيًّا كالثالثة قسم ابْن عَرَفَة التَّفْلِيس إِلَى أَعم وأخص فَقَالَ فِي الْأَعَمّ: قيام ذِي دين على مدينه لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ مُوجبه أَي ثَمَرَته منع دُخُول إِقْرَار الْمَدِين على مُتَقَدم دينه، وَقَالَ فِي الْأَخَص: حكم الْحَاكِم بخلع كل مَال الْمَدِين لغرمائه لعَجزه عَن قَضَاء مَا لزمَه مُوجبه منع دُخُول دين سَابق عَلَيْهِ على لَاحق بمعاملة بعده اه. وَاعْترض بِأَن من شَأْن الْأَعَمّ صدقه على الْأَخَص، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ الْأَعَمّ قيام الْغُرَمَاء. والأخص حكم الْحَاكِم وهما متباينان، وَتقدم مثل هَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي الشّركَة حَيْثُ قسمهَا إِلَى أَعم وأخص، وَمَا أُجِيب بِهِ عَنهُ هُنَا من الأعمية بِاعْتِبَار الْأَحْكَام لَا بِاعْتِبَار الصدْق، وَلَا شكّ أَن الْأَخَص إِذا ثَبت منع من كل مَا مَنعه الْأَعَمّ وَزِيَادَة دون الْعَكْس فَغير ظَاهر لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون حكم الْحَاكِم هُوَ الْأَعَمّ، وَقيام الْغُرَمَاء هُوَ الْأَخَص، وَالْوَاقِع فِي كَلَام ابْن عَرَفَة خِلَافه، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال إِنَّه لَا مباينة بَين الرسمين لِأَنَّهُ اعْتبر فِي الْأَخَص قيدين. أَحدهمَا: حكم الْحَاكِم، وَثَانِيهمَا: قَوْله لغرمائه إِذْ اللَّام فِيهِ يتَعَيَّن أَن تكون بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) وَهُوَ على حذف مُضَاف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي: هُوَ حكم الْحَاكِم عِنْد قيام الْغُرَمَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ قيام الْغُرَمَاء مَعَ حكم الْحَاكِم وَلم يعْتَبر فِي الْأَعَمّ حكما وَالشَّيْء مهما ازْدَادَ قيدا ازْدَادَ خُصُوصا نَظِيره الْحَيَوَان مَعَ الْحَيَوَان النَّاطِق، فَالْأول أَعم من الثَّانِي قطعا لصدقه بالناطق وَبِغَيْرِهِ، وَكَذَا قيام الْغُرَمَاء فِي كَلَام ابْن عَرَفَة هُوَ مُقَيّد فِي الْأَخَص بالحكم، وَلم يُقيد بِهِ فِي الْأَعَمّ. فالأحكام المترتبة على الْأَعَمّ فِي كَلَام ابْن عَرَفَة تُوجد بِوُجُودِهِ وجد مَعَ ذَلِك الْأَعَمّ حكم حَاكم أم لَا. وَالْأَحْكَام المترتبة على الْأَخَص لَا تُوجد إِلَّا مَعَ حكم الْحَاكِم. لَا يُقَال: إِذا مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم الْمُرَتّب على الْأَخَص وَهُوَ عدم دُخُول الْأَوَّلين مَعَ الآخرين مَعَ أَنه لَا حكم هُنَا لأَنا نقُول: تَمْكِينه من البيع وَالْقِسْمَة بِمَنْزِلَة حكم الْحَاكِم، إِذْ لَو رفع الْأَمر إِلَيْهِ لم يفعل غير ذَلِك، وَإِذا علمت صِحَة تَقْسِيم التَّفْلِيس بِمَعْنى التحجير إِلَى أَعم وأخص وَأَن كلا مِنْهُمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم لم يَتَرَتَّب على الآخر سقط بحث مصطفى رحمه الله مَعَ ابْن عَرَفَة بِأَن ابْن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وَبِأَن حدّه للأخص غير مُطَابق لِابْنِ رشد لِأَن ابْن رشد لم يَجعله حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله بل جعله التَّمْكِين من البيع واقتسام المَال إِنَّمَا هُوَ الْمَانِع من دُخُول الْأَوَّلين الخ. وَوجه سُقُوط بَحثه أَن ابْن رشد جعل كلا من التَّمْكِين وَحكم الْحَاكِم مَانِعا من دُخُول الْأَوَّلين، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا مكنهم فباعوا واقتسموا فَذَلِك مَانع من دُخُول الْأَوَّلين كتفليس السُّلْطَان الخ. وتفليس السُّلْطَان هُوَ حكمه بخلع كل المَال الخ. وَإِذا صحت الأعمية والأخصية معنى صَحَّ التَّعْبِير بهما وَإِن لم يعبر بهما ابْن رشد وَلَا غَيره، وَالله أعلم.
فرع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا كَانَ لشخصين دين منجم فَأذن أَحدهمَا للْآخر بِقَبض نجم من نجومه على أَن يقبض هُوَ النَّجْم الَّذِي بعده، فَلَمَّا قَبضه الأول فلس الْمَدِين فَليرْجع هَذَا على صَاحبه لِأَنَّهُ سلف مِنْهُ اه. وَحَلَّ مَا عليهِ مِنْ دُيُونِ إذْ ذَاك كالحُلُول بالمَنُونِ (و) إِذا قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاء فمكنهم من مَاله فأرادوا البيع وَالْقِسْمَة أَو حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله (حل) بِوَاحِد من الْأَمريْنِ (مَا عَلَيْهِ من دُيُون إِذْ ذَاك) وَلَو دين كِرَاء وَلَو لم تستوف منفعَته كدار مثلا اكتراها وجيبة وفلس قبل مُضِيّ الْمدَّة، فَإِن الْمكْرِي يحاصص بكرائه (كالحلول) أَي كحلول الدّين وَلَو كِرَاء لم تستوف منفعَته أَيْضا (بالمنون) أَي بِالْمَوْتِ (خَ) : وَحل بِهِ وبالموت مَا أجل وَلَو دين كِرَاء، ثمَّ إِذا حل غير المستوفي منفعَته فَفِي الْمَوْت يبْقى الْكِرَاء لَازِما للمكري وَالْوَرَثَة ويحاصص المكرى بِهِ وَلَا خِيَار لَهُ، وَأما فِي الْفلس فَيُخَير الْمكْرِي بَين أَن يسلم الْمَنْفَعَة للْغُرَمَاء ويحاصص بالكراء، وَبَين أَن يرجع فِي عين شَيْئه كُله إِن لم يسْتَوْف شَيْئا من الْمَنْفَعَة فَإِن استوفى بَعْضهَا حاصص بِمَا يُقَابل مَا استوفى مِنْهَا وَيُخَير فِيمَا لم يسْتَوْف فِي الرُّجُوع فِيمَا بَقِي من الْمَنْفَعَة وَفِي إِسْلَامه والمحاصصة بِمَا ينوبه من الْكِرَاء. تَنْبِيهَانِ. الأول: يُبَاع مَاله بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا إِذْ بيع الْحَاكِم إِنَّمَا يكون بِمَا ذكر فَإِن بَاعَ بِغَيْر خِيَار فللغرماء أَو للْمُفلس رده كَمَا فِي (ز) . وَأما بيعهم حَيْثُ مكنهم مِنْهُ بِغَيْر حكم فَهُوَ بِغَيْر خِيَار وَيتْرك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، وَيقسم مَا حصل من ثمن مَاله بِنِسْبَة الدُّيُون الخ كَمَا فِي (خَ) . الثَّانِي: مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من إِدْخَال صُورَة تَمْكِين الْغَرِيم من البيع وَالْقِسْمَة فِي كَلَامه هُوَ الْمُتَعَيّن كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاقه واطلاق غَيره خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ من أَنه لَا يحل الدّين فِي تِلْكَ الصُّورَة قَائِلا، وَإِنَّمَا يحل بالحكم فَقَط أَو الْمَوْت الخ. لما علمت من أَنه إِذا مكنهم من بيع كل مَاله لم يبْق شَيْء للمؤجل دينه فَيكون مُخَالفا لما مّر عَن (خَ) أَو بَقِي مَا لَا يَفِي الْمُؤَجل الخ. وَقد قَالَ اللَّخْمِيّ: الدُّيُون المؤجلة لَا حجر بِسَبَبِهَا إِلَّا أَن تَتَغَيَّر حَاله أَو يظْهر مِنْهُ إِتْلَاف يخْشَى مَعَه أَن لَا يُوجد عِنْده عِنْد الْأَجَل شَيْء فيحجر عَلَيْهِ، وَيحل دينه إِلَّا أَن يضمن لَهُ أَو يجد ثِقَة يتجر لَهُ بِهِ ويحال بَينه وَبَينه اه. ومخالف أَيْضا لما مر عَن ابْن رشد من أَن اقتسامهم لِلْمَالِ بِمَنْزِلَة تفليس السُّلْطَان سَوَاء، وَبعد كتبي هَذَا وجدت للشَّيْخ بناني اعتراضاً عَلَيْهِ بِمثل مَا ذكر. والاعِتصارُ لَيْسَ بالمُكَلِّف لَهُ وَلا قُبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ (و) إِذا كَانَ الْمَدِين قد وهب لوَلَده شَيْئا قبل إحاطة الدّين بِمَالِه فالهبة صَحِيحَة فَإِذا فلس بعد ذَلِك ف (الاعتصار) للهبة الْمَذْكُورَة (لَيْسَ بالمكلف) أَي اللَّازِم (لَهُ) فَإِن اعتصر كَانَ للْغُرَمَاء
أَخذهَا (وَلَا) يُكَلف عَلَيْهِ أَيْضا (قبُول غير السّلف) من هبة أَو صَدَقَة أَو مداينة وكل مَا تلْحقهُ فِيهِ منَّة، وَأما السّلف كَمَا لَو طاع شخص بأَدَاء الدّين عَن الْمَدِين وبقائه فَإِذا حصل لَهُ يسر مَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا كَلَام للْمَدِين حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا أذن فِي الْأَدَاء عَنهُ أم لَا (خَ) : تَشْبِيها فِي اللُّزُوم كأدائه رفقا لَا عنتاً الخ. وَتقدم قَول النَّاظِم: إِذْ قد يُؤَدِّي الدّين من لَا أذنا الخ. فَإِن قَالَ المسلف: أَنا لَا أسلفه إِلَّا إِذا رَضِي الْمَدِين بقبوله أَو طلبه مني فَإِن الْمَدِين لَا يلْزمه الْقبُول حِينَئِذٍ وَلَا الطّلب، فمفهوم النّظم فِيهِ تَفْصِيل. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمشَار لَهُ بقوله (خَ) : وَلَا يلْزم بتكسب وتسلف واستشفاع وعفو للدية وانتزاع مَال رَقِيقه وَمَا وهبه لوَلَده الخ. فَلَا مُعَارضَة بَين مَفْهُوم النّظم، وَمَا لخليل من عدم لُزُوم تسلفه، وَقَوله: وَلَا يلْزم بتكسب الخ. تقدم أَن مَحل هَذَا إِذا لم يداين ليقضيهم من صَنعته وإلاَّ أجبر عَلَيْهَا كَمَا مّر عِنْد قَوْله: أَو معدم وَقد أبان معذره الخ. وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا عَيَّنا مَالا لَهُ وَما عَلَيْهِ أُمِّنَا (وَهُوَ) أَي الْمُفلس (مُصدق إِذْ مَا قد عينا مَالا لَهُ وَمَا) أَي ومالاً (عَلَيْهِ أمنا) بِأَن قَالَ: هَذَا مَالِي وَهَذَا أَمَانَة عِنْدِي قِرَاض أَو وَدِيعَة أَو عَارِية أَو بضَاعَة فَلَا تقربوه وَيكون للْمقر لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الطرر، وَقيل لَا يصدق، وَثَالِثهَا الْمَشْهُور يصدق إِن قَامَت بِأَصْلِهِ بَيِّنَة تشهد أَنهم يعلمُونَ أَن عِنْده سلْعَة وَدِيعَة أَو قراضا وَإِن لم يعينوها وَلَا سموا رَبهَا وَيكون رَبهَا الَّذِي أقرّ بِهِ الْمقر أَحَق بهَا وَلَو مِمَّن يتهم عَلَيْهِ كأخيه وَابْنه لِأَن قيام الْبَيِّنَة يَنْفِي تهمته فَإِن لم يُعينهُ الْمقر وَلَا الْبَيِّنَة وَلم يدع تِلْكَ السّلْعَة أحد فتوضع فِي بَيت المَال على قَاعِدَة المَال الَّذِي ضل صَاحبه (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ الخ. وَظَاهره أَنه يَأْخُذهُ ذُو الْبَيِّنَة بِغَيْر يَمِين وَهُوَ كَذَلِك، وَمثل الْبَيِّنَة بِأَصْلِهِ مَا إِذا شهِدت أَنه أقرّ قبل التَّفْلِيس أَن بِيَدِهِ للْمقر لَهُ قراضا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي ابْن يُونُس: وَمن اكترى أَرضًا بِثمن إِلَى أجل فزرعها ثمَّ فلس أَو مَاتَ فَإِن الْمكْرِي يقدم فِي أَخذ كِرَاء أرضه من زَرعهَا على سَائِر الْغُرَمَاء، بل وعَلى ساقي الزَّرْع ومرتهنه فَلَا شَيْء لَهُم من زَرعهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي الْمكْرِي كراءه كَمَا قَالَ:
وَرَبُّ الأرْضِ المكْتَرَاةِ إنْ طَرَقْ تَفْلِيسٌ أَوْ مَوْتٌ بِزَرْعِها أَحَقْ (وَرب الأَرْض المكتراة إِن طرق تفليس أَو موت بزرعها حق) . لِأَن الزَّرْع كرهن بِيَدِهِ فِي كرائها فَيُبَاع وَيُؤْخَذ الْكِرَاء من ثمنه وحوز الأَرْض للزَّرْع كحوزه هُوَ لَهُ فَيقدم على حوز مرتهنه وساقيه لِأَن حوزها أَشد من حوزهما لِأَنَّهُ نَشأ عَنْهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَأْخُذ الزَّرْع فِي الْكِرَاء لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا، ثمَّ مَا ذكره من أَنه أَحَق فِي الْمَوْت والفلس خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه يكون أَحَق بِهِ فِي الْفلس لَا فِي الْمَوْت فَلَا يكون أَحَق بِهِ بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء فِيهِ (خَ) : وَقدم فِي زَرعهَا فِي الْفلس ثمَّ سَاقيه ثمَّ مرتهنه أَي مَا فضل عَن الْمكْرِي يقدم فِيهِ الساقي، وَمَا فضل عَنهُ يقدم فِيهِ الْمُرْتَهن، ثمَّ مَا فضل يكون للْغُرَمَاء. وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعٍ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ فمَا من مانِعِ (واحكم بذا) أَي بِكَوْنِهِ أَحَق فِي الْمَوْت والفلس (لبائع) سلْعَة مثلا (أَو صانع) كنساج وخياط فلس المُشْتَرِي قبل قبض السّلْعَة وَالْمُسْتَأْجر قبل أَخذ الثَّوْب من الصَّانِع، فَإِن البَائِع أَو الصَّانِع أَحَق (فِيمَا) أَي فِي السّلْعَة وَالثَّوْب اللَّذين (بِأَيْدِيهِم) حَتَّى يُبَاع ويستوفي الأول ثمنه وَالثَّانِي أجرته. (فَمَا من مَانع) لَهُم من ذَلِك (خَ) : والصانع أَحَق وَلَو بِمَوْت مَا فِي يَده الخ. وَمَفْهُوم بِأَيْدِيهِم أما بِالنِّسْبَةِ للصانع فَإِنَّهُ إِذا سلم الْمَصْنُوع لرَبه فَهُوَ إسوة الْغُرَمَاء كَمَا لَو لم يحزه أصلا كالبناء فَإِن رد لرَبه الْبَعْض وَبَقِي الْبَعْض الآخر فَفِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَا بِعقد وَاحِد وَلم يسم لكل وَاحِد قدرا فَلهُ حبس الْبَاقِي فِي أجرته وَأُجْرَة الْمَرْدُود، وَإِن تعدد عقدهما أَو اتَّحد وَلَكِن سمى لكل وَاحِد قدرا فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْبَاقِي فِي أُجْرَة الْمَرْدُود قَالَه ابْن يُونُس. وَأما بِالنِّسْبَةِ للْبَائِع فَهُوَ قَوْله: ومَا حَوَاهُ مُشْترٍ ويحْضُرُ فَرَبُّهُ فِي فَلَسٍ مُخَيَّرُ (وَمَا) بيع من السّلع و (حواه) أَي حازه (مُشْتَر) من بَائِعه وَقبل أَن يدْفع ثمنه فلس (و)
الْحَال أَن الْمَبِيع (محْضر) بِعَيْنِه قَائِم بِذَاتِهِ ثَابت أَنه لَهُ بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف الْمُفلس قبل التَّفْلِيس (فربه) البَائِع لَهُ أَو الْقَائِم مقَامه بِإِرْث أَو هبة الثّمن أَو صدقته (فِي فلس مُخَيّر) إِن شَاءَ تَركه وحاص بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ وَظَاهره أَن التَّخْيِير الْمَذْكُور ثَابت وَلَو زَادَت فِي سوقها أَو بدنهَا أَو نقصت فيهمَا وَهُوَ كَذَلِك. إِلَّا إذَا مَا الغُرَمَاءُ دفَعُوا ثمنَهُ فأَخْذهُ مُمْتنِعُ (إِلَّا إِذا مَا الْغُرَمَاء دفعُوا) لَهُ (ثمنه) وَلَو من مَالهم (فَأَخذه) لَهُ (مُمْتَنع) حِينَئِذٍ. فَهَذَا أحد شُرُوط التَّخْيِير، وَثَانِيهمَا: أَن يُمكن أَخذه لَا إِن لم يُمكن كبضع، وَثَالِثهَا: أَن لَا يتَغَيَّر عَن حَالَته لَا إِن تغير كَمَا لَو طحنت الْحِنْطَة أَو فصل الثَّوْب وَنَحْو ذَلِك. وَرَابِعهَا: أَن يكون الْمَبِيع مِمَّا يعرف بِعَيْنِه لَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود، وَمَفْهُوم فِي فلس أَنه فِي الْمَوْت إسوة الْغُرَمَاء (ح) : وللغريم أَخذ عين مَاله المحاز عَنهُ فِي الْفلس لَا الْمَوْت وَلَو مسكوكاً أَو آبقاً وَلَزِمَه أَي الْآبِق خلافًا لمن قَالَ: لَا يلْزمه لِأَن أَخذ الْآبِق ابْتِدَاء شِرَاء فَيكون فَاسِدا ثمَّ قَالَ: إِن لم يفده غرماؤه وَأمكن لَا بضع وعصمة وقصاص وَلم ينْتَقل لَا إِن طحنت الْحِنْطَة أَو خلط بِغَيْر مثلي الخ. ومحضر اسْم مفعول خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة حَالية كَمَا قَررنَا، وَفِي بعض النّسخ ويحضر بالمضارع الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فإعرابه كَالْأولِ، وَمن اشْترى شَيْئا فَوجدَ عَيْبا بِهِ فَرده على بَائِعه ففلس البَائِع بعد رده عَلَيْهِ، وَقبل أَن يرد الثّمن للْمُشْتَرِي فَإِن الرَّاد لَا يكون أَحَق بِهِ بل إسوة الْغُرَمَاء كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ مَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَى أَوْلَى بِهِ فِي فَلَسٍ إنْ اعْتُرَى (وَلَيْسَ من رد بِعَيْب مَا اشْترى) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل (أولى بِهِ) من الْغُرَمَاء (فِي فلس إِن اعترى) وَغشيَ بل هُوَ إسوتهم كَمَا مر بِنَاء على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع، وَأما على أَنه ابْتِدَاء بيع فَيكون أَحَق بِهِ كَمَا فِي الْمُقدمَات، وَظَاهره أَنه لَا يكون أَحَق بِهِ وَلَو أَخذ عَن دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) عاطفاً على مَا لَا يكون أَحَق بِهِ مَا نَصه: ورد السّلْعَة بِعَيْب وَإِن أخذت بدين واحترزت بِقَوْلِي بفلس بعد ردهَا مِمَّا لَو ردهَا عَلَيْهِ بعد فلسه فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا سَوَاء بنينَا على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع أَو ابْتِدَاء بيع لِأَن ابْتِدَاء البيع بعد الْفلس يمْنَع من أَخذ البَائِع
عين شَيْئه كَمَا قَالَ (خَ) كَبَيْعِهِ وَلم يعلم بفلسه، وَأما لَو أَرَادَ الرَّد وَأقر بذلك على نَفسه فَوجدَ البَائِع قد فلس فَفِي كَونه أَحَق بهَا وتباع فِي الثّمن، أَو لَا يكون أَحَق بهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة من ردهَا قبل الْفلس، وَصَوَّبَهُ ابْن عَاشر ومصطفى قَولَانِ. وَالْخُلْفُ فِي سِلْعَةِ بَيْعٍ فاسِدِ ثَالِثُهَا اخْتِصَاصُهَا بالناقِدِ (وَالْخلف فِي سلْعَة بيع فَاسد) كَمَا لَو ابتاعها بِشَرْط الثنيا أَو بِشَرْط الْحمل أَو وَقت نِدَاء الْجُمُعَة بِثمن نَقده فِيهَا أَو صيرت لَهُ فِي دين فِي ذمَّة بَائِعهَا، واطلع على الْفساد بعد تفليس البَائِع أَو مَوته وَفسخ البيع والسلعة لم تفت بيد المُشْتَرِي وَفَاتَ ثمنهَا، أَو كَانَ لَا يعرف بِعَيْنِه فَقَالَ سَحْنُون: المُشْتَرِي أَحَق بهَا مُطلقًا وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا (ثَالِثهَا) لِابْنِ الْمَاجشون (اختصاصها بالناقد) فَيكون أَحَق بهَا فِيهِ دون الْآخِذ لَهَا عَن دين فَلَا يكون أَحَق بهَا بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء (خَ) وَفِي كَون المُشْتَرِي أَحَق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أَو لَا أَو فِي النَّقْد أَقْوَال الخ. وَقد علمت أَن مَحل الْخلاف إِذا اطلع على الْفساد بعد الْفلس وَأما لَو اطلع عَلَيْهِ قبله فَهُوَ أَحَق بهَا بِاتِّفَاق كَذَا فِي الرزقاني، وَالَّذِي فِي الرجراجي أَن من اشْترى شِرَاء فَاسِدا ففلس البَائِع بعد أَن رد المُشْتَرِي السّلْعَة فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا قولا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا حَقه فِي عين ثمنه إِن وجده فَإِن فلس بعد أَن فسخ البيع وَقبل أَن يرد المُشْتَرِي السّلْعَة فَهَل يكون أَحَق بالسلعة أم لَا؟ فَذكر الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة. وَقَوْلِي: والسلعة لم تفت احْتِرَازًا مِمَّا إِذا فَاتَت فَإِنَّهُ يمْضِي بِالْقيمَةِ ويحاصص بباقي الثّمن إِن كَانَت أقل، وَقَوْلِي: وَفَاتَ ثمنهَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يفت وَكَانَ يعرف بِهِ فَإِنَّهُ يكون أَحَق بِهِ اتِّفَاقًا. وَزَوْجَةٌ فِي مَهْرِها كالغُرَما فِي فَلَسٍ لَا فِي المَمَاتِ فاعْلَمَا (وَزَوْجَة) وَلَو لم يدْخل بهَا الزَّوْج حَيْثُ لم يكن دفع لَهَا الصَدَاق. (فِي مهرهَا كالغرما. فِي فلس لَا فِي الْمَمَات فاعلما) كَذَا فِي الْجلاب. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَلَا وَجه لهَذِهِ التَّفْرِقَة وَقيل لَا تحاصص فيهمَا. وَثَالِثهَا الْمَشْهُور تحاصص فيهمَا (خَ) : وحاصت الزَّوْجَة بِمَا أنفقت وبصداقها كالموت الخ. وَظَاهره أَنَّهَا تحاصص بِجَمِيعِهِ وَلَو فلس قبل الْبناء وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ دين فِي ذمَّته حل بِمَوْتِهِ أَو تفليسه، وَإِذا حاصت بِجَمِيعِهِ ثمَّ طَلقهَا قبل الْبناء فَإِنَّهَا ترد مَا زَاد على تَقْدِير المحاصة بِنصفِهِ وَقَوله: بِمَا أنفقت أَي على نَفسهَا أَو على الزَّوْج حَال يسره فِي غيبته أَو حَضرته، لَكِن فِي الْغَيْبَة إِنَّمَا تحاصص بِمَا أنفقت على نَفسهَا من يَوْم الرّفْع للْحَاكِم، وَسَوَاء تقدم إنفاقها على دين الْغُرَمَاء أَو تَأَخّر وَلَو بعد تفليسه لكنه يتْرك لَهُ النَّفَقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ وَمِنْه نَفَقَة الزَّوْجَة إِلَّا
أَن أنفقت عَلَيْهِ حَال عسره، فَإِنَّهَا لَا تحاصص بهَا وَلَو غَابَ لسقوطها عَنهُ بالعسر. وَحَارِسُ المَتَاعِ والزَّرْعِ وَمَا أشْبَهَهُ مَعَهُمْ قد قَسَما (وحارس الْمَتَاع وَالزَّرْع وَمَا أشبهه) كأجير رعي أَو علف وَنَحْوه (مَعَهم) أَي الْغُرَمَاء (قد قسما) أَي حاصص بأجرته فِي الْمَوْت والفلس وَلَا يكون أَحَق بِمَا يَحْرُسهُ ويرعاه إِلَّا أَن يكون الرَّاعِي لَا يبيت بالماشية عِنْد رَبهَا بل يبيت بهَا بداره فَيكون أَحَق بهَا، وَمثل الحارس فِي عدم الِاخْتِصَاص صَاحب الْحَانُوت يحمل كراؤه على مكتريه حَتَّى فلس أَو مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بِمَا فِي الْحَانُوت (خَ) : تَشْبِيها فِيمَا لَا اخْتِصَاص فِيهِ كأجير رعي وَنَحْوه وَذي حَانُوت فِيمَا بِهِ الخ. وَأما مكتري الدَّابَّة يفلس مكريه أَو يَمُوت فَإِنَّهُ أَحَق بالمعينة أَو بمنفعتها قبضت أم لَا حَيْثُ نقد كراءها حَتَّى يَسْتَوْفِي مَا نَقده، وَأما غير الْمعينَة وَهِي الْمَضْمُونَة فَإِنَّهُ أَحَق بهَا إِن قبضت (خَ) : والمكتري بالمعينة وبغيرها إِن قبضت وَلَو أديرت الخ. تَتِمَّة: قَالَ الْمَازرِيّ: لَا يخْتَلف أَن الْوَرَثَة منهيون عَن البيع قبل وَفَاء الدّين فَإِن فعلوا فللغرماء فَسخه هَذَا إِن لم يقدروا على أَدَاء الدّين إِلَّا بِالْفَسْخِ، وَأما إِن قَضَاهُ الْوَرَثَة من أَمْوَالهم أَو أسقط الْغُرَمَاء حُقُوقهم فالأشهر من الْمَذْهَب أَن البيع لَا يفْسخ لِأَن النَّهْي عَن البيع لحق المخلوقين، وَقد سقط اه. ابْن عبد السَّلَام: وَخرج بَعضهم على رِوَايَة أَشهب عَن مَالك أَن الْوَرَثَة إِذا عزلوا للدّين أضعافه وَبَاعُوا ليرثوا أَن البيع بَاطِل وَيفْسخ فَيكون لجَمِيع الْغُرَمَاء إِذا لم يحضروا البيع أَخذ السّلع من أَيدي المشترين إِلَّا أَن يَشَاء المشترون أَن يدفعوا قيمَة مَا فِي أَيْديهم أَو ثمنه أَو بعضه إِن كَانَ قَائِما اه. وَقد تقدم فِي الْقِسْمَة وَالصُّلْح أَن الْوَرَثَة إِذا باعوا التَّرِكَة قبل الْقسم أَو بعده فبيعهم مَاض لَا ينْقض للدّين كَانَ فِيهِ مُحَابَاة أم لَا وَإِنَّمَا كررناها فِي هَذِه الْأَبْوَاب لِكَثْرَة وُقُوعهَا وَكَثْرَة التَّنَازُع فِيهَا.
(بَاب فِي الضَّرَر وَسَائِر الْجِنَايَات)
وَمُحْدِثٌ مَا فِيهِ لِلْجَارِ ضَرَرْ محَقَّقٌ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ (ومحدث) بِكَسْر الدَّال (مَا) أَي شَيْئا (فِيهِ للْجَار ضَرَر مُحَقّق) بِالْبَيِّنَةِ كَونه ضَرَرا كالأمثلة الْآتِيَة لَا مُحْتَمل كَونه ضَرَرا أَو كَانَ غير ضَرَر كصوت الصّبيان فِي الْمكتب وَصَوت الرَّحَى وَنَحْوهمَا مِمَّا يَأْتِي فِي الثَّانِي عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع (يمْنَع) من إحداثه ويزال مَا أحدثه
(من غير نظر) وَلَا توقف لقَوْله عليه الصلاة والسلام: (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) أَبُو الْحسن: اخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل مَعْنَاهُ لَا تدخل على أحد ضَرَرا فالضرار تَأْكِيد للْأولِ، وَقيل الضَّرَر الَّذِي لَك فِيهِ مَنْفَعَة، والضرار مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَة وعَلى جَارك فِيهِ مضرَّة، وَهَذَا وَجه حسن فِي الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر اه. فاحترز النَّاظِم بالمحقق من الْمُحْتَمل كَمَا قَررنَا، والمحقق شَامِل لمحقق الْوُقُوع فِي الْحَال أَو فِي الْمُسْتَقْبل وَعبارَة (م) : وَاحْترز بِوَصْف الضَّرَر بالمحقق من الضَّرَر الَّذِي يكون متوقعاً غير وَاقع وَلَا مُحَقّق يَعْنِي الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَذكر النَّاظِم للمحقق أَمْثِلَة فَقَالَ: كالفُرْنِ والبَابِ وَمِثْلِ الأَنْدَرِ أوْ مَا لهُ مَضَرَّةٌ بالجُدُرِ (كالفرن) يحدث قرب من يتَضَرَّر بدخانه أَو ناره وَمثله الْحمام (خَ) : وَقضى بِمَنْع دُخان ورائحة كدباغ الخ. وَأما دُخان المطابخ وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي المعاش وَيكون فِي بعض الْأَوْقَات فَقَط وَلَا يستدام أمره فَلَا يمْنَع مِنْهُ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدُّخان الْقَدِيم إِحْدَاث آخر ويضيفه للقديم يمْنَع من ذَلِك لزِيَادَة الضَّرَر، وفيهَا لَو اتخذ مكتري الدَّار تنوراً يجوز لَهُ عمله فِيهَا فاحترقت مِنْهُ الدَّار وبيوت الْجِيرَان لم يضمن وَلَو شَرط رَبهَا عَلَيْهِ أَن لَا يُوقد فِيهَا نَارا فَفعل ضمن (وَالْبَاب) يَعْنِي فِي السِّكَّة الْغَيْر النافذة أَي: فَلَا يجوز لوَاحِد من سكانها إِحْدَاث بَاب يُقَابل بَاب جَاره ويشرف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَظَاهره وَلَو نكب أَي حرف الْبَاب الْمُحدث عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف مِنْهُ على مَا فِي دَار جَاره وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً من إِنْزَال أَصْحَابه ومربط دَابَّته، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن زرب وَابْن رشد، وَبِه الْعَمَل بقرطبة. ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل عندنَا اه. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِنَّه الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب اه. وَمُقَابِله أَنه إِن نكب عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً لم يمْنَع من إحداثه، وَبِه أفتى (خَ) إِذْ قَالَ: إِلَّا بَابا إِن نكب الخ. وَمَفْهُوم الْبَاب أَن الروشن أَو الساباط لمن لَهُ الجانبان يجوز لَهُ إحداثه بِغَيْر النافذة وَلَو بِغَيْر إِذن مِمَّن يمر تحتهما وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَقيل يمْنَع إِلَّا بِإِذن من يمر تَحْتَهُ، ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل. وَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار: أَن من أَرَادَ أَن يحدث ساقية أَو قادوساً من المَاء الحلو أَو غَيره فِي غير النافذة ويغطي ذَلِك بِالْحجرِ بِحَيْثُ لَا يضر أحدا فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من ذَلِك وَلَو بِغَيْر إذْنهمْ، وبنحوه أفتى السراج حَسْبَمَا نَقَلْنَاهُ فِي نوازلنا، وَأما السِّكَّة النافذة فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَك أَن تفتح فِيهَا مَا شِئْت وتحول بابك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا وَإِن كَانَ مُقَابلا لباب غَيره وَبِه الْعَمَل اه. وَنَحْوه للمعلم مُحَمَّد بن الرَّامِي قَائِلا: الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن لَا يمْنَع من فتح بَاب وَإِن قَابل بَاب رجل آخر إِذا كَانَت الطَّرِيق بَينهمَا نَافِذَة اه. وَمَفْهُومه أَن إنْشَاء الْحَانُوت قبالة بَاب آخر يمْنَع مِنْهُ وَلَو فِي النافذة، وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا لتكرر الْوَارِد عَلَيْهِ قَالَه
الْبُرْزُليّ: ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَقيل لَا يمْنَع مِنْهُ كالباب. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه الْمَذْهَب فِي الْحَانُوت قبالة الْبَاب الْمَنْع مُطلقًا بسكة نَافِذَة أم لَا. ولفق ذَلِك فِي بَيْتَيْنِ نصهما: إِحْدَاث حَانُوت لباب غَيره يمْنَع مُطلقًا لَدَى المنتبه فِي نَافِذ وَغَيره لما يرى من عِلّة قد فهمت بِلَا مرا وَمَفْهُوم قبالة الْبَاب أَنه إِذا نكبه عَن الْبَاب جَازَ. قَالَ المتيطي: إِن الْحَانُوت لَا تتَّخذ للتِّجَارَة قبالة بَاب دَار جَاره إِلَّا مَعَ التنكيب وإلاَّ منع. (وَمثل الأندر) فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه قبالة دَار وبستان لِأَن ربهما يتَضَرَّر بتبنه عِنْد الذرو قَالَه ابْن رشد (خَ) عاطفاً على مَا يمْنَع مِنْهُ وأندر قبل بَيت الخ. وَمثله نفض الْحَصِير على بَاب دَاره لتضرر الْمَارَّة أَو الْجَار بغباره (أَو) إِحْدَاث (مَا لَهُ مضرَّة بالجدر) جمع جِدَار كحفر مرحاض بِقرب جِدَار جَاره أَو بِنَاء رحى تضر بِهِ أَو حفر بِئْر كَذَلِك، فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك اتِّفَاقًا (خَ) : عاطفاً على الْمَنْع وَمُضر بجدار كاصطبل الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن بنى مَا يضر بجاره من حمام أَو فرن أَو لتشبيب ذهب أَو فضَّة أَو كير لعمل حَدِيد أَو رحى مِمَّا يضر بجاره فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: يمْنَع من ذَلِك، وَقَالَهُ مَالك. قَالَ ابْن حبيب: وُجُوه الضَّرَر كَثِيرَة، وَإِنَّمَا تتبين عِنْد نزُول الحكم فِيهَا فَمن ذَلِك دُخان الحمامات والأفران وغبار الأندر ونتن الدّباغ. الخ. وَمِنْه إِحْدَاث إصطبل فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه ملاصقاً لدار جَاره مُطلقًا كَانَ قبالة بَاب جَاره أم لَا لما فِيهِ من الضَّرَر ببول الدَّوَابّ وزبلها وحركتها كَمَا فِي شرح ابْن حَال لِأَنَّهَا لَا تسكن أصلا بِخِلَاف الْبَقر اه. فَفِي الْبُرْزُليّ سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّن يدق النَّوَى فِي بَيته لبقره ويبيتها فِي بَيته فَقَالَ: يمْنَع من ذَلِك لِأَنَّهُ يضر بِالْبِنَاءِ، وَأما تبييت الْبَقر فَلَا ضَرَر على الْجَار فِيهِ اه. الْبُرْزُليّ: ظَاهره وَلَو كَانَ يَقع مِنْهُ الندا، وَيحْتَمل أَن لَا يكون فِيهِ إِلَّا حَرَكَة الْبَقر خَاصَّة، وَأما لَو كَانَ مَعَه ندا وضرر للحائط لوَجَبَ مَنعه كَمَا تمنع الأروية الْمعدة للبهائم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم أَن حفر الْبِئْر إِذا كَانَ يضر بجدار جَاره فَإِنَّهُ يمْنَع مِنْهُ، وَأما إِذا كَانَ لَا يضر بالجدار وَإِنَّمَا يضر ببئر جَاره فِي تقليل مَائِهَا أَو إعدائه بِالْكُلِّيَّةِ فَفِيهِ أَقْوَال. صدر فِي الشَّامِل فِي بَاب الْموَات بِعَدَمِ مَنعه وَهُوَ قَول أَشهب، وَرِوَايَته عَن مَالك قَالَ: لِأَنَّهُ قد أضرّ بِهِ تَركه كَمَا أضرّ بجاره حفره فَهُوَ أَحَق أَن يمْنَع جَاره من أَن يضر بِهِ فِي مَنعه الْحفر، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَهُوَ ظَاهر النّظم هُنَا حَيْثُ خصص الْمَنْع بِضَرَر الْجِدَار لَا بِمَاء بِئْر جَاره، واستظهره ابْن بعد السَّلَام أَيْضا قَائِلا: لِأَن ضررهما متقابل ويترجح جَانب من أَرَادَ الإحداث بِأَنَّهُ تصرف فِي ملكه، وَأما إِن وجد عَنهُ مندوحة وَلم يتَضَرَّر بترك حفره فَلَا يُمكن من حفره لتمحص إضراره بجاره حِينَئِذٍ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة إِنَّه يمْنَع من حفره وَإِن اضْطر إِلَى ذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَوَجهه أَن المَاء فِي يَد الَّذِي حفر أَولا مَعَ احْتِمَال أَن يكون هُوَ الَّذِي
اختط تِلْكَ الأَرْض أَولا أَو آباؤه أَو الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَلَا ينتزع المَاء من يَده بِالشَّكِّ، وَثَالِثهَا يُمكن من حفره مَا لم يضر ببئر جَاره ضَرَرا بَينا، وَقد علمت أَن الأول هُوَ أقواها نقلا وَعلة، وَإِن قَالَ فِي التَّبْصِرَة: لَيْسَ عَلَيْهِ عمل لِأَنَّهُ أَي الأول مَرْوِيّ عَن مَالك، وَرجحه ابْن عبد السَّلَام وَاقْتصر عَلَيْهِ الفحول فَلَا يعدل عَنهُ بِحَال. الثَّانِي: ذكر فِي المعيار عَن ابْن الرَّامِي أَن ضَرَر الرَّحَى والإصطبل يرْتَفع عَن الْجِدَار ببعدهما عَنهُ بِثمَانِيَة أشبار أَو يشغل ذَلِك بالبنيان بَين دوران الْبَهِيمَة وحائط الْجَار انْظُر كَلَامه فِي (م) . فإنْ يكن يَضُرُّ بالمنافِعِ كالفُرْنِ بالْفُرْنِ فمَا مِنْ مَانِعِ (فَإِن يكن) الشَّيْء الْمُحدث (يضر بالمنافع) فَقَط (كالفرن) يحدثه (ب) قرب (الفرن) أَو الرَّحَى يحدثها بِقرب أُخْرَى أَو حمام كَذَلِك فتقل غلَّة الأول أَو تَنْقَطِع بِالْكُلِّيَّةِ (فَمَا من مَانع) من ذَلِك اتِّفَاقًا حَيْثُ كَانَ الْمُحدث لَا يضر بالقديم بِشَيْء من وُجُوه الضَّرَر، بل فِي نُقْصَان الْغلَّة أَو انقطاعها فَقَط قَالَه ابْن سهل. وَلَا مَفْهُوم للمنافع بل كَذَلِك إِذا كَانَ ينقص الثّمن لَا غير كَمَا أفتى بِهِ ابْن عتاب وَصَوَّبَهُ ابْن سهل خلافًا لأبي الْمطرف، وَنَقله المتيطي وَابْن عَرَفَة وَنَصه: فِي كَون إِحْدَاث حمام أَو فرن قرب دَار تجاوره لَا يَضرهَا بِدُخَان وَلَا غَيره إِلَّا أَنه يحط من ثمنهَا ضَرَرا يمْنَع أم لَا. نقل المتيطي مَعَ ابْن سهل عَن أبي الْمطرف مَعَ بعض شُيُوخ ابْن عتاب وَله مَعَ بعض شُيُوخه اه. فَلَو قَالَ النَّاظِم: فَإِن يكن يضر بالمنافع أَو ثمن فَمَا لَهُ من مَانع لشملهما. وَاسْتدلَّ ابْن عتاب لفتواه بِعَدَمِ اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان باتفاقهم على عدم اعتبارهم نقص الْمَنَافِع إِذْ من لازمها نقص الْأَثْمَان، لَكِن قَالَ (ت) : أفتى ابْن مَنْظُور بمقابل مَا فِي النّظم وَإِن ضَرَر الْمَنَافِع يمْنَع مِنْهُ وَفِي الْبَيَان أَنه الْمَشْهُور ذكره فِي كتاب السداد والأنهار فِي رجل أحدث رحى قرب أُخْرَى اه. قلت: فَانْظُرْهُ مَعَ مَا نَقله الشَّارِح و (ح) عَن ابْن رشد أَوَائِل فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ من أَنه قسم الضَّرَر إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: مِنْهُ مَا يمْنَع عَنهُ بِاتِّفَاق كالحمام والفرن وَمِنْه مَا لَا يمْنَع مِنْهُ بِاتِّفَاق كإحداث فرن قرب فرن آخر يضر بِهِ فِي غَلَّته فَقَط، وَمِنْه مَا يخْتَلف فِيهِ كَأَن يحدث فِي أرضه بِنَاء قرب أندر جَاره يمنعهُ بِهِ الرّيح فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يمْنَع، وَاخْتلف فِيهِ قَول سَحْنُون. قَالَ ابْن رشد: وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع اه. فَأَنت ترى ابْن رشد بِنَفسِهِ حكى فِي مَسْأَلَة النّظم الِاتِّفَاق على عدم الْمَنْع كَمَا ذكره ابْن سهل أَيْضا محتجاً بِهِ على عدم اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان، وراجع مَا أَشَارَ لَهُ (ت) عَن الْبَيَان فَلم يسعني الْآن مُرَاجعَته، وَالَّذِي فِي المعيار عَن العبدوسي مثل مَا للناظم وَلم يحك فِيهِ خلافًا، وَكَذَا الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي مُفِيد الْحُكَّام والتبصرة، فَمَا للناظم هُوَ
الْمُعْتَمد الَّذِي عَلَيْهِ الجادة وَلَا يعدل عَنهُ إِلَى سواهُ وَإِن صَحَّ تشهيره وَالله أعلم. ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت على رُجُوع (ت) عَمَّا حَكَاهُ عَن الْبَيَان من التشهير انْظُر نَصه فِي نَوَازِل الضَّرَر من نوازلنا. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَل يمْنَع أَرْبَاب النَّحْل أَو الْحمام أَو الدَّجَاج من اتِّخَاذه حَيْثُ أضرت بِالنَّاسِ فِي زروعها وبساتينها، وَهُوَ رِوَايَة مطرف عَن مَالك وَعدم مَنعهم وعَلى أَرْبَاب الزَّرْع وَالشَّجر حفظهَا وَهُوَ قَول لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة. قَالَ ابْن حبيب: وَلَا يُعجبنِي قَول ابْن الْقَاسِم، بل قَول مطرف أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول وَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله ابْن عَرَفَة: هَذِه النَّازِلَة تقع كثيرا وَالصَّوَاب أَن يحكم فِيهَا بقول مطرف وَابْن حبيب، وَإِن كَانَ خلاف قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن منع أَرْبَاب الْحَيَوَان أخف ضَرَرا من ضَرَر أَرْبَاب الزَّرْع وَالثِّمَار لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُم حفظهَا وَلَا يُمكنهُم نقل زرعهم وَلَا أَشْجَارهم، وَإِذ التقى ضرران ارْتكب أخفهما قَالَ: وَبَعْضهمْ يذكر ارْتِكَاب أخف الضررين حَدِيثا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ أثرا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ حكما مجمعا عَلَيْهِ اه. وَمَا ذكره ابْن عَرَفَة من تصويبه لقَوْل مطرف نَحوه لعيسى حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الضَّرَر من المعيار قَائِلا: هَذِه الْأَشْيَاء لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا، وَقد قيل فِيمَن لَهُ كوى فِي حَائِطه تَجْتَمِع فِيهَا البراطيل فتؤذي النَّاس فِي زُرُوعهمْ أَنه يُؤمر بسدها. وَقَالَ مَالك أَيْضا فِي الدَّابَّة الضارية بإفساد الزَّرْع تغرب أَو تبَاع على صَاحبهَا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا. وَانْظُر مَا مر آخر فصل الْإِجَارَة فِي الدَّوَابّ تتْلف الزَّرْع وَنَحْوه. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَن ضَرَر الْأَصْوَات غير مُعْتَبر، وَحكى ابْن نَاجِي فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال. قيل بلغوه مُطلقًا قَالَ: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَقيل يمْنَع مُطلقًا قَالَه ابْن عتاب، وَبِه أفتى شُيُوخ طليطلة، وَقيل إِن عمل بِالنَّهَارِ فَالْأول وبالليل فَالثَّانِي، وَقيل: يجوز إِن خف وَلم يكن فِيهِ كَبِير مضرَّة اه. وَمَا حكى بِهِ الْعَمَل هُوَ الْمَشْهُور قَالَ فِي المعيار عَن ابْن رشد: وَالْمَشْهُور عدم منع الْأَصْوَات مثل الْحداد والكماد والنداف اه. وَظَاهره وَلَو اشْتَدَّ ودام وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا حَيْثُ قَالَ عاطفاً على مَا لَا يمْنَع مِنْهُ وَصَوت ككمد الخ. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه بعد: نقُول قد تبين من هَذَا أَن الصَّوْت إِذا كَانَ قَوِيا مستداماً فِي اللَّيْل فَإِنَّهُ يمْنَع على مَا يظْهر رجحانه من النقول اه. فَانْظُرْهُ. وَهُوَ عَلَى الحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَا خِلافُهُ بِذَا القَضَاءُ ثَبَتَا (وَهُوَ) أَي الضَّرَر إِذا تنَازعا فِي قدمه وحدوثه مَحْمُول (على الْحُدُوث حَتَّى يثبتا خِلَافه بذا) أَي بِهَذَا القَوْل (الْقَضَاء) وَالْعَمَل (ثبتا) عِنْد الموثقين كَابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَصَاحب الْمُفِيد والمتيطي وَغَيرهم وَهَذَا على أَن الضَّرَر يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ. وَأما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك فَلَا يحْتَاج إِلَى النّظر فِي كَونه قَدِيما أَو حَادِثا بل يجب رَفعه وإزالته وَلَو طَالَتْ حيازته. وَإنْ يكن تَكَشّفاً فَلَا يُقَرْ بِحَيْثُ الأشْخاصُ تَبِينُ والصُّوَرْ
(وَإِن يكن) الضَّرَر الْحَادِث (تكشفاً) كَمَا لَو فتح كوَّة أَو بَابا فِي غرفَة يشرف مِنْهَا على مَا فِي دَار جَاره أَو اسطوانه أَو بستانه الَّذِي جرت الْعَادة بالترداد إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات كزمن الصَّيف كَمَا فِي (ح) وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج (فَلَا يقر) ذَلِك التكشف بل يزَال وتغلق الكوة وَالْبَاب بِالْبِنَاءِ وتقلع عتبتهما لِئَلَّا يحْتَج بهَا إِذا طَال الزَّمَان، وَيَقُول: إِنَّمَا أغلقتها لأعيدها (خَ) وَقضى بسد كوَّة فتحت أُرِيد سد خلفهمَا الخ. وَمحل إِزَالَته إِذا كَانَ قَرِيبا (بِحَيْثُ الْأَشْخَاص تبين و) تتَمَيَّز (الصُّور) فَيعرف زيد من عَمْرو وَالذكر من الْأُنْثَى وَالْحسن من الْقَبِيح، وَإِلَّا فَلَا يقْضِي بإزالته وَظَاهره وَلَو كَانَت الكوة عالية بِحَيْثُ لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسرير وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن مَالك. قَالَ ابْن فتوح وَغَيره: وَبِه الْعَمَل خلافًا لما رُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه من أَنه يوضع السرير من جِهَة الْمُحدث للكوة وَأَن يقف عَلَيْهِ وَاقِف، فَإِن أطلعه على دَار جَاره منع من ذَلِك وإلاَّ فَلَا. وَجعله (ح) تقييداً لقَوْل (خَ) وَقضى بسد كوَّة الخ. وَقد علمت أَن الْمَعْمُول بِهِ هُوَ قَول مَالك أَنه يمْنَع مهما يشْهد بِهِ أَنه ضَرَر من غير تَقْيِيد بسرير وَلَا غَيره كَمَا لأرباب الوثائق ابْن فتوح وَابْن فَرِحُونَ وَابْن سَلمُون وَغَيرهم فَلَا يعول على تَقْيِيد (ح) وَمَا فِي المعيار والتبصرة من أَن الكوة الَّتِي لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسلم وَشبهه لَا يقْضِي بسدها كُله خلاف الْمَعْمُول بِهِ من قَول مَالك فِيمَا يظْهر كَمَا مر. وَقَوْلِي فِي الْحَادِث احْتِرَازًا من الْقَدِيم فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بإزالته على الْمَشْهُور وَلَو لم تكن فِيهِ مَنْفَعَة. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَأَما كوَّة قديمَة أَو بَاب قديم لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ وَلَا مضرَّة على جَاره فَلَا يمْنَع مِنْهُ اه. وَيسْتَثْنى من الْقَدِيم الْمنَار فَإِنَّهُ يمْنَع الْمُؤَذّن من الصعُود إِلَيْهِ وَلَو قَدِيما حَتَّى يَجْعَل بِهِ سائراً يمْنَع من الِاطِّلَاع على الْجِيرَان من كل جِهَة حَتَّى لَا تتبين أشخاص وَلَا هيئات وَلَا أثاث قربت الدَّار أَو بَعدت كَمَا فِي (ح) فِي فصل الآذان. تَنْبِيهَات. الأول: من أحدث كوَّة يطلع مِنْهَا على مَا يطلع عَلَيْهِ غَيره فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك وَلَا حجَّة لَهُ فِي اطلَاع غَيره لِأَن هَذَا زِيَادَة ضَرَر بِمَنْزِلَة مَا تقدم فِي زِيَادَة الدُّخان وَسَوَاء كَانَ الزقاق نَافِذا أَو غير نَافِذ. الثَّانِي: من أحدث كوَّة تقَابل أُخْرَى فَطلب سد المحدثة فَقَالَ لَهُ الآخر: سد أَنْت الْقَدِيمَة فَإِنِّي إِنَّمَا سكت عَنْهَا نَحْو خمس سِنِين أَو أَربع على حسن الْجوَار، فَفِي كتاب ابْن سَحْنُون يحلف صَاحب الكوة المحدثة أَنه مَا ترك الْقَدِيمَة إِلَى هَذِه الْمدَّة إِلَّا على حسن الْجوَار غير تَارِك لحقه ثمَّ تسدان مَعًا. قَالَه ابْن الرَّامِي قَالَ: وَنزلت نازلة فِي رجل فتح كوَّة فِي دَاره لَا يتكشف مِنْهَا على جَاره غير أَنه يسمع كَلَامه فَرَأى بَعضهم أَنه ضَرَر وَلم يعتبره آخَرُونَ وَحكم بقول من لم يعتبره قَالَ: وَنزلت أَيْضا نازلة وَهِي أَن رجلا كَانَ لَهُ مطلع إِلَى سطح دَاره بسترة فَسَقَطت الستْرَة وَصَارَ
كل من يطلع إِلَى السَّطْح ينظر لما فِي دَار الْجَار فَطلب مِنْهُ إِعَادَة الستْرَة فَحكم بِعَدَمِ إِعَادَتهَا وَلَكِن ينذرهم إِذْ صعد إِلَى سطحه قَالَ: وَسَأَلت القَاضِي ابْن عبد الرفيع عَمَّن أحدث كوَّة يرى مِنْهَا سطوح جِيرَانه وَبَعض الْجِيرَان يتَصَرَّف فِي سطحه بالنشر وَنَحْوه. فَقَالَ: لَا يمْنَع اه. قلت: تَأمل قَوْله: لَا يمْنَع فَإِنَّهُ مُخَالف مَا قَالُوهُ من أَن الْبُسْتَان الَّذِي يتَرَدَّد ربه إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات على الْمَعْمُول بِهِ كَانَ بِهِ بِنَاء أم لَا. كَمَا قَالَه ابْن زيتون فَإِنَّهُ يمْنَع من إِحْدَاث المتكشف عَلَيْهِ والسطوح أَكثر تردداً وَأقوى فَمَا قَالُوهُ من عدم الْمَنْع مُقَابل وَالله أعلم. الثَّالِث: من بنى عَرصَة وَفتح فِيهَا أبواباً أَو كوَّة يطلع مِنْهَا على قاعة غَيره فَأَرَادَ صَاحب القاعة مَنعه وَقَالَ: هَذَا يضرني إِذا بنيت أَنا قاعتي دَارا، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الشَّامِل إِنَّمَا يمنعهُ إِذا بنى فَيَقْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بسدها وَلَا يمنعهُ قبل الْبناء، وَقَالَ مطرف: يمنعهُ مُطلقًا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَا يمنعهُ مُطلقًا. وَمَا بِنَتْنِ الرِّيح يُؤْذِي يُمْنَعُ فَاعِلُهُ كَالدَّبْغِ مَهْمَا يَقَعُ (وَمَا بنتن الرّيح يُؤْذِي) جَاره (يمْنَع) مِنْهُ (فَاعله) ومحدثه وَذَلِكَ (كالدبغ) والمجزرة والمرحاض الَّذِي لَا يغطيه (مهما يَقع) لِأَن الرَّائِحَة المنتنة تخرق الخياشيم وَتصل إِلَى الأمعاء فتؤذي الْإِنْسَان وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عليه الصلاة والسلام حَسْبَمَا فِي الْمُوَطَّأ: (من أكل من هَذِه الشَّجَرَة يَعْنِي الثوم فَلَا يقرب مَسْجِدنَا يؤذينا) . وَتقدم قَول (خَ) ورائحة كدباغ. وَقَول مَنْ يُثْبِتْهُ مُقَدَّمُ عَلَى مَقالِ مَنْ بِنَفْيٍ يَحْكُمُ (وَقَول من) أَي شَاهد (يُثبتهُ) أَي الضَّرَر (مقدم) عِنْد التَّعَارُض (على مقَال من) أَي شَاهد (بِنَفْي) لَهُ (يحكم) أَي يشْهد قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَبِه الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل أَي لِأَن الْمُثبت مقدم على من نفى كَمَا مر آخر الشَّهَادَات خلافًا لما فِي المعيار من أَنه ينظر إِلَى أعدل الْبَيِّنَتَيْنِ، وَإِذا شهد بِنَفْي الضَّرَر وَحكم بِمُقْتَضَاهُ ثمَّ تبين خِلَافه نقض الحكم قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِذا شهد بِالضَّرَرِ ثمَّ تبين خِلَافه. وَإن جِدَارٌ ساتِرٌ تَهَدَّمَا أَوْ كَانَ خَشْيَةَ السُّقُوطِ هُدِّمَا (وَإِن جِدَار سَاتِر) بَين دارين مَمْلُوك لأَحَدهمَا فَقَط وَلَيْسَ بمشترك (تهدما) وَحده بِأَمْر سماوي (أَو كَانَ) لم يتهدم وَحده بل (خشيَة السُّقُوط هدما) أَي هَدمه مَالِكه لميلانه وتلاشيه وخشية سُقُوطه وَلَو بِقَضَاء الْحَاكِم عَلَيْهِ بذلك لخشية سُقُوطه على الْمَارَّة أَو على الْجَار.
فَمَنْ أَبَى بِنَاءَهُ لَنْ يُجْبَرَا وَقيلَ لِلطَّالِبِ إنْ شِئْتَ اسْتُرَا (فَمن أَبى بناءه) أَي السَّاتِر الْمُتَهَدِّم وَحده أَو خشيَة السُّقُوط (لن يجبرا) عَلَيْهِ إِذا طلبه صَاحبه على الْأَصَح وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم (وَقيل) أَي وَالْحكم إِذا لم يجْبر أَن يُقَال (للطَّالِب إِن شِئْت استرا) على نَفسك أَو اترك وَظَاهره أَنه لَا يجْبر، وَإِن كَانَ قَادِرًا على بنائِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور فَلَو قَالَ الْمَالِك: إِنِّي مُحْتَاج إِلَى هَدمه فَقَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: ينظر الْحَاكِم فِي ذَلِك فَإِن ظهر صدقه ترك يصلح على نَفسه وَأمر بإعادته للسترة الَّتِي قد لَزِمته. وَقَالَ أصبغ: لَا تلْزمهُ إِعَادَته. ابْن حبيب: وَبقول مطرف أَقُول نَقله فِي ضيح، فَلَو قَالَ الْجَار للْمَالِك: أَعْطِنِي أَرض حائطك بترابه وَعلي الطوب وَالنَّفقَة فَإِذا تمّ حملنَا عَلَيْهِ مَعًا فَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز لِأَنَّهُ عقد لغير أجل مَعْلُوم وَلَا سمى كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يحمل عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فعلى رب القاعة وَالتُّرَاب أَن يُعْطي لرب الطوب وَالْعَمَل قيمَة طوبه وَعَمله وَيكون الْجِدَار لَهُ وَلَو سَأَلَ من ذِي الْجِدَار المائل أَن يَأْذَن لَهُ فِي هَدمه وبنائه لَهُ على أَن يحمل عَلَيْهِ فَفعل فَقَالَ ابْن دِينَار: سَبِيل هَذَا سَبِيل الشِّرَاء فَلَيْسَ لرب الْحَائِط أَن يرفع خشب الْبَانِي عَنهُ وَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَا مرّ وَهُوَ مَا إِذا تعمد الْهدم فَقَالَ: وعامِدٌ لِلْهَدْمِ دون مُقْتَضِ عليْهِ بالبِنَاء وحدَهُ قُضِي (وعامد للهدم) للجدار السَّاتِر بَينه وَبَين جَاره (دون) مَنْفَعَة لَهُ فِي الْهدم وَلَا (مُقْتَض) لذَلِك بل إِنَّمَا قصد بِهِ الضَّرَر لجاره أَو الْعَنَت (عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ وَحده) حَال والمجروران متعلقان بقوله: (قضي) وَالْجُمْلَة خبر عَامِد أَي قضى عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مضار بجاره (خَ) : وَقضى بِإِعَادَة السَّاتِر لغيره أَن هَدمه ضَرَرا لَا لإِصْلَاح أَو انْهَدم الخ. وَظَاهر كَلَام (خَ) هَذَا كَغَيْرِهِ أَنه يجْبر على إِعَادَته وَلَو لم يكن لَهُ مَال يَعْنِي وَيُبَاع مِمَّن يبنيه وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ رشد عَن سَماع يحيى وَعِيسَى وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يدل عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة، وَقيل إِنَّمَا يجْبر على إِعَادَته إِذا كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا أدب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: إنْ كانَ ذَا وَجْهٍ وَكانَ مَالَهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ أدباً أنَالهُ (إِن كَانَ ذَا وَجه) أَي مَحل الْقَضَاء عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ إِذا كَانَ الهادم ذَا مَال (وَكَانَ) الْجِدَار (مَاله) أَي ملكه وَحده، وَهَذَا قيد فِي أصل الْمَسْأَلَة أَي وَإِن جِدَار سَاتِر تهدما وَكَانَ مَاله أَي غير مُشْتَرك (وَالْعجز عَنهُ) أَي عَن بنائِهِ حَيْثُ هَدمه ضَرَرا (أدبا) مفعول بقوله (أناله) وَالْجُمْلَة خبر الْعَجز، وَمَفْهُوم قَوْله: مَاله أَنه إِذا كَانَ لغيره فَعَلَيهِ قِيمَته إِلَّا أَن يكون وَقفا فَعَلَيهِ إِعَادَته على خلاف فِيهِ كَمَا مر فِي بَاب الْحَبْس، وَأما إِن كَانَ مُشْتَركا فَهُوَ قَوْله: وإنْ يكن مُشْتَركاً فَمَنْ هَدَمْ دُونَ ضَرُورَةٍ بنَاءَهُ التَزَمْ
(وَإِن يكن) الْجِدَار السَّاتِر (مُشْتَركا فَمن هدم. دون ضَرُورَة) توجب هَدمه من تلاشيه وخشية سُقُوطه (بناءه) مفعول بقوله (الْتزم) أَي لزمَه أَن يبنيه كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أتلف مَال غَيره بِغَيْر مُوجب. وإنْ يكن لمقْتَضٍ فَالحُكْمُ أَنْ يَبْنِيَ مَعْ شَرِيكِهِ وَهُوَ السِّنَنْ (وَإِن يكن) هَدمه (لمقتض) كخشية سُقُوطه، وَأثبت ذَلِك بأرباب الْبَصَر وَبعد الْإِثْبَات هَدمه أَو انْهَدم الْحَائِط وَحده. (فَالْحكم أَن يَبْنِي) . ذَلِك الْحَائِط السَّاتِر (مَعَ شَرِيكه وَهُوَ السّنَن) أَي الطَّرِيق الْمَشْرُوع. مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ فإنْ أَبى قُسِمْ مَوْضِعُهُ بَيْنَهُمَا إذَا حُكِمْ (من غير إِجْبَار) لَهُ على الْبناء مَعَه يَعْنِي بل يُؤمر أَن يَبْنِي مَعَ شَرِيكه من غير قَضَاء عَلَيْهِ ابْتِدَاء على السّنَن الْمَشْرُوع (فَإِن) أَمر بِالْبِنَاءِ مَعَه ف (أَبى) وَامْتنع (قسم مَوْضِعه بَينهمَا) عرضا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه مِمَّا يَلِيهِ وَبنى فِي نصِيبه (إِذا حكم) أَي أمكن قسمه فَعبر بالحكم عَن الْإِمْكَان لِأَنَّهُ لَازمه إِذْ من لَازم الحكم بالقسم إِمْكَانه فَإِن لم يُمكن قسمه لكَونه لَا يصير لكل مِنْهُمَا مَا ينْتَفع بِهِ بِبِنَاء مُعْتَاد فِيهِ فَأَما بنى مَعَه أَو بَاعَ لمن يبنيه. فَالْحَاصِل أَنه يُؤمر أَولا بِالْبِنَاءِ مَعَه من غير إِجْبَار فَإِن أَبى قسم بَينهمَا إِن أمكن فَإِن لم يُمكن أجبر على الْبناء أَو البيع على الْمُعْتَمد كَمَا فِي (ح) قَائِلا: هَذَا هُوَ الَّذِي رَجحه صَاحب الْكَافِي وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا، وَيكون حِين لم يُمكن قسمه من إِفْرَاد قَول (خَ) : وَقضى على شريك فِيمَا لَا يَنْقَسِم أَن يعمر أَو يَبِيع الخ. وَقَوْلِي: وَبعد الْإِثْبَات هَدمه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا لَو هَدمه قبل الْإِثْبَات ونازعه شَرِيكه فِي خشيَة سُقُوطه وافتقاره للهدم فَإِن الهادم حِينَئِذٍ لَا يصدق وَيلْزمهُ بِنَاؤُه وَحده. تَنْبِيهَانِ. الأول: لَو كَانَت دَابَّة أَو معصرة أَو سفينة بَين رجلَيْنِ ولأحدهما مَا يطحن أَو يحمل عَلَيْهَا وَلَيْسَ للْآخر شَيْء يطحنه أَو يحملهُ وضع صَاحبه من الْحمل والطحن إِلَّا بكرَاء وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا أطحن وأحمل فِي نَصِيبي، فَالْحكم أَنه يمْنَع من الْحمل والطحن حَتَّى يتراضيا على كِرَاء أَو غَيره وَإِلَّا بيع الْمُشْتَرك عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) . الثَّانِي: سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَن حَائِط فاصل بَين جنتين يعْمل عَلَيْهِ السِّدْرَة والشوك لدفع الضَّرَر فَدَعَا أحد الرجلَيْن للْبِنَاء وأبى الآخر وَقَالَ: من شكا الضَّرَر فليبن. فَأجَاب: إِن كَانَ بَقَاؤُهُ مهدوماً يضرهما فَمن دَعَا إِلَى الْبناء فَالْقَوْل قَوْله، وَإِن كَانَ الضَّرَر ينَال أَحدهمَا فبناؤه على من يَنَالهُ الضَّرَر دون صَاحبه، وَإِن لم يكن هُنَاكَ حَائِط فَلَيْسَ على من أَبى أَن يحدث حَائِطا جبرا إِلَّا أَن يدْخل ضَرَر على أَصْحَاب الجنات بَعضهم من بعض، فَالْقَوْل لمن دَعَا إِلَى التصوين وَالْبناء.
وإنْ تَدَاعَيَاه فالقَضَاءُ لمن لهُ العُقُودُ والبِنَاءُ (وَإِن تداعياه) أَي الْجِدَار فَادَّعَاهُ كل لنَفسِهِ وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فالقضاء) يكون (لمن) شهد (لَهُ) بِهِ الْعرف وَهُوَ سِتَّة (الْعُقُود وَالْبناء) عَلَيْهِ وَالْبَاب والغرز والكوة وَوجه الْبناء فالعقود والقمط مُتَرَادِفَانِ وهما عبارَة عَن معاقد الْأَركان وَهِي إِدْخَال الْحَائِط فِي الآخر كاشتباك الْأَصَابِع، وَمِنْه تقميط الصَّبِي وَهُوَ إِدْخَاله وستره فِي الْخرق، وَإِنَّمَا قضى بِهِ لذِي القمط والعقود لِأَن الْحِيطَان الْمَعْقُود بَعْضهَا بِبَعْض كحائط وَاحِد بني فِي وَقت وَاحِد لمَالِك وَاحِد، وَقيل: الْعُقُود عبارَة عَن تدَاخل الْأَركان، والقمط عبارَة عَمَّا يشد بِهِ وَجه الْحَائِط ويمنعه من الانتثار من جير وجص وَنَحْوهمَا، وَقيل: القمط الْفرج غير النافذة، وَقيل: تَوْجِيه الْآجر، وَقيل: السَّوَارِي تبنى فِي الْحَائِط، فهما على هَذِه التفاسير متباينان وكل من هَذِه الْوُجُوه يشْهد لمن هِيَ إِلَى جِهَته بِلَا إِشْكَال، وَأما الْبناء فَمَعْنَاه أَن الْحَائِط إِذا كَانَ عَلَيْهِ بِنَاء لأَحَدهمَا دون الآخر فَهُوَ لمن لَهُ عَلَيْهِ الْبناء كسترة وَنَحْوهَا، وَكَذَا إِذا كَانَت بَابه لجِهَة أَحدهمَا دون الآخر، أَو كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ دون الآخر، أَو كَانَت الكوة الْغَيْر النافذة لجِهَة أَحدهمَا وَهِي الَّتِي تتَّخذ لرفع الْحَوَائِج، وَلَا بُد أَن تكون مَبْنِيَّة مَعَ بِنَاء الْحَائِط، وَأما المنقوبة فَلَا دَلِيل فِيهَا كَمَا أَن النافذة كَذَلِك، أَو كَانَ وَجه الْبناء إِلَى جِهَة أَحدهمَا دون صَاحبه، فَمن وجدت هَذِه الْأَشْيَاء أَو بَعْضهَا إِلَى ناحيته قضى لَهُ بِهِ إِذا لم تقم بَيِّنَة للْآخر، وإلاَّ فالاعتماد على الْبَيِّنَة. وَلَو وجدت هَذِه الْأَشْيَاء جَمِيعهَا فَلَو اشْتَركَا فِي هَذِه العلامات حلفا واشتركا فِيهِ كَمَا لَو كَانَت جُذُوع كل مِنْهُمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ أَو وَجه آجر الْبناء
لجِهَة كل مِنْهُمَا أَو عقوده لكل مِنْهُمَا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا انْفَرد بالقمط وَالْآخر بالخشب فَهُوَ لذِي القمط لِأَنَّهَا أقوى دلَالَة والخشب لم يرهَا. ابْن الماشجون حجَّة قَالَ: لِأَنَّهَا تغرز بِالْهبةِ وَالسَّرِقَة. قَالَ الْمعلم مُحَمَّد: مَا كَانَ مِنْهُمَا موصلاً وضع بِغَيْر حفر أوجب الْملك لِرَبِّهَا وَمَا وضع بالنقب فَلَا يُوجب ملكا وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا بَاب وَللْآخر حمل الْخشب، فَقَالَ سَحْنُون: هُوَ لرب الْبَاب وَللْآخر حمل الْخشب، وَتقدم عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر الخ. أَن القَاضِي يجب عَلَيْهِ أَن يشْتَرط على أَرْبَاب الْبَصَر أَن لَا يحكموا فِي شَيْء ويضعونه بِمَا يزِيل الْإِشْكَال وَينظر هُوَ فِيهِ.
(فصل فِي ضَرَر الْأَشْجَار)
وَمَا يُثمر مِنْهُ وَمَا لَا. وَكلُّ مَا كَانَ مِنَ الأَشْجَارِ جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انتِشَارِ (وكل مَا كَانَ من الْأَشْجَار جنب جِدَار) أَي حذوه حَال كَونه أَي الْأَشْجَار (مبدي انتشار) أَي آخِذا فِيهِ فَهُوَ على قسمَيْنِ: إِمَّا أَن يكون الْجِدَار سَابِقًا على الْأَشْجَار أَو الْعَكْس. فإنْ يَكن بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدا قُطِعَ مَا يُؤْذِي الجِدَارَ أَبَدَا (فَإِن يكن) الشّجر (بعد) بِنَاء (الْجِدَار وجدا) أَي غرس (قطع مَا يُؤْذِي الْجِدَار) مِنْهُ (أبدا) من غير خلاف. وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ وَتَرْكُه وَإنْ أضَرَّ الأشْهَرُ (وَحَيْثُ كَانَ) الشّجر مَوْجُودا (قبله) أَي قبل الْجِدَار (يشمر) يقطع أغصانه الَّتِي انتشرت على الْجِدَار وأضرت بِهِ وَهُوَ قَول مطرف وَعِيسَى وَأصبغ وَابْن حبيب، واستظهره فِي الْبَيَان وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْمذهب، وَوَجهه أَن الْجِدَار بناه ربه فِي ملكه فأغصان الشّجر الممتدة عَلَيْهِ قد خرجت عَن ملك رَبهَا فَيجب قطعهَا لِأَنَّهَا ضَرَر على من خرجت إِلَيْهِ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْمَاجشون أَنَّهَا لَا تشمر لِأَن الْبَانِي قرب شَجَرَة قد أَخذ من حريمها وَهُوَ يعلم أَن شَأْن الشّجر الانتشار وَلم يرجح (خَ) وَاحِدًا مِنْهُمَا بل قَالَ: وَيقطع مَا أضرّ من شَجَره بجدران تَجَدَّدَتْ وإلاَّ فَقَوْلَانِ. وَأما النَّاظِم فشهر الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: (وَتَركه) أَي التشمير (وَإِن أضرّ) الشّجر بالجدار هُوَ (الْأَشْهر) وَفِيه نظر فَإِن الْأَشْهر هُوَ الأول كَمَا مر لظُهُور علته وَكَثْرَة قَائِله، وَلذَا كَانَ لَا خُصُوصِيَّة للجدار بِمَا
ذكر بل كَذَلِك إِذا امتدت أَغْصَانهَا على أَرض جَاره فَإِنَّهُ يقطع مِنْهَا مَا أضرّ بأرضه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وكل مَا خرج عَن هَوَاء صَاحبه الخ. ومَنْ تكُنُ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ أَغْصَانُهَا عاليَةٌ مُنْتَشِرَهْ (وَمن تكن لَهُ بِملك) أَي فِي ملكه وأرضه (شَجَرَة) من نعتها (أَغْصَانهَا عالية منتشرة) فِي هَوَاء ملك رَبهَا لم تخرج عَن هوائه محَال. فلَا كلَامَ عِنْدَ ذَا لِجَارِها لَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَلا انْتِشَارِهَا (فَلَا كَلَام عِنْد ذَا لجارها لَا فِي ارتفاعها وَلَا) فِي (انتشارها) وَإِن منعته الشَّمْس وَالرِّيح فَلَا حجَّة لَهُ كالبنيان يرفعهُ الرجل فِي ملكه فَيمْنَع جَاره الشَّمْس وَالرِّيح كَمَا يَأْتِي آخر الْفَصْل بعده. وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَن هَوَاءِ صَاحِبهَا يُقْطَعُ باسْتِوَاءِ (وكل مَا خرج) من أَغْصَانهَا (عَن هَوَاء) أَرض (صَاحبهَا) وامتد على أَرض جَاره فَإِنَّهُ (يقطع) ذَلِك الْخَارِج فَقَط (باستواء) وَظَاهره أَنه لَا حجَّة لَهُ فِي قَوْله: أَخَاف أَن يطرقني أَو يتكشف عَليّ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن إِذا صعد عَلَيْهَا أنذره بطلوعه ليستتر مِنْهُ حريمه (خَ) عاطفاً على مَا لم يمْنَع فِيهِ وصعود نَخْلَة وأنذر بطلوعه، وَهَذَا إِذا كَانَت نابتة فِي أرضه فامتدت أَغْصَانهَا لأرض جَاره، وَأما لَو كَانَت لَك شَجَرَة نابتة فِي أرضه بَاعهَا لَك أَو خرجت لَك بقسمة وَنَحْوهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع مَا طَال وانبسط مِنْهَا كَمَا قَالَ: وَإنْ تكن بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتَ لَه وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّهُ (وَإِن تكن) شَجَرَة (بِملك من لَيست لَهُ) أَي فِي أَرض غَيره ملكهَا بشرَاء أَو هبة (وانتشرت) وعظمت (حَتَّى أظلت جله) أَي جلّ ملك الْغَيْر. فَمَا لربِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأَنُ الشَّجرْ (فَمَا لرب الأَرْض قطع مَا انْتَشَر) مِنْهَا وَإِن أضرّ بأرضه (لعلمه بِأَن ذَا شَأْن الشّجر) قَالَه ابْن
الْقَاسِم وَغَيره. وَهَذَا كُله فِي الأغصان، وَأما لَو كَانَت لَهُ فِي أرضه شَجَرَة فَخرجت عروقها لأرض جَاره فَنَبَتَتْ وَصَارَت شَجرا مثمراً فَإِن من نَبتَت فِي أرضه مُخَيّر بَين أَن يقلعها أَو يُعْطِيهِ قيمتهَا مقلوعة إِلَّا أَن يكون لصَاحب الشَّجَرَة مَنْفَعَة لَو قلعهَا وغرسها بِموضع آخر لنبتت فَلهُ قلعهَا وَأَخذهَا وَإِن كَانَت لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهَا وَلَا مضرَّة عَلَيْهِ فِيهَا فَهِيَ لرب الأَرْض انْظُر الْمواق. وَالحُكْمُ فِي الطّريقِ حُكْمُ الجَارِ فِي قَطْعِ مَا يُؤْذِي مِنَ الأَشْجَارِ (وَالْحكم فِي الطَّرِيق) تمتد أَغْصَان الْأَشْجَار عَلَيْهَا (حكم الْجَار فِي قطع مَا يُؤْذِي) المارين فِي الطَّرِيق (من الْأَشْجَار) لِأَن الطَّرِيق حبس على سَائِر الْمُسلمين وَذَلِكَ يُوجب اسْتِوَاء الحكم بَينهم وَبَين الْجَار، وَمَفْهُوم الْأَشْجَار أَن الْبناء بِالطَّرِيقِ يهدم وَإِن لم يؤذ المارين وَلَا ضيقها عَلَيْهِم (خَ) : ويهدم بِنَاء بطرِيق وَلَو لم يضر الخ. نعم لَا بَأْس بالروشن والساباط فَوق الطَّرِيق النافذة لمن لَهُ الجانبان حَيْثُ رفع على رُؤُوس الراكبين وَلم يظلماها كَمَا قَالَ (خَ) أَيْضا: وروشن وساباط لمن لَهُ الجانبان بسكة نفذت، وَتقدم مَا فِي ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: كالفرن وَالْبَاب وَكَذَا من ملك جَانِبي النَّهر فَلهُ أَن يَبْنِي ساباطاً فَوْقه وَلَيْسَ للسطان مَنعه وَلَا حجَّة لَهُ فِي أَن الْوَادي لَهُ نَقله (م) .
(فصل فِي مُسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ)
على الْمَشْهُور بِأَنَّهُ يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك. وَعَشْرَةُ الأَعْوَامِ لامْرِىءٍ حَضَرْ تَمْنَعُ إنْ قَامَ بِمُحْدِثِ الضَّرَرْ (وَعشرَة الأعوام) مَضَت (لامرىء) رشيد (حضر) إِحْدَاث ضَرَر عَلَيْهِ عَالما بِهِ سَاكِنا بِلَا عذر (تمنع) الْحَاضِر الْمَذْكُور (إِن قَامَ) بعْدهَا (بمحدث) بِفَتْح الدَّال (الضَّرَر) من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي الضَّرَر الْمُحدث، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ غَائِبا أَو مَضَت عَلَيْهِ أقل من عشرَة أَو كَانَ مَحْجُورا مولى عَلَيْهِ أَو صَغِيرا أَي غير عَالم أَو غير سَاكِت أَو كَانَ لَهُ عذر لَهُ فِي سُكُوته من سطوة وَنَحْوهَا فَهُوَ على حَقه، وَلَو طَالَتْ الْمدَّة حَتَّى تمْضِي عشر سِنِين من قدومه من الْغَيْبَة وَزَوَال الْحجر وَحُصُول الْعلم وَنَحْو ذَلِك.
وَذَا بهِ الْحُكْمُ وبالْقِيَامِ قدْ قِيل بالزائِدِ فِي الأَيَّامِ (وَذَا) القَوْل الَّذِي قَالَ يسْقط حَقه بِمُضِيِّ الْعشْرَة وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن نَافِع و (بِهِ الحكم) وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي المعيار عَن ابْن رشد، وَمثله فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا، وَمُقَابِله لأصبغ أَنه لَا يسْقط حَقه إِلَّا بالعشرين سنة وَنَحْوهَا وَهُوَ معنى قَوْله:(وبالقيام قد قيل بِالزَّائِدِ) على الْعشْرَة (فِي الْأَيَّام) الْكَثِيرَة إِلَى عشْرين سنة وَنَحْوهَا، فَيسْقط حَقه حِينَئِذٍ وغايته أَنه أطلق جمع الْقلَّة على جمع الْكَثْرَة وَهُوَ كثير فِي الْعَرَبيَّة كَمَا فِي الْخُلَاصَة هَذَا هُوَ الظَّاهِر، فَيكون قد أَشَارَ إِلَى قَول أصبغ، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَة كالعشرة أَيَّام بِدَلِيل جمع الْقلَّة، وَيكون أَشَارَ إِلَى قَول من قَالَ: إِن الْعشْر سِنِين لَا تَكْفِي بل لَا بُد من مُطلق الزِّيَادَة عَلَيْهَا حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن عَرَفَة فِي جملَة الْأَقْوَال الثَّمَانِية الَّتِي نقلهَا فِيمَا يسْقط بِهِ الضَّرَر، وَظَاهر النّظم أَن الْعشْرَة أَعْوَام قَاطِعَة لحقه، سَوَاء كَانَ الْحَائِز قَرِيبا للمحوز عَنهُ أَو أَجْنَبِيّا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الطرر وَغَيرهَا فَلَيْسَتْ حِيَازَة الضَّرَر كحيازة الْأَمْلَاك الَّتِي يفرق فِيهَا بَين الْأَقَارِب والأجانب، وَظَاهره أَيْضا أَنَّهَا قَاطِعَة لحقه كَانَ الضَّرَر مِمَّا لَا يتزايد كالكوة وَالْبَاب أَو مِمَّا يتزايد ضَرَره كالكنيف والمدبغ والحفر الَّتِي يستنقع المَاء فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل: الضَّرَر المتزايد لَا يحاز بِالْعشرَةِ وَلَا بغَيْرهَا لِأَن الدّباغ والكنيف يحدثان بطول الزَّمَان وَهنا على وَهن وضعفاً فِي جِدَار الْجِدَار فَلهُ الْقيام بِمَا زَاد عَلَيْهِ من الضَّرَر وَلَو طَال، وَقيل: لَا يحاز الضَّرَر أصلا كَانَ مِمَّا يتزايد أم لَا. وَهُوَ قَول ابْن حبيب، وَعَلِيهِ فَفِي حوز الضَّرَر وَعَدَمه. ثَالِثهَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يتزايد وعَلى الْحَوْز فَفِي كَونه بالعشر أَو بالعشرين ثَالِثهَا بالعشر وَزِيَادَة الْأَيَّام الْيَسِيرَة. وَمن رأى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ وَلَمْ يقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ (وَمن رأى بُنيان مَا فِيهِ ضَرَر) عَلَيْهِ وَسكت (وَلم يقم من حِينه بِمَا ظهر. حَتَى رَأى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ مُكِّنَ بالْيَمِينِ مِن قِيامِهِ حَتَّى رأى الْفَرَاغ من إِتْمَامه) أَي الْبُنيان وَفتح الْبَاب وَنَحْوهمَا فَقَامَ بِحقِّهِ بعد الْفَرَاغ بِالْقربِ
وَأَحْرَى بعد طول وَقبل مُضِيّ مُدَّة الْحِيَازَة (مكن بِالْيَمِينِ من قِيَامه) أَي: فَيحلف أَن سُكُوته حَتَّى كمل الْبُنيان وَفتح الْبَاب مثلا مَا كَانَ عَن رضَا بِإِسْقَاط حَقه ويهدم الْبناء ويسد الْبَاب حِينَئِذٍ قَالَه فِي التَّبْصِرَة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَفهم من قَوْله: وَلم يقم أَنه إِذا قَامَ حِين رَآهُ يَبْنِي وَأَرَادَ مَنعه من الْبناء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من بنائِهِ وإتمام عمله حَتَّى يثبت الضَّرَر ويعذر للباني فِيهِ وَلم يجد فِيهِ مطعناً فيهدم الْبناء عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلَو كمل كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَالْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة النَّاظِم أَنه فِي هَذِه أَرَادَ أَن يمنعهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى حِين شُرُوعه فِي الْبناء أَو بعد أَن أثبت الْبَيِّنَة المحتاجة للتزكية والاعذار فَإِن الْبَانِي لَا يمْنَع من إتْمَام عمله حَتَّى يعجز عَن الدّفع كَمَا مر إِذْ لَا يحكم على أحد بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف فِي ملكه مَعَ قيام احْتِمَال صِحَة الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَعدم صِحَّتهَا وَبِه تعلم أَن مَا للشَّيْخ الرهوني من استشكال هَذِه الْمَسْأَلَة غير سديد كَمَا أَن مَا قَالَه من عدم وجوب الْيَمين فِي مَسْأَلَة النَّاظِم إِن قَامَ بِالْقربِ غير سديد أَيْضا إِذْ هَذِه الْيَمين يَمِين تُهْمَة والمعمول بِهِ توجهها فِي الْقرب والبعد كَمَا مر فِي بَاب الْيَمين. فإنْ يَبِعْ بَعْدُ بِلَا نِزَاعِ فَلَا قيامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ (فَإِن يبع) الْمُحدث عَلَيْهِ الضَّرَر (بعد) أَي بعد حُدُوثه عَلَيْهِ وَعلمه بِهِ حَال كَونه (بِلَا نزاع) فِيهِ أَي بَاعَ بعد الإحداث وَالْعلم بِهِ وَقبل النزاع فِيهِ (فَلَا قيام) وَلَا خصام (فِيهِ للْمُبْتَاع) اتِّفَاقًا كَمَا فِي (خَ) عَن ابْن عَرَفَة لِأَنَّهُ اشْترى على تِلْكَ الْحَالة، وَظَاهره وَلَو لم يعلم بِهِ، وَقيل: إِذا لم يعلم بِهِ المُشْتَرِي فَلهُ رده على البَائِع لِأَن الضَّرَر عيب لم يطلع عَلَيْهِ، فَإِذا رده فَللْبَائِع حِينَئِذٍ الْقيام بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن حبيب بن نصر، وَيَنْبَغِي حمله على التَّفْسِير لما درج عَلَيْهِ النَّاظِم: وإنْ يكُنْ حينَ الخِصَام بَاعَا فالْمُشْترِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا (وَإِن يكن) البَائِع لم يعلم بالإحداث أَو علم وَتكلم فِيهِ وَخَاصم و (حِين الْخِصَام) أَو عدم الْعلم (باعا فَالْمُشْتَرِي يخصم) فِي ذَلِك الضَّرَر (مَا استطاعا) لقِيَامه مقَام البَائِع حِينَئِذٍ وحلوله مَحَله إِذْ البَائِع حِينَئِذٍ بَاعَ مَا يملكهُ من الدَّار وَرفع الضَّرَر، وَالْمُشْتَرِي اشْترى ذَلِك فَقَامَ فِيهِ مقَام البَائِع، وَظَاهره أَن هَذَا البيع جَائِز وَلَيْسَ هُوَ من بيع مَا فِيهِ خُصُومَة. وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ: إِن الْحَاكِم قضى بِإِزَالَة الضَّرَر وأعذر وَبَقِي التسجيل وَالْإِشْهَاد يَعْنِي على الحكم، وَأما لَو بَاعَ وَقد بَقِي شَيْء من المدافع والحجج لم يجز البيع لِأَنَّهُ بيع مَا فِيهِ خُصُومَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور مَنعه، وَقد أَطَالَ (خَ) من ذكر الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والمعول عَلَيْهِ مَا للناظم وَالله أعلم.
وَمَانِعُ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ مَعا لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا (ومانع الرّيح أَو الشَّمْس) أَو هما (مَعًا لجاره) مفعول بمانع وَاللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء (بِمَا بنى لن يمنعا) من ذَلِك على الْمَشْهُور ابْن نَاجِي وَبِه الْعَمَل، وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَمن رفع بُنْيَانه فَتَجَاوز بِهِ بُنيان جَاره وأفسد عَلَيْهِ كواه فأظلمت. أَبْوَاب غرفه وكواها وَمنعه الشَّمْس لم يمْنَع من هَذَا الْبُنيان اه. وَهَذَا إِذا كَانَ للباني فِي رفع بنائِهِ مَنْفَعَة قَصدهَا، وَأما إِذا لم يكن لَهُ فِي الْبناء مَنْفَعَة وَثَبت ذَلِك فَإِنَّهُ يمْنَع كَمَا قَالَه ابْن عتاب، إِذْ لَا ضَرَر أَكثر من أَن يمْنَع الْإِنْسَان جَاره الضَّوْء وَالرِّيح من غير نفع يعود عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَظَاهره أَنه لَا يمْنَع من رفع بُنْيَانه وَلَو منع الشَّمْس وَالرِّيح عَن الأندر السَّابِقَة على بنائِهِ وَهُوَ مَا اسْتَظْهرهُ ابْن رشد كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع الخ. وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه (خَ) : لَا مَانع شمس وريح إِلَّا الأندر أَي فَإِنَّهُ يمْنَع من بِنَاء مَا يمْنَع الشَّمْس وَالرِّيح، وَظَاهره وَلَو احْتَاجَ للبنيان وَكَانَت لَهُ فِيهِ مَنْفَعَة وَمثل الأندر مرج الْقصار ومنشر المعاصر وجرين التَّمْر وَالْفرق بَين الأندر وَغَيرهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم فِيمَا يظْهر أَن الدَّار لَا يُمكن منع الضَّوْء مِنْهَا جملَة إِذْ مَا يقابلها من السَّمَاء يضيئها قطعا، وَكَذَا الشَّمْس، وَأما الرّيح فالمقصود مِنْهَا اتقاؤه بهَا والكوة يُمكنهُ فتحهَا لوسط دَاره بِخِلَاف الأندر وَمَا مَعَه فَإِن منفعَته تبطل كلهَا بِمَنْع الشَّمْس وَالرِّيح، وَأما الْبِئْر إِذا أَرَادَ حفرهَا فِي أرضه وَهِي تنقص مَاء بِئْر جَاره أَو تقطعه فقد يتَقَدَّم الْكَلَام عَلَيْهَا عِنْد قَوْله: أَو مَا لَهُ مضرَّة بالجدر.
(فصل فِي الْغَصْب والتعدي)
قَالَ (خَ) : الْغَصْب: هُوَ أَخذ مَال قهرا تَعَديا بِلَا حرابة الخ. فَقَوله: أَخذ مَال كالجنس يَشْمَل أَخذ الْإِنْسَان مَال نَفسه من تَحت يَد الْمُودع وَغَيره، وَخرج بقوله مَال أَخذ امْرَأَة اغتصاباً كَمَا يَأْتِي، وَخرج بِهِ أَيْضا أَخذ رَقَبَة الْحر وَالْخِنْزِير وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يملكهُ الْمُسلم، وَقَوله قهرا مخرج للسرقة لِأَنَّهَا أَخذ مَال خُفْيَة وللغيلة لِأَنَّهُ لَا قهر فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَوْت الْمَالِك، ومخرج أَيْضا لما أَخذه اخْتِيَارا كالسلف وَالْعَارِية والقراض وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا. وَقَوله: تَعَديا مخرج لما أَخذه من محَارب وَنَحْوه، وَلما إِذا أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب من يَد غاصبه ولآخذ الزَّكَاة كرها من مُمْتَنع من دَفعهَا ولأخذ الْجِزْيَة ولأخذ السَّيِّد مَال عَبده ولأخذ الْأَب وَالْجد الغنيين مَال ولدهما لِأَن لَهما فِيهِ شُبْهَة، وَلذَا لم يقطعا فِيهِ فَإِن ذَلِك كُله مَأْخُوذ بالقهر، وَلَكِن لَا عداء فِيهِ. وَقَوله: بِلَا حرابة مخرج لما أَخذه الْمُحَارب فَإِن الْأَوْصَاف السَّابِقَة تصدق عَلَيْهِ والحرابة غير الْغَصْب لاخْتِلَاف أحكامهما. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَيْسَ كل غَاصِب مُحَاربًا لِأَن السُّلْطَان يغصب وَلَا يعد مُحَاربًا اه. وَاعْترض قَوْله: بِلَا حرابة بِأَنَّهُ يُوجب فِي الْحَد التَّرْكِيب الَّذِي هُوَ توقف الْمَحْدُود على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى لَيست أَعم مِنْهُ وَلَا أخص من أعمه، وَبِأَنَّهُ غير مَانع لدُخُول الْمَنَافِع فِيهِ كأخذه سُكْنى دَار وحرث عقار وَنَحْوهمَا. وَلَيْسَ غصبا بل تَعَديا فَلَو زَاد بعد قَوْله: مَال غير مَنْفَعَة، وأبدل قَوْله بِلَا حرابة بقوله بِلَا خوف فَقَالَ كَمَا فعل ابْن عَرَفَة لسلم من الِاعْتِرَاض، وَالْمرَاد بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاء على المَال وَإِن لم يحزه لنَفسِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِذا استولى الظَّالِم على مَال شخص وَحَال بَينه وَبَين مَاله وَقد أبقاه بموضعه الَّذِي وَضعه ربه كَانَ غَاصبا ضَامِنا لَهُ إِن تلف. وَأما التَّعَدِّي: فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة التَّصَرُّف فِي الشَّيْء بِغَيْر إِذن ربه دون قصد تملكه فَقَوله: التَّصَرُّف كالجنس يَشْمَل التَّصَرُّف بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّف بالاستهلاك والإتلاف كلا أَو بَعْضًا، فَالْأول كَقَتل الدَّابَّة وَحرق الثَّوْب، وَالثَّانِي كخرق بخاء مُعْجمَة لثوب وَكسر بعصى صَحْفَة أَو عصى، وَقَوله بِغَيْر إِذن ربه مخرج للإجارة وَالْعَارِية وَنَحْوهمَا. وَقَوله: دون قصد تملكه مخرج للغصب لِأَن الْغَاصِب يقْصد تملك الْمَغْصُوب، وَقد فهم مِنْهُ أَن الْفرق بَين الْغَصْب والتعدي هُوَ قصد التَّمَلُّك وَعَدَمه، وَأَنه إِذا أقرّ بِقصد التَّمَلُّك أَو دلّت عَلَيْهِ قرينَة وَاضِحَة فَهُوَ غَاصِب تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه، وَإِن أقرّ بِقصد الْمَنْفَعَة أَو قَامَت قرينَة عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فتجري عَلَيْهِ أَيْضا أَحْكَامه، فَإِن لم يكن إِقْرَار وَلَا قرينَة فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا يَدعِيهِ من غصب الْمَنْفَعَة أَو الذَّات إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله. وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا لَا يعلم من الْأُمُور القلبية إِلَّا بقول مدعيه يصدق فِيهِ وَيتَصَوَّر التَّعَدِّي أَيْضا بِأَن يكون بعد تقدم إِذن من مَالِكه كتعديه فِي الْعَارِية أَو فِي الْكِرَاء أَو زِيَادَة الْمسَافَة أَو الْحمل فَمن أَحْكَام الْغَصْب قَوْله:
وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَرُدُّ أصْلَهُ (وغاصب) سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس (يغرم مَا استغله من كل شَيْء) غصبه كَانَ الْمَغْصُوب حَيَوَانا أَو عقارا وَسَوَاء استغل بِنَفسِهِ فَركب الدَّابَّة أَو سكن الدَّار مثلا أَو أكراها لغيره (خَ) : وَضمن غلَّة مُسْتَعْمل الخ. أَي فَيرد قيمَة الْمَنْفَعَة وَالصُّوف وَالثَّمَرَة وَاللَّبن (وَيرد) أَيْضا (أَصله) وَهُوَ الْمَغْصُوب أَي فَيرد مَا ذكر مَعَ الْغلَّة من رد عين الشَّيْء الْمَغْصُوب. حَيْثُ يُرَى بِحَالِهِ فإنْ تَلِفْ قُوِّمَ والمِثْلُ بِذِي مِثْلِ أُلِفْ (حَيْثُ يرى) كل مِنْهُمَا بَاقِيا (بِحَالهِ) لم يتَغَيَّر وَلم يتْلف (فَإِن) تلف الصُّوف أَو الثَّمَرَة وَلم تقم على التّلف بَيِّنَة فَيغرم مكيلة الثَّمَرَة وَوزن الصُّوف إِن علما أَو قيمتهمَا إِن جهلا مَعَ رد عين الْمَغْصُوب لرَبه، وَإِن قَامَت بَيِّنَة على تلفهما بِغَيْر سَببه فَيرد الْمَغْصُوب فَقَط وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فيهمَا اتِّفَاقًا قَالَه ابْن رشد. وَأما إِن (تلف) الشَّيْء الْمَغْصُوب بسماوي أَو بِسَبَب عداء الْغَاصِب عَلَيْهِ (قوّم) على الْغَاصِب وَغرم قِيمَته يَوْم غصبه لَا يَوْم عدائه عَلَيْهِ وَلَا يَوْم التّلف بسماوي، وَأما إِن تلف بعداء أَجْنَبِي عَلَيْهِ عِنْد الْغَاصِب فَإِن ربه مُخَيّر بَين أَن يتبع الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم غصبه فَيتبع الْغَاصِب حِينَئِذٍ الْأَجْنَبِيّ بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَتَكون لَهُ الزِّيَادَة، وَبَين أَن يتبع الْجَانِي بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب، فَإِن كَانَت أقل من قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَخذهَا وَرجع على الْغَاصِب بِمَا بَقِي لَهُ لتَمام قِيمَته يَوْم الْغَصْب (خَ) : فَيغرم قِيمَته يَوْم غصبه، وَلَو قَتله الْغَاصِب تَعَديا وَخير فِي قتل الْأَجْنَبِيّ فَإِن تبعه تبع هُوَ الْجَانِي فَإِن أَخذ ربه أقل فَلهُ الزَّائِد من الْغَاصِب فَقَط الخ (والمثل) أَي: وَأما إِن كَانَ الْمَغْصُوب التَّالِف مثلِيا فَإِنَّهُ يضمن (بِذِي الْمثل ألف) سَوَاء تلف بسماوي أَو بِسَبَب الْغَاصِب فَيرجع الْمَغْصُوب مِنْهُ عَلَيْهِ بِمثلِهِ، أَو تلف بِسَبَب أَجْنَبِي فَيُخَير ربه بَين أَن يرجع عَلَيْهِ أَو على الْغَاصِب بِمثلِهِ. وَقَوله: استغله يَعْنِي مَعَ بَقَاء عينه أما الدَّنَانِير يتجر بهَا وَالزَّرْع يحرثه فَالرِّبْح لَهُ اتِّفَاقًا فِي طَريقَة. ابْن رشد: وَمَفْهُوم قَوْله استغله وَقَول (خَ) مُسْتَعْمل أَنه إِذا عطل كَمَا إِذا لَو ربط الدَّابَّة فَلم يستعملها وَلَا أكراها، أَو بور الأَرْض فَلم يحرثها، أَو أغلق الدَّار فَلم يسكنهَا بِنَفسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يغرم
شَيْئا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور أَيْضا بِخِلَاف غَاصِب الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ يضمن الْغلَّة مُطلقًا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا يَأْتِي مَعَ بَقِيَّة الفروق بَينهمَا عِنْد قَوْله: كالمتعدي غَاصِب الْمَنَافِع الخ. وَظَاهر قَوْله: يغرم مَا استغله الخ. أَنه يضمن الْغلَّة، وَلَو فَاتَ الْمَغْصُوب بذهاب عينه ولزمت قِيمَته فَيرد الْغلَّة وَيغرم الْقيمَة، وَهُوَ قَول مَالك وَلكنه خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه مُخَيّر فِي أَخذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ من الْغلَّة وَالْولد أَو أَخذ الثَّمَرَة وَالْولد وَالْغلَّة وَلَا شَيْء لَهُ من الْقيمَة وَنَصهَا وَمَا أثمر عِنْد الْغَاصِب من نخل أَو شجر أَو نسل من الْحَيَوَان أَو جز من الصُّوف أَو حلب من اللَّبن فَإِنَّهُ يرد ذَلِك كُله مَعَ الْمَغْصُوب لرَبه، وَمَا أكل رد الْمثل فِيمَا لَهُ مثل وَالْقيمَة فِيمَا لَهُ قيمَة وَإِن مَاتَت الْأُمَّهَات وَبَقِي الْأَوْلَاد وَمَا جزّ مِنْهَا أَو حلب خير رَبهَا فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ فِيمَا بَقِي من ولد أَو صوف أَو لبن وَلَا فِي ثمنه إِن بيع وَإِن شَاءَ أَخذ الْولدَان كَانَ ولد وَثمن مَا بيع من صوف أَو لبن وَنَحْوه، وَمَا أكل الْغَاصِب أَو انْتفع بِهِ من ذَلِك فَعَلَيهِ الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من قبل الْأُمَّهَات. أَلا ترى أَن من غصب أمة ثمَّ بَاعهَا فَولدت عِنْد الْمُبْتَاع ثمَّ مَاتَت فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا أَخذ الثّمن من الْغَاصِب أَو قيمتهَا يَوْم الْغَصْب، أَو يَأْخُذ الْوَلَد من الْمُبْتَاع وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا على الْغَاصِب فِي قيمَة الْأُم، ثمَّ يرجع الْمُبْتَاع على الْغَاصِب بِالثّمن وَلَا يجْتَمع على الْغَاصِب غرم ثمنهَا وَقيمتهَا اه. فَقَوله: فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات الخ. قَالَ ابْن رشد: لِأَنَّهُ إِذا ضمنه قيمَة الْأُم يَوْم الْغَصْب كَانَت الْغلَّة إِنَّمَا حدثت فِيمَا قد ضمن بِالْقيمَةِ. ابْن نَاجِي: مَا ذكره فِي الْكتاب هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يَأْخُذ قيمتهَا مَعَ عين الْوَلَد اه. وَقَول أَشهب هَذَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه كَمَا رَأَيْت وعَلى الْمَشْهُور، فَإِن مَاتَت الْأُم وَالْولد مَعًا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا قيمَة الْأَلَم خلافًا لأَشْهَب وَإِن وجدهما حيين أخذهما مَعًا اتِّفَاقًا وَإِن مَاتَت الْأُم وَحدهَا فَلهُ أَن يَأْخُذ الْوَلَد وَلَا شَيْء لَهُ من قيمَة الْأُم أَو يَأْخُذ قيمَة الْأُم وَلَا شَيْء لَهُ فِي الْوَلَد وَيحد الْغَاصِب الواطىء، وَكَذَا المُشْتَرِي مِنْهُ والموهوب لَهُ العالمان بِالْغَصْبِ. وَقَوْلِي: لم يتَغَيَّر احْتِرَازًا مِمَّا تعيب وَلم تفت عينه فَأَما أَن يتعيب بسماوي وَلَو قلّ عَيبه فَيُخَير ربه بَين أَخذه قِيمَته معيبا وَلَا شَيْء لَهُ فِي النَّقْص، أَو يَأْخُذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ غَيرهَا، وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من الْغَاصِب فَيُخَير بَين أَخذه قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَو أَخذ الْمَغْصُوب مَعَ أرش الْعَيْب وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من أَجْنَبِي فَيُخَير فِي أَخذ قِيمَته من الْغَاصِب يَوْم الْغَصْب وَيتبع الْغَاصِب الْجَانِي بِأَرْش الْجِنَايَة، وَفِي أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب مَعَ أَخذ الْأَرْش من الْجَانِي لَا من الْغَاصِب (خَ) : وان تعيب وَإِن قل ككسر نهديها أَو جنى هُوَ أَو أَجْنَبِي خير فِيهِ الخ. وَكَيْفِيَّة التَّخْيِير هُوَ مَا تقدم. تَنْبِيه: وعَلى مَا مر أَن الْغَاصِب يغرم الْغلَّة فَإِنَّهُ يرجع على الْمَغْصُوب مِنْهُ بِمَا أنْفق على العَبْد وَالدَّابَّة وَسقي شجر ورعي مَاشِيَة وَنَحْو ذَلِك. وَيسْقط من الْغلَّة على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : وللغاصب مَا أنْفق الخ. وَهُوَ مَحْصُور فِي الْغلَّة لَا يتعداها إِلَى ذمَّة الْمَغْصُوب مِنْهُ حَيْثُ لم تف بِهِ الْغلَّة. وَالقَوْلُ لِلْغَاصِبِ فِي دَعْوَى التَّلَفْ وَقَدْرِ مَغْصُوبٍ وَمَا بِهِ اتَّصَفْ (و) إِذا تنَازع الْغَاصِب وَالْمَغْصُوب مِنْهُ فِي تلف الْمَغْصُوب وَعَدَمه أَو فِي قدره أَو صفته
ف (القَوْل للْغَاصِب) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى التّلف) للشَّيْء الْمَغْصُوب إِذا ادّعى ربه أَنه بَاقٍ عِنْده وَأَنه يُرِيد أَن يفوتهُ عَلَيْهِ بغرم قِيمَته. (و) فِي (قدر مَغْصُوب) من كيل أَو وزن أَو عدد لِأَنَّهُ غَارِم (و) فِي (مَا بِهِ اتّصف) من رداءة بِحَيْثُ تكون قِيمَته على وَصفه دِرْهَمَيْنِ وعَلى وصف ربه عشرَة فَيحلف الْغَاصِب أَنه يَوْم استيلائه عَلَيْهِ كَانَ على الصّفة الَّتِي ذكرهَا وَيغرم دِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا إِذا أشبه فَإِن وَصفه بِمَا لَا يشبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ إِن أشبه فَإِن لم يشبها فَقَالَ ابْن نَاجِي: يقْضِي فِي ذَلِك بالوسط من الْقيم بعد أيمانهما بِنَفْي كل مِنْهُمَا دَعْوَى صَاحبه وَتَحْقِيق دَعْوَاهُ اه. وَالسَّارِق مثل الْغَاصِب فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَالتَّقْيِيد بالشبه هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يصدق الْغَاصِب مُطلقًا وَلَو أَتَى بِمَا لَا يشبه كَقَوْلِه: هِيَ بكماء صماء عمياء. قَالَ: وَمن قَالَ برعي الشّبَه فَقَط غلط، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قلَّة الثّمن وكثرته والسلعة قَائِمَة اه. (خَ) : وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي تلفه ونعته وَقدره الخ. وَظَاهر قَوْله: وَمَا بِهِ اتّصف الخ. أَنه يصدق فِي وَصفه وَلَو جحد الْغَصْب أَو لَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا أنكر الْغَاصِب الْغَصْب وَشهِدت الْبَيِّنَة باعترافه أَو بمعاينة غصبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ أَن صفته كَانَت كَذَا، وَيسْتَحق قيمَة وَصفه. وَقيل: لَيْسَ لَهُ بعد يَمِينه إِلَّا الْوسط وَالْأول أصوب اه. وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن الْغَاصِب لَا يقبل وَصفه بعد تبين كذبه بجحده. تَنْبِيهَات. الأول: مَا ذكره النَّاظِم و (خَ) من أَن القَوْل للْغَاصِب فِي الْقدر وَالْوَصْف هُوَ الْمَشْهُور، وَلَكِن عمل فاس على خِلَافه قَالَ ناظمه: لولد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين إِذا ادّعى دراهماً وأنكرا القاتلون مَا ادَّعَاهُ وطرا قَالَ النَّاظِم فِي شَرحه لنظمه هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا جرى بِهِ الْعَمَل، وَهُوَ أَن وَالِد الْقَتِيل إِذا ادّعى دَرَاهِم من جملَة المنهوب وأنكرها القاتلون فَالْقَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل، ثمَّ قَالَ نَاقِلا عَن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم بن النَّعيم مَا نَصه: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل عندنَا فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا أَن القَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل مَعَ يَمِينه، والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَكم من مَسْأَلَة جرى الحكم فِيهَا بِخِلَاف الْمَشْهُور ورجحها الْعلمَاء للْمصَالح الْعَامَّة اه. وَقَالَ سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي مَا ذكره ابْن النَّعيم رحمه الله: شاهدنا الحكم بِهِ عَام قدوم الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور حَضْرَة فاس، وَقد انحشر النَّاس إِلَى الشكوى بالمظالم وَكَانَ يحضر مَجْلِسه أَي مجْلِس الْخَلِيفَة للْحكم فِيهَا عُلَمَاء فاس كشيخنا الْمَذْكُور، وَشَيخنَا الْمُفْتِي سَيِّدي مُحَمَّد الْقصار، وَشَيخنَا سَيِّدي عَليّ بن عمرَان، وعلماء مراكش، وقاضي مراكش، وقاضي شفشاون سَيِّدي مُحَمَّد بن عرضون رحمهم الله، فَكَانَ الحكم يصدر على الْوَجْه الْمَذْكُور قَالَ: وَالْعَام الْمَذْكُور عَام أحد عشر
وَألف اه. كَلَام النَّاظِم بِلَفْظِهِ فِي شَرحه للبيتين. وَقَالَ الرعيني فِي كتاب الْغَصْب مَا نَصه قَالَ مَالك فِيمَن دخل عَلَيْهِ السراق فسرقوا مَتَاعه وانتهبوا مَاله وَأَرَادُوا قَتله فنازعهم وحاربهم ثمَّ ادّعى أَنه عرفهم أَو لم يعرفهُمْ أهوَ مُصدق عَلَيْهِم إِذا كَانُوا معروفين بِالسَّرقَةِ مستحلين لَهَا؟ قَالَ: هُوَ مُصدق وَقد نزلت مثل هَذِه بِالْمَدِينَةِ فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فِي رجل دخل عَلَيْهِ السراق فانتهبوا مَاله وجرحوه، فَلَمَّا أصبح حمل إِلَى عمر فَقَالَ: إِنَّمَا فعل بِي هَذَا فلَان وَفُلَان وَقد انتهبوا مَالِي فأغرمهم عمر بقوله، ونكلهم وَلم يكلفه الْبَيِّنَة عَلَيْهِم اه. بِاللَّفْظِ. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ، وَغَيره وَنَحْوه ورد عَن يحيى بن يحيى، وبمثله أفتى الحفار حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الْبيُوع من المعيار قَائِلا قَالَ الْفُقَهَاء: من عرف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم يغلب الحكم فِي حَقه فَمن ادّعى على من بِهَذِهِ الْحَالة فَيحلف الطَّالِب وَيسْتَحق مَا طلب اه. وَنَحْوه رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك فِي الْمَرْأَة تَدعِي على المشتهر بِالْفِسْقِ أَنه اغتصبها وَتَأْتِي مُتَعَلقَة بِهِ، فَإِنَّهُ يجب لَهَا عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات والتصدير من عَلَامَات التشهير، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول الإِمَام الْأَعْظَم، وَمَعْلُوم تَقْدِيمه على قَول ابْن الْقَاسِم وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَفِي وجوب الْمهْر خلف مُعْتَبر وَلَا فرق بَين الْفروج وَالْأَمْوَال، وَلِأَن الْفرج هُنَا آيل لِلْمَالِ وَعَلِيهِ فناظم الْعَمَل إِنَّمَا عَنى بنظمه هَذَا الْفِقْه، وَأَن الْمَعْرُوف بالظلم والتعدي يقْضى عَلَيْهِ بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنه غصبه أَو سَرقه، وَأَنه غصبه قدر كَذَا. وَقد اعْتمد المكناسي فِي مجالسه هَذَا الْفِقْه، وَكَذَا الْقَرَافِيّ كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: فالمدعي من قَوْله مُجَرّد الخ. فَقَوله: لوالد الْقَتِيل يَعْنِي ادّعى عَلَيْهِم أَنهم قَتَلُوهُ ونهبوه أمتعته، وَمن جملَة المنهوب دَرَاهِم قدرهَا كَذَا، وَلَا يُرِيد خُصُوص أَنهم أقرُّوا بِالْقَتْلِ أَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ كَمَا هِيَ مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة عَن الْعُتْبِيَّة، وَفهم من قَوْله: إِذا ادّعى دَرَاهِم الخ. أَنه إِذا ادّعى ذَلِك تَحْقِيقا وَأَنه يعْمل بِدَعْوَاهُ فِي المَال فَقَط لَا فِي الْقَتْل، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يقتل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى لخطر الدِّمَاء وَالدَّعْوَى بِمَا يؤول لِلْمَالِ كَالْمَالِ لَا يَأْتِي فِي فصل الاغتصاب وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَإِن كَانَ لَا يقتل لَكِن يضْرب ويطال سجنه حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة كَمَا يَأْتِي فِي الدِّمَاء، وَفهم من قَوْله فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا، وَمن وَقَوله: والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَمن قَوْله: رجحها الْعلمَاء للْمصَالح، وَمن قَوْله: وَقد انحشر النَّاس للشكوى بالمظالم إِلَى غير ذَلِك أَنه لَا مَفْهُوم لقتيل وَلَا لدراهم، بل كَذَلِك لَو كَانَت الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ وَالْقَتْل أَو بِالدَّرَاهِمِ فَقَط أَو بِالْحَيَوَانِ أَو الْعرُوض أَو غير ذَلِك، وَإِنَّمَا الْمدَار على كَون الدَّعْوَى على مَعْرُوف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم كقبائل الزَّمَان، فَإِن جلهم وغالبهم مَعْرُوف بالتهمة وَالْفساد وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب. وَقد قَالَ الشَّيْخ (م) فِي بعض فَتَاوِيهِ: قد آل بِنَا الْحَال إِلَى أَن يتبع الْمُسَافِرين بعض مَرَدَة أهل الْبَلَد وَنَحْوهَا مِمَّا قرب من الْبَلَد فيسفكون دِمَاءَهُمْ وينهبون أَمْوَالهم ويرجعون إِلَى الْبَلَد بالأمتعة فَلَا ينْتَقم مِنْهُم، وَلَا يستفتي عَن حكمهم، بل وَإِلَى مَا هُوَ أعظم من هَذَا من الْقَتْل صبرا وَنهب الْأَمْوَال من الدّور والحوانيت ثمَّ يكْتَسب فَاعل ذَلِك التَّعْظِيم والاحترام فضلا عَن عدم النكير عَلَيْهِ وَالضَّرْب على يَده مَعَ كَلَامه، وَإِذا كَانَ مثل هَذَا يَقع فِي حَضْرَة فاس كَمَا حَكَاهُ وكما هُوَ مشَاهد الْآن فِي وقتنا هَذَا، فَكيف بالبوادي وقبائل الزَّمَان؟ حَتَّى صَار قَاتل النَّفس لَا يضْرب فضلا عَن الْقصاص، وَالسَّارِق لَا يسجن فضلا عَن قطعه، بل كل مِنْهُمَا يعظم ويحترم وَلَا يشْهد أحد عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جرى الْعَمَل بإغرامهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى زجرا لَهُم ولأمثالهم، وَعَلِيهِ فَلَا يحْتَاج
لإِثْبَات التلصص بِإِقْرَار وَلَا مُعَاينَة، بل بِمُجَرَّد كَونهم مِمَّن يشار إِلَيْهِم بِالتَّعَدِّي، وَالظُّلم يُوجب إغرامهم للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة كَمَا مر عَن الرعيني وَغَيره. وَكَلَام ابْن رحال فِي شَرحه صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ وَعَلِيهِ، فَمَا قَالَه سَيِّدي مُحَمَّد بن قَاسم فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور من أَنه لَا بُد من ثُبُوت التلصص بِالْإِقْرَارِ أَو المعاينة كَمَا فِي مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِنْهُ لمُخَالفَته لما نقل عَن الرعيني وَغَيره شَاهدا لنظم الْعَمَل الْمَذْكُور. وَمَا نَقله عَن أبي الْحسن الزرويلي وَابْن هِلَال من أَن مَا للرعيني خلاف الْأُصُول الخ. لَا يقْدَح فِي الْعَمَل الْمَذْكُور لِأَن مَا قَالَه من مُخَالفَته لِلْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ إِذا روعي الْمَشْهُور، وهم قد قَالُوا: إِن هَذَا الْعَمَل مُخَالف للمشهور فهم معترفون بمخالفته لِلْأُصُولِ، وَإِنَّمَا ارتكبوه للْمصْلحَة من عدم ضيَاع الْحُقُوق، وَذَلِكَ أَن الأَصْل عدم التَّعَدِّي وَالظُّلم، لَكِن لما كثر كل مِنْهُمَا فِي هَذَا الزَّمَان وَغلب أجروا الْأَحْكَام على مُقْتَضَاهُ، وحملوا النَّاس عَلَيْهِ لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب إِذا تَعَارضا فَالْحكم للْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) أَي احكم بِهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو الْحسن فِي أجوبته فِي مَسْأَلَة من رفع شخصا لحَاكم جَائِر فأغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ بعد أَن حكى فِيهَا قَوْلَيْنِ مَا نَصه: وَهَذَا وَقد كَانَ الْحَاكِم يحكم بِحَق تَارَة وبباطل أُخْرَى، وَأما الْآن فالحاكم لَا يحكم إِلَّا بِالْبَاطِلِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي أَنه يغرم مَا خسره اه. وَسلمهُ ابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير فَأَنت ترَاهُ حمل الْحُكَّام على الظُّلم والتعدي حَيْثُ غلب مِنْهُم ذَلِك، وَأوجب على الشاكي الغرامة بِمُجَرَّد قَول الْمُدَّعِي إِن الْحَاكِم قبض مني وَقدر الْمَقْبُوض كَذَا، وَإِن كَانَ الأَصْل عدم العداء وَنَحْوه يَأْتِي عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي التَّنْبِيه الرَّابِع حَيْثُ قَالَ: إِذا تقرر الْعرف فِي وُلَاة الظُّلم وأجنادهم بغرم المَال مِمَّن أَخَذُوهُ ظلما كَانَ القَوْل للمأخوذ مِنْهُ فِيمَا غرم من المَال لِأَن الْعرف شَاهد لمدعيه وَيقوم مقَام الشَّاهِد النَّاطِق الخ. وَيَأْتِي نَحوه فِي التَّنْبِيه الْخَامِس الخ. وقبائل الزَّمَان ومردة حواضرهم كَذَلِك لما كثر مِنْهُم العداء وَغلب كَانَ القَوْل للمنهوب وَالْمَغْصُوب أَنه غصبه، وَإِن قدر الْمَغْصُوب كَذَا كَمَا رَأَيْته فِيمَا يشبه أَن يملكهُ فَقَط كَمَا قَالُوهُ فِي منتهب الصرة الْآتِيَة. وَإِذا علمت هَذَا فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل لَهُ مُسْتَند صَحِيح لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَله أصل أصيل فِي الشَّرِيعَة، وَهَذَا الْعَمَل حدث بعد زمَان أبي الْحسن وَابْن هِلَال كَمَا تقدم. وَلَو كَانَت الْقَبَائِل وَالنَّاس فِي زمانهما على مَا هم عَلَيْهِ فِي وَقت جَرَيَان الْعَمَل الْمَذْكُور مَا وسعهما أَن يَقُولَا بمخالفته لِلْأُصُولِ لاعترافهما بِأَن الحكم للْغَالِب كَمَا رَأَيْته، وَإِنَّمَا أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل استبعاد كثير من الإخوان مَا جرى بِهِ الْعَمَل لضعف مُسْتَنده عِنْدهم، وَحَمَلُوهُ على خُصُوص مَسْأَلَة الصرة الْمَذْكُورَة فِي الْعُتْبِيَّة وَهِي أَن رجلا اخْتَطَف صرة بمعاينة الْبَيِّنَة وَغَابَ عَلَيْهَا وَلم يعرف قدر مَا فِيهَا، فَالْمَشْهُور أَن القَوْل للْغَاصِب فِي قدرهَا وَقَالَ مَالك ومطرف: إِن القَوْل للمنهوب فِي قدرهَا، وَلَكِن لَيست مَخْصُوصَة بِالْعَمَلِ الْمُتَقَدّم خلافًا للرهوني فِي حَاشِيَته، وَتَخْصِيص الْعَمَل بهَا بعيد من الأنقال الْمُتَقَدّمَة بِدَلِيل تَعْلِيلهم بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّة، وَلَكِن يجْرِي الْعَمَل الْمَذْكُور فِيهَا بالأحرى. الثَّانِي: إِذا ثَبت التلصص أَو علم من عَادَة الْقَبَائِل كَمَا هُوَ مَوْجُود فِي قبائل الزَّمَان الْآن، فَإِن اللص وَالسَّارِق إِذا ظفر الْحَاكِم بهما أغرمهما كَمَا مرّ، وَإِذا لم يظفر بهما وَإِنَّمَا ظفر بِبَعْض قرابتهما أَو بعض من يحميهما من قبيلتهما وَلَو بجاهه فَإِنَّهُ يغرمه مَا أَخذه اللص أَو السَّارِق أَو
اتهما بِهِ (خَ) فِي الْحِرَابَة وبالقتل يجب قَتله وَلَو بإعانة. قَالَ الزّرْقَانِيّ: أَي على الْقَتْل وَلَو بالتقوى بجاهه وَإِن لم يَأْمر بقتل وَلَا تسبب فِيهِ لِأَن جاهه أَعَانَهُ عَلَيْهِ حكما كَكَوْنِهِ من فِئَة ينحاز إِلَيْهِم قطاع الطَّرِيق فَيقْتل الْجَمِيع لأَنهم متمالئون اه. بِاخْتِصَار، وَنَحْوه فِي ابْن الْحَاج والشامل، وَإِذا كَانَ الْمعِين بجاهه والانحياز إِلَيْهِ مؤاخذاً بِالْقَتْلِ فَهُوَ مؤاخذ بِمَا نهبوه من الْأَمْوَال بالأحرى، وقبائل الزَّمَان مَعْلُوم مَا هم عَلَيْهِ من حمايتهم لمتلصصيهم وغاصبهم بِالْفِعْلِ فضلا عَن حمايتهم لَهُم بالجاه والانحياز، فَلَا إِشْكَال أَن غير الْمُبَاشر مِنْهُم مؤاخذ بِمَا فعله الْمُبَاشر وَلَو لم يظْهر مِنْهُ تسبب لِأَنَّهُ لَا أقل من أَن يكون حامياً للمباشر بجاهه أَو إيوائه إِلَيْهِ بل لَو لم يكن هُنَاكَ حماية أصلا لَا بالجاه وَلَا بالإيواء والانحياز وَلَا بِغَيْر ذَلِك لَكَانَ إغرامهم لما اتهمَ بِهِ سراقهم وغصابهم أمرا شَرْعِيًّا كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَلَا يُؤَاخذ بذنب الْغَيْر فِي كل شرع من قديم الدَّهْر إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة أَو خيف شرع شرعة أَو شيعَة وَالشَّاهِد فِي قَوْله: إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة، الخ. لأَنهم إِذا غرموا حملهمْ ذَلِك على حفظ طرقاتهم وَحفظ المارين بأرضهم وَعدم كتمان غصابهم وسراقهم، فضلا عَن التعصب عَلَيْهِم. وَقد بسطنا الْكَلَام على ذَلِك بِمَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالسَّادِس من أجوبتنا لأسئلة الإِمَام محيي الدّين. الثَّالِث: الحكم فِي الدَّعْوَى على المتهوم من وَظِيفَة الْوُلَاة كَمَا مر عَن الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور إِذْ هُوَ الَّذِي تولى الحكم فِي ذَلِك بِمحضر أُولَئِكَ الْعلمَاء، وَقد قَالَ الْقَرَافِيّ: يمتاز نظر القَاضِي وَنظر وَالِي الجرائم بِأُمُور. مِنْهَا: أَن وَالِي الجرائم يسمع الدَّعْوَى على المتهوم ويبالغ فِي كشفه بِخِلَاف القَاضِي، وَمِنْهَا أَن يعجل بِحَبْس المتهوم للاستبراء والكشف قَالَ: وَقد ورد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وجد فِي بعض غَزَوَاته رجلا فاتهمه بِأَنَّهُ جاسوس فعاقبه حَتَّى أقرّ، وَمِنْهَا أَنه يضْرب المتهوم مَعَ قُوَّة التُّهْمَة، وَمِنْهَا أَنه يتوعد المجرم بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يجب فِيهِ قتل لِأَنَّهُ إرهاب لَا تَحْقِيق، وَيجوز لَهُ أَن يُحَقّق وعيده بالأدب دون الْقَتْل بِخِلَاف الْقُضَاة فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته وَزَاد أَن لقضاة الْمَالِكِيَّة فعل ذَلِك وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَإِن يكن مطالباً من يتهم فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا: كَانَ مَالك يَقُول فِي هَؤُلَاءِ الَّذين عرفُوا بِالْفَسَادِ والجرم أَن الضَّرْب قل مَا ينكلهم، وَلَكِن أرى أَن يحبسهم السُّلْطَان فِي السجون ويثقلهم بالحديد وَلَا يخرجهم مِنْهُ أبدا فَذَلِك خير لَهُم ولأهليهم وللمسلمين حَتَّى تظهر تَوْبَة أحدهم، وَيثبت ذَلِك عِنْد السُّلْطَان فَإِذا صلح وَظَهَرت تَوْبَته أطلقهُ اه. من النَّوَادِر. فَهَذِهِ النُّصُوص متواترة بكشف المتهوم وَاحِدًا كَانَ أَو جمَاعَة من الْقَبَائِل أَو غَيرهم، وَمَعَ ذَلِك يضمنُون لما مر من الْمصلحَة الْعَامَّة أَو سداً للذريعة كَمَا مرّ، وَعَلِيهِ فإرسال المتهوم للْقَاضِي يحكم بَينهم من زِيَادَة الْفساد قطعا وإهمال سد الذرائع لَيْسَ بِالْأَمر الهين إِذْ فِيهِ إِعَانَة الظَّالِم على ظلمه لِأَن غَايَة مَا يَفْعَله القَاضِي أَن يُكَلف المنهوب بِالْبَيِّنَةِ، وَأَيْنَ هَذِه الْبَيِّنَة؟ إِذْ لَو حَضرته الْبَيِّنَة مَا غصب وَمَا سرق، وعَلى فرض وجودهَا فَلَا تكون إِلَّا من أهل الْبَلَد وهم على مَا هم عَلَيْهِ من الحمية والعصبية وَقُوَّة التُّهْمَة بِالتَّعَدِّي
وَالْفساد، فَكيف يشْهدُونَ مَعَ كَونه نهب بأرضهم بل من شهد مِنْهُم عاقبوه وخشي على نَفسه لأَنهم مكتسبون بغصبهم التَّعْظِيم والاحترام كَمَا مرّ. وَمن أجل إهمال هَذَا الْبَاب غلب الظُّلم وَكثر الْفساد وسفكت دِمَاء وغصبت أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال، حَتَّى إِن الْمُسَافِر ينهب مَاله أَو يسفك دَمه فيرسله الْعَامِل للقضاة فيستبشر الْمُدعى عَلَيْهِ لعلمه أَن القَاضِي يردهُ للْيَمِين، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يُرْسِلهُ للْقَاضِي بل يُبَالغ فِي كشفه بِالضَّرْبِ وَطول السجْن والإغرام على مَا مرّ، وقبائل الزَّمَان كلهم متهمون إِذْ غَالب أَحْوَالهم النهب وَالْغَصْب وَسَفك الدِّمَاء وَغَيرهم من مَرَدَة الحواضر تظهر تهمته بالقرائن وَدَلَائِل أَحْوَاله، وَلذَا جرى الْعَمَل بالإغرام لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَالْمرَاد إغرام لأربابه الطالبين لَهُ، وَأما مَا يَفْعَله جهال الْعمَّال من أَخذهم أَمْوَالًا من السراق والغصاب وَلَا يدْفَعُونَ للطَّالِب شَيْئا مِمَّا يَدعِيهِ فَذَلِك خرق للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْكُلُونَ أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْله: وَمن يفعل ذَلِك عُدْوانًا وظلماً فَسَوف نصليه نَارا} (النِّسَاء: 30) الخ. الرَّابِع: إِذا كَانَ الْإِنْسَان مَعْرُوفا مَشْهُورا بِعَدَمِ التَّعَدِّي وَعدم أكل أَمْوَال النَّاس فرفعه شخص لجائر يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ ويغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الشاكي يغرم للمشكو بِهِ مَا غرم كَمَا فِي الْمواق عَن ابْن لب وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي، وَعَلِيهِ فَإِذا ثَبت الرّفْع للظالم وَقدر مَا دَفعه بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الشاكي فَلَا كَلَام، وَإِن لم يثبت ذَلِك وَادّعى المشكو بِهِ أَنه دفع كَذَا وَخَالفهُ الشاكي فَالْقَوْل للمشكو بِهِ كَمَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح قَائِلا: إِذا تقرر الْعرف أَن المشكو بِهِ لَا يُطلق إِلَّا بِمَال كَانَ القَوْل قَول المشكو بِهِ فِي أَنه دفع مَالا للظالم وَفِي قدره بِيَمِينِهِ لِأَن الْعرف كشاهد لمدعيه وَيجب رُجُوعه على الظَّالِم إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِن لم يقدر فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَعَلِيهِ الْعَمَل رُجُوعه على الشاكي، وبمثله أفتى الْفَقِيه الجنوي وَغَيره، وَهَذِه الْمَسْأَلَة حكى (خَ) فِيهَا أقوالاً حَيْثُ قَالَ: وَهل يضمن شاكيه لمغرم زَائِد الخ. وَهَذَا إِذا كَانَ الشاكي ظَالِما كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما إِن كَانَ مَظْلُوما لَا يصل إِلَى حَقه إِلَّا بالشكوى للظالم الجائر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والحكام الْيَوْم محمولون على الْجور كَمَا مّر عَن أبي الْحسن. الْخَامِس: قيل لِابْنِ سَحْنُون فَبِمَ يعرف السَّارِق الْمَشْهُور وَغير الْمَشْهُور؟ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء. فَقيل: إِذا كثر طلابه بِالسَّرقَةِ وقويت فِيهِ التُّهْمَة فَهُوَ مَشْهُور. قَالَ: فَكل من ادّعى بِالسَّرقَةِ على السَّارِق الْمَشْهُور بهَا يحلف على شَيْئَيْنِ أَنه ضَاعَ وَتلف لَهُ مَا ادَّعَاهُ على السَّارِق، وَيحلف أَيْضا لقد اتهمه وَيغرم السَّارِق بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن إشهاره بِالسَّرقَةِ هُوَ شَاهد عرفي أقوى من الْبَيِّنَة الناطقة. قَالَ: ويقوّم عَلَيْهِ قيمَة مُغَلّظَة لِأَنَّهُ أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. من الدّرّ الْمكنون. يَعْنِي: وَالْغَاصِب الْمَشْهُور بِالْغَصْبِ مثل السَّارِق الْمَذْكُور، وَسَيَأْتِي فِي فصل السّرقَة أَن سراق الزَّمَان كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة، وَيثبت ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي وَذكر فِي الدُّرَر المكنونة فِي نَوَازِل مازونة عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: تجوز على السَّارِق شَهَادَة الصّبيان والرعاة إِذا عرفوه، وَقَالُوا: فلَان رَأَيْنَاهُ سرق دَابَّة فلَان وَتجوز عَلَيْهِم شَهَادَة السيارة عُدُولًا كَانُوا أَو غير عدُول وَلَيْسَ قَول من قَالَ: لَا يجوز عَلَيْهِم إِلَّا الْعُدُول بِشَيْء عندنَا، وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل
هَذَا الْأَمر فِي لصوص أهل الْحجاز وبرابر برقة فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النَّاس، فَقيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول على مَوَاضِع السَّارِق واللص، وَإِنَّمَا يتبع اللص وَالسَّارِق الخلوات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعُدُول. وَقَالَهُ مُحَمَّد بن سَحْنُون اه. وَنَحْوه فِي تَنْبِيه الغافل قَائِلا: تقبل شَهَادَة غير الْعُدُول على السَّارِق سَوَاء كَانَ الشَّاهِد رجلا أَو امْرَأَة وَلَو لم يغرم السَّارِق واللص إِلَّا بِشَهَادَة الْعُدُول لم يغرم السَّارِق أبدا، ثمَّ قَالَ: لَو شهد عَلَيْهِ وَاحِد يحلف صَاحب الْمَتَاع مَعَه وَيسْتَحق قَالَ: إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وكل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ حُضُور الْعُدُول فالشهادة على التوسم بِظَاهِر الْإِسْلَام جَائِزَة احْتِيَاطًا لأموال النَّاس، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل تجب الخ فَهُوَ شَاهد لذَلِك. وَهَذَا كُله شَاهد لما تقدم من الْعَمَل الْمَذْكُور إِذْ شَهَادَة غير الْعُدُول كَالْعدمِ فِي نظر الشَّرْع، وَلَكِن اعتبروها فِي هَذَا الْمحل احْتِيَاطًا للأموال، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض الشَّيْخ مصطفى فِي أَوَائِل الشَّهَادَات من حَاشِيَته على مَا تقدم عَن المازونية، ونوازل ابْن سَحْنُون قَائِلا ذَلِك كُله خلاف الْمَشْهُور لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن اعتراضه مَبْنِيّ على الْمَشْهُور، وكلامنا الْآن فِي الْمَعْمُول بِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ بِنَفسِهِ نقل عَن الذَّخِيرَة وَغَيرهَا أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول فَإنَّا نجوز شَهَادَة أقلهم فجوراً والأمثل فالأمثل لِئَلَّا تضيع الْمصَالح والحقوق. وَقَالَ: وَمَا أَظن أحدا يُخَالِفهُ فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان الخ. وَلَا شكّ أَن مَوَاطِن الخلوات الَّتِي يقصدها الغصاب والسراق لَا يُوجد فِيهَا فِي الْغَالِب إِلَّا من ذكر من الرُّعَاة وَنَحْوهم فهم أمثل من وجد فِي تِلْكَ المواطن فَتجوز شَهَادَتهم للضَّرُورَة لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق كَمَا جَازَت شَهَادَة الأمثل غير الْعُدُول لذَلِك وَعَلِيهِ فَمَا مر عَن المازونية وَغَيرهمَا جَار على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر الأمثل إِذا وجد مَعَ غَيره وإلاَّ لم يعْتَبر إِذْ التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَمن قَالَ ذَلِك إِنَّمَا قَالَه لعدم إِمْكَان الْعُدُول فِي تِلْكَ المواطن كَمَا رَأَيْته ومراعاة الِاحْتِيَاط لأموال النَّاس كَمَا تقدم عَن تَنْبِيه الغافل فَلَا يَصح الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم، والقائلون بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور إِنَّمَا بنوه على مُرَاعَاة تِلْكَ الْمصَالح والضرورات ومراعاة الْعرف فِي زمنهم كَمَا مّر، وَرَأَوا أَن الشُّهْرَة بِالْفَسَادِ تنزل منزلَة التَّحْقِيق وَأَن ارْتِكَاب الْمَشْهُور فِي الزَّمَان الَّذِي غلب على أَهله الْفساد يُفْضِي إِلَى سفك الدِّمَاء وغصب الْأَمْوَال كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَقَول الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي فِي بعض فَتَاوِيهِ: إِن نَوَازِل ابْن سَحْنُون مطعون فِيهَا إِن كَانَ يُرِيد فِي جَمِيعهَا فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ يُرِيد فِي بَعْضهَا فَصَحِيح، وكل كتاب لَا يَخْلُو من ارتكابه غير الْمَشْهُور فِي بعض مسَائِله. وَالْغُرْمُ والضَّمَانُ مَعْ عِلْمٍ يَجِبْ عَلَى الَّذِي انْجرَّ إلَيْهِ مَا غُصِبْ (وَالْغُرْم وَالضَّمان مَعَ علم يجب) أَي: وكما يجب الْغرم وَالضَّمان على الْغَاصِب كَذَلِك يجبان (على الَّذِي انجر إِلَيْهِ مَا غصب.
بإرْثٍ أَوْ مِنْ وَاهِبٍ أَوْ بائِعِ كالمُتَعَدِّي غَاصِبِ المنافِعِ بِإِرْث أَو) أنجر إِلَيْهِ (من واهب) وهبه لَهُ (أَو) من (بَائِع) بَاعه لَهُ مَعَ علمه فِي ذَلِك كُله بِالْغَصْبِ (خَ) : ووارثه وموهوبه إِن علما كَهُوَ أَي كَالْغَاصِبِ فيضمنون التّلف وَلَو بسماوي، ويردون الْغلَّة حَيْثُ استعملوا وَلم يفت الْمَغْصُوب، فَإِن فَاتَ لم يجمع للْمَغْصُوب مِنْهُ بَين الْقيمَة وَالْغلَّة كَمَا مّر فِي الْغَاصِب، وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم قبضهم للْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ يَوْم الِاسْتِيلَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَيُخَير الْمَالِك فِي اتِّبَاع أَيهمْ شَاءَ، وَإِذا رَجَعَ الْمَالِك على وَاحِد مِنْهُم فَلَا رُجُوع لَهُ على الْغَاصِب كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِلَّا فِي المُشْتَرِي إِذا وجد الْمَغْصُوب بِيَدِهِ وَأَخذه ربه فَإِنَّهُ يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب وَلَا يكون بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ واهباً للثّمن على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَو قصد الْهِبَة لم يرتبها على هَذَا العقد قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ علم أَنهم إِذا لم يعلمُوا فَلَا يضمنُون السماوي حَيْثُ كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَو يُغَاب عَلَيْهِ وَقَامَت على تلفه بَيِّنَة، وَمعنى عدم ضَمَانه أَنهم لَا يكونُونَ غريماً ثَانِيًا للْمَالِك، بل إِنَّمَا يرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب وَيَأْخُذ الْغَاصِب الثّمن من المُشْتَرِي إِن كَانَ لم يقبضهُ وَلَا يضمن المُشْتَرِي الْغلَّة الَّتِي استغلها غير عَالم وَلَا يضمنهَا الْغَاصِب أَيْضا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل، واحترزت بالسماوي من الْعمد فَإِنَّهُم يضمنُون، وَكَذَا الْخَطَأ على الْمُعْتَمد فَيُخَير الْمَالِك حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء بَين الرُّجُوع على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم الِاسْتِيلَاء وَبَين الرُّجُوع على المُشْتَرِي فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم التّلف، فَإِن كَانَت أقل من الْقيمَة يَوْم الْغَصْب رَجَعَ على الْغَاصِب بِتَمَامِهَا، وَرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب بِالثّمن الَّذِي دفع لَهُ. وَفِي مَسْأَلَة الْهِبَة لَا يُخَيّر الْمَالِك بل يبتدىء بِالرُّجُوعِ على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَة الْمَوْهُوب يَوْم الِاسْتِيلَاء أَو بالغلة الَّتِي استغلها الْمَوْهُوب لَهُ حَيْثُ اخْتَار تَضْمِينه الْغلَّة دون قيمَة الْمَوْهُوب، وإلاَّ فَلَا يجمع لَهُ بَينهمَا كَمَا مّر فَإِن أعْسر الْغَاصِب أَو لم يُوجد أَو وجد وَلم يقدر عَلَيْهِ فَيرجع حِينَئِذٍ على الْمَوْهُوب لَهُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَهْلك ثمَّ لَا يرجع الْمَوْهُوب لَهُ على الْغَاصِب بِشَيْء كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة خلافًا لما فِي التَّوْضِيح لِأَنَّهُ يَقُول لَهُ: وَهبتك شَيْئا لم يتم لَك، وَفِي مَسْأَلَة الْوَارِث يُخَيّر الْمَالِك كتخييره فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء حَيْثُ كَانَت تَرِكَة الْغَاصِب مَوْجُودَة، وَقَوْلهمْ يرد الْوَارِث الْغلَّة يَعْنِي إِن كَانَ الْمَغْصُوب قَائِما علم بِالْغَصْبِ أم لَا. وَفَاتَ بسماوي وَلم يعلم، وَأما إِن فَاتَ بِجِنَايَتِهِ عمدا أَو خطأ فَالظَّاهِر أَنه لَا يجمع لَهُ بَين الْغلَّة وَالْقيمَة فَتَأَمّله. تَنْبِيه: إِذا تلف الْمَغْصُوب فغرم الْغَاصِب قِيمَته ثمَّ وجده فَإِنَّهُ يكون لَهُ لَا لرَبه وَكَذَا الرَّاعِي والصانع وَالْمُسْتَعِير وَغَيرهم كَمَا تقدم الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي بَاب الصُّلْح. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى تَعْرِيف الْمُتَعَدِّي مشبهاً لَهُ بالغاصب فِي الضَّمَان فَقَالَ: (كالمتعدي) وَهُوَ (غَاصِب الْمَنَافِع) دون قصد تملك الرَّقَبَة كَمَا مّر أول الْفَصْل فَإِنَّهُ يضمن مَا
تعدى عَلَيْهِ إِن هلك بِغَيْر سماوي وَيضمن الْغلَّة سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل بِخِلَاف الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا غلَّة مَا اسْتعْمل، ويفارقه أَيْضا فِي كَونه يضمن الْقيمَة يَوْم تعديه، وَلَا يضمن السماوي بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ يضمن الْقيمَة يَوْم الِاسْتِيلَاء وَيضمن السماوي ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا تعدى على مَنَافِع الْإِبِل وَنَحْوهَا فحبسها عَن أسواقها فَإِنَّهُ يضمن قيمتهَا إِن شَاءَ رَبهَا وَلَو شَاءَ ردهَا سَالِمَة بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ لَا خِيَار لِرَبِّهَا إِن جَاءَ بهَا سَالِمَة، ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا جنى على السّلْعَة فأتلف الْمَقْصُود مِنْهَا فَإِن رَبهَا يُخَيّر فِي أَخذهَا مَعَ مَا نَقصهَا أَو أَخذ قيمتهَا بِخِلَاف مَا إِذا لم يتْلف الْمَقْصُود مِنْهَا بل عيبها عَيْبا قَلِيلا فَلَا خِيَار لِرَبِّهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخذهَا مَعَ أرش الْعَيْب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُوده الخ. بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِن رَبهَا يُخَيّر بِالْعَيْبِ الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن تلف قوم والمثل بِذِي مثل ألف. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن مَفْهُوم الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِب وَهُوَ من حَاز شَيْئا بِشُبْهَة من شِرَاء أَو غَيره ثمَّ اسْتحق من يَده بِوَجْه من الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة لَا يرد الْغلَّة فَقَالَ: وَشُبْهَةٌ كالْمِلْكِ فِي ذَا الشَّأْنِ لِقَوْلِهِ الْخَرَاجُ بالضّمانِ (وشبهة) للْملك كمشتر ومكتر من غَاصِب لم يعلمَا بغصبه وكمجهول حَاله لَا يدْرِي هَل هُوَ غَاصِب أم لَا. وَهل واهبه غَاصِب أم لَا. وَكَذَا موهوب الْغَاصِب إِذا لم يعلم وَكَانَ الْغَاصِب مَلِيًّا إِذْ لَو كَانَ معدماً لم تكن لموهوبه غلَّة كَمَا مّر قَرِيبا لَا وَارِث الْغَاصِب فَلَا غلَّة لَهُ مُطلقًا كَمَا مر. (كالملك) التَّام الَّذِي لم يطْرَأ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (فِي ذَا الشَّأْن) أَي شَأْن الْغلَّة فَلَا يردهَا وَاحِد مِمَّن تقدم حَيْثُ طَرَأَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (لقَوْله) صلى الله عليه وسلم (الْخراج) أَي الْغلَّة (بِالضَّمَانِ) وَالْمُشْتَرِي الَّذِي لم يعلم لَو هلك مَا اشْتَرَاهُ لَكَانَ ضَمَانه مِنْهُ بِمَعْنى أَنه لَا يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب، فَكَانَت الْغلَّة لَهُ وَهُوَ معنى قَول الْفُقَهَاء من عَلَيْهِ التوا فَلهُ النما والتوا بِالْمُثَنَّاةِ وَالْقصر أَي ضَمَان الشَّيْء إِذا هلك، والنما بالنُّون الزِّيَادَة وَالْمرَاد بِهِ الْغلَّة. وَلَا يَكُون الرَّدُّ فِي اسْتِحَقَاقِ وَفَاسِدِ الْبَيْعِ عَلى الإطْلَاقِ (و) لكَون الْخراج بِالضَّمَانِ (لَا يكون الرَّد) للغلة (فِي) طرُو (اسْتِحْقَاق) على من لَهُ شُبْهَة الْملك كَمَا مّر وَلَو فَرعه بِالْفَاءِ وَقدمه على قَوْله: الْخراج بِالضَّمَانِ لَكَانَ أحسن (خَ) : وَالْغلَّة لذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول الحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يعلمُوا الخ. وَمرَاده بالوارث وَارِث من جهلت حَاله أَو ظَهرت شبهته لَا وَارِث الْغَاصِب لما مر أَنه لَا غلَّة لَهُ علم أَو لم يعلم، وَكَذَا محيي أَرضًا يَظُنهَا مواتاً لَا غلَّة لَهُ كَمَا مر فِي ابْن يُونُس، لَكِن الْوَارِث ومحيي الأَرْض وَإِن كَانَا لَا غلَّة لَهما لَا يهدم بناؤهما وَلَا يقْلع زرعهما فذو الشُّبْهَة الَّذِي لَهُ الْغلَّة أخص من ذِي الشُّبْهَة الَّذِي لَا يقْلع غرسه وَلَا بِنَاؤُه بل يجْرِي على قَول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: وَإِن غرس أَو بنى قيل للْمَالِك
أعْطه قِيمَته قَائِما الخ. وَدخل فِي النّظم من بَاعَ مَا يعرف لغيره زاعماً أَن مَالِكه وَكله على بَيْعه وَهُوَ من ناحيته وَسَببه فَلم يثبت التَّوْكِيل وَفسخ البيع فَلَا ترد الْغلَّة كَمَا للخمي، وَكَذَا إِذا بَاعَ الحاضن مَا لَيْسَ بِيَسِير ثمَّ فسخ بَيْعه فَلَا ترد الْغلَّة أَيْضا، وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ على الصَّغِير قَرِيبه كالأخ وَالْعم بِلَا إيصاء وَلَا حضَانَة فَكبر الصَّغِير وَأخذ شَيْئه، فَإِن المُشْتَرِي لَا يرد الْغلَّة وَلَو كَانَ عَالما يَوْم البيع بتعدي البَائِع، وَهَذَا على أَن الْقَرِيب لَا يتنزل منزلَة الْوَصِيّ، وَأما على أَنه يتنزل مَنْزِلَته وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مّر فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يردهَا بل وَلَا يفْسخ البيع وَأما من اشْترى حبسا من الْمحبس عَلَيْهِ وَهُوَ عَالم بالتحبيس فيردها كَمَا مّر فِي قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن زرب: من ادّعى أَنه ابْتَاعَ دَارا من رجل وَأنكر الرجل ذَلِك فَلم تقم للْمُدَّعِي بَيِّنَة أَنه يُؤْخَذ بخرجها فَقَالَ لَهُ ابْن دحون: أَلَيْسَ الْغلَّة بِالضَّمَانِ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا مقرا بِأَن الدَّار كَانَت للقائم وَيَزْعُم أَنه ابتاعها وَلم يثبت لَهُ ذَلِك فَرجع عَلَيْهِ بالغلة. وَلَو قَالَ الدَّار ملكي وَلم يدع ابتياعها من الْقَائِم ثمَّ ثبتَتْ للقائم لم يرجع عَلَيْهِ بالغلة اه. ونظمها فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَغرم خراج من على غَيره ادّعى بِملك بِهِ سكناهُ بيعا تقبلا الخ وَهَذَا إِذا لم تمض الْحِيَازَة القاطعة كعشر سِنِين وإلاَّ فَيصدق وَإِن لم يُثبتهُ كَمَا مَّر فِي قَوْله: فِي الْحِيَازَة وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله. وَانْظُر مَا يُعَارض مَا قَالَه ابْن زرب فِي فصل الِاسْتِحْقَاق من شرحنا للشامل، ثمَّ ذكر أَرْبَعَة أُمُور لَا ترد فِيهَا الْغلَّة لدخولها فِي الْخراج بِالضَّمَانِ فَقَالَ:(و) لَا ترد الْغلَّة أَيْضا فِي (فَاسد البيع على الْإِطْلَاق) كَانَ قَائِما وَفسخ البيع ورد الْمَبِيع أَو فَاتَ بِالثّمن أَو الْقيمَة (خَ) : وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ وَلَا غلَّة تصحبه، فَإِن فَاتَ مضى الْمُخْتَلف فِيهِ بِثمنِهِ وإلاَّ ضمن قِيمَته الخ. وَالرَّدِّ بالْعَيْبِ وَلا فِي السِّلْعَهْ مَوجُودَةً فِي فَلَسٍ وَالشُّفْعَهْ (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الرَّد بِالْعَيْبِ) يطلع عَلَيْهِ بعد أَن استغل لكَون الضَّمَان مِنْهُ أَو هلك الْمَبِيع (وَلَا) ترد أَيْضا (فِي السّلْعَة) كسفينة ودابة مثلا اشتراهما واستغلهما قبل أَن يدْفع الثّمن وَكَانَت كلتاهما (مَوْجُودَة) بِحَالِهَا (فِي فلس) المُشْتَرِي فَإِن ربهما يكون أَحَق بهما فِي ثمنه وَلَا يرجع على الْمُفلس بِمَا استغله لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلكتا بِيَدِهِ. (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الشُّفْعَة) يقوم بهَا الشَّرِيك بعد أَن استغل المُشْتَرِي لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلك الشّقص، وَقد
أَشَارَ (خَ) لهَذِهِ الْأُمُور فِي الْعُيُوب حَيْثُ قَالَ: وَالْغلَّة لَهُ أَي للْمُشْتَرِي للْفَسْخ بِخِلَاف ولد وَثَمَرَة أبرت وصوف تمّ كشفعة وَاسْتِحْقَاق وتفليس وَفَسَاد الخ. وَقد اسْتُفِيدَ من قَوْله: بِخِلَاف ولد إِلَى قَوْله وصوف، تمّ أَن عدم رد الْغلَّة فِي هَذِه الْأُمُور الْخَمْسَة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا حدث مِنْهَا بعد البيع، لَكِن إِن كَانَ ثَمَرَة غير مؤبرة يَوْم الشِّرَاء أَو حدثت بعده فَفِي الْعَيْب وَالْفساد يَسْتَحِقهَا المُشْتَرِي بِمُجَرَّد الزهو وَفِي الشُّفْعَة والاستحقاق باليبس وَفِي التَّفْلِيس بالجذاذ وَهُوَ الْقطع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن غَازِي بقوله: الجذ فِي الثِّمَار فِيمَا انتقيا يضبطه تَجِد عفزاً شسيا وَمعنى انتقيا اختير فالتاء فِي تَجِد للتفليس وَالْجِيم وَحدهَا أَو مَعَ الدَّال للجذاذ وَالْعين وَالْفَاء فِي عفزاً للعيب وَالْفساد وَالزَّاي للزهو والشين وَالسِّين فِي شسيا للشفعة والاستحقاق، وَالْيَاء لليبس فَإِن كَانَت صُوفًا غير تَامّ وَقت البيع أَو حدث بعده فَهُوَ لَهُ إِذا جزه قبل الِاطِّلَاع على الْعَيْب، فَإِن اطلع عَلَيْهِ قبل جزه فَهُوَ تبع للغنم وَلَو تمّ، وَإِن جزه بعد الِاطِّلَاع فَهُوَ رضَا. قَالَ فِي الْمُقدمَات: وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَفِي الِاسْتِحْقَاق يَأْخُذهُ الْمُبْتَاع إِذا جذت وَكَذَا فِي الْفساد والتفليس وَلَا تتَصَوَّر الشُّفْعَة فِيهِ هَذَا حكم الْحَادِث من الْغلَّة فِي الْأُمُور الْمَذْكُورَة، وَأما مَا كَانَ مَوْجُودا قبل البيع فَفِيهِ تَفْصِيل أَيْضا فَالْوَلَد سَوَاء كَانَ مِمَّا لَا يعقل أم لَا لَيْسَ بغلة فِي الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ والتفليس فَهُوَ للْبَائِع فِي الآخرين، وللمستحق فِي الأول سَوَاء اشْتَرَاهَا حَامِلا الْوَلَد أَو حدث الْوَلَد عِنْده، وَفِي الْفساد يفوتهُ وَيُوجب الرُّجُوع بِالْقيمَةِ وَفِي الشُّفْعَة لَا يتَصَوَّر فِيهَا، وَأما الثَّمَرَة المؤبرة حِين البيع فَهِيَ للْبَائِع أَلا أَن يشترطها المُشْتَرِي فَإِن اشترطها واطلع على عيب فيردها إِن كَانَت قَائِمَة وإلاَّ رد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو ثمنهَا إِن بِيعَتْ لِأَن لَهَا وَقت البيع حِصَّة من الثّمن وَيرجع بسفيه وعلاجه، وَحكمهَا فِي البيع الْفَاسِد كَحكم الرَّد بِالْعَيْبِ، وَأما فِي التَّفْلِيس فالبائع أَحَق بهَا مَا لم تجذ فَإِن جذت كَانَ أَحَق بالأصول بِمَا ينوبها من الثّمن ويحاصص بِمَا يَنُوب الثَّمَرَة، وَأما فِي الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة فَإِن طَرَأَ أَحدهمَا قبل طيب الثَّمَرَة فَهُوَ أَحَق بهَا بعد أَن يُؤَدِّي أُجْرَة السَّقْي والعلاج وَإِن طَرَأَ بعد طيب الثَّمَرَة قبل يبسها أَو بعد يبسها وَلم تجذ أَو بعد جذها وَهِي قَائِمَة أَو فَائِتَة فَإِن الْمُسْتَحق يَأْخُذ الثَّمَرَة بعد أَن يرفع أُجْرَة السَّقْي والعلاج على نَحْو مَا تقدم فِي الْعَيْب، وَالشَّفِيع يَأْخُذهَا مَعَ الْأُصُول مَعَ أُجْرَة السَّقْي والعلاج مَا لم تيبس وَإِلَّا فَيَأْخُذ الأَصْل ويحط عَنهُ مَا يَنُوب الثَّمَرَة من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الشُّفْعَة: وَحط حصَّتهَا إِن أزهت أَو أبرت الخ. وَأما الصُّوف التَّام وَقت البيع فَفِي الْعَيْب يردهُ مَعَ الْغنم فَإِن جزه وَفَاتَ رد مثله فَإِن لم يعلم وَزنه رد
الْغنم بحصتها من الثّمن. اللَّخْمِيّ: وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَن جزها وَعَاد إِلَيْهَا الصُّوف ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للصوف الأول اه. وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَالْفرق أَن للغنم غلَّة تبتغي مِنْهَا سوى الصُّوف وَفِي اسْتِحْقَاق الْغنم يَأْخُذهُ الْمُسْتَحق إِن كَانَ قَائِما أَو مثله إِن اسْتَهْلكهُ الْمُبْتَاع وَعلم وَزنه، وإلاَّ رد قِيمَته وَإِن كَانَ قد بَاعه رد ثمنه. وَفِي التَّفْلِيس يكون بَائِعه أَحَق بِهِ مُدَّة كَونه قَائِما وَإِن جزه الْمُفلس، وَإِن فَاتَ خير البَائِع بَين أَخذ الْغنم بِمَا ينوبها من الثّمن وحاص بِمَا يَنُوب الصُّوف مِنْهُ وَبَين تَسْلِيم الْغنم وحاص بِجَمِيعِ ثمنهَا وَفِي البيع الْفَاسِد قَالَ (ح) لم أَقف على نَص فِيهِ، وَالظَّاهِر أَن حكمه حكم الْعَيْب، وَأما فِي الشُّفْعَة فَلَا تتَصَوَّر فِي الصُّوف ثمَّ أَشَارَ إِلَى بَقِيَّة الْكَلَام على الْمُتَعَدِّي، وَتقدم أَنه إِذا أتلف الشَّيْء ضمنه، وَإِذا عَيبه فَيُخَير ربه بَين المفيت للمقصود دون غَيره فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أرش الْعَيْب فَقَالَ: وَمْتْلِفٌ مَنْفَعَةً مَقْصُودَهْ مِمَّا لَهُ كيْفيَّةٌ مَعْهُودَهْ (ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُودَة) كقلع عَيْني عبد أَو قطع يَدَيْهِ أَو يَد وَاحِدَة وَهُوَ صانع أَو إذهاب لبن شَاة هُوَ مُعظم الْمَقْصُود مِنْهَا أَو قطع رجل وَاحِدَة من أَي حَيَوَان كَانَ أَو قطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة ومروءة كقاض وأمير وَكَاتب وشهيد أَو قطع طيلسان من ذكر أَو عمَامَته وَنَحْو ذَلِك. (مِمَّا لَهُ كَيْفيَّة معهودة) عِنْد ربه لَا يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة، وَإِنَّمَا كَانَ قطع الذَّنب وَمَا بعده مفيتاً وَإِن كَانَ عَيْبا يَسِيرا مُرَاعَاة لمَالِكهَا لِأَن ذَا الهيبة لَا يلبسهَا وَلَا يركبهَا على تِلْكَ الْحَال فَصَارَ قطعهَا كإتلافها عَلَيْهِ، وَلذَا وَجب لَهُ الْخِيَار كَمَا قَالَ: صَاحِبُهُ خُيِّرَ فِي الأَخْذِ لَهُ مَعْ أَخْذِهِ لأَرْشِ عَيْبٍ حَلَّهُ (صَاحبه خير) أَي يُخَيّر (فِي الْأَخْذ لَهُ) أَي للشَّيْء الَّذِي فَاتَ الْمَقْصُود مِنْهُ (مَعَ أَخذه لأرش عيب حلّه) فَيقوم سالما بِعشْرَة ومعيباً بِخَمْسَة مثلا فَيَأْخذهُ مَعَ الْخَمْسَة. أَوْ أَخْذِهِ لِقيمَةِ الْمَعِيبِ يَوْمَ حُدُوثِ حَالَةِ التَّغْيِيب (أَو) بِمَعْنى الْوَاو أَي وَفِي (أَخذه لقيمة الْمَعِيب) سالما مُعْتَبرَة (يَوْم حُدُوث حَالَة التعييب) وَهِي الْعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَيسلم الْمَعِيب للمتعدي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَقْصُوده فَقَالَ: وَلَيْسَ إِلَّا الأَرْشُ حَيْثُ المَنْفَعَهْ يَسِيرَةٌ والشَّيْءُ مَعْهَا فِي سِعَه
(وَلَيْسَ) يجب لرَبه على الْمُتَعَدِّي (إِلَّا الْأَرْش حَيْثُ) كَانَت (الْمَنْفَعَة) الَّذِي أفسدها الْمُتَعَدِّي (يسيرَة) لَا تفيت الْمَقْصُود كإذهاب لبن بقرة أَو نَاقَة لِأَن فيهمَا مَنَافِع غير اللَّبن، وَمن ذَلِك من قتل عجلاً فَعَلَيهِ قِيمَته وَمَا نقصته أمه من حلابها، وَكَذَلِكَ قطع لبن حمارة أَو رمكة أَو قلع عين وَاحِدَة لعبد لِأَن الْعين الْبَاقِيَة يتَصَرَّف مَعهَا كَمَا يتَصَرَّف بالاثنين أَو قطع يَد وَاحِدَة وَهُوَ غير صانع أَو خرق ثوب أَو كسر قَصْعَة خرقاً وكسراً لَا يفيت الْمَقْصُود فَإِن الشَّيْء يقوم فِي ذَلِك كُله سالما بِعشْرَة مثلا ومعيباً بِثمَانِيَة وَيَأْخُذهُ مَعَ مَا نَقصه وَلَا خِيَار لرَبه. (و) إِنَّمَا لم يُخَيّر لِأَن (الشَّيْء) المجنى عَلَيْهِ لَا زَالَ (مَعهَا) أَي الْجِنَايَة (فِي سَعَة) لم يفت الْمَقْصُود مِنْهُ (خَ) والمتعدي جَان على بعض غَالِبا فَإِن أفات الْمَقْصُود مِنْهُ كَقطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة أَو أذنها أَو طيلسانه وَلبن شَاة هُوَ الْمَقْصُود، أَو قلع عَيْني عبد أَو يَدَيْهِ فَلهُ أَخذه ونقصه أَو قِيمَته، وَإِن لم يفته فنقصه الخ. لَكِن إِنَّمَا يَأْخُذهُ ربه مَعَ نَقصه فِي المفيت وَغَيره. مِنْ بَعْدِ رَفْوِ الثوْبِ أَوْ إِصْلاحِ مَا كانَ مِنْهُ قَابِلَ الصَّلاحِ (من بعد رفو الثَّوْب) الَّذِي خرقه عمدا أَو خطأ (أَو إصْلَاح مَا كَانَ مِنْهُ قَابل الصّلاح) كقصعة فيرقعها أَو عَصا فيجبرها أَو حلى فيصيغه، فَإِن رَجَعَ لحالته فَلَا شَيْء عَلَيْهِ والإغرام مَا نَقصه الثَّوْب وَنَحْوه بعد الرفو والترقيع لَا قبل ذَلِك، فَإِذا كَانَ أرش النَّقْص قبل الرفو دِرْهَمَيْنِ وَبعده درهما وَاحِدًا وَأجر الرفو نصف دِرْهَم فَإِنَّمَا يلْزمه دِرْهَم وَنصف وَإِنَّمَا يلْزمه رفوه فِي المفيت إِذا اخْتَار ربه أَخذه ونقصه إِذْ فِي حَالَة اخْتِيَار ربه الْقيمَة لَيْسَ على الْمُتَعَدِّي رفوه، وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَنه يلْزمه رفوه فِي المفيت وَغَيره هُوَ الْمَشْهُور. (خَ) : ورفو الثَّوْب مُطلقًا الخ. وَقيل إِنَّمَا يلْزمه الرفو فِي غير المفيت، وَرجحه ابْن يُونُس، ودرج عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهمَا، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة والناظم، بل صرح ابْن سَلمُون بِأَن القَوْل بالرفو فِي المفيت ضَعِيف، وَذَلِكَ كُله يُفِيد أَن مَا رَجحه ابْن يُونُس هُوَ الْمُعْتَمد، وَمَفْهُوم رفو الثَّوْب أَن الدَّابَّة لَا يلْزمه أَن يداويها، وَكَذَا أُجْرَة الطَّبِيب لَا تلْزمهُ، وَقيل يلزمانه (خَ) : وَفِي أُجْرَة الطَّبِيب قَولَانِ. وَرجح كل مِنْهُمَا فرجح (تت) فِي كبيره عدم اللُّزُوم قَالَ وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه الْمَشْهُور وَرجح الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي استحسنه اللَّخْمِيّ وَابْن عَرَفَة كَمَا نَقله الزّرْقَانِيّ فِي الدِّمَاء قَائِلا: ثمَّ الَّذِي استحسنه ابْن عَرَفَة القَوْل بِأَن على الْجَانِي أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء سَوَاء برىء على شين أم لَا. مَعَ الْحُكُومَة فِي الأول، وَأما مَا فِيهِ شين مُقَدّر فَلَيْسَ فِيهِ دَوَاء، وَلَو برىء على شين سوى مُوضحَة الْوَجْه وَالرَّأْس فِيهِ أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون قَائِلا: وَالْحَيَوَان وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء يَعْنِي يلْزمه مداواة الدَّابَّة وَغَيرهَا كَمَا يلْزمه رفو الثَّوْب، وَبِهَذَا تعلم أَن مَا رَجحه الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه أصح وَأقوى، وَعَلِيهِ فَإِن بَرِئت الدَّابَّة أَو غَيرهَا على غير شين فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد، وَإِن برئا على شين غرم النَّقْص فِي الدَّابَّة
وَالْعَبْد وَفِي الْحر حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَمحل الْقَوْلَيْنِ فِي جرح خطأ لَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَو عمدا لَا قصاص فِيهِ لإتلافه أَو لعدم الْمُسَاوَاة أَو لعدم الْمثل وَلَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَيْضا، وَأما إِذا كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك المَال وَلَا يلْزمه دَوَاء وَلَا ثمنه، وَلَو برىء على شين كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَكَذَا الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص فَإِن الْوَاجِب فِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يتصالحا على شَيْء يتفقان عَلَيْهِ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: تنزل عندنَا نازلة وَهِي أَن الخماس مثلا يخرج فِي وَقت الْحَصاد أَو الْحَرْث فَيمْنَع من الْعَمَل هَل يلْزم الْجَانِي أَن يُعْطِيهِ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَنَّهُ عطله وَلَا عِنْده مَا يعِيش بِهِ غير مَا ذكر قَالَ: وَيظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ أَنه يلْزم الْجَانِي ذَلِك لِأَنَّهُ ظَالِم أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. قلت: هَذَا الْجرْح إِن كَانَ عمدا فَالْوَاجِب فِيهِ الْقصاص فَإِن تصالحا على شَيْء فَلَا كَلَام، وَإِن طلب الْقصاص فَلَيْسَ لَهُ أَن يقْتَصّ وَيَأْخُذ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَن الشَّارِع إِنَّمَا حكم بِالْقصاصِ من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا حجَّة فِي كَونه عطله لِأَن الْجَانِب كَذَلِك يعطل أَيْضا عَن حرفته وَقت قصاصه مِنْهُ، وَإِن كَانَ الْجرْح خطأ مِمَّا لَا قصاص أَو لكَونه من المتالف أَو لعدم المماثل فَهَذَا الَّذِي تقدم أَنه يجب فِيهِ أُجْرَة المداواة وَتجب فِيهِ الْحُكُومَة إِن برىء على شين، وَإِن كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك الْمُقدر كَمَا مرّ. فَقَوله يظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ الخ. غير ظَاهر وَبِهَذَا كنت اعترضته فِي شرحنا للشامل ثمَّ بعد ذَلِك بسنين وقفت على الشَّيْخ الرهوني اعْتَرَضَهُ أَيْضا بقول (خَ) : وَضمن مَنْفَعَة الْبضْع وَالْحر بالتفويت وَغَيرهمَا بالفوات الخ قَائِلا: فالمجروح إِن كَانَ حرا فَلَا شَيْء على من عطله إِذا لم يَسْتَعْمِلهُ كَمَا لَو عطله بشد يَده أَو غير ذَلِك من مَوَانِع الْعَمَل، وَإِن كَانَ عبدا وَجب عَلَيْهِ غرم قيمَة منفعَته لَا أَنه يَأْتِي بشخص آخر يعْمل مَكَانَهُ.
(فصل فِي الاغتصاب)
وَهُوَ وَطْء حرَّة أَو أمة جبرا على غير وَجه شَرْعِي. وَوَاطِىءٌ لِحُرَّةٍ مُغْتَصِبا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَجَبَا (و) بَالغ (واطىء لحرة مغتصبا) بِكَسْر الصَّاد أَي مكْرها لَهَا (صدَاق مثلهَا) يَوْم الْوَطْء (خَ) : وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ مثله فِيهَا بِاعْتِبَار دين وجمال وَحسب وَمَال وبلد الخ. أَي وَكَونهَا بكرا أَو ثَيِّبًا من جملَة مَا يرغب بِهِ فِيهَا. (عَلَيْهِ وجبا) ويتعدد الصَدَاق بِتَعَدُّد الوطآت بِخِلَاف وَطْء الشُّبْهَة (خَ) واتحد المهران اتّحدت الشُّبْهَة كالغالط بِغَيْر عَالِمَة وإلاَّ تعدد كَالزِّنَا بهَا أَو بالمكرهة الخ. وَالضَّمِير فِي قَوْله بهَا يعود على غير العالمة، وَمَفْهُوم قَوْله مغتصباً. وَقَول (خَ)
بالمكرهة أَن الزِّنَا بالطائعة لَا صدَاق فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا أَذِنت فِي فَسَاد بضعهَا، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَت بَالِغَة يعْتَبر إِذْنهَا، وَانْظُر لَو كَانَت صَغِيرَة يُوطأ مثلهَا وطاوعته على الزِّنَا بهَا هَل عَلَيْهِ صَدَاقهَا وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن إِذْنهَا غير مُعْتَبر، وَأما من لَا يُوطأ مثلهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا شانها ونقصها عَن صدَاق مثلهَا لِأَن وَطأهَا جرح لَا وَطْء، واحترزت بِقَوْلِي بَالغ من الصَّغِير يطَأ السفيهة أَو الصَّغِيرَة البكرين فَعَلَيهِ مَا شانهما بِدَلِيل قَوْله: وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَة بِرِضا الصَّغِيرَة وموافقتها لَهُ على الْوَطْء، وَكَذَا السفيهة بِخِلَاف الرشيدة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الثّيّب، انْظُر الشَّارِح عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: ولولي صَغِير فسخ عقده الخ. إنْ ثَبَتَ الوطءُ وَلَو بِبَيِّنَهْ بأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا مُعْلِنَه (إِن ثَبت الْوَطْء) بالمعاينة أَو بِالْإِقْرَارِ من غير الْمَحْجُور بل (وَلَو بِبَيِّنَة بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا معلنة) صفة لقَوْله: بَيِّنَة أَي وَلَو بِبَيِّنَة معلنة أَي شاهدة بِأَنَّهُ احتملها بمحضرهم وَغَابَ عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء وادعته الْمَرْأَة وَلَو صَغِيرَة يُمكن وَطْؤُهَا أَو سَفِيهَة، فَإِنَّهُ يجب لَهَا جَمِيع الصَدَاق فَإِن صدقت الْغَاصِب فِي عدم الْوَطْء فَلَا شَيْء لَهَا وَلَو صَغِيرَة كَمَا يفهم من قَول (خَ) : وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء فِي الْوَطْء وَفِي نَفْيه وَإِن سَفِيهَة وَأمة الخ. وَظَاهره أَن الْبكر لَا ينظرها النِّسَاء وَالْعَمَل على خِلَافه. وَقيمَةُ النَّقص عَلَيْهِ فِي الأَمَهْ هَبْهَا سِوَى بِكْرٍ وَغَيْرِ مُسْلِمَه (وَقِيمَة النَّقْص عَلَيْهِ فِي الْأمة) أَي وَعَلِيهِ فِي الْأمة مَا نَقصهَا وَطْؤُهُ عليا كَانَت أَو وخشاً طَائِعَة أَو مُكْرَهَة (هبها سوى) أَي غير (بكر) بِأَن تكون ثَيِّبًا (وَغير مسلمة) بِأَن تكون يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة، وَهَذَا حَيْثُ أقرّ بِوَطْئِهَا أَو قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بمعاينة الْوَطْء، وَأما إِن شهِدت بَيِّنَة بغيبته عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء فَالْمَشْهُور لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقيل يضمن قيمَة النَّقْص، وَيجب أَن يكون الْعَمَل عَلَيْهِ لموافقته لما مرّ فِي الْغَاصِب للصرة وَغَيرهَا. وَثَالِثهَا إِن كَانَت رائعة وَاخْتَارَهُ ابْن رشد، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ مَا نَقصهَا فِي الثّيّب لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ أحدث فِيهَا عَيْبا وَهُوَ مؤالفتها للزِّنَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مُكْرَهَة فقد ترْضى بِهِ فِي ثَانِي حَال فتقوم على أَنَّهَا لم يَطَأهَا الْغَاصِب بِعشْرَة مثلا وبوطئة بِثمَانِيَة وَيغرم مَا بَينهمَا. وَالوَلَدُ اسْتُرِقَّ حَيْثُ عَلِمَا وَالحَدُّ مَعْ ذَاكَ عَلَيْهِ فِيهما (وَالْولد) من الْأمة الْمَذْكُورَة (اسْترق) أَي يحكم باسترقاقه (حَيْثُ علما) أَنه من الزِّنَا وَذَلِكَ بِأَن لم يكن لَهَا زوج وَلَا سيد أَو كَانَ لَهَا سيد ونفاه بِشَرْط اعْتِمَاده فِي نَفْيه على الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة
وَولدت لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الزِّنَا (خَ) : وَلَا يَمِين إِن أنكرهُ ونفاه وَولدت لسِتَّة أشهر الخ. فَإِن لم ينفه وَادعت هِيَ أَنه من الْغَصْب فَلَا كَلَام لَهَا، وَكَذَا إِن قَالَت: هُوَ من الزَّوْج الأول وَقد أَتَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَأكْثر من تزوج الثَّانِي فَلَا يقبل قَوْلهَا، بل هُوَ للثَّانِي حرَّة كَانَت أَو أمة، وَلَو صدقهَا الثَّانِي فِي ذَلِك فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان (خَ) : وَلَو تَصَادقا على نَفْيه (وَالْحَد مَعَ ذَاك) الْغرم للصداق أَو قيمَة النَّقْص (عَلَيْهِ فيهمَا) أَي الْحرَّة وَالْأمة، وَهَذَا إِذا شهد أَرْبَعَة بمعاينة الْوَطْء أَو أقرّ بذلك على نَفسه وَلم يرجع عَنهُ، وَأما إِن شهدُوا بِأَنَّهُ احتملها وَغَابَ عَلَيْهَا وَادعت الْمَرْأَة الْوَطْء وَأنكر هُوَ فَلَا حد عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الصَدَاق للْحرَّة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْأمة كَمَا مر. وَقَوله فِي المقرب: وَمن اغتصب امْرَأَة وَوَطئهَا فِي دبرهَا يَعْنِي ادَّعَت هِيَ ذَلِك بعد غيبته عَلَيْهَا فلهَا الصَدَاق دون الْحَد عَلَيْهِ، إِذْ لَا يجب الْحَد إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار كَمَا مر، وَأما الِاسْتِبْرَاء فَوَاجِب عَلَيْهَا (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب قدر الْعدة أَو غَابَ غَاصِب أَو سَاب أَو مُشْتَر الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: إِن ثَبت الْوَطْء الخ. فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ بالدَّعْوَى فَفِي تَفْصِيلِهِ بَيَانُ حُكْمِهِ يَفي (وَإِن يكن ذَا الْغَصْب بِالدَّعْوَى) فَقَط من غير ثُبُوته بِبَيِّنَة وَلَا إِقْرَار (فَفِي تَفْصِيله) يتَعَلَّق بيفي آخر الْبَيْت (بَيَان حكمه) مُبْتَدأ خَبره (يَفِي) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير فبيان حكمه يَأْتِي مَذْكُورا فِي تَفْصِيله وَحَاصِل التَّفْصِيل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالدّينِ وَالْخَيْر، وَإِمَّا أَن يكون مَجْهُول الْحَال لَا يعرف بِخَير وَلَا فسق، وَإِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ وَالْفِسْق، وَفِي كل إِمَّا أَن تَأتي مستغيثة مُتَعَلقَة بِهِ عِنْد النَّازِلَة أَو تَدعِي عَلَيْهِ ذَلِك بعد حِين فالأقسام سِتَّة فَأَشَارَ إِلَى أَولهَا بقوله: فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى عَلَى مَنْ قَدْ شُهِرْ بالدِّيْنِ وَالصَّلَاحِ وَالفَضْلِ نُظِرْ (فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى على من قد شهر بِالدّينِ وَالصَّلَاح وَالْفضل نظر) . فِي ذَلِك.
فإنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنَا حُدَّتْ لِقَذْفٍ وَبِحَمْلٍ للزِّنَا (فَإِن تكن) الدَّعْوَى (بعد التَّرَاخِي) عَن النَّازِلَة (زَمنا) قَرِيبا أَو بَعيدا (حدت لقذف) فتجلد ثَمَانِينَ (و) حدت أَيْضا (ب) سَبَب (حمل) ظهر بهَا (للزِّنَا) إِن كَانَت مُحصنَة وَلم ترجع عَن قَوْلهَا. وتجلد مائَة إِن كَانَت بكرا وَإِنَّمَا تعدد الْحَد لاخْتِلَاف موجبهما. وَحَيْثُما رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِي فالحدُّ تَسْتَوْجِبُهُ فِي الأَظْهَرِ (وحيثما رَحمهَا مِنْهُ) أَي من الْحمل (بَرى فالحد) للزِّنَا (تستوجبه) أَيْضا (فِي) القَوْل (الْأَظْهر) هَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة، وَأما الرجل فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَلَا صدَاق كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف مهر وَلَا حلف الخ. وَأَحْرَى لَا حد عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه لَا يفصل فِيهَا التَّفْصِيل الْآتِي فِي مَجْهُول الْحَال بَين كَونهَا مَعْرُوفَة بالصيانة أَو لَا بل الحكم مَا ذكر فِي هَذَا الْقسم كَيفَ مَا كَانَت هِيَ، وَهُوَ ظَاهر ابْن رشد أَيْضا حَيْثُ قَالَ: فَإِن ادَّعَت على من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك وَهِي غير مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا خلاف أَنه لَا شَيْء على الرجل وَأَنَّهَا تحد لَهُ حد الْقَذْف وحد الزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل، وَإِن لم يظْهر بهَا فيتخرج وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا على الِاخْتِلَاف فِيمَن أقرّ بِوَطْء أمة رجل وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَو وَطْء امْرَأَة وَادّعى أَنه تزَوجهَا، فتحد على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن ترجع عَن قَوْلهَا وَلَا تحد على مَذْهَب أَشهب اه. وَمَفْهُوم بعد التَّرَاخِي أَنَّهَا إِذا جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فحد الْقَذْف لَازم لَهَا، وحد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صاحبت تعلقا حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا الخ. وَكَانَ حَقه التَّقَدُّم هَهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالاً إنْ جُهِلْ حالٌ لَهَا أَوْ لَمْ تَحُزْ صَوْناً نُقِل (وَذَاكَ) مُبْتَدأ خَبره نقل آخر الْبَيْت و (فِي الْمَجْهُول) يتَعَلَّق بِهِ (حَالا) تَمْيِيز محول عَن النَّائِب وَقَوله: (إِن جهل حَال لَهَا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (أَو لم تحز صونا) مَعْطُوف على الشَّرْط (نقل) وَالتَّقْدِير: وَذَاكَ الحكم الْمَذْكُور فِي الْمَعْرُوف بِالْخَيرِ هُوَ الحكم الْمَنْقُول فِي الْمَجْهُول حَاله وَإِن كَانَت هِيَ المجهولة الْحَال أَيْضا أَو مَعْرُوفَة بِعَدَمِ الصيانة والعفاف، وَعَلِيهِ فَإِن كَانَت
الدَّعْوَى بعد التَّرَاخِي زَمنا حدت للقذف وللزنا إِن ظهر بهَا حمل وَكَذَا إِن لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر. وَإنْ تَكُنْ مِمَّنْ لَهَا صَوْنٌ فَفِي وجُوبِهِ تَخْرِيجاً الخُلْفُ قُفي (وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون) والموضوع بِحَالهِ من دَعْوَاهَا على مَجْهُول الْحَال (فَفِي وُجُوبه) أَي حد الْقَذْف عَلَيْهَا (تخريجاً الْخلف) مُبْتَدأ خَبره (قفي) وَفِي وُجُوبه مُتَعَلق بِهِ، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وتخريجاً مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول حَال من الضَّمِير فِي قفي، وَالتَّقْدِير: وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون فالخلف قفي فِي وجوب الْحَد عَلَيْهَا حَال كَونه مخرجا لَا نصا، وَظَاهره أَن الْخلاف فِي حد الزِّنَا وَالْقَذْف وَالَّذِي فِي ابْن رشد تَخْصِيصه بِحَدّ الْقَذْف وَيظْهر مِنْهُ أَنَّهَا تحد للزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر على مَا مر، وعَلى القَوْل بحدها لَهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى مُقَابِله إِنَّمَا عَلَيْهِ الْيَمين كَمَا قَالَ: وَحَيْثُ قيل لَا تُحَدُّ إنْ نَكَلْ فالمَهْرُ مَعْ يَمِينِهَا لَهَا حَصَلْ (وَحَيْثُ قيل لَا تحد) فاليمين عَلَيْهِ (و) إِن (نكل) عَنْهَا (فالمهر) يلْزمه بِنُكُولِهِ (مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل) وَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقر والظرف وَالْمَجْرُور يتعلقان بحصل. هَذَا حكم الْمَجْهُول إِذا لم تتَعَلَّق بِهِ، وَأما إِن جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا حدّ عَلَيْهَا لَا للزِّنَا وَلَا للقذف حَيْثُ كَانَت من أهل العفاف وإلاَّ فَقَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَعدم الْحَد كَذَا للمنبهم حَالا الخ. وَما عَلَى المَشْهُورِ بالعَفَافِ مَهْرٌ وَلا حَلْفٌ بِلا خِلَافِ (وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف) وَهُوَ الْقسم الأول (مهر وَلَا حلف بِلَا خلاف) وَكَانَ حَقه التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: تستوجبه فِي الْأَظْهر ويصل بذلك قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعلُّقا حَدَّ الزَّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا مُطْلَقَا (وَحَيْثُ دَعْوَى) على الْمَشْهُور بِالْخَيرِ والعفاف (صاحبت تعلقاً) بِهِ وَقت النَّازِلَة جَاءَت مستغيثة تدمى إِن كَانَت بكرا ف (حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا) ظهر بهَا حمل أم لَا. لما بالغت من فضيحة نَفسهَا، وَمعنى التَّعَلُّق أَن تذكر ذَلِك فِي الْحِين وتشتكي بذلك لأَهْلهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَن تَأتي ماسكة بِيَدِهِ أَو بِثَوْبِهِ، فَهَذَا لَا يَتَأَتَّى لَهَا فِيمَن لَا قدرَة لَهَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَوَائِل نَوَازِل
الدَّعَاوَى من المعيار: معنى قَوْلهم تدمى أَن تَأتي صارخة مستغيثة، وَلَو كَانَت ثَيِّبًا وَلَيْسَت كل معصوبة تقدر على التَّعَلُّق. وَالْقَذْفُ فيهِ الحَدُّ لابْنِ القَاسِمِ وَخَلْفُهُ لَدَيْهِ غَيْرُ لازِمِ (و) أما (الْقَذْف) فَكَذَلِك لَا حد عَلَيْهَا عِنْد غير ابْن الْقَاسِم، و (فِيهِ الْحَد لِابْنِ الْقَاسِم وحلفه لَدَيْهِ) أَي ابْن الْقَاسِم (غير لَازم) . لِأَنَّهُ قد برأه ونزهه. وَمَن نَفَى الحَدَّ فَعِنْدَهُ يَجِبْ تَحْليفُهُ بأَنَّ دَعْوَاهَا كَذِبْ (وَمن نفى الْحَد) عَنْهَا بقذفه وَهُوَ غير ابْن الْقَاسِم (فَعنده يجب تَحْلِيفه) لَهَا (بِأَن دَعْوَاهَا) عَلَيْهِ (كذب) فَإِن حلف برىء. ومَعْ نُكُولِهِ لَهَا اليمينُ وتأْخُذُ الصَّداقَ مَا يكُونُ (وَمَعَ نُكُوله) عَن الْيَمين (لَهَا) هِيَ (الْيَمين) أَن مَا ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ لحق (ونأخذ الصَدَاق) أَي صدَاق مثلهَا (مَا) أَي شَيْء (يكون) قل أَو جلّ، وَمحل الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي حَدهَا للقذف إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت مَعْرُوفَة بالصيانة والعفاف. وَحَدُّهَا لهُ اتَفَاقاً إنْ تَكُنْ لَيْسَ لَهَا صَونٌ وَلا حالٌ حَسَنْ (و) الأوجب (حَدهَا لَهُ اتِّفَاقًا إِن تكن لَيْسَ لَهَا صون وَلَا حَال حسن) . وَهَذِه الأبيات من قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف إِلَى هُنَا كلهَا حَقّهَا التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: يستوجبه فِي الْأَظْهر كَمَا مرت إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الدَّعْوَى على مَجْهُول الْحَال المصحوبة بتعلقها بِهِ فَقَالَ: وَعَدَمُ الحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِم حَالا إذَا كَانَت تَوَقَّى مَا يَصِم (وَعدم الْحَد) للقذف وَالزِّنَا (كَذَا) أَي وَاجِب اتِّفَاقًا فِي دَعْوَاهَا (للمنبهم) أَي عَلَيْهِ فَاللَّام بِمَعْنى (على)(وَحَالا) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَهَذَا (إِذا) جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ تدمى إِن كَانَت بكرا و (كَانَت) مَعْرُوفَة بالعفاف والصيانة (توقى) أَصله تتوقى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ لقَوْل صَاحب الْخُلَاصَة وَمَا بتاءين قد يقْتَصر فِيهِ على تا الخ. (يصم) أَي يعيب ويقبح. وَإنْ تَكُنْ لَا تَتَوَقَّى ذَلِكْ فالخُلْفُ تَخْرِيجاً بَدَا هُنَالِكْ (وَإِن تكن لَا تتوقى ذَلِك) الَّذِي يصم ويعيب (فالخلف) فِي حَدهَا لَهُ للقذف (تخريجاً) حَال
من فَاعل (بدا هُنَالك) وَكَانَ حَقه أَي يصل قَوْله: وَعدم الْحَد الخ. بقوله مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، ثمَّ إِذا قُلْنَا: لَا تحد هُنَا اتِّفَاقًا فِي الصينة وعَلى أحد الْقَوْلَيْنِ فِي غَيرهَا، فَلَا بُد أَن يحلف فَإِن نكل حَلَفت واستحقت عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا كَمَا قَالَ بعد: وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب الخ. فَكَانَ حَقه أَن يقدمهُ هَهُنَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى الثَّالِث بقسميه أَي مَعَ تعلق بِهِ أَو بعد حِين فَقَالَ: وَفي ادِّعائِهَا عَلَى المَشْتَهَرِ بالْفِسْقِ حَالتَانِ للمُعْتَبِرِ (وَفِي ادعائها على المشتهر بِالْفِسْقِ حالتان للمعتبر) أحداهما. حالُ تَشبُّثٍ وَبِكْرٌ تُدْمَى فذِي سُقُوطُ الحدِّ عَنْهَا عَمَّى (حَال تشبث) أَن تعلق بِهِ أَي تذكر ذَلِك فِي الْحِين كَمَا مر (وَبكر تدمى فذي سُقُوط الْحَد عَنْهَا عمى. فِي القَذْفِ وَالزِّنَا وإنْ حَمْلٌ ظَهَرْ وَفِي وُجُوب المَهْرِ خَلْفٌ مُعْتَبَرْ فِي الْقَذْف وَالزِّنَا) إِن لم يظْهر بهَا حمل بل (وَإِن حمل ظهر) لما بالغت من فضيحة نَفسهَا ولشبهة دَعْوَاهَا عَلَيْهِ (وَفِي وجوب الْمهْر) لَهَا عَلَيْهِ (خلف مُعْتَبر) فروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ أشر من عبد الله بن الْأَزْرَق فِي زَمَانه، وَلَكِن بعد يَمِينه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يحلف مَجْهُول الْحَال لرد دَعْوَاهَا فأحرى هَذَا. وروى أَشهب عَن مَالك: لَهَا مهر مثلهَا إِن كَانَت حرَّة أَو مَا نَقصهَا إِن كَانَت أمة، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات وَنَحْوه فِي الْوَاضِحَة عَن مطرف وَغَيره، وَهُوَ الَّذِي يجب الْعَمَل بِهِ لموافقته لما مر فِي الْغَصْب عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَعْمُول بِهِ فِي الْأَمْوَال أَن الْمَغْصُوب مِنْهُ مُصدق فأحرى فِي الْفروج وَلِأَنَّهُ رَاجع لِلْمَالِ، وَمن حمل النَّاس على خلاف الْمَعْمُول بِهِ الَّذِي قدمْنَاهُ فَإِنَّهُ يُرِيد زِيَادَة الْفساد وتضييع حُقُوق الْعباد. وَثَالِثهَا لِابْنِ الْمَاجشون لَهَا الصَدَاق إِن كَانَت حرَّة وَلَا شَيْء لَهَا إِن كَانَت أمة. وَحَيْثُ قِيلَ إنّهَا تَسْتَوْجِبُهْ فَبَعْدَ حَلْفٍ فِي الأَصَحِّ تَطْلُبُهْ (وَحَيْثُ قيل إِنَّهَا تستوجبه) أَي الصَدَاق (فَبعد حلف فِي الْأَصَح) عِنْد ابْن رشد وَهُوَ قَول
ابْن الْقَاسِم (تطلبه) وَمُقَابِله لأَشْهَب عَن مَالك أَنَّهَا تَأْخُذهُ بِغَيْر يَمِين، وَرُبمَا يفهم من هَذَا أَن لِابْنِ الْقَاسِم قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهِي رِوَايَة عِيسَى عَنهُ، وَالثَّانِي يُوَافق عَلَيْهِ مَالِكًا وَلَكِن يَقُول تَأْخُذهُ بِيَمِين. وَإنْ يَكُن مَجْهُولُ حالٍ فَيجِبْ تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ (وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب) . وَتقدم أَن حَقه أَن يذكر هَذَا الْبَيْت عقب قَوْله: فالخلف تخريجاً بدا هُنَالك. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: حَال تشبث الخ. وَهِي الْحَالة الثَّانِيَة بِالنِّسْبَةِ للمشتهر بِالْفِسْقِ فَقَالَ: وحالةٌ بَعْدَ زَمَانِ الفِعْلِ فالحَدُّ سَاقِطٌ سِوَى مَعْ حَمْلِ (وَحَالَة) تَدعِي فِيهَا على المشتهر بِالْفِسْقِ (بعد زمَان الْفِعْل فالحد سَاقِط) عَنْهَا للقذف وَكَذَا للزِّنَا (سوى مَعَ حمل) يظْهر بهَا فتحد حِينَئِذٍ. وَلَا صَدَاقَ ثمَّ إنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ بالسِّجْنِ شَيْءٌ فالحَلِفْ (وَلَا صدَاق) لَهَا فِي هَذِه الْحَالة، وَإِنَّمَا ينظر الإِمَام فِي أمره فيسجنه ويتجسس على حَاله وَيفْعل فِيهِ مَا ينْكَشف بِهِ أمره (ثمَّ إِن) فعل بِهِ مَا ذكر و (لم ينْكَشف من أمره ب) طول (السجْن شَيْء فالحلف) أَنه مَا اغتصبها وَاجِب عَليّ. وَإنْ أَبَى مِنَ اليَمينِ حَلَفَتْ وَلِصَدَاقِ الْمِثْلِ مِنْهُ اسْتَوْجَبَتْ (وَإِن أَبى من الْيَمين) أَي امْتنع مِنْهَا (حَلَفت) هِيَ (ولصداق الْمثل مِنْهُ اسْتَوْجَبت) قَالَه ابْن رشد وَحَاصِله أَنه لَا صدَاق لَهَا فِي مُجَرّد الدَّعْوَى على الصَّالح ومجهول الْحَال مُطلقًا وَكَذَا فِي الْفَاسِد إِن حلف مَعَ عدم تعلقهَا بِهِ فَإِن تعلّقت فالمعمول بِهِ أَن لَهَا الصَدَاق، وَأما الْحَد فَهُوَ مُنْتَفٍ على الرجل مُطلقًا، وَأما هِيَ فتحد مَعَ عدم التَّعَلُّق فِي الصَّالح ومجهول الْحَال للقذف وَالزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر (خَ) : وَإِن ادَّعَت استكراها على غير لَائِق بِلَا تعلق حدث الخ. وَإِن تعلّقت فَلَا حد للزِّنَا وَإِن ظهر بهَا حمل وحدت للقذف فِي الصَّالح على قَول ابْن الْقَاسِم لَا على قَول غَيره، وَمحل الْخلاف إِن كَانَت صينة وَإِلَّا حدت اتِّفَاقًا وَلَا تحد للقذف اتِّفَاقًا مَعَ الصون فِي الْمَجْهُول الْحَال وَمَعَ عَدمه قَولَانِ. وَلَا تحد فِي الدَّعْوَى على الْفَاسِق مُطلقًا مَعَ التَّعَلُّق؛ وَكَذَا مَعَ عَدمه إِن لم يظْهر بهَا حمل وَالله أعلم. وَانْظُر أَوَاخِر فصل الصَدَاق من ابْن عَرَفَة فَإِنَّهُ أَطَالَ فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه زِيَادَة على مَا فِي النّظم.
(فصل فِي دَعْوَى السّرقَة)
وَهِي كَمَا فِي الشَّامِل أَخذ مَال أَو غَيره من حرز خُفْيَة لم يؤتمن فَقَوله أَو غَيره يُرِيد بِهِ الطِّفْل الصَّغِير الْحر الَّذِي لَا يعقل فَإِن آخذه يعد سَارِقا وَيقطع بِهِ وَلَيْسَ بِمَال، وَاحْترز بقوله: من حرز مِمَّا لَو أَخذه من غير حرز فَلَا يعد سَارِقا، والحرز هُوَ مَا لَا يعد الْوَاضِع فِيهِ مضيعاً فَلَا قطع فِي الْمَتْرُوك فِي السُّوق وَنَحْوه من الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تعد صونا لِلْمَالِ عرفا لِأَنَّهُ فِي غير حرز وَبِقَوْلِهِ خُفْيَة، مِمَّا لَو أَخذه جهاراً فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَارِقا بل مختطفاً أَو مُحَاربًا أَو غَاصبا وَبِقَوْلِهِ: لم يؤتمن عَلَيْهِ مِمَّا لَو أَخذ مَا فِي أَمَانَته فَإِن هَذَا خائن لَا سَارِق، وَلَا بُد أَن يكون المَال الْمَأْخُوذ نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ، وَيكون أَخذه بِقصد وَاحِد فَلَا قطع على من أَخذ أقل من نِصَاب، وَلَا على من لَهُ شُبْهَة فِيهِ كَالْأَبِ يَأْخُذ مَال وَلَده وَالْعَبْد يَأْخُذ مَال سَيّده والمضطر فِي المجاعة يَأْخُذ مَا يسد جوعته، وَلَا على من أَخذ نِصَابا فِي مَرَّات مَعَ تعدد قَصده، وَلَا بُد أَن يكون الْآخِذ مُكَلّفا، وَلذَا حَدهَا ابْن عَرَفَة بقوله: أَخذ مُكَلّف حرا لَا يعقل لصغره أَو مَالا مُحْتَرما لغيره نِصَابا أخرجه من حرزه بِقصد وَاحِد خُفْيَة لَا شُبْهَة فِيهِ قَالَ: فَيخرج أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ وَمَا اجْتمع بِتَعَدُّد إِخْرَاج وَقصد وَالْأَب مَال وَلَده والمضطر فِي المجاعة اه. فاحترز بالمكلف من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَإِن مَا عَلَيْهِمَا ضَمَان المَال إِن تلف لَا الْقطع، وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرما من أَخذ الْأَسير مَال حَرْبِيّ أَو سَرقَة خمر لمُسلم، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ، وَإِن أَمن عَلَيْهِ فَلَو حذف غير لَكَانَ أحسن، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ خمر الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ مَعَ أَنه مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للذِّمِّيّ، وَلذَا كَانَ يجب عَلَيْهِ غرم قيمتهَا إِن تلف، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ أَخذ مَا فِي أَمَانَته لِأَنَّهُ مُحْتَرم أَيْضا، لَكِن هَذَا رُبمَا يُقَال أخرجه بقوله من حرزه إِذْ الْأمين لَيْسَ الْمَكَان حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي الدُّخُول إِلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ نِصَابا مِمَّا لَو سرق أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو من ربع دِينَار أَو من مقوم بهما، لَكِن يرد عَلَيْهِ من سرق ثوبا خلقا فَوجدَ فِيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ يقطع مَعَ كَونه إِنَّمَا قصد الثَّوْب الَّذِي لَا يُسَاوِي ثَلَاثَة دَرَاهِم، فَإِن أَرَادَ مَا وجد فِيهِ النّصاب فَيرد عَلَيْهِ مَا إِذا سرق خَشَبَة فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ لَا يقطع وَيُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد نِصَاب مَوْجُود مَقْصُود فَيخرج بموجود الثَّوْب الْمَذْكُور وبمقصود الْخَشَبَة الْمَذْكُورَة، وَبِقَوْلِهِ بِقصد وَاحِد مِمَّا لَو أخرج النّصاب فِي مَرَّات لَا بِقصد وَاحِد، بل كَانَت نِيَّته الِاقْتِصَار على مَا أخرجه أَولا ثمَّ بدا لَهُ فَرجع وَأخرج مَا كمل بِهِ النّصاب فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ وَهُوَ مُصدق فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: فَإِن أخرج أَولا بعضه بنية أَن يرجع لما فِيهِ تَمام النّصاب فَأكْثر فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه أخرجه بِقصد وَاحِد وَيدخل فِي كَلَامه من سرق نِصَابا، ثمَّ سَرقه آخر من السَّارِق فَإِنَّهُمَا يقْطَعَانِ مَعًا لِأَن المَال مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للثَّانِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَان الأول.
فَائِدَة: قَالَ عِيَاض: أَخذ المَال بِغَيْر حق على ضروب عشرَة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وَجحد، وَاسم الْغَصْب يُطلق على الْجَمِيع فِي اللُّغَة كالحرابة كل مَا أَخذ مُكَابَرَة ومدافعة، والغيلة مَا أَخذ بعد قتل صَاحبه بحيلة ليَأْخُذ مَاله، وَحكمه حكم الْحِرَابَة. وَالْغَصْب مَا أَخذه ذُو الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان والقهر نَحْو مِنْهُ إِلَّا أَن يكون من ذِي الْقُوَّة فِي جِسْمه للضعيف وَمن الْجَمَاعَة للْوَاحِد، والخيانة كل مَا كَانَ لآخذه قبله أَمَانَة أَو يَد، وَالسَّرِقَة مَا أَخذ على وَجه الاختفاء، والاختلاس كل مَا أَخذ بِحَضْرَة صَاحبه على غَفلَة وفر آخذه بِسُرْعَة، والخديعة مَا أَخذه بحيلة كالتشبه بِصَاحِب الْحق، وَصَاحب الْوَدِيعَة أَو المتزيي بزِي الصّلاح ليَأْخُذ المَال بذلك، والجحد إِنْكَار مَا تقرر بِذِمَّة الجاحد وأمانته وَهُوَ نوع من الْخِيَانَة، والتعدي مَا أَخذ بِغَيْر إِذن بِحَضْرَتِهِ أَو مغيبه اه. وَمُدَّعٍ على امْرِىءٍ أَنْ سَرَقَهْ وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بالمُحَقَّقَهْ (ومدع على امرىء إِن سَرقه وَلم تكن دَعْوَاهُ بالمحققة) . أَي الْبَيِّنَة الَّتِي تحقق دَعْوَاهُ فَيشْمَل مَا إِذا قَالَ: اتهمته لِأَن دَعْوَى الاتهام لَا بَيِّنَة فِيهَا، وَمَا إِذا حقق عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَلم تقم لَهُ بَيِّنَة فَالْحكم فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِد كَمَا قَالَ: فإنْ يَكُن مُدَّعِياً ذَاكَ عَلَى مَنْ حَالُهُ فِي النَّاسِ حالُ الفُضَلَا (فَإِن يكن مُدعيًا ذَاك على من حَاله فِي النَّاس حَال الفضلا فَلَيْس مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلا يَبْلُغُ بالدَّعْوَى عَلَيْهِ أمَلَا فَلَيْسَ) على الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين وَلَا (من) زَائِدَة (كشف لحاله) بالسجن وَنَحْوه (وَلَا يبلغ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ أملا) بل يلْزم الْمُدَّعِي الْأَدَب كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْغَصْب: وأدب مُمَيّز كمدعيه على صَالح الخ. وَانْظُر مَا تقدم فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: وتهمة إِن قويت الخ. وَإنْ يَكن مُطَالِباً مَنْ يُتَّهَمْ فمالِكٌ بالضَّرْبِ وَالسِّجْن حَكَمْ
(وَإِن يكن مطالباً) بِفَتْح اللَّام خبر يكن وَاسْمهَا (من يتهم) وَيجوز كسرهَا على أَنه خبر يكن أَيْضا وَاسْمهَا ضمير يعود على رب الْمَتَاع وَمن يتهم مفعول بالْخبر الْمَذْكُور (فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم) كَمَا مرّ عَن الْقَرَافِيّ وَغَيره عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف وَظَاهره أَنه أطلق الْمُتَّهم على مَا يَشْمَل مَجْهُول الْحَال لِأَنَّهُ جعله قسما للمعروف بِالْفَضْلِ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة قَائِلا مَجْهُول الْحَال عِنْد الْحَاكِم الَّذِي لَا يعرف ببر وَلَا فجور إِذا ادعِي عَلَيْهِ بتهمة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يكْشف حَاله. هَذَا حكمه عِنْد عَامَّة عُلَمَاء الْإِسْلَام وَالْمَنْصُوص عِنْد أَكثر الْأَئِمَّة أَنه يحْبسهُ القَاضِي أَو الْوَالِي وَهُوَ مَنْصُوص لمَالِك وَأَصْحَابه اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: إِن الْمُتَّهم بِالْفُجُورِ كالسرقة وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل وَالزِّنَا لَا بُد أَن يكْشف ويستقصي بِقدر تهمته بذلك وشهرته بِهِ، وَرُبمَا كَانَ بِالضَّرْبِ قَالَ: وَلَيْسَ تَحْلِيفه وإرساله مذهبا لأحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا غَيرهم، وَلَو حلفنا كل وَاحِد مِنْهُم وأطلقناه مَعَ الْعلم باشتهاره بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض وَكَثْرَة سرقاته وَقُلْنَا: لَا نَأْخُذهُ إِلَّا بشاهدي عدل كَانَ ذَلِك مُخَالفا للسياسة الشَّرْعِيَّة، وَمن ظن أَن الشَّرْع تَحْلِيفه وإرساله فقد غلط غَلطا فَاحِشا مُخَالفا لنصوص رَسُول الله صلوَات الله عَلَيْهِ ولإجماع الْأَئِمَّة قَالَ: وَقد تقدم أول الْبَاب من أَفعَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا يدل على عُقُوبَة الْمُتَّهم وحبسه. وَاعْلَم أَن هَذَا النَّوْع من المتهمين يجوز ضربه وحبسه لما قَامَ على ذَلِك من الدَّلِيل الشَّرْعِيّ قَالَ: وَفِي أَحْكَام ابْن سهل إِذا وجد عِنْد الْمُتَّهم بعض الْمَتَاع الْمَسْرُوق وَادّعى أَنه اشْتَرَاهُ وَلَا بَيِّنَة لَهُ لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ، فَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فعلى السُّلْطَان حَبسه والكشف عَنهُ، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ حبس حَتَّى يَمُوت فِي السجْن اه. وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون وَأصبغ، وَتقدم مثله عَن مَالك عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب، وَقَوله: لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ الخ. هَذَا إِنَّمَا يتمشى على الْمَشْهُور لَا على مَا مر فِي الْغَصْب من أَن الْعَمَل مُؤَاخذَة الْمُتَّهم بالغرامة بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فضلا عَن كَون بعض الْمَسْرُوق قد وجد بِيَدِهِ، وَأَن القَوْل للمسروق مِنْهُ فِي قدره، وَقَوله: حَتَّى يَمُوت الخ. بِمثلِهِ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز قَائِلا: يسجن حَتَّى يَمُوت. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: يَعْنِي إِذا لم يقرَّ بِهِ. وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الإقْرَارِ مِن ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لاخْتِبَارِ (وحكموا بِصِحَّة الْإِقْرَار) بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال لَا للْقطع فَلَا يقطع (من ذاعر) بالذل الْمُعْجَمَة يَعْنِي مفزع ومخيف أَو بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الزَّانِي الْفَاسِق السَّارِق (يحبس) أَو يضْرب (لاختبار) فالمجهول إِذا أقرّ فِي السجْن عمل بِإِقْرَارِهِ وَغرم المَال، وَالْمُتَّهَم الْمَعْرُوف بالعداء إِذا أقرّ وَلَو تَحت الْعَصَا
كَذَلِك لِأَنَّهُ لما جَازَ ضربه وسجنه شرعا كَمَا مر جَازَ إِقْرَاره إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا ذَاك وَالْإِكْرَاه الشَّرْعِيّ طوع وَلذَا قَالَ سَحْنُون: وَذَلِكَ خَارج عَن الْإِكْرَاه وَلَا يعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا من ابْتُلِيَ بِهِ يَعْنِي من الْقُضَاة وَمن شابههم. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: كَأَنَّهُ يَقُول إِن ذَلِك الْإِكْرَاه كَانَ بِوَجْه جَائِز شرعا، وَإِذا كَانَ من الْحق عُقُوبَته وسجنه لما عرف من حَاله كَانَ من الْحق أَن يؤاخذه باعترافه اه. وَقَالَ ابْن رحال: إِن حبس القَاضِي الْمُتَّهم الَّذِي يجب حَبسه أَو تخويفه أَو ضربه فَأقر فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ على قَول سَحْنُون، فَيَنْبَغِي أَن يعْمل بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَيضْرب السَّارِق حَتَّى يخرج الْأَعْيَان الَّتِي سَرَقهَا يَعْنِي إِن كَانَت قَائِمَة بَاقِيَة فَإِن كَانَت مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو مِمَّا يعرف بِعَيْنِه، وَلَكِن فَوتهَا فيكفيه إِقْرَاره بهَا ويؤاخذ بِهِ كَمَا مرّ، وَالْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كثير وَلَكِن الْمعول عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ فِي الْغَصْب، وَمَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا. وَقد تقدم من كَلَام التَّبْصِرَة وَغَيرهَا مَا يشْهد لَهُ وَيشْهد لَهُ أَيْضا قَول الْقَرَافِيّ مَا نَصه: اعْلَم أَن التَّوسعَة على الْحُكَّام فِي أَحْكَام السياسة لَيْسَ مُخَالفا للشَّرْع بل تشهد لَهُ الْأَدِلَّة الْمُتَقَدّمَة وَتشهد لَهُ أَيْضا الْقَوَاعِد من وُجُوه. أَحدهَا: أَن الْفساد قد كثر وانتشر بِخِلَاف الْعَصْر الأول، وَمُقْتَضى ذَلِك اخْتِلَاف الْأَحْكَام اه. وَقَالَ أَيْضا: مَوْضُوع ولَايَة الْوَالِي الْمَنْع من الْفساد فِي الأَرْض وقمع أهل الشَّرّ، وَذَلِكَ لَا يتم إِلَّا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالجرائم بِخِلَاف ولَايَة الْقُضَاة، وَقد تقدم عَنهُ أَن هَذَا مِمَّا لَا يتَمَيَّز بِهِ نظر القَاضِي والوالي، وَإِذا كَانَ الْفساد قد كثر فِي زمن الْقَرَافِيّ فَكيف بذلك فِي زَمَاننَا؟ فَلَا يعْتَرض على النَّاظِم بِأَنَّهُ ارْتكب فِي هَذَا خلاف الْمَشْهُور الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ وَثَبت إِقْرَار إِن طاع وإلاَّ فَلَا. وَلَو عين السّرقَة أَو أخرج الْقَتِيل الخ. لِأَن مُقَابل الْمَشْهُور قد يجْرِي بِهِ الحكم وَالْعَمَل لِكَثْرَة الْفساد، وَقد قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا: وَلِأَن (خَ) يتبع مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهِي إِنَّمَا قَالَت ذَلِك فِي وَقت عدم كَثْرَة الْفساد كَمَا قد رَأَيْته عَن الْقَرَافِيّ، وَلما زَاد هَذَا الْفساد وانتشر انتشار أبلغ الْغَايَة قَامَ مقَام التَّحْقِيق، وَلذَلِك جرى الْعَمَل بإغرام الْمُتَّهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى على مَا تقدم فِي فصل الْغَصْب، وَمَا يرْوى عَن مَالك وَغَيره من اخْتِلَاف الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لَعَلَّه إِنَّمَا هُوَ باخْتلَاف النَّوَازِل والبلدان، فَرب بلد غلب على أَهلهَا الْفساد، وَرب بلد لم يغلب، وَرب شخص علم مِنْهُ الْفساد، وَرب شخص وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة فَلم يقل بخلوده فِي السجْن وَالله أعلم. وَيُقْطَعُ السَّارِقُ باعْتِرَافِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِلَا خِلَافِ (وَيقطع السَّارِق باعتراف) بِالسَّرقَةِ طَائِعا لَا إِن اعْترف فِي السجْن أَو تَحت الْعَصَا فَلَا قطع، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْغرم حَيْثُ كَانَ مُتَّهمًا أَو مَجْهُول الْحَال كَمَا مر قَرِيبا، وَلَا بُد فِي الْقطع من كَونه مُكَلّفا وَكَون الْمَسْرُوق مَالا مُحْتَرما نِصَابا لم يُؤمن عَلَيْهِ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ مأخوذاً من حرز وَهُوَ
مِمَّا يَصح بَيْعه كَمَا مر. لَا إِن كَانَ كخمر أَو كلب وَلَو كلب الحراسة لوُجُود الْخلاف فِي بَيْعه أَو أضْحِية بعد ذَبحهَا وَجَبت بِالذبْحِ وَلَا تبَاع على الْمُفلس، بِخِلَاف مَا إِذا سرق لَحمهَا من متصدق عَلَيْهِ أَو طنبور لِأَنَّهُ لَا يُبَاع لِأَن منفعَته غير شَرْعِيَّة إِلَّا أَن يُسَاوِي بعد كَسره نِصَابا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي (خَ)(أَو) بِشَهَادَة (شَاهِدي عدل) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته كَصَلَاة الأولى وَمَسْجِد الْجَامِع وَعدل فِي الأَصْل مصدر يُوصف بِهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع (بِلَا خلاف) . وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط فِي قبُول شَهَادَتهمَا بَيَان نوعها وصفتها وَلَا كَونهَا أخذت فِي ليل أَو نَهَار، وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه يسْتَحبّ للْحَاكِم أَن يسألهم عَن ذَلِك فَإِن قَالُوا: لَا نذْكر الْيَوْم وَلَا الْمَكَان قبلت عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَإِن ذكرُوا الْموضع وَالْيَوْم أَو النَّوْع وَاخْتلفُوا فِي شَيْء من ذَلِك فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ الآخر: يَوْم الْخَمِيس. أَو قَالَ: هَذَا سَرَقهَا من مَحل كَذَا وَقَالَ الآخر من غَيره، أَو قَالَ نوعها كَذَا وَقَالَ الآخر خِلَافه بطلت فالبطلان إِنَّمَا هُوَ إِذا قَالُوا تذكر الْيَوْم وَنَحْوه وَاخْتلفُوا، وَأما إِن قَالُوا لَا نذْكر ذَلِك فَلَا تبطل كَمَا لِابْنِ رشد، وَهَذَا على أَن سُؤَالهمْ مُسْتَحبّ كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْلهَا: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يكْشف الشُّهُود بِالزِّنَا وَالسَّرِقَة فحملها (خَ) وَغَيره على الِاسْتِحْبَاب فَقَالَ: وَندب سُؤَالهمْ أَي شُهُود الزِّنَا كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. وَقَالَ أَبُو الْحسن: إِلَّا أَن يَنْبَغِي فِي كَلَامهَا للْوُجُوب واستظهره (ح) وَابْن رحال. وَهَذَا فِي حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة لِأَن الْحُدُود يطْلب درؤها بِالشُّبُهَاتِ لَا فِي غَيرهَا من الْحُقُوق فَإِذا شهد شَاهد بِأَن لفُلَان فِي ذمَّة فلَان مائَة دِينَار مثلا فَلَا يكْشف عَن سكتها هَل هِيَ يزيدية أَو محمدية، وَلَكِن يقْضِي بالأغلب رواجاً فِي الْبَلَد كَمَا مر فِي صدر الْبيُوع، وَأَحْرَى أَن لَا يكْشف عَن الْيَوْم الَّذِي ترتبت فِيهِ فِي ذمَّته لِأَنَّهُ لَو أرخ بالشهر أَو ترك التَّارِيخ أصلا لم تبطل. تَنْبِيه: نقل الْبُرْزُليّ فِي نوازله: أَن سراق الْمغرب الْيَوْم كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة من الْقَتْل أَو الْقطع من خلاف أَو النَّفْي لَا أَحْكَام السّرقَة لأَنهم يجْعَلُونَ أحد السراق عِنْد رَأس صَاحب الْمنزل فِي الْحَاضِرَة أَو الْبَادِيَة مَتى رَآهُ تحرّك ضربه أَو هدده ويجعلون وَاحِدًا يخرج الْحَيَوَان وَالْمَتَاع وَالْبَاقُونَ واقفون بِالسِّلَاحِ يمنعونه مِمَّن يقوم عَلَيْهِ قَالَ: وَالْحكم فيهم أَنهم إِذا أخذُوا بعد أَن قتل أحدهم رب الْمنزل قتلوا جَمِيعًا، وَإِن لم يقتل أحد أجريت عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُحَارب، وَإِذا أَخذ أحدهم كَانَ ضَامِنا لجَمِيع مَا أَخَذُوهُ اه. قلت: وَمَا قَالَه صَحِيح وَمَا ذكره من الحكم عَلَيْهِم بِمَا ذكر إِنَّمَا هُوَ إِذا ثَبت عَلَيْهِم ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي لقَوْل (خَ) فِي الْحِرَابَة: وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها، وَأما إِن لم يثبت ذَلِك لَا بِالسَّمَاعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْغَالِب فِي هَذَا الْوَقْت لعدم وجود من يشْهد على من اكْتسب التَّعْظِيم والاحترام بتلصصه كَمَا مر فِي الْغَصْب، فَإِنَّهُ ينكل ويخلد فِي السجْن
وَلَا أقل من أَن ينفى من الأَرْض مُؤَاخذَة لَهُ بالأيسر ردعاً لَهُ ولأمثاله. وَمَنْ أَقَرَّ وَلشُبْهةٍ رَجَعْ دُرِىءَ عَنْهُ الحَدُّ فِي الَّذي وَقَعْ (وَمن أقرّ) بِسَرِقَة (ولشبهة رَجَعَ) عَن إِقْرَاره كَقَوْلِه: أخذت مَالِي الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مني أَو المعار، وظننت أَن ذَلِك سَرقَة أَو قَالَ: أضافني فلَان وأنزلني فِي بَيته فَأخذت مِنْهُ كَذَا فَظَنَنْت أَنه سَرقَة (درىء عَنهُ الْحَد فِي الَّذِي وَقع) مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الثَّلَاثَة الأول إِنَّمَا أَخذ مَتَاعه على زَعمه وَإِن كَانَ لَا يقْضِي لَهُ بذلك بِدُونِ بَيِّنَة، وَأَنه مَاله وَفِي الرَّابِعَة هُوَ خائن على زَعمه لَا سَارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ كَمَا مر أول الْفَصْل. وَنَقَلُوا فِي فَقْدِهَا قَوْلَينِ وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الحَالَيْنِ (ونقلوا فِي) رُجُوعه عَن إِقْرَاره مَعَ (فقدها) أَي الشُّبْهَة كَأَن يَقُول: كذبت فِي إقراري أَو أنكر الْإِقْرَار من أَصله (قَوْلَيْنِ) فِي قبُول رُجُوعه وَعَدَمه وَالْمَشْهُور الأول (خَ) : وَقبل رُجُوعه بِلَا شُبْهَة وَمحل الْقَوْلَيْنِ إِذا لم يكن عين السّرقَة، وَأما إِن عينهَا ثمَّ أنكر الْإِقْرَار من أَصله فَإِنَّهُ لَا يقبل إِنْكَاره وَيقطع اتِّفَاقًا كَمَا لِابْنِ رشد، وَمثل السَّارِق فِي قبُول رُجُوعه لشُبْهَة ولغيرها الزَّانِي والشارب والمحارب وَقد جمعت فِي قَوْله: وسارق وَالزَّانِي ثمَّ الشَّارِب رجوعهم يقبل كالمحارب وَمثلهمْ من يشْهد عَلَيْهِ بمعاينة زِنَاهُ بالإحصان ثمَّ رَجَعَ عَنهُ، فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه ويجلد مائَة وَلَا يرْجم، وَكَذَا من أقرّ بقتل الغيلة ثمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه، وَفَائِدَته أَنه إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ لم يقتل لِأَنَّهُ لم يبْق بعد عَفوه إِلَّا قَتله لحق الله وَهُوَ يدْرَأ بِالرُّجُوعِ لشُبْهَة وَغَيرهَا، وَمثله من أقرّ بِالْقَتْلِ عمدا لغير غيلَة فَرجع عَن إِقْرَاره مُنْكرا لَهُ، أَو قَالَ كذبت فِيهِ فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ ضرب مائَة وسجنه سنة، إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ وَالضَّابِط كل حد كَانَ حَقًا لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يسْقط بِالرُّجُوعِ عَن إِقْرَاره بِمُوجبِه فَإِن لم يرجع قَاتل الْعمد وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ فَلَا بُد لَهُ من ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) وَعَلِيهِ أَي قَاتل الْعمد مُطلقًا كَانَ مُسلما أَو كَافِرًا أَو عبدا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عَبده الخ. (و) إِذا سقط الْقطع عَن السَّارِق بِرُجُوعِهِ ف (الْغرم) لِلْمَالِ (وَاجِب) عَلَيْهِ (على) كلا (الْحَالين) الشُّبْهَة وَعدمهَا على القَوْل بِأَن رُجُوعه لغير شُبْهَة مُعْتَبر، وَهَذَا إِذا كَانَ حرا. وَأما العَبْد إِذا أقرّ بِالسَّرقَةِ وَرجع وَقد فَاتَ الْمَسْرُوق بذهاب عينه فَإِنَّهُ لَا غرم عَلَيْهِ لِأَن مَا بِيَدِهِ لسَيِّده فَلَا يمْضِي إِقْرَاره عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ (خَ) فِي الْإِقْرَار بقوله: كَالْعَبْدِ فِي غير المَال الخ. لَكِن يتبع بِهِ إِذا أعتق يَوْمًا مَا فَإِن لم يرجع عَنْهَا فالقطع وَلَا غرم عَلَيْهِ إِذا أعتق كَمَا يَأْتِي.
وَكلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِي فإنَّهُ يُرَدُّ باتِّفَاقِ (وكل مَا سرق وَهُوَ بَاقٍ) بِعَيْنِه بيد السَّارِق أَو غَيره (فَإِنَّهُ يرد) لرَبه (بِاتِّفَاق) أَي إِجْمَاعًا وَيرجع الْغَيْر على السَّارِق إِن كَانَ أَخذه مِنْهُ بعوض، وَلَو كَانَ السَّارِق عبدا فَإِنَّهُ يتبعهُ بِهِ إِذا عتق يَوْمًا مَا، وَظَاهره أَنه يرد وَلَو قطع وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم قَوْله: وَهُوَ بَاقٍ الخ. أَنه إِذا فَاتَ بذهاب عينه فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ مُتَّصِل الْيُسْر بالمسروق كُله أَو بعضه من يَوْم سرق إِلَى الْيَوْم إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقطع وَيغرم كَمَا قَالَ: وَحيْثُما السَّارِقُ بالحُكْمِ قُطِعْ فبالّذي سَرَقَ فِي اليُسْرِ اتُّبِعْ (وحيثما السَّارِق بالحكم قطع) لعدم رُجُوعه عَن إِقْرَاره بهَا أَو لقِيَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ (فبالذي سرق فِي) حَال (الْيُسْر) المستمر إِلَى وَقت الْقطع (اتبع) وَإِن كَانَ وَقت السّرقَة مُعسرا أَو أعْسر فِي بعض الْمدَّة الَّتِي بَين السّرقَة وَالْقطع لم يلْزمه غرم وَلَو أيسر بعد الْقطع لخَبر إِذا أقيم الْحَد على السَّارِق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ أَي: لَا يتبع بِهِ فِي عسره وَقت السّرقَة أَو فِيمَا بَين السّرقَة وَالْقطع لِئَلَّا يجْتَمع عَلَيْهِ عقوبتان قطع يَده وَاتِّبَاع ذمَّته، وَمَفْهُوم قطع أَنه إِذا لم يقطع لكَونه سَرقه من غير حرزة أَو لقِيَام شَاهد وَاحِد عَلَيْهِ بهَا أَو لكَون الْمَسْرُوق أقل من نِصَاب أَو لسُقُوط الْعُضْو الَّذِي يجب قطعه بسماوي أَو بِجِنَايَة عَلَيْهِ أَو لرجوعه عَن الْإِقْرَار بهَا، وَنَحْو ذَلِك اتبع بِهِ مُطلقًا مُوسِرًا أَو مُعسرا أَو يحاصص بِهِ ربه غُرَمَاء السَّارِق إِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَوَجَب رد المَال إِن لم يقطع مُطلقًا. وَالحَدُّ لَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ مَتى أَقَرَّ بالسَّرِقَةِ شَرْعاً ثَبَتَا (وَالْحَد) أَي الْقطع (لَازم على العَبْد) لَا الْغرم فَلَا يلْزمه وَلَو كَانَ ذَا شَائِبَة (مَتى أقرّ بِالسَّرقَةِ) بِسُكُون الرَّاء للوزن أَي وَلم يرجع عَنهُ (شرعا ثبتاً) خبر ثَان أَي: وَالْحَد لَازم ثَابت شرعا
على العَبْد الخ. وَمَفْهُوم أقرّ أَنه إِذا لم يقر بل شهد عَلَيْهِ شَاهد وَاحِد أَو أقرّ بهَا سَيّده دونه فَإِن العَبْد حِينَئِذٍ فِي جِنَايَته فَيُخَير سَيّده فِي إِسْلَامه أَو فدائه، لَكِن بعد يَمِين الْمَسْرُوق فِي الأولى، وَأما إِن ثَبت عَلَيْهِ بِشَاهِدين فالقطع وَلَا غرم، واحترزت بِقَوْلِي وَلم يرجع مِمَّا إِذا رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا قطع وَيتبع بهَا إِذا عتق كَمَا مر قَرِيبا، وَإِنَّمَا كَانَ العَبْد فِي جِنَايَته إِذا أقرّ بهَا سَيّده دونه لِأَن العَبْد إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْقطع أَو الْأَدَب فَإِنَّهُ الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤَاخذ بِهِ فِي بدنه لَو أقرّ بِهِ، وَأما إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِإِتْلَاف زرع أَو دَابَّة عمدا أَو خطأ أَو قتل شخص أَو قطعه خطأ أَو سَرقَة شَيْء فَأنْكر، فَإِن الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك هُوَ السَّيِّد، فَإِذا أقرّ لزمَه أَن يُسلمهُ أَو يفْدِيه (خَ) فِي آخر الشَّهَادَات وليجب عَن الْقصاص العَبْد وَعَن الْأَرْش السَّيِّد الخ.
(فصل فِي أَحْكَام الدِّمَاء)
وَهُوَ بَاب مُهِمّ بِلَا شكّ لِأَن حفظ النُّفُوس إِحْدَى الْخمس الَّتِي اجْتمعت الْملَل على وجوب حفظهَا فقد نقل الأصوليون إِجْمَاع الْملَل على حفظ الْأَدْيَان والنفوس والعقول والأعراض وَالْأَمْوَال، وَقد ذكر بَعضهم الْأَنْسَاب بدل الْأَمْوَال. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم:(لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا كلهَا) وَفِيه أَيْضا: (من أعَان على قتل أمرىء مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب آيس من رَحْمَة الله تَعَالَى) اه. وَنَقله ابْن الْحَاج وَغَيره قَالَ: وَورد عَنهُ عليه الصلاة والسلام أَنه قَالَ: (كل ذَنْب عَسى الله أَن يغفره إِلَّا من مَاتَ مُشْركًا أَو من قتل مُؤمنا مُتَعَمدا) وَقد أخبر تَعَالَى أَن قتل النَّفس بِغَيْر حق كَقَتل جَمِيع النَّاس فِي عظم الْإِثْم فَقَالَ: من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} (الْمَائِدَة: 32) قَالَ مُجَاهِد: جعل الله جَزَاء من قتل نفسا بِغَيْر حق جَهَنَّم وَغَضب عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما، فَلَو قتل جَمِيع الْخلق لم يزدْ من الْعَذَاب على ذَلِك، وَمَا سَمَّاهُ الله عَظِيما لَا يعلم قدره إِلَّا هُوَ عز وجل اه. وَاخْتلف فِي قبُول تَوْبَته على قَوْلَيْنِ مأخوذين من قَول مَالك لِأَنَّهُ مرّة قَالَ: لَا تجوز إِمَامَته وَإِن تَابَ، وَيُؤَيِّدهُ أَن من شَرط قبُول التَّوْبَة رد التباعات ورد الْحَيَاة على الْمَقْتُول مُتَعَذر إِلَّا أَن يحلله الْمَقْتُول قبل مَوته، وَمرَّة قَالَ: هُوَ فِي الْمَشِيئَة يكثر من الْعَمَل الصَّالح وَالصَّدَََقَة وَالْجهَاد وَالْحج فَيُؤْخَذ مِنْهُ قبُول تَوْبَته. ابْن رشد: من قَالَ إِن الْقَاتِل مخلد فِي النَّار أبدا فَقَط أَخطَأ، وَخَالف أهل السّنة لِأَن الْقَتْل لَا يحبط مَا تقدم من إيمَانه وَلَا مَا اكْتسب من صَالح أَعماله اه. وَحكى ابْن عَطِيَّة الْإِجْمَاع منا وَمن الْمُعْتَزلَة على أَن الْقصاص كَفَّارَة للْقَتْل لحَدِيث (من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ) قَالَ: وَالْجُمْهُور على قبُول تَوْبَته اه. وَمَا حَكَاهُ من الْإِجْمَاع طَريقَة لَهُ، بل حكى ابْن رشد فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ متساويين قيل كَفَّارَة، وَقيل لَيْسَ بكفارة لِأَن الْمَقْتُول لَا مَنْفَعَة لَهُ
فِي الْقصاص، وَإِنَّمَا منفعَته عَائِدَة على الْأَحْيَاء ليتناهى النَّاس عَن الْقَتْل. قَالَ تَعَالَى: وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} (الْبَقَرَة: 179) أَي لكم فِي مَشْرُوعِيَّة الْقصاص حَيَاة لِأَن الشَّخْص إِذا علم أَنه يقْتَصّ مِنْهُ انكف عَن الْقَتْل وَهُوَ ضَرْبَان قتل خطأ وَسَيَأْتِي، وَقتل عمد وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا على الْمَشْهُور إِلَّا مَا ثَبت من شبه الْعمد عِنْد مَالك فِي رمي الْأَب وَلَده بحديدة على مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل الخ خلافًا لمن أثبت شبه الْعمد فِي غير الْأَب وَإِلَى الْعمد الْمَحْض أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَالْقَتْلُ عَمْداً للقصَاصِ مُوجِبُ بعد ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ (وَالْقَتْل) بِفعل حَال كَونه (عمدا) عُدْوانًا (للْقصَاص مُوجب بعد ثُبُوته) أَي الْعمد (بِمَا يسْتَوْجب) بِكَسْر الْجِيم وَفتح الْيَاء مَبْنِيا للْفَاعِل وَالسِّين وَالتَّاء زائدتان أَي الْقَتْل عمدا مُوجب للْقصَاص بعد ثُبُوته بِمَا يجب ثُبُوته بِهِ، وَالَّذِي يثبت بِهِ أحد أَشْيَاء ثَلَاثَة بَينهَا بقوله: مِن اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ القَاتِلِ (من اعْتِرَاف) شخص (ذِي بُلُوغ عَاقل) طائع أَنه قتل فلَانا عمدا عُدْوانًا لَا باعتراف صبي أَو مَجْنُون أَو مكره، فَإِن أقرّ أَنه قَتله خطأ وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل عمدا عُدْوانًا فَالظَّاهِر أَن القَوْل للأولياء كَمَا يَأْتِي فِيمَن قَامَت بَيِّنَة بضربه فَقَالَ: لم أقصد ضربه، وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل قصدته فَإِن القَوْل لَهُم. (أَو شَاهِدي عدل) شَهدا (ب) معاينتهما ل (قتل) هَذَا (الْقَاتِل) الْعَاقِل الْبَالِغ لهَذَا الْمَقْتُول أَو شَهدا بمعاينتهما لضربه وَإِن بقضيب أَو لطمة أَو وكزة أَو حجر أَو عَصا فَمَاتَ عَاجلا أَو مغموراً لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم يَوْمًا أَو أَيَّامًا فالقصاص بقسامة أكل أَو لم يَأْكُل مَا لم ينفذ مَقْتَله فَلَا قسَامَة وَلَو أكل أَو شرب وعاش أَيَّامًا كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب وَلَا يصدق أَنه لم يقْصد ضربه وَلَا أَنه ضربه على وَجه اللّعب قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يصدق فِي إِرَادَة اللّعب وَلَا أَنه لم يرد قَتله. وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقصاص ثَلَاثَة. أَولهَا: الْقَتْل أَي الْفِعْل عمدا وَهُوَ معنى مَا فِي الْبَيْت الأول، وَقَوْلِي بِفعل شَامِل للضرب والتخنيق والتثقيل وَمنع الطَّعَام وَطرح غير محسن العوم فِي
نهر وَوضع مزلق بطرِيق، واتخاذ كلب عقور وَنَحْو ذَلِك. وَإِلَى هَذَا الرُّكْن أَشَارَ (خَ) بقوله: إِن قصد أَي تعمد ضرب الْغَضَب أَو عَدَاوَة وَإِن بقضيب لخنق وَمنع طَعَام أَو مثقل وَلَا قسَامَة إِن أنفذ مَقْتَله أَو مَاتَ مغموراً، ثمَّ قَالَ: وَإِن تصادما أَو تجاذبا مُطلقًا قصدا فماتا أَو أَحدهمَا فالقود وحملا عَلَيْهِ الخ. أَي: على الْقَصْد وَهُوَ يُوضح لَك أَن من وجد مِنْهُ الضَّرْب وَإِن بقضيب مَحْمُول على قَصده فَلَا يقبل مِنْهُ أَنه لم يَقْصِدهُ أَو أَنه قَصده على وَجه اللّعب. قَالَ ابْن فَرِحُونَ: وَيجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِأَنَّهُ قَتله عمدا عُدْوانًا، والعمدية صفة قَائِمَة بِالْقَلْبِ فَجَاز للشَّاهِد أَن يشْهد بهَا اكتفاه بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَة الخ. يَعْنِي لما رَأَوْهُ من ضربه على وَجه الْغَضَب، وَظَاهر قَوْله عمدا أَنه يقتل بِهِ وَلَو تبين خلاف الذَّات الَّتِي قصد قَتلهَا كَمَا لَو ضربه على أَنه عَمْرو فَتبين أَنه زيدا وعَلى أَنه عَمْرو بن فلَان فَتبين أَنه عَمْرو بن فلَان آخر، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ كِلَاهُمَا مَعْصُوم وَلَا علينا فِي اعْتِقَاده، وَكَذَا لَو قصد ضرب رَأسه أَو رجله فَأصَاب عينه ففقأها فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ خلافًا لما فِي الرجراجي، وَأما لَو قصد ضرب هَذِه الذَّات عُدْوانًا فَأصَاب ذاتاً أُخْرَى فَلَا قَود وَهُوَ خطأ خلافًا لما فِي (ح) وَالْفرق أَنه فِي الأول قصد هَذِه الذَّات فَقَتلهَا فَتبين أَن الْمَقْصُود غَيرهَا وَهَذِه قصد ضرب هَذِه الذَّات فعدلت الرَّمية عَنْهَا إِلَى غَيرهَا. واحترزت بِقَوْلِي عُدْوانًا عَمَّا إِذا قصد ضرب شَيْء مُعْتَقدًا أَنه غير آدَمِيّ أَو أَنه آدَمِيّ غير مُحْتَرم لكَونه حَرْبِيّا أَو زَانيا مُحصنا، فَتبين أَنه آدَمِيّ مُحْتَرم فَلَا قصاص أَيْضا وَلَو تكافئا، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة وَيصدق بِيَمِينِهِ أَنه ظَنّه حَرْبِيّا لِأَن هَذَا وَإِن كَانَ عمدا لكَونه لَيْسَ بعدوان فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه اللّعب وَقَامَت قرينَة عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يصدق فِي إِرَادَته كَمَا مر، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه الْأَدَب مِمَّن يجوز لَهُ كَالْأَبِ وَنَحْوه فَمَاتَ أَو كسر رجله أَو فَقَأَ عينه فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَعَلَيهِ فَقَط. وَيصدق الْأَب والمعلم وَالزَّوْج فِي إِرَادَة الْأَدَب دون الْقَتْل إِن كَانَ بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا لَا إِن ضربه الْمعلم باللوح وَنَحْوه فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ، وَكَذَا إِن ذبح الْأَب وَلَده أَو شقّ بَطْنه لَا إِن رَمَاه بِالسَّيْفِ وَادّعى أَنه أدبه فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ، وَثَانِيها الْقَاتِل وَشَرطه أَن يكون عَاقِلا بَالغا فَحَذفهُ من الْبَيْت الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي أَنه يُزَاد على ذَلِك كَونه غير حَرْبِيّ مماثلاً للمقتول فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام حَيْثُ قَالَ: والقود الشَّرْط بِهِ المثليه فِي الدَّم وَالْإِسْلَام والحريه الخ. فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم قَتله فِي حَال حربيته ثمَّ أسلم، وَلَا مُسلم بِكَافِر وَلَو حرا، وَلَا حر مُسلم بِعَبْد كَمَا يَأْتِي. وَثَالِثهَا: الْقَتِيل وَشَرطه أَن يكون مَعْصُوم الدَّم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فَلَا يقْتَصّ من مُسلم قتل مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمر الثَّالِث الَّذِي يثبت بِهِ الْقَتْل فَقَالَ: أَوْ بِالْقِسَامَةِ وَباللَّوْثِ تَجِبْ وَهْوَ بِعَدِلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ (أَو بالقسامة) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا على قتل حر مُسلم مُحَقّق الْحَيَاة فَلَا قسَامَة على قتل
أضدادهم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ (خَ) : والقسامة سَببهَا قتل الْحر الْمُسلم يَعْنِي الْمُحَقق الْحَيَاة، وَلَكِن لَا يُمكن مِنْهَا الْوَلِيّ مُطلقًا بل (وباللوث تجب) وَتثبت لَهُ بِدُونِهِ (وَهُوَ) أَي اللوث أَمر يحصل مِنْهُ غَلَبَة الظَّن بِصدق الْمُدَّعِي وينشأ عَن أُمُور خَمْسَة. أَحدهَا: أَنه ينشأ (بِعدْل) وَاحِد (شَاهد بِمَا طلب) من مُعَاينَة الْقَتْل أَو الضَّرْب أَو الْجرْح تَأَخّر الْمَوْت بِأَكْل أَو شرب أم لَا. كَانَ الْمَقْتُول بَالغا أم لَا. مُسلما أَو كَافِر، والمرأتان العدلتان كالشاهد الْوَاحِد فِيمَا ذكر فَيحلف الْأَوْلِيَاء يَمِينا وَاحِدَة تَكْمِلَة للنصاب أَنه لقد قَتله أَو ضربه ثمَّ خمسين يَمِينا أَنه لقد قَتله أَو لقد ضربه أَو جرحه وَلمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الْقود فِي الْعمد وَالدية فِي الْخَطَأ أَو فِي عدم المماثل، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْهد بِأَنَّهُ قَتله غيلَة فَلَا يقسمون مَعَه لِأَنَّهُ لَا يقبل فِيهَا إِلَّا العدلان على الْمُعْتَمد كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن شَهَادَة الْعدْل لوث وَلَو لم يُوجد أثر الضَّرْب الَّذِي شهد بِهِ، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الضَّرْب قد لَا يظْهر أَثَره فِي خَارج الْجَسَد. وَثَانِيها: أَنه ينشأ عَن شَهَادَة اللفيف كَمَا قَالَ: أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا وَيسْقُطُ الإعْذَارُ فيهم أبَدَا (أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا) اثْنَي عشر فَأكْثر على مَا بِهِ الْعَمَل شهدُوا بمعاينة قَتله أَو ضربه أَو جرحه على نَحْو مَا تقدم فِي الْعدْل الْوَاحِد، وَهَذَا على مَا عِنْد النَّاظِم، وَلَكِن الْعَمَل الْجَارِي بفاس قبُول شَهَادَة اللفيف فِي جَمِيع الْأُمُور فَإِن السِّتَّة مِنْهُم يقومُونَ مقَام الْعدْل الْوَاحِد، وَقد نَص ناظمه على أَن الْعَمَل جرى بِنَفْي الْيَمين مَعَ الاثْنَي عشر، وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام شراحه وَلَو فِي الدِّمَاء لِأَن الاثْنَي عشر فِي مرتبَة العدلين وَنِصْفهَا فِي مرتبَة الْوَاحِد وَعَلِيهِ فشهادته لَيست لوثاً فَقَط بل قَائِمَة مقَام العدلين وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب الخ. لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ حَيْثُ أوجب الْقسَامَة مَعَ غير الْعدْل المتحد أَنَّهَا لَا تجب مَعَ المتعدد الْكثير كَمَا فِي اللفيف الْمَذْكُور. (وَيسْقط الْإِعْذَار) للخصم (فيهم أبدا) لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدم الْعَدَالَة فَلَا يقْدَح فيهم بِكُل مَا يقْدَح بِهِ فِي الْعُدُول من مطل وَلعب نيروز وَحلف بِعِتْق أَو طَلَاق وَعدم أَحْكَام الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَالْغسْل وَنَحْو ذَلِك: نعم لَا بُد فيهم من ستر الْحَال فَلَا يقبل تَارِك الصَّلَاة وَلَا مجاهر بالكبائر من كَثْرَة كذب وَإِظْهَار سكر وَلعب بقمار وسفه ومجون، وَلَا مُتَّهم كصديق وَقَرِيب للْمَشْهُود لَهُ أَو عَدو للْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا وجد فِي الْبَلَد أمثل مِنْهُم، وَأما إِذا عَم الْفساد بالسكر وَكَثْرَة الْكَذِب والمجاهرة بالكبائر. فَلَا يقْدَح فِي شَهَادَتهم بِشَيْء من ذَلِك كَمَا لشارح الْعَمَل عِنْد قَوْله: لَا بُد فِي شَهَادَة اللفيف من ستر حَالهم على الْمَعْرُوف
الخ. وَإِذا سقط الْإِعْذَار فيهم بِمَا ذكر فَلَا بُد أَن يعْذر إِلَى الْقَاتِل فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَت لَك مَنْفَعَة من غير بَاب شُهُود اللفيف فَأثْبت بهَا، أَو لَك تجريح بِالْقَرَابَةِ أَو الْعَدَاوَة أَو المجاهرة بالكبائر ويوسع لَهُ فِي الْأَجَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره. وَثَالِثهَا: أَن ينشأ عَن الْوَاحِد غير الْعدْل كَمَا قَالَ: وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ (وَمَالك) مُبْتَدأ (فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل يُوجب) خبر وقسامة مَفْعُوله والمجروران يتعلقان بِهِ أَي: وَمَالك يُوجب الْقسَامَة بِشَهَادَة الْوَاحِد غير الْعدْل فِيمَا رَوَاهُ أَشهب وَلَا إعذار فِيهِ أَيْضا إِلَّا بِمَا يعْذر بِهِ فِي اللفيف الْمُتَقَدّم، وَهَذَا وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَلَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يهدر هَذَا القَوْل ويلغى بِالنِّسْبَةِ للمتهم الْمَعْرُوف بالعداء لموافقته لما بِهِ الْعَمَل كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بِأَن شَهَادَة غير الْعدْل لوث نظرا إِلَى كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مُتَّهمًا مَعْرُوفا بالعداء وَسَفك الدِّمَاء، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن رحال فِي التدمية الْبَيْضَاء، وَأَيْضًا فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَقد لَا يحضر قَتله إِلَّا غير الْعدْل فشهادته، وَإِن لم توجب قصاصا فَلَا أقل من أَن توجب مَعَ الْقسَامَة الدِّيَة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَسْتُور الْحَال، فشهادته حِينَئِذٍ أقوى فِي اللوث من مُجَرّد قَول الْمُدَّعِي دمي عِنْد فلَان الَّذِي أَشَارَ لَهُ بقوله: أَو بمقَالةِ الْجَرِيحِ المُسْلِمِ البَالِغِ الحُرِّ فُلَانٌ بِدمِ (أَو بمقالة الجريح) أَي الَّذِي بِهِ جرح لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو أثر سم (الْمُسلم الْبَالِغ الْحر) الْعَاقِل وَلَو سَفِيها أَو مسخوطاً ادّعى بذلك على ورع أَو زَوْجَة على زَوجهَا أَو ولد على أَبِيه أَنه ذبحه أَو شقّ بَطْنه (فلَان بدمي) أَي قتلني كَانَ فلَان كَافِرًا ذكرا أَو أُنْثَى حرا أَو عبدا مُسلما أَو ذِمِّيا صَبيا أَو بَالغا عَاقِلا أم لَا. هَذَا إِذا قَالَ: قتلني عمدا بل وَلَو قَالَ: قتلني خطأ فَيقسم الْأَوْلِيَاء ويستحقون الْقود أَو الدِّيَة، وَمَفْهُوم قتلني أَنه إِذا قَالَ: جرحني أَو قطع يَدي فَإِنَّهُ لَا قسَامَة وَهُوَ كَذَلِك مَا لم تكن بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ عَدَاوَة فَإِنَّهُ يحلف ويقتص كَمَا يَأْتِي فِي الْجراح. يَشْهَدُ عَدْلَانِ عَلَى اعْتِرَافِهِ وَصِفةُ التمييزِ مِنْ أَوْصَافِهِ (يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه) أَي على قَوْله فلَان بدمي أَو قتلني وَيسْتَمر على إِقْرَاره، فَلَا
قَالَ: قتلني فلَان بل فلَان بَطل الدَّم، وَكَذَا لَو قيل لَهُ من جرحك؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ: فلَان أَو قَالَ دمي عِنْد فلَان أَو فلَان على جِهَة الشَّك أَو دمي على جمَاعَة، ثمَّ أَبْرَأ بَعضهم أَو دمي على رجل ثمَّ دمي عَلَيْهِ وعَلى غَيره فَإِن تدميته سَاقِطَة كَمَا فِي الْبَيَان (و) الْحَال أَن (صفة التَّمْيِيز) وَقت اعترافه (من أَوْصَافه) فَلَا يقبل قَوْله مَعَ وجود اختلال فِي عقله وَلَو كَانَ بَالغا وَفهم من قَوْله الجريح إِن مقَالَة الَّذِي لَا أثر جرح فِيهِ وَلَا أثر ضرب وَلَا أَنه يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا لَا تقبل، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا لِأَنَّهَا تدمية بَيْضَاء، وَاعْتَمدهُ (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ بِجرح. قَالُوا: وَعَلِيهِ فَلَا يسجن المدمي عَلَيْهِ قبل موت المدمى لِأَنَّهُ قد يتهم أَن يكون أَرَادَ سجنه بِدَعْوَاهُ، فَإِن مَاتَ سجن. وَقَالَ ابْن رحال: الْمَذْهَب قبُول التدمية الْبَيْضَاء لِأَنَّهُ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن مَرْزُوق: وَهُوَ الرَّاجِح نقلا ونظراً قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي للمقلد أَن يُفْتِي بِهِ ثمَّ قَالَ: ومداره على غَلَبَة الظَّن بِصدق المدمى كَمَا قَالَه الشاطبي. أَلا ترى إِذا غضب شرير شَأْنه الفتك على صَالح لأجل شَهَادَة عَلَيْهِ مثلا فَقَالَ الصَّالح: دمي عِنْد فلَان فَإِنَّهُ يقتل بِهِ لِأَن الْغَالِب على الصَّالح أَنه لَا يكذب عَلَيْهِ انْتهى. وَكله مَأْخُوذ من كَلَام اللَّخْمِيّ، وَنَصّ الْمَقْصُود مِنْهُ على نقل الأبي الْقَائِل بأعمال التدمية، وَإِن لم يظْهر لَهَا أثر. أصبغ: وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق الرِّوَايَات وَالْقَائِل بإلغائها حَتَّى يظْهر الْأَثر. ابْن كنَانَة وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَابْن رشد وَبِه الْعَمَل. قَالَ اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يعلم أَنه قد كَانَ بَينهمَا قتال وَيلْزم الْفراش عقب ذَلِك، أَو كَانَ يتَصَرَّف تصرف مشتك عَلَيْهِ دَلِيل المرضى وَتَمَادَى بِهِ ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَالَ: يَعْنِي الأبي وباختيار اللَّخْمِيّ هَذَا أَفْتيت اه. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا يَأْتِي فِي الْجراح من أَن من ادّعى على شخص أَنه قطع يَده مثلا وَكَانَت بَينهمَا عَدَاوَة أَنه يحلف ويقتص مِنْهُ، وَهَذَا كُله مِمَّا يُقَوي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب. من أَنه يعْمل بِشَهَادَة غير الْعدْل على الْمَعْرُوف بالعداء، وَيُقَوِّي أَيْضا مُسْتَند الْعَمَل الْمُتَقَدّم فِي الْغَضَب وَالله أعلم. وَاحْترز بِالْمُسلمِ من الْكَافِر، وبالبالغ من الصَّبِي، وبالحر من العَبْد، وبالمميز من المختل الْعقل فَلَا عِبْرَة بتدميتهم وَكَيْفِيَّة وثيقتها عاين شهيداه يَوْم تَارِيخه فلَانا وبرأسه أَو يَده أَو جسده جرح مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا أَو بجسده نفخ، وأشهدهم أَن فلَانا أَصَابَهُ بذلك عمدا أَو خطأ، أَو أشهدهم أَن مَمْلُوك فلَان أَصَابَهُ بذلك بِأَمْر سَيّده فلَان وتحريضه عَلَيْهِ، وَقَوله لَهُ: اضْرِب اضْرِب اقْتُل اقْتُل وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت فَمَتَى قضى الله بوفاته ففلان المؤاخذ بدمه أَو فلَان ومملوكه المؤاخذان بِهِ إشهاداً صَحِيحا عَارِفًا قدره وَهُوَ فِي صِحَة عقله وثبات ميزه وَمرض من ألم الْجرْح وطوع وَجَوَاز وعرفه وَعرف المدمى عَلَيْهِ وَفِي كَذَا بِأَن سقط مِنْهَا مُعَاينَة الْجرْح الْمَذْكُور وَمَا مَعَه أَو لم يقل مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ الخ. فَإِنَّهَا تدمية بَيْضَاء لِأَن الْجرْح الْخَفِيف لَا يعْتَبر، وَقد علمت مَا فِي الْبَيْضَاء من الْخلاف، وَالرَّاجِح أَعمالهَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لغَلَبَة الْفساد كَمَا مر، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت بَينهمَا عَدَاوَة. وَقَوْلِي: وأشهدهم الخ.
لَا مَفْهُوم لَهُ بل وَكَذَلِكَ إِذا لم يشهدهم وَإِنَّمَا قَالُوا سمعنَا مِنْهُ ذَلِك يحكيه للْغَيْر كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْله: يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه، وَقَوله: أَو بمقالة الجريح، وَقَول (خَ) : كَأَن يَقُول بَالغ حر الخ. وَقَوله: عمد أَو خطأ لَا مَفْهُوم لَهُ أَيْضا، بل كَذَلِك إِذا لم يبين عمدا وَلَا خطأ فَإِن أولياءه يبينون ويقسمون على مَا بينوا فيستحقون كَمَا قَالَ (خَ) أَو أطلق وبينوا لَا خالفوا أَي لَا إِن قَالَ عمدا وَقَالُوا هم خطأ أَو بِالْعَكْسِ، فَتبْطل التدمية. وَقَوْلِي: بِأَمْر سَيّده احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِن السَّيِّد لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقَوله: اضْرِب اضْرِب الخ. زِيَادَة تَأْكِيد وإلاَّ فَقَوله بِأَمْر سَيّده كَاف فِي مُؤَاخذَة سَيّده (خَ) وكأب أَو معلم أَمر ولدا صَغِيرا أَو سيد أَمر عبدا مُطلقًا الخ. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي الثَّالِث أمره لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فالتدمية كَذَلِك لِأَنَّهَا هَهُنَا قَائِمَة مقَام الْبَيِّنَة. وَقَوله: وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت إِلَى قَوْله إشهاداً صَحِيحا الخ. كُله إِن سقط من الرَّسْم لم يضر، وَكَذَا قَوْله عَارِفًا قدره لِأَنَّهُ مَحْمُول على مَعْرفَته، وَكَذَا قَوْله وَهُوَ فِي صِحَة عقله إِلَى قَوْله وَجَوَاز الخ. لِأَنَّهُ مَحْمُول على ثبات الْعقل والطوع وَالْجَوَاز حَتَّى يثبت اختلال عقله وإكراهه، وَأما السَّفِيه فَإِنَّهُ يعْمل بتدميتة، وَقَوله: وعرفه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف فَإِن كَانَ الشَّاهِد مَعْرُوفا بالضبط والتحفظ صحت وَإِلَّا سَقَطت، والا أَن تكون على مَشْهُور مَعْرُوف كَمَا مّر. قَوْله: وَعرف المدمى عَلَيْهِ لَا يضر سُقُوطه إِذا وَصفه بصفاته الَّتِي يتَمَيَّز بهَا كَمَا يَأْتِي آخر الْبَاب فِي قَوْله: وسوغت قسَامَة الْوُلَاة الخ. فَإِن لم يصفه فَلَا يضر أَيْضا لِأَن الأَصْل أَنه هُوَ حَتَّى يثبت من يُشَارِكهُ فِي الْبَلَد فِي اسْمه وَنسبه (خَ) آخر الْقَضَاء: وَإِن لم يُمَيّز فَفِي أعدائه أَو لَا حَتَّى تثبت أحديته قَولَانِ. أرجحهما أعداؤه وَعَلِيهِ إِثْبَات أَن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ وَسُقُوط التَّارِيخ لَا يضر أَيْضا كَمَا مر أول الْكتاب، ثمَّ إِن الْأَوْلِيَاء لَا يمكنون من الْقسَامَة فِي هَذَا الْمِثَال، وَفِي غَيره حَيْثُ لم يحضر جسده حَتَّى يثبت موت المدمى كَمَا قَالَ (خَ) إِن ثَبت الْمَوْت، وَيَأْتِي قَول النَّاظِم أَيْضا بعد ثُبُوت الْمَوْت الخ. وَيكْتب فِيهِ عاين شهيداه يَوْم كَذَا فلَانا المدمى بمحوله أَو أَعْلَاهُ مَيتا أَو تَقول يعرف شُهُوده فلَانا معرفَة تَامَّة لعَينه واسْمه وَنسبه، وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُ توفّي من الْجرْح الَّذِي دمي بِهِ على فلَان قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ وتتبين إِفَاقَته، وَفِي كَذَا فَإِن سقط من الرَّسْم قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ الخ. لم يضر لِأَن الأَصْل الِاسْتِصْحَاب حَتَّى يثبت بُرْؤُهُ وهم إِنَّمَا عَلقُوا الحكم بالقسامة على ثُبُوت الْمَوْت لَا على كَونه قبل الْبُرْء، وَقَول صَاحب الْمُفِيد من تَمام الشَّهَادَة أَن يَقُولُوا إِن الجريح لم يفق من جرحه فِي علمهمْ الخ. إِنَّمَا يَعْنِي من تَمامهَا على وَجه الْكَمَال لَا على وَجه الشّرطِيَّة بِدَلِيل قَول ابْن مغيث وَغَيره: إِذا ثبتَتْ صِحَة المدمى سَقَطت التدمية وَبِه الْفتيا فَقَوله: إِذا ثبتَتْ الخ. صَرِيح فِي أَنه إِذا لم تثبت فَيبقى الْأَمر على حَاله. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى خَامِس الْأُمُور الَّتِي ينشأ عَنْهَا اللوث فَقَالَ عاطفاً على: بمقالة الجريح أَو على بِعدْل شَاهد بِمَا طلب. أَو بقتيلٍ مَعَهُ قد وُجِدَا مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عليهِ قَدْ بَدَا (أَو بقتيل) من نَعته وَصفته (مَعَه قد وجدا من) بِفَتْح الْمِيم مَوْصُول نَائِب فَاعل وجد (أثر
الْقَتْل) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (عَلَيْهِ قد بدا) خَبره، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صلَة من وَمَعَهُ يتَعَلَّق بوجد، وَالتَّقْدِير أَو بمقتول قد وجد مَعَه الشَّخْص الَّذِي أثر الْقَتْل قد بدا عَلَيْهِ، وَهَذَا نَحْو قَول الْجلاب إِن وجد قَتِيل وبقربه رجل مَعَه سيف أَو عَلَيْهِ شَيْء من دم أَو عَلَيْهِ أثر الْقَتْل فَهُوَ لوث (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب اللوث أَو رَآهُ أَي الْعدْل الْوَاحِد أَو العدلان يَتَشَحَّط فِي دَمه وَالْمُتَّهَم قربه وَعَلِيهِ أَثَره الخ. أَي: أَو خَارِجا من مَكَان الْمَقْتُول وَلم يُوجد فِيهِ غَيره وَلَا مَفْهُوم لقَوْله يَتَشَحَّط كَمَا يفِيدهُ مرَّ عَن الْجلاب، وَقيل لَيْسَ ذَلِك بلوث، وَبِه قَالَ ابْن زرب، وَأفْتى بِهِ ابْن عتاب قَالَ ابْن سهل: وَبِه جرى الْعَمَل، وَبِه أفتى سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي حَسْبَمَا فِي أول الدِّمَاء من العلمي لَكِن اقْتِصَار (خَ) وَابْن الْحَاجِب على الأول يشْعر بِأَن ذَلِك الْعَمَل قد نسخ وَصَارَ الْعَمَل على خِلَافه إِذْ لَو كَانَ ذَلِك الْعَمَل مستمراً مَا صَحَّ لَهما إهماله وَعدم ذكره فَلَا تغتر بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور، وَلَا بِمَا أفتى بِهِ الجلالي تبعا لِابْنِ عتاب وَالله أعلم. وَفِي ابْن سهل عَن مَالك وَابْن الْقَاسِم فِي رجلَيْنِ شَهدا أَنه مر بهما ثَلَاثَة رجال يحملون خَشَبَة وَمَعَهُمْ صبي هُوَ ابْن لأَحَدهم، فَلَمَّا غَابُوا عَنْهُمَا سمعا وَقع الْخَشَبَة فِي الأَرْض وبكاء الصَّبِي فاتبعاهم فوجدا الْخَشَبَة فِي الأَرْض وَالصَّبِيّ يَمُوت فِي حجر أَبِيه وَمَات من سَاعَته قَالَ: هِيَ شَهَادَة قَاطِعَة تجب فِيهَا الدِّيَة على عواقلهم وَإِن لم يشْهدُوا بالمعاينة. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَمثله لَو شَهدا أَنَّهُمَا رَأيا رجلا خرج من دَار فِي حَال رِيبَة فاستنكراه فدخلا الدَّار من ساعتهما فواجدا قَتِيلا يسيل دَمه وَلَا أحد فِي الدَّار غير الْخَارِج فَهِيَ شَهَادَة قَاطِعَة، وَإِن لم تكن على المعاينة يَعْنِي يثبت الدَّم فِيهَا بِدُونِ قسَامَة. وَبَقِي على النَّاظِم مِثَال سادس، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهِدَانِ بمعاينة جرح أَو ضرب لحر مُسلم أَو غَيرهمَا، سَوَاء وجدا أثر الْجرْح وَالضَّرْب أم لَا. ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت عَن كَلَامه أَو أكله أَو شربه فَيقسم الْأَوْلِيَاء لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الدَّم أَو الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَفِي غير المكافىء وَلَهُم أَن يتْركُوا الْقسَامَة ويقتصون من الْجَارِح فِي الْعمد وَيَأْخُذُونَ دِيَته فِي الْخَطَأ. وَمِثَال سَابِع، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهد وَاحِد على إِقْرَار الْقَاتِل بِالْقَتْلِ عمدا إِلَّا أَن شهد على إِقْرَاره خطأ فَلَيْسَ بلوث لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل الِاعْتِرَاف على الْمُعْتَمد وَتَكون الدِّيَة فِي مَاله، نعم إِن شهد شَاهد بِإِقْرَارِهِ فِي الْخَطَأ وَشهد آخر بمعاينة الْقَتْل خطأ فلوث فيقسمون ويستحقون الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَهَذِه الْأَمْثِلَة كلهَا فِي (خَ) مَا عدا اللفيف وَغير الْعدْل. وَيُزَاد أَيْضا مِثَال ثامن، وَهُوَ السماع الفاشي بِأَنَّهُم قَتَلُوهُ كَمَا مّر فِي الشَّهَادَات وَأما مَا فِي (م) من زِيَادَة مِثَال شَاهد على الإجهاز أَي الْقَتْل أَو على مُعَاينَة الضَّرْب، ثمَّ يَمُوت بعد أَيَّام فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ بالمثال الأول فِي النّظم، وَكَذَا مَا زَاده (ت) من قَوْله: وكشاهد بذلك أَي بالمعاينة إِن ثَبت الْمَوْت الخ. فَإِنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ إِذْ هُوَ
دَاخل فِي الْمِثَال الأول أَيْضا، وَأما قَوْله: إِن ثَبت الْمَوْت فَهُوَ شَرط فِي جَمِيع أَمْثِلَة اللوث كَمَا مر. وَهْيَ بخَمْسِينَ يَمِينا وُزِّعَتْ عَلَى الذّكُورِ وَلأُنْثَى مُنِعَتْ (وَهِي) أَي الْقسَامَة (بِخَمْسِينَ يَمِينا) الْبَاء زَائِدَة وَلَو حرك الْهَاء لاستغنى عَنْهَا (وزعت على الذُّكُور) الْمُكَلّفين من الْأَوْلِيَاء إِن كَانُوا أقل من خمسين كولدين فَيحلف كل مِنْهُمَا خمْسا وَعشْرين، فَإِن انْكَسَرت كثلاثة بَنِينَ حلف كل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة عشر، وَكَذَا لَو كَانُوا ثَلَاثِينَ أَخا فَإِنَّهُ يجب لكل وَاحِد يَمِين وَثُلُثَانِ فَيحلف كل وَاحِد يمينين فَإِن قَالُوا: يحلف عشرُون منا يمينين لكل وَاحِد وَعشرَة يَمِينا لكل وَاحِد لم يمكنوا من ذَلِك على الْأَصَح، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا جبرها على أَكثر كسرهَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِك فِي الْخَطَأ لِأَنَّهُ يحلفها كل من يَرث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وَفهم من قَوْله: وزعت أَنهم إِذا كَانُوا أَكثر من خمسين لَا توزع بل يَكْتَفِي بِحلف الْخمسين وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا كَانَ الْعصبَة خمسين أَو أقل أَو أَكثر فطاع إثنان يحلف جَمِيع الْأَيْمَان فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بذلك (خَ) : واجتزى بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر. (ولأنثى منعت) فَلَا تحلف شَيْئا من أيمانها لِأَن الْحلف شَهَادَة وَالْأُنْثَى لَا تشهد فِي الْعمد، وَظَاهر أَن الْعصبَة يحلفونها وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض وَهُوَ كَذَلِك فَإِن لم يُوجد للمقتول عاصب وَلَو من الموَالِي الأعلين صَار الْمَقْتُول بِمَنْزِلَة من لَا وَارِث لَهُ فَترد الْإِيمَان على المدمى عَلَيْهِ فَإِن حَلفهَا ضرب مائَة وَحبس عَاما وَإِلَّا حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه، ثمَّ إِنَّهُم إِنَّمَا يمكنون من الْقسَامَة حَيْثُ كَانَت الشَّهَادَة بِأَنَّهُ ضربه أَو جرحه وَتَأَخر مَوته وَلم يُوجد جسده حَيا وَلَا مَيتا. بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلَاةِ وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى البَتَاتِ (بعد ثُبُوت الْمَوْت) كَمَا مّر لاحْتِمَال كَونه حَيا. وَقَوْلِي: ضربه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا شهد شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قَتله أَو على إِقْرَاره بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج لثُبُوت الْمَوْت وَإِن رَجَعَ عَن إِقْرَاره لِأَنَّهُ ثَابت بِمَا ذكر (و) بعد ثُبُوت (الْوُلَاة) وَأَنَّهُمْ عصبته المستحقون لدمه فَحِينَئِذٍ يمكنون مِنْهَا (ويحلفونها) وَلَاء (على الْبَتَات) لَا على نفي الْعلم (خَ) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا مُتَوَالِيَة بتاً وَإِن أعمى أَو غَائِبا الخ. وَذَلِكَ لِأَن أَسبَاب الْعلم تحصل بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَر كَمَا تحصل بالمعاينة فيعتمد كل وَاحِد مِنْهُم على ذَلِك ويبت الْيَمين (خَ) : وَاعْتمد البات على ظن قوي الخ. فَفِي الشَّاهِدين بمعاينة الضَّرْب أَو الْجرْح، ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت يقسمون لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَفِي الشَّاهِد لوَاحِد بذلك
يقسمون لقد ضربه وَلمن ضربه مَاتَ فِي كل يَمِين من الْخمسين، فَإِن شهد الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل فيقسمون لقد قَتله كَمَا مّر فِي الْمِثَال الأول، ثمَّ إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ فَيحلف كل وَارِث مِنْهُم جَمِيع حَظه وَلَو قبل حلف أَصْحَابه، وَمن نكل سقط حَظه من الدِّيَة، وأمّا فِي الْعمد فَيحلف هَذَا يَمِينا وَهَذَا يَمِينا فَإِذا كَانُوا عشرَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم يَمِينا يَمِينا ثمَّ تُعَاد فَيحلف كل وَاحِد كَذَلِك، وَهَكَذَا لِأَنَّهُ فِي الْعمد إِذا نكل وَاحِد بَطل الدَّم فتذهب أَيْمَان من حلف بَاطِلا. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا قتل الْأَوْلِيَاء الْقَاتِل قبل الْقسَامَة فَهَل يقتلُون وَهُوَ الَّذِي فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْمَوَّاز لأَنهم قتلوا قبل أَن يستحقوا، أَو يمكنون من الْقسَامَة فَإِن نكلوا قتلوا حِينَئِذٍ، وَبِه أفتى المجاصي وَمن وَافقه، وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَام ابْن عَرَفَة آخرا وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام العلمي فِي نوازله. الثَّانِي: لَو صَالح الْعصبَة على مَال بعد الْقسَامَة وَالْحَال أَنهم محجوبون بذوي الْفُرُوض، فَإِن مَا وَقعت الْمُصَالحَة بِهِ يكون مِيرَاثا بعد أَن تقضى بِهِ دُيُونه وَلَا شَيْء للْعصبَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: مَا أَخذ فِي صلح الْعمد تقضى بِهِ دُيُون الْمَقْتُول وَبَاقِيه يُورث على فَرَائض الله وَنَحْوه فِي أَوَائِل الدِّمَاء من العلمي، وَهَذَا ظَاهر إِذا لم يكن الْعصبَة اشترطوا على الْوَرَثَة أَنهم إِنَّمَا يصالحون إِذا أسهموهم من مَال الصُّلْح قدرا مَعْلُوما وإلاَّ فَيعْمل على شرطهم لأَنهم إِنَّمَا تركُوا قَتله حِينَئِذٍ لمَال يأخذونه فيوصى لَهُم بذلك وَالله أعلم. وَتُقْلَبُ الأَيْمَانُ مهما نَكَلَا وَليُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلَا (وتقلب الْأَيْمَان) أَي أَيْمَان الْقسَامَة (مهما نكلا ولي مقتول) أَي نكلوا كلهم وهم فِي دَرَجَة وأحدة أَو بَقِي وَاحِد مِنْهُم وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا (على من قتلا) أَي تقلب على الْمُدعى عَلَيْهِ، فَإِن كَانُوا جمَاعَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم خمسين يَمِينا فَمن حَلفهَا برىء من الْقَتْل وَضرب مائَة وَحبس عَاما، وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه على الْمَشْهُور (خَ) : ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر بِخِلَاف غَيره وَلَو بعدوا، فَترد على الْمُدعى عَلَيْهِم وَيحلف كل خمسين يَمِينا وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَا استعانة الخ. وَقيل لَهُ أَن يَسْتَعِين فَيحلف مَعَه عصبته كَمَا يَسْتَعِين ولي الْمَقْتُول بعصبته على مَا يَأْتِي، وَقَوْلِي: وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا الخ. إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يبطل الدَّم بنكول الْبَعْض لِأَن نُكُوله قد يكون على وَجه التورع عَن الْأَيْمَان فِي الْغَالِب فللباقي أَن يحلف إِن كَانَ مُتَعَددًا وَإِن كَانَ وَاحِدًا فيستعين بعصبته وَلَا يبطل حَقه كَمَا جزم بِهِ (ت) تبعا
للشراح خلافًا لما فِي ابْن رحال من أَنه يبطل بنكول الْبَعْض، وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال وَلَكِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم. وَيَحْلِفُ اثنانِ بهَا فَمَا عَلَا وَغَيْرُ وَاحِدٍ بهَا لَنْ يُقْتَلَا (وَيحلف اثْنَان بهَا) أَي فِي قسَامَة الْعمد (فَمَا علا) أَي فَمَا زَاد عَلَيْهِمَا (خَ) : وَلَا يحلف فِي الْعمد أقل من رجلَيْنِ عصبَة من نسب الْقَتِيل وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض كَمَا مّر فَإِن لم يوجدوا فمواليه الذُّكُور الأعلون لأَنهم عصبَة، وَإِنَّمَا لم يحلف أقل من رجلَيْنِ لِأَن ذَلِك كَالشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يقتل بِأَقَلّ من شَاهِدين، وَلذَلِك لَا يحلفها النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ لَا يشهدن فِي الْعمد فَإِن لم يُوجد عاصب أصلا فَترد الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا مر. فَتحصل أَن الْأَيْمَان تقلب فِيمَا إِذا لم يُوجد عاصب أصلا وَفِيمَا إِذا وجدوا، وَلَكِن نكلوا عَنْهَا أَو عَن بَعْضهَا فَإِن وجد عاصب وَاحِد فَلهُ أَن يَسْتَعِين عَلَيْهَا بعصبة نَفسه، وَإِن لم يَكُونُوا عصبَة للمقتول كامرأة مقتولة لَيْسَ لَهَا غير ابْنهَا وَله أخوة من أَبِيه فيستعين بهم أَو بِوَاحِد مِنْهُم أَو بِعَمِّهِ، ثمَّ إِذا نكل هَذَا الْمُسْتَعَان بِهِ فنكوله غير مُعْتَبر (خَ) : وللولي الِاسْتِعَانَة بعاصبه إِلَى قَوْله ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر الخ. يَعْنِي وَينظر الْوَلِيّ من يَسْتَعِين بِهِ غير هَذَا الناكل فَإِن لم يجد ردَّتْ الْأَيْمَان كَمَا مر. (وَغير وَاحِد بهَا) أَي الْقسَامَة (لن يقتلا) فَإِذا قَامَ اللوث على جمَاعَة أَو قَالَ دمي عِنْدهم أَو قَامَت بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ الفاشي أَنهم قَتَلُوهُ فَالْمَشْهُور أَنهم يقسمون على وَاحِد مِنْهُم يعينونه لَهَا وَيَقُولُونَ لقد قَتله أَو لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَلَا يَقُولُونَ لقد قَتَلُوهُ أَو لمن ضَربهمْ أَو جرحهم مَاتَ (خَ) : وَوَجَب بهَا الدِّيَة فِي الْخَطَأ والقود فِي الْعمد من وَاحِد يعين لَهَا الخ. وَقَالَ أَشهب: يقسمون على جَمِيعهم ثمَّ يختارون وَاحِدًا للْقَتْل: قلت: وَهُوَ أظهر لِأَن الْأَوْلِيَاء تَارَة يتَرَجَّح لَهُم الْأَقْوَى فعلا فيقسمون عَلَيْهِ، وَتارَة لَا يتَرَجَّح لَهُم فيقسمون على الْجَمِيع لِئَلَّا يحلفوا غموساً، وَالْمَشْهُور يَقُول فِي هَذِه إِمَّا أَن يحلفوا غموساً أَو يبطل حَقهم فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنه تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح مَعَ لُزُوم الْغمُوس أَو إهدار دم الْمَقْتُول، وَأَشْهَب لَا يلْزمه إلاَّ التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَالله أعلم. وعَلى الْمَشْهُور لَو قدم وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بعد الْقسَامَة عَلَيْهِ بِعَيْنِه فَأقر غَيره بِأَنَّهُ الَّذِي قَتله خير الْأَوْلِيَاء فِي قتل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يمكنون من قَتلهمَا مَعًا قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية والمجموعة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه لَا قسَامَة فِي غير الْحر الْمُسلم وَفِي غير مُحَقّق الْحَيَاة فَقَالَ:
وَلَيْسَ فِي عبْدٍ وَلَا جَنينِ قَسَامَةٌ وَلَا عَدُوِّ الدِّينِ (وَلَيْسَ فِي) قتل (عبد وَلَا جَنِين قسَامَة وَلَا) فِي قتل (عَدو الدّين) من ذمِّي أَو معاهد وَلَا فِي جرح فَإِذا قَالَ العَبْد أَو الْكَافِر: دمي عِنْد فلَان أَو قَالَت الْمَرْأَة: جنيني عِنْد فلَان فَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِينا وَاحِدَة وَيبرأ وَكَذَا إِن قَالَ شخص: جرحني فلَان فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف لرد دَعْوَاهُ مَا لم تكن تقدّمت بَينهمَا عَدَاوَة على مَا يَأْتِي فِي فصل الْجراح، فَإِن قَامَ شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قتل العَبْد أَو ضرب الْمَرْأَة أَو على إِقْرَار الْقَاتِل أَو الضَّارِب بذلك أَو شَهَادَة سَماع على ذَلِك وَنَحْو ذَلِك من أَمْثِلَة اللوث حلف سيد العَبْد يَمِينا وَاحِدَة وَأخذ قِيمَته وَولي الْكَافِر وَأخذ دِيَته وَلَو من كَافِر مكافىء للمقتول ووارث الْجَنِين وَأخذ غرته، وَإِن نكلوا حلف الْقَاتِل وَاحِدَة أَيْضا وبرىء فَإِن ثَبت ضرب الْمَرْأَة حَتَّى أَلْقَت جَنِينهَا بِشَاهِد وَاحِد وَمَاتَتْ كَانَت الْقسَامَة فِي الْمَرْأَة وَيَمِين وَاحِدَة مَعَ الشَّاهِد فِي الْجَنِين، إِذْ لَا مدْخل للقسامة فِي الْجَنِين، وَكَذَلِكَ فِي الْجرْح يحلف مَعَ شَاهده وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الدِّيَة فِي الْخَطَأ. (خَ) : وَمن أَقَامَ شَاهدا على جرح أَو قتل كَافِر أَو عبد أَو جَنِين حلف وَاحِدَة وَأخذ الدِّيَة يَعْنِي: واقتص فِي جرح الْعمد وَإِن نكل برىء الْجَارِح وَمن مَعَه إِن حلف وَإِلَّا يحلف غرم فِي الصُّور كلهَا مَا عدا جرح الْعمد فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يحلف. والقوَدُ الشَّرْطُ بهِ المُثْلِيَّه فِي الدَّمِ بالإسْلامِ وَالحُرِّيَّهْ (والقود) وَهُوَ الْقصاص سمي قوداً لِأَن الْعَرَب كَانَت تقود الْجَانِي بِحَبل وتسلمه لوَلِيّ الدَّم (الشَّرْط) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ) أَي فِيهِ (المثلية) خبر عَن الثَّانِي وهما خبران عَن الأول (فِي الدَّم) يتَعَلَّق بِالشّرطِ (بِالْإِسْلَامِ) الْبَاء بِمَعْنى فِي يتَعَلَّق بالمثلية (وَالْحريَّة) مَعْطُوف على الْإِسْلَام وَالتَّقْدِير: والقود فِي الدَّم أَي الْقَتْل شَرط فِيهِ زِيَادَة على شَرْطِيَّة التَّكْلِيف الْمُتَقَدّمَة المثلية فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت. وَتقدم أَن من جملَة الشُّرُوط أَن يكون الْقَاتِل غير حَرْبِيّ فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم وَلَا مُسلم وَلَو عبدا بِكَافِر وَلَو حرا كذمي وَلَا حر مُسلم برقيق وَلَو مُسلما، وَكَذَا لَو رمى عبد رَقِيقا مثله فِي الدّين فَعتق الرَّامِي قبل موت المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي بِالْحُرِّيَّةِ حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَته، وَلَو رمى حَرْبِيّ مُسلما ثمَّ صَار الرَّامِي من أهل الْإِسْلَام أَو أهل الذِّمَّة ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حَرْبِيّ حِين السَّبَب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو رمى حر ذمِّي عبدا ذِمِّيا ثمَّ حَارب الرَّامِي فَأخذ واسترق ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي حِين السَّبَب عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِن ساواه حِين الْمَوْت، وَكَذَا لَو رمى مُسلم كَافِرًا أَو مُرْتَدا فَأسلم قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ ثمَّ وصلته لم يقتل لزِيَادَة الرَّامِي عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ حِين السَّبَب
وَإِن ساواه حِين الْقَتْل، وَعَلِيهِ دِيَة مُسلم عِنْد ابْن الْقَاسِم كمن رمى صيدا وَهُوَ حَلَال فَلم تصل الرَّمية إِلَيْهِ حَتَّى أحرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ. (خَ) : إِن أتلف مُكَلّف وَإِن رق غير حَرْبِيّ وَلَا زَائِدَة حريَّة أَو إِسْلَام حِين الْقَتْل فالقود الخ. وَاحْترز النَّاظِم بقوله فِي الدَّم أَي فِي الْقَتْل من الْجرْح فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى كَمَا يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وَقَتْلُ مُنْحَطٍ مَضَى بالعالِي لَا العكْسُ والنساءُ كالرِّجَالِ (وَقتل منحط مضى بالعالي) فَيقْتل العَبْد الْمُسلم بِالْحرِّ الْمُسلم، وَكَذَا الْكَافِر بِالْمُسلمِ وَلَو عبدا لِأَنَّهُ أشرف مِنْهُ (لَا لعكس) أَي لَا يقتل العالي بالمنحط عَنهُ لعدم وجود المثلية فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ اشْترط فِي الْقود أَن يماثله من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت، فَإِذا كَانَ أَعلَى مِنْهُ بِالْحُرِّيَّةِ أَو الْإِسْلَام حِين السَّبَب أَو الْمُسَبّب لم يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الْأَمْثِلَة، وَيفهم من هَذَا أَنه إِذا حدث الْعُلُوّ بِالْإِسْلَامِ وَالْحريَّة بعدهمَا أَي السَّبَب والمسبب لم يسْقط الْقصاص فَإِذا قتل عبد مثله أَو كَافِر مثله ثمَّ أسلم الْكَافِر أَو أعتق العَبْد فَلَا يسْقط الْقصاص لِأَن الْمَانِع إِذا حصل بعد ترَتّب الحكم لَا أثر لَهُ (خَ) : وَلَا يسْقط الْقَتْل عِنْد الْمُسَاوَاة بزوالها بِعِتْق أَو إِسْلَام الخ. وَمثل الْقَتْل الْجرْح فَإِذا قطع رِجل أَو يَد حر مُسلم ثمَّ ارْتَدَّ المقطوعة يَده فالقصاص، وَيفهم أَيْضا من حصره الْعُلُوّ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام أَنه لَا علو إِلَّا بهما، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا أثر لعلو بشرف وَفضل أَو عَدَالَة أَو سَلامَة أَعْضَاء أَو رجولية، بل يقتل الشريف بالمشروف وَالْعدْل بالفاسق وَالصَّحِيح بالمريض وبالأعمى والمقطوع وَالرجل بِالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ:(وَالنِّسَاء كالرجال) وَكَذَا لَا أثر للعدد أَيْضا فَتقْتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (خَ) : وَقتل الْأَدْنَى بالأعلى كحر كتابي بِعَبْد مُسلم وَالْكفَّار بَعضهم بِبَعْض من كتابي ومجوسي وَمُؤمن كذوي الرّقّ وَذكر وصحيح وضديهما الخ. فَقَوله: وَالْكفَّار الخ. أَي لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة فَيقْتل الْكِتَابِيّ بالمجوسي وَالْمُؤمن بِغَيْرِهِ، وَقَوله: كذوي الرّقّ أَي وَلَو كَانَ الْقَاتِل ذَا شَائِبَة فَإِنَّهُ يقتل بِمن لَا شَائِبَة فِيهِ، وَقَوله وضديهما أَي ضد الذّكر الْمَرْأَة وضد الصَّحِيح السقيم فَيقْتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَالصَّحِيح بالمريض، وَقَالَ أَيْضا: وَيقتل الْجمع بِوَاحِد والمتمالئون وَإِن بِسَوْط سَوط والمتسبب مَعَ الْمُبَاشر الخ. وَالشّرطُ فِي المقْتُولِ عِصمَةُ الدَّمِ زِيادةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ
(وَالشّرط فِي الْمَقْتُول) الَّذِي يقْتَصّ لَهُ من قَاتله (عصمَة الدَّم) من حِين السَّبَب الَّذِي هُوَ الرَّمْي إِلَى حِين الْمَوْت فَلَو قتل مُسلم زَانيا مُحصنا أَو قَاتل غيلَة فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ لعدم عصمَة دمهما وَإِن كَانَا متساويين لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، بل لَو قَتلهمَا ذمِّي لم يقتل بهما لعدم عصمَة دمهما وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب للافتيات على الإِمَام، وَكَذَا لَو رمى مُسلم مثله فَارْتَد المرمى قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ فوصلت إِلَيْهِ وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ وَكَذَا لَو جرحه فَارْتَد الْمَجْرُوح أَو زنى فِي حَال إحْصَانه ثمَّ نزى وَمَات لِأَنَّهُ صَار إِلَى مَا أحل دَمه فِي الصُّورَتَيْنِ وَلم تستمر عصمته للْمَوْت، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَة الْمُرْتَد وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمُحصن غير الْأَدَب لافتياته على الإِمَام. وَكَذَا لَو رمى كتابي مُرْتَدا فجرحه ثمَّ أسلم الْمُرْتَد ونزى وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حِين السَّبَب كَانَ غير مَعْصُوم (زِيَادَة) مَنْصُوب على الْحَال أَي حَال كَون الْعِصْمَة زِيَادَة (لشرطه) أَي على الشَّرْط فِي الْقصاص (المستقدم) لِأَنَّهُ تقدم لَهُ أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص ثُبُوت الْقَتْل عمدا، وَكَون الْقَاتِل مُكَلّفا مكافئاً للمقتول أَي غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ، وَيُزَاد على ذَلِك كَون الْمَقْتُول مَعْصُوم الدَّم لِأَنَّهُ قد يكون مكافئاً فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، وَلَكِن دَمه غير مَعْصُوم كَمَا مر. وَلَو أبدل النَّاظِم هَذَا الشّطْر بقوله: من حَالَة الرَّمْي لوقت الْعَدَم، لوفى بالمراد. وَقد اشْتَمَل كَلَامه من أول الْفَصْل إِلَى هُنَا على أَرْكَان الْقصاص الثَّلَاثَة كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهَا، وَالْفُقَهَاء يطلقون على الرُّكْن شرطا وَبِالْعَكْسِ، وَأَشَارَ (خَ) لهَذَا الرُّكْن بقوله: مَعْصُوما للتلف والإصابة الخ. أَي مَعْصُوما للْمَوْت لَا حِين الْجرْح فَقَط وللإصابة لَا حِين الرَّمْي فَقَط. وإنْ وَلِيُّ الدَّمِ للمَالِ قَبِلْ والقوْدَ استحقَّهُ فِيمَن قُتِلْ (وَإِن ولي الدَّم) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (لِلْمَالِ) اللَّام زَائِدَة لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله (قبل) الْمُفَسّر للمحذوف الْمَذْكُور (و) الْحَال أَن (الْقود اسْتَحَقَّه) الْوَلِيّ الْمَذْكُور (فِيمَن) أَي فِي قَرِيبه الَّذِي (قتل) وَمَعْنَاهُ أَن الْوَلِيّ إِذا قبل المَال كَانَ أقل من الدِّيَة أَو أَكثر، وَقد كَانَ اسْتحق الْقود فِي قَرِيبه الْمَقْتُول بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فَفِي ذَلِك قَولَانِ لأَشْهَب وَابْن الْقَاسِم. فأشهبُ قَالَ لِلاستِحْيَاءِ يُجْبَرُ قاتلٌ على الإعْطَاءِ (فأشهب قَالَ للاستحياء يجْبر قَاتل على الْإِعْطَاء) لِلْمَالِ الَّذِي قبله الْوَلِيّ إِذا كَانَ مَلِيًّا بِهِ.
وليسَ ذَا فِي مَذْهبِ ابنِ القَاسِمِ دونَ اخْتيارِ قاتِلٍ بِلَازمِ (وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار قَاتل بِلَازِم) الْإِشَارَة بذا للجبر الْمُتَقَدّم أَي لَيْسَ الْجَبْر على دفع المَال الَّذِي قبله الْوَلِيّ لَازِما فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار الْقَاتِل لَهُ وَرضَاهُ بِهِ، لِأَن الْوَاجِب عِنْده هُوَ الْقود أَو الْعَفو مجَّانا وَالدية لَا تكون إِلَّا برضاهما مَعًا، فَإِذا قَالَ الْقَاتِل: إِمَّا أَن تقتص أَو تَعْفُو مجَّانا. وَقَالَ الْوَلِيّ: إِنَّمَا أعفو على مَال قدره كَذَا وَأَنت ملي بِهِ، فَإِن الْقَاتِل لَا يجْبر على ذَلِك فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) فالقود عينا. وَقَالَ أَشهب: وَرَوَاهُ عَن مَالك يجْبر لِأَنَّهُ وجد سَبِيلا لحقن دَمه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسفكه قَالَ: وَلَو فدَاه من أَرض الْعَدو لَكَانَ عَلَيْهِ مَا فدَاه بِهِ فالولي عِنْده مُخَيّر بَين أَن يقْتَصّ أَو يقبل الدِّيَة فَيجْبر الْقَاتِل على دَفعهَا حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا بهَا. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَهُوَ مُقْتَضى الحَدِيث كَمَا فِي (ح) . وعفوُ بعضٍ مُسقِطُ القَصاصِ مَا لم يكن من قُعْدُد انتِقاصِ (وعفو بعض) الْأَوْلِيَاء الْمُسْتَحقّين للدم المتساوين فِي الدرجَة كَابْن من الْأَبْنَاء أَو عَم من الْأَعْمَام (مسْقط الْقصاص) لِأَن عَفوه يتنزل منزلَة عَفْو الْجَمِيع (خَ) : وَسقط إِن عَفا رجل كالباقي أَي مساوٍ للْبَاقِي فِي الدرجَة، وَإِذا سقط بِعَفْو الْبَعْض فَلِمَنْ لم يعف نصِيبه من دِيَة عمد كَمَا قَالَ أَيْضا: وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد (مَا لم يكن) الْعَافِي (من قعدد انتقاص) أَي أبعد من دَرَجَة من بَقِي فَعبر بانتقاص عَن الْأَبْعَد فَكَأَنَّهُ يَقُول: يسْقط الْقصاص بِعَفْو الْبَعْض مَا لم يكن الْبَعْض الْعَافِي من قعدد أبعد من قعدد من بَقِي من وُلَاة الدَّم كعفو الْعم مَعَ وجود الْأَخ أَو عَفْو الْأَخ مَعَ وجود الابْن فَإِنَّهُ لَا يسْقط الْقصاص بذلك إِذْ لَا كَلَام للأبعد مَعَ الْأَقْرَب. وَاعْلَم أَن الْمُسْتَحقّين للدم تَارَة يكون جَمِيعهم رجَالًا وَتارَة يكون جَمِيعهم نسَاء، وَتارَة يكونُونَ رجَالًا وَنسَاء فالقسم الأول يسْقط الْقَتْل بِعَفْو وَاحِد مِنْهُم وترتيبهم كَالنِّكَاحِ فَيقدم الابْن فابنه فأخ فابنه إِلَّا الْجد والأخوة فهما فِي مرتبَة وَاحِدَة فَلَا يقدم أَحدهمَا على الآخر (خَ) : والاستيفاء للعاصب كالولاء إِلَّا الْجد وَالْأَخ فسيان، وَالْقسم الثَّانِي إِمَّا أَن يحزن الْمِيرَاث كُله أَو لَا فَإِذا لم يحزنهُ كالبنات أَو الْأَخَوَات فَلَهُنَّ الْقَتْل وَإِن عَفا بَعضهنَّ نظر السُّلْطَان (خَ) : وَإِن عفت بنت من بَنَات يَعْنِي أَو أُخْت من أَخَوَات أَو بَنَات ابْن نظر السُّلْطَان فيمضي مَا يرَاهُ سداداً
وصواباً من عَفْو أَو قتل، وَإِنَّمَا كَانَ ينظر لِأَنَّهُ يَرث الْبَاقِي، وَإِذا اجْتمعت الْأُم مَعَ الْبَنَات فَلَا كَلَام للْأُم فِي عَفْو وَعَدَمه بل الْكَلَام للبنات فَقَط كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَإِن حزن الْمِيرَاث كَبِنْت وَأُخْت فالبنت أولى بِالْقَتْلِ أَو بِالْعَفو (خَ) : وَالْبِنْت أولى من الْأُخْت فِي عَفْو وضده، وَالْقسم الثَّالِث: إِمَّا أَن يكون الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة أم لَا. فَإِن كَانُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة كبنين وَبَنَات أَو إخْوَة وأخوات فَلَا كَلَام للنِّسَاء فِي عَفْو وَلَا ضِدّه، فَهُوَ كَمَا لَو انْفَرد الرِّجَال وحدهم كَمَا فِي الْقسم الأول، وَإِن لم يَكُونُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة، بل كَانَ الرِّجَال أبعد فإمَّا أَن يحوز النِّسَاء الْمِيرَاث كُله أم لَا. فَإِن لم يحزنهُ كالبنات والأخوة والأعمام فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ، وَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل حَيْثُ انْفَرد أحد الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَفو وَثَبت الْقَتْل بقسامة أَو بَيِّنَة، وَإِن حزنه كالبنات وَالْأَخَوَات والأعمام فَإِن ثَبت الْقَتْل بقسامة فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم أَيْضا، وَإِن ثَبت بغَيْرهَا فَلَا كَلَام للْعصبَةِ مَعَهُنَّ، وَإِلَى هَذَا الْقسم أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الِاسْتِيفَاء للعاصب بقوله: وللنساء أَي والاستيفاء للنِّسَاء إِن ورثن وَلم يساوهن عاصب وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم كَأَن حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة الخ. فاحترز بقوله: إِن ورثن من نَحْو الْعمة وَالْخَالَة فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهما وَلَو انفردتا لعدم إرثهما، وَلَا بُد أَن يكون النِّسَاء الوارثات لَو قدرن ذكرا لعصبن لتخرج الْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة وَالْجدّة للْأُم لِأَنَّهُنَّ لَا كَلَام لَهُنَّ، وَإِن ورثن ولتدخل الْأُم لِأَنَّهَا لَو قدرت ذكرا عصبت، وَاحْترز بقوله: وَلم يساوهن عاصب مِمَّا لَو ساواهن عاصب فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهُنَّ مَعَه كَمَا مر فِي الْحَالة الأولى من هَذَا الْقسم، وَقَوله: وَلكُل الْقَتْل لَو أَخّرهُ عَن قَوْله: وَلَا عَفْو إلاّ باجتماعهم لَكَانَ أولى يَعْنِي إِذا لم يحز النِّسَاء الْمِيرَاث وعصبهن عاصب أَسْفَل مِنْهُنَّ فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ وإلاَّ فَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل كَمَا مر فِي الْحَالة الثَّانِيَة من هَذَا الْقسم أَيْضا. وَقَوله: كَأَن حزن الْمِيرَاث الخ. هِيَ الْحَالة الثَّالِثَة مِنْهُ، والتشبيه فِي قَوْله: وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم، وَمَفْهُومه إِذا ثَبت الْقَتْل بِغَيْر قسَامَة لَا كَلَام لعاصب مَعَهُنَّ، وَقد نظم هَذِه الْأَقْسَام سَيِّدي عبد الْوَاحِد الوانشريسي بقوله: إِذا انْفَرد الرِّجَال وهم سَوَاء فَمن يعْفُو يبلغ مَا يَشَاء
ودع قَول الْبعيد بِكُل وَجه كَأَن ساوت بقعددهم نسَاء فَإِن يكن النِّسَاء أدنى فتمم بوفق جَمِيعهم عفوا تشَاء وَإِن إِرْثا يحزن فدع رجَالًا إِذا ثبتَتْ فَلَا قسم دِمَاء فالبيت الأول وَشطر الثَّانِي هُوَ مَا احتوى عَلَيْهِ الْقسم الأول من هَذِه الْأَقْسَام، وَقَوله: كَأَن ساوت الخ. هُوَ الْحَالة الأولى من الْقسم الثَّالِث. وَقَوله: فَإِن يكن النسا أدنى الخ. شَامِل للحالة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مِنْهُ إِلَّا أَنه فِي الثَّالِثَة إِذا حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة وَمعنى أدنى أقرب أَي أقرب من الرِّجَال، وَيقْرَأ النسا بِالْقصرِ للوزن وَقَوله: وَإِن إِرْثا يحزن الخ. هُوَ مَفْهُوم ثَبت بقسامة من الْحَالة الثَّالِثَة، وَبَقِي عَلَيْهِ الْقسم الثَّانِي من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَهُوَ: مَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ عاصب أصلا، وَلذَا ذيله الشَّيْخ (م) بقوله: كَذَا إِذا انفردن وحزن مَالا فَحكم للقريبة مَا تشَاء وَإِن إِرْثا يشط لبيت مَال فحاكمنا يجنب مَا يَشَاء
وَإِنَّمَا أطلنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وتعرضنا لشرح نظمها لتشعبه وتشعبها على كثير من الطّلبَة. تَنْبِيه: إِذا لم يكن للمقتول مُسْتَحقّ لدمه لَا من الرِّجَال وَلَا من النِّسَاء فَإِن الإِمَام يقْتَصّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو إِلَّا أَن يكون الْقَاتِل والمقتول كَافِرين ثمَّ يسلم الْقَاتِل. وشُبْهَةٌ تدرَؤهُ وَمِلْكُ بعضِ دمِ الَّذِي اعتَرَاه الهلْكُ (وشبهة تدرؤه) أَي الْقصاص وتوجب الدِّيَة على الْعَاقِلَة كضرب الزَّوْج لزوجته وَالْأَب لوَلَده والمعلم للمتعلم بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا، وَيحمل فعله على الْخَطَأ لَا بِمَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كلوح فَهُوَ على الْعمد كَمَا مر أول الْبَاب قَالَ فِي الشَّامِل: وَمن جَازَ لَهُ فعل بِضَرْب وَشبهه حمل على الْخَطَأ حَتَّى يثبت الْعمد كأب وَزوج ومعلم وطبيب وخاتن الخ (و) كَذَا يدرؤه (ملك بعض دم الَّذِي اعتراه الهلك) وَهُوَ الْمَقْتُول كأربعة أَوْلَاد قتل أحدهم أَبَاهُ فالدم للثَّلَاثَة، فَإِذا مَاتَ أحدهم سقط الْقصاص عَن الْقَاتِل لإرثه من أَخِيه الْمَيِّت بعض دم الْأَب فَصَارَ كعفو الْبَعْض، وَأَحْرَى لَو ملك جَمِيع دَمه كابنين قتل أَحدهمَا أَبَاهُ ثمَّ مَاتَ غير الْقَاتِل فورثه الْقَاتِل (خَ) : تَشْبِيها فِي سُقُوط الْقصاص كإرثه وَلَو قسطاً من نَفسه وإرثه كَالْمَالِ الخ. وَمَا بعد الْمُبَالغَة هُوَ نَص النَّاظِم. وَهَذَا الحكم إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ بِالْعَفو، وَأما إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ كَمَا لَو كَانُوا رجَالًا وَنسَاء والتكلم للْجَمِيع كمن قتل أَخَاهُ وَترك الْمَقْتُول بنتين وَثَلَاثَة أخوة أشقاء غير الْقَاتِل فَمَاتَ أحدهم فقد ورث الْقَاتِل قسطاً من دم نَفسه فَلَا يسْقط الْقَتْل حَتَّى تَعْفُو البنتان أَو إِحْدَاهمَا. وحيثُ تَقْوَى تُهمةٌ فِي المدَّعَى عَلَيْهِ فالسِّجْنُ لَهُ قد شُرِعَا (وَحَيْثُ تقوى تُهْمَة فِي الْمُدعى عَلَيْهِ) وَلم تصل إِلَى حد اللوث الْمُوجب للقسامة وَأَحْرَى لَو وصل إِلَى حد الْقسَامَة وَلم يُوجد من يطْلبهَا أَو تورع الْأَوْلِيَاء عَنْهَا (فالسجن) الطَّوِيل (لَهُ قد شرعا) حَتَّى يكْشف أمره، وَظَاهره وَلَو كَانَ مَجْهُول الْحَال وَلَو بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب، وَقد تقدم هُنَا مَا فِيهِ كِفَايَة. وَفِي ابْن سَلمُون: وَإِن قويت عَلَيْهِ تُهْمَة وَلم تتَحَقَّق تَحْقِيقا يُوجب الْقسَامَة حبس الْحَبْس الطَّوِيل. قَالَ ابْن حبيب: حَتَّى تتَحَقَّق بَرَاءَته أَو تَأتي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة. قَالَ مَالك: وَلَقَد كَانَ الرجل يسجن فِي الدَّم باللطخ والشبهة حَتَّى إِن أَهله يتمنون لَهُ الْمَوْت من طول سجنه اه. وَتقدم أَنه رُبمَا يسجن أبدا وَأَنه يضْرب وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف شهرته بذلك وَعدم شهرته، وَفِي أَحْكَام ابْن سهل الْكُبْرَى: وَمن جَاءَك وَعَلِيهِ جراح مخوفة فاحبس الْمُدعى عَلَيْهِ بِالدَّمِ حَتَّى يَصح الْمَجْرُوح أَو تتبين حَالَة توجب إِطْلَاقه، وَمن جَاءَك معافى فِي بدنه من الْجراح يَدعِي على رجل ضربا مؤلماً فَإِن ثَبت تعدِي الْمُدعى عَلَيْهِ فعزره وَإِن رَأَيْت حَبسه فَذَلِك إِلَيْك على مَا يظْهر لَك من شنعة مَا يثبت عَلَيْهِ، وَمن جَاءَ بِجرح خَفِيف وَهُوَ مِمَّن يظنّ بِهِ أَنه يرتكب مثل هَذَا من نَفسه فاسلك بِهِ سَبِيل الْمعَافى من الْجراح، فَإِذا فعلت
هَذَا ارْتَفَعت الْيَد العادية وانتفعت بِهِ الْعَامَّة وحفظت بذلك دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ اه. بِاخْتِصَار. والعفوُ لَا يُغْنِي عَنِ القَرَابهْ فِي القَتْلِ والْغَيْلَةِ وَالحِرَابهْ (وَالْعَفو لَا يُغني من الْقَرَابَة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة للعفو وَالتَّقْدِير: وَالْعَفو الْكَائِن من الْقَرَابَة حَال كَونه كَائِنا (فِي الْقَتْل والغيلة والحرابة) لَا يُغني عَن قتل الْقَاتِل لِأَن الْقَتْل فيهمَا حد من حُدُود الله تَعَالَى لَا يجوز إِسْقَاطه لَا للْإِمَام وَلَا لغيره، فَهَذَا الْبَيْت كالتخصيص لعُمُوم قَوْله: وعفو بعض مسْقط الْقصاص الخ. فنبه هُنَا على أَن ذَلِك خَاص بِغَيْر الغيلة والحرابة، وَأما هما فَلَا عَفْو فيهمَا، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْمَقْتُول غيلَة وحرابة كَافِرًا أَو عبدا، وَظَاهره أَيْضا وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَو لم يُبَاشر الْقَتْل بل أعَان عَلَيْهِ وَلَو بجاهه وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وبالقتل يجب قَتله وَلَو بِكَافِر أَو إِعَانَة وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو الخ. لَكِن إِذا جَاءَ الْمُحَارب تَائِبًا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط حق الله وَبَقِي حق الْآدَمِيّ فَلهُ الْعَفو حِينَئِذٍ كَمَا لشراحه فَأَما الغيلة فَهِيَ من أَنْوَاع الْحِرَابَة وَهِي أَن يقْتله لأخذ مَاله أَو زَوجته أَو ابْنَته، وَكَذَا لَو خدع كَبِيرا أَو صَغِيرا فيدخله موضعا خَالِيا ليَقْتُلهُ وَيَأْخُذ مَاله (خَ) : ومخادع الصَّبِي أَو غَيره ليَأْخُذ مَا مَعَه. قَالَ فِي الرسَالَة: وَقتل الغيلة لَا عَفْو فِيهِ. الْجُزُولِيّ: يَعْنِي لَا للمقتول وَلَا للأولياء وَلَا للْإِمَام لِأَن الْحق فِيهِ لله تَعَالَى اه. وَظَاهره وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل إِذا جَاءَ تَائِبًا للْوَلِيّ الْعَفو كالمحارب والغيلة لَا تثبت إِلَّا بعدلين لَا بِشَاهِد وقسامة كَمَا مر، وَأما الْحِرَابَة فَتثبت حَتَّى بالشهرة (خَ) : وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها. وَمِائَة يُجْلَدُ بالأحْكَامِ مَن عَنهُ يُعْفَى مَعْ حَبْسِ عامِ (وَمِائَة يجلد) أَي يضْرب (فِي الْأَحْكَام من عَنهُ يُعْفَى) بعد ثُبُوت الْقَتْل عَلَيْهِ عمدا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو لوث بعد الْقسَامَة أَو قبلهَا، وَلَو قَامَ اللوث على جمَاعَة وقسموا على وَاحِد عينوه لَهَا فَإِن على أَصْحَابه ضرب مائَة (مَعَ حبس عَام) بعد الْجلد الْمَذْكُور وَلَا يحْسب فِيهِ سجنه قبل ذَلِك، وَلَا
مَفْهُوم لقَوْله: يُعْفَى بل كَذَلِك إِذا لم يكن عَفْو، وَلَكِن سقط الْقَتْل لعدم التكافىء (خَ) : وَعَلِيهِ أَي الْقَاتِل عمدا وَلَو عبدا أَو ذِمِّيا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عبد الخ. وَالْحَبْس قبل الْعَفو لَا بُد فِيهِ من الْحَدِيد بِخِلَافِهِ بعده فَيحْبس بِغَيْر حَدِيد، وَتقدم فِي بَاب السّرقَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت بِإِقْرَار رَجَعَ عَنهُ وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ لَا حبس فِيهِ وَلَا ضرب. والصّلحُ فِي ذَاك مَعَ العَفْوِ استوَى كَمَا هما فِي حُكْمِ الإسقاطِ سَوَا (وَالصُّلْح فِي ذَاك) الْقصاص الْمُتَقَدّم (مَعَ الْعَفو) مجَّانا (اسْتَوَى) فِي جلد مائَة وسجن عَام لِأَن الضَّرْب والسجن الْمَذْكُورين حقان لله لَا يسقطان بِالْعَفو مجَّانا وَلَا بِالصُّلْحِ على مَال (كَمَا هما) أَي الْعَفو وَالصُّلْح (فِي حكم الْإِسْقَاط) للْقَتْل (سوا) وَهَذَا الشّطْر تتميم للبيت. وَديَةُ العَمْدِ كذاتِ الخَطَإ أَو مَا تَرَاضَى فِيهِ بينَ المَلإ (و) حَيْثُ عَفا بعض الْمُسْتَحقّين للدم أَو صَالح أَو عفوا كلهم أَو بَعضهم على دِيَة مُبْهمَة، فَالْوَاجِب لمن لم يعف وَلم يُصَالح فِي ذَلِك كُله (دِيَة الْعمد) كَمَا تقدم فِي قَوْله (خَ) : وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد لَا ينقص لَهُ من نصِيبه مِنْهَا شَيْء إِلَّا بِرِضَاهُ لتقرر الدِّيَة فِي ذمَّة الْقَاتِل بِعَفْو الْبَعْض أَو صلحه وقدرها. (كذات الخطا) فِي كَونهَا مائَة من الْإِبِل إِلَّا أَنَّهَا تكون مربعة بِحَذْف ابْن اللَّبُون كَمَا يَأْتِي فَيَأْخُذ من لم يعف، وَلم يُصَالح نصِيبه مِنْهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل الْإِبِل أَو من قيمتهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل بقر أَو غنم، وَيَأْخُذ نصِيبه من ألف دِينَار إِن كَانُوا من أهل الذَّهَب، وَهَكَذَا. وَقَوْلِي: مُبْهمَة مِثَاله أَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على دِيَة ويرضى الْقَاتِل فَإِن قدرهَا حِينَئِذٍ كذات الْخَطَأ فَإِن بَين شَيْئا كَأَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على ألف عبد أَو بقرة أَو جمل، وَنَحْو ذَلِك من قَلِيل أَو كثير عمل عَلَيْهِ حَيْثُ رَضِي الْقَاتِل بذلك كَمَا قَالَ:(أَو) للتنويع أَي نوع مِنْهَا قدره كذات الْخَطَأ وَهُوَ مَا تقدم وَنَوع مِنْهَا قدره (مَا تراضى فِيهِ) الْقَاتِل (بَين) أَي مَعَ (الْمَلأ) أَي جمَاعَة الْأَوْلِيَاء كَانَ مَا تراضوا عَلَيْهِ مثل دِيَة الْخَطَأ أَو أقل أَو أَكثر (خَ) : وَجَاز صلحه فِي عمد بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ أَي لِأَن الْعمد لَا شَيْء فِيهِ مُقَدّر من الشَّارِع، فَإِن لم يرض الْقَاتِل بِدفع المَال
وَقَالَ: إِنَّمَا لَك الْقَتْل أَو الْعَفو مجَّانا فَإِنَّهُ لَا يجْبر على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَيجْبر على قَول أَشهب كَمَا مر. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْوَلِيّ عَن الْقَاتِل عفوا مُطلقًا لم يذكر فِيهِ دِيَة ثمَّ بعد ذَلِك قَالَ: إِنَّمَا عَفَوْت لأجل الدِّيَة فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا أَن يظْهر من حَاله وقرائن الْأَحْوَال أَنه أَرَادَ ذَلِك كَقَوْلِه عِنْد الْعَفو: لَوْلَا الْحَاجة مَا عَفَوْت عَنهُ أَو يكون الْوَلِيّ فَقِيرا أَو الْقَاتِل مَلِيًّا كَمَا فِي ابْن رحال فَإِنَّهُ يحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الْقَاتِل (خَ) : وَلَا دِيَة لعاف مُطلقًا إِلَّا أَن يظْهر إرادتها فَيحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الخ. وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة أَنه إِذا علمت الْقَرِينَة عِنْد الْعَفو يصدق سَوَاء قَامَ بِالْقربِ أَو بعد طول وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ. وَهْيَ إِذا مَا قُبِلَتْ وسُلِّمَتْ بحَسَبِ المِيراثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ (وَهِي) أَي دِيَة الْعمد (إِذا مَا) زَائِدَة (قبلت) من الْقَاتِل تكون حَالَة عَلَيْهِ لَا منجمة إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء وَتَكون فِي مَاله لَا على الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ عديماً اتبعت ذمَّته بهَا (و) إِذا (سلمت) للأولياء وَدفعت لَهُم فَإِنَّهَا (بِحَسب الْمِيرَاث قد تقسمت) على فَرَائض الله تَعَالَى بعد قَضَاء دُيُونه فتأخذ مِنْهَا الزَّوْجَة وَالْأَخ للْأُم وَلَا شَيْء لأهل الْوَصَايَا مِنْهَا لِأَنَّهُ مَال طَرَأَ لم يعلم بِهِ الْمُوصي والوصايا إِنَّمَا تدخل فِيمَا علم بِهِ كَمَا مر فِي بَابهَا، بل لَو قَالَ: إِن قبل أَوْلَادِي الدِّيَة، أَو قَالَ: وصيتي فِيمَا علمت وَفِيمَا لم أعلم لم تدخل الْوَصَايَا فِي شَيْء من الدِّيَة، ابْن رشد: لِأَنَّهُ مَال لم يكن، نعم إِن أنفذت مقاتله وَقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم بقبوله إِيَّاهَا فَإِن الْوَصَايَا حِينَئِذٍ تدخل فِي الدِّيَة، سَوَاء كَانَت الْوَصَايَا قبل الْعلم أَو بعده (خَ) : بِخِلَاف الْعمد فَلَا تدخل الْوَصَايَا فِي دِيَته إِلَّا أَن ينفذ مَقْتَله وَيقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم الخ. بِخِلَاف دِيَة الْخَطَأ فَإِن الْوَصَايَا تدخل فِيهَا إِن عَاشَ بعد الْجرْح مَا يُمكنهُ فِيهِ التَّغْيِير فَلم يُغير، وَظَاهر قَول النَّاظِم: بِحَسب الْمِيرَاث الخ. وَلَو ثَبت الْقَتْل بقسامة الْعصبَة المحجوبين بذوي الْفُرُوض مثلا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر عِنْد قَوْله: ويحلفونها على الْبَتَات الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى قدر الدِّيَة وحبسها وَهِي كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة: مَال يجب بقتل آدَمِيّ حر عَن دَمه أَو بجرحه مُقَدرا شرعا لَا بِاجْتِهَاد الخ. فَقَوله مَال يَشْمَل الْإِبِل وَغَيرهَا، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس، وَخرج بِالْحرِّ العَبْد فَإِنَّمَا فِيهِ الْقيمَة أَو مَا نَقصه إِن برىء على شين، وَخرج بقوله مُقَدرا شرعا الْحُكُومَة فَإِنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَفِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ فَقَالَ: وَجُعِلتْ دِيةُ مُسلِمٍ قُتِلْ على البوادِي مائَة مِنَ الإبِلْ (وَجعلت دِيَة) حر (مُسلم قتل) خطأ أَو عمدا وعفي عَنهُ على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو
صَالح فَلِمَنْ لم يعف وَلم يُصَالح نصِيبه من الدِّيَة كَمَا مر أَو قدرهَا فِي الْخَطَأ والعمد الْمَذْكُورين (على) أهل (الْبَوَادِي) القاتلين (مائَة من الْإِبِل) إِن كَانُوا أهل إبل إِلَّا أَنَّهَا فِي الْخَطَأ مخمسة كَمَا يَأْتِي منجمة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين تحل بأواخرها، والجاني كواحد مِنْهُم، وَأما فِي الْعمد فَهِيَ على الْقَاتِل وَحده حَالَة عَلَيْهِ مربعة كَمَا قَالَ: والحُكْمُ بالتَّرْبِيع فِي العَمْدِ وَجَبْ وألفُ دِينارٍ على أهْلِ الذّهَبْ (وَالْحكم بالتربيع فِي الْعمد وَجب) فَيُؤَدِّي خمْسا وَعشْرين من كل صنف من الْأَصْنَاف الْآتِيَة (خَ) : وربعت فِي عمد بِحَذْف ابْن اللَّبُون، وَفهم مِنْهُ أَنَّهَا لَا تربع فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة أَي لَا تغلظ فيهمَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور بِخِلَاف الْمُثَلَّثَة الْآتِيَة فِي قَوْله: وغلظت وثلثت فِي الْإِبِل، فَإِنَّهَا تغلظ فِيهَا كَمَا يَأْتِي (و) قدرهَا (ألف دِينَار على أهل الذَّهَب) كالشامي والمصري والمغربي وَصرف الدِّينَار إثنا عشر درهما شَرْعِيًّا كَمَا تقدم فِي بَاب النِّكَاح. وَقَدْرُها على أُوْلي الوَرقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا أَدْنَى (وقدرها لأهل ورق) بِسُكُون الرَّاء لُغَة كالعراق وَفَارِس وخراسان. (اثْنَا عشر ألف دِرْهَم لَا أدنى) من ذَلِك فَإِن لم يَكُونُوا من أهل الْإِبِل وَلَا الذَّهَب وَلَا الْوَرق بل كَانُوا أهل خيل أَو بقر أَو غنم فَهَل يكلفون بِمَا يجب على أقرب الحواضر إِلَيْهِم أَو يكلفون بِدفع قيمَة الْإِبِل لِأَنَّهَا الأَصْل وَاسْتظْهر الأول. وَفهم من النّظم أَن الْمُعْتَبر أهل الْقَاتِل فِي جَمِيع هَذِه الْأُمُور لَا أهل الْمَقْتُول، وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن أهل الْإِبِل إِذا أَرَادوا أَن يؤدوها من الذَّهَب أَو أهل الذَّهَب أَرَادوا أَن يؤدوها من الْإِبِل لَا تقبل مِنْهُم إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء ويراعى فِي ذَلِك حِينَئِذٍ بيع الدّين فَلَا يجوز أَخذ ذهب عَن ورق لأجل لِأَنَّهُ صرف مُؤخر، وَيجوز مَعَ حلولهما وتعجيلهما لِأَنَّهُ صرف لما فِي الذِّمَّة وَصرف مَا فِي الذِّمَّة جَائِز بعد حلولهما لَا قبله، وَأما أَخذ الْعرض نَقْدا من أهل الذَّهَب أَو الْوَرق فَجَائِز وَلَو لم يحل كَبيع الدّين، وَيجوز أَخذ الثَّوْب أَو الذَّهَب أَو الْوَرق من أهل الْإِبِل إِن عجل بِالْفِعْلِ، وإلاَّ فَلَا. لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين، وَلَا يجوز أَيْضا أَخذ إبل أَو ذهب أَو ورق أقل من الْوَاجِب قبل حُلُول أجلهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من ضع وتعجل، وَلَا أَخذ أَكثر لأبعد من الْأَجَل لِأَنَّهُ سلف بِزِيَادَة. ونِصْفُ مَا ذُكِرَ فِي اليَهُودِ وَفِي النّصَارى ثَابتُ الوُجودِ (وَنصف مَا ذكر) وَهُوَ خَمْسُونَ من الْإِبِل مخمسة فِي الْخَطَأ ومربعة فِي الْعمد أَو خَمْسمِائَة
دِينَار أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم (فِي) قتل (الْيَهُودِيّ) ذِمِّيا أَو معاهداً (و) الحكم كَذَلِك (فِي) قتل الْوَاحِد من (النَّصَارَى) وَقَوله (ثَابت الْوُجُود) خبر عَن نصف وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِهِ قَالَ (ت) : وَكَانَ من حَقه أَن يزِيد هُنَا بَيْتا فَيَقُول مثلا: وَفِي الْمَجُوسِيّ وَفِي الْمُرْتَد ثلث خمس فادره بالعد وَيقْرَأ ثلث بِضَم اللَّام، وَخمْس بِسُكُون الْمِيم للوزن فديَة الْمَجُوسِيّ، وَالْمُرْتَدّ من الذَّهَب سِتَّة وَسِتُّونَ دِينَارا وَثلثا دِينَار، وَمن الْفضة ثَمَانمِائَة دِرْهَم، وَمن الْإِبِل سِتَّة أَبْعِرَة وَثُلُثَانِ. وَفِي النِّسَاءِ الحُكْمُ تَنْصِيفُ الدّيهْ وحالُهُ فِي كلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ (وَفِي النِّسَاء) من كل صنف تقدم مسلمات أَو كتابيات أَو مجوسيات أَو مرتدات. (الحكم تنصيف الدِّيَة) فديَة كل امْرَأَة على نصف دِيَة ذكر ملتها (وحاله) أَي التنصيف (فِي كل صنف مغنيه) عَن بَيَانهَا فَيجب فِي الْمسلمَة خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية خمس وَعِشْرُونَ، وَفِي الْمَجُوسِيَّة والمرتدة ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث، وَقس على ذَلِك فِي الذَّهَب وَالْوَرق (خَ) : وَفِي الْكِتَابِيّ والمعاهد نصفه، والمجوسي وَالْمُرْتَدّ ثلث وَخمْس وَأُنْثَى كل نصفه. وَتَجِبُ الديةُ فِي قَتلِ الخَطَا والإبِلُ التّخميسُ فِيهَا قُسِّطا (وَتجب الدِّيَة فِي قتل الخطا) وَمِنْه عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَمَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه كجائفة وآمة وَكسر فَخذ فَإِن ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة، وَإِنَّمَا وَجَبت الدِّيَة فِي الْخَطَأ لقَوْله تَعَالَى: وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} (النِّسَاء: 92)(وَالْإِبِل) الْمَأْخُوذَة فِيهَا (التخميس) مُبْتَدأ ثَان خَبره (فِيهَا قسطا) عشرُون بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي دخلت فِي السّنة الثَّانِيَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَهِي مَا دخلت فِي الثَّالِثَة، وَعِشْرُونَ ابْن لبون كَذَلِك، وَعِشْرُونَ حقة وَهِي مَا دخلت فِي الرَّابِعَة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهِي مَا دخلت فِي الْخَامِسَة، وَتقدم أَنَّهَا تربع فِي الْعمد بِحَذْف ابْن لبون. تَحمِلُهَا عاقِلَةٌ للقاتِلِ وَهْيَ القَرَابةُ مِنَ الْقَبَائِلِ (تحملهَا) أَي دِيَة الْخَطَأ (عَاقِلَة للْقَاتِل) وَهُوَ كواحد مِنْهُم وَتَكون منجمة عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي
(وَهِي) أَي الْعَاقِلَة (الْقَرَابَة من الْقَبَائِل) أَرَادَ الطَّبَقَات الَّتِي ينتسب إِلَيْهَا الْقَاتِل بِدَلِيل قَوْله: بعد الْأَدْنَى فالأدنى فَيبْدَأ بالفصيلة ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْعِمَارَة بِالْفَتْح ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الشّعب بِالْفَتْح، وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ: قَبيلَة قبلهَا شعب وبعدهما عمَارَة ثمَّ بطن يتلوه فَخذ وَلَيْسَ يأوى الْفَتى إِلَّا فصيلته وَلَا سداد لسهم مَاله قذذ جمع قُذَّة وَهِي ريش السهْم، فَهَذِهِ طَبَقَات قبائل الْعَرَب، فبنو الْعَبَّاس مثلا فصيلة، وَبَنُو هَاشم فَخذ، وَبَنُو قصي بطن، وقريش عمَارَة وكنانة قَبيلَة، وَخُزَيْمَة شعب. وَقَول ابْن الْحَاجِب: يبْدَأ بالفخذ يَعْنِي إِذا لم يكن فِي الفصيلة كِفَايَة، وَهَذَا التَّرْتِيب الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي فِي ابْن الْحَاجِب وَهُوَ الْمَذْهَب وَهُوَ رَاجع إِلَى اللُّغَة (خَ) : وَهل حد الْعَاقِلَة سَبْعمِائة أَو الزَّائِد على ألف؟ قَولَانِ. وعَلى الأول الْعَمَل كَمَا فِي نظم الْعَمَل الْمُطلق فَإِذا وجد هَذَا الْعدَد مثلا من الفصيلة لَا يضم إِلَيْهِم الْفَخْذ وإلاَّ ضم إِلَيْهِم وَهَكَذَا، وَعَلِيهِ فَيُقَال فِي قبائل الْمغرب: يبْدَأ بِمد شَرّ الْقَاتِل الَّذين هم إخوانه وقرابته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة وَلم يحصل مِنْهُم الْعدَد الْمَذْكُور فجماعته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فربع قبيلته إِن كَانَ الْقَبِيلَة منقسمة أَربَاعًا مثلا، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فَجَمِيع قبيلته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فأقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَغَيره وَهِي أَي الْعَاقِلَة الْعصبَة وبدىء بالديوان إِن أعْطوا ثمَّ يبْدَأ بهَا أَي بالعصبة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، ثمَّ الموَالِي الأعلون ثمَّ الأسفلون، ثمَّ إِذا لم يكن للْقَاتِل عصبَة وَلَا قَبيلَة فبيت المَال يعقل عَنهُ إِن كَانَ الْجَانِي مُسلما، فَإِن لم يكن بَيت مَال أَو كَانَ وَلَكِن لَا يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ، فَالدِّيَة على الْجَانِي وَحده بِنَاء على الْمَشْهُور من أَنه كواحد من الْعَاقِلَة وعَلى مُقَابِله تسْقط. وَقَوله: وبدىء بالديوان الخ. يَعْنِي أَنه يقدم الدِّيوَان على عصبَة الْجَانِي الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، والديوان عبارَة عَن الذمام الَّذِي يجمع فِيهِ الإِمَام أَفْرَاد الأجناد على عَطاء يخرج لَهُم من بَيت المَال فِي أَوْقَات مَعْلُومَة أَي: فيقدمون قبل عصبَة الْجَانِي، وَإِن كَانُوا من قبائل شَتَّى لأجل تناصرهم، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فيعينهم الْعصبَة الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، وَهَكَذَا على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم.
وَمَا ذكره من أَنه يبْدَأ بالديوان هُوَ الَّذِي فِي الْمُوازِية والعتبية وَهُوَ خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة من أَن الْعقل على الْقَبَائِل على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم كَانَ الْجَانِي دَاخِلا فِي ديوَان أم لَا. وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْقَوْل بتبدئة الدِّيوَان ضَعِيف كَمَا للخمي. تَنْبِيهَانِ. الأول: فِي نَوَازِل العلمي أَنه لَا عَاقِلَة فِي هَذَا الزَّمَان، وَلَا يُمكن الْوُصُول لبيت المَال، فَالدِّيَة فِي مَال الْجَانِي، وَسَيَأْتِي مثله لِابْنِ رحال عِنْد قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. الثَّانِي: عَاقِلَة الذِّمِّيّ أهل دينه الَّذين مَعَه فِي بَلَده فَلَا يعقل يَهُودِيّ مَعَ نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه، والمعاهد إِذا قتل أحدا فَإِن الدِّيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَة لَهُ، ثمَّ الْعَاقِلَة إِنَّمَا تحمل الدِّيَة. حيثُ ثبوتُ قَتْلِهِ بالبيِّنَه أَوْ بِقَسامَةٍ لَهُ مُعَيَّنَهْ (حَيْثُ ثُبُوت قَتله بِالْبَيِّنَةِ) التَّامَّة (أَو بقسامة) بشروطها الْمُتَقَدّمَة (لَهُ) أَي للْقَتْل خطأ (مُعينَة) . وَمَفْهُوم بِالْبَيِّنَةِ أَو الْقسَامَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت باعتراف الْقَاتِل لَا تحمل دِيَته الْعَاقِلَة، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل عمدا عداء وَلَا اعترافاً وَلَا قَاتل نَفسه عمدا أَو خطأ وَلَا مَا دون الثُّلُث كدية مُوضحَة، وَأما مَا بلغ الثُّلُث كدية الْجَائِفَة فتحمله كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الثَّالِث بعده، ثمَّ من الِاعْتِرَاف إِقْرَار الْمَرْأَة أَنَّهَا نَامَتْ على وَلَدهَا حَتَّى قتلته (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر بِلَا اعْتِرَاف على الْعَاقِلَة الخ. فمفهومه أَن الِاعْتِرَاف لَا يكون على الْعَاقِلَة، بل هُوَ فِي مَال الْجَانِي فَلَو نَام الرجل مَعَ زَوجته فَأصْبح الْوَلَد مَيتا وَلَا يدْرِي من رقد عَلَيْهِ فَهُوَ هدر كَمَا أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام، وَأما الْمَرْأَة الهاربة عَن رضيعها حَتَّى مَاتَ الْوَلَد من عدم اللَّبن فَقَالَ ابْن هَارُون: دِيَته على عاقلتها، وقاسها بالمسافرين الَّذين منعُوا المَاء حَتَّى مَاتُوا عطشاً. ابْن فَرِحُونَ: إِذا شربت الْحَامِل دَوَاء فَأَلْقَت جَنِينهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهَا إِذا كَانَ الدَّوَاء مَأْمُونا يَعْنِي لَا غرَّة عَلَيْهَا، وَلَو سقت وَلَدهَا دَوَاء فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا. يَدفَعُها الأَدْنَى فالأَدْنى بِحَسَبْ أحوالِهِم وحكْمُ تَنجِيمٍ وَجَبْ (يَدْفَعهَا) إِلَى دِيَة الْخَطَأ (الْأَدْنَى) للْقَاتِل (فالأدنى) لَهُ فَإِن كَانَ فِي الفصيلة كِفَايَة لم يلْزم الْفَخْذ شَيْء كَمَا مر. وَتقدم هَل حَدهَا سَبْعمِائة الخ؟ وتقسط عَلَيْهِم (بِحَسب أَحْوَالهم) وَقدر طاقتهم (خَ) : وَضرب على كل مَا لَا يضر أَي: فالغني بِحَسبِهِ وَغَيره بِحَسبِهِ. قَالَ فِي المناهج:
لَا حد لما يُؤْخَذ من كل وَاحِد مِنْهُم، وَإِنَّمَا ذَلِك على قدر الْيُسْر والعسر وَهُوَ الصَّحِيح اه. وَقَالَ الشَّافِعِيَّة: يُؤْخَذ من الْغَنِيّ نصف دِينَار وَهُوَ الَّذِي ملك عشْرين دِينَارا بعد الْمسكن وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَمن الْمُتَوَسّط ربع دِينَار وَهُوَ الَّذِي يملك أقل من ذَلِك اه. وَلَا تسْقط على فَقير وَلَا امْرَأَة، وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: من مُوسر الخ. (وَحكم تنجيم) للدية الْكَامِلَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين (وَجب) فتؤدي فِي آخر كل سنة ثلثهَا وَابْتِدَاء التنجيم من يَوْم الحكم لَا من يَوْم الْقَتْل أَو الْخِصَام، واحترزت بالكاملة من غَيرهَا كَمَا لَو وَجب ثلث الدِّيَة كجائفة، فَإِنَّهَا تؤجل بِسنة وَالثُّلُثَانِ كآمة وجائفة بِسنتَيْنِ، فَإِن كَانَ الْوَاجِب نصفا كَقطع يَد فسنتان للثلث سنة وللسدس سنة أُخْرَى، وَكَذَا لَو كَانَ الْوَاجِب ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة كَقطع يَد وأصبعين وَسن وَاحِدَة بِخمْس وَسبعين من الْإِبِل فثلثاها بِسنتَيْنِ، وللزائد سنة أُخْرَى (خَ) : وَنجم فِي الثَّلَاثَة الأرباع بالتثليث وللزائد سنة. من مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرَ ذكَرْ موافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرْ ثمَّ بَين من تقسط عَلَيْهِ بقوله: (من مُوسر مُكَلّف حر ذكر) فَلَا تقسط على فَقير وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا امْرَأَة، وَظَاهره وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُم وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وعقل عَن صبي وَمَجْنُون وَامْرَأَة وفقير وغارم وَلَا يعْقلُونَ أَي: لَا يعْقلُونَ عَن أنفسهم وَلَا عَن غَيرهم، وَالْمرَاد بالغارم الْمديَان الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِالدّينِ أَو يبْقى بِيَدِهِ مَا يعد بِهِ فَقِيرا، وَشَمل قَوْله: مُكَلّف السَّفِيه فَإِنَّهُ كالرشيد فِي الْعقل عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَفهم مِنْهُ أَن الْمُعْتَبر وَقت الضَّرْب والتقسيط، فَإِذا أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد أَو بلغ الصَّبِي بعد الضَّرْب وَقبل أَدَائِهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَلَا يقسط مَا ضرب على الْغَنِيّ بفقره بعد. (مُوَافق فِي نحلة) أَي دين فَلَا يعقل مُسلم عَن كَافِر مُطلقًا، وَلَو من عصبته على تَقْدِير إِسْلَامه وَلَا عَكسه وَلَا يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه. ابْن الْحَاجِب: وَلَا نضرب على فَقير وَلَا مُخَالف فِي دين الخ. وَلَيْسَ المُرَاد بالنحلة المَال المنحول أَي الْمُعْطى فِي الدِّيَة لِأَن هَذَا هُوَ قَوْله: (وَفِي مقرّ) أَي مَحل الْقَرار وَالسُّكْنَى (خَ) : وَلَا دُخُول لبدوي مَعَ حضري أَي: وَلَو من عصبَة الْقَاتِل، وَلَا شَامي مَعَ مصري وَلَو من عصبته أَيْضا مُطلقًا اتَّحد جنس الدِّيَة عِنْد كل أم لَا، وَذَلِكَ لِأَن الْعلَّة التناصر والبدوي لَا ينصر الحضري، وَكَذَلِكَ الشَّامي مَعَ الْمصْرِيّ، وَإِنَّمَا الدِّيَة على أهل قطره، فَإِن لم يكن فيهم الْعدَد الْمُعْتَبر فيضم
أقرب الأقطار إِلَيْهِم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا لَا تحمله الْعَاقِلَة فَقَالَ: وكونُهَا مِن مَال جانٍ إنْ تَكُنْ أَقَلَّ مِن ثُلْثٍ بذَا الحُكْمُ حَسَنْ (وَكَونهَا) أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الْغرَّة والحكومة (من مَال جَان) حَالَة عَلَيْهِ (إِن تكن) هِيَ أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا (أقل من ثلث) دِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ ودية الْجَانِي مَعًا فَمَتَى نقصت عَن دِيَتهمَا مَعًا فَهِيَ فِي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ كجناية حر مُسلم على مثله مُوضحَة أَو هاشمة أَو قطع أصْبع من مسلمة وَنَحْو ذَلِك، وَمَتى بلغت ثلث دِيَتهمَا مَعًا أَو ثلث دِيَة أَحدهمَا حملتها الْعَاقِلَة، فَإِذا قطع مُسلم من مَجُوسِيَّة أصبعين فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته، وَإِن لم يبلغ ذَلِك ثلث دِيَته والإصبعان أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَن لَهَا فيهمَا مثل مَا للرِّجَال من أهل دينهَا، وَذَلِكَ مائَة وَسِتُّونَ درهما وَثلث دِيَتهَا مائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ درهما وَثلث دِرْهَم، وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة دِيَة إصبعها أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَنَّهَا تَسَاوِي ذكرهَا لثلث دِيَته ثمَّ ترجع لديتها، فَإِذا قطع مُسلم أصبعين من ذِمِّيَّة فلهَا فيهمَا عشر من الْإِبِل لِأَنَّهَا كذكرها فيهمَا فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته لِأَن عشرا من الْإِبِل أَكثر من ثلث خَمْسَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ دِيَتهَا، وَإِن قطعت مَجُوسِيَّة أصبعاً وَاحِدًا من مُسلم حر فَذَلِك على عاقلتها لِأَن ذَلِك أَكثر من ثلث دِيَتهَا بل وَمن جَمِيع دِيَتهَا لِأَن عشرا من الْإِبِل الْوَاجِبَة فِي قطع أصْبع الْمُسلم أَكثر من ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث الَّتِي هِيَ دِيَة الْمَجُوسِيَّة وَهَكَذَا. (بذا الحكم حسن) بِضَم السِّين وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر الْخَطَأ بالاعتراف على الْعَاقِلَة والجاني إِذا بلغ ثلث دِيَة الْمَجْنِي أَو الْجَانِي وَمَا لم يبلغ فحال عَلَيْهِ الخ. وَاحْترز بِالْحرِّ من العَبْد فَإِن قِيمَته على الْجَانِي كَمَا مر، وَإِن كَانَ هُوَ الْجَانِي فَذَلِك فِي رقبته وَظَاهر النّظم و (خَ) إِن مَا لم يبلغ الثُّلُث هُوَ فِي مَال الْجَانِي وَلَو كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قرر بِهِ الزّرْقَانِيّ وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَالدية على عاقلتهما إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَالهمَا أَو ذمتهما إِن لم يكن لَهما مَال الخ. وَاعْتِرَاض الشَّيْخ بناني على (ز) سَاقِط. كَذَا على الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ (كَذَا على الْمَشْهُور من) مَال (معترف) بِالْقَتْلِ خطأ أَو بِالْجرْحِ خطأ (تُؤْخَذ) حَالَة من الْعَاقِلَة، وَبِه صدر فِي الشَّامِل، وَبِه قرر (خَ) شراحه. وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال. أَحدهَا: مَا تقدم وَقيل على الْعَاقِلَة بقسامة من الْأَوْلِيَاء، وَقيل على الْعَاقِلَة أَيْضا مَا لم يتهم الْمقر بإغناء الْوَرَثَة لكَوْنهم أقرباء لَهُ أَو ملاطفين لَهُ، وَقيل إِن كَانَ الْمقر عدلا، وَالَّذِي تجب بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْحَاجِب وَعَزاهُ ابْن الْجلاب لمذهبها وَهُوَ فِي الدِّيات مِنْهَا، وَرجحه ابْن مَرْزُوق وَابْن رحال فِي شَرحه: أَن الْمقر إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَكَانَ عدلا مَأْمُونا لَا يخْشَى عَلَيْهِ أَخذ الرِّشْوَة فَالدِّيَة على
الْعَاقِلَة بقسامة، فَإِن أَبَوا أَن يقسموا فَلَا شَيْء لَهُم على الْعَاقِلَة وَلَا على الْمقر، وَمِنْه تعلم أَن الْمَرْأَة لَا يقبل اعترافها بنومها على وَلَدهَا لاتهامها بإغناء إخوانه أَو أَبِيه، هَذَا إِذا كَانَ الْمُعْتَرف لَهُ عَاقِلَة، وَأما إِذا كَانَ لَا عَاقِلَة لَهُ فَقيل فِي مَاله أَيْضا، وَقيل فِي بَيت المَال، وَقيل مَا ينوبه فِي مَاله وَيسْقط الْبَاقِي، وَقيل هدر. قَالَ أَبُو الْحسن: وَكَانَ الْفَقِيه رَاشد يُفْتِي بِأَنَّهَا فِي مَاله أَخذ ذَلِك من قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمعَاهد يقتل مُسلما خطأ إِن ذَلِك فِي مَاله إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى عَاقِلَته وَبَيت المَال مُتَعَذر اه. قَالَ ابْن رحال: وَمَا أفتى بِهِ الْفَقِيه رَاشد يُقَوي القَوْل بِأَن دِيَة الِاعْتِرَاف على الْمقر لِأَن بَيت المَال الْيَوْم مُتَعَذر وَالْأَخْذ من الْقَبَائِل كَذَلِك بِلَا ريب، فَإِن الْأَخْذ من الْقَبَائِل إِنَّمَا يكون بسطوة السُّلْطَان والاعتناء بذلك من السُّلْطَان غير كَائِن وَمن شكّ فَإِن الْعَرَب بِالْبَابِ اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْأَخْذ من الْعَاقِلَة مُتَعَذر الْيَوْم لعدم اعتناء السلاطين بذلك وَهُوَ مَا تقدم عَن نَوَازِل العلمي. (أَو من عَامِد مُكَلّف) أَي: وكما أَن الدِّيَة تُؤْخَذ من الْمُعْتَرف بالْخَطَأ وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة، كَذَلِك تُؤْخَذ من الْعَامِد إِذا كَانَ مُكَلّفا لَا إِن كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا فَإِن عمدهما كالخطأ تحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث، وإلاَّ فَفِي مَالهمَا كَمَا مر، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعَاقِلَة دِيَة غلظت على الْأَب وَإِن علا فِي عمد لم يقتل بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعمد الَّذِي سقط فِيهِ الْقصاص لعدم المماثل بِخِلَاف الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ لإتلافه كجائفة ومأمومة وَكسر فَخذ، فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ فتحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الْحُكُومَة فِي كسر الْفَخْذ ثلث الدِّيَة كَمَا مر (خَ) : مشبهاً فِيمَا لَا تحمله الْعَاقِلَة مَا نَصه كعمد ودية غلظت وساقط لعدمه إِلَّا مَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه فعلَيْهَا. وَفِي الجَنِينِ غَرَّةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ قِيمَةٌ كالإرْثِ فِي اسْتِعمَالِهِ (و) يجب على المتسبب (فِي) إِلْقَاء (الْجَنِين) الْوَاحِد وَإِن علقَة وَهِي الدَّم الْمُجْتَمع الَّذِي إِذا صب عَلَيْهِ المَاء الْحَار لم يذب (غرَّة من مَاله) وَهِي عبد أَو وليدة أَي أمة صَغِيرَة كَبِنْت سبع سِنِين (أَو قيمَة) الْغرَّة وَهِي عشر دِيَة الْأُم إِن كَانَت أمة جرة أَو عشر قيمتهَا إِن كَانَت أمة فَفِي جَنِين الْحرَّة الْمسلمَة عشر دِيَة أمة وَهِي خَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وسِتمِائَة دِرْهَم على أهل الْوَرق أَو عبد أَو وليدة تَسَاوِي ذَلِك وَهَكَذَا فِي جَنِين الْحرَّة الْكِتَابِيَّة والمجوسية، وَنَحْو ذَلِك إِذا كَانَ الْجَنِين مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، فَإِن كَانَ العَبْد أَو الوليدة لَا تَسَاوِي الْعشْر الْمَذْكُور بل نقصت عَنهُ، فَلَا يلْزم أهل الْغرَّة قبولهما، وَمهما بذل عشر دِيَة الْأُم أَو العَبْد أَو الوليدة الَّتِي تساويهم لَزِمَهُم
الْقبُول، وَأما جَنِين الْأمة فَفِيهِ عشر قيمَة أمه مَا لم يكن من سَيِّدهَا الْحر الْمُسلم، فَإِنَّهُ كجنين الْحرَّة الْمسلمَة، وَكَذَلِكَ جَنِين الْيَهُودِيَّة والنصرانية من العَبْد الْمُسلم فَإِنَّهُ كَالْحرَّةِ الْمسلمَة أَيْضا، وَظَاهره أَن الْخِيَار للجاني فِي دفع الْعشْر أَو الْغرَّة وَهُوَ كَذَلِك فِي جَنِين الْحرَّة، وَأما جَنِين الْأمة فَيتَعَيَّن فِيهِ الْعين، وَظَاهره أَيْضا كَانَ الْجَنِين ذكرا أَو أُنْثَى كَانَت أمة مسلمة أَو كَافِرَة كَانَ أَبوهُ حرا أَو عبدا، لِأَن الْجَنِين تَابع لأمه، وَظَاهره أَيْضا كَانَ التَّسَبُّب فِي إلقائه عمدا أَو خطأ بِضَرْب أَو شتم أَو تخويف، وَهُوَ كَذَلِك لَا بِمُجَرَّد شتم فَإِنَّهُ لَا شَيْء فِيهِ، وَظَاهره كَانَ المتسبب أَبَاهُ أَو أمه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك، فَلَو ضربت هِيَ بَطنهَا أَو شربت مَا تلقيه بِهِ أَو شمت رَائِحَة فألقته بذلك حَال تَقْصِيرهَا عِنْد الشم بتدارك أكل مَا شمته لوجدت الْغرَّة عَلَيْهَا، وَإِن شمت سمكًا أَو جبنا أَو نَحْو ذَلِك فعلَيْهَا طلب ذَلِك فَإِن لم تطلب وَإِن لم يعلمُوا بِحَالِهَا فعلَيْهَا الْغرَّة لتقصيرها وتسببها، فَإِن طلبت وَلم يعطوها فالغرة عَلَيْهِم علمُوا بحملها أم لَا، وَكَذَلِكَ إِن علمُوا بِهِ، وَأَن ريح الطَّعَام أَو السّمك يُسْقِطهَا، وَإِن لم تطلب كَمَا فِي (ز) وَقَوله: من مَاله أَي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْعمد مُطلقًا وَفِي الْخَطَأ إِذا لم تبلغ ثلث دِيَة الْجَانِي، وَإِلَّا فتحملها الْعَاقِلَة. فَفِي الْمُدَوَّنَة وَإِن ضرب مَجُوسِيّ أَو مَجُوسِيَّة بطن مسلمة خطأ فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا حَملته عَاقِلَة الضَّارِب، وَمحل هَذَا كُله إِذا ألقته مَيتا أَو حَيا وَلم يستهل وَهِي حَيَّة وَإِلَّا بِأَن اسْتهلّ سَوَاء خرج مِنْهَا فِي حَال حَيَاتهَا أَو بعد مَوتهَا، فَفِيهِ فِي التَّسَبُّب خطأ الدِّيَة بقسامة، وَلَو مَاتَ عَاجلا فَإِن لم يقسموا فَلهم الْغرَّة، وَأما فِي التَّسَبُّب الْعمد الَّذِي قصد بِهِ إِلْقَاء الْجَنِين فألقته واستهل فَفِي الْقصاص وَعَدَمه خلاف وَالْمُعْتَمد الْقصاص، وَأما إِن ألقته مَيتا بعد مَوتهَا فَلَا شَيْء فِيهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَة فِي أمه أَو الْقصاص، وَإِذا تعدد فَإِن الْغرَّة تَتَعَدَّد بتعدده، وَمحله أَيْضا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِالسَّبَبِ الَّذِي أَلْقَت جَنِينهَا من أَجله من ضرب أَو تخويف وَأَنه أَمر يخَاف مِنْهُ وَأَنَّهَا لَزِمت الْفراش من وَقت السَّبَب الْمَذْكُور وَشهِدت النِّسَاء أَو غَيْرهنَّ على مُعَاينَة السقط، وَأَنه علقَة ففوق وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد وَقَوله:(كَالْإِرْثِ) حَال من الْغرَّة وَمَا عطف عَلَيْهَا أَي حَال كَون الْغرَّة أَو قيمتهَا الَّتِي هِيَ عشر دِيَة الْأُم مقسومة على فَرَائض الله كَالْإِرْثِ (فِي اسْتِعْمَاله) فَيكون للْأَب مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَللْأُمّ الثُّلُث مَا لم يكن لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس، وَإِن لم يكن لَهُ أَب فَهِيَ بَين الْأُم وَالإِخْوَة أَو غَيرهم من الْعصبَة إِلَّا أَن الضَّارِب أَي المتسبب لَا يَرث مِنْهَا وَلَو أَبَا أَو أما، وَلَا يحجب وَارِثا، وَسَوَاء كَانَ التَّسَبُّب عمدا أَو خطأ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَإِلَى مَسْأَلَة الْغرَّة أَشَارَ (خَ) بقوله فِي الْجَنِين: وَإِن علقَة عشر أمه نَقْدا أَو غرَّة عبد أَو وليدة تساويه وَالْأمة من سَيِّدهَا والنصرانية من العَبْد الْمُسلم كَالْحرَّةِ إِن زايلها
كُله حَيَّة إِلَّا أَن يحيى فَالدِّيَة إِن قسموا، وَلَو مَاتَ عَاجلا وَإِن تَعَمّده بِضَرْب ظهر أَو بطن أَو رَأس، فَفِي الْقصاص خلاف وتعدد المواجب بتعدده وَورث على الْفَرَائِض الخ. فَقَوله: نَقْدا أَي حَالَة من الذَّهَب أَو الْفضة لَا من الْإِبِل، وَقَوله: أَو غرَّة بِالرَّفْع عطف على عشر أمه، وَقَوله: عبد الخ. بدل من غرَّة، وَقَوله: من العَبْد الْمُسلم وَأَحْرَى من الْحر الْمُسلم وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ من الْكِتَابِيّ لَا غرَّة فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عشر دِيَة أمه الْكِتَابِيَّة وَلَو أسلمت بعد الْحمل لِأَن الْجَنِين حِينَئِذٍ غير مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ تَابع لِأَبِيهِ، فالغرة يشْتَرط فِيهَا حريَّة الْجَنِين وَكَونه مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ وَأما إِن كَانَ رَقِيقا فعشر قيمَة أمه، وَإِن كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فعشر دِيَة أمه وَبَاقِي كَلَامه يفهم مِمَّا مر بِأَدْنَى تَأمل. تَنْبِيه: تُؤْخَذ مَسْأَلَة تخويف الْحَامِل من قَول (خَ) فِي فصل حرم بِالْإِحْرَامِ وبسبب، وَلَو اتّفق كفزعه فَمَاتَ أَي فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ، فَكَذَلِك الْحَامِل عَلَيْهِ غرتها وَإِن لم يقْصد فزعها وَنزلت بسيدنا عمر رضي الله عنه أرسل أعواناً فرأتهم امْرَأَة فخافت وَأَلْقَتْ جَنِينهَا فَسَأَلَ عمر الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَقَالُوا: لَا يلزمك شَيْء لِأَنَّك مَا فعلت إِلَّا جَائِزا لَك. وَقَالَ لعَلي رضي الله عنه: يَا أَبَا الْحسن مَا تَقوله؟ فَقَالَ: أرى أَن عَلَيْك الْغرَّة فأداها عمر رضي الله عنه. وغُلِّظتْ فَثُلِّثَثْ فِي الإبِلِ وقُوِّمَتْ بالْعَيْنِ فِي القَوْلِ الجَلِي (وغلظت) الدِّيَة على الْأَبَوَيْنِ وَإِن علوا وَلَو مجوسيين كَمَا يَأْتِي فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ أَو جرح كَذَلِك كرميهم ولدهم بحديدة أَو سيف قصدُوا أدبه أَو لم يقصدوا شَيْئا، فضابطه أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه. (فثلثت فِي الْإِبِل) بِثَلَاثِينَ حقة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الرَّابِعَة، وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الْخَامِسَة، وَأَرْبَعين خلفة وَهِي الَّتِي أَوْلَادهَا فِي بطونها بِلَا حدس فِيهَا (خَ) : وغلظت فِي الْأَب فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ كجرحة بِثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة الخ. وغلظت أَيْضا بحلولها عَلَيْهِم فَهِيَ فِي مَالهم حَالَة لَا منجمة، فَإِن أعدموا فيتبعون بهَا كَمَا مرّ، وَكَذَا تغلظ عَلَيْهِم فِي الْجراح أَيْضا كموضحة أَو مأمومة، وَالْأَصْل فِي تثليثها مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن رجلا من بني مُدْلِج حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَأصَاب سَاقه فَمَاتَ، فَحكى ذَلِك لعمر فَقَالَ لسراقة. اعدد لي على مَاء قديد مائَة وَعشْرين من الْإِبِل حَتَّى أقدم عَلَيْك، فَلَمَّا قدم عمر رضي الله عنه أَخذ مِنْهَا الْعدَد الْمَذْكُور وَدفعه لأخ الْمَقْتُول وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء) اه. وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهَا أخذت من إبل الْجَانِي وَحده، وَإِنَّمَا أَخذ كَونهَا من مَال الْجَانِي وَحده من دَلِيل آخر، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ دَلِيل مُقَابل الْمَشْهُور الَّذِي قَالَ: إِن الْمُغَلَّظَة تكون على الْعَاقِلَة، وَمَفْهُوم أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه أَنهم إِذا قصدُوا إزهاقها أَو فعلوا فعلا لَا يُمكن مَعَه قصد الْأَدَب كَمَا لَو شَقوا بَطْنه أَو ذبحوه أَو جذوا يَده أَو وضعُوا أصبعهم فِي عينه فأخرجوها، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِم الْقصاص وَلَا يقبل مِنْهُم إِرَادَة الْأَدَب.
قَالَ الأَجْهُورِيّ: فهم مِمَّا ذكرنَا أَن الْأَب إِذا فعل بِابْنِهِ مَا يُمكن فعله إِلَّا لقصد الْقَتْل أَو الْجرْح فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ فيهمَا، وَإِن فعل مَا يحْتَمل قصد الْقَتْل أَو الْجرْح وَمَا يحْتَمل غَيرهمَا فَإِن اعْترف بِأَنَّهُ قصد بِهِ الْقَتْل أَو الْجرْح اقْتصّ مِنْهُ أَيْضا، وَإِن لم يعْتَرف بِهِ لم يتقص مِنْهُ سَوَاء ادّعى أَنه أَرَادَ الْأَدَب أَو لم يرد شَيْئا اه. يَعْنِي وتغلظ عَلَيْهِ الدِّيَة حَيْثُ كَانَ مَا رَمَاه بِهِ مَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كالحديدة وَنَحْوهَا، وَأما إِن كَانَ مِمَّا يُؤَدب بِمثلِهِ فَإِن الدِّيَة على عَاقِلَته كَمَا مر أول الْبَاب وَعند قَوْله: وشبهة تدرؤه الخ. وَقد تقدم أول الْبَاب أَن الْقَتْل إِمَّا عمدا أَو خطأ لَا وَاسِطَة بَينهمَا عِنْد مَالك إِلَّا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي تغلظ فِيهَا الدِّيَة على الْأَب وَنَحْوه، فَإِنَّهَا من شبه الْعمد قَالَ الْبَاجِيّ: لَا خلاف فِي ثُبُوت شبه الْعمد فِي حق الْأَب اه. ابْن الْحَاجِب: وَلذَلِك لَا يَرث الْقَاتِل فِيهَا من مَال الْمَقْتُول شَيْئا وَيقتل غَيرهم بذلك، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاسِطَة بَين الْعمد وَالْخَطَأ وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا غير هَذَا عِنْد مَالك خلافًا للخمي حَيْثُ أثبت شبه الْعمد فِي ثَلَاث مسَائِل غير هَذِه أَحدهَا: الْقَتْل بِغَيْر آلَة الْقَتْل كالسوط والعصا واللطمة. وَالثَّانيَِة: أَن يكون الْقَتْل صدر مِمَّن أذن لَهُ فِي الْأَدَب كالزوج والمعلم. وَالثَّالِثَة: أَن يصدر من المتلاعبين والمتصارعين الخ. وَتقدم أَن الْقَتْل بِالسَّوْطِ والعصا من الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص وَأَن الزَّوْج وَنَحْوه إِذا ضرب بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا فَهُوَ من الْخَطَأ، وإلاَّ فَهُوَ من الْعمد وَإِن الْقَتْل من المتلاعبين خطأ كَمَا مر ذَلِك كُله فِي أول الْبَاب وَلما كَانَ التَّغْلِيظ لَيْسَ خَاصّا بِأَهْل الْإِبِل كَذَلِك تغلظ الدِّيَة على أهل الذَّهَب وَالْوَرق وَكَيْفِيَّة تغليظها عَلَيْهِمَا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله:(وقومت) دِيَة الْإِبِل مُثَلّثَة ومخمسة لأجل تغليظها (فِي) أَي على أهل (الْعين) أَي فتقوم الديتان مَعًا ليعلم مَا بَين القيميتن فيزاد بنسبته على الْألف دِينَار أَو الاثْنَي عشر ألف دِرْهَم، فَإِذا كَانَت قيمَة المخمسة على أسنانها وتأجيلها مائَة وَقِيمَة الْمُثَلَّثَة على أسنانها وحلولها مائَة وَعشْرين، فَإِن الْعشْرين الزَّائِدَة تنْسب إِلَى الْمِائَة، ونسبتها مِنْهَا خمس فَيدْفَع الْأَب وَنَحْوه ألف دِينَار وَخَمْسَة أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وخمسها، وَهَكَذَا إِذا زَادَت أقل من ذَلِك أَو أَكثر، وَيلْزم فِي المأمومة والجائفة ثلث الدِّيَة الْمُغَلَّظَة، وَكَذَا غَيرهمَا من مُوضحَة وَنَحْوهمَا مِمَّا فِيهِ شَيْء مُقَدّر فَفِي الْمُوَضّحَة عشر دِيَة مُغَلّظَة وَهَكَذَا (فِي القَوْل الْجَلِيّ) أَي الْمَشْهُور ومقابلة أَنَّهَا لَا تغلظ إِلَّا على أهل الْإِبِل دون أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وعَلى الْمَشْهُور فَإِن الْمُغَلَّظَة تقوم حَالَة دون المخمسة فَإِنَّهَا تقوم على تنجيمها على الْمُعْتَمد كَمَا مر فِي الْمِثَال، وَفهم مِنْهُ أَن المربعة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله: ودية الْعمد كذات
الْخَطَأ لَا تغلظ على أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: بل تغلظ عَلَيْهِمَا أَيْضا وَعَلِيهِ فيسلك بهَا مَسْلَك الْمُثَلَّثَة. وهْيَ بالآباءِ والأُمَّهَاتِ تَخْتَصُّ والأَجْدادِ والجدّاتِ (وَهِي) أَي الْمُغَلَّظَة بالتثليث (بِالْآبَاءِ والأمهات) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام فيهمَا للوزن وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بقوله: (تخْتَص) وَقَوله (والأجداد والجدات) عطف على الْآبَاء، وَظَاهره وَإِن علوا كَانُوا من جِهَة الْأَب أَو الْأُم، وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَفهم مِنْهُ أَن الْأَعْمَام والأخوة والزوجين لَا تغلظ بالتثليث فِي حَقهم وَهُوَ كَذَلِك، بل تربع حَيْثُ وَقع الْعَفو على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو صَالح فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد مربعة لما مر. وَلما قدم أَن الْقسَامَة خَمْسُونَ يَمِينا وَأَنَّهَا فِي الْعمد يحلفها الذُّكُور فَقَط دون الْأُنْثَى، وَأَنه لَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ عصبَة كَمَا مر ذَلِك كُله فِي قَوْله: ولأنثى منعت إِلَى قَوْله وَيحلف اثْنَان بهَا فَمَا علا الخ. نبه هُنَا على أَنَّهَا فِي الْخَطَأ يحلفها كل من يَرث من الذُّكُور وَالْإِنَاث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة فَقَالَ: وَيحلِفُ الذكورُ كالإنَاثِ بِنِسْبِة الْحُظُوظِ فِي المِيرَاثِ (وَيحلف الذُّكُور كالإناث) خمسين يَمِينا ويقتسمونها (بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث) فتحلف الزَّوْجَة ثمن الْإِيمَان مَعَ الْوَلَد وَالأُم سدسها وَهَكَذَا، وَفهم مِنْهُ أَن الْغُرَمَاء يحلفونها لأَنهم مقدمون على الْوَرَثَة وَإِن من لَا وَارِث لَهُ إِلَّا بَيت المَال فَلَا قسَامَة وَلَا دِيَة.
وإنْ يمينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسرُ يَحْلِفُها مَنْ حَظُّهْ مُوَفِّرُ (وَإِن يَمِين عِنْد ذَا) أَي عِنْد قسمهَا بِنِسْبَة الحظوظ (تنكسر يحلفها من حَظه موفر) أَي أَكثر كسراً كَبِنْت وَابْن ينوبها ثلث الْإِيمَان سِتَّة عشر وَثُلُثَانِ فتحلف سَبْعَة عشر وَيحلف الابْن ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ، فَإِن تَسَاوَت الكسور كثلاثة بَنِينَ أَو أَرْبَعَة كمل كل وَاحِد كَسره. وواحِدٌ يَجُوزُ أنْ يُحلَّفَا حيْثُ انْفَرادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا (وَوَاحِد يجوز أَن يحلفا) بِضَم الْيَاء وَتَشْديد اللَّام مَبْنِيا للْمَفْعُول أَي يحلف يَمِينا كلهَا (حَيْثُ انْفِرَاده بِمَا) أَي بِالْمِيرَاثِ الَّذِي (تخلفا) عَن الْهَالِك بِأَن كَانَ لَا وَارِث لَهُ غَيره كَابْن أَو عَم بِخِلَاف الْعمد، فَإِنَّهُ لَا يحلف فِيهِ أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر، وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة من أَولهَا أَشَارَ (خَ) بقول يحلفها فِي الْخَطَأ من يَرث وَأَن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وجبرت الْيَمين على أَكثر كسرهَا، وإلاَّ فعلى الْجَمِيع الخ. وَفهم من قَوْله: حَيْثُ انْفِرَاده إِنَّه إِذا لم ينْفَرد بِالْمِيرَاثِ بل كَانَ مَعَه غَيره فِيهِ، فَأَما أَن يكون هَذَا الْغَيْر بَيت مَال أَو أُخْت فَإِنَّهَا تحلف جَمِيع الْإِيمَان وَتَأْخُذ حظها من الدِّيَة وَيسْقط الْبَاقِي مِنْهَا لتعذر الْقسَامَة من بَيت المَال وَأما أَن يكون الْغَيْر عاصباً مُسَاوِيا فِي الدرجَة للحاضر كابنين أَحدهمَا غَائِب أَو صبي أَو ناكل فَإِن الْحَاضِر يحلف جَمِيعهَا أَيْضا وَيَأْخُذ حَظه فَقَط وَيسْقط حَظّ الناكل عَن الْعَاقِلَة، وَيُوقف حَظّ الْغَائِب وَالصَّبِيّ، فَإِذا بلغ الصَّبِي أَو قدم الْغَائِب حلف كل مِنْهُمَا حَظه من الْأَيْمَان وَأخذ حَظه من الدِّيَة، فَإِن مَاتَ الصَّبِي أَو الْغَائِب فوارثه يقوم مقَامه فَإِن كَانَ وَارثه هُوَ الْحَالِف لجميعها فَهَل لَا بُد من حلفه مَا كَانَ يحلفهُ موروثه أَو يَكْتَفِي بأيمانه السَّابِقَة؟ قَولَانِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحَاضِر لَا يَأْخُذ حَظه إِلَّا إِذا حلف جَمِيع الْأَيْمَان لِأَن الْعَاقِلَة تَقول: لَا ندفع شَيْئا حَتَّى يثبت الدَّم وَهُوَ لَا يثبت إِلَّا بِحلف الْجَمِيع، وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وَلَا يَأْخُذ أحد شَيْئا من الدِّيَة إِلَّا بعْدهَا أَي بعد جَمِيع أيمانها. وَهَذِه الأحْكامُ طُرًّا تُعْتَمَدْ بحيثُما يَسْقُطُ بالشَّرْعِ الْقَوَدْ (وَهَذِه الْأَحْكَام) الْمَذْكُورَة من حلف الْإِنَاث وَكَون الْأَيْمَان تقسم على حظوظ الْمِيرَاث وَأَنَّهَا تجبر على أَكثر الكسور وَأَن الْوَاحِد يحلفها إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا (طراً) أَي جَمِيعًا و (تعتمد) فِي قتل الْخَطَأ فَقَط، وَعنهُ عبر النَّاظِم بقوله (بحيثما يسْقط بِالشَّرْعِ الْقود) الْبَاء وَمَا زائدتان وَحَيْثُ ظرف مضمن معنى الشَّرْط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: هَذِه الْأَحْكَام إِنَّمَا تعتمد جَمِيعًا إِذا يسْقط الْقود بِالشّرطِ والقود إِنَّمَا يسْقط فِي الْخَطَأ لَا فِي الْعمد، وَحِينَئِذٍ فالعمد يُخَالف الْخَطَأ فِي
هَذِه الْأَحْكَام فَلَا يحلف فِيهِ الْإِنَاث وَلَا تقسم الْأَيْمَان بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث بل يحلفها الْعصبَة، وَإِن لم يَكُونُوا وَرَثَة ويجتزىء فِيهَا بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر وَلَا تجبر فِيهِ الْيَمين على أَكثر كسرهَا إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِك وَلَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر ذَلِك كُله. وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الوُلاةِ فِي غَيْبَةِ الجَانِي على الصِّفَاتِ (وسوغت قسَامَة الْوُلَاة) أَي وُلَاة دم الْعمد (فِي غيبَة الْجَانِي على الصِّفَات) أَي على صِفَاته الَّتِي تعينه وتميزه من كَونه طَويلا أَو قَصِيرا أَو أَعور الْيُمْنَى وَنَحْو ذَلِك. وَيَنْفُذُ القِصَاصُ إنْ بهِ ظُفِرْ إقْراراً وَوِفَاقَ مَا مِنها ذُكِرْ (و) إِذا أَقْسمُوا على صِفَاته الْمَذْكُورَة ف (ينفذ) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء المخففة من أنفذ الرباعي، وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح الْيَاء وَضم الْفَاء وعَلى الأول ف (الْقصاص) مَفْعُوله وَإِقْرَار فَاعله، وعَلى الثَّانِي فالقصاص فَاعله وَإِقْرَار حَال الخ. (إِن بِهِ ظفر) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (إِقْرَار) فَاعل أَو حَال من الضَّمِير فِي بِهِ (أَو وفَاق) مَعْطُوف على إِقْرَار (مَا) أَي الصِّفَات (مِنْهَا) يتَعَلَّق بقوله (ذكر) وَالتَّقْدِير، على الِاحْتِمَال الثَّانِي وَينفذ الْقصاص إِن ظفر بِهِ حَال كَونه مقرا بِأَن تِلْكَ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي رسم الْقسَامَة هِيَ صِفَاته أَو لم يقر بذلك، وَلَكِن صِفَاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن مُوَافقَة لما ذكر مِنْهَا فِي رسم الْقسَامَة وَتَقْدِيره على الِاحْتِمَال الأول ظَاهر. وَأَشَارَ النَّاظِم بِهَذَا إِلَى قَول ابْن سَلمُون: فَإِن غَابَ الْجَانِي وعرفه الشُّهُود ووصفوه بصفاته الَّتِي ينْحَصر بهَا وَتقوم مقَام التَّعْيِين وَذهب الْأَوْلِيَاء إِلَى أَن يحلفوا فَلهم ذَلِك فَإِن استكملوا أَيْمَان الْقسَامَة استوجبوا الْقود مِنْهُ مَتى وجدوه، وَذَلِكَ بعد أَن توَافق صِفَاته الصِّفَات الَّتِي فِي عقد التدمية أَو يقر أَنه هُوَ الَّذِي دمى عَلَيْهِ بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِ انْتهى. وَبِه تعلم أَن قَول ابْن رحال لم أَقف على خُصُوص مَسْأَلَة النَّاظِم بِعَينهَا قُصُور، وَقَول ابْن سَلمُون ووصفوه يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِن وَصفه المدمى حَيْثُ لَا شَاهد أصلا، وَمرَاده بالشهود مَا يَشْمَل الْعدْل الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل أَو الضَّرْب كَمَا مر.
(فصل فِي الْجِرَاحَات)
الْجَوْهَرِي: الْمُفْرد لفظان أَحدهمَا: جِرَاحَة بِكَسْر الْجِيم وَالْهَاء فِي آخِره وَجمعه جراحات وجراح بِوَزْن كتاب، وَثَانِيهمَا جرح بِضَم فَسُكُون وَجمعه جروح قَالَ تَعَالَى: والجروح قصاص} (الْمَائِدَة: 45) وَالْمرَاد بِهِ فِي التَّرْجَمَة مَا يَشْمَل الْقطع وَالْكَسْر والفقء وَإِتْلَاف الْمعَانِي من السّمع
وَنَحْوه، وَإِن خالفته اللُّغَة والاصطلاح. ابْن عَرَفَة مُتَعَلق الْجِنَايَة غير النَّفس إِن أبانت بعض الْجِسْم فَقطع، وإلاَّ فَإِن أزالت اتِّصَال عظم لم يبن فَكسر وإلاَّ فَإِن أثرت فِي الْجِسْم فجرح، وإلاَّ فإتلاف مَنْفَعَة وَالْقصاص فِيهَا كالنفس إِلَّا فِي جِنَايَة أدنى على أَعلَى اه. (خَ) : وَالْجرْح كالنفس فِي الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، فَقَوله فِي الْفِعْل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص فِي الْجرْح مَا اشْترط فِي الْقَتْل من كَونه عمدا عُدْوانًا وَهُوَ قصد الضَّارِب إِلَى الْمَضْرُوب كَمَا مر أول الْبَاب، وَقَوله: وَالْفَاعِل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْجَارِح مَا اشْترط فِي الْقَاتِل من كَونه مُكَلّفا مكافئاً للمجروح غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ أسلم كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: والقود الشَّرْط بِهِ المثلية الخ. فَكَمَا تعْتَبر تِلْكَ الْقُيُود فِي الْقصاص من الْقَاتِل كَذَلِك تعْتَبر فِي الْقصاص من الْجَارِح، وَقَوله: وَالْمَفْعُول يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْمَجْرُوح مَا اشْترط فِي الْمَقْتُول من كَونه مَعْصُوم الْعُضْو وَالدَّم إِلَى حِين الْإِصَابَة كَمَا مر فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فينتج من هَذَا أَن كل شَخْصَيْنِ يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْقَتْل يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْجرْح إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي أَن الْأَدْنَى إِذا جرح من هُوَ أَعلَى مِنْهُ كَمَا لَو قطع عبد يدحر مُسلم أَو جرحه أَو قطع كَافِر يَد مُسلم أَو جرحه، فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ للأعلى مِنْهُمَا على الْمَشْهُور، وَإِن كَانَ يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا فِي النَّفس كَمَا مر فِي قَوْله: وَقتل منحط مضى بالعالي الخ. وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا هُنَا لِأَن ذَلِك كجناية الْيَد الشلاء على الصَّحِيحَة وَهِي لَا قصاص فِيهَا، وَإِذا لم يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى فديَة الْجرْح فِي رَقَبَة العَبْد وَفِي ذمَّة الْكَافِر إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كموضحة بَرِئت على شين أم لَا. وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ مثلا فَحُكُومَة إِن برىء على شين وَإِلَّا فَلَيْسَ على العَبْد وَالْكَافِر إِلَّا الْأَدَب. جُلُّ الجَرَاحِ عَمْدَها فِيهِ القَوَدْ وديةُ معْ خَطَرٍ فِيهَا فَقَدْ (جلّ الْجراح عمدها) الثَّابِت وَلَو بِشَاهِد وَاحِد أَو قرينَة تقوم مقَامه كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ. (فِيهِ الْقود) بعد الْبُرْء إِذْ لَا قصاص فِي جرح إِلَّا بعد برئه أَو مَعَ التكافىء، إِذْ لَا قصاص فِي جرح من غير مكافىء كَمَا مر قَرِيبا. وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْقود خطر ككسر الْفَخْذ وَعظم
الصَّدْر والعنق والصلب ورض الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا قَود فِي مثل ذَلِك وَإِن ثَبت عمده لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا، (و) عَلَيْهِ فَالْوَاجِب فِي ذَلِك (دِيَة) مُغَلّظَة بالتثليث فِي الْأَب وَفِي التربيع فِي غَيره، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كرض الْأُنْثَيَيْنِ إِذْ فيهمَا دِيَة كَامِلَة وكدامغة فِيهَا ثلث الدِّيَة أَو حُكُومَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَعظم الصَّدْر إِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب، وَهَذِه الدِّيَة أَو الْحُكُومَة إِنَّمَا هما (مَعَ) وجود (خطر فِيهَا) أَي فِي الْقصاص من تِلْكَ الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة (فقد) أَي فَحسب والخطر الإشراف على الْهَلَاك وَيرجع فِي كَونه خطراً أَو عَدمه لأهل الْمعرفَة، وَمثل الْخطر فِي وجوب الدِّيَة مَا إِذا تعذر الْقصاص لعدم وجود المماثل من الْجَارِح. وَقَوْلِي. أَو قرينَة الخ. ليدْخل مَا إِذا لم يثبت الْجرْح بِشَاهِد، وَإِنَّمَا ادّعى الْمَجْرُوح أَن فلَانا جرحه وَأثبت أَنه كَانَت بَينهمَا ثائرة وعداوة، فَإِنَّهُ يحلف الْمَجْرُوح ويقتص مِنْهُ كَمَا أفتى بِهِ القوري وَابْن عرضون والتالي وَغَيرهم حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي خلافًا لفتوى أبي الْقَاسِم العبدوسي من أَن الْيَمين على الْجَارِح. وَقَوله: جلّ الْجراح هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس والجبهة والخدين وَإِن كابرة واقتص أَيْضا من سابقها وَهِي سِتَّة. دامية: وَيُقَال لَهَا أَيْضا دامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي تضعف الْجلد فيسيل مِنْهُ دم كالدمع. وحارصة: بالصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي شقَّتْ الْجلد كُله وأفضت للحم وسمحاق: وَهِي الَّتِي كشطت الْجلد أَي أزالته عَن مَحَله فَيُقَال لذَلِك الْجلد سمحاق. وباضعة: وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم. ومتلاحمة: وَهِي الَّتِي غاصت فِيهِ أَي فِي اللَّحْم فَأخذت يَمِينا وَشمَالًا وَلم تقرب من الْعظم. وملطاة: بِكَسْر الْمِيم وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم وَقربت من الْعظم، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات كلهَا يقْتَصّ مِنْهَا كَانَت فِي الرَّأْس أَو فِي غَيره من الْجَسَد، وَكَذَا يقْتَصّ من هاشمة ومنقلة فِي غير الرَّأْس، والهاشمة هِيَ الَّتِي هشمت الْعظم أَي كَسرته والمنقلة هِيَ الَّتِي أطارت فرَاش الْعظم بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا من أجل الدَّوَاء وَمحل الْقصاص فيهمَا فِي غير الرَّأْس إِذا لم يعظم الْخطر، وإلاَّ فَلَا قصاص، وَإِنَّمَا فيهمَا الْحُكُومَة إِذا برئا على شين وَإِلَّا فالأدب فَقَط، وَفهم من قَوْله: جلّ الْجراح أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ وَذَلِكَ كالمنقلة والهاشمة فِي الرَّأْس، فَإِنَّهُ لَا قصاص فيهمَا. وَكَذَا لَا قصاص فِي أمة وَهِي الَّتِي أفضت لأم الدِّمَاغ أَي المخ الَّذِي فِي الرَّأْس، وَلَا فِي دامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته أَي شقتها، وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ من هَذِه الْجِرَاحَات فِي الرَّأْس لعظم خطرها، وَإِنَّمَا فِيهَا الدِّيَة. فَفِي الهاشمة والمنقلة عشر الدِّيَة وَنصفه وَفِي الْأمة والدامغة ثلث الدِّيَة، وَكَذَا لَا يقْتَصّ من الْجَائِفَة وَهِي الَّتِي أفضت للجوف من بطن أَو ظهر، وَإِنَّمَا فِيهَا ثلث الدِّيَة بِخِلَاف عظم ترقوة بِفَتْح التَّاء وَضم الْقَاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي بِأَعْلَى الصَّدْر الْمُتَّصِل بالعنق، فالقصاص فِيهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يقْتَصّ فِي الْعين وَالرجل وَالْأنف وَالْأُذن وَالسّن وَالذكر والأجفان والشفتين، وَكَذَا اللِّسَان إِن أمكن وَلم يكن متلفاً وإلاَّ فَلَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة.
وَقد علمت من هَذَا أَن الْمُوَضّحَة وَمَا قبلهَا فِيهِ الْقصاص مُطلقًا، والهاشمة والمنقلة فيهمَا الْقصاص إِذا لم يعظم الْخطر وكانتا فِي غير الرَّأْس، وَأما إِذا كَانَتَا فِي الرَّأْس فَلَا قصاص فيهمَا بل الدِّيَة فَقَط كَمَا تجب الدِّيَة فِي الْأمة والدامغة وَلَا يكونَانِ، إِلَّا فِي الرَّأْس، وَفِي الْجَائِفَة وَلَا تكون إِلَّا فِي غَيره، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات عمدها كخطئها فِي الدِّيَة إِلَّا أَنَّهَا يجب فِيهَا الْأَدَب فِي الْعمد زِيَادَة على الدِّيَة، وَبِهَذَا صَحَّ قَول النَّاظِم: جلّ الْجراح عمدها فِيهِ الْقود، فمفهومه أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَو حُكُومَة إِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر عظم الْعُنُق والصلب وَغير ذَلِك مِمَّا مر. تَنْبِيهَات. الأول: لَا قصاص فِي لطمة أَو ضَرْبَة على الْخَدين بباطن الرَّاحَة إِذا لم ينشأ عَنْهَا جرح أَو ذهَاب معنى كبصر، وإلاَّ فيقتص مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَا قصاص فِيهَا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر لعدم انضباطها وَمثلهَا الضَّرْب بالعصا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر بِخِلَاف ضَرْبَة السَّوْط فَفِيهَا الْقصاص كَمَا فِي (ح) لانضباطه، وَإِذا لم يقْتَصّ من اللَّطْمَة وَالضَّرْب بالعصا فَلَا إِشْكَال أَن الْفَاعِل يُؤَدب كَمَا يُؤَدب من سل سَيْفه على أحد وَلَو على وَجه المزاح، وَكَذَلِكَ يُؤَدب من كسر الدعْوَة للْحَاكِم أَو قبل امْرَأَة كرها، وَلأبي الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن القَاضِي مَا نَصه: وَمن نضى سَيْفه يَوْمًا على أحد فالأربعون لَهُ إِن لِلْقِتَالِ نضى وَالسيف يرْوى لبيت المَال مصرفه وَقيل يقتل وَالْحكم بِذَاكَ مضى وَمن نضاه على وَجه المزاح فقد جَفا وَيضْرب عشرا حكمه فرضا وَالْأَرْبَعُونَ اذا مَا دَعَوْت كسرت لقاض أَو حَاكم للْمُسلمين قضى من قبل امْرَأَة يَوْمًا وأكرهها يُزَاد عشرا كَمَا إِن كَانَ مِنْهَا رضَا الثَّانِي: قد علمت مِمَّا مر أَنه لَا قصاص وَلَا حُكُومَة وَلَا دِيَة فِي جرح إِلَّا بعد برئه، وَأَن الدِّيَة والحكومة مغلظتان حالتان فِي مَال الْجَانِي وَحده وَأَن الْجَانِي يجْبر على دفع الدِّيَة، والحكومة فِيمَا وَجب فِيهِ ذَلِك بِخِلَاف مَا وَجب فِيهِ الْقصاص فَلَا يجْبر، بل إِذا قَالَ: إِمَّا أَن تقتص وَإِمَّا أَن تَعْفُو مجَّانا فَلهُ ذَلِك فَإِن تَرَاضيا على شَيْء من المَال قَلِيلا أَو كثيرا عمل عَلَيْهِ كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَإِن ولي الدَّم لِلْمَالِ قبل الخ. وَيجب تَأْخِير الْقصاص لزوَال حر أَو برد مفرطين لِئَلَّا يَمُوت إِذا اقْتصّ مِنْهُ فيهمَا فتؤخذ نفس فِيمَا دونهَا كَمَا تُؤخر الْحَامِل الجانية لوضع حملهَا، سَوَاء جنت على طرف أَو نفس (خَ) : وَآخر لبرد أَو حر كالبرء كدية خطأ أَو دِيَة عمد أَي. فَلَا تُؤدِّي دِيَتهمَا إِلَّا بعد الْبُرْء وَلَو كجائفة وحامل إِلَى أَن قَالَ: لَا بِدُخُول الْحرم أَي لَا يُؤَخر الْقصاص عَن الْجَانِي بِدُخُولِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام، بل يخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام ليقام عَلَيْهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَو كَانَ محرما بِحَجّ أَو عمْرَة، فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر إِلَى فرَاغ نُسكه بل يقْتَصّ مِنْهُ قبل فَرَاغه، وَسَوَاء فعل مَا يُوجب الْحَد أَو الْقصاص فِي الْحرم أَو خَارجه ولجأ إِلَيْهِ. الثَّالِث: إِذا كَانَ لَا يُؤَخر بِدُخُول الْحرم الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة كَمَا مر فأحرى أَن لَا يُؤَخر بِدُخُولِهِ الزوايا مِمَّا لَيْسَ بحرم شَرْعِي، وَلذَا قَالَ أَبُو عبد الله الأبي: كَانَ ابْن عَرَفَة لَا يحل إيواء الظلمَة والجناة الهاربين إِلَى الزوايا قَائِلا: إِلَّا أَن يعلم أَنه يتَجَاوَز فيهم فَوق مَا يسْتَحقُّونَ اه. قَالَ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي عبد الرَّحْمَن الفاسي عقب كَلَام الأبي مَا نَصه: هَذَا وَمَا
يظْهر من أُمُور خَارِجَة عَمَّا ذكر من ظُهُور برهَان لمن تعدى على زَاوِيَة أَو رَوْضَة فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، وغيرلا من الله على أوليائه لَا تحد بِقِيَاس وَلَا تنضبط بميزان شَرْعِي وَلَا قانون عادي، فَإِن الموازين الشَّرْعِيَّة كليات وعمومات، وَقد يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص نازلة خلاف مَا تَقْتَضِيه العمومات، وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} (الْمَائِدَة: 110) فِيمَا أخبر بِهِ عَن عِيسَى عليه السلام من إبرائه الأكمه والأبرص وإحياء الْمَوْتَى وَغير ذَلِك انْتهى. قلت: قَوْله: فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى الخ رُبمَا يتَوَهَّم قَاصِر الْفَهم أَنه يُرَاعِي حرم الزاوية وَالرَّوْضَة لما يخْشَى من الْبُرْهَان كَمَا عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن قولا وفعلاً، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد من الْأَئِمَّة وَلَا من أَصْحَابهم وَلَا من أهل السّنة، إِذْ لَا حرم لغير مَكَّة وَالْمَدينَة شرعا، وَغَايَة مَا ذكره الفاسي أَن الله تَعَالَى قد أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود على كل من فعل موجباتها، وَكَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجه من زَاوِيَة أَو رَوْضَة لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، لِأَن ذَلِك الْحَد والإخراج مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ، وَقد يُرِيد خِلَافه فِي خُصُوص زيد الْجَانِي وَنَحْو ذَلِك، وَالله سبحانه وتعالى قد يَأْمر بالشَّيْء وَيُرِيد خِلَافه كَمَا أَمر بِإِيمَان الْكَفَرَة وَأَرَادَ مِنْهُم خِلَافه، وَهَذَا مِنْهُ رُبمَا يدل على أَن المصائب الَّتِي تنزل بمخرجهم من الزوايا انتقام من الله لَهُم على إخراجهم مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْجَانِي الْمُحْتَرَم بالزاوية أَو الرَّوْضَة يجب إِخْرَاجه لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ إِجْمَاعًا امتثالاً لأمر الله تَعَالَى، والمصيبة الَّتِي تنزل بمخرجه إِن وَقعت إِنَّمَا هِيَ اتفاقية مَكْتُوبَة عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} (الْحَدِيد: 22) أَي نخلفها وَلَيْسَت انتقاماً على الْإِخْرَاج لكَون الله أَرَادَ خِلَافه. أَلا ترى أَن الله سُبْحَانَهُ أوجب قتال الْكفَّار وَأمر بِهِ، والمصائب الَّتِي تنزل بهم عِنْد قِتَالهمْ من هزيمَة وَنَحْوهَا مَكْتُوبَة عَلَيْهِم لِأَن الله انتقم مِنْهُم لإرادته خلاف قِتَالهمْ أَو غيرَة عَلَيْهِم، بل ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم فِي أزله سُبْحَانَهُ ليعظم بذلك أُجُورهم وَيكثر بِهِ ثوابهم، فَكَذَلِك الْجَانِي فالمصيبة وَإِن وَقعت بأثر إِخْرَاجه إِنَّمَا هِيَ أَمر اتفاقي مَكْتُوب عَلَيْهِ نُزُولهَا بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت لَا بُد من وُقُوعهَا بِهِ أخرجه أَو لم يُخرجهُ ليعظم بهَا أجره وَيكثر بهَا ثَوَابه إِن صَبر واحتسب. وَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَمَا فِي الْآيَة. قَالَ تَعَالَى: قل لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} (آل عمرَان: 154) وَذَلِكَ كُله امتحان واختبار للْعَبد هَل يصبر على المصائب حَتَّى يُؤَدِّي مَا أَمر بِهِ سُبْحَانَهُ أَو يرجع عَن ذَلِك وَلَا يصبر. قَالَ تَعَالَى: ليميز الله الْخَبيث من الطّيب} (الْأَنْفَال: 37) وَقَالَ: أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} (العنكبوت: 2) وَقَوله: وغيرة من الله على أوليائه الخ. يُقَال لَهُ من لنا بِأَنَّهَا غيرَة من الله بل الْغيرَة من الله إِنَّمَا وَردت بارتكاب مَمْنُوع لَا بارتكاب وَاجِب، فَوَجَبَ أَن يكون أمرا اتفاقياً إِذْ الْمُؤمن لَا يَخْلُو من مصائب، وَقد تكون تِلْكَ المصائب من التواني فِي الِامْتِثَال أَو من اكْتِسَاب مَمْنُوع تقدم، وَلَو كَانَ ذَلِك غيرَة لَكَانَ نزُول المصائب بالكفار أولى حَيْثُ يمتهنونهم فِي الْأَرَاضِي الَّتِي دخلوها، وبمن يفعل الْفَوَاحِش ويسفك الدِّمَاء فِي أضرحتهم وزواياهم كَذَلِك، وَكم من فَاعل ذَلِك فِي أضرحتهم لم يصبهُ شَيْء، وَأَيْضًا لَو أقيم حد على شخص فَنزلت مُصِيبَة فِي الْحِين بمقيمه لوَجَبَ أَن يُقَال على هَذَا أَن ذَلِك غيرَة من الله سبحانه وتعالى على الْمَحْدُود، وَذَلِكَ مِمَّا لَا معنى لَهُ بل الْوَلِيّ لَو كَانَ حَيا لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادرَة
إِلَى إِقَامَته على من اجترم بِهِ، وَإِن حماه وَلم يفعل فَلَيْسَ بولِي لِأَن الَّذِي يحمي الظَّالِم ظَالِم. وَقَوله: وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة الخ. مَعْنَاهُ على مَا قَالَ من مَذْهَب الْخَواص أَن الله سبحانه وتعالى إِذا أَمر برجم كل فَاسق مثلا فِي كل مَكَان، فزنى زيد الْمُحصن فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص من الله سُبْحَانَهُ وَإِن زنى عَمْرو فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص، وَهَكَذَا وَلَا يتمسكون بِالْعُمُومِ الْمَذْكُور لِئَلَّا يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف رجم ذَلِك الْمعِين بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا أَمر خَارج عَن الشَّرْع لم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ باتباعه لَا الْخَواص وَلَا غَيرهم لِأَن امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجِب، وَإِن فَرضنَا أَن مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف مَا أَمر بِهِ، وَحِينَئِذٍ فمعاذ الله أَن لَا يُبَادر الْخَواص إِلَى تَنْفِيذ أوَامِر الله ويتربصون إِلَى أَن يرد عَلَيْهِم الْإِذْن الْخَاص خشيَة أَن يكون مُرَاده خلاف مَا أَمر بِهِ، إِذْ ذَلِك يَقْتَضِي أَنه لَا يُصَلِّي ظهر هَذَا الْيَوْم حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْإِذْن الْخَاص فِي صلَاتهَا، وَهَكَذَا مَعَ أَنه مَأْمُور بالامتثال. وَلَو فَرضنَا أَنه علم أَن مُرَاده سُبْحَانَهُ خلاف ذَلِك لِأَنَّهُ مُكَلّف بِاتِّبَاع الْأَوَامِر وَلَا عَلَيْهِ فِي الْإِرَادَة، وَبِهَذَا احْتج إِبْلِيس اللعين فَقَالَ: كَيفَ أَسجد لآدَم وَالله لم يردهُ مني، وَهَذَا إِن زَعمه بعض النَّاس وَادّعى أَنه من الْخَواص وَأَنه يتربص فِي تَنْفِيذ أوَامِر الله إِلَى إِذن خَاص وَجب ضرب عُنُقه بِلَا ريب، وَلَو كَانَ يغوص فِي المَاء ويطير فِي الْهَوَاء. وَقَوله: وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} الخ إِنَّمَا يتم الِاحْتِجَاج بِهِ للخواص لَو كَانَ تكْرَار الْإِذْن فِي كل فَرد من أَفْرَاد الأكمة وَفِي كل فَرد من أَفْرَاد الْمَوْتَى الخ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فالحرم الشَّرْعِيّ لَا يجير عَاصِيا كَمَا فِي الحَدِيث فضلا عَن الزوايا وأضرحة الصَّالِحين، فَالْوَاجِب على من بسط الله يَده على عباده أَن لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِمَّا يتخيله الْعَامَّة من كَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجهم لإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، بل لَو تحققنا الانتقام الْمَذْكُور وَأَنه من أجل الْإِخْرَاج وَأَن الله سُبْحَانَهُ أَرَادَ عَدمه، لوَجَبَ علينا اخراجهم للامتثال كَمَا مّر، فَكيف والانتقام إِنَّمَا هُوَ متخيل متوهم، وعَلى فرض وُقُوعه فَلَيْسَ هُوَ من أجل الْإِخْرَاج بل هُوَ أَمر اتفاقي كَمَا مر، لَا لكَون الله أَرَادَ عدم إخراجهم. وَمن الْعَجَائِب أَنهم يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل بعد الْإِخْرَاج ويعدونها انتقامات وَلَا يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل مَعَ عدم إخراجهم مَعَ كثرتها وَلَا يعدونها انتقامات على عدم إلاخراج، وَعدم تَنْفِيذ أوَامِر الله مَعَ أَن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا رتب المصائب على عدم الِامْتِثَال فَقَالَ: وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} (الشورى: 30) إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} (الرَّعْد: 11) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات. وَمَا انتقم الله من الْأُمَم السَّابِقَة إِلَّا لعدم امتثالهم أوامره بِاتِّبَاع رسله، وَقد نجا كل من امتثل أوامره باتبَاعهمْ، وَقد كثر الْفساد من عدم إِخْرَاج الجناة من الزوايا والأضرحة ويتخيلون أَن المصائب الَّتِي تنزل وَلَو بعد مائَة عَام إِنَّمَا هِيَ من ذَلِك، وَمَا أَظن ذَلِك إِلَّا من استخفاف الْحُكَّام بامتثال الْأَوَامِر وَإِقَامَة الْحُدُود مَعَ ضميمة التخيل الْمَذْكُور، وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَلما تكلم النَّاظِم على مَا يجب فِي جراح الْعمد شرع فِي أَحْكَام جراح الْخَطَأ فَقَالَ: وَفِي جِرَاحِ الخَطَإِ الْحُكْومهْ وَخمسةٌ ديتُهَا مَعْلُومَهْ
(وَفِي جراح الْخَطَإِ) الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا مُقَدّر من قبل الشَّارِع ككسر الْفَخْذ والترقوة وَعظم الصَّدْر والعنق والصلب وَنَحْو ذَلِك (الْحُكُومَة) إِذا بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا لَا أدب وَلَا غَيره وَسَيَأْتِي تَفْسِير الْحُكُومَة (وَخَمْسَة) من جراح الخطا (دِيَتهَا مَعْلُومَة) وَكلهَا فِي الرَّأْس مَا عدا الْجَائِفَة. فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٌ فِي الْمُوضِحَهْ وَهْيَ الَّتِي تُلْفَى لعَظْمٍ مُوضِحَهْ (فَنصف عشر دِيَة فِي الْمُوَضّحَة) وَعرفهَا بقوله:(وَهِي الَّتِي تلفى لعظم مُوضحَة) أَي كاشفة أياً كَانَ الْعظم فِي الرَّأْس وَفِي غَيره، لَكِن الدِّيَة الَّتِي هِيَ نصف الْعشْر خَاصَّة بِمَا إِذا كَانَت. فِي رَأسٍ أَو وجهٍ كذَا المُنَقِّلهْ عُشْرٌ بهَا ونِصفٌ مَعْدِلَهْ (فِي رَأس أَو وَجه) يَعْنِي بِهِ الْجَبْهَة والخدين لَا إِن كَانَت فِي اللحى الْأَسْفَل أَو فِي غَيره من الْجَسَد، فَحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وَكَذَا بَقِيَّة جراح الْجَسَد من ملطاة وحارصة وَغَيرهمَا فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا. وَظَاهره أَن الْمُوَضّحَة فِيهَا مَا ذكر فَقَط بَرِئت على شين أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا بَرِئت على شين فيزاد على دِيَتهَا حُكُومَة على الْمَشْهُور فَيقوم عبدا صَحِيحا ومعيباً على مَا يَأْتِي وَيُزَاد على دِيَتهَا مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ، وَظَاهره أَيْضا أَن مَا قبل الْمُوَضّحَة من ملطاة وَنَحْوهَا فِي الرَّأْس وَالْوَجْه لَا شَيْء إِلَّا الْحُكُومَة وَلَيْسَ كَذَلِك بل الملطاة فِي الرَّأْس فِيهَا قَولَانِ. مَذْهَب ابْن كنَانَة أَن فِيهَا نصف دِيَة الْمُوَضّحَة، وَرُوِيَ أَن عُثْمَان وَعمر رضي الله عنهما قضيا بذلك، وَقيل فِيهَا دِيَة الْمُوَضّحَة ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِل مصدرا بِالْأولِ. (كَذَا المنقلة) دِيَتهَا مَعْلُومَة وَهِي (عشر) بِضَم الْعين وَسُكُون الشين (بهَا وَنصف عشر) بِسُكُون الشين أَيْضا وَلَو قَالَ: عشرهَا وَنصفه (معدلة) لَا تزن الْبَيْت بِلَا كلفة أَي عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا يعدل جرحها حَال كَونهَا. فِي المَوْضِعين مُطْلقاً وهْيَ الَّتِي كسرَ فِرَاشِ العظمِ قد تَوَلَّتِ (فِي الْمَوْضِعَيْنِ) الرَّأْس وَالْوَجْه لَا فِي اللحى الْأَسْفَل أَو غَيره من الْجَسَد، فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين (مُطلقًا) عمدا أَو خطأ إِذْ لَا يقْتَصّ مِنْهَا فِي الْعمد كَمَا مر (وَهِي) أَي المنقلة (الَّتِي كسر فرَاش الْعظم) فَكسر مفعول بقوله. (قد تولت) أَي هِيَ الَّتِي تولت كسر صغَار عظم الرَّأْس أَي الَّتِي ينْقل الطَّبِيب مِنْهَا الْعِظَام الصغار كقشر البصل ليلتئم الْجرْح، وَتلك الْعِظَام هِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا الْفراش بِالْفَتْح وَالْكَسْر فإضافته إِلَى الْعظم بَيَانِيَّة.
وَعُشْرٌ ونِصْفُه فِي الهاشِمَهْ وهَي لِعْظمِ الرَّأْسِ تُلفَى هاشِمَهْ (وَعشر وَنصفه فِي الهاشمة وَهِي) الَّتِي (لعظم الرَّأْس) أَو الْوَجْه أَو الْخَدين (تلفى هاشمة) أَي كاسرة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها. وَعند ابْن الْقَاسِم لَا بُد أَن تصير منقلة إِذْ مَا من هاشمة إِلَّا عَادَتْ منقلة، فَالصَّوَاب إِسْقَاطهَا على مذْهبه وَهُوَ الْمُعْتَمد. وَقيل نِصْفُ العُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ وَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْمَأْمُومَهُ (وَقيل) الْوَاجِب فِي الهاشمة (نصف الْعشْر) كالموضحة، وَعَزاهُ ابْن عبد الْبر وَابْن رشد لِلْجُمْهُورِ. (أَو) أَي وَقيل الْوَاجِب فِيهَا (حُكُومَة) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال مشهورها أَولهَا:(وَثلث الدِّيَة فِي المأمومة) وَيُقَال لَهَا أَيْضا الْأمة بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَسَوَاء كَانَت عمدا أَو خطأ أَيْضا. وَمَا انتهتْ للجَوفِ وَهِي الجائِفَهْ كذاكَ وَالْأولَى الدِّماغُ كاشِفَهْ (وَمَا انْتَهَت للجوف) وَإِن بِمِقْدَار إبرة (فَهِيَ الْجَائِفَة كَذَاك) فِيهَا ثلث الدِّيَة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها، وَسَوَاء وصلت للجوف من الْبَطن أَو الظّهْر فَإِن نفذت مِنْهُمَا فجائفتان فيهمَا ثلث الدِّيَة. (وَالْأولَى) يَعْنِي المأمومة وَهِي الَّتِي ألفيت (الدِّمَاغ كاشفة) أَي أفضت لأم الدِّمَاغ وَبَقِي عَلَيْهِ الدامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته كَمَا مر، وفيهَا ثلث الدِّيَة كَمَا مر. وَقد أَشَارَ (خَ) إِلَى مَا تقدم بقوله: إِلَّا الْجَائِفَة وَالْأمة فثلث، والموضحة فَنصف عشر، والمنقلة الهاشمة فعشر وَنصفه وَإِن بشين فِيهِنَّ وَإِن كن بِرَأْس أَو لحى أَعلَى الخ. وَاعْترض عَلَيْهِ ذكر الهاشمة لِأَنَّهَا المنقلة عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَبقيت عَلَيْهِ الدامغة أَيْضا وفيهَا ثلث الدِّيَة. وَقد تحصل مِمَّا مر أَن مَا فِيهِ ثلث الدِّيَة هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ منجماً كَمَا مر، وَمَا لم يبلغ الثُّلُث كالمنقلة والموضحة هُوَ فِي مَال الْجَانِي حَال عَلَيْهِ كالعمد فَإِنَّهُ مغلظ حَال فِي مَال الْجَانِي وَأَن مَا فِيهِ الدِّيَة لَا حُكُومَة فِيهِ بعْدهَا برىء على شين أم لَا. إِلَّا الْمُوَضّحَة فَفِيهَا الْحُكُومَة زِيَادَة على الدِّيَة إِن بَرِئت على شين، وَإِن مَا عدا هَذِه الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْحُكُومَة إِن برىء على شين فِي الْخَطَأ كَمَا قدمه فِي قَوْله: فِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ. وَأما جراح الْعمد فَفِيهِ الْقصاص أَو مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير إِلَّا مَا فِيهِ خطر فَلَا قصاص فِيهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر كالجائفة وَنَحْوهَا فَفِيهِ مَا قدره الشَّارِع مغلظاً، وَإِمَّا أَن لَا يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَنَحْوه، فَفِيهِ الْحُكُومَة مُغَلّظَة مَعَ الْأَدَب فِي الْعمد من حَيْثُ هُوَ كَمَا قَالَ: وَلاجْتِهَادِ حاكِمٍ مَوْكُولُ فِي غيرِها التأدِيب والتَّنْكِيلُ
(ولاجتهاد حَاكم موكول فِي غَيرهَا) أَي غير جراح الْخَطَأ وَهِي جراح الْعمد (التَّأْدِيب والتنكيل) أَي الْعقُوبَة أَي لَا بُد من الْأَدَب للجارح عمدا اقْتصّ مِنْهُ أَو لم يقْتَصّ لخطر الْجرْح أَو للعفو عَن قصاصه وَقدر الْأَدَب بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِي عظم الْجِنَايَة وخفتها واعتياد الْجَانِي لَهَا ووقوعها مِنْهُ فلتة كَمَا فِي ضيح. وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التقويما فِي كونِهِ مَعيباً أَوْ سَليما (وَجعلُوا الْحُكُومَة) الْوَاجِبَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من جراح الْخَطَأ كالمنقلة والموضحة فِي غير الرَّأْس، وَنَحْو باضعة وسمحاق مُطلقًا وَعظم ترقوه وَفِيمَا فِيهِ خطر من جراح الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَيْضا ككسر الْفَخْذ والعنق والصدر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ (التقويما) للمجروح بعد برئه بِتَقْدِير كَونه عبدا فرضا أَي مَفْرُوضًا عبوديته إِن ابيض فأبيض وَإِن اسود فأسود، وَينظر (فِي) قيمَة (كَونه معيبا) بتسعين مثلا (أَو) بِمَعْنى الْوَاو فِي قيمَة كَونه (سليما) من عيب الْجِنَايَة بِمِائَة مثلا فقد نَقصه عيب الْجِنَايَة الْعشْر فَيَأْخُذ من الْجَانِي عشر دِيَته كَمَا قَالَ: وَمَا تَزيدُ حالةُ السَّلَامَهْ يأْخُذُهُ أَرْشاً وَلَا مَلَامَهْ (وَمَا تزيد حَالَة السَّلامَة) وَهُوَ الْعشْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (يَأْخُذهُ) المجنى عَلَيْهِ (أرشاً) أَي يَأْخُذ بنسبته من دِيَته ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو ذِمِّيا أَو غير ذَلِك، فَأخذ الذِّمِّيّ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور عشر دِيَته وَالْمَرْأَة عشر دِيَتهَا وَهَكَذَا، وَإِن نَقصه الْعَيْب سدس قِيمَته أَو ثلثهَا كَمَا لَو قوم معيبا بستين وسالماً بتسعين فيأخد سدس دِيَته أَو ثلثهَا، وَيكون على عَاقِلَة الْجَانِي فِي الْخَطَأ لِأَن الْحُكُومَة بلغت سدس دِيَة المجنى عَلَيْهِ، وَقد تقدم أَن مَا بلغ الثُّلُث هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ وَمَا دون الثُّلُث فَهُوَ حَال فِي مَال الْجَانِي والحكومة فِي عمد الْقصاص فِيهِ تكون مُغَلّظَة بالتربيع والتثليث حَال فِي مَال الْجَانِي أَيْضا كَمَا مر، وأشعر قَوْله: معيبا أَن الْحُكُومَة إِنَّمَا تجب إِذا برىء على شين فَحِينَئِذٍ يَأْخُذ من دِيَته بِقدر نِسْبَة نقص قِيمَته معيبا عَن قِيمَته سالما، وَأما إِن برىء على غير شين فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد. (وَلَا ملامة) عَلَيْهِ فِي تقويمه عبدا تَقْديرا. وَيَثْبُتُ الجِرَاحُ للمَالِ بِمَا يَثْبُتُ ماليُّ الْحُقُوقِ فاعْلَمَا (وَيثبت الْجراح لِلْمَالِ) أَي لأجل المَال يَعْنِي الْجراح الَّتِي لَا قَود فِيهَا عمدا كَانَت أَو خطأ، وَإِنَّمَا فِيهَا المَال الْمُقدر من الشَّارِع أَو الْحُكُومَة (بِمَا يثبت) بِهِ (مَالِي الْحُقُوق) أَي الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَهُوَ
عدل وَامْرَأَتَانِ أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين (فاعلما)(خَ) : وَفِي الْجراح حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: لِلْمَالِ أَن جراح غير المَال وَهِي جراح الْعمد الَّتِي فِيهَا الْقصاص لَا تثبت بِمَا يثبت بِهِ مَالِي الْحُقُوق وَلَا بُد فِيهَا من عَدْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أَقَامَ شَاهدا عدلا على جرح عمدا وَخطأ فَيحلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الْفِعْل فِي الْخَطَأ اه. وَتقدم قَول (خَ) : وَمن أَقَامَا شَاهدا على جرح حلف وَاحِدَة إِلَى آخر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين الخ. فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَيثبت الْجراح مُطلقًا بِمَا الخ. لوفي بالمراد وَثُبُوت جراح الْعمد بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين إِحْدَى المستحسنات الْأَرْبَع الَّتِي استحسنها الإِمَام وَلم يسمع فِيهَا شَيْئا من غَيره، ثَانِيهَا: شُفْعَة الثِّمَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة وكثمرة ومقائي الخ. وَتَقَدَّمت للناظم فِي الشُّفْعَة أَيْضا. وَثَالِثهَا: شُفْعَة الْأَشْجَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة أَيْضا وكشجر وَبِنَاء بِأَرْض حبس أَو معير الخ. وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا انقصت مُدَّة الْعَارِية وَبَاعَ أَحدهمَا واجبه فِي النَّقْص، فلصاحبه الشُّفْعَة إِن امْتنع الْمُعير من أَخذه. وَرَابِعهَا: أُنْمُلَة الْإِبْهَام فَفِيهَا نصف دِيَة الْأصْبع اسْتِحْسَانًا الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الدِّمَاء والأنملة ثلثه إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه فالمستحسنات اثْنَان مِنْهَا فِي الشُّفْعَة وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي الدِّمَاء. وَفِي ادّعاءِ العَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ أَوْ مِنْ جَريحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ (وَفِي ادِّعَاء الْعَفو من ولي دم أَو من جريح الْيَمين) مُبْتَدأ خَبره (تلتزم) وَفِي مُتَعَلق بِهِ وَمَعْنَاهُ أَن الْيَمين تلْزم ولي الدَّم فِي ادِّعَاء الْقَاتِل عَلَيْهِ الْعَفو أَو ادِّعَاء الْجَارِح ذَلِك على الْمَجْرُوح (خَ) : وللقاتل الِاسْتِحْلَاف على الْعَفو فَإِن نكل الْوَلِيّ حلف أَي الْقَاتِل وَاحِدَة وبرىء وتلوم لَهُ فِي بَينته الغائبة يَعْنِي الْقَرِيبَة وَإِن نكل الْقَاتِل قتل، وَهَذَا صَحِيح على قَاعِدَة قَوْلهم: كل دَعْوَى لَو أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ انْتفع الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ سَمِعت وتوجهت فِيهَا الْيَمين، ووارد على قَوْلهم كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها لِأَن الْعَفو لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَهَذَا تَوَجَّهت فِيهِ. فالقاعدة الثَّانِيَة حِينَئِذٍ أغلبية وَإِنَّمَا خرج الْعَفو مِنْهَا للِاحْتِيَاط للدم وَعَلِيهِ، فَإِذا قَامَ للْقَاتِل شَاهد وَاحِد بِالْعَفو فَإِنَّهُ يحلف مَعَ شَاهد وَيبرأ كَمَا كَانَ يحلف مَعَ نُكُول الْوَلِيّ وَيبرأ، قَالَه بعض الْقرَوِيين لِأَن النّكُول بِمَنْزِلَة الشَّاهِد، وَقيل لَا تجوز شَهَادَة الشَّاهِد بِالْعَفو وَهِي كَالْعدمِ، وَحَكَاهُ ابْن أبي زيد فِي مُخْتَصره وَنَحْوه لأبي عمرَان. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْمَجْرُوح عَن جرحه أَو صَالح ثمَّ مَاتَ فلورثته أَن يقسموا لمن ذَلِك الْجرْح مَاتَ ويقتصوا فِي الْعمد ويأخذوا الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَسَوَاء صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ وَعنهُ فَقَط
على الْمُعْتَمد خلافًا لما اقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون من أَنه إِذا صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ فَلَا قيام لَهُم إِذا مَاتَ انْظُر (خَ) وشراحه فِي الصُّلْح. وقَوَدٌ فِي القَطْعِ للأَعْضاءِ فِي العَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ (وقود) يجب (فِي الْقطع للأعضاء) كيد أَو رجل أَو ذكر أَو شفتين أَو لِسَان أَو مارن أنف وَكَذَا لَو قطع بضعَة من لحم فَفِيهَا الْقصاص (فِي الْعمد مَا لم) يخف أَن (يفض) الْقود الْمَذْكُور (للفناء) أَي الْمَوْت كَقطع الْفَخْذ أَو اللِّسَان أَو الذّكر أَو الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا قَود لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا. وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهَا شَيْء مُقَدّر كاللسان وَالذكر والأنثيين كَمَا يَأْتِي، وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ والعنق فَفِيهِ الْحُكُومَة وَإِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب كَمَا مر، وَرُبمَا يسْتَغْنى عَن هَذَا الْبَيْت بقوله فِيمَا مر: ودية مَعَ خطر فِيهَا فقد. وَالْخَطَأ الدِّيَةُ فيهِ تُقْتَفَى بحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قدْ أُتْلِفَا (وَالْخَطَأ) مُبْتَدأ (الدِّيَة) مُبْتَدأ ثَان (فِيهِ تقتفى) خبر الثَّانِي وَهُوَ وَخَبره خبر الأول أَي: وَالْقطع خطأ تتبع الدِّيَة فِيهِ (بِحَسب الْعُضْو الَّذِي قد أتلفا) فَمِنْهُ مَا تجب فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة، وَمِنْه مَا يجب فِيهِ نصفهَا كَمَا قَالَ: وَديةٌ كاملةٌ فِي المُزْدَوِجْ ونِصفُها فِي واحِدٍ مِنْه انْتُهِجْ (ودية) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أولى (كَامِلَة فِي) قطع (المزدوج) من الْأَعْضَاء خطا كاليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين والشفتين والأنثيين والشفرين إِن بدا الْعظم وثديي الْمَرْأَة وحلمتيها إِن بَطل اللَّبن، فَإِن لم يبد الْعظم أَو لم يبطل اللَّبن بِقطع الحلمتين فَحُكُومَة، وَأما قطع ثديي الرجل ففيهما حُكُومَة فَقَط (وَنِصْفهَا) أَي الدِّيَة (فِي) قطع (وَاحِد مِنْهُ) أَي المزدوج (انتهج) أَي سلك. فَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة وَفِي الرجل الْوَاحِدَة كَذَلِك، وَفِي الْعين كَذَلِك وَهَكَذَا إِلَّا عين الْأَعْوَر فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة كَمَا يَأْتِي. وَفي اللسَانِ كُمِلَتْ وَالذَّكَرِ والأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعينِ الأَعْوَرِ (وَفِي) قطع (اللِّسَان) كُله (كملت) الدِّيَة على عَاقِلَة قَاطِعَة، وَكَذَا تكمل إِن قطع مِنْهُ مَا مَنعه من الْكَلَام، فَإِن لم يمنعهُ من الْكَلَام فَحُكُومَة (خَ) عاطفاً على مَا فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة مَا نَصه:
وَفِي لِسَان النَّاطِق وَإِن لم يمْنَع النُّطْق مَا قطعه فَحُكُومَة كلسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء والساعد وأليتي الْمَرْأَة وَسن مضطربة جدا وعسيب ذكر بعد الْحَشَفَة الخ. أَي هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي بعد الْكَاف إِنَّمَا فِيهَا حُكُومَة فَقَط. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الذّكر) كُله أَو فِي قطع حشفته فَقَط، فَإِن قطع بَعْضهَا كثلثها فَيَأْخُذ المجنى عَلَيْهِ من الدِّيَة بِحِسَاب ذَلِك، فَإِن قطع الذّكر والأنثيين فديتان كاملتان وَلَو بضربة وَاحِدَة على الْمَشْهُور، فَإِن كَانَ مَقْطُوع الْحَشَفَة وَقطع هَذَا عسيبه فَقَط فَحُكُومَة كَمَا مرّ. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الْأنف) كُله أَو فِي قطع مارنه وَهُوَ مَا لَان من الْأنف، فَإِن قطع بعض المارن فبحسابه أَيْضا، فَإِن كَانَ مَقْطُوع المارن وَقطع هَذَا بَاقِي الْأنف فَحُكُومَة فِيمَا يظْهر. (و) كملت أَيْضا فِي إذهاب (الْعقل) بضربة وَنَحْوهَا (و) فِي (عين الْأَعْوَر) للسّنة بِخِلَاف مَا عَداهَا من آحَاد المزدوجين كأذن أَو رجل فَإِنَّمَا فِيهِ نصف الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ غَيره. وَفِي إزَالَةٍ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ والنصْفُ فِي النصفِ وَشَمَ كالنَّظَرْ (و) كملت أَيْضا (فِي إِزَالَة لسمع) كُله (أَو بصر) كُله بضربة أَو أكل أَو شرب أَو فعل من الْأَفْعَال (وَالنّصف) من الدِّيَة (فِي) إِزَالَة (النّصْف) من سمع أَو بصر أَو غَيرهمَا (و) إِزَالَة (شم ك) إِزَالَة (النّظر) فَإِن أزاله كُله فَالدِّيَة كَامِلَة. وَإِن أَزَال نصفه وَجب فِيهِ نصفهَا أَو ثلثه فثلثها وَهَكَذَا. وَالنطْقِ والصوتِ كَذَا الذوقِ وَفِي إذْهاب قوةِ الجماعِ ذَا اقتُفي (والنطق وَالصَّوْت) بِالْجَرِّ فيهمَا أَي فِي إِزَالَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة كَامِلَة وَلَا ينْدَرج أَحدهمَا فِي الآخر إِلَّا أَن يذهبا مَعًا بضربة أَو أكل، وَنَحْو ذَلِك فديَة وَاحِدَة. والنطق صَوت بحروف وَالصَّوْت هَوَاء منضغط يخرج من دَاخل الرئة كَانَ بحروف أم لَا، فعطفه على النُّطْق من عطف الْعَام على الْخَاص، إِذْ لَا يلْزم من ذهَاب الْخَاص ذهَاب الْعَام وَالْكَلَام هُوَ اللَّفْظ الْمُفِيد فَهُوَ أخص من النُّطْق، فَإِذا جنى عَلَيْهِ فَأذْهب كَلَامه ونطقه وصوته فديَة وَاحِدَة، وَإِذا أذهب الْكَلَام فَقَط بِحَيْثُ لَا يقدر على تركيب الْمُفْردَات حَتَّى تحصل الْفَائِدَة فديَة وَاحِدَة أَيْضا، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا النُّطْق بالمفردات فأذهبه أَو الصَّوْت فأذهبه فديَة كَامِلَة أَيْضا، وَإِذا أذهب بعض نطقه أَو صَوته فبحسابه من الدِّيَة. (كَذَا الذَّوْق) أَي فِي إذهابه كُله فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَبَعضه بِحِسَابِهِ (وَفِي إذهاب قُوَّة الْجِمَاع) بضربة أَو أكل وَنَحْوهمَا (ذَا) مُبْتَدأ أَي وجوب الدِّيَة الْكَامِلَة (اقتفي) فِي إذهاب قُوَّة
الْجِمَاع بِأَن أبطل إنعاظه أَو قطع مَاءَهُ أَو أفْسدهُ حَتَّى صَار مَاؤُهُ لَا يتكون مِنْهُ نسل، وَكَذَا إبِْطَال قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تجذيمه أَو تبريصه (خَ) : وَالدية فِي الْعقل أَو السّمع أَو الْبَصَر أَو الشم أَو النُّطْق أَو الصَّوْت أَو الذَّوْق أَو قُوَّة الْجِمَاع أَو نَسْله أَو تجذيمه أَو تبريصه أَو قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تسويده إِلَى أَن قَالَ: وجرب الْعقل بالخلوات والسمع بِأَن يصاح من أَمَاكِن مُخْتَلفَة مَعَ سد الصَّحِيحَة وَنسب لسمعه الآخر، وإلاَّ فَسمع وسط وَله نسبته إِن حلف وَلم يخْتَلف قَوْله: وإلاَّ فَهدر وَالْبَصَر بإغلاق الصَّحِيحَة كَذَلِك، والشم برائحة حادة والنطق بالْكلَام اجْتِهَادًا بِأَن يَقُول أهل الْمعرفَة: ذهب من كَلَامه نصفه أَو ثلثه فَيعْطى بِقدر من دِيَته، والذوق بالمر كصبر بِفَتْح الصَّاد وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد تسكن فِي ضَرُورَة الشّعْر كَقَوْلِه: الصَّبْر كالصبر مر فِي مذاقته لَكِن عواقبه أحلى من الْعَسَل وَإِن لم يُمكن اختباره بِمَا تقدم أَو أخبر وأشكل أمره صدق مدعي ذهَاب الْجَمِيع بِيَمِين مَا عدا الْعقل فَإِنَّهُ لَا تمكن الدَّعْوَى فِيهِ من المجنى عَلَيْهِ، بل من وليه وَهُوَ لَا يحلف ليستحق غَيره فَيصدق بِغَيْر يَمِين. وكلُّ سِنَ فيهِ مِنْ جِنْسِ الإبِلْ خَمْسٌ وَفي الأصْبَعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ (وكل سنّ) مُبْتَدأ خَبره (فِيهِ من جنس الْإِبِل خمس) أَي يجب فِي كل سنّ نصف عشر الدِّيَة مخمسة فِي الْخَطَأ ومثلثة فِي الْأَب وَنَحْوه، وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أولى ليشْمل الْمُسلم وَغَيره، فَفِيهَا فِي الْحر الْمُسلم على أهل الْإِبِل خمس من الْإِبِل، وعَلى أهل الذَّهَب خَمْسُونَ دِينَارا وَهَكَذَا، وَظَاهره ثنية كَانَت السن أَو ربَاعِية أَو ضرساً قلعت من أَصْلهَا أَو من اللَّحْم قلعهَا أَو سودها أَو اصْفَرَّتْ أَو احْمَرَّتْ أَو اضْطَرَبَتْ جدا، فَإِن كسرهَا فبحساب ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وَفِي كل سنّ خمس وَإِن سَوْدَاء بقلع أَو اسوداد أَو بهما أَو بحمرة أَو صفرَة إِن كَانَ عرفا كالسواد أَو باضطرابها جدا. (وَفِي الْأصْبع ضعفها) وَهُوَ عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة دِينَار (جعل) وَفِي الْأُنْمُلَة ثلث إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه، وَسَوَاء كَانَت الْأصْبع من يَد أَو رجل وَلَو زَائِدَة حَيْثُ كَانَت لَا قُوَّة لَهَا كالأصلية، وَسَوَاء كَانَت الْجِنَايَة على الزَّائِدَة عمدا أَو خطأ إِذْ لَا قَود فِيهَا لعدم المماثل. تَنْبِيه: تقدم أَنه إِذا قطع ذكره وأنثياه وَلَو بضربة وَاحِدَة فديتان، وَكَذَا تَتَعَدَّد الدِّيَة لَو أذهب
سَمعه وبصره أَو أذهب الذَّوْق وَقُوَّة الْجِمَاع أَو قطع يَده فَذهب عقله، وَهَكَذَا إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها كَمَا لَو قطع أُذُنَيْهِ فَزَالَ سَمعه، أَو قطع مارنه فَذهب شمه، أَو قلع عَيْنَيْهِ فَذهب بَصَره فديّة وَاحِدَة لِأَن الْمَنْفَعَة بِمحل الْجِنَايَة، وَكَذَا لَو جنى على لِسَانه فَأذْهب ذوقه ونطقه أَو فعل بِهِ مَا أذهب النُّطْق والذوق بَقَاء اللِّسَان فديَة وَاحِدَة، وَأما إِن أوضحه فَذهب عقله، فَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الرَّأْس كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن الْمَاجشون، فَكَذَلِك وَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الْقلب وَهُوَ قَول مَالك وَأكْثر أهل الشَّرْع فديّة لِلْعَقْلِ وَنصف عشرهَا للموضحة، وَهَذَا كُله إِن أذهب ذَلِك بضربة أَو ضربات فِي فَور، وَأما بضربات فِي غير فَور فتتعدد وَلَو بمحلها (خَ) : وتعددت الدِّيَة بتعددها إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها الخ. ودِيةُ الْجُرُوحِ فِي النساءِ كدِية الرّجال بالسَّوَاءِ (ودية الجروح فِي النِّسَاء كدية الرِّجَال بالسواء) فديّة جرح الْمَرْأَة كديّة الرجل من أهل دينهَا فلهَا فِي الْمُوَضّحَة إِن كَانَت حرَّة مسلمة نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم وَهُوَ خمس من الْإِبِل على أهل الْإِبِل وَخَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وَلها فِي المنقلة والهاشمة عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا وَهُوَ خمس عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا فَهِيَ وَالرجل فِي ذَلِك سَوَاء لِأَن ذَلِك لم يبلغ ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا، وَلها فِي ثَلَاثَة أَصَابِع ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وثلاثمائة دِينَار، وَهَكَذَا فِي كل جرح لم تبلغ دِيَته ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا فَإِن بلغت ثلث دِيَته كجائفة ومأمومة فترجع لديتها كَمَا قَالَ: إلاّ إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلْثِ الدِّيَهْ فَمَا لَهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ تَسْوِيَهْ (إِلَّا إِذا زَادَت) صَوَابه ساوت بهَا (على ثلث الدِّيَة فَمَا لَهَا من بعد ذَاك تَسْوِيَة) وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوَابه ساوت لِأَن كَلَامه يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا ترجع لديتها إِلَّا إِذا زَادَت دِيَة جرحها على ثلث دِيَته كيد أَو رجل مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل ترجع لديتها إِذا ساوت دِيَة جرحها ثلث دِيَته كَمَا فِي الْجَائِفَة أَو المأمومة، فلهَا فيهمَا حِينَئِذٍ سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير فأحرى إِذا زَادَت كيد أَو رجل فلهَا فيهمَا خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل ومائتان وَخَمْسُونَ دِينَارا، وَلها فِي أَرْبَعَة أَصَابِع عشرُون من الْإِبِل (خَ) : وساوت الْمَرْأَة الرجل لثلث دِيَته فترجع لديتها الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَالْمَرْأَة تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته لَا تستكمله، فَإِذا بلغت ذَلِك رجعت إِلَى عقل نَفسهَا فلهَا فِي ثَلَاثَة أَصَابِع وَنصف أُنْمُلَة إِحْدَى وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَثلثا بعير، وَالرجل فِي هَذَا وَهِي سَوَاء، وَإِذا أُصِيب مِنْهَا ثَلَاثَة أَصَابِع وأنملة رجعت إِلَى عقلهَا فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِك سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير اه. وَفِي الْمُوَطَّأ عَن ربيعَة قلت لِابْنِ الْمسيب: كم فِي ثَلَاثَة أَصَابِع من الْمَرْأَة؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قلت: فكم فِي أَربع؟
قَالَ: عشرُون. فَقلت حِين عظم جرحها نقص عقلهَا. فَقَالَ: أعراقي أَنْت؟ فَقلت: بل عَالم متثبت أَو جَاهِل متعلم. فَقَالَ: تِلْكَ السّنة يَا ابْن أخي. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَنَّهَا إِذا ساوت ثلث الدِّيَة أَو زَادَت ترجع لديتها وَلَو تعدد الْفِعْل وَهُوَ كَذَلِك فِي الْأَصَابِع فَقَط حَيْثُ اتَّحد الْمحل، فَلَو قطع لَهَا أَرْبعا من الْأَصَابِع من كل يَد أصبعين بضربة وَاحِدَة أَو ضربات فِي فَور وَاحِد أَو جمَاعَة أَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد أَو رجل وأصبعاً من الْيَد أَو الرجل الْأُخْرَى بضربة أَو ضربات فِي فَور أَيْضا أخذت عشْرين من الْإِبِل فَقَط، لِأَن الْفِعْل الْوَاحِد وَمَا فِي حكمه يضم مَا نَشأ عَنهُ بعضه إِلَى بعض، وَلَو تعدد الْمحل كَافِي الْمِثَال، وَأَحْرَى لَو اتَّحد الْمحل وَلَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد وَاحِدَة أَو رجل بضربة أَو ضربات أخدت ثَلَاثِينَ من الْإِبِل لكل أصْبع عشر من الْإِبِل ثمَّ إِن قطع لَهَا بعد ذَلِك من تِلْكَ بِالْيَدِ أَو الرجل أصبعاً رَابِعا أَو أَكثر فلهَا فِي كل أصْبع خمس من الْإِبِل، وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا خمس فَقَط لِأَن مُتحد الْمحل يضم بعضه إِلَى بعض وَلَو تعدد الْفِعْل لكَونه فِي غير فَور، وَأما إِن تعدد الْفِعْل وَالْمحل مَعًا كَمَا لَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد فَأخذت ثَلَاثِينَ ثمَّ قطع لَهَا بعد ذَلِك ثَلَاثًا من الْيَد الْأُخْرَى فتأخذ ثَلَاثِينَ أَيْضا، وَلَا يضم من يَد أَحدهمَا للْآخر لتَعَدد كل من الْفِعْل وَالْمحل، وَهَذَا كُله فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان فَإِنَّهُ لَا يضم بَعْضهَا إِلَى بعض إِذا تعدد الْفِعْل، وَسَوَاء كَانَت من حنك أَو حنكين لِأَن الحنكين مَحل وَاحِد، فَإِذا قلع لَهَا عشر أَسْنَان فِي عشر ضربات متفرقات لَيست فِي فَور وَاحِد، فلهَا فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل، وَإِن قلعهَا فِي ضَرْبَة وَاحِدَة أَو مَا فِي حكمهَا كضربات فِي فَور فَإِنَّهَا تضم وَترجع إِلَى دِيَتهَا فِي سبع أَسْنَان فَأكْثر وَضم مُتحد الْفِعْل وَمَا فِي حكمه أَو الْمحل فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان.
(بَاب التَّوَارُث)
مصدر على وزن تفَاعل من توارث الْقَوْم إِذا ورث بَعضهم بَعْضًا، وَالْمِيرَاث اسْم لِلْمَالِ الْمَتْرُوك وَهُوَ مفعال من ورث يَرث ورثاً ووراثة وَالْإِرْث اسْم للشَّيْء الْمَوْرُوث وهمزته منقلبة عَن
وَاو كأشاح وَسمي المَال الْمَتْرُوك مِيرَاثا لِأَنَّهُ يبْقى بعد موت صَاحبه، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة لبقائهم بعد الْمَيِّت لأخذهم الْإِرْث. (والفرائض) جمع فَرِيضَة من الْفَرْض بِمَعْنى التَّقْدِير من قَوْله تَعَالَى فَنصف مَا فرضتم} (الْبَقَرَة: 237) أَي قدرتم أَي أوجبتم يُقَال: فرضت الشَّيْء أفرضه أَي أوجبته وَقدرته. وَتَسْمِيَة هَذَا الْعلم بِعلم الْفَرَائِض اصطلاحية، وإلاَّ فَعلم الْفَرَائِض فِي اللُّغَة يَشْمَل الْوَاجِبَات كلهَا من فَرَائض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغير ذَلِك، وَسمي بذلك لِكَثْرَة دوران الْفَرْض على أَلْسِنَة أَهله وَهُوَ علم قرآني جليل، قَالَ عليه الصلاة والسلام:(إِن الله لم يكل قسْمَة مواريثكم إِلَى أحد بل تولاها بِنَفسِهِ وَبَينهَا أتم بَيَان) وَقَالَ: (تعلمُوا الْقُرْآن وعلموه النَّاس وتعلموا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَأَن الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا) . وَفِي الْجَوَاهِر عَنهُ عليه الصلاة والسلام أَنه قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم) . وَاعْلَم أَن علم الْفَرَائِض لَهُ حد، وموضوع وَغَايَة، فغايته أَي ثَمَرَته حُصُول ملكة للْإنْسَان توجب سرعَة الْجَواب على وَجه الصِّحَّة وَالصَّوَاب، وَأما حَده وموضوعه فَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَعلم الْفَرَائِض لقباً الْفِقْه الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ وَعلم مَا يُوصل لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل ذِي حق فِي التَّرِكَة. وموضوعه التركات لَا الْعدَد خلافًا للصودي فَقَوله: لقباً مَعْنَاهُ أَن علم الْفَرَائِض نقل من مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ الَّذِي هُوَ علم الْوَاجِبَات وَصَارَ لقباً لهَذَا الْفَنّ فاحترز بقوله: لقباً من علم الْفَرَائِض مُضَافا بَاقِيا على إِضَافَته، فَإِنَّهُ أَعم لشُمُوله جَمِيع الْوَاجِبَات على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَمَا مر، فَهُوَ كَقَوْلِهِم بُيُوع الْآجَال لقباً وَإِضَافَة فَهُوَ إِضَافَة يَشْمَل كل بيع لأجل، ولقباً مَقْصُور على بُيُوع الْآجَال المتحيل فِيهَا على دفع قَلِيل من كثير، وَقَوله: الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ أَي إِثْبَاتًا أَو نفيا من إِرْث وحجب وَتَعْيِين الْقدر الْمَوْرُوث، وَخرج بِالْإِرْثِ مَا تعلق بالعبادات وَالنِّكَاح والمعاملات. وَقَوله: وَعلم الخ. . هُوَ بِالرَّفْع مَعْطُوف على قَوْله الْفِقْه، وَمَا فِي قَوْله مَا يُوصل وَاقعَة على الْحساب الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل وَارِث، فحقيقة هَذَا الْعلم مركبة من أَمريْن معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْقِسْمَة وَالْعَمَل فِي مسَائِل المناسخات وَغَيرهَا، وَهَذَا الثَّانِي لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ النَّاظِم بل هُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَقَوله: وموضوعه التركات الخ يَعْنِي لِأَنَّهَا يبْحَث فِيهَا عَن عوارضها الذاتية أَي عَن أحوالها اللاحقة لَهَا من كَون تجهيز الْمَيِّت يقدم ثمَّ تقضى دُيُونه ثمَّ وَصَايَاهُ، وَكَون هَذَا الْوَارِث لَهُ ربعهَا أَو نصفهَا وَهَذَا يَرث مِنْهَا وَهَذَا لَا يَرث وَنَحْو ذَلِك.
وموضوع كل علم مَا يبْحَث فِيهِ من عوارضه الذاتية، فموضوع علم النَّحْو مثلا الْكَلِمَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها الَّتِي تعرض لَهَا فِي تركيبها من رفع وَنصب وتعريف وتنكير، وموضوع علم التصريف الْمُفْردَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها من صِحَة وإعلال وتفكيك وإدغام، وَهَكَذَا. وَعَلِيهِ فَمن لم يتْرك شَيْئا فَلَيْسَ لهَذَا الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَوْضُوع، وَأما الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي الْمَالِكِي فقد قَالَ فِي شرح الحوفية: إِن مَوْضُوع هَذَا الْعلم الْعدَد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْعدَد مَوْضُوع لعلم الْحساب وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد مَوْضُوعا لأمرين قيل: وَالْخلاف بَينهمَا فِي حَال لِأَن الصودي اعْتبر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الفراض من إِلْغَاء التَّرِكَة لعدم انضباطها، وعمدوا إِلَى أعداد يحصرها الْعدَد ويضبطها الْحَد وسموها أصولاً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: سِتَّة الْأُصُول مِنْهَا فِي الْعَمَل الخ. فجعلوها كالقالب تفرغ فِيهِ كل تَرِكَة فَصَارَت تِلْكَ الْأَعْدَاد الَّتِي سَموهَا أصولاً مَوْضُوعَة لهَذَا الْعلم بِهَذَا الِاعْتِبَار وَأما ابْن عَرَفَة فراعى أَن التَّصَرُّف فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَة إِلَى التَّوَصُّل لمعْرِفَة كَيْفيَّة قسْمَة التَّرِكَة، فالمقصود بِالْقِسْمَةِ هُوَ التَّرِكَة. فَابْن عَرَفَة رَاعى الْمَوْضُوع بِالْقَصْدِ والذات، والصودي رَاعى الْمَوْضُوع بالأولية وَالْغَرَض والوسيلة، وكل من الاعتبارين صَحِيح، وَكَون الْعدَد مَوْضُوعا لعلم الْحساب لَا يمْنَع أَن يكون مَوْضُوعا لعلم الْفَرَائِض بِالِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدّم. والتركة حق يقبل التجزأ ثَبت لمستحق بعد موت من كَانَ لَهُ بِقرَابَة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاء فَقَوله: حق بتناول المَال وَغَيره كالخيار وَالشُّفْعَة وَالْقصاص، فَكلهَا تَرِكَة وَكلهَا تقبل التجزأ لِأَن المُرَاد بِقبُول التجزىء مَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ لهَذَا نصفه وَلِهَذَا ثلثه مثلا، وَهَذِه الثَّلَاثَة كَذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ خُصُوص مَا يقبل الامتياز حسا فَقَط كالعدد من الدَّرَاهِم والدور وَالْأَرْض، بل مَا يَشْمَل الامتياز حَقِيقَة كالأرض أَو حكما كالشفعة وَخرج بقابل التجزىء الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينْتَقل للأبعد بعد موت الْأَقْرَب لكنه لَا يقبل التجزأ، فَكَمَا لَا يُقَال لهَذَا نصف النّسَب كَذَلِك لَا يُقَال لهَذَا نصف الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كالنسب، وَكَذَا ولَايَة النِّكَاح فَإِنَّهَا تنْتَقل بِمَوْت الْأَب مثلا وَلَا تقبل التجزأ وإلاَّ لم يَصح عقد الْأَوْلِيَاء المتساوين إِلَّا بموافقة جَمِيعهم، وَأما الْوَلَاء بِمَعْنى الْإِرْث فَهُوَ قَابل للتجزىء، وَخرج بقوله بعد موت من كَانَ لَهُ الْحُقُوق المنتقلة بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَنَحْوهمَا، وَخرج بقوله بِقرَابَة الخ. الْوَصِيَّة على الْمَشْهُور من أَنَّهَا تملك بِالْمَوْتِ ثمَّ الْإِرْث بَين الْأَحْرَار الْمُسلمين يكون بِأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء أَشَارَ لَهَا النَّاظِم بقوله: الإرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعَاً وَوَجَبْ بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلاءٍ أَوْ نَسَبْ (الْإِرْث) مصدر ورث وهمزته منقلبة عَن وَاو كَمَا مر (يسْتَوْجب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (شرعا) أَي يسْتَحق بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (وَوَجَب) لمستحقه بِالشَّرْعِ بِأحد ثَلَاثَة أُمُور. إِمَّا (بعصمة) أَي نِكَاح مُنْعَقد وَلَو فَاسِدا غير مُتَّفق على فَسَاده كَنِكَاح الْمحرم والشغار
وَنِكَاح العَبْد وَالْمَرْأَة فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ أَحدهمَا قبل فَسخه وَرثهُ الآخر مَاتَ قبل الدُّخُول أَو بعده، فَإِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو خَامِسَة فَلَا مِيرَاث فِيهِ وَلَو بعد دُخُوله، وَكَذَا نِكَاح الْمَرِيض لَا إِرْث فِيهِ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لِأَن فَسَاده من جِهَة إِرْثه لثُبُوت الْإِرْث فِيهِ تَتِمَّة للغرض الْفَاسِد الَّذِي هُوَ إِدْخَال الْوَارِث، وَقد مر ذَلِك مُبينًا فِي فصل الْفَسْخ وَفِي فصل فَاسد النِّكَاح. (أَو بولاء) وَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب يحدثها الْعتْق، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ من نسبه فَإِنَّهُ يَرِثهُ الْمُعْتق بِالْكَسْرِ، فَإِن لم يكن فعصبته من وَلَده وَإِن سفل، فَإِن لم يكن لَهُ ولد فأبوه وَإِن علا، فَإِن لم يكن لَهُ أَب وَلَا ولد فأخوه أَو عَمه، وَهَكَذَا فَإِن لم يُوجد الْمُعْتق وَلَا عصبته فمعتق الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فيهمَا (خَ) : وَقدم عاصب النّسَب ثمَّ الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَالصَّلَاةِ ثمَّ مُعتق مُعْتقه، وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا إِن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق (أَو نسب) أَي قرَابَة من بنوة وأبوة وأخوة وعمومة وَنَحْوهَا. وَقد تَجْتَمِع الثَّلَاثَة كَابْن عَم لامْرَأَة مُعتق لَهَا زوج لَهَا أَو اثْنَان كَكَوْنِهِ معتقاً لَهَا، وَزوجهَا أَو زَوجهَا وَابْن عَمها، وَلَا يسْتَحق الْإِرْث بِشَيْء من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة إِلَّا بعد ثُبُوتهَا وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي كَمَا مر فِي الشَّهَادَات، فَإِن لم يحط بِالْمِيرَاثِ شَيْء من هَذِه الْوُجُوه فبيت المَال كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ الخ. واحترزت بِقَوْلِي الْأَحْرَار من الأرقاء فَإِن مَال الرَّقِيق وَلَو مبعضاً لسَيِّده (خَ) : ولسيده الْمُعْتق بعضه جَمِيع إِرْثه الخ. وتسميته إِرْثا مجَازًا وبالمسلمين من الْكفَّار فَإِنَّهُ لَا إِرْث بَين مُسلم وَكَافِر كَمَا يَأْتِي. جميعُها أرْكانُهُ ثَلاثهْ مالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الوِرَاثَهْ (جَمِيعهَا) أَي الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة أَي كل فَرد مِنْهَا (أَرْكَانه ثَلَاثَة مَال) مَتْرُوك عَن الْمَيِّت (وَمِقْدَار) مَا يَرِثهُ كل وَارِث (وَذُو الوراثة) أَي معرفَة من يَرث مِمَّن لَا يَرث فَإِنَّهُ لَا يَصح الْإِرْث بالعصبة أَو الْوَلَاء أَو النّسَب إِلَّا باجتماع هَذِه الْأَركان الثَّلَاثَة وَمهما اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم يَصح.
(فصل فِي ذكر الْوَارِثين من الرِّجَال وَالنِّسَاء)
ذُكُورُ من حَقَّ لَهُ الميرَاثُ عَشْرَةٌ وَسَبْعٌ الإنَاثُ (ذُكُور من حق) أَي ثَبت (لَهُ الْمِيرَاث عشرَة) ويتفرعون إِلَى ثَمَانِيَة عشر كَمَا يَأْتِي (وَسبع
الْإِنَاث) ويتفرعن أَيْضا إِلَى عشرَة كَمَا يَأْتِي فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فالرجال الثَّمَانِية عشر. الأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإنْ عَلَا مَا لم يكُنْ عَنْهُ بأنثى فُصِلَا (الْأَب) يَرث بِالْفَرْضِ تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك ولد ذكر، وبالفرض والتعصيب تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك بنت أَو بنت ابْن اتّحدت أَو تعدّدت فَإِنَّهُ يفْرض لَهُ مَعهَا أَو مَعَهُنَّ السُّدس، وَيَأْخُذ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، فَإِن انْفَرد وَلم يكن للهالك غَيره فيرث الْجَمِيع بِالتَّعْصِيبِ (وَالْجد لَهُ) أَي للهالك (وَإِن علا) فيرث بِالْفَرْضِ تَارَة وبالفرض والتعصيب أُخْرَى وبالتعصيب والانفراد كَمَا مرَّ فِي الْأَب حرفا حرفا (خَ) : وَيَرِث بِفَرْض وعصوبة الْأَب ثمَّ الْجد مَعَ بنت وَإِن سفلت الخ. إِلَّا أَن الْأَب يحجب الْإِخْوَة وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، فَلهُ مَعَ الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات الأشقاء أَو لأَب الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة وَله مَعَ ذِي فرض مَعَهُمَا السُّدس أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي. (مَا لم يكن) الْجد (عَنهُ) أَي عَن الْهَالِك (بأنثى فصلا) فَإِنَّهُ لَا مِيرَاث لَهُ والمجروران يتعلقان بقوله: فصلا. وَخرج بذلك جد الْهَالِك لأمه وجد أَبِيه من جِهَة أمه. وَالزوْجُ وَابْن وَابْنُهُ هَبْ سَفُلَا كذاكَ مَوْلى نِعْمةٍ أَوْ بِوَلَا (وَالزَّوْج) وَيَرِث بِفَرْض فَقَط تَارَة كَمَا لَو كَانَ أَجْنَبِيّا أَو بِفَرْض وعصوبة كَمَا لَو كَانَ ابْن عَمها، فَإِنَّهُ يَرث النّصْف بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ فِيهِ أَو من هُوَ أولى بِهِ مِنْهُ (وَابْن) للهالك فَإِنَّهُ يَرث بِالتَّعْصِيبِ فَقَط إِمَّا الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد ذَوي الْفُرُوض (وَابْنه) أَي ابْن الابْن حَيْثُ لم يكن ابْن (هَب) إِنَّه (سفلا) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا وَهُوَ أشهر وَهُوَ عاصب فَقَط كالابن (كَذَاك مولى نعْمَة) وَهُوَ الَّذِي بَاشر الْعتْق بِنَفسِهِ وَلَو أُنْثَى فَإِنَّهُ عاصب حَيْثُ لَا عاصب للْمُعْتق بِالْفَتْح من نِسْبَة فيرث الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ وبالتعصيب كَمَا لَو كَانَ زوجا (أَو) مولى (بولا) وَهُوَ من لم يُبَاشر الْعتْق بل أعْتقهُ أَبوهُ أَو جده أَو أَخُوهُ أَو عَمه أَو جَرّه لَهُ الْوَلَاء بِوِلَادَة أَو أعتق فَإِنَّهُ عاصب يجْرِي فِيهِ مَا يجْرِي فِي مولى النِّعْمَة. وَالأَخُ وابنُ الأَخِ لَا لِلأُمِّ والعمُّ لَا لِلأُمِّ وَابْنُ العَمِّ (وَالْأَخ) الشَّقِيق أَو لأَب أَو لأم والأولان عاصبان فَقَط وَالثَّالِث من ذَوي الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ والتعصيب كَابْن عَم وَأَخ لأم (وَابْن الْأَخ) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط (لَا) ابْن الْأَخ (للْأُم) فَإِنَّهُ لَا يَرث أصلا (وَالْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط أَيْضا (لَا) الْعم
(للْأُم) فَلَا يَرث أَيْضا (وَابْن الْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط، إِلَّا أَن يَكُونَا زَوْجَيْنِ، وَإِذا كَانَ الْعم للْأُم لَا يَرث فأحرى ابْن الْعم للْأُم، فَذَلِك لم يُقيد النَّاظِم ابْن الْعم بقوله: لَا للْأُم فَهَذِهِ عشرَة بجعله مولى النِّعْمَة وَالْوَلَاء قسما وَاحِدًا. وتتفرع هَذِه الْعشْرَة إِلَى سِتَّة عشر بتنويع الْمولى إِلَى نعْمَة أَو وَلَاء وتنويع الْأَخ إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَالْعم إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَابْن الْعم كَذَلِك كَمَا ترى، وَيُزَاد عَلَيْهِم عَم الْأَب وَبَنوهُ وَإِن سلفوا وَعم الْجد وَإِن علا وَبَنوهُ، فمجموع الْعدَد من الرِّجَال ثَمَانِيَة عشر كَمَا مرّ. وَيقدم فِي هَذِه الْأُمُور الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن غير شَقِيق والشقيق على الَّذِي للْأَب. ثمَّ أَشَارَ إِلَى النِّسَاء السَّبع فَقَالَ: والأُمُّ والزَّوْجَةُ ثمَّ البِنْتُ وابنةُ الابْنِ بَعْدَهَا وَالأُخْتُ (وَالأُم) تَرث الثُّلُث حَيْثُ لَا حَاجِب لَهَا من ولد أَو تعدد أخوة وَإِلَّا حجبت للسدس وَلها ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين (وَالزَّوْجَة) وَلها الرّبع مَعَ فقد الْوَلَد وَإِلَّا حجبت للثّمن (ثمَّ الْبِنْت) وَلها النّصْف إِذا انْفَرَدت فَإِن تعدّدت فلهَا الثُّلُثَانِ فَإِن كَانَ مَعهَا أَخُوهَا ورثت بِالتَّعْصِيبِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَبنت الابْن بعْدهَا) أَي بعد الْبِنْت فِي الرُّتْبَة وَيجْرِي فِيهَا مَا جرى فِي الْبِنْت، وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا الابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب (وَالْأُخْت) شَقِيقَة أَو لأَب وَالأُم وَيجْرِي فِي الْأَوَّلين مَا جرى فِي الْبِنْت فيحجب الَّتِي للْأَب شَقِيق فَوْقهَا أَو شقيقتان فَوْقهَا إِلَّا أخاها للْأَب فِي درجتها فمعصب، نعم قَوْله أَو أَسْفَل مِنْهَا لَا يجْرِي هَهُنَا لِأَن ابْن الْأَخ لَا يعصب عمته فَلَا شَيْء لَهَا مَعَه، نعم إِذا اجتمعتا أَي الَّتِي للْأَب والشقيقة مَعَ الْبِنْت فهما عاصبتان كَمَا قَالَ: وَالْأَخَوَات قد يصرن عاصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات الخ. وَالثَّالِثَة: وَهِي الْأُخْت للْأُم لَهَا السُّدس مَعَ الِانْفِرَاد فَإِن تعدّدت فَلَهُمَا أَو لَهُنَّ الثُّلُث. وَجَدَّةٌ للجِهَتَيْنِ مَا عَلَتْ مَا لم تَكُنْ بذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ (وَجدّة للجهتين) أَي جِهَة الْأُم وَهِي أم الْأُم وَأمّهَا وَإِن علت، وجهة الْأَب وَهِي أم الْأَب وَأمّهَا (مَا علت مَا لم تكن بِذكر) يَعْنِي غير الْأَب (قد فصلت) فَلَا مِيرَاث لأم جد لهالك من جِهَة أَبِيه وَأمه لِأَنَّهَا مفصولة عَنهُ بِذكر غير الْأَب على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ لَا يُورث أَكثر من جدتين وحجبتها الْأُم مُطلقًا، ويحجب الْأَب الْجدّة الَّتِي من جِهَته فَقَط، وَكَذَا تحجب الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. كَذَاكَ مَوْلَاةٌ لَهَا العِتْقُ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا يكُونُ بِالْوَلَا
(كَذَاك مولاة) نعْمَة وَهِي الَّتِي (لَهَا الْعتْق) مُبَاشرَة أَو انجر لَهَا بِوِلَادَة أَو عتق فَإِنَّهَا وارثة بِالتَّعْصِيبِ فترث الْجَمِيع إِن انْفَرَدت أَو مَا بَقِي بعد الْفَرْض. (وَلَا حق لَهَا فِيمَا) لم تباشر عتقه وَلَا جَرّه لَهَا وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق لِأَنَّهُ إِنَّمَا (يكون) الْإِرْث (بِالْوَلَاءِ) لعاصب الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فَقَط، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ سوى ابْن سَيّده وبنته فَلَا مِيرَاث للْبِنْت بل المَال كُله أَو مَا بَقِي بعد ذَوي الْفُرُوض للِابْن دون الْبِنْت قَالَ فِيهَا: وَلَا يَرث أحد من النِّسَاء وَلَاء مَا أعتق أَب لَهُنَّ أَو أم أَو أَخ أَو ابْن والعصبة أَحَق بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا يَرث النِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا من أعتقن أَو عَتيق من اعتقن أَو ولد من اعتقن من ولد الذُّكُور ذُكُورا كَانُوا أم إِنَاثًا وَلَا شَيْء لَهُنَّ فِي ولد الْبِنْت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا أَن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق الخ. فَهَذِهِ سبع نسْوَة فَجعل الْجدّة للجهتين قسما وَاحِدًا ويتفرعن إِلَى عشرَة بتنويع الْأُخْت إِلَى شَقِيقَة أَو لأَب أَو لأم، وتنويع الْجدّة إِلَى الَّتِي لأَب أَو لأم، فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ عدد حُرُوف الهجاء، وَقد تحصل أَن الذُّكُور كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَالْأَب وَالْجد إِذا كَانَ مَعَهُمَا ولد، وَالْإِنَاث كُلهنَّ أهل فرض إِلَّا مولاة النِّعْمَة وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات. وَبَيْتُ مَال المُسلَمين يَسْتَقِلْ بحيثُ لَا وَارِثَ أَو بِمَا فَضَلْ (و) إِن لم يُوجد وَاحِد مِمَّن ذكر أَو وجد وَلم يسْتَغْرق التَّرِكَة ف (بَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ) بِالْإِرْثِ فَيَأْخُذ المَال كُله (بِحَيْثُ) الْبَاء زَائِدَة أَي حَيْثُ (لَا وَارِث) أصلا (أَو) يخْتَص (بِمَا فضل) عَن ذَوي الْفُرُوض كَزَوْجَة وَأم أَو بنت وَبنت ابْن، وَإِذا مَاتَ الرجل بِبَلَد وَخلف فِيهِ مَالا وَخلف فِي بلد آخر مَالا وَلم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال، فَإِن عَامل الْبَلَد الَّذِي كَانَ مستوطناً فِيهِ أَحَق بميراثه مَاتَ فِيهِ أَو فِي غَيره من الْبِلَاد قَالَه فِي الْمُفِيد، وَظَاهر النّظم أَن الْبَاقِي بعد الْفَرْض يكون لبيت المَال وَلَا يرد أَي الْبَاقِي بعد الْفَرْض على ذَوي الْفُرُوض وَلَا يدْفع لِذَوي الْأَرْحَام، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ عَليّ رضى الله عَنهُ: يرد على كل وَارِث بِقدر مَا ورث سوى الزَّوْج وَالزَّوْجَة أَي: فَلَا يرد عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَقيد عدم رده على ذَوي الْأَرْحَام بِمَا إِذا كَانَ بَيت المَال منتظما وإلاَّ رد الْبَاقِي عَلَيْهِ. قَالَ ابْن رحال: وتوريث ذَوي الْأَرْحَام مُتَأَخّر عَن الرَّد على ذَوي الْفُرُوض بِحَسب ظَاهر أنقالهم. ابْن يُونُس: لَو أدْرك مَالك وَأَصْحَابه زمننا هَذَا لجعلوا الْمِيرَاث لِذَوي الْأَرْحَام لَا لبيت المَال لعدم انتظامه فِي هَذَا الزَّمَان، وَأطَال رحمه الله فِي الِاحْتِجَاج لتوريثهم. قَالَ ابْن نَاجِي: وَلَا أعرف الْيَوْم بَيت مَال، وَإِنَّمَا هُوَ بَيت ظلم وعَلى القَوْل بتوريث ذَوي الْأَرْحَام فَينزل ولد الْبَنَات وَالْأَخَوَات منزلَة أمهاتهم وَبَنَات الْأَخَوَات والأعمام
منزلَة آبائهن والخالات والأخوال منزلَة الْأُم والعمات منزلَة الْأَب، فَإِذا ترك الْهَالِك بنت بنت فَيكون لَهَا النّصْف بِمَنْزِلَة أمهَا، وَهَكَذَا وأولو الْأَرْحَام سِتَّة رجال وَسبع نسْوَة، فالرجال ابْن الْبِنْت وَابْن الْأُخْت وَابْن الْأَخ للْأُم وَالْعم للْأُم وَالْخَال وَالْجد للْأُم وَالنِّسَاء بنت الْبِنْت وَبنت الْأُخْت وَبنت الْأَخ وَبنت الْعم والعمة وَالْخَالَة وَالْجدّة أم أبي الْأُم، وَزيد فِي الرِّجَال ابْن الْعمة وَابْن بنت الابْن وَعم الْأُم، وَفِي النِّسَاء بنت بنت الابْن وَبنت ابْن الْعم وَبنت بنت الْأَخ.
(فصل فِي ذكر أَحْوَال الْمِيرَاث)
وَهِي خَمْسَة وبيانها أَن: الحالُ فِي الميارثِ قد تَقَسَّما إِلَى وجُوبِ ولحَجْبٍ قُسِما (الْحَال فِي الْمِيرَاث قد تقسما إِلَى) وَجْهَيْن حَالَة (وجوب) بِحَيْثُ لَا يحجب أصلا كالأبوين وَالْأَوْلَاد وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَا سُقُوط لأَب وَلَا ولد وَلَا لزوجين وَلَا أم فقد (ول) حَالَة (حجب) وَهَذَا الثَّانِي (قسما لحجْبِ الإسْقَاطِ أَوِ النقْلِ وَذَا لِفَرْضٍ أَو تَعْصِيبٍ أبْدَى مَنْفَذَا لحجب الْإِسْقَاط) بِحَيْثُ لَا يَرث شَيْئا كالإخوة مُطلقًا مَعَ الْأَب أَو الْإِخْوَة للْأُم مَعَ الْجد وكالجدة مَعَ الْأُم وكابن الابْن مَعَ ابْن الصلب، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب الْإِسْقَاط. (أَو) أَي ولحجب (النَّقْل) من إِرْث إِلَى إِرْث (وَذَا) أَي حجب النَّقْل يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام. إِمَّا من فرض (لفرض) آخر كَزَوْجَة تنقل من الرّبع للثّمن بِوُجُود الْوَلَد، وكالأم تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس بِوُجُود الْوَلَد أَو تعدد الْأُخوة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب النَّقْل، (أَو) أَي: وَإِمَّا من تعصيب لفرض كأب وجد فَإِنَّهُمَا عاصبان وينقلان للسدس مَعَ وجود ابْن أَو ابْن ابْن وَإِمَّا من فرض ل (تعصيب) كأخت أَو أَخَوَات مَعَ بنت أَو بَنَات (أبدى منفذا) أَي بِفَتْح الْمِيم وَالْفَاء وبالذال الْمُعْجَمَة مَعْنَاهُ الطَّرِيق فَقَوْل النَّاظِم: وَذَا لفرض الخ. يَشْمَل النَّقْل من فرض لفرض وَمن تعصيب إِلَى فرض، وَقَوله: أَو تعصيب أَي النَّقْل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب، فالنقل ثَلَاثَة أَقسَام تضم لحالتي الْوُجُوب والإسقاط تكون الْأَحْوَال خَمْسَة كَمَا مر. وَهَذَا الْفَصْل كالتوطئة لما يَأْتِي لَهُ من ذكر حجب الْإِسْقَاط وحجب النَّقْل. وَاعْلَم أَن من الفراض من لَا يتَعَرَّض لهَذَا الْفَصْل وَلَا
للَّذي قبله، وَإِنَّمَا يَقُول أَصْحَاب النّصْف كَذَا وَأَصْحَاب الثُّلُث كَذَا الخ. ثمَّ يَقُول: ولعاصب ورث المَال أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض وَيذكر الْعصبَة الْمُتَقَدّمَة وَهُوَ صَنِيع (خَ) وَمن وَافقه، وَمِنْهُم من يعد من يَرث على سَبِيل الْإِجْمَال، ثمَّ يتَعَرَّض لذَلِك على سَبِيل التَّفْصِيل كالناظم وَابْن الْحَاجِب وَمن وافقهما، وَأما هَذَا الْفَصْل واللذان بعده فهم قليلو الجدوى.
(فصل فِي ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يكون بِهِ الْإِرْث)
وَهُوَ إِمَّا كل الْمَتْرُوك أَو جُزْء مُسَمّى مِنْهُ أَو مُسَمّى من الْبَاقِي بعد أَخذ فرض أَو أَكثر، فَالْمُرَاد بالمقدار مَجْمُوع الْمَتْرُوك، وَالْبَاء من قَوْله بِهِ بِمَعْنى فِي قَالَه (م) . القَدْرُ يُلْفَى باشْتِراكٍ فِيهِ فِي جُملةٍ المتروكِ أَو باقِيهِ (الْقدر) أَي الْمَتْرُوك الَّذِي يكون فِيهِ الْإِرْث تَارَة (يلفى) ملتبساً (بإشتراك فِيهِ فِي جملَة الْمَتْرُوك) أَي فِي جَمِيعه، وَهَذَا الِاشْتِرَاك إِمَّا بَين الْعصبَة كثلاثة بَنِينَ أَو إخْوَة، وَإِمَّا بَين ذَوي السِّهَام كَزَوج وَأُخْت أَو أم وَأَخ لأم وَزوج، وَإِمَّا بَين ذَوي سهم وعاصب كَبِنْت وَأُخْت أَو أم وَأَخ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً باشتراك فِي (بَاقِيه) أَي بَاقِي الْمَتْرُوك بعد أَخذ ذَوي الْفَرْض فرضهم كثلاثة أخوة مَعَ بنت أَو أبوين مَعَ زوج أَو زَوْجَة. أَو بانِفرادٍ باحِتيازِ المَالِ أجْمعَ فِيهِ وَهُوَ فِي الرّجالِ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً (بانفراد) فِيهِ كَابْن لَيْسَ مَعَه غَيره أَو أَخ كَذَلِك، وَكَذَا نَحْوهمَا من الْعصبَة، فَإِن العاصب يحوز جَمِيع المَال حيت انْفَرد كَمَا قَالَ:(باحتياز المَال اجْمَعْ فِيهِ) يتَعَلَّق بانفراد (وَهُوَ) أَي حوز جَمِيع المَال كَائِن (فِي الرِّجَال) الْمُتَقَدِّمين. عدا أَخاً للأُمِّ وَالزَّوْج وَفي مولاةِ نَعْمَى حُكمُ ذَلِك اقتُفِي (عدا أَخا للْأُم) مِنْهُم (و) عدا (الزَّوْج) فَإِنَّهُمَا ليسَا بعاصبين كَمَا تقدم (وَفِي مولاة نعمى) مُتَعَلق باقتفي أَي و (حكم ذَلِك) وَهُوَ حوز جَمِيع المَال (اقتفي) اتبع فِي مولاة نعْمَة وَإِنَّمَا تحوز الْجَمِيع إِذا لم يكن للْمُعْتق بِالْفَتْح عاصب كَمَا تقدم.
(فصل فِي ذكر حالات وجوب الْمِيرَاث)
وَهِي ثَلَاثَة كَمَا قَالَ: ويَحْصُل الميراثُ حيْثُ حُتِما بِفَرْضٍ أَو تعصيبٍ أوْ كِليْهما (وَيحصل الْمِيرَاث حَيْثُ حتما) أَي وَجب (بِفَرْض) فَقَط كَأُمّ وَأَخ لأم وَزوج (أَو تعصيب) فَقَط كأب أَو جد أَو عَم (أَو كليهمَا) أَي فرض وتعصيب كأب أَو جد مَعَ بنت أَو بَنَات يَأْخُذ فَرْضه السُّدس، ثمَّ الْبَاقِي تعصيباً وَكَذَا أَخ لأم هُوَ ابْن عَم أَو زوج هُوَ ابْن عَم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يَرِثهُ العاصب فَقَالَ: والمالَ يَحْوِي عاصِبٌ مُنْفرِدُ أَو مَا عَنِ الفُروضِ بعدُ يُوجدُ (وَالْمَال) بِالنّصب مفعول مقدم (يحوي عاصب مُنْفَرد) كَابْن وَاحِد أَو أَخ أَو عَم كَذَلِك (أَو) يحوي (مَا عَن الْفُرُوض بعد يُوجد) أَي مَا يُوجد بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم كَزَوْجَة وَأم وعاصب أَو بنت وعاصب ويستبد العاصب بِالْجَمِيعِ أَو بِالْبَاقِي إِن انْفَرد. وقِسْمَةٌ فِي الحالتَيْن مُعْمَلَه إِمَّا عَلَى تَفَاضُلٍ أوْ مَعْدِلَهْ (و) إِمَّا أَن تعدد ف (قسْمَة) بَين الْعصبَة (فِي الْحَالَتَيْنِ) أَي حَالَة أَخذ الْجَمِيع أَو حَالَة أَخذ الْفَاضِل بعد الْفَرْض (معمله) هِيَ أَي الْقِسْمَة ثمَّ هِيَ (إِمَّا على تفاضل) كبنين وَبَنَات وحدهم أَو مَعَ زَوْجَة، فالمتروك كُله أَو الْبَاقِي بعد الزَّوْجَة يقسم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَكَذَا فِي الْأَخ وَالْأَخَوَات وحدهم أَو مَعَ كَزَوْجَة أَو أم (أَو) أَي: وَإِمَّا أَن يقسم الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض على التَّسَاوِي (معدله) كبنين وحدهم لَيْسَ مَعَهم ذُو فرض أَو مَعَهم ذُو فرض كَزَوْجَة، وَكَذَا الْإِخْوَة للْأُم فَإِنَّهُم يقسمون حظهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الْفَصْل والفصلين قبله من التَّدَاخُل والتكرار.
(فصل فِي ذكر أهل الْفَرَائِض وأصولها)
عطف على أهل، وَالْمرَاد بالفرائض الْأَجْزَاء المحددة شرعا الْمَعْلُوم نسبتها من جملَة المَال وَهِي سِتَّة: النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع وَنصف نصفه وَهُوَ الثّمن وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف نصفهما وَهُوَ السُّدس، وَأَهْلهَا المستحقون لَهَا مَا يَأْتِي للناظم فِي قَوْله: أَولهَا النّصْف لخمسة جعل الخ. وَالْمرَاد بأصولها الْأَعْدَاد الَّتِي تقوم مِنْهَا تِلْكَ الْفَرَائِض أَي: أقل عدد يُؤْخَذ مِنْهُ ذَلِك الْفَرْض صَحِيحا، فالفريضة الَّتِي فِيهَا سدس أَصْلهَا من سِتَّة لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ سدس، وَالَّتِي فِيهَا ربع أَصْلهَا من أَرْبَعَة وَهَكَذَا، وَلِهَذَا كَانَت الْأُصُول خَمْسَة: اثْنَان وَأَرْبَعَة وَثَمَانِية وَثَلَاثَة وَسِتَّة، وَإِنَّمَا كَانَت خَمْسَة لَا سِتَّة كالفرائض لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين، وَهَذَا على سَبِيل الِانْفِرَاد، وَأما مَعَ الِاجْتِمَاع فَإِن اجْتمع النّصْف مَعَ غَيره فَلَا يُوجب زِيَادَة على الْأَعْدَاد الْخَمْسَة كَمَا هُوَ وَاضح. وَأما الرّبع، فَاعْلَم أَنه لَا يجْتَمع مَعَ الثّمن لِأَن الثّمن للزَّوْجَة فَإِن كَانَ لَهَا ربع فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ للزَّوْج فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة، نعم قد يجْتَمع أَحدهمَا مَعَ الثُّلُث والثلثين أَو السُّدس فَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة هُوَ الرّبع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ اثْنَا عشر، لِأَنَّهُ إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث كَأُمّ وَزَوْجَة فَالثُّلُث مقَامه من ثَلَاثَة وَالرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَكَذَا إِن اجْتمع مَعَ الثُّلثَيْنِ كشقيقتين وَزَوْجَة، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس كَأُمّ وَزَوْجَة وأخوين لأَب فَإِن السِّتَّة توَافق الْأَرْبَعَة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، وَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من ذَلِك هُوَ الثّمن فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَن الثّمن إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث أَو الثُّلثَيْنِ فَتضْرب الثَّلَاثَة مقَامهَا فِي الثَّمَانِية مقَام الثّمن بأَرْبعَة وَعشْرين، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس فالثمانية توَافق السِّتَّة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر يخرج مَا ذكر، فأصول الْفَرَائِض على هَذَا سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسائط أَي غير مركبة وَاثْنَانِ مركبان من الضَّرْب، وهما الاثنا عشر وَالْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ وسيشير لَهما فِي قَوْله: وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة الخ. وَعَلِيهِ فالمنقسم إِلَى بسائط ومركبات هُوَ أصُول الْفَرَائِض لَا الْفَرَائِض كَمَا يُوهِمهُ قَوْله: ثُمَّ الفَرائِضُ البسَائِطُ الأُوَلْ سُتةٌ الأصُولُ مِنْهَا فِي العَمَلْ
(ثمَّ الْفَرَائِض البسائط الأول) فَالصَّوَاب حذف قَوْله البسائط الأول، وَلَا يَصح أَن يكون الْفَرَائِض على حذف مُضَاف أَي أصُول الْفَرَائِض، وَيكون الْوَصْف بالبسائط رَاجعا لِلْأُصُولِ لِأَن البسائط من الْأُصُول إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة فَقَط وَهُوَ قد قَالَ:(سِتَّة) لِأَنَّهُ خبر عَن قَوْله الْفَرَائِض، وَقد تقدم أَن الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسيطة وَاثْنَانِ مركبان، فَوَجَبَ حِينَئِذٍ حذف لفظ البسائط الأول لإيهامه غير الْمَقْصُود (الْأُصُول) مُبْتَدأ (مِنْهَا) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير الْأُصُول فرائضها مَأْخُوذَة مِنْهَا (فِي الْعَمَل) أَي عمل الْفَرَائِض، وَذَلِكَ لِأَن الرّبع مثلا هُوَ الْفَرْض وَالْأَرْبَعَة هِيَ أَصله، فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْهَا أَي مقَامه مِنْهَا أَي مِنْهَا يَصح فِي عمل الْفَرَائِض مَا عدا النّصْف، فَإِنَّهُ لَيْسَ مأخوذاً من لفظ الِاثْنَيْنِ، وَإِن كَانَ مقَامه مِنْهُمَا، نعم الرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وَالثمن من ثَمَانِيَة، وَالسُّدُس من سِتَّة، وَالثلث وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة، وَلذَا كَانَت الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها البسائط خَمْسَة لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين كَمَا مر. أَوَّلُها النصفُ لِخَمْسَةٍ جُعِلْ البنتِ والزوجِ إِذا لم ينتَقِلْ (أَولهَا) أَي الْفَرَائِض السِّتَّة (النّصْف) وَهُوَ (لخمسة جعل) أَحدهَا:(الْبِنْت) حَيْثُ انْفَرَدت لَا إِن كَانَت مَعَ معصب كأخ لَهَا فِي درجتها فَإِنَّهَا تَرث حِينَئِذٍ بِالتَّعْصِيبِ (و) ثَانِيهَا: (الزَّوْج إِذا لم ينْتَقل) أَي إِذا لم يحجب حجب نقل بِأَن لَا يكون للهالكة ولد وَإِلَّا بِأَن كَانَ ولد ذكر أَو أثنى وَإِن سفل وَإِن من زنا انْتقل للربع. ولابنَةِ ابْنٍ ولأُخْتٍ لَا لأُمْ وَنصْفُهُ الرُّبْعُ بِهِ الزَّوْجين أُمْ (و) ثَالِثهَا أَنه فرض (لابنَة ابْن) حَيْثُ لَا بنت للهالك وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا، فَإِن كَانَ لَهَا أَخ أَو ابْن عَم فِي درجتها كَانَت عاصبة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (و) رَابِعهَا وخامسها أَنه فرض (لأخت) شَقِيقَة أَو لأَب حَيْثُ انْفَرَدت وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا وَإِلَّا فَهِيَ عاصبة (لَا) أُخْت (لأم) فَلَيْسَتْ من أهل النّصْف، فَهَذِهِ خَمْسَة بتنويع الْأُخْت الشَّقِيقَة وَللْأَب (خَ) : من ذِي النّصْف الزَّوْج وَبنت وَبنت ابْن إِن لم تكن بنت وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب إِن لم تكن شَقِيقَة وَعصب كلا أَخ يساويها. ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَانِي الْفُرُوض فَقَالَ: (وَنصفه) مُبْتَدأ أَي نصف النّصْف وَهُوَ (الرّبع بِهِ الزَّوْجَيْنِ أم) بِضَم الْهمزَة فعل أَمر بِمَعْنى
أقصد، وَبِه يتَعَلَّق بِهِ والزوجين مَفْعُوله، وَالْمعْنَى أَن نصف النّصْف وَهُوَ الرّبع أقصد بِهِ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ فرض الزَّوْج من زَوجته مَعَ وجود الْوَلَد الْوَارِث لَهَا وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا وَخرج بالوارث ولد ابْنهَا الْمَنْفِيّ بِلعان أَو قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر لِأَن من لَا يَرث لَا يحجب وَارِثا إِلَّا الْأُخوة للْأُم، فَإِنَّهُم يحجبون الْأُم للسدس مَعَ كَونهم محجوبين بالجد مثلا (خَ) وَالرّبع الزَّوْج بفرع الخ. وَالرّبع أَيْضا فرض الزَّوْجَة فَأكْثر من الزَّوْج مَعَ فقد الْوَلَد الْوَارِث لَهُ وإلاَّ بِأَن كَانَ لَهُ ولد وَارِث وَإِن سفل ذكرا أَو أُنْثَى مِنْهَا أَو من غَيرهَا حجب للثّمن، وَخرج بالوارث أَيْضا من قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر أَو لعان أَو كَانَ من زنا أَو نِكَاح فَاسد لَا يلْحق فِيهِ الْوَلَد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن هَؤُلَاءِ لَا يحجبونها للثّمن كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وتنقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن صَحِيح نِسْبَة من هؤلا ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَالِث الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ الثُّمْنُ لزوجةٍ وَفِي تعدُّدٍ قسمةُ حظيْهَا اقتُفِي (وَنصفه) أَي الرّبع وَهُوَ (الثّمن) ثَابت (لزوجة) فَقَط مَعَ وجود ولد وَارِث وَإِن سفل لزَوجهَا الْهَالِك، وإلاَّ يكن وَارِثا لم تحجب للثّمن كَمَا مر، فَإِن اتّحدت الزَّوْجَة أخذت الرّبع أَو الثّمن كُله (وَفِي تعدد) لَهَا بِأَن كَانَ لَهُ زوجتان فَأكْثر (قسْمَة حظيها) أَي الرّبع وَالثمن بَينهمَا أَو بَينهُنَّ (اقتفي) أَي اتبع (خَ) : وَالثمن لَهَا أَو لَهُنَّ بفرع لَاحق الخ. وَيشْتَرط فِي توارث الزَّوْجَيْنِ أَن يَكُونَا مُسلمين حُرَّيْنِ غير قَاتل أَحدهمَا الآخر كغيرهما، وَأَن يكون نِكَاحهمَا صَحِيحا أَو مُخْتَلفا فِيهِ لَا إِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده فَلَا إِرْث مَاتَ أَحدهمَا قبل الدُّخُول أَو بعده. ثمَّ أَشَارَ إِلَى رَابِع الْفُرُوض فَقَالَ: والثُلْثَان حِصةٌ لأَرْبَعِ بناتِ صُلبٍ وبناتِ ابنِ فَعِي (وَالثُّلُثَانِ حِصَّة لأَرْبَع) نسْوَة وَهن (بَنَات صلب) أَي اثْنَتَانِ فَأكْثر حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما أَو درجتهن (وَبَنَات ابْن) أَي اثْنَتَانِ أَيْضا، فَأكْثر حَيْثُ لَا بنت لصلب وَلَا عاصب فِي الدرجَة (فعي) أَي احفظ. والأخْتِ لَا لِلأَمِّ فِي التَّعْدَادِ والثلْثُ للجَدِّ برَجْحِ بَادِي (وَالْأُخْت لَا للْأُم فِي التعداد) أَي فِي تعددها بِأَن تكون اثْنَتَانِ فَأكْثر وَأطلق فِي الْأُخْت فَشَمَلَ الشقيقتين واللتين للْأَب فِي عدم الشَّقِيقَة، فَلِكُل مِنْهُمَا الثُّلُثَانِ حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما (خَ) : ولتعددهن أَي الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة أَو الَّتِي للْأَب الثُّلُثَانِ الخ.
وَاحْترز بقوله: لَا للْأُم من الْأُخْت للْأُم إِذا تعدّدت فَلَيْسَتْ من ذَوي الثُّلثَيْنِ، بل من ذَوي الثُّلُث فَقَط كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ اشار إِلَى خَامِس الْفُرُوض فَقَالَ:(و) نصفهَا أَي الثُّلُثَانِ وَهُوَ (الثُّلُث) حِصَّة لثَلَاثَة (للْجدّ) فِي بعض أَحْوَاله وَهُوَ إِذا كَانَ مَعَ الْأُخوة وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فَإِنَّهُ فِي هَذِه الْحَالة يكون لَهُ الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة، فَإِذا كَانَ الْأُخوة ثَلَاثَة فَأكْثر فَالثُّلُث هُنَا يكون فَرْضه (برجح باد) أَي ظَاهر لِأَنَّهُ خير لَهُ من الْمُقَاسَمَة بِخِلَافِهِ مَعَ أَخ وَاحِد. فالمقاسمة أفضل لَهُ وَيَسْتَوِي الثُّلُث والمقاسمة إِذْ كَانَ مَعَ أَخَوَيْنِ، وَمَسْأَلَة الاسْتوَاء خَارِجَة بقوله: برجح وَلَا يضر خُرُوجهَا وَعدم شُمُوله لَهَا لِأَن الثُّلُث فِيهَا لَا يتَعَيَّن كَونه فرضا لَهُ الْجَوَاز أَخذه لَهُ بالمقاسمة بِخِلَافِهِ فِي الأولى، فَالثُّلُث فرض لَهُ على مَا للناظم، وَبَعْضهمْ لم يَجْعَل الْجد من أهل الثُّلُث لعدم استقراره عَلَيْهِ وَعَلِيهِ درج (خَ) : وَالأُمِّ دونَ حاجِب والإخْوَهْ لَهَا وَهُمْ فِي قَسْم ذَاك أُسْوَهْ (وَالأُم) عطف على الْجد أَي لَهَا الثُّلُث حَال كَونهَا (دون) وجود (حَاجِب) يحجبها عَنهُ للسدس (خَ) : وَالثلث للْأُم وحجبها للسدس ولد وَإِن سفل، وَأَخَوَانِ أَو أختَان مُطلقًا شقائق أَو لأَب أَو لأم (وَالإِخْوَة لَهَا) عطف على الْجد أَيْضا أَي الثُّلُث فرض الْأَخَوَيْنِ للْأُم فَأكْثر ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين (خَ) : وَمن ذَوي الثُّلُث الْأُم وولداها فَأكْثر إِلَى أَن قَالَ: وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن الْهَالِك وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَسَيَأْتِي ذَلِك للناظم فِي حجب الْإِسْقَاط: (وهم) أَي الْإِخْوَة للْأُم (فِي قسم ذَاك) الثُّلُث (إسوة) الذّكر كالأنثى لقَوْله تَعَالَى: فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} (النِّسَاء: 12) وَالشَّرِكَة إِذا أطلقت حملت على التَّسَاوِي، وَهَذَا مُسْتَثْنى من قَاعِدَة كل ذكر وَأُنْثَى اجْتمعَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة فللذكر ضعف الْأُنْثَى أَي إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى سادس الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ السُّدْسَ لأمَ والأَبِ ولابْنَةِ ابنِ ولجَدَ اجْتُبِي (وَنصفه) أَي الثُّلُث وَهُوَ (السُّدس) كَائِن لسبعة (لأم) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَو مَعَ المتعدد من الْأُخوة كَمَا مر (وَالْأَب) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَيْضا، لَكِن إِن كَانَ ذكرا كَانَ لَهُ السُّدس ولأمه كَذَلِك كَمَا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة. وَإِن كَانَ أُنْثَى وَلَو تعدّدت أَخذ كل مِنْهُمَا السُّدس أَيْضا وَأخذت الْأُنْثَى فَرضهَا وَأخذ الْأَب مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يستغرقه الْفَرْض، فَإِن كَانَ الْفَرْض مُسْتَغْرقا كبنتين وأبوين أَو معادلاً كَزَوج وبنتين وأبوين فَلَيْسَ للْأَب إِلَّا فَرْضه. (ولابنة ابْن) مَعَ بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا عاصب فِي
درجتهما وإلاَّ فَهِيَ عاصبة فيقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، سَوَاء كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، فَإِن كَانَ أَسْفَل مِنْهَا اخْتصّت بالسدس وَأخذ هُوَ مَا بَقِي وتحجب بنت الابْن بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، فَإِذا خلف الْهَالِك بنت ابْن وَابْن ابْن وَبنت ابْن ابْن أَو خلف بِنْتي ابْن وَبنت ابْن ابْن فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا محجوبة بِمن فَوْقهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخُوهَا أَو ابْن عَمها فِي درجتها أَو أَسْفَل مِنْهَا، فَإِنَّهُ يعصبها فيأخذان مَا فضل عَن البنتين أَو بِنْتي الابْن اللَّتَيْنِ فَوْقهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. (ولجد اجتبي) أَي اختير لَهُ مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ استغراق الْفُرُوض كَزَوج وَأم وجد كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا الخ. وَأما مَعَ عدم الْوَلَد وَعدم الِاسْتِغْرَاق فَلَيْسَ السُّدس فرضا لَهُ لعدم استقراره عَلَيْهِ بل يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالسُّدُس أَن يرجح لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض صنف إخْوَة يجب وجدةٍ وَلأَخٍ مِن أُمِّ وَأَشْمَلْ لأُخْتٍ جِهةً فِي الْحُكْمِ (وَجدّة) لأم أَو لأَب وحجبت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا كَمَا مّر وأسقطتها الْأُم مُطلقًا كَمَا يَأْتِي (ولأخ) وَاحِد (من أم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِن تعدد فَالثُّلُث كَمَا مر، وَهَذَا حَيْثُ لَا حَاجِب لَهُ وَإِلَّا سقط كَمَا مر. (واشمل) فعل أَمر (لأخت) مفعول بِهِ وَاللَّازِم زَائِدَة (جِهَة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (فِي الحكم) يتَعَلَّق باشمل، وَالتَّقْدِير اشمل فِي الحكم بالسدس أُخْتا لجِهَة يَعْنِي الَّتِي للْأَب مَعَ الشَّقِيقَة لَهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَأما الْأُخْت للْأُم فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْأَخ من أم كَمَا قَررنَا، وتحجب الْأُخْت للْأَب بشقيق أَو بشقيقتين فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخ لأَب فَيَأْخُذ الثُّلُث مَعهَا فِي الْحجب بالشقيقتين أَو النّصْف فِي الشَّقِيقَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن أَخِيهَا فَقَط فَلَا شَيْء لَهَا فِي الْحجب بالشقيقتين، بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ دون عمته وَدون أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته لِأَن بنت الْأَخ لَا تَرث وَلَو انْفَرَدت، وَابْن الْأَخ لَا يعصب عمته بِخِلَاف ابْن الابْن، فَإِنَّهُ يعصب أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته وَعَمَّته الَّتِي فَوْقه كَمَا مر، وَلم يذكر النَّاظِم فِي فصل حجب الْإِسْقَاط أَن بنت الابْن تحجب بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، وَلَا أَن الْأُخْت للْأَب تحجب بشقيق أَو شقيقتين، وَقد بَينا لَك ذَلِك هَا هُنَا.
وَقد تحصل أَن جملَة الْفُرُوض على مَا للناظم اثْنَان وَعِشْرُونَ وَالصَّوَاب أَنَّهَا أحد وَعِشْرُونَ بِإِسْقَاط الثُّلُث للْجدّ لِأَنَّهُ لايأخذ فرضا بل لكَونه أحظى لَهُ، إِذْ لَو كَانَ يَأْخُذهُ بالفريضة لم ينْتَقل عَنهُ للمقاسمة إِذا كَانَت أحظى وإلاَّ لقيل إِن الْمُقَاسَمَة من فَرْضه أَيْضا إِذا كَانَت أحظى وَلم يقلهُ أحد، وَكَذَا السُّدس لَيْسَ فرضا لَهُ فِي اجْتِمَاع ذَوي الْفُرُوض والأخوة، وَلِهَذَا رمز بَعضهم لِذَوي الْفُرُوض على التَّرْتِيب السَّابِق بقوله: هبادبز، فالهاء لأَصْحَاب النّصْف، وَالْبَاء لأَصْحَاب الرّبع، وَالْألف لأَصْحَاب الثّمن، وَالدَّال لأَصْحَاب الثُّلثَيْنِ، وَالْبَاء بعد الدَّال لأَصْحَاب الثُّلُث، وَالزَّاي لأَصْحَاب السُّدس، فَلم يَجْعَل الْجد من أَصْحَاب الثُّلُث، وَلذَا رمز لَهُ بِالْبَاء دون الْجِيم لِأَنَّهُ لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَال السُّدس لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ أَيْضا فَلم عده من ذويه؟ لأَنا نقُول: إِنَّمَا لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ فِي خُصُوص اجتماعه مَعَ ذَوي الْفُرُوض وَالإِخْوَة إِذْ لَهُ حِينَئِذٍ الأحظى لَهُ من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي، وَأما مَعَ الْوَلَد أَو ولد الْوَلَد فَهُوَ مُسْتَقر على السُّدس لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَى غَيره، فَحسن حِينَئِذٍ عده من أَصْحَابه، وَلَا يُقَال أَيْضا الزَّوْج ينْتَقل وَالزَّوْجَة وَالأُم كَذَلِك، وَكَذَا بنت الابْن وَالْأُخْت للْأَب، لأَنا نقُول: كل وَارِث فِي فَرِيضَة غير نَفسه فِي أُخْرَى، فالزوج مثلا مَعَ عدم الْوَلَد غير نَفسه مَعَ الْوَلَد، فَلِذَا تعدد فَرْضه وَكَذَا الزَّوْجَة وَالأُم وَمَا بعدهمَا. تَنْبِيه: كَانَ اللَّائِق للناظم الَّذِي مرامه الِاخْتِصَار أَن يقْتَصر على هَذَا الْفَصْل ويقدمه أول الْبَاب ثمَّ يَقُول: وفاضل هُنَا عَن الْفُرُوض لعاصب كَعَدم الْمَفْرُوض أَي كَمَا يكون للعاصب جَمِيع المَال إِن عدم الْمَفْرُوض لَهُ، ثمَّ يذكر الرِّجَال الْمُتَقَدِّمين فِي قَوْله: الْأَب وَالْجد لَهُ وَإِن علا الخ. وَيسْقط مِنْهُم الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم لِأَنَّهُمَا ليسَا من الْعصبَة وَيذكر بدلهما مولاة النِّعْمَة لِأَنَّهَا عاصبة كَمَا مر. وَاعْلَم أَن الْفَرِيضَة إِمَّا عادلة: وَهِي الَّتِي ساوت سِهَام أَصْحَابهَا كَزَوج وَأم وَأَخ لأم، وَإِمَّا نَاقِصَة وَهِي الَّتِي نقصت سهامها عَن أُصُولهَا كَزَوج وَبنت، وَإِمَّا عائلة وَهِي الَّتِي زَادَت سهامها على أُصُولهَا وإليها أَشَارَ بقوله: فإنْ يَضِقْ عنِ الفُرُوضِ المَالُ فالعولُ إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَالُ (فَإِن يضق عَن الْفُرُوض المَال فالعول) أَي الزِّيَادَة (إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَال) فتجعل الْفَرِيضَة على قدر السِّهَام، وَيدخل النَّقْص على كل مِنْهُم، وَذَلِكَ كَزَوج وَأُخْت وَأم، فَفِي هَذِه الْفَرِيضَة نِصْفَانِ وَثلث، وكيفما كَانَ المَال لَا يُوجد فِيهِ ذَلِك حَتَّى قَالَ ابْن عَبَّاس: من باهلني باهلته أَن الَّذِي
أحصى رمل عالج عددا لم يَجْعَل فِي المَال نصفا وَنصفا وَثلثا، وَأنكر الْعَوْل وَقَالَ: إِن النَّقْص يدْخل على الْأُخْت وَحدهَا لِأَنَّهَا تنْتَقل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب بِخِلَاف الزَّوْج وَالأُم فَإِنَّهُمَا لَا ينتقلان إِلَّا إِلَى فرض آخر فهما أقوى مِنْهَا وَهَكَذَا. وَهَذِه أول فَرِيضَة عالت فِي الْإِسْلَام، وَقيل أول فَرِيضَة عالت زوج وأختان شقيقتان أَو لأَب، فتوقف فِيهَا عمر رضي الله عنه وَقَالَ للصحابة: أَشِيرُوا عَليّ فَإِنِّي إِن أَعْطَيْت للزَّوْج فَرْضه لم يبْق للأختين فرضهما، وَإِن أَعْطَيْت للأختين لم يبْق للزَّوْج فَرْضه، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْعَبَّاس وَقيل عَليّ وَقَالَ: أَرَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ لرجل ثَلَاثَة دَنَانِير وَلآخر أَرْبَعَة وَلم يتْرك إِلَّا سِتَّة أَلَيْسَ يَجْعَل المَال سَبْعَة أَجزَاء وَيدخل النَّقْص على جَمِيعهم، فَأخذت الصَّحَابَة بقوله وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ، ثمَّ أظهر ابْن عَبَّاس الْخلاف فِي ذَلِك، وَأنكر الْعَوْل وَهُوَ محجوج بِإِجْمَاع الصَّحَابَة تَفْرِيعا على الْمُخْتَار من أَنه لَا يشْتَرط فِي الْإِجْمَاع انْقِرَاض الْعَصْر، وَإِن زَادَت الْفُرُوض أعيلت أَي: وَإِن زَادَت سِهَام الْفَرِيضَة على أَصْلهَا أعيلت أَي زيد أَصْلهَا حَتَّى يصير على قدر السِّهَام كَزَوج وأختين أَصْلهَا من سِتَّة لأجل النّصْف والثلثين لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ نصف وَثُلُثَانِ والسهام سَبْعَة: ثَلَاثَة للزَّوْج وَأَرْبَعَة للأختين والستة تضيق فِي ذَلِك فيعال فِيهَا أَي يُزَاد لِأَن الْعَوْل الزِّيَادَة فتجعل السِّتَّة سَبْعَة فقد عالت بِمثل سدسها، وَيَأْخُذ كل وَاحِد من السَّبْعَة مَا يَأْخُذهُ من السِّتَّة فَللزَّوْج ثَلَاثَة من سِتَّة يَأْخُذهَا من سَبْعَة، وللأختين أَرْبَعَة من سِتَّة تأخذانها من سَبْعَة أَيْضا، وَكَذَلِكَ فِي العائلة لثمانية كَزَوج وَأُخْت وَأم أَصْلهَا من سِتَّة أَيْضا وتعول لثمانية بِمثل ثلثهَا، فَيَأْخُذ الزَّوْج نصف السِّتَّة وَهُوَ ثَلَاثَة من ثَمَانِيَة، وَكَذَلِكَ الْأُخْت وَتَأْخُذ الْأُم ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان من ثَمَانِيَة وتعول أَيْضا لتسعة بِمثل نصفهَا
كَزَوج وأختين وأخوين لأم وتعول لعشرة بِمثل ثلثيها إِن زيدت الْأُم، وَيعرف قدر مَا انْتقصَ لكل وَارِث بِنِسْبَة الزَّائِد إِلَى الْمَجْمُوع، فَفِي الْمَسْأَلَة الأولى وَقع الْعَوْل بِوَاحِد ونسبته من سَبْعَة سبع فقد انْتقصَ لكل وَارِث سبع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّانِيَة وَقع بِاثْنَيْنِ ونسبتهما من الثَّمَانِية ربع فقد انْتقصَ لكل وَارِث ربع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّالِثَة انْتقصَ لكل وَاحِد ثلث مَا بِيَدِهِ، وَفِي الرَّابِعَة انْتقصَ لَك خمْسا مَا بِيَدِهِ وَهَكَذَا، فَإِذا قيل: لَك كم انْتقصَ لكل وَاحِد فَإنَّك تنْسب الْجُزْء الزَّائِد على أصل الْمَسْأَلَة إِلَى مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة بالعول، وَإِذا قيل لَك: بكم عالت فَإنَّك تنسبه إِلَى أصل الْمَسْأَلَة بِدُونِ عول، وَفِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ رحمه الله: وعلمك قدر النَّقْص من كل وَارِث بِنِسْبَة عول للفريضة عائله وَمِقْدَار مَا عالت بنسبته لَهَا بِلَا عولها فَارْحَمْ بِفَضْلِك قَائِله وتعول الاثنا عشر لثَلَاثَة عشر بِمثل نصف سدسها كَزَوْجَة وأختين لأَب وَأَخ لأم، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث جُزْء من ثَلَاثَة عشر، وتعول أَيْضا لخمسة عشر بِمثل ربعهَا كَزَوج وأبوين وابنتين، وَقد انْتقصَ لَك وَارِث خمس مَا بِيَدِهِ وتعول أَيْضا لسبعة عشر بِمثل ربعهَا وسدسها كثلاث زَوْجَات وثمان أَخَوَات شقائق أَو لأَب وَأَرْبع لأم وجدتان لِلزَّوْجَاتِ الرّبع وللأخوات الثُّلُثَانِ وَالرّبع من أَرْبَعَة وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر لِلزَّوْجَاتِ ربعهَا ثَلَاثَة وللأختين ثلثاها ثَمَانِيَة وللإخوة للْأُم ثلثهَا أَرْبَعَة، وللجدتين سدسها اثْنَان ومجموع ذَلِك سَبْعَة عشر، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث خَمْسَة أَجزَاء من سَبْعَة عشر، فَإِذا كَانَت التَّرِكَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة سَبْعَة عشر دِينَارا فَلِكُل وَاحِدَة دِينَار وَتسَمى أم الأرامل والدينارية الصُّغْرَى، وتعول الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ لسبعة وَعشْرين فَقَط بِمثل ثمنهَا كَزَوْجَة وأبوين وابنتين وَهِي المنبرية، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث تسع مَا بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَن عليا رضي الله عنه سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا وَمضى على خطبَته الَّتِي أَولهَا: الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا الَّذِي يَجْزِي كل نفس تسْعَى وَإِلَيْهِ الْمعَاد والرجعى فَقيل لَهُ: زَوْجَة وأبوان وابنتان فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا الخ. وَجَاءَت إِلَيْهِ امْرَأَة فَقَالَت: أخي توفّي وَخلف سِتّمائَة دِينَار فَأعْطيت مِنْهَا دِينَارا وَاحِدًا فَقَالَ لَهَا: أَخُوك توفّي عَن زَوْجَتَيْنِ وابنتين وَأم واثني عشر أَخا وَأَنت؟ فَقَالَت: نعم. فَقَالَ: هُوَ حَقك. وَتسَمى هَذِه بالدينارية الْكُبْرَى، فَكَانَ عَليّ رضي الله عنه يفهم
على البديهة مَا لَا يفهمهُ المتبحر فِي الْعُلُوم لما رزقه الله من غزارة الْعلم وَركب فِيهِ من قُوَّة الْفَهم. وَالرّبْعُ كالثُّلْث وكالثُّلْثَيْنِ تَعْدمُهُ فرِيضةٌ مِثْلَيْنِ (وَالرّبع) مُبْتَدأ (كالثلث) حَال (وكالثلثين) مَعْطُوف عَلَيْهِ (تعدمه) أَي مَا ذكر (فَرِيضَة) فَاعل وَالْجُمْلَة خبر (مثلين) حَال. وَالتَّقْدِير أَن الرّبع حَال كَونه مماثلاً للثلث والثلثين تعدمهم الْفَرِيضَة حَال كَونهمَا مثلين فِيهَا فَلَا يُوجد فَرِيضَة فِيهَا ربعان، لِأَن الرّبع إِنَّمَا هُوَ للزَّوْج مَعَ الْوَلَد أَو الزَّوْجَة مَعَ فَقده، وَلَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة زوج وَزَوْجَة، وَكَذَا لَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة ثلث وَثلث لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون للإخوة للْأُم أَو للْأُم عِنْد فقد الْإِخْوَة، وَأما الْجد فَهُوَ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ لكَونه فرضا كَمَا مر قَرِيبا، وعَلى تَقْدِير كَونه يَأْخُذهُ فرضا على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، فَلَيْسَ فِي فريضته ثلث آخر لِأَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبهم الْجد وَالأُم لَا تَرث الثُّلُث مَعَ تعدد الْإِخْوَة، وَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ مَعَ تعددهم كَمَا مر، وَكَذَا الثُّلُثَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ ثلثين آخَرين فِي فَرِيضَة أبدا لِأَن الثُّلثَيْنِ لذِي النّصْف إِن تعدد وَهُوَ البنتان أَو بِنْتا الابْن فِي عدمهَا أَو الْأُخْتَيْنِ الشقيقتين أَو اللَّتَيْنِ للْأَب فِي عدم الشقيقتين وَرُبمَا وجدت بنتان لم يبْق لبنتي الابْن إِلَّا ثلث، فَإِن كَانَ مَعَهُمَا ذكر فِي درجتهما أَو أَسْفَل مِنْهُمَا عصبهما فِيهِ، وإلاَّ كَانَ للأختين بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَا بِنْتا الابْن مَعَ الْأَخَوَات يَرث الْأَخَوَات مَا فضل عَنْهُمَا بِالتَّعْصِيبِ كَمَا مر. وَثُمنٌ بالربْعِ غيرُ مُلْتَقِي وَغَيْرُ ذَاكَ مُطْلَقاً قد يَلْتقِي (وَثمن بِالربعِ غير ملتقي) لِأَن الثّمن إِنَّمَا هُوَ للزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَإِن كَانَ لَهَا ربع مَعَ فَقده فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ الرّبع للزَّوْج مَعَ الْوَلَد فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة (وَغير ذَاك) الْمَذْكُور من الْأَجْزَاء (مُطلقًا) من غير تَقْيِيد (قد يلتقي) فالنصف يلتقي مَعَ الْجَمِيع، فيلتقي مَعَ الثُّلُث وَالسُّدُس فِي
زوج وَأم وَأَخ لأم وَتسَمى فَرِيضَة عادلة كَمَا مر، ويلتقي مَعَ الرّبع وَالثمن فِي بنت وَزوج أَو بنت وَزَوْجَة وَأَخ وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، لِأَن العاصب لَيْسَ من أهل السِّهَام، ويلتقي أَيْضا مَعَ الثُّلثَيْنِ كَزَوج وأختين ويلتقي الثُّلُث وَالسُّدُس كَأُمّ وَأَخ لَهَا، وَكَذَا الرّبع وَالسُّدُس كَزَوج وَأم وَابْن، وَكَذَا الثّمن وَالسُّدُس كَزَوْجَة وَأم وعاصب وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة أَيْضا لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، وَكَذَا يلتقي الثُّلُثَانِ وَالثلث كأختين شقيقتين وأخوين لأم، وَهِي عادلة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالسُّدُس كبنتين وَأم وَهِي نَاقِصَة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالثمن كبنتين وَزَوْجَة وَهِي نَاقِصَة أَيْضا، وَأما الثّمن وَالثلث فَلَا يَلْتَقِيَانِ خلاف ظَاهر كَلَامه لِأَن الثّمن فرض الزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَقَط، وَحِينَئِذٍ فالأم إِنَّمَا لَهَا السُّدس كالجد وَلَا شَيْء للإخوة للْأُم لسقوطهم وَالثلث إِنَّمَا هُوَ فرض هَؤُلَاءِ، وَقد علمت أَن النَّاقِصَة هِيَ مَحل التَّعْصِيب، وَأما العادلة والعائلة المتقدمتان فَلَا تعصيب فيهمَا. وَلما قدم الْكَلَام على الْأُصُول البسائط تكلم على المركبة فَقَالَ: وَالأَصْلُ بالتركيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ وَضِعْفُهَا لَا غَيْرُ ذَين البَتَّهْ (وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة) وَهُوَ اثْنَا عشر وَلَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة فرضان متباينان كربع وَثلث فِي زوج وَأم، فمقام الرّبع من أَرْبَعَة وَالثلث من ثَلَاثَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر وكربع وَسدس فِي زوج وَأم وَابْن (خَ) : وَالرّبع وَالثلث أَو السُّدس من اثْنَي عشر (وضعفها) أَي ضعف ضعف السِّتَّة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ أصل لكل فَرِيضَة فِيهَا ثمن وَسدس كَزَوْجَة وَأم وَابْن أَو ثمن وَثُلُثَانِ كَزَوْجَة وابنتين وعاصب (خَ) : وَالثمن وَالسُّدُس أَو الثُّلُث من أَرْبَعَة وَعشْرين الخ. وَصَوَابه أَو الثُّلُثَانِ لما مّر من الثّمن وَالثلث لَا يَجْتَمِعَانِ (لَا غير ذين) العددين مَوْجُود فِي الْأُصُول المركبة (أَلْبَتَّة) أَي قطعا خلافًا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالنَّوَوِيّ، وَمن وافقهما من الْمُحَقِّقين حَيْثُ زادوا فِي اجْتِمَاع الْجد وَالإِخْوَة مَعَ ذَوي الْفُرُوض أصلين آخَرين، وهما ثَمَانِيَة عشر وضعفها سِتَّة وَثَلَاثُونَ مِثَال الأول: أم وجد وَخَمْسَة إخْوَة لغير أم فللأم السُّدس من سِتَّة وَالْبَاقِي خَمْسَة الْأَفْضَل للْجدّ فِيهَا ثلث الْبَاقِي وَلَا ثلث لَهَا، فَتضْرب الْمَسْأَلَة فِي ثَلَاثَة مقَام الثُّلُث بِثمَانِيَة عشر وَمِثَال الثَّانِي أم وَزَوْجَة وجد وَسَبْعَة إخْوَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر للْأُم سدسها وللزوجة ربعهَا تبقى سَبْعَة الْأَفْضَل للْجدّ ثلث مَا بَقِي وَلَا ثلث لَهَا فَتضْرب الثَّلَاثَة فِي أصل الْمَسْأَلَة بست وَثَلَاثِينَ. وَاعْلَم أَن الْعدَد الَّذِي تصح مِنْهُ الْفَرِيضَة تَارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد الْفُرُوض وتعدادها، وَتارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد رُؤُوس مستحقي السِّهَام وتعدادها، فالنظر الأول يُسمى أصلا وَالنَّظَر الثَّانِي يُسمى فرعا وتصحيحاً، وَلِهَذَا وَقع الْخلاف فِي الثَّمَانِية عشر وضعفها، فَرَأى
الْجُمْهُور أَنَّهُمَا تَصْحِيح نَشأ من أصل السِّتَّة وضعفها، فالضرب فِي ثَلَاثَة إِنَّمَا هُوَ لأجل الانكسار الْوَاقِع فِي السهْم، ورأي الْأَقَل أَنَّهُمَا تأصيل، وَاحْتَجُّوا بِمَا إِذا كَانَ فِي الْفَرِيضَة زوج وأبوان فَإِن مَذْهَب الْجُمْهُور فِيهَا أَن أَصْلهَا من سِتَّة لأَنهم احتاجوا إِلَى عدد يَصح نصفه وَثلث مَا بَقِي فَقَالَ: لَهُم الْأَقَل كَذَلِك الفريضتان احتجتا فيهمَا إِلَى عدد يَصح سدسه وَثلث مَا بَقِي، وَإِلَى عدد يَصح سدسه وربعه وَثلث مَا بَقِي وإلاَّ لزمكم فِي زوج وأبوين إِن أَصْلهَا من اثْنَيْنِ وتبلغ سِتَّة لأجل الانكسار، وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَن أوصى بِجُزْء أَو سهم من مَاله، فَإِن الحكم أَن الْمُوصى لَهُ يعْطى جُزْءا من أصل فَرِيضَة الْمُوصي كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوَصِيَّة: وبجزء أَو سهم فيسهم من فريضته، فعلى الأول يَأْخُذ الْمُوصى لَهُ وَاحِدًا من سِتَّة أَو ضعفها فِي هَاتين الفريضتين، وعَلى الثَّانِي يَأْخُذ وَاحِدًا من ثَمَانِيَة عشر أَو ضعفها، وَكَذَا تظهر فِيمَا إِذا بَاعَ أحد الْأُخوة حَظه من ربع ورثوه، فَإِذا قُلْنَا إِن الْجد يَأْخُذ ثلث مَا بَقِي بِالْفَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَقَل فَإِنَّهُ على قَول أَشهب: لَا دُخُول للْجدّ مَعَ بَاقِي الْإِخْوَة فِي الشُّفْعَة لِأَنَّهُ ذُو سهم، وَلَا دُخُول لذِي سهم على الْعصبَة على قَوْله: وَإِن قُلْنَا إِنَّه يَرِثهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَمَعْنَاهُ أَن مَا فضل عَن ذَوي الْفُرُوض يَأْخُذ الْجد والأخوة بِالتَّعْصِيبِ للْجدّ ثلثه وللأخوة مَا بَقِي، فالجد حِينَئِذٍ عاصب فَيدْخل عَلَيْهِم ويدخلون عَلَيْهِ. تَنْبِيه: تكلم النَّاظِم على أصُول الْمسَائِل. وَمَا يعول مِنْهَا وَبَقِي عَلَيْهِ كَيْفيَّة تَصْحِيح الْمسَائِل وَاعْلَم أَن الْمَسْأَلَة إِذا انقسمت سهامها على الْوَرَثَة كَزَوج وَثَلَاثَة بَنِينَ فَالْأَمْر وَاضح، وَإِن لم تَنْقَسِم وانكسرت فإمَّا على صنف أَو أَكثر، فَفِي الأول ينظر بَين عدد السِّهَام وَعدد رُؤُوس الصِّنْف الْمُسْتَحق لَهَا بالتباين والتوافق فَقَط، فَإِن توافقا رددت الرؤوس إِلَى وفقها وضربتها فِي أصل الْمَسْأَلَة كأربع بَنَات وَأُخْت الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة: للبنات سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِنَّ لَكِن يتوافقان مَعَ رؤوسهن بِالنِّصْفِ فَترد الرؤوس إِلَى وفقها وتضربها فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان، فللبنات اثْنَان مضروبان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وَللْأُخْت وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلَو ضربنا عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة من غير ردهَا إِلَى وفقها لحصل الْمَطْلُوب، وَلَكِن الْمَقْصُود الِاخْتِصَار، فَلذَلِك كَانَ إِخْرَاج الْمَسْأَلَة من الْعدَد الْكثير مَعَ إِمْكَان إخْرَاجهَا من الْقَلِيل مذموماً عِنْد الفراض، وَمِثَال آخر زَوْجَة وَسِتَّة إخْوَة لغير أم أَصْلهَا من أَرْبَعَة للإخوة ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، وَلَكِن توافقهم بِالثُّلثِ فَتضْرب ثلثهم وَهُوَ اثْنَان فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَهَذَا فِي غير العائلة، وَكَذَا إِن كَانَت عائلة كَأُمّ وثمان أَخَوَات لغير أم وأخوين لأم أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد وللأخوات أَرْبَعَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ، وَلَكِن توَافق رؤوسهن بِالربعِ فَتضْرب وفْق رؤوسهن وَهُوَ اثْنَان فِي الْمَسْأَلَة بعولها بأَرْبعَة عشر، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من سَبْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان فللأم وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وللأخوين لَهما اثْنَان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وللأخوات الثمنان أَرْبَعَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة وَاحِد لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يكن توَافق بَين رُؤُوس الصِّنْف وسهامه بل تباينا فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله: كَبِنْت وَثَلَاث أَخَوَات لغير أم فأصلها من اثْنَيْنِ للْبِنْت سهم وللأخوات الثَّلَاث سهم لَا يَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافق رؤوسهن فَتضْرب الثَّلَاثَة عدد الرؤوس فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من اثْنَيْنِ أَخذه مَضْرُوبا فِي ثَلَاثَة كَمَا مر، وَكَذَا إِذا كَانَت
عائلة فَإنَّك تضرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها. ومثاله: أَربع زَوْجَات وَأَرْبع بَنَات وأبوان فأصلها بالعول من سَبْعَة وَعشْرين، وَسَهْم الزَّوْجَات منكسر عَلَيْهِنَّ مباين لرؤوسهن فَتضْرب عددهن فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِمِائَة وَثَمَانِية ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَرْبَعَة. هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنف وَاحِد، وَأما إِن انْكَسَرت على صنفين فَإنَّك تنظر بَين كل صنف وسهامه بالنظرين الْمُتَقَدِّمين، وهما التوافق والتباين، فَمَا باين سهامه أثبت جملَته، وَمَا وافقها أثبت وَفقه. وَهَذَا الْمُثبت يُسمى فِي الِاصْطِلَاح بالراجع. ثمَّ هَذَانِ المثبتان لَا يَخْلُو حَالهمَا من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا أَن يتماثلا أَو يتداخلا أَو يتوافقا أَو يتباينا، فَإِن تماثلا فَإِنَّهُ يُؤْخَذ أحد الراجعين وَيضْرب فِي الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَعَدَمه، ثمَّ التَّمَاثُل فِيهِ ثَلَاث صور لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحصل مَعَ مُوَافقَة كل من الصِّنْفَيْنِ لسهامه، أَو مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه، أَو مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر. وَهَذِه الصُّور الثَّلَاث تجْرِي أَيْضا فِيمَا إِذا تدَاخل الراجعان أَو توافقا أَو تباينا مِثَال التَّمَاثُل مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه: أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة لأم وَاحِد ولأولادها الْأَرْبَعَة سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأَب ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، لَكِنَّهَا توافقهم بِالثُّلثِ فتردهم إِلَى إثنين أَيْضا، فراجع الْإِخْوَة للْأُم وَالإِخْوَة للْأَب بَينهمَا تماثل، فتكتفي بِأحد المثلين وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْ عشر، وَمن لَهُ من شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر وَسِتَّة أخوة لأم وَثَلَاث أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، وَلَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد السِّتَّة إِلَى ثَلَاثَة وَالْأَخَوَات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عدد رؤوسهن وَبَين رؤوسهن وراجع السِّتَّة التَّمَاثُل، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِأحد وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَة. ومثاله: مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه أم وَسَبْعَة إخْوَة لَهَا وَسَبْعَة أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان مباينان لرؤوسهم فَتثبت عدد رؤوسهم وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عدد رؤوسهن، وَبَين المثبتين التَّمَاثُل فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِتِسْعَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ سَبْعَة فللأم وَاحِد فِي سَبْعَة بسبعة، وللإخوة لَهَا اثْنَان فِي سَبْعَة بأَرْبعَة عشر اثْنَان لكل وَاحِد، وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة فِي سَبْعَة بِثمَانِيَة وَعشر وَأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُنَّ، وَأما إِن تدَاخل الراجعان فَإنَّك تكتفي بِالْأَكْثَرِ وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَغَيره، وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا كَمَا مر فِي التَّمَاثُل مِثَاله مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية أخوة لَهَا وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان منكسران عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد رؤوسهم إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة، وتوافقهم بِالثُّلثِ فَترد رؤوسهم إِلَى اثْنَيْنِ، فالراجعان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ والأصغر دَاخل فِي الْأَكْبَر فتكتفي بِهِ، وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من الأَصْل أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة. وَمثله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه زوجتان وَبنت وَأَرْبَعَة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَمَانِيَة للزوجين وَاحِد منكسر مباين فَتثبت رأسيهما،
وللبنت أَرْبَعَة، وللإخوة ثَلَاثَة منكسرة مباينة أَيْضا، فَتثبت رؤوسهم فالمثبتان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ، فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أم وَسِتَّة إخْوَة لَهَا وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان توَافق عَددهمْ بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى ثَلَاثَة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن، فالثلاثة وفْق الْإِخْوَة للْأُم دَاخِلَة فِي تِسْعَة عدد الْأَخَوَات فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها، وَأما إِن توَافق الراجعان فَإنَّك تضرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي
أصل الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية إخْوَة لَهَا وَثَمَانِية عشر أَخا لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة لَهَا اثْنَان منكسرة مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة مُوَافقَة لَهُم بِالثُّلثِ، فَترد عَددهمْ إِلَى سِتَّة، فالراجعان أَرْبَعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالنِّصْفِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، ثمَّ تضرب هَذَا الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَسبعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه تسع بَنَات وَسِتَّة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات اثْنَان متباينان فَتثبت عددهن وللإخوة للْأَب وَاحِد مباين أَيْضا فَتثبت عَددهمْ فالمثبتان هُنَا تِسْعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالثُّلثِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَخمسين، ومثاله: مَعَ مُوَافقَة أَحدهمَا ومباينة الآخر أم وَاثنا عشر أَخا لأم وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة فنصيب الْإِخْوَة للْأُم اثْنَان موافقان لَهُم بِالنِّصْفِ فتردهم إِلَى سِتَّة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة فَتثبت عددهن، فالراجعان هُنَا سِتَّة وَتِسْعَة وهما متوافقان بِالثُّلثِ، فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بعولها بست وَعشْرين وَمِائَة، وَأما إِن تبَاين الراجعان فَإنَّك تضرب الْكَامِل فِي الْكَامِل، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا. مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وست أَخَوَات لغَيْرهَا أَصْلهَا من سِتَّة. وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان منكسران موافقان بالإنصاف فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللأخوات أَرْبَعَة مُوَافقَة فتردهن إِلَى ثَلَاثَة، فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، ثمَّ هِيَ فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه ثَلَاث زَوْجَات وعاصبان أَصْلهَا من أَرْبَعَة لِلزَّوْجَاتِ وَاحِد منكسر مباين، فَتثبت عددهن وللعاصبين ثَلَاثَة مباينة لَهَا، فَتثبت عَددهَا أَيْضا فالراجعان ثَلَاثَة وَاثْنَانِ وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين. ومثاله: مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أَربع أَخَوَات لغير أم وَثَلَاث أَخَوَات لأم أَصْلهَا من ثَلَاثَة للأخوات اثْنَان موافقان لَهُنَّ بِالنِّصْفِ فتردهن إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأُم وَاحِد مباين لَهُم، فَتثبت عَددهمْ فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بِثمَانِيَة عشر، هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنفين، وَأما إِن انْكَسَرت على ثَلَاثَة أَصْنَاف وَهِي غَايَة الانكسار فَإنَّك تنظر أَولا بَين كل صنف وسهامه بنظرين فَقَط الْمُوَافقَة والمباينة فَإِن وافقته سهامه فَأثْبت وفْق رؤوسه، ثمَّ انْظُر بَين رَاجع صنفين مِنْهَا بأَرْبعَة أنظار بالموافقة والمباينة والمداخلة والمماثلة، فَإِن باينت ضربت أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَنظرت بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا. فَإِن توافقا ضربت وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تباينا ضربت الْكل فِي الْكل، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة وَإِن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تماثلا اكتفيت بِأَحَدِهِمَا وضربته فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا. مِثَال تماثل الرواجع أَربع زَوْجَات وَسِتَّة عشر أَخا لأم وَأَرْبَعَة عصبَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عددهن وللإخوة أَرْبَعَة مُوَافقَة لَهُم بِالربعِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة، فَإِذا نظرت بَين رَاجع هذَيْن الصِّنْفَيْنِ بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين وَتنظر بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث وهم الْعصبَة بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد راجعهم أَرْبَعَة أَيْضا لمباينة سِهَامهمْ لرؤوسهم، فالراجع حِينَئِذٍ أَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَكلهَا متماثلة، فتكتفي بأحدها وتضربه فِي اثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة، ليَكُون لكل زَوْجَة ثَلَاثَة، وَلكُل أَخ وَاحِد، وَلكُل عاصب خَمْسَة. وَمِثَال التَّدَاخُل زوجتان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أُخْتا لأَب، وَثَمَانِية أعمام فأصلها من اثْنَي عشر، للزوجتين ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن وَهُوَ اثْنَان، وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن فتردهن إِلَى أَرْبَعَة، ثمَّ انْظُر هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة فتجد الِاثْنَيْنِ داخلين فِي الْأَرْبَعَة، فتكتفي بهَا وَتنظر بَينهَا وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ ثَمَانِيَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التَّدَاخُل لِأَن الْأَرْبَعَة دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية فتكتفي بالثمانية وتضربها فِي أصل الْمَسْأَلَة بِسِتَّة وَتِسْعين، وَمِثَال التوافق أَربع زَوْجَات وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ أُخْتا لأَب وَعشرَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة، فَتثبت عددهن أَرْبَعَة وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن، فتردهن إِلَى وفقهن وَهُوَ سِتَّة، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر. ثمَّ انْظُر بَين هَذَا الْخَارِج وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ عشرَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ أَيْضا، فَاضْرب نصف الاثْنَي عشر وَهُوَ سِتَّة فِي عشرَة بستين، ثمَّ السِّتين فِي أصل الْمَسْأَلَة بِعشْرين وَسَبْعمائة لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت عشرَة، وَلكُل عَم سِتَّة. وَمِثَال تبَاين الرواجع زوجتان وَثَلَاث أَخَوَات لأَب وَخَمْسَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر للزوجتين ثَلَاثَة مباينة فَتثبت عددهما، للأخوات للْأَب ثَمَانِيَة مباينة، فَتثبت عددهن، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت التباين، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، وَانْظُر بَين السِّتَّة الْخَارِجَة بِالضَّرْبِ، وراجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ خَمْسَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْمَذْكُورَة فتجد بَينهمَا التباين أَيْضا، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثَلَاثِينَ، ثمَّ الثَّلَاثِينَ فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ أصل الْمَسْأَلَة بستين وثلاثمائة، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثُونَ، فَيكون لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت ثَمَانُون وَلكُل عَم سِتَّة.
(فصل فِي ذكر حجب الْإِسْقَاط)
تقدم فِي فصل أَحْوَال الْمِيرَاث أَن الْوَارِثين على ثَلَاثَة أَقسَام: من لَا يحجب أبدا، وَمن
يحجب فَلَا يَرث شَيْئا وَهُوَ حجب الْإِسْقَاط، وَمن يحجب عَن كَثْرَة الْمِيرَاث إِلَى قلته وَيُسمى حجب نقل وحجب نقص، وَتكلم هُنَا على أَعْيَان كل قسم، فَأَشَارَ للثَّالِث بِالْفَصْلِ بعد هَذَا وللأولين بقوله: وَلا سقوطَ لأَبٍ وَلَا وَلَدْ وَلَا لزوجين وَلَا أُمَ فَقَدْ (وَلَا سُقُوط لأَب) دنية بل وَإِن علا (وَلَا ولد) وَإِن سفل (وَلَا) سُقُوط أَيْضا (لزوجين وَلَا أم فقد) أَي فَحسب إِلَّا أَن يقوم بِوَاحِد مِمَّن ذكر مَانع من كفر أَو رق أَو قتل عمدا كَمَا يَأْتِي فِي مَوَانِع الْمِيرَاث. وَالجدُّ يحْجُبُهُ الأَدْنى والأَبُ كَذَا ابْنَ الأبْنَاءِ بالأَعْلَى يُحْجَبُ (و) لَكِن (الْجد) الْأَعْلَى (يَحْجُبهُ) الْجد (الْأَدْنَى) مِنْهُ فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا (و) يَحْجُبهُ أَيْضا (الْأَب) فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا، وكما يحجب الْجد بِالْأَبِ وبالجد الْأَدْنَى مِنْهُ (كَذَا ابْن الْأَبْنَاء) الْأَسْفَل (بالأعلى) مِنْهُ من ابْن أَو ابْن ابْن (يحجب) فَلَا يَرث مَعَ الْأَعْلَى شَيْئا. وَبأبٍ وابْنٍ وبابن ابنِ حُجِبْ إخْوَةُ مَنْ ماتَ فَلَا شيءَ يَجِبْ (وبأب وَابْن وبابن ابْن حجب إخْوَة من مَاتَ) أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم (فَلَا شَيْء يجب) لوَاحِد مِنْهُم مَعَ وجود من ذكر. كَذَا بنُو الإخْوَةَ أَيْضا حُجِبُوا بالحدّ وَالإخْوةِ ضَمَّهُم أبُ (كَذَا بَنو الْإِخْوَة أَيْضا حجبوا بالجد و) حجبوا أَيْضا ب (الْإِخْوَة) حَال كَونهم (ضمهم أَب) لِأَن الْأَخ للْأَب مقدم على ابْن الْأَخ الشَّقِيق، وَأَحْرَى أَن يقدم الْأَخ الشَّقِيق على ابْن أَخِيه الشَّقِيق أَو لأَب. وَالْجدُّ بالحَجْب لإخوةٍ دَها فِيمَا انتَمَتْ لِمَالِكٍ وشبْهِهَا (وَالْجد بالحجب لإخوة دها) أَي أصَاب يُقَال مَا دهاك أَي مَا أَصَابَك كَمَا فِي الْجَوْهَرِي (فِيمَا) أَي فِي الْفَرِيضَة الَّتِي (انتمت لمَالِك) وَهِي زوج وجد وَأم وَأَخ لأَب وَأَخَوَانِ فصاعد الْأُم
أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وَللزَّوْج ثَلَاثَة وللجد وَاحِد يبْقى وَاحِد. قَالَ مَالك فِي مَشْهُور قَوْله: هُوَ للْجدّ أَيْضا لِأَنَّهُ يَقُول للْأَخ للْأَب: لَو كنت دوني لم يكن لَك شَيْء، وَكَانَ الثُّلُث الْبَاقِي للإخوة للْأُم، وَأَنا حجبتهم فَأَنا أَحَق بنصيبهم، وَقَالَ زيد بن ثَابت رضي الله عنه: إِن السُّدس الْبَاقِي يكون للْأَخ للْأَب لِأَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون، وَوَافَقَهُ مَالك فِي قَوْله الآخر حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي فِي تَفْسِيره. وَلما كَانَ الْمَشْهُور عَن مَالك هُوَ الأول قيل: لم يُخَالف مَالك زيدا إِلَّا فِي هَذِه، وَلذَا سميت بالمالكية فَإِن كَانَ مَحل الْأَخ للْأَب أَخ شَقِيق فَهِيَ شبه الْمَالِكِيَّة كَمَا قَالَ:(وَشبههَا) عطف على مَا أَي، وَفِي شبه الْمَالِكِيَّة وَهِي زوج وَأم وجد وَأَخ شَقِيق وَأَخَوَانِ فَأكْثر لأم، فعلى قِيَاس مَشْهُور قَول مَالك: لَا شَيْء للشقيق لِأَن الْجد يَقُول لَهُ: لَو كنت دوني لَكُنْت تشارك الْإِخْوَة للْأُم فِي الثُّلُث الْبَاقِي الذّكر كالأنثى وَهِي الْمُسَمَّاة بالحمارية فَأَنت إِنَّمَا تَرث فِي الحمارية بِالْأُمِّ، وَأَنا أحجب كل من يَرث بِالْأُمِّ فَلَا شَيْء لَك، وَإِنَّمَا سميت بالحمارية حَيْثُ لَا جد فِيهَا لِأَن عمر رضي الله عنه قضى فِيهَا أَولا بِأَن لَا شَيْء للشقيق لاستغراق ذَوي الْفُرُوض التَّرِكَة للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان، والشقيق عاصب لم يفضل لَهُ شَيْء، ثمَّ نزلت بِهِ فِي الْعَام الْقَابِل فاحتج عَلَيْهِ الأشقاء، وَقيل عَليّ رضي الله عنه بقَوْلهمْ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا ورثوا بأمهم وَهِي أمنا. هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَو حجرا ملقى فِي اليم أليست الْأُم تجمعنا مَا زادنا الْأَب إِلَّا قرباً فَأَشْركهُمْ فِي الثُّلُث لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْأُم، وَقَوله: وَشبههَا إِنَّمَا سميت بشبه الْمَالِكِيَّة لِأَن مَالِكًا لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تكلم عَلَيْهَا أَصْحَابه، فَمنهمْ من قاسها على قَول مَالك فِي الْمَالِكِيَّة وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد النَّاظِم وَغَيره من شرَّاح (خَ) وَمِنْهُم من قَالَ فِيهَا بقول زيد وَأَن السُّدس الْبَاقِي يكون للشقيق، وَرجحه ابْن يُونُس قَائِلا: الصَّوَاب أَن يكون السُّدس الْبَاقِي فِي الْمَالِكِيَّة، وَشبههَا للأشقاء أَو للَّذين للْأَب، وحجتهم أَن يَقُولُوا: أَنْت لَا تسْتَحقّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِلَّا شاركناك فِيهِ فَلَا تحاسبنا بأنك لَو لم تكن لِأَنَّك كَائِن بعد، وَلَو لزم مَا قَالَه الْجد للَزِمَ فِي ابْنَتَيْن وَبنت ابْن وَابْن ابْن أَن لَا تَرث بنت الابْن مَعَ ابْن الابْن شَيْئا، ويحتج بِمثل احتجاج الْجد اه.
وَنَحْوه لِابْنِ خروف قَائِلا: وَقَول زيد أجْرى على الْقيَاس وَالْأُصُول قَالَ: وَالْحجّة الْمَذْكُورَة فِي شبه الْمَالِكِيَّة لَا يلْتَفت إِلَيْهَا لأَنهم إِنَّمَا شوركوا مَعَهم حِين ورثوا، فَإِذا سقطوا صَار الْآخرُونَ عصبَة فَجرى عَلَيْهِم حكم الْعصبَة اه. وَقَالَ الطرابلسي: مَا قَالَه زيد هُوَ الصَّحِيح لِأَن المحجوب عَن الْمِيرَاث كَأَنَّهُ لم يكن. تَنْبِيه: إِنَّمَا صوروا الْمَالِكِيَّة وَشبههَا بِتَعَدُّد الْإِخْوَة للْأُم ليتم احتجاج الْجد الَّذِي هُوَ قَوْله: لَو كنت دوني لم تَرث شَيْئا وَهُوَ إِنَّمَا لَا يَرث شَيْئا مَعَ فقدان الْجد إِذا تعدّدت الْإِخْوَة للْأُم، وَأما لَو كَانَ الْأَخ للْأُم وَاحِدًا فَلهُ وَاحِد وَيبقى للْأَخ للْأَب أَو الشَّقِيق وَاحِد، فَلَا يتم الِاحْتِجَاج حِينَئِذٍ، وإلاَّ فالجد يحجب الْأَخ للْأُم وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَيكون أَحَق بِنَصِيبِهِ فِي الْمَالِكِيَّة وَشبههَا على قَول مَالك: وَابنُ أخٍ بالْحَجْبِ للْعَمِّ وَفَا وَالعمُّ لِابْنِ العمِّ مَا كَانَ كَفَى (وَابْن أَخ) وَلَو لأَب (بالحجب للعم) وَلَو شقيقاً (وفا) أَي جَاءَ فِي الشَّرْع أَن ابْن الْأَخ يحجب الْعم لكَونه أقرب للهالك مِنْهُ (وَالْعم) حَاجِب (لِابْنِ الْعم مَا كَانَ) أَي كَيْفَمَا كَانَ الْعم شقيقاً أَو لأَب فَإِنَّهُ (كفى) فِي حجب ابْن الْعم شقيقاً أَو لأَب أَيْضا. والأمُّ كلتا الْجدتين تَحْجُبُ وَجَدَّةً لْلأَبِ يَحْجُبُ الأَبُ (وَالأُم كلتا الجدتين تحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل خبر عَن قَوْله: الْأُم، وكلتا مَفْعُوله أَي الْأُم تحجب جدة الْهَالِك من جِهَة أمه وجدته من جِهَة أَبِيه (وَجدّة للْأَب) بِالنّصب مفعول مقدم بقوله:(يحجب الْأَب) وَلَا يحجب جدة الْهَالِك من أمه بِخِلَاف الْأُم فَإِنَّهَا تحجب الْجدّة مُطلقًا (خَ) : وأسقطتها الْأُم مُطلقًا وَالْأَب الْجدّة من جِهَته. وَمَنْ دَنَتْ حاجبة لبُعْدَى جِهَتِها مِنْ غَيْر أَنْ تَعَدَّى (وَمن دنت) كَأُمّ الْأُم أَو أم الْأَب (حاجبة لبعدى جِهَتهَا) فتحجب كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أمهَا وَأم أمهَا وَإِن علت (من غير أَن تعدى) بحجب غير جِهَتهَا أَو مَا ذكره فِي قَوْله. وَقُرْبَى الأَمِّ حَجَبَتْ بُعْدَى لأَبْ وَالعكس إِن أَتَى فَمَا حجْبٌ وَجَبْ (وقربى الْأُم) كَأُمّ الْأُم (حجبت بعدى لأَب) كَأُمّ أم الْأَب (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن تكون الْجدّة
للْأَب أقرب من الَّتِي للْأُم كَأُمّ أم أمه وَأم أَبِيه (إِن أَتَى) ذَلِك (فَمَا حجب وَجب) بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس، وَكَذَلِكَ إِن كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَأُمّ الْأُم وَأم الْأَب فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ أَيْضا كَمَا قَالَ: وَحَظُّهَا السدْسُ فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَةُ السواءِ فِي التَّعْدَادِ (وحظها) أَي الْجدّة (السُّدس فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَة السوَاء فِي التعداد) حَيْثُ كَانَت الْجدّة للْأَب أقرب أَو كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَمَا مر. (خَ) : وأسقطت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. وَالإرْثُ لم يَحُزْهُ مِنْ هاتينِ تعدُّداً أكثَرُ مِنْ ثنْتَيْنِ (وَالْإِرْث لم يحزه من هَاتين) الجدتين أَي الَّتِي من جِهَة الْأُم وَالَّتِي من جِهَة الْأَب (تعدداً) أَي حَال تعددهن وَوُجُود جمَاعَة مِنْهُنَّ (أَكثر) فَاعل يحز (من اثْنَتَيْنِ) إِحْدَاهمَا أم الْأُم وَإِن علت وَالْأُخْرَى أم الْأَب وَأمّهَا وَإِن علت. قَالَ فِي الرسَالَة: وَلَا يَرث عِنْد مَالك أَكثر من جدتين أم الْأُم وَأم الْأَب وأمهاتهما، وَيذكر عَن زيد بن ثَابت رضي الله عنه أَنه ورث ثَلَاث جدات. وَاحِدَة من قبل الْأُم واثنتين من قبل الْأَب أم أم الْأَب وَأم أبي الْأَب وَإِن علين، وَلم يحفظ عَن الْخُلَفَاء تَوْرِيث أَكثر من جدتين اه. وَمُسْقِطٌ ذُو جِهَتَيْنِ أبدا ذَا جِهةٍ مهمَا تَسَاوَوْا قُعْدُدَا (ومسقط) خبر عَن قَوْله (ذُو جِهَتَيْنِ) جِهَة الْأَب وجهة الْأُم (أبدا) فِي جَمِيع الْمِيرَاث (ذَا جِهَة) مفعول بمسقط (مهما تساووا قعددا) أَي رُتْبَة فالأخ الشَّقِيق ذُو جِهَتَيْنِ حَاجِب للَّذي للْأَب وَالْعم الشَّقِيق حَاجِب الْعم للْأَب، وَابْن الْأَخ الشَّقِيق حَاجِب ابْن الْأَخ للْأَب وَابْن الْعم كَذَلِك، وَهَكَذَا وَيسْتَثْنى من كَلَامه الْأَخ للْأُم، فَإِنَّهُ ذُو جِهَة وَلَا يَحْجُبهُ الشَّقِيق، وَمَفْهُوم تساووا قعددا أَنهم إِذا لم يتساووا فِيهِ كالأخ للْأَب مَعَ ابْن الْأَخ الشَّقِيق أَنه لَا شَيْء لِابْنِ الْأَخ لِأَن الْأَخ أقرب مِنْهُ للهالك (خَ) : ثمَّ الْعم الشَّقِيق ثمَّ للْأَب ثمَّ عَم الْجد الْأَقْرَب بالأقرب وَإِن غير شَقِيق، وَقدم مَعَ التَّسَاوِي الشَّقِيق مُطلقًا. ومَنْ لَهُ حَجبُ بِحَاجِبٍ حُجِبْ فحجْبُهُ بمَنْ لهُ الحَجْبُ يَجِبْ
(وَمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْأَخ للْأَب الَّذِي (لَهُ حجب بحاجب) هُوَ الشَّقِيق من نعت وَصفَة هَذَا الْحَاجِب الَّذِي هُوَ الشَّقِيق (حجب) أَيْضا بِولد الْهَالِك (فحجبه) أَي الْأَخ للْأَب (بِمن) أَي الَّذِي (لَهُ الْحجب) لحاجبه (يجب) فحجب مُبْتَدأ وضميره لمن الْوَاقِعَة على الْأَخ للْأَب مثلا، وَجُمْلَة لَهُ حجب صلته ولحاجب يتَعَلَّق بحجب، وَجُمْلَة حجب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لحاجب وحجبه مُبْتَدأ خَبره يجب وبمن يتَعَلَّق بِهِ، وَجُمْلَة لَهُ الْحجب صلَة من وَالتَّقْدِير: وَالْأَخ للْأَب المحجوب بشقيق مَحْجُوب بِولد يجب حجبه عِنْد فقد الشَّقِيق بِالْوَلَدِ الْحَاجِب لحاجبه، فَإِذا هلك وَترك ابْنا وأخاً وشقيقاً وأخاً لأَب فالأخ للْأَب مَحْجُوب بالشقيق، والشقيق مَحْجُوب بالابن فَلَو عدم الشَّقِيق لم يَرث الْأَخ للْأَب شَيْئا لوُجُوب حجبه بالابن الَّذِي هُوَ حَاجِب حَاجِبه، وَهَكَذَا يُقَال فِي ابْن الْأَخ مَعَ وجود أَخ وَابْن للهالك، فَإِن ابْن الْأَخ مَحْجُوب بالأخ وَلَو عدم لَكَانَ محجوباً بالابن، وَكَذَا ابْن الْأَخ مَعَ الْعم وَابْن الْعم، فَإِن الْعم مَحْجُوب بِابْن الْأَخ وَابْن الْعم مَحْجُوب بالعم، فَلَو فقد الْعم لم يَرث ابْن الْعم لوُجُوب حجبه بحاجب حَاجِبه، وَهَذَا الْبَيْت مَعَ تعقيده قَلِيل الجدوى مَفْهُوم حكمه من الْبَيْت الَّذِي قبله، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن حَاجِب الْحَاجِب لغيره حَاجِب لذَلِك الْغَيْر، وَأَن الْأَقْرَب يحجب الْأَبْعَد. وإخْوةُ الأمِّ بِمن يكُون فِي عَمُودَي النَّسَبِ حَجْبُهُمْ يَفي (وإخوة الْأُم) مُبْتَدأ (بِمن يكون فِي عمودي النّسَب) من ابْن أَو بنت للهالك وَإِن سفلت وَأب أَو جد وَإِن علا (حجبهم) مُبْتَدأ ثَان (يَفِي) خَبره وَالْمَجْرُور بِالْبَاء يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون بِمن يُوجد فِي عمودي النّسَب الْأَعْلَى والأسفل، فعموده الْأَعْلَى الْأَب وَالْجد وَإِن علا وعموده الْأَسْفَل الْوَلَد وَولده وَإِن سفل فَيدْخل فِي ذَلِك الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفلت لِأَنَّهُمَا من عموده الْأَسْفَل قطعا (خَ) : وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَإِنَّمَا حجبوا بِمَا ذكر لقَوْله تَعَالَى وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} (النِّسَاء: 12) الْآيَة. والكلالة كَمَا فِي الْأَزْهَرِي وَغَيره الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وَلذَا قيل فِيهَا: ويسألونك عَن الكلاله هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محاله لَا ولد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود
وكلالة فِي الْآيَة إِمَّا تَمْيِيز وَالْأَصْل يَرِثهُ كَلَالَة بِالرَّفْع على الفاعلية، فَحذف الْفَاعِل وَبني الْفِعْل للْمَفْعُول فارتفع الضَّمِير واستتر، ثمَّ جِيءَ بالفاعل تمييزاً، وَإِمَّا حَال من ضمير يُورث أَي ذَا كَلَالَة، وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل بعده أَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبون الْأُم للسدس وَإِن كَانُوا محجوبين بالجد وَنَحْوه.
(فصل فِي ذكر (حجب النَّقْل) من تعصيب (إِلَى فرض))
أَو من فرض إِلَى فرض آخر، فَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت الخ. وَإِلَى الأول بقوله: الأبُ معْ فُرُوضِ الاسْتِغْرَاقِ وَالنقصُ يَحْوِي السُّدْسَ بالإِطْلَاقِ (الْأَب) هُوَ عاصب فِي الأَصْل لكنه ينْتَقل للْفَرض (مَعَ فروض الِاسْتِغْرَاق) أَي الْفَرِيضَة الَّتِي يستغرقها أهل فروضها، سَوَاء كَانَت عادلة كبنتين وَأب وَأم فَلهُ السُّدس وَللْأُمّ مثله وللبنتين الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة أَو عائلة كَزَوج وَبنت وَأم وَأب أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر للزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وللبنت النّصْف سِتَّة وَللْأُمّ السُّدس اثْنَان وَللْأَب كَذَلِك، وَلَو بَقِي عاصباً على أَصله لأخذ الْوَاحِد الْبَاقِي من اثْنَي عشر وَلَا يعال لَهُ. (و) بيع فروض (النَّقْص) وَهِي الْفَرِيضَة الَّتِي نقصت فروضها عَن أَصْلهَا كَمَا مر كَبِنْت وَأم وَأب أَصْلهَا من سِتَّة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ سدسها وَاحِد وَللْأَب كَذَلِك يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ الْأَب بِالتَّعْصِيبِ فَقَوله:(يحوي السُّدس) بِسُكُون الدَّال خبر عَن الْأَب وَقَوله (بِالْإِطْلَاقِ) أَي فِي جَمِيع مَا مرّ من العادلة والعائلة والناقصة إِلَّا أَنه فِي العادلة يَأْخُذ السُّدس من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا نقص مِنْهُ، وَفِي العائلة يَأْخُذ السُّدس إِلَّا مَا نَقصه الْعَوْل وَهُوَ جُزْء من ثَلَاثَة عشر فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم، وَفِي النَّاقِصَة يَأْخُذ السُّدس ثمَّ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَقد تقدم أَن كل ذكر عاصب إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وكما حوى السُّدس فِيمَا ذكر. كذاكَ يَحْوِي مَعَ ذُكْرَانَ الوَلَدْ أوْ وَلدِ ابْنٍ مِثلهُمْ سدْساً فَقَدْ (كَذَاك يحوي) أَيْضا (مَعَ ذكر أَن الْوَلَد) وَاحِدًا أَو أَكثر (أَو) مَعَ (ولد ابْن مثلهم) فِي كَونه ذكرا وَاحِدًا أَو أَكثر فالجمع فِي قَوْله: ذكران غير مَقْصُود، وَإِنَّمَا المُرَاد جنس الذُّكُور وَلَو وَاحِدًا من أَبنَاء الْهَالِك أَو أَبنَاء ابْنه، وَإِن سفلوا يحوي مَعَهم الْأَب (سدساً) بِسُكُون الدَّال مفعول بقوله يحوي (فقد) اسْم فعل بِمَعْنى حسب.
والسدْسُ معْ أُنْثَى مِنَ الصنْفَيْن لهْ وَالباقي بِالتَّعْصِيبِ بَعْدُ حَصَّلَهْ (وَالسُّدُس) بِسُكُون الدَّال مُبْتَدأ (مَعَ أُنْثَى) وَاحِدَة أَو أَكثر (من الصِّنْفَيْنِ) صنف بَنَات الصلب وصنف بَنَات الابْن (لَهُ) خبر أَي: وَالسُّدُس كَائِن للْأَب وثابت لَهُ مَعَ بنت أَو بنتين فَأكْثر للهالك، وَمَعَ بنت ابْن أَو بَنَات ابْن يَأْخُذهُ بِالْفَرْضِ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ الثَّالِث مَعَ الْوَاحِدَة من الصِّنْفَيْنِ وَالسُّدُس مَعَ أَكثر يَأْخُذهُ (بِالتَّعْصِيبِ بعد) أَي بعد أَخذه السُّدس بِالْفَرْضِ (حصله) أَي حصل مَا ذكرُوا حفظه، وَدخل فِي كَلَامه مَا إِذا خلف بِنْتا وَبنت ابْن وَأَبا فللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَللْأَب السُّدس وَاحِد ثمَّ يَأْخُذ الْوَاحِد الْبَاقِي تعصيباً فَإِن خلف بنتين فَلَا شَيْء لبِنْت الابْن، وَإِن تعدّدت لحجبها بالبنتين فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأَب وَاحِد بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله: وَالنَّقْص إِذْ الْفَرِيضَة فِيهِ نقصت سهامها عَن أُصُولهَا. وَالجدُّ مِثْلُ الأَبِ مَعْ مَنْ ذُكِرَا حَالاً بحَالٍ فِي الّذِي تَقَرَّرَا (وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا) من أهل الْفُرُوض المستغرقة والناقصة وَأَبْنَاء الصلب وَأَبْنَاء الابْن حَال كَونه (حَالا بِحَال فِي الَّذِي تقررا) وَهُوَ أَخذ السُّدس فِي المستغرقة العادلة كَزَوج وَأم وجد، والعائلة كَزَوج وبنتين وجد أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر، والناقصة كَبِنْت وَأم وجد أَو بنت فَقَط وجد أَو بنتين وجد يَأْخُذ السُّدس فرضا، وَالْبَاقِي بعد الْبِنْت وَالأُم أَو بعد الْبِنْت أَو البنتين بِالتَّعْصِيبِ، وَله السُّدس فَقَط مَعَ ابْن الْهَالِك أَو ابْن ابْن فالأب وَالْجد متساويان فِي هَذِه الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة وَهِي أَن لَهما السُّدس فِي المستغرقة أَو النَّاقِصَة أَو مَعَ ابْن الصلب أَو ابْن الابْن وَزَاد الْجد على الْأَب فِي اجتماعه مَعَ الْإِخْوَة بِثَلَاثَة أَحْوَال أخر وَذَلِكَ لِأَن الْأَب يحجب إخْوَة الْهَالِك كَيْفَمَا كَانُوا وَلَا يَرِثُونَ مَعَه شَيْئا، وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، وَأما غَيرهم فَلهُ مَعَهم على مَا ذكر النَّاظِم ثَلَاثَة أَحْوَال. الأولى: أَن يَكُونُوا كلهم شقائق أَو لأَب وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فللجد مَعَهم الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة.
الثَّانِيَة: أَن يكون مَعَهم ذُو فرض فَلهُ الْخَيْر من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض أَو الْمُقَاسَمَة. الثَّالِثَة: أَن يجْتَمع الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَالْحكم كَذَلِك لَكِن يعد الشَّقِيق على الْجد الْأَخ للْأَب ثمَّ يرجع عَلَيْهِ، والمعادلة تكون مَعَ انْفِرَاد الْإِخْوَة وَالْجد أَو مَعَ اجْتِمَاعهم مَعَ ذَوي الْفُرُوض فللجد على هَذَا سَبْعَة أَحْوَال: أَرْبَعَة هُوَ فِيهَا كَالْأَبِ وَزَاد عَلَيْهِ بِثَلَاثَة مَعَ الْإِخْوَة، فَأَشَارَ إِلَى الْحَالة الأولى الَّتِي زَاد بهَا عَلَيْهِ فَقَالَ. وَزَاد بِالثُلثِ إِن رَجْحٌ ظَهَرْ مَعْ صِنْفِ الإخْوَةِ وَقَسْمٍ كَذَكَرْ (وَزَاد بِالثُّلثِ إِن الرجح) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (ظهر مَعَ صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (وَقسم) بِالْجَرِّ عطف على الثُّلُث، وَالْوَاو بِمَعْنى (أَو) أَي: وَزَاد الْجد يَأْخُذ ثلث جَمِيع المَال إِن كَانَ ذَلِك رجح لَهُ أَو مقاسمة. (كذكر) مِنْهُم إِن كَانَت أرجح لَهُ من الثُّلُث، وَحِينَئِذٍ فَإِذا زَاد عدد ذُكُور الْإِخْوَة على اثْنَيْنِ وَعدد الْإِنَاث على أَربع فثلث جَمِيع المَال أرجح لَهُ لِأَنَّهُ إِن قَاسم ثَلَاثَة إخْوَة أَو خمس أَخَوَات أَخذ أقل من ثلث لِأَنَّهُ ينوبه مَعَ ثَلَاث إخْوَة ربع الْمَتْرُوك، وَمَعَ خمس أَخَوَات سبعا الْمَتْرُوك وَذَلِكَ أقل من ثلث الْمَتْرُوك وَإِن نقص ذُكُور الْإِخْوَة عَن اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات عَن أَربع، فالمقاسمة أرجح لَهُ لِأَنَّهُ ينوبه فِي مقاسمة الْأَخ الْوَاحِد النّصْف، وَفِي مقاسمة ثَلَاث أَخَوَات خمسان لِأَنَّهُ برأسين، وكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِرَأْس، ومجموع ذَلِك خَمْسَة والخمسان أَكثر من الثُّلُث لِأَن ثلث الْخَمْسَة وَاحِد وَثُلُثَانِ، وَذَلِكَ أقل من خمسين صَحِيحَيْنِ، وَأَحْرَى أَن يقاسم أُخْتا وَاحِدَة لِأَن لَهُ مَعهَا الثُّلثَيْنِ أَو أُخْتَيْنِ لِأَن لَهُ مَعَهُمَا النّصْف، وَهَكَذَا وَإِن كَانَ عدد ذُكُور الْإِخْوَة اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات أَرْبعا فيستوي الثُّلُث والمقاسمة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّانِيَة الَّتِي زَاد الْجد بهَا على الْأَب فَقَالَ: وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ مَتى صَحِبْ أَهْلَ الفروضِ صِنفٌ إخْوَةٍ يَجِبْ (وَالسُّدُس) من جَمِيع المَال (أَن يرجح) على غَيره من الْمُقَاسَمَة أَو ثلث الْبَاقِي (لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض) مفعول مقدم على الْفَاعِل الَّذِي هُوَ (صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (يجب) خبر عَن قَوْله: وَالسُّدُس وَالضَّمِير الْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ.
أَوْ قِسْمَةُ السواءِ فِي البقِيهْ أَوْ ثُلْثُهَا إلاَّ فِي الأَكْدَرِيهْ (أَو قسْمَة السوَاء) بَينه وَبَين الْإِخْوَة إِن تكن أرجح لَهُ (فِي الْبَقِيَّة) من المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم (أَو ثلثهَا) أَي الْبَقِيَّة إِن تكن أرجح لَهُ أَيْضا فَأَي الثَّلَاثَة كَانَ أرجح، فَهُوَ الْوَاجِب لَهُ فالسدس أرجح لَهُ فِي زوج وَأم وأخوين وجد وَتَصِح من سِتَّة لَهُ فِي الْمُقَاسَمَة ثلثا الْوَاحِد، وَكَذَا فِي ثلث الْبَاقِي وَفِي السُّدس وَاحِد كَامِل، وَكَذَا يكون السُّدس أرجح لَهُ فِي بنتين وجد وأخوين أَو ثَلَاث أَخَوَات، فَالْأولى من سِتَّة وَتَصِح من اثْنَي عشر، وَالثَّانيَِة من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر، والمقاسمة أرجح لَهُ فِي أم وَأَخ وَاحِد أَصْلهَا من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان لَهُ فِي السُّدس من رَأس المَال ثلث وَاحِد، وَفِي ثلث الْبَاقِي ثلثا الْوَاحِد، وَفِي الْمُقَاسَمَة وَاحِد كَامِل، وَكَذَا تكون الْمُقَاسَمَة أحظى لَهُ فِي زَوْجَة وجد وَأَخ تصح من ثَمَانِيَة وَثلث الْبَاقِي أحظى لَهُ فِي أم وَثَلَاثَة إخْوَة وجد أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد، وَالْبَاقِي خَمْسَة ثلثهَا وَاحِد وَثُلُثَانِ وَهُوَ أَكثر من السُّدس وَاحِد، وَمن الْمُقَاسَمَة وَاحِد وَربع، وَكَذَا يكون أحظى لَهُ فِي أم وجد وَثَلَاثَة إخْوَة أَصْلهَا من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر للْأُم ثَلَاثَة وللجد خَمْسَة تبقى عشرَة لكل وَاحِد من الْإِخْوَة الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وَثلث فَاضْرب عدد رؤوسهم فِي الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فَمِنْهُ تصح وَيَسْتَوِي السُّدس والمقاسمة وَثلث الْبَاقِي فِي زوج وجد وأخوين. وَلما تقدم أَن الْجد يعصب الْأُخْت ويقاسمها اقْتضى ذَلِك أَنَّهَا تَرث بِالتَّعْصِيبِ وَأَنه مَعهَا كأخ وَعَلِيهِ فَلَا يفْرض لَهَا مَعَه بِحَال إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة استثناها بقوله:(إِلَّا فِي الأكدرية) أَلْقَاهَا عبد الْملك بن مَرْوَان على رجل يحسن الْفَرَائِض يُقَال لَهُ أكدر، فَأَخْطَأَ فِيهَا فنسبت إِلَيْهِ وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب. فَالْعَوْلُ لِلأُخْتِ بهَا قد أُعمِلا وَاجْمَعْهُمَا وَاقْسِمْ وَجَدًّا فَضِّلا (فالعول للْأُخْت بهَا) أَي فِيهَا (قد اعملا) لِأَن أَصْلهَا من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وَللْأُمّ
الثُّلُث اثْنَان يفضل وَاحِد يَأْخُذهُ الْجد لِأَنَّهُ لَا ينقص مَعَ ذَوي الْفُرُوض عَن سدس جَمِيع المَال كَمَا مر لِأَنَّهُ فَرْضه مَعَهم، وَإِذا كَانَ السُّدس فَرْضه فَلَا يعصب الْأُخْت لِأَن ذَا الْفَرْض لَا يصير غَيره عاصباً إِلَّا الْبَنَات مَعَ الْأَخَوَات كَمَا يَأْتِي، وَإِذا لم يعصبها فَلَا بُد من الْفَرْض لَهَا لِأَنَّهَا من ذَوي الْفُرُوض وَلَيْسَ هُنَاكَ من ينقلها للتعصيب فأعيل لَهَا بِثَلَاثَة: نصف الْمَسْأَلَة فَصَارَت من تِسْعَة خُذ نصيب الْجد مِنْهَا وَهُوَ وَاحِد وَنصِيب الْأُخْت وَهُوَ ثَلَاثَة. (واجمعها) تكن أَرْبَعَة (وَأقسم) عَلَيْهِمَا (وجدا) مفعول بقوله (فضلا) لِأَنَّهُ كأخ لَهَا يَأْخُذ الثُّلثَيْنِ وَهِي الثُّلُث وَأَرْبَعَة على ثَلَاثَة منكسر مباين أضْرب عدد رُؤُوس المنكسر عَلَيْهِم وَهُوَ ثَلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهُوَ تِسْعَة بسبعة وَعشْرين، ثمَّ تَقول من لَهُ شَيْء من التِّسْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة: فَللزَّوْج ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَللْأُمّ اثْنَان فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة وللجد وَالْأُخْت أَرْبَعَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْ عشر لَهُ ثَمَانِيَة، وَلها أَرْبَعَة. وَمَفْهُوم قَوْله: للْأُخْت أَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَأكْثر لَا يعال لَهما وَهُوَ كَذَلِك، فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللجد السُّدس وللأختين فَأكْثر مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس وَلَا يعال لَهما قَالَه مَالك، وَفِيه إِشْكَال قَالَه الْفَاكِهَانِيّ وَغَيره. وَاعْلَم أَن الْجد فِي الأكدرية ورث أَولا بِالْفَرْضِ، وَثَانِيا بِالتَّعْصِيبِ، إِذْ لَا يقاسمها إِلَّا بِتَقْدِير كَونه معصباً لَهَا وَكَونه من ذَوي الْفُرُوض معصباً فِي حَالَة وَاحِدَة لَا يعقل ويلغز بهَا من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن يُقَال أَرْبَعَة ورثوا مَيتا أَخذ أحدهم ثلث مَاله، وَأخذ الثَّانِي ثلث الْبَاقِي، وَأخذ الثَّالِث ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَأخذ الرَّابِع مَا بَقِي، وَجَوَابه هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن الزَّوْج أَخذ ثلث مَاله وَالأُم أخذت ثلث الْبَاقِي وَالْأُخْت أخذت ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَالْجد أَخذ مَا بَقِي، الثَّانِي قَالَ ابْن عَرَفَة: بِأَن يُقَال مَا فَرِيضَة أخر قسمهَا للْحَمْل فَإِن كَانَت أُنْثَى ورثت وَإِن كَانَ ذكرا لم يَرث شَيْئا. وَجَوَابه امْرَأَة تركت زَوجهَا وجدهَا وَأما حَامِلا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّالِثَة وَهِي أَن يجْتَمع مَعَ الْجد الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَقَالَ:
وَالقسمُ مَعْ شَقَائِقٍ وَمَنْ لأَبْ مَعًا لَهُ وَعَدُّ كُلِّهِمْ وَجَبْ (وَالْقسم) مُبْتَدأ (مَعَ) اجْتِمَاع إخْوَة (شقائق وَمن لأَب مَعًا) أَي جَمِيعًا (لَهُ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر وضميره للْجدّ أَي وَاجِب لَهُ (وعد كلهم) على الْجد ليحرم كَثْرَة الْمِيرَاث (وَجب) وَإِذا عد عَلَيْهِ الْجَمِيع وَأخذ كل حَظه، فَإِن الشَّقِيق يرجع على الَّذِي للْأَب فَيَأْخُذ مَا بِيَدِهِ كَمَا قَالَ: وَحَظُّ منْ لِلأَبِ لِلأَشِقّا وَحْدَهُمْ يكونُ مُسْتَحِقا (وحظ) مُبْتَدأ (من للْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ (للأشقا) يتَعَلَّق بمستحقا (وحدهم) حَال من الأشقاء (يكون مُسْتَحقّا) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير حَظّ الْإِخْوَة للْأَب يكون مُسْتَحقّا للأشقاء حَال كَونهم وحدهم، وَظَاهره أَن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب على الْجد، سَوَاء كَانَ مَعَهم ذُو فرض أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فَإِذا ترك أما وأخاً شقيقاً وأخاً لأَب وجدا، فَإِن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب فتستوي الْمُقَاسَمَة وَثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض، فَإِذا أَخذ الْجد حَظه رَجَعَ الشَّقِيق على الَّذِي للْأَب بِمَا فِي يَده، وَكَذَا إِذا لم يكن مَعَهم ذُو فرض فَإِذا ترك شقيقتين وأختاً لأَب فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة للْجدّ اثْنَان وللأخوات ثَلَاثَة، وَإِذا ترك شَقِيقَة وأختين أَو أَخا لأَب، فَكَذَلِك وَكَذَا أَخا شقيقاً وأختاً لأَب وَإِن ترك شقيقه وأختاً لأَب، فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ للْجدّ النّصْف وللأختين النّصْف، ثمَّ إِذا أَخذ كل حَظه فِي هَذِه الْأَمْثِلَة الَّتِي لم يبلغ فِيهَا عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ رَجَعَ الأشقاء على اللَّذين للْأَب بِمَا لَهُم لَو لم يكن لَهُم جد، وَلَا شكّ أَن فرض الشقيقتين فِي الْمقَال الأول لَو لم يكن جد الثُّلُثَانِ فيرجعان على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا أَخَذته، وَفرض الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الثَّانِي النّصْف فترجع بِوَاحِد وَنصف، وَيبقى نصف وَاحِد بيد أختيها أَو أَخِيهَا للْأَب، والشقيق يرجع على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا بِيَدِهَا، وَكَذَا الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الْأَخير، وافهم مثل هَذَا فِيمَا إِذا بلغ عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ أَو زادوا كَانَ مَعَهم ذُو فرض أَيْضا أَو لم يكن.
وَالضَّابِط أَنه مهما كَانَ فِي الشقائق ذكر فَإِنَّهُ لَا شَيْء للَّذي للْأَب لِأَنَّهُ يَحْجُبهُ وَمثله شقيقتان فَأكْثر لِأَن لَهما الثُّلثَيْنِ وَالْجد لَا ينقص عَن الثُّلُث، فَلَا يفضل للَّذين للْأَب شَيْء، وَكَذَا شقيقه وَأُخْت لأَب وجد كَمَا فِي الْمِثَال الْأَخير، وَإِلَّا فيفضل للَّذين للْأَب كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَمثله مَا إِذا كَانَت الشَّقِيقَة مَعَ أَخ وَأُخْت لأَب، أَو مَعَ ثَلَاث أَخَوَات لأَب فَإِنَّهَا تَأْخُذ نصفهَا وَالْبَاقِي وَهُوَ السُّدس يكون للَّذين للْأَب، وَبِه تعلم أَن قَوْله: وحظ من للْأَب للأشقا الخ. لَيْسَ على إِطْلَاقه بل فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَعبارَة (خَ) أحسن إِذْ قَالَ: وَعَاد الشَّقِيق بِغَيْرِهِ ثمَّ رَجَعَ كالشقيقة لما لَهما لَو لم يكن جد الخ، وَلما تكلم على النَّقْل من تعصيب إِلَى فرض أَشَارَ إِلَى النَّقْل من فرض إِلَى فرض فَقَالَ: وَالأخْتُ منْ أبٍ وَإنْ تعدَّدَتْ مَعْ شقيقةٍ بسُدْسٍ أُفْرِدَتْ (وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت) كَانَت فِي الأَصْل من ذَوَات النّصْف إِن اتّحدت أَو من ذَوَات الثُّلثَيْنِ إِن تعدّدت كَمَا مرّ، لَكِن إِذا كَانَت أَو كن (مَعَ) أُخْت (شَقِيقَة بسدس أفردت) أَي انْتَقَلت إِلَيْهِ حَال كَونه. تَكْمِلَةُ الثَّلُثَيْنِ وَالحُكْمُ كذَا معْ بنتِ صُلْبٍ لابْنَةِ ابْنِ يُحْتَذَا (تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ) فتأخذه وَحدهَا إِن اتّحدت وَيقسم على عددهن إِن تعدّدت إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو مَعَهُنَّ أَخ لأَب فيقسمون ذَلِك للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا مر، وافهم قَوْله تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ أَنَّهَا لَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو باعت الشَّقِيقَة نصفهَا فِي أصل أَو الْعَكْس، فالأخرى أَحَق بِالشُّفْعَة من سَائِر الْوَرَثَة كإحدى الزوجتين فِي ثمن أَو ربع وعَلى أَنَّهَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا لَا تكون أَحَق بهَا من الْوَرَثَة، وعَلى الأول عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَقدم مُشَاركَة فِي السهْم وَإِن كأخت لأَب أخذت سدساً. (وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا) فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالتَّقْدِير: وَالْحكم هَكَذَا يتبع لابنَة الابْن مَعَ بنت الصلب فللبنت النّصْف ولابنة الابْن وَاحِدَة، فَأكْثر السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ مَا لم يكن مَعهَا أَو مَعَهُنَّ ابْن ابْن آخر فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها فيردها للتعصيب، ويقتسمون النّصْف الْبَاقِي بعد الْبِنْت للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن كَانَ ابْن الابْن أَسْفَل مِنْهَا فَهِيَ غنية بسدسها كَمَا مر مُبينًا فِي فصل أهل الْفُرُوض عِنْد قَوْله:
وَنصفه السُّدس لأم وَالْأَب الخ. وَالزَّوْجُ مِنُ نِصْفٍ لِرُبْعٍ انْتَقَلْ مَعَ ولَدٍ أَو وَلَدِ ابْنٍ هَبْ سَفَلْ (وَالزَّوْج من نصف لربع انْتقل مَعَ) وجود (ولد) لزوجته الهالكة ذكرا كَانَ الْوَلَد أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا (أَو) وجود (ولد ابْن) لَهَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، لَكِن لَا بُد أَن يكون لاحقاً بِأَبِيهِ (هَب) أَنه أَي ولد الابْن (سفل) أَي نزل بِضَم الْفَاء وَفتحهَا كَمَا مر. وَيَنْقُل الزوجَةَ مِنْ رُبْعٍ إلَى ثُمْنٍ صَحِيحٍ نِسْبَةُ مِح هَؤُلا (وينقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن) بِسُكُون الْمِيم (صَحِيح) بِالرَّفْع فَاعل ينْقل (نِسْبَة من هؤلا) بِالْقصرِ وَالْإِشَارَة للْوَلَد وَولد الابْن العالي والنازل وَشرط فِي ولد الزَّوْج وَولد ابْنه أَن يكون صَحِيح النِّسْبَة احْتِرَازًا من ولد الزِّنَا والمنفي بِلعان فَلَا يحجبانها إِلَى الثّمن. وَالأَمُّ مِنْ ثُلْثٍ لِسُدْسٍ تُفْرَدُ بِهِمْ وَبالإِخْوَةِ إنْ تَعَدَّدُوا (وَالأُم من ثلث لسدس تفرد) أَي تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس (بهم) أَي بِالْوَلَدِ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وبولد الابْن كَذَلِك وَإِن سفل (و) تنقل أَيْضا للسدس (وبالإخوة إِن تعددوا) أَي زادوا على الْوَاحِد، وَظَاهره مُطلقًا أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم أَو مُخْتَلفين ذُكُورا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين أَو خناثى، وَسَوَاء كَانُوا وارثين بالشخص كأب وَأم وأخوين مُطلقًا، وكأم وجد وأخوين لأم، فهم وَإِن كَانُوا محجوبين بِالْأَبِ فِي الأولى وبالجد فِي الثَّانِيَة يحجبان الْأُم للسدس فتأخذ السُّدس وَالْبَاقِي للْأَب فِي الأولى، وللجد فِي الثَّانِيَة، ثمَّ علل الْإِطْلَاق الْمَذْكُور بقوله: وَغيرُ مَنْ يَرِثُ لَيْسَ يَحْجُبُ إلاُّ أُولاءِ حَجَبُوا إذْ حُجِبُوا (وَغير من يَرث) أَي إِنَّمَا حجبت الْأُم بالإخوة مُطلقًا لِأَن غير من يَرث لمَانع بِهِ من رق أَو كفر أَو قتل عمد (لَيْسَ يحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل أَي: لَا يحجب غَيره حجب إِسْقَاط وَلَا
حجب نقل (إِلَّا) هـ (ؤلاء) الْإِخْوَة (حجبوا) للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس (إِذْ حجبوا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حجبهم الْأَب مُطلقًا وَالْجد إِذا كَانُوا لأم كَمَا مر، وَهَذَا الْبَيْت قريب من قَول التلمسانية: وَفِيهِمْ فِي الْحجب أَمر عجب لأَنهم قد حجبوا وحجبوا وَقَول (ت) : حجبهم الْأَب أَو الْوَلَد أَو الْجد الخ. الصَّوَاب حذف الْوَلَد لِأَن الَّذِي نقل الْأُم للسدس هُوَ نفس الْوَلَد لَا الْإِخْوَة حَتَّى يُقَال: حجبوها وهم محجوبون بِالْوَلَدِ، وَلما قدم أَن للْأُم حالتين تَرث فِي إِحْدَاهمَا الثُّلُث وَفِي الْأُخْرَى السُّدس ذكر لَهَا حَالَة ثَالِثَة تَرث فِيهَا ثلث الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى الغراوين سميتا بذلك لشهرتيهما فَقَالَ: وَثُلْثُ مَا يَبْقَى مِنَ الزوجَيْنِ تأخُذُ مَعْ أبٍ بِغَرَّاوَيْنِ (وَثلث مَا يبْقى عَن الزَّوْجَيْنِ تَأْخُذ) الْأُم (مَعَ أَب بغراوين) إِحْدَاهمَا زَوْجَة وأبوان أَصلهمَا من أَرْبَعَة للزَّوْجَة الرّبع وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَللْأَب ثُلُثَاهُ، وَالثَّانيَِة زوج وأبوان أَصْلهَا من اثْنَيْنِ للزَّوْج وَاحِد، وللأبوين وَاحِد منكسر للْأُم ثلثه وَللْأَب ثُلُثَاهُ، فَتضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَمن لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ، فَللزَّوْج وَاحِد فِي ثَلَاثَة بِثَلَاثَة، وللأبوين وَاحِد كَذَلِك بِثَلَاثَة للْأُم مِنْهَا وَاحِد وَللْأَب اثْنَان (خَ) : وَلها أَي الْأُم ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين الخ. فَلَو كَانَ مَوضِع الْأَب جد لَكَانَ للْأُم ثلث المَال لِأَنَّهَا تَرث مَعَ الْجد بِالْفَرْضِ وَمَعَ الْأَب بِالْقِسْمَةِ.
(فصل فِي ذكر حجب النَّقْل من الْفَرْض (للتعصيب))
وَذَلِكَ أَن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب كُلهنَّ من ذَوي الْفُرُوض كَمَا تقدم، لَكِن مَحل ذَلِك إِذا لم يكن مَعَ الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ فَأكْثر أَخ يساويها فِي درجتها فَإِنَّهُ ينقلها من الْفَرْض ويصيرها عاصبة يقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا قَالَ:
لِلاِبْنِ شَرْعاً حَظَّ بِنتيْنِ ادَفَعِ مِن مالِ أوْ بَاقِيه فِي التَّنَوُّعِ (للِابْن شرعا) مُتَعَلق بادفع (حَظّ بنتين) مفعول بقوله (ادْفَعْ) أَي للِابْن اللَّاحِق لِأَبِيهِ بِالشَّرْعِ حَظّ بنتين (من) كل (مَال) للهالك حَيْثُ لم يكن فِي التَّرِكَة ذُو فرض (أَو) ادْفَعْ لَهُ من (بَاقِيه) أَي المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم حَيْثُ كَانَ فِيهَا ذُو فرض كَالزَّوْجَةِ وَالأُم مثلا فللزوجة الثّمن وَللْأُمّ السُّدس تصح من أَرْبَعَة وَعشْرين، وَالْبَاقِي بعد إِخْرَاج الثّمن وَالسُّدُس بَين الْأَب وَالْبَنَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (فِي التنوع) أَي فِي تنوع الْوَرَثَة إِلَى ذَوي فروض وعصبة. وَوَلَدُ ابْنٍ مِثْلُهُمْ فِي الحُكْمِ وَإخْوَةٌ كَذَا لغير الأُمِّ (وَولد ابْن مثلهم) أَي مثل أَبنَاء الصلب (فِي الحكم) وَهُوَ قسم المَال كُله أَو بَاقِيه بعد ذَوي الْفُرُوض للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، لَكِن بنت الابْن يعصبها من فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، وَكَذَا يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا كَمَا مر مفصلا عِنْد قَوْله: ولابنة ابْن ولجد اجتبى الخ. (وإخوة) ذُكُور مَعَ أخواتهم الْإِنَاث (كَذَا) لَهُم هَذَا الحكم إِذا كَانُوا (لغير الْأُم) بل كَانُوا أشقاء أَو لأَب فالشقيق يعصب شقيقته وَالْأَخ للْأَب يعصب أُخْته للْأَب للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي المَال كُله أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض، وَاحْترز بقوله لغير الْأُم مِمَّا إِذا كَانُوا إخْوَة لأم فَإِنَّهُم يقتسمون ثلثهم الذّكر كالأنثى كَمَا مر فِي قَوْله: وهم فِي قسم ذَاك إسوة الخ. وَالأُخْتُ لَا لِلأُمِّ كيفَ تَأتِي من شَأنِهَا التعصيبُ مَعْ بَنَاتِ (وَالْأُخْت) الشَّقِيقَة أَو لأَب (لَا) الَّتِي (للْأُم كَيفَ تَأتي) وَاحِدَة أَو أَكثر (من شَأْنهَا التَّعْصِيب مَعَ بَنَات) قَالَ فِي التلمسانية: وَالْأَخَوَات قد يصرن عصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات فتأخذ الْبِنْت الْوَاحِدَة نصفهَا وَالْأُخْت وَالْأَخَوَات مَا بَقِي وَتَأْخُذ البنتان الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْت فَأكْثر مَا بَقِي تعصيباً. كَذَا يُعْصِّبْنَ بنَات الابْنِ وَالعَوْلُ فِي الصَّنْفَيْنِ عَنهُ اسْتُغْنِي (كَذَا يعصبن) أَي الْأَخَوَات (بَنَات الابْن) مفعول يعصبن وَنون الْإِنَاث عَائِدَة على الْأَخَوَات
كَمَا قَررنَا، فَإِذا ترك بنت ابْن وأختاً وأخوات فلبنت الابْن النّصْف وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات النّصْف الْبَاقِي، وَإِذا ترك بِنْتي ابْن فَأكْثر فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات مَا بَقِي (والعول فِي الصِّنْفَيْنِ) صنف الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات أَو صنفهن مَعَ بَنَات الابْن (عَنهُ استغني) لِأَنَّهُنَّ أَي الْأَخَوَات يرثن مَا فضل من الْبَنَات أَو بَنَات الابْن بِالتَّعْصِيبِ والعاصب لَا يعال لَهُ، بِخِلَاف مَا إِذا اجْتمع الْأَخَوَات مَعَ غير الصِّنْفَيْنِ الْمَذْكُورين فَإِنَّهُنَّ يرثن بِالْفَرْضِ حَيْثُ لَا حَاجِب وَلَا معصب لَهُنَّ كَمَا فِي زوج وأختين أَو زوج وَأم وَأُخْت أَو زوج وَأم وأختين وَأَخ لأم فَالْأولى تعول لسبعة، وَالثَّانيَِة لثمانية، وَالثَّالِثَة لتسعة كَمَا مرّ فِي مسَائِل الْعَوْل، وَاعْلَم أَن العاصب يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة: عاصب بِنَفسِهِ وَهُوَ كل ذكر لم يفصل بَينه وَبَين الْهَالِك أُنْثَى، فالذكور المتقدمون فِي فصل عدد الْوَارِثين كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وعاصب مَعَ غَيره وَهُوَ كل أُنْثَى تصير عاصبة مَعَ أُنْثَى أُخْرَى كالأخت مَعَ الْبِنْت أَو بنت الابْن، وعاصب بِغَيْرِهِ وَهُوَ النسْوَة الْأَرْبَع الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب، وَإِذا اجْتمع كل مِنْهُنَّ مَعَ أَخِيه فَإِنَّهُ يصيرها عاصبة. وَبِنْتُ الابنِ إنْ تَكُنْ قدْ حُجِبَتْ بابْنِ مُسَاوٍ أَوْ أَحَطَّ عَصَّبَتْ (وَبنت الابْن إِن تكن قد حجبت) بِاثْنَتَيْنِ فَوْقهَا من بَنَات الصلب فَإِنَّهَا (بِابْن) ابْن فَهُوَ على حذف مُضَاف كَقَوْلِهِم: قطع الله يَد وَرجل من قَالَهَا بِقَرِينَة قَوْله: (مسَاوٍ) لَهَا فِي الدرجَة (أَو أحط) أَي أَسْفَل مِنْهَا بِدَرَجَة أَو دَرَجَات كَابْن ابْن أَخِيهَا (عصبت) فترث مَعَه الثُّلُث الْبَاقِي للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَقَوله: عصبت بِفَتْح الْعين وبابن يتَعَلَّق بِهِ لَا بحجبت لِأَنَّهَا إِذا حجبت بِابْن لَا تَرث شَيْئا (خَ) وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا ابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب الخ. وَمَفْهُوم حجبت أَنَّهَا إِذا لم تحجب كَمَا لَو كَانَت مَعَ بنت وَاحِدَة، فَإِنَّهَا تَأْخُذ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي يَأْخُذهُ ابْن أَخِيهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي قَوْله: وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا. وبأخٍ لَا بابْنِهِ أَخَوَاتُ الأبْ تَعْصِيبُهُنَّ مَعْ شَقيقَاتٍ وَجَبْ (وبأخ لَا بِابْنِهِ أَخَوَات) مُبْتَدأ وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء جمع مؤنث سَالم سكنت عينه للضَّرُورَة كَقَوْلِه:
وحملت زفرات الضُّحَى فأطقتها وَمَا لي بزفرات الْعشي يدان قَالَ ابْن هِشَام: هِيَ ضَرُورَة حَسَنَة لِأَن هَذِه الْعين قد تسكن فِي الْمُفْرد كَقَوْلِه: يَا عَمْرو يَا ابْن الأكرمين نسبا بِسُكُون السِّين (الْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ وَيقْرَأ بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام للوزن (تعصيبهن) مُبْتَدأ ثَان (مَعَ شقيقات) يتَعَلَّق بقوله: (وَجب) وَكَذَا قَوْله بِأَخ، وَالتَّقْدِير وأخوات الْأَب تعصيبهن وَجب مَعَ شقيقات بِأَخ لَا بِابْن أَخ، وَمرَاده بالشقيقات اثْنَتَانِ فَأكْثر، وَالْمعْنَى أَن الْأُخْت للْأَب إِنَّمَا يعصبها أَخُوهَا الَّذِي فِي درجتها اجْتمع مَعَ شَقِيقَة وَاحِدَة أَو مَعَ شقيقتين فَأكْثر فَلَهُمَا النّصْف الْبَاقِي مَعَ الْوَاحِدَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي مَعَ الشقيقتين فَأكْثر، كَذَلِك ابْن الْأَخ فَإِنَّهُ لَا يعصبها فَإِذا اجْتمعت مَعَ الْوَاحِدَة فلهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي لِابْنِ أَخِيهَا، وَإِذا اجْتمعت مَعَ شقيقتين، فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ لِأَنَّهُ لَا يعصبها بِخِلَاف بنت الابْن، فَإِن ابْن أَخِيهَا يعصبها فِي الثُّلُث الْفَاصِل عَن البنتين كَمَا مر، بِهَذَا وَردت السّنة كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْفِقْه عِنْد قَوْله: وأشمل لأخت جِهَة فِي الحكم. تَتِمَّة: تقدم أول الْبَاب أَن علم الْفَرَائِض على قسمَيْنِ معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَتكلم عَلَيْهِ النَّاظِم من أول الْبَاب إِلَى آخر الْكتاب وَمَعْرِفَة مَا يُوصل لكل ذِي حق حَقه فِي المناسخات قد بَقِي عَلَيْهِ، وَهَا أَنا أذكر لَك كَيْفيَّة ذَلِك تتميماً للمقصود فَأَقُول صفة الْعَمَل فِي ذَلِك أَن تجْعَل الجامعة الَّتِي انْتَهَت إِلَيْهَا فريضتك إِلَى أئمتها الْأَوَائِل، وَتحفظ تِلْكَ الْأَئِمَّة ثمَّ تحل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِلَى أئمتها الْأَوَائِل وأئمة الْأُوقِيَّة هِيَ ثَمَانِيَة للأثمان وَاثنا عشر للفلوس وَثَمَانِية للحبوب وترتيبها هَكَذَا:
ثمَّ بعد الْفَرَاغ من حل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة تقَابل بَين مَا حللت إِلَيْهِ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة، وَلَا يَخْلُو الْحَال إِذْ ذَاك من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا مماثلة فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا عدمهَا فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا مماثلة فِي الْبَعْض دون الْبَعْض، ثمَّ هَذَا الْبَعْض المماثل إِن كَانَ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَّا أَن يكون وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا، فَإِن كَانَت الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع فَالْمَال المقتسم هُوَ جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الأول، وَإِن وَقعت الْمُخَالفَة فِي الْجَمِيع فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة بأجمعها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال المقتسم وَالْخَارِج هُوَ جُزْء سهم الجامعة اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعةكلها وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّانِي، وَإِن وَقعت الْمُمَاثلَة فِي الْبَعْض وَالْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث، وَإِن كَانَ الْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطحه، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا الْوَجْه الرَّابِع. وَهَذَا النّظر كُله فِي أَئِمَّة الْأُوقِيَّة، وَأما أَئِمَّة الجامعة فَإِن ماثلت كلهَا فَلَا يقسم الْخَارِج من ضرب مَا بيد كل وَارِث فِي جُزْء سهم الجامعة على شَيْء مِنْهَا، وَإِنَّمَا يقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَولا، ثمَّ الْخَارِج على اثْنَي عشر للفلوس ثَانِيًا ثمَّ الْخَارِج على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان ثَالِثا، وَإِن خَالَفت كلهَا فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهَا أَولا مرتبَة كعمل التَّسْمِيَة ثمَّ يقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على نَحْو مَا تقدم، وَإِن ماثل بَعْضهَا وَخَالف الْبَعْض فأسقط المماثل وَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على الْمُخَالف مِنْهَا، ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كَمَا تقدم، وَلَا بُد من تَرْتِيب أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على الْوَجْه الْمُتَقَدّم وإلاَّ فسد الْعَمَل بِخِلَاف أَئِمَّة الجامعة، فتقديم الْأَكْبَر بِالْقِسْمَةِ عَلَيْهِ أَولا أفضل فَقَط لِأَن النِّسْبَة وَاحِدَة تقدم الْأَكْبَر أَو الْأَصْغَر، وَإِذا ضربت مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها فأقسم الْخَارِج على إِمَام من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة وَالْخَارِج من الْقِسْمَة أقسمه على الإِمَام الَّذِي قبله، وَالْبَاقِي ضَعْهُ تَحت الإِمَام الْمَقْسُوم عَلَيْهِ لِأَنَّك تنسبه إِلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى يفرغ الْمَقْسُوم فالباقي من الْقِسْمَة على إِمَام من أَئِمَّة الجامعة أَجزَاء مَأْخُوذَة من الْحبّ، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْحُبُوب حبوب، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على اثْنَي عشر للفلوس فلوس وَالْبَاقِي على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان أَثمَان فالقسمة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان عدد صَحِيح فَإِذا فرغت من ضرب مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها، وَمن قسْمَة الْخَارِج على الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة رجعت إِلَى الاختبار بِالْجمعِ، فتجمع مَا تَحت الإِمَام الْأَخير وتقسم الْمُجْتَمع عَلَيْهِ وَالْخَارِج من الْقِسْمَة من جنس الإِمَام الَّذِي قبله ضَعْهُ تَحت جدوله واجمعه إِلَى الْأَعْدَاد الْمَوْضُوعَة تَحت ذَلِك الإِمَام واقسم الْمُجْتَمع أَيْضا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان فَيكون الْخَارِج من الْقِسْمَة عَلَيْهَا عددا صَحِيحا أَدخل بِهِ تَحت آحَاد الصَّحِيح فِي جدول المَال الموَالِي لجدول الْأَئِمَّة قبله واجمع مُرْتَفع المَال للمقسوم من غير تَحْرِيف وَلَو بِجُزْء دَقِيق، وَمهما لم يَنْقَسِم عدد على إِمَامه وَبقيت مِنْهُ بَقِيَّة فَالْعَمَل فَاسد، فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد فكثيراً مَا يعتري من سرعَة الْيَد فِي الْعَمَل وَعدم
التثبت فِيهِ، وَلَا بُد من أَمْثِلَة يَتَّضِح بهَا الْعَمَل الْمَقْصُود إِن شَاءَ الله، وتنوعها بِاعْتِبَار مَا ذكر من الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع وَعدمهَا فِي الْجَمِيع وَعدم وجودهَا فِي الْبَعْض الْمُفْرد والمتعدد، فمثال الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع من ترك سِتَّة بَنِينَ توفّي أحدهم عَن زَوْجَة وَسِتَّة عشر ابْنا، فالفريضة الأولى من سِتَّة مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن سهم وَاحِد مِنْهَا، وفريضته صحت من ثَمَانِيَة وَعشْرين وَمِائَة، فَانْظُر بَين سَهْمه من الأولى وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته تَجِد بَينهمَا التباين لِأَن الْوَاحِد الَّذِي هُوَ سَهْمه من الأولى مباين للثمانية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة الَّتِي صحت مِنْهَا فريضته، فارب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ سِتَّة فِي كَامِل الثَّمَانِية عملا بقول (خَ) وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَسَبْعمائة وَهِي الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فَكل ابْن من الأولى لَهُ وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي الثَّمَانِية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة يخرج لَك الْعدَد الْمَذْكُور بِعَيْنِه لِأَن الضَّرْب فِي الْوَاحِد لَا يزِيد فضع لَهُ ذَلِك الْعدَد فِي جدوله تَحت الجامعة، وللزوجة من الثَّانِيَة سِتَّة عشر تأخذها مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث وَهُوَ وَاحِد بِسِتَّة عشر ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل ابْن من أبنائها من الثَّانِيَة سَبْعَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث بسبعة ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة أَيْضا، ثمَّ اجْمَعْ ذَلِك فَإِن ارْتَفَعت الجامعة صَحِيحَة فَالْعَمَل صَحِيح، وإلاَّ فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد، وَإِذا صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات مثل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فاسقط أَثمَان الجامعة كلهَا وَاجعَل المَال ولتفرضه عشر أواقي جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فَقَط على ترتيبها الْمَذْكُور، وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لِأَنَّهَا ذهبت كلهَا للماثلة، فَيجب لكل ابْن من الأولى أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وللزوجة أُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن من الثَّمَانِية ثَمَانِيَة أفلس وَسِتَّة حبوب وَهَكَذَا كَمَا فِي الْجَدْوَل: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب تَجدهُ سِتَّة وَتِسْعين اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَا عشر ادخل بهَا تَحت جدول الاثْنَي عشر للفلوس، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَمِائَة اقسمها عَلَيْهَا يخرج أَرْبَعَة عشر لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع أَرْبَعُونَ اقسمها عَلَيْهَا يخرج خَمْسَة من الصَّحِيح ادخل بهَا تَحت الْعشْر أواقي، واجمع يرْتَفع لمَال الْمَقْسُوم كَمَا هُوَ الْمَطْلُوب. وَمِثَال: مَا إِذا ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد امْرَأَة مَاتَت وَتركت أَبَاهَا وبنتها وَابْن ابْنهَا، ثمَّ مَاتَت بنتهَا عَن أَرْبَعَة بَنِينَ، ثمَّ مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن بنتين وَوَلَدي ابْن، فالفريضة الأولى من سِتَّة وَالثَّانيَِة من أَرْبَعَة والثالة من سِتَّة، فللبنت الهالكة من الْفَرِيضَة الأولى ثَلَاثَة، وفريضتها من أَرْبَعَة وَبَين سهامها وفريضتها التباين لِأَن الثَّلَاثَة اليت هِيَ سهامها مباينة للأربعة الَّتِي هِيَ فريضتها، فَاضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى فِي كَامِل الثَّانِيَة عملا بِمَا تقدم عَن (خَ) يخرج لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ هِيَ الجامعة للفريضتين ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه فالأب لَهُ وَاحِد من الأولى يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي أَرْبَعَة بأَرْبعَة، وَابْن الابْن لَهُ اثْنَان من الأولى يأخذهما مضروبين فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَلكُل وَاحِد من أَبنَاء الهالكة من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه بِثَلَاثَة يجْتَمع من ذَلِك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مَاتَ أحد الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة
عَن بنتين وَوَلَدي ابْن وفريضته تصح من سِتَّة وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا ثَلَاثَة، وَبَين فريضته وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا التوافق بِالثُّلثِ لِأَن ثلث الثَّلَاثَة وَاحِد وَثلث السِّتَّة اثْنَان، فَتضْرب الجامعة الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فِي وفْق السِّتَّة وَهِي اثْنَان عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَضرب وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثة فللأب أَرْبَعَة من الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهَا صَارَت أولى بِالنِّسْبَةِ للَّتِي تَلِيهَا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة ولولد الابْن مِنْهَا ثَمَانِيَة أَيْضا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة عشر، وَلكُل ابْن من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة ثَلَاثَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَلكُل بنت من الْفَرِيضَة الثَّالِثَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي وفْق سِهَام موروثها وَهُوَ وَاحِد بِاثْنَيْنِ، وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ وَاحِد بِوَاحِد، وضع لكل وَاحِد عدده الَّذِي لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة كَمَا مر، واجمع ذَلِك فَإِن صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ أَربع مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة التيهي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات، واسقط المماثل يبْقى من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة اثْنَان أَربع مَرَّات سطحها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال يخرج سِتُّونَ وَمِائَة هِيَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على رَأس الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَاحِد، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب ثمَّ على اثْنَي عشر الْفُلُوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لمماثلتها كلهَا فَيجب للْأَب أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وَلابْن الابْن ثَلَاث أَوَاقٍ وَثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن فِي الْفَرِيضَة الثَّانِيَة أُوقِيَّة وَثمنا الْأُوقِيَّة، وَلكُل بنت فِي الْفَرِيضَة الثَّالِثَة ثَلَاث أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا ثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس هَكَذَا: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت اثْنَي عشر الْفُلُوس تَجدهُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمها عَلَيْهَا تخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ، وَأما إِذا بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَإِن ذَلِك الإِمَام يضْرب فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم يضْرب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَيقسم على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور وَلَا يقسم على شَيْء
من أَئِمَّة الجامعة حَيْثُ ماثلت كلهَا كَمَا مر، فَإِن بَقِي شَيْء مِنْهَا لم يماثل فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهِ أَولا ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور، ومثاله: رجل مَاتَ وَترك زَوْجَتَيْنِ عَائِشَة وحدهم وَأَوْلَاده فَمن الثَّانِيَة مُحَمَّد، وَمن الأولى الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة وَمن غَيرهمَا عبد الْقَادِر، وفريضته تصح من أَرْبَعَة وَسِتِّينَ لكل زَوْجَة أَرْبَعَة، وَلكُل ولد من أَوْلَاده الثَّلَاثَة أَرْبَعَة عشر، وَلكُل بنت سَبْعَة مَاتَت عَائِشَة عَن أَرْبَعَة، فَورثَهَا أَوْلَادهَا الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة ونصيبها منقسم عَلَيْهِم، للطيب اثْنَان تضم للأربعة عشر الَّتِي بِيَدِهِ فَيصير بِيَدِهِ سِتَّة عشر، وَلكُل من أختيه وَاحِد يضم لما بِيَدِهَا، فَيصير بيد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَمَانِيَة عملا بقول (خَ) : فَإِن انقسم نصيب الثَّانِي على ورثته صحتا الخ. ثمَّ مَاتَت حَدهمْ الْمَذْكُورَة فَورثَهَا وَلَدهَا مُحَمَّد فتضم أربعتها لنصيبه فَيصير بِيَدِهِ ثَمَانِيَة عشر، ثمَّ مَاتَت الزهرة فَورثَهَا شقيقاها الطّيب وَفَاطِمَة وفريضتها من ثَلَاثَة مباينة لسهامها الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَسِتُّونَ فِي كَامِل الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى ضرب لَهُ فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى ثَمَانِيَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَخمسين ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولعَبْد الْقَادِر من الأولى أَرْبَعَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى سِتَّة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وَله من الثَّانِيَة اثْنَان يأخذهما مضروبين فِي سِهَام موروثه الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة بِسِتَّة عشر، فَيكون مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ من الأولى وَالثَّانيَِة أَرْبَعَة وَسِتُّونَ ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى ثَمَانِيَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَلها من الثَّانِيَة وَاحِد تَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثها وَهِي ثَمَانِيَة بِثمَانِيَة فيجتمع لَهَا من الأولى، وَالثَّانيَِة اثْنَان وَثَلَاثُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ثمَّ مَاتَ عبد الْقَادِر عَن زَوْجَة وَثَلَاث بَنَات عَائِشَة وَفَاطِمَة وآمنة وعصبة إخْوَته للْأَب الطّيب وَمُحَمّد وَفَاطِمَة المذكرون، وفريضته تصح من اثْنَيْنِ وَسبعين للزَّوْجَة تِسْعَة، وَلكُل بنت من بَنَاته سِتَّة عشر، وللطيب سِتَّة، ولمحمد كَذَلِك، ولفاطمة ثَلَاثَة وَبَين فريضته وسهامه التوافق بالأسداس لِأَن سدس الِاثْنَيْنِ وَالسبْعين اثْنَا عشر وَسدس الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعِينَ سَبْعَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة فِي وفْق الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ الاثنا عشر عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ
شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ وفْق الثَّانِيَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة الَّتِي هِيَ وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، فتضم إِلَى مَا بِيَدِهِ فَيصير الْمَجْمُوع تسعين وسِتمِائَة. ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة وللطيب من الأولى أَرْبَعَة وَسِتُّونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي الاثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين يصير مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ ثَمَانمِائَة وَعشرَة. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى اثْنَان وَثَلَاثُونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي وفْق الثَّانِيَة بأَرْبعَة وَثَمَانِينَ ومثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة ثَلَاثَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِإِحْدَى وَعشْرين يجْتَمع لَهَا من الفريضتين أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولزوجة عبد الْقَادِر من الثَّانِيَة تِسْعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام موروثها بِثَلَاثَة وَسِتِّينَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل من بناتها الثَّلَاث سِتَّة عشر يأخذنها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِمِائَة واثني عشر لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، ثمَّ مَاتَت آمِنَة بنت عبد الْقَادِر الْمَذْكُور فورثتها أمهَا الْمَذْكُورَة وشقيقتاها فَاطِمَة وَعَائِشَة المذكورتان، وعصبها عماها مُحَمَّد وَالطّيب، وفريضتها تصح من اثْنَي عشر للْأُم اثْنَان، وللشقيقتين ثَمَانِيَة أَرْبَعَة لكل وَاحِدَة مِنْهَا ولعميها وَاحِد لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَبَين فريضتها وسهامها التوافق بالأرباع لِأَن سهامها الَّتِي هِيَ الاثْنَي عشر وَمِائَة لَهَا ربع وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، وفريضتها الَّتِي هِيَ الاثنا عشر لَهَا ربع وَهُوَ ثَلَاثَة، وَحِينَئِذٍ فَتضْرب الْفَرِيضَة الأولى أَعنِي الجامعة الَّتِي هِيَ أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة فِي وفْق الثَّانِيَة، وَهِي ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج لَك سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَاثنا عشر وَهِي الجامعة الْأَخِيرَة الَّتِي انْتَهَت هَذِه الْفَرَائِض إِلَيْهَا ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة وَهُوَ ثَلَاثَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فلمحمد من الأولى تسعون وسِتمِائَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَثَمَانِية وَتِسْعين، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه بِثمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ وَأَلْفَانِ. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى ثَمَانمِائَة وَعشرَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَخَمْسُونَ ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِخَمْسَة عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلَا شَيْء لَهَا من الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لَا تَرث فِي بنت أَخِيهَا، ولزوجة عبد الْقَادِر من الأولى ثَلَاثَة وَسِتُّونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلها من الثَّانِيَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِسِتَّة وَخمسين يجْتَمع لَهَا مِائَتَان وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولعائشة بنتهَا من الأولى اثْنَا عشر وَمِائَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بست وَثَلَاثِينَ وثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة أَرْبَعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِاثْنَيْ عشر وَمِائَة يجْتَمع لَهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعمِائَة، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا، وَإِذا صحت هَذِه الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي اثْنَان ثَمَان مَرَّات وَثَلَاثَة ثَلَاث مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة فتماثلها كلهَا، وَيبقى من أَئِمَّة الجامعة ثَلَاثَة وَثَلَاثَة فَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على هذَيْن الْإِمَامَيْنِ، ثمَّ الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة
على ترتيبها الْمَذْكُور، فَيجب لمُحَمد ثَلَاث أَوَاقٍ وَثَلَاثَة أفلس وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ونسبته من المَال ثَلَاثَة أعشار وثُمن ربع الْعشْر وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْعشْر، فالفدان من الأَرْض مثلا يقسم على عشرَة أَجزَاء فَيَأْخُذ من ذَلِك ثَلَاثَة أَجزَاء، وَثمن ربع الْجُزْء وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْجُزْء لِأَن الْحُبُوب ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي الْفلس، وَقس على هَذَا مَا بعده، وللطيب ثَلَاثَة أَوَاقٍ وَأَرْبَعَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَخَمْسَة أفلس، وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُوقِيَّة وَسِتَّة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَسِتَّة حبوب ولزوجة عبد الْقَادِر ثمنا الْأُوقِيَّة وَعشرَة أفلس وَثلثا ثلث ثمن الْحبّ ولعائشة بنتهَا خَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وفلسان وَحب وَثلثا الْحبّ وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا جدول هَكَذَا:
ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت الثَّلَاثَة تَجدهُ سِتَّة أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الثَّلَاثَة الْأُخْرَى واجمع يخرج سِتَّة أَيْضا اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد مِنْهُمَا ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب، واجمع يرْتَفع لَك سِتَّة عشر أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الاثْنَي عشر للفلوس يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمع يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال، واجمع يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ. وَهَذِه الْفَرِيضَة هِيَ فَرِيضَة الوالدة رَحمهَا الله فِي أَبِيهَا مَعَ أخواتها، وَلما كنت صَغِيرا فِي الْمكتب رَفعهَا الْوَالِد رحمه الله لبَعض أَعْيَان فُقَهَاء فاس، فَلم يحسن قسمتهَا، وَلما منّ الله علينا بتَعَلُّم علم الْفَرَائِض استخرجتها كَمَا ترى، وَهِي أول فَرِيضَة ابتدأت بتعلمها. وَالْحَاصِل أَن أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة وَلم يفضل شَيْء من أَحدهمَا فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب فِي الاثْنَي عشر للفلوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الأول وَإِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطح الْبَاقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَاضْرِبْهُ فِي المَال
وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَيْضا، ثمَّ الْفُلُوس ثمَّ الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَإِن بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال إِذْ لَا شَيْء هُنَاكَ يسطح فِيهِ، وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب إِلَى آخِره، وَتركت مِثَاله لفهمه من الَّذِي قبله، وَإِن ماثلت أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا وَبَقِي شَيْء من أَئِمَّة الجامعة فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا بَقِي من أَئِمَّة الجامعة، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. كَمَا مر فِي هَذَا الْمِثَال الْأَخير، وَإِن لم تماثل أَئِمَّة الجامعة شَيْئا من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال وَهُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على رَأس الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعة كلهَا، وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ اقْسمْ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن بَقِي شَيْء من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَشَيْء من أَئِمَّة الجامعة لم يتماثلا فسطح الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن كَانَ أَكثر من إِمَام وَاحِد، وَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة، وَقدم أكبرها فِي الْقِسْمَة ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن كَانَ الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَامًا وَاحِدًا فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة أَيْضا على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَتركت أَمْثِلَة ذَلِك لوضوحها مِمَّا مر وَالله أعلم.
(فصل فِي ذكر مَوَانِع الْمِيرَاث)
أَي: الْأَوْصَاف الَّتِي تمنع مِنْهُ. الكُفْرُ وَالرِّقُّ لإرْثٍ مَنَعَا وَإنْ هما بعدَ الممَاتِ ارْتَفَعَا (الْكفْر) الْأَصْلِيّ (وَالرّق) وَإِن بشائبة حريَّة كمكاتب وَأم ولد ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه (لإرث منعا) فَإِذا كَانَ لحر مُسلم ابْن كَافِر أَو رَقِيق وَمَات الْأَب أَو الابْن لم يَرث أَحدهمَا الآخر، بل مَال الْكَافِر لوَرثَته الْكفَّار وَمَال الرَّقِيق وَإِن بشائبة لسَيِّده، هَذَا إِذا اسْتمرّ الْكفْر وَالرّق إِلَى الْقسم، بل (وَإِن هما بعد الْمَمَات) وَقبل قسم المَال (ارتفعا) بل أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد فِي عقب الْمَوْت وَقبل الْقسم إِذْ بزهوق الرّوح انْتقل الْإِرْث للْغَيْر. وَمِثْلُ ذَاكَ الحُكْمُ فِي المرْتَدِّ وَمُطْلَقاً يَمْنَعُ قتلُ العَمْدِ (وَمثل ذَاك) الْمَذْكُور فِي الْكفْر الْأَصْلِيّ (الحكم فِي الْمُرْتَد) الْعَارِض كفره، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ قَرِيبه زمن استتابته لم يَرِثهُ وَلَو رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَلَو مَاتَ هُوَ على ردته لورثه بَيت المَال، وَهَذَا إِذا
جهر بالارتداد، وَأما إِذا أسر بِهِ وَهُوَ الزنديق فَإِنَّهُ يقتل بِغَيْر اسْتِتَابَة وَمَاله لوَرثَته الْمُسلمين نظرا إِلَى مَا كَانَ يظهره من الْإِسْلَام (خَ) : وَقتل الْمُسْتَتر بِلَا اسْتِتَابَة إِلَّا أَن يَجِيء تَائِبًا وَمَاله لوَرثَته، (ومطلقاً) من غير تَقْيِيد بِالدِّيَةِ (يمْنَع قتل الْعمد) الْعدوان فَلَا يَرث من مَال وَلَا دِيَة إِن صَالحه الْأَوْلِيَاء بهَا إِجْمَاعًا مُعَاملَة لَهُ بنقيض قَصده لَا لتأديته لخراب الْعَالم لِأَنَّهُ مَحْفُوظ بمشروعية الْقصاص، وَظَاهره بَاشر الْقَتْل أَو تسبب فِيهِ، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْقَاتِل صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك على مَا نَقله الطرطوشي وَغَيره عَن مَالك قَائِلا لِأَن الْمُرَاهق قد يتصابى وَهُوَ محتلم وَقد يتجان وَهُوَ عَاقل، وَمَفْهُوم الْعمد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يَكُنْ عَن خَطَإ فمنْ دِيَهْ وَحالةُ الشَّكِّ بمنْعٍ مُغْنِيَهْ (وَإِن يكن) الْقَتْل ناشئاً (عَن خطأ فَمن) إِرْث (دِيَة) يمْنَع لَا من إِرْث المَال (خَ) : وَلَا يَرث قَاتل عمد عُدْوانًا وَإِن أَتَى بِشُبْهَة كمخطىء من الدِّيَة الخ. نعم يَرث قَاتل الْعمد وَالْخَطَأ الْوَلَاء كَمَا قَالَ فِي التلمسانية: ويرثان مَعَ الْوَلَاء الخ. وَمعنى ذَلِك أَن من قتل شخصا لَهُ وَلَاء عتق وَالْقَاتِل وَارِث الشَّخْص الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يَرث مَاله من الْوَلَاء وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْمُعْتق بِالْكَسْرِ إِذا قتل عتيقه يَرِثهُ، بل هَذَا حكمه مَا مر من التَّفْصِيل بَين الْعمد وَالْخَطَأ، وَمَفْهُوم عدوان أَنه لَو قتل موروثه فِي باغيه أَو قصاص لم يمْنَع من إِرْثه (خَ) فِي الباغية: وَكره للرجل قتل أَبِيه وَورثه الخ. وَكَذَا لَو قَتله يَظُنّهُ حَرْبِيّا وَحلف أَو قَتله على وَجه اللّعب أَو تأديباً كَمَا مر أول الدِّمَاء، فَإِن ذَلِك كُله من الْخَطَأ لَا يمْنَع إِرْثه من المَال بل من الدِّيَة فَقَط وَقَوله: وَإِن أَتَى بِشُبْهَة يَعْنِي كَمَا لَو رمى وَلَده بحديدة فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الدِّمَاء وَلَكِن لَا يَرِثهُ. تَنْبِيه: لَو أنفذ مَقْتَله وَارثه وأجهز عَلَيْهِ غَيره، فمذهب ابْن الْقَاسِم، وَرجحه ابْن رشد أَنه لَا يقتل بِهِ المجهز وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب، وَإِنَّمَا يقتل بِهِ المنفذ لمقتله وَعَلِيهِ فَلَا يَرِثهُ وَقيل: يقتل بِهِ المجهز فَقَط وعَلى الآخر الْأَدَب لِأَنَّهُ بعد إنفاذها مَعْدُود من الْأَحْيَاء يَرث وَيُورث ويوصي بِمَا شَاءَ من عتق وَغَيره، فَإِذا مَاتَ أَخُوهُ قبل زهوق روحه، فَإِنَّهُ يَرِثهُ. وَإِذا كَانَ لَهُ أَخ عبدا وَكَافِر فَأسلم أَو عتق بعد إنفاذها وَقبل زهوق روحه فَإِنَّهُ يَرِثهُ. (وَحَالَة الشَّك) فِي التَّقَدُّم والتأخر أَو الْقَتْل عمدا أَو خطأ (بِمَنْع) مِيرَاث (مغنيه) فَإِذا مَاتُوا تَحت هدم أَو فِي سفر أَو غرق أَو حرق وَلم
يعلم السَّابِق من اللَّاحِق أَو علم وجهلت عينه فَلَا مِيرَاث بَينهم لِأَن الْمِيرَاث لَا يكون بِالشَّكِّ، وَالْأَصْل فِيهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة رضي الله عنهم، فقد مَاتَت أم كُلْثُوم بنت عَليّ زوج عمر بن الْخطاب رضي الله عنهم، وَابْنهَا زيد فِي وَقت وَاحِد فَلم يَرث أَحدهمَا الآخر وَكَذَا لم يتوارث من قتل يَوْم الْجمل وَيَوْم صفّين وَيَوْم الْحرَّة إِلَّا من علم أَنه مَاتَ قبل الآخر، وعَلى هَذَا فَإِذا مَاتَ رجل وَابْنه وَأمه وَإِحْدَى زوجتيه تَحت هدم مثلا، فللزوجة الْأُخْرَى جَمِيع الرّبع ويستبد بِمَال الْميتَة عاصبها، وَكَذَا الْأُم وَالِابْن، وَلَيْسَ من هَذَا الْمَعْنى من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمشرق مَعَ من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمغرب لِأَن زَوَال الْمشرق سَابق على زَوَال الْمغرب. تَنْبِيه: لَا يدْخل فِي كَلَام النَّاظِم كَمَا قَررنَا مَا إِذا شكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ، وَبِه قرر الشَّارِح كَلَام أَبِيه، وقصره عَلَيْهِ لينتفي التّكْرَار مَعَ مَا يَأْتِي وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ، فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد الْعدوان، إِذْ الأَصْل فِي أَفعَال الْعُقَلَاء هُوَ تعمدها، وَالْقَصْد إِلَيْهَا إِلَّا أَن تقوم قرينَة على عدم تعمدها من لعب وأدب وَنَحْوهمَا كَمَا مر أول الدِّمَاء، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُقَال الشَّك فِي التَّقَدُّم والتأخر شكّ فِي السَّبَب وَهُوَ مُؤثر، وَالشَّكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ شكّ فِي الْمَانِع الَّذِي هُوَ الْعمد وَهُوَ غير مُؤثر، لأَنا نقُول: حَيْثُ كَانَ مَحْمُولا على الْعمد فَلَا شكّ، بل هُوَ كمحقق الْوُجُود والنصوص فِيهِ تقدّمت فِي بَاب الدِّمَاء فنبه الشَّارِح وَغَيره على أَنه إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد فَيمْنَع الْمِيرَاث وَالله أعلم. وَيُوقَفُ القَسْمُ مَعَ الحَمْلِ إِلَى إنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخاً فَيُعْمَلَا (وَيُوقف الْقسم) للتركة (مَعَ) وجود (الْحمل) الْوَارِث كَانَت الْحَامِل زَوْجَة للهالك أَو أمة أَو غَيرهمَا كامرأة أَخِيه أَو عَمه، وَسَوَاء كَانَ الْحمل يَرث تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا كالأم فِي الأكدرية الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهَا إِن ولدت أُنْثَى ورثت وإلاَّ لم تَرث (إِلَى أَن يستهل صَارِخًا فيعملا) حِينَئِذٍ على مَا تبين من استهلاله فيرث وَيُورث، وَمن عدم استهلاله فَهُوَ كَالْعدمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَنَحْوه قَول ناظم عمل فاس: ووقف قسم مُطلقًا إِذا ادّعى حمل لزوجة لهالك نعى
وَإِنَّمَا وقف الْقسم لاستهلاله للشَّكّ هَل يُوجد من الْحمل وَارِث أم لَا؟ وعَلى وجوده هَل هُوَ مُتحد أَو مُتَعَدد وَعَلَيْهِمَا هَل هُوَ ذكر أَو أُنْثَى أَو مُخْتَلف؟ وَظَاهره أَنه يُوقف جَمِيع الْمَتْرُوك وَلَا يعجل للزَّوْجَة وَنَحْوهَا أدنى من سهميها، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عَن أَشهب يعجل الْقسم فِي الْمُحَقق فتعطى الزَّوْجَة أدنى سهميها وَهُوَ الثّمن وتعطى الْأُم أدناهما أَيْضا وَهُوَ السُّدس، وَذكر سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه للمختصر أَنه رأى بِخَط من يوثق بِهِ فِي قسم تَرِكَة الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي أَحْمد بن عبد الله: أَنهم عزلوا حَظّ الْحمل على أَنه ذكر قَالَ: وَكَذَلِكَ فعلته فِي قسْمَة تَرِكَة كبراء بعض الْأَشْرَاف فَوضعت أُنْثَى فقسم فَاضل الْمَوْرُوث بَين الْوَرَثَة اه. وَذَلِكَ لِأَن الْغَالِب فِي الْحَوَامِل وضع شخص وَاحِد ذكر أَو أُنْثَى فيعجل قسم مَا عداهُ وَيُوقف مِيرَاث شخص وَاحِد لِأَنَّهُ الْمَشْكُوك على قَول أَشهب، وَقيل يُوقف للْحَمْل على قَوْله مِيرَاث أَرْبَعَة ذُكُور لِأَنَّهُ غَايَة مَا وَقع تَحْقِيقا لِأَن أم ولد أبي إِسْمَاعِيل ولدت أَرْبَعَة ذُكُور من حمل وَاحِد بِاتِّفَاق الروَاة، وَقيل يُوقف مِيرَاث خَمْسَة، وَقيل مِيرَاث اثْنَي عشر، وَقيل أَرْبَعِينَ. وَقَول النَّاظِم مَعَ الْحمل الخ. يَعْنِي مَعَ ظُهُوره وثبوته بِشَهَادَة النِّسَاء، وَأما لَو ادَّعَت الْمَرْأَة أَنَّهَا حَامِل فَإِن التَّرِكَة توقف أَيْضا حَتَّى تضع أَو يظْهر عدم حملهَا بِانْقِضَاء عدَّة الْوَفَاة وَلَيْسَ بهَا حمل ظَاهر، وَإِن قَالَت: لست بحامل قبل قَوْلهَا وَقسمت التَّرِكَة وَإِن قَالَت: لَا أَدْرِي أخر قسم التَّرِكَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنَّهَا لَيست بحامل بِأَن تحيض حَيْضَة أَو يمْضِي أمد الْعدة وَلَا رِيبَة حمل بهَا قَالَه ابْن رشد. فَإِن رجعت عَن إِقْرَارهَا بِالْحملِ فَلَا تصدق حَتَّى تمْضِي عدَّة الْوَفَاة وَتشهد القوابل بِأَنَّهَا لَيْسَ بهَا حمل ظَاهر فتقسم التَّرِكَة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن هِلَال. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا وَجب تَأْخِير قسم التَّرِكَة للْحَمْل وَكَانَ للْمَيت أم متزوجة بِغَيْر أَبِيه فَإِن ثَبت حِين وَفَاته أَنَّهَا حَامِل بِشَهَادَة النِّسَاء، فَإِنَّهُ يَرث وَلَو تَأَخّر وَضعه لأربعة أَعْوَام أَو لما فَوْقهَا فِيمَا دون الْخَمْسَة أَعْوَام وَإِن لم يثبت أَنَّهَا حَامِل وَلَا عرف ذَلِك إِلَّا بقولِهَا كَانَ لَهُ الْمِيرَاث إِن
وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من موت أَخِيه، وَلم يكن لَهُ مِيرَاث إِن وَضعته لأكْثر إِلَّا أَن يكون زَوجهَا مَيتا أَو غَائِبا يعلم أَنه لَا يصل إِلَيْهَا بعد وَفَاة ابْنهَا، وَلَا تصدق الْمَرْأَة وَلَا زَوجهَا إِن كَانَ حَاضرا وولدته لأكْثر من سِتَّة أشهر فِي أَنه لم يَطَأهَا بعد موت ابْنهَا قَالَه فِي قسْمَة المعيار عَن ابْن رشد. 5 الثَّانِي: إِذا فرعنا على الْمَشْهُور وتعدى الْوَرَثَة، وقسموا وأوقفوا للْحَمْل أوفر حظيه، ثمَّ هلك مَا بِأَيْدِيهِم كُله أَو بعضه ضمنُوا لتعديهم وَلم يكن لَهُم رُجُوع فِيمَا عزلوا إِن سلم، وَإِن ضَاعَ مَا وقف للْحَمْل فَقَط رَجَعَ على بَقِيَّة الْوَرَثَة وَمَا وقف لَهُ وَتلف كَالْعدمِ، فَإِن وجد بَعضهم عديماً قَاسم المليء مِنْهُم فِيمَا بِيَدِهِ على حسب الْمَوَارِيث وَاتبع جَمِيعهم المعدم كغريم طَرَأَ على وَرَثَة لَا كوارث طَرَأَ عَلَيْهِم، وَلَو نما مَا فِي أَيْديهم دخل عَلَيْهِم فِيهِ وَلم يدخلُوا عَلَيْهِ فِيمَا نما بِيَدِهِ، فالقسمة جَائِزَة عَلَيْهِم لَا عَلَيْهِ فَإِن قاسمهم وَصِيّه أَو القَاضِي أَو مقدمه جَازَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، وَمَفْهُوم الْقسم أَن الدّين يعجل وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وأخرت أَي الْقِسْمَة لَا دين لحمل، وَفِي الْوَصِيَّة قَولَانِ مَحلهمَا فِي الْوَصِيَّة بِغَيْر عدد، وَأما الْوَصِيَّة بِالْعدَدِ فَإِنَّهَا كَالدّين تعجل اتِّفَاقًا. وَبَيْن مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ يَمْتَنِعُ الإرْثُ لجهلِ مَنْ سَبَقْ (وَبَين من مَاتَ) من الْأَقَارِب (بهدم أَو غرق يمْتَنع الْإِرْث لجهل من سبق) كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَحَالَة الشَّك بِمَنْع مغنيه. وَإرثُ خُنْثَى بمَبَالِهِ اعْتُبِرْ وَمَا بَدَا عَلَيْهِ فِي الحُكْم اقْتُصِرْ (وَارِث خُنْثَى) وَهُوَ من لَهُ فرج ذكر وَفرج أُنْثَى أَو لَا يكونَانِ لَهُ، وَلَكِن لَهُ ثقب يَبُول مِنْهُ، وَهَذَا الثَّانِي قد يتمحض للأنوثة بِسَبَب حيض أَو نَبَات ثدي وللذكورة بنبات لحية فَقَوله (بمباله اعْتبر) خَاص بالنوع الأول فَإِن بَال من فرج الذّكر فَهُوَ ذكر أَو من فرج الْأُنْثَى فَهُوَ أُنْثَى، وَكَذَا لَو كَانَ يَبُول مِنْهُمَا لَكِن بَوْله من أَحدهمَا أَكثر خُرُوجًا من الآخر أَو كَانَ خُرُوجه مِنْهُ أسبق من خُرُوجه من الآخر، فَالْحكم للكثير وللأسبق كَمَا قَالَ:(وَمَا بدا) من ذَلِك (عَلَيْهِ فِي الحكم اقْتصر) وَهَذِه العلامات تظهر فِي الصَّغِير وَلَا إِشْكَال إِذْ يجوز النّظر لعورته، وَأما الْكَبِير فَقيل
يُؤمر بالبول إِلَى حَائِط أَو عَلَيْهِ، فَإِن ضرب بَوْله الْحَائِط أَو أشرف عَلَيْهِ فَذكر، وإلاَّ فأنثى، وَقيل تنصب لَهُ الْمرْآة وَتعقب بِأَن النّظر لصورة الْعَوْرَة كالنظر لَهَا. وَقد يُجَاب بِأَن ذَلِك للضَّرُورَة حَيْثُ لم يُمكن معرفَة حَاله بِغَيْر الْمرْآة وَظَاهر إطلاقاتهم أَنه لَا يشْتَرط التّكْرَار فَلَو تحققت حَيَاته وبال من أَحدهمَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ مَاتَ كفى. وَإنْ يَبُل بالجهتين الْخُنْثَى فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكرٍ وَأُنْثَى (وَإِن يبل بالجهتين الْخُنْثَى) واستويا فِي السبقية وَالْكَثْرَة وقف الْقسم إِلَى بُلُوغه إِن كَانَ غير بَالغ على الْمَشْهُور، ووقف حَظّ ذكر فَقَط أَو أَرْبَعَة على مُقَابِله فَإِن نَبتَت لَهُ لحية دون ثدي أَو أمنى من ذكره فَذكر، وَإِن ظهر لَهُ ثدي كَبِير لَا يشبه ثدي الرِّجَال أَو حاض وَلَو دفْعَة فأنثى، فَإِن ثبتَتْ لَهُ اللِّحْيَة والثدي مَعًا أَو أمنى من فرجيه مَعًا أَو بَال مِنْهُمَا مَعًا واستويا فِي الْكَثْرَة والسبقية فَهُوَ خُنْثَى مُشكل دَائِم الْإِشْكَال، وميراثه من قَرِيبه حِينَئِذٍ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله:(فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى) هُوَ الْوَاجِب لَهُ أَي نصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه ذكرا وَنصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه أُنْثَى، فَإِذا كَانَ لَهُ على تَقْدِير الذكورىة سَهْمَان، وعَلى تَقْدِير الأنوثية سهم وَاحِد فَيعْطى نصف النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ سهم وَنصف، وَهَذَا إِذا كَانَ يَرث بِكُل التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِن كَانَ يَرث بِتَقْدِير الذُّكُورَة فَقَط كعم أَو
ابْن أَخ أَو بالأنوثة فَقَط كالأخت فِي الأكدرية فَيعْطى نصف مَا يَرث بِهِ وَإِن اسْتَوَى إِرْثه بهما كأخ لأم أعطي السُّدس كَامِلا. وَاعْلَم أَن الْخُنْثَى منحصر فِي الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ وَالإِخْوَة وَأَبْنَائِهِمْ والأعمام وَأَبْنَائِهِمْ والموالي وَلَا يَرث الْوَلَاء إِلَّا حَيْثُ يَرِثهُ النِّسَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بعاصب إِذْ لَا يستكمل المَال كُله، وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة وَلَا زوجا وَلَا زَوْجَة لمنع منا كحته مَا دَامَ مُشكلا. قَالَ الزّرْقَانِيّ وَغَيره: فَإِن وَقع وَتزَوج وَولد لَهُ فَلَا شكّ أَن الْولادَة إِن حصلت من الْبَطن فَهُوَ أُنْثَى وَإِن حصلت من الظّهْر فَهُوَ ذكر إِلَّا أَن الْولادَة من الظّهْر لَا يكَاد يقطع بهَا، وَقد قيل أَنَّهَا نزلت بعلي رضي الله عنه فِي رجل تزوج بخنثى وأصابها، فَوَقع الْخُنْثَى على جَارِيَة لَهَا فأحبلتها فَأمر عَليّ رضي الله عنه بعدِّ أضلاع الْخُنْثَى، فَإِذا هُوَ رجل فزياه بزِي الرِّجَال وَفرق بَينهمَا، فَإِن ولد من الظّهْر والبطن فقد ذكر فِي الْمُقدمَات أَنه يَرث من ابْنه لصلبه مِيرَاث الْأَب كَامِلا، وَمن ابْنه لبطنه مِيرَاث الْأُم كَامِلا اه. وَلَا مِيرَاث بَين وَلَدي الظّهْر والبطن لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا فِي ظهر وَلَا بطن فليسا أبوين لأَب وَلَا لأم، وَعَلِيهِ فَلَا يعْتق أَحدهمَا على الآخر إِذا ملكه، وَبِه تعلم أَن قَوْلهم لَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة بَاطِل، بل يتَصَوَّر، وَذَلِكَ كَمَا رَأَيْته وَيتَصَوَّر أَيْضا بِأَن يُوطأ بِشُبْهَة أَو غلط أَو زنا أَو لكَونه لم يعلم بِحرْمَة مناكحته وَهَكَذَا، وَقَول النَّاظِم: فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى الخ. هَذَا فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد فَإِن هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وَمَعَهُ وَارِث مُحَقّق الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة أَو بَيت المَال، فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على تَقْدِير تذكيره فَقَط وعَلى تَقْدِير تأنيثه فَقَط، ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ من تماثل فيكتفي بِأحد المثلين أَو تدَاخل فيكتفي بأكبرهما أَو توَافق فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر أَو تبَاين فَتضْرب الْكل فِي الْكل، ثمَّ اضْرِب الْخَارِج فِي حالتي الْخُنْثَى، واقسم الْخَارِج على التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَا اجْتمع لَهُ فيهمَا فاعطه نصفه، وَكَذَلِكَ غَيره مِمَّن مَعَه فِي الْفَرِيضَة. مِثَاله: لَو هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وعاصباً وَلَو بَيت مَال فعلى تَقْدِير كَونه ذكرا لَهُ الْجَمِيع، وعَلى تَقْدِير كَونه أُنْثَى لَهُ النّصْف من
اثْنَيْنِ وَبَين الْمَسْأَلَتَيْنِ التَّدَاخُل لِأَن الْوَاحِد دَاخل فِي الِاثْنَيْنِ، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا واضربهما فِي حالتي الْخُنْثَى بأَرْبعَة لَهُ فِي التَّذْكِير أَرْبَعَة بِتَمَامِهَا. وَفِي التَّأْنِيث اثْنَان نصف الْأَرْبَعَة فمجموع مَا اجْتمع لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ سِتَّة فاعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة واعط للعاصب وَاحِدًا لِأَنَّهُ نصف مَا بِيَدِهِ، وَكَذَا لَو ترك خُنْثَى وبنتاً فالتذكير من ثَلَاثَة، والتأنيث من ثَلَاثَة أَيْضا فَبين مسألتيه التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين، وَاضْرِبْهُ فِي حالتي الْخُنْثَى يخرج لَهُ سِتَّة فِي الذُّكُورَة مِنْهَا: أَرْبَعَة وَفِي الْأُنُوثَة اثْنَان فمجموع مَا بِيَدِهِ سِتَّة أَيْضا اعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة وبيد الْبِنْت أَرْبَعَة تَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ اثْنَان يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ العاصب، وَمِثَال التباين لَو ترك ابْنا وَخُنْثَى، فعلى ذكوريته الْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ، وعَلى أنوثته الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة، وَبَينهمَا التباين فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ اضربها فِي حالتي الْخُنْثَى بِاثْنَيْ عشر، فعلى الذكورية لكل وَاحِد سِتَّة، وعَلى الْأُنُوثَة لَهُ أَرْبَعَة وللابن ثَمَانِيَة، فمجموع حظيه فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة عشرَة، فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ خَمْسَة ومجموع مَا بيد الابْن أَرْبَعَة عشر فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ سَبْعَة. هَذَا كُله فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد، وَأما إِذا ترك خنثيين فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على أَربع تقديرات على تَقْدِير كَونهمَا ذكرين مَعًا أَو أنثيين مَعًا أَو الْأَكْبَر ذكرا والأصغر أُنْثَى، وَبِالْعَكْسِ. ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمسَائِل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نَحْو مَا تقدم، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة واعط لكل وَاحِد ربع مَا اجْتمع لَهُ لَا نصف مَا اجْتمع لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم النّظم، وَإِن كَانَ الخناثى ثَلَاثَة فصحح الْمَسْأَلَة على ثَمَان تقديرات، واعط لكل وَاحِد ثمن مَا اجْتمع لَهُ، وَهَكَذَا إِذْ نِسْبَة الْوَاحِد الهوائي لحالتي الخنثي الْوَاحِد النّصْف، ولأربعة أَحْوَال الخنثين الرّبع، ولثمانية أَحْوَال الخناثى الثَّلَاثَة الثّمن، وَقس على ذَلِك. فَلَو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثْنَيْنِ والتأنيث من ثَلَاثَة لَهما الثُّلُثَانِ وللعاصب الثُّلُث وَهُوَ وَاحِد، وعَلى تَقْدِير كَون الْأَكْبَر ذكر أَو الْأَصْغَر أُنْثَى وَبِالْعَكْسِ الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَيْضا، فَهَذِهِ الْفَرَائِض الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة مماثلة فتكتفي بِوَاحِدَة مِنْهَا وتضربه فِي اثْنَيْنِ الَّتِي هِيَ فَرِيضَة تذكيرهما مَعًا لمباينتها لَهَا يخرج لَك سِتَّة اضربها فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة بأَرْبعَة وَعشْرين أقسمها على كل حَال من الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة يحصل لكل خُنْثَى فِي تذكيرهما مَعًا اثْنَا عشر، وَلكُل مِنْهُمَا فِي تأنيثهما مَعًا ثَمَانِيَة، وللعاصب ثَمَانِيَة وَيحصل للأكبر فِي تذكيره فَقَط سِتَّة عشر، وَفِي تأنيثه فَقَط ثَمَانِيَة وَيحصل للأصغر فِي تذكيره وتأنيثه مثله، فيجتمع لكل مِنْهُمَا فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ، وللعاصب ثَمَانِيَة وَنسبَة الْوَاحِد الهوائي إِلَى الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة ربع فَيعْطى كل وَارِث ربع مَا اجْتمع لَهُ فَالْكل من الخنثيين أحد عشر، وللعاصب اثْنَان. تَتِمَّة: أول من حكم فِي الْخُنْثَى فِي الْإِسْلَام عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه، وَأول من حكم فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة عَامر بن الظرب بِكَسْر الرَّاء كَمَا فِي الصِّحَاح كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تقع لَهُم معضلة إِلَّا اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ وَرَضوا بِحكمِهِ فَسَأَلُوهُ عَن خُنْثَى أتجعله ذكرا أَو أُنْثَى فَقَالَ: امهلوني وَبَات ليلته ساهراً، وَكَانَت لَهُ جَارِيَة اسْمهَا سخيلة ترعى لَهُ غنما وَكَانَت تَأَخّر السراح والرواح حَتَّى تسبق، وَكَانَ يعاتبها على ذَلِك وَيَقُول: أَصبَحت يَا سخيلة أمسيت يَا سخيلة، فَلَمَّا رَأَتْ سهره وقلقه قَالَت لَهُ: مَا لَك فِي ليلتك هَذِه ساهراً؟ قَالَ: وَيحك دعِي أمرا لَيْسَ من شَأْنك، وَيُقَال: إِنَّهَا قَالَت لَهُ ذَلِك بعد إقامتهم عِنْده أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يذبح لَهُم فَقَالَت لَهُ: إِن مقَام هَؤُلَاءِ أسْرع فِي غنمك، وَسَأَلته عَمَّا نزل بِهِ فَذكره لَهَا بعد أَن راجعته مرَارًا فَقَالَت:
سُبْحَانَ الله اتبع الْقَضَاء للمبال. فَقَالَ: فرجتها وَالله يَا سخيلة أمسيت بعد هَذَا أم أَصبَحت، فَخرج حِين أصبح فَقضى بذلك. قلت: وَيُسْتَفَاد من هَذِه الْقَضِيَّة فَوَائِد: مِنْهَا أَن فِي ذَلِك ردعاً ومزدجراً لجهلة الْقُضَاة والمفتيين، فَإِن هَذَا مُشْرك توقف فِي حكم حَادِثَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم يتجرأ على أَن يحكم بِغَيْر علم، وَقد كَانَت الصَّحَابَة الَّذين هم أعلم الْأمة يتوقفون وَلَا يبادرون. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت فِي هَذَا الْمَسْجِد مائَة وَعشْرين من الصَّحَابَة مَا سُئِلَ أحدهم عَن مَسْأَلَة إِلَّا وودَّ أَن صَاحبه كَفاهُ، وَكَانَ بَعضهم يحِيل على بعض، وَفِي الْمواق أَن الإِمَام النعالي سُئِلَ من برقة عَمَّن قَالَ لامْرَأَته: إِن فعلت كَذَا فلست لي بِامْرَأَة فَبَقيَ سنة كَامِلَة يَتَأَمَّلهَا فَمَا خرج الحكم بِلُزُوم الطَّلَاق إِلَّا بعد مُضِيّ سنة، وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي قَوْله: أولست لي بِامْرَأَة إِلَّا أَن يعلق فِي الْأَخير. وَمِنْهَا: أَن الْحِكْمَة فِي الْعلم قد يخلقها الله تَعَالَى على لِسَان من لَا يظنّ بِهِ مَعْرفَتهَا كهذه الْأمة وَإِن عجز عَنْهَا أهل الفطنة والعقول الراسخة، وَفِي التَّنْزِيل: يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} (الْبَقَرَة: 269) الْآيَة. وَمِنْهَا: أَنه يَنْبَغِي لمن نزل بِهِ أَمر معضل أَن يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ كَمَا فعل هَذَا الجاهلي، وَلَو كَانَ الْغَيْر دونه عقلا وعلماً لِأَنَّهُ قد يُوجد فِي النَّهر مَا لَا يُوجد فِي الْبَحْر. وَمِنْهَا: وجوب الْإِنْصَاف إِذا ظهر الْحق كَمَا أنصف هَذَا الجاهلي لهَذِهِ الْأمة، واعترف لَهَا بِالْحَقِّ وَالْفضل، وَمَا أقبح بالإنسان أَن يَسْتَفِيد ويجحد، وَللَّه در شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ وَكَانَ يتَمَثَّل بِهِ كثيرا حَيْثُ قَالَ: وَإِذا جَلَست إِلَى الرِّجَال وأشرقت فِي جو باطنك الْعُلُوم الشرد فاحذر مناظرة الجهول فَرُبمَا تغتاظ أَنْت ويستفيد ويجحد وَمِنْهَا: أَن المذاكرة سَبَب النَّفْع كَمَا تَذَاكر هَذَا الجاهلي مَعَ هَذِه الْأمة، وَقد قيل فهم سطرين خير من حفظ، وقرين ومذاكرة اثْنَيْنِ خير من هذَيْن وَللَّه در الْقَائِل: وَللَّه قوم كلما جِئْت زَائِرًا وجدت قلوباً كلهَا ملئت حلما إِذا اجْتَمعُوا جاؤا بِكُل فَضِيلَة ويزداد بعض الْقَوْم من بَعضهم علما وَمِنْهَا: أَن قَول الْإِنْسَان لَا أَدْرِي لَا يُنَافِي كَمَال الْعلم والفهم كَمَا فعل الجاهلي حَيْثُ قَالَ: امهلوني. وَكَانَ ابْن عمر رضي الله عنه يُسأل عَن عشر مسَائِل، ويجيب عَن وَاحِدَة. وَيَقُول فِي الْبَاقِي: لَا أَدْرِي، وَسُئِلَ مَالك عَن ثَمَان وَأَرْبَعين مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَمن كَلَامه رحمه الله: إِذا سُئِلت عَن علم وَأَنت لَا تعلمه فَقل: لَا أَدْرِي، فَإِن الله يعلمك مَا لم تكن تعلم، وَفِي الحكم من رَأَيْته مجيباً عَن كل مَا سُئِلَ، ومعبراً لكل مَا شهد، وذاكراً لكل مَا علم، فاستدل بذلك على جَهله، وَالْوَاو فِي كَلَامه بِمَعْنى (أَو) إِذْ كل من الثَّلَاثَة دَلِيل الْجَهْل، وَذَلِكَ لِأَن الْجَواب عَن كل سُؤال يتَضَمَّن دَعْوَى الْإِحَاطَة بِالْعلمِ وَلَيْسَت إِلَّا لعلام الغيوب. وَمِنْهَا: أَن الرياسة لَا تحصل إِلَّا بِالْعلمِ إِذْ النُّفُوس لَا تذعن إِلَّا لمن كَانَ أعلم مِنْهَا، فالعرب إِنَّمَا اتَّخذُوا ابْن الظرب رَئِيسا لما اعتقدوا فِيهِ من فهم المشكلات وَحل المعضلات، وَلم يخلق الله تَعَالَى أشرف مَعَ الْعلم، وَبِه شرفت الْمَلَائِكَة والأنبياء، وَمن أَجله سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم حِين علمه ربه الْأَسْمَاء، وَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ نبيه بِطَلَب الزِّيَادَة من شَيْء إِلَّا من الْعلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد وَقل رب زِدْنِي علما، وَلذَا حث النَّبِي عليه السلام على طلبه فَقَالَ (اطْلُبُوا الْعلم وَلَو
بالصين) وَقَالَ (كل يَوْم لَا أزداد فِيهِ علما يقربنِي إِلَى الله فَلَا بورك لي فِي طُلُوع شمس ذَلِك الْيَوْم) فَقَالَ الْفُقَهَاء: الْعلم الَّذِي يطْلب وَلَو بالصين هُوَ علم الْحَلَال وَالْحرَام، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ علم كتاب الله الْعَزِيز، وَقَالَ المحدثون: هُوَ علم الحَدِيث، وَقَالَ الصُّوفِيَّة: هُوَ علم النَّفس، وَالصَّحِيح أَن الحَدِيث الْكَرِيم شَامِل لذَلِك كُله، إِذْ علم الْحَلَال وَالْحرَام مستنبط من الْكتاب وَالسّنة وَعلم النَّفس رَاجع إِلَى ذَلِك كُله. وَهَذَا كُله فِي الْعلم النافع إِذْ مَا من فضل ورد فِيهِ إِلَّا وَهُوَ خَاص بِهِ، فقد قَالَ عليه السلام (الْعلم علمَان علم فِي اللِّسَان فَقَط وَهُوَ حجَّة الله على عَبده، وَعلم فِي الْقلب وَهُوَ الْعلم النافع) . قَالَ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رضي الله عنه، وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: كل علم لَا يُورث لصَاحبه خشيَة فِي قلبه وَلَا تواضعاً وَلَا نصيحة لخلقه وَلَا شَفَقَة عَلَيْهِم وَلَا امتثالاً للأوامر وَلَا اجتناباً للنواهي وَلَا حفظا للجوارح، فَهُوَ الْعلم المحجوج بِهِ العَبْد الْمَحْفُوظ فِي اللِّسَان فَقَط، إِذْ الشَّهَوَات غالبة عَلَيْهِ أطفأت نوره وأذهبت ثَمَرَته وَهُوَ الْعلم الْغَيْر النافع، وكل علم تمكن فِي الْقلب وَحصل بِهِ تَعْظِيم الرب وأورث لصَاحبه خشيَة وتواضعاً ونصيحة لِلْخلقِ وشفقة عَلَيْهِم، وامتثال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي فَهُوَ الْعلم النافع، وَقد استعاذ عليه السلام من علم لَا ينفع فَقَالَ (أعوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع) وَقَالَ:(مَا آتى لله عبدا علما فازداد للدنيا حبا إِلَّا ازْدَادَ من الله غَضبا وبعداً) : وَقَالَ: (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لَا يَنْفَعهُ علمه) وَقَالَ تَعَالَى: يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} (الْأَحْزَاب: 30) الْآيَة. وَمَا ذَاك إِلَّا لكونهن رضي الله عنهن أعلم النَّاس بِشَرِيعَتِهِ وسنته فبمخالفتهن لشريعته مَعَ علمهن بهَا وَجَبت مضاعفة الْعَذَاب وَالْخطاب لَهُنَّ وَلِجَمِيعِ الْأمة، لِأَن الْعَالم إِذا خرج عَن الطَّرِيق تبعه الْجَاهِل، واعتقد أَن ذَلِك حَلَال فَيكون هَذَا الْخَارِج قد أهلك نَفسه وَأهْلك غَيره كَمَا قَالَ عليه السلام (إِن الله لَا ينْزع الْعلم من صُدُور الرِّجَال انتزاعاً وَلَكِن يقبضهُ بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوهم بِغَيْر علم فقد ضلوا وأضلوا أَي هَلَكُوا وأهلكوا) . وَقَوله: بِغَيْر علم يَعْنِي إِمَّا عَن جهل ابْتِدَاء وَإِمَّا بعد علم، وَأفْتى بِغَيْر علم عمدا وَإِثْبَات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أَنهم لَا يعذرُونَ بخطئهم فِي الإعتقاد وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} (الْأَعْرَاف: 38) يَعْنِي أَن الْكفَّار يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة: رَبنَا هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار والرؤساء أضلونا، وَزَعَمُوا أَن مَا يدعوننا إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان وَاتِّبَاع الشَّهَوَات وَمُخَالفَة الْأَنْبِيَاء هُوَ الطَّرِيق الْحق فاعتقدنا ذَلِك. وَنحن لَا نعلم فاعذرنا وآتهم عذَابا ضعفا من النَّار. قَالَ تَعَالَى: لكل ضعف} (الْأَعْرَاف: 38) فسوى بَين الْمَتْبُوع وَالتَّابِع فِي مضاعفة الْعَذَاب وَلم يعْذر التَّابِع بخطئه فِي اعْتِقَاده، وَقَوْلهمْ من قلد عَالما لَقِي الله سالما مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْعَالم مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّقوى، فالتقوى تَمنعهُ من أَن يَقُول بَاطِلا، وَالْعلم يعرف بِهِ مَا يَقُول، وَإِن لم يكن كَذَلِك، فَلَا يجوز استفتاؤه وَلَا تَقْلِيده ومقلده مغرور لَاحق لَهُ الْوَعيد الْمَذْكُور. وَابْنُ اللّعان إرْثُهُ بأُمِّهِ مَا كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ (و) لَا يَرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فَإِن مَاتَ قبل التعانها ورثهَا، وَكَذَا لَا تَرث
ملاعنة من زَوجهَا الملتعن قبلهَا لَا إِن التعنت هِيَ قبله وَمَات قبل التعانه فترث، فَإِن مَاتَ بعد التعانه الْوَاقِع قبل التعانها فعلى القَوْل بِوُجُوب إِعَادَتهَا تَرثه، وعَلى مُقَابِله لَا تَرثه هَذَا حكم الزَّوْجَيْنِ المتلاعنين، وَأما (ابْن اللّعان) الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ فَإِنَّمَا (إِرْثه بِأُمِّهِ) فَقَط (مَا كَانَ) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَلَا يَرِثهُ أَبوهُ الْملَاعن فِيهِ وَلَا يَرث هُوَ أَبَاهُ لانْقِطَاع نسبه مِنْهُ بِاللّعانِ إِلَّا أَن يستلحقه فيجلد أَبوهُ للقذف، وَيَقَع التَّوَارُث بَينه وَبَين أَبِيه حِينَئِذٍ، وَإِذا ثَبت إِرْثه بِأُمِّهِ فَمَاتَتْ فيرثها أَو مَاتَ هُوَ فترث مِنْهُ فَرضهَا وترث مِنْهُ جدته لأمه إِن لم تكن هُنَاكَ أم دون جدته لِأَبِيهِ، وَإِذا مَاتَ أَخُوهُ الْملَاعن فِيهِ أَو غَيره وَرثهُ. (وَالسُّدُس أقْصَى سَهْمه) مِنْهُ حَيْثُ اتَّحد فَإِن تعدد ورث الثُّلُث كَمَا تقدم فِي الْإِخْوَة للْأُم من أَن الْوَاحِد مِنْهُم لَهُ السُّدس والمتعدد لَهُ الثُّلُث. وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا هُما شَقِيقَانِ فِي الإرْثِ أَبَدَا (وتوأماه) أَي اللّعان يَعْنِي توأمي الْحمل الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ (هبهما تعددا) بِأَن وضعت ثَلَاثًا أَو أَرْبعا من ذَلِك الْحمل (هما شقيقان فِي الْإِرْث أبدا) فَإِذا مَاتَ أحد التوأمين انْفَرد التوأم الآخر بإرثه حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ أم وَلَا إخْوَة لأم، فَإِن كَانُوا ورثت أمه السُّدس وَإِخْوَته لأمه الَّذين لم يَقع اللّعان فيهم الثُّلُث وَورث التوأم الْبَاقِي مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَفهم مِنْهُ أَن غير التوأمين ليسَا شقيقين، فَإِذا وَقع اللّعان فِي أَرْبَعَة أَوْلَاد كل وَاحِد من حمل، فَإِنَّمَا يتوارثون إِذا مَاتَ أحدهم بالإخوة للْأُم فَقَط، وَمثل توأمي الْمُلَاعنَة توأما المستأمنة والمسبية بِخِلَاف توأمي الزَّانِيَة والمغتصبة، فَإِن توارثهما بالإخوة للْأُم فَقَط على الْمَشْهُور.
(خَاتِمَة)
وَمَا قَصَدتُ جَمْعَهُ هنَا انْتَهَى وَالحمدُ لله بِغيْرِ مُنْتَهَى (وَمَا قصدت جمعه) من تَقْرِير الْأَحْكَام الَّتِي يكثر دورانها بَين الْقُضَاة والحكام (هُنَا انْتهى) وكمل. وَلما كَانَ إلهامه لهَذَا التَّأْلِيف وَخلق الْقُدْرَة لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى أتمه من أجل النعم، ومهماتها حمد الله تَعَالَى على ذَلِك بقوله:(وَالْحَمْد لله بِغَيْر مُنْتَهى) إِذْ كل نعْمَة تستوجب حمداً عَلَيْهَا، وَلَا سِيمَا النِّعْمَة الَّتِي يَدُوم ثَوَابهَا لصَاحِبهَا بدوام الِانْتِفَاع بهَا كالتأليف لِأَنَّهُ من الْأَعْمَال الَّتِي لَا تَنْقَطِع بِالْمَوْتِ لحَدِيث:(إِذا مَاتَ الْمَرْء انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ أَو علم يبثه فِي صُدُور الرِّجَال) . وبالصَّلاةِ خَتْمُهُ كَمَا ابْتُدِي عَلى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحمّدِ
(وبالصلاة) خبر عَن قَوْله (خَتمه) وضميره للنظم الَّذِي قصد جمعه (كَمَا ابتدي) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه عَائِد على النّظم، وَمَا مَصْدَرِيَّة وَالْكَاف تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْجُمْلَة خبرية قصد بهَا الْإِنْشَاء أَي: وانشىء مختم هَذَا النّظم بِالصَّلَاةِ كابتدائه بهَا تبركاً بهَا فِي المحلين لما قيل من إِنَّهَا مَقْبُولَة قطعا، وَالْمولى سُبْحَانَهُ أكْرم من أَن يقبل للصلاتين ويدع مَا بَينهمَا (على الرَّسُول) يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ وَهُوَ إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه (الْمُصْطَفى) الْمُخْتَار من جَمِيع الْخلق (مُحَمَّد) بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة ابْن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس ابْن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ (وَآله) هم أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم، وَقيل: وَالْمطلب وَهُوَ أَخُو هَاشم، وَقيل هم بَنو قصي، وَقيل كل من اتبعهُ وآمن بِهِ فَهُوَ من آله (وَصَحبه) اسْم جمع لصَاحب بِمَعْنى الصَّحَابِيّ لَا جمع لصَاحب الَّذِي هُوَ مُطلق الصُّحْبَة لِأَن الصَّحَابِيّ أخص، إِذْ هُوَ كل من اجْتمع مُؤمنا بِالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَرَآهُ أَو لم يره وَمُطلق الصاحب أَعم (الأخيار) جمع خير بعد تخفيفه وَالْخَيْر الْمُخْتَار. قَالَ تَعَالَى: كُنْتُم خير أمة} (آل عمرَان: 110) ثمَّ وقّت هَذِه الصَّلَاة بِمَا يُفِيد الدَّوَام والاستمرار فَقَالَ: (مَا) ظرفية مصدريه (كور) أَي أَدخل (اللَّيْل على النَّهَار) فيزيد وَأدْخل النَّهَار على اللَّيْل فيزيد أَيْضا أَي مُدَّة تكوير أَحدهمَا على الآخر، وَذَلِكَ مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رحمه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عليه وسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى
أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف.
قيل لأبي الدَّرْدَاء: فلَان أعتق مائَة رَقَبَة. فَقَالَ: إِيمَان ملزوم وَلِسَانك رطب بِذكر الله أفضل من ذَلِك، وَالْقلب الخاشع هُوَ الَّذِي مَاتَت شهواته فذلت النَّفس لله وبرئت من الْكبر وَالْعجب وسيئ الْأَخْلَاق وخشع الْقلب بِمَا طالع من جلال الله الْملك الْحق وعظمته، وَالْعلم النافع هُوَ الَّذِي تمكن فِي الصَّدْر وتصور وانشرح بِهِ الْقلب وتنور، وَذَلِكَ أَن النُّور إِذا أشرق فِي الْقلب فصغرت الأمورحسنها وسيئها كل مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَوَقع لذَلِك ظلّ الصَّدْر هُوَ صُورَة الْأُمُور فَيَأْتِي حسنها ويجتنب سيئها، فَذَلِك الْعلم النافع من نور الْقلب خرجت تِلْكَ المعالم إِلَى الصُّدُور وَهِي عَلَامَات الْهدى وَمَا تعلمه قبل ذَلِك هُوَ علم اللِّسَان إِنَّمَا هُوَ شَيْء قد استودع الْحِفْظ والشهوة غالبة عَلَيْهِ، وَإِذا غلبت عَلَيْهِ أذهبت بضلمتها ضوءه فَلَا يكون بِهِ منتفع، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَنَفس لَا تشبع، نَعُوذ بك من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع ونسألك علما نَافِعًا وَعَملا صَالحا متقبلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا حَلَالا وعمراً طَويلا مُبَارَكًا، ونسألك الْعَافِيَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أبسط علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وانشر علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة واتمم علينا نِعْمَتك يَا أكْرم الأكرمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عَيْشًا قاراً وَعَملا باراً وَرِزْقًا دَارا وعافية كَامِلَة ونعمة شَامِلَة فَإِنَّهُ لَا غنى لنا عَن خيرك وبركتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي الحبيب العالي الْقدر الْعَظِيم الجاه عدد ذرات الكونين وأنفاس الثقلَيْن، وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ آمين. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَفو والعافية وَالْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لنا ولوالدينا وَأَوْلَادنَا وإخواننا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، وخصوصاً المحبين والمعتقدين وَأَن تَنْفَع بِهَذَا التَّأْلِيف من كتبه أَو قَرَأَهُ أَو حصله أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ بِفَضْلِك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ. يَا رب الْعَالمين أَنْت ولينا ومولانا وَنعم الْمولى وَنعم النصير، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك، عَلَيْك توكلت وَإِلَيْك أنيب وَلَا ملْجأ لي مِنْك إِلَّا إِلَيْك، فَاغْفِر بِفَضْلِك مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا علمت يداي وَمَا سطرته الحفظه عَليّ يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ يَا حسن التجاوز يَا خير المسؤولين. وَيَا أكْرم المعطين، اللَّهُمَّ شفع فِينَا سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رحمه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عليه وسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف.